خصائص ومبادئ القانون الإداري

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫اﻟﺧﺻﺎﺋص واﻟﻣﺑﺎدئ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‬

‫اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻗﺎﻧون أﺻﯾل وﻣﺳﺗﻘل ﺑذاﺗﮫ ) ‪le droit administratif est un droit‬‬
‫‪ ،(original et autonome‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﻘواﻋد اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟﻣﺷ ّﻛﻠﺔ ﻟﮫ ﻣﺗﻣﯾزة ﻋن ﺗﻠك اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون‬
‫اﻟﻣدﻧﻲ‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ أن ھذه اﻷﺻﺎﻟﺔ واﻟذاﺗﯾﺔ واﻟﺗﻣﯾز اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺗﺑرز ﻣدى اﻟﻔرق ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن‬
‫أﺣﻛﺎم اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ‪ ،‬ﻻ ﺗظﮭر إﻻّ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗطرق ﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري )اﻟﻣطﻠب اﻷول(‪ ،‬ﺛم ﻣن‬
‫ﺧﻼل دراﺳﺔ اﻟﻣﺑﺎدئ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻘوم ﻋﻠﯾﮭﺎ ھذا اﻟﻔرع ﻣن ﻓروع اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم )اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻧﻲ(‪.‬‬
‫اﻟﻣطﻠب اﻷول‪ :‬ﺧﺻﺎﺋص اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﯾﺗﻣﺗﻊ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﺑﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﺧﺻﺎﺋص ﺗﺟﻌﻠﮫ ﻣﺗﻣﯾزا ﻋن ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘواﻧﯾن‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ‪ ،‬ﻓﮭو‬
‫ﻋﺑﺎرة ﻋن ﻗﺎﻧون ﺣدﯾث اﻟﻧﺷﺄة ﻧﺳﺑﯾﺎ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ )اﻟﻔرع اﻷول(‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﻗﺎﻧون ﻏﯾر ﻣﻘﻧن‬
‫)اﻟﻔرع اﻟﺛﺎﻧﻲ(‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﮫ ﻗﺎﻧون ذو ﻧﺷﺄة ﻗﺿﺎﺋﯾﺔ أﺳﺎﺳﺎ )اﻟﻔرع اﻟﺛﺎﻟث(‪.‬‬
‫اﻟﻔرع اﻷول‪ :‬اﻟﺣداﺛﺔ اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ ﻟﻧﺷﺄة اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة ﺑداﯾﺔ إﻟﻰ أن ﺟذور اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ ﺿﺎرﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻘدم‪ ،‬ذﻟك أن أﻏﻠب ﻣﻔﺎھﯾﻣﮫ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ‬
‫ﻣﺳﺗﻣدة ﻣن اﻟﻘﺎﻧون اﻟروﻣﺎﻧﻲ‪ ،‬وﻋﻠﻰ ھذا ﻓﺈن ﺗطور اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ واﺳﺗﻘراره ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻛل اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﮫ‬
‫ﺣﺎﻟﯾﺎ‪ ،‬ﻛﺎن وﻟﯾدا ﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ ﻗدﯾﻣﺔ ﺟدا وھو اﻷﻣر اﻟذي ﯾﻔﺳر اﻟﻣﻧطﻖ اﻟﺻﺎرم اﻟذي ﯾﺗﻣﯾز ﺑﮫ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ‪،‬‬
‫اﻟﻧﺎﺗﺞ ﻣن وﺿوح ﻣﻔﺎھﯾﻣﮫ وﻣﺑﺎدﺋﮫ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ‪ ،‬وﻛذا ﻣن ﺗﻌرﯾﻔﺎﺗﮫ اﻟدﻗﯾﻘﺔ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻓﻘد ظﮭرت ﻣﻼﻣﺣﮫ‪ ،‬وﺑدأ اﻛﺗﻣﺎل ﺷﻛﻠﮫ ﺑطرﯾﻘﺔ ﺑطﯾﺋﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ﻣﯾﻼدي‪،‬‬
‫)‪ (XIXème siècle‬ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ ﺑداﯾﺔ اﻟرﺑﻊ اﻷﺧﯾر ﻣﻧﮫ‪ ،‬ﻟذﻟك ﻓﺈن ﻛﺛﯾرا ﻣن ﻣﺑﺎدﺋﮫ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﺑﻘﯾت ﻏﯾر‬
‫ﻣؤﻛدة )‪ .(incertaine‬وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ذﻟك ﻓﺈن ﻧﺷﺄة اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻗد اﻗﺗرﻧت ﺑﺗطور ﺳرﯾﻊ ﻟﻠﺣﺿﺎرة‬
‫اﻟﺷﻲء اﻟذي ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﮫ إﻋﺎدة اﻟﻧظر ﻓﻲ ﺑﻌض ﻣﺑﺎدﺋﮫ ﺑدﻻ ﻣن اﺳﺗﻛﻣﺎﻟﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻣن ھﻧﺎ ﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻓﻲ ﻣﻔﮭوﻣﮫ اﻟﻔﻧﻲ اﻟﺿﯾﻖ‪ ،‬ھو ﻗﺎﻧون ﺣدﯾث اﻟﻧﺷﺄة ﻧﺳﺑﯾﺎ ﻛﻧظرﯾﺔ‬
‫ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻟﮭﺎ أﺻوﻟﮭﺎ‪ ،‬وأﺳﺳﮭﺎ‪ ،‬وﻧطﺎﻗﮭﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻟم ﯾﻧﺷﺄ ﻛﻘﺎﻧون ﻣﺳﺗﻘل ذو أﺳس وﻣﺑﺎدئ‪ ،‬إﻻ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻧﺗﺻف اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر )‪ (XIXème‬واﻛﺗﻣل ﻧﺳﻖ ﺑﻧﺎﺋﮫ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن )‪ .(XXème‬ﻓﺎﻟﻘﺎﻧون‬
‫اﻹداري ﻟم ﯾﻧﺷﺄ ﻛﻧظرﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻣﻔﮭوﻣﮫ اﻟﻔﻧﻲ اﻟﺿﯾﻖ‪ ،‬إﻻ ﺑﻧﺷﺄة اﻟﻘﺿﺎء اﻹداري‪.‬‬
‫اﻟﻔرع اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﻋدم وﺟود ﺗﻘﻧﯾن ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ واﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻧظرة ﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻟﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﻘواﻧﯾن‪ ،‬ﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺑﺄن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻘﻧﯾن ﻓﻲ أﻏﻠب اﻟﻣواد‬
‫اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻔرض ﻋﻠﻰ واﺿﻌﯾﮭﺎ أن ﺗﻛون ﻟﮭم ﻧظرة ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻋن ذﻟك اﻟﻘﺎﻧون‪ ،‬وذﻟك ﻗﺻد ﺗﻧظﯾﻣﮫ ﻓﻲ ﻣواد‬
‫دﻗﯾﻘﺔ وﻣﻧﺳﺟﻣﺔ‪ .‬وﻟﻛن ﺑﺎﻟرﺟوع إﻟﻰ اﻟﻣﺎدة اﻹدارﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻼﺣظ ﺑﺄن اﻟﻣﺷرع اﻟﻔرﻧﺳﻲ‪ ،‬ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻛﺎن ﯾﻘﺗﺻر‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻧظﯾم اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﺳﺗﻌﺟﻠﺔ‪ .‬ﻟذﻟك ظﮭرت ﻗواﻧﯾن ﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ وﺟزﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻣرﺗﺑطﺔ ﻋﺎدة ﺑظروف وﺿرورات‬
‫ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬أﻧﺷﺄت ھﯾﺋﺎت إدارﯾﺔ‪ ،‬وﺑﯾﻧت ﺑﻌض إﺟراءاﺗﮭﺎ‪ .‬إن ﺗﻠك اﻟﻘواﻧﯾن ﻧﺎدرا ﻣﺎ ﻗﺎﻣت ﺑوﺿﻊ ﻣﺑﺎدئ ﻋﺎﻣﺔ‪،‬‬
‫أو ﻗدﻣت ﺗﻌﺎرﯾف دﻗﯾﻘﺔ‪.‬‬
‫ﻟﮭذا وﺑﺎﻟرﻏم ﻣن دور اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻧظﯾﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗدﺧل ﻋﺎدة ﻟﺗوﺿﯾﺢ اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ اﻟﻐﺎﻣﺿﺔ‪،‬‬
‫ظﮭرت اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻣﺷﺎﻛل اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ أﻏﻠﺑﮭﺎ واﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺟد ﺣﻼ ﻓﻲ اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ‪ٕ .‬وان ﻛﺎن ھﻧﺎك‬
‫ﻣﺟﮭود ﻣﺑذول ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ اﺑﺗداء ﻣن ﺳﻧﺔ ‪ 1948‬ﻣن أﺟل ﺗﻘﻧﯾن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬إﻻ أﻧﮫ اﻗﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺗﻧظﯾم‬
‫اﻟﻣواد واﻟﻧﺻوص ﺳﺎرﯾﺔ اﻟﻣﻔﻌول‪ ،‬دون ﺗﻌدﯾﻠﮭﺎ‪ .‬وھذا اﻟﻌﻣل ﻟم ﯾؤد إﻟﻰ إﻧﺷﺎء ﺗﻘﻧﯾن إداري‬
‫ھذا وﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن ﻋدم ﺗﻘﻧﯾن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻻ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﺣداﺛﺔ اﻟﻣﺎدة وﺣدھﺎ ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل إﻟﻰ‬
‫طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت اﻹدارﯾﺔ ﺑﺣد ذاﺗﮭﺎ‪ ،‬إذ ﻟو ﺗﻣت اﻟﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾن ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ وﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون‬
‫اﻹداري‪ ،‬ﻟﺗﺑﯾّن ﺑﺄن ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ ﺗﺗﻣﯾز ﺑﺎﻟﺛﺑﺎت‪ ،‬وھذا ﺧﻼف ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري اﻟﺗﻲ ﻻ‬
‫ﺗﺗﺻف ﺑﺎﻟﺛﺑﺎت ﺑل ھﻲ ﺳرﯾﻌﺔ اﻟﺗطور‪ .‬وﻟﻛن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﯾﺗﻣﯾز ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﻋدم ﺗﻘﻧﯾﻧﮫ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺔ واﺣدة‪ ،‬إﻻ أن ھذا ﻻ ﯾﺣول دون وﺟود ﺑﻌض اﻟﺗﻘﻧﯾﻧﺎت اﻟ ُﺟزﺋﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺑﻌض ﻣواد اﻟﻘﺎﻧون‬
‫اﻹداري‪ ،‬ﻛﻘﺎﻧون اﻟﺑﻠدﯾﺔ‪ ،‬وﻗﺎﻧون اﻟوﻻﯾﺔ‪ ،‬وﻗﺎﻧون اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت‪.‬‬
‫اﻟﻔرع اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ذو ﻧﺷﺄة ﻗﺿﺎﺋﯾﺔ أﺳﺎﺳﺎ‬
‫إن اﻟﻧﺷﺄة اﻷوﻟﻰ ﻟﻣﻌظم ﻧظرﯾﺎت اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬وﻣﺑﺎدﺋﮫ‪ ،‬وأﺳﺳﮫ‪ ،‬ﻛﺎﻧت ﻧﺷﺄة ﻗﺿﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬أي ﻟم ﺗﻛن ﻣن‬
‫ﺻﻧﻊ أو وﺿﻊ اﻟﻣﺷرع‪ ،‬وھﻧﺎ ﺗﻛﻣن أﺻﺎﻟﺔ‪ ،‬وذاﺗﯾﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬ﻓﻌﻧدﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﺗﻌرض اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري اﻟﻔرﻧﺳﻲ‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ﯾﻠﺟﺄ إﻟﻰ اﺳﺗﻧﺑﺎط اﻟﺣل ﻣن ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ‪ ،‬ﺑل ﻛﺎن ﯾﺟﺗﮭد‪،‬‬
‫أي ﯾﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺣﻠول ﻣن ﻋﻧده‪ .‬وﻣﺟﻣوع ھذه اﻻﺟﺗﮭﺎدات ﻛوﻧت ﻧظرﯾﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬وﻟﻛن ﺑﻌد ذﻟك‪ ،‬ﺗدﺧل‬
‫اﻟﻣﺷرع وﺗﺑﻧﻰ اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬أي ﺿﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻧﺻوص ﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ‪ .‬إﻻ أن ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﮫ اﻟﻣﺷرع ھﻧﺎ‪ ،‬ﻻ‬
‫ﯾﻧزع ﻋن ﺗﻠك اﻟﻘواﻋد ﺻﻔﺗﮭﺎ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ‪ ،‬ﻷن ﻧﺷﺄﺗﮭﺎ ﻛﺎﻧت ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻧﺷﺄة ﻗﺿﺎﺋﯾﺔ‪.‬‬
‫إن ھذه اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ھﻲ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ﺣﺗﻰ وﻟو أﻧﮭﺎ أﺻﺑﺣت ﺗﻌرف ﺗراﺟﻌﺎ ﻓﻲ اﻟوﻗت‬
‫اﻟﺣﺎﻟﻲ‪ ،‬وذﻟك ﺑﺎﻟﻧظر ﻟﻛﺛرة اﻟﻘواﻋد اﻟﻣﻛﺗوﺑﺔ‪ .‬ﻓﻧظرا ﻟﻼﻟﺗزام اﻟﻣﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪ ،‬واﻟﻣﺗﻣﺛل‬
‫ﻓﻲ اﻟﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﻌروﺿﺔ ﻋﻠﯾﮫ واﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﻌﺎﻟﺟﮭﺎ اﻟﻧﺻوص اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ وﺟد ﻧﻔﺳﮫ ﻣﺿطرا‬
‫إﻟﻰ إﻧﺷﺎء اﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺗﻲ ﯾطﺑﻘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧزاع اﻟﻣﻌروض ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬وﻟﻘد ﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻧﺗﺎﺋﺞ ﺟد ھﺎﻣﺔ ﺗﻣﺛﻠت ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ (1‬ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﺷﻛﻠﯾﺔ‪ :‬إن اﻟﻌدﯾد ﻣن ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺎﻟﻘرارات اﻟﻣﺑدﺋﯾﺔ ) ‪les Arrêts‬‬
‫‪ (de principes‬اﻟﺻﺎدرة ﻋن ﻣﺟﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻧﺳﻲ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻓﺈن ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻘرارات اﻟﻛﺑرى ) ‪Les‬‬
‫‪ (grands Arrêts‬ﺗﻠﻌب دوار ھﺎﻣﺎ ﻓﻲ دراﺳﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ﺷﺄﻧﮭﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﺷﺄن اﻟﻧﺻوص اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻌﯾن ﻋﻠﻰ دارس ھذا اﻟﻘﺎﻧون أن ﯾﻠّم ﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫‪ (2‬ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ‪ :‬ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻣن إﻧﺷﺎء اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪ ،‬ﻓﺈن ھذا اﻷﺧﯾر‬
‫ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﺷﺎﻛل ﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظره ﻓﻘط‪ .‬ﻓﻣﺛﻼ إذا ﻛﺎن اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ ﯾدرس ﻣﺷﻛﻠﺔ ﺑطﻼن اﻷﻋﻣﺎل‬
‫اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻋﺎﻟﺞ ھذه اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻟﻣدة طوﯾﻠﺔ ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت‬
‫اﻟﻣﻌروﺿﺔ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬أي ﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﺎﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﺢ ﻟﮫ ﺑﺈﻟﻐﺎء اﻷﻋﻣﺎل اﻹدارﯾﺔ اﻟﻣﻌروﺿﺔ ﻋﻠﯾﮫ؟ وﺑﺎﻟﻣﺛل ﻓﺈن‬
‫ﻛﺛﯾرا ﻣن اﻟﻧظرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ﻟم ﯾﻛن ھدﻓﮭﺎ ﺳوى ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪.‬‬
‫ﻓﻣﺛﻼ ﺑﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺗﺣدﯾد ﻣﺎ ھﻲ اﻟﺣﺎﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري ﻣﺧﺗﺻﺎ ﺑﺎﻟﻧظر ﻓﻲ ﻧزاع ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﻌﻘد‪،‬‬
‫ﺑدﻻ ﻣن اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺎدي‪ ،‬ﺗم وﺿﻊ ﺗﻌرﯾف ﻟﻠﻌﻘد اﻹداري‪ .‬إن ھذه اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ ﻣن وﺟﮭﺔ ﻧظر اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت‪ ،‬ھﻲ‬
‫ﺧﺎﺻﯾﺔ ﯾﺗﻣﯾز ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري اﻟﻔرﻧﺳﻲ‪.‬‬
‫وأﺧﯾرا إن اﻟروح اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻘواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﺗظﮭر ﻣﺎ ﻣدى أﺻﺎﻟﺔ ﺗﻠك اﻟﻘواﻋد‪ .‬ﻓﺎﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟذي وﺿﻌﮭﺎ‬
‫ﻣن أﺟل اﻟﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﻧزاع اﻟﻣﻌروض ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﻛﺎن ﯾﻔ ّﻛر وھو ﯾﻧﺷﺋﮭﺎ ﻓﻲ ﻋدم ﺗﺿﯾﯾﻖ ﻣﻌﻧﺎھﺎ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﯾﺗﻣﻛن‬
‫ﻣن اﺳﺗﻌﻣﺎﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟظروف اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﻛل ﻧزاع‪ .‬ﻟﮭذا ﻓﺈن ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﺗﺗﻣﯾز‬
‫ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﻣروﻧﺔ وﻋدم اﻟﺗﺄﻛد‪ .‬إن ھذه اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ ﺗﺗﺳﻊ وﺗﻛﺛر ﻧظرا ﻷن ﻣﺟﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﺟرى ﻋﺎدة‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﺳﺑﯾب ﻗراراﺗﮫ ﺑﺄﺳﻠوب ﻻ ﯾﻔﮭﻣﮫ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻟذﻟك وﻣن أﺟل ﻓﮭﻣﮭﺎ ﻻﺑد ﻣن اﻹﺣﺎطﺔ ﺑﻣﺻطﻠﺣﺎت اﻟﻘﺎﻧون‬
‫اﻹداري‪ ،‬وھذا ﻣﺎ ﯾؤدي إﻟﻰ ﺑﻧﺎء ﻓﻛري ﻗﺎﻧوﻧﻲ ﻣﺗﻣﯾز‪.‬‬
‫اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻣﺑﺎدئ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﻧﺗﺞ ﻋن اﻟﺧﺻﺎﺋص اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ‪ ،‬وﺟود ﺗﺧوف ﻣن إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ ﺗﺣول اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري إﻟﻰ ﻣﺟرد ﻗﺎﻧون‬
‫ذو ﻗواﻋد ﺗﻔﺻﯾﻠﯾﺔ ﻣرﻧﺔ‪ ،‬وﻟﻛن ﻗﻠﯾﻠﺔ اﻟﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻟذﻟك اﺗﺟﮭت اﻟﺟﮭود إﻟﻰ ﻣﺣﺎوﻟﺔ وﺿﻊ ﻣﺑﺎدئ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﺗﻣﻛن ﻣن ﺗﻧظﯾم ھذا اﻟﻘﺎﻧون‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﺗﻛون ﻟﮫ ﻓﻌﺎﻟﯾﺔ‪،‬‬
‫ﺷﺄﻧﮫ ﻓﻲ ذﻟك ﺷﺄن اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪ .‬ﻓذھﺑت اﻟﺟﮭود إﻟﻰ ﺿرورة إﻧﺷﺎء ﻣﺣﺎﻛم إدارﯾﺔ ﺑﺟﺎﻧب اﻟﻣﺣﺎﻛم‬
‫اﻟﻌﺎدﯾﺔ‪ .‬إﻻ أن اﺧﺗﺻﺎﺻﺎت اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻹدارﯾﺔ ھذه ﻟم ﺗﺣدد‪ ،‬اﻟﺷﻲء اﻟذي ﯾؤدي ﺣﺗﻣﺎ إﻟﻰ ﺗداﺧل‬
‫اﻻﺧﺗﺻﺎص ﺑﯾن اﻟﻘﺿﺎء اﻟﻌﺎدي واﻟﻘﺿﺎء اﻹداري‪.‬‬
‫اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ھﻧﺎ‪ ،‬ﺗﺑﺎﯾﻧت رؤى اﻟﻔﻘﮭﺎء واﺧﺗﻠﻔت ﺟﮭودھم ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ وﺿﻊ ٕوإﯾﺟﺎد ﻣﻌﯾﺎر ﻣﺣدد ﯾﻣﻛن‬
‫ﺑواﺳطﺗﮫ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﺗدﺧل ﻓﻲ اﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺎدي‪ ،‬واﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ ﺗدﺧل ﻓﻲ اﺧﺗﺻﺎص‬
‫اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري )اﻟﻔرع اﻟﺛﺎﻧﻲ(‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﻧﮫ وﻗﺑل اﻟﺗطرق ﻟﻣﺧﺗﻠف اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر وﺟب ﺗوﺿﯾﺢ اﻟﻐﺎﯾﺔ أو اﻟﮭدف‬
‫ﻣن ﺗﺣدﯾد أﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري )اﻟﻔرع أول(‪.‬‬
‫اﻟﻔرع اﻷول‪ :‬اﻟﻐرض ﻣن ﺗﺣدﯾد أﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫إن اﻟﻐرض اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻣن وراء إﯾﺟﺎد ﻣﻌﯾﺎر ﻣﺣدد ﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻧطﺎق ﺗطﺑﯾﻖ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري وﺣدوده ﯾﺗﻣﺛل ﻓﻲ‬
‫ﻣﺳﺄﻟﺗﯾن ھﺎﻣﺗﯾن ھﻣﺎ‪ :‬ﺗﺣدﯾد اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ )أوﻻ(‪ ،‬وﻣن ﺛم ﺗﺣدﯾد اﻟﻘﺎﻧون اﻟواﺟب اﻟﺗطﺑﯾﻖ‬
‫)ﺛﺎﻧﯾﺎ(‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﺗﺣدﯾد اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ ﺻﺎﺣﺑﺔ اﻻﺧﺗﺻﺎص‬
‫إن اﻟﮭدف اﻷول ﻣن ﻣﺣﺎوﻟﺔ وﺿﻊ أﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري ھو ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ ﻟﻠﻔﺻل ﻓﻲ‬
‫اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻛون اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ طرﻓﺎ ﻓﯾﮭﺎ‪ ،‬أو ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﯾﺟب اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺳﺎؤل اﻟﺗﺎﻟﻲ‪ :‬ﻣﺗﻰ‬
‫ﺗﻧﻌﻘد وﻻﯾﺔ اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ اﻹداري؟ وﻣﺗﻰ ﺗﻧﻌﻘد ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺎدي؟‬
‫إن ھذا اﻟﺗﺳﺎؤل ﻓرض ﻧﻔﺳﮫ ﺑﺣدة‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻓرﻧﺳﺎ اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت اﻟﺳﺑﺎﻗﺔ ﻟﺗﺑﻧﻲ وﺗﺟﺳﯾد ﻓﻛرة وﺿﻊ ﻗﺿﺎء‬
‫ﻣزدوج‪ ،‬وﻣن ﺛم اﻧﺗﻘل إﻟﻰ اﻟدول اﻷﺧرى اﻟﺗﻲ ﺳﺎﯾرﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻧﮭﺟﮭﺎ اﻟذي اﺗﺑﻌﺗﮫ‪ ،‬وﻣن ﺑﯾﻧﮭﺎ اﻟﺟزاﺋر‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ‪ :‬ﺗﺣدﯾد اﻟﻘﺎﻧون اﻟواﺟب اﻟﺗطﺑﯾﻖ‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺣدﯾد اﻟﺟﮭﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﺧﺗﺻﺔ ﻟﻠﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻛون اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ طرﻓﺎ ﻓﯾﮭﺎ‪،‬‬
‫ﺗظﮭر أھﻣﯾﺔ إﯾﺟﺎد أﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻘﺎﻧون اﻟواﺟب اﻟﺗطﺑﯾﻖ‪ ،‬أو ﺑﻣﻌﻧﻰ آﺧر ﻣﺗﻰ ﻧطﺑﻖ‬
‫ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري؟ وﻣﺗﻰ ﻧطﺑﻖ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص؟‬
‫إن ھذا اﻟﺗﺳﺎؤل ﯾﻔرض ﻧﻔﺳﮫ ھو اﻵﺧر‪ ،‬ذﻟك أن اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ وﻛﻣﺎ ﺳﺑﻘت اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﮫ ﻗد ﺗظﮭر ﻓﻲ‬
‫ﺑﻌض اﻟﺣﺎﻻت ﺑﻣظﮭر اﻷﻓراد اﻟﻌﺎدﯾﯾن ﺣﯾن ﺗﺟردھﺎ ﻣن اﻣﺗﯾﺎزات اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻔرع اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬أھم اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر اﻟﻣﺣددة ﻷﺳﺎس اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﺗﺟدر اﻹﺷﺎرة‪ ،‬ﺑﺄن ﺑروز اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺻﺎﺣﺑﮫ ﺟدل ﻛﺑﯾر ﺣول ﺗﺣدﯾد اﻷﺳﺎس‬
‫اﻟذي ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺑﻧﻰ ﻋﻠﯾﮫ‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ أن ھذا اﻟﻔرع اﻟﺟدﯾد ﻣن ﻓروع اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم‪ ،‬ﯾﺗﺿﻣن ﻗواﻋد ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ‬
‫ﻣﺗﻣﯾزة ﻋن ﺗﻠك اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬ظﮭر ﻣﻌﯾﺎر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ )أوﻻ(‪ ،‬ﺛم ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم )ﺛﺎﻧﯾﺎ(‪ ،‬إﻻ أن ﻛﻼ اﻟﻣﻌﯾﺎرﯾن ﻟم‬
‫ﯾﺳﻠﻣﺎ ﻣن اﻻﻧﺗﻘﺎدات اﻟﻔﻘﮭﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺷﻲء اﻟذي ﺗرﺗب ﻋﻠﯾﮫ ﺿرورة اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﻌﺎﯾﯾر ﺑدﯾﻠﺔ )ﺛﺎﻟﺛﺎ(‪.‬‬
‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ظﮭر ھذا اﻟﻣﻌﯾﺎر ﻓﻲ أواﺳط اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر ‪ ،XIXème‬ﺣﯾث ﺣظﻲ ﺑﺎھﺗﻣﺎم ﻓﻘﮭﺎء اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﻟذﻟك اﻟﻌﺻر‪ ،‬اﻟذﯾن ﺣﺎوﻟوا اﻟﺗﺄﺳﯾس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻓﻛرة اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻌﺗﻣد ھذا اﻟﻣﻌﯾﺎر ﻓﻲ ﻣﺟﺎل ﺗﺣدﯾد ﻧطﺎق اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻋﻠﻰ ﺿرورة اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺔ اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﺻدر ﻋﻧﮭﺎ اﻟﻌﻣل‪ .‬وﺗطﺑﯾﻘﺎ ﻟذﻟك ﻓﺈن ﻧﺷﺎطﺎت اﻟدوﻟﺔ – ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ‪ -‬واﻟﺳﻠطﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ھﻲ اﻟﺗﻲ ﯾطﺑﻖ‬
‫ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬أﻣﺎ ﻧﺷﺎطﺎت اﻟﺧواص‪ ،‬ﻓﯾطﺑﻖ ﻋﻠﯾﮭﺎ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪ .‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ إذا ﻛﺎﻧت اﻟدوﻟﺔ أو‬
‫اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ طرﻓﺎ ﻓﻲ اﻟﻧزاع ﻓﺈن اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري ھو اﻟذي ﯾﻛون ﻣﺧﺗﺻﺎ ﺑﺎﻟﻔﺻل ﻓﯾﮫ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾطﺑﻖ‬
‫ﻋﻠﯾﮫ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬أﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻧزاع ﺑﯾن أﺷﺧﺎص اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺎدي ھو‬
‫اﻟذي ﯾﻛون ﻣﺧﺗﺻﺎ ﺑﺎﻟﻔﺻل ﻓﯾﮫ‪.‬‬
‫ورﻏم ﺑﺳﺎطﺔ ھذا اﻟﻣﻌﯾﺎر ووﺿوﺣﮫ إﻻ أﻧﮫ ﯾﺷوﺑﮫ اﻟﻐﻣوض‪ ،‬وﻋدم اﻟدﻗﺔ‪ ،‬ذﻟك أن ھﻧﺎك اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻷﻋﻣﺎل‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﺑﮭﺎ واﻟدوﻟﺔ ﻟﯾس ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﺳﻠطﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺑل ﺑوﺻﻔﮭﺎ ﻓردا ﻋﺎدﯾﺎ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾؤدي إﻟﻰ ﻋدم إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ‬
‫ﺗطﺑﯾﻖ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻋﻠﯾﮭﺎ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋدم اﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري ﺑﮭﺎ‪.‬‬
‫وﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﮭذا اﻻﻧﺗﻘﺎد ﻗﺎم أﺻﺣﺎب اﻟﻣﻌﯾﺎر ﺑﺗﻌدﯾﻠﮫ‪ ،‬إذ اﻋﺗﺑروا أن اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻻ ﯾطﺑﻖ إﻻ ﻋﻠﻰ أﻋﻣﺎل‬
‫اﻹدارة اﻟﺗﻲ ﺗظﮭر ﻓﯾﮭﺎ ﻛﺳﻠطﺔ ﻋﺎﻣﺔ )أﻋﻣﺎل اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ‪،(Les actes de puissance publique‬‬
‫أﻣﺎ أﻋﻣﺎل اﻹدارة اﻟﻌﺎدﯾﺔ )أﻋﻣﺎل اﻟﺗﺳﯾﯾر‪ (Les actes de gestion‬ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﺧﺿﻊ ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪.‬‬
‫وﻟﻛن ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن ھذا اﻟﺗﻌدﯾل إﻻ أن ھذا اﻟﻣﻌﯾﺎر ﯾﺑﻘﻰ ﻧﺎﻗﺻﺎ‪ ،‬ذﻟك أن ﻛل ﻣن أﻋﻣﺎل اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫وأﻋﻣﺎل اﻟﺗﺳﯾﯾر واﻹدارة ﯾﺻدران ﻋن ھﯾﺋﺔ واﺣدة‪ ،‬وﻣن ﺛم ﻓﺈن ﻣﺳﺄﻟﺔ وﺿﻊ ﺣد ﻓﺎﺻل ﺑﯾﻧﮭﻣﺎ‪ ،‬ﻣﺳﺄﻟﺔ‬
‫ﺻﻌﺑﺔ ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾﺎ‪ :‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﻣﻊ ﺑداﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن ‪ ،XXème‬اھﺗم ﺟﺎﻧب ﻣن اﻟﻔﻘﮫ ﺑﻣﻌﯾﺎر آﺧر ﻣﻔﺎده أن أﺳﺎس اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ھو‬
‫ﻓﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم‪ .‬وﯾرﺟﻊ ھذا اﻻھﺗﻣﺎم ﻟﺻدور ﺑﻌض اﻟﻘرارات اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ ﻋن اﻟﻘﺿﺎء اﻹداري اﻟﻔرﻧﺳﻲ ‪-‬‬
‫ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻘرار اﻟﺻﺎدر ﻋن ﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﺗﻧﺎزع ﻓﻲ ﻗﺿﯾﺔ )‪ – (Blanco‬اﻟﺗﻲ ﺗؤﻛد ذﻟك‪.‬‬

‫ﻓﻣن ﺧﻼل ﻗرار "ﺑﻼﻧﻛو" ذھب ﺑﻌض اﻟﻔﻘﮫ أﻣﺛﺎل ‪ Jèze‬و ‪ Duguit‬إﻟﻰ اﻟﻘول ﺑﺄن اﻟﻔرق ﺑﯾن اﻟﻧﺷﺎط‬
‫اﻟﺧﺎص واﻟﻧﺷﺎط اﻟﻌﺎم‪ ،‬ﯾﻛﻣن ﻓﻲ أن ھذا اﻷﺧﯾر ﯾﻌﺗﻣد أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ إﺷﺑﺎع اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬وھو اﻟﺷﻲء‬
‫اﻟذي ﺗﻘوم ﺑﮫ اﻟﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬وﻋﻠﻰ ھذا اﻷﺳﺎس ﯾﻣﻛن ﺗﻌرﯾف اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﺑﺄﻧﮫ ﻗﺎﻧون اﻟﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺣﺳب ھذا اﻟﺗﺻور ﻓﺈن ﻓﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺑﯾن ﺣدود اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ اﺧﺗﺻﺎص‬
‫اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪ .‬ﻓﻛل اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻻ ﯾﻣﻛن ﻓﮭﻣﮭﺎ إﻻ إذا ﺗم رﺑطﮭﺎ ﺑﻔﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ‬
‫اﻟﻌﺎم‪.‬‬
‫وﻟﻛن اﺑﺗداء ﻣن ﺳﻧﺔ ‪ ،1950‬ﺑدأ ﺑﻌض اﻟﻔﻘﮭﺎء ﯾﺷﻛﻛون ﻓﻲ ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم‪ ،‬ذﻟك أن اﻟﻣﯾزة اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻣﯾز‬
‫ﺑﮭﺎ اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم ﻟﯾﺳت إﻻ ﻣﯾزة ظﺎھرة ﻻ ﺗﺗﺣﻘﻖ داﺋﻣﺎ ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ .‬وھﻧﺎ ظﮭرت أزﻣﺔ اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم ﻧﺗﯾﺟﺔ‬
‫ﻟﺑﻌض اﻟﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن اﻹدارة ﻻ ﺗﮭﺗم ﻓﻘط ﺑﺗﺳﯾﯾر اﻟﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬إذ أﻧﮭﺎ ﺗﻘوم إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ذﻟك ﺑﺗﻧظﯾم اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻔردي ﻓﻲ‬
‫إطﺎر اﻟﺑوﻟﯾس اﻹداري‪ ،‬واﻟذي ﯾﻌﺗﺑر ﺟزء ھﺎﻣﺎ ﻣن ﻧﺷﺎط اﻹدارة‪ .‬ھذا اﻟﻧﺷﺎط ﻻ ﯾﻌد ﺗﺳﯾﯾرا ﻟﻣرﻓﻖ ﻋﺎم‪،‬‬
‫ﻟذﻟك ﻓﺈن ﻣوﺿوع اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري أوﺳﻊ ﻣن ﻓﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم‪.‬‬
‫وﻋﻠﻰ ﺧﻼف ذﻟك‪ ،‬ﻓﺈن ﺗﺳﯾﯾر اﻟﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻻ ﯾﺗطﻠب داﺋﻣﺎ اﺳﺗﻌﻣﺎل وﺳﺎﺋل اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ذﻟك أن‬
‫اﻹدارة ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﮭﺎ أن ﺗﻠﺟﺄ إﻟﻰ وﺳﺎﺋل اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪ ،‬ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻌﻘود‪.‬‬
‫إن ھﺎﺗﯾن اﻟﻣﻼﺣظﺗﯾن ﺗؤدﯾﺎن ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎدﻟﺔ اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم اﻟﺗﻲ ﻣﻔﺎدھﺎ أن اﻟﻘﺎﻧون‬
‫اﻹداري داﺋﻣﺎ ﯾﺳﺎوي اﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪.‬‬
‫‪ -2‬اﺑﺗداء ﻣن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ )‪ ،(1918-1914‬وﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌد اﻟﺗﻐﯾﯾر اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪،‬‬
‫وﺑروز ﻓﻛرة اﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﺗدﺧﻠﺔ‪ ،‬ظﮭرت اﻧﻌﻛﺎﺳﺎت ﻋﻠﻰ ﻓﻛرة ﺗﺣدﯾد اﻟﻧﺷﺎطﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت‬
‫ﻓﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم اﻷﺳﺎس ﻓﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾﻧﮭﺎ‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن ھدف اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻌﺎم ‪ -‬واﻟذي ﯾﺧﺗﻠف ﻋن ھدف‬
‫اﻟﻧﺷﺎط اﻟﺧﺎص – ھو ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻓﺈن ﺗدﺧل اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻧﺷﺎطﺎت اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺣﻛرا ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺧواص ﻋن طرﯾﻖ اﻟﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺻﻧﺎﻋﯾﺔ واﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ‪ ،‬أدى إﻟﻰ اﺳﺗﺧدام أﺳﺎﻟﯾب ﻣﺧﺗﻠطﺔ )أﺳﺎﻟﯾب‬
‫اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ وأﺳﺎﻟﯾب اﻹدارة اﻟﺧﺎﺻﺔ( ﻓﻲ إدارة وﺗﺳﯾﯾر ﺗﻠك اﻟﻣراﻓﻖ‪ ،‬وھذا ﻣﺎ ﺟﻌل ﻓﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم‬
‫ﻋﺎﺟزة ﻋن ﻣﻧﻊ ﺗﺳرب ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص إﻟﻰ ﻧطﺎق اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬وﻣﺟﺎل اﺧﺗﺻﺎص‬
‫اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‬
‫ﻣن ﺧﻼل ﻣﺎ ﺳﺑﻖ ﯾﺗﺿﺢ ﺑﺄن اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم ﻻ ﯾﺳﺗدﻋﻲ داﺋﻣﺎ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ﻓﻘد ﯾﺳﺗﻌﻣل ﻓﻲ إدارﺗﮫ‬
‫وﺳﺎﺋل اﻟﺗﺳﯾﯾر اﻟﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬أي اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻣدﻧﻲ واﻟﺗﺟﺎري‪ ،‬وﻗد ﯾﺳﺗﻌﻣل ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ‬
‫ﯾﺳﺗﺣﯾل اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم ﻟوﺣده ﻟﺗﺑﯾﺎن ﻣﺟﺎل ﺗطﺑﯾﻖ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪.‬‬
‫ﺛﺎﻟﺛﺎ‪ :‬اﻟﺣﻠول اﻟﻣﻘﺗرﺣﺔ ﻟﻠﺑﺣث ﻋن أﺳﺎس اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫ﻧظرا ﻟﻘﺻور اﻟﻣﻌﯾﺎرﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن ﻓﻲ ﺑﻌض اﻟﺟواﻧب‪ ،‬ﺗﻣت ﻣﺣﺎوﻟﺔ وﺿﻊ ﻣﻌﺎﯾﯾر أﺧرى ﻛﺑداﺋل أو ﺣﻠول‪،‬‬
‫ﺗﺻﻠﺢ ﻟﻛﻲ ﺗﻛون أﺳﺎﺳﺎ ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬ﻋﻠﻰ أن أھم ھذه اﻟﻣﺣﺎوﻻت ﺗﻣﺛﻠت ﺑﺎﺧﺗﺻﺎر ﺷدﯾد ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ (I‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬

‫ﻋﻠﻰ أﻋﻘﺎب اﻧﮭﯾﺎر ﻓﻛرة اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم وظﮭور اﻷزﻣﺔ اﻟﻣﺷﺎر إﻟﯾﮭﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ‪ ،‬ﺣﺎول ﺟﺎﻧب آﺧر ﻣن اﻟﻔﻘﮫ‬
‫اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﯾﺎر آﺧر ﻣﻔﺎده أن أﺳﺎس اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ھو اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ أو اﻟﻣﻧﻔﻌﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬وﺑذﻟك‬
‫ﻓﺈن ﺳﺑب وﺟود ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري اﻻﺳﺗﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ‪ -‬ﺣﺳب ھذا اﻻﺗﺟﺎه ﻣن اﻟﻔﻘﮫ – ﯾدور ﺣول ﻓﻛرة‬
‫اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑرر وﺟود ﻣﺛل ﺗﻠك اﻟﻘواﻋد‪ ،‬وﺑذﻟك ﺗﻧطﺑﻖ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﮭدف‬
‫ﻧﺷﺎط اﻹدارة إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬أﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﻧﺷﺎط اﻹداري ﯾﺳﺗﮭدف اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻓﻼ‬
‫ﻣﺟﺎل ﻟﺗطﺑﯾﻖ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ﻛﻣﺎ ھو اﻟﺷﺄن ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ ذات اﻟطﺎﺑﻊ اﻟﺻﻧﺎﻋﻲ واﻟﺗﺟﺎري‪.‬‬
‫إﻻ أن ﻧﻔس اﻟﻔﻘﯾﮫ ھﺟر ھذا اﻟﻣﻌﯾﺎر ﻷن ﻓﻛرة اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﺑﮭﻣﺔ وﻏﺎﻣﺿﺔ‪ .‬ﺑل أﻛﺛر ﻣن ذﻟك ﻓﺈن ﻓﻛرة‬
‫اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ھﻲ اﻟﺗﻲ أدت ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ إﻟﻰ اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑوﺳﺎﺋل اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص ﻹدارة اﻟﻣراﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫ذات اﻟطﺎﺑﻊ اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻟﻛﻲ ﺗﺣﻘﻖ أﻛﺑر ﻗدر ﻣن اﻟﻣردودﯾﺔ واﻟﻔﻌﺎﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ (II‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺛوﺑﮫ اﻟﺟدﯾد‬

‫ﺣﺎول ﺑﻌض اﻟﻔﻘﮭﺎء اﻟﻌودة إﻟﻰ ﻓﻛرة اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬وﻗﺎﻟوا ﺑﺄﻧﮭﺎ ھﻲ أﺻل وﻣﺣور اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
‫وأﺳﺎﺳﮫ وﻣﻌﯾﺎره‪ ،‬إذ ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌل ﻣن اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرھﺎ ﺳﻠطﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣرﻛز أﺳﻣﻰ ﻣن اﻷﻓراد‪.‬‬
‫وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺗﺣﺗّم وﺟود ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري اﻻﺳﺗﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬وﻏﯾر اﻟﻣﺄﻟوﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ أن ﻓﻛرة اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد ﻣﺟﺎل ﺗطﺑﯾﻖ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬ﻓﻛل ﻋﻣل أو ﺗﺻرف ﯾﺗﺿﻣن‬
‫ﻣظﺎھر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﯾﻌد ﻋﻣﻼ إدارﯾﺎ ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻧطﺎق ﺗطﺑﯾﻖ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬إﻻ أن ھذه اﻟﻔﻛرة ﻻ ﯾﻣﻛن‬
‫اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﯾﮭﺎ‪ ،‬ﻷﻧﮭﺎ ﻋﺎﺟزة ﻟوﺣدھﺎ ﻋن أن ﺗﻛون اﻟﻔﻛرة اﻟوﺣﯾدة ﻟﺗﺑرﯾر وﺗﺄﺳﯾس اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪.‬‬
‫‪ (III‬اﻟﻣزج ﺑﯾن ﻣﻌﯾﺎري اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم واﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬

‫ﻟﻘد ﺣﺎول ﺑﻌض اﻟﻔﻘﮭﺎء ﻣن ﺑﯾﻧﮭم ‪ CHAPUS‬اﻟﺗوﻓﯾﻖ ﺑﯾن ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم وﻣﻌﯾﺎر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫طﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻗﺿﺎء ﻣﺟﻠس اﻟدوﻟﺔ اﻟﻔرﻧﺳﻲ وأﺣﻛﺎم اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﮫ أن ﯾﺳﻠم ﺑﺄن ﺛﻣﺔ‬ ‫واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﻟﻣ ّ‬
‫ﻣﻌﯾﺎرا واﺣدا – أﯾﺎ ﻛﺎﻧت ﺻﯾﺎﻏﺗﮫ – ﯾﺣﻛم ﻣوﺿوع اﻻﺧﺗﺻﺎص‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻣﺟﺎل ﺗطﺑﯾﻖ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺿﺎء اﻹداري اﻟﻔرﻧﺳﻲ ﯾﺗﺣدد وﻓﻘﺎ ﻟﻘواﻋد ﻣﺗﻧوﻋﺔ ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﺟﻣﻌﮭﺎ أﺻل واﺣد‪.‬‬
‫وﻣن اﻟﻣﻔﯾد أن ﯾﺣﯾط ﺑﮭﺎ ﻣن ﯾﺗﺻدى ﻟدراﺳﺔ اﻟﻘﺿﺎء اﻹداري‪.‬‬
‫‪ (IV‬اﻻﺧﺗﺻﺎص ﯾﺗﺑﻊ اﻟﻣوﺿوع )‪(La compétence suit le fond‬‬

‫إن اﻟﻣﺑدأ اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﻣﺗﻌﻠﻖ ﺑﺗﺣدﯾد اﻻﺧﺗﺻﺎص‪ ،‬ﻟم ﯾﺗﻐﯾر ﻣﻧذ ﺣﻛم ﺑﻼﻧﻛو‪ .‬وھﻧﺎ ﻻ ﺑد ﻣن اﻟرﺟوع إﻟﻰ‬
‫اﻟﺗﻣﯾﯾز اﻟذي ﺗم ذﻛره ﻓﯾﻣﺎ ﺳﺑﻖ‪ ،‬واﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻹدارة اﻟﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬وﺑﻧﺎء ﻋﻠﯾﮫ‬
‫ﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺑﺄن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻘواﻋد اﻟﺗﻲ ﺗطﺑﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺿوع‪ ،‬ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد اﻻﺧﺗﺻﺎص‪ .‬وﻣﻌﻧﻰ ذﻟك أن‬
‫اﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ ﯾﺗﺣدد ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻘواﻋد اﻟﺗﻲ ﺗطﺑﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺿوع‪.‬‬
‫ﻋﻠﻰ أن ﺗطﺑﯾﻖ ھذا اﻟﺗوﺟﯾﮫ اﻟﻌﺎم )اﻻﺧﺗﺻﺎص ﯾﺗﺑﻊ اﻟﻣوﺿوع( ﯾﺗطﻠب اﺳﺗﻌﻣﺎل طرﯾﻘﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪ ،‬ﺑﺣﺳب ﻣﺎ‬
‫إذا ﻛﺎن اﻟﻧزاع ﯾﺗﻌﻠﻖ إﻣﺎ ﺑﻌﻣل ﻗﺎﻧوﻧﻲ‪ ،‬أو ﺑﻌﻣل ﻣﺎدي‪ ،‬أو ﺑﺷﻲء ﻣﺳﺗﻌﻣل ﻣن طرف اﻹدارة‪ .‬وﻋﻠﻰ أﺳﺎس‬
‫ھذا اﻟﺗﻣﯾﯾز ﯾﻣﻛن ﺗﺣدﯾد اﻟﻘواﻋد اﻟﻣطﺑﻘﺔ ﺣﺎﻟﯾﺎ ﻓﯾﻣﺎ‪:‬‬
‫‪ (1‬اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﻋﻣﺎل اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻟﻺدارة‬

‫إن اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻟﻺدارة ھﻲ اﻷﻋﻣﺎل اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﺑﮭﺎ اﻹدارة‪ ،‬وﺗﻘﺻد ﻣن وارﺋﮭﺎ ﺗﻐﯾﯾر اﻟﻣراﻛز‬
‫اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ‪ .‬إن ھذه اﻷﻋﻣﺎل ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن‪:‬‬
‫أ( أﻋﻣﺎل ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ ﺻﺎدرة ﺑﺈرادة ﻣﻧﻔردة‪ :‬وﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﻘرارات اﻹدارﯾﺔ‪ .‬وﻣﺎ دام أن ھذه اﻷﻋﻣﺎل ﺗﺻدر‬
‫ﻋن اﻹدارة –ﻛﻘﺎﻋدة ﻋﺎﻣﺔ ‪ ،-‬ﻓﺈن اﻻﺧﺗﺻﺎص ﺑﺷﺄن اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﮭﺎ ﯾﺧﺗص ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‬
‫اﻟذي ﯾطﺑﻖ ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪.‬‬
‫ب( أﻋﻣﺎل ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ ﺻﺎدرة ﺑﺎﺗﻔﺎق اﻹرادات ‪ :‬وﺗﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟﻌﻘود اﻟﺗﻲ ﺗﺑرﻣﮭﺎ اﻹدارة‪ .‬ﻋﻠﻰ أن ھذه اﻟﻌﻘود‬
‫ﺗﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن‪:‬‬
‫‪ -‬ﻋﻘود ﺧﺎﺻﺔ‪ :‬إن اﻹدارة ﻓﻲ ھذه اﻟﻌﻘود ﻟم ﺗظﮭر ﻛﺳﻠطﺔ ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬ﺑل ﺗﺻرﻓت ﺑﻧﻔس اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ‬
‫ﯾﺗﺻرف ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺧواص ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﮭم اﻟﺧﺎﺻﺔ‪ .‬وﻣن ھﻧﺎ ﻓﺈن اﻻﺧﺗﺻﺎص ﺑﺷﺄن اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﮭذه‬
‫اﻟﻌﻘود ﺗؤول ﻻﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺎدي‪.‬‬
‫‪ -‬ﻋﻘود إدارﯾﺔ‪ :‬وھﻲ اﻟﻌﻘود اﻟﺗﻲ ﺗﻛون اﻹدارة طرﻓﺎ ﻓﯾﮭﺎ وﻣﺗﺻﻠﺔ ﺑﻣرﻓﻖ ﻋﺎم ذو طﺎﺑﻊ إداري أو ﺗﺳﺗﻌﻣل‬
‫اﻹدارة ﻓﯾﮭﺎ اﻣﺗﯾﺎزات اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪ .‬إن اﻻﺧﺗﺻﺎص ﺑﺷﺄن اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﮭذه اﻟﻌﻘود ﺗؤول‬
‫ﻻﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪.‬‬
‫‪ (2‬اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﻋﻣﺎل اﻟﻣﺎدﯾﺔ‬
‫ﯾﻘﺻد ﺑﺎﻟﻌﻣل اﻟﻣﺎدي ﻟﻺدارة‪ ،‬ذﻟك اﻟﻌﻣل اﻟذي ﻻ ﺗﻧوي اﻹدارة ﻣن ﺧﻼﻟﮫ إﺣداث أﺛر ﻗﺎﻧوﻧﻲ‪ .‬إن اﻟﻧزاﻋﺎت‬
‫اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻧﺷﺎط اﻟﻣﺎدي ﺗﺗﻌﻠﻖ ﻓﻘط ﺑﺎﻟﺗﻌوﯾض‪ .‬أﻣﺎ اﻻﺧﺗﺻﺎص ﻓﯾﺗﺣدد ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ ﻧوع اﻟﻣرﻓﻖ اﻟﻌﺎم‪ .‬ﻓﺈذا‬
‫اﺗﺻل اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻣﺎدي ﺑﻣرﻓﻖ ﻋﺎم ذو طﺎﺑﻊ إداري‪ ،‬ﻓﺈن اﻻﺧﺗﺻﺎص ﯾؤول ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ اﻹداري اﻟذي ﯾطﺑﻖ‬
‫ﻋﻠﯾﮫ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ .‬أﻣﺎ إذا اﺗﺻل اﻟﻧﺷﺎط اﻟﻣﺎدي ﺑﻣرﻓﻖ ﻋﺎم ذو طﺎﺑﻊ ﺻﻧﺎﻋﻲ أو ﺗﺟﺎري‪ ،‬ﻓﺈن‬
‫اﻻﺧﺗﺻﺎص ﯾؤول ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ اﻟﻌﺎدي اﻟذي ﯾطﺑﻖ ﻋﻠﯾﮫ ﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪.‬‬
‫‪ (3‬اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻔﻌل اﻷﺷﯾﺎء اﻟﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ ﻣن طرف اﻹدارة‬

‫إن ھذه اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت ﺗﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺗﻌوﯾض ﻓﻘط‪ .‬وھﻧﺎ ﻟﺗﺣدﯾد اﻻﺧﺗﺻﺎص اﻟﻘﺿﺎﺋﻲ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻧوع اﻟﻘواﻋد‬
‫اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟﻣطﺑﻘﺔ ﻻﺑد ﻣن اﻟﺑﺣث ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻟﻠﺷﻲء اﻟﻣﺳﺗﻌﻣل‪ .‬ﻓﺈن ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻣﻲ ﻟﻠﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‬
‫ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ﻓﺗطﺑﻖ ﻋﻠﯾﮫ أﺣﻛﺎم وﻗواﻋد اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‪ ،‬وﯾﻛون اﻻﺧﺗﺻﺎص ﺑﺷﺄﻧﮫ ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ اﻹداري‪ .‬أﻣﺎ إذا‬
‫ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻣﻲ ﻟﻠﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ‪ ،‬ﻓﺳﯾطﺑﻖ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﺧﺎص‪ ،‬ﻛﻣﺎ أن اﻟﻧزاع اﻟﻣﺗﻌﻠﻖ ﺑﮫ ﯾؤول ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ‬
‫اﻟﻌﺎدي‪.‬‬
‫اﻟﻣرﺟﻊ‪:‬‬
‫د‪ .‬ﺑﻠﻣﺎﺣﻲ زﯾن اﻟﻌﺎﺑدﯾن‪ ،‬اﻟﻣدﺧل ﻟﻠﻘﺎﻧون اﻹداري وﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻧظﯾم اﻹداري‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ أﺑﻲ ﺑﻛر ﺑﻠﻘﺎﯾد ﺗﻠﻣﺳﺎن‪،‬‬
‫اﻟﺟزاﺋر‪ ،‬اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ‪ ،2016-2015 :‬ص‪ 29‬إﻟﻰ ص‪.44‬‬
Nom du document : ‫ﺧﺻﺎﺋص وﻣﺑﺎدئ اﻟﻘﺎﻧون اﻹداري‬
Répertoire : C:\Users\NaSrO DZ\Documents
Modèle : C:\Users\NaSrO
DZ\AppData\Roaming\Microsoft\Templates\Normal.dotm
Titre :
Sujet :
Auteur : Windows User
Mots clés :
Commentaires :
Date de création : ‫ م‬07:37:00 2020/06/23
N° de révision : 8
Dernier enregistr. le : ‫ ص‬11:12:00 2020/06/24
Dernier enregistrement par : Windows User
Temps total d'édition : 58 Minutes
Dernière impression sur : ‫ ص‬11:31:00 2020/06/24
Tel qu'à la dernière impression
Nombre de pages : 8
Nombre de mots : 2,544 (approx.)
Nombre de caractères : 14,503 (approx.)

You might also like