‫مــــــجـــــــلــــــــة‬

‫التجديد الثقافية‬
‫تصدر عن المعهد العالمي للتجديد العربي‬ ‫مجلة فكرية ثقافية‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

‫جميع المقاالت تعرب عن آراء كتابها وليست‬

‫بالرضورة تعرب عن وجهة نظر المعهد‬ ‫المحتويات‬
‫‪04‬‬ ‫أنماط السلوك السيايس الخارجي الصيين حيال األقطار العربية حىت عام ‪ - 2050‬د مازن الرمضاني‬

‫‪10‬‬ ‫إشكالية الهوية العربية بني االخرتاق والممانعة الثقافية ‪ -‬د‪ .‬محمد فاريض‬

‫‪18‬‬ ‫ظاهرة أرتفاع مستوى سطح البحر تحدي جديد للسلم واالمن الدوليني ‪ -‬د‪ .‬عمر موفق النارصي‬

‫المرشف العام‬
‫‪22‬‬ ‫شخصيات وأعالم‪ :‬الموسوعي العربي مهدي المنجرة ‪ -‬أ‪.‬عزيز محمود العصا‬
‫أ‪ .‬سمرية رجب‬
‫‪27‬‬ ‫فلسطني في المصادر العربية ‪ -‬د‪.‬سوالف فيض هللا حسن‬
‫رئيس التحرير‬

‫‪39‬‬ ‫قراءة في كتاب‪ :‬الصورة وإنتاج المعىن‪ :‬بحث في سيميائيات األنساق البرصية ‪ -‬د‪ .‬فاتن بن الغه‬
‫د‪ .‬فارس الخطاب‬

‫‪45‬‬ ‫المهارات الخرضاء أم ُُر واجب التعميم ‪ -‬د‪ .‬نجالء الشامي‬ ‫سكرتري التحرير‬

‫‪49‬‬ ‫دور المواقع اإللكرتونية السياحية في تنشيط السياحة نماذج عربية ودولية ‪ -‬د‪ .‬مصباح صوفيان‬ ‫د‪ .‬شيماء خرض‬

‫هيئة التحرير‬

‫د‪ .‬فاتن بن الغه‬

‫د‪ .‬عيل عواض‬

‫د‪ .‬محمد المحاوييل‬

‫د‪ .‬تحسني االسطل‬

‫د‪ .‬منال كبور‬

‫د‪ .‬كاريمان باكنام‬

‫د‪ .‬آمنة الرشيف الفالح‬

‫د‪ .‬مروة رشاد‬

‫أ‪ .‬فيصل الشياب‬

‫لجنة التقييم اللغوي‬

‫د‪ .‬نادبة ايدري ‪ -‬رئيسا‬

‫د‪ .‬ريم الماجري‬

‫د‪ .‬عيل االصمعي‬

‫د‪ .‬طالل الورداني‬

‫د‪ .‬محمود حسينات‬

‫أ‪ .‬محمد ّ‬
‫دقة‬

‫منسق هيئة الشباب والتنمية‬

‫أ‪ .‬جواد العقاد‬

‫التصميم واالخراج‬
‫‪53‬‬ ‫المدينة القديمة في أنطاليا‬
‫أ‪ .‬محمد عبدالمجيد‬
‫رشوط النرش في مجلة التجديد الثقافية‬

‫‪ -6‬أن تتوافق المقاالت مع تطلعات الشباب‬ ‫‪ -1‬أن تتماىش المواد المراد نرشها مع‬
‫العربي الثقافية واالجتماعية والعلمية‬ ‫وميثاقه‬ ‫واهدافه‬ ‫المعهد‬ ‫منطلقات‬
‫وان تهدف اىل تنمية قدراتهم في مختلف‬ ‫الفكري‪.‬‬
‫المجاالت الفكرية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون عدد كلمات المواد المرسلة‬
‫‪ -7‬هيئة التحرير ليست ملزمة بنرش اي مقال‬ ‫بحدود ‪ 1500-500‬كلمة ( ‪) Simplified Arabic‬‬
‫ال ينسجم مع هذه الضوابط‪.‬‬ ‫بحجم ‪.14‬‬

‫‪ -8‬التأكيد عىل أن جميع ما ينرش من مقاالت‬ ‫‪ -3‬أن تشكل محتويات المواد المرسلة‬
‫في المجلة تعرب عن آراء كتابها‪.‬‬ ‫إضافة نوعية لتجديد الفكر العربي وتعميق‬
‫الوعي‪.‬‬
‫‪ -9‬تعتذر المجلة عن نرش مقاالت لذات‬
‫الكاتب وخالل عددين متتاليني لفسح المجال‬ ‫‪ -4‬أن تحرتم المقاالت جميع األديان‬
‫امام بقية الكتاب لنرش مواضيعهم‪.‬‬ ‫والطوائف والقوميات‪ ،‬وان ال تتضمن‬
‫اصطفافات أو مواقف حزبية و سياسية‬
‫ورسمية لصالح او ضد اي جهة من الجهات‬
‫او دولة من الدول‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يرسل الكاتب مع مساهمته صورته‬

‫لموضوع‬ ‫المرافقة‬ ‫والصور‬ ‫الشخصية‬
‫مقالته (ان توفرت لديه)‪.‬‬

‫يرجي ارسال مشاركاتكم عىل عنوان الربيد اإللكرتوني أو رقم رئاسة التحرير (الواتساب)‬

‫‪+447463322768‬‬ ‫‪magazine.of.c.r@gmail.com‬‬
 ‫‪4‬‬

‫أنماط السلوك السيايس الخارجي الصيين‬

‫حيال األقطار العربية حىت عام ‪2050‬‬
‫عام ‪ 2050‬عندما تصبح قوة دولية عظمى وعنده ايضا؟‬

‫ابتداء‪ ،‬قد يتساءل البعض لماذا تم اختيار هذا العام بالذات؟‬

‫ولإلجابة نقول‪ :‬إن هذا العام سيشهد مرور أكرث من قرن‬

‫عىل تأسيس جمهورية الصني الشعبية والذي كان قد‬

‫تم في عام ‪ ,1949‬وأن القيادة الصينية‪ ،‬الزتمت‪ ،‬بعد وفاة‬

‫مؤسس هذه الجمهورية‪ ،‬ماوتيس تونغ في عام ‪1976‬‬

‫وبعد البدء بعملية اإلصالح والتحديث الداخيل‪ ،‬بتحقيق‬

‫المستقبل المرغوب فيه والمتمثل في جعل الصني الدولة‬

‫القائدة للنظام الدويل متعدد األقطاب مدخال إلعادة احياء‬

‫اإلمرباطورية الصينية القديمة (‪1840-1360‬م)‪ .‬وقد تم تثبيت‬

‫د‪ .‬مازن الرمضاني‬
‫عام ‪ 2050‬تاريخا لذلك‪ .‬ولإلجابة عىل السؤال اعاله‪ ،‬نقول‬ ‫أستاذ العلوم السياسية‪ /‬السياسة الدولية ودراسات‬
‫المستقبالت ‪ /‬لندن‬
‫ابتداء أن الصني في تعاملها مع األقطار العربية ستستمر‪،‬‬ ‫ورئيس وحدة استرشاف المستقبالت في المعهد‬
‫العالمي للتجديد العربي‬
‫وعىل األرجح‪ ،‬متأثرة بالتوجه العام الذي تمزيت به سياستها‬

‫الخارجية بعد منتصف السبعينيات من القرن المايض‪ ،‬أي‬
‫التوجه الرباغماتي‪ .‬وبالمقابل سيستمر التعامل العربي مع‬
‫الصني متأثرا‪ ،‬وعىل األرجح أيضا‪ ،‬بمخرجات معطيات مشهد‬
‫مركب قوامه ديمومة الرتدي وبداية التغيري العربي‪ .‬والن‬
‫موضوعنا ينحرص في تناول احتماالت السلوك الصيين حيال‬
‫العرب في اقطارهم المتعددة‪ ،‬نفرتض أن الصني ستتعامل‬
‫مع الدول العربية خالل الزمان الممتد إىل عام ‪ ,2050‬تعامال‬
‫ينطلق من الفرص اليت تفيض اليها معطيات مشهد‬
‫ديمومة الرتدي‪ ،‬والقيود اليت تفرضها معطيات مشهد‬
‫بداية التغيري‪ .‬لذا نرى أن السياسة الخارجية الصينية حيال‬
‫في مقالنا لشهر شباط المايض بحثنا في مشاهد مستقبل‬
‫الصني في عام ‪ 2050‬وانتهينا إىل أن النمو المضطرد‬
‫في الفاعلية الداخلية للصني بانعكاساتها اإليجابية عىل‬
‫فاعليتها الخارجية قد يفيض إىل اقرتان هذا المستقبل‬
‫بأحد ثالثة مشاهد‪ ،‬هي‪ :‬اما قيادة النظام الدويل قيد‬
‫التشكل حاليا‪ ،‬أو المشاركة في تشكيل هذا النظام‪ ،‬او‬
‫قيادة عالم الجنوب‪ .‬وقد ذهبنا إىل ترجيح المشهد اآلول‬
‫استنادا إىل ثمة مؤرشات داخلية صينية متفاعلة مع أخرى‬
‫دولية‪ .‬وتطرح هذه االحتمالية المرجحة السؤال االتي‪،‬‬
‫كيف يحتمل ان تتعامل الصني مع األقطار العربية‪ ،‬حىت‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪5‬‬

‫الصينية في تطورها المستمر‪ ،‬كما ونوعا‪ ،‬وعىل شىت‬ ‫العرب ستكون حصيلة لتأثري معطيات هذا المشهد المركب‪،‬‬

‫الصعد‪ .‬ولنتذكر أن هذا التطور‪ ،‬كان قد افىض في عام‬ ‫وكاآلتي عىل األرجح‪ :‬أوال‪ ،‬ستعمد الصني إىل تطوير‬

‫‪ ,2019‬إىل أن تشكل الدول العربية‪ ،‬عىل الصعيد االقتصادي‬ ‫عالقاتها مع الدول العربية كافة‪ .‬بيد أن هذا الزنوع العام ال‬

‫مثال‪ ،‬سابع رشيك تجاري للصني وبحجم تبادل تجاري مرتفع‬ ‫يلغي أن الصني ستعمد إىل إيالء عالقتها مع بعض الدول‬

‫بلغ ‪ 146‬مليار دوالر وبزيادة نسبتها ‪ %9‬عىل اساس سنوي‪.‬‬ ‫العربية أهمية تعلو عىل سواها‪ .‬فمن ناحية ستكون الدول‬

‫وتجدر اإلشارة إىل ان الصني في تعاملها مع الدول العربية‬ ‫النفطية العربية في المقدمة تأمينا لمصالح اقتصادية‬

‫ستأخذ بأداة التفاوض الثنائي بديال عن ذلك الجماعي‪ .‬ومرد‬ ‫صينيه مهمة‪ ،‬وخصوصا النفطية منها‪ .‬هذا جراء استمرار‬

‫ذلك ادراكها‪ ،‬كسواها من القوى الكربى‪ ،‬أن هذا النمط من‬ ‫حاجة الصني العالية للنفط العربي تأمينا لمتطلبات ديمومة‬

‫التعامل هو الذي يجعل العرب في مركز تفاويض ضعيف‬ ‫نموها االقتصادي‪ ،‬وكذلك لجل االسواق العربية الواسعة‪،‬‬

‫تتيح مخرجاته لها القدرة عىل تحقيق ما تصبو إليه‪ ،‬وبأقل‬ ‫واما من الناحية الثانية‪ ،‬من المرجح أن تعمد الصني إىل‬

‫االثمان المقبولة‪ .‬ثانيا‪ ،‬وجراء التطور اإليجابي المستقبيل‪،‬‬ ‫تطوير عالقتها ايضا مع الدول العربية اآلخرئ ذات التأثري‬

‫الذي يحتمل أن تشهده العالقات العربية‪-‬الصينية‪ ،‬من‬ ‫السيايس في حصيلة التفاعالت العربية‪ -‬العربية دعما‬

‫المرجح أن تتبىن الصني سياسة الحياد الرسمي المعلن حيال‬ ‫لتكريس عموم وجودها في الوطن العربي‪ .‬وتدعم هذا‬

‫األزمات و‪ /‬والرصاعات العربية‪-‬العربية‪ ،‬هذا حفاضا عىل‬ ‫الزنوع مبادرة الحزام والطريق الصينية‪ ،‬اليت ُُتعد مرشوعا‬

‫عالقاتها الثنائية مع اطراف هذه األزمات و‪/‬او الرصاعات‬ ‫صينيا إسرتاتيجيا لتعميق االعتماد االقتصادي والعسكري‬

‫جميعها ثالثا‪ ،‬أما بالنسبة لالزمات والرصاعات‪ ،‬اليت تندلع‬ ‫والسيايس المتبادل بينها والدول‪ ،‬اليت تشملها هذه‬

‫بني دولة‪ ،‬أو مجموعة دول‪ ،‬عربية ودولة إقليمية ترتبط‬ ‫المبادرة‪ .‬لذا‪ ،‬من المحتمل أن تستمر العالقات العربية‪-‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪6‬‬

‫المضامني مع ارسائيل‪ ،‬من المرجح أن تشهد العالقات‬ ‫مع الصني بعالقات واسعة كإيران مثال‪ ،‬فمن المحتمل أن‬

‫الصينية‪ -‬اإلرسائيلية نموا مضطردا‪ .‬ومما يساعد عىل ذلك‬ ‫تتحدد السياسة الصينية حيال كال الطرفني عىل وفق نوعية‬

‫ليس فقط سياسة التعاون مع الجميع اليت تنتهجها الصني‬ ‫إدراكها لمدى أهمية كل من األطراف المعنية بالنسبة‬

‫منذ عام ‪ , 1977‬وإنما أيضا إدراك الصني أن هذا النمو ال‬ ‫لها‪ .‬فعندما تكون هذه األهمية عىل مستوى مماثل‬

‫يفيض إىل مخرجات يمكن أن تؤثر سلبا في عالقاتها مع‬ ‫أو متقارب‪ ،‬عندها من المرجح أن تذهب الصني إىل تبين‬

‫العرب‪ .‬فالصني استمرت ترى أن تطور عالقاتها مع ارسائيل‬ ‫سياسة الحياد الرسمي المعلن مع بذل الجهد‪ ،‬المنفرد و‪/‬‬

‫ال يتقاطع مع تطور عالقتها مع العرب‪ .‬رابعا‪ ،‬أما في حالة‬ ‫أو المشرتك‪ ،‬للحد من تصاعد هذه األزمات أو الرصاعات‬

‫اندالع أزمة بني دولة‪ ،‬أو مجموعة دول‪ ،‬عربية وبني قوة‬ ‫سبيال لتسويتها الحقا‪ ،‬انطالقا من أن هذه السياسة‬

‫دولية كربى‪ ،‬تتبادل الصني‬ ‫تفيض إىل دعم العالقات‬

‫واياها عالقة التعاون‪،‬‬ ‫المتبادلة مع أطراف هذه‬

‫فمن المحتمل أن تعمد‬ ‫اآلرمات والرصاعات‪ ،‬بعنرص‬

‫الصني إىل التدخل كطرف‬ ‫عندما‬ ‫ولكن‬ ‫مضاف‪.‬‬

‫لتسويتها‬ ‫محايد‬ ‫ثالث‬ ‫تويل الصني أهمية أعىل‬

‫مستفيدة من عالقاتها‬ ‫لصالح الطرف العربي في‬

‫كال‬ ‫مع‬ ‫الوطيدة‬ ‫رصاعاته‪ ،‬فإنها‪ ،‬وباحتمال‬

‫الطرفني‪ .‬فإذا لم تستطع‬ ‫عال‪ ،‬ستعمد إىل تبين‬

‫ذلك‪ ،‬فإنها قد تأخذ‬ ‫سياسة أكرث ميال ودعما له‬

‫بسياسة الحياد المعلن‬ ‫مع اإلبقاء عىل انفتاحها‬

‫تأمينا لمصالحها معهما‪.‬‬ ‫عىل الطرف اإلقليمي‬

‫بيد أن اآلمر سيختلف في‬ ‫مستمرا‪ .‬بيد أن الصني‪،‬‬

‫حالة اآلزمة بني دولة‪،‬‬ ‫وقدر تعلق اآلمر بالرصاع‬

‫أو مجموعة دول‪ ،‬عربية وبني قوة دولية كربى ترتبط مع‬ ‫الفلسطيين‪-‬اإلرسائييل‪ ،‬ستذهب إىل دعم الجهود الدولية‬

‫الصني بعالقة رصاع‪ .‬ففي هذه الحالة‪ ،‬من المحتمل إنها‬ ‫لتسويته سلميا‪ .‬ومما يساعد عىل ذلك‪ ،‬متغريان مهمان‪:‬‬

‫ستكون بجانب الطرف العربي‪ .‬ومما سيدفعها إىل ذلك‬ ‫أولهما‪ ،‬اتجاه العرب إىل تسوية هذا الرصاع عىل وفق‬

‫ليس نزوعها إىل رفد تطور عالقاتها مع الطرف العربي‬ ‫معادلة الدولتني‪ .‬وثانيهما نزوع الصني إىل توظيف مخرجات‬

‫بمدخل مهم مضاف فحسب‪ ،‬وإنما أيضا تطلعها إىل دعم‬ ‫عالقاتها المتطورة مع ارسائيل سبيال الحتواء التدهور‬

‫مصداقيتها الدولية‪ ،‬والسيما لدى دول عالم الجنوب‪،‬‬ ‫المحتمل في عالقتها مع الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬

‫باعتبارها القوة الدولية الكربى‪ ،‬اليت لم تتوان عن الوقوف‬ ‫الذي سيكون‪ ،‬في عام ‪ ,2050‬قد تصاعد ربما إىل مستوى‬

‫بجانب هذه الدول في نضالها من اجل التحرر‪ ،‬واالستقاللية‪،‬‬ ‫الحرب الباردة‪ .‬وللفوائد الناجمة عن عالقتها متعددة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪7‬‬

‫بيد أن العالقة التعاون و‪/‬أو الرصاع بني الصني والواليات‬ ‫والنهوض الحضاري‪ ،‬ومنذ عهد ماوتيس تونغ‪ .‬خامسا‪ ،‬من‬

‫المتحدة األمريكية عندما تزتامن مع عالقة متوترة بني‬ ‫المحتمل أن تنطوي طبيعة عالقات التعاون و‪/‬أو الرصاع‬

‫إحدى الدول العربية والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فإن‬ ‫بني الصني والواليات المتحدة األمريكية عىل تأثري مختلف‬

‫الصني‪ ،‬وتبعا لطبيعة عالقتها مع هذه الدولة العربية‪ ،‬قد‬ ‫نوعيا في طبيعة العالقات العربية‪ -‬الصينية‪ .‬فالعالقات‬

‫تعمد إىل اآلخذ بإحدى هاتني السياستني‪ :‬فأما الوقوف مع‬ ‫الصينية‪-‬األمريكية عندما تتسم بخاصية التعاون‪ ،‬فإنها‬

‫هذه الدولة العربية‪ .‬وهذا يشرتط أن تكون عالقة الصني‬ ‫ستتيح للصني فرصة مضافة لتطوير عالقاتها مع العرب‪،‬‬

‫مع هذه الدولة قد أضحت عىل درجة عالية من العمق‬ ‫سيما وإن التعاون الصيين ‪-‬األمريكي قد يلغي الضغط‬

‫والشمول والمردودات العالية‪ ،‬وبمخرجات تشجع الصني‬ ‫األمريكي عىل الدول العربية الصديقة للواليات المتحدة‬

‫عىل تبين سياسة قد تفيض إىل رفد التوتر في عالقتها‬ ‫للحد من عالقاتها مع الصني‪ .‬والعكس كذلك صحيح أيضا‪.‬‬

‫مع الواليات المتحدة بعنرص مضاف‪ .‬وال نفرتض أن الصني‬ ‫فالعالقات الصينية‪-‬األمريكية عندما تقرتن بخاصية الرصاع‪،‬‬

‫سوف تعمد إىل اآلخذ بمثل هذه السياسة‪ ،‬حىت لو كانت‬ ‫فإنها قد تدفع بالواليات المتحدة إىل استثمار عالقاتها‬

‫لها عالقات وطيدة ومتشعبة مع هذه الدولة العربية أو‬ ‫الوطيدة مع الدول العربية من أجل أن تتبىن ذات السياسة‬

‫تلك‪ .‬فالصني تويل عالقاتها مع الواليات المتحدة أولوية‬ ‫األمريكية حيال الصني‪ ،‬حىت وإن انطوى ذلك عىل ايقاع‬

‫خاصة‪ ،‬حىت لو أنها استطاعت في عام ‪ 2030‬تحقيق نزوعها‬ ‫رضر في المصالح العربية‪ .‬ونرى أن معطيات مشهد الرتدي‬

‫التحول اىل مرتبة القوة االقتصادية األوىل في العالم‪ .‬وأما‬ ‫العربي‪ ،‬ال يتيح للدول العربية الصديقة للواليات المتحدة‬

‫السياسة الثانية‪ ،‬فهي تكمن في إرضاء كل من الطرفني‬ ‫مقاومة الضغوط األمريكية عليها‪ ،‬وهو اآلمر الذي قد‬

‫العربي واألمريكي‪ ،‬وذلك مثال عرب امتناع الصني عن التصويت‬ ‫يفيض إىل توتر عالقة هذا الدول مع الصني‪.‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪8‬‬

‫سادسا‪ ،‬في عام ‪ 2030‬ربما تكون الصني قد استطاعت تجاوز‬ ‫عىل ثمة قرار تدعو الواليات المتحدة إىل اتخاذه من قبل‬

‫الواليات المتحدة األمريكية اقتصاديا‪ ،‬وهو اآلمر الذي‬ ‫مجلس اآلمن الدويل بالضد من الدولة العربية ذات العالقة‬

‫يجعلها أقرب اىل قمة الهرم الدويل‪ ،‬اليت تسعى إليها‪.‬‬ ‫المتوترة معها‪ .‬ولنتذكر بهذا الصدد ممارسات التصويت‬

‫إن التحول إىل قوة اقتصادية عظمى‪ ،‬قد يجعل الصني‬ ‫الصيين ازاء قرارات مجلس اآلمن الدويل حيال العراق قبل‬

‫تتعامل مع العالم انطالقا من سياسات الرتغيب والرتهيب‪،‬‬ ‫االحتالل عام ‪ .2003‬ونحن نرجح هذه السياسة‪ ،‬فهي‪ ,‬إضافة‬

‫وهو اآلمر الذي سينسحب بالرضورة أيضا عىل أنماط‬ ‫إىل أنها تتماهى مع كيفية إدارتها لسياستها الخارجية منذ‬

‫سلوكها حيال العرب‪ .‬ومما سيساعد عىل ذلك مدخالن‬ ‫عام ‪ 1977‬المتمثلة في تغليب التعاون عىل الرصاع‪ ,‬هي‬

‫أساسيان‪ :‬اآلول‪ ،‬أن عالقات تبادل المصالح العربية‪-‬الصينية‬ ‫تفيض إىل إرضاء هذه الدولة العربية جراء عدم وقوفها‬

‫ستكون في عام ‪ 2050‬قد تطورت عىل نحو أعمق واشمل‪،‬‬ ‫مع الطرف األمريكي ضدها‪ ،‬كذلك إرضاء الطرف األمريكي‬

‫ومن ثم صارت االعتمادية المتبادلة أوطد مما كانت قبل‬ ‫عرب تبين سلوك االمتناع عن التصويت داخل مجلس اآلمن‬
‫هذا العام‪ .‬إن هذه االعتمادية ستدفع الصني إىل تبين‬ ‫الدويل ضد القرار‪ ،‬الذي تدعو إليه الواليات المتحدة‪ .‬وتجدر‬

‫أفعال الرتغيب خدمة لمصالح منشودة أساسا‪ .‬بيد أن هذه‬ ‫اإلشارة إىل أن االمتناع عن التصويت في مجلس اآلمن‬

‫السياسة ال تحول دون اللجوء أيضا إىل أفعال الرتهيب‪ ،‬عند‬ ‫الدويل ال يحول دون اتخاذ القرار المرغوب فيه‪ ،‬هذا عىل‬

‫الرضورة‪ .‬ونرى أن مخرجات معطيات مشهد الرتدي العربي‬ ‫العكس من مخرجات استخدام حق الفيتو الذي تتمتع به‬

‫عندما تتغلب عىل تلك ذات العالقة بمشهد التغيري العربي‪،‬‬ ‫كافة الدول دائمة العضوية في هذا المجلس‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪9‬‬

‫من المرجح أن تكون مخرجات العالقات العربية‪ -‬الصينية‬ ‫فإن المعطيات االوىل ال تجعل الدول العربية قادرة عىل‬

‫في عام ‪ 2050‬لصالح الصني اكرث من الصالح العربي‪.‬‬ ‫مقاومة افعال الرتهيب الصينية‪.‬‬

‫أما المدخل الثاني‪ ،‬فهو أن الرصاع األمريكي‪-‬الصيين‬

‫سيكون قد تصاعد إىل مستوى الحرب الباردة الجديدة‪.‬‬

‫وتفيد تجربة الحرب الباردة األمريكية ‪-‬السوفيتية السابقة‬

‫أن الرصاع عىل المناطق الحيوية في العالم كان أحد‬

‫خصائصها‪ ،‬ومنها الوطن العربي‪ .‬وكما تحمل العرب‪ ،‬مثل‬

‫سواهم‪ ،‬كلفة الرصاع االمريكي‪ -‬السوفييت‪ ،‬كذلك من‬

‫المرجح أن يتكرر اليشء ذاته جراء الرصاع األمريكي‪-‬الصيين‬

‫وانطالقا من التقاطع بني تبين الصني لسياسة خارجية‬

‫واعية ألهدافها المنشودة ومدركة ألدواتها وبني أداء‬

‫سيايس خارجي عربي يعرب عن مخرجات مشهد يتأرجح بني‬

‫معطيات الرتدي وبداية التغيري بمخرجاته السلبية وااليجابية‪،‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪10‬‬

‫إشكالية الهوية العربية بني االخرتاق‬

‫والممانعة الثقافية‬
‫مقدمة‬

‫عرفت المجتمعات اإلنسانية‪ ،‬منذ القديم وبدرجات متفاوتة‪،‬‬

‫أشكاال من التواصل الحضاري المتعددة الطرق واألبعاد‬

‫واألهداف‪ .‬وفي كل مرحلة من مراحل تاريخ الحضارات‬

‫اإلنسانية‪ ،‬كان ذلك التواصل الحضاري يتخذ طابعا محددا‬

‫يعكس الخلفيات السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والعقائدية‪،‬‬

‫والمذهبية‪ ،‬والثقافية اليت تؤطر فكر تلك المجتمعات‬

‫المتفاعلة‪ .‬وقد توضح لدى الدارسني أن ذلك التواصل‬

‫الحضاري كان‪ ،‬أحيانا‪ ،‬يتجاوز حدود التفاعل اإليجابي‪ ،‬ويتحول‬

‫إىل غزو ورصاع حضاري أو رصاع للهويات‪ .‬ومما تجدر اإلشارة‬

‫د‪ .‬محمد فاريض‬
‫جامعة الحسن األول ‪ -‬المغرب‬
‫الجديد عىل الجميع‪ .‬وبناء عىل ما سبق‪ ،‬نطرح إشكالية‬
‫الهوية العربية بني االخرتاق والممانعة الثقافية‪ ،‬وعيا منا‬
‫بحساسية وخطورة الظروف اليت تمر بها دول ومجتمعات‬
‫الوطن العربي‪ ،‬من جهة‪ ،‬ورضورة اشتغال الباحثني‪ ،‬كل من‬
‫موقعه‪ ،‬في معالجة القضية‪ ،‬واالجتهاد في اقرتاح البدائل‬
‫الوقائية لحماية مقومات الهوية‪ ،‬والدفاع عنها تجاه كل‬
‫أشكال الغزو واالخرتاق الثقافي‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫إليه‪ ،‬أن معظم الرصاعات اليت عرفها تاريخ الحضارات اإلنسانية‬
‫آلت في نهايتها إىل حروب عسكرية لتحقيق أهداف معينة‬
‫اقتصادية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وحىت استعمارية باستعمال‬
‫القوة الصلبة أو قوة الحديد والنار‪ .‬غري أن ما يمزي المرحلة‬
‫المعارصة هو أن الرصاع الحضاري بني األمم ظل محافظا‬
‫عىل جوهره‪ ،‬غري أنه يتدثر بأغطية ناعمة معتمدا في ذلك‬
‫عىل وسائل ووسائط جديدة تعكس روح العرص وثوراته‬
‫العلمية والصناعية والتكنولوجية الرقمية‪ .‬وباختصار‪ ،‬إن‬

‫االتجاه العام لرصاع الحضارات المعارصة‪ ،‬في سياق عرص‬

‫‪ -1‬السياق العام للدراسة‬
‫من المسلم به‪ ،‬اليوم‪ ،‬أن المرحلة المعارصة للحضارة اإلنسانية‬
‫تعرف بعرص العولمة‪ ،‬وعرص الثورة الهائلة والمسرتسلة‬
‫لتكنولوجيا المعلومات واالتصال‪ .‬وعليه‪ ،‬فإذا كان لكل عرص‬
‫عالماته الفارقة‪ ،‬فإن الثورة الرقمية تعترب الخاصية الممزية‬
‫العولمة‪ ،‬هو رصاع ناعم يستهدف الهويات بمختلف تركيباتها‬
‫(الدينية واالجتماعية والثقافية) متسرتا خلف شعارات تعميم‬
‫الخري االقتصادي‪ ،‬ونرش المعرفة‪ ،‬والدفاع عن الديمقراطية‪،‬‬
‫وحماية حقوق اإلنسان‪ ،‬وأحيانا بتسلط سيايس وعسكري‬
‫لفرض الهيمنة‪ ،‬ونهب الخريات‪ ،‬وفرض نموذج النظام العالمي‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪11‬‬

‫لوسائط التواصل االجتماعي (فايسبوك‪ ،‬تويرت‪ ،‬انستغرام‪،‬‬ ‫للنصف الثاني للقرن العرشين واأللفية الثالثة‪ .‬فالعولمة‬

‫فايرب‪ ،‬واتساب ‪ )...‬في التواصل بني األفراد‪ ،‬والمجتمعات‪،‬‬ ‫هي نظام من الرموز والقيم والعالقات اليت تشكلت ضمن‬

‫والثقافات‪ ،‬والحضارات‪ .‬هكذا نالحظ أننا أصبحنا أمام مجتمع‬ ‫منظومة مفاهيمية توصف بالكونية‪ ،‬وتقفز عىل مقوالت‬

‫غربي متقدم يطور البحث العلمي‪ ،‬ويصنع التكنولوجيا‬ ‫األمة والدولة والوطن وكل أشكال االنتماء التقليدية‪ .‬هكذا‬

‫الرقمية‪ ،‬وينتج خطابات بمضامني تروج لحضارته بأبعادها‬ ‫تحول العالم‪ ،‬بفضل العولمة وثورة تكنولوجيتها الرقمية‪،‬‬

‫المتشابكة‪ ،‬مسخرا في ذلك وسائط اإلعالم والتواصل‬ ‫إىل» قرية كونية» مرتامية األطراف‪ ،‬إذ أصبح بإمكان الفرد‪،‬‬

‫الجديدة (الفضائيات وشبكة اإلنرتنيت‪ ،‬والمواقع اإللكرتونية‪،‬‬ ‫من أي نقطة جغرافية‪ ،‬أن يتواصل ويتفاعل مع غريه في‬

‫وشبكات التواصل االجتماعي ‪...‬الخ ) ‪ ،‬وباقي المجتمعات‬ ‫مجتمعات أخرى وبخلفيات حضارية مغايرة‪ .‬وقد ازدادت‬

‫غري المتقدمة‪ ،‬من ضمنها العالم العربي‪ ،‬اليت تعيش عىل‬ ‫وثرية التواصل والتفاعل بني الحضارات والثقافات بواسطة‬

‫استهالك متباين الكيفيات واألهداف لتلك التكنولوجيا‬ ‫التطور المبهر والرسيع لشبكة اإلنرتنيت ووسائط التواصل‬
‫الرقمية‪ .‬في ضوء ما سبق‪ ،‬نشري إىل أن العالم قد انقسم‬ ‫االجتماعي والمواقع اإللكرتونية والمدونات الشخصية‬

‫بالفعل إىل ناديني‪ :‬نادي الدول المنتجة للعولمة وأدواتها‬ ‫اليت وفرتها تكنولوجيا المعلومات واالتصال‪ ،‬مغرية بذلك‬

‫وبضائعا التقنية و الرقمية و الثقافية و اإليديولوجية‪ ،‬ونادي‬ ‫شكل ومضمون االعالم الحديث‪ ،‬وخالقة لمجاالت واسعة‬

‫الدول المتخلفة ألسباب موضوعية تعوزها وتبقيها في‬ ‫للتواصل الحضاري والتفاعل الثقافي بني مستعميل تلك‬

‫وضعية التلقي السليب‪ ،‬وإدمان االستهالك‪ ،‬واللهاث وراء‬ ‫الوسائط االلكرتونية‪ .‬العولمة‪ ،‬إذن‪ ،‬إعالن لموت للجغرافية‪،‬‬

‫نادي األقوياء واسترياد منتجاتها‪ .‬فبني نادي األقوياء ونادي‬ ‫ونهاية للتاريخ‪ ،‬وانتقال إىل النموذج الواحد والثقافة‬

‫المتخلفني فجوة رقمية ال تقاس بالزمن الكمي‪ ،‬بل برسعة‬ ‫الواحدة‪ ،‬وسعي حثيث نحو تغريب المجتمعات الواقعة خارج‬

‫الضوء‪.‬‬ ‫مدار مركز العولمة‪ .‬إنها مرشوع شمويل ألمركة العالم عىل‬

‫كل المستويات‪ :‬سياسيا بتحول أمريكا إىل الدركي األول في‬

‫‪ -2‬الهوية الثقافية‪ :‬مسألة المفهوم‬ ‫العالم‪ ،‬واقتصاديا بالسعي إىل تحويل األسواق العالمية إىل‬

‫‪ 2-1‬مفهوم الهوية‬ ‫أسواق استهالكية لمنتجات الدول القوية اقتصاديا‪ ،‬و ثقافيا‬

‫يطرح مفهوم « الهوية «‪ ،‬شأنه شأن كل المفاهيم‬ ‫بفرض ثقافة الغرب‪ ،‬وجعلها عقيدة للمجتمع اإلنساني‪ .‬في‬

‫المتعددة الدالالت‪ ،‬إشكالية عند التعريف؛ نظرا الختالف‬ ‫سياق هذه التحوالت الحضارية البنيوية والشمولية‪ ،‬لم يكن‬

‫المرجعيات اليت ينطلق منها كل باحث في التعريف‪ .‬غري أن‬ ‫الوطن العربي بمنأى عما يجري حوله‪ ،‬وال في مأمن من‬

‫هذا الوضع الداليل الملبس‪ ،‬ال يعفينا من االجتهاد في إيجاد‬ ‫تأثريات الثورة الرقمية والمحتويات اليت تروج لها في كل‬

‫تعريف يستجيب وغايات هذه الدراسة‪ .‬إن مصطلح «الهوية»‬ ‫مجاالت الحياة اإلنسانية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬لم يعد االنفتاح عىل العالم‬

‫لفظ تراثي قديم‪ ،‬وهو في اللغة مصدر صناعي مركب من‪:‬‬ ‫الجديد‪ ،‬وعىل تكنولوجيا المعلومات واالتصال‪ ،‬بالنسبة‬

‫هو ضمري المفرد الغائب المعرف بأداة التعريف» أل»‪ ،‬ومن‬ ‫للمجتمعات العربية‪ ،‬اختياريا أو ترفا حضاريا‪ ،‬بل رضورة للوجود‬

‫الالحق المتمثلة بـ «ي» المشددة وعالمة عىل التأنيث «ة»‪.‬‬ ‫في عرص الرقمية واالستخدام المفرط إىل حد اإلدمان‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪12‬‬

‫ما يتعلق بالجانب الفكري‪ ،‬واألدبي‪ ،‬والمعرفي‪ ،‬والعاطفي‪.‬‬ ‫ويستعمل مصطلح «الهوية» في األدبيات المعارصة مقابل‬

‫ونعرث عىل تعريف لروبرت بريستد‪ ،‬إذ يقول‪« :‬الثقافة هي ذلك‬ ‫كلمة (‪ )Identité‬الفرنسية و(‪ ) Identity‬اإلنجلزيية ؛ وهي‬

‫الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه ‪ ،‬أو نقوم‬ ‫تعبري عن خاصية مطابقة اليشء لنفسه‪ ،‬أو مطابقته لمثيله‪.‬‬

‫بعمله أو نمتلكه كأعضاء في مجتمع»‪ .‬ول»غي روشيه»‬ ‫وال تخرج في المعاجم الحديثة عن هذا المضمون‪ ،‬أي أن‬

‫تعريف أكرث شمولية؛ إذ يعترب الثقافة هي مجموعة العنارص‬ ‫الهوية هي حقيقة اليشء‪ ،‬وهي اليت تمزيه عن غريه‪.‬‬

‫اليت لها عالقة بطرق التفكري والشعور والفعل‪ ،‬وهي طرق‬ ‫فالهوية إذن‪ ،‬هي الشعور الشخيص أو الجماعي باالنتماء‬

‫صيغت تقريبا في قواعد واضحة واليت اكتسبها وتعلمها‬ ‫إىل منظومة ثقافية‪ ،‬أو إطار إنساني توحده قيم ومشاعر‬

‫وشارك فيها جمع من األشخاص ‪-‬تستخدم بصورة موضوعية‬ ‫واتجاهات ذهنية وسلوكية‪ .‬والهوية‪ ،‬بهذا المعىن‪ ،‬حقيقة‬

‫ورمزية في آن معا‪ ،‬من أجل تكوين هؤالء األشخاص في‬ ‫نفسية فردية وجماعية ترتبط بالثقافة السائدة وبعملية‬

‫جماعة خاصة وممزية‪ .‬بناء عىل ما سلف‪ ،‬يمكن اعتبار الهوية‬ ‫التنشئة االجتماعية‪.‬‬

‫الثقافية بمثابة نظام من القيم والتصورات الذي يتمزي به‬

‫مجتمع ما تبعا لخصوصياته التاريخية والحضارية‪ .‬وكل أمة من‬ ‫‪ 2-2‬الهوية الثقافية‪:‬‬

‫األمم تنتمي إىل ثقافة متمزية عن غريها‪ ،‬وهي كيان يتطور‬ ‫من المنهجي تعريف مفهوم «الثقافة» قبل التعريف به‬

‫باستمرار ويتأثر بالهويات الثقافية األخرى‪ .‬ولهذه األخرية‬ ‫مقرتنا بالهوية‪ .‬فالثقافة هي مجموع المعارف والعلوم‬

‫مستويات ثالث‪ :‬هوية فردية‪ ،‬وهوية جماعية‪ ،‬وهوية وطنية‪.‬‬ ‫اليت تؤثر في الحضارة البرشية‪ .‬ويطلق المصطلح عىل كل‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪13‬‬

‫تطيح بأركان الهوية الثقافية الخاصة بالشعوب واألفراد؛‬ ‫‪ -3‬الهوية العربية وتحديات االخرتاق العولمي ‪:‬‬

‫خاصة تلك الثقافة المادية اليت تسيطر عىل الشبكة‪ ،‬والمس‬ ‫عرف العالم العربي‪ ،‬عىل غرار باقي الدول المستوردة ألدوات‬

‫باألخالق الفاضلة من خالل المواقع اإلباحية‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫العرصنة (تكنولوجيا صناعية‪ ،‬تكنولوجيا رقمية ‪ )...‬مجموعة‬

‫الدعاية السلبية اليت من شأنها قلب الوضع الثقافي‬ ‫من التجاذبات بفعل ظاهرة العولمة الثقافية‪ .‬فإذا لعبت‬

‫والسيايس للبلدان بتغيري وجهة الرأي العام‪ ،‬وإقامة الزناعات‬ ‫تكنولوجيا المعلومات واالتصال دورا محوريا في مد الجسور‬

‫بني الشعوب إىل حد التناحر العرقي والثقافي‪.‬‬ ‫بني الشعوب والثقافات‪ ،‬وصار التفاعل أمرا حتميا بينها‪،‬‬

‫‪ -‬وسائل اإلعالم المكتوبة والمسموعة‪ ،‬وهي المتمثلة‬ ‫فإن المنتجات اإلعالمية والمضامني الثقافية اليت تقدف‬

‫في تلك الجرائد والصحف اليومية واإلذاعات السمعية‪ ،‬وما‬ ‫بها المؤسسات المنتجة لها لم تنحرص عند حدود الرتويج‬

‫لها من إمكانيات عىل تبليغ الفكر الثقافي الغربي المؤثر‬ ‫لما هو إيجابي في االنفتاح والتالقح بني تلك الشعوب‬

‫في الهوية الثقافية للشعوب‪ ،‬وممارسة الهيمنة لإلطاحة‬ ‫والثقافات‪ ،‬بل تحولت إىل وسيلة للغزو والهيمنة الحضارية‬
‫بالثقافات المتعددة والخصوصيات الهوياتية لصالح عالمية‬ ‫بخلفيات سياسية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وإيديولوجية‪ .‬صحيح‬

‫الثقافة والهوية العالمية‪.‬‬ ‫أن للعولمة أوجه متعددة ومركبة سياسية اقتصادية‬

‫‪ -‬القوة والفرض والضغط‪ ،‬وهو أسلوب جديد ورسي‬ ‫اجتماعية ايديولوجية‪...‬الخ‪.‬غري أننا سرنكز عىل هذا البعد‬

‫للعولمة الثقافية الراهنة‪ .‬فإكراه الدول والشعوب لالنبطاح‬ ‫الثقافي انسجاما مع موضوع ورقتنا البحثية‪ .‬فالعولمة‬

‫والتنازل عىل الهوية الحضارية‪ ،‬لم يعد بالقوة الصلبة كما‬ ‫في بعدها الثقافي أو ما يطلق عيلها بالعولمة الثقافية‪.‬‬

‫هو الشأن في الحروب القديمة‪ ،‬بل عن طريق القوة الناعمة‬ ‫وتشري هي األخرية إىل مجموع أشكال التعبري والمضامني‬

‫(اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا)‪ .‬إننا بصدد الحروب‬ ‫الفكرية واألدبية والفنية واأليديولوجية اليت يتم الرتويج لها‬

‫الذكية اليت ال تحرتم فيها موازين القوى‪.‬‬ ‫عرب مختلف الوسائل والوسائط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬التأليف والنرش‪ ،‬ويكون التأليف ونرش بعض الموضوعات‬ ‫‪ -‬تكنولوجيا المعلومات واالتصال بتقدمها الخارق‪ ،‬وقدرتها‬

‫موجها بفكر معني‪ ،‬ويخضع إىل سلطة صاحب الفكرة‪،‬‬ ‫عىل التأثري في األفكار وسلوك األفراد والجماعات‪ ،‬مما‬

‫وميول الكاتب‪ ،‬وأهداف الكتابة‪ ،‬والتأليف‪.‬‬ ‫أدى إىل بسط سيطرة وهيمنة الهوية الثقافية الغربية عىل‬

‫هكذا نالحظ أن العولمة الثقافية هي نتيجة للتطور‬ ‫هويات شعوب باقي العالم‪ ،‬واخرتاق خصوصياتها‪.‬‬

‫االقتصادي و الصناعي والعلمي و التقين‪ ،‬والمعلوماتي‬ ‫‪ -‬الوسائط السمعية البرصية المتطورة ودورها في نرش‬

‫و االتصايل‪ ،‬وغايتها تربر وسائلها المعتمدة في التبشري لها‪،‬‬ ‫الثقافة الغربية في شكل برامج‪ ،‬وأفالم‪ ،‬ومسلسالت‪،‬‬

‫والغزو الثقافي للهويات؛أي أنها غزو ثقافي يمس ذاتية‬ ‫وبرامج وثائقية‪ ،‬وذلك عرب األقمار الصناعية والقنوات‬

‫األفراد واألمم‪ ،‬ويحمل خطابا ثقافيا خاصا لشعوب العالم‬ ‫التلفزية الرقمية في سماء إعالمي مفتوح عىل جميع‬

‫مفاده أنه ال مجال للتعدد الثقافي‪ ،‬وإنما البقاء لثقافة‬ ‫االتجاهات الثقافية‪.‬‬

‫العولمة المهيمنة عىل كل الثقافات‪ .‬وفي هذا اإلطار‪،‬‬ ‫‪ -‬شبكة اإلنرتنيت اليت أصبحت وسيلة هامة للعولمة‬

‫تبلورت مجموعة من االنشغاالت الفكرية‪ ،‬وطرحت الكثري‬ ‫الثقافية‪ ،‬بما تروج له من معلومات وأفكار وصور وسلوكات‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪14‬‬

‫سائر الشعوب‪ ،‬وال يكون في هذه الحالة إال بإغراء عقول‬ ‫من األسئلة لدى ثلة من الدارسني العرب حول ما أصبحت‬

‫الشعوب المستوردة لبضائعها الثقافية والمستهلكة‬ ‫تتعرض له الهوية العربية من تأثريات ناجمة عن هذا التداخل‬

‫لمبادئها وقيمها‪ ،‬واخضاعها لها‪ .‬وتسخر في بلوغ ذلك كل‬ ‫الحضاري‪ .‬كما أنها تشكل نوعا من اإلدراك لمخططات‬

‫وسائل التكنولوجيا الرقمية المتاحة لدى الجميع بفعل تيسري‬ ‫فرض ثقافة الغرب باإلقحام عرب التكنولوجيا الناعمة (تقنيات‬

‫االستفادة منها بأثمنة منخفضة‪ ،‬وتوسيع شبكات االنرتنيت‪،‬‬ ‫اإلعالم و االتصال الجديدة – الفضاء اإلعالمي المفتوح‬

‫وتعميمها تحت شعار دمقرطة الحق في الوصول والحصول‬ ‫عىل كل االتجاهات ‪...‬الخ )‪.‬و هذا ما دفع ببعض الباحثني إىل‬

‫عىل المعلومة‪ .‬أما مفهوم االخرتاق‪ ،‬فهو حركة تسلسل‬ ‫توصيف الوضعية بالحرب الناعمة‪.‬‬

‫األفكار والعقائد والقيم والعادات الغربية بشكل متكرر‬

‫وغري مسيطر عليه‪ .‬واالخرتاق الثقافي كسياسة واسرتاتيجية‬ ‫‪ -4‬العولمة الثقافية ومظاهر اخرتاق الهوية العربية‬

‫تنتهجها بعض الدول وهو التدخل في شؤون الغري بقصد‬ ‫إذا سلمنا بأن العولمة ليست خريا مطلقا‪ ،‬كما تسوق‬

‫التأثري في ثقافتهم وسلوكه ومعتقداتهم‪ ،‬وجعلهم في‬ ‫إىل ذلك اآللة اإلعالمية المرافقة لها لرتويج بضائعها‪،‬‬

‫حالة اغرتاب‪.‬‬ ‫فإن العولمة الثقافية أو ثقافة العولمة جاءت بإطار‬

‫ومن مظاهر االخرتاق الثقافي‪ ،‬يمكن أن نشري إىل ما ييل‪:‬‬ ‫معرفي يسعى إىل جعل النظام الرأسمايل مقبوال لدى‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪15‬‬

‫تستهدف القيم‪ ،‬وتقزيم شخصية المتعلم العربي‪ ،‬وترويض‬ ‫‪ -1‬التشكيك في الحضارة العربية وفي قدرة اللغة العربية‬

‫عقله بمحتويات تلقينية‪ ،‬بدل تمهري عقله‪ ،‬وصقل ذكائه‪ .‬ثم‬ ‫عىل مواكبة التطور‪ ،‬وتيسري التواصل بني الباحثني واألفراد‬

‫إجبار أنظمة العالم العربي عىل اعتماد تلك الربامج والمناهج‬ ‫داخل المجتمعات العربية‪ ،‬وذلك لصالح الثقافة الغربية‬

‫التعليمية الملغومة‪ ،‬واليت ال عالقة لها بالواقع العربي‬ ‫واللغة اإلنجلزيية في معظم الدول العربية‪ ،‬والفرنسية‬

‫وخصوصيات المتعلم العربي الذهنية والوجدانية والقيمية‪،‬‬ ‫واإلسبانية في شمال أفريقيا‪.‬‬

‫والتشجيع عىل إدمان استرياد تلك المناهج من مراكزها‬ ‫‪ -2‬استقطاب الطلبة العرب؛ السيما فئة الباحثني منهم‪،‬‬

‫إلبقاء النظام التعليمي العربي في حالة تبعية مزمنة‬ ‫بتسهيل التحاقهم بالجامعات الغربية ومخترباتها‪ ،‬وتحفزيهم‬

‫لما يمىل عليه‪ .‬فال يمكن اإلقالع الحضاري بدون التمتع‬ ‫بمنح ووظائف لالستفادة من عقولهم ومنجزاته العلمية‬

‫باستقاللية أنظمة الرتبية والتعليم العربية‪.‬‬ ‫لفائدة تقدم الغرب‪ ،‬وهو إفراغ فعيل للعالم العربي من‬

‫‪ -7‬توظيف اآللة اإلعالمية بإمكانياتها الضخمة‪ ،‬ومنظوماتها‬ ‫نبخه الفكرية المستقبلية‪.‬‬

‫الفتاكة بالعقول والعواطف‪ ،‬وتسخري ترسانة وسائلها القوية‬ ‫‪ -3‬تنظيم المؤتمرات العلمية الدولية اليت تستهدف األرسة‪،‬‬

‫لإلثارة واإلغراء واإلقناع‪ .‬كل ذلك من أجل زعزعة المعتقدات‬ ‫باعتبارها نواة المجتمع‪ ،‬والمرأة بصفتها المربية الرئيسة‬

‫والمبادئ والقيم لدى المتلقي العربي‪ ،‬وتدجني عقله‪ ،‬من‬ ‫داخل األرسة والمعدة ألجيال المستقبل‪ ،‬والطفل لكونه‬

‫خالل مالحقته بمختلف قنواتها وبضائعها اإلعالمية أينما‬ ‫رهان مستقبل األمة العربية‪ .‬كما يتم الرتكزي في هذه‬

‫حل واترحل وعىل مدار اليوم‪ .‬إن قائمة العنارص اليت رصدناه‬ ‫الملتقيات العلمية عىل مواضيع الحقوق الجنسية‪ ،‬واإلباحية‪،‬‬

‫من خالل تشخيص الوضعية الكارثية للمجتمعات العربيةـ‬ ‫واإلرث والمساواة بني الرجل والمرأة وغريها؛ وذلك بغاية‬

‫في الوقت الراهن‪ ،‬بفعل االخرتاق الثقافي العالمي المرن‪،‬‬ ‫التشويش الثقافي والديين عىل مقومات الهوية العربية‪،‬‬

‫قد تطول وال يسمح المجال هنا لتعدادها جميعها‪ .‬ونكتفي‬ ‫وتدمريها من الداخل‪.‬‬

‫بالقول‪ :‬إن االخرتاق الثقافي قد أصبح واقعا ينذر بالزوال‬ ‫‪ -4‬توظيف تكنولوجيا المعلومات واالتصال عرب المواقع‬

‫أمام تغول ثقافي غربي ال مكان فيه لمن ال يجيد التعامل‬ ‫اإللكرتونية‪ ،‬والمنصات الثقافية الرقمية‪ ،‬وشبكات التواصل‬

‫معه بمنطق العرص وأدواته‪ .‬فما السبيل إىل الممانعة؟‬ ‫االجتماعي في التسويق المسموم لمحتويات مدمرة‬

‫للبنيات الذهنية والنفسية والسلوكية لدى الجمهور العربي‪،‬‬

‫‪ -5‬اسرتاتيجيات الممانعة الممكنة لتحصني الهوية‬ ‫ونرش التفاهة‪ ،‬وتعميم الميوعة والسطحية في التعاطي‬

‫العربية‬ ‫مع األخبار واألحداث والقيم المروج لها‪.‬‬

‫لقد انتهينا في الخطوات السابقة إىل مالحظة مفادها تغول‬ ‫‪ -5‬الرتويج لمنظومة معرفية مادية تدنس المقدسات‪،‬‬

‫الثقافة الغربية باسم العولمة‪ ،‬ونرشها وترسيخها بواسطة‬ ‫وتروج لموت اإلله باسم مركزية اإلنسان‪ ،‬وهو نوع من‬

‫تكنولوجيا المعلومات واالتصال‪ ،‬وأن التأثري الثقافي الغربي‬ ‫تصفية ثنائية الخالق والمخلوق‪ ،‬واالنتصار إىل فكرة أن ال إله‬

‫في الثقافة العربية وسلوك األفراد والجماعات أصبح ظاهرة‬ ‫والحياة مادة‪.‬‬

‫مقلقة‪ ،‬وأنتج الكثري من اإلشكاليات اليت ارتبطت بمحاوالت‬ ‫‪ -6‬التسويق لربامج تعليمية مصممة بخلفيات إيديولوجية‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪16‬‬

‫العربية‪ ،‬وتبين برامج تأهيلية للوصول إىل صفر أمي عربي‪.‬‬ ‫الفهم والتحليل واقرتاح البديل الثقافي الممانع للحفاظ عىل‬

‫إن التنمية المجتمعية العربية المنشودة غري ممكنة إال‬ ‫الهوية العربية‪ ،‬والدفاع عن الخصوصيات الثقافية العربية‪.‬‬

‫بالقضاء الكيل‪ ،‬في أفق السنوات القليلة القادمة‪ ،‬عىل‬ ‫إن الممانعة‪ ،‬برأينا‪ ،‬إزاء موجات التغريب المنظم‪ ،‬ينبغي أن‬

‫الهدر المدريس‪ ،‬وأسباب الجهل األبجدي وقرينه الرقمي‪.‬‬ ‫تنطلق من تثمني ركائز الهوية الثقافية بناء عىل المقرتحات‬

‫‪ -7‬تعزيز مكانة اللغة العربية في نفوس أبناء األمة‪ ،‬ومنحها‬ ‫التالية‪:‬‬

‫المكانة االعتبارية الالئقة بها في سياق تطاحن األلسن‬ ‫‪ -1‬االهتمام واالستثمار في اإلنسان بصفته المعين بالهوية‬

‫والثقافات‪ .‬فاللغة العربية من العنارص األساسية الضامنة‬ ‫الثقافية‪ ،‬وهو محورها األساس‪.‬‬

‫الستمرارية الحضارة العربية والثقافة المنحدرة عنها؛ ألنها‬ ‫‪ -2‬وضع اسرتاتيجية عربية تشمل المجاالت اليت تقوي‬

‫مستودع تراث األمة العربية بما تحمله في طياتها من خربات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬وتساعد عىل تقوية الحضور العربي في‬

‫وفكر ومضامني متعددة‪ ،‬معربة عن حقب التاريخ العربي‬ ‫المنافسة الدولية علميا‪ ،‬واقتصاديا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬وثقافيا‪.‬‬
‫بزنعاته واتجاهاته الفكرية ومنظوماته القيمية‪ ،‬وعاداته‪،‬‬ ‫فالوحدة العربية الحاضنة للفسيفساء اإلثنية داخلها‪ ،‬هي‬

‫وتقاليده وأعرافه‪ .‬إن اللغة العربية ليست مجرد وعاء لما‬ ‫السبيل إىل الندية الحضارية‪.‬‬

‫سبق ذكره من مقومات‪ ،‬بل هي الحاضنة للرتاث والهوية‬ ‫‪ -3‬االستثمار في البحث العلمي والتقين والرقمي‪،‬‬

‫الممزية ألبناء األمة العربية‪ ،‬مهما تعددت اللهجات المحلية‬ ‫ورصد المزيانيات الرضورية لتكوين البنيات التحتية التقنية‬

‫وتعارضت‪ ،‬فاللغة العربية أصل‪ ،‬والباقي فروع‪.‬‬ ‫والمعلوماتية لتأسيس مجتمع معرفة عربي تنافيس‪.‬‬

‫‪ -8‬مواجهة الثورة التكنولوجية والتدفق المعرفي المزتايد‬ ‫‪ -4‬تأهيل األرسة العربية‪ ،‬باعتبارها النواة األوىل للمجتمع‪،‬‬

‫عن طريق دمقرطة الوصول إىل المعلومة في مختلف‬ ‫وتمكينها من وسائل العرص الرقمي مع مراعاة ظروفها‬

‫المجاالت العلمية والثقافية والحضارية‪ ،‬وتربية الفرد‬ ‫المادية‪ ،‬والحرص عىل أن تقوم بدورها في التنشئة‬

‫العربي عىل روح االنفتاح الحضاري البناء بانتقاء النافع من‬ ‫االجتماعية للطفل‪ ،‬وإعداد الشاب والفرد العربي ذهنيا‬

‫المعلومات والمعارف‪ ،‬مع تحصني وتمهري قدراته العقلية‬ ‫ونفسيا وسلوكيا وفق متطلبات العرص لكي يكون صالحا‬

‫الستخدام تلك المعارف بشكل يساهم في تفتيق طاقاته‬ ‫لذاته ولوطنه‪.‬‬

‫االبتكارية واإلبداعية‪ ،‬واالنتقال من االستهالك السليب إىل‬ ‫‪ -5‬تأهيل المدرسة ومواردها البرشية‪ ،‬وتقويم المنظومة‬

‫المساهمة في إنتاج المعرفة العلمية‪.‬‬ ‫الرتبوية وبرامجها ومناهجها‪ ،‬لتشمل قضايا العرص األكرث‬

‫‪-9‬االهتمام بالثقافة العربية عن طريق إدماجها في‬ ‫إلحاحا؛ خصوصا تلك اليت تتعارض مع قيم المجتمع‪ ،‬والعمل‬

‫الربامج التعليمية واإلعالمية‪ ،‬وتأسيس دور ومراكز ومواقع‬ ‫عىل ترسيخ القيم البانية لشخصية اإلنسان العربي‪ ،‬وتكوينه‬

‫افرتاضية للثقافة العربية‪ ،‬للتعريف بها و بدخائرها‪ ،‬وتقريبها‬ ‫تكوينا سليما ومتشبعا بالتشبث بهويته الحضارية‪ ،‬ومنفتحا‬

‫وتحبيبها للقارئ العربي‪.‬‬ ‫عىل العرص وأدواته الرقمية‪ ،‬والتشجيع عىل التفتح الذهين‬

‫‪-10‬اعتماد اسرتاتيجية للرتبية اإلعالمية وفق الخصوصية‬ ‫واالبداع واالبتكار‪ ،‬واعتماد سياسة التعليم مدى الحياة‪.‬‬

‫العربية‪ ،‬وفي تعامل ذكي وخالق مع ما تروج له اآللة‬ ‫‪ -6‬محاربة آفة األمية اليت ال تزال تنخر البنيات المجتمعية‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪17‬‬

‫الدميم للحداثة الجديدة‪ ،‬اليت تستهدف الهويات خارج قوانني‬ ‫اإلعالمية الغربية من بضائع إعالمية مثخنة باإليديولوجيات‬

‫التواصل والحوار والتفاعل الحضاري اإلنساني الطبيعي بني‬ ‫الهدامة لقيم الشعوب وحضاراتها‪ ،‬معتمدة في ذلك كل‬

‫الشعوب واألمم‪ ،‬وعليه‪ ،‬وجبت اليقظة والتأهل للمواجهة‬ ‫وسائل الرتغيب واإلغراء‪ ،‬وفي المقابل ينبغي غرس الثقة‬

‫والممانعة تحصينا للهوية العربية‪ ،‬والدفاع عن الحق في‬ ‫في الذات الثقافية العربية باستلهام الرتاث العربي في‬

‫الوجود الحضاري المختلف عن الغرب المتسلط و المتلحف‬ ‫جوانبه المرشقة‪.‬‬

‫بشعارات براقة‪ ،‬و المتخفي وراء حيل ال تنطيل إال عىل ذوي‬ ‫‪-11‬الحرص عىل تمكني األفراد والشعوب العربية من رشوط‬

‫العقول الصغرية‪.‬‬ ‫التوازن في الشخصية؛ أي ذلك التوازن المادي والروحي حىت‬

‫نضمن لهم عيش حياة طبيعية‪ ،‬وفي عالقة سوية مع الذات‬

‫‪-12‬نهج تربية اجتماعية تنئش أفراد المجتمعات العربية‬

‫ونمط‬ ‫عىل قيم تتماىش وحضارتهم ومعتقداتهم‬

‫حياتهم‪ ،‬وترسيخ روح االنتماء لمجتمعاتهم في كل جوانب‬

‫خصوصياتها‪.‬‬

‫‪-13‬بث الروح االجتماعية واإلنسانية في األفراد؛ وذلك‬

‫لتأهيلهم ذهنيا ونفسيا للتعامل مع الغري دون مركب‬

‫نقص‪ .‬فاالنفتاح رضورة‪ ،‬لكن ال يعين االنصهار في الغري‪ ،‬بل‬

‫المحافظة المرنة عىل الهوية‪.‬‬

‫‪-14‬تمجيد القيم الحسنة والفاضلة؛ كحب العدل‪ ،‬واالنتصار‬

‫للحق‪ ،‬والتحيل بالمساواة‪ ،‬والحض عىل األخالق النبيلة‪،‬‬

‫والدعوة إىل السالم والتعايش بني األفراد واألمم‪.‬‬

‫الخالصة‬

‫إن االنخراط في عرص العولمة‪ ،‬والعيش في القرية الكونية‪،‬‬

‫واالنفتاح عىل سكانها رضورة‪ ،‬لكن العيش اآلمن غري ممكن‬

‫لمن ال يندمج ويجيد التعامل والتواصل والتفاعل بذكاء‬

‫وامتالك المهارات العقلية الستعمال التكنولوجيا الرقمية‪،‬‬

‫والتوافر عىل السلوكيات السليمة في األخذ والعطاء‬

‫الحضاري المتوازي‪ .‬إن العولمة وسليلتها العولمة الثقافية‬

‫ليست مرشوعا حياديا وبريئا في التسويق للغرب المعارص‪ ،‬بل‬

‫قد أثبتت التجارب المجتمعية في العالم العربي أنها الوجه‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪18‬‬

‫ظاهرة أرتفاع مستوى سطح البحر‬

‫تحدي جديد للسلم واالمن الدوليني‬
‫تربية االحياء المائية في جميع أنحاء العالم ‪ .‬ومما يجدر باالشارة‬

‫أن دراسة حديثة نرشتها دورية «نيترش كومينيكيشزن» (‪Nature‬‬

‫‪ )Communications‬الصادرة في ‪ 29‬حزيران ‪ ،2021‬إىل أنه بحلول‬

‫عام ‪ ،2100‬يمكن أن يرتفع عدد األشخاص المعرضني لمخاطر‬

‫ارتفاع مستوى سطح البحر إىل ‪ 410‬ماليني شخص‪ ،‬وسيكون‬

‫معظمهم في المناطق اليت يقع ‪ ٪62‬منها في نطاق العروض‬

‫االستوائيةوطالت الدراسة دول مختارة‪ ،‬بلغ عدد سكانها أكرث من‬

‫‪ 25‬مليون نسمة عام ‪ ،2010‬ممن يعيشون عىل األرايض الواقعة‬

‫تحت خطوط المد العايل‪ ،‬وتحتل الصني المرتبة األوىل من ناحية‬

‫األكرث تعرضا للخطر‪ ،‬تليها الهند‪ ،‬بنغالديش‪ ،‬فيتنام‪ ،‬إندونيسيا‪،‬‬

‫د‪ .‬عمر موفق النارصي‬
‫اليابان‪ ،‬الفلبني‪ ،‬مرص‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬بورما‪ ،‬نيجرييا‪،‬‬ ‫عضو وحدة الدراسات القانونية‬
‫في المعهد العالمي للتجديد‬
‫مالزييا‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬المكسيك‪ ،‬كوريا الجنوبية‪ ،‬باكستان‪ ،‬العراق‬

‫وإيطاليا‪.‬وفي وقت سابق‪ ،‬حذر رئيس وزراء بريطانيا االسبق‬

‫بوريس جونسون في كلمة ألقاها خالل مؤتمر األمم المتحدة‬
‫للمناخ في مدينة غالسكو ‪ ))26 cop‬لعام‪ ،2021‬من اختفاء ‪3‬‬
‫مدن‪ ،‬وهي ميامي واإلسكندرية وشنغهاي‪ ،‬في حال لم يتم‬
‫اتخاذ إجراءات لمنع ارتفاع درجات الحرارة عىل سطح األرض‪ ،‬وقال‬
‫جونسون‪ 4« :‬درجات حرارة ونقول وداعا لمدن بأكملها‪ ،‬ميامي‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬شنغهاي‪ ،‬كلها ستضيع تحت أمواج البحر‪.‬‬
‫ما تأثري أرتفاع مستوى سطح البحر عىل الدول العربية ؟ إن الدول‬
‫العربية االكرث ترضرا ستكون دلتا النيل في مرص ‪،‬وشط العرب من‬
‫جهة العراق بالرغم من كونهما خارج المنطقة االستوائية ‪،‬كما‬
‫سيكون سكان المناطق الساحلية المنخفضة في تونس وقطر‬
‫وليبيا واإلمارات العربية المتحدة والكويت األكرث عرضة للخطر‪،‬‬
‫إن ظاهرة أرتفاع مستوى سطح البحار تعترب أحدى التحديات‬
‫الكبرية اليت تواجه المجتمع الدويل ‪، ،‬فهي أحدى االثار الضارة‬
‫لتغري المناخ ‪ ،‬أذ يتأثر بهذه الظاهره أكرث من ‪ 70‬دولة في العالم‬
‫واليت تشكل ثلث دول العالم ‪،‬ويشمل التاثري المناطق الساحلية‬
‫‪،‬وخاصة المناطق الساحلية المنخفضة ‪،‬والجزرالصغرية ‪،‬مخلفة‬
‫بذلك ترشيد السكان القاطنني وعدم الوصول للموارد الالزمة‬
‫لهم‪،‬ويقدر عدد السكان الذين يعيشون في المناطق الساحلية‬
‫المنخفضة حوايل ‪ 680‬مليون شخص ‪،‬وحوايل ‪ 2‬مليار شخص‬
‫يعيشون في نصف المدن الكربى الساحلية ‪ ،‬وأن مايقارب ‪3.3‬‬
‫مليار شخص يعتمدون عىل االسماك للحصول عىل الربوتني ‪،‬‬
‫وحوايل ‪ 60‬مليون شخص يعملون في مصائد االسماك وقطاع‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪19‬‬

‫والربلس وإدكو ومريوط‪ ،‬وتصبح مساحتها أوسع‪ ،‬وستختفي‬ ‫ً‬

‫وفًقا آلخر تقييم للجنة الدولية للتغريات المناخية (‪ ،)IPCC‬كما‬
‫ً‬
‫أيًضا بورسعيد ودمياط ويتم تهجري نحو ‪ 4‬ماليني نسمة‪ ،‬أما إذا‬ ‫تشري الدراسات العربية اىل أن أرتفاع مستوى المياه مرتا واحدا‬

‫ارتفع ‪ 1.5‬مرت فسوف يمتد البحر المتوسط داخل الدلتا لمسافة‬ ‫سيؤثر عىل نحو ( ‪ )41500‬كيلومرت مربع من األرايض الساحلية‬
‫ً‬
‫مغرًقا نحو ‪ 1.5‬مليون فدان‪ ،‬كما يتم تهجري‬ ‫نحو ‪ 25‬كم جنو ًًبا‬ ‫العربية مما سيرض بـ‪ %3.2‬من عدد السكان‪ ،‬إذ ستغمر المياه‬

‫أكرث من ‪ 8‬ماليني نسمة‪ .‬ما دور لجنة القانون الدويل في‬ ‫ما بني ‪ %12‬و‪ %15‬من دلتا النيل‪ ،‬وستخرس البحرين نحو ‪ %20‬من‬

‫معالجة ظاهرة ارتفاع مستوى البحر؟ تجري محاوالت لمعالجة‬ ‫أراضيها‪ ،‬كما ستتأثر كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا‬

‫االثار القانونية المرتتبة عن هذه الظاهرة ‪،‬أذ بدأت لجنة القانون‬ ‫وقطر والكويت واإلمارات‪ .‬وأكدت عدة دراسات لسيناريوهات‬

‫الدويل التابعة للجمعية العامة لالمم المتحدة أعمالها منذ‬ ‫ارتفاع منسوب سطح البحر وتأثر الدلتا(االسكندرية)‪ ،‬ووجد أنه إذا‬

‫زمن قريب لوضع الحلول القانونية ‪ ،‬وتمخض عن ذلك في‬ ‫ازداد منسوب سطح البحر نصف مرت‪ ،‬فإن ذلك يمكن أن يغرق‬

‫لعام‬ ‫دورتها السبعني‬ ‫حوايل نصف مليون فدان‬

‫‪ ، 2018‬أذ أنها وضعت‬ ‫شمال الدلتا‪ ،‬ويضاعف‬

‫االمد)‬ ‫طويل‬ ‫(برنامج‬ ‫حجم البحريات الشمالية‬

‫لمعالجة موضوعة أرتفاع‬ ‫(المزنلة والربلس وإدكو‬

‫مستوى سطح البحار من‬ ‫ومريوط)‪ ،‬ومساحات كبرية‬

‫خالل جوانب ثالث ‪ :‬أولها‬ ‫من بورسعيد ودمياط‬

‫يتعلق بالمسائل المتصلة‬ ‫وتهجري‬ ‫واإلسكندرية‪،‬‬

‫ب(قانون البحار) ‪،‬وثانيهما‬ ‫حوايل ‪ 4‬ماليني نسمة‪ ،‬أما‬

‫المسائل المتصلة ب(كيان‬ ‫إذا أرتفع ‪ 1.5‬مرت فسوف‬

‫الدولة) ‪،‬وثالثهما المسائل‬ ‫يمتد البحر المتوسط داخل‬

‫ب(حماية‬ ‫المتصلة‬ ‫حوايل‬ ‫لمسافة‬ ‫الدلتا‬

‫االشخاص ) المترضرين من‬ ‫‪ 25‬كم مغرقا حوايل ‪1.5‬‬

‫أرتفاع مستوى سطح البحر ‪ .‬ووفقا لعمل لجنة القانون الدويل‬ ‫مليون فدان وتهجري أكرث من ‪ 8‬مليون نسمة‪ .‬كما يالحظ أن‬

‫ومناقشاتها‪ ،‬فأن مايدورفيها يتعلق بمدى أمكانية أستجابة‬ ‫االسكندرية تقع عىل حاجز جريي ضخم يصل ارتفاعه في منطقة‬

‫القانون الدويل لهذه المسائل وحلها بالتعاون مع الدول ‪،‬‬ ‫ً‬

‫انخفاًضا من الرشق ناحية‬ ‫برج العرب لـ ‪ 15‬م ًًرتا‪ ،‬وأكرث المناطق‬

‫فتناولت اللجنة أالثار القانونية لغمر المناطق الساحلية الواطئة‬ ‫منطقة أبي قري اليت ال يزيد ارتفاعها أربعة أمتار فقط‪ ،‬وحسب‬

‫‪ ،‬والجزرالواقعة عىل خطوط االساس فيها ‪ ،‬وعىل المناطق‬ ‫الكثري من الدراسات لسيناريوهات ارتفاع منسوب سطح البحر‬

‫البحرية الممتدة من خطوط االساس تلك ‪،‬وعىل تعيني المناطق‬ ‫وتأثر الدلتا‪ ،‬وجد أنه إذا ارتفع منسوب سطح البحر نصف مرت‪،‬‬

‫البحرية الممتدة من االساس ‪،‬سواء باالتفاق أو بالتقايض‬ ‫فإن ذلك يمكن أن ُيُغرق نحو نصف مليون فدان شمال الدلتا‪،‬‬

‫‪،‬مستندة في معالجة االشكاليات عىل قانون المعاهدات‬ ‫كما ستتضاعف مساحات البحريات الشمالية وهي بحرية المزنلة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪20‬‬

‫‪ 6-‬آب للعام ‪ ،2021‬أنها درست الممارسات الترشيعية والدستورية‬ ‫والقانون الدويل العرفي ‪،‬وهي الطريقة المتبعة في‬

‫لبعض الدول الساحلية ومنها الدول االفريقية بهدف االستدالل‬ ‫التطويرالتدريجي لقواعد القانون الدويل وتدوينه ‪ ،‬فاالشكاليات‬

‫عىل وجود قواعد تتصف بااللزام ‪ ،‬لكن لم تتوصل اللجنة اىل‬ ‫في نطاق (القانون الدويل للبحار) تتمثل بأثر أرتفاع مستوى‬

‫أمكانية وجود ممارسات ثابته نحو حدود بحرية متنقلة أو ثابتة‬ ‫سطح البحارعىل المسائل االتية أوال ‪ :‬تغري خطوط االساس ‪ ،‬ثانيا‬

‫‪ ،‬وهناك رأي في اللجنة يؤيد خطوط أالساس الثابتة أو الحدود‬ ‫‪ :‬مسألة تعيني الحدود البحرية ما بعد تغري خطوط االساس ‪ ،‬ثالثا‬

‫البحرية الدائمة لالسباب التالية‪ :1 :‬مبدأ عدم قابلية الحدود‬ ‫‪ :‬المركز القانوني للجزر والصخور والمرتفعات اليت تنحرس عنها‬

‫الموروثة عن الحقبة االستعمارية للتغيري‪ :2 .‬تطبيق مبدأ بقاء‬ ‫المياه عند الجزر‪ ،‬رابعا ‪ :‬حقوق ووالية الدولة الساحلية والدول‬

‫الشيئ عىل حاله والمنصوص عليه في المادة ‪ 2/62‬من أتفاقية‬ ‫االطراف الثالثة في المناطق البحرية القائمة ‪ ،‬اليت تتحول فيها‬

‫فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪ :3 1969‬أن الدول عندما تواجه‬ ‫المناطق البحرية الن جزء من المياه الداخلية يصبح بحرا اقليميا‬

‫أزمات أو صعوبات في أبرام أتفاق بشأن تعيني حدودها البحرية‬ ‫‪،‬وجزء من البحر االقليمي يصبح منطقة متاخمة أو منطقة‬

‫تلجأ متعاونة مع بعضها اىل أتفاقية االمم المتحدة لقانون‬ ‫اقتصادية خالصة ‪ ،‬وجزء من المنطقة االقتصادية الخالصة يصبح‬

‫البحار للمواد ‪ ، 3/ 83‬و‪ . 3/ 74‬ويرتتب عىل ذلك تجميد مسألة‬ ‫من أعايل البحار‪ ،‬خامسا ‪ :‬حالة دولة أالرخبيلية (يقصد بها الدولة‬

‫الحدود البحرية غري المحلولة وأستبدالها بأنشاء مناطق تنمية‬ ‫اليت تتكون من مجموعة من الجزر) ‪ ،‬أذ يمكن أن تتاثر فيها‬

‫مشرتكة ‪ .‬كما توجه رأي فريق من اللجنة اىل رضورة التميزي‬ ‫خطوط االساس االرخبيلية القائمة ‪ ،‬بسبب غمر الجزر الصغرية أو‬

‫بني حالتني ؛ وهي هل كان أرتفاع مستوى سطح البحر بسبب‬ ‫الشعاب المتقطعة االنغمار ‪،‬الذي قد يؤدي اىل فقدان مركز‬

‫برشي أم طبيعي‪ ،‬كما أن من ضمن المسائل اليت هي محل‬ ‫الدولة االرخبيلية ‪ .‬ويبدو من تقرير أعمال (لجنة القانون الدويل)‬

‫نقاش وبحث في اللجنة الدولية هل أن مبدأ االستقرار القانوني‬ ‫في الدورة الثانية والسبعون الممتدة للفرتة مابني ‪ 26‬نيسان‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪21‬‬

‫هناك مشكلة حقيقة في الواقع اذا ما أعتربنا أن خطوط‬ ‫موجود في القواعد العامة للقانون الدويل ؟عىل سبيل المثال‬

‫االساس متنقلة ؟!‪،‬الن الحركة بأتجاه الرب سيؤدي اىل خسارة‬ ‫قانون تحديد حدود االنهار وهناك حكم لمحكمة العدل الدولية‬

‫في الحقوق السيادية والوالية القضائية للدول الساحلية‪،‬‬ ‫في قضية تعيني الحدود البحرية في البحر الكارييب والمحيط‬

‫والموارد والمناطق البحرية المحمية ‪ ،‬وهذا هو رأي آخر في‬ ‫الهادئ بني كوسرتيكا ونيكارغوا ‪،‬الذي أعتربته المحكمة خطا‬

‫اللجنة ‪ ،‬كما أن ديمومة المنطقة االقتصادية المتاخمة والجرف‬ ‫متحركا بني البلدين‪ .‬ويتبني أيضا أن المادة (‪ )5‬من أتفاقية‬

‫القاري من عدمها أيضا محل نقاش واختالف وتتجه اللجنة‬ ‫االمم المتحدة لقانون البحار قد أختلف في تفسريها ‪،‬فالبعض‬

‫برضورة االستدالل باالضافة اىل المصدر االصيل أتفاقية االمم‬ ‫من اللجنة الدولية يرى أنها واضحة االمر بشأن تنظيم خطوط‬

‫المتحدة لقانون البحار اىل القانون الدويل العرفي وأتفاقيات‬ ‫االساس وأنها نظمت حالة تغري خطوط االساس ‪ ،‬والبعض االخر‬

‫جنيف لعام ‪ 1958‬وغريها من المعاهدات الدولية للوصول اىل‬ ‫يرى أن االتفاقية اصال لم تتطرق اىل حالة أرتفاع مستوى سطح‬

‫حلول واقعية تريض الدول ‪،‬كما انها طلبت من الجمعية العامة‬ ‫البحار وال حىت االعمال التحضريية لالتفاقية ‪ ،‬ومن هنا برأينا‬
‫التقدم بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الزتامات‬ ‫تستوجب الرضورة تفسري المادة من قبل المحكمة المختصة‬

‫الدول فيما يتعلق بتغري المناخ ‪،‬وقدمت الجمعية العامة‬ ‫(محكمة العدل الدولية ) للوصول اىل رأي قانوني قاطع بذلك ‪.‬‬

‫طلب استصدار فتوى من المحكمة بتأريخ ‪ 29‬آذار ‪ 2023‬بالقرار‬ ‫وتشري بيانات اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة بأن وفود‬

‫رقم (‪ )77/276‬وقبلت المحكمة الطلب وطالبت بتقديم االمم‬ ‫الدول المترضرة من أرتفاع مستوى سطح البحار تحرص عىل مبدأ‬

‫المتحدة و والدول االعضاء مع تعليقاتهم والمعلومات حول‬ ‫االستقرار القانوني ‪،‬من خالل المحافظة عىل خطوط االساس‬

‫المسائل المطروحة وحددت تأريخ ‪ 22‬كانون الثاني ‪ 2024‬لقبول‬ ‫والحدود الخارجية للمناطق البحرية‪ ،‬كما أظهرت الدول حرصها‬

‫كافة المداخالت من قبل الدول االعضاء‪ .‬مما تقدم يالحظ‬ ‫أن تكون عمل اللجنة المعنية غري متعارضة مع أحكام أتفاقية‬

‫وجود اشكاليات تستوجب استصدار قواعد جديدة في القانون‬ ‫االمم المتحدة لقانون البحار أو تعدلها ‪،‬لكن في حال أعتبار‬

‫الدويل لمعالجة آثار أرتفاع مستوى سطح البحر ‪ ،‬وكذلك رضورة‬ ‫خطوط االساس ثابته فريى البعض أن أرتفاع المستوى للبحر‬

‫أنشاء أتفاقية جديدة للحفاظ عىل السلم واالمن الدوليني‪ ،‬كما‬ ‫يمكن أن يؤدي اىل تحول مساحات واسعة من البحر االقليمي‬

‫أن صدور الفتوى من محكمة العدل الدولية سيكون له أثر في‬ ‫أو أعايل البحار اىل مياه داخلية ينتفي معها حق المرور الربيء‪،‬‬

‫الوصول اىل توصيات لحل هذه الظاهرة‬ ‫كما قد تؤدي خطوط االساس الثابتة اىل االبقاء عىل نظام‬

‫المضايق في قناة ليست في العادة مضيقا كذلك يتبني أن‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪22‬‬
‫شخصيات وأعالم‬

‫الموسوعي العربي‬
‫مهدي المنجرة‬
‫(‪ )500‬مقال اقتصادي وسيايس‬ ‫مقدمة‬

‫وسوسيولوجي‪ ،‬باللغات العربية‬ ‫رغم الظروف االستثنائية اليت‬

‫والفرنسية واإلنجلزيية واليابانية‪.‬‬ ‫تحياها أمتنا منذ مئات السنني‪،‬‬

‫أما الكتب‪ ،‬فأصدر‪« :‬نظام األمم‬ ‫إال أنها لم تبخل يوما أن تجود‬

‫و»ِمن‬
‫ِ‬ ‫(‪1973‬م)»‪،‬‬ ‫المتحدة‬ ‫عىل البرشية بالعلم والعلماء‪،‬‬

‫المهد إىل اللحد (‪1981‬م)»‪،‬‬ ‫والمخرتعني‪،‬‬ ‫واالخرتاعات‬

‫األوىل‬ ‫الحضارية‬ ‫و»الحرب‬ ‫واالبتكارات والمبتكرين‪ .‬ولن تجد‬

‫العربي‬ ‫و»القدس‬ ‫(‪،»)1991‬‬ ‫ً‬

‫علًما من العلوم إال ويقف فيه‬

‫رمز وذاكرة (‪1996‬م)»‪ ،‬و»حوار‬ ‫عربّي ّ شامخ نهض كالعنقاء‬

‫و»عولمة‬ ‫‪1996‬م»‪،‬‬ ‫التواصل‬ ‫من وسط رماد البؤس والفقر‬

‫أ‪.‬عزيز محمود العصا‬
‫العولمة (‪1999‬م)»‪ ،‬و»انتفاضات في‬ ‫والترشد‪ ،‬الذي فرضته قوى الرش‬

‫زمن الذلقراطية (‪2002‬م)»‪ ،‬و»اإلهانة في عهد الميغا‬ ‫االستعمارّي ّ عىل األمة في مختلف العصور‪.‬‬

‫إمربيالية (‪2004‬م)»‪ ،‬و»قيمة القيم (‪2007‬م)»‪ .‬مهدي‬ ‫«مهدي المنجرة»؛ عالٌمٌ مغربّيّ‪ ،‬ولد في مدينة الرباط‬

‫المنجرة‪ :‬مستقبّيل ّ عالمّي ّ قادم من المغرب‪ .‬في‬ ‫المغربية في شهر مارس ‪1933‬م‪ ،‬في بيت كان ملتقًىً‬
‫الغالبية العظمى من إبداعاته الفكرية‪ ،‬نجد أنفسنا أمام‬ ‫الِكبار‪ ،‬ونادي�ا رباطي�ا للعلماء والمفكرين‬
‫ِ‬ ‫للوطنيني‬

‫المنجرة كعالم مستقبّيلّ‪ ،‬صاحب فكر ثاقب في دراسات‬ ‫الرشفاء‪ .‬درس في بلده المغرب حىت حاز عىل الثانوية‬

‫المستقبالت‪ ،‬وفي ذلك يقول عنه «هوغ دى جوفنيل»‬ ‫العامة‪ .‬وبخالف غالبية مجاييله‪ ،‬أكمل دراساته العليا‬

‫المستشار الدويل في االسترشاف واإلسرتاتيجية‪/‬‬ ‫في أمريكا‪ ،‬ونال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية‬

‫فرنسا‪ :‬المهدي المنجرة مستقبّيل ّ عالمي‪ ،‬قادم من‬ ‫من بريطانيا‪ ،‬وعاد عام ‪1957‬م لخدمة بلده‪ ،‬الذي كان قد‬

‫المغرب‪ ،‬له دور داخل المنظومة الدولية‪ ،‬ويصطف‬ ‫تحرر للتو من نري االستعمار الفرنيس‪ .‬قاد مهدي المنجرة‬

‫يرى المنجرة‬ ‫إىل جانب المستقبليني العرب واألجانب‪.‬‬ ‫العديد من المنظمات والجمعيات الدولية‪ ،‬و ّ‬
‫سّلط الضوء‬

‫أنه ال بد من تحرير مستقبل األمة الذي تسلطت عليه‬ ‫عىل العديد من القضايا في المجاالت االقتصادية‪،‬‬

‫القوى االستعمارية‪ ،‬وتسعى لصياغته وفق مصالحها‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والمعرفية وغريها‪.‬‬

‫الذاتية األنانية‪ ،‬دون أي التفات لحاجات األجيال القادمة‬ ‫ويفيد الباحثون والمتابعون لمهدي المنجرة بأنه نرش نحو‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪23‬‬

‫هذا العنوان عام ‪1996‬م‪ ،‬دون االلتفات إىل أن هنتنغتون‬ ‫واحتياجاتها من مقومات العيش الكريم‪ .‬وفي ذلك‪،‬‬

‫نفسه يعرتف بمرجعية مفهوم الحروب الحضارية للدكتور‬ ‫يشهد العالم المستقبيل العربّي ّ مازن الرمضاني بأن‬

‫المهدي المنجرة‪ .‬وسنناقش‪ ،‬فيما يأتي‪« ،‬مفهوم‬ ‫فكرة «اسرتجاع المستقبل»‪ ،‬قال بها عربيا‪ ،‬وألول مرة‬

‫الحروب الحضارية» من وجهة نظر المنجرة‪ ،‬الذي سبق‬ ‫في وقته‪ ،‬المستقبيل العربي المغربي المرحوم مهدي‬

‫فيه هنتنغتون وغريه من العلماء‪ .‬مهدي المنجرة‪ :‬أول‬ ‫المنجرة‪ ،‬واليت من خاللها دعا دول عالم الجنوب ‪-‬األمة‬

‫من تحدث عن «صدام الحضارات» يالحظ من مجموعة‬ ‫العربية جزء منه‪ -‬إىل استنهاض قدراتها الكامنة من أجل‬

‫الكتب المنسوبة إىل المنجرة‪ ،‬أن كتابه الثالث‪ ،‬من بني‬ ‫صناعة مستقبلها عىل وفق إرادتها‪ ،‬والمشاركة في بناء‬

‫كتبه التسعة‪ ،‬قد صدر عام ‪1991‬م‪ ،‬وقد جاء بعنوان الفت‬ ‫عالم ال يقرتن مستقبله بصورة (واحدة) ُُتعرب عن مصالح‬

‫«الحرب الحضارية األوىل»‪ ،‬ثم تواىل في إصدار الكتب‬ ‫الدول األكرث تطورا‪ ،‬وإنما بصور متعددة‪ .‬كما أن المهدي‬

‫في تسعينيات القرن العرشين ومطلع القرن الحادي‬ ‫المنجرة أول من وضع مفهوم «استعمار المستقبل»‪،‬‬

‫والعرشين‪ .‬إن اختيار عنوان هذا الكتاب‪ ،‬واختيار السنة اليت‬ ‫ّ‬
‫يخّطط لمستقبله‪ ،‬فإنه‬ ‫ُمُ نذ ًًرا‪ّ »:‬‬
‫إّن العالم اإلسالمي إذا لم‬

‫صدر فيها‪ ،‬قد جاء وفق دالالت تاريخية‪ ،‬بل مصريية‪ ،‬ليس‬ ‫ُ‬
‫اسُتعمر ماضيه وحارضه‪.‬‬ ‫يوشك أن ُيُستعمر بدوره‪ ،‬كما‬

‫عىل مستوى األمة العربية وحسب‪ ،‬وإنما عىل مستوى‬ ‫ّ‬

‫ولعّل أبرز ما تمزي به المنجرة أنه كان أول من وضع‬

‫العالم أجمع‪ .‬فقد تزامن نرش هذا الكتاب مع الهجوم‬ ‫مفهوم «صدام الحضارات» ايل ينسبه الباحثون العرب‪،‬‬

‫الثالثيين عىل العراق‪ ،‬بقيادة الواليات المتحدة وحلف‬ ‫لألسف‪ ،‬إىل «صاموئيل هنتنغتون» في كتابه الصادر تحت‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪24‬‬

‫ومن يدور في فلكها‪ .‬والثاني‪ :‬السيناريو اإلصالحي؛‬ ‫الناتو‪ ،‬وقد أطلق هذا التحالف رصاصته األوىل باتجاه صدر‬

‫يحافظ عىل االستقرار مع بعض االصالحات والتغيريات‬ ‫العروبة واإلسالم في ‪ 17‬يناير ‪1991‬م؛ ذلك اليوم الذي جعل‬

‫التدريجية‪ .‬والثالث‪ :‬سيناريو التغيري الجذري؛ أي التحوالت‬ ‫منه المنجرة مناسبة لمنح جائزة سنوية تحت إسم «جائزة‬

‫الكربى والعميقة‪ .‬وكان المنجرة متفائاًلا بأنه «لن ندخل‬ ‫التواصل الثقافي شمال‪-‬جنوب»؛ تمنح في ‪ 17‬يناير من‬

‫القرن الحادي والعرشين بدون سيناريو التغيري الجذري»‪.‬‬ ‫كل سنة وهو اليوم الذي يصادف ذكرى الحرب الرهيبة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬يؤرخ لمرحلة ما بعد ‪ 17‬يناير‪ ،‬كانطالق‬ ‫اليت شنت ضد الشعب العراقي سنة ‪1991‬م‪ .‬بهذا يكون‬

‫ألول حرب عالمية أوىل حقيقية‪ ،‬وكبداية ألول رصاع‬ ‫المهدي المنجرة قد ّ‬
‫خّلد هذا العدوان الرهيب‪ ،‬وجعل‬

‫حضاري واضح بني الشمال والجنوب‪ .‬ويتضمن هذا الفصل‬ ‫منه مفصاًلا تاريخًّيًا عىل مستوى العالقة بني الشمال‬

‫(‪ )24‬عنوا ًًنا عىل (‪ )116‬صفحة‪ ،‬ومما يناقشه المنجرة في‬ ‫والجنوب‪ .‬فقد جاء كتابه قيد النقاش‪ ،‬بعنوان‪« :‬الحرب‬

‫هذا الفصل‪ :‬حرب الخليج وسقوط أقنعة الديمقراطية‬ ‫الحضارية األوىل‪ :‬مستقبل المايض ومايض المستقبل»‪.‬‬
‫الغربية‪ ،‬والوجه البشع للنظام العالمي الجديد‪ ،‬وقد أطلق‬ ‫وأهدى المهدي المنجرة هذا الكتاب إىل « بلد واحد‬

‫عليه «نظام الظلم العالمي الجديد»‪ ،‬كما نّبّه المنجرة إىل‬ ‫يضم ‪ 17‬مليون نسمة‪ ،‬واجه كتلة مكونة من (‪ )37‬دولة‬

‫أن الفرنكوفونية تعد لمرحلة جديدة لتمديد هيمنتها عىل‬ ‫تضم قرابة (‪ )1،500‬مليون نسمة ومقادة من طرف جحافل‬

‫المغرب العربي‪ ،‬وينهي المؤلف هذا الفصل ‪-‬الثاني‪-‬‬ ‫الدمار المتجسدة في ثالث قوى غربيه أعضاء في مجلس‬

‫بمناقشة هجرة كفاءات الوطن العربي‪.‬‬ ‫«األمن»‪ .‬كما أهدى هذ الكتاب أيضا لمستقبل الذاكرة‬

‫الجماعية لإلنسانية اليت ال يمكنها أن تنىس بتاتا‪ ،‬ولجميع‬

‫المدافعني عن السالم‪.‬‬

‫يتألف هذا الكتاب من أربعة فصول كربى ومتتابعة‪،‬‬

‫أبرز ما فيها‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ينطلق من ‪1990/08/02‬م اىل حدود ‪ 17‬يناير‬

‫‪1991‬م؛ تاريخ اندالع العدوان عىل العراق‪ ،‬وجاء بعنوان‪2« :‬‬

‫آب ‪1990‬م‪ -‬أزمة الخليج‪ ،‬بداية عهد ما بعد االستعمار»‪،‬‬

‫يفتتحه بمناقشة «االنتفاضة الفلسطينية‪ ،‬والحوار العربي‬

‫األوروبي»‪ ،‬ثم يجادل المؤلف في مرحلة أسماها «عهد ما‬

‫بعد االستعمار»‪ .‬ويعرج المؤلف عىل واقع التخلف العربي‬

‫ومستقبله‪ ،‬وعىل «العالم اإلسالمي والمستقبل»‪.‬‬

‫وينهي المنجرة الفصل األول بمناقشة مستقبل الوطن‬

‫العربي وفق ثالثة مشاهد «سيناريوهات»‪ ،‬وهي‪ :‬األول‪:‬‬

‫سيناريو االستمرار أو االستقرار‪ ،‬الذي تحافظ عليه أمريكا‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪25‬‬

‫بالحوار بني الشمال والجنوب‪ ،‬وما يمارسه الشمال من‬ ‫أما الفصل الثالث واألخري‪ ،‬وقد جاء بعنوان‪« :‬قراءة‬

‫رياء مع الجنوب‪ ،‬ويعرج عىل الفرنكو فونية من عدة‬ ‫مستقبلية حول تحديات الواقع ورضورات المستقبل»‪،‬‬
‫ً‬
‫مستعرًضا دراسته الشهرية «المغرب الكبري عام‬ ‫نواح‪،‬‬ ‫فيكشف فيه المؤلف بوعي مستقبيل عن حجم األخطار‬

‫‪2000‬م»‪ ،‬واليت كان قد أعدها عام ‪1983‬م‪ .‬كما يتطرق‬ ‫المسلطة عىل دول الجنوب‪ ،‬لرتكزي مظاهر التخلف‬

‫المنجرة إىل التعددية واالختالف بني الثقافتني‪ ،‬ويخصص‬ ‫فيها‪ ،‬وكذلك عن مستقبل هذا الجنوب‪ -‬والذي يظهر‬

‫مساحة واسعة إىل دعوته العالمية رضورة «انصهار‬ ‫تحققه خالل هذه الحرب بالنسبة لجزء كبري من التوقعات‬

‫العلم والثقافة‪ :‬مفتاح القرن الحادي والعرشين»‪ ،‬وتقوم‬ ‫اليت طرحها الدكتور المنجرة منذ بداية الثمانينات‪ ،‬غري‬

‫هذه الدعوة عىل فرضية أساسية‪ ،‬هي‪ :‬عدم ضمان‬ ‫أن أهمية هذا الفصل تكمن في اآلفاق اليت يحللها‬

‫البقاء دون «تحالف جديد» يذهب اىل حدود انصهار العلم‬ ‫لمستقبل العالم الثالث عىل عتبة عام ‪ .2000‬لقد توزع هذا‬

‫والثقافة‪ ،‬فلقد تغذت الثورة الصناعية من خالل إبراز‬ ‫الفصل‪ ،‬الذي ّ‬

‫بّث فيه المنجرة أفكاره وفلسفته ورؤاه‬
‫صورة لمجتمع يملك ثقافتني‪ :‬األوىل علمية‪ ،‬والثانية غري‬ ‫ً‬
‫موضوًعا‪ ،‬توزعت عىل (‪)285‬‬ ‫المستقبلية‪ ،‬عىل (‪)30‬‬

‫علمية‪ .‬والمجتمع ما بعد الصناعي‪ ،‬المتنقل من حضارة‬ ‫صفحة‪ ،‬تشكل ما يزيد قلياًلا عىل ‪ %60‬من حجم محتوى‬

‫مواد خام وإنتاج ورؤوس أموال‪ ،‬اىل حضارة معرفة‬ ‫الكتاب‪ ،‬ما عدا المالحق اليت جاءت بحجم (‪ )20‬صفحة‪،‬‬

‫وإعالم والمادية‪ ،‬سيلغي حتما هذ التقسيم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ولعّل من‬ ‫تتعلق بمراسالت المؤلف وسريته الذاتية‪.‬‬

‫وبعد أن يتطرق إىل اإلعالم‪ ،‬والفضاء االعالمي المغربي‪،‬‬ ‫أهم ما ناقشه المنجرة في هذا الفصل الثالث ما يتعلق‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪26‬‬

‫وكلفة التغري االجتماعي برشيا ومادي‪ ،‬وهو الذي يعطي‬ ‫ومستقبل المنظمات الدولية‪ ،‬يتوقف المنجرة عند‬

‫بعض الحظوظ للجنوب للقدرة عىل االنتقال من مجتمع‬ ‫«النظام العالمي ومستقبل التعاون الدويل‪ ،‬وفق ثالثة‬

‫إنتاجي اىل مجتمع للمعرفة اليت دخل فيها الشمال قبله‪،‬‬ ‫سيناريوهات‪ ،‬هي‪:‬‬

‫وهو مجتمع ناتج عن الوثرية المتسارعة للتاريخ‪.‬‬ ‫سيناريو (أ)‪ :‬يمثل سيناريو االستقرار إسقاطا ‪ -‬يكاد يكون‬

‫خطيا‪-‬للوضعية الراهنة ويتعلق األمر بسيناريو محافظ ال‬

‫يقبل التغيري إال في إطار التكيف وبخطى بطيئة‪ ،‬ويعمل‬

‫هذا السيناريو عىل تكريس الظلم والالمساواة الممزية‬

‫للنظام العالمي الحايل‪ ،‬ويزيد في الهوة االقتصادية‬

‫والسوسيو ثقافية اليت تفصل بني الدول المصنعة‬

‫والدول النامية وهو االتجاه السائد منذ عام ‪1960‬م‪.‬‬

‫سيناريو (ب)‪ :‬يمثل سيناريو اإلصالح – ولعل أهم إصالح‬

‫يكون في النظام المايل؛ إذ أن بل ًًدا مثل أمريكا ال يمكنه‬

‫الحياة باالعتماد عىل إمكاناته الخاصة‪ ،‬وإنما عىل ثروات‬

‫اآلخرين‪.‬‬

‫سيناريو (س)‪ :‬يمثل سيناريو التغيري – في نظري‪ ،‬يبقى‬

‫سيناريو التغيري أو إعادة التوزيع الحد األدنى المكتسب‬

‫لتأمني مستقبل أفضل للتعاون الدويل وتقليص ثمن‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪27‬‬

‫فلسطني في المصادر العربية‬

‫تعالج تلك الورقة إشكالية الوجود العربي في أرض‬

‫فلسطني‪ ،‬ودور العرب في بناء مدينة القدس خاصة‬

‫ً‬
‫استنادًا لما ورد في المتون التوراتية‬ ‫منذ أقدم العصور‪،‬‬

‫ذاتها‪ .‬ولعل المأرب من ذلك لتأكيد الحقوق العربية‪-‬‬

‫اإلسالمية في إطار موضوعي يتفق مع المنهج العلمي‬

‫ً‬
‫دحضًا‬ ‫التاريخي في ضوء الكتابات اليهودية المقدسة‬

‫للمزاعم اليت ُيُروج لها اليهود‪ ،‬ومن مال ميلهم‪ .‬ونعلم‬

‫أنها إشكاليات تتسم بالتعقيد‪ ،‬والغموض السيما مع‬

‫محاوالت كل طرف إثبات وجهة نظره‪ ،‬وأحقيته في‬

‫األرض المقدسة‪ .‬والريب أن اإلدعاءات اليهودية التتوقف‬

‫د‪ .‬سوالف فيض هللا حسن‬
‫جامعة بغداد ‪ /‬كلية الرتبية ابن رشد – قسم التاريخ‬
‫حول القدس والمسجد األقىص لكسب حقوق ليست‬

‫متوُن التوراة والتلمود صو ًًرا الفتة من ُ‬

‫الُغلو في‬ ‫ُ‬ ‫تحمل‬ ‫لهم‪ ،‬وإلقناع الشعوب األخرى بأفكار مغلوطة الوجود‬

‫تضخيم الذات‪ ،‬وتصوير اليهودي منتم ًًيا ألرقى اإلعراق‬ ‫لها تخدم مآربهم االستعمارية‪ .‬ومن المعلوم أن الغرب‬

‫والبرش‪ ،‬وأنهم األطهار والمباركني دون غريهم‪..‬الخ‪،‬‬ ‫يتبىن بشكل أو بآخر مزاعم اليهود حول «أرض الميعاد»‪،‬‬

‫وغري ذلك من أنماط التصورات الراديكالية‪ ،‬والُمُ بالغ فيها‬ ‫أو «الحق اليهودى» فى أرض فلسطني‪ ،‬ولهذا كان‬

‫بشكل ُمُ فرط‪ُ .‬‬

‫وُتعرف التوراة الحالية بأنها‪« :‬توراة عزرا»‬ ‫من المهم طرح تلك القضية من خالل المتون اليهودية‬

‫‪ ،‬أو «التوراة الثانية»‪ ،‬وعزرا (وهو العزير في القرآن) هو‬ ‫المقدسة ذاتها لتكون الحقيقة جلية أمام الجميع‪ .‬الشك‬

‫الحاخام الذى أعاد تدوين أسفار التوراة إبان القرن ‪ 5‬ق‪.‬م‬ ‫أن أهمية تلك الدراسة ترجع إىل أنها تعتمد عىل المصادر‬

‫بعد اختفاء «توراة موىس»‪ ،‬أو «التوراة األوىل»‪ ،‬لما دمر‬ ‫اليهودية بشكل رئيس السيما روايات العهد القديم اليت‬

‫نبوخذ نرص (ُبُختنرص) ملك بابل‪ -‬سنة ‪ 586‬ق‪.‬م‪ -‬مدينة‬ ‫تؤكد حقوق العرب في هذه األرض‪ .‬وتحاول الدراسة أن‬

‫«يبوس» (القدس)‪ ،‬وكذلك الهيكل المقدس الذي بناه‬ ‫تجيب عىل بعض التساؤالت المهمة‪ :‬من بىن القدس؟‬

‫الملك سليمان بن داوود (‪ 930-970‬ق‪.‬م) بحسب رواية‬ ‫ومىت كان الوجود العربي بها؟ ومىت ظهر اليهود‬

‫العهد القديم ‪ .‬وُيُعتقد أنه أضيفت الكثري من الروايات‬ ‫بالمدينة في ضوء النص التوراتي؟‬

‫واألفكار المغلوطة لمنت التوراة األصلية آنذاك‪ ،‬وهو‬ ‫‪ -1‬اليهود ونظرتهم لألغيار (الجوييم) بحسب المتون‬

‫ُ‬
‫البعُض إشكالية تحريف الكتاب المقدس‪.‬‬ ‫ما ُيُطلق عليه‬ ‫التوراتية‪:‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪28‬‬

‫القديمة‪ ،‬وعقائدهم في الرشق‪ ،‬مثل‪ :‬مرص القديمة‪،‬‬ ‫ويعرتف علماُءُ الالهوت اليهود ذاتهم بتحريف التوراة‪،‬‬

‫وبالد الرافدين‪ ،‬وفارس‪..‬الخ ‪ .‬وألن تلك الحضارات أقدم‬ ‫ومن أبرزهم «باروخ اسبينوزا» (‪1677-1632‬م) الذي يذكر‬

‫من الوجود اليهودي‪ ،‬ومن ثمة ُيُعتقد أن كاتب «التوراة‬ ‫أن «عزرا الكاهن» قام بجمع متون التوراة ورواياتها من‬

‫الثانية» (عزرا ومن جاء بعده) استفاد مما ورد في الروايات‬ ‫العديد من المصادر المتباينة‪ ،‬وأنه لم يحاول التوفيق بينها‬

‫الميثولوجية الواردة في تلك الحضارات القديمة‪ ،‬وتراثها‬ ‫في ذات اآلن ‪ .‬ولعل من أكرث من اتهم اليهود بالكذب‪،‬‬

‫الفكري واأليديولوجي ‪ .‬يؤكد عالُمُ الالهوت (اليهودي)‬ ‫وأنهم حرفوا التوراة عم ًًدا خدمة ألهوائهم مارتن لوثر‬

‫باروخ اسبينوزا أن أسفار التوراة اليت دونها عزرا الكاهن‬ ‫مؤسس مذهب «الربوتستانت» الذي يقول‪« :‬واليهود‬
‫ً‬
‫ضطربًة‪ ،‬وُمُ تعارضة في متونها‪ ،‬ورواياتها‪ ،‬وهو‬ ‫تبدو ُمُ‬ ‫هم عىل الخليقة المنافقون‪ ،‬وسفاكو الدم بال مراء‪،‬‬

‫ما يؤكد ذات الطرح ‪ .‬وعن شخصية «عزرا هوفري»‪ ،‬يقول‬ ‫لم يكتفوا بتحريف التوراة‪ ،‬وتزييف كالمها من أولها‬

‫العهد القديم (سفر عزرا)‪« :‬وفي الشهر الخامس جاء‬ ‫آلخرها‪ُ ،‬مُ ضيفني إىل ذلك تفاسريهم الُمُ ضللة» ‪ .‬وهو‬

‫(عزرا) إىل أورشليم حسب يد هللا الصالحة عليه‪ .‬ألن عزرا هيأ‬ ‫ما يؤكد تعمد اليهود لتحريف التوراة ليستفيدوا من ذلك‬

‫قلبه لطلب رشيعة الرب (أي التوراة) والعمل بها‪ ،‬وليعلم‬ ‫ً‬
‫استغالًال للمتون التوراتية المقدسة‬ ‫لتحقيق مآرب خاصة‬

‫إرسائيل فريضة وقضاء» ‪ .‬وتذكر المصادر اإلسالمية أن‬ ‫ً‬

‫حديًثا‬ ‫لديهم‪ .‬ويؤكد فكرة التحريف أن العلماء اكتشفوا‬

‫«الُعُ زير» (وهو عزرا التوراتي) كان أحد أنبياء بين إرسائيل‪،‬‬ ‫وجود تشابه واضح بني روايات التوراة (الحالية)‪ ،‬وما ورد‬

‫وكانت أيامه فيما بني سليمان بن داوود عليهما السالم‬ ‫في روايات األساطري والميثولوجيا المرتبطة بالشعوب‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪29‬‬

‫واليت حاربتها أوروبا مع إرهاصات عرص النهضة من خالل‬ ‫ناحيٍة‪ ،‬وزكريا ويحيى عليهما السالم من ناحية أخرى‬
‫ٍ‬ ‫من‬

‫الفكر العلماني‪.‬‬ ‫‪ .‬وفي ذات الصدد‪ ،‬تعج أسفا ُُر التوراة (الحالية) وكذلك‬

‫التلمود العربي باإلطراء عىل بىن إرسائيل ‪ ،‬وتنعتهم متون‬

‫التوراة بأنهم «شعب هللا المختار»‪ ،‬وكذلك ُيُوصف اليهود‬

‫بأنهم «أبناء هللا»‪ ،‬و»األبناء المقدسني»‪ ،‬واألطهار‪،‬‬

‫والمباركني‪ ،‬ونطفة الرب‪ ،‬أو ما ُيُعرف لدى البعض‬

‫بـ»االصطفاء اإللهي» ‪ Divine Individualism‬للشعب‬

‫اليهودي من دون البرش‪ ،‬أي أن هللا اصطفاهم من دون‬

‫البرش الذين ُيُطلقون اليهود عليهم تسمية «الجوييم»‪ ،‬أو‬

‫«األغيار»‪ ،‬وهم الشعوب األخرى من غري العرق اليهودي‪،‬‬

‫كما يعتقد اليهود أنهم «شعب هللا»‪ ،‬و»خاصته»‬

‫وحدهم دون غريهم‪ ،‬وأنهم أرقى من الشعوب األخرى‬

‫خريطة تصور أرض كنعان القديمة وأشهر المدن بها‬ ‫ً‬

‫وعرًقا‪...‬إلخ ‪ ،‬وغري ذلك من الرؤى اليت تؤكد اإلفراط‬ ‫ً‬
‫أصًال‪،‬‬

‫فٍج من خالل‬ ‫ٌ‬

‫في مدح الذات‪ ،‬وهي فكرٌة تتضح بشكل ٍ‬
‫‪ -2‬النظرة اليهودية السلبية تجاه الفلسطينيني‪:‬‬ ‫المتون التلمودية‪ ،‬وهو تفسري الحاخامات اليهود ألسفار‬
‫ً‬
‫نظرًة جد سلبية تجاه‬ ‫تحمل المتون التوراتية والتلمودية‬ ‫التوراة ‪.‬‬

‫الفلسطينيني‪ ،‬ويبدو ذلك من خالل نظرتهم الدونية لنسل‬ ‫وورد في التلمود أن أرواح اليهود تتمزي عن باقي أرواح‬

‫حام بن نوح عليه السالم‪ ،‬وتحدي ًًدا «الكنعانيني» ‪ ،‬وهم‬ ‫سائر البرش أو «الجوييم»‪ ،‬وذلك ألنها جزٌءٌ من الرب‪ ،‬ومن‬

‫أجداد الفلسطينيني القدامى‪ ،‬وهم (أي الكنعانيون)‬ ‫ً‬

‫مقارنًة باألغيار‬ ‫ٌ‬
‫عزيزٌة‪ ،‬ومباركة عند الرب‬ ‫ثم فأرواحهم‬

‫الذين ُُتنسب لهم أرض فلسطني منذ أقدم العصور‪ ،‬ولهذا‬ ‫‪ .‬كما يذكر التلمود‪« :‬إذا لم يخلق هللا اليهود النعدمت‬

‫اشتهرت تلك األرض بـ»أرض كنعان»‪ ،‬وذلك بحسب متون‬ ‫الربكة من األرض‪ ،‬ولما أمكن باقي المخلوقات أن تعيش‪،‬‬

‫التوراة‪ ،‬السيما ما ورد في «سفر التكوين» ‪ .‬ولعل أول‬ ‫ُ‬

‫والفرُق بني درجة اإلنسان والحيوان بقدر الفرق بني اليهود‬

‫ذكر السم «كنعان»– ذاته‪ -‬في المصادر التاريخية يؤرخ‬ ‫وسائر البرش» ‪ ،‬وهو تصور ذاتي فج لديهم‪ .‬كما يقدم‬

‫لحوايل القرن ‪ 15‬ق‪.‬م‪ ،‬إذ ورد ذكرهم في رسائل «تل‬ ‫التلمود حاخامات اليهود باعتبارهم التجسيد الحي ألسفار‬

‫العمارنة»‪ ،‬وكان المرصيون يشريون ألرض كنعان باسم‬ ‫التوراة (أي لكالم الرب)‪ ،‬ومن ثم صار أي عمل من أعمال‬

‫«باالستو»‪ ،‬أي‪« :‬فلستيا»‪ ،‬وهي التسمية اليت صارت‬ ‫الحاخامات واألحبار تعب ً‬
‫ًريا عن التوراة‪ ،‬ورؤيتها ‪ .‬وهو ما‬

‫بعد ذلك تنطق باسم‪( :‬فلسطني) ‪ .‬وبدًءً ا من سنة ‪138‬م‪،‬‬ ‫يشري لتقديس اليهود لألحبار‪ ،‬أو الحاخامات‪ ،‬ومدى تأثريهم‬

‫استخدم الرومان تسمية «بالتسينا»‪ ،‬وذلك إشارة إىل‬ ‫في حياتهم السيما «الُمُ تدينيني» منهم (أي‪« :‬الحريديم»)‪،‬‬
‫ُ‬
‫البعُض إىل أن اسم‬ ‫هذه البالد (أي أرض كنعان) ‪ .‬ويشري‬ ‫وهو تأكيد عىل فكرة الدولة الدينية في التصور اليهودي‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪30‬‬

‫المحلية مما يؤدي لقبول فكرة إبادة هذه الشعوب‬ ‫«بالستيا» (أي‪ :‬فلسطني) كان ُيُطلق بداية عىل ساحل‬

‫مثلما كان الحال مع سكان أمريكا األصليني» ‪ .‬لعل‬ ‫أرض كنعان‪ ،‬ثم أطلقت ذات التسمية عىل باقي آرايض‬

‫هذا ما يشري لمدى التدني الفكري واألخالقي‪ ،‬وعدم‬ ‫الكنعانيني بعدئذ‪ .‬ومن المعلوم أن الكنعانيني هم أجداد‬

‫اإلنصاف في الطرح العلمي لدى بعض الالهوتيني‬ ‫«اليبوسيني» العرب‪ ،‬وهم الذين أقاموا مدينة «يبوس»‬

‫في الغرب صوب الفلسطينيني‪ ،‬وأجدادهم القدامى‪،‬‬ ‫(القدس) ‪ .‬ومما يلفت االنتباه أن متون التوراة والتلمود‬

‫وحقوقهم في أرض فلسطني‪ .‬وعىل أية حال‪ُ ،‬يُروج أتباع‬ ‫ُُتكرث لحد اإلفراط في ذم شعب «الكنعانيني»‪ ،‬وقدحهم‪،‬‬

‫الفكر الصهيوني‪ -‬من ناحية أخرى‪ -‬للمزاعم اليت تحاول‬ ‫والتتوقف عن توجيه «اللعنات» لهم دون ُمُ ربر‪ ،‬ولعل‬

‫التأكيد عىل أن «الكنعانيني» ُُأبيدوا عىل يد العربانيني‪ ،‬أو‬ ‫من ذلك عىل سبيل المثال‪ ،‬يقول أحد المتون التوراتية‪:‬‬

‫أنهم ذابوا فيهم ‪ ،‬وذلك لمحاولة الزعم بأن الفلسطينيني‬ ‫«فلما استيقظ نوٌحٌ ‪..‬علم ما فعل به ابنه الصغري‪ .‬فقال‬

‫الحاليني ليست لهم ثمة عالقة بالكنعانيني القدامى‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫ملعوٌن كنعان‪ .‬عب ُُد العبيد يكون إلخوته‪ .‬وقال مبارك‬
‫ومن ثم ليس لهم حقوق في هذه األرض‪ ،‬وهو جانب‬ ‫الرب إله سام‪ .‬وليكن كنعان عب ًًدا لهم‪ .‬وليفتح هللا ليافث‬

‫من الحرب الدعائية الباطلة اليت يقوم بها اليهود لتشويه‬ ‫فيسكن فى مساكن سام‪ .‬وليكن كنعان عبدا لهم»‬

‫الحقوق العربية‪-‬الفلسطينية في هذه البالد‪ .‬كما أن‬ ‫‪ ،‬وهو قدٌحٌ فج دون مربر واضح سوى إظهارا للكراهية‬

‫هؤالء الصهاينة يرفضون االعرتاف بأن اليهود تعلموا من‬ ‫والحقد اليهودي تجاه الكنعانيني (أجداد الفلسطينيني)‪.‬‬

‫الكنعانيني‪ ،‬وتأثروا بهم‪ ،‬وبأفكارهم‪ ،‬وهو أمر معروف‪،‬‬ ‫يجدر بالذكر أن العديد من باحيث التوراة الغربيني ممن‬

‫والجدال فيه‪ ،‬حيث كانت ألفكار وعادات الكنعانيني العديد‬ ‫حادوا عن جادة الصواب‪ ،‬وضلوا عن موضوعية المنهج‬

‫من التأثريات اليت الينكرها سوى جاهل‪ ،‬وغري منصف‪،‬‬ ‫العلمي‪ ،‬ورصانته بسبب ميولهم اليهودية‪ ،‬ومن ثمة‬

‫عىل اليهود بمرور الزمن ‪ .‬عىل أية حال فرغم أن المتون‬ ‫أفاضوا في اإلساءة للكنعانيني‪ ،‬ومالوا ميل الرواية‬

‫التوراتية تذكر أن االبن األصغر لـ»نوح» (عليه السالم)‬ ‫التوراتية السلبية عنهم‪ ،‬وحملت بعض آرائهم عنرصية‬

‫وُيُقصد به حام‪ ،‬وهو جد المرصيني القدامى‪ ،‬وكذلك هو‬ ‫غري ُمُ ربرة‪ .‬وهي آراٌءٌ يرفضها حىت بعض الُمُ نصفني من‬

‫ُيُعد جد الكنعانيني (أجداد الفلسطينيني) األقدم في ذات‬ ‫الالهوتيني الغربيني‪ ،‬ولعل من ذلك ما يشري إليه «كيث‬
‫الوقت بحسب «رواية التوراة»‪ ،‬فمن المعروف أن ً‬
‫كًال من‬ ‫ويتالم» في رده عىل آراء أحد هؤالء المتعصبني‪« :‬هذا‬

‫«مرصاييم» (وهو الجد األقدم للمرصيني) وكنعان من‬ ‫التربي ُُر إلبادة الشعب الفلسطيين كما نجده لدى أحد‬
‫ً‬
‫مبارشًة إىل كنعان بن‬ ‫ُ‬
‫اللعنُة‬ ‫أبناء حام بن نوح‪ ،‬إال أنه ُُتوجه‬ ‫أهم الباحثني التوراتيني في القرن ‪20‬م‪ ،‬هو يشء بالغ‬

‫حام‪ ،‬وليس ألبيه «حام» نفسه بحسب رواية التوراة الواردة‬ ‫بشكٍل مذهل‬
‫ٍ‬ ‫الخطورة‪ ،‬واألهمية لسببني‪ :‬األول‪ :‬أنه ُيُعرب‬

‫في سفر التكوين ‪ ،‬فما ذنب كنعان إذن‪ ،‬وما عالقته بذلك‬ ‫عن عنرصية سافرة‪..‬ويتطابق وصف أولربايت للكنعانيني‬
‫األمر؟ ومن ثمة‪ ،‬فال يوجد تفس ٌ‬
‫ٌري منطقي للعنة التوراة‬ ‫بأنهم حسيون‪ ،‬وغري أخالقيني مع وصف الُمُ سترشقني‬

‫للكنعانيني‪ ،‬سوى الحقد والكراهية لهم‪ .‬بل إنه من‬ ‫لآلخر عىل أنه النقيض التام لإلنسان الغربي العاقل‪،‬‬

‫الالفت أن «الكنعانيني»‪ -‬أنفسهم‪ -‬لم يكونوا من بني‬ ‫والمثقف‪ ،‬إنه وصف يؤدي للحط من إنسانية الشعوب‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪31‬‬

‫عىل اقل تقدير‪ .‬وعن أسبقية الوجود العربي في القدس‪،‬‬ ‫الشعوب الحامية‪ ،‬أي أنهم ليسوا من نسل حام كما تزعم‬

‫يقول المسريي‪« :‬ويسبق وجو ُُد مدينة القدس الوجود‬ ‫متون التوراة‪ ،‬والتلمود‪ ،‬حيث إنهم من الشعوب السامية‪،‬‬

‫العرباني في فلسطني بعرشات القرون‪ ،‬واستمرت‬ ‫أي من نسل سام بن نوح عليه السالم مثل اليهود ‪.‬‬

‫بعدها بعرشات القرون األخرى‪ .‬فقد كانت مرك ًًزا للحضارة‬ ‫‪ -3‬الكنعانيون واليبوسيون العرب الذين بنوا القدس‬

‫الكنعانية‪ ،‬حيث كان اليبوسيون أول من أقام فيها‬ ‫في األلف الثالث ق‪.‬م‪:‬‬
‫ً‬
‫ملًكا‪ ،‬واتخذوا فيها هياكل آللهتهم‪ ،‬واعتربوها مدينة‬ ‫سكن الكنعانيون فلسطني منذ أقدم العصور‪ ،‬وكان‬

‫مقدسة» ‪ .‬وُيُرجح أن اليبوسيني (العرب) هم أحد فروع‬ ‫استقرار الكنعانيني قبل قدوم العربانيني لهذه البالد بزمن‬

‫الشعوب الكنعانية اليت استقرت في فلسطني‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ُ‬

‫ساميُة نازحة من شبه جزيرة‬ ‫ٌ‬
‫أمٌة‬ ‫طويل‪ ،‬والكنعانيون هم‬

‫حملت القدس اسم هؤالء اليبوسيني فيما بعد حىت أيام‬ ‫العرب ‪ .Arabia‬ولفظ «كنعاني» صيغة نسب لـ»كنعان»‪،‬‬

‫الملك داوود في القرن ‪ 10‬ق‪.‬م‪ .‬عىل هذا‪ ،‬كانت القدس‬ ‫وهي كلمة حورية قديمة‪ ،‬وهي تعين «الصبغ القرمزي»‬
‫يبوسية عريبة معروفة‪ ،‬وكانت مقدسة قبل قدوم‬ ‫الذي كان الكنعانيون يقومون بصناعته‪ ،‬وكذلك اإلتجار‬

‫إبراهيم عليه السالم لهذه المدينة (أي حوايل ‪ 1900‬ق‪.‬م)‬ ‫فيه ‪ .‬ويجدر اإلشارة إىل العالقة اليت تربط بني كل من‬
‫‪ .‬ومن خالل المنظور اإليديولوجي اليهودي ً‬
‫أيًضا حول‬ ‫الكنعانيني والفينيقيني من ناحية أخرى‪ ،‬إذ إن كلمة‬

‫الكنعانيني‪ ،‬وارتباطهم باألرض يقول أحد رُشر اح التوراة‬ ‫«فينيقي» تعين «الصبغ األرجواني»‪ ،‬وهو ذات المعىن‬

‫اليهود الحاخام ابن عزرا (وهو ليس عزرا هوفري المشهور)‪:‬‬ ‫الخاص بالكنعانيني‪ ،‬وعىل هذا فمنذ القرن الثاني ق‪.‬م‬

‫«وكان الكنعاني حينئذ في هذه األرض‪ ،‬قد يعين هذا‬ ‫صارت كلمة «فينيقي» مرادفة للفظ «كنعاني» ‪ .‬وفي‬

‫أن كنعان حفيد نوح استوىل عىل هذه األرض اليت كان‬ ‫الغالب أن الفينيقيني هم أحد فروع الشعوب الكنعانية‪.‬‬

‫يحتلها من قبل شخص آخر‪ ،‬فإن لم يكن األمر كذلك‪،‬‬ ‫وعن أصل الكنعانيني‪ ،‬يقول عبدالوهاب المسريي‪« :‬وقد‬
‫ٌ‬
‫رؤيٌة تحاول‬ ‫فهناك رس عىل من يعرفه أال يبوح به» ‪ .‬تلك‬ ‫وصفهم (أي الكنعانيني) العهد القديم بأنهم حاميون‪،‬‬

‫عدم االرتباط بني الكنعانيني وأرض فلسطني‪ ،‬والزعم بأنها‬ ‫رغم أنهم ساميون‪ ،‬ولغتهم سامية‪ ،‬وربما كان ذلك لتربير‬

‫كانت ملكا آلخرين قبل الكنعانيني‪ .‬وبحسب التوراة‪ ،‬فإن‬ ‫الحروب اليت نشبت بينهم وبني العربانيني‪ . »..‬وقد هاجر‬

‫«كنعان» هو ابن حام بن نوح (عليه السالم) ‪ ،‬أى أنه ُيُعترب‬ ‫هؤالء الكنعانيون من موطنهم األول من شبه «جزيرة‬

‫«الجيل الثالث» من نسل أبناء النىب نوح‪ .‬أما إبراهيم عليه‬ ‫العرب» خالل النصف األول من األلف الثالث ق‪.‬م‪ ،‬وتمت‬

‫السالم‪ ،‬فاسمه بحسب التوراة‪« :‬إبراهيم بن تارح (وهو‬ ‫الهجرات الكنعانية في شكل هجرات مكثفة إىل أرض‬

‫«آذر» في المصادر اإلسالمية) بن ناحور بن ساروغ بن‬ ‫فلسطني‪ ،‬ومن ثم حملت هذه البالد اسمهم منذ القدم‪،‬‬

‫راعو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن‬ ‫وصارت تشتهر باسم‪ :‬أرض كنعان ‪ .‬ويعتقد أن النىب‬

‫نوح» ‪ .‬إذن‪ ،‬فإن النىب إبراهيم هو الجيل الحادى عرش من‬ ‫إبراهيم عاش فيما بني القرنني ‪ 19‬و‪ 18‬ق‪.‬م‪ ،‬وعىل هذا‬

‫النىب نوح عليه السالم‪ ،‬أما كنعان (جد الفلسطينيني) فهو‬ ‫فالوجود الكنعانى فى أرض فلسطني (كنعان) يسبق‬
‫الحفيد المبارش للنىب نوح عليه السالم‪ ،‬وهو ٌ‬
‫دليٌل آخر عىل‬ ‫زمان قدوم النىب إبراهيم جد اليهود بأكرث من ألف سنة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪32‬‬

‫ُ‬
‫الُقدس بالعديد من األسماء عرب تاريخها ‪ ،‬مثل‪ :‬شاليم‪،‬‬ ‫أقدمية الوجود الفلسطيىن من الناحية الزمنية مقارنة‬

‫ويبوس‪ ،‬ثم أورشليم (يروشااليم)‪ ،‬وإيليا‪..‬الخ‪ ،‬منذ أن بناها‬ ‫باليهود‪ ،‬وهذا الدليل مأخوذ من أسفار التوراة ذاتها‪ .‬ويرى‬

‫الكنعانيون حواىل األلف الثالث أو الثانى ق‪.‬م ‪ ،‬وهو ما‬ ‫أكرث الباحثني أن «الكنعانيني» ساميو األصل‪ ،‬وأنهم ليسوا‬

‫ُيُشري ألصولهم العربية األوىل‪ .‬وبحسب رواية التوراة‪ ،‬فإن‬ ‫من الشعوب الحامية بحسب متون التوراة‪ ،‬لكن اليهود‬

‫اليهـود لم يدخلوا مدينة القدس إال أيام الملك داوود‪ ،‬أي‬ ‫هم الذين أخرجو الكنعانيني بقصد من نسل سام بن نوح‪،‬‬

‫إبان القرن ‪ 10‬ق‪.‬م فقط‪ ،‬ومن ثم استقروا بها للمرة األوىل‬ ‫حىت ال ينالوا الربكة الىت أعطاها الرب إىل سام بن نوح‪،‬‬

‫فى تاريخهم‪ .‬وكانت القـدس آنذاك اسمها «يبوس»‪،‬‬ ‫ونسله السيما اليهود‪ ،‬وحىت يصري هؤالء الكنعانيون‬

‫وكان يسكنها اليبوسيون العرب في ذلك الوقت وذلك‬ ‫ُ‬

‫البعُض خطأ أن‬ ‫ملعونني كسائر أبناء حام بن نوح ‪ .‬ويظن‬

‫بحسب متون التوراة ذاتها‪« :‬وذهب الملك داود ورجاله‬ ‫ارتباط العرب بـ»أرض فلسطني» كان قد تم بعد أن فتحها‬

‫إىل أورشليم إىل اليبوسيني سكان األرض‪..‬وأقام داود‬ ‫المسلمون في خالفة عمر بن الخطاب (‪23-13‬هـ)‪ ،‬غري أن‬
‫فى الحصن وسماه مدينة داود» ‪ .‬ولعـل إشارة التوراة‬ ‫الصحيح أن عروبة أرض فلسطني ترجع لعصور موغلة فى‬

‫إىل «اليبوسيني» (العرب) بأنهم سكان األرض‪ ،‬وهى أرض‬ ‫ً‬

‫تحديدًا منذ قدوم الكنعانيني الساميني لهذه‬ ‫القدم‪ ،‬وذلك‬

‫«أورشليم»‪ ،‬أو القدس‪ ،‬ليؤكد عروبة القدس منذ القدم‬ ‫البالد قادمني من «جزيرة العرب»‪ ،‬ثم استمرت العالقة‬

‫بشكل الجدل فيه‪ ،‬وأنها بقيت مدينة عربية (فلسطينية)‬ ‫بمرور الزمن ‪ .‬ولما ترك إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وابن أخيه‬

‫لمدة تـزيد عىل أكرث من ألف سنة قبل أن يستوىل عليها‬ ‫لوط أرض مرص‪ ،‬بعد أن أقاما بها ً‬
‫ردًحا من الزمن ‪ ،‬ذهب‬

‫اليهـود في القرن ‪ 10‬ق‪.‬م‪ ،‬وهذا المنت من أهم متون‬ ‫كالهما إىل فلسطني (أرض كنعان) مرة أخرى‪ ،‬وكان‬

‫التوراة في تأكيد حقوق العرب في مدينة القدس‪.‬‬ ‫كالهما فى ثراء عظيم‪ .‬وتذكر التوراة أن الكنعانيني كانوا‬

‫هم «سكان األرض» وقتئذ‪« :‬فصعد أبرام من مرص هو‬

‫وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إىل الجنوب‪ .‬وكان‬

‫أبرام غنيا جدا بالمواىش والفضة والذهب‪..‬ولوط السائر‬

‫مع أبرام كان له أيضا غنم وبقر وخيام‪ .‬ولم تحتملهما‬

‫األرض أن يسكنا معا‪..‬وكان الكنعانيون والفرزيون حينئذ‬

‫فى األرض»‪ .‬تذكر المصادر التاريخية أن حاكم مدينة‬

‫يبوس (القدس) كان قد كتب رسالة في سنة ‪ 1550‬ق‪.‬م‬

‫لفرعون مرص ليستنجد به‪ ،‬وليساعده في ايقاف اعتداءات‬

‫قبائل «الخابريو» (العابريو أو العربانيني) ‪ .‬وكانت مدينة‬

‫يبوس (القدس) أيام حكم الملك تحتمس الثالث (حوايل‬

‫صورة توضح المسجد األقىص والمنطقة المجاورة‬ ‫القرن ‪ 15‬ق‪.‬م)‪ ،‬وهو من ملوك األرسة ‪ 18‬الفرعونية‪،‬‬

‫له‬ ‫خاضعة لحكم الملوك والفراعنة المرصيني ‪ُ .‬‬

‫وُعرفت‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪33‬‬

‫باسم «صهيـون» ‪ ،Zion‬نسبة لـ»جبل صهيون»‪ ،‬وهو ٌ‬

‫جبٌل‬ ‫ومن أقدم التسميات الىت عُـُرفت بها المدينة هى‪:‬‬

‫بالمدينة يقدسه اليهـود في القدس‪ ،‬وهم الذين أطلقوا‬ ‫«شاليم»‪ ،‬وكانت تسمى بها أيام إبراهيم عليه السالم‬

‫عليه هذا االسم ‪ .‬وقد عـرفت الحـركة اليهـودية العالمية‬ ‫حواىل منتصف القرن ‪ 19‬ق‪.‬م‪ ،‬أو القرن ‪ 20‬ق‪.‬م‪ .‬تقـول‬

‫مع نهاية القرن العرشين الميالدى باسم «الصهيونية»‬ ‫التـوراة‪« :‬فلما سمع أبرام (إبراهيم) أن أخاه سىب‪ .‬جر‬

‫‪ Zionism‬نسبة له‪ .‬كما عرفت المدينة لفرتة باسم «بيت‬ ‫غلمانه‪...‬فخرج ملك سدوم الستقباله بعد رجوعه‪..‬‬

‫إيل»‪ ،‬أى بيت الرب‪ .‬ولما صارت فلسطني والية رومانية‪،‬‬ ‫وملكـى صادق ملك شاليم أخرج خـزبا وخمرا‪ .‬وكان‬

‫ووقع التمـرد اليهـودى ضد الرومان سنة ‪132‬م‪ ،‬جاء‬ ‫كاهـنا لله العىل‪ .‬وباركه وقال مبارك أبرام» ‪ .‬ثم عرفت‬

‫اإلمرباطور هادريـان‪ ،‬وقىض عىل هذا التمـرد‪ ،‬وطـرد‬ ‫المدينة بعـدئذ‪ -‬بحسب رواية التوراة‪ -‬أيام اليبـوسيني‬

‫بقايا اليهود من فلسطني ‪ .‬ومن أسماء القدس أيضا‬ ‫َب‬ ‫َه َ‬‫يَت‪َ ،‬ب َْْل ََقاَمَ َوَ ََذ َ‬ ‫(َف ََل ْْم ُيُِر ِِد ال ََّرُجُ ُُل ََأ ْْن َي َِِب َ‬
‫باسم «يبـوس»‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬
‫أريئيل ‪ ،‬والمدينة المقدسة ‪ ،‬وكذلك عرفت باسم‪ :‬مدينة‬ ‫َاِن‬‫ِهَيَ ُأوُرَُش ِِليُمُ ‪َ ،‬وَ َمَ َعَ ُهُ ِِحَمَ اَر ِ‬ ‫ُوَس‪ِ ،‬‬ ‫اِب ِِل ََيُب َ‬ ‫َوَ َجَ اَءَ ِِإىَلى ُمُ ََق ِ‬
‫ُوَس َوَ الَّنََهَ ا ُُر‬‫ُه ْْم ِِع ْْن ََد ََيُب َ‬‫َاِن َوَ ِّرُس� ِ َّيَ ُُتُهُ َمَ َعَ ُهُ ‪َ .‬وَ ِِفيَمَ ا ُ‬ ‫ْ‬
‫العدل ‪..‬الخ‪ ،‬وغري ذلك من التسميات األخرى عرب التاريخ ‪.‬‬ ‫َمَ ْشُدُوَد ِ‬
‫‪ -4‬العرب في أرض فلسطني أيام النيب إبراهيم في‬ ‫يُل ِِإىَلى َمَ ِِدي ََن ِِة‬
‫اَل ََن ِِم ُ‬ ‫«َتَعَ َ‬‫َسِّي ِِِد ِِه‪َ :‬‬‫َالُمُ ِِل َ‬ ‫اَل ْاْل ُُغ َ‬ ‫ََق ِِد ْاْنَحَ ََد ََر ِِج ً‬
‫ًّدا‪ََ ،‬ق َ‬

‫ضوء الرواية التوراتية‪:‬‬ ‫يُت ِِفيَهَ ا» ‪».‬ولعل هذا المنت التوراتي‬ ‫هِذ ِِه َوَ ََن ِِب ُ‬
‫َِني ِ‬ ‫ُوِسِّي َ‬ ‫ْاْل ََيُب ِ‬
‫ً‬
‫قديًما‬ ‫يزعم اليهود أن أرض فلسطني اليت كانت ُُتعرف‬ ‫المهم يؤكد نسبة «القـدس» (يبوس) إىل اليبوسيني‬

‫بحسب األسفار التوراتية باسم‪« :‬أرض كنعان» بأنها أرض‬ ‫(العرب)‪ ،‬وأنهم أصحابها الحقيقيون قبل أن يستقر‬

‫الشعب اليهودي‪ ،‬وهم يزعمون في ذات الوقت بأنهم‬ ‫اليهود فيها ‪ .‬ثم ظلت القدس ُُتعرف بهذا االسم (أي‬

‫سكنوا هذه األرض قبل الفلسطينيني‪ ،‬أو الكنعانيني‪،‬‬ ‫يبوس) حىت استوىل عليها داوود (ملك بىن إرسائيل)‪ .‬ثم‬

‫ومن ثمة فإن لهم الحق واألسبقية فى تملك هذه‬ ‫عرفت القدس باالسم الكنعاني‪« :‬أورشليم» ‪Jerusalem‬‬

‫األرض (أي فلسطني) دون الفلسطينيني‪ ،‬وهذا عىل‬ ‫أى‪« :‬مدينة السالم»‪ ،‬أو «مدينة اإلله ساليـم»‪ ،‬وهو‬

‫غري الحقيقة المعروفة دين ًًيا‪ ،‬وتاريخ ًًيا‪ .‬فمن المؤكد أن‬ ‫إله السالم عند «اليبـوسيني» العرب ‪ .‬وعن اليبوسيني‬

‫رواية التوراة– ذاتها‪ -‬تدحض ما يرمى إليه اليهود‪ ،‬وأتباع‬ ‫العرب‪ ،‬وأصلهم‪ ،‬وبنائهم للقدس‪ ،‬يقول الدكتور حسن‬

‫الحركة الصهيونية من تلك االفرتاءات اليت أوردناها‬ ‫ظاظا‪« :‬ومن قبائل الفلسطينيني األصليني الذين كان‬

‫في المباحث اآلنفة‪ .‬ولعل من أهم األدلة التوراتية اليت‬ ‫قوامهم هؤالء الكنعانيني الوافدين من بالد العرب‬

‫تنكر تلك المزاعم الصهيونية‪« :‬فأخذ أبرام ساراى (وهي‬ ‫قبيلة اليبوسيني اليت كانت تسيطر عىل منطقة القدس‪،‬‬
‫ً‬
‫ولوًطا ابن أخيه‪ ،‬وكل مقتنياتهما الىت اقتنيا‬ ‫سارة) امرأته‬ ‫وما حولها‪ ،‬وهي اليت بنت المدينة المقدسة‪ ،‬وهي اليت‬

‫والنفوس الىت امتلكا فى حاران‪ .‬وخرجوا ليذهبوا إىل‬ ‫سمتها أورشليم بشهادة التوراة ذاتها» ‪ .‬وهو ما يعين‬

‫أرض كنعان‪ .‬فأتوا إىل أرض كنعان‪ .‬واجتاز أبرام فى األرض‬ ‫أن تسمية «أورشليم» ليس عربان ًًيا‪ ،‬بل هو يبويس كنعاني‬

‫إىل مكان شكيم‪ .‬وكان الكنعانيون حينئذ فى األرض‪. »..‬‬ ‫األصل‪ .‬كما عرفت القـدس أيضا ولفرتة باسم «مدينة‬

‫بحسب هذا المنت التوراتي‪ ،‬فإن النىب إبراهيم (أبرام)‬ ‫داوود» السيما بعد أن استوىل اليهود عليها‪ .‬كما ُُعرفت‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪34‬‬

‫وهم سكان العراق القدامى‪ ،‬وقد بلغت الحضارة‬ ‫عليه السالم‪ ،‬لما جاء أرض كنعان (وهي فلسطني) للمرة‬

‫السومرية القديمة أوج ازدهارها في الفرتة من (‪-2700‬‬ ‫قادًما من بالد النهرين (العراق حال ًًيا) موطنه األول‬
‫ً‬ ‫األوىل‬

‫‪ 2400‬ق‪.‬م) ‪ .‬وقد اشتهرت مدينة أور بالعديد من طرز البناء‬ ‫‪ .‬وكان ميالد ابراهيم في أورد الكلدانيني‪ ،‬وهي مدينة‬

‫والعمارة القديمة‪ ،‬ولعل منها المباني المعروفة باسم‪:‬‬ ‫قديمة بالعراق‪ ،‬وهي تقع جنوب نهري دجلة والفرات‪،‬‬

‫«الزاجورات»‪ .‬وفي ضوء الرؤية اليهودية‪ ،‬فإن النيب‬ ‫وتعترب مدينة أور من مراكز الكلدانيني القدامى ‪ .‬ويرجع‬

‫إبراهيم كان من أصول آرامية‪ ،‬أي أنه من نسل اآلراميني‬ ‫البعض أهمية مدينة أور القديمة أليام السومريني‪،‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪35‬‬

‫اليهود‪ ،‬فإن الكنعانيني كانوا يسكنون أرض فلسطني‬ ‫القدامى‪ ،‬وهم أحد الشعوب السامية المعروفة ‪ .‬ولما‬

‫قبل قدوم النىب إبراهيم بزمن طويل‪ ،‬وهو ما يؤكد‬ ‫جاء إبراهيم عليه السالم أرض فلسطني ألول مرة وجد‬

‫أسبقية الوجود العربي (الفلسطيىن) فى هذه األرض‪،‬‬ ‫يسكنون أرض‬ ‫«الكنعانيني»‪ -‬أجداد الفلسطينيني‪-‬‬

‫وليس كما يزعم اليهود‪ .‬وتذكر رواية التوراة مت ًًنا آخر ذا‬ ‫فلسطني وتؤكد التوراة نسبة هذه األرض (أي فلسطني)‬

‫داللة عظيمة‪ ،‬وفيه أن النىب إبراهيم لما أقام بـ»أرض‬ ‫لهم في ذلك الوقت‪ ،‬حيث تذكرها باسم‪« :‬أرض كنعان»‪،‬‬

‫فلسطني» (كنعان)‪ ،‬كان بها ملك كنعانى صالح يدعى‬ ‫كما تذكرها بعد ذلك باسم‪« :‬أرض الكنعانيني»‪ .‬ويؤكد‬

‫باسم‪« :‬ملكى صادق» ‪ ،‬وهو الملك الذى تصفه متون‬ ‫اليهود أن النىب إبراهيم عليه السالم هو جدهم األول‪،‬‬

‫التوراة بأنه «ملك شاليم»‪ ،‬وهذه التسمية‪ -‬أي شاليم‪-‬‬ ‫وإليه ينتسبون ‪ .‬وبحسب الرواية التوراتية ولد إبراهيم عليه‬

‫ُُتعد أقدم اإلشارات الدينية والتاريخية لمدينة القدس‪،‬‬ ‫السالم في مدينة أور الكلدانية بأرض العراق القديم‪:‬‬

‫ثم اشتق منها اسم‪ :‬أورشليم بعد ذلك ‪ .‬تلـك داللة جلية‬ ‫«وهذه مواليد تارح‪ ،‬ولد تارح أبرام وناحور وهاران‪..‬ومات‬
‫عىل أن القدس (شاليم) مدينة الكنعانيني فى األصل‪،‬‬ ‫هاران قبل تارح أبيه في أرض ميالده في أور الكلدانيني‪..‬‬

‫وهم من بنوها‪ ،‬وليس اليهود‪ .‬تقول رواية التوراة‪« :‬فلما‬ ‫اسم امرأة أبرام ساراي (أي سارة)»‪ .‬واختلفت اآلراء‬

‫سمع أبرام أن أخاه (أى لوط) سىب وجر غلمانه المتمرنني‪..‬‬ ‫بشكل أو بآخر في الزمان الذي عاش فيه النيب إبراهيم‬
‫انقسم عليهم ً‬
‫ليًال هو وعبيده فكرسهم واسرتجع (أبرام)‬ ‫عليه السالم‪ ،‬وبحسب البعض عاش إبراهيم فيما بني‬
‫لوًطا أخاه ً‬
‫أيًضا وأمالكه والنساء‬ ‫ً‬ ‫كل األمالك واسرتجع‬ ‫القرنني الحادي والعرشين ق‪.‬م‪ ،‬والقرن العرشين ق‪.‬م ‪.‬‬
‫ً‬
‫أيًضا والشعب‪ .‬فخرج ملك سدوم إلستقباله بعد رجوعه‪..‬‬ ‫وبحسب «موسوعة كمربيدج» الربيطانية ‪Cambridge‬‬

‫وملكى صادق ملك شاليم ‪ .‬أخرج خزبا‪ .‬وكان كاهنا لله‬ ‫‪ ,Encyclopedia‬أنه عاش فيما بعد سنة ‪ 2000‬ق‪.‬م ‪ .‬بينما‬

‫العىل‪ .‬وباركه وقال مبارك أبرام من هللا العىل مالك‬ ‫يحدد الدكتور المسريي أيام النيب إبراهيم إىل حوايل سنة‬

‫السموات واألرض‪ . »..‬ويشري اسم «ملك شاليم» (القدس)‬ ‫‪ 1900‬ق‪ .‬م ‪ .‬فيما يجعل آخرون زمان النيب إبراهيم أكرث‬

‫«ملكى صادق» ذاته ألصوله العربية‪ ،‬ويرى البعض أن‬ ‫بعدا‪ ،‬حيث يشري الربوفيسور دونالد ريدفورد إىل أن قدوم‬

‫الكنعانيني ينتسبون إىل نسل «العرب البائدة «‪ ،‬وهم‬ ‫النيب إبراهيم ألرض كنعان يؤرخ لحوايل سنة ‪ 2141‬ق‪.‬م ‪.‬‬

‫العرب القدماء‪ ،‬مثل‪ :‬قوم عاد‪ ،‬وثمود‪ ،‬طسيم‪ ،‬وجسيم‪،‬‬ ‫وتوصل ريدفورد لذلك الرأي من خالل ما ورد في رواية‬

‫وغريهم من البطون العربية القديمة‪ ،‬وهم العرب الذين‬ ‫التوراة بأن ما بني بناء الهيكل في السنة الرابعة لملك‬

‫كانوا قد بادوا مع ظهور «العرب المستعربة» وهم الذين‬ ‫سليمان بن داوود (أي حوايل سنة ‪ 966‬ق‪.‬م) وخروج بين‬

‫ينتسبون لنسل إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السالم ‪،‬‬ ‫إرسائيل من أرض مرص حوايل ‪ 480‬سنة‪ ،‬ومن ثم يحدد‬

‫وهو المعروف بـ»أبي العرب»‪ .‬ويرجح أن أقدم تسمية‬ ‫ميالد النيب إبراهيم في حوايل سنة ‪ 2216‬ق‪.‬م ‪ .‬الريب أن‬

‫للمدينة المقدسة بحسب التوراة وهي «شاليم»‪ ،‬وهي‬ ‫تلك التواريخ تبدو بعيدة عن الواقع التاريخي لتلك األحداث‪،‬‬

‫التسمية اليت صارت بعد ذلك «أور‪-‬شاليم» (أي‪« :‬مدينة‬ ‫ومن الراجح‪ -‬في رأي الباحث‪ -‬أن إبراهيم عليه السالم‬

‫السالم»)‪ ،‬ويبدو ذلك من رواية التوراة لما قدم إبراهيم‬ ‫عاش فيما بني القرنني ‪ 20‬و‪ 19‬ق‪.‬م‪ .‬وبحسب روايات توراة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪36‬‬

‫قرون عدة من قدوم النيب إبراهيم عليه السالم إىل هذه‬ ‫عليه السالم إىل أرض فلسطني (كنعان) للمرة األوىل‬

‫البالد‪ ،‬وأن الكنعانيني ظلوا سكان أرض فلسطني حىت‬ ‫حوايل القرن ‪ 19‬ق‪.‬م)‪ ،‬وكان بها الملك الكنعاني «ملكي‬

‫أيام يوسف عليه السالم‪ ،‬وهو ما يدحض بقوة المزاعم‬ ‫صادق»‪ ،‬وتصفه التوراه بأنه ملك شاليم (أي القدس) ‪.‬‬

‫اليهودية في الحق الديين والتاريخي في هذه األرض‪.‬‬ ‫‪ -5‬العرب في أرض فلسطني أيام يعقوب ويوسف‬

‫وهذا الرأي يؤكده عدد ليس بالقليل من مؤرخني الغرب‬ ‫عليهما السالم في ضوء الرواية التوراتية‪:‬‬

‫الذين يصفون إدعاءات ومزاعم اليهود في أرض فلسطني‬ ‫تبدو في العديد من المواضع األخرى في أسفار التوراة‬

‫بأنها ليست حقيقية‪ ،‬والتؤيدها حىت المصادر الدينية‬ ‫اليهودية‪ ،‬ومتونها فكرة أسبقية الوجود العربي في‬

‫اليهودية‪ ،‬والحىت المصادر التاريخية‪ .‬وعن تلك المزاعم‬ ‫أرض فلسطني‪ ،‬ومن ذلك أنه فى قصة النىب يوسف‬

‫المختلقة اليت يقول بها اليهود حول حقوقهم في أرض‬ ‫عليه السالم‪ ،‬وكذلك قصة أبيه يعقوب بن إسحاق بن‬

‫فلسطني‪ ،‬يقول عالم الالهوت المعروف «كيت وايتالم»‪:‬‬ ‫إبراهيم عليهم السالم أى بعد انقضاء عدة قرون من‬
‫«الُيُعد تصور تاريخ إرسائيل القديم كما ورد في القسم‬ ‫زمان من أيام النىب إبراهيم عليه السالم‪ ،‬تؤكد التوراة‬

‫األكرب من التوراة العربية أن يكون قصة خيالية‪ ،‬وهو‬ ‫الوجود الكنعانى القديم فى أرض فلسطني‪ ،‬فى الوقت‬

‫بمزنلة اختالق للتاريخ‪ . »..‬وهو رأٌي ٌ موضوعٌي ٌ له أهميته‪،‬‬ ‫الذى كان فيه بنو إرسائيل يقيمون فى أرض مرص ‪ .‬ويفرس‬

‫وداللته‪ ،‬وكذلك حجيته عىل اليهود‪ ،‬السيما عندما يأتي‬ ‫الربوفيسور «جيمس فريزر» رؤية التوراة للنيب يعقوب‬

‫هذا الرأي من أحد الباحثني الغربيني المعروفني‪ ،‬وهو ما‬ ‫عليه السالم بأنه يبدو وكأنه التاجر السامي اللني‪ ،‬الحذق‪،‬‬

‫يدحض المزاعم اليهودية حول إشكالية الحق التاريخي أو‬ ‫والوافر الحيلة الذي يحرص عىل المكسب‪ ،‬وعىل أن يتم‬

‫التوراتي في أرض فلسطني‪.‬‬ ‫صفقاته البالقوة‪ ،‬بل بالحذق‪ ،‬ودون أن يرتدد في اختيار‬

‫‪ -6‬وجود العرب في أرض فلسطني أيام النيب داؤود‬ ‫الوسائل اليت يزب بها منافسيه‪ ،‬ويتفوق عليهم بها ‪ .‬ونيب‬

‫(القرن ‪ 10‬ق‪.‬م) في ضوء رواية التوراة‪:‬‬ ‫هللا يوسف عليه السالم بحسب التصور اليهودي هو آخر‬

‫ظلت مدينة القدس (يبوس) تحت سيطرة العرب‪ -‬منذ‬ ‫عرص اآلباء العربانيني‪ ،‬أو ما ُيُعرف باسم‪ :‬عرص البطاركة‬

‫نشأتها األوىل عىل يد الكنعانيني‪ -‬عرب قرون بعيدة‪ ،‬وحىت‬ ‫الذي يبدأ بظهور النيب إبراهيم وينتهي بيوسف‪ .‬وتقول‬

‫ارتقى العرش داوود (‪ 970–1010‬ق‪.‬م) ملك إرسائيل وذلك‬ ‫رواية التوراة عن استقرار الكنعانيني في أرض فلسطني‬

‫بحسب رواية العهد القديم ‪ .‬ويصف البعض من الكتاب‬ ‫أيام كل من يوسف وأبيه يعقوب عليهما السالم‪« :‬فصعد‬

‫اليهود داوود بأنه النيب الشاعر‪ ،‬والبطل المقدام‪ ،‬وصاحب‬ ‫يوسف يدفن أباه (يعقوب) وصعد معه جميع عبيد فرعون‬

‫المزامري‪ ،‬وقد زادت شعبية ومكانته داوود بني بين‬ ‫وشيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مرص‪...‬فلما رأى أهل‬

‫إرسائيل بعد أن قتل جالوت جبار الفلسطينيني الذي أذاق‬ ‫البالد الكنعانيون المناحة قالوا مناحة ثقيلة للمرصيني‪»..‬‬

‫اإلرسائيليني مرارة الذل والمهانة‪ ،‬وكان يدعو فرسانهم‬ ‫‪ .‬ويمكن أن نالحظ هنا قول التوراة‪« :‬فلما رأى أهل البالد‬

‫كل يوم لمنازلته‪ ،‬وكانت فرائص اإلرسائليني ترتعد منه‬ ‫(أى فلسطني) الكنعانيون»‪ ،‬هكذا تؤكد متون التوراة‬

‫‪ .‬ثم تمكن الشاب داوود من منازلته‪ ،‬وتغلب عليه‪ ،‬حيث‬ ‫أسبقية وجود العرب‪ ،‬وأصالته في أرض فلسطني بعد‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪37‬‬

‫نسبة لـ»اليبوسيني»‪ ،‬وهم أبناء «يبوس بن كنعان»‪ ،‬ولم‬ ‫رماه بمقالعه‪ ،‬ثم انقض داوود عليه‪ ،‬واحزت (داوود) رأس‬

‫يقم بها يهودي واحد حىت القرن ‪ 10‬ق‪.‬م‪ .‬وتذكر التوراة أن‬ ‫جليات (جالوت) الفلسطيين ‪ .‬ثم تزوج داوود من بنت ملك‬

‫أحد اليهود قال آلخر‪« :‬تعال نميل إىل مدينة اليبوسيني‬ ‫اإلرسائيليني في ذلك الوقت‪ ،‬وهو الملك شاول مؤسس‬

‫(يقصد القدس) هذه ونبيت فيها‪ .‬فقال له سيده النميل‬ ‫مملكة بين إرسائيل‪ ،‬ولم يحكم شاول المملكة سوي‬

‫إىل مدينة غريبة حيث ال أحد من بىن إرسائيل هنا»‪ .‬وهو‬ ‫سنتني‪ ،‬ثم ارتقى العرش داوود من بعده‪ ،‬وكان ذلك في‬

‫ما يؤكد أن اليهود كانوا يخشون اإلقامة بمدينة القدس‬ ‫أيام النيب صموئيل ‪ .‬وكان الملك داوود هو الذى استوىل‬

‫وقتئذ‪ ،‬ألنها مدينة اليبوسيني (الكنعانيني)‪ ،‬ولم يكن‬ ‫عىل مدينة القدس (يبوس) من أصحابها األصليني (وهم‬

‫بها أحد من بين إرسائيل‪ .‬وكانت القدس (يبوس) قبل‬ ‫العرب «اليبوسيون»)‪ .‬ومن المعروف أنه كانت هذه‬

‫الملك داوود مدينة حصينة‪ ،‬وذات منعة‪ ،‬ولهذا اراد ان‬ ‫المرة األوىل الىت يسيطر فيها اليهود عىل مدينة القدس‬

‫يستويل عليها‪ ،‬وكان اليبوسيون يفخرون بهذه المدينة‬ ‫(يبوس)‪ ،‬أى أن تلك المدينة ظلت «عربية» قرابة ألفى‬
‫اليت أقاموها‪ ،‬وبحصانتها‪ ،‬ومناعتها‪ ،‬حىت أنهم كانوا‬ ‫سنة قبل أن يستوىل عليها اليهود‪ ،‬وذلك بنص التوراة‬

‫يقولون أن األعمى واألعرج يمكنهم أن يدافعوا عن تلك‬ ‫ذاتها‪ ،‬فمن إذن له الحق في المدينة المقدسة‪ .‬يقول‬

‫المدينة بفضل ذلك ‪ .‬بينما تشري التوراة إىل المدينة باسم‬ ‫الدكتور عبد الوهاب المسريي‪« :‬ولم يستول عليها (أي‬

‫«يبوس»‪ -‬نسبة لليبوسيني العرب بناة المدينة‪ -‬أيام الملك‬ ‫عىل القدس أو يبوس) داوود الذي حولها إىل عاصمة‬

‫داوود ملك إرسائيل في القرن ‪ 10‬ق‪.‬م‪ .‬وفي أيام حكم‬ ‫المملكة اليهودية المتحدة إال عام ‪ 1000‬ق‪.‬م‪ ،‬أي بعد‬

‫الملك داوود‪ ،‬وسيطرة بين إرسائيل عليها‪ ،‬صارت القدس‬ ‫مرور مدة طويلة من سكىن العربانيني لها‪ . »..‬ومنذ‬

‫تعرف في ذلك الوقت باسم‪« :‬مدينة داوود»‪ .‬وعىل‬ ‫أقام الكنعانيون مدينة القدس (أورشاليم) حواىل األلف‬

‫أية حال‪ ،‬أصبحت القدس (يبوس) عاصمة المملكة أيام‬ ‫الثالث ق‪.‬م ظلت المدينة كنعانية منذ ذلك الوقت وحىت‬

‫داوود‪ ،‬وصارت مقر سكناه‪ ،‬وقلعته الحصينة‪ ،‬ومن ثم صار‬ ‫عرص داؤود‪ ،‬الذى تمكن من االستيالء عليها من أيدى‬

‫السهل عليه أن يوسع رقعة ملكه ‪ .‬ولما استوىل الملك‬ ‫«اليبوسيني»‪ ،‬وكانت هذه هي المرة األوىل اليت يسيطر‬

‫داوود عىل «يبوس» (القدس) في حوايل القرن العارش‬ ‫فيها اليهود عىل مدينة القدس‪ ،‬وهو ما يشري إىل أنها‬

‫قبل الميالد‪ ،‬لم يجد للمدينة اسما خاصا يطلق عليها فيما‬ ‫ظلت مدينة كنعانية قرابة ألفى سنة قبل استيالء اليهود‬

‫يبدو‪ ،‬ومن ثم أطلق عليها اسم مدينة داوود ‪ .‬ثم أطلق‬ ‫عليها‪ ،‬وهو ما يؤكد الحق الفلسطيين في المدينة‪،‬‬

‫عليها اسم إيليا كابيتولينا أيام امرباطور روما «إيليوس‬ ‫تقول التوراة‪« :‬وذهب الملك (داود) إىل أورشليم إىل‬

‫هادريانوس» في سنة ‪135‬م‪ ،‬بعد أن دمر هذا االمرباطور‬ ‫اليبوسيني سكان األرض‪ .‬فكلموا داود قائلني‪ .‬ال تدخل‬

‫المدينة القديمة‪ ،‬ثم غري اسمها‪ ،‬ودعاها باسمه (إيليوس‪،‬‬ ‫إىل هنا ما لم تزنع العميان والعرج‪ .‬أي ال يدخل داود إىل‬

‫أو إيليا)‪ .‬ثم استمر اسم «إيليا» يطلق عىل مدينة القدس‬ ‫هنا‪ .‬وأخذ داود حصن صهيون‪ .‬هى مدينة داود‪ .‬وأقام‬

‫خالل العرص الروماني‪ ،‬وحىت قدوم العرب إليها في‬ ‫داود فى الحصن وسماه مدينة داود» ‪ .‬وظلت «القدس»‬

‫خالفة عمر بن الخطاب‪ ،‬ومن ثم عرفت بعدئذ باسم‬ ‫كنعانية الهوية منذ ذلك الوقت‪ ،‬ثم ُُعرفت بـ»يبوس»‪،‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪38‬‬

‫إلمرباطور روما «إيليوس هادريان» الذي أراد أن يمحي‬ ‫«القدس»‪ ،‬وبيت المقدس تحت الحكم العربي‪-‬اإلسالمي‬

‫أي وجود يهودي في هذه المدينة ‪ .‬ولهذا لما فتحها‬ ‫ُ‬

‫المُنت التوراتي اآلنف عدة أمور ذات داللة‪،‬‬ ‫‪ .‬ويحمل هذا‬

‫المسلمون كانت ُُتدعى باسم «إيلياء»‪ ،‬أو إيليا ‪.‬‬ ‫لعل منها وصف التوراة «اليبوسيني» (وهم أبناء كنعان)‬

‫الخاتمة‪:‬‬ ‫بأنهم «سكان األرض»‪ ،‬ويقصد بها مدينة القدس‪ ،‬فهم‬

‫وبعد هذه اإلطاللة التاريخية في روايات األسفار التوراتية‬ ‫سكان المدينة األصليون منذ اقامتها‪ ،‬وحىت استوىل‬

‫من جانب‪ ،‬وما ورد في الدراسات االهوتية الحديثة حول‬ ‫عليها الملك داود إبان القرن ‪ 10‬ق‪.‬م‪ ،‬أما تاريخ المدينة‬

‫أرض فلسطني‪ ،‬ووجود كل من العرب واليهود بها‪ ،‬يمكن‬ ‫قبل ذلك‪ ،‬فهي كانت مدينة كنعانية يبوسية عربية تلك‬

‫الخروج ببعض االستنتاجات المهمة‪ ،‬ولعل من أبرزها‪:‬‬ ‫هي الحقيقة اليت ال يريد اليهود االعرتاف بها‪ .‬وقد‬

‫‪ -‬الريب أن تلك «المتون التوراتية» المهمة‪ -‬اليت أوردناها‬ ‫عرفت المدينة لمدة طويلة باسم يبوس‪ ،‬نسبة لليبوسيني‬
‫ً‬
‫آنفًا في ثنايا الدراسة‪ -‬لتؤكد الحق العربي في «أرض‬ ‫الكنعانيني‪ ،‬وهو أحد أهم أسماء المدينة المقدسة‪ ،‬وقد‬
‫فلسطني»‪ ،‬وتأكيد عروبة القدس‪ ،‬مهما حاول اإلعالم‬ ‫ذكر اسم يبوس فى التوراة مرات عديدة‪ ،‬وهو ما ذكرناه‬

‫الصهيوني طمس الحقائق‪ ،‬وتزييفها‪ ،‬فإن قوة تلك األدلة‬ ‫آنفا‪ .‬ولم تدم سيطرة اليهود عىل المدينة طويال‪ ،‬فبعد‬

‫ترجع إىل أنها وردت في توراة اليهود وليس أي مصدر آخر‪،‬‬ ‫موت الملك سليمان بن داود (‪ 930-970‬ق‪.‬م) انقسمت‬

‫وشهد شاهد من أهلها‪.‬‬ ‫مملكة اليهود في فلسطني‪ ،‬ثم وقع السيب البابيل‪،‬‬

‫‪ -‬أكدت الدراسة بأن الكنعانيني هم السكان األوائل ألرض‬ ‫وقد دمر البابليون‪ -‬بحسب رواية التوراة‪ -‬مدينة أورشليم‪،‬‬

‫فلسطني قبل آالف السنني من الوجود اليهودي في‬ ‫وأسوارها‪ ،‬وكذلك هيكل سليمان‪ ،‬وسىب اليهود إىل أرض‬

‫هذه البالد‪ ،‬وذلك من خالل المتون التوراتية ذاتها‪.‬‬ ‫بابل ‪ .‬وقد أقام الملك داود في الحصن‪ ،‬وسماه باسمه‬

‫‪ -‬أشارت الدراسة إىل أن اليبوسيني العرب هم من بنوا‬ ‫‪ ،‬يقول هذا المنت‪« :‬وأقام داود في الحصن وسماه‬

‫مدينة يبوس ‪ ،‬أو القدس فيما بني القرنني ‪ 4‬و‪ 3‬قبل‬ ‫ُ‬
‫المُنت إشارات مهمة‪ ،‬منها‬ ‫مدينة داود» ‪ .‬ويحمل هذا‬

‫الميالد‪ ،‬وذلك أيضا قبل الوجود اليهودي بها بحوايل‬ ‫وصف التوراة اليبوسيني بأنهم «سكان األرض»‪ ،‬وهي‬

‫ألفني سنة عىل أقل تقدير‪.‬‬ ‫القدس‪ ،‬ألنهم سكان المدينة األصليني‪ ،‬وهي الحقيقة‬

‫‪ -‬بينت الدراسة أن أن ملك القدس أو شاليم األقدم‬ ‫اليت تؤكدها توراة اليهود‪ .‬ثم ُُعرفت المدينة لمدة طويلة‬

‫المعروف لنا هو الملك الكنعاني ملكي صادق‪ ،‬وكان‬ ‫باسم «يبوس»‪ ،‬وذكرتها رواية التوراة بهذه التسمية في‬

‫رجال صالحا بحسب رواية التوراة‪ ،‬كما كان معارصا أليام‬ ‫مرات عديدة‪ .‬ولم تدم سيطرة اليهود عىل القدس مدة‬

‫قدوم النيب إبراهيم ألرض فلسطني (كنعان)‪.‬‬ ‫طويلة‪ ،‬فبعد موت الملك «سليمان بن داود» (حوايل سنة‬

‫‪ -‬أكدت الدراسة أن أول مرة يستقر فيها اليهود (أو بنو‬ ‫‪ 930‬ق‪.‬م) انهارت مملكة اليهود في أرض فلسطني‪ ،‬ثم‬

‫إرسائيل في مدينة القدس (يبوس) كانت أيام الملك‬ ‫دمر البابليون أورشليم سنة ‪ 587‬ق‪.‬م‪ُ ،‬‬
‫وُسىب اليهود إىل‬

‫داوود (‪ 970-1010‬ق‪.‬م)‪ ،‬وذلك من خالل المتون الواردة في‬ ‫بابل‪ ،‬وهو ما ُيُعرف بحقبة «السيب البابيل» ‪ .‬ثم سمى‬

‫العهد القديم ذاتها‪.‬‬ ‫الرومان القدس باسم‪ :‬مدينة «إيليا كابيتولينا» نسبة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪39‬‬
‫قراءة في كتاب‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪40‬‬

‫الصورة وإنتاج المعىن‬

‫بحث في سيميائيات األنساق البرصية‬
‫سلطان الكلمة‪ ،‬وولجوا «عرص البرصي» المبين عىل‬

‫االستهالك‪ ،‬بحسب ريجيس دوبري‪ .‬من هذا المنطلق‬

‫وجب الوعي بدور الصورة في حياتنا اليومية‪ ،‬لكنه وعي‬

‫لن يتحقق إال باإللمام بلغة الصورة‪ ،‬وامتالك القدرة‬

‫عىل تفكيك خطابها لفهمه وتأمله وانتقاده‪ .‬ال في‬

‫أفق االفتكاك من ربقة سلطة الصورة والتخلص من‬

‫غوايتها ألهوائنا‪ ،‬فهذا أمر بات صعبا‪ ،‬ولكن للحد من‬

‫غلوائها‪ ،‬بعد أن أصبحت «صنوا للعالم» عىل حد تعبري جاك‬

‫أومون‪ .‬تنبع من هنا مرشوعية وضع الصورة‪ ،‬بمختلف‬

‫أنواعها‪ ،‬موضع الدراسة والتحليل‪ ،‬واإلسهام في ضبطها‪،‬‬

‫تقديم‪ :‬د‪ .‬فاتن بن الغه‬
‫وتفكيك آليات اشتغالها‪ ،‬وطرق إنتاجها للمعىن‪ ،‬ال سيما‬

‫وأن المعىن ليس محاددا لما نراه من مثريات برصية في‬ ‫تشكل الصورة اليوم وسيلة فعالة إلنتاج المعىن وتداوله‬
‫الواقع‪ ،‬بل هو سريورة تتشكل عرب سعي اإلنسان إىل‬ ‫عىل أوسع نطاق‪ ،‬فحيثما ولينا وجوهنا نجدها تخاطبنا‬
‫التعبري عن كينونته‪ .‬إن المعىن إذن معطى ثقافي‪ ،‬ينتج‬ ‫غاوية ومغرية ومستفزة‪ .‬فهي تارة تثري فينا الغرائز‬
‫في الصورة عرب توظيف مجموعة من اآلليات المختلفة‪.‬‬ ‫والعواطف في غفلة منا‪ ،‬وتارة أخرى تحرك فينا ملكة‬
‫في هذا اإلطار يندرج هذا الكتاب‪ ،‬الذي يروم مقاربة نوع‬ ‫العقل والنقد ونحن في كامل وعينا‪ ،‬وبني الغفلة والوعي‬
‫محدد من الصور يستهلك بشكل يومي‪ ،‬وهو الكاريكاتري‪،‬‬ ‫تكمن غواية الصورة وفتنتها وسلطتها عىل الفرد‪.‬‬
‫وتحديدا الكاريكاتري السيايس‪ ،‬باعتباره صورة تشكيلية تم‬ ‫لقد ألفنا الصورة وتعودت عليها أبصارنا‪ ،‬بل لقد أحبتها‬
‫إبداعها وفق قصدية محددة‪ ،‬للتعبري عن وجهة نظر تجاه‬ ‫نظرتنا‪ ،‬فاستهلكتها بنوع من االفراط واالنتشاء‪ ،‬جريا وراء‬
‫قضايا تهم مناحي عديدة‪ .‬وترجع دواعي اختيار المؤلف‬ ‫رساب ال َ‬
‫قَّمة لها‪ .‬ولعل هذا ما جعل الصورة تسهم‪ ،‬إىل‬
‫للكاريكاتري إىل عدة أسباب‪ ،‬أهمها كونه خطابا يجمع بني‬ ‫حد ما‪ ،‬في تشكيل الوعي والوجدان والطباع‪ ،‬ومكنها‬
‫البساطة والرتكيب والسهولة والتعقيد في اآلن نفسه‪،‬‬ ‫ً‬
‫أيًضا من التحكم في السلوكيات وضبط التوجهات‪ ،‬حىت‬
‫ويتضمن جميع المكونات اليت ُيُبىن بها الخطاب البرصي‬ ‫أصبح الناس‪ ،‬في كثري من الحاالت‪ ،‬نسخا لبعضهم البعض‪،‬‬
‫عادة‪ ،‬وهي العالمة اآليقونية والتشكيلية واللسانية‪.‬‬ ‫ينصاعون إىل حيث تقودهم الصور بعد أن تخففوا من‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪41‬‬

‫محدودا‪ ،‬أما الدراسات المهتمة بالكاريكاتري فتكاد أن‬ ‫إنه خطاب ُمُ ن‬
‫سنّن وال يشء اعتباطي فيه‪ ،‬فكل عنارصه‬

‫تكون شحيحة‪ ،‬والمنجز منها لم يهتم بجميع مكونات‬ ‫موضوعة بشكل مدروس ومنظم‪ ،‬وتتضمن قصدية‬

‫الخطاب الكاريكاتريي من حيث هو تلفظ برصي مركب‪.‬‬ ‫محددة من لدن الرسام‪ .‬إن الكاريكاتري عمل فين‪ ،‬يحمل‬

‫ويمكن تصنيف هذه الدراسات‪ ،‬عىل ندرتها‪ ،‬إىل ثالثة‬ ‫بني طياته حقيقة تمثل السياق الكيل للظواهر السياسية‬

‫أصناف هي‪:‬‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية ‪ ...‬وهو ما يجعله ذا قدرة عىل‬

‫‪ -‬الصنف األول عبارة عن دراسات تأريخية تبحث في‬ ‫تمثيل روح عرصه وتجسيد أهم قضاياه‪ .‬ولعل هذا ما دفع‬

‫تاريخ الكاريكاتري وأصوله‪ ،‬كما تبحث في طبيعة عالقته‬ ‫بعض نقاد الكاريكاتري إىل تصنيفه ضمن تيار «التعبريية‬

‫بالصحافة الساخرة‪ ،‬دون أن تتوغل في طبيعة الرسم‬ ‫االجتماعية؛ ألنه يحمل عىل عاتقه رسالة مفعمة‬

‫الكاريكاتريي وكيفية اشتغاله‪ .‬نمثل لهذا الصنف بما‬ ‫بالسخرية والنقد لكل المظاهر السلبية في المجتمع‪.‬‬

‫قدمه ممدوح حمادة في كتابه «فن الكاريكاتري من‬ ‫وترتد صلة المؤلف بهذا الموضوع إىل أكرث من عقد؛‬
‫جدران الكهوف إىل أعمدة الصحافة»‪ ،‬وما قدمه عبد‬ ‫حيث خاض عدة مغامرات سيمائية كللت بإصدار كتاب في‬

‫الحليم حمود في كتابه « الكاريكاتور العربي والعالمي»‪،‬‬ ‫رسدية الصورة‪ :‬مقاربة سيمائية إلرسالية الكاريكاتري‪ ،‬سنة‬

‫وما قدمه إبراهيم الحيسن في كتابه الكاريكاتري في‬ ‫‪ ، ۲۰٢١‬وهاهو يخوض مغامرة أخرى‪ ،‬غري أنها مختلفة‬

‫المغرب‪« ،‬السخرية عىل محك الممنوع»‪ .‬وهو أول‬ ‫تماما عما اعتمده في الكتاب السالف الذكر‪ ،‬من حيث‬

‫كتاب من نوعه يصدر في المغرب؛ حاول الباحث‪ ،‬من‬ ‫المنهجية وأدوات التحليل والخلفية المعرفية والفلسفية‬

‫خالله‪ ،‬تقديم جرد للكاريكاتري المغربي في عالقته‬ ‫اليت استند عليها في تفكيك المنت‪ .‬ومن ثمة فإن هذا‬

‫بالصحف الساخرة‪ .‬ويمكن أن ندرج ضمن هذا الصنف‬ ‫البحث يسعى إىل مقاربة الرسم الكاريكاتريي للوقوف‬

‫تلك المصنفات اليت يضمنها رسام الكاريكاتري العديد من‬ ‫عىل طريقة اشتغاله واستنباط بعض اآلليات اليت‬

‫أعماله الكاريكاتريية‪ ،‬بعد مرور فرتة زمنية عىل تجربته في‬ ‫يوظفها في سريورة إنتاج المعىن‪ .‬خاصة وأن البحث في‬

‫هذا الميدان‪ .‬وذلك دأب رائدي الرسم الكاريكاتريي في‬ ‫هذا المجال ال يزال بكرا في عالمنا العربي؛ إذ الدراسات‬

‫المغرب‪ :‬إبراهيم لمهادي والعربي الصبان‪.‬‬ ‫اليت اهتمت بالصورة وبلغتها قليلة‪ .‬وعىل الرغم من‬

‫‪ -‬الصنف الثاني من هذه الدراسات اهتم بالبعد التعليمي‪،‬‬ ‫أهمية إسهامات بعض الباحثني العرب وجديتها‪ ،‬فإن‬

‫وقد قارب هذا الصنف الرسم الكاريكاتريي من حيث هو‬ ‫هذا الموضوع ما فئت يطرح العديد من األسئلة عىل‬

‫خطاب تشكييل يجب تعلم تقنيات رسمه‪ .‬ونذكر من أمثلة‬ ‫المهتمني والمشتغلني به‪ .‬ونعتقد أن ما أنجز من أبحاث‪،‬‬

‫هذه الدراسات ما قدمه طالل فهد الشعشاع في‬ ‫عىل األقل في الساحة النقدية العربية‪ ،‬لم ُيُحقق بعد‬

‫مؤلفه «فن الكاريكاتري‪ :‬دراسة نظرية وتطبيقية»‪.‬‬ ‫الرتاكم المطلوب‪ ،‬وأن المجال ما يزال بحاجة إىل جهود‬

‫‪ -‬أما الصنف الثالث‪ ،‬فهو عبارة عن دراسات ذات بعد‬ ‫الباحثني والمشتغلني بحقول معرفية حديثة لإللمام‬

‫تحلييل‪ ،‬ألنها أخذت عىل عاتقها مهمة تحليل الرسوم‬ ‫بقضاياه‪ ،‬ال سيما ونحن نعيش في عرص الصورة بامتياز‪.‬‬

‫الكاريكاتريية ومحاولة الوقوف عىل دالالتها من أمثلة‬ ‫لقد ظل االهتمام بالصورة عامة في عالمنا العربي‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪42‬‬

‫عبد اإلله بنكريان بنسختيها األوىل والثانية‪.‬‬ ‫هذه الدراسات بعض األبحاث الجامعية القليلة عىل‬

‫وقد ركز المؤلف عىل هذه المرحلة السياسية‪ ،‬اليت تعترب‬ ‫مستوى الماسرت والدكتوراه‪ ،‬ولعل ما مزي جل هذه‬

‫حسب رأيه عرصا ذهبيا بالنسبة للكاريكاتري السيايس في‬ ‫األبحاث هو اهتمامها بالمضمون أكرث من اهتمامها‬

‫المغرب‪ ،‬لعدة أسباب منها‪:‬‬ ‫بالشكل وميلها إىل اعتماد جرد مكونات الرسم‬

‫‪ -‬حصول بعض االنفراج عىل مستوى حرية التعبري بفضل‬ ‫الكاريكاتريي وإحصائها‪ ،‬دون الخوض في تحليل آليات‬

‫ما ُُعرف وقتها «بالربيع العربي»‪ ،‬الذي دشن عهدا جديدا‬ ‫إنتاج المعىن في الرسم‪ ،‬ومساءلة الشكل في عالقته‬

‫عىل مستوى االنخراط في الحياة السياسية العامة‪.‬‬ ‫بالمضمون‪ .‬نضيف إىل الصنف الثالث بعض المقاالت‬

‫‪ -‬حرية التعبري عن المواقف السياسية تجاه ما يجري من‬ ‫منها « بالغة الكاريكاتري السيايس‪ :‬السخرية واإلدانة‬

‫أحداث متسارعة بنسب متفاوتة‪.‬‬ ‫في رسوم ناجي العيل»‪ ،‬و «آليات اشتغال الخطاب الساخر‬

‫‪ -‬الظرفية السياسية الحساسة والحرجة اليت جاءت فيها‬ ‫في غالف رواية «اللجنة» لصنع هللا إبراهيم»‪ ،‬وغريهما‬
‫هذه الحكومة‪ ،‬وحجم المشاكل اليت كانت تنتظرها في‬ ‫من المقاالت لباحثني في هذا القطر العربي أو ذاك‪.‬‬

‫جميع القطاعات الحيوية‪ ،‬خاصة وأنها قدمت نفسها‬ ‫إن غزارة ما ُيُنتج عرب العالم في مجال الصور عموما‬

‫كمنقذ من هزات «الربيع العربي»‪ ،‬وصمام أمان للدولة‬ ‫وأهميته وغناه‪ ،‬وحضوره في فضاءات مختلفة‬

‫والمجتمع من ارتدادات ما يجري في محيط إقليمي يغيل‬ ‫ومجاالت متعددة‪ ،‬ليستدعي االهتمام المزتايد بهذا‬

‫سياسيا‪ ،‬واجتماعيا‪ ،‬واقتصاديا وإيديولوجيا‪.‬‬ ‫المجال الخصب والبحث المتأني في واقعه ومآالته‪.‬‬

‫ولعل هذا ما جعل هذه التجربة الحكومية محط اهتمام‬ ‫وفي نظر المؤلف ينبغي أن يأتي الخطاب الكاريكاتريي‬

‫العديد من رسامي الكاريكاتري الساخرين‪ ،‬وفي مقدمتهم‬ ‫في طليعة هذا االهتمام المنشود؛ فهو خطاب جـــاد‬

‫الرسام الكاريكاتريي خالد كدار‪ .‬وقد اختار المؤلف أعمال‬ ‫يواكب مختلف القضايا واألسئلة اليت يواجهها الفرد‬

‫هذا الرسام الساخر لعدة اعتبارات لعل أهمها أنه ُيُعترب من‬ ‫والمجتمع‪ ،‬وهو ال يسلك في ذلك طريقة بسيطة أو‬

‫أبرز رسامي الكاريكاتري المحرتفني في المغرب‪ ،‬وأكرثهم‬ ‫عفوية‪ ،‬وإنما طريقة فنية وجمالية تستدعي التأمل‬

‫جرأة وإثارة للجدل‪ .‬ولتكوينه األكاديمي المتخصص‬ ‫الواعي لتفكيك اآلليات المعتمدة لبناء المعىن ومقاربة‬

‫في الرسم الكاريكاتريي‪ ،‬وفي «كاريكاتري السخرية‬ ‫مختلف مكوناته ومستوياته‪ .‬إنه إرسالية مركبة من ثالث‬

‫السوداء»‪ .‬تحديدا‪ ،‬الذي هيأ له ظروف اشتغال رزين ال‬ ‫عالمات‪ :‬العالمة اآليقونية والعالمة التشكيلية والعالمة‬

‫يكتفي بالموهبة‪ ،‬وإنما ييش باشتغال جاد‪ .‬إنها أعمال‬ ‫اللسانية‪ .‬لقد اسرتعى انتباه المؤلف‪ ،‬قلة الدراسات اليت‬

‫يراهن فيها عىل المتلقي ويرشكه في إنتاج معناها‪،‬‬ ‫تعاملت مع الكاريكاتري اعتمادا عىل هذه العالمات الثالث‪،‬‬

‫ولعل هذا ما يفرس عدم ميله إىل توظيف العالمة‬ ‫في تقاطعها وتراكبها واشتغالها المشرتك‪ ،‬وهو ما قاد‬

‫اللسانية بشكل يطغى عىل البعد البرصي للرسم؛ إذ‬ ‫المؤلف إىل اعتماد منت اختاره من السجل الكاريكاتريي‬

‫يغيب التعليق والحوار بني الشخصيات الكاريكاتريية لصالح‬ ‫لخالد كدار‪ ،‬تفاعل عربه مع القضايا السياسية واالقتصادية‬

‫حضور العالمات البرصية بمختلف أنواعها اعتمادا عىل‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬اليت عرفها المغرب خالل مرحلة حكومة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪43‬‬

‫الكاريكاتريي إلنتاج المعىن‪ .‬ومن هنا تبلور سؤال أساس‬ ‫مرجعياتها السياسية واالجتماعية والثقافية واالقتصادية‬

‫هو‪ :‬كيف ينتج الكاريكاتري المعىن؟ تفرع بدوره إىل عدة‬ ‫‪ ...‬قصد تكثيف الداللة برصيا‪ .‬عالوة عىل أن الرسام راكم‬

‫أسئلة منها‪ :‬كيف تسهم كل عالمة من العالمات اليت‬ ‫تجربة تجاوزت العقدين من الزمن‪ .‬اشتغل خاللها مع عدة‬

‫يوظفها الرسم الكاريكاتريي في عملية إنتاج المعىن؟‬ ‫جرائد ومجالت مغربية‪ ،‬وجريدة» ‪Le journal Hebdo Le‬‬

‫كيف يؤثر مستوى الشكل عىل مستوى المضمون في‬ ‫‪« journal‬و» ‪ «Demain Magazin‬مثل «أخبار اليوم»‬

‫سريورة إنتاج المعىن؟ هل المعىن محاذي لعنارص الشكل‬ ‫وصحيفة «هيسربيس»‪ .‬كما اشتغل مع منابر إعالمية‬

‫أم أنه خاضع للرشط الثقافي الذي يحكم سريورة إنتاجه؟‬ ‫أجنبية مشهورة‪ ،‬مثل ‪ Charlie hebdo‬وجريدة ‪Le Monde‬‬

‫هل يمكن للرسم الكاريكاتريي‪ ،‬باعتباره عمال تشكيليا‬ ‫الفرنسيتني‪ ،‬والمجلة األمريكية» ‪« EL PAÍS‬وتعاون مع‪»،‬‬

‫ذا مزنع صحفي‪ ،‬أن يستغين عن العالمة اللسانية في‬ ‫‪« ALLIED MEDIA COORPORATION‬اإلسبانية‪ .‬واكب‬

‫عملية إنتاج المعىن؟ وماهي أنواع النصوص الموازية‬ ‫الرسام‪ ،‬فضال عن ذلك‪ ،‬األحداث السياسية اليت عرفها‬
‫للرسم الكاريكاتريي؟ وماهي الوظائف اليت يمكن أن‬ ‫المغرب في العقدين األولني من هذا القرن‪ ،‬باستمرار‬

‫تؤديها؟ كيف تتشاكل جميع مكونات الرسم الكاريكاتريي‬ ‫ودون انقطاع‪ .‬وتمزيت تجربته اإلبداعية بانتهاج رؤية‬

‫لخلق األثر الساخر؟ وما هي عالقة الكاريكاتري السيايس‬ ‫محددة ومحكومة بنظيمة فكرية وفلسفية مضبوطة‬

‫بالفعل السيايس والشخصيات السياسية؟ حاول المؤلف‬ ‫تعرب عن رؤيته للعالم‪ ،‬كما تعرب عن موقفه السيايس من‬

‫مقاربة هذه األسئلة اعتمادا عىل خلفية نظرية تمتح من‬ ‫القضايا اليت يعالجها في إبداعاته‪ ،‬ال سيما خالل مرحلة‬

‫السيمائيات وتحديدا سيمائيات األنساق البرصية‪ ،‬اليت وفرت‬ ‫حكومة عبد اإلله بنكريان‪ .‬وقسم المؤلف منت الكتاب‬

‫ُُعدة إجرائية متكاملة لتحليل النسق البرصي‪ .‬فال أحد ينكر‬ ‫إىل ثماني مجموعات ُُتعىن كل واحدة منها بقضية‬

‫فضلها‪ ،‬عرب تاريخها انطالقا من بارث وصوال إىل أعمال‬ ‫محددة عىل النحو اآلتي‪ :‬الشخصية الكاريكاتريية لرئيس‬

‫جماعة مو وامبريتو إيكو وبعض أفراد مدرسة باريس مثل‬ ‫الحكومة‪ ،‬القضايا االقتصادية‪ ،.‬قضية أزمة تشكيل‬

‫كريماس وجاك فونتاني وجوزيف كورتيس‪ ،‬عىل الدراسة‬ ‫النسخة الثانية من الحكومة‪ ،‬قضية الرصاع بني الحكومة‬

‫األكاديمية اليت تسعى إىل تفكيك النسق البرصي‪ ،‬بل‬ ‫وأحزاب المعارضة‪ ،‬قضايا االنتخابات ‪ ،-‬قضايا اجتماعية‬

‫عىل كل الدراسات المهتمة بحقل الصورة‪ .‬سنستفيد‬ ‫متنوعة‪ ،‬قضايا الفساد المايل‪ ،.‬قضية الصحافة وحرية‬

‫من هذا الجهاز النظري لمقاربة منت البحث‪ ،‬لما يتيحه من‬ ‫التعبري‪ .‬حاول المؤلف معالجة هذا المنت‪ ،‬انطالقا من‬

‫موضوعية تنأى بنا عن أحكام القيمة واألحكام الجاهزة‪.‬‬ ‫إشكالية محددة تنظم أطروحة البحث وهي‪ :‬كيف واكب‬

‫قسم المؤلف البحث إىل مقدمة وأبواب وفصول راعى‬ ‫الكاريكاتري لدى الرسام الساخر خالد كدار أهم القضايا اليت‬

‫فيها التدرج من القضايا النظرية إىل المقاربة التحليلية‪.‬‬ ‫وسمت مرحلة حكومة بنكريان بنسختيها وكيف تلقاها؟‬

‫خصص الباب األول لقضايا نظرية‪ ،‬وقسمها إىل ثالثة‬ ‫ولما كانت إرسالية الكاريكاتري (تلفظا برصيا مركبا‪ ،‬فإن أي‬

‫فصول‪ :‬تطرق في الفصل األول إىل األنساق البرصية‬ ‫مقاربة لهذا السؤال تبقى ناقصة ما لم تأخذ بعني االعتبار‬

‫وعملية إنتاج المعىن‪ ،‬وركز عىل عنارص ومنها عالقة‬ ‫جميع العنارص اليت تتفاعل فيما بينها داخل فضاء الرسم‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪44‬‬

‫اإلدراك بالنسق البرصي ومكونات هذا النسق اعتمادا‬

‫أسم الكتاب‪ :‬الصورة وإنتاج المعىن‪ :‬بحث في سيميائيات‬ ‫عىل تصورات بورس وإيكو وجماعة مو ‪ .‬وخصص الفصل‬

‫األنساق البرصية‪.‬‬ ‫الثاني لمقاربة إنتاج المعىن بني النسق البرصي والنسق‬

‫اللساني‪ ،‬وركز االهتمام عىل طبيعة العالقة بني العالمة‬

‫اللسانية والعالمة البرصية‪ ،‬وطريقة تفاعلهما داخل الرسم‬

‫الكاريكاتريي‪ ،‬وتحديد أنواع النص الموازي والوظائف‬

‫اليت يؤديها داخل إرسالية الكاريكاتري‪ .‬أما الفصل الثالث‬

‫ففصل فيه القول حول تاريخ الكاريكاتري منذ بدايته‬

‫األوىل إىل أن وصل أعمدة الصحافة‪ .‬وقف عرب هذه‬

‫الرحلة عىل تجربة الكاريكاتري في أوروبا والعالم العربي‪ ،‬مع‬

‫الرتكزي عىل التجربة الكاريكاتريية في المغرب‪ ،‬وعىل بعض‬

‫مظاهر العالقة الجدلية بني الكاريكاتري والسلطة‪ ،‬وختم‬

‫الفصل بالحديث عن بعض خصائص الكاريكاتري وأنواعه‪ .‬أما‬

‫تأليف ‪ :‬إبراهيم آيت مكي‪،‬‬ ‫الباب الثاني فتوزعه فصول ثالثة قارب في الفصل األول‬

‫أنواع العالمات اآليقونية الموظفة في المنت ودالالتها‪،‬‬

‫مبينا دورها في عملية إنتاج المعىن‪ .‬وحلل في الفصل‬

‫الثاني العالمات التشكيلية الموظفة في المنت‪ ،‬وما‬

‫تعتمده من تقنيات ومستويات إلنتاج المعىن‪ .‬وتناول في‬

‫الفصل الثالث العالمة اللسانية وذلك من خالل جرد أنواع‬

‫النصوص الموازية الموظفة في المنت وأهم وظائفها‪،‬‬

‫وتحليل بنيتها الرتكيبية والداللية والزمنية‪ ،‬وتصنيف مختلف‬

‫السجالت اللغوية اليت اعتمدها الرسام في النص الموازي‬

‫للرسم الكاريكاتريي‪ .‬أما الباب الثالث فقد اهتم ببالغة‬

‫السخرية في الكاريكاتري‪ ،‬وقد قسمه المؤلف إىل فصلني‬

‫التخصص ‪ :‬دكتوراه في تحليل الخطاب‪ ،‬جامعة ابن زهر‪،‬‬ ‫ركز في األول عىل آليات السخرية في منت البحث‪ ،‬وخصص‬

‫أكادير‪ ،‬المغرب‪.‬‬ ‫الثاني لتلقي الكاريكاتري السيايس الساخر في الفضاء‬

‫النارش ‪ :‬دار كنوز المعرفة للنرش والتوزيع‪.2022 ،‬‬ ‫االفرتايض‪ .‬أما خاتمة البحث فقد ضمنها أهم الخالصات‬

‫عدد الصفحات‪ 672 :‬صفحة‪.‬‬ ‫واالستنتاجات اليت قادت إليها أطروحة الكتاب وأسئلته‬

‫وتحليل محاوره‪.‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪45‬‬

‫المهارات الخرضاء‬
‫أمُرُ واجب التعميم‬

‫ً‬
‫قدمًا في القضاء عىل مساهمتها في‬ ‫المتحدة بالميض‬
‫د‪ .‬نجالء الشامي‬
‫تغري المناخ بحلول عام ‪.2050‬‬ ‫عضو قياس الجودة ‪ /‬جمهورية مرص العربية‬

‫وتتضمن النقاط العرش للخطة‪:‬‬

‫‪ .1‬الرياح البحرية‪ :‬إنتاج ما يكفي من الرياح البحرية لتشغيل‬ ‫ظهرت جهود رامية تهدف إىل التحول األخرض لتحقيق‬
‫كل مزنل‪ ،‬ومضاعفة كمية إنتاج المملكة المتحدة أربع‬ ‫االستدامة البيئة واستجابة إىل التغيريات المناخية اليت‬

‫مرات إىل ‪ 40‬غيغا وات بحلول عام ‪.2030‬‬ ‫يوجهها العالم اآلن اليت أسهمت في تغري شكل ونمط‬

‫‪ .2‬الهيدروجني‪ :‬تهدف إىل توليد ‪ 5‬ميغاواط من طاقة‬ ‫الحياة عىل كوكب األرض‪ ،‬بل وعىل سياسات الحكومات‬

‫إنتاج الهيدروجني منخفضة الكربون بحلول عام ‪2030‬‬ ‫والمؤسسات وأولوياتها‪ ،‬كما أنها ستكون سب ًًبا لفقد‬

‫للصناعة والنقل والطاقة والمنازل‪ ،‬وتطوير أول مدينة‬ ‫الكثريين لوظائفهم وبالتايل التأثري عىل سبل العيش‬

‫تعمل بالكامل بالهيدروجني بحلول نهاية العقد‪.‬‬ ‫والحياة بشكل عام مما أدى اىل ظهور توجهات نحو‬

‫‪ .3‬الطاقة النووية‪ :‬النهوض بالطاقة النووية كمصدر‬ ‫تطبيق االقتصاد األخرض وزيادة االهتمام بالمهارات‬

‫للطاقة النظيفة عرب الطاقة النووية واسعة النطاق‬ ‫اليت تحقق هذه االستدامة وتعد المهارات الخرضاء‬

‫الصغرية‬ ‫المفاعالت‬ ‫من‬ ‫المقبل‬ ‫الجيل‬ ‫وتطوير‬ ‫هي المدخل لمالحقة هذه التغريات‪ .‬وُيُعد االقتصاد‬

‫والمتقدمة‪.‬‬ ‫ً‬
‫اخرضارًا‪ ،‬حيث أعلنت عن خطة طموحة‬ ‫الربيطاني األكرث‬

‫‪ .4‬السيارات الكهربائية‪ :‬إنهاء بيع السيارات والشاحنات‬ ‫من عرش نقاط لثورة صناعية خرضاء تسمح للمملكة‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪46‬‬

‫‪ .7‬المنازل والمباني العامة‪ :‬جعل المنازل والمدارس‬ ‫الصغرية الجديدة اليت تعمل بالبزنين والديزل بحلول عام‬

‫والمستشفيات أكرث خرضة ودفئ�ا وأكرث كفاءة في‬ ‫‪ - 2030‬قبل عرش سنوات من الموعد المخطط له ‪ -‬مع‬

‫استخدام الطاقة‪ ،‬مع الطموح لرتكيب ‪ 600‬ألف مضخة‬ ‫السيارات الهجينة في عام ‪ ،2035‬وتحويل البنية التحتية‬

‫حرارية بحلول العام ‪..2028‬‬ ‫الوطنية في المملكة المتحدة لدعم المركبات الكهربائية‬

‫‪ .8‬احتجاز الكربون‪ :‬تخطط المملكة المتحدة لتصبح رائدة‬ ‫بشكل أفضل‪ .‬سيضع هذا المملكة المتحدة في طريقها‬
‫ً‬
‫عالميًا في مجال التكنولوجيا الحتجاز وتخزين االنبعاثات‬ ‫لتكون أول دولة في مجموعة السبع تزيل الكربون عن‬
‫ً‬
‫بعيدًا من الغالف الجوي‪ ،‬إلزالة ‪ 10‬ماليني طن من‬ ‫الضارة‬ ‫النقل الربي‪.‬‬

‫ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام ‪.2030‬‬ ‫‪ .5‬النقل العام وركوب الدراجات والميش‪ :‬جعل ركوب‬

‫‪ .9‬الطبيعة‪ :‬حماية البيئة الطبيعية واستعادتها‪ ،‬بما في‬ ‫الدراجات والميش أكرث جاذبية للسفر واالستثمار في‬
‫ً‬
‫سنويًا‪.‬‬ ‫ذلك زراعة ‪ 30‬ألف هكتار من األشجار‬ ‫وسائل النقل العام الخالية من االنبعاثات في المستقبل‪.‬‬

‫‪ .10‬االبتكار والتمويل‪ :‬تطوير التقنيات المتطورة الالزمة‬ ‫ً‬

‫اخرضارًا‪ :‬دعم الصناعات اليت‬ ‫‪ .6‬غيت زيرو والبحرية األكرث‬

‫لتحقيق هذه الطموحات الجديدة في مجال الطاقة‪.‬‬ ‫ً‬

‫اخرضارًا من خالل‬ ‫يصعب إزالة الكربون منها لتصبح أكرث‬

‫كما أطلقت مرص «االسرتاتيجية الوطنية لتغري المناخ‬ ‫المشاريع البحثية للطائرات والسفن عديمة االنبعاثات‪.‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪47‬‬

‫والبناء عىل نجاح برامج تمويل األنشطة المناخية الحالية‪.‬‬ ‫‪ ،»2050‬واليت استهدفت خمس أهداف منها تعظيم‬

‫وظهرت مفاهيم تتناسب مع هذا التحول كمفهوم‬ ‫كفاءة الطاقة‪ ،‬وذلك بتحسني كفاءة محطات الطاقة‬

‫المهارات الخرصاء والوظائف الخرضاء؟ وسيتناولها‬ ‫الحرارية‪ ،‬وشبكات النقل والتوزيع‪ ،‬واألنشطة المرتبطة‬

‫المقال و بعض األمثلة عىل كيفية تحقيق المهارات‬ ‫بالنفط والغاز‪ ،‬وتحسني كفاءة الطاقة لألجهزة والمعدات‬

‫الخرضاء في نواتج تعلم المدارس بالعالم العربي؟‬ ‫الكهربائية‪ ،‬وتحول المستهلكني الستخدام تقنيات تعتمد‬

‫المهارات الخرضاء هي المهارات اليت تساعد األفراد‬ ‫عىل مصادر طاقة أنظف‪ ،‬مثل وسائل النقل اليت تعمل‬

‫والمؤسسات عىل االنتقال نحو اقتصاد أكرث استدامة‬ ‫بالكهرباء والغاز الطبيعي وأنظمة النقل العام الجماعي‬

‫وصديق للبيئة‪.‬‬ ‫والدراجات‪ ،‬إىل جانب تحسني كفاءة الطاقة في المباني‪،‬‬

‫وفقا للمنظمة الدولية للرتبية والثقافة والعلوم‬ ‫وتنفيذ الكود الوطين لألبنية الخرضاء للمباني الجديدة‪،‬‬

‫(اليونسكو) تشمل المهارات الخرضاء ما ييل‬ ‫وتعزيز كفاءة الطاقة للعمليات الصناعية في جميع‬

‫‪ -‬المهارات األساسية‪ :‬مثل القراءة والكتابة والحساب‬ ‫الصناعات‪ ،‬تحسني البنية التحتية لتمويل األنشطة المناخية‬

‫واللغات والتكنولوجيا الرقمية‬ ‫ولتحقيق هذا الهدف سيتم العمل عىل الرتويج لألعمال‬

‫‪ -‬المهارات العامة‪ :‬مثل التفكري النقدي وحل المشكالت‬ ‫المرصفية الخرضاء المحلية‪ ،‬وخطوط االئتمان الخرضاء‪،‬‬

‫والتعلم المستمر‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والقيادة والمبادرة‬ ‫والرتويج آلليات التمويل المبتكرة اليت تعطي األولوية‬

‫‪ -‬المهارات الخاصة‪ :‬مثل المهارات الفنية والمهنية‬ ‫إلجراءات التكيف كالسندات الخرضاء‪ ،‬ومشاركة القطاع‬

‫واإلدارية والقانونية والمالية والتسويقية والتصميمية‬ ‫الخاص في تمويل األنشطة المناخية والرتويج للوظائف‬

‫والبحثية والتطويرية واالبتكارية‪ ،‬اليت تتعلق بالقطاعات‬ ‫الخرضاء‪ ،‬والتوافق مع الخطوط التوجيهية لبنوك التنمية‬

‫الخرضاء أو الوظائف الخرضاء‪.‬‬ ‫متعددة األطراف (‪ )MDB‬لتمويل األنشطة المناخية‪،‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪48‬‬

‫للشباب‪ ،‬اليت تهدف إىل تمكني الشباب من الحصول عىل‬ ‫‪ -‬المهارات البيئية‪ :‬مثل الوعي بالقضايا البيئية والمناخية‬

‫فرص عمل في االقتصاد األخرض‪ ،‬وتشمل تدريبات وورش‬ ‫والتنوع البيولوجي والموارد الطبيعية واالستهالك‬

‫عمل ومسابقات ومشاريع تطبيقية في مجاالت مثل‬ ‫المسؤول والتخفيف من التلوث والتكيف مع التغريات‬

‫الطاقة الشمسية‪ ،‬والزراعة الحرضية‪ ،‬والتدوير‪ ،‬واالبتكار‬ ‫المناخية والمشاركة في العدالة المناخية‬

‫االجتماعي‪.‬‬ ‫وتعمل المهارات الخرضاء عىل مواجهة التحديات‬

‫ويمكن القول إن تنمية المهارات الخرضاء ونرشها لم‬ ‫البيئية والمناخية اليت يعاني منها العالم‪ ،‬وخلق فرص‬

‫تعد من سبل الرفاهية‪ ،‬بل أمر تعميمه واجب ونرشه في‬ ‫عمل جديدة ومستدامة في القطاعات الخرضاء‪،‬‬

‫جميع المراحل التعليمية وخاصة في المراحل المبكرة من‬ ‫مثل الطاقة المتجددة والزراعة العضوية والنقل‬

‫التعليم رضورة كي نحظى باقتصاد مستدام ومتجدد‪.‬‬ ‫العام‪ ،‬وإدارة النفايات‪ ،‬والتصميم البييئ‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫كما أن المهارات الخرضاء تساهم في تحسني جودة‬

‫الحياة والصحة‪ ،‬والتنمية االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‬

‫لألفراد والمجتمعات وهذه المهارات يمكن استثمارها‬

‫وتوظيفها في وظائف مستحدثة تخدم هذا التوجه‬

‫الذي يرنو اليه العالم االن وهي الوظائف الخرضاء‪ ،‬أما‬

‫المقصود بالوظائف الخرضاء‪ُ .‬يُقصد بها الوظائف اليت‬

‫تساهم في الحفاظ عىل البيئة واألرض واستعادتها‪ .‬قد‬

‫تعمل في قطاع تقليدي مثل التصنيع أو البناء‪ ،‬أو في‬

‫صناعة خرضاء مستحدثة مثل الطاقة المتجددة وكفاءة‬

‫الطاقة‪ .‬ونجد في قطاع التعليم بمرص اهتمام بالغ يظهر‬

‫ذلك في اطالق بعض المبادرات والربامج اليت تهدف إىل‬

‫تعزيز المهارات الخرضاء في نواتج تعلم المدارس‪ ،‬ومن‬

‫بينها مرشوع الفصول الدراسية الخرضاء عىل األسطح في‬

‫مرص‪ ،‬الذي يستخدم األسطح المهملة إلنشاء مساحات‬

‫تعليمية صديقة للبيئة‪ ،‬ويشجع الطالب عىل االهتمام‬

‫بالمحافظة عىل البيئة والموارد الطبيعية‪ ،‬مبادرة المدارس‬

‫الخرضاء اآلسيوية‪ ،‬اليت تهدف إىل تحويل المدارس إىل‬

‫مراكز للتعليم البييئ والتنمية المستدامة‪ ،‬وتشمل عنارص‬

‫مثل الطاقة النظيفة‪ ،‬والمياه الصالحة للرشب‪ ،‬والنفايات‬

‫الصلبة‪ ،‬والتنوع البيولوجي ‪،‬مبادرة المهارات الخرضاء‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪49‬‬

‫دور المواقع اإللكرتونية السياحية في تنشيط السياحة‬

‫نماذج عربية ودولية‬
‫‪The role of tourism websites in promoting tourism‬‬
‫‪International and arabic models‬‬
‫أصبح عالم اليوم عالم رقمي في كل المعامالت التجارية‬

‫واالجتماعية‪ ،‬وكان للسياحة نصيبها‪ ،‬فظهر مفهوم‬

‫الرتويج السياحي الرقمي‪ .‬فماهي وسائله ومظاهره‬

‫والنتائج اإليجابية إلنعاش القطاع السياحي عىل المستوي‬

‫الدويل؟‬

‫التحول الرقمي والسياحة اإللكرتونية‬

‫ً‬
‫سابقًا‪ ،‬أصبح بإمكانك أن‬ ‫لم يعد عالمنا كالذي ألفناه‬

‫تدفع ثمن فنجان قهوة وتسافر بكبسة زر‪ ،‬إذ يعترب‬

‫مفهوم السياحة االلكرتونية من المفاهيم الحديثة في‬

‫علم السياحة اليت تتداخل بشدة مع مفهوم التجارة‬

‫د‪ .‬مصباح صوفيان‬
‫االلكرتونية‪ .‬وقد استطاع الباحث أن يرصد عدة تعريفات‬
‫جامعة مولود معمري ‪ -‬الجزائر‬
‫لمفهوم السياحة االلكرتونية‪ ،‬كان أهمها أنه اشارته‬
‫الراغبني في قبول هذه الخدمات السياحية المقدمة عرب‬
‫إىل «استخدام األعمال االلكرتونية في مجال السفر‬
‫شبكة اإلنرتنت»‪.‬‬
‫والسياحة‪ ،‬واستخدام تقنيات االنرتنت من أجل تفعيل‬
‫ً‬
‫وثيقًا بمفهوم التجارة‬ ‫ً‬
‫ارتباطًا‬ ‫وترتبط السياحة االلكرتونية‬
‫عمل الموردين السياحيني والوصول إىل تسهيالت أكرث‬
‫االلكرتونية‪ ،‬وبهذا المعىن يكون للتجارة االلكرتونية‬
‫فعالية للمستهلكني السياحيني»‪ ،‬وأنه “نمط سياحي‬
‫خمسة أنواع من األنشطة المتعلقة بالمعامالت التجارية‪:‬‬
‫يتم تنفيذ بعض معامالته اليت تتم بني مؤسسة سياحية‬
‫اإلعالن عن السلع والخدمات اليت يتم عرضها عرب شبكة‬
‫وأخرى أو بني مؤسسة سياحية ومستهلك (سائح) من‬
‫االنرتنت من خالل متاجر افرتاضية أو محال بيع عىل االنرتنت‪،‬‬
‫خالل استخدام تقنية المعلومات واالتصاالت… بحيث‬
‫وتبادل المعلومات والتفاعل بني البائع والمشرتى‪ ،‬وعقد‬
‫تتالقى فيه عروض الخدمات السياحية من خالل شبكة‬
‫الصفقات وإبرام العقود من خالل شبكة االنرتنت‪ ،‬وسداد‬
‫المعلومات الدولية (اإلنرتنت) مع رغبات جموع السائحني‬
‫االلزتامات المالية من خالل وسائل الدفع االلكرتونية‪،‬‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪50‬‬

‫والمعلومات اليت يحتاجها عن المنتج السياحي من خالل‬ ‫وعمليات توزيع وتسليم السلع والخدمات ومتابعة‬

‫شبكة االنرتنت‪ ،‬ويشمل ذلك معلومات عن الطريان‬ ‫اإلجراءات سواء عن طريق شبكة االنرتنت‪ on –line‬أو عن‬

‫والفنادق والربامج السياحية وأماكن تأجري السيارات‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫طريق القنوات العادية‪.‬‬

‫وأسهم ذلك في تحقيق رغبات السائح وإرضاء احتياجاته‬ ‫أهمية السياحة االلكرتونية للوصول لسياحة فعلية‬

‫األساسية‪ ،‬وذلك من خالل إمكانية قيام السائح بإجراء‬ ‫ال أحد منا يحب التعب والتجوال الطويل في البازارات‬

‫العديد من المقارنات بني المواقع السياحية المختلفة‪.‬‬ ‫الختيار مالبس أو أثاث أو حىت وجهة للراحة‪ ،‬وتنبع أهمية‬

‫المواقع اإللكرتونية والرتويج السياحي نماذج دولية‪:‬‬ ‫السياحة اإللكرتونية واالستجمام من هذا المنطلق‬

‫‪ ، - Hotel web Site‬إذ أصبح يمكنك النقر عيل أزرار الحاسوب‬ ‫المنافع الضخمة اليت توفرها سواء لمقدمي الخدمات‬

‫الختيار موقع ويب خاص بحجز الفنادق تستطيع المنظمة‬ ‫السياحية أو للسائحني أنفسهم‪ ،‬واليت تسهم في تجاوز‬

‫الفندقية من خالل موقعها من عرض خـدماتها بمختلـف‬ ‫الحواجز التقليدية في المعامالت السياحية النمطية‪ ،‬ومن‬

‫أنواعهـا ولكافة رشائح المجتمع ومواصفاتها وأسعارها‬ ‫أهم هذه المنافع‪ :‬تيسري تقديم المعلومات اليت تعتمد‬

‫ونظم توزيعها وأسـاليب وقنـوات الـدفع اإللكرتوني‬ ‫عليها صناعة السياحة‪ ،‬حيث تتسم الخدمات السياحية‬

‫والتقليدي‪ ،‬مجتمعات ومكاتب سياحة افرتاضية حيث‬ ‫بأنها منتجات تتباين فيها المعلومات بشكل كبري فال‬

‫يتم التعرف عىل المكاتب السياحية ووكاالت السـفر‬ ‫يمكن قياس جودتها إال بالتجربة‪ ،‬وأنها تعتمد باألساس‬

‫والسـياحة ورشكات النقل عرب شبكة اإلنرتنت ومواقع‬ ‫عىل ثقة السائح في جودة الخدمات السياحية‪ ،‬اليت‬

‫الفنادق والمنتجعات السياحية ويتم التعرف عىل الخدمات‬ ‫تقدمها الرشكات والمؤسسات السياحية‪ .‬ومن هنا أصبح‬

‫وطريقة الوصـول والحجـوزات عـىل الموقـع‪ ،‬اإللكرتوني‬ ‫بإمكان المستهلك السياحي الحصول عىل جميع البيانات‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪51‬‬

‫السفر راحة للروح ومصدر إلهام وهو ما توفره مواقع‬ ‫للفندق والرتويج عن الخدمات والنشـاطات والفعاليـات‬

‫مختصة بالرتويج السياحي‪.‬‬ ‫السـياحية لوكـاالت ترعاها جميع بلدان العالم‬

‫ً‬
‫متكامًال للسفر‬ ‫ً‬
‫مجتمًعا‬ ‫‪ُ goejazah.com -‬يُعد “جو إجازة”‬ ‫‪ -‬محركات البحث والفهارس‪Search Engines and‬‬

‫والرحالت‪ ،‬ومن أفضل مواقع السفر العربية من ناحية‬ ‫‪ ،Indices‬إن الدخول اىل هـذه المحركـات والفهـارس‬

‫البساطة والوضوح‪ .‬ويوفر الموقع خدمات اختيار الوجهة‬ ‫وتزويـدها بوصـف جيـد لمواقـع الفنـادق ومكاتب السفر‬

‫ثواٍن‪ ،‬كما‬
‫ٍ‬ ‫ألكرث من ‪ 40.000‬مكان حول العالم والحجز خالل‬ ‫والسـياحة ورشكـات الطـريان ورشكـات النقـل البحـري‬

‫ينفرد بمزية رائعة وهي تخطيط الرحلة؛ حيث يرتك للمسافر‬ ‫والـربي وسـكك الحديد والحجوزات تسهل عمليـة وصـول‬
‫ً‬
‫فضًال عن‬ ‫حرية تخطيط برنامج السفر وكيفية قضاء األيام‬ ‫السـائح اىل هـذه المواقـع والتعـرف بصـورة مبارشة عن‬

‫الربامج الجاهزة المتوفرة‪.‬‬ ‫هذه الخدمات‪.‬‬

‫‪ Wild Guanabana -‬إذا كنت تبحث عن رحلة مفعمة‬ ‫‪ -‬اختيار وسائل اإلعالن‪ :‬حيث يتم اختيار قنوات االتصال‬
‫بالحيوية والمغامرة فأنت في المكان المناسب‪ ،‬فهذا‬ ‫عرب شبكة االنرتنت من خالل معلومات وبيانات عن الفنــا‬

‫الموقع يتيح لك االختيار من بني عرشات الربامج لتسلق‬ ‫دق والسالســل الفندقيــة وموقعهــا االلكــرتوني‬

‫الجبال‪ ،‬أو سفاري الحياة الربية‪ ،‬واستكشاف الثلوج حول‬ ‫ومواقعها‬ ‫الســياحية‬ ‫والمنتجعــات‬ ‫والمواقــع‬

‫‪ 80‬دولة من القارة القطبية إىل شواطئ زنزبار‪.‬‬ ‫االلكرتونية وكيفية الحصول عىل الويب الخاص بكل‬

‫ويزود الموقع إىل جانب ذلك‪ ،‬المسافرين بالمعلومات‬ ‫فندق أو موقـع سـياحي‪ ،‬واألخذ بعني االعتبار محتوى‬

‫حول كل رحلة من حيث الظروف البيئية ومستوى الراحة‪،‬‬ ‫اإلعـالن‪ ،‬أي الرسـالة اإلعالنيـة وأن تكـون واضـحة وذات‬

‫حيث يركز الموقع عىل مبدأ تنمية روح المغامرة‪ ،‬وتجربة‬ ‫ألوان جذابة وصور تعطي الجانب األبهى للموقع‪.‬‬

‫أشياء تقوم بها ألول مرة في حياتك‪.‬‬ ‫‪ -‬الربيد اإللكرتوني ‪ .E-Mail‬ويعد الربيـد االلكـرتوني‬

‫أحد المواقع‬ ‫‪ -‬سفاري ‪/https://www.sfari.com‬‬ ‫مـن أحـدث وسـائل االتصـال وابـرز األنـواع األساسية‬

‫العربية الممزية في مجال السفر والسياحة‪ ،‬ويقدم‬ ‫لخدمات االنرتنت حيث يقوم بنقل الرسائل بسهولة وأرسع‬

‫المنتدى الملحق بالموقع موضوعات مفتوحة للنقاش‬ ‫التسويق السياحي وترويج خدمات السياحة وقـد أشـار‬

‫حول سفاري الدول العربية واألجنبية من خالل تخصيص‬ ‫العديـد مـن الباحثـني عـىل غـرار كافـالك‪ ،Cavlek‬وهـال‬

‫قسم منفصل لكل وجهة‪ .‬ويقسم الموقع السفريات‬ ‫‪ ,Hall‬بـرييل ومارتـن وغارتـرن إىل وسـائل االعـالم كأحـد‬

‫حسب الغرض كالسياحة العالجية‪ ،‬ورحالت الدراسة‪،‬‬ ‫أهـم المصادر‪ ،‬اليت يلجأ إليها السـائح مـن أجل الحصول‬

‫والبعثات الخارجية؛ بحيث يمكن للزوار والمشاركني تبادل‬ ‫عـىل المعلومات‪ ،‬ويعدا إلعـالم السـياحي أحد أشـكال‬

‫اآلراء والخربات والصور‪ ،‬كما يوفر خدمات البحث عن‬ ‫اإلعالم الحديـث الذي يتنـاول بالتفصيل قضايا السـياحة‬

‫الفنادق والحجز بأفضل األسعار المتاحة لمئات المناطق‬ ‫وموضوعاتها‪ ،‬المواقع العربية المتخصصة في الرتويج‬

‫السياحية حول العالم‪.‬‬ ‫السياحي نحن العرب‪ ،‬وخاصة الشباب يحبون التجوال‬

‫‪ -‬ترافل ياال ‪ https://www.travelyalla.com/ar‬يقوم‬ ‫وتغيري الجو واكتشاف األخر والتعرف عىل الثقافات‪ ،‬إذ إن‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫‪50‬‬

‫عدة معايري‪ .‬مع تقديم األسعار ومختلف الخدمات‬ ‫الموقع بدور حلقة الوصل بني الرشكات العارضة للرحالت‬

‫والحجوزات المتاحة مع تقديم إحصائيات‪ .‬وتوفر منصة‬ ‫السياحية والباحثني عن السفر‪ ،‬بحيث يستطيع الزائر التعرف‬

‫بوكينغ االطالع عىل عروض الفنادق مع صور موضحة‬ ‫عىل كافة العروض اليت تقدمها الرشكات المختلفة‪،‬‬

‫لنوعية الخدمات كما يطلع المستخدمون عىل التعليقات‬ ‫وتفاصيل قضاء اإلجازة‪ .‬ويتيح “ترافل ياال”‪ ،‬خدمة‬

‫والتقييمات وجودتها للمفاضلة بينها‪.‬‬ ‫مشاهدة فيديو حي للمكان الذي سزتوره‪ ،‬وإمكانية‬

‫ختاما تمثل المواقع اإللكرتونية السياحية أول جرس‬ ‫االتصال بالمسافر من قبل الرشكة العارضة لزتويده‬

‫لسياحة فعلية فهي تقدم خدمات التوجيه وعرض‬ ‫بكل ما يطلبه من معلومات حول الرحالت الداخلية‬

‫الخدمات والحجز والدفع في منصات أمنة كوسيط‬ ‫والخارجية‪.‬‬

‫بني السائح والمزارات الثقافية التاريخية ولغريها من‬ ‫منصات الرتويج السياحي الرقمي‬

‫المنزتهات السياحية‪ .‬يمكن أن نصل إىل أن هذا العالم‬ ‫ً‬

‫سابقًا‪،‬‬ ‫ً‬
‫أيضًا الخيارات الرقمية المتعددة كما ذكرنا‬ ‫وتوجد‬
‫مرتابط بفعل الثقافات واالتصاالت وحب االكتشاف إنه‬ ‫ففي عالم السياحة الرقمي‪ ،‬نجد المنصات اإللكرتونية‬

‫عالم مرتابط بالمواصالت ربما تعوقه جوازات السفر إذ‬ ‫المتخصصة‪ .‬وفي ظل تطورات التقنية لجأت أغلب كربيات‬

‫تعمل المواقع اإللكرتونية للوكاالت األسفار الدولية عىل‬ ‫الرشكات السياحية لتنظيم عملها إلكرتونيا اعتمادا عىل‬

‫تسهيل وصول السائح لوجهات فندقية مثالية‪ .‬فالسياحة‬ ‫منصات عالمية‪ .‬ومن بني أنظمة الحجز والوكاالت السياحية‬

‫اإللكرتونية وسيلة لرتويج وجذب السياح‪ ،‬تسمح بتقليص‬ ‫عىل الخط اليت تعتمد عىل نفس مبدأ الوكاالت السياحية‬

‫التكاليف مع فعالية أكرث في التأثري‪ ،‬وعامل تنموي تعمل‬ ‫التقليدية نجد إيكسبيديا ترافل‪ .‬وتسمح هذه المنصات‬

‫الدول عىل تطويره باللجوء للوسائل الرقمية وأهمها‬ ‫بتقييم مواقع الويب السياحية عرب آراء المستخدمني مما‬

‫المواقع اإللكرتونية للرتويج لها‪ ،‬وهي أيضا مصدر لرثوة‬ ‫يسمح بإبراز آراء المستخدمني بطريقة طبيعية‪ ،‬ويساهم‬

‫وتجارب ناجحة لعدة دول‪ ،‬رشط تكامل البين التحتية األثرية‬ ‫المستخدم ففي هذه الحالة المستخدم في إبراز الموقع‬

‫مع وجود تحديث متواصل للمحتوي الرقمي المكمل‪.‬‬ ‫عرب تقييمه له‪ .‬ومن بني هذه المنصات نجد ‪ trivago‬و‬

‫‪Booking‬‬

‫‪ -‬منصة ترافيغو‬

‫تسمح بجمع آراء المستهلكني من مختلف المنصات حيث‬

‫تقوم هذه المنصة بتلخيص اآلراء من أجل الوصول إىل‬

‫منح التقييم من المناسب‪ ،‬وذلك حسب عدة معايري منصة‬

‫ترافيغو ‪ ،Trivago‬كما تقدم إمكانية حجز فندق وسفر إىل‬

‫وجهة سياحية‪.‬‬

‫‪ -‬منصة ‪Booking‬‬

‫وهي منصة تسمح بتقييم المؤسسة السياحية وفق‬

‫مارس ‪2024‬‬ ‫العدد ‪14‬‬

 ‫المدينة القديمة في أنطاليا‬

‫تصفح المجلة كاملة عىل الموقع‬

‫‪https://arabicrenewal.org‬‬