الزمن النحوي عند ابن جني في ضوء اللسانيات الحديثة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 226

‫المقدمة‬

‫ّ‬

‫الزمن وطبيعته‪ ،‬طرح في ساحة الفكر العديد من التصورات‪،‬‬


‫ماهية ّ‬
‫ّ‬ ‫إن التفكر في‬
‫الزمن هو الماضي والحاضر والمستقبل والشهور والسنين و‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫أن ّ‬
‫كتصور ّ‬
‫عرف بنسيج الزمكان‬
‫أن الزمان والمكان هما عنصران متّحدان يؤّلفان معاً ما ي َ‬
‫وتصور ّ‬
‫يتكون منه الكون‪.‬‬
‫الذي ّ‬
‫ستمرة من الماضي إلى‬
‫تقدم األحداث بصورة م ّ‬ ‫عملية ّ‬
‫ومن ذلك أيضاً أن الزمن هو ّ‬
‫المستقبل مرو اًر بالحاضر؛ أي ّإنه يتّجه باتّجاه واحد من الماضي إلى المستقبل‪.‬‬
‫الزمن هو دوران الفلك في مجراه‪.‬‬ ‫ومما طرحته الفلسفة قديماً أن ّ‬
‫ّ‬
‫يائية‪ ،‬فقد كان‬
‫بمنأى عن هذه التعريفات والحقائق الفيز ّ‬‫ً‬ ‫الزمن في اللغة العر ّبية‬
‫وليس ّ‬
‫فخلق‬ ‫محط صراع وجدال في ماهي ِ‬
‫ته وتأثي ِره وترتيبه و أنواعه ‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الزمن ومازال‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدرس الحديث بين‬
‫النحويين واألصوليين امتدت رحاها إلى ّ‬ ‫موج ًة من الفوضى بين ّ‬
‫الزمن كتقسيم الوقت‬ ‫فقسم بعضهم ّ‬‫َ‬ ‫ذهب أو ذاك ومخالفين له‪،‬‬
‫الم َ‬
‫مناصرين لهذا َ‬
‫الفيزيائي إلى ماض وحاضر ومستقبل‪ ،‬ومنهم من قال بزمنين فقط نظ اًر لما ندركه وهما‬
‫ّ‬
‫الماضي والمستقبل وذلك لصعوبة اإلمساك بلحظة الحاضر‪ ،‬و انتقل هذا الخالف من‬
‫كل زمن من هذه األزمنة‪ ،‬وتقسيم‬
‫معبرة عن ّ‬
‫الصيغ ال ّ‬
‫اللب‪ ،‬فاختلفوا في ّ‬
‫القشور إلى ّ‬
‫الدرس الحديث مصطلح الجهة الذي‬‫الصيغ وتوزيعها على األزمنة‪ ،‬كما ظهر في ّ‬
‫هذه ّ‬
‫محدد من األزمنة بين قريب وبعيد‬
‫زمنية جديدة‪ ،‬وتتعّلق هذه الجهات بزمن ّ‬
‫يخلق أبعاداً ّ‬
‫بحد ذاتها‪.‬‬
‫ئيسية ّ‬
‫حد أن اعتبرها بعضهم أزمن ًة ر ّ‬
‫ومستمر ومنقطع‪ ...‬إلخ‪ ،‬إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫وتام‬
‫الصرفي‬
‫ّ ّ‬
‫الزمن‬
‫النوع إلى زمنين رئيسيين هما‪ّ :‬‬‫اللغوي من حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن‬
‫وينقسم هذا ّ‬
‫رفية المفردة‪،‬‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫تؤديه ّ‬‫الزمن الذي ّ‬‫في هو ّ‬ ‫فالزمن الصر‬
‫النحوي‪ّ ،‬‬ ‫الزمن ّ‬‫وّ‬
‫ّ ّ‬
‫الصيغ بعد دخولها في‬
‫تؤديه هذه ّ‬ ‫الزمن الذي ّ‬
‫النحوي‪ :‬هو ّ‬
‫الزمن ّ‬
‫السياق‪ ،‬و ّ‬
‫مستقّل ًة عن ّ‬
‫لتكتسب بها زمناً‬
‫َ‬ ‫السياق‬
‫السياق من خالل اقترانها بالقرائن المختلفة الموجودة في ّ‬
‫بوتقة ّ‬
‫الصرفي الخام لها‪.‬‬ ‫الزمن‬
‫جديداً يختلف عن ّ‬
‫ّ ّ‬
‫رفية‬
‫الص ّ‬
‫بالصيغ ّ‬
‫وقد كان تقسيم النحاة القدامى للزمن في معظمه يقوم على االعتداد ّ‬
‫رفية لألفعال‪ ،‬مهملين‬
‫الص ّ‬
‫بالصيغ ّ‬
‫رفي الذي يتعّلق ّ‬ ‫بالزمن الص‬
‫عرف ّ‬ ‫كلية؛ أي ما ي َ‬
‫الش ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫‌أ‬
‫بالسياق عن طريق‬‫النحوي الذي يقوم على أساس االنسجام واالقتران ّ‬
‫الزمن ّ‬
‫في تقسيم ّ‬
‫النحوي كّله على أساس نظرّية العامل‪ ،‬في‬
‫ألنهم أقاموا بناءهم ّ‬
‫القرائن المختلفة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الزمن في اللغة العر ّبية ال يندرج بحال من األحوال ضمن الفعل أو‬
‫أن مفهوم ّ‬
‫حين ّ‬
‫النحويون ‪ّ -‬‬
‫ولمدة‬ ‫ظل ّ‬
‫الركن الفعلي‪ ،‬و إنما يبرز من خالل الجملة كّلها‪ ،‬وقد َّ‬
‫ضمن ّ‬
‫طويلة‪ -‬مقتنعين بالتقسيم الثالثي للزمن (الماضي والحاضر والمستقبل)‪ ،‬وهذه القناعة‬

‫عزى إلى الصلة ّ‬


‫القوية التي كانت‬ ‫أن ت َ‬
‫الفلسفية‪ ،‬رّبما يمكن ْ‬
‫ّ‬ ‫الصلة بالنظرة‬
‫الشديدة ّ‬
‫النحو‬
‫تلك العلوم إلى ّ‬
‫سهلت انتقال َ‬
‫النحو وعلم المنطق والفلسفة‪ ،‬والتي ّ‬‫تجمع بين ّ‬
‫العربي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ظهور واضح في تقعيده‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الزمن هو أحد األمور التي أدركها ابن ِجّني‪ ،‬وكان لها‬
‫وّ‬
‫الزمن يتأثر ويؤثّر في السياق‪ ،‬و َّ‬
‫إن له تأثي اًر في‬ ‫أن ّ‬‫ومسائله‪ ،‬وشروحاته‪ ،‬فهو يرى َّ‬
‫الداللة والمعنى‪ ،‬كما ّأنه يتأثر بهما‪.‬‬
‫التقسيم الثالثي للفعل‪ ،‬وله أثر في تغير ّ‬
‫أهمية البحث وأسباب واالختيار‪:‬‬
‫ّ‬
‫النوع من‬
‫الدوافع المغرية بالخوض في غمار البحث في هذا ّ‬ ‫وثمة جملة من ّ‬
‫ّ‬
‫الموضوعات‪ ،‬والتي تتفق وميولي البحثية‪ ،‬كاإلرث الثمين الذي تركه ابن ِجّني‪ ،‬وما‬
‫فضل دراسة وبحث‪ ،‬والتنويع الهائل في مسالك ابن‬ ‫ِ‬ ‫النحوي الكبير من‬
‫يستحّقه هذا ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النحوي‬ ‫ِجّني في تناوله ألطراف اللغة‪ ،‬إضاف ًة إلى بيان لمساته الموحية المتعّلقة ّ‬
‫بالزمن ّ‬
‫بحسه اللغوي ولم َيقْله صراحة وبصورة مباشرة‪،‬‬‫خاص ًة‪ ،‬والتي تشي بما وعاه وأدركه ّ‬
‫فظهرت من طرف خفي في نصوصه المتنوعة‪ ،‬وفوق ذلك احتمالية ِ‬
‫سبقه في ميادين‬

‫يعدها الم ْح َدثون من منتجات اللسانيات الحديثة‪ ،‬وفي ثنايا ذلك محاولة ّ‬
‫تلمس خصائص‬ ‫ّ‬
‫بأن يكو َن هذا‬
‫كل ذلك يضاف إلى الرغبة ْ‬
‫النحوي‪ ،‬وتمييزه من غيره‪ّ ،‬‬
‫واضحة للزمن ّ‬
‫اللغوي‪.‬‬ ‫البحث المتو ِ‬
‫الدرس النحوي و ّ‬
‫اضع إضاف ًة جديدة إلى ّ‬
‫أهداف البحث‪:‬‬
‫تتبع ظاهرة‬ ‫ِ‬
‫أهمية هذا الموضوع وغناه ورحابة أرجائه‪ ،‬سيحاول البحث ّ‬
‫انطالقاً من ّ‬
‫خاصة على كتاب الخصائص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عند ابن جّني في معظ ِم مؤّلفاته والتركيز بصورة ّ‬
‫الزمن َ‬
‫ّ‬
‫الذي كان أغناها وأظهرها‪ ،‬كما سيحاول البحث تحقيق جملة من األهداف واإلجابة‬
‫عن عدد من األسئلة‪ ،‬وتترّكز أغلب هذه األهداف والتساؤالت فيما يأتي‪:‬‬

‫ب‬
‫‌ ‌‬
‫الزمن والمقصود منه بمفهوماته المختلفة‪.‬‬
‫‪-1‬تحديد مفهوم ّ‬
‫النحوي‪.‬‬
‫الزمن ّ‬‫رفية و ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬‫‪-2‬الكشف عن العالقة ببن ّ‬
‫صرفية؟‬
‫ّ‬ ‫تؤديها كل صيغة‬
‫منية التي ّ‬
‫الز ّ‬
‫‪-3‬ما هي األدوار ّ‬
‫رفية في المعنى؟‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫‪-4‬ما هو تأثير ّ‬
‫النحوي‪.‬‬
‫الزمن ّ‬
‫ياقية المختلفة في ّ‬
‫الس ّ‬‫‪-5‬الكشف عن تأثير القرائن ّ‬
‫الداللة‬
‫الزمن المأخوذ من ّ‬
‫رفية و ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫الزمن المأخوذ من ّ‬ ‫‪-6‬التّفريق بين ّ‬
‫التّعبيرّية‪.‬‬
‫النحوي‪.‬‬ ‫‪-7‬استكشاف تعبير ابن ِجّني عن ّ‬
‫الزمن ّ‬

‫منهج البحث‪:‬‬
‫وقد حاول هذا البحث تحقيق هذه األهداف‪ ،‬باالعتماد في الدراسة على المنهج الوصفي‬
‫القائم على االستقراء الوصف‪ ،‬وهذا ما يتطّلبه موضوع كهذا الموضوع‪ ،‬وذلك باستخدام‬
‫نص ابن ِجّني وأسلوبه في التّقعيد والقياس‪،‬‬ ‫أدوات هذا المنهج من خالل استقراء ّ‬
‫ص‪ ،‬واستنتاج ما يمكن فهمه من سياق‬ ‫الن ّ‬
‫منية التي يحتويها هذا ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫واستنباط ّ‬
‫النحوي عنده‪،‬‬
‫الزمن ّ‬
‫ثم إجراء مقارنة بين ّ‬ ‫ِ‬
‫بالصيغة والقرائن‪ ،‬ومن ّ‬
‫ابن جّني‪ ،‬وعالقته ّ‬
‫الزمن كما يراه علماء اللغة الم ْح َدثون‪.‬‬
‫وّ‬

‫السابقة‪:‬‬
‫الدراسات ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي‬
‫الزمن ّ‬ ‫الزمن عموماً‪ ،‬و ّ‬
‫السابقة التي تناولت موضوع ّ‬ ‫الدراسات ّ‬
‫ثم َة جمل ٌة من ّ‬
‫ّ‬
‫تكز عليها هذا البحث حيناً‪ ،‬وانطلق‬
‫مهماً ار َ‬
‫على وجه الخصوص‪ ،‬وكانت سنداً وأساساً ّ‬
‫من مواضع وقفت عندها حيناً آخر‪ ،‬واستفاد من نتائجها‪ ،‬ومجمل محتواها‪ ،‬وسيرّكز‬
‫على بعض النقاط التي أغفلتها هذه األبحاث‪ ،‬ومتابعة طريق البحث فيها فيما يخدم‬
‫هذا البحث‪ ،‬وهذه الدراسات هي‪:‬‬

‫‌ج‬
‫النحوي في الجملة العر ّبية من خالل الخصائص البن ِجّني واللغة‬
‫الزمن ّ‬
‫‪-1‬تجليات ّ‬
‫حسان‪ :‬الطالبة‪ :‬نادية زيد الخير (‪ ،)1‬وتحاول هذه‬
‫لتمام ّ‬
‫العر ّبية معناها ومبناها ّ‬
‫النحوي والوقوف عند نظرة ّ‬
‫النحاة العرب القدامى‬ ‫الدراسة إبراز مقولة الزمن ّ‬
‫عدة نتائج أبرزها‪:‬‬
‫والمحدثين في هذا الموضوع‪ ،‬وقد توصلت الباحثة إلى ّ‬
‫الصرفية بموقعها وما يعلق بها من قرائن لفظية‬
‫حركية الصيغة ّ‬
‫ّ‬ ‫• ترتبط‬
‫السياق‪.‬‬‫وحالية في ّ‬
‫ّ‬ ‫ومعنوية‬
‫ّ‬
‫الوظيفية المختلفة في الخطاب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منية في استخداماتها‬ ‫الز ّ‬
‫• تكمن القيمة ّ‬
‫أما إذا‬
‫السياق ّ‬
‫الفعلية عن الزمن تعبي اًر محدوداً خارَج ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغة‬
‫عبر ّ‬ ‫• ت ّ‬
‫الزمني‪.‬‬ ‫يوسع دائرةَ تعبيرها‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫فإنه ّ‬ ‫وردت فيه ّ‬
‫سانية في التراث اللغوي العربي ابن ِجّني انموذجاً‪ :‬ساولي فوزية‬ ‫‪-2‬الجهود الّل ّ‬
‫عدة نتائج من‬
‫توصل هذا البحث إلى ّ‬
‫ورويفع أمال‪ ،‬أ‪ .‬نكاع سعاد‪ ، .‬وقد ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫أبرزها‪:‬‬
‫اللغوية العر ّبية الحديثة ليست غريبة عن علماء اللغة العرب‬
‫ّ‬ ‫إن المناهج‬
‫ّ‬ ‫•‬

‫لكنهم خلطوا بينهما‪.‬‬


‫قديماً فقد عرف العرب القدماء هذه المناهج ّ‬
‫اللغوية‬
‫ّ‬ ‫حياً يحاور األفكار‬‫متطو اًر ّ‬
‫ّ‬ ‫اللغوي العربي فك اًر‬
‫ّ‬ ‫مازال الفكر‬ ‫•‬
‫ّ‬
‫حوية والنظرّيات اللسانية إلى اليوم‪.‬‬
‫الن ّ‬
‫والمناهج ّ‬
‫اللغوية العر ّبية‬
‫ّ‬ ‫جني منذ أزيد من ألفي سنة أسساً للتراكيب‬ ‫وضع ابن ّ‬
‫َ‬ ‫•‬

‫وأصواتها وداللتها‪.‬‬
‫السياق والحال وأسباب النزول‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬كريم حسين‬ ‫الزمن في ضوء ّ‬‫‪-3‬الخالف في ّ‬
‫أن‬
‫الدراسة ّ‬
‫نتج عن هذه ّ‬
‫ناصح الخالدي‪ ،‬شيماء رشيد محمد زنكنة ‪ ،‬وقد َ‬
‫(‪)3‬‬

‫ِ‬
‫هناك أداةٌ‬
‫َ‬ ‫ليس‬
‫بالسياق الذي ترد فيه؛ إذ َ‬
‫ّ‬ ‫داللة األدوات على الزمن ترتبط‬
‫ِ‬
‫مطلق الزمن (على‬ ‫تدل على‬
‫مخصص ٌة للداللة على زمن معيَّن‪ ،‬و ّإنما قد ُّ‬
‫السياق الذي ترد فيه األداة‪.‬‬
‫الماضي والحال والمستقبل) حسب ّ‬

‫‪-‌ 1‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌الحليم‌معزوز‪‌،‬مج ّلة‌اآلداب‌واللغات‌والعلوم‌اإلنسانية‪‌،‬العدد‌الرابع‪‌،‬جامعة‌الحاج‌لخضر‌باتنة‪‌،‬المركز‌الجامعي‌‬


‫عبد‌الحفيظ‌بو‌الصوف‪‌،‬ميلة‌–‌الجزائر‪(‌،‬د‪.‬ت)‪‌.‬‬
‫رة‌تخرج‌لنيل‌شهادة‌الماستر‌في‌اللغة‌واألدب‌العربي‪‌،‬جامعة‌عبد‌الحميد‌بن‌باديس‌مستغانم‪‌،‬الجزائر‪2019‌-2018‌،‬م‪‌.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‌2‬مذ ّك‬
‫‪‌-‌3‬مجلّة‌كلية‌التربية‌األساسيّة‪‌،‬العدد‌‪‌،75‬بغداد‌–‌العراق‪2012‌،‬م‪‌.‬‬

‫‌د‬
‫أعدت لنيل درجة الدكتوراه‪ :‬ضياء الدين القالش‬‫‪-4‬القرائن في علم المعاني‪ :‬رسالة ّ‬
‫ِ‬
‫بالغته‪،‬‬ ‫وتذوق‬
‫ص ّ‬ ‫الن ّ‬
‫حاول هذا البحث تأصيل نظرّية عر ّبية في فهم ّ‬ ‫َ‬ ‫(‪ ،)1‬وقد‬
‫ِ‬
‫البالغة وما يتّصل بها من علوم تجري‬ ‫فرَقة في كتب‬
‫وذلك بجم ِع أجزائها الم َّ‬
‫ِ‬
‫لتعميق مضمونها‪،‬‬ ‫النظرّية في علم المعاني‬
‫تلك ّ‬
‫حاول بيان أثر َ‬
‫َ‬ ‫إليها رو ِافدها‪َّ ،‬‬
‫ثم‬
‫عدة نتائج نذكر منها‪:‬‬
‫توصل الباحث إلى ّ‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬
‫البالغية المختبئة وراء صور‬
‫ّ‬ ‫• القرائن هي السبيل إلى تلّقف األغراض‬
‫النظم‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫اللبس واإلبهام ّإال عند الَقصد إلى‬ ‫الخفية ال تَحسن في رف ِع‬
‫ّ‬ ‫القرائن‬ ‫•‬

‫السامع‪.‬‬
‫التلبيس على ّ‬‫ّ‬
‫حمل على مقتضى‬
‫القرائن قد تتآزر في العمل فتقوى‪ ،‬وقد تتعارض في َ‬ ‫•‬

‫كل منها‪.‬‬
‫ّ‬
‫اللغوية بين ابن ِجّني وتشومسكي (رسالة ماجستير)‪ :‬إعداد‪ :‬صبحا‬
‫ّ‬ ‫‪-5‬المسألة‬
‫عواد سليم الخوالدة (‪ ،)2‬وتهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على نقاط التالقي‬
‫جني اللغوي وفكر تشومسكي اللغوي‪ ،‬والوقوف على‬ ‫واالفتراق بين فكر ابن ّ‬
‫اكمية المعرفة اإلنسانية وبنائها‪،‬‬
‫بي‪ ،‬وبيان مدى تر ّ‬ ‫اللغوي العر‬
‫ّ‬ ‫أصالة الفكر‬
‫ّ‬
‫ووصلت إلى أهداف نذكر منها اآلتي‪:‬‬
‫بالنظر إلى بيولوجية اللغة‪.‬‬
‫جني مع تشومسكي ّ‬
‫التقى ابن ّ‬ ‫•‬

‫جني مع فكر تشومسكي في كثير من المواطن كاإليمان‬


‫التقى فكر ابن ّ‬ ‫•‬

‫السيطرة‬
‫بنظرّية العامل‪ ،‬والتي ظهرت عند تشومسكي في مبدأ التح ّكم و ّ‬
‫في نظرّية الربط العاملي‪.‬‬
‫جني يرى اللغة تكتسب بالمحاكاة‬
‫كث َرت نقاط االفتراق بين الفكرين فابن ّ‬ ‫•‬

‫وصفية وتفسيرّية‪ ،‬وتكتسب‬


‫ّ‬ ‫أما تشومسكي فيرى للغة بنيتين‬
‫واالصطالح ّ‬
‫الدماغ فتختار حسب‬
‫الذهنية في بنية ّ‬
‫ّ‬ ‫بالتجربة التي تثير قواعد اللغة‬
‫المناسب‪.‬‬
‫َ‬ ‫المصطلح‬
‫َ‬ ‫اللغوية‬
‫ّ‬ ‫قواعد الملكة‬

‫‪‌-‌1‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬أحمد‌محمد‌نتّوف‪‌،‬جامعة‌دمشق‪‌،‬كلية‌اآلداب‌والعلوم‌اإلنسانيّة‪‌،‬دمشق‌–‌سورية‪2011‌،‬م‌‪‌.‬‬
‫‪‌-‌2‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌الديكي‪‌،‬جامعة‌آل‌البيت‪‌،‬كليّة‌اآلداب‌والعلوم‌اإلنسانيّة‪‌،‬المفرق‌–‌األردن‪2006‌،‬م‪‌.‬‬

‫‌ه‬
‫الزمن بين العر ّبية واإلنكليزية‪ :‬محمد حسن بخيت قواقزة‪ ،‬إشراف‪ :‬أ‪.‬د‪.‬‬
‫‪-6‬نظام ّ‬
‫سمير شريف استيتية (‪ ،)1‬وقد هدفت هذه الدراسة إلى الكشف عن الطرائق‬
‫تعبر بها العر ّبية واإلنجليزية عن الزمن والجهة‪ ،‬وبيان الدالالت‬
‫جميعها التي ّ‬
‫اللغوية وفقاً للسياقات الواردة فيها‪ ،‬وبيان‬
‫ّ‬ ‫منية للصيغ والتراكيب واألساليب‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫ثم وصلت‬
‫الزمن‪َّ ،‬‬
‫أوجه الشبه واالختالف بين العر ّبية واإلنجليزية في التعبير عن ّ‬
‫إلى نتائج كثيرة نذكر منها‪:‬‬
‫تعبر اإلنجليزية‬
‫تعبر العربية عن الزمن والجهة باألفعال واألسماء‪ ،‬وال ّ‬
‫ّ‬ ‫•‬

‫عن الزمن الجهة إال باألفعال‪.‬‬


‫فتضم العربية أدوات نفي كثيرة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫تختلف العر ّبية عن اإلنجليزّية في النفي‪،‬‬ ‫•‬

‫تدل‬
‫الزمنية ال بالزمن الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫بينما يرتبط النفي في اإلنجليزية بالصيغة‬
‫عليه الجلمة‪.‬‬
‫عد أسلوب الشرط أحد أبرز الوسائل اللغوية‪ ،‬التي تستطيع العر ّبية‬ ‫• ي ّ‬
‫أكان هذا‬ ‫ِ‬
‫اء َ‬ ‫واإلنجليزية بوساطته التعبير عن تعاقب األحداث‪ ،‬سو ٌ‬
‫التّعاقب في الماضي أم في المستقبل‪.‬‬
‫السياق عند اللغويين والبالغيين العرب‪ :‬الطالب بوزبوجة عبد القادر‪ ،‬إشراف‪:‬‬
‫‪-7‬نظرّية ّ‬
‫د‪ .‬عبد الملك مرتاض(‪ ،)2‬وقد حاول الباحث أن يتعّق َب ما ورد في التراث اللغوي‬
‫الداللية بين األلفاظ والتراكيب داخل‬
‫والبالغي من إسهامات في بحث العالقات ّ‬
‫ص وخارجه‪ ،‬والوقوف على أبرز معالمها ومالمحها في ضوء معطيات النظرّية‬ ‫الن ّ‬
‫ّ‬
‫عدة نتائج أبرزها‪:‬‬
‫السياقية‪ ،‬وقد وصلت هذه الدراسة إلى ّ‬
‫الدرس اللغوي على نحو‬‫إن كانت قد ظهرت حديثاً في ّ‬ ‫إن لفكرة السياق‪ ،‬و ْ‬
‫ّ‬ ‫•‬

‫النحوي‬
‫ّ‬ ‫اللغوي و‬
‫ّ‬ ‫ومتأصلة في تراثنا‬
‫ّ‬ ‫ظمة‪ ،‬بذو اًر ظاهرة‬‫نظرية شاملة ومن ّ‬
‫والبالغي على درجات متفاوتة‪.‬‬
‫المتميز والتفاتتهم المبكرة في هذا المجال‪ ،‬بل كان لهم‬
‫ّ‬ ‫كان للعرب دورهم‬ ‫•‬

‫السياق في‬
‫الريادة في كثير من اآلراء؛ حيث فطنوا إلى دور ّ‬ ‫السبق و ّ‬
‫فضل ّ‬

‫‪‌-‌1‬رسالة‌دكتوراه‌في‌تخصص‌اللغويات‌العربيّة‌التطبيقيّة‪‌،‬جامعة‌اليرموك‪‌،‬إربد‌–‌األردن‪2009‌،‬م‪‌.‬‬
‫‪‌-‌2‬رسالة‌مقدّمة‌لنيل‌درجة‌الدكتوراه‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌،‬جامعة‌وهران‪‌،‬كليّة‌اآلداب‌واللغات‌والفنون‪‌،‬وهران‌–‌الجزائر‪2007‌،‬م‪‌.‬‬

‫‌و‬
‫إدراك الفروق بين األلفاظ التي ّ‬
‫ظنوا ّأنها مترادفة‪ ،‬وفي تحديد معنى المشترك‬
‫اللفظي‪ ،‬وتعيين معاني األلفاظ المتضادة‪.‬‬
‫ّ‬
‫منية للفعل المضارع في سورة التّوبة‪ :‬للطالبة هداية نعيم محمد أبو‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫‪ّ -8‬‬
‫عيد صياغة مفهوم الفعل المضارع كما‬ ‫أن ت َ‬
‫الدراسة ْ‬
‫زاكية ‪ ،‬وقد حاولت هذه ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫تكشف عن‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اللغوية الحديثة‪ ،‬كما حاولت ْ‬
‫ّ‬ ‫النحاة القدماء وفق الدراسات‬
‫عرفه ّ‬
‫ّ‬
‫الحالية‬
‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬ ‫منية‪ ،‬م ّبين ًة القرائن‬
‫الز ّ‬
‫الموجهة بالجهات ّ‬
‫ّ‬ ‫منية‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫المحددة لها‪ ،‬وقد وصلت هذه الد ارسة إلى جملة من النتائج أبرزها‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫• الفعل المضارع غير مقترن بداللة ّ‬
‫زمنية بعينها ضمن السياق‬
‫يدل على‬ ‫• ال يكتفي الفعل المضارع بار ِ‬
‫تباطه بالقرينة اللفظية وحدها ل ُّ‬
‫اللفظية مع‬ ‫بعينه في السياق اللغوي‪ ،‬إذ ال َّبد من تضافر القر ِ‬
‫ينة‬ ‫ِ‬ ‫زمن‬
‫ّ‬
‫الزمن المطلوب‪.‬‬
‫الحالية لتحديد ّ‬
‫ّ‬ ‫القرينة‬
‫الزمني الدقيق للحدث في السياق‬ ‫منية دور بارز في التّحديد‬
‫الز ّ‬
‫• للجهات ّ‬
‫ّ ّ‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحوي عند ابن ِجّني (في كتابه الخصائص)‪ :‬للدكتور حسين‬ ‫‪-9‬أصول التّفكير ّ‬
‫النحوي عند‬
‫علي حسين الفتلي ‪ ،‬وقد تناول البحث قراءة في أصول التّفكير ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ابن ِجّني في كتابه الخصائص‪ ،‬من خالل مناقشة قواعد السماع والقياس‬
‫أهمها‪:‬‬ ‫تدالل عند ابن ِجّني‪،‬‬‫واإلجماع واالس ُّ‬
‫عدة ّ‬
‫نتائج ّ‬
‫َ‬ ‫وتوصل الباحث إلى‬ ‫ّ‬
‫جلياً في أصول التّفكير‬
‫ينية تأثّ اًر ّ‬
‫الد ّ‬
‫المعرفية و ّ‬
‫ّ‬ ‫مرجعية ابن ِجّني‬
‫ّ‬ ‫• تأثّر‬
‫النحوي‪.‬‬
‫ّ‬
‫غلبة اتّجاه المعنى على اللفظ عند ابن ِجّني‪.‬‬ ‫•‬

‫النظام اللغوي عند ابن ِجّني يتّصف بالمرونة؛ لتلبية الحاجات المتزايدة‬
‫ّ‬ ‫•‬

‫من األلفاظ‪.‬‬

‫‪‌-1‬إشراف‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬عبد‌الرؤوف‌زهدي‪‌،‬رسالة‌استكماالً‌لمتطلّبات‌الحصول‌على‌درجة‌الماجستير‌في‌اللغة‌العربيّة‌وآدابها‪‌،‬جامعة‌الشرق‌‬
‫األوسط‪‌،‬ع ّمان‌–‌األردن‪2016‌،‬م‪‌.‬‬
‫‪‌-‌2‬مجلّة‌كلية‌التربية‌األساسية‪‌،‬جامعة‌بابل‪‌،‬العدد‌‪‌،14‬العراق‪2013‌،‬م‪‌.‬‬

‫‌ز‬
‫جني‪ :‬للطالبة طاهورية كميلية (‪،)1‬‬
‫‪-10‬البعد التّداولي في كتاب الخصائص ال بن ّ‬
‫الدرس اللغوي‪ ،‬كما‬‫داولية وأهميتها في ّ‬
‫سانيات التّ ّ‬
‫تحدثت الباحثة عن الّل ّ‬
‫وفيه ّ‬
‫السياق في تحديد المعاني دالالت الكالم‪ ،‬وأيضاً أثر التّضمين‬
‫تحدثت عن أثر ّ‬
‫قصدي ِة المتكّلِم‪ ،‬وفي النهاية وصلت إلى عدد من النتائج نذكر منها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫يدل‬
‫داولية ج َّل عنايتها‪ ،‬وهو ُّ‬
‫يعد السياق من أهم المواضع التي توليها التّ ّ‬ ‫•‬

‫على الموقف التّواصلي‪.‬‬


‫يقابل التّضمين عند ابن ِجّني نظرية االستلزام الحواري عند (غرايس)‬ ‫•‬

‫تتبين داللته‪ ،‬ومقاصده عند‬


‫الكالم ال يستقيم‪ ،‬وال تحصل منافعه‪ ،‬وال ّ‬ ‫•‬
‫ِ‬
‫فائدته‪.‬‬ ‫المتكّلم إال من خالل بيان‬

‫ِ‬
‫وثبت‬
‫مقدمة وتمهيد وأربعة فصول يتبعها خاتم ٌة ٌ‬ ‫وقد تكون هذا البحث من ّ‬
‫للمصادر والمراجع‪ ،‬ويأتي أخي اًر فهرس الموضوعات‪.‬‬
‫مؤلفات ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أما التمهيد فيتناول نشأة ابن ِجّني وحياته ورحلته العلمية و َ‬
‫أبرز‬ ‫ّ‬
‫سانيات)؛ تحدثنا‬
‫الزمن بين النحو والّل ّ‬ ‫▪ الفصل األول‪ :‬وجاء بعنوان‪( :‬مفهوم ّ‬
‫الزمن في اللغة واالصطالح‪ ،‬وعند الفالسفة واألصوليين‪ ،‬وكذلك‬
‫فيه عن ّ‬
‫سانيات وأبرز مدارسها وأعالمها‪ ،‬وعن بعض المصطلحات التي‬ ‫عن الّل ّ‬
‫ستتناوله فصول البحث‪.‬‬
‫رفية عند ابن جني)؛‬
‫الص ّ‬ ‫(الزمن الّنحوي و ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫▪ الفصل الثاني‪ :‬عنوانه‪ّ :‬‬
‫النحوي‪،‬‬
‫الزمن ّ‬
‫رفية في المعنى‪ ،‬وعلى ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬‫وتحدثنا فيه عن أثر ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫رفية على ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫وعن دالالت بعض ّ‬
‫اللغوية‬
‫ّ‬ ‫وصلته بالقرائن‬
‫ُ‬ ‫(الزمن الّنحوي‬
‫▪ الفصل الثالث‪ :‬وقد عنونته بـ‪ّ :‬‬
‫تحدث هذا الفصل عن أثر القرائن السياقية‬
‫اللية عند ابن جّني)؛ وقد ّ‬
‫الد ّ‬‫وّ‬
‫الزمن‬
‫النحوي‪ ،‬وفي تحديد جهات ّ‬ ‫الزمن ّ‬
‫الداللة على ّ‬‫المعنوية في ّ‬
‫ّ‬ ‫واللفظية و‬
‫المختلفة‪ ،‬عند ابن ِجّني وعند اللسانيين الم ْح َدِثين‪.‬‬

‫‪ ‌ -‌ 1‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬دندوقة‌فوزية‪‌،‬مذكرة‌مقدمة‌لنيل‌شهادة‌الماستر‌في‌اآلداب‌واللغة ‌العربيّة‌‪‌،‬جامعة‌محمد‌خيضر‌بسكرة‪‌،‬الجزائر‪‌،‬‬
‫‪2013‬م‪‌.‬‬

‫‌ح‬
‫فصل‬
‫ٌ‬ ‫نص ابن ِجّني)؛ وهو‬ ‫(الزمن الّنحوي في ّ‬
‫▪ الفصل الرابع‪ :‬وعنوانه‪ّ :‬‬
‫الزمني البن ِجّني في شروحاته وتقعيده ومسائله‪،‬‬ ‫تطبيقي‪ ،‬تناول االستخدام‬
‫ّ ّ‬
‫اعتماداً على كتاب الخصائص ليكون نموذجاً ّ‬
‫بحثياً‪.‬‬
‫توصل‬
‫▪ وأخي ار وليس آخ اًر الخاتمة‪ :‬التي جاء فيها تلخيص ألبرز النتائج التي ّ‬
‫إليها هذا البحث‬
‫▪ ثبت المصادر والمراجع‪.‬‬
‫▪ الفهرس‪.‬‬

‫بأن أكو َن قد حّققت ما رجوته من هذا البحث نتيج ًة عادل ًة‬


‫وختامها‪ ،‬األمل ْ‬
‫بكمال النتيجة أو العمل –‬‫ِ‬ ‫عاء‬
‫استحق من التّعب والمثابرة‪ ،‬وليس ّاد ً‬
‫ّ‬ ‫لما‬
‫فالكمال هلل وحده‪ -‬و ّإنما حسبي المجهود والسعي فيما مضى وما سيأتي‬
‫َ‬
‫وكل حين‪.‬‬‫كل وقت ّ‬ ‫بإذن هللا‪ ،‬وعلى هللا القدير االتّكال والمشيئة في ّ‬

‫ط‬
‫‌‌‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫العلمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نعرف بابن ِجّني وآثاره‬
‫أن ّ‬‫ال بد لنا قبل الخوض في غمار هذا البحث من ْ‬
‫الزمن عند ابن ِجّني في‬ ‫لما لها من أثر في صلب البحث القائم على استخالص ّ‬
‫ملحة‪ ،‬يقتضيها البحث‬
‫نصوصه آرائه مسائله‪ ،‬وعلى ذلك كان التعريف به ضرورة ّ‬
‫األكاديمي السليم‪.‬‬
‫ونشأته‪:‬‬
‫ُ‬ ‫حياته‬
‫ُ‬ ‫ابن ِجّني‬
‫النحوي المشهور‪ ،‬كان إماماً في علم العر ّبية‪،‬‬
‫الموصلي ّ‬ ‫جني‬
‫"هو أبو الفتح عثمان بن ّ‬
‫ّ‬
‫فاجتاز بها‬
‫َ‬ ‫وقعد لإلقراء بالموصل‪،‬‬
‫الفارسي‪ ،‬وفارَقه َ‬ ‫الشيخ أبي علي‬
‫ق أر األدب على ّ‬
‫ّ‬
‫نت‬ ‫الناس حوله يشتغلون عليه‪ ،‬فقال له‪َ (( :‬زب َ‬
‫َّبت وأ َ‬ ‫علي فرآه في حلقته و ّ‬
‫ّ‬
‫شيخه أبو‬
‫َ‬
‫الزمه حتّى تمهر‪.‬‬
‫فترك حلقته وتبعه و َ‬
‫حصرم))‪َ ،‬‬
‫أحسن األخذ عنه‪ ،‬وهو الذي أحسن تخريجه‬ ‫وقد أخذ ابن ِجّني عن أبي علي الفارسي و َ‬
‫ونهج له البحث‪ ،‬وتجمع الروايات على َّ‬
‫أن أبا الفتح صحب أبا علي بعد سنة (‪337‬ه)‬ ‫َ‬
‫علمية أثّرت تأثي اًر‬
‫شخصية ّ‬
‫ّ‬ ‫أهم‬
‫الفارسي ّ‬ ‫والزمه في السفر والحضر‪ ،‬إذ يعتََبر أبو علي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالغاً في تكوين ابن ِجّني فهو شديد التّعّلق به‪ ،‬كثير ّ‬
‫النقل عنه‪.‬‬
‫ومن الذين أخذ عنهم ابن ِجّني واستفاد منهم‪ ،‬أحمد بن محمد الموصلي الشافعي‬
‫محمد بن الحسن بن يعقوب‬
‫المعروف باألخفش‪ ،‬فقد أخذ عنه النحو‪ ،‬وكذلك أبو بكر ّ‬
‫كان عالماً باللغة والشعر وسمع من ثعلب‪،‬‬
‫المعروف بابن مقسم أحد قراء بغداد الذي َ‬
‫وتردد اسم ابن مقسم م ار اًر في كتب ِه‪ ،‬وق أر على أبي الفرج األصفهاني‪ ،‬وروى عن أبي‬

‫محمد هارون الروياني عن أبي حاتم السجستاني‪ ،‬وعن ّ‬


‫محمد بن سلمة عن أبي‬ ‫بكر ّ‬
‫المبرد‪ ،‬وغيرهم الكثير من شيوخ العر ّبية‪.‬‬
‫العباس ّ‬‫ّ‬
‫وكانت والدة ابن ِجّني قبل الثالثين والثالثمائة بالموصل‪ ،‬وتوفي يوم الجمعة لليلتين‬
‫النون‬ ‫بقيتا من صفر سن َة اثنتين وتسعين وثالثمائة ببغداد‪ِ ،‬‬
‫وجّني‪ :‬بكسر الجيم وتشديد ّ‬
‫كتبه علم أبي علي‪ ،‬سيبويه في ِ‬
‫نقله علم‬ ‫وبعدها ياء"(‪ ،)1‬ويشبه ابن ِجني في نقله في ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ابن ِجّني كثي اًر ما يذكر أن أستاذه كان يسأله في بعض المسائل‪،‬‬ ‫الخليل‪ ،‬على ّ‬

‫ّات‌األعيان‌وأنباء‌أبناء‌الزمان‪‌:‬ألبي‌العبّ‌اس‌شمس‌الدين‌أحمد‌بن‌مح ّمد‌بن‌أبي‌بكر‌بن‌ َخلّكان‌(ابن‌خلّكان)‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬‬


‫ّ‬ ‫‪‌ -‌ 1‬يُنظر‪‌:‬وفي‬
‫إحسان‌عبّاس‪‌،‬دار‌صادر‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪1978‌،‬م‪‌ ‌.248‌-246‌/3‌،‬‬

‫‪1‬‬
‫فيدون‬ ‫ِ‬
‫علي كان يقتنع بعل ِم ابن جّني في بعض األمور ّ‬ ‫ّ‬
‫ويرجع إلى رأيه فيها‪ ،‬و إن أبا‬
‫ِ‬
‫شيخه أحرى عنده باالتّباع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تأليفه منهجاً غير منهج‬ ‫رأيه في ِ‬
‫كتبه[‪]...‬وقد ينهج في‬
‫الف ابن ِجّني (المحتسب) في‬ ‫السبع‪ ،‬و َ‬
‫(الحجة) في توجيه القراءات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ف أبو علي‬ ‫وقد أّل َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫خطبة هذا الكتاب‪ ":‬إال ّأننا –مع ذلك‪ -‬ال ننسى‬ ‫توجيه الشواذ من القراءات‪ ،‬ويقول في‬
‫الحجة في‬
‫ّ‬ ‫تقريبه على أهل القرآن ليحيطوا به‪َّ ،‬‬
‫فإن أبا علي –رحمه هللا‪ -‬عمل كتاب‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫حاجة الق ّراء‪ ،‬إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء" (‪.)1‬‬ ‫قدر‬
‫القراءات‪ ،‬فتجاوز فيه َ‬
‫عمق‬ ‫ِ‬
‫طابع االستقصاء والغوص في التّفاصيل‪ ،‬والتّ ّ‬‫غلب " على مباحث ابن جّني َ‬ ‫وقد َ‬
‫في التّحليل‪ ،‬واستنباط المبادئ واألصول من الجز ّئيات[‪ ]...‬كما اشتهر ببالغة العبارة‬
‫وحسن تصريف الكالم‪ ،‬واإلبانة عن المعاني بأحسن وجوه األداء‪ ،‬وهو يسمو في‬
‫َّ‬
‫يتسن‬ ‫فتح ابن ِجّني في العر ّبية أبواباً لم‬
‫عبارته‪ ،‬ويبلغ بها ذروة الفصاحة[‪ ]...‬وقد َ‬
‫همل‬
‫فتحها لسواه‪ ،‬ووضع أصوالً في االشتقاق ومناسبة األلفاظ للمعاني؛ وإهمال ما أ َ‬
‫ِ‬
‫بحوثه‪،‬‬ ‫سبيله‪ ،‬ويبنون على‬ ‫ِ‬ ‫من األلفاظ‪ ،‬وكان بذلك إماماً يحتاج إلى أتباع يمضون في‬

‫وإذاً لنضجت أصوله وبلغت إناها‪ ،‬ولكّنه لم يرزق هؤالء األتباع ‪ ،‬على ّأنه َ‬
‫أتيح له‬
‫اللغوية‪ ،‬وهو (ابن سيده) على بن أحمد المتوفى‬ ‫ِ‬
‫وبحوثه‬ ‫لغوي كبير‪ ،‬أغار على فوائده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫كتابه المحكم‪ ،‬و ابن ِسنان الخفاجي‬ ‫سنة ‪ 458‬ه‪ ،‬وهو كثي اًر ما يغفل العزو إ ِ‬
‫ليه في‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫سر الفصاحة‪ ،‬وابن األثير‬ ‫محمد المتوفى سنة ‪466‬ه‪ ،‬صاحب كتاب ّ‬ ‫عبد هللا بن ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد المتوفى سنة ‪633‬ه‪ ،‬صاحب كتاب المثل السائر‪".‬‬ ‫نصر هللا بن ّ‬
‫مذهبه الكالمي‪:‬‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫كشيخه أبي علي(‪ ،)3‬فهو يقول في الخصائص في‬‫ِ‬ ‫أن ابن ِجّني كان معتز ّلياً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫" ي ْذ َكر ّ‬
‫الفعل هللِ‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫(باب في ورود الوفاق مع وجود الخالف)‪ " :‬وقد قال بعض الناس‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫أن‬
‫فإنه لقوم" ‪ ،‬ويقول في (باب في ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫إن كان هذا خطأ عندنا ّ‬ ‫العبد مكتسبه‪ ،‬و ْ‬
‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫لحق بالحقيقة)‪ ":‬وكذلك أفعال القديم سبحانه‪ ،‬نحو خلق هللا السماء‬
‫كثر َ‬‫المجاز إذا َ‬
‫واألرض وما كان مثله أال ترى ّأنه – ّ‬
‫عز اسمه‪ -‬لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا‪ ،‬ولو‬

‫ي‪‌،‬تح‪‌.‬علي‌النجدي‌ناصف‪‌،‬د‪‌‌.‬عبد‌الفتّاح‌إسماعيل‌‬
‫ِ‬ ‫المحتسب‌في‌تبيين‌وجوه‌شواذ‌القراءات‌واإليضاح‌عنها‪‌:‬أبو‌الفتح‌عثمان‌بن‌جنّ‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫شلبي‪‌،‬دار‌سزكين‌للطباعة‌والنشر‪‌،‬ط‌‪‌،2‬إسطنبول‪‌-‬تركيا‪1986‌،‬م‪‌ ‌.13/1‌،‬‬
‫بن‌جنّي‌(ت‪392‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬محمد‌علي‌النجّار‪‌،‬دار‌الكتب‌المصريّ‌ة‪‌،‬ط‪1952‌،2‬م‪‌.32-26‌/1‌،‬‬ ‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬أبو‌الفتح‌عثمان‌ ِ‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‌‪‌.42/1‌،‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السابق‪‌ ‌.213‌/2‌،‬‬

‫‪2‬‬
‫فتراه‬ ‫عز وعال"‬
‫(‪)1‬‬
‫كان حقيقة ال مجا اًز لكان خالقاً للكفر والعدو إن وغيرها من أفعالنا ّ‬
‫ذه ٌب اعتزالي‪.‬‬
‫ينسب للعبد خلق الفعل‪ ،‬وهذا َم َ‬
‫ّ‬
‫يتقيد بمذهب المعتزلة ويذهب إلى ما يراه الحق وما هو أدنى‬‫أن ابن ِجّني قد ال ّ‬ ‫على ّ‬
‫اصطالح أم توقيف‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬
‫كالمه على اللغة وهل هي‬ ‫النصفة‪ ،‬ومن ذلك ما نراه في‬
‫ٌ‬ ‫إلى َ‬
‫وجب تل ّقيه واالنطواء‬
‫ثم قال‪ (( :‬وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا َ‬
‫ذكر رأي التّوقيف َّ‬
‫السنة‪ ،‬وهو في هذا المبحث يتوّقف في شأن اللغة‪،‬‬
‫على القول به)) وهذا منهج أهل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫بأنها اصطالح وتواضع‪".‬‬
‫ذه َب االعتزال؛ وهو الجزم ّ‬
‫وهو بذلك يخالف َم َ‬
‫ابن ِجّني بين النحو و ّ‬
‫الصرف‪:‬‬
‫البصر ّي والكوفي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫حوية لعهد ابن جّني ثالثة‪ :‬مذهبان قديمان‪ ،‬وهما َ‬
‫الن ّ‬
‫" كانت المذاهب ّ‬
‫خير منهما‪ ،‬وهو َمذهب البغداديين‪ ،‬وكان ابن‬ ‫حدث من خلط المذهبين والتّ ّ‬ ‫ومذهب َ‬
‫ٌ‬
‫كشيخه أبي علي‪ -‬بصرّياً‪ ،‬فهو يجري في كتبه ومباحثه على أصول هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِجّني –‬
‫ّ‬
‫أن ابن‬ ‫ِ‬
‫يألو في ذلك جهداً‪ ،‬ولم َيدر بخلد ناظر ّ‬
‫ويذب‪ ،‬وال َ‬
‫ّ‬ ‫المذهب‪ ،‬وهو ينافح عنه‬
‫أن‬
‫طاب له ْ‬
‫ولكن بعض الباحثين َ‬ ‫كوفياً؛ فهذا ما لم يجز في الوهم والخيال‪ّ ،‬‬
‫كان ّ‬‫ِجّني َ‬
‫يسلك ابن ِجّني في عداد البغداديين‪ ،‬وشبهته في هذا أن َ‬
‫سكن بغداد وأوطنها‪ ،‬حتّى‬ ‫َ‬
‫استقرت إمامته وتأصل‬
‫نضج و ّ‬
‫َ‬ ‫بعد أن‬
‫َخرة َ‬ ‫كان مقامه ببغداد بأ َ‬
‫لقي رّبه فيها‪ ،‬و إنما َ‬
‫عده في البصريين "(‪.)3‬‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫النحو أمثل منه‬
‫الصرف‪ ،‬وهو على إمامته فيهما في ّ‬ ‫"وكان ابن ِجّني إماماً في ّ‬
‫النحو و ّ‬
‫بالنحوي‪ ،‬فالنحو –‬
‫عرف إال ّ‬ ‫الصرف‪ ،‬كما يذكره الكاتبون لترجمته‪ ،‬و ْ‬
‫إن كان ال ي َ‬ ‫في ّ‬
‫الصرف‪.‬‬
‫" (‪)4‬‬
‫العام‪ -‬ينتظم ّ‬
‫بالمعنى ّ‬
‫الرواية عن غيره‪ ،‬فهو ينقل عن سيبويه وعن أستاذه أبي‬ ‫ِ‬
‫رف عنه ّأنه يكثر من ّ‬
‫" وقد ع َ‬
‫علي‪ ،‬وعن غيرهما ممن علماء البلدين‪ ،‬ويستشهد بالشعر والقصص‪ ،‬ويجول في فنون‬
‫ّ‬
‫النقل على حفظه‪ ،‬فينال نقَله‬
‫المعرفة‪ ،‬ويستطرد لما هو بسبيله‪ ،‬ويبدو ّأنه قد يعتمد في ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي ‌‪‌ ‌.449‌/2‌،‬‬


‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.41‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌ ‌.45-44‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السابق‪‌ ‌.47‌/1‌،‬‬

‫‪3‬‬
‫فخالف فيه‬
‫َ‬ ‫حديثاً عن سيبويه‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بعض التّغيير‪ ،‬ومن ذلك ّأنه أورد في الخصائص‬
‫" (‪)2‬‬
‫بعض الشيء‪.‬‬
‫كتبه‪:‬‬
‫ُ‬
‫أسماء حساناً‬ ‫تخي َر لها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫الجم وعلمه الغزير‪ ،‬وقد ّ‬
‫تدل على فضله ّ‬
‫" لقد ترك كتباً حساناً ُّ‬
‫كذلك‪ ،‬ونذكر أشهرها‪:‬‬
‫‪ -‬الخصائص‪.‬‬
‫السكري من أشعار الهذليين‪.‬‬
‫‪ -‬التّمام‪ ،‬وهو تفسير ما أغفله ّ‬
‫‪ -‬سر صناعة اإلعراب‪.‬‬
‫سمى (المنصف)‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير تصريف المازني‪ ،‬وي ّ‬
‫السكيب‪.‬‬
‫‪ -‬شرح المقصور والممدود البن ّ‬
‫‪ -‬تعاقب العر ّبية‪.‬‬
‫المتنبي الكبير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تفسير ديوان‬
‫‪ -‬الل َمع في العر ّبية‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب مختصر التّصريف‪ ،‬وهو المعروف بـ(التّصريف الملوكي)‬
‫‪ -‬كتاب مختصر العروض والقوافي‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب المقتضب‪ ،‬وهو في اسم المفعول المعتل العين من الثالثي‪.‬‬
‫‪ -‬المحاسن في العر ّبية‪.‬‬
‫‪ -‬الخاطرّيات‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب المحتسب في شرح شوا ّذ القراءات‪.‬‬
‫المؤنث‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب المذ ّكر و ّ‬
‫وغيرها الكثير من الكتب والمخطوطات التي نسبت إليه‪ ،‬ومنها كتب ذكرت بأسماء‬
‫ولكن الذي ال خالف عليه هو هذا اإلرث العظيم‪ ،‬الذي تركه ابن ِجّني في‬ ‫مختلفة‪ّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كل مجاالت اللغة‪ ،‬والتي أَ ْث َرت وأغنت المكتبة العر ّبية‪".‬‬
‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.249‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌ ‌.52‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬ينظر‪‌:‬مقدّمة‌الخصائص‪‌:‬محمد‌علي‌النجار‪‌،‬ص‌‪‌.68‌-60‬‬

‫‪4‬‬
‫الزمن بين النحو‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم ّ‬
‫سانيات‪:‬‬
‫والّل ّ‬

‫الزمن لغ ًة واصطالحاً‬
‫‪ّ -1‬‬
‫سانيات لغ ًة واصطالحاً‬
‫‪ -2‬الّل ّ‬
‫سانيات وأبرز أعالمه‬
‫‪ -3‬نشأة علم الّل ّ‬
‫سانيات والّنحو‬
‫‪ -4‬العالقة بين علم الّل ّ‬
‫العربي‬
‫الزمن‬
‫‪ -5‬أنواع ّ‬
‫الزمن عند المناطقة والفالسفة‬
‫‪ّ -6‬‬
‫الزمن‬
‫‪ -7‬رتبة ّ‬
‫‪ -8‬مفهوم الجهة‬

‫‪5‬‬
‫الزمن لغ ًة واصطالحاً‪:‬‬
‫‪ّ .1‬‬
‫الزمن لغةً‪:‬‬
‫أ‪ّ -‬‬
‫الف ْعل‬ ‫الزم ِ‬
‫انة‪ ،‬و ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫الز ِ‬‫الزمن من َّ‬‫َّ‬
‫مان‪ ،‬والزمن‪ :‬ذو َ‬ ‫الزمن‪ " :‬و َ‬
‫يقول الخليل (ت ‪170‬هـ) في ّ‬
‫طال ِ‬ ‫الزمَنى في َّ‬
‫عليه‬ ‫الشيء‪َ َ :‬‬‫الذ َكر واألنثَى‪ ،‬وأ َْزَم َن ّ‬ ‫َزِم َن َي ْزَمن َزَمناً َ‬
‫وزَمان ًة‪ ،‬والجميع‪ْ َّ :‬‬
‫الزاء والميم والنون‬
‫الزمن‪ّ " :‬‬ ‫الزمان" ‪ ،‬وقال ابن فارس (ت ‪395‬هـ) في مقاييسه في ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫الزمان‪ ،‬وهو الحين‪ ،‬قليله وكثيره[‪]...‬‬ ‫يدل على وقت من الوقت من ذلك ّ‬ ‫أصل واحد ُّ‬ ‫ٌ‬
‫"(‪.)2‬‬
‫الزمن‬
‫الزمن إ ْذ قال‪ّ " :‬‬
‫الداللة على ّ‬
‫يبتعد ابن منظور(ت‪711‬هـ) عن سابقيه في ّ‬ ‫ْ‬ ‫ولم‬
‫ْ‬
‫الزمان العصر‪ ،‬والجمع أزمن‬
‫الزمن و ّ‬
‫اسم لقليل الوقت وكثيره‪ ،‬وفي المحكم‪ّ :‬‬
‫الزمان ٌ‬
‫وّ‬
‫وأزمان وأزمنة [‪.)3( " ]...‬‬
‫المدة‪ ،‬ومثله في ذلك‬
‫بكل ما يتعّلق بالوقت والحين و ّ‬ ‫الزمن كما رأيناه مرتبط ّ‬
‫إذاً‪ ،‬فلفظ ّ‬
‫األصلية‬
‫ّ‬ ‫الزمان‪ ،‬فهما لفظان لداللة واحدة عند أهل اللغة‪ ،‬إ ْذ اتّفقت أكثر معاجم الّلغة‬
‫ّ‬
‫الزمن‬ ‫الزمن كما هو واضح‪ ،‬وهذا ما ُّ‬
‫يدلنا على استقرار لفظة ّ‬ ‫الداللة للفظ ّ‬
‫على هذه ّ‬
‫الراهن‪ ،‬ما خال بعض‬ ‫بمفهومها العام والمتعارف عليه منذ ذلك الحين والى وقتنا ّ‬
‫وحديث ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قديم ِه‬
‫الشعر العربي ِ‬
‫الزمن في األدب و ّ‬
‫االستعماالت الخاصة والتّرميز عبر ّ‬

‫الزمن اصطالحاً‪:‬‬
‫ب‪ّ -‬‬
‫(الزمن) ويرسم لها أط اًر وقوالب‬
‫يحدد لفظة ّ‬
‫لم تشتمل كتب اللغة القديمة على تعريف ّ‬
‫تندرج ضمنها أشياء أخرى‪ ،‬كما عهدنا منهم في هذا المجال‪ ،‬رغم انتشار هذه اللفظة‬
‫(الزمن) يبدو مشتّتاً‪،‬‬ ‫األصلية‪ ،‬إال َّ‬
‫أن استعمال النحاة لكلمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وترددها في كتب النحو‬
‫أو غير محدد‪ ،‬وهذا قد يرجع إلى جملة من األسباب قد يكون أحدها اختالف مقاصد‬
‫السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة‪،‬‬
‫النحاة ومبتغاهم من هذا االستعمال إضاف ًة إلى ّ‬
‫ّ‬
‫يتقيد به بعض علماء اللغة‬
‫(الزمان)‪ ،‬وهذا ما لم ّ‬
‫ومن المالحظ اعتمادهم على لفظة ّ‬
‫‪‌-‌1‬كتاب‌العين‪‌:‬الخليل‌بن‌أحمد‌الفراهيدي‌(ت‌‪170‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬عبد‌الحميد‌هنداوي‪‌،‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪‌،‬ط‌‪2003‌،1‬م‪‌،‬‬
‫ج‪‌،2‬مادة‌(زمن)‪‌ .‬‬
‫‪‌-‌2‬معجم‌مقاييس‌اللغة‪‌:‬ألبي‌الحسين‌أحمد‌بن‌فارس‌بن‌زكريّا‌(ت‌‪‌395‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬عبد‌السالم‌هارون‪‌،‬دار‌الفكر‪1979‌،‬م‪‌،‬ج‌‪‌،3‬مادة‌‬
‫(زمن)‌‪.‬‬
‫‪ ‌-‌3‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‌(اإلمام‌العالمة‌أبي‌الفضل‌جمال‌الدين‌محمد‌بن‌مكرم‪‌،‬ت‌‪‌711‬هـ)‪‌،‬دار‌صادر‪‌،‬بيروت‌–‌‌لبنان‪‌،‬ط‪‌،1‬‬
‫(د‪.‬ت)‪‌،‬ج‪‌،13‬مادة‌(زمن)‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(الزمان) دونما تفريق‬ ‫الم ْح َدِثين الذين استخدموا لفظة ّ‬
‫(الزمن) كما استخدموا لفظة ّ‬
‫بينهما عند بعضهم‪ ،‬وعمد بعضهم اآلخر إلى وضع اختالفات في االستخدام بين‬
‫الزمان‪ ،‬نجد في اللغة ثالثة أقسام‬
‫الزمن و ّ‬
‫وبناء على التفرقة بين مفهومي ّ‬
‫ً‬ ‫اللفظتين‪،‬‬
‫للزمن‪:‬‬
‫ّ‬
‫الزمان‪،‬‬
‫نعبر عنه باألسماء والتعابير التي تحدد أوقات ّ‬
‫‪ -1‬زمن األوقات‪ :‬الذي ّ‬
‫وتحمل معنى الظرف‪ ،‬مثل‪ :‬ساعة‪ ،‬وقت‪ ،‬حين‪ ،‬دهر‪ ،‬عصر‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫والمعنى هنا معجمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫الصرفي الذي يتمّثل في التراكيب المختلفة‬ ‫الزمن‬
‫النحوي‪ :‬الذي يشمل ّ‬ ‫الزمن ّ‬‫‪ّ -2‬‬
‫ّ ّ‬
‫وتأثير السياق والقرائن اللفظية والمعنوية عليه‪ ،‬والمعنى هنا وظيفي‪.‬‬
‫فهم من‬ ‫الزمن الذي يكون بين حدثين‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الزمن ي َ‬ ‫الزمن االقتراني‪ :‬وهو ّ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫الزمن الماضي أو المستقبل إال‬
‫تدل على ّ‬
‫الزمانية المبهمة التي ال ُّ‬
‫الظروف ّ‬
‫ضيفت أو اقترنت بالتركيب‪ ،‬مثل‪ :‬أبد‪ ،‬قط‪ ،‬عوض‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إذا أ َ‬
‫الجبار توامة الذي رأى َّ‬
‫أن‬ ‫الزمن نراه يقارب تقسيم عبد ّ‬
‫وهذا التقسيم الثالثي ألنواع ّ‬
‫النحوي)‪،‬‬ ‫الزمن يقسم إلى نوعين فقط‪ ،‬زمن فلسفي‪ ،‬وآخر لغوي ّ‬
‫وسماه أيضاً بـ (الوقت ّ‬ ‫ّ‬
‫ياضية‪ ،‬ويعبَّر عنه بالتقويم‬
‫لكمية ر ّ‬ ‫الزمن أو الوقت الفلسفي هو الذي ُّ‬
‫يعد قياساً ّ‬ ‫يقول‪ّ " :‬‬
‫النحوي الذي يعبَّر عنه بالفعل وصيغه‬
‫الزمن اللغوي هو الوقت ّ‬
‫واإلخبار عن الساعة‪ ،‬و ّ‬
‫فلسفية‪ ،‬بل يقوم على استخدام القيم‬
‫ّ‬ ‫زمانية‬
‫ّ‬ ‫وما شابهه‪ ،‬تعبي اًر ال يستند إلى دالالت‬
‫(‪)2‬‬
‫اللغوية‪".‬‬
‫ّ‬ ‫الداللة على الحقائق‬
‫الصيغ المختلفة في ّ‬
‫الخالفية فيه (‪ )Oppositions‬بين ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن الفلسفي‪،‬‬
‫وللوهلة األولى يتبادر إلى ال ّذهن ّأنه ينفي داللة الفعل وصيغه على ّ‬
‫أن‬ ‫وذلك من خالل عبار ِ‬
‫ولكنه يقصد ّ‬
‫فلسفية)‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫زمانية‬
‫ّ‬ ‫ته (تعبي اًر ال يستند إلى دالالت‬
‫النص‪ ،‬بل‬
‫الزمانية الفلسفية في ّ‬
‫ّ‬ ‫(النحوي) ال يعتمد على األوقات‬‫الزمن اللغوي ّ‬
‫تحديد ّ‬
‫النص‪ ،‬وهذا صحيح فيما‬
‫المعنوية) الموجودة في ّ‬
‫ّ‬ ‫يتعلق فقط بالقرائن السياقية (اللفظية و‬
‫وجهت ِه بالقرائن‪ ،‬ولكن ربما يؤخذ على هذا القول‬
‫ِ‬ ‫زمن ِه‬
‫ط ِ‬ ‫النحوي وارتبا َ‬
‫الزمن ّ‬
‫يخص ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي‪ ،‬أو حتى داللة بعض‬ ‫الزمن ّ‬
‫إن وجد‪ -‬بتحديد ّ‬ ‫إنكار أثر الوقت الفلسفي ‪ْ -‬‬

‫ّ‬
‫مان‌الداللي‌دراسة‌لغوية‌لمفهوم‌الزمن‌وألفاظه‌في‌الثقافة ‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬كريم‌زكي‌حسام‌الدين‪‌،‬كتب‌عربية‪‌،‬ط‪‌،1‬مكة‌‬ ‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الز‬ ‫‪‌ -‌ 1‬‬
‫المكرمة‌–‌السعودية‪1989‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.393‌–‌392‬‬ ‫ّ‬
‫‪‌-‌2‬زمن‌الفعل‌في‌اللغة‌قرائنه‌وجهاتهُ‪‌:‬عبد‌الجبّار‌توامة‪‌،‬ديوان‌المطبوعات‌الجامعيّة‪‌،‬بن‌عكنون‌–‌الجزائر‪1994‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.1‬‬

‫‪7‬‬
‫فلسفية في سياقات محددة‪ ،‬و إن كان السياق هو الفيصل‬ ‫ّ‬ ‫الصيغ الفعلية على أوقات‬ ‫ّ‬
‫تتحدث عن الوعد والوعيد مثالً‪،‬‬ ‫في ذلك‪ ،‬كما نرى في كثير من اآليات القر ّ‬
‫آنية التي ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬حتى و إن است ِ‬
‫خد َم فيها‬ ‫فلسفي واضح هو ّ‬ ‫إذ نرى فيها تحديداً لزمن‬
‫ّ‬
‫أفعال ماضية لهذا ا ّلزمن أو العكس التعبير بالمضارع عن الماضي‪ ،‬فهذا من براعة‬
‫الفعلية‬
‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫إمكانية استناد ّ‬
‫ّ‬ ‫فكل هذا وغيره يشهد على‬
‫العر ّبية وبالغة ال ّذكر الحكيم‪ّ ،‬‬
‫النحوي فيها‪.‬‬
‫الزمن ّ‬
‫لتعبر عن ّ‬
‫الزمن الفلسفي ّ‬ ‫إلى ّ‬
‫عاماً ومطلقاً‪ ،‬كما نرى عند سيبويه في الكتاب عندما قال‪:‬‬
‫وقد كان فهم القدماء للزمان ّ‬
‫أما الوقت‪ ،‬والساعات‪ ،‬واألياّم‪ ،‬والشهور‪ ،‬والسنون‪ ،‬وما أشبه ذلك من األزمنة‬
‫" و َّ‬
‫ِ‬
‫يوم الجمعة‬
‫جعلت َ‬
‫َ‬ ‫الجمعة‪ ،‬إذا‬ ‫يوم‬
‫القتال َ‬
‫َ‬ ‫واألحيان التي تكون في ّ‬
‫الدهر‪ ،‬فهو قولك‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ظرفاً "‬
‫بأنها مطلقة‬
‫وصف رؤية سيبويه للزمان ّ‬
‫َ‬ ‫وهذا ما أ ّكده الدكتور محمد الريحاني الذي‬
‫بالزمان الوقت المطلق سواء الحاضر‬ ‫نتبين َّ‬
‫أن سيبويه يقصد ّ‬ ‫محددة‪ " :‬من هنا ّ‬‫وغير ّ‬
‫أن سيبويه لم‬
‫أم الماضي أم المستقبل " ‪ ،‬والمقصد من هذا اإلطالق هو ّأنه يريد ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫يدرك الجهات الزمنية المختلفة التي يعبر عنها الفعل بصيغه وقر ِ‬
‫ائنه المختلفة‪ ،‬فكان‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫عاما ينطوي على ثالثة أزمنة فقط‪ :‬الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬غير‬ ‫الزمن عنده ّ‬ ‫ّ‬
‫للغوي مثل سيبويه‪ ،‬فالوجه الذي أراه من تعريف‬
‫ّ‬ ‫أن هذا الرأي فيه الكثير من اإلجحاف‬
‫ّ‬
‫الزمن الفلسفي الذي يقصده‬
‫للزمن أنواعاً أحدها هو ّ‬
‫أن ّ‬‫للزمن‪ ،‬هو ّأنه أدرك ّ‬
‫سيبويه ّ‬
‫يدل على األوقات الثالثة‪ ،‬وقد ظهر ذلك بصورة واضحة في تعريفه‪،‬‬
‫بتعريفه والذي ُّ‬
‫الحد‬
‫أن هذا ّ‬ ‫الزمن عنده واحد‪ ،‬أو ّ‬
‫أن ّ‬
‫النحوي‪ ،‬أو ّ‬
‫الزمن ّ‬
‫يدل على ّأنه ينكر ّ‬
‫وهذا ال ُّ‬
‫سنبين الحقاً‪ -‬دّقته في تفصيل وتفريع‬
‫جامع مانع‪ ،‬بل تظهر –كما ّ‬
‫ٌ‬ ‫حد‬
‫للزمن هو ّ‬‫ّ‬
‫الزمن‪،‬‬
‫لكل أنواع ّ‬
‫للزمن الفلسفي‪ ،‬وليس ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وقد كان التعريف السابق خير تعريف ّ‬
‫ّ‬
‫شيء من الشمول واإلطالق‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يف سيبويه فيه‬
‫أن تعر َ‬
‫الريحاني ّ‬
‫ولهذا رأى ّ‬

‫‪‌-‌1‬الكتاب‪‌:‬أبو‌بشر‌عمرو‌بن‌عثمان‌بن‌قنبر=‌سيبويه‌(ت ‌‪‌180‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬عبد‌السالم‌هارون‪‌،‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬القاهرة‌–‌‌مصر‪‌،‬ط‌‬
‫‪1988‌،3‬م‪‌ ‌.418‌/1‌،‬‬
‫ّ ّ‬
‫ي‌في‌الدراسات‌اللغوية‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌الريحاني‪‌،‬دار‌قباء‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬القاهرة ‌–‌‌مصر‪(‌،‬د‪.‬ت)‪‌،‬‬ ‫من‬ ‫جاهات‌التحليل‌الز‬ ‫‪‌-‌2‬ات ّ‬
‫ص‌‪‌.15‬‬

‫‪8‬‬
‫الزمن في إطار حديثهم‬
‫تحدثوا عن ّ‬
‫أن أكثر النحاة – ومنهم سيبويه‪ -‬قد ّ‬ ‫وما نالحظه َّ‬
‫فالزمن‬
‫منطقي‪ّ ،‬‬ ‫أمر‬
‫الزمن والفعل هو ٌ‬‫عن األفعال‪ ،‬وهذا االرتباط الذي نراه عندهم بين ّ‬
‫ّ‬
‫حد‬
‫بالزمن إلى ّ‬
‫ط ّ‬ ‫هو جوهر الفعل‪ ،‬وهو أساسه‪ ،‬كما َّ‬
‫أن قيام الفعل وفهم معناه مرتب ٌ‬
‫أهمية‬
‫ولكن ّ‬‫الزمن ليكون أداةً في تحديد الفعل وتمييزه من االسم‪َّ ،‬‬
‫كبير‪ ،‬إذ استعملوا ّ‬
‫الزمن لم تكن مقتصرةً عندهم على هذا الجانب وحسب‪ ،‬و إنما هي إحدى استخدامات‬ ‫ّ‬
‫للزمن في تحديد الفعل به‪ ،‬فهذا سيبويه يقسم الفعل على ثالثة أقسام انطالقاً‬
‫القدماء ّ‬
‫بالزمان‪ ،‬يقول‪ " :‬و أما الفعل فأمثل ٌة أخ َذت من لفظ أحداث‬
‫من صيغتها المرتبطة ّ‬
‫األسماء‪ ،‬وب َنيت لما مضى‪ ،‬ولما يكون ولم يقع‪ ،‬وما هو كائن لم ينقطع‪َّ ،‬‬
‫فأما بناء ما‬
‫اذهب وامث ْل‬
‫ْ‬ ‫مد‪ ،‬و أما بناء ما لم يقع َّ‬
‫فإنه قولك آم اًر‪:‬‬ ‫مضى فذهب وسمع ومكث وح َ‬
‫واضر ْب‪ ،‬ومخب اًر‪ :‬يقتل ويذهب ويضرب ويقتل ويضرب‪ .‬وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو‬
‫أخبرت "‬
‫َ‬ ‫كائن إذا‬ ‫(‪)1‬‬

‫بالزمن عندما أشار إلى ّأنه مأخوذ‬ ‫ففي هذا تصريح من سيبويه على َّ‬
‫أن الفعل مرتبط ّ‬
‫من أحداث األسماء‪ ،‬فال َّبد ّ‬
‫لكل زمن من حدث يحدث فيه ويشار به إليه‪ ،‬ثم تابع‬
‫منية لألفعال‪ ،‬فقوله‪ " :‬بنيت لما مضى" يقصد بها صيغة ( َف َع َل)‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫مشي اًر إلى ّ‬
‫وقوله‪ " :‬لما يكون ولم يقع" إشارةً إلى صيغة (افعل)‪َّ ،‬‬
‫أما " بناء ما لم ينقطع وهو كائن"‬
‫نص سيبويه‬
‫المستمر المتمّثل بصيغة (يفعل)‪ ،‬فاألزمنة المستخلصة من ّ‬
‫ّ‬ ‫فهو الحاضر‬
‫الزمن‬
‫تغير ّ‬
‫إمكانية ّ‬
‫ّ‬ ‫هي ثالثة‪ :‬ماض‪ ،‬و حاضر‪ ،‬ومستقبل‪ ،‬من دون ْ‬
‫أن يشير هنا إلى‬
‫كل زمن من هذه األزمنة‪ ،‬أو ك ّل صيغة بدخول أدوات أو أحرف قبل هذه‬ ‫ضمن ّ‬
‫سار‬
‫الصيغ‪ ،‬وعلى نهجه َ‬
‫الزمن عن طريق ّ‬‫الصيغ‪ ،‬إذاً فقد ربط سيبويه بين الفعل و ّ‬
‫ّ‬
‫الربط بين‬
‫السراج أيضاً‪ ،‬مع وجود اختالف بسيط في حديثه عن الفعل‪ ،‬واتّفقا في ّ‬‫ابن ّ‬
‫دل على معنى‬
‫الزمن بقوله‪ " :‬الفعل ما َّ‬
‫الزمن والفعل‪ ،‬إذ أشار إلى داللة الفعل على ّ‬
‫ّ‬
‫إما ماض و إ َّما حاضر و إ َّما مستقبل" (‪.)2‬‬
‫الزمان َّ‬
‫وزمان‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الزمان كما‬
‫الداللة على ّ‬
‫محدداً تلك ّ‬
‫الزمان ّ‬ ‫يدل على ّ‬ ‫فهو هنا يقول حقيق ًة َّ‬
‫بأن الفعل ُّ‬
‫قسم الفعل أو زمن الفعل إلى ماض وحاضر ومستقبل‪ ،‬وأغفل أيضاً‬ ‫فعل سيبويه بأن ّ‬

‫‪‌-‌1‬الكتاب‪‌:‬سيبويه‪‌.12‌/‌1‌،‬‬
‫‪‌ -‌ 2‬األصول‌في‌النحو‪‌:‬ألبي‌بكر‌محمد‌بن‌سهل‌بن‌سراج‌النّحوي‌البغدادي=‌ابن‌السراج‌(ت ‌‪‌ 316‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬عبد‌الحسين‌الفتلي‪‌،‬‬
‫مؤسسة‌الرسالة‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪‌،‬ط‌‪1996‌،3‬م‪‌.38‌/1‌،‬‬

‫‪9‬‬
‫يدل الماضي على الحاضر‬
‫تحول هذه األزمنة الثالثة كل منها إلى اآلخر كأن ُّ‬
‫إمكانية ّ‬
‫الزمن الماضي وذلك عند دخول أدوات محددة تنقل زمن الفعل‪ ،‬غير‬
‫أو الحاضر على ّ‬
‫عام ويتعلق باألزمنة الرئيسية‪،‬‬
‫ألن حديثه ٌ‬ ‫َّ‬
‫أن إغفاله لها ليس من باب الجهل بها‪ ،‬بل ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وهذا ما عرفناه في‬ ‫يتفرع عنها فتكون نسبته للمعنى الذي ي ّ‬
‫حرك هذا ّ‬ ‫أما ما ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وسيأتي الحديث عنها الحقاً‪ ،‬وهذه‬‫الدرس الحديث تحت مفهوم الجهة في ّ‬
‫النظرة‪ ،‬وهذا التقسيم يكاد يكون ّ‬
‫عاماً عند أسالفنا القدماء‪.‬‬
‫أ َّما أبو العباس المبرد فلم يخالف سيبويه في هذا التقسيم الثالثي‪ ،‬و َّإنما خالفه في‬
‫التسمية وذلك بقوله‪" :‬أن الضرب اسم للفعل يقع على أحواله الثالثة‪ :‬الماضي والموجود‬
‫والمنتظر" (‪ .)1‬فما عبر عنه سيبويه بما يكون ولم يقع فهو مصطلح المنتظر عند‬
‫المبرد‪ ،‬وما هو كائن ولم ينقطع عند سيبويه فهو مصطلح الموجود عند المبرد‪.‬‬
‫ويؤكد سيبويه رأيه السابق في كون الزمان من اختصاص الفعل مشي اًر إلى أن هذا‬
‫األخير "يتعدى إلى الزمان نحو قولك ذهب ألنه بني لما مضى منه وما لم يمض‪ ،‬فإذا‬
‫قال ذهب فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان‪ ،‬وإذا قال سيذهب فإنه‬
‫دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه"‬
‫(‪.)2‬‬
‫أما ظروف الزمان َّ‬
‫فإنما‬ ‫كما يؤكد المبرد بأن الزمان من اختصاص الفعل إذ يقول‪" :‬و َّ‬
‫كانت بالفعل أولى‪ ،‬ألنها ّإنما بنيت لما مضى منه ولما لم يأت‪ ،‬تقول‪ِ :‬ج ْئت وَذ َه ْبت؛‬
‫أن هذا فيما مضى من الدهر‪ ،‬وإذا قلت سأَ ِجيء‪ ،‬وسأَ ْذ َه ْب؛ علِ َم أنه فيما يستقبل‬
‫فيعْل َم َّ‬
‫من الدهر" (‪.)3‬‬
‫أما ابن األنباري فقد عّلل سبب وجود ثالثة أفعال بثالثة أزمنة بقوله "وإن قال قائل لِ َم‬
‫وّ‬
‫كانت األفعال ثالثة ماض وحاضر ومستقبل؟‪ ،‬قيل ألن األزمنة ثالثة‪ ،‬ولما كانت ثالثة‬
‫(‪)4‬‬
‫وجب أن تكون األفعال ثالثة ماض وحاضر ومستقبل"‬

‫‪‌-‌1‬المقتضب‪‌:‬المبرد‪‌.214‌/3‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬الكتاب‪‌:‬سيبويه‪‌.35‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المقتضب‪‌:‬المبرد‪‌.176‌/3‌،‬‬
‫‪‌-‌4‬أسرار العر ّبية‪ :‬أبو البركات عبد الرحمن بن محمد أبي سعيد األنباري‪ ،‬تح‪ .‬محمد بهجة البيطار‪ ،‬مطبوعات المجمع العلمي بدمشق‪،‬‬
‫دمشق‪ -‬سوريا ‪1957‬م‪‌.‬ص‪‌.124‬‬

‫‪10‬‬
‫الزمان في‬
‫السراج مع ّقباً على تعريفه للفعل‪ ،‬ومعّلالً سبب استخدامه لكلمة ّ‬
‫ثم يتابع ابن ّ‬
‫َّ‬
‫لنفرق بينه وبين االسم الذي ُّ‬
‫يدل على معنى فقط‪.‬‬ ‫تعرفه للفعل‪ ،‬يقول‪ " :‬وقلنا‪(( :‬زمان)) ّ‬
‫الزمان‪،‬‬ ‫يدل على َّ‬
‫أن الصالة كانت فيما مضى من ّ‬ ‫فالماضي كقولك‪( :‬صّلى زيد) ُّ‬
‫يدل على الصالة وعلى الوقت الحاضر[‪ ]...‬واالسم‬
‫والحاضر نحو قولك‪( :‬يصّلي) ُّ‬
‫مجرد من هذه األحداث واألفعال‪،‬‬
‫مجرد من هذه األوقات أو لوقت ّ‬
‫ّإنما هو لمعنى ّ‬
‫ظ ّن والعلم‬ ‫النحويون المصادر‪ ،‬نحو األكل و ّ‬
‫الضرب وال ّ‬ ‫يسميها ّ‬
‫وأعني باألحداث التي ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الشكر"‬
‫و ّ‬
‫الزمن للتفريق بين‬
‫الزمن من جهة ويستخدم ّ‬
‫السراج هنا ينفي داللة االسم على ّ‬
‫فابن ّ‬
‫تدل على األزمنة الثالثة‪،‬‬
‫االسم والفعل من جهة أخرى‪ ،‬فاألفعال بصيغها المختلفة ُّ‬
‫دل االسم على وقت من‬
‫إن ّ‬
‫الزمن‪ ،‬و ْ‬
‫مجرداً من ّ‬
‫يدل االسم إال على المعنى ّ‬
‫بينما ال ُّ‬
‫الداللة على الحدث الذي قصد به المصادر‪.‬‬ ‫األوقات فيكون هذا الوقت ّ‬
‫مجرداً من ّ‬
‫الزمان‪ ،‬يقول‪ " :‬الفعل‬
‫عرف الفعل بداللته على ّ‬
‫الداللة نفسها عند الكسائي الذي ّ‬
‫ورأينا ّ‬
‫دل على زمان" (‪.)2‬‬
‫ما َّ‬
‫النحويين واألصوليين‬ ‫ّإال َّ‬
‫أن هذه النظرة لم تكن ثابتة أو واحدة‪ ،‬فقد ظهر اختالف بين ّ‬
‫الزمن فصالً‬
‫الداللة على ّ‬
‫النحويين جعلوا ّ‬
‫إن ّ‬‫الزمن من عدمها‪ ،‬إذ َّ‬
‫في داللة الفعل على ّ‬
‫مقوماً لحقيقة‬
‫الزمن فصالً ّ‬‫الداللة على ّ‬
‫مقوماً لحقيقة الفعل‪ ،‬وبالمقابل جعلوا عدم ّ‬
‫أما‬
‫الزمن من عدمها في تعريفهم للفعل واالسم‪َّ ،‬‬
‫الداللة على ّ‬
‫االسم‪ ،‬لذلك أدخلوا ّ‬
‫منية فقد اتّجهوا في تعريفهم نحو انتسابه‬ ‫األصوليون فألنهم أنكروا داللة الفعل ّ‬
‫الز ّ‬
‫المسمى)‪ ،‬فالفعل‬
‫ّ‬ ‫بالزمن‪ ،‬فكان تعريفهم له ّأنه‪( :‬ما أنبأ عن حركة‬
‫للحدث ال اقترانه ّ‬
‫المسمى‪ ،‬وهذا اإلنباء ناشئ من صيغة الفعل‬
‫ّ‬ ‫عندهم كلمة تنبئ عن حركة صادرة عن‬
‫(‪)3‬‬
‫المسمى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ففعلية الفعل إذن وليدة صيغه(فعل – يفعل) المنبئة عن حركة‬
‫ال من مادته‪ّ ،‬‬
‫ويستعرض الدكتور مهدي المخزومي تعريف الفعل عند عدد من شيوخ النحو مثل‪:‬‬
‫ثم يصل إلى نتيجة مفادها َّ‬
‫أن تعريف‬ ‫سيبويه والزجاجي وابن الحاجب والزمخشري‪َّ ،‬‬

‫‪‌-‌1‬األصول‪‌:‬ابن‌السراج‪‌.39-38‌/‌1‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬الصاحبي‌في‌فقه‌اللغة‌العربيّة‌‌ومسائلها‌وسنن‌العرب‌في‌كالمها‪‌:‬اإلمام‌العالمة‌أبي‌الحسين‌أحمد‌بن‌فارس‌بن‌زكريا=‌ابن‌فارس‌‬
‫(ت‌‪‌395‬هـ)‪‌،‬علّ‌ق‌عليه‌ووضع‌حواشيه‌أحمد‌حسن‌بسج‪‌،‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪‌،‬ط‪1997‌،1‬م‪‌،‬ص‪.50‬‬
‫‪‌-‌3‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬دار‌الهجرة‪‌،‬ط‪‌،2‬قُ ْم‌–‌إيران‪1405‌،‬هـ‪‌،‬ص‌‪‌.146-145‬‬

‫‪11‬‬
‫تدل على األحداث مقترنة‬ ‫الفعل عند هؤالء النحاة يمكن تلخيصه في َّ‬
‫أن "األفعال أبنية ُّ‬
‫بالزمان‪ ،‬وهو صحيح إذا أ ِخ َذت المرحلة التّطورّية األخيرة للفعل بنظر االعتبار‪ ،‬المرحلة‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫األولون في استنباط األصول والقواعد"‬‫التي استند إليها الدارسون ّ‬
‫النحاة‪ " :‬بعد أن انتهوا من تقسيم الفعل على مثال الزمان لم‬
‫أن ّ‬‫ويعتقد المخزومي َّ‬
‫خصوا الفعل الماضي وأطلقوا‬
‫ينجحوا في تطبيق أقسام الفعل على أقسام الزمان‪ ،‬فقد ّ‬
‫المضارع للحال واالستقبال جميعاً‪ ،‬فلم يكن تقسيم الفعل بعدئذ جارياً على تقسم الزمان‪،‬‬
‫يدل عليه‪،‬‬ ‫ألن المفترض أن يكون ّ‬
‫لكل قسم من أقسام الزمان قسم من أقسام الفعل ُّ‬ ‫َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو ما لم ينجحوا في تطبيقه‪".‬‬
‫النحويين القدماء بالفعل اقتراناً وثيقاً إذ اعتمدوا‬
‫الزمان عند ّ‬ ‫إذاً فقد اقترن ّ‬
‫الزمن أو ّ‬
‫بالصيغة‬
‫الزمن في تقسيماتهم المختلفة للفعل انطالقاً من زمنه الذي قرنوه أيضاً ّ‬
‫على ّ‬
‫نحوي وثقافته‪ ،‬إال َّ‬
‫أن أكثرهم قالوا‬ ‫ّ‬ ‫كل‬
‫رفية للفعل‪ ،‬فتعددت التقسيمات تبعاً لنظرة ّ‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫بانقسام الفعل إلى ماض ومستقبل وكان اختالف الكثير منهم حول زمن الحاضر من‬
‫حيث وجوده أو عدمه‪ ،‬وذلك ألنه يصبح ماضياً لحظة النطق به‪ ،‬ويضمه بعضهم‬
‫الزمن فيصالً‬
‫النحويين المعاصرين على اعتماد ّ‬
‫اآلخر إلى المستقبل‪ ،‬وقد عّلق بعض ّ‬
‫توهم بعض‬
‫الزمن ال تقتصر على الفعل كما ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫أن ّ‬‫بين الفعل واالسم‪ ،‬وذلك َّ‬
‫الداللة‬
‫القدماء‪ ،‬فالسم الفاعل أو المفعول مثالً داللة زمنية‪ ،‬إذ انتبه بعض القدماء إلى ّ‬
‫منية السم الفاعل ‪ ،‬وهو ما كان يعرف عندهم بالفعل الدائم‪ ،‬أو اسم الفاعل الناصب‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن والمعنى‪ ،‬وذلك‬
‫لمفعوله‪ ،‬أو اسم الفاعل العامل‪ ،‬فهو يماثل الفعل المضارع في ّ‬
‫ضارب زيداً غداً‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عبر عنه سيبويه بقوله‪ " :‬وذلك قولك‪ :‬هذا‬
‫إذا كان منوناً‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫فمعناه وعمله مثل هذا يضرب زيداً [غداً][‪ ]...‬فهذا جرى مجرى الفعل المضارع في‬
‫الزمن الماضي‬
‫يدل على ّ‬ ‫منوناً‪ ،)3( " .‬وكذلك َّ‬
‫فإن اسم الفاعل يمكن أن ُّ‬ ‫العمل والمعنى ّ‬
‫إذا جاء مضافاً (غير منون) كقولنا‪ :‬هذا ضارب زيد‪ ،‬والمعنى ّأنه حدث ّ‬
‫الضرب قد‬
‫ضرب زيداً؟ وسنأتي‬ ‫تم واكتمل فترانا نشير إلى من قام بالفعل في جو ِ‬
‫اب لسؤال‪َ :‬م ْن‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫الشواهد فيما يأتي من خالل هذا البحث‪.‬‬
‫على ذكر ّ‬

‫‪‌-‌1‬في‌النّحو‌العرب ّ‌‬
‫ي‌نقد‌وتوجيه‪‌:‬مهدي‌المخزومي‪‌،‬دار‌الرائد‌العربي‪‌،‬ط‪‌،2‬بيروت‌–‌لبنان‪1986‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.102‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌،‬ص‌‪147-146‬‬
‫‪‌-‌3‬الكتاب‪‌:‬سيبويه‪‌.164‌/‌1‌،‬‬

‫‪12‬‬
‫واإلشارة ‪-‬في قول سيبويه‪ -‬إلى عمل اسم الفاعل عمل المضارع ال تقتصر على العمل‬
‫منية المستنبطة من الجملة التي أوردها سيبويه‪( :‬هذا‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫والمعنى فقط‪ ،‬إذ نلمح ّ‬
‫أن اقتصار‬‫الداللة على زمن المضارع أو المستقبل‪ ،‬وبهذا نجد َّ‬
‫ضارب زيداً غداً) وهو ّ‬
‫ٌ‬
‫منية على الفعل وحده قد يكون غير صحيح‪ ،‬وهذا ما يمكن فهمه من داللة‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫الزمن‪ ،‬بما أ ّكده سيبويه وغيره‪ ،‬فنجد –مثالً‪َّ -‬‬
‫أن ابن يعيش ّ‬ ‫اسم الفاعل على ّ‬
‫منية للمصدر من خالل داللته على‬ ‫الز ّ‬ ‫مفصل الزمخشر ّي ّ‬
‫بالداللة ّ‬ ‫صرح في شرح ّ‬ ‫قد ّ‬
‫يدل على زمان إ ْذ الحدث ال يكون‬ ‫المصدر ُّ‬
‫َ‬ ‫بالزمن يقول‪َّ " :‬‬
‫إن‬ ‫الحدث بالتالي اقترانه ّ‬
‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫من على الفعل‬ ‫ّإال في زمان " ‪ ،‬فهذه إشارةٌ أخرى على عدم اقتصار ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫لتعد ِد‬
‫الزمن مقارنة بغيره‪ ،‬وذلك نظ اًر ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوِة‬
‫الداللة على ّ‬‫الفعل ووضوحه في ّ‬ ‫غم ّ‬
‫وحده‪ ،‬ر َ‬
‫السياق‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أكثر من زمن بحسب داللة ّ‬ ‫الصيغة الواحدة على َ‬ ‫صيغه وداللة ّ‬
‫مهماً في تحوير‬‫تؤدي دو اًر ّ‬
‫السوابق واللواحق‪ ،‬التي ّ‬ ‫للزيادات و ّ‬
‫مرونة الفعل وقبوله ّ‬
‫منية‪.‬‬
‫الز ّ‬‫الداللة ّ‬‫ّ‬
‫للزمن وفقاً لرؤية الحكماء والمتكّلمين‪،‬‬ ‫الشريف الجرجاني(ت‪816‬هـ)‪ ،‬تعريفاً ّ‬ ‫يقدم َّ‬
‫و ّ‬
‫وعند المتكّل ِمين‪ ،‬عبارةٌ عن‬ ‫ِ‬
‫الحكماء‪،‬‬ ‫عند‬ ‫ِ‬
‫حركة الف ِ‬
‫لك األَ ِ‬
‫َ‬ ‫طلس َ‬ ‫فيقول‪" :‬هو مقدار‬
‫ع‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪ ،‬و َّ‬ ‫متجدد معلوم ي َّ ِ‬
‫إن طلو َ‬ ‫ع‬
‫آتيك طلو َ‬
‫تجدٌد آخر َموهوم‪ ،‬كما يَقال‪َ :‬‬ ‫قدر به م ّ‬ ‫ّ َ‬
‫بهام" (‪،)2‬‬ ‫مس معلوم‪ ،‬ومجيئه موهوم فإذا ق ِرَن ذلك الموهوم بذلك المعلوم ز ِ‬ ‫الش ِ‬‫َّ‬
‫ال اإل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫الرؤيتين‬
‫فلسفية‪ ،‬وكلتا ّ‬
‫ّ‬ ‫يائية‪ ،‬واألخرى‬
‫للزمن إحداهما فيز ّ‬ ‫فنرى في هذا التعريف رؤيتَين ّ‬
‫النظر عن طبيعة هذه الحركة وعالقتها بالوسط المحيط‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بصرف ّ‬ ‫الزمن‪،‬‬
‫حركية ّ‬ ‫تؤّكد‬
‫ّ‬
‫بالزمن‪.‬‬
‫بكل ما له عالقة ّ‬‫وأثر هذه الحركة ّ‬
‫للزمن واهتماماً أكثر‬ ‫أما عند الم ْح َدِثين من علماء النحو فنجد رؤية أكثر تحديداً ّ‬ ‫َّ‬
‫الزمن وتشعباته وتأثيراته المختلفة في األداء الخطابي والكالمي والتّواصلي‬ ‫بموضوع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للنص العربي وهذا ما سنستعرضه ونوضحه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تقدمه التّراكيب داخل‬‫النحوي بقوله‪ " :‬هو الذي ّ‬ ‫الزمن ّ‬
‫عرف عبد القادر عبد الجليل ّ‬ ‫فقد ّ‬
‫ياقية‬
‫الس ّ‬‫وكل القرائن ّ‬
‫األفعال واألدوات واألسماء‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫تضم‬
‫النصوص‪ ،‬وسياقاتها التي ُّ‬
‫دائرة ّ‬

‫‪‌-‌1‬شرح‌المفصل‌للزمخشري‪‌:‬للشيخ‌العالمة‌موفق‌الدين‌يعيش‌بن‌علي‌بن‌يعيش‌النّحوي=‌ابن‌يعيش‌‌(ت‌‪643‬هـ)‌‪‌،‬صحح‌وعلق‌عليه‌‬
‫حواشي‌نفيسة‪‌،‬ج‪‌،7‬إدارة‌المطبعة‌المنيرية‪‌،‬مصر‪(‌،‬د‪.‬ت)‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.2‬‬
‫‪‌-‌2‬معجم‌التّعريفات‪‌:‬الشريف‌الجرجاني‌‌(ت‪816‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬محمد‌صدّيق‌المشاوي‪‌،‬دار‌الفضيلة‪‌،‬القاهرة‌–‌‌مصر‪2004‌،‬م‪‌،‬ص‪‌ ‌.99‬‬

‫‪13‬‬
‫السياق" (‪ )1‬فهذه إّشارةٌ جديدة على‬
‫داخل ّ‬
‫َ‬ ‫وصف إال‬ ‫الم ِنت َجة للتّراكيب‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الزمن ال ي َ‬
‫ص‪،‬‬‫الن ّ‬
‫ياقية المختلفة داخل ّ‬
‫الس ّ‬ ‫النحوي ارتباطاً شديداً ّ‬
‫بالسياق والعالقات ّ‬ ‫الزمن ّ‬‫ارتباط ّ‬
‫النحوي‪.‬‬
‫الزمن ّ‬
‫لتنتج ّ‬
‫يدل‬
‫عامة وشامل ًة‪ ،‬فقد انتبهوا إلى ما ُّ‬
‫النحاة األوائل للزمن كانت ّ‬ ‫وهكذا نرى ّ‬
‫أن نظرة ّ‬
‫يتطرقوا إلى‬
‫أن ّ‬ ‫الزمن ‪-‬كالفعل بصيغه المختلفة أو المشتقات والمصادر‪ -‬دون ْ‬ ‫على ّ‬
‫النحوي بصورة مباشرة‪ ،‬كما ْلم يفردوا له فصوالً أو أبواباً في كتبهم‬
‫الزمن ّ‬
‫كيفية إنتاج ّ‬
‫ّ‬
‫يدل‬
‫أن ُّ‬‫الزمن والعالقات المؤثرة فيه أو الجهات المتنوعة التي يمكن ْ‬‫يتحدثون فيها عن ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي لها‪،‬‬
‫الزمن ّ‬
‫للصيغة و ّ‬
‫رفي ّ‬ ‫الزمن الص‬
‫قم فرقاً بين ّ‬ ‫بل َّ‬
‫إن أغلبهم لم ي ْ‬ ‫عليها‪ ،‬ال ْ‬
‫ّ ّ‬
‫توسعوا في هذا المجال حتى زادوا وأسهبوا في األنواع‬ ‫ِ‬
‫على عكس أكثر الم ْح َدثين الذين ّ‬
‫الصحة ومنها ما‬
‫يعبر عنها‪ ،‬فكان في بعضها الكثير من ّ‬ ‫منية أو ما ّ‬
‫الز ّ‬
‫واألصناف ّ‬
‫ابتعد عنها‪ ،‬وليس لنا في ذلك إال الرأي والحكم الذي قد يصيب‬
‫َ‬ ‫يالمسها‪ ،‬ومنها ما‬
‫السابق والالحق‪.‬‬
‫السداد في ّ‬
‫وقد َيخيب‪ ،‬نسأل هللا ّ‬

‫سانيات لغة واصطالحاً‪:‬‬


‫‪ .2‬الّل ّ‬
‫لسن‪ ،‬يقول ابن منظور‬
‫سانيات من اللسان‪ ،‬وهي من مادة َ‬ ‫سانيات لغةً‪ :‬الّل ّ‬
‫أ‪-‬الّل ّ‬
‫كنى بها عن الكلمة‪،‬‬
‫لسن‪ :‬اللسان‪ :‬جارحة الكالم‪ ،‬وقد ي ّ‬
‫في لسان العرب‪َ " :‬‬
‫فيؤنث حينئذ‪ ،‬وقال األعشى باهلة‪:‬‬ ‫ّ‬
‫لسان ال أ َس ُّر بها‬
‫ّإني أتَ ْتني ٌ‬
‫من َعْل َو‪ ،‬ال َع َج ٌب منها وال َس َخر‬
‫قال‪ :‬وقد ي َذ ّكر على معنى الكالم‪ ،‬قال الحطيئة‪:‬‬
‫فات ِمّني‬ ‫ِ‬
‫َند ْمت على لسان َ‬
‫فليت بأَّنه في ج ِ‬
‫وف َعك ِم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وشاهد أ ِ‬
‫َلسنة الجمع فيمن َذ ّك َر‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬

‫ي‌للفعل‌الماضي‪‌:‬أ‪‌.‬البشير‌جلول‪‌،‬مجلّة‌ال َم ْخ َبر‪‌،‬العدد‌‪‌،6‬جامعة‌محمد‌خيضر‪‌،‬بسكرة‌–‌الجزائر‪2011،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.3‬‬ ‫ّ‬


‫ل‌الزمن ّ‬ ‫التحو‬
‫‪ّ ‌-‌1‬‬

‫‪14‬‬
‫‪َ ‬وٱخِتَلف أَل ِسَنِتكم وال َوِنكم ‪( ‬الروم‌﴿‪ ،)﴾21‬وشاهد أَْلسن الجمع فيمن أَّن َث قول العجاج‪:‬‬
‫حجا[‪]...‬‬
‫أو تلحج األلسن فينا مْل َ‬
‫بلسان ِ‬
‫قومه" (‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫فالن يتكّلم‬ ‫ِ‬
‫باللسان اللغة أّنثت‪ ،‬يقال‪ٌ :‬‬ ‫أردت‬
‫وإن َ‬
‫إذاً فلفظ (لسان) يقابل لفظة لغة أو كالم‪ ،‬والجمع ألسنة‪ ،‬والنسبة إلى لسان لساني‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتجمع هذه النسبة باأللف والتاء فتصبح لسانيات‪.‬‬
‫عرف دي سوسير‬ ‫أما من حيث االصطالح فقد ّ‬ ‫سانيات اصطالحاً‪ّ :‬‬
‫ب‪-‬الّل ّ‬
‫تتكون بادئ األمر من جميع مظاهر‬‫سانيات ّ‬
‫إن مادة الّل ّ‬
‫سانيات بقوله‪ّ " :‬‬
‫الّل ّ‬
‫البدائية أم الحضارّية بالحقب‬
‫ّ‬ ‫اللسان البشري سواء تعّلق األمر بالشعوب‬
‫كل عصر من هذه العصور ليس‬ ‫القديمة أم بحقب االنحطاط والمعتبر في ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الصحيح والكالم األدبي فقط‪ ،‬ولكن جميع أشكال التّعبير مجتمعة"‬ ‫ّ‬
‫سانيات أو علم اللغة أو العلم الذي يدرس اللغات وطبيعة الكالم وعالقات‬
‫فالّل ّ‬
‫المتكّلمين وغيرها من العوامل التي تؤثّر في اللغة أو الكالم‪.‬‬
‫سانيات في الغرب (‪:)3‬‬
‫أبرز أعالم الّل ّ‬
‫ولعل َ‬‫َّ‬
‫‪ -‬نوام تشومسكي‪ :‬لساني أمريكي ‪ ،‬يهودي األصل‪ ،‬من مواليد ديسمبر عام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الرياضيات والفلسفة‪،‬‬
‫سانيات و ّ‬
‫‪ 1928‬وتلّقى دراسته في بنسلفانيا‪ ،‬وهناك درس الّل ّ‬
‫وقد حصل فيها على درجة الدكتوراه عام ‪ 1955‬بالرغم من َّأنه قام بمعظم‬
‫سانية عقب انتسابه إلى جمعية الرفاق بجامعة " هارفرد " وكان ذلك‬
‫أبحاثه الّل ّ‬
‫في الفترة الممتدة بين ‪1950‬و‪ 1955‬وبعد ذلك عّي َن بمعهد مساشوسيت‪،‬‬
‫لغوية‬
‫لغوية وغير ّ‬ ‫علمية ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمعيات‬
‫ّ‬ ‫عدة‬
‫باإلضافة إلى ذلك فهو عضو في ّ‬
‫يكية للفنون والعلوم إضافة‬
‫األكاديمية األمر ّ‬
‫ّ‬ ‫للتقدم العلمي ‪ ،‬و‬
‫يكية ّ‬‫كالجمعية األمر ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أكاديميات أخرى عديدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جمعيات و‬
‫ّ‬ ‫إلى‬
‫‪ -‬فرديناند دي سوسير (‪ :)1913-1857‬لساني سويسر ّي‪ ،‬ي ُّ‬
‫عد أب األلسنية‬
‫ّ‬
‫أن اللغة جزء من‬ ‫وية الحديثة‪ ،‬ورائد السيميولوجيا الفرنسية‪ ،‬يرى َّ‬ ‫البني ّ‬

‫‪‌-‌1‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‪‌،‬ج‪‌/13‬مادة‌(لَ َ‬
‫سنَ )‪‌.‬‬
‫‪‌-‌2‬علم‌اللغة‌العام‪‌:‬فرديناد‌دي‌سوسير‪‌،‬ترجمة‪‌:‬يوؤيل‌يوسف‌عزيز‪‌،‬دار‌آفاق‌عربية‪‌،‬ط‪‌،3‬بغداد‌–‌العراق‪1985‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.13‬‬
‫‪‌ -3‬أعالم‌اللسانيين ‌المعاصرين‪‌:‬بوعالم‌ ‌محمد‪‌،‬موقع‌مرسى‌الباحثين ‌العرب‪https://al-marsa.ahlamontada.net/t7432-،‬‬
‫‪2021/03‌/12‌،topic‬م‪‌.‬‬

‫‪15‬‬
‫نسب إليه كتاب (محاضرات في األلسنية العامة) الذي جمعه‬‫السيميولوجيا‪ ،‬ي َ‬
‫ونشره تالمذته عام ‪ 1916‬بعد وفاته‪.‬‬

‫‪ -‬روالن بارت )‪ :(1980-1915‬ناقد فرنسي معاصر‪ ،‬يعد َ‬


‫أب النقد البنيوي‪،‬‬
‫السيميولوجيا هي‬ ‫وقد انعطف منه إلى النقد السيميائي‪ ،‬فالنقد الحر‪ ،‬يرى َّ‬
‫أن ّ‬
‫سانيات‪ ،‬وضع أكثر من عشرين كتاباً‪ ،‬منها‪ :‬أساطير (‪،)1957‬‬
‫جزء من الّل ّ‬
‫عناصر السيميولوجيا (‪ ،)1964‬نظام الموضة (‪ ،)1967‬لذة النص روالن‬
‫بارت بقلمه‪.‬‬
‫‪ -‬رومان جاكبسون)‪ :(1981-1896‬ولد "جاكبسون "بموسكو عام ‪ 1896‬من‬
‫عائلة يهودية روسية برجوازية ‪ ،‬تمتّع والده بثقافة متنوعة‪ ،‬مما انعكس على‬

‫شخصية جاكبسون‪ ،‬فقد كان مولعا بالمطالعة منذ الصغر‪ ،‬فأتقن اللغة الفر ّ‬
‫نسية‬
‫الالتينية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األلمانية و‬
‫ّ‬ ‫‪،‬وتعّلم‬
‫تميز في‬
‫لسانيات فرنسي األصل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬إميل بنفينست (‪ :)1976 -1902‬عالم‬
‫العامة‪ ،‬قام‬
‫ّ‬ ‫سانيات‬
‫أوروبية وبرع في الّل ّ‬
‫ّ‬ ‫سبية للغات الهند‬
‫الن ّ‬‫مجال القواعد ّ‬
‫بتدريس النحو المقارن في كوليج دي فرانس منذ ‪ ،1937‬أسهم في بناء التّيار‬
‫نسية‪ ،‬من مؤّلفاته‪ :‬سيميولوجيا اللغة‬
‫البنيوية الفر ّ‬
‫ّ‬ ‫سانيات‬
‫الوظيفي في الّل ّ‬
‫سانيات العامة‪.‬‬
‫(‪ ،)1961‬ومشكالت الّل ّ‬
‫سانيات والّنحو العربي‪:‬‬
‫‪ .3‬العالقة بين علم الّل ّ‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية تشترك ببعض الخصائص‪ ،‬وتختلف ببعضها اآلخر‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫إن الّلغات‬
‫ّ‬
‫النحو العربي يتّصل‬
‫كل لغة من الّلغات‪ ،‬وهذا ما يجعل ّ‬
‫خصوصية ّ‬
‫ّ‬ ‫نابع من‬
‫االختالف ٌ‬
‫ّ‬
‫النحو العربي في ضوء‬‫عد كتاب "نظرية ّ‬ ‫سانيات الحديثة‪ ،‬وي ّ‬
‫تعددة مع الّل ّ‬
‫بعالقات م ّ‬
‫ّ‬
‫اللغوي الحديث" لنهاد الموسى(‪ )1‬من أهم الكتب التي تناولت هذا المنحى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫النظر‬
‫مناهج ّ‬
‫النظر اللغوي على اختالف‬
‫أن ثمة قد اًر مشتركاً بين مناهج ّ‬
‫وقد انطلق من فكرة مفادها ّ‬
‫وبناء عليه يجد َّ‬
‫أن ثم َة تشابكاً‬ ‫الزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬واللغات اإلنسانية في العالم‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫بي‪ ،‬وهذا أمر متبادل بينهما‪ ،‬ويظهر هذا في ّ‬‫النحو العر‬
‫سانيات الحديثة و ّ‬
‫بين الّل ّ‬
‫ّ‬

‫ي ‌في‌ضوء‌مناهج‌النّ‌ظر ‌اللغو ّ‌‬


‫ي ‌الحديث‪‌:‬نهاد‌الموسى‪‌،‬دار‌البشير‌للثقافة‌والعلوم‪‌،‬ع ّمان ‌– ‌األردن‪‌،‬‬ ‫‪-‌ 1‬يُن َ‬
‫ظر‪‌ :‬نظريّ‌ة ‌النّحو‌العرب ّ‌‬
‫‪1987‬م‪‌،‬ص‌‪‌.78-76‬‬

‫‪16‬‬
‫النحو‬
‫سانيات تتفق في بعض أفكارها مع ّ‬
‫حويلي عند تشومسكي في الّل ّ‬ ‫النحو التّ‬
‫نظرية ّ‬
‫ّ‬
‫بي‪ ،‬وقد يكون هذا األمر بسبب وجود قضايا مشتركة بين اللغات جميعها‪ ،‬أو ّ‬
‫أن‬
‫ّ‬
‫العر‬
‫طلعوا على المنجزات اللغوية العر ّبية وأفادوا منها‪ ،‬وكذلك يمكن االستفادة من‬ ‫الغربيين ا ّ‬
‫النحو العربي في إطار جديد‪ ،‬يتقابل فيه القديم العربي‬ ‫سانيات الحديثة في وضع ّ‬ ‫الّل ّ‬
‫ّ‬
‫النحو العربي في مفهوماته‪ ،‬ومنطلقاته‪،‬‬
‫والحديث الغربي‪ ،‬يسعف في تجديد اإلحساس ب ّ‬
‫ّ‬
‫وأبعاده بعد طول إلف به في لغته الخاصة ومصطلحه الخاص‪ ،‬ومنهجه الداخلي(‪.)1‬‬

‫الزمن‪:‬‬
‫‪ .4‬أنواع ّ‬
‫الزمن الجدل بين العلماء والفيزيائيين والفقهاء واللغويين والفالسفة حول‬
‫أثار ّ‬
‫لطالما َ‬
‫منظار خاص‬
‫ٌ‬ ‫لكل جماعة‬
‫كل شيء‪ ،‬وأثر كل شيء فيه‪ ،‬وكان ّ‬ ‫تحديد ماهيته وأثره في ّ‬
‫ينظرون من خالله إلى ّ‬
‫الزمن لشرح مفهومه وآليته وكل ما يتعّلق به‪ ،‬وقد تعددت أنواع‬
‫للزمن من‬
‫وتشعبت تبعاً للجهة وللمنظور الذي يدرس من خالله‪ ،‬فنجد مثالً ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن‬
‫ّ‬
‫الزمن‬
‫الزمن الطبيعي والكرونولوجي‪ّ ،‬‬
‫المنظور الروائي والقصصي أنواعاً كثيرة منها‪ّ :‬‬
‫الزمن النفسي‪ ،‬وغيرها الكثير من التّسميات‬ ‫الزمن األيديولوجي‪ّ ،‬‬
‫التاريخي‪ّ ،‬‬
‫الزمن تحتها (‪.)2‬‬
‫واالصطالحات المختلفة التي يندرج ّ‬
‫الزمني اللغوي والتقسيم‬ ‫المفصل إلى االرتباط بين التقسيم‬ ‫ويشير ابن يعيش في شرح‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫مقومات األفعال‬
‫الزمان من ّ‬ ‫للزمان‪ ،‬و ّ‬
‫لما كانت األفعال مساوقة ّ‬
‫الفلسفي‪ ،‬إذ يقول‪ّ " :‬‬
‫الزمان ثالثة‪ :‬ماض‬‫ولما كان ّ‬
‫الزمان‪ّ ،‬‬‫توجد بوجوده وتنعدم عند عدمه‪ ،‬انقسمت بأقسام ّ‬
‫وحاضر ومستقبل‪ ،‬وذلك من قبل َّ‬
‫أن األزمنة حركات الفلك‪ ،‬فمنها حركة مضت‪ ،‬ومنها‬
‫حركة لم ِ‬
‫تأت بعد‪ ،‬ومنها حركة تفصل بين الماضية واآلتية كانت األفعال كذلك‪ :‬ماض‬
‫أن هذا القول البن يعيش اعتمد في تقسيم األفعال‬
‫الحظ ّ‬
‫ومستقبل وحاضر" ‪ ،‬والم َ‬
‫(‪)3‬‬

‫الزمن الذي يحدث فيه‬ ‫على النظرة الطبيعية‪ ،‬وأطوارها‪ ،‬فرأى َّ‬
‫أن هناك تناسباً بين ّ‬
‫الزمن الذي نعيشه ونعرفه‪ ،‬والمتمّثل بالماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬فكان‬
‫الفعل‪ ،‬و ّ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬مفهوم‌علم‌اللّسانيّات‌‪‌،‬موقع‌سطور ‌‪‌، https://sotor.com/،‬أزهار‌عبد‌الغني‪‌.2021‌/2‌/‌25‌،‬‬


‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬البنية‌الزمنيّة‌في‌األعمال‌القصصية‌الذين‌يأكلون‌الخبز‌ويمشون‌في‌الشارع‪‌:‬أولبصير‌ظريفة‪‌،‬صيّاد‌كنزة‪‌،‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬‬ ‫‪‌ -‌ 2‬‬
‫عموري‌سعيد‪‌،‬مذ ّكرة‌مقدّمة‌الستكمال‌شهادة‌الماجستير‌في‌اللغة‌واألدب‌العربي‪‌،‬جامعة‌بجاية‪‌،‬الجزائر‪2015،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.33-30‬‬
‫صل‪‌:‬ابن‌يعيش‌النّحوي‪‌.4/7‌،‬‬ ‫‪‌-‌3‬شرح‌المف ّ‬

‫‪17‬‬
‫هذا أساساً للتقسيم‪ ،‬واألمر نفسه نجده عند ابن ِجّني بقوله‪ " :‬األفعال ثالثة أضرب‬
‫ِن به الماضي من‬
‫الزمان ماض وحاضر ومستقبل‪ ،‬فالماضي ما قرَ‬ ‫وتنقسم بأقسام ّ‬
‫األزمنة‪ ،)1( ...‬و هذه النظرة في تقسيم األفعال‪ ،‬تبناها عامة القدماء من النحاة منذ‬
‫نفر منها الم ْح َدثون‪ ،‬وزعموا َّ‬
‫أن في ذلك تطويعاً للغة لتتوافق مع‬ ‫سيبويه‪ ،‬وهي نظرة َ‬
‫الفلسفية‪ ،‬ومن أبرز هؤالء الم ْح َدِثين كان الدكتور مهدي المخزومي‪ ،‬الذي يرى‬
‫ّ‬ ‫المبادئ‬
‫ّ‬
‫كل قسم منها بقسم من‬ ‫أن‪ " :‬تقسيم النحاة الفعل على أساس حركات الفلك بتخصيص ّ‬ ‫َّ‬
‫الزمان جعلهم يواجهون صعوبات كثيرة في تفسير استعماالت الفعل غير ما‬ ‫أقسام ّ‬
‫معين‪ ،‬كاستعمال المضارع بمعنى الماضي بعد (لم)‬ ‫ّ‬ ‫خصوه به من زمان‬ ‫ّ‬
‫فالزمان في األفعال‬
‫و(لما)[‪]...‬واستعمال الماضي في المستقبل بعد (إذا) مثالً[‪ّ ]...‬‬
‫ّ‬
‫نحوي وظيفته‬
‫ّ‬ ‫الزمان فيها زمان‬ ‫َّ‬
‫ولكن ّ‬ ‫مقوماته‪،‬‬
‫الزمان من ّ‬
‫ملحوظ‪ ،‬وداللتها على ّ‬
‫الداللة على حركات الفلك من مضي وحضور واستقبال‪،‬‬
‫التفريق بين أبنية األفعال‪ ،‬ال ّ‬
‫ثم شرعوا بمالحظة‬‫قسموا األفعال بحسب ما لها من صيغ أو أبنية‪َّ ،‬‬
‫النحاة قد ّ‬
‫ولو كان ّ‬
‫الزمان من خالل االستعماالت المختلفة لكان البحث أجدى على العر ّبية‬
‫داللتها على ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ولكان وصفاً لما هو كائن‪ ،‬ال توجيهاً إلى ما ينبغي أن يكون عقالً ومنطقاً"‪.‬‬
‫الزمن‪ ،‬واتجهوا في‬ ‫أن هناك من اللغويين المعاصرين من أنكر داللة الفعل على ّ‬ ‫ّإال َّ‬
‫بالزمن‪ ،‬فقالوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫تعريفهم للفعل وجه َة ِ‬
‫بأنه‪ " :‬ما أنبأ عن حركة‬ ‫الحدث دون اقترانه ّ‬ ‫نسبة‬
‫سمى‪،‬‬
‫فإن الفعل (سكن) مبني على حركة الم َّ‬ ‫وبناء على هذا التعريف َّ‬
‫ً‬ ‫المسمى"(‪،)3‬‬
‫ّ‬
‫والمقصود بهذه الحركة هو السكون‪ ،‬من كونه غير مرتبط بها‪ ،‬كما َّ‬
‫أن ذلك التعريف‬
‫يفيد َّ‬
‫بأن مدلول الفعل (قام) هو حركة الفعل اللغوي (القيام) من عدم التعّلق بالفاعل‬
‫الداللة المذكورة تستند إلى صيغة الفعل ال‬
‫أن ّ‬‫إلى التعّلق به‪ ،‬ويبدو من تعريفهم هذا‪َّ ،‬‬
‫كون بصفته كالماً من األصوات التي تكون مادته‬ ‫مادته‪َّ ،‬‬
‫ألن أي فعل من األفعال يت َّ‬
‫تدل مجتمعة – قبل دخول الحركات‬
‫األصلية‪ ،‬وهذه المادة األصلية مثل (ك‪ ،‬ت‪ ،‬ب) ُّ‬
‫– على مفهوم الحدث (الكتابة)‪ ،‬وصدوره عن فاعل (الكاتب)‪ ،‬وعلى هذا يكون‬
‫أن َل ْم َيكن‬
‫بعد ْ‬
‫المسمى هو انبعاث الحدث وتحققه من الفاعل َ‬
‫ّ‬ ‫المقصود من حركة‬

‫ابن‌جنّي‌‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬سميح‌أبو‌ ُمغلي‪‌،‬دار‌مجدالوي‌للنشر‪‌،‬عمان‪1988‌،‬م‪‌،‬ص‌‪28‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬اللمع‌في‌العربيّة‪‌:‬‬
‫ي‪‌،‬ص‌‪‌.114‬‬
‫ي‌نقد‌وتوجيه‪‌:‬د‪‌.‬مهدي‌المخزوم ّ‬ ‫‪‌-‌2‬في‌النّحو‌العرب ّ‌‬
‫‪‌-‌3‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.145‬‬

‫‪18‬‬
‫سمى هو الفاعل‪ ،‬والفعل ينِبئ عن‬ ‫متحّققاً وال صاد اًر عنه‪ ،‬وذهب َبعضهم إلى َّ‬
‫أن الم َّ‬
‫سمى َّ‬
‫بأنها‬ ‫لغويون آخرون حركة الم ّ‬
‫وفسر ّ‬ ‫تحرك الحدث‪ّ ،‬‬ ‫حركة الفاعل‪ ،‬وال ينِبئ عن ّ‬
‫بالمفهومية إلى‬
‫ّ‬ ‫قابلية االستقالل‬
‫الصيغة من ّ‬ ‫حركة مادة الفعل وخروجها بواسطة ّ‬
‫بالمفهومية (‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫االستقالل الفعلي‬
‫ّ‬
‫يسمى ب ـ (زمن اإلطار)‪ ،‬إذ يالحظ َّأنه في الجملة اآلتية‪ :‬ز ٌيد‬‫ويشرح يسبرسن ما ّ‬
‫ؤطر‬ ‫الزمن الم َّ‬
‫طر شيئاً آخر‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫أن الصيد ي َع ُّد نوعاً من اإلطار الذي يؤ ّ‬‫يصيد)‪َّ ،‬‬
‫درج في داخل‬
‫الزمن من جهة التّ ُّ‬
‫هو ما أطلق عليه اسم (زمن التصريح)‪ ،‬ويوضع هذا ّ‬
‫طر زمن التصريح‪ ،‬بالتالي فزمن الحدث‬‫زمن الحدث‪ ،‬وبذلك يكون زمن الحدث يؤ ِّ‬
‫أوسع من زمن التصريح (‪.)2‬‬
‫الزمن اللغوي‪،‬‬ ‫يفرق الدكتور عبد الجبار ّتوامة بين مصطلحي ّ‬
‫الزمن الفلسفي و ّ‬ ‫كما ّ‬
‫عبر عنه‬
‫ياضية‪ ،‬وي َ‬
‫لكمية ر ّ‬ ‫الزمن أو الوقت الفلسفي هو الذي ُّ‬
‫يعد قياساً ّ‬ ‫فيقول‪ّ " :‬‬
‫عبر به عن‬ ‫النحوي الذي ي َ‬
‫الزمن اللغوي هو الوقت ّ‬ ‫بالتقويم واإلخبار عن الساعة‪ ،‬و ّ‬
‫فالداللة‬
‫فلسفية ‪ّ ، ...‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ّ‬ ‫الفعل وصيغه وما شابهه‪ ،‬تعبي اًر ال يستند إلى دالالت زمانية‬
‫وجلية وال تحتاج لفضل شرح وإيضاح‬‫الزمانية التي يقصدها لكال النوعين واضحة ّ‬ ‫ّ‬
‫فهذا ما أشار إليه أغلب من سبقه ومن جاء بعده حول هذا الموضوع‪ ،‬إال َّ‬
‫أن المالحظ‬
‫الزمان فقد جاءا في تعريفه السابق بداللة‬ ‫يفرق في االستخدام بين ّ‬
‫الزمن و ّ‬ ‫هو َّأنه لم ّ‬
‫أن بعض‬ ‫سبق أن أشرنا إليه من َّ‬
‫ومعنى واحد على سمت القدماء‪ ،‬وهذا ما يؤّكد ما َ‬
‫يميز في االستخدام بين اللفظتين رغم جنوحهم إلى التّفريع والتّقسيم في‬ ‫ِ‬
‫الم ْح َدثين لم ّ‬
‫بع‬
‫الجبار ّتوامة‪ ،‬أ ّكده الدكتور زكي حسام الدين‪ ،‬فاتّ َ‬
‫الزمن‪ ،‬وما أشار إليه عبد ّ‬
‫أنواع ّ‬
‫المذهب نفسه في عدم التّفرقة بين لفظتي زمن وزمان في االستخدام‪ ،‬وكذلك أوضح‬
‫للداللة نفسها‪ ،‬فما أسماه‬
‫سم ًى آخر ّ‬‫عبر عن م َّ‬‫ما كان يرمي إليه بهاتين اللفظتين لي ّ‬
‫الزمان الفلسفي‪ ،‬وجدناه عند كريم حسام الدين باسم زمن‬‫بالزمن أو ّ‬
‫امة ّ‬ ‫الجبار تو ّ‬
‫عبد ّ‬
‫عبر عنه باألسماء والتعابير التي تحدد أوقات‬
‫عرفه بقوله هو‪ " :‬الذي ن ّ‬
‫األوقات والذي ّ‬

‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌السّياقي‌في‌التراث‌اللغوي‌العربي‪‌:‬نادية‌قاسم‪‌،‬ص‌‪.104-103‬‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫ي‌لألفعال)‪‌:‬عبد‌المجيد‌جحفة‪‌،‬دار‌توبقال‌للنشر‪‌،‬ط‪‌،1‬الدار‌البيضاء‌–‌المغرب‪‌،‬‬ ‫ّ‬
‫(دراسة‌النسق‌الزمن ّ‬ ‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬داللة‌الزمن‌في‌العربيّة‌‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪2006‬م‪‌،‬ص‌‪220‬‬
‫عبد‌الجبار‌توامة‪‌،‬ص‪‌.1‬‬
‫ّ‬ ‫‌‬‫‪:‬‬‫ّة‬ ‫ي‬‫العرب‬‫زمن‌الفعل‌في‌‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪19‬‬
‫الزمان وتحمل معنى الظرف‪ ،‬والمعنى هنا معجمي‪ )1( ".‬وفي هذا التعريف نلمح التشابه‬
‫ّ‬
‫المعنوي مع تعريف عبد ّ‬
‫الجبار ّتوامة‪ ،‬إضاف ًة إلى التشابه في التنوع في استخدام‬
‫الزمن؛ فزمن األوقات‬
‫لفظتي زمن وزمان‪ ،‬واالختالف الوحيد هو المسمى العام لهذا ّ‬
‫أما الدكتور مالك المطلبي فقد‬
‫الزمان الفلسفي عند توامة ‪َّ ،‬‬
‫عند د‪ .‬حسام الدين قابل ّ‬
‫الزمن الفلسفي عنده هو‪ " :‬النظر داخل الوجود المادي أو خارجه – أعني الوجود‬
‫كان ّ‬
‫محل خالف‪ ،‬فتارةً يكون مثاالً ذهنياً تجريدياً‪،‬‬
‫المتصور – وما دام نظ اًر عقلياً فهو ّ‬
‫وتارةً يكون حقيقة تكاد تقترب من التشخيص وبعبارة أخرى قد يكون وجوداً وقد يكون‬
‫(‪)2‬‬
‫عدماً‪...‬‬
‫للزمن؛ أي من وجهة نظر‬
‫يقدم لنا تعريفاً فلسفياً ّ‬ ‫وبهذا الرأي نرى َّ‬
‫أن الدكتور المطلبي ّ‬
‫حسان وعبد‬
‫تمام ّ‬
‫الزمن الذي رأيناه عند كل من ّ‬ ‫فلسفية بحتة‪ ،‬وليس ذلك النوع من ّ‬
‫ّ‬
‫فالزمن الفلسفي هو‬
‫أما هنا ّ‬
‫عامة ّ‬
‫الزمن بصورة ّ‬ ‫يعبر عن ّ‬
‫الجبار ّتوامة وغيرهما‪ ،‬فهو ّ‬
‫ّ‬
‫أما ما‬
‫الزمن بهذا فالداللتان مختلفتان حتّى و إن اتّفق المصطلح عندهم‪َّ ،‬‬
‫أحد فروع ّ‬
‫الزمن الفلكي إذ يقول‪:‬‬
‫الزمن الفلسفي عند مالك المطلبي فهو مصطلح آخر وهو ّ‬
‫يقابل ّ‬
‫" هو الة قياس اإلنسان األحداث والخبرات – كما َّ‬
‫أن المسطرة آلة قياس المسافة أو‬
‫المكان‪ -‬أو هو ذلك القسم من الوجود الذي يخضع للزمان ويجري فيه كأحداث الطبيعة‬
‫والتاريخ "(‪.)3‬‬

‫وللزمن في اللغة العر ّبية أنواعٌ ودالالت مختلفة بين علم وآخر‪ ،‬وبين مذهب فكر ّي‬
‫ّ‬
‫النظرات المتعّلقة بهذا المصطلح‪ ،‬نشأت تسميات مختلفة و‬
‫لتعدد ّ‬
‫ومذهب آخر‪ ،‬وتبعاً ّ‬
‫الزمان)‪،‬‬
‫(الزمن‪ ،‬و ّ‬
‫تفرعت عنهما أنواع‪ ،‬وهما ّ‬
‫للزمن؛ إذ ظهر لدينا تسميتان ّ‬
‫عدة ّ‬‫أنواع ّ‬
‫الدرس الحديث‪ ،‬فقد كانا مصطلحين لداللة‬
‫المصطلحين يرجع إلى ّ‬
‫َ‬ ‫والفصل بين هذين‬
‫النحويين واللغويين األوائل‪ ،‬فتارةً يستخدمون في شروحاتهم‬‫ومعنى واحد عند ّ‬
‫ً‬
‫(الزمن) وتارةً أخرى لفظة ّ‬
‫(الزمان)‪ ،‬دونما تفريق بين المعنيين في‬ ‫وتفصيالتهم لفظة ّ‬
‫االستخدام كما أسلفنا ال ّذكر‪ ،‬ونرى ذلك ّ‬
‫جلياً عند ابن منظور في لسان العرب في‬

‫الزمان‌الداللي‪‌:‬د‪‌.‬كريم‌زكي‌حسام‌الدين‪‌،‬دار‌كتب‌عربية‪‌،‬القاهرة‌–‌مصر‪‌،‬ط‪2001‌،2‬م‪‌،‬ص‌‪‌.392‬‬ ‫‪ّ ‌-‌1‬‬


‫الزمن‌واللغة‪‌:‬د‪‌.‬مالك‌يوسف‌المطلبي ‌‪‌،‬الهيئة‌المصريّة‌العامة‌للكتاب‪1986‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.10‬‬
‫‪ّ ‌-‌2‬‬
‫‪‌‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌.11-10‬‬

‫‪20‬‬
‫اسم لقليل الوقت وكثيره‪ ]...[،‬والجمع أزمن وأزمان‬‫الزمان ٌ‬
‫الزمن و ّ‬
‫للزمن‪ّ " :‬‬‫تعريفه ّ‬
‫الزمان معروف والجمع أزمنة‬
‫وأزمنة ‪ ، 1 ...‬وجاء أيضاً في جمهرة اللغة البن دريد‪ " :‬و ّ‬
‫()‬

‫الزمان" (‪،)2‬‬
‫الزمن في معنى ّ‬
‫الزمان‪ ،‬فهو مزمن‪ ،‬و ّ‬ ‫وأزمن‪ ،‬وأزمن الشيء إذا أتى عليه ّ‬
‫يدل على استخدام اللفظين بمعنى واحد تارةً للداللة على‬
‫و نجد في هذه األمثلة ما ُّ‬
‫النحوي‪.‬‬
‫في أو ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫الوقتي‪ ،‬وتارةً أخرى للداللة على ّ‬
‫الزمن بمعناه الصر‬
‫ّ‬
‫الزمن الفلكي أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن وفق اعتبارين مختلفين‬ ‫الدرس الحديث فنرى ّ‬
‫أن اللغويين قد نظروا إلى ّ‬ ‫أما في ّ‬‫ّ‬
‫لكل منهما داللة مختلفة عن األخرى‪،‬‬
‫(الزمان)‪ ،‬فكان ّ‬
‫(الزمن) ولفظة ّ‬‫يفصالن بين لفظة ّ‬
‫الدارسون في عددها وتعريفاتها‪ ،‬ومنهم من تبع النحاة‬ ‫فتفرعت عنهما أنواعٌ اجتهد ّ‬
‫القدامى في عدم التفرقة بين هاتين اللفظتين‪ ،‬إال َّ‬
‫أن بقاءهم على هذا النهج لم يمنعهم‬
‫الزمن واإلسهاب في تقسيماته التي رّبما كانت متشابهة في بعض‬
‫من النظر في أنواع ّ‬
‫يميز بعضها من بعض إال تسميتها نفسها‪ ،‬وممن قال بهذا الفصل بين‬
‫األحيان‪ ،‬وال ّ‬
‫تمام ح ّسان في كتابه (اللغة العر ّبية معناها ونبناها)‬
‫اللفظتين أو المصطلحين الدكتور ّ‬
‫كمية رياضية من كميات‬ ‫الزمان ّ‬ ‫أن ّ‬‫الزمان‪ّ ،‬‬ ‫يفرق بين ّ‬
‫الزمن و ّ‬ ‫يقول‪ " :‬وأوضح ما ّ‬
‫التوقيت‪ ،‬تقاس بأطوال معينة كالثواني والدقائق والساعات‪ ،‬والليل والنهار‪ ]...[ ،‬فال‬
‫الصيغ في السياق‪ ،‬وال يرتبط‬
‫الصيغ المفردة‪ ،‬وال تحديد معنى ّ‬
‫يدخل في تحديد معنى ّ‬
‫النحوي جزءاً من معنى الفعل" (‪. )3‬‬
‫الزمن ّ‬
‫عتبر ّ‬
‫النحوي‪ ،‬إذ ي َ‬
‫الزمن ّ‬
‫بالحدث كما يرتبط ّ‬
‫فهو هنا في هذا القول يفصل بين اللفظتين من حيث االستخدام مشي اًر إلى داللة لفظة‬
‫ومجرداً من أي داللة على الحدث‪ ،‬في حين تكون‬‫ّ‬ ‫الزمان على الوقت باعتباره مقياساً‬
‫ّ‬
‫الصيغ المفردة‪،‬‬
‫داللة لفظة (زمن) مرتبطة بالحدث ارتباطاً يساعد في الكشف عن معنى ّ‬
‫النحوي‪ ،‬كما َّأنه‬
‫الزمن ّ‬
‫الصيغ ضمن السياق وهو ّ‬
‫رفي‪ ،‬ومعنى ّ‬ ‫الزمن الص‬
‫ويقصد به ّ‬
‫ّ ّ‬
‫يخصص هاتين اللفظتين في نطاق محدد من االستخدام؛ إذ ال يجوز بعده الخلط‬
‫ّ‬
‫محل األخرى في االستخدام اللغوي أو الكالمي‪ ،‬فقد‬‫تحل ّ‬ ‫بينهما وال يمكن إلحداهما أن ّ‬
‫ّ‬
‫(الزمان) بكل ما يتعّلق بالقياس الكمي للوقت بما فيه الثواني والدقائق واأليام‬
‫ربط لفظة ّ‬
‫ّ‬

‫‪‌-‌1‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‪‌،‬ج‪‌،13‬مادة‌"زمن"‪‌ ‌.‬‬
‫‪‌-‌2‬جمهرة‌اللغة‪‌:‬محمد‌بن‌الحسن‌بن‌دريد=‌(ابن‌دريد)‌(ت‌‪321‬هـ)‪‌،‬قدّم‌له‌د‪‌.‬رمزي‌منير‌بعلبكي‪‌،‬ج‌‪‌،3‬دار‌العلم‌للماليين‪‌،‬بيروت ‌‬
‫–‌لبنان‪‌،‬ط‪1987‌،1‬م‪‌،‬ص‌‪‌.19‬‬
‫‪‌-‌3‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬ت ّمام‌حسان‪‌،‬دار‌الثقافة‪‌،‬الدار‌البيضاء‌–‌المغرب‪1994‌،‬م‌‪‌،‬ص‌‪‌.242‬‬

‫‪21‬‬
‫(الزمن)‬
‫أما مصطلح ّ‬ ‫عب َر عنه بالمقابل االنكليزي (‪ّ ،)Time‬‬
‫والشهور‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫فقد اقترن عنده باالستخدام القواعدي اللغوي البحت‪ ،‬والذي يندرج تحته قائمة من األلفاظ‬
‫الزمن‬
‫الزمان في االستخدام القواعدي ‪ ،‬مثل‪ّ :‬‬ ‫الزمن و ّ‬‫إذ ال يجوز بعدها الخلط بين ّ‬
‫الصرفي‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهذا‬ ‫الزمن‬
‫النحوي‪ ،‬و ّ‬
‫الزمن ّ‬
‫الماضي‪ ،‬وزمن المضارع‪ ،‬وزمن األمر‪ ،‬و ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الزمان يدخل في‬ ‫حسان باللفظة اإلنكليزية (‪ ،)Tense‬ويرى أيضاً َّ‬
‫أن " ّ‬ ‫ما ربطه تمام ّ‬
‫يهمنا في دراسة النحو‬
‫الزمن يدخل في دائرة التعبيرات اللغوية لهذا ال ّ‬
‫دائرة المقاييس‪ ،‬و ّ‬
‫معين في‬
‫يهمنا هو نظام زمني ّ‬ ‫الزمن وال تاريخه‪َّ ،‬‬
‫ولكن الذي ّ‬ ‫أن نعرف ساعة حدوث ّ‬
‫مما يقوم على المعنى الفلسفي‬
‫مطية أكثر ّ‬
‫الن ّ‬
‫نحو اللغة المدروسة‪ ،‬يقوم على التّطريز و ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫المطلق"‪.‬‬
‫وقد لقي هذا التقسيم إقباالً كبي اًر في الدرس الحديث‪ ،‬رغم وجود بعض المخالفين‬
‫النحاة القدامى في توحيدهم للفظتين‪ ،‬ونحن نرى َّ‬
‫أن قول الدكتور‬ ‫المتمسكين برأي ّ‬
‫و ّ‬
‫حسان ومن تبعه في هذا الرأي‪ ،‬فيه بعض التّزمت والمغاالة في رفضه لما قاله األوائل؛‬
‫ّ‬
‫فما الذي يمنعنا أو ما الخطأ في قولنا‪ :‬غاب العدل زمناً طويالً؟! بل ما الفائدة اللغوية‬
‫أو المعنوية التي قد تضفيها لفظة زمان على الجملة السابقة‪ ،‬ولم تستطع لفظة زمن‬
‫الزمان الماضي؟‬ ‫تقديمها؟ ومن جهة مقابلة ما الفرق بين قولنا‪ّ :‬‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬أو ّ‬
‫األصح من وجهة نظرنا‪ ،‬وقد عّلق‬
‫ّ‬ ‫وهذا ما اعتدناه عند النحاة القدامى‪ ،‬وهو القول‬
‫الدكتور تمام حسان في التفرقة بين المصطلحين‬
‫الدكتور مالك المطلبي على قول ّ‬ ‫ّ‬
‫الداللة ينتميان إلى‬
‫أن استعمال مصطلحين مختلفي ّ‬‫الزمان) إذ قال‪ " :‬وأرى َّ‬
‫(الزمن و ّ‬
‫ّ‬
‫يسبب تداخالً داللياً يناقض‬
‫أمر يأباه منطق اللغة والمصطلح‪ ،‬وقد ّ‬
‫مادة لغوية واحدة‪ٌ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الغرض الذي ج ِع َل هذان المصطلحان غير مترادفين ألجله‪".‬‬
‫الزمن‬
‫الزمن من منظوره الفلسفي أو الفلكي أساساً وركيزةً للبحث في ّ‬
‫ودائماً ما كان ّ‬
‫الزمن الطبيعي انطلقت التقسيمات والتفريعات المختلفة‬‫رفي‪ ،‬فمن هذا ّ‬ ‫النحوي أو الص‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫لكل شيء في الوجود‪ ،‬ولهذا كانت الحاجة إلى دراسته‬ ‫الخفية ّ‬
‫ّ‬ ‫للزمن‪ ،‬فهو الحقيقة‬
‫ّ‬
‫الوجود (كينونته‬
‫َ‬ ‫ملح ًة وضرورّية كي نفهم‬
‫التعمق فيه –بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪ّ -‬‬
‫و ّ‬

‫‪-‌1‬مناهج‌البحث‌في‌اللغة‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬مكتبة‌األنجلو‌المصريّة‪‌،‬القاهرة‌–‌مصر‪1990‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.211‬‬


‫الزمن‌واللغة‪‌:‬د‪‌.‬مالك‌يوسف‌المطلبي‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.16‬‬ ‫‪ّ ‌-‌2‬‬

‫‪22‬‬
‫الزمن على معرفة الوقت (وقت‬
‫وصيرورته)‪ ،‬ولم تقتصر هذه الحاجة عند القدماء لفهم ّ‬
‫الشروق والغروب‪ ،‬وتوالي الليل والنهار‪ ،‬وتعاقب الفصول‪ ،‬والكبر في السن‪ ...‬إلخ)‬
‫ِ‬
‫الزمن في الكالم وتأثيره القوي فيه‪ ،‬وال نقصد هنا تطور الكالم ّ‬
‫وتغيره‬ ‫بل أدركوا دور ّ‬
‫الزمن‬
‫كأي شيء في هذا الوجود‪ ،‬و إنما الحاجة إلى اختصار ّ‬ ‫الزمن عليه ّ‬
‫بمرور ّ‬
‫ويعبر عن الكثير‪ ،‬وهذا بدافع‬
‫يدل ّ‬‫واإليجاز في الكالم واالستعاضة باللفظ القليل الذي ُّ‬
‫الميل‬
‫أدل‪ ،‬وكان هذا َ‬ ‫أقل و ّ‬ ‫االقتصاد اللغوي طالما َّ‬
‫أن المعنى يصل إلى المتلّقي بلفظ ّ‬
‫هو ما دفعهم إلى ابتكار ألفاظ أو تعديل ونقل ألدوار بعضها اآلخر بحيث تنسجم مع‬
‫الزمن‪ ،‬وهذا ما نراه بوضوح عند ابن ِجّني بقوله‪ " :‬ألم‬
‫متطّلبات رغبتهم في اختصار ّ‬
‫تسمع إلى ما جاءوا به من األسماء المستفهم بها‪ ،‬واألسماء المشروط بها‪ ،‬كيف أغنى‬
‫الحرف الواحد عن الكالم الكثير‪ ،‬والمتناهي في األبعاد والطول‪ ،‬فمن ذلك قولك ‪ :‬كم‬
‫مالك‪ ،‬أال ترى ّأنه قد أغناك ذلك عن قولك‪ :‬أعشرة مالك‪ ،‬أم عشرون‪ ،‬أم ثالثون‪ ،‬أم‬
‫قلت‪:‬‬
‫فلما َ‬
‫ألنه متناه؛ ّ‬
‫مئة‪ ،‬أم ألف‪ ،‬فلو ذهبت تستوعب األعداد لم تبلغ ذلك أبداً؛ ّ‬
‫((كم)) أغنتك هذه اللفظة الواحدة عن اإلطالة غير المحاط بآخرها‪ ،‬وال المستدركة‪"]...[،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الزمن عند المناطقة والفالسفة‪:‬‬


‫‪ّ .5‬‬
‫النحويين‪،‬‬
‫الزمن الفالسفة والمتكّلمين والمناطقة مثلما شغلت العلماء و ّ‬
‫شغلت قضية ّ‬
‫ومن المعهود أبداً مالحظة الفجوات والفوارق بين الجماعتين؛ نظ اًر الختالف النظرة أو‬
‫كل منهما‪ ،‬ولطالما كان عهد الفالسفة والمتكلمين أن يختلفوا‬
‫الزاوية التي ينظر منها ّ‬
‫فيما بينهم أيضاً‪ ،‬فاالنطالقة عندهم دائماً كانت بالنظر إلى جوهر األشياء لتحديد‬
‫الزمن كان أحد أكثر األمور التي راعت اهتمام الفالسفة واهتمامهم‬
‫وماهيتها‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫ماديتها‬
‫ّ‬
‫كما كان مثار جدل كبير بين الجماعتين‪ ،‬فقد كان الخالف في أساسه قائماً على حقيقة‬
‫(‪)2‬‬
‫أنصار ونّق ٌاد‬
‫ٌ‬ ‫الزمن أهو جوهر أم َعرض‪ ،‬ولكال الرأيين‬
‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.82‌/1،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪ّ ‌ -2‬‬
‫الزمان‌في‌الفكر‌الديني‌والفلسفي‌القديم‪‌:‬الدكتور‌حسام‌الدين‌األلوسي‪‌،‬المؤسسة ‌العربيّة ‌للدراسات‌والنشر‪‌،‬بيروت ‌– ‌لبنان‪ ‌،‬ط‌‪‌،1‬‬
‫‪1980‬م‪‌،‬ص‌‪‌.82‬‬

‫‪23‬‬
‫اقعياً‪ ،‬وليس جوه اًر أو َعرضاً‪،‬‬
‫الزمن ليس شيئاً موضوعياً و ّ‬
‫أن ّ‬‫"ومن الفالسفة َمن يرى َّ‬
‫الزمان يسري كذلك على المكان من حيث فهما‬ ‫بل هو حدث صرف وما يسري على ّ‬
‫صورتان ّأوليتان ال يمكننا أن نرجعهما إلى التجربة أو الى الوجود الخارجي الواعي‬
‫مما القت قبوالً‬
‫تبناه كانط" ‪ ،‬وهي رؤي ٌة القت من الرفض أكثر ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وهذا الرأي كان قد ّ‬
‫بين جمهور الفالسفة‪.‬‬
‫الزمن هو أمر نسبي مرتبط بالمكان بصورة جوهرّية‪ ،‬مبر اًر ذلك َّ‬
‫بأن‬ ‫أن ّ‬‫"ويعتقد أرسطو َّ‬
‫الزمن) يتم االنتقال بها من مكان إلى آخر وذلك عبر‬
‫مقدار الحركة أو النقلة (وهي ّ‬
‫فالزمان إذاً هو مقدار الحركة‪ ،‬وهذه الحركة تتم خالل مكان وال توجد إال‬
‫الزمان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫حد زعم أرسطو" (‪ ،)2‬وتلتقي‬
‫الزمان والمكان على ّ‬
‫بوجوده فالعالقة إذا عالقة نسبية بين ّ‬
‫هذه الرؤية مع رؤية ألبرت آينشتاين في علم الفيزياء الفلكية حين تحدث عن ارتباط‬

‫كون نسيج الكون وهو ما ّ‬


‫سماه بمصطلح (الزمكان)‪،‬‬ ‫الزمان والمكان في نسيج واحد ي ّ‬
‫ّ‬
‫مكوناته‪،‬‬
‫فالزمان يرتبط بالمكان حين يؤثر به وبكل ّ‬
‫إذ وضعهما على محور إحداثيات؛ ّ‬
‫والمكان هو للزمان الوعاء الذي يحدث به ويجري خالله‪.‬‬
‫حد كبير بأفكار المتكّلمين سواء من‬
‫الزمن نظرة متأثرة إلى ّ‬
‫أما الكندي فقد نظر إلى ّ‬
‫َّ‬
‫"الزمان‬
‫أن ّ‬ ‫الفلسفية المعروفة؛ إذ يرى َّ‬
‫ّ‬ ‫للزمن أم من حيث ربطه بالمقوالت‬
‫حيث تحليله ّ‬
‫تعدها الحركة فإن كانت حركة كان زمان‪ ،‬و إن لم تكن‬ ‫هو عدد الحركة أعني َّأنه ّ‬
‫مدة ّ‬
‫مدة الحركة‪ ،‬أو هو عدد الحركة َّ‬
‫ألن‬ ‫الزمن هو ّ‬
‫أن ّ‬‫حركة لم يكن زمان" (‪ )3‬كما يرى َّ‬
‫فالزمن عنده مرتبط‬
‫الزمن تمكننا من معرفة السرعة والبطء في الحركة ‪ ،‬إذاً ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫فكرة ّ‬
‫بالحركة والسكون وعلى أساسهما تكون حركة أو ال تكون‪.‬‬
‫المادية‬
‫ّ‬ ‫كل األشياء‬
‫الزمان والمكان حتى لو فنيت ّ‬
‫أبدية ّ‬
‫ويشير إسحق نيوتن إلى أز ّلية و ّ‬
‫الرياضي‪،‬‬‫الزمان المطلق والصحيح و ّ‬
‫إن ّ‬ ‫الخارجية في الكون‪ ،‬يقول واصفاً ّ‬
‫الزمان‪َّ " :‬‬ ‫ّ‬
‫طراد من غير أن تكون له عالقة ّ‬
‫بأي شيء خارجه " (‪.)5‬‬ ‫بذاته وبحكم طبيعته يتدّفق با ّ‬

‫‪‌-‌1‬يُنظر‪‌:‬مفهوم‌السببيّة‌بين‌المتكلّمين‌والفالسفة‌بين‌الغزالي‌وابن‌رشد‌دراسة‌وتحليل‪‌:‬جيزار‌جهامي‪‌،‬دار‌المشرق‪‌،‬بيروت‌–‌‌لبنان‪‌،‬‬
‫‪2002‬م‪‌،‬ص‌‪‌.70‬‬
‫‪-‌2‬يُنظر‪‌:‬دراسات‌في‌الفلسفة‌اليونانية‪‌:‬حسين‌صالح‌حمادة‪‌،‬دار‌الهادي‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬ط‪2005‌،1‬م‪‌.264‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.12-11‬‬
‫‪‌-‌4‬مفهوم‌السببية‌عند‌المتكلمين‌والفالسفة‪‌:‬جيزار‌جهامي‪‌،‬ص‪‌.70‬‬
‫‪ ‌-‌5‬العلم‌في‌منظوره‌الجديد‪‌:‬روبرت‌م‪.‬أغروس‪‌،‬جورج‌ن‪‌.‬ستانسيو‪‌،‬ترجمة‌د‪‌.‬كمال‌خاليلي‪‌،‬دار‌المعرفة‪1987‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.20-19‬‬

‫‪24‬‬
‫أبدي وله عّلة أوجدته‪ ،‬وأ َّن هذا ّ‬
‫الزمان أيضاً‬ ‫لي و ّ‬ ‫القديس أوغسطين" َّأنه أز‬
‫عرفه ّ‬‫وكذلك ّ‬
‫ّ‬
‫المادي من خالل حركته أوجدت له هذه األزمنة الماضي‬ ‫ّ‬ ‫اعتباري بالنسبة لإلنسان‬
‫والحاضر والمستقبل وأ َّن قياس ّ‬
‫الزمن ومحدوديته وفق الساعات واأليام هو بما يالئم‬
‫الزمان بإطار ميتافيزيقي‬ ‫الذهن البشري قياساً مع حركة الشمس واألرض‪ ،‬إذا فهو يؤ ّ‬
‫طر ّ‬
‫المادية بحركة األجسام " (‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫يتحول إلى‬
‫ّ‬
‫كل‬ ‫الفلسفية‪َّ " :‬‬
‫إن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمان وثباته ذهب هيرقليطس أيضاً‪ ،‬بمقولته‬ ‫وإلى القول بأز ّلية ّ‬
‫يتغير " (‪.)2‬‬
‫تغير إال التغير فهو ثابت ال ّ‬ ‫شيء في ّ‬
‫المستمر للموجودات المادية وبذلك يكون ّ‬
‫الزمن‬ ‫ّ‬ ‫التغير‬
‫ّ‬ ‫فالزمن عنده هو عبارة عن‬
‫ّ‬
‫المتغيرات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مقدار الحركات والسرعة لهذه‬
‫للزمن مذهب أرسطو فرأى َّأنه‪ " :‬عدد الحركة إذا فصلت‬
‫أما ابن سينا فذهب في تعريفه ّ‬
‫َّ‬
‫بالزمن‪ ،‬بل بالمسافة‪ ،‬واال لكان بيان وجوده بياناً دورياً "‬
‫(‪)3‬‬
‫ومتأخر ال ّ‬
‫ّ‬ ‫متقدم‬
‫إلى ّ‬
‫المدة الواقعة بين حادثتين‪ّ ،‬أولهما سابقة‬
‫الفلسفية الحديثة‪ ،‬فهو‪ّ " :‬‬
‫ّ‬ ‫الزمن وفقاً للرؤية‬
‫أما ّ‬
‫ّ‬
‫الجاهلية " (‪.)4‬‬
‫ّ‬ ‫وثانيهما الحقة‪ ،‬ومنه زمان الحصاد‪ ،‬وزمان الشباب‪ ،‬وزمان‬
‫ومن خالل استعراض هذه التعريفات الفلسفية للفالسفة والمتكّلمين الذين يحاولون تحديد‬
‫الزمن كان عندهم ذا طبيعة أز ّلية‬
‫أن ّ‬‫الزمن من حيث الوجود أو األثر‪ ،‬نرى َّ‬
‫ماهية ّ‬
‫ّ‬
‫حد كبير التي‬ ‫يميزه هو ارتباطه –عندهم‪ -‬بالحركة ومقدارها إلى ّ‬
‫أهم ما ّ‬
‫أبدية‪ ،‬و إن َّ‬
‫ّ‬
‫حيز‬ ‫نشأ عنها الماضي والحاضر والمستقبل ‪ ،‬والحركة هي الحدث الذي يحدث ضمن ّ‬
‫بالزمن‬
‫قدمها الفالسفة هي تعاريف ترتبط ّ‬
‫أن هذه التعاريف التي ّ‬ ‫المكان‪ ،‬وبالرغ ِم من ّ‬
‫الدقة‬
‫تحرينا ّ‬
‫النحوي‪ ،‬فإننا إذا ّ‬
‫بالزمن ّ‬
‫الفلكي فقط‪ ،‬ويظهر لنا ّأنها ال ترتبط ّ‬ ‫الفلسفي أو‬
‫ّ‬
‫النحوي من وجهة نظر‬ ‫الزمن ّ‬
‫في هذه التعاريف نلمح فيها ما يشبه بصورة واضحة ّ‬
‫السياق أو‬
‫الزمن وهو ّ‬‫علماء النحو الذي يرتبط بالحدث والمكان الذي يحدث فيه هذا ّ‬
‫السياقية‬
‫ّ‬ ‫الزمن بأشكال مختلفة منها القرائن‬
‫المقام‪ ،‬وما يؤثّر في هذا الحدث يؤثّر في ّ‬
‫حوية والفلسفية) نرى‬‫(الن ّ‬
‫المعنوية‪ ،‬ومن خالل الربط بين هاتين النظرتين ّ‬
‫ّ‬ ‫واللفظية و‬

‫‪‌ -‌ 1‬نصوص‌فلسفيّة‌مختارة‌مقدمة‌ ‌عامة‌في‌علم‌النفس‌وعلم‌الجمال‪‌ :‬أرمان‌كوفيليه‪‌،‬ترجمة‌آالء‌أسعد‌نشاط‌الفخري‪‌،‬مراجعة‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬‬


‫أكرم‌الوتري‪‌،‬دار‌بيت‌الحكمة‪‌،‬بغداد‌–‌العرق‪2006‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.147‬‬
‫‪‌-2‬مفهوم‌السببية‌عند‌المتكلمين‌والفالسفة‪‌:‬جيزار‌جهامي‌ص‪‌.70‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‌نفسه‌‪‌ ‌.‬‬
‫‪‌-‌4‬المعجم‌الفلسفي‪‌:‬د‪‌.‬جميل‌صليبا‪‌،‬ج‌‪‌،1‬دار‌الكتاب‌اللبناني‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪1982‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.636‬‬

‫‪25‬‬
‫النحوي والفلسفي في ارتباط كال ّ‬
‫الزمنين بالحركة والحدث‪،‬‬ ‫الزمن ّ‬ ‫أوجه التشابه بين ّ‬
‫النحوي بالسياق وتأثيره في المعنى‬
‫الزمن ّ‬
‫الزمن الفلسفي وتأثيره في المكان‪ ،‬وتأثّر ّ‬
‫وتأثّر ّ‬
‫العام للسياق‪.‬‬
‫رتبة األزمنة‪:‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الزمن وطبيعته وعالقاته وتقسيماته‬
‫ماهية ّ‬
‫النحاة حول ّ‬
‫لم يكن الخالف بين الفالسفة‪ ،‬أو ّ‬
‫األسبقية في الوجود بين الماضي‪ ،‬والحاضر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فقط‪ ،‬بل اختلفوا أيضاً في موضوع‬
‫كل نحوي منهم ألي األزمنة‬
‫النحاة في نظرة ّ‬
‫والمستقبل‪ ،‬ويبلغ هذا الخالف ذروته بين ّ‬
‫أي هذه األزمنة هو األصل وأيُّها الفرع‪ ،‬ونلمح النزوع عند‬
‫هو األسبق في الوجود‪ ،‬و ُّ‬
‫الفلسفية التي تبرهن أقوالهم أكثر من االحتجاج بحجج‬
‫ّ‬ ‫هؤالء النحاة إلى اآلراء والحجج‬
‫وجودية‬
‫ّ‬ ‫نحوية‪ ،‬وذلك ألمر منطقي؛ وهو َّ‬
‫أن مسألة الخالف بينهم هي مسأل ٌة‬ ‫ّ‬ ‫لغوية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وترتبط بعلم المنطق‪ ،‬لذا كان واجباً عليهم االحتجاج بعلم المنطق والفلسفة‪ ،‬إضاف ًة‬
‫لعالِ َمين م َ‬
‫ختلفين‬ ‫ختلفين َ‬
‫ومتشعبة‪ ،‬إذ قد نقف على رَأيين م َ‬
‫ّ‬ ‫أن هذه المسألة شائكة‬‫إلى َّ‬
‫أن كال الرأيين صحيح ومنطقي ومقبول بحسب البراهين‬ ‫بحجج مختلفة‪ ،‬ونرى مع ذلك َّ‬
‫ّ‬
‫يقدمانها‪.‬‬
‫التي ّ‬
‫أن المضارع هو األسبق معتب اًر المضارع أصالً والماضي‬ ‫فهذا شيخنا ابن ِجّني يرى َّ‬
‫محتجاً بفكرة الوجود والعدم‪ ،‬التي‬
‫ّ‬ ‫بأسبقية المضارع في النفس‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فرعاً منه‪ ،‬معّلالً ذلك‬
‫النْفس من‬
‫أن المضارع أسبق رتبة في ّ‬ ‫سابق للعدم‪ ،‬يقول‪ " :‬وذلك َّ‬
‫ٌ‬ ‫أن الوجود‬‫تفترض َّ‬
‫أن ّأول أحوال الحوادث أن تكون معدومة‪َّ ،‬‬
‫ثم توجد فيما بعد‪ ،‬فإذا‬ ‫الماضي؛ أال ترى َّ‬
‫ظن َك بالماضي الذي هو الفرع‪" .‬‬
‫(‪)1‬‬
‫نفي المضارع الذي هو األصل فما ّ‬
‫فلسفية‪ ،‬فطرح‬
‫ّ‬ ‫منطقية‬
‫ّ‬ ‫قدمه لنا بطريقة‬
‫األسبقية ّ‬
‫ّ‬ ‫أن تعليقه على موضوع‬ ‫والمالحظ َّ‬
‫األسبقية للمضارع‪ ،‬موضحاً في موضع آخر من كتابه‬
‫ّ‬ ‫فكرة الوجود والعدم‪ ،‬ليؤّكد هذه‬
‫العامة آنذاك‪ ،‬يقول‪ " :‬و إن كان أكثر الناس‬ ‫َّ‬
‫أن هذا الرأي ليس رأيه فقط‪ ،‬بل كان رأي ّ‬
‫أن المضارع أسبق من الماضي" (‪ ،)2‬وقد تكون هذه الفكرة مقبولة من جانب ما‪،‬‬
‫على َّ‬
‫ولكن ابن ِجّني يبعد من هذا السباق زمن المستقبل أو لنقل يجمعه مع الحاضر بلفظة‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.105‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق ‌‪‌.34‌/2‌،‬‬

‫‪26‬‬
‫طياته دالالت كثيرة‬
‫واحدة وهي (المضارع)‪ ،‬وهو أمر صحيح‪ ،‬فالمضارع يحمل في ّ‬
‫يحل إال جزءاً من الخالف‪ ،‬إذ كان الخالف‬
‫منها الحاضر والمستقبل‪ ،‬ولكن هذا ال ُّ‬

‫أنصار أيضاً ويقولون ّ‬


‫بأوليته‬ ‫ٌ‬ ‫قائماً بين أسبقية الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬فللمستقبل‬
‫في الوجود‪ ،‬فرأي ابن ِجّني وفريقه‪ ،‬يضيق دائرة المنافسة بين األزمنة الثالثة إلى‬
‫منافسة بين زمنين هما الحاضر والماضي‪.‬‬
‫إن الحال‬‫قدموا آراءهم في هذه المسألة‪ ،‬فمنهم من قال َّ‬‫ونرى نحويين آخرين قد ّ‬
‫(الحاضر) هو األسبق يليه المستقبل ثم الماضي‪ ،‬وهو قول أبي سعيد السيرافي في‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫تقدم وعداً لشخص ما‪ ،‬كيف له ْ‬‫وحجته في ذلك َّأنك عندما ّ‬
‫شرحه الكتاب لسيبويه‪ّ ،‬‬
‫يكن شاهده في ما مضى؛ أي في لحظة وقوعه ومعاينته‬ ‫إن ْلم ْ‬ ‫يتصور تَ ُّ‬
‫حق َق هذا الوعد ْ‬ ‫ّ‬
‫ألنها ستكون حينها مجهول ًة وال ثقة‬
‫كل الوعود ّ‬‫لهذا الحدث‪ ،‬واال النعدمت الثّقة في ّ‬
‫وتقدمه على‬‫ألسبقية الحال ّ‬
‫ّ‬ ‫ألحد بما هو مجهول‪ ،‬فهذه هي النظرية التي افترضها‬
‫إن الحال هو ّأول األفعال‪ ،‬ويكون األقرب إليه في التّرتيب المستقبل‪،‬‬ ‫المستقبل‪ ،‬يقول‪َّ " :‬‬
‫ف وشوِهد‪،‬‬ ‫أن ِ‬
‫يصح إال بما ع ِر َ‬
‫ّ‬ ‫الميعاد بما يستقبل ال‬ ‫الحجة في ذلك َّ‬
‫وتاليه الماضي‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العدة معنى يرَغب‬
‫ً‬
‫اء‬
‫مما وعد‪ ،‬واال فليس ور َ‬‫الموعود‪ ،‬ويكون على ثقة ّ‬
‫يتصوره َ‬
‫ّ‬ ‫حتّى‬
‫بأسبقية الحال‬
‫ّ‬ ‫النحاة يعتقدون‬
‫أن أكثر ّ‬ ‫فيه وال يرَهب منه[‪ ،)1(]...‬ويوضح السيوطي َّ‬
‫ّ‬
‫به‪ ،‬وهو لذلك يمكن اإلشارة‬ ‫ألن فعل الحال يخبر ِ‬‫كونه األصل –حسب زعمهم‪ -‬وذلك َّ‬
‫َ‬
‫إلى تحقّقه بالتالي إلى وجوده على عكس الماضي والمستقبل فهما معدومان‪ ،‬فيما‬
‫خبر به عن‬ ‫أن المستقبل هو األصل واألسبق َّ‬
‫ألنه ي َ‬ ‫النحاة إلى َّ‬
‫جمهور من ّ‬
‫ٌ‬ ‫يذهب‬
‫أن الماضي هو األسبق َّ‬
‫ألنه ال‬ ‫المعدوم الذي يخرج إلى الوجود بعدها‪ ،‬وارتأى آخرون َّ‬
‫تم و انتهى‪.‬‬
‫يعبر عنه قد َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أن الحدث الذي ّ‬
‫زيادة فيه‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫األسبقية في النفس‬
‫ّ‬ ‫النحاة لترتيب األزمنة من حيث‬
‫إذاً كان الخالف واضحاً في نظرة ّ‬
‫لكل زمن منها أنصار متسّلحون بالحجج الفلسفية والبراهين‬
‫أو في الوجود‪ ،‬وكان ّ‬
‫أسبقية الحال يليه‬
‫ّ‬ ‫أن أقرب هذه اآلراء إلى القبول هو‬ ‫المنطقية التي تدعم أقوالهم‪ ،‬إال َّ‬
‫ّ‬
‫ثم الماضي‪ ،‬وهو رأي األكثرّية‪.‬‬ ‫المستقبل َّ‬

‫ي‌(الحسن‌بن‌عبد‌هللا‌بن‌المرزبان‪‌،‬ت‪‌368‬هـ‪‌،‬وسيشار‌إليه‌الحقاُ‌بـ‌السيراف ّ‬
‫ي)‪‌،‬تح‪‌.‬أحمد‌‬ ‫‌‪‌-‬شرح‌كتاب‌سيبويه‪‌:‬أبو‌‌سعيد‌السيراف ّ‬
‫‪1‬‬

‫حسن‌مهدلي‌وعلي‌سيّد‌علي‪‌،‬دار‌الكتب‌العلميّة‪‌،‬ط‪‌،1‬بيروت‌–‌لبنان‪2008‌،‬م‪‌ ‌.18‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬األشباه‌والنظائر‌في‌النحو‪‌:‬جالل‌الدين‌السّيوطي‌(ت‌‪‌911‬هـ)‪‌،‬دار‌الكتب‌العلميّة‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪‌،‬د‪.‬ت‪‌.14‌/2‌،‬‬

‫‪27‬‬
‫الزمن ينقسم إلى ثالثة أقسام هي الماضي‪ ،‬والحال‪،‬‬
‫أن ّ‬‫ويرى ابن حزم األندلسي َّ‬
‫بناء على أقسام‬
‫الزمان ً‬
‫قسم ّ‬
‫والمستقبل‪ ،‬فهو في هذا التقسيم كغيره من أعالم عصره ّ‬
‫أسبقية هذه األزمنة فهو ينحو النحو‬
‫أما من حيث الرتبة و ّ‬
‫الفلك أو الوقت الطبيعي‪ّ ،‬‬
‫الزمن الوحيد الموجود‬
‫(الزمن المقيم) باعتباره ّ‬
‫ويسميه ّ‬
‫ّ‬ ‫أولية الحال‬
‫بأسبقية و ّ‬
‫ّ‬ ‫القائل‬
‫الرتبة‬
‫ثم يأتي بعده في ّ‬ ‫الزمن عنده حركة وسكون يقعان في ّ‬
‫مدة محددة‪َّ ،‬‬ ‫ألن ّ‬‫حقيق ًة‪َّ ،‬‬
‫الماضي ألنه كان في وقت ما مقيماً وكان ثابتاً وصحيحاً في ِ‬
‫وقته‪ ،‬وأخي اًر المستقبل‬ ‫ّ‬
‫نكر ابن حزم على من يرى األسبقية‬ ‫ألنه لم يقع بعد ولم يستقر حتّى تكون له الرتبة‪ ،‬وي ِ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في األزمنة ّأنها للمستقبل أو للماضي واصفاً هذه اآلراء بالغلط الفاحش والجهل الشديد‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫قائمة األزمنة وحصرها في الماضي والمستقبل‪،‬‬ ‫و ِمن الن ِ‬
‫حاة َمن ألغى زمن الحال من‬ ‫َ َ‬
‫وهو الزجاجي الذي يرى المستقبل هو الحدث الذي لم يحدث بعد‪ ،‬والماضي هو ّ‬
‫الزمن‬
‫الذي يمضي عليه زمنان زمن الوجود وزمن االنقضاء‪ ،‬يقول‪ " :‬الفعل على الحقيقة‬
‫ضربان كما قلنا‪ ،‬ماض ومستقبل‪ ،‬فالمستقبل ما لم يقع بعد‪ ،‬وال أتى عليه زمان‪ ،‬وال‬
‫تقضى وأتى عليه زمانان ال أقل من‬‫خرج من العدم إلى الوجود‪ ،‬والفعل الماضي ما ّ‬
‫النحويين يخلط‬
‫أن بعض ّ‬ ‫خبر فيه عنه‪ ...‬فكما رأينا ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ذلك‪ ،‬زمان وجد فيه‪ ،‬وزمان ّ‬
‫الزمن المستقبل تحت تسمية المستقبل أو المضارع‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫بين زمن الحال (الحاضر) و ّ‬
‫النحاة –ومنهم الزجاجي‪ -‬من يخلط بين الحاضر والماضي تحت تسمية‬ ‫هناك من ّ‬
‫الزمن الذي يولد‬
‫يتحدث عن ّ‬
‫ولكنه يلغي وجود زمن الحال‪ ،‬وفي الوقت نفسه ّ‬
‫الماضي‪ّ ،‬‬
‫فيه الحدث والذي يكون حاالً‪ ،‬واألقرب للمنطق ّأنه كان ينظر للحال من منظور نسبي‪،‬‬
‫ّ‬
‫أن نسمي‬
‫وكأنه يحدث بأجزاء من الثواني‪ ،‬إذ يمكن ْ‬
‫الزمن ّ‬‫النظر لهذا ّ‬
‫ضي َق دائرة ّ‬
‫و أنه ّ‬
‫مر قبلها ولما بقي من ساعة‬
‫تتحدث فيها زمن الحال بالنسبة إلى ما ّ‬
‫هذه الساعة التي ّ‬
‫مر قبله وما سيأتي‪ ،‬وهكذا يمكن أن‬
‫نسمي اليوم حاض اًر بالنسبة إلى ّ‬
‫أن ّ‬ ‫اليوم‪ ،‬ويمكن ّ‬
‫يكو َن األسبوع والشهر والسنة زمناً حاض اًر بالنسبة إلى غيره‪ ،‬وذلك لو ّ‬
‫وسعنا الدائرة‬

‫‪‌-‌1‬يُنظر‪‌:‬التقريب‌لحد‌المنطق‌والمدخل‌إليه‌باأللفاظ‌العا ّمية‌واألمثلة‌الفقهيّة‪‌:‬ابن‌حزم‌األندلسي‪‌،‬تح‪‌.‬إحسان‌عبّاس‪‌،‬دار‌مكتبة‌الحياة‪‌،‬‬
‫ط‪‌،1‬بيروت‪-‬لبنان‪‌،‬د‪.‬ت‪‌،‬ص‪‌.62‬‬
‫‪‌ -‌ 2‬اإليضاح‌في‌علل‌النحو‪‌:‬أبو‌القاسم‌الزجاجي‌(ت ‌‪337‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬مازن‌المبارك‪‌،‬دار‌النفائس‪‌،‬ط‪‌،3‬بيروت ‌– ‌لبنان‪1979‌ ،‬م‪‌،‬‬
‫ص‪‌.87-86‬‬

‫‪28‬‬
‫حكم على زمن الحال بعدم الوجود‪ ،‬فاألمر كما‬ ‫ضيقها حين َ‬ ‫أن الزجاجي ّ‬ ‫التي أرى ّ‬
‫الزمن‪ ،‬كما ّأنه يتعّلق بطبيعة الفعل‬
‫النظر إلى هذا الفعل أو ّ‬‫ط بزاوية ّ‬ ‫نسبي ومرتب ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫أرى‬
‫الزمن‪.‬‬
‫عبر عن هذا ّ‬ ‫ومعناه أو الحدث الذي ي ّ‬
‫أما عند علماء الغرب من الم ْح َدِثين فيرى بول كراوس َو ولفنسون وغيرهم من اللغويين‬ ‫ّ‬
‫الصيغة القديمة للفعل العربي‪ ،‬فمن (ق ْم‪ ،‬وع ْد‪ِ ،‬‬
‫وزْد‪،‬‬ ‫أن صيغة األمر هي ّ‬ ‫الم ْح َدِثين َّ‬
‫ّ‬
‫ِع) اشت َّق (يقوم ويعود‪ ،‬ويزيد‪ ،‬ويبيع)‪ ،‬و إن الحروف التي ِزيدت في ّأول الفعل‬ ‫وب ْ‬
‫النون‪ ،‬والتّاء‪ ،‬والياء) كانت زيادتها سابقة زيادة الحروف التي في‬‫المضارع‪( :‬الهمزة‪ ،‬و ّ‬
‫الدكتور مهدي‬ ‫من)‪ُّ ،‬‬
‫ويرد ّ‬ ‫النون‪ ،‬والياء) في (يقومون‪ ،‬وتقومين‪َ ،‬‬
‫ويق َ‬ ‫آخره‪ ،‬مثل‪( :‬الواو‪ ،‬و ّ‬
‫الفرضية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مجرد نظرّية وليس هناك ما يؤيد هذه‬
‫المخزومي على هذه اآلراء معتب اًر إياها ّ‬
‫ئيسية لألفعال‬ ‫ِن‪ِ ،‬‬
‫وزْد) تتضمن األصول الر ّ‬ ‫ِع‪ ،‬وزْ‬
‫وب ْ‬ ‫ع‪،‬‬
‫ود ْ‬
‫(قم‪َ ،‬‬
‫و إن صيغة األمر في ْ‬
‫وباع‪ ،‬ووزن‪ ،‬وزاد‪ ،‬ويقوم‪ ،‬ويدع‪ ،‬ويبيع) ّ‬
‫ولعل هذا‬ ‫َ‬ ‫وودع‪،‬‬
‫َ‬ ‫(قام‪،‬‬
‫الماضية والمضارعة َ‬
‫فعلية شهدتها العر ّبية (‪.)1‬‬
‫بأن األمر كان ّأول صيغة ّ‬‫هو ما دفع بالدارسين إلى القول َّ‬
‫أمر طبيعي‬ ‫النحاة ‪-‬قديماً وحديثاً‪ -‬حول رتبة األزمنة وموقعها‪ ،‬هو ٌ‬
‫إذاً فالخالف بين ّ‬
‫تحير العقل البشر ّي عن إدراكها‬
‫الوجودية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫القضية‬
‫ّ‬ ‫ومنطقي يتماشى مع طبيعة هذه‬
‫بصحة نظرته وبطالن ما‬
‫ّ‬ ‫أي طرف أن يقنع اآلخر‬‫وجلية‪ ،‬فلم يستطع ّ‬
‫بصورة واضحة ّ‬
‫يقدمون‬
‫منطقية‪ ،‬وآخرون ّ‬
‫ّ‬ ‫أسبقيته بحجج‬
‫ّ‬ ‫أنصار يدافعون عن‬
‫ٌ‬ ‫لكل زمن‬
‫سواها‪ ،‬فكان ّ‬
‫صرفية تعتمد على‬
‫ّ‬ ‫قدم براهين‬
‫نحوية تنطلق من صميم اللغة‪ ،‬وغيرهم ّ‬
‫لغوية أو ّ‬
‫براهين ّ‬
‫الزمن الذي يشير إليه هذا القالب‬‫لينقل النتيجة إلى ّ‬
‫َ‬ ‫الصرفي‪،‬‬ ‫نشأة الفعل وأصله‬
‫ّ ّ‬
‫أن البداية‬
‫الرأي الذي أراه أكثر تقبالً هو ما أشار إليه ابن جني‪ ،‬و هو ّ‬
‫في‪ ،‬و ّ‬ ‫الصر‬
‫ّ ّ‬
‫ثم ماضياً‪ ،‬فيكون الترتيب‬
‫الزمن ليصبح حاالً‪ّ ،‬‬
‫كانت مع زمن المستقبل‪ ،‬فيمضي عليه ّ‬
‫األقرب إلى النفس هو‪ :‬المستقبل‪ ،‬الحال‪ ،‬الماضي‪.‬‬

‫‪ .7‬مفهوم الجهة‪:‬‬
‫ِ‬
‫قيل في تعريف الجهة في كتب اللغة َّأنها القصد والغاية‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫عبر عنه ابن منظور‬ ‫َ‬
‫حين ذكر ذلك في مادة (وجه)‪ ،‬يقول‪ " :‬والو ْجه و ِ‬
‫الجهة بمعنى‪ ،‬والهاء عوض من‬
‫ً‬ ‫َ‬

‫‌‪‌-‬ينظر‪‌:‬في‌النّحو‌العرب ّ‬
‫ي‌‌نقد‌وتوجيه‪‌،‬مهدي‌المخزومي‪‌،‬ص‌‪‌.108‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪29‬‬
‫وج َهته ِ‬
‫وو ْج َهته‬ ‫ِ‬ ‫الواو‪ ،‬واالسم ِ‬
‫وضمها‪ ]...[ ،‬وجهة األمر َ‬
‫ّ‬ ‫الو ْج َهة والو ْج َهة‪ ،‬بكسر الواو‬
‫أم ِره‬ ‫تتوجه ِ‬ ‫وو ْجهته‪ ،‬و ِ‬
‫وضل ِو َ‬
‫جه َة ْ‬ ‫َّ‬ ‫إليه وتَقصده‪،‬‬ ‫الج َهة و ِ‬
‫الو ْج َهة جميعاً‪ :‬الموضع الذي َّ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫صده‪...‬‬
‫أي َق َ‬
‫النحوي‪ ،‬فقد أشار إليه‬
‫الزمن ّ‬
‫النحويين المعاصرين مفهوم الجهة في ّ‬
‫كما استخدم بعض ّ‬
‫متعددة‪ ،‬أو‬
‫زمنية ّ‬
‫أن " صيغة الفعل المعين قد تحمل دالالت ّ‬ ‫مصطفى النحاس فذكر َّ‬
‫متنوعة‪ ،‬فيلجأ إلى إحدى الطرائق اللغوية لتحديد جهة من‬
‫زمنية ّ‬‫تدل على جهات ّ‬ ‫قد ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الجهات"‪.‬‬
‫الزمني الجديد‪ ،‬الذي تفيده القرائن في‬ ‫وعرف كمال رشيد الجهة بقوله‪" :‬هي التحديد‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫أن وجود اصطالح‬ ‫السياق‪ ،‬ويقابلها في اللغة اإلنكليزية اصطالح ‪ Aspect‬كما َيعتبر ّ‬
‫ّ‬
‫السياق‪ ،‬وذلك عن‬
‫يدل على مرونة تلك اللغة وعبقرّيتها في تركيب ّ‬
‫الجهة في أي لغة ُّ‬
‫تخصيص لعموم‬
‫ٌ‬ ‫ليتكون زمن جديد‪ ]...[ ،‬فالجهة إذن‬
‫الصيغ واألدوات ّ‬
‫طريق إضافة ّ‬
‫ما في الفعل من حدث وزمن وإسناد" (‪.)3‬‬
‫عبر عنه بالفعل‬
‫عما يمّثله الحدث الم ّ‬
‫تعبر ّ‬
‫نحوي ٌة‪ّ ،‬‬ ‫ويؤّكد بيير الروس َّ‬
‫أن الجه َة مقول ٌة ّ‬
‫الشروع والتّعاقب والحصول[‪]...‬وكانت‬
‫مدة جريانه أو إنجازه كجهة ّ‬
‫أو باسم الحدث من ّ‬
‫معبرة عن خصائص المدلول عليه بالفعل‬ ‫الوقتية ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغ واألفعال المساعدة‬
‫األزمنة و ّ‬
‫نسية بمقابلتها مع الحدث التّام وغير التّام‪،‬‬
‫تعرف –مثالً‪ -‬في اللغة الفر ّ‬
‫[‪ ،]...‬والجهة ّ‬
‫ويقدم هنري فليش رأيه بصدد‬
‫والجهة مخصصة لزمن الحاضر والماضي والمستقبل‪ّ ،‬‬
‫تصورها بطرق كثيرة فالحدث في‬
‫للمدة‪ ،‬يمكن ّ‬ ‫الجهة‪َّ :‬‬
‫أن هناك ألقاباً لألشكال المختلفة ّ‬
‫طراده‪ ،‬وهي نقطة بدئه أو انتهائه‪ ،‬والحدث قد وقع‬
‫استم ارره أو في نقطة واحدة من ا ّ‬
‫تكرر كثي اًر هو ذو توقيت ونتيجة و‪ ،...‬ومن هنا نأتي إلى‬
‫مرة واحدة فحسب‪ ،‬أو ّ‬ ‫ّ‬
‫تامة وأخرى ناقصة‪،‬‬
‫حينية‪ ،‬وأفعاالً ّ‬
‫مستمرة أو ّ‬
‫ّ‬ ‫التّعبيرات عن الجهة وسماتها‪ ،‬وأفعاالً‬
‫(‪)4‬‬
‫ومحصلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫انتهائية‬
‫متكررة و ّ‬
‫وأفعال شروع وأفعال ّ‬

‫‪‌-‌1‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‪‌،‬م‌‪‌،13‬مادة‌(وجه)‪‌.‬‬
‫ّ‬
‫نظام‌الزمن‌بين ‌العربيّة‌ ‌ واإلنكليزية‪‌:‬محمد‌حسن‌بخيت‌قواقزة‪‌،‬إشراف‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬سمير‌شريف‌استيتية‪‌،‬رسالة‌دكتوراه‌في‌تخصص‌‬‫‪‌ -‌ 2‬‬
‫اللغويات‌العربيّة‌التطبيقيّة‪‌،‬جامعة‌اليرموك‪‌،‬إربد‌–‌األردن‪2009‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.11‬‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌النّحوي‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬كمال‌رشيد‪‌،‬دار‌عالم‌الثقافة‪‌،‬عمان‌–‌األردن‪2008‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.103‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫‪‌-‌4‬يُنظر‪‌:‬زمن‌الفعل‌في‌العربيّة‪‌:‬عبدالجبّار‌توامة‪‌،‬ص‌‪‌.75‬‬

‫‪30‬‬
‫كما اجتهد النحاة الم ْح َدثون في وضع أقسام وأنواع للجهة‪ ،‬فرأى الدكتور ّ‬
‫تمام حسان‬
‫َّأنها على ثالثة أقسام هي‪:‬‬
‫النواسخ‪.‬‬
‫الزمان وبعض األدوات و ّ‬
‫الزمن[‪ ]...‬ومنها ظروف ّ‬‫"‪ -1‬جهات في فهم معنى ّ‬
‫الزيادة في‬
‫‪ -2‬جهات في فهم معنى الحدث[‪ ]...‬ومنها المعاني المنسوبة إلى أحرف ّ‬
‫الصيغ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الجر"‬
‫‪ -3‬جهات في فهم معنى اإلسناد‪ ،‬ومنها ظروف المكان والمنصوبات وحروف ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الزمن تتغير وتتأثر‬


‫الزمن)‪ ،‬فإن جهة ّ‬
‫وفيما يتعّلق بالنوع األول (جهات في فهم معنى ّ‬
‫بالقرائن اللغوية واألدوات التي تضاف إلى الفعل فتؤدي إلى تغيير جهته‪ ،‬وهذه القرائن‬
‫ظل‪ ،‬مازال‪ ،‬طفق‪ ،‬السين‪ ،‬سوف[‪ ،)]...‬أنتجت عدداً كبي اًر من‬
‫مثل (كان‪ ،‬كاد‪ ،‬قد‪ّ ،‬‬
‫ست عشرة جهة‪ ،‬موزعة على األزمنة الثالثة‬ ‫حسان مثالً‪ّ ،‬‬
‫الجهات‪ ،‬فهي عند تمام ّ‬
‫(الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل) فكان للماضي مع هذه القرائن تسع جهات‪ ،‬وللحاضر‬
‫منية‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫ثالث‪ ،‬وللمستقبل أربع ‪ ،‬ويشير الدكتور تمام حسان إلى تنويع ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫فعل) وذلك بحسب ما يقترن بهاتين ّ‬


‫الصيغتين من أدوات‪ ،‬وبحسب‬ ‫وي َ‬
‫لصيغتي ( َف َع َل‪َ ،‬‬
‫الزمن الناتجة عن الجهات المختلفة مثل‪ :‬البعد‬‫الصيغتان من معاني ّ‬ ‫ما تحمله هاتان ّ‬
‫والقرب واالنقطاع واالتصال والتّجدد واالنتهاء واالستمرار والمقاربة والشروع والعادة‬
‫ألي جهة‪ ،‬أو انعدام الجهة‪ ،‬وهي تشير‬
‫الصيغة ّ‬‫قصد به عدم حمل ّ‬ ‫والبساطة‪ ،‬والذي ي َ‬
‫لها صيغة ( َف َع َل) من دون قرائن أو أدوات (‪.)3‬‬
‫الزمن والجهة‬
‫تمام حسان‪ ،‬ذكر من خالله ّ‬ ‫للزمن وجهاته عند ّ‬‫مفصل ّ‬
‫وفيما يلي جدول ّ‬
‫الجهة‪:‬‬ ‫الصيغة التي تفيد هذه‬
‫و ّ‬

‫‪‌-‌1‬اللغة‌العرية‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسان‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.260‬‬


‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌.246‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق ‌‪‌،‬ص‌‪‌.245‬‬

‫‪31‬‬
‫الصيغة في اإلثبات‬
‫ّ‬ ‫الجهة‬ ‫الزمن‬
‫ّ‬ ‫ت‬
‫كان فعل‬ ‫البعيد المنقطع‬ ‫الماضي‬ ‫‪1‬‬
‫كان قد فعل‬ ‫القريب المنقطع‬ ‫الماضي‬ ‫‪2‬‬
‫كان يفعل‬ ‫المتجدد‬ ‫الماضي‬ ‫‪3‬‬
‫قد فعل‬ ‫المنتهي بالحاضر‬ ‫الماضي‬ ‫‪4‬‬
‫مازال يفعل‬ ‫المتصل بالحاضر‬ ‫الماضي‬ ‫‪5‬‬
‫ظل يفعل‬
‫ّ‬ ‫المستمر‬ ‫الماضي‬ ‫‪6‬‬
‫فعل‬ ‫البسيط‬ ‫الماضي‬ ‫‪7‬‬
‫كاد يفعل‬ ‫المقاربي‬ ‫الماضي‬ ‫‪8‬‬
‫طفق يفعل‬ ‫الشروعي‬ ‫الماضي‬ ‫‪9‬‬
‫يفعل‬ ‫العادي‬ ‫الحال‬ ‫‪10‬‬
‫يفعل‬ ‫جددي‬
‫التّ ّ‬ ‫الحال‬ ‫‪11‬‬
‫يفعل‬ ‫االستمراري‬ ‫الحال‬ ‫‪12‬‬
‫يفعل‬ ‫البسيط‬ ‫المستقبل‬ ‫‪13‬‬
‫سيفعل‬ ‫القريب‬ ‫المستقبل‬ ‫‪14‬‬
‫سوف يفعل‬ ‫البعيد‬ ‫المستقبل‬ ‫‪15‬‬
‫(‪)1‬‬
‫سيظل يفعل‬ ‫االستمراري‬ ‫المستقبل‬ ‫‪16‬‬
‫ألنها تفتقر إلى‬
‫الزمن أو توجهه ّ‬
‫رفية المفردة هي من يحدد ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫إذاً ليست ّ‬
‫الزمن و يوجهه هو تلك األدوات والحروف‬
‫أسباب تحديده وتوجيهه‪ ،‬فالذي يحدد ّ‬
‫تعبر إال عن زمن واحد‬
‫الصيغة جامدة ال ّ‬
‫النواسخ والظروف‪ ،‬والتي لوالها تصبح ّ‬
‫وّ‬
‫ومعنوية‬
‫ّ‬ ‫لفظية‬
‫ّ‬ ‫النحوي هو زمن الجملة بمجموع ما فيها من قرائن‬
‫الزمن ّ‬
‫ومحدد‪ ،‬و ّ‬
‫النحوي من دون فهم لمصطلح الجهة في‬ ‫الزمن ّ‬
‫وحالية‪ ،‬و من الصعب الحديث عن ّ‬
‫ّ‬
‫نسميه (الجهة) لبعض الحروف‪ ،‬فقالوا في (قد)‬
‫النحاة هذا الذي ّ‬
‫الزمن‪ ،‬و" لقد نسب ّ‬
‫ّ‬
‫تقرب الماضي من الحال‪ ،‬ونسبوا إلى (السين وسوف) قصر صيغة المضارع على‬
‫ّإنها ّ‬

‫‪‌-‌1‬اللغة‌العرية‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسان‪‌،‬ص‪‌ ‌.245‬‬

‫‪32‬‬
‫االستقبال بعد أن كانت للحال واالستقبال‪ ،‬ونظروا في جميع الحروف التي تدخل على‬
‫صيغة المضارع (يفعل) وفي تأثيرها وتوجيهها الزمني فقالوا في حروف النفي ‪:‬‬
‫ّ‬
‫الزمن الحالي‪.‬‬
‫تدل على ّ‬‫ما يفعل‪ُّ :‬‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬
‫تدل على ّ‬
‫لن يفعل‪ُّ :‬‬
‫الزمن عند بعضهم‪ ،‬وعلى المستقبل عند‬
‫الزمن؛ أي استمرار ّ‬
‫تدل على عموم ّ‬
‫ال يفعل‪ُّ :‬‬
‫بعضهم اآلخر‪.‬‬
‫الزمن الماضي المنقطع‪.‬‬
‫يدل على ّ‬
‫لم يفعل‪ُّ :‬‬
‫وكذلك النواسخ وأخواتها من أفعال المقاربة والشروع والرجاء‪ ،‬وما تنطوي من توجيه‬
‫الزمن توجيهاً يحمل معاني القرب والبعد واالتصال واالنقطاع واالستمرار‬ ‫لمعنى ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الشروع والمقاربة‪".‬‬
‫حول و ّ‬
‫والتّ ّ‬
‫إذاً فالجهة في نظر اللغويين الم ْح َدِثين هي التي تجعل اللغة رحب ًة واسعة من حيث‬
‫الزمني‬ ‫الداللي و‬
‫الضعف ّ‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫الضيق و ّ‬‫منية‪ ،‬وتنفي عنها ما نس َب عليها من ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّ‬
‫ألفعالها وصيغها‪ ،‬وغيرها من الصفات التي اجتهد بعض اللغويين الم ْح َدِثين من العرب‬
‫الدفاع‬ ‫والمستشرِقين في إضفائها على اللغة العر ّبية‪ ،‬فحمل بعض اللغويين ّ‬
‫الراية في ّ‬
‫الشرسة التي تعرضت لها من المنتقدين‪ ،‬ف أروا َّ‬
‫أن التقسيم‬ ‫عن العر ّبية ضد تلك الهجمات ّ‬
‫الثالثي القديم لألفعال‪ ،‬هو الثّغرة التي استغّلها المنتقدون حين وصفوا العر ّبية بالضعف‬
‫في قدرتها على التّع بير عن دقائق األزمنة واألوقات على خالف غيرها من اللغات‬
‫وعابوا عليها احتواءها على ثالثة أزمنة فقط (ماض‪ ،‬وحال‪ ،‬ومستقبل)‪ ،‬فلجأ الم ْح َدثون‬
‫قوة اللغة ومرونتها باحتوائها على الكثير من الطرق للتعبير‬
‫إلى مصطلح الجهة ليؤّكدوا ّ‬
‫زمنية متعددة من قرب وبعد و انقطاع واستمرار وغيرها الكثير مما يشهد‬
‫عن حاالت ّ‬
‫األسبقية للغويين أو‬
‫ّ‬ ‫ولكن ظهور هذا المصطلح حديثاً ال يعني‬‫ّ‬ ‫بعكس ّادعاءاتهم‪،‬‬
‫النحاة األوائل كانوا‬ ‫ِ‬
‫أن ّ‬‫النحويين الم ْح َدثين في الكشف عن الجهة‪ ،‬وال يعني أيضاً ّ‬
‫ّ‬
‫غيبين عن الجهة وأدوارها‪ ،‬بل كانوا مدركين ك ّل اإلدراك للجهة َّ‬
‫ولكن هذا‬ ‫جهالء أو م ّ‬
‫حوي‬ ‫المجرد (الجهة) و َّإنما كان ظاه اًر ّ‬
‫جلياً في االستخدام الّن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يكن للمصطلح‬
‫اإلدراك لم ْ‬
‫سنوضح الحقاً بإذن هللا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والتّطبيق العملي في أحاديثهم واستنتاجاتهم وشروحاتهم‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌النحوي‌في‌اللعة‌العربيّة‪‌،‬د‪‌.‬كمال‌رشيد‪‌،‬ص‌‪‌.103-100‬‬‫‪‌-‌1‬‬

‫‪33‬‬
‫رفية‬
‫الص ّ‬ ‫الزمن الّنحوي و ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫الفصل الثاني‪ّ :‬‬

‫بالزمن‪.‬‬
‫ارتباطه ّ‬
‫ُ‬ ‫‪ -1‬ال ّتصريف و‬
‫الصيغة على المعنى‪.‬‬
‫‪ -2‬داللة ّ‬
‫الصيغة‪.‬‬
‫‪ -3‬زمن الفعل وداللة ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪ -4‬داللة صيغ الماضي على ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪ -5‬داللة صيغ المضارع على ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪ -6‬داللة صيغ األمر على ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪ -7‬داللة اسمي الفاعل والمفعول على ّ‬
‫الصيغة في تحديد الجهة‪.‬‬
‫‪ -8‬أثر ّ‬

‫‪34‬‬
‫بالزمن‪:‬‬
‫ط ُه ّ‬
‫‪ -1‬ال ّتصريف وارتبا ُ‬
‫أن‬
‫رفية‪ -‬من ْ‬ ‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫النحوي و ّ‬
‫الزمن ّ‬
‫ال ّبد لنا –قبل الخوض في العالقة بين ّ‬
‫نتحدث على المعنى اللغوي واالصطالحي للتصريف وعالقته بالصيغة‪ ،‬والمقصود ِ‬
‫به‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫مفرداته‪.‬‬ ‫ماهية‬ ‫لنتم ّكن من الولوج إلى ص ِ‬
‫لب الموضوع ونحن على ّبينة من ّ‬
‫الكلِ ِم في‬
‫ات َ‬ ‫اإلشبيلي(ت‪669‬هـ) بأنه‪ " :‬معرفة ذو ِ‬ ‫يعرفه ابن عصفور ِ‬
‫ّ‬ ‫" التصريف‪ّ :‬‬
‫بقوله‪" :‬هو ما يلحق‬‫ِ‬ ‫يعرفه الدكتور هادي نهر‬ ‫أنف ِسها‪ ،‬من ِ‬
‫غير تركيب‪ ، " .‬وكذلك ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ببنيها‪ ،‬وجوهرها لمعرفة ما فيها من التّغييرات العارضة طلباً لتكثير األلفاظ ومن‬
‫الكلمة ّ‬
‫تم على اللفظ من تغيير طارئ ليس له في أكثر‬ ‫الدالالت‪ ،‬أو وقوفاً على ما ّ‬
‫ثم تكثير ّ‬ ‫ّ‬
‫الوجوه صلة بالمعنى‪ ،‬كما هو الحال في مسائل‪ :‬الحذف‪ ،‬واإلبدال‪ ،‬والقلب‪ ،‬والنقل‪،‬‬
‫الصيغ‬
‫مما ال يتّصل بضرب من ضروب المعاني[‪ ]...‬و ّ‬
‫واإلعالل‪ ،‬واإلدغام‪ ،‬وغير ذلك ّ‬
‫اللغوية يعود بعضها إلى طبيعة تقسيم الكلم نوعاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫رفية‪ :‬هي مجموعة من األبنية‬
‫الص ّ‬‫ّ‬
‫النحوي والبناء‬
‫وجنساً‪ ،‬وعدداً‪ ،‬ويعود بعضها اآلخر إلى طبيعة العالقة بين التّركيب ّ‬
‫عينة أو لبعض الكلمات التي يتش ّكل منها ذلك التّركيب‪ ،)2(...‬إذ َّ‬
‫إن‬ ‫في للكلمة الم ّ‬
‫الصر‬
‫ّ ّ‬
‫الفائدة المكتسبة من علم التصريف هي معرفة أحوال الكلمة بهيئتها الثابتة‪ ،‬بخالف‬
‫المتغيرة والمتنّقلة‪ ،‬وذلك كما‬
‫ّ‬ ‫النحو الذي يعنى بمعرفة أحوال الكلمة في صورها‬
‫علم ّ‬
‫أشار ابن ِجّني في شرح تصريف المازني‪ " :‬التصريف أقرب إلى ّ‬
‫النحو من االشتقاق‪،‬‬
‫النحو ّإنما هو لمعرفة أحواله المتنّقلة‪،‬‬‫فالتّصريف ّإنما هو لمعرفة أنفس الكلم الثابتة‪ ،‬و ّ‬
‫ِ‬
‫لمعرفة حاله المتنّقلة " (‪.)3‬‬ ‫ألن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصالً‬ ‫َّ‬
‫الداللة إذ ال يقوم أحدهما دو َن اآلخر‪ ،‬وقد‬
‫الصرف في ّ‬ ‫ط ابن ِجّني بين ّ‬
‫النحو و ّ‬ ‫وقد رب َ‬
‫أسبقية ابن ِجّني على اللسانيات الحديثة في جعل‬ ‫جاهد عن‬‫تحد َث عبد الكريم م ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫العرب في‬ ‫الصرف جزءاً من النحو‪ ،‬بقوله في تعريف النحو أنه‪ " :‬انتحاء س ِ‬
‫مت كال ِم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صرفه من إعراب وغيره‪ ،‬كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير واإلضافة والنسب‬ ‫ِ‬ ‫تَ ُّ‬

‫‌‪‌-‬الممتع‌الكبير‌في‌التّصريف‪‌:‬ابن‌عصفور‌اإلشبيلي‌(‪669‌-597‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬فخر‌الدين‌قبَ َ‬
‫اوة‪‌،‬مكتبة‌لبنان‌ناشرون‪‌،‬ط‪‌،1‬بيروت‌–‌‌‬ ‫‪1‬‬

‫لبنان‪1997‌،‬م‪‌،‬ص‪‌.33‬‬
‫ي‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬هادي‌نهر‪‌،‬تقديم‌أ‪.‬د‪‌.‬علي‌الحمد‪‌،‬دار‌األمل‪‌،‬ط‪‌،1‬إربد‌–‌األردن‪2007‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌-75‬‬ ‫ّ‬ ‫طبيقي‌في‌التراث‌العرب‬‫‪‌-‌2‬علم‌الدّاللة‌الت ّ‬
‫‪‌.76‬‬
‫ي‪‌:‬أبو‌الفتح‌عثمان‌بن‌جنّي‪‌،‬تح‪‌.‬إبراهيم‌مصطفى‪‌،‬وعبد‌هللا‌أمين‪‌،‬وزارة‌المعارف‌‬
‫ّ‬ ‫ف‌في‌شرح‌التصريف‌ألبي‌عثمان‌المازن‬ ‫نص‬
‫‪ِ ُ ‌-‌3‬‬
‫م‬ ‫ال‬
‫العموميّة‪‌،‬إدارة‌إحياء‌التراث‌القديم‪‌،‬ط‌‪1954‌،1‬م‪‌.4‌/1‌،‬‬

‫‪35‬‬
‫عند اللسانيات‬‫حوية َ‬
‫النسب هي فصائل َن ّ‬ ‫فالتثنية والجمع والتّحقير و ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫والتركيب"‬
‫ِ‬
‫يفية الكثير من‬‫أدرك بخبرته التّصر ّ‬
‫َ‬ ‫الحديثة‪ ،‬وقد اعتبرها ابن ِجّني وسائل ّ‬
‫النحو‪ ،‬كما‬
‫غيرات‬‫طردة التي تشير إلى فهم عميق للتّ ّ‬ ‫اللية‪ ،‬الم ّ‬
‫الد ّ‬‫رفية ذات الوظيفة ّ‬
‫الص ّ‬
‫القيم ّ‬
‫أشار إليه ابن ِجّني‬
‫اللية‪ ،‬وهذا ما َ‬‫الد ّ‬
‫رفية التي تتعاور الكلمة من أجل األغراض ّ‬ ‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫لعب بالحروف األصول‬ ‫ِ‬
‫الت ّ‬
‫بالداللة على المعاني‪ " :‬هو ّ‬
‫في قوله عن التّصريف وربطه ّ‬
‫لما يراد فيها من المعاني المفادة منها" وفي ذلك إشارة إلى اهتمام ابن ِجّني ّ‬
‫بالداللة‬ ‫(‪)2‬‬

‫تؤدي إلى خدمة المعنى أو توليد معان جديدة‪ ،‬ومن األمور التي أدركها‬ ‫رفية التي ّ‬
‫الص ّ‬‫ّ‬
‫ابن ِجّني أيضاً المورفيم الم ّقيد الذي يتّصل بالمورفيم ّ‬
‫الحر‪ ،‬كاتّصال السوابق واللواحق‬
‫الفعلية لتكّو َن معها معاني جديدة‪ ،‬فتكون إذاً هذه‬
‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫من الحروف واألدوات مع ّ‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫المقيدة حامل ًة للمعاني‪ ،‬كما تحمل المورفيمات الح ّرة بطبعها للمعاني‪.‬‬
‫المورفيمات ّ‬
‫للصيغ عند ابن ِجّني لها ارتباط وثيق ّ‬
‫بالداللة على المعاني‬ ‫رفية ّ‬
‫الص ّ‬‫الداللة ّ‬
‫فإن ّ‬
‫وبذلك ّ‬
‫الصيغ وما يط أر على مورفيماتها من تغيير وتعديل‪.‬‬‫من خالل هذه ّ‬
‫دالالت‬ ‫منية لها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الز ّ‬
‫فالصيغة ّ‬
‫منية الموضوعة للفعل‪ّ ،‬‬ ‫الز ّ‬
‫الصيغة ّ‬‫ونحن هاهنا بصدد ّ‬
‫ِ‬
‫األزمنة المطَلقة؛ وهي الماضي والحال واالستقبال؛ كبناء الماضي على‬ ‫مقرون ٌة ِ‬
‫بأحد‬
‫السين وسوف على‬
‫الفتح‪ ،‬واستهالل المضارع بأحد حروف المضارعة‪ ،‬ودخول ّ‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫بالزمان أكثر‬
‫فإن عالقة الفعل ّ‬
‫منية للفعل‪ّ ،‬‬
‫الز ّ‬
‫تدل على المراتب ّ‬
‫فإذا كانت هذه القرائن ُّ‬
‫أن الصيغة الو ِ‬ ‫َّ‬
‫احدة من الفعل تحتوي على دالالت‬ ‫شموالً من هذا التقسيم؛ إ ْذ ال َيخفى َّ ّ‬
‫متعلقة بأزمنة مختلفة على حسب ما يصاحب الفعل من كلمات أو تركيب‪ ،‬مثالً َّ‬
‫فإن‬
‫ِ‬
‫اآلتية‬ ‫ِ‬
‫الخمسة‬ ‫ِ‬
‫كل مثال من األمثلة‬
‫فعل ماض‪ ،‬ولكن قد يفيد في ّ‬ ‫الفعل (انتهى)‪ ،‬وهو ٌ‬
‫كل واحد منها عن الد ِ‬
‫الالت‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الزمان الغابر‪ ،‬ويختلف ذلك المعنى في ّ‬ ‫معنى لمراتب ّ‬
‫ً‬
‫بسبب األدو ِ‬
‫ات التي َل ِحَق ْت بها وهي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقية األمثلة‬
‫منية في ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬ـ انتهى‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.34‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫صناعيّة‪‌،‬ط‪‌،1‬القريبة‌–‌مصر‪(‌،‬د‪.‬ت)‪‌،‬ص‌‪‌.3‬‬ ‫صريف‌الملوكي‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬مطبعة‌شركة‌التّمدّن‌ال ّ‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬الت ّ‬
‫ّة‌عند‌ابن‌جنّي‪‌:‬عبد‌الكريم‌ ُمجاهد‌عبد‌الرحمن‪‌،‬بحوث‌لغويّة‌إلكترونيّة‌( ‪www. Quranic‬‬
‫ِ‬ ‫صرفي‬ ‫‪‌-‌3‬يُن َ‬
‫ظر‪‌:‬الدّاللة‌الصوتيّة‌والدّاللة‌ال ّ‬
‫‪‌،‌ ‌)Thought.com‬د‪.‬ت‪‌،‬ص‌‪.85-80‬‬

‫‪36‬‬
‫‪2‬ـ قد انتهى‬
‫‪3‬ـ إذ انتهى‬
‫‪4‬ـ كان قد انتهى‬
‫‪5‬ـ لواله لما انتهى‪.‬‬
‫ِ‬
‫األمثلة المذكورِة‪،‬‬ ‫كل مثال من‬ ‫ِ‬
‫يدل عليها فعل (انتهى) في ّ‬‫منية التي ُّ‬
‫الز ّ‬
‫إن المرتب َة ّ‬‫ّ‬
‫أن فعل (انتهى) قد َوَرَد في‬‫منية في األمثلة األخرى‪ ،‬مع َّ‬ ‫تختلف عن بقي ِ‬
‫َّه المر ِ‬
‫الز ّ‬
‫اتب ّ‬
‫فإن الفعل (انتهى) ‪ -‬على سبيل‬ ‫ِ‬
‫األمثلة على السواء‪ ،‬وأغرب من هذا َّ‬ ‫كل من ِ‬
‫هذه‬ ‫ّ‬
‫يدل على مستقبل م َعَّلق مع ّأنه‬
‫المثال ‪ -‬في جملة‪" :‬إذا انتهى األجل‪ ،‬انتهى الوجل" ُّ‬
‫يدل على مستقبل‬
‫الشرط أو الجزاء ُّ‬
‫شرطية‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫فعل ماض‪ )1( .‬وذلك لكون هذه الجملة‬ ‫ٌ‬
‫وخاصة مع األداة (إذا) التي تكون جملتها داّل ًة بطبيعتها على المستقبل‪ ،‬وألدوات‬ ‫م َّ‬
‫علق‪،‬‬
‫ّ‬
‫مكونات‬
‫الزمن العام للجملة أو تأثيرها على ّ‬ ‫خصوصي ٌة فيما يتعّلق بأثرها على ّ‬
‫ّ‬ ‫الشرط‬
‫شاء هللا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إن َ‬ ‫وسندرس ذلك في موضعه ْ‬
‫ٌ‬ ‫هذه الجملة‪،‬‬
‫ط مبدئي‬‫يتبين من األمثلة السابقة‪ -‬هو ارتبا ٌ‬
‫بالزمن – كما ّ‬
‫رفية ّ‬‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫إذاً فارتباط ّ‬
‫ّ‬
‫منية‪ ،‬أو حتّى داللة الجملة التي‬‫الز ّ‬ ‫ثانوي ال يؤخذ به في ّ‬
‫النص لتحديد داللة الفعل ّ‬
‫منية بحسب ما يضام‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫تتحول هذه ّ‬
‫الصيغة؛ إ ْذ ّ‬ ‫تتضمن هذا الفعل أو هذه ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن‬
‫النحوي) مضافاً إلى ّ‬
‫الزمن ّ‬
‫كسبه زمناً جديداً (هو ّ‬
‫الفعل من أدوات وقرائن‪ ،‬لت َ‬
‫الصرفي‪.‬‬ ‫الزمن المجرد‬
‫األصلي له وهو ّ‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫جدير باالهتمام؛ ذلك أن للفعل مراتب زمنية مختلفة‪،‬‬
‫فإنه ٌ‬‫الزمان بالنسبة إلى الفعل‪ّ ،‬‬
‫أما ّ‬
‫ولهذا فإن عالقة الفعل بالزمان أشمل بكثير من القدر الذي حصره علماء العر ّبية في‬
‫الز ِ‬
‫مان مباشرةً‪ ،‬و َّإنما أرادوا أن‬ ‫الوقوف على مفهوم ّ‬ ‫ِ‬
‫صَيغ ثالث‪ ،‬وربما لم يكن َغ َرضهم‬
‫َ‬
‫الحرف‪ ،‬فاقتصروا في هذه المحاولة على‬ ‫يتوصلوا إلى تعريف للفعل يميزه من االسم و ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫تقسيمه إلى الماضي والحال واالستقبال فحسب‪.‬‬
‫بالصيغة‬
‫منية‪ ،‬وهي ما تعرف ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ادية الحديثة هي ذات ّ‬ ‫كما أ َّن ّ‬
‫الصيغة اإلفر ّ‬
‫تتكون منها‪ ،‬وهيئتها التي بنيت‬
‫األصلية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫رفية‪ ،‬فهي صورة الكلمة أو مادتها‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬األزمة‌في‌العربيّة‌‪‌:‬فريد‌الدين‌آيدن‪‌،‬دار‌العبر‌للطباعة‌والنشر‪‌،‬إسطنبول‪1997‌،‬م‪‌،‬ص‌‪4‬‬
‫‪‌-2‬األزمنة‌في‌العربيّة‪‌:‬فريد‌الدين‌آيدن‪‌،‬ص‌‪3‬‬

‫‪37‬‬
‫رفية التي تمتاز بها وهي‬
‫الص ّ‬
‫أصلية أم زائدة‪ ،‬ووظائفها ّ‬
‫ّ‬ ‫اء أكانت‬
‫عليها حروفها سو ٌ‬
‫الناتجة عن مادتها وهيئتها التي‬
‫اللية ّ‬
‫الد ّ‬ ‫داللتها على الحدث المقترن ّ‬
‫بالزمن وإيحاءاتها ّ‬
‫المتنوعة التي أكسبتها بتنويعها دالالت عديدة‪.‬‬ ‫بنيت عليها وعن استعماالتها المختلفة و ّ‬
‫رفية لألفعال‬ ‫الص ّ‬‫الصيغ ّ‬‫الزمن فيذهب سيبويه و أنصاره إلى اعتبار ّ‬ ‫أما من حيث ّ‬ ‫َّ‬
‫تدل على زمن واحد – بحسب زعم الن ِ‬
‫حاة الم ْح َدِثين –‬ ‫قوالب زمنية جامدة وثابتة‪ُّ ،‬‬
‫ّ‬
‫لتعبر عنها وهي‬ ‫فيكون لألزمنة الثالثة (الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل) ثالث صيغ ّ‬
‫الصيغة األخيرة التي أخرجها بعض ُّ‬
‫النحاة‬ ‫َّ ُّ ِ‬
‫افعل) مع التحفظ على ّ‬ ‫عل‪َ ،‬يفعل‪ْ ،‬‬ ‫صيغ ( َف َ‬
‫الزمن واعتبروها قسيمة لصيغة (يفعل)‪ ،‬وال تحمل دالل ًة مستقّل ًة على زمن‬ ‫من دائرة ّ‬
‫زمن الحال دو َن المستقبل‪ ،‬وعلى ّأية حال‬ ‫بداللتها على ِ‬‫ِ‬ ‫بعين ِه‪ ،‬وبعضهم اآلخر قال‬ ‫ِ‬
‫نتقدين منهم‪ ،‬فنرى‬ ‫الزمني للفعل القى قبوالً عند المحدِثين‪ ،‬رغم كثرِة الم ِ‬ ‫فإن هذا التّقسيم‬‫َّ‬
‫َْ‬ ‫ّ ّ‬
‫الداللة‬
‫مهدي المخزومي مثالً يذهب مذهب بعض النحاة األوائل في القول بوحدة ّ‬
‫ياقية والمقامية بعرض الحائط مشي اًر إلى َّ‬
‫أن‬ ‫الس ّ‬
‫منية لصيغ األفعال‪ ،‬ضارباً القرائن ّ‬ ‫الز ّ‬ ‫ّ‬
‫محدد كالماضي مثالً‪ ،‬دون أن ّ‬
‫تغير نوع‬ ‫الداللة ضمن زمن ّ‬ ‫دورها يقتصر على تغيير ّ‬
‫الزمن من ماض إلى مضارع مثالً‪ ،‬وهذا ما يعتبر تقييداً وتضييقاً لطبيعتها المرنة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫سنبين الحقاً ‪ -‬إذ يرى‬ ‫ِ‬
‫ومنافياً لما قاله الكثير من الدارسين القدماء والم ْح َدثين ‪ -‬كما ّ‬
‫الزمن الماضي مطلقاً‪ ،‬منوعاً في جهاته وفي داللتها‬ ‫تدل على ّ‬ ‫مثالً َّ‬
‫أن صيغة ( َف َع َل) ُّ‬
‫أن العمل كان‬ ‫الزمن الماضي بحسب القرائن كالقول بداللة صيغة (فعل) على َّ‬
‫على ّ‬
‫الرواة‪ ،‬واتّفق‬
‫قد حدث‪ ،‬وحدث كثي اًر ويمكن أن يحدث كثي اًر أيضاً‪ ،‬مثل‪ :‬روت ّ‬
‫تم في أثناء الكالم‪ ،‬ولم ينجز إال بالكالم‬ ‫الداللة على َّ‬
‫أن العمل قد َّ‬ ‫المفسرون[‪ ،]...‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫السياق‬
‫ونشدت َك هللا‪ ،‬وهو في هذه اآلراء يتجاهل دور ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬كقولهم‪ِ :‬بعت َك‪َ ،‬زّوجت َك‪َ ،‬‬
‫يدلنا في المثال األخير على المضارع وليس على‬ ‫الداللة فالسياق ُّ‬
‫أو المقام لتحيد هذه ّ‬
‫ّ‬
‫تم في أثناء الكالم هو زمن‬ ‫فإن قوله بداللة الفعل على َّ‬
‫أن العمل َّ‬ ‫الماضي‪ ،‬وأصالً َّ‬
‫توهم المخزومي‬‫يدل على المستقبل أيضاً‪ ،‬وليس على الماضي كما ّ‬ ‫الحال‪ ،‬ويمكن أن ُّ‬
‫أمر‬
‫‪ ،‬واألمر ذاته مع صيغة (يفعل) التي رأى فيها دالل ًة مطلق ًة على المضارع وهذا ٌ‬
‫النحاة القدماء والم ْح َدِثين‪ ،‬وأبرزهم‬
‫الردود واالعتراضات من ّ‬
‫غير مقبول وعليه الكثير من ّ‬
‫تحدث عن داللة المضارع على الماضي باستخدام قرائن مختلفة‪ ،‬وكذلك‬ ‫ابن ِجّني الذي ّ‬
‫‪38‬‬
‫إال َّ‬
‫أن‬ ‫للداللة على المضارع‪ ،‬في سياقات متعددة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تحدث عن استخدام الماضي ّ‬
‫ّ‬
‫كل صيغة من وزن(يفعل) يجب أن تكون داّلة‬‫أن ّ‬‫تقبل َّ‬
‫المخزومي يجبر نفسه على ّ‬
‫على المضارع –دون تحديد لحال أو استقبال‪ -‬بالضرورة‪ ،‬فيقول مثالً في صيغة‬
‫يدل على نفي الحدوث في الزمان الماضي‪،‬‬ ‫ولما)‪" :‬إّنه ُّ‬ ‫المضارع المسبوق بنفي بــ(لم ّ‬
‫إلي رسالتك‪ ،‬و‬
‫تصل َّ‬ ‫ِ‬
‫بوعده‪ ،‬ولم‬ ‫خالد‬ ‫وذلك في كل مضارع مسبوق بلم‪ ،‬نحو لم ِ‬
‫ْ‬ ‫يف ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫كل فعل مسبوق‬ ‫مستمر إلى زمن التّكّلم ‪ ،‬وذلك في ّ‬
‫ّاً‬ ‫يدل على نفي حدوث الفعل نفياً‬ ‫أن ُّ‬
‫ِ‬ ‫َ َّ‬
‫عتبر تعارضاً‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫تعالى‪﴿:‬كال َل َّما َيقض َمآ أ َ‬
‫َم َره﴾(‌عبس‌﴿‪" )﴾23‬‬ ‫بلما‪ ،‬كقوله‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫قدمه من آراء تنفي داللة الفعل على زمن مختلف حتّى باقترانه بأدوات وسوابق‪،‬‬
‫لما ّ‬
‫الزمن المضارع إلى الماضي رغماً عنه‪ ،‬ولو حاول‬
‫قدمه من أمثلة أحال ّ‬ ‫فالنفي فيما ّ‬
‫ثم يستشهد بقول المستشرق بول‬
‫االجتهاد وترويض المعنى ليبدو داالً على المضارع‪َّ ،‬‬
‫الزمن في الفعل المضارع في ضوء استعماالته مختلف‪ ،‬وليس‬ ‫كراوس الذي يرى‪َّ :‬‬
‫أن ّ‬
‫يعبر في نفسه عن فكرة‬
‫ممي اًز عن غيره من األفعال‪ ،‬بل قد يقال ‪ّ " :‬أنه ال ّ‬
‫عنص اًر ّ‬
‫يتم‪ ،‬أو على‬ ‫أن العمل قد ابتدأ‪ ،‬أو على َّ‬
‫أن العمل لم ّ‬ ‫يدل أحياناً على َّ‬
‫ولكنه ُّ‬
‫الزمن‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مستمر الحدوث في الماضي والحاضر والمستقبل" (‪ ،)3‬ومن خالل هذا القول‬‫ّ‬ ‫أ َّن العمل‬
‫الذي يستشهد به المخزومي‪ ،‬وما يحمله هذا القول من أفكار تدحض مزاعم المخزومي‬
‫يدل على َّ‬
‫أن العمل قد ابتدأ‪ ،‬فيه‬ ‫بداللة المضارع على زمن الحال فقط‪ ،‬فقول كراوس‪ُّ :‬‬
‫أن العمل لم يتم‪ُّ ،‬‬
‫يدلنا على‬ ‫إشارة إلى داللة المضارع على زمن الحاضر‪ ،‬وقوله‪ :‬على َّ‬
‫ّ‬
‫أما قوله‪ :‬العمل المستمر الحدوث في الماضي والحاضر والمستقبل‪،‬‬‫الزمن المستقبل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫حيوية المضارع وقابليته لالندماج في أزمنة أخرى‪ ،‬كالماضي المستمر‬
‫يدل على ّ‬ ‫فإنما ُّ‬
‫ّ‬
‫ظل يدرس‪ ،‬ويدرس اآلن‪،‬‬
‫المستمر‪ ،‬وذلك كقولنا‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫المستمر‪ ،‬والمستقبل‬
‫ّ‬ ‫والحاضر‬
‫وسيظل يدرس‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قوة التّشابه بين الفعل والظرف‪ ،‬وذلك من خالل العطف بينهما‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويؤّكد ابن جّني على ّ‬
‫تأكيد باطني على داللة الفعل على‬
‫الزمن‪ ،‬وفي هذا ٌ‬‫الظرف على ّ‬ ‫وجلي عندنا داللة ّ‬
‫ّ‬

‫ابن‌جنّي‪‌،‬تح‪‌.‬محمد‌حسن‌إسماعيل‌وأحمد‌‬
‫ِ‬ ‫ظر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جني‪‌،330/3‌،226/3‌،105‌/1‌،‬ينظر‪‌:‬سر‌صناعة‌اإلعراب‪‌:‬‬ ‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫عامر‪‌،‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬ط‪‌،1‬بيروت‌–‌لبنان‪2000‌،‬م‌‪‌ ‌.75/2‌،75/1‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬ينظر‪‌:‬في‌النحو‌العربي‌نقد‌وتوجيه‪‌:‬د‪‌.‬مهدي‌المخزومي‪‌،‬ص‪‌.124‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌:‬ص‌‪‌.125‬‬

‫‪39‬‬
‫﴿يوَم تبَلى‬
‫أين تجمع بين قول هللا سبحانه‪َ :‬‬
‫أن يقال لك‪ :‬من َ‬ ‫الزمن‪ ،‬يقول‪ " :‬ومن ذلك ْ‬ ‫ّ‬
‫لس ارِٓئرَفما َله ۥ ِمن قَّ ٖوة وَال ن ِ‬
‫اص ٖر﴾ (الطارق‪ )﴾10-9﴿‌:‬مع قول الشاعر‪:‬‬ ‫َ َ‬ ‫ٱ َّ َ َ‬
‫طا ار‬
‫الد ْهر َعّني َف َ‬
‫فطيره ّ‬
‫َّ‬ ‫زمان علي غراب غ َداف‬
‫َ‬
‫أما‬
‫ظرف بالفعل‪ّ ،‬‬ ‫قوة شبه ال ّ‬ ‫كل واحد من اآلية والبيت دليالً على ّ‬‫أن في ّ‬‫فالجواب‪ّ :‬‬
‫﴿يوم تبلى السرائر﴾‬ ‫قوة﴾ على قوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ظرف في قوله‪﴿ :‬فما له من ّ‬ ‫عطف ال ّ‬
‫َ‬ ‫فألنه‬
‫اآلية ّ‬
‫طف الفعل فيه‬
‫فألنه َع َ‬‫ؤذن بالتماثل والتشابه‪ ،‬وأما البيت ّ‬‫والعطف نظير التثنية؛ وهو م ٌ‬
‫(‪)1‬‬
‫ظرف الذي هو قوله‪( :‬علي غراب غداف)‪ ،‬وهذا واضح‪...‬‬ ‫على ال ّ‬
‫سماها الكوفيون بالفعل الدائم‪ ،‬وهنا‬ ‫يتطرق المخزومي إلى صيغة (فاعل) أو التي ّ‬
‫ثم ّ‬ ‫َّ‬
‫فعل)‬‫وي َ‬
‫تبناها حول صيغتي ( َف َع َل‪َ ،‬‬
‫قدمناه من آراء ّ‬ ‫نجد َّ‬
‫أن المخزومي يناقض نفسه فيما ّ‬
‫تدل‬
‫أن صيغة (فاعل) ُّ‬ ‫اّللتين رأى فيهما داللة مطلقة على الماضي والمضارع‪ ،‬إذ يرى َّ‬
‫الزمان‪،‬‬
‫الداللة على ّ‬
‫الدوام‪ ،‬مفرغاً ّإياها من ّ‬
‫السياق على الثّبوت و ّ‬
‫بصيغتها المفردة خارج ّ‬
‫الفراء في‬
‫لذلك بما ذهب إليه ّ‬‫وتصبح داّلة على الزمان إذا جاء بعدها شيء‪ ،‬مستشهداً َ‬
‫ِۖ‬
‫س َذآِئَقة ٱل َمو ِت ث َّم ِإَليَنا تر َجعو َن﴾(‌الع‌نكبوت‌﴿‪ ،)﴾57‬وحادثة‬
‫قراءة قوله تعالى‪﴿ :‬ك ُّل َنف ٖ‬
‫الكسائي وأبي يوسف في مجلس هارون الرشيد في عبارتي (أنا قاتل غ ِ‬
‫الم َك‪ ،‬و أنا‬ ‫ّ‬
‫الداللة على الماضي في حال اإلضافة‪،‬‬ ‫تدل عليه العبارتان من ّ‬ ‫الم َك) (‪ ،)2‬وما ُّ‬
‫قاتل غ َ‬
‫ٌ‬
‫اف واضح بدور‬ ‫وعلى المستقبل عندما تكون الكلمة ّ‬
‫منونة غير مضافة‪ ،‬فهذا اعتر ٌ‬
‫الصيغة وحدها كما‬
‫الزمن وليس الفيصل في ذلك هو ّ‬
‫السياق والقرائن في تحديد داللة ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أشار المخزومي في اتّباعه لمن قال بذلك‪.‬‬
‫الصيغة على المعنى‪:‬‬
‫‪ -2‬داللة ّ‬
‫فعل) على معان مختلفة –بصرف‬ ‫وي َ‬
‫الصيغتين المشهورتين ( َف َع َل‪َ ،‬‬
‫كل صيغة من ّ‬
‫تدل ُّ‬
‫ُّ‬
‫السياق الذي توضع فيه‪ ،‬وباختالف القرائن‬
‫تؤديانه‪ -‬باختالف ّ‬ ‫الزمن الذي ّ‬
‫النظر عن ّ‬‫ّ‬
‫السوابق واللواحق‪ ،‬وتختلفان‬‫الصيغتان بقبولهما ّ‬
‫تتميز هاتان ّ‬
‫ضاف إليهما‪ ،‬كما ّ‬‫التي ت َ‬
‫فيما بينهما من حيث قبول هذه اإلضافات‪ ،‬التي ت ِ‬
‫كسبهما معنى جديداً ودالل ًة مغايرة‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫وضع‬
‫الداللة المعنوية َم َ‬ ‫وكانت دراسة هذا التّغير الطارئ على ّ‬
‫تعارف عليه‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫عما هو م‬
‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.320‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬األشباه‌والنظائر‪‌:‬السيوطي‪‌.224‌–‌223‌/3‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬يُنظر‪‌:‬النّحو‌العرب ّ‌‬
‫ي‌نقد‌وتوجيه‪‌:‬مهدي‌المخزومي‪‌،‬ص‌‪‌.126‌–‌122‬‬

‫‪40‬‬
‫أن ابن ِجّني لم َيفته الحديث‬ ‫ِ‬
‫اهتمام عند الدارسين والمتكّلمين القدماء والم ْح َدثين‪ ،‬ونرى ّ‬
‫عل) ودورها في‬ ‫ِ‬
‫فتحد َث باستفاضة عن دخول السوابق على صيغة ( َف َ‬ ‫في هذا األمر‪ّ ،‬‬
‫ذلك –وهو أصنع منه‪ّ -‬أنهم جعلوا (استفعل) في أكثر‬ ‫إيصال المعنى‪ ،‬يقول‪ " :‬ومن َ‬
‫ثم وردت‬ ‫ِ‬
‫األمر للطلب؛ نحو استسقى‪ ،‬واستطعم[‪]...‬فجاءت الهمزة والسين والتّاء زوائد‪َّ ،‬‬
‫التماسه والسعي فيه‬
‫الطلب للفعل و َ‬‫َ‬ ‫بعدها األصول‪ :‬الفاء‪ ،‬والعين‪ ،‬والالم[‪ ]...‬وذلك َّ‬
‫أن‬
‫سب َب لوقوعه‪...‬‬
‫فتبع الفعل السؤال فيه والتّ ّ‬
‫تقدمه‪ ،‬ثم وقعت اإلجابة إليه‪َ ،‬‬ ‫والتّأتّي لوقوعه ّ‬
‫الصيغة والتي تساعد‬ ‫ّ‬ ‫تسبق‬ ‫التي‬ ‫األحرف‬ ‫هذه‬ ‫ة‬‫أهمي‬
‫ّ‬ ‫مدى‬ ‫القول‬ ‫هذا‬ ‫من‬ ‫ويتضح‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫إيحائية للمتلّقي‪ ،‬وتغني عن استخدام كلمات أخرى إليصال المعنى‬


‫ّ‬ ‫في إيصال داللة‬
‫العرب قديماً لجأت إلى تكرير عين الفعل (فعل) للداللة على‬
‫َ‬ ‫ذاته‪ ،‬ومن ذلك أيضاً َّ‬
‫أن‬
‫تقطيع الفعل دليال على تقطيع‬
‫َ‬ ‫طع وك ّسر وغيرها‪ ،‬وكذلك جعلوا‬
‫تكرير الفعل‪ ،‬مثل ق ّ‬
‫المعنى كما في قولهم (صرصر‪ ،‬وحقحق)‪ ،‬واختاروا تكرير العين دون الفاء والالم‬
‫قوة المعنى‪،‬‬
‫قوة الحرف دليالً على ّ‬
‫لقوتها وحصانتها من الحذف أو التغيير‪ ،‬فجعلوا ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وتكريره دليالً على تكريره‪.‬‬
‫مستقر‪ ،‬بل نراه قابالً‬
‫ّ‬ ‫ولكن هذا المعنى غير ثابت أو‬‫معنى محدد ّ‬
‫ً‬
‫فلكل صيغة‬
‫إذاً ّ‬
‫المجردة‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫للصيغة بحالتها‬
‫إضافية غير المعنى األصلي ّ‬ ‫ّ‬ ‫غير واكتساب معان‬
‫للتّ ّ‬
‫فيتغير المعنى تبعاً‬
‫ّ‬ ‫للصيغة‪،‬‬
‫معنى (سوابق أو لواحق) ّ‬ ‫ً‬
‫عن طريق إضافة حروف‬
‫قدمها‬
‫الصيغة شيئاً من معناها‪ ،‬كما رأينا في األمثلة التي ّ‬
‫لمعاني هذه األحرف لتكسب ّ‬
‫الصيغة‬ ‫ِ‬
‫ابن جّني من دخول (الهمزة والسين والتاء) للداللة على الطلب‪ ،‬والتي تسبق ّ‬
‫شبه بهذا‪ ،‬وأيضاً تكرير الحرف األوسط واألقوى في‬ ‫كما يسبق الطلب الجواب؛ فذاك ٌ‬
‫الصيغة للداللة على تكرير الفعل‪ ،‬وأمثلة ذلك كثيرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فعل) فقط‪ ،‬و‬ ‫وي َ‬
‫الصيغتين الفعليتَين ( َف َع َل‪َ ،‬‬
‫الصيغة على المعنى على ّ‬ ‫وال تتوقف داللة ّ‬
‫الصيغ على المعنى كالمصادر والمشتّقات واألدوات‪ ،‬فهذا ابن ِجّني يؤّكد‬ ‫تدل كل ّ‬ ‫إنما ُّ‬
‫تجاذب اإلعراب والمعنى ما جرى‬ ‫ِ‬ ‫داللة المصدر على معنى الوصف‪ ،‬فيقول‪" :‬ومن‬
‫وقوم ِرضا‪ ،‬ورجل َع ْدل‪ْ ،‬‬
‫فإن وصفته‬ ‫رجل َد َنف‪ٌ ،‬‬
‫من المصادر وصفاً؛ نحو قولك‪ :‬هذا ٌ‬

‫ر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.154‌–‌153‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫ظ‬
‫ظر‪‌:‬المصدر‌السّابق‪‌.155‌/2‌،‬‬‫‪‌-‌2‬يُن َ‬

‫‪41‬‬
‫ورجل عادل‪ ،‬هذا هو األصل‪ ،‬و‬ ‫مرضيون‪،‬‬ ‫وقوم‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫رجل دنف‪ٌ ،‬‬
‫قلت‪ٌ :‬‬‫بالصفة الصريحة‪ْ ،‬‬
‫وصفت بالمصدر ألمرين‪ ،‬أحدهما‬
‫إنما انصرفت العرب عنه في بعض األحوال إلى أن َ‬
‫يدك أنساً بشبه المصدر للصفة التي أوقعته‬‫الصناعي فليز َ‬ ‫أما‬
‫صناعي واآلخر معنوي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫موقع المصدر‪ ،‬في نحو قولك‪ :‬أَقائماً والناس قعود[‪ ]...‬و‬ ‫موقعها‪ ،‬كما أوِق َعت الصفة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة َمخلوق من‬ ‫ِ‬
‫كأنه في‬‫ف بالمصدر صار الموصوف ّ‬ ‫المعنوي ّ‬
‫فألنه إذا وص َ‬ ‫ّ‬ ‫أما‬
‫ذلك الفعل‪ ،‬وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده ّإياه‪ ،)1(...‬وهنا نجد ابن ِجّني يناقش أمرين؛‬
‫الداللة على الوصف وهذا التّشابه هو‬ ‫األول هو التشابه بين المصدر والصفة في ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنه كان نوعاً من اإلسهاب‬‫الصناعي الذي أطلقه ابن ِجّني على التّشابه بينهما‪ّ ،‬‬
‫السبب ّ‬ ‫ّ‬
‫وقوة تعبيره‬ ‫في تقديم الشرح ل ُّ‬
‫السياق ّ‬
‫الصفة في ّ‬
‫حل ّ‬‫إمكانية إحالل المصدر َم َ‬
‫ّ‬ ‫يدلنا على‬
‫سبب يتعّلق بالمعنى اإليحائي الداللي الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المعنوي‪ :‬فهو ٌ‬
‫ّ‬ ‫الصفة‪ ،‬أما السبب‬
‫عن ّ‬
‫أن‬
‫نعلم ّ‬‫بالصيغة ووجودها‪ ،‬فكما ّ‬ ‫الصفة‪ ،‬وارتباطه ّ‬ ‫يؤديه استخدام المصدر مكان ّ‬ ‫ّ‬
‫الصفة تشتَق من الفعل‪ ،‬وإذا وصفنا شخصاً باستخدام‬ ‫أصل لألفعال‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬ ‫المصادر‬
‫كأنها خلَِق ْت‬
‫الصفة وأصالتها في الموصوف حتّى ّ‬ ‫باطني بقدم ّ‬ ‫إيحاء‬
‫ٌ‬ ‫المصدر‪ ،‬ففي هذا‬
‫ّ‬
‫معه‪.‬‬
‫ومن مظاهر عناية العرب بالمعنى وتفضيله على اللفظ‪ ،‬ما أورده ابن ِجّني في حديثه‬
‫الرد على من ّادعى على العرب عنايتها‬ ‫الصيغ على المعنى‪ ،‬في باب ّ‬ ‫عن داللة ّ‬
‫وتقدمها في‬
‫يدل على اهتمام العرب بمعانيها‪ّ ،‬‬
‫باأللفاظ وإغفالها المعنى‪ ،‬يقول‪" :‬مما ُّ‬
‫أنفسها على ألفاظها‪ّ ،‬أنهم قالوا في شمللت(‪ ،)2‬وصعررت(‪ ،)3‬وبيطرت‪ ،‬وحوقلت‪،‬‬
‫وج ْعبيت(‪ّ :)6‬أنها ملحقة بباب دحرجت‪ ،‬وذلك ّأنهم وجدوها‬
‫وسْلقيت ‪َ ،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ودهورت ‪َ ،‬‬
‫(‪)4‬‬

‫ِ‬
‫على َسمتها‪ :‬عدد حروف‪ ،‬وموافق ًة بالحركة والسكون‪ ،‬فكانت صناع ًة ّ‬
‫لفظية‪)7( "...‬؛‬
‫إذ يؤّكد ابن ِجّني في هذا المثال على ّ‬
‫شدة العناية بالمعاني‪ ،‬من خالل استخدام عدد‬
‫دليل على شرف المعنى عندهم‪،‬‬
‫كبير من األلفاظ وجميعها ملحقة بباب واحد‪ ،‬وهذا ٌ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.259‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‌وشمر‪‌.‬‬
‫ّ‬ ‫ع‬
‫‪‌-‌2‬شملل‪‌:‬أسر َ‬
‫‪‌-‌3‬صعرر‌الشيء‪‌:‬دحرجهُ‪‌.‬‬
‫‪‌-‌4‬دهور‌الشيء‪‌:‬جمعهُ‌وقذفهُ‌في‌مهواة‪.‬‬
‫‪-‌5‬سلقاه‪‌:‬إذا‌طعنهُ‌فألقاهُ‌على‌جنب ِه‌‬
‫‪‌-‌6‬جعباه‪‌:‬إذا‌صرعهُ‪‌.‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.221‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌7‬‬

‫‪42‬‬
‫ثم يتابع ابن ِجّني معّلالً إلحاق هذه المعاني كّلها بباب دحرجت‪،‬‬
‫وتفضيله على اللفظ‪ّ ،‬‬
‫وفعليت‪ ،‬وفوعلت‪ ،‬وفعليت‪ ،‬ملحقة بباب دحرجت‬ ‫أن فعللت‪ْ ،‬‬ ‫فيقول‪ " :‬والدليل على ّ‬
‫الشمللة‪ ،‬والبيطرة‪،‬‬
‫مجيء مصادرها على مثل مصادر باب دحرجت‪ ،‬وذلك قولهم‪ّ :‬‬
‫القوقاة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الهملجة (‪ ،)1‬و ِ‬ ‫ِ‬
‫كالدحرجة‪ ،‬و‬ ‫السْلقاة‪ ،‬والجعباة‪ ،‬فهذا ونحوه‬
‫الدهورة‪ ،‬و َ‬
‫والحوقلة‪ ،‬و ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫استمرت في تصريفها استمرار ذوات األربعة‪".‬‬‫ّ‬ ‫الزوزاة[‪ ]...‬ولذلك‬
‫وّ‬
‫السوابق واللواحق وحروف الحشو على المعنى‪،‬‬ ‫تطر َق ابن ِجّني إلى ِ‬
‫أثر ّ‬ ‫وكذلك فقد ّ‬
‫أن يكونا ملحقين –إن كانا على وزن جعفر‪،‬‬ ‫فعل ْ‬‫فعل و ِم َ‬
‫فيقول‪" :‬وسبب امتناع َم َ‬
‫نحو‬ ‫أن الحرف الزائد في ّأولها‪ ،‬وهو لِمعنى؛ وذلك ّ‬
‫أن َمْف َعالً يأتي للمصادر‪َ ،‬‬ ‫وهجرع‪ّ -‬‬
‫معنى َحشواً‬
‫ً‬
‫فلما كانت الميمان ذواتي‬
‫دخالً‪ ،‬وخرَج َمخرجاً[‪ّ ]...‬‬ ‫ودخل َم َ‬
‫َ‬ ‫ذهباً‪،‬‬
‫ذهب َم َ‬
‫َ‬
‫فيستهلك المعنى‬‫الغرض فيهما ّإنما هو اإللحاق َحسب‪ٌ ،‬‬
‫َ‬ ‫يتوهم َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫إن هم ألحقوا بهما ْ‬ ‫ْ‬
‫وتقدمه‬
‫يدلك على تم ّكن المعنى في أنفسهم ّ‬ ‫المقصود بهما‪ ،‬فتحاموا اإللحاق بهما[‪ ]...‬و ُّ‬
‫َ‬
‫فقدموا دليله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقوة العناية به‪ّ ،‬‬
‫للفظ عندهم تقديمهم لحرف المعنى في ّأول الكلمة‪ ،‬وذلك ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫نه عندهم‪".‬‬‫ليكون ذلك أَمارة لتم ّك ِ‬
‫ً‬
‫وشدة ارتباطها بالكلمة وبمعنى‬
‫ففي هذا دليل على أثر حروف المعنى التي تسبق الكلمة ّ‬
‫قوة‬ ‫ِ‬
‫نفسها وعلى ّ‬
‫قوة الكلمة ّ‬ ‫قوة الحرف السابق للكلمة دليالً على ّ‬ ‫هذه الكلمة‪ ،‬فكانت ّ‬
‫معناها أيضاً‪ ،‬وبعدها يأتي ابن ِجّني على حروف أخرى من السوابق ومنها حروف‬
‫ِ‬
‫ونوعه‪ ،‬كما أفعل‪ ،‬ونفعل‪ ،‬ويفعل‪،‬‬ ‫المضارعة التي تسبق الفعل وتكون دليالً على الفاعل‬
‫قوة أثر هذه‬
‫دليل على ّ‬
‫أما مجيء حروف المعاني حشواً في الكلمة‪ ،‬ففيه ٌ‬ ‫وتفعل‪ّ ،‬‬
‫الحروف على المعنى‪ ،‬فآثروا وضعه في الحشو حماي ًة له من الحذف والتعديل بإبدال‬
‫تدل عليه الكلمة على خالف‬
‫أو إعالل‪ ،‬وذلك لشدة ارتباط هذه الحروف بالمعنى الذي ُّ‬
‫السوابق (كحروف المضارعة) واللواحق (كحروف اإللحاق) والتي و إن كانت زيادتها‬ ‫ّ‬
‫أن حذفها ال يلغي معنى الكملة األصلي‪ ،‬بل ي ِنقصه شيئاً من المعنى الذي‬
‫لمعنى‪ ،‬إال ّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫أما لو حذفت حروف الحشو‪ ،‬الختلف المعنى تماماً‪ ،‬أو صارت الكلمة بال‬ ‫كان عليه‪ّ ،‬‬

‫‪‌-‌1‬الهملجة‪‌:‬حسن‌سير‌الدّابة‌في‌سرعة‪.‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.222‌-221‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.224/1‌،‬‬

‫‪43‬‬
‫دليل آخر على عناية العرب بالمعنى على حساب اللفظ وليس العكس‪،‬‬
‫معنى ‪ ،‬و هذا ٌ‬
‫(‪)1‬‬

‫الصيغ على المعنى‪ ،‬وبالتالي داللة اللفظ على‬


‫أن فيه دليالً على داللة اللفظ و ّ‬
‫كما ّ‬
‫الزمن بالمعنى‪.‬‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك الرتباط ّ‬
‫ّ‬
‫امتد إلى الدرس الحديث‪ ،‬فنراهم‬
‫ولم ينحصر االهتمام بالمعنى عند القدماء فقط‪ ،‬بل ّ‬
‫يهتمون باللفظ والمعنى أيضاً‪ ،‬وما يؤثر في هذا المعنى من القرائن واألدوات المختلفة‬
‫ّ‬
‫التي تقترن بالصيغ الصرفية‪ ،‬فنرى عّباس محمود العّقاد ّ‬
‫يتحدث عن أثر أدوات النفي‬
‫فيفرق بين النفي بـ (لم) و(ما) مع المضارع‬
‫الصيغة بالتالي زمنها‪ّ ،‬‬
‫في تحويل معنى ّ‬
‫والماضي‪ ،‬فالنفي بـ (لم) مقصور على نفي الحدوث‪ ،‬وال يكون إال لزمن ماض؛ ألننا‬
‫كان الكالم على ما مضى‪،‬‬
‫أو لم يحدث قطعاً‪ ،‬إال إذا َ‬ ‫ال نتكّلم عن شيء حدث قطعاً‬
‫ألن (ما) تدخل على‬
‫حدث هذا؛ ّ‬
‫َ‬ ‫هذا‪ ،‬وال يقول‪ :‬لم‬
‫حدث‬
‫َ‬ ‫و إن العربي يقول‪ :‬ما‬
‫ّ‬
‫المضارع فتفيد نفي االنبغاء ال نفي الحدوث‪ ،‬فالشخص الذي يقول‪ :‬ما يحدث هذا‪،‬‬
‫يحدث هذا‪ ،‬وهذا هو الفارق بين (لم) التي ال تحتاج إلى‬
‫َ‬ ‫فإنه يقصد‪ :‬ال ينبغي أن‬
‫ّ‬
‫فإنها ماضي ٌة قطعاً‪ ،‬وبين (ما) التي تدخل على الماضي والمضارع؛‬
‫الفعل الماضي ّ‬
‫ألنه ال ينبغي أو ال يعقل‪،‬‬‫تدل على جانب من معنى الوقوع على نفي الشيء‪ّ ،‬‬ ‫ألنها ُّ‬
‫ّ‬
‫أن الفعل يتأثر بموقعه من األداة النافية ومعناها‪،‬‬
‫أو ال يقع في الحساب‪ ،‬والخالصة هي ّ‬
‫منية بل هو متأثّر بها في لفظه ومعناه‪ ،‬فمعنى (لم يفعل)‬
‫الز ّ‬
‫فليس منقطعاً عن العالقة ّ‬
‫منية بعالقة‬
‫الز ّ‬
‫يدل على ارتباط العالقة ّ‬
‫اختالف ُّ‬
‫ٌ‬ ‫غير (لن يفعل)‪ ،‬وغير (ما يفعل)‪ ،‬وهو‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلعراب‪.‬‬
‫الدكتور سمير استيتية بين استخدام‬
‫الصيغة على معنيين أو داللتين‪ ،‬ويفصل ّ‬ ‫تدل ّ‬‫وقد ُّ‬
‫إن كنت‬
‫وصفية‪ ،‬وذلك كأن تقول‪ْ :‬‬
‫ّ‬ ‫زمانية واستخدامه لغاية‬
‫ّ‬ ‫فعل الكينونة( كان) لغاية‬
‫قلت فيها ذلك فقد صدقت‪،‬‬ ‫ْقد قْل َت ذلك فقد صدقت‪ ،‬والمعنى َّأنه إذا ّ‬
‫مرت لحظ ٌة َ‬
‫الزمني الذي أضفاه استخدام فعل الكينونة على‬ ‫فنالحظ في هذه العبارة التّخصيص‬
‫ّ ّ‬
‫وصفية‪ ،‬وذلك إذا خاطبت إنساناً ّأدى‬
‫ّ‬ ‫أما استخدامه (فعل الكينونة) لغاية‬
‫هذه الجملة‪َّ ،‬‬
‫أداء رائعاً في موقف ما‪ ،‬فقلت له‪ :‬لقد كنت رائعاً‪ ،‬فالكينونة هنا أفادت الوصف بدليل‬
‫ً‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.225‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫ظر‪‌:‬‬‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫ظر‪‌:‬اللغة‌الشاعرة‪‌:‬عبّاس‌محمود‌العقّاد‪‌،‬مؤسسة‌هنداوي‌للتعليم‌والثقافة‪‌،‬القاهرة‌–‌مصر‪2012‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.48‬‬
‫‪‌-‌2‬يُن َ‬

‫‪44‬‬
‫طب‪ ،‬بل تعني أن هذا الوصف قد ظهر في‬ ‫ّأنها ال تعني زوال هذا الوصف عن المخا َ‬
‫مستمرة في صاحبها‪ )1( .‬فنراه هنا يحدد‬
‫ّ‬ ‫ذلك الموقف‪ ،‬وهذا يحتمل بقاء هذه الصفة‬
‫المعنوية‪ ،‬فتارة كانت داّلة على الزمان‪ ،‬وأخرى داّل ًة على‬
‫ّ‬ ‫داللة (كان) بحسب داللتها‬
‫الوصف‪ ،‬وال أرى اعتماده على ّ‬
‫الداللة المعنوية لــ(كان) كافياً ليحدد طبيعة استخدامها‬
‫يشير إلى دور خبر (كان) في تحديد هذه‬
‫وصفية‪ ،‬وكان من األجدر أن َ‬
‫ّ‬ ‫أزمني ٌة هي أم‬
‫ّ‬
‫زمني ًة‪ ،‬فيكون خبرها حدثاً والحدث كما هو‬
‫الداللة‪ ،‬فعندما يكون خبرها فعالً تكون ّ‬
‫ّ‬
‫معروف ال ّبد من اقترانه بزمان‪ ،‬كقولنا‪ :‬كنت تدرس‪ ،‬وكان يلعب حين كانت تمطر‪...‬‬
‫أن الخبر في‬‫منية بدليل ّ‬
‫الز ّ‬ ‫إلخ‪ ،‬فنرى َّ‬
‫أن فعل الكينونة في األمثلة السابقة دال على ّ‬
‫وصفي ًة‪ ،‬فاألسماء‬
‫ّ‬ ‫الجمل السابقة كان فعالً‪ ،‬وإذا كان خبر فعل الكينونة اسماً تكون‬
‫كنت مجتهداً‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫صفة مع كان‪ ،‬كقولنا‪ :‬كان الطقس جميالً‪َ ،‬‬‫تدل على ثبات ال ّ‬
‫ُّ‬
‫الصيغة على معنى الفعل المحذوف ال لعالقة‬
‫تدل ّ‬
‫أن ُّ‬‫الصيغ على المعنى‪ْ ،‬‬
‫ومن داللة ّ‬
‫السياق والمقام على هذا‬
‫الصيغة الموجودة)‪ ،‬بل لداللة ّ‬
‫بينهما (بين الفعل المحذوف و ّ‬
‫عرف في الدرس الحديث بـ(سياق الحال)‪ ،‬وقد أبدع القدماء‬
‫المعنى المحذوف‪ ،‬وهو ما ي َ‬
‫أن خير الكالم‬
‫في هذا النوع من الكالم الرتباطه بالبالغة والفصاحة‪ ،‬واعتقادهم الدائم ّ‬
‫النفس‪ ،‬وهذا ما عهدناه عن العرب دائماً في‬
‫ودل‪ ،‬و إن ما خفي كان أعظم في ّ‬ ‫قل ّ‬ ‫ما ّ‬
‫بأقل الكالم‪ ،‬ليكون دليالً على‬
‫جنوحهم إلى االختصار وإيصال المعاني واألفكار ّ‬
‫اللغوية‪ ،‬ومن أبرز القدماء الذين تحدثوا عن هذا األسلوب‬
‫ّ‬ ‫الفصاحة والبالغة والقدرة‬
‫واستخدموه في نصوصهم وشروحهم‪ ،‬ابن ِجّني الذي يقول في مطلع (باب في الفرق‬
‫َ‬
‫بين تقدير اإلعراب وتفسير المعنى)‪ " :‬هذا الموضع كثي اًر ما يستهوي َم ْن يضعف َنظره‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‪ ،‬وذلك كقولِهم في تفسير قولنا‪( :‬أهَل َك و َ‬
‫الليل) معناه‬ ‫يقوده إلى إفساد ّ‬‫أن َ‬ ‫إلى ْ‬
‫فيجره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أن يقول (أهَل َك والليل) ّ‬
‫قبل الليل‪ ،‬فرّبما دعا ذاك َم ْن ال درب َة له إلى ْ‬
‫الحق أهلك َ‬‫ْ‬
‫ظن بعضهم َّ‬
‫أن زيداً‬ ‫قام‪ ،‬رّبما ّ‬ ‫ِ‬
‫الليل‪ ،‬كذلك قولنا‪ :‬ز ٌيد َ‬
‫أهلك وسابق َ‬ ‫الحق َ‬
‫ْ‬ ‫و إنما تقديره‬
‫سرني‬
‫الصنعة‪ ،‬كما ّأنه فاعل في المعنى‪ ،‬وكذلك تفسير معنى قولنا‪ّ :‬‬
‫هنا فاعل في ّ‬
‫السياق في‬
‫دل ّ‬‫قام هذا و إن قعد ذاك‪ ، ...‬فقد ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أن َ‬‫سرني ْ‬‫بأنه ّ‬
‫قيام هذا وقعود ذاك‪ّ ،‬‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬اللّسانيّات‪‌:‬د‪‌.‬سمير‌استيتية ‌‪‌،‬عالم‌الكتب‌الحديث‪‌،‬ط‪‌،2‬إربد‌–‌األردن‪2008‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.149‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.280-‌279‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪45‬‬
‫وسرني قيام هذا وقعود ذاك) على فعل محذوف‬
‫األقوال السابقة (أهلك والليل‪ ،‬ز ٌيد قام‪ّ ،‬‬
‫وتقدير كالم محذوف‪ ،‬بقي معناه مالزماً للصيغ األخرى بسبب الحال والموقف والمقام‬
‫التي أفادت هذا المعنى ودّلت عليه‪.‬‬
‫الصيغة‪:‬‬
‫‪ -3‬زمن الفعل وداللة ّ‬
‫الدارسين القدماء والم ْح َدِثين‪ ،‬حتى‬
‫بالصيغة ارتباطاً وثيقاً أ ّكده الكثير من َّ‬
‫الزمن ّ‬
‫يرتبط ّ‬
‫الزمن‬
‫الصيغ على ّ‬ ‫كل صيغة‪ ،‬وفي داللة هذه ّ‬ ‫إن اختلفوا في األزمنة التي ت ِنتجها ُّ‬
‫وْ‬
‫الزمن‪،‬‬
‫ئيسياً ووحيداً في تحديد ّ‬
‫رفية عامالً ر ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫جعل ّ‬
‫مفردةً ومرّكبة‪ ،‬وبعضهم َ‬
‫وآخرون اعتبروا ّ‬
‫الصيغ مساعداً مع عناصر أخرى في تسمية ّ‬
‫الزمن‪ ،‬كما اختلفوا في‬
‫وم ْن قال‬
‫افعل) َ‬
‫(فعل‪ ،‬يفعل‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫الصيغ الرئيسية بين من ذهب إلى ّأنها ثالثة‬
‫عدد هذه ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫الصيغ على أزمنة مختلفة‪ ،‬ومن المجحف ْ‬‫تدل هذه ّ‬
‫بصيغتين فقط (فعل‪ ،‬ويفعل)‪ ،‬و ُّ‬
‫نقول إ َّن داللتها على هذه األزمنة كانت بنفسها فقط‪ ،‬أي بدون القرائن المختلفة أو‬
‫ومعنوياً)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(زمنياً‬
‫ّ‬ ‫الصيغ مختلفة فيما بينها‬
‫إن الحركات يمكن تجعل هذه ّ‬ ‫بل ّ‬
‫السياق‪ ،‬ال ْ‬
‫ّ‬
‫الداللة على وجوب مخالفة‬ ‫وهذا ما أشار إليه ابن ِجّني بقوله‪ " :‬وذلك ّأنه قد دّلت ّ‬
‫صيغة الماضي لصيغة المضارع‪ِ ،‬إذ الغرض في صيغ هذه المثل ّإنما هو إلفادة‬
‫لصاحبه‪ ،‬وكّلما ازداد الخالف كانت في ذلك‬ ‫ِ‬ ‫مثال مخالف‬
‫لكل زمان ٌ‬ ‫األزمنة‪ ،‬فجعل ّ‬
‫حركة فاء الماضي سكو َن فاء‬ ‫ِ‬ ‫أن جعلوا بإزاء‬ ‫الزمان‪ ،‬فمن ذلك ْ‬ ‫الداللة على ّ‬ ‫قوة ّ‬
‫ّ‬
‫ض ِرب‪َ ،‬قَت َل َيْقتل‪َ ،‬علِ َم َي ْعَلم‪ ،)1( ".‬إ ْذ‬
‫ض َر َب َي ْ‬
‫المضارع‪ ،‬وخالفوا بين عينيهما‪ ،‬فقالوا‪َ :‬‬
‫الصيغتين في الحركات وهذا التّباين الذي أدى‬
‫يتضح من هذا القول االختالف بين ّ‬
‫منية بينهما‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫إلى التّباين في ّ‬
‫الزمن في الفعل وهو بناؤه‪ ،‬فرأى َّ‬
‫أن لألفعال داللة‬ ‫يدل على ّ‬ ‫حد َد ابن ِجّني ما ُّ‬
‫وقد َّ‬
‫ِ‬
‫كل واحد منها األدّلة الثّالثة أال ترى إلى َق َ‬
‫ام‪،‬‬ ‫ومعنوية وصناعية‪ ،‬يقول‪ " :‬ففي ّ‬ ‫ّ‬ ‫لفظية‬
‫زمان ِه‪ ،‬وداللة معناه على فاعلِ ِه‪ِ ،‬‬
‫فهذه‬ ‫بنائ ِه على ِ‬
‫صدره وداللة ِ‬‫لفظ ِه على م ِِ‬ ‫وداللة ِ‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وصيغت ِه ومعناه "‬
‫ِ‬ ‫فظ ِه‬
‫ثالث دالئل من َل ِ‬
‫أهمها‪:‬‬
‫عدة زوايا ّ‬ ‫الداللة من ّ‬ ‫النص يجد ابن ِجّني ينظر إلى ّ‬ ‫فالناظر في هذا ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.375‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.98‌/3‌،‬‬

‫‪46‬‬
‫(الداللة اللفظية) وتدخل في هذه الزاوية داللة الصوت‪.‬‬
‫بالداللة ّ‬
‫‪ -1‬عالقة اللفظ ّ‬
‫الداللة الصناعية‪.‬‬‫بالداللة‪ :‬ويظهر في حديثه عن ّ‬
‫الصرف ّ‬
‫‪ -2‬عالقة ّ‬
‫المعنوية التي تحتاج‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫بالداللة‪ :‬يظهر في حديثه عن ّ‬
‫السياق ّ‬
‫النحو و ّ‬
‫‪ -3‬عالقة ّ‬
‫إلى غيرها في ظهورها من سياق ومقام‪.‬‬
‫يدل‬
‫يدل بلفظه على المصدر الذي اشت َّق منه (القيام)‪ ،‬و ُّ‬ ‫فابن ِجّني يرى ّ‬
‫أن الفعل (قام) ُّ‬
‫الصيغة‬
‫الزمن الماضي؛ إذ يشير هنا إلى دور ّ‬ ‫بصيغته أو صورته وشكله ( َف َع َل) على ّ‬
‫المعنوية‪ ،‬فهي‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫أما ّ‬
‫ناعية‪ّ ،‬‬
‫الص ّ‬‫بالداللة ّ‬
‫يسميه ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫الداللة على ّ‬
‫في ّ‬
‫مرتبطة عنده بالفاعل ومدى انطباق هذا الفعل عليه‪ ،‬أو مقدار استفادته من هذا الفعل‪،‬‬
‫ِ‬
‫يمر بثالثة مستويات‪ ،‬هي‪ :‬المستوى‬‫فالكشف عن مدلول الفعل –عند ابن ِجّني‪ّ -‬‬
‫الصناعية‬
‫بالداللتَين ّ‬ ‫رفي‪ ،‬والمستوى ّ‬
‫النحوي‪ ،‬وفيما يتعّلق ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الصوتي‪ ،‬والمستوى الص‬ ‫ّ‬
‫المعنوية اللتَين يضعهما ابن ِجّني في نطاق المعرفة من العلوم بالمشاهدة‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫و‬
‫صوتية يكون َمسموعاً وصوغه على مثال ما هو م ُّ‬
‫عتد به‬ ‫ّ‬ ‫ظ عند صدو ِره في صورة‬ ‫اللف َ‬
‫قياسية يكون ملحوظاً‪ ،‬وهو بذلك يدخل ضمن‬ ‫ّ‬ ‫كتابية‬
‫صوتية ّ‬‫ّ‬ ‫ثم قياسه عليه في صورة‬‫َّ‬
‫المعنوية)‬
‫ّ‬ ‫ين(الصناعية‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫دائرة المحسوسات ولذلك يقابل ابن ِجّني بين هاتَين ّ‬
‫الداللتَ‬
‫حيز الضروريات" (‪،)1‬‬ ‫ُّ‬
‫المعنوية أيضاً "بعلوم االستدالل‪ ،‬وليست في ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫ويلحق ّ‬
‫أن ابن ِجّني كان متأثّ اًر بصورة واضحة بالمنطق والفلسفة‪،‬‬
‫ونالحظ من هذا االستنتاج َّ‬
‫ض َر َب) ْقد عرْف َت‬
‫حين تسمع ( َ‬ ‫اك َ‬‫وما يؤّكد لنا هذا بصورة أوضح‪ ،‬هو قوله‪ " :‬أال تر َ‬
‫مانه ث َّم تَنظر فيما َبعد‪ ،‬فتقول‪ :‬هذا ِفعل‪ ،‬وال َّبد له ِمن فاعل‪ ،‬فلي َت ِشعري َم ْن‬
‫وز َ‬‫َحدثه َ‬
‫آخر ال‬ ‫ِ‬
‫وما َحاله م ْن موضع َ‬ ‫الفاعل َمن هو َ‬
‫َ‬ ‫علم‬
‫أن تَ َ‬
‫هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى ْ‬
‫صح ِم ْنه الفعل‪...‬‬ ‫رب)؛ أال ترى َّأنه َيصلح ْ‬
‫أن َيكو َن فاعله ك َّل مذ ّكر َي ُّ‬ ‫(ض َ‬
‫م ْن َمسموع َ‬
‫ِ‬
‫(‪ ،)2‬وبهذا يكون الفعل (ضرب) داالًّ بلفظه على الحدث أو المصدر الذي اشت َّق منه‬
‫أما‬
‫الزمن الذي حدث فيه الفعل وهو الماضي‪ّ ،‬‬ ‫(الضرب)‪ ،‬وبنائه أو صيغته على ّ‬ ‫وهو ّ‬
‫النص السابق البن ِجّني إلى االعتقاد‬ ‫ُّ‬
‫معناه فيدلنا على الفاعل (ماهيته وحاله)‪ ،‬ويقودنا ّ‬
‫بناء على صيغة الفعل‪ ،‬من دون أن يذكر دور‬
‫الزمن كان ً‬ ‫َّ‬
‫أن اعتماده على تحديد ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.98‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق ‌‪‌،‬ص‌‪‌.99‌–‌98‬‬

‫‪47‬‬
‫حسان ُّ‬
‫للنحاة‬ ‫تمام ّ‬
‫الدكتور ّ‬
‫وجهه ّ‬
‫السياق في تحديد زمن الفعل‪ ،‬وهذا هو االنتقاد الذي ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن الفلسفي‬‫المواضع‪ -‬في اعتمادهم تقسيم الفعل وفق أقسام ّ‬
‫القدامى –في بعض َ‬
‫الثالثة‪ ،‬وربطهم زمن الفعل بصيغته فقط‪ ،‬دون مراعاة لشروط ورودها في ّ‬
‫السياق‬
‫(‪)1‬‬

‫الزمن‪ ،‬فقال في‬ ‫فرق أبو حيان التوحيدي بين المصدر والفعل في ّ‬
‫الداللة على ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫الزمن‪َّ " :‬إنه ُّ‬
‫يدل على الحدث بلفظه وعلى الزمان بصيغته‪ ،‬أي كونه‬ ‫داللة الفعل على ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬وال تختلف‬
‫الزمن باختالف ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫على شكل مخصوص‪ ،‬لذلك تختلف ّ‬
‫الداللة على الحدث باختالفها " (‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فيرى ّ‬
‫تبدل‬ ‫الداللة على ّ‬
‫فهو يشير هنا إلى االرتباط بين الفعل وصيغته في ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬وهذا‬
‫تبدل ّ‬
‫الداللة على الحدث ثابتة رغم ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬بينما تبقى ّ‬
‫تبدل ّ‬‫الزمن عند ّ‬‫ّ‬
‫يأخذنا إلى داللة أزمنة مختلفة على حدث واحد‪ ،‬كداللة الفعلين (ضرب‪ ،‬ويضرب) –‬
‫تتكون منها‬
‫الحدث بالمادة التي ّ‬
‫(الضرب) إ ْذ َيتعّلق هذا َ‬
‫مثال‪ -‬على حدث واحد وهو ّ‬
‫حيان (داللة الفعل على الحدث بلفظه)‪ ،‬ومن دون أن‬‫سماه أبو ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬وهذا ما َّ‬
‫هذه ّ‬
‫مختلفين والحدث‬
‫َ‬ ‫السابق‬
‫فالصيغ واألزمنة في المثال ّ‬
‫يتقيد هذا الحدث بزمن محدد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ثابت فيهما‪.‬‬
‫ويؤّكد ابن ِجّني أيضاً على داللة المصادر على الحدث وإفادة المعنى‪ ،‬كذلك صالحيتها‬
‫الحدث فيهما‪ ،‬ونفس‬
‫َ‬ ‫الضرب والقتل‪ :‬نفس اللفظ يفيد‬‫لألزمنة الثالثة‪ ،‬يقول‪ " :‬وكذلك ّ‬
‫الصيغة تفيد فيهما صالحهما لألزمنة الثّالثة‪ ،‬على ما نقوله في المصادر‪ ،)3( ...‬وفي‬
‫ّ‬
‫هذا دليل بلسان ابن ِجّني على داللة المصادر على المعنى والحدث و ّ‬
‫الزمن المطلق‬
‫(أي الذي يصلح لألزمنة الثالثة)‪.‬‬
‫السامية على صيغتين اثنتين‬
‫الزمن في اللغات ّ‬
‫ويتحدث جوزيف فندريس على احتواء ّ‬ ‫ّ‬
‫وهما التّام وغير والتّام‪ ،‬و أنهما مشتقتان من أصلين مختلفين‪ ،‬و ُّ‬
‫يدالن على انتهاء‬
‫الهندية‬
‫ّ‬ ‫امية بالقدم والفقر مثل اللغات‬
‫الس ّ‬
‫الحدث أو عدم انتهائه‪ ،‬واصفاً اّللغات ّ‬
‫األوروبية بعدم وجود ّأية وسيلة للتّمييز بين أزمنة الفعل المختلفة‪ ،‬على عكس اللغة‬
‫ّ‬

‫من‌خالل‌الخصائص‌البن‌جنّي‌واللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‌لت ّمام‌حسّان‪‌:‬الطالبة‪‌:‬‬
‫ِ‬ ‫ينظر‪‌:‬تجليات‌الزمن‌النّحوي‌في‌الجملة‌العربيّة‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫نادية‌زيد‌الخير‪‌،‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌الحليم‌معزوز‪‌،‬مجلّة‌اآلداب‌واللغات‌والعلوم‌اإلنسانية‪‌،‬العدد‌الرابع‪‌،‬جامعة‌الحاج‌لخضر‌باتنة‪‌،‬‬
‫المركز‌الجامعي‌عبد‌الحفيظ‌بو‌الصوف‪‌،‬ميلة‌–‌الجزائر‪‌،‬د‪.‬ت‪‌،‬ص‌‪‌.296‌–‌292‬‬
‫ّ‬
‫داللة‌الزمن‌في‌العربيّة‪‌:‬عبد‌المجيد‌جحفة‪‌،‬ص‌‪‌.51‬‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.101‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪48‬‬
‫سبية بين‬ ‫وتنوعاً بقدرتها على التّعبير عن الفروق ّ‬
‫الن ّ‬ ‫قوة ّ‬‫نسية‪ ،‬التي يزعم ّأنها أكثر ّ‬
‫الفر ّ‬
‫تفرد‬
‫األزمنة‪ ،‬كالتّعبير عن المستقبل في الماضي‪ ،‬والماضي في المستقبل‪ ،‬مشي اًر إلى ّ‬
‫نسية في هذا الجانب‪.‬‬‫اللغة الفر ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫منية للفعل العربي صيغتان اثنتان‬


‫الز ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫"أن ّ‬‫كما ذهب المستشرق وليم رايت إلى َّ‬
‫وكمل من حيث صلته بغيره من األعمال‪ ،‬واألخرى‬‫َ‬ ‫تم‬
‫تعبر عن حدث َّ‬ ‫فقط‪ ،‬إحداهما ّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫تعبر عن حدث لم يتم‪ ،‬حدث ابتدئ به واتّصلت أحداثه ولم ِ‬
‫ينته بعد‪".‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحويين العرب الذين‬
‫قدمه رايت مستوحى من آراء ّ‬ ‫ونرى َّ‬
‫أن هذا التّقسيم الثنائي الذي ّ‬
‫سبق أن أشاروا إلى هذا التقسيم القائم على صيغتين(فعل) لما مضى واكتمل‪ ،‬و(يفعل)‬
‫َ‬
‫النحو القديمة‬ ‫صرح َّ‬
‫بأن كتب ّ‬ ‫تدل على الحال واالستقبال معاً‪ ،‬كما نرى رايت ي ّ‬
‫التي ُّ‬
‫الصيغتين‬
‫مقدماً انتقاداً الذعاً للعرب والعر ّبية في افتقار هاتين ّ‬
‫الصيغتين‪ّ ،‬‬
‫ذكرت هاتين ّ‬
‫منية التي قد يحتاج إليها المف ّكر أو األديب‪ ،‬كما في اللغة االنكليزّية‬
‫الز ّ‬
‫للمجاالت ّ‬
‫النحاة العرب‬‫(ماض مطلق‪ ،‬وماض تام‪ ،‬وماض غير تام)‪ ،‬وعّلق على اهتمام هؤالء ّ‬
‫الزمن إلى الماضي‪ ،‬والحاضر والمستقبل‪ ،‬وذلك بتقسيمهم األفعال‬
‫الزمن بتقسيمهم ّ‬
‫بفكرة ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬والفعل المضارع‬‫خصوا الفعل الماضي بفكرة ّ‬ ‫على األزمنة‪ ،‬إذ ّإنهم ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الزمن الحاضر والمستقبل‪ ،‬معتب اًر ذلك ال ضرورة له‪.‬‬
‫بفكرتي ّ‬
‫ويرى المستشرق فيسانتيو كانتارينو وجود تقابل بين ثنائيتي (التام والالتام) كإسقاط‬
‫للماضي والحاضر‪ ،‬و َّ‬
‫أن العر ّبية الحديثة جنحت إلى تخصيص كل صيغة بمحور‬
‫َّ‬
‫ولكن هذا‬ ‫يعبر عن الحاضر‪،‬‬
‫زمني محدد‪ ،‬فالتام يعبر عن الماضي‪ ،‬والالتام ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬إذ‬ ‫التّخصيص ال يعني َّ‬
‫أن العر ّبية تم ّكنت من بناء إحالة زمنية مستقّلة عن ّ‬
‫منية ال تقتصر على‬‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أن ّ‬‫مازالت تحتفظ برواسب االستعمال الجهي‪ ،‬كما َّ‬
‫ّ‬
‫األفعال أو ما يشبهها من المشتقات والمصادر‪ ،‬وهذا ما أوضحه كانتارينو حين ربط‬
‫الزمن بالجملة االسمية‪ ،‬فمعلوم َّ‬
‫أن الجملة االسمية ال تحيل إلى زمن إال بموجب‬ ‫مسألة ّ‬
‫السياقية المصاحبة‪ ،‬ولذلك يصل كانتارينو إلى نتيجة مفادها َّ‬
‫أن غياب‬ ‫ّ‬ ‫القرائن اللغوية و‬

‫‪ ‌ -‌ 1‬ينظر‪‌:‬اللغة‪‌:‬فندريس‪‌،‬ترجمة‌عبد‌الحميد‌الدواخلي‌ومحمد‌القصاص‪‌،‬تقديم‪‌:‬فاطمة‌خليل‪‌،‬المركز‌القومي‌للترجمة‪‌،‬القاهرة ‌–‌‌‬
‫مصر ‌‪2014،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.137‌-‌135‬‬
‫ي‌نقد‌وتوجيه‪‌:‬مهدي‌المخزومي‪‌،‬ص‌‪‌.146-145‬‬ ‫‪‌-‌2‬النّحو‌العرب ّ‌‬
‫‪‌-‌3‬يُنظر‪‌:‬المصدر‌السابق‌نفسه‪‌.‬‬

‫‪49‬‬
‫منية بمعناها اإلشاري والتّعييني –كما توظفها األفعال‪-‬واإلحالة إلى الحاضر‬
‫الز ّ‬
‫اإلحالة ّ‬
‫إما داّلة على‬
‫إما داّلة على حاضر غير زمني و ّ‬‫االسمية ّ‬
‫ّ‬ ‫معنيان مركزّيان في الجملة‬
‫إما داّلة على‬ ‫ِ‬ ‫زمن مطلق‪ ،‬مثل‪َّ ( :‬‬
‫جو الشتاء صحو‪ ،‬وذلك شأن الشعر دائماً)‪ ،‬و ّ‬
‫إن َ‬
‫سياقية‪ ،‬نحو‪( :‬أنت اليوم حبيبي) ووجود القرائن يجعلها‬
‫ّ‬ ‫حاضر حقيقي بموجب قرائن‬
‫مرشح ًة ألزمنة أخرى مثل الماضي‪ ،‬نحو‪( :‬مات والدها وهي في المهد)‪ ،‬أو المستقبل‪:‬‬
‫ّ‬
‫مسافر بعد ّأيام)‬
‫(‪)1‬‬
‫ٌ‬ ‫(إنه‬
‫ّ‬
‫فإن هذا الكالم مردود عليه بدالئل نحوية و لغوية‪ ،‬تثِبت ِقصر نظر ِ‬
‫ته‪ ،‬التي‬ ‫طبع َّ‬
‫وبال ّ‬
‫ََ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫بحق اللغة العر ّبية وقدرتها التّعبيرّية عن مجاالت‬
‫تعتََبر تحجيماً لتفكير العرب‪ ،‬وإجحافاً ّ‬
‫الصيغة الواحدة‪ ،‬ال بل نرى أنها تفوق في ذلك‬ ‫زمنية متعددة يحتويها الفعل الواحد أو ّ‬
‫ّ‬
‫بالصيغة الواحدة عن مجاالت أخرى‬
‫اللغ َة اإلنكليزّية وغيرها من اللغات في التعبير ّ‬
‫تدل صيغة الماضي على مختلف الجهات‬
‫لتعب َر عن زمن آخر‪ ،‬كأن ُّ‬
‫وتتعداها ّ‬
‫ّ‬ ‫للزمن‪،‬‬
‫الزمن الماضي كالماضي البعيد‪ ،‬والقريب‪ ،‬والتّام‪ ،‬وغير التام‪ ،‬والمطلق‪...‬‬
‫التي يحتويها ّ‬
‫إلخ‪ ،‬وذلك عن طريق القرائن المختلفة التي تدخل على صيغة ( َف َع َل) وتعطيه هذا‬
‫الزمن‬
‫مني‪ ،‬وكذلك تؤدي هذه القرائن إلى داللة صيغة (فعل) على ّ‬ ‫التنوع الداللي والز‬
‫ّ ّ ّ‬
‫تدل‬
‫فعل) التي ُّ‬
‫(ي َ‬
‫زمنية مختلفة أيضاً‪ ،‬واألمر نفسه مع صيغة َ‬ ‫المستقبل وبمجاالت ّ‬
‫الزمن الماضي‬ ‫تدل أيضاً على ّ‬ ‫على جهات مختلفة في الحاضر والمستقبل‪ ،‬ويمكن أن ُّ‬
‫ِ‬
‫تحدثوا عن‬‫النحاة الم ْح َدثون فقط َمن ّ‬ ‫وبجهات مختلفة‪ ،‬وهذا األمر ليس حديثاً‪ ،‬إذ ليس ّ‬
‫السياق‪ ،‬فقد كان للنحاة‬ ‫تقدمه القرائن و ّ‬
‫مني الذي ّ‬ ‫منية والغنى الز‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫هذا التنوع في ّ‬
‫ّ ّ‬
‫تحد َث عن هذا الموضوع في كتابه‬ ‫السبق في ذلك ومنهم ابن ِجّني الذي ّ‬ ‫العرب ّ‬
‫تدل على فهمه وإدر ِ‬
‫اكه لهذا‬ ‫مركبة ُّ‬ ‫(الخصائص) واحتوت عباراته أيضاً على صيغ‬
‫ّ‬
‫األمر‪ ،‬وفي هذا ما ي ّفند آراء (رايت) وغيره من الم ْح َدِثين الغربيين والعربيين الذين‬
‫توهموا ّأنها مواضع ضعف في اللغة العر ّبية‪ ،‬ولك َّن‬ ‫صوبوا سهام نقدهم على مواضع ّ‬ ‫ّ‬
‫وتعمقهم في هذه اللغة‪ ،‬وتشير إلى نظرتهم‬
‫ّ‬ ‫الحقيقة ّأنها مواضع ضعف في فهمهم‬
‫السطحية لها‪ ،‬وحسبنا هنا أن نذكر قول الدكتور كمال رشيد‪ ،‬الذي يقول‪َّ " :‬‬
‫إن وجود‬ ‫ّ‬

‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‌‪‌.77‬‬‫‪‌-‌1‬‬

‫‪50‬‬
‫السياق‪،‬‬
‫يدل على مرونة تلك اللغة وعبقرّيتها في تركيب ّ‬
‫أي لغة‪ُّ ،‬‬
‫اصطالح الجهة في ّ‬
‫ليتكون منها جميعاً ٌ‬
‫فهم جديد وزمن جديد" (‪.)1‬‬ ‫الصيغ األدوات ّ‬
‫وبتضام ّ‬
‫رفية في أداء المعنى‬
‫الص ّ‬
‫وقوة صيغها ّ‬
‫ويؤّكد الدكتور محمد الريحاني على غنى العر ّبية ّ‬
‫تحدثوا عن هذه‬
‫يقدم ذك اًر للمستشرقين الذين ّ‬
‫منية‪ ،‬إ ْذ ّ‬
‫الز ّ‬
‫والتعبير عن كاّفة المجاالت ّ‬
‫للزمن إلى تام وغير تام‪،‬‬
‫تحدث عن تقسيم (رايت) ّ‬ ‫القضية‪ ،‬ومنهم (كانتارينو) الذي ّ‬
‫ّ‬
‫أن األزمنة في العر ّبية ال ترتبط بالتعبير عن وقت محدد‪ ،‬و أن الماضي‬ ‫معتب اًر ّ‬
‫يدالن على زمن محدد أكثر من اإلشارة إلى تام الحدث أو‬ ‫والمضارع في العربية ال ُّ‬
‫ّ‬
‫الداّلة‬
‫عب ار بصيغهما ّ‬
‫أن ي ّ‬
‫عدم تمامه‪ ،‬و أن هذين الحدثين (التام وغير التام) يمكن ْ‬
‫إحصاء‬
‫ً‬ ‫يقدم‬
‫ثم ّ‬
‫منية الثالثة (الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل)‪ّ ،‬‬
‫الز ّ‬
‫عليهما عن المراحل ّ‬
‫منين‪ ،‬فكان التام عنده داالً على‬ ‫كون من استخدام هذين ّ‬
‫الز ّ‬ ‫منية التي تت ّ‬
‫الز ّ‬
‫للمجاالت ّ‬
‫طع‪،‬‬
‫الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬بجهات مختلفة ومتنوعة كاالستمرار والتكرار والتق ّ‬
‫الزمن غير التام(‪ ،)2‬مع األخذ بعين االعتبار‬
‫والبعيد والقريب‪ ،‬واألمر عينه بالنسبة إلى ّ‬
‫الزمني الذي تضيفه‬ ‫القرائن التي تدخل على أحدهما وال تدخل على اآلخر والدور‬
‫ّ ّ‬
‫تحدث عنهما‬ ‫الصيغتين اللتين ّ‬ ‫مني لهاتين ّ‬ ‫للفعل‪ ،‬وهذا ما يؤّكد لنا حقيقة الغنى الز‬
‫ّ ّ‬
‫منية للغة العر ّبية‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫القوة التّعبيرّية ّ‬
‫(رايت‪ ،‬وفندريس) وحاوال التقليل واالنتقاص من ّ‬
‫رفية‪ ،‬فأخذ عليهم‬ ‫الص ّ‬
‫بالصيغة ّ‬ ‫الزمن ّ‬ ‫الداللة على ّ‬
‫وقد حاول النحاة األوائل حصر ّ‬
‫عد ّأول أصولي ناقش داللة صيغة الفعل على‬‫الشريف الجرجاني (ت‪816‬هـ) ‪-‬الذي ي ُّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬و إن اتّحدت‬ ‫ُّ‬
‫الزمن‪ّ -‬أنهم استدلوا على ذلك باختالف األزمنة عند اختالف ّ‬
‫ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬و إن اختلفت المادة‪،‬‬
‫المادة‪ ،‬نحو‪ :‬ضرب ويضرب‪ ،‬واتّحاد األزمنة عند اتّحاد ّ‬
‫مقدماً أدّل ًة دامغة تثبت خطأَ هذه االدعاءات‪ ،‬بقوله‪ " :‬وفي‬
‫نحو‪ :‬ضرب وطلب‪ّ ،‬‬
‫الصيغ‪َّ -‬‬
‫فألن تصاريف‬ ‫أما األولى‪-‬يعني اختالف األزمنة عند اختالف ّ‬‫المقدمتين نظر‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الفعل الماضي ك ـ (ضرب‪ ،‬ضرباً‪ ،‬ضربوا) صيغ مختلفة مع اتّحاد الزمان‪ ،‬بل حتى‬
‫كض َر َب وض ِر َب‪ ،‬مختلفان صيغ ًة قطعاً وال يختلف الزمان‪ ،‬و أما‬
‫المجهول والمعلوم‪َ :‬‬
‫يدل تارةً على الحال‪،‬‬ ‫الصيغ‪َّ -‬‬
‫فألن المضارع ُّ‬ ‫الثانية‪-‬يقصد اتّحاد األزمنة عند اتّحاد ّ‬

‫الزمن‌النحوي‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬كمال‌رشيد‪‌،‬ص‪‌.103‬‬ ‫‪ّ ‌-‌1‬‬


‫ي ‌‪‌،‬ص‌‪‌.290‌–‌286‬‬
‫ي‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌الريحان ّ‌‬ ‫ّ‬
‫ُنظر‪‌:‬اتجاهات‌التحليل‌الزمن ّ‬ ‫‪‌-‌2‬ي‬

‫‪51‬‬
‫فالصيغة واحدة والزمان‬
‫ّ‬ ‫وأخرى على االستقبال اشتراكاً‪ ،‬على المذهب الصحيح‪،‬‬
‫مختلف"(‪.)1‬‬
‫منطقية مالمساً للواقع‬
‫ّ‬ ‫متأني ًة فاحصة لهذا القول نراه من وجهة نظر‬
‫وعندما نقف وقفة ّ‬
‫عامة تتّحد عند‬
‫بالصيغ كقاعدة ّ‬
‫والحقيقة من جوانب كثيرة‪ ،‬فال نستطيع إلزام األزمنة ّ‬
‫الصيغة في تحديد‬
‫دور ّ‬
‫الصيغ و تختلف عند اختالفها‪ ،‬ونحن هنا ال ننكر أيضاً َ‬
‫اتّحاد ّ‬
‫كأن ما عداها من العناصر األخرى ال دور‬
‫الزمن و ّ‬
‫تفردها في تحديد ّ‬
‫الزمن‪ ،‬بل ننكر ّ‬
‫ّ‬
‫أن ما‬ ‫السياقية المعنوية واللفظية‪ ،‬إال َّ‬
‫له‪ ،‬كالقرائن اللغوية بصورها الكثيرة‪ ،‬والقرائن ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فربما كان المقصد بتغير‬ ‫تجدر اإلشارة إليه في حديث الجرجاني‪ ،‬هو جهة ّ‬
‫قدمها الجرجاني‬ ‫الزمن‪ ،‬فاألمثلة التي ّ‬
‫الصيغ هو تغير جهة هذا ّ‬ ‫تغير ّ‬
‫األزمنة عند ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن‬‫صحيح ّأنها جميعاً تندرج تحت الفعل الماضي أو ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ضرباً‪ ،‬ضربوا)‬
‫(ض َر َب‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫يصح أن َنع َّدها جميعها داّلة‬
‫ُّ‬ ‫فق عليه وال خالف فيه‪ ،‬ولكن ال‬ ‫أمر متّ ٌ‬
‫الماضي‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫المستمر أو حتّى‬
‫ّ‬ ‫على جهة واحدة في الماضي من حيث القرب أو البعد‪ ،‬أو التام‪ ،‬أو‬
‫حديث أطال فيه النحاة الم ْح َدثون شرحاً وتفصيالً‪ ،‬و إن اختلفوا في‬
‫ٌ‬ ‫المطلق‪ ،‬وهو‬
‫ولكن _عن حسن ّنية برأي النحاة األوائل الذين انتقدهم الجرجاني في‬
‫الصيغ‪ْ ،‬‬‫بعض ّ‬
‫الصيغ صحيحاً من هذا الجانب‬ ‫الزمن باختالف ّ‬ ‫مأخذهم_ قد يكون القول باختالف ّ‬
‫الذي عرضه البحث‪ ،‬ونحن في هذا الصدد نذهب مذهب األصوليين الذين يقولون إ َّن‬
‫النحويين‬
‫السياق والقرائن المختلفة في الجملة‪ ،‬في حين كان مذهب ّ‬
‫الزمن هو ّ‬
‫الدال على ّ‬
‫ّ‬
‫الدين‪" :‬‬
‫الصيغة ‪ ،‬وهذا ما شرحه الدكتور مصطفى جمال ّ‬ ‫الزمن هو ّ‬ ‫يدل على ّ‬ ‫َّ‬
‫أن ما ُّ‬
‫الزمني للجمة الفعلية‪ ،‬و‬ ‫ليس في إنكار المدلول‬
‫النحويين واألصوليين َ‬ ‫فالخالف بين ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الصيغة ولذلك اعتبروا‬
‫النحويين هو ّ‬ ‫فالدال عليه عند ّ‬
‫(الدال) عليه‪ّ ،‬‬ ‫إنما هو في تحديد ّ‬
‫الدال عليه عند األصوليين هو سياق الجملة‬‫الزمن دالل ًة تَضم ّنية‪ ،‬و ّ‬
‫داللة الفعل على ّ‬
‫متضمناً للحدث‪ ،‬ال يختلف عن سائر المشتّقات‬
‫ّ‬ ‫وقرائنها‪َّ ،‬‬
‫ألن الفعل عندهم باعتباره‬
‫(الزمن المطلق) الذي ينطبق على‬‫المتضمنة للحدث نفسه من حيث داللته على ّ‬ ‫ّ‬
‫الماضي وقد ينطبق على الحاضر والمستقبل‪ ،‬سواء كان التعبير عنه بصيغة الفعل‪،‬‬
‫أم بصيغ المصدر واسم الفاعل واسم المفعول‪ ،‬والذي يجعل أحد األزمنة الثالثة مدلوالً‬

‫‪‌-‌1‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.153‬‬

‫‪52‬‬
‫(الداللة الوضعية) لصيغتي (فعل‪ ،‬ويفعل) بل هو داللة‬ ‫معيناً للفعل‪ ،‬ليس هو ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اللفظية أو الحالية عليه "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االستعمال‪ ،‬وداللة القرائن‬

‫أن تكون أساساً في تحديد ّ‬


‫الزمن – كما أرى‬ ‫وبهذا نجد أ َّن ّ‬
‫الصيغة وحدها ال يمكن ْ‬
‫الجرجاني – و َّإنما يمكن أن تساعد في تشكيل هذا ّ‬
‫الزمن بالتعاون مع عناصر أخرى‬
‫الصيغة وبذلك أثبت الجرجاني بطالن‬
‫يقل مكانة عن دور ّ‬ ‫لها دورها وأثرها الذي ال ّ‬
‫تدل على‬
‫بأن صيغة الفعل هي التي ُّ‬‫وعم قديماً والذي يقول َّ‬
‫انتشر َّ‬
‫ّ‬ ‫هذا االدعاء الذي‬
‫زمانه‪.‬‬
‫رفية في تحديد زمن بعينه دون آخر‪ ،‬وذلك‬
‫الص ّ‬ ‫ِ‬
‫الصيغة ّ‬‫بينما يؤّكد لنا ابن جّني دور ّ‬
‫لكل معنى جنساً من الفعل‪ ،‬وإذا‬
‫أن ّ‬‫يقدمه هذا الفعل؛ إذ رأى َّ‬
‫بحسب المعنى الذي ّ‬
‫(الزمن‬
‫كل األزمنة‪ ،‬نفي اإلطالق عنه ّ‬
‫التصرف في ّ‬
‫ّ‬ ‫اقترن هذا المعنى بشيء يمنعه من‬
‫المطلق)‪ ،‬ومّث َل لذلك بقوله‪ " :‬فقولك‪ :‬قام زيد‪ ،‬معناه‪ :‬كان منه القيام‪ ،‬أي هذا الجنس‬

‫وكيف يكون ذلك وهو ٌ‬


‫جنس والجنس‬ ‫َ‬ ‫ومعلوم ّأنه لم يكن منه جميع القيام؛‬
‫ٌ‬ ‫من الفعل‪،‬‬
‫و ِج َد‬ ‫كل َمن‬
‫وجميع اآلتي الكائنات من ّ‬
‫َ‬ ‫جميع الماضي وجميع الحاضر‪،‬‬
‫َ‬ ‫(يعم)‬
‫طبق ّ‬ ‫ي ّ‬
‫سنة‬ ‫ألف‬ ‫منه القيام‪ ،‬ومعلوم أنه ال يجتمع إلنسان واحد (في وقت واحد) وال في ِ‬
‫مائة ِ‬ ‫ٌ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كل ذي ل ّب‪".‬‬
‫عند ّ‬
‫محال َ‬
‫ٌ‬ ‫مضاعفة القيام كّله الداخل تحت الوهم‪ ،‬وهذا‬
‫خصص داللة الفعل قام في زمن محدد هو‬ ‫ِ‬
‫أن ابن جّني قد ّ‬ ‫ففي هذا القول نالحظ ّ‬
‫رفية َف َع َل‪ -‬وذلك الرتباط هذا الفعل بـ(زيد) وهو‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫الماضي –وفقاً لداللة ّ‬
‫يدل عليها‬
‫أن ُّ‬
‫كل األزمنة التي يمكن ْ‬
‫يصح منطقياً‪ ،‬أن يشمله القيام في ّ‬
‫ُّ‬ ‫كائن حي‪ ،‬ال‬
‫ٌ ّ‬
‫الزمن المطلق‪ ،‬أو (جهة‬ ‫أن ابن ِجّني ينفي ّ‬ ‫هذا الجنس من الفعل‪ ،‬وهذا ال يعنى ّ‬
‫لكل األزمنة‪ ،‬و إنما يقصد ارتباط‬
‫تدل على شمول الفعل وصالحيته ّ‬ ‫اإلطالق) التي ُّ‬
‫حدد‪ ،‬ونفى عنه‬
‫منية للفعل بزمن م ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫خصص ّ‬
‫حي هو الذي ّ‬ ‫هذا الفعل بكائن‬
‫ّ‬
‫أن يكون داالًّ على ّ‬
‫كل األزمنة‪.‬‬

‫‪‌-‌1‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬د‪‌.‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.169‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.448-447‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪53‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الزمن‪:‬‬
‫‪ -4‬داللة صيغ الماضي على ّ‬
‫الشروح‪،‬‬‫تعتَبر صيغة الماضي صيغ ًة غزيرةَ االستعمال عند القدماء في األحاديث و ّ‬
‫توه َم البعض‪-‬‬
‫بالداللة على الفعل الماضي فقط –كما ّ‬ ‫الصيغة ّ‬‫ومن الخطأ ربط هذه ّ‬
‫الزمني‪ ،‬وذلك لبراعة أدائها في الكالم‪ ،‬وثبات‬ ‫قوية االستخدام والتّقليب‬
‫فهي صيغ ٌة ّ‬
‫ّ ّ‬
‫العبارة بها‪ ،‬واستخدام الفعل الماضي للداللة على الحاضر أو المستقبل مثالً‪ ،‬يعتبر‬
‫ِ‬
‫وقوِتها في األداء‪ ،‬وفي المقابل فقد ظهرت أصو ٌ‬
‫ات تنادي بالتزام‬ ‫دليالً على براعة اللغة ّ‬
‫رفية بما‬
‫الص ّ‬ ‫ِ‬
‫الصيغة ّ‬‫الزمن الماضي فيها‪ ،‬فهذا ابن جّني يشير إلى ضرورة التزام ّ‬ ‫ّ‬
‫منية للحدث‪ ،‬وذلك تجنباً للتضارب والتناقض في المعنى‪ ،‬فال‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫يتوافق مع ّ‬
‫الزمن و انقضى‪،‬‬
‫يجوز استخدام صيغة الماضي إال للداللة على حدث مضى عليه ّ‬
‫وال استخدام المستقبل إال لما يستقبل من الزمان‪ ،‬إال في حاالت محددة يجوز من‬
‫خاللها استخدام صيغة الماضي للداللة على المستقبل وصيغة المستقبل للداللة على‬
‫الماضي‪ ،‬وذلك باستخدام قرائن سياقية مساعدة‪ ،‬وهذا ما نراه في قول ابن ِجّني‪ " :‬من‬
‫المحال أن تنقض ّأول كالمك بآخره‪ ،‬وذلك كقولك‪ :‬قمت غداً‪ ،‬وسأقوم أمس‪ ،‬ونحو‬
‫أعزك‬
‫أقم أمس‪ ،‬وتقول‪ّ :‬‬
‫قمت غداً قمت معك‪ ،‬وتقول‪ :‬لم ْ‬‫إن َ‬ ‫هذا‪ ،‬فإن قلت‪ :‬فقد تقول؛ ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫أطال بقاءك‪ ،‬فتأتي بلفظ الماضي ومعناه االستقبال‪".‬‬
‫هللا‪ ،‬و َ‬
‫الصيغ‪َّ ،‬‬
‫ألن هذه‬ ‫الداللة المستفادة من استخدام ّ‬ ‫وفي هذا إشارة إلى االهتمام بالمعنى و ّ‬
‫زمنية ال ّبد لنا من التزامها أثناء الكالم حتى ال يظهر‬
‫طياتها معاني ّ‬ ‫الصيغ تحمل في ّ‬ ‫ّ‬
‫الكالم متناقضاً حين نستخدم صيغة الماضي للتعبير عن المستقبل أو المستقبل للتعبير‬
‫عن الماضي‪ ،‬فهذا ما يظهر من القول السابق البن ِجّني الذي أ ّكد فيه على ضرورة‬
‫ليصح َح لنا ما سبق‬
‫ّ‬ ‫ولكنه يتابع هذا القول‬
‫لكل زمن‪ّ ،‬‬ ‫منية المحددة ّ‬
‫الز ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫التزام ّ‬
‫المتجوزة‪ ،‬وما كان نحوها‪ ،‬فقد ذكرنا أكثرها فيما‬
‫ّ‬ ‫فأما هذه المواضع‬
‫اشتكل‪ ،‬فيقول‪ّ " :‬‬
‫و َ‬
‫سأل أبا بكر (‪ )4‬عنه في نحو هذا فقال (أبو بكر) كان‬
‫علي ‪ ،‬وقد َ‬
‫(‪)3‬‬
‫حكيناه عن أبي‬
‫ّ‬
‫لما كان الغرض‬ ‫غير ّأنه ّ‬
‫ألنها لمعنى واحد؛ َ‬‫أن تأتي كلها بلفظ واحد؛ ّ‬
‫حكم األفعال ْ‬

‫صيغة‌اإلفرادية‪‌:‬د‪‌.‬صفيّة‌مطهري‪‌،‬اتحاد‌الكتّاب‌العرب‪‌،‬دمشق‌‪‌-‬سورية‪2003‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.168-‌166‬‬ ‫‪‌-‌1‬الدّاللة‌اإليحائية‌في‌ال ّ‬
‫‪‌،‬وينظر‪‌:‬سر‌صناعة‌اإلعراب‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.75‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪330‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪‌-‌3‬هو‌الحسن‌بن‌أحمد‌بن‌عبد‌الغفار‌الفارسي‪‌،‬المعروف‌بـ‌(أبي‌علي‌الفارسي)‌ت‌‪377‬هـ‪‌ ‌.‬‬
‫ي‌الس ّّراج‌=‌(ابن‌الس ّّراج)‪‌،‬ت‌‪316‬هـ‪.‬‬
‫هو‌أبو‌بكر‌محمد‌بن‌السَّري‌البغداد ّ‬
‫ٍ‬ ‫‪‌-‌4‬‬

‫‪54‬‬
‫ولف بين مثلها؛ ليكون ذلك دليالً على المراد فيها‪،‬‬
‫في صناعتها أن تفيد أزمنتها‪ ،‬خ َ‬
‫موقع بعض" (‪ ،)1‬إ ْذ يتّضح لنا من هذا‬
‫َ‬ ‫قع بعضها‬
‫أن َي َ‬ ‫فإن أ ِم َن اللبس فيها َ‬
‫جاز ْ‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫أمن‬
‫بأي زمن كانت‪ ،‬وذلك في حال َ‬ ‫الصيغة على المعنى ّ‬‫المهم هو داللة ّ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫الكالم ّ‬
‫يقع الماضي موقع المستقبل‬
‫أن َ‬‫الصيغة من اللبس في الكالم وجاز حينها ْ‬
‫على هذه ّ‬
‫لبس في الكالم‪،‬‬‫والمستقبل في موقع الماضي‪ ،‬وعندما يشتكل األمر على الفهم ويقع ٌ‬
‫لكل زمن‪ ،‬ونفهم من نص ابن ِجّني َّ‬
‫أن‬ ‫منية المحددة ّ‬
‫الز ّ‬
‫بالصيغة ّ‬
‫يجب حينها االلتزام ّ‬
‫مقومات الفعل واحدة‪ ،‬بينما األبنية متعددة‪ ،‬فداللة‬
‫تعد من ّ‬‫الحدث والمادة اللغوية التي ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬ألنها أصل االشتقاق أو المادة التي تنتزع منها‬
‫الحدث ال تختلف مع اختالف ّ‬
‫األبنية‪ ،‬وهو تعدد مساوق للزمن‪.‬‬
‫الصيغة ال يمكن أن يساوي‬
‫الصيغة زمني‪ ،‬فصورة ّ‬ ‫أن جوهر ّ‬ ‫وتبين هذه النصوص َّ‬ ‫ّ‬
‫منية كامنة بالضرورة في المثل‪ ،‬ويؤدي بنا هذا التصور إلى جعل‬
‫الز ّ‬
‫إال الزمان‪ ،‬والقيم ّ‬
‫للصيغة‬
‫السياقات التركيبية التي يمكن ّ‬
‫الزمن مكوناً صرفيا لألفعال‪ ،‬بغض النظر عن ّ‬
‫ّ‬
‫فإن أحد األزمنة يمكن أن يأتي بأي صيغة صرفية –وفق ما‬
‫أن تأتي فيها ‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الزمن‪،‬‬
‫رفية على ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ِ‬ ‫السياق‪ -‬ولذلك نرى ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫أن ابن جّني ال ينفي داللة ّ‬ ‫يقتضيه ّ‬
‫عرف‬
‫الصيغة وهو ما ي َ‬
‫زمن جامد ثابت في ّ‬
‫ولكنه ٌ‬
‫الزمن‪ّ ،‬‬‫الصيغة هو ّ‬
‫إن جوهر هذه ّ‬‫بل ّ‬
‫الزمن الذي يظهر ضمن‬ ‫زمن يختلف عن ّ‬ ‫رفي‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫بالزمن الص‬
‫الدرس الحديث ّ‬ ‫في ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الصيغة بزمن جديد أو رّبما تبقى على زمنها‪ ،‬ولكن‬ ‫سياقي‪ ،‬إذ تكتسي هذه ّ‬ ‫تركيب‬
‫ّ‬
‫ف ابن ِجّني وسواه من ّ‬
‫النحاة‬ ‫عر َ‬
‫النحوي‪ ،‬إذاً فقد َ‬
‫بالزمن ّ‬
‫عرف ّ‬ ‫السياق‪ ،‬وهو ي َ‬
‫بفضل ّ‬
‫األوائل هذه التقسيمات التي تباهى بها الدرس الحديث‪ ،‬و إن لم تذكر صراحة في‬
‫النظر إليها‪.‬‬
‫كتبهم األصيلة‪ ،‬إال ّأنها موجودةٌ في معانيهم ومقاصدهم لمن يمعن ّ‬
‫وهذا ما ذهب إليه الدرس الحديث كما وجدنا عند الدكتور عبد هللا بو خلخال الذي يرى‬
‫الزمن‬
‫ض َعت أصالً في اللغة العر ّبية للداللة على ّ‬ ‫أن صيغة الفعل الماضي " قد و ِ‬ ‫َّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬مطابقة مع‬ ‫للداللة على ّ‬
‫الماضي‪ ،‬ولهذا جاءت في أغلب استعماالتها ّ‬
‫تدل على غير الماضي‪ ،‬كالحال واالستقبال [‪ ]...‬وهذه‬
‫أصل وضعها؛ إال ّأنها قد ُّ‬

‫‪‌-‌1‬الخصائص‪‌:‬ابن‌ ِجنّي ‌‪‌،‬ص‌‪‌.331‬‬


‫ينظر‪‌:‬اإلحالة‌الزمنيّة‌في‌العربيّة‌(دراسة‌في‌بعض‌مقاربات‌النّحاة‌وال ُمستشرقِين)‪‌:‬حافيظ‌إسماعيلي‌علوي‌وامحمد‌المالخ‪‌،‬المجلّة‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫العربيّة‌للعلوم‌اإلنسانيّة‪‌،‬العدد‌‪‌،26‌/104‬أكادير‌–‌المملكة‌المغربيّة‪2008‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.17‬‬

‫‪55‬‬
‫رفية‬
‫الص ّ‬‫الصيغة ّ‬‫طارئة على صيغة الماضي‪ ،‬ليست داللة ّ‬ ‫المحولة أو ال ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫ّ‬
‫معينة‪" ...‬‬ ‫ادية‪ ،‬و َّإنما نتيجة ورود صيغة الماضي مع غيرها في تراكيب ّ‬
‫لغوية ّ‬ ‫اإلفر ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الداللة نفسها عند الدكتور فاضل السامرائي الذي يرى َّأنه‪ " :‬كان عليهم أن‬ ‫ونجد هذه ّ‬
‫ّ‬
‫عبر بصيغة الماضي‬ ‫ينظروا إلى الماضي والمضارع على َّأنها صيغ ال أفكار‪ ،‬فقد ي َ‬
‫ٓء َنصر ٱ ََّّللِ َوٱلَفتح﴾(‌النصر‌﴿‪ ،)﴾1‬و﴿ َفِإ َذا‬ ‫ِ‬
‫الفلسفي‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿:‬إ َذا َجا َ‬ ‫عن المستقبل‬
‫‪ٞ ِ ٞ‬‬
‫أن الماضي في هذه اآليات‬ ‫ّ‬ ‫وذلك‬ ‫‪،‬‬‫(‪)2‬‬
‫"‬ ‫)‬‫﴾‬ ‫‪13‬‬ ‫﴿‬ ‫‌‬ ‫الحاقة‬ ‫(‬ ‫﴾‬ ‫ة‬ ‫ور َنف َخة َوح َد‬ ‫ن ِف َخ ِفي ٱ ُّ‬
‫لص ِ‬
‫جاء في سياق الوعد والوعيد الذي سيحدث في المستقبل‪ ،‬ولذلك كان األفضل استخدام‬
‫َ‬
‫جل جالله‪-‬‬
‫ألن وعيده – ّ‬
‫الماضي لينزل المستقبل منزلة الماضي المتحّقق المحتوم‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫مصداقيته‪.‬‬ ‫كائن ال محالة‪ ،‬وال مجال للشك في‬
‫ٌ‬
‫زمنية‬
‫حدد ّ‬ ‫رفية للفعل هي التي ت ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫كما يؤكد الشريف الرضي أيضاً َّ‬
‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫الراء والباء في‬
‫الضاد و ّ‬
‫أما الحدث نفسه فهو مدلول حروفه المترتّبة نحو ّ‬
‫الحدث‪ّ ،‬‬
‫ألنه كلمة بال خالف‪،‬‬
‫أما الفعل الماضي نحو ضرب ففيه نظر‪ّ ،‬‬‫(ضرب) إ ْذ يقول‪ّ " :‬‬
‫الزمن‬
‫أن الحدث مدلول حروفه المترتّبة‪ ،‬واإلخبار عن حصول ذلك الحدث في ّ‬ ‫مع َّ‬
‫الماضي‪ ،‬مدلول وزنه الطارئ على حروفه والوزن جزء من اللفظ‪ ،‬إذ هو عبارة عن‬
‫(‪)3‬‬
‫عدد مع مجموع الحركات والسكنات الموضوعة وضعاً معيناً"‬
‫الصيغة‬
‫الزمن‪ ،‬هذه ّ‬
‫رفية على ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫أي من الرضي حول داللة ّ‬‫ففي هذا القول ر ٌّ‬
‫الزمن‪ ،‬وال نراه‬
‫الداللة على ّ‬
‫الداللة على الحدث‪ ،‬واآلخر ّ‬
‫التي تؤدي دورين‪ ،‬أحدهما ّ‬
‫يتحدث عن زمن ثابت لصيغة ثابتة‪،‬‬
‫الصيغة وحدها‪ ،‬أو ّ‬
‫الزمن في ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫يحصر ّ‬
‫النحويين القدماء الذين حصروا‬
‫بقية ّ‬
‫منطقي ومقبول‪ ،‬على عكس ّ‬
‫ٌّ‬ ‫بالتّالي نرى ّ‬
‫أن قوله‬
‫الداللة على زمن‬
‫إن ّ‬‫صحة له‪ ،‬إذ ّ‬
‫بالصيغة وحدها‪ ،‬وهذا كالم ال ّ‬
‫الزمن ّ‬ ‫الداللة على ّ‬
‫ّ‬
‫الصيغة الواحدة يمكن أن‬
‫أن ّ‬ ‫الدليل على ذلك ّ‬‫محدد ال تتوّقف على صيغة محددة؛ و ّ‬
‫ياقية‪.‬‬
‫السياق والقرائن ال ّس ّ‬
‫تشير إلى أكثر من زمن‪ ،‬وذلك بحسب ّ‬

‫ّ‬ ‫ي‌حتّى‌نهاية‌القرن‌الثالث‌الهجري‌دراسة‌في‌مقاييس‌الد‬
‫ّاللة‌على‌الزمن‌‬ ‫ي‌عند‌نحاة‌العرب‌منذ‌نشأة‌النّحو‌العرب ّ‌‬ ‫ّ‬
‫ر‪‌:‬التعبير‌الزمن ّ‬ ‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫ظ‬
‫في‌اللغة‌العربيّة‌وأساليبها‪‌:‬عبد‌هللا‌بو‌خلخال‪‌،‬ديوان‌المطبوعات‌الجامعيّة‪‌،‬بن‌عكنون‌–‌الجزائر‪1987‌،‬م‪‌.64-‌63‌/1‌،‬‬
‫ّ‬
‫ّاللة‌دراسة‌لسانية‪‌:‬هاني‌البطاط‪‌،‬مجلّة‌جامعة‌الخليل‌للبحوث‪‌،‬المجلد‌(‪‌،)4‬العدد‌(‪‌،)1‬الخليل‌–‌‌فلسطين‪‌،‬‬ ‫ّ‬
‫مقولة‌الزمن؛‌القرينة‌والد‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪2009‬م‪‌،‬ص‌‪‌.190‬‬
‫ّاللة‌الزمنيّة‌للفعل‌الماضي‌عند‌الرضي‌في‌شرحه‌على‌الكافية‪‌:‬عذراء‌ضاري‌ضبع‌العزاوي‪‌،‬مجلة‌العلوم‌اإلنسانية‪‌،‬المجلد‪‌،25‬‬ ‫ّ‬ ‫‪‌-‌3‬الد‬
‫العدد‌األول‪‌،‬جامعة‌بابل‪‌،‬العراق‪2018‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.263‬‬

‫‪56‬‬
‫كما يناقش ابن ِجّني داللة صيغة الفعل الماضي على المستقبل في موضع آخر من‬
‫أما قوله تعالى‬
‫إذن ال أَق ْم‪ ،‬و َّ‬
‫قم ْ‬‫إن تَ ْ‬ ‫كتابه سر صناعة اإلعراب‪ ،‬يقول‪ " :‬كما تقول‪ْ :‬‬
‫ۢ‬ ‫ٗ‬ ‫ٗ‬
‫ظُّلوْا ِمن َبع ِدِه ۦ َيكفرو َن﴾ (الروم ‌﴿‪ ،)﴾51‬فقال‬
‫﴿وَلِئن أَرَسلَنا ِريحا َف َأرَوه مصَف ّار َّل َ‬
‫ذكره‪َ :‬‬
‫ض َع فيه الماضي‬ ‫ليظل َّن) فأَوقع الماضي موقع المستقبل‪ ،‬ومثاله مما و ِ‬ ‫الخليل‪( :‬ومعناها َّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫موضع المستقبل قول الحطيئة‪:‬‬
‫َحق بالع ِ‬
‫ذر‬ ‫الوليد أ ُّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫َش ِه َد الحطيئة َ‬
‫حين َيلَقى َربَّه‬
‫أي‪ :‬يشهد‪ ،‬وأنشدنا أبو علي‪:‬‬
‫األمر واستجاب ما كان في ِ‬
‫الغد‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫ضى‬ ‫وإني ِ‬
‫آلتيكم تَ ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شك َر ما َم َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫أي‪ :‬ما يكون ‪"...‬‬
‫قدمها ابن ِجّني ما يشير إلى داللة صيغة الماضي على‬ ‫ففي األمثلة السابقة التي ّ‬
‫حدثون‪ ،‬يقول الدكتور‬
‫الزمن المستقبل وليس فقط داللتها على الماضي‪ ،‬وهو ما أ ّكده الم َ‬
‫ّ‬
‫منية ومرونتها‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫قوة اللغة العر ّبية وبراعتها في ّ‬
‫يتحدث عن ّ‬
‫عبد القادر حامد الذي ّ‬
‫إن هذه اللغة الحافلة بالعجائب واألسرار‪ ،‬تفوق اللغات ّ‬
‫الحية في‬ ‫الصيغ‪ّ ":‬‬
‫في استخدام ّ‬
‫أن الماضي يستعمل لما‬
‫مقدمة هذه األغراض ّ‬‫استعمال الماضي ألغراض أخرى‪ ،‬وفي ّ‬
‫‪ ،‬كما‬ ‫السياق على ذلك"‬
‫(‪)2‬‬
‫دل ّ‬
‫المضارع إذا ّ‬ ‫محل‬
‫يحل ّ‬ ‫سيقع في المستقبل؛ أي ّإنه ّ‬
‫في هذا الجانب من اللسانيين الغربيين وهو‬ ‫نجد اعترافاً آخر بمرونة اللغة العر ّبية‬
‫سماة بصيغة الماضي‪،‬‬
‫الصيغة الم ّ‬
‫نستخدم ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫فندريس الذي يقول‪ " :‬يمكننا كّلما شئنا ْ‬
‫للتعبير عن المستقبل" (‪.)3‬‬
‫للصيغة‬
‫مني ّ‬ ‫أن ابن ِجّني ينكر الثّبات الز‬
‫يدل على ّ‬ ‫إن دّلنا على شيء َّ‬
‫فإنما ُّ‬ ‫وهذا األمر ْ‬
‫ّ ّ‬
‫السياق للصيغ الفعلية بمساعدة القرائن‬ ‫منية التي يمنحها ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الفعلية‪ ،‬ويؤّكد ّ‬
‫ّ‬
‫النحو المعاصرين والسابقين له‪،‬‬ ‫اللغوية‪ ،‬وهو يتفرد في رؤيته عن غيره من شيوخ ّ‬
‫السياق‬
‫رفية خارج ّ‬ ‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫الزمن يؤخذ من صيغة الفعل‪ ،‬و إ َّن ّ‬
‫والذين قالوا إ ّن ّ‬
‫أمر أرهق النحاة واللغويين الم ْح َدِثين العرب‬ ‫الزمن‪ ،‬وهو ٌ‬
‫كفيلة بإفادة معنى ّ‬

‫سر‌صناعة‌اإلعراب‪‌:‬ابن‌جنّي‪.75/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-1‬‬
‫‪‌ -‌ 2‬معاني‌الماضي‌والمضارع‌في‌القرآن‌الكريم‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌القادر‌حامد‪‌،‬مجلّة‌مجمع‌اللغة ‌العربيّة‪‌،‬ج ‌‪‌،10‬مطبعة‌التحرير‪‌،‬القاهرة ‌–‌‌‬
‫مصر‪‌،1958‌،‬ص‌‪‌.70‬‬
‫‪‌-‌3‬اللغة‪‌:‬فندريس‪‌،‬ص‌‪137‬‬

‫‪57‬‬
‫والمستشرِقين؛ إذ لطالما انتقدوا القدماء في هذا النزوع‪ ،‬إال ّأننا نجد ابن ِجّني سابقاً‬
‫لعصره وذا رؤية بعيدة فيما يتعلق بزمنية الفعل وعالقته بالقرائن وغيرها من‬
‫الموضوعات األخرى‪.‬‬

‫الزمن‪:‬‬
‫‪ -5‬داللة صيغ المضارع على ّ‬
‫حيوية ودالل ًة على األزمنة والجهات المختلفة‪ ،‬وذلك‬
‫يعتبر الفعل المضارع أكثر األفعال ّ‬
‫نظ اًر لما يدخل عليه من القرائن المختلفة (كالسوابق واللواحق) التي تساهم في تحديد‬
‫ألنه يضارع األسماء في أشياء كثيرة؛ و من ذلك‬
‫زمنه وجهته‪ ،‬وهو يسمى مضارعاً ّ‬
‫تدل صيغة المضارع بصورتها‬‫قبول اتصال السوابق به وهي أحرف المضارعة‪ ،‬و ُّ‬
‫تدل على الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬بجهاته‬
‫المفردة على الحال أو االستقبال‪ ،‬و ُّ‬
‫تؤدي هذه األدوار‪ ،‬واألمثلة على داللة‬‫المختلفة عندما تقترن بالقرائن السياقية التي ّ‬
‫الزمن الحاضر أو المستقبل كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وال تحتاج إلى أمثلة‬
‫صيغة المضارع على ّ‬
‫الداللة األصلية‬
‫منين هي ّ‬‫الز ّ‬
‫لإلشارة إليها‪ ،‬فداللة صيغة المضارع على هذين ّ‬
‫محولة‪ ،‬وكونها داللة‬
‫عية ّ‬
‫الزمن الماضي فهي داللة فر ّ‬
‫أما داللتها على ّ‬
‫واالفتراضية‪ّ ،‬‬
‫فرعية ال يعني ّأنها نادرة أو قليلة‪ ،‬بل هي كثيرة االنتشار في الكالم والكتب‪ ،‬فهذا ابن‬
‫الزمن الماضي أو على الحدث الماضي‬ ‫يتحدث عن داللة صيغة المضارع على ّ‬ ‫ِجّني ّ‬
‫يقم زيد‪ ،‬جاءوا فيه بلفظ المضارع و إن كان معناه المضي‪،‬‬
‫فيقول‪ ":‬ومنه قولهم‪ :‬لم ْ‬
‫ّ‬
‫النفس من الماضي؛ أال ترى ّ‬
‫أن أول أحوال الحوادث‬ ‫أن المضارع أسبق رتب ًة في ّ‬
‫وذلك ّ‬
‫ثم توجد فيما بعد‪ ،)1( "...‬فصيغة المضارع في هذا المثال الذي‬ ‫أن تكو َن معدوم ًة‪َّ ،‬‬
‫ْ‬
‫قدمه ابن ِجّني هي (لم يقم) جاءت مقترن ًة بالحرف الجازم (لم) الذي قلب زمن المضارع‬‫ّ‬
‫من الحال إلى الماضي‪ ،‬فانتقل معنى الجملة من الحاضر أو المستقبل إلى الماضي‪،‬‬
‫الداللة لصيغة المضارع‪.‬‬
‫إن القرينة هي التي ساعدت في تحصيل هذه ّ‬‫أي ّ‬
‫فسر ابن ِجّني داللة المضارع على الماضي ّ‬
‫بأن المضارع أسبق في الوجود في‬ ‫وقد ّ‬
‫منطقية –كما هي عادته في‬
‫ّ‬ ‫النفس واإلدراك من الماضي‪ ،‬منطلقاً من رؤية فلسفية‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‌‪‌.105‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪58‬‬
‫أن األحداث تكون معدوم ًة أوالً ثم توجد فيتكون لدينا‬
‫االستقراء والتحليل‪ -‬بحتة‪ ،‬فيرى ّ‬
‫الزمن تصبح ماضي ًة في المعنى –وهي في‬ ‫وينقضي عليها ّ‬ ‫ثم بعد أن توجد‬‫المضارع‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫أن هذه‬‫جاز عنده أن يعب ََّر بالمضارع عن الماضي‪ ،‬ونجد ّ‬‫األصل مضارعة‪ -‬ولذلك َ‬
‫مترسخ ًة في دراسات اللسانيين الغربيين و ِ‬
‫أفكارهم ‪ ،‬ومنهم‬ ‫ِ‬
‫الفلسفية عند ابن جّني ّ‬
‫ّ‬ ‫الرؤية‬
‫ألن العقل َّ‬
‫يتمثل‬ ‫الحاضر له شكالن معماري وحركي‪ ،‬فالمعماري َّ‬ ‫(غيوم) الذي يرى َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫الحيز الذي يجري فيه الحدث على ّأنه فضاء تنتظم فوقه خطوط متقابلة متعاكسة‬
‫الزمن الحاضر واآلخر هو الماضي‪ ،‬وهو (الحاضر)‬ ‫تشكل جزأين زمنيين أحدهما ّ‬
‫يمر وفق حركة مزدوجة‪ :‬األولى‪ :‬عندما‬‫أي فعل تعبير ّي ال َّبد من أن ّ‬ ‫حركي؛ َّ‬
‫ألنه في ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن والفصل بين الماضي والمستقبل‪ ،‬والثانية‪ :‬عندما يختزل‬ ‫يختزل مكانه في تمثيل ّ‬
‫الزمن من‬
‫تصور انتقال هذا الحاضر في ّ‬
‫ّ‬ ‫دوره إلى أقصى درجة ممكنة ومن خالل‬
‫لحظة إلى لحظة فيصبح بانتقاله على المحور المستقيم من الماضي إلى المستقبل‬
‫ويحول نفسه بعد انتقاله إلى ماض‪ ،‬ولذلك يقول‪ :‬إ َّن الفترة الحاضرة ال تلتقي‬
‫مستقبالً‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أبداً بالضرورة مع الحاضر الحقيقي‪.‬‬
‫تأصل هذه النظرّية‬‫يدل على ّ‬ ‫ونرى في استخدامات ابن جني وشروحاته الكثير ّ‬
‫مما ُّ‬
‫يدل على ذلك ّأن َك ال‬
‫التي تحدث عنها‪ ،‬وتجلى ذلك في بعض أحاديثه ونذكر منها‪ُّ " :‬‬
‫تقول‪ :‬سرت من بغداد[‪ ]...‬والبدل ال يجوز إذا كان[‪]...‬أال ترى ّأنهم لم يجيزوا ْ‬
‫أن‬
‫يكون ‪ ، )2(" ...‬ففي القول السابق عدد من صيغ المضارع والتي تحمل دالالت زمنية‬
‫الزمن المطلق‪ ،‬وصيغة (لم‬
‫مختلقة‪ ،‬فكانت صيغة (ال تقول وال يجوز) داّلة على ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وصيغة (أن يكون) داّل ًة على المستقبل في الماضي‪،‬‬
‫يجيزوا) داّلة على ّ‬
‫فهذه دالالت مختلفة لصيغة المضارع في قول واحد‪ ،‬ونضيف عليها قوله أيضاً‪" :‬‬
‫(أن يتراجعوا) داّلة على‬ ‫أن يتراجعوا بعد ما حكموا‪ ، " ...‬فصيغة المضارع ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫فكرهوا ْ‬
‫الدالالت وما يساعد في تأديتها الحقاً بإذن هللا‪.‬‬
‫الزمن الماضي أيضاً‪ ،‬وسندرس هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫ولم تكن نظرة اللسانيين الم ْح َدِثين بعيدةً عن نظرة ابن ِجّني‪ ،‬فنرى اآلخوند يذهب إلى‬
‫الزمن‬
‫إن استناد ّ‬ ‫وضعية إ ْذ َّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن ليست داللة‬
‫(فعل ويفعل) على ّ‬ ‫َ‬ ‫أن داللة صيغتي‬ ‫َّ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬لسانيات‌الملفوظيّة‪‌:‬جان‌سيرفوني ‌‪‌،‬ترجمة‪‌:‬د‪‌.‬قاسم‌المقداد‪‌،‬اتحاد‌الكتاب‌العرب‪‌،‬دمشق‪1998‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.41-40‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.226‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.234‌،‬‬

‫‪59‬‬
‫الداللة‬
‫كل فعل ماض يجب أن تستند إليه ّ‬ ‫فليس ّ‬
‫على الفعل هو من قبيل اإلطالق‪َ ،‬‬
‫شترط فيه‬‫منية على الماضي‪ ،‬واألمر كذلك فيما يتعّلق بالفعل المضارع الذي ال ي َ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫أبداً أن يكون زمن الحال أو االستقبال مستنداً إليه من خالل صيغة (يفعل)‪ ،‬وي ّ‬
‫قدم‬
‫قبل شهر وهو يضرب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(جاءَني ز ٌيد َ‬
‫صحة ّادعائه‪ ،‬فعندما نقول‪َ :‬‬
‫اآلخوند مثاالً يثبت فيه ّ‬
‫غالمه)‪ ،‬وقولنا‪( :‬يجيئني عمرو بعد شهر وقد نجح في االمتحان)‪ ،‬فمن الواضح َّ‬
‫أن‬
‫زمان الحال واالستقبال في (يضرب) هو في الحقيقة زمن ماض وال يكون حاالً إال‬
‫باإلضافة إلى مجيء زيد‪ ،‬وكذلك األمر في الفعل (نجح) هو في الحقيقة زمان مستقبل‪،‬‬
‫ولكنه ال يكون ماضياً إال باإلضافة إلى مجيء عمرو(‪.)1‬‬
‫مطية‬ ‫متجردةً من ِ‬ ‫ونرى في كالمه نظرة فاحص ًة ودقيق ًة ِ‬
‫الن ّ‬
‫ثوب الجمود و ّ‬ ‫ّ‬ ‫للغة العر ّبية‬ ‫ً‬
‫أن‬
‫جلية ّ‬ ‫التي ألبسها ّإياه غير واحد من اللغويين العرب والمستشرِقين‪ّ ،‬‬
‫فيتبين بصورة ّ‬
‫الزمن‪ ،‬إ ْذ‬
‫تدل من خاللها على ّ‬ ‫صرفية خالصة نس ُّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن ال يمكن حصره في قوالب‬‫ّ‬
‫حول وفق ما‬ ‫وقابلية لالستناد والتّ ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن من خالل ما سبق ّأنه أكثر مرونة‬ ‫َيظهر ّ‬
‫السياق والقرائن أزمن ٌة أخرى ما‬
‫الصيغة الواحدة عن طريق ّ‬ ‫يقتضيه المقام‪ ،‬فيتوّلد من ّ‬
‫سطحية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كّنا لنراها لو نظرنا إليها نظرةً‬
‫كل‬
‫الصيغة الوحيدة التي وجدت في ّ‬‫(يفعل) كانت ّ‬
‫أن صيغة َ‬ ‫كما يرى بول كراوس َّ‬
‫السامية في التّام أو الماضي إلى أن وضعت صيغة(فعل)‪ ،‬وهكذا ط ِرَدت صيغة‬
‫اللغات ّ‬
‫تدل على ذلك‬
‫(يفعل) من الماضي وأصبحت تستعمل في الحاضر والمستقبل‪ ،‬ويس ُّ‬ ‫َ‬
‫يدل‬
‫بوا و القلب في اللغة العبرية التي تدخل على (يفعل) لتقلبها إلى الماضي‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يبق منه‬
‫ثم انقرض هذا االستعمال ولم َ‬
‫أن (يفعل) كانت مستخدمة في الماضي‪َّ ،‬‬ ‫على َّ‬
‫في العبرية إال (يفعل) مسبوقة بواو‪.)2( "...‬‬
‫تدالل غير دقيق‪ ،‬فدخول واو القلب على صيغة (يفعل)‬‫أن هذا التعليل وهذا االس ُّ‬
‫و نرى َّ‬
‫وتحويل داللتها إلى الماضي في اللغة العبرية يشبه دخول الحرف الجازم (لم) على‬
‫الصيغة من الحاضر إلى الماضي أيضاً‪ ،‬فمن غير المعقول‬
‫صيغة (يفعل) فتقلب داللة ّ‬
‫لمجرد دخول (لم) عليها‪ ،‬فهل كان‬
‫ّ‬ ‫أن ننسب صيغة (يفعل) إلى الماضي في نشأتها‬

‫‪ ‌-‌1‬ينظر‪‌:‬كفاية‌األصول‪‌:‬محمد‌كاظم‌الخرساني‌(اآلخوند)‪‌،‬تح‪‌.‬مجتبى‌المحمودي‪‌،‬مجمع‌الفكر‌اإلسالمي‪‌،‬ط‪‌،10‬إيران‪‌1440‌،‬هـ‪‌،‬‬
‫‪‌.64/1‬‬
‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌واللغة‪‌:‬د‪‌.‬مالك‌يوسف‌المطلبي‪‌،‬ص‌‪‌.34‬‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪60‬‬
‫آنية‪ ،‬كقوله‬‫السياقات القر ّ‬
‫تدل على المستقبل في ّ‬ ‫سيقول ذلك في صيغة (فعل) التي ُّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬أَتَ ٓى أَمر ٱ ََّّللِ َف َال تَستَع ِجلوه سب َحَنه ۥ َوتَ َعَلى َع َّما يش ِركو َن﴾(النحل‪ ،)﴾1﴿‌:‬بمعنى‬
‫ور َذِلك يوم ٱلو ِع ِ‬ ‫﴿ون ِف َخ ِفي ٱ ُّ‬
‫يد﴾(‌‬
‫لص ِ َ َ َ‬ ‫جل جالله في الوعيد‪َ :‬‬ ‫ّأنه آت ال ريب فيه‪ ،‬وقوله ّ‬
‫جتك‪ ...‬إلخ‪ ،‬فصيغة‬ ‫زو َ‬ ‫ِ‬
‫ق‌﴿‪ ،)﴾20‬أو في سياقات التعامل والعقود والبيع‪ ،‬كقولنا‪ :‬بعت َك‪ّ ،‬‬
‫سيصح القول إ ّن أصلها مستقبل‬
‫ُّ‬ ‫فعل في األمثلة السابقة دالة على المستقبل‪ ،‬هل‬
‫إن في هذا القول إنكار لدور‬ ‫وط ِرَد ْت إلى الماضي بعد وضع صيغة (يفعل)؟! بل َّ‬
‫سنفصل الحديث عن دورها في الفصل‬
‫ّ‬ ‫السياق ‪ -‬التي‬
‫السياق‪ ،‬والقرائن التي يحتويها ّ‬
‫ّ‬
‫تعبر صيغة الماضي‬
‫السياق أن ّ‬
‫الثالث من البحث – فيمكن عن طريق هذه القرائن و ّ‬
‫الزمن الماضي‪،‬‬
‫تعبر صيغة(يفعل) عن ّ‬
‫الزمن الحاضر أو المستقبل‪ ،‬كما يمكن أن ّ‬
‫عن ّ‬
‫عبرت عنه مع (لم) في اللغة العر ّبية‪ ،‬ومع (واو القلب) في اللغة العبرّية‪.‬‬
‫كما ّ‬
‫(فعل) مقصورةٌ على الماضي‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن صيغة‬‫حسان يرى َّ‬ ‫تمام ّ‬‫الدكتور ّ‬ ‫في حين نجد َّ‬
‫أن ّ‬
‫إما لالستقبال‪ ،‬وأ َّن تحديد‬
‫إما للحال و ّ‬
‫ونحوهما تكونان ّ‬
‫َ‬ ‫افعل)‬
‫ْ‬ ‫أن صيغتي (يفعل‪،‬‬ ‫و َّ‬
‫السياق يحمل من القرائن‬ ‫ياقية‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن ّ‬ ‫الس ّ‬
‫ف على القرائن ّ‬‫منية بدّقة متوّق ٌ‬
‫الز ّ‬
‫داللتهما ّ‬
‫مجرد المجال‬
‫الزمن في مجال أوسع من ّ‬ ‫الحالية ما يعين على فه ِم ّ‬
‫المعنوية و ّ‬
‫ّ‬ ‫اللفظية و‬
‫ّ‬
‫الصرفي الم َّ‬
‫حدد (‪.)1‬‬
‫ّ ّ‬
‫رفية الخاضعة لقانون‬
‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫السؤال هنا‪ ،‬أليست صيغة (فعل) من ضمن ّ‬ ‫ولكن ّ‬
‫ّ‬
‫الصيغ التي ذكرها الدكتور تمام حسان‪،‬‬
‫السياقية؟! شأنها في ذلك شأن باقي ّ‬ ‫القرائن ّ‬
‫باطل من وجهة نظري التي بينتها على أساس‬ ‫ٌ‬ ‫االدعاء‬
‫مثل (يفعل‪ ،‬افعل)‪ ،‬فهذا ّ‬
‫قدمو َن‬
‫السابقين ي ّ‬ ‫فإن ُّ‬
‫النحاةَ ّ‬ ‫االدعاء‪ ،‬كذلك َّ‬
‫منطقي‪ ،‬وليس المنطق وحده َم ْن يرفض هذا ّ‬
‫ّ‬
‫حسان يقول في موضع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تمام ّ‬ ‫أن الدكتور ّ‬
‫كما ّ‬
‫أي‪ّ ،‬‬
‫الر َ‬
‫ثير من األمثلة التي تنكر هذا َّ‬
‫الك َ‬
‫َ‬
‫الداللة على‬
‫آخر من كتابه ما يثبت عكس ما ذهب إليه من حصر صيغة (فعل) في ّ‬
‫الصيغة َّ‬
‫أن‬ ‫رفي من شكل ّ‬ ‫الزمن على المستوى الص‬‫الماضي‪ ،‬يقول‪" :‬ومعنى إتيان ّ‬
‫ّ ّ‬
‫النحوي من‬
‫الزمن يأتي على المستوى ّ‬
‫أن ّ‬‫الصيغة المفردة ومعنى َّ‬
‫الزمن هنا وظيفة ّ‬
‫ّ‬
‫السياق وليس وظيفة صيغة الفعل‪َّ ،‬‬
‫ألن الفعل‬ ‫النحو وظيفة ّ‬
‫الزمن في ّ‬
‫أن ّ‬‫السياق َّ‬
‫مجرى ّ‬
‫السياق على المستقبل‪ ،‬والذي على صيغة المضارع‬
‫يدل في ّ‬
‫الذي على صيغة (فعل) قد ُّ‬

‫‪‌-‌1‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.105‬‬

‫‪61‬‬
‫يدل على‬
‫فإنما ُّ‬
‫دل على شيء‪ّ ،‬‬ ‫إن ّ‬ ‫يدل فيه على الماضي‪ ، " ...‬وهذا القول ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫قد ُّ‬
‫الصيغ المفردة على‬
‫إمكانية داللة ّ‬
‫ّ‬ ‫صحة ما أشرنا إليه من‬
‫الرَأيين‪ ،‬وعلى ّ‬
‫تضارب بين َّ‬
‫عدة أزمنة‪ ،‬وليس فقط الزمن الذي وضعت له أو ع ِرَفت ِ‬
‫به‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وهو‬
‫الصيغ على ّ‬
‫حسان من داللة ّ‬ ‫ونجد من الغربيين من يقف موقف د‪ .‬تمام ّ‬
‫الزمني‬ ‫أن الحاضر هو شكل يخلو من المدلول‬ ‫جورج سيربا الذي يشير في نظريته إلى َّ‬
‫ّ ّ‬
‫سمى بـ‬
‫الشكل الم َّ‬ ‫على الرغم من االسم الذي يحمله‪ ،‬إ ْذ يعتبر َّ‬
‫أن فكرة التّالقي بين ّ‬
‫أي‬
‫مني الذي هو الحاضر‪ ،‬وهو واقع نفسي يرافق فيه الوعي ّ‬ ‫(الحاضر) والواقع الز‬
‫ّ ّ‬
‫اللغوية والبنية الواقعة‬
‫ّ‬ ‫ط بين البنية‬
‫ممارسة للفكر والكالم‪ ،‬وتستند هذه الفكرة إلى الخل ْ‬
‫تدل على َّ‬
‫أن‬ ‫خارج اللغة‪ ،‬ثم يستعرض سيربا مجموعة من اآلراء التي تقول إ َّن الوقائع ُّ‬
‫الحاضر يمكن أن يترافق مع أ ّي تحديد زمني آخر بعكس ما أسماه أشكال اإلدالل‬
‫ّ‬
‫يدل التفسير التقليدي‬
‫األخرى‪ ،‬كما في‪ :‬نرحل غداً‪ ،‬خالل ستة أشهر‪ ،‬خالل سنة‪ ،‬فيما ُّ‬
‫القواعدي للحاضر على الحاضر فقط‪ ،‬و إن استخدام الحاضر للداللة على فترات‬
‫زمنية أخرى مثل الماضي‪ ،‬والمستقبل‪ ،‬تعتبر استثنائية واستعارّية تتعّلق باألسلوبية‪،‬‬
‫ويقف سيربا من هذا التفسير التّقليدي موقف المنتقد‪ ،‬فيرى فيه حكماً مسبقاً ويقلل من‬
‫الزمني‬ ‫نوعية‪ ،‬كما ينتقد اعتبار االستخدام‬
‫بأنها ليست ّ‬‫تواتر االستخدامات التي يزَعم ّ‬
‫ّ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫للحاضر في سياقات أخرى غير الحاضر انحرافاً ذا أثر أسلوبي‪.‬‬
‫الزمن‪:‬‬
‫‪ -6‬داللة صيغة األمر على ّ‬
‫تستخدم صيغة األمر في اللغة العر ّبية للداللة على الفعل المأمور به أو األمر الذي‬
‫يجب القيام به‪ ،‬ويمكن استخدامها للتعبير عن األمر في المضارع أو الماضي‪ ،‬وفيما‬
‫الزمن عند ابن ِجّني‪ ،‬فإنه يشير إلى أن صيغة األمر‬‫يتعلق بداللة صيغة األمر على ّ‬
‫الزمن المستقبل بحسب ما يقترن بها‪ ،‬يقول في اللمع‪ " :‬والمستقبل ما قرَن‬
‫تدل على ّ‬‫ُّ‬
‫به المستقبل من األزمنة نحو قولك‪ :‬سينطلق غداً‪ ،‬وسوف يقوم غداً‪ ،‬وكذلك جميع‬
‫أن داللة‬
‫قم غداً‪ ،‬وال تقعد غداً‪ ".‬ففي هذا دليل على ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أفعال األمر والنهي نحو قولك‪ْ :‬‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬ال تكون إال بوجود قرينة‪ ،‬وهي التي تثبت لهذه‬
‫صيغة األمر على ّ‬

‫‪‌-‌1‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‪‌.104‬‬
‫‪‌-‌2‬ينظر‪‌:‬الملفوظية‪‌:‬جان‌سيرفوني‪‌،‬ص‌‪‌.39-37‬‬
‫اللمع‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‪‌.28‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪62‬‬
‫الزمن‪ ،‬ونرى هذه ّ‬
‫الداللة على المستقبل في استخداماته وشروحاته‪ ،‬فنراه‬ ‫الصيغة ذاك ّ‬‫ّ‬
‫لتكن‬ ‫ِ‬
‫رت فيه‪ْ :‬‬ ‫تصو َ‬
‫ألن َك ّ‬
‫فأكرمك‪ ،‬فإنك ّإنما نصبته‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫قلت زرني‬
‫اك إذا َ‬
‫يقول‪ " :‬أال تر َ‬
‫الزمن المستقبل ال َّ‬
‫شك‬ ‫مني‪ ، ".‬فداللة صيغة األمر (زرني) على ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫منك فإكرٌام ّ‬
‫زيارةٌ َ‬
‫المستقبلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫فيها‪ ،‬وما يؤّكدها هو تأويل هذه األفعال بمصادر تحمل في معناها ّ‬
‫سبب لما بعدها‪،‬‬ ‫تدل على َّ‬
‫أن ما قبلها ٌ‬ ‫فالفاء الموجودة في الجملة هي فاء السببية التي ُّ‬
‫فتجزم ما بعدها على‬
‫َ‬ ‫مستقبل كما ذكرنا‪ ،‬وقد تنوب صيغة األمر عن الشرط‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وكالهما‬
‫أشياء‬
‫ٌ‬ ‫قيمت‬
‫الشرط‪ ،‬وأ َ‬ ‫اب لها‪ ،‬ويذكر ابن ِجّني ذلك في اللمع قائالً‪ " :‬وقد َ‬
‫حذف ّ‬ ‫ّأنه جو ٌ‬
‫الدعاء‪ ،‬والعرض‪،‬‬
‫التمني و ّ‬
‫النهي واالستفهام و ّ‬
‫وتلك األشياء‪ :‬األمر و ّ‬
‫مقامه داّل ٌة عليه‪َ ،‬‬
‫ك‪ ،)2( " ...‬فقيام صيغة األمر مقام جملة الشرط ‪ -‬والتي‬ ‫أزر َ‬
‫زرني ْ‬
‫فتقول في األمر‪ْ :‬‬
‫ك)‪ -‬خير دليل على داللتها على‬ ‫أزر َ‬
‫تزرني ْ‬‫(إن ْ‬ ‫يمكن تأويلها بحسب المعنى ب ـ ْ‬
‫زمني ٌة أخرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت ّ‬
‫ٌ‬ ‫األمر‬ ‫لصيغة‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫الشرط‪،‬‬
‫المستقبل‪ ،‬التي اشتهرت به جملة ّ‬
‫تدل على إدراكه ومعرفته لهذه الدالالت‪ ،‬منها‬ ‫استخدمها ابن ِجّني في نصوصه‪ ،‬و ُّ‬
‫يتحدث إلى م ِ‬
‫ستمع ليشرَح‬ ‫الشرح عندما ّ‬ ‫الزمن الحاضر‪ ،‬وذلك في سياق ّ‬ ‫الداللة على ّ‬
‫ّ‬
‫ذلك ونحوه مذهباً للعرب‪ ،‬فمهما ورد منه فتلّقه‬ ‫له أم اًر‪ ،‬كما في ِ‬
‫قوله شارحاً‪ِ " :‬‬
‫ف َ‬ ‫فاعر ْ‬
‫الشرح‬
‫ألن سياق ّ‬ ‫الزمن الحاضر‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫تدل على ّ‬
‫عليه" (‪ ،)3‬فصيغة األمر (اعرف) ُّ‬
‫تقد َم من‬
‫الصيغة معنى (افهم)؛ أي افهم ما ّ‬ ‫ِ‬
‫الذي يناقش به ابن جّني سائَله يعطي لهذه ّ‬
‫يفهم الحقاً وهو بصدد الشرح والمناقشة‪ ،‬بينما‬
‫يطلب منه أن َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫الشرح اآلن‪ ،‬فال يجوز ْ‬
‫ّ‬
‫الزمن المستقبل لوقوعها جواباً للشرط‪ ،‬والتي كان‬ ‫تشير الصيغة األخرى( َّ‬
‫تلقه) إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫احرص على تل ّقيه)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫شيء منها‬
‫ٌ‬ ‫أمامك‬
‫َ‬ ‫المعنى فيها‪( :‬عندما يرد‬
‫الصيغة‬‫منية التي تتضمنها هذه ّ‬ ‫تحصل من فهم وإدراك ابن ِجّني للقيمة ّ‬
‫الز ّ‬ ‫إذاً هذا ما ّ‬
‫من خالل اآلراء تارة‪ ،‬واالستخدام تارةً أخرى‪ ،‬وباالنتقال إلى الدرس الحديث نرى اختالفاً‬
‫فرق‬
‫الصيغة‪ ،‬فقد كانت أبرز ما عاب به الم ْح َدثون النحو القديم‪ ،‬فقد ّ‬
‫النظر لهذه ّ‬
‫في ّ‬
‫(فع َل‪ ،‬يفعل) واعتبروا األولى ال داللة لها على‬
‫(افعل) وصيغتي َ‬
‫ْ‬ ‫بعضهم بين صيغة‬
‫تدلين على ذلك بالتبادل (فإن قال القائل‪:‬‬ ‫الزمن بحسب وضعها اللغوي أصالً‪ ،‬مس ُّ‬‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.47‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫اللمع‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‌‪‌.95‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.87‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪63‬‬
‫مطلوبية حدث الضرب من دون انفهام (كذا) زمان‬
‫ّ‬ ‫اضرب‪ ،‬مثالً ال يتبادر منه إال‬
‫ْ‬
‫الزمن بحسب وضعهما‬ ‫فإنهما دالتان على ّ‬
‫أما صيغتا (فعل‪ ،‬ويفعل) ّ‬ ‫معها أصالً‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫اللغوي ‪"...‬‬
‫منية والجهة‪ ،‬وذلك‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫كما اتّفق أغلب النحاة على تفريغ صيغة فعل األمر من ّ‬
‫قوة إنجازّية يطلبها المتكّلم من المخاطب‪ ،‬وبالتالي يكون المحتوى‬
‫يدل على ّ‬ ‫َّ‬
‫ألن األمر ُّ‬
‫ياقية الموجودة‪،‬‬
‫الس ّ‬‫القضوي للفعل الحقاً للحظة التلّفظ‪ ،‬وهذا يرتبط أيضاً بالقرائن ّ‬
‫ّ‬
‫اذهب غداً‪.‬‬
‫اذهب اآلن‪ ،‬و ْ‬
‫ْ‬ ‫كقولنا‪:‬‬
‫يدل على‬
‫أن فعل األمر" ال ُّ‬‫ونذكر بهذا الصدد الدكتور مهدي المخزومي الذي يرى َّ‬
‫اجه به المخاطب إلحداث‬
‫ولكنه طلب محض يو َ‬
‫وقوع حدث في زمن من األزمان ّ‬
‫(‪(2‬‬
‫مضمونة فو اًر "‬
‫وكذلك تكون الجهة معدومة َّ‬
‫ألن الحدث في فعل األمر ينضوي على توّقع في المستقبل‬
‫الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة منه‪ ،‬وليس تسجيالً لحدث تام منته واضح الجهة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫الجهية بعض‬
‫منية و ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫حيز ّ‬ ‫ونرى ّ‬
‫أن في هذه اآلراء التي تبعد صيغة األمر من ّ‬
‫تدل على حدث لم يحدث بعد‪ ،‬بل‬ ‫الصيغة‪ ،‬فقط لكون هذه ّ‬
‫الصيغة ُّ‬ ‫المغاالة بحق هذه ّ‬
‫أن‬
‫وجب ْ‬
‫يتوّقع حدوثه‪ ،‬ولذلك كانت هذه اآلراء غير مقبولة‪ ،‬فلو كان ذلك صحيحاً ل َ‬
‫منية أيضاً‪ ،‬وحصر الداللة على الزمن في‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ت ْب َع َد صيغة المضارع (يفعل) من ّ‬
‫الزمن المستقبل الذي لم يقع بعد‪،‬‬ ‫(فعل) فقط‪ ،‬لكون صيغة (يفعل) ُّ‬
‫تدل على ّ‬ ‫َ‬ ‫صيغة‬
‫أو الذي يتوّقع حدوثه‪ ،‬وكون صيغة (فعل) هي التي ُّ‬
‫تدل على الحدث التام المنجز‪،‬‬
‫شأن صيغة (فعل ويفعل)‪،‬‬
‫زمنية شأنها َ‬
‫أن لصيغة (افعل) داللة ّ‬
‫ومن هذا المنطلق نجد ّ‬
‫المستمر أو المطلق‬
‫ّ‬ ‫أما جهتها فهي المستقبل القريب أو البعيد أو‬
‫وزمنها هو المستقبل‪ّ ،‬‬
‫اكتب الدرس اآلن‪،‬‬
‫ياقية المصاحبة‪ ،‬كقولنا‪ْ :‬‬
‫الس ّ‬
‫السياق والقرائن ّ‬
‫‪ ...‬إلخ‪ ،‬وذلك بحسب ّ‬
‫اسع إلى فعل الخير‪ ...‬إلخ‬
‫اسحب البكرةَ باستمرار‪ ،‬أو َ‬
‫ْ‬ ‫أو اكتب الوظيفة غداً‪ ،‬أو‬

‫‪‌-‌1‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.156-155‬‬
‫ّ‬
‫ّاللة‌دراسة‌لسانية‪‌:‬هاني‌البطاط‪‌،‬ص‌‪‌.194-193‬‬ ‫ّ‬
‫مقولة‌الزمن؛‌القرينة‌والد‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‌‪‌.69‬‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪64‬‬
‫النحويين من ذهب مذهب البصريين في اعتبار صيغة(افعل) ‪-‬التي هي صيغة‬
‫‪ -‬ومن ّ‬
‫نحو الكوفيين في اعتبار صيغة‬
‫األمر‪ -‬قسيماً للماضي والمضارع‪ ،‬ومنهم من َن َحا َ‬
‫(افعل) جزءاً من المضارع أو المستقبل على اعتبار ّأنه يطلب به حدوث فعل لم يحدث‬
‫فضل عدم اعتبار صيغة (افعل) ضمن األفعال‪،‬‬
‫أو استمرار حدوث فعل ما‪ ،‬ومنهم من ّ‬
‫أن صيغة (افعل) هي صيغة إنشائية‬ ‫خبر به عن حدث ما‪ ،‬وبما َّ‬ ‫وذلك َّ‬
‫ألن الفعل ي َ‬
‫الزعبالوي اعتبار األمر فعالً‪،‬‬ ‫الدين ّ‬
‫خبر بها رفض الدكتور صالح ّ‬ ‫وليست خبرّية ي َ‬
‫فليس‬ ‫ِ‬ ‫ية في ِ‬‫األحداث الجار ِ‬
‫ِ‬ ‫به ِ‬‫يقول‪ " :‬الفعل َّإنما يخبر ِ‬
‫أما( األمر ) َ‬ ‫األزمنة‪َّ ،‬‬ ‫هذه‬ ‫عن‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫الفعل‬ ‫ألنه صيغة إنشاء‪ ،‬ال إخبار‪ ،‬فال يصح ِ‬
‫فيه إذاً حُّد‬ ‫ِ‬
‫األصل؛ َّ‬ ‫به‪ ،‬في‬‫مما يخبر ِ‬
‫َ ّ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫"‪.‬‬
‫بحد‬
‫ألنه إنشائي وليس إخبارياً التزاماً ّ‬
‫أن إخراج فعل األمر من دائرة األفعال ّ‬‫ونرى َّ‬
‫فصحيح‬
‫ٌ‬ ‫لحد الفعل؛‬
‫الفعل‪ ،‬يعتََبر رأياً ضعيفاً وغير منطقي‪ ،‬وفيه نظر لجانب واحد ّ‬
‫الطلبية‪ ،‬ولكن هل‬
‫ّ‬ ‫اإلنشائية‬
‫ّ‬ ‫أن فعل األمر ينطوي على طلب ويندرج ضمن األساليب‬ ‫َّ‬
‫اإلنشائية ال تشمل إال فعل األمر أو صيغة (افعل)؟! فالفعل المضارع‬ ‫ّ‬ ‫األساليب‬
‫المسبوق بحرف استفهام يعتبر إنشائياً ال إخبارياً‪ ،‬كقولنا‪ :‬أتفعل كذا؟ أو هل يعقل ذلك‪،‬‬
‫صديقك؟ فهل قال‬
‫َ‬ ‫زرت‬
‫واألمر نفسه مع الفعل الماضي وصيغة (فعل) في قولنا‪ :‬هل َ‬
‫ألنهما ال ُّ‬
‫يدالن على إخبار كما قال في‬ ‫الزعبالوي َّ‬
‫أن الماضي والمضارع ليسا فعلين ّ‬ ‫ّ‬
‫فعل األمر؟‬
‫لمجرد داللته على اإلنشاء ال ي َع ُّد كافياً‪ ،‬وليس دليالً‬
‫إذاً فإخراج فعل األمر من األفعال ّ‬
‫وتبنى آراءهم الذين قالوا إّنه‬
‫ؤخذ به‪ ،‬شأنه شأن آراء القدماء من الكوفيين ومن تبعهم ّ‬
‫ي َ‬
‫ط ٌع من المضارع وليس فعالً مستقالً بنفسه‪ ،‬على عكس البصريين‪ ،‬فنرى سيبويه‬ ‫مقتَ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫اضرب"‬
‫ْ‬ ‫اقتل و‬
‫اذهب و ْ‬
‫ْ‬ ‫فإنه قولك آم اًر‪:‬‬
‫يقع ّ‬
‫أما بناء ما لم ْ‬
‫حده للفعل‪ " :‬و َّ‬
‫يقول في ّ‬
‫زمنية على المستقبل الذي لم‬
‫إذاً فقد وضع سيبويه األمر ضمن األفعال وأعطاه دالل ًة ّ‬
‫ِ‬
‫يأت بعد‪.‬‬

‫‪ -‌1‬مع‌النّحاة‌وما‌غاصوا‌عليه‌من‌دقائق‌اللّغة‌وأسرارها‪‌:‬صالح‌الد‬
‫ّين‌الزعبالوي ‌‪‌،‬منشورات‌اتّحاد‌الكتّاب‌العرب‪‌،‬دمشق‌–‌سورية‪‌‌،‬‬
‫ّ‬
‫‪‌1992‬م‪‌،‬ص‌‪‌.191‬‬
‫‪‌-‌2‬الكتاب‪‌:‬سيبويه‪‌.12‌/1‌،‬‬

‫‪65‬‬
‫منية‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫بين اللغويين في طبيعة العالقة بين الفعل وصيغته و ّ‬
‫وهكذا تفاوتت اآلراء َ‬
‫السلف القديم‬
‫يدل عليه الفعل الذي أشار إليه ّ‬‫سمى الذي ُّ‬
‫ماهية هذا الم ّ‬
‫يقدمها‪ ،‬في ّ‬
‫التي ّ‬
‫يدل على‬ ‫النحويين في تعريفهم للفعل العربي‪ ،‬فقال بعض الم ْح َدِثين َّ‬
‫أن الفعل ال ُّ‬ ‫من ّ‬
‫ّ‬
‫تم‬ ‫سمى‪ ،‬وهذا غير مقبول َّ‬
‫ألن الحركة يجب أن تَ ّ‬ ‫زمان‪ ،‬و إنما على حدث أو حركة للم ّ‬
‫الزمن َّ َّ‬
‫تتم داخله كل األحداث‬ ‫عنوي الذي ّ‬ ‫الم ّ‬
‫ألن الزمان هو اإلطار المكاني َ‬ ‫عبر ّ‬
‫مادة أو جسم أو حركة أو فعل ال زمن له ال وجود له‪ ،‬وهذه‬ ‫فأي ّ‬
‫والحركات والمواد‪ّ ،‬‬
‫اللغوي ّ‬
‫بكل عالقاته‬ ‫ّ‬ ‫العالقة ال تنطبق فقط على علم الفيزياء‪ ،‬بل تشمل أيضاً الكالم‬
‫فالزمن والحركة والحدث جميعها عناصر ترتبط وتتعّلق بالفعل‪،‬‬
‫حوية‪ ،‬إذاً ّ‬
‫الن ّ‬
‫ركيبية و ّ‬
‫التّ ّ‬
‫بحج ِة ارتباطه بالحدث‪ ،‬وبعضهم‬
‫الزمن‪ّ ،‬‬ ‫فصل الفعل عن ّ‬
‫َ‬ ‫لكل قول يحاول‬
‫صح َة ّ‬
‫وال ّ‬
‫يدل على‬
‫إن الفعل ُّ‬‫يدل عليه الفعل‪ ،‬و ّ‬
‫سمى بالفاعل الذي ُّ‬
‫اآلخر حاول ربط هذا الم ّ‬
‫حركة هذا الفاعل‪ ،‬ال على حركة الحدث نفسه‪.‬‬
‫الصحة‪ ،‬فالحركة موجودة في الفاعل وفي‬ ‫ونرى َّ‬
‫أن هذا الرأي يفتقر إلى جانب من ّ‬
‫الفعل نفسه‪ ،‬ووجودها في أحدهما ال ينفي وجودها في اآلخر‪ ،‬فمثالً الفعل (ضرب)‬
‫الضرب‪ ،‬ويقتضي بالضرورة حركة الفعل‬‫بعملية ّ‬
‫ّ‬ ‫ينطوي على حركة الفاعل الذي يقوم‬
‫الضرب‪ ،‬إذاً فالحركة موجودة في كليهما بل‬
‫عملية ّ‬
‫ّ‬ ‫لتتم وتكتمل‬
‫نفسه أو الحدث ّ‬
‫المسمى بصيغة الفعل نفسه‪ ،‬ودور هذه‬ ‫ّ‬ ‫وضرورّية أيضاً‪ ،‬وربط لغويون آخرون حركة‬
‫فع َل‪،‬‬
‫عل‪ ،‬وَف ّع َل‪ ،‬وتَ َّ‬
‫يدل عليه الفعل‪ ،‬كداللة صيغة ( َف َ‬
‫الصيغة في تحديد المعنى الذي ُّ‬
‫ّ‬
‫أن هذا الرأي يتماشى‬ ‫الصيغة‪ ،‬ونرى ّ‬‫ويفعل‪ )...‬على معان مختلفة بحسب مادة هذه ّ‬
‫الصيغة بتقاليبها‬ ‫ِ‬
‫النحاة القدماء‪ ،‬ومنهم ابن جّني الذي أشار إلى داللة ّ‬
‫مع ما ذهب إليه ّ‬
‫تضمان أحرفاً مشتركة‪ ،‬وذلك بفعل‬
‫ّ‬ ‫المختلفة على معنى واحد‪ ،‬أو صيغتين مختلفتين‬
‫ً‬
‫الصيغ وما تحمله هذه األحرف من معان جز ّئية تتضافر فيما‬
‫المكونة لهذه ّ‬
‫ّ‬ ‫األحرف‬
‫للصيغة‪ ،‬كقوله في باب في إمساس األلفاظ أشباه‬ ‫بينها لتندمج في بوتقة المعنى العام ّ‬
‫ص َّر‪،‬‬
‫ومداً فقالوا‪َ :‬‬
‫كأنهم ّتوهموا في صوت الجندب استطال ًة ّ‬ ‫المعاني ‪ " :‬قال الخليل‪ّ :‬‬
‫ص َر‪ ]...[ ،‬ومنها أيضاً ّأن َك تجد المصادر‬ ‫وتو ّهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالوا‪َ :‬‬
‫ص ْر َ‬ ‫ّ‬
‫الصلصلة‪ ،‬والقعقعة‪،‬‬
‫الزعزعة‪ ،‬والقلقلة‪ ،‬و ّ‬
‫المضعفة تأتي للتّكرير‪ ،‬نحو ّ‬‫ّ‬ ‫باعية‬
‫الر ّ‬
‫تقدمت الزيادة فيه على سمت األصل؛‬
‫الصعصعة]‪ ،‬والجرجرة والقرقرة‪]...[،‬وكذلك ما ّ‬
‫[و ّ‬
‫‪66‬‬
‫الصنعة بوزن األصل في نحو‬ ‫نحو أحسن‪ ،‬وأكرم‪ ،‬وأعطى‪ ،‬وأولى‪ ،‬فهذا من طريق ّ‬
‫وزْوَزى‪ ،‬وذلك ّأنهم جعلوا هذا الكالم عبارات عن هذه المعاني‪،‬‬
‫ف‪ ،‬وَق ْوَقى‪َ ،‬‬
‫وس ْرَه َ‬
‫حرَج‪َ ،‬‬
‫َد َ‬
‫أدل عليه‪ ،‬وأشهد بالغرض فيه" (‪.)1‬‬
‫فكّلما ازدادت العبارة شبهاً بالمعنى كانت ّ‬
‫يدل على التّناسب القائم بين األحرف بمعانيها المختلفة ودورها في‬
‫وفي هذا القول ما ُّ‬
‫الصيغ على المعنى‪ ،‬وحتى ولو كانت مادة‬
‫الصيغة‪ ،‬كما يشير إلى داللة ّ‬‫تحديد معنى ّ‬
‫الداللة على المعنى‪ ،‬بل‬
‫الصيغ مختلفة‪ ،‬إذاً فال تفضيل ألحدهما على اآلخر في ّ‬
‫هذه ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فال يمكن‬ ‫كو َن المعنى‪ ،‬واألمر ّ‬
‫سيان مع الحركة و ّ‬ ‫ال ّبد من تضافر األمرين ليت ّ‬
‫الصيغ الجامدة تستطيع أن‬ ‫أن تكون أحرف الكلمة وحدها داّل ًة على زمن ّ‬
‫محدد‪ ،‬وال ّ‬
‫تعبر عن زمن بصورة مطلقة وثابتة‪.‬‬
‫ّ‬

‫الزمن‪:‬‬
‫‪ -7‬دالل ُة اسمي الفاعل والمفعول على ّ‬
‫تحمل المشتقات في طياتها دالالت األفعال المشتقة منها‪ ،‬على رأي من يقول أن‬
‫األفعال هي أصل االشتقاق‪ ،‬فهي تحمل معنى الفعل وداللته‪ ،‬وطالما كان شأن الفعل‬
‫تدل على الحدث والزمان‪،‬‬ ‫فإن المشتقات منه بدورها ُّ‬‫أن يكون داالًّ على حدث وزمان‪ّ ،‬‬
‫ولعل من أبرز هذه المشتقات دالل ًة عليهما‪ ،‬اسم الفاعل واسم المفعول‪ ،‬فقد كانا ميداناً‬
‫ّ‬
‫يدل عليه كل منهما‪ ،‬ال يمكن أن‬
‫الزمن الذي ُّ‬ ‫للبحث والدراسة قديماً وحديثاً‪ ،‬ودراسة ّ‬
‫يتجرد عن السياق وقر ِ‬
‫زمنية‪ ،‬فهذا ابن ِجّني ّ‬
‫يتحدث‬ ‫تحمل َّأي َة داللة ّ‬
‫َ‬ ‫ائنه‪ ،‬فبدونها لن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن داللة اسم الفاعل على المعنى‪ ،‬كداللة المصدر على معنى الفعل‪ ،‬فيقول‪ " :‬أال‬
‫تراك تقول‪ :‬أأنت سائر فأتبعك‪ ،‬فتقتضب من ِ‬
‫لفظ اسم الفاعل معنى المصدر و إن لم‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يكن فعالً" (‪ ، )2‬فالمعنى الذي حمله اسم الفاعل (سائر) هو معنى المصدر والفعل‬ ‫ْ‬
‫منية التي‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫فإن ّ‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫يدل على ّ‬
‫(تسير) في هذا السياق ُّ‬
‫الزمن الحاضر (الحال)‪.‬‬
‫ّأداها اسم الفاعل هي ّ‬
‫و نرى ابن ِجّني في موضع آخر يربط بين اسم الفاعل و ّ‬
‫الداللة على الحدث بلفظه‪،‬‬
‫يقول‪ " :‬وكذلك اسم الفاعل –نحو قائم وقاعد‪ -‬لفظه يفيد الحدث الذي هو القيام‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.154-152‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.49‌/3‌،‬‬

‫‪67‬‬
‫إذاً فاسم الفاعل عنده مرتبط‬ ‫(‪)1‬‬
‫والقعود‪ ،‬وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل"‬
‫تدل على من قام بالفعل‪ ،‬وبحكم ارتباط اسم الفاعل بالحدث فهو‬
‫بالحدث‪ ،‬وصيغته ُّ‬
‫مقيداً بجهة‬
‫الزمن ّ‬
‫اء أكان ّ‬‫ألنه ال وجود للحدث بدون زمن‪ ،‬سو ٌ‬
‫بالزمن‪ّ ،‬‬
‫شك مرتبط ّ‬‫بال ّ‬
‫غير محدد بزمن‪ ،‬كداللة المصدر مثالً‪ ،‬وارتباطه بالزمن ال يعني‬
‫محددة أم كان مطلقاً َ‬
‫بالضرورة أن يكون داالً على زمن بعينه‪ ،‬وإنما أن يكون قابالً للداللة على زمن ما‬
‫وفق القرائن الدالة‪.‬‬
‫زمنية واضحة تشير‬ ‫ونرى في استخدامات ابن ِجّني السمي الفاعل والمفعول دالالت ّ‬
‫تحدث عنها النحاة الم ْح َدثون‪ ،‬ومن األمثلة التي تظهر فيها ّ‬
‫الداللة‬ ‫إلى األزمنة التي ّ‬
‫منية قوله في الخصائص‪" :‬ح ِم َل ما س ّمي به الفعل في الخبر على ما سمي به في‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الرجل‪ ،)2( "...‬فنراه هنا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الضارب‬ ‫األمر والنهي‪ ،‬كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذا‬
‫يشبه الحسن الوجه بالضارب الرجل في اإلخبار‪ ،‬واإلخبار هنا كان لحدث ماض‪ ،‬وقد‬
‫(الموصولية)‪ ،‬فكانت الجملة‬
‫ّ‬ ‫ومعرف ًة بأل‬
‫ّ‬ ‫جاءت صيغة اسم الفاعل (الضارب) عامل ًة‬
‫الرجل)‪ ،‬وفي موضع آخر يقول ابن ِجّني‪ " :‬أال ترى ّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫ضرب‬
‫َ‬ ‫بمعنى‪( :‬هذا الذي‬
‫الزمن‬
‫أما داللة اسم الفاعل (مؤذن) فهي ّ‬ ‫ِ‬
‫دخل عليه‪ّ ، "...‬‬‫التنوين مؤذ ٌن بتمام ما َ‬
‫(‪)3‬‬

‫دل فيه على الفعل المضارع الذي يشير إلى هذا‬‫ألنه وقع في سياق ّ‬
‫الحاضر‪ ،‬وذلك ّ‬
‫فكان بمعنى‪( :‬أال ترى ّ‬
‫أن التنوين يؤذن بتمام)‬ ‫الزمن‪ ،‬بسبب السياق وقرائنه(أال ترى) َ‬
‫ّ‬
‫أن داللة الفعل المضارع في هذا المثال هي الحال‪.‬‬
‫اضح ّ‬
‫وو ٌ‬
‫استخدم ابن ِجّني صيغة اسم المفعول للداللة على االتصاف بالحدث‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬
‫َ‬ ‫و‬
‫معيناً" (‪ ،)4‬فاسم المفعول‬
‫لما لم يكن الرجل هنا مقصوداً ّ‬
‫ألمر برجل مثلك ّ‬
‫" قال‪ّ :‬إني ُّ‬
‫الصيغة خب اًر للفعل‬
‫بأنه مقصود‪ ،‬فقد وقعت هذه ّ‬
‫يدل على اتصاف الرجل ّ‬
‫(مقصود) ُّ‬
‫معروف عن األفعال‬
‫ٌ‬ ‫الناقص (يكون) في حين كان (الرجل) اسماً لها‪ ،‬وكما هو‬
‫تدل على اتّصاف اسمها بخبرها‪.‬‬
‫الناقصة التي ُّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي ‌‪‌.101‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق ‌‪‌.50‌/3‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌.65‌/3‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.99‌/3‬‬

‫‪68‬‬
‫وكنت عند التّذ ّكر‬
‫الداللة قوله‪ " :‬والمعنى الجامع بين التّذ ّكر والندبة[‪َ ]...‬‬
‫ومثلها في ّ‬
‫ِ‬
‫أن اسمي الفاعل‬ ‫كأنه هو ملفوظ به‪ ، ".‬فنرى ّ‬ ‫ستذكر‪ ،‬صار ّ‬ ‫كالناطق بالحرف الم َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ستذكر‪ ،‬وملفوظ) ُّ‬


‫يدالن‬ ‫يدالن على الوصف‪ ،‬واسمي المفعول (الم َ‬ ‫(الجامع‪ ،‬والناطق) ُّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وقد استخدم ابن ِجّني صيغة اسم الفاعل العامل للداللة على‬ ‫على ّ‬
‫ِ‬
‫فإن َك‬ ‫الزمن المستقبل‪ ،‬وذلك في قوله‪ " :‬أال ترى ّ‬
‫أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن بفعل القرينة‬ ‫ذلك مؤِن ٌس فيهما ضعفاً" ‪ ،‬فقد ّ‬
‫دل اسم الفاعل على هذا ّ‬ ‫حينئذ مع َ‬
‫(‪)2‬‬

‫تضم َن هذه الجهة فهو‬


‫ّ‬ ‫الزمن الذي‬
‫أما ّ‬‫تدل على جهة الحاضر ّ‬ ‫منية (حينئذ) التي ُّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫تختص جملتها بالمستقبل‪ ،‬وغيرها‬
‫ّ‬ ‫المستقبل‪ ،‬والقرينة هي األداة الشرطية (إذا) والتي‬
‫منية السمي الفاعل والمفعول والتي‬
‫الز ّ‬
‫توضح الدالالت ّ‬
‫الكثير من االستخدامات التي ّ‬
‫تحدث عنها الم ْح َدثون وأسهبوا في شرحها وتفاصيلها‪.‬‬
‫ّ‬
‫الصيغة وحدها ال تحكم في تحديد اسم الفاعل واسم المفعول‬
‫أن ّ‬ ‫ويشير ابن ِجّني إلى ّ‬
‫يتحد َد لنا‬ ‫من الفعل فوق الثالثي‪ ،‬بل ال ّبد من النظر إلى ّ‬
‫الداللة المعنوية لهما حتى ّ‬
‫ذلك قولهم‪ :‬مختار‬
‫اسم الفاعل من اسم المفعول‪ ،‬وذلك في صيغ معينة‪ ،‬يقول‪ " :‬ومن َ‬
‫إن كان‬
‫وذلك ّأنه ْ‬
‫َ‬ ‫ختلفين‪،‬‬
‫لمعنيين م َ‬
‫َ‬ ‫مختلفين‬
‫َ‬ ‫ومعتاد‪ ،‬ونحو ذلك؛ فهذا َيحمل تقدير ِ‬
‫ين‬
‫عتود؛ كم ِ‬
‫قتطع(بكسر العين)‪ ،‬و إن كان مفعوالً فأصله‬ ‫اسم الفاعل فأصله مختِير وم ِ‬
‫ستجيد لها‬
‫ٌ‬ ‫ختار للثياب؛ أي م‬
‫أنت م ٌ‬
‫طع‪ ،‬ف ـ (مختار) من قولك‪َ :‬‬
‫ختير وم ْعتََود‪ ،‬كمقت َ‬
‫م َ‬
‫ختير‪ ،‬فهذان تقديران مختلفان‬
‫ختار أصله م َ‬
‫ثوب م ٌ‬
‫ختار من قولك‪ :‬هذا ٌ‬‫أصله مختِير‪ ،‬وم ٌ‬
‫لمعنيين‪ ،‬و إنما كان يكون هذا منك اًر لو َ‬
‫كان تقدير فتح العين وكسرها لمعنى واحد؛‬
‫أهمية السياق والمعنى الذي‬
‫فسائغ حسن‪ ، " .‬فهو هنا يؤّكد على ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ٌ‬ ‫لمعنيين‬
‫َ‬ ‫فأما وهما‬
‫ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬وبالتالي تحديد‬
‫تدل عليه هذه ّ‬
‫السياق للصيغ في تحديد المعنى الذي ُّ‬
‫يكسبه ّ‬
‫اسم الفاعل من اسم المفعول‪ ،‬بحسب هذا المعنى‪.‬‬
‫فكل ما سبق يؤّكد على التالزم بين اسم الفاعل واسم المفعول في االستخدام والصياغة‬
‫ّ‬
‫السياق)‪ ،‬ونرى ابن ِجّني يؤّكد هذا التالزم‪ ،‬عندما ّ‬
‫يتحدث‬ ‫منية (بحسب ّ‬
‫الز ّ‬
‫والدالالت ّ‬
‫وظهر‬
‫َ‬ ‫الصيغة‪،‬‬
‫عن إمكانية استخدام اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول وليس فقط في ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‌‪‌.129‌/3‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.291‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‌‪‌.346‌/1‌،‬‬

‫‪69‬‬
‫﴾(‌‬‫تحدث عن تفسير أهل اللغة على قوله تعالى‪﴿ :‬خلِ َق ِمن َّما ٖٓء َد ِاف ٖق‬ ‫جلياً حين ّ‬
‫ذلك ّ‬
‫وجل‪ ( :‬من ماء‬ ‫الطارق‌﴿‪،)﴾6‬فيقول‪ " :‬أال تراهم [يقصد أهل اللغة] قالوا في ِ‬
‫عز ّ‬ ‫قول هللا ّ‬
‫أن طريق الصنعة فيه ّأنه ذو‬ ‫دافق) ّإنه بمعنى مدفوق‪ ،‬فهذا –لعمري‪ -‬معناه‪َ ،‬‬
‫غير ّ‬
‫دفق كما حكاه األصمعي عنهم من قولهم‪ :‬ناق ٌة ضارب إذا ض ِرَبت‪ ،‬وتفسيره ّأنها ذات‬
‫ض ْرب أي ض ِربت‪ ]...[،‬وكذلك قوله‪:‬‬ ‫َ‬
‫أناشر ال زالت يمينك ِ‬
‫آش َره‬ ‫ِ‬ ‫لقد عيَّل األيتام طعنة ِ‬
‫ناش َره‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الشيء قد يكون مفعوالً كما يكون فاعالً؛‬ ‫الحز والقطع‪ ،‬وذو‬‫األشر‪ّ :‬‬
‫أشر‪ ،‬و ْ‬ ‫أي ذات ْ‬
‫أن معناه‪ :‬ذات‬ ‫عامة باب طاهر‪ ،‬وطالق‪ ،‬وحائض‪ ،‬وطامث؛ أال ترى ْ‬ ‫وعلى ذلك ّ‬
‫ط ْهر‪ ،‬وذات طالق‪ ،‬وذات حيض‪ ،‬وذات طمث‪ ،)1( ".‬وهذا التناوب بين اسم الفاعل‬
‫قدمه ابن ِجّني ليس جديداً؛ فقد ّ‬
‫تحد َث عنه غير واحد‬ ‫واسم المفعول في المعنى والذي ّ‬
‫مرةً بلفظ‬
‫النحاة‪ ،‬ومنهم ابن فارس في الصاحبي في باب أسماه (باب الشيء يأتي ّ‬
‫من ّ‬
‫ومرة بلفظ الفاعل والمعنى واحد)‪ ،‬يقول‪ " :‬تقول العرب‪ :‬هو م َد ِّجج‪ ،‬وم َد َّجج‪،‬‬
‫المفعول ّ‬
‫غرب‪.)2( "...‬‬ ‫وش ٌأو م ِّ‬
‫غرب وم َّ‬ ‫وعبد م ِ‬
‫كاتب‪ ،‬ومكاتَب‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫إذاً هذا ما وجدناه عند ابن ِجّني فيما يتعّلق بداللة اسم الفاعل والمفعول‪ ،‬وما يؤثّر‬
‫الدرس مناصرين ولقي معارضين أو مخالفين‪،‬‬ ‫وجد هذا ّ‬
‫الداللة‪ ،‬وطبعاً َ‬ ‫على هذه ّ‬
‫َ‬
‫وسنستعرض أبرز اآلراء والدراسات عند اللسانيين والنحاة الم ْح َدِثين‪ ،‬ونناقش هذه اآلراء‬
‫ليتض َح لنا صحيحها من مغلوطها‪،‬‬ ‫ونحللها‪ ،‬ونربطها بما سبقها من الدراسات القديمة‪ّ ،‬‬
‫حوية القديمة من مالحظات‬ ‫الن ّ‬
‫وفق ما يقتضيه المنطق والحجة‪ " ،‬فلم تخل الدراسات ّ‬ ‫َ‬
‫منية في المشتّقات‪ ،‬ومن ذلك رصد السلوك العاملي السم‬ ‫الز ّ‬
‫تخص اإلحالة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مهمة‬
‫ّ‬
‫منية‪ ،‬فالمشابهة بين‬
‫الز ّ‬
‫بالداللة ّ‬
‫العاملي ّ‬ ‫الفاعل بين التّنوين واإلضافة‪ ،‬وربط االختالف‬
‫ّ‬
‫الشكلي أو العاملي‪ ،‬بل هناك تقاطع في‬ ‫اسم الفاعل والمضارع ال تنحصر في الشبه‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫المالخ على سيبويه الذي‬ ‫منية‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هذا التّوافق ليس شامالً‪ ،‬إذ يعترض ّ‬ ‫الز ّ‬‫اإلحالة ّ‬
‫منية بين اسم الفاعل وصيغة المضارع‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬‫يشير إلى وجود توافق في المعنى و ّ‬
‫(يفعل) فرأى َّ‬
‫أن الجملتين‪( :‬كان ز ٌيد ضارباً أباه)‪،‬و (كان ز ٌيد يضرب أباه) متساويتين‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.153-152‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬الصاحبي‌في‌فقه‌اللغة‪‌:‬ابن‌فارس‪‌،‬ص‪‌.203‬‬

‫‪70‬‬
‫المالخ الذي رأى َّ‬
‫أن صيغة اسم الفاعل تفتقر إلى‬ ‫منية‪ ،‬وهذا ما لم يقبله ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫في ّ‬
‫تدل عليه صيغة‬
‫مني في الماضي الذي ُّ‬ ‫الزمني أو االستمرار الز‬ ‫الداللة على التدرج‬
‫ّ ّ‬ ‫ّّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫يوضح ذلك‪( :‬عندما دخلت على زيد كان‬ ‫قدم مثالً ّ‬ ‫صح َة مزاعمه‪ّ ،‬‬
‫(يفعل) وليؤّكد ّ‬
‫منيتين واضح‬ ‫يجلس)‪( ،‬عندما دخلت على زيد كان جالساً) فالفرق بين الداللتين ّ‬
‫الز ّ‬
‫وجلي‪ ،‬إذ افتقرت صيغة اسم الفاعل في هذا المثال إلى مجاراة صيغة المضارع في‬
‫الزمن الماضي" (‪.)1‬‬‫مني أو االستم اررّية في الحدث في ّ‬‫الداللة على التدرج الز‬
‫ّّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫أن صيغة‬
‫المالخ‪ ،‬إ ْذ رأى ّ‬
‫النقيض من ّ‬‫الدكتور حسين الزراعي كان على ّ‬ ‫أن ّ‬‫فيما نجد ّ‬
‫الزمن على عكس اسم المفعول‪ ،‬ومثال ذلك قولنا‪ :‬أنا‬
‫درج في ّ‬
‫تدل على التّ ُّ‬
‫اسم الفاعل ُّ‬
‫للتدرج وخاضع له فالنزول يحدث‬ ‫يدل على َّ‬ ‫ِ‬
‫قادم‪ ،‬و أنا ِ‬
‫أن الحدث قابل ّ‬ ‫نازل‪ ،‬فهذا ُّ‬
‫بتدرج الفعل‬ ‫الزمن أيضاً م ِّ‬
‫تدرج ُّ‬ ‫أن ّ‬‫وفق مراحل متتابعة وكذلك القدوم‪ ،‬وهذا يعني َّ‬
‫والحدث‪ ،‬وبذلك يكون اسم الفاعل في العر ّبية هو المقابل للمورفيمات مثل (‪ )ing‬التي‬
‫تدرج الحدث‪ ،‬وكذلك مثل (‪ )ait‬التي تستخدمها‬
‫للداللة على ّ‬
‫تستخدمها اللغة اإلنكليزّية ّ‬
‫التدرج للتفريق‬
‫نسية في نهايات الكلمات للغرض نفسه‪ ،‬وكذلك يستخدم مفهوم ّ‬ ‫اللغة الفر ّ‬
‫ألنه ال يمكن‬ ‫بين اسم الفاعل والصفة المشبهة‪ ،‬فنحن ال نقول مثالً من ( َف ِرَح) ِ‬
‫فارح‪ّ ،‬‬
‫يتم على مراحل متتابعة‪ ،‬و إنما في مرحلة قصيرة وجيزة‬ ‫التدرج في الفرح فهو ال ّ‬
‫الزمن الذي لمحناه في‬
‫درج في ّ‬
‫واحدة(‪ ،)2‬فيما ال يحمل اسم المفعول داللة على هذا التّ ُّ‬
‫فعل‬
‫ألنه ٌ‬‫يدل على وقوع الحدث وثباته‪ ،‬أو على صفة ثابتة‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫اسم الفاعل‪ ،‬فهو ُّ‬
‫يدل على صفة ‪ ،‬أو‬
‫مبني على فاعل مجهول‪ ،‬فقولنا‪َ :‬مقروء‪ ،‬أو َمسموع‪ ،‬أو َمصنوع‪ُّ ،‬‬
‫ٌّ‬
‫على وقوع الحدث واكتماله في وقت واحد ودفع ًة واحد‪ ،‬من دون أن يحتوي على ّ‬
‫أي‬
‫الزمني‪.‬‬ ‫التدرج‬
‫صور ُّ‬‫ِ‬ ‫صورة من‬
‫ّ ّ‬
‫الزمن الحاضر‬ ‫أن اسم الفاعل واسم المفعول ُّ‬
‫يدالن على ّ‬ ‫وذهب محمد قواقزة إلى َّ‬
‫الزمن الماضي‬ ‫والمستقبل إذا كانا عاملين ومجردين من (أل) التعريف‪ ،‬و ُّ‬
‫يدالن على ّ‬
‫إذا كانا مجردين من(أل) التعريف ومضافين إلى ما بعدهما؛ أي غير عاملين‪ ،‬مثال‬

‫ُنظر‪‌:‬الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‌‌(بنياته‌التّركيبيّة‌والدّالليّة)‪‌:‬امحمد‌المالخ‪‌،‬دار‌األمان‪‌،‬ط‪‌،1‬الرباط‌–‌‌المغرب‪2009‌،‬م‪‌،‬ص‪‌-‌40‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌1‬ي‬
‫‪‌.41‬‬
‫ينظر‪‌:‬تداخل‌الجهة‌والزمن‌والحدث‌في‌الدراسات‌اللّسانيّة‌‌الحديثة‪‌:‬د‪‌.‬حسين‌علي‌الزراعي‪‌،‬مجلّة‌مجمع‌اللغة ‌العربيّة‪‌،‬اإلصدار‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌ -‌ 2‬‬
‫األول‪2013‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.257-256‬‬

‫‪71‬‬
‫الزمن‬ ‫ِ‬
‫تدل على ّ‬
‫الرسالة‪ ،‬فالجملة األولى ُّ‬ ‫اآلن‪ ،‬وز ٌيد كاتب‬
‫كاتب الرسال َة َ‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪ :‬ز ٌيد‬
‫الزمن‬
‫تدل على ّ‬
‫ألن اسم الفاعل عامل ومجرد من (أل)‪ ،‬والجملة الثانية ُّ‬ ‫الحاضر؛ َّ‬
‫يدل اسم الفاعل‬ ‫مجرد من (أل) ومضاف إلى ما بعده‪ ،‬كما ُّ‬ ‫ألن اسم الفاعل ّ‬ ‫الماضي؛ َّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬ومثال ذلك قوله تعالى‪َ ﴿:‬ألٓ ِكلو َن‬ ‫واسم المفعول غير العاملين على ّ‬
‫ِمن َشج ٖر ِمن َزُّقوم۞ َفمالِئو َن ِمنها ٱلبطو َن ۞ َف َش ِربو َن عَلي ِه ِمن ٱلح ِ‬
‫ميمِ﴾( ‌الواقعة‪‌-‌ 52﴿‌ :‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٖ َ‬ ‫َ ّ‬
‫‪.)﴾54‬‬
‫الزمن المستقبل قول كعب بن زهير‪:‬‬ ‫ومثال داللة اسم المفعول على ّ‬
‫اء َم ْحمول‬ ‫كل ِ‬
‫وماً على آلة َح ْد َب َ‬
‫َي َ‬ ‫طاَل ْت َس َال َمته‬
‫إن َ‬
‫ابن أنثَى و ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُّ‬
‫الزمن في األمثلة السابقة‬ ‫وتجدر اإلشارة هنا إلى َّ‬
‫أن داللة اسمي الفاعل والمفعول على ّ‬
‫المسبب لها العمل أو عدمه فقط‪ ،‬وال اإلضافة أو عدمها‪ ،‬وال حتّى التعريف أو‬
‫ّ‬ ‫ليس‬
‫ياقية‪ ،‬والتي‬
‫الس ّ‬‫المعنوية ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق والقرائن اللفظية و‬
‫عدمه‪ ،‬بل يضاف إلى ما سبق؛ دور ّ‬
‫سنفصل الحديث عن دورها في الفصل الثالث من هذا البحث بعون هللا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وضعية‬
‫ّ‬ ‫الزمن بحسب‬ ‫النحويين من تناول داللة اسم الفاعل على ّ‬ ‫ونرى من قدماء ّ‬
‫الفراء في تفسير قوله تعالى من سورة األنبياء‪:‬‬ ‫معرفة) فقد "ذهب ّ‬ ‫الصيغة (مضاف ًة أو ّ‬ ‫ّ‬
‫ِٗۖ‬
‫س َذآِئَقة ٱلمو ِت وَنبلوكم ِبٱ َّ‬
‫لش ِّر َوٱل َخي ِر ِفتَنة واليَنا تر َجعو َن﴾(‌األنبياء‌﴿‪ ،)﴾35‬ولو‬ ‫﴿ك ُّل َنف ٖ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نت في (ذائقة) ونصبت (الموت) كان صواباً‪ ،‬وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب‬ ‫ّنو َ‬
‫ِ‬
‫الموت]‪،‬‬ ‫في المستقبل‪ ،‬فإذا كان معناه ماضياً لم يكادوا يقولون إال باإلضافة [أي‪ :‬ذائقة‬
‫أخبرت عن‬ ‫فإن‬ ‫ِ‬
‫الخميس‪ ،‬إذا كان خميساً مستقبالً‪ْ ،‬‬ ‫يوم‬
‫َ‬ ‫صائم َ‬
‫ٌ‬ ‫فأما المستقبل فقولك‪ :‬أنا‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫الخميس فهذا وجه العمل"‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أنا صائم يو ِم‬
‫صوم يوم خميس ماض َ‬‫َ‬
‫الدكتور مهدي المخزومي الذي يرى َّ‬
‫أن صيغة (فاعل) قد تخلص‬ ‫ذهب إليه ّ‬
‫وهو ما َ‬
‫للمضي إذا أضيف إلى ما بعده‪ ،‬وقد يخلص للمستقبل إذا ّنون‪ّ ، .‬‬
‫ويقدم المخزومي‬ ‫(‪)3‬‬

‫تعريفاً السم الفاعل بقوله‪ " :‬وهو الفعل الدائم الذي ال داللة له على زمن معين إذا لم‬
‫يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول" (‪ ،)4‬وينتقده الدكتور إبراهيم السامرائي في‬

‫ّ‬
‫ر‪‌:‬الزمن‌المستقبل‌في‌اللغة‌العربيّة‌دراسة‌لسانية‪‌:‬محمد‌قواقزه‪‌،‬مجلة‌اتحاد‌الجامعات‌العربيّة‌لآلداب‪‌،‬المجلد‌‪‌،10‬العدد‌‪2‬ب‪‌،‬‬ ‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫ظ‬
‫جامعة‌اليرموك‪‌،‬إربد‌–‌األردن‪2013‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.1604‬‬
‫‪‌-‌2‬الفعل‌زمانه‌وأبنيته‪‌:‬د‪‌.‬إبراهيم‌السامرائي‪‌،‬مؤسسة‌الرسالة‪‌،‬ط‪‌،3‬بيروت‌–‌‌لبنان‪1983‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.38‬‬
‫ّ‬
‫ّاللة‌دراسة‌لسانية‪‌:‬هاني‌البطاط‪‌،‬ص‌‪‌.195‬‬ ‫ّ‬
‫مقولة‌الزمن؛‌القرينة‌والد‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫ي‌قواعد‌وتطبيق‪‌:‬د‪‌.‬مهدي‌المخزومي‪‌،‬ص‪‌.139‬‬ ‫‪‌-‌4‬في‌النّحو‌العرب ّ‌‬

‫‪72‬‬
‫الزمن إذا لم يوصل بمضاف إليه‪ ،‬مستغرباً من‬ ‫هذا القول َّأنه أفرغ صيغة (فاعل) من ّ‬
‫المستمر الذي يتطلب فسحة‬
‫ّ‬ ‫تسميته بالدائم إذا كان هذا رأيه! إذ يعني الدائم فيما يعنيه‬
‫زمنية طويلة‪ ،‬وأيضاً فهو ينصرف إلى الحال واالستقبال في حال كان ناصباً للمفعول‪،‬‬
‫فعلية صيغة (فاعل)‪ ،‬ونفى‬
‫تحدث المخزومي عن ّ‬ ‫والى المضي في حال إضافته‪ ،‬كما ّ‬
‫ولية‪ ،‬وقبولها‬
‫الموص ّ‬
‫االسمية‪ ،‬بالرغم من قبولها (ال) التعريف‪ ،‬التي نسبها إلى َ‬
‫ّ‬ ‫عنها‬
‫التنوين الذي أحاله للداللة على المستقبل رغم وجود أمثلة كثيرة قدمها الفراء والكسائي‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وهذا ما انتقده عليه الدكتور‬
‫تدل فيها صيغة (فاعل) منون ًة على ّ‬
‫والتي ُّ‬
‫السامرائي أيضاً‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬ ‫إبراهيم‬
‫الزمن ال‬
‫درج في ّ‬ ‫أن هذا االختالف بين اسم الفاعل واسم المفعول من حيث التّ ُّ‬ ‫ّإال َّ‬
‫الداللة على‬
‫إن " بين اسمي الفاعل والمفعول تكامل في ّ‬ ‫يعني َّأنهما مختلفان تماماً‪ ،‬بل ّ‬
‫حدِث ِه باعتبار حركة‬
‫الزمن‪ ،‬فاسم الفاعل هو وصف دال على م ِ‬
‫ٌ‬ ‫الحدث والوصف و ّ‬
‫وصف دال على وقوع‬ ‫ِق‪ ،‬و أما اسم المفعول فهو‬ ‫الزمن‪ ،‬كقولنا‪ :‬هذا ِ‬
‫قات ٌل‪ ،‬وذاك سار ٌ‬ ‫ّ‬
‫ٌ‬
‫دل‬
‫قلت‪ :‬الكتاب َمفتوٌح‪ ،‬فقد ّ‬
‫الزمن حقيق ًة أو حكماً‪ ،‬فإذا َ‬
‫الحدث عليه‪ ،‬باعتبار ثبوت ّ‬
‫الزمن بين اسمي الفاعل‬ ‫قولك على َّأنه قد فِت َح و َ‬
‫ظ ّل على ذلك‪ ، "...‬إذاً فالتكامل في ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫حاصل من خالل داللة أحدهما على حدث الفاعل‪ ،‬وهو اسم الفاعل‪ ،‬وداللة‬
‫ٌ‬ ‫والمفعول‬
‫اآلخر على وقوع الحدث عليه‪ ،‬كوصف للحدث وهو اسم المفعول‪َّ ،‬‬
‫ولكن هذا الوصف‬
‫الزمن في سياقات محددة‪ ،‬كما في السؤال‪:‬‬
‫يدل اسم المفعول على ّ‬
‫ليس ثابتاً‪ ،‬و إنما قد ُّ‬
‫َمفهوم هذا؟ ويعني هل ف ِه َم هذا من قبل‪ ،‬فهكذا ّ‬
‫وض َح استيتية عالقة التكامل بين‬ ‫أ ٌ‬
‫اسمي الفاعل والمفعول‪.‬‬

‫الزمن إذا ّنو َن أو أ َ‬


‫ضيف‪-‬‬ ‫النحاة ‪ -‬في داللة صيغة اسم الفاعل على ّ‬ ‫أن شروط ُّ‬
‫" َب َيد َّ‬
‫‪ٞ‬‬
‫صِ‬
‫يد ﴾(‌الكهف‌‬ ‫اصطدمت بقوله تعالى في حكاية أهل الكهف‪﴿ :‬وَكلبهم ب ِسط ِذراعي ِه ِبٱلو ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فإن الحكاية تصف حال الفتية وكلبهم في الكهف‪ ،‬وهو‬ ‫﴿‪)﴾18‬؛ إذ بمقتضى الحال َّ‬
‫ولكن صيغة اسم الفاعل‬
‫حدث وقع و انتهى‪ ،‬فوقت الحكاية عنه غير وقت حدوثه‪ّ ،‬‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬بينما حاول الجمهور أن يجد مخرجاً لهذه‬
‫منونة‪ ،‬وبه داللة على ّ‬

‫ُنظر‪‌:‬الفعل‌زمانه‌وأبنيته‪‌:‬د‪‌.‬إبراهيم‌السامرائي‪‌،‬ص‌‪‌.41-39‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌1‬ي‬
‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬اللّسانيّات‪‌:‬استيتية‪‌،‬ص‌‪‌.155‬‬

‫‪73‬‬
‫القضية التي ال تناسب شروطهم‪ ،‬فجعلوا ذلك لحكاية الحال الماضية‪ ،‬بمعنى َّ‬
‫أن الخبر‬
‫يفترض نفسه في وقت الحديث في الماضي ‪ ،‬ويقدم الريحاني رأيه في هذه المسألة؛ إذ‬
‫للسياق الذي ترد‬
‫الداللة على كل األزمنة وذلك وفقاً ّ‬ ‫يرى َّ‬
‫أن صيغة اسم الفاعل منفتحة ّ‬
‫يدل‬
‫السياق أيضاً قد ُّ‬
‫إن ّ‬‫رفية التي تدخل عليه‪ ،‬بل َّ‬
‫الص ّ‬
‫حوية أو ّ‬
‫وبمقتضى القرائن ا ّلن ّ‬
‫ويقدم على ذلك دليالً بقوله تعالى‪َّ { :‬‬
‫إن هللا فالق‬ ‫على حالة االستقرار أو الثبوت‪ّ ،‬‬
‫يدل‬
‫منية و ُّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫النوى} (األنعام‪ )﴾95﴿‌:‬فاسم الفاعل في هذا المثال مفرغ من ّ‬ ‫ِّ‬
‫الحب و ّ‬
‫أن رأيه في هذا‬‫الدوام" (‪ ، )1‬وأرى َّ‬
‫– حسب زعمه – على حالة فقط وهي الثبوت و ّ‬
‫السياق والقرائن‪ ،‬هو‬
‫الزمن بحسب ّ‬ ‫المسألة؛ أي فيما يتعلق بداللة اسم الفاعل على ّ‬
‫ولكن اختلف‬‫منية‪َّ ،‬‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الرأي األقرب للمنطق ولواقع اللغة العر ّبية المرنة من حيث ّ‬
‫الصيغة من الزمان في اآلية الكريمة السابقة‪ ،‬فبالنظر إلى ّأنها كالم‬
‫معه في إفراغ هذه ّ‬
‫لكل زمان ومكان من دون أن تقتصر أو تنحصر في زمن‬ ‫هللا‪ ،‬فهي وفقاً لهذا تصلح ّ‬
‫جل جالله‪،‬‬
‫دية زمنية من خالل نسبتها إلى هللا ّ‬ ‫دون غيره‪ ،‬بمعنى ّأنها اكتسبت ُّ‬
‫تعد ّ‬
‫الصيغة حتى‬
‫الزمن عن هذه ّ‬‫بأي حال من األحوال ّ‬
‫منية ال تنفي ّ‬
‫الز ّ‬
‫دية ّ‬ ‫وهذه التَّ ُّ‬
‫عد ّ‬
‫السياقات‬ ‫نِ‬
‫يدل في بعض ّ‬
‫بأنها مفرغة من الزمان‪ ،‬فمن صفات الفعل المضارع ّأنه ُّ‬
‫صَف َها ّ‬ ‫َ‬
‫الداللة على‬
‫الزمن المضارع من ّ‬ ‫يصح لنا َّ‬
‫أن نفرغ ّ‬ ‫ُّ‬ ‫على االستمرار والديمومة‪ ،‬فهل‬
‫لمجرد داللتها على االستمرار والديمومة؟!‬
‫الزمن ّ‬‫ّ‬
‫ويدحض الدكتور فالح العجمي‪ ،‬ما ذهب إليه النحاة من داللة اسمي الفاعل والمفعول‬
‫رفية المجرد‬
‫الص ّ‬
‫مني فمنطق األبنية ّ‬‫"أما فيما يخص البعد الز‬‫الزمن إذ يقول‪َّ :‬‬
‫على ّ‬
‫ّ ّ‬
‫يعطي السم الفاعل داللة زمنية مطلقة تتواكب فيها لحظة نطق الكالم مع وقوع الحدث‬
‫أو وجود الحالة أو على األقل تتوافق مع لحظة من لحظات وجودهما‪ ،‬هذا عالوة على‬
‫زمني ًة مطلقة ال يوجد فيها توافق‬ ‫ِ‬
‫أما اسم المفعول فيعطيه دالل ًة ّ‬
‫الصيغة طبعاً‪َّ ،‬‬
‫فاع ّلية ّ‬
‫لكنه ال يمنع‬
‫بين لحظة نطق الكالم أو أي لحظة من لحظات وجود الحالة أو الحدث‪ّ ،‬‬
‫الصيغة أيضاً[‪ ]...‬وفي الواقع العملي‬
‫بالطبع وجود آثارهما‪ ،‬باإلضافة إلى مفعولية ّ‬
‫ّ‬
‫قررها‬
‫منية التي ي ّ‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫للغة العر ّبية‪ ،‬ال تحمل صيغتا اسم الفاعل أو اسم المفعول ّ‬
‫الصيغ‬ ‫ِ‬
‫وكل ما يفهمه المستَمع من دالالت زمنية عبر هذه ّ‬ ‫رفية‪ّ ،‬‬
‫الص ّ‬
‫منطق األبنية ّ‬

‫ي‌في‌الدراسات‌اللغوية‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌عبد‌الرحمن‌الريحاني‪‌،‬ص‌‪‌.142‌-141‬‬ ‫ّ‬
‫اتجاهات‌التحليل‌الزمن ّ‬ ‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬‬

‫‪74‬‬
‫‪،‬أما ما‬
‫الروابط[‪ّ ]...‬‬
‫إضافية من ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق الفعلي أو تركيبات‬
‫ّ‬ ‫يكاد يكون مستَ َ‬
‫وح ًى من ّ‬
‫يقولونه عن كون اسم الفاعل في حالة اإلضافة ُّ‬
‫يدل على وقوع حدث في الماضي‬
‫فع‬ ‫ُّ‬
‫يدل في حالة التّنوين على وقوع حدث في المستقبل‪ ،‬فهو َمحض توقع‪َ ،‬د َ‬ ‫بينما ُّ‬
‫ميزت عن بعضها في هذين البنائين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المبتدئين ِ‬
‫ِ‬
‫بعض اآليات القرآنية التي تَ ّ‬ ‫به وجود‬ ‫َ‬
‫يقدم مجموعة من اآليات القرآنية التي تدحض هذه‬ ‫االختياريين في العر ّبية [‪ ،]...‬ثم ّ‬
‫القاعدة‪ ،‬منها آيات يكون فيها اسم الفاعل مضافاً‪ ،‬وداالً على المستقبل‪ ،‬وفي آيات‬
‫يم َربُّه ۥ ِب َكلِ َم ٖت‬
‫َ‬ ‫أخرى يأتي منوناً وداالً على الماضي‪ ،‬منها قوله تعالى‪﴿:‬ٱبَتَل ٓى ِإب َرِه‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ٗ ِۖ‬ ‫ِۖ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وَكلبهم َبسط‬ ‫ال إّني َجاعل َك للناس إ َماما﴾(‌‌البقرة‪ ،)﴾124﴿‌ :‬وقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫َفأَتَ َّمه َّن َق َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ص ِيد﴾ (الكهف‌﴿‪.")﴾18‬‬ ‫ِذراعي ِه ِبٱلو ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫قدمها الدكتور فالح العجمي باالستناد إلى هذه اآليات ال‬ ‫أن هذه الحجج التي ّ‬ ‫غير َّ‬
‫الصيغة‬
‫آني يأتي بسياقات مختلفة في ّ‬‫تعتبر دليالً على ما أراد إثباته‪ ،‬فالتّأويل القر‬
‫ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬فقد يأتي‬ ‫ِ‬
‫منية التي تنتج عن هذه ّ‬
‫الز ّ‬
‫الواحدة‪ ،‬بحيث يصعب اإلمساك بالجهة ّ‬
‫السياقات تتنوع بحسب‬
‫الماضي داالً على المستقبل والمستقبل داالً على الماضي‪ ،‬وهذه ّ‬
‫يصح األخذ بالنص القرآني كدليل‬
‫ّ‬ ‫آنية‪ ،‬ولذلك ال‬
‫النص القرآني الذي تعنيه اآلية القر ّ‬
‫الزمن الماضي مضافاً أو على المستقبل‬
‫على عدم داللة صيغة اسم الفاعل على ّ‬
‫منوناً‪.‬‬
‫أن استخدام اسم الفاعل ال يكون دائماً إلفادة زمن‬
‫كما يؤّكد الدكتور علي المنصوري ّ‬
‫أن هناك الكثير من‬ ‫بل قد يكون داالً على الوصف فقط‪ ،‬فيذكر َّ‬
‫الداللة عليه‪ْ ،‬‬
‫ما‪ ،‬أو ّ‬
‫الكالمية التي ال يطلب فيها المتكّلم أكثر من تأكيد وقوع الحدث‪ ،‬وليس فيها‬
‫ّ‬ ‫األساليب‬
‫يدل على‬
‫الزمن (كاالستفهام‪ ،‬والنداء‪ ،‬والتعجب)‪ ،‬وكذلك اسم الفاعل قد ال ُّ‬
‫يدل على ّ‬
‫ما ُّ‬
‫مجرد ثبوت الصفة وذلك إذا خال من اللواحق‬
‫الزمن و إنما يراد به في أكثر األحيان ّ‬ ‫ّ‬
‫اضع‪ ،‬أو حين يكون اسم الفاعل علماً لشخص‬‫والقرائن‪ ،‬كقولنا‪ :‬محمد عاقل‪ ،‬وز ٌيد متو ِ‬
‫ثم يشير المنصوري إلى َّ‬
‫أن داللة اسم الفاعل على الحدث المجرد‬ ‫مؤدب‪َّ ،‬‬
‫مثل‪ :‬خالد ّ‬

‫صيغة‌في‌اللغة ‌العربيّة‌‪‌:‬فالح‌بن‌شبيب‌العجمي‪‌،‬مجلة‌جامعة‌الملك‌سعود‪‌،‬المجلد ‌‪‌،5‬العدد ‌‪‌،1‬الرياض ‌‪‌-‬المملكة ‌العربيّة‌‌‬


‫‪‌ -‌ 1‬نظام‌ال ّ‬
‫السعودية‪1993‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.101‌–‌100‬‬

‫‪75‬‬
‫وهذا الكالم ينسحب على صيغة اسم‬ ‫الزمن غالبة على استعماالته األخرى‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫من ّ‬
‫تمثال‬
‫ٌ‬ ‫المفعول التي قد يكون الغرض من اإلتيان بها ّ‬
‫الداللة على الوصف‪ ،‬كقولنا‪:‬‬
‫َمصنوعٌ من الذهب‪ ،‬وغيرها‪...‬‬
‫النحاة‬
‫رفية‪ ،‬فقد قاسها ّ‬
‫الص ّ‬
‫تدل على أي قسم زمني ببنيتها ّ‬ ‫بيد َّ‬
‫أن صيغة اسم الفاعل ال ُّ‬ ‫َ‬
‫منية بحسب‬
‫الز ّ‬
‫السياق وفي داللتها ّ‬
‫على صيغة المضارع(يفعل)‪ ،‬وأجروها مجراها في ّ‬
‫السياق‪ ،‬واستشهدوا على هذه اآلراء باألمثلة اآلتية‪:‬‬
‫هذا ّ‬
‫المستقبل‬ ‫ضارب زيداً غداً = هذا يضرب زيداً غداً‬
‫ٌ‬ ‫‪ -1‬هذا‬
‫الحال‬ ‫ضارب [زيداً] الساع َة= هذا يضرب زيداً الساعة‬
‫ٌ‬ ‫‪ -2‬هذا‬
‫التحدث عن فعل‬ ‫‪ -3‬كان ز ٌيد ضارباً أباك= كان يضرب أباك‬
‫في حال وقوعه‪.‬‬
‫ففي المثال األول دّلنا الظرف (غداً) على زمن المستقبل‪ ،‬وفي المثال الثاني دلتنا‬
‫يدل على زمن حدوث الفعل أو‬
‫القرينة (الساعة) على زمن الحال‪ ،‬وفي المثال األخير ُّ‬
‫يسمى بالماضي القصصي‪ ،‬وليس على زمن التحدث‬
‫زمن الحاضر في الماضي أو ما ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الملفوظية‪ ،‬وهذا المعنى أضافته (كان) قبل صيغة (يفعل)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أو زمن‬

‫رفية في تحديد الجهة‪:‬‬


‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫‪ -8‬أثر ّ‬
‫رفية والكشف عن معانيها موضوعٌ جليل جدير‬ ‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬‫إن اإلبانة عن داللة ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيغة‪،‬‬
‫شك في ّأنه لو لم يختلف المعنى لم تختلف ّ‬
‫باالهتمام في البحث اللغوي‪ ،‬وال ّ‬
‫إذ كل عدول عن صيغة إلى أخرى ال َّبد أن يصحبه عدول عن معنى إلى آخر‪ ،‬إال‬
‫إذا كان لغ ًة (‪ ،)3‬وقد أشرنا سابقاً إلى حديث ابن ِجّني عن داللة صيغة الفعل على‬
‫الداللة الصناعية‪ ،‬ومّث َل لها بداللة صيغة الفعل (قام)‬
‫الزمن والتي أطلق عليها اسم ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن يستلزم داللتها‬
‫الصيغة على ّ‬ ‫ِ‬
‫الزمن الماضي ‪ ،‬وإدراك ابن جّني لداللة ّ‬ ‫على ّ‬
‫(‪)4‬‬

‫منية الدقيقة ( من حيث القرب أو البعد‪ ،‬أو التّمام‪ ،‬أو االستمرار[‪]...‬‬


‫الز ّ‬
‫على الجهة ّ‬

‫ّ‬
‫ّاللة‌الزمنيّة‌في‌الجملة‌الفعلية‪‌،‬أ‪‌.‬د‌علي‌جابر‌المنصوري‪‌،‬الدار‌العلمية‌الدولية‌ودار‌الثقافة‌للنشر‌والتوزيع‪‌،‬ط‪‌،1‬عمان‌‬
‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬الد‬
‫–‌األردن‪2002‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.38-37‬‬
‫ي‌في‌الدراسات‌اللغوية‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌عبد‌الرحمن‌الريحاني‪‌،‬ص‌‪‌.139-138‬‬ ‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬اتجاهات‌التحليل‌الزمن ّ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪‌-‌3‬يُنظر‪‌:‬معاني‌األبنية‌في‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬فاضل‌صالح‌السّامرائي‪‌،‬دار‌عمار‪‌،‬ط‪‌،2‬عمان‌–‌األردن‪2007‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.6-5‬‬
‫ر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.98‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌4‬يُن َ‬
‫ظ‬

‫‪76‬‬
‫الصيغة‬
‫تلزم ّ‬
‫أن َ‬
‫السياقية المناسبة التي من شأنها ْ‬
‫الصيغة بالقرائن ّ‬
‫وذلك بعد اقتران هذه ّ‬
‫أن هذه القرائن ال يشترط أن تكو َن أدوات ظاهرة ‪ ،‬بل قد تكون أفعاالً‬ ‫محددة‪َ ،‬ب َيد َّ‬
‫بجهة ّ‬
‫معنوية‪ ،‬ونرى في أقوال ابن ِجّني الشيء الكثير الذي ينبهنا‬
‫ّ‬ ‫مرّكبة‪ ،‬أو رّبما تكون قرين ًة‬
‫الزمن والجهة أيضاً‪ ،‬كما نرى في قوله مثالً‪ " :‬ال‬
‫الصيغة على ّ‬
‫إمكانية داللة ّ‬
‫ّ‬ ‫على‬
‫الزمن‬
‫تدل على ّ‬ ‫اآلن حفظها‪ ،)1( "...‬فصيغة المضارع (ال يفعل) التي ُّ‬
‫َيحضرني َ‬
‫منية بجهة محددة‬ ‫الز ّ‬
‫ص داللتها ّ‬ ‫خص َ‬ ‫الحاضر أو المستقبل‪ ،‬إال َّ‬
‫أن اقترانها بــ(اآلن) ّ‬
‫وهي جهة الحال(الحاضر) اللحظي أو اآلني‪ ،‬ومن الحاالت الدقيقة التي دّلت فيها‬
‫ّ‬
‫ظُّن َك‬ ‫منية بواسطة القرائن التي ترّكبت معها‪ ،‬قوله ِ‬
‫شارحاً‪ " :‬فما َ‬ ‫الز ّ‬
‫الصيغة على الجهة ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن المطلق‪،‬‬ ‫المصدر(ظن َك) دّلت على ّ‬
‫ّ‬ ‫أن صيغة‬ ‫وي م ّقيداً‪ ،)2( "...‬فنرى َّ‬
‫الر ُّ‬
‫كان ّ‬
‫إذا َ‬
‫منية الثالثة (الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل)؛ إ ْذ نستطيع القول‪:‬‬
‫الز ّ‬
‫إذ تحتمل الدالالت ّ‬
‫اآلن إذا كان‬
‫ظنك َ‬‫ظن َك حين كان الروي مقيداً؟ (في الماضي)‪ ،‬أو ما هو ّ‬
‫كيف كان ّ‬
‫َ‬
‫أن الروي كان ّ‬
‫مقيداً؟‬ ‫الروي[‪]...‬؟ (في الحاضر)‪ ،‬أو كيف سيكون ّ‬
‫ظن َك إذا علمت ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬والحكم أو الفيصل‬
‫(في المستقبل)‪ ،‬فجميع هذه االحتماالت تصدق على هذه ّ‬
‫الزمن هنا‪ ،‬ليس القرائن السياقية التي وردت في قول ابن ِجّني‪ ،‬و َّإنما‬
‫الذي يحكم بجهة ّ‬
‫المعنوية‪ ،‬فلو كان ابن ِجّني يخاطب بحديثه شخصاً حاض اًر معه (يحاوره)‬‫ّ‬ ‫هو القرينة‬
‫منية هي الحاضر‪ ،‬وإذا كان عن مسألة سابقة (مضى الحديث فيها)‬ ‫ستكون الجهة ّ‬
‫الز ّ‬
‫ِ‬
‫عاماً يخاطب‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ولو كان القصد من حديثه ّ‬‫منية ضمن ّ‬ ‫ستكون الجهة ّ‬
‫الز ّ‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬
‫منية هي ّ‬
‫الز ّ‬
‫فالداللة ّ‬
‫به القارئ؛ أي بصدد الشرح‪ّ ،‬‬
‫وبالمقابل نجد من اللسانيين الغربيين (جيمس فاندلر‪ ،‬دانيال داوتي) من لجأ إلى‬
‫وتضم هذه‬
‫ّ‬ ‫الجهية التي توافقها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للسمات‬
‫تصنيف األفعال على أربع مجموعات وفقاً ّ‬
‫أحب‪ ،‬كره‪ ...‬إلخ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫المجموعات‪ :‬أفعال الحاالت‪ :‬وهي األفعال الشعورية مثل‪َّ :‬‬
‫تدل على حركة‪ ،‬مثل‪ :‬جرى‪ ،‬سار‪،‬‬
‫‪ -1‬أفعال األنشطة‪ :‬وهي األفعال الحركية أو التي ُّ‬
‫غنى[‪]...‬‬
‫ّ‬
‫أكل كعك ًة[‪]...‬‬
‫تدل على تحقيق عمل ما‪ ،‬مثل‪ :‬بنى منزالً‪َ ،‬‬
‫‪ -2‬أفعال اإلنجاز‪ :‬والتي ُّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.264/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‪‌.261‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -3‬أفعال اإلتمام‪ :‬وهي األفعال التي تمت وانتهت في الماضي‪ ،‬مثل‪ :‬مات‪ ،‬وصل‪،‬‬
‫ربح[‪]...‬‬
‫الزمني‪ ،‬المحدودية‪ ،‬تغير الحالة‪،‬‬ ‫أما السمات التي ذكرها‪ ،‬هي‪ :‬السيرورة‪ ،‬االمتداد‬
‫ّ ّ‬
‫والتأثّر‪.‬‬
‫ووزع هذه السمات على األصناف الفعلية‪ ،‬فمثالً أفعال النشاط تحتوي على سمة‬
‫التدرج على مراحل متتابعة‪ ،‬بينما ال تقبل أفعال الحالة سمة السيرورة‪،‬‬
‫السيرورة؛ أي ّ‬
‫السيرورة من جهة‬
‫مني (وهي سمة جعلها مرادفة لسمة ّ‬ ‫إال ّأنها تمتلك سمة االمتداد الز‬
‫ّ ّ‬
‫التّتابع) والتي تفتقر لها أفعال اإلتمام؛ إذ تحتوي أفعال اإلتمام واإلنجاز على سمتي‬
‫تغيير الحالة والمحدودية‪ ،‬واللتان تفتقر لهما أفعال الحالة والنشاط ‪.)1( "...‬‬
‫أن األفعال ال تحمل خصائص‬ ‫ثم َيخلص الدكتور امحمد المالخ إلى نتيجة مفادها " َّ‬
‫َّ‬
‫جهية بصورة قبلية دون مراعاة شروط المؤالفة لذلك أضحت الكثير من األبحاث الّل ّ‬
‫سانية‬ ‫ّ‬
‫تقر بتأليفية الجهة باعتبارها ِنتاج سيرورة تفاعلية بين خصائص‬ ‫في نحو الجهة ّ‬
‫السورّية للمركبات التي تساوقه في التركيب" (‪.)2‬‬
‫اإلحالية أو ّ‬
‫ّ‬ ‫المحمول والخصائص‬
‫الصيغ الفعلية‪،‬‬
‫تقدمها ّ‬ ‫إذاً نرى َّ‬
‫أن هناك نوعاً من الربط بين المعاني والدالالت التي ّ‬
‫الصيغ نفسها التي نتجت عن طريق التآلف الحاصل بين‬ ‫تؤديها هذه ّ‬‫والجهات التي ّ‬
‫اللية‪ ،‬وهو ما حاول الدكتور امحمد المالخ توضيحه فيما‬
‫الد ّ‬‫الصيغ الفعلية ومعانيها ّ‬
‫ّ‬
‫تقدم ذكره‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن الم ْح َدِثين من قال إ َّن العرب تلجأ إلى تخصيص زمن الفعل إذا دعت الحاجة‬
‫الدال على الحدث‬
‫الزمن ّ‬‫اللية إلى ذلك؛ والمقصود بهذا التخصيص هو تحديد جهة ّ‬ ‫الد ّ‬
‫ّ‬
‫من حيث القرب والبعد واالنقطاع واالستمرار‪ ،‬وذلك عن طريق القرائن المساعدة‪ ،‬في‬
‫فقدم‬
‫الزمن وذلك عن طريق استخدام صيغة الماضي‪ّ ،‬‬ ‫حين كان األصل هو إطالق ّ‬
‫يوضح ذلك بقوله‪ " :‬عندما يقول العربي‪ :‬خرج زيد َّ‬
‫فإنه‬ ‫الدكتور سمير استيتية مثاالً ّ‬
‫يقصد من ذلك إطالق زمن الحدث في الماضي باعتبار َّأنه وقع و انتهى وإطالق‬
‫الزمن هو األساس‪ ،‬إذ ال حاجة للقيد‪ ،‬إال عندما يكون التخصيص أم اًر مطلوباً؛ أي‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬امحمد‌المالخ‪‌.‬ص‌‪‌.340‌–‌338‬‬‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌.343‬‬

‫‪78‬‬
‫فإما أن يكون الحدث قد وقع من‬ ‫عندما يكون تخصيص زمن الحدث وتحديده مطلوباً‪ّ ،‬‬
‫قريب‪ ،‬و إما أن يكون قد وقع من بعيد‪ ،‬فإذا كان وقوعه قريباً قلنا‪ :‬قد خرج زيد‪ ،‬ويكون‬
‫المعنى‪ :‬خرج من قريب‪ ،‬وإذا كان قد وقع من وقت ليس بالقريب قلنا‪ :‬لقد خرج زيد‪.‬‬
‫وتظل صيغ الماضي كلها قابلة‬
‫ّ‬ ‫فاإلطالق هو األصل‪ ،‬والتقييد يكون لحاجة داللية‪،‬‬
‫حدد‬
‫النحو" ‪ ،‬إذاً فهو يشير إلى زمن ماض مطلق غير م ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لإلطالق والتقييد على هذا ّ‬
‫إن تحديد الجهة يكون بحسب ما تقتضيه‬
‫الجهة‪ ،‬ويراه االستخدام األصلي للماضي و َّ‬
‫يتطرق استيتية إلى داللة صيغة المستقبل على ّ‬
‫الزمن‬ ‫أن ّ‬ ‫اللية‪ ،‬من دون ْ‬
‫الد ّ‬‫الحاجة ّ‬
‫تحدد‬ ‫المستقبل المطلق أو على الحال المطلق عندما تكون ّ‬
‫مجردة من القرائن التي ّ‬
‫منية بدّقة‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫جهتها ّ‬
‫مصو اًر الجهة على ّأنها تمّثل‬
‫ّ‬ ‫الزراعي عن الجهة والحدث‬
‫الدكتور حسين ّ‬ ‫يتحدث َّ‬
‫و ّ‬
‫وقدم على ذلك أمثل ًة‬
‫زمنية‪ّ ،‬‬‫اخلية للحدث‪ ،‬وتقوم بتوزيع الحدث إلى فواصل ّ‬
‫الد ّ‬‫البنية ّ‬
‫يشرح من خاللها مقصده‪:‬‬
‫أ‪-‬يق أر زيد الصحيفة (اآلن)‬
‫ب‪-‬يق أر زيد صحيفة الحياة (عادةً)‬
‫ج‪َ -‬ف ِه َم زيد المسألة (االكتمال بدون فواصل)‬
‫د‪َ -‬ف َّهم المعلم زيداً المسأل َة (االكتمال مع وجود فواصل)‪.‬‬
‫يدل على‬ ‫ثم يشير بعد المقارنة بين األمثلة (أ) و(ب) وبين (ج) و(د)‪ ،‬إلى َّ‬
‫أن (أ) ال ُّ‬ ‫ّ‬
‫يدل على تكرار الحدث و َّ‬
‫إن زيد‬ ‫اآلنية‪ ،‬بعكس (ب) الذي ُّ‬ ‫التكرار والعادة و ّإنما على ّ‬
‫أن الحدث قد اكتمل فيها ولكن ليس‬‫يدل على َّ‬
‫فإن (د) ُّ‬‫مرة‪ ،‬وكذلك َّ‬ ‫يقوم به أكثر من ّ‬
‫اكتمل بخالف (ج) الذي يعني َّ‬
‫أن الحدث‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫زمنية إلى ْ‬
‫مر بفواصل ّ‬ ‫دفع ًة واحدة بل َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫نجز دفع ًة واحدة فال تكون فواصله منظورةً للقارئ‪.‬‬
‫أ َ‬
‫قد َم في المثالين (ج‪-‬‬ ‫الزراعي قد ّ‬
‫أن الدكتور حسين ّ‬‫أن ما يجدر اإلشارة إليه هو َّ‬
‫غير َّ‬
‫َ‬
‫د) صيغتَين مختلفتَين للفعل على خالف ما فعله في المثالين (أ‪-‬ب) فالفعل ( َف ِه َم) ُّ‬
‫يدل‬
‫تدل على‬
‫فع َل في المثال (د) فهي ُّ‬ ‫أما صيغة َّ‬‫الزمن الماضي‪ّ ،‬‬
‫على اكتمال الحدث في ّ‬

‫‪‌-‌1‬اللّسانيّات‌‌(المجال‌والوظيفة‌والمنهج)‪‌،‬أ‪.‬د‪‌.‬سمير‌شريف‌استيتية‪‌،‬ص‌‪.148‬‬
‫والزمن‌والحدث‌‌في‌الدراسات‌اللّسانيّة‌الحديثة‪‌:‬د‪‌.‬حسين‌علي‌الزراعي‪‌،‬ص‌‪‌.274-273‬‬ ‫‪‌-‌2‬يُن َ‬
‫ظر‪‌:‬تداخل‌الجهة‌ ّ‬

‫‪79‬‬
‫التّكرار واالستمرار بفعل التّضعيف على عين الفعل‪ ،‬والتّكرار بطبيعته يستلزم انجاز‬
‫السياق هو المتح ّكم في هذه الدالالت على‬ ‫الحدث على مراحل وفواصل‪ ،‬وصحيح َّ‬
‫أن ّ‬
‫ولكن المتح ّكم األكبر في المثالين (ج‪-‬‬
‫قدمها‪ّ ،‬‬‫كل األمثلة السابقة التي ّ‬
‫الزمن في ّ‬
‫جهة ّ‬
‫السياق فقط‪.‬‬
‫د) هي صيغة الفعل وليس ّ‬
‫فعل) ضمن عوامل الجهة‪ ،‬و إن‬ ‫و(ي َ‬
‫صنف وولفجانغ ريتشل صيغتي ( َف َع َل) َ‬ ‫"وقد ّ‬
‫الفروق من جهة الفعل هي التي تجعل هذه االستخدامات المختلفة لصيغة ( َف َع َل) في‬
‫الصيغة‬
‫منية إلى أمور كامنة في ّ‬ ‫الز ّ‬
‫وظيفة عموم مطلق أم اًر مفهوماً‪ ،‬كما نسب القيمة ّ‬
‫منية مواكبة زمن الحدث لزمن الكالم أو نسبتهما إلى‬
‫الز ّ‬ ‫نفسها‪َّ ،‬‬
‫لكنه ال يعني بهذه ّ‬
‫بعضهما ‪-‬كما يفهم في كثير من الدراسات‪ -‬بل ذلك العموم المطلق الذي يعبر عنه‬
‫منية التي ينسب إليها زمن الحدث فتحدد عنده‬
‫الز ّ‬
‫أما المرحلة ّ‬
‫من خالل زمن حاضر‪ّ ،‬‬
‫الزمن‬
‫السياق بمعناه الواسع‪ ،‬وبسبب السلوك المحايد لصيغة (فعل) إزاء ّ‬
‫من خالل ّ‬
‫تؤدي صيغة (فعل) الوظيفة الفعلية األخرى‪ ،‬ويخلص من‬
‫فإنه ليس ناد اًر أن ّ‬
‫(الفلسفي) ّ‬
‫زمنية كما‬
‫تؤديها هذه األصناف الفعلية ليست وظيفة ّ‬
‫األساسية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫أن الوظيفة‬
‫هذا ّ‬
‫نسب‬ ‫هو الحال في الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬غير َّ‬
‫أن جهة الفعل عنده التي ت َ‬
‫منية للعبارة ليست هي جهة الفعل المقصودة هنا بل تعني طبيعة الفعل‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫إليها القيم ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وهما عنده شيء واحد‪".‬‬
‫الزمن المطلق بنفسها من‬
‫أن ريتشل يؤكد داللة صيغة الفعل على ّ‬
‫ونالحظ مما سبق ّ‬
‫يدل على زمن‬‫أما ما ُّ‬ ‫دون أن تكون داّلة على زمن ّ‬
‫التلّفظ أو زمن األداء الكالمي‪ّ ،‬‬
‫تؤدي دو اًر في‬
‫الفعلية (فعل‪ ،‬يفعل) ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫أن ّ‬‫السياق‪ ،‬كما يؤكد ّ‬
‫الحدث عنده فهو ّ‬
‫السياق وقرائنه‪.‬‬
‫تحديد جهة الفعل بالتضافر مع ّ‬
‫الصيغة َّ‬
‫بأن‪ " :‬الزمان المأخوذ‬ ‫الزمن و ّ‬
‫يلخص صاحب كتاب حاشية المعالم رأيه في ّ‬ ‫ّ‬
‫من صيغة األمر هو زمان (الحال) َّ‬
‫ولكن هذا الحال ليس قيداً للحدث المطلوب‪ ،‬بل‬
‫اإلنشائية من‬
‫ّ‬ ‫هو ظرف للطلب الواقع منه‪ ،‬بمعنى َّ‬
‫أن الحال هو زمان صدور النسبة‬
‫الدين‬
‫طب" ‪ ،‬ويعّلق مصطفى جمال ّ‬ ‫زمان الحدث المطلوب من المخا َ‬ ‫ِ‬
‫المتكّلم‪ ،‬وليس َ‬
‫(‪)2‬‬

‫صيغة‌في‌اللغة‌العربيّة‌‪‌:‬فالح‌بن‌شبيب‌العجمي‪‌،‬ص‌‪‌.96-95‬‬‫‪‌-‌1‬نظام‌ال ّ‬
‫‪‌-‌2‬هداية‌المسترشدين‌في‌شرح‌معالم‌الدّين‪‌،‬محمد‌تقي‌بن‌محمد‌رحيم(‪1248‬هـ)‪‌،‬طبع‌الحجر‌في‌إيران‪1313‌،‬هـ‪‌،‬البحث‌غير‌مرقّم‪‌،‬‬
‫تحت‌عنوان‌(بحث‌الفور‌والتّراخي)‪‌.‬‬

‫‪80‬‬
‫فالزمان المدلول عليه بصيغة الفعل‪ ،‬هو زمان‬ ‫تعسفياً؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتبره‬
‫َ‬ ‫على هذا الرأي الذي‬
‫وليس زمان صدور‬
‫صدور الحدث من الفاعل سواء أكان ماضياً أم حاالً أم استقباالً‪َ ،‬‬
‫عندهم‪َّ ،‬‬
‫ألن (زمان‬ ‫ِ‬
‫األفعال َ‬ ‫أن تتساوى أزمنة‬ ‫الزم هذا القول ْ‬
‫إن َ‬ ‫النسبة من المتكِّلم‪َّ ،‬‬
‫ثم ْ‬ ‫ّ‬
‫الحال) كما هو ظرف لصدور النسبة الخبرية من المتكّلم أيضاً فيكون (الحال) زمان‬
‫(‪)1‬‬
‫الماضي والمضارع كما هو زمان األمر‪.‬‬
‫فنرى أن هذا الرأي يتجه إلى اعتبار الحال ظرفاً لصيغة األمر (افعل) على اعتبار َّ‬
‫أن‬
‫التلفظـ‪،‬‬
‫الصيغة‪ ،‬وهو زمن ّ‬
‫يتم بها إنشاء الطلب بهذه ّ‬
‫الزمن يؤخذ من اللحظة التي ّ‬
‫هذا ّ‬
‫التلفظ هو الحاضر أو الحال‪،‬‬ ‫فصحيح َّ‬
‫أن زمن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وليس زمن الحدث المطلوب حدوثه‪،‬‬
‫النحويون تضارباً‬ ‫يصح اعتباره زمناً للص ِ‬
‫يغة ِ‬
‫نفسها‪ ،‬ومن هذا المنطلق رأى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ولكن ال‬
‫التلفظ بصيغة األمر‪ ،‬فينبغي أن يكون ظرفاً‬
‫أن الحال هو ظرف لزمن ّ‬ ‫الرأي‪ ،‬فكما َّ‬
‫في ّ‬
‫دال على‬
‫ثابت ٌ‬
‫زمن ٌ‬‫التلفظ أو الملفوظية هو ٌ‬ ‫للماضي والمضارع أيضاً‪ ،‬وأرى َّ‬
‫أن زمن ّ‬
‫زمنية مختلفة‪ ،‬فعندما أقول‬ ‫الحاضر (الحال)‪ ،‬ويحتوي على أزمنة م ّ‬
‫تغيرة وبجهات ّ‬
‫كل صباح‪،‬‬‫ذهب أحمد‪ ،‬أو كان يدرس‪ ،‬أو أريد طعاماً‪ ،‬أو تشرق الشمس ّ‬
‫لصديقي‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫للزمن‬ ‫أن كل هذه الجمل تابع ٌة‬ ‫لندرس‪ ،‬أو[‪ ،]...‬نالحظ ّ‬
‫َ‬ ‫تعال‬
‫الدواء‪ ،‬أو َ‬ ‫اشرب ّ‬
‫ْ‬ ‫أو‬
‫الملفوظية(الحاضر) المقترن بزمن الفعل (أقول) في جملة (أقول‬
‫ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬وهو زمن‬
‫ضمن دائرِة ّ‬
‫الزمن‬ ‫لصديقي)‪ ،‬وإن اختلفت زمنية كل جملة فيها بحسب قر ِ‬
‫ائنها‪ ،‬فهي‬
‫َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ْ‬
‫الحاضر الذي أتلّفظ ِ‬
‫به‪.‬‬
‫بالزمن‪ ،‬فيقول في‬‫الدكتور عبد المجيد جحفة عن مفهوم الجهة وعالقتها ّ‬ ‫يتحدث ّ‬
‫كما ّ‬
‫معرض حديثه عن البنية الداخلية للحدث‪ " :‬فالمعلومات التي تحويها البنية الداخلية‬
‫رفيات الجهية فحسب‪ ،‬بل يحملها الفعل وموضوعاته كذلك‪،‬‬‫الص ّ‬
‫للحدث ال تحملها ّ‬
‫اللية بين المحمول‬
‫الد ّ‬‫تعد دراسة للعالقات ّ‬
‫وبهذا فدراسة العالقات المحورّية التي ّ‬
‫التركيبية‪ ،‬عبارة‬
‫ّ‬ ‫وكيفية التعبير عن هذه العالقات في الصورة‬
‫ّ‬ ‫وموضوعاته المختلفة‪،‬‬
‫عن إسقاط للمعلومات التي يفيدها الحدث‪ ،‬المحمول في التركيب‪ ،‬وبما َّ‬
‫أن البنية‬

‫‪‌-‌1‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفي‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.155‬‬

‫‪81‬‬
‫الجهية‪َّ ،‬‬
‫فإن التغيرات التي قد تلحق‬ ‫ّ‬ ‫الموضوعية للحدث هي _ في الوقت نفسه _ بنيته‬
‫الترابطات بين الحدث وموضوعاته ذات بعد جهي أيضاً‪" .‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫يتحدث جحفة عن دور مفعول الفعل في الحد من زمنية الفعل وانتهاء الحدث‪ ،‬إذ‬
‫كما ّ‬
‫الح َد ّثية‪ ،‬فيقول مستشهداً‪ " :‬تذهب تيني (‪ )1988 ،1987‬اعتماداً‬
‫يرسم له خط النهاية َ‬
‫عدة أعمال حول جهة األفعال والمركبات الفعلية منها فاندلير وداوتي‪ ،‬إلى َّ‬
‫أن‬ ‫على ّ‬
‫يحد الفعل ويقيسه زمنياً‪ ،‬فحين‬
‫مفعول الفعل المباشر ما هو اال ذلك العنصر الذي ّ‬
‫تحد أو ترسم نقطة نهاية الحدث‪َّ ،‬‬
‫ألن الحدث ينتهي‬ ‫فإن التفاحة ّ‬‫نقول (أكل زيد تفاحة) َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫في النقطة التي تكون فيها التفاحة قد أ ِكلت عن آخرها‪" .‬‬
‫فنالحظ َّ‬
‫أن األمثلة السابقة تنطوي على أزمنة مختلفة وبجهات ّ‬
‫زمنية متعددة منها‬
‫الماضي‪ ،‬والحاضر في الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمطلق‪ ،‬والمستقبل‪ ،‬والحاضر في‬
‫المستقبل‪ ،‬وكل هذه األزمنة وغيرها يجمعها زمن واحد هو زمن التلفظ الذي هو زمن‬
‫الحال‪.‬‬

‫‪‌ -‌ 1‬ا ‌اللّسانيّات‌المقارنة‌واللغات‌في‌المغرب‪‌:‬التنسيق‌العلمي‌عبد‌القادر‌الفاسي‌الفهري‪‌،‬منشورات‌كلية‌اآلداب‌في ‌الرباط‪‌،‬سلسلة‌‌‬


‫ندوات‌ومناظرات‌رقم‌‪‌،51‬ط‪‌،1‬الرباط‌–‌المغرب‪1996‌،‬م‌‪‌،‬ص‌‪108‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪109-108‬‬

‫‪82‬‬
‫الداللة‪:‬‬
‫اللغوية و ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن الّنحوي وصلته بالقرائن‬
‫الفصل الثالث‪ّ :‬‬
‫‪-1‬مفهوم القرينة‪.‬‬
‫الداللة‪.‬‬
‫‪-2‬مفهوم ّ‬
‫‪-3‬مفهوم السياق‪.‬‬
‫الصيغة وداللة السياق‪.‬‬
‫الزمن بين ّ‬
‫‪ّ -4‬‬
‫الزمن الماضي‪:‬‬
‫‪ -5‬جهات ّ‬
‫أ‪ -‬الماضي التام‪.‬‬
‫ب‪ -‬الماضي القريب‪.‬‬
‫ج‪ -‬الماضي البعيد‬
‫د‪ -‬الماضي المستمر‪.‬‬
‫ه‪ -‬الماضي التكراري أو االعتيادي‬
‫و‪ -‬الماضي المطلق‪.‬‬
‫الزمن المضارع‪:‬‬‫‪-6‬جهات ّ‬
‫جددي أو االستمراري‪.‬‬
‫أ‪ -‬الحال ال ّت ّ‬
‫ب‪ -‬المستقبل القريب‪.‬‬
‫ج‪ -‬المستقبل البعيد‪.‬‬
‫د‪ -‬المستقبل المطلق‪.‬‬
‫الزمن المطلق‪.‬‬
‫‪ّ -7‬‬
‫الزمن الّنحوي‪.‬‬
‫الشرط على ّ‬
‫‪-8‬أثر أدوات ّ‬
‫الزمن الّنحوي‪.‬‬
‫اللغوية على ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-9‬أثر القرائن‬
‫السياق‪.‬‬
‫الزمن بحسب ّ‬
‫‪-10‬داللة المصدر على ّ‬
‫بالزمن‪.‬‬
‫الرتبة وعالقتها ّ‬
‫‪ّ -11‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -1‬مفهوم القرينة‪:‬‬
‫للقرينة في اللغة واالصطالح داللتان متقاربتان‪ ،‬إذ تشيران إلى مفهوم االقتران واالتصال‬
‫تشد إلى‬
‫صَله‪ ،‬والقرينة‪ :‬الناقة ّ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫فالقرينة على وز ‪( :‬فعيلة) من قر الشيء بالشيء‪َ :‬و َ‬
‫وقارَن‬
‫شده إليه [‪َ ]...‬‬‫أخرى‪ ،‬وهي من " قرن الشيء بالشيء‪ ،‬وقرنه إليه يقرنه قرناً‪ّ :‬‬
‫الشيء بالشيء وصلته[‪]...‬‬
‫َ‬ ‫الشيء مقارن ًة وِقرناً‪ :‬واقترَن به وصاحبه[‪ ]...‬وقرنت‬
‫َ‬ ‫الشيء‬
‫(‪)1‬‬
‫صاحب"‪.‬‬‫والقرين‪ :‬الم ِ‬
‫وقال ابن فارس في مقاييس اللغة‪ ":‬القاف والراء والنون أصالن صحيحان‪ :‬أحدهما‬
‫وشدة"‬
‫شيء ينتأ بقوة ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ٌ‬ ‫يدل على َجم ِع شيء إلى شيء‪ ،‬واآلخر‬
‫ُّ‬
‫نابع‬ ‫النحاة والبالغيون في تعريف م َّ‬
‫حدد للقرينة‪ ،‬وذلك ٌ‬ ‫أما في االصطالح فقد اختلف ّ‬ ‫ّ‬
‫السياق‪ ،‬فمنهم من رأى‬
‫من اختالف النظرة إلى القرينة في االستخدام؛ أي توظيفها في ّ‬
‫السياق الحالي‪ ،‬يقول ابن ِجّني‪" :‬فمن‬
‫وضعية؛ أي ّإنها تفهم من ّ‬
‫ّ‬ ‫عقلية غير‬
‫فيها دالل ًة ّ‬
‫جالسهما جميعاً لكان مصيباً مطيعاً ال‬ ‫ذلك قولهم‪َ :‬جالِ ِ‬
‫ابن سيرين‪ ،‬ولو َ‬ ‫سن أو َ‬
‫الح َ‬
‫س َ‬
‫جاز ذلك في‬
‫الشيئين‪ّ ،‬إنما َ‬ ‫ِ‬
‫وضعها ألحد ّ‬ ‫م َخالِفاً‪ ،‬و إن كانت (أو) ّإنما هي في أصل‬
‫انض ّمت من جهة المعنى إلى‬ ‫رجع إلى نفس (أو)‪ ،‬بل لقرينة ّ‬
‫هذا الموضع ال لشيء َ‬
‫ووض َح ْت هذه القرينة‬
‫السياق الحالي‪ّ ،‬‬
‫عقلية مفهومة من خالل ّ‬
‫(أو)‪ ، "...‬فالقرينة هنا ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫معنوية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مسأل ًة‬
‫ظاهر من تقسيمهم القرائن‬
‫ٌ‬ ‫النحاة قد تكون كالماً أو غير كالم وهذا‬
‫والقرينة عند بعض ّ‬
‫تدل على المراد؛ وهذا‬
‫ومعنوية‪ ،‬وهي عند بعضهم اآلخر ُّ‬
‫ّ‬ ‫لفظية‬
‫وحالية‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬ ‫لفظية‪،‬‬
‫إلى ّ‬
‫يدل عليه في أصل الوضع‪ ،‬أو عدوالً عن‬ ‫المراد قد يكون معنى ملتبساً لغياب ما ُّ‬
‫ً‬
‫األصل في التّركيب‪ ،‬والقرينة تكون أيضاً مقترن ًة بما ُّ‬
‫تدل عليه؛ والمراد هاهنا االقتران‬
‫الدالة على المراد منه واقعين في زمان‬ ‫الزماني بأن يكون الكالم المس ُّ‬
‫تدل عليه والقرينة ّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫يتأخر أحدهما عن اآلخر‪.‬‬
‫واحد‪ ،‬ال ّ‬

‫‪‌-‌1‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‪‌،336‌/13‌،‬مادة‌(قرن)‪.‬‬
‫‪‌-‌2‬مقاييس‌اللغة‪‌:‬ابن‌فارس‪‌.76‌/5‌،‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.348-347‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫‪‌ -‌ 4‬يُنظر‪‌:‬القرائن‌في‌علم‌المعاني‪‌:‬رسالة‌أعدّت‌لنيل‌درجة‌الدكتوراه‪‌:‬ضياء‌الدين‌القالش‪‌،‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬أحمد‌محمد‌نتّوف‪‌،‬جامعة‌‬
‫دمشق‪‌،‬كلية‌اآلداب‌والعلوم‌اإلنسانيّة‪‌،‬دمشق‌–‌سورية‪2011‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.21–16‬‬

‫‪84‬‬
‫معنوية‪ ،‬فالقرائن‬
‫ّ‬ ‫لفظية‪ ،‬وقرائن‬ ‫َّ‬
‫إن القرائن في اللغة العر ّبية تنقسم إلى قسمين‪ :‬قرائن ّ‬
‫حوية‪ ،‬وتشمل‬‫الن ّ‬
‫تدل بها على الوظائف ّ‬
‫اللفظية هي عنصر من عناصر الكالم‪ّ ،‬يس ُّ‬ ‫ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬والمطابقة‪ ،‬الروابط‪ ،‬والتضام‪،‬‬
‫هذه القرائن (العالمة اإلعرابية‪ ،‬والترتيب‪ ،‬و ّ‬
‫واألداة‪ ،‬والتنغيم)‪.‬‬
‫وبقية‬
‫المعنوية فهي العالقة التي تربط بين أي عنصر من عناصر الجملة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أما القرائن‬
‫ّ‬
‫المعنوية نذكر‪( :‬اإلسناد‪ ،‬التخصيص‪ ،‬والنسبة‪ ،‬والتبعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العناصر‪ ،‬ومن هذه القرائن‬
‫(‪)1‬‬
‫والمخالفة)‪.‬‬
‫الزمن‪ ،‬ومن هذه األدوات‬
‫وتعتََبر األدوات من أكثر القرائن ظهو اًر وتأثي اًر في المعنى و ّ‬
‫شبهة بالفعل والظروف‪ ،‬ويأتي تأثير‬
‫النواصب والجوازم واألفعال الناقصة واألحرف الم ّ‬
‫رفية واضحاً وصريحاً‪ ،‬إ ْذ تحتوي الحدث الذي ُّ‬
‫يدل‬ ‫ظ ّ‬‫الظروف أو ما يسمى بالقرائن ال ّ‬
‫يدل عليه الظرف مثل (اآلن‪ ،‬أمس‪،‬‬ ‫الزمن الذي ُّ‬
‫عليه الفعل بداخلها‪ ،‬فيكتسب الفعل ّ‬
‫السياقات‬ ‫ِ‬
‫بعض ّ‬ ‫أن تأتي في‬‫الزمانية يمكن ْ‬
‫ّ‬ ‫أن هذه الظروف‬
‫غداً‪ ،‬قبل‪ ،‬بعد[‪ ،]...‬غير ّ‬
‫غير داّلة على زمن‪ ،‬و إنما‬ ‫ِ‬
‫تحدث ابن جّني عن مجيئها َ‬ ‫وقد ّ‬
‫غير داّلة على زمن‪ّ ،‬‬‫َ‬
‫مانين)‬ ‫أن الالم في قولهم‪( :‬اآلن ُّ‬
‫حد ال ّز َ‬ ‫على الجنس أو الصنف‪ ،‬يقول أبو الفتح‪ " :‬كما َّ‬
‫حد‬
‫ألن اآلن من قولهم‪( :‬اآلن ّ‬
‫جئت بالحق) ّ‬
‫اآلن َ‬ ‫غير الالم في قوله سبحانه‪( :‬قالوا َ‬
‫الزمانين) بمنزلة (الرجل أفضل من المرأة‪ ،‬والملك أفضل من اإلنسان) أي هذا الجنس‬
‫أفضل من هذا الجنس‪ ،‬فكذلك (اآلن) إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل في قولك‪:‬‬
‫اآلن كالمه) فمعنى هذا‪ :‬كنت في هذا الوقت الحاضر‬‫(كنت اآلن عنده‪ ،‬وسمعت َ‬
‫حد الزمانين‪،‬‬
‫اء منه‪ ،‬فهذا معنى غير المعنى في قولهم اآلن ّ‬
‫تصرمت أجز ٌ‬
‫بعضه وقد ّ‬
‫الزمن الحاضر –كما هو‬
‫يدل على ّ‬
‫أن (اآلن) التي هي ظرف ُّ‬ ‫وذلك ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فاعرفه"‬
‫الزمن الذي هو‬
‫حد الزمانين) على نوع وجنس ّ‬
‫معروف‪ -‬دّلت في قوله‪ ( :‬اآلن ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فتختلف عن (اآلن) في قوله‪( :‬اآلن جئت بالحق) التي‬ ‫الحاضر‪ ،‬وليس على ّ‬
‫بالسياق‪،‬‬
‫يدل على ارتباط األفعال والقرائن ّ‬
‫الزمن ال على الجنس طبعاً‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫تدل على ّ‬
‫ُّ‬

‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌وداللته‌عند‌الجاحظ‪‌:‬نجيبة‌علي‌الخبولي‪‌،‬ص‌‪‌،80‬وينظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌‌-231‬‬ ‫‪‌ -‌ 1‬‬
‫‪‌.240‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.395‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪85‬‬
‫الزمن على الكلمات واأللفاظ ونزعه‬
‫السياق في اإلبانة عن المعنى‪ ،‬وفي إضفاء ّ‬
‫وقوة ّ‬
‫ّ‬
‫عنها‪.‬‬
‫أهمية الجهة في تفاعلها مع صيغ األفعال ودورها في التحديد الدقيق‬ ‫وعلى الرغم من ّ‬
‫الزمن في العر ّبية ال تكون عن طريق صيغ‬ ‫لزمن الفعل إال َّ‬
‫أن اإلشارة إلى جهات ّ‬
‫النحاة الم ْح َدِثين‪ ،‬إذ يعتبر ذلك تضييقاً والزاماً للغة‪،‬‬
‫توهم بعض ّ‬
‫محددة مضبوطة كما ّ‬
‫و أن ما يفيد معنى الجهة بصورة أكثر دّقة هو القرينة بأشكالها المختلفة‪ ،‬والتي يمكن‬
‫لفظية تتمّثل في الظروف مثل‪ :‬غداً‪ ،‬أمس‪ ،‬اليوم‪ ،‬اآلن‪ ،‬حين‪،‬‬
‫جعلها نوعين‪ :‬قرائن ّ‬
‫الشرط والنواصب وقد والم االبتداء‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫واألدوات مثل‪ :‬التسويف‪ ،‬والنواسخ وأدوات ّ‬
‫عما سواها من القرائن في تحديد جهة‬
‫معنوية تغني ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق وهي قرائن‬
‫وقرائن المقام و ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك كقول الناظر إلى الشمس‪ :‬الشمس تشرق‪ ،‬وما فيها من داللة على الحال‪،‬‬‫ّ‬
‫السياق زمن‬
‫ناظر لها أيضاً‪ :‬أشرقت الشمس‪ ،‬إذ أفاد الماضي في هذا ّ‬‫أو قوله وهو ٌ‬
‫الحال من دون أن يقترن بأدوات تساعده في ذلك‪ ،‬إال قرينة ّ‬
‫السياق أو المقام التي‬
‫(‪)1‬‬ ‫الزمن و ُّ‬
‫تدلنا عليه‪.‬‬ ‫تشير إلى هذا ّ‬
‫الصيغ‬
‫الزمن وجهته إذ بدونها تغدو ّ‬
‫إذاً فللقرينة بأشكالها المختلفة دور هام في تحديد ّ‬
‫الفعلية قوالب جامدة ال روح فيها وال زمن مفهوم منها‪.‬‬
‫ّ‬
‫الداللة‪:‬‬
‫‪ -2‬مفهوم ّ‬
‫"الدال والالم أصالن‪ :‬أحدهما‬ ‫الداللة في اللغة كما ذكرها ابن فارس في مقاييس اللغة‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫اب في الشيء‪ ،‬فاألَّول قولهم‪ :‬دَلْلت فالناً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخر اضطر ٌ‬ ‫َمارة تتعّلمها‪ ،‬و َ‬‫إبانة الشيء بأ َ‬
‫ِ ِ (‪)2‬‬ ‫الشيء‪ ،‬وهو ِبين َّ ِ‬‫ِ‬ ‫طر ِ‬
‫الداللة‪".‬‬
‫الداللة و ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدليل‪ :‬األمارة في‬
‫يق‪ ،‬و ّ‬ ‫على ال ّ‬
‫ِ‬
‫صيده‬ ‫انه‪ :‬أخذهم من فوق‪ ،‬و َّ‬
‫أدل الباز ّي على‬ ‫ويقول ابن منظور‪ :‬أدل الرجل على أقر ِ‬
‫ّ‬
‫فاند ّل[‪]...‬وقال بعضهم معناه بدليل؛ قال ابن‬ ‫ِ ُّ‬ ‫َّ‬
‫ودالل ًة َ‬
‫كذلك‪ ،‬ودله على الشيء َيدله َدالًّ َ‬
‫اللة َدليل فحذف المضاف‬ ‫ِجني‪ :‬ويكون على حذف المضاف أي سدوا المطي على د ِ‬
‫َ‬ ‫َ ّ َ َّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الداللة‪"...‬‬
‫يدل على ّ‬ ‫ألن لفظ الدليل ُّ‬‫وقوي َحذفه هنا ّ‬ ‫ِ‬

‫ي‪‌،‬سناء‌ناهض‌الريس‪‌،‬صحيفة‌دار‌العلوم‌للغة‌العربيّة‌وآدابها‪‌،‬اإلصدار‌الرابع‪‌،‬المجلد‌‪‌،19‬‬ ‫صرف ّ‬ ‫ّ‬


‫حوي‌والزمن‌ال ّ‬ ‫ينظر‪‌:‬الزمن‌النّ‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫العدد‌‪‌،39‬دار‌المنظومة‪‌،‬مصر‪2011‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.293‌–‌292‬‬
‫ل)‪‌.‬‬‫‪‌-‌2‬مقاييس‌اللغة‪‌:‬ابن‌فارس‪‌،259‌/2‌،‬مادة‌(د ّ‌‬
‫‪‌-‌3‬يُنظر‪‌:‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‪‌،‬مادّة‌(دلل)‪‌.‬‬

‫‪86‬‬
‫أن داللة اللفظ عبارة عن كونه‪ ،‬بحيث‬ ‫"اعلم َّ‬
‫حدها األصفهاني بقوله‪ْ :‬‬ ‫أما اصطالحاً فقد َّ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫إذا س ِمع أو تخِّيل الحظت النفس معناه"‪.‬‬
‫بوضع ِه‬
‫ِ‬ ‫وقال الزركشي هي‪" :‬كون اللفظ بحيث إذا أطلق َف ِه َم منه المعنى َم ْن كان عالِماً‬
‫(‪)2‬‬
‫له"‪.‬‬
‫بأنه‪" :‬العلم الذي يدرس المعنى‪ ،‬أو دراسة‬ ‫الداللة َّ‬ ‫ِ‬
‫ف علم ّ‬‫أما عند الم ْح َدثين‪ ،‬فقد ع ّر َ‬‫ّ‬
‫المعنى[‪ ]...‬أو ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول نظرية المعنى[‪ ]...‬أو ذلك الفرع‬
‫(‪)3‬‬
‫الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قاد اًر على حمل المعنى"‪.‬‬
‫بالداللة‬
‫الداللة‪ ،‬وظهرت عنايته ّ‬
‫للفعل دو اًر رئيساً في تحديد ّ‬ ‫وقد أعطى ابن ِجّني‬ ‫(‪)4‬‬

‫عدة تتعّلق بالحدث والمعنى‬ ‫ِ‬


‫الداللة إلى أقسام ّ‬
‫واضح ًة في حديثه عن تقسيم وتفريع ّ‬
‫وتقسيمات‬
‫ٌ‬ ‫فعلية عنده أدّل ٌة مختلفة عن األخرى‬
‫ولكل صيغة ّ‬‫ّ‬ ‫لكل فعل‬
‫الزمن‪ ،‬فكان ّ‬
‫وّ‬
‫اللفظية والمعنوّية‪ ،‬وقد أ ّكدت‬
‫الصناعية و ّ‬
‫ّ‬ ‫بالداللة‬
‫سماها ّ‬ ‫يعات مختلفة‪ ،‬وهي ما ّ‬
‫وتفر ٌ‬
‫اللساني‪ ،‬فقد غدا الفعل حقالً‬
‫ّ‬
‫أهمية الفعل في الموروث‬
‫هذه التقسيمات التي ذكرها على ّ‬
‫سياقياً صحيحاً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يحدد معها توات اًر‬
‫تخص كل متعّلقاته التي ّ‬‫لسانياً يغطي مفاهيم مختلفة ّ‬
‫ّ‬
‫مهماً‬ ‫ِ‬
‫ميزة دو اًر ّ‬
‫السمات الم ّ‬ ‫كتلك األنماط التي أوردها ابن جّني من خالل تفاعلها مع ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫الصحيح للمعنى‪.‬‬
‫في تأمين التّوافق ّ‬
‫السياق‪:‬‬
‫‪ -3‬مفهوم ّ‬
‫اإلبل وغيرها َيسوقها َس ْوَقاً‬
‫ساق َ‬ ‫معروف‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫السوق‪:‬‬
‫(س َو َق)‪َّ " :‬‬
‫في معاجم اللغة من مادة َ‬
‫وتساوَق ْت اإلبل تَ َساوقاً إذا تتابعت‪ ،‬وكذلك‬ ‫اق‪]...[،‬وقد انساقت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وسّو ٌ‬
‫وسياقاً‪ ،‬وهو سائ ٌق َ‬
‫اللغوية‬ ‫فهي متَقاودة ومتَساوقة‪ ، "...‬إذاً تنطوي لفظة ّ‬
‫السياق في المعاجم‬ ‫تقاوَدت‬
‫(‪)6‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫النحاة‬ ‫أن االستخدام االصطالحي لهذه الكلمة لدى ّ‬ ‫على معنى التتابع والتّقاود‪ ،‬ونرى ّ‬
‫السياق عندهم داالًّ على تتابع‬ ‫ِ‬
‫القدماء والم ْح َدثين‪ ،‬ال يبتعد كثي اًر عن هذا المعنى‪ ،‬فكان ّ‬
‫الكلمات بعضها ِ‬
‫إثر بعض‪ ،‬ونرى َّ‬
‫أن هذه الكلمة أخذت منحى آخر في االستخدام و‬
‫ً‬

‫‪‌-‌1‬بيان‌المختصر‌=‌(شرح‌مختصر‌ابن‌الحاجب)‪‌:‬لشمس‌الدين‌محمود‌بن‌عبد‌الرحمن‌األصفهاني‌(ت‌‪688‬هـ)‪‌،‬تح‌د‪‌.‬علي‌جمعة‪‌،‬‬
‫دار‌السالم‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬ط‪‌،1‬القاهرة‌–مصر ‌‪1409‌،‬هـ‌‪2004-‬م‪‌.120‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬البحر‌المحيط‌في‌أصول‌الفقه‪‌:‬لبدر‌الدين‌الزركشي‪‌،‬تح‪‌.‬لجنة‌من‌علماء‌األزهر‪‌،‬دار‌الكتبي‪‌،‬ط‪1424‌،‌ 3‬هـ‪2005‌-‬م‪‌.68‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬علم‌الدّاللة‪‌:‬د‪‌.‬أحمد‌مختار‌عمر‪‌،‬عالم‌الكتب‪‌،‬ط‪‌،5‬القاهرة‌–مصر‪1998‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.11‬‬
‫ظر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.98/3‌،‬‬ ‫‪‌-‌4‬يُن َ‬
‫في‌التراث‌اللغوي‌العربي‌ابن‌جنّي‌انموذجاً‪‌:‬ساولي‌فوزية‌ورويفع‌أمال‪‌،‬ص‌‪‌.71-67‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌5‬يُنظر‪‌:‬الجهود‌اللّسانيّة‌‬
‫‪‌-‌6‬لسان‌العرب‪‌:‬ابن‌منظور‪‌،‬مادة(سوق)‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫تطورت في التعبير عن دالالت جديدة عن طريق إضافتها إلى ألفاظ أخرى اندمجت‬
‫السياق اللغوي‪ ،‬والمقامي‪،‬‬
‫معها لتحمل داللة مغايرة نسبياً‪ ،‬فلمحنا تسميات من قبيل‪ّ :‬‬
‫والحالي‪ ،‬والكالمي‪ ،‬وسياق األلفاظ‪ ،‬والتراكيب‪ ،‬وسياق القرائن‪ ،‬وغيرها من التّسميات‪.‬‬
‫السياق والداللة على المعنى‪ ،‬وهي إحدى أكثر‬ ‫وقد ربط العالم اإلنكليزي فيرث بين ّ‬
‫للسياق‪ ،‬فبدون ّ‬
‫السياق يصبح المعنى م ْب َهماً وغير قابل للتحديد‪ ،‬فيرى‬ ‫أهمية ّ‬
‫الوظائف ّ‬
‫اللغوية أي وضعها في سياقات‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أن‪ " :‬المعنى ال ينكشف إال من خالل تسييق الوحدة‬
‫اهتم فيرث بسياق الحال‪ ،‬فكانت نظرته للمعنى على َّأنه‪":‬‬
‫مختلفة " (‪ ،)1‬وكذلك فقد َّ‬
‫إن المعنى‬
‫الحية التي يمارسها األشخاص في المجتمع" ‪ ،‬أي ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حصيلة المواقف ّ‬
‫يتحصل من خالل جملة المواقف الواقعية التي تحصل في وقت من األوقات بما‬
‫ضمنة داخل هذه األحداث والتي ي َراد سردها في‬
‫تحتويه من أحداث ووقائع ومعان م َّ‬
‫سياق حديث ما‪ ،‬وهذا ما قصده فيرث بسياق الحال‪.‬‬
‫وطوره‪ ،‬ليس ابتكا اًر‬
‫أن مصطلح سياق الحال الذي أخذه فيرث عن مالينوفيسكي ّ‬ ‫غير ّ‬
‫النحو العربي التراثي على‬‫منهما‪ ،‬ولم يكن جديداً على الدرس العربي‪ ،‬فقد انطوت كتب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحاة واللغويين القدماء لسياق الحال وأثره على المعنى‬ ‫تدل على إدراك ّ‬
‫نصوص كثيرة ُّ‬
‫كما نجد لدى ‪ :‬سيبويه‪ ،‬وأبي علي الفارسي‪ ،‬وابن ِجّني‪ ،‬وغيرهم الكثير‪ ،‬ونذكر من‬
‫ّ‬
‫الداللة‬
‫يدل على معرفته بدور سياق الحال في ّ‬ ‫نصوص ابن ِجّني هذا ّ‬
‫النص الذي ُّ‬
‫َحسوا ما أَحسسنا‪ ،‬وأَرادوا وَقصدوا‬
‫يدل على ّأنهم قد أ ُّ‬
‫على المعنى وإب ارزه‪ ،‬يقول‪ " :‬والذي ُّ‬
‫عنا‪ ،‬إال ّأنه‬
‫غائب ّ‬
‫ٌ‬ ‫حاضر معنا‪ ،‬واآلخر‬
‫ٌ‬ ‫وقصده شيئان‪ :‬أحدهما‬
‫َ‬ ‫ما َنسبنا ِإليهم ِإرادتَه‬
‫تأمل في حكم الحاضر معنا‪ ،‬فالغائب ما كانت الجماعة من علمائنا تشاهده‬ ‫مع أدنى ّ‬
‫ضطر إلى معرفته من أغراضها وقصودها‪ :‬من‬ ‫من أحوال العرب ووجوهها‪ ،‬وت ُّ‬
‫به أو االستيحاش منه‪ ،‬والرضا‬‫استخفافها شيئاً أو استثقاله‪ ،‬وتقبُّله أو إنكا ِره‪ ،‬واألنس ِ‬
‫قائله‪ ،‬وغير ذلك من األحوال الشاهدة بالقصود‪ ،‬بل الحالفة على‬ ‫به‪ ،‬أو التّعج ِب من ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫تحدث ِ‬
‫تقصد َشيئين‬ ‫العرب عندما تَ ّ‬ ‫النفوس"(‪،)3‬فابن ِجّني يؤّكد في هذا القول َّ‬
‫أن‬ ‫ما في ّ‬
‫َ‬

‫‪‌-‌1‬علم‌الداللة‪‌:‬أحمد‌مختار‌عمر‪‌،‬ص‌‪‌،68‬وانظر‪‌:‬الدراسات‌اللغويّة‌أثارها‌في‌التفسير‪‌:‬حمدي‌الشيخ‪‌،‬منشأة‌دار‌المعارف‪‌،‬اإلسكندرية‌‬
‫–‌مصر‪2010‌،‬م‪‌،‬ص‪‌ ‌.153‬‬
‫‪‌ -‌ 2‬سياق‌الحال‌في‌كتاب‌سيبويه‪‌:‬أسعد‌خلف‌العوادي‪‌،‬دار‌الحامد‌للنشر ‌والتوزيع‪‌،‬عمان ‌– ‌األردن‪ ‌،‬ط‌‪2011‌،1‬م‪‌،‬ص ‌‪(‌،41‬البعد‌‬
‫التداولي‌في‌كتاب‌الخصائص‪‌،‬ص‪‌)46‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي ‌‪‌.245‌/1،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪88‬‬
‫يحل في‬
‫ضمر محذوف‪ ،‬ولكن هذا المحذوف ّ‬ ‫موجود مفهوم‪ ،‬واآلخر م ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫أحدهما‬
‫ك بالعين‪،‬‬‫در ٌ‬
‫حال م َشاهد م َ‬
‫فكأنه ٌ‬ ‫السياق عليه‪ّ ،‬‬ ‫النفس مرتبة الموجود لداللة شيء في ّ‬
‫السياق في إيصال المعنى للمتلّقي‪ ،‬ثم‬ ‫يؤديه ّ‬
‫قوة اإليحاء الذي ّ‬ ‫دليل على ّ‬‫وفي هذا ٌ‬
‫صحة ذلك بقوله‪ " :‬أال ترى إلى قوله‪:‬‬ ‫يتابع مستش ِهداً على ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ ِ (‪)2‬‬
‫َأب ْعلِي هذا َّ‬
‫بالر َحى المتقاعس!‬ ‫تقول – َّ‬
‫وصكت وجهها بيمينها‪-‬‬
‫َ‬
‫صك الوجه‪-‬‬‫أن يذكر َّ‬ ‫ِ‬
‫المتقاع ِ‬
‫س –من غير ْ‬ ‫فلو قال حاكيها عنها‪ :‬أبعلي هذا بالرحى‬
‫لما حكى الحال‪ ،‬فقال‪( :‬وص ّكت وجهها)‬ ‫متعجب ًة ِمنكرةً‪ّ ،‬‬
‫لكنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألعلمنا بذلك ّأنها كانت‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مشاهد‬ ‫ام ٌع لحكاية الحال‪ ،‬غير‬ ‫علِم بذلك قوة إنكارها‪ ،‬وتعاظم الصورة لها‪ ،‬مع ّأنك س ِ‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دل عليه القول‬‫تدل على ما ّ‬ ‫أورد بعدها الكثير من األمثلة والشواهد التي ُّ‬ ‫لها‪ ، "...‬و َ‬
‫(‪)3‬‬

‫السابق من داللة سياق الحال على الكالم المحذوف والمعنى المقصود‪ ،‬ليظهر حتّى‬
‫شاهد بالعيان‪ ،‬وعلى ذلك يقول ابن ِجّني‪ " :‬وعلى ذلك قالوا‪:‬‬
‫كأنه موجود في الكالم وم ٌ‬ ‫ّ‬
‫رب إشارة أبلغ من عبارة " (‪.)4‬‬
‫َّ‬

‫السياق‪:‬‬
‫الصيغة وداللة ّ‬
‫الزمن بين ّ‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫للزمن وطرق تحديده إذ ّ‬
‫أصر أغلب‬ ‫النحاة القدامى الجدل حول نظرتهم ّ‬‫كثي اًر ما أثار ّ‬
‫رفية كافي ًة لتحديد زمن الفعل‪ ،‬وهذا ما اعتبره‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫النحاة على اعتبار ّ‬
‫هؤالء ّ‬
‫بالصيغة وحدها‪ ،‬فكانت‬
‫الزمن ّ‬ ‫النحاة الم ْح َدثون مغاالةً في ّ‬
‫التحفظ على حصر تحديد ّ‬ ‫ّ‬
‫يعبر عنه بالماضي‪ ،‬كما‬
‫تم و انتهى وهو ما ّ‬
‫عندهم صيغة (فعل) داّلة على حدث ّ‬
‫اعتبروا صيغة (يفعل) داّلة على الحاضر أو المستقبل أبداً‪ ،‬واختلفوا في صيغة (افعل)‬
‫الداللة‬
‫عدها قسيم ًة لصيغة (يفعل) في ّ‬
‫فمنهم من جعلها داّل ًة على المستقبل ومنهم من ّ‬
‫الدالة على زمن محدد بعينه‪،‬‬
‫الصيغ ّ‬
‫ومقتطعة منها‪ ،‬ورفض بعضهم اآلخر ع ّدها من ّ‬
‫الصيغ‬
‫اللغوية التي تدخل على هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫للسياق وللقرائن‬
‫وقد طرحت هذه اآلراء دونما مراعاة ّ‬
‫النحو القديم‪ ،‬بل‬ ‫منية‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هذا النهج لم يكن واحداً عند كل شيوخ ّ‬ ‫الز ّ‬
‫وتحول داللتها ّ‬

‫ي‪.‬‬‫‪‌-‌1‬وهو‌نعيم‌بن‌الحارث‌بن‌يزيد‌السّعد ّ‬
‫ٍ‌ولم‌يدخل‌بها‌بعد‪‌،‬فمرت‌به‌نسوةٌ‌وهو‌يطحنُ‌بالرحى‌لضيوفٍ ‌نزلوا‌به‪‌،‬فقالت‪‌:‬أبعلي‌‬
‫ّ‬ ‫ع ِقدَ‌له‌النّكاح‌على‌امرأة‬ ‫‪‌ -‌ 2‬كان‌الشاعر‌قد‌ ُ‬
‫ُ‌ظهرهُ‪‌،‬وذلكَ ‌شكلُ‌من‌يطحن‌بالرحى‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُدخ‬ ‫ي‬ ‫‌و‬‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‌صدر‬
‫ج‬ ‫ُخر‬ ‫ي‬‫‪‌:‬هو‌الذي‌‬ ‫والمتقاعس‬ ‫‌‬ ‫ُ‪‌،‬فقال‌األبيات‪،‬‬ ‫ه‬ ‫هذا!‌تعجّباً‌واحتقاراً‌ل‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.245‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السّابق‪‌.247‌/1‌،‬‬

‫‪89‬‬
‫الزمن‬
‫منية وجهة هذا ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫السياق في تحديد ّ‬‫إن منهم من انتبه إلى دور القرائن و ّ‬
‫ّ‬
‫ولنؤّكد صحة هذا القول نأتي بهذه الحادثة المشهورة بين الكسائي وأبي يوسف القاضي‪،‬‬
‫حدث المرزباني‬
‫السياق‪ّ " :‬‬
‫الزمن بحسب ّ‬
‫والتي تؤّكد داللة صيغة اسم الفاعل على ّ‬
‫ّ‬
‫عمن سمع الكسائي يقول‪ :‬اجتمعت وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد‪ ،‬فجعل‬
‫ّ‬
‫النحو‪ :‬ما تقول‬
‫فضل ّ‬
‫َ‬ ‫النحو؟ فقلت وأردت أن أعلمه‬
‫النحو‪ ،‬ويقول‪ :‬ما ّ‬‫يذم ّ‬
‫أبو يوسف ُّ‬
‫كنت تَأخذ‬ ‫ِ‬
‫الم َك‪ ،‬أيُّهما َ‬
‫قاتل غ َ‬‫في رجل قال لرجل‪ :‬أنا قاتل غالم َك‪ ،‬وقال له آخر أنا ٌ‬
‫به؟ قال‪ :‬آخذهما جميعاً‪ ،‬فقال له هارون‪ :‬أخطأت‪-‬وكان له ِعْل ٌم بالعر ّبية‪-‬فاستحيى‬ ‫ِ‬
‫قاتل غ ِ‬
‫الم َك باإلضافة‪،‬‬ ‫بقتل الغالم هو الذي قال أنا ِ‬
‫ؤخذ ِ‬ ‫وقال‪ :‬كيف ذلك؟ فقال‪ :‬الذي ي َ‬
‫ؤخذ‪َّ ،‬‬
‫ألنه مستقبل لم يكن‬ ‫فإنه ال ي َ‬ ‫الم َك‪ّ ،‬‬
‫قاتل غ َ‬ ‫فأما الذي قال‪ :‬أنا ٌ‬ ‫ألنه فعل ماض‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اع ‪ٞ‬ل َذلِ َك َغ ًدا﴾ (الكهف‌﴿‪ ،)﴾23‬فلوال‬
‫بعد‪ ،‬كما قال هللا تعالى‪﴿ :‬وَال تَقوَل َّن لِ َش ْايء ِإِني َف ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫(‪)1‬‬
‫مستقبل ما جاز فيه (غداً) "‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫أن التنوين‬
‫رفية‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬‫الزمن ال يتعّلق تحديده ب ّ‬
‫أن ّ‬‫والعبرة المستفادة من هذه الحادثة‪ ،‬هي َّ‬
‫النحاة األوائل‪ ،‬ولو كان األمر كذلك‪ ،‬لكان الستخدام‬
‫وحدها كما أشار الكثير من ّ‬
‫ولصح زعم أبي‬
‫َّ‬ ‫منية‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫صيغة اسم الفاعل (قاتل) في الرواية السابقة نفس ّ‬
‫الصيغة (اسم الفاعل)‪،‬‬
‫مختلف في القولين‪ ،‬رغم اتّفاق ّ‬
‫ٌ‬ ‫الزمن‬ ‫يوسف القاضي‪َّ ،‬‬
‫ولكن ّ‬
‫السياق –كالحركات مثالً‪ -‬يمكن أن‬
‫أدق التّفاصيل الموجودة في ّ‬
‫أن ّ‬‫وهذا ما يثبت َّ‬
‫حصر‬
‫َ‬ ‫عم من‬
‫المعنوية‪ ،‬ويبطل ز َ‬
‫ّ‬ ‫منية و‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الزمن وفي تغيير ّ‬
‫تلعب دو اًر في تحديد ّ‬
‫محددة ‪.‬‬
‫الزمن بصيغ ّ‬ ‫الداللة على ّ‬
‫ّ‬
‫السياق‬
‫الزمن‪ ،‬حديثهم عن داللة ّ‬
‫بالسياق أيضاً وداللته على ّ‬
‫ومن مظاهر اهتمامهم ّ‬
‫السياق عليه فكان وجوده‬
‫السبب وهو داللة ّ‬
‫على الفعل المحذوف‪ ،‬الذي يحذف لذات ّ‬
‫يدل‬
‫السياق الذي ُّ‬‫فإن ّ‬
‫الزمن بصيغته ومعناه‪ّ ،‬‬ ‫يدل على ّ‬
‫أن الفعل ُّ‬
‫وعدمه واحداً‪ ،‬بما ّ‬
‫الزمن والمعنى كداللة الفعل عليهما‪ ،‬ولو كان‬ ‫على هذا الفعل ال َّبد له من ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫أن ابن ِجّني قد‬
‫استغنوا عن الفعل‪ ،‬ونرى ّ‬
‫َ‬ ‫السياق غير مؤد إلحدى دالالت الفعل لما‬
‫ّ‬
‫الداللة عليه‬
‫أن المحذوف إذا دّلت ّ‬
‫تحدث عن هذا الموضوع باستفاضة في (باب في ّ‬
‫ض هناك من صناعة اللفظ ما َيمنع منه)‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫أن ِ‬
‫يعتر َ‬ ‫كان في حكم الملفوظ به‪ ،‬إال ْ‬

‫‪‌-‌1‬األشباه‌والنظائر‪‌:‬السيوطي‪‌.224‌–‌223‌/3‌،‬‬

‫‪90‬‬
‫ثم أرسله‪ ،‬فتسمع صوتاً فتقول‪:‬‬ ‫سدد سهماً نحو الغرض ّ‬ ‫أن ترى رجالً قد ّ‬
‫" من ذلك ْ‬
‫ـ(أصاب) اآلن في حكم الملفوظ به البتة‪ ،‬و إن‬
‫َ‬ ‫القرطاس وهللا‪ ،‬أي أصاب القرطاس‪ ،‬ف‬
‫أن داللة الحال عليه نابت َمناب اللفظ به[‪]...‬وكذلك قولك‬ ‫لم يوجد في اللفظ‪ ،‬غير ّ‬
‫دل‬ ‫ِ‬
‫دل على ما ّ‬ ‫فالسياق هنا ّ‬
‫قدم‪ّ ، "...‬‬ ‫خير َم َ‬
‫مت َ‬ ‫قدم‪ ،‬أي َقد َ‬
‫خير َم َ‬
‫للقادم من سفر‪َ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الداللة‪ ،‬حتى ال يكاد المَتلّقي يشعر‬


‫وناب عنه في اإليحاء و ّ‬
‫عليه الفعل من غير لفظه‪َ ،‬‬
‫السياق على‬
‫دليل آخر على داللة ّ‬
‫بنقص في الجملة الكتمال المعنى في ذهنه‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫وتحدث عن الحذف‬
‫الزمن وعلى غيره‪ّ ،‬‬
‫يدل على ّ‬
‫الزمن بسبب داللته على الفعل الذي ُّ‬
‫ّ‬
‫في موضع آخر من كتابه‪ ،‬وذلك في (باب في شجاعة العر ّبية)‪ ،‬يقول‪ " :‬قد حذفت‬
‫شيء من ذلك ّإال عن دليل عليه‪،‬‬‫ٌ‬ ‫وليس‬
‫العرب الجملة‪ ،‬والمفرد‪ ،‬والحرف‪ ،‬والحركة‪َ ،‬‬
‫فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته‪ ،)2( "...‬مورداً أمثلة مشابهة‬ ‫وإال كان ِ‬
‫السياق على المحذوف‪.‬‬‫يحدث فيها عن داللة ّ‬ ‫ّ‬
‫للزمن‬
‫النحاة على صيغة الفعل وحدها في تحديد زمن الفعل‪ ،‬يجعل نظرتهم ّ‬ ‫إن اعتماد ّ‬‫َّ‬
‫سطحية‬
‫ّ‬ ‫يؤدي إلى نظرة‬
‫رفي فقط‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫الزمن الص‬ ‫محدودةً وجز ّئي ًة‪َّ ،‬‬
‫ألنهم يلحظون ّ‬
‫ّ ّ‬
‫للداللة المستفادة من األفعال‪ ،‬بينما يكون المعنى‬
‫و ّأو ّلية مالمسة لقشور المعنى أو ّ‬
‫الحقيقية للفعل كامن ًة في تركيب هذا الفعل ضمن الجملة في سياق‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫المقصود أو ّ‬
‫قدم مفهوماً اعتبره المصدر‬
‫الزمن؛ إذ ّ‬ ‫خاص‪ ،‬وهذا ما أ ّكده (غيوم) في تحليله لنظرّية ّ‬
‫منية‬
‫الز ّ‬
‫مهمين هما‪ :‬نشأة الصورة ّ‬ ‫َّ‬ ‫الكّلي للبناء اللساني‪ ،‬ويتمّثل في قطبين‬
‫ّ‬
‫ُّ‬
‫رفية المحضة للفعل‪ ،‬وتَمثل تلك الصورة‬ ‫الص ّ‬‫الصيغة ّ‬‫(‪ )Chronogenese‬كقدرة كامنة؛ أي ّ‬
‫الصيغة ضمن سياق‬ ‫؛ وهي ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫منية (‪ )Chronothese‬كممارسة و إنجاز فعلي لها‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫السياقي؛ أي صيغة الفعل داخل التركيب‪،‬‬ ‫النحوي أو ّ‬ ‫الزمن ّ‬
‫محدد‪ ،‬والتي نطلق عليها ّ‬
‫الزمن زمن صرفي محض يمّثل صورة ثابتة من‬
‫إذا فهو (غيوم) يفصل بين نوعين من ّ‬
‫رفية) إلى حيز‬
‫الص ّ‬
‫(الصيغة ّ‬
‫منية ّ‬ ‫كون من خالل نقل الصورة ّ‬
‫الز ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وزمن نحوي يت ّ‬
‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.285-284‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.360‌/2‌،‬‬
‫ّ‬
‫ّة‪‌:‬ماري‌آن‌يافو‪‌،‬جورج‌إليا‌سرفاتي‪‌،‬تر‪‌.‬محمد‌الراضي‪‌،‬المنظمة‌‬ ‫‪‌-‌3‬ينظر‪‌:‬النظريات‌اللّسانيّة‌‌الكبرى‌من‌النّحو‌‌المقارن‌إلى‌الذرائعي‬
‫العربيّة‌للترجمة‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪‌،‬ط‌‪2012‌،1‬م‪‌،‬ص‪‌.173‬‬

‫‪91‬‬
‫الزمن يؤخذ‬
‫أن ّ‬‫السياق‪ ،‬وهذا الرأي يناقض اآلراء التي ترى َّ‬
‫اإلنجاز واالستخدام داخل ّ‬
‫رفية وحدها والتي لها االختصاص بتحديد زمن الفعل‪.‬‬‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬‫من ّ‬
‫إن هناك دراسات كثيرة‬‫النحاة األوائل؛ إ ْذ َّ‬
‫كل ّ‬‫عند ّ‬ ‫إال َّ‬
‫أن هذه النظرة لم تكن واحدةً َ‬
‫الصرفي‪،‬‬
‫ّ ّ‬
‫الزمن‬
‫السياقي وفصله عن ّ‬ ‫النحوي أو ّ‬
‫الزمن ّ‬ ‫للزمن ّ‬
‫النحاة القدامى ّ‬
‫حول إدراك ّ‬
‫السياق التّركيبي‬
‫ثمة وعي بدور ّ‬ ‫وقد وصلت إحدى هذه الدراسات إلى نتيجتين هما‪ّ :‬‬
‫إن أوصافهم‬ ‫معينة‪ ،‬والنتيجة األخرى‪َّ :‬‬
‫زمنية ّ‬
‫الفعلية قيمة ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغة‬
‫والداللي في منح ّ‬
‫جهية‪ ،‬وقد جاءت‬ ‫منية للمصطلحات تداخلت مع مصطلحات أخرى لها داللة ّ‬
‫زمنية ّ‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫يسمى بالتبادل الموقعي‪،‬‬
‫النحاة األوائل عما ّ‬
‫هذه االستنتاجات وغيرها من خالل حديث ّ‬
‫ّ‬
‫الفعلية‪ ،‬فمنهم من‬
‫ّ‬ ‫كل نحوي وأتباعه على التّقسيمات التي اقترحوها ّ‬
‫للصيغ‬ ‫استقر ّ‬
‫ّ‬ ‫فقد‬
‫فعل) للماضي وللمستقبل‪ ،‬وبعضهم نظر إليهما‬ ‫وي َ‬
‫أن هناك صيغتين فقط ( َف َع َل‪َ ،‬‬
‫رأى ّ‬
‫بأنهما للماضي والحال‪ ،‬ومنهم من رفض وجود زمن الحال لصعوبة اإلمساك بلحظة‬ ‫ّ‬
‫(افعل) لألمر‬
‫ْ‬ ‫الحاضر‪ ،‬كالزجاجي ومن تبعه ‪ ،1‬ومنهم من قال بوجود صيغة ثالثة هي‬
‫نحوي على‬
‫ّ‬ ‫استقر كل‬
‫ّ‬ ‫وآخرون رفضوها واعتبرها تابعة للمستقبل ومشتّقة منه‪ ،‬وحين‬
‫للصيغ الحظوا ّأنه من الممكن استخدام صيغة (فعل) للمستقبل كما في‬‫تقسيمة محددة ّ‬
‫للداللة‬
‫آنية المتعّلقة بالوعد والوعيد‪ ،‬كما يمكن استخدام صيغة (يفعل) ّ‬
‫السياقات القر ّ‬
‫ّ‬
‫على زمنين الحاضر والمستقبل باإلضافة إلى داللتها على الماضي أيضاً وذلك في‬
‫الصيغ أو تبادل‬ ‫سياقات محددة ومع قرائن لفظية تساعد في ذلك‪ ،‬وهذا هو تبادل ّ‬
‫النحاة األوائل‬
‫يدل على إدراك بعض ّ‬‫فإنما ُّ‬
‫دل على شيء ّ‬
‫المواقع الذي نقصده‪ ،‬وهذا إن ّ‬
‫الصيغ‪،‬‬ ‫النحوي التركيبي واستنتاجهم ّ‬
‫للداللة المستوحاة من هذا التنويع في ّ‬ ‫للزمن ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي الكثيرة أو جهة ّ‬
‫الزمن‬ ‫الزمن ّ‬
‫ومعرفتهم –و إن اختلفت آ ارؤهم‪ -‬بتفاصيل ودقائق ّ‬
‫متعارف عليه في الدرس الحديث‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ٌ‬ ‫كما هو‬
‫حسان‪ ،‬الذي‬ ‫ِِ‬
‫تمام ّ‬‫السياق وبيان وظائفه هو الدكتور ّ‬
‫ومن أوائل الذين قالوا بمصطلح ّ‬
‫السياق هو المكان الطبيعي لبيان المعاني الوظيفية للكلمات‪ ،‬فإذا اتّضحت‬‫أن " ّ‬‫أ ّكد ّ‬
‫ضح مكانها في هيكل األقسام التي تنقسم الكلمات إليها" (‪ )3‬وقد‬
‫وظيفة الكلمة فقد اتّ َ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬اإليضاح‌في‌علل‌النحو‪‌:‬الزجاجي‪‌،‬ص‪‌.88-86‬‬
‫ّ‬
‫إسماعيلي‌علوي‪‌،‬إشراف‪‌:‬د‪.‬امحمد‌المالخ ‌‪‌،‬ص‌‪‌.10-7‬‬ ‫ّ‬
‫ُنظر‪‌:‬اإلحالة‌الزمنيّة‌في‌العربيّة‌‪‌:‬حافيظ‌‬ ‫‪‌-‌2‬ي‬
‫‪‌-‌3‬يُنظر‪‌:‬مناهج‌البحث‌في‌اللغة‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.208‌–‌207‬‬

‫‪92‬‬
‫ياقية على اللغة العر ّبية من خالل كتابه (اللغة‬
‫الس ّ‬
‫حاول دائماً تطبيق نظرّية فيرث ّ‬
‫النهائية للمعنى المقالي‬
‫ّ‬ ‫الداللي هو المحصلة‬
‫أن المعنى ّ‬
‫العر ّبية معناها ومبناها)‪ ،‬مؤّكداً ّ‬
‫النحوي والمعجمي)‪ ،‬والمعنى المقامي‬ ‫رفي و ّ‬ ‫الصوتي والص‬ ‫اللغوي‪-‬‬
‫ّ‬ ‫السياق‬
‫(أو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫"(‪)1‬‬
‫المقال‪...‬‬
‫الحالية؛ أي ظروف أداء َ‬
‫ّ‬ ‫أو(السياق االجتماعي) الذي يشمل القرائن‬
‫ّ‬
‫السياق والقرائن‬
‫حسان على العالقة الوطيدة بين زمن الفعل و ّ‬‫تمام ّ‬
‫الدكتور ّ‬
‫يؤّكد ّ‬
‫ياقية؛‬
‫الس ّ‬‫الموقعية ّ‬
‫ّ‬ ‫النحوي ّ‬
‫السياقي إّنه‪ " :‬جزء من الظواهر‬ ‫الزمن ّ‬
‫ياقية‪ ،‬فقال في ّ‬
‫الس ّ‬‫ّ‬
‫السياق " ‪ ،‬فنرى‬
‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫ألن داللة الفعل على زمن ما تتوّقف على موقعه وعلى قرينته في ّ‬
‫السياق كونه‬
‫حسان يشير إلى بصورة واضحة إلى الدور الذي يلعبه ّ‬ ‫تمام ّ‬ ‫َّ‬
‫أن الدكتور ّ‬
‫منية من خالل موقعه في هذا الوعاء‪،‬‬ ‫الوعاء الذي يحتوي الفعل فتتحدد داللة الفعل ّ‬
‫الز ّ‬
‫السياق فتوّلد – من خالل‬‫وكذلك أ ّكد على دور القرائن المختلفة التي يحتويها هذا ّ‬
‫منية األصلية‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫زمنية جديدة بالنسبة إلى ّ‬
‫احتكاكها بالفعل‪ -‬زمناً جديداً أو داللة ّ‬
‫الصرفي‪.‬‬ ‫للفعل بصورته المجردة؛ أي زمنه‬
‫ّ ّ‬
‫الصيغ المتغايرة في مستوى تركيبي واحد‬ ‫كما يرى الدكتور مالك المطلبي َّ‬
‫أن‪ " :‬وقوع ّ‬
‫ّ‬
‫يعني تفريغ صيغة ما دون غيرها من ّ‬
‫الزمن حيث تشير إلى وجه من وجوه داللتها‬
‫الصيغ بوصفها شكالً‬ ‫ِ‬ ‫الحديثة‪ ،‬ومن هنا يكون من الخطأ إسناد ّ‬
‫الزمن إلى مثل هذه ّ‬
‫المعنوية " (‪ ،)3‬وفي هذا القول‬
‫ّ‬ ‫اللفظية و‬
‫ّ‬ ‫السياق‬
‫الزمن يكتسب من قرائن ّ‬ ‫زمنياً؛ َّ‬
‫ألن ّ‬ ‫ّ‬
‫الصرفي‪ ،‬وال حتى ضمن‬ ‫يصح النظر إلى زمن الفعل‬
‫ّ‬ ‫للمطلبي دليل آخر على ّأنه ال‬
‫ّ ّ‬
‫الصيغة أو تلك‪ ،‬ضمن‬‫مستوى تركيبي واحد دون غيره‪ ،‬بإطالق حكم زمني على هذه ّ‬
‫السياق وبحسب القرائن‬ ‫النحوي ّ‬
‫متغير بحسب ّ‬ ‫الزمن ّ‬ ‫هذا التركيب أو ذاك‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫فإن ّ‬
‫رفية‪.‬‬
‫الص ّ‬ ‫المختلفة التي تقترن بها ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫رفية‬
‫ظ ّ‬ ‫ياقية في زمن الفعل‪ ،‬ومنها القرينة ال ّ‬
‫الس ّ‬ ‫ونجد ابن ِجّني ّ‬
‫يتحدث عن أثر القرائن ّ‬
‫تك إذ‬
‫وزد َ‬
‫أعطيتك إذ سألتني‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫التي تحتوي الفعل زمنياً‪ ،‬يقول‪ " :‬ومنه قول العرب‪:‬‬
‫زمانياً كان أو‬
‫ّ‬ ‫شكرتني‪ ،‬فـ (إذ) معمولة العطية والزيادة‪ ،‬وإذا عمل الفعل في ظرف‬

‫ظر‪‌:‬نظريّة‌السّياق‌عند‌اللغويين‌والبالغيين ‌العرب‪‌:‬الطالب‌بوزبوجة‌عبد‌القادر‪‌،‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌الملك‌مرتاض‪‌،‬رسالة‌مقدّمة‌‬‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫لنيل‌درجة‌الدكتوراه‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌،‬جامعة‌وهران‪‌،‬كليّة‌اآلداب‌واللغات‌والفنون‪‌،‬وهران‌–‌الجزائر‪2007‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.23‌–‌21‬‬
‫‪‌-‌2‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.105‬‬
‫الزمن‌واللغة‪‌:‬د‪‌.‬مالك‌المطلبي‪‌،‬ص‌‪‌.71‬‬ ‫‪ّ ‌-‌3‬‬

‫‪93‬‬
‫الم ْسألة‪ ،‬و إنما‬
‫العطية واقع ًة في وقت َ‬
‫ّ‬ ‫فإنه ال ّبد أن يكون واقعاً فيه‪ ،‬وليست‬
‫مكانياً‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫العطية‪ ،‬والسبب جار َمجرى العّلة‪ ،‬فيجب أن ّ‬
‫يتقد َم‬ ‫ّ‬ ‫المسأل َة سبب‬
‫ألن َ‬‫هي عقيبه؛ ّ‬
‫المعلول والمسبب؛ لكنه لما كانت العطية مسببة عن الم ِ‬
‫سألة وواقعة على أثرها‪ ،‬وتقارب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمان " (‪.)1‬‬
‫كأنهما في وقت واحد‪ ،‬فهذا تجاوز ّ‬
‫وقتاهما‪ ،‬صا ار لذلك ّ‬
‫أن ابن ِجّني يشير إلى وقوع الفعلين (أعطيت َك‪ ،‬وسألتَني) في زمن واحد‪ ،‬وذلك‬ ‫فنرى ّ‬
‫حين سألتّني‪،‬‬
‫الزمانية (إذ) والتي بمعنى (حين)؛ أي أعطيت َك َ‬
‫ّ‬ ‫رفية‬
‫ظ ّ‬ ‫بسبب القرينة ال ّ‬
‫ولكنه ي ّنبه إلى َّ‬
‫أن الفعلين لم يقعا‬ ‫زمنياً‪ّ ،‬‬
‫ظرف إذ معموالً للفعل فهو يحتويه ّ‬‫وكون ال ّ‬
‫يدل على‬
‫العطية واقعة في وقت المسألة)‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ّ‬ ‫زمنية واحدة‪ ،‬عندما قال‪( :‬ليست‬
‫بجهة ّ‬
‫كل فعل‪ ،‬و إن لم يكن هذا اإلدراك‬ ‫منية التي يحتويها ّ‬ ‫إدراك ابن ِجّني للجهات ّ‬
‫الز ّ‬
‫منطقية‪ ،‬تعتمد‬
‫ّ‬ ‫بالمعنى الحرفي أو الشكلي للجهة بالمفهوم الحديث‪ ،‬فهو يؤّكد بطريقة‬
‫وفق ترتيب يفرضه المعنى‬‫على تفسير المعنى‪ ،‬على أن الفعلين لم يحدثا معاً‪ ،‬و إنما َ‬
‫الزمني‬ ‫وفسر هذا التقارب‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫المعلول ال يقعان في وقت واحد‪ّ ،‬‬ ‫ألن العّل َة و َ‬
‫والمنطق‪ّ ،‬‬
‫وكأنهما في زمن واحد‪.‬‬
‫بينهما‪ ،‬بإشارة إلى سرعة االستجابة وتحقق الطلب‪ ،‬فظه ار ّ‬
‫السياق‬
‫رفية في ضوء ّ‬ ‫يتحدث ابن ِجّني في موضع آخر عن دور القرينة ال ّ‬
‫ظ ّ‬ ‫وكذلك ّ‬
‫الح َدثي‬
‫َ ّ‬
‫الدقيق لألفعال التي تقع ضمن المجال‬ ‫النحوي ّ‬ ‫الزمن ّ‬
‫الذي ترد فيه في تحديد ّ‬
‫يتوجه‬
‫لهذه الظروف‪ ،‬يستشهد أبو الفتح ليؤّكد ذلك باآلية الكريمة‪ ،‬فيقول‪ " :‬وعلى هذا ّ‬
‫عندي قول هللا –سبحانه‪ ﴿: -‬وَلن ي َنفعكم ٱليوم ِإذ َّ‬
‫ظَلمتم أََّنكم ِفي ٱلع َذ ِ‬
‫اب مشتَ ِركو َن‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫بقيت بال ناصب‪،‬‬
‫تجعل (إ ْذ) بدالً من قوله (اليوم)‪ ،‬وإ ّال َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫﴾ (الزخرف‪ )﴾39﴿‌:‬ولذلك ْ‬
‫حاضر في‬ ‫وجاز إبدال (إ ْذ)‪ ،‬وهو ماض (في الدنيا)‪ ،‬من ِ‬
‫قوله‪( :‬اليوم) وهو حينئذ‬
‫ٌ‬
‫سب ٌب عن الظلم‪ ،‬وكانت‬‫لما كان عدم االنتفاع باالشتراك في العذاب ّإنما هو م ّ‬
‫اآلخرة‪ّ ،‬‬
‫صار الوقتان على تباينهما (وتنائيهما)‬
‫َ‬ ‫الدنيا بال وقفة وال فصل‪،‬‬‫أيضاً اآلخرة تلي ّ‬
‫حين‬
‫انيين المتالصقين‪ ،‬نحو أحسنت إليه إ ْذ شكرني‪ ،‬وأعطيته َ‬
‫الد َ‬
‫كالوقتين المقترنين‪ّ ،‬‬
‫الدنيا‪،‬‬
‫أن الظلم حدث في ما مضى؛ أي في ّ‬ ‫سألني‪ ، "...‬فقد دّلنا الظرف (إ ْذ) على ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫األول‪ :‬هو المعنى‬


‫مني بدليَلين؛ الدليل ّ‬‫سابق للظرف اآلخر (اليوم) في الترتيب الز‬ ‫وهو‬
‫ّ ّ‬ ‫ٌ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.172‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.224‌/3‌،‬‬

‫‪94‬‬
‫يدالن على‬ ‫عليه الظرف(اليوم) مع الفعل المتعّلق ِ‬
‫به (لن ينفعكم)‪ ،‬فهما ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يدل‬
‫الذي ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وإن كانت الداللة الزمنية المرتبطة بالظرف (اليوم) في صور ِ‬
‫ته المفردة‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫الداللي لهما ‪-‬‬
‫غير اقتران المعنى ّ‬
‫(خارج السياق) هي الداللة على الزمن الحاضر‪َ ،‬‬
‫منية المفهومة منهما هي‬
‫الز ّ‬
‫جعل الداللة ّ‬
‫َ‬ ‫السياق‪،‬‬
‫للظرف والفعل‪ -‬باآلخرة في هذا ّ‬
‫أما القرينة األخرى فهي العالقة الوطيدة بين العّلة و َ‬
‫المعلول‪ ،‬والتي تقتضي‬ ‫المستقبل‪ّ ،‬‬
‫كان منكم في الماضي‬
‫ظلم والطغيان الذي َ‬ ‫أن يكون ّ‬
‫السبب سابقاً للنتيجة‪ ،‬فال ّ‬ ‫دائماً ْ‬
‫شارك في‬
‫َ‬ ‫نتيجته اليوم (في يوم القيامة) العقاب حين قال‪( :‬لن ينفعكم)‪ ،‬وهكذا فقد‬
‫السياق‬
‫رفية‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫ظ ّ‬ ‫المعنوية وال ّ‬
‫ّ‬ ‫النحوي لهذا ّ‬
‫النص القرآني القرينتان‬ ‫الزمن ّ‬
‫تحديد ّ‬
‫الذي وردت فيه هاتان القرينتان‪.‬‬
‫السياق زمانه‪ ،‬فالحدث يرتبط‬
‫يبين ّ‬
‫كما نجد أن المصدر مرتبط بزمن غير محدد‪ ،‬إذا لم ّ‬
‫ألن الكون الذي نعيش فيه م َ‬
‫ودع في زمن يرسم كل أحواله وأحداثه‪ ،‬وبما‬ ‫دائماً بزمن َّ‬
‫أن اللغة انعكاس ألحداث الواقع‪ ،‬فال َّبد من زمن يرسم األحداث‪ ،‬وهذا ما يدحض قول‬
‫َّ‬
‫الزمن عن المصدر‪.‬‬
‫حسان بإبعاد ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫تمام ّ‬‫ّ‬
‫النحوي‪ ،‬ودراسة‬
‫السياق ّ‬‫ولنظام العر ّبية وسائل شتّى تقوم على توليد األزمنة من خالل ّ‬
‫الزمن‬ ‫الزمن تعبي اًر محدوداً‪َّ ،‬‬
‫ألن دراسة ّ‬ ‫تعبر عن ّ‬ ‫رفي ّ‬ ‫الزمن الص‬
‫األفعال من خالل ّ‬
‫ّ ّ‬
‫للزمن (‪.)2‬‬
‫السياق يعطينا تعبي اًر محدوداً ّ‬
‫من خالل الفعل وحده خارج ّ‬
‫الصيغة إذ يرى سبتينو‬
‫مني في مجال ّ‬ ‫ويتّهم بعض المستشرِقين اللغة العر ّبية بفقرها الز‬
‫ّ ّ‬
‫السامية ومنها العر ّبية نظاماً في تصريف الفعل يختلف اختالفاً‬
‫أن‪ " :‬للغات ّ‬‫موسكاتي َّ‬
‫تدل على حدوث‬‫زمنية ُّ‬
‫األوروبية‪ ،‬فليس فيها إطالقاً صيغ ّ‬
‫ّ‬ ‫الهندية‬
‫ّ‬ ‫عما في اللغات‬
‫تاماً ّ‬
‫ّ‬
‫تميز إال بين الحالة والحدث؛‬
‫الفعل في الحاضر‪ ،‬أو الماضي‪ ،‬أو المستقبل‪ ،‬فهي ال ّ‬
‫االدعاء فيه تقليل من‬
‫أن هذا ّ‬ ‫تم" (‪ .)3‬غير َّ‬
‫مستمر أو اعتيادي‪ ،‬وحدث ّ‬
‫ّ‬ ‫أي بين نشاط‬
‫للزمن (فعل‪،‬‬ ‫ئيسيتين ّ‬
‫أن هناك صيغتين ر ّ‬ ‫فصحيح َّ‬
‫ٌ‬ ‫منية الكبيرة للغة العر ّبية‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫المكانة ّ‬
‫النحاة األوائل‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هذا ال يعني عجز اللغة العر ّبية‬ ‫يفعل) درج على استخدامهما ّ‬
‫كبير في هذا المجال وذلك‬
‫غنى اً‬ ‫إن لديها‬
‫منية‪ ،‬بل ّ‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫عن التّعبير عن باقي ّ‬
‫ً‬

‫ّ‬
‫(ينظر)‌مقولة‌الزمن؛‌القرينة‌والدّاللة‌دراسة‌لسانية‪‌:‬هاني‌البطاط‪‌،‬ص‌‪‌.189-188‬‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌،‬ص‪‌.190‬‬
‫ي‪‌،‬ترجمة‌الدكتور‌يعقوب‌بكر‪‌،‬دار‌الرقي‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪1986‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.46‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌3‬الحضارا‌ت‌السامية‌القديمة‪‌:‬سبتينو‌موسكات‬

‫‪95‬‬
‫المعنوية‪ ،‬لتنتج عدداً كبي اًر‬
‫ّ‬ ‫اللفظية و‬
‫ّ‬ ‫ياقية‬
‫الس ّ‬‫الصيغتين بالقرائن ّ‬
‫عن طريق اقتران هاتين ّ‬
‫زمنية متنوعة‪.‬‬
‫منية التي تستطيع التّعبير عن مجاالت ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫من ّ‬
‫الزمني‬ ‫ويقدم المستشرق ويليام رايت مجموعة من األمثلة التي يستشهد بها على التنوع‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيغ مقترن ًة ببعض األدوات وفي سياقات محددة‪ ،‬إال‬ ‫الوجهي الذي تنتجه ّ‬ ‫والجهي و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الداللة‬
‫أن هذه الدالالت التي ذكرها جعلها مرهون ًة بالسياق الخطابي‪ ،‬وهذا ما يحيل ّ‬‫َّ‬
‫أن الحدث التّام ليس له وجود‬ ‫المستخرجة إلى دالالت أخرى وجهات مغايرة‪ ،‬مغفالً َّ‬
‫الداللة على اإلنجاز‪،‬‬
‫عندما تستعمل صيغة ( َف َع َل) استعماالً محدداً بغرض الدعاء أو ّ‬
‫منية تقترن تارةً‬
‫الز ّ‬ ‫وهذا ما أخذه عليه الدكتور امحمد المالخ‪ ،‬يقول‪ " :‬كما َّ‬
‫أن اإلحالة ّ‬
‫منية موجهة نحو‬ ‫بالتام وتارةً بمقولة الوجه‪ ،‬وفي حالة(رحمه هللا) تكون اإلحالة ّ‬
‫الز ّ‬
‫منية يستلزمها الوجه‪ ،‬وحينما تكون الوجوه غير موسومة‬
‫الز ّ‬
‫المستقبل‪ ،‬وهذه السمة ّ‬
‫منية غير مشروطة بداللة‬ ‫مثل(اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) تكون اإلحالة ّ‬
‫الز ّ‬
‫الجهية المحايدة ( الماضي والتام) ‪"...‬‬
‫منية و ّ‬
‫الز ّ‬
‫الصيغة على داللتها ّ‬
‫الوجه فتحافظ ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الزمن في اللغة‬
‫المتقدمين ‪ -‬حين نظروا في معنى ّ‬
‫ّ‬ ‫النحاة‬
‫حسان على ّ‬‫تمام ّ‬‫يأخذ د‪ّ .‬‬
‫الصرفي‬ ‫الزمن‬
‫حددوا ّ‬
‫السياق‪ ،‬إذ ّ‬
‫العر ّبية – عدم تفريقهم بين مقررات النظام ومطالب ّ‬
‫ّ ّ‬
‫وقسموا " األفعال بحسبه إلى ماض‪ ،‬ومضارع‪ ،‬وأمر‪ ،‬ثم جعلوا هذه‬
‫الفعلية ّ‬
‫ّ‬ ‫للصيغ‬ ‫ّ‬
‫السياق‪،‬‬
‫زمنياً وفرضوا تطبيقها على صيغ األفعال في ّ‬
‫رفية نظاماً ّ‬
‫الص ّ‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫ّ‬
‫كما يبدو من تسمية الماضي ماضياً حتى حين يكون معناه في ّ‬
‫السياق االستقبال" (‪،)2‬‬
‫النحاة‬
‫انتقد عدم مراعاة ّ‬
‫شكلي‪ ،‬فقد َ‬ ‫حسان َّ‬
‫بأنه مأخذ‬ ‫تمام ّ‬‫ونستطيع الحكم على مأخذ ّ‬
‫ّ‬
‫أن يحتوي على تنوع زمني ضمن‬ ‫منية‪ ،‬والذي من الممكن ْ‬
‫الز ّ‬
‫السياق ّ‬
‫األوائل لمطالب ّ‬
‫ّ‬
‫رفية الجامدة على‬
‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫تركيب الجملة الواحدة‪ ،‬فأشاروا إلى األزمنة بحسب داللة ّ‬
‫كتبت القصيدةَ‬
‫(كتب) في مثل قولنا‪ْ :‬‬
‫َ‬ ‫الزمن فقالوا –بحسب زعمه‪ -‬عن الفعل الماضي‬
‫ّ‬
‫الزمن‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬رغم َّ‬
‫أن ّ‬ ‫تدل على ّ‬ ‫اآلن‪ّ ،‬أنه فعل ماض وذلك َّ‬
‫ألن صيغته (فعل) ُّ‬ ‫َ‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬وكان من‬
‫رفية (اآلن) هو ّ‬
‫ظ ّ‬ ‫المفهوم من هذا المثال وبفعل القرينة ال ّ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪ّ ‌:‬‬
‫الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‌‪‌.75‌-73‬‬
‫‪‌-‌2‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.243-242‬‬

‫‪96‬‬
‫األجدر –برأيه‪ -‬أن تكون تسمية هذا الفعل بالحاضر أو المضارع أو الحال وليس‬
‫الزمن‬
‫الدال على ّ‬
‫ياقي ّ‬ ‫ألنه يجب األخذ بعين االعتبار معناه الس‬
‫بالماضي‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الزمن الماضي‪.‬‬
‫الدالة على ّ‬
‫رفية ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫الحاضر وليس معنى ّ‬
‫والحقيقة أن هذا الكالم غير صحيح‪ ،‬وأن دقة العرب في دالالتها على المعاني كانت‬
‫أسمى في كثير من األحيان من فهم المحدثين‪ ،‬فقولهم‪ :‬كتبت القصيدة اآلن‪ ،‬ال يساوي‬
‫أبداً معنى‪ :‬أكتب القصيدة اآلن‪ ،‬وزمن الفعل (كتبت) في الجملة هو الماضي وليس‬
‫الحاضر كما يزعم د‪ .‬تمام‪ ،‬فزمن الكتابة في (كتبت القصيدة اآلن) قد انتهى اآلن فهو‬
‫ماض‪ ،‬أما زمن الكتابة (في أكتب القصيدة اآلن) فهو الحاضر والكتابة ما تزال جارية‪.‬‬
‫سطحياً؛ فقوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫شكلياً‬
‫ّ‬ ‫النحاة األوائل كان‬
‫حسان على ّ‬
‫تمام ّ‬ ‫ولذلك أشرنا إلى َّ‬
‫أن مأخذ ّ‬
‫بأنهم يطلقون تسمية الماضي على الفعل الماضي و إن كان داالً على المستقبل –‬‫َّ‬
‫منية المتأثّرة‬
‫الز ّ‬
‫النحاة األوائل لداللة الفعل ّ‬
‫كان صحيحاً‪ -‬فهو ال يعني إنكار ّ‬
‫حتّى و إن َ‬
‫دركوا الفرق بين ما‬
‫سطحية للفعل أو حتّى ّأنهم لم ي ِ‬
‫ّ‬ ‫أن نظرتهم كانت‬‫بالسياق أو َّ‬
‫ّ‬
‫السياق‪ ،‬بل على العكس من ذلك؛ فقد كانت‬ ‫رفي وما َيتَطّلبه ّ‬ ‫النظام الص‬
‫يستلزمه ّ‬
‫ّ ّ‬
‫اللغوي عندهم على‬ ‫يدل الواقع‬
‫حسان‪ ،‬إ ْذ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫تمام ّ‬
‫أكثر عمقاً م ّما رماهم به ّ‬‫نظرتهم َ‬
‫الصرفي‪ ،‬وثمة إشارات‬ ‫زمنية مختلفة عن زمنها‬
‫فعلية في مجاالت ّ‬ ‫للصيغ ال ّ‬
‫استخدامهم ّ‬
‫ّ ّ‬
‫زمنية‬
‫الفعلية عن زمنها المحدد لها لتؤدي أدوا اًر ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغة‬‫صريحة منهم على خروج ّ‬
‫الدال على المستقبل‬
‫السياق‪ ،‬وأما إطالقهم على الفعل الماضي ّ‬ ‫أخرى بحسب ما يطلبه ّ‬
‫النظر‬
‫رفي لهذا الفعل بصرف ّ‬ ‫الزمن الص‬
‫الدال على الماضي اسم ّ‬ ‫أو الفعل المضارع ّ‬
‫ّ ّ‬
‫السياقي‪ ،‬فكان من باب التّحديد لهذا الفعل في صورته األولى قبل دخوله في‬
‫عن زمنه ّ‬
‫زمنية جديدة‪ ،‬وإ ّال لما استطعنا تحديد زمن أي‬
‫السياق واكتسابه لزمن جديد أو جهة ّ‬
‫ّ‬
‫اكتب) وكان يلزم لنقول َّ‬
‫أن فعالً ما هو‬ ‫(قال‪ ،‬يرسم‪ ،‬غادروا‪ْ ،‬‬
‫السياق مثل‪َ :‬‬
‫فعل خارج ّ‬
‫مستمع‬
‫ٌ‬ ‫فعل ماض‪ ،‬أن نضعه في جملة يكون فيها داالًّ على الماضي‪ُّ ،‬‬
‫فيرد علينا‬
‫ِ‬
‫صح َحاً ّأنه ليس داالًّ على الماضي‪ ،‬بل على المستقبل‪ ،‬ويضع الفعل في جملة‬
‫ويقول م ّ‬
‫يكون فيها داالً على المستقبل‪ ،‬فيصعب علينا حين ذلك تحديد زمن الفعل بصورة مفردة‬
‫تمام‬ ‫للزمن الواحد‪ ،‬وبالتالي َّ‬
‫فإن ّادعاء ّ‬ ‫منية للفعل الواحد أو ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫تنوع ّ‬‫لصحة ّ‬
‫ّ‬
‫باطل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حسان‬
‫ّ‬
‫‪97‬‬
‫النحوي‪،‬‬
‫رفي للفعل وزمنه ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫النحاة األوائل للفرق بين ّ‬
‫الزمن الص‬ ‫يدل على معرفة ّ‬‫ال بل ُّ‬
‫واستخدامهم لألفعال عن سابق إدراك ومعرفة لما تحتويه من تنوع زمني‪ ،‬وليس كقوالب‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫زمنية‬
‫للصيغ وبدالالت ّ‬ ‫صرفية جامدة‪ ،‬فنرى عند ابن جّني مثالً استخداماً متنوعاً ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد‬
‫وبقي ْت علينا َليلتان؛ ْ‬ ‫ِ‬
‫مختلفة مثل قوله في كتاب الخصائص‪ْ " :‬قد س ْرنا َعش اًر َ‬
‫علي منه سورتَان‪ ،)1("...‬وقوله في موضع آخر‪ " :‬و أما اآلخر‬ ‫وبقي ْت َّ‬
‫آن َ‬ ‫ظت القر َ‬ ‫َح ِف ْ‬
‫للصيغ‬
‫ففي القولين استخدام واضح ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫خرج ِه‪"...‬‬
‫قربوه منه حتّى يجعلوه من م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأن ي ّ‬
‫ْ‬
‫رفية‪ ،‬فجاء في القول‬
‫الص ّ‬
‫نحوية مختلفة عن داللتها ّ‬ ‫ّ‬ ‫زمنية‬
‫المت ّنوعة التي تحمل داللة ّ‬
‫األول بالفعل الماضي التام المقترن بـ (قد) (قد سرنا‪ ،‬وقد حفظت)‪ ،‬وبعده جاء بصيغة‬
‫ّ‬
‫حالية‬
‫الدال على المستقبل‪ ،‬في قوله‪( :‬بقيت)‪ ،‬والقرينة في ذلك هي قرين ٌة ّ‬‫الماضي ّ‬
‫أما في القول الثاني‪ ،‬فقد جاء بمصدرين مؤولين صيغتهما‬
‫السياق‪ّ ،‬‬
‫يوضحها لنا ّ‬
‫مقامية ّ‬
‫ّ‬
‫يقربوه‪ ،‬و أن يجعلوه) وتقديرهما (تقريبهم‪،‬‬
‫منية هي الماضي (أن ّ‬
‫الز ّ‬
‫المضارع وداللتهما ّ‬
‫الداللة فيه ماضية بسبب القرينة المقالية وهي الضمير(هم) الذي ُّ‬
‫يدلنا على‬ ‫وجعلهم) و ّ‬
‫ّ‬
‫مقامية والمقصود بها (العرب)؛ أي تقريب العرب القدماء وجعلهم كذا وكذا‪ ،‬فنرى‬
‫ّ‬ ‫قرينة‬
‫يدل على إدراكه وفهمه العميق لتفاصيل‬
‫للداللة على الماضي‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫استخدام المضارع ّ‬
‫الفعلية للتّعبير عن أزمنة مختلفة‪ ،‬وإ ّال لكان استخدم الماضي لما هو‬
‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫استخدام ّ‬
‫ماض من األحداث‪ ،‬واستخدم الحاضر والمستقبل لما يناسبهما من األحداث أيضاً‪،‬‬
‫وضعت له‪ ،‬ونراه يؤّكد صراح ًة على‬ ‫للصيغ لغير ما‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫فهذه أمثل ٌة من استخدام ابن جّني ّ‬
‫أماكن كثيرة نذكر منها – على سبيل المثال ال الحصر‪ -‬قوله‪ " :‬و‬ ‫َ‬ ‫هذه المسألة في‬
‫فقد ح ِم َل على هذا[‪َ ]...‬يقولون‪ :‬األمر يحزنني‪ ،‬وال َيقولون‪:‬‬
‫َحزَنه هللا َفهو َمحزون ْ‬
‫أما أ َ‬
‫ِ‬
‫ضى‪.)3( "...‬‬‫أن َم ِجيء المضارع َيشهد للماضي‪ ،‬فهذا أَمثل م َّما َم َ‬
‫َح َزَنني‪ ،‬إال َّ‬
‫ولعل قرينة الحال في أحيان كثيرة تغني عن ذكر الزمن‪ ،‬بل قد تغني عن ألفاظ كثيرة‪،‬‬
‫الحي ال ينفصل‬
‫ُّ‬ ‫ذلك أن الموقف الذي يحدث الكالم فيه يفهم أشياء كثيرة‪ ،‬إذ "الكالم‬
‫عن الموقف الذي يكون فيه‪ ،‬وما يالبس ذلك من حركات باليد وتعبير الوجه‪ ،‬وع ّلو‬
‫شيء من الكالم‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الصوت أو انخفاض وغيرها من مالبسات الحال‪ ،‬بحيث لو حذ َ‬ ‫في ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.270‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫سابق‪‌.229‌/2‌،‬‬‫‪‌-‌2‬المصدر‌ال ّ‌‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق‪‌.216‌/2‌،‬‬

‫‪98‬‬
‫النحاة إلى هذا الجانب‪ ،‬فأجازوا‬ ‫ِ‬
‫كانت هذه المالبسات مغنَي ًة عنه ومومئ ًة إليه‪ ،‬وقد تَ ّنب َه ّ‬
‫ولكن ابن ِجّني َب ّسط القول في مالبسات‬ ‫بناء على فهمه من قرائن األحوال‪َّ ،‬‬ ‫الحذف ً‬
‫الصوتي في‬ ‫ّ‬ ‫يستحق من أجله الثناء" (‪ ،)1‬إذ يشير ابن ِجّني إلى أثر الجانب‬
‫ّ‬ ‫الحال بما‬
‫ّ‬
‫السياق‪ ،‬فيقول في حديثه عن‬ ‫الداللة المقصودة‪ ،‬وباإلضافة إلى دور ّ‬ ‫تحديد المعنى و ّ‬
‫كان وهللاِ َرجالً!‬ ‫ِ‬
‫أن تكو َن في َمد ِح ِإنسان والثَّناء عليه‪ ،‬فتقول‪َ :‬‬
‫وذلك ْ‬
‫َ‬ ‫الصفة‪" :‬‬
‫حذف ّ‬
‫إطالة الص ِ‬
‫وت ِبها‪،‬‬ ‫طيط اّلالم و ِ‬
‫فظ بــ(هللا) هذه الكلمة‪ ،‬وتتم ّكن في تَم ِ‬
‫َفتزيد في قوِة الّل ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فاضالً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك‪.‬‬‫أَي‪ :‬رجالً ِ‬
‫َ‬
‫وتفخمه‪ ،‬فتستغني بذلك‬
‫الصوت بإنسان ّ‬ ‫وكذلك تقول‪ :‬سألناه فوجدناه إنساناً! وت َم ّك َن ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وصف ِه بقولِ َك‪ :‬إنساناً َس ِم َحاً أو َجاداً أو نحو ذلك‪"...‬‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫الداللة‬
‫الزمن ودوره في ّ‬
‫جلية األثر حول ّ‬ ‫ولكنها ّ‬
‫خفية ّ‬‫ص نلمح إشارة ّ‬‫الن ّ‬
‫و في هذا ّ‬
‫للنص‪ ،‬وذلك يكون بصورة غير مباشرة‪ ،‬فهنا رأينا في نص ابن ِجّني كيف‬
‫المباشرة ّ‬
‫الصوت أو تفخيمه أو تقصيره أو ترقيقه[‪ ]...‬وما لذلك من أهمية في‬
‫تحدث عن إطالة ّ‬
‫ّ‬
‫الصوت في نطق الالم والذي يعتمد الناطق به‬‫فكأنما في إطالة ّ‬
‫تغيير داللة الخطاب‪ّ ،‬‬
‫الخيالية التي تستطيع استيعابها الكلمة‬
‫ّ‬ ‫منية والمساحة‬‫الز ّ‬
‫المدة ّ‬
‫الزمن في تقدير ّ‬ ‫على ّ‬
‫الزماني َحّي اًز من الفراغ اّللفظي والذي‬ ‫عند إطالة الصوت‪ ،‬فخّلف هذا البعد أو ُّ‬
‫الطول‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أن يفهمه ويمأل به المعاني المقصودة من هذه‬ ‫ِ‬
‫من المفروض على المستَمع أو المَتلّقي ْ‬
‫عبر عنه ابن ِجّني من‬‫الزمن الذي ّ‬ ‫السياق مع ّ‬‫للصوت‪ ،‬وبهذا يتضافر ّ‬ ‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫اإلطالة ّ‬
‫الداللة العامة باإلضافة إلى‬
‫خالل الجانب الصوتي في تحديد المعنى المقصود وإفادة ّ‬
‫وتية البسيطة والتي تحدث بزمن وجيز عن ذكر الكثير والكثير‬ ‫الص ّ‬
‫االستغناء باإلطالة ّ‬
‫لغوي ‪ ،‬إلى‬ ‫ِ‬
‫من المعاني واأللفاظ التي تخدم مقصد القائل‪ ،‬وبذلك َيتحّقق االقتصاد اّل ّ‬
‫اللغوية المعلومة لدى كل من‬
‫ّ‬ ‫طبع يعتمد على الكفاءة‬
‫اللية‪ ، ،‬وهذا بال ّ‬
‫الد ّ‬‫جانب اإلفادة ّ‬
‫الزمني الذي‬ ‫المتكّلم والمتلّقي والتي تم ّكن من استخدام المفردات ووضعها في الحيز‬
‫ّ ّ‬
‫الصوتي للحرف‪.‬‬ ‫المد ّ‬‫خّلفه ّ‬

‫‪‌ -‌ 1‬العالمة‌اإلعرابية‌في‌الجملة‌بين‌القديم ‌والحديث‌ ‪‌:‬محمد‌حماسة‌عبد‌اللطيف‪‌،‬كلية‌دار‌العلوم‪‌،‬جامعة‌القاهرة‪‌،‬القاهرة‪‌ -‬مصر‪‌،‬‬


‫‪1984‬م‪‌،‬ص‌‪‌.293‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.371‌/‌2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪99‬‬
‫ويتحدث ابن ِجّني عن الفرق بين الالم الداخلة على الفعل الماضي والالم الداخلة على‬
‫ّ‬
‫المضارع‪ ،‬فيقول‪ " :‬وال تدخل في جواب (لو‪ ،‬ولوال) إال على الماضي دون المستقبل[‪]...‬‬
‫أن هذا فعل‬ ‫النون للتّوكيد وإلعالم ّ‬
‫السامع َّ‬ ‫الداخلة على المستقبل فتلزمها ّ‬
‫و أما الالم ّ‬
‫َّك َليحكم بيَنهم ﴾(‌النحل‪‌:‬‬ ‫مستقبل وليس للحال كالذي في ِ‬
‫َ‬ ‫وجل‪﴿ :‬و إن َرب َ َ‬
‫عز ّ‬ ‫قول هللا ّ‬
‫﴿‪.)1( ".)﴾124‬‬
‫فهناك الالم الداخلة على جواب (لو ولوال) تكون دالة على الماضي‪ ،‬مثل قولنا‪:‬‬
‫َ‬ ‫إذاً‬
‫نجح َت‪ ،‬إذاً فهذه القرينة (الالم)‬
‫درس َت جيداً َل ْ‬
‫لمات الزرع‪ ،‬وقولنا‪ :‬لو ْ‬
‫َ‬ ‫لوال المطر‬
‫أن الفعل بعدهما ماض‪ ،‬صيغ ًة‬ ‫الشرط (لو‪ ،‬لوال) تشيران إلى َّ‬
‫باإلضافة إلى قرينة ّ‬
‫وزمناً‪ ،‬بعكس الالم التي يقترن فعلها بنون التّوكيد‪ ،‬فالفعل بعدها مستقبل حكماً‪ ،‬كقولنا‪:‬‬
‫تنجح َّن‪ٌّ ،‬‬
‫دال على المستقبل صيغ ًة وزمناً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لتنجح َّن في االمتحان‪ ،‬فالفعل‬
‫َ‬ ‫درست‬
‫َ‬ ‫لو‬

‫لتذهب َّن إلى العمل‪ّ ،‬‬


‫أما‬ ‫َ‬ ‫وكذلك األمر مع صيغة األمر التي تقترن بنون التّوكيد‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫فإنها تحيل المضارع‬
‫الداخلة على المضارع من غير اقتران بإحدى نوني التّوكيد‪ّ ،‬‬
‫الالم ّ‬
‫إلى الماضي –بحسب ابن ِجّني‪ -‬كما في قوله تعالى ‪ ﴿:‬و إن َرب َ‬
‫َّك َلَيحكم َبيَنهم ﴾‪،‬‬
‫إن‬
‫منية هي الماضي؛ أي ّ‬ ‫الز ّ‬ ‫فالفعل يحكم في اآلية الكريمة مضارع‪ ،‬إال َّ‬
‫أن داللته ّ‬
‫حكم بينهم‪.‬‬
‫رّب َك َقد َ‬
‫السامية عموماً‪ ،‬والعر ّبية خصوصاً فقيرة في‬ ‫أن اللغات ّ‬ ‫ويرى الفرنسي هينري فليش َّ‬
‫فعل)‬
‫وي َ‬
‫بي هما ( َف َع َل َ‬‫منية على األحداث إ ْذ ال تمتلك إال صيغتين للفعل العر‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نجز‪ ،‬ويقصد الماضي والمستقبل‪،‬‬ ‫عبر عنهما بقوله الفعل المنجز والفعل غير الم َ‬‫التي ّ‬
‫الصيغتين فقط جعلهم يهملون الكثير من الفترات‬
‫أن تركيز العرب على هاتين ّ‬ ‫ويرى َّ‬
‫الزمن؛ إذ‬
‫نسية التي ينسب إليها الغنى في ّ‬
‫منية كالتي توجد في اللغة الفر ّ‬
‫الز ّ‬
‫والجهات ّ‬
‫تحوي على الماضي والحاضر والمستقبل والماضي في المستقبل‪ ،‬والمستقبل في‬
‫الماضي‪ ،‬والماضي الناقص والبسيط والمركب‪ ،‬وغيرها من األزمنة المختلفة التي تتيح‬
‫عمه‪ -‬في التّعبير عن أوقات وفترات مختلفة‬ ‫للفرنسي مساح ًة واسع ًة على ‪-‬حد ز ِ‬
‫ّ َ‬ ‫ّ‬
‫الصيغ المختلفة‪ ،‬على عكس العربي الذي شغل نفسه بموضوع انتهاء‬ ‫باستخدام هذه ّ‬
‫ّ‬
‫ويؤيده في هذا‬
‫الزمن الموجودة‪ّ ،‬‬ ‫اهتم بدقائق وصيغ ّ‬
‫مما ّ‬‫الفعل أو عدم انتهائه أكثر ّ‬

‫سر‌صناعة‌اإلعراب‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.73‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪100‬‬
‫الدارسين العرب مثل الدكتور رمضان عبد التّواب الذي يردد كالم فليش‬
‫الزعم بعض ّ‬
‫ّ‬
‫نفسه‪.‬‬
‫جحف من هينري فليش وعبد التواب ومن تبعهم باطل وغير‬ ‫االدعاء الم ِ‬ ‫إال َّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫مجرد رأي‪ ،‬أو‬‫أن يكون ّ‬ ‫وقوة اللغة العر ّبية أكثر من ْ‬
‫صحيح‪ ،‬وفيه تقليل من مكانة ّ‬
‫دل على‬‫إن َّ‬ ‫الدقة واألمانة في إبداء هذا الرأي‪ ،‬وهذا ْ‬
‫الموضوعية و ّ‬
‫ّ‬ ‫بحث يستند إلى‬
‫يدل على قّل ِة إدراك فليش وعبد التّواب لواقع وماضي اللغة العر ّبية التي‬
‫فإنما ُّ‬
‫شيء ّ‬
‫إن فيها‬ ‫(فعل‪ ،‬ويفعل)‪ ،‬ال بل َّ‬
‫َ‬ ‫الصيغتين الرئيسيتين‬
‫لطالما زخرت بصيغ كثيرة غير ّ‬
‫الزمن ما ال يوجد في غيرها من اّللغات األخرى‪ ،‬إ ْذ َّ‬
‫إن‬ ‫الدقة في تحديد ّ‬
‫من المرونة و ّ‬
‫الصيغ المختلفة‬
‫الفعل المنجز أو صيغة (فعل) يمكن أن ينشطر منها العديد من ّ‬
‫زمنية مختلفة في الماضي‪ ،‬وذلك عبر دخول‬
‫عبر عن مراحل ّ‬
‫والمستخدمة حقيق ًة والتي ت ّ‬
‫السياق نفسه في‬
‫الضمائم المختلفة التي أشرنا إليها كثي اًر‪ ،‬فضالً عن دور ّ‬
‫القرائن و ّ‬
‫الزمن كالماضي المطلق والماضي القريب من الحال‪،‬‬ ‫قل جهة ّ‬ ‫ِ‬
‫الزمن‪ ،‬أو لَن ْ‬
‫تحديد ّ‬
‫المستمر‪ ،‬والماضي المنتهي في الحال‪ ،‬وكذلك تتيح لنا‬
‫ّ‬ ‫والماضي البعيد‪ ،‬والماضي‬
‫بالنسبة‬
‫عبر بصيغة الفعل الماضي(فعل) عن المستقبل‪ ،‬واألمر عينه ّ‬
‫أن ن ّ‬
‫براعة العر ّبية ْ‬
‫زمنية مختلفة إضاف ًة إلى داللتها‬
‫تتفرع إلى مراحل وجهات ّ‬ ‫إلى صيغة (يفعل) التي ّ‬
‫قال باعتماد العرب على صيغتين للتّعبير عن‬ ‫أمر لم ينتبه له من َ‬ ‫على الحال وهو ٌ‬
‫النحاة قد اجتهدوا في تفريع هاتين‬ ‫أن ّ‬‫الدرس العربي الحديث َّ‬ ‫زمنين فقط‪ ،‬ونرى في ّ‬
‫ّ‬
‫منية ووصلت عند‬ ‫الز ّ‬
‫(افعل) إلى الكثير من الجهات ّ‬ ‫ْ‬ ‫الصيغتين باإلضافة إلى صيغة‬ ‫ّ‬
‫حسان وغيره الكثير من‬ ‫تمام ّ‬
‫زمنية مثل ّ‬ ‫عشر زمناً أو جه ًة ّ‬ ‫َ‬ ‫البعض منهم إلى ست َة‬
‫الم ْح َدِثين‪ ،‬وهذا ما يثبت بطالن المزاعم الغر ّبية والعر ّبية الكثيرة التي تقول بفقر اللغة‬
‫الصيغ‪ ،‬ويؤّكد ِغناها ووفرتها وتنويعها لألزمنة‬ ‫منية باستخدام ّ‬‫الز ّ‬
‫العر ّبية بداللتها ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫الدعاء فقر العر ّبية بالداللة الزمنية‪ ،‬كما نجد لدى‬
‫وتقدم نصوص بعض النحاة المسوغ ّ‬
‫السهيلي الذي ينفي داللة فعل الحال على المستقبل أو داللة المستقبل على الحال أو‬
‫ّ‬
‫موضحاً‬
‫المقامية التي تؤثّر في األفعال ّ‬
‫ّ‬ ‫ياقية و‬
‫الس ّ‬‫على الماضي‪ ،‬أي ينفي دور القرائن ّ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬زمن‌الفعل‌في‌العربيّة‪‌:‬عبد‌الجبّار‌توامة‪‌،‬ص‌‪‌.78-76‬‬

‫‪101‬‬
‫قال بداللة الماضي على الحال واالستقبال‪ ،‬أو داللة الحال على الماضي‪ ،‬أو‬ ‫أن من َ‬‫َّ‬
‫المستقبل مستشهدين لذلك بكثير من آيات الذكر الحكيم‪ّ ،‬إنما هو على التقدير ال‬
‫الحكاية ال أكثر‪ ،‬فيقول‪ِ ":‬فعل الحال ال يكون مستقبالً و إن َحس َن فيه (غداً)‪ ،‬كما ال‬
‫كيف يكون حاالً‪:‬‬
‫لت‪َ :‬‬ ‫يكون الفعل المستقبل حاالً أبداً‪ ،‬وال الحال ماضياً‪ ]...[،‬فِإ ْن ق َ‬
‫(يقوم زيد غداً) وهو في زمان مستقبل؟ قلنا‪ّ :‬إنما ذلك على تقدير الحكاية له إذا وقع‪،‬‬
‫﴿وَلو تَ َرٓى ِإذ‬
‫واإلشارة إلى صورة الفعل إذا جاء وقته‪ ،‬كما قال هللا سبحانه وتعالى‪َ :‬‬
‫بلفظ الماضي‬ ‫وِقفوْا عَلى رِب ِهم﴾ (األنعام‌﴿‪ ،)﴾30‬والوقوف مستقبل ال محالة‪ ،‬ولكن جاء ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حكاي ًة لحال يوم الحساب فيه‪ ،‬ال مرتّب على وقوف قد ثَبت"‪.‬‬
‫النظر عن القرائن‬ ‫فالسهيلي هنا يقول إ َّن داللة الفعل على ّ‬
‫الزمن ثابتة بصرف ّ‬ ‫إذاً ّ‬
‫جيء بعض األمثلة ّأنها على تقدير‬
‫السياق‪ ،‬معّلال َم َ‬
‫التي َيرتَبط بها هذا الفعل في ّ‬
‫النحوي له رغم اعترافه‬
‫الزمن ّ‬
‫رفي للفعل متجاهالً ّ‬‫الزمن الص‬
‫الحكاية‪ ،‬فهو بذلك يأخذ ّ‬
‫ّ ّ‬
‫تحججاً في ذلك بالحكاية‪ ،‬و إن كانت‬
‫السياق وم ّ‬‫بداللة الفعل على أزمنة مختلفة بفعل ّ‬
‫سوغ الوحيد ‪-‬حسب رأيه‪ -‬لمجيء الحال مستقبالً أو ماضياً أو العكس‪،‬‬
‫الحكاية هي الم ّ‬
‫الس ِ‬
‫ياق‬ ‫يدل على أزمنة مختلفة بحسب ّ‬ ‫أن ُّ‬ ‫الزمن الواحد يمكن ْ‬ ‫أن ّ‬‫فتعتَبر كافي ًة ليرى َّ‬
‫ائن التي َيقترن بها‪.‬‬
‫وضع فيه والقر ِ‬ ‫الذي ي َ‬
‫النحاة العرب في اعتمادهم على‬ ‫وينتقد المستَ ِشرق رايت نظام ّ‬
‫الزمن في العر ّبية عن َد ّ‬
‫الزمن وال ُّ‬
‫يدالن على دقائق الوقت وتفاصيله وهما‬ ‫شكلين زمانيين يراهما مفرغين من ّ‬
‫صيغة الفعل التّام أو المنجز‪ ،‬والفعل غير التّام أو غير المنجز‪ ،‬وهو انتقاد درَج عليه‬
‫موجهاً‬
‫أن انتقاد رايت كان أكثر دّقة فقد كان ّ‬‫النحاة الم ْح َدِثين ّإال َّ‬
‫كثير من المستشرِقين و ّ‬
‫ٌ‬
‫الشكلين‪ ،‬وليس إلى اللغة العر ّبية‪،‬‬
‫النحاة القدماء في اقتصار عنايتهم على هذين ّ‬ ‫إلى ّ‬
‫منية أو ضعف قدرتها على تنويع دالالت‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ومحدوديتها في ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫باإلشارة إلى فقرها‬
‫الدارسين الم ْح َدِثين ‪ ،‬ويرى رايت ّأنه كان من‬
‫الزمن وجهاته‪ ،‬كما فعل الكثير من ّ‬ ‫ّ‬
‫بالصيغ المتنوعة التي تنتجها صيغتا التّام وغير التّام في‬
‫يهتموا ّ‬
‫أن ّ‬ ‫األفضل للعرب ْ‬
‫الصيغ التي‬
‫تحور داللتها وتتوّلد عنها تلك ّ‬
‫تضامها واقترانها مع أدوات وأفعال متنوعة ّ‬
‫ّ‬

‫حو‪‌:‬أبو‌القاسم‌عبد‌الرحمن‌بن‌عبد‌هللا‌السهيلي‪‌،‬تح‪‌.‬الشيخ‌عادل‌أحمد‌عبد‌الموجود‪‌،‬والشيخ‌علي‌محمد‌معوض‪‌،‬‬
‫َّ‬ ‫‪‌-‌1‬نتائج‌الفكر‌في‌النّ‬
‫دار‌الكتب‌العلميّة‪‌،‬ط‪‌،1‬بيروت‌–‌لبنان‪1992‌،‬م‪‌،‬ص‪‌.93‬‬

‫‪102‬‬
‫وفصل القول فيها وفي استخداماتها(‪ ،)1‬فصحيح َّ‬
‫أن القدماء لم‬ ‫تحدث عنها رايت ّ‬ ‫ّ‬
‫الرئيسيتَين (فعل‪ ،‬ويفعل)‪َّ ،‬‬
‫ولكن‬ ‫الصيغتين ّ‬
‫بالصيغ المتوّلدة عن ّ‬
‫خاصاً ّ‬
‫خصصوا درساً ّ‬ ‫ي ّ‬
‫توهم البعض‪ ،‬بل نرى كتبهم‬
‫هذا ال يعني ّأنهم لم يستخدموها أو كانوا غافلين عنها كما ّ‬
‫الشرط واألفعال‬
‫تضام األدوات مثل‪ :‬قد والسين وسوف وأدوات ّ‬ ‫ّ‬ ‫زاخرةً بالحديث عن‬
‫الزمن الجديد الذي يتوّلد عن هذا التّضام أو االقتران‪،‬‬
‫الصيغتين و ّ‬
‫الناقصة إلى هاتين ّ‬
‫وهذا ما رصدناه عند ابن ِجّني في كثير من المواضع التي سيأتي ذكرها في الفصل‬
‫الالحق من هذا البحث‪.‬‬
‫السامية من‬
‫بأنها أَكمل اّللغات ّ‬
‫"ونجد برجشتراسر يصف اللغة العر ّبية –رغم حداثتها‪ّ -‬‬
‫الزمن الذي يحتويه الفعل حتّى أكثر من الفعل اليوناني والغربي وذلك لما‬
‫حيث أنواع ّ‬
‫ّ‬
‫يحتويه من أدوات مثل قد والسين ولن و [‪ ،]...‬فضالً عن تقديم صيغة كان قد فعل‪،‬‬
‫وكان يفعلن وسيكون قد فعل‪ ،‬و [‪ ،]...‬وهذا هو الذي يسهم في تنويع معاني الفعل‬
‫امية" (‪.)2‬‬
‫الس ّ‬
‫وأزمنته أكثر مما يوجد في سائر أخواتها من اللغات ّ‬
‫السامية‪ ،‬ويرى أَّنه ال وجود‬
‫"وينفي فاندريس وجود وسيلة للتّمييز بين األزمنة في اللغة ّ‬
‫السامية‬
‫حصل اندماج في بعض اللغات ّ‬ ‫َ‬ ‫إال لتقابل بين التام وغير التام‪ ،‬غير ّأنه‬
‫الزمني‪.‬‬ ‫خصية في اسم الفاعل في شكل لواحق لتش ّك َل مفهوم الحاضر‬
‫الش ّ‬ ‫للضمائر ّ‬
‫ّ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫"‬
‫رفية خارج سياق التّركيب‬ ‫الص ّ‬
‫وجه القائم على ربط زمن الفعل بصيغته ّ‬ ‫أفرز التّ ُّ‬
‫وقد َ‬
‫جرد صيغ‬ ‫األفعال م ّ‬
‫َ‬ ‫النحاة أن يدركوا َّ‬
‫أن‬ ‫ينص على‪ّ ":‬أنه على ّ‬ ‫ملي توجهاً مغاي اًر ّ‬ ‫الج‬
‫ّ‬
‫السياق‬
‫معين‪ ،‬و أن ّ‬ ‫الصيغة ال على جزء ّ‬ ‫تدل على زمن ما‪ ،‬هو جزٌء من معنى ّ‬ ‫والفاظ ُّ‬
‫منية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظروف القولية بقر ِ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الحالية هي وحدها التي تعين ّ‬ ‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ائنها‬ ‫ّ‬ ‫أو ال ّ‬
‫ِ ِ (‪)4‬‬
‫النحاة االنتباه إلى وجود‬ ‫وترشح َها لزمن بعينه" ‪ ،‬ومفاد هذا القول‪ :‬إَّنه يجب على ّ‬ ‫ّ‬
‫بالزمن‬ ‫ِ‬
‫نسميه اليوم ّ‬ ‫رفية للفعل وهو ما ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫بالصيغة ّ‬
‫ط ّ‬ ‫زمنين للفعل‪ ،‬زمن عام مرتب ٌ‬
‫المعنوي ِة‪ ،‬وهو ما‬
‫ّ‬ ‫اللفظي ِة و‬ ‫ِ‬
‫الحالية و ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق بق ارِئِن ِه‬ ‫ِ‬
‫وزمن آخر يكسبه ّإياه ّ‬ ‫ٌ‬ ‫الصرفي‪،‬‬
‫ّ ّ‬
‫ي‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌الريحاني‪‌،‬ص‌‪‌.282-275‬‬ ‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬اتجاهات‌التحليل‌الزمن ّ‬‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌ -‌ 2‬ينظر‪‌:‬التطور‌النّحوي‌للغة ‌العربيّة‌‪‌:‬برجشتراسر‪‌،‬أخرجه‌وصححه‌وعلّق‌عليه‌د‪‌.‬رمضان‌عبد‌التواب‪‌،‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬ط‪‌،2‬‬
‫القاهرة‌–‌مصر‪1994‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.90-89‬‬
‫‪ّ ‌-‌3‬‬
‫الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‌‪‌.62‬‬
‫ظاهرة‌الزمن‌في‌البناء‌التركيبي‌والسّياقي‌بين‌النظرية‌والتطبيق‪‌:‬د‪‌.‬وفاء‌محمد‌علي‌القطيشات‪‌،‬د‪‌.‬مفلح‌عطا‌هللا‌الفايز‪‌،‬مجلّة‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌ -‌ 4‬‬
‫جامعة‌تكريت‌للعلوم‪‌،‬المجلد‌(‪‌،)19‬العدد‌(‪‌،)7‬األردن‪2012‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.426‬‬

‫‪103‬‬
‫زمنياً‪ ،‬ويجعله‬
‫تنوعاً ّ‬ ‫النحوي للفعل‪ ،‬وهذا ّ‬
‫الزمن هو الذي يكسب الفعل ّ‬ ‫بالزمن ّ‬
‫يعرف ّ‬
‫السياق‪ ،‬فال حاجة ألن نلتزم بصيغة الماضي(فعل)‬
‫فرضه ّ‬ ‫لكل قالب َي ِ‬ ‫مرناً وم ِ‬
‫طاوعاً ّ‬
‫لنتحدث عن أمر يحدث اآلن أو‬
‫ّ‬ ‫نستخدم (يفعل)‬
‫َ‬ ‫لنعبر عن حدث ماض‪ ،‬أو ألن‬ ‫ّ‬
‫مستقبالً فقط‪ ،‬وهذا ما أخذه الم ِ‬
‫ستشرقون على اللغة العر ّبية من خالل وصفهم للغة‬
‫انتقاد‬
‫ٌ‬ ‫بالفقر فيما يتعّلق بقدرِتها التّعبيرّية عن جهات ّ‬
‫زمنية مختلفة‪ ،‬و هذا‬ ‫ِ‬ ‫العر ّبية‬
‫طالنه فيما يأتي من هذا الفصل بعون هللا‪.‬‬
‫سنثبت ب َ‬
‫بداللة الص ِ‬
‫ِ‬
‫يغة في أصل وضعها‬ ‫ّ‬ ‫رفية؛ أي‬
‫الص ّ‬ ‫النحويون ّ‬
‫الزمن بالمسألة ّ‬ ‫ط ّ‬
‫وكما رب َ‬
‫و(افع ْل)‬
‫َ‬ ‫فعل) على الحاضر‪،‬‬
‫و(ي َ‬ ‫اللغوي على ّ‬
‫الزمن‪ ،‬كداللة ( َف َع َل) على الماضي‪َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫على الحاضر عند بعضهم وعلى المستقبل عند بعضهم اآلخر‪ ،‬رأى األصوليون ّ‬
‫أن‬
‫رفية‪ ،‬وذلك بحسب طريقة تأليف‬
‫الص ّ‬
‫بالصيغة ّ‬
‫حوية وليس ّ‬ ‫الن ّ‬
‫الزمن مرتبط بالمسألة ّ‬‫ّ‬
‫المقيدة إلطالق‬
‫الجملة وسياقها وداللتها حسب مواقع الخبر واإلنشاء وبحسب القرائن ّ‬
‫لفظية‬
‫زمانياً والفعل خبرّياً أم قرائن ّ‬
‫ّ‬ ‫مقامية من كون الفاعل‬
‫ّ‬ ‫الفعل‪ ،‬سواء كانت قرائن‬
‫الشرط‪ ،‬والتّحقيق‪ ،‬والتّسويف‪ ،‬والظروف المختلفة‬
‫النفي‪ ،‬و ّ‬
‫مما يحيط بالفعل من أدوات ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫النحويون‪.‬‬
‫الصيغة الذي يفترضه لها ّ‬
‫التي تصرف الفعل إلى زمان غير زمان ّ‬
‫الزمن‬
‫أن ّ‬‫عما ذهب إليه األصوليون‪ ،‬فهم يرون َّ‬
‫وال يذهب اللغويون الم ْح َدثون بعيداً ّ‬
‫النحو‬
‫حسان ينظر إلى ّ‬ ‫تمام ّ‬
‫الدكتور ّ‬ ‫بالس ِ‬
‫ياق ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬وهذا ما جعل ّ‬ ‫النحوي يرتبط ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي هو ّ‬
‫السياق‪،‬‬ ‫الزمن ّ‬
‫النظر في ّ‬ ‫السياق‪ ،‬فمجال ّ‬
‫على ّأنه‪ " :‬نظام العالقات في ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬يكون ّ‬
‫الزمن‬ ‫الصيغة المنعزلة‪ ،‬وحيث يكون ّ‬
‫الصرف هو نظام المباني و ّ‬ ‫وليس ّ‬‫َ‬
‫الصيغة يبدأ وينتهي بها وال يكون لها عندما تدخل في‬
‫في قاص اًر على معنى ّ‬‫الصر‬
‫ّ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫السياق"‪.‬‬
‫عالقات ّ‬
‫يتحدد فيه الحدث الذي هو‬
‫الزمن الذي ّ‬ ‫الملفوظية َّ‬
‫بأنه" ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويعرف جان سيرفوني زمن‬
‫تؤدي‬
‫إنتاج الملفوظ ويمكن اإلشارة إليه داخل الملفوظ نفسه‪ ،‬ومن بين الكلمات التي ّ‬
‫يتحدد باألشكال‬
‫مني ال ّ‬ ‫ولكن المرجع الز‬
‫مثل‪ :‬اآلن أو اليوم‪ّ ،‬‬
‫هذه الوظيفة يذكر كلمات َ‬
‫ّ ّ‬
‫األشكال التي تَ ِسم الماضي‬
‫َ‬ ‫تتضمن أيضاً‬
‫َّ‬ ‫التي تحيل إلى حاضر الملفوظية َّ‬
‫ألنها‬

‫ظر‪‌:‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.168‬‬ ‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‌‪‌:‬محمد‌الم ّ ‌‬
‫الخ‪‌،‬ص‪‌.45‬‬ ‫‪ّ -‌2‬‬

‫‪104‬‬
‫ظروف يذكر‪:‬‬ ‫يتحدد مرجعها إال بالنسبة إلى ذلك الحاضر‪ ،‬ومن ِ‬
‫فئة ال ّ‬ ‫والمستقبل وال َّ‬
‫ّ‬
‫مرة‬
‫فكل ّ‬
‫أمس وقبل األمس بخصوص الماضي‪ ،‬وغداً وبعد غد بخصوص المستقبل‪ّ ،‬‬
‫تدل على اليوم الذي سبق اليوم الذي أنتجت فيه‬ ‫نلفظ فيها (أمس) َّ‬
‫فإن هذه الكلمة ُّ‬
‫وهلم ج اًر‪ ، )1( ".‬ويفهم من هذا التّعريف َّ‬
‫أن‬ ‫تدل على اليوم الالحق ّ‬
‫الملفوظية‪ ،‬و(غداً) ُّ‬
‫ّ‬
‫يدل عليه الفعل في‬
‫الزمن؛ أحدهما هو زمن الحدث الذي ُّ‬ ‫ِ‬
‫نوعين من ّ‬ ‫السياق يوّلد‬
‫ّ‬
‫الزمن‬
‫التلفظ الذي يتم خالله هذا الحدث‪ ،‬ويساعد في فهم هذا ّ‬
‫السياق‪ ،‬واآلخر هو زمن ّ‬
‫ّ‬
‫تدل عليه مثل‪ :‬اآلن وأمس‪ ،‬وغداً‪ ،‬وغيرها‪ ،‬كقولنا في‬
‫رفية التي ُّ‬
‫ظ ّ‬ ‫بعض القرائن ال ّ‬
‫التلفظ هو الحاضر)‪ :‬كان يدرس أمس‪ ،‬و غادر اآلن‪ ،‬وحسبته‬‫إن زمن ّ‬ ‫الحاضر(أي ّ‬
‫تدل على أزمنة مختلفة عن زمنها‬ ‫أن األفعال (يدرس‪ ،‬غادر‪ ،‬وحسب) ُّ‬ ‫غداً‪ ،‬فنرى َّ‬
‫تدل على‬ ‫رفية التي رافقتها‪ ،‬إال َّ‬
‫أن الجمل السابقة كّلها ُّ‬ ‫ظ ّ‬ ‫في‪ ،‬وذلك بفعل القرائن ال ّ‬‫الصر‬
‫ّ ّ‬
‫التلفظ بها‪.‬‬
‫الحاضر إذا نظرنا إليها من وجهة نظر زمن ّ‬
‫ياقية ال تتم إال بدخول الفعل في التّركيب‪ ،‬في حين َّ‬
‫أن‬ ‫الس ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أن ّ‬‫ويالحظ عليهم َّ‬
‫ثم كانت داللته‬
‫الزمن‪ ،‬قبل دخوله في التّركيب‪ ،‬ومن َّ‬
‫يدل على ّ‬
‫رفية ُّ‬
‫الص ّ‬
‫الفعل بصيغته ّ‬
‫الزمن بالمطابقة ال بااللتزام عدا فعل األمر الذي تكون داللته على ّ‬
‫الزمن داللة‬ ‫على ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فال‬ ‫وبالنظر إلى َّأنه طلب إيقاع الفعل‪ ،‬وبما َّ‬
‫أن اإليقاع حدث يلزمه ّ‬ ‫امية‪ّ ،‬‬ ‫التز ّ‬
‫َمناص من كونه زمن إيقاعه في الحاضر أو المستقبل تبعاً للقرائن التي تعين ذلك‬
‫ثم‬ ‫األساليب اإلنشائية ال تقترن َّ‬
‫بالزمان‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫قرر َّ‬
‫أن‬ ‫حين ّ‬
‫اإليقاع واضطرب بعضهم َ‬
‫بالزمن في حدود ما يقترن به كل شيء ال ينفك‬ ‫بأنها تقترن ّ‬
‫استدرك على عدم االقتران ّ‬
‫أقره األصوليون وسبق لنا ذكره‪ ،‬بداللة الفعل‬
‫بطبيعته عن المكان والزمان ‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الزمن من خالل انسجامه في بوتقة التّركيب فتكون بذلك داللته على ّ‬


‫الزمن‬ ‫على ّ‬
‫امية تعتمد على القوالب‬
‫السياق‪ ،‬وليست التّز ّ‬
‫بالمطابقة والتآلف مع غيره من مكونات ّ‬
‫الصيغة‬
‫للصيغة‪ ،‬مع استثناء فعل األمر من هذه المطابقة‪ ،‬كونه داالًّ على ّ‬
‫رفية ّ‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫اإلنشائية التي تستدعي وقوع الحدث في زمن بعينه هو المضارع (الحاضر‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والمستقبل)‪.‬‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬الملفوظية‪‌:‬جان‌سيرفوني‪‌،‬ص‪‌.37‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‌نفسهُ‪‌.‬‬

‫‪105‬‬
‫الزمن الماضي‪:‬‬
‫‪ -5‬جهات ّ‬
‫ِن به الماضي من األزمنة نحو قولِ َك‪:‬‬ ‫عرف ابن ِجّني مصطلح الماضي َّ‬
‫بأنه‪ " :‬ما قرَ‬ ‫ي ّ‬
‫إن ابن‬ ‫قام أمس‪ ،‬وقعد ّأول من أمس‪ ، ".‬ونلمح في هذا التعريف إشارتين‪ ،‬األولى‪ّ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫الزمن وليس عن الفعل الماضي‪ ،‬وبالتالي فهو يفصل بصورة قاطعة‬ ‫ِجّني ّ‬
‫يتحدث عن ّ‬
‫الدرس الحديث ُّ‬
‫النحاة األوائل في ربطهم‬ ‫الصيغة‪ ،‬وهذا أبرز ما عاب به ّ‬
‫الزمن و ّ‬
‫بين ّ‬
‫الزمن‪ ،‬واتّهامهم بإهمال السياق والقرائن‪ ،‬وهذا يقودنا إلى اإلشارة‬
‫بالداللة على ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫ّ‬
‫الثانية‪ :‬وهي إدراك ابن ِجّني لدور السياق والقرائن السياقية في تحديد ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فلم يذكر‬
‫الزمن الماضي – في األمثلة التي ساقها – هو صيغة الفعل الماضي‬ ‫دل على ّ‬‫أن ما ّ‬‫ّ‬
‫الصيغة بالقرائن‬
‫منية هو ارتباط هذه ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ام ‪َ +‬ق َع َد) ‪ ،‬بل الذي ّأدى هذه ّ‬
‫( َف َع َل = َق َ‬
‫ط وثيق‬
‫الزمن وهي‪( :‬أمس‪ ،‬و ّأول من أمس)‪ ،‬وهذا ما له ارتبا ٌ‬
‫الظرفية التي دّلت على ّ‬
‫يدل التركيب (قام‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬إ ْذ ُّ‬
‫تدل عليه هذه القرائن ضمن ّ‬
‫منية التي ُّ‬
‫الز ّ‬
‫بالجهة ّ‬
‫زمنية وهي األمس‪ ،‬و هي نقطة يمكن‬ ‫الزمن الماضي المحدد بنقطة ّ‬
‫أمس) على ّ‬
‫تدل الجملة األخرى‬
‫اعتبارها – بالنسبة إلى سواها – ضمن السياق ماضياً قريباً‪ ،‬فيما ُّ‬
‫(قعد ّأول من أمس) وفي هذا السياق ذاته‪ ،‬على الماضي البعيد بالنسبة إلى الجملة‬‫َ‬
‫سبت إلى جملة أخرى من مثل‪:‬‬ ‫تصبح نفسها ماضياً قريباً إذا ن ْ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫األولى‪ ،‬والتي يمكن ْ‬
‫(قعد منذ شهر ‪ ،‬أو العام الماضي‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫وليست هاتان الجهتان (القريب والبعيد) هما وحدهما ما يختص بهما الماضي‪ ،‬بل ثمة‬
‫الزمن والتي تتعلق بصورة مباشرة بالقرائن السياقية‬
‫الكثير من الجهات التي يحتويها هذا ّ‬
‫التي يقترن بها‪:‬‬
‫وخاص ًة لدى‬
‫ّ‬ ‫الدراسات الحديثة‪،‬‬
‫أ‪-‬الماضي التام‪ :‬وهو المصطلح األكثر شيوعاً في ّ‬
‫المستشرِقين‪ ،‬الذين أرسوا قواعد لغاتهم على الّلغة العر ّبية وحاولوا جاهدين‬
‫المقارنة بين األزمنة في لغتهم وما وجدوه في اللغة العر ّبية‪ ،‬ليلصقوا الضعف‬
‫باللغة العر ّبية –من وجهة نظرهم‪ -‬بسبب عدم احتوائها على هذه المصطلحات‪،‬‬
‫وبالتأكيد هذه المقارنة غير صحيحة ال في أسسها وال في نتائجها‪ ،‬فعدم وجود‬
‫المتنوعة والتّسميات المختلفة‪ ،‬ال يعني أبداً عدم إدراك العرب‬
‫ّ‬ ‫هذه المصطلحات‬

‫‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‌‪.28‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬اللمع‌في‌العربيّة‬

‫‪106‬‬
‫الدرس‬
‫لهذه المفاهيم‪ ،‬فمثالً مصطلح الماضي التّام أو المنجز الذي درَج في ّ‬
‫النحاة األوائل‪ ،‬ومنه‬
‫عل)‪ ،‬تردد كثي اًر عند ّ‬
‫يعبر عنه بصيغة ( َف َ‬
‫الحديث‪ ،‬والذي ّ‬
‫الصيغة‪ " :‬وحضرت أنا مجلساً لبعض الرؤساء‪"...‬‬ ‫ِ‬
‫قول ابن جّني مستخدماً هذه ّ‬
‫الصيغة للداللة على حدث تام منته‪ ،‬وذلك ّأنه يشرح‬ ‫‪ ،‬فهو هنا يستخدم هذه ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫منطقياً‪ ،‬بما ال‬


‫ّ‬ ‫حادث ًة حصلت معه و انتهت فيستشهد بها‪ ،‬وهذا يستلزم التمام‬
‫يحتاج إلى برهان أو إثبات‪.‬‬
‫الزمن الماضي التام في لحظة قريبة‬
‫ب‪-‬الماضي القريب‪ :‬وهو مصطلح يقصد به ّ‬
‫تعبر عن هذه الجهة صيغة (قد فعل)‪،‬‬
‫الصيغ الرئيسة التي ّ‬
‫من الحاضر‪ ،‬ومن ّ‬
‫ياقية‪ ،‬ونرى‬
‫الس ّ‬
‫الصيغ على هذه الجهة بمساعدة القرائن ّ‬
‫وقد ذكرنا سابقاً داللة ّ‬
‫الجهة‪ ،‬ومنها قوله‪:‬‬
‫تدل على هذه ّ‬‫الصيغة في شروحاته ل ُّ‬ ‫ِ‬
‫ابن جّني يستخدم هذه ّ‬
‫خفياً من أمره‪"...‬‬
‫تنسف أسفل حافره‪ ،‬ومعناه ّأنه قد بان بذلك ما كان ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫" وذلك ْ‬
‫منية التي ّأدتها صيغة (قد فعل) في قوله‪( :‬قد بان) هي الماضي‬
‫الز ّ‬
‫‪ ،‬فالجهة ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ولكن تحّققه قريب من لحظة الحاضر وهذا ما أفادته األداة (قد)‬


‫التام المتحّقق‪ّ ،‬‬
‫بعد دخولها على صيغة (فعل)‪ ،‬فاإلبانة حدثت في وقت سابق قريب من الحال‬
‫تحدث في وقته ابن ِجّني‪.‬‬
‫الذي ّ‬
‫الصيغة للداللة على هذه الجهة‪ ،‬وقد‬‫وهناك الكثير من األمثلة على استخدام هذه ّ‬ ‫َ‬
‫الداللة الكثير من النحاة القدامى ومنهم سيبويه في الكتاب‪ " :‬فمن تلك‬
‫أشار إلى هذه ّ‬
‫الحروف قد‪ ،‬ال يفصل بينها وبين الفعل بغيره‪ ،‬وهو جواب ِ‬
‫لقوله أفعل؟ كما كانت (ما‬ ‫ٌ‬
‫أخبرت ّأنه لم يقع‪ ،‬ولما يفعل وقد فعل‪ّ ،‬إنما هما لقوم‬
‫َ‬ ‫فعل) جواباً لـ(هل فعل؟) إذا‬
‫تقرب الماضي من الحال‪،‬‬ ‫أن قد ّ‬ ‫ينتظرون شيئاً"(‪ ،)3‬فما أشار إليه سيبويه ُّ‬
‫يدل على ّ‬
‫منية نفسها‪،‬‬
‫الز ّ‬ ‫كما ّبينا ذلك عند ابن ِجّني‪ ،‬وقد أشار الدرس الحديث إلى هذه ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫وس َع تحليالته للمعطيات العر ّبية كي ال تقف عند مستوى‬
‫ومن ذلك نذكر كوهن الذي ّ‬
‫الصيغة التامة –ويقصد‬
‫أن األداة (قد) مع ّ‬ ‫التقابل البسيط بين (فعل ويفعل)‪ ،‬فرأى َّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.327‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.36‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬الكتاب‪‌:‬سيبويه‪‌.115‌-114‌/3‌،‬‬

‫‪107‬‬
‫تدل على وقوع الحدث في الماضي القريب وتأثيره على الحاضر‪،)1(.‬‬ ‫صيغة َف َع َل‪ُّ -‬‬
‫فإن هذه األحكام التي‬ ‫ِ‬
‫الداللة نفسها الكثير غيره من الم ْح َدثين‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫وقد ذكر هذه ّ‬
‫أطلقها الم ْح َدثون من العرب والمستشرقون ليست ابتكا اًر‪ ،‬بل هي من آثار النحو القديم‬
‫كما رأينا عند ابن ِجّني وغيره‪.‬‬
‫تدل صيغة المضارع على هذه الجهة أيضاً وذلك عند دخول حرف النفي‬ ‫أن ُّ‬
‫ويمكن ْ‬
‫(لما) هي نفي لـ (قد‬
‫أن ّ‬‫(لما) عليه‪ ،‬فهي حرف نفي وجزم وقلب مثل (لم) مع اختالف َّ‬
‫ّ‬
‫يقرب صيغة‬ ‫أن (لم) هي نفي لـ (فعل)‪ ،‬كما أشار سيبويه‪ ،‬ووجود قد ّ‬ ‫فعل) في حين َّ‬
‫الماضي من الحاضر‪ ،‬إضاف ًة إلى إمكانية حدوث هذا الفعل في المستقبل(على وجه‬
‫ين َج َهدوْا ِمنكم َوَلم َيتَّ ِخذوْا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫التّوّقع)‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬أَم َحسبتم أَن تت َركوْا َوَل َّما َيعَل ِم ٱ ََّّلل ٱلذ َ‬
‫ۢ‬ ‫ٗ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يجة َوٱ ََّّلل َخِبير ِب َما تَع َملو َن﴾(‌التوبة‌‪ ،)16‬فنرى‬ ‫من دو ِن ٱ ََّّلل َوَال َرسولِه ۦ َوَال ٱلمؤ ِمن َ‬
‫ين َولِ َ‬
‫الدال زمنياً على الحال أو االستقبال في أصل‬ ‫(لما) نفت الفعل المضارع ّ‬ ‫أن األداة ّ‬ ‫َّ‬
‫لب زمنه إلى الماضي‬
‫ـ(لما) ق َ‬
‫وضعه‪ ،‬إال ّأنه في سياق هذه اآلية الكريمة‪ ،‬وبعد اقترانه ب ّ‬
‫الذي ينتهي في فترة قريبة من الحاضر‪ ،‬ويتوّقع حدوثه مستقبالً‪.‬‬
‫ج‪-‬الماضي البعيد‪ :‬والمقصود به الماضي المتحّقق التّام في لحظة بعيدة عن الحاضر‪،‬‬
‫الزمن‬
‫ومما يساعد في تشكيل هذا ّ‬ ‫على النقيض من الجهة السابقة (الماضي القريب)‪ّ ،‬‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬مثل‪( :‬أمس‪،‬‬ ‫الدالة على ّ‬
‫رفية ّ‬
‫ظ ّ‬‫اقتران صيغة ( َف َع َل) مع إحدى القرائن ال ّ‬
‫شهر‪ ،‬دهر‪ ،‬ماضي[‪ ]...‬وفق الشرط السياقي النسبي الذي أشرنا إليه سابقاً‪ ،‬أو اقترانها‬
‫منية‪،‬‬ ‫لتكون لنا هذه الجهة ّ‬
‫الز ّ‬ ‫(فعل) باألدوات أو القرائن السياقية والتي تترّكب معها ّ‬
‫وأبرز هذه األدوات هي الفعل الناقص (كان) التي قد تأتي مرّكبة مع الفعل‪ ،‬أو قد‬
‫الصيغة (كان قد فعل‪ ،‬أو قد كان فعل)‪ ،‬ومن‬ ‫مركبة مع (قد) والفعل‪ ،‬لتكون ّ‬
‫تأتي ّ‬
‫ِ‬
‫األمثلة على هذه الجهة في استخدام ابن ِجّني‪ ،‬قوله م ّ‬
‫تحدثاً‪ " :‬وكنت َعرضت هذا‬
‫تقبَله" (‪ ،)2‬فنرى في القول السابق‬
‫أحسن ُّ‬
‫فرضيه و َ‬
‫َ‬ ‫الموضع على أبي علي رحمه هللا‬
‫ّ‬
‫الداللة على الماضي البعيد‬
‫لتحمل ّ‬
‫َ‬ ‫صيغة (كان فعل) في قوله‪ ( :‬كنت عرضت)‬
‫المتحّقق‪ ،‬فهذه الجهة تحّققت من دخول الفعل الناقص (كان) على الفعل الماضي‪،‬‬

‫ّ‬
‫ُنظر‪‌:‬اإلحالة‌الزمنيّة‌في‌العربيّة‌‪‌:‬حافيظ‌إسماعيلي‌علوي‪‌،‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‪‌.23‬‬ ‫‪‌-‌1‬ي‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.123‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪108‬‬
‫الداللة على التحقق أو التّمام فمن شيئين؛ أحدهما‬
‫أما ّ‬
‫لتجعله داالًّ على الماضي البعيد‪ّ ،‬‬
‫صيغة الفعل الماضي (عرضت)‪ ،‬و أما الشيء اآلخر فهو السياق‪ ،‬فالمفهوم من حديث‬
‫ابن ِجّني ّأنه يناقش مسألة سبق‪ ،‬حتى وإن عرضها في وقت بعيد على أبي علي‬
‫ّ‬
‫الفارسي رحمه هللا‪ ،‬فهذا ينطوي على الماضي‪ ،‬كو َن أبي علي م َّ‬
‫توفى‪ ،‬والعرض كان‬
‫قبل الوفاة‪ ،‬وهذه أمور تستلزم المضي والبعد أيضاً‪ ،‬ثم يتابع ليؤّكد على التحقق‪ ،‬بعطفه‬
‫ّ‬
‫على صيغة (كنت عرضت) بصيغة الماضي المتحقق (رضيه)‪ ،‬وأمثلة هذا في‬
‫نصوص ابن ِجّني كثيرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫أما صيغة (كان قد فعل) فهي كثيرةً أيضاً‪ ،‬وتنطوي في معناها على معنى التحّقق‬ ‫ّ‬
‫الملحق‪ ،)1("...‬وقوله‬
‫َ‬ ‫الذي تؤّكده األداة (قد)‪ ،‬ومثالها قوله‪ " :‬بل إذا كانوا قد حذفوا‬
‫مني َة‬
‫الز ّ‬
‫كرروها في مرمريت‪ ، "...‬ففي كال المثاَلين نلمح الجه َة ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أيضاً‪ " :‬إذا كانوا قد ّ‬
‫بأنها جهة‬‫تحد َث فيها اللغويون الم ْح َدثون ّ‬
‫نفس َها‪ ،‬والماضي البعيد المتحّقق‪ ،‬والتي ّ‬
‫َ‬
‫الجبار توامة‬
‫مني ‪ ،‬وعبد ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫تمام حسان في جدوله الز‬
‫الماضي البعيد المنقطع‪ ،‬ومنهم ّ‬
‫ّ ّ‬
‫(‪ ،)4‬وغيرهم‪.‬‬
‫زمنية‬
‫ّ‬ ‫حدث في الماضي في فترة‬
‫المستمر‪ :‬ويقصد به الحدث الذي َ‬
‫ّ‬ ‫د‪ -‬الماضي‬
‫المعبرة عن هذه الجهة هي صيغ‬
‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫استمر حدوثه ضمن الماضي‪ ،‬و ّ‬
‫محددة و ّ‬
‫وظل يفعل‪ ،‬ومازال يفعل[‪،]...‬‬
‫الناقصة‪ ،‬مثل‪( :‬كان يفعل‪ّ ،‬‬ ‫المضارع المقترنة باألفعال ّ‬
‫نص ابن ِجّني العديد من هذه االستخدامات والمواضع التي ّأدت هذه الجهة‬ ‫وقد َش ِه َد ّ‬
‫ِ‬
‫منية و إن لم يش ْر إليها ابن ِجّني بعبارة صريحة‪ ،‬ومنها قوله‪ " :‬أال ت اره َ‬
‫كيف كان‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫وي‪ ،)5("...‬فصيغة المضارع (يقول) هنا لم تدّلنا على‬
‫ظَب ّ‬
‫ظ ْبية‪َ :‬‬
‫يقول في اإلضافة إلى َ‬
‫زمن حاضر أو مستقبل كما هو معهود‪ ،‬و إنما ّأدى اقترانها بالفعل الناسخ (كان) إلى‬
‫منية من الحاضر إلى الماضي‪ ،‬ومنحها جهة االستمرار‪ ،‬وهذا‬ ‫الز ّ‬
‫انزياح داللتها ّ‬
‫ستمر‬
‫القول م ٌّ‬ ‫ط على معنى القول السابق ضمن السياق‪ ،‬ال يعني َّ‬
‫أن‬ ‫االستمرار إذا أ ِ‬
‫سق َ‬
‫َ‬
‫بتكرار وبوتيرة واحدة‪ ،‬بل المقصود هو استمرار االعتقاد بهذا القول‪ ،‬أي كان عاده‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي ‌‪‌.479‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.54‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬يُنظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناه‌ومبناها‪‌:‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‪‌.245‬‬
‫ظر‪‌:‬زمن‌الفعل‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬عبد‌الجبّار‌توامة‪‌،‬ص‌‪‌.85‬‬‫‪‌-‌4‬يُن َ‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.106‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌5‬‬

‫‪109‬‬
‫بوي‪ ،‬فقد ّأدى الفعل الناقص في هذا‬ ‫ظ ّ‬ ‫أن يقول باإلضافة إلى ظبية وأمثالها َ‬‫دائماً ْ‬
‫داللية‬
‫جهية ّ‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬واألخرى ّ‬ ‫زمنية بنقله الفعل إلى ّ‬
‫المثال وظيفتين إحداهما ّ‬
‫الزمن وأكسَب ْته تلك‬ ‫الصيغة استم ار اًر في هذا ّ‬ ‫ألنها منحت ّ‬ ‫صح التّعبير‪ -‬وذلك ّ‬
‫إن ّ‬ ‫–ْ‬
‫منية منتشرةً بين النحاة الم ْح َدِثين‪ ،‬فنراهم‬
‫الز ّ‬
‫الداللة أو الجهة ّ‬
‫الداللة‪ ،‬وبالمقابل نجد هذه ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن‪،‬‬
‫(كان) يحمل ّ‬ ‫أن الفعل َ‬ ‫مثل(كان ز ٌيد يكتب الرسالة) على َّ‬
‫َ‬ ‫يتحدثون في جملة من‬
‫ّ‬
‫وهو يشير إلى كون حدث الكتابة َ‬
‫وقع في الماضي‪ ،‬على حين (يكتب) ال يحمل ا ّلزمن‪،‬‬
‫حدث‬
‫إن المتكّلم ينظر إلى الحدث في أثناء إجرائه‪ ،‬وهو ٌ‬
‫بل يحمل جهة غير التّام؛ أي ّ‬
‫الداخلية للحدث‪ ،‬وهذه الجهة يمكن أن تتألف مع‬
‫مستمر‪ ،‬والجهة ترّكز على البنية ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫األزمنة كافة‪.‬‬
‫المستمر)‬
‫ّ‬ ‫هـ‪ -‬الماضي التكراري أو االعتيادي‪ :‬ويمكن أن َ‬
‫يتبع لهذه الجهة (الماضي‬
‫جهة التّكرار أو االعتياد كما أطلق عليه الدكتور محمد قواقزة(‪ )2‬في جملة من مثل‪:‬‬
‫الزمن المطلق أو (الحدث‬ ‫يومياً على ّ‬ ‫ُّ‬
‫يومياً) مستدالً بالظرف ّ‬ ‫(يذهب علي إلى الجامعة ّ‬
‫ألي جهة‪،‬‬ ‫أي تحديد ّ‬‫كل وقت وزمان‪ ،‬ومن دون ّ‬ ‫حدث في ّ‬‫أن َي َ‬
‫االعتيادي) الذي يمكن ْ‬
‫ّ‬
‫وقد أشار ابن ِجّني إلى مثل هذه األفعال التّك اررّية التي ُّ‬
‫تدل على االعتياد والتّكرار‬
‫عبر عنها المصادر أو األفعال‪ ،‬فيقول في (باب في‬
‫أن ت ّ‬
‫بصورة متناوبة‪ ،‬والتي يمكن ْ‬
‫المضعفة تأتي‬
‫ّ‬ ‫باعية‬
‫الر ّ‬‫إمساس األلفاظ أشباه المعاني) ‪" :‬وذلك ّأن َك تجد المصادر ّ‬
‫للتّكرير‪ ،‬نحو الزعزعة‪ ،‬والقلقلة‪ ،‬والصلصلة‪ ،‬والقعقعة ‪ ،‬والصعصعة‪ ،‬والجرجرة‪،‬‬
‫ذلك ّأنهم جعلوا تكرير العين في‬
‫والقرقرة" ‪ ،‬ويتابع في الباب نفسه قائالً‪ " :‬ومن َ‬
‫(‪)3‬‬

‫ط َع‪ ،‬وفتّ َح‪ ،‬وغّل َق" (‪،)4‬ففي القوَلين‬


‫كس َر‪ ،‬وق ّ‬
‫المثال دليالً على تكرير الفعل‪ ،‬فقالوا‪ّ :‬‬
‫الداللة على‬
‫رفية للمصادر واألفعال ودورها في ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫ِ‬
‫بالصيغة ّ‬
‫نالحظ اهتمام ابن جّني ّ‬
‫ولكن ذلك ال يقتصر على المعنى فقط‪ ،‬فالمعنى مرتبط بصورة جذرّية بالحدث‬
‫المعنى‪ّ ،‬‬
‫امتداد عبر الزمان‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الزمن‪ ،‬فتكرار المعنى يستلزم تك ار اًر في الحدث‪ ،‬ويتبعه مباشرةً‬
‫وّ‬

‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬اإلحالة‌الزمنيّة‌في‌العربيّة‌‪‌:‬حافيظ‌إسماعيلي‌علوي‪‌،‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‌‪‌.37-36‬‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫ظر‪ّ ‌:‬‬
‫الزمن‌المطلق‌في‌اللغة‌العربيّة‌دراسة‌وصفيّة‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌حسن‌بخيت‌قواقزة‪‌،‬مجلة‌مجمع‌اللغة‌العربيّة‌على‌الشبكة‌العالمية‪‌،‬‬ ‫‪‌-‌2‬يُن َ‬
‫العدد‌‪‌،9‬جامعة‌الحدود‌الشمالية‪‌،‬المملكة‌العربيّة‌السعودية‪2015‌،‬م‪‌،‬ص‪‌.224‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.153‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫‪-‌4‬المصدر‌السابق‪‌.155/2‌،‬‬

‫‪110‬‬
‫زمنية‬
‫تتم دفع ًة واحدة‪ ،‬بل على مراحل ّ‬ ‫صيغ ال ُّ‬
‫ٌ‬ ‫وكسر‪ ،‬كّلها‬
‫طع ّ‬ ‫فالزعزعة والقلقلة‪ ،‬وق ّ‬
‫الداللة والحدث والزمان‪.‬‬ ‫متكررةٌ في المعنى و ّ‬
‫متتابعة‪ ،‬فهي إذاً ّ‬
‫ٗ‬
‫ص ُّدوْا َعن‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫يال‬ ‫ومن األمثلة على ذلك أيضاً قوله هللا تعالى‪ ﴿:‬ٱشتَروْا َِباي ِت ٱ ََّّللِ ثَم ٗنا َقِ‬
‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َسِبيلِ ِه ٓۦ ِإَّنهم َسآ َء َما َكانوْا َيع َملو َن﴾(‌التوبة‪ ،)9‌:‬فالفعل (يعملون) في اآلية الكريمة هو‬
‫أن دخول الفعل الماضي الناقص(كانوا)‬‫دال على الحاضر بطبيعته‪ ،‬إال َّ‬
‫فعل مضارع ّ‬
‫الداللة من الحاضر إلى الماضي‪ ،‬وأكسبه صفة التّكرار؛ أي (ما كانوا‬ ‫حول هذه ّ‬‫ّ‬
‫يقومون به باستمرار) فكانت أفعالهم تتكرر كثي اًر في الماضي‪ ،‬وهذا ما أفادته صيغة‬
‫(كان يفعل)‪.‬‬
‫الزمن الماضي بصورة‬
‫وقع و انتهى في ّ‬
‫يعبر عن حدث َ‬
‫المطلق‪ :‬وهو ما ّ‬
‫و‪‌-‬الماضي ُ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ومن‬ ‫زمنية م َّ‬
‫حددة من ّ‬ ‫حدد أو بفترة ّ‬
‫يتقيد بوقت م ّ‬
‫أن ّ‬ ‫مطلقة؛ أي دون ْ‬
‫وجهت زمن الفعل المضارع إلى الماضي المطلق‪،‬‬‫اللفظية أو األدوات التي ّ‬
‫ّ‬ ‫القرائن‬
‫استخدام صيغة (يفعل) مسبوقة بـ (لم) حرف النفي والجزم والقلب‪ ،‬والتي تقلب زمن‬
‫الفعل المضارع بعدها من الحاضر إلى الماضي المطلق‪ ،‬ويؤّكد ابن ِجّني على داللة‬
‫فلسفية‬
‫ّ‬ ‫كان مجزوماً‪ ،‬متّجهاً في تَ ِ‬
‫فسير ذلك وجه ًة‬ ‫الزمن الماضي إذا َ‬
‫المضارع على ّ‬
‫نظرّية قائمة على أساس األسبقية في النفس بين وجود الماضي والمضارع‪ ،‬و ّأيهما‬
‫يقم زيد‪ ،‬جاءوا فيه بلفظ المضارع وإن‬‫الفرع‪ ،‬يقول‪" :‬ومنه قولهم‪ :‬لم ْ‬ ‫األصل و ّأيهما َ‬
‫أن المضارع أسبق رتب ًة في النفس من الماضي‪ ،‬أال ترى َّ‬
‫أن‬ ‫كان معناه المضي‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ثم توجد فيما بعد‪ ،‬فإذا نفي المضارع الذي هو‬ ‫ّأو َل أحوال الحوادث أن تكون معدوم ًة‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫ظنك بالماضي الذي هو الفرع‪ ،)1( ".‬ففي هذا القول نالحظ َّ‬
‫أن إشارةَ ابن‬ ‫األصل فما ّ‬
‫أسبقي ًة للصيغة‬
‫ّ‬ ‫أسبقي َة وضع أو‬
‫ّ‬ ‫أسبقي ِة المضارِع على الماضي ليست‬ ‫ّ‬ ‫ِجّني إلى‬
‫الدليل على ذلك استشهاده بالعد ِم‬
‫أسبقية الزمن و ّ‬
‫ّ‬ ‫رفية‪ ،‬و إنما المقصود هاهنا‬‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫إطالق أكثر وأظهر من النفي الواقع على‬ ‫ِ‬
‫والوجود فالنفي الواقع على المضارع فيه‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫يكن) فيه دليل على نفي الكينونة في كل وقت وكل حين؛‬ ‫الماضي‪ ،‬فقولنا مثالً‪( :‬لم ْ‬
‫أي ّإنه ينفي الوجود ويحيل الحدث إلى العدم‪ ،‬خالفاً لقولنا‪( :‬ما كان) الذي ينفي‬
‫اعتبر ابن ِجّني المضارع هو‬
‫َ‬ ‫الكينونة كحدث‪ ،‬ولكن ال ينفي وجودها سابقاً‪ ،‬ولذلك‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.105‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪111‬‬
‫كان التعبير‬‫النفي بصورة مطلقة َ‬ ‫األصل وهو األسبق في الوجود‪ ،‬وبالتالي فإذا أردنا‬
‫َ‬
‫الزمن الماضي من صيغ الماضي نفسها‪،‬‬ ‫أدل على ّ‬ ‫بالمضارِع المنفي(المجزوم) أقوى و ّ‬
‫الشواهد على ذلك من‬ ‫وقوِة تعبيرها‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ِ‬
‫شجاعة العر ّبية‬ ‫رب من ضروب‬ ‫ض‬ ‫وذلك‬
‫ٗ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين ث َّم َلم َينقصوكم َشيا َوَلم‬ ‫ين َع َهدتُّم ّم َن ٱلمش ِرِك َ‬ ‫الذكر الحكيم قوله تعالى‪ ﴿:‬إال ٱلذ َ‬
‫ٗ‬
‫َحدا َفأَِت ُّمٓوْا ِإَلي ِهم َعه َدهم ِإَلى م َّدِت ِهم ِإ َّن ٱ ََّّللَ ي ِح ُّب ٱلمتَِّقين ﴾(‌التوبة‌‪،)4‬‬‫ظ ِهروْا َعَليكم أ َ‬
‫يَ‬
‫الزمن الماضي‬
‫دال في اآلية الكريمة على ّ‬
‫فالفعالن المضارعان (ينقصوكم‪ ،‬يظاهروا) ّ‬
‫صرفية‬
‫ّ‬ ‫المطلق‪ ،‬بعد أن كانا داّلين على الحاضر الذي تفيده صيغة (يفعل) كصيغة‬
‫الزمن من‬
‫حول مسار ّ‬
‫النفي والقلب (لم) ّ‬ ‫َّ‬
‫ولكن دخول حرف ّ‬ ‫السياق‪،‬‬
‫مفردة خارج ّ‬
‫الحاضر إلى الماضي المطلق‪.‬‬

‫الزمن المضارع‪:‬‬
‫‪ -6‬جهات ّ‬
‫وقابلي ًة لدخول األدوات من سوابق‬
‫ّ‬ ‫وداللية‬
‫ّ‬ ‫زمنية‬
‫قوةً ّ‬
‫أكثر األفعال ّ‬
‫عتبر الفعل المضارع َ‬
‫ي َ‬
‫اللغوية‪ ،‬والتي تؤدي دو اًر بار اًز في تحديد زمن‬
‫ياقية و ّ‬
‫الس ّ‬
‫ولواحق وغيرها من القرائن ّ‬
‫عنوي بين الحال‬
‫شترك َم ّ‬ ‫أن المضارع م َ‬ ‫النحاة إلى َّ‬
‫الفعل الجديد‪ ،‬فقد ذهب بعض ّ‬
‫يعم الحال‬
‫يدل على مفهوم زمان ّ‬‫أن المضارع ُّ‬
‫واالستقبال‪ ،‬وليس المقصود بذلك ّ‬
‫حصل‪ ،‬بل ال ّبد أن يكون المقصود به ّ‬
‫أن‬ ‫ألنه سيكون زماناً غير م ّ‬
‫واالستقبال‪ّ ،‬‬
‫مرة‪،‬‬
‫مانين‪ ،‬فينطبق على الحال ّ‬
‫الز َ‬
‫كل من ّ‬‫يصح انطباقه على ّ‬
‫ّ‬ ‫معنى مطلقاً‬ ‫للمضارع‬
‫ً‬
‫مرة أخرى بحسب القرائن ‪ ،‬وذلك ما رأيناه في ّ‬
‫الزمن الماضي المطلق‪،‬‬ ‫وعلى االستقبال ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫يدل‬
‫أن ُّ‬‫فإن ذلك يستدعي ْ‬
‫حيوية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الزمن المضارع هو أكثر األزمنة‬
‫أن ّ‬‫وعلى اعتبار ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وليس فقط الجهات المتعّلقة بالحاضر أو المستقبل‪،‬‬
‫على جهات مختلفة من ّ‬
‫ِ‬
‫ألبرز هذه الجهات‪:‬‬ ‫وسنستعرض‬
‫أ‪‌-‬الحال ال ّتجددي أو االستمراري‪ :‬هو ما يعبر عن الحدث الذي يقع لحظة التّ ُّ‬
‫كلم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الداللة مع‬‫ؤدي هذه ّ‬
‫ستمر حدوثه إلى المستقبل القريب أو البعيد‪ ،‬والقرينة التي ت ّ‬
‫وي ّ‬ ‫َ‬
‫صيغة (يفعل) هي (ما المصدرّية)‪ ،‬ويقول ابن ِجّني في تعريفه للحاضر من األزمنة‪":‬‬
‫اآلن‪ ،‬وهو يصّلي‬ ‫ِن به الحاضر من األزمنة نحو قو َ‬
‫لك‪ :‬هو يق أر َ‬ ‫والحاضر‪ :‬ما قرَ‬

‫‪‌-‌1‬يُنظر‪‌:‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.160‬‬

‫‪112‬‬
‫أن الحال أولى به من االستقبال" (‪،)1‬‬ ‫الساع َة‪ :‬وهذا اللفظ أيضاً يصلح للمستقبل إال ّ‬
‫ّ‬
‫أولوي ًة على المستقبل باستخدام صيغة (يفعل)‪ ،‬ومع ذلك‬‫ّ‬ ‫إذاً فابن ِجّني يعطي الحال‬
‫الداللة رهناً للقرائن المصاحبة لهذه‬
‫فهو ال ينفي داللتها على المستقبل‪ ،‬تاركاً تحديد ّ‬
‫ظرفية‬
‫ّ‬ ‫الصيغة‪ ،‬فقوله اآلن أو الساعة يجعلها داّل ًة على الحاضر‪ ،‬إذا صاحبها قرائن‬ ‫ّ‬
‫مستقبلية‪ ،‬ونرى ذلك واضحاً في مثل‬ ‫ّ‬ ‫منية تصبح‬ ‫الز ّ‬
‫فإن داللتها ّ‬‫داّلة على المستقبل‪ّ ،‬‬
‫يح ٱب َن َمرَي َم َو َمآ أ ِمرٓوْا‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ٱتَّخذوْا أَحبارهم ورهبنهم أَرب ٗابا ِمن دو ِن ٱ ََّّللِ وٱلم ِ‬
‫س‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ٓ َ َ َ ََ‬
‫ٗ ِۖ‬
‫إن معنى‬ ‫إال لَِيعبدٓوْا ِإَل ٗها َو ِحدا َّٓ‬
‫ال ِإَل َه إال ه َو سب َحَنه ۥ َع َّما يش ِركو َن‪‌ (‬التوبة‪ ،)31‌ :‬إ ْذ َّ‬
‫ثم‬
‫ويستمر حدوثه إلى لحظة الحال‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫أن الفعل يحدث في الماضي‬ ‫الداللة َّ‬
‫هذه ّ‬
‫مستمرة‪ ،‬وهذا ما هو واضح في اآلية الكريمة‪ ،‬ذلك َّ‬
‫أن االشتراك بدأ في‬ ‫ّ‬ ‫يتجدد بصورة‬
‫استمر إلى الحاضر وأسبغت (ما المصدرية) بدخولها على صيغة المضارع‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫الماضي َّ‬
‫أن تدخل (ما المصدرية) على الماضي‬ ‫تجدداً واستم اررّية في المستقبل‪ ،‬كما يمكن ْ‬ ‫ّ‬
‫مانية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬‫ظرفية َز ّ‬
‫ّ‬ ‫جددي‪ ،‬وذلك إذا كانت (ما)‬ ‫تدل على الحال التّ ّ‬ ‫ف ُّ‬
‫ٗ‬
‫صِني ِبٱ َّ‬
‫لصَلوِة َوٱ َّلزَكوِة َما دمت َحّيا ‪‌(‬مريم‌‪ ،)31‬أي‬ ‫ِ‬
‫‪َ ‬و َج َعَلني م َب َارًكا أَي َن َما كنت َوأَو َ‬
‫حياً‪ ،‬على تقدير ما والفعل بعدها بمصدر‪ ،‬فيصبح المعنى العام داالًّ على‬ ‫مدة دوامي ّ‬ ‫ّ‬
‫ص َّدرة بــ(ما)‪ ،‬ترَبط صيغة َف َع َل‬
‫منية الم َ‬
‫الز ّ‬
‫الحال المستمر‪" ،‬يقول دينز‪ :‬في الجملة ّ‬
‫مدةَ دوامي‬ ‫عين من المستقبل‪ ،‬مثل‪( :‬ما دمت)‪ ،‬التي تعني بصفة خاصة‪ّ :‬‬ ‫بوقت م ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫حيا"‪.‬‬
‫ّ‬
‫دل على حدث يتوّقع حدوثه في زمن المستقبل األقرب‬‫ب‪‌-‬المستقبل القريب‪ :‬هو ما ّ‬
‫الزمن‪ ،‬إذا سبقت بـما يأتي‪:‬‬
‫تدل صيغة (يفعل) على هذا ّ‬
‫إلى الحاضر‪ ،‬و ُّ‬
‫أن " الحاضر إذا‬‫المختص بالفعل المضارع‪ ،‬يقول ابن ِجّني َّ‬
‫ّ‬ ‫‪ - )1‬حرف (السين)‬
‫وسوف يصّلي‬
‫َ‬ ‫فقلت‪ :‬سيق أر غداً‬
‫سوف‪َ ،‬‬‫أدخلت فيه السين‪ ،‬أو َ‬
‫َ‬ ‫أردت إخالصه لالستقبال‬
‫َ‬
‫وسوف) في‬
‫َ‬ ‫دليل واضح على أثر هاتين القرينتين (السين‬
‫غداً" ‪ ،‬ففي القول السابق ٌ‬
‫(‪)3‬‬

‫الجهية لكلتيهما ليست‬


‫منية و ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ولكن ّ‬
‫ّ‬ ‫داللة الفعل وتحويلها إلى المستقبل‪،‬‬
‫متكافئة؛ إ ْذ تخلص السين الفعل بعدها إلى المستقبل القريب‪ ،‬فيما تنقل (سوف) الفعل‬

‫‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‌‪‌.28‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‌1‬اللمع‌في‌العربيّة‬
‫ّ‬
‫ّياق‌اللغوي‌ودراسة‌الزمن‌في‌العربيّة‪‌:‬محمد‌رجب‌الوزير‪‌،‬علوم‌اللغة‪‌،‬القاهرة‌–‌مصر‪‌،‬المجلد‌‪‌6‬العدد‌‪2003‌،1‬م‪‌،‬ص‪‌.64‬‬ ‫‪‌-‌2‬الس‬
‫‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‪‌.28‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬اللمع‌في‌العربيّة‬

‫‪113‬‬
‫طرح‪ ،‬لماذا اختصت‬ ‫ولكن السؤال الجوهري الذي يجب ْ‬
‫أن ي َ‬ ‫بعدها إلى المستقبل البعيد‪ّ ،‬‬
‫وسوف بالبعيد؟ ولماذا ليس العكس؟‬
‫َ‬ ‫السين بالمستقبل القريب‪،‬‬
‫كل منهما‪،‬‬
‫صرفية عائدة إلى طبيعة ّ‬
‫ّ‬ ‫لفظية‬
‫أقرب للمنطق‪ ،‬هي عّلة ّ‬ ‫َّ‬
‫إن العّلة التي أراها َ‬
‫قابل لالتّصال بصورة‬
‫أن السين حرف واحد ٌ‬ ‫الداللة؛ إذ نرى ّ‬
‫وأثر هذه الطبيعة على ّ‬
‫ف معه كلم ًة واحدة‪ ،‬أو صيغة واحدة‪ ،‬فتكون صيغة‬
‫مباشرة بالفعل المضارع‪ ،‬ليؤّل َ‬
‫حسب اعتقادي‪ -‬من قرب‬
‫ناتج – َ‬
‫وذلك ٌ‬
‫َ‬ ‫معبرةً عن المستقبل القريب‪،‬‬
‫(سيفعل) صيغة ّ‬
‫سوف من الفعل‪ ،‬وما يحمله هذه القرب من سالسة‬
‫َ‬ ‫السين من الفعل‪ ،‬أكثر من اقتراب‬
‫ّ‬
‫منطقياً سرع ًة في توّقع حدوث هذا‬
‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وهذا يقتضي‬‫نطقية وسرعة واختصار في ّ‬
‫ّ‬
‫(سوف يفعل) تظهر بصورة‬ ‫َ‬ ‫خبر عنه بصيغة (سيفعل)‪ ،‬بينما نرى َّ‬
‫أن صيغة‬ ‫الفعل الم َ‬
‫ِ‬
‫هيئة كلمتين منفصلتين‪ ،‬وهذا يوحي لنا أو للمتلّقي بالبطء والتّريُّث‬ ‫منفصلة على‬
‫نلمح‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫سوف عن صيغة (يفعل)‪ ،‬كما يمكن ْ‬ ‫َ‬ ‫الزمن باستطالة وبعد‬
‫واإلطالة في ّ‬
‫(سوف) السين مع الفاء وبينهما حرف الواو‪ ،‬والذي يعطي‬
‫َ‬ ‫الصوتية ألحرف‬
‫ّ‬ ‫الطبيعة‬
‫وكل هذه العوامل مجتمع ًة تلقي بظاللها على‬
‫ومداً‪ُّ ،‬‬
‫هذا التركيب تنفيساً واستطالة ّ‬
‫نقد َم‬
‫أن ّ‬‫تقدم نستطيع ْ‬
‫الداللة المستخلصة من تركيب(سوف يفعل)‪ ،‬ولذلك ووفقاً لما ّ‬‫ّ‬
‫رفية لهاتين األداتين‬
‫الص ّ‬
‫إن البنية ّ‬
‫رّأياً يتناسب مع مستخلص هذه االستنتاجات‪ ،‬لنقول‪ّ :‬‬
‫زمنياً‬
‫كونت مفهوماً ّ‬ ‫اإليحائية المستفادة منهما‪ ،‬بالتالي ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫أثّرت بصورة مباشرة في ّ‬
‫نقدم على ذلك مثاالً وهو قوله تعالى‪:‬‬ ‫أن ّ‬ ‫جهياً يتناسب مع هذه الدالالت‪ ،‬ونستطيع ْ‬ ‫ّ‬
‫السين‬ ‫ين َك َّذبوْا َِب َايِتَنا َس َنستَد ِرجهم ِّمن َحيث َال َيعَلمو َن﴾(‌األعراف‪ ،)182‌:‬إذ ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫تدل ّ‬ ‫﴿ َوٱلذ َ‬
‫بقرب اتّصالها بالفعل المضارع‪ ،‬على قرب تحقق وحدوث هذا الفعل‪ ،‬وهو ما رأيناه في‬
‫يب‪ ،‬ولن يمهلهم‬
‫اج المك ّذبين قر ٌ‬
‫أن استدر َ‬
‫اآلية الكريمة التي أصبح معناها بدخول السين ّ‬
‫هللا كثي اًر‪ ،‬إذ كان من الممكن أن يكون االستدراج في وقت الحق وبعيد من المستقبل‬
‫لوال دخول السين على صيغة المضارع (يفعل)‪.‬‬
‫اعة َيو َمِئ ٖذ َيتََف َّرقو َن‬
‫لس َ‬
‫يدل على المستقبل‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ ﴿:‬وَيوَم تَقوم ٱ َّ‬ ‫‪ - )2‬ظرف ُّ‬
‫﴾(‌الروم‪)14‌:‬‬
‫(أن) المصدرية الناصبة‪ ،‬ومن الشواهد على ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ي ِريدو َن أَن يط ِفؤا‬ ‫‪ْ - )3‬‬
‫وره ۥ َوَلو َك ِرهَ ٱل َك ِفرو َن ﴾( ‌التوبة‪ ،).32‌ :‬كذلك‬ ‫ِ‬ ‫ور ٱ ََّّللِ ِبأَف َوِه ِهم َوَيأَبى ٱ ََّّلل ِإ َّٓ‬
‫ال أَن يت َّم ن َ‬ ‫نَ‬
‫‪114‬‬
‫الداللة المستفادة من الفعل المضارع بعد دخول الحرف الناصب هي‬
‫فإن ّ‬‫األمر َّ‬
‫أن والفعل‪ ،‬ليصبح المعنى‪ :‬يريدون‬
‫المستقبل القريب‪ ،‬وذلك على تأويل المصدر من ْ‬
‫المؤّوَلين‬
‫(إطفاء) نور هللا بأفواههم ويأبى هللا إال (إتمام) نوره‪ ،‬وتبدو داللة المصدرين َ‬
‫الزمن المستقبل القريب من الحال‪ ،‬واضحة في هذه اآلية‪ ،‬وذلك‬
‫(إطفاء‪ ،‬وإتمام) على ّ‬
‫(أن)‪.‬‬
‫ياقية ْ‬
‫الس ّ‬
‫بفعل القرينة ّ‬
‫دل اسم الفاعل على زمن المستقبل القريب وذلك بوجود قرائن لفظية أو معنوية‬ ‫ورَّبما ّ‬
‫يخية‪ ،‬وذلك نحو قول بشر بن أبي خازم‪:‬‬ ‫أو تار ّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫الج ِ‬
‫يش تَ ْعتَ ِرف ّ‬
‫الرَك َابا‬ ‫خالل َ‬
‫َ‬ ‫َس ِائَل ٌة عميرةٌ عن أَبيها‬‫أَ‬
‫ألن الشاعر قال القصيدة التي أخ َذ‬ ‫فقد دل اسم الفاعل ِ‬
‫(سائلة) على المستقبل القريب؛ َّ‬ ‫ّ‬
‫صيب بضربة قاتلة عندما كان يغزو إحدى القبائل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫منها هذا البيت وهو َيحتضر‪ ،‬إ ْذ أ َ‬
‫عما قريب عندما يعود الجيش وال تجده ابنته‬ ‫فهو يتوقع أن تسأل عنه ابنته (عميرة) ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فيه‪.‬‬
‫الزمن المستقبل َّ‬
‫ولكن‬ ‫رجى حدوثه في ّ‬ ‫دل على حدث ي َ‬ ‫ج‪‌-‬المستقبل البعيد‪ :‬هو ما ّ‬
‫(لعل)‪ ،‬والشاهد‬ ‫الزمن هي َّ‬ ‫ياقية التي تفيد هذا ّ‬ ‫الس ّ‬‫نسبة حدوثه ضئيل ٌة جداً‪ ،‬والقرينة ّ‬
‫ۢ‬
‫ط َعنوْا ِفي ِد ِينكم َفَقِتلٓوْا أَِئ َّم َة ٱلكف ِر ِإَّنهم‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬وإن َّن َكثٓوْا أَي َم َنهم ِّمن َبع ِد َعه ِد ِهم َو َ‬
‫مني‪،‬‬ ‫تدل على التّرجي والتّ ّ‬ ‫لعل ُّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ومعلوم َّ‬
‫ٌ‬ ‫ال أَي َم َن َلهم َل َعَّلهم َينتَهو َن﴾(‌التوبة‪،).12‌:‬‬
‫َٓ‬
‫(لعل) في اقترانها‬ ‫رجى حصوله في وقت الحق‪ ،‬وليس سابق‪ ،‬وتفيد ّ‬ ‫وهذا يكون لشيء ي َ‬
‫الداللة على المستقبل الذي سوف يحدث في وقت بعيد‬
‫مع صيغة المضارع (يفعل) ّ‬
‫الزمني المفهوم من اقتران (لعل ويفعل) هو‪ :‬عسى أن‬ ‫المفلوظية‪ ،‬والمعنى‬ ‫من زمن‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ينتهوا في وقت الحق‪.‬‬
‫زمنية غير محددة من‬
‫دل على حدث يتوّقع حدوثه بفترة ّ‬
‫د‪‌-‬المستقبل المطلق‪ :‬هو ما َّ‬
‫منية بصورة واضحة في أسلوب الشرط‪ ،‬حتى‬‫الز ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وتظهر هذه الجهة ّ‬
‫ّ‬
‫ماضيين‪ ،‬وهذا ما نراه واضحا عند ابن ِجّني بقوله‪:‬‬
‫َ‬ ‫ولو كان فعل الشرط والجواب‬
‫مت قمت؛ فيجيء بلفظ الماضي والمعنى (معنى المضارع)‪ ،‬وذلك‬ ‫إن ق َ‬
‫"وكذلك قولهم‪ْ :‬‬

‫ّ‬
‫بشر‌بن‌أبي‌خازم‪‌،‬تح‪‌.‬عزة‌حسن‪‌،‬ط‪‌،2‬دار‌الشرق‌العربي‪‌،‬بيروت‌–‌لبنان‪1995‌،‬م‪‌،‬ص‪‌ ‌.73‬‬‫‪‌-‌1‬ديوان‌بشر‌بن‌أبي‌خازم‌األسدي‪‌:‬‬
‫‪ّ ‌-‌2‬‬
‫الزمن‌المستقبل‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬محمد‌قواقزة‪‌،‬ص‌‪‌.1607‌–‌1606‬‬

‫‪115‬‬
‫َّأنه أرَاد االحتياط للمعنى‪ ،‬فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي‬
‫استقر (ال ّأنه) متوّقع مرتقب" (‪ ،)1‬ويشير د‪.‬‬ ‫المقطوع بكونه‪ ،‬حتّى َّ‬
‫كأن هذا قد وقع و ّ‬
‫حسان إلى داللة صيغة( َف َع َل) على الحال أو االستقبال وذلك بحسب ما يضام‬
‫تمام ّ‬‫ّ‬
‫المشبهة بالفعل‪ ،‬مثل عسى في‬
‫ّ‬ ‫الشرط والحروف‬
‫لها من األدوات والقرائن مثل أدوات ّ‬
‫(هال فعلت‪،‬‬
‫رجي التي تنقله إلى الحال أو االستقبال‪ ،‬وكذلك في التّحضيض نحو ّ‬ ‫التّ ّ‬
‫الداللة على الماضي‬
‫(ليت) ّ‬
‫(فعل) بعد َ‬
‫ولوال َفعلت‪ ،‬ولو ما َفعلت)‪ ،‬وأيضاً تفيد صيغة َ‬
‫الزمنية إلى المستقبل‪ ،‬نحو ِ‬
‫(رح َم‬ ‫الدعاء في اإلحالة ّ ّ‬
‫فعل)‪ ،‬وتفيد سياقات ّ‬
‫نحو (ليته َ‬
‫(فعل) على الحال أو االستقبال وذلك‬
‫َ‬ ‫الشرط مع صيغة‬‫تدل أدوات ّ‬
‫هللا فالناً)‪ ،‬فيما ُّ‬
‫إن‬
‫قام ز ٌيد غداً قمت‪ْ ،‬‬
‫إن َ‬‫اآلن قمت‪ْ ،‬‬
‫قام ز ٌيد َ‬ ‫(إن َ‬
‫بحسب القرينة المصاحبة لها‪ ،‬نحو‪ْ :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أقم)‪.‬‬
‫إن يقم ز ٌيد غداً ْ‬
‫أقم‪ْ ،‬‬
‫اآلن ْ‬
‫قم ز ٌيد َ‬
‫َي ْ‬
‫رفية المصاحبة‪،‬‬
‫ظ ّ‬ ‫فنراه في هذه اإلحالة إلى الحال والمستقبل معتَ ِمداً على القرينة ال ّ‬
‫المتحصل‬
‫ّ‬ ‫رطية‪ ،‬إ ْذ يكون للمعنى‬
‫الش ّ‬
‫أكثر من اعتماده على المعنى المستفاد من الجملة ّ‬
‫إما على الحال أو‬ ‫رطية –حتّى بدون هذه القرائن‪-‬داللة ّ‬
‫زمنية محددة ّ‬ ‫الش ّ‬
‫من الجملة ّ‬
‫االستقبال‪.‬‬
‫للداللة على المضارع (الحال أو‬
‫الشرط جاء ّ‬ ‫أن استخدام الماضي مع ّ‬ ‫والمالحظ هنا َّ‬
‫الشرط مع صيغة‬‫المعنوية المستفادة من تضام أداة ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫بناء على ّ‬
‫االستقبال) وذلك ً‬
‫احتمالية قد تحصل وقد ال تحصل‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫الداللة على المستقبل داللة‬
‫عل)‪ ،‬فكانت ّ‬‫( َف َ‬
‫األول الذي يكون حدوثه َمرهوناً بحدوث الجواب المنتظر‪ ،‬وذلك‬
‫بشرط حدوث الفعل ّ‬
‫ظرفية مثل غداً‪ ،‬أمس‪ ،‬اآلن وما شابه ذلك‪ ،‬كما ذكر‬
‫ّ‬ ‫بدون أن يذكر الحاجة إلى قرينة‬
‫حسان في هذا الغرض‪.‬‬ ‫تمام ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫فإن (ال الناهية الجازمة) هي من القرائن التي تحصر الفعل المضارع في‬ ‫وكذلك َّ‬
‫ٗ‬ ‫االستقبال أيضاً‪ ،‬مثال ذلك قوله تعالى‪ :‬وَال تص ِل عَلى أ ِ‬
‫ات أََبدا َوَال تَقم‬
‫َح ٖد ّمنهم َّم َ‬
‫َ َ ّ َ ٓ َ‬
‫ِۖ‬
‫َعَلى َقب ِِره ٓۦ ِإَّنهم َكَفروْا ِبٱ ََّّللِ َوَرسوِل ِه ۦ َو َماتوْا َوهم َف ِسقو َن‪( ‬التوبة‪ ، )﴾84﴿‌:‬وكما هو واضح‬
‫تصل ‪ ،‬وال تَق ْم) تكسب‬ ‫ِ‬ ‫فإن ال الناهية مع صيغة يفعل في قوله‪( :‬ال‬ ‫في اآلية السابقة؛ َّ‬
‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.105‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬ينظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.251‬‬

‫‪116‬‬
‫ِ‬
‫تصل على أحد منهم‬ ‫الزمن‪ ،‬ويصبح المعنى‪ :‬ال‬
‫صيغة المضارع داللة مطلقة على ّ‬
‫ّ‬
‫تقم؛‬ ‫ِ‬
‫أي وقت الحق‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة إلى قوله‪ :‬ال ْ‬
‫تصل غداً‪ ،‬وال في ّ‬
‫ّ‬ ‫اآلن وال‬
‫كل األزمنة‬ ‫أي وقت مستقبلي‪ ،‬فقد استغر َق ّ‬
‫النهي ّ‬ ‫تقم اآلن وال بعد قليل‪ ،‬وال في ّ‬
‫أي ال ْ‬
‫النهي في المستقبل المطلق‪ ،‬وتجدر‬
‫يدل على ّ‬
‫المحتملة والممكنة لصيغة المضارع ل ُّ‬
‫الزمن؛ إذ ليس القرينة (ال الناهية)‬
‫السياق القرآني في استجالء هذا ّ‬
‫اإلشارة هنا إلى دور ّ‬
‫السياق القرآني بصورة كبيرة في فهم هذه‬ ‫الزمن‪ ،‬بل ساعد ّ‬‫تقدم لنا هذا ّ‬
‫وحدها من ّ‬
‫منية‪ ،‬فهو ينطوي على خطاب طلبي فيه أمر أو نصيحة أو ربما وعظ‪،‬‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والطلب ال يكون لشيء مضى‪ ،‬فهو يستلزم المستقبل حص اًر‪ ،‬من دون أ ْن ن ّ‬
‫حد َد جه ًة‬
‫حدد في المستقبل‪،‬‬ ‫طلب ال يكون لوقت م ّ‬ ‫دون غيرها في هذا المستقبل‪ّ ،‬‬
‫فالنصيحة أو ال ّ‬
‫الزمن المستفاد من‬
‫ألي وقت وأي زمان في المستقبل‪ ،‬ولذلك كان ّ‬‫بل يكون صالحاً ّ‬‫ْ‬
‫الزمن المستقبل المطلق‪.‬‬
‫هذه اآليات هو ّ‬
‫الداللة على الوصف الفعلي‪،‬‬ ‫الزمن إلى ّ‬
‫" وقد يخرج الفعل المضارع من داللته على ّ‬
‫ّ‬
‫ٱلصَلوة و ِم َّما رَزقَنهم ي ِ‬
‫نفقو َن ‪‌(‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وذلك مثل قوله تعالى‪َّ  :‬ٱل ِذ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ين يؤمنو َن بٱل َغيب َويقيمو َن َّ َ َ‬
‫تتحدث عن زمن حاضر‪،‬‬ ‫البقرة‪ )3‌:‬فاآلية ال تتحدث عن حدث قائم اآلن؛ أي ّإنها ال ّ‬
‫ثم ذكرت أوصافهم‪ ،‬وما ذكرت هذه‬ ‫َّإنها تصف المؤمنين‪ ،‬ولذلك ابتدأت ب ـ ـ (الذين)‪َّ ،‬‬
‫األوصاف بصيغة الفعل في (يؤمنون) و(يقيمون) و(ينفقون) إال من أجل اإليحاء َّ‬
‫بأن‬
‫السلوك هما طريق‬ ‫اتية‪ ،‬ال بَّد أن ت َ‬
‫ترجم إلى أفعال وسلوك‪ ،‬وأ َّن الفعل و ّ‬ ‫األوصاف ال ّذ ّ‬
‫الوصفية لصيغة المضارع‪ ،‬من كون هذه‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫اإليمان والمؤمنين‪ ، ".‬وجاءت هذه ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الصيغ الموجودة‬
‫الديمومة واالستمرار‪ ،‬وعند إسقاط هذه المعاني على ّ‬
‫الصيغة داّلة على ّ‬
‫ّ‬
‫الصيغ أقرب إلى الوصف‪ ،‬أو الى اتّصاف المقصود‬
‫أن هذه ّ‬‫في اآلية الكريمة‪ ،‬نرى ّ‬
‫بالكالم (وهم هنا المؤمنون) بهذه األوصاف من أن تكون صيغاً ّ‬
‫زمنية داّلة على زمن‬
‫محدد‪ ،‬فإقامة الصالة و إنفاق األموال في سبيل هللا‪ ،‬هي من صفات المؤمنين‪ ،‬وال‬
‫منية فقط‪ ،‬فهذه الصفات خاصة‬ ‫يمكن النظر إليها على ّأنها خاضعة لقانون ّ‬
‫الز ّ‬
‫يصح أن تكون في الحاضر فقط أو المستقبل فقط‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫كل األزمنة‪ ،‬وال‬
‫بالمؤمنين في ّ‬
‫الدالالت‬
‫الوصفية معاً‪ ،‬وهذه ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغة سمة اإلطالق و‬
‫الماضي فقط‪ ،‬ولذلك اكتسبت هذه ّ‬

‫‪‌-‌1‬اللّسانيّات‌‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬سمير‌استيتية‪‌،‬ص‌‪‌.153‬‬

‫‪117‬‬
‫وقوته التّعبيرّية‬
‫حيويته ّ‬
‫المختلفة التي َينضح بها الفعل المضارع ما هي إال دليل على ّ‬
‫منية‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫اللية و ّ‬
‫الد ّ‬‫السياق ّ‬
‫وقدرته على تلبية متطلبات ّ‬
‫ؤديها الفعل المضارع‪ ،‬داللته على‬
‫هنية التي ي ّ‬
‫" ومن أغرب التّقليبات والتّصريفات ال ّذ ّ‬
‫حتمية لكونه‬
‫ّ‬ ‫إن داللته على الحاضر نتيجة‬
‫الحاضر بسبب داللته على الماضي؛ أي ّ‬
‫وقع في الماضي‪ ،‬كقولك‪َّ :‬إني أعلم ذلك‪ ،‬معنى هذه العبارة‪ :‬لقد عرفت ذلك من قبل‪،‬‬
‫ألنني عرفته من قبل‪ ،‬غير َّأنك إذا‬
‫ولذلك فأنا أعلمه اآلن‪ ،‬أو َّإنني أعلم ذلك اآلن َّ‬
‫حت بكلمة اآلن فذكرتها وقلت‪َّ :‬إني أعلم ذلك اآلن‪ ،‬فقد جعلت قيداً على حدث‬
‫صر َ‬
‫ّ‬
‫قيد العلم وحده به‪ ،‬ليصبح المعنى‪:‬‬
‫الزمن الذي تشير إليه كلمة (اآلن) ّ‬
‫إن ّ‬‫العلم‪ ،‬أي ّ‬
‫ّإني أعلم ذلك اآلن‪ ،‬ولم أكن أعلمه من قبل‪"...‬‬
‫(‪)1‬‬

‫السياقات؛ و ّإنما بحسب ما‬


‫كل ّ‬‫الداللة لصيغة المضارع ليست ثابتة في ّ‬ ‫أن هذه ّ‬‫غير َّ‬
‫حيوية‬
‫ياقية‪ ،‬وهذا دليل آخر على ّ‬‫الس ّ‬
‫رفية و ّ‬
‫ظ ّ‬
‫اللغوية وال ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق وتفرضه القرائن‬
‫يقتضه ّ‬
‫السياق‪.‬‬
‫للتنوع الزماني وفق ما يقتضيه الموقف الكالم ّي و ّ‬ ‫وقابليته ّ‬
‫ّ‬ ‫الفعل المضارع‬
‫للزمن الحاضر‬‫كما تلعب حروف المضارعة دو اًر رئيساً في جعل داللة الفعل صالحة ّ‬
‫َن حروف المضار ِ‬
‫عة تَجري َمجرى‬ ‫َ‬ ‫والمستقبل كما أوضح ذلك ابن ِجّني بقوله‪َ " :‬‬
‫وذلك أ َّ‬
‫لزمانين الحال‬ ‫صالحاً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الحرف الواحد من حيث كانت كّلها متساوية في َجعلها الفعل َ‬
‫واالستقبال‪ ،‬فإذا وجب في ِ‬
‫أحدها شيء أَتبعوه ِ‬
‫سائ َرها " (‪ ،)2‬فنراه هنا يشير إلى التساوي‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الزمن‪ ،‬فأشار إلى وظيفة هذه األحرف في جعل‬
‫الداللة على ّ‬
‫بين أحرف المضارعة في ّ‬
‫منين االفتراضيين لصيغة المضارع‪ ،‬وهما (الحاضر‪ ،‬والمستقبل)‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫الفعل داالً على ّ‬
‫العلم اآلن‬
‫الدرس اآلن وغداً‪ ،‬وتهاجر الطيور اآلن وغداً‪ ،‬ونطلب َ‬
‫فنقول‪ :‬يكتب الطالب ّ‬
‫فأدت حروف المضارعة الوظيفة نفسها‬
‫حد سواء‪ّ ،‬‬
‫العلم اآلن وغداً‪ ،‬على ّ‬
‫أحب َ‬ ‫وغداً‪ ،‬و ُّ‬
‫الصيغ‪ ،‬دون أي تغيير في ّ‬
‫الداللة بين فعل وآخر‪.‬‬ ‫في ّ‬

‫الزمن المطلق‪:‬‬
‫‪ّ -7‬‬
‫يتقيد‬ ‫دل على حدث جرى َمجرى الحقيقة‪ ،‬أو ال ّ‬
‫طبيعة أو العادة‪ ،‬فيتّسع وال ّ‬ ‫هو ما ّ‬
‫فيصح في الماضي والحاضر والمستقبل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫بزمن‪ ،‬بحيث يكون صالحاً ّ‬
‫لكل زمان‪،‬‬

‫‪‌-‌1‬اللّسانيّات‌‪‌:‬د‪‌.‬سمير‌استيتية‪‌،‬ص‌‪.151‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.175‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪118‬‬
‫الزمن المطلق هي (ال النافية)‪ ،‬ونالحظ استخدام ابن‬
‫والقرينة التي تحيل المضارع إلى ّ‬
‫ِ‬
‫شرحه وتحليله لبعض المسائل التي تقتضي استخدام مثل‬ ‫الصيغة في‬ ‫ِ‬
‫جّني كثي اًر لهذه ّ‬
‫هذه الصيغة التي توحي بالشمول الزماني‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله‪ ":‬أال ترى أنه ليس ِ‬
‫فيه‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ‬
‫الصرف‪ ،‬وال تصرف إبراهيم للتّعريف‬ ‫أكثر من التّعريف‪ ،‬والسبب الواحد ال يمنع ّ‬
‫َ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫العجمية‪ ، ...‬وقوله في موضع آخر‪" :‬والمكان ال يعمل في المفعول به‪ ،‬كما ّ‬ ‫و‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬‫"‬
‫ّ‬
‫الزمان ال يعمل ِ‬
‫فيه" (‪ ،)2‬فصيغة (ال يفعل) في القولين السابقين اقتضت أن يكو َن‬
‫يختص بزمن دو َن آخر أو جهة دو َن‬ ‫ُّ‬ ‫كل زمان‪ ،‬وال‬ ‫يصح في ّ‬ ‫ُّ‬ ‫شمولياً مطلقاً‬
‫ّ‬ ‫كالمه‬
‫أخرى‪ ،‬ونرى هذا المعنى بصورة واضحة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى‪ ﴿:‬قل‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ِ‬
‫وها َوِت َج َرة تَخ َشو َن‬‫ان َء َابآؤكم َوأَبَنآؤكم َوإِخ َونكم َوأَزَوجكم َو َعش َيرتكم َوأَم َو ٌل ٱقتَ َرفتم َ‬ ‫ِإن َك َ‬
‫َح َّب ِإَليكم ِّم َن ٱ ََّّللِ َوَرسولِ ِه ۦ َو ِج َه ٖاد ِفي َسِبيلِ ِه ۦ َفتَ َربَّصوْا َحتَّى‬
‫ضوَن َهآ أ َ‬
‫ِ‬
‫َك َس َاد َها َو َم َسكن تَر َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾(‌التوبة‪)24‌:‬‬ ‫َيأت َي ٱ ََّّلل ِبأَم ِِره ۦ َوٱ ََّّلل َال َيهدي ٱلَقوَم ٱلَفسق َ‬
‫ن﴾( ‌البقرة‌‬‫ين َكَفروْا َس َوآ ٌء َعَلي ِهم َءأَن َذرتَهم أَم َلم ت ِنذرهم َال ُيؤ ِمُنو َ‬ ‫َّ ِ‬
‫وقوله تعالى‪ِ﴿ :‬إ َّن ٱلذ َ‬
‫الداللة على مطلق‬ ‫‪ )6‬فقد أفادت (ال النافية) مع صيغة (يفعل) في اآليتين السابقتين ّ‬
‫يهد الفاسقين فيما‬ ‫الزمان‪ ،‬فقوله تعالى‪( :‬ال يهدي القوم الفاسقين)؛ أي إن هللا تعالى لم ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫جل جالله‪:‬‬ ‫قوله َّ‬ ‫مضى‪ ،‬ولن يهديهم اآلن أو في أي وقت الحق‪ ،‬وكذلك األمر في ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫(ال يؤمنون) ّ‬
‫فاَّلل ينفي اإليمان عنهم حتى لو أنذرتهم سابقاً أو اآلن أو مستقبالً‪ ،‬فكان‬
‫وبكل جهاتها(‪ ،)3‬ونرى‬
‫ّ‬ ‫لكل األزمنة‬
‫الصيغة(يفعل) مطلقاً وشامالً ّ‬
‫النفي بـ(ال)مع هذه ّ‬
‫ارسين الم ْح َدِثين يقولون بوجوِد زمن رابع يضاف إلى األزمنة الثّالثة‬
‫الد ِ‬ ‫َّ‬
‫أن بعض ّ‬
‫الزمن المطلق؛ أي وقوع الحدث في‬ ‫المعروفة (الماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل) وهو ّ‬
‫الزمن الواحد ليشتمل على األزمنة‬
‫طى ّ‬ ‫الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬فهو زمن يتخ ّ‬
‫الثالثة كّلها‪ ،‬ومثاله قوله تعالى‪َ :‬لم َيلِد َوَلم يوَلد‪‌(‬اإلخالص‌﴿‪)﴾3‬؛ فقد دّلت اآلية على‬
‫ديموميته التي‬
‫ّ‬ ‫نفي الوالدة عن ذات هللا في الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬وأشارت إلى‬
‫مستمر وهذا االستمرار غير مقتصر على‬
‫ّ‬ ‫طى حدود األزمنة الثالثة‪ ،‬ونفي الحدث‬
‫تتخ ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي ‌‪‌.200‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.208‌/2‌،‬‬
‫ّاللة‌الزمنيّة‌للفعل‌المضارع‌في‌سورة‌التوبة‪‌:‬هداية‌نعيم‌أبو‌زاكية‪‌،‬إشراف‪‌:‬أ‪‌.‬د‪‌.‬عبد‌الرؤوف‌زهدي‪‌،‬رسالة‌استكماالً‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌3‬ينظر‪‌:‬الد‬
‫لمتطلبات‌الحصول‌على‌درجة‌الماجستير‌في‌اللغة‌العربيّة‌وآدابها‪‌،‬جامعة‌الشرق‌األوسط‪‌،‬عمان‌–‌األردن‪2016،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.77‌–‌54‬‬

‫‪119‬‬
‫كل‬
‫ومستمر في ّ‬
‫ّ‬ ‫ممتد‬
‫ولكنه ّ‬
‫مجال زمني معين (الماضي أو الحاضر أو المستقبل)‪ّ ،‬‬
‫اإللهية فاألبدية هي‬
‫ّ‬ ‫زمان ومكان(‪ ، )1‬وهذا النوع من األزمنة عادة ما يتعلق بالصفات‬
‫إحدى صفات هللا ولذلك هو أنزه من أن يحدده زمن أو أن يوجد في زمن بعينه دون‬
‫الزمن المطلق –حسب الدراسة‪ -‬السابقة ال يقتصر على صفات هللا‬ ‫آخر‪ ،‬ولكن هذا ّ‬
‫الزمن المطلق‪،‬‬
‫ياقية في نص ما في ظهور هذا ّ‬
‫الس ّ‬
‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬ ‫وحده‪ ،‬بل قد تساعد القرائن‬
‫تدل على التكرار واالستم اررية ومثال ذلك قولنا‪ :‬يركض‬
‫ومن هذه القرائن‪ ،‬األلفاظ التي ُّ‬
‫الركض قد‬‫أن فعل ّ‬‫(يومياً) على َّ‬
‫ّ‬ ‫يومياً‪ ،‬فقد د ّل الظرف التكراري‬ ‫ِ‬
‫الملعب ّ‬ ‫المتسابق في‬
‫‪)2(.‬‬
‫يتسمر حصوله في المستقبل‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫حدث في الماضي‪ ،‬ويحصل في الحاضر‪ ،‬ويتوّقع ْ‬
‫الزمن الّنحوي‪:‬‬
‫الشرط في ّ‬‫‪ -8‬أثر أدوات ّ‬
‫الشرط مضارعين َّ‬
‫دالين على االستقبال‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه‬ ‫األصل أن يكون فعال ّ‬
‫الشرط‬ ‫النحويون‪ ،‬ألنهما في أصل وضعهما ُّ‬
‫يدالن على المستقبل‪ ،‬و أ َّن كون فعلي ّ‬ ‫ّ‬
‫الشرط عليه ال يكون‬ ‫التوسع‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن المعنى الذي وضع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضرب من‬
‫ٌ‬ ‫ماضيين هو‬
‫يصح إال به‪ ،‬أو يكونان ماضيين في اللفظ‪ ،‬ويحكم على معناهما‬ ‫ّ‬ ‫إال باالستقبال‪ ،‬وال‬
‫بأنه مخالف للفظها‪ ،‬أي ّإنهما مستقبالن في المعنى ماضيان في اللفظ‪ ،)3("...‬ويؤّكد‬ ‫َّ‬

‫أن يأتي الفعل والجواب ويكون الثاني مسبَّباً عن ّ‬


‫األول‪،‬‬ ‫الشرط ْ‬ ‫ابن ِجّني ّ‬
‫أن األصل في ّ‬
‫كان زمن الجملة‬ ‫الشرط حتى ولو َ‬
‫بالنسبة إلى فعل ّ‬
‫الشرط هو مستقبل ّ‬
‫إن جواب ّ‬ ‫أي ّ‬
‫الشعر العربي من عدم مجيء الجواب مسبَّباً‬
‫ورد في ّ‬ ‫رطية هو الماضي‪ ،‬و َّ‬
‫إن ما َ‬ ‫الش ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط ليس إال ضرباً من الحمل على المعنى‪ ،‬يقول‪ " :‬ومنه قول رؤبة‪:‬‬
‫عن ّ‬
‫فأنت ال تَنسى وال تَموت‬
‫َ‬ ‫طأت أو َنسيت‬
‫إن أَخ َ‬ ‫يا ِّ‬
‫رب ْ‬
‫إن زرتني‬
‫(نحو قوله‪ْ :‬‬
‫األول َ‬‫أن يكون الثاني مسبَّباً عن ّ‬
‫الشرط وجوابه‪ْ ،‬‬
‫أن حقيقة ّ‬‫وذلك ّ‬
‫الزيارة)‪ ،‬وليس كون هللا سبحانه غير ناس وال ِ‬
‫مخطئ أم اًر‬ ‫سببة عن ّ‬
‫أكرمت َك فالكرامة م ّ‬
‫عز اسمه‪ -‬من صفات‬ ‫تلك صف ٌة له – َّ‬ ‫ِ‬
‫سبباً عن خطأ رؤبة‪ ،‬وال عن إصابته‪ّ ،‬إنما َ‬ ‫م ّ‬
‫عني؛ لنقصي‬ ‫ِ‬
‫إن أخطأت أو نسيت فاعف ّ‬ ‫محمول على معناه‪ ،‬أي ْ‬
‫ٌ‬ ‫كالم‬
‫لكنه ٌ‬‫نفسه‪ّ ،‬‬

‫الزمن‌المطلق‌في‌اللغة‌العربيّة‌دراسة‌وصفيّة‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌حسن‌بخيت‌قواقزة ‌‪‌،‬ص‌‪‌.218-217‬‬‫‪ّ ‌-‌1‬‬


‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌المطلق‌في‌اللغة‌العربيّة‌دراسة‌وصفيّة‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌حسن‌بخيت‌قواقزة‪‌،‬ص‌‪‌.219-218‬‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫شرط‌بين‌المضي‌واالستقبال‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌العزيز‌بن‌أحمد‌المنيع‪‌،‬مجلة‌جامعة‌طيبة‌لآلداب‌والعلوم‌اإلنسانية‪‌،‬العدد‌‬ ‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌في‌ال ّ‬ ‫‪‌ -‌ 3‬‬
‫‪‌،14‬المملكة‌العربيّة‌السعودية‪2018‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌.401‌–‌400‬‬

‫‪120‬‬
‫سبب‪،)1( .‬‬‫وفضلك‪ ،‬فاكتفى بذكر الكمال والفضل‪ -‬وهو السبب‪ -‬من العفو وهو الم ّ‬
‫َّب عن الفعل‪ ،‬كما أثّر‬‫أن الجواب مسب ٌ‬
‫وحكم ّ‬
‫َ‬ ‫الداللة‪،‬‬
‫وج َه ّ‬
‫قدر هو الذي َّ‬
‫فالمعنى الم ّ‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬
‫الشرط على ّ‬ ‫آلت إليه الجملة وهو داللة جواب ّ‬
‫الزمن الذي ْ‬
‫على ّ‬
‫إن‬ ‫أن هذا الماضي عند ابن ِجّني هو بمنزلة المتحقق‪ ،‬يقول‪ّ ":‬‬
‫الشرط في نحو‪ْ :‬‬ ‫فنرى َّ‬
‫ق ْم َت ق ْمت‪ِ ،‬ج َ‬
‫ئت فيه بلفظ الماضي الواجب تحقيقاً لألمر‪ ،‬وتثبيتاً له؛ أي‪َّ :‬‬
‫إن هذا وعد‬
‫اجب ثابت ال محالة"(‪ ،)2‬فهنا كان استخدام الفعل‬ ‫وفي به ال محالة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن الماضي و ٌ‬ ‫َم ٌّ‬
‫الحدث سوف يتحّقق ال محالة و‬
‫َ‬ ‫الشرط بداللة المستقبل‪ ،‬للتأكيد على َّ‬
‫أن‬ ‫الماضي في ّ‬
‫إنه ثابت مستقبالً كثباته وتحّق ِ‬
‫قه ماضياً‪ ،‬وأ ّكد على الفكرة عينها في موضع آخر‪ ،‬وذلك‬ ‫ٌ‬
‫قمت؛ فيجيء‬
‫قم َت ْ‬ ‫بمجيء الماضي ويكون معناه مضارعاً‪ ،‬يقول‪ " :‬وكذلك قولهم‪ْ :‬‬
‫إن ْ‬
‫بلفظ الماضي والمعنى (معنى المضارع)‪ ،‬وذلك ّأنه أراد االحتياط للمعنى‪ ،‬فجاء بمعنى‬
‫وقع‬ ‫المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي المقطوع بكونه‪ ،‬حتى َّ‬
‫كأن هذا قد َ‬
‫الدال‬
‫استقر ال ّأنه متوّقع مرتَقب" ‪ ،‬فالمعنى واحد في المثالين وهو الفعل الماضي ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫و ّ‬
‫لفظية متمّثلة بأداة‬
‫ّ‬ ‫الزمن المستقبل‪ ،‬والقرينة في ذلك على صورتين؛‬ ‫على المعنى و ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬و إن كانا‬ ‫الشرط داّلين على ّ‬
‫(إن) التي يأتي بعدها فعال ّ‬ ‫الشرط ْ‬ ‫ّ‬
‫السياق المعنوي والمقامي الذي‬
‫معنوية‪ ،‬يشير إليها ّ‬
‫ّ‬ ‫ماضيين صيغ ًة‪ ،‬والقرينة األخرى‬
‫َ‬
‫قدمه األفعال‪،‬‬‫رفي الذي ت ّ‬ ‫الزمن الص‬
‫النظر عن ّ‬ ‫يدلنا على زمن دون آخر وبصرف ّ‬ ‫ُّ‬
‫ّ ّ‬
‫الشرط وأداته المستخدمة‪.‬‬
‫والقرينتان مرتبطتان كلتاهما بأسلوب ّ‬
‫الشرط والجزاء مستقبلين‪ ،‬إذ‬
‫الشرط ويأتي بعدها ّ‬‫(إن) ّأم الباب في ّ‬
‫الشرط ْ‬ ‫وتعد أداة ّ‬
‫ّ‬
‫السياق‬
‫الش ّكي –شرطاً وجواباً‪ -‬وذلك بحسب ّ‬‫تقلب الماضي إلى المستقبل المطلق ّ‬
‫معن‬
‫فحص وتَ ُّ‬ ‫والقرائن التي تحدد هذه الجهة بدّقة‪َّ ،‬‬
‫ولكن االستفسار الذي يحتاج َفضل تَ ّ‬
‫هو‪ :‬لماذا يصبح الجواب ناقصاً عند دخول (لن) عليه؟ كما شرح الريحاني عند تحليل‬
‫قدمه‪:‬‬
‫الزمن مع (إن) في المثال الذي ّ‬
‫جهات ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫فلن يقوم = مستقبل ش ّكي مطلق ‪ +‬مستقبل ش ّكي بعيد ناقص‪.‬‬
‫قام ْ‬
‫إن َ‬‫ْ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.175‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.331/3‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.105‌/3‌،‬‬
‫ي‪‌:‬محمد‌الريحاني‪‌،‬ص‪‌.181‬‬ ‫ّ‬
‫جاهات‌التحليل‌الزمن ّ‬‫‪‌-‌4‬ات ّ‬

‫‪121‬‬
‫معروف يحصر داللته في‬
‫ٌ‬ ‫(لن) على الفعل المضارع كما هو‬
‫فدخول الحرف الناصب ْ‬
‫وقع جواباً للشرط‪،‬‬
‫ألنه َ‬‫الزمن المستقبل‪ ،‬فرّبما كان القصد من اعتباره للزمن ناقصاً‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ألنه غير مؤّكد الحدوث‪ ،‬بل مرتبط بحدوث فعل الشرط‪،‬‬
‫فكان هذا المستقبل ناقصاً ّ‬
‫يقم فلن يكو َن ٌ‬
‫منه قيام‪ ،‬فهذه وجهة نظر‪.‬‬ ‫إن ْلم ْ‬
‫اء له؛ أي ْ‬
‫كونه جز ً‬
‫َ‬
‫رطية على الفعل الماضي من عدمه‪،‬‬‫الش ّ‬
‫(إن) ّ‬
‫النحاة في جواز دخول ْ‬
‫و قد اختلف ّ‬
‫النحاة على عدم جواز دخولها على الماضي لفظاً ومعنى‪ ،‬و َّ‬
‫إن الغالب‬ ‫فاتّفق أغلب ّ‬
‫دل الفعل على‬ ‫في استعمالها هو للمستقبل‪ ،‬ولكن يجوز أن يكون ّ‬
‫الشرط ماضياً إذا ّ‬
‫ولكنه ماض غير منقطع‪ ،‬ومثال ذلك (كان) التي تبقى‬
‫استمرار الحدث واالتّصاف به‪ّ ،‬‬
‫الزمن الماضي‪،‬‬
‫لقوتها وتم ّكنها في ّ‬
‫رطية‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الش ّ‬
‫(إن) ّ‬
‫ماضية حتّى ولو دخلت عليها ْ‬
‫ال ِإ ْن ك َ‬
‫نت‬ ‫الديمومة وعلى االتّصاف بالفعل‪ ،‬كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ق َ‬ ‫تدل على االستمرار و ّ‬ ‫إ ْذ ُّ‬
‫جئت) دّلت‬ ‫ِجئت ِبآي ٖة ٖ َفأ ِت ِبهآ ِإن كنت ِمن ٱ َّ ِ ِ‬
‫ين﴾ (األعراف‌‪ ،)106‬فقوله‪( :‬كنت َ‬ ‫لصدق َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫فائت بها‪ ،‬وقوله‬ ‫بأنك جاء بآية ِ‬ ‫إن كنت موصوفاً َّ‬ ‫ستمر‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫على حدث ماض م ّ‬
‫يما‪( ‬ال ّنساء‪ ، )96‌ :‬إذ جاءت‬‫ح‬‫ور َّر ِ‬
‫ا‬ ‫تعالى‪ :‬درجت ِمنه ومغ ِف ٗرة ورحم ٗة وكان ٱ ََّّلل غف ٗ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ٖ ّ َ َ َ ََ َ َ َ َ‬
‫داللة (كان) على االستمرار من داللتها على االتّصاف بالحدث‪ ،‬ال على الحدث‬
‫رطية على الفعل (كان) الفعل الماضي‬ ‫الش ّ‬
‫(أن) ّ‬ ‫المجرد ‪ ،‬ولذلك فيمكن أن تدخل ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫الديمومة وعلى اتّصاف اسمه بخبره‪.‬‬ ‫الناقص وذلك بسبب داللته على االستمرار و ّ‬
‫يتفرد ابن مالك في‬ ‫أن (إذا) تستخدم ظرفاً للمستقبل‪ ،‬فيما ّ‬ ‫النحاة على َّ‬ ‫ويتفق جمهور ّ‬
‫الشواهد القرآنية‪ ،‬مثل‬ ‫تدالً في ذلك على ّ‬ ‫الزمن الماضي مس ُّ‬ ‫القول بإمكانية داللتها على ّ‬
‫وك َقآِئ ٗما قل َما‬ ‫قوله تعالى في سورة الجمعة‪َ  :‬وإِ َذا َأرَوْا ِت َج َرةً أَو َله ًوا ٱ َنف ُّ‬
‫ضٓوْا ِإَلي َها َوتَ َرك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪َّ ِ ٞ‬‬ ‫ِ‬
‫ين ‪‌( ‬الجمعة‪ ،)11‌:‬فقد كان لسياق‬ ‫ع َند ٱ ََّّلل َخير ّم َن ٱلله ِو َو ِم َن ٱلتّ َج َرِة َوٱ ََّّلل َخير ٱ َّلرِزِق َ‬
‫النزول أثر كبير في معرفة داللة (إذا) وزمانها في اآلية‬ ‫يسمى سبب ّ‬ ‫الحال أو ما ّ‬
‫الزمن‬
‫ألن الرؤية واالنفضاض واقع في ّ‬ ‫شك جاءت للماضي؛ َّ‬ ‫السابقة‪ ،‬و إنها بال ّ‬
‫الماضي و إن اآلية الكريمة نزلت بعده‪ ،‬واستشهد أيضاً بالشعر العربي‪ ،‬ومنه قول‬
‫الكميت بن زيد‪:‬‬

‫‪ّ ‌-‌1‬‬
‫الزمن‌في‌ال ّ‬
‫شرط‌بين‌المضي‌واالستقبال‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌العزيز‌بن‌أحمد‌المنيع‪‌،‬ص‌‪‌.420-‌417‬‬

‫‪122‬‬
‫عشق‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫َحٌد إذا ْلم َي َ‬ ‫ما ذاق بؤس م ِعيشة ِ‬
‫ضى أ َ‬
‫فيما َم َ‬
‫َ‬ ‫يم َها‬
‫ونع َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫أن ما جاء بعد (إذا) هو مضارع صيغ ًة‪ ،‬وماض زمناً‪ ،‬وذلك بسبب حرف النفي‬ ‫فنرى َّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ومما أسهم في‬
‫(لم) الذي يقلب زمن الفعل من الحال أو المستقبل إلى ّ‬
‫ياقية المتمّثلة في قول‬
‫الس ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬القرينة ّ‬
‫تحويل داللة الجملة كاملة إلى ّ‬
‫رطية‬
‫الش ّ‬
‫الزمن العام هو الماضي‪ ،‬وأ ّن (إذا) ّ‬ ‫الشاعر‪( :‬فيما مضى)‪ ،‬ليتأ ّكد لنا َّ‬
‫أن ّ‬
‫يمكن أن يأتي بعدها الماضي (لفظاً ومعنى) وليست ظرفاً للزمان المستقبل فقط‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫(‪)2‬‬
‫النحويين‪.‬‬
‫أشار بعض ّ‬
‫منية فذهب‬
‫الز ّ‬
‫الزمن الخالف حول داللة (إ ْذ) ّ‬
‫ومن المسائل الخالفية المتعلقة بقضية ّ‬
‫أن (إذ) ظرف لما مضى من الزمان وال‬ ‫النحاة ومنهم سيبويه ومن تبعه إلى َّ‬
‫جمهور ّ‬
‫النحاة داللتها على المستقبل من الزمان‬
‫وجوز عدد من ّ‬‫يمكن أن تكون للمستقبل‪ّ ،‬‬
‫االسترباذي‪ ،‬وابن هشام(‪ )3‬مس ُّ‬
‫تدلين على ذلك بآيات‬ ‫ا‬ ‫ومنهم ابن فارس‪ ،‬وابن مالك‪ ،‬و‬
‫من القرآن الكريم‪ ،‬كقوله تعالى في سورة األنعام‪َ  :‬وَلو تَ َرٓى ِإذ وِقفوْا َعَلى ٱ َّلن ِ‬
‫ار َفَقالوْا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪( ‬األنعام ‌‪ ،)27‬فالفعل الماضي‬ ‫َيَليتََنا ن َرُّد َوَال ن َك ّذ َب ِبآَيت َرّبَِنا َوَنكو َن م َن ٱلمؤ ِمن َ‬
‫السياق القرآني داللة على‬ ‫(وقفوا) الذي جاء بعد (إذ) يحمل في معناه الذي اكتسبه من ّ‬
‫لما يتحقق بعد‪،‬‬ ‫أمر ّ‬ ‫الزمن المستقبل‪َّ ،‬‬
‫ألن الوقوف على النار في يوم الحساب هو ٌ‬ ‫ّ‬
‫النصوص التي جاءت فيها (إذ) داّل ًة على‬
‫النحاة ّأولوا هذه ّ‬
‫أن جمهور ّ‬
‫أي سائد ّ‬
‫وهناك ر ٌ‬
‫النصوص‬
‫المستقبل بمعنى (إذا) وذلك لعدم الخروج على ما ذهبوا إليه وحاولوا إخضاع ّ‬
‫ألصولهم ولم يسلموا بما جاء في القرآن الكريم من نصوص تصطدم مع ما منعوه‪،‬‬
‫النصوص من باب إنزال المستقبل الواجب الوقوع منزلة‬ ‫فذهبوا إلى َّ‬
‫أن ما جاء في هذه ّ‬
‫َخبر عنها هللا‬ ‫ما قد وقع (الماضي) إعالماً بتحقيقه‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن األمور المستقبلية التي أ َ‬
‫الدال على المستقبل‪ ،)4(.‬ويبدو‬
‫عبر عنها باستخدام الفعل الماضي ّ‬
‫تعالى متيّقن ًة الوقوع ّ‬
‫أن نرصد داللة (إذ)‬
‫هذا الرأي األخير أقرب إلى المنطق‪ ،‬وذلك ّأننا ال نستطيع ْ‬

‫‪‌-‌1‬شعر‌الكميت‌بن‌زيد‌األسدي‪‌:‬جمع‌وتقديم‌الدكتور‪‌:‬داوود‌سلوم‪‌،‬مكتبة‌األندلس‪‌،‬بغداد‌–‌العراق‪1969‌،‬م‪‌.258‌/1‌،‬‬
‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الخالف‌في‌الزمن‌في‌ضوء‌السّياق ‌والحال ‌ وأسباب‌النزول‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬كريم‌حسين‌ناصح‌الخالدي‪‌،‬شيماء‌رشيد‌محمد‌زنكنة‪‌،‬‬ ‫‪‌ -‌ 2‬‬
‫مجلّة‌كلية‌التربية‌األساسيّة‪‌،‬العدد‌‪‌،75‬بغداد‌–‌العراق‪2012‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.24-23‬‬
‫‪‌-‌3‬ينظر‪‌:‬الكتاب‪‌،229‌/4‌:‬والمقتضب‌‪‌،54/2:‬والصاحبي‌‪‌:‬ص‌‪‌،99‬ونتائج‌الفكر‪‌:‬ص‪‌.93‬‬
‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬الخالف‌في‌الزمن‌في‌ضوء‌السّياق‌والحال‌وأسباب‌النزول‪‌،‬ص‌‪.30-29‬‬ ‫‪‌-‌4‬‬

‫‪123‬‬
‫فإنها تكون‬
‫السياق القرآني عندما تكون بمعنى (إذا)‪ ،‬فيما عدا ذلك ّ‬
‫المستقبلية إال في ّ‬
‫الزمن الماضي‪.‬‬
‫داّلة على ّ‬
‫وكما هو معروف َّ‬
‫فإن الفعل يقع في الظرف الذي ينصبه‪ ،‬وقد يؤدي تجاور األزمنة‬
‫إلى وقوع الفعل فيما يلي الظرف وليس فيه‪ ،‬وقد شرح ابن ِجّني ذلك بقوله‪ " :‬نحو‬
‫ِ‬
‫الطاعة‪ ،‬و إنما‬ ‫قولهم‪ :‬أحسنت ِ‬
‫إليه إ ْذ أطاعني‪ ،‬و أنت لم تحسن إليه في أو ِل ِ‬
‫وقت‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫سبب؛ [‪]...‬‬‫السبب على وقت الم ّ‬ ‫أحسنت إليه في ثاني ذلك؛[‪]...‬وال بَّد من ّ‬
‫تقدم وقت ّ‬ ‫َ‬
‫الزمانان‪ ،‬وتجاورت الحاالن‪ ،‬في الطاعة واإلحسان‪ ،‬أو الطاعة‬ ‫تقارب ّ‬
‫َ‬ ‫لما‬
‫لكنه ّ‬
‫ّ‬
‫كأنهما ّإنما وقعا في زمان واحد‪ ،)1("...‬فالذي ّأدى هذه‬
‫واستحقاق اإلحسان‪ ،‬صا ار ّ‬
‫فلما تقاربت المعاني‬ ‫منية هو المعنى والتّجاور المعنوي المفهوم من ّ‬
‫السياق‪ّ ،‬‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫ولكن الواقع ّ‬
‫ّ‬ ‫طاعة واإلحسان وقعا في وقت واحد‪،‬‬
‫أن ال ّ‬
‫تقاربت األزمنة‪ ،‬وبدا لنا ّ‬
‫المعلول‪.‬‬
‫طاعة‪ ،‬وليس موازياً له‪ ،‬كتتابع العّلة و َ‬
‫اإلحسان تال لل ّ‬
‫َ‬
‫الداللة‬
‫القولية بقرائنها هي التي تعين ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق والموقف الكالمي والظروف‬ ‫أن ّ‬ ‫كما َّ‬
‫وترشحها إلى زمن معين‪ ،‬وأشار فندريس إلى خاصية هذا االئتالف في اللغة‬ ‫منية ّ‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫وكأنهما وحدة رغم ّأنه يمكن وضع‬
‫يحس بالفعلين (كان فعل) ّ‬
‫العر ّبية‪ ،‬بقوله‪ :‬العقل ُّ‬
‫اللغوية في موضوع‬
‫ّ‬ ‫طور الباحثون المعاصرون المباحث‬
‫كلمة بينهما‪ .‬هذا ولقد ّ‬
‫منية‪ ،‬فقد وجدت هذه المباحث‬
‫الز ّ‬
‫منية إلى درجة تصنيفها وفق دالالتها ّ‬ ‫الز ّ‬
‫المرّكبات ّ‬
‫الفعلية تستعين ببعض األفعال واألدوات تلحقها بصيغتي (فعل) و(يفعل)‬‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫أن ّ‬ ‫َّ‬
‫تدال مع ملحقهما على ما أرادت العر ّبية التعبير عنه في بناء مرّكب اتصلت أجزاؤه‪،‬‬‫ل ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الداللة الجديدة‪"...‬‬
‫وتعاونت على إبراز مثل هذه ّ‬
‫يحول داللة الجملة‬
‫فعلية ّ‬
‫أي صيغة ّ‬ ‫َّ‬
‫إن دخول الفعل المساعد (فعل الكينونة) كان على ّ‬
‫الزمن الماضي في جهاته المختلفة بحسب الفعل الذي يأتي مع (كان)‪ ،‬فقد‬
‫العامة إلى ّ‬
‫ّ‬
‫أشار الدكتور استيتية إلى وقوع صيغة المضارع بعد فعل الكينونة كان‪ ،‬وهذا يعطي‬
‫التكرار‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي و إن هذا‬
‫يتكرر لحظة وقوعه في ّ‬‫انطباعاً بأن الفعل كان ّ‬
‫ملحوظ‪ ،‬كما في قولنا‪ :‬كان أبي يقول لنا ذلك‪ ،‬وقولنا‪ :‬كنت أسمع ذلك منه (‪، )3‬‬

‫ر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.222‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫ظ‬
‫‪‌-‌2‬ظاهرة‌ال ّ‌زمن‌في‌البناء‌التركيبي‌والسّياقي‌‪‌،‬ص‌‪421‬‬
‫‪‌-‌3‬ينظر‪‌:‬اللّسانيّات‪‌:‬د‪‌.‬سمير‌استيتية‪‌،‬ص‌‪‌.150-149‬‬

‫‪124‬‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬إال َّ‬
‫أن َمجيء الفعل‬ ‫كرار في ّ‬‫تدل بطبيعتها على التّ ّ‬
‫فصيغة المضارع ُّ‬
‫فأصبح التركيب‪:‬‬
‫َ‬ ‫الزمن الماضي كما أشرنا‪،‬‬
‫منية إلى ّ‬‫الز ّ‬
‫كان الذي ينقل داللة الجملة ّ‬
‫مستمر في الماضي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كان ‪ +‬فعل مضارع = مضارع‬
‫المستمر كما في اللغات‬
‫ّ‬ ‫وهذا ما أطلِ َق عليه الحاضر في الماضي‪ ،‬أو الماضي‬
‫استيتية‪ ،‬والمالحظ َّ‬
‫أن هذه األمثلة‬ ‫ّ‬ ‫قدمها‬
‫األجنبية‪ ،‬وهذا ما هو واضح في األمثلة التي ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن العام‬ ‫وما يشابهها تنطوي في تركيبها على ثالثة أزمنة‪ :‬هي ّ‬
‫الزمن الماضي وهو ّ‬
‫الزمن الذي‬
‫المستمر في الماضي وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن الحاضر أو‬
‫للجملة الذي أفادته (كان) ‪ ،‬و ّ‬
‫الملفوظية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الزمن الحاضر أو زمن‬ ‫تحمله صيغة المضارع المسبوقة بفعل الكينونة‪ ،‬و ّ‬
‫المتحدث بهذه الجملة‬
‫ّ‬ ‫ظ به‬
‫بالزمن الذي تّلف َ‬
‫وال يتعلق بتركيب الجملة أو زمنها‪ ،‬و إنما ّ‬
‫نتجت فيه الجملة‪.‬‬
‫الزمن الذي أ َ‬
‫أو ّ‬
‫منية‬ ‫ويشير المستشرق كوهن إلى دور الفعل المساعد (كان‪ -‬يكون) في اإلحالة ّ‬
‫الز ّ‬
‫يقدمها في اإلشارة إلى‬ ‫للفعل‪ ،‬إذ يرى ّأنه فعل حامل ّ‬
‫للزمن باإلضافة للوظيفة التي ّ‬
‫السياق‪ ،‬فيكون الفعل المساعد (كان) ‪-‬‬
‫منية‪ ،‬وينفي هذه الوظيفة عن ّ‬
‫الز ّ‬
‫نقطة اإلحالة ّ‬
‫الزمنّية للفعل (كتب‬
‫السياق لإلحالة ّ‬
‫بحسب رأيه‪-‬هو الواسطة أو األداة التي يستخدمها ّ‬
‫يقدمه‪ :‬كان ز ٌيد يكتب‪ ،‬ويكون َ‬
‫كتب‪.‬‬ ‫ويكتب) في المثال الذي ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الشرط في حاالت منها‪ :‬أن يكون هذا الماضي‬


‫يدل الماضي على االستمرار في ّ‬
‫كما ُّ‬
‫الداللة تأتي من داللتها‬ ‫تدل في أصلها على االستمرار والدوام وهذه ّ‬ ‫بلفظ (كان) التي ُّ‬
‫تدل على اتّصاف اسمها‬ ‫جرد؛ إذ ّإنها ُّ‬ ‫على االتّصاف بالحدث ال على الحدث الم ّ‬
‫َنت قل َت‬ ‫ِ‬
‫يسى ٱب َن َمرَي َم َءأ َ‬ ‫ال ٱ ََّّلل َيع َ‬
‫المضي‪ ،‬ومثال ذلك قوله تعالى‪َ :‬وإِذ َق َ‬ ‫ّ‬
‫بخبرها منذ‬
‫ول َما َلي َس لِي‬ ‫َق‬
‫أ‬ ‫َن‬‫أ‬ ‫ي‬ ‫اس ٱتَّ ِخذوِني وأ ِمي ِإَلهي ِن ِمن دو ِن ٱ َّ َِّۖللِ َقال سبحَنك ما يكون لِ‬ ‫لِ َّلن ِ‬
‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ََّ َ‬
‫َنت َعَّلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِب َح ّق ِإن كنت قلته ۥ َفَقد َعلِمتَه ۥ تَعَلم َما ِفي َنف ِسي َوَٓ‬
‫ال أَعَلم َما في َنفس َك ِإَّن َك أ َ‬
‫قل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٱلغي ِ‬
‫بأنه قائل‪ ،‬فلم َي ْ‬ ‫وب‪‌(‬المائدة‌﴿‪ )﴾116‬فقد دّلت كان في هذا المثال على االتّصاف ّ‬
‫إن قلته فقد علمته‪ ،‬فليس هذا المقصود‪ ،‬و إنما المقصود هو االتّصاف بالقول‪ ،‬ومثله‬ ‫ْ‬
‫ٗ‬
‫ض‬‫طع َت أَن تَبتَ ِغي َنَفقا ِفي ٱألَر ِ‬ ‫ان َكب َر َعَلي َك ِإع َراضهم َفِإ ِن ٱستَ َ‬‫قوله تعالى‪ :‬و إن َك َ‬
‫َ‬
‫ون َّن ِم َن‬ ‫أَو سَّل ٗما ِفي ٱ َّ ِ ِ‬
‫لس َمآء َفتَأتَيهم ِبأَي ٖة َوَلو َشآ َء ٱ ََّّلل َل َج َم َعهم َعَلى ٱله َدى َف َال تَك َ‬

‫‪ّ ‌-‌1‬‬
‫الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‪‌.67‌–‌66‬‬

‫‪125‬‬
‫ِ‬
‫ٱل َج ِهل َ‬
‫ين‪( ‬األنعام‌‪ ،)35‬وقولنا‪ :‬ال تكن غافالً‪ ،‬وال تكن ظالماً‪ ،‬أي ال تتصف بالغفل أو‬
‫الداللة على‬
‫النتيجة من هذا الوصف؛ أي اتّصاف اسم كان بخبرها‪ ،‬هو ّ‬ ‫الظلم‪ ، .‬و ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫تكن‬ ‫ياقية األخرى الموجودة‪ ،‬فنرى ّ‬


‫أن جمل ًة من مثل‪( :‬لم ْ‬ ‫الس ّ‬‫اإلطالق بحسب القرائن ّ‬
‫الزمن الماضي المطلق بسبب القرينة (لم)‪ ،‬و إن جملة مثل‪ :‬ال‬
‫حق) داّل ٌة على ّ‬
‫على ّ‬
‫تدل على الحاضر والمستقبل المطلقين‪ ،‬أي ال تتصف بالخداع اآلن أو‬
‫تكن مخادعاً‪ُّ ،‬‬
‫تدل على الماضي القريب من الحاضر‪ ،‬وذلك‬‫مستقبال‪ ،‬وقولنا‪ :‬قد كان محظوظاً‪ُّ ،‬‬
‫قربت زمن الحدث من الحاضر‪ ،‬وكذلك جملة‪ :‬سيكون مطيعاً‪،‬‬
‫بفعل القرينة (قد) التي ّ‬
‫سوف يكون ناجحاً‪ُّ ،‬‬
‫تدل على المستقبل‬ ‫َ‬ ‫الزمن المستقبل القريب‪ ،‬وجملة‪:‬‬‫تدل على ّ‬‫ُّ‬
‫البعيد‪ ...‬إلخ‪ ،‬ونجد كذلك الكثير من األمثلة في استخدام ابن ِجّني‪-‬كما سنرى الحقاً‪-‬‬
‫ياقية‬
‫الس ّ‬‫منية عند دخول كان على الجملة مع القرائن ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫التي تشير إلى تنويع ّ‬
‫تدل على اتّصاف اسمها بخبرها أو على اإلطالق أو غيرها من الجهات‬
‫المرافقة لها‪ ،‬ل ُّ‬
‫منية‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫أن يكون بلفظ المضارع‬
‫والحالة األخرى التي يظهر فيها الماضي داالًّ على االستمرار‪ْ :‬‬
‫يدل على حدث‬ ‫الشرط ف ُّ‬ ‫بأن يأتي المضارع بعد أداة ّ‬ ‫الدال على حدث ماض‪ :‬وذلك ْ‬ ‫ّ‬
‫مستمر‪ ،‬نحو قوله تعالى‪ :‬وإن تَع َجب‬ ‫ّاً‬ ‫ماض‪ ،‬وهو قسمان‪ :‬ما يكون فيه الحدث ماضياً‬
‫ِۖ‬ ‫‪ٞ‬‬
‫ين َكَفروْا ِب َرِّب ِهم َوأ ْوَلِٓئ َك ٱألَغَلل‬ ‫ِٓ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َع َجب َقولهم أَء َذا كَّنا ت َرًبا أَءَّنا َلفي َخل ٖق َجديد أ ْوَلئ َك ٱلذ َ‬
‫يها َخلِدو َن‪‌(‬الرعد‌‪ )5‬فعجب الرسول (ص) من‬ ‫ار هم ِ‬
‫ف‬ ‫ِ‬‫ِفي أَعن ِاق ِه ِۖم وأولِٓئك أَصحب ٱ َّلن ِۖ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ٓ َ‬
‫أن حدث‬ ‫يدل على َّ‬ ‫للداللة عليه فعل مضارع‪ ،‬ل ُّ‬ ‫ِ‬
‫حدث ماض استخد َم ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تكذيب قومه‬
‫أما القسم اآلخر؛ فهو ما يكون فيه الحدث ماضياً‬ ‫ستمر لم ينقطع‪ّ ،‬‬ ‫العجب ما يزال م ّاً‬
‫المستمر لغرض بالغي‪ ،‬ومثاله قوله تعالى‪ِ :‬إن َيم َسسكم‬ ‫ّ‬ ‫ولكنه ن ِّزَل منزلة‬ ‫منقطعاً‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫امنوْا‬ ‫ء‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫َقر ‪ٞ‬ح َفَقد م َّس ٱلَقوم َقر ‪ٞ‬ح ِّمثله ۥ وِتل َك ٱألَيَّام ن َد ِاول َها َبي َن ٱ َّلن ِ‬
‫اس ولِيعَلم ٱ ََّّلل ٱَّل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين‪(‬آل‌عمران‌‪ )140‬؛ فالفعل (يمسسكم) في اآلية‬ ‫َوَيتَّخ َذ منكم ش َه َدآ َء َوٱ ََّّلل َال يح ُّب ٱلظلم َ‬
‫يدل على حدث ماض منقطع وقع و انتهى‪ ،‬ألن هذه اآلية نزلت بعد معركة‬
‫السابقة ُّ‬
‫أحد‪ ،‬ومع ذلك است ِ‬
‫خدم للتعبير عن هذا الماضي المنقطع صيغة المضارع التي جاءت‬

‫شرط‌بين‌المضي‌واالستقبال‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌العزيز‌بن‌أحمد‌المنيع‪‌،‬ص‪‌.422‌–‌420‬‬ ‫ّ‬
‫ينظر‌الزمن‌في‌ال ّ‬‫‪‌-‌1‬‬

‫‪126‬‬
‫ِ‬
‫لكل زمان ومكان‬
‫(إن) وهذا ما أكسب الحدث استم اررّية وديمومة تصلح ّ‬
‫الشرط ْ‬
‫بعد أداة ّ‬
‫(‪.)1‬‬
‫الزمني الذي يقع فيه الفعل‬ ‫حدد المجال‬
‫منية هي التي ت ّ‬
‫الز ّ‬
‫أن " العالقات ّ‬‫ويرى اريت َّ‬
‫ّ ّ‬
‫السامية تحيط به مجموعة‬ ‫امية " بمعنى َّ‬
‫أن الفعل في اللغات ّ‬ ‫الس ّ‬
‫التام أو غير التّام في ّ‬
‫ظروف‪،‬‬‫الشرط وال ّ‬
‫النفي و ّ‬
‫حددها المساعدات والروابط وأدوات ّ‬‫منية ت ّ‬
‫الز ّ‬
‫من العالقات ّ‬
‫الدور الكبير الذي‬
‫منية ‪ ،‬ف اريت يدرك ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫الز ّ‬
‫وهذه العالقات هي التي تساهم في اإلحالة ّ‬
‫الزمن أو‬
‫السياق بقرائنه والعالقات التي تربط هذه القرائن فيما بينها في تحديد ّ‬
‫يلعبه ّ‬
‫تعبر بصورة‬
‫صرح بها ّ‬
‫منية المفهومة من الجملة ككل واحد‪ ،‬وهذه الرؤية التي ّ‬
‫الز ّ‬
‫الجهة ّ‬
‫منية التي أنكرها بعض اللغويين العرب‪،‬‬ ‫الز ّ‬
‫واضحة عن واقع اللغة العر ّبية وميزاتها ّ‬
‫بسبب انقيادهم خلف األحكام الجائرة التي أطلقها بعض اللغويين والمستشرِقين الغربيين‪.‬‬
‫النحاة القدماء والم ْح َدثون أنفسهم في وضع قوالب وقواعد تشرح عالقات‬
‫وقد أجهد ّ‬
‫الزمن؛ إذ أشاروا إلى داللة هذه األدوات مع صيغ محددة‬
‫الشرط وتأثيرها على ّ‬‫أدوات ّ‬
‫بالسياق ومعتمدة عليه‪،‬‬ ‫ثم يذكرون َّ‬
‫أن كل هذه األزمنة متعّلقة ّ‬ ‫للفعل لتنتج زمناً محدداً‪َّ ،‬‬
‫الزمن قبل أن يكون لهذه األدوات ‪-‬‬
‫السياق هو الفيصل األساس في تحديد ّ‬
‫الحق أن ّ‬
‫و ّ‬
‫الزمن وفقاً لها ولما يأتي بعدها من شرط وجزاء‪-‬دور في‬
‫التي أرهقوا أنفسهم في تتبع ّ‬
‫رطية مثالً‬
‫الش ّ‬
‫قدموا أمثلة كثيرة تحدد داللة (إذما) ّ‬
‫الدليل على ذلك ّأنهم ّ‬
‫الزمن‪ ،‬و ّ‬
‫تحديد ّ‬
‫الزمن الماضي وحصرها به مثل‪:‬‬‫على ّ‬
‫فعلت = الماضي التام ‪ +‬الماضي التام‪.‬‬‫فعلت َ‬
‫إذما َ‬
‫مستمر منقطع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وكذلك‪ :‬إذما تفعل ‪ +‬أفعل= ماض مستمر منقطع ‪ +‬ماض‬
‫رفية‬
‫الص ّ‬
‫لصيغ ّ‬
‫الزمن فيها هو ل ّ‬
‫الدور األبرز في تحديد ّ‬
‫أن ّ‬ ‫فالمالحظ من هذه األمثلة َّ‬
‫السياق وقرائنه في‬
‫للفعل بعد األداة (إذما)‪ ،‬وهو شيء فيه الكثير من اإلجحاف بحق ّ‬
‫الريحاني أيضاً‪ ،‬الذي أورد أمثل ًة من الذكر الحكيم لهذه‬
‫الزمن‪ ،‬وكان هذا رأي ّ‬
‫تحديد ّ‬
‫ط دخولها على (إذ) لتكون شرطية‪ ،‬وهذه األمثلة‬ ‫مجردة من (ما) التي اشت ِر َ‬
‫األداة ولكنها ّ‬
‫النحاة في (إذ)‪ ،‬وهي قوله تعالى‪:‬‬
‫الزمن المستقبل وليس الماضي الذي حصره ّ‬
‫تدل على ّ‬
‫ُّ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‌ ّ‬
‫الزمن‌في‌ال ّ‬
‫شرط‌بين‌المضي‌واالستقبال‪‌:‬د‪‌.‬عبد‌العزيز‌بن‌أحمد‌المنيع‪‌،‬ص‌‪‌.428‌‌–‌427‬‬
‫‪ّ ‌-‌2‬‬
‫الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬محمد‌المالخ‪‌،‬ص‪‌.45‬‬

‫‪127‬‬
‫ار َفَقالوْا َيَليتََنا ن َرُّد َوَال ن َك ِّذ َب ِبَئ َاي ِت َرّبَِنا َوَنكو َن ِم َن‬ ‫﴿وَلو تَ َرٓى ِإذ وِقفوْا َعَلى َّ‬
‫ٱلن ِ‬ ‫َ‬
‫يسى ٱب َن َمرَي َم﴾(‌المائدة‌﴿‪)﴾116‬‬ ‫ٱلمؤ ِمِنين﴾(‌األنعام‌﴿‪ ، )﴾27‬وقوله تعالى‪﴿ :‬وإِذ َقال َّ ِ‬
‫ٱَّلل َيع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ياقية لتحديد الزمان كما‬
‫الس ّ‬‫‪ ،‬ففي هاتين اآليتين دليل على وجوب العناية بالقرائن ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الريحاني‪.‬‬
‫أوضح ّ‬

‫الزمن الّنحوي‪:‬‬
‫اللغوية في ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -9‬أثر القرائن‬
‫الصيغة‬
‫الزمن على ّ‬
‫النحاة إلى زمن الفعل من خالل االعتماد في تحديد ّ‬
‫لقد كان لنظرة ّ‬
‫الزمن إلى ماض ومضارع ومستقبل‪ ،‬دون مراعاة‬ ‫جلي في تقسيمهم ّ‬ ‫أثر‬
‫رفية فقط ٌ‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ولغوية أخرى من شأنها أن‬
‫ّ‬ ‫ضام الفعل من أدوات وسوابق ولواحق وروابط سياقية‬
‫لما ي ّ‬
‫بالمنهجية الخطيرة‪ ،‬إذ يشير‬ ‫حسان‬
‫تمام ّ‬ ‫مني للفعل‪ ،‬وهذا ما وصفه د‪ّ .‬‬ ‫تغير المسار الز‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى التّعارض الواضح بين ما يفرضه النظام اللغوي علينا من استخدام ّ‬
‫للصيغ المختلفة‬
‫الزمن‬
‫رفي و ّ‬‫الزمن الص‬
‫السياق والتركيب العام‪ ،‬وهذا ما قاده إلى دراسة ّ‬
‫وبين ما يقتضيه ّ‬
‫ّ ّ‬
‫النحوي في بحثه الذي عنونه ب ـ ّ‬
‫(الزمن والجهة)‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ‬
‫حدد زمنه‬
‫الصدد عن أثر القرائن التي تدخل على المضارع وت ّ‬ ‫ِ‬
‫يتحدث ابن جّني بهذا ّ‬
‫و ّ‬
‫النحوي بدّقة‪ ،‬كدخول نون التّوكيد على المضارع التي تجعله ّ‬
‫مبنياً وت َبنى معه‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬
‫السين‬
‫الزمن الحاضر عنه‪ ،‬وليس كذلك دخول ّ‬ ‫منية بالمستقبل ونفي ّ‬
‫الز ّ‬
‫تخصص داللته ّ‬
‫قلت‪ :‬فقد‬
‫فإن َ‬
‫وسوف عليه‪ ،‬و هما يشبهان دخول الم التّعريف على االسم‪ ،‬يقول‪ْ " :‬‬
‫خصته النون‬
‫لما ّ‬ ‫عرب ما لحقته نون التّوكيد‪ ،‬نحو َ‬
‫لتفعَل ّن‪ ،‬قيل‪ّ :‬‬ ‫َبنوا من الفعل الم َ‬
‫وليس‬
‫يعرض له البناء‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫جاز أن‬
‫الحال التي المضارع أولى بها‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫باالستقبال‪ ،‬ومنعته‬
‫يبنيا معه بناء نون التّوكيد فيبنى هو‪ ،‬و إنما هما فيه‬
‫ألنهما لم َ‬
‫وسوف؛ ّ‬
‫َ‬ ‫كذلك السين‬
‫يفرق ابن ِجّني بين‬ ‫كالم التعريف (الذي ال يوجب) بناء االسم‪ ،‬فاعرفه‪ ، " .‬وهنا ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫ومعنوية وهي (نون‬


‫ّ‬ ‫نحوية‬
‫زمني ًة وداللة ّ‬
‫نوعين من القرائن‪ ،‬أحدهما قرائن تحمل دالل ًة ّ‬
‫إحالت ِه للزمن‬
‫ِ‬ ‫بنائه بعد إعر ِ‬
‫ابه‪ ،‬وعلى‬ ‫ِ‬
‫التّوكيد)‪ ،‬إ ْذ يعمل اتّصالها بالفعل المضارع على َ‬

‫ّة‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌الريحاني‪‌،‬ص‌‪‌.183-182‬‬
‫ّ‬ ‫ي‌في‌الدراسات‌اللغوي‬ ‫ّ‬
‫حليل‌الزمن ّ‬‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬اتّجاهات‌الت ّ‬
‫‪‌-‌2‬ينظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبيناها‪‌:‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.17‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.83‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪128‬‬
‫أن كان الحال به أولى وأظهر‪ ،‬والقرينة األخرى (التسويف) تحمل دالل ًة‬ ‫المستقبل بعد ْ‬
‫ِ‬
‫تخصيصه بالزمن المستقبل‬ ‫تؤدي باقترانها مع المضارع إلى‬
‫ومعنوية فقط‪ ،‬إ ْذ ّ‬
‫ّ‬ ‫زمنية‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫تؤدي‬ ‫تغي َر من إعرابه‪ ،‬فتكون معه بمنزلة (أل التعريف) من االسم التي ال ّ‬
‫أن ّ‬ ‫من دون ْ‬
‫بعد دخولها على االسم‪.‬‬
‫نحوية َ‬‫وظيف ًة ّ‬
‫قبيح‬
‫قوة اتّصال قد بالفعل‪ ،‬وقب ِح الفصل بينهما بقوله‪ " :‬وهذا ٌ‬ ‫ِ‬
‫تحدث ابن جّني عن ّ‬‫كما ّ‬
‫عتد مع الفعل كالجزء منه‪،‬‬ ‫لقوِة اتّصال (قد) بما تدخل عليه من األفعال‪ ،‬أال ت ارها ت ُّ‬
‫ّ‬
‫ولذلك دخلت الالم المراد بها توكيد الفعل على (قد) في نحو قوله تعالى‪﴿ :‬وَلَقد أ ِ‬
‫وحي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين ِمن َقبلِ َك ﴾(‌الزمر‌﴿‪ ،)1("...)﴾65‬وقد أشار ابن هشام في المغني إلى‬ ‫َّ ِ‬
‫ِإَلي َك والى ٱلذ َ‬
‫معاني (قد) األخرى فذكر َّ‬
‫أن من ذلك " تقريب الماضي من الحال‪ ،‬تقول‪ :‬قام زيد‪،‬‬
‫ميز هذه‬
‫ومما ي ّ‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬‫(‪)2‬‬
‫اختص بالقريب"‬
‫ّ‬ ‫فيحتمل الماضي القريب والبعيد‪ ،‬فإن قلت‪ :‬قد قام‬
‫شدة اتّصالها بالفعل فتكون معه كالجزِء الواحد‪ ،‬وقال ابن عصفور‪ " :‬القسم‬ ‫األداة (قد) ّ‬
‫متصرف مثبت فإن كان قريباً من الحال جيء بالالم وقد جميعاً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إذا أجيب بماض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ٱ ََّّلل َعَليَنا و إن كَّنا َل َخط َ‬
‫ئين ‪‌ (‬يوسف ‌﴿‪ ، )﴾91‬و إن كان‬ ‫نحو‪َ ‬قالوْا تَٱ ََّّلل َلَقد َءاثَ َر َ‬
‫بعيداً جيء بالالم وحدها‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫إن من حديث وال صالي‬ ‫لناموا؛ فما ْ‬ ‫حلفت لها باَّللِ حلف َة فاجر‬
‫فابن عصفور يقصد أن مجيء الماضي القريب بعد القسم يقتضي مجيء قد مع الالم‪،‬‬
‫ويرد ابن هشام على هذا القول بأن المقصود من‬‫وإذا كان بعيداً جاءت الالم وحدها‪ّ ،‬‬
‫اآلية الكريمة َّ‬
‫أن تفضيل هللا له محكوم به في األزل وليس ماضياً قريباً كما أشار ابن‬
‫عصفور‪ ،‬كذلك المقصود من البيت الشعري ّأنهم ناموا قبل مجيئه‪.‬‬
‫وقال سيبويه في (الكتاب) في (باب نفي الفعل)‪ " :‬إذا قال‪( :‬فعل) َّ‬
‫فإن نفيه (لم يفعل)‪،‬‬
‫(لما يفعل)" (‪ ،)4‬والمالحظ من هذا القول َّ‬
‫أن سيبويه يشير‬ ‫وإذا قال‪( :‬قد فعل) َّ‬
‫فإن نفيه ّ‬
‫أن قد مع صيغة فعل تستخدم للماضي المتحّقق القريب من الحال‪ ،‬بدليل وضعها‬ ‫إلى َّ‬
‫تدل على المستقبل البعيد المتوّقع حدوثه‪.‬‬
‫في مقابل (لما يفعل) التي ُّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.391‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‌1‬‬
‫‪ ‌ -‌ 2‬مغني‌اللبيب‌عن‌كتب‌األعاريب‪‌:‬ابن‌هشام‌األنصاري‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬مازن‌المبارك‌ومحمد‌علي‌حمد‌هللا‪‌،‬راجعه‌سعيد‌األفغاني‪‌،‬دار‌‬
‫الفكر‪‌،‬ط‪‌،1‬دمشق‌–‌سورية‪1964‌،‬م‪‌.187‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق‪‌.188/1‌،‬‬
‫‪‌-‌4‬الكتاب‪‌:‬سيبويه‪‌.117‌/3‌،‬‬

‫‪129‬‬
‫آني ًة على دخول (قد) و(فقد) على صيغة (فعل)‬
‫العجمي أمثل ًة قر ّ‬ ‫الدكتور فالح‬
‫ويقدم ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الزمني للعبارة‪ ،‬إذ تستخدم صيغة (وقد فعل) –كما يزعم‪-‬‬ ‫الصيغة في المعنى‬
‫وأثر هذه ّ‬
‫ّ ّ‬
‫عندما يراد تسلسل حدثي العبارة‪ ،‬بحيث يكون الحدث اآلخر تالياً له‪ ،‬وتستخدم صيغة‬
‫(فقد فعل) عندما يكون التسلسل باتجاه معاكس‪ ،‬ثم يشير إلى التباين في مضمون‬
‫صيغتي (وقد فعل) و(فقد فعل) فتستخدم األولى للتعبير عن أحداث سابقة ألحداث‬
‫ويقدم‬
‫الشرط)؛ أي سابقة السابقة‪ّ ،‬‬ ‫الشرط (التي بدورها تسبق أحداث أفعال جواب ّ‬ ‫أفعال ّ‬
‫طَّلقتموه َّن ِمن َقب ِل أَن تَ َم ُّسوه َّن َوَقد َف َرضتم َله َّن‬
‫مثاال على ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬و إن َ‬
‫َف ِريض ٗة َفِنصف ما َفرضتم ِإ َّالٓ أَن يعفون أَو يعفوْا َّٱل ِذي ِبي ِدِه ۦ عقدة ِ‬
‫ٱلن َكا ِح و إن تَعفٓوْا‬
‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ٱَّلل ِبما تَعملو َن ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ص ٌير﴾( ‌البقرة ‌﴿‪ )﴾237‬بينما‬ ‫َ‬ ‫نسوْا ٱلَفض َل َبيَنكم إ َّن َّ َ َ َ‬
‫أَق َرب للتق َوى َوَال تَ َ‬
‫الشرط التي هي بطبيعة الحال تالية‬
‫تستخدم الثانية للتعبير عن أحداث أفعال جواب ّ‬
‫َ‬
‫الشرط ‪.)1("...‬‬
‫الشرط في مثل كثير من جمل ّ‬
‫ألحداث أفعال ّ‬
‫ياقية‪ ،‬وأثر هذه األدوات في تحديد داللة الفعل على‬
‫الس ّ‬‫اللغوية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ونلحظ دور القرائن‬
‫نعبر عن الماضي بالمضارع‪ ،‬أو الحال‪ ،‬وكذلك بالمضارع‬‫الزمن إذ بفضلها نستطيع أن ّ‬‫ّ‬
‫اختصت‬
‫ّ‬ ‫عن الماضي‪ ،‬و باإلضافة إلى ذلك نرى َّ‬
‫أن هذه األدوات أو القرائن ‪-‬التي‬
‫بالدخول على زمن دون غيره – يمكن أن تستخدم بعضها في أماكن بعض ‪ ،‬وهذا ْ‬
‫إن‬
‫المستمرة للتطور‬
‫ّ‬ ‫حيوية اللغة العر ّبية ومرونتها وقابليتها‬
‫يدل على ّ‬ ‫دل على شيء َّ‬
‫فإنما ُّ‬ ‫َّ‬
‫المختصة‬
‫ّ‬ ‫وفق مقتضيات المقام‪ ،‬فهذا ابن ِجّني يشير إلى إمكانية استخدام (لن)‬
‫المختصة بالحال‪ ،‬يقول‪ " :‬أال ترى إلى قوله –أنشدناه‪:-‬‬
‫ّ‬ ‫بالمستقبل مكان (ما)‬
‫َفترق َدها مع رَّق ِادها‬ ‫غتمض َليلة‬
‫ك ْلم تَ ْ‬ ‫ِ‬
‫أجّد َ‬
‫فاستعمل (لم) في موضع الحال‪ ،‬و َّإنما ذلك من مواضع (ما) النافية للحال‪ ،‬وأنشدنا‬
‫أيضاً‪:‬‬
‫وال بيدان ناجي ًة َذموال‬ ‫لن ترى بث ِ‬
‫عيلبات‬ ‫ِ‬
‫أجّدك ْ‬
‫يدل على إدراك‬
‫فإنما ُّ‬
‫دل على شيء ّ‬ ‫استعمل أيضاً (لن) في موضع (ما) " ‪ ،‬وهذا إن ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫للصيغ‪ ،‬وهذا واضح في حديثه‬


‫في ّ‬ ‫النحوي وفصله عن ّ‬
‫الزمن الصر‬
‫ّ ّ‬ ‫ابن ِجّني ّ‬
‫للزمن ّ‬

‫صيغة‌في‌اللغة‌العربيّة‌‪‌:‬فالح‌بن‌شبيب‌العجمي‪‌،‬ص‌‪‌.97‬‬
‫‪‌-‌1‬نظام‌ال ّ‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.388‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪130‬‬
‫الزمن المتعارف عليه مع هذه‬
‫إمكانية الخروج عن ّ‬
‫الزمن و ّ‬
‫عن أثر القرائن في تحديد ّ‬
‫السياق‪.‬‬
‫القرائن‪ ،‬ليكتسب زمناً جديداً بفضل ّ‬
‫ويورد الدكتور محمد رجب الوزير أربع َة أزمنة إضافة إلى األزمنة الثّالثة المعروفة‪،‬‬
‫تقدمون – حسب زعمه‪-‬‬ ‫ليصبح عدد األزمنة في العر ّبية سبعة‪ ،‬والتي لم يعرف منها الم ّ‬
‫ّإال ثالثة‪ ،‬وهذه األقسام اإلضافية عنده هي‪:‬‬

‫السياق اللغوي ّ‬
‫كل‬ ‫الزمن في ّ‬
‫يدل على هذا ّ‬
‫الزمن الماضي‪ :‬والذي ُّ‬
‫ما قبل ّ‬ ‫•‬

‫السياق الذي ترد فيه‬


‫من‪ :‬صيغة الماضي‪ ،‬والمصدر العامل‪ ،‬وذلك حسب ّ‬
‫الزمن‬ ‫الصيغ‪ ،‬والقرائن التي تقترن بها وتحيل ّ‬
‫الزمن وفقها إلى ما قبل ّ‬ ‫هذه ّ‬
‫كأن تسبق صيغة الماضي بالظرف (بعدما)‪ ،‬أو تأتي قبل الحرف‬ ‫الماضي؛ ْ‬
‫(حتّى)‪ ،‬أو‪...‬‬
‫ثم‬
‫تدل على حدث ماض‪ّ ،‬‬ ‫الزمن الماضي؛ تأتي صيغة للماضي ُّ‬ ‫ما بعد ّ‬ ‫•‬

‫األول‪ ،‬كقوله‬ ‫تدل على حدث ماض يلي الحدث ّ‬ ‫تليها صيغة ماضية ُّ‬
‫تعالى‪َ  :‬فتََوَّلى ِفرَعون َف َج َم َع َكي َده ۥ ث َّم أَتَى ‪‌(‬طه‌‪.)60‬‬
‫يدل على هذا‬ ‫الزمن االستقبالي‪ ،‬و ُّ‬ ‫الزمن المستقبل‪ :‬وقد أطلق عليه ّ‬ ‫ما قبل ّ‬ ‫•‬

‫ال‬
‫الزمن صيغة الماضي‪ ،‬وترد في القرآن الكريم كما في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ق َ‬ ‫ّ‬
‫ط َع ‪ٞ‬ام ترَزَق ِان ِه ٓۦ إال َنبَّأتك َما ِبتَأ ِويلِ ِه ۦ َقب َل أَن َيأِتَيك َما َذلِك َما ِم َّما‬
‫َال َيأِتيك َما َ‬
‫خرِة هم َك ِفرو َن‪‌(‬‬ ‫ِٓ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫عَّلمِني رب ِ‬
‫ِي ِإّني تَ َركت مل َة َقو ٖم ال يؤ ِمنو َن ِبٱ ََّّلل َوهم ِبٱأل َ‬ ‫َ َ َّ ٓ‬
‫تدل على ما قبل‬ ‫يوسف‌‪ ، )37‬فصيغة الماضي في قوله‪( :‬نبأتكما بتأويله) ُّ‬
‫الزمن أيضاً‬
‫يدل على هذا ّ‬
‫الزمن المستقبل المتمّثل في قوله‪( :‬ال يأتيكما)‪ ،‬و ُّ‬
‫ّ‬
‫التركيب (يكون قد فعل)‪ ،‬كقولنا‪ :‬حينما تكون الساعة العاشرة تكون الحفلة‬
‫قد انتهت‪.‬‬
‫الزمن كل من‪ :‬صيغة المضارع‪،‬‬ ‫يدل على هذا ّ‬ ‫الزمن المستقبل‪ :‬و ُّ‬
‫ما بعد ّ‬ ‫•‬

‫السياقات التي ذكرها الوزير‪ ،‬والتي كانت أغلبها‬ ‫وصيغة الماضي بحسب ّ‬
‫حوية التي أوردها ضمن‬
‫الن ّ‬
‫اللغوية و ّ‬
‫ّ‬ ‫السياقات القرآنية‪ ،‬إضافة إلى القرائن‬
‫من ّ‬
‫حديثه (‪.)1‬‬

‫ّ‬
‫ّياق‌اللغوي‌ودراسة‌الزمن‌في‌العربيّة‪‌:‬محمد‌رجب‌الوزير‪‌،‬ص‌‪‌.63‌-33‬‬
‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬الس‬

‫‪131‬‬
‫أن الوزير قد أجاد وأقنع في رصده لألزمنة المختلفة التي يجود‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى ّ‬
‫تحليلية رائعة في استنباط األزمنة من‬
‫ّ‬ ‫السياق بقرائنه المختلفة‪ ،‬وقد امتلك قدرةً‬
‫بها ّ‬
‫السباعي لألزمنة يبدو مبالغاً‬
‫ّ‬
‫أن هذا التقسيم‬
‫رفية في سياقات عديدة‪ ،‬إال ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغ ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن الماضي وبعد المستقبل وقبل‬ ‫حد ما‪ ،‬فأزمنة من قبيل ما قبل ّ‬ ‫فيه إلى ّ‬
‫ومتفرعة‬
‫ّ‬ ‫زمنية متعّلقة بالقرب والبعد واالنقطاع واالستمرار‪،‬‬
‫المستقبل[‪ ،]...‬هي جهات ّ‬
‫بحد ذاتها كما الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬ولو‬ ‫من األزمنة الثالثة‪ ،‬وليست أزمنة ّ‬
‫جد لدينا عدد كبير من األزمنة من خالل الجهات الكثيرة التي‬
‫أردنا اعتبارها أزمنة لو َ‬
‫الزمن‬ ‫ئيسية وليس فقط سبعة أزمنة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن تسمية من قبيل ( قبل ّ‬ ‫شتق من األزمنة الر ّ‬
‫ت ّ‬
‫إن ما قبل‬ ‫علمية؛ إذ َّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن المستقبل‪ ،‬أو[‪ ]...‬ال تنطوي على دّقة‬ ‫الماضي‪ ،‬أو بعد ّ‬
‫نسبية‪ ،‬ولنوضح ذلك نذكر‬ ‫الماضي هو ماض وما بعد الماضي هو مستقبل‪ ،‬فالمسألة ّ‬
‫عون َفجمع َكي َده ۥ ث َّم أَتَى‪‌ (‬طه‌‬ ‫َّ ِ‬
‫َََ‬ ‫اآلية التي استشهد بها الوزير‪ ،‬قوله تعالى‪َ :‬فتََولى فرَ‬
‫أن صيغة الماضي في قوله‪( :‬أتى) جاءت زمنياً بعد (جمع)‪ ،‬فهي‬ ‫‪ ،)60‬فقد ذكر َّ‬
‫مستقبل بالنسبة إليها‪ ،‬وكذلك صيغة (جمع) هي ماض بالنسبة إلى (أتى)‪ ،‬وفي الوقت‬
‫عينه‪ ،‬هي مستقبل بالنسبة إلى (تولى)‪ ،‬فقد أصبح الفعل (جمع) ماضياً ومستقبالً في‬
‫إن ما أسهم في خلق هذه‬‫البت به‪ ،‬ثم ّ‬
‫يصح ّ‬‫ّ‬ ‫أمر نسبي‪ ،‬ال‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬ولذلك فهو ٌ‬
‫ّ‬
‫الزمني‪ ،‬وهي‬ ‫منية التتابعية هو أحرف العطف التي تفيد الترتيب والتعقيب‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن إلى ما قبل وما بعد‪ ،‬والحق ّأنه زمن واحد خضع‬
‫التي جعلت الوزير يتوهم تَجزؤ ّ‬
‫نسميه تسلسل أحداث وليس أزمنة‪.‬‬
‫السياقي‪ ،‬أو يمكن أن ّ‬ ‫لمبدأ الترتيب ّ‬
‫الزمن(ما قبل المستقبل) ومنهم المستشرق‬ ‫أن من المستشرِقين من ّ‬
‫تحدث عن هذا ّ‬ ‫ونجد َّ‬
‫أن لصيغة (فعل) وظيفة أخرى إضافة إلى وظيفتها في ّ‬
‫الداللة‬ ‫كوريلويتش الذي يرى ّ‬
‫على معنى السرد في الماضي‪ ،‬وهي وظيفة السبق الثانوية‪ ،‬وهذه الوظيفة تظهر في‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬ويبرهن‬
‫حالة استعمال صيغة (فعل) مع الفعل المساعد (كان) في ّ‬
‫رَأيه بهذا المثال‪( :‬سيكون زيد قد خرج عندما أدخل الغرفة)‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن الخروج من الغرفة‬
‫سابق للدخول عليها في المستقبل‪ ،‬وهذا ما يقصده كوريلويتش بالسبق الثانوي‪ ،‬وهو‬
‫مجردة‪َّ ،‬‬
‫ولكن هذه الوظيفة (وظيفة السبق الثانوية)‬ ‫أمر معقول إذا نظرنا إليه بصورة ّ‬
‫ليست ثابتة في صيغة فعل‪ ،‬فمن الممكن أن تأتي صيغة فعل في سياق محدد خالي ًة‬

‫‪132‬‬
‫من هذه الوظيفة وحاملة لغيرها‪ ،‬وهذا ما أخذه عليه الدكتور امحمد المالخ بقوله‪" :‬‬
‫أن السبق ال يحدد استعمال صيغة (فعل)‪ ،‬فيمكن أن‬ ‫لكن كوريلويتش لم ينتبه إلى ّ‬
‫الشرط أو سياق التنبؤ حيث تغيب داللة السبق‪ ،‬وللتمثيل على ذلك‬
‫تستعمل في سياق ّ‬
‫علي حاجة أعطيته فوق أمنيته)‪ ،‬فأعطى تحمل‬
‫نأخذ الجملة التالية‪( :‬أيما عبد كانت له َّ‬
‫الصيغة في سياق‬ ‫جهة التام‪ ،‬وليس هناك عالقة سبق بين حدثين‪ ،‬فسواء استعملت ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الفعلية هو ثابت جهة التام‪"...‬‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫المستقبل أو الماضي‪ ،‬فأهم ثابت من ثوابت ّ‬
‫حسب‬
‫َ‬ ‫ونرى َّ‬
‫أن هذا التنويع في استخدام األزمنة –مع التّحّفظ على كلمة أزمنة التي هي‬
‫أن تكو َن أزمن ًة‪ -‬لم ْ‬
‫يكن في القرآن الكريم فقط‪،‬‬ ‫أن تكون جهات من ْ‬ ‫رأينا أقرب إلى ْ‬
‫الدارسين الم ْح َدِثين و إن لم يسهبوا في‬
‫النحويون قبل الوزير وغيره من ّ‬ ‫فقد أدركه ّ‬
‫غب عن أذهانهم والسنتهم‪،‬‬
‫خير شاهد على ّأنه لم ي ْ‬
‫كان استخدامهم له َ‬
‫الحديث عنه‪ ،‬فقد َ‬
‫للزمن محدودةً جامدةً في ثالثة قوالب (ماض‪ ،‬حاضر‪ ،‬مستقبل)‬ ‫وليست استخداماتهم ّ‬
‫توهم الدارسون الغر ّبيون‪ ،‬فهذا ابن ِجّني نراه َيستخدم ثالث َة صيغ للماضي‬
‫فقط‪ ،‬كما ّ‬
‫في جملة واحدة داّل ًة على ثالث جهات هي الماضي وما قبل الماضي‪ ،‬وما بعد‬
‫تصوَر معنى اإلضافة‪ ،‬فصار إلى‬
‫ثم ّ‬‫الصّن ْبر‪َّ ،‬‬ ‫الماضي‪ ،‬وذلك في قوله‪َّ " :‬‬
‫كأنه أرَاد‪ّ :‬‬
‫وصار) كّلها ماضية‪ ،‬إال َّ‬
‫أن جهاتَها‬ ‫َ‬ ‫وتصوَر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّأنه كأنه قال‪ ،)2( "...‬فاألفعال (أراد‪،‬‬
‫السياق ما هو ترتيبها‪ ،‬وله مثل ذلك كثير‪.‬‬‫مختلفة‪ ،‬وواضح من ّ‬
‫أن الفعل باعتبار ما يتضمنه من حدث‬ ‫حاة واألصولِيين على َّ‬ ‫وقد" اتفق أغلب الن ِ‬
‫ّ‬
‫النحويين ربطوا هذا الزمان‬ ‫منسوب إلى فاعل‪ ،‬ال َبد له من زمان يحدث فيه‪َّ ،‬‬
‫ولكن ّ‬
‫اللغوي على ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فصيغة‬ ‫ّ‬ ‫الصيغة في أصل وضعها‬
‫رفية‪ ،‬أي بداللة ّ‬
‫الص ّ‬
‫بالمسألة ّ‬
‫تدل على الحاضر والمستقبل‪ ،‬وصيغة‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وصيغة (يفعل) ُّ‬
‫تدل على ّ‬
‫(فعل) ُّ‬
‫تدل على الحاضر عند بعضهم‪ ،‬وعلى المستقبل عند بعضهم اآلخر‪.‬‬
‫(افعل) ُّ‬
‫للصيغة‬
‫رفي ّ‬ ‫حوية‪ ،‬ال بالمدلول الص‬
‫ّ ّ‬ ‫أما األصوليون فقد ربطوا هذا الزمان بالمسألة ّ‬
‫الن ّ‬ ‫ّ‬
‫أي ّإنهم ربطوه بطريقة تأليف الجملة وسياقها‪ ،‬وداللتها حسب مواقع الخبر واإلنشاء‬
‫مقامية من كون الفاعل زمانياً‬
‫ّ‬ ‫المقيدة إلطالق الفعل‪ ،‬سواء كانت قرائن‬
‫وبحسب القرائن ّ‬

‫‪ّ ‌-‌1‬‬
‫الزمن‌في‌اللغة‌العربيّة‪‌:‬امحمد‌المالخ‪‌،‬ص‌‪‌.66-65‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.254‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪133‬‬
‫الشرط‪ ،‬والتحقيق‪،‬‬
‫والفعل خبرياً أم قرائن لفظية مما يحيط بالفعل من أدوات النفي‪ ،‬و ّ‬
‫الصيغة الذي‬
‫والتسويف‪ ،‬والظروف المختلفة التي تصرف الفعل إلى زمان غير زمان ّ‬
‫النحويين واألصوليين ليس في إنكار‬‫النحويون[‪]...‬فالخالف إذن بين ّ‬ ‫يفترضه لها ّ‬
‫فالدال عليه عند‬
‫(الدال) عليه ّ‬
‫الفعلية‪ ،‬و إنما هو في تحديد ّ‬ ‫الزمني للجملة‬ ‫المدلول‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الدال‬
‫تضمنية‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن داللة‬
‫(الصيغة) ولذلك اعتبروا داللة الفعل على ّ‬
‫النحويين هو ّ‬ ‫ّ‬
‫عليه عن األصوليين هو سياق الجملة وقرائنها‪َّ ،‬‬
‫ألن الفعل عندهم باعتباره متضمناً‬
‫تضمنة للحدث نفسه من حيث داللته على‬
‫للحدث‪ ،‬ال يختلف عن سائر المشتّقات الم ّ‬
‫(الزمن المطلق) الذي قد ينطبق على الماضي وقد ينطبق على الحاضر والمستقبل‪"...‬‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫السياق‪:‬‬
‫الزمن بحسب ّ‬ ‫‪ -10‬داللة المصدر على ّ‬
‫أن‬
‫السياق وتعمل عمل الفعل‪ ،‬والمصدر يمكنه ّ‬ ‫المصدر واحد من الكلمات التي تدخل ّ‬
‫يدل على األزمنة الثالثة الماضي والحال واالستقبال‪ ،‬وذلك على ضوء القرائن الموجودة‬
‫ُّ‬
‫ألنه جرى على الفعل المضارع ّ‬
‫فدل [بالتالي]‬ ‫كان عمل اسم الفاعل ّ‬
‫السياق‪ ،‬ولئن َ‬ ‫في ّ‬
‫فإن عمل المصدر جاء الشتر ِ‬
‫اكه مع الفعل في األصل‬ ‫على زمنيه الحال أو االستقبال‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫(أن والفعل) الذي هو من لفظه (‪ ،)2‬والفعل بالنسبة إلى ابن‬
‫ألنه بتقدير ْ‬
‫االشتقاقي‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫ِجّني فرعٌ من المصدر ‪ ،‬يقول‪ " :‬وإذا َ‬
‫ثبت أمر المصدر الذي هو األصل لم َيتخاَلج‬
‫الصفة فالفعل في‬
‫صحت ّ‬‫علي بالشام‪ :‬إذا ّ‬ ‫شك في الفعل الذي هو الفرع؛ قال أبو‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫أشد مالبس ًة‬ ‫كان في المصدر أجدر؛ َّ‬
‫ألن المصدر ّ‬ ‫الصفة َ‬ ‫كان هذا حكم ّ‬
‫الكف‪ ،‬وإذا َ‬
‫ّ‬
‫بمشتق] نحو قولك‪ :‬مررت بإبل‬
‫ّ‬ ‫ليس‬ ‫الصفة [ما َ‬
‫أن في ّ‬ ‫الصفة؛ أال ترى ّ‬
‫للفعل من ّ‬
‫مما يشاب‬ ‫ُّ‬
‫وليس هذا ّ‬
‫مائة‪ ،‬ومررت برجل أبي عشرة أبوه‪ ،‬ومررت بقاع َع ْرفج كله[‪َ ]...‬‬
‫الصافي؛ كالضرب‪ ،‬والقتل‪ ،‬واألكل‪ ،‬والشرب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صدر‪ ،‬و إنما هو ذلك الحدث ّ‬ ‫الم ْ‬
‫به َ‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك‬‫" ‪ ،‬وقد لمحنا عند ابن ِجّني استخدامات للمصدر يكون فيها داالًّ على ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫عنده داالًّ على‬


‫اعتماداً على ما يصاحبه من القرائن واألدوات السياقية‪ ،‬فكان المصدر َ‬
‫الماضي وعلى الحال وعلى المستقبل‪ ،‬وكان في م ِ‬
‫عظمها مطلقاً وشامالً وداالًّ على‬

‫‪‌-‌1‬البحث‌النّحوي‌عند‌األصوليين‪‌:‬مصطفى‌جمال‌الدين‪‌،‬ص‌‪‌.168‬‬
‫ينظر‪‌:‬الزمن‌النّحوي‌في‌العربيّة‪‌:‬د‪‌.‬كمال‌رشيد‪‌،‬ص‪‌.93‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.122-121/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪134‬‬
‫صح َح واوي (ووار) عند التخفيف؛‬ ‫ِ‬
‫أن ت ّ‬
‫األزمنة الثالثة‪ ،‬ومن ذلك قوله‪ " :‬فقياس هذا ْ‬
‫ؤول (أن‬ ‫لتقديرك ِ‬
‫األول م ّ‬
‫مصدرن ّ‬
‫ا‬ ‫فيه َّني َة التحقيق‪ ،)1( ".‬ففي القول السابق يوجد‬ ‫َ‬
‫ختلفين‪ ،‬إ ْذ يشير المصدر‬
‫زمنين م َ‬
‫صح َح) واآلخر صريح (تقديرك)‪ ،‬وينطويان على َ‬
‫ت ّ‬
‫بتصحيحك‬
‫َ‬ ‫ألن المعنى‪ :‬قياس هذا يكون‬
‫ستقبل ّ‬
‫الزمن الم َ‬
‫صح َح) إلى ّ‬
‫(أن ت ّ‬
‫األول ْ‬
‫ّ‬
‫معنوياً بالمصدر األول‪ ،‬فهو سبب‬
‫ّ‬ ‫فإنه يرتبط‬ ‫واوي[‪ّ ،]...‬‬
‫أما المصدر الثاني (تقديرك) ّ‬
‫الزمن‬
‫له‪ ،‬بمعنى أن المصدر (أن تصحح) هو النتيجة‪ ،‬والنتيجة منطقياً تحمل ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وهو كذلك في هذا‬‫المستقبل‪ ،‬فيما يكون السبب –عادةً‪ -‬داالًّ على ّ‬
‫القول‪.‬‬
‫ومنها أيضاً أن يكون هذا المصدر بلفظ الفعل الناقص‪ ،‬وقد َ‬
‫ورد كثي اًر في نصوص‬
‫فلما‬ ‫ِ‬
‫ابن جّني‪ ،‬وبصيغ متنوعة‪ ،‬نذكر منها ‪-‬على سبيل المثال ال الحصر‪ -‬قوله‪ّ " :‬‬
‫ذاك إلى‬ ‫ِ‬
‫اتألب‪ ،‬تجاوزوا به َ‬
‫استمر و َّ‬
‫كثر استعمالهم ّإياه وهو مجاز استعمال الحقيقة و ّ‬
‫كأنه هو األصل والحقيقة‪ ،)2("...‬ويحتوي القول السابق على مصدرين‬
‫أن أصاروه ّ‬ ‫ْ‬
‫(أن أصاروه)‪ ،‬ويحمل‬‫المؤول ْ‬
‫ّ‬ ‫أيضاً‪ ،‬وهما المصدر الصريح (استعمالهم) والمصدر‬
‫معنوية‪ ،‬فالضمير‬
‫ّ‬ ‫زمنية ماضية والقرينة في ذلك‬
‫المصدر في قوله‪( :‬استعمالهم) دالل ًة ّ‬
‫في هذا المصدر عائد على العرب‪ ،‬وقد أشار إليهم ابن ِجني كث اًر في ِ‬
‫كتبه‪ ،‬فيقول‬ ‫ّ‬
‫أحياناً‪( :‬قالت العرب‪ ،‬واستخدمت العرب‪ ،‬وقولهم‪ ،‬وحديثهم‪ ...‬إلخ)‪ ،‬إذا فهو عائد على‬
‫أما المصدر اآلخر (أن أصاروه) فهو‬
‫الزمن الماضي‪ّ ،‬‬‫يدل إذاً على ّ‬
‫شيء ماض فهو ُّ‬
‫فعل ماض ناقص‪ ،‬يحمل معنى الصيرورة أو التحويل واالنتقال من حال إلى حال‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ولكن زمنه ليس المستقبل‪ ،‬و إنما الماضي؛ وذلك الرتباطه‬‫ّ‬ ‫وبالتالي فهو مستقبل‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ِ‬
‫كونه فعالً ماضياً ناقصاً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بالعرب أيضاً بالضمير (الهاء) العائد عليهم‪،‬‬
‫يدل على جهة‬
‫فإن هذا المصدر ُّ‬
‫و إنما المستقبل فيه جهة وليس زمناً‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫المستقبل في الماضي‪.‬‬
‫يدل بها على الماضي التّام‪ ،‬ويظهر‬
‫فعل) ل ُّ‬
‫(أن َ‬‫استخدم ابن ِجّني صيغة المصدر ْ‬
‫َ‬ ‫كما‬
‫سمى" (‪،)3‬‬ ‫أن َزعموا َّ‬
‫أن االسم هو الم ّ‬ ‫ذاك قوماً إلى ْ‬
‫جلياً في قوله‪ " :‬حتّى دعا َ‬
‫ذلك ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.90‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.177‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق‪‌.188‌/2‌،‬‬

‫‪135‬‬
‫الزمن الماضي بسبب القرينة الموجودة‬ ‫دال على ّ‬
‫المؤول ٌّ‬
‫أن المصدر (أن زعموا) ّ‬ ‫فنرى ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذاك قوماً إلى زعم ِه ْم ّ‬
‫أن‬ ‫في السياق في قوله‪( :‬قوماً)‪ ،‬والمعنى في ذلك‪ :‬حتّى دعا َ‬
‫سمى‪ ،‬وداللته على الماضي ال تخفى على أحد‪.‬‬
‫االسم هو الم ّ‬
‫تقديم‬
‫ٌ‬ ‫جد فيهما‬
‫كل لفظين و َ‬
‫أن ّ‬‫"اعلم َّ‬
‫ْ‬ ‫ومن مجيء المصدر فعالً ناقصاً أيضاً قوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫صاحبه‪ )1( "...‬والمصدر‬ ‫ليس أحدهما مقلوباً عن‬
‫أن يكونا جميعاً أصلين َ‬
‫فأمكن ْ‬
‫َ‬ ‫وتأخير‬
‫ٌ‬
‫محددة‪،‬‬
‫زمنية ّ‬
‫المقيد بجهة ّ‬
‫دال على الماضي غير ّ‬ ‫المؤول بـ (كونهم) ٌّ‬
‫هاهنا (أن يكونا) ّ‬
‫ِ‬
‫وقوعه في‬ ‫يدل عليها‪ ،‬كما نرى في‬‫أما إذا اقترن هذا المصدر بقرينة لتكسبه جه ًة ل ُّ‬ ‫ّ‬
‫الظرفية الزمانية‪ ،‬في قوله‪ " :‬فمتى‬
‫ّ‬ ‫تدل على‬‫المصدرة باألداة (متى) التي ُّ‬
‫ّ‬ ‫جملة الشرط‪،‬‬
‫أمكن أن يكون الحرفان جميعاً أصلين (كل واحد منهما قائم بر ِ‬
‫أسه) لم َيسغ العدول عن‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫الزمن الماضي‬‫الزمن المطلق‪ ،‬وليس على ّ‬ ‫دال على ّ‬
‫الحكم بذلك"(‪ ،)2‬فالمصدر هنا ٌّ‬
‫فقط‪ ،‬فهو يحتمل الحدوث في الماضي والحاضر والمستقبل جميعاً‪.‬‬
‫بالزمن المستقبل‪،‬‬
‫(أن) ّ‬‫ويشير السيوطي إلى حديث ابن ِجّني حول تخصيص األداة ْ‬
‫يقول‪" :‬وفي (تذكرة) ابن مكتوم عن تعاليق ابن ِجّني من قال‪ّ :‬‬
‫(فإنما هي إقبال وإدبار)‬
‫ألن قوله‪:‬‬
‫كان هذا بمعنى المصدر‪ ،‬وذلك ّ‬
‫إن َ‬ ‫تقبل وأن تدبر و ْ‬
‫أن َ‬ ‫فإنما هي ْ‬
‫لم َيق ْل ّ‬
‫وقولك‬
‫َ‬ ‫إقبال مصدر دال على األزمنة الثالثة داللة مبهمة غير مخصوصة فهو عام‪،‬‬
‫ٌ‬
‫األول وهو المصدر‬
‫توسعوا في ّ‬
‫فلما كانوا ّ‬
‫خصص االستقبال ّ‬
‫(أن) ت ّ‬
‫ألن ْ‬
‫أن تقبل خاص ّ‬
‫ْ‬
‫يتوسعوا في هذا الثاني وإن كان معناه المصدر للمخالفة التي بينهما‪".‬‬
‫(‪)3‬‬
‫لم ّ‬
‫الزمن وفق شروط‪ ،‬منها‪:‬‬‫يدل على ّ‬‫أن المصدر العامل عمل فعله ُّ‬ ‫النحاة إلى َّ‬
‫وذهب ّ‬
‫يصح استبداله بفعل ‪( +‬أن‪ ،‬أو ما) وهو يعرف بالمصدر المؤول‪ ،‬وبذلك يكون‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫وقرروا َّ‬
‫أن‬ ‫لدينا‪( :‬المصدر = أن يفعل)‪( ،‬المصدر= أن فعل)‪( ،‬المصدر= ما يفعل)‪ّ ،‬‬
‫تدل على الماضي‪ ،‬و(ما مع‬
‫للداللة على المستقبل‪ ،‬بينما (أن مع فعل) ُّ‬
‫(أن مع يفعل) ّ‬
‫تعالى‪ :‬‬ ‫يفعل) أقرب إلى فراغ الزمان – بحسب زعمهم‪ -‬واستشهدوا على ذلك بقوله‬
‫وت َوَءاتَىه ٱ ََّّلل ٱلمل َك َوٱل ِحك َم َة َو َعَّل َمه ۥ ِم َّما َي َشآء َوَلوَال‬ ‫ِ‬
‫َف َه َزموهم ِبِإذ ِن ٱ ََّّلل َوَقَت َل َداو ۥد َجال َ‬
‫عَلى ٱلعَل ِمين‪‌(‬البقرة‌‬ ‫ِ‬ ‫دفع ٱ ََّّللِ ٱ َّلناس بعضهم ِببع ٖ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ض لَف َس َدت ٱألَرض َوَلك َّن ٱ ََّّللَ ذو َفضل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.69‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.82‌/2‌:‬‬
‫‪‌-‌3‬األشباه‌والنظائر‌في‌النّحو‪‌:‬جالل‌الدّين‌السّيوطي‪‌.248‌/2‌،‬‬

‫‪136‬‬
‫﴿‪ )﴾251‬أي لوال أن يدفع هللا الناس‪ ،‬أو أن دفع هللا الناس‪ ،‬وينتبه الدكتور محمد‬
‫أن المصدر المؤول‬‫الزمن‪ ،‬فيؤكد َّ‬
‫الريحاني إلى دور القرائن المقالية والحالية في بيان ّ‬
‫ألن اإلسناد فيه إلى لفظ الجاللة جرى‬
‫محدد‪ ،‬وذلك َّ‬
‫يدل على زمن ّ‬ ‫في اآلية السابقة ال ُّ‬
‫كل حدث يستند إلى لفظ الجاللة‪،‬‬‫الصفة والقضاء العام‪ ،‬وليس الحال كذلك في ّ‬ ‫مجرى ّ‬
‫الزمني‬ ‫ويستشهد على أهمية نوع األسلوب واإلسناد والقرائن في إعطاء المصدر المعنى‬
‫ّ ّ‬
‫بقوله تعالى‪ :‬أَو ِإط َع ‪ٞ‬م ِفي َيو ٖم ِذي َمس َغَب ٖة‪‌(‬البلد‌﴿‪ )﴾19‬فهنا يوجد حكم تشريعي عام‬
‫أن بنية المصدر صالحة‬ ‫الزمن‪ ،‬ثم يخلص الريحاني إلى َّ‬ ‫وال ننظر فيه إلى تأويل ّ‬
‫للداللة على أي قسم في ضوء القرائن والعالقات‪ ،‬و أنه يجري مجرى فعله المحمول‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫بمعناه‪ ،‬ولكنه يعبر عن حالة التمام بالبنية‪"...‬‬
‫الزمن الماضي‪،‬‬ ‫يدل على ما قبل ّ‬ ‫أن المصدر يمكن أن ُّ‬ ‫ويرى الدكتور محمد الوزير ّ‬
‫وذلك إذا ورد المصدر مجرو اًر بالباء وتعّلق الجار والمجرور بصيغة فعل ماض دالة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبهم‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬وذلك كقوله تعالى‪َ ٗ :‬فِب َما َنقض ِهم ّميثََقهم َل َعَّنهم َو َج َعلَنا قل َ‬ ‫على ّ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِۖ ٗ‬
‫ِ‬ ‫ۦ‬ ‫ِ‬
‫ظا ّم َّما ذ ّكروْا به َوَال تَ َزال تَطلع َعَلى َخآئَن ٖة‬ ‫ۦ‬ ‫ِ‬
‫َقسَية ي َح ِّرفو َن ٱل َكل َم َعن َّم َواضعه َوَنسوْا َح ّ‬
‫ين‪‌(‬المائدة‌‪ ،)13‬فنقض‬ ‫ِمنهم إال َقلِ ٗيال ِمنه ِۖم َفٱعف عنهم وٱصَفح ِإ َّن ٱ ََّّلل ي ِح ُّب ٱلمح ِسِ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن‬ ‫بني إسرائيل الميثاق في قوله‪ :‬فبما نقضهم ميثاقهم‪ ‬حدث وقع في ما قبل ّ‬
‫لعناهم‪ ،)2(‬فالذي أسهم في جعل المصدر داالًّ على ما‬ ‫الماضي المتمّثل في قوله ‪ّ ‬‬
‫فالسبب هو نقض‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬هو َّ‬
‫أن اآلية الكريمة تنطوي على سبب ونتيجة‪ّ ،‬‬ ‫قبل ّ‬
‫بني إسرائيل للميثاق‪ ،‬والنتيجة هي لعنهم وجعل قلوبهم قاسية‪ ،‬والمنطق أن يسبق السبب‬
‫تحدث‬
‫الزمن الذي ّ‬ ‫أن ما أسهم في داللة المصدر على هذا ّ‬ ‫النتيجة‪ ،‬والمالحظ هنا َّ‬
‫الزمني للجملة كاملة‪ ،‬ومجيء الماضي بعد المصدر‪ ،‬فلو جاء‬ ‫السياق‬
‫عنه الوزير‪ ،‬هو ّ‬
‫ّ ّ‬
‫دل المصدر المجرور بالباء على الماضي‪ ،‬كما في قولنا‪ :‬باجتهادكم‬‫فعل مضارع لما ّ‬
‫فالمصدرن (اجتهادكم‪ ،‬عملكم) يحمالن داللة‬
‫َا‬ ‫تنجحون‪ ،‬وبعملكم تفلحون‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫الزمن ما قبل‬
‫زمنية على الحاضر‪ ،‬وليس على الماضي‪ ،‬أو يمكن أن نطلق عليه ّ‬
‫ّ‬
‫أحب الوزير أن يصطلح عليه‪.‬‬
‫المستقبل كما ّ‬

‫ي‌في‌الدراسات‌اللغويّة‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌عبد‌الرحمن‌الريحاني‪‌،‬ص‌‪‌.138-136‬‬ ‫ّ‬
‫ينظر‪‌:‬اتجاهات‌التحليل‌الزمن ّ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫ّ‬
‫ّياق‌اللغوي‌ودراسة‌الزمن‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌رجب‌الوزير‪‌،‬ص‌‪‌.39‬‬ ‫‪‌-‌2‬الس‬

‫‪137‬‬
‫الزمن المستقبل إذا كان بمعنى‬ ‫يدل على ّ‬
‫أن المصدر يمكن أن ُّ‬ ‫النحويين َّ‬
‫يرى بعض ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫(اضرب زيداً)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫فعل األمر‪ ،‬كما في قولنا‪( :‬ضرباً زيداً) بمعنى‬

‫بالزمن‪:‬‬
‫‪ -11‬الرتبة وعالقتها ّ‬
‫الزمن له دور أساسي وبارز في رسم المنحنى البياني لترتيب الكلمات‬ ‫من الواضح َّ‬
‫أن ّ‬
‫ورصفها في الذهن لتكون قريبة من الفهم وتحقق انسجاماً معنوياً مع ترتيب الكلمات‬
‫السياق‪ ،‬هذا الترتيب الذي يقودنا إلى التّنبه إلى االنسجام الحاصل بين الرتبة من‬
‫في ّ‬
‫السياق الذي ينتظم من خالله‬ ‫نسيج واحد هو ّ‬
‫ٌ‬ ‫الزمن من جهة أخرى يجمعهما‬
‫جهة و ّ‬
‫النظم الذي يعني‬ ‫ِ‬
‫تحدث ‪ ،‬وال نقصد هنا ّ‬ ‫الزمن الذي يقصده الم ّ‬
‫الكالم بحسب مقتضى ّ‬
‫الكلِم فليس‬ ‫أما نظم َ‬
‫ترتيب الكلمات بحسب تريبها في النفس كما يقول الجرجاني‪َّ " :‬‬
‫ألنك تقتفي في نظمها آثار المعاني‪ ،‬وت َرتّبها على حسب تَ َرتُّ ِب‬
‫األمر فيه كذلك‪ّ ،‬‬
‫ضه مع بعض‪ ،‬وليس‬ ‫المنظوم بع َ‬‫نظم يعتبر فيه حال َ‬
‫المعاني في النفس‪ ،‬فهو إذن ٌ‬
‫جاء واتَّفق‪ ،)2( " .‬و َّإنما المقصود‬
‫كيف َ‬
‫ضم الشيء إلى الشيء َ‬ ‫هو( َّ‬
‫النظم) الذي معناه ُّ‬
‫الزمن بمنظوره‬
‫النظم_ وهو ّ‬
‫أن هناك عامالً آخر _ غير الذي ذكره الجرجاني في ّ‬‫هنا َّ‬
‫تم فيه‬
‫الزمن الذي ّ‬
‫التحدث‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫ستخدم‪ ،‬و َّإنما زمن‬
‫العام؛ أي ليس فقط زمن الفعل الم َ‬
‫فالزمن إذن هو عنصر رئيس يجب‬
‫السياق نفسه‪ّ ،‬‬
‫الزمن المتوّلد من ّ‬
‫الحدث المقصود‪ ،‬و ّ‬
‫السياق‪.‬‬
‫أن يؤخذ بالحسبان عند ترتيب المعاني في النفس وعند ترتيب الكلمات في ّ‬
‫يتفق ابن ِجّني مع عبد القاهر الجرجاني في الكشف عن العالقات الداخلية بين‬
‫السياق‪ ،‬فقد جعل ابن ِجّني المعنى أساس صحة التركيب‬
‫المفردات التي يترّكب منها ّ‬
‫داللي ًة‪،‬‬ ‫أن عبد القاهر الجرجاني يرى َّ‬
‫أن اللفظ مفرداً ال يش ّكل قيم ًة ّ‬ ‫النحوي وقبوله‪ ،‬كما َّ‬
‫ّ‬
‫اللغوي الذي ورد فيه‪ ،‬كما َّ‬
‫أن تأليف الكالم‬ ‫ّ‬ ‫السياق‬
‫وال تستطيع تقييمه منفرداً عن ّ‬
‫النحو‪ ،‬ليس أساساً في صحة المعنى‪ ،‬بل األساس هو اتّساق‬ ‫ونظمه على قواعد ّ‬
‫التركيب في المعنى مع قواعد التركيب (‪.)3‬‬

‫ّ‬
‫ّياق‌اللغوي‌ودراسة‌الزمن‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌رجب‌الوزير‪‌،‬ص‌‪‌.59‬‬ ‫‪‌-‌1‬الس‬
‫‪‌ -‌ 2‬دالئل‌اإلعجاز‪‌:‬اإلمام‌عبد‌القاهر‌الجرجاني‌(ت ‌‪‌ 471‬هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬محمود‌مح ّمد‌شاكر‪‌،‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬القاهرة ‌– ‌مصر‪1984‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‌‪‌.49‬‬
‫معالم‌التالقي‌بين‌ابن‌جنّي‌والدراسات‌الحديثة‌(دراسة‌في‌توظيف‌السياق‌في ‌الدرس‌اللغوي‌العربي‌القديم)‪‌:‬كتاب‌المؤتمر‌(‪‌)1‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌- 3‬‬
‫الندوة‌الدوليّة‪‌:‬د‪‌.‬الصادق‌محمد‌آدم‌سليمان‪‌،‬رئيس‌التحرير‪‌:‬أ‪.‬د‪‌.‬محمد‌بشير‪‌،‬جامعة‌كيراال‪‌،‬كيراال‌–‌الهند‪2015‌،‬م‪‌،‬ص‪‌ ‌.12‬‬

‫‪138‬‬
‫عدة أبواب‬
‫غيرات التي تَط أر عليها في ّ‬ ‫تحدث ابن ِجّني عن مفهوم الرتبة وعن التّ ُّ‬
‫وقد ّ‬
‫الزيادة‬
‫من كتاب الخصائص‪ ،‬مثل باب نقض المراتب‪ ،‬وباب التّقديم والتّأخير والحذف و ّ‬
‫الرتبة إلى رتبة ثابتة مثل رتبة المركبات‬
‫والفصل‪ ،‬وإصالح اللفظ وغيرها‪ ،‬وقد قسم ّ‬
‫وأشباه الجمل‪ ،‬ورتبة المضاف والمضاف إليه‪ ،‬والجار والجرور والصفة والموصوف‪...‬‬
‫الرتبة المتغيرة التي يكون فيها التالزم بين الفعل والفاعل‪ ،‬أو بين‬
‫حرة‪ ،‬وهي ّ‬
‫إلخ‪ ،‬ورتبة ّ‬
‫الفعل والمفعول به‪ ،‬وقد جعل ابن ِجّني للرتبة قيوداً تحكمها‪ ،‬وهي على ثالثة قيود‪ :‬قيد‬
‫اللفظية (تاء التأنيث الساكنة) في تحديد جنس‬
‫ّ‬ ‫اللفظية؛ وذلك كأثر القرينة‬
‫ّ‬ ‫القرينة‬
‫وضرب هذه‬
‫َ‬ ‫بت هذا هذه‪،‬‬
‫الفاعل في الجملة وتؤمن المعنى من اللبس‪ ،‬كقولنا‪ :‬ضر ْ‬
‫هذا‪ ،‬فكان الفاعل في الجملة األولى هو (هذه) لوجود التاء‪ ،‬والفاعل في األخرى هو‬
‫المعنوية‪ ،‬وهي التي تفهم‬
‫ّ‬ ‫(هذا) لعدم وجود التاء(‪ ،)1‬والقيد الثاني للرتبة هو قيد القرينة‬
‫من سياق الحال‪ ،‬والتي يقتضيها المنطق السليم‪ ،‬كقولنا‪ :‬أكل الكمثرى عيسى‪ ،‬الفاعل‬
‫حكماً هو عيسى والمفعول به هو الكمثرى‪ ،‬من دون أن تؤثّر الرتبة الظاهرة (رتبة‬

‫تأخر) على هذا الحكم‪ ،‬ومن دون وجود قرينة ّ‬


‫لفظية تساعد في هذا الحكم‪،‬‬ ‫تقدم والم ّ‬
‫الم ّ‬
‫أن اآلكل يجب أن يكون عيسى و أن يكون المأكول هو الكمثرى‬ ‫ألن الحال يقتضي ّ‬
‫بل ّ‬
‫اللغوية‬
‫ّ‬ ‫أما القيد اآلخر فهو قيد اإلعراب‪ :‬إذ باإلعراب تستطيع القرائن‬
‫شك ‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بال ّ‬
‫ابية‬
‫عية جاءت لبيان الحاالت اإلعر ّ‬ ‫األصلية والفر ّ‬
‫ّ‬ ‫ألن عالمات اإلعراب‬‫الحركة ّ‬
‫للعناصر داخل الجملة من فعل إلى فاعل إلى مفعول به‪ ،‬و أما في حالة بناء العناصر‬
‫المتأخر‬
‫المتقدم فاعالً و ّ‬
‫ّ‬ ‫اللغوية فال يمكن نقض رتبها مثل‪ :‬ضرب هذا هؤالء‪ ،‬فهنا يكون‬
‫ّ‬
‫(‪)3‬‬ ‫مفعوالً ِ‬
‫به لغياب عالمات اإلعراب التي تؤمن اللبس‪.‬‬

‫ُنظر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪.35‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬ي‬
‫‪‌-‌2‬ينظر‪‌:‬المصدر‌السّابق‪‌.35‌/1‌،‬‬
‫ّة‌بين‌ابن‌جنّي‌وتشومسكي‌(رسالة‌ماجستير)‪‌:‬إعداد‪‌:‬صبحا‌عواد‌سليم‌الخوالدة‪‌،‬إشراف‪‌:‬د‪‌.‬محمد‌الديكي‪‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌ -‌ 3‬يُن َ‬
‫ظر‪‌:‬المسألة‌اللغوي‬
‫جامعة‌آل‌البيت‪‌،‬كليّة‌اآلداب‌والعلوم‌اإلنسانيّة‪‌،‬المفرق‌–‌األردن‪2006‌،‬م‪‌،‬ص‪‌.53‌–‌51‬‬

‫‪139‬‬
‫الزمن الّنحوي في‬
‫الفصل الرابع‪ّ :‬‬
‫نص ابن ِجّني‪:‬‬

‫‪-1‬داللة صيغة ( َف َع َل) ومشتّقاتها‪.‬‬


‫(يفعل) ومشتّقاتها‪.‬‬ ‫‪-2‬داللة صيغة َ‬
‫(افعل)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫‪-3‬داللة صيغة‬
‫اإلنشائية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬داللة استخدام األساليب‬
‫الشرط‪.‬‬
‫‪-5‬أثر أدوات ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪-6‬داللة المصدر على ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫الصيغ المرّكبة وتنويع ّ‬
‫‪ّ -7‬‬
‫الزمن‪.‬‬
‫الصيغ المرّكبة وثبات ّ‬
‫‪ّ -8‬‬
‫الزمن المطلق‪.‬‬
‫الداللة على ّ‬
‫‪ّ -9‬‬
‫‪-10‬داللة استخدام المشتّقات‪.‬‬
‫‪-11‬أثر أحرف العطف‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫الداللة‬
‫رفية المفردة في ّ‬
‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫تحدثنا فيما سبق من فصول هذا البحث في دور ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن وجهته‪ ،‬وسندرس في هذا‬
‫ياقية في تحديد ّ‬
‫الس ّ‬‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬ودور القرائن‬
‫على ّ‬
‫نص ابن ِجّني؛ أي سوف نستخلص ّ‬
‫الزمن المستخدم في‬ ‫النحوي في ّ‬‫الزمن ّ‬
‫الفصل ّ‬
‫تعرض لها في كتابه الخصائص الذي‬
‫أثناء شرحه للمسائل التي ّ‬ ‫ِ‬
‫حديث ابن جّني َ‬
‫النحوي الذي استخدمه ابن ِجّني في هذا‬
‫الزمن ّ‬ ‫اعتمدناه كنموذج ندرس من خالله ّ‬
‫ألن بحثه في (الخصائص) كان يدور بصورة‬ ‫وصفي‪ّ ،‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬فقد انطلق من منطلق‬
‫ّ‬
‫فعمد إلى دراسة األصوات التي تتأّلف الكلمات‬
‫رئيسة في نطاق بنية الكلمة المفردة‪َ ،‬‬
‫ظم العالقة بين األصوات في الكلمة‪ ،‬فبحث‬‫منها‪ ،‬وسعى إلى اكتشاف القوانين التي تن ّ‬
‫وبي َن َّ‬
‫أن األمر المشترك‬ ‫ودرس التّقليبات الممكنة للكلمة الواحدة‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫في االشتقاق و أنواعه‪،‬‬
‫الذي يجمع التّقليبات هو وحدة المعنى‪ ،‬وأفضى ذلك ِ‬
‫به إلى القول بوجود عالقة مناسبة‬
‫طبيعية بين الصوت والمدلول‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الوصف التّطور ّي لبنية الكلمة الذي يأخذ‬ ‫ابن ِجّني لجأَ إلى‬
‫أن َ‬‫ويعني كل ما سبق ّ‬
‫الدقة‬
‫متقدماً ودقيقاً ومحكماً‪ ،‬وتنسحب هذه ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وبالتالي كان وصفاً ّ‬ ‫باالعتبار عامل ّ‬
‫تعرض لشرحها معتمداً على مبدأ القياس والتّعليل باستخدام‬‫كل المسائل التي ّ‬
‫في ّ‬
‫ليكون في هذا الكتاب‬
‫السلف القديم أو القرآن الكريم أو الشعر العربي‪ّ ،‬‬
‫البراهين من ّ‬
‫عمالً متماسكاً دقيقاً وسابقاً‪.‬‬

‫(فعل) ومشتّقاتها‪:‬‬
‫‪ -1‬داللة صيغة َ‬
‫تدل عليه‬
‫الزمن الذي ُّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫غير ّ‬‫حدد لها‪َ ،‬‬‫فعلية بزمن م ّ‬
‫تختص كل صيغة ّ‬‫ّ‬
‫يدل عليه غيرها‪،‬‬
‫أن ُّ‬
‫ليس ثابتاً لها‪ ،‬وليست مقتصرةً عليه‪ ،‬إ ْذ يمكن ْ‬
‫الصيغة َ‬
‫ّ‬
‫تدل هي على غيره‪ ،‬وذلك ليس تعقيداً في اللغة العر ّبية‪ ،‬أو ليس ضعفاً‬
‫ويمكن أن ُّ‬
‫منية‪،‬‬ ‫للصيغ‪ ،‬فذلك أبعد ما يكون عن اللغة العر ّبية وصيغها ّ‬
‫الز ّ‬ ‫في القدرة التّعبيرّية ّ‬
‫وجمالية أيضاً‪ ،‬وقد أوضح ابن‬
‫ّ‬ ‫بالغية وتعبيرّية‬
‫ّ‬ ‫مرد ذلك ّإنما هو لغاية‬ ‫إن ّ‬
‫بل ّ‬
‫الزمن من صيغة إلى صيغة أخرى‪،‬‬ ‫تحدث عن االنتقال في ّ‬ ‫األثير ذلك حين ّ‬
‫ِ‬
‫األلفاظ‬ ‫العدول عن صيغة من‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫المتوشح لمعرفة علم البيان ّ‬
‫ّ‬ ‫اعلم ّأيها‬
‫يقول‪ " :‬و ْ‬
‫يتوخاه في‬
‫اقتضت ذلك‪ ،‬وهو ال ّ‬
‫ْ‬ ‫خصوصية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إلى صيغة أخرى ال يكون إال لنوع‬

‫‪141‬‬
‫ش عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لع على أسرارها‪ ،‬وفتّ َ‬‫ط َ‬
‫البالغة الذي ا ّ‬
‫الفصاحة و‬ ‫برموز‬ ‫كالمه إال العارف‬
‫الزمني من صيغة‬ ‫ّ‬ ‫يؤديها االنتقال‬
‫ّ‬ ‫دفائنها‪ ،)1( "...‬فهذا جانب من الجوانب التي‬
‫ّ‬
‫إلى أخرى‪ ،‬والتي سنحاول الوقوف على بعض جوانبها‪.‬‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك بحسب ما‬ ‫متنوعة على ّ‬‫فنرى مثالً صيغة ( َف َع َل) تحمل دالالت ّ‬
‫األصلية‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫أن ّ‬‫بالسياق العام‪ ،‬إال َّ‬
‫سياقية‪ ،‬وارتباطها ّ‬
‫ّ‬ ‫يضاف إليها من قرائن‬
‫الداللة المفردة من دون قرائن‪ ،‬ف ُّ‬
‫تدل‬ ‫رفية‪ ،‬أي ّ‬
‫الص ّ‬
‫واألشهر استعماالً هي داللتها ّ‬
‫ويسميه‬
‫ّ‬ ‫تم و انتهى في الماضي‪،‬‬‫الزمان‪ ،‬أو على حدث َّ‬
‫حينها على ما مضى من ّ‬
‫نص ابن ِجّني الكثير من‬
‫لسانيون الم ْح َدثون بالحدث التّام‪ ،‬أو المنجز‪ ،‬وفي ّ‬
‫اّل ّ‬
‫الزمن‪ ،‬فنذكر منها على‬
‫عبر عن هذا ّ‬
‫األمثلة على استخدام صيغة(فعل) التي ت ّ‬
‫وضرب‬
‫َ‬ ‫محمد‪،‬‬
‫قام ّ‬
‫العجين [‪َ ]...‬‬
‫َ‬ ‫ملكت‬
‫َ‬ ‫سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬قوله‪ " :‬من ذلك‬
‫أن صيغة (فعل) في األفعال (ملكت‪ ،‬قام‪ ،‬ضرب) كّلها‬ ‫سعيد‪ ، " ...‬فنالحظ ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الزمان و انقضى استخدمه لالستشهاد والتّمثيل به‬


‫تدل على حدث مضى عليه ّ‬ ‫ُّ‬
‫الغرب‬
‫بالزمن الماضي‪ ،‬ويقابله عند َ‬
‫ويسمى عنده ّ‬
‫ّ‬ ‫على ما يريد شرحه وتوضيحه‪،‬‬
‫الماضي البسيط‪.‬‬
‫في اللغات األجنبية تَسمية َ‬
‫زمنية مختلفة‪،‬‬
‫الصيغة للتعبير عن مجاالت ّ‬ ‫ِ‬ ‫كما نالحظ َّ‬
‫أن ابن جّني يستخدم هذه ّ‬
‫السياق أو القرائن‬
‫إما من خالل داللة ّ‬ ‫الصيغة‪ ،‬و ّ‬ ‫الداللة العامة لهذا ّ‬
‫إما من ّ‬
‫فهم ّ‬
‫تَ‬
‫يستهل كتابه الخصائص‬
‫ّ‬ ‫الصيغة بعداً زمنياً جديداً‪ ،‬فنراه‬
‫اللغوية التي تكسب هذه ّ‬
‫إن معنى (ق و ل)‬‫األول بالحديث على الفصل بين الكالم والقول‪َّ " :‬‬
‫في جزئه ّ‬
‫وكيف َوَق َعت ‪ ،)3( "...‬فنالحظ في هذا المثال ّأنه استخدم‬
‫َ‬ ‫أين و ِج َدت‪،‬‬
‫منية نفسها‪،‬‬‫الز ّ‬ ‫صيغة(فعل) في قوله‪( :‬و ِج َدت‪ ،‬ووَق َعت)‪ ،‬وهما يحمالن ّ‬
‫الداللة ّ‬ ‫َ‬
‫السياق أو اإلضافات‪،‬‬ ‫المجردة من ّ‬
‫ّ‬ ‫رفية‬
‫الص ّ‬
‫وذلك إذا نظرنا إليهما بصيغتهما ّ‬
‫الصيغتين‪ ،‬وداللة األولى منهما (و ِج َدت)‬
‫بالرغم من اختالف الحركات في كال ّ‬
‫المبني للمعلوم‪ ،‬إال َّ‬
‫أن ما‬ ‫بني للمجهول‪ ،‬وداللة األخرى َ‬
‫(وَق َعت) على‬ ‫على الم‬
‫َ ّ‬ ‫َ ّ‬

‫‪‌ -‌ 1‬المثل‌السائر‌في‌أدب‌الكاتب‌والشاعر‪‌:‬ضياء‌الدّين‌بن‌األثير‪‌،‬قدّمهُ‌وعلّقَ ‌عليه‪‌:‬د‪‌.‬أحمد‌الحوفي‌و‌د‪‌.‬بدوي‌طبانة‪‌،‬دار‌نهضة‌‬


‫مصر‪‌،‬ط‌‪‌،2‬القاهرة‌–‌مصر‪‌،‬د‪.‬ت‪‌.180‌/2‌،‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.17‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.5‌/1‌،‬‬

‫‪142‬‬
‫فق عليها‬
‫الداللة على زمن وَق َع في الماضي و انتهى‪ ،‬وهي دالل ٌة اتّ َ‬
‫يجمعهما هو ّ‬
‫أن مجيء صيغة (فعل) في‬ ‫النحاة الم ْح َدثون والقدماء وال خالف عليها‪ ،‬غير َّ‬
‫ّ‬
‫السياق العام‬
‫وكيف) باإلضافة إلى ّ‬ ‫َ‬ ‫(أين‪،‬‬
‫المثال السابق بعد أداتي االستفهام َ‬
‫يتحدث فيه ابن ِجّني‪ ،‬جعل صيغة (فعل) في الفعلين داّل ًة على ّ‬
‫الزمن‬ ‫الذي ّ‬
‫أي مكان وقعت‬ ‫ِ‬ ‫المطَلق‪ ،‬فالمعنى َّ‬
‫أي زمن وج َد ْت به‪ ،‬وفي ّ‬
‫أن لفظة (قول) في ّ‬
‫الداللة تحديد زمن دون آخر‪،‬‬
‫به كانت داّل ًة على كذا وكذا‪ ،‬وال يشترط في تلك ّ‬
‫الزمان الماضي فقط‪ ،‬كما توحي‬‫(قول) على الحركة في ّ‬
‫ليس المقصود داللة َ‬ ‫إ ْذ َ‬
‫النحوي العام الذي ّ‬
‫تحدث به‬ ‫فالسياق ّ‬
‫رفية لصيغة (فعل)‪ّ ،‬‬ ‫الص ّ‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫به ّ‬
‫فعل‬
‫كل ذلك أكسب صيغة َ‬ ‫وكيف)‪ّ ،‬‬‫َ‬ ‫ابن ِجّني باإلضافة إلى القرينتين (أين‪،‬‬
‫النحاة الم ْح َدثون في الحديث‬ ‫زمنية أخرى هي ّ‬
‫الزمن المطَلق الذي أسهب ّ‬ ‫داللة ّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫الدعاء‪ ،‬وقد‬
‫الزمن المستقبل عندما تقع في سياق ّ‬ ‫تدل صيغة فعل على ّ‬
‫ومنه أن ُّ‬
‫ِ‬
‫كتابه منها قوله‪ " :‬أخبرنا أبو علي –‬ ‫الصيغة كثي اًر في‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫استخدم ابن جّني هذه ّ‬
‫َ‬
‫تدل على‬
‫قال‪ :‬قال أبو بكر‪ ، "...‬فصيغة الفعل الماضي (رحمه) ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫رحمه هللا‪َ -‬‬
‫الزمن المستقبل وذلك لوقوعها في سياق دعائي وما يتطّلبه الدعاء من توّقع‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ولكن استخدام الماضي للداللة على المستقبل في سياق الدعاء ينطوي‬ ‫ستقبلي‪ّ ،‬‬ ‫م‬
‫ّ‬
‫ألنه في ذلك (المستقبل) ينزل منزل َة الماضي المتحِّقق أمالً‬
‫بالغية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫قوة‬
‫على ّ‬
‫وتفاؤالً بتحققه وجريانه‪.‬‬
‫منية‪:‬‬
‫الز ّ‬
‫• اقتران صيغة ( َف َع َل) مع القرائن ّ‬
‫تقترن صيغة (فعل) مع كثير من األدوات واألحرف واألفعال المساعدة مثل‪( :‬ما‪ ،‬ال‪،‬‬
‫الصيغة‬ ‫ِ‬
‫أن تكس َب هذه ّ‬ ‫الشرط[‪ ]...‬التي من شأنها ْ‬‫قد‪ ،‬بل‪ ،‬األفعال الناقصة‪ ،‬أدوات ّ‬
‫رفية المفردة‪ ،‬حتّى أصبحت هذه‬ ‫الص ّ‬
‫داللياً كبي اًر عنه في حالتها ّ‬‫ّ‬ ‫زمنياً وبعداً‬
‫غنى ّ‬ ‫ً‬
‫الزمن أو ذاك‪ ،‬وقد تنوع استخدام ابن ِجّني لهذه‬
‫بالدخول على هذا ّ‬ ‫مختص ًة ّ‬
‫ّ‬ ‫األدوات‬
‫األدوات مقترن ًة مع صيغة(فعل)‪ ،‬ومن األمثلة عليها قوله‪ " :‬وكنت عرضت هذا‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.273‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪143‬‬
‫تقبله " (‪ ،)1‬فقد سبقت صيغة (فعل)‬
‫أحسن ّ‬
‫الموضع على أبي علي رحمه هللا فرضيه و َ‬
‫الداللة المستفادة من دخول (كان)‬
‫في الفعل (عرضت) بالفعل الناقص (كان) لتصبح ّ‬
‫الزمن الماضي البعيد‪ ،‬وهذا ما‬
‫حقق الحدث في ّ‬ ‫على الفعل هي التّأكيد على وقوع وتَ ُّ‬
‫منية‬ ‫ِ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أن ّ‬‫حسان الذي ذكر ّ‬
‫تمام ّ‬
‫النحاة الم ْح َدثين ومنهم د‪ّ .‬‬
‫أشار إليه الكثير من ّ‬
‫الزمن الماضي وجهته هي البعيد المنقطع (‪.)2‬‬‫لصيغة (كان َف َع َل) هي ّ‬
‫(‪،)3‬‬ ‫ومنها أيضاً ما جاء في قول ابن ِجّني‪ " :‬فعلى ذلك يكونوا ّ‬
‫قدموا بناء نحوكم‪" ...‬‬
‫فقد جاء الفعل الناقص في هذا القول بصيغة المضارع مضافاً إلى صيغة الماضي‬
‫الزمن العام لهذا‬
‫إن ّ‬‫الزمن المستقبل التام في الماضي؛ أي ّ‬ ‫(فعلوا) ل ُّ‬
‫يدال معاً على ّ‬
‫أكسبه هذه الجهة هو الفعل‬
‫َ‬ ‫التّركيب هو الماضي‪ ،‬وجهته المستقبل المتحّقق‪ ،‬والذي‬
‫الناقص المضارع‪.‬‬
‫ّ‬
‫فعل‪ ،‬اقترانها مع (قد والفعل الناقص) في صيغة (قد‬
‫الصيغ المرّكبة مع صيغة َ‬
‫ومن ّ‬
‫كنت فعلت) التي وردت في قول ابن ِجّني‪ " :‬فقد كنت قلت في هذه اللفظة في‬
‫كتابي‪ ،)4( "...‬وقد أشرنا إلى داللة صيغة (كان فعل) على الماضي اللحظي البعيد‪،‬‬
‫وأدى دخول حرف التحقيق (قد) إلى تقريب زمن حدوث الفعل في الماضي إلى وقت‬
‫الصيغة المرّكبة هي الماضي القريب المتحقق‪ ،‬ومثلها في‬ ‫الحاضر‪ ،‬لتصبح داللة هذه ّ‬
‫ِ‬
‫لسعة حفظه‪.)5( "...‬‬ ‫الداللة أيضاً‪ ،‬ما جاء في قوله‪ " :‬وقد كان ابن الرومي ر َام ذلك‬
‫ّ‬
‫أن (كان) قد تكون ذات طابع زمني وقد تكون ذات‬ ‫ستيتية إلى ّ‬
‫ويشير الدكتور سمير ا ّ‬
‫ّ‬
‫زمنية إذا دّلت على حدث وقع و انتهى؛ كنت‬ ‫وصفي –كما ذكرنا سابقاً‪ -‬فتكون ّ‬
‫ّ‬
‫طابع‬
‫إن كنت قد‬ ‫لحظية إذا اقترنت بفعل ماض قبلها‪ ،‬مثل قولنا‪ْ :‬‬‫ّ‬ ‫هناك لحظتئذ‪ ،‬أو تكون‬
‫الوصفية المطَلقة‪ ،‬ففي قولنا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أما كونها ذات طابع وصفي أو‬ ‫قلت ذلك فقد صدقت‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫لقد كنت رِائعاً‪ ،‬أو قوله تعالى‪ " :‬كان هللا عزي اًز حكيماً" وهذان األمران متّصالن من‬
‫اللتين(الوصفية‪،‬‬ ‫وسنجد في استخدام ابن ِجّني لكان هاتين ّ‬
‫الد‬ ‫بالوصفية‪"...‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منية)‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫وّ‬
‫الخصائص‌ابن‌جنّي‪‌.123‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‪‌.245‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.33‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السّابق‪‌.151‌/1‌،‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.262‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌5‬‬
‫‪‌-‌6‬يُنظر‪‌:‬اللّسانيّات‪‌:‬سمير‌إستيتية‪‌،‬ص‌‪‌.149‬‬

‫‪144‬‬
‫الزمن‬
‫يدل بصورة مباشرة على ّ‬
‫زمنية‪ ،‬ل ُّ‬
‫ظرفية ّ‬
‫ّ‬ ‫يستخدم مع صيغة فعل قرين ًة‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ومنها ْ‬
‫السرد‪ ،‬يقول‪ " :‬وسألته‬
‫الذي يتحدث به‪ ،‬وعلى طبيعة هذا الخطاب الذي يستخدمه في ّ‬
‫جاء هذان الفعالن مقترني ِن‬
‫يوماً فقلت له‪ ، "...‬ففي هذه الجملة فعالن ماضيان‪ ،‬وقد َ‬
‫(‪)1‬‬

‫الظرفية (يوماً)؛ أي سألته في أحد‬


‫ّ‬ ‫بزمن واحد هو الماضي وذلك عن طريق القرينة‬
‫األيام الماضية أو في يوم من األيام فقلت له كذا وكذا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمذهب القو ِم فيما هذه حاله "‬ ‫ومثلها ما جاء في حديث ابن ِجّني‪ " :‬اآلن قد ّأن َ‬
‫ستك‬
‫تدال معاً في صيغة مرّكبة على‬ ‫جاءت مقترن ًة مع قد‪ ،‬ل ُّ‬
‫ْ‬ ‫أن صيغة (فعل)‬ ‫‪ ،‬فنرى ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫تدل على‬
‫الزمن الماضي التام في وقت قريب من الحاضر‪ ،‬وهي جملة مؤّكدة بـ(قد) ُّ‬ ‫ّ‬
‫يدل على‬‫ماني (اآلن) والذي ُّ‬ ‫الصيغة سِبَق ْت بالظرف الز‬‫أن هذه ّ‬‫تأكيد الحدث‪ ،‬إال ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الزمن‬
‫ستك) هو ّ‬‫فإن زمن جملة (قد ّأن َ‬ ‫التلّفظ‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬وهو زمن ّ‬ ‫ّ‬
‫رفية التي احتوت الحدث‪.‬‬‫ظ ّ‬‫الحاضر التّام‪ ،‬وليس الماضي التّام‪ ،‬بسبب تأثير القرينة ال ّ‬
‫ومشتّقاتها‪:‬‬
‫‪ -2‬داللة صيغة (يفعل) ُ‬
‫الصيغة في كتاب الخصائص بأشكال مختلفة‪ ،‬كما هو الحال مع‬ ‫خدم ْت هذه ّ‬ ‫است َ‬
‫الزمن‪ ،‬فحملت في بعض األحيان دالل ًة‬
‫سابقتها ( َف َع َل)‪ ،‬وكان لها دالالت متنوعة على ّ‬
‫الزمن الحاضر‬ ‫الداللة على ّ‬
‫ئيسية المشهورة بها‪ ،‬وهي ّ‬
‫صرفية‪ ،‬وهي داللتها الر ّ‬
‫ّ‬ ‫زمنية‬
‫ّ‬
‫السياق الذي جاءت فيه‪،‬‬
‫نحوية منسجمة مع ّ‬
‫ّ‬ ‫زمنية‬
‫أو المستقبل‪ ،‬وكان لها دالالت ّ‬
‫زمنية متنوعة خدمت المعنى الذي أراد شرحه‬
‫فدّلت على أزمنة مختلفة وعلى جهات ّ‬
‫ابن ِجّني‪ ،‬ومن األمثلة عليها‪ ،‬قول ابن ِجّني‪ " :‬أال ت ارهم يعّلون المصدر إلعالل فعله‪،‬‬
‫لصحته" (‪ ،)3‬ففي المثال السابق فعالن مضارعان جاءا في صيغة (يفعل)‬
‫ّ‬ ‫صححونه‬
‫وي ّ‬
‫الداللة‬
‫ستمر‪ ،‬وهذه ّ‬
‫الزمن الحاضر الم ّ‬
‫زمنية على ّ‬
‫وهي صيغة تحمل في معناها دالل ًة ّ‬
‫السياق أكسبه داللة نحوية‬
‫ألن وقوع هذين الفعلين في هذا ّ‬
‫صرفية فقط‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫هي داللة‬
‫الداللة على الماضي‪ ،‬والذي يحمل جهة االستمرار في الماضي‪ ،‬وهو ما‬
‫أخرى‪ ،‬وهي ّ‬
‫ستمر في الماضي‪ ،‬والقرينة‬ ‫أطلق عليه الم ْح َدثون‪ ،‬الماضي الم ّ‬
‫ستمر‪ ،‬أو الحاضر الم ّ‬ ‫َ‬
‫التي أفادت هذا المعنى هي (أال تراهم) التي يخاطب من خاللها ابن ِجّني القارئ –‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.242‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.168‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.113‌/1‌،‬‬

‫‪145‬‬
‫أما المقصود بضمير الغائب (هم) فهو‬
‫مستقبلياً‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫أكان هذا القارئ حاض اًر أم‬
‫اء َ‬ ‫سو ٌ‬
‫ِ‬
‫كمثل‬ ‫مرة‪،‬‬ ‫اإلشارة إلى العرب األوائل الذين استشهد بأقوالهم واستخداماتهم في ِ‬
‫غير ّ‬
‫قوله‪َّ " :‬‬
‫فكأن العرب ّإنما تحّلي ألفاظها وتدبجها وتَشيها‪ ،‬وتزخرفها‪ ،‬عناي ًة بالمعاني‪"...‬ط‬
‫مسوغ‪،‬‬
‫قابل ّ‬
‫كثير فاش‪ ،‬والقياس له ٌ‬
‫‪ ،‬وقوله في موضع آخر‪ " :‬هذا في كالم العرب ٌ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫خالل هذين المثالين داللة الضمير (هم) على‬ ‫فمن ذلك قولهم ‪ ،)2(" ...‬ويتضح من‬
‫ويصححونه) اللذين يحتويان‬
‫ّ‬ ‫العرب واستشهاده بأقوالهم‪ ،‬وبالعودة إلى الفعلين (يعّلون‪،‬‬
‫على ضميرين عائدين إلى الغائب نفسه المشار إليه بالضمير (هم) في قوله‪( :‬أال‬
‫منية للفعلين ماضية حكماً‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫فإن ّ‬
‫يدل على العرب‪ ،‬وبالتالي ّ‬ ‫تراهم) والذي ُّ‬
‫(ليت)‬
‫ركبهما جميعاً‪ ،‬فيسلب بذلك َ‬ ‫أن بعضهم ي َّ‬
‫جاء في قوله‪ " :‬أال ترى َّ‬ ‫ومثلها ما َ‬
‫وبعضهم يلغي (ما) عنها‪ ،‬في ِق ُّر عملها عليها‪ ،)3(" ...‬فقد ورد في هذا القول‬
‫ْ‬ ‫عملها‪،‬‬
‫الزمن الحاضر في صيغها المفردة‪ ،‬بينما‬ ‫تدل على ّ‬ ‫خمس صيغ مضارعة (يفعل) ُّ‬
‫السياقية‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وذلك بسبب القرينة ّ‬‫السياق الذي جاءت فيه داّل ًة على ّ‬
‫جعلها ّ‬
‫في قوله‪( :‬بعضهم) التي تشير إلى العرب واستخدامهم السابق‪ ،‬وكذلك قوله (أال ترى)‬
‫يتحدث عنه ابن ِجّني‪ ،‬ولذلك‬‫تدل على معرفة سابقة وعهد بالموضوع الذي ّ‬ ‫والتي ُّ‬
‫الزمن الماضي‪.‬‬
‫الداللة على ّ‬
‫الصيغ الفعلية المضارعة إلى ّ‬
‫تحولت داللة ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن الماضي أو الحاضر في الماضي‪،‬‬ ‫تدل صيغة(يفعل) على ّ‬ ‫أن ُّ‬‫ومنها أيضاً َّ‬
‫ِ‬
‫اللغة‬ ‫المعنوية التي يحملها‪ ،‬كما في قول ابن ِجّني‪" :‬وأهل‬ ‫الداللة‬
‫ّ‬ ‫السياق و ّ‬
‫بفضل ّ‬
‫ِ‬ ‫يحسون لما نحن فيه من‬
‫حديثه فرعاً وال أصالً‪".‬‬ ‫يسمعون هذا فيرونه ساذجاً غفالً‪ ،‬وال ّ‬
‫السياق‬‫تدل على زمن واحد هو الحاضر‪ ،‬ولكن ّ‬‫السابق ثالثة أفعال كّلها ُّ‬
‫‪ ،‬ففي القول ّ‬
‫(‪)4‬‬

‫ألن الحديث يقصد ِ‬


‫به ّأنهم؛‬ ‫ضمه إلى زمن الماضي‪َّ ،‬‬ ‫الزمن يتجه إلى جهة ّ‬ ‫حول هذا ّ‬
‫يحسوا)‪ ،‬ولذلك جاء المضارع (صيغة يفعل) داالًّ‬
‫أي أهل اللغة (سمعوا كذا‪ ،‬ف أرَوه‪ ،‬ولم ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وجهته الحاضر؛ أي الحاضر في الماضي‪.‬‬
‫على ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.220‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.341‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق‪‌.167‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السابق‪‌.123‌/2‌،‬‬

‫‪146‬‬
‫مختلفين‪ ،‬وذلك بفعل المعنى‬
‫َ‬ ‫ويمكن أن يستخدم فعلين مضارعين و ُّ‬
‫يدالن على زمنين‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السياق العام‪ ،‬ونرى ذلك واضحاً في قوله‪ " :‬ولست أقول كما يقول الكوفيون‪، "...‬‬
‫(‪)1‬‬
‫و ّ‬
‫فالفعالن (أقول‪ ،‬ويقول) هما فعالن مضارعان وينتميان إلى جذر لغوي واحد‪ ،‬ومع‬
‫َ‬
‫يدل الفعل (أقول)‬
‫كل منهما مختلف عن اآلخر؛ إ ْذ ُّ‬
‫يعبر عنه ٌّ‬
‫الزمن الذي ّ‬ ‫ذلك َّ‬
‫فإن ّ‬
‫يدل الفعل ( يقول) في قوله‪:‬‬
‫المنفي بـ (ليس) على نفي القول عنه في وقته الحاضر‪ ،‬و ُّ‬
‫األول حاضر والثاني ماض‪،‬‬‫إن ّ‬ ‫الزمن الحاضر في الماضي‪ ،‬أي ّ‬ ‫(كما يقول) على ّ‬
‫تحد َث الكوفيون)؛‬
‫والمعنى فيهما هو‪( :‬وال أقول وال أقصد بقولي ذلك‪ ،‬كما سبق أن ّ‬
‫أي ّإنه يقارَن بين ما يقوله في وقته‪ ،‬وما قاله الكوفيون سابقاً‪.‬‬

‫ومن تصريفات صيغة (يفعل) التي استخدمها ابن ِجّني في نصوصه‪ ،‬صيغة ّ‬
‫(يتفعل)‬
‫أن يكون هذا االستمرار‬
‫أي زمن؛ إ ْذ يمكن ْ‬
‫للداللة على العادة والتّكرار أو االستمرار في ّ‬
‫اللفظية التي‬
‫ّ‬ ‫المعنوية أو‬
‫ّ‬ ‫السياقية‬
‫في الماضي أو الحاضر أو المستقبل بحسب القرينة ّ‬
‫يتسمح الناس‬
‫موضع ّ‬‫ٌ‬ ‫بالداللة على زمن أو جهة دو َن أخرى‪ ،‬ومثالها قوله‪ " :‬هذا‬
‫تحكم ّ‬
‫الزمن المطَلق‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫(يتسمح) على التكرار والعادة في ّ‬
‫ّ‬ ‫يدل الفعل‬
‫فيه‪ ،)2( "...‬ف ُّ‬
‫تحدده في زمن دو َن آخر‪ ،‬فكان التكرار أو االستمرار في هذه‬
‫أن ّ‬‫وجود قرينة يمكن ْ‬
‫عاماً مطَلقاً‪َ ،‬يصلح للماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫الصيغة ّ‬
‫ّ‬
‫منية‪:‬‬
‫الز ّ‬
‫فعل) مع القرائن ّ‬
‫(ي ُ‬‫• اقتران صيغة َ‬
‫منية‪ ،‬شأنها في ذلك شأن صيغة‬
‫الز ّ‬
‫السياقية ّ‬
‫تقبل صيغة (يفعل) الكثير من القرائن ّ‬
‫زمنية كثيرة‪ ،‬تضاف إلى‬
‫(فعل)‪ ،‬وتسهم هذه القرائن في إكساب صيغة (يفعل) دالالت ّ‬
‫َ‬
‫زمنية أشرنا‬
‫جهات ّ‬ ‫لتتخصص في‬
‫َ‬ ‫منين الحاضر والمستقبل‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫الرئيسة على ّ‬
‫داللتها ّ‬
‫وغيرها[‪ ]...‬إضاف ًة‬ ‫إليها في الفصول السابقة (كالبعد‪ ،‬و ِ‬
‫القرب‪ ،‬والتّجدد‪ ،‬واالستمرار‪،‬‬
‫السياق‬
‫ذلك بسحب ّ‬ ‫وكل‬
‫الزمن الماضي بواسطة هذه القرائن‪ّ ،‬‬ ‫إمكانية تعبيرها عن ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى‬
‫الصيغة نذكر‪( :‬السين‪،‬‬
‫السياقية التي تقبلها هذه ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬ومن القرائن ّ‬
‫الذي ترد فيه هذه ّ‬
‫الشرط‪،‬‬
‫إن وأخواتها‪ ،‬كان وأخواتها‪ ،‬كاد وأخواتها‪ ،‬أدوات ّ‬
‫وسوف‪ ،‬ما‪ ،‬ال‪ ،‬لم‪ ،‬قد‪ ،‬الالم‪ّ ،‬‬
‫‪ ...‬إلخ)‪ ،‬وقد استخدم ابن ِجّني هذه األدوات والقرائن مع صيغة (يفعل) في غير‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.130‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.5‌/3‌،‬‬

‫‪147‬‬
‫موضع من كتابه الخصائص‪ ،‬منها قوله‪" :‬فقد ترى إلى توافي هذه األشياء‪ ،‬على‬
‫انتشارها‪ ،‬وتباين َش َعاعها‪ ،)1( "...‬ويفيد اقتران حرف التقليل قد مع صيغة المضارع(‬
‫الزمن المستقبل القريب‪ ،‬وهذا المستقبل‬
‫منية للفعل إلى ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫يفعل) إلى تخصيص ّ‬
‫سميت (قد) مع‬‫هو مستقبل ش ّكي؛ أي ّإنه يمكن أن يحدث ويمكن أال يحدث‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫صيغة(يفعل) حرفاً للتقليل (تقليل احتمالية حدوث الفعل)‪ ،‬وقد وردت صيغة (قد ترى)‬
‫في القول السابق البن ِجّني داّل ًة على هذا المعنى؛ فقد تحدث – على سبيل الجواز‪-‬‬
‫طب أو القارئ لتوافي هذه األشياء؛ بمعنى يمكن لك أن ترى‬
‫عن احتمالية رؤية المخا َ‬
‫نظرت إلى كذا وكذا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫التوّقع‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ُّ‬
‫تدل على التّ َحقق ال على ّ‬ ‫أن صيغة (قد يفعل) ُّ‬ ‫النحويين ّ‬ ‫واعتقد بعض ّ‬
‫َال ِإ َّن ََِّّللِ َما ِفي‬
‫وجل‪﴿ :‬أ َٓ‬‫عز ّ‬
‫ِ‬
‫بالنص القرآني في قوله ّ‬ ‫ّ‬ ‫السيوطي (‪ ،)2‬حين استشهد‬ ‫قاله ّ‬
‫ض َقد َيعَلم َمآ أَنتم َعَلي ِه َوَيوَم ير َجعو َن ِإَلي ِه َفيَنِّبئهم ِب َما َع ِملوْا َوٱ ََّّلل ِبك ِّل‬‫لسمو ِت وٱألَر ِۖ ِ‬
‫ٱ َّ َ َ َ‬
‫ۢ‬
‫يوطي في هذا القول داللة على التّحّقق إيماناً‬ ‫الس‬ ‫أى‬‫ر‬ ‫فقد‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬ ‫علِيم﴾( ‌النور ‌﴿‪﴾64‬‬ ‫َشيء َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إمكانية التّقليل من حدوثه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للشك في‬‫ّ‬ ‫بتحّقق علم هللا والذي ال مجال‬
‫للزمن وجهته‪ ،‬كما في‬
‫وقد تجتمع قرينتان مع صيغة (يفعل)‪ ،‬لتساعد في تحديد دقيق ّ‬
‫هم سيستكثرون فيما بعد منها " (‪ ،)3‬فنالحظ أن الفعل‬ ‫ِ‬
‫بأن ْ‬
‫قول أبي الفتح‪ " :‬علماً ّ‬
‫المضارع (يستكثرون) تعّلق زمنه بقرينتين األولى هي حرف التسويف واالستقبال‬
‫الزمني‬ ‫مانية (فيما بعد)‪ ،‬وكان للقرينتين األثر‬
‫الز ّ‬‫الظرفية ّ‬ ‫(السين)‪ ،‬والثانية هي القرينة‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫نفسه على صيغة (يفعل)‪ ،‬وهذا األثر هو داللة الفعل (يستكثرون) على ّ‬
‫الزمن‬
‫منية للفعل فتختلف بين هاتين القرينتين‪ ،‬إ ْذ تشير (السين) في‬
‫الز ّ‬
‫المستقبل‪ ،‬أما الجهة ّ‬
‫الظرفية‬
‫ّ‬ ‫اقترانها مع المضارع إلى المستقبل القريب من الحاضر‪ ،‬فيما تنقلنا داللة القرينة‬
‫(فيما بعد) إلى مستقبل بعيد غير محدد‪ ،‬فالسؤال هنا‪ :‬أي القرينتين عملت في الفعل‬
‫الظرفية التي‬
‫ّ‬ ‫لشدة اقترانها بالفعل واتصالها به؟ أم هي القرينة‬
‫المضارع؟ أهي السين ّ‬
‫أن تحتوي الحدث الذي ُّ‬
‫يدل عليه الفعل؟‬ ‫من شأنها ْ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي ‌‪‌.123‌/1،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫هـ)‪‌،‬تح‪‌.‬د‪‌.‬عبد‌العال‌سالم‌مكرم‪‌،‬دار‌البحوث‌العلمية‪‌،‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌ -‌ 2‬همع‌الهوامع‌في‌شرح‌الجوامع‪‌:‬لإلمام‌جالل‌الدين‌السّيوطي‌(ت ‌‪911‬‬
‫الكويت‪1979‌،‬م‪‌.379‌/4‌،‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.33‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪148‬‬
‫المعنوية لهذه‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫النظر في ّ‬
‫معن ّ‬
‫أن ن َ‬‫ولإلجابة على هذه األسئلة‪ ،‬ال َّبد لنا من ْ‬
‫مقصده منها ونسقطه على االستخدام التّوظيفي‬
‫َ‬ ‫لنكشف‬
‫َ‬ ‫الجملة التي ساقها ابن ِجّني‪،‬‬
‫للزمن‪ ،‬ففي قوله‪( :‬علماً َّ‬
‫بأنهم) التي سبقت قوله (سيستكثرون)‪ ،‬والتي يقصد بها (مع‬ ‫ّ‬
‫العلم ّأنهم سيستكثرون)؛ أي ّإنه متأكد من حدوث الفعل في وقت ما‪ ،‬ولذلك استخدم‬
‫حتمية حدوث الفعل‪ ،‬واعتبار هذا‬ ‫ّ‬ ‫تدل على‬
‫بأن‪ ،‬والتي ُّ‬
‫هذه الجملة الخبرّية المؤّكدة ّ‬
‫أما المعنى الكامل الذي قصده‬ ‫الحدوث من المسّلمات وهذا ما ّأداه المصدر (علماً)‪ّ ،‬‬
‫ابن ِجّني –وهللا أعلم‪ -‬من هذه الجملة فهو اآلتي‪ ( :‬مع العلم ّأنهم سيفعلون كذا الحقاً‬
‫اح لهم ذلك)‪ ،‬إذاً فقد عملت القرينتان معاً‪ ،‬فأشارت (السين) إلى قرب‬
‫أن يتَ َ‬
‫بمجرد ْ‬
‫ّ‬
‫الزمن الالحق الذي أفادته القرينة‬
‫حدوث الفعل‪ ،‬ولكن ليس قربه من الحاضر‪ ،‬بل من ّ‬
‫الظرفية (فيما بعد)‪.‬‬
‫ّ‬
‫ونرى اقتران صيغة (يفعل) مع قرينتين أيضاً‪ ،‬في قول ابن ِجّني في موضع آخر‪" :‬‬
‫جاء الفعل المضارع‬
‫بالضم‪ ، "...‬فقد َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬ ‫قيل‪َ ( :‬ف َع َل) مما فاؤه واو ال يأتي مضارعه أبداً‬
‫الزمن الحاضر‬
‫النافية)‪ ،‬وهي القرينة األولى التي نفت الحدث في ّ‬ ‫(يأتي) مقترناً بـ (ال ّ‬
‫الزماني (أبداً) الذي أكسب الفعل أو الحدث‬ ‫أما القرينة األخرى فهي الظرف‬
‫والمستقبل‪ّ ،‬‬
‫ّ ّ‬
‫رت في صيغة (يفعل) في‬‫الزمن المطَلق‪ ،‬إذاً فقد أثّ ْ‬
‫دل عليه الفعل داللة على ّ‬ ‫الذي ّ‬
‫ظرفية‪ ،‬وكان التأثر الذي حكم على صيغة‬‫ّ‬ ‫لفظية والثانية‬
‫هذا المثال قرينتان األولى ّ‬
‫الظرف يحتوي الفعل والحدث‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫رفية على اإلطالق‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ظ ّ‬ ‫الفعل هو داللة القرينة ال ّ‬
‫ليصبح قالباً له‪ ،‬ويصبح المعنى في هذه الجملة هو‪( :‬لن يأتي مطَلقاً)‪.‬‬
‫َ‬
‫السين مع صيغة (يفعل) على المستقبل القريب‪ ،‬فنجده في قول ابن ِجّني‪" :‬‬ ‫أما داللة ّ‬
‫ّ‬
‫السين مع الفعل المضارع (ترى)‬ ‫لقب مستحسن‪ ، ".‬فقد اقترنت ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وستراه فتعلم ّأنه ٌ‬
‫الزمن المستقبل القريب (زمناً ومعنى) من لحظة التّكلم ‪ ،‬إذا كان‬ ‫لتجعله داالًّ على ّ‬
‫ً‬
‫طب هو ِ‬
‫القارئ أو‬ ‫طب شخصاً حاض اًر سامعاً‪ ،‬ومن لحظة القراءة إذا كان المخا َ‬ ‫المخا َ‬
‫المتلّقي لما يكتبه ابن ِجّني‪ ،‬وفي الحالتّين يكون مستقبالً قريباً من الحاضر بالنسبة‬
‫تدل على‬
‫إلى المتلّقي‪ ،‬ث َّم يعطف عليه فعالً آخر باستخدام حرف العطف (الفاء) التي ُّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.226‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.133‌/2‌،‬‬

‫‪149‬‬
‫منية‪ ،‬ولذلك كان الفعل (فتعلم) مستقبالً قريباً أيضاً‪،‬‬‫الز ّ‬
‫الترتيب والمباشرة والمعاقبة ّ‬
‫األول؛ أي ترى وتعلم مباشرةً‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ولكن ترتيبه يأتي بعد الفعل ّ‬
‫ستقبل‪ ،‬بقرينتين أيضاً‪ ،‬كما في قول ابن‬
‫الزمن الم َ‬
‫تدل صيغة المضارع على ّ‬
‫أن ُّ‬
‫ويمكن ْ‬
‫ألنه (مجزوم جواب األمر)؛ كقولك‪:‬‬ ‫أن يكو َن معطوفاً على موض ِع ّ‬
‫لعل؛ ّ‬ ‫ِجّني‪" :‬ويمكن ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضيعك حّق َك وأعط َك ألفاً؛ أي زْرني أعرف حّق َك وأعط َك ألفاً" ‪ ،‬فنرى ّ‬
‫أن‬ ‫زْرني فلن أ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬بفعل قرينتين األولى هي الحرف‬‫يدل على ّ‬ ‫ضيعك) ُّ‬
‫َ‬ ‫الفعل المضارع (أ‬
‫الناصب (لن) التي تجعل المضارع بعدها داالً على المستقبل‪ ،‬والثانية هي وقوع‬
‫المضارع جواباً للطلب‪ ،‬والطلب هو طلب تحقق األمر في المستقبل‪ ،‬والمعنى في هذه‬
‫مني معرف ٌة لحّق َك‪ ،‬وهو المعنى ذاته الذي شرحه ابن‬
‫منك زيارةٌ َفَيك ْن ّ‬ ‫ِ‬
‫الجملة‪ :‬لَيك ْن َ‬
‫ِجّني‪.‬‬
‫ومن األمثلة على استخدام صيغة (يفعل) مقترن ًة مع غيرها من القرائن التي ذكرناها‪،‬‬
‫قول ابن ِجّني‪ " :‬وال تكاد تجد شيئاً من تصحيح نحو مثل هذا في الياء‪ ،)2("...‬فقد‬
‫ضارعة على الفعل المضارع (تجد)‪ ،‬ل ُّ‬
‫تدال معاً‬ ‫دخل فعل المقاربة (تكاد) بصيغته الم ِ‬
‫تجد شيئاً[‪،]...‬‬
‫في تركيب واحد على المستقبل القريب من التّحّقق‪ ،‬بمعنى ال توشك أن َ‬
‫متحدثاً عن أحد جهات الماضي‪،‬‬‫ّ‬ ‫الجبار توامة أيضاً‪ ،‬بقوله‬
‫وهذا يشبه ما أ ّكده عبد ّ‬
‫(كاد يفعل) ومثيالتها‪ ،‬ومعناه المقاربة فيما‬
‫َ‬ ‫وهو الماضي المقاربي‪ " :‬وصيغته‬
‫مضى‪.)3( "...‬‬
‫الداللة‬
‫الصيغة في موضع آخر من كتاب الخصائص‪ ،‬وتحمل ذات ّ‬ ‫وقد وردت هذه ّ‬
‫فكيف به وهو يكاد يساوق االشتقاق األصغر‪ ،)4( "...‬إذ ُّ‬
‫تدل‬ ‫َ‬ ‫منية‪ ،‬ومنها قوله‪" :‬‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغة المرّكبة (يكاد يساوق) على ّ‬
‫الزمن المستقبل المقاربي‪.‬‬ ‫هذه ّ‬
‫ومنها أيضاً أن تكون هذه ّ‬
‫الصيغة داّلة على زمنها األصلي (الحاضر أو المستقبل)‬

‫السياق الذي أرادها أن تكون ّ‬


‫معبرةً عن هذا‬ ‫السياقية‪ ،‬وذلك بفضل ّ‬
‫رغم اقترانها بالقرائن ّ‬
‫ِ‬
‫أن يكو َن ْ‬
‫(بن) لغ ًة قائم ًة برأسها‪" .‬‬ ‫المعنى‪ ،‬من أمثلة ذلك قوله‪" :‬ولست مع هذا ْأدفع ْ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.341‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.123‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬زمن‌الفعل‌في‌العربيّة‪‌:‬عبد‌الجبّار‌توامة‪‌،‬ص‌‪‌.90‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.139‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‌4‬‬

‫‪150‬‬
‫سياقية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫منفياً بـ (لست) باعتبارها قرين ًة‬
‫جاء ّ‬ ‫(‪ ،)1‬فنرى َّ‬
‫أن الفعل المضارع (أدفع) َ‬
‫تدل على الماضي‪ ،‬ومع ذلك َّ‬
‫فإن الفعل (أدفع) لم يتأثر بهذه القرينة‪،‬‬ ‫واألصل أن(ليس) ُّ‬
‫الزمن الحاضر‬
‫السياق عليه‪ ،‬والذي أبقاه داالًّ –في هذا المثال‪ -‬على ّ‬
‫وذلك بسبب تأثير ّ‬
‫التلّفظ اآلني‪.‬‬
‫فقط وهو زمن ّ‬
‫زمنياً‬
‫الصيغ‪ ،‬إ ْذ يصبح الفعل تابعاً ّ‬
‫اضح ّبين‪ ،‬ومع كل ّ‬‫الظرفية فهو و ٌ‬
‫ّ‬ ‫أما أثر القرائن‬
‫ّ‬
‫ونلمح ذلك‬ ‫الظرف هو من يحتوي الحدث‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أن نقول َّ‬
‫أن‬ ‫ظرف‪ ،‬أو يمكن ْ‬ ‫لزمن هذا ال ّ‬
‫أن حرك َة الحرف تحدث قبله‪،‬‬ ‫قوم إلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذهب ٌ‬ ‫جلياً في قول ابن جّني‪" :‬وألجله وبسببه ما َ‬‫ّ‬
‫وآخرون إلى ّأنها تحدث بعده‪ ،‬وآخرون إلى ّأنها تَحدث معه‪ ،)2( ".‬فالفعل أو الحدث‬
‫كل موضع منها كان‬ ‫ِ‬
‫في هذا القول هو (تَحدث) الذي ورد في ثالثة مواضع‪ ،‬وفي ّ‬
‫تمّيز‬
‫منية التي َي َ‬
‫الز ّ‬
‫السمات ّ‬
‫(زمنياً) للظرف الذي احتواه‪ ،‬مع المحافظة على بعض ّ‬ ‫ّ‬ ‫تابعاً‬
‫دل الفعل األول (تحدث قبله) على الحاضر‬ ‫بها المضارع ومنها االستمرار؛ إ ْذ ّ‬
‫الزمن الذي أضافته القرينة)‪ ،‬وفي الفعل الثاني‬
‫مستمر(وهي الجهة) في الماضي (وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫المستمر في المستقبل‪ ،‬والفعل األخير (تحدث معه)‬
‫ّ‬ ‫دل على الحاضر‬
‫(تحدث بعده) ّ‬
‫المستمر‪ ،‬والمترافق في الحدوث مع حدث آخر في جميع‬
‫ّ‬ ‫الزمن الحاضر‬
‫دّلنا على ّ‬
‫األمثلة‪ ،‬وهذا الحدث هو (حركة الحرف) الذي أشار إليه الضمير المتصل مع القرائن‬
‫الظرفية في قوله (قبله‪ ،‬بعده‪ ،‬معه)‪.‬‬
‫ّ‬
‫سياقية‪ ،‬واألخرى‬ ‫تدل صيغة (يفعل) على الزمن الماضي بو ِ‬
‫اسطة قرينتين إحداهما‬ ‫وقد ُّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذاك‪ ،)3("...‬فالقرينة األولى التي‬ ‫ظرفية‪ ،‬كما نرى في قول ابن ِجّني‪ " :‬فَل ْم َي ْ‬
‫حضر إ ْذ َ‬ ‫ّ‬
‫جعلت داللة صيغة (يفعل) ماضية هي الحرف الجازم (لم) الذي يقلب زمن الفعل‬

‫بعده من المستقبل إلى الماضي‪ ،‬والقرينة األخرى التي أكسبت صيغة يفعل داللة ّ‬
‫زمنية‬
‫منية الماضية‬
‫الز ّ‬
‫حدد الجهة ّ‬
‫ماضية هي القرينة الظرفية (إ ْذ ذاك) بمعنى (حينها) والتي ت ّ‬
‫الزمن الماضي نفسه‪ ،‬وربما كان هذا االستخدام‬
‫في وقت محدد أكثر من إشارتها إلى ّ‬
‫توكيدية على الحدث الذي يقصده ابن‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي لغاية‬
‫الثنائي للقرائن للتّعبير عن ّ‬
‫ّ‬
‫الصيغة‪ ،‬باإلضافة إلى االشتراك في دقة تحديد الزمن ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جّني من استخدامه لهذه ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.84‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.110‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.277‌/1‌،‬‬

‫‪151‬‬
‫الزمن عند اقترانها مع‬
‫الدكتور سمير استيتية على أثر األفعال الناقصة على ّ‬‫كما يؤّكد ّ‬
‫صيغة (يفعل) وما توّلده من أزمنة وجهات ومعان مختلفة‪ ،‬كقولنا مثال‪ :‬كان أبي يقول‬
‫لنا ذلك‪ ،‬فقد أفاد اقتران الفعل المضارع مع كان داللة التّكرار‪ ،‬وأ َّن تكرار حدوثَه َ‬
‫كان‬
‫ولكن هذا التكرار ليس في زمن الفعل المضارع (الحال أو المستقبل)‪،‬‬‫ملحوظاً‪ّ ، "...‬‬
‫(‪)1‬‬

‫و َّإنما في ّ‬
‫الزمن الماضي الذي نقلته إليه القرينة (كان) وأكسبته استم ار اًر وتك ار اًر في ذاك‬
‫الزمن‪.‬‬
‫ّ‬
‫افعل‪:‬‬
‫‪ -3‬داللة صيغة ْ‬
‫وغلب استخدامه‬ ‫الصيغ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫مرات قليلة مقارن ًة مع غيرها من ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫استخدم ابن جّني هذه ّ‬
‫لها على تلك العبارات التي افتتح بها أبواب كتابه‪ ،‬أو عندما يشرع في شرح فقرة جديدة‬
‫الصيغ‬
‫تكررت أكثر من غيرها وبصورة ملحوظة‪ ،‬ومن هذه ّ‬ ‫في فصل عن طريق صيغ ّ‬
‫ظ كذا[‪ ،]...‬كما نرى في قوله‪" :‬‬ ‫أن كذا[‪ ،]...‬أو انظر إلى كذا‪ ،‬أو ِ‬
‫الح ْ‬ ‫مثالً‪ :‬اعَل ْم َّ‬
‫ْ‬
‫الصيغة‪ ،‬فأرى‬
‫منية لهذه ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أما ّ‬‫رد في االستعمال‪ّ ، "...‬‬
‫(‪)2‬‬
‫طَ‬‫الشيء إذا ا ّ‬
‫َ‬ ‫اعلم َّ‬
‫أن‬ ‫و ْ‬
‫إما الحاضر‪ ،‬و إ ّما المستقبل‪ ،‬وذلك بحسب القرائن‬‫ّأنها ال تخرج عن زمنين اثنين‪ّ ،‬‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬ال بل‬
‫السابق على ّ‬ ‫السياقية المرافقة لها‪ ،‬فقد دّلت في المثال ّ‬
‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬
‫رطية (إذا)‬
‫الش ّ‬
‫الظرفية ّ‬
‫ّ‬ ‫أن نقول على المستقبل المطَلق‪ ،‬وذلك بسبب القرينة‬ ‫نستطيع ْ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬ليصبح معنى صيغة (افعل) في المثال هو‪ :‬ليكن‬ ‫تدل على ّ‬ ‫التي ُّ‬
‫فصحيح َّ‬
‫أن الفعل‬ ‫ٌ‬ ‫لتعلم أن الشيء[‪،]...‬‬
‫ْ‬ ‫رد[‪ ،]...‬أو‬
‫طَ‬‫الشيء إذا ا ّ‬
‫َ‬ ‫علم َّ‬
‫أن‬ ‫عندك ٌ‬
‫دال على الزمن الحاضر وذلك صحيح إذا نظرنا إليه بصور ِ‬
‫ته‬ ‫ظ ُّن به ّأنه ٌّ‬
‫(اعلم) قد ي َ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫الزمن‪،‬‬
‫ولكن المعنى هو الذي يش ّكل فيصالً في تحديد ّ‬‫السياق‪ّ ،‬‬ ‫جردة من ّ‬ ‫المفردة الم ّ‬
‫اآلن وبصورة خاصة فقط‪ ،‬بل‬ ‫يعلم َ‬ ‫ِ‬
‫طب أو القارئ‪ ،‬أن َ‬ ‫فابن ِجّني ال يطلب من المخا َ‬
‫رد هذا الشيء في االستعمال‪.‬‬
‫طَ‬‫يعلم في أي وقت من المستقبل‪ ،‬كّلما ا ّ‬
‫أن َ‬

‫‪‌-‌1‬ينظر‪‌:‬اللّسانيّات‪‌:‬سمير‌إستيتية‪‌،‬ص‌‪‌.150‌-149‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.99‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪152‬‬
‫اإلنشائية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -4‬داللة استخدام األساليب‬
‫• داللة أسلوبي األمر والنهي‪:‬‬
‫الخطابية والتفاعلية مع المتلّقي‬
‫ّ‬ ‫تتميز الجمل اإلنشائية عن الجمل الخبرية بقدرتها‬
‫ّ‬
‫الصيغ اإلنشائية صيغة‬‫وداللية‪ ،‬ومن أقوى ّ‬
‫ّ‬ ‫إيحائية‬
‫ّ‬ ‫لتشحن الموقف الكالمي بشحنات‬
‫ّ‬
‫(افعل) فقط‪ ،‬بل يمكن أن‬‫ْ‬ ‫األمر والتي ال يقتصر التّعبير عنها بفعل األمر وصيغة‬
‫تعبر عنها بواسطة صيغة المضارع المسبوقة بالم األمر‪ ،‬أو اسم فعل األمر‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬
‫طلبياً‪،‬‬
‫النهي ب ـ (ال الناهية الجازمة) لكونه أسلوباً ّ‬
‫النائب عن األمر‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫المصدر ّ‬
‫الداللة‬
‫الصيغ كّلها في كتابه الخصائص‪ ،‬وسنقف على ّ‬ ‫ِ‬
‫وقد استخدم ابن جّني هذه ّ‬
‫اعدي‬
‫السياق القو ّ‬
‫وكيفية توظيفها لخدمة ّ‬‫ّ‬ ‫الصيغ‬
‫األسلوبية الستخدام هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫منية و‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫والمعنى العام‪.‬‬
‫ومنها ما نجده في أقوالِ ِه في نهاية بعض الفقرات أو األبواب مخاطباً المتلّقي بصيغة‬
‫األمر‪ِ ِ ،‬‬
‫منية‬
‫الز ّ‬ ‫فتأم ْل وِق ْس‪ّ ، ".‬‬
‫فالداللة ّ‬ ‫كمثل قولِه‪ " :‬والباب و ٌ‬
‫احد‪ ،‬والمسائل كثيرةٌ‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الد ِ‬
‫ارسين‬ ‫لصيغتي األمر اإلنشائيتَين في هذا المثال هي المستقبل القريب‪ ،‬ويراه بعض َّ‬
‫ِ‬
‫منية هي المستقبل المطَلق‪ ،‬وذلك لعدم وجود‬
‫الز ّ‬ ‫حاض اًر بسبب قربِه‪ ،‬أرى ّ‬
‫أن داللتَه ّ‬
‫تأمل ذلك اآلن وِق ْس ذلك غداً‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫فإن‬ ‫يقل‪ْ :‬‬ ‫ستقبل‪ ،‬فلم ْ‬
‫تحدد جهة الم َ‬ ‫ظرفية ّ‬
‫ّ‬ ‫قرينة‬
‫الداللة‬
‫أن ّ‬‫المستقبلية‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬ ‫داللته على المستقبل المطَلق تكون أكثر شموالً لجهات ّ‬
‫الزمن‬
‫تحدث فيه ابن ِجّني‪ ،‬ونستطيع‬ ‫للسياق الذي ّ‬ ‫الصيغتَين جاءت مناسب ًة ّ‬ ‫المعنوية لهاتين ّ‬
‫ّ‬
‫الصيغتين من خالل هذا المعنى‪ ،‬وهذا المعنى هو‪:‬‬ ‫زمني لهاتين ّ‬ ‫استخالص ترتيب‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫زمنياً‪ ،‬دون‬ ‫(تأمل هذه المسائل الكثيرة‪ِ َّ ،‬‬
‫ثم ق ْس عليها غيرها) فالقياس يأتي بعد التأمل ّ‬ ‫ّْ‬
‫الصيغتين غير ما ذكرناه فيهما‪.‬‬‫زمنية أخرى لهاتين ّ‬‫أي جهة ّ‬ ‫يهتم بإبر ِاز ّ‬
‫أن ّ‬ ‫ْ‬
‫بك‬ ‫طلب (األمر والنهي) معاً‪ ،‬كما في ِ‬
‫مر َ‬‫قوله‪ " :‬فإذا َّ‬ ‫ّ‬ ‫ومنها أيضاً استخدام أسلوبي ال ّ ْ‬
‫األول‬
‫ترسل إليه‪ ، "...‬فالفعل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫نفسك منه‪ ،‬وال تَ ْس ْ‬
‫َ‬ ‫ظ‬
‫شيء من هذا عن أصحابنا‪ ،‬فاحف ْ‬ ‫ٌ‬
‫دل هذان‬
‫ظ) هو فعل أمر‪ ،‬والثاني مضارع مجزوم بـ(ال) وهو أسلوب النهي‪ ،‬وقد ّ‬
‫(احف ْ‬
‫وذلك لما ينطوي على األسلوب اإلنشائي الطلبي من‬
‫َ‬ ‫الزمن المستقبل‪،‬‬
‫الفعالن على ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.174‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.283‌/1‌،‬‬

‫‪153‬‬
‫طلب ال يكون إال في المستقبل‪ ،‬يضاف إلى ذلك‪ ،‬وقوع الفعل‬
‫أمر بتحقيق الحدث‪ ،‬وال ّ‬
‫زمنية‬
‫(احفظ) جواباً للشرط‪ ،‬باألداة (إذا) والتي يحمل فعالها (الفعل والجواب) دالل ًة ّ‬
‫جاء معطوفاً على الفعل‬
‫تسترسل) َ‬
‫ْ‬ ‫مستقبلّية‪ ،‬وكذلك فالفعل المضارع المجزوم (ال‬
‫نفسه‪.‬‬
‫الزمن َ‬
‫(احفظ) ويحمل ّ‬
‫• داللة أسلوب االستفهام‪:‬‬
‫غير موضع من كتابه‪،‬‬ ‫استخدم ابن ِجّني األساليب اإلنشائية االستفهامية في حديثه في ِ‬
‫حركها في المتلّقي (المستَ ِم ْع‪،‬‬
‫أن ي ّ‬
‫هنية التي يريد ْ‬
‫التفاعلية ال ّذ ّ‬
‫ّ‬ ‫وربما كان ذلك كنوع من‬
‫نصه أو حديثه باإلجابة على األسئلة التي‬ ‫القارئ) عن طريق حثّه على التفاعل مع ّ‬ ‫أو ِ‬
‫ليقدم فكرةً ما‪ ،‬وهذا ما نلمحه في قوله‪ " :‬ومع‬
‫ليوضح أو ليشرح أو ّ‬ ‫يطرحها ابن ِجّني ّ‬
‫تقول‬ ‫أن‬
‫تتوقف عن ْ‬ ‫نت َّ‬ ‫ظرف؛ هل ك َ‬ ‫سم ْع َي ْ‬ ‫هذا َّأن َك لو‬
‫َ‬ ‫ف‪ ،‬ولم تَ َ‬ ‫ظر َ‬
‫سمعت َ‬
‫َ‬
‫أن تقول‬ ‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬ ‫يظرف[‪]...‬وكذلك لو س َ ِ‬
‫ترع أو تَرتَدع ْ‬ ‫أكن َت‬
‫مضارَعه؛ ْ‬‫تسم ْع َ‬
‫ولم َ‬‫معت َسل َم‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫استفهاميتَين إحداهما بـ(هل) واألخرى‬
‫ّ‬ ‫استخدم في هذا المثال جملتين‬
‫َ‬ ‫َيسَلم‪ ،)2( "...‬فقد‬
‫بـ(الهمزة) والجملتان وقعتَا جواباً للشرط غير الجازم بـ(لو)‪ ،‬وإذا توّقفنا عند أسلوبي‬
‫منية‪ ،‬إ ْذ يبدأان‬ ‫االستفهام‪ ،‬نرى َّأنهما َّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫يتألفان من صيغ مرّكبة ومتشابهة في ّ‬
‫ترع) وهما‬ ‫كنت ِ‬
‫(كنت تتوقف‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫بعد أداة االستفهام بالفعل الناقص مع الفعل المضارع‬
‫المؤول من أن والفعل‬ ‫المستمر‪ ،‬وجاء بعدهما المصدر‬ ‫الزمن الماضي‬ ‫تدالن على ّ‬‫ُّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يدل على المستقبل في الماضي‪ ،‬إذاً‬ ‫(أن تقول) في الجملتين‪ ،‬والذي ُّ‬‫المضارع بقوله ْ‬
‫فالجملتان االستفهاميَّتَان واقعتان في الماضي في جهتَين مختلفتَين هما‪( :‬الماضي‬
‫ومعنوي)‬
‫ّ‬ ‫حوي‪،‬‬
‫(ن ّ‬‫لسبَبين َ‬
‫المستمر‪ ،‬والمستقبل في الماضي) وكان وقوعهما في الماضي َ‬
‫ّ‬
‫النحوي الذي اقتضى داللتهما على الماضي هو وقوعهما جواباً للشرط بـ(لو)‬
‫فالسبب ّ‬
‫استخدم زمناً‬
‫َ‬ ‫المعنوي‪ّ ،‬‬
‫فألنه لو‬ ‫ّ‬ ‫أما السبب‬
‫التي يأتي الفعل والجواب معها ماضيين‪ّ ،‬‬
‫غير الماضي في االستفهام أو السؤال (كالمستقبل مثالً) وقال‪ :‬هل ستتوّقف عن قول‬
‫أسترع أو ترتدع عن كذا وكذا‪ ،‬لتوّقف المستمع أو القارِئ ليف ّك َر بما سيكون‪،‬‬
‫كذا‪ ،‬أو ِ‬
‫بتغير األحوال عن قول كذا وكذا لجهله بما سيحدث وعدم ثقته من‬
‫الشك ّ‬
‫ّ‬ ‫وسينتابه‬

‫ع‪‌:‬أي‌تكف‪‌.‬‬
‫ّ‬ ‫‪‌-‌1‬ت َِر‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.369‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪154‬‬
‫ولكن استخدام ابن‬
‫مبني على المستقبل المجهول‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫صحة ما يفترضه ابن ِجّني؛ ّ‬
‫ألنه‬ ‫ّ‬
‫الدالة على الماضي‪ ،‬والتي‬
‫االستفهامية ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلنشائية‬
‫ّ‬ ‫ِجّني ألداة ّ‬
‫الشرط لو وجوابها الجملة‬
‫حقيقية خاضها المتلّقي سابقاً‪ ،‬ويعرف الجواب‬
‫ّ‬ ‫تضع ِ‬
‫القارئ أو المستمع‪ ،‬أمام تجربة‬
‫استفهامية‬
‫ّ‬ ‫قلت كذا) جمل ٌة‬
‫كنت َ‬
‫أكد من جوابه‪ ،‬فقوله‪( :‬لو سمعت كذا هل َ‬ ‫عليها ومت ٌ‬
‫مضم ٌن فيها‪ ،‬وال يتطّلب من المتلّقي جواباً‪ ،‬و إنما يحتاج منه أن يتذ ّكر ّأنه‬
‫ّ‬ ‫جوابها‬
‫االستفهامية أقوى دالل ًة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كان استخدام الماضي زمناً للجملة‬
‫قال سابقاً كذا وكذا‪ ،‬ولذلك َ‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬
‫وأكثر إيصاالً للمعنى من ّ‬
‫وي‬
‫الر ّ‬ ‫ظُّن َك إذا َ‬
‫كان َّ‬ ‫االستفهامية قوله‪" :‬فما َ‬
‫ّ‬ ‫اإلنشائية‬
‫ّ‬ ‫ومن استخدام ابن ِجّني للجمل‬
‫ظن َك) والثانية‬
‫استفهامية (ما ّ‬
‫ّ‬ ‫مقيداً[‪]...‬؟" (‪ ،)1‬فنرى في هذا المثال جملتين األولى‬
‫ّ‬
‫االستفهامية لرأينا‬
‫ّ‬ ‫منية في الجملة‬‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫قيداً)‪ ،‬ولو نظرنا إلى ّ‬
‫شرطية (إذا كان م ّ‬
‫ّ‬
‫كأن نقول‪ :‬ما‬‫الزمن‪ْ ،‬‬ ‫لكل زمان؛ أي ّإنها تحمل دالل ًة مطَلق َة ّ‬
‫ّأنها يمكن أن تصلح ّ‬
‫حدث هذا؟‬ ‫إن‬ ‫ظُّن َك بهذا العمل؟ (حاضرة)‪ ،‬وما ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ظُّن َك‬
‫َ‬ ‫ظن َك ْ‬ ‫بفعله؟ (ماضية)‪ ،‬وما َ‬ ‫َ‬
‫(مستقبلية)‪ ،‬بمعنى أن داللتها الزمنية مرتبطة بالسياق وقر ِ‬
‫ائنه المرافقة له‪ ،‬وهنا في هذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رطية وأداتها (إذا)‪ ،‬والتي عادةً ما‬ ‫قدمه ابن ِجّني‪ ،‬جاءت مع الجملة ّ‬
‫الش ّ‬ ‫المثال الذي ّ‬
‫إن الجملة‬‫صح القول‪َّ :‬‬
‫بالزمن المستقبل‪ ،‬كما في هذا المثال‪ ،‬ولذلك ّ‬ ‫ترتبط جملتها ّ‬
‫ِ‬
‫مستقبلية ل َما كان من ارتباطها المعنوي و ّ‬
‫السياقي‬ ‫ّ‬ ‫ظن َك) تحمل داللة‬
‫االستفهامية (ما ّ‬
‫ّ‬
‫مقيداً)‪.‬‬
‫الشرط (إذا كان ّ‬
‫بجملة ّ‬

‫الشرط‪:‬‬
‫‪ -5‬أثر أدوات ّ‬
‫أن األصل في الشرط أن يكو َن داالًّ على المستقبل‪ ،‬و‬
‫أشرنا في الفصل السابق إلى َّ‬
‫ضرب من التّوسع‪ ،‬فالمضارع هو األصل والماضي هو‬ ‫ٌ‬ ‫إن داللته على الماضي هي‬
‫ط والجواب إذا كانا‬
‫الشر َ‬
‫أن‪ّ " :‬‬‫الفرع في أسلوب الشرط‪ ،‬وهذا ما أ ّكده الم ّبرد الذي يرى ّ‬
‫مضارعين وافقا األصل؛ أل َّن المراد منهما االستقبال‪ ،‬وداللة المضارع عليه موافق ٌة‬
‫أصل لما خالفه‪ ،‬وإذا‬
‫ٌ‬ ‫افق الوضع‬
‫للوضع‪ ،‬وداللة الماضي عليه مخالفة للوضع‪ ،‬وما و َ‬
‫ألن المخالف‬
‫كانا ماضيين خالفا األصل[‪ ،]...‬وتقديم الموافق أولى من تقديم المخالف؛ ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.261‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪155‬‬
‫عما‬
‫الشرط غير مصروف ّ‬ ‫ليس نائباً؛ و َّ‬
‫ألن المضارع بعد أداة ّ‬ ‫نائب عن غيره‪ ،‬والموافق َ‬
‫ٌ‬
‫ضع له‪ ،‬إذ هو‬ ‫وِ‬
‫عما و َ‬
‫مصروف ّ‬
‫ٌ‬ ‫ض َع له‪ ،‬إذ هو باق على االستقبال‪ ،‬والماضي بعدها‬
‫ماضي اللفظ مستقبل المعنى‪ ،‬فهو ذو تغير في اللفظ دون المعنى‪ ،‬على تقدير ِ‬
‫كونه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫يتغير معناه‪".‬‬
‫فردته األداة ماضي اللفظ ولم ّ‬ ‫في األصل مضارعاً‪ّ ،‬‬
‫ونالحظ أن ابن ِجّني قد استخدم صيغة (فعل) مسبوق ًة بأدوات ّ‬
‫الشرط في كثير من‬
‫الشرح والتّوضيح والتّفصيل‪ ،‬أو‬
‫الشرط في سياق ّ‬
‫المواضع التي تقتضي منه استخدام ّ‬
‫الشرط بقابليته الكبيرة لدخول‬
‫يتميز أسلوب ّ‬
‫ظر‪ ،‬إ ْذ ّ‬‫رّبما التّخمين بحدوث شيء منت َ‬
‫الشرط والجواب‪ ،‬مثل‪( :‬األفعال الناقصة‪ ،‬وقد‪،‬‬
‫فعلي ّ‬ ‫السياقية على‬
‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬ ‫القرائن‬
‫ّ‬
‫النواصب‪ ،‬وغيرها[‪ ،)]...‬وقد ّنوع في استخدامه ألدوات‬ ‫السين‪ ،‬سوف‪ ،‬والجوازم و ّ‬‫و ّ‬
‫تخلو‬
‫ندر أن َ‬‫الشرط والجواب‪ ،‬حتى َ‬ ‫الشرط‪ ،‬كما نوع في استخدام القرائن قبل فعلي ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمني‬ ‫شرطية من هذه القرائن‪ ،‬مما جعل نصوصه منطوي ًة على كثير من الغنى‬ ‫جمل ٌة‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الشرط على الجمل التي يدخل عليها‪ ،‬وسنأتي على ذكر أكثر‬ ‫الذي يضفيه أسلوب ّ‬
‫للصيغة‬
‫زمنية ّ‬
‫هذه األدوات استخداماً في كتابه الخصائص بما حّققته من إضافة ّ‬
‫المفردة‪.‬‬
‫الشرط (لو)‪:‬‬
‫أ‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫اء أكان ما‬‫الزمن الماضي فعالً وجواباً‪ ،‬سو ٌ‬
‫يأتي بعد هذه األداة ّ‬ ‫عند ابن ِجني أن‬
‫درَج َ‬
‫ّ ْ َ‬
‫بالغية بقصد‬
‫ّ‬ ‫مرد ذلك لغاية‬
‫الزمن فعالً ماضياً أم مضارعاً‪ ،‬ورّبما كان ّ‬
‫عبر عن هذا ّ‬‫ي ّ‬
‫الداللة على تثبيت الحكم أو إشارةً منه إلى تحّققه‪ ،‬ونستشهد على ذلك بقوله‪ " :‬أال ترى‬
‫ّ‬
‫لقلت‪ :‬هذا قول البصريين" (‪ ،)2‬فجملة‬
‫سألت رجالً عن عّلة رفع زيد‪َ ]...[ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ّأن َك لو‬
‫الزمن الماضي لفظاً ومعنى‪،‬‬
‫الشرط (سألت) على ّ‬ ‫دل فيها فعل ّ‬
‫الشرط (لو سأْل َت لقْل َت) ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫أن ما يمكن مالحظته من خالل‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬إال َّ‬
‫وكذلك الجواب (لقلت) دال على ّ‬
‫محددة في‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي غير‬‫أن جه َة ّ‬
‫رطية‪ّ ،‬‬
‫الش ّ‬
‫السياق الذي وردت فيه هذه الجملة ّ‬ ‫ّ‬
‫زمنية في الماضي؛ إذ يكون‬
‫لكل جهة ّ‬
‫منية‪ ،‬بل ّإنها أقرب إلى اإلطالق فتصلح ّ‬
‫نقطة ز ّ‬
‫أي وقت مضى من اآلن عن عّلة رفع زيد‪ ،‬لكان‬
‫سألت في ّ‬
‫َ‬ ‫المعنى على ذلك‪ّ :‬أنك لو‬

‫ّ‬
‫من‪‌:‬هاني‌البطاط‪‌،‬ص‪.191‬‬ ‫ّ‬
‫مقولة‌الز‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.18‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪156‬‬
‫الشرط والجواب طبعاً _‬‫منية لفعلي ّ‬
‫الز ّ‬
‫الرتبة ّ‬
‫الجواب كذا وكذا _ مع الحفاظ على ّ‬
‫الزمن المطَلق هو ماض مطَلق‪ ،‬هو القرينة‬‫أن هذا ّ‬
‫السابق على ّ‬
‫والذي دّلنا في القول ّ‬
‫منية ساعدت‬‫الز ّ‬ ‫دال على الحاضر‪ ،‬إال َّ‬
‫أن داللتها ّ‬ ‫السياقية (أال ترى) فهي فعل مضارع ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط إلى ماض مطَلق‪ ،‬فقوله (أال ترى) فيه‬
‫الزمن المطَلق في جملة ّ‬
‫على تحويل ّ‬
‫حقيقية‬
‫ّ‬ ‫أن الرؤية قد حدثت فيما سبق في ذهن المتلقي‪ ،‬وهو على معرفة‬
‫دليل على ّ‬
‫سألت[‪ ]...‬لقلت‪ ،‬هي‬
‫َ‬ ‫بما حدث وثبتت عنده النتيجة‪ ،‬ولذلك فالقول‪ :‬أال ترى ّأنك لو‬
‫قلبية وليست بصرية وبالتالي فهي حاضر‬
‫معرفية ّ‬
‫ّ‬ ‫الرؤية هي رؤية‬ ‫ماض مطَلق‪َّ ،‬‬
‫ألن ّ‬
‫ألنه ال‬
‫تدل على مستقبل مطَلق‪ّ ،‬‬
‫الشرطية بعدها ال يمكن أن ُّ‬
‫في زمن التلّفظ‪ ،‬والجملة ّ‬
‫مرات كثيرة في نصوص‬ ‫الصيغة ّ‬
‫وردت هذه ّ‬
‫علم للمتلقي بشيء لم يعهده مسبقاً‪ ،‬وقد َ‬
‫ابن ِجّني‪.‬‬

‫نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬قوله‪ " :‬أال ترى ّأنهم لو استعملوا َ‬
‫لج َع مكان‬
‫مقامه‪ ، "...‬وقوله في موضع آخر‪ " :‬أال ترى ّأن َك لو حّق َ‬
‫رت تسروالً –وقد‬ ‫لقام َ‬
‫َن َج َع‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫رت)‪،‬‬
‫الشرط (استعملوا‪ ،‬حّق َ‬
‫أن أفعال ّ‬ ‫لقلت س َرْيل‪ ،)2( "...‬فنرى َّ‬
‫همزته‪ -‬تحقير الترخيم‪َ ،‬‬
‫الزمن الماضي‬
‫تدل على ّ‬
‫قلت) التي جاءت مع (لو) والقرينة (ترى) ُّ‬
‫وأفعال الجواب (قام‪َ ،‬‬
‫حددة‪.‬‬
‫المطَلق غير الم ّقيدة بجهة م ّ‬
‫زمنية أخرى‪ ،‬كما في قول‬
‫الشرط بعد لو مرّكباً‪ ،‬فيحمل داللة ّ‬‫أن يأتي فعل ّ‬‫ومن ذلك ّ‬
‫تشتق هذا‪ ،‬بأن تجمع بين معنى الصوت‪ ،‬وبين معنى (ع ق‬ ‫ُّ‬ ‫ابن ِجّني‪" :‬فلو ذهبت‬
‫كونة من‬
‫تشتق) م َّ‬
‫ُّ‬ ‫(ذهبت‬
‫َ‬ ‫الصيغة المرّكبة‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫ى‬ ‫فنر‬ ‫‪،‬‬‫(‪)3‬‬
‫عسَف ْت‪".‬‬
‫عنك وتَ َّ‬
‫ر) َلبع َد َ‬
‫السياق على‬ ‫ُّ‬
‫جردة من ّ‬
‫الصيغتين( فعل‪ ،‬ويفعل)‪ ،‬اللتين تدالن في حالتهما المفردة الم ّ‬ ‫ّ‬
‫تحدث به ابن ِجّني‬
‫السياق الذي ّ‬‫أن ّ‬ ‫منين الماضي والمضارع على التّرتيب‪ ،‬غير ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫المقيد‬
‫ّ‬ ‫يستلزم أن تكون داللة الفعلين المرّكبين معاً هي ّ‬
‫الداللة على المستقبل غير‬
‫الشرط الذي جاء بصيغة الماضي‪ ،‬إال َّ‬
‫أن داللته‬ ‫زمنية‪ ،‬وكذلك األمر مع جواب ّ‬
‫بجهة ّ‬
‫الشرط مستقبل‪ ،‬وال يمكن للجواب‬ ‫منية ال يمكن أن تكون ماضية؛ وذلك َّ‬
‫ألن فعل ّ‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫السبب‪،‬‬
‫النتيجة ّ‬
‫أن يسبق الفعل زمنياً‪ ،‬تماماً كما ال يجوز أن يسبق المعلول العّلة‪ ،‬أو ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.65‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.141‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.66‌/1‌،‬‬

‫‪157‬‬
‫(بع َد) هي المستقبل أيضاً‪ ،‬ومجيئه بصيغة الماضي كان لضرب‬ ‫ولذلك َّ‬
‫فإن داللة الفعل َ‬
‫ينزل منزلة الماضي المتحّقق‬ ‫ِ‬
‫من التأكيد والتثبيت لحكمه‪ ،‬إ ْذ أراد ابن جّني للجواب أن َ‬
‫ونحوية واضحة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالغية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قوةٌ‬
‫رفي هو الماضي‪ ،‬وفي هذا ّ‬ ‫أن زمنه الص‬
‫في المستقبل رغم ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الشرط لو‪ ،‬قول أبي‬
‫الشرط والجواب مضارعين بعد أداة ّ‬ ‫ومن األمثلة على مجيء فعلي ّ‬
‫كأنها بمعنى األخرى ْلم َي ْ‬
‫جز لك‬ ‫تجذب إحداهما إلى ّأنها ّ‬
‫ْ‬ ‫الفتح‪ " :‬أفال ترى ّأنك لو ْلم‬
‫الصيغة‬
‫الشرط والجواب مضارعين مجزومين في ّ‬
‫(إن) بها" ‪ ،‬فقد جاء بفعَلي ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫إلحاق ْ‬
‫الزمن الماضي‪.‬‬
‫الشرطية كك ّل فهي ّ‬
‫أما داللة الجملة ّ‬
‫الزمن‪ّ ،‬‬
‫ماضيين في ّ‬
‫مؤول دال على المستقبل‪ ،‬ويكو َن‬ ‫الشرط الماضي مقترناً بمصدر ّ‬ ‫ومنه أن يأتي فعل ّ‬
‫َعل‪،‬‬
‫شنئي فأ َّ‬ ‫جوابه مضارعاً مجزوماً دالًّ على الماضي‪ ،‬كقوله‪ " :‬ومن قال في شنوءة‪:‬‬
‫ّ‬
‫دي‪ْ ،‬لم َيج ْز‬
‫يقول في نحو َج َرادة‪َ :‬ج َر ّ‬
‫أن َ‬ ‫فإنه ال يقول في نحو جرادة [‪ ،]...‬ولو جاز ْ‬
‫ّ‬
‫الشرط في هذه الجملة ماضياً‬ ‫وع َجامة‪ ، "...‬فقد جاء فعل ّ‬ ‫ذلك في نحو َح َمامة َ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬
‫أن اقترانه مع‬
‫زمنياً على المستقبل‪ ،‬إال ّ‬
‫يدل ّ‬‫يقول) والذي ُّ‬
‫(أن َ‬
‫المؤول ْ‬
‫ّ‬ ‫مقترناً بالمصدر‬
‫الزمن الماضي المطَلق‪ ،‬فإن قال قائل‬‫حول داللته إلى ّ‬
‫السياق‪ّ ،‬‬
‫الفعل الماضي في هذا ّ‬
‫بأنه يحتمل أن يكون ذا داللة مستقبلية على سبيل االحتمال والتَّ ُّ‬
‫وقع الذي يوحي به‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫السياقية التي سبقت جملة‬ ‫فالرُّد على ذلك يكون بالتّنبيه على القرينة ّ‬
‫الفعل (جاز)‪َّ ،‬‬
‫الشرط‪ ،‬وهي الفعل الماضي (زمناً وصيغ ًة) في قوله‪( :‬ومن قال في شنوءة‪َّ ،‬‬
‫فإنه ال‬ ‫ّ‬
‫فإن جواب‬‫الشرط معطوف ًة عليها معنى وزمناً‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫يقول[‪ ،]...‬والتي جاءت جملة ّ‬
‫ً‬
‫بالنسبة‬
‫ستقبل ّ‬
‫أن هذا الماضي م ٌ‬ ‫الشرط جاء مضارعاً مجزوماً داالًّ على الماضي‪ ،‬غير ًّ‬
‫ّ‬
‫الدرس الحديث (المستقبل في‬ ‫يسمى في ّ‬‫الشرط‪ ،‬وماض حكماً‪ ،‬أو ما ّ‬ ‫إلى فعل ّ‬
‫الماضي)‪.‬‬
‫استفهامية‪ ،‬لتحمل داللة‬
‫ّ‬ ‫إنشائية‬
‫ّ‬ ‫ومن الحاالت التي قد تظهر بها (لو) في سياق جملة‬
‫ِ‬
‫الضيفان الكثيرون! "(‪،)3‬‬ ‫مغايرةً لما هو معتاد‪ ،‬قول ابن ِجّني‪ " :‬فما َ‬
‫ظُّن َك به لو ّنزَل به‬
‫االستفهامية خرجت إلى معنى التّعجب‪ ،‬وقد دّلت‬
‫ّ‬ ‫أن الجملة‬
‫والمالحظ من هذه الجملة ّ‬
‫الشرطية على هذه الجملة لتكسبها‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ثم دخلت لو ّ‬‫ظنك) على ّ‬‫صيغة (ما ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.110‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.117‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.206‌/2‌،‬‬

‫‪158‬‬
‫أن يكون‪،‬‬
‫آخر‪ ،‬وذلك عن طريق إعمال ذهن المتلّقي بتخيُّل ما يمكن ْ‬ ‫داللياً‬
‫ّ‬ ‫معنى‬
‫ً‬
‫ألن‬
‫الزمن المطَلق‪ ،‬وذلك ّ‬‫االستفهامية‪ ،‬وجاءت في ّ‬
‫ّ‬ ‫السياق الجملة‬
‫هذا ّ‬ ‫فناسبت في‬
‫موجود‪ ،‬وبالتالي فهي غير محدودة بزمن تكون فيه‪ ،‬كما ّأنها في هذا‬ ‫جوابها غير‬

‫فأفادت معنى االحتمال أو التّوقع‪ ،‬لتثري ّ‬


‫النص بدالالت‬ ‫ْ‬ ‫السياق جاءت بمعنى إذا‪،‬‬‫ّ‬
‫السؤال (فما‬
‫فإن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إيحائية قصد ابن ِجّني‬
‫وضعها‪ ،‬ليجعل المتلّقي متفاعالً معه‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ستقبل‪ ،‬ألن المعنى سيصبح‪:‬‬
‫الزمن الم َ‬‫ظن َك) انتقل من الماضي –بفعل (لو)‪ -‬إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن المطَلق‪.‬‬ ‫(كيف سيكون ّ‬
‫ظنك به لو نزل به؟!) وهذا بتأثير داللة لو على ّ‬
‫تعارف‬
‫ٌ‬ ‫عما هو م‬
‫رفية سبباً في إكساب جملة (لو) زمناً آخر ّ‬
‫ظ ّ‬‫أو قد تكون القرينة ال ّ‬
‫عليه‪ ،‬ومن ذلك قول ابن ِجّني‪ " :‬فلو ذهبوا يعملونها فيما بعد لنقضوا ما أجمعوه" (‪،)1‬‬
‫المستمر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي‬‫دال على ّ‬‫السابقة (ذهبوا يعملونها) ّ‬‫الشرط في الجملة ّ‬‫ففعل ّ‬
‫رطية‬
‫الش ّ‬
‫للزمن الماضي‪ ،‬إذاً فالجملة ّ‬ ‫جاء بصيغة الماضي حامالً ّ‬ ‫وجوابه (لنقضوا) َ‬
‫لكل‬
‫متمعن ًة ّ‬
‫أن نظرةً ّ‬ ‫غير َّ‬
‫األولية للجملة‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫النظرة‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬فهذه هي ّ‬ ‫تدل على ّ‬
‫ُّ‬
‫زمن‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫مكونات هذه الجملة‪ ،‬ت ّبين لنا أنها تحمل زمناً مغاي اًر‪ ،‬أي ّ‬
‫ّ‬
‫رفية (فيما بعد)‬
‫ظ ّ‬ ‫رطية‪ ،‬وما ساعد في ذلك هو القرينة ال ّ‬
‫الش ّ‬
‫تدل عليه جملة (لو) ّ‬
‫قّلما ُّ‬
‫والتي نقلت زمن الجملة من الماضي إلى المستقبل‪ ،‬لتصبح وكأنها مشروطة بـ(إذا)‪،‬‬
‫الداللة‪.‬‬
‫ولذلك حملت هذه ّ‬
‫رطية في فقرة واحدة‪ ،‬فقد لجأ إليها ابن ِجّني بهدف التّأكيد على‬
‫الش ّ‬
‫أما تكرار جملة لو ّ‬
‫ّ‬
‫ما يقول ويشرح‪ ،‬ونرى هذا التّكرار منتش اًر في كتابه الخصائص بكثرة‪ ،‬ومنها قوله‪" :‬‬
‫فت تصحيح فاء ميزان‪ ،‬وميعاد‪ ،‬لقدرت على ذلك[‪ ]...‬وكذلك لو آثرت‬
‫اك لو تكّل َ‬
‫أال تر َ‬
‫تصحيح فاء م ِ‬
‫وسر وموِقن‪ ،‬لقدرت على ذلك[‪ ]...‬وكذلك لو نصبت الفاعل [‪]...‬لكنت‬
‫السابقة ماضياً‬ ‫الجمل‬ ‫لكل‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫مقتد اًر على النطق بذلك‪ ،)2( "...‬فقد جاء استخدام ابن ِ‬
‫ج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رطية دون غيرها في هكذا‬‫الش ّ‬
‫أما عن سبب اختياره لجملة (لو) ّ‬ ‫في اللفظ والمعنى‪ّ ،‬‬
‫تدل عليه هذه الجملة من مضي ينطوي على إثبات وتأكيد‪،‬‬
‫اجع إلى ما ُّ‬
‫موضع‪ ،‬فهو ر ٌ‬
‫ّ‬
‫تدل على‬
‫بإمكانية حدوث كذا وكذا كما في جملة (إذا) التي ُّ‬
‫ّ‬ ‫فهو ال يقصد االحتمال‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.274‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.145‌/1‌،‬‬

‫‪159‬‬
‫يدل على التّأكيد على تحقق كذا وكذا حتماً‪ ،‬وهذا ما يقتضيه شرح القاعدة‬
‫المستقبل‪ ،‬بل ُّ‬
‫المستقبلية القائمة على االحتمال والتوّقع بحدوث‬
‫ّ‬ ‫رفية‪ ،‬بعيداً عن الجمل‬
‫الص ّ‬
‫حوية أو ّ‬
‫الن ّ‬
‫ّ‬
‫محددة‪ -‬وقد ساعد في تأكيد هذه الجملة دخول الالم على‬
‫اضع ّ‬ ‫كذا وكذا – ّإال في مو َ‬
‫أن ابن ِجّني‬
‫الداللة على المضي‪ ،‬ونرى ّ‬
‫كل الجمل السابقة‪ ،‬والتي تفيد ّ‬
‫جواب (لو) في ّ‬
‫فرق بين هذه الالم والالم الداخلة على المضارع في جواب (لو‪ ،‬ولوال) كما رأينا في‬
‫قد ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الفصل السابق من البحث‪.‬‬
‫يدل على نفي الماضي التام غير المحدد‬ ‫أن المرّكب (لو فعل) ُّ‬
‫يحاني إلى ّ‬‫ويذهب الر‬
‫ّ‬
‫وتكن بمعناها الشرطي المعروف‪ ،‬وقد‬ ‫ْ‬ ‫(إن)‪ ،‬ولم‬
‫بجهة زمني ّة وذلك إذا جاءت بمعنى ْ‬
‫ّ‬
‫الفراء‬
‫استشهد الريحاني في رأيه بقول ابن فارس في الصاحبي الذي يقول‪ " :‬وكان ّ‬
‫الك ِافرو َن﴾(‌التوبة‌﴿‪ ، )﴾32‬بمعنى‬
‫﴿وَلو َك ِرهَ َ‬
‫جل ذكره‪َ :‬‬‫(إن) قال ّ‬
‫يقول‪( :‬لو) يقوم مقام ْ‬
‫ألن (لو) ال بَّد لها من جواب ظاهر‬
‫(إن) القتضت جواباً؛ ّ‬
‫(إن َكرهَ) ولوال ّأنها بمعنى ْ‬
‫ْ‬
‫أو مضمر" (‪.)2‬‬
‫مجيء األفعال الناقصة في جملة لو‪:‬‬
‫رطية بكثرة‪ ،‬فتشغل موقع الفعل أو الجواب أحياناً‪،‬‬
‫الش ّ‬
‫الناقصة في الجمل ّ‬
‫تقع األفعال ّ‬
‫وتقترن مع فعل ّ‬
‫الشرط أو مع الجواب أحياناً أخرى‪ ،‬لتكسب الفعل والجملة عامة مدلوالً‬
‫الشرطية‬
‫زمنياً مختلفاً عن مدلولها األصلي‪ ،‬ومن أمثلة وقوعها فعالً للشرط في الجملة ّ‬
‫لكسرت الوزن " (‪ ،)3‬فنرى أن‬
‫َ‬ ‫المصدرة ب ـ (لو)‪ ،‬قول ابن ِجّني‪" :‬ولو كانت فيه حركة‬
‫ّ‬
‫الشرطية‬
‫الزمن الماضي وبالتالي أصبحت داللة الجملة ّ‬‫داللة الفعل الناقص (كان) هي ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ومثلها أيضاً‪ " :‬فلو كانت التاء في ضربت َك هي العاملة في‬‫كلها هي ّ‬
‫للشرط‪ ،‬فقوله متابعاً للقول‬
‫الناقص جواباً ّ‬
‫أما مجيء الفعل ّ‬ ‫لفسد ذلك " (‪َّ ،)4‬‬
‫الكاف‪َ ،‬‬
‫متحركة لصار من الكامل‪ ،)5( ".‬فداللة الفعل الماضي‬
‫ّ‬ ‫اعتدت القاف‬
‫السابق‪ " :‬ولو ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن المستقبل‬
‫دال على ّ‬
‫الزمن الماضي المطَلق‪ ،‬والجواب ماض ناقص ّ‬
‫(اعتدت) هي ّ‬
‫ّ‬
‫النحويين‬
‫تحدث الكثير من اّللسانيين و ّ‬
‫الشرط‪ ،‬وقد ّ‬
‫في الماضي بالنسبة إلى فعل ّ‬
‫‪‌-‌1‬يُنظر‪‌:‬الفصل‌الثالث‌من‌البحث‪‌،‬ص‌‪‌.119‬‬
‫ي‌في‌الدراسات‌النّحويّة‌الوصفيّة‌المعاصرة‌قراءة‌في‌المصطلح‪‌:‬أ‪.‬م‪.‬د‪.‬لمى‌عبد‌القادر‌خنياب‪‌،‬جامعة‌القادسية‪‌‌،‬‬ ‫ّ‬
‫ُنظر‪‌:‬التعبير‌الزمن ّ‬ ‫‪‌ 2‬ي‬
‫كلية‌اآلداب‪‌،‬الدّيوانيّة‌–العراق‪(،‬د‪.‬ت)‪‌،‬ص‪‌.28‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.73‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬
‫‪‌-‌4‬المصدر‌السّابق‪‌.103‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌5‬المصدر‌السابق‌نفسه‪‌.‬‬

‫‪160‬‬
‫الداللة (المستقبل في الماضي) والتي نراها واضحة في قول ابن‬ ‫ِ‬
‫الم ْح َدثين حول هذه ّ‬
‫مضمن ًة في كالمه وشروحاته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عالنية‪ ،‬بل نراها‬
‫ّ‬ ‫ِجّني وإن لم ّ‬
‫يصرح بها‬
‫أما مجيء األفعال الناقصة مرّكب ًة مع فعل آخر فمثالها‪ ،‬قوله‪ " :‬لو كان تقديره‪ :‬الناقة‬
‫ّ‬
‫وراكب الناقة طليحان‪ ،‬لكان قد حذف حرف العطف َّ‬
‫وبقى المعطوف به‪ ،)1( "...‬فقد‬
‫الشرط في هذه الجملة فعالً ناقصاً وهو (كان) الذي أشرنا سابقاً إلى داللته‬
‫جاء فعل ّ‬
‫الشرط في هذه الجملة فهو عبارة عن صيغة مرّكبة من الفعل‬ ‫أما جواب ّ‬
‫الماضية‪ّ ،‬‬
‫تدل‬
‫ف)؛ إذ ُّ‬ ‫(ح َذ َ‬
‫الناقص(كان) وحرف التحقيق (قد) مقترنا مع صيغة الماضي َف َع َل َ‬
‫الزمن الماضي المتحّقق الذي يقترب زمن تحققه من لحظة التّكلم‬ ‫فعل) على ّ‬
‫صيغة (قد َ‬
‫منية‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الملفوظية)‪ ،‬لتصبح ّ‬
‫ّ‬ ‫التي تكون زمن الحاضر بالنسبة للمتكّلم (زمن‬
‫الزمن الماضي في هذه‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وينقسم ّ‬ ‫الداللة على ّ‬‫الشرطية هي ّ‬
‫للجملة ّ‬
‫األول في‬
‫الشرط‪ ،‬وماض يلي ّ‬
‫عبر عنه فعل ّ‬‫الجملة إلى قسمين‪ :‬ماض متحقق والذي ي ّ‬
‫الزمن من الفعل‬
‫الزمن مباشرةً؛ أي قريب التحقق من لحظة الكالم‪ ،‬كما ّأنه قريب في ّ‬
‫ّ‬
‫األول (كان)‪ ،‬وحتّى يؤّكد على تحقق الجواب بعد تحقق الفعل‪ ،‬عطف على الجواب‬ ‫ّ‬
‫أما زمنها فهو الماضي‪ ،‬وهو الفعل‬
‫تدل على التأكيد والمبالغة ّ‬
‫(فع َل) التي ُّ‬
‫بصيغة ّ‬
‫(بّقى)‪.‬‬
‫المحل الواحد ساكناً‪"...‬‬
‫َ‬ ‫أن يكون‬
‫لوجب ْ‬
‫َ‬ ‫اجتمعا‬
‫َ‬ ‫ومن األمثلة على ذلك أيضاً قوله‪ " :‬لو‬
‫صرفياً‬
‫ّ‬ ‫الشرط (لو) جاء ماضياً لفظاً ومعنى‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الشرط (اجتمعا) بعد حرف‬
‫ّ‬ ‫(‪ ،)2‬ففعل‬
‫جاء ماضياً مرّكباً مع الفعل الناقص المضارع والذي جاء‬
‫أما الجواب فقد ً‬‫ونحوياً‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الزمن المستقبل‪،‬‬
‫يدل على ّ‬
‫أن ُّ‬
‫المؤول ْ‬
‫ّ‬ ‫(أن يكون) والغالب في المصدر‬‫مؤوالً ْ‬
‫مصد اًر ّ‬
‫السياق على‬
‫يدل في هذا ّ‬
‫(وجب) الذي ُّ‬
‫َ‬ ‫وقد جاء هذا المصدر مقترناً مع الفعل الماضي‬
‫السياق‬
‫دل في هذا ّ‬‫المؤول الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬لوقوعه جواباً لـ(لو) ومثله المصدر‬
‫ّ‬
‫الشرط‪،‬‬
‫بالنسبة لفعل ّ‬
‫ّ‬ ‫أن هذا الماضي‪ ،‬يمكن اعتباره مستقبالً‬ ‫أيضاً على الماضي‪ ،‬غير ّ‬
‫زمنياً‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألنه حدث يليه ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.290‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.149‌/1‌،‬‬

‫‪161‬‬
‫الزمن المستقبل فهي نادرة‪ ،‬وال تكون داللتها عليه‬
‫رطية على ّ‬
‫الش ّ‬
‫أما داللة جملة (لو) ّ‬
‫ّ‬
‫السياق الذي تقع فيه‪ ،‬حتى و إن كانت مقترن ًة باألفعال الناقصة‬
‫بنفسها‪ ،‬بل بواسطة ّ‬
‫الزمن إلى الماضي‪ ،‬ومن الشواهد على ذلك‪ ،‬ما قاله ابن‬ ‫التي من عادتها أن تنقل ّ‬
‫ِجّني‪ " :‬ولن تخلو القاف المحذوفة ْ‬
‫أن تكو َن األولى أو الثانية؛ َفيبعد أن تكون األولى؛‬
‫أن جملة (لو)‬
‫ألنه لو حذفها لصار التقدير به في الواحد إلى خنفيق‪ ، "...‬فنالحظ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬باستخدام الفعل المضارع‬
‫تدل على ّ‬
‫الشرطية سبقت بصيغ متنوعة ُّ‬ ‫ّ‬
‫مؤول‪ ،‬ثم المضارع المقترن بالمصدر‬‫المنصوب‪ ،‬والمضارع الناقص كمصدر ّ‬
‫ُّ‬
‫أن تكون) وجميعها صيغ تدلنا على داللة ّ‬
‫زمنية واحدة هي المستقبل‪ ،‬على‬ ‫المؤول(يبعد ْ‬
‫ّ‬
‫رطية كتعليل لما سبقها‪ ،‬وجاءت‬ ‫الش ّ‬‫ثم تأتي الجملة ّ‬
‫اختالف جهاته بين قريب وبعيد‪َّ ،‬‬
‫(ألنه إذا حذفها صار التقدير[‪ ،]...‬وبما ّأنها تحمل داللة (إذا)‬
‫بمعنى (إذا)‪ ،‬والتقدير‪ّ :‬‬
‫التي من شأنها أن تكون داّل ًة على المستقبل‪ ،‬كما وقعت تفسي اًر للجمل التي قبلها والتي‬
‫عية‬ ‫ُّ‬
‫شكية توق ّ‬
‫الشرطية تحمل دالل ًة ّ‬
‫كانت داّلة على المستقبل‪ ،‬فإن (لو) في هذه الجملة ّ‬
‫مجهول‬
‫ٌ‬ ‫قائمة على االحتمال‪ ،‬وهذا ما يكون عادةً داالً بطبيعته على المستقبل‪ ،‬ألنه‬
‫الزمن‬
‫السياق على ّ‬
‫ومبني على افتراضات‪ ،‬ولذلك جاءت جملة (لو) دال ًة في هذا ّ‬
‫ٌّ‬
‫المستقبل‪.‬‬

‫الشرط (لوال)‪:‬‬
‫ب‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وكان استخدامه لهذه األداة‬ ‫استخدم ابن ِجّني هذه األداة م ّ‬
‫عب اًر بها عن ّ‬
‫أن تأتي بعدها‬ ‫رطية‪ ،‬والمألوف في هذه األداة‬
‫الش ّ‬
‫قليالً‪ ،‬إذا ما قارّناه بغيرها من األدوات ّ‬
‫ْ َ‬
‫الظرفية التي‬
‫السياقية و ّ‬ ‫االسمية‪ ،‬وهي كغيرها من األدوات تقترن جملتها بالقرائن ّ‬
‫ّ‬ ‫الجملة‬
‫منية التي كانت تشير إليها هذه‬
‫الز ّ‬
‫الزمن أو الجهة ّ‬
‫السياق‪ -‬في تغيير ّ‬ ‫تسهم –بمساعدة ّ‬
‫الصيغ بدون القرائن‪ ،‬ونذكر لذلك دليالً من قول ابن ِجّني‪ " :‬ولوال َ‬
‫قولك في حال واحدة‬ ‫ّ‬
‫يدل في هذا‬ ‫لفسدت العّلة‪ ،)2( "...‬فنرى َّ‬
‫أن ما جاء بعد لوال هو المصدر (قول َك) الذي ُّ‬
‫ِ‬
‫حدوث فعل بعده وهو عدم فساد‬ ‫الزمن الماضي التام‪ ،‬والذي كان سبباً في‬‫المثال على ّ‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.62‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.149‌/1‌،‬‬

‫‪162‬‬
‫َّب عن القول‪ ،‬ولذلك‬ ‫الزمن‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ولكنه مسب ٌ‬ ‫العّلة في قوله‪( :‬لفسدت العلة)‪ ،‬وهو ماض في ّ‬
‫ولكن الحدث‬
‫األول؛ إذاً في هذه الجملة َحدثَان ماضيان‪ّ ،‬‬
‫فهو مستقبل بالنسبة للحدث ّ‬
‫األول؛‬ ‫ِ‬
‫مستقبل بالنسبة إلى الحدث ّ‬ ‫ٌ‬ ‫األول سبب لعدم وجود الحدث اآلخر ولذلك فهو‬
‫ّ‬
‫الشرطية (لوال) على‬
‫ّ‬ ‫أفادته األداة‬
‫األول‪ ،‬هذا ما َ‬
‫أي امتناع حدوث الثاني لوجود الحدث ّ‬
‫زمن الجملة‪.‬‬
‫ذكر فيها (لوال) وبعدها الفعل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن األمثلة التي وجدت في نص ابن جّني والتي َ‬
‫الضم‬
‫ُّ‬ ‫الماضي وكان فيها الجواب ماضياً ناقصاً‪ ،‬قوله‪ " :‬ولوال ما أوردته في هذا لكان‬
‫(صيغ ًة‬ ‫الزمن الماضي لفظاً‬‫مكان الكسر" ‪ ،‬فقد دّلت هذه الجملة كامل ًة على ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫كما في‬ ‫زمنياً‬
‫الحدثَين ّ‬
‫نحوياً)‪،‬مع األخذ بعين االعتبار لترتيب َ‬
‫ومعنى (زمناً ّ‬ ‫صرفية)‪،‬‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫جاء في قوله‬‫المثال السابق‪ ،‬فقد كان أحدهما سبباً لعدم وجود اآلخر أيضاً‪ ،‬ومثلها ما َ‬
‫عرض من صناعة اللفظ[‪ ]...‬لكان توكيدها جائ اًز " (‪،)2‬‬‫َ‬ ‫في موضع آخر‪ " :‬لوال ما‬
‫منية هي نفسها في المثال األسبق‪.‬‬
‫الز ّ‬
‫فالداللة ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط (إذا)‪:‬‬
‫ج‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫الزمان‪ ،‬وال يشترط في هذا المستقبل أن يكون‬
‫بأنها ظرف لما يستقبل من ّ‬
‫تعرف إذا ّ‬
‫إن الغالب أن يأتي بعده ماض يحمل في‬ ‫عب اًر عنه بالفعل المضارع أو األمر‪ ،‬بل ّ‬
‫م ّ‬
‫أن الظرف هو الوعاء الذي يحتوي‬‫مستقبلياً‪ ،‬وذلك على اعتبار ّ‬
‫َّ‬ ‫معناه مدلوالً زمنياً‬
‫الشرط (إذا) هو حدث في‬
‫يعبر عنه الفعل الماضي بعد أداة ّ‬
‫الحدث‪ ،‬والحدث الذي ّ‬
‫المستقبل القريب أو البعيد بحسب القرائن التي تضام إليه‪ ،‬وقد َكثرت استخدامات ابن‬
‫ِ‬
‫وشروحاته‪ ،‬كما ّنوع في القرائن والضمائم التي‬ ‫ِجّني لجملة (إذا) في سياق حديثه‬
‫تضاف لجملتها‪ ،‬والتي كان من ِ‬
‫شأنها إغناء وإثراء الجملة والتركيب كامالً من الناحية‬
‫ِ‬
‫وسنستعرض أبرز هذه االستخدامات‪ ،‬وأكثرها أث اًر على المعنى‬ ‫اللية‪،‬‬
‫الد ّ‬‫منية و ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫وّ‬
‫كثر استخدام ابن ِجّني لهذه األداة مرافقة للفظة (أال ترى)‪ ،‬كما نرى ذلك بوضوح في‬
‫استصوب ّأديتهما بحالهما‪ ،‬ولم تتجاوز ما‬
‫َ‬ ‫قوله‪ " :‬أال ترى ّأنك إذا ْ‬
‫سمع َت‪ :‬استحوَذ و‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.281‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.288‌/1‌،‬‬

‫‪163‬‬
‫أن نرّكز في هذا المثال على أكثر من جانب حتى نحصل على‬‫ورد‪ ، "...‬إذ يجب ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫رطية‬
‫الش ّ‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬والجملة ّ‬
‫تدل على ّ‬
‫الصحيحة‪ ،‬فجملة (أال ترى) ُّ‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬والفعل المعطوف على جواب ّ‬
‫تدل على ّ‬
‫(إذا سمعت ّأديتهما) ُّ‬
‫(لم تتجاوز) هو فعل مضارع مسبوق بنفي بــ(لم) والتي من صميم اختصاصها قلب‬
‫الصيغة‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬فداللة ّ‬
‫زمن الفعل المضارع من الحاضر أو المستقبل إلى ّ‬
‫السياق‬
‫مجردة من ّ‬
‫الصيغ األربعة ّ‬
‫السابقة هي الماضي‪ ،‬هذه هي الدالالت المفردة لهذه ّ‬
‫الزمن الذي وصفناها به نحوياً وليس صرفياً‪ -‬فإذا نظرنا إليها مجتمعة‬
‫‪-‬و إن كان ّ‬
‫السابق –وهللا أعلم‪ -‬هي‬
‫ستنبطة من القول ّ‬
‫منية الم َ‬
‫الز ّ‬ ‫في جملة واحدة نرى أن ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫المستقبل‪ ،‬ولكن هذا المستقبل بالنسبة إلى ابن ِجّني هو ماض وليس مستقبالً‪ ،‬وذلك‬
‫تدل على معرفة مسبقة باألمر الذي‬‫بفعل القرينة (أال ترى) التي أشرنا سابقاً إلى َّأنها ُّ‬
‫عهدية؛ أي ( ألم تعهد‬
‫ّ‬ ‫يتحدث عنه ابن ِجّني وهذه المعرفة ليست معرف ًة حقيقة‪ ،‬و إنما‬ ‫ّ‬
‫الزمن‬
‫ككل واحدة هي ّ‬ ‫منية للجملة ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ّأنه إذا كان كذا وكذا[‪]...‬؟‪ ،‬فأصبحت ّ‬
‫الشرطية فداللتها هي المستقبل لو نظرنا إليها مفردةً‪ ،‬ولذلك قلنا‬
‫أما الجملة ّ‬
‫الماضي‪ّ ،‬‬
‫السياق هي المستقبل في الماضي‪.‬‬‫منية في هذا ّ‬
‫الز ّ‬ ‫َّ‬
‫أن داللتها ّ‬
‫ومن أمثلة داللة إذا على المستقبل‪ ،‬قول ابن ِجّني‪ " :‬فإذا َ‬
‫ثبت بما أوردناه ما أردناه‪،‬‬
‫الشرط إذا الفعل الماضي شرطاً وجواباً‪ ،‬إال‬
‫قت‪ ، "...‬فقد جاء بعد أداة ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫علمت وتَحّق َ‬
‫َ‬
‫الزمن الماضي‬ ‫الشرط والجواب على ّ‬
‫منية هي المستقبل‪ ،‬رغم داللة فعلي ّ‬
‫الز ّ‬ ‫َّ‬
‫أن داللته ّ‬
‫لك الحقاً‬
‫بت َ‬
‫السياق؛ أي إذا ثَ َ‬
‫صرفياً‪ ،‬إال ّأنهما حمال دالل ًة مستقبلية في ضوء هذا ّ‬
‫كذا وكذا‪ ،‬علمت بعدها كذا وكذا‪.‬‬
‫الشرط إذا‪ ،‬فال تقتصر على‬ ‫الزمن الماضي بعد أداة ّ‬
‫الشرطية على ّ‬‫أما داللة الجملة ّ‬‫ّ‬
‫ولكن داللتهما‬
‫الشرط أو جوابه مضارعين‪ّ ،‬‬ ‫وجود الفعل الماضي فقط‪ ،‬فقد يكون فعل ّ‬
‫ِ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬كما نرى في قوله‪ " :‬وإذا لم َيق ْم عليه ٌ‬
‫دليل‬ ‫السياقية تشير إلى ّ‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط في القول السابق مضارعاً مجزوماً بـ(لم) التي‬
‫بطل إضماره " ‪ ،‬فقد جاء فعل ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫َ‬
‫الزمن من المستقبل أو الحاضر إلى الماضي‪ ،‬وجاء الجواب‬ ‫أشرنا إلى دورها في قلب ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.99‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.105‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‌نفسه‪‌.‬‬

‫‪164‬‬
‫الزمن‬
‫أن ّ‬‫للصيغة‪ ،‬غير َّ‬
‫السياق المفرد ّ‬
‫ال على الماضي في ّ‬‫الد ّ‬
‫ماضياً بالفعل الماضي ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬والمعنى ّأننا إذا لم نحصل على‬
‫رطية كاملة هو ّ‬ ‫النحوي للجملة ّ‬
‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫دليل على كذا في المستقبل‪ ،‬فسيبطل كذا وكذا‪.‬‬
‫رطية على المستقبل أو غيره ليست حك اًر على صيغة دون أخرى‪،‬‬
‫الش ّ‬
‫إذاً فداللة الجملة ّ‬
‫فرأينا الماضي داالًّ على المستقبل كما رأينا صيغة المضارع داّل ًة على الماضي في‬
‫تدل عليه أيضاً‪ ،‬وذلك إذا توافرت لها بيئ ٌة‬
‫أن ُّ‬
‫المثال السابق‪ ،‬ويمكن ألي صيغة ْ‬
‫الزمن هو‬ ‫دل على ّ‬ ‫أن ما ّ‬‫السياق‪ ،‬ونرى في هذا المثال َّ‬
‫حاضنة‪ ،‬وهذه البيئة هي ّ‬
‫الزمن‪ ،‬يقول ابن ِجّني‪ " :‬فإذا َر ْ‬
‫دد َت‬ ‫لعب دوره في تغيير هذا ّ‬
‫السياق َ‬ ‫المصدر‪ ،‬و أن ّ‬
‫الشرط هنا ماضياً‬‫متحرك ًة‪ ، " ...‬فجاء فعل ّ‬
‫العين بحالها ّ‬
‫قر َ‬ ‫أن ي َّ‬
‫الالم فمذهب سيبويه ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫(مذهب)‬ ‫أما الجواب فهو المصدر َ‬ ‫مستقبلية‪ّ ،‬‬


‫ّ‬ ‫زمنية‬
‫النظرة األولى له ّأنه يحمل داللة ّ‬ ‫وّ‬
‫دال‬
‫اب أيضاً ٌّ‬ ‫بأن الجو َ‬ ‫(أن ي ِق َّر)‪ ،‬والمنطق ّ‬
‫النظر ّي يقول ّ‬ ‫مؤول هو ْ‬ ‫وبعدها أتى بمصدر ّ‬
‫الشرطية يقول غير ذلك‪،‬‬ ‫على المستقبل‪ ،‬ولكن السياق الذي جاءت ِ‬
‫فيه هذه الجملة ّ‬ ‫َْ‬ ‫ّ ّ‬
‫قر) يوحي بحديث سابق ماض‪ ،‬وليس الحقاً أو مستقبالً‪،‬‬ ‫أن ي َّ‬
‫(مذهب سيبويه ْ‬
‫ففي قوله‪َ :‬‬
‫مبنياً على‬
‫ألنه يتحدث عن شيء كان ومضى؛ أي كان مذهبه كذا وكذا‪ ،‬وليس كالماً ّ‬ ‫ّ‬
‫الداللة‬ ‫الشرطية‪ ،‬ولذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫فإن ّ‬ ‫جملة (إذا) ّ‬ ‫سائد في‬
‫توّقع أو احتمال في المستقبل‪ ،‬كما هو ٌ‬
‫السياق‪.‬‬
‫الزمن الماضي بسبب قرينة ّ‬
‫منية لهذه الجملة كاملة هي ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫تأملتَه لم تجده عارياً من‬
‫فإن الجواب يأتي مضارعاً في اللفظ‪ ،‬كقوله‪ " :‬إذا ّ‬‫وكذلك ّ‬
‫الشرطية‪،‬‬
‫الشرط المستخدم في هذه الجملة ّ‬ ‫أن فعل ّ‬‫اشتمال المعنى عليه‪ ، "...‬فنرى ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫إن زمنه هو الماضي أيضاً‪،‬‬ ‫كان فعالً ماضياً‪ ،‬وجوابه جاء مضارعاً مجزوماً بلم‪ ،‬أي ّ‬
‫ؤخذ انطالقاً من زمن الفعلين فقط‪،‬‬
‫الشرطية الكاملة ال ت َ‬
‫منية للجملة ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أن ّ‬ ‫غير ّ‬
‫َ‬
‫غم‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬ر َ‬
‫الداللة على ّ‬‫الشرط والجواب هي ّ‬ ‫منية لفعلي ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫إن ّ‬ ‫بل َّ‬
‫الشرط يقتضي االستقبال‬
‫أن ّ‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬إال ّ‬‫رفي على ّ‬ ‫داللة الفعلين في زمنهما الص‬
‫ّ ّ‬
‫فعلية‬
‫الشرط جملة ّ‬ ‫يأتي جواب ّ‬ ‫سبق أن أشرنا إليها‪ ،‬ويمكن أن‬
‫في المعنى وهذه نقط ٌة َ‬
‫ْ َ‬
‫الصرف‪،‬‬ ‫الس ِ‬
‫ببان ّ‬ ‫االسم إذا َمنعه ّ‬ ‫(إن مع اسمها وخبرها) كما في قوله‪َّ " :‬‬
‫إن‬ ‫خبرّية َّ‬
‫َ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪106‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.110‌/1‌،‬‬

‫‪165‬‬
‫الشرط هنا جمل ًة‬‫فإن اجتماع الثالثة فيه ترَفع عنه اإلعراب‪ ، "...‬فقد جاء جواب ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َّ‬
‫الشرطية بعد (إذا) على‬ ‫أن داللة الجملة ّ‬ ‫ِ‬
‫المستقبل أيضاً‪ ،‬كما ّ‬ ‫فعلية خبرّية داّل ًة على‬
‫ّ‬
‫اسمية‬
‫أن الجواب إذا كان جمل ًة ّ‬ ‫الزمن المستقبل ال تقتصر على األفعال فقط بل نرى ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمن المستقبل أيضاً‪ ،‬يقول ابن ِجّني متابعاً‪ " :‬أال ترى ّأن َك إذا‬
‫يدل على ّ‬ ‫فإنه ُّ‬‫خبرّية ّ‬
‫زمنية يمكن‬ ‫لت عن (إن) من قوله[‪َّ ]...‬‬ ‫ِ‬
‫عدة مالحظات ّ‬ ‫قائل‪ ، "...‬وهناك ّ‬ ‫فإن َك ٌ‬ ‫سئ َ‬
‫(‪)2‬‬

‫زمنية‬
‫رطية‪ ،‬التي جاء فعلها ماضياً بداللة ّ‬ ‫الش ّ‬
‫السابق‪ ،‬فالجملة ّ‬
‫استنباطها من القول ّ‬
‫اسمية قوامها الحرف المشبه بالفعل مع اسمه وخبره الذي جاء‬
‫مستقبلية‪ ،‬جوابها جملة ّ‬
‫منية الماضية إذا كان‬
‫الز ّ‬
‫اسماً مشتّقاً (اسم فاعل)‪ ،‬والذي تحدثنا سابقاً عن داللته ّ‬
‫غير مضاف‪ ،‬كحاله في هذا‬ ‫منوناً َ‬ ‫منون‪ ،‬وداللته على المستقبل إذا َ‬
‫كان ّ‬ ‫غير ّ‬
‫مضافاً َ‬
‫صرفياً‬
‫ّ‬ ‫الشرط هي المستقبل لفظاً ومعنى‪،‬‬
‫منية لجواب ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬ ‫المثال‪ ،‬وبالتالي َّ‬
‫فإن ّ‬
‫ً‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وهذا ليس جديداً‪،‬‬
‫تدل على ّ‬
‫الشرطية كاملة ُّ‬
‫فإن الجملة ّ‬
‫ونحوياً‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫ّ‬
‫أن واسمها وخبرها)‬
‫أن مجيء هذه الجلمة بعد (أال ترى‪ ،‬والمصدر المؤول من ْ‬ ‫بيد ّ‬
‫َ‬
‫يجعل الجملة الكبرى في المثال السابق تأخذ بعداً زمنياً آخر؛ إذ ّ‬
‫إن تقدير الجملة هو‬
‫(أال ترى سؤاَل َك عن كذا وكذا) ليصبح زمن الجملة كاملة هو الماضي‪.‬‬

‫مجيء األفعال الناقصة في جملة (إذا)‪:‬‬


‫شأن بقية أدوات‬
‫المصدرة بـ(إذا)‪ ،‬شأنها َ‬
‫ّ‬ ‫الشرطية‬
‫تأتي األفعال الناقصة في الجملة ّ‬
‫الناقصة فعالً للشرط أو جواباً له‪ ،‬أو قد تقترن مع فعل‬
‫الشرط‪ ،‬فتكون هذه األفعال ّ‬
‫ّ‬
‫الشرط وجوابه‪ ،‬وسنأتي على أمثلة من دخول هذه األفعال على جملة (إذا) في كتاب‬ ‫ّ‬
‫صارت الجملة بعده تفسي اًر للفعل‪"...‬‬ ‫ابن ِجني‪ ،‬ومنها قوله‪ ":‬فإذا لم يكن محتاجاً ِ‬
‫إليه‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫الشرط مضارعاً‬ ‫أن األفعال الناقصة كانت فعالً وجواباً للشرط‪ ،‬فجاء فعل ّ‬‫(‪ ،)3‬فنرى َّ‬
‫الشرط فعالً ماضياً‬
‫زمنية ماضية‪ ،‬وكان جواب ّ‬
‫ناقصاً مسبوقاً بـ (لم) ليحمل دالل ًة ّ‬
‫ناقصاً (صارت) يحمل في معناه معنى الصيرورة من حال إلى حال‪ ،‬وهذا التحول‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.180‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.110‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.105‌/1‌،‬‬

‫‪166‬‬
‫التبدل يأخذ منحى مستقبلياً ال ماضياً‪ ،‬و‬
‫ً‬ ‫ينطوي على داللة ّ‬
‫زمنية مستقبلية‪ ،‬فالتطور و َ‬
‫زمنية‬
‫إن كان الفعل ماضياً‪ ،‬فالفعل إذاً مضارع بداللة ماضية‪ ،‬والجواب ماض بداللة ّ‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬
‫رطية كامل ًة دال ًة على ّ‬
‫الش ّ‬
‫لتصبح الجملة ّ‬
‫َ‬ ‫مستقبلية‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومن أمثلة مجيء الفعل والجواب ناقصين بعد إذا‪ ،‬ما نراه في قول ابن ِجّني‪ " :‬إذا‬
‫كرروها في مرمريت[‪ ]...‬كان ما ذهب إليه أبو إسحاق من تكرير الفاء في‬ ‫كانوا قد ّ‬
‫الشرط مركباً من الفعل‬
‫ضعف أولى بالجواز‪ ، "...‬فقد جاء في هذا القول فعل ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الم ّ‬
‫تدل كصيغة مفردة على‬‫الناقص وصيغة (قد فعل)‪ ،‬لتصبح ( كان قد فعل)‪ ،‬والتي ُّ‬
‫جاء بصيغة (كان أفعل) داالًّ‬
‫الشرط فقد َ‬ ‫أما جواب ّ‬‫الزمن الماضي القريب المتحّقق‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫جاء ماضياً‬‫الشرط الذي َ‬‫مستقبل بالنسبة لفعل ّ‬
‫ٌ‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬وهو‬
‫على الوصف في ّ‬
‫الشرط والجواب في هذا المثال داالن‬
‫السياق‪ ،‬إذاً ففعال ّ‬
‫رفية وضمن ّ‬ ‫الص ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫في ّ‬
‫متعارف عليه من داللة‬
‫ٌ‬ ‫الزمن الماضي و إن اختلفت جهاته‪ ،‬على غير ما هو‬
‫على ّ‬
‫فالسياق هو من كان الفيصل في‬
‫الزمن المستقبل‪ّ ،‬‬
‫الشرط (إذا) على ّ‬
‫الجملة بعد أداة ّ‬
‫الداللة أيضاً ما نجده في قوله‪ " :‬وإذا كانوا قد هربوا من‬
‫الزمن هنا‪ ،‬ومثلها في ّ‬
‫تحديد ّ‬
‫أحسن وأسوغ" (‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫كان اإلبدال‬
‫التّضعيف إلى الحذف[‪َ ]...‬‬
‫يحمل‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫أما وقوع الفعل الناقص جواباً للشرط بـ (إذا)‪ ،‬ففي قول أبي الفتح‪ " :‬فإذا جاز ْ‬
‫ّ‬
‫الشرط في هذه الجملة‬‫كان حمل المؤنث على المذكر‪ ، "...‬فقد جاء فعل ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫[‪َ ]...‬‬
‫أن والفعل المضارع‪ ،‬و‬ ‫ماضياً داالًّ على المستقبل‪ ،‬وجاء بعده المصدر المؤول من ْ‬
‫الشرط فقد جاء فعالً ناقصاً (كان)‪،‬‬
‫أما جواب ّ‬
‫الزمن المستقبل المطَلق‪ّ ،‬‬
‫يدل على ّ‬ ‫هو ُّ‬
‫الزمن الماضي في حقيقته المفردة‪ ،‬وجاء مضافاً إلى المصدر‬
‫يدل على ّ‬
‫وهو ُّ‬
‫أن وقوع الفعل الناقص‬
‫يدل على المستقبل المطَلق‪ ،‬في حين ّ‬
‫الصريح(حمل) الذي ُّ‬
‫جاز‬
‫جواباً لشرط (إذا) نقل داللته إلى االستقبال المطَلق‪ ،‬فالمعنى في هذه العبارة‪( ،‬إذا َ‬
‫حمل كذا سيكون حمل المؤنث[‪ ]...‬والمعنى مستقبل كما هو واضح من ّ‬
‫السياق‪.‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّ‌ي‪‌.54‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.19‌/3‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.112‌/1‌،‬‬

‫‪167‬‬
‫(إن)‪:‬‬
‫الشرط ْ‬
‫د‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫نصيب وافر من االستعمال وال ّذكر في نصوص ابن ِجّني‪ ،‬فقد‬
‫ٌ‬ ‫(إن)‬
‫الشرط ْ‬
‫كان ألداة ّ‬
‫الشرطية من صيغ وتراكيب‬
‫تكونت جملتها ّ‬ ‫وردت بكثرة في كتابه الخصائص‪ ،‬وقد ّ‬
‫الزمن‬
‫معينة‪ ،‬كان الطابع الغالب فيها هيمنة ّ‬ ‫زمنية ّ‬
‫كل منها داللة ّ‬ ‫مختلفة‪ ،‬حملت ٌّ‬
‫معنوية أرادها ابن‬
‫ّ‬ ‫ات‬
‫بالغية واعتبار ٌ‬
‫ّ‬ ‫دالالت‬
‫ٌ‬ ‫الشرط‪ ،‬وكان لذلك‬
‫المستقبل على جواب ّ‬
‫ِ‬
‫الك جانبه‪،‬‬
‫ورفقت به‪ ،‬أو َ‬
‫َ‬ ‫نت له(‪،)1‬‬ ‫طِب َ‬ ‫ِجّني في حديثه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله‪ " :‬ولكن ْ‬
‫إن َ‬
‫بك سبله‪،‬‬
‫أوعرت َ‬
‫ك َم َهله ‪ ،‬و ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫كد َ‬‫ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫وتورطته‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫أمطاك كاهله وغاربه‪ ،‬و إن خبطته‬
‫َ‬ ‫و‬
‫وتأمالً‪ ،)5( ".‬ففي القول السابق جملتان شرطيتان معطوف ٌة الثانية منهما على‬
‫فرفقاً ّ‬
‫طبنت‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫منية نفسها‪ ،‬وهما‪ْ ( :‬‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الصيغ نفسها و ّ‬
‫األولى‪ ،‬ولذلك نراهما تحمالن ّ‬
‫الشرط والجواب في الجملتين‬‫ك مهله)‪ ،‬إ ْذ جاء فعال ّ‬
‫كد َ‬
‫الك جانبه‪ ،‬و إن خبطته ّ‬
‫له أو َ‬
‫النحوي في هذه الجمل ّ‬
‫الشرطية فهو المستقبل المطَلق في جواب‬ ‫الزمن ّ‬‫أما ّ‬
‫ماضيين‪ّ ،‬‬
‫األول أن يكون داالً على‬
‫الشرط ففيه رأيان‪ّ ،‬‬
‫أما فعل ّ‬
‫الشرط‪ ،‬وهو ما أشرنا إليه سابقاً‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫طبنت) ليشير إلى‬
‫َ‬ ‫إن كنت‬‫الزمن الماضي على اعتبار تقدير (كنت) قبله؛ أي ( ْ‬
‫ّ‬
‫الرأي اآلخر أن يكون فعل ّ‬
‫الشرط داالً على المستقبل‪،‬‬ ‫االتّصاف بالفطنة فيما مضى‪ ،‬و ّ‬
‫الشرط أن يكون‬‫أن األصل في ّ‬ ‫الرأي األقرب للمنطق إذا أخذنا بعين االعتبار ّ‬‫وهو ّ‬
‫يدل على‬‫الشرط ماضيين ال ُّ‬ ‫خاصة‪ ،‬ومجيء فعَل ّي ّ‬ ‫داالً على المستقبل إال في حاالت ّ‬
‫الشرطية بل هو غالباً ما يكون إشارةً إلى‬ ‫الزمن المقصود من العبارة ّ‬
‫الزمن الحقيقي أو ّ‬
‫ّ‬
‫وسع في الكالم وهذا ما أشار إليه‬ ‫ضرب من البالغة والتّ ّ‬
‫ٌ‬ ‫تحّقق األمر وثباته‪ ،‬أو هو‬
‫ابن ِجّني في موضع آخر من كتابه‪ ،‬حين قال‪ " :‬وكذلك أيضاً حديث ّ‬
‫الشرط في نحو‬
‫إن هذا‬
‫جئت فيه بلفظ الماضي الواجب؛ تحقيقاً لألمر‪ ،‬وتثبيتاً له‪ ،‬أي ّ‬
‫قمت‪َ ،‬‬
‫قمت ْ‬
‫إن َ‬
‫ْ‬
‫اجب ثابت ال محالة‪ ، ".‬فهذه إشارةٌ‬‫أن الماضي و ٌ‬ ‫وعد َموِف ٌّي به ال محالة؛ كما ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫ٌ‬
‫تمعن أو تف ّك ْر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫صريحة من ابن ِجّني‬
‫فضل ّ‬
‫ّ‬ ‫بحقيقة هذا األمر وال تحتاج إلى‬

‫‪َ ‌-‌1‬‬
‫طبِنتَ ‌لهُ‪‌:‬فَطِ نتَ ‌لهُ‪‌.‬‬
‫ق‌وتهدّ‌إلى‌وجهه‪.‬‬‫ُ‌بغير‌رف ٍ‬
‫‪‌-‌2‬خبطتهُ‪‌:‬عالجته ِ‬
‫‌فيه‌على‌غير‌بصيرة‪‌.‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‌3‬تورطتَهُ‪‌:‬أي‌سرتَ‬
‫‪‌-‌4‬كدّكَ ‌ َم َهلهُ‪‌:‬يُريد‌أنّه‌يبطئ‌عليكَ ّ‬
‫‌تعرفه‪‌،‬فيسوءكَ ‌ذلك‌‌‌‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.108‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌5‬‬
‫‪‌-‌6‬المصدر‌السابق‪‌.331/3‌،‬‬

‫‪168‬‬
‫التزم واجباً‪ّ )1( "...‬أنه جاء بجواب‬
‫اوية فقد َ‬
‫جعلت القصيدةَ و ّ‬
‫َ‬ ‫ونرى في قوله‪ْ " :‬‬
‫فإن‬
‫الزمن الماضي‬
‫الشرط فعالً ماضياً مؤّكداً بـ(قد)‪ ،‬التي تجعل الماضي معها داالًّ على ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وهذا‬
‫دال على ّ‬
‫أن الجواب ٌّ‬
‫أما سياق الجملة فيقول ّ‬
‫المتحّقق أو التّام‪ّ ،‬‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وذلك‬ ‫(جعلت‪ ،‬قد التزم) ُّ‬
‫يدالن على ّ‬ ‫َ‬ ‫صحيح‪ ،‬فالفعالن الماضيان‬
‫َ‬
‫وجاء استخدام ابن ِجّني لصيغة الماضي‬
‫َ‬ ‫(إن)‪،‬‬
‫لوقوعهما فعالً وجواباً للشرط الجازم بـ ْ‬
‫حدث‬
‫وكأنه َ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬إشارةً منه إلى تحقق هذا الفعل في المستقبل ّ‬
‫للداللة على ّ‬
‫قدم ويشرح‪َّ ،‬‬
‫وكانه يقدم وعداً بما‬ ‫لغوية وثقة كبيرة بما ي ّ‬
‫ينم على مقدرة ّ‬‫فعالً‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫سيحدث‪ ،‬تماماً كما نرى في ّ‬
‫السياق القرآني من استخدام صيغة الماضي للداللة على‬
‫وكأنه حدث‪ ،‬كما في قوله‬
‫ستقبلية لإلشارة إلى تأكيد الحدوث في المستقبل ّ‬ ‫ّ‬ ‫أحداث م‬
‫ٗ‬ ‫تعالى‪ ﴿:‬خلِ ِدين ِف ِِۖ‬
‫ٓء َلهم َيوَم ٱل ِقَي َم ِة ِحمال ﴾(‌طه‌﴿‪.)﴾101‬‬
‫ا‬ ‫س‬
‫ََ َ‬‫و‬ ‫يه‬ ‫َ َ‬
‫فعلية) كما هو معروف‪ ،‬ومن األمثلة على‬ ‫(اسمية أو ّ‬
‫ّ‬ ‫الشرط جملة‬
‫وقد يأتي جواب ّ‬
‫فإنها أو أكثرها‬
‫تقد َم ْت علل الفقه ّ‬
‫إن ّ‬‫فعلية خبرّية مؤّكدة‪ ،‬قوله‪ " :‬و ْ‬
‫مجيء الجواب جملة ّ‬
‫مستقبل‬ ‫(تقدمت) ماض لفظاً‪،‬‬
‫الشرط ّ‬‫ّإنما تجري َمجرى التّخفيف والفرق‪ ، "...‬ففعل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ٌ‬
‫وقد‬
‫إن واسمها وخبرها الذي جاء مضارعاً‪ْ ،‬‬
‫المكونة من ّ‬
‫ّ‬ ‫الفعلية‬
‫ّ‬ ‫معنى‪ ،‬وجوابه الجملة‬
‫ً‬
‫الزمن المستقبل أيضاً‪ ،‬والمعنى الواضح في الجملة‪:‬‬
‫دّلت هذه الجملة على حدث في ّ‬
‫فإنها في أكثرها ستجري مجرى‬‫تقد ٌم في علل الفقه في وقت الحق‪َّ ،‬‬
‫إن حصل ّ‬ ‫ّأنه ْ‬
‫التّخفيف والفرق‪.‬‬
‫إن محذوفة الفعل والجواب وينوب عنهما المصدر‪،‬‬ ‫الشرط مع ْ‬ ‫أن يأتي ّ‬ ‫ومنها أيضاً ْ‬
‫دل عليه الفعالن المحذوفان‪ ،‬كقول‬
‫(زمنياً ومعنوياً) على ما ّ‬
‫ّ‬ ‫فيكون المصدر حينها داالً‬
‫إن خي اًر فخي اًر و إن‬‫الناس مجزّيو َن بأفعالهم ْ‬
‫الشرط في نحو قوله‪ّ :‬‬ ‫ابن ِجّني‪" :‬وكذلك ّ‬
‫فالمصدرن‬
‫ا‬ ‫شر" (‪،)3‬‬ ‫إن فعل المرء خي اًر ج ِز َي خي اًر‪ ،‬و إن فعل ّاً‬
‫شر جز َي ّاً‬ ‫فشر؛ أي ْ‬
‫شر ّاً‬‫ّاً‬
‫فشر) في الجملة الثانية‪ ،‬نائبان عن فعل‬
‫و(شر ّاً‬
‫ّاً‬ ‫(خي اًر فخي اًر) في الجملة األولى‪،‬‬

‫محذوف وجواب محذوف‪ ،‬فنرى ابن ِجّني ّ‬


‫يصرح بهما على تقدير (فعل‪ ،‬وج ِز َي) في‬
‫الجملتين‪ ،‬فزمن الفعل األول (فعل) هو الماضي‪ ،‬وكذلك الفعل الثاني (ج ِز َي) هو‬

‫‪‌-‌1‬الخصائص‪‌:‬ابن‌ ِجنّي‌‪‌.259‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.145‌-144‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.360‌/2‌،‬‬

‫‪169‬‬
‫ستقبل بالنسبة إلى الفعل األول‪ ،‬ولذلك كان المصدران (خي اًر‬
‫ماض في اللفظ‪ ،‬إال ّأنه م ٌ‬
‫ِ‬
‫بالنسبة‬ ‫وفشر) َّ‬
‫دالين على المستقبل‬ ‫ّاً‬ ‫وش اًر) داّلين على الماضي‪ ،‬والمصدران (فخي اًر‪،‬‬
‫الزمن‬
‫رطية الكاملة‪ ،‬فهو ّ‬ ‫النحوي للجملة ّ‬
‫الش ّ‬ ‫الزمن ّ‬
‫أما ّ‬
‫األولين‪ّ ،‬‬
‫إلى المصدرين ّ‬
‫الداللة‪،‬‬
‫(إن) التي يأتي بعدها الفعالن مستقبَلين في ّ‬‫رطية هي ْ‬
‫الش ّ‬
‫ألن األداة ّ‬
‫المستقبل‪ّ ،‬‬
‫الشرط الذي هو سابق لآلخر‬ ‫مني للمصدر النائب عن فعل ّ‬ ‫مع مراعاة التسلسل الز‬
‫ّ ّ‬
‫الشرط‪ ،‬ويؤّكد لنا ابن ِجّني ذلك صراح ًة حين يقول‬
‫الذي المصدر النائب عن جواب ّ‬
‫اك ال تقول‪:‬‬
‫تقدم الجواب على المجاب‪ ،‬شرطاً كان أو قسماً‪ ،‬يقول‪ " :‬أال تر َ‬
‫بعدم جواز ّ‬
‫دال‬
‫ولكنه ٌّ‬
‫ليس جواباً للشرط ‪ّ ،‬‬ ‫قمت‪َّ ،‬‬
‫فإن قولك‪ :‬أقوم َ‬ ‫إن َ‬ ‫فأما قولك‪ :‬أقوم ْ‬
‫إن تَق ْم‪ّ ،‬‬
‫أق ْم ْ‬
‫قمت‪.)1( ".‬‬
‫إن ق ْم َت ق ْمت‪ ،‬ودّل ْت أقوم على ْ‬
‫على الجواب‪ ،‬أي ْ‬
‫اللية‪ ،‬والتي‬
‫الد ّ‬
‫منية واألوجه ّ‬
‫الز ّ‬
‫أن لها الكثير من الجوانب ّ‬‫ويرى عبد القاهر الجرجاني ّ‬
‫التلّقي‪ ،‬عند المتكّلم والمتلّقي‪،‬‬
‫ص‪ ،‬وأساليب الخطاب و ّ‬ ‫الن ّ‬
‫ترتبط جميعها بمفهوم لسانيات ّ‬
‫إن تخرْج أخرْج‪ ،‬و إن‬‫الشرط والجزاء إلى الوجوه التي تراها في قولك‪ْ :‬‬
‫يقول‪ " :‬وفي ّ‬
‫خرجت خارٌج"‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫خرجت‪ ،‬و إنا ْ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫رجت خرجت‪ ،‬و إن تخرْج فأنا خارج‪ ،‬و إنا خارج ْ‬
‫خ َ‬
‫الشرط والجزاء بينها فروق في المعنى تختلف‬ ‫النص وجوهاً في ّ‬
‫عرض في هذا ّ‬‫وي ِ‬
‫‪َ ،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫السياق والغرض الذي يقصده المتكّلم‪ ،‬فقد أورد عبد القاهر الجرجاني‬
‫في توظيفها حسب ّ‬
‫شرطية مختلفة‪ ،‬تارةً بصيغة الماضي وتارةً بصيغة الفعل المضارع‪ ،‬ويضيف‬
‫ّ‬ ‫جمالً‬
‫معين إال ّأنها جميعاً‬
‫(إن)‪ ،‬وفي كل وجه داللي ّ‬
‫الشرط ْ‬
‫لهما اسم الفاعل‪ ،‬ودائماً بأداة ّ‬
‫فكل‬
‫النص‪ّ ،‬‬
‫تسهم في ربط أجزاء الجمل والنصوص تحقيقاً لالتّساق واالنسجام داخل ّ‬
‫لغوي‬ ‫(السامع) مرهون بما سيقوم به المتكّلم (المخا َ‬
‫طب) في بناء ّ‬ ‫ما يقوم به المتلّقي ّ‬
‫متماسك‪ ،‬وتختلف هذه الوجوه باختالف صيغها[‪]...‬وهذه الفروق في وجوه ّ‬
‫الشرط قد‬
‫الربط‬
‫النصوص‪ ،‬أما ّ‬
‫النحوي‪ ،‬داخل الجمل و ّ‬‫أسهمت بصورة كبيرة في تحقيق التّماسك ّ‬
‫للنص فهو الذي يش ّكل أحد‬
‫ببي الذي يتحّقق بواسطته تمام أجزاء الجمل وصوالً ّ‬ ‫الس‬
‫ّ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ص "‪.‬‬
‫الن ّ‬
‫لسانيات ّ‬
‫ّ‬ ‫آليات التّماسك في‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.388‌-‌387‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬دالئل‌اإلعجاز‪‌:‬عبد‌القاهر‌الجرجاني‪‌،‬ص‌‪‌.81‬‬
‫‪‌ -‌ 3‬يُن َ‬
‫ظر‪‌:‬مفاهيم‌لسانيّات‌النّصّ ‌في‌دالئل‌االعجاز‪‌:‬أ‪‌.‬سميّة‌ابرير‪‌،‬جامعة‌محمد‌خيضر‪‌،‬بسكرة ‌–الجزائر‪2011،‬م‪‌،‬ص ‌‪‌‌–‌ 184‬‬
‫‪‌.186‬‬

‫‪170‬‬
‫(إن)‪:‬‬
‫مجيء األفعال الناقصة في جملة ْ‬
‫ـ(إن) شأنها شأن سابقتها‪ ،‬ويكون‬‫المصدرة ب ْ‬
‫ّ‬ ‫الشرطية‬
‫تأتي األفعال الناقصة في الجملة ّ‬
‫لوقوع األفعال الناقصة موقع الفعل أو الجواب‪ ،‬أو اقترانها بهما في هذه الجملة تغيي اًر‬
‫فإن ِ‬
‫فيه‬ ‫الزمن‪ ،‬وعلى ذلك نذكر أمثلة من أقوال ابن ِجّني‪ ،‬ومنها قوله‪َّ " :‬‬
‫في المعنى و ّ‬
‫ِ‬
‫األصل صف ًة‪،‬‬ ‫النخل وغيره‪ ،‬وهذا يؤّكد كونه في‬
‫ألنه َيحوش ما فيه من ّ‬
‫معنى الفعل؛ ّ‬
‫الشرط‬
‫أن فعل ّ‬ ‫عمل استعمال األسماء كصاحب ووالد‪ ،)1( "...‬فنرى َّ‬
‫كان ْقد است َ‬
‫و إن َ‬
‫جاء فعالً مركباً من الفعل الناقص (كان) المقترن بالفعل الماضي‬
‫في القول السابق‪ ،‬قد َ‬
‫منية لهذا الفعل المركب‪ ،‬فهي دالل ٌة مرّكبة‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬ ‫المسبوق بحرف التحقيق قد‪ّ ،‬‬
‫أما ّ‬
‫يدل الفعل الماضي المسبوق بقد على الماضي المتحقق في فترة ّ‬
‫زمنية قريبة‬ ‫أيضاً‪ ،‬إذ ُّ‬
‫من الحاضر‪ ،‬و ّأدى اقتران الفعل الماضي بالفعل المساعد الناقص (كان) إلى تثبيت‬
‫دل‬
‫داللة الفعل على الماضي وجعل المقصود بالحكم موصوفاً بحدث االستعمال‪ ،‬فيما ّ‬
‫زمنية معينة‪ ،‬إال‬
‫حدد بجهة ّ‬ ‫الزمن الماضي المطَلق غير الم ّ‬
‫المصدر (استعمال) على ّ‬
‫الشرط‬
‫أما جواب ّ‬ ‫الشرط‪ّ ،‬‬
‫السياق أن زمن المصدر سابق لفعل ّ‬ ‫أن ما يتضح من معنى ّ‬
‫ّ‬
‫السياق عليه‪ ،‬والتقدير‪ :‬إن كان قد استعمل‬
‫في هذه الجملة فقد كان محذوفاً لداللة ّ‬
‫استعمال األسماء َّ‬
‫فإن فيه معنى الفعل‪...‬‬
‫الشرط فمثاله‪ ،‬في قول ابن ِجّني‪ْ " :‬‬
‫فإن َقص َر‬ ‫أما مجيء الفعل الناقص في جواب ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫تصرفاً أصالً لصاحبه‪"...‬‬
‫ُّ‬ ‫تصرف صاحبه ولم يساوِه فيه َ‬
‫كان أوسعهما‬ ‫أحدهما عن ّ‬
‫الصيغة المفردة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫ماضيين‬ ‫ابه‬
‫و‬ ‫وج‬ ‫رط‬‫الش‬
‫ّ‬ ‫فعل‬ ‫مجيء‬ ‫القول‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫المالحظ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫الداللة‬
‫السياق‪ ،‬فهي ّ‬ ‫حوية التي يمكن مالحظتها من هذا ّ‬ ‫الن ّ‬‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أما ّ‬ ‫ّ‬
‫(إن) ينطوي على االحتمال والتّ ُّ‬
‫وقع للنتيجة المترتّبة‬ ‫ألن استخدام ْ‬‫المستقبلية‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ّ‬
‫الداللة‬
‫رطية)‪ ،‬ولكن إذا أسقطنا هذه ّ‬ ‫على الفعل‪ ،‬م َثلها في ذلك ِ‬
‫الش ّ‬
‫كمثل استخدام (إذا ّ‬ ‫َ‬
‫الشرح والتفصيل‬ ‫السياق أو المعنى الذي جاءت فيه هذه الجملة‪ ،‬سنرى ّ‬
‫أن ّ‬ ‫منية على ّ‬‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫قدمه ابن ِجّني في هذا المثال ال يتناسب مع حقيقة كونه داالًّ على التّوّقع‪ ،‬بل‬
‫الذي ّ‬
‫قدم لنا معلومة‪ ،‬وليس احتماالً بما سيكون‪ ،‬فهو متأ ّكٌد من‬‫ألنه ي ّ‬
‫لحتمية؛ وذلك ّ‬
‫على ا ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.119‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.70‌/2‌،‬‬

‫‪171‬‬
‫تابع حديثه مستش ِهداً بقول العرب في‬
‫الدليل على ذلك ّأنه َ‬
‫مقتنع به‪ ،‬و ّ‬
‫ٌ‬ ‫صحة كالمه أو‬
‫ّ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬لماذا استخدم صيغ‬
‫اثق ومتيّقن مما يقول‪ْ ،‬‬
‫األمر‪ ،‬وبما ّأنه يستشهد فهو و ٌ‬
‫الماضي في هذه الجملة فعالً وجواباً للداللة على المستقبل‪ ،‬بدالً من صيغ المستقبل‬
‫التي تحمل داللة مستقبلية؟ بل لماذا كان الجواب ماضياً ناقصاً في هذا المثال‪ ،‬وليس‬
‫ئ‬
‫أن القار َ‬
‫مضارعاً كما يفترض به؟ فإننا لكي نجيب على ذلك ال ّبد من اإلشارة إلى ّ‬
‫اضع كثيرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أكثر من هذه االستخدامات وفي مو َ‬ ‫لنصوص ابن جّني يدرك تماماً ّأنه َ‬
‫فالغاية من وراء ذلك هي غرض بالغي إيحائي‪ ،‬يتعّلق بطبيعة ابن ِجّني وطريقته في‬
‫ّ‬
‫تقدي ِم أفكاره بدّقة ووضوح‪ ،‬فاستخدامه للماضي داالً على المستقبل‪ ،‬جاء تأكيداً منه‬
‫على التّحّقق‪ ،‬وإبعاداً عن االحتمال أو التّ ُّ‬
‫وقع الذي تنطوي عليه جملة ْ‬
‫(إن)‪ ،‬ال بل ّإنه‬
‫حين استخدم صيغة المضارع في قوله‪( :‬لم يساوه فيه) جعلها داّلة على الماضي‬
‫باستخدام الحرف الجازم (لم)؛ وذلك لدف ِع الشبهة فيها‪ ،‬وكذا األمر في الجواب (كان)‬
‫يدل به على مستقبل بعيد‪ ،‬فهذا التنافر‬
‫دل على وصف متحّقق في ماض بعيد‪ ،‬ل ُّ‬ ‫الذي ّ‬
‫خلق انسجاماً معنوياً وداللياً في المعنى‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هال لم تستنكر الواو[‪ ]...‬قيل‪ :‬هذا و إن كان على‬
‫ومثلها ما نراه في قوله‪ْ " :‬‬
‫أجروه في الكالم مجرى الالزم‪ ،)1( "...‬وسنرّكز بداي ًة على جملة‬
‫فإنهم ْقد َ‬
‫ما ذكرتَه ّ‬
‫الشرط الثانية‪ ،‬التي وقعت مقوالً للقول الثاني‪ ،‬فالناظر في هذه الجملة يرى ّأنها ُّ‬
‫تدل‬ ‫ّ‬
‫بيد‬
‫وداللياً) على اختالف الجهات طبعاً‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ونحوياً‬
‫ّ‬ ‫(صرفيا‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي بأكملها‬
‫على ّ‬
‫الداللة الحقيق َة لها‪ ،‬فقد بدأ القول‬
‫توضح لنا ّ‬
‫متمعن ًة لما يسبق هذه الجملة ّ‬
‫ّ‬ ‫أن نظرةً‬‫َّ‬
‫أما جوابها‪،‬‬
‫دال على القول (قيل)‪ّ ،‬‬ ‫فعل ماض ٌ‬
‫(إن) وفعلها ٌ‬
‫شرطية أداتها ْ‬
‫ّ‬ ‫السابق بجملة‬
‫ّ‬
‫فكان القول الذي تبدأ به الجملة األخرى‪ ،‬والتي أشرنا إلى داللتها الماضية‪ ،‬فأصبح‬
‫الداللة‬
‫أما ّ‬
‫شرطي ٌة أخرى‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الشرط‪ ،‬والثاني جوابه‪ ،‬وبه تبدأ جمل ٌة‬
‫لدينا قوالن األول فعل ّ‬
‫قال أحدهم كذا وكذا‬
‫ألن المعنى‪( :‬إذا َ‬ ‫الزمن المستقبل‪َّ ،‬‬‫منية للجملة األولى فهو ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫دال على المستقبل‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫أن الجواب (قيل) ٌ‬ ‫سيقال أو ي ُّ‬
‫رد عليه بكذا وكذا)‪ ،‬إذاً وبما ّ‬
‫مستقبلية على عكس‬
‫ّ‬ ‫رطية الثانية التي وقعت َمقوالً له‪ ،‬ال َّبد أن تكون‬
‫الش ّ‬
‫داللة الجملة ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.77‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪172‬‬
‫النحوي‬
‫الزمن ّ‬
‫السياقي‪ ،‬في تحديد ّ‬ ‫السياق والمعنى ّ‬
‫عزز دور ّ‬
‫األولية لها‪ ،‬وهذا ما ي ّ‬
‫ّ‬ ‫النظرِة‬
‫الدارسين الم ْح َدِثين‪.‬‬
‫للتّراكيب والعبارات‪ ،‬وليس العكس كما توهَّم بعض ّ‬
‫الشرط (َل َّما)‪:‬‬
‫ه‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫(لما) هي أداة شرطية ظرفية زمانية غير جازمة‪ ،‬يأتي الفعل الماضي بعدها‬
‫الشرط ّ‬
‫أداة ّ‬
‫الشرطية ال تشترط في داللتها‬
‫أن جملتها ّ‬
‫فعالً وجواباً‪ ،‬فهي ظرف للزمان الماضي‪ ،‬إال ّ‬
‫الداللة والتي‬
‫السياق الدور األكبر في تحديد هذه ّ‬ ‫منية على زمن فعليها‪ ،‬بل يلعب ّ‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫نص ابن‬‫حضور بارز في ّ‬‫ٌ‬ ‫كانت في أكثر األحيان دالل ًة ماضية‪ ،‬وقد كان لهذه األداة‬
‫لما أ ِعَّلت الواو في الواحد‪ ،‬أَعّلوها أيضاً‬
‫ِجّني‪ ،‬ومن األمثلة عليها قوله‪ " :‬أال تراهم‪َّ ،‬‬
‫صححوها في الجمع‪ ،)1( "...‬ففي القول السابق‬
‫صحت في الواحد ّ‬
‫ولما َّ‬
‫في الجمع‪َّ ]...[ ،‬‬
‫الشرط والجواب ماضيين‪،‬‬
‫(لما) وفي كلتيهما كان فعال ّ‬
‫جملتان شرطياين‪ ،‬مشروطتَان بـ َّ‬
‫زمنية ماضية أيضاً‪ ،‬إال َّ‬
‫أن الجواب فيهما ماض حدث في وقت الحق‬ ‫ويحمالن داللة ّ‬
‫الشرط ماض قريب‪ ،‬وهذا‬
‫الشرط ماض بعيد‪ ،‬وجواب ّ‬ ‫الشرط‪ ،‬ففعل ّ‬
‫لزمن حدوث فعل ّ‬
‫الشرط سابقاً للجواب زمنياً‪.‬‬
‫رطية بكل أنواعها‪ ،‬وهو مجيء فعل ّ‬
‫الش ّ‬
‫ما تستلزمه الجمل ّ‬
‫لما‬ ‫آخر من كتابه‪ ،‬يقول‪" :‬كما َّ‬
‫أن (أينقا) َّ‬ ‫ِ‬
‫ومثله في ذلك ما قاله ابن جّني في موضع َ‬
‫الشرط والجواب ماضيين صيغ ًة‪،‬‬
‫أقرتها على تغييرها‪ ، ".‬فقد جاء فعل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كسرتها العرب َّ‬
‫َّ‬
‫الزمن‬
‫السياق التي تقتضي هذا ّ‬
‫منية أيضاً‪ ،‬وهذا ما يتناسب مع طبيعة ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫وفي ّ‬
‫لهذا المعنى‪.‬‬
‫مجيء األفعال الناقصة في جملة (َل َّما)‪:‬‬
‫المصدرة بـ (لما) كما في سابقاتها من أدوات‬
‫ّ‬ ‫الشرط‬
‫تأتي األفعال الناقصة في جملة ّ‬
‫الشرط أو جوابه‪ ،‬أو قد تقترن بفعل ّ‬
‫الشرط‬ ‫الشرط‪ ،‬فتأخذ هذه األفعال موقع فعل ّ‬
‫ّ‬
‫والجواب لت ِّ‬
‫كو َن معه زمناً آخر‪ ،‬ومن أمثلة وقوع األفعال الناقصة موقع الفعل والجواب‪،‬‬
‫الجر"‬
‫النصب أيضاً على ّ‬ ‫لما صاروا إلى جمع التأنيث حملوا ّ‬ ‫قول ابن ِجّني‪َّ " :‬‬
‫ثم ّ‬
‫الشرط في هذه الجملة فعالً ناقصاً(صاروا)‪ ،‬والجواب فعالً ماضياً‬
‫‪ ،‬فقد جاء فعل ّ‬
‫(‪)3‬‬

‫النحوي لهما‪ ،‬هو‬


‫الزمن ّ‬
‫أن ّ‬‫الزمن الماضي‪ ،‬غير ّ‬ ‫رفي للفعلين هو ّ‬ ‫فالزمن الص‬
‫(حملوا)‪ّ ،‬‬
‫ّ ّ‬

‫الخصائص‌ابن‌جنّي‪‌.112‌/1‌:‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.81‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السابق‪‌.111‌/1‌،‬‬

‫‪173‬‬
‫المستقبل فالفعل الناقص (صاروا) ينطوي على معنى ّ‬
‫الصيرورة أو التّحول من حال‬

‫أن يكون التّ ّ‬


‫حول‬ ‫زمنياً باتّجاه المستقبل؛ إذ من غير المعقول ْ‬
‫التحول يتّجه ّ‬
‫إلى حال‪ ،‬و ّ‬
‫األول قبل‬ ‫ِ‬
‫من حال حاضرة إلى حال ماضية‪ ،‬ولذلك فهو ماض إذا نظرنا إلى زمنه ّ‬
‫زمنية‬
‫أن الجواب يجب أن يحمل داللة ّ‬ ‫وتحو َل إلى شيء‪ ،‬كما ّ‬ ‫حول؛ أي كان شيئاً ّ‬
‫التّ ّ‬
‫الشرطية التي تستلزم أن يكون الجواب الحقاً‬
‫مستقبلية بفعل البناء التّركيبي للجملة ّ‬
‫ّ‬
‫كان لفعلي‬
‫مستقبل بالنسبة إلى الفعل (فعل الشرط) أبداً‪ ،‬فإذا َ‬
‫ٌ‬ ‫الزمن‪ ،‬فهو‬
‫للفعل في ّ‬
‫الزمن نفسه وهو المستقبل –و إن اختلفت جهاته‪ -‬فمن المتوّقع أن‬ ‫الشرط والجواب ّ‬
‫الشرطية‬ ‫منية المستقبلية‪َّ ،‬‬
‫ولكن الجملة ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الشرطية كامل ًة حامل ًة للداللة ّ‬
‫ّ‬ ‫تكون الجملة‬
‫الداللة على‬
‫فالداللة المستفادة من هذه الجملة هي ّ‬
‫بصفة عامة تحمل زمناً مختلفاً؛ ّ‬
‫(لما) التي احتوت هذه الجملة في‬
‫رطية الظرفية ّ‬
‫الش ّ‬ ‫الماضي‪ ،‬وذلك بسبب األداة ّ‬
‫إن الجملة‬
‫حين صاروا في وقت سابق فعلوا كذا وكذا‪ ،‬أي ّ‬‫الماضي‪ ،‬والمعنى‪ّ :‬أنهم َ‬
‫ولكنها في بوتقة الماضي‪.‬‬
‫مستقبلية ّ‬
‫ّ‬
‫كثر استعمالهم ّإياه وهو مجاز‬ ‫ِ‬
‫فلما َ‬
‫ومثلها أيضاً قول ابن جّني في موضع آخر‪ّ " :‬‬
‫كأنه هو األصل‬
‫أن أصاروه ّ‬ ‫ذاك إلى ْ‬
‫اتألب‪ ،‬تجاوزوا به َ‬
‫استمر و َّ‬
‫استعمال الحقيقة و ّ‬
‫(كث َر) والذي‬
‫الشرط في هذه الجملة الفعل الماضي َ‬
‫جاء بعد أداة ّ‬
‫والحقيقة‪ ، "...‬فقد َ‬
‫(‪)1‬‬

‫الزمن الماضي‪ ،‬وجاء الجواب فعالً ماضياً أيضاً‬


‫رفية على ّ‬
‫الص ّ‬
‫يدل بحسب صيغته ّ‬ ‫ُّ‬
‫هو (تجاوزوا) وَل ِحقه في المعنى الفعل الناقص (أصاروه) والذي ُّ‬
‫يدل على المستقبل‬
‫الزمن الماضي‪،‬‬
‫يدل على المستقبل في ّ‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫فإن الفعل (تجاوزوا) ُّ‬ ‫في ّ‬
‫وجاء مقترناً في‬
‫َ‬ ‫رطية أوالً‪،‬‬
‫الش ّ‬
‫(لما) ّ‬
‫فألنه وقع جواباً لـ ّ‬
‫أما عن داللته العامة الماضية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الداللة مع الفعل الناقص أصاروه‪ ،‬إال ّأنهما ْلم يقعا في وقت واحد من المستقبل في‬‫ّ‬
‫الصيرورة‪ ،‬وما ساعد في إيضاح هذا المعنى‬‫الماضي‪ ،‬بل حدث التّجاوز بداي ًة‪ ،‬ثم ّ‬
‫الجر (إلى) الذي حمل معنى ابتداء الغاية؛ تجازوا حتى أصاروا‪.‬‬
‫حرف ّ‬
‫النحويون‬ ‫الداللة نفسها في موضع آخر من قول ابن ِجّني‪َّ " :‬‬
‫ولما كان ّ‬ ‫ونرى هذه ّ‬
‫الشرط ماضياً ناقصاً‬
‫بالعرب الحقين[‪ ]...‬جاز لصاحب هذا العلم‪ ، "...‬فقد جاء فعل ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.177‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.308‌/1‌،‬‬

‫‪174‬‬
‫أما مجيء اسم‬
‫الزمن الماضي أيضاً‪ّ ،‬‬
‫الشرطية هي ّ‬
‫وجاء جوابه ماضياً‪ ،‬وداللة الجملة ّ‬
‫الزمن المطَلق في الماضي‪ ،‬أو على اتّصاف‬
‫يدل على ّ‬
‫الفاعل خب اًر للفعل الناقص ف ُّ‬
‫النحويين بالحدث (اللحاق)‪ ،‬وذلك ألنه خبر للفعل الناقص‪.‬‬
‫ّ‬
‫سياقية أخرى‪ ،‬كما‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي الرتباطها بقرينة‬
‫رطية على ّ‬
‫الش ّ‬
‫(لما) ّ‬‫تدل جملة ّ‬‫وقد ُّ‬
‫لما جاورت الواو‬
‫ضمة الميم في (الموقدان) و(موسى) ّ‬ ‫في قول ابن ِجّني‪ " :‬أال ترى َّ‬
‫أن ّ‬
‫(لما جاورت صارت) هي‬ ‫رطية ّ‬
‫الش ّ‬‫كأنها فيها‪ ، "...‬فداللة الجملة ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الساكنة صارت ّ‬ ‫ّ‬
‫السياقية‬
‫الزمن الماضي كما أشرنا سابقاً‪ ،‬وأكملت داللتها على الماضي وجود القرينة ّ‬‫ّ‬
‫أن ما بعدها ماض بالن ِ‬
‫سبة إليها‪،‬‬ ‫الزمن الحاضر‪ ،‬وتشير إلى َّ‬
‫ّ‬ ‫تدل على ّ‬
‫(أال ترى) التي ُّ‬
‫تدل على معرفة مسبقة بالحدث الذي يأتي بعدها‪.‬‬‫ألنها ُّ‬
‫وذلك ّ‬
‫الشرط (متى)‪:‬‬
‫و‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫نص ابن ِجّني قليالً‪ ،‬إذا ما قارّناه ّ‬
‫ببقية األدوات‪،‬‬ ‫الشرط (متى) في ّ‬
‫كان استخدام أداة ّ‬
‫رطية‬
‫الش ّ‬‫زمنية مطَلقة‪ ،‬لما تحمله هذه األداة ّ‬
‫وحمل هذا االستخدام في معظمه داللة ّ‬
‫مقيدة بزمن دون آخر‪ ،‬إال عندما تأتي مع قرينة ّ‬
‫لفظية‬ ‫زمنية‪ ،‬غير ّ‬
‫استفهامية ّ‬
‫ّ‬ ‫من داللة‬

‫الزمن بجهة دون أخرى‪ّ ،‬‬


‫أما داللتها على اإلطالق فكانت األكثر‪،‬‬ ‫سياقية تحدد هذا ّ‬
‫ّ‬ ‫أو‬
‫أنشأت بعدها‬
‫َ‬ ‫طلت الحرك َة‬
‫وم َ‬‫أشبعت َ‬
‫َ‬ ‫عندك َّأن َك متى‬
‫َ‬ ‫ومنها قول ابن ِجّني‪ ":‬ويؤّكد ذلك‬
‫غير‬
‫الشرط وجوابه ماضيين صيغ ًة‪َ ،‬‬ ‫حرفاً من جنسها" ‪ ،‬فجاء في هذا القول فعل ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫يقدمانه‪ ،‬فالمعنى في هذا‬‫رفي الذي ّ‬ ‫الزمن الص‬


‫حوية تختلف عن ّ‬ ‫الن ّ‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬ ‫َّ‬
‫أن داللتهما ّ‬
‫ّ ّ‬
‫بالزمن الماضي‪ ،‬وال نستطيع حصره في الحاضر أو المستقبل‪ ،‬وال‬ ‫الجملة غير مقيد ّ‬
‫منية المستفادة من هذه‬ ‫أي من هذه األزمنة‪ ،‬و إنما نقول َّ‬ ‫ِ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫بأن ّ‬ ‫أن ننفيه عن ّ‬
‫سابق للحركة‬
‫ٌ‬ ‫الزمن المطَلق‪ ،‬فنستطيع أن نقول‪ :‬متى ما كان منك إشباعٌ‬ ‫الجملة هي ّ‬
‫نشئ‬‫ستكون أنشأت بعدها[‪ ،]...‬وكذلك متى أردت أن تشبع الحركة ست ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الزمني‬ ‫لكل األزمنة‪ ،‬طبعاً مع مراعاة التّسلسل‬
‫بعدها[‪،]...‬فتصلح الجملة مع هذه األداة ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الشرط والجواب‪.‬‬
‫لفعل ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.149‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.315‌/2‌،‬‬

‫‪175‬‬
‫الزمن‪:‬‬
‫‪ -6‬داللة المصدر على ّ‬
‫أكان هذا المصدر صريحاً‬
‫اء َ‬ ‫استخدام المصادر في نصوص ابن ِجّني و ٌ‬
‫اضح وبارز سو ٌ‬
‫طياته غير مفرغ منها‪ ،‬فكان للمصدر دور‬ ‫منية في ّ‬ ‫الز ّ‬‫مؤوالً‪ ،‬وقد كان حامالً للداللة ّ‬
‫أم ّ‬
‫نائب‬
‫ومعنوياً‪ ،‬فهو ٌ‬
‫ّ‬ ‫داللياً‬
‫داللي يغني بوجوده عن ذكر الفعل منه‪ ،‬وبما ّأنه ينوب عنه ّ‬
‫قول ابن ِجّني‪ " :‬ومن ذلك امتناع َك من‪َ :‬وَذر‪،‬‬ ‫زمنياً‪ ،‬وعلى ذلك نذكر َ‬ ‫ّ‬ ‫عنه‬
‫ع الشيء َيدع‬
‫فأما قولهم‪َ :‬وَد َ‬
‫ع[‪]...‬وكذلك قراءة بعضهم (ما َوَد َع َك رّب َك وما َقَلى)‪ّ ،‬‬ ‫ووَد َ‬
‫َ‬
‫دع‪ ،)1( "...‬فنجد في القول السابق ثالثة مصادر هي (امتناعك‪ ،‬قراءة‪،‬‬ ‫سكن‪ -‬فاتّ َ‬
‫–إذا َ‬
‫زمنية على‬
‫منية فهي كاآلتي‪ :‬المصدر امتناع الذي يحمل داللة ّ‬
‫الز ّ‬
‫أما دالالتها ّ‬
‫قولهم) ّ‬
‫الداللة‬
‫ستمر إلى لحظة التّكّلم‪ ،‬وهي نفس ّ‬ ‫حدث تم في الماضي إال َّ‬
‫أن أثره ما زال م ّاً‬
‫شتق منه وهو(امتََن َع)‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫فإن المصدرين (قراءة‪ ،‬وقولهم)‬ ‫التي يحملها الفعل الم ّ‬
‫زمنية دون‬ ‫ُّ‬
‫الزمن الماضي المطَلق وغير المحدد بجهة ّ‬ ‫السياق على ّ‬
‫يدالن في هذا ّ‬
‫أخرى بل يصلحان لكل جهة في الماضي‪.‬‬
‫ِ‬
‫للعرب‬ ‫الداللة نفسها في قول ابن ِجّني في موضع آخر من كتابه‪ " :‬وفصل‬
‫ونرى هذه ّ‬
‫الصريح‬
‫طريف؛ وهو إجماعهم على مجيء عين المضارع َف َعلته ‪ ، ...‬فالمصدر ّ‬
‫" (‪)2‬‬

‫الزمن المطَلق؛ أي أن ال يتحدد بزمن دون آخر‪،‬‬


‫يدل على ّ‬
‫(إجماع) من شأنه أن ُّ‬
‫ولكنه جاء في هذا المثال مضافاً إلى الضمير (هم)‬
‫وكل جهة‪ّ ،‬‬
‫لكل زمن ّ‬
‫ويصلح ّ‬
‫ألنه يذكرهم‬ ‫العائد إلى (العرب)‪ ،‬والذين َيرتبط ذكرهم عند ابن ِجّني ّ‬
‫بالزمن الماضي‪ّ ،‬‬
‫كموضع استشهاد لكالمه‪ ،‬ولذلك الحظنا كثرة استخدامه لكلمة العرب مرافقةً لصيغ‬
‫متنوعة؛ مثل‪( :‬قالت العرب‪ ،‬أال ترى العرب استخدمت‪ ،‬اعتادت العرب‪ ]...[،‬أو‬ ‫ّ‬
‫يستخدم الضمير (هم) في إشارة مفهومة المقصد إليهم‪ ،‬ولذلك تَ َّ‬
‫حد َد زمن هذا المصدر‬
‫الزمن‬
‫السياقية‪ ،‬وأخذ المصدر (مجيء) ّ‬ ‫اللفظية و ّ‬
‫ّ‬ ‫بالزمن الماضي‪ ،‬بفضل القرينتين‬
‫ّ‬
‫إن‬
‫الزمن؛ أي ّ‬
‫الحق له في ّ‬
‫ٌ‬ ‫معنوياً مع المصدر (إجماعهم) إال ّأنه‬
‫ّ‬ ‫نفسه؛ الرتباطه‬
‫َ‬
‫يدل على الزمن الماضي‪ ،‬ولكنه مستقبل في الماضي بالن ِ‬
‫سبة إلى المصدر‬ ‫(مجيء) ُّ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(إجماعهم)‪.‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.99‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‌1‬يُنظر‪‌:‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.223‌/2‌،‬‬

‫‪176‬‬
‫السياق الذي وضعها‬ ‫ِ‬
‫ومن أمثلة استخدام ابن جّني للمصادر وهي حاملة للزمن بفضل ّ‬
‫المتقدمين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تدالل بنحو ضربت َك على شيء غير الموضعين‬ ‫فيه‪ ،‬قوله‪ " :‬و أما االس ُّ‬
‫بأن هذا المصدر‬ ‫فالنظرة األولية للمصدر (االس ُّ‬
‫تدالل) توحي َّ‬ ‫يقول قائل‪ّ ، "...‬‬‫فأن َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ّّ‬ ‫ْ‬
‫السياق‪ ،‬إذ ال ينحصر بوقت دون‬ ‫ظر إليه مجرداً من ّ‬
‫الزمن المطَلق‪ ،‬إذا ن َ‬
‫دال على ّ‬
‫ّ‬
‫أن يكو َن اآلن‪ ،‬أو يكون غداً في‬ ‫آخر؛ فيمكن أن يكون االس ُّ‬
‫تدالل فيما مضى‪ ،‬ويمكن ْ‬
‫السياق‬ ‫النحوي يتطّلب ّ‬
‫منا نظرةً عميق ًة إلى ّ‬ ‫الزمن ّ‬ ‫غير َّ‬
‫أن إدراك ّ‬ ‫مستقبل قريب أو بعيد‪َ ،‬‬
‫الزمن‬
‫السابق نجد قرينتين تساعدان في تحديد ّ‬‫الزمن‪ ،‬ففي المثال ّ‬‫الذي َي ِرد فيه هذا ّ‬
‫فصيلية) التي يأتي بعدها شرح‬
‫ّ‬ ‫النحوي لهذا المصدر‪ ،‬القرينة األولى هي ّ‬
‫(أما التّ‬ ‫ّ‬
‫تدالل كان لشيء سابق له‪ ،‬فيكون حينها‬ ‫أن االس ُّ‬
‫وتوضيح لشيء قبلها‪ ،‬والدليل على َّ‬
‫منية‬ ‫المتقدمين)‪ ،‬بالتالي َّ‬ ‫االس ُّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫فإن ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدالل الحقاً له‪ ،‬قوله‪(:‬غير الموضعين‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬فهذا ما أفادته القرينة األولى التي دّلتنا‬ ‫للمصدر (االس ُّ‬
‫تدالل) هي ّ‬
‫أما القرينة األخرى والتي تأتي مؤّكدةً لألولى‪ ،‬فهي المصدر المؤول( ْ‬
‫أن‬ ‫على ذلك‪ّ ،‬‬
‫النحوي‬
‫الزمن ّ‬ ‫الزمن المستقبل أيضاً‪ ،‬ولذلك نستطيع القول ًّ‬
‫بأن ّ‬ ‫تدل على ّ‬ ‫يقول) التي ُّ‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬ ‫للمصدر (االس ُّ‬
‫تدالل) هو ّ‬
‫ذهبهم‬ ‫مركبين ما نراه في قول ابن ِجّني‪ " :‬وذلك ّ‬
‫أن من َم َ‬ ‫ومن أمثلة مجيء مصدرين ّ‬
‫مؤول‪،‬‬
‫األول صريح والثاني ّ‬
‫مصدرن ّ‬
‫ا‬ ‫أن يستعملوا من اللغة‪ ،)2( "...‬فقد جاء ها هنا‬
‫ْ‬
‫ألنه‬
‫الزمن الماضي المطَلق‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الميمي (مذهبهم) فهي ّ‬ ‫منية للمصدر‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫أما ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(مذهبهم) يقصد به َّ‬
‫أن هذا دأبهم وعادتهم‪،‬‬ ‫يحمل في داللته معنى العادة؛ فقوله َ‬
‫الزمن الظاهر من‬
‫أن ّ‬‫النحاة األوائل‪ ،‬ولذلك قلنا َّ‬
‫والمقصود بالضمير(هم) العرب أو ّ‬
‫يدل في معناه على‬
‫ألنه ُّ‬
‫وحددنا جهته باإلطالق‪ّ ،‬‬
‫الزمن الماضي‪ّ ،‬‬‫هذا المصدر هو ّ‬
‫جاء مرّكباً في معناه مع المصدر‬
‫(أن يستعملوا) والذي َ‬‫أما المصدر الثاني ْ‬ ‫العادة‪ّ ،‬‬
‫زمنية ماضية‬
‫هم) ويحمل هذا المصدر دالل ًة ّ‬
‫األول‪ ،‬والتّأويل الذي يشير إليه هو(استعماَل ْ‬
‫األول؛ إ ْذ يصبح المعنى‪َّ ( :‬‬
‫أن‬ ‫ركيبية بالمصدر ّ‬
‫مطَلقة؛ وذلك لتعّلق معناها وداللتها التّ ّ‬
‫من َمذهِبهم استعماَلهم[‪.]...‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.103‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.373‌/1‌،‬‬

‫‪177‬‬
‫وقد جاء في نصوص ابن ِجّني أمثلة كثيرة عن مجيء مصدرين فأكثر تكون داللتهما‬
‫منية واحدة‪ ،‬وذلك نحو قوله‪ " :‬و أما جواز اعتقاد سقوط حكم ما تعّل َق به الظرف‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫عطف قوله‪ ،(1) "...‬إذ نقع في القول السابق على أربعة مصادر‬
‫َ‬ ‫فألنه قد‬
‫من هذا البيت ّ‬
‫الشرطية‪ ،‬وجميع‬
‫(أما) التفصيلية ّ‬
‫متتالية هي ( جواز‪ ،‬اعتقاد‪ ،‬سقوط‪ ،‬حكم)‪ ،‬مسبوق ًة بـ ّ‬
‫ولكن هذا الماضي غير‬
‫الزمن الماضي‪ّ ،‬‬
‫هذه المصادر جاءت داّل ًة على زمن واحد هو ّ‬
‫الدرس الحديث على ّأنه أحد‬
‫صنفه ّ‬
‫محدد الجهة‪ ،‬بل هو ماض مطَلق‪ ،‬و هو ما ّ‬
‫الزمن الماضي ارتباط هذه المصادر‬
‫الجهات‪ ،‬وما يدعم داللة هذه المصادر على ّ‬
‫جاء على صيغة (قد‬
‫الشرط الذي َ‬ ‫(تعلق)‪ ،‬وكذلك جواب ّ‬
‫َ‬ ‫بالمعنى مع الفعل الماضي‬
‫الزمن الماضي التام القريب من الحاضر‪،‬‬
‫تدل على ّ‬
‫فعل) بقوله‪ :‬فألنه قد عطف‪ ،‬والتي ُّ‬
‫زمنية‬
‫أما ذو داللة ّ‬‫أن ما يأتي بعد ّ‬
‫أما) ماضياً فال ّبد ّ‬
‫الشرط(جواب ّ‬ ‫وإذا كان جواب ّ‬
‫يدل ما بعدها على الحاضر أو المستقبل‪.‬‬
‫ماضية‪ ،‬وإذا كان جوابها مستقبالً فيحتمل أن ُّ‬
‫ك‬
‫أن تتر َ‬‫الزمن المستقبل‪ ،‬كما في قوله‪ " :‬لك ْ‬ ‫المؤول على ّ‬
‫ومنها أيضاً داللة المصدر ّ‬
‫(أن‬
‫المؤوالن ْ‬
‫ّ‬ ‫فالمصدرن‬
‫ا‬ ‫لك‪،)2( "...‬‬
‫ال َ‬ ‫أن يَق َ‬
‫ذلك ْ‬
‫إمالته مع وجودها فيه[‪ ]...‬ومن َ‬
‫ألن داللتهما‬‫الزمن المستقبل المطَلق‪ّ ،‬‬
‫السياق على ّ‬ ‫ُّ‬
‫يقال) يدالن في هذا ّ‬‫تترك‪ ،‬وأن َ‬
‫منية ال تنحصر في جهة دون أخرى‪.‬‬ ‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن الماضي المطَلق من المصادر في نصوص ابن ِجّني فمثاله‬ ‫دل على ّ‬‫أما ما ّ‬
‫ّ‬
‫قوله‪ " :‬ومن ذلك حملهم حروف المضارعة بعضها على حك ِم بعض‪ ،‬في نحو ح ِ‬
‫ذفهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص‬ ‫ِ (‪)3‬‬ ‫الهمزة في نكرم[‪ ،]...‬لِح ِ‬
‫الن ّ‬
‫ذفهم إياها في أكرم" ‪ ،‬فالمصادر الثالثة الواردة في ّ‬ ‫َ‬
‫الزمن الماضي المطَلق‪ ،‬لعدم‬ ‫ذفهم‪ ،‬لِ َحذفهم) جميعها داّلة على ّ‬ ‫السابق (حملهم‪ ،‬ح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫دل منها على ترتيب سابق أو‬ ‫إمكانية تحديدها في جهة واحدة من الماضي‪ ،‬إال ما ّ‬
‫الحق دون إمكانية الوقوف على جهتها‪ ،‬كما في المصدرين (حذفهم‪ ،‬لحذفهم) فاألول‬
‫الزمن‬
‫سبب أو عّلة‪ ،‬والعّلة والمسبب يكونان دائما سابقين في ّ‬
‫سبب أو نتيجة‪ ،‬والثاني م ّ‬
‫والوجود للسبب والنتيجة‪.‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.108‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.164‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.111‌/1‌،‬‬

‫‪178‬‬
‫ومثل ذلك قول ابن ِجني في موضع آخر‪ " :‬فضيق الشين مع ِ‬
‫سعة السين يؤذن َّ‬
‫بأن‬ ‫ّ‬
‫فالمصدرن الصريحان (ضيق‪ ،‬وسعة) في المثال السابق‪،‬‬
‫ا‬ ‫الشين بدل السين‪،)1( "...‬‬
‫الزمن المطَلق أيضاً‪.‬‬
‫جاءا داّلين على ّ‬
‫(وصفية)‬
‫ّ‬ ‫الزمن مطَلقة‪ ،‬أي‬ ‫وقد يأتي هذا المصدر فعالً ناقصاً‪ ،‬فتكون داللته على ّ‬
‫تدل على االتصاف الدائم بصفة ما‪ ،‬وهذا اإلطالق هو ماض‪ ،‬لما يحمل الفعل الناقص‬ ‫ُّ‬
‫فجعل كونهم ِجّناً أصالً‪ ،‬وجعل‬ ‫َ‬ ‫من معنى المضي‪ ،‬كمثل قول ابن ِجّني في باب‪" :‬‬
‫وكونها ِجماالً فرعاً‪ ،)2("...‬فقد جاء‬
‫كونهم ناساً فرعاً‪ ،‬وجعل كون مطاياه طي اًر أصالً‪َ ،‬‬
‫مصدر الفعل كان (كونهم) في القول السابق مقترناً بالفعل الماضي (جعل) و ُّ‬
‫يدلنا‬
‫يدل على‬
‫ولكن هذا المصدر ال ُّ‬
‫هذا االقتران على تثبيت داللة المصدر في الماضي‪ّ ،‬‬
‫ماض محدد بجهة واحدة‪ ،‬وذلك لداللته على االتصاف وحمل صفات الموصوف ال‬
‫الزمن‪.‬‬
‫يتحدد بزمن‪ ،‬و إنما يشير إلى مطَلق ّ‬
‫الزمن‪:‬‬
‫الصيغ المركبة وتنويع ّ‬
‫‪ّ -7‬‬
‫الصيغ العر ّبية عن غيرها من باقي اللغات بقابليتها الشديدة للتركيب والتعديل‬
‫تمتاز ّ‬
‫ودخول اإلضافات من سوابق ولواحق‪ ،‬وما لذلك من أثر ّبين على المعنى وعلى الغنى‬
‫يتحدث عن هذه‬
‫الصيغ المرّكبة‪ ،‬ونجد عباس محمود العقاد ّ‬ ‫مني الذي توّلده هذه ّ‬ ‫الز‬
‫ّ ّ‬
‫بالصيغ‬
‫الرد على الغربيين ممن انتقدوا اللغة العر ّبية بفقرها ّ‬
‫الصيغ المرّكبة في إطار ّ‬ ‫ّ‬
‫الشبهة على بعض‬‫الصيغ‪ " :‬و إنما تَ ِرد ّ‬
‫المركبة ‪ ،‬فيقول مؤّكداً غنى العر ّبية بمثل هذه ّ‬
‫ّ‬
‫النقاد الغربيين من وجود عناوين لألزمنة المعّلقة عندهم ال توجد لها نظائر في اللغة‬
‫العر ّبية‪ ،‬وهذه األزمنة المعّلقة هي التي يفرض حدوثها فيما مضى‪ ،‬أو ما يلي في‬
‫ولكنها ليست قاطع ًة وال منتهي ًة إلى نهاية حاسمة‪ ،‬وهذه‬
‫متخيلة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫حاالت مشروطة أو‬
‫األوروبية باألفعال المساعدة مع الفعل‬ ‫عبرون عنها في بعض اللغات‬ ‫َّ‬
‫ّ‬ ‫األزمنة المعلقة ي ّ‬
‫تقول مثالً عن أحد‬
‫أن َ‬ ‫أو اسم الفاعل أو اسم المفعول‪ ،‬ويحاكيها في اللغة العر ّبية ْ‬
‫معروف أو مفروض‪ (:‬لعّله يكون مصو اًر كبي اًر لو نشأ قبل عصره)‪ ،‬أو ( لعّله يكون‬
‫في مثل هذه األحوال قد نجح لو نشأ بعد حين)[‪ ]...‬إلى أشباه هذه التّعبير ِ‬
‫ات التي‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.86‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق ‌‪‌.302‌/1‌،‬‬

‫‪179‬‬
‫َيسهل استخدامها في اللغة العر ّبية كما رأينا‪ ،‬وليست هي في اللغات األخرى م ّ‬
‫خصصة‬
‫ولكنها تعبيرات طارئة تتيسر محاكاتها‬
‫بوضع أصيل من أوضاع التصريف واالشتقاق‪ّ ،‬‬
‫كل معنى من معانيها‪.)1( " ...‬‬
‫عندنا في ّ‬
‫الزمن الذي‬
‫الصيغ تنويعاً تكاد معه ال تدرك ّ‬ ‫ِ‬
‫وقد ّنوع ابن جّني في استخدامه لهذه ّ‬
‫الزمن الذي خّلفته صيغه‪ ،‬فيأتي تارةً بماض دال في معناه على‬ ‫يتحدث به‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫ويقدم تارةً أخرى‬
‫الداللة على أحداث ماضية‪ّ ،‬‬ ‫المستقبل‪ ،‬أو بمضارع يحمل في طياته ّ‬
‫صيغاً مركبة من الفعلين الماضي والمضارع و ُّ‬
‫تدالن حيناً على الماضي وأحياناً على‬
‫الصيغ أمثلة عديدة في كتابه الخصائص‪ ،‬نذكر منها حديثه في مطلع‬
‫المستقبل‪ ،‬ولهذه ّ‬
‫كأنه أصل الخالف‬ ‫باب (في تقاود السماع وتقارع االنتزاع)؛ إذ يقول‪ " :‬هذا الموضع ّ‬
‫نقدم َها هنا ما كان الئقاً به‪ ]...[،‬فمنها‬
‫النحويين‪ ،‬وسنفرد له بابا‪ ،‬غير ّأنا ّ‬
‫الشاجر بين ّ‬
‫قوم إلى شيء‪ ،‬ويذهب آخرون إلى‬
‫يكثر الشيء [ َفيسأَل] عن عّلته‪َ ]...[،‬فيذهب ٌ‬
‫أن َ‬
‫ِ‬
‫صاحبه‪ ،)2("...‬إذ نقف في‬ ‫تأمل القولين واعتماد أقواهما‪ ،‬ورفض‬
‫وجب إذاً ّ‬
‫غيره‪ ،‬فقد َ‬
‫زمنية مختلفة‬
‫الصيغ الفعلية المركبة التي حملت دالالت ّ‬
‫هذا القول على عدد من ّ‬
‫للصيغة نفسها‪ ،‬فالفعل (سنفرد) فعل مضارع‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫بعضها عن بعض وعن ّ‬
‫مسبوق بحرف االستقبال السين‪ ،‬مما أسهم في تخصيص داللة هذا المضارع على‬
‫أن ابن ِجّني كان ينوي أن َ‬
‫يفرد باباً يتحدث به عن األمر‬ ‫المستقبل القريب‪ ،‬وهذا يعني ّ‬
‫في مستقبل قريب من لحظة تكّلمه‪ ،‬ثم يتابع حديثه مستخدماً ضمير المتكّلم مع صيغة‬
‫المضارع مضيفاً لها ما يحدد جهة زمنها كما فعل في الفعل األول(سنفرد)‪ ،‬فذكر قرينة‬

‫نقدم َها هنا)‪ ،‬لتكون هذه ّ‬


‫الصيغة دال ًة على الحاضر ال‬ ‫الحاضر(هاهنا) بقوله‪ّ ( :‬‬
‫َ‬
‫محالة‪.‬‬
‫(أن والفعل المضارع) معطوفاً‬ ‫المكون من ْ‬
‫ّ‬ ‫المؤول‬
‫ّ‬ ‫وكذلك نالحظ استخدام المصدر‬
‫(أن َيكث َر َفي ْسأَل) ليكونا داّلين على‬
‫عليه بالفعل المضارع المبني للمجهول‪ ،‬في قوله‪ْ :‬‬
‫الزمني الذي تتركه الفاء على الفعل (يسأل)‬ ‫المستقبل المطَلق‪ ،‬مع مالحظة التعقيب‬
‫ّ ّ‬
‫(فيذهب)‬
‫الزمن وكالهما مستقبل‪ ،‬ومثلها أيضاً الفعل َ‬ ‫لتجعله تالياً للمصدر المؤول في ّ‬

‫‪‌-‌1‬اللغة‌الشاعرة‪‌:‬عباس‌محمود‌العقّاد‪‌،‬ص‌‪‌.49‌-48‬‬
‫ُنظر‪‌:‬الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.101-100‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬ي‬

‫‪180‬‬
‫ثم يأتي بصيغة الماضي التام المسبوق بحرف‬
‫السابقين‪َّ ،‬‬
‫زمنياً بعد الحدثين ّ‬
‫الذي يحدث ّ‬
‫حدث في الماضي المتحّقق في‬
‫يدل على فعل َ‬ ‫وجب) الذي ُّ‬
‫التحقيق قد‪ ،‬بقوله‪ ( :‬فقد َ‬
‫منين الماضي والمستقبل في‬ ‫وقت قريب من الحاضر‪ ،‬ونرى في هذا التباين بين ّ‬
‫الز ّ‬
‫فإما أن يكون ما أشرنا إليه بأنه حاضر أو مستقبل‪ ،‬داالً‬
‫العبارة السابقة‪ ،‬وجهتي نظر‪ّ ،‬‬
‫على المستقبل حقيقة‪ ،‬وجاء بعده بالماضي المتحقق (فقد وجب) كنوع من التأكيد على‬
‫الدالة على الحاضر‬ ‫أن تكون ّ‬
‫الصيغ ّ‬ ‫صحة رأيه وتحّققه‪ ،‬و أ ّما الرأي اآلخر فهو ْ‬
‫والمستقبل‪ ،‬هي حاضر ومستقبل في الماضي‪ ،‬ودليله النتيجة التي آل إليها ابن ِجّني‬
‫بقوله مستخدماً صيغة الماضي المتحقق (فقد وجب)‪ ،‬إذ ال يجوز أن يكون السبب في‬
‫الحاضر أو المستقبل‪ ،‬ونتيجته في الماضي‪ ،‬وهو الرأي األقرب إلى القبول من وجهة‬
‫نظري‪.‬‬
‫زمنية‬
‫يأتي بفعلين مختلفين لداللة ّ‬ ‫الزمني في نص ابن ِجّني‪ ،‬أن‬ ‫ومن مظاهر التنويع‬
‫َ‬ ‫ّ ّ‬
‫واحدة‪ ،‬وجهتين مختلفتين تبعاً للسياق‪ ،‬وهذا ما كان في قوله‪ " :‬أال ترى ّأن َك ّإنما أسكنته‬
‫مضامته‪ ،)1( "...‬فقد بدأت هذه الجملة بصيغة المضارع‬ ‫ّ‬ ‫وتجذبه إلى‬
‫َ‬ ‫لِتخلِ َ‬
‫طه بالثاني‬
‫التلّفظ‪ ،‬و إن ما بعدها ماض بحكم المعنى‬
‫تدل على الحاضر في زمن ّ‬
‫(أال ترى) والتي ُّ‬
‫ثم يتابع الجملة موجهاً‬ ‫الذي يقصده ابن ِجّني‪ ،‬وهو هنا ّ‬
‫الشرح والتوضيح واالستشهاد‪ّ ،‬‬
‫الزمن الماضي التام‪ ،‬وجاء هذا الفعل‬
‫يدل على ّ‬
‫الكالم للمخاطب الغائب بفعل ماض ُّ‬
‫الزمن‬
‫طه) داالً على ّ‬
‫مقترناً بفعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد الالم (ألن تخل َ‬
‫وعطف عليه‬
‫َ‬ ‫الزمن بحالته المفردة‪،‬‬
‫مؤوالً يشير إلى هذا ّ‬
‫المستقبل على اعتباره مصد اًر ّ‬
‫ِ‬
‫للجملة كامل ًة‬ ‫منية‬ ‫الزمن ذاته والجهة ذاتها‪َّ ،‬‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫ولكن ّ‬ ‫فعالً مضارعاً آخر يحمل ّ‬
‫يدالن عليه‬‫الزمن المستقبل‪ ،‬وال حتى الفعالن المضارعان اللذان ُّ‬‫تدل على ّ‬
‫ال يمكن أن ُّ‬
‫السياقي يقتضي أن يكون ّ‬
‫الزمن هو الماضي حتماً‪.‬‬ ‫فالسياق والمعنى ّ‬
‫مفردين‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫الزمن‪ ،‬بل هناك قرائن ُّ‬
‫تدلنا عليه‪،‬‬ ‫السياق هو العامل الوحيد في تشكيل هذا ّ‬ ‫وليس ّ‬
‫َ‬
‫منها صيغة (أال ترى) التي أشرنا إلى ّأنها عندما تكون في سياق الشرح والتوضيح ُّ‬
‫تدل‬
‫ألن ابن ِجّني يحاول أن يثبت للمخاطب صحة رأيه‪ ،‬من‬ ‫أن ما بعدها ماض؛ َّ‬ ‫على ّ‬
‫طب نفسه واستخدامه مسبقاً لهذه الحالة التي يشرحها ابن ِجّني‪،‬‬
‫خالل تجارب هذا المخا َ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.140‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪181‬‬
‫مجيء الجملة بعدها‬ ‫أن‬ ‫وقد لجأ أبو الفتح إلى هذه ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫طريقة في نصوصه كثي اًر‪ ،‬كما ّ‬
‫يدل على ثبات وتأكيد تحّقق ما يقول‪.‬‬
‫(أن َك ّإنما) ُّ‬
‫مؤّكدةً وبمؤّك َدين اثنين ّ‬
‫منية‬ ‫أما عن جهة الفعلين (أسكنته‪ِ ،‬‬
‫الز ّ‬
‫السياق ّأنهما ليسا بالجهة ّ‬
‫اضح من ّ‬ ‫طه ) ف و ٌ‬
‫لتخل َ‬ ‫ّ‬
‫بالزمن نفسه‪ -‬فجهة الفعل األول منهما هي الماضي التّام كما قلنا‪،‬‬ ‫نفسها ‪-‬و إن كانا ّ‬
‫ألنهما ينطويان على‬
‫الزمن المستقبل في الماضي‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫يدل على ّ‬
‫و أما اآلخر‪ ،‬ف ُّ‬
‫ولكن زمن النتيجة (الخلط) ليس بعيداً بل‬
‫سبب ونتيجة والسبب يسبق النتيجة طبعاً‪ّ ،‬‬
‫شدة اتصال واقتران السبب والنتيجة معاً‪ ،‬إضاف ًة إلى‬
‫مستقبل قريب‪ ،‬ويوحي بذلك ّ‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫تدلنا على قرب‬ ‫شدة اقتراب واقتران الالم (الم التعليل) من الفعل المضارع‪ ،‬والتي ُّ‬
‫ّ‬
‫أن يقول مثالً‪( :‬أسكنته من أجل أن تخلطه)‪ ،‬ولم يقل ذلك‪ ،‬لما‬‫التّحقق‪ ،‬فكان بمقدوره ْ‬
‫بعضهما عن‬ ‫ِ‬
‫بدرجة بعد الفعلين أو السبب والنتيجة ِ‬ ‫في ذلك من إيحاء ببعد التّحقق‪،‬‬
‫الداللة‬
‫النص في ّ‬
‫أهمية ّ‬
‫بعض؛ أي‪( :‬أسكنتَه فخلطته وجذبتَه)‪ ،‬ونلمح في هذا إشارةً إلى ّ‬
‫على المعنى‪ ،‬والى حرص ابن ِجّني على اختيار األلفاظ والعبارات والتراكيب بدّقة‬
‫إيحاء مساعداً له في إيصال المعنى بصورة مباشرة وغير مباشر‪ ،‬وهذا‬ ‫كو َن‬
‫متناهية‪ ،‬لت ّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫لدقائق‬ ‫سن استغالل ابن ِجّني‬
‫رجة األولى‪ ،‬وعلى براعة ح ِ‬ ‫اعة العربية بالد ِ‬
‫يدل على بر ِ‬ ‫ُّ‬
‫ّ ّ‬
‫ليطوعها بما يشاء ويريد ثانياً‪.‬‬
‫اللغة وتفاصيلها‪ّ ،‬‬
‫منية فيما بينها حتى لتصبح كما لو ّأنها زمن داخل زمن‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫وقد تتداخل الجهات ّ‬
‫جلياً في الكالم الذي يكثر فيه القول‪ ،‬ونقل األقاويل من شخص إلى آخر‪،‬‬
‫ويظهر ذلك ّ‬
‫استخدم ابن ِجّني هذا األسلوب كثي اًر في شروحاته؛ نظ اًر العتماده على االستشهاد‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫أي أو قاعدة أو مسألة‪ ،‬وهذا ما نجده‬‫بالحجة والبرهان من أقوال أعالم العرب إلثبات ر ّ‬
‫أن تكون التاء في‬
‫أن قلنا‪ّ :‬إنه قد يجوز ْ‬
‫في قوله‪ " :‬قيل‪ :‬هذا هو الذي دعانا إلى ْ‬
‫الداللة‬
‫مرمريت بدالً من سين مرمريس‪ ، "...‬إ ْذ تبدأ هذه الجملة بقول لقائل مجهول‪ ،‬و ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الزمن الماضي‪ ،‬وجملة هذا القول تحتوي على الفعل الماضي‬


‫منية لهذا القول هي ّ‬
‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫مستقبل‬
‫ٌ‬ ‫قول آخر هو‬
‫(دعانا) الذي يحمل داللة ماضية أيضاً‪ ،‬وبعده مباشرة‪ ،‬يأتي ٌ‬
‫بالنسبة للقول األول‪ ،‬وماض بالنسبة للداللة العامة للسياق‪ ،‬وجملة هذا القول هي أيضاً‬
‫تدل على مستقبل‬
‫عبر عنه بصيغة (قد يجوز) التي ُّ‬
‫مستقبل في الماضي‪ ،‬و هو ما َ‬
‫ٌ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.53‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪182‬‬
‫ش ّكي قريب (في الماضي) ‪ ،‬وصيغة المصدر المؤول من الفعل الناقص (أن تكون)‬
‫ّ‬
‫التام‪ ،‬ويحتوي‬
‫يدل على الماضي ّ‬ ‫األول ُّ‬ ‫بداللتها الماضية أيضاً‪ ،‬وبذلك َّ‬
‫فإن القول ّ‬
‫يدل على المستقبل بالنسبة للقول األول؛ والمعنى (قيل‪ :‬كذا‬
‫بداخله على قول آخر ُّ‬
‫حتمية للقول األول المتحقق‪ ،‬والنتيجة‬
‫وكذا فقلنا‪ :‬كذا وكذا)‪ ،‬فقد جاء القول الثاني نتيجة ّ‬
‫ِ‬
‫بالنسبة إلى السبب‪ ،‬و إن كانا ضمن زمن واحد‪ ،‬وهو الماضي‪.‬‬ ‫دائماً مستقبل‬
‫ومعنوياً‪ ،‬أي تكون‬
‫ّ‬ ‫زمني ٌة صيغ ًة أخرى ّ‬
‫زمنياً‬ ‫تحتوي صيغ ٌة ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫الزمن ْ‬
‫ومن حاالت تنويع ّ‬
‫الصيغة األخرى‪ ،‬وهذا‬‫الزمن الذي تحدث فيه ّ‬ ‫الصيغة األولى بمنزلة الوعاء للحدث أو ّ‬
‫ّ‬
‫ألنهم يتظاهرون بينهم َّ‬
‫بأنهم‬ ‫ما يظهر في قول ابن ِجّني‪ " :‬وليس كذلك أهل الحضر ّ‬
‫قد تركوا وخالفوا كالم من ينتسب إلى اللغة العر ّبية الفصيحة" (‪ ،)1‬فالفعل (يتظاهرون)‬
‫مقدر‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ويوحي لنا بفعل ّ‬ ‫مستمر في ّ‬ ‫يدل على حاضر‬ ‫يدلنا على حدث ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬
‫محذوف قبله تقديره (كانوا)‪ ،‬وهذا ما جعل الفعل يتظاهرون داالًّ على االستم اررّية‪ّ ،‬‬
‫أما‬
‫تدل على ماض متحقق في وقت قريب‪ ،‬بسبب داللة القرينة‬
‫صيغة (قد تركوا) فهي ُّ‬
‫الداللة إلى صيغة‬
‫الزمن والمعنى و ّ‬
‫منية جاءت تابع ًة في ّ‬ ‫الز ّ‬
‫الصيغة ّ‬
‫ولكن هذه ّ‬
‫(قد)‪ّ ،‬‬
‫الصيغة األولى‬
‫الدقيق مرتبط بها‪ ،‬فإذا كانت ّ‬
‫مني ّ‬ ‫(يتظاهرون) ولذلك َّ‬
‫فإن تحديدها الز‬
‫ّ ّ‬
‫تم في نقطة‬‫الصيغة الثانية تشير إلى حدث ّ‬
‫فإن ّ‬‫المستمر‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫داّلة على الحاضر الماضي‬
‫يدل عليه الفعل (يتظاهرون) ولذلك قلنا َّ‬
‫أن هذه‬ ‫قريبة من بداية الحدث اآلخر الذي ُّ‬
‫تدل قد مع الفعل الماضي على‬
‫الصيغة احتوت صيغة (قد تركوا) ضمنها‪ ،‬فاألصل أن ُّ‬
‫ّ‬
‫السياق الذي جاءت فيه‪ ،‬والذي‬
‫التلّفظ‪ ،‬ولكن ّ‬
‫الزمن الماضي القريب من الحال أو زمن ّ‬
‫ّ‬
‫المستمر في الماضي‪ ،‬جعل نقطة‬
‫ّ‬ ‫جعل صيغة (يتظاهرون) حامل ًة لزمن الحاضر‬
‫منية للفعل (قد تركوا) وليست نقطة الحاضر أو الحال‬
‫الز ّ‬
‫الحال للفعل هي نقطة البداية ّ‬
‫الزمن متداخالً ومرّكباً‪.‬‬
‫مما جعل ّ‬
‫ألصلية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ونرى في بعض المواضع من كتاب الخصائص‪ ،‬تداخالً للصيغ المركبة والمتنوعة في‬
‫لتكون جمالً مختلفة من حيث ّ‬
‫الزمن‪ ،‬ومن أمثلتها‪،‬‬ ‫الشرطية‪ّ ،‬‬
‫منية مع الجملة ّ‬ ‫الز ّ‬
‫دالالتها ّ‬
‫ثم سمعت العرب قد نطَقت ِ‬
‫فيه بشيء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اك القياس إلى شيء ما‪َ ْ َ َّ ،‬‬‫اعلم ّأن َك إذا َّأد َ‬
‫قوله‪ " :‬و ْ‬
‫آخر مثل‬ ‫ِ‬
‫مع َت من َ‬‫فإن َس ْ‬
‫كنت عليه‪ ،‬إلى ما ه ْم عليه‪ْ ،‬‬
‫ع ما َ‬‫آخر على قياس غيره‪َ ،‬ف َد ْ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.29‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪183‬‬
‫تنطق‬ ‫العرب ْلم‬ ‫ك َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َّح ع َند َ‬
‫فإن َ‬
‫ئت‪ْ ،‬‬
‫فأنت فيه م َخيٌَّر‪ :‬تستعمل أيَّهما ش َ‬
‫َجزتَه َ‬
‫ما أ ْ‬
‫بقياسك أنت‪ ،‬كنت على ما أَجمعوا عليه البتّة‪ ،‬وأعدت ما كان قياسك أ ََّداك ِ‬
‫إليه لشاعر‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َْ‬
‫بالصيغ المرّكبة‪ ،‬و سنأتي على تحليلها‬
‫السابق َينضح ّ‬
‫ص ّ‬ ‫الن ّ‬
‫أن ّ‬‫يتضح َّ‬
‫موّلد‪ ، "...‬إذ ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫السياق‪ ،‬فقد بدأ هذا النص بصيغة األمر (اعلم)‬ ‫ثم مركب ًة مع غيرها وضمن ّ‬
‫مفردة ّ‬
‫المخاطب‬
‫ْ‬ ‫ثم جاء بعدها الكالم الموجه إلى‬
‫الزمن الحاضر أو المستقبل‪َّ ،‬‬
‫تدل على ّ‬
‫التي ُّ‬
‫صدرةً بـ (إذا) التي يأتي بعدها الماضي داالً على المستقبل‪ ،‬وهذا ما‬
‫شرطي ًة م ّ‬
‫ّ‬ ‫جمل ًة‬
‫طف عليه بماض‬ ‫الزمن المستقبل‪ ،‬والذي ع َ‬
‫(أداك) على ّ‬‫دل الفعل الماضي ّ‬ ‫كان فقد ّ‬
‫(سمعت) دال على المستقبل أيضاً‪ ،‬وبعده ماض مقترن ب ـ (قد) بقوله‪( :‬قد نطقت)‬
‫مستقبلي ًة متحّققة‬
‫ّ‬ ‫تدل مفردة على الماضي القريب من الحال‪ ،‬بينما حملت دالل ًة‬
‫والتي ُّ‬
‫الشرط بصيغة األمر الدالة على المستقبل‬ ‫السياق‪ ،‬وجاء جواب ّ‬
‫على وجه اليقين في هذا ّ‬
‫ثم يبدأ‬
‫وبعدها الفعل الناقص الذي جاء صل ًة ل ـ (ما) وداالً على ماض متحقق بعيد‪َّ ،‬‬
‫اسمية‬
‫دال على المستقبل‪ ،‬وجوابها جملة ّ‬
‫(إن) فعلها ماض ٌ‬ ‫شرطية أخرى تبدأ بـ ْ‬
‫ّ‬ ‫بجملة‬
‫ثم جاء بجملة‬‫السياق فزمنها المستقبل‪ّ ،‬‬
‫أما في هذا ّ‬ ‫تدل على الديمومة أو االطالق ّ‬
‫ُّ‬
‫الداللة‬
‫مستقبل زمناً‪ ،‬وجوابها الفعل الناقص (كان) ذو ّ‬
‫ٌ‬ ‫(صح)‬
‫مثلها فعلها ماض صيغ ًة ّ‬
‫السياق (وصلت‬‫السياق يعطيه معنى آخر‪ ،‬إذ أصبح معناه في هذا ّ‬ ‫أن ّ‬‫الماضية‪ ،‬غير ّ‬
‫الزمن‬
‫أن العرب لم تنطق بقياسك‪ ،‬و ّ‬
‫صح عندك ّ‬
‫على ما أجمعوا عليه)؛ أي وصلت إذا ّ‬
‫ها هنا مستقبل أيضاً‪.‬‬
‫فالزمن الذي تحدث به ابن ِجّني‬ ‫التلفظ ّ‬
‫النص إلى زمن ّ‬
‫وال ّبد من االنتباه في هذا ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وذلك بحسب‬ ‫الزمن الحاضر أو ّ‬ ‫التلّفظ)‪ ،‬يمكن أن يكون ّ‬
‫(زمن ّ‬
‫(اعلم) الذي ابتدأ‬
‫ْ‬ ‫الداللة المشتركة فهو الفعل‬
‫أعان في تحديد هذه ّ‬
‫أما الذي َ‬‫طب‪ّ ،‬‬‫المخا َ‬
‫(أنت) والذي يمكن أن يكون‬
‫الموجه إلى مخاطب مستتر تقديره َ‬‫به ابن ِجّني شرحه‪ ،‬و ّ‬
‫داالًّ على مخاطب بعينه حاضر أمامه‪ ،‬فيكون زمن التلّفظ حينها حاض اًر‪ ،‬ويمكن أن‬
‫ِ‬
‫فوقع عليه هنا في هذا الكتاب‪،‬‬
‫الموضع َ‬ ‫يكون المقصود به ّ‬
‫كل من طلب علماً بهذا َ‬
‫اعلم اآلن (حاضر)‪ ،‬أو ليكن‬
‫المتحصل حينها هو المستقبل ال غير؛ أي ْ‬
‫ّ‬ ‫فيكون ّ‬
‫الزمن‬
‫علم دائم (مستقبل)‪.‬‬
‫عندك ٌ‬
‫َ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.126‌–‌125‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪184‬‬
‫وقد وردت بعض األمثلة التي استخدم فيها ابن ِجّني جملتَين شرطيتيَّن متتاليتَين داّلتين‬
‫ومعنوياً‪ ،‬وهذا ما نراه في قوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫السياق تنويعاً زمنياً‬
‫أكسب ّ‬
‫َ‬ ‫مما‬
‫على زمنين مختلفين‪ّ ،‬‬
‫ألنك لو َفعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من اآلخر‪ ،‬فإذا ِ‬
‫وقفت الحال بينهما‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫" َّ َ‬
‫وجب أن يتوازيا و أن يمث َال بصفحتيهما معاً‪ ،)1( " .‬إ ْذ نجد‬ ‫ولم يؤثَر ِ ِ‬
‫بالمزّية أحدهما َ‬ ‫ْ‬
‫زمنية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصيغ وفي استخدامها لداللة ّ‬ ‫في هذا المثال من قول ابن جّني تنويعاً كبي اًر في ّ‬
‫الزمن‬‫الصيغ‪ ،‬ثم ّ‬‫في لهذه ّ‬ ‫الزمن الصر‬ ‫تختلف عن داللتها مفردة‪ ،‬فيجب أن نرصد ّ‬
‫ّ ّ‬
‫السياق‪ ،‬فقد احتوى هذا المثال على جملتين شرطيتين‪ ،‬األولى‬ ‫النحوي الذي اكتسبته من ّ‬ ‫ّ‬
‫ونحوياً)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(صرفياً‬
‫ّ‬ ‫الشرط في الجملة األولى ماضياً‬ ‫بـ (لو)‪ ،‬واألخرى بـ (إذا)‪ ،‬جاء فعل ّ‬
‫الشرطية‬
‫أما جوابه فهو مضارع ناقص مجزوم صرفّياً‪ ،‬وماض نحوياً‪ ،‬إذاً فداللة الجملة ّ‬
‫رطية) وهي داللتها‬
‫الش ّ‬
‫تعارف عليه في جملة (لو ّ‬
‫ٌ‬ ‫األولى هي الماضي‪ ،‬وهذا ما هو م‬
‫جاء فعلها ماض معطوفاً‬ ‫أما الجملة األخرى التي ْ‬
‫بدأت بـ (إذا) فقد َ‬ ‫على الماضي‪ّ ،‬‬
‫منية‬
‫الز ّ‬
‫أما داللتها ّ‬
‫رفية الظاهرة هي الماضي‪ّ ،‬‬‫الص ّ‬‫على مضارع مجزوم‪ ،‬فداللته ّ‬
‫أن‬
‫(وجب ْ‬
‫َ‬ ‫السياق فهي المستقبل‪ ،‬وجوابها ماض مقترٌن بمصدر ّ‬
‫مؤول‬ ‫حوية في هذا ّ‬
‫الن ّ‬‫ّ‬
‫رطية غالباً ما تكون‬
‫الش ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وجملة (إذا) ّ‬
‫الصيغة على ّ‬
‫تدل هذه ّ‬
‫يتوازيا) و ُّ‬
‫داّل ًة على المستقبل‪ ،‬وهذا ما كان‪.‬‬
‫الزمن الماضي‪،‬‬ ‫يدل به على ّ‬
‫الصيغ‪ ،‬فاستخدم المستقبل ل ُّ‬ ‫ِ‬
‫إذاً فقد ّنوع ابن جّني في ّ‬
‫إيحائية تتعلق‬
‫معنوية و ّ‬
‫ّ‬ ‫ليشير به إلى المستقبل‪ ،‬ولهذا التنويع دالالت‬
‫َ‬ ‫واستخدم الماضي‬
‫بالصيغ وقوالبها الجامدة‪ ،‬بل تطويع هذه‬ ‫بإيصال المعنى أو الفكرة للمتلقي‪ ،‬دون ّ‬
‫تقيد ّ‬
‫الصيغ لتناسب المعنى الذي أراده‪.‬‬
‫ّ‬
‫الزمن بصيغ مختلفة أيضاً‪ ،‬في ِ‬
‫قول ابن ِجّني‪ " :‬ومع هذا فلست أدفع أن‬ ‫ونرى تنويع ّ‬
‫كل منها على‬
‫تدل ّ‬
‫فعلية ُّ‬
‫أحسوا فرقاً‪ ، "...‬فنجد في هذا القول ثالث صيغ ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫يكونوا قد ّ‬
‫زمن مختلف عن اآلخر وعلى جهة مختلفة أيضاً‪ ،‬فقد دّلت صيغة المضارع المسبوق‬
‫دل المضارع الناقص الذي جاء‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬فيما ّ‬
‫بنفي في قوله‪( :‬لست أدفع) على ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.70‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.21‌،3‌،‬‬

‫‪185‬‬
‫مؤوالً في قوله (أن يكونوا) على ماض بعيد‪ ،‬وأشار الفعل الماضي المسبوق‬ ‫مصد اًر ّ‬
‫الزمن الماضي التام القريب الحاضر‪.‬‬ ‫أحسوا) على ّ‬‫بـ(قد) في قوله‪( :‬قد ّ‬
‫ِ‬
‫كان يكون هناك من‬ ‫الزمن أيضاً‪ ،‬قول ابن ِجّني‪ ":‬ل َما َ‬
‫الدالة على تنويع ّ‬
‫ومن األمثلة ّ‬
‫حروف المضار ِ‬
‫ِ‬
‫عة –‬ ‫بقية‬
‫يت ّ‬‫االستثقال؛ الجتماع الهمزتين في نحو أؤكرم‪ ،‬و إن َع ِر ْ‬
‫وورد في يعد‬
‫لو ْلم تح َذف‪ -‬من اجتماع همزتين؛ وحذفهم أيضاً الفاء من نحو وعد‪َ ،‬‬
‫ويرد؛ ِل َما كان َيلزم –لو ْلم تح َذف‪ -‬من وقوع الواو بين ياء وكسرة‪ ،)1( " ...‬ففي المثال‬
‫الشرطية‪ ،‬والتي تشير في‬ ‫الفعلية المركبة والمصادر والجمل ّ‬
‫ّ‬ ‫بالصيغ‬
‫غنى كبير ّ‬ ‫السابق‬
‫ً‬
‫اقترانها بعضها مع بعض إلى أزمنة مختلفة عن داللتها المفردة‪ ،‬فجملة (كان يكون)‬
‫المؤّلفة من فعلين ناقصين األول ماض دال على الماضي والثاني مضارع دال على‬
‫وكأنه‬
‫الزمن الماضي؛ وذلك ألن المعنى ّ‬ ‫(كان يكون) ف ُّ‬
‫تدل على ّ‬ ‫أما جملة َ‬ ‫المستقبل‪ّ ،‬‬
‫أما‬
‫تدل على الماضي أيضاً‪ّ ،‬‬
‫(كان يتصف بكذا وكذا)‪ ،‬ومثلها جملة (كان يلزم) التي ُّ‬
‫الزمن المطَلق؛ أي يصلح للماضي‬ ‫يدل مفرداً على ّ‬
‫المصدر (االستثقال) والذي ُّ‬
‫ولكن اقترانه بالمعنى مع جملة (كان يكون) جعل داللته المطَلقة‬
‫والحاضر والمستقبل‪ّ ،‬‬
‫يدل على الماضي المطَلق بسب‬
‫بالزمن الماضي‪ ،‬وكذلك المصدر (الجتماع) ُّ‬‫محددة ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫(إن) فاألصل في جملتها ْ‬
‫المصدرة بـ ْ‬
‫ّ‬ ‫رطية‬
‫الش ّ‬
‫أما الجملة ّ‬
‫اقترانه بالجملة السابقة‪َّ ،‬‬
‫إن َع ِر ْ‬
‫يت[‪ ]...‬وقد جاءت‬ ‫السياق بمعنى (حتى ْ‬
‫تدل على المستقبل‪ ،‬فقد جاءت في هذا ّ‬
‫ُّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وبعدها المصدر‬
‫تدل على ّ‬
‫بعدها جملة (لو لم تحذف) المعترضة‪ ،‬والتي ُّ‬
‫يدل في هذه الجملة‬
‫يدل هنا على الزم المستقبل‪ ،‬أما المصدر (حذفهم) ف ُّ‬
‫(اجتماع) الذي ُّ‬
‫يدل على الماضي بسبب‬ ‫الزمن الماضي المطَلق‪ ،‬ومثله المصدر(وقوع) الذي ُّ‬ ‫على ّ‬
‫اقترانه معنى مع جملة (لِما كان يلزم) التي سبق أن أشرنا إلى داللتها على الماضي‪.‬‬
‫ً‬
‫وليس‬ ‫ِ‬
‫وقد أع َّل‪َ ،‬‬‫استعان ْ‬
‫َ‬ ‫فإن قْل َت‪ :‬فما تقول في‬
‫ويقول أبو الفتح في موضع آخر‪ْ " :‬‬
‫كقام يقوم؟ ِقيل‪ :‬هو و إن لم ين َ‬
‫ط ْق‬ ‫َ‬
‫عان يعون‬
‫ك ال تقول‪َ :‬‬‫معتل‪ ،‬أال ت ار َ‬
‫ّ‬ ‫تحتَه ثالثي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫فإنه في حكم المنطوق به‪ ، "...‬إذ نجد في القول السابق عدداً كبي اًر من‬ ‫بثالثية ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ّ‬
‫إن وفعلها‬‫الشرط ْ‬‫زمنية مختلفة‪ ،‬فقد بدأ الجملة بأداة ّ‬
‫الصيغ المركبة التي تحمل دالالت ّ‬ ‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.111‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.121‌/1‌،‬‬

‫‪186‬‬
‫وقت وقلت فيه كذا)‪،‬‬
‫(إن جاء ٌ‬ ‫زمنياً على المستقبل بمعنى ْ‬
‫يدل ّ‬ ‫قلت الذي ُّ‬
‫الماضي َ‬
‫موجهة‬
‫استفهامية ّ‬
‫ّ‬ ‫االستفهامية (فما تقول) والتي من المفترض ّأنها جملة‬
‫ّ‬ ‫وبعدها الجملة‬
‫أن وقوعها‬ ‫بيد ّ‬
‫الزمن الحاضر‪َ ،‬‬ ‫زمنية على ّ‬
‫طب حاضر‪ ،‬فتحمل حينئذ دالل ًة ّ‬ ‫إلى مخا َ‬
‫حول‬ ‫تدل على المستقبل‪ّ ،‬‬ ‫قلت) والتي ُّ‬
‫في موقع مقول القول من الجملة السابقة( إن َ‬
‫بالصيغة المرّكبة (وقد أ ِع َّل)‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬وبعدها جاء ّ‬
‫االستفهامية إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫داللة الجملة‬
‫الصيغة‬ ‫تدل هذه ّ‬ ‫المكونة من حرف التّحقيق قد وصيغة الماضي المبني للمجهول‪ ،‬إذ ُّ‬‫ّ‬
‫زمنية قريبة من الحاضر‪ ،‬ثم جاءت‬
‫الزمن الماضي المتحّقق في لحظة ّ‬
‫المرّكبة على ّ‬
‫كل منهما على زمن‬
‫يدل ٌّ‬
‫المكونة من فعلين مضارعين ُّ‬
‫ّ‬ ‫اك ال تقول)‬
‫الجملة (أال تر َ‬
‫الزمن الحاضر‪ -‬و هي غالباً ما يأتي‬‫يدل الفعل (تراك) على ّ‬‫مختلف عن اآلخر؛ إذ ُّ‬
‫الزمن الماضي المطَلق‪ ،‬وبعدها‬
‫يدل الفعل (ال تقول) على ّ‬‫الفعل بعدها ماضياً زمنياً‪ -‬و ُّ‬
‫النحوي فهو المستقبل‬
‫أما زمنه ّ‬ ‫ِ‬
‫يل)‪ّ ،‬‬
‫مبنياً للمجهول (ق َ‬
‫الشرط فعالً ماضياً ّ‬ ‫جاء جواب ّ‬
‫أما جملة مقول القول‬
‫جاء داالً على المستقبل‪ّ ،‬‬
‫(قلت) َ‬
‫الشرط َ‬ ‫أن فعل ّ‬ ‫المطَلق؛ بحك ِم َّ‬
‫منية كاملة هي المستقبل‬
‫الز ّ‬
‫شرطي ًة أيضاً داللتها ّ‬
‫ّ‬ ‫جاءت جمل ًة‬
‫ْ‬ ‫الشرط (قيل) فقد‬
‫لجواب ّ‬
‫مكونة من حرف‬‫ألن القول في المستقبل المطَلق‪ ،‬وقد جاءت هذه الجملة ّ‬
‫المطَلق ‪ّ ،‬‬
‫دال على الماضي بصيغته المفردة وعلى‬
‫الشرط مضارع مجزوم ٌ‬ ‫(إن) وفعل ّ‬ ‫الشرط ْ‬
‫ّ‬
‫اسمية‬ ‫النحوي المرتبط بالجملة ّ‬
‫الشرطية‪ ،‬وجاء الجواب جمل ًة ّ‬ ‫المستقبل المطَلق في زمنه ّ‬
‫تدل على تأكيد وثبات الحدث في المستقبل‪.‬‬ ‫المشبه بالفعل َّ‬
‫(إن) ل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤّكدة بالحرف‬

‫اإلنشائية في سياق يحتوي جمالً تتنوع أزمنتها َ‬


‫لتقدم فكرةً وشرحاً‬ ‫ّ‬ ‫أما استخدام الجملة‬
‫ّ‬
‫لت‪ :‬فما َشرط َك واحتياط َك في باب ِ‬
‫قلب‬ ‫أرَاد ابن ِجّني إيصاله‪ ،‬فنراه في قوله‪ْ " :‬‬
‫فإن ق َ‬
‫وهين[‪ ،]...‬وقد تراهم قالوا َح ْي َوة‪،‬‬
‫سيد‪ّ ،‬‬ ‫ياء إذا اجتمعت مع الياء في نحو ّ‬ ‫الواو ً‬
‫(إن)‬
‫الشرط ْ‬ ‫وض ْي َو ٌن‪ ]...[،‬فالذي نقول في هذا ونحوه‪ ، " ...‬فقد بدأ هذه الجملة بأداة ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ‬
‫حتمل‪ ،‬وبعدها‬ ‫الزمن المستقبل الم َ‬
‫يدل معها على ّ‬‫مع فعلها الماضي (قلت) والذي ُّ‬
‫شرطك واحتياطك [‪ ]...‬إذا اجتمعت) والتي‬
‫َ‬ ‫االستفهامية ( ما‬
‫ّ‬ ‫جاءت الجملة اإلنشائية‬
‫تدل هذه الجملة‬
‫رطية‪ ،‬ل ُّ‬
‫الش ّ‬
‫بدأت بالمصدر الصريح (شرطك) وكان طرفها جملة إذا ّ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬بسبب وقوعها جملة مقول القول الذي أشرنا‬
‫االستفهامية كاملة على ّ‬
‫ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌،‬ص‌‪‌.155‌/1‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪187‬‬
‫دال على المستقبل‪ ،‬ثم يعترض القول بجملة مرّكبة دالة على زمن آخر‪،‬‬
‫أن القول فيه ٌ‬
‫ّ‬
‫الزمن‬
‫الداللة على ّ‬
‫وهي قوله‪( :‬وقد تراهم قالوا)‪ ،‬والذي عهدناه في جملة كهذه هو ّ‬
‫ولكن (قد) في‬
‫حرف تقليل‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫المستقبل بسبب دخول قد على الفعل المضارع باعتبارها‬
‫الزمن الذي‬
‫ألن ّ‬
‫هذا المثال كانت دال ًة على التّحقق ال على التوّقع أو التقليل‪ ،‬وذلك ّ‬
‫الزمن الماضي وليس المضارع‪ ،‬والمعنى‪( :‬‬
‫تفيده صيغة المضارع في هذا القول هو ّ‬
‫الزمن وتحديد القاعدة أيضاً‪،‬‬
‫السياق في تحديد ّ‬
‫وقد رأيتهم قد قالوا كذا وكذا) فقد تح ّكم ّ‬
‫ولكن‬
‫أن (قد) حرف تقليل والمضارع بعدها دال على المستقبل القريب‪ّ ،‬‬ ‫ولوال ذلك لقلنا َّ‬
‫الشرط الذي بدأ‬
‫أما جواب ّ‬ ‫ِ‬
‫المعنى لن يستقيم ولن يخدم الفكرة التي أرادها ابن جّني‪ّ ،‬‬
‫النص فهو قوله‪( :‬فالذي نقول في هذا ونحوه) فالصلة والموصول في هذا القول‬
‫به ّ‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫يدالن على ّ‬
‫الزمني الذي ينطوي عليه دخول األفعال الناقصة على‬ ‫ومن األمثلة التي توضح التنويع‬
‫ّ ّ‬
‫َّدك هللا‪ -‬لم‬
‫كنت –أي َ‬
‫إن َ‬ ‫رطية‪ ،‬ما نراه في قول ابن ِجّني‪ " :‬فقال له السائل‪ْ :‬‬
‫الش ّ‬
‫الجمل ّ‬
‫رت عنها له‪ ،‬وأمضيته‪ ،‬فما أ ِح ُّب‬
‫أيت غيره خي اًر منه فكّف َ‬
‫تحلف يميناً قط على أمر فر َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫أدون ّ‬
‫الرجَلين عندك‪ ،)1( "...‬إ ْذ‬ ‫منك فال تجعلني َ‬ ‫كان ذلك قد كان َ‬‫أن أ ْحنثَ َك‪ ،‬و إن َ‬
‫ْ‬
‫الشرط‬
‫المركبة ضمن جملتي ّ‬
‫ّ‬ ‫الصيغ‬ ‫تنطوي هاتان الجملتان ّ‬
‫الشرطيتان على عدد من ّ‬
‫الشرط مركباً بين الفعل الناقص (كان) والفعل‬
‫(إن)‪ ،‬ففي الجملة األولى جاء فعل ّ‬
‫بعد ْ‬
‫دعائية مستخدماً الفعل‬
‫ّ‬ ‫اضية‬
‫المضارع المجزوم بـ(لم) وقد فصل بينهما بجملة اعتر ّ‬
‫يدل‬
‫تحلف) ف ُّ‬ ‫كنت لم‬
‫أما تركيب (إن َ‬
‫مني على المستقبل‪ّ ،‬‬‫الماضي الدال في مدلوله الز‬
‫ْ‬ ‫ّ ّ‬
‫الزمن الماضي البعيد المتحّقق‪ ،‬على عكس ما جرت عليه العادة من مجيء فعل‬‫على ّ‬
‫(إن) داالًّ على المستقبل‪ ،‬وما يؤّكد لنا داللته على الماضي هو‬
‫الشرط وجوابه بعد ْ‬ ‫ّ‬
‫ط)‪.‬‬‫الظرفية (ق ّ‬
‫ّ‬ ‫القرينة‬
‫يتحدث عنه في إطار‬ ‫ّ‬ ‫ثم نرى ابن ِجّني يستخدم حروف العطف ليؤّكد ويعزز ما‬ ‫ّ‬
‫رت‪،‬‬
‫مني والتتابعي لألحداث‪ ،‬فيقول‪( :‬فرأيت‪ ،‬فكّف َ‬ ‫حكائي‪ ،‬مراعياً فيه التسلسل الز‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ستقبل بالنسبة إلى الفعل الذي يسبقه‪ ،‬وكلها أفعال ذات‬
‫فكل فعل فيها هو م ٌ‬‫وأمضيته)‪ُّ ،‬‬
‫دالالت ماضية‪ ،‬مما يحيلنا إلى زمنين متداخلين مرّكبين الماضي وهو العام والمستقبل‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.221‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪188‬‬
‫الشرط فعالً‬
‫جاء جواب ّ‬ ‫زمنية أكثر منه زمناً‪ ،‬ثم َ‬
‫في الماضي ويمكن اعتباره جهة ّ‬
‫الزمن‬
‫يدالن معاً على ّ‬ ‫مضارعاً منفياً بـ(ما) مقترناً بالمصدر المؤول (أن أحنثك) و ُّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫رطية الثانية ففعلها مرّكب‬
‫الش ّ‬
‫أما الجملة ّ‬
‫حب إحناثَ َك)‪ّ ،‬‬
‫المستقبل‪ ،‬والمعنى منهما ( فال أ ُّ‬

‫سياقية أخرى (قد)‪ ،‬فالفعل ّ‬


‫األول (كان)‬ ‫ّ‬ ‫من فعلين ناقصين أحدهما مرّكب مع قرينة‬
‫يدل الثاني المقترن مع (قد) على ّ‬
‫الزمن الماضي‬ ‫الزمن الماضي البعيد‪ ،‬فيما ُّ‬
‫يدل على ّ‬
‫ُّ‬
‫دال‬
‫القريب في زمنه من زمن الفعل المفرد (كان)‪ ،‬فالتركيب الكامل (كان قد كان) ٌّ‬
‫الفعلية (ال تجعلني)‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الشرط الجازم فهو الجملة‬
‫أما جواب ّ‬
‫الزمن الماضي البعيد‪ّ ،‬‬
‫على ّ‬
‫أما حديث ابن ِجّني في الفقرة السابقة ‪-‬والتي قوامها‬
‫الزمن المستقبل‪ّ ،‬‬
‫تدل على ّ‬
‫والتي ُّ‬
‫ألنه في‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وذلك ّ‬‫منية له هي ّ‬ ‫الز ّ‬
‫فالداللة ّ‬
‫رطيتان‪ّ -‬‬‫الش ّ‬ ‫هاتان الجملتان ّ‬
‫إن ما‬ ‫ِ‬
‫حكائي‪ ،‬وقد أ ّكد ذلك قوله في بداية هذه الفقرة‪( :‬فقال له السائل)؛ أي ّ‬
‫ّ‬
‫سياق‬
‫دال على الماضي‪.‬‬
‫بعدها مقول القول ٌّ‬
‫أن أبا علي –رحمه هللا‪ -‬كان يذهب إلى َّ‬
‫أن‬ ‫اعلم َّ‬
‫جاء في قوله‪ْ " :‬‬ ‫ومثل ذلك أيضاً ما َ‬
‫ّ‬
‫كل صدر منها في زمان‬ ‫وقع ُّ‬
‫ثم لحق به ما بعده‪ّ -‬إنما َ‬
‫سبق منها ّ‬
‫هذه اللغة –أعني ما َ‬
‫الزمن المستقبل‪ ،‬كما‬
‫ال على ّ‬ ‫الد ّ‬
‫(اعلم) ّ‬
‫ْ‬ ‫واحد‪ ،)1( "...‬فقد بدأت هذه الفقرة بفعل األمر‬
‫ثم جاءت‬ ‫أحيطك علماً َّ‬
‫بأن كذا وكذا‪َّ ،)..‬‬ ‫َ‬ ‫(إنني‬
‫أن ما بعده ماض‪ ،‬فالمعنى ّ‬
‫يدل على ّ‬
‫ُّ‬
‫عائية (رحمه هللا) داّلة على المستقبل باستخدام صيغة‬
‫الد ّ‬‫اضية ّ‬
‫بعده الجملة االعتر ّ‬
‫الصيغة المرّكبة من الفعل الناقص (كان) والفعل المضارع‬
‫الماضي‪ ،‬وبعدها استخدم ّ‬
‫المستمر‪ ،‬ثم يتبعها بجملة‬
‫ّ‬ ‫الزمن الماضي‬
‫الصيغة المرّكبة منهما على ّ‬
‫تدل ّ‬
‫(يذهب) و ُّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ثم‬
‫تدل على الحاضر في ّ‬ ‫اضية أخرى (أعني ما سبق منها‪ُّ )...‬‬ ‫اعتر ّ‬
‫(أن) في قوله‪َّ :‬‬
‫(أن هذه اللغة)‪ ،‬و هو جملة خبرّية‬ ‫جاء الفعل الماضي مع ّإنما خب اًر لـ َّ‬
‫الزمن الماضي‪.‬‬‫يدلنا على تأكيد حدوث الفعل في ّ‬ ‫مؤّكدة‪ ،‬و ُّ‬

‫نص ابن ِجّني‪ ،‬في قوله‪ " :‬فكان ينبغي ْ‬


‫أن يكونوا‬ ‫مني في ّ‬ ‫ونرى هذا ّ‬
‫النوع من التنوع الز‬
‫ّّ ّ ّ‬
‫مركبة‪،‬‬
‫قد سبقوا إلى ذلك منذ ّأول أمرهم" ‪ ،‬فقد ذكر في هذا القول ثالث صيغ ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الزمن الواحد؛ إذ تجمعها‬


‫زمنية مختلفة ضمن ّ‬ ‫كل منها زمناً مختلفاً أو جهة ّ‬
‫تحمل ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.30‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.15‌/2‌،‬‬

‫‪189‬‬
‫تدل صيغة (كان‬
‫كل صيغة منها بجهة مختلفة‪ ،‬ف ُّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬وتنفرد ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن الماضي‬
‫ينبغي)‪ ،‬التي أساسها الفعل الناقص المرّكب مع الفعل المضارع‪ ،‬على ّ‬
‫المكون من (أن والفعل المضارع الناقص) على ّ‬
‫الزمن‬ ‫ّ‬ ‫المؤول‬
‫ّ‬ ‫يدل المصدر‬
‫البعيد‪ ،‬و ُّ‬
‫تدل على‬
‫الصيغة الثالثة‪ ،‬وهي (قد مع الفعل الماضي) ف ُّ‬
‫أما ّ‬
‫المستقبل في الماضي‪ّ ،‬‬
‫الماضي القريب‪.‬‬
‫ومن األمثلة على استخدام صيغتي الماضي والمضارع في جملة واحدة َّ‬
‫للداللة على‬
‫زمن واحد هو الماضي‪ ،‬وفي جهات مختلفة‪ ،‬ما نالحظه في هذه الجملة‪ " :‬وذلك ّأن َك‬
‫يتقدم على الثانية منهما الزائد‬
‫تكررت فيها العينان ّإنما ّ‬
‫أن هذه المثل التي ّ‬‫علمت ّ‬
‫َ‬ ‫قد‬
‫زمنية مختلفة عن‬‫ولكل واحدة منها جهة ّ‬
‫ال محالة‪ ، "...‬ففي هذا المثال ثالث صيغ ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫الصيغة‬ ‫األخرى‪ ،‬فالجملة األولى هي جملة َّ‬


‫تدل هذه ّ‬
‫بأن وقد والفعل الماضي‪ ،‬و ُّ‬
‫مؤكدة ّ‬
‫الصيغة الثانية‪،‬‬
‫الزمن الماضي التام القريب من الحاضر‪ ،‬أو من لحظة التكّلم‪ ،‬و ّ‬
‫على ّ‬
‫الصيغة األخيرة‬
‫الزمن‪ ،‬و ّ‬ ‫متكررة في ذلك ّ‬
‫هي صيغة الماضي التام في لحظة ماضية ّ‬
‫الزمن المستقبل‬
‫تدل على ّ‬ ‫يتقدم) التي ُّ‬
‫(إنما ّ‬‫بإن‪ ،‬في قوله‪ّ :‬‬
‫هي صيغة المضارع المؤّكد ّ‬
‫المؤّكد حدوثه‪ ،‬والمستقبل عادةً ال يأتي بصورة مؤّكدة التحقق‪ّ ،‬إال إذا كان داالً على‬

‫الشمس تشرِق ّ‬
‫كل يوم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫علمية مثبتة‪ ،‬كقولنا‪ّ :‬‬
‫الماضي في حقيقته‪ ،‬أو على حقيقة ّ‬
‫الموضع (وهو الشرح) يكون لتأكيد معرف ِ‬
‫ته بهذه‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫المؤكد في هذا‬ ‫واستخدام المضارع‬
‫العلمية المتّفق عليها‬ ‫ِ‬
‫ونزوله منزل َة الماضي المتحّقق‪ ،‬أو الحقيقة‬ ‫القاعدة أو هذا الكالم‪،‬‬
‫ّ‬
‫الصيغ‪،‬‬
‫السياق الذي وردت فيه هذه ّ‬ ‫والتي ال تحتمل ش ّكاً أو انتقاداً‪ ،‬وهذا ما أحدثه ّ‬
‫(إنما يتقدم)‪،‬‬
‫تدل على معرفة مسبقة باألمر‪ ،‬وجاء جوابها ّ‬ ‫علمت) ُّ‬
‫َ‬ ‫ففي قوله‪( :‬أّن َك قد‬
‫علمت سابقاً‬
‫َ‬ ‫(إنك‬
‫كأنه قال‪ّ :‬‬ ‫يدل على معرفة مسبقة أيضاً‪ ،‬والمعنى من هذا القول‪ّ ،‬‬ ‫ل ُّ‬
‫أن تكرر المثل التي تتقدم عادةً على الثانية منهما الزائد)‪ ،‬وأ ّكد على تَ ُّ‬
‫حق ِق ذلك القرينة‬ ‫ّ‬
‫ختم بها هذه الجملة‪ ،‬وهي قوله‪( :‬ال محالة)‪ ،‬والتي دّلت على ما سبقت‬
‫السياقّية التي َ‬
‫ّ‬
‫ؤكد والمتحِّقق‪.‬‬ ‫اإلشارة ِ‬
‫إليه من داللة الصيغ السابقة على الماضي الم َّ‬
‫ّ‬
‫ومستمر‬
‫ّ‬ ‫منية باستخدام األفعال الناقصة‪ ،‬بين قريب وبعيد‬
‫الز ّ‬
‫الزمن أو الجهة ّ‬
‫ومن تنويع ّ‬
‫أجاز أن يكون قد كانت قديماً معربة‪ّ ،‬‬
‫فلما‬ ‫وتام‪ ،‬ما نراه في قوله‪ " :‬وقد كان أيضاً َ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.64‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪190‬‬
‫الزمني والجهي الذي‬ ‫ثرت غّي َرت فيما بعد" (‪ ،)1‬إ ْذ يتّضح من هذا القول‪ ،‬التّنويع‬
‫َك ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫أضافه اقتران األفعال الناقصة والقرينة (قد) بعضهما مع بعض ومع الفعل الماضي‪.‬‬
‫الزمن‪:‬‬
‫الصيغ المرّكبة وثبات ّ‬
‫‪ّ -8‬‬
‫الصيغ‪ ،‬وهي تعتبر‬
‫حين ننظر إليه بمنظار ّ‬
‫الزمن أشكاالً متعددة َ‬
‫يتخذ التعبير عن ّ‬
‫صيغ مفردة عن زمن ما‪،‬‬
‫تعبر ّ‬
‫أن ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬إذ يمكن ْ‬
‫المفتاح المساعد للدخول إلى عتبة ّ‬
‫الصيغ ضمن‬
‫مركبة مع غيرها من ّ‬
‫الصيغ نفسها عن زمن آخر إذا كانت ّ‬
‫تعبر هذه ّ‬
‫كما ّ‬
‫تعبر صيغ عديدة عن زمن‬‫سياق ما‪ ،‬والعكس صحيح في هذا المجال؛ إذ يمكن أن ّ‬
‫الزمن‪،‬‬
‫السياق) ال تشير إلى هذا ّ‬
‫الصيغ مفردةً (خارج ّ‬
‫واحد حتى ولو كانت دالالت هذه ّ‬
‫أن تكون هذه ّ‬
‫الصيغ المرّكبة كثيرة األفعال والجمل ومتداخل ًة فيما بينها تداخالً‬ ‫ويمكن ْ‬
‫صي َغت من أجلها‪ ،‬وغالباً ما يكون سبب ثبات هذا‬ ‫منسجماً يخدم السياق والفكرة التي ِ‬
‫ّ‬
‫الزمن هو قرينة واحدة تخضع لها كل العبارات والتراكيب التابعة لها في المعنى كالقرائن‬
‫ّ‬
‫رطية‪ ،‬أو بعض التراكيب المتعارف بداللتها وداللة جملتها على زمن‬
‫الش ّ‬
‫الظرفية‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬
‫دون آخر‪ ،‬وقد تكون هذه الصيغ مركبة تركيباً بسيطاً كاجتماع فعلين ل ُّ‬
‫يدال على زمن‬ ‫ّ‬
‫واحد‪.‬‬
‫اضع كثيرة سنأتي على بعضها من‬ ‫ِ‬
‫الصيغ‪ ،‬وفي مو َ‬
‫وقد لمحنا عند ابن جّني مثل هذه ّ‬
‫ك أوردته‪،)2(" ...‬‬
‫فلم َن َر َ‬
‫خالل أمثلة عليها‪ ،‬ونذكر منها قوله‪ ":‬وكانت الحركة الزمة‪ْ ،‬‬
‫يدالن على زمن واحد هو‬ ‫فقد اجتمع في هذه الجملة فعالن بصيغتين مختلفتين‪ ،‬و ُّ‬
‫الماضي‪ ،‬فقد جاءت األولى بصيغة المضارع المجزوم الدال على الماضي‪ ،‬واآلخر‬
‫أما مجيء صيغ مرّكبة كثيرة‬ ‫يدل على الماضي أيضاً‪ّ ،‬‬ ‫جاء بصيغة الماضي الذي ُّ‬
‫َ‬
‫شيء منه‬ ‫اعلم َّ‬
‫أن اللفظ قد َيرد‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫تدل في مجموعها على زمن واحد فمثالها قوله‪ " :‬و ْ‬
‫ُّ‬
‫تدل به على أمر ما‪ ، ".‬فنرى في القول السابق صيغاً‬
‫أن يس ُّ‬
‫فيجوز جوا اًز صحيحاً ْ‬
‫(‪)3‬‬

‫الزمن المستقبل بغض النظر‬


‫الزمن هو ّ‬
‫كثيرة ومنوعة تشير معاً إلى زمن واحد‪ ،‬هذا ّ‬
‫الصيغ هي وفق الترتيب‪:‬‬
‫عن داللتها المفردة‪ ،‬وهذه ّ‬
‫الزمن الحاضر‪.‬‬
‫تدل على ّ‬
‫(اعلم) صيغة فعل األمر التي ُّ‬
‫ْ‬ ‫‪-‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.31‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.150‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق‌‪‌.106‌/1‌،‬‬

‫‪191‬‬
‫احتمالية‬
‫ّ‬ ‫يدل على تقليل‬
‫(قد يرد) وهي صيغة مرّكبة من حرف التقليل (قد) الذي ُّ‬
‫‪ْ -‬‬
‫الزمن المستقبل‪.‬‬
‫يدل على ّ‬
‫رد) الذي ُّ‬
‫(ي ْ‬
‫الحدث في المستقبل‪ ،‬والفعل المضارع َ‬
‫الزمن المستقبل‬
‫يدل على ّ‬
‫‪ -‬صيغة (يفعل) الممثلة بالفعل المضارع (يجوز) الذي ُّ‬
‫المطَلق‪.‬‬
‫يدل‬
‫‪ -‬المصدر الصريح(جوا اًز) وهو مفعول مطَلق مؤكد للفعل المضارع يجوز‪ ،‬و ُّ‬
‫المشتق منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على مستقبل مطَلق يلي زمن الفعل‬
‫الزمن الحاضر في هذا المثال‪.‬‬ ‫يدل على ّ‬
‫تدل) الذي ُّ‬
‫أن يس ُّ‬‫المؤول ( ْ‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬المصدر‬
‫أن المعنى ُّ‬
‫يدلنا على ّأنها جملة داّلة‬ ‫وبالنظر إلى تركيبة الجملة الكاملة نرى َّ‬
‫رفية‪.‬‬
‫الص ّ‬
‫صورة ّ‬
‫متنوعة من حيث ال ّ‬
‫عبرت عنه صيغ ّ‬
‫الزمن المستقبل الذي ّ‬
‫على ّ‬
‫كررها كثي اًر في كتابه‪ -‬مع‬
‫ومن أمثلة ذلك أيضاً استخدام صيغة (أال ترى) ‪-‬التي ّ‬
‫ظ الواحد تقديرين‬
‫تقدر اللف َ‬
‫اك كيف ّ‬ ‫صيغة الفعل المضارع‪ ،‬نحو قوله‪ " :‬أفال تر َ‬
‫يدل‬
‫الزمن الحاضر في استخدامه المفرد‪ ،‬و ُّ‬ ‫يدل الفعل (ترى) على ّ‬
‫مختلفين‪ )1( "...‬إذ ُّ‬
‫السياق الذي وردت فيه هذه‬
‫أن ّ‬‫رفي‪ ،‬في حين ّ‬ ‫الزمن المستقبل الص‬‫(تقدر) على ّ‬
‫الفعل ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن‬ ‫تدل على ّ‬
‫منية للفعلين وللجملة عام ًة ُّ‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الصيغ قد جعل ّ‬
‫ّ‬
‫تعبر عن زمن‬
‫ظ‪ ،‬فنلحظ ها هنا صيغاً متنوعة ّ‬ ‫تقدر اللف َ‬
‫كيف كنت ّ‬ ‫المعنى أال ترى َ‬
‫نحوي واحد هو الماضي‪.‬‬
‫ّ‬
‫نص ابن‬
‫الداللة على زمن واحد في ّ‬ ‫الصيغ المركبة‪ّ ،‬‬
‫ومن األمثلة الشاهدة على تنويع ّ‬
‫الهندات‪ ،‬فلم‬
‫َ‬ ‫أن يفتَحوا التّاء فيقولوا‪ :‬رأيت‬ ‫ِجّني‪ ،‬قوله‪ّ " :‬‬
‫ألنهم قد كانوا قادرين على ْ‬
‫الصيغ بعضها صيغ مركبة‬ ‫يفعلوا ذلك‪ ، "...‬فنجد في القول السابق عدداً من ّ‬
‫(‪)2‬‬

‫لتكون جمل ًة كاملة ّ‬


‫تامة من حيث المعنى‪ ،‬مشيرةً إلى زمن واحد‬ ‫وبعضها صيغ مفردة‪ّ ،‬‬
‫الزمن لم تقتصر على صيغة الفعل‬‫أن أدوات التعبير عن هذا ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬إال ّ‬
‫هو ّ‬
‫الداللة صيغ مختلفة‪ ،‬وهي‪ :‬صيغة (قد كانوا فاعلين)‬
‫بل ّأدت هذه ّ‬ ‫الماضي فقط‪ْ ،‬‬
‫بقوله‪ :‬قد كانوا قادرين‪ ،‬والتي تتكون من حرف التحقيق قد‪ ،‬والفعل المساعد الماضي‬
‫الزمن الماضي‬
‫تدل صيغة قد كانوا على ّ‬
‫الناقص كانوا‪ ،‬وصيغة اسم الفاعل قادرين‪ ،‬إذ ُّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.107‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.111‌/1‌،‬‬

‫‪192‬‬
‫تدل صيغة اسم الفاعل قادرين بوقوعها خب اًر للفعل الناقص‬
‫القريب من الحاضر‪ ،‬فيما ُّ‬
‫أما صيغة المصدر المؤول من أن والفعل المضارع بقوله‪( :‬أن‬ ‫الزمن الماضي‪ّ ،‬‬
‫على ّ‬
‫أن هذا المستقبل وقع في سياق زمن ماض‪ ،‬فهو‬‫تدل على المستقبل‪ ،‬إال َّ‬
‫يفتحوا)‪ ،‬فهي ُّ‬
‫أن هذا المصدر المؤول جاء معطوفاً عليه‬ ‫مستقبل في الماضي‪ ،‬والدليل على ذلك ّ‬
‫بفعل ماض بعده‪ ،‬وبحرف العطف (الفاء) الذي يفيد الترتيب والتعقيب‪ ،‬بقوله‪( :‬فيقولوا)؛‬
‫بكل‬
‫أن يفتحوا التاء‪ ،‬فإذا كان المصدر المؤول سابقاً لفعل ماض‪ ،‬فهو ّ‬
‫أي يقولوا بعد ْ‬
‫ال على‬
‫الد ّ‬
‫تأكيد دال على الماضي‪ ،‬ثم يتابع قوله بعطف صيغة المضارع المجزوم ّ‬
‫سبق أن أشرنا إلى داللتها‬
‫َ‬ ‫الزمن الماضي‪ ،‬على صيغة (قد كانوا قادرين)‪ ،‬التي‬
‫ّ‬
‫الزمن المستخدم‬
‫الصيغ المركبة والمعطوفة توصلنا إلى استخالص ّ‬
‫كل تلك ّ‬
‫الماضية‪ّ ،‬‬
‫في هذه الجملة والذي يظهر لنا ّأنه الماضي‪.‬‬
‫الصيغ المرّكبة التي دّلت على زمن واحد صيغة (أال تراهم ال يفعلون) والتي‬‫ومن ّ‬
‫سبقت اإلشارة إليها منفصل ًة في الفقرة السابقة‪ ،‬ومثالها قول ابن ِجّني‪ " :‬أال ت ارهم ال‬
‫الزمن‬
‫تدل صيغة (أال تراهم) على ّ‬ ‫يقولون‪ :‬ابتََيعوا وال استََيروا وال نحو ذلك" (‪ ،)1‬إذ ُّ‬
‫الزمن الماضي المطَلق؛‬ ‫الحاضر‪ ،‬و قد أشرنا إلى داللة صيغة (ال يفعلون) على ّ‬
‫بمعنى ّأنهم لم يقولوا في أي وقت سابق‪ ،‬فيما يذهب بعض الدارسين الم ْح َدِثين إلى‬
‫السياق‪،‬‬
‫أما المعنى العام لهذه الجملة وفي ضوء ّ‬ ‫داللتها على المستقبل أيضاً ‪ّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬

‫الزمن الماضي‪ ،‬والمعنى الداللي لها‪ ،‬هو‪:‬‬


‫المنفية إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫فيحيل زمن هذه الجملة الخبرّية‬
‫تسمع عنهم كذا وكذا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ألم تعهد رؤيتهم (العرب) أنهم لم يقولوا كذا‪ ،‬أو لم‬
‫المتحصل منها واضحاً في استخدام ابن‬
‫ّ‬ ‫ونرى التنويع في التراكيب أيضاً وثبات ّ‬
‫الزمن‬
‫ِ‬
‫أن يقول‬
‫الزمن‪ ،‬وذلك في قوله‪ " :‬ومن ذلك ْ‬ ‫ِجّني لقرينتين ّ‬
‫زمنيتَين ساهمتا في تحديد ّ‬
‫أفسد معنى كان ترك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ظهر فيه لما َ‬
‫ف في الموض ِع الذي لو َ‬‫قائل‪ :‬إذا كان الفعل قد حذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أفسده أولى وأحجى" (‪ ،)3‬وقوله‬ ‫إظها ِره في الموض ِع الذي لو َ‬
‫ظهر فيه ألحال المعنى و َ‬
‫اشيها‬
‫وح َموا حو َ‬
‫وحسنوها‪َ ،‬‬
‫العرب قد أصلحوا ألفاظها ّ‬‫َ‬ ‫أيت‬
‫في موضع آخر‪ " :‬فإذا ر َ‬
‫أن العناية إذ ذاك ّإنما هي باأللفاظ‪" ...‬‬
‫وه ّذبوها وصَقلوا غربها وأرهفوها‪ ،‬فال تَ َرَي ّن ّ‬

‫‪‌-‌1‬الخصائص‪‌:‬ابن‌ ِجنّي‌‪‌.124‌/1‌،‬‬
‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.248-247‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.186‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌3‬‬

‫‪193‬‬
‫الصيغ المرّكبة والتي لو نظرنا‬ ‫‪ ،‬فنرى ّ‬
‫أن الَقولين السابَقين ينطويان على عدد من ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫أن هناك في‬


‫زمنية مختلفة عن األخرى‪ ،‬غير ّ‬
‫كل صيغة منها ألعطتنا زمناً وجهة ّ‬ ‫إلى ّ‬
‫الزمن المستقبل‪،‬‬
‫الزمن في القولين على ّ‬‫على ثبات ّ‬ ‫كل قول قرينتين أو أكثر دّلتا‬
‫ّ‬
‫الزمن‬
‫تدل على ّ‬
‫المؤول (أن يقول) والتي ُّ‬
‫هي المصدر ّ‬ ‫األول‬
‫فالقرينة األولى في القول ّ‬
‫إن ما بعده جملة َمقول‬
‫المؤول دال على القول‪ :‬أي ّ‬
‫ّ‬ ‫أن هذا المصدر‬ ‫المستقبل‪ ،‬كما ّ‬
‫الشرط (إذا) التي‬
‫فإن بداية جملة القول هي أداة ّ‬
‫زمنياً‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫له‪ ،‬ولذلك فهي تابع ٌة له ّ‬
‫كل ما بعدها من تراكيب وجمل متعّلق‬‫أن ّ‬‫الزمن المستقبل‪ ،‬ونالحظ ّ‬
‫تدل جملتها على ّ‬
‫ُّ‬
‫الشرطية التي عادةً ما‬
‫فإن كل الجمل التابعة لها حتّى جملة لو ّ‬
‫بها في المعنى‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫األول واألسبق (إذا)‬
‫السياق تابعة للشرط ّ‬‫الزمن الماضي‪ ،‬فهي هنا في هذا ّ‬ ‫تدل على ّ‬
‫ُّ‬
‫أما في القول الثاني والذي يحتوي على تراكيب‬
‫المستقبلية أيضاً‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫منية‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫وتحمل ّ‬
‫الزمن المستقبل وهي‬
‫تدل على ّ‬‫رطية أيضاً التي ُّ‬
‫الش ّ‬
‫متنوعة أيضاً‪ ،‬فهو يبدأ بـ (إذا) ّ‬
‫تدل على‬
‫الظرفية (إذ ذاك) التي ُّ‬
‫ّ‬ ‫الثانية فهي القرينة‬
‫أما ّ‬ ‫القرينة األولى في هذا القول‪ّ ،‬‬
‫النظرة‬
‫يتبين من ّ‬
‫دال على الحاضر في الماضي كما ّ‬ ‫الحين و قد يظن أن هذا الظرف ّ‬
‫الشرط‬
‫معنويا بجواب ّ‬
‫ّ‬ ‫دال على الحاضر في المستقبل‪ ،‬وذلك الرتباطه‬
‫األولى غير ّأنه ّ‬
‫(فال ترَي َّن) والذي اقترَن بنون التوكيد الثقيلة التي تجعل الفعل معها داالً على ّ‬
‫الزمن‬
‫المستقبل‪ ،‬إضاف ًة إلى كونها جواباً لشرط (إذ) وما ينطوي عليه الجواب من ّ‬
‫الداللة‬
‫المستقبلية‪.‬‬
‫ّ‬

‫المطَلق‪:‬‬
‫الزمن ُ‬
‫الداللة على ّ‬
‫‪ّ -9‬‬
‫الزمن المطَلق هو زمن درج استخدامه في الدرس الحديث عند اللسانيين العرب والغرب‬
‫ّ‬
‫لتشمل‬
‫َ‬ ‫محدد تتسع داللته‬
‫الداللة على زمن مطَلق غير ّ‬ ‫والمستشرِقين‪ ،‬ويقصد به ّ‬
‫الزمن أقرب للوصف‬‫الزمن‪ ،‬ويكون هذا ّ‬
‫الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬بجميع جهات ّ‬
‫الزمن‪ ،‬إذ يكون الستخدامه دالل ٌة وصفية‪ ،‬تشير إلى االتصاف بهذا األمر أو‬
‫منه إلى ّ‬
‫الموصوف صف ًة‬
‫َ‬ ‫أن الوصف يعطي‬ ‫الزمن المطَلق‪َّ ،‬‬
‫ذاك‪ ،‬ووجه التقارب بين الوصف و ّ‬
‫كل زمان‪ ،‬وقد استخدمه ابن ِجّني في عباراته كثي اًر‪ ،‬نحو قوله‪:‬‬
‫ثابتة مطَلقة تالزمه في ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.217‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬

‫‪194‬‬
‫استخدام ابن‬
‫َ‬ ‫" واألمر أوسع شّق ًة‪ ،‬وأظهر كلف ًة ومشق ًة " (‪ ،)1‬إذ نلحظ في القول السابق‬
‫ِجّني السم التفضيل (أوسع‪ ،‬وأظهر) في سياق الوصف‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬كما َّ‬
‫أن داللتهما‬
‫الزمن المطَلق الذي يفيده معنى الوصف‪.‬‬ ‫منية هي ّ‬‫الز ّ‬
‫ّ‬
‫الزمن المطَلق حك اًر على صيغة دو َن غيرها‪ ،‬أو على قرينة ّ‬
‫زمنية‬ ‫الداللة على ّ‬‫وليست ّ‬
‫الزمن على جملة‬ ‫أن يكو َن ّ‬
‫السياق فيصالً في إضفاء هذا ّ‬ ‫أو ظرفية بذاتها‪ ،‬إ ْذ يمكن ْ‬
‫ليست داّل ًة ِ‬
‫عليه في صورتها المفردة‪ ،‬وهذا ما َكث َر في نصوص ابن ِجّني في كتابه‬
‫أن يكون الحرفان‬ ‫أمكن ْ‬
‫(الخصائص)‪ ،‬والذي نستخلص منه زبدةَ هذا القول‪ " :‬فمتى َ‬
‫دل‬
‫فإن ّ‬
‫(كل واحد منهما قائم برأسه) ْلم َيسغ العدول عن الحكم بذلك‪ْ ،‬‬
‫جميعاً أصلين ّ‬
‫دال [‪ ]...‬ع ِم َل بموجب ّ‬
‫الداللة‪ ،)2( "...‬ففي القول السابق جملتان شرطيتَان‪ ،‬األولى‬
‫جاء‬
‫أن فعلها َ‬ ‫(إن)‪ ،‬والجملة األولى التي بدأت بـ متى نرى َّ‬
‫صدرة بـ (متى)‪ ،‬والثانية بـ ْ‬
‫م ّ‬
‫مؤول قوامه الفعل المضارع الناقص‪ ،‬و أن جو َابها‬‫بصيغة الماضي مضافاً إلى مصدر ّ‬
‫منية المفردة لهذه‬
‫الز ّ‬
‫الدالالت ّ‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬فهذه هي ّ‬
‫دال على ّ‬
‫فعل مضارع مجزوم ّ‬‫ٌ‬
‫الزمن‬
‫الداللة على ّ‬ ‫الشرط)‪ ،‬فهي ّ‬
‫السياقية(ضمن سياق ّ‬
‫منية ّ‬
‫الز ّ‬
‫أما دالالتها ّ‬
‫الصيغ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أي وقت أمكن فيه كذا‬ ‫ِ‬ ‫المطَلق؛ وذلك َّ‬
‫ألن المعنى الذي أراده ابن جّني منها هو‪( :‬في ّ‬
‫أما الجملة‬
‫لكل زمان وليس الماضي فقط‪ّ ،‬‬
‫ْلم يسغ كذا وكذا)‪ ،‬ولذلك تَصلح هذه الجملة ّ‬
‫رطية والتي كان فعالها ماضيين كما هي العادة‪ ،‬وداللتهما‬
‫الش ّ‬
‫إن ّ‬‫األخرى‪ ،‬فهي جملة ْ‬
‫الشرطية السابقة‬
‫أما الجديد فهو تأثرها بمعنى الجملة ّ‬
‫جديد في ذلك‪ّ ،‬‬
‫مستقبلي ٌة أيضاً‪ ،‬وال َ‬
‫ّ‬
‫الزمن المطَلق وليس‬
‫(إن) إلى ّ‬
‫لها‪ ،‬فقد لعب المعنى دو اًر كبي اًر‪ ،‬في نقل داللة جملة ْ‬
‫تابع‬ ‫ِ‬ ‫المستقبل فحسب‪ ،‬بل الماضي والحاضر‪ ،‬وكل وقت وجهة‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن ابن جّني َ‬
‫الزمن المطَلق‪ ،‬فكانت الجملة الثانية‬
‫تدل على ّ‬
‫بها حديثه الذي بدأه بجملة (متى) التي ُّ‬
‫أما عن سبب استخدامه‬ ‫مستقبلية فقط‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يصح اعتبارها لذلك‬
‫ُّ‬ ‫متابع ًة وتفصيالً لها‪ ،‬وال‬
‫يتحدث‬
‫أن ما ّ‬
‫لصي ِغ الماضي في الجملتين‪ ،‬فقد أشرنا إليه سابقاً‪ ،‬وهو التأكيد على ّ‬
‫وكأنه أنزله منزلة الماضي المتحقق الذي ال شك فيه‪.‬‬
‫عنه مؤكد الحدوث ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.108‌/1‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.83‌/2‌،‬‬

‫‪195‬‬
‫المشتّقات‪:‬‬
‫‪ -10‬داللة استخدام ُ‬
‫أن الفعل يحمل في‬ ‫ِ‬
‫النحويين القدماء منهم والم ْح َدثين إلى ّ‬
‫يشير الكثير من الدارسين و ّ‬
‫حوي وهو زمنه بعد‬ ‫ِ‬
‫السياق‪ ،‬وآخر َن ّ‬ ‫صرفي وهو زمنه المفرد خارج ّ‬ ‫ّ‬
‫زمنين زمن‬
‫داللته َ‬
‫إن زمنها‬
‫بل ّ‬
‫صرفياً‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أن تحمل زمناً‬ ‫السياق‪ ،‬بعكس الصفات التي ال يمكن ْ‬ ‫دخوله في ّ‬
‫تمام حسان على‬ ‫بالسياق الذي تقترن به‪ ،‬ويؤّكد الدكتور ّ‬ ‫ط ّ‬ ‫زمن نحوي‪ ،‬مرتب ٌ‬
‫أبداً هو ٌ‬
‫أن هذه‬ ‫الزمن في الصفة‪ ،‬مضيفاً إلى ّ‬ ‫فرق بين ّ‬
‫الزمن في الفعل و ّ‬ ‫هذه النقطة حين ّ‬
‫عدي‪ ،‬فيجعلها عامل ًة‬
‫سياقية كاإلسناد والتّ ّ‬
‫ّ‬ ‫أن تدخل في عالقة‬
‫شتق) يمكن ْ‬
‫الصفة (الم ّ‬
‫ّ‬
‫فيما بعدها (ترفع الفاعل‪ ،‬وتنصب المفعول به)‪ ،‬فتكون حينها ّ‬
‫منون ًة (غير مضافة)‬
‫مستقبلية‪ ،‬أو تكون داّلة على الماضي إذا كانت غير‬ ‫ّ‬ ‫حالية أو‬
‫زمنية ّ‬
‫وتحمل داللة ّ‬
‫(المقامية)‬
‫ّ‬ ‫الحالية‬
‫ّ‬ ‫منونة (مضافة)‪ ،‬وما يحدد داللتها بين الحال واالستقبال هو القرائن‬‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫السياق‪.‬‬
‫(المقالية) التي ترافقها في ّ‬
‫ّ‬ ‫اللفظية‬
‫ّ‬ ‫أو‬
‫نص ابن ِجّني‪ ،‬وكان لظهورها أثر بالغي وإيحائي ومعنوي‪،‬‬ ‫وقد ظهرت المشتّقات في ّ‬
‫الصيغ البارزة في كتابه الخصائص‪،‬‬ ‫حرك المعنى وأغناه‪ ،‬وكانت ّ‬
‫زمني ّ‬ ‫َي َندرج تحته أثر‬
‫ّ‬
‫صيغة اسم الفاعل تليها صيغة اسم المفعول‪ ،‬وكانت أكثر حاالتها تك ار اًر‪ ،‬مجيئها داّل ًة‬
‫منية‬
‫الز ّ‬
‫الداللة على زمن محدد‪ ،‬ولذلك كانت داللتها ّ‬
‫مجرداً من ّ‬
‫على ثبات الوصف ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وقد اقترنت هذه المشتقات ببعض‬
‫تاما من ّ‬
‫الزمن وليس تجريداً ّ‬
‫أحياناً هي مطَلق ّ‬
‫الصيغ الفعلية‪ ،‬أو قد تكون هذه المشتقات مقترن ًة‬
‫السياقية‪ ،‬شأنها في ذلك شأن ّ‬
‫القرائن ّ‬
‫منية‪ ،‬كما‬‫الز ّ‬
‫الصيغة وتؤّكد داللتها ّ‬‫تدل حينها على صفة ثابتة في ّ‬‫بالصيغ الفعلية ف ُّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاء‬
‫أن اإلضافة‪ ، "...‬فقد َ‬ ‫اعتقد معتَقٌد ّ‬
‫ذهب ذاهب‪ ،‬و َ‬‫نرى في قول ابن جّني‪ " :‬فلو َ‬
‫(‪)2‬‬

‫كل‬‫ماضيين‪ ،‬وجاء معموالهما صيغة اسم الفاعل من ّ‬ ‫َ‬ ‫أبو الفتح في هذا المثال بفعلين‬
‫عتقد) في الجملتَين على ثبات الصفة في‬ ‫منهما‪ ،‬فقد دل اسم الفاعل ِ‬
‫(ذاهب‪ ،‬م ِ‬
‫ّ‬
‫الزمن في الفعل الذي قام به الفاعل‪ ،‬ولذلك فقد ساعد اسم‬ ‫الموصوف‪ ،‬وعلى ثبات ّ‬
‫اعتقد)‪.‬‬
‫(ذهب‪ ،‬و َ‬
‫َ‬ ‫الصيغة الفعلية‬
‫الزمن الماضي على ّ‬
‫الفاعل في تأكيد ّ‬

‫‪‌-‌1‬يُن َ‬
‫ظر‪‌:‬اللغة‌العربيّة‌معناها‌ومبناها‪‌:‬د‪‌.‬ت ّمام‌حسّان‪‌،‬ص‌‪‌.253-252‬‬
‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.183‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌2‬‬

‫‪196‬‬
‫الزمن بنفسه‪ ،‬فمثاله قوله‪ " :‬وهذا كّله َمشروٌح في‬ ‫أما أن يكون الم ُّ‬
‫شتق داالً على ّ‬ ‫ّ‬
‫أماكنه‪ ، "...‬فقد وقع اسم المفعول من الفعل الثالثي (ش ِرَح) خب اًر للمبتدأ (هذا)‪،‬‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬

‫يدل‬
‫ألن اسم المفعول هنا ُّ‬
‫الزمن الماضي على هذه الجملة الخبرّية‪ّ ،‬‬ ‫وساعد في إضفاء ّ‬
‫أن‬ ‫عبر عنه فعله (ش ِرَح)‪ ،‬و ّ‬
‫الداللة المفهومة من الجملة ّ‬ ‫الزمن الماضي الذي ي ّ‬
‫على ّ‬
‫(هذا كله قد ش ِرَح سابقاً)‪.‬‬
‫اء للداللة‬
‫الصيغ‪ ،‬مما يعطي تنويعاً وإثر ً‬
‫ورأينا في بعض المواضع استخداماً متنوعاً لهذه ّ‬
‫الزمن‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول ابن ِجّني‪ " :‬قال‪ :‬هما أيضاً حرفان َ‬
‫للغيبة‬ ‫والمعنى و ّ‬
‫مذهب‬
‫ٌ‬ ‫االسمية في رأيته‪ ،‬وغالمي‪ ،‬وصاحبي‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫والحضور‪َ ،‬مخلوع ٌة عنهما داللة‬
‫بالصحة‪ ،)2( " .‬فنرى في هذا‬
‫اس ّ‬ ‫القوة‪ ،‬ومقتَ ٌ‬
‫إن كان كذلك‪ -‬جار على ّ‬
‫َه ْول‪ ،‬وهو – ْ‬
‫المثال أنواعاً مختلفة من المشتقات وبصيغ مختلفة‪ ،‬منها صيغ اسم الفاعل (جار)‪،‬‬
‫تدل‬
‫ذهب)‪ ،‬وجميع هذه المشتّقات ُّ‬
‫(م َ‬
‫المكان َ‬
‫(مخلوع ٌة‪ ،‬مقتَاس)‪ ،‬واسم َ‬
‫المفعول َ‬
‫واسم َ‬
‫الزمن هو الماضي‪ ،‬كما هو‬
‫الزمن‪ ،‬وهذا ّ‬
‫على زمن واحد وجهات مختلفة ضمن هذا ّ‬
‫السياق‪ ،‬الذي جاءت فيه هذه الجملة‪ ،‬بوقوعها مقوالً للقول أوالً‪ ،‬وبسبب‬ ‫اضح من ّ‬‫و ٌ‬
‫الداللة المفهومة من هذه المشتقات ثانياً‪.‬‬
‫ّ‬
‫الظرفية الموجودة‬
‫السياقية و ّ‬ ‫بالسياق والقرائن ّ‬
‫الصيغ‪ّ -‬‬ ‫وتتأثر المشتقات ‪-‬كغيرها من ّ‬
‫منية‪،‬‬
‫الز ّ‬
‫السياق على داللتها ّ‬
‫زمنية جديدة‪ ،‬أو تأكيداً من ّ‬
‫لتكتسب بها دالل ًة ّ‬
‫َ‬ ‫النص‪،‬‬
‫في ّ‬
‫فإن َك حينئذ مع‬ ‫ومن أمثلة ذلك قول ابن ِجّني‪ " :‬أال ترى ّ‬
‫أن هذين الحرفين إذا قويا ّ‬
‫ذلك مؤِن ٌس فيهما ضعفاً" (‪ ،)3‬ففي هذا المثال نجد أن صيغة اسم الفاعل (مؤِن ٌس)‬
‫َ‬
‫منية هي المستقبل‪ ،‬كما ّأنها تنطوي‬
‫الز ّ‬ ‫غير مضافة‪ ،‬ولذلك َّ‬
‫فإن داللتها ّ‬ ‫منون ًة َ‬
‫جاءت ّ‬‫ْ‬
‫إسنادي كما األفعال فقد عملت عمل فعلها فرفعت فاعالً وهو الضمير‬
‫ّ‬ ‫على تركيب‬
‫الداللة‬
‫)‪،‬ونصبت مفعوالً به وهو (ضعفاً)‪ ،‬وساعد في التّأكيد على هذه ّ‬
‫ْ‬ ‫المستتر(أنت‬
‫َ‬
‫الزمن المستقبل‪،‬‬ ‫الشرط لألداة (إذا) والتي ُّ‬
‫تدلنا جملتها على ّ‬ ‫الصيغة في جواب ّ‬
‫وقوع هذه ّ‬
‫رفية (حينئذ)؛ أي في‬
‫ظ ّ‬ ‫وكذلك فقد تحدد هذا المستقبل في نقطة محددة بفضل القرينة ال ّ‬
‫ذلك الوقت من المستقبل ستأنس فيهما ضعفاً‪.‬‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.185‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السّابق‪‌.189‌/2‌،‬‬
‫‪‌-‌3‬المصدر‌السّابق‌‪‌.291‌/2‌،‬‬

‫‪197‬‬
‫‪ -11‬أثر أحرف العطف‪:‬‬
‫عامة في الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم‪،‬‬
‫تفيد أحرف العطف بصورة ّ‬
‫كل حرف‬
‫يتميز بها ّ‬
‫تؤديها أحرف العطف‪ ،‬لكنها تؤدي معاني ّ‬ ‫فهذه هي الوظيفة التي ّ‬
‫منية والتراخي واإلضراب والنفي وغيرها‪ ،‬ولبعض هذه‬
‫الز ّ‬
‫عن اآلخر كالترتيب والمعاقبة ّ‬
‫الوظائف صلة بالزمن كما هو معروف‪ ،‬وقد ظهر ذلك بجالء في كالم ابن جني‪ ،‬ومن‬
‫وكأنهم ف ّكوا صيغ َة ِتهامة فأصاروها إلى تَ َهم أو تَ ْهم‪ ،)1("...‬فالفعالن‬
‫ذلك قوله‪ّ " :‬‬
‫الزمن الماضي‪ ،‬ولكن هذا ال يعني ّأنهما في‬ ‫يدالن على ّ‬ ‫الماضيان( ف ّكوا‪ ،‬فأصاروها) ُّ‬
‫لكل واحد منهما جهة‪ ،‬وساعد في تحديد هذه الجهة حرف‬ ‫وقت واحد من الماضي‪ ،‬بل ّ‬
‫العطف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب المباشر(أي بدون مهلة ّ‬
‫زمنية طويلة)؛ أي‬
‫ّإنهم ف ّكوا وبعدها مباشرةً أصاروها أو حولوها‪ ،‬وهذا القرب بين زمن الفعلين ال يعني‬
‫حدث‬
‫َ‬ ‫ّأنهما حدثا معاً‪ ،‬بل ثمة ترتيب زمني وتسلسل لألحداث‪ ،‬فالفعل األول (ف ّكوا)‬
‫حدث الفعل الثاني (أصاروها)‪ ،‬وهذه هي فائدة هذا الحرف‪.‬‬ ‫أوالً‪ ،‬وبعده مباشرةً َ‬
‫تدل بها على عدم التقاء الفعلين‬
‫مني‪ ،‬ويس ُّ‬‫ويؤّكد ابن ِجّني على أثر الفاء في التعقيب الز‬
‫ّ ّ‬
‫معاً في الزمن فيقوله‪ " :‬ويؤّكد عندك حال إتّباع الثاني لألول و أنه ليس معه في ِ‬
‫وقته‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫فإنه يعطيني‪ ،‬وإذا ِلقيته ّ‬
‫فإنه‬ ‫كقولك‪ :‬إذا سألته ّ‬
‫َ‬ ‫النحو من الكالم؛‬ ‫دخول الفاء في هذا ّ‬
‫بش بي‪ ،‬فدخول الفاء هنا ّأول دليل على التّعقيب‪ ،‬و أن الفعلين لم يقعا معا في زمان‬
‫َي ّ‬
‫واحد‪ ،)2("...‬ويشير في موضع آخر إلى داللة حرف العطف (الواو) وصالحيتها‬
‫الزمن‪ ،‬يقول‪" :‬‬
‫تدل على تخصيص ّ‬ ‫السمة‪ ،‬ف ُّ‬
‫لألزمنة الثالثة‪ ،‬او قد تخرج عن تلك ّ‬
‫تصلح لألوقات الثالثة؛ نحو‬
‫َ‬ ‫أن وأو العطف َوضعها لغير الترتيب‪ ،‬و أن‬
‫فنظير هذا ّ‬
‫جاء ز ٌيد وبكر‪ ،‬فيصلح أن يكونا جاءا معاً‪ ،‬و أن يكون زيد قبل بكر‪ ،‬و أن يكون بكر‬
‫اختصم ز ٌيد‬
‫َ‬ ‫ثم ّإن َك قد تنقلها من هذا العموم إلى الخصوص‪ ،‬وذلك قولهم‪:‬‬
‫قبل زيد‪َّ ،‬‬
‫أن يكون الواو فيه إال لوقوع األمرين في وقت واحد‪ ،‬ففي هذا‬
‫وعمرو‪ ،‬فهذا ال يجوز ْ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‌‪‌.111‌/2‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬المصدر‌السابق‪‌.223‌/3‌،‬‬

‫‪198‬‬
‫أيضاً إخراج الواو عن أول ما و ِ‬
‫ض َعت له في األصل‪ :‬من صالحيتها لألزمة الثالثة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫واالقتصار بها على بعضها‪. "...‬‬
‫(‪)1‬‬

‫نصه تسلسالً‬‫أكسب ّ‬
‫َ‬ ‫كما نرى أن استخدام ابن ِجّني ألحرف العطف في شرح القاعدة‬
‫وتشاركية عطف األفعال‬
‫ّ‬ ‫حيوي ًة‬
‫ّ‬ ‫الحديث‬
‫َ‬ ‫وترتيباً في األحداث واألفكار‪ ،‬كما يكسب‬
‫طب ليكون‬ ‫والجمل الفعلية بعضها على بعض و قد استخدم فيها ابن ِجّني ضمير المخا َ‬
‫منوعاً في الجمل بين استخدام األفعال‬ ‫ستمع أو ِ‬‫طب الم ِ‬
‫القارئ‪ّ ،‬‬ ‫موجها للمخا َ‬
‫الشرح ّ‬
‫رطية‪ ،‬والتي جاءت كّلها في سياق ماض‪ ،‬وهذا ما كان‬ ‫الش ّ‬
‫الماضية والمصادر والجمل ّ‬
‫فإن َك‬
‫األول ّ‬
‫بدأت بالتغيير من ّ‬
‫فإن َ‬ ‫بناؤك مثل فعلول[‪ْ ]...‬‬
‫َ‬ ‫واضحاً في قوله‪ " :‬ومن ذلك‬
‫ثم أبدلت[‪]...‬‬
‫أدغمت[‪ ]...‬فصارت[‪ّ ]...‬‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫فصار التقدير[‪َّ ]...‬‬
‫َ‬ ‫أبدلت الوأو األولى[‪]...‬‬
‫َ‬
‫فأردت‪ ،)2( "...‬فنرى تنويعاً في األفعال والجمل‪ ،‬وأحرف العطف‬
‫اجتمعت [‪َ ]...‬‬
‫ْ‬ ‫فلما‬
‫ّ‬
‫الزمن‬
‫بين (الفاء‪ ،‬وث َّم) التي جمعت هذه الجمل‪ ،‬والتي أكسبت المعنى ترتيباً في ّ‬
‫أن جهتها وتسلسها يختلف بعضها عن‬ ‫فكل الجمل السابقة ماضية‪ ،‬إال َّ‬
‫الماضي‪ّ ،‬‬
‫أقرب إلى ذهن المتلّقي‪.‬‬
‫حيوية‪ ،‬و َ‬
‫ص أكثر ّ‬
‫الن َّ‬
‫بعض‪ ،‬وهذا ما جعل ّ‬

‫الخصائص‪‌:‬ابن‌جنّي‪‌.320‌/3‌،‬‬
‫ِ‬ ‫‪‌-‌1‬‬
‫‪‌-‌2‬يُنظر‪‌:‬المصدر‌السّابق‪‌.7‌/3‌،‬‬

‫‪199‬‬
‫الخاتمة والنتائج‪:‬‬
‫مقومات الفعل‪ ،‬وربطوا الداللة‬‫أساسي من ّ‬ ‫مقوم‬
‫الزمن ّ‬ ‫النحاة القدماء على َّ‬
‫أن ّ‬ ‫لقد أجمع ّ‬
‫ّ‬
‫الدالة‬
‫الزمن بصيغة الفعل ‪ ،‬وقد كان مفهوم الفعل عندهم مرتك اًز على ّأنه الكلمة ّ‬
‫على ّ‬
‫نقدية كبيرة من اللغويين‬
‫على معنى و زمان ‪ ،‬ولذلك فقد واجهت هذه اآلراء موج ًة ّ‬
‫المعاصرين‪ ،‬وخاصة الغربيين ‪ ،‬الذين عابوا على النحاة القدماء عدم االهتمام بما‬
‫المعنوية التي يحتويها‬
‫ّ‬ ‫السياقية أو‬
‫ّ‬ ‫الصيغ من أزمنة مختلفة بعد اقترانها بالقرائن‬
‫تنتجه ّ‬
‫منية الثالثة للفعل‬
‫الز ّ‬
‫منية للصيغ ّ‬ ‫الز ّ‬
‫النص‪ ،‬كما اتهموهم بجمود وضعف القدرة ّ‬ ‫ً‬
‫الزمن وجهاته المختلفة‪ ،‬وربما‬
‫(الماضي والحاضر والمستقبل)‪ ،‬وعدم تعبيرها عن دقائق ّ‬
‫عام ًة أو‬
‫بيد ّأنها ليست ّ‬
‫النحويين القدماء‪َ ،‬‬
‫أن هذه االدعاءات تصدق على بعض ّ‬ ‫نجد ّ‬
‫ِ‬
‫جانب عدد من‬ ‫كل النحاة القدماء‪ ،‬وهذا ما حاول هذا البحث إثباته إلى‬
‫تنسحب على ّ‬
‫تحصلت من مجمل هذه الدراسة‪ ،‬ويمكن أن نذكر منها‪:‬‬‫النتائج التي ّ‬
‫سانيات‬
‫وبين أن الّل ّ‬
‫‪ -1‬وضح البحث مفهوم الزمن ووجهات النظر المختلفة إليه‪ّ ،‬‬
‫الحديثة قد طرحت طروحات ومصطلحات جديدة في الزمن‪ ،‬كما ّبين أن‬
‫النحاة القدماء قد وقفوا على معظم تلك الجوانب‪ ،‬إال أنهم لم يستخدموا‬
‫المصطلحات كما استحدثت‪.‬‬
‫بالصيغة المفردة‪ ،‬واآلخر‬
‫صرفي متعلق ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن اللغوي نوعان؛ ّ‬
‫األول‬ ‫‪ -2‬إن ّ‬
‫نحوي مرتبط بالسياق وقرائنه‪ ،‬وكل منهما له دوره الفاعل في تشكيل الزمن‬
‫ّ‬
‫الذي يفهم في الكالم‪.‬‬
‫الداللة على المعنى‪،‬‬
‫الزمن و ّ‬
‫رفية للفعل دور مهم في تحديد ّ‬
‫الص ّ‬
‫للصيغة ّ‬‫‪ّ -3‬‬
‫كون لبنة من لبنات بناء زمن السياق‪ ،‬وليس هو الزمن‬
‫ولكن هذا الزمن ي ّ‬
‫الحقيقي الذي يفهم من الكالم‪.‬‬
‫منية‪ ،‬وإمكانات واسعة في‬
‫الز ّ‬
‫قوة تعبيرّية كبيرة عن الجهات ّ‬
‫‪ -4‬للغة العر ّبية ّ‬
‫تشكيل األدوات الدالة على الزمن‪ ،‬ولها أدواتها الخاصة في التفريق بين‬
‫دقائق الفروق الزمنية وتداخل الفضاءات الزمنية التي يمكن أن تحدث على‬

‫أرض الواقع‪ ،‬على عكس ما ّادعاه الغربيون من فقر اللغة العر ّبية ّ‬
‫زمنياً‬
‫وداللياً‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪200‬‬
‫النحوي المتوّلد‬ ‫النحاة –ومنهم ابن ِجّني‪ -‬مفهوم ّ‬
‫الزمن ّ‬ ‫‪ -5‬لقد أدرك الكثير من ّ‬
‫الدرس‬‫السياق‪ ،‬على عكس ما اتّهمهم به ّ‬ ‫ركيبية ضمن ّ‬
‫من العالقات التّ ّ‬
‫اللساني الحديث‪.‬‬
‫الزمنية‪،‬‬
‫السياق في تحديد الداللة ّ‬ ‫ِ‬
‫‪ -6‬لقد أثبت البحث أن ابن جّني قد أدرك دور ّ‬
‫المعنوية في تشكيل المعنى والزمن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كما تنبه إلى دور القرائن اللفظية و‬
‫اللسانيون‬
‫ّ‬ ‫أسبقية ابن ِجّني في إدراك مفاهيم ومصطلحات ّ‬
‫تحدث عنها‬ ‫ّ‬ ‫‪-7‬‬
‫التلقي‬
‫اللغوية‪ ،‬ونظرّية ّ‬
‫ّ‬ ‫الم ْح َدثون؛ مثل‪( :‬الكفاية اللغوية‪ ،‬الكفاءة‬
‫والخطاب[‪ ]...‬وغيرها من المفاهيم‪ ،‬وإن لم تظهر هذه المصطلحات بصورة‬
‫مباشرة‪ ،‬و َّإنما كانت ظاهرةً من خالل نصوصه وشروحاته‪.‬‬
‫‪ -8‬لقد استخدم ابن ِجّني الزمن بجهاته المختلفة في نصوصه‪ ،‬وظهرت براعته‬
‫الزمن بما يتناسب مع القاعدة التي يشرحها‪ ،‬وطريقة‬
‫في اختيار جهة ّ‬
‫إيصالها‪.‬‬
‫فصل بدقة‬
‫‪ -9‬تابع ابن جني القدماء في رؤيتهم للزمن‪ ،‬وربطه بالفعل‪ ،‬إال أنه ّ‬
‫وبين الفروق الدقيقة بين المجاالت الزمنية المختلفة‪،‬‬
‫جهاته المختلفة‪ ،‬وناقش ّ‬
‫وربط ذلك بلغة العرب واستخداماتها للغة‪.‬‬
‫وبين بالتفصيل‬
‫‪ -10‬رتب ابن جني األزمنة بصورة متناسبة مع القرائن الدالة‪ّ ،‬‬
‫األدوات المختلفة التي تساهم في تشكيل الزمن‪ ،‬والقرائن المعنوية والمقامية‬
‫التي تلعب دو اًر في ذلك‪.‬‬
‫‪ -11‬صحيح أن ابن جني لم يخرج عن قسمة النحاة التقليدية ألنواع الزمن‪ ،‬أو‬
‫فصل‬
‫عن نظرتهم إلى دور الفل في ذلك‪ ،‬ولكنه تتبع دقائق السياق بحيث ّ‬
‫في التفريق بين الجهات المختلفة للزمن‪ ،‬كالماضي المطلق‪ ،‬والماضي‬
‫البعيد‪ ،‬والماضي القريب‪ ،‬والحال‪ ،‬والمستقبل القريب‪ ،‬والمستقبل البعيد‪،‬‬
‫والحاضر المطلق‪ ،‬والزمن المطلق‪ ،‬والزمن المقيد‪ ،‬والماضي التكراري‪،‬‬
‫والماضي التالي لماض‪...‬‬

‫‪201‬‬
‫‪ -12‬تنبه ابن جني إلى دور ظروف الخطاب في توجيه المعنى والزمن‪ ،‬كما‬
‫أدرك ارتباط الدال والمدلول وعالقة ذلك بالقاعدة األساسية التي يشترك‬
‫المجتمع والبيئة اللغوية في التعارف عليها‪.‬‬
‫‪ -13‬أدرك ابن جني البعد االجتماعي للغة‪ ،‬كما أدرك أنها أداة تعبير مجتمعية‪،‬‬
‫مهمتها األساسية هي التواصل‪ ،‬وتعامل معها على هذا األساس‪.‬‬
‫‪ -14‬أدرك ابن جني البعد التداولي للغة‪ ،‬وحلل النصوص من خالل حياتها في‬
‫االستعمال‪ ،‬فراعى مالبسات النص والمقام‪ ،‬وتنبه إلى معطيات الخطاب‬
‫والتلقي‪ ،‬وصلة ذلك بالبيئة اللغوية‪.‬‬
‫يفرق بين َّ‬
‫النظام األصلي‬ ‫أن َّ‬ ‫‪ -15‬حّل َل ابن جني عالقات الكالم واستطاع ْ‬
‫للكالم وبين النظام الذي يخرج به على أرض الواقع‪.‬‬
‫تطبيقي ًة على نصوص ابن جني‪ ،‬وحاول استكشاف‬
‫ّ‬ ‫قدم البحث دراس ًة‬
‫‪ّ -16‬‬
‫اللغوية‪ ،‬وغنى لغته في‬
‫ّ‬ ‫كفاءته‬
‫وبين َ‬
‫براعة ابن جني في استخدام اللغة‪ّ ،‬‬
‫تحري المعاني‪ ،‬كما ألقى الضوء على هيئة استخدامه‬ ‫َّ‬
‫التّعبير‪ ،‬ودقته في ّ‬
‫للزمن‪ ،‬وتنوع األساليب والتّراكيب التي استثمرها في بحثه وتحليله ومناقشته‪،‬‬
‫ّ‬
‫الزمن وجهاته‪.‬‬
‫والتي ظهرت فيها خبرته الواسعة في استخدام أنواع ّ‬
‫وبين َّ‬
‫أن ما كان منها‬ ‫‪ -17‬وقف البحث على ارتباط الزمن بالصيغ المختلفة‪ّ ،‬‬
‫السياق‪ ،‬كما ّبين‬
‫للداللة على زمن آخر خالل ّ‬‫معين قد يخالف ذلك َّ‬
‫لزمن ّ‬
‫الصيغ مع أدوات بعينها‪ ،‬أو وقوعها ضمن تركيبات بعينها يجعلها‬
‫تضام ّ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫األصلي لها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الزمن قد ال يكون َّ‬
‫الزمن‬ ‫داّل ًة على صورة جديدة من َّ‬
‫‪ -18‬وقف البحث على ارتباط األساليب المختلفة َّ‬
‫بالزمن‪ ،‬وعلى َّ‬
‫الداللة المعتادة‬
‫يؤدي إلى خروج هذه األساليب إلى َّ‬
‫الداللة على‬ ‫أن ّ‬ ‫لها عليه‪ ،‬وما يمكن ْ‬
‫للداللة على زمن مختلف‪.‬‬
‫زمنية مختلفة‪ ،‬أو رَّبما ّ‬
‫جهة ّ‬
‫منية في‬
‫الز ّ‬
‫يتحصل من مجموع المؤثّرات ّ‬ ‫ّ‬ ‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫الزمن هو‬ ‫‪ -19‬وأخي اًر‪َّ ،‬‬
‫فإن ّ‬
‫اللفظية‬
‫ّ‬ ‫كصيغة الفعل‪ ،‬وقرِائِن ِه‬
‫ِ‬
‫اللغوي والتي تَظهر في ّ‬
‫السياق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫البناء‬
‫كشف عن نضج اللغة وقدرتها على إسعاف‬
‫َ‬ ‫المقامية‪ ،‬األمر الذي‬
‫ّ‬ ‫المعنوية و‬
‫ّ‬ ‫و‬

‫‪202‬‬
‫الدقيقة‪ ،‬وعلى إيصال‬
‫ملية والتعبيرّية ّ‬
‫ركيبية والج ّ‬
‫المتكّلم باالستعماالت التّ ّ‬
‫ومعبرة وموحية للمتلّقي‪.‬‬
‫الدالالت بصورة سليمة ّ‬ ‫المعاني واألفكار و َّ‬
‫نهائية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حتمية أو‬
‫ّ‬ ‫توصل إليها هذا البحث‪ ،‬ليست‬ ‫وبعد[‪َّ ]...‬‬
‫فإن جملة النتائج التي ّ‬
‫و َّإنما شأنها في ذلك شأن البحث‪ ،‬فهو قابل ّ‬
‫للنقد والتّصويب والتّعديل‪ ،‬وهو يسعى نحو‬
‫اإلضافة واإلسهام ولو بشيء بسيط في مجاله‪ ،‬وهلل الكمال وحده‪ ،‬والحمد هلل من قبل‬
‫ومن بعد‪ ،‬عليه توّكلت و ِ‬
‫اليه أنيب‪...‬‬

‫‪203‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‪:‬‬
‫المصادر‪:‬‬ ‫❖‬

‫القرآن الكريم‬
‫‪ -1‬أسرار العر ّبية‪ :‬أبو البركات عبد الرحمن بن محمد أبي سعيد األنباري‪ ،‬تح‪.‬‬
‫محمد بهجة البيطار‪ ،‬مطبوعات المجمع العلمي بدمشق‪ ،‬دمشق‪ -‬سوريا‬
‫‪1957‬م‪.‬‬
‫السيوطي(ت‪ 911‬هـ)‪،‬‬
‫الدين ّ‬
‫العالمة جالل ّ‬
‫النحو‪ :‬للشيخ ّ‬
‫‪ -2‬األشباه والنظائر في ّ‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دار الكتب‬
‫النحوي البغدادي= ابن‬
‫‪ -3‬األصول في النحو‪ :‬ألبي بكر محمد بن سهل بن سراج ّ‬
‫السراج (ت ‪ 316‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬عبد الحسين الفتلي‪ ،‬ج‪ ،1‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت – لبنان‪ ،‬ط ‪1996 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬اإليضاح في علل النحو‪ :‬أبو القاسم الزجاجي (ت ‪337‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬مازن‬
‫المبارك‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت – لبنان‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ :‬لبدر الدين الزركشي‪ ،‬تح‪ .‬لجنة من علماء‬
‫األزهر‪ ،‬دار الكتبي‪ ،‬ط‪1424 ،3‬هـ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬بيان المختصر = (شرح مختصر ابن الحاجب)‪ :‬لشمس الدين محمود بن عبد‬
‫الرحمن األصفهاني (ت ‪688‬هـ)‪ ،‬تح د‪ .‬علي جمعة‪ ،‬دار السالم للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة –مصر‪1409 ،‬هـ ‪2004-‬م‪.‬‬
‫ناعية‪ ،‬ط‪ ،1‬القريبة‬
‫الص ّ‬ ‫‪ -7‬التّصريف الملوكي‪ :‬ابن ِجّني‪ ،‬مطبعة شركة التّ ّ‬
‫مدن ّ‬
‫– مصر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫الفقهية‪ :‬ابن حزم‬
‫ّ‬ ‫العامية واألمثلة‬
‫ّ‬ ‫‪ -8‬التقريب لحد المنطق والمدخل إليه باأللفاظ‬
‫عباس‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫األندلسي‪ ،‬تح‪ .‬إحسان ّ‬
‫قدم له د‪.‬‬
‫‪ -9‬جمهرة اللغة‪ :‬محمد بن الحسن بن دريد= (ابن دريد) (ت‪321‬ه)‪ّ ،‬‬
‫رمزي منير بعلبكي‪ ،‬ج ‪ ،3‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ -10‬الخصائص‪ :‬أبو الفتح عثمان بن ِجّني (ت‪392‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬محمد علي ّ‬
‫النجار‪،‬‬
‫دار الكتب المصرية‪ ،‬ط‪1952 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬دالئل اإلعجاز‪ :‬اإلمام عبد القاهر الجرجاني (ت ‪ 471‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬محمود‬
‫محمد شاكر‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة – مصر‪1984 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫عزة حسن‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ -12‬ديوان بشر بن أبي خازم األسدي‪ :‬بشر بن أبي خازم‪ ،‬تح‪ّ .‬‬
‫دار الشرق العربي‪ ،‬بيروت – لبنان‪1995 ،‬م‬
‫‪ -13‬سر صناعة اإلعراب‪ :‬ابن ِجّني‪ ،‬تح‪ .‬محمد حسن إسماعيل وأحمد عامر‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت – لبنان‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬شرح المفصل للزمخشري‪ :‬للشيخ العالمة موفق الدين يعيش بن علي بن‬
‫النحوي= ابن يعيش(ت‪643‬هـ)‪ ،‬صحح وعلق عليه حواشي نفيسة ‪،‬‬ ‫يعيش ّ‬
‫ج‪ ،7‬إدارة المطبعة المنيرية‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -15‬شرح كتاب سيبويه‪ :‬أبو سعيد السيرافي (الحسن بن عبد هللا بن المرزبان‪،‬‬
‫ّ‬
‫سيد‬
‫افي)‪ ،‬تح‪ .‬أحمد حسن مهدلي وعلي ّ‬ ‫ت‪ 368‬هـ‪ ،‬وسيشار إليه الحقا بـ السير‬
‫ّ‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت – لبنان‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫علي‪ ،‬دار الكتب‬
‫‪ -16‬شعر الكميت بن زيد األسدي‪ :‬جمع وتقديم الدكتور‪ :‬داوود سلوم‪ ،‬مكتبة‬
‫األندلس‪ ،‬بغداد – العراق‪1969 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬الصاحبي في فقه اللغة العر ّبية ومسائلها وسنن العرب في كالمها‪ :‬اإلمام‬
‫العالمة أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا= ابن فارس (ت ‪ 395‬هـ)‪ ،‬عّلق‬
‫عليه ووضع حواشيه أحمد حسن بسج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬كتاب العين‪ :‬الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ‪170‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬عبد الحميد‬
‫هنداوي‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪2003 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬الكتاب‪ :‬أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر= سيبويه (ت ‪ 180‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬عبد‬
‫السالم هارون‪ ،‬ج‪ ،1‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة – مصر‪ ،‬ط ‪1988 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬كفاية األصول‪ :‬محمد كاظم الخرساني (اآلخوند)‪ ،‬تح‪ .‬مجتبى المحمودي‪،‬‬
‫مجمع الفكر اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،10‬إيران‪ 1440 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫‪ -21‬لسان العرب‪ :‬ابن منظور (اإلمام العالمة أبي الفضل جمال الدين محمد بن‬
‫مكرم‪ ،‬ت ‪ 711‬هـ)‪ ،‬م ‪ ،13‬دار صادر‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪( ،1‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -22‬اللمع في العر ّبية‪ :‬ابن ِجّني‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬سميح أبو مغلي‪ ،‬دار مجدالوي للنشر‪،‬‬
‫عمان‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫قدمه وعّل َق‬
‫الدين بن األثير‪ّ ،‬‬
‫‪ -23‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ :‬ضياء ّ‬
‫عليه‪ :‬د‪ .‬أحمد الحوفي و د‪ .‬بدوي طبانة‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة –‬
‫ّ‬
‫مصر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -24‬المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات واإليضاح عنها‪ :‬أبو الفتح عثمان‬
‫بن ِجّني‪ ،‬تح‪ .‬علي النجدي ِ‬
‫ناصف‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتّاح إسماعيل شلبي‪ ،‬دار سزكين‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬إسطنبول‪ -‬تركيا‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫صديق المشاوي‪،‬‬
‫‪ -25‬معجم التّعريفات‪ :‬الشريف الجرجاني(ت‪816‬هـ)‪ ،‬تح‪ .‬محمد ّ‬
‫دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة – مصر‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬معجم مقاييس اللغة‪ :‬ألبي الحسين أحمد بن فارس بن زكرّيا (ت ‪ 395‬هـ)‪،‬‬
‫تح‪ .‬عبد السالم هارون‪ ،‬ج‪ ،3‬دار الفكر‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ :‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬مازن المبارك‬
‫ومحمد علي حمد هللا‪ ،‬راجعه سعيد األفغاني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق – سورية‪،‬‬
‫‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬الممتع الكبير في التّصريف‪ :‬ابن عصفور اإلشبيلي (‪669 -597‬هـ)‪ ،‬تح‪.‬‬
‫قب َاوة‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت – لبنان‪1997 ،‬م‬‫د‪ .‬فخر الدين َ‬
‫جني‪،‬‬
‫ني‪ :‬أبو الفتح عثمان بن ّ‬‫نصف في شرح التصريف ألبي عثمان الماز‬ ‫‪ -29‬الم ِ‬
‫ّ‬
‫العمومية‪ ،‬إدارة إحياء‬
‫ّ‬ ‫تح‪ .‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬وعبد هللا أمين‪ ،‬و ازرة المعارف‬
‫التراث القديم‪ ،‬ط‪1954 ،1‬م‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬محمد تقي بن محمد‬
‫‪ -30‬هداية المسترشدين في شرح معالم ّ‬
‫رحيم(‪1248‬هـ)‪ ،‬طبع الحجر في إيران‪1313 ،‬هـ‪.‬‬
‫السيوطي (ت ‪911‬هـ)‪،‬‬
‫‪ -31‬همع الهوامع في شرح الجوامع‪ :‬لإلمام جالل الدين ّ‬
‫مكرم‪ ،‬دار البحوث العلمية‪ ،‬الكويت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫تح‪ .‬د‪ .‬عبد العال سالم ّ‬
‫‪206‬‬
‫محمد‬
‫الدين أحمد بن ّ‬
‫عباس شمس ّ‬
‫الزمان‪ :‬ألبي ال ّ‬
‫وفيات األعيان وإنباء أبناء ّ‬
‫‪ّ -32‬‬
‫عباس‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بن أبي بكر بن َخّلكان (ابن خّلكان)‪ ،‬تح‪ .‬د‪ .‬إحسان ّ‬
‫بيروت – لبنان‪1978 ،‬م‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬ ‫❖‬

‫الزمني في الدراسات اللغوية‪ :‬د‪ .‬محمد الريحاني‪ ،‬دار قباء‬ ‫‪ -1‬اتّجاهات التحليل‬
‫ّ ّ‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة – مصر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -2‬األزمة في العر ّبية‪ :‬فريد الدين آيدن‪ ،‬دار العبر للطباعة والنشر‪ ،‬إسطنبول‪،‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫النحوي عند األصوليين‪ :‬مصطفى جمال الدين‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬ط‪ ،2‬ق ْم‬
‫‪ -3‬البحث ّ‬
‫– إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫النحوي للغة العر ّبية‪ :‬برجشتراسر‪ ،‬أخرجه وصححه وعّلق عليه د‪.‬‬
‫‪ -4‬التّطور ّ‬
‫رمضان عبد التواب‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة – مصر‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫النحو العربي حتّى نهاية القرن الثالث‬‫مني عند نحاة العرب منذ نشأة ّ‬‫‪ -5‬التعبير الز‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الزمن في اللغة العر ّبية وأساليبها‪ :‬عبد‬ ‫الهجري دراسة في مقاييس ّ‬
‫الداللة على ّ‬
‫الجامعية‪ ،‬بن عكنون – الجزائر‪1987 ،‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هللا بو خلخال‪ ،‬ديو إن المطبوعات‬
‫الوصفية المعاصرة قراءة في المصطلح‪:‬‬ ‫حوية‬
‫الن ّ‬
‫مني في الدراسات ّ‬‫‪ -6‬التعبير الز‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫انية –‬
‫الديو ّ‬
‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬لمى عبد القادر خنياب‪ ،‬جامعة القادسية‪ ،‬كلية اآلداب‪ّ ،‬‬
‫العراق‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -7‬الحضارات السامية القديمة‪ :‬سبتينو موسكاتي‪ ،‬ترجمة الدكتور يعقوب بكر‪ ،‬دار‬
‫الرقي‪ ،‬بيروت – لبنان‪1986 ،‬م‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اللغوية أثارها في التفسير‪ :‬حمدي الشيخ‪ ،‬منشأة دار المعارف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -8‬الدراسات‬
‫اإلسكندرية – مصر‪2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬دراسات في الفلسفة اليونانية‪ :‬حسين صالح حمادة‪ ،‬دار الهادي للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪2005 ،1‬م‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫صفية مطهري‪ ،‬اتحاد الكتّاب‬
‫ّ‬ ‫الصيغة اإلفرادية‪ :‬د‪.‬‬
‫الداللة اإليحائية في ّ‬
‫‪ّ -10‬‬
‫العرب‪ ،‬دمشق ‪ -‬سورية‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫الزمني لألفعال)‪ :‬عبد المجيد جحفة‪،‬‬ ‫الزمن في العر ّبية (دراسة النسق‬
‫‪ -11‬داللة ّ‬
‫ّ ّ‬
‫دار توبقال للنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار البيضاء – المغرب‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫منية في الجملة الفعلية‪ ،‬أ‪ .‬د علي جابر المنصوري‪ ،‬الدار العلمية‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫‪ّ -12‬‬
‫الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان – األردن‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫الزمن والفاظه في الثقافة العر ّبية‪ :‬د‪.‬‬
‫الزمان الداللي دراسة لغوية لمفهوم ّ‬
‫‪ّ -13‬‬
‫المكرمة – السعودية‪1989 ،‬م‪.‬‬‫ّ‬ ‫كريم زكي حسام الدين‪ ،‬كتب عربية‪ ،‬ط‪ ،1‬مكة‬
‫الزمان الداللي‪ :‬د‪ .‬كريم زكي حسام الدين‪ ،‬دار كتب عربية‪ ،‬القاهرة –‬
‫‪ّ -14‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪2001 ،2‬م‪.‬‬
‫الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم‪ :‬الدكتور حسام الدين األلوسي‪،‬‬
‫‪ّ -15‬‬
‫المؤسسة العر ّبية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪1980 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬الزمان والمكان اليوم‪ :‬مجموعة من المفكرين‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد وائل بشير‬
‫األتاسي‪ ،‬المركز اإلسالمي الثقافي‪ ،‬دمشق – سورية‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫الجبار توامة‪ ،‬ديو‬
‫بي)‪ :‬عبد ّ‬ ‫النحو العر‬
‫‪ -17‬زمن الفعل في العر ّبية (دراسات في ّ‬
‫ّ‬
‫الجامعية‪ ،‬بن عكنون – الجزائر‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إن المطبوعات‬
‫النحوي في اللغة العر ّبية‪ :‬د‪ .‬كمال رشيد‪ ،‬دار عالم الثقافة‪ ،‬عمان –‬
‫الزمن ّ‬
‫‪ّ -18‬‬
‫األردن‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫اللية)‪ :‬امحمد المالخ‪ ،‬دار‬
‫الد ّ‬‫ركيبية و ّ‬
‫الزمن في اللغة العر ّبية (بنياته التّ ّ‬
‫‪ّ -19‬‬
‫األمان‪ ،‬ط‪ ،1‬الرباط – المغرب‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫الزمن واللغة‪ :‬د‪ .‬مالك يوسف المطلبي‪ ،‬الهيئة المصرّية العامة للكتاب‪،‬‬
‫‪ّ -20‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬سياق الحال في كتاب سيبويه‪ :‬أسعد خلف العوادي‪ ،‬دار الحامد للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان – األردن‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬العالمة اإلعرابية في الجملة بين القديم والحديث‪ :‬محمد حماسة عبد‬
‫اللطيف‪ ،‬كلية دار العلوم‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫الداللة‪ :‬د‪ .‬أحمد مختار عمر‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ط‪ ،5‬القاهرة –مصر‪،‬‬
‫‪ -23‬علم ّ‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬علم اللغة العام‪ :‬فرديناد دي سوسير‪ ،‬ترجمة‪ :‬يوؤيل يوسف عزيز‪ ،‬دار آفاق‬
‫عربية‪ ،‬ط‪ ،3‬بغداد – العراق‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬العلم في منظوره الجديد‪ :‬روبرت م‪.‬أغروس‪ ،‬جورج ن‪ .‬ستانسيو‪ ،‬ترجمة د‪.‬‬
‫كمال خاليلي‪ ،‬دار المعرفة‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬الفعل زمانه وأبنيته‪ :‬د‪ .‬إبراهيم السامرائي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت –‬
‫لبنان‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬في النحو العربي نقد وتوجيه‪ :‬مهدي المخزومي‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بيروت – لبنان‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫الملفوظية‪ :‬جان سيرفوني‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬قاسم المقداد‪ ،‬اتحاد الكتاب‬
‫ّ‬ ‫‪ -28‬لسانيات‬
‫العرب‪ ،‬دمشق‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫سانيات‪ :‬د‪ .‬سمير استيتية‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ط‪ ،2‬إربد – األردن‪،‬‬
‫‪ -29‬الّل ّ‬
‫‪2008‬م‪.‬‬
‫عباس محمود العّقاد‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ -30‬اللغة الشاعرة‪ّ :‬‬
‫– مصر‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫تمام حسان‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء –‬
‫‪ -31‬اللغة العر ّبية معناها ومبناها‪ّ :‬‬
‫المغرب‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -32‬اللغة‪ :‬فندريس‪ ،‬ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص‪ ،‬تقديم‪ :‬فاطمة‬
‫خليل‪ ،‬المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة – مصر‪2014،‬م‪.‬‬
‫الزعبالوي‪،‬‬
‫الدين ّ‬
‫النحاة وما غاصوا عليه من دقائق الّلغة وأسرارها‪ :‬صالح ّ‬
‫‪ -33‬مع ّ‬
‫منشورات اتّحاد الكتّاب العرب‪ ،‬دمشق – سورية‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫السامرائي‪ ،‬دار عمار‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ -34‬معاني األبنية في العر ّبية‪ :‬د‪ .‬فاضل صالح ّ‬
‫عمان – األردن‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬المعجم الفلسفي‪ :‬د‪ .‬جميل صليبا‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت –‬
‫لبنان‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫سمية ابرير‪ ،‬جامعة محمد‬
‫ص في دالئل االعجاز‪ :‬أ‪ّ .‬‬
‫الن ّ‬
‫لسانيات ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -36‬مفاهيم‬
‫خيضر‪ ،‬بسكرة –الجزائر‪2011،‬م‪.‬‬
‫السببية بين المتكّلمين والفالسفة بين الغزالي وابن رشد دراسة وتحليل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -37‬مفهوم‬
‫جيزار جهامي‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت – لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫حسان‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرّية‪ ،‬القاهرة –‬
‫تمام ّ‬
‫‪ -38‬مناهج البحث في اللغة‪ :‬د‪ّ .‬‬
‫مصر‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫النحو‪ :‬أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد هللا السهيلي‪ ،‬تح‪.‬‬
‫‪ -39‬نتائج الفكر في ّ‬
‫معوض‪ ،‬دار الكتب‬ ‫الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬والشيخ علي محمد َّ‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت – لبنان‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫الزناد‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪-‬لبنان‪،‬‬
‫النص‪ :‬األزهر ّ‬
‫‪ -40‬نسج ّ‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫فلسفية مختارة مقدمة عامة في علم النفس وعلم الجمال‪ :‬أرمان‬
‫ّ‬ ‫‪ -41‬نصوص‬
‫كوفيليه‪ ،‬ترجمة آالء أسعد نشاط الفخري‪ ،‬مراجعة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬أكرم الوتري‪ ،‬دار بيت‬
‫الحكمة‪ ،‬بغداد – العرق‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫النحو المقارن إلى الذر ّ‬


‫ائعية‪ :‬ماري آن يافو‪،‬‬ ‫سانية الكبرى من ّ‬
‫‪ -42‬النظريات الّل ّ‬
‫ظمة العر ّبية للترجمة‪ ،‬بيروت –‬
‫جورج إليا سرفاتي‪ ،‬تر‪ .‬محمد الراضي‪ ،‬المن ّ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬
‫النظر اللغوي الحديث‪ :‬نهاد الموسى‪،‬‬
‫بي في ضوء مناهج ّ‬ ‫النحو العر‬‫‪ -43‬نظرّية ّ‬
‫ّ‬
‫عمان – األردن‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫دار البشير للثقافة والعلوم‪ّ ،‬‬
‫األطروحات‪:‬‬ ‫❖‬

‫منية في األعمال القصصية الذين يأكلون الخبز ويمشون في‬


‫الز ّ‬
‫‪ -1‬البنية ّ‬
‫صياد كنزة‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬عموري سعيد‪ ،‬مذ ّكرة‬
‫الشارع‪ :‬أولبصير ظريفة‪ّ ،‬‬
‫مقدمة الستكمال شهادة الماجستير في اللغة واألدب العربي‪ ،‬جامعة بجاية‪،‬‬
‫ّ‬
‫الجزائر‪2015،‬م‪.‬‬
‫سانية في التراث اللغوي العربي ابن ِجّني انموذجاً‪ :‬ساولي فوزية‬
‫‪ -2‬الجهود الّل ّ‬
‫تخرج لنيل شهادة الماستر في اللغة‬
‫ورويفع أمال‪ ،‬أ‪ .‬نكاع سعاد‪ ،‬مذ ّكرة ّ‬
‫‪210‬‬
‫واألدب العربي‪ ،‬جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم‪ ،‬الجزائر‪-2018 ،‬‬
‫‪2019‬م‪.‬‬
‫منية للفعل المضارع في سورة التوبة‪ :‬هداية نعيم أبو زاكية‪،‬‬ ‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫إشراف‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد الرؤوف زهدي‪ ،‬رسالة استكماالً لمتطلبات الحصول على‬
‫درجة الماجستير في اللغة العر ّبية وآدابها‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬عمان –‬
‫األردن‪2016،‬م‪.‬‬
‫أعدت لنيل درجة الدكتوراه‪ :‬ضياء الدين‬
‫‪ -4‬القرائن في علم المعاني‪ :‬رسالة ّ‬
‫القالش‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬أحمد محمد نتّوف‪ ،‬جامعة دمشق‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬دمشق – سورية‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫اللغوية بين ابن ِجّني وتشومسكي (رسالة ماجستير)‪ :‬إعداد‪ :‬صبحا‬
‫ّ‬ ‫‪ -5‬المسألة‬
‫كلية‬
‫عواد سليم الخوالدة‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬محمد الديكي‪ ،‬جامعة آل البيت‪ّ ،‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬المفرق – األردن‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اآلداب والعلوم‬
‫الزمن بين العر ّبية واإلنكليزية‪ :‬محمد حسن بخيت قواقزة‪ ،‬إشراف‪ :‬أ‪.‬د‪.‬‬
‫‪ -6‬نظام ّ‬
‫سمير شريف استيتية‪ ،‬رسالة دكتوراه في تخصص اللغويات العر ّبية‬
‫التطبيقية‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬إربد – األردن‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫السياق عند اللغويين والبالغيين العرب‪ :‬الطالب بوزبوجة عبد القادر‪،‬‬
‫‪ -7‬نظرّية ّ‬
‫مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في اللغة‬
‫إشراف‪ :‬د‪ .‬عبد الملك مرتاض‪ ،‬رسالة ّ‬
‫كلية اآلداب واللغات والفنون‪ ،‬وهران – الجزائر‪،‬‬
‫العر ّبية‪ ،‬جامعة وهران‪ّ ،‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬
‫المجالت والدوريات‪:‬‬ ‫❖‬

‫النحاة‬
‫منية في العر ّبية (دراسة في بعض مقاربات ّ‬
‫الز ّ‬
‫‪ -1‬اإلحالة ّ‬
‫والمستشرِقين)‪ :‬حافيظ إسماعيلي علوي‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬امحمد المالخ‪،‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،26 /104‬أكادير – المملكة‬
‫ّ‬ ‫المجّلة العر ّبية للعلوم‬
‫المغر ّبية‪2008 ،‬م‪.‬‬
‫النحوي في الجملة العر ّبية من خالل الخصائص البن‬
‫الزمن ّ‬ ‫‪ -2‬تجليات ّ‬
‫حسان‪ :‬الطالبة‪ :‬نادية زيد‬ ‫ِ‬
‫لتمام ّ‬
‫جّني واللغة العر ّبية معناها ومبناها ّ‬
‫‪211‬‬
‫الخير‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬عبد الحليم معزوز‪ ،‬مجّلة اآلداب واللغات والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪ ،‬المركز الجامعي عبد‬
‫الحفيظ بوالصوف‪ ،‬ميلة – الجزائر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫الم ْخَبر‪ ،‬العدد ‪،6‬‬
‫مني للفعل الماضي‪ :‬أ‪ .‬البشير جلول‪ ،‬مجّلة َ‬‫‪ -3‬التحول الز‬
‫ّ ّ ّ‬
‫جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة ‪ -‬الجزائر‪2011،‬م‪.‬‬
‫سانية الحديثة‪ :‬د‪ .‬حسين‬
‫الزمن والحدث في الدراسات الّل ّ‬‫‪ -4‬تداخل الجهة و ّ‬
‫علي الزراعي‪ ،‬مجّلة مجمع اللغة العر ّبية‪ ،‬اإلصدار األول‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫السياق والحال وأسباب النزول‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬كريم‬
‫الزمن في ضوء ّ‬ ‫‪ -5‬الخالف في ّ‬
‫حسين ناصح الخالدي‪ ،‬شيماء رشيد محمد زنكنة‪ ،‬مجّلة كلية التربية‬
‫األساسية‪ ،‬العدد ‪ ،75‬بغداد – العراق‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫منية للفعل الماضي عند الرضي في شرحه على الكافية‪ :‬عذراء‬
‫الز ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫‪ّ -6‬‬
‫ضاري ضبع العزاوي‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬المجلد‪ ،25‬العدد األول‪،‬‬
‫جامعة بابل‪ ،‬العراق‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫الزمن المستقبل في اللغة العر ّبية دراسة لسانية‪ :‬محمد قواقزه‪ ،‬مجلة اتحاد‬
‫‪ّ -7‬‬
‫الجامعات العر ّبية لآلداب‪ ،‬المجلد ‪ ،10‬العدد ‪2‬ب‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬إربد‬
‫– األردن‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫وصفية‪ :‬د‪ .‬محمد حسن بخيت‬ ‫ّ‬ ‫الزمن المطلق في اللغة العر ّبية دراسة‬
‫‪ّ -8‬‬
‫قواقزة‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العر ّبية على الشبكة العالمية‪ ،‬العدد ‪ ،9‬جامعة‬
‫الحدود الشمالية‪ ،‬المملكة العر ّبية السعودية‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫الصرفي‪ ،‬سناء ناهض الريس‪ ،‬صحيفة دار العلوم‬
‫ّ ّ‬ ‫النحوي و ّ‬
‫الزمن‬ ‫الزمن ّ‬
‫‪ّ -9‬‬
‫للغة العر ّبية وآدابها‪ ،‬اإلصدار الرابع‪ ،‬المجلد ‪ ،19‬العدد ‪ ،39‬دار‬
‫المنظومة‪ ،‬مصر‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫الشرط بين المضي واالستقبال‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز بن أحمد‬ ‫الزمن في ّ‬
‫‪ّ -10‬‬
‫المنيع‪ ،‬مجلة جامعة طيبة لآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،14‬المملكة‬
‫العر ّبية السعودية‪2018 ،‬م‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫السياق اللغوي ودراسة ّ‬
‫الزمن في العر ّبية‪ :‬محمد رجب الوزير‪ ،‬علوم‬ ‫‪ّ -11‬‬
‫اللغة‪ ،‬القاهرة – مصر‪ ،‬المجلد ‪ 6‬العدد ‪2003 ،1‬م‪.‬‬
‫السياقي بين النظرية والتطبيق‪ :‬د‪.‬‬
‫الزمن في البناء التركيبي و ّ‬
‫‪ -12‬ظاهرة ّ‬
‫وفاء محمد علي القطيشات‪ ،‬د‪ .‬مفلح عطا هللا الفايز‪ ،‬مجّلة جامعة‬
‫تكريت للعلوم‪ ،‬المجلد (‪ ،)19‬العدد (‪ ،)7‬األردن‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫الداللة التّطبيقي في التراث العربي‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬هادي نهر‪ ،‬تقديم أ‪.‬د‪.‬‬
‫‪ -13‬علم ّ‬
‫ّ‬
‫علي الحمد‪ ،‬دار األمل‪ ،‬ط‪ ،1‬إربد – األردن‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫سانيات المقارنة واللغات في المغرب‪ :‬التنسيق العلمي عبد القادر‬
‫‪ -14‬الّل ّ‬
‫الفاسي الفهري‪ ،‬منشورات كلية اآلداب في الرباط‪ ،‬سلسلة ندوات‬
‫ومناظرات رقم ‪ ،51‬ط‪ ،1‬الرباط – المغرب‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬معالم التالقي بين ابن ِجّني والدراسات الحديثة (دراسة في توظيف‬
‫السياق في الدرس اللغوي العربي القديم)‪ :‬كتاب المؤتمر (‪ )1‬الندوة‬
‫الدولية‪ :‬د‪ .‬الصادق محمد آدم سليمان‪ ،‬رئيس التحرير‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد بشير‪،‬‬
‫ّ‬
‫جامعة كيراال‪ ،‬كيراال – الهند‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬معاني الماضي والمضارع في القرآن الكريم‪ :‬د‪ .‬عبد القادر حامد‪،‬‬
‫مجّلة مجمع اللغة العر ّبية‪ ،‬الجزء ‪ ،10‬مطبعة التحرير‪ ،‬القاهرة – مصر‪،‬‬
‫‪.1958‬‬
‫طاط‪ ،‬مجّلة جامعة‬
‫الداللة دراسة لسانية‪ :‬هاني الب ّ‬
‫الزمن؛ القرينة و ّ‬
‫‪ -17‬مقولة ّ‬
‫الخليل للبحوث‪ ،‬المجلد (‪ ،)4‬العدد (‪ ،)1‬الخليل – فلسطين‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫الصيغة في اللغة العر ّبية‪ :‬فالح بن شبيب العجمي‪ ،‬مجلة جامعة‬‫‪ -18‬نظام ّ‬
‫الملك سعود‪ ،‬المجلد ‪ ،5‬العدد ‪ ،1‬الرياض ‪-‬المملكة العر ّبية السعودية‪،‬‬
‫‪1993‬م‪.‬‬
‫اإللكترونية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫المواقع‬ ‫❖‬

‫‪ -1‬أعالم اللسانيين المعاصرين‪ :‬بوعالم محمد‪ ،‬موقع مرسى الباحثين العرب‪،‬‬


‫‪2021/03/12 ،https://al-marsa.ahlamontada.net/t7432-topic‬م‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫رفية عند ابن ِجّني‪ :‬عبد الكريم مجاهد عبد‬
‫الص ّ‬
‫الداللة ّ‬
‫الصوتية و ّ‬
‫ّ‬ ‫الداللة‬
‫‪ّ -2‬‬
‫إلكترونية (‪( ، )www. Quranic Thought.com‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لغوية‬
‫الرحمن‪ ،‬بحوث ّ‬
‫سانيات‪ ،‬موقع سطور‪ ،/https://sotor.com ،‬أزهار عبد الغني‪،‬‬
‫‪ -3‬مفهوم علم الّل ّ‬
‫‪.2021 /2 / 25‬‬

‫‪214‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪-------‬‬ ‫اإلهداء‬
‫‪-------‬‬ ‫ُمخطط البحث‬
‫أ‪ >--‬ط‬ ‫المقدمة‬
‫ّ‬
‫‪4- 1‬‬ ‫تمهيد ‪------------------------------------------‬‬
‫‪33-5‬‬ ‫سانيات‪----------------- :‬‬
‫الزمن بين النحو والّل ّ‬
‫األول‪ :‬مفهوم ّ‬
‫الفصل ّ‬
‫‪14-6‬‬ ‫الزمن لغ ًة واصطالحاً ‪---------------------------‬‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫‪16-14‬‬ ‫سانيات لغ ًة واصطالحاً ‪-------------------------‬‬ ‫‪-2‬الّل ّ‬
‫‪17-16‬‬ ‫النحو العربي ‪-----------------‬‬
‫سانيات و ّ‬
‫‪-3‬العالقة بين علم الّل ّ‬
‫‪23-17‬‬ ‫الزمن ‪----------------------------------‬‬ ‫‪-4‬أنواع ّ‬
‫‪26-23‬‬ ‫الزمن عند المناطقة والفالسفة ‪-----------------------‬‬
‫‪ّ -5‬‬
‫‪29-26‬‬ ‫الزمن ‪---------------------------------‬‬
‫‪-6‬رتبة ّ‬
‫‪33-29‬‬ ‫‪-7‬مفهوم الجهة ‪--------------------------------‬‬

‫‪82-34‬‬ ‫رفية عند ابن جّني‪--------- :‬‬


‫الص ّ‬ ‫الزمن الّنحوي و ّ‬
‫الصيغة ّ‬ ‫الفصل الثاني‪ّ :‬‬
‫‪40-35‬‬ ‫بالزمن ‪-------------------------‬‬ ‫‪-1‬التّصريف وارتباطه ّ‬
‫‪46-40‬‬ ‫الصيغة على المعنى ‪-------------------------‬‬
‫‪-2‬داللة ّ‬
‫‪53-46‬‬ ‫الصيغة ‪-------------------------‬‬
‫‪-3‬زمن الفعل وداللة ّ‬
‫‪58-54‬‬ ‫الزمن ‪----------------------‬‬
‫‪-4‬داللة صيغ الماضي على ّ‬
‫‪62-58‬‬ ‫الزمن ‪----------------------‬‬
‫‪-5‬داللة صيغ المضارع على ّ‬
‫‪67-62‬‬ ‫الزمن ‪------------------------‬‬
‫‪-6‬داللة صيغ األمر على ّ‬
‫‪76-67‬‬ ‫الزمن‪-------------------‬‬
‫‪-7‬داللة اسمي الفاعل والمفعول على ّ‬
‫‪82-76‬‬ ‫الصيغة في تحديد الجهة‪-------------------------‬‬ ‫‪-8‬أثر ّ‬
‫‪139-83‬‬ ‫اللغوية والداللية عند ابن جّني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وصلت ُه بالقرائن‬
‫ُ‬ ‫الزمن الّنحوي‬
‫الفصل ال ّثالث‪ّ :‬‬
‫‪86-84‬‬ ‫‪-1‬مفهوم القرينة ‪------------------------------‬‬
‫‪87-86‬‬ ‫الداللة ‪------------------------------‬‬
‫‪-2‬مفهوم ّ‬
‫‪89-87‬‬ ‫‪-3‬مفهوم السياق ‪------------------------------‬‬

‫‪215‬‬
‫‪105-89‬‬ ‫الصيغة وداللة السياق ‪----------------------‬‬
‫الزمن بين ّ‬
‫‪ّ -4‬‬
‫‪112-106‬‬ ‫الزمن الماضي‪--------------------------- :‬‬ ‫‪-5‬جهات ّ‬
‫‪107-106‬‬ ‫أ‪ -‬الماضي التام ‪-----------------------------‬‬
‫‪108-107‬‬ ‫ب‪ -‬الماضي القريب ‪---------------------------‬‬
‫‪109-108‬‬ ‫ج‪‌-‬الماضي البعيد ‪------------------------------‬‬
‫‪110-109‬‬ ‫د‪ -‬الماضي المستمر ‪--------------------------‬‬
‫‪111-110‬‬ ‫االعتيادي ‪---------------------‬‬
‫ّ‬ ‫ه‪‌-‬الماضي التّكرار ّي أو‬
‫‪112-111‬‬ ‫و‪ -‬الماضي المطلق ‪--------------------------‬‬
‫‪118-112‬‬ ‫الزمن المضارع‪------------------------- :‬‬
‫‪-6‬جهات ّ‬
‫‪113-112‬‬ ‫جددي أو االستمرار ّي ‪-------------------‬‬
‫أ‪ -‬الحال التّ ّ‬
‫‪115-113‬‬ ‫ب‪ -‬المستقبل القريب ‪---------------------------‬‬
‫‪115‬‬ ‫ج‪ -‬المستقبل البعيد ‪---------------------------‬‬
‫‪118-115‬‬ ‫د‪ -‬المستقبل المطلق ‪--------------------------‬‬
‫‪120-118‬‬ ‫الزمن المطلق ‪-------------------------------‬‬
‫‪ّ -7‬‬
‫‪128-120‬‬ ‫النحوي ‪-------------------‬‬
‫الزمن ّ‬
‫الشرط في ّ‬
‫‪-8‬أثر أدوات ّ‬
‫‪134-128‬‬ ‫النحوي ‪-------------------‬‬
‫الزمن ّ‬
‫اللغوية في ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-9‬أثر القرائن‬
‫‪138-134‬‬ ‫السياق ‪----------------‬‬
‫الزمن بحسب ّ‬
‫‪-10‬داللة المصدر على ّ‬
‫‪139-138‬‬ ‫بالزمن ‪--------------------------‬‬
‫الرتبة وعالقتها ّ‬
‫‪ّ -11‬‬

‫‪199-140‬‬ ‫نص ابن ِجّني‪---------------- :‬‬


‫الزمن الّنحوي في ّ‬ ‫الرابع‪ّ :‬‬
‫الفصل ّ‬
‫ّ‬
‫‪145-141‬‬ ‫‪-1‬داللة صيغة ( َف َع َل) ومشتّقاتها‪------------------------ :‬‬
‫‪145-143‬‬ ‫منية ‪-----------------‬‬
‫الز ّ‬
‫• اقتران صيغة (فعل) بالقرائن ّ‬
‫‪152-145‬‬ ‫(يفعل) ومشتّقاتها‪------------------------ :‬‬ ‫‪-2‬داللة صيغة َ‬
‫‪152-147‬‬ ‫منية ‪-----------------‬‬
‫الز ّ‬
‫• اقتران صيغة (يفعل) بالقرائن ّ‬
‫‪152‬‬ ‫(افعل) ‪------------------------------‬‬ ‫ْ‬ ‫‪-3‬داللة صيغة‬
‫‪155-153‬‬ ‫اإلنشائية ‪----------------------‬‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬داللة استخدام األساليب‬

‫‪216‬‬
‫‪175-155‬‬ ‫الشرط‪------------------------------- :‬‬ ‫‪-5‬أثر أدوات ّ‬
‫‪162-155‬‬ ‫الشرط (لو) ‪---------------------------‬‬
‫أ‪ -‬أثر أداة ّ‬
‫‪163-162‬‬ ‫ب‪ -‬أثر أداة الشرط (لوال) ‪-------------------------‬‬
‫‪167-163‬‬ ‫ج‪ -‬أثر أداة الشرط (إذا) ‪--------------------------‬‬
‫‪173-168‬‬ ‫(إن)‪----------------------------‬‬
‫د‪ -‬أثر أداة الشرط ْ‬
‫‪175-173‬‬ ‫(لما) ‪---------------------------‬‬
‫ه‪ -‬أثر أداة الشرط َّ‬
‫‪175‬‬ ‫و‪ -‬أثر أداة الشرط (متى) ‪--------------------------‬‬
‫‪179-176‬‬ ‫الزمن ‪----------------------------‬‬‫‪-6‬داللة المصدر على ّ‬
‫‪191-179‬‬ ‫الزمن ‪---------------------------‬‬
‫الصيغ المرّكبة وتنويع ّ‬
‫‪ّ -7‬‬
‫‪194-191‬‬ ‫الزمن ‪---------------------------‬‬
‫الصيغ المرّكبة وثبات ّ‬
‫‪ّ -8‬‬
‫‪195-194‬‬ ‫الزمن المطلق ‪----------------------------‬‬
‫الداللة على ّ‬
‫‪ّ -9‬‬
‫‪197-196‬‬ ‫‪-10‬داللة استخدام المشتّقات ‪----------------------------‬‬
‫‪199-198‬‬ ‫‪-11‬أثر أحرف العطف ‪-------------------------------‬‬

‫‪203-200‬‬ ‫الخاتمة ‪----------------------------------------‬‬


‫‪214-204‬‬ ‫ثبت المصادر والمراجع ‪-------------------------------‬‬
‫‪217-215‬‬ ‫فهرس الموضوعات ‪---------------------------------‬‬

‫‪217‬‬

You might also like