Professional Documents
Culture Documents
الزمن النحوي عند ابن جني في ضوء اللسانيات الحديثة
الزمن النحوي عند ابن جني في ضوء اللسانيات الحديثة
الزمن النحوي عند ابن جني في ضوء اللسانيات الحديثة
ّ
يعدها الم ْح َدثون من منتجات اللسانيات الحديثة ،وفي ثنايا ذلك محاولة ّ
تلمس خصائص ّ
بأن يكو َن هذا
كل ذلك يضاف إلى الرغبة ْ
النحوي ،وتمييزه من غيرهّ ،
واضحة للزمن ّ
اللغوي. البحث المتو ِ
الدرس النحوي و ّ
اضع إضاف ًة جديدة إلى ّ
أهداف البحث:
تتبع ظاهرة ِ
أهمية هذا الموضوع وغناه ورحابة أرجائه ،سيحاول البحث ّ
انطالقاً من ّ
خاصة على كتاب الخصائص ِ ِ
عند ابن جّني في معظ ِم مؤّلفاته والتركيز بصورة ّ
الزمن َ
ّ
الذي كان أغناها وأظهرها ،كما سيحاول البحث تحقيق جملة من األهداف واإلجابة
عن عدد من األسئلة ،وتترّكز أغلب هذه األهداف والتساؤالت فيما يأتي:
ب
الزمن والمقصود منه بمفهوماته المختلفة.
-1تحديد مفهوم ّ
النحوي.
الزمن ّرفية و ّ
الص ّ
الصيغة ّ-2الكشف عن العالقة ببن ّ
صرفية؟
ّ تؤديها كل صيغة
منية التي ّ
الز ّ
-3ما هي األدوار ّ
رفية في المعنى؟
الص ّ
الصيغة ّ
-4ما هو تأثير ّ
النحوي.
الزمن ّ
ياقية المختلفة في ّ
الس ّ-5الكشف عن تأثير القرائن ّ
الداللة
الزمن المأخوذ من ّ
رفية و ّ
الص ّ
الصيغة ّ
الزمن المأخوذ من ّ -6التّفريق بين ّ
التّعبيرّية.
النحوي. -7استكشاف تعبير ابن ِجّني عن ّ
الزمن ّ
منهج البحث:
وقد حاول هذا البحث تحقيق هذه األهداف ،باالعتماد في الدراسة على المنهج الوصفي
القائم على االستقراء الوصف ،وهذا ما يتطّلبه موضوع كهذا الموضوع ،وذلك باستخدام
نص ابن ِجّني وأسلوبه في التّقعيد والقياس، أدوات هذا المنهج من خالل استقراء ّ
ص ،واستنتاج ما يمكن فهمه من سياق الن ّ
منية التي يحتويها هذا ّ
الز ّ
الداللة ّ
واستنباط ّ
النحوي عنده،
الزمن ّ
ثم إجراء مقارنة بين ّ ِ
بالصيغة والقرائن ،ومن ّ
ابن جّني ،وعالقته ّ
الزمن كما يراه علماء اللغة الم ْح َدثون.
وّ
السابقة:
الدراسات ّ
ّ
النحوي
الزمن ّ الزمن عموماً ،و ّ
السابقة التي تناولت موضوع ّ الدراسات ّ
ثم َة جمل ٌة من ّ
ّ
تكز عليها هذا البحث حيناً ،وانطلق
مهماً ار َ
على وجه الخصوص ،وكانت سنداً وأساساً ّ
من مواضع وقفت عندها حيناً آخر ،واستفاد من نتائجها ،ومجمل محتواها ،وسيرّكز
على بعض النقاط التي أغفلتها هذه األبحاث ،ومتابعة طريق البحث فيها فيما يخدم
هذا البحث ،وهذه الدراسات هي:
ج
النحوي في الجملة العر ّبية من خالل الخصائص البن ِجّني واللغة
الزمن ّ
-1تجليات ّ
حسان :الطالبة :نادية زيد الخير ( ،)1وتحاول هذه
لتمام ّ
العر ّبية معناها ومبناها ّ
النحوي والوقوف عند نظرة ّ
النحاة العرب القدامى الدراسة إبراز مقولة الزمن ّ
عدة نتائج أبرزها:
والمحدثين في هذا الموضوع ،وقد توصلت الباحثة إلى ّ
الصرفية بموقعها وما يعلق بها من قرائن لفظية
حركية الصيغة ّ
ّ • ترتبط
السياق.وحالية في ّ
ّ ومعنوية
ّ
الوظيفية المختلفة في الخطاب.
ّ منية في استخداماتها الز ّ
• تكمن القيمة ّ
أما إذا
السياق ّ
الفعلية عن الزمن تعبي اًر محدوداً خارَج ّ
ّ الصيغة
عبر ّ • ت ّ
الزمني. يوسع دائرةَ تعبيرها ِ
ّ ّ فإنه ّ وردت فيه ّ
سانية في التراث اللغوي العربي ابن ِجّني انموذجاً :ساولي فوزية -2الجهود الّل ّ
عدة نتائج من
توصل هذا البحث إلى ّ
ورويفع أمال ،أ .نكاع سعاد ، .وقد ّ
()2
أبرزها:
اللغوية العر ّبية الحديثة ليست غريبة عن علماء اللغة العرب
ّ إن المناهج
ّ •
وأصواتها وداللتها.
السياق والحال وأسباب النزول :أ.د .كريم حسين الزمن في ضوء ّ-3الخالف في ّ
أن
الدراسة ّ
نتج عن هذه ّ
ناصح الخالدي ،شيماء رشيد محمد زنكنة ،وقد َ
()3
ِ
هناك أداةٌ
َ ليس
بالسياق الذي ترد فيه؛ إذ َ
ّ داللة األدوات على الزمن ترتبط
ِ
مطلق الزمن (على تدل على
مخصص ٌة للداللة على زمن معيَّن ،و ّإنما قد ُّ
السياق الذي ترد فيه األداة.
الماضي والحال والمستقبل) حسب ّ
د
أعدت لنيل درجة الدكتوراه :ضياء الدين القالش-4القرائن في علم المعاني :رسالة ّ
ِ
بالغته، وتذوق
ص ّ الن ّ
حاول هذا البحث تأصيل نظرّية عر ّبية في فهم ّ َ ( ،)1وقد
ِ
البالغة وما يتّصل بها من علوم تجري فرَقة في كتب
وذلك بجم ِع أجزائها الم َّ
ِ
لتعميق مضمونها، النظرّية في علم المعاني
تلك ّ
حاول بيان أثر َ
َ إليها رو ِافدهاَّ ،
ثم
عدة نتائج نذكر منها:
توصل الباحث إلى ّ
َ ثم
ّ
البالغية المختبئة وراء صور
ّ • القرائن هي السبيل إلى تلّقف األغراض
النظم.
ّ
ِ
اللبس واإلبهام ّإال عند الَقصد إلى الخفية ال تَحسن في رف ِع
ّ القرائن •
السامع.
التلبيس على ّّ
حمل على مقتضى
القرائن قد تتآزر في العمل فتقوى ،وقد تتعارض في َ •
كل منها.
ّ
اللغوية بين ابن ِجّني وتشومسكي (رسالة ماجستير) :إعداد :صبحا
ّ -5المسألة
عواد سليم الخوالدة ( ،)2وتهدف هذه الدراسة إلى الوقوف على نقاط التالقي
جني اللغوي وفكر تشومسكي اللغوي ،والوقوف على واالفتراق بين فكر ابن ّ
اكمية المعرفة اإلنسانية وبنائها،
بي ،وبيان مدى تر ّ اللغوي العر
ّ أصالة الفكر
ّ
ووصلت إلى أهداف نذكر منها اآلتي:
بالنظر إلى بيولوجية اللغة.
جني مع تشومسكي ّ
التقى ابن ّ •
السيطرة
بنظرّية العامل ،والتي ظهرت عند تشومسكي في مبدأ التح ّكم و ّ
في نظرّية الربط العاملي.
جني يرى اللغة تكتسب بالمحاكاة
كث َرت نقاط االفتراق بين الفكرين فابن ّ •
-1إشراف:د.أحمدمحمدنتّوف،جامعةدمشق،كليةاآلدابوالعلوماإلنسانيّة،دمشق–سورية2011،م.
-2إشراف:د.محمدالديكي،جامعةآلالبيت،كليّةاآلدابوالعلوماإلنسانيّة،المفرق–األردن2006،م.
ه
الزمن بين العر ّبية واإلنكليزية :محمد حسن بخيت قواقزة ،إشراف :أ.د.
-6نظام ّ
سمير شريف استيتية ( ،)1وقد هدفت هذه الدراسة إلى الكشف عن الطرائق
تعبر بها العر ّبية واإلنجليزية عن الزمن والجهة ،وبيان الدالالت
جميعها التي ّ
اللغوية وفقاً للسياقات الواردة فيها ،وبيان
ّ منية للصيغ والتراكيب واألساليب
الز ّ
ّ
ثم وصلت
الزمنَّ ،
أوجه الشبه واالختالف بين العر ّبية واإلنجليزية في التعبير عن ّ
إلى نتائج كثيرة نذكر منها:
تعبر اإلنجليزية
تعبر العربية عن الزمن والجهة باألفعال واألسماء ،وال ّ
ّ •
تدل
الزمنية ال بالزمن الذي ّ
ّ بينما يرتبط النفي في اإلنجليزية بالصيغة
عليه الجلمة.
عد أسلوب الشرط أحد أبرز الوسائل اللغوية ،التي تستطيع العر ّبية • ي ّ
أكان هذا ِ
اء َ واإلنجليزية بوساطته التعبير عن تعاقب األحداث ،سو ٌ
التّعاقب في الماضي أم في المستقبل.
السياق عند اللغويين والبالغيين العرب :الطالب بوزبوجة عبد القادر ،إشراف:
-7نظرّية ّ
د .عبد الملك مرتاض( ،)2وقد حاول الباحث أن يتعّق َب ما ورد في التراث اللغوي
الداللية بين األلفاظ والتراكيب داخل
والبالغي من إسهامات في بحث العالقات ّ
ص وخارجه ،والوقوف على أبرز معالمها ومالمحها في ضوء معطيات النظرّية الن ّ
ّ
عدة نتائج أبرزها:
السياقية ،وقد وصلت هذه الدراسة إلى ّ
الدرس اللغوي على نحوإن كانت قد ظهرت حديثاً في ّ إن لفكرة السياق ،و ْ
ّ •
النحوي
ّ اللغوي و
ّ ومتأصلة في تراثنا
ّ ظمة ،بذو اًر ظاهرةنظرية شاملة ومن ّ
والبالغي على درجات متفاوتة.
المتميز والتفاتتهم المبكرة في هذا المجال ،بل كان لهم
ّ كان للعرب دورهم •
السياق في
الريادة في كثير من اآلراء؛ حيث فطنوا إلى دور ّ السبق و ّ
فضل ّ
-1رسالةدكتوراهفيتخصصاللغوياتالعربيّةالتطبيقيّة،جامعةاليرموك،إربد–األردن2009،م.
-2رسالةمقدّمةلنيلدرجةالدكتوراهفياللغةالعربيّة،جامعةوهران،كليّةاآلدابواللغاتوالفنون،وهران–الجزائر2007،م.
و
إدراك الفروق بين األلفاظ التي ّ
ظنوا ّأنها مترادفة ،وفي تحديد معنى المشترك
اللفظي ،وتعيين معاني األلفاظ المتضادة.
ّ
منية للفعل المضارع في سورة التّوبة :للطالبة هداية نعيم محمد أبو
الز ّ
الداللة ّ
ّ -8
عيد صياغة مفهوم الفعل المضارع كما أن ت َ
الدراسة ْ
زاكية ،وقد حاولت هذه ّ
()1
تكشف عن
َ أن
اللغوية الحديثة ،كما حاولت ْ
ّ النحاة القدماء وفق الدراسات
عرفه ّ
ّ
الحالية
اللفظية و ّ
ّ منية ،م ّبين ًة القرائن
الز ّ
الموجهة بالجهات ّ
ّ منية
الز ّ
الدالالت ّ
المحددة لها ،وقد وصلت هذه الد ارسة إلى جملة من النتائج أبرزها:
ّ
اللغوي.
ّ • الفعل المضارع غير مقترن بداللة ّ
زمنية بعينها ضمن السياق
يدل على • ال يكتفي الفعل المضارع بار ِ
تباطه بالقرينة اللفظية وحدها ل ُّ
اللفظية مع بعينه في السياق اللغوي ،إذ ال َّبد من تضافر القر ِ
ينة ِ زمن
ّ
الزمن المطلوب.
الحالية لتحديد ّ
ّ القرينة
الزمني الدقيق للحدث في السياق منية دور بارز في التّحديد
الز ّ
• للجهات ّ
ّ ّ
اللغوي.
ّ
النحوي عند ابن ِجّني (في كتابه الخصائص) :للدكتور حسين -9أصول التّفكير ّ
النحوي عند
علي حسين الفتلي ،وقد تناول البحث قراءة في أصول التّفكير ّ
()2
ابن ِجّني في كتابه الخصائص ،من خالل مناقشة قواعد السماع والقياس
أهمها: تدالل عند ابن ِجّني،واإلجماع واالس ُّ
عدة ّ
نتائج ّ
َ وتوصل الباحث إلى ّ
جلياً في أصول التّفكير
ينية تأثّ اًر ّ
الد ّ
المعرفية و ّ
ّ مرجعية ابن ِجّني
ّ • تأثّر
النحوي.
ّ
غلبة اتّجاه المعنى على اللفظ عند ابن ِجّني. •
النظام اللغوي عند ابن ِجّني يتّصف بالمرونة؛ لتلبية الحاجات المتزايدة
ّ •
من األلفاظ.
-1إشراف:أ.د.عبدالرؤوفزهدي،رسالةاستكماالًلمتطلّباتالحصولعلىدرجةالماجستيرفياللغةالعربيّةوآدابها،جامعةالشرق
األوسط،ع ّمان–األردن2016،م.
-2مجلّةكليةالتربيةاألساسية،جامعةبابل،العدد،14العراق2013،م.
ز
جني :للطالبة طاهورية كميلية (،)1
-10البعد التّداولي في كتاب الخصائص ال بن ّ
الدرس اللغوي ،كماداولية وأهميتها في ّ
سانيات التّ ّ
تحدثت الباحثة عن الّل ّ
وفيه ّ
السياق في تحديد المعاني دالالت الكالم ،وأيضاً أثر التّضمين
تحدثت عن أثر ّ
قصدي ِة المتكّلِم ،وفي النهاية وصلت إلى عدد من النتائج نذكر منها:
ّ في
يدل
داولية ج َّل عنايتها ،وهو ُّ
يعد السياق من أهم المواضع التي توليها التّ ّ •
ِ
وثبت
مقدمة وتمهيد وأربعة فصول يتبعها خاتم ٌة ٌ وقد تكون هذا البحث من ّ
للمصادر والمراجع ،ويأتي أخي اًر فهرس الموضوعات.
مؤلفات ِه.
ِ أما التمهيد فيتناول نشأة ابن ِجّني وحياته ورحلته العلمية و َ
أبرز ّ
سانيات)؛ تحدثنا
الزمن بين النحو والّل ّ ▪ الفصل األول :وجاء بعنوان( :مفهوم ّ
الزمن في اللغة واالصطالح ،وعند الفالسفة واألصوليين ،وكذلك
فيه عن ّ
سانيات وأبرز مدارسها وأعالمها ،وعن بعض المصطلحات التي عن الّل ّ
ستتناوله فصول البحث.
رفية عند ابن جني)؛
الص ّ (الزمن الّنحوي و ّ
الصيغة ّ ▪ الفصل الثاني :عنوانهّ :
النحوي،
الزمن ّ
رفية في المعنى ،وعلى ّ
الص ّ
الصيغ ّوتحدثنا فيه عن أثر ّ
ّ
الزمن.
رفية على ّ
الص ّ
الصيغ ّ
وعن دالالت بعض ّ
اللغوية
ّ وصلته بالقرائن
ُ (الزمن الّنحوي
▪ الفصل الثالث :وقد عنونته بـّ :
تحدث هذا الفصل عن أثر القرائن السياقية
اللية عند ابن جّني)؛ وقد ّ
الد ّوّ
الزمن
النحوي ،وفي تحديد جهات ّ الزمن ّ
الداللة على ّالمعنوية في ّ
ّ واللفظية و
المختلفة ،عند ابن ِجّني وعند اللسانيين الم ْح َدِثين.
- 1إشراف:د.دندوقةفوزية،مذكرةمقدمةلنيلشهادةالماسترفياآلدابواللغة العربيّة،جامعةمحمدخيضربسكرة،الجزائر،
2013م.
ح
فصل
ٌ نص ابن ِجّني)؛ وهو (الزمن الّنحوي في ّ
▪ الفصل الرابع :وعنوانهّ :
الزمني البن ِجّني في شروحاته وتقعيده ومسائله، تطبيقي ،تناول االستخدام
ّ ّ
اعتماداً على كتاب الخصائص ليكون نموذجاً ّ
بحثياً.
توصل
▪ وأخي ار وليس آخ اًر الخاتمة :التي جاء فيها تلخيص ألبرز النتائج التي ّ
إليها هذا البحث
▪ ثبت المصادر والمراجع.
▪ الفهرس.
ط
التمهيد:
العلمية،
ّ نعرف بابن ِجّني وآثاره
أن ّال بد لنا قبل الخوض في غمار هذا البحث من ْ
الزمن عند ابن ِجّني في لما لها من أثر في صلب البحث القائم على استخالص ّ
ملحة ،يقتضيها البحث
نصوصه آرائه مسائله ،وعلى ذلك كان التعريف به ضرورة ّ
األكاديمي السليم.
ونشأته:
ُ حياته
ُ ابن ِجّني
النحوي المشهور ،كان إماماً في علم العر ّبية،
الموصلي ّ جني
"هو أبو الفتح عثمان بن ّ
ّ
فاجتاز بها
َ وقعد لإلقراء بالموصل،
الفارسي ،وفارَقه َ الشيخ أبي علي
ق أر األدب على ّ
ّ
نت الناس حوله يشتغلون عليه ،فقال لهَ (( :زب َ
َّبت وأ َ علي فرآه في حلقته و ّ
ّ
شيخه أبو
َ
الزمه حتّى تمهر.
فترك حلقته وتبعه و َ
حصرم))َ ،
أحسن األخذ عنه ،وهو الذي أحسن تخريجه وقد أخذ ابن ِجّني عن أبي علي الفارسي و َ
ونهج له البحث ،وتجمع الروايات على َّ
أن أبا الفتح صحب أبا علي بعد سنة (337ه) َ
علمية أثّرت تأثي اًر
شخصية ّ
ّ أهم
الفارسي ّ والزمه في السفر والحضر ،إذ يعتََبر أبو علي
ّ ّ
بالغاً في تكوين ابن ِجّني فهو شديد التّعّلق به ،كثير ّ
النقل عنه.
ومن الذين أخذ عنهم ابن ِجّني واستفاد منهم ،أحمد بن محمد الموصلي الشافعي
محمد بن الحسن بن يعقوب
المعروف باألخفش ،فقد أخذ عنه النحو ،وكذلك أبو بكر ّ
كان عالماً باللغة والشعر وسمع من ثعلب،
المعروف بابن مقسم أحد قراء بغداد الذي َ
وتردد اسم ابن مقسم م ار اًر في كتب ِه ،وق أر على أبي الفرج األصفهاني ،وروى عن أبي
1
فيدون ِ
علي كان يقتنع بعل ِم ابن جّني في بعض األمور ّ ّ
ويرجع إلى رأيه فيها ،و إن أبا
ِ
شيخه أحرى عنده باالتّباع، ِ
تأليفه منهجاً غير منهج رأيه في ِ
كتبه[]...وقد ينهج في
الف ابن ِجّني (المحتسب) في السبع ،و َ
(الحجة) في توجيه القراءات ّ ّ ف أبو علي وقد أّل َ
ّ
ِ
خطبة هذا الكتاب ":إال ّأننا –مع ذلك -ال ننسى توجيه الشواذ من القراءات ،ويقول في
الحجة في
ّ تقريبه على أهل القرآن ليحيطوا بهَّ ،
فإن أبا علي –رحمه هللا -عمل كتاب
ّ
ِ
حاجة الق ّراء ،إلى ما يجفو عنه كثير من العلماء" (.)1 قدر
القراءات ،فتجاوز فيه َ
عمق ِ
طابع االستقصاء والغوص في التّفاصيل ،والتّ ّغلب " على مباحث ابن جّني َ وقد َ
في التّحليل ،واستنباط المبادئ واألصول من الجز ّئيات[ ]...كما اشتهر ببالغة العبارة
وحسن تصريف الكالم ،واإلبانة عن المعاني بأحسن وجوه األداء ،وهو يسمو في
َّ
يتسن فتح ابن ِجّني في العر ّبية أبواباً لم
عبارته ،ويبلغ بها ذروة الفصاحة[ ]...وقد َ
همل
فتحها لسواه ،ووضع أصوالً في االشتقاق ومناسبة األلفاظ للمعاني؛ وإهمال ما أ َ
ِ
بحوثه، سبيله ،ويبنون على ِ من األلفاظ ،وكان بذلك إماماً يحتاج إلى أتباع يمضون في
وإذاً لنضجت أصوله وبلغت إناها ،ولكّنه لم يرزق هؤالء األتباع ،على ّأنه َ
أتيح له
اللغوية ،وهو (ابن سيده) على بن أحمد المتوفى ِ
وبحوثه لغوي كبير ،أغار على فوائده
ّ ّ
ِ
كتابه المحكم ،و ابن ِسنان الخفاجي سنة 458ه ،وهو كثي اًر ما يغفل العزو إ ِ
ليه في
ّ َ
سر الفصاحة ،وابن األثير محمد المتوفى سنة 466ه ،صاحب كتاب ّ عبد هللا بن ّ
()2
محمد المتوفى سنة 633ه ،صاحب كتاب المثل السائر". نصر هللا بن ّ
مذهبه الكالمي:
ُ
ّ
كشيخه أبي علي( ،)3فهو يقول في الخصائص فيِ أن ابن ِجّني كان معتز ّلياً،
ّ " ي ْذ َكر ّ
الفعل هللِ ،و
َ (باب في ورود الوفاق مع وجود الخالف) " :وقد قال بعض الناسَّ :
إن
أن
فإنه لقوم" ،ويقول في (باب في ّ
()4
إن كان هذا خطأ عندنا ّ العبد مكتسبه ،و ْ
إن َ َّ
لحق بالحقيقة) ":وكذلك أفعال القديم سبحانه ،نحو خلق هللا السماء
كثر َالمجاز إذا َ
واألرض وما كان مثله أال ترى ّأنه – ّ
عز اسمه -لم يكن منه بذلك خلق أفعالنا ،ولو
ي،تح.عليالنجديناصف،د.عبدالفتّاحإسماعيل
ِ المحتسبفيتبيينوجوهشواذالقراءاتواإليضاحعنها:أبوالفتحعثمانبنجنّ
ِ -1
شلبي،دارسزكينللطباعةوالنشر،ط،2إسطنبول-تركيا1986،م .13/1،
بنجنّي(ت392هـ)،تح.محمدعليالنجّار،دارالكتبالمصريّة،ط1952،2م.32-26/1، -2يُنظر:الخصائص:أبوالفتحعثمان ِ
-3المصدرالسابق.42/1،
-4المصدرالسابق .213/2،
2
فتراه عز وعال"
()1
كان حقيقة ال مجا اًز لكان خالقاً للكفر والعدو إن وغيرها من أفعالنا ّ
ذه ٌب اعتزالي.
ينسب للعبد خلق الفعل ،وهذا َم َ
ّ
يتقيد بمذهب المعتزلة ويذهب إلى ما يراه الحق وما هو أدنىأن ابن ِجّني قد ال ّ على ّ
اصطالح أم توقيف ،فقد ِ
كالمه على اللغة وهل هي النصفة ،ومن ذلك ما نراه في
ٌ إلى َ
وجب تل ّقيه واالنطواء
ثم قال (( :وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا َ
ذكر رأي التّوقيف َّ
السنة ،وهو في هذا المبحث يتوّقف في شأن اللغة،
على القول به)) وهذا منهج أهل ّ
()2
بأنها اصطالح وتواضع".
ذه َب االعتزال؛ وهو الجزم ّ
وهو بذلك يخالف َم َ
ابن ِجّني بين النحو و ّ
الصرف:
البصر ّي والكوفي، ِ
ّ حوية لعهد ابن جّني ثالثة :مذهبان قديمان ،وهما َ
الن ّ
" كانت المذاهب ّ
خير منهما ،وهو َمذهب البغداديين ،وكان ابن حدث من خلط المذهبين والتّ ّ ومذهب َ
ٌ
كشيخه أبي علي -بصرّياً ،فهو يجري في كتبه ومباحثه على أصول هذا ِ ِجّني –
ّ
أن ابن ِ
يألو في ذلك جهداً ،ولم َيدر بخلد ناظر ّ
ويذب ،وال َ
ّ المذهب ،وهو ينافح عنه
أن
طاب له ْ
ولكن بعض الباحثين َ كوفياً؛ فهذا ما لم يجز في الوهم والخيالّ ،
كان ِّجّني َ
يسلك ابن ِجّني في عداد البغداديين ،وشبهته في هذا أن َ
سكن بغداد وأوطنها ،حتّى َ
استقرت إمامته وتأصل
نضج و ّ
َ بعد أن
َخرة َ كان مقامه ببغداد بأ َ
لقي رّبه فيها ،و إنما َ
عده في البصريين "(.)3ّ
ِ
النحو أمثل منه
الصرف ،وهو على إمامته فيهما في ّ "وكان ابن ِجّني إماماً في ّ
النحو و ّ
بالنحوي ،فالنحو –
عرف إال ّ الصرف ،كما يذكره الكاتبون لترجمته ،و ْ
إن كان ال ي َ في ّ
الصرف.
" ()4
العام -ينتظم ّ
بالمعنى ّ
الرواية عن غيره ،فهو ينقل عن سيبويه وعن أستاذه أبي ِ
رف عنه ّأنه يكثر من ّ
" وقد ع َ
علي ،وعن غيرهما ممن علماء البلدين ،ويستشهد بالشعر والقصص ،ويجول في فنون
ّ
النقل على حفظه ،فينال نقَله
المعرفة ،ويستطرد لما هو بسبيله ،ويبدو ّأنه قد يعتمد في ّ
3
فخالف فيه
َ حديثاً عن سيبويه، ()1
بعض التّغيير ،ومن ذلك ّأنه أورد في الخصائص
" ()2
بعض الشيء.
كتبه:
ُ
أسماء حساناً تخي َر لها ِ ِ
ً الجم وعلمه الغزير ،وقد ّ
تدل على فضله ّ
" لقد ترك كتباً حساناً ُّ
كذلك ،ونذكر أشهرها:
-الخصائص.
السكري من أشعار الهذليين.
-التّمام ،وهو تفسير ما أغفله ّ
-سر صناعة اإلعراب.
سمى (المنصف).
-تفسير تصريف المازني ،وي ّ
السكيب.
-شرح المقصور والممدود البن ّ
-تعاقب العر ّبية.
المتنبي الكبير.
ّ -تفسير ديوان
-الل َمع في العر ّبية.
-كتاب مختصر التّصريف ،وهو المعروف بـ(التّصريف الملوكي)
-كتاب مختصر العروض والقوافي.
-كتاب المقتضب ،وهو في اسم المفعول المعتل العين من الثالثي.
-المحاسن في العر ّبية.
-الخاطرّيات.
-كتاب المحتسب في شرح شوا ّذ القراءات.
المؤنث.
-كتاب المذ ّكر و ّ
وغيرها الكثير من الكتب والمخطوطات التي نسبت إليه ،ومنها كتب ذكرت بأسماء
ولكن الذي ال خالف عليه هو هذا اإلرث العظيم ،الذي تركه ابن ِجّني في مختلفةّ ،
()3
كل مجاالت اللغة ،والتي أَ ْث َرت وأغنت المكتبة العر ّبية".
ّ
الخصائص:ابنجنّي.249/1،
ِ -1
-2المصدرالسابق .52/1،
-3ينظر:مقدّمةالخصائص:محمدعليالنجار،ص.68-60
4
الزمن بين النحو
الفصل األول :مفهوم ّ
سانيات:
والّل ّ
الزمن لغ ًة واصطالحاً
ّ -1
سانيات لغ ًة واصطالحاً
-2الّل ّ
سانيات وأبرز أعالمه
-3نشأة علم الّل ّ
سانيات والّنحو
-4العالقة بين علم الّل ّ
العربي
الزمن
-5أنواع ّ
الزمن عند المناطقة والفالسفة
ّ -6
الزمن
-7رتبة ّ
-8مفهوم الجهة
5
الزمن لغ ًة واصطالحاً:
ّ .1
الزمن لغةً:
أّ -
الف ْعل الزم ِ
انة ،و ِ َّ َّ ِ الز ِالزمن من ََّّ
مان ،والزمن :ذو َ الزمن " :و َ
يقول الخليل (ت 170هـ) في ّ
طال ِ الزمَنى في َّ
عليه الشيءَ َ :الذ َكر واألنثَى ،وأ َْزَم َن ّ َزِم َن َي ْزَمن َزَمناً َ
وزَمان ًة ،والجميعْ َّ :
الزاء والميم والنون
الزمنّ " : الزمان" ،وقال ابن فارس (ت 395هـ) في مقاييسه في ّ
()1
ّ
الزمان ،وهو الحين ،قليله وكثيره[]... يدل على وقت من الوقت من ذلك ّ أصل واحد ُّ ٌ
"(.)2
الزمن
الزمن إ ْذ قالّ " :
الداللة على ّ
يبتعد ابن منظور(ت711هـ) عن سابقيه في ّ ْ ولم
ْ
الزمان العصر ،والجمع أزمن
الزمن و ّ
اسم لقليل الوقت وكثيره ،وفي المحكمّ :
الزمان ٌ
وّ
وأزمان وأزمنة [.)3( " ]...
المدة ،ومثله في ذلك
بكل ما يتعّلق بالوقت والحين و ّ الزمن كما رأيناه مرتبط ّ
إذاً ،فلفظ ّ
األصلية
ّ الزمان ،فهما لفظان لداللة واحدة عند أهل اللغة ،إ ْذ اتّفقت أكثر معاجم الّلغة
ّ
الزمن الزمن كما هو واضح ،وهذا ما ُّ
يدلنا على استقرار لفظة ّ الداللة للفظ ّ
على هذه ّ
الراهن ،ما خال بعض بمفهومها العام والمتعارف عليه منذ ذلك الحين والى وقتنا ّ
وحديث ِه.
ِ قديم ِه
الشعر العربي ِ
الزمن في األدب و ّ
االستعماالت الخاصة والتّرميز عبر ّ
الزمن اصطالحاً:
بّ -
(الزمن) ويرسم لها أط اًر وقوالب
يحدد لفظة ّ
لم تشتمل كتب اللغة القديمة على تعريف ّ
تندرج ضمنها أشياء أخرى ،كما عهدنا منهم في هذا المجال ،رغم انتشار هذه اللفظة
(الزمن) يبدو مشتّتاً، األصلية ،إال َّ
أن استعمال النحاة لكلمة ّ ّ وترددها في كتب النحو
أو غير محدد ،وهذا قد يرجع إلى جملة من األسباب قد يكون أحدها اختالف مقاصد
السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة،
النحاة ومبتغاهم من هذا االستعمال إضاف ًة إلى ّ
ّ
يتقيد به بعض علماء اللغة
(الزمان) ،وهذا ما لم ّ
ومن المالحظ اعتمادهم على لفظة ّ
-1كتابالعين:الخليلبنأحمدالفراهيدي(ت170هـ)،تح.د.عبدالحميدهنداوي،دارالكتبالعلمية،بيروت–لبنان،ط2003،1م،
ج،2مادة(زمن) .
-2معجممقاييساللغة:ألبيالحسينأحمدبنفارسبنزكريّا(ت395هـ)،تح.عبدالسالمهارون،دارالفكر1979،م،ج،3مادة
(زمن).
-3لسانالعرب:ابنمنظور(اإلمامالعالمةأبيالفضلجمالالدينمحمدبنمكرم،ت711هـ)،دارصادر،بيروت–لبنان،ط،1
(د.ت)،ج،13مادة(زمن).
6
(الزمان) دونما تفريق الم ْح َدِثين الذين استخدموا لفظة ّ
(الزمن) كما استخدموا لفظة ّ
بينهما عند بعضهم ،وعمد بعضهم اآلخر إلى وضع اختالفات في االستخدام بين
الزمان ،نجد في اللغة ثالثة أقسام
الزمن و ّ
وبناء على التفرقة بين مفهومي ّ
ً اللفظتين،
للزمن:
ّ
الزمان،
نعبر عنه باألسماء والتعابير التي تحدد أوقات ّ
-1زمن األوقات :الذي ّ
وتحمل معنى الظرف ،مثل :ساعة ،وقت ،حين ،دهر ،عصر ...إلخ،
والمعنى هنا معجمي.
ّ
الصرفي الذي يتمّثل في التراكيب المختلفة الزمن
النحوي :الذي يشمل ّ الزمن ّّ -2
ّ ّ
وتأثير السياق والقرائن اللفظية والمعنوية عليه ،والمعنى هنا وظيفي.
فهم من الزمن الذي يكون بين حدثين ،وهذا ّ
الزمن ي َ الزمن االقتراني :وهو ّ
ّ -3
الزمن الماضي أو المستقبل إال
تدل على ّ
الزمانية المبهمة التي ال ُّ
الظروف ّ
ضيفت أو اقترنت بالتركيب ،مثل :أبد ،قط ،عوض ...إلخ.
()1
إذا أ َ
الجبار توامة الذي رأى َّ
أن الزمن نراه يقارب تقسيم عبد ّ
وهذا التقسيم الثالثي ألنواع ّ
النحوي)، الزمن يقسم إلى نوعين فقط ،زمن فلسفي ،وآخر لغوي ّ
وسماه أيضاً بـ (الوقت ّ ّ
ياضية ،ويعبَّر عنه بالتقويم
لكمية ر ّ الزمن أو الوقت الفلسفي هو الذي ُّ
يعد قياساً ّ يقولّ " :
النحوي الذي يعبَّر عنه بالفعل وصيغه
الزمن اللغوي هو الوقت ّ
واإلخبار عن الساعة ،و ّ
فلسفية ،بل يقوم على استخدام القيم
ّ زمانية
ّ وما شابهه ،تعبي اًر ال يستند إلى دالالت
()2
اللغوية".
ّ الداللة على الحقائق
الصيغ المختلفة في ّ
الخالفية فيه ( )Oppositionsبين ّ
ّ
الزمن الفلسفي،
وللوهلة األولى يتبادر إلى ال ّذهن ّأنه ينفي داللة الفعل وصيغه على ّ
أن وذلك من خالل عبار ِ
ولكنه يقصد ّ
فلسفية)ّ ،
ّ زمانية
ّ ته (تعبي اًر ال يستند إلى دالالت
النص ،بل
الزمانية الفلسفية في ّ
ّ (النحوي) ال يعتمد على األوقاتالزمن اللغوي ّ
تحديد ّ
النص ،وهذا صحيح فيما
المعنوية) الموجودة في ّ
ّ يتعلق فقط بالقرائن السياقية (اللفظية و
وجهت ِه بالقرائن ،ولكن ربما يؤخذ على هذا القول
ِ زمن ِه
ط ِ النحوي وارتبا َ
الزمن ّ
يخص ّ
ّ
النحوي ،أو حتى داللة بعض الزمن ّ
إن وجد -بتحديد ّ إنكار أثر الوقت الفلسفي ْ -
ّ
مانالدالليدراسةلغويةلمفهومالزمنوألفاظهفيالثقافة العربيّة:د.كريمزكيحسامالدين،كتبعربية،ط،1مكة ّ
ينظر:الز - 1
المكرمة–السعودية1989،م،ص.393–392 ّ
-2زمنالفعلفياللغةقرائنهوجهاتهُ:عبدالجبّارتوامة،ديوانالمطبوعاتالجامعيّة،بنعكنون–الجزائر1994،م،ص.1
7
فلسفية في سياقات محددة ،و إن كان السياق هو الفيصل ّ الصيغ الفعلية على أوقات ّ
تتحدث عن الوعد والوعيد مثالً، في ذلك ،كما نرى في كثير من اآليات القر ّ
آنية التي ّ
الزمن المستقبل ،حتى و إن است ِ
خد َم فيها فلسفي واضح هو ّ إذ نرى فيها تحديداً لزمن
ّ
أفعال ماضية لهذا ا ّلزمن أو العكس التعبير بالمضارع عن الماضي ،فهذا من براعة
الفعلية
ّ الصيغ
إمكانية استناد ّ
ّ فكل هذا وغيره يشهد على
العر ّبية وبالغة ال ّذكر الحكيمّ ،
النحوي فيها.
الزمن ّ
لتعبر عن ّ
الزمن الفلسفي ّ إلى ّ
عاماً ومطلقاً ،كما نرى عند سيبويه في الكتاب عندما قال:
وقد كان فهم القدماء للزمان ّ
أما الوقت ،والساعات ،واألياّم ،والشهور ،والسنون ،وما أشبه ذلك من األزمنة
" و َّ
ِ
يوم الجمعة
جعلت َ
َ الجمعة ،إذا يوم
القتال َ
َ واألحيان التي تكون في ّ
الدهر ،فهو قولك:
()1
ظرفاً "
بأنها مطلقة
وصف رؤية سيبويه للزمان ّ
َ وهذا ما أ ّكده الدكتور محمد الريحاني الذي
بالزمان الوقت المطلق سواء الحاضر نتبين َّ
أن سيبويه يقصد ّ محددة " :من هنا ّوغير ّ
أن سيبويه لم
أم الماضي أم المستقبل " ،والمقصد من هذا اإلطالق هو ّأنه يريد ّ
()2
يدرك الجهات الزمنية المختلفة التي يعبر عنها الفعل بصيغه وقر ِ
ائنه المختلفة ،فكان ّ ّ ّ
عاما ينطوي على ثالثة أزمنة فقط :الماضي والحاضر والمستقبل ،غير الزمن عنده ّ ّ
للغوي مثل سيبويه ،فالوجه الذي أراه من تعريف
ّ أن هذا الرأي فيه الكثير من اإلجحاف
ّ
الزمن الفلسفي الذي يقصده
للزمن أنواعاً أحدها هو ّ
أن ّللزمن ،هو ّأنه أدرك ّ
سيبويه ّ
يدل على األوقات الثالثة ،وقد ظهر ذلك بصورة واضحة في تعريفه،
بتعريفه والذي ُّ
الحد
أن هذا ّ الزمن عنده واحد ،أو ّ
أن ّ
النحوي ،أو ّ
الزمن ّ
يدل على ّأنه ينكر ّ
وهذا ال ُّ
سنبين الحقاً -دّقته في تفصيل وتفريع
جامع مانع ،بل تظهر –كما ّ
ٌ حد
للزمن هو ّّ
الزمن،
لكل أنواع ّ
للزمن الفلسفي ،وليس ّ
الزمن ،وقد كان التعريف السابق خير تعريف ّ
ّ
شيء من الشمول واإلطالق.
ٌ يف سيبويه فيه
أن تعر َ
الريحاني ّ
ولهذا رأى ّ
-1الكتاب:أبوبشرعمروبنعثمانبنقنبر=سيبويه(ت 180هـ)،تح.عبدالسالمهارون،مكتبةالخانجي،القاهرة–مصر،ط
1988،3م .418/1،
ّ ّ
يفيالدراساتاللغوية:د.محمدالريحاني،دارقباءللطباعةوالنشروالتوزيع،القاهرة –مصر(،د.ت)، من جاهاتالتحليلالز -2ات ّ
ص.15
8
الزمن في إطار حديثهم
تحدثوا عن ّ
أن أكثر النحاة – ومنهم سيبويه -قد ّ وما نالحظه َّ
فالزمن
منطقيّ ، أمر
الزمن والفعل هو ٌعن األفعال ،وهذا االرتباط الذي نراه عندهم بين ّ
ّ
حد
بالزمن إلى ّ
ط ّ هو جوهر الفعل ،وهو أساسه ،كما َّ
أن قيام الفعل وفهم معناه مرتب ٌ
أهمية
ولكن ّالزمن ليكون أداةً في تحديد الفعل وتمييزه من االسمَّ ،
كبير ،إذ استعملوا ّ
الزمن لم تكن مقتصرةً عندهم على هذا الجانب وحسب ،و إنما هي إحدى استخدامات ّ
للزمن في تحديد الفعل به ،فهذا سيبويه يقسم الفعل على ثالثة أقسام انطالقاً
القدماء ّ
بالزمان ،يقول " :و أما الفعل فأمثل ٌة أخ َذت من لفظ أحداث
من صيغتها المرتبطة ّ
األسماء ،وب َنيت لما مضى ،ولما يكون ولم يقع ،وما هو كائن لم ينقطعَّ ،
فأما بناء ما
اذهب وامث ْل
ْ مد ،و أما بناء ما لم يقع َّ
فإنه قولك آم اًر: مضى فذهب وسمع ومكث وح َ
واضر ْب ،ومخب اًر :يقتل ويذهب ويضرب ويقتل ويضرب .وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو
أخبرت "
َ كائن إذا ()1
بالزمن عندما أشار إلى ّأنه مأخوذ ففي هذا تصريح من سيبويه على َّ
أن الفعل مرتبط ّ
من أحداث األسماء ،فال َّبد ّ
لكل زمن من حدث يحدث فيه ويشار به إليه ،ثم تابع
منية لألفعال ،فقوله " :بنيت لما مضى" يقصد بها صيغة ( َف َع َل)،
الز ّ
الصيغ ّ
مشي اًر إلى ّ
وقوله " :لما يكون ولم يقع" إشارةً إلى صيغة (افعل)َّ ،
أما " بناء ما لم ينقطع وهو كائن"
نص سيبويه
المستمر المتمّثل بصيغة (يفعل) ،فاألزمنة المستخلصة من ّ
ّ فهو الحاضر
الزمن
تغير ّ
إمكانية ّ
ّ هي ثالثة :ماض ،و حاضر ،ومستقبل ،من دون ْ
أن يشير هنا إلى
كل زمن من هذه األزمنة ،أو ك ّل صيغة بدخول أدوات أو أحرف قبل هذه ضمن ّ
سار
الصيغ ،وعلى نهجه َ
الزمن عن طريق ّالصيغ ،إذاً فقد ربط سيبويه بين الفعل و ّ
ّ
الربط بين
السراج أيضاً ،مع وجود اختالف بسيط في حديثه عن الفعل ،واتّفقا في ّابن ّ
دل على معنى
الزمن بقوله " :الفعل ما َّ
الزمن والفعل ،إذ أشار إلى داللة الفعل على ّ
ّ
إما ماض و إ َّما حاضر و إ َّما مستقبل" (.)2
الزمان َّ
وزمان ،وذلك ّ
الزمان كما
الداللة على ّ
محدداً تلك ّ
الزمان ّ يدل على ّ فهو هنا يقول حقيق ًة َّ
بأن الفعل ُّ
قسم الفعل أو زمن الفعل إلى ماض وحاضر ومستقبل ،وأغفل أيضاً فعل سيبويه بأن ّ
-1الكتاب:سيبويه.12/1،
- 2األصولفيالنحو:ألبيبكرمحمدبنسهلبنسراجالنّحويالبغدادي=ابنالسراج(ت 316هـ)،تح.د.عبدالحسينالفتلي،
مؤسسةالرسالة،بيروت–لبنان،ط1996،3م.38/1،
9
يدل الماضي على الحاضر
تحول هذه األزمنة الثالثة كل منها إلى اآلخر كأن ُّ
إمكانية ّ
الزمن الماضي وذلك عند دخول أدوات محددة تنقل زمن الفعل ،غير
أو الحاضر على ّ
عام ويتعلق باألزمنة الرئيسية،
ألن حديثه ٌ َّ
أن إغفاله لها ليس من باب الجهل بها ،بل ّ
الزمن ،وهذا ما عرفناه في يتفرع عنها فتكون نسبته للمعنى الذي ي ّ
حرك هذا ّ أما ما ّ
ّ
الزمن ،وسيأتي الحديث عنها الحقاً ،وهذهالدرس الحديث تحت مفهوم الجهة في ّ
النظرة ،وهذا التقسيم يكاد يكون ّ
عاماً عند أسالفنا القدماء.
أ َّما أبو العباس المبرد فلم يخالف سيبويه في هذا التقسيم الثالثي ،و َّإنما خالفه في
التسمية وذلك بقوله" :أن الضرب اسم للفعل يقع على أحواله الثالثة :الماضي والموجود
والمنتظر" ( .)1فما عبر عنه سيبويه بما يكون ولم يقع فهو مصطلح المنتظر عند
المبرد ،وما هو كائن ولم ينقطع عند سيبويه فهو مصطلح الموجود عند المبرد.
ويؤكد سيبويه رأيه السابق في كون الزمان من اختصاص الفعل مشي اًر إلى أن هذا
األخير "يتعدى إلى الزمان نحو قولك ذهب ألنه بني لما مضى منه وما لم يمض ،فإذا
قال ذهب فهو دليل على أن الحدث فيما مضى من الزمان ،وإذا قال سيذهب فإنه
دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه"
(.)2
أما ظروف الزمان َّ
فإنما كما يؤكد المبرد بأن الزمان من اختصاص الفعل إذ يقول" :و َّ
كانت بالفعل أولى ،ألنها ّإنما بنيت لما مضى منه ولما لم يأت ،تقولِ :ج ْئت وَذ َه ْبت؛
أن هذا فيما مضى من الدهر ،وإذا قلت سأَ ِجيء ،وسأَ ْذ َه ْب؛ علِ َم أنه فيما يستقبل
فيعْل َم َّ
من الدهر" (.)3
أما ابن األنباري فقد عّلل سبب وجود ثالثة أفعال بثالثة أزمنة بقوله "وإن قال قائل لِ َم
وّ
كانت األفعال ثالثة ماض وحاضر ومستقبل؟ ،قيل ألن األزمنة ثالثة ،ولما كانت ثالثة
()4
وجب أن تكون األفعال ثالثة ماض وحاضر ومستقبل"
-1المقتضب:المبرد.214/3،
-2الكتاب:سيبويه.35/1،
-3المقتضب:المبرد.176/3،
-4أسرار العر ّبية :أبو البركات عبد الرحمن بن محمد أبي سعيد األنباري ،تح .محمد بهجة البيطار ،مطبوعات المجمع العلمي بدمشق،
دمشق -سوريا 1957م.ص.124
10
الزمان في
السراج مع ّقباً على تعريفه للفعل ،ومعّلالً سبب استخدامه لكلمة ّ
ثم يتابع ابن ّ
َّ
لنفرق بينه وبين االسم الذي ُّ
يدل على معنى فقط. تعرفه للفعل ،يقول " :وقلنا(( :زمان)) ّ
الزمان، يدل على َّ
أن الصالة كانت فيما مضى من ّ فالماضي كقولك( :صّلى زيد) ُّ
يدل على الصالة وعلى الوقت الحاضر[ ]...واالسم
والحاضر نحو قولك( :يصّلي) ُّ
مجرد من هذه األحداث واألفعال،
مجرد من هذه األوقات أو لوقت ّ
ّإنما هو لمعنى ّ
ظ ّن والعلم النحويون المصادر ،نحو األكل و ّ
الضرب وال ّ يسميها ّ
وأعني باألحداث التي ّ
()1
الشكر"
و ّ
الزمن للتفريق بين
الزمن من جهة ويستخدم ّ
السراج هنا ينفي داللة االسم على ّ
فابن ّ
تدل على األزمنة الثالثة،
االسم والفعل من جهة أخرى ،فاألفعال بصيغها المختلفة ُّ
دل االسم على وقت من
إن ّ
الزمن ،و ْ
مجرداً من ّ
يدل االسم إال على المعنى ّ
بينما ال ُّ
الداللة على الحدث الذي قصد به المصادر. األوقات فيكون هذا الوقت ّ
مجرداً من ّ
الزمان ،يقول " :الفعل
عرف الفعل بداللته على ّ
الداللة نفسها عند الكسائي الذي ّ
ورأينا ّ
دل على زمان" (.)2
ما َّ
النحويين واألصوليين ّإال َّ
أن هذه النظرة لم تكن ثابتة أو واحدة ،فقد ظهر اختالف بين ّ
الزمن فصالً
الداللة على ّ
النحويين جعلوا ّ
إن ّالزمن من عدمها ،إذ َّ
في داللة الفعل على ّ
مقوماً لحقيقة
الزمن فصالً ّالداللة على ّ
مقوماً لحقيقة الفعل ،وبالمقابل جعلوا عدم ّ
أما
الزمن من عدمها في تعريفهم للفعل واالسمَّ ،
الداللة على ّ
االسم ،لذلك أدخلوا ّ
منية فقد اتّجهوا في تعريفهم نحو انتسابه األصوليون فألنهم أنكروا داللة الفعل ّ
الز ّ
المسمى) ،فالفعل
ّ بالزمن ،فكان تعريفهم له ّأنه( :ما أنبأ عن حركة
للحدث ال اقترانه ّ
المسمى ،وهذا اإلنباء ناشئ من صيغة الفعل
ّ عندهم كلمة تنبئ عن حركة صادرة عن
()3
المسمى.
ّ ففعلية الفعل إذن وليدة صيغه(فعل – يفعل) المنبئة عن حركة
ال من مادتهّ ،
ويستعرض الدكتور مهدي المخزومي تعريف الفعل عند عدد من شيوخ النحو مثل:
ثم يصل إلى نتيجة مفادها َّ
أن تعريف سيبويه والزجاجي وابن الحاجب والزمخشريَّ ،
-1األصول:ابنالسراج.39-38/1،
-2الصاحبيفيفقهاللغةالعربيّةومسائلهاوسننالعربفيكالمها:اإلمامالعالمةأبيالحسينأحمدبنفارسبنزكريا=ابنفارس
(ت395هـ)،علّقعليهووضعحواشيهأحمدحسنبسج،دارالكتبالعلمية،بيروت–لبنان،ط1997،1م،ص.50
-3البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،دارالهجرة،ط،2قُ ْم–إيران1405،هـ،ص.146-145
11
تدل على األحداث مقترنة الفعل عند هؤالء النحاة يمكن تلخيصه في َّ
أن "األفعال أبنية ُّ
بالزمان ،وهو صحيح إذا أ ِخ َذت المرحلة التّطورّية األخيرة للفعل بنظر االعتبار ،المرحلة
ّ
()1
األولون في استنباط األصول والقواعد"التي استند إليها الدارسون ّ
النحاة " :بعد أن انتهوا من تقسيم الفعل على مثال الزمان لم
أن ّويعتقد المخزومي َّ
خصوا الفعل الماضي وأطلقوا
ينجحوا في تطبيق أقسام الفعل على أقسام الزمان ،فقد ّ
المضارع للحال واالستقبال جميعاً ،فلم يكن تقسيم الفعل بعدئذ جارياً على تقسم الزمان،
يدل عليه، ألن المفترض أن يكون ّ
لكل قسم من أقسام الزمان قسم من أقسام الفعل ُّ َّ
()2
وهو ما لم ينجحوا في تطبيقه".
النحويين القدماء بالفعل اقتراناً وثيقاً إذ اعتمدوا
الزمان عند ّ إذاً فقد اقترن ّ
الزمن أو ّ
بالصيغة
الزمن في تقسيماتهم المختلفة للفعل انطالقاً من زمنه الذي قرنوه أيضاً ّ
على ّ
نحوي وثقافته ،إال َّ
أن أكثرهم قالوا ّ كل
رفية للفعل ،فتعددت التقسيمات تبعاً لنظرة ّ
الص ّ
ّ
بانقسام الفعل إلى ماض ومستقبل وكان اختالف الكثير منهم حول زمن الحاضر من
حيث وجوده أو عدمه ،وذلك ألنه يصبح ماضياً لحظة النطق به ،ويضمه بعضهم
الزمن فيصالً
النحويين المعاصرين على اعتماد ّ
اآلخر إلى المستقبل ،وقد عّلق بعض ّ
توهم بعض
الزمن ال تقتصر على الفعل كما ّ
الداللة على ّ
أن ّبين الفعل واالسم ،وذلك َّ
الداللة
القدماء ،فالسم الفاعل أو المفعول مثالً داللة زمنية ،إذ انتبه بعض القدماء إلى ّ
منية السم الفاعل ،وهو ما كان يعرف عندهم بالفعل الدائم ،أو اسم الفاعل الناصب
الز ّ
ّ
الزمن والمعنى ،وذلك
لمفعوله ،أو اسم الفاعل العامل ،فهو يماثل الفعل المضارع في ّ
ضارب زيداً غداً،
ٌ عبر عنه سيبويه بقوله " :وذلك قولك :هذا
إذا كان منوناً ،وهذا ما ّ
فمعناه وعمله مثل هذا يضرب زيداً [غداً][ ]...فهذا جرى مجرى الفعل المضارع في
الزمن الماضي
يدل على ّ منوناً ،)3( " .وكذلك َّ
فإن اسم الفاعل يمكن أن ُّ العمل والمعنى ّ
إذا جاء مضافاً (غير منون) كقولنا :هذا ضارب زيد ،والمعنى ّأنه حدث ّ
الضرب قد
ضرب زيداً؟ وسنأتي تم واكتمل فترانا نشير إلى من قام بالفعل في جو ِ
اب لسؤالَ :م ْن َّ
َ
الشواهد فيما يأتي من خالل هذا البحث.
على ذكر ّ
-1فيالنّحوالعرب ّ
ينقدوتوجيه:مهديالمخزومي،دارالرائدالعربي،ط،2بيروت–لبنان1986،م،ص.102
-2المصدرالسّابق،ص147-146
-3الكتاب:سيبويه.164/1،
12
واإلشارة -في قول سيبويه -إلى عمل اسم الفاعل عمل المضارع ال تقتصر على العمل
منية المستنبطة من الجملة التي أوردها سيبويه( :هذا
الز ّ
الداللة ّ
والمعنى فقط ،إذ نلمح ّ
أن اقتصارالداللة على زمن المضارع أو المستقبل ،وبهذا نجد َّ
ضارب زيداً غداً) وهو ّ
ٌ
منية على الفعل وحده قد يكون غير صحيح ،وهذا ما يمكن فهمه من داللة الز ّ
الداللة ّ
ّ
النحوي الزمن ،بما أ ّكده سيبويه وغيره ،فنجد –مثالًَّ -
أن ابن يعيش ّ اسم الفاعل على ّ
منية للمصدر من خالل داللته على الز ّ مفصل الزمخشر ّي ّ
بالداللة ّ صرح في شرح ّ قد ّ
يدل على زمان إ ْذ الحدث ال يكون المصدر ُّ
َ بالزمن يقولَّ " :
إن الحدث بالتالي اقترانه ّ
الز ِ ِ
من على الفعل ّإال في زمان " ،فهذه إشارةٌ أخرى على عدم اقتصار ّ
الداللة على ّ
()1
لتعد ِد
الزمن مقارنة بغيره ،وذلك نظ اًر ُّ ِ ِ قوِة
الداللة على ّالفعل ووضوحه في ّ غم ّ
وحده ،ر َ
السياق ،إضافة إلى ِ ِ ِ ِ
أكثر من زمن بحسب داللة ّ الصيغة الواحدة على َ صيغه وداللة ّ
مهماً في تحويرتؤدي دو اًر ّ
السوابق واللواحق ،التي ّ للزيادات و ّ
مرونة الفعل وقبوله ّ
منية.
الز ّالداللة ّّ
للزمن وفقاً لرؤية الحكماء والمتكّلمين، الشريف الجرجاني(ت816هـ) ،تعريفاً ّ يقدم َّ
و ّ
وعند المتكّل ِمين ،عبارةٌ عن ِ
الحكماء، عند ِ
حركة الف ِ
لك األَ ِ
َ طلس َ فيقول" :هو مقدار
ع ِ
الشمس ،و َّ متجدد معلوم ي َّ ِ
إن طلو َ ع
آتيك طلو َ
تجدٌد آخر َموهوم ،كما يَقالَ : قدر به م ّ ّ َ
بهام" (،)2 مس معلوم ،ومجيئه موهوم فإذا ق ِرَن ذلك الموهوم بذلك المعلوم ز ِ الش َِّ
ال اإل َ
َ َ َ َ ٌ َ ٌ
الرؤيتين
فلسفية ،وكلتا ّ
ّ يائية ،واألخرى
للزمن إحداهما فيز ّ فنرى في هذا التعريف رؤيتَين ّ
النظر عن طبيعة هذه الحركة وعالقتها بالوسط المحيط، ِ
بصرف ّ الزمن،
حركية ّ تؤّكد
ّ
بالزمن.
بكل ما له عالقة ّوأثر هذه الحركة ّ
للزمن واهتماماً أكثر أما عند الم ْح َدِثين من علماء النحو فنجد رؤية أكثر تحديداً ّ َّ
الزمن وتشعباته وتأثيراته المختلفة في األداء الخطابي والكالمي والتّواصلي بموضوع ّ
ّ ّ ّ
للنص العربي وهذا ما سنستعرضه ونوضحه. ّ
ّ
تقدمه التّراكيب داخلالنحوي بقوله " :هو الذي ّ الزمن ّ
عرف عبد القادر عبد الجليل ّ فقد ّ
ياقية
الس ّوكل القرائن ّ
األفعال واألدوات واألسماءّ ،
َ تضم
النصوص ،وسياقاتها التي ُّ
دائرة ّ
-1شرحالمفصلللزمخشري:للشيخالعالمةموفقالدينيعيشبنعليبنيعيشالنّحوي=ابنيعيش(ت643هـ)،صححوعلقعليه
حواشينفيسة،ج،7إدارةالمطبعةالمنيرية،مصر(،د.ت)،ص .2
-2معجمالتّعريفات:الشريفالجرجاني(ت816هـ)،تح.محمدصدّيقالمشاوي،دارالفضيلة،القاهرة–مصر2004،م،ص .99
13
السياق" ( )1فهذه إّشارةٌ جديدة على
داخل ّ
َ وصف إال الم ِنت َجة للتّراكيب ،وهذا ّ
الزمن ال ي َ
ص،الن ّ
ياقية المختلفة داخل ّ
الس ّ النحوي ارتباطاً شديداً ّ
بالسياق والعالقات ّ الزمن ّارتباط ّ
النحوي.
الزمن ّ
لتنتج ّ
يدل
عامة وشامل ًة ،فقد انتبهوا إلى ما ُّ
النحاة األوائل للزمن كانت ّ وهكذا نرى ّ
أن نظرة ّ
يتطرقوا إلى
أن ّ الزمن -كالفعل بصيغه المختلفة أو المشتقات والمصادر -دون ْ على ّ
النحوي بصورة مباشرة ،كما ْلم يفردوا له فصوالً أو أبواباً في كتبهم
الزمن ّ
كيفية إنتاج ّ
ّ
يدل
أن ُّالزمن والعالقات المؤثرة فيه أو الجهات المتنوعة التي يمكن ْيتحدثون فيها عن ّ
ّ
النحوي لها،
الزمن ّ
للصيغة و ّ
رفي ّ الزمن الص
قم فرقاً بين ّ بل َّ
إن أغلبهم لم ي ْ عليها ،ال ْ
ّ ّ
توسعوا في هذا المجال حتى زادوا وأسهبوا في األنواع ِ
على عكس أكثر الم ْح َدثين الذين ّ
الصحة ومنها ما
يعبر عنها ،فكان في بعضها الكثير من ّ منية أو ما ّ
الز ّ
واألصناف ّ
ابتعد عنها ،وليس لنا في ذلك إال الرأي والحكم الذي قد يصيب
َ يالمسها ،ومنها ما
السابق والالحق.
السداد في ّ
وقد َيخيب ،نسأل هللا ّ
14
َ وٱخِتَلف أَل ِسَنِتكم وال َوِنكم ( الروم﴿ ،)﴾21وشاهد أَْلسن الجمع فيمن أَّن َث قول العجاج:
حجا[]...
أو تلحج األلسن فينا مْل َ
بلسان ِ
قومه" (.)1 ِ فالن يتكّلم ِ
باللسان اللغة أّنثت ،يقالٌ : أردت
وإن َ
إذاً فلفظ (لسان) يقابل لفظة لغة أو كالم ،والجمع ألسنة ،والنسبة إلى لسان لساني،
ّ
وتجمع هذه النسبة باأللف والتاء فتصبح لسانيات.
عرف دي سوسير أما من حيث االصطالح فقد ّ سانيات اصطالحاًّ :
ب-الّل ّ
تتكون بادئ األمر من جميع مظاهرسانيات ّ
إن مادة الّل ّ
سانيات بقولهّ " :
الّل ّ
البدائية أم الحضارّية بالحقب
ّ اللسان البشري سواء تعّلق األمر بالشعوب
كل عصر من هذه العصور ليس القديمة أم بحقب االنحطاط والمعتبر في ّ
()2
الصحيح والكالم األدبي فقط ،ولكن جميع أشكال التّعبير مجتمعة" ّ
سانيات أو علم اللغة أو العلم الذي يدرس اللغات وطبيعة الكالم وعالقات
فالّل ّ
المتكّلمين وغيرها من العوامل التي تؤثّر في اللغة أو الكالم.
سانيات في الغرب (:)3
أبرز أعالم الّل ّ
ولعل ََّ
-نوام تشومسكي :لساني أمريكي ،يهودي األصل ،من مواليد ديسمبر عام
ّ ّ
الرياضيات والفلسفة،
سانيات و ّ
1928وتلّقى دراسته في بنسلفانيا ،وهناك درس الّل ّ
وقد حصل فيها على درجة الدكتوراه عام 1955بالرغم من َّأنه قام بمعظم
سانية عقب انتسابه إلى جمعية الرفاق بجامعة " هارفرد " وكان ذلك
أبحاثه الّل ّ
في الفترة الممتدة بين 1950و 1955وبعد ذلك عّي َن بمعهد مساشوسيت،
لغوية
لغوية وغير ّ علمية ّ ّ جمعيات
ّ عدة
باإلضافة إلى ذلك فهو عضو في ّ
يكية للفنون والعلوم إضافة
األكاديمية األمر ّ
ّ للتقدم العلمي ،و
يكية ّكالجمعية األمر ّ
ّ
ّ
أكاديميات أخرى عديدة.
ّ جمعيات و
ّ إلى
-فرديناند دي سوسير ( :)1913-1857لساني سويسر ّي ،ي ُّ
عد أب األلسنية
ّ
أن اللغة جزء من وية الحديثة ،ورائد السيميولوجيا الفرنسية ،يرى َّ البني ّ
-1لسانالعرب:ابنمنظور،ج/13مادة(لَ َ
سنَ ).
-2علماللغةالعام:فردينادديسوسير،ترجمة:يوؤيليوسفعزيز،دارآفاقعربية،ط،3بغداد–العراق1985،م،ص.13
-3أعالماللسانيين المعاصرين:بوعالم محمد،موقعمرسىالباحثين العربhttps://al-marsa.ahlamontada.net/t7432-،
2021/03/12،topicم.
15
نسب إليه كتاب (محاضرات في األلسنية العامة) الذي جمعهالسيميولوجيا ،ي َ
ونشره تالمذته عام 1916بعد وفاته.
شخصية جاكبسون ،فقد كان مولعا بالمطالعة منذ الصغر ،فأتقن اللغة الفر ّ
نسية
الالتينية.
ّ األلمانية و
ّ ،وتعّلم
تميز في
لسانيات فرنسي األصلّ ،
ّ -إميل بنفينست ( :)1976 -1902عالم
العامة ،قام
ّ سانيات
أوروبية وبرع في الّل ّ
ّ سبية للغات الهند
الن ّمجال القواعد ّ
بتدريس النحو المقارن في كوليج دي فرانس منذ ،1937أسهم في بناء التّيار
نسية ،من مؤّلفاته :سيميولوجيا اللغة
البنيوية الفر ّ
ّ سانيات
الوظيفي في الّل ّ
سانيات العامة.
( ،)1961ومشكالت الّل ّ
سانيات والّنحو العربي:
.3العالقة بين علم الّل ّ
ّ
اإلنسانية تشترك ببعض الخصائص ،وتختلف ببعضها اآلخر ،وهذا ّ إن الّلغات
ّ
النحو العربي يتّصل
كل لغة من الّلغات ،وهذا ما يجعل ّ
خصوصية ّ
ّ نابع من
االختالف ٌ
ّ
النحو العربي في ضوءعد كتاب "نظرية ّ سانيات الحديثة ،وي ّ
تعددة مع الّل ّ
بعالقات م ّ
ّ
اللغوي الحديث" لنهاد الموسى( )1من أهم الكتب التي تناولت هذا المنحى،
ّ النظر
مناهج ّ
النظر اللغوي على اختالف
أن ثمة قد اًر مشتركاً بين مناهج ّ
وقد انطلق من فكرة مفادها ّ
وبناء عليه يجد َّ
أن ثم َة تشابكاً الزمان ،والمكان ،واإلنسان ،واللغات اإلنسانية في العالمً ،
ّ
أن
بي ،وهذا أمر متبادل بينهما ،ويظهر هذا في ّالنحو العر
سانيات الحديثة و ّ
بين الّل ّ
ّ
16
النحو
سانيات تتفق في بعض أفكارها مع ّ
حويلي عند تشومسكي في الّل ّ النحو التّ
نظرية ّ
ّ
بي ،وقد يكون هذا األمر بسبب وجود قضايا مشتركة بين اللغات جميعها ،أو ّ
أن
ّ
العر
طلعوا على المنجزات اللغوية العر ّبية وأفادوا منها ،وكذلك يمكن االستفادة من الغربيين ا ّ
النحو العربي في إطار جديد ،يتقابل فيه القديم العربي سانيات الحديثة في وضع ّ الّل ّ
ّ
النحو العربي في مفهوماته ،ومنطلقاته،
والحديث الغربي ،يسعف في تجديد اإلحساس ب ّ
ّ
وأبعاده بعد طول إلف به في لغته الخاصة ومصطلحه الخاص ،ومنهجه الداخلي(.)1
الزمن:
.4أنواع ّ
الزمن الجدل بين العلماء والفيزيائيين والفقهاء واللغويين والفالسفة حول
أثار ّ
لطالما َ
منظار خاص
ٌ لكل جماعة
كل شيء ،وأثر كل شيء فيه ،وكان ّ تحديد ماهيته وأثره في ّ
ينظرون من خالله إلى ّ
الزمن لشرح مفهومه وآليته وكل ما يتعّلق به ،وقد تعددت أنواع
للزمن من
وتشعبت تبعاً للجهة وللمنظور الذي يدرس من خالله ،فنجد مثالً ّ
ّ الزمن
ّ
الزمن
الزمن الطبيعي والكرونولوجيّ ،
المنظور الروائي والقصصي أنواعاً كثيرة منهاّ :
الزمن النفسي ،وغيرها الكثير من التّسميات الزمن األيديولوجيّ ،
التاريخيّ ،
الزمن تحتها (.)2
واالصطالحات المختلفة التي يندرج ّ
الزمني اللغوي والتقسيم المفصل إلى االرتباط بين التقسيم ويشير ابن يعيش في شرح
ّ ّ ّ
مقومات األفعال
الزمان من ّ للزمان ،و ّ
لما كانت األفعال مساوقة ّ
الفلسفي ،إذ يقولّ " :
الزمان ثالثة :ماضولما كان ّ
الزمانّ ،توجد بوجوده وتنعدم عند عدمه ،انقسمت بأقسام ّ
وحاضر ومستقبل ،وذلك من قبل َّ
أن األزمنة حركات الفلك ،فمنها حركة مضت ،ومنها
حركة لم ِ
تأت بعد ،ومنها حركة تفصل بين الماضية واآلتية كانت األفعال كذلك :ماض
أن هذا القول البن يعيش اعتمد في تقسيم األفعال
الحظ ّ
ومستقبل وحاضر" ،والم َ
()3
الزمن الذي يحدث فيه على النظرة الطبيعية ،وأطوارها ،فرأى َّ
أن هناك تناسباً بين ّ
الزمن الذي نعيشه ونعرفه ،والمتمّثل بالماضي والحاضر والمستقبل ،فكان
الفعل ،و ّ
17
هذا أساساً للتقسيم ،واألمر نفسه نجده عند ابن ِجّني بقوله " :األفعال ثالثة أضرب
ِن به الماضي من
الزمان ماض وحاضر ومستقبل ،فالماضي ما قرَ وتنقسم بأقسام ّ
األزمنة ،)1( ...و هذه النظرة في تقسيم األفعال ،تبناها عامة القدماء من النحاة منذ
نفر منها الم ْح َدثون ،وزعموا َّ
أن في ذلك تطويعاً للغة لتتوافق مع سيبويه ،وهي نظرة َ
الفلسفية ،ومن أبرز هؤالء الم ْح َدِثين كان الدكتور مهدي المخزومي ،الذي يرى
ّ المبادئ
ّ
كل قسم منها بقسم من أن " :تقسيم النحاة الفعل على أساس حركات الفلك بتخصيص ّ َّ
الزمان جعلهم يواجهون صعوبات كثيرة في تفسير استعماالت الفعل غير ما أقسام ّ
معين ،كاستعمال المضارع بمعنى الماضي بعد (لم) ّ خصوه به من زمان ّ
فالزمان في األفعال
و(لما)[]...واستعمال الماضي في المستقبل بعد (إذا) مثالً[ّ ]...
ّ
نحوي وظيفته
ّ الزمان فيها زمان َّ
ولكن ّ مقوماته،
الزمان من ّ
ملحوظ ،وداللتها على ّ
الداللة على حركات الفلك من مضي وحضور واستقبال،
التفريق بين أبنية األفعال ،ال ّ
ثم شرعوا بمالحظةقسموا األفعال بحسب ما لها من صيغ أو أبنيةَّ ،
النحاة قد ّ
ولو كان ّ
الزمان من خالل االستعماالت المختلفة لكان البحث أجدى على العر ّبية
داللتها على ّ
()2
ولكان وصفاً لما هو كائن ،ال توجيهاً إلى ما ينبغي أن يكون عقالً ومنطقاً".
الزمن ،واتجهوا في أن هناك من اللغويين المعاصرين من أنكر داللة الفعل على ّ ّإال َّ
بالزمن ،فقالوا َّ ِ تعريفهم للفعل وجه َة ِ
بأنه " :ما أنبأ عن حركة الحدث دون اقترانه ّ نسبة
سمى،
فإن الفعل (سكن) مبني على حركة الم َّ وبناء على هذا التعريف َّ
ً المسمى"(،)3
ّ
والمقصود بهذه الحركة هو السكون ،من كونه غير مرتبط بها ،كما َّ
أن ذلك التعريف
يفيد َّ
بأن مدلول الفعل (قام) هو حركة الفعل اللغوي (القيام) من عدم التعّلق بالفاعل
الداللة المذكورة تستند إلى صيغة الفعل ال
أن ّإلى التعّلق به ،ويبدو من تعريفهم هذاَّ ،
كون بصفته كالماً من األصوات التي تكون مادته مادتهَّ ،
ألن أي فعل من األفعال يت َّ
تدل مجتمعة – قبل دخول الحركات
األصلية ،وهذه المادة األصلية مثل (ك ،ت ،ب) ُّ
– على مفهوم الحدث (الكتابة) ،وصدوره عن فاعل (الكاتب) ،وعلى هذا يكون
أن َل ْم َيكن
بعد ْ
المسمى هو انبعاث الحدث وتحققه من الفاعل َ
ّ المقصود من حركة
ابنجنّي،تح.د.سميحأبو ُمغلي،دارمجدالويللنشر،عمان1988،م،ص28
ِ -1اللمعفيالعربيّة:
ي،ص.114
ينقدوتوجيه:د.مهديالمخزوم ّ -2فيالنّحوالعرب ّ
-3البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،ص.145
18
سمى هو الفاعل ،والفعل ينِبئ عن متحّققاً وال صاد اًر عنه ،وذهب َبعضهم إلى َّ
أن الم َّ
سمى َّ
بأنها لغويون آخرون حركة الم ّ
وفسر ّ تحرك الحدثّ ، حركة الفاعل ،وال ينِبئ عن ّ
بالمفهومية إلى
ّ قابلية االستقالل
الصيغة من ّ حركة مادة الفعل وخروجها بواسطة ّ
بالمفهومية (.)1
ّ االستقالل الفعلي
ّ
يسمى ب ـ (زمن اإلطار) ،إذ يالحظ َّأنه في الجملة اآلتية :ز ٌيدويشرح يسبرسن ما ّ
ؤطر الزمن الم َّ
طر شيئاً آخر ،وهذا ّ أن الصيد ي َع ُّد نوعاً من اإلطار الذي يؤ ّيصيد)َّ ،
درج في داخل
الزمن من جهة التّ ُّ
هو ما أطلق عليه اسم (زمن التصريح) ،ويوضع هذا ّ
طر زمن التصريح ،بالتالي فزمن الحدثزمن الحدث ،وبذلك يكون زمن الحدث يؤ ِّ
أوسع من زمن التصريح (.)2
الزمن اللغوي، يفرق الدكتور عبد الجبار ّتوامة بين مصطلحي ّ
الزمن الفلسفي و ّ كما ّ
عبر عنه
ياضية ،وي َ
لكمية ر ّ الزمن أو الوقت الفلسفي هو الذي ُّ
يعد قياساً ّ فيقولّ " :
عبر به عن النحوي الذي ي َ
الزمن اللغوي هو الوقت ّ بالتقويم واإلخبار عن الساعة ،و ّ
فالداللة
فلسفية ّ ، ...
()3
ّ الفعل وصيغه وما شابهه ،تعبي اًر ال يستند إلى دالالت زمانية
وجلية وال تحتاج لفضل شرح وإيضاحالزمانية التي يقصدها لكال النوعين واضحة ّ ّ
فهذا ما أشار إليه أغلب من سبقه ومن جاء بعده حول هذا الموضوع ،إال َّ
أن المالحظ
الزمان فقد جاءا في تعريفه السابق بداللة يفرق في االستخدام بين ّ
الزمن و ّ هو َّأنه لم ّ
أن بعض سبق أن أشرنا إليه من َّ
ومعنى واحد على سمت القدماء ،وهذا ما يؤّكد ما َ
يميز في االستخدام بين اللفظتين رغم جنوحهم إلى التّفريع والتّقسيم في ِ
الم ْح َدثين لم ّ
بع
الجبار ّتوامة ،أ ّكده الدكتور زكي حسام الدين ،فاتّ َ
الزمن ،وما أشار إليه عبد ّ
أنواع ّ
المذهب نفسه في عدم التّفرقة بين لفظتي زمن وزمان في االستخدام ،وكذلك أوضح
للداللة نفسها ،فما أسماه
سم ًى آخر ّعبر عن م َّما كان يرمي إليه بهاتين اللفظتين لي ّ
الزمان الفلسفي ،وجدناه عند كريم حسام الدين باسم زمنبالزمن أو ّ
امة ّ الجبار تو ّ
عبد ّ
عبر عنه باألسماء والتعابير التي تحدد أوقات
عرفه بقوله هو " :الذي ن ّ
األوقات والذي ّ
ّ
ينظر:الزمنالسّياقيفيالتراثاللغويالعربي:ناديةقاسم،ص.104-103 -1
يلألفعال):عبدالمجيدجحفة،دارتوبقالللنشر،ط،1الدارالبيضاء–المغرب، ّ
(دراسةالنسقالزمن ّ ّ
ينظر:داللةالزمنفيالعربيّة -2
2006م،ص220
عبدالجبارتوامة،ص.1
ّ :ّة يالعربزمنالفعلفي -3
19
الزمان وتحمل معنى الظرف ،والمعنى هنا معجمي )1( ".وفي هذا التعريف نلمح التشابه
ّ
المعنوي مع تعريف عبد ّ
الجبار ّتوامة ،إضاف ًة إلى التشابه في التنوع في استخدام
الزمن؛ فزمن األوقات
لفظتي زمن وزمان ،واالختالف الوحيد هو المسمى العام لهذا ّ
أما الدكتور مالك المطلبي فقد
الزمان الفلسفي عند توامة َّ ،
عند د .حسام الدين قابل ّ
الزمن الفلسفي عنده هو " :النظر داخل الوجود المادي أو خارجه – أعني الوجود
كان ّ
محل خالف ،فتارةً يكون مثاالً ذهنياً تجريدياً،
المتصور – وما دام نظ اًر عقلياً فهو ّ
وتارةً يكون حقيقة تكاد تقترب من التشخيص وبعبارة أخرى قد يكون وجوداً وقد يكون
()2
عدماً...
للزمن؛ أي من وجهة نظر
يقدم لنا تعريفاً فلسفياً ّ وبهذا الرأي نرى َّ
أن الدكتور المطلبي ّ
حسان وعبد
تمام ّ
الزمن الذي رأيناه عند كل من ّ فلسفية بحتة ،وليس ذلك النوع من ّ
ّ
فالزمن الفلسفي هو
أما هنا ّ
عامة ّ
الزمن بصورة ّ يعبر عن ّ
الجبار ّتوامة وغيرهما ،فهو ّ
ّ
أما ما
الزمن بهذا فالداللتان مختلفتان حتّى و إن اتّفق المصطلح عندهمَّ ،
أحد فروع ّ
الزمن الفلكي إذ يقول:
الزمن الفلسفي عند مالك المطلبي فهو مصطلح آخر وهو ّ
يقابل ّ
" هو الة قياس اإلنسان األحداث والخبرات – كما َّ
أن المسطرة آلة قياس المسافة أو
المكان -أو هو ذلك القسم من الوجود الذي يخضع للزمان ويجري فيه كأحداث الطبيعة
والتاريخ "(.)3
وللزمن في اللغة العر ّبية أنواعٌ ودالالت مختلفة بين علم وآخر ،وبين مذهب فكر ّي
ّ
النظرات المتعّلقة بهذا المصطلح ،نشأت تسميات مختلفة و
لتعدد ّ
ومذهب آخر ،وتبعاً ّ
الزمان)،
(الزمن ،و ّ
تفرعت عنهما أنواع ،وهما ّ
للزمن؛ إذ ظهر لدينا تسميتان ّ
عدة ّأنواع ّ
الدرس الحديث ،فقد كانا مصطلحين لداللة
المصطلحين يرجع إلى ّ
َ والفصل بين هذين
النحويين واللغويين األوائل ،فتارةً يستخدمون في شروحاتهمومعنى واحد عند ّ
ً
(الزمن) وتارةً أخرى لفظة ّ
(الزمان) ،دونما تفريق بين المعنيين في وتفصيالتهم لفظة ّ
االستخدام كما أسلفنا ال ّذكر ،ونرى ذلك ّ
جلياً عند ابن منظور في لسان العرب في
20
اسم لقليل الوقت وكثيره ]...[،والجمع أزمن وأزمانالزمان ٌ
الزمن و ّ
للزمنّ " :تعريفه ّ
الزمان معروف والجمع أزمنة
وأزمنة ، 1 ...وجاء أيضاً في جمهرة اللغة البن دريد " :و ّ
()
الزمان" (،)2
الزمن في معنى ّ
الزمان ،فهو مزمن ،و ّ وأزمن ،وأزمن الشيء إذا أتى عليه ّ
يدل على استخدام اللفظين بمعنى واحد تارةً للداللة على
و نجد في هذه األمثلة ما ُّ
النحوي.
في أو ّ ّ ّ الوقتي ،وتارةً أخرى للداللة على ّ
الزمن بمعناه الصر
ّ
الزمن الفلكي أو
ّ ّ
الزمن وفق اعتبارين مختلفين الدرس الحديث فنرى ّ
أن اللغويين قد نظروا إلى ّ أما في ّّ
لكل منهما داللة مختلفة عن األخرى،
(الزمان) ،فكان ّ
(الزمن) ولفظة ّيفصالن بين لفظة ّ
الدارسون في عددها وتعريفاتها ،ومنهم من تبع النحاة فتفرعت عنهما أنواعٌ اجتهد ّ
القدامى في عدم التفرقة بين هاتين اللفظتين ،إال َّ
أن بقاءهم على هذا النهج لم يمنعهم
الزمن واإلسهاب في تقسيماته التي رّبما كانت متشابهة في بعض
من النظر في أنواع ّ
يميز بعضها من بعض إال تسميتها نفسها ،وممن قال بهذا الفصل بين
األحيان ،وال ّ
تمام ح ّسان في كتابه (اللغة العر ّبية معناها ونبناها)
اللفظتين أو المصطلحين الدكتور ّ
كمية رياضية من كميات الزمان ّ أن ّالزمانّ ، يفرق بين ّ
الزمن و ّ يقول " :وأوضح ما ّ
التوقيت ،تقاس بأطوال معينة كالثواني والدقائق والساعات ،والليل والنهار ]...[ ،فال
الصيغ في السياق ،وال يرتبط
الصيغ المفردة ،وال تحديد معنى ّ
يدخل في تحديد معنى ّ
النحوي جزءاً من معنى الفعل" (. )3
الزمن ّ
عتبر ّ
النحوي ،إذ ي َ
الزمن ّ
بالحدث كما يرتبط ّ
فهو هنا في هذا القول يفصل بين اللفظتين من حيث االستخدام مشي اًر إلى داللة لفظة
ومجرداً من أي داللة على الحدث ،في حين تكونّ الزمان على الوقت باعتباره مقياساً
ّ
الصيغ المفردة،
داللة لفظة (زمن) مرتبطة بالحدث ارتباطاً يساعد في الكشف عن معنى ّ
النحوي ،كما َّأنه
الزمن ّ
الصيغ ضمن السياق وهو ّ
رفي ،ومعنى ّ الزمن الص
ويقصد به ّ
ّ ّ
يخصص هاتين اللفظتين في نطاق محدد من االستخدام؛ إذ ال يجوز بعده الخلط
ّ
محل األخرى في االستخدام اللغوي أو الكالمي ،فقدتحل ّ بينهما وال يمكن إلحداهما أن ّ
ّ
(الزمان) بكل ما يتعّلق بالقياس الكمي للوقت بما فيه الثواني والدقائق واأليام
ربط لفظة ّ
ّ
-1لسانالعرب:ابنمنظور،ج،13مادة"زمن" .
-2جمهرةاللغة:محمدبنالحسنبندريد=(ابندريد)(ت321هـ)،قدّملهد.رمزيمنيربعلبكي،ج،3دارالعلمللماليين،بيروت
–لبنان،ط1987،1م،ص.19
-3اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:ت ّمامحسان،دارالثقافة،الدارالبيضاء–المغرب1994،م،ص.242
21
(الزمن)
أما مصطلح ّ عب َر عنه بالمقابل االنكليزي (ّ ،)Time
والشهور ...إلخ ،وهو ما ّ
فقد اقترن عنده باالستخدام القواعدي اللغوي البحت ،والذي يندرج تحته قائمة من األلفاظ
الزمن
الزمان في االستخدام القواعدي ،مثلّ : الزمن و ّإذ ال يجوز بعدها الخلط بين ّ
الصرفي ...إلخ ،وهذا الزمن
النحوي ،و ّ
الزمن ّ
الماضي ،وزمن المضارع ،وزمن األمر ،و ّ
ّ ّ
الزمان يدخل في حسان باللفظة اإلنكليزية ( ،)Tenseويرى أيضاً َّ
أن " ّ ما ربطه تمام ّ
يهمنا في دراسة النحو
الزمن يدخل في دائرة التعبيرات اللغوية لهذا ال ّ
دائرة المقاييس ،و ّ
معين في
يهمنا هو نظام زمني ّ الزمن وال تاريخهَّ ،
ولكن الذي ّ أن نعرف ساعة حدوث ّ
مما يقوم على المعنى الفلسفي
مطية أكثر ّ
الن ّ
نحو اللغة المدروسة ،يقوم على التّطريز و ّ
()1
المطلق".
وقد لقي هذا التقسيم إقباالً كبي اًر في الدرس الحديث ،رغم وجود بعض المخالفين
النحاة القدامى في توحيدهم للفظتين ،ونحن نرى َّ
أن قول الدكتور المتمسكين برأي ّ
و ّ
حسان ومن تبعه في هذا الرأي ،فيه بعض التّزمت والمغاالة في رفضه لما قاله األوائل؛
ّ
فما الذي يمنعنا أو ما الخطأ في قولنا :غاب العدل زمناً طويالً؟! بل ما الفائدة اللغوية
أو المعنوية التي قد تضفيها لفظة زمان على الجملة السابقة ،ولم تستطع لفظة زمن
الزمان الماضي؟ تقديمها؟ ومن جهة مقابلة ما الفرق بين قولناّ :
الزمن الماضي ،أو ّ
األصح من وجهة نظرنا ،وقد عّلق
ّ وهذا ما اعتدناه عند النحاة القدامى ،وهو القول
الدكتور تمام حسان في التفرقة بين المصطلحين
الدكتور مالك المطلبي على قول ّ ّ
الداللة ينتميان إلى
أن استعمال مصطلحين مختلفي ّالزمان) إذ قال " :وأرى َّ
(الزمن و ّ
ّ
يسبب تداخالً داللياً يناقض
أمر يأباه منطق اللغة والمصطلح ،وقد ّ
مادة لغوية واحدةٌ ،
()2
الغرض الذي ج ِع َل هذان المصطلحان غير مترادفين ألجله".
الزمن
الزمن من منظوره الفلسفي أو الفلكي أساساً وركيزةً للبحث في ّ
ودائماً ما كان ّ
الزمن الطبيعي انطلقت التقسيمات والتفريعات المختلفةرفي ،فمن هذا ّ النحوي أو الص
ّ
ّ ّ
لكل شيء في الوجود ،ولهذا كانت الحاجة إلى دراسته الخفية ّ
ّ للزمن ،فهو الحقيقة
ّ
الوجود (كينونته
َ ملح ًة وضرورّية كي نفهم
التعمق فيه –بصورة مباشرة أو غير مباشرةّ -
و ّ
22
الزمن على معرفة الوقت (وقت
وصيرورته) ،ولم تقتصر هذه الحاجة عند القدماء لفهم ّ
الشروق والغروب ،وتوالي الليل والنهار ،وتعاقب الفصول ،والكبر في السن ...إلخ)
ِ
الزمن في الكالم وتأثيره القوي فيه ،وال نقصد هنا تطور الكالم ّ
وتغيره بل أدركوا دور ّ
الزمن
كأي شيء في هذا الوجود ،و إنما الحاجة إلى اختصار ّ الزمن عليه ّ
بمرور ّ
ويعبر عن الكثير ،وهذا بدافع
يدل ّواإليجاز في الكالم واالستعاضة باللفظ القليل الذي ُّ
الميل
أدل ،وكان هذا َ أقل و ّ االقتصاد اللغوي طالما َّ
أن المعنى يصل إلى المتلّقي بلفظ ّ
هو ما دفعهم إلى ابتكار ألفاظ أو تعديل ونقل ألدوار بعضها اآلخر بحيث تنسجم مع
الزمن ،وهذا ما نراه بوضوح عند ابن ِجّني بقوله " :ألم
متطّلبات رغبتهم في اختصار ّ
تسمع إلى ما جاءوا به من األسماء المستفهم بها ،واألسماء المشروط بها ،كيف أغنى
الحرف الواحد عن الكالم الكثير ،والمتناهي في األبعاد والطول ،فمن ذلك قولك :كم
مالك ،أال ترى ّأنه قد أغناك ذلك عن قولك :أعشرة مالك ،أم عشرون ،أم ثالثون ،أم
قلت:
فلما َ
ألنه متناه؛ ّ
مئة ،أم ألف ،فلو ذهبت تستوعب األعداد لم تبلغ ذلك أبداً؛ ّ
((كم)) أغنتك هذه اللفظة الواحدة عن اإلطالة غير المحاط بآخرها ،وال المستدركة"]...[،
()1
الخصائص:ابنجنّي.82/1،
ِ -1
ّ -2
الزمانفيالفكرالدينيوالفلسفيالقديم:الدكتورحسامالديناأللوسي،المؤسسة العربيّة للدراساتوالنشر،بيروت – لبنان ،ط،1
1980م،ص.82
23
اقعياً ،وليس جوه اًر أو َعرضاً،
الزمن ليس شيئاً موضوعياً و ّ
أن ّ"ومن الفالسفة َمن يرى َّ
الزمان يسري كذلك على المكان من حيث فهما بل هو حدث صرف وما يسري على ّ
صورتان ّأوليتان ال يمكننا أن نرجعهما إلى التجربة أو الى الوجود الخارجي الواعي
مما القت قبوالً
تبناه كانط" ،وهي رؤي ٌة القت من الرفض أكثر ّ
()1
وهذا الرأي كان قد ّ
بين جمهور الفالسفة.
الزمن هو أمر نسبي مرتبط بالمكان بصورة جوهرّية ،مبر اًر ذلك َّ
بأن أن ّ"ويعتقد أرسطو َّ
الزمن) يتم االنتقال بها من مكان إلى آخر وذلك عبر
مقدار الحركة أو النقلة (وهي ّ
فالزمان إذاً هو مقدار الحركة ،وهذه الحركة تتم خالل مكان وال توجد إال
الزمانّ ،
ّ
حد زعم أرسطو" ( ،)2وتلتقي
الزمان والمكان على ّ
بوجوده فالعالقة إذا عالقة نسبية بين ّ
هذه الرؤية مع رؤية ألبرت آينشتاين في علم الفيزياء الفلكية حين تحدث عن ارتباط
-1يُنظر:مفهومالسببيّةبينالمتكلّمينوالفالسفةبينالغزاليوابنرشددراسةوتحليل:جيزارجهامي،دارالمشرق،بيروت–لبنان،
2002م،ص.70
-2يُنظر:دراساتفيالفلسفةاليونانية:حسينصالححمادة،دارالهاديللطباعةوالنشروالتوزيع،ط2005،1م.264/1،
-3المصدرالسابق،ص .12-11
-4مفهومالسببيةعندالمتكلمينوالفالسفة:جيزارجهامي،ص.70
-5العلمفيمنظورهالجديد:روبرتم.أغروس،جورجن.ستانسيو،ترجمةد.كمالخاليلي،دارالمعرفة1987،م،ص.20-19
24
أبدي وله عّلة أوجدته ،وأ َّن هذا ّ
الزمان أيضاً لي و ّ القديس أوغسطين" َّأنه أز
عرفه ّوكذلك ّ
ّ
المادي من خالل حركته أوجدت له هذه األزمنة الماضي ّ اعتباري بالنسبة لإلنسان
والحاضر والمستقبل وأ َّن قياس ّ
الزمن ومحدوديته وفق الساعات واأليام هو بما يالئم
الزمان بإطار ميتافيزيقي الذهن البشري قياساً مع حركة الشمس واألرض ،إذا فهو يؤ ّ
طر ّ
المادية بحركة األجسام " (.)1
ّ يتحول إلى
ّ
كل الفلسفيةَّ " :
إن ّ ّ الزمان وثباته ذهب هيرقليطس أيضاً ،بمقولته وإلى القول بأز ّلية ّ
يتغير " (.)2
تغير إال التغير فهو ثابت ال ّ شيء في ّ
المستمر للموجودات المادية وبذلك يكون ّ
الزمن ّ التغير
ّ فالزمن عنده هو عبارة عن
ّ
المتغيرات.
ّ مقدار الحركات والسرعة لهذه
للزمن مذهب أرسطو فرأى َّأنه " :عدد الحركة إذا فصلت
أما ابن سينا فذهب في تعريفه ّ
َّ
بالزمن ،بل بالمسافة ،واال لكان بيان وجوده بياناً دورياً "
()3
ومتأخر ال ّ
ّ متقدم
إلى ّ
المدة الواقعة بين حادثتينّ ،أولهما سابقة
الفلسفية الحديثة ،فهوّ " :
ّ الزمن وفقاً للرؤية
أما ّ
ّ
الجاهلية " (.)4
ّ وثانيهما الحقة ،ومنه زمان الحصاد ،وزمان الشباب ،وزمان
ومن خالل استعراض هذه التعريفات الفلسفية للفالسفة والمتكّلمين الذين يحاولون تحديد
الزمن كان عندهم ذا طبيعة أز ّلية
أن ّالزمن من حيث الوجود أو األثر ،نرى َّ
ماهية ّ
ّ
حد كبير التي يميزه هو ارتباطه –عندهم -بالحركة ومقدارها إلى ّ
أهم ما ّ
أبدية ،و إن َّ
ّ
حيز نشأ عنها الماضي والحاضر والمستقبل ،والحركة هي الحدث الذي يحدث ضمن ّ
بالزمن
قدمها الفالسفة هي تعاريف ترتبط ّ
أن هذه التعاريف التي ّ المكان ،وبالرغ ِم من ّ
الدقة
تحرينا ّ
النحوي ،فإننا إذا ّ
بالزمن ّ
الفلكي فقط ،ويظهر لنا ّأنها ال ترتبط ّ الفلسفي أو
ّ
النحوي من وجهة نظر الزمن ّ
في هذه التعاريف نلمح فيها ما يشبه بصورة واضحة ّ
السياق أو
الزمن وهو ّعلماء النحو الذي يرتبط بالحدث والمكان الذي يحدث فيه هذا ّ
السياقية
ّ الزمن بأشكال مختلفة منها القرائن
المقام ،وما يؤثّر في هذا الحدث يؤثّر في ّ
حوية والفلسفية) نرى(الن ّ
المعنوية ،ومن خالل الربط بين هاتين النظرتين ّ
ّ واللفظية و
25
النحوي والفلسفي في ارتباط كال ّ
الزمنين بالحركة والحدث، الزمن ّ أوجه التشابه بين ّ
النحوي بالسياق وتأثيره في المعنى
الزمن ّ
الزمن الفلسفي وتأثيره في المكان ،وتأثّر ّ
وتأثّر ّ
العام للسياق.
رتبة األزمنة: .6
الزمن وطبيعته وعالقاته وتقسيماته
ماهية ّ
النحاة حول ّ
لم يكن الخالف بين الفالسفة ،أو ّ
األسبقية في الوجود بين الماضي ،والحاضر،
ّ فقط ،بل اختلفوا أيضاً في موضوع
كل نحوي منهم ألي األزمنة
النحاة في نظرة ّ
والمستقبل ،ويبلغ هذا الخالف ذروته بين ّ
أي هذه األزمنة هو األصل وأيُّها الفرع ،ونلمح النزوع عند
هو األسبق في الوجود ،و ُّ
الفلسفية التي تبرهن أقوالهم أكثر من االحتجاج بحجج
ّ هؤالء النحاة إلى اآلراء والحجج
وجودية
ّ نحوية ،وذلك ألمر منطقي؛ وهو َّ
أن مسألة الخالف بينهم هي مسأل ٌة ّ لغوية
ّ
ّ
وترتبط بعلم المنطق ،لذا كان واجباً عليهم االحتجاج بعلم المنطق والفلسفة ،إضاف ًة
لعالِ َمين م َ
ختلفين ختلفين َ
ومتشعبة ،إذ قد نقف على رَأيين م َ
ّ أن هذه المسألة شائكةإلى َّ
أن كال الرأيين صحيح ومنطقي ومقبول بحسب البراهين بحجج مختلفة ،ونرى مع ذلك َّ
ّ
يقدمانها.
التي ّ
أن المضارع هو األسبق معتب اًر المضارع أصالً والماضي فهذا شيخنا ابن ِجّني يرى َّ
محتجاً بفكرة الوجود والعدم ،التي
ّ بأسبقية المضارع في النفس،
ّ فرعاً منه ،معّلالً ذلك
النْفس من
أن المضارع أسبق رتبة في ّ سابق للعدم ،يقول " :وذلك َّ
ٌ أن الوجودتفترض َّ
أن ّأول أحوال الحوادث أن تكون معدومةَّ ،
ثم توجد فيما بعد ،فإذا الماضي؛ أال ترى َّ
ظن َك بالماضي الذي هو الفرع" .
()1
نفي المضارع الذي هو األصل فما ّ
فلسفية ،فطرح
ّ منطقية
ّ قدمه لنا بطريقة
األسبقية ّ
ّ أن تعليقه على موضوع والمالحظ َّ
األسبقية للمضارع ،موضحاً في موضع آخر من كتابه
ّ فكرة الوجود والعدم ،ليؤّكد هذه
العامة آنذاك ،يقول " :و إن كان أكثر الناس َّ
أن هذا الرأي ليس رأيه فقط ،بل كان رأي ّ
أن المضارع أسبق من الماضي" ( ،)2وقد تكون هذه الفكرة مقبولة من جانب ما،
على َّ
ولكن ابن ِجّني يبعد من هذا السباق زمن المستقبل أو لنقل يجمعه مع الحاضر بلفظة
الخصائص:ابنجنّي.105/3،
ِ -1
-2المصدرالسابق .34/2،
26
طياته دالالت كثيرة
واحدة وهي (المضارع) ،وهو أمر صحيح ،فالمضارع يحمل في ّ
يحل إال جزءاً من الخالف ،إذ كان الخالف
منها الحاضر والمستقبل ،ولكن هذا ال ُّ
ي(الحسنبنعبدهللابنالمرزبان،ت368هـ،وسيشارإليهالحقاُبـالسيراف ّ
ي)،تح.أحمد -شرحكتابسيبويه:أبوسعيدالسيراف ّ
1
حسنمهدليوعليسيّدعلي،دارالكتبالعلميّة،ط،1بيروت–لبنان2008،م .18/1،
-2يُنظر:األشباهوالنظائرفيالنحو:جاللالدينالسّيوطي(ت911هـ)،دارالكتبالعلميّة،بيروت–لبنان،د.ت.14/2،
27
الزمن ينقسم إلى ثالثة أقسام هي الماضي ،والحال،
أن ّويرى ابن حزم األندلسي َّ
بناء على أقسام
الزمان ً
قسم ّ
والمستقبل ،فهو في هذا التقسيم كغيره من أعالم عصره ّ
أسبقية هذه األزمنة فهو ينحو النحو
أما من حيث الرتبة و ّ
الفلك أو الوقت الطبيعيّ ،
الزمن الوحيد الموجود
(الزمن المقيم) باعتباره ّ
ويسميه ّ
ّ أولية الحال
بأسبقية و ّ
ّ القائل
الرتبة
ثم يأتي بعده في ّ الزمن عنده حركة وسكون يقعان في ّ
مدة محددةَّ ، ألن ّحقيق ًةَّ ،
الماضي ألنه كان في وقت ما مقيماً وكان ثابتاً وصحيحاً في ِ
وقته ،وأخي اًر المستقبل ّ
نكر ابن حزم على من يرى األسبقية ألنه لم يقع بعد ولم يستقر حتّى تكون له الرتبة ،وي ِ
ّ
ّ ّ
في األزمنة ّأنها للمستقبل أو للماضي واصفاً هذه اآلراء بالغلط الفاحش والجهل الشديد.
()1
ِ
قائمة األزمنة وحصرها في الماضي والمستقبل، و ِمن الن ِ
حاة َمن ألغى زمن الحال من َ َ
وهو الزجاجي الذي يرى المستقبل هو الحدث الذي لم يحدث بعد ،والماضي هو ّ
الزمن
الذي يمضي عليه زمنان زمن الوجود وزمن االنقضاء ،يقول " :الفعل على الحقيقة
ضربان كما قلنا ،ماض ومستقبل ،فالمستقبل ما لم يقع بعد ،وال أتى عليه زمان ،وال
تقضى وأتى عليه زمانان ال أقل منخرج من العدم إلى الوجود ،والفعل الماضي ما ّ
النحويين يخلط
أن بعض ّ خبر فيه عنه ...فكما رأينا ّ
()2
ذلك ،زمان وجد فيه ،وزمان ّ
الزمن المستقبل تحت تسمية المستقبل أو المضارعَّ ،
فإن بين زمن الحال (الحاضر) و ّ
النحاة –ومنهم الزجاجي -من يخلط بين الحاضر والماضي تحت تسمية هناك من ّ
الزمن الذي يولد
يتحدث عن ّ
ولكنه يلغي وجود زمن الحال ،وفي الوقت نفسه ّ
الماضيّ ،
فيه الحدث والذي يكون حاالً ،واألقرب للمنطق ّأنه كان ينظر للحال من منظور نسبي،
ّ
أن نسمي
وكأنه يحدث بأجزاء من الثواني ،إذ يمكن ْ
الزمن ّالنظر لهذا ّ
ضي َق دائرة ّ
و أنه ّ
مر قبلها ولما بقي من ساعة
تتحدث فيها زمن الحال بالنسبة إلى ما ّ
هذه الساعة التي ّ
مر قبله وما سيأتي ،وهكذا يمكن أن
نسمي اليوم حاض اًر بالنسبة إلى ّ
أن ّ اليوم ،ويمكن ّ
يكو َن األسبوع والشهر والسنة زمناً حاض اًر بالنسبة إلى غيره ،وذلك لو ّ
وسعنا الدائرة
-1يُنظر:التقريبلحدالمنطقوالمدخلإليهباأللفاظالعا ّميةواألمثلةالفقهيّة:ابنحزماألندلسي،تح.إحسانعبّاس،دارمكتبةالحياة،
ط،1بيروت-لبنان،د.ت،ص.62
- 2اإليضاحفيعللالنحو:أبوالقاسمالزجاجي(ت 337هـ)،تح.د.مازنالمبارك،دارالنفائس،ط،3بيروت – لبنان1979 ،م،
ص.87-86
28
حكم على زمن الحال بعدم الوجود ،فاألمر كما ضيقها حين َ أن الزجاجي ّ التي أرى ّ
الزمن ،كما ّأنه يتعّلق بطبيعة الفعل
النظر إلى هذا الفعل أو ّط بزاوية ّ نسبي ومرتب ٌ
ٌّ أرى
الزمن.
عبر عن هذا ّ ومعناه أو الحدث الذي ي ّ
أما عند علماء الغرب من الم ْح َدِثين فيرى بول كراوس َو ولفنسون وغيرهم من اللغويين ّ
الصيغة القديمة للفعل العربي ،فمن (ق ْم ،وع ْدِ ،
وزْد، أن صيغة األمر هي ّ الم ْح َدِثين َّ
ّ
ِع) اشت َّق (يقوم ويعود ،ويزيد ،ويبيع) ،و إن الحروف التي ِزيدت في ّأول الفعل وب ْ
النون ،والتّاء ،والياء) كانت زيادتها سابقة زيادة الحروف التي فيالمضارع( :الهمزة ،و ّ
الدكتور مهدي من)ُّ ،
ويرد ّ النون ،والياء) في (يقومون ،وتقومينَ ،
ويق َ آخره ،مثل( :الواو ،و ّ
الفرضية،
ّ مجرد نظرّية وليس هناك ما يؤيد هذه
المخزومي على هذه اآلراء معتب اًر إياها ّ
ئيسية لألفعال ِنِ ،
وزْد) تتضمن األصول الر ّ ِع ،وزْ
وب ْ ع،
ود ْ
(قمَ ،
و إن صيغة األمر في ْ
وباع ،ووزن ،وزاد ،ويقوم ،ويدع ،ويبيع) ّ
ولعل هذا َ وودع،
َ (قام،
الماضية والمضارعة َ
فعلية شهدتها العر ّبية (.)1
بأن األمر كان ّأول صيغة ّهو ما دفع بالدارسين إلى القول َّ
أمر طبيعي النحاة -قديماً وحديثاً -حول رتبة األزمنة وموقعها ،هو ٌ
إذاً فالخالف بين ّ
تحير العقل البشر ّي عن إدراكها
الوجودية التي ّ
ّ القضية
ّ ومنطقي يتماشى مع طبيعة هذه
بصحة نظرته وبطالن ما
ّ أي طرف أن يقنع اآلخروجلية ،فلم يستطع ّ
بصورة واضحة ّ
يقدمون
منطقية ،وآخرون ّ
ّ أسبقيته بحجج
ّ أنصار يدافعون عن
ٌ لكل زمن
سواها ،فكان ّ
صرفية تعتمد على
ّ قدم براهين
نحوية تنطلق من صميم اللغة ،وغيرهم ّ
لغوية أو ّ
براهين ّ
الزمن الذي يشير إليه هذا القالبلينقل النتيجة إلى ّ
َ الصرفي، نشأة الفعل وأصله
ّ ّ
أن البداية
الرأي الذي أراه أكثر تقبالً هو ما أشار إليه ابن جني ،و هو ّ
في ،و ّ الصر
ّ ّ
ثم ماضياً ،فيكون الترتيب
الزمن ليصبح حاالًّ ،
كانت مع زمن المستقبل ،فيمضي عليه ّ
األقرب إلى النفس هو :المستقبل ،الحال ،الماضي.
.7مفهوم الجهة:
ِ
قيل في تعريف الجهة في كتب اللغة َّأنها القصد والغاية ،وهذا ما ّ
عبر عنه ابن منظور َ
حين ذكر ذلك في مادة (وجه) ،يقول " :والو ْجه و ِ
الجهة بمعنى ،والهاء عوض من
ً َ
-ينظر:فيالنّحوالعرب ّ
ينقدوتوجيه،مهديالمخزومي،ص.108 1
29
وج َهته ِ
وو ْج َهته ِ الواو ،واالسم ِ
وضمها ]...[ ،وجهة األمر َ
ّ الو ْج َهة والو ْج َهة ،بكسر الواو
أم ِره تتوجه ِ وو ْجهته ،و ِ
وضل ِو َ
جه َة ْ َّ إليه وتَقصده، الج َهة و ِ
الو ْج َهة جميعاً :الموضع الذي َّ َ
()1
صده...
أي َق َ
النحوي ،فقد أشار إليه
الزمن ّ
النحويين المعاصرين مفهوم الجهة في ّ
كما استخدم بعض ّ
متعددة ،أو
زمنية ّ
أن " صيغة الفعل المعين قد تحمل دالالت ّ مصطفى النحاس فذكر َّ
متنوعة ،فيلجأ إلى إحدى الطرائق اللغوية لتحديد جهة من
زمنية ّتدل على جهات ّ قد ُّ
()2
الجهات".
الزمني الجديد ،الذي تفيده القرائن في وعرف كمال رشيد الجهة بقوله" :هي التحديد
ّ ّ ّ
أن وجود اصطالح السياق ،ويقابلها في اللغة اإلنكليزية اصطالح Aspectكما َيعتبر ّ
ّ
السياق ،وذلك عن
يدل على مرونة تلك اللغة وعبقرّيتها في تركيب ّ
الجهة في أي لغة ُّ
تخصيص لعموم
ٌ ليتكون زمن جديد ]...[ ،فالجهة إذن
الصيغ واألدوات ّ
طريق إضافة ّ
ما في الفعل من حدث وزمن وإسناد" (.)3
عبر عنه بالفعل
عما يمّثله الحدث الم ّ
تعبر ّ
نحوي ٌةّ ، ويؤّكد بيير الروس َّ
أن الجه َة مقول ٌة ّ
الشروع والتّعاقب والحصول[]...وكانت
مدة جريانه أو إنجازه كجهة ّ
أو باسم الحدث من ّ
معبرة عن خصائص المدلول عليه بالفعل الوقتية ّ
ّ الصيغ واألفعال المساعدة
األزمنة و ّ
نسية بمقابلتها مع الحدث التّام وغير التّام،
تعرف –مثالً -في اللغة الفر ّ
[ ،]...والجهة ّ
ويقدم هنري فليش رأيه بصدد
والجهة مخصصة لزمن الحاضر والماضي والمستقبلّ ،
تصورها بطرق كثيرة فالحدث في
للمدة ،يمكن ّ الجهةَّ :
أن هناك ألقاباً لألشكال المختلفة ّ
طراده ،وهي نقطة بدئه أو انتهائه ،والحدث قد وقع
استم ارره أو في نقطة واحدة من ا ّ
تكرر كثي اًر هو ذو توقيت ونتيجة و ،...ومن هنا نأتي إلى
مرة واحدة فحسب ،أو ّ ّ
تامة وأخرى ناقصة،
حينية ،وأفعاالً ّ
مستمرة أو ّ
ّ التّعبيرات عن الجهة وسماتها ،وأفعاالً
()4
ومحصلة.
ّ انتهائية
متكررة و ّ
وأفعال شروع وأفعال ّ
-1لسانالعرب:ابنمنظور،م،13مادة(وجه).
ّ
نظامالزمنبين العربيّة واإلنكليزية:محمدحسنبخيتقواقزة،إشراف:أ.د.سميرشريفاستيتية،رسالةدكتوراهفيتخصص - 2
اللغوياتالعربيّةالتطبيقيّة،جامعةاليرموك،إربد–األردن2009،م،ص.11
ينظر:الزمنالنّحويفياللغةالعربيّة:د.كمالرشيد،دارعالمالثقافة،عمان–األردن2008،م،ص.103
ّ -3
-4يُنظر:زمنالفعلفيالعربيّة:عبدالجبّارتوامة،ص.75
30
كما اجتهد النحاة الم ْح َدثون في وضع أقسام وأنواع للجهة ،فرأى الدكتور ّ
تمام حسان
َّأنها على ثالثة أقسام هي:
النواسخ.
الزمان وبعض األدوات و ّ
الزمن[ ]...ومنها ظروف ّ" -1جهات في فهم معنى ّ
الزيادة في
-2جهات في فهم معنى الحدث[ ]...ومنها المعاني المنسوبة إلى أحرف ّ
الصيغ.
ّ
الجر"
-3جهات في فهم معنى اإلسناد ،ومنها ظروف المكان والمنصوبات وحروف ّ
()1
31
الصيغة في اإلثبات
ّ الجهة الزمن
ّ ت
كان فعل البعيد المنقطع الماضي 1
كان قد فعل القريب المنقطع الماضي 2
كان يفعل المتجدد الماضي 3
قد فعل المنتهي بالحاضر الماضي 4
مازال يفعل المتصل بالحاضر الماضي 5
ظل يفعل
ّ المستمر الماضي 6
فعل البسيط الماضي 7
كاد يفعل المقاربي الماضي 8
طفق يفعل الشروعي الماضي 9
يفعل العادي الحال 10
يفعل جددي
التّ ّ الحال 11
يفعل االستمراري الحال 12
يفعل البسيط المستقبل 13
سيفعل القريب المستقبل 14
سوف يفعل البعيد المستقبل 15
()1
سيظل يفعل االستمراري المستقبل 16
ألنها تفتقر إلى
الزمن أو توجهه ّ
رفية المفردة هي من يحدد ّ
الص ّ
الصيغة ّ
إذاً ليست ّ
الزمن و يوجهه هو تلك األدوات والحروف
أسباب تحديده وتوجيهه ،فالذي يحدد ّ
تعبر إال عن زمن واحد
الصيغة جامدة ال ّ
النواسخ والظروف ،والتي لوالها تصبح ّ
وّ
ومعنوية
ّ لفظية
ّ النحوي هو زمن الجملة بمجموع ما فيها من قرائن
الزمن ّ
ومحدد ،و ّ
النحوي من دون فهم لمصطلح الجهة في الزمن ّ
وحالية ،و من الصعب الحديث عن ّ
ّ
نسميه (الجهة) لبعض الحروف ،فقالوا في (قد)
النحاة هذا الذي ّ
الزمن ،و" لقد نسب ّ
ّ
تقرب الماضي من الحال ،ونسبوا إلى (السين وسوف) قصر صيغة المضارع على
ّإنها ّ
32
االستقبال بعد أن كانت للحال واالستقبال ،ونظروا في جميع الحروف التي تدخل على
صيغة المضارع (يفعل) وفي تأثيرها وتوجيهها الزمني فقالوا في حروف النفي :
ّ
الزمن الحالي.
تدل على ّما يفعلُّ :
الزمن المستقبل.
تدل على ّ
لن يفعلُّ :
الزمن عند بعضهم ،وعلى المستقبل عند
الزمن؛ أي استمرار ّ
تدل على عموم ّ
ال يفعلُّ :
بعضهم اآلخر.
الزمن الماضي المنقطع.
يدل على ّ
لم يفعلُّ :
وكذلك النواسخ وأخواتها من أفعال المقاربة والشروع والرجاء ،وما تنطوي من توجيه
الزمن توجيهاً يحمل معاني القرب والبعد واالتصال واالنقطاع واالستمرار لمعنى ّ
()1
الشروع والمقاربة".
حول و ّ
والتّ ّ
إذاً فالجهة في نظر اللغويين الم ْح َدِثين هي التي تجعل اللغة رحب ًة واسعة من حيث
الزمني الداللي و
الضعف ّ ِ
ّ ّ الضيق و ّمنية ،وتنفي عنها ما نس َب عليها من ّ الز ّ
الداللة ّ
ّ
ألفعالها وصيغها ،وغيرها من الصفات التي اجتهد بعض اللغويين الم ْح َدِثين من العرب
الدفاع والمستشرِقين في إضفائها على اللغة العر ّبية ،فحمل بعض اللغويين ّ
الراية في ّ
الشرسة التي تعرضت لها من المنتقدين ،ف أروا َّ
أن التقسيم عن العر ّبية ضد تلك الهجمات ّ
الثالثي القديم لألفعال ،هو الثّغرة التي استغّلها المنتقدون حين وصفوا العر ّبية بالضعف
في قدرتها على التّع بير عن دقائق األزمنة واألوقات على خالف غيرها من اللغات
وعابوا عليها احتواءها على ثالثة أزمنة فقط (ماض ،وحال ،ومستقبل) ،فلجأ الم ْح َدثون
قوة اللغة ومرونتها باحتوائها على الكثير من الطرق للتعبير
إلى مصطلح الجهة ليؤّكدوا ّ
زمنية متعددة من قرب وبعد و انقطاع واستمرار وغيرها الكثير مما يشهد
عن حاالت ّ
األسبقية للغويين أو
ّ ولكن ظهور هذا المصطلح حديثاً ال يعنيّ بعكس ّادعاءاتهم،
النحاة األوائل كانوا ِ
أن ّالنحويين الم ْح َدثين في الكشف عن الجهة ،وال يعني أيضاً ّ
ّ
غيبين عن الجهة وأدوارها ،بل كانوا مدركين ك ّل اإلدراك للجهة َّ
ولكن هذا جهالء أو م ّ
حوي المجرد (الجهة) و َّإنما كان ظاه اًر ّ
جلياً في االستخدام الّن ّ ّ يكن للمصطلح
اإلدراك لم ْ
سنوضح الحقاً بإذن هللا.
ّ والتّطبيق العملي في أحاديثهم واستنتاجاتهم وشروحاتهم ،كما
ّ
ّ
ينظر:الزمنالنحويفياللعةالعربيّة،د.كمالرشيد،ص.103-100-1
33
رفية
الص ّ الزمن الّنحوي و ّ
الصيغة ّ الفصل الثانيّ :
بالزمن.
ارتباطه ّ
ُ -1ال ّتصريف و
الصيغة على المعنى.
-2داللة ّ
الصيغة.
-3زمن الفعل وداللة ّ
الزمن.
-4داللة صيغ الماضي على ّ
الزمن.
-5داللة صيغ المضارع على ّ
الزمن.
-6داللة صيغ األمر على ّ
الزمن.
-7داللة اسمي الفاعل والمفعول على ّ
الصيغة في تحديد الجهة.
-8أثر ّ
34
بالزمن:
ط ُه ّ
-1ال ّتصريف وارتبا ُ
أن
رفية -من ْ الص ّ
الصيغة ّ النحوي و ّ
الزمن ّ
ال ّبد لنا –قبل الخوض في العالقة بين ّ
نتحدث على المعنى اللغوي واالصطالحي للتصريف وعالقته بالصيغة ،والمقصود ِ
به، ّ ّ
ِ
مفرداته. ماهية لنتم ّكن من الولوج إلى ص ِ
لب الموضوع ونحن على ّبينة من ّ
الكلِ ِم في
ات َ اإلشبيلي(ت669هـ) بأنه " :معرفة ذو ِ يعرفه ابن عصفور ِ
ّ " التصريفّ :
بقوله" :هو ما يلحقِ يعرفه الدكتور هادي نهر أنف ِسها ،من ِ
غير تركيب ، " .وكذلك ّ
()1
ببنيها ،وجوهرها لمعرفة ما فيها من التّغييرات العارضة طلباً لتكثير األلفاظ ومن
الكلمة ّ
تم على اللفظ من تغيير طارئ ليس له في أكثر الدالالت ،أو وقوفاً على ما ّ
ثم تكثير ّ ّ
الوجوه صلة بالمعنى ،كما هو الحال في مسائل :الحذف ،واإلبدال ،والقلب ،والنقل،
الصيغ
مما ال يتّصل بضرب من ضروب المعاني[ ]...و ّ
واإلعالل ،واإلدغام ،وغير ذلك ّ
اللغوية يعود بعضها إلى طبيعة تقسيم الكلم نوعاً،
ّ رفية :هي مجموعة من األبنية
الص ّّ
النحوي والبناء
وجنساً ،وعدداً ،ويعود بعضها اآلخر إلى طبيعة العالقة بين التّركيب ّ
عينة أو لبعض الكلمات التي يتش ّكل منها ذلك التّركيب ،)2(...إذ َّ
إن في للكلمة الم ّ
الصر
ّ ّ
الفائدة المكتسبة من علم التصريف هي معرفة أحوال الكلمة بهيئتها الثابتة ،بخالف
المتغيرة والمتنّقلة ،وذلك كما
ّ النحو الذي يعنى بمعرفة أحوال الكلمة في صورها
علم ّ
أشار ابن ِجّني في شرح تصريف المازني " :التصريف أقرب إلى ّ
النحو من االشتقاق،
النحو ّإنما هو لمعرفة أحواله المتنّقلة،فالتّصريف ّإنما هو لمعرفة أنفس الكلم الثابتة ،و ّ
ِ
لمعرفة حاله المتنّقلة " (.)3 ألن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصالً َّ
الداللة إذ ال يقوم أحدهما دو َن اآلخر ،وقد
الصرف في ّ ط ابن ِجّني بين ّ
النحو و ّ وقد رب َ
أسبقية ابن ِجّني على اللسانيات الحديثة في جعل جاهد عنتحد َث عبد الكريم م ِ
ّ ّ
ِ
العرب في الصرف جزءاً من النحو ،بقوله في تعريف النحو أنه " :انتحاء س ِ
مت كال ِم َ ّ ّ ّ ّ
صرفه من إعراب وغيره ،كالتثنية والجمع والتحقير والتكسير واإلضافة والنسب ِ تَ ُّ
-الممتعالكبيرفيالتّصريف:ابنعصفوراإلشبيلي(669-597هـ)،تح.د.فخرالدينقبَ َ
اوة،مكتبةلبنانناشرون،ط،1بيروت– 1
لبنان1997،م،ص.33
ي:أ.د.هادينهر،تقديمأ.د.عليالحمد،داراألمل،ط،1إربد–األردن2007،م،ص-75 ّ طبيقيفيالتراثالعرب-2علمالدّاللةالت ّ
.76
ي:أبوالفتحعثمانبنجنّي،تح.إبراهيممصطفى،وعبدهللاأمين،وزارةالمعارف
ّ ففيشرحالتصريفألبيعثمانالمازن نص
ِ ُ -3
م ال
العموميّة،إدارةإحياءالتراثالقديم،ط1954،1م.4/1،
35
عند اللسانياتحوية َ
النسب هي فصائل َن ّ فالتثنية والجمع والتّحقير و ّ
()1
والتركيب"
ِ
يفية الكثير منأدرك بخبرته التّصر ّ
َ الحديثة ،وقد اعتبرها ابن ِجّني وسائل ّ
النحو ،كما
غيراتطردة التي تشير إلى فهم عميق للتّ ّ اللية ،الم ّ
الد ّرفية ذات الوظيفة ّ
الص ّ
القيم ّ
أشار إليه ابن ِجّني
اللية ،وهذا ما َالد ّ
رفية التي تتعاور الكلمة من أجل األغراض ّ الص ّ
ّ
لعب بالحروف األصول ِ
الت ّ
بالداللة على المعاني " :هو ّ
في قوله عن التّصريف وربطه ّ
لما يراد فيها من المعاني المفادة منها" وفي ذلك إشارة إلى اهتمام ابن ِجّني ّ
بالداللة ()2
تؤدي إلى خدمة المعنى أو توليد معان جديدة ،ومن األمور التي أدركها رفية التي ّ
الص ّّ
ابن ِجّني أيضاً المورفيم الم ّقيد الذي يتّصل بالمورفيم ّ
الحر ،كاتّصال السوابق واللواحق
الفعلية لتكّو َن معها معاني جديدة ،فتكون إذاً هذه
ّ الصيغ
من الحروف واألدوات مع ّ
َ
()3
المقيدة حامل ًة للمعاني ،كما تحمل المورفيمات الح ّرة بطبعها للمعاني.
المورفيمات ّ
للصيغ عند ابن ِجّني لها ارتباط وثيق ّ
بالداللة على المعاني رفية ّ
الص ّالداللة ّ
فإن ّ
وبذلك ّ
الصيغ وما يط أر على مورفيماتها من تغيير وتعديل.من خالل هذه ّ
دالالت منية لها ِ ِ
ٌ الز ّ
فالصيغة ّ
منية الموضوعة للفعلّ ، الز ّ
الصيغة ّونحن هاهنا بصدد ّ
ِ
األزمنة المطَلقة؛ وهي الماضي والحال واالستقبال؛ كبناء الماضي على مقرون ٌة ِ
بأحد
السين وسوف على
الفتح ،واستهالل المضارع بأحد حروف المضارعة ،ودخول ّ
المستقبل.
بالزمان أكثر
فإن عالقة الفعل ّ
منية للفعلّ ،
الز ّ
تدل على المراتب ّ
فإذا كانت هذه القرائن ُّ
أن الصيغة الو ِ َّ
احدة من الفعل تحتوي على دالالت شموالً من هذا التقسيم؛ إ ْذ ال َيخفى َّ ّ
متعلقة بأزمنة مختلفة على حسب ما يصاحب الفعل من كلمات أو تركيب ،مثالً َّ
فإن
ِ
اآلتية ِ
الخمسة ِ
كل مثال من األمثلة
فعل ماض ،ولكن قد يفيد في ّ الفعل (انتهى) ،وهو ٌ
كل واحد منها عن الد ِ
الالت ِ
ّ الزمان الغابر ،ويختلف ذلك المعنى في ّ معنى لمراتب ّ
ً
بسبب األدو ِ
ات التي َل ِحَق ْت بها وهي: ِ ِ ِ
بقية األمثلة
منية في ّ
الز ّ
ّ
1ـ انتهى
الخصائص:ابنجنّي.34/1،
ِ -1
صناعيّة،ط،1القريبة–مصر(،د.ت)،ص.3 صريفالملوكي:ابنجنّي،مطبعةشركةالتّمدّنال ّ
ِ -2الت ّ
ّةعندابنجنّي:عبدالكريم ُمجاهدعبدالرحمن،بحوثلغويّةإلكترونيّة( www. Quranic
ِ صرفي -3يُن َ
ظر:الدّاللةالصوتيّةوالدّاللةال ّ
، )Thought.comد.ت،ص.85-80
36
2ـ قد انتهى
3ـ إذ انتهى
4ـ كان قد انتهى
5ـ لواله لما انتهى.
ِ
األمثلة المذكورِة، كل مثال من ِ
يدل عليها فعل (انتهى) في ّمنية التي ُّ
الز ّ
إن المرتب َة ّّ
أن فعل (انتهى) قد َوَرَد فيمنية في األمثلة األخرى ،مع َّ تختلف عن بقي ِ
َّه المر ِ
الز ّ
اتب ّ
فإن الفعل (انتهى) -على سبيل ِ
األمثلة على السواء ،وأغرب من هذا َّ كل من ِ
هذه ّ
يدل على مستقبل م َعَّلق مع ّأنه
المثال -في جملة" :إذا انتهى األجل ،انتهى الوجل" ُّ
يدل على مستقبل
الشرط أو الجزاء ُّ
شرطية ،و ّ ّ فعل ماض )1( .وذلك لكون هذه الجملة ٌ
وخاصة مع األداة (إذا) التي تكون جملتها داّل ًة بطبيعتها على المستقبل ،وألدوات م َّ
علق،
ّ
مكونات
الزمن العام للجملة أو تأثيرها على ّ خصوصي ٌة فيما يتعّلق بأثرها على ّ
ّ الشرط
شاء هللا. ِ
إن َ وسندرس ذلك في موضعه ْ
ٌ هذه الجملة،
ط مبدئييتبين من األمثلة السابقة -هو ارتبا ٌ
بالزمن – كما ّ
رفية ّالص ّ
الصيغة ّ إذاً فارتباط ّ
ّ
منية ،أو حتّى داللة الجملة التيالز ّ ثانوي ال يؤخذ به في ّ
النص لتحديد داللة الفعل ّ
منية بحسب ما يضام
الز ّ
الداللة ّ
تتحول هذه ّ
الصيغة؛ إ ْذ ّ تتضمن هذا الفعل أو هذه ّ
ّ
الزمن
النحوي) مضافاً إلى ّ
الزمن ّ
كسبه زمناً جديداً (هو ّ
الفعل من أدوات وقرائن ،لت َ
الصرفي. الزمن المجرد
األصلي له وهو ّ
ّ ّ ّ ّ
جدير باالهتمام؛ ذلك أن للفعل مراتب زمنية مختلفة،
فإنه ٌالزمان بالنسبة إلى الفعلّ ،
أما ّ
ولهذا فإن عالقة الفعل بالزمان أشمل بكثير من القدر الذي حصره علماء العر ّبية في
الز ِ
مان مباشرةً ،و َّإنما أرادوا أن الوقوف على مفهوم ّ ِ
صَيغ ثالث ،وربما لم يكن َغ َرضهم
َ
الحرف ،فاقتصروا في هذه المحاولة على يتوصلوا إلى تعريف للفعل يميزه من االسم و ِ
ّ ّ
()2
تقسيمه إلى الماضي والحال واالستقبال فحسب.
بالصيغة
منية ،وهي ما تعرف ّ الز ّ
الداللة ّ
ادية الحديثة هي ذات ّ كما أ َّن ّ
الصيغة اإلفر ّ
تتكون منها ،وهيئتها التي بنيت
األصلية التي ّ
ّ رفية ،فهي صورة الكلمة أو مادتها
الص ّ
ّ
-1ينظر:األزمةفيالعربيّة:فريدالدينآيدن،دارالعبرللطباعةوالنشر،إسطنبول1997،م،ص4
-2األزمنةفيالعربيّة:فريدالدينآيدن،ص3
37
رفية التي تمتاز بها وهي
الص ّ
أصلية أم زائدة ،ووظائفها ّ
ّ اء أكانت
عليها حروفها سو ٌ
الناتجة عن مادتها وهيئتها التي
اللية ّ
الد ّ داللتها على الحدث المقترن ّ
بالزمن وإيحاءاتها ّ
المتنوعة التي أكسبتها بتنويعها دالالت عديدة. بنيت عليها وعن استعماالتها المختلفة و ّ
رفية لألفعال الص ّالصيغ ّالزمن فيذهب سيبويه و أنصاره إلى اعتبار ّ أما من حيث ّ َّ
تدل على زمن واحد – بحسب زعم الن ِ
حاة الم ْح َدِثين – قوالب زمنية جامدة وثابتةُّ ،
ّ
لتعبر عنها وهي فيكون لألزمنة الثالثة (الماضي ،والحاضر ،والمستقبل) ثالث صيغ ّ
الصيغة األخيرة التي أخرجها بعض ُّ
النحاة َّ ُّ ِ
افعل) مع التحفظ على ّ علَ ،يفعلْ ، صيغ ( َف َ
الزمن واعتبروها قسيمة لصيغة (يفعل) ،وال تحمل دالل ًة مستقّل ًة على زمن من دائرة ّ
زمن الحال دو َن المستقبل ،وعلى ّأية حال بداللتها على ِِ بعين ِه ،وبعضهم اآلخر قال ِ
نتقدين منهم ،فنرى الزمني للفعل القى قبوالً عند المحدِثين ،رغم كثرِة الم ِ فإن هذا التّقسيمَّ
َْ ّ ّ
الداللة
مهدي المخزومي مثالً يذهب مذهب بعض النحاة األوائل في القول بوحدة ّ
ياقية والمقامية بعرض الحائط مشي اًر إلى َّ
أن الس ّ
منية لصيغ األفعال ،ضارباً القرائن ّ الز ّ ّ
محدد كالماضي مثالً ،دون أن ّ
تغير نوع الداللة ضمن زمن ّ دورها يقتصر على تغيير ّ
الزمن من ماض إلى مضارع مثالً ،وهذا ما يعتبر تقييداً وتضييقاً لطبيعتها المرنة، ّ
سنبين الحقاً -إذ يرى ِ
ومنافياً لما قاله الكثير من الدارسين القدماء والم ْح َدثين -كما ّ
الزمن الماضي مطلقاً ،منوعاً في جهاته وفي داللتها تدل على ّ مثالً َّ
أن صيغة ( َف َع َل) ُّ
أن العمل كان الزمن الماضي بحسب القرائن كالقول بداللة صيغة (فعل) على َّ
على ّ
الرواة ،واتّفق
قد حدث ،وحدث كثي اًر ويمكن أن يحدث كثي اًر أيضاً ،مثل :روت ّ
تم في أثناء الكالم ،ولم ينجز إال بالكالم الداللة على َّ
أن العمل قد َّ المفسرون[ ،]...أو ّ
ّ
السياق
ونشدت َك هللا ،وهو في هذه اآلراء يتجاهل دور ّ نفسه ،كقولهمِ :بعت َكَ ،زّوجت َكَ ،
يدلنا في المثال األخير على المضارع وليس على الداللة فالسياق ُّ
أو المقام لتحيد هذه ّ
ّ
تم في أثناء الكالم هو زمن فإن قوله بداللة الفعل على َّ
أن العمل َّ الماضي ،وأصالً َّ
توهم المخزومييدل على المستقبل أيضاً ،وليس على الماضي كما ّ الحال ،ويمكن أن ُّ
أمر
،واألمر ذاته مع صيغة (يفعل) التي رأى فيها دالل ًة مطلق ًة على المضارع وهذا ٌ
النحاة القدماء والم ْح َدِثين ،وأبرزهم
الردود واالعتراضات من ّ
غير مقبول وعليه الكثير من ّ
تحدث عن داللة المضارع على الماضي باستخدام قرائن مختلفة ،وكذلك ابن ِجّني الذي ّ
38
إال َّ
أن للداللة على المضارع ،في سياقات متعددة،
()1
تحدث عن استخدام الماضي ّ
ّ
كل صيغة من وزن(يفعل) يجب أن تكون داّلةأن ّتقبل َّ
المخزومي يجبر نفسه على ّ
على المضارع –دون تحديد لحال أو استقبال -بالضرورة ،فيقول مثالً في صيغة
يدل على نفي الحدوث في الزمان الماضي، ولما)" :إّنه ُّ المضارع المسبوق بنفي بــ(لم ّ
إلي رسالتك ،و
تصل َّ ِ
بوعده ،ولم خالد وذلك في كل مضارع مسبوق بلم ،نحو لم ِ
ْ يف ٌ ْ ّ
كل فعل مسبوق مستمر إلى زمن التّكّلم ،وذلك في ّ
ّاً يدل على نفي حدوث الفعل نفياً أن ُّ
ِ َ َّ
عتبر تعارضاً ي ما وهذا ، تعالى﴿:كال َل َّما َيقض َمآ أ َ
َم َره﴾(عبس﴿" )﴾23 بلما ،كقوله
()2
َ ّ
قدمه من آراء تنفي داللة الفعل على زمن مختلف حتّى باقترانه بأدوات وسوابق،
لما ّ
الزمن المضارع إلى الماضي رغماً عنه ،ولو حاول
قدمه من أمثلة أحال ّ فالنفي فيما ّ
ثم يستشهد بقول المستشرق بول
االجتهاد وترويض المعنى ليبدو داالً على المضارعَّ ،
الزمن في الفعل المضارع في ضوء استعماالته مختلف ،وليس كراوس الذي يرىَّ :
أن ّ
يعبر في نفسه عن فكرة
ممي اًز عن غيره من األفعال ،بل قد يقال ّ " :أنه ال ّ
عنص اًر ّ
يتم ،أو على أن العمل قد ابتدأ ،أو على َّ
أن العمل لم ّ يدل أحياناً على َّ
ولكنه ُّ
الزمنّ ، ّ
مستمر الحدوث في الماضي والحاضر والمستقبل" ( ،)3ومن خالل هذا القولّ أ َّن العمل
الذي يستشهد به المخزومي ،وما يحمله هذا القول من أفكار تدحض مزاعم المخزومي
يدل على َّ
أن العمل قد ابتدأ ،فيه بداللة المضارع على زمن الحال فقط ،فقول كراوسُّ :
أن العمل لم يتمُّ ،
يدلنا على إشارة إلى داللة المضارع على زمن الحاضر ،وقوله :على َّ
ّ
أما قوله :العمل المستمر الحدوث في الماضي والحاضر والمستقبل،الزمن المستقبلّ ،
ّ
حيوية المضارع وقابليته لالندماج في أزمنة أخرى ،كالماضي المستمر
يدل على ّ فإنما ُّ
ّ
ظل يدرس ،ويدرس اآلن،
المستمر ،وذلك كقولناّ :
ّ المستمر ،والمستقبل
ّ والحاضر
وسيظل يدرس.
ُّ
قوة التّشابه بين الفعل والظرف ،وذلك من خالل العطف بينهما، ِ
ويؤّكد ابن جّني على ّ
تأكيد باطني على داللة الفعل على
الزمن ،وفي هذا ٌالظرف على ّ وجلي عندنا داللة ّ
ّ
ابنجنّي،تح.محمدحسنإسماعيلوأحمد
ِ ظر:الخصائص:ابنجني،330/3،226/3،105/1،ينظر:سرصناعةاإلعراب: -1يُن َ
عامر،دارالكتبالعلمية،ط،1بيروت–لبنان2000،م .75/2،75/1،
-2ينظر:فيالنحوالعربينقدوتوجيه:د.مهديالمخزومي،ص.124
-3المصدرالسابق:ص.125
39
﴿يوَم تبَلى
أين تجمع بين قول هللا سبحانهَ :
أن يقال لك :من َ الزمن ،يقول " :ومن ذلك ْ ّ
لس ارِٓئرَفما َله ۥ ِمن قَّ ٖوة وَال ن ِ
اص ٖر﴾ (الطارق )﴾10-9﴿:مع قول الشاعر: َ َ ٱ َّ َ َ
طا ار
الد ْهر َعّني َف َ
فطيره ّ
َّ زمان علي غراب غ َداف
َ
أما
ظرف بالفعلّ ، قوة شبه ال ّ كل واحد من اآلية والبيت دليالً على ّأن في ّفالجوابّ :
﴿يوم تبلى السرائر﴾ قوة﴾ على قوله: ِ
َ ظرف في قوله﴿ :فما له من ّ عطف ال ّ
َ فألنه
اآلية ّ
طف الفعل فيه
فألنه َع َؤذن بالتماثل والتشابه ،وأما البيت ّوالعطف نظير التثنية؛ وهو م ٌ
()1
ظرف الذي هو قوله( :علي غراب غداف) ،وهذا واضح... على ال ّ
سماها الكوفيون بالفعل الدائم ،وهنا يتطرق المخزومي إلى صيغة (فاعل) أو التي ّ
ثم ّ َّ
فعل)وي َ
تبناها حول صيغتي ( َف َع َلَ ،
قدمناه من آراء ّ نجد َّ
أن المخزومي يناقض نفسه فيما ّ
تدل
أن صيغة (فاعل) ُّ اّللتين رأى فيهما داللة مطلقة على الماضي والمضارع ،إذ يرى َّ
الزمان،
الداللة على ّ
الدوام ،مفرغاً ّإياها من ّ
السياق على الثّبوت و ّ
بصيغتها المفردة خارج ّ
الفراء في
لذلك بما ذهب إليه ّوتصبح داّلة على الزمان إذا جاء بعدها شيء ،مستشهداً َ
ِۖ
س َذآِئَقة ٱل َمو ِت ث َّم ِإَليَنا تر َجعو َن﴾(العنكبوت﴿ ،)﴾57وحادثة
قراءة قوله تعالى﴿ :ك ُّل َنف ٖ
الكسائي وأبي يوسف في مجلس هارون الرشيد في عبارتي (أنا قاتل غ ِ
الم َك ،و أنا ّ
الداللة على الماضي في حال اإلضافة، تدل عليه العبارتان من ّ الم َك) ( ،)2وما ُّ
قاتل غ َ
ٌ
اف واضح بدور وعلى المستقبل عندما تكون الكلمة ّ
منونة غير مضافة ،فهذا اعتر ٌ
الصيغة وحدها كما
الزمن وليس الفيصل في ذلك هو ّ
السياق والقرائن في تحديد داللة ّ
ّ
()3
أشار المخزومي في اتّباعه لمن قال بذلك.
الصيغة على المعنى:
-2داللة ّ
فعل) على معان مختلفة –بصرف وي َ
الصيغتين المشهورتين ( َف َع َلَ ،
كل صيغة من ّ
تدل ُّ
ُّ
السياق الذي توضع فيه ،وباختالف القرائن
تؤديانه -باختالف ّ الزمن الذي ّ
النظر عن ّّ
السوابق واللواحق ،وتختلفانالصيغتان بقبولهما ّ
تتميز هاتان ّ
ضاف إليهما ،كما ّالتي ت َ
فيما بينهما من حيث قبول هذه اإلضافات ،التي ت ِ
كسبهما معنى جديداً ودالل ًة مغايرة
ً
ِ
وضع
الداللة المعنوية َم َ وكانت دراسة هذا التّغير الطارئ على ّ
تعارف عليهَ ،
ٌ عما هو م
ّ
الخصائص:ابنجنّي.320/3،
ِ -1
-2األشباهوالنظائر:السيوطي.224–223/3،
-3يُنظر:النّحوالعرب ّ
ينقدوتوجيه:مهديالمخزومي،ص.126–122
40
أن ابن ِجّني لم َيفته الحديث ِ
اهتمام عند الدارسين والمتكّلمين القدماء والم ْح َدثين ،ونرى ّ
عل) ودورها في ِ
فتحد َث باستفاضة عن دخول السوابق على صيغة ( َف َ في هذا األمرّ ،
ذلك –وهو أصنع منهّ -أنهم جعلوا (استفعل) في أكثر إيصال المعنى ،يقول " :ومن َ
ثم وردت ِ
األمر للطلب؛ نحو استسقى ،واستطعم[]...فجاءت الهمزة والسين والتّاء زوائدَّ ،
التماسه والسعي فيه
الطلب للفعل و ََ بعدها األصول :الفاء ،والعين ،والالم[ ]...وذلك َّ
أن
سب َب لوقوعه...
فتبع الفعل السؤال فيه والتّ ّ
تقدمه ،ثم وقعت اإلجابة إليهَ ، والتّأتّي لوقوعه ّ
الصيغة والتي تساعد ّ تسبق التي األحرف هذه ةأهمي
ّ مدى القول هذا من ويتضح ، ()1
ر:الخصائص:ابنجنّي.154–153/2،
ِ -1يُن َ
ظ
ظر:المصدرالسّابق.155/2،-2يُن َ
41
ورجل عادل ،هذا هو األصل ،و مرضيون، وقوم ِ
ٌ ّ رجل دنفٌ ،
قلتٌ :بالصفة الصريحةْ ،
وصفت بالمصدر ألمرين ،أحدهما
إنما انصرفت العرب عنه في بعض األحوال إلى أن َ
يدك أنساً بشبه المصدر للصفة التي أوقعتهالصناعي فليز َ أما
صناعي واآلخر معنويّ ،
ّ ّ
ِ
موقع المصدر ،في نحو قولك :أَقائماً والناس قعود[ ]...و موقعها ،كما أوِق َعت الصفة
َ
ِ
الحقيقة َمخلوق من ِ
كأنه فيف بالمصدر صار الموصوف ّ المعنوي ّ
فألنه إذا وص َ ّ أما
ذلك الفعل ،وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده ّإياه ،)1(...وهنا نجد ابن ِجّني يناقش أمرين؛
الداللة على الوصف وهذا التّشابه هو األول هو التشابه بين المصدر والصفة في ّ ّ
ألنه كان نوعاً من اإلسهابالصناعي الذي أطلقه ابن ِجّني على التّشابه بينهماّ ،
السبب ّ ّ
وقوة تعبيره في تقديم الشرح ل ُّ
السياق ّ
الصفة في ّ
حل ّإمكانية إحالل المصدر َم َ
ّ يدلنا على
سبب يتعّلق بالمعنى اإليحائي الداللي الذي
ّ ّ المعنوي :فهو ٌ
ّ الصفة ،أما السبب
عن ّ
أن
نعلم ّبالصيغة ووجودها ،فكما ّ الصفة ،وارتباطه ّ يؤديه استخدام المصدر مكان ّ ّ
الصفة تشتَق من الفعل ،وإذا وصفنا شخصاً باستخدام أصل لألفعال ،و ّ
ٌ المصادر
كأنها خلَِق ْت
الصفة وأصالتها في الموصوف حتّى ّ باطني بقدم ّ إيحاء
ٌ المصدر ،ففي هذا
ّ
معه.
ومن مظاهر عناية العرب بالمعنى وتفضيله على اللفظ ،ما أورده ابن ِجّني في حديثه
الرد على من ّادعى على العرب عنايتها الصيغ على المعنى ،في باب ّ عن داللة ّ
وتقدمها في
يدل على اهتمام العرب بمعانيهاّ ،
باأللفاظ وإغفالها المعنى ،يقول" :مما ُّ
أنفسها على ألفاظهاّ ،أنهم قالوا في شمللت( ،)2وصعررت( ،)3وبيطرت ،وحوقلت،
وج ْعبيت(ّ :)6أنها ملحقة بباب دحرجت ،وذلك ّأنهم وجدوها
وسْلقيت َ ،
()5
ودهورت َ ،
()4
ِ
على َسمتها :عدد حروف ،وموافق ًة بالحركة والسكون ،فكانت صناع ًة ّ
لفظية)7( "...؛
إذ يؤّكد ابن ِجّني في هذا المثال على ّ
شدة العناية بالمعاني ،من خالل استخدام عدد
دليل على شرف المعنى عندهم،
كبير من األلفاظ وجميعها ملحقة بباب واحد ،وهذا ٌ
الخصائص:ابنجنّي.259/3،
ِ -1
وشمر.
ّ ع
-2شملل:أسر َ
-3صعررالشيء:دحرجهُ.
-4دهورالشيء:جمعهُوقذفهُفيمهواة.
-5سلقاه:إذاطعنهُفألقاهُعلىجنب ِه
-6جعباه:إذاصرعهُ.
الخصائص:ابنجنّي.221/1،
ِ -7
42
ثم يتابع ابن ِجّني معّلالً إلحاق هذه المعاني كّلها بباب دحرجت،
وتفضيله على اللفظّ ،
وفعليت ،وفوعلت ،وفعليت ،ملحقة بباب دحرجت أن فعللتْ ، فيقول " :والدليل على ّ
الشمللة ،والبيطرة،
مجيء مصادرها على مثل مصادر باب دحرجت ،وذلك قولهمّ :
القوقاة، ِ
الهملجة ( ،)1و ِ ِ
كالدحرجة ،و السْلقاة ،والجعباة ،فهذا ونحوه
الدهورة ،و َ
والحوقلة ،و ّ
()2
استمرت في تصريفها استمرار ذوات األربعة".ّ الزوزاة[ ]...ولذلك
وّ
السوابق واللواحق وحروف الحشو على المعنى، تطر َق ابن ِجّني إلى ِ
أثر ّ وكذلك فقد ّ
أن يكونا ملحقين –إن كانا على وزن جعفر، فعل ْفعل و ِم َ
فيقول" :وسبب امتناع َم َ
نحو أن الحرف الزائد في ّأولها ،وهو لِمعنى؛ وذلك ّ
أن َمْف َعالً يأتي للمصادرَ ، وهجرعّ -
معنى َحشواً
ً
فلما كانت الميمان ذواتي
دخالً ،وخرَج َمخرجاً[ّ ]... ودخل َم َ
َ ذهباً،
ذهب َم َ
َ
فيستهلك المعنىالغرض فيهما ّإنما هو اإللحاق َحسبٌ ،
َ يتوهم َّ
أن َ أنإن هم ألحقوا بهما ْ ْ
وتقدمه
يدلك على تم ّكن المعنى في أنفسهم ّ المقصود بهما ،فتحاموا اإللحاق بهما[ ]...و ُّ
َ
فقدموا دليله ِ ِ
لقوة العناية بهّ ،
للفظ عندهم تقديمهم لحرف المعنى في ّأول الكلمة ،وذلك ّ
()3
نه عندهم".ليكون ذلك أَمارة لتم ّك ِ
ً
وشدة ارتباطها بالكلمة وبمعنى
ففي هذا دليل على أثر حروف المعنى التي تسبق الكلمة ّ
قوة ِ
نفسها وعلى ّ
قوة الكلمة ّ قوة الحرف السابق للكلمة دليالً على ّ هذه الكلمة ،فكانت ّ
معناها أيضاً ،وبعدها يأتي ابن ِجّني على حروف أخرى من السوابق ومنها حروف
ِ
ونوعه ،كما أفعل ،ونفعل ،ويفعل، المضارعة التي تسبق الفعل وتكون دليالً على الفاعل
قوة أثر هذه
دليل على ّ
أما مجيء حروف المعاني حشواً في الكلمة ،ففيه ٌ وتفعلّ ،
الحروف على المعنى ،فآثروا وضعه في الحشو حماي ًة له من الحذف والتعديل بإبدال
تدل عليه الكلمة على خالف
أو إعالل ،وذلك لشدة ارتباط هذه الحروف بالمعنى الذي ُّ
السوابق (كحروف المضارعة) واللواحق (كحروف اإللحاق) والتي و إن كانت زيادتها ّ
أن حذفها ال يلغي معنى الكملة األصلي ،بل ي ِنقصه شيئاً من المعنى الذي
لمعنى ،إال ّ
ً
ِ
أما لو حذفت حروف الحشو ،الختلف المعنى تماماً ،أو صارت الكلمة بال كان عليهّ ،
-1الهملجة:حسنسيرالدّابةفيسرعة.
الخصائص:ابنجنّي.222-221/1،
ِ -2
-3المصدرالسّابق .224/1،
43
دليل آخر على عناية العرب بالمعنى على حساب اللفظ وليس العكس،
معنى ،و هذا ٌ
()1
الخصائص:ابنجنّي.225/1،
ِ ظر:-1يُن َ
ظر:اللغةالشاعرة:عبّاسمحمودالعقّاد،مؤسسةهنداويللتعليموالثقافة،القاهرة–مصر2012،م،ص.48
-2يُن َ
44
طب ،بل تعني أن هذا الوصف قد ظهر في ّأنها ال تعني زوال هذا الوصف عن المخا َ
مستمرة في صاحبها )1( .فنراه هنا يحدد
ّ ذلك الموقف ،وهذا يحتمل بقاء هذه الصفة
المعنوية ،فتارة كانت داّلة على الزمان ،وأخرى داّل ًة على
ّ داللة (كان) بحسب داللتها
الوصف ،وال أرى اعتماده على ّ
الداللة المعنوية لــ(كان) كافياً ليحدد طبيعة استخدامها
يشير إلى دور خبر (كان) في تحديد هذه
وصفية ،وكان من األجدر أن َ
ّ أزمني ٌة هي أم
ّ
زمني ًة ،فيكون خبرها حدثاً والحدث كما هو
الداللة ،فعندما يكون خبرها فعالً تكون ّ
ّ
معروف ال ّبد من اقترانه بزمان ،كقولنا :كنت تدرس ،وكان يلعب حين كانت تمطر...
أن الخبر فيمنية بدليل ّ
الز ّ إلخ ،فنرى َّ
أن فعل الكينونة في األمثلة السابقة دال على ّ
وصفي ًة ،فاألسماء
ّ الجمل السابقة كان فعالً ،وإذا كان خبر فعل الكينونة اسماً تكون
كنت مجتهداً ...إلخ.
صفة مع كان ،كقولنا :كان الطقس جميالًَ ،تدل على ثبات ال ّ
ُّ
الصيغة على معنى الفعل المحذوف ال لعالقة
تدل ّ
أن ُّالصيغ على المعنىْ ،
ومن داللة ّ
السياق والمقام على هذا
الصيغة الموجودة) ،بل لداللة ّ
بينهما (بين الفعل المحذوف و ّ
عرف في الدرس الحديث بـ(سياق الحال) ،وقد أبدع القدماء
المعنى المحذوف ،وهو ما ي َ
أن خير الكالم
في هذا النوع من الكالم الرتباطه بالبالغة والفصاحة ،واعتقادهم الدائم ّ
النفس ،وهذا ما عهدناه عن العرب دائماً في
ودل ،و إن ما خفي كان أعظم في ّ قل ّ ما ّ
بأقل الكالم ،ليكون دليالً على
جنوحهم إلى االختصار وإيصال المعاني واألفكار ّ
اللغوية ،ومن أبرز القدماء الذين تحدثوا عن هذا األسلوب
ّ الفصاحة والبالغة والقدرة
واستخدموه في نصوصهم وشروحهم ،ابن ِجّني الذي يقول في مطلع (باب في الفرق
َ
بين تقدير اإلعراب وتفسير المعنى) " :هذا الموضع كثي اًر ما يستهوي َم ْن يضعف َنظره
ِ ِ
الصنعة ،وذلك كقولِهم في تفسير قولنا( :أهَل َك و َ
الليل) معناه يقوده إلى إفساد ّأن َ إلى ْ
فيجره، ِ
أن يقول (أهَل َك والليل) ّ
قبل الليل ،فرّبما دعا ذاك َم ْن ال درب َة له إلى ْ
الحق أهلك َْ
ظن بعضهم َّ
أن زيداً قام ،رّبما ّ ِ
الليل ،كذلك قولنا :ز ٌيد َ
أهلك وسابق َ الحق َ
ْ و إنما تقديره
سرني
الصنعة ،كما ّأنه فاعل في المعنى ،وكذلك تفسير معنى قولناّ :
هنا فاعل في ّ
السياق في
دل ّقام هذا و إن قعد ذاك ، ...فقد ّ
()2
أن َسرني ْبأنه ّ
قيام هذا وقعود ذاكّ ،
-1ينظر:اللّسانيّات:د.سميراستيتية ،عالمالكتبالحديث،ط،2إربد–األردن2008،م،ص.149
الخصائص:ابنجنّي.280-279/1،
ِ -2
45
وسرني قيام هذا وقعود ذاك) على فعل محذوف
األقوال السابقة (أهلك والليل ،ز ٌيد قامّ ،
وتقدير كالم محذوف ،بقي معناه مالزماً للصيغ األخرى بسبب الحال والموقف والمقام
التي أفادت هذا المعنى ودّلت عليه.
الصيغة:
-3زمن الفعل وداللة ّ
الدارسين القدماء والم ْح َدِثين ،حتى
بالصيغة ارتباطاً وثيقاً أ ّكده الكثير من َّ
الزمن ّ
يرتبط ّ
الزمن
الصيغ على ّ كل صيغة ،وفي داللة هذه ّ إن اختلفوا في األزمنة التي ت ِنتجها ُّ
وْ
الزمن،
ئيسياً ووحيداً في تحديد ّ
رفية عامالً ر ّ
الص ّ
الصيغ ّ
جعل ّ
مفردةً ومرّكبة ،وبعضهم َ
وآخرون اعتبروا ّ
الصيغ مساعداً مع عناصر أخرى في تسمية ّ
الزمن ،كما اختلفوا في
وم ْن قال
افعل) َ
(فعل ،يفعلْ ،
َ الصيغ الرئيسية بين من ذهب إلى ّأنها ثالثة
عدد هذه ّ
أن ِ
الصيغ على أزمنة مختلفة ،ومن المجحف ْتدل هذه ّ
بصيغتين فقط (فعل ،ويفعل) ،و ُّ
نقول إ َّن داللتها على هذه األزمنة كانت بنفسها فقط ،أي بدون القرائن المختلفة أو
ومعنوياً)،
ّ (زمنياً
ّ الصيغ مختلفة فيما بينها
إن الحركات يمكن تجعل هذه ّ بل ّ
السياق ،ال ْ
ّ
الداللة على وجوب مخالفة وهذا ما أشار إليه ابن ِجّني بقوله " :وذلك ّأنه قد دّلت ّ
صيغة الماضي لصيغة المضارعِ ،إذ الغرض في صيغ هذه المثل ّإنما هو إلفادة
لصاحبه ،وكّلما ازداد الخالف كانت في ذلك ِ مثال مخالف
لكل زمان ٌ األزمنة ،فجعل ّ
حركة فاء الماضي سكو َن فاء ِ أن جعلوا بإزاء الزمان ،فمن ذلك ْ الداللة على ّ قوة ّ
ّ
ض ِربَ ،قَت َل َيْقتلَ ،علِ َم َي ْعَلم ،)1( ".إ ْذ
ض َر َب َي ْ
المضارع ،وخالفوا بين عينيهما ،فقالواَ :
الصيغتين في الحركات وهذا التّباين الذي أدى
يتضح من هذا القول االختالف بين ّ
منية بينهما.
الز ّ
الداللة ّ
إلى التّباين في ّ
الزمن في الفعل وهو بناؤه ،فرأى َّ
أن لألفعال داللة يدل على ّ حد َد ابن ِجّني ما ُّ
وقد َّ
ِ
كل واحد منها األدّلة الثّالثة أال ترى إلى َق َ
ام، ومعنوية وصناعية ،يقول " :ففي ّ ّ لفظية
زمان ِه ،وداللة معناه على فاعلِ ِهِ ،
فهذه بنائ ِه على ِ
صدره وداللة ِلفظ ِه على م ِِ وداللة ِ
َ
()2
وصيغت ِه ومعناه "
ِ فظ ِه
ثالث دالئل من َل ِ
أهمها:
عدة زوايا ّ الداللة من ّ النص يجد ابن ِجّني ينظر إلى ّ فالناظر في هذا ّ
الخصائص:ابنجنّي.375/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق .98/3،
46
(الداللة اللفظية) وتدخل في هذه الزاوية داللة الصوت.
بالداللة ّ
-1عالقة اللفظ ّ
الداللة الصناعية.بالداللة :ويظهر في حديثه عن ّ
الصرف ّ
-2عالقة ّ
المعنوية التي تحتاج
ّ الداللة
بالداللة :يظهر في حديثه عن ّ
السياق ّ
النحو و ّ
-3عالقة ّ
إلى غيرها في ظهورها من سياق ومقام.
يدل
يدل بلفظه على المصدر الذي اشت َّق منه (القيام) ،و ُّ فابن ِجّني يرى ّ
أن الفعل (قام) ُّ
الصيغة
الزمن الماضي؛ إذ يشير هنا إلى دور ّ بصيغته أو صورته وشكله ( َف َع َل) على ّ
المعنوية ،فهي
ّ الداللة
أما ّ
ناعيةّ ،
الص ّبالداللة ّ
يسميه ّ
الزمن ،وهذا ما ّ الداللة على ّ
في ّ
مرتبطة عنده بالفاعل ومدى انطباق هذا الفعل عليه ،أو مقدار استفادته من هذا الفعل،
ِ
يمر بثالثة مستويات ،هي :المستوىفالكشف عن مدلول الفعل –عند ابن ِجّنيّ -
الصناعية
بالداللتَين ّ رفي ،والمستوى ّ
النحوي ،وفيما يتعّلق ّ ّ ّ
الصوتي ،والمستوى الص ّ
المعنوية اللتَين يضعهما ابن ِجّني في نطاق المعرفة من العلوم بالمشاهدة ،وذلك َّ
ألن ّ و
صوتية يكون َمسموعاً وصوغه على مثال ما هو م ُّ
عتد به ّ ظ عند صدو ِره في صورة اللف َ
قياسية يكون ملحوظاً ،وهو بذلك يدخل ضمن ّ كتابية
صوتية ّّ ثم قياسه عليه في صورةَّ
المعنوية)
ّ ين(الصناعية ،و
ّ دائرة المحسوسات ولذلك يقابل ابن ِجّني بين هاتَين ّ
الداللتَ
حيز الضروريات" (،)1 ُّ
المعنوية أيضاً "بعلوم االستدالل ،وليست في ّ
ّ الداللة
ويلحق ّ
أن ابن ِجّني كان متأثّ اًر بصورة واضحة بالمنطق والفلسفة،
ونالحظ من هذا االستنتاج َّ
ض َر َب) ْقد عرْف َت
حين تسمع ( َ اك َوما يؤّكد لنا هذا بصورة أوضح ،هو قوله " :أال تر َ
مانه ث َّم تَنظر فيما َبعد ،فتقول :هذا ِفعل ،وال َّبد له ِمن فاعل ،فلي َت ِشعري َم ْن
وز ََحدثه َ
آخر ال ِ
وما َحاله م ْن موضع َ الفاعل َمن هو َ
َ علم
أن تَ َ
هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى ْ
صح ِم ْنه الفعل... رب)؛ أال ترى َّأنه َيصلح ْ
أن َيكو َن فاعله ك َّل مذ ّكر َي ُّ (ض َ
م ْن َمسموع َ
ِ
( ،)2وبهذا يكون الفعل (ضرب) داالًّ بلفظه على الحدث أو المصدر الذي اشت َّق منه
أما
الزمن الذي حدث فيه الفعل وهو الماضيّ ، (الضرب) ،وبنائه أو صيغته على ّ وهو ّ
النص السابق البن ِجّني إلى االعتقاد ُّ
معناه فيدلنا على الفاعل (ماهيته وحاله) ،ويقودنا ّ
بناء على صيغة الفعل ،من دون أن يذكر دور
الزمن كان ً َّ
أن اعتماده على تحديد ّ
الخصائص:ابنجنّي.98/3،
ِ -1
-2المصدرالسّابق ،ص.99–98
47
حسان ُّ
للنحاة تمام ّ
الدكتور ّ
وجهه ّ
السياق في تحديد زمن الفعل ،وهذا هو االنتقاد الذي ّ
ّ
الزمن الفلسفيالمواضع -في اعتمادهم تقسيم الفعل وفق أقسام ّ
القدامى –في بعض َ
الثالثة ،وربطهم زمن الفعل بصيغته فقط ،دون مراعاة لشروط ورودها في ّ
السياق
()1
الزمن ،فقال في فرق أبو حيان التوحيدي بين المصدر والفعل في ّ
الداللة على ّ وقد ّ
الزمنَّ " :إنه ُّ
يدل على الحدث بلفظه وعلى الزمان بصيغته ،أي كونه داللة الفعل على ّ
الصيغ ،وال تختلف
الزمن باختالف ّ
الداللة على ّ
على شكل مخصوص ،لذلك تختلف ّ
الداللة على الحدث باختالفها " (.)2
ّ
الزمن ،فيرى ّ
تبدل الداللة على ّ
فهو يشير هنا إلى االرتباط بين الفعل وصيغته في ّ
الصيغ ،وهذا
تبدل ّ
الداللة على الحدث ثابتة رغم ّ
الصيغ ،بينما تبقى ّ
تبدل ّالزمن عند ّّ
يأخذنا إلى داللة أزمنة مختلفة على حدث واحد ،كداللة الفعلين (ضرب ،ويضرب) –
تتكون منها
الحدث بالمادة التي ّ
(الضرب) إ ْذ َيتعّلق هذا َ
مثال -على حدث واحد وهو ّ
حيان (داللة الفعل على الحدث بلفظه) ،ومن دون أنسماه أبو ّ
الصيغة ،وهذا ما َّ
هذه ّ
مختلفين والحدث
َ السابق
فالصيغ واألزمنة في المثال ّ
يتقيد هذا الحدث بزمن محددّ ،
ّ
ثابت فيهما.
ويؤّكد ابن ِجّني أيضاً على داللة المصادر على الحدث وإفادة المعنى ،كذلك صالحيتها
الحدث فيهما ،ونفس
َ الضرب والقتل :نفس اللفظ يفيدلألزمنة الثالثة ،يقول " :وكذلك ّ
الصيغة تفيد فيهما صالحهما لألزمنة الثّالثة ،على ما نقوله في المصادر ،)3( ...وفي
ّ
هذا دليل بلسان ابن ِجّني على داللة المصادر على المعنى والحدث و ّ
الزمن المطلق
(أي الذي يصلح لألزمنة الثالثة).
السامية على صيغتين اثنتين
الزمن في اللغات ّ
ويتحدث جوزيف فندريس على احتواء ّ ّ
وهما التّام وغير والتّام ،و أنهما مشتقتان من أصلين مختلفين ،و ُّ
يدالن على انتهاء
الهندية
ّ امية بالقدم والفقر مثل اللغات
الس ّ
الحدث أو عدم انتهائه ،واصفاً اّللغات ّ
األوروبية بعدم وجود ّأية وسيلة للتّمييز بين أزمنة الفعل المختلفة ،على عكس اللغة
ّ
منخاللالخصائصالبنجنّيواللغةالعربيّةمعناهاومبناهالت ّمامحسّان:الطالبة:
ِ ينظر:تجلياتالزمنالنّحويفيالجملةالعربيّة
ّ -1
ناديةزيدالخير،إشراف:د.عبدالحليممعزوز،مجلّةاآلدابواللغاتوالعلوماإلنسانية،العددالرابع،جامعةالحاجلخضرباتنة،
المركزالجامعيعبدالحفيظبوالصوف،ميلة–الجزائر،د.ت،ص.296–292
ّ
داللةالزمنفيالعربيّة:عبدالمجيدجحفة،ص.51 -2
الخصائص:ابنجنّي.101/3،
ِ -3
48
سبية بين وتنوعاً بقدرتها على التّعبير عن الفروق ّ
الن ّ قوة ّنسية ،التي يزعم ّأنها أكثر ّ
الفر ّ
تفرد
األزمنة ،كالتّعبير عن المستقبل في الماضي ،والماضي في المستقبل ،مشي اًر إلى ّ
نسية في هذا الجانب.اللغة الفر ّ
()1
- 1ينظر:اللغة:فندريس،ترجمةعبدالحميدالدواخليومحمدالقصاص،تقديم:فاطمةخليل،المركزالقوميللترجمة،القاهرة –
مصر 2014،م،ص.137-135
ينقدوتوجيه:مهديالمخزومي،ص.146-145 -2النّحوالعرب ّ
-3يُنظر:المصدرالسابقنفسه.
49
منية بمعناها اإلشاري والتّعييني –كما توظفها األفعال-واإلحالة إلى الحاضر
الز ّ
اإلحالة ّ
إما داّلة على
إما داّلة على حاضر غير زمني و ّاالسمية ّ
ّ معنيان مركزّيان في الجملة
إما داّلة على ِ زمن مطلق ،مثلَّ ( :
جو الشتاء صحو ،وذلك شأن الشعر دائماً) ،و ّ
إن َ
سياقية ،نحو( :أنت اليوم حبيبي) ووجود القرائن يجعلها
ّ حاضر حقيقي بموجب قرائن
مرشح ًة ألزمنة أخرى مثل الماضي ،نحو( :مات والدها وهي في المهد) ،أو المستقبل:
ّ
مسافر بعد ّأيام)
()1
ٌ (إنه
ّ
فإن هذا الكالم مردود عليه بدالئل نحوية و لغوية ،تثِبت ِقصر نظر ِ
ته ،التي طبع َّ
وبال ّ
ََ ّ ّ َ َ ٌ
بحق اللغة العر ّبية وقدرتها التّعبيرّية عن مجاالت
تعتََبر تحجيماً لتفكير العرب ،وإجحافاً ّ
الصيغة الواحدة ،ال بل نرى أنها تفوق في ذلك زمنية متعددة يحتويها الفعل الواحد أو ّ
ّ
بالصيغة الواحدة عن مجاالت أخرى
اللغ َة اإلنكليزّية وغيرها من اللغات في التعبير ّ
تدل صيغة الماضي على مختلف الجهات
لتعب َر عن زمن آخر ،كأن ُّ
وتتعداها ّ
ّ للزمن،
الزمن الماضي كالماضي البعيد ،والقريب ،والتّام ،وغير التام ،والمطلق...
التي يحتويها ّ
إلخ ،وذلك عن طريق القرائن المختلفة التي تدخل على صيغة ( َف َع َل) وتعطيه هذا
الزمن
مني ،وكذلك تؤدي هذه القرائن إلى داللة صيغة (فعل) على ّ التنوع الداللي والز
ّ ّ ّ
تدل
فعل) التي ُّ
(ي َ
زمنية مختلفة أيضاً ،واألمر نفسه مع صيغة َ المستقبل وبمجاالت ّ
الزمن الماضي تدل أيضاً على ّ على جهات مختلفة في الحاضر والمستقبل ،ويمكن أن ُّ
ِ
تحدثوا عنالنحاة الم ْح َدثون فقط َمن ّ وبجهات مختلفة ،وهذا األمر ليس حديثاً ،إذ ليس ّ
السياق ،فقد كان للنحاة تقدمه القرائن و ّ
مني الذي ّ منية والغنى الز
الز ّ
الداللة ّ
هذا التنوع في ّ
ّ ّ
تحد َث عن هذا الموضوع في كتابه السبق في ذلك ومنهم ابن ِجّني الذي ّ العرب ّ
تدل على فهمه وإدر ِ
اكه لهذا مركبة ُّ (الخصائص) واحتوت عباراته أيضاً على صيغ
ّ
األمر ،وفي هذا ما ي ّفند آراء (رايت) وغيره من الم ْح َدِثين الغربيين والعربيين الذين
توهموا ّأنها مواضع ضعف في اللغة العر ّبية ،ولك َّن صوبوا سهام نقدهم على مواضع ّ ّ
وتعمقهم في هذه اللغة ،وتشير إلى نظرتهم
ّ الحقيقة ّأنها مواضع ضعف في فهمهم
السطحية لها ،وحسبنا هنا أن نذكر قول الدكتور كمال رشيد ،الذي يقولَّ " :
إن وجود ّ
ّ
ينظر:الزمنفياللغةالعربيّة:د.امحمدالمالخ،ص.77-1
50
السياق،
يدل على مرونة تلك اللغة وعبقرّيتها في تركيب ّ
أي لغةُّ ،
اصطالح الجهة في ّ
ليتكون منها جميعاً ٌ
فهم جديد وزمن جديد" (.)1 الصيغ األدوات ّ
وبتضام ّ
رفية في أداء المعنى
الص ّ
وقوة صيغها ّ
ويؤّكد الدكتور محمد الريحاني على غنى العر ّبية ّ
تحدثوا عن هذه
يقدم ذك اًر للمستشرقين الذين ّ
منية ،إ ْذ ّ
الز ّ
والتعبير عن كاّفة المجاالت ّ
للزمن إلى تام وغير تام،
تحدث عن تقسيم (رايت) ّ القضية ،ومنهم (كانتارينو) الذي ّ
ّ
أن األزمنة في العر ّبية ال ترتبط بالتعبير عن وقت محدد ،و أن الماضي معتب اًر ّ
يدالن على زمن محدد أكثر من اإلشارة إلى تام الحدث أو والمضارع في العربية ال ُّ
ّ
الداّلة
عب ار بصيغهما ّ
أن ي ّ
عدم تمامه ،و أن هذين الحدثين (التام وغير التام) يمكن ْ
إحصاء
ً يقدم
ثم ّ
منية الثالثة (الماضي ،والحاضر ،والمستقبل)ّ ،
الز ّ
عليهما عن المراحل ّ
منين ،فكان التام عنده داالً على كون من استخدام هذين ّ
الز ّ منية التي تت ّ
الز ّ
للمجاالت ّ
طع،
الماضي والحاضر والمستقبل ،بجهات مختلفة ومتنوعة كاالستمرار والتكرار والتق ّ
الزمن غير التام( ،)2مع األخذ بعين االعتبار
والبعيد والقريب ،واألمر عينه بالنسبة إلى ّ
الزمني الذي تضيفه القرائن التي تدخل على أحدهما وال تدخل على اآلخر والدور
ّ ّ
تحدث عنهما الصيغتين اللتين ّ مني لهاتين ّ للفعل ،وهذا ما يؤّكد لنا حقيقة الغنى الز
ّ ّ
منية للغة العر ّبية.
الز ّ
القوة التّعبيرّية ّ
(رايت ،وفندريس) وحاوال التقليل واالنتقاص من ّ
رفية ،فأخذ عليهم الص ّ
بالصيغة ّ الزمن ّ الداللة على ّ
وقد حاول النحاة األوائل حصر ّ
عد ّأول أصولي ناقش داللة صيغة الفعل علىالشريف الجرجاني (ت816هـ) -الذي ي ُّ
ّ ّ
الصيغ ،و إن اتّحدت ُّ
الزمنّ -أنهم استدلوا على ذلك باختالف األزمنة عند اختالف ّ
ّ
الصيغ ،و إن اختلفت المادة،
المادة ،نحو :ضرب ويضرب ،واتّحاد األزمنة عند اتّحاد ّ
مقدماً أدّل ًة دامغة تثبت خطأَ هذه االدعاءات ،بقوله " :وفي
نحو :ضرب وطلبّ ،
الصيغَّ -
فألن تصاريف أما األولى-يعني اختالف األزمنة عند اختالف ّالمقدمتين نظرَّ ،
ّ
الفعل الماضي ك ـ (ضرب ،ضرباً ،ضربوا) صيغ مختلفة مع اتّحاد الزمان ،بل حتى
كض َر َب وض ِر َب ،مختلفان صيغ ًة قطعاً وال يختلف الزمان ،و أما
المجهول والمعلومَ :
يدل تارةً على الحال، الصيغَّ -
فألن المضارع ُّ الثانية-يقصد اتّحاد األزمنة عند اتّحاد ّ
51
فالصيغة واحدة والزمان
ّ وأخرى على االستقبال اشتراكاً ،على المذهب الصحيح،
مختلف"(.)1
منطقية مالمساً للواقع
ّ متأني ًة فاحصة لهذا القول نراه من وجهة نظر
وعندما نقف وقفة ّ
عامة تتّحد عند
بالصيغ كقاعدة ّ
والحقيقة من جوانب كثيرة ،فال نستطيع إلزام األزمنة ّ
الصيغة في تحديد
دور ّ
الصيغ و تختلف عند اختالفها ،ونحن هنا ال ننكر أيضاً َ
اتّحاد ّ
كأن ما عداها من العناصر األخرى ال دور
الزمن و ّ
تفردها في تحديد ّ
الزمن ،بل ننكر ّ
ّ
أن ما السياقية المعنوية واللفظية ،إال َّ
له ،كالقرائن اللغوية بصورها الكثيرة ،والقرائن ّ
الزمن ،فربما كان المقصد بتغير تجدر اإلشارة إليه في حديث الجرجاني ،هو جهة ّ
قدمها الجرجاني الزمن ،فاألمثلة التي ّ
الصيغ هو تغير جهة هذا ّ تغير ّ
األزمنة عند ّ
ّ
الزمنصحيح ّأنها جميعاً تندرج تحت الفعل الماضي أو ّ ٌ ضرباً ،ضربوا)
(ض َر َبَ ،
َ
يصح أن َنع َّدها جميعها داّلة
ُّ فق عليه وال خالف فيه ،ولكن ال أمر متّ ٌ
الماضي ،وهذا ٌ
المستمر أو حتّى
ّ على جهة واحدة في الماضي من حيث القرب أو البعد ،أو التام ،أو
حديث أطال فيه النحاة الم ْح َدثون شرحاً وتفصيالً ،و إن اختلفوا في
ٌ المطلق ،وهو
ولكن _عن حسن ّنية برأي النحاة األوائل الذين انتقدهم الجرجاني في
الصيغْ ،بعض ّ
الصيغ صحيحاً من هذا الجانب الزمن باختالف ّ مأخذهم_ قد يكون القول باختالف ّ
الذي عرضه البحث ،ونحن في هذا الصدد نذهب مذهب األصوليين الذين يقولون إ َّن
النحويين
السياق والقرائن المختلفة في الجملة ،في حين كان مذهب ّ
الزمن هو ّ
الدال على ّ
ّ
الدين" :
الصيغة ،وهذا ما شرحه الدكتور مصطفى جمال ّ الزمن هو ّ يدل على ّ َّ
أن ما ُّ
الزمني للجمة الفعلية ،و ليس في إنكار المدلول
النحويين واألصوليين َ فالخالف بين ّ
ّ ّ
الصيغة ولذلك اعتبروا
النحويين هو ّ فالدال عليه عند ّ
(الدال) عليهّ ، إنما هو في تحديد ّ
الدال عليه عند األصوليين هو سياق الجملةالزمن دالل ًة تَضم ّنية ،و ّ
داللة الفعل على ّ
متضمناً للحدث ،ال يختلف عن سائر المشتّقات
ّ وقرائنهاَّ ،
ألن الفعل عندهم باعتباره
(الزمن المطلق) الذي ينطبق علىالمتضمنة للحدث نفسه من حيث داللته على ّ ّ
الماضي وقد ينطبق على الحاضر والمستقبل ،سواء كان التعبير عنه بصيغة الفعل،
أم بصيغ المصدر واسم الفاعل واسم المفعول ،والذي يجعل أحد األزمنة الثالثة مدلوالً
-1البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،ص.153
52
(الداللة الوضعية) لصيغتي (فعل ،ويفعل) بل هو داللة معيناً للفعل ،ليس هو ّ
()1
اللفظية أو الحالية عليه ".
ّ االستعمال ،وداللة القرائن
-1البحثالنّحويعنداألصوليين:د.مصطفىجمالالدين،ص.169
الخصائص:ابنجنّي.448-447/2،
ِ -2
53
()1
الزمن:
-4داللة صيغ الماضي على ّ
الشروح،تعتَبر صيغة الماضي صيغ ًة غزيرةَ االستعمال عند القدماء في األحاديث و ّ
توه َم البعض-
بالداللة على الفعل الماضي فقط –كما ّ الصيغة ّومن الخطأ ربط هذه ّ
الزمني ،وذلك لبراعة أدائها في الكالم ،وثبات قوية االستخدام والتّقليب
فهي صيغ ٌة ّ
ّ ّ
العبارة بها ،واستخدام الفعل الماضي للداللة على الحاضر أو المستقبل مثالً ،يعتبر
ِ
وقوِتها في األداء ،وفي المقابل فقد ظهرت أصو ٌ
ات تنادي بالتزام دليالً على براعة اللغة ّ
رفية بما
الص ّ ِ
الصيغة ّالزمن الماضي فيها ،فهذا ابن جّني يشير إلى ضرورة التزام ّ ّ
منية للحدث ،وذلك تجنباً للتضارب والتناقض في المعنى ،فال الز ّ
الداللة ّ
يتوافق مع ّ
الزمن و انقضى،
يجوز استخدام صيغة الماضي إال للداللة على حدث مضى عليه ّ
وال استخدام المستقبل إال لما يستقبل من الزمان ،إال في حاالت محددة يجوز من
خاللها استخدام صيغة الماضي للداللة على المستقبل وصيغة المستقبل للداللة على
الماضي ،وذلك باستخدام قرائن سياقية مساعدة ،وهذا ما نراه في قول ابن ِجّني " :من
المحال أن تنقض ّأول كالمك بآخره ،وذلك كقولك :قمت غداً ،وسأقوم أمس ،ونحو
أعزك
أقم أمس ،وتقولّ :
قمت غداً قمت معك ،وتقول :لم ْإن َ هذا ،فإن قلت :فقد تقول؛ ْ
()2
أطال بقاءك ،فتأتي بلفظ الماضي ومعناه االستقبال".
هللا ،و َ
الصيغَّ ،
ألن هذه الداللة المستفادة من استخدام ّ وفي هذا إشارة إلى االهتمام بالمعنى و ّ
زمنية ال ّبد لنا من التزامها أثناء الكالم حتى ال يظهر
طياتها معاني ّ الصيغ تحمل في ّ ّ
الكالم متناقضاً حين نستخدم صيغة الماضي للتعبير عن المستقبل أو المستقبل للتعبير
عن الماضي ،فهذا ما يظهر من القول السابق البن ِجّني الذي أ ّكد فيه على ضرورة
ليصح َح لنا ما سبق
ّ ولكنه يتابع هذا القول
لكل زمنّ ، منية المحددة ّ
الز ّ
الصيغ ّ
التزام ّ
المتجوزة ،وما كان نحوها ،فقد ذكرنا أكثرها فيما
ّ فأما هذه المواضع
اشتكل ،فيقولّ " :
و َ
سأل أبا بكر ( )4عنه في نحو هذا فقال (أبو بكر) كان
علي ،وقد َ
()3
حكيناه عن أبي
ّ
لما كان الغرض غير ّأنه ّ
ألنها لمعنى واحد؛ َأن تأتي كلها بلفظ واحد؛ ّ
حكم األفعال ْ
صيغةاإلفرادية:د.صفيّةمطهري،اتحادالكتّابالعرب،دمشق-سورية2003،م،ص.168-166 -1الدّاللةاإليحائيةفيال ّ
،وينظر:سرصناعةاإلعراب:ابنجنّي.75/1،
ِ الخصائص:ابنجنّي330/3،
ِ -2
-3هوالحسنبنأحمدبنعبدالغفارالفارسي،المعروفبـ(أبيعليالفارسي)ت377هـ .
يالس ّّراج=(ابنالس ّّراج)،ت316هـ.
هوأبوبكرمحمدبنالسَّريالبغداد ّ
ٍ -4
54
ولف بين مثلها؛ ليكون ذلك دليالً على المراد فيها،
في صناعتها أن تفيد أزمنتها ،خ َ
موقع بعض" ( ،)1إ ْذ يتّضح لنا من هذا
َ قع بعضها
أن َي َ فإن أ ِم َن اللبس فيها َ
جاز ْ قالْ :
أمن
بأي زمن كانت ،وذلك في حال َ الصيغة على المعنى ّالمهم هو داللة ّ
ّ أن
الكالم ّ
يقع الماضي موقع المستقبل
أن َالصيغة من اللبس في الكالم وجاز حينها ْ
على هذه ّ
لبس في الكالم،والمستقبل في موقع الماضي ،وعندما يشتكل األمر على الفهم ويقع ٌ
لكل زمن ،ونفهم من نص ابن ِجّني َّ
أن منية المحددة ّ
الز ّ
بالصيغة ّ
يجب حينها االلتزام ّ
مقومات الفعل واحدة ،بينما األبنية متعددة ،فداللة
تعد من ّالحدث والمادة اللغوية التي ّ
الصيغ ،ألنها أصل االشتقاق أو المادة التي تنتزع منها
الحدث ال تختلف مع اختالف ّ
األبنية ،وهو تعدد مساوق للزمن.
الصيغة ال يمكن أن يساوي
الصيغة زمني ،فصورة ّ أن جوهر ّ وتبين هذه النصوص َّ ّ
منية كامنة بالضرورة في المثل ،ويؤدي بنا هذا التصور إلى جعل
الز ّ
إال الزمان ،والقيم ّ
للصيغة
السياقات التركيبية التي يمكن ّ
الزمن مكوناً صرفيا لألفعال ،بغض النظر عن ّ
ّ
فإن أحد األزمنة يمكن أن يأتي بأي صيغة صرفية –وفق ما
أن تأتي فيها ،ولذلك ّ
()2
الزمن،
رفية على ّ
الص ّ ِ السياق -ولذلك نرى ّ
الصيغة ّ
أن ابن جّني ال ينفي داللة ّ يقتضيه ّ
عرف
الصيغة وهو ما ي َ
زمن جامد ثابت في ّ
ولكنه ٌ
الزمنّ ،الصيغة هو ّ
إن جوهر هذه ّبل ّ
الزمن الذي يظهر ضمن زمن يختلف عن ّ رفي ،وهو ٌ بالزمن الص
الدرس الحديث ّ في ّ
ّ ّ
الصيغة بزمن جديد أو رّبما تبقى على زمنها ،ولكن سياقي ،إذ تكتسي هذه ّ تركيب
ّ
ف ابن ِجّني وسواه من ّ
النحاة عر َ
النحوي ،إذاً فقد َ
بالزمن ّ
عرف ّ السياق ،وهو ي َ
بفضل ّ
األوائل هذه التقسيمات التي تباهى بها الدرس الحديث ،و إن لم تذكر صراحة في
النظر إليها.
كتبهم األصيلة ،إال ّأنها موجودةٌ في معانيهم ومقاصدهم لمن يمعن ّ
وهذا ما ذهب إليه الدرس الحديث كما وجدنا عند الدكتور عبد هللا بو خلخال الذي يرى
الزمن
ض َعت أصالً في اللغة العر ّبية للداللة على ّ أن صيغة الفعل الماضي " قد و ِ َّ
الزمن الماضي ،مطابقة مع للداللة على ّ
الماضي ،ولهذا جاءت في أغلب استعماالتها ّ
تدل على غير الماضي ،كالحال واالستقبال [ ]...وهذه
أصل وضعها؛ إال ّأنها قد ُّ
55
رفية
الص ّالصيغة ّطارئة على صيغة الماضي ،ليست داللة ّ المحولة أو ال ّ
ّ الداللة
ّ
معينة" ... ادية ،و َّإنما نتيجة ورود صيغة الماضي مع غيرها في تراكيب ّ
لغوية ّ اإلفر ّ
()1
الداللة نفسها عند الدكتور فاضل السامرائي الذي يرى َّأنه " :كان عليهم أن ونجد هذه ّ
ّ
عبر بصيغة الماضي ينظروا إلى الماضي والمضارع على َّأنها صيغ ال أفكار ،فقد ي َ
ٓء َنصر ٱ ََّّللِ َوٱلَفتح﴾(النصر﴿ ،)﴾1و﴿ َفِإ َذا ِ
الفلسفي ،كقوله تعالى ﴿:إ َذا َجا َ عن المستقبل
ٞ ِ ٞ
أن الماضي في هذه اآليات ّ وذلك ،()2
" )﴾ 13 ﴿ الحاقة ( ﴾ ة ور َنف َخة َوح َد ن ِف َخ ِفي ٱ ُّ
لص ِ
جاء في سياق الوعد والوعيد الذي سيحدث في المستقبل ،ولذلك كان األفضل استخدام
َ
جل جالله-
ألن وعيده – ّ
الماضي لينزل المستقبل منزلة الماضي المتحّقق المحتومّ ،
ِ
مصداقيته. كائن ال محالة ،وال مجال للشك في
ٌ
زمنية
حدد ّ رفية للفعل هي التي ت ّ
الص ّ
الصيغة ّ كما يؤكد الشريف الرضي أيضاً َّ
أن ّ ّ
الراء والباء في
الضاد و ّ
أما الحدث نفسه فهو مدلول حروفه المترتّبة نحو ّ
الحدثّ ،
ألنه كلمة بال خالف،
أما الفعل الماضي نحو ضرب ففيه نظرّ ،(ضرب) إ ْذ يقولّ " :
الزمن
أن الحدث مدلول حروفه المترتّبة ،واإلخبار عن حصول ذلك الحدث في ّ مع َّ
الماضي ،مدلول وزنه الطارئ على حروفه والوزن جزء من اللفظ ،إذ هو عبارة عن
()3
عدد مع مجموع الحركات والسكنات الموضوعة وضعاً معيناً"
الصيغة
الزمن ،هذه ّ
رفية على ّ
الص ّ
الصيغة ّ
أي من الرضي حول داللة ّففي هذا القول ر ٌّ
الزمن ،وال نراه
الداللة على ّ
الداللة على الحدث ،واآلخر ّ
التي تؤدي دورين ،أحدهما ّ
يتحدث عن زمن ثابت لصيغة ثابتة،
الصيغة وحدها ،أو ّ
الزمن في ّ
الداللة على ّ
يحصر ّ
النحويين القدماء الذين حصروا
بقية ّ
منطقي ومقبول ،على عكس ّ
ٌّ بالتّالي نرى ّ
أن قوله
الداللة على زمن
إن ّصحة له ،إذ ّ
بالصيغة وحدها ،وهذا كالم ال ّ
الزمن ّ الداللة على ّ
ّ
الصيغة الواحدة يمكن أن
أن ّ الدليل على ذلك ّمحدد ال تتوّقف على صيغة محددة؛ و ّ
ياقية.
السياق والقرائن ال ّس ّ
تشير إلى أكثر من زمن ،وذلك بحسب ّ
ّ يحتّىنهايةالقرنالثالثالهجريدراسةفيمقاييسالد
ّاللةعلىالزمن يعندنحاةالعربمنذنشأةالنّحوالعرب ّ ّ
ر:التعبيرالزمن ّ -1يُن َ
ظ
فياللغةالعربيّةوأساليبها:عبدهللابوخلخال،ديوانالمطبوعاتالجامعيّة،بنعكنون–الجزائر1987،م.64-63/1،
ّ
ّاللةدراسةلسانية:هانيالبطاط،مجلّةجامعةالخليلللبحوث،المجلد(،)4العدد(،)1الخليل–فلسطين، ّ
مقولةالزمن؛القرينةوالد -2
2009م،ص.190
ّاللةالزمنيّةللفعلالماضيعندالرضيفيشرحهعلىالكافية:عذراءضاريضبعالعزاوي،مجلةالعلوماإلنسانية،المجلد،25 ّ -3الد
العدداألول،جامعةبابل،العراق2018،م،ص.263
56
كما يناقش ابن ِجّني داللة صيغة الفعل الماضي على المستقبل في موضع آخر من
أما قوله تعالى
إذن ال أَق ْم ،و َّ
قم ْإن تَ ْ كتابه سر صناعة اإلعراب ،يقول " :كما تقولْ :
ۢ ٗ ٗ
ظُّلوْا ِمن َبع ِدِه ۦ َيكفرو َن﴾ (الروم ﴿ ،)﴾51فقال
﴿وَلِئن أَرَسلَنا ِريحا َف َأرَوه مصَف ّار َّل َ
ذكرهَ :
ض َع فيه الماضي ليظل َّن) فأَوقع الماضي موقع المستقبل ،ومثاله مما و ِ الخليل( :ومعناها َّ
ّ َ
موضع المستقبل قول الحطيئة:
َحق بالع ِ
ذر الوليد أ ُّ
َ َّ
أن َش ِه َد الحطيئة َ
حين َيلَقى َربَّه
أي :يشهد ،وأنشدنا أبو علي:
األمر واستجاب ما كان في ِ
الغد ِ من ضى وإني ِ
آلتيكم تَ ُّ
َ َ شك َر ما َم َ ْ ّ
()1
أي :ما يكون "...
قدمها ابن ِجّني ما يشير إلى داللة صيغة الماضي على ففي األمثلة السابقة التي ّ
حدثون ،يقول الدكتور
الزمن المستقبل وليس فقط داللتها على الماضي ،وهو ما أ ّكده الم َ
ّ
منية ومرونتها
الز ّ
الداللة ّ
قوة اللغة العر ّبية وبراعتها في ّ
يتحدث عن ّ
عبد القادر حامد الذي ّ
إن هذه اللغة الحافلة بالعجائب واألسرار ،تفوق اللغات ّ
الحية في الصيغّ ":
في استخدام ّ
أن الماضي يستعمل لما
مقدمة هذه األغراض ّاستعمال الماضي ألغراض أخرى ،وفي ّ
،كما السياق على ذلك"
()2
دل ّ
المضارع إذا ّ محل
يحل ّ سيقع في المستقبل؛ أي ّإنه ّ
في هذا الجانب من اللسانيين الغربيين وهو نجد اعترافاً آخر بمرونة اللغة العر ّبية
سماة بصيغة الماضي،
الصيغة الم ّ
نستخدم ّ
َ أن
فندريس الذي يقول " :يمكننا كّلما شئنا ْ
للتعبير عن المستقبل" (.)3
للصيغة
مني ّ أن ابن ِجّني ينكر الثّبات الز
يدل على ّ إن دّلنا على شيء َّ
فإنما ُّ وهذا األمر ْ
ّ ّ
السياق للصيغ الفعلية بمساعدة القرائن منية التي يمنحها ّ
الز ّ
الداللة ّ
الفعلية ،ويؤّكد ّ
ّ
النحو المعاصرين والسابقين له، اللغوية ،وهو يتفرد في رؤيته عن غيره من شيوخ ّ
السياق
رفية خارج ّ الص ّ
الصيغة ّ الزمن يؤخذ من صيغة الفعل ،و إ َّن ّ
والذين قالوا إ ّن ّ
أمر أرهق النحاة واللغويين الم ْح َدِثين العرب الزمن ،وهو ٌ
كفيلة بإفادة معنى ّ
سرصناعةاإلعراب:ابنجنّي.75/2،
ِ -1
- 2معانيالماضيوالمضارعفيالقرآنالكريم:د.عبدالقادرحامد،مجلّةمجمعاللغة العربيّة،ج ،10مطبعةالتحرير،القاهرة –
مصر،1958،ص.70
-3اللغة:فندريس،ص137
57
والمستشرِقين؛ إذ لطالما انتقدوا القدماء في هذا النزوع ،إال ّأننا نجد ابن ِجّني سابقاً
لعصره وذا رؤية بعيدة فيما يتعلق بزمنية الفعل وعالقته بالقرائن وغيرها من
الموضوعات األخرى.
الزمن:
-5داللة صيغ المضارع على ّ
حيوية ودالل ًة على األزمنة والجهات المختلفة ،وذلك
يعتبر الفعل المضارع أكثر األفعال ّ
نظ اًر لما يدخل عليه من القرائن المختلفة (كالسوابق واللواحق) التي تساهم في تحديد
ألنه يضارع األسماء في أشياء كثيرة؛ و من ذلك
زمنه وجهته ،وهو يسمى مضارعاً ّ
تدل صيغة المضارع بصورتهاقبول اتصال السوابق به وهي أحرف المضارعة ،و ُّ
تدل على الماضي والحاضر والمستقبل ،بجهاته
المفردة على الحال أو االستقبال ،و ُّ
تؤدي هذه األدوار ،واألمثلة على داللةالمختلفة عندما تقترن بالقرائن السياقية التي ّ
الزمن الحاضر أو المستقبل كثيرة ومتنوعة ،وال تحتاج إلى أمثلة
صيغة المضارع على ّ
الداللة األصلية
منين هي ّالز ّ
لإلشارة إليها ،فداللة صيغة المضارع على هذين ّ
محولة ،وكونها داللة
عية ّ
الزمن الماضي فهي داللة فر ّ
أما داللتها على ّ
واالفتراضيةّ ،
فرعية ال يعني ّأنها نادرة أو قليلة ،بل هي كثيرة االنتشار في الكالم والكتب ،فهذا ابن
الزمن الماضي أو على الحدث الماضي يتحدث عن داللة صيغة المضارع على ّ ِجّني ّ
يقم زيد ،جاءوا فيه بلفظ المضارع و إن كان معناه المضي،
فيقول ":ومنه قولهم :لم ْ
ّ
النفس من الماضي؛ أال ترى ّ
أن أول أحوال الحوادث أن المضارع أسبق رتب ًة في ّ
وذلك ّ
ثم توجد فيما بعد ،)1( "...فصيغة المضارع في هذا المثال الذي أن تكو َن معدوم ًةَّ ،
ْ
قدمه ابن ِجّني هي (لم يقم) جاءت مقترن ًة بالحرف الجازم (لم) الذي قلب زمن المضارعّ
من الحال إلى الماضي ،فانتقل معنى الجملة من الحاضر أو المستقبل إلى الماضي،
الداللة لصيغة المضارع.
إن القرينة هي التي ساعدت في تحصيل هذه ّأي ّ
فسر ابن ِجّني داللة المضارع على الماضي ّ
بأن المضارع أسبق في الوجود في وقد ّ
منطقية –كما هي عادته في
ّ النفس واإلدراك من الماضي ،منطلقاً من رؤية فلسفية
الخصائص:ابنجنّي،ص.105
ِ -1
58
أن األحداث تكون معدوم ًة أوالً ثم توجد فيتكون لدينا
االستقراء والتحليل -بحتة ،فيرى ّ
الزمن تصبح ماضي ًة في المعنى –وهي في وينقضي عليها ّ ثم بعد أن توجدالمضارعّ ،
َ
أن هذهجاز عنده أن يعب ََّر بالمضارع عن الماضي ،ونجد ّاألصل مضارعة -ولذلك َ
مترسخ ًة في دراسات اللسانيين الغربيين و ِ
أفكارهم ،ومنهم ِ
الفلسفية عند ابن جّني ّ
ّ الرؤية
ألن العقل َّ
يتمثل الحاضر له شكالن معماري وحركي ،فالمعماري َّ (غيوم) الذي يرى َّ
أن
َ
الحيز الذي يجري فيه الحدث على ّأنه فضاء تنتظم فوقه خطوط متقابلة متعاكسة
الزمن الحاضر واآلخر هو الماضي ،وهو (الحاضر) تشكل جزأين زمنيين أحدهما ّ
يمر وفق حركة مزدوجة :األولى :عندماأي فعل تعبير ّي ال َّبد من أن ّ حركي؛ َّ
ألنه في ّ ّ
الزمن والفصل بين الماضي والمستقبل ،والثانية :عندما يختزل يختزل مكانه في تمثيل ّ
الزمن من
تصور انتقال هذا الحاضر في ّ
ّ دوره إلى أقصى درجة ممكنة ومن خالل
لحظة إلى لحظة فيصبح بانتقاله على المحور المستقيم من الماضي إلى المستقبل
ويحول نفسه بعد انتقاله إلى ماض ،ولذلك يقول :إ َّن الفترة الحاضرة ال تلتقي
مستقبالًّ ،
()1
أبداً بالضرورة مع الحاضر الحقيقي.
تأصل هذه النظرّيةيدل على ّ ونرى في استخدامات ابن جني وشروحاته الكثير ّ
مما ُّ
يدل على ذلك ّأن َك ال
التي تحدث عنها ،وتجلى ذلك في بعض أحاديثه ونذكر منهاُّ " :
تقول :سرت من بغداد[ ]...والبدل ال يجوز إذا كان[]...أال ترى ّأنهم لم يجيزوا ْ
أن
يكون ، )2(" ...ففي القول السابق عدد من صيغ المضارع والتي تحمل دالالت زمنية
الزمن المطلق ،وصيغة (لم
مختلقة ،فكانت صيغة (ال تقول وال يجوز) داّلة على ّ
الزمن الماضي ،وصيغة (أن يكون) داّل ًة على المستقبل في الماضي،
يجيزوا) داّلة على ّ
فهذه دالالت مختلفة لصيغة المضارع في قول واحد ،ونضيف عليها قوله أيضاً" :
(أن يتراجعوا) داّلة على أن يتراجعوا بعد ما حكموا ، " ...فصيغة المضارع ْ
()3
فكرهوا ْ
الدالالت وما يساعد في تأديتها الحقاً بإذن هللا.
الزمن الماضي أيضاً ،وسندرس هذه ّ ّ
ولم تكن نظرة اللسانيين الم ْح َدِثين بعيدةً عن نظرة ابن ِجّني ،فنرى اآلخوند يذهب إلى
الزمن
إن استناد ّ وضعية إ ْذ َّ
ّ الزمن ليست داللة
(فعل ويفعل) على ّ َ أن داللة صيغتي َّ
-1ينظر:لسانياتالملفوظيّة:جانسيرفوني ،ترجمة:د.قاسمالمقداد،اتحادالكتابالعرب،دمشق1998،م،ص.41-40
الخصائص:ابنجنّي.226/3،
ِ -2
-3المصدرالسابق.234،
59
الداللة
كل فعل ماض يجب أن تستند إليه ّ فليس ّ
على الفعل هو من قبيل اإلطالقَ ،
شترط فيهمنية على الماضي ،واألمر كذلك فيما يتعّلق بالفعل المضارع الذي ال ي َ
الز ّ
ّ
أبداً أن يكون زمن الحال أو االستقبال مستنداً إليه من خالل صيغة (يفعل) ،وي ّ
قدم
قبل شهر وهو يضرب ِ ِ
(جاءَني ز ٌيد َ
صحة ّادعائه ،فعندما نقولَ :
اآلخوند مثاالً يثبت فيه ّ
غالمه) ،وقولنا( :يجيئني عمرو بعد شهر وقد نجح في االمتحان) ،فمن الواضح َّ
أن
زمان الحال واالستقبال في (يضرب) هو في الحقيقة زمن ماض وال يكون حاالً إال
باإلضافة إلى مجيء زيد ،وكذلك األمر في الفعل (نجح) هو في الحقيقة زمان مستقبل،
ولكنه ال يكون ماضياً إال باإلضافة إلى مجيء عمرو(.)1
مطية متجردةً من ِ ونرى في كالمه نظرة فاحص ًة ودقيق ًة ِ
الن ّ
ثوب الجمود و ّ ّ للغة العر ّبية ً
أن
جلية ّ التي ألبسها ّإياه غير واحد من اللغويين العرب والمستشرِقينّ ،
فيتبين بصورة ّ
الزمن ،إ ْذ
تدل من خاللها على ّ صرفية خالصة نس ُّ
ّ الزمن ال يمكن حصره في قوالبّ
حول وفق ما وقابلية لالستناد والتّ ّ
ّ الزمن من خالل ما سبق ّأنه أكثر مرونة َيظهر ّ
السياق والقرائن أزمن ٌة أخرى ما
الصيغة الواحدة عن طريق ّ يقتضيه المقام ،فيتوّلد من ّ
سطحية.
ّ كّنا لنراها لو نظرنا إليها نظرةً
كل
الصيغة الوحيدة التي وجدت في ّ(يفعل) كانت ّ
أن صيغة َ كما يرى بول كراوس َّ
السامية في التّام أو الماضي إلى أن وضعت صيغة(فعل) ،وهكذا ط ِرَدت صيغة
اللغات ّ
تدل على ذلك
(يفعل) من الماضي وأصبحت تستعمل في الحاضر والمستقبل ،ويس ُّ َ
يدل
بوا و القلب في اللغة العبرية التي تدخل على (يفعل) لتقلبها إلى الماضي ،وهذا ُّ
يبق منه
ثم انقرض هذا االستعمال ولم َ
أن (يفعل) كانت مستخدمة في الماضيَّ ، على َّ
في العبرية إال (يفعل) مسبوقة بواو.)2( "...
تدالل غير دقيق ،فدخول واو القلب على صيغة (يفعل)أن هذا التعليل وهذا االس ُّ
و نرى َّ
وتحويل داللتها إلى الماضي في اللغة العبرية يشبه دخول الحرف الجازم (لم) على
الصيغة من الحاضر إلى الماضي أيضاً ،فمن غير المعقول
صيغة (يفعل) فتقلب داللة ّ
لمجرد دخول (لم) عليها ،فهل كان
ّ أن ننسب صيغة (يفعل) إلى الماضي في نشأتها
-1ينظر:كفايةاألصول:محمدكاظمالخرساني(اآلخوند)،تح.مجتبىالمحمودي،مجمعالفكراإلسالمي،ط،10إيران1440،هـ،
.64/1
ّ
ينظر:الزمنواللغة:د.مالكيوسفالمطلبي،ص.34 -2
60
آنية ،كقولهالسياقات القر ّ
تدل على المستقبل في ّ سيقول ذلك في صيغة (فعل) التي ُّ
تعالى﴿ :أَتَ ٓى أَمر ٱ ََّّللِ َف َال تَستَع ِجلوه سب َحَنه ۥ َوتَ َعَلى َع َّما يش ِركو َن﴾(النحل ،)﴾1﴿:بمعنى
ور َذِلك يوم ٱلو ِع ِ ﴿ون ِف َخ ِفي ٱ ُّ
يد﴾(
لص ِ َ َ َ جل جالله في الوعيدَ : ّأنه آت ال ريب فيه ،وقوله ّ
جتك ...إلخ ،فصيغة زو َ ِ
ق﴿ ،)﴾20أو في سياقات التعامل والعقود والبيع ،كقولنا :بعت َكّ ،
سيصح القول إ ّن أصلها مستقبل
ُّ فعل في األمثلة السابقة دالة على المستقبل ،هل
إن في هذا القول إنكار لدور وط ِرَد ْت إلى الماضي بعد وضع صيغة (يفعل)؟! بل َّ
سنفصل الحديث عن دورها في الفصل
ّ السياق -التي
السياق ،والقرائن التي يحتويها ّ
ّ
تعبر صيغة الماضي
السياق أن ّ
الثالث من البحث – فيمكن عن طريق هذه القرائن و ّ
الزمن الماضي،
تعبر صيغة(يفعل) عن ّ
الزمن الحاضر أو المستقبل ،كما يمكن أن ّ
عن ّ
عبرت عنه مع (لم) في اللغة العر ّبية ،ومع (واو القلب) في اللغة العبرّية.
كما ّ
(فعل) مقصورةٌ على الماضي،
َ أن صيغةحسان يرى َّ تمام ّالدكتور ّ في حين نجد َّ
أن ّ
إما لالستقبال ،وأ َّن تحديد
إما للحال و ّ
ونحوهما تكونان ّ
َ افعل)
ْ أن صيغتي (يفعل، و َّ
السياق يحمل من القرائن ياقية ،وذلك َّ
ألن ّ الس ّ
ف على القرائن ّمنية بدّقة متوّق ٌ
الز ّ
داللتهما ّ
مجرد المجال
الزمن في مجال أوسع من ّ الحالية ما يعين على فه ِم ّ
المعنوية و ّ
ّ اللفظية و
ّ
الصرفي الم َّ
حدد (.)1
ّ ّ
رفية الخاضعة لقانون
الص ّ
الصيغ ّ
السؤال هنا ،أليست صيغة (فعل) من ضمن ّ ولكن ّ
ّ
الصيغ التي ذكرها الدكتور تمام حسان،
السياقية؟! شأنها في ذلك شأن باقي ّ القرائن ّ
باطل من وجهة نظري التي بينتها على أساس ٌ االدعاء
مثل (يفعل ،افعل) ،فهذا ّ
قدمو َن
السابقين ي ّ فإن ُّ
النحاةَ ّ االدعاء ،كذلك َّ
منطقي ،وليس المنطق وحده َم ْن يرفض هذا ّ
ّ
حسان يقول في موضع ِ ِ
تمام ّ أن الدكتور ّ
كما ّ
أيّ ،
الر َ
ثير من األمثلة التي تنكر هذا َّ
الك َ
َ
الداللة على
آخر من كتابه ما يثبت عكس ما ذهب إليه من حصر صيغة (فعل) في ّ
الصيغة َّ
أن رفي من شكل ّ الزمن على المستوى الصالماضي ،يقول" :ومعنى إتيان ّ
ّ ّ
النحوي من
الزمن يأتي على المستوى ّ
أن ّالصيغة المفردة ومعنى َّ
الزمن هنا وظيفة ّ
ّ
السياق وليس وظيفة صيغة الفعلَّ ،
ألن الفعل النحو وظيفة ّ
الزمن في ّ
أن ّالسياق َّ
مجرى ّ
السياق على المستقبل ،والذي على صيغة المضارع
يدل في ّ
الذي على صيغة (فعل) قد ُّ
-1اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص.105
61
يدل على
فإنما ُّ
دل على شيءّ ، إن ّ يدل فيه على الماضي ، " ...وهذا القول ّ
()1
قد ُّ
الصيغ المفردة على
إمكانية داللة ّ
ّ صحة ما أشرنا إليه من
الرَأيين ،وعلى ّ
تضارب بين َّ
عدة أزمنة ،وليس فقط الزمن الذي وضعت له أو ع ِرَفت ِ
به. ْ ّ َ ّ
الزمن ،وهو
الصيغ على ّ
حسان من داللة ّ ونجد من الغربيين من يقف موقف د .تمام ّ
الزمني أن الحاضر هو شكل يخلو من المدلول جورج سيربا الذي يشير في نظريته إلى َّ
ّ ّ
سمى بـ
الشكل الم َّ على الرغم من االسم الذي يحمله ،إ ْذ يعتبر َّ
أن فكرة التّالقي بين ّ
أي
مني الذي هو الحاضر ،وهو واقع نفسي يرافق فيه الوعي ّ (الحاضر) والواقع الز
ّ ّ
اللغوية والبنية الواقعة
ّ ط بين البنية
ممارسة للفكر والكالم ،وتستند هذه الفكرة إلى الخل ْ
تدل على َّ
أن خارج اللغة ،ثم يستعرض سيربا مجموعة من اآلراء التي تقول إ َّن الوقائع ُّ
الحاضر يمكن أن يترافق مع أ ّي تحديد زمني آخر بعكس ما أسماه أشكال اإلدالل
ّ
يدل التفسير التقليدي
األخرى ،كما في :نرحل غداً ،خالل ستة أشهر ،خالل سنة ،فيما ُّ
القواعدي للحاضر على الحاضر فقط ،و إن استخدام الحاضر للداللة على فترات
زمنية أخرى مثل الماضي ،والمستقبل ،تعتبر استثنائية واستعارّية تتعّلق باألسلوبية،
ويقف سيربا من هذا التفسير التّقليدي موقف المنتقد ،فيرى فيه حكماً مسبقاً ويقلل من
الزمني نوعية ،كما ينتقد اعتبار االستخدام
بأنها ليست ّتواتر االستخدامات التي يزَعم ّ
ّ ّ
()2
للحاضر في سياقات أخرى غير الحاضر انحرافاً ذا أثر أسلوبي.
الزمن:
-6داللة صيغة األمر على ّ
تستخدم صيغة األمر في اللغة العر ّبية للداللة على الفعل المأمور به أو األمر الذي
يجب القيام به ،ويمكن استخدامها للتعبير عن األمر في المضارع أو الماضي ،وفيما
الزمن عند ابن ِجّني ،فإنه يشير إلى أن صيغة األمريتعلق بداللة صيغة األمر على ّ
الزمن المستقبل بحسب ما يقترن بها ،يقول في اللمع " :والمستقبل ما قرَن
تدل على ُّّ
به المستقبل من األزمنة نحو قولك :سينطلق غداً ،وسوف يقوم غداً ،وكذلك جميع
أن داللة
قم غداً ،وال تقعد غداً ".ففي هذا دليل على ّ
()3
أفعال األمر والنهي نحو قولكْ :
الزمن المستقبل ،ال تكون إال بوجود قرينة ،وهي التي تثبت لهذه
صيغة األمر على ّ
-1اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص.104
-2ينظر:الملفوظية:جانسيرفوني،ص.39-37
اللمع:ابنجنّي،ص.28
ِ -3
62
الزمن ،ونرى هذه ّ
الداللة على المستقبل في استخداماته وشروحاته ،فنراه الصيغة ذاك ّّ
لتكن ِ
رت فيهْ : تصو َ
ألن َك ّ
فأكرمك ،فإنك ّإنما نصبتهّ ،
َ قلت زرني
اك إذا َ
يقول " :أال تر َ
الزمن المستقبل ال َّ
شك مني ، ".فداللة صيغة األمر (زرني) على ّ
()1
منك فإكرٌام ّ
زيارةٌ َ
المستقبلية،
ّ الداللة
فيها ،وما يؤّكدها هو تأويل هذه األفعال بمصادر تحمل في معناها ّ
سبب لما بعدها، تدل على َّ
أن ما قبلها ٌ فالفاء الموجودة في الجملة هي فاء السببية التي ُّ
فتجزم ما بعدها على
َ مستقبل كما ذكرنا ،وقد تنوب صيغة األمر عن الشرط،
ٌ وكالهما
أشياء
ٌ قيمت
الشرط ،وأ َ اب لها ،ويذكر ابن ِجّني ذلك في اللمع قائالً " :وقد َ
حذف ّ ّأنه جو ٌ
الدعاء ،والعرض،
التمني و ّ
النهي واالستفهام و ّ
وتلك األشياء :األمر و ّ
مقامه داّل ٌة عليهَ ،
ك ،)2( " ...فقيام صيغة األمر مقام جملة الشرط -والتي أزر َ
زرني ْ
فتقول في األمرْ :
ك) -خير دليل على داللتها على أزر َ
تزرني ْ(إن ْ يمكن تأويلها بحسب المعنى ب ـ ْ
زمني ٌة أخرى ِ ِ
دالالت ّ
ٌ األمر لصيغة ولكن
ْ الشرط،
المستقبل ،التي اشتهرت به جملة ّ
تدل على إدراكه ومعرفته لهذه الدالالت ،منها استخدمها ابن ِجّني في نصوصه ،و ُّ
يتحدث إلى م ِ
ستمع ليشرَح الشرح عندما ّ الزمن الحاضر ،وذلك في سياق ّ الداللة على ّ
ّ
ذلك ونحوه مذهباً للعرب ،فمهما ورد منه فتلّقه له أم اًر ،كما في ِ
قوله شارحاًِ " :
ف َ فاعر ْ
الشرح
ألن سياق ّ الزمن الحاضر ،وذلك ّ تدل على ّ
عليه" ( ،)3فصيغة األمر (اعرف) ُّ
تقد َم من
الصيغة معنى (افهم)؛ أي افهم ما ّ ِ
الذي يناقش به ابن جّني سائَله يعطي لهذه ّ
يفهم الحقاً وهو بصدد الشرح والمناقشة ،بينما
يطلب منه أن َ
َ أن
الشرح اآلن ،فال يجوز ْ
ّ
الزمن المستقبل لوقوعها جواباً للشرط ،والتي كان تشير الصيغة األخرى( َّ
تلقه) إلى ّ ّ
احرص على تل ّقيه).
ْ شيء منها
ٌ أمامك
َ المعنى فيها( :عندما يرد
الصيغةمنية التي تتضمنها هذه ّ تحصل من فهم وإدراك ابن ِجّني للقيمة ّ
الز ّ إذاً هذا ما ّ
من خالل اآلراء تارة ،واالستخدام تارةً أخرى ،وباالنتقال إلى الدرس الحديث نرى اختالفاً
فرق
الصيغة ،فقد كانت أبرز ما عاب به الم ْح َدثون النحو القديم ،فقد ّ
النظر لهذه ّ
في ّ
(فع َل ،يفعل) واعتبروا األولى ال داللة لها على
(افعل) وصيغتي َ
ْ بعضهم بين صيغة
تدلين على ذلك بالتبادل (فإن قال القائل: الزمن بحسب وضعها اللغوي أصالً ،مس ُّّ
الخصائص:ابنجنّي.47/3،
ِ -1
اللمع:ابنجنّي،ص.95
ِ -2
الخصائص:ابنجنّي.87/3،
ِ -3
63
مطلوبية حدث الضرب من دون انفهام (كذا) زمان
ّ اضرب ،مثالً ال يتبادر منه إال
ْ
الزمن بحسب وضعهما فإنهما دالتان على ّ
أما صيغتا (فعل ،ويفعل) ّ معها أصالًّ ،
()1
اللغوي "...
منية والجهة ،وذلك
الز ّ
الداللة ّ
كما اتّفق أغلب النحاة على تفريغ صيغة فعل األمر من ّ
قوة إنجازّية يطلبها المتكّلم من المخاطب ،وبالتالي يكون المحتوى
يدل على ّ َّ
ألن األمر ُّ
ياقية الموجودة،
الس ّالقضوي للفعل الحقاً للحظة التلّفظ ،وهذا يرتبط أيضاً بالقرائن ّ
ّ
اذهب غداً.
اذهب اآلن ،و ْ
ْ كقولنا:
يدل على
أن فعل األمر" ال ُّونذكر بهذا الصدد الدكتور مهدي المخزومي الذي يرى َّ
اجه به المخاطب إلحداث
ولكنه طلب محض يو َ
وقوع حدث في زمن من األزمان ّ
((2
مضمونة فو اًر "
وكذلك تكون الجهة معدومة َّ
ألن الحدث في فعل األمر ينضوي على توّقع في المستقبل
الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة منه ،وليس تسجيالً لحدث تام منته واضح الجهة.
()3
الجهية بعض
منية و ّ
الز ّ
الداللة ّ
حيز ّ ونرى ّ
أن في هذه اآلراء التي تبعد صيغة األمر من ّ
تدل على حدث لم يحدث بعد ،بل الصيغة ،فقط لكون هذه ّ
الصيغة ُّ المغاالة بحق هذه ّ
أن
وجب ْ
يتوّقع حدوثه ،ولذلك كانت هذه اآلراء غير مقبولة ،فلو كان ذلك صحيحاً ل َ
منية أيضاً ،وحصر الداللة على الزمن في
الز ّ
الداللة ّ
ت ْب َع َد صيغة المضارع (يفعل) من ّ
الزمن المستقبل الذي لم يقع بعد، (فعل) فقط ،لكون صيغة (يفعل) ُّ
تدل على ّ َ صيغة
أو الذي يتوّقع حدوثه ،وكون صيغة (فعل) هي التي ُّ
تدل على الحدث التام المنجز،
شأن صيغة (فعل ويفعل)،
زمنية شأنها َ
أن لصيغة (افعل) داللة ّ
ومن هذا المنطلق نجد ّ
المستمر أو المطلق
ّ أما جهتها فهي المستقبل القريب أو البعيد أو
وزمنها هو المستقبلّ ،
اكتب الدرس اآلن،
ياقية المصاحبة ،كقولناْ :
الس ّ
السياق والقرائن ّ
...إلخ ،وذلك بحسب ّ
اسع إلى فعل الخير ...إلخ
اسحب البكرةَ باستمرار ،أو َ
ْ أو اكتب الوظيفة غداً ،أو
-1البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،ص.156-155
ّ
ّاللةدراسةلسانية:هانيالبطاط،ص.194-193 ّ
مقولةالزمن؛القرينةوالد -2
ّ
ينظر:الزمنفياللغةالعربيّة:امحمدالمالخ،ص.69 -3
64
النحويين من ذهب مذهب البصريين في اعتبار صيغة(افعل) -التي هي صيغة
-ومن ّ
نحو الكوفيين في اعتبار صيغة
األمر -قسيماً للماضي والمضارع ،ومنهم من َن َحا َ
(افعل) جزءاً من المضارع أو المستقبل على اعتبار ّأنه يطلب به حدوث فعل لم يحدث
فضل عدم اعتبار صيغة (افعل) ضمن األفعال،
أو استمرار حدوث فعل ما ،ومنهم من ّ
أن صيغة (افعل) هي صيغة إنشائية خبر به عن حدث ما ،وبما َّ وذلك َّ
ألن الفعل ي َ
الزعبالوي اعتبار األمر فعالً، الدين ّ
خبر بها رفض الدكتور صالح ّ وليست خبرّية ي َ
فليس ِ ية في ِاألحداث الجار ِ
ِ به ِيقول " :الفعل َّإنما يخبر ِ
أما( األمر ) َ األزمنةَّ ، هذه عن َْ
ِ
الفعل ألنه صيغة إنشاء ،ال إخبار ،فال يصح ِ
فيه إذاً حُّد ِ
األصل؛ َّ به ،فيمما يخبر ِ
َ ّ َّ ْ َ
()1
".
بحد
ألنه إنشائي وليس إخبارياً التزاماً ّ
أن إخراج فعل األمر من دائرة األفعال ّونرى َّ
فصحيح
ٌ لحد الفعل؛
الفعل ،يعتََبر رأياً ضعيفاً وغير منطقي ،وفيه نظر لجانب واحد ّ
الطلبية ،ولكن هل
ّ اإلنشائية
ّ أن فعل األمر ينطوي على طلب ويندرج ضمن األساليب َّ
اإلنشائية ال تشمل إال فعل األمر أو صيغة (افعل)؟! فالفعل المضارع ّ األساليب
المسبوق بحرف استفهام يعتبر إنشائياً ال إخبارياً ،كقولنا :أتفعل كذا؟ أو هل يعقل ذلك،
صديقك؟ فهل قال
َ زرت
واألمر نفسه مع الفعل الماضي وصيغة (فعل) في قولنا :هل َ
ألنهما ال ُّ
يدالن على إخبار كما قال في الزعبالوي َّ
أن الماضي والمضارع ليسا فعلين ّ ّ
فعل األمر؟
لمجرد داللته على اإلنشاء ال ي َع ُّد كافياً ،وليس دليالً
إذاً فإخراج فعل األمر من األفعال ّ
وتبنى آراءهم الذين قالوا إّنه
ؤخذ به ،شأنه شأن آراء القدماء من الكوفيين ومن تبعهم ّ
ي َ
ط ٌع من المضارع وليس فعالً مستقالً بنفسه ،على عكس البصريين ،فنرى سيبويه مقتَ َ
()2
اضرب"
ْ اقتل و
اذهب و ْ
ْ فإنه قولك آم اًر:
يقع ّ
أما بناء ما لم ْ
حده للفعل " :و َّ
يقول في ّ
زمنية على المستقبل الذي لم
إذاً فقد وضع سيبويه األمر ضمن األفعال وأعطاه دالل ًة ّ
ِ
يأت بعد.
-1معالنّحاةوماغاصواعليهمندقائقاللّغةوأسرارها:صالحالد
ّينالزعبالوي ،منشوراتاتّحادالكتّابالعرب،دمشق–سورية،
ّ
1992م،ص.191
-2الكتاب:سيبويه.12/1،
65
منية
الز ّ
الداللة ّ
بين اللغويين في طبيعة العالقة بين الفعل وصيغته و ّ
وهكذا تفاوتت اآلراء َ
السلف القديم
يدل عليه الفعل الذي أشار إليه ّسمى الذي ُّ
ماهية هذا الم ّ
يقدمها ،في ّ
التي ّ
يدل على النحويين في تعريفهم للفعل العربي ،فقال بعض الم ْح َدِثين َّ
أن الفعل ال ُّ من ّ
ّ
تم سمى ،وهذا غير مقبول َّ
ألن الحركة يجب أن تَ ّ زمان ،و إنما على حدث أو حركة للم ّ
الزمن َّ َّ
تتم داخله كل األحداث عنوي الذي ّ الم ّ
ألن الزمان هو اإلطار المكاني َ عبر ّ
مادة أو جسم أو حركة أو فعل ال زمن له ال وجود له ،وهذه فأي ّ
والحركات والموادّ ،
اللغوي ّ
بكل عالقاته ّ العالقة ال تنطبق فقط على علم الفيزياء ،بل تشمل أيضاً الكالم
فالزمن والحركة والحدث جميعها عناصر ترتبط وتتعّلق بالفعل،
حوية ،إذاً ّ
الن ّ
ركيبية و ّ
التّ ّ
بحج ِة ارتباطه بالحدث ،وبعضهم
الزمنّ ، فصل الفعل عن ّ
َ لكل قول يحاول
صح َة ّ
وال ّ
يدل على
إن الفعل ُّيدل عليه الفعل ،و ّ
سمى بالفاعل الذي ُّ
اآلخر حاول ربط هذا الم ّ
حركة هذا الفاعل ،ال على حركة الحدث نفسه.
الصحة ،فالحركة موجودة في الفاعل وفي ونرى َّ
أن هذا الرأي يفتقر إلى جانب من ّ
الفعل نفسه ،ووجودها في أحدهما ال ينفي وجودها في اآلخر ،فمثالً الفعل (ضرب)
الضرب ،ويقتضي بالضرورة حركة الفعلبعملية ّ
ّ ينطوي على حركة الفاعل الذي يقوم
الضرب ،إذاً فالحركة موجودة في كليهما بل
عملية ّ
ّ لتتم وتكتمل
نفسه أو الحدث ّ
المسمى بصيغة الفعل نفسه ،ودور هذه ّ وضرورّية أيضاً ،وربط لغويون آخرون حركة
فع َل،
عل ،وَف ّع َل ،وتَ َّ
يدل عليه الفعل ،كداللة صيغة ( َف َ
الصيغة في تحديد المعنى الذي ُّ
ّ
أن هذا الرأي يتماشى الصيغة ،ونرى ّويفعل )...على معان مختلفة بحسب مادة هذه ّ
الصيغة بتقاليبها ِ
النحاة القدماء ،ومنهم ابن جّني الذي أشار إلى داللة ّ
مع ما ذهب إليه ّ
تضمان أحرفاً مشتركة ،وذلك بفعل
ّ المختلفة على معنى واحد ،أو صيغتين مختلفتين
ً
الصيغ وما تحمله هذه األحرف من معان جز ّئية تتضافر فيما
المكونة لهذه ّ
ّ األحرف
للصيغة ،كقوله في باب في إمساس األلفاظ أشباه بينها لتندمج في بوتقة المعنى العام ّ
ص َّر،
ومداً فقالواَ :
كأنهم ّتوهموا في صوت الجندب استطال ًة ّ المعاني " :قال الخليلّ :
ص َر ]...[ ،ومنها أيضاً ّأن َك تجد المصادر وتو ّهموا في صوت البازي تقطيعاً فقالواَ :
ص ْر َ ّ
الصلصلة ،والقعقعة،
الزعزعة ،والقلقلة ،و ّ
المضعفة تأتي للتّكرير ،نحو ّّ باعية
الر ّ
تقدمت الزيادة فيه على سمت األصل؛
الصعصعة] ،والجرجرة والقرقرة]...[،وكذلك ما ّ
[و ّ
66
الصنعة بوزن األصل في نحو نحو أحسن ،وأكرم ،وأعطى ،وأولى ،فهذا من طريق ّ
وزْوَزى ،وذلك ّأنهم جعلوا هذا الكالم عبارات عن هذه المعاني،
ف ،وَق ْوَقىَ ،
وس ْرَه َ
حرَجَ ،
َد َ
أدل عليه ،وأشهد بالغرض فيه" (.)1
فكّلما ازدادت العبارة شبهاً بالمعنى كانت ّ
يدل على التّناسب القائم بين األحرف بمعانيها المختلفة ودورها في
وفي هذا القول ما ُّ
الصيغ على المعنى ،وحتى ولو كانت مادة
الصيغة ،كما يشير إلى داللة ّتحديد معنى ّ
الداللة على المعنى ،بل
الصيغ مختلفة ،إذاً فال تفضيل ألحدهما على اآلخر في ّ
هذه ّ
الزمن ،فال يمكن كو َن المعنى ،واألمر ّ
سيان مع الحركة و ّ ال ّبد من تضافر األمرين ليت ّ
الصيغ الجامدة تستطيع أن أن تكون أحرف الكلمة وحدها داّل ًة على زمن ّ
محدد ،وال ّ
تعبر عن زمن بصورة مطلقة وثابتة.
ّ
الزمن:
-7دالل ُة اسمي الفاعل والمفعول على ّ
تحمل المشتقات في طياتها دالالت األفعال المشتقة منها ،على رأي من يقول أن
األفعال هي أصل االشتقاق ،فهي تحمل معنى الفعل وداللته ،وطالما كان شأن الفعل
تدل على الحدث والزمان، فإن المشتقات منه بدورها ُّأن يكون داالًّ على حدث وزمانّ ،
ولعل من أبرز هذه المشتقات دالل ًة عليهما ،اسم الفاعل واسم المفعول ،فقد كانا ميداناً
ّ
يدل عليه كل منهما ،ال يمكن أن
الزمن الذي ُّ للبحث والدراسة قديماً وحديثاً ،ودراسة ّ
يتجرد عن السياق وقر ِ
زمنية ،فهذا ابن ِجّني ّ
يتحدث تحمل َّأي َة داللة ّ
َ ائنه ،فبدونها لن ّ ّ
عن داللة اسم الفاعل على المعنى ،كداللة المصدر على معنى الفعل ،فيقول " :أال
تراك تقول :أأنت سائر فأتبعك ،فتقتضب من ِ
لفظ اسم الفاعل معنى المصدر و إن لم َ ََ ٌ َ
يكن فعالً" ( ، )2فالمعنى الذي حمله اسم الفاعل (سائر) هو معنى المصدر والفعل ْ
منية التي
الز ّ
الداللة ّ
فإن ّ
الزمن الحاضر ،وبالتالي ّ
يدل على ّ
(تسير) في هذا السياق ُّ
الزمن الحاضر (الحال).
ّأداها اسم الفاعل هي ّ
و نرى ابن ِجّني في موضع آخر يربط بين اسم الفاعل و ّ
الداللة على الحدث بلفظه،
يقول " :وكذلك اسم الفاعل –نحو قائم وقاعد -لفظه يفيد الحدث الذي هو القيام
الخصائص:ابنجنّي.154-152/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.49/3،
67
إذاً فاسم الفاعل عنده مرتبط ()1
والقعود ،وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل"
تدل على من قام بالفعل ،وبحكم ارتباط اسم الفاعل بالحدث فهو
بالحدث ،وصيغته ُّ
مقيداً بجهة
الزمن ّ
اء أكان ّألنه ال وجود للحدث بدون زمن ،سو ٌ
بالزمنّ ،
شك مرتبط ّبال ّ
غير محدد بزمن ،كداللة المصدر مثالً ،وارتباطه بالزمن ال يعني
محددة أم كان مطلقاً َ
بالضرورة أن يكون داالً على زمن بعينه ،وإنما أن يكون قابالً للداللة على زمن ما
وفق القرائن الدالة.
زمنية واضحة تشير ونرى في استخدامات ابن ِجّني السمي الفاعل والمفعول دالالت ّ
تحدث عنها النحاة الم ْح َدثون ،ومن األمثلة التي تظهر فيها ّ
الداللة إلى األزمنة التي ّ
منية قوله في الخصائص" :ح ِم َل ما س ّمي به الفعل في الخبر على ما سمي به في
الز ّ
ّ
َ َ
الرجل ،)2( "...فنراه هنا
َ ِ
الضارب األمر والنهي ،كما يحمل هذا الحسن الوجه على هذا
يشبه الحسن الوجه بالضارب الرجل في اإلخبار ،واإلخبار هنا كان لحدث ماض ،وقد
(الموصولية) ،فكانت الجملة
ّ ومعرف ًة بأل
ّ جاءت صيغة اسم الفاعل (الضارب) عامل ًة
الرجل) ،وفي موضع آخر يقول ابن ِجّني " :أال ترى ّ
أن َ ضرب
َ بمعنى( :هذا الذي
الزمن
أما داللة اسم الفاعل (مؤذن) فهي ّ ِ
دخل عليهّ ، "...التنوين مؤذ ٌن بتمام ما َ
()3
دل فيه على الفعل المضارع الذي يشير إلى هذاألنه وقع في سياق ّ
الحاضر ،وذلك ّ
فكان بمعنى( :أال ترى ّ
أن التنوين يؤذن بتمام) الزمن ،بسبب السياق وقرائنه(أال ترى) َ
ّ
أن داللة الفعل المضارع في هذا المثال هي الحال.
اضح ّ
وو ٌ
استخدم ابن ِجّني صيغة اسم المفعول للداللة على االتصاف بالحدث ،كما في قوله:
َ و
معيناً" ( ،)4فاسم المفعول
لما لم يكن الرجل هنا مقصوداً ّ
ألمر برجل مثلك ّ
" قالّ :إني ُّ
الصيغة خب اًر للفعل
بأنه مقصود ،فقد وقعت هذه ّ
يدل على اتصاف الرجل ّ
(مقصود) ُّ
معروف عن األفعال
ٌ الناقص (يكون) في حين كان (الرجل) اسماً لها ،وكما هو
تدل على اتّصاف اسمها بخبرها.
الناقصة التي ُّ
الخصائص:ابنجنّي .101/3،
ِ -1
-2المصدرالسابق .50/3،
-3المصدرالسابق،ص.65/3
-4المصدرالسابق،ص .99/3
68
وكنت عند التّذ ّكر
الداللة قوله " :والمعنى الجامع بين التّذ ّكر والندبة[َ ]...
ومثلها في ّ
ِ
أن اسمي الفاعل كأنه هو ملفوظ به ، ".فنرى ّ ستذكر ،صار ّ كالناطق بالحرف الم َ
()1
الخصائص:ابنجنّي،ص.129/3
ِ -1
-2المصدرالسابق.291/2،
-3المصدرالسابق.346/1،
69
﴾(تحدث عن تفسير أهل اللغة على قوله تعالى﴿ :خلِ َق ِمن َّما ٖٓء َد ِاف ٖق جلياً حين ّ
ذلك ّ
وجل ( :من ماء الطارق﴿،)﴾6فيقول " :أال تراهم [يقصد أهل اللغة] قالوا في ِ
عز ّ قول هللا ّ
أن طريق الصنعة فيه ّأنه ذو دافق) ّإنه بمعنى مدفوق ،فهذا –لعمري -معناهَ ،
غير ّ
دفق كما حكاه األصمعي عنهم من قولهم :ناق ٌة ضارب إذا ض ِرَبت ،وتفسيره ّأنها ذات
ض ْرب أي ض ِربت ]...[،وكذلك قوله: َ
أناشر ال زالت يمينك ِ
آش َره ِ لقد عيَّل األيتام طعنة ِ
ناش َره
َ َ َ
ِ
الشيء قد يكون مفعوالً كما يكون فاعالً؛ الحز والقطع ،وذواألشرّ :
أشر ،و ْ أي ذات ْ
أن معناه :ذات عامة باب طاهر ،وطالق ،وحائض ،وطامث؛ أال ترى ْ وعلى ذلك ّ
ط ْهر ،وذات طالق ،وذات حيض ،وذات طمث ،)1( ".وهذا التناوب بين اسم الفاعل
قدمه ابن ِجّني ليس جديداً؛ فقد ّ
تحد َث عنه غير واحد واسم المفعول في المعنى والذي ّ
مرةً بلفظ
النحاة ،ومنهم ابن فارس في الصاحبي في باب أسماه (باب الشيء يأتي ّ
من ّ
ومرة بلفظ الفاعل والمعنى واحد) ،يقول " :تقول العرب :هو م َد ِّجج ،وم َد َّجج،
المفعول ّ
غرب.)2( "... وش ٌأو م ِّ
غرب وم َّ وعبد م ِ
كاتب ،ومكاتَبَ ، ٌ
إذاً هذا ما وجدناه عند ابن ِجّني فيما يتعّلق بداللة اسم الفاعل والمفعول ،وما يؤثّر
الدرس مناصرين ولقي معارضين أو مخالفين، وجد هذا ّ
الداللة ،وطبعاً َ على هذه ّ
َ
وسنستعرض أبرز اآلراء والدراسات عند اللسانيين والنحاة الم ْح َدِثين ،ونناقش هذه اآلراء
ليتض َح لنا صحيحها من مغلوطها، ونحللها ،ونربطها بما سبقها من الدراسات القديمةّ ،
حوية القديمة من مالحظات الن ّ
وفق ما يقتضيه المنطق والحجة " ،فلم تخل الدراسات ّ َ
منية في المشتّقات ،ومن ذلك رصد السلوك العاملي السم الز ّ
تخص اإلحالة ّ ّ مهمة
ّ
منية ،فالمشابهة بين
الز ّ
بالداللة ّ
العاملي ّ الفاعل بين التّنوين واإلضافة ،وربط االختالف
ّ
الشكلي أو العاملي ،بل هناك تقاطع في اسم الفاعل والمضارع ال تنحصر في الشبه
ّ ّ ّ
المالخ على سيبويه الذي منية ،إال َّ
أن هذا التّوافق ليس شامالً ،إذ يعترض ّ الز ّاإلحالة ّ
منية بين اسم الفاعل وصيغة المضارع الز ّ
الداللة ّيشير إلى وجود توافق في المعنى و ّ
(يفعل) فرأى َّ
أن الجملتين( :كان ز ٌيد ضارباً أباه)،و (كان ز ٌيد يضرب أباه) متساويتين
الخصائص:ابنجنّي.153-152/1،
ِ -1
-2الصاحبيفيفقهاللغة:ابنفارس،ص.203
70
المالخ الذي رأى َّ
أن صيغة اسم الفاعل تفتقر إلى منية ،وهذا ما لم يقبله ّ
الز ّ
الداللة ّ
في ّ
تدل عليه صيغة
مني في الماضي الذي ُّ الزمني أو االستمرار الز الداللة على التدرج
ّ ّ ّّ ّ ّ ّ
يوضح ذلك( :عندما دخلت على زيد كان قدم مثالً ّ صح َة مزاعمهّ ،
(يفعل) وليؤّكد ّ
منيتين واضح يجلس)( ،عندما دخلت على زيد كان جالساً) فالفرق بين الداللتين ّ
الز ّ
وجلي ،إذ افتقرت صيغة اسم الفاعل في هذا المثال إلى مجاراة صيغة المضارع في
الزمن الماضي" (.)1مني أو االستم اررّية في الحدث في ّالداللة على التدرج الز
ّّ ّ ّ ّ
أن صيغة
المالخ ،إ ْذ رأى ّ
النقيض من ّالدكتور حسين الزراعي كان على ّ أن ّفيما نجد ّ
الزمن على عكس اسم المفعول ،ومثال ذلك قولنا :أنا
درج في ّ
تدل على التّ ُّ
اسم الفاعل ُّ
للتدرج وخاضع له فالنزول يحدث يدل على َّ ِ
قادم ،و أنا ِ
أن الحدث قابل ّ نازل ،فهذا ُّ
بتدرج الفعل الزمن أيضاً م ِّ
تدرج ُّ أن ّوفق مراحل متتابعة وكذلك القدوم ،وهذا يعني َّ
والحدث ،وبذلك يكون اسم الفاعل في العر ّبية هو المقابل للمورفيمات مثل ( )ingالتي
تدرج الحدث ،وكذلك مثل ( )aitالتي تستخدمها
للداللة على ّ
تستخدمها اللغة اإلنكليزّية ّ
التدرج للتفريق
نسية في نهايات الكلمات للغرض نفسه ،وكذلك يستخدم مفهوم ّ اللغة الفر ّ
ألنه ال يمكن بين اسم الفاعل والصفة المشبهة ،فنحن ال نقول مثالً من ( َف ِرَح) ِ
فارحّ ،
يتم على مراحل متتابعة ،و إنما في مرحلة قصيرة وجيزة التدرج في الفرح فهو ال ّ
الزمن الذي لمحناه في
درج في ّ
واحدة( ،)2فيما ال يحمل اسم المفعول داللة على هذا التّ ُّ
فعل
ألنه ٌيدل على وقوع الحدث وثباته ،أو على صفة ثابتة ،وذلك ّ اسم الفاعل ،فهو ُّ
يدل على صفة ،أو
مبني على فاعل مجهول ،فقولناَ :مقروء ،أو َمسموع ،أو َمصنوعُّ ،
ٌّ
على وقوع الحدث واكتماله في وقت واحد ودفع ًة واحد ،من دون أن يحتوي على ّ
أي
الزمني. التدرج
صور ُِّ صورة من
ّ ّ
الزمن الحاضر أن اسم الفاعل واسم المفعول ُّ
يدالن على ّ وذهب محمد قواقزة إلى َّ
الزمن الماضي والمستقبل إذا كانا عاملين ومجردين من (أل) التعريف ،و ُّ
يدالن على ّ
إذا كانا مجردين من(أل) التعريف ومضافين إلى ما بعدهما؛ أي غير عاملين ،مثال
ُنظر:الزمنفياللغةالعربيّة(بنياتهالتّركيبيّةوالدّالليّة):امحمدالمالخ،داراألمان،ط،1الرباط–المغرب2009،م،ص-40
ّ -1ي
.41
ينظر:تداخلالجهةوالزمنوالحدثفيالدراساتاللّسانيّةالحديثة:د.حسينعليالزراعي،مجلّةمجمعاللغة العربيّة،اإلصدار
ّ - 2
األول2013،م،ص.257-256
71
الزمن ِ
تدل على ّ
الرسالة ،فالجملة األولى ُّ اآلن ،وز ٌيد كاتب
كاتب الرسال َة َ
ٌ ذلك :ز ٌيد
الزمن
تدل على ّ
ألن اسم الفاعل عامل ومجرد من (أل) ،والجملة الثانية ُّ الحاضر؛ َّ
يدل اسم الفاعل مجرد من (أل) ومضاف إلى ما بعده ،كما ُّ ألن اسم الفاعل ّ الماضي؛ َّ
الزمن المستقبل ،ومثال ذلك قوله تعالىَ ﴿:ألٓ ِكلو َن واسم المفعول غير العاملين على ّ
ِمن َشج ٖر ِمن َزُّقوم۞ َفمالِئو َن ِمنها ٱلبطو َن ۞ َف َش ِربو َن عَلي ِه ِمن ٱلح ِ
ميمِ﴾( الواقعة- 52﴿ :
َ َ َ َ ٖ َ َ ّ
.)﴾54
الزمن المستقبل قول كعب بن زهير: ومثال داللة اسم المفعول على ّ
اء َم ْحمول كل ِ
وماً على آلة َح ْد َب َ
َي َ طاَل ْت َس َال َمته
إن َ
ابن أنثَى و ْ
()1
ُّ
الزمن في األمثلة السابقة وتجدر اإلشارة هنا إلى َّ
أن داللة اسمي الفاعل والمفعول على ّ
المسبب لها العمل أو عدمه فقط ،وال اإلضافة أو عدمها ،وال حتّى التعريف أو
ّ ليس
ياقية ،والتي
الس ّالمعنوية ّ
ّ السياق والقرائن اللفظية و
عدمه ،بل يضاف إلى ما سبق؛ دور ّ
سنفصل الحديث عن دورها في الفصل الثالث من هذا البحث بعون هللا. ّ
وضعية
ّ الزمن بحسب النحويين من تناول داللة اسم الفاعل على ّ ونرى من قدماء ّ
الفراء في تفسير قوله تعالى من سورة األنبياء: معرفة) فقد "ذهب ّ الصيغة (مضاف ًة أو ّ ّ
ِٗۖ
س َذآِئَقة ٱلمو ِت وَنبلوكم ِبٱ َّ
لش ِّر َوٱل َخي ِر ِفتَنة واليَنا تر َجعو َن﴾(األنبياء﴿ ،)﴾35ولو ﴿ك ُّل َنف ٖ
َ َ
نت في (ذائقة) ونصبت (الموت) كان صواباً ،وأكثر ما تختار العرب التنوين والنصب ّنو َ
ِ
الموت]، في المستقبل ،فإذا كان معناه ماضياً لم يكادوا يقولون إال باإلضافة [أي :ذائقة
أخبرت عن فإن ِ
الخميس ،إذا كان خميساً مستقبالًْ ، يوم
َ صائم َ
ٌ فأما المستقبل فقولك :أنا
ّ
()2 ِ
الخميس فهذا وجه العمل". قلت :أنا صائم يو ِم
صوم يوم خميس ماض ََ
الدكتور مهدي المخزومي الذي يرى َّ
أن صيغة (فاعل) قد تخلص ذهب إليه ّ
وهو ما َ
للمضي إذا أضيف إلى ما بعده ،وقد يخلص للمستقبل إذا ّنونّ ، .
ويقدم المخزومي ()3
تعريفاً السم الفاعل بقوله " :وهو الفعل الدائم الذي ال داللة له على زمن معين إذا لم
يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول" ( ،)4وينتقده الدكتور إبراهيم السامرائي في
ّ
ر:الزمنالمستقبلفياللغةالعربيّةدراسةلسانية:محمدقواقزه،مجلةاتحادالجامعاتالعربيّةلآلداب،المجلد،10العدد2ب، -1يُن َ
ظ
جامعةاليرموك،إربد–األردن2013،م،ص.1604
-2الفعلزمانهوأبنيته:د.إبراهيمالسامرائي،مؤسسةالرسالة،ط،3بيروت–لبنان1983،م،ص.38
ّ
ّاللةدراسةلسانية:هانيالبطاط،ص.195 ّ
مقولةالزمن؛القرينةوالد -3
يقواعدوتطبيق:د.مهديالمخزومي،ص.139 -4فيالنّحوالعرب ّ
72
الزمن إذا لم يوصل بمضاف إليه ،مستغرباً من هذا القول َّأنه أفرغ صيغة (فاعل) من ّ
المستمر الذي يتطلب فسحة
ّ تسميته بالدائم إذا كان هذا رأيه! إذ يعني الدائم فيما يعنيه
زمنية طويلة ،وأيضاً فهو ينصرف إلى الحال واالستقبال في حال كان ناصباً للمفعول،
فعلية صيغة (فاعل) ،ونفى
تحدث المخزومي عن ّ والى المضي في حال إضافته ،كما ّ
ولية ،وقبولها
الموص ّ
االسمية ،بالرغم من قبولها (ال) التعريف ،التي نسبها إلى َ
ّ عنها
التنوين الذي أحاله للداللة على المستقبل رغم وجود أمثلة كثيرة قدمها الفراء والكسائي
الزمن الماضي ،وهذا ما انتقده عليه الدكتور
تدل فيها صيغة (فاعل) منون ًة على ّ
والتي ُّ
السامرائي أيضاً.
()1
ّ إبراهيم
الزمن ال
درج في ّ أن هذا االختالف بين اسم الفاعل واسم المفعول من حيث التّ ُّ ّإال َّ
الداللة على
إن " بين اسمي الفاعل والمفعول تكامل في ّ يعني َّأنهما مختلفان تماماً ،بل ّ
حدِث ِه باعتبار حركة
الزمن ،فاسم الفاعل هو وصف دال على م ِ
ٌ الحدث والوصف و ّ
وصف دال على وقوع ِق ،و أما اسم المفعول فهو الزمن ،كقولنا :هذا ِ
قات ٌل ،وذاك سار ٌ ّ
ٌ
دل
قلت :الكتاب َمفتوٌح ،فقد ّ
الزمن حقيق ًة أو حكماً ،فإذا َ
الحدث عليه ،باعتبار ثبوت ّ
الزمن بين اسمي الفاعل قولك على َّأنه قد فِت َح و َ
ظ ّل على ذلك ، "...إذاً فالتكامل في ّ
()2
حاصل من خالل داللة أحدهما على حدث الفاعل ،وهو اسم الفاعل ،وداللة
ٌ والمفعول
اآلخر على وقوع الحدث عليه ،كوصف للحدث وهو اسم المفعولَّ ،
ولكن هذا الوصف
الزمن في سياقات محددة ،كما في السؤال:
يدل اسم المفعول على ّ
ليس ثابتاً ،و إنما قد ُّ
َمفهوم هذا؟ ويعني هل ف ِه َم هذا من قبل ،فهكذا ّ
وض َح استيتية عالقة التكامل بين أ ٌ
اسمي الفاعل والمفعول.
ُنظر:الفعلزمانهوأبنيته:د.إبراهيمالسامرائي،ص.41-39
ّ -1ي
-2يُنظر:اللّسانيّات:استيتية،ص.155
73
القضية التي ال تناسب شروطهم ،فجعلوا ذلك لحكاية الحال الماضية ،بمعنى َّ
أن الخبر
يفترض نفسه في وقت الحديث في الماضي ،ويقدم الريحاني رأيه في هذه المسألة؛ إذ
للسياق الذي ترد
الداللة على كل األزمنة وذلك وفقاً ّ يرى َّ
أن صيغة اسم الفاعل منفتحة ّ
يدل
السياق أيضاً قد ُّ
إن ّرفية التي تدخل عليه ،بل َّ
الص ّ
حوية أو ّ
وبمقتضى القرائن ا ّلن ّ
ويقدم على ذلك دليالً بقوله تعالىَّ { :
إن هللا فالق على حالة االستقرار أو الثبوتّ ،
يدل
منية و ُّ
الز ّ
الداللة ّ
النوى} (األنعام )﴾95﴿:فاسم الفاعل في هذا المثال مفرغ من ّ ِّ
الحب و ّ
أن رأيه في هذاالدوام" ( ، )1وأرى َّ
– حسب زعمه – على حالة فقط وهي الثبوت و ّ
السياق والقرائن ،هو
الزمن بحسب ّ المسألة؛ أي فيما يتعلق بداللة اسم الفاعل على ّ
ولكن اختلفمنيةَّ ،
الز ّ
الداللة ّ
الرأي األقرب للمنطق ولواقع اللغة العر ّبية المرنة من حيث ّ
الصيغة من الزمان في اآلية الكريمة السابقة ،فبالنظر إلى ّأنها كالم
معه في إفراغ هذه ّ
لكل زمان ومكان من دون أن تقتصر أو تنحصر في زمن هللا ،فهي وفقاً لهذا تصلح ّ
جل جالله،
دية زمنية من خالل نسبتها إلى هللا ّ دون غيره ،بمعنى ّأنها اكتسبت ُّ
تعد ّ
الصيغة حتى
الزمن عن هذه ّبأي حال من األحوال ّ
منية ال تنفي ّ
الز ّ
دية ّ وهذه التَّ ُّ
عد ّ
السياقات نِ
يدل في بعض ّ
بأنها مفرغة من الزمان ،فمن صفات الفعل المضارع ّأنه ُّ
صَف َها ّ َ
الداللة على
الزمن المضارع من ّ يصح لنا َّ
أن نفرغ ّ ُّ على االستمرار والديمومة ،فهل
لمجرد داللتها على االستمرار والديمومة؟!
الزمن ّّ
ويدحض الدكتور فالح العجمي ،ما ذهب إليه النحاة من داللة اسمي الفاعل والمفعول
رفية المجرد
الص ّ
مني فمنطق األبنية ّ"أما فيما يخص البعد الزالزمن إذ يقولَّ :
على ّ
ّ ّ
يعطي السم الفاعل داللة زمنية مطلقة تتواكب فيها لحظة نطق الكالم مع وقوع الحدث
أو وجود الحالة أو على األقل تتوافق مع لحظة من لحظات وجودهما ،هذا عالوة على
زمني ًة مطلقة ال يوجد فيها توافق ِ
أما اسم المفعول فيعطيه دالل ًة ّ
الصيغة طبعاًَّ ،
فاع ّلية ّ
لكنه ال يمنع
بين لحظة نطق الكالم أو أي لحظة من لحظات وجود الحالة أو الحدثّ ،
الصيغة أيضاً[ ]...وفي الواقع العملي
بالطبع وجود آثارهما ،باإلضافة إلى مفعولية ّ
ّ
قررها
منية التي ي ّ
الز ّ
الدالالت ّ
للغة العر ّبية ،ال تحمل صيغتا اسم الفاعل أو اسم المفعول ّ
الصيغ ِ
وكل ما يفهمه المستَمع من دالالت زمنية عبر هذه ّ رفيةّ ،
الص ّ
منطق األبنية ّ
يفيالدراساتاللغوية:د.محمدعبدالرحمنالريحاني،ص.142-141 ّ
اتجاهاتالتحليلالزمن ّ -1ينظر:
74
،أما ما
الروابط[ّ ]...
إضافية من ّ
ّ السياق الفعلي أو تركيبات
ّ يكاد يكون مستَ َ
وح ًى من ّ
يقولونه عن كون اسم الفاعل في حالة اإلضافة ُّ
يدل على وقوع حدث في الماضي
فع ُّ
يدل في حالة التّنوين على وقوع حدث في المستقبل ،فهو َمحض توقعَ ،د َ بينما ُّ
ميزت عن بعضها في هذين البنائين ِ ِ ِ المبتدئين ِ
ِ
بعض اآليات القرآنية التي تَ ّ به وجود َ
يقدم مجموعة من اآليات القرآنية التي تدحض هذه االختياريين في العر ّبية [ ،]...ثم ّ
القاعدة ،منها آيات يكون فيها اسم الفاعل مضافاً ،وداالً على المستقبل ،وفي آيات
يم َربُّه ۥ ِب َكلِ َم ٖت
َ أخرى يأتي منوناً وداالً على الماضي ،منها قوله تعالى﴿:ٱبَتَل ٓى ِإب َرِه
ٞ ٗ ِۖ ِۖ
ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ
﴿وَكلبهم َبسط ال إّني َجاعل َك للناس إ َماما﴾(البقرة ،)﴾124﴿ :وقوله تعالىَ : َفأَتَ َّمه َّن َق َ
()1
ص ِيد﴾ (الكهف﴿.")﴾18 ِذراعي ِه ِبٱلو ِ
َ ََ
قدمها الدكتور فالح العجمي باالستناد إلى هذه اآليات ال أن هذه الحجج التي ّ غير َّ
الصيغة
آني يأتي بسياقات مختلفة في ّتعتبر دليالً على ما أراد إثباته ،فالتّأويل القر
ّ
الصيغ ،فقد يأتي ِ
منية التي تنتج عن هذه ّ
الز ّ
الواحدة ،بحيث يصعب اإلمساك بالجهة ّ
السياقات تتنوع بحسب
الماضي داالً على المستقبل والمستقبل داالً على الماضي ،وهذه ّ
يصح األخذ بالنص القرآني كدليل
ّ آنية ،ولذلك ال
النص القرآني الذي تعنيه اآلية القر ّ
الزمن الماضي مضافاً أو على المستقبل
على عدم داللة صيغة اسم الفاعل على ّ
منوناً.
أن استخدام اسم الفاعل ال يكون دائماً إلفادة زمن
كما يؤّكد الدكتور علي المنصوري ّ
أن هناك الكثير من بل قد يكون داالً على الوصف فقط ،فيذكر َّ
الداللة عليهْ ،
ما ،أو ّ
الكالمية التي ال يطلب فيها المتكّلم أكثر من تأكيد وقوع الحدث ،وليس فيها
ّ األساليب
يدل على
الزمن (كاالستفهام ،والنداء ،والتعجب) ،وكذلك اسم الفاعل قد ال ُّ
يدل على ّ
ما ُّ
مجرد ثبوت الصفة وذلك إذا خال من اللواحق
الزمن و إنما يراد به في أكثر األحيان ّ ّ
اضع ،أو حين يكون اسم الفاعل علماً لشخصوالقرائن ،كقولنا :محمد عاقل ،وز ٌيد متو ِ
ثم يشير المنصوري إلى َّ
أن داللة اسم الفاعل على الحدث المجرد مؤدبَّ ،
مثل :خالد ّ
75
وهذا الكالم ينسحب على صيغة اسم الزمن غالبة على استعماالته األخرى.
()1
من ّ
تمثال
ٌ المفعول التي قد يكون الغرض من اإلتيان بها ّ
الداللة على الوصف ،كقولنا:
َمصنوعٌ من الذهب ،وغيرها...
النحاة
رفية ،فقد قاسها ّ
الص ّ
تدل على أي قسم زمني ببنيتها ّ بيد َّ
أن صيغة اسم الفاعل ال ُّ َ
منية بحسب
الز ّ
السياق وفي داللتها ّ
على صيغة المضارع(يفعل) ،وأجروها مجراها في ّ
السياق ،واستشهدوا على هذه اآلراء باألمثلة اآلتية:
هذا ّ
المستقبل ضارب زيداً غداً = هذا يضرب زيداً غداً
ٌ -1هذا
الحال ضارب [زيداً] الساع َة= هذا يضرب زيداً الساعة
ٌ -2هذا
التحدث عن فعل -3كان ز ٌيد ضارباً أباك= كان يضرب أباك
في حال وقوعه.
ففي المثال األول دّلنا الظرف (غداً) على زمن المستقبل ،وفي المثال الثاني دلتنا
يدل على زمن حدوث الفعل أو
القرينة (الساعة) على زمن الحال ،وفي المثال األخير ُّ
يسمى بالماضي القصصي ،وليس على زمن التحدث
زمن الحاضر في الماضي أو ما ّ
()2
الملفوظية ،وهذا المعنى أضافته (كان) قبل صيغة (يفعل).
ّ أو زمن
ّ
ّاللةالزمنيّةفيالجملةالفعلية،أ.دعليجابرالمنصوري،الدارالعلميةالدوليةودارالثقافةللنشروالتوزيع،ط،1عمان
-1ينظر:الد
–األردن2002،م،ص.38-37
يفيالدراساتاللغوية:د.محمدعبدالرحمنالريحاني،ص.139-138 ّ
ينظر:اتجاهاتالتحليلالزمن ّ -2
-3يُنظر:معانياألبنيةفيالعربيّة:د.فاضلصالحالسّامرائي،دارعمار،ط،2عمان–األردن2007،م،ص.6-5
ر:الخصائص:ابنجنّي.98/3،
ِ -4يُن َ
ظ
76
الصيغة
تلزم ّ
أن َ
السياقية المناسبة التي من شأنها ْ
الصيغة بالقرائن ّ
وذلك بعد اقتران هذه ّ
أن هذه القرائن ال يشترط أن تكو َن أدوات ظاهرة ،بل قد تكون أفعاالً محددةَ ،ب َيد َّ
بجهة ّ
معنوية ،ونرى في أقوال ابن ِجّني الشيء الكثير الذي ينبهنا
ّ مرّكبة ،أو رّبما تكون قرين ًة
الزمن والجهة أيضاً ،كما نرى في قوله مثالً " :ال
الصيغة على ّ
إمكانية داللة ّ
ّ على
الزمن
تدل على ّ اآلن حفظها ،)1( "...فصيغة المضارع (ال يفعل) التي ُّ
َيحضرني َ
منية بجهة محددة الز ّ
ص داللتها ّ خص َ الحاضر أو المستقبل ،إال َّ
أن اقترانها بــ(اآلن) ّ
وهي جهة الحال(الحاضر) اللحظي أو اآلني ،ومن الحاالت الدقيقة التي دّلت فيها
ّ
ظُّن َك منية بواسطة القرائن التي ترّكبت معها ،قوله ِ
شارحاً " :فما َ الز ّ
الصيغة على الجهة ّ ّ
الزمن المطلق، المصدر(ظن َك) دّلت على ّ
ّ أن صيغة وي م ّقيداً ،)2( "...فنرى َّ
الر ُّ
كان ّ
إذا َ
منية الثالثة (الماضي ،والحاضر ،والمستقبل)؛ إ ْذ نستطيع القول:
الز ّ
إذ تحتمل الدالالت ّ
اآلن إذا كان
ظنك َظن َك حين كان الروي مقيداً؟ (في الماضي) ،أو ما هو ّ
كيف كان ّ
َ
أن الروي كان ّ
مقيداً؟ الروي[]...؟ (في الحاضر) ،أو كيف سيكون ّ
ظن َك إذا علمت ّ
الصيغة ،والحكم أو الفيصل
(في المستقبل) ،فجميع هذه االحتماالت تصدق على هذه ّ
الزمن هنا ،ليس القرائن السياقية التي وردت في قول ابن ِجّني ،و َّإنما
الذي يحكم بجهة ّ
المعنوية ،فلو كان ابن ِجّني يخاطب بحديثه شخصاً حاض اًر معه (يحاوره)ّ هو القرينة
منية هي الحاضر ،وإذا كان عن مسألة سابقة (مضى الحديث فيها) ستكون الجهة ّ
الز ّ
ِ
عاماً يخاطب
الزمن الماضي ،ولو كان القصد من حديثه ّمنية ضمن ّ ستكون الجهة ّ
الز ّ
الزمن المستقبل.
منية هي ّ
الز ّ
فالداللة ّ
به القارئ؛ أي بصدد الشرحّ ،
وبالمقابل نجد من اللسانيين الغربيين (جيمس فاندلر ،دانيال داوتي) من لجأ إلى
وتضم هذه
ّ الجهية التي توافقها،
ّ للسمات
تصنيف األفعال على أربع مجموعات وفقاً ّ
أحب ،كره ...إلخ ،وهي:
المجموعات :أفعال الحاالت :وهي األفعال الشعورية مثلَّ :
تدل على حركة ،مثل :جرى ،سار،
-1أفعال األنشطة :وهي األفعال الحركية أو التي ُّ
غنى[]...
ّ
أكل كعك ًة[]...
تدل على تحقيق عمل ما ،مثل :بنى منزالًَ ،
-2أفعال اإلنجاز :والتي ُّ
الخصائص:ابنجنّي.264/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق،ص.261
77
-3أفعال اإلتمام :وهي األفعال التي تمت وانتهت في الماضي ،مثل :مات ،وصل،
ربح[]...
الزمني ،المحدودية ،تغير الحالة، أما السمات التي ذكرها ،هي :السيرورة ،االمتداد
ّ ّ
والتأثّر.
ووزع هذه السمات على األصناف الفعلية ،فمثالً أفعال النشاط تحتوي على سمة
التدرج على مراحل متتابعة ،بينما ال تقبل أفعال الحالة سمة السيرورة،
السيرورة؛ أي ّ
السيرورة من جهة
مني (وهي سمة جعلها مرادفة لسمة ّ إال ّأنها تمتلك سمة االمتداد الز
ّ ّ
التّتابع) والتي تفتقر لها أفعال اإلتمام؛ إذ تحتوي أفعال اإلتمام واإلنجاز على سمتي
تغيير الحالة والمحدودية ،واللتان تفتقر لهما أفعال الحالة والنشاط .)1( "...
أن األفعال ال تحمل خصائص ثم َيخلص الدكتور امحمد المالخ إلى نتيجة مفادها " َّ
َّ
جهية بصورة قبلية دون مراعاة شروط المؤالفة لذلك أضحت الكثير من األبحاث الّل ّ
سانية ّ
تقر بتأليفية الجهة باعتبارها ِنتاج سيرورة تفاعلية بين خصائص في نحو الجهة ّ
السورّية للمركبات التي تساوقه في التركيب" (.)2
اإلحالية أو ّ
ّ المحمول والخصائص
الصيغ الفعلية،
تقدمها ّ إذاً نرى َّ
أن هناك نوعاً من الربط بين المعاني والدالالت التي ّ
الصيغ نفسها التي نتجت عن طريق التآلف الحاصل بين تؤديها هذه ّوالجهات التي ّ
اللية ،وهو ما حاول الدكتور امحمد المالخ توضيحه فيما
الد ّالصيغ الفعلية ومعانيها ّ
ّ
تقدم ذكره.
ّ
ومن الم ْح َدِثين من قال إ َّن العرب تلجأ إلى تخصيص زمن الفعل إذا دعت الحاجة
الدال على الحدث
الزمن ّاللية إلى ذلك؛ والمقصود بهذا التخصيص هو تحديد جهة ّ الد ّ
ّ
من حيث القرب والبعد واالنقطاع واالستمرار ،وذلك عن طريق القرائن المساعدة ،في
فقدم
الزمن وذلك عن طريق استخدام صيغة الماضيّ ، حين كان األصل هو إطالق ّ
يوضح ذلك بقوله " :عندما يقول العربي :خرج زيد َّ
فإنه الدكتور سمير استيتية مثاالً ّ
يقصد من ذلك إطالق زمن الحدث في الماضي باعتبار َّأنه وقع و انتهى وإطالق
الزمن هو األساس ،إذ ال حاجة للقيد ،إال عندما يكون التخصيص أم اًر مطلوباً؛ أي
ّ
ّ
ينظر:الزمنفياللغةالعربيّة:امحمدالمالخ.ص.340–338-1
-2المصدرالسابق،ص.343
78
فإما أن يكون الحدث قد وقع من عندما يكون تخصيص زمن الحدث وتحديده مطلوباًّ ،
قريب ،و إما أن يكون قد وقع من بعيد ،فإذا كان وقوعه قريباً قلنا :قد خرج زيد ،ويكون
المعنى :خرج من قريب ،وإذا كان قد وقع من وقت ليس بالقريب قلنا :لقد خرج زيد.
وتظل صيغ الماضي كلها قابلة
ّ فاإلطالق هو األصل ،والتقييد يكون لحاجة داللية،
حدد
النحو" ،إذاً فهو يشير إلى زمن ماض مطلق غير م ّ
()1
لإلطالق والتقييد على هذا ّ
إن تحديد الجهة يكون بحسب ما تقتضيه
الجهة ،ويراه االستخدام األصلي للماضي و َّ
يتطرق استيتية إلى داللة صيغة المستقبل على ّ
الزمن أن ّ اللية ،من دون ْ
الد ّالحاجة ّ
تحدد المستقبل المطلق أو على الحال المطلق عندما تكون ّ
مجردة من القرائن التي ّ
منية بدّقة.
الز ّ
جهتها ّ
مصو اًر الجهة على ّأنها تمّثل
ّ الزراعي عن الجهة والحدث
الدكتور حسين ّ يتحدث َّ
و ّ
وقدم على ذلك أمثل ًة
زمنيةّ ،اخلية للحدث ،وتقوم بتوزيع الحدث إلى فواصل ّ
الد ّالبنية ّ
يشرح من خاللها مقصده:
أ-يق أر زيد الصحيفة (اآلن)
ب-يق أر زيد صحيفة الحياة (عادةً)
جَ -ف ِه َم زيد المسألة (االكتمال بدون فواصل)
دَ -ف َّهم المعلم زيداً المسأل َة (االكتمال مع وجود فواصل).
يدل على ثم يشير بعد المقارنة بين األمثلة (أ) و(ب) وبين (ج) و(د) ،إلى َّ
أن (أ) ال ُّ ّ
يدل على تكرار الحدث و َّ
إن زيد اآلنية ،بعكس (ب) الذي ُّ التكرار والعادة و ّإنما على ّ
أن الحدث قد اكتمل فيها ولكن ليسيدل على َّ
فإن (د) ُّمرة ،وكذلك َّ يقوم به أكثر من ّ
اكتمل بخالف (ج) الذي يعني َّ
أن الحدث َ أن
زمنية إلى ْ
مر بفواصل ّ دفع ًة واحدة بل َّ
()2
نجز دفع ًة واحدة فال تكون فواصله منظورةً للقارئ.
أ َ
قد َم في المثالين (ج- الزراعي قد ّ
أن الدكتور حسين ّأن ما يجدر اإلشارة إليه هو َّ
غير َّ
َ
د) صيغتَين مختلفتَين للفعل على خالف ما فعله في المثالين (أ-ب) فالفعل ( َف ِه َم) ُّ
يدل
تدل على
فع َل في المثال (د) فهي ُّ أما صيغة َّالزمن الماضيّ ،
على اكتمال الحدث في ّ
-1اللّسانيّات(المجالوالوظيفةوالمنهج)،أ.د.سميرشريفاستيتية،ص.148
والزمنوالحدثفيالدراساتاللّسانيّةالحديثة:د.حسينعليالزراعي،ص.274-273 -2يُن َ
ظر:تداخلالجهة ّ
79
التّكرار واالستمرار بفعل التّضعيف على عين الفعل ،والتّكرار بطبيعته يستلزم انجاز
السياق هو المتح ّكم في هذه الدالالت على الحدث على مراحل وفواصل ،وصحيح َّ
أن ّ
ولكن المتح ّكم األكبر في المثالين (ج-
قدمهاّ ،كل األمثلة السابقة التي ّ
الزمن في ّ
جهة ّ
السياق فقط.
د) هي صيغة الفعل وليس ّ
فعل) ضمن عوامل الجهة ،و إن و(ي َ
صنف وولفجانغ ريتشل صيغتي ( َف َع َل) َ "وقد ّ
الفروق من جهة الفعل هي التي تجعل هذه االستخدامات المختلفة لصيغة ( َف َع َل) في
الصيغة
منية إلى أمور كامنة في ّ الز ّ
وظيفة عموم مطلق أم اًر مفهوماً ،كما نسب القيمة ّ
منية مواكبة زمن الحدث لزمن الكالم أو نسبتهما إلى
الز ّ نفسهاَّ ،
لكنه ال يعني بهذه ّ
بعضهما -كما يفهم في كثير من الدراسات -بل ذلك العموم المطلق الذي يعبر عنه
منية التي ينسب إليها زمن الحدث فتحدد عنده
الز ّ
أما المرحلة ّ
من خالل زمن حاضرّ ،
الزمن
السياق بمعناه الواسع ،وبسبب السلوك المحايد لصيغة (فعل) إزاء ّ
من خالل ّ
تؤدي صيغة (فعل) الوظيفة الفعلية األخرى ،ويخلص من
فإنه ليس ناد اًر أن ّ
(الفلسفي) ّ
زمنية كما
تؤديها هذه األصناف الفعلية ليست وظيفة ّ
األساسية التي ّ
ّ أن الوظيفة
هذا ّ
نسب هو الحال في الماضي والحاضر والمستقبل ،غير َّ
أن جهة الفعل عنده التي ت َ
منية للعبارة ليست هي جهة الفعل المقصودة هنا بل تعني طبيعة الفعل،
الز ّ
إليها القيم ّ
()1
وهما عنده شيء واحد".
الزمن المطلق بنفسها من
أن ريتشل يؤكد داللة صيغة الفعل على ّ
ونالحظ مما سبق ّ
يدل على زمنأما ما ُّ دون أن تكون داّلة على زمن ّ
التلّفظ أو زمن األداء الكالميّ ،
تؤدي دو اًر في
الفعلية (فعل ،يفعل) ّ
ّ الصيغ
أن ّالسياق ،كما يؤكد ّ
الحدث عنده فهو ّ
السياق وقرائنه.
تحديد جهة الفعل بالتضافر مع ّ
الصيغة َّ
بأن " :الزمان المأخوذ الزمن و ّ
يلخص صاحب كتاب حاشية المعالم رأيه في ّ ّ
من صيغة األمر هو زمان (الحال) َّ
ولكن هذا الحال ليس قيداً للحدث المطلوب ،بل
اإلنشائية من
ّ هو ظرف للطلب الواقع منه ،بمعنى َّ
أن الحال هو زمان صدور النسبة
الدين
طب" ،ويعّلق مصطفى جمال ّ زمان الحدث المطلوب من المخا َ ِ
المتكّلم ،وليس َ
()2
صيغةفياللغةالعربيّة:فالحبنشبيبالعجمي،ص.96-95-1نظامال ّ
-2هدايةالمسترشدينفيشرحمعالمالدّين،محمدتقيبنمحمدرحيم(1248هـ)،طبعالحجرفيإيران1313،هـ،البحثغيرمرقّم،
تحتعنوان(بحثالفوروالتّراخي).
80
فالزمان المدلول عليه بصيغة الفعل ،هو زمان تعسفياً؛ ّ
ّ اعتبره
َ على هذا الرأي الذي
وليس زمان صدور
صدور الحدث من الفاعل سواء أكان ماضياً أم حاالً أم استقباالًَ ،
عندهمَّ ،
ألن (زمان ِ
األفعال َ أن تتساوى أزمنة الزم هذا القول ْ
إن َ النسبة من المتكِّلمَّ ،
ثم ْ ّ
الحال) كما هو ظرف لصدور النسبة الخبرية من المتكّلم أيضاً فيكون (الحال) زمان
()1
الماضي والمضارع كما هو زمان األمر.
فنرى أن هذا الرأي يتجه إلى اعتبار الحال ظرفاً لصيغة األمر (افعل) على اعتبار َّ
أن
التلفظـ،
الصيغة ،وهو زمن ّ
يتم بها إنشاء الطلب بهذه ّ
الزمن يؤخذ من اللحظة التي ّ
هذا ّ
التلفظ هو الحاضر أو الحال، فصحيح َّ
أن زمن ّ ٌ وليس زمن الحدث المطلوب حدوثه،
النحويون تضارباً يصح اعتباره زمناً للص ِ
يغة ِ
نفسها ،ومن هذا المنطلق رأى ّ ّ ُّ ولكن ال
التلفظ بصيغة األمر ،فينبغي أن يكون ظرفاً
أن الحال هو ظرف لزمن ّ الرأي ،فكما َّ
في ّ
دال على
ثابت ٌ
زمن ٌالتلفظ أو الملفوظية هو ٌ للماضي والمضارع أيضاً ،وأرى َّ
أن زمن ّ
زمنية مختلفة ،فعندما أقول الحاضر (الحال) ،ويحتوي على أزمنة م ّ
تغيرة وبجهات ّ
كل صباح،ذهب أحمد ،أو كان يدرس ،أو أريد طعاماً ،أو تشرق الشمس ّ
لصديقيَ :
ِ
للزمن أن كل هذه الجمل تابع ٌة لندرس ،أو[ ،]...نالحظ ّ
َ تعال
الدواء ،أو َ اشرب ّ
ْ أو
الملفوظية(الحاضر) المقترن بزمن الفعل (أقول) في جملة (أقول
ّ نفسه ،وهو زمن
ضمن دائرِة ّ
الزمن لصديقي) ،وإن اختلفت زمنية كل جملة فيها بحسب قر ِ
ائنها ،فهي
َ ّ ّ ْ
الحاضر الذي أتلّفظ ِ
به.
بالزمن ،فيقول فيالدكتور عبد المجيد جحفة عن مفهوم الجهة وعالقتها ّ يتحدث ّ
كما ّ
معرض حديثه عن البنية الداخلية للحدث " :فالمعلومات التي تحويها البنية الداخلية
رفيات الجهية فحسب ،بل يحملها الفعل وموضوعاته كذلك،الص ّ
للحدث ال تحملها ّ
اللية بين المحمول
الد ّتعد دراسة للعالقات ّ
وبهذا فدراسة العالقات المحورّية التي ّ
التركيبية ،عبارة
ّ وكيفية التعبير عن هذه العالقات في الصورة
ّ وموضوعاته المختلفة،
عن إسقاط للمعلومات التي يفيدها الحدث ،المحمول في التركيب ،وبما َّ
أن البنية
-1البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفيجمالالدين،ص.155
81
الجهيةَّ ،
فإن التغيرات التي قد تلحق ّ الموضوعية للحدث هي _ في الوقت نفسه _ بنيته
الترابطات بين الحدث وموضوعاته ذات بعد جهي أيضاً" .
()1
ّ
يتحدث جحفة عن دور مفعول الفعل في الحد من زمنية الفعل وانتهاء الحدث ،إذ
كما ّ
الح َد ّثية ،فيقول مستشهداً " :تذهب تيني ( )1988 ،1987اعتماداً
يرسم له خط النهاية َ
عدة أعمال حول جهة األفعال والمركبات الفعلية منها فاندلير وداوتي ،إلى َّ
أن على ّ
يحد الفعل ويقيسه زمنياً ،فحين
مفعول الفعل المباشر ما هو اال ذلك العنصر الذي ّ
تحد أو ترسم نقطة نهاية الحدثَّ ،
ألن الحدث ينتهي فإن التفاحة ّنقول (أكل زيد تفاحة) َّ
()2
في النقطة التي تكون فيها التفاحة قد أ ِكلت عن آخرها" .
فنالحظ َّ
أن األمثلة السابقة تنطوي على أزمنة مختلفة وبجهات ّ
زمنية متعددة منها
الماضي ،والحاضر في الماضي ،والحاضر ،والمطلق ،والمستقبل ،والحاضر في
المستقبل ،وكل هذه األزمنة وغيرها يجمعها زمن واحد هو زمن التلفظ الذي هو زمن
الحال.
82
الداللة:
اللغوية و ّ
ّ الزمن الّنحوي وصلته بالقرائن
الفصل الثالثّ :
-1مفهوم القرينة.
الداللة.
-2مفهوم ّ
-3مفهوم السياق.
الصيغة وداللة السياق.
الزمن بين ّ
ّ -4
الزمن الماضي:
-5جهات ّ
أ -الماضي التام.
ب -الماضي القريب.
ج -الماضي البعيد
د -الماضي المستمر.
ه -الماضي التكراري أو االعتيادي
و -الماضي المطلق.
الزمن المضارع:-6جهات ّ
جددي أو االستمراري.
أ -الحال ال ّت ّ
ب -المستقبل القريب.
ج -المستقبل البعيد.
د -المستقبل المطلق.
الزمن المطلق.
ّ -7
الزمن الّنحوي.
الشرط على ّ
-8أثر أدوات ّ
الزمن الّنحوي.
اللغوية على ّ
ّ -9أثر القرائن
السياق.
الزمن بحسب ّ
-10داللة المصدر على ّ
بالزمن.
الرتبة وعالقتها ّ
ّ -11
83
-1مفهوم القرينة:
للقرينة في اللغة واالصطالح داللتان متقاربتان ،إذ تشيران إلى مفهوم االقتران واالتصال
تشد إلى
صَله ،والقرينة :الناقة ّ ن ن
فالقرينة على وز ( :فعيلة) من قر الشيء بالشيءَ :و َ
وقارَن
شده إليه [َ ]...أخرى ،وهي من " قرن الشيء بالشيء ،وقرنه إليه يقرنه قرناًّ :
الشيء بالشيء وصلته[]...
َ الشيء مقارن ًة وِقرناً :واقترَن به وصاحبه[ ]...وقرنت
َ الشيء
()1
صاحب".والقرين :الم ِ
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة ":القاف والراء والنون أصالن صحيحان :أحدهما
وشدة"
شيء ينتأ بقوة ّ
()2
ٌ يدل على َجم ِع شيء إلى شيء ،واآلخر
ُّ
نابع النحاة والبالغيون في تعريف م َّ
حدد للقرينة ،وذلك ٌ أما في االصطالح فقد اختلف ّ ّ
السياق ،فمنهم من رأى
من اختالف النظرة إلى القرينة في االستخدام؛ أي توظيفها في ّ
السياق الحالي ،يقول ابن ِجّني" :فمن
وضعية؛ أي ّإنها تفهم من ّ
ّ عقلية غير
فيها دالل ًة ّ
جالسهما جميعاً لكان مصيباً مطيعاً ال ذلك قولهمَ :جالِ ِ
ابن سيرين ،ولو َ سن أو َ
الح َ
س َ
جاز ذلك في
الشيئينّ ،إنما َ ِ
وضعها ألحد ّ م َخالِفاً ،و إن كانت (أو) ّإنما هي في أصل
انض ّمت من جهة المعنى إلى رجع إلى نفس (أو) ،بل لقرينة ّ
هذا الموضع ال لشيء َ
ووض َح ْت هذه القرينة
السياق الحاليّ ،
عقلية مفهومة من خالل ّ
(أو) ، "...فالقرينة هنا ّ
()3
معنوية.
ّ مسأل ًة
ظاهر من تقسيمهم القرائن
ٌ النحاة قد تكون كالماً أو غير كالم وهذا
والقرينة عند بعض ّ
تدل على المراد؛ وهذا
ومعنوية ،وهي عند بعضهم اآلخر ُّ
ّ لفظية
وحالية ،أو ّ
ّ لفظية،
إلى ّ
يدل عليه في أصل الوضع ،أو عدوالً عن المراد قد يكون معنى ملتبساً لغياب ما ُّ
ً
األصل في التّركيب ،والقرينة تكون أيضاً مقترن ًة بما ُّ
تدل عليه؛ والمراد هاهنا االقتران
الدالة على المراد منه واقعين في زمان الزماني بأن يكون الكالم المس ُّ
تدل عليه والقرينة ّ ّ
()4
يتأخر أحدهما عن اآلخر.
واحد ،ال ّ
-1لسانالعرب:ابنمنظور،336/13،مادة(قرن).
-2مقاييساللغة:ابنفارس.76/5،
الخصائص:ابنجنّي.348-347/1،
ِ -3
- 4يُنظر:القرائنفيعلمالمعاني:رسالةأعدّتلنيلدرجةالدكتوراه:ضياءالدينالقالش،إشراف:د.أحمدمحمدنتّوف،جامعة
دمشق،كليةاآلدابوالعلوماإلنسانيّة،دمشق–سورية2011،م،ص.21–16
84
معنوية ،فالقرائن
ّ لفظية ،وقرائن َّ
إن القرائن في اللغة العر ّبية تنقسم إلى قسمين :قرائن ّ
حوية ،وتشملالن ّ
تدل بها على الوظائف ّ
اللفظية هي عنصر من عناصر الكالمّ ،يس ُّ ّ
الصيغة ،والمطابقة ،الروابط ،والتضام،
هذه القرائن (العالمة اإلعرابية ،والترتيب ،و ّ
واألداة ،والتنغيم).
وبقية
المعنوية فهي العالقة التي تربط بين أي عنصر من عناصر الجملة ّ ّ أما القرائن
ّ
المعنوية نذكر( :اإلسناد ،التخصيص ،والنسبة ،والتبعية،
ّ العناصر ،ومن هذه القرائن
()1
والمخالفة).
الزمن ،ومن هذه األدوات
وتعتََبر األدوات من أكثر القرائن ظهو اًر وتأثي اًر في المعنى و ّ
شبهة بالفعل والظروف ،ويأتي تأثير
النواصب والجوازم واألفعال الناقصة واألحرف الم ّ
رفية واضحاً وصريحاً ،إ ْذ تحتوي الحدث الذي ُّ
يدل ظ ّالظروف أو ما يسمى بالقرائن ال ّ
يدل عليه الظرف مثل (اآلن ،أمس، الزمن الذي ُّ
عليه الفعل بداخلها ،فيكتسب الفعل ّ
السياقات ِ
بعض ّ أن تأتي فيالزمانية يمكن ْ
ّ أن هذه الظروف
غداً ،قبل ،بعد[ ،]...غير ّ
غير داّلة على زمن ،و إنما ِ
تحدث ابن جّني عن مجيئها َ وقد ّ
غير داّلة على زمنّ ،َ
مانين) أن الالم في قولهم( :اآلن ُّ
حد ال ّز َ على الجنس أو الصنف ،يقول أبو الفتح " :كما َّ
حد
ألن اآلن من قولهم( :اآلن ّ
جئت بالحق) ّ
اآلن َ غير الالم في قوله سبحانه( :قالوا َ
الزمانين) بمنزلة (الرجل أفضل من المرأة ،والملك أفضل من اإلنسان) أي هذا الجنس
أفضل من هذا الجنس ،فكذلك (اآلن) إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل في قولك:
اآلن كالمه) فمعنى هذا :كنت في هذا الوقت الحاضر(كنت اآلن عنده ،وسمعت َ
حد الزمانين،
اء منه ،فهذا معنى غير المعنى في قولهم اآلن ّ
تصرمت أجز ٌ
بعضه وقد ّ
الزمن الحاضر –كما هو
يدل على ّ
أن (اآلن) التي هي ظرف ُّ وذلك ّ
()2
فاعرفه"
الزمن الذي هو
حد الزمانين) على نوع وجنس ّ
معروف -دّلت في قوله ( :اآلن ّ
الزمن ،فتختلف عن (اآلن) في قوله( :اآلن جئت بالحق) التي الحاضر ،وليس على ّ
بالسياق،
يدل على ارتباط األفعال والقرائن ّ
الزمن ال على الجنس طبعاً ،وهذا ُّ
تدل على ّ
ُّ
ّ
ينظر:الزمنوداللتهعندالجاحظ:نجيبةعليالخبولي،ص،80وينظر:اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص-231 - 1
.240
الخصائص:ابنجنّي.395/1،
ِ -2
85
الزمن على الكلمات واأللفاظ ونزعه
السياق في اإلبانة عن المعنى ،وفي إضفاء ّ
وقوة ّ
ّ
عنها.
أهمية الجهة في تفاعلها مع صيغ األفعال ودورها في التحديد الدقيق وعلى الرغم من ّ
الزمن في العر ّبية ال تكون عن طريق صيغ لزمن الفعل إال َّ
أن اإلشارة إلى جهات ّ
النحاة الم ْح َدِثين ،إذ يعتبر ذلك تضييقاً والزاماً للغة،
توهم بعض ّ
محددة مضبوطة كما ّ
و أن ما يفيد معنى الجهة بصورة أكثر دّقة هو القرينة بأشكالها المختلفة ،والتي يمكن
لفظية تتمّثل في الظروف مثل :غداً ،أمس ،اليوم ،اآلن ،حين،
جعلها نوعين :قرائن ّ
الشرط والنواصب وقد والم االبتداء ...إلخ،
واألدوات مثل :التسويف ،والنواسخ وأدوات ّ
عما سواها من القرائن في تحديد جهة
معنوية تغني ّ
ّ السياق وهي قرائن
وقرائن المقام و ّ
الزمن ،وذلك كقول الناظر إلى الشمس :الشمس تشرق ،وما فيها من داللة على الحال،ّ
السياق زمن
ناظر لها أيضاً :أشرقت الشمس ،إذ أفاد الماضي في هذا ّأو قوله وهو ٌ
الحال من دون أن يقترن بأدوات تساعده في ذلك ،إال قرينة ّ
السياق أو المقام التي
()1 الزمن و ُّ
تدلنا عليه. تشير إلى هذا ّ
الصيغ
الزمن وجهته إذ بدونها تغدو ّ
إذاً فللقرينة بأشكالها المختلفة دور هام في تحديد ّ
الفعلية قوالب جامدة ال روح فيها وال زمن مفهوم منها.
ّ
الداللة:
-2مفهوم ّ
"الدال والالم أصالن :أحدهما الداللة في اللغة كما ذكرها ابن فارس في مقاييس اللغةّ : ّ
اب في الشيء ،فاألَّول قولهم :دَلْلت فالناً ِ ِ
اآلخر اضطر ٌ َمارة تتعّلمها ،و َإبانة الشيء بأ َ
ِ ِ ()2 الشيء ،وهو ِبين َّ ِِ طر ِ
الداللة".
الداللة و ّ ّ الدليل :األمارة في
يق ،و ّ على ال ّ
ِ
صيده انه :أخذهم من فوق ،و َّ
أدل الباز ّي على ويقول ابن منظور :أدل الرجل على أقر ِ
ّ
فاند ّل[]...وقال بعضهم معناه بدليل؛ قال ابن ِ ُّ َّ
ودالل ًة َ
كذلك ،ودله على الشيء َيدله َدالًّ َ
اللة َدليل فحذف المضاف ِجني :ويكون على حذف المضاف أي سدوا المطي على د ِ
َ َ ّ َ َّ ّ
()3
الداللة"...
يدل على ّ ألن لفظ الدليل ُّوقوي َحذفه هنا ّ ِ
86
أن داللة اللفظ عبارة عن كونه ،بحيث "اعلم َّ
حدها األصفهاني بقولهْ : أما اصطالحاً فقد َّ ّ
()1
إذا س ِمع أو تخِّيل الحظت النفس معناه".
بوضع ِه
ِ وقال الزركشي هي" :كون اللفظ بحيث إذا أطلق َف ِه َم منه المعنى َم ْن كان عالِماً
()2
له".
بأنه" :العلم الذي يدرس المعنى ،أو دراسة الداللة َّ ِ
ف علم ّأما عند الم ْح َدثين ،فقد ع ّر َّ
المعنى[ ]...أو ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول نظرية المعنى[ ]...أو ذلك الفرع
()3
الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قاد اًر على حمل المعنى".
بالداللة
الداللة ،وظهرت عنايته ّ
للفعل دو اًر رئيساً في تحديد ّ وقد أعطى ابن ِجّني ()4
-1بيانالمختصر=(شرحمختصرابنالحاجب):لشمسالدينمحمودبنعبدالرحمناألصفهاني(ت688هـ)،تحد.عليجمعة،
دارالسالمللطباعةوالنشروالتوزيع،ط،1القاهرة–مصر 1409،هـ2004-م.120/1،
-2البحرالمحيطفيأصولالفقه:لبدرالدينالزركشي،تح.لجنةمنعلماءاألزهر،دارالكتبي،ط1424، 3هـ2005-م.68/2،
-3علمالدّاللة:د.أحمدمختارعمر،عالمالكتب،ط،5القاهرة–مصر1998،م،ص.11
ظر:الخصائص:ابنجنّي.98/3، -4يُن َ
فيالتراثاللغويالعربيابنجنّيانموذجاً:ساوليفوزيةورويفعأمال،ص.71-67
ِ -5يُنظر:الجهوداللّسانيّة
-6لسانالعرب:ابنمنظور،مادة(سوق).
87
تطورت في التعبير عن دالالت جديدة عن طريق إضافتها إلى ألفاظ أخرى اندمجت
السياق اللغوي ،والمقامي،
معها لتحمل داللة مغايرة نسبياً ،فلمحنا تسميات من قبيلّ :
والحالي ،والكالمي ،وسياق األلفاظ ،والتراكيب ،وسياق القرائن ،وغيرها من التّسميات.
السياق والداللة على المعنى ،وهي إحدى أكثر وقد ربط العالم اإلنكليزي فيرث بين ّ
للسياق ،فبدون ّ
السياق يصبح المعنى م ْب َهماً وغير قابل للتحديد ،فيرى أهمية ّ
الوظائف ّ
اللغوية أي وضعها في سياقات
ّ َّ
أن " :المعنى ال ينكشف إال من خالل تسييق الوحدة
اهتم فيرث بسياق الحال ،فكانت نظرته للمعنى على َّأنه":
مختلفة " ( ،)1وكذلك فقد َّ
إن المعنى
الحية التي يمارسها األشخاص في المجتمع" ،أي ّ
()2
حصيلة المواقف ّ
يتحصل من خالل جملة المواقف الواقعية التي تحصل في وقت من األوقات بما
ضمنة داخل هذه األحداث والتي ي َراد سردها في
تحتويه من أحداث ووقائع ومعان م َّ
سياق حديث ما ،وهذا ما قصده فيرث بسياق الحال.
وطوره ،ليس ابتكا اًر
أن مصطلح سياق الحال الذي أخذه فيرث عن مالينوفيسكي ّ غير ّ
النحو العربي التراثي علىمنهما ،ولم يكن جديداً على الدرس العربي ،فقد انطوت كتب ّ
ّ ّ
النحاة واللغويين القدماء لسياق الحال وأثره على المعنى تدل على إدراك ّ
نصوص كثيرة ُّ
كما نجد لدى :سيبويه ،وأبي علي الفارسي ،وابن ِجّني ،وغيرهم الكثير ،ونذكر من
ّ
الداللة
يدل على معرفته بدور سياق الحال في ّ نصوص ابن ِجّني هذا ّ
النص الذي ُّ
َحسوا ما أَحسسنا ،وأَرادوا وَقصدوا
يدل على ّأنهم قد أ ُّ
على المعنى وإب ارزه ،يقول " :والذي ُّ
عنا ،إال ّأنه
غائب ّ
ٌ حاضر معنا ،واآلخر
ٌ وقصده شيئان :أحدهما
َ ما َنسبنا ِإليهم ِإرادتَه
تأمل في حكم الحاضر معنا ،فالغائب ما كانت الجماعة من علمائنا تشاهده مع أدنى ّ
ضطر إلى معرفته من أغراضها وقصودها :من من أحوال العرب ووجوهها ،وت ُّ
به أو االستيحاش منه ،والرضااستخفافها شيئاً أو استثقاله ،وتقبُّله أو إنكا ِره ،واألنس ِ
قائله ،وغير ذلك من األحوال الشاهدة بالقصود ،بل الحالفة على به ،أو التّعج ِب من ِ ِ
ّ
تحدث ِ
تقصد َشيئين العرب عندما تَ ّ النفوس"(،)3فابن ِجّني يؤّكد في هذا القول َّ
أن ما في ّ
َ
-1علمالداللة:أحمدمختارعمر،ص،68وانظر:الدراساتاللغويّةأثارهافيالتفسير:حمديالشيخ،منشأةدارالمعارف،اإلسكندرية
–مصر2010،م،ص .153
- 2سياقالحالفيكتابسيبويه:أسعدخلفالعوادي،دارالحامدللنشر والتوزيع،عمان – األردن ،ط2011،1م،ص (،41البعد
التداوليفيكتابالخصائص،ص)46
الخصائص:ابنجنّي .245/1،
ِ -3
88
يحل في
ضمر محذوف ،ولكن هذا المحذوف ّ موجود مفهوم ،واآلخر م ٌ
ٌ ظاهر
ٌ أحدهما
ك بالعين،در ٌ
حال م َشاهد م َ
فكأنه ٌ السياق عليهّ ، النفس مرتبة الموجود لداللة شيء في ّ
السياق في إيصال المعنى للمتلّقي ،ثم يؤديه ّ
قوة اإليحاء الذي ّ دليل على ّوفي هذا ٌ
صحة ذلك بقوله " :أال ترى إلى قوله: يتابع مستش ِهداً على ّ
()1
ِ ِ ()2
َأب ْعلِي هذا َّ
بالر َحى المتقاعس! تقول – َّ
وصكت وجهها بيمينها-
َ
صك الوجه-أن يذكر َّ ِ
المتقاع ِ
س –من غير ْ فلو قال حاكيها عنها :أبعلي هذا بالرحى
لما حكى الحال ،فقال( :وص ّكت وجهها) متعجب ًة ِمنكرةًّ ،
لكنه ّ ّ ألعلمنا بذلك ّأنها كانت
َ
ِ
مشاهد ام ٌع لحكاية الحال ،غير علِم بذلك قوة إنكارها ،وتعاظم الصورة لها ،مع ّأنك س ِ
َ َ ّ ّ َ
دل عليه القولتدل على ما ّ أورد بعدها الكثير من األمثلة والشواهد التي ُّ لها ، "...و َ
()3
السابق من داللة سياق الحال على الكالم المحذوف والمعنى المقصود ،ليظهر حتّى
شاهد بالعيان ،وعلى ذلك يقول ابن ِجّني " :وعلى ذلك قالوا:
كأنه موجود في الكالم وم ٌ ّ
رب إشارة أبلغ من عبارة " (.)4
َّ
السياق:
الصيغة وداللة ّ
الزمن بين ّ ّ -4
للزمن وطرق تحديده إذ ّ
أصر أغلب النحاة القدامى الجدل حول نظرتهم ّكثي اًر ما أثار ّ
رفية كافي ًة لتحديد زمن الفعل ،وهذا ما اعتبره
الص ّ
الصيغة ّ
النحاة على اعتبار ّ
هؤالء ّ
بالصيغة وحدها ،فكانت
الزمن ّ النحاة الم ْح َدثون مغاالةً في ّ
التحفظ على حصر تحديد ّ ّ
يعبر عنه بالماضي ،كما
تم و انتهى وهو ما ّ
عندهم صيغة (فعل) داّلة على حدث ّ
اعتبروا صيغة (يفعل) داّلة على الحاضر أو المستقبل أبداً ،واختلفوا في صيغة (افعل)
الداللة
عدها قسيم ًة لصيغة (يفعل) في ّ
فمنهم من جعلها داّل ًة على المستقبل ومنهم من ّ
الدالة على زمن محدد بعينه،
الصيغ ّ
ومقتطعة منها ،ورفض بعضهم اآلخر ع ّدها من ّ
الصيغ
اللغوية التي تدخل على هذه ّ
ّ للسياق وللقرائن
وقد طرحت هذه اآلراء دونما مراعاة ّ
النحو القديم ،بل منية ،إال َّ
أن هذا النهج لم يكن واحداً عند كل شيوخ ّ الز ّ
وتحول داللتها ّ
ي.-1وهونعيمبنالحارثبنيزيدالسّعد ّ
ٍولميدخلبهابعد،فمرتبهنسوةٌوهويطحنُبالرحىلضيوفٍ نزلوابه،فقالت:أبعلي
ّ ع ِقدَلهالنّكاحعلىامرأة - 2كانالشاعرقد ُ
ُظهرهُ،وذلكَ شكلُمنيطحنبالرحى.
َ ل ُدخ ي وُ هُصدر
ج ُخر ي:هوالذي والمتقاعس ُ،فقالاألبيات، ه هذا!تعجّباًواحتقاراًل
الخصائص:ابنجنّي.245/1،
ِ -3
-4المصدرالسّابق.247/1،
89
الزمن
منية وجهة هذا ّ
الز ّ
الداللة ّ
السياق في تحديد ّإن منهم من انتبه إلى دور القرائن و ّ
ّ
ولنؤّكد صحة هذا القول نأتي بهذه الحادثة المشهورة بين الكسائي وأبي يوسف القاضي،
حدث المرزباني
السياقّ " :
الزمن بحسب ّ
والتي تؤّكد داللة صيغة اسم الفاعل على ّ
ّ
عمن سمع الكسائي يقول :اجتمعت وأبو يوسف القاضي عند هارون الرشيد ،فجعل
ّ
النحو :ما تقول
فضل ّ
َ النحو؟ فقلت وأردت أن أعلمه
النحو ،ويقول :ما ّيذم ّ
أبو يوسف ُّ
كنت تَأخذ ِ
الم َك ،أيُّهما َ
قاتل غ َفي رجل قال لرجل :أنا قاتل غالم َك ،وقال له آخر أنا ٌ
به؟ قال :آخذهما جميعاً ،فقال له هارون :أخطأت-وكان له ِعْل ٌم بالعر ّبية-فاستحيى ِ
قاتل غ ِ
الم َك باإلضافة، بقتل الغالم هو الذي قال أنا ِ
ؤخذ ِ وقال :كيف ذلك؟ فقال :الذي ي َ
ؤخذَّ ،
ألنه مستقبل لم يكن فإنه ال ي َ الم َكّ ،
قاتل غ َ فأما الذي قال :أنا ٌ ألنه فعل ماضّ ، ّ
اع ٞل َذلِ َك َغ ًدا﴾ (الكهف﴿ ،)﴾23فلوال
بعد ،كما قال هللا تعالى﴿ :وَال تَقوَل َّن لِ َش ْايء ِإِني َف ِ
ّ َ
()1
مستقبل ما جاز فيه (غداً) ". ٌ َّ
أن التنوين
رفية
الص ّ
الصيغة ّالزمن ال يتعّلق تحديده ب ّ
أن ّوالعبرة المستفادة من هذه الحادثة ،هي َّ
النحاة األوائل ،ولو كان األمر كذلك ،لكان الستخدام
وحدها كما أشار الكثير من ّ
ولصح زعم أبي
َّ منية،
الز ّ
الداللة ّ
صيغة اسم الفاعل (قاتل) في الرواية السابقة نفس ّ
الصيغة (اسم الفاعل)،
مختلف في القولين ،رغم اتّفاق ّ
ٌ الزمن يوسف القاضيَّ ،
ولكن ّ
السياق –كالحركات مثالً -يمكن أن
أدق التّفاصيل الموجودة في ّ
أن ّوهذا ما يثبت َّ
حصر
َ عم من
المعنوية ،ويبطل ز َ
ّ منية و
الز ّ
الداللة ّ
الزمن وفي تغيير ّ
تلعب دو اًر في تحديد ّ
محددة .
الزمن بصيغ ّ الداللة على ّ
ّ
السياق
الزمن ،حديثهم عن داللة ّ
بالسياق أيضاً وداللته على ّ
ومن مظاهر اهتمامهم ّ
السياق عليه فكان وجوده
السبب وهو داللة ّ
على الفعل المحذوف ،الذي يحذف لذات ّ
يدل
السياق الذي ُّفإن ّ
الزمن بصيغته ومعناهّ ، يدل على ّ
أن الفعل ُّ
وعدمه واحداً ،بما ّ
الزمن والمعنى كداللة الفعل عليهما ،ولو كان على هذا الفعل ال َّبد له من ّ
الداللة على ّ
أن ابن ِجّني قد
استغنوا عن الفعل ،ونرى ّ
َ السياق غير مؤد إلحدى دالالت الفعل لما
ّ
الداللة عليه
أن المحذوف إذا دّلت ّ
تحدث عن هذا الموضوع باستفاضة في (باب في ّ
ض هناك من صناعة اللفظ ما َيمنع منه) ،فيقول: أن ِ
يعتر َ كان في حكم الملفوظ به ،إال ْ
-1األشباهوالنظائر:السيوطي.224–223/3،
90
ثم أرسله ،فتسمع صوتاً فتقول: سدد سهماً نحو الغرض ّ أن ترى رجالً قد ّ
" من ذلك ْ
ـ(أصاب) اآلن في حكم الملفوظ به البتة ،و إن
َ القرطاس وهللا ،أي أصاب القرطاس ،ف
أن داللة الحال عليه نابت َمناب اللفظ به[]...وكذلك قولك لم يوجد في اللفظ ،غير ّ
دل ِ
دل على ما ّ فالسياق هنا ّ
قدمّ ، "... خير َم َ
مت َ قدم ،أي َقد َ
خير َم َ
للقادم من سفرَ :
()1
الخصائص:ابنجنّي.285-284/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق .360/2،
ّ
ّة:ماريآنيافو،جورجإلياسرفاتي،تر.محمدالراضي،المنظمة -3ينظر:النظرياتاللّسانيّةالكبرىمنالنّحوالمقارنإلىالذرائعي
العربيّةللترجمة،بيروت–لبنان،ط2012،1م،ص.173
91
الزمن يؤخذ
أن ّالسياق ،وهذا الرأي يناقض اآلراء التي ترى َّ
اإلنجاز واالستخدام داخل ّ
رفية وحدها والتي لها االختصاص بتحديد زمن الفعل.الص ّ
الصيغة ّمن ّ
إن هناك دراسات كثيرةالنحاة األوائل؛ إ ْذ َّ
كل ّعند ّ إال َّ
أن هذه النظرة لم تكن واحدةً َ
الصرفي،
ّ ّ
الزمن
السياقي وفصله عن ّ النحوي أو ّ
الزمن ّ للزمن ّ
النحاة القدامى ّ
حول إدراك ّ
السياق التّركيبي
ثمة وعي بدور ّ وقد وصلت إحدى هذه الدراسات إلى نتيجتين هماّ :
إن أوصافهم معينة ،والنتيجة األخرىَّ :
زمنية ّ
الفعلية قيمة ّ
ّ الصيغة
والداللي في منح ّ
جهية ،وقد جاءت منية للمصطلحات تداخلت مع مصطلحات أخرى لها داللة ّ
زمنية ّ الز ّ
ّ
يسمى بالتبادل الموقعي،
النحاة األوائل عما ّ
هذه االستنتاجات وغيرها من خالل حديث ّ
ّ
الفعلية ،فمنهم من
ّ كل نحوي وأتباعه على التّقسيمات التي اقترحوها ّ
للصيغ استقر ّ
ّ فقد
فعل) للماضي وللمستقبل ،وبعضهم نظر إليهما وي َ
أن هناك صيغتين فقط ( َف َع َلَ ،
رأى ّ
بأنهما للماضي والحال ،ومنهم من رفض وجود زمن الحال لصعوبة اإلمساك بلحظة ّ
(افعل) لألمر
ْ الحاضر ،كالزجاجي ومن تبعه ،1ومنهم من قال بوجود صيغة ثالثة هي
نحوي على
ّ استقر كل
ّ وآخرون رفضوها واعتبرها تابعة للمستقبل ومشتّقة منه ،وحين
للصيغ الحظوا ّأنه من الممكن استخدام صيغة (فعل) للمستقبل كما فيتقسيمة محددة ّ
للداللة
آنية المتعّلقة بالوعد والوعيد ،كما يمكن استخدام صيغة (يفعل) ّ
السياقات القر ّ
ّ
على زمنين الحاضر والمستقبل باإلضافة إلى داللتها على الماضي أيضاً وذلك في
الصيغ أو تبادل سياقات محددة ومع قرائن لفظية تساعد في ذلك ،وهذا هو تبادل ّ
النحاة األوائل
يدل على إدراك بعض ّفإنما ُّ
دل على شيء ّ
المواقع الذي نقصده ،وهذا إن ّ
الصيغ، النحوي التركيبي واستنتاجهم ّ
للداللة المستوحاة من هذا التنويع في ّ للزمن ّ
ّ
النحوي الكثيرة أو جهة ّ
الزمن الزمن ّ
ومعرفتهم –و إن اختلفت آ ارؤهم -بتفاصيل ودقائق ّ
متعارف عليه في الدرس الحديث.
()2
ٌ كما هو
حسان ،الذي ِِ
تمام ّالسياق وبيان وظائفه هو الدكتور ّ
ومن أوائل الذين قالوا بمصطلح ّ
السياق هو المكان الطبيعي لبيان المعاني الوظيفية للكلمات ،فإذا اتّضحتأن " ّأ ّكد ّ
ضح مكانها في هيكل األقسام التي تنقسم الكلمات إليها" ( )3وقد
وظيفة الكلمة فقد اتّ َ
-1ينظر:اإليضاحفيعللالنحو:الزجاجي،ص.88-86
ّ
إسماعيليعلوي،إشراف:د.امحمدالمالخ ،ص.10-7 ّ
ُنظر:اإلحالةالزمنيّةفيالعربيّة:حافيظ -2ي
-3يُنظر:مناهجالبحثفياللغة:د.ت ّمامحسّان،ص.208–207
92
ياقية على اللغة العر ّبية من خالل كتابه (اللغة
الس ّ
حاول دائماً تطبيق نظرّية فيرث ّ
النهائية للمعنى المقالي
ّ الداللي هو المحصلة
أن المعنى ّ
العر ّبية معناها ومبناها) ،مؤّكداً ّ
النحوي والمعجمي) ،والمعنى المقامي رفي و ّ الصوتي والص اللغوي-
ّ السياق
(أو ّ
ّ ّ ّ ّ ّ
"()1
المقال...
الحالية؛ أي ظروف أداء َ
ّ أو(السياق االجتماعي) الذي يشمل القرائن
ّ
السياق والقرائن
حسان على العالقة الوطيدة بين زمن الفعل و ّتمام ّ
الدكتور ّ
يؤّكد ّ
ياقية؛
الس ّالموقعية ّ
ّ النحوي ّ
السياقي إّنه " :جزء من الظواهر الزمن ّ
ياقية ،فقال في ّ
الس ّّ
السياق " ،فنرى
()2
َّ
ألن داللة الفعل على زمن ما تتوّقف على موقعه وعلى قرينته في ّ
السياق كونه
حسان يشير إلى بصورة واضحة إلى الدور الذي يلعبه ّ تمام ّ َّ
أن الدكتور ّ
منية من خالل موقعه في هذا الوعاء، الوعاء الذي يحتوي الفعل فتتحدد داللة الفعل ّ
الز ّ
السياق فتوّلد – من خاللوكذلك أ ّكد على دور القرائن المختلفة التي يحتويها هذا ّ
منية األصلية
الز ّ
الداللة ّ
زمنية جديدة بالنسبة إلى ّ
احتكاكها بالفعل -زمناً جديداً أو داللة ّ
الصرفي. للفعل بصورته المجردة؛ أي زمنه
ّ ّ
الصيغ المتغايرة في مستوى تركيبي واحد كما يرى الدكتور مالك المطلبي َّ
أن " :وقوع ّ
ّ
يعني تفريغ صيغة ما دون غيرها من ّ
الزمن حيث تشير إلى وجه من وجوه داللتها
الصيغ بوصفها شكالً ِ الحديثة ،ومن هنا يكون من الخطأ إسناد ّ
الزمن إلى مثل هذه ّ
المعنوية " ( ،)3وفي هذا القول
ّ اللفظية و
ّ السياق
الزمن يكتسب من قرائن ّ زمنياً؛ َّ
ألن ّ ّ
الصرفي ،وال حتى ضمن يصح النظر إلى زمن الفعل
ّ للمطلبي دليل آخر على ّأنه ال
ّ ّ
الصيغة أو تلك ،ضمنمستوى تركيبي واحد دون غيره ،بإطالق حكم زمني على هذه ّ
السياق وبحسب القرائن النحوي ّ
متغير بحسب ّ الزمن ّ هذا التركيب أو ذاك ،ولذلك َّ
فإن ّ
رفية.
الص ّ المختلفة التي تقترن بها ّ
الصيغ ّ
رفية
ظ ّ ياقية في زمن الفعل ،ومنها القرينة ال ّ
الس ّ ونجد ابن ِجّني ّ
يتحدث عن أثر القرائن ّ
تك إذ
وزد َ
أعطيتك إذ سألتنيّ ،
َ التي تحتوي الفعل زمنياً ،يقول " :ومنه قول العرب:
زمانياً كان أو
ّ شكرتني ،فـ (إذ) معمولة العطية والزيادة ،وإذا عمل الفعل في ظرف
ظر:نظريّةالسّياقعنداللغويينوالبالغيين العرب:الطالببوزبوجةعبدالقادر،إشراف:د.عبدالملكمرتاض،رسالةمقدّمة-1يُن َ
لنيلدرجةالدكتوراهفياللغةالعربيّة،جامعةوهران،كليّةاآلدابواللغاتوالفنون،وهران–الجزائر2007،م،ص.23–21
-2اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص.105
الزمنواللغة:د.مالكالمطلبي،ص.71 ّ -3
93
الم ْسألة ،و إنما
العطية واقع ًة في وقت َ
ّ فإنه ال ّبد أن يكون واقعاً فيه ،وليست
مكانياًّ ،
ّ
العطية ،والسبب جار َمجرى العّلة ،فيجب أن ّ
يتقد َم ّ المسأل َة سبب
ألن َهي عقيبه؛ ّ
المعلول والمسبب؛ لكنه لما كانت العطية مسببة عن الم ِ
سألة وواقعة على أثرها ،وتقارب َ ّ ّ ّ ّ ّ
الزمان " (.)1
كأنهما في وقت واحد ،فهذا تجاوز ّ
وقتاهما ،صا ار لذلك ّ
أن ابن ِجّني يشير إلى وقوع الفعلين (أعطيت َك ،وسألتَني) في زمن واحد ،وذلك فنرى ّ
حين سألتّني،
الزمانية (إذ) والتي بمعنى (حين)؛ أي أعطيت َك َ
ّ رفية
ظ ّ بسبب القرينة ال ّ
ولكنه ي ّنبه إلى َّ
أن الفعلين لم يقعا زمنياًّ ،
ظرف إذ معموالً للفعل فهو يحتويه ّوكون ال ّ
يدل على
العطية واقعة في وقت المسألة) ،وهذا ُّ
ّ زمنية واحدة ،عندما قال( :ليست
بجهة ّ
كل فعل ،و إن لم يكن هذا اإلدراك منية التي يحتويها ّ إدراك ابن ِجّني للجهات ّ
الز ّ
منطقية ،تعتمد
ّ بالمعنى الحرفي أو الشكلي للجهة بالمفهوم الحديث ،فهو يؤّكد بطريقة
وفق ترتيب يفرضه المعنىعلى تفسير المعنى ،على أن الفعلين لم يحدثا معاً ،و إنما َ
الزمني وفسر هذا التقارب ِ
ّ ّ المعلول ال يقعان في وقت واحدّ ، ألن العّل َة و َ
والمنطقّ ،
وكأنهما في زمن واحد.
بينهما ،بإشارة إلى سرعة االستجابة وتحقق الطلب ،فظه ار ّ
السياق
رفية في ضوء ّ يتحدث ابن ِجّني في موضع آخر عن دور القرينة ال ّ
ظ ّ وكذلك ّ
الح َدثي
َ ّ
الدقيق لألفعال التي تقع ضمن المجال النحوي ّ الزمن ّ
الذي ترد فيه في تحديد ّ
يتوجه
لهذه الظروف ،يستشهد أبو الفتح ليؤّكد ذلك باآلية الكريمة ،فيقول " :وعلى هذا ّ
عندي قول هللا –سبحانه ﴿: -وَلن ي َنفعكم ٱليوم ِإذ َّ
ظَلمتم أََّنكم ِفي ٱلع َذ ِ
اب مشتَ ِركو َن َ َ َ َ َ َ
بقيت بال ناصب،
تجعل (إ ْذ) بدالً من قوله (اليوم) ،وإ ّال َ
َ أن
﴾ (الزخرف )﴾39﴿:ولذلك ْ
حاضر في وجاز إبدال (إ ْذ) ،وهو ماض (في الدنيا) ،من ِ
قوله( :اليوم) وهو حينئذ
ٌ
سب ٌب عن الظلم ،وكانتلما كان عدم االنتفاع باالشتراك في العذاب ّإنما هو م ّ
اآلخرةّ ،
صار الوقتان على تباينهما (وتنائيهما)
َ الدنيا بال وقفة وال فصل،أيضاً اآلخرة تلي ّ
حين
انيين المتالصقين ،نحو أحسنت إليه إ ْذ شكرني ،وأعطيته َ
الد َ
كالوقتين المقترنينّ ،
الدنيا،
أن الظلم حدث في ما مضى؛ أي في ّ سألني ، "...فقد دّلنا الظرف (إ ْذ) على ّ
()2
الخصائص:ابنجنّي.172/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق .224/3،
94
يدالن على عليه الظرف(اليوم) مع الفعل المتعّلق ِ
به (لن ينفعكم) ،فهما ُّ ِ يدل
الذي ُّ
َ َ
الزمن المستقبل ،وإن كانت الداللة الزمنية المرتبطة بالظرف (اليوم) في صور ِ
ته المفردة ّ ْ
الداللي لهما -
غير اقتران المعنى ّ
(خارج السياق) هي الداللة على الزمن الحاضرَ ،
منية المفهومة منهما هي
الز ّ
جعل الداللة ّ
َ السياق،
للظرف والفعل -باآلخرة في هذا ّ
أما القرينة األخرى فهي العالقة الوطيدة بين العّلة و َ
المعلول ،والتي تقتضي المستقبلّ ،
كان منكم في الماضي
ظلم والطغيان الذي َ أن يكون ّ
السبب سابقاً للنتيجة ،فال ّ دائماً ْ
شارك في
َ نتيجته اليوم (في يوم القيامة) العقاب حين قال( :لن ينفعكم) ،وهكذا فقد
السياق
رفية ،وكذلك ّ
ظ ّ المعنوية وال ّ
ّ النحوي لهذا ّ
النص القرآني القرينتان الزمن ّ
تحديد ّ
الذي وردت فيه هاتان القرينتان.
السياق زمانه ،فالحدث يرتبط
يبين ّ
كما نجد أن المصدر مرتبط بزمن غير محدد ،إذا لم ّ
ألن الكون الذي نعيش فيه م َ
ودع في زمن يرسم كل أحواله وأحداثه ،وبما دائماً بزمن َّ
أن اللغة انعكاس ألحداث الواقع ،فال َّبد من زمن يرسم األحداث ،وهذا ما يدحض قول
َّ
الزمن عن المصدر.
حسان بإبعاد ّ
()1
تمام ّّ
النحوي ،ودراسة
السياق ّولنظام العر ّبية وسائل شتّى تقوم على توليد األزمنة من خالل ّ
الزمن الزمن تعبي اًر محدوداًَّ ،
ألن دراسة ّ تعبر عن ّ رفي ّ الزمن الص
األفعال من خالل ّ
ّ ّ
للزمن (.)2
السياق يعطينا تعبي اًر محدوداً ّ
من خالل الفعل وحده خارج ّ
الصيغة إذ يرى سبتينو
مني في مجال ّ ويتّهم بعض المستشرِقين اللغة العر ّبية بفقرها الز
ّ ّ
السامية ومنها العر ّبية نظاماً في تصريف الفعل يختلف اختالفاً
أن " :للغات ّموسكاتي َّ
تدل على حدوثزمنية ُّ
األوروبية ،فليس فيها إطالقاً صيغ ّ
ّ الهندية
ّ عما في اللغات
تاماً ّ
ّ
تميز إال بين الحالة والحدث؛
الفعل في الحاضر ،أو الماضي ،أو المستقبل ،فهي ال ّ
االدعاء فيه تقليل من
أن هذا ّ تم" ( .)3غير َّ
مستمر أو اعتيادي ،وحدث ّ
ّ أي بين نشاط
للزمن (فعل، ئيسيتين ّ
أن هناك صيغتين ر ّ فصحيح َّ
ٌ منية الكبيرة للغة العر ّبية،
الز ّ
المكانة ّ
النحاة األوائل ،إال َّ
أن هذا ال يعني عجز اللغة العر ّبية يفعل) درج على استخدامهما ّ
كبير في هذا المجال وذلك
غنى اً إن لديها
منية ،بل ّ
الز ّ
الدالالت ّ
عن التّعبير عن باقي ّ
ً
ّ
(ينظر)مقولةالزمن؛القرينةوالدّاللةدراسةلسانية:هانيالبطاط،ص.189-188 -1
-2المصدرالسابق،ص.190
ي،ترجمةالدكتوريعقوببكر،دارالرقي،بيروت–لبنان1986،م،ص.46
ّ -3الحضاراتالساميةالقديمة:سبتينوموسكات
95
المعنوية ،لتنتج عدداً كبي اًر
ّ اللفظية و
ّ ياقية
الس ّالصيغتين بالقرائن ّ
عن طريق اقتران هاتين ّ
زمنية متنوعة.
منية التي تستطيع التّعبير عن مجاالت ّ الز ّ
الصيغ ّ
من ّ
الزمني ويقدم المستشرق ويليام رايت مجموعة من األمثلة التي يستشهد بها على التنوع
ّ ّ ّ
الصيغ مقترن ًة ببعض األدوات وفي سياقات محددة ،إال الوجهي الذي تنتجه ّ والجهي و
ّ ّ
الداللة
أن هذه الدالالت التي ذكرها جعلها مرهون ًة بالسياق الخطابي ،وهذا ما يحيل َّّ
أن الحدث التّام ليس له وجود المستخرجة إلى دالالت أخرى وجهات مغايرة ،مغفالً َّ
الداللة على اإلنجاز،
عندما تستعمل صيغة ( َف َع َل) استعماالً محدداً بغرض الدعاء أو ّ
منية تقترن تارةً
الز ّ وهذا ما أخذه عليه الدكتور امحمد المالخ ،يقول " :كما َّ
أن اإلحالة ّ
منية موجهة نحو بالتام وتارةً بمقولة الوجه ،وفي حالة(رحمه هللا) تكون اإلحالة ّ
الز ّ
منية يستلزمها الوجه ،وحينما تكون الوجوه غير موسومة
الز ّ
المستقبل ،وهذه السمة ّ
منية غير مشروطة بداللة مثل(اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) تكون اإلحالة ّ
الز ّ
الجهية المحايدة ( الماضي والتام) "...
منية و ّ
الز ّ
الصيغة على داللتها ّ
الوجه فتحافظ ّ
()1
الزمن في اللغة
المتقدمين -حين نظروا في معنى ّ
ّ النحاة
حسان على ّتمام ّيأخذ دّ .
الصرفي الزمن
حددوا ّ
السياق ،إذ ّ
العر ّبية – عدم تفريقهم بين مقررات النظام ومطالب ّ
ّ ّ
وقسموا " األفعال بحسبه إلى ماض ،ومضارع ،وأمر ،ثم جعلوا هذه
الفعلية ّ
ّ للصيغ ّ
السياق،
زمنياً وفرضوا تطبيقها على صيغ األفعال في ّ
رفية نظاماً ّ
الص ّ
منية ّ
الز ّ
الدالالت ّ
ّ
كما يبدو من تسمية الماضي ماضياً حتى حين يكون معناه في ّ
السياق االستقبال" (،)2
النحاة
انتقد عدم مراعاة ّ
شكلي ،فقد َ حسان َّ
بأنه مأخذ تمام ّونستطيع الحكم على مأخذ ّ
ّ
أن يحتوي على تنوع زمني ضمن منية ،والذي من الممكن ْ
الز ّ
السياق ّ
األوائل لمطالب ّ
ّ
رفية الجامدة على
الص ّ
الصيغ ّ
تركيب الجملة الواحدة ،فأشاروا إلى األزمنة بحسب داللة ّ
كتبت القصيدةَ
(كتب) في مثل قولناْ :
َ الزمن فقالوا –بحسب زعمه -عن الفعل الماضي
ّ
الزمن الزمن الماضي ،رغم َّ
أن ّ تدل على ّ اآلنّ ،أنه فعل ماض وذلك َّ
ألن صيغته (فعل) ُّ َ
الزمن الحاضر ،وكان من
رفية (اآلن) هو ّ
ظ ّ المفهوم من هذا المثال وبفعل القرينة ال ّ
-1ينظرّ :
الزمنفياللغةالعربيّة:د.امحمدالمالخ،ص.75-73
-2اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:ت ّمامحسّان،ص.243-242
96
األجدر –برأيه -أن تكون تسمية هذا الفعل بالحاضر أو المضارع أو الحال وليس
الزمن
الدال على ّ
ياقي ّ ألنه يجب األخذ بعين االعتبار معناه الس
بالماضي ،وذلك ّ
ّ ّ
الزمن الماضي.
الدالة على ّ
رفية ّ
الص ّ
الصيغة ّ
الحاضر وليس معنى ّ
والحقيقة أن هذا الكالم غير صحيح ،وأن دقة العرب في دالالتها على المعاني كانت
أسمى في كثير من األحيان من فهم المحدثين ،فقولهم :كتبت القصيدة اآلن ،ال يساوي
أبداً معنى :أكتب القصيدة اآلن ،وزمن الفعل (كتبت) في الجملة هو الماضي وليس
الحاضر كما يزعم د .تمام ،فزمن الكتابة في (كتبت القصيدة اآلن) قد انتهى اآلن فهو
ماض ،أما زمن الكتابة (في أكتب القصيدة اآلن) فهو الحاضر والكتابة ما تزال جارية.
سطحياً؛ فقوله:
ّ شكلياً
ّ النحاة األوائل كان
حسان على ّ
تمام ّ ولذلك أشرنا إلى َّ
أن مأخذ ّ
بأنهم يطلقون تسمية الماضي على الفعل الماضي و إن كان داالً على المستقبل –َّ
منية المتأثّرة
الز ّ
النحاة األوائل لداللة الفعل ّ
كان صحيحاً -فهو ال يعني إنكار ّ
حتّى و إن َ
دركوا الفرق بين ما
سطحية للفعل أو حتّى ّأنهم لم ي ِ
ّ أن نظرتهم كانتبالسياق أو َّ
ّ
السياق ،بل على العكس من ذلك؛ فقد كانت رفي وما َيتَطّلبه ّ النظام الص
يستلزمه ّ
ّ ّ
اللغوي عندهم على يدل الواقع
حسان ،إ ْذ ُّ ِ
ّ تمام ّ
أكثر عمقاً م ّما رماهم به ّنظرتهم َ
الصرفي ،وثمة إشارات زمنية مختلفة عن زمنها
فعلية في مجاالت ّ للصيغ ال ّ
استخدامهم ّ
ّ ّ
زمنية
الفعلية عن زمنها المحدد لها لتؤدي أدوا اًر ّ
ّ الصيغةصريحة منهم على خروج ّ
الدال على المستقبل
السياق ،وأما إطالقهم على الفعل الماضي ّ أخرى بحسب ما يطلبه ّ
النظر
رفي لهذا الفعل بصرف ّ الزمن الص
الدال على الماضي اسم ّ أو الفعل المضارع ّ
ّ ّ
السياقي ،فكان من باب التّحديد لهذا الفعل في صورته األولى قبل دخوله في
عن زمنه ّ
زمنية جديدة ،وإ ّال لما استطعنا تحديد زمن أي
السياق واكتسابه لزمن جديد أو جهة ّ
ّ
اكتب) وكان يلزم لنقول َّ
أن فعالً ما هو (قال ،يرسم ،غادرواْ ،
السياق مثلَ :
فعل خارج ّ
مستمع
ٌ فعل ماض ،أن نضعه في جملة يكون فيها داالًّ على الماضيُّ ،
فيرد علينا
ِ
صح َحاً ّأنه ليس داالًّ على الماضي ،بل على المستقبل ،ويضع الفعل في جملة
ويقول م ّ
يكون فيها داالً على المستقبل ،فيصعب علينا حين ذلك تحديد زمن الفعل بصورة مفردة
تمام للزمن الواحد ،وبالتالي َّ
فإن ّادعاء ّ منية للفعل الواحد أو ّ
الز ّ
الداللة ّ
تنوع ّلصحة ّ
ّ
باطل.
ٌ حسان
ّ
97
النحوي،
رفي للفعل وزمنه ّ
ّ ّ النحاة األوائل للفرق بين ّ
الزمن الص يدل على معرفة ّال بل ُّ
واستخدامهم لألفعال عن سابق إدراك ومعرفة لما تحتويه من تنوع زمني ،وليس كقوالب
ّ
ِ
زمنية
للصيغ وبدالالت ّ صرفية جامدة ،فنرى عند ابن جّني مثالً استخداماً متنوعاً ّ ّ
وقد
وبقي ْت علينا َليلتان؛ ْ ِ
مختلفة مثل قوله في كتاب الخصائصْ " :قد س ْرنا َعش اًر َ
علي منه سورتَان ،)1("...وقوله في موضع آخر " :و أما اآلخر وبقي ْت َّ
آن َ ظت القر َ َح ِف ْ
للصيغ
ففي القولين استخدام واضح ّ
()2
خرج ِه"...
قربوه منه حتّى يجعلوه من م ِ
َ َ فأن ي ّ
ْ
رفية ،فجاء في القول
الص ّ
نحوية مختلفة عن داللتها ّ ّ زمنية
المت ّنوعة التي تحمل داللة ّ
األول بالفعل الماضي التام المقترن بـ (قد) (قد سرنا ،وقد حفظت) ،وبعده جاء بصيغة
ّ
حالية
الدال على المستقبل ،في قوله( :بقيت) ،والقرينة في ذلك هي قرين ٌة ّالماضي ّ
أما في القول الثاني ،فقد جاء بمصدرين مؤولين صيغتهما
السياقّ ،
يوضحها لنا ّ
مقامية ّ
ّ
يقربوه ،و أن يجعلوه) وتقديرهما (تقريبهم،
منية هي الماضي (أن ّ
الز ّ
المضارع وداللتهما ّ
الداللة فيه ماضية بسبب القرينة المقالية وهي الضمير(هم) الذي ُّ
يدلنا على وجعلهم) و ّ
ّ
مقامية والمقصود بها (العرب)؛ أي تقريب العرب القدماء وجعلهم كذا وكذا ،فنرى
ّ قرينة
يدل على إدراكه وفهمه العميق لتفاصيل
للداللة على الماضي ،وهذا ُّ
استخدام المضارع ّ
الفعلية للتّعبير عن أزمنة مختلفة ،وإ ّال لكان استخدم الماضي لما هو
ّ الصيغ
استخدام ّ
ماض من األحداث ،واستخدم الحاضر والمستقبل لما يناسبهما من األحداث أيضاً،
وضعت له ،ونراه يؤّكد صراح ًة على للصيغ لغير ما ِ
ْ فهذه أمثل ٌة من استخدام ابن جّني ّ
أماكن كثيرة نذكر منها – على سبيل المثال ال الحصر -قوله " :و َ هذه المسألة في
فقد ح ِم َل على هذا[َ ]...يقولون :األمر يحزنني ،وال َيقولون:
َحزَنه هللا َفهو َمحزون ْ
أما أ َ
ِ
ضى.)3( "...أن َم ِجيء المضارع َيشهد للماضي ،فهذا أَمثل م َّما َم َ
َح َزَنني ،إال َّ
ولعل قرينة الحال في أحيان كثيرة تغني عن ذكر الزمن ،بل قد تغني عن ألفاظ كثيرة،
الحي ال ينفصل
ُّ ذلك أن الموقف الذي يحدث الكالم فيه يفهم أشياء كثيرة ،إذ "الكالم
عن الموقف الذي يكون فيه ،وما يالبس ذلك من حركات باليد وتعبير الوجه ،وع ّلو
شيء من الكالم ف ِ
ٌ الصوت أو انخفاض وغيرها من مالبسات الحال ،بحيث لو حذ َ في ّ
الخصائص:ابنجنّي.270/2،
ِ -1
سابق.229/2،-2المصدرال ّ
-3المصدرالسّابق.216/2،
98
النحاة إلى هذا الجانب ،فأجازوا ِ
كانت هذه المالبسات مغنَي ًة عنه ومومئ ًة إليه ،وقد تَ ّنب َه ّ
ولكن ابن ِجّني َب ّسط القول في مالبسات بناء على فهمه من قرائن األحوالَّ ، الحذف ً
الصوتي في ّ يستحق من أجله الثناء" ( ،)1إذ يشير ابن ِجّني إلى أثر الجانب
ّ الحال بما
ّ
السياق ،فيقول في حديثه عن الداللة المقصودة ،وباإلضافة إلى دور ّ تحديد المعنى و ّ
كان وهللاِ َرجالً! ِ
أن تكو َن في َمد ِح ِإنسان والثَّناء عليه ،فتقولَ :
وذلك ْ
َ الصفة" :
حذف ّ
إطالة الص ِ
وت ِبها، طيط اّلالم و ِ
فظ بــ(هللا) هذه الكلمة ،وتتم ّكن في تَم ِ
َفتزيد في قوِة الّل ِ
ّ ْ َ ّ َ
فاضالً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك.أَي :رجالً ِ
َ
وتفخمه ،فتستغني بذلك
الصوت بإنسان ّ وكذلك تقول :سألناه فوجدناه إنساناً! وت َم ّك َن ّ
()2
وصف ِه بقولِ َك :إنساناً َس ِم َحاً أو َجاداً أو نحو ذلك"...
ِ عن
الداللة
الزمن ودوره في ّ
جلية األثر حول ّ ولكنها ّ
خفية ّص نلمح إشارة ّالن ّ
و في هذا ّ
للنص ،وذلك يكون بصورة غير مباشرة ،فهنا رأينا في نص ابن ِجّني كيف
المباشرة ّ
الصوت أو تفخيمه أو تقصيره أو ترقيقه[ ]...وما لذلك من أهمية في
تحدث عن إطالة ّ
ّ
الصوت في نطق الالم والذي يعتمد الناطق بهفكأنما في إطالة ّ
تغيير داللة الخطابّ ،
الخيالية التي تستطيع استيعابها الكلمة
ّ منية والمساحةالز ّ
المدة ّ
الزمن في تقدير ّ على ّ
الزماني َحّي اًز من الفراغ اّللفظي والذي عند إطالة الصوت ،فخّلف هذا البعد أو ُّ
الطول
ّ ّ ّ َ ّ
أن يفهمه ويمأل به المعاني المقصودة من هذه ِ
من المفروض على المستَمع أو المَتلّقي ْ
عبر عنه ابن ِجّني منالزمن الذي ّ السياق مع ّللصوت ،وبهذا يتضافر ّ منية ّ
الز ّ
اإلطالة ّ
الداللة العامة باإلضافة إلى
خالل الجانب الصوتي في تحديد المعنى المقصود وإفادة ّ
وتية البسيطة والتي تحدث بزمن وجيز عن ذكر الكثير والكثير الص ّ
االستغناء باإلطالة ّ
لغوي ،إلى ِ
من المعاني واأللفاظ التي تخدم مقصد القائل ،وبذلك َيتحّقق االقتصاد اّل ّ
اللغوية المعلومة لدى كل من
ّ طبع يعتمد على الكفاءة
اللية ، ،وهذا بال ّ
الد ّجانب اإلفادة ّ
الزمني الذي المتكّلم والمتلّقي والتي تم ّكن من استخدام المفردات ووضعها في الحيز
ّ ّ
الصوتي للحرف. المد ّخّلفه ّ
99
ويتحدث ابن ِجّني عن الفرق بين الالم الداخلة على الفعل الماضي والالم الداخلة على
ّ
المضارع ،فيقول " :وال تدخل في جواب (لو ،ولوال) إال على الماضي دون المستقبل[]...
أن هذا فعل النون للتّوكيد وإلعالم ّ
السامع َّ الداخلة على المستقبل فتلزمها ّ
و أما الالم ّ
َّك َليحكم بيَنهم ﴾(النحل: مستقبل وليس للحال كالذي في ِ
َ وجل﴿ :و إن َرب َ َ
عز ّ قول هللا ّ
﴿.)1( ".)﴾124
فهناك الالم الداخلة على جواب (لو ولوال) تكون دالة على الماضي ،مثل قولنا:
َ إذاً
نجح َت ،إذاً فهذه القرينة (الالم)
درس َت جيداً َل ْ
لمات الزرع ،وقولنا :لو ْ
َ لوال المطر
أن الفعل بعدهما ماض ،صيغ ًة الشرط (لو ،لوال) تشيران إلى َّ
باإلضافة إلى قرينة ّ
وزمناً ،بعكس الالم التي يقترن فعلها بنون التّوكيد ،فالفعل بعدها مستقبل حكماً ،كقولنا:
تنجح َّنٌّ ،
دال على المستقبل صيغ ًة وزمناً، َ لتنجح َّن في االمتحان ،فالفعل
َ درست
َ لو
سرصناعةاإلعراب:ابنجنّي.73/2،
ِ -1
100
الدارسين العرب مثل الدكتور رمضان عبد التّواب الذي يردد كالم فليش
الزعم بعض ّ
ّ
نفسه.
جحف من هينري فليش وعبد التواب ومن تبعهم باطل وغير االدعاء الم ِ إال َّ
أن هذا ّ
مجرد رأي ،أوأن يكون ّ وقوة اللغة العر ّبية أكثر من ْ
صحيح ،وفيه تقليل من مكانة ّ
دل علىإن َّ الدقة واألمانة في إبداء هذا الرأي ،وهذا ْ
الموضوعية و ّ
ّ بحث يستند إلى
يدل على قّل ِة إدراك فليش وعبد التّواب لواقع وماضي اللغة العر ّبية التي
فإنما ُّ
شيء ّ
إن فيها (فعل ،ويفعل) ،ال بل َّ
َ الصيغتين الرئيسيتين
لطالما زخرت بصيغ كثيرة غير ّ
الزمن ما ال يوجد في غيرها من اّللغات األخرى ،إ ْذ َّ
إن الدقة في تحديد ّ
من المرونة و ّ
الصيغ المختلفة
الفعل المنجز أو صيغة (فعل) يمكن أن ينشطر منها العديد من ّ
زمنية مختلفة في الماضي ،وذلك عبر دخول
عبر عن مراحل ّ
والمستخدمة حقيق ًة والتي ت ّ
السياق نفسه في
الضمائم المختلفة التي أشرنا إليها كثي اًر ،فضالً عن دور ّ
القرائن و ّ
الزمن كالماضي المطلق والماضي القريب من الحال، قل جهة ّ ِ
الزمن ،أو لَن ْ
تحديد ّ
المستمر ،والماضي المنتهي في الحال ،وكذلك تتيح لنا
ّ والماضي البعيد ،والماضي
بالنسبة
عبر بصيغة الفعل الماضي(فعل) عن المستقبل ،واألمر عينه ّ
أن ن ّ
براعة العر ّبية ْ
زمنية مختلفة إضاف ًة إلى داللتها
تتفرع إلى مراحل وجهات ّ إلى صيغة (يفعل) التي ّ
قال باعتماد العرب على صيغتين للتّعبير عن أمر لم ينتبه له من َ على الحال وهو ٌ
النحاة قد اجتهدوا في تفريع هاتين أن ّالدرس العربي الحديث َّ زمنين فقط ،ونرى في ّ
ّ
منية ووصلت عند الز ّ
(افعل) إلى الكثير من الجهات ّ ْ الصيغتين باإلضافة إلى صيغة ّ
حسان وغيره الكثير من تمام ّ
زمنية مثل ّ عشر زمناً أو جه ًة ّ َ البعض منهم إلى ست َة
الم ْح َدِثين ،وهذا ما يثبت بطالن المزاعم الغر ّبية والعر ّبية الكثيرة التي تقول بفقر اللغة
الصيغ ،ويؤّكد ِغناها ووفرتها وتنويعها لألزمنة منية باستخدام ّالز ّ
العر ّبية بداللتها ّ
()1
المختلفة.
الدعاء فقر العر ّبية بالداللة الزمنية ،كما نجد لدى
وتقدم نصوص بعض النحاة المسوغ ّ
السهيلي الذي ينفي داللة فعل الحال على المستقبل أو داللة المستقبل على الحال أو
ّ
موضحاً
المقامية التي تؤثّر في األفعال ّ
ّ ياقية و
الس ّعلى الماضي ،أي ينفي دور القرائن ّ
-1ينظر:زمنالفعلفيالعربيّة:عبدالجبّارتوامة،ص.78-76
101
قال بداللة الماضي على الحال واالستقبال ،أو داللة الحال على الماضي ،أو أن من ََّ
المستقبل مستشهدين لذلك بكثير من آيات الذكر الحكيمّ ،إنما هو على التقدير ال
الحكاية ال أكثر ،فيقولِ ":فعل الحال ال يكون مستقبالً و إن َحس َن فيه (غداً) ،كما ال
كيف يكون حاالً:
لتَ : يكون الفعل المستقبل حاالً أبداً ،وال الحال ماضياً ]...[،فِإ ْن ق َ
(يقوم زيد غداً) وهو في زمان مستقبل؟ قلناّ :إنما ذلك على تقدير الحكاية له إذا وقع،
﴿وَلو تَ َرٓى ِإذ
واإلشارة إلى صورة الفعل إذا جاء وقته ،كما قال هللا سبحانه وتعالىَ :
بلفظ الماضي وِقفوْا عَلى رِب ِهم﴾ (األنعام﴿ ،)﴾30والوقوف مستقبل ال محالة ،ولكن جاء ِ
ْ َ ٌ َ َّ
()1
حكاي ًة لحال يوم الحساب فيه ،ال مرتّب على وقوف قد ثَبت".
النظر عن القرائن فالسهيلي هنا يقول إ َّن داللة الفعل على ّ
الزمن ثابتة بصرف ّ إذاً ّ
جيء بعض األمثلة ّأنها على تقدير
السياق ،معّلال َم َ
التي َيرتَبط بها هذا الفعل في ّ
النحوي له رغم اعترافه
الزمن ّ
رفي للفعل متجاهالً ّالزمن الص
الحكاية ،فهو بذلك يأخذ ّ
ّ ّ
تحججاً في ذلك بالحكاية ،و إن كانت
السياق وم ّبداللة الفعل على أزمنة مختلفة بفعل ّ
سوغ الوحيد -حسب رأيه -لمجيء الحال مستقبالً أو ماضياً أو العكس،
الحكاية هي الم ّ
الس ِ
ياق يدل على أزمنة مختلفة بحسب ّ أن ُّ الزمن الواحد يمكن ْ أن ّفتعتَبر كافي ًة ليرى َّ
ائن التي َيقترن بها.
وضع فيه والقر ِ الذي ي َ
النحاة العرب في اعتمادهم على وينتقد المستَ ِشرق رايت نظام ّ
الزمن في العر ّبية عن َد ّ
الزمن وال ُّ
يدالن على دقائق الوقت وتفاصيله وهما شكلين زمانيين يراهما مفرغين من ّ
صيغة الفعل التّام أو المنجز ،والفعل غير التّام أو غير المنجز ،وهو انتقاد درَج عليه
موجهاً
أن انتقاد رايت كان أكثر دّقة فقد كان ّالنحاة الم ْح َدِثين ّإال َّ
كثير من المستشرِقين و ّ
ٌ
الشكلين ،وليس إلى اللغة العر ّبية،
النحاة القدماء في اقتصار عنايتهم على هذين ّ إلى ّ
منية أو ضعف قدرتها على تنويع دالالت الز ّ
الداللة ّ
ومحدوديتها في ّ
ّ ِ
باإلشارة إلى فقرها
الدارسين الم ْح َدِثين ،ويرى رايت ّأنه كان من
الزمن وجهاته ،كما فعل الكثير من ّ ّ
بالصيغ المتنوعة التي تنتجها صيغتا التّام وغير التّام في
يهتموا ّ
أن ّ األفضل للعرب ْ
الصيغ التي
تحور داللتها وتتوّلد عنها تلك ّ
تضامها واقترانها مع أدوات وأفعال متنوعة ّ
ّ
حو:أبوالقاسمعبدالرحمنبنعبدهللاالسهيلي،تح.الشيخعادلأحمدعبدالموجود،والشيخعليمحمدمعوض،
َّ -1نتائجالفكرفيالنّ
دارالكتبالعلميّة،ط،1بيروت–لبنان1992،م،ص.93
102
وفصل القول فيها وفي استخداماتها( ،)1فصحيح َّ
أن القدماء لم تحدث عنها رايت ّ ّ
الرئيسيتَين (فعل ،ويفعل)َّ ،
ولكن الصيغتين ّ
بالصيغ المتوّلدة عن ّ
خاصاً ّ
خصصوا درساً ّ ي ّ
توهم البعض ،بل نرى كتبهم
هذا ال يعني ّأنهم لم يستخدموها أو كانوا غافلين عنها كما ّ
الشرط واألفعال
تضام األدوات مثل :قد والسين وسوف وأدوات ّ ّ زاخرةً بالحديث عن
الزمن الجديد الذي يتوّلد عن هذا التّضام أو االقتران،
الصيغتين و ّ
الناقصة إلى هاتين ّ
وهذا ما رصدناه عند ابن ِجّني في كثير من المواضع التي سيأتي ذكرها في الفصل
الالحق من هذا البحث.
السامية من
بأنها أَكمل اّللغات ّ
"ونجد برجشتراسر يصف اللغة العر ّبية –رغم حداثتهاّ -
الزمن الذي يحتويه الفعل حتّى أكثر من الفعل اليوناني والغربي وذلك لما
حيث أنواع ّ
ّ
يحتويه من أدوات مثل قد والسين ولن و [ ،]...فضالً عن تقديم صيغة كان قد فعل،
وكان يفعلن وسيكون قد فعل ،و [ ،]...وهذا هو الذي يسهم في تنويع معاني الفعل
امية" (.)2
الس ّ
وأزمنته أكثر مما يوجد في سائر أخواتها من اللغات ّ
السامية ،ويرى أَّنه ال وجود
"وينفي فاندريس وجود وسيلة للتّمييز بين األزمنة في اللغة ّ
السامية
حصل اندماج في بعض اللغات ّ َ إال لتقابل بين التام وغير التام ،غير ّأنه
الزمني. خصية في اسم الفاعل في شكل لواحق لتش ّك َل مفهوم الحاضر
الش ّ للضمائر ّ
ّ ّ
()3
"
رفية خارج سياق التّركيب الص ّ
وجه القائم على ربط زمن الفعل بصيغته ّ أفرز التّ ُّ
وقد َ
جرد صيغ األفعال م ّ
َ النحاة أن يدركوا َّ
أن ينص علىّ ":أنه على ّ ملي توجهاً مغاي اًر ّ الج
ّ
السياق
معين ،و أن ّ الصيغة ال على جزء ّ تدل على زمن ما ،هو جزٌء من معنى ّ والفاظ ُّ
منية ِ ِ ظروف القولية بقر ِ
الز ّ
الداللة ّ
الحالية هي وحدها التي تعين ّ اللفظية و ّ
ّ ائنها ّ أو ال ّ
ِ ِ ()4
النحاة االنتباه إلى وجود وترشح َها لزمن بعينه" ،ومفاد هذا القول :إَّنه يجب على ّ ّ
بالزمن ِ
نسميه اليوم ّ رفية للفعل وهو ما ّ الص ّ بالصيغة ّ
ط ّ زمنين للفعل ،زمن عام مرتب ٌ
المعنوي ِة ،وهو ما
ّ اللفظي ِة و ِ
الحالية و ّ
ّ السياق بق ارِئِن ِه ِ
وزمن آخر يكسبه ّإياه ّ ٌ الصرفي،
ّ ّ
ي:د.محمدالريحاني،ص.282-275 ّ
ينظر:اتجاهاتالتحليلالزمن ّ-1
- 2ينظر:التطورالنّحويللغة العربيّة:برجشتراسر،أخرجهوصححهوعلّقعليهد.رمضانعبدالتواب،مكتبةالخانجي،ط،2
القاهرة–مصر1994،م،ص.90-89
ّ -3
الزمنفياللغةالعربيّة:امحمدالمالخ،ص.62
ظاهرةالزمنفيالبناءالتركيبيوالسّياقيبينالنظريةوالتطبيق:د.وفاءمحمدعليالقطيشات،د.مفلحعطاهللاالفايز،مجلّة
ّ - 4
جامعةتكريتللعلوم،المجلد(،)19العدد(،)7األردن2012،م،ص.426
103
زمنياً ،ويجعله
تنوعاً ّ النحوي للفعل ،وهذا ّ
الزمن هو الذي يكسب الفعل ّ بالزمن ّ
يعرف ّ
السياق ،فال حاجة ألن نلتزم بصيغة الماضي(فعل)
فرضه ّ لكل قالب َي ِ مرناً وم ِ
طاوعاً ّ
لنتحدث عن أمر يحدث اآلن أو
ّ نستخدم (يفعل)
َ لنعبر عن حدث ماض ،أو ألن ّ
مستقبالً فقط ،وهذا ما أخذه الم ِ
ستشرقون على اللغة العر ّبية من خالل وصفهم للغة
انتقاد
ٌ بالفقر فيما يتعّلق بقدرِتها التّعبيرّية عن جهات ّ
زمنية مختلفة ،و هذا ِ العر ّبية
طالنه فيما يأتي من هذا الفصل بعون هللا.
سنثبت ب َ
بداللة الص ِ
ِ
يغة في أصل وضعها ّ رفية؛ أي
الص ّ النحويون ّ
الزمن بالمسألة ّ ط ّ
وكما رب َ
و(افع ْل)
َ فعل) على الحاضر،
و(ي َ اللغوي على ّ
الزمن ،كداللة ( َف َع َل) على الماضيَ ، ّ
على الحاضر عند بعضهم وعلى المستقبل عند بعضهم اآلخر ،رأى األصوليون ّ
أن
رفية ،وذلك بحسب طريقة تأليف
الص ّ
بالصيغة ّ
حوية وليس ّ الن ّ
الزمن مرتبط بالمسألة ّّ
المقيدة إلطالق
الجملة وسياقها وداللتها حسب مواقع الخبر واإلنشاء وبحسب القرائن ّ
لفظية
زمانياً والفعل خبرّياً أم قرائن ّ
ّ مقامية من كون الفاعل
ّ الفعل ،سواء كانت قرائن
الشرط ،والتّحقيق ،والتّسويف ،والظروف المختلفة
النفي ،و ّ
مما يحيط بالفعل من أدوات ّ
()1
النحويون.
الصيغة الذي يفترضه لها ّ
التي تصرف الفعل إلى زمان غير زمان ّ
الزمن
أن ّعما ذهب إليه األصوليون ،فهم يرون َّ
وال يذهب اللغويون الم ْح َدثون بعيداً ّ
النحو
حسان ينظر إلى ّ تمام ّ
الدكتور ّ بالس ِ
ياق ارتباطاً وثيقاً ،وهذا ما جعل ّ النحوي يرتبط ّ
ّ
النحوي هو ّ
السياق، الزمن ّ
النظر في ّ السياق ،فمجال ّ
على ّأنه " :نظام العالقات في ّ
الصيغ ،يكون ّ
الزمن الصيغة المنعزلة ،وحيث يكون ّ
الصرف هو نظام المباني و ّ وليس َّ
الصيغة يبدأ وينتهي بها وال يكون لها عندما تدخل في
في قاص اًر على معنى ّالصر
ّ ّ
()2
السياق".
عالقات ّ
يتحدد فيه الحدث الذي هو
الزمن الذي ّ الملفوظية َّ
بأنه" ّ ّ ويعرف جان سيرفوني زمن
تؤدي
إنتاج الملفوظ ويمكن اإلشارة إليه داخل الملفوظ نفسه ،ومن بين الكلمات التي ّ
يتحدد باألشكال
مني ال ّ ولكن المرجع الز
مثل :اآلن أو اليومّ ،
هذه الوظيفة يذكر كلمات َ
ّ ّ
األشكال التي تَ ِسم الماضي
َ تتضمن أيضاً
َّ التي تحيل إلى حاضر الملفوظية َّ
ألنها
ظر:البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،ص.168 -1يُن َ
الزمنفياللغةالعربيّة:محمدالم ّ
الخ،ص.45 ّ -2
104
ظروف يذكر: يتحدد مرجعها إال بالنسبة إلى ذلك الحاضر ،ومن ِ
فئة ال ّ والمستقبل وال َّ
ّ
مرة
فكل ّ
أمس وقبل األمس بخصوص الماضي ،وغداً وبعد غد بخصوص المستقبلّ ،
تدل على اليوم الذي سبق اليوم الذي أنتجت فيه نلفظ فيها (أمس) َّ
فإن هذه الكلمة ُّ
وهلم ج اًر ، )1( ".ويفهم من هذا التّعريف َّ
أن تدل على اليوم الالحق ّ
الملفوظية ،و(غداً) ُّ
ّ
يدل عليه الفعل في
الزمن؛ أحدهما هو زمن الحدث الذي ُّ ِ
نوعين من ّ السياق يوّلد
ّ
الزمن
التلفظ الذي يتم خالله هذا الحدث ،ويساعد في فهم هذا ّ
السياق ،واآلخر هو زمن ّ
ّ
تدل عليه مثل :اآلن وأمس ،وغداً ،وغيرها ،كقولنا في
رفية التي ُّ
ظ ّ بعض القرائن ال ّ
التلفظ هو الحاضر) :كان يدرس أمس ،و غادر اآلن ،وحسبتهإن زمن ّ الحاضر(أي ّ
تدل على أزمنة مختلفة عن زمنها أن األفعال (يدرس ،غادر ،وحسب) ُّ غداً ،فنرى َّ
تدل على رفية التي رافقتها ،إال َّ
أن الجمل السابقة كّلها ُّ ظ ّ في ،وذلك بفعل القرائن ال ّالصر
ّ ّ
التلفظ بها.
الحاضر إذا نظرنا إليها من وجهة نظر زمن ّ
ياقية ال تتم إال بدخول الفعل في التّركيب ،في حين َّ
أن الس ّ
الداللة ّ
أن ّويالحظ عليهم َّ
ثم كانت داللته
الزمن ،قبل دخوله في التّركيب ،ومن َّ
يدل على ّ
رفية ُّ
الص ّ
الفعل بصيغته ّ
الزمن بالمطابقة ال بااللتزام عدا فعل األمر الذي تكون داللته على ّ
الزمن داللة على ّ
الزمن ،فال وبالنظر إلى َّأنه طلب إيقاع الفعل ،وبما َّ
أن اإليقاع حدث يلزمه ّ اميةّ ، التز ّ
َمناص من كونه زمن إيقاعه في الحاضر أو المستقبل تبعاً للقرائن التي تعين ذلك
ثم األساليب اإلنشائية ال تقترن َّ
بالزمانَّ ، َ قرر َّ
أن حين ّ
اإليقاع واضطرب بعضهم َ
بالزمن في حدود ما يقترن به كل شيء ال ينفك بأنها تقترن ّ
استدرك على عدم االقتران ّ
أقره األصوليون وسبق لنا ذكره ،بداللة الفعل
بطبيعته عن المكان والزمان ،وهذا ما ّ
()2
-1ينظر:الملفوظية:جانسيرفوني،ص.37
-2المصدرالسابقنفسهُ.
105
الزمن الماضي:
-5جهات ّ
ِن به الماضي من األزمنة نحو قولِ َك: عرف ابن ِجّني مصطلح الماضي َّ
بأنه " :ما قرَ ي ّ
إن ابن قام أمس ،وقعد ّأول من أمس ، ".ونلمح في هذا التعريف إشارتين ،األولىّ :
()1
َ
الزمن وليس عن الفعل الماضي ،وبالتالي فهو يفصل بصورة قاطعة ِجّني ّ
يتحدث عن ّ
الدرس الحديث ُّ
النحاة األوائل في ربطهم الصيغة ،وهذا أبرز ما عاب به ّ
الزمن و ّ
بين ّ
الزمن ،واتّهامهم بإهمال السياق والقرائن ،وهذا يقودنا إلى اإلشارة
بالداللة على ّ
الصيغة ّ
ّ
الثانية :وهي إدراك ابن ِجّني لدور السياق والقرائن السياقية في تحديد ّ
الزمن ،فلم يذكر
الزمن الماضي – في األمثلة التي ساقها – هو صيغة الفعل الماضي دل على ّأن ما ّّ
الصيغة بالقرائن
منية هو ارتباط هذه ّ
الز ّ
الداللة ّ
ام َ +ق َع َد) ،بل الذي ّأدى هذه ّ
( َف َع َل = َق َ
ط وثيق
الزمن وهي( :أمس ،و ّأول من أمس) ،وهذا ما له ارتبا ٌ
الظرفية التي دّلت على ّ
يدل التركيب (قام
الزمن الماضي ،إ ْذ ُّ
تدل عليه هذه القرائن ضمن ّ
منية التي ُّ
الز ّ
بالجهة ّ
زمنية وهي األمس ،و هي نقطة يمكن الزمن الماضي المحدد بنقطة ّ
أمس) على ّ
تدل الجملة األخرى
اعتبارها – بالنسبة إلى سواها – ضمن السياق ماضياً قريباً ،فيما ُّ
(قعد ّأول من أمس) وفي هذا السياق ذاته ،على الماضي البعيد بالنسبة إلى الجملةَ
سبت إلى جملة أخرى من مثل: تصبح نفسها ماضياً قريباً إذا ن ْ
َ أن
األولى ،والتي يمكن ْ
(قعد منذ شهر ،أو العام الماضي ...إلخ).
وليست هاتان الجهتان (القريب والبعيد) هما وحدهما ما يختص بهما الماضي ،بل ثمة
الزمن والتي تتعلق بصورة مباشرة بالقرائن السياقية
الكثير من الجهات التي يحتويها هذا ّ
التي يقترن بها:
وخاص ًة لدى
ّ الدراسات الحديثة،
أ-الماضي التام :وهو المصطلح األكثر شيوعاً في ّ
المستشرِقين ،الذين أرسوا قواعد لغاتهم على الّلغة العر ّبية وحاولوا جاهدين
المقارنة بين األزمنة في لغتهم وما وجدوه في اللغة العر ّبية ،ليلصقوا الضعف
باللغة العر ّبية –من وجهة نظرهم -بسبب عدم احتوائها على هذه المصطلحات،
وبالتأكيد هذه المقارنة غير صحيحة ال في أسسها وال في نتائجها ،فعدم وجود
المتنوعة والتّسميات المختلفة ،ال يعني أبداً عدم إدراك العرب
ّ هذه المصطلحات
:ابنجنّي،ص.28
ِ -1اللمعفيالعربيّة
106
الدرس
لهذه المفاهيم ،فمثالً مصطلح الماضي التّام أو المنجز الذي درَج في ّ
النحاة األوائل ،ومنه
عل) ،تردد كثي اًر عند ّ
يعبر عنه بصيغة ( َف َ
الحديث ،والذي ّ
الصيغة " :وحضرت أنا مجلساً لبعض الرؤساء"... ِ
قول ابن جّني مستخدماً هذه ّ
الصيغة للداللة على حدث تام منته ،وذلك ّأنه يشرح ،فهو هنا يستخدم هذه ّ
()1
الخصائص:ابنجنّي.327/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق .36/1،
-3الكتاب:سيبويه.115-114/3،
107
تدل على وقوع الحدث في الماضي القريب وتأثيره على الحاضر،)1(. صيغة َف َع َلُّ -
فإن هذه األحكام التي ِ
الداللة نفسها الكثير غيره من الم ْح َدثين ،وبالتالي ّ
وقد ذكر هذه ّ
أطلقها الم ْح َدثون من العرب والمستشرقون ليست ابتكا اًر ،بل هي من آثار النحو القديم
كما رأينا عند ابن ِجّني وغيره.
تدل صيغة المضارع على هذه الجهة أيضاً وذلك عند دخول حرف النفي أن ُّ
ويمكن ْ
(لما) هي نفي لـ (قد
أن ّ(لما) عليه ،فهي حرف نفي وجزم وقلب مثل (لم) مع اختالف َّ
ّ
يقرب صيغة أن (لم) هي نفي لـ (فعل) ،كما أشار سيبويه ،ووجود قد ّ فعل) في حين َّ
الماضي من الحاضر ،إضاف ًة إلى إمكانية حدوث هذا الفعل في المستقبل(على وجه
ين َج َهدوْا ِمنكم َوَلم َيتَّ ِخذوْا َّ ِ ِ
التّوّقع) ،قال تعالى﴿ :أَم َحسبتم أَن تت َركوْا َوَل َّما َيعَل ِم ٱ ََّّلل ٱلذ َ
ۢ ٗ ِ ِ ِ ِ
يجة َوٱ ََّّلل َخِبير ِب َما تَع َملو َن﴾(التوبة ،)16فنرى من دو ِن ٱ ََّّلل َوَال َرسولِه ۦ َوَال ٱلمؤ ِمن َ
ين َولِ َ
الدال زمنياً على الحال أو االستقبال في أصل (لما) نفت الفعل المضارع ّ أن األداة ّ َّ
لب زمنه إلى الماضي
ـ(لما) ق َ
وضعه ،إال ّأنه في سياق هذه اآلية الكريمة ،وبعد اقترانه ب ّ
الذي ينتهي في فترة قريبة من الحاضر ،ويتوّقع حدوثه مستقبالً.
ج-الماضي البعيد :والمقصود به الماضي المتحّقق التّام في لحظة بعيدة عن الحاضر،
الزمن
ومما يساعد في تشكيل هذا ّ على النقيض من الجهة السابقة (الماضي القريب)ّ ،
الزمن الماضي ،مثل( :أمس، الدالة على ّ
رفية ّ
ظ ّاقتران صيغة ( َف َع َل) مع إحدى القرائن ال ّ
شهر ،دهر ،ماضي[ ]...وفق الشرط السياقي النسبي الذي أشرنا إليه سابقاً ،أو اقترانها
منية، لتكون لنا هذه الجهة ّ
الز ّ (فعل) باألدوات أو القرائن السياقية والتي تترّكب معها ّ
وأبرز هذه األدوات هي الفعل الناقص (كان) التي قد تأتي مرّكبة مع الفعل ،أو قد
الصيغة (كان قد فعل ،أو قد كان فعل) ،ومن مركبة مع (قد) والفعل ،لتكون ّ
تأتي ّ
ِ
األمثلة على هذه الجهة في استخدام ابن ِجّني ،قوله م ّ
تحدثاً " :وكنت َعرضت هذا
تقبَله" ( ،)2فنرى في القول السابق
أحسن ُّ
فرضيه و َ
َ الموضع على أبي علي رحمه هللا
ّ
الداللة على الماضي البعيد
لتحمل ّ
َ صيغة (كان فعل) في قوله ( :كنت عرضت)
المتحّقق ،فهذه الجهة تحّققت من دخول الفعل الناقص (كان) على الفعل الماضي،
ّ
ُنظر:اإلحالةالزمنيّةفيالعربيّة:حافيظإسماعيليعلوي،امحمدالمالخ،ص.23 -1ي
الخصائص:ابنجنّي.123/1،
ِ -2
108
الداللة على التحقق أو التّمام فمن شيئين؛ أحدهما
أما ّ
لتجعله داالًّ على الماضي البعيدّ ،
صيغة الفعل الماضي (عرضت) ،و أما الشيء اآلخر فهو السياق ،فالمفهوم من حديث
ابن ِجّني ّأنه يناقش مسألة سبق ،حتى وإن عرضها في وقت بعيد على أبي علي
ّ
الفارسي رحمه هللا ،فهذا ينطوي على الماضي ،كو َن أبي علي م َّ
توفى ،والعرض كان
قبل الوفاة ،وهذه أمور تستلزم المضي والبعد أيضاً ،ثم يتابع ليؤّكد على التحقق ،بعطفه
ّ
على صيغة (كنت عرضت) بصيغة الماضي المتحقق (رضيه) ،وأمثلة هذا في
نصوص ابن ِجّني كثيرة.
ِ
أما صيغة (كان قد فعل) فهي كثيرةً أيضاً ،وتنطوي في معناها على معنى التحّقق ّ
الملحق ،)1("...وقوله
َ الذي تؤّكده األداة (قد) ،ومثالها قوله " :بل إذا كانوا قد حذفوا
مني َة
الز ّ
كرروها في مرمريت ، "...ففي كال المثاَلين نلمح الجه َة ّ
()2
أيضاً " :إذا كانوا قد ّ
بأنها جهةتحد َث فيها اللغويون الم ْح َدثون ّ
نفس َها ،والماضي البعيد المتحّقق ،والتي ّ
َ
الجبار توامة
مني ،وعبد ّ
()3
تمام حسان في جدوله الز
الماضي البعيد المنقطع ،ومنهم ّ
ّ ّ
( ،)4وغيرهم.
زمنية
ّ حدث في الماضي في فترة
المستمر :ويقصد به الحدث الذي َ
ّ د -الماضي
المعبرة عن هذه الجهة هي صيغ
ّ الصيغ
استمر حدوثه ضمن الماضي ،و ّ
محددة و ّ
وظل يفعل ،ومازال يفعل[،]...
الناقصة ،مثل( :كان يفعلّ ، المضارع المقترنة باألفعال ّ
نص ابن ِجّني العديد من هذه االستخدامات والمواضع التي ّأدت هذه الجهة وقد َش ِه َد ّ
ِ
منية و إن لم يش ْر إليها ابن ِجّني بعبارة صريحة ،ومنها قوله " :أال ت اره َ
كيف كان الز ّ
ّ
وي ،)5("...فصيغة المضارع (يقول) هنا لم تدّلنا على
ظَب ّ
ظ ْبيةَ :
يقول في اإلضافة إلى َ
زمن حاضر أو مستقبل كما هو معهود ،و إنما ّأدى اقترانها بالفعل الناسخ (كان) إلى
منية من الحاضر إلى الماضي ،ومنحها جهة االستمرار ،وهذا الز ّ
انزياح داللتها ّ
ستمر
القول م ٌّ ط على معنى القول السابق ضمن السياق ،ال يعني َّ
أن االستمرار إذا أ ِ
سق َ
َ
بتكرار وبوتيرة واحدة ،بل المقصود هو استمرار االعتقاد بهذا القول ،أي كان عاده
الخصائص:ابنجنّي .479/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.54/2،
-3يُنظر:اللغةالعربيّةمعناهومبناها:ت ّمامحسّان،ص.245
ظر:زمنالفعلفياللغةالعربيّة:عبدالجبّارتوامة،ص.85-4يُن َ
الخصائص:ابنجنّي.106/2،
ِ -5
109
بوي ،فقد ّأدى الفعل الناقص في هذا ظ ّ أن يقول باإلضافة إلى ظبية وأمثالها َدائماً ْ
داللية
جهية ّ الزمن الماضي ،واألخرى ّ زمنية بنقله الفعل إلى ّ
المثال وظيفتين إحداهما ّ
الزمن وأكسَب ْته تلك الصيغة استم ار اًر في هذا ّ ألنها منحت ّ صح التّعبير -وذلك ّ
إن ّ –ْ
منية منتشرةً بين النحاة الم ْح َدِثين ،فنراهم
الز ّ
الداللة أو الجهة ّ
الداللة ،وبالمقابل نجد هذه ّ
ّ
الزمن،
(كان) يحمل ّ أن الفعل َ مثل(كان ز ٌيد يكتب الرسالة) على َّ
َ يتحدثون في جملة من
ّ
وهو يشير إلى كون حدث الكتابة َ
وقع في الماضي ،على حين (يكتب) ال يحمل ا ّلزمن،
حدث
إن المتكّلم ينظر إلى الحدث في أثناء إجرائه ،وهو ٌ
بل يحمل جهة غير التّام؛ أي ّ
الداخلية للحدث ،وهذه الجهة يمكن أن تتألف مع
مستمر ،والجهة ترّكز على البنية ّ
ّ
()1
األزمنة كافة.
المستمر)
ّ هـ -الماضي التكراري أو االعتيادي :ويمكن أن َ
يتبع لهذه الجهة (الماضي
جهة التّكرار أو االعتياد كما أطلق عليه الدكتور محمد قواقزة( )2في جملة من مثل:
الزمن المطلق أو (الحدث يومياً على ّ ُّ
يومياً) مستدالً بالظرف ّ (يذهب علي إلى الجامعة ّ
ألي جهة، أي تحديد ّكل وقت وزمان ،ومن دون ّ حدث في ّأن َي َ
االعتيادي) الذي يمكن ْ
ّ
وقد أشار ابن ِجّني إلى مثل هذه األفعال التّك اررّية التي ُّ
تدل على االعتياد والتّكرار
عبر عنها المصادر أو األفعال ،فيقول في (باب في
أن ت ّ
بصورة متناوبة ،والتي يمكن ْ
المضعفة تأتي
ّ باعية
الر ّإمساس األلفاظ أشباه المعاني) " :وذلك ّأن َك تجد المصادر ّ
للتّكرير ،نحو الزعزعة ،والقلقلة ،والصلصلة ،والقعقعة ،والصعصعة ،والجرجرة،
ذلك ّأنهم جعلوا تكرير العين في
والقرقرة" ،ويتابع في الباب نفسه قائالً " :ومن َ
()3
ّ
ينظر:اإلحالةالزمنيّةفيالعربيّة:حافيظإسماعيليعلوي،امحمدالمالخ،ص.37-36 -1
ظرّ :
الزمنالمطلقفياللغةالعربيّةدراسةوصفيّة:د.محمدحسنبخيتقواقزة،مجلةمجمعاللغةالعربيّةعلىالشبكةالعالمية، -2يُن َ
العدد،9جامعةالحدودالشمالية،المملكةالعربيّةالسعودية2015،م،ص.224
الخصائص:ابنجنّي.153/2،
ِ -3
-4المصدرالسابق.155/2،
110
زمنية
تتم دفع ًة واحدة ،بل على مراحل ّ صيغ ال ُّ
ٌ وكسر ،كّلها
طع ّ فالزعزعة والقلقلة ،وق ّ
الداللة والحدث والزمان. متكررةٌ في المعنى و ّ
متتابعة ،فهي إذاً ّ
ٗ
ص ُّدوْا َعن ف
َ يال ومن األمثلة على ذلك أيضاً قوله هللا تعالى ﴿:ٱشتَروْا َِباي ِت ٱ ََّّللِ ثَم ٗنا َقِ
ل
َ َ َ َ
َسِبيلِ ِه ٓۦ ِإَّنهم َسآ َء َما َكانوْا َيع َملو َن﴾(التوبة ،)9:فالفعل (يعملون) في اآلية الكريمة هو
أن دخول الفعل الماضي الناقص(كانوا)دال على الحاضر بطبيعته ،إال َّ
فعل مضارع ّ
الداللة من الحاضر إلى الماضي ،وأكسبه صفة التّكرار؛ أي (ما كانوا حول هذه ّّ
يقومون به باستمرار) فكانت أفعالهم تتكرر كثي اًر في الماضي ،وهذا ما أفادته صيغة
(كان يفعل).
الزمن الماضي بصورة
وقع و انتهى في ّ
يعبر عن حدث َ
المطلق :وهو ما ّ
و-الماضي ُ
الزمن الماضي ،ومن زمنية م َّ
حددة من ّ حدد أو بفترة ّ
يتقيد بوقت م ّ
أن ّ مطلقة؛ أي دون ْ
وجهت زمن الفعل المضارع إلى الماضي المطلق،اللفظية أو األدوات التي ّ
ّ القرائن
استخدام صيغة (يفعل) مسبوقة بـ (لم) حرف النفي والجزم والقلب ،والتي تقلب زمن
الفعل المضارع بعدها من الحاضر إلى الماضي المطلق ،ويؤّكد ابن ِجّني على داللة
فلسفية
ّ كان مجزوماً ،متّجهاً في تَ ِ
فسير ذلك وجه ًة الزمن الماضي إذا َ
المضارع على ّ
نظرّية قائمة على أساس األسبقية في النفس بين وجود الماضي والمضارع ،و ّأيهما
يقم زيد ،جاءوا فيه بلفظ المضارع وإنالفرع ،يقول" :ومنه قولهم :لم ْ األصل و ّأيهما َ
أن المضارع أسبق رتب ًة في النفس من الماضي ،أال ترى َّ
أن كان معناه المضي ،وذلك َّ
ّ
ِ
ثم توجد فيما بعد ،فإذا نفي المضارع الذي هو ّأو َل أحوال الحوادث أن تكون معدوم ًةَّ ،
َ
ظنك بالماضي الذي هو الفرع ،)1( ".ففي هذا القول نالحظ َّ
أن إشارةَ ابن األصل فما ّ
أسبقي ًة للصيغة
ّ أسبقي َة وضع أو
ّ أسبقي ِة المضارِع على الماضي ليست ّ ِجّني إلى
الدليل على ذلك استشهاده بالعد ِم
أسبقية الزمن و ّ
ّ رفية ،و إنما المقصود هاهناالص ّ
ّ
إطالق أكثر وأظهر من النفي الواقع على ِ
والوجود فالنفي الواقع على المضارع فيه
ّ ٌ
يكن) فيه دليل على نفي الكينونة في كل وقت وكل حين؛ الماضي ،فقولنا مثالً( :لم ْ
أي ّإنه ينفي الوجود ويحيل الحدث إلى العدم ،خالفاً لقولنا( :ما كان) الذي ينفي
اعتبر ابن ِجّني المضارع هو
َ الكينونة كحدث ،ولكن ال ينفي وجودها سابقاً ،ولذلك
الخصائص:ابنجنّي.105/3،
ِ -1
111
كان التعبيرالنفي بصورة مطلقة َ األصل وهو األسبق في الوجود ،وبالتالي فإذا أردنا
َ
الزمن الماضي من صيغ الماضي نفسها، أدل على ّ بالمضارِع المنفي(المجزوم) أقوى و ّ
الشواهد على ذلك من وقوِة تعبيرها ،ومن ّ ِ
شجاعة العر ّبية رب من ضروب ض وذلك
ٗ ّ ٌ َ َ
ِ َّ ِ
ين ث َّم َلم َينقصوكم َشيا َوَلم ين َع َهدتُّم ّم َن ٱلمش ِرِك َ الذكر الحكيم قوله تعالى ﴿:إال ٱلذ َ
ٗ
َحدا َفأَِت ُّمٓوْا ِإَلي ِهم َعه َدهم ِإَلى م َّدِت ِهم ِإ َّن ٱ ََّّللَ ي ِح ُّب ٱلمتَِّقين ﴾(التوبة،)4ظ ِهروْا َعَليكم أ َ
يَ
الزمن الماضي
دال في اآلية الكريمة على ّ
فالفعالن المضارعان (ينقصوكم ،يظاهروا) ّ
صرفية
ّ المطلق ،بعد أن كانا داّلين على الحاضر الذي تفيده صيغة (يفعل) كصيغة
الزمن من
حول مسار ّ
النفي والقلب (لم) ّ َّ
ولكن دخول حرف ّ السياق،
مفردة خارج ّ
الحاضر إلى الماضي المطلق.
الزمن المضارع:
-6جهات ّ
وقابلي ًة لدخول األدوات من سوابق
ّ وداللية
ّ زمنية
قوةً ّ
أكثر األفعال ّ
عتبر الفعل المضارع َ
ي َ
اللغوية ،والتي تؤدي دو اًر بار اًز في تحديد زمن
ياقية و ّ
الس ّ
ولواحق وغيرها من القرائن ّ
عنوي بين الحال
شترك َم ّ أن المضارع م َ النحاة إلى َّ
الفعل الجديد ،فقد ذهب بعض ّ
يعم الحال
يدل على مفهوم زمان ّأن المضارع ُّ
واالستقبال ،وليس المقصود بذلك ّ
حصل ،بل ال ّبد أن يكون المقصود به ّ
أن ألنه سيكون زماناً غير م ّ
واالستقبالّ ،
مرة،
مانين ،فينطبق على الحال ّ
الز َ
كل من ّيصح انطباقه على ّ
ّ معنى مطلقاً للمضارع
ً
مرة أخرى بحسب القرائن ،وذلك ما رأيناه في ّ
الزمن الماضي المطلق، وعلى االستقبال ّ
()1
يدل
أن ُّفإن ذلك يستدعي ْ
حيويةّ ،
ّ الزمن المضارع هو أكثر األزمنة
أن ّوعلى اعتبار ّ
الزمن ،وليس فقط الجهات المتعّلقة بالحاضر أو المستقبل،
على جهات مختلفة من ّ
ِ
ألبرز هذه الجهات: وسنستعرض
أ-الحال ال ّتجددي أو االستمراري :هو ما يعبر عن الحدث الذي يقع لحظة التّ ُّ
كلم ّ ّ ّ
الداللة معؤدي هذه ّ
ستمر حدوثه إلى المستقبل القريب أو البعيد ،والقرينة التي ت ّ
وي ّ َ
صيغة (يفعل) هي (ما المصدرّية) ،ويقول ابن ِجّني في تعريفه للحاضر من األزمنة":
اآلن ،وهو يصّلي ِن به الحاضر من األزمنة نحو قو َ
لك :هو يق أر َ والحاضر :ما قرَ
-1يُنظر:البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،ص.160
112
أن الحال أولى به من االستقبال" (،)1 الساع َة :وهذا اللفظ أيضاً يصلح للمستقبل إال ّ
ّ
أولوي ًة على المستقبل باستخدام صيغة (يفعل) ،ومع ذلكّ إذاً فابن ِجّني يعطي الحال
الداللة رهناً للقرائن المصاحبة لهذه
فهو ال ينفي داللتها على المستقبل ،تاركاً تحديد ّ
ظرفية
ّ الصيغة ،فقوله اآلن أو الساعة يجعلها داّل ًة على الحاضر ،إذا صاحبها قرائن ّ
مستقبلية ،ونرى ذلك واضحاً في مثل ّ منية تصبح الز ّ
فإن داللتها ّداّلة على المستقبلّ ،
يح ٱب َن َمرَي َم َو َمآ أ ِمرٓوْا قوله تعالى :ٱتَّخذوْا أَحبارهم ورهبنهم أَرب ٗابا ِمن دو ِن ٱ ََّّللِ وٱلم ِ
س
َ َ َ َ ّ َ ٓ َ َ َ ََ
ٗ ِۖ
إن معنى إال لَِيعبدٓوْا ِإَل ٗها َو ِحدا َّٓ
ال ِإَل َه إال ه َو سب َحَنه ۥ َع َّما يش ِركو َن (التوبة ،)31 :إ ْذ َّ
ثم
ويستمر حدوثه إلى لحظة الحال ،ومن ّ
ّ أن الفعل يحدث في الماضي الداللة َّ
هذه ّ
مستمرة ،وهذا ما هو واضح في اآلية الكريمة ،ذلك َّ
أن االشتراك بدأ في ّ يتجدد بصورة
استمر إلى الحاضر وأسبغت (ما المصدرية) بدخولها على صيغة المضارع
ّ ثم
الماضي َّ
أن تدخل (ما المصدرية) على الماضي تجدداً واستم اررّية في المستقبل ،كما يمكن ْ ّ
مانية ،كما في قوله تعالى:ظرفية َز ّ
ّ جددي ،وذلك إذا كانت (ما) تدل على الحال التّ ّ ف ُّ
ٗ
صِني ِبٱ َّ
لصَلوِة َوٱ َّلزَكوِة َما دمت َحّيا (مريم ،)31أي ِ
َ و َج َعَلني م َب َارًكا أَي َن َما كنت َوأَو َ
حياً ،على تقدير ما والفعل بعدها بمصدر ،فيصبح المعنى العام داالًّ على مدة دوامي ّ ّ
ص َّدرة بــ(ما) ،ترَبط صيغة َف َع َل
منية الم َ
الز ّ
الحال المستمر" ،يقول دينز :في الجملة ّ
مدةَ دوامي عين من المستقبل ،مثل( :ما دمت) ،التي تعني بصفة خاصةّ : بوقت م ّ
()2
حيا".
ّ
دل على حدث يتوّقع حدوثه في زمن المستقبل األقربب-المستقبل القريب :هو ما ّ
الزمن ،إذا سبقت بـما يأتي:
تدل صيغة (يفعل) على هذا ّ
إلى الحاضر ،و ُّ
أن " الحاضر إذاالمختص بالفعل المضارع ،يقول ابن ِجّني َّ
ّ - )1حرف (السين)
وسوف يصّلي
َ فقلت :سيق أر غداً
سوفَ ،أدخلت فيه السين ،أو َ
َ أردت إخالصه لالستقبال
َ
وسوف) في
َ دليل واضح على أثر هاتين القرينتين (السين
غداً" ،ففي القول السابق ٌ
()3
:ابنجنّي،ص.28
ِ -1اللمعفيالعربيّة
ّ
ّياقاللغويودراسةالزمنفيالعربيّة:محمدرجبالوزير،علوماللغة،القاهرة–مصر،المجلد6العدد2003،1م،ص.64 -2الس
:ابنجنّي،ص.28
ِ -3اللمعفيالعربيّة
113
طرح ،لماذا اختصت ولكن السؤال الجوهري الذي يجب ْ
أن ي َ بعدها إلى المستقبل البعيدّ ،
وسوف بالبعيد؟ ولماذا ليس العكس؟
َ السين بالمستقبل القريب،
كل منهما،
صرفية عائدة إلى طبيعة ّ
ّ لفظية
أقرب للمنطق ،هي عّلة ّ َّ
إن العّلة التي أراها َ
قابل لالتّصال بصورة
أن السين حرف واحد ٌ الداللة؛ إذ نرى ّ
وأثر هذه الطبيعة على ّ
ف معه كلم ًة واحدة ،أو صيغة واحدة ،فتكون صيغة
مباشرة بالفعل المضارع ،ليؤّل َ
حسب اعتقادي -من قرب
ناتج – َ
وذلك ٌ
َ معبرةً عن المستقبل القريب،
(سيفعل) صيغة ّ
سوف من الفعل ،وما يحمله هذه القرب من سالسة
َ السين من الفعل ،أكثر من اقتراب
ّ
منطقياً سرع ًة في توّقع حدوث هذا
ّ الزمن ،وهذا يقتضينطقية وسرعة واختصار في ّ
ّ
(سوف يفعل) تظهر بصورة َ خبر عنه بصيغة (سيفعل) ،بينما نرى َّ
أن صيغة الفعل الم َ
ِ
هيئة كلمتين منفصلتين ،وهذا يوحي لنا أو للمتلّقي بالبطء والتّريُّث منفصلة على
نلمح
َ أن
سوف عن صيغة (يفعل) ،كما يمكن ْ َ الزمن باستطالة وبعد
واإلطالة في ّ
(سوف) السين مع الفاء وبينهما حرف الواو ،والذي يعطي
َ الصوتية ألحرف
ّ الطبيعة
وكل هذه العوامل مجتمع ًة تلقي بظاللها على
ومداًُّ ،
هذا التركيب تنفيساً واستطالة ّ
نقد َم
أن ّتقدم نستطيع ْ
الداللة المستخلصة من تركيب(سوف يفعل) ،ولذلك ووفقاً لما ّّ
رفية لهاتين األداتين
الص ّ
إن البنية ّ
رّأياً يتناسب مع مستخلص هذه االستنتاجات ،لنقولّ :
زمنياً
كونت مفهوماً ّ اإليحائية المستفادة منهما ،بالتالي ّ
ّ الداللة
أثّرت بصورة مباشرة في ّ
نقدم على ذلك مثاالً وهو قوله تعالى: أن ّ جهياً يتناسب مع هذه الدالالت ،ونستطيع ْ ّ
السين ين َك َّذبوْا َِب َايِتَنا َس َنستَد ِرجهم ِّمن َحيث َال َيعَلمو َن﴾(األعراف ،)182:إذ ُّ َّ ِ
تدل ّ ﴿ َوٱلذ َ
بقرب اتّصالها بالفعل المضارع ،على قرب تحقق وحدوث هذا الفعل ،وهو ما رأيناه في
يب ،ولن يمهلهم
اج المك ّذبين قر ٌ
أن استدر َ
اآلية الكريمة التي أصبح معناها بدخول السين ّ
هللا كثي اًر ،إذ كان من الممكن أن يكون االستدراج في وقت الحق وبعيد من المستقبل
لوال دخول السين على صيغة المضارع (يفعل).
اعة َيو َمِئ ٖذ َيتََف َّرقو َن
لس َ
يدل على المستقبل ،كما في قوله تعالىَ ﴿:وَيوَم تَقوم ٱ َّ - )2ظرف ُّ
﴾(الروم)14:
(أن) المصدرية الناصبة ،ومن الشواهد على ذلك قوله تعالى﴿ :ي ِريدو َن أَن يط ِفؤا ْ - )3
وره ۥ َوَلو َك ِرهَ ٱل َك ِفرو َن ﴾( التوبة ،).32 :كذلك ِ ور ٱ ََّّللِ ِبأَف َوِه ِهم َوَيأَبى ٱ ََّّلل ِإ َّٓ
ال أَن يت َّم ن َ نَ
114
الداللة المستفادة من الفعل المضارع بعد دخول الحرف الناصب هي
فإن ّاألمر َّ
أن والفعل ،ليصبح المعنى :يريدون
المستقبل القريب ،وذلك على تأويل المصدر من ْ
المؤّوَلين
(إطفاء) نور هللا بأفواههم ويأبى هللا إال (إتمام) نوره ،وتبدو داللة المصدرين َ
الزمن المستقبل القريب من الحال ،واضحة في هذه اآلية ،وذلك
(إطفاء ،وإتمام) على ّ
(أن).
ياقية ْ
الس ّ
بفعل القرينة ّ
دل اسم الفاعل على زمن المستقبل القريب وذلك بوجود قرائن لفظية أو معنوية ورَّبما ّ
يخية ،وذلك نحو قول بشر بن أبي خازم: أو تار ّ
()1 الج ِ
يش تَ ْعتَ ِرف ّ
الرَك َابا خالل َ
َ َس ِائَل ٌة عميرةٌ عن أَبيهاأَ
ألن الشاعر قال القصيدة التي أخ َذ فقد دل اسم الفاعل ِ
(سائلة) على المستقبل القريب؛ َّ ّ
صيب بضربة قاتلة عندما كان يغزو إحدى القبائل، ِ
منها هذا البيت وهو َيحتضر ،إ ْذ أ َ
عما قريب عندما يعود الجيش وال تجده ابنته فهو يتوقع أن تسأل عنه ابنته (عميرة) ّ
()2
فيه.
الزمن المستقبل َّ
ولكن رجى حدوثه في ّ دل على حدث ي َ ج-المستقبل البعيد :هو ما ّ
(لعل) ،والشاهد الزمن هي َّ ياقية التي تفيد هذا ّ الس ّنسبة حدوثه ضئيل ٌة جداً ،والقرينة ّ
ۢ
ط َعنوْا ِفي ِد ِينكم َفَقِتلٓوْا أَِئ َّم َة ٱلكف ِر ِإَّنهم
قوله تعالى﴿ :وإن َّن َكثٓوْا أَي َم َنهم ِّمن َبع ِد َعه ِد ِهم َو َ
مني، تدل على التّرجي والتّ ّ لعل ُّ أن ّ ومعلوم َّ
ٌ ال أَي َم َن َلهم َل َعَّلهم َينتَهو َن﴾(التوبة،).12:
َٓ
(لعل) في اقترانها رجى حصوله في وقت الحق ،وليس سابق ،وتفيد ّ وهذا يكون لشيء ي َ
الداللة على المستقبل الذي سوف يحدث في وقت بعيد
مع صيغة المضارع (يفعل) ّ
الزمني المفهوم من اقتران (لعل ويفعل) هو :عسى أن المفلوظية ،والمعنى من زمن
ّ ّ ّ
ينتهوا في وقت الحق.
زمنية غير محددة من
دل على حدث يتوّقع حدوثه بفترة ّ
د-المستقبل المطلق :هو ما َّ
منية بصورة واضحة في أسلوب الشرط ،حتىالز ّ
الزمن المستقبل ،وتظهر هذه الجهة ّ
ّ
ماضيين ،وهذا ما نراه واضحا عند ابن ِجّني بقوله:
َ ولو كان فعل الشرط والجواب
مت قمت؛ فيجيء بلفظ الماضي والمعنى (معنى المضارع) ،وذلك إن ق َ
"وكذلك قولهمْ :
ّ
بشربنأبيخازم،تح.عزةحسن،ط،2دارالشرقالعربي،بيروت–لبنان1995،م،ص .73-1ديوانبشربنأبيخازماألسدي:
ّ -2
الزمنالمستقبلفياللغةالعربيّة:محمدقواقزة،ص.1607–1606
115
َّأنه أرَاد االحتياط للمعنى ،فجاء بمعنى المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي
استقر (ال ّأنه) متوّقع مرتقب" ( ،)1ويشير د. المقطوع بكونه ،حتّى َّ
كأن هذا قد وقع و ّ
حسان إلى داللة صيغة( َف َع َل) على الحال أو االستقبال وذلك بحسب ما يضام
تمام ّّ
المشبهة بالفعل ،مثل عسى في
ّ الشرط والحروف
لها من األدوات والقرائن مثل أدوات ّ
(هال فعلت،
رجي التي تنقله إلى الحال أو االستقبال ،وكذلك في التّحضيض نحو ّ التّ ّ
الداللة على الماضي
(ليت) ّ
(فعل) بعد َ
ولوال َفعلت ،ولو ما َفعلت) ،وأيضاً تفيد صيغة َ
الزمنية إلى المستقبل ،نحو ِ
(رح َم الدعاء في اإلحالة ّ ّ
فعل) ،وتفيد سياقات ّ
نحو (ليته َ
(فعل) على الحال أو االستقبال وذلك
َ الشرط مع صيغةتدل أدوات ّ
هللا فالناً) ،فيما ُّ
إن
قام ز ٌيد غداً قمتْ ،
إن َاآلن قمتْ ،
قام ز ٌيد َ (إن َ
بحسب القرينة المصاحبة لها ،نحوْ :
()2
أقم).
إن يقم ز ٌيد غداً ْ
أقمْ ،
اآلن ْ
قم ز ٌيد َ
َي ْ
رفية المصاحبة،
ظ ّ فنراه في هذه اإلحالة إلى الحال والمستقبل معتَ ِمداً على القرينة ال ّ
المتحصل
ّ رطية ،إ ْذ يكون للمعنى
الش ّ
أكثر من اعتماده على المعنى المستفاد من الجملة ّ
إما على الحال أو رطية –حتّى بدون هذه القرائن-داللة ّ
زمنية محددة ّ الش ّ
من الجملة ّ
االستقبال.
للداللة على المضارع (الحال أو
الشرط جاء ّ أن استخدام الماضي مع ّ والمالحظ هنا َّ
الشرط مع صيغةالمعنوية المستفادة من تضام أداة ّ
ّ الداللة
بناء على ّ
االستقبال) وذلك ً
احتمالية قد تحصل وقد ال تحصل ،وذلك
ّ الداللة على المستقبل داللة
عل) ،فكانت ّ( َف َ
األول الذي يكون حدوثه َمرهوناً بحدوث الجواب المنتظر ،وذلك
بشرط حدوث الفعل ّ
ظرفية مثل غداً ،أمس ،اآلن وما شابه ذلك ،كما ذكر
ّ بدون أن يذكر الحاجة إلى قرينة
حسان في هذا الغرض. تمام ّ دّ .
فإن (ال الناهية الجازمة) هي من القرائن التي تحصر الفعل المضارع في وكذلك َّ
ٗ االستقبال أيضاً ،مثال ذلك قوله تعالى :وَال تص ِل عَلى أ ِ
ات أََبدا َوَال تَقم
َح ٖد ّمنهم َّم َ
َ َ ّ َ ٓ َ
ِۖ
َعَلى َقب ِِره ٓۦ ِإَّنهم َكَفروْا ِبٱ ََّّللِ َوَرسوِل ِه ۦ َو َماتوْا َوهم َف ِسقو َن( التوبة ، )﴾84﴿:وكما هو واضح
تصل ،وال تَق ْم) تكسب ِ فإن ال الناهية مع صيغة يفعل في قوله( :ال في اآلية السابقة؛ َّ
ّ
الخصائص:ابنجنّي.105/3،
ِ -1
-2ينظر:اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:ت ّمامحسّان،ص.251
116
ِ
تصل على أحد منهم الزمن ،ويصبح المعنى :ال
صيغة المضارع داللة مطلقة على ّ
ّ
تقم؛ ِ
أي وقت الحق ،وكذلك األمر بالنسبة إلى قوله :ال ْ
تصل غداً ،وال في ّ
ّ اآلن وال
كل األزمنة أي وقت مستقبلي ،فقد استغر َق ّ
النهي ّ تقم اآلن وال بعد قليل ،وال في ّ
أي ال ْ
النهي في المستقبل المطلق ،وتجدر
يدل على ّ
المحتملة والممكنة لصيغة المضارع ل ُّ
الزمن؛ إذ ليس القرينة (ال الناهية)
السياق القرآني في استجالء هذا ّ
اإلشارة هنا إلى دور ّ
السياق القرآني بصورة كبيرة في فهم هذه الزمن ،بل ساعد ّتقدم لنا هذا ّ
وحدها من ّ
منية ،فهو ينطوي على خطاب طلبي فيه أمر أو نصيحة أو ربما وعظ، الز ّ
الداللة ّ
ّ
ّ
والطلب ال يكون لشيء مضى ،فهو يستلزم المستقبل حص اًر ،من دون أ ْن ن ّ
حد َد جه ًة
حدد في المستقبل، طلب ال يكون لوقت م ّ دون غيرها في هذا المستقبلّ ،
فالنصيحة أو ال ّ
الزمن المستفاد من
ألي وقت وأي زمان في المستقبل ،ولذلك كان ّبل يكون صالحاً ّْ
الزمن المستقبل المطلق.
هذه اآليات هو ّ
الداللة على الوصف الفعلي، الزمن إلى ّ
" وقد يخرج الفعل المضارع من داللته على ّ
ّ
ٱلصَلوة و ِم َّما رَزقَنهم ي ِ
نفقو َن ( ِ ِ ِ وذلك مثل قوله تعالىَّ :ٱل ِذ َ ِ
َ ين يؤمنو َن بٱل َغيب َويقيمو َن َّ َ َ
تتحدث عن زمن حاضر، البقرة )3:فاآلية ال تتحدث عن حدث قائم اآلن؛ أي ّإنها ال ّ
ثم ذكرت أوصافهم ،وما ذكرت هذه َّإنها تصف المؤمنين ،ولذلك ابتدأت ب ـ ـ (الذين)َّ ،
األوصاف بصيغة الفعل في (يؤمنون) و(يقيمون) و(ينفقون) إال من أجل اإليحاء َّ
بأن
السلوك هما طريق اتية ،ال بَّد أن ت َ
ترجم إلى أفعال وسلوك ،وأ َّن الفعل و ّ األوصاف ال ّذ ّ
الوصفية لصيغة المضارع ،من كون هذه
ّ الداللة
اإليمان والمؤمنين ، ".وجاءت هذه ّ
()1
الصيغ الموجودة
الديمومة واالستمرار ،وعند إسقاط هذه المعاني على ّ
الصيغة داّلة على ّ
ّ
الصيغ أقرب إلى الوصف ،أو الى اتّصاف المقصود
أن هذه ّفي اآلية الكريمة ،نرى ّ
بالكالم (وهم هنا المؤمنون) بهذه األوصاف من أن تكون صيغاً ّ
زمنية داّلة على زمن
محدد ،فإقامة الصالة و إنفاق األموال في سبيل هللا ،هي من صفات المؤمنين ،وال
منية فقط ،فهذه الصفات خاصة يمكن النظر إليها على ّأنها خاضعة لقانون ّ
الز ّ
يصح أن تكون في الحاضر فقط أو المستقبل فقط ،أو
ّ كل األزمنة ،وال
بالمؤمنين في ّ
الدالالت
الوصفية معاً ،وهذه ّ
ّ الصيغة سمة اإلطالق و
الماضي فقط ،ولذلك اكتسبت هذه ّ
-1اللّسانيّات:أ.د.سميراستيتية،ص.153
117
وقوته التّعبيرّية
حيويته ّ
المختلفة التي َينضح بها الفعل المضارع ما هي إال دليل على ّ
منية.
الز ّ
اللية و ّ
الد ّالسياق ّ
وقدرته على تلبية متطلبات ّ
ؤديها الفعل المضارع ،داللته على
هنية التي ي ّ
" ومن أغرب التّقليبات والتّصريفات ال ّذ ّ
حتمية لكونه
ّ إن داللته على الحاضر نتيجة
الحاضر بسبب داللته على الماضي؛ أي ّ
وقع في الماضي ،كقولكَّ :إني أعلم ذلك ،معنى هذه العبارة :لقد عرفت ذلك من قبل،
ألنني عرفته من قبل ،غير َّأنك إذا
ولذلك فأنا أعلمه اآلن ،أو َّإنني أعلم ذلك اآلن َّ
حت بكلمة اآلن فذكرتها وقلتَّ :إني أعلم ذلك اآلن ،فقد جعلت قيداً على حدث
صر َ
ّ
قيد العلم وحده به ،ليصبح المعنى:
الزمن الذي تشير إليه كلمة (اآلن) ّ
إن ّالعلم ،أي ّ
ّإني أعلم ذلك اآلن ،ولم أكن أعلمه من قبل"...
()1
الزمن المطلق:
ّ -7
يتقيد دل على حدث جرى َمجرى الحقيقة ،أو ال ّ
طبيعة أو العادة ،فيتّسع وال ّ هو ما ّ
فيصح في الماضي والحاضر والمستقبل، ُّ بزمن ،بحيث يكون صالحاً ّ
لكل زمان،
-1اللّسانيّات:د.سميراستيتية،ص.151
الخصائص:ابنجنّي.175/1،
ِ -2
118
الزمن المطلق هي (ال النافية) ،ونالحظ استخدام ابن
والقرينة التي تحيل المضارع إلى ّ
ِ
شرحه وتحليله لبعض المسائل التي تقتضي استخدام مثل الصيغة في ِ
جّني كثي اًر لهذه ّ
هذه الصيغة التي توحي بالشمول الزماني ،ومن أمثلة ذلك قوله ":أال ترى أنه ليس ِ
فيه ّ َ ّ
الصرف ،وال تصرف إبراهيم للتّعريف أكثر من التّعريف ،والسبب الواحد ال يمنع ّ
َ
أن ِ
العجمية ، ...وقوله في موضع آخر" :والمكان ال يعمل في المفعول به ،كما ّ و
)1 ("
ّ
الزمان ال يعمل ِ
فيه" ( ،)2فصيغة (ال يفعل) في القولين السابقين اقتضت أن يكو َن
يختص بزمن دو َن آخر أو جهة دو َن ُّ كل زمان ،وال يصح في ّ ُّ شمولياً مطلقاً
ّ كالمه
أخرى ،ونرى هذا المعنى بصورة واضحة في القرآن الكريم كما في قوله تعالى ﴿:قل
ٞ ِ
وها َوِت َج َرة تَخ َشو َنان َء َابآؤكم َوأَبَنآؤكم َوإِخ َونكم َوأَزَوجكم َو َعش َيرتكم َوأَم َو ٌل ٱقتَ َرفتم َ ِإن َك َ
َح َّب ِإَليكم ِّم َن ٱ ََّّللِ َوَرسولِ ِه ۦ َو ِج َه ٖاد ِفي َسِبيلِ ِه ۦ َفتَ َربَّصوْا َحتَّى
ضوَن َهآ أ َ
ِ
َك َس َاد َها َو َم َسكن تَر َ
ِِ ِ ِ
ين﴾(التوبة)24: َيأت َي ٱ ََّّلل ِبأَم ِِره ۦ َوٱ ََّّلل َال َيهدي ٱلَقوَم ٱلَفسق َ
ن﴾( البقرةين َكَفروْا َس َوآ ٌء َعَلي ِهم َءأَن َذرتَهم أَم َلم ت ِنذرهم َال ُيؤ ِمُنو َ َّ ِ
وقوله تعالىِ﴿ :إ َّن ٱلذ َ
الداللة على مطلق )6فقد أفادت (ال النافية) مع صيغة (يفعل) في اآليتين السابقتين ّ
يهد الفاسقين فيما الزمان ،فقوله تعالى( :ال يهدي القوم الفاسقين)؛ أي إن هللا تعالى لم ِ
ْ ّ
جل جالله: قوله َّ مضى ،ولن يهديهم اآلن أو في أي وقت الحق ،وكذلك األمر في ِ
َ ْ َ َ
(ال يؤمنون) ّ
فاَّلل ينفي اإليمان عنهم حتى لو أنذرتهم سابقاً أو اآلن أو مستقبالً ،فكان
وبكل جهاتها( ،)3ونرى
ّ لكل األزمنة
الصيغة(يفعل) مطلقاً وشامالً ّ
النفي بـ(ال)مع هذه ّ
ارسين الم ْح َدِثين يقولون بوجوِد زمن رابع يضاف إلى األزمنة الثّالثة
الد ِ َّ
أن بعض ّ
الزمن المطلق؛ أي وقوع الحدث في المعروفة (الماضي ،والحاضر ،والمستقبل) وهو ّ
الزمن الواحد ليشتمل على األزمنة
طى ّ الماضي والحاضر والمستقبل ،فهو زمن يتخ ّ
الثالثة كّلها ،ومثاله قوله تعالىَ :لم َيلِد َوَلم يوَلد(اإلخالص﴿)﴾3؛ فقد دّلت اآلية على
ديموميته التي
ّ نفي الوالدة عن ذات هللا في الماضي والحاضر والمستقبل ،وأشارت إلى
مستمر وهذا االستمرار غير مقتصر على
ّ طى حدود األزمنة الثالثة ،ونفي الحدث
تتخ ّ
الخصائص:ابنجنّي .200/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.208/2،
ّاللةالزمنيّةللفعلالمضارعفيسورةالتوبة:هدايةنعيمأبوزاكية،إشراف:أ.د.عبدالرؤوفزهدي،رسالةاستكماالً
ّ -3ينظر:الد
لمتطلباتالحصولعلىدرجةالماجستيرفياللغةالعربيّةوآدابها،جامعةالشرقاألوسط،عمان–األردن2016،م،ص.77–54
119
كل
ومستمر في ّ
ّ ممتد
ولكنه ّ
مجال زمني معين (الماضي أو الحاضر أو المستقبل)ّ ،
اإللهية فاألبدية هي
ّ زمان ومكان( ، )1وهذا النوع من األزمنة عادة ما يتعلق بالصفات
إحدى صفات هللا ولذلك هو أنزه من أن يحدده زمن أو أن يوجد في زمن بعينه دون
الزمن المطلق –حسب الدراسة -السابقة ال يقتصر على صفات هللا آخر ،ولكن هذا ّ
الزمن المطلق،
ياقية في نص ما في ظهور هذا ّ
الس ّ
اللفظية و ّ
ّ وحده ،بل قد تساعد القرائن
تدل على التكرار واالستم اررية ومثال ذلك قولنا :يركض
ومن هذه القرائن ،األلفاظ التي ُّ
الركض قدأن فعل ّ(يومياً) على َّ
ّ يومياً ،فقد د ّل الظرف التكراري ِ
الملعب ّ المتسابق في
)2(.
يتسمر حصوله في المستقبل
ّ أن
حدث في الماضي ،ويحصل في الحاضر ،ويتوّقع ْ
الزمن الّنحوي:
الشرط في ّ -8أثر أدوات ّ
الشرط مضارعين َّ
دالين على االستقبال ،وهذا ما ذهب إليه األصل أن يكون فعال ّ
الشرط النحويون ،ألنهما في أصل وضعهما ُّ
يدالن على المستقبل ،و أ َّن كون فعلي ّ ّ
الشرط عليه ال يكون التوسع ،وذلك َّ
ألن المعنى الذي وضع ّ ّ ضرب من
ٌ ماضيين هو
يصح إال به ،أو يكونان ماضيين في اللفظ ،ويحكم على معناهما ّ إال باالستقبال ،وال
بأنه مخالف للفظها ،أي ّإنهما مستقبالن في المعنى ماضيان في اللفظ ،)3("...ويؤّكد َّ
120
سبب،)1( .وفضلك ،فاكتفى بذكر الكمال والفضل -وهو السبب -من العفو وهو الم ّ
َّب عن الفعل ،كما أثّرأن الجواب مسب ٌ
وحكم ّ
َ الداللة،
وج َه ّ
قدر هو الذي َّ
فالمعنى الم ّ
الزمن المستقبل.
الشرط على ّ آلت إليه الجملة وهو داللة جواب ّ
الزمن الذي ْ
على ّ
إن أن هذا الماضي عند ابن ِجّني هو بمنزلة المتحقق ،يقولّ ":
الشرط في نحوْ : فنرى َّ
ق ْم َت ق ْمتِ ،ج َ
ئت فيه بلفظ الماضي الواجب تحقيقاً لألمر ،وتثبيتاً له؛ أيَّ :
إن هذا وعد
اجب ثابت ال محالة"( ،)2فهنا كان استخدام الفعل وفي به ال محالة ،كما َّ
أن الماضي و ٌ َم ٌّ
الحدث سوف يتحّقق ال محالة و
َ الشرط بداللة المستقبل ،للتأكيد على َّ
أن الماضي في ّ
إنه ثابت مستقبالً كثباته وتحّق ِ
قه ماضياً ،وأ ّكد على الفكرة عينها في موضع آخر ،وذلك ٌ
قمت؛ فيجيء
قم َت ْ بمجيء الماضي ويكون معناه مضارعاً ،يقول " :وكذلك قولهمْ :
إن ْ
بلفظ الماضي والمعنى (معنى المضارع) ،وذلك ّأنه أراد االحتياط للمعنى ،فجاء بمعنى
وقع المضارع المشكوك في وقوعه بلفظ الماضي المقطوع بكونه ،حتى َّ
كأن هذا قد َ
الدال
استقر ال ّأنه متوّقع مرتَقب" ،فالمعنى واحد في المثالين وهو الفعل الماضي ّ
()3
و ّ
لفظية متمّثلة بأداة
ّ الزمن المستقبل ،والقرينة في ذلك على صورتين؛ على المعنى و ّ
الزمن المستقبل ،و إن كانا الشرط داّلين على ّ
(إن) التي يأتي بعدها فعال ّ الشرط ْ ّ
السياق المعنوي والمقامي الذي
معنوية ،يشير إليها ّ
ّ ماضيين صيغ ًة ،والقرينة األخرى
َ
قدمه األفعال،رفي الذي ت ّ الزمن الص
النظر عن ّ يدلنا على زمن دون آخر وبصرف ّ ُّ
ّ ّ
الشرط وأداته المستخدمة.
والقرينتان مرتبطتان كلتاهما بأسلوب ّ
الشرط والجزاء مستقبلين ،إذ
الشرط ويأتي بعدها ّ(إن) ّأم الباب في ّ
الشرط ْ وتعد أداة ّ
ّ
السياق
الش ّكي –شرطاً وجواباً -وذلك بحسب ّتقلب الماضي إلى المستقبل المطلق ّ
معن
فحص وتَ ُّ والقرائن التي تحدد هذه الجهة بدّقةَّ ،
ولكن االستفسار الذي يحتاج َفضل تَ ّ
هو :لماذا يصبح الجواب ناقصاً عند دخول (لن) عليه؟ كما شرح الريحاني عند تحليل
قدمه:
الزمن مع (إن) في المثال الذي ّ
جهات ّ
()4
فلن يقوم = مستقبل ش ّكي مطلق +مستقبل ش ّكي بعيد ناقص.
قام ْ
إن َْ
الخصائص:ابنجنّي.175/3،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.331/3،
-3المصدرالسّابق .105/3،
ي:محمدالريحاني،ص.181 ّ
جاهاتالتحليلالزمن ّ-4ات ّ
121
معروف يحصر داللته في
ٌ (لن) على الفعل المضارع كما هو
فدخول الحرف الناصب ْ
وقع جواباً للشرط،
ألنه َالزمن المستقبل ،فرّبما كان القصد من اعتباره للزمن ناقصاًّ ،
ّ
ألنه غير مؤّكد الحدوث ،بل مرتبط بحدوث فعل الشرط،
فكان هذا المستقبل ناقصاً ّ
يقم فلن يكو َن ٌ
منه قيام ،فهذه وجهة نظر. إن ْلم ْ
اء له؛ أي ْ
كونه جز ً
َ
رطية على الفعل الماضي من عدمه،الش ّ
(إن) ّ
النحاة في جواز دخول ْ
و قد اختلف ّ
النحاة على عدم جواز دخولها على الماضي لفظاً ومعنى ،و َّ
إن الغالب فاتّفق أغلب ّ
دل الفعل على في استعمالها هو للمستقبل ،ولكن يجوز أن يكون ّ
الشرط ماضياً إذا ّ
ولكنه ماض غير منقطع ،ومثال ذلك (كان) التي تبقى
استمرار الحدث واالتّصاف بهّ ،
الزمن الماضي،
لقوتها وتم ّكنها في ّ
رطية ،وذلك ّ
الش ّ
(إن) ّ
ماضية حتّى ولو دخلت عليها ْ
ال ِإ ْن ك َ
نت الديمومة وعلى االتّصاف بالفعل ،كقوله تعالىَ ﴿ :ق َ تدل على االستمرار و ّ إ ْذ ُّ
جئت) دّلت ِجئت ِبآي ٖة ٖ َفأ ِت ِبهآ ِإن كنت ِمن ٱ َّ ِ ِ
ين﴾ (األعراف ،)106فقوله( :كنت َ لصدق َ َ ْ َ َ َ َ
فائت بها ،وقوله بأنك جاء بآية ِ إن كنت موصوفاً َّ ستمر ،أيْ :
على حدث ماض م ّ
يما( ال ّنساء ، )96 :إذ جاءتحور َّر ِ
ا تعالى :درجت ِمنه ومغ ِف ٗرة ورحم ٗة وكان ٱ ََّّلل غف ٗ
ً َ ََ َ ٖ ّ َ َ َ ََ َ َ َ َ
داللة (كان) على االستمرار من داللتها على االتّصاف بالحدث ،ال على الحدث
رطية على الفعل (كان) الفعل الماضي الش ّ
(أن) ّ المجرد ،ولذلك فيمكن أن تدخل ْ
()1
ّ
الديمومة وعلى اتّصاف اسمه بخبره. الناقص وذلك بسبب داللته على االستمرار و ّ
يتفرد ابن مالك في أن (إذا) تستخدم ظرفاً للمستقبل ،فيما ّ النحاة على َّ ويتفق جمهور ّ
الشواهد القرآنية ،مثل تدالً في ذلك على ّ الزمن الماضي مس ُّ القول بإمكانية داللتها على ّ
وك َقآِئ ٗما قل َما قوله تعالى في سورة الجمعةَ :وإِ َذا َأرَوْا ِت َج َرةً أَو َله ًوا ٱ َنف ُّ
ضٓوْا ِإَلي َها َوتَ َرك َ
ِ ِ َّ ِ ٞ ِ
ين ( الجمعة ،)11:فقد كان لسياق ع َند ٱ ََّّلل َخير ّم َن ٱلله ِو َو ِم َن ٱلتّ َج َرِة َوٱ ََّّلل َخير ٱ َّلرِزِق َ
النزول أثر كبير في معرفة داللة (إذا) وزمانها في اآلية يسمى سبب ّ الحال أو ما ّ
الزمن
ألن الرؤية واالنفضاض واقع في ّ شك جاءت للماضي؛ َّ السابقة ،و إنها بال ّ
الماضي و إن اآلية الكريمة نزلت بعده ،واستشهد أيضاً بالشعر العربي ،ومنه قول
الكميت بن زيد:
ّ -1
الزمنفيال ّ
شرطبينالمضيواالستقبال:د.عبدالعزيزبنأحمدالمنيع،ص.420-417
122
عشق ِ ()1
َحٌد إذا ْلم َي َ ما ذاق بؤس م ِعيشة ِ
ضى أ َ
فيما َم َ
َ يم َها
ونع َ
َ َ َ َ َ
أن ما جاء بعد (إذا) هو مضارع صيغ ًة ،وماض زمناً ،وذلك بسبب حرف النفي فنرى َّ
الزمن الماضي ،ومما أسهم في
(لم) الذي يقلب زمن الفعل من الحال أو المستقبل إلى ّ
ياقية المتمّثلة في قول
الس ّ
الزمن الماضي ،القرينة ّ
تحويل داللة الجملة كاملة إلى ّ
رطية
الش ّ
الزمن العام هو الماضي ،وأ ّن (إذا) ّ الشاعر( :فيما مضى) ،ليتأ ّكد لنا َّ
أن ّ
يمكن أن يأتي بعدها الماضي (لفظاً ومعنى) وليست ظرفاً للزمان المستقبل فقط ،كما
ً
()2
النحويين.
أشار بعض ّ
منية فذهب
الز ّ
الزمن الخالف حول داللة (إ ْذ) ّ
ومن المسائل الخالفية المتعلقة بقضية ّ
أن (إذ) ظرف لما مضى من الزمان وال النحاة ومنهم سيبويه ومن تبعه إلى َّ
جمهور ّ
النحاة داللتها على المستقبل من الزمان
وجوز عدد من ّيمكن أن تكون للمستقبلّ ،
االسترباذي ،وابن هشام( )3مس ُّ
تدلين على ذلك بآيات ا ومنهم ابن فارس ،وابن مالك ،و
من القرآن الكريم ،كقوله تعالى في سورة األنعامَ :وَلو تَ َرٓى ِإذ وِقفوْا َعَلى ٱ َّلن ِ
ار َفَقالوْا
ِ ِ ِ ِ
ين( األنعام ،)27فالفعل الماضي َيَليتََنا ن َرُّد َوَال ن َك ّذ َب ِبآَيت َرّبَِنا َوَنكو َن م َن ٱلمؤ ِمن َ
السياق القرآني داللة على (وقفوا) الذي جاء بعد (إذ) يحمل في معناه الذي اكتسبه من ّ
لما يتحقق بعد، أمر ّ الزمن المستقبلَّ ،
ألن الوقوف على النار في يوم الحساب هو ٌ ّ
النصوص التي جاءت فيها (إذ) داّل ًة على
النحاة ّأولوا هذه ّ
أن جمهور ّ
أي سائد ّ
وهناك ر ٌ
النصوص
المستقبل بمعنى (إذا) وذلك لعدم الخروج على ما ذهبوا إليه وحاولوا إخضاع ّ
ألصولهم ولم يسلموا بما جاء في القرآن الكريم من نصوص تصطدم مع ما منعوه،
النصوص من باب إنزال المستقبل الواجب الوقوع منزلة فذهبوا إلى َّ
أن ما جاء في هذه ّ
َخبر عنها هللا ما قد وقع (الماضي) إعالماً بتحقيقه ،وذلك َّ
ألن األمور المستقبلية التي أ َ
الدال على المستقبل ،)4(.ويبدو
عبر عنها باستخدام الفعل الماضي ّ
تعالى متيّقن ًة الوقوع ّ
أن نرصد داللة (إذ)
هذا الرأي األخير أقرب إلى المنطق ،وذلك ّأننا ال نستطيع ْ
-1شعرالكميتبنزيداألسدي:جمعوتقديمالدكتور:داوودسلوم،مكتبةاألندلس،بغداد–العراق1969،م.258/1،
ّ
ينظر:الخالففيالزمنفيضوءالسّياق والحال وأسبابالنزول:أ.د.كريمحسينناصحالخالدي،شيماءرشيدمحمدزنكنة، - 2
مجلّةكليةالتربيةاألساسيّة،العدد،75بغداد–العراق2012،م،ص.24-23
-3ينظر:الكتاب،229/4:والمقتضب،54/2:والصاحبي:ص،99ونتائجالفكر:ص.93
ّ
ينظر:الخالففيالزمنفيضوءالسّياقوالحالوأسبابالنزول،ص.30-29 -4
123
فإنها تكون
السياق القرآني عندما تكون بمعنى (إذا) ،فيما عدا ذلك ّ
المستقبلية إال في ّ
الزمن الماضي.
داّلة على ّ
وكما هو معروف َّ
فإن الفعل يقع في الظرف الذي ينصبه ،وقد يؤدي تجاور األزمنة
إلى وقوع الفعل فيما يلي الظرف وليس فيه ،وقد شرح ابن ِجّني ذلك بقوله " :نحو
ِ
الطاعة ،و إنما قولهم :أحسنت ِ
إليه إ ْذ أطاعني ،و أنت لم تحسن إليه في أو ِل ِ
وقت ّ ْ َ ْ
سبب؛ []...السبب على وقت الم ّ أحسنت إليه في ثاني ذلك؛[]...وال بَّد من ّ
تقدم وقت ّ َ
الزمانان ،وتجاورت الحاالن ،في الطاعة واإلحسان ،أو الطاعة تقارب ّ
َ لما
لكنه ّ
ّ
كأنهما ّإنما وقعا في زمان واحد ،)1("...فالذي ّأدى هذه
واستحقاق اإلحسان ،صا ار ّ
فلما تقاربت المعاني منية هو المعنى والتّجاور المعنوي المفهوم من ّ
السياقّ ، الز ّ
الداللة ّ
ّ
أن
ولكن الواقع ّ
ّ طاعة واإلحسان وقعا في وقت واحد،
أن ال ّ
تقاربت األزمنة ،وبدا لنا ّ
المعلول.
طاعة ،وليس موازياً له ،كتتابع العّلة و َ
اإلحسان تال لل ّ
َ
الداللة
القولية بقرائنها هي التي تعين ّ
ّ السياق والموقف الكالمي والظروف أن ّ كما َّ
وترشحها إلى زمن معين ،وأشار فندريس إلى خاصية هذا االئتالف في اللغة منية ّ الز ّ
ّ
وكأنهما وحدة رغم ّأنه يمكن وضع
يحس بالفعلين (كان فعل) ّ
العر ّبية ،بقوله :العقل ُّ
اللغوية في موضوع
ّ طور الباحثون المعاصرون المباحث
كلمة بينهما .هذا ولقد ّ
منية ،فقد وجدت هذه المباحث
الز ّ
منية إلى درجة تصنيفها وفق دالالتها ّ الز ّ
المرّكبات ّ
الفعلية تستعين ببعض األفعال واألدوات تلحقها بصيغتي (فعل) و(يفعل)ّ الصيغ
أن ّ َّ
تدال مع ملحقهما على ما أرادت العر ّبية التعبير عنه في بناء مرّكب اتصلت أجزاؤه،ل ُّ
()2
الداللة الجديدة"...
وتعاونت على إبراز مثل هذه ّ
يحول داللة الجملة
فعلية ّ
أي صيغة ّ َّ
إن دخول الفعل المساعد (فعل الكينونة) كان على ّ
الزمن الماضي في جهاته المختلفة بحسب الفعل الذي يأتي مع (كان) ،فقد
العامة إلى ّ
ّ
أشار الدكتور استيتية إلى وقوع صيغة المضارع بعد فعل الكينونة كان ،وهذا يعطي
التكرار
ّ الزمن الماضي و إن هذا
يتكرر لحظة وقوعه في ّانطباعاً بأن الفعل كان ّ
ملحوظ ،كما في قولنا :كان أبي يقول لنا ذلك ،وقولنا :كنت أسمع ذلك منه (، )3
ر:الخصائص:ابنجنّي.222/3،
ِ -1يُن َ
ظ
-2ظاهرةال ّزمنفيالبناءالتركيبيوالسّياقي،ص421
-3ينظر:اللّسانيّات:د.سميراستيتية،ص.150-149
124
الزمن الحاضر ،إال َّ
أن َمجيء الفعل كرار في ّتدل بطبيعتها على التّ ّ
فصيغة المضارع ُّ
فأصبح التركيب:
َ الزمن الماضي كما أشرنا،
منية إلى ّالز ّ
كان الذي ينقل داللة الجملة ّ
مستمر في الماضي.
ّ كان +فعل مضارع = مضارع
المستمر كما في اللغات
ّ وهذا ما أطلِ َق عليه الحاضر في الماضي ،أو الماضي
استيتية ،والمالحظ َّ
أن هذه األمثلة ّ قدمها
األجنبية ،وهذا ما هو واضح في األمثلة التي ّ
ّ
الزمن العام وما يشابهها تنطوي في تركيبها على ثالثة أزمنة :هي ّ
الزمن الماضي وهو ّ
الزمن الذي
المستمر في الماضي وهو ّ
ّ الزمن الحاضر أو
للجملة الذي أفادته (كان) ،و ّ
الملفوظية،
ّ الزمن الحاضر أو زمن تحمله صيغة المضارع المسبوقة بفعل الكينونة ،و ّ
المتحدث بهذه الجملة
ّ ظ به
بالزمن الذي تّلف َ
وال يتعلق بتركيب الجملة أو زمنها ،و إنما ّ
نتجت فيه الجملة.
الزمن الذي أ َ
أو ّ
منية ويشير المستشرق كوهن إلى دور الفعل المساعد (كان -يكون) في اإلحالة ّ
الز ّ
يقدمها في اإلشارة إلى للفعل ،إذ يرى ّأنه فعل حامل ّ
للزمن باإلضافة للوظيفة التي ّ
السياق ،فيكون الفعل المساعد (كان) -
منية ،وينفي هذه الوظيفة عن ّ
الز ّ
نقطة اإلحالة ّ
الزمنّية للفعل (كتب
السياق لإلحالة ّ
بحسب رأيه-هو الواسطة أو األداة التي يستخدمها ّ
يقدمه :كان ز ٌيد يكتب ،ويكون َ
كتب. ويكتب) في المثال الذي ّ
()1
ّ -1
الزمنفياللغةالعربيّة:امحمدالمالخ،ص.67–66
125
ِ
ٱل َج ِهل َ
ين( األنعام ،)35وقولنا :ال تكن غافالً ،وال تكن ظالماً ،أي ال تتصف بالغفل أو
الداللة على
النتيجة من هذا الوصف؛ أي اتّصاف اسم كان بخبرها ،هو ّ الظلم ، .و ّ
()1
شرطبينالمضيواالستقبال:د.عبدالعزيزبنأحمدالمنيع،ص.422–420 ّ
ينظرالزمنفيال ّ-1
126
ِ
لكل زمان ومكان
(إن) وهذا ما أكسب الحدث استم اررّية وديمومة تصلح ّ
الشرط ْ
بعد أداة ّ
(.)1
الزمني الذي يقع فيه الفعل حدد المجال
منية هي التي ت ّ
الز ّ
أن " العالقات ّويرى اريت َّ
ّ ّ
السامية تحيط به مجموعة امية " بمعنى َّ
أن الفعل في اللغات ّ الس ّ
التام أو غير التّام في ّ
ظروف،الشرط وال ّ
النفي و ّ
حددها المساعدات والروابط وأدوات ّمنية ت ّ
الز ّ
من العالقات ّ
الدور الكبير الذي
منية ،ف اريت يدرك ّ
)(2
الز ّ
وهذه العالقات هي التي تساهم في اإلحالة ّ
الزمن أو
السياق بقرائنه والعالقات التي تربط هذه القرائن فيما بينها في تحديد ّ
يلعبه ّ
تعبر بصورة
صرح بها ّ
منية المفهومة من الجملة ككل واحد ،وهذه الرؤية التي ّ
الز ّ
الجهة ّ
منية التي أنكرها بعض اللغويين العرب، الز ّ
واضحة عن واقع اللغة العر ّبية وميزاتها ّ
بسبب انقيادهم خلف األحكام الجائرة التي أطلقها بعض اللغويين والمستشرِقين الغربيين.
النحاة القدماء والم ْح َدثون أنفسهم في وضع قوالب وقواعد تشرح عالقات
وقد أجهد ّ
الزمن؛ إذ أشاروا إلى داللة هذه األدوات مع صيغ محددة
الشرط وتأثيرها على ّأدوات ّ
بالسياق ومعتمدة عليه، ثم يذكرون َّ
أن كل هذه األزمنة متعّلقة ّ للفعل لتنتج زمناً محدداًَّ ،
الزمن قبل أن يكون لهذه األدوات -
السياق هو الفيصل األساس في تحديد ّ
الحق أن ّ
و ّ
الزمن وفقاً لها ولما يأتي بعدها من شرط وجزاء-دور في
التي أرهقوا أنفسهم في تتبع ّ
رطية مثالً
الش ّ
قدموا أمثلة كثيرة تحدد داللة (إذما) ّ
الدليل على ذلك ّأنهم ّ
الزمن ،و ّ
تحديد ّ
الزمن الماضي وحصرها به مثل:على ّ
فعلت = الماضي التام +الماضي التام.فعلت َ
إذما َ
مستمر منقطع.
ّ وكذلك :إذما تفعل +أفعل= ماض مستمر منقطع +ماض
رفية
الص ّ
لصيغ ّ
الزمن فيها هو ل ّ
الدور األبرز في تحديد ّ
أن ّ فالمالحظ من هذه األمثلة َّ
السياق وقرائنه في
للفعل بعد األداة (إذما) ،وهو شيء فيه الكثير من اإلجحاف بحق ّ
الريحاني أيضاً ،الذي أورد أمثل ًة من الذكر الحكيم لهذه
الزمن ،وكان هذا رأي ّ
تحديد ّ
ط دخولها على (إذ) لتكون شرطية ،وهذه األمثلة مجردة من (ما) التي اشت ِر َ
األداة ولكنها ّ
النحاة في (إذ) ،وهي قوله تعالى:
الزمن المستقبل وليس الماضي الذي حصره ّ
تدل على ّ
ُّ
-1ينظر ّ
الزمنفيال ّ
شرطبينالمضيواالستقبال:د.عبدالعزيزبنأحمدالمنيع،ص.428–427
ّ -2
الزمنفياللغةالعربيّة:محمدالمالخ،ص.45
127
ار َفَقالوْا َيَليتََنا ن َرُّد َوَال ن َك ِّذ َب ِبَئ َاي ِت َرّبَِنا َوَنكو َن ِم َن ﴿وَلو تَ َرٓى ِإذ وِقفوْا َعَلى َّ
ٱلن ِ َ
يسى ٱب َن َمرَي َم﴾(المائدة﴿)﴾116 ٱلمؤ ِمِنين﴾(األنعام﴿ ، )﴾27وقوله تعالى﴿ :وإِذ َقال َّ ِ
ٱَّلل َيع َ َ َ َ
ياقية لتحديد الزمان كما
الس ّ ،ففي هاتين اآليتين دليل على وجوب العناية بالقرائن ّ
()1
الريحاني.
أوضح ّ
الزمن الّنحوي:
اللغوية في ّ
ّ -9أثر القرائن
الصيغة
الزمن على ّ
النحاة إلى زمن الفعل من خالل االعتماد في تحديد ّ
لقد كان لنظرة ّ
الزمن إلى ماض ومضارع ومستقبل ،دون مراعاة جلي في تقسيمهم ّ أثر
رفية فقط ٌ
الص ّ
ّ
ّ
ولغوية أخرى من شأنها أن
ّ ضام الفعل من أدوات وسوابق ولواحق وروابط سياقية
لما ي ّ
بالمنهجية الخطيرة ،إذ يشير حسان
تمام ّ مني للفعل ،وهذا ما وصفه دّ . تغير المسار الز
ّ ّ ّ ّ
إلى التّعارض الواضح بين ما يفرضه النظام اللغوي علينا من استخدام ّ
للصيغ المختلفة
الزمن
رفي و ّالزمن الص
السياق والتركيب العام ،وهذا ما قاده إلى دراسة ّ
وبين ما يقتضيه ّ
ّ ّ
النحوي في بحثه الذي عنونه ب ـ ّ
(الزمن والجهة).
()2
ّ
حدد زمنه
الصدد عن أثر القرائن التي تدخل على المضارع وت ّ ِ
يتحدث ابن جّني بهذا ّ
و ّ
النحوي بدّقة ،كدخول نون التّوكيد على المضارع التي تجعله ّ
مبنياً وت َبنى معه ،كما ّ
السين
الزمن الحاضر عنه ،وليس كذلك دخول ّ منية بالمستقبل ونفي ّ
الز ّ
تخصص داللته ّ
قلت :فقد
فإن َ
وسوف عليه ،و هما يشبهان دخول الم التّعريف على االسم ،يقولْ " :
خصته النون
لما ّ عرب ما لحقته نون التّوكيد ،نحو َ
لتفعَل ّن ،قيلّ : َبنوا من الفعل الم َ
وليس
يعرض له البناءَ ،
َ جاز أن
الحال التي المضارع أولى بهاَ ،
َ باالستقبال ،ومنعته
يبنيا معه بناء نون التّوكيد فيبنى هو ،و إنما هما فيه
ألنهما لم َ
وسوف؛ ّ
َ كذلك السين
يفرق ابن ِجّني بين كالم التعريف (الذي ال يوجب) بناء االسم ،فاعرفه ، " .وهنا ّ
()3
ّة:د.محمدالريحاني،ص.183-182
ّ يفيالدراساتاللغوي ّ
حليلالزمن ّ-1ينظر:اتّجاهاتالت ّ
-2ينظر:اللغةالعربيّةمعناهاومبيناها:ت ّمامحسّان،ص.17
الخصائص:ابنجنّي.83/3،
ِ -3
128
أن كان الحال به أولى وأظهر ،والقرينة األخرى (التسويف) تحمل دالل ًة المستقبل بعد ْ
ِ
تخصيصه بالزمن المستقبل تؤدي باقترانها مع المضارع إلى
ومعنوية فقط ،إ ْذ ّ
ّ زمنية
ّ
ِ
تؤدي تغي َر من إعرابه ،فتكون معه بمنزلة (أل التعريف) من االسم التي ال ّ
أن ّ من دون ْ
بعد دخولها على االسم.
نحوية َوظيف ًة ّ
قبيح
قوة اتّصال قد بالفعل ،وقب ِح الفصل بينهما بقوله " :وهذا ٌ ِ
تحدث ابن جّني عن ّكما ّ
عتد مع الفعل كالجزء منه، لقوِة اتّصال (قد) بما تدخل عليه من األفعال ،أال ت ارها ت ُّ
ّ
ولذلك دخلت الالم المراد بها توكيد الفعل على (قد) في نحو قوله تعالى﴿ :وَلَقد أ ِ
وحي
َ َ
ين ِمن َقبلِ َك ﴾(الزمر﴿ ،)1("...)﴾65وقد أشار ابن هشام في المغني إلى َّ ِ
ِإَلي َك والى ٱلذ َ
معاني (قد) األخرى فذكر َّ
أن من ذلك " تقريب الماضي من الحال ،تقول :قام زيد،
ميز هذه
ومما ي ّ
ّ ،()2
اختص بالقريب"
ّ فيحتمل الماضي القريب والبعيد ،فإن قلت :قد قام
شدة اتّصالها بالفعل فتكون معه كالجزِء الواحد ،وقال ابن عصفور " :القسم األداة (قد) ّ
متصرف مثبت فإن كان قريباً من الحال جيء بالالم وقد جميعاً، ّ إذا أجيب بماض
ِ ِ
ك ٱ ََّّلل َعَليَنا و إن كَّنا َل َخط َ
ئين (يوسف ﴿ ، )﴾91و إن كان نحوَ قالوْا تَٱ ََّّلل َلَقد َءاثَ َر َ
بعيداً جيء بالالم وحدها ،كقوله:
()3
إن من حديث وال صالي لناموا؛ فما ْ حلفت لها باَّللِ حلف َة فاجر
فابن عصفور يقصد أن مجيء الماضي القريب بعد القسم يقتضي مجيء قد مع الالم،
ويرد ابن هشام على هذا القول بأن المقصود منوإذا كان بعيداً جاءت الالم وحدهاّ ،
اآلية الكريمة َّ
أن تفضيل هللا له محكوم به في األزل وليس ماضياً قريباً كما أشار ابن
عصفور ،كذلك المقصود من البيت الشعري ّأنهم ناموا قبل مجيئه.
وقال سيبويه في (الكتاب) في (باب نفي الفعل) " :إذا قال( :فعل) َّ
فإن نفيه (لم يفعل)،
(لما يفعل)" ( ،)4والمالحظ من هذا القول َّ
أن سيبويه يشير وإذا قال( :قد فعل) َّ
فإن نفيه ّ
أن قد مع صيغة فعل تستخدم للماضي المتحّقق القريب من الحال ،بدليل وضعها إلى َّ
تدل على المستقبل البعيد المتوّقع حدوثه.
في مقابل (لما يفعل) التي ُّ
الخصائص:ابنجنّي.391/2،
ِ -1
- 2مغنياللبيبعنكتباألعاريب:ابنهشاماألنصاري،تح.د.مازنالمباركومحمدعليحمدهللا،راجعهسعيداألفغاني،دار
الفكر،ط،1دمشق–سورية1964،م.187/1،
-3المصدرالسّابق.188/1،
-4الكتاب:سيبويه.117/3،
129
آني ًة على دخول (قد) و(فقد) على صيغة (فعل)
العجمي أمثل ًة قر ّ الدكتور فالح
ويقدم ّ
ّ
ّ
الزمني للعبارة ،إذ تستخدم صيغة (وقد فعل) –كما يزعم- الصيغة في المعنى
وأثر هذه ّ
ّ ّ
عندما يراد تسلسل حدثي العبارة ،بحيث يكون الحدث اآلخر تالياً له ،وتستخدم صيغة
(فقد فعل) عندما يكون التسلسل باتجاه معاكس ،ثم يشير إلى التباين في مضمون
صيغتي (وقد فعل) و(فقد فعل) فتستخدم األولى للتعبير عن أحداث سابقة ألحداث
ويقدم
الشرط)؛ أي سابقة السابقةّ ، الشرط (التي بدورها تسبق أحداث أفعال جواب ّ أفعال ّ
طَّلقتموه َّن ِمن َقب ِل أَن تَ َم ُّسوه َّن َوَقد َف َرضتم َله َّن
مثاال على ذلك قوله تعالى﴿ :و إن َ
َف ِريض ٗة َفِنصف ما َفرضتم ِإ َّالٓ أَن يعفون أَو يعفوْا َّٱل ِذي ِبي ِدِه ۦ عقدة ِ
ٱلن َكا ِح و إن تَعفٓوْا
َ ّ َ َ َ َ َ َ َ َ
ٱَّلل ِبما تَعملو َن ب ِ ِ ِ َّ
ص ٌير﴾( البقرة ﴿ )﴾237بينما َ نسوْا ٱلَفض َل َبيَنكم إ َّن َّ َ َ َ
أَق َرب للتق َوى َوَال تَ َ
الشرط التي هي بطبيعة الحال تالية
تستخدم الثانية للتعبير عن أحداث أفعال جواب ّ
َ
الشرط .)1("...
الشرط في مثل كثير من جمل ّ
ألحداث أفعال ّ
ياقية ،وأثر هذه األدوات في تحديد داللة الفعل على
الس ّاللغوية و ّ
ّ ونلحظ دور القرائن
نعبر عن الماضي بالمضارع ،أو الحال ،وكذلك بالمضارعالزمن إذ بفضلها نستطيع أن ّّ
اختصت
ّ عن الماضي ،و باإلضافة إلى ذلك نرى َّ
أن هذه األدوات أو القرائن -التي
بالدخول على زمن دون غيره – يمكن أن تستخدم بعضها في أماكن بعض ،وهذا ْ
إن
المستمرة للتطور
ّ حيوية اللغة العر ّبية ومرونتها وقابليتها
يدل على ّ دل على شيء َّ
فإنما ُّ َّ
المختصة
ّ وفق مقتضيات المقام ،فهذا ابن ِجّني يشير إلى إمكانية استخدام (لن)
المختصة بالحال ،يقول " :أال ترى إلى قوله –أنشدناه:-
ّ بالمستقبل مكان (ما)
َفترق َدها مع رَّق ِادها غتمض َليلة
ك ْلم تَ ْ ِ
أجّد َ
فاستعمل (لم) في موضع الحال ،و َّإنما ذلك من مواضع (ما) النافية للحال ،وأنشدنا
أيضاً:
وال بيدان ناجي ًة َذموال لن ترى بث ِ
عيلبات ِ
أجّدك ْ
يدل على إدراك
فإنما ُّ
دل على شيء ّ استعمل أيضاً (لن) في موضع (ما) " ،وهذا إن ّ
()2
صيغةفياللغةالعربيّة:فالحبنشبيبالعجمي،ص.97
-1نظامال ّ
الخصائص:ابنجنّي.388/1،
ِ -2
130
الزمن المتعارف عليه مع هذه
إمكانية الخروج عن ّ
الزمن و ّ
عن أثر القرائن في تحديد ّ
السياق.
القرائن ،ليكتسب زمناً جديداً بفضل ّ
ويورد الدكتور محمد رجب الوزير أربع َة أزمنة إضافة إلى األزمنة الثّالثة المعروفة،
تقدمون – حسب زعمه- ليصبح عدد األزمنة في العر ّبية سبعة ،والتي لم يعرف منها الم ّ
ّإال ثالثة ،وهذه األقسام اإلضافية عنده هي:
السياق اللغوي ّ
كل الزمن في ّ
يدل على هذا ّ
الزمن الماضي :والذي ُّ
ما قبل ّ •
األول ،كقوله تدل على حدث ماض يلي الحدث ّ تليها صيغة ماضية ُّ
تعالىَ :فتََوَّلى ِفرَعون َف َج َم َع َكي َده ۥ ث َّم أَتَى (طه.)60
يدل على هذا الزمن االستقبالي ،و ُّ الزمن المستقبل :وقد أطلق عليه ّ ما قبل ّ •
ال
الزمن صيغة الماضي ،وترد في القرآن الكريم كما في قوله تعالىَ ﴿ :ق َ ّ
ط َع ٞام ترَزَق ِان ِه ٓۦ إال َنبَّأتك َما ِبتَأ ِويلِ ِه ۦ َقب َل أَن َيأِتَيك َما َذلِك َما ِم َّما
َال َيأِتيك َما َ
خرِة هم َك ِفرو َن( ِٓ ِ َّ ِ َّ عَّلمِني رب ِ
ِي ِإّني تَ َركت مل َة َقو ٖم ال يؤ ِمنو َن ِبٱ ََّّلل َوهم ِبٱأل َ َ َ َّ ٓ
تدل على ما قبل يوسف ، )37فصيغة الماضي في قوله( :نبأتكما بتأويله) ُّ
الزمن أيضاً
يدل على هذا ّ
الزمن المستقبل المتمّثل في قوله( :ال يأتيكما) ،و ُّ
ّ
التركيب (يكون قد فعل) ،كقولنا :حينما تكون الساعة العاشرة تكون الحفلة
قد انتهت.
الزمن كل من :صيغة المضارع، يدل على هذا ّ الزمن المستقبل :و ُّ
ما بعد ّ •
السياقات التي ذكرها الوزير ،والتي كانت أغلبها وصيغة الماضي بحسب ّ
حوية التي أوردها ضمن
الن ّ
اللغوية و ّ
ّ السياقات القرآنية ،إضافة إلى القرائن
من ّ
حديثه (.)1
ّ
ّياقاللغويودراسةالزمنفيالعربيّة:محمدرجبالوزير،ص.63-33
-1ينظر:الس
131
أن الوزير قد أجاد وأقنع في رصده لألزمنة المختلفة التي يجود
وتجدر اإلشارة هنا إلى ّ
تحليلية رائعة في استنباط األزمنة من
ّ السياق بقرائنه المختلفة ،وقد امتلك قدرةً
بها ّ
السباعي لألزمنة يبدو مبالغاً
ّ
أن هذا التقسيم
رفية في سياقات عديدة ،إال ّ
الص ّ
الصيغ ّ
ّ
الزمن الماضي وبعد المستقبل وقبل حد ما ،فأزمنة من قبيل ما قبل ّ فيه إلى ّ
ومتفرعة
ّ زمنية متعّلقة بالقرب والبعد واالنقطاع واالستمرار،
المستقبل[ ،]...هي جهات ّ
بحد ذاتها كما الماضي والحاضر والمستقبل ،ولو من األزمنة الثالثة ،وليست أزمنة ّ
جد لدينا عدد كبير من األزمنة من خالل الجهات الكثيرة التي
أردنا اعتبارها أزمنة لو َ
الزمن ئيسية وليس فقط سبعة أزمنة ،كما َّ
أن تسمية من قبيل ( قبل ّ شتق من األزمنة الر ّ
ت ّ
إن ما قبل علمية؛ إذ َّ ّ الزمن المستقبل ،أو[ ]...ال تنطوي على دّقة الماضي ،أو بعد ّ
نسبية ،ولنوضح ذلك نذكر الماضي هو ماض وما بعد الماضي هو مستقبل ،فالمسألة ّ
عون َفجمع َكي َده ۥ ث َّم أَتَى (طه َّ ِ
َََ اآلية التي استشهد بها الوزير ،قوله تعالىَ :فتََولى فرَ
أن صيغة الماضي في قوله( :أتى) جاءت زمنياً بعد (جمع) ،فهي ،)60فقد ذكر َّ
مستقبل بالنسبة إليها ،وكذلك صيغة (جمع) هي ماض بالنسبة إلى (أتى) ،وفي الوقت
عينه ،هي مستقبل بالنسبة إلى (تولى) ،فقد أصبح الفعل (جمع) ماضياً ومستقبالً في
إن ما أسهم في خلق هذهالبت به ،ثم ّ
يصح ّّ أمر نسبي ،ال
الوقت نفسه ،ولذلك فهو ٌ
ّ
الزمني ،وهي منية التتابعية هو أحرف العطف التي تفيد الترتيب والتعقيب
الز ّ
الدالالت ّ
ّ ّ ّ
الزمن إلى ما قبل وما بعد ،والحق ّأنه زمن واحد خضع
التي جعلت الوزير يتوهم تَجزؤ ّ
نسميه تسلسل أحداث وليس أزمنة.
السياقي ،أو يمكن أن ّ لمبدأ الترتيب ّ
الزمن(ما قبل المستقبل) ومنهم المستشرق أن من المستشرِقين من ّ
تحدث عن هذا ّ ونجد َّ
أن لصيغة (فعل) وظيفة أخرى إضافة إلى وظيفتها في ّ
الداللة كوريلويتش الذي يرى ّ
على معنى السرد في الماضي ،وهي وظيفة السبق الثانوية ،وهذه الوظيفة تظهر في
الزمن المستقبل ،ويبرهن
حالة استعمال صيغة (فعل) مع الفعل المساعد (كان) في ّ
رَأيه بهذا المثال( :سيكون زيد قد خرج عندما أدخل الغرفة) ،إذ َّ
إن الخروج من الغرفة
سابق للدخول عليها في المستقبل ،وهذا ما يقصده كوريلويتش بالسبق الثانوي ،وهو
مجردةَّ ،
ولكن هذه الوظيفة (وظيفة السبق الثانوية) أمر معقول إذا نظرنا إليه بصورة ّ
ليست ثابتة في صيغة فعل ،فمن الممكن أن تأتي صيغة فعل في سياق محدد خالي ًة
132
من هذه الوظيفة وحاملة لغيرها ،وهذا ما أخذه عليه الدكتور امحمد المالخ بقوله" :
أن السبق ال يحدد استعمال صيغة (فعل) ،فيمكن أن لكن كوريلويتش لم ينتبه إلى ّ
الشرط أو سياق التنبؤ حيث تغيب داللة السبق ،وللتمثيل على ذلك
تستعمل في سياق ّ
علي حاجة أعطيته فوق أمنيته) ،فأعطى تحمل
نأخذ الجملة التالية( :أيما عبد كانت له َّ
الصيغة في سياق جهة التام ،وليس هناك عالقة سبق بين حدثين ،فسواء استعملت ّ
()1
الفعلية هو ثابت جهة التام"...
ّ الداللة
المستقبل أو الماضي ،فأهم ثابت من ثوابت ّ
حسب
َ ونرى َّ
أن هذا التنويع في استخدام األزمنة –مع التّحّفظ على كلمة أزمنة التي هي
أن تكو َن أزمن ًة -لم ْ
يكن في القرآن الكريم فقط، أن تكون جهات من ْ رأينا أقرب إلى ْ
الدارسين الم ْح َدِثين و إن لم يسهبوا في
النحويون قبل الوزير وغيره من ّ فقد أدركه ّ
غب عن أذهانهم والسنتهم،
خير شاهد على ّأنه لم ي ْ
كان استخدامهم له َ
الحديث عنه ،فقد َ
للزمن محدودةً جامدةً في ثالثة قوالب (ماض ،حاضر ،مستقبل) وليست استخداماتهم ّ
توهم الدارسون الغر ّبيون ،فهذا ابن ِجّني نراه َيستخدم ثالث َة صيغ للماضي
فقط ،كما ّ
في جملة واحدة داّل ًة على ثالث جهات هي الماضي وما قبل الماضي ،وما بعد
تصوَر معنى اإلضافة ،فصار إلى
ثم ّالصّن ْبرَّ ، الماضي ،وذلك في قولهَّ " :
كأنه أرَادّ :
وصار) كّلها ماضية ،إال َّ
أن جهاتَها َ وتصوَر،
ّ ّأنه كأنه قال ،)2( "...فاألفعال (أراد،
السياق ما هو ترتيبها ،وله مثل ذلك كثير.مختلفة ،وواضح من ّ
أن الفعل باعتبار ما يتضمنه من حدث حاة واألصولِيين على َّ وقد" اتفق أغلب الن ِ
ّ
النحويين ربطوا هذا الزمان منسوب إلى فاعل ،ال َبد له من زمان يحدث فيهَّ ،
ولكن ّ
اللغوي على ّ
الزمن ،فصيغة ّ الصيغة في أصل وضعها
رفية ،أي بداللة ّ
الص ّ
بالمسألة ّ
تدل على الحاضر والمستقبل ،وصيغة
الزمن الماضي ،وصيغة (يفعل) ُّ
تدل على ّ
(فعل) ُّ
تدل على الحاضر عند بعضهم ،وعلى المستقبل عند بعضهم اآلخر.
(افعل) ُّ
للصيغة
رفي ّ حوية ،ال بالمدلول الص
ّ ّ أما األصوليون فقد ربطوا هذا الزمان بالمسألة ّ
الن ّ ّ
أي ّإنهم ربطوه بطريقة تأليف الجملة وسياقها ،وداللتها حسب مواقع الخبر واإلنشاء
مقامية من كون الفاعل زمانياً
ّ المقيدة إلطالق الفعل ،سواء كانت قرائن
وبحسب القرائن ّ
ّ -1
الزمنفياللغةالعربيّة:امحمدالمالخ،ص.66-65
الخصائص:ابنجنّي.254/2،
ِ -2
133
الشرط ،والتحقيق،
والفعل خبرياً أم قرائن لفظية مما يحيط بالفعل من أدوات النفي ،و ّ
الصيغة الذي
والتسويف ،والظروف المختلفة التي تصرف الفعل إلى زمان غير زمان ّ
النحويين واألصوليين ليس في إنكارالنحويون[]...فالخالف إذن بين ّ يفترضه لها ّ
فالدال عليه عند
(الدال) عليه ّ
الفعلية ،و إنما هو في تحديد ّ الزمني للجملة المدلول
ّ ّ ّ
الدال
تضمنية ،و ّ
ّ الزمن داللة
(الصيغة) ولذلك اعتبروا داللة الفعل على ّ
النحويين هو ّ ّ
عليه عن األصوليين هو سياق الجملة وقرائنهاَّ ،
ألن الفعل عندهم باعتباره متضمناً
تضمنة للحدث نفسه من حيث داللته على
للحدث ،ال يختلف عن سائر المشتّقات الم ّ
(الزمن المطلق) الذي قد ينطبق على الماضي وقد ينطبق على الحاضر والمستقبل"...
ّ
()1
السياق:
الزمن بحسب ّ -10داللة المصدر على ّ
أن
السياق وتعمل عمل الفعل ،والمصدر يمكنه ّ المصدر واحد من الكلمات التي تدخل ّ
يدل على األزمنة الثالثة الماضي والحال واالستقبال ،وذلك على ضوء القرائن الموجودة
ُّ
ألنه جرى على الفعل المضارع ّ
فدل [بالتالي] كان عمل اسم الفاعل ّ
السياق ،ولئن َ في ّ
فإن عمل المصدر جاء الشتر ِ
اكه مع الفعل في األصل على زمنيه الحال أو االستقبالَّ ،
َ
(أن والفعل) الذي هو من لفظه ( ،)2والفعل بالنسبة إلى ابن
ألنه بتقدير ْ
االشتقاقي ،و ّ
ّ
ِجّني فرعٌ من المصدر ،يقول " :وإذا َ
ثبت أمر المصدر الذي هو األصل لم َيتخاَلج
الصفة فالفعل في
صحت ّعلي بالشام :إذا ّ شك في الفعل الذي هو الفرع؛ قال أبو ّ
ّ
أشد مالبس ًة كان في المصدر أجدر؛ َّ
ألن المصدر ّ الصفة َ كان هذا حكم ّ
الكف ،وإذا َ
ّ
بمشتق] نحو قولك :مررت بإبل
ّ ليس الصفة [ما َ
أن في ّ الصفة؛ أال ترى ّ
للفعل من ّ
مما يشاب ُّ
وليس هذا ّ
مائة ،ومررت برجل أبي عشرة أبوه ،ومررت بقاع َع ْرفج كله[َ ]...
الصافي؛ كالضرب ،والقتل ،واألكل ،والشرب. ِ
صدر ،و إنما هو ذلك الحدث ّ الم ْ
به َ
الزمن ،وذلك" ،وقد لمحنا عند ابن ِجّني استخدامات للمصدر يكون فيها داالًّ على ّ
()3
-1البحثالنّحويعنداألصوليين:مصطفىجمالالدين،ص.168
ينظر:الزمنالنّحويفيالعربيّة:د.كمالرشيد،ص.93
ّ -2
الخصائص:ابنجنّي.122-121/1،
ِ -3
134
صح َح واوي (ووار) عند التخفيف؛ ِ
أن ت ّ
األزمنة الثالثة ،ومن ذلك قوله " :فقياس هذا ْ
ؤول (أن لتقديرك ِ
األول م ّ
مصدرن ّ
ا فيه َّني َة التحقيق ،)1( ".ففي القول السابق يوجد َ
ختلفين ،إ ْذ يشير المصدر
زمنين م َ
صح َح) واآلخر صريح (تقديرك) ،وينطويان على َ
ت ّ
بتصحيحك
َ ألن المعنى :قياس هذا يكون
ستقبل ّ
الزمن الم َ
صح َح) إلى ّ
(أن ت ّ
األول ْ
ّ
معنوياً بالمصدر األول ،فهو سبب
ّ فإنه يرتبط واوي[ّ ،]...
أما المصدر الثاني (تقديرك) ّ
الزمن
له ،بمعنى أن المصدر (أن تصحح) هو النتيجة ،والنتيجة منطقياً تحمل ّ
الزمن الماضي ،وهو كذلك في هذاالمستقبل ،فيما يكون السبب –عادةً -داالًّ على ّ
القول.
ومنها أيضاً أن يكون هذا المصدر بلفظ الفعل الناقص ،وقد َ
ورد كثي اًر في نصوص
فلما ِ
ابن جّني ،وبصيغ متنوعة ،نذكر منها -على سبيل المثال ال الحصر -قولهّ " :
ذاك إلى ِ
اتألب ،تجاوزوا به َ
استمر و َّ
كثر استعمالهم ّإياه وهو مجاز استعمال الحقيقة و ّ
كأنه هو األصل والحقيقة ،)2("...ويحتوي القول السابق على مصدرين
أن أصاروه ّ ْ
(أن أصاروه) ،ويحملالمؤول ْ
ّ أيضاً ،وهما المصدر الصريح (استعمالهم) والمصدر
معنوية ،فالضمير
ّ زمنية ماضية والقرينة في ذلك
المصدر في قوله( :استعمالهم) دالل ًة ّ
في هذا المصدر عائد على العرب ،وقد أشار إليهم ابن ِجني كث اًر في ِ
كتبه ،فيقول ّ
أحياناً( :قالت العرب ،واستخدمت العرب ،وقولهم ،وحديثهم ...إلخ) ،إذا فهو عائد على
أما المصدر اآلخر (أن أصاروه) فهو
الزمن الماضيّ ،يدل إذاً على ّ
شيء ماض فهو ُّ
فعل ماض ناقص ،يحمل معنى الصيرورة أو التحويل واالنتقال من حال إلى حال،
ٌ
ولكن زمنه ليس المستقبل ،و إنما الماضي؛ وذلك الرتباطهّ وبالتالي فهو مستقبل،
باإلضافة إلى ِ
كونه فعالً ماضياً ناقصاً، ِ بالعرب أيضاً بالضمير (الهاء) العائد عليهم،
يدل على جهة
فإن هذا المصدر ُّ
و إنما المستقبل فيه جهة وليس زمناً ،وبالتالي ّ
المستقبل في الماضي.
يدل بها على الماضي التّام ،ويظهر
فعل) ل ُّ
(أن َاستخدم ابن ِجّني صيغة المصدر ْ
َ كما
سمى" (،)3 أن َزعموا َّ
أن االسم هو الم ّ ذاك قوماً إلى ْ
جلياً في قوله " :حتّى دعا َ
ذلك ّ
الخصائص:ابنجنّي.90/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.177/2،
-3المصدرالسّابق.188/2،
135
الزمن الماضي بسبب القرينة الموجودة دال على ّ
المؤول ٌّ
أن المصدر (أن زعموا) ّ فنرى ّ
ِ ِ
ذاك قوماً إلى زعم ِه ْم ّ
أن في السياق في قوله( :قوماً) ،والمعنى في ذلك :حتّى دعا َ
سمى ،وداللته على الماضي ال تخفى على أحد.
االسم هو الم ّ
تقديم
ٌ جد فيهما
كل لفظين و َ
أن ّ"اعلم َّ
ْ ومن مجيء المصدر فعالً ناقصاً أيضاً قوله:
ِ
صاحبه )1( "...والمصدر ليس أحدهما مقلوباً عن
أن يكونا جميعاً أصلين َ
فأمكن ْ
َ وتأخير
ٌ
محددة،
زمنية ّ
المقيد بجهة ّ
دال على الماضي غير ّ المؤول بـ (كونهم) ٌّ
هاهنا (أن يكونا) ّ
ِ
وقوعه في يدل عليها ،كما نرى فيأما إذا اقترن هذا المصدر بقرينة لتكسبه جه ًة ل ُّ ّ
الظرفية الزمانية ،في قوله " :فمتى
ّ تدل علىالمصدرة باألداة (متى) التي ُّ
ّ جملة الشرط،
أمكن أن يكون الحرفان جميعاً أصلين (كل واحد منهما قائم بر ِ
أسه) لم َيسغ العدول عن ٌ ّ َ َ ْ
الزمن الماضيالزمن المطلق ،وليس على ّ دال على ّ
الحكم بذلك"( ،)2فالمصدر هنا ٌّ
فقط ،فهو يحتمل الحدوث في الماضي والحاضر والمستقبل جميعاً.
بالزمن المستقبل،
(أن) ّويشير السيوطي إلى حديث ابن ِجّني حول تخصيص األداة ْ
يقول" :وفي (تذكرة) ابن مكتوم عن تعاليق ابن ِجّني من قالّ :
(فإنما هي إقبال وإدبار)
ألن قوله:
كان هذا بمعنى المصدر ،وذلك ّ
إن َ تقبل وأن تدبر و ْ
أن َ فإنما هي ْ
لم َيق ْل ّ
وقولك
َ إقبال مصدر دال على األزمنة الثالثة داللة مبهمة غير مخصوصة فهو عام،
ٌ
األول وهو المصدر
توسعوا في ّ
فلما كانوا ّ
خصص االستقبال ّ
(أن) ت ّ
ألن ْ
أن تقبل خاص ّ
ْ
يتوسعوا في هذا الثاني وإن كان معناه المصدر للمخالفة التي بينهما".
()3
لم ّ
الزمن وفق شروط ،منها:يدل على ّأن المصدر العامل عمل فعله ُّ النحاة إلى َّ
وذهب ّ
يصح استبداله بفعل ( +أن ،أو ما) وهو يعرف بالمصدر المؤول ،وبذلك يكون ّ أن
وقرروا َّ
أن لدينا( :المصدر = أن يفعل)( ،المصدر= أن فعل)( ،المصدر= ما يفعل)ّ ،
تدل على الماضي ،و(ما مع
للداللة على المستقبل ،بينما (أن مع فعل) ُّ
(أن مع يفعل) ّ
تعالى : يفعل) أقرب إلى فراغ الزمان – بحسب زعمهم -واستشهدوا على ذلك بقوله
وت َوَءاتَىه ٱ ََّّلل ٱلمل َك َوٱل ِحك َم َة َو َعَّل َمه ۥ ِم َّما َي َشآء َوَلوَال ِ
َف َه َزموهم ِبِإذ ِن ٱ ََّّلل َوَقَت َل َداو ۥد َجال َ
عَلى ٱلعَل ِمين(البقرة ِ دفع ٱ ََّّللِ ٱ َّلناس بعضهم ِببع ٖ َّ ِ
َ ض لَف َس َدت ٱألَرض َوَلك َّن ٱ ََّّللَ ذو َفضل َ َ َ َ َ َ
الخصائص:ابنجنّي.69/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.82/2:
-3األشباهوالنظائرفيالنّحو:جاللالدّينالسّيوطي.248/2،
136
﴿ )﴾251أي لوال أن يدفع هللا الناس ،أو أن دفع هللا الناس ،وينتبه الدكتور محمد
أن المصدر المؤولالزمن ،فيؤكد َّ
الريحاني إلى دور القرائن المقالية والحالية في بيان ّ
ألن اإلسناد فيه إلى لفظ الجاللة جرى
محدد ،وذلك َّ
يدل على زمن ّ في اآلية السابقة ال ُّ
كل حدث يستند إلى لفظ الجاللة،الصفة والقضاء العام ،وليس الحال كذلك في ّ مجرى ّ
الزمني ويستشهد على أهمية نوع األسلوب واإلسناد والقرائن في إعطاء المصدر المعنى
ّ ّ
بقوله تعالى :أَو ِإط َع ٞم ِفي َيو ٖم ِذي َمس َغَب ٖة(البلد﴿ )﴾19فهنا يوجد حكم تشريعي عام
أن بنية المصدر صالحة الزمن ،ثم يخلص الريحاني إلى َّ وال ننظر فيه إلى تأويل ّ
للداللة على أي قسم في ضوء القرائن والعالقات ،و أنه يجري مجرى فعله المحمول ّ
()1
بمعناه ،ولكنه يعبر عن حالة التمام بالبنية"...
الزمن الماضي، يدل على ما قبل ّ أن المصدر يمكن أن ُّ ويرى الدكتور محمد الوزير ّ
وذلك إذا ورد المصدر مجرو اًر بالباء وتعّلق الجار والمجرور بصيغة فعل ماض دالة
ِ ِ
وبهم الزمن الماضي ،وذلك كقوله تعالىَ ٗ :فِب َما َنقض ِهم ّميثََقهم َل َعَّنهم َو َج َعلَنا قل َ على ّ
ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِۖ ٗ
ِ ۦ ِ
ظا ّم َّما ذ ّكروْا به َوَال تَ َزال تَطلع َعَلى َخآئَن ٖة ۦ ِ
َقسَية ي َح ِّرفو َن ٱل َكل َم َعن َّم َواضعه َوَنسوْا َح ّ
ين(المائدة ،)13فنقض ِمنهم إال َقلِ ٗيال ِمنه ِۖم َفٱعف عنهم وٱصَفح ِإ َّن ٱ ََّّلل ي ِح ُّب ٱلمح ِسِ
ن
َ َ َ َ ّ ّ
الزمن بني إسرائيل الميثاق في قوله :فبما نقضهم ميثاقهم حدث وقع في ما قبل ّ
لعناهم ،)2(فالذي أسهم في جعل المصدر داالًّ على ما الماضي المتمّثل في قوله ّ
فالسبب هو نقض الزمن الماضي ،هو َّ
أن اآلية الكريمة تنطوي على سبب ونتيجةّ ، قبل ّ
بني إسرائيل للميثاق ،والنتيجة هي لعنهم وجعل قلوبهم قاسية ،والمنطق أن يسبق السبب
تحدث
الزمن الذي ّ أن ما أسهم في داللة المصدر على هذا ّ النتيجة ،والمالحظ هنا َّ
الزمني للجملة كاملة ،ومجيء الماضي بعد المصدر ،فلو جاء السياق
عنه الوزير ،هو ّ
ّ ّ
دل المصدر المجرور بالباء على الماضي ،كما في قولنا :باجتهادكمفعل مضارع لما ّ
فالمصدرن (اجتهادكم ،عملكم) يحمالن داللة
َا تنجحون ،وبعملكم تفلحون ...إلخ،
الزمن ما قبل
زمنية على الحاضر ،وليس على الماضي ،أو يمكن أن نطلق عليه ّ
ّ
أحب الوزير أن يصطلح عليه.
المستقبل كما ّ
يفيالدراساتاللغويّة:د.محمدعبدالرحمنالريحاني،ص.138-136 ّ
ينظر:اتجاهاتالتحليلالزمن ّ -1
ّ
ّياقاللغويودراسةالزمن:د.محمدرجبالوزير،ص.39 -2الس
137
الزمن المستقبل إذا كان بمعنى يدل على ّ
أن المصدر يمكن أن ُّ النحويين َّ
يرى بعض ّ
()1
(اضرب زيداً).
ْ فعل األمر ،كما في قولنا( :ضرباً زيداً) بمعنى
بالزمن:
-11الرتبة وعالقتها ّ
الزمن له دور أساسي وبارز في رسم المنحنى البياني لترتيب الكلمات من الواضح َّ
أن ّ
ورصفها في الذهن لتكون قريبة من الفهم وتحقق انسجاماً معنوياً مع ترتيب الكلمات
السياق ،هذا الترتيب الذي يقودنا إلى التّنبه إلى االنسجام الحاصل بين الرتبة من
في ّ
السياق الذي ينتظم من خالله نسيج واحد هو ّ
ٌ الزمن من جهة أخرى يجمعهما
جهة و ّ
النظم الذي يعني ِ
تحدث ،وال نقصد هنا ّ الزمن الذي يقصده الم ّ
الكالم بحسب مقتضى ّ
الكلِم فليس أما نظم َ
ترتيب الكلمات بحسب تريبها في النفس كما يقول الجرجانيَّ " :
ألنك تقتفي في نظمها آثار المعاني ،وت َرتّبها على حسب تَ َرتُّ ِب
األمر فيه كذلكّ ،
ضه مع بعض ،وليس المنظوم بع َنظم يعتبر فيه حال َ
المعاني في النفس ،فهو إذن ٌ
جاء واتَّفق ،)2( " .و َّإنما المقصود
كيف َ
ضم الشيء إلى الشيء َ هو( َّ
النظم) الذي معناه ُّ
الزمن بمنظوره
النظم_ وهو ّ
أن هناك عامالً آخر _ غير الذي ذكره الجرجاني في ّهنا َّ
تم فيه
الزمن الذي ّ
التحدث ،و ّ
ّ ستخدم ،و َّإنما زمن
العام؛ أي ليس فقط زمن الفعل الم َ
فالزمن إذن هو عنصر رئيس يجب
السياق نفسهّ ،
الزمن المتوّلد من ّ
الحدث المقصود ،و ّ
السياق.
أن يؤخذ بالحسبان عند ترتيب المعاني في النفس وعند ترتيب الكلمات في ّ
يتفق ابن ِجّني مع عبد القاهر الجرجاني في الكشف عن العالقات الداخلية بين
السياق ،فقد جعل ابن ِجّني المعنى أساس صحة التركيب
المفردات التي يترّكب منها ّ
داللي ًة، أن عبد القاهر الجرجاني يرى َّ
أن اللفظ مفرداً ال يش ّكل قيم ًة ّ النحوي وقبوله ،كما َّ
ّ
اللغوي الذي ورد فيه ،كما َّ
أن تأليف الكالم ّ السياق
وال تستطيع تقييمه منفرداً عن ّ
النحو ،ليس أساساً في صحة المعنى ،بل األساس هو اتّساق ونظمه على قواعد ّ
التركيب في المعنى مع قواعد التركيب (.)3
ّ
ّياقاللغويودراسةالزمن:د.محمدرجبالوزير،ص.59 -1الس
- 2دالئلاإلعجاز:اإلمامعبدالقاهرالجرجاني(ت 471هـ)،تح.محمودمح ّمدشاكر،مكتبةالخانجي،القاهرة – مصر1984،م،
ص.49
معالمالتالقيبينابنجنّيوالدراساتالحديثة(دراسةفيتوظيفالسياقفي الدرساللغويالعربيالقديم):كتابالمؤتمر()1
ِ - 3
الندوةالدوليّة:د.الصادقمحمدآدمسليمان،رئيسالتحرير:أ.د.محمدبشير،جامعةكيراال،كيراال–الهند2015،م،ص .12
138
عدة أبواب
غيرات التي تَط أر عليها في ّ تحدث ابن ِجّني عن مفهوم الرتبة وعن التّ ُّ
وقد ّ
الزيادة
من كتاب الخصائص ،مثل باب نقض المراتب ،وباب التّقديم والتّأخير والحذف و ّ
الرتبة إلى رتبة ثابتة مثل رتبة المركبات
والفصل ،وإصالح اللفظ وغيرها ،وقد قسم ّ
وأشباه الجمل ،ورتبة المضاف والمضاف إليه ،والجار والجرور والصفة والموصوف...
الرتبة المتغيرة التي يكون فيها التالزم بين الفعل والفاعل ،أو بين
حرة ،وهي ّ
إلخ ،ورتبة ّ
الفعل والمفعول به ،وقد جعل ابن ِجّني للرتبة قيوداً تحكمها ،وهي على ثالثة قيود :قيد
اللفظية (تاء التأنيث الساكنة) في تحديد جنس
ّ اللفظية؛ وذلك كأثر القرينة
ّ القرينة
وضرب هذه
َ بت هذا هذه،
الفاعل في الجملة وتؤمن المعنى من اللبس ،كقولنا :ضر ْ
هذا ،فكان الفاعل في الجملة األولى هو (هذه) لوجود التاء ،والفاعل في األخرى هو
المعنوية ،وهي التي تفهم
ّ (هذا) لعدم وجود التاء( ،)1والقيد الثاني للرتبة هو قيد القرينة
من سياق الحال ،والتي يقتضيها المنطق السليم ،كقولنا :أكل الكمثرى عيسى ،الفاعل
حكماً هو عيسى والمفعول به هو الكمثرى ،من دون أن تؤثّر الرتبة الظاهرة (رتبة
ُنظر:الخصائص:ابنجنّي.35/1،
ِ -1ي
-2ينظر:المصدرالسّابق.35/1،
ّةبينابنجنّيوتشومسكي(رسالةماجستير):إعداد:صبحاعوادسليمالخوالدة،إشراف:د.محمدالديكي،
ِ - 3يُن َ
ظر:المسألةاللغوي
جامعةآلالبيت،كليّةاآلدابوالعلوماإلنسانيّة،المفرق–األردن2006،م،ص.53–51
139
الزمن الّنحوي في
الفصل الرابعّ :
نص ابن ِجّني:
140
الداللة
رفية المفردة في ّ
الص ّ
الصيغة ّ
تحدثنا فيما سبق من فصول هذا البحث في دور ّ ّ
الزمن وجهته ،وسندرس في هذا
ياقية في تحديد ّ
الس ّاللفظية و ّ
ّ الزمن ،ودور القرائن
على ّ
نص ابن ِجّني؛ أي سوف نستخلص ّ
الزمن المستخدم في النحوي في ّالزمن ّ
الفصل ّ
تعرض لها في كتابه الخصائص الذي
أثناء شرحه للمسائل التي ّ ِ
حديث ابن جّني َ
النحوي الذي استخدمه ابن ِجّني في هذا
الزمن ّ اعتمدناه كنموذج ندرس من خالله ّ
ألن بحثه في (الخصائص) كان يدور بصورة وصفيّ ، الكتاب ،فقد انطلق من منطلق
ّ
فعمد إلى دراسة األصوات التي تتأّلف الكلمات
رئيسة في نطاق بنية الكلمة المفردةَ ،
ظم العالقة بين األصوات في الكلمة ،فبحثمنها ،وسعى إلى اكتشاف القوانين التي تن ّ
وبي َن َّ
أن األمر المشترك ودرس التّقليبات الممكنة للكلمة الواحدةّ ،
َ في االشتقاق و أنواعه،
الذي يجمع التّقليبات هو وحدة المعنى ،وأفضى ذلك ِ
به إلى القول بوجود عالقة مناسبة
طبيعية بين الصوت والمدلول.
ّ
ِ
الوصف التّطور ّي لبنية الكلمة الذي يأخذ ابن ِجّني لجأَ إلى
أن َويعني كل ما سبق ّ
الدقة
متقدماً ودقيقاً ومحكماً ،وتنسحب هذه ّ
الزمن ،وبالتالي كان وصفاً ّ باالعتبار عامل ّ
تعرض لشرحها معتمداً على مبدأ القياس والتّعليل باستخدامكل المسائل التي ّ
في ّ
ليكون في هذا الكتاب
السلف القديم أو القرآن الكريم أو الشعر العربيّ ،
البراهين من ّ
عمالً متماسكاً دقيقاً وسابقاً.
(فعل) ومشتّقاتها:
-1داللة صيغة َ
تدل عليه
الزمن الذي ُّ
أن هذا ّ
غير ّحدد لهاَ ،فعلية بزمن م ّ
تختص كل صيغة ّّ
يدل عليه غيرها،
أن ُّ
ليس ثابتاً لها ،وليست مقتصرةً عليه ،إ ْذ يمكن ْ
الصيغة َ
ّ
تدل هي على غيره ،وذلك ليس تعقيداً في اللغة العر ّبية ،أو ليس ضعفاً
ويمكن أن ُّ
منية، للصيغ ،فذلك أبعد ما يكون عن اللغة العر ّبية وصيغها ّ
الز ّ في القدرة التّعبيرّية ّ
وجمالية أيضاً ،وقد أوضح ابن
ّ بالغية وتعبيرّية
ّ مرد ذلك ّإنما هو لغاية إن ّ
بل ّ
الزمن من صيغة إلى صيغة أخرى، تحدث عن االنتقال في ّ األثير ذلك حين ّ
ِ
األلفاظ العدول عن صيغة من أن ِ
َ المتوشح لمعرفة علم البيان ّ
ّ اعلم ّأيها
يقول " :و ْ
يتوخاه في
اقتضت ذلك ،وهو ال ّ
ْ خصوصية،
ّ إلى صيغة أخرى ال يكون إال لنوع
141
ش عن ِ ِ ِ ِ
لع على أسرارها ،وفتّ َط َ
البالغة الذي ا ّ
الفصاحة و برموز كالمه إال العارف
الزمني من صيغة ّ يؤديها االنتقال
ّ دفائنها ،)1( "...فهذا جانب من الجوانب التي
ّ
إلى أخرى ،والتي سنحاول الوقوف على بعض جوانبها.
الزمن ،وذلك بحسب ما متنوعة على ّفنرى مثالً صيغة ( َف َع َل) تحمل دالالت ّ
األصلية
ّ الداللة
أن ّبالسياق العام ،إال َّ
سياقية ،وارتباطها ّ
ّ يضاف إليها من قرائن
الداللة المفردة من دون قرائن ،ف ُّ
تدل رفية ،أي ّ
الص ّ
واألشهر استعماالً هي داللتها ّ
ويسميه
ّ تم و انتهى في الماضي،الزمان ،أو على حدث َّ
حينها على ما مضى من ّ
نص ابن ِجّني الكثير من
لسانيون الم ْح َدثون بالحدث التّام ،أو المنجز ،وفي ّ
اّل ّ
الزمن ،فنذكر منها على
عبر عن هذا ّ
األمثلة على استخدام صيغة(فعل) التي ت ّ
وضرب
َ محمد،
قام ّ
العجين [َ ]...
َ ملكت
َ سبيل المثال ال الحصر ،قوله " :من ذلك
أن صيغة (فعل) في األفعال (ملكت ،قام ،ضرب) كّلها سعيد ، " ...فنالحظ ّ
()2
142
فق عليها
الداللة على زمن وَق َع في الماضي و انتهى ،وهي دالل ٌة اتّ َ
يجمعهما هو ّ
أن مجيء صيغة (فعل) في النحاة الم ْح َدثون والقدماء وال خالف عليها ،غير َّ
ّ
السياق العام
وكيف) باإلضافة إلى ّ َ (أين،
المثال السابق بعد أداتي االستفهام َ
يتحدث فيه ابن ِجّني ،جعل صيغة (فعل) في الفعلين داّل ًة على ّ
الزمن الذي ّ
أي مكان وقعت ِ المطَلق ،فالمعنى َّ
أي زمن وج َد ْت به ،وفي ّ
أن لفظة (قول) في ّ
الداللة تحديد زمن دون آخر،
به كانت داّل ًة على كذا وكذا ،وال يشترط في تلك ّ
الزمان الماضي فقط ،كما توحي(قول) على الحركة في ّ
ليس المقصود داللة َ إ ْذ َ
النحوي العام الذي ّ
تحدث به فالسياق ّ
رفية لصيغة (فعل)ّ ، الص ّ
منية ّ
الز ّ
الداللة ّ
به ّ
فعل
كل ذلك أكسب صيغة َ وكيف)ّ ،َ ابن ِجّني باإلضافة إلى القرينتين (أين،
النحاة الم ْح َدثون في الحديث زمنية أخرى هي ّ
الزمن المطَلق الذي أسهب ّ داللة ّ
عليه.
الدعاء ،وقد
الزمن المستقبل عندما تقع في سياق ّ تدل صيغة فعل على ّ
ومنه أن ُّ
ِ
كتابه منها قوله " :أخبرنا أبو علي – الصيغة كثي اًر في ِ
ّ استخدم ابن جّني هذه ّ
َ
تدل على
قال :قال أبو بكر ، "...فصيغة الفعل الماضي (رحمه) ُّ
()1
رحمه هللاَ -
الزمن المستقبل وذلك لوقوعها في سياق دعائي وما يتطّلبه الدعاء من توّقع ّ
ّ
ولكن استخدام الماضي للداللة على المستقبل في سياق الدعاء ينطوي ستقبليّ ، م
ّ
ألنه في ذلك (المستقبل) ينزل منزل َة الماضي المتحِّقق أمالً
بالغيةّ ،
ّ قوة
على ّ
وتفاؤالً بتحققه وجريانه.
منية:
الز ّ
• اقتران صيغة ( َف َع َل) مع القرائن ّ
تقترن صيغة (فعل) مع كثير من األدوات واألحرف واألفعال المساعدة مثل( :ما ،ال،
الصيغة ِ
أن تكس َب هذه ّ الشرط[ ]...التي من شأنها ْقد ،بل ،األفعال الناقصة ،أدوات ّ
رفية المفردة ،حتّى أصبحت هذه الص ّ
داللياً كبي اًر عنه في حالتها ّّ زمنياً وبعداً
غنى ّ ً
الزمن أو ذاك ،وقد تنوع استخدام ابن ِجّني لهذه
بالدخول على هذا ّ مختص ًة ّ
ّ األدوات
األدوات مقترن ًة مع صيغة(فعل) ،ومن األمثلة عليها قوله " :وكنت عرضت هذا
الخصائص:ابنجنّي.273/2،
ِ -1
143
تقبله " ( ،)1فقد سبقت صيغة (فعل)
أحسن ّ
الموضع على أبي علي رحمه هللا فرضيه و َ
الداللة المستفادة من دخول (كان)
في الفعل (عرضت) بالفعل الناقص (كان) لتصبح ّ
الزمن الماضي البعيد ،وهذا ما
حقق الحدث في ّ على الفعل هي التّأكيد على وقوع وتَ ُّ
منية ِ
الز ّ
الداللة ّ
أن ّحسان الذي ذكر ّ
تمام ّ
النحاة الم ْح َدثين ومنهم دّ .
أشار إليه الكثير من ّ
الزمن الماضي وجهته هي البعيد المنقطع (.)2لصيغة (كان َف َع َل) هي ّ
(،)3 ومنها أيضاً ما جاء في قول ابن ِجّني " :فعلى ذلك يكونوا ّ
قدموا بناء نحوكم" ...
فقد جاء الفعل الناقص في هذا القول بصيغة المضارع مضافاً إلى صيغة الماضي
الزمن العام لهذا
إن ّالزمن المستقبل التام في الماضي؛ أي ّ (فعلوا) ل ُّ
يدال معاً على ّ
أكسبه هذه الجهة هو الفعل
َ التّركيب هو الماضي ،وجهته المستقبل المتحّقق ،والذي
الناقص المضارع.
ّ
فعل ،اقترانها مع (قد والفعل الناقص) في صيغة (قد
الصيغ المرّكبة مع صيغة َ
ومن ّ
كنت فعلت) التي وردت في قول ابن ِجّني " :فقد كنت قلت في هذه اللفظة في
كتابي ،)4( "...وقد أشرنا إلى داللة صيغة (كان فعل) على الماضي اللحظي البعيد،
وأدى دخول حرف التحقيق (قد) إلى تقريب زمن حدوث الفعل في الماضي إلى وقت
الصيغة المرّكبة هي الماضي القريب المتحقق ،ومثلها في الحاضر ،لتصبح داللة هذه ّ
ِ
لسعة حفظه.)5( "... الداللة أيضاً ،ما جاء في قوله " :وقد كان ابن الرومي ر َام ذلك
ّ
أن (كان) قد تكون ذات طابع زمني وقد تكون ذات ستيتية إلى ّ
ويشير الدكتور سمير ا ّ
ّ
زمنية إذا دّلت على حدث وقع و انتهى؛ كنت وصفي –كما ذكرنا سابقاً -فتكون ّ
ّ
طابع
إن كنت قد لحظية إذا اقترنت بفعل ماض قبلها ،مثل قولناْ :ّ هناك لحظتئذ ،أو تكون
الوصفية المطَلقة ،ففي قولنا:
ّ أما كونها ذات طابع وصفي أو قلت ذلك فقد صدقتّ ، َ
ّ
لقد كنت رِائعاً ،أو قوله تعالى " :كان هللا عزي اًز حكيماً" وهذان األمران متّصالن من
اللتين(الوصفية، وسنجد في استخدام ابن ِجّني لكان هاتين ّ
الد بالوصفية"...
()6
ّ ّ
منية).
الز ّ
وّ
الخصائصابنجنّي.123/1،
ِ -1
-2يُنظر:اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص.245
الخصائص:ابنجنّي.33/2،
ِ -3
-4المصدرالسّابق.151/1،
الخصائص:ابنجنّي.262/2،
ِ -5
-6يُنظر:اللّسانيّات:سميرإستيتية،ص.149
144
الزمن
يدل بصورة مباشرة على ّ
زمنية ،ل ُّ
ظرفية ّ
ّ يستخدم مع صيغة فعل قرين ًة
َ أن
ومنها ْ
السرد ،يقول " :وسألته
الذي يتحدث به ،وعلى طبيعة هذا الخطاب الذي يستخدمه في ّ
جاء هذان الفعالن مقترني ِن
يوماً فقلت له ، "...ففي هذه الجملة فعالن ماضيان ،وقد َ
()1
تدل على
الزمن الماضي التام في وقت قريب من الحاضر ،وهي جملة مؤّكدة بـ(قد) ُّ ّ
يدل علىماني (اآلن) والذي ُّ الصيغة سِبَق ْت بالظرف الزأن هذه ّتأكيد الحدث ،إال ّ
ّ ّ
الزمن
ستك) هو ّفإن زمن جملة (قد ّأن َ التلّفظ ،وبالتالي ّ
الزمن الحاضر ،وهو زمن ّ ّ
رفية التي احتوت الحدث.ظ ّالحاضر التّام ،وليس الماضي التّام ،بسبب تأثير القرينة ال ّ
ومشتّقاتها:
-2داللة صيغة (يفعل) ُ
الصيغة في كتاب الخصائص بأشكال مختلفة ،كما هو الحال مع خدم ْت هذه ّ است َ
الزمن ،فحملت في بعض األحيان دالل ًة
سابقتها ( َف َع َل) ،وكان لها دالالت متنوعة على ّ
الزمن الحاضر الداللة على ّ
ئيسية المشهورة بها ،وهي ّ
صرفية ،وهي داللتها الر ّ
ّ زمنية
ّ
السياق الذي جاءت فيه،
نحوية منسجمة مع ّ
ّ زمنية
أو المستقبل ،وكان لها دالالت ّ
زمنية متنوعة خدمت المعنى الذي أراد شرحه
فدّلت على أزمنة مختلفة وعلى جهات ّ
ابن ِجّني ،ومن األمثلة عليها ،قول ابن ِجّني " :أال ت ارهم يعّلون المصدر إلعالل فعله،
لصحته" ( ،)3ففي المثال السابق فعالن مضارعان جاءا في صيغة (يفعل)
ّ صححونه
وي ّ
الداللة
ستمر ،وهذه ّ
الزمن الحاضر الم ّ
زمنية على ّ
وهي صيغة تحمل في معناها دالل ًة ّ
السياق أكسبه داللة نحوية
ألن وقوع هذين الفعلين في هذا ّ
صرفية فقطّ ،
ّ هي داللة
الداللة على الماضي ،والذي يحمل جهة االستمرار في الماضي ،وهو ما
أخرى ،وهي ّ
ستمر في الماضي ،والقرينة أطلق عليه الم ْح َدثون ،الماضي الم ّ
ستمر ،أو الحاضر الم ّ َ
التي أفادت هذا المعنى هي (أال تراهم) التي يخاطب من خاللها ابن ِجّني القارئ –
الخصائص:ابنجنّي.242/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.168/2،
-3المصدرالسابق.113/1،
145
أما المقصود بضمير الغائب (هم) فهو
مستقبلياًّ -
ّ أكان هذا القارئ حاض اًر أم
اء َ سو ٌ
ِ
كمثل مرة، اإلشارة إلى العرب األوائل الذين استشهد بأقوالهم واستخداماتهم في ِ
غير ّ
قولهَّ " :
فكأن العرب ّإنما تحّلي ألفاظها وتدبجها وتَشيها ،وتزخرفها ،عناي ًة بالمعاني"...ط
مسوغ،
قابل ّ
كثير فاش ،والقياس له ٌ
،وقوله في موضع آخر " :هذا في كالم العرب ٌ
()1
ِ
خالل هذين المثالين داللة الضمير (هم) على فمن ذلك قولهم ،)2(" ...ويتضح من
ويصححونه) اللذين يحتويان
ّ العرب واستشهاده بأقوالهم ،وبالعودة إلى الفعلين (يعّلون،
على ضميرين عائدين إلى الغائب نفسه المشار إليه بالضمير (هم) في قوله( :أال
منية للفعلين ماضية حكماً.
الز ّ
الداللة ّ
فإن ّ
يدل على العرب ،وبالتالي ّ تراهم) والذي ُّ
(ليت)
ركبهما جميعاً ،فيسلب بذلك َ أن بعضهم ي َّ
جاء في قوله " :أال ترى َّ ومثلها ما َ
وبعضهم يلغي (ما) عنها ،في ِق ُّر عملها عليها ،)3(" ...فقد ورد في هذا القول
ْ عملها،
الزمن الحاضر في صيغها المفردة ،بينما تدل على ّ خمس صيغ مضارعة (يفعل) ُّ
السياقية
الزمن الماضي ،وذلك بسبب القرينة ّالسياق الذي جاءت فيه داّل ًة على ّ
جعلها ّ
في قوله( :بعضهم) التي تشير إلى العرب واستخدامهم السابق ،وكذلك قوله (أال ترى)
يتحدث عنه ابن ِجّني ،ولذلكتدل على معرفة سابقة وعهد بالموضوع الذي ّ والتي ُّ
الزمن الماضي.
الداللة على ّ
الصيغ الفعلية المضارعة إلى ّ
تحولت داللة ّ
ّ
الزمن الماضي أو الحاضر في الماضي، تدل صيغة(يفعل) على ّ أن ُّومنها أيضاً َّ
ِ
اللغة المعنوية التي يحملها ،كما في قول ابن ِجّني" :وأهل الداللة
ّ السياق و ّ
بفضل ّ
ِ يحسون لما نحن فيه من
حديثه فرعاً وال أصالً". يسمعون هذا فيرونه ساذجاً غفالً ،وال ّ
السياقتدل على زمن واحد هو الحاضر ،ولكن ّالسابق ثالثة أفعال كّلها ُّ
،ففي القول ّ
()4
الخصائص:ابنجنّي.220/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.341/1،
-3المصدرالسّابق.167/1،
-4المصدرالسابق.123/2،
146
مختلفين ،وذلك بفعل المعنى
َ ويمكن أن يستخدم فعلين مضارعين و ُّ
يدالن على زمنين َ َ
السياق العام ،ونرى ذلك واضحاً في قوله " :ولست أقول كما يقول الكوفيون، "...
()1
و ّ
فالفعالن (أقول ،ويقول) هما فعالن مضارعان وينتميان إلى جذر لغوي واحد ،ومع
َ
يدل الفعل (أقول)
كل منهما مختلف عن اآلخر؛ إ ْذ ُّ
يعبر عنه ٌّ
الزمن الذي ّ ذلك َّ
فإن ّ
يدل الفعل ( يقول) في قوله:
المنفي بـ (ليس) على نفي القول عنه في وقته الحاضر ،و ُّ
األول حاضر والثاني ماض،إن ّ الزمن الحاضر في الماضي ،أي ّ (كما يقول) على ّ
تحد َث الكوفيون)؛
والمعنى فيهما هو( :وال أقول وال أقصد بقولي ذلك ،كما سبق أن ّ
أي ّإنه يقارَن بين ما يقوله في وقته ،وما قاله الكوفيون سابقاً.
ومن تصريفات صيغة (يفعل) التي استخدمها ابن ِجّني في نصوصه ،صيغة ّ
(يتفعل)
أن يكون هذا االستمرار
أي زمن؛ إ ْذ يمكن ْ
للداللة على العادة والتّكرار أو االستمرار في ّ
اللفظية التي
ّ المعنوية أو
ّ السياقية
في الماضي أو الحاضر أو المستقبل بحسب القرينة ّ
يتسمح الناس
موضع ٌّ بالداللة على زمن أو جهة دو َن أخرى ،ومثالها قوله " :هذا
تحكم ّ
الزمن المطَلق ،وذلك لعدم
(يتسمح) على التكرار والعادة في ّ
ّ يدل الفعل
فيه ،)2( "...ف ُّ
تحدده في زمن دو َن آخر ،فكان التكرار أو االستمرار في هذه
أن ّوجود قرينة يمكن ْ
عاماً مطَلقاًَ ،يصلح للماضي والحاضر والمستقبل.
الصيغة ّ
ّ
منية:
الز ّ
فعل) مع القرائن ّ
(ي ُ• اقتران صيغة َ
منية ،شأنها في ذلك شأن صيغة
الز ّ
السياقية ّ
تقبل صيغة (يفعل) الكثير من القرائن ّ
زمنية كثيرة ،تضاف إلى
(فعل) ،وتسهم هذه القرائن في إكساب صيغة (يفعل) دالالت ّ
َ
زمنية أشرنا
جهات ّ لتتخصص في
َ منين الحاضر والمستقبل،
الز ّ
الرئيسة على ّ
داللتها ّ
وغيرها[ ]...إضاف ًة إليها في الفصول السابقة (كالبعد ،و ِ
القرب ،والتّجدد ،واالستمرار،
السياق
ذلك بسحب ّ وكل
الزمن الماضي بواسطة هذه القرائنّ ، إمكانية تعبيرها عن ّ
ّ إلى
الصيغة نذكر( :السين،
السياقية التي تقبلها هذه ّ
الصيغة ،ومن القرائن ّ
الذي ترد فيه هذه ّ
الشرط،
إن وأخواتها ،كان وأخواتها ،كاد وأخواتها ،أدوات ّ
وسوف ،ما ،ال ،لم ،قد ،الالمّ ،
...إلخ) ،وقد استخدم ابن ِجّني هذه األدوات والقرائن مع صيغة (يفعل) في غير
الخصائص:ابنجنّي.130/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.5/3،
147
موضع من كتابه الخصائص ،منها قوله" :فقد ترى إلى توافي هذه األشياء ،على
انتشارها ،وتباين َش َعاعها ،)1( "...ويفيد اقتران حرف التقليل قد مع صيغة المضارع(
الزمن المستقبل القريب ،وهذا المستقبل
منية للفعل إلى ّ
الز ّ
الداللة ّ
يفعل) إلى تخصيص ّ
سميت (قد) معهو مستقبل ش ّكي؛ أي ّإنه يمكن أن يحدث ويمكن أال يحدث ،ولذلك ّ
صيغة(يفعل) حرفاً للتقليل (تقليل احتمالية حدوث الفعل) ،وقد وردت صيغة (قد ترى)
في القول السابق البن ِجّني داّل ًة على هذا المعنى؛ فقد تحدث – على سبيل الجواز-
طب أو القارئ لتوافي هذه األشياء؛ بمعنى يمكن لك أن ترى
عن احتمالية رؤية المخا َ
نظرت إلى كذا وكذا. َ إذا
التوّقع ،وهذا ما ُّ
تدل على التّ َحقق ال على ّ أن صيغة (قد يفعل) ُّ النحويين ّ واعتقد بعض ّ
َال ِإ َّن ََِّّللِ َما ِفي
وجل﴿ :أ َٓعز ّ
ِ
بالنص القرآني في قوله ّ ّ السيوطي ( ،)2حين استشهد قاله ّ
ض َقد َيعَلم َمآ أَنتم َعَلي ِه َوَيوَم ير َجعو َن ِإَلي ِه َفيَنِّبئهم ِب َما َع ِملوْا َوٱ ََّّلل ِبك ِّللسمو ِت وٱألَر ِۖ ِ
ٱ َّ َ َ َ
ۢ
يوطي في هذا القول داللة على التّحّقق إيماناً الس أىر فقد ، ) علِيم﴾( النور ﴿﴾64 َشيء َ
ّ ّ
إمكانية التّقليل من حدوثه. ّ للشك فيّ بتحّقق علم هللا والذي ال مجال
للزمن وجهته ،كما في
وقد تجتمع قرينتان مع صيغة (يفعل) ،لتساعد في تحديد دقيق ّ
هم سيستكثرون فيما بعد منها " ( ،)3فنالحظ أن الفعل ِ
بأن ْ
قول أبي الفتح " :علماً ّ
المضارع (يستكثرون) تعّلق زمنه بقرينتين األولى هي حرف التسويف واالستقبال
الزمني مانية (فيما بعد) ،وكان للقرينتين األثر
الز ّالظرفية ّ (السين) ،والثانية هي القرينة
ّ ّ ّ
نفسه على صيغة (يفعل) ،وهذا األثر هو داللة الفعل (يستكثرون) على ّ
الزمن
منية للفعل فتختلف بين هاتين القرينتين ،إ ْذ تشير (السين) في
الز ّ
المستقبل ،أما الجهة ّ
الظرفية
ّ اقترانها مع المضارع إلى المستقبل القريب من الحاضر ،فيما تنقلنا داللة القرينة
(فيما بعد) إلى مستقبل بعيد غير محدد ،فالسؤال هنا :أي القرينتين عملت في الفعل
الظرفية التي
ّ لشدة اقترانها بالفعل واتصالها به؟ أم هي القرينة
المضارع؟ أهي السين ّ
أن تحتوي الحدث الذي ُّ
يدل عليه الفعل؟ من شأنها ْ
الخصائص:ابنجنّي .123/1،
ِ -1
هـ)،تح.د.عبدالعالسالممكرم،دارالبحوثالعلمية،
ّ - 2همعالهوامعفيشرحالجوامع:لإلمامجاللالدينالسّيوطي(ت 911
الكويت1979،م.379/4،
الخصائص:ابنجنّي.33/2،
ِ -3
148
المعنوية لهذه
ّ الداللة
النظر في ّ
معن ّ
أن ن َولإلجابة على هذه األسئلة ،ال َّبد لنا من ْ
مقصده منها ونسقطه على االستخدام التّوظيفي
َ لنكشف
َ الجملة التي ساقها ابن ِجّني،
للزمن ،ففي قوله( :علماً َّ
بأنهم) التي سبقت قوله (سيستكثرون) ،والتي يقصد بها (مع ّ
العلم ّأنهم سيستكثرون)؛ أي ّإنه متأكد من حدوث الفعل في وقت ما ،ولذلك استخدم
حتمية حدوث الفعل ،واعتبار هذا ّ تدل على
بأن ،والتي ُّ
هذه الجملة الخبرّية المؤّكدة ّ
أما المعنى الكامل الذي قصده الحدوث من المسّلمات وهذا ما ّأداه المصدر (علماً)ّ ،
ابن ِجّني –وهللا أعلم -من هذه الجملة فهو اآلتي ( :مع العلم ّأنهم سيفعلون كذا الحقاً
اح لهم ذلك) ،إذاً فقد عملت القرينتان معاً ،فأشارت (السين) إلى قرب
أن يتَ َ
بمجرد ْ
ّ
الزمن الالحق الذي أفادته القرينة
حدوث الفعل ،ولكن ليس قربه من الحاضر ،بل من ّ
الظرفية (فيما بعد).
ّ
ونرى اقتران صيغة (يفعل) مع قرينتين أيضاً ،في قول ابن ِجّني في موضع آخر" :
جاء الفعل المضارع
بالضم ، "...فقد َ
()1
ّ قيلَ ( :ف َع َل) مما فاؤه واو ال يأتي مضارعه أبداً
الزمن الحاضر
النافية) ،وهي القرينة األولى التي نفت الحدث في ّ (يأتي) مقترناً بـ (ال ّ
الزماني (أبداً) الذي أكسب الفعل أو الحدث أما القرينة األخرى فهي الظرف
والمستقبلّ ،
ّ ّ
رت في صيغة (يفعل) فيالزمن المطَلق ،إذاً فقد أثّ ْ
دل عليه الفعل داللة على ّ الذي ّ
ظرفية ،وكان التأثر الذي حكم على صيغةّ لفظية والثانية
هذا المثال قرينتان األولى ّ
الظرف يحتوي الفعل والحدث
َ ألن
رفية على اإلطالق ،وذلك ّ
ظ ّ الفعل هو داللة القرينة ال ّ
ليصبح قالباً له ،ويصبح المعنى في هذه الجملة هو( :لن يأتي مطَلقاً).
َ
السين مع صيغة (يفعل) على المستقبل القريب ،فنجده في قول ابن ِجّني" : أما داللة ّ
ّ
السين مع الفعل المضارع (ترى) لقب مستحسن ، ".فقد اقترنت ّ
()2
وستراه فتعلم ّأنه ٌ
الزمن المستقبل القريب (زمناً ومعنى) من لحظة التّكلم ،إذا كان لتجعله داالًّ على ّ
ً
طب هو ِ
القارئ أو طب شخصاً حاض اًر سامعاً ،ومن لحظة القراءة إذا كان المخا َ المخا َ
المتلّقي لما يكتبه ابن ِجّني ،وفي الحالتّين يكون مستقبالً قريباً من الحاضر بالنسبة
تدل على
إلى المتلّقي ،ث َّم يعطف عليه فعالً آخر باستخدام حرف العطف (الفاء) التي ُّ
الخصائص:ابنجنّي.226/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.133/2،
149
منية ،ولذلك كان الفعل (فتعلم) مستقبالً قريباً أيضاً،الز ّ
الترتيب والمباشرة والمعاقبة ّ
األول؛ أي ترى وتعلم مباشرةً. َّ
ولكن ترتيبه يأتي بعد الفعل ّ
ستقبل ،بقرينتين أيضاً ،كما في قول ابن
الزمن الم َ
تدل صيغة المضارع على ّ
أن ُّ
ويمكن ْ
ألنه (مجزوم جواب األمر)؛ كقولك: أن يكو َن معطوفاً على موض ِع ّ
لعل؛ ّ ِجّني" :ويمكن ْ
ِ ِ
ضيعك حّق َك وأعط َك ألفاً؛ أي زْرني أعرف حّق َك وأعط َك ألفاً" ،فنرى ّ
أن زْرني فلن أ
()1
َ
الزمن المستقبل ،بفعل قرينتين األولى هي الحرفيدل على ّ ضيعك) ُّ
َ الفعل المضارع (أ
الناصب (لن) التي تجعل المضارع بعدها داالً على المستقبل ،والثانية هي وقوع
المضارع جواباً للطلب ،والطلب هو طلب تحقق األمر في المستقبل ،والمعنى في هذه
مني معرف ٌة لحّق َك ،وهو المعنى ذاته الذي شرحه ابن
منك زيارةٌ َفَيك ْن ّ ِ
الجملة :لَيك ْن َ
ِجّني.
ومن األمثلة على استخدام صيغة (يفعل) مقترن ًة مع غيرها من القرائن التي ذكرناها،
قول ابن ِجّني " :وال تكاد تجد شيئاً من تصحيح نحو مثل هذا في الياء ،)2("...فقد
ضارعة على الفعل المضارع (تجد) ،ل ُّ
تدال معاً دخل فعل المقاربة (تكاد) بصيغته الم ِ
تجد شيئاً[،]...
في تركيب واحد على المستقبل القريب من التّحّقق ،بمعنى ال توشك أن َ
متحدثاً عن أحد جهات الماضي،ّ الجبار توامة أيضاً ،بقوله
وهذا يشبه ما أ ّكده عبد ّ
(كاد يفعل) ومثيالتها ،ومعناه المقاربة فيما
َ وهو الماضي المقاربي " :وصيغته
مضى.)3( "...
الداللة
الصيغة في موضع آخر من كتاب الخصائص ،وتحمل ذات ّ وقد وردت هذه ّ
فكيف به وهو يكاد يساوق االشتقاق األصغر ،)4( "...إذ ُّ
تدل َ منية ،ومنها قوله" :
الز ّ
ّ
ّ الصيغة المرّكبة (يكاد يساوق) على ّ
الزمن المستقبل المقاربي. هذه ّ
ومنها أيضاً أن تكون هذه ّ
الصيغة داّلة على زمنها األصلي (الحاضر أو المستقبل)
الخصائص:ابنجنّي.341/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.123/1،
-3زمنالفعلفيالعربيّة:عبدالجبّارتوامة،ص.90
الخصائص:ابنجنّي.139/2،
ِ -4
150
سياقية،
ّ منفياً بـ (لست) باعتبارها قرين ًة
جاء ّ ( ،)1فنرى َّ
أن الفعل المضارع (أدفع) َ
تدل على الماضي ،ومع ذلك َّ
فإن الفعل (أدفع) لم يتأثر بهذه القرينة، واألصل أن(ليس) ُّ
الزمن الحاضر
السياق عليه ،والذي أبقاه داالًّ –في هذا المثال -على ّ
وذلك بسبب تأثير ّ
التلّفظ اآلني.
فقط وهو زمن ّ
زمنياً
الصيغ ،إ ْذ يصبح الفعل تابعاً ّ
اضح ّبين ،ومع كل ّالظرفية فهو و ٌ
ّ أما أثر القرائن
ّ
ونلمح ذلك الظرف هو من يحتوي الحدثَ ، َ أن نقول َّ
أن ظرف ،أو يمكن ْ لزمن هذا ال ّ
أن حرك َة الحرف تحدث قبله، قوم إلى َّ ِ ِ ِ
ذهب ٌ جلياً في قول ابن جّني" :وألجله وبسببه ما َّ
وآخرون إلى ّأنها تحدث بعده ،وآخرون إلى ّأنها تَحدث معه ،)2( ".فالفعل أو الحدث
كل موضع منها كان ِ
في هذا القول هو (تَحدث) الذي ورد في ثالثة مواضع ،وفي ّ
تمّيز
منية التي َي َ
الز ّ
السمات ّ
(زمنياً) للظرف الذي احتواه ،مع المحافظة على بعض ّ ّ تابعاً
دل الفعل األول (تحدث قبله) على الحاضر بها المضارع ومنها االستمرار؛ إ ْذ ّ
الزمن الذي أضافته القرينة) ،وفي الفعل الثاني
مستمر(وهي الجهة) في الماضي (وهو ّ
ّ ال
المستمر في المستقبل ،والفعل األخير (تحدث معه)
ّ دل على الحاضر
(تحدث بعده) ّ
المستمر ،والمترافق في الحدوث مع حدث آخر في جميع
ّ الزمن الحاضر
دّلنا على ّ
األمثلة ،وهذا الحدث هو (حركة الحرف) الذي أشار إليه الضمير المتصل مع القرائن
الظرفية في قوله (قبله ،بعده ،معه).
ّ
سياقية ،واألخرى تدل صيغة (يفعل) على الزمن الماضي بو ِ
اسطة قرينتين إحداهما وقد ُّ
ّ ّ
ذاك ،)3("...فالقرينة األولى التي ظرفية ،كما نرى في قول ابن ِجّني " :فَل ْم َي ْ
حضر إ ْذ َ ّ
جعلت داللة صيغة (يفعل) ماضية هي الحرف الجازم (لم) الذي يقلب زمن الفعل
بعده من المستقبل إلى الماضي ،والقرينة األخرى التي أكسبت صيغة يفعل داللة ّ
زمنية
منية الماضية
الز ّ
حدد الجهة ّ
ماضية هي القرينة الظرفية (إ ْذ ذاك) بمعنى (حينها) والتي ت ّ
الزمن الماضي نفسه ،وربما كان هذا االستخدام
في وقت محدد أكثر من إشارتها إلى ّ
توكيدية على الحدث الذي يقصده ابن
ّ الزمن الماضي لغاية
الثنائي للقرائن للتّعبير عن ّ
ّ
الصيغة ،باإلضافة إلى االشتراك في دقة تحديد الزمن . ِ
جّني من استخدامه لهذه ّ
الخصائص:ابنجنّي.84/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.110/2،
-3المصدرالسابق.277/1،
151
الزمن عند اقترانها مع
الدكتور سمير استيتية على أثر األفعال الناقصة على ّكما يؤّكد ّ
صيغة (يفعل) وما توّلده من أزمنة وجهات ومعان مختلفة ،كقولنا مثال :كان أبي يقول
لنا ذلك ،فقد أفاد اقتران الفعل المضارع مع كان داللة التّكرار ،وأ َّن تكرار حدوثَه َ
كان
ولكن هذا التكرار ليس في زمن الفعل المضارع (الحال أو المستقبل)،ملحوظاًّ ، "...
()1
و َّإنما في ّ
الزمن الماضي الذي نقلته إليه القرينة (كان) وأكسبته استم ار اًر وتك ار اًر في ذاك
الزمن.
ّ
افعل:
-3داللة صيغة ْ
وغلب استخدامه الصيغ، ِ
َ مرات قليلة مقارن ًة مع غيرها من ّ
الصيغة ّ
استخدم ابن جّني هذه ّ
لها على تلك العبارات التي افتتح بها أبواب كتابه ،أو عندما يشرع في شرح فقرة جديدة
الصيغ
تكررت أكثر من غيرها وبصورة ملحوظة ،ومن هذه ّ في فصل عن طريق صيغ ّ
ظ كذا[ ،]...كما نرى في قوله" : أن كذا[ ،]...أو انظر إلى كذا ،أو ِ
الح ْ مثالً :اعَل ْم َّ
ْ
الصيغة ،فأرى
منية لهذه ّ
الز ّ
الداللة ّ
أما ّرد في االستعمالّ ، "...
()2
طَالشيء إذا ا ّ
َ اعلم َّ
أن و ْ
إما الحاضر ،و إ ّما المستقبل ،وذلك بحسب القرائنّأنها ال تخرج عن زمنين اثنينّ ،
الزمن المستقبل ،ال بل
السابق على ّ السياقية المرافقة لها ،فقد دّلت في المثال ّ
اللفظية و ّ
ّ
رطية (إذا)
الش ّ
الظرفية ّ
ّ أن نقول على المستقبل المطَلق ،وذلك بسبب القرينة نستطيع ْ
الزمن المستقبل ،ليصبح معنى صيغة (افعل) في المثال هو :ليكن تدل على ّ التي ُّ
فصحيح َّ
أن الفعل ٌ لتعلم أن الشيء[،]...
ْ رد[ ،]...أو
طَالشيء إذا ا ّ
َ علم َّ
أن عندك ٌ
دال على الزمن الحاضر وذلك صحيح إذا نظرنا إليه بصور ِ
ته ظ ُّن به ّأنه ٌّ
(اعلم) قد ي َ
ٌ ّ ْ
الزمن،
ولكن المعنى هو الذي يش ّكل فيصالً في تحديد ّالسياقّ ، جردة من ّ المفردة الم ّ
اآلن وبصورة خاصة فقط ،بل يعلم َ ِ
طب أو القارئ ،أن َ فابن ِجّني ال يطلب من المخا َ
رد هذا الشيء في االستعمال.
طَيعلم في أي وقت من المستقبل ،كّلما ا ّ
أن َ
-1ينظر:اللّسانيّات:سميرإستيتية،ص.150-149
الخصائص:ابنجنّي.99/1،
ِ -2
152
اإلنشائية:
ّ -4داللة استخدام األساليب
• داللة أسلوبي األمر والنهي:
الخطابية والتفاعلية مع المتلّقي
ّ تتميز الجمل اإلنشائية عن الجمل الخبرية بقدرتها
ّ
الصيغ اإلنشائية صيغةوداللية ،ومن أقوى ّ
ّ إيحائية
ّ لتشحن الموقف الكالمي بشحنات
ّ
(افعل) فقط ،بل يمكن أنْ األمر والتي ال يقتصر التّعبير عنها بفعل األمر وصيغة
تعبر عنها بواسطة صيغة المضارع المسبوقة بالم األمر ،أو اسم فعل األمر ،أو ّ
طلبياً،
النهي ب ـ (ال الناهية الجازمة) لكونه أسلوباً ّ
النائب عن األمر ،وكذلك ّ
المصدر ّ
الداللة
الصيغ كّلها في كتابه الخصائص ،وسنقف على ّ ِ
وقد استخدم ابن جّني هذه ّ
اعدي
السياق القو ّ
وكيفية توظيفها لخدمة ّّ الصيغ
األسلوبية الستخدام هذه ّ
ّ منية و
الز ّ
ّ
والمعنى العام.
ومنها ما نجده في أقوالِ ِه في نهاية بعض الفقرات أو األبواب مخاطباً المتلّقي بصيغة
األمرِ ِ ،
منية
الز ّ فتأم ْل وِق ْسّ ، ".
فالداللة ّ كمثل قولِه " :والباب و ٌ
احد ،والمسائل كثيرةٌّ ،
()1
الد ِ
ارسين لصيغتي األمر اإلنشائيتَين في هذا المثال هي المستقبل القريب ،ويراه بعض َّ
ِ
منية هي المستقبل المطَلق ،وذلك لعدم وجود
الز ّ حاض اًر بسبب قربِه ،أرى ّ
أن داللتَه ّ
تأمل ذلك اآلن وِق ْس ذلك غداً ،ولذلك ّ
فإن يقلْ : ستقبل ،فلم ْ
تحدد جهة الم َ ظرفية ّ
ّ قرينة
الداللة
أن ّالمستقبلية ،كما ّ
ّ داللته على المستقبل المطَلق تكون أكثر شموالً لجهات ّ
الزمن
تحدث فيه ابن ِجّني ،ونستطيع للسياق الذي ّ الصيغتَين جاءت مناسب ًة ّ المعنوية لهاتين ّ
ّ
الصيغتين من خالل هذا المعنى ،وهذا المعنى هو: زمني لهاتين ّ استخالص ترتيب
َ
ّ
زمنياً ،دون (تأمل هذه المسائل الكثيرةِ َّ ،
ثم ق ْس عليها غيرها) فالقياس يأتي بعد التأمل ّ ّْ
الصيغتين غير ما ذكرناه فيهما.زمنية أخرى لهاتين ّأي جهة ّ يهتم بإبر ِاز ّ
أن ّ ْ
بك طلب (األمر والنهي) معاً ،كما في ِ
مر َقوله " :فإذا َّ ّ ومنها أيضاً استخدام أسلوبي ال ّ ْ
األول
ترسل إليه ، "...فالفعل ّ
()2
نفسك منه ،وال تَ ْس ْ
َ ظ
شيء من هذا عن أصحابنا ،فاحف ْ ٌ
دل هذان
ظ) هو فعل أمر ،والثاني مضارع مجزوم بـ(ال) وهو أسلوب النهي ،وقد ّ
(احف ْ
وذلك لما ينطوي على األسلوب اإلنشائي الطلبي من
َ الزمن المستقبل،
الفعالن على ّ
الخصائص:ابنجنّي.174/1،
ِ -1
-2المصدرالسابق.283/1،
153
طلب ال يكون إال في المستقبل ،يضاف إلى ذلك ،وقوع الفعل
أمر بتحقيق الحدث ،وال ّ
زمنية
(احفظ) جواباً للشرط ،باألداة (إذا) والتي يحمل فعالها (الفعل والجواب) دالل ًة ّ
جاء معطوفاً على الفعل
تسترسل) َ
ْ مستقبلّية ،وكذلك فالفعل المضارع المجزوم (ال
نفسه.
الزمن َ
(احفظ) ويحمل ّ
• داللة أسلوب االستفهام:
غير موضع من كتابه، استخدم ابن ِجّني األساليب اإلنشائية االستفهامية في حديثه في ِ
حركها في المتلّقي (المستَ ِم ْع،
أن ي ّ
هنية التي يريد ْ
التفاعلية ال ّذ ّ
ّ وربما كان ذلك كنوع من
نصه أو حديثه باإلجابة على األسئلة التي القارئ) عن طريق حثّه على التفاعل مع ّ أو ِ
ليقدم فكرةً ما ،وهذا ما نلمحه في قوله " :ومع
ليوضح أو ليشرح أو ّ يطرحها ابن ِجّني ّ
تقول أن
تتوقف عن ْ نت َّ ظرف؛ هل ك َ سم ْع َي ْ هذا َّأن َك لو
َ ف ،ولم تَ َ ظر َ
سمعت َ
َ
أن تقول ِ ِ ()1 يظرف[]...وكذلك لو س َ ِ
ترع أو تَرتَدع ْ أكن َت
مضارَعه؛ ْتسم ْع َ
ولم َمعت َسل َمْ ، َ َ
استفهاميتَين إحداهما بـ(هل) واألخرى
ّ استخدم في هذا المثال جملتين
َ َيسَلم ،)2( "...فقد
بـ(الهمزة) والجملتان وقعتَا جواباً للشرط غير الجازم بـ(لو) ،وإذا توّقفنا عند أسلوبي
منية ،إ ْذ يبدأان االستفهام ،نرى َّأنهما َّ
الز ّ
الداللة ّ
يتألفان من صيغ مرّكبة ومتشابهة في ّ
ترع) وهما كنت ِ
(كنت تتوقفَ ، َ بعد أداة االستفهام بالفعل الناقص مع الفعل المضارع
المؤول من أن والفعل المستمر ،وجاء بعدهما المصدر الزمن الماضي تدالن على ُّّ
ّ ّ
يدل على المستقبل في الماضي ،إذاً (أن تقول) في الجملتين ،والذي ُّالمضارع بقوله ْ
فالجملتان االستفهاميَّتَان واقعتان في الماضي في جهتَين مختلفتَين هما( :الماضي
ومعنوي)
ّ حوي،
(ن ّلسبَبين َ
المستمر ،والمستقبل في الماضي) وكان وقوعهما في الماضي َ
ّ
النحوي الذي اقتضى داللتهما على الماضي هو وقوعهما جواباً للشرط بـ(لو)
فالسبب ّ
استخدم زمناً
َ المعنويّ ،
فألنه لو ّ أما السبب
التي يأتي الفعل والجواب معها ماضيينّ ،
غير الماضي في االستفهام أو السؤال (كالمستقبل مثالً) وقال :هل ستتوّقف عن قول
أسترع أو ترتدع عن كذا وكذا ،لتوّقف المستمع أو القارِئ ليف ّك َر بما سيكون،
كذا ،أو ِ
بتغير األحوال عن قول كذا وكذا لجهله بما سيحدث وعدم ثقته من
الشك ّ
ّ وسينتابه
ع:أيتكف.
ّ -1ت َِر
الخصائص:ابنجنّي.369/1،
ِ -2
154
ولكن استخدام ابن
مبني على المستقبل المجهولّ ،ّ صحة ما يفترضه ابن ِجّني؛ ّ
ألنه ّ
الدالة على الماضي ،والتي
االستفهامية ّ
ّ اإلنشائية
ّ ِجّني ألداة ّ
الشرط لو وجوابها الجملة
حقيقية خاضها المتلّقي سابقاً ،ويعرف الجواب
ّ تضع ِ
القارئ أو المستمع ،أمام تجربة
استفهامية
ّ قلت كذا) جمل ٌة
كنت َ
أكد من جوابه ،فقوله( :لو سمعت كذا هل َ عليها ومت ٌ
مضم ٌن فيها ،وال يتطّلب من المتلّقي جواباً ،و إنما يحتاج منه أن يتذ ّكر ّأنه
ّ جوابها
االستفهامية أقوى دالل ًة،
ّ كان استخدام الماضي زمناً للجملة
قال سابقاً كذا وكذا ،ولذلك َ
الزمن المستقبل.
وأكثر إيصاالً للمعنى من ّ
وي
الر ّ ظُّن َك إذا َ
كان َّ االستفهامية قوله" :فما َ
ّ اإلنشائية
ّ ومن استخدام ابن ِجّني للجمل
ظن َك) والثانية
استفهامية (ما ّ
ّ مقيداً[]...؟" ( ،)1فنرى في هذا المثال جملتين األولى
ّ
االستفهامية لرأينا
ّ منية في الجملةالز ّ
الداللة ّ
قيداً) ،ولو نظرنا إلى ّ
شرطية (إذا كان م ّ
ّ
كأن نقول :ماالزمنْ ، لكل زمان؛ أي ّإنها تحمل دالل ًة مطَلق َة ّ
ّأنها يمكن أن تصلح ّ
حدث هذا؟ إن ظُّن َك بهذا العمل؟ (حاضرة) ،وما ُّ ِ ظُّن َك
َ ظن َك ْ بفعله؟ (ماضية) ،وما َ َ
(مستقبلية) ،بمعنى أن داللتها الزمنية مرتبطة بالسياق وقر ِ
ائنه المرافقة له ،وهنا في هذا ّ ّ ّ ّ ّ
رطية وأداتها (إذا) ،والتي عادةً ما قدمه ابن ِجّني ،جاءت مع الجملة ّ
الش ّ المثال الذي ّ
إن الجملةصح القولَّ :
بالزمن المستقبل ،كما في هذا المثال ،ولذلك ّ ترتبط جملتها ّ
ِ
مستقبلية ل َما كان من ارتباطها المعنوي و ّ
السياقي ّ ظن َك) تحمل داللة
االستفهامية (ما ّ
ّ
مقيداً).
الشرط (إذا كان ّ
بجملة ّ
الشرط:
-5أثر أدوات ّ
أن األصل في الشرط أن يكو َن داالًّ على المستقبل ،و
أشرنا في الفصل السابق إلى َّ
ضرب من التّوسع ،فالمضارع هو األصل والماضي هو ٌ إن داللته على الماضي هي
ط والجواب إذا كانا
الشر َ
أنّ " :الفرع في أسلوب الشرط ،وهذا ما أ ّكده الم ّبرد الذي يرى ّ
مضارعين وافقا األصل؛ أل َّن المراد منهما االستقبال ،وداللة المضارع عليه موافق ٌة
أصل لما خالفه ،وإذا
ٌ افق الوضع
للوضع ،وداللة الماضي عليه مخالفة للوضع ،وما و َ
ألن المخالف
كانا ماضيين خالفا األصل[ ،]...وتقديم الموافق أولى من تقديم المخالف؛ ّ
الخصائص:ابنجنّي.261/2،
ِ -1
155
عما
الشرط غير مصروف ّ ليس نائباً؛ و َّ
ألن المضارع بعد أداة ّ نائب عن غيره ،والموافق َ
ٌ
ضع له ،إذ هو وِ
عما و َ
مصروف ّ
ٌ ض َع له ،إذ هو باق على االستقبال ،والماضي بعدها
ماضي اللفظ مستقبل المعنى ،فهو ذو تغير في اللفظ دون المعنى ،على تقدير ِ
كونه َ ّ
()1
يتغير معناه".
فردته األداة ماضي اللفظ ولم ّ في األصل مضارعاًّ ،
ونالحظ أن ابن ِجّني قد استخدم صيغة (فعل) مسبوق ًة بأدوات ّ
الشرط في كثير من
الشرح والتّوضيح والتّفصيل ،أو
الشرط في سياق ّ
المواضع التي تقتضي منه استخدام ّ
الشرط بقابليته الكبيرة لدخول
يتميز أسلوب ّ
ظر ،إ ْذ ّرّبما التّخمين بحدوث شيء منت َ
الشرط والجواب ،مثل( :األفعال الناقصة ،وقد،
فعلي ّ السياقية على
اللفظية و ّ
ّ القرائن
ّ
النواصب ،وغيرها[ ،)]...وقد ّنوع في استخدامه ألدوات السين ،سوف ،والجوازم و ّو ّ
تخلو
ندر أن َالشرط والجواب ،حتى َ الشرط ،كما نوع في استخدام القرائن قبل فعلي ّ ّ
الزمني شرطية من هذه القرائن ،مما جعل نصوصه منطوي ًة على كثير من الغنى جمل ٌة
ّ ّ ّ
الشرط على الجمل التي يدخل عليها ،وسنأتي على ذكر أكثر الذي يضفيه أسلوب ّ
للصيغة
زمنية ّ
هذه األدوات استخداماً في كتابه الخصائص بما حّققته من إضافة ّ
المفردة.
الشرط (لو):
أ -أثر أداة ّ
اء أكان ماالزمن الماضي فعالً وجواباً ،سو ٌ
يأتي بعد هذه األداة ّ عند ابن ِجني أن
درَج َ
ّ ْ َ
بالغية بقصد
ّ مرد ذلك لغاية
الزمن فعالً ماضياً أم مضارعاً ،ورّبما كان ّ
عبر عن هذا ّي ّ
الداللة على تثبيت الحكم أو إشارةً منه إلى تحّققه ،ونستشهد على ذلك بقوله " :أال ترى
ّ
لقلت :هذا قول البصريين" ( ،)2فجملة
سألت رجالً عن عّلة رفع زيدَ ]...[ ، َ ّأن َك لو
الزمن الماضي لفظاً ومعنى،
الشرط (سألت) على ّ دل فيها فعل ّ
الشرط (لو سأْل َت لقْل َت) ّ
ّ
ً
أن ما يمكن مالحظته من خالل الزمن الماضي ،إال َّ
وكذلك الجواب (لقلت) دال على ّ
محددة في
ّ الزمن الماضي غيرأن جه َة ّ
رطيةّ ،
الش ّ
السياق الذي وردت فيه هذه الجملة ّ ّ
زمنية في الماضي؛ إذ يكون
لكل جهة ّ
منية ،بل ّإنها أقرب إلى اإلطالق فتصلح ّ
نقطة ز ّ
أي وقت مضى من اآلن عن عّلة رفع زيد ،لكان
سألت في ّ
َ المعنى على ذلكّ :أنك لو
ّ
من:هانيالبطاط،ص.191 ّ
مقولةالز -1
الخصائص:ابنجنّي.18/1،
ِ -2
156
الشرط والجواب طبعاً _منية لفعلي ّ
الز ّ
الرتبة ّ
الجواب كذا وكذا _ مع الحفاظ على ّ
الزمن المطَلق هو ماض مطَلق ،هو القرينةأن هذا ّ
السابق على ّ
والذي دّلنا في القول ّ
منية ساعدتالز ّ دال على الحاضر ،إال َّ
أن داللتها ّ السياقية (أال ترى) فهي فعل مضارع ّ
ّ
الشرط إلى ماض مطَلق ،فقوله (أال ترى) فيه
الزمن المطَلق في جملة ّ
على تحويل ّ
حقيقية
ّ أن الرؤية قد حدثت فيما سبق في ذهن المتلقي ،وهو على معرفة
دليل على ّ
سألت[ ]...لقلت ،هي
َ بما حدث وثبتت عنده النتيجة ،ولذلك فالقول :أال ترى ّأنك لو
قلبية وليست بصرية وبالتالي فهي حاضر
معرفية ّ
ّ الرؤية هي رؤية ماض مطَلقَّ ،
ألن ّ
ألنه ال
تدل على مستقبل مطَلقّ ،
الشرطية بعدها ال يمكن أن ُّ
في زمن التلّفظ ،والجملة ّ
مرات كثيرة في نصوص الصيغة ّ
وردت هذه ّ
علم للمتلقي بشيء لم يعهده مسبقاً ،وقد َ
ابن ِجّني.
نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر ،قوله " :أال ترى ّأنهم لو استعملوا َ
لج َع مكان
مقامه ، "...وقوله في موضع آخر " :أال ترى ّأن َك لو حّق َ
رت تسروالً –وقد لقام َ
َن َج َعَ ،
()1
رت)،
الشرط (استعملوا ،حّق َ
أن أفعال ّ لقلت س َرْيل ،)2( "...فنرى َّ
همزته -تحقير الترخيمَ ،
الزمن الماضي
تدل على ّ
قلت) التي جاءت مع (لو) والقرينة (ترى) ُّ
وأفعال الجواب (قامَ ،
حددة.
المطَلق غير الم ّقيدة بجهة م ّ
زمنية أخرى ،كما في قول
الشرط بعد لو مرّكباً ،فيحمل داللة ّأن يأتي فعل ّومن ذلك ّ
تشتق هذا ،بأن تجمع بين معنى الصوت ،وبين معنى (ع ق ُّ ابن ِجّني" :فلو ذهبت
كونة من
تشتق) م َّ
ُّ (ذهبت
َ الصيغة المرّكبة
ّ َّ
أن ى فنر ،()3
عسَف ْت".
عنك وتَ َّ
ر) َلبع َد َ
السياق على ُّ
جردة من ّ
الصيغتين( فعل ،ويفعل) ،اللتين تدالن في حالتهما المفردة الم ّ ّ
تحدث به ابن ِجّني
السياق الذي ّأن ّ منين الماضي والمضارع على التّرتيب ،غير ّ
الز ّ
ّ
المقيد
ّ يستلزم أن تكون داللة الفعلين المرّكبين معاً هي ّ
الداللة على المستقبل غير
الشرط الذي جاء بصيغة الماضي ،إال َّ
أن داللته زمنية ،وكذلك األمر مع جواب ّ
بجهة ّ
الشرط مستقبل ،وال يمكن للجواب منية ال يمكن أن تكون ماضية؛ وذلك َّ
ألن فعل ّ الز ّ
ّ
السبب،
النتيجة ّ
أن يسبق الفعل زمنياً ،تماماً كما ال يجوز أن يسبق المعلول العّلة ،أو ّ
الخصائص:ابنجنّي.65/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.141/1،
-3المصدرالسابق.66/1،
157
(بع َد) هي المستقبل أيضاً ،ومجيئه بصيغة الماضي كان لضرب ولذلك َّ
فإن داللة الفعل َ
ينزل منزلة الماضي المتحّقق ِ
من التأكيد والتثبيت لحكمه ،إ ْذ أراد ابن جّني للجواب أن َ
ونحوية واضحة.
ّ بالغية،
ّ قوةٌ
رفي هو الماضي ،وفي هذا ّ أن زمنه الص
في المستقبل رغم ّ
ّ ّ
الشرط لو ،قول أبي
الشرط والجواب مضارعين بعد أداة ّ ومن األمثلة على مجيء فعلي ّ
كأنها بمعنى األخرى ْلم َي ْ
جز لك تجذب إحداهما إلى ّأنها ّ
ْ الفتح " :أفال ترى ّأنك لو ْلم
الصيغة
الشرط والجواب مضارعين مجزومين في ّ
(إن) بها" ،فقد جاء بفعَلي ّ
()1
إلحاق ْ
الزمن الماضي.
الشرطية كك ّل فهي ّ
أما داللة الجملة ّ
الزمنّ ،
ماضيين في ّ
مؤول دال على المستقبل ،ويكو َن الشرط الماضي مقترناً بمصدر ّ ومنه أن يأتي فعل ّ
َعل،
شنئي فأ َّ جوابه مضارعاً مجزوماً دالًّ على الماضي ،كقوله " :ومن قال في شنوءة:
ّ
ديْ ،لم َيج ْز
يقول في نحو َج َرادةَ :ج َر ّ
أن َ فإنه ال يقول في نحو جرادة [ ،]...ولو جاز ْ
ّ
الشرط في هذه الجملة ماضياً وع َجامة ، "...فقد جاء فعل ّ ذلك في نحو َح َمامة َ
()2
َ
أن اقترانه مع
زمنياً على المستقبل ،إال ّ
يدل ّيقول) والذي ُّ
(أن َ
المؤول ْ
ّ مقترناً بالمصدر
الزمن الماضي المطَلق ،فإن قال قائلحول داللته إلى ّ
السياقّ ،
الفعل الماضي في هذا ّ
بأنه يحتمل أن يكون ذا داللة مستقبلية على سبيل االحتمال والتَّ ُّ
وقع الذي يوحي به ّ
ّ
السياقية التي سبقت جملة فالرُّد على ذلك يكون بالتّنبيه على القرينة ّ
الفعل (جاز)َّ ،
الشرط ،وهي الفعل الماضي (زمناً وصيغ ًة) في قوله( :ومن قال في شنوءةَّ ،
فإنه ال ّ
فإن جوابالشرط معطوف ًة عليها معنى وزمناً ،وكذلك َّ
يقول[ ،]...والتي جاءت جملة ّ
ً
بالنسبة
ستقبل ّ
أن هذا الماضي م ٌ الشرط جاء مضارعاً مجزوماً داالًّ على الماضي ،غير ًّ
ّ
الدرس الحديث (المستقبل في يسمى في ّالشرط ،وماض حكماً ،أو ما ّ إلى فعل ّ
الماضي).
استفهامية ،لتحمل داللة
ّ إنشائية
ّ ومن الحاالت التي قد تظهر بها (لو) في سياق جملة
ِ
الضيفان الكثيرون! "(،)3 مغايرةً لما هو معتاد ،قول ابن ِجّني " :فما َ
ظُّن َك به لو ّنزَل به
االستفهامية خرجت إلى معنى التّعجب ،وقد دّلت
ّ أن الجملة
والمالحظ من هذه الجملة ّ
الشرطية على هذه الجملة لتكسبها
الزمن الماضي ،ثم دخلت لو ّظنك) على ّصيغة (ما ّ
الخصائص:ابنجنّي.110/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.117/1،
-3المصدرالسابق.206/2،
158
أن يكون،
آخر ،وذلك عن طريق إعمال ذهن المتلّقي بتخيُّل ما يمكن ْ داللياً
ّ معنى
ً
ألن
الزمن المطَلق ،وذلك ّاالستفهامية ،وجاءت في ّ
ّ السياق الجملة
هذا ّ فناسبت في
موجود ،وبالتالي فهي غير محدودة بزمن تكون فيه ،كما ّأنها في هذا جوابها غير
الخصائص:ابنجنّي.274/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.145/1،
159
يدل على التّأكيد على تحقق كذا وكذا حتماً ،وهذا ما يقتضيه شرح القاعدة
المستقبل ،بل ُّ
المستقبلية القائمة على االحتمال والتوّقع بحدوث
ّ رفية ،بعيداً عن الجمل
الص ّ
حوية أو ّ
الن ّ
ّ
محددة -وقد ساعد في تأكيد هذه الجملة دخول الالم على
اضع ّ كذا وكذا – ّإال في مو َ
أن ابن ِجّني
الداللة على المضي ،ونرى ّ
كل الجمل السابقة ،والتي تفيد ّ
جواب (لو) في ّ
فرق بين هذه الالم والالم الداخلة على المضارع في جواب (لو ،ولوال) كما رأينا في
قد ّ
()1
الفصل السابق من البحث.
يدل على نفي الماضي التام غير المحدد أن المرّكب (لو فعل) ُّ
يحاني إلى ّويذهب الر
ّ
وتكن بمعناها الشرطي المعروف ،وقد ْ (إن) ،ولم
بجهة زمني ّة وذلك إذا جاءت بمعنى ْ
ّ
الفراء
استشهد الريحاني في رأيه بقول ابن فارس في الصاحبي الذي يقول " :وكان ّ
الك ِافرو َن﴾(التوبة﴿ ، )﴾32بمعنى
﴿وَلو َك ِرهَ َ
جل ذكرهَ :(إن) قال ّ
يقول( :لو) يقوم مقام ْ
ألن (لو) ال بَّد لها من جواب ظاهر
(إن) القتضت جواباً؛ ّ
(إن َكرهَ) ولوال ّأنها بمعنى ْ
ْ
أو مضمر" (.)2
مجيء األفعال الناقصة في جملة لو:
رطية بكثرة ،فتشغل موقع الفعل أو الجواب أحياناً،
الش ّ
الناقصة في الجمل ّ
تقع األفعال ّ
وتقترن مع فعل ّ
الشرط أو مع الجواب أحياناً أخرى ،لتكسب الفعل والجملة عامة مدلوالً
الشرطية
زمنياً مختلفاً عن مدلولها األصلي ،ومن أمثلة وقوعها فعالً للشرط في الجملة ّ
لكسرت الوزن " ( ،)3فنرى أن
َ المصدرة ب ـ (لو) ،قول ابن ِجّني" :ولو كانت فيه حركة
ّ
الشرطية
الزمن الماضي وبالتالي أصبحت داللة الجملة ّداللة الفعل الناقص (كان) هي ّ
الزمن الماضي ،ومثلها أيضاً " :فلو كانت التاء في ضربت َك هي العاملة فيكلها هي ّ
للشرط ،فقوله متابعاً للقول
الناقص جواباً ّ
أما مجيء الفعل ّ لفسد ذلك " (َّ ،)4
الكافَ ،
متحركة لصار من الكامل ،)5( ".فداللة الفعل الماضي
ّ اعتدت القاف
السابق " :ولو ّ
ّ
الزمن المستقبل
دال على ّ
الزمن الماضي المطَلق ،والجواب ماض ناقص ّ
(اعتدت) هي ّ
ّ
النحويين
تحدث الكثير من اّللسانيين و ّ
الشرط ،وقد ّ
في الماضي بالنسبة إلى فعل ّ
-1يُنظر:الفصلالثالثمنالبحث،ص.119
يفيالدراساتالنّحويّةالوصفيّةالمعاصرةقراءةفيالمصطلح:أ.م.د.لمىعبدالقادرخنياب،جامعةالقادسية، ّ
ُنظر:التعبيرالزمن ّ 2ي
كليةاآلداب،الدّيوانيّة–العراق(،د.ت)،ص.28
الخصائص:ابنجنّي.73/1،
ِ -3
-4المصدرالسّابق.103/1،
-5المصدرالسابقنفسه.
160
الداللة (المستقبل في الماضي) والتي نراها واضحة في قول ابن ِ
الم ْح َدثين حول هذه ّ
مضمن ًة في كالمه وشروحاته.
ّ عالنية ،بل نراها
ّ ِجّني وإن لم ّ
يصرح بها
أما مجيء األفعال الناقصة مرّكب ًة مع فعل آخر فمثالها ،قوله " :لو كان تقديره :الناقة
ّ
وراكب الناقة طليحان ،لكان قد حذف حرف العطف َّ
وبقى المعطوف به ،)1( "...فقد
الشرط في هذه الجملة فعالً ناقصاً وهو (كان) الذي أشرنا سابقاً إلى داللته
جاء فعل ّ
الشرط في هذه الجملة فهو عبارة عن صيغة مرّكبة من الفعل أما جواب ّ
الماضيةّ ،
تدل
ف)؛ إذ ُّ (ح َذ َ
الناقص(كان) وحرف التحقيق (قد) مقترنا مع صيغة الماضي َف َع َل َ
الزمن الماضي المتحّقق الذي يقترب زمن تحققه من لحظة التّكلم فعل) على ّ
صيغة (قد َ
منية
الز ّ
الداللة ّ
الملفوظية) ،لتصبح ّ
ّ التي تكون زمن الحاضر بالنسبة للمتكّلم (زمن
الزمن الماضي في هذه
الزمن الماضي ،وينقسم ّ الداللة على ّالشرطية هي ّ
للجملة ّ
األول في
الشرط ،وماض يلي ّ
عبر عنه فعل ّالجملة إلى قسمين :ماض متحقق والذي ي ّ
الزمن من الفعل
الزمن مباشرةً؛ أي قريب التحقق من لحظة الكالم ،كما ّأنه قريب في ّ
ّ
األول (كان) ،وحتّى يؤّكد على تحقق الجواب بعد تحقق الفعل ،عطف على الجواب ّ
أما زمنها فهو الماضي ،وهو الفعل
تدل على التأكيد والمبالغة ّ
(فع َل) التي ُّ
بصيغة ّ
(بّقى).
المحل الواحد ساكناً"...
َ أن يكون
لوجب ْ
َ اجتمعا
َ ومن األمثلة على ذلك أيضاً قوله " :لو
صرفياً
ّ الشرط (لو) جاء ماضياً لفظاً ومعنى،
ً ّ الشرط (اجتمعا) بعد حرف
ّ ( ،)2ففعل
جاء ماضياً مرّكباً مع الفعل الناقص المضارع والذي جاء
أما الجواب فقد ًونحوياًّ ،
ّ
الزمن المستقبل،
يدل على ّ
أن ُّ
المؤول ْ
ّ (أن يكون) والغالب في المصدرمؤوالً ْ
مصد اًر ّ
السياق على
يدل في هذا ّ
(وجب) الذي ُّ
َ وقد جاء هذا المصدر مقترناً مع الفعل الماضي
السياق
دل في هذا ّالمؤول الذي ّ
ّ الزمن الماضي ،لوقوعه جواباً لـ(لو) ومثله المصدر
ّ
الشرط،
بالنسبة لفعل ّ
ّ أن هذا الماضي ،يمكن اعتباره مستقبالً أيضاً على الماضي ،غير ّ
زمنياً ،وقد سبقت اإلشارة إلى ذلك. ِ
ألنه حدث يليه ّ
الخصائص:ابنجنّي.290/1،
ِ -1
-2المصدرالسابق.149/1،
161
الزمن المستقبل فهي نادرة ،وال تكون داللتها عليه
رطية على ّ
الش ّ
أما داللة جملة (لو) ّ
ّ
السياق الذي تقع فيه ،حتى و إن كانت مقترن ًة باألفعال الناقصة
بنفسها ،بل بواسطة ّ
الزمن إلى الماضي ،ومن الشواهد على ذلك ،ما قاله ابن التي من عادتها أن تنقل ّ
ِجّني " :ولن تخلو القاف المحذوفة ْ
أن تكو َن األولى أو الثانية؛ َفيبعد أن تكون األولى؛
أن جملة (لو)
ألنه لو حذفها لصار التقدير به في الواحد إلى خنفيق ، "...فنالحظ ّ
()1
ّ
الزمن المستقبل ،باستخدام الفعل المضارع
تدل على ّ
الشرطية سبقت بصيغ متنوعة ُّ ّ
مؤول ،ثم المضارع المقترن بالمصدرالمنصوب ،والمضارع الناقص كمصدر ّ
ُّ
أن تكون) وجميعها صيغ تدلنا على داللة ّ
زمنية واحدة هي المستقبل ،على المؤول(يبعد ْ
ّ
رطية كتعليل لما سبقها ،وجاءت الش ّثم تأتي الجملة ّ
اختالف جهاته بين قريب وبعيدَّ ،
(ألنه إذا حذفها صار التقدير[ ،]...وبما ّأنها تحمل داللة (إذا)
بمعنى (إذا) ،والتقديرّ :
التي من شأنها أن تكون داّل ًة على المستقبل ،كما وقعت تفسي اًر للجمل التي قبلها والتي
عية ُّ
شكية توق ّ
الشرطية تحمل دالل ًة ّ
كانت داّلة على المستقبل ،فإن (لو) في هذه الجملة ّ
مجهول
ٌ قائمة على االحتمال ،وهذا ما يكون عادةً داالً بطبيعته على المستقبل ،ألنه
الزمن
السياق على ّ
ومبني على افتراضات ،ولذلك جاءت جملة (لو) دال ًة في هذا ّ
ٌّ
المستقبل.
الشرط (لوال):
ب -أثر أداة ّ
الزمن الماضي ،وكان استخدامه لهذه األداة استخدم ابن ِجّني هذه األداة م ّ
عب اًر بها عن ّ
أن تأتي بعدها رطية ،والمألوف في هذه األداة
الش ّ
قليالً ،إذا ما قارّناه بغيرها من األدوات ّ
ْ َ
الظرفية التي
السياقية و ّ االسمية ،وهي كغيرها من األدوات تقترن جملتها بالقرائن ّ
ّ الجملة
منية التي كانت تشير إليها هذه
الز ّ
الزمن أو الجهة ّ
السياق -في تغيير ّ تسهم –بمساعدة ّ
الصيغ بدون القرائن ،ونذكر لذلك دليالً من قول ابن ِجّني " :ولوال َ
قولك في حال واحدة ّ
يدل في هذا لفسدت العّلة ،)2( "...فنرى َّ
أن ما جاء بعد لوال هو المصدر (قول َك) الذي ُّ
ِ
حدوث فعل بعده وهو عدم فساد الزمن الماضي التام ،والذي كان سبباً فيالمثال على ّ
الخصائص:ابنجنّي.62/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.149/1،
162
َّب عن القول ،ولذلك الزمنَّ ، ِ
ولكنه مسب ٌ العّلة في قوله( :لفسدت العلة) ،وهو ماض في ّ
ولكن الحدث
األول؛ إذاً في هذه الجملة َحدثَان ماضيانّ ،
فهو مستقبل بالنسبة للحدث ّ
األول؛ ِ
مستقبل بالنسبة إلى الحدث ّ ٌ األول سبب لعدم وجود الحدث اآلخر ولذلك فهو
ّ
الشرطية (لوال) على
ّ أفادته األداة
األول ،هذا ما َ
أي امتناع حدوث الثاني لوجود الحدث ّ
زمن الجملة.
ذكر فيها (لوال) وبعدها الفعل ِ ِ
ومن األمثلة التي وجدت في نص ابن جّني والتي َ
الضم
ُّ الماضي وكان فيها الجواب ماضياً ناقصاً ،قوله " :ولوال ما أوردته في هذا لكان
(صيغ ًة الزمن الماضي لفظاًمكان الكسر" ،فقد دّلت هذه الجملة كامل ًة على ّ
()1
َ
كما في زمنياً
الحدثَين ّ
نحوياً)،مع األخذ بعين االعتبار لترتيب َ
ومعنى (زمناً ّ صرفية)،
ّ
ً
جاء في قولهالمثال السابق ،فقد كان أحدهما سبباً لعدم وجود اآلخر أيضاً ،ومثلها ما َ
عرض من صناعة اللفظ[ ]...لكان توكيدها جائ اًز " (،)2َ في موضع آخر " :لوال ما
منية هي نفسها في المثال األسبق.
الز ّ
فالداللة ّ
ّ
الشرط (إذا):
ج -أثر أداة ّ
الزمان ،وال يشترط في هذا المستقبل أن يكون
بأنها ظرف لما يستقبل من ّ
تعرف إذا ّ
إن الغالب أن يأتي بعده ماض يحمل في عب اًر عنه بالفعل المضارع أو األمر ،بل ّ
م ّ
أن الظرف هو الوعاء الذي يحتويمستقبلياً ،وذلك على اعتبار ّ
َّ معناه مدلوالً زمنياً
الشرط (إذا) هو حدث في
يعبر عنه الفعل الماضي بعد أداة ّ
الحدث ،والحدث الذي ّ
المستقبل القريب أو البعيد بحسب القرائن التي تضام إليه ،وقد َكثرت استخدامات ابن
ِ
وشروحاته ،كما ّنوع في القرائن والضمائم التي ِجّني لجملة (إذا) في سياق حديثه
تضاف لجملتها ،والتي كان من ِ
شأنها إغناء وإثراء الجملة والتركيب كامالً من الناحية
ِ
وسنستعرض أبرز هذه االستخدامات ،وأكثرها أث اًر على المعنى اللية،
الد ّمنية و ّ
الز ّ
ّ
الزمن.
وّ
كثر استخدام ابن ِجّني لهذه األداة مرافقة للفظة (أال ترى) ،كما نرى ذلك بوضوح في
استصوب ّأديتهما بحالهما ،ولم تتجاوز ما
َ قوله " :أال ترى ّأنك إذا ْ
سمع َت :استحوَذ و
الخصائص:ابنجنّي.281/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.288/1،
163
أن نرّكز في هذا المثال على أكثر من جانب حتى نحصل علىورد ، "...إذ يجب ْ
()1
رطية
الش ّ
الزمن الحاضر ،والجملة ّ
تدل على ّ
الصحيحة ،فجملة (أال ترى) ُّ
منية ّ
الز ّ
الداللة ّ
ّ
الشرط
الزمن المستقبل ،والفعل المعطوف على جواب ّ
تدل على ّ
(إذا سمعت ّأديتهما) ُّ
(لم تتجاوز) هو فعل مضارع مسبوق بنفي بــ(لم) والتي من صميم اختصاصها قلب
الصيغة
الزمن الماضي ،فداللة ّ
زمن الفعل المضارع من الحاضر أو المستقبل إلى ّ
السياق
مجردة من ّ
الصيغ األربعة ّ
السابقة هي الماضي ،هذه هي الدالالت المفردة لهذه ّ
الزمن الذي وصفناها به نحوياً وليس صرفياً -فإذا نظرنا إليها مجتمعة
-و إن كان ّ
السابق –وهللا أعلم -هي
ستنبطة من القول ّ
منية الم َ
الز ّ في جملة واحدة نرى أن ّ
الداللة ّ
المستقبل ،ولكن هذا المستقبل بالنسبة إلى ابن ِجّني هو ماض وليس مستقبالً ،وذلك
تدل على معرفة مسبقة باألمر الذيبفعل القرينة (أال ترى) التي أشرنا سابقاً إلى َّأنها ُّ
عهدية؛ أي ( ألم تعهد
ّ يتحدث عنه ابن ِجّني وهذه المعرفة ليست معرف ًة حقيقة ،و إنما ّ
الزمن
ككل واحدة هي ّ منية للجملة ّ الز ّ
الداللة ّ
ّأنه إذا كان كذا وكذا[]...؟ ،فأصبحت ّ
الشرطية فداللتها هي المستقبل لو نظرنا إليها مفردةً ،ولذلك قلنا
أما الجملة ّ
الماضيّ ،
السياق هي المستقبل في الماضي.منية في هذا ّ
الز ّ َّ
أن داللتها ّ
ومن أمثلة داللة إذا على المستقبل ،قول ابن ِجّني " :فإذا َ
ثبت بما أوردناه ما أردناه،
الشرط إذا الفعل الماضي شرطاً وجواباً ،إال
قت ، "...فقد جاء بعد أداة ّ
()2
علمت وتَحّق َ
َ
الزمن الماضي الشرط والجواب على ّ
منية هي المستقبل ،رغم داللة فعلي ّ
الز ّ َّ
أن داللته ّ
لك الحقاً
بت َ
السياق؛ أي إذا ثَ َ
صرفياً ،إال ّأنهما حمال دالل ًة مستقبلية في ضوء هذا ّ
كذا وكذا ،علمت بعدها كذا وكذا.
الشرط إذا ،فال تقتصر على الزمن الماضي بعد أداة ّ
الشرطية على ّأما داللة الجملة ّّ
ولكن داللتهما
الشرط أو جوابه مضارعينّ ، وجود الفعل الماضي فقط ،فقد يكون فعل ّ
ِ
الزمن الماضي ،كما نرى في قوله " :وإذا لم َيق ْم عليه ٌ
دليل السياقية تشير إلى ّ
منية ّ
الز ّ
ّ
الشرط في القول السابق مضارعاً مجزوماً بـ(لم) التي
بطل إضماره " ،فقد جاء فعل ّ
()3
َ
الزمن من المستقبل أو الحاضر إلى الماضي ،وجاء الجواب أشرنا إلى دورها في قلب ّ
الخصائص:ابنجنّي.99/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.105/1،
-3المصدرالسابقنفسه.
164
الزمن
أن ّللصيغة ،غير َّ
السياق المفرد ّ
ال على الماضي في ّالد ّ
ماضياً بالفعل الماضي ّ
الزمن المستقبل ،والمعنى ّأننا إذا لم نحصل على
رطية كاملة هو ّ النحوي للجملة ّ
الش ّ ّ
دليل على كذا في المستقبل ،فسيبطل كذا وكذا.
رطية على المستقبل أو غيره ليست حك اًر على صيغة دون أخرى،
الش ّ
إذاً فداللة الجملة ّ
فرأينا الماضي داالًّ على المستقبل كما رأينا صيغة المضارع داّل ًة على الماضي في
تدل عليه أيضاً ،وذلك إذا توافرت لها بيئ ٌة
أن ُّ
المثال السابق ،ويمكن ألي صيغة ْ
الزمن هو دل على ّ أن ما ّالسياق ،ونرى في هذا المثال َّ
حاضنة ،وهذه البيئة هي ّ
الزمن ،يقول ابن ِجّني " :فإذا َر ْ
دد َت لعب دوره في تغيير هذا ّ
السياق َ المصدر ،و أن ّ
الشرط هنا ماضياًمتحرك ًة ، " ...فجاء فعل ّ
العين بحالها ّ
قر َ أن ي َّ
الالم فمذهب سيبويه ْ
()1
إن زمنه هو الماضي أيضاً، كان فعالً ماضياً ،وجوابه جاء مضارعاً مجزوماً بلم ،أي ّ
ؤخذ انطالقاً من زمن الفعلين فقط،
الشرطية الكاملة ال ت َ
منية للجملة ّ
الز ّ
الداللة ّ
أن ّ غير ّ
َ
غم
الزمن المستقبل ،ر َ
الداللة على ّالشرط والجواب هي ّ منية لفعلي ّ
الز ّ
الداللة ّ
إن ّ بل َّ
الشرط يقتضي االستقبال
أن ّ الزمن الماضي ،إال ّرفي على ّ داللة الفعلين في زمنهما الص
ّ ّ
فعلية
الشرط جملة ّ يأتي جواب ّ سبق أن أشرنا إليها ،ويمكن أن
في المعنى وهذه نقط ٌة َ
ْ َ
الصرف، الس ِ
ببان ّ االسم إذا َمنعه ّ (إن مع اسمها وخبرها) كما في قولهَّ " :
إن خبرّية َّ
َ
الخصائص:ابنجنّي106/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.110/1،
165
الشرط هنا جمل ًةفإن اجتماع الثالثة فيه ترَفع عنه اإلعراب ، "...فقد جاء جواب ّ
()1
َّ
الشرطية بعد (إذا) على أن داللة الجملة ّ ِ
المستقبل أيضاً ،كما ّ فعلية خبرّية داّل ًة على
ّ
اسمية
أن الجواب إذا كان جمل ًة ّ الزمن المستقبل ال تقتصر على األفعال فقط بل نرى ّ ّ
الزمن المستقبل أيضاً ،يقول ابن ِجّني متابعاً " :أال ترى ّأن َك إذا
يدل على ّ فإنه ُّخبرّية ّ
زمنية يمكن لت عن (إن) من قوله[َّ ]... ِ
عدة مالحظات ّ قائل ، "...وهناك ّ فإن َك ٌ سئ َ
()2
زمنية
رطية ،التي جاء فعلها ماضياً بداللة ّ الش ّ
السابق ،فالجملة ّ
استنباطها من القول ّ
اسمية قوامها الحرف المشبه بالفعل مع اسمه وخبره الذي جاء
مستقبلية ،جوابها جملة ّ
منية الماضية إذا كان
الز ّ
اسماً مشتّقاً (اسم فاعل) ،والذي تحدثنا سابقاً عن داللته ّ
غير مضاف ،كحاله في هذا منوناً َ منون ،وداللته على المستقبل إذا َ
كان ّ غير ّ
مضافاً َ
صرفياً
ّ الشرط هي المستقبل لفظاً ومعنى،
منية لجواب ّ
الز ّ
الداللة ّ المثال ،وبالتالي َّ
فإن ّ
ً
الزمن المستقبل ،وهذا ليس جديداً،
تدل على ّ
الشرطية كاملة ُّ
فإن الجملة ّ
ونحوياً ،ولذلك ّ
ّ
أن واسمها وخبرها)
أن مجيء هذه الجلمة بعد (أال ترى ،والمصدر المؤول من ْ بيد ّ
َ
يجعل الجملة الكبرى في المثال السابق تأخذ بعداً زمنياً آخر؛ إذ ّ
إن تقدير الجملة هو
(أال ترى سؤاَل َك عن كذا وكذا) ليصبح زمن الجملة كاملة هو الماضي.
الخصائص:ابنجنّي.180/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.110/1،
-3المصدرالسابق.105/1،
166
التبدل يأخذ منحى مستقبلياً ال ماضياً ،و
ً ينطوي على داللة ّ
زمنية مستقبلية ،فالتطور و َ
زمنية
إن كان الفعل ماضياً ،فالفعل إذاً مضارع بداللة ماضية ،والجواب ماض بداللة ّ
الزمن المستقبل.
رطية كامل ًة دال ًة على ّ
الش ّ
لتصبح الجملة ّ
َ مستقبلية،
ّ
ومن أمثلة مجيء الفعل والجواب ناقصين بعد إذا ،ما نراه في قول ابن ِجّني " :إذا
كرروها في مرمريت[ ]...كان ما ذهب إليه أبو إسحاق من تكرير الفاء في كانوا قد ّ
الشرط مركباً من الفعل
ضعف أولى بالجواز ، "...فقد جاء في هذا القول فعل ّ
()1
الم ّ
تدل كصيغة مفردة علىالناقص وصيغة (قد فعل) ،لتصبح ( كان قد فعل) ،والتي ُّ
جاء بصيغة (كان أفعل) داالًّ
الشرط فقد َ أما جواب ّالزمن الماضي القريب المتحّققّ ،
ّ
جاء ماضياًالشرط الذي َمستقبل بالنسبة لفعل ّ
ٌ الزمن الماضي ،وهو
على الوصف في ّ
الشرط والجواب في هذا المثال داالن
السياق ،إذاً ففعال ّ
رفية وضمن ّ الص ّ
الصيغة ّ
في ّ
متعارف عليه من داللة
ٌ الزمن الماضي و إن اختلفت جهاته ،على غير ما هو
على ّ
فالسياق هو من كان الفيصل في
الزمن المستقبلّ ،
الشرط (إذا) على ّ
الجملة بعد أداة ّ
الداللة أيضاً ما نجده في قوله " :وإذا كانوا قد هربوا من
الزمن هنا ،ومثلها في ّ
تحديد ّ
أحسن وأسوغ" (.)2
َ كان اإلبدال
التّضعيف إلى الحذف[َ ]...
يحمل
َ أن
أما وقوع الفعل الناقص جواباً للشرط بـ (إذا) ،ففي قول أبي الفتح " :فإذا جاز ْ
ّ
الشرط في هذه الجملةكان حمل المؤنث على المذكر ، "...فقد جاء فعل ّ
()3
[َ ]...
أن والفعل المضارع ،و ماضياً داالًّ على المستقبل ،وجاء بعده المصدر المؤول من ْ
الشرط فقد جاء فعالً ناقصاً (كان)،
أما جواب ّ
الزمن المستقبل المطَلقّ ،
يدل على ّ هو ُّ
الزمن الماضي في حقيقته المفردة ،وجاء مضافاً إلى المصدر
يدل على ّ
وهو ُّ
أن وقوع الفعل الناقص
يدل على المستقبل المطَلق ،في حين ّ
الصريح(حمل) الذي ُّ
جاز
جواباً لشرط (إذا) نقل داللته إلى االستقبال المطَلق ،فالمعنى في هذه العبارة( ،إذا َ
حمل كذا سيكون حمل المؤنث[ ]...والمعنى مستقبل كما هو واضح من ّ
السياق.
الخصائص:ابنجنّي.54/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.19/3،
-3المصدرالسابق.112/1،
167
(إن):
الشرط ْ
د -أثر أداة ّ
نصيب وافر من االستعمال وال ّذكر في نصوص ابن ِجّني ،فقد
ٌ (إن)
الشرط ْ
كان ألداة ّ
الشرطية من صيغ وتراكيب
تكونت جملتها ّ وردت بكثرة في كتابه الخصائص ،وقد ّ
الزمن
معينة ،كان الطابع الغالب فيها هيمنة ّ زمنية ّ
كل منها داللة ّ مختلفة ،حملت ٌّ
معنوية أرادها ابن
ّ ات
بالغية واعتبار ٌ
ّ دالالت
ٌ الشرط ،وكان لذلك
المستقبل على جواب ّ
ِ
الك جانبه،
ورفقت به ،أو َ
َ نت له(،)1 طِب َ ِجّني في حديثه ،ومن أمثلة ذلك قوله " :ولكن ْ
إن َ
بك سبله،
أوعرت َ
ك َم َهله ،و ْ
()4
كد َّ
()3
وتورطته
ّ
()2
أمطاك كاهله وغاربه ،و إن خبطته
َ و
وتأمالً ،)5( ".ففي القول السابق جملتان شرطيتان معطوف ٌة الثانية منهما على
فرفقاً ّ
طبنت
َ إن
منية نفسها ،وهماْ ( :
الز ّ
الداللة ّ
الصيغ نفسها و ّ
األولى ،ولذلك نراهما تحمالن ّ
الشرط والجواب في الجملتينك مهله) ،إ ْذ جاء فعال ّ
كد َ
الك جانبه ،و إن خبطته ّ
له أو َ
النحوي في هذه الجمل ّ
الشرطية فهو المستقبل المطَلق في جواب الزمن ّأما ّ
ماضيينّ ،
األول أن يكون داالً على
الشرط ففيه رأيانّ ،
أما فعل ّ
الشرط ،وهو ما أشرنا إليه سابقاًّ ،
ّ
طبنت) ليشير إلى
َ إن كنتالزمن الماضي على اعتبار تقدير (كنت) قبله؛ أي ( ْ
ّ
الرأي اآلخر أن يكون فعل ّ
الشرط داالً على المستقبل، االتّصاف بالفطنة فيما مضى ،و ّ
الشرط أن يكونأن األصل في ّ الرأي األقرب للمنطق إذا أخذنا بعين االعتبار ّوهو ّ
يدل علىالشرط ماضيين ال ُّ خاصة ،ومجيء فعَل ّي ّ داالً على المستقبل إال في حاالت ّ
الشرطية بل هو غالباً ما يكون إشارةً إلى الزمن المقصود من العبارة ّ
الزمن الحقيقي أو ّ
ّ
وسع في الكالم وهذا ما أشار إليه ضرب من البالغة والتّ ّ
ٌ تحّقق األمر وثباته ،أو هو
ابن ِجّني في موضع آخر من كتابه ،حين قال " :وكذلك أيضاً حديث ّ
الشرط في نحو
إن هذا
جئت فيه بلفظ الماضي الواجب؛ تحقيقاً لألمر ،وتثبيتاً له ،أي ّ
قمتَ ،
قمت ْ
إن َ
ْ
اجب ثابت ال محالة ، ".فهذه إشارةٌأن الماضي و ٌ وعد َموِف ٌّي به ال محالة؛ كما ّ
()6
ٌ
تمعن أو تف ّك ْر. ِ صريحة من ابن ِجّني
فضل ّ
ّ بحقيقة هذا األمر وال تحتاج إلى
َ -1
طبِنتَ لهُ:فَطِ نتَ لهُ.
قوتهدّإلىوجهه.ُبغيررف ٍ
-2خبطتهُ:عالجته ِ
فيهعلىغيربصيرة.
ِ -3تورطتَهُ:أيسرتَ
-4كدّكَ َم َهلهُ:يُريدأنّهيبطئعليكَ ّ
تعرفه،فيسوءكَ ذلك
الخصائص:ابنجنّي.108/1،
ِ -5
-6المصدرالسابق.331/3،
168
التزم واجباًّ )1( "...أنه جاء بجواب
اوية فقد َ
جعلت القصيدةَ و ّ
َ ونرى في قولهْ " :
فإن
الزمن الماضي
الشرط فعالً ماضياً مؤّكداً بـ(قد) ،التي تجعل الماضي معها داالًّ على ّ
ّ
الزمن المستقبل ،وهذا
دال على ّ
أن الجواب ٌّ
أما سياق الجملة فيقول ّ
المتحّقق أو التّامّ ،
الزمن المستقبل ،وذلك (جعلت ،قد التزم) ُّ
يدالن على ّ َ صحيح ،فالفعالن الماضيان
َ
وجاء استخدام ابن ِجّني لصيغة الماضي
َ (إن)،
لوقوعهما فعالً وجواباً للشرط الجازم بـ ْ
حدث
وكأنه َ
الزمن المستقبل ،إشارةً منه إلى تحقق هذا الفعل في المستقبل ّ
للداللة على ّ
قدم ويشرحَّ ،
وكانه يقدم وعداً بما لغوية وثقة كبيرة بما ي ّ
ينم على مقدرة ّفعالً ،وهذا ُّ
سيحدث ،تماماً كما نرى في ّ
السياق القرآني من استخدام صيغة الماضي للداللة على
وكأنه حدث ،كما في قوله
ستقبلية لإلشارة إلى تأكيد الحدوث في المستقبل ّ ّ أحداث م
ٗ تعالى ﴿:خلِ ِدين ِف ِِۖ
ٓء َلهم َيوَم ٱل ِقَي َم ِة ِحمال ﴾(طه﴿.)﴾101
ا س
ََ َو يه َ َ
فعلية) كما هو معروف ،ومن األمثلة على (اسمية أو ّ
ّ الشرط جملة
وقد يأتي جواب ّ
فإنها أو أكثرها
تقد َم ْت علل الفقه ّ
إن ّفعلية خبرّية مؤّكدة ،قوله " :و ْ
مجيء الجواب جملة ّ
مستقبل (تقدمت) ماض لفظاً،
الشرط ّّإنما تجري َمجرى التّخفيف والفرق ، "...ففعل ّ
()2
ٌ
وقد
إن واسمها وخبرها الذي جاء مضارعاًْ ،
المكونة من ّ
ّ الفعلية
ّ معنى ،وجوابه الجملة
ً
الزمن المستقبل أيضاً ،والمعنى الواضح في الجملة:
دّلت هذه الجملة على حدث في ّ
فإنها في أكثرها ستجري مجرىتقد ٌم في علل الفقه في وقت الحقَّ ،
إن حصل ّ ّأنه ْ
التّخفيف والفرق.
إن محذوفة الفعل والجواب وينوب عنهما المصدر، الشرط مع ْ أن يأتي ّ ومنها أيضاً ْ
دل عليه الفعالن المحذوفان ،كقول
(زمنياً ومعنوياً) على ما ّ
ّ فيكون المصدر حينها داالً
إن خي اًر فخي اًر و إنالناس مجزّيو َن بأفعالهم ْ
الشرط في نحو قولهّ : ابن ِجّني" :وكذلك ّ
فالمصدرن
ا شر" (،)3 إن فعل المرء خي اًر ج ِز َي خي اًر ،و إن فعل ّاً
شر جز َي ّاً فشر؛ أي ْ
شر ّاًّاً
فشر) في الجملة الثانية ،نائبان عن فعل
و(شر ّاً
ّاً (خي اًر فخي اًر) في الجملة األولى،
-1الخصائص:ابن ِجنّي.259/2،
-2المصدرالسابق.145-144/1،
-3المصدرالسابق.360/2،
169
ستقبل بالنسبة إلى الفعل األول ،ولذلك كان المصدران (خي اًر
ماض في اللفظ ،إال ّأنه م ٌ
ِ
بالنسبة وفشر) َّ
دالين على المستقبل ّاً وش اًر) داّلين على الماضي ،والمصدران (فخي اًر،
الزمن
رطية الكاملة ،فهو ّ النحوي للجملة ّ
الش ّ الزمن ّ
أما ّ
األولينّ ،
إلى المصدرين ّ
الداللة،
(إن) التي يأتي بعدها الفعالن مستقبَلين في ّرطية هي ْ
الش ّ
ألن األداة ّ
المستقبلّ ،
الشرط الذي هو سابق لآلخر مني للمصدر النائب عن فعل ّ مع مراعاة التسلسل الز
ّ ّ
الشرط ،ويؤّكد لنا ابن ِجّني ذلك صراح ًة حين يقول
الذي المصدر النائب عن جواب ّ
اك ال تقول:
تقدم الجواب على المجاب ،شرطاً كان أو قسماً ،يقول " :أال تر َ
بعدم جواز ّ
دال
ولكنه ٌّ
ليس جواباً للشرط ّ ، قمتَّ ،
فإن قولك :أقوم َ إن َ فأما قولك :أقوم ْ
إن تَق ْمّ ،
أق ْم ْ
قمت.)1( ".
إن ق ْم َت ق ْمت ،ودّل ْت أقوم على ْ
على الجواب ،أي ْ
اللية ،والتي
الد ّ
منية واألوجه ّ
الز ّ
أن لها الكثير من الجوانب ّويرى عبد القاهر الجرجاني ّ
التلّقي ،عند المتكّلم والمتلّقي،
ص ،وأساليب الخطاب و ّ الن ّ
ترتبط جميعها بمفهوم لسانيات ّ
إن تخرْج أخرْج ،و إنالشرط والجزاء إلى الوجوه التي تراها في قولكْ :
يقول " :وفي ّ
خرجت خارٌج"
َ إن
خرجت ،و إنا ْ
َ إن
رجت خرجت ،و إن تخرْج فأنا خارج ،و إنا خارج ْ
خ َ
الشرط والجزاء بينها فروق في المعنى تختلف النص وجوهاً في ّ
عرض في هذا ّوي ِ
َ ،
()2
السياق والغرض الذي يقصده المتكّلم ،فقد أورد عبد القاهر الجرجاني
في توظيفها حسب ّ
شرطية مختلفة ،تارةً بصيغة الماضي وتارةً بصيغة الفعل المضارع ،ويضيف
ّ جمالً
معين إال ّأنها جميعاً
(إن) ،وفي كل وجه داللي ّ
الشرط ْ
لهما اسم الفاعل ،ودائماً بأداة ّ
فكل
النصّ ،
تسهم في ربط أجزاء الجمل والنصوص تحقيقاً لالتّساق واالنسجام داخل ّ
لغوي (السامع) مرهون بما سيقوم به المتكّلم (المخا َ
طب) في بناء ّ ما يقوم به المتلّقي ّ
متماسك ،وتختلف هذه الوجوه باختالف صيغها[]...وهذه الفروق في وجوه ّ
الشرط قد
الربط
النصوص ،أما ّ
النحوي ،داخل الجمل و ّأسهمت بصورة كبيرة في تحقيق التّماسك ّ
للنص فهو الذي يش ّكل أحد
ببي الذي يتحّقق بواسطته تمام أجزاء الجمل وصوالً ّ الس
ّ ّ
()3
ص ".
الن ّ
لسانيات ّ
ّ آليات التّماسك في
الخصائص:ابنجنّي.388-387/2،
ِ -1
-2دالئلاإلعجاز:عبدالقاهرالجرجاني،ص.81
- 3يُن َ
ظر:مفاهيملسانيّاتالنّصّ فيدالئلاالعجاز:أ.سميّةابرير،جامعةمحمدخيضر،بسكرة –الجزائر2011،م،ص – 184
.186
170
(إن):
مجيء األفعال الناقصة في جملة ْ
ـ(إن) شأنها شأن سابقتها ،ويكونالمصدرة ب ْ
ّ الشرطية
تأتي األفعال الناقصة في الجملة ّ
لوقوع األفعال الناقصة موقع الفعل أو الجواب ،أو اقترانها بهما في هذه الجملة تغيي اًر
فإن ِ
فيه الزمن ،وعلى ذلك نذكر أمثلة من أقوال ابن ِجّني ،ومنها قولهَّ " :
في المعنى و ّ
ِ
األصل صف ًة، النخل وغيره ،وهذا يؤّكد كونه في
ألنه َيحوش ما فيه من ّ
معنى الفعل؛ ّ
الشرط
أن فعل ّ عمل استعمال األسماء كصاحب ووالد ،)1( "...فنرى َّ
كان ْقد است َ
و إن َ
جاء فعالً مركباً من الفعل الناقص (كان) المقترن بالفعل الماضي
في القول السابق ،قد َ
منية لهذا الفعل المركب ،فهي دالل ٌة مرّكبة
الز ّ
الداللة ّ المسبوق بحرف التحقيق قدّ ،
أما ّ
يدل الفعل الماضي المسبوق بقد على الماضي المتحقق في فترة ّ
زمنية قريبة أيضاً ،إذ ُّ
من الحاضر ،و ّأدى اقتران الفعل الماضي بالفعل المساعد الناقص (كان) إلى تثبيت
دل
داللة الفعل على الماضي وجعل المقصود بالحكم موصوفاً بحدث االستعمال ،فيما ّ
زمنية معينة ،إال
حدد بجهة ّ الزمن الماضي المطَلق غير الم ّ
المصدر (استعمال) على ّ
الشرط
أما جواب ّ الشرطّ ،
السياق أن زمن المصدر سابق لفعل ّ أن ما يتضح من معنى ّ
ّ
السياق عليه ،والتقدير :إن كان قد استعمل
في هذه الجملة فقد كان محذوفاً لداللة ّ
استعمال األسماء َّ
فإن فيه معنى الفعل...
الشرط فمثاله ،في قول ابن ِجّنيْ " :
فإن َقص َر أما مجيء الفعل الناقص في جواب ّ
ّ
ِ
تصرفاً أصالً لصاحبه"...
ُّ تصرف صاحبه ولم يساوِه فيه َ
كان أوسعهما أحدهما عن ّ
الصيغة المفردة،
ّ في ماضيين ابه
و وج رطالش
ّ فعل مجيء القول هذا في المالحظو ، ()2
الداللة
السياق ،فهي ّ حوية التي يمكن مالحظتها من هذا ّ الن ّمنية ّ
الز ّ
الداللة ّ
أما ّ ّ
(إن) ينطوي على االحتمال والتّ ُّ
وقع للنتيجة المترتّبة ألن استخدام ْالمستقبلية ،وذلك ّ
ّ
الداللة
رطية) ،ولكن إذا أسقطنا هذه ّ على الفعل ،م َثلها في ذلك ِ
الش ّ
كمثل استخدام (إذا ّ َ
الشرح والتفصيل السياق أو المعنى الذي جاءت فيه هذه الجملة ،سنرى ّ
أن ّ منية على ّالز ّ
ّ
قدمه ابن ِجّني في هذا المثال ال يتناسب مع حقيقة كونه داالًّ على التّوّقع ،بل
الذي ّ
قدم لنا معلومة ،وليس احتماالً بما سيكون ،فهو متأ ّكٌد منألنه ي ّ
لحتمية؛ وذلك ّ
على ا ّ
الخصائص:ابنجنّي.119/1،
ِ -1
-2المصدرالسابق.70/2،
171
تابع حديثه مستش ِهداً بقول العرب في
الدليل على ذلك ّأنه َ
مقتنع به ،و ّ
ٌ صحة كالمه أو
ّ
فإن قال قائل :لماذا استخدم صيغ
اثق ومتيّقن مما يقولْ ،
األمر ،وبما ّأنه يستشهد فهو و ٌ
الماضي في هذه الجملة فعالً وجواباً للداللة على المستقبل ،بدالً من صيغ المستقبل
التي تحمل داللة مستقبلية؟ بل لماذا كان الجواب ماضياً ناقصاً في هذا المثال ،وليس
ئ
أن القار َ
مضارعاً كما يفترض به؟ فإننا لكي نجيب على ذلك ال ّبد من اإلشارة إلى ّ
اضع كثيرة، ِ
أكثر من هذه االستخدامات وفي مو َ لنصوص ابن جّني يدرك تماماً ّأنه َ
فالغاية من وراء ذلك هي غرض بالغي إيحائي ،يتعّلق بطبيعة ابن ِجّني وطريقته في
ّ
تقدي ِم أفكاره بدّقة ووضوح ،فاستخدامه للماضي داالً على المستقبل ،جاء تأكيداً منه
على التّحّقق ،وإبعاداً عن االحتمال أو التّ ُّ
وقع الذي تنطوي عليه جملة ْ
(إن) ،ال بل ّإنه
حين استخدم صيغة المضارع في قوله( :لم يساوه فيه) جعلها داّلة على الماضي
باستخدام الحرف الجازم (لم)؛ وذلك لدف ِع الشبهة فيها ،وكذا األمر في الجواب (كان)
يدل به على مستقبل بعيد ،فهذا التنافر
دل على وصف متحّقق في ماض بعيد ،ل ُّ الذي ّ
خلق انسجاماً معنوياً وداللياً في المعنى ،وهللا أعلم.
فإن قيل :هال لم تستنكر الواو[ ]...قيل :هذا و إن كان على
ومثلها ما نراه في قولهْ " :
أجروه في الكالم مجرى الالزم ،)1( "...وسنرّكز بداي ًة على جملة
فإنهم ْقد َ
ما ذكرتَه ّ
الشرط الثانية ،التي وقعت مقوالً للقول الثاني ،فالناظر في هذه الجملة يرى ّأنها ُّ
تدل ّ
بيد
وداللياً) على اختالف الجهات طبعاًَ ،
ّ ونحوياً
ّ (صرفيا
ّ الزمن الماضي بأكملها
على ّ
الداللة الحقيق َة لها ،فقد بدأ القول
توضح لنا ّ
متمعن ًة لما يسبق هذه الجملة ّ
ّ أن نظرةًَّ
أما جوابها،
دال على القول (قيل)ّ ، فعل ماض ٌ
(إن) وفعلها ٌ
شرطية أداتها ْ
ّ السابق بجملة
ّ
فكان القول الذي تبدأ به الجملة األخرى ،والتي أشرنا إلى داللتها الماضية ،فأصبح
الداللة
أما ّ
شرطي ٌة أخرىّ ،
ّ الشرط ،والثاني جوابه ،وبه تبدأ جمل ٌة
لدينا قوالن األول فعل ّ
قال أحدهم كذا وكذا
ألن المعنى( :إذا َ الزمن المستقبلَّ ،منية للجملة األولى فهو ّ
الز ّ
ّ
دال على المستقبلَّ ،
فإن أن الجواب (قيل) ٌ سيقال أو ي ُّ
رد عليه بكذا وكذا) ،إذاً وبما ّ
مستقبلية على عكس
ّ رطية الثانية التي وقعت َمقوالً له ،ال َّبد أن تكون
الش ّ
داللة الجملة ّ
الخصائص:ابنجنّي.77/2،
ِ -1
172
النحوي
الزمن ّ
السياقي ،في تحديد ّ السياق والمعنى ّ
عزز دور ّ
األولية لها ،وهذا ما ي ّ
ّ النظرِة
الدارسين الم ْح َدِثين.
للتّراكيب والعبارات ،وليس العكس كما توهَّم بعض ّ
الشرط (َل َّما):
ه -أثر أداة ّ
(لما) هي أداة شرطية ظرفية زمانية غير جازمة ،يأتي الفعل الماضي بعدها
الشرط ّ
أداة ّ
الشرطية ال تشترط في داللتها
أن جملتها ّ
فعالً وجواباً ،فهي ظرف للزمان الماضي ،إال ّ
الداللة والتي
السياق الدور األكبر في تحديد هذه ّ منية على زمن فعليها ،بل يلعب ّ الز ّ
ّ
نص ابنحضور بارز في ٌّ كانت في أكثر األحيان دالل ًة ماضية ،وقد كان لهذه األداة
لما أ ِعَّلت الواو في الواحد ،أَعّلوها أيضاً
ِجّني ،ومن األمثلة عليها قوله " :أال تراهمَّ ،
صححوها في الجمع ،)1( "...ففي القول السابق
صحت في الواحد ّ
ولما َّ
في الجمعَّ ]...[ ،
الشرط والجواب ماضيين،
(لما) وفي كلتيهما كان فعال ّ
جملتان شرطياين ،مشروطتَان بـ َّ
زمنية ماضية أيضاً ،إال َّ
أن الجواب فيهما ماض حدث في وقت الحق ويحمالن داللة ّ
الشرط ماض قريب ،وهذا
الشرط ماض بعيد ،وجواب ّ الشرط ،ففعل ّ
لزمن حدوث فعل ّ
الشرط سابقاً للجواب زمنياً.
رطية بكل أنواعها ،وهو مجيء فعل ّ
الش ّ
ما تستلزمه الجمل ّ
لما آخر من كتابه ،يقول" :كما َّ
أن (أينقا) َّ ِ
ومثله في ذلك ما قاله ابن جّني في موضع َ
الشرط والجواب ماضيين صيغ ًة،
أقرتها على تغييرها ، ".فقد جاء فعل ّ
()2
كسرتها العرب َّ
َّ
الزمن
السياق التي تقتضي هذا ّ
منية أيضاً ،وهذا ما يتناسب مع طبيعة ّ
الز ّ
الداللة ّ
وفي ّ
لهذا المعنى.
مجيء األفعال الناقصة في جملة (َل َّما):
المصدرة بـ (لما) كما في سابقاتها من أدوات
ّ الشرط
تأتي األفعال الناقصة في جملة ّ
الشرط أو جوابه ،أو قد تقترن بفعل ّ
الشرط الشرط ،فتأخذ هذه األفعال موقع فعل ّ
ّ
والجواب لت ِّ
كو َن معه زمناً آخر ،ومن أمثلة وقوع األفعال الناقصة موقع الفعل والجواب،
الجر"
النصب أيضاً على ّ لما صاروا إلى جمع التأنيث حملوا ّ قول ابن ِجّنيَّ " :
ثم ّ
الشرط في هذه الجملة فعالً ناقصاً(صاروا) ،والجواب فعالً ماضياً
،فقد جاء فعل ّ
()3
الخصائصابنجنّي.112/1:
ِ -1
-2المصدرالسّابق.81/2،
-3المصدرالسابق.111/1،
173
المستقبل فالفعل الناقص (صاروا) ينطوي على معنى ّ
الصيرورة أو التّحول من حال
الخصائص:ابنجنّي.177/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.308/1،
174
أما مجيء اسم
الزمن الماضي أيضاًّ ،
الشرطية هي ّ
وجاء جوابه ماضياً ،وداللة الجملة ّ
الزمن المطَلق في الماضي ،أو على اتّصاف
يدل على ّ
الفاعل خب اًر للفعل الناقص ف ُّ
النحويين بالحدث (اللحاق) ،وذلك ألنه خبر للفعل الناقص.
ّ
سياقية أخرى ،كما
ّ الزمن الماضي الرتباطها بقرينة
رطية على ّ
الش ّ
(لما) ّتدل جملة ّوقد ُّ
لما جاورت الواو
ضمة الميم في (الموقدان) و(موسى) ّ في قول ابن ِجّني " :أال ترى َّ
أن ّ
(لما جاورت صارت) هي رطية ّ
الش ّكأنها فيها ، "...فداللة الجملة ّ
()1
الساكنة صارت ّ ّ
السياقية
الزمن الماضي كما أشرنا سابقاً ،وأكملت داللتها على الماضي وجود القرينة ّّ
أن ما بعدها ماض بالن ِ
سبة إليها، الزمن الحاضر ،وتشير إلى َّ
ّ تدل على ّ
(أال ترى) التي ُّ
تدل على معرفة مسبقة بالحدث الذي يأتي بعدها.ألنها ُّ
وذلك ّ
الشرط (متى):
و -أثر أداة ّ
نص ابن ِجّني قليالً ،إذا ما قارّناه ّ
ببقية األدوات، الشرط (متى) في ّ
كان استخدام أداة ّ
رطية
الش ّزمنية مطَلقة ،لما تحمله هذه األداة ّ
وحمل هذا االستخدام في معظمه داللة ّ
مقيدة بزمن دون آخر ،إال عندما تأتي مع قرينة ّ
لفظية زمنية ،غير ّ
استفهامية ّ
ّ من داللة
الخصائص:ابنجنّي.149/3،
ِ -1
-2المصدرالسابق.315/2،
175
الزمن:
-6داللة المصدر على ّ
أكان هذا المصدر صريحاً
اء َ استخدام المصادر في نصوص ابن ِجّني و ٌ
اضح وبارز سو ٌ
طياته غير مفرغ منها ،فكان للمصدر دور منية في ّ الز ّمؤوالً ،وقد كان حامالً للداللة ّ
أم ّ
نائب
ومعنوياً ،فهو ٌ
ّ داللياً
داللي يغني بوجوده عن ذكر الفعل منه ،وبما ّأنه ينوب عنه ّ
قول ابن ِجّني " :ومن ذلك امتناع َك منَ :وَذر، زمنياً ،وعلى ذلك نذكر َ ّ عنه
ع الشيء َيدع
فأما قولهمَ :وَد َ
ع[]...وكذلك قراءة بعضهم (ما َوَد َع َك رّب َك وما َقَلى)ّ ، ووَد َ
َ
دع ،)1( "...فنجد في القول السابق ثالثة مصادر هي (امتناعك ،قراءة، سكن -فاتّ َ
–إذا َ
زمنية على
منية فهي كاآلتي :المصدر امتناع الذي يحمل داللة ّ
الز ّ
أما دالالتها ّ
قولهم) ّ
الداللة
ستمر إلى لحظة التّكّلم ،وهي نفس ّ حدث تم في الماضي إال َّ
أن أثره ما زال م ّاً
شتق منه وهو(امتََن َع) ،وكذلك َّ
فإن المصدرين (قراءة ،وقولهم) التي يحملها الفعل الم ّ
زمنية دون ُّ
الزمن الماضي المطَلق وغير المحدد بجهة ّ السياق على ّ
يدالن في هذا ّ
أخرى بل يصلحان لكل جهة في الماضي.
ِ
للعرب الداللة نفسها في قول ابن ِجّني في موضع آخر من كتابه " :وفصل
ونرى هذه ّ
الصريح
طريف؛ وهو إجماعهم على مجيء عين المضارع َف َعلته ، ...فالمصدر ّ
" ()2
الخصائص:ابنجنّي.99/1،
ِ -1يُنظر:
-2المصدرالسّابق.223/2،
176
السياق الذي وضعها ِ
ومن أمثلة استخدام ابن جّني للمصادر وهي حاملة للزمن بفضل ّ
المتقدمين،
ّ تدالل بنحو ضربت َك على شيء غير الموضعين فيه ،قوله " :و أما االس ُّ
بأن هذا المصدر فالنظرة األولية للمصدر (االس ُّ
تدالل) توحي َّ يقول قائلّ ، "...فأن َ
()1
ّّ ْ
السياق ،إذ ال ينحصر بوقت دون ظر إليه مجرداً من ّ
الزمن المطَلق ،إذا ن َ
دال على ّ
ّ
أن يكو َن اآلن ،أو يكون غداً في آخر؛ فيمكن أن يكون االس ُّ
تدالل فيما مضى ،ويمكن ْ
السياق النحوي يتطّلب ّ
منا نظرةً عميق ًة إلى ّ الزمن ّ غير َّ
أن إدراك ّ مستقبل قريب أو بعيدَ ،
الزمن
السابق نجد قرينتين تساعدان في تحديد ّالزمن ،ففي المثال ّالذي َي ِرد فيه هذا ّ
فصيلية) التي يأتي بعدها شرح
ّ النحوي لهذا المصدر ،القرينة األولى هي ّ
(أما التّ ّ
تدالل كان لشيء سابق له ،فيكون حينها أن االس ُّ
وتوضيح لشيء قبلها ،والدليل على َّ
منية المتقدمين) ،بالتالي َّ االس ُّ
الز ّ
الداللة ّ
فإن ّ ّ تدالل الحقاً له ،قوله(:غير الموضعين
الزمن المستقبل ،فهذا ما أفادته القرينة األولى التي دّلتنا للمصدر (االس ُّ
تدالل) هي ّ
أما القرينة األخرى والتي تأتي مؤّكدةً لألولى ،فهي المصدر المؤول( ْ
أن على ذلكّ ،
النحوي
الزمن ّ الزمن المستقبل أيضاً ،ولذلك نستطيع القول ًّ
بأن ّ تدل على ّ يقول) التي ُّ
الزمن المستقبل. للمصدر (االس ُّ
تدالل) هو ّ
ذهبهم مركبين ما نراه في قول ابن ِجّني " :وذلك ّ
أن من َم َ ومن أمثلة مجيء مصدرين ّ
مؤول،
األول صريح والثاني ّ
مصدرن ّ
ا أن يستعملوا من اللغة ،)2( "...فقد جاء ها هنا
ْ
ألنه
الزمن الماضي المطَلق ،وذلك ّ
الميمي (مذهبهم) فهي ّ منية للمصدر
الز ّ
الداللة ّ
أما ّ
ّ
ّ
(مذهبهم) يقصد به َّ
أن هذا دأبهم وعادتهم، يحمل في داللته معنى العادة؛ فقوله َ
الزمن الظاهر من
أن ّالنحاة األوائل ،ولذلك قلنا َّ
والمقصود بالضمير(هم) العرب أو ّ
يدل في معناه على
ألنه ُّ
وحددنا جهته باإلطالقّ ،
الزمن الماضيّ ،هذا المصدر هو ّ
جاء مرّكباً في معناه مع المصدر
(أن يستعملوا) والذي َأما المصدر الثاني ْ العادةّ ،
زمنية ماضية
هم) ويحمل هذا المصدر دالل ًة ّ
األول ،والتّأويل الذي يشير إليه هو(استعماَل ْ
األول؛ إ ْذ يصبح المعنىَّ ( :
أن ركيبية بالمصدر ّ
مطَلقة؛ وذلك لتعّلق معناها وداللتها التّ ّ
من َمذهِبهم استعماَلهم[.]...
الخصائص:ابنجنّي.103/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.373/1،
177
وقد جاء في نصوص ابن ِجّني أمثلة كثيرة عن مجيء مصدرين فأكثر تكون داللتهما
منية واحدة ،وذلك نحو قوله " :و أما جواز اعتقاد سقوط حكم ما تعّل َق به الظرف
الز ّ
ّ
عطف قوله ،(1) "...إذ نقع في القول السابق على أربعة مصادر
َ فألنه قد
من هذا البيت ّ
الشرطية ،وجميع
(أما) التفصيلية ّ
متتالية هي ( جواز ،اعتقاد ،سقوط ،حكم) ،مسبوق ًة بـ ّ
ولكن هذا الماضي غير
الزمن الماضيّ ،
هذه المصادر جاءت داّل ًة على زمن واحد هو ّ
الدرس الحديث على ّأنه أحد
صنفه ّ
محدد الجهة ،بل هو ماض مطَلق ،و هو ما ّ
الزمن الماضي ارتباط هذه المصادر
الجهات ،وما يدعم داللة هذه المصادر على ّ
جاء على صيغة (قد
الشرط الذي َ (تعلق) ،وكذلك جواب ّ
َ بالمعنى مع الفعل الماضي
الزمن الماضي التام القريب من الحاضر،
تدل على ّ
فعل) بقوله :فألنه قد عطف ،والتي ُّ
زمنية
أما ذو داللة ّأن ما يأتي بعد ّ
أما) ماضياً فال ّبد ّ
الشرط(جواب ّ وإذا كان جواب ّ
يدل ما بعدها على الحاضر أو المستقبل.
ماضية ،وإذا كان جوابها مستقبالً فيحتمل أن ُّ
ك
أن تتر َالزمن المستقبل ،كما في قوله " :لك ْ المؤول على ّ
ومنها أيضاً داللة المصدر ّ
(أن
المؤوالن ْ
ّ فالمصدرن
ا لك،)2( "...
ال َ أن يَق َ
ذلك ْ
إمالته مع وجودها فيه[ ]...ومن َ
ألن داللتهماالزمن المستقبل المطَلقّ ،
السياق على ّ ُّ
يقال) يدالن في هذا ّتترك ،وأن َ
منية ال تنحصر في جهة دون أخرى. الز ّ
ّ
الزمن الماضي المطَلق من المصادر في نصوص ابن ِجّني فمثاله دل على ّأما ما ّ
ّ
قوله " :ومن ذلك حملهم حروف المضارعة بعضها على حك ِم بعض ،في نحو ح ِ
ذفهم َ َ
ص ِ ()3 الهمزة في نكرم[ ،]...لِح ِ
الن ّ
ذفهم إياها في أكرم" ،فالمصادر الثالثة الواردة في ّ َ
الزمن الماضي المطَلق ،لعدم ذفهم ،لِ َحذفهم) جميعها داّلة على ّ السابق (حملهم ،ح ِ
َ َ ّ
دل منها على ترتيب سابق أو إمكانية تحديدها في جهة واحدة من الماضي ،إال ما ّ
الحق دون إمكانية الوقوف على جهتها ،كما في المصدرين (حذفهم ،لحذفهم) فاألول
الزمن
سبب أو عّلة ،والعّلة والمسبب يكونان دائما سابقين في ّ
سبب أو نتيجة ،والثاني م ّ
والوجود للسبب والنتيجة.
الخصائص:ابنجنّي.108/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.164/1،
-3المصدرالسّابق .111/1،
178
ومثل ذلك قول ابن ِجني في موضع آخر " :فضيق الشين مع ِ
سعة السين يؤذن َّ
بأن ّ
فالمصدرن الصريحان (ضيق ،وسعة) في المثال السابق،
ا الشين بدل السين،)1( "...
الزمن المطَلق أيضاً.
جاءا داّلين على ّ
(وصفية)
ّ الزمن مطَلقة ،أي وقد يأتي هذا المصدر فعالً ناقصاً ،فتكون داللته على ّ
تدل على االتصاف الدائم بصفة ما ،وهذا اإلطالق هو ماض ،لما يحمل الفعل الناقص ُّ
فجعل كونهم ِجّناً أصالً ،وجعل َ من معنى المضي ،كمثل قول ابن ِجّني في باب" :
وكونها ِجماالً فرعاً ،)2("...فقد جاء
كونهم ناساً فرعاً ،وجعل كون مطاياه طي اًر أصالًَ ،
مصدر الفعل كان (كونهم) في القول السابق مقترناً بالفعل الماضي (جعل) و ُّ
يدلنا
يدل على
ولكن هذا المصدر ال ُّ
هذا االقتران على تثبيت داللة المصدر في الماضيّ ،
ماض محدد بجهة واحدة ،وذلك لداللته على االتصاف وحمل صفات الموصوف ال
الزمن.
يتحدد بزمن ،و إنما يشير إلى مطَلق ّ
الزمن:
الصيغ المركبة وتنويع ّ
ّ -7
الصيغ العر ّبية عن غيرها من باقي اللغات بقابليتها الشديدة للتركيب والتعديل
تمتاز ّ
ودخول اإلضافات من سوابق ولواحق ،وما لذلك من أثر ّبين على المعنى وعلى الغنى
يتحدث عن هذه
الصيغ المرّكبة ،ونجد عباس محمود العقاد ّ مني الذي توّلده هذه ّ الز
ّ ّ
بالصيغ
الرد على الغربيين ممن انتقدوا اللغة العر ّبية بفقرها ّ
الصيغ المرّكبة في إطار ّ ّ
الشبهة على بعضالصيغ " :و إنما تَ ِرد ّ
المركبة ،فيقول مؤّكداً غنى العر ّبية بمثل هذه ّ
ّ
النقاد الغربيين من وجود عناوين لألزمنة المعّلقة عندهم ال توجد لها نظائر في اللغة
العر ّبية ،وهذه األزمنة المعّلقة هي التي يفرض حدوثها فيما مضى ،أو ما يلي في
ولكنها ليست قاطع ًة وال منتهي ًة إلى نهاية حاسمة ،وهذه
متخيلةّ ،
ّ حاالت مشروطة أو
األوروبية باألفعال المساعدة مع الفعل عبرون عنها في بعض اللغات َّ
ّ األزمنة المعلقة ي ّ
تقول مثالً عن أحد
أن َ أو اسم الفاعل أو اسم المفعول ،ويحاكيها في اللغة العر ّبية ْ
معروف أو مفروض (:لعّله يكون مصو اًر كبي اًر لو نشأ قبل عصره) ،أو ( لعّله يكون
في مثل هذه األحوال قد نجح لو نشأ بعد حين)[ ]...إلى أشباه هذه التّعبير ِ
ات التي َ َ
الخصائص:ابنجنّي.86/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق .302/1،
179
َيسهل استخدامها في اللغة العر ّبية كما رأينا ،وليست هي في اللغات األخرى م ّ
خصصة
ولكنها تعبيرات طارئة تتيسر محاكاتها
بوضع أصيل من أوضاع التصريف واالشتقاقّ ،
كل معنى من معانيها.)1( " ...
عندنا في ّ
الزمن الذي
الصيغ تنويعاً تكاد معه ال تدرك ّ ِ
وقد ّنوع ابن جّني في استخدامه لهذه ّ
الزمن الذي خّلفته صيغه ،فيأتي تارةً بماض دال في معناه على يتحدث به ،أو ّ
ّ
ويقدم تارةً أخرى
الداللة على أحداث ماضيةّ ، المستقبل ،أو بمضارع يحمل في طياته ّ
صيغاً مركبة من الفعلين الماضي والمضارع و ُّ
تدالن حيناً على الماضي وأحياناً على
الصيغ أمثلة عديدة في كتابه الخصائص ،نذكر منها حديثه في مطلع
المستقبل ،ولهذه ّ
كأنه أصل الخالف باب (في تقاود السماع وتقارع االنتزاع)؛ إذ يقول " :هذا الموضع ّ
نقدم َها هنا ما كان الئقاً به ]...[،فمنها
النحويين ،وسنفرد له بابا ،غير ّأنا ّ
الشاجر بين ّ
قوم إلى شيء ،ويذهب آخرون إلى
يكثر الشيء [ َفيسأَل] عن عّلتهَ ]...[،فيذهب ٌ
أن َ
ِ
صاحبه ،)2("...إذ نقف في تأمل القولين واعتماد أقواهما ،ورفض
وجب إذاً ّ
غيره ،فقد َ
زمنية مختلفة
الصيغ الفعلية المركبة التي حملت دالالت ّ
هذا القول على عدد من ّ
للصيغة نفسها ،فالفعل (سنفرد) فعل مضارع
منية ّ
الز ّ
الداللة ّ
بعضها عن بعض وعن ّ
مسبوق بحرف االستقبال السين ،مما أسهم في تخصيص داللة هذا المضارع على
أن ابن ِجّني كان ينوي أن َ
يفرد باباً يتحدث به عن األمر المستقبل القريب ،وهذا يعني ّ
في مستقبل قريب من لحظة تكّلمه ،ثم يتابع حديثه مستخدماً ضمير المتكّلم مع صيغة
المضارع مضيفاً لها ما يحدد جهة زمنها كما فعل في الفعل األول(سنفرد) ،فذكر قرينة
-1اللغةالشاعرة:عباسمحمودالعقّاد،ص.49-48
ُنظر:الخصائص:ابنجنّي.101-100/1،
ِ -2ي
180
ثم يأتي بصيغة الماضي التام المسبوق بحرف
السابقينَّ ،
زمنياً بعد الحدثين ّ
الذي يحدث ّ
حدث في الماضي المتحّقق في
يدل على فعل َ وجب) الذي ُّ
التحقيق قد ،بقوله ( :فقد َ
منين الماضي والمستقبل في وقت قريب من الحاضر ،ونرى في هذا التباين بين ّ
الز ّ
فإما أن يكون ما أشرنا إليه بأنه حاضر أو مستقبل ،داالً
العبارة السابقة ،وجهتي نظرّ ،
على المستقبل حقيقة ،وجاء بعده بالماضي المتحقق (فقد وجب) كنوع من التأكيد على
الدالة على الحاضر أن تكون ّ
الصيغ ّ صحة رأيه وتحّققه ،و أ ّما الرأي اآلخر فهو ْ
والمستقبل ،هي حاضر ومستقبل في الماضي ،ودليله النتيجة التي آل إليها ابن ِجّني
بقوله مستخدماً صيغة الماضي المتحقق (فقد وجب) ،إذ ال يجوز أن يكون السبب في
الحاضر أو المستقبل ،ونتيجته في الماضي ،وهو الرأي األقرب إلى القبول من وجهة
نظري.
زمنية
يأتي بفعلين مختلفين لداللة ّ الزمني في نص ابن ِجّني ،أن ومن مظاهر التنويع
َ ّ ّ
واحدة ،وجهتين مختلفتين تبعاً للسياق ،وهذا ما كان في قوله " :أال ترى ّأن َك ّإنما أسكنته
مضامته ،)1( "...فقد بدأت هذه الجملة بصيغة المضارع ّ وتجذبه إلى
َ لِتخلِ َ
طه بالثاني
التلّفظ ،و إن ما بعدها ماض بحكم المعنى
تدل على الحاضر في زمن ّ
(أال ترى) والتي ُّ
ثم يتابع الجملة موجهاً الذي يقصده ابن ِجّني ،وهو هنا ّ
الشرح والتوضيح واالستشهادّ ،
الزمن الماضي التام ،وجاء هذا الفعل
يدل على ّ
الكالم للمخاطب الغائب بفعل ماض ُّ
الزمن
طه) داالً على ّ
مقترناً بفعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد الالم (ألن تخل َ
وعطف عليه
َ الزمن بحالته المفردة،
مؤوالً يشير إلى هذا ّ
المستقبل على اعتباره مصد اًر ّ
ِ
للجملة كامل ًة منية الزمن ذاته والجهة ذاتهاَّ ،
الز ّ
الداللة ّ
ولكن ّ فعالً مضارعاً آخر يحمل ّ
يدالن عليهالزمن المستقبل ،وال حتى الفعالن المضارعان اللذان ُّتدل على ّ
ال يمكن أن ُّ
السياقي يقتضي أن يكون ّ
الزمن هو الماضي حتماً. فالسياق والمعنى ّ
مفردينّ ،
َ
الزمن ،بل هناك قرائن ُّ
تدلنا عليه، السياق هو العامل الوحيد في تشكيل هذا ّ وليس ّ
َ
منها صيغة (أال ترى) التي أشرنا إلى ّأنها عندما تكون في سياق الشرح والتوضيح ُّ
تدل
ألن ابن ِجّني يحاول أن يثبت للمخاطب صحة رأيه ،من أن ما بعدها ماض؛ َّ على ّ
طب نفسه واستخدامه مسبقاً لهذه الحالة التي يشرحها ابن ِجّني،
خالل تجارب هذا المخا َ
الخصائص:ابنجنّي.140/2،
ِ -1
181
مجيء الجملة بعدها أن وقد لجأ أبو الفتح إلى هذه ال ّ ِ
َ طريقة في نصوصه كثي اًر ،كما ّ
يدل على ثبات وتأكيد تحّقق ما يقول.
(أن َك ّإنما) ُّ
مؤّكدةً وبمؤّك َدين اثنين ّ
منية أما عن جهة الفعلين (أسكنتهِ ،
الز ّ
السياق ّأنهما ليسا بالجهة ّ
اضح من ّ طه ) ف و ٌ
لتخل َ ّ
بالزمن نفسه -فجهة الفعل األول منهما هي الماضي التّام كما قلنا، نفسها -و إن كانا ّ
ألنهما ينطويان على
الزمن المستقبل في الماضي ،وذلك ّ يدل على ّ
و أما اآلخر ،ف ُّ
ولكن زمن النتيجة (الخلط) ليس بعيداً بل
سبب ونتيجة والسبب يسبق النتيجة طبعاًّ ،
شدة اتصال واقتران السبب والنتيجة معاً ،إضاف ًة إلى
مستقبل قريب ،ويوحي بذلك ّ
ٌ هو
تدلنا على قرب شدة اقتراب واقتران الالم (الم التعليل) من الفعل المضارع ،والتي ُّ
ّ
أن يقول مثالً( :أسكنته من أجل أن تخلطه) ،ولم يقل ذلك ،لماالتّحقق ،فكان بمقدوره ْ
بعضهما عن ِ
بدرجة بعد الفعلين أو السبب والنتيجة ِ في ذلك من إيحاء ببعد التّحقق،
الداللة
النص في ّ
أهمية ّ
بعض؛ أي( :أسكنتَه فخلطته وجذبتَه) ،ونلمح في هذا إشارةً إلى ّ
على المعنى ،والى حرص ابن ِجّني على اختيار األلفاظ والعبارات والتراكيب بدّقة
إيحاء مساعداً له في إيصال المعنى بصورة مباشرة وغير مباشر ،وهذا كو َن
متناهية ،لت ّ
ً
ِ
لدقائق سن استغالل ابن ِجّني
رجة األولى ،وعلى براعة ح ِ اعة العربية بالد ِ
يدل على بر ِ ُّ
ّ ّ
ليطوعها بما يشاء ويريد ثانياً.
اللغة وتفاصيلهاّ ،
منية فيما بينها حتى لتصبح كما لو ّأنها زمن داخل زمن،
الز ّ
وقد تتداخل الجهات ّ
جلياً في الكالم الذي يكثر فيه القول ،ونقل األقاويل من شخص إلى آخر،
ويظهر ذلك ّ
استخدم ابن ِجّني هذا األسلوب كثي اًر في شروحاته؛ نظ اًر العتماده على االستشهاد
َ وقد
أي أو قاعدة أو مسألة ،وهذا ما نجدهبالحجة والبرهان من أقوال أعالم العرب إلثبات ر ّ
أن تكون التاء في
أن قلناّ :إنه قد يجوز ْ
في قوله " :قيل :هذا هو الذي دعانا إلى ْ
الداللة
مرمريت بدالً من سين مرمريس ، "...إ ْذ تبدأ هذه الجملة بقول لقائل مجهول ،و ّ
()1
الخصائص:ابنجنّي.53/2،
ِ -1
182
ش ّكي قريب (في الماضي) ،وصيغة المصدر المؤول من الفعل الناقص (أن تكون)
ّ
التام ،ويحتوي
يدل على الماضي ّ األول ُّ بداللتها الماضية أيضاً ،وبذلك َّ
فإن القول ّ
يدل على المستقبل بالنسبة للقول األول؛ والمعنى (قيل :كذا
بداخله على قول آخر ُّ
حتمية للقول األول المتحقق ،والنتيجة
وكذا فقلنا :كذا وكذا) ،فقد جاء القول الثاني نتيجة ّ
ِ
بالنسبة إلى السبب ،و إن كانا ضمن زمن واحد ،وهو الماضي. دائماً مستقبل
ومعنوياً ،أي تكون
ّ زمني ٌة صيغ ًة أخرى ّ
زمنياً تحتوي صيغ ٌة ّ
َ أن
الزمن ْ
ومن حاالت تنويع ّ
الصيغة األخرى ،وهذاالزمن الذي تحدث فيه ّ الصيغة األولى بمنزلة الوعاء للحدث أو ّ
ّ
ألنهم يتظاهرون بينهم َّ
بأنهم ما يظهر في قول ابن ِجّني " :وليس كذلك أهل الحضر ّ
قد تركوا وخالفوا كالم من ينتسب إلى اللغة العر ّبية الفصيحة" ( ،)1فالفعل (يتظاهرون)
مقدر
الزمن الماضي ،ويوحي لنا بفعل ّ مستمر في ّ يدل على حاضر يدلنا على حدث ُّ ُّ
ّ
محذوف قبله تقديره (كانوا) ،وهذا ما جعل الفعل يتظاهرون داالًّ على االستم اررّيةّ ،
أما
تدل على ماض متحقق في وقت قريب ،بسبب داللة القرينة
صيغة (قد تركوا) فهي ُّ
الداللة إلى صيغة
الزمن والمعنى و ّ
منية جاءت تابع ًة في ّ الز ّ
الصيغة ّ
ولكن هذه ّ
(قد)ّ ،
الصيغة األولى
الدقيق مرتبط بها ،فإذا كانت ّ
مني ّ (يتظاهرون) ولذلك َّ
فإن تحديدها الز
ّ ّ
تم في نقطةالصيغة الثانية تشير إلى حدث ّ
فإن ّالمستمرَّ ،
ّ داّلة على الحاضر الماضي
يدل عليه الفعل (يتظاهرون) ولذلك قلنا َّ
أن هذه قريبة من بداية الحدث اآلخر الذي ُّ
تدل قد مع الفعل الماضي على
الصيغة احتوت صيغة (قد تركوا) ضمنها ،فاألصل أن ُّ
ّ
السياق الذي جاءت فيه ،والذي
التلّفظ ،ولكن ّ
الزمن الماضي القريب من الحال أو زمن ّ
ّ
المستمر في الماضي ،جعل نقطة
ّ جعل صيغة (يتظاهرون) حامل ًة لزمن الحاضر
منية للفعل (قد تركوا) وليست نقطة الحاضر أو الحال
الز ّ
الحال للفعل هي نقطة البداية ّ
الزمن متداخالً ومرّكباً.
مما جعل ّ
ألصليةّ ،
ّ ا
ونرى في بعض المواضع من كتاب الخصائص ،تداخالً للصيغ المركبة والمتنوعة في
لتكون جمالً مختلفة من حيث ّ
الزمن ،ومن أمثلتها، الشرطيةّ ،
منية مع الجملة ّ الز ّ
دالالتها ّ
ثم سمعت العرب قد نطَقت ِ
فيه بشيء ْ َ اك القياس إلى شيء ماَ ْ َ َّ ،اعلم ّأن َك إذا َّأد َ
قوله " :و ْ
آخر مثل ِ
مع َت من َفإن َس ْ
كنت عليه ،إلى ما ه ْم عليهْ ،
ع ما َآخر على قياس غيرهَ ،ف َد ْ
الخصائص:ابنجنّي.29/2،
ِ -1
183
تنطق العرب ْلم ك َّ
أن ِ ِ ِ
ْ َ ص َّح ع َند َ
فإن َ
ئتْ ،
فأنت فيه م َخيٌَّر :تستعمل أيَّهما ش َ
َجزتَه َ
ما أ ْ
بقياسك أنت ،كنت على ما أَجمعوا عليه البتّة ،وأعدت ما كان قياسك أ ََّداك ِ
إليه لشاعر ِ
َ َ َ َْ َ َْ
بالصيغ المرّكبة ،و سنأتي على تحليلها
السابق َينضح ّ
ص ّ الن ّ
أن ّيتضح َّ
موّلد ، "...إذ ّ
()1
السياق ،فقد بدأ هذا النص بصيغة األمر (اعلم) ثم مركب ًة مع غيرها وضمن ّ
مفردة ّ
المخاطب
ْ ثم جاء بعدها الكالم الموجه إلى
الزمن الحاضر أو المستقبلَّ ،
تدل على ّ
التي ُّ
صدرةً بـ (إذا) التي يأتي بعدها الماضي داالً على المستقبل ،وهذا ما
شرطي ًة م ّ
ّ جمل ًة
طف عليه بماض الزمن المستقبل ،والذي ع َ
(أداك) على ّدل الفعل الماضي ّ كان فقد ّ
(سمعت) دال على المستقبل أيضاً ،وبعده ماض مقترن ب ـ (قد) بقوله( :قد نطقت)
مستقبلي ًة متحّققة
ّ تدل مفردة على الماضي القريب من الحال ،بينما حملت دالل ًة
والتي ُّ
الشرط بصيغة األمر الدالة على المستقبل السياق ،وجاء جواب ّ
على وجه اليقين في هذا ّ
ثم يبدأ
وبعدها الفعل الناقص الذي جاء صل ًة ل ـ (ما) وداالً على ماض متحقق بعيدَّ ،
اسمية
دال على المستقبل ،وجوابها جملة ّ
(إن) فعلها ماض ٌ شرطية أخرى تبدأ بـ ْ
ّ بجملة
ثم جاء بجملةالسياق فزمنها المستقبلّ ،
أما في هذا ّ تدل على الديمومة أو االطالق ّ
ُّ
الداللة
مستقبل زمناً ،وجوابها الفعل الناقص (كان) ذو ّ
ٌ (صح)
مثلها فعلها ماض صيغ ًة ّ
السياق (وصلتالسياق يعطيه معنى آخر ،إذ أصبح معناه في هذا ّ أن ّالماضية ،غير ّ
الزمن
أن العرب لم تنطق بقياسك ،و ّ
صح عندك ّ
على ما أجمعوا عليه)؛ أي وصلت إذا ّ
ها هنا مستقبل أيضاً.
فالزمن الذي تحدث به ابن ِجّني التلفظ ّ
النص إلى زمن ّ
وال ّبد من االنتباه في هذا ّ
الزمن المستقبل ،وذلك بحسب الزمن الحاضر أو ّ التلّفظ) ،يمكن أن يكون ّ
(زمن ّ
(اعلم) الذي ابتدأ
ْ الداللة المشتركة فهو الفعل
أعان في تحديد هذه ّ
أما الذي َطبّ ،المخا َ
(أنت) والذي يمكن أن يكون
الموجه إلى مخاطب مستتر تقديره َبه ابن ِجّني شرحه ،و ّ
داالًّ على مخاطب بعينه حاضر أمامه ،فيكون زمن التلّفظ حينها حاض اًر ،ويمكن أن
ِ
فوقع عليه هنا في هذا الكتاب،
الموضع َ يكون المقصود به ّ
كل من طلب علماً بهذا َ
اعلم اآلن (حاضر) ،أو ليكن
المتحصل حينها هو المستقبل ال غير؛ أي ْ
ّ فيكون ّ
الزمن
علم دائم (مستقبل).
عندك ٌ
َ
الخصائص:ابنجنّي.126–125/1،
ِ -1
184
وقد وردت بعض األمثلة التي استخدم فيها ابن ِجّني جملتَين شرطيتيَّن متتاليتَين داّلتين
ومعنوياً ،وهذا ما نراه في قوله:
ّ السياق تنويعاً زمنياً
أكسب ّ
َ مما
على زمنين مختلفينّ ،
ألنك لو َفعلته لم يكن أحدهما أسعد بهذه الحال من اآلخر ،فإذا ِ
وقفت الحال بينهما َ َ ْ " َّ َ
وجب أن يتوازيا و أن يمث َال بصفحتيهما معاً ،)1( " .إ ْذ نجد ولم يؤثَر ِ ِ
بالمزّية أحدهما َ ْ
زمنية ِ ِ
الصيغ وفي استخدامها لداللة ّ في هذا المثال من قول ابن جّني تنويعاً كبي اًر في ّ
الزمنالصيغ ،ثم ّفي لهذه ّ الزمن الصر تختلف عن داللتها مفردة ،فيجب أن نرصد ّ
ّ ّ
السياق ،فقد احتوى هذا المثال على جملتين شرطيتين ،األولى النحوي الذي اكتسبته من ّ ّ
ونحوياً)،
ّ (صرفياً
ّ الشرط في الجملة األولى ماضياً بـ (لو) ،واألخرى بـ (إذا) ،جاء فعل ّ
الشرطية
أما جوابه فهو مضارع ناقص مجزوم صرفّياً ،وماض نحوياً ،إذاً فداللة الجملة ّ
رطية) وهي داللتها
الش ّ
تعارف عليه في جملة (لو ّ
ٌ األولى هي الماضي ،وهذا ما هو م
جاء فعلها ماض معطوفاً أما الجملة األخرى التي ْ
بدأت بـ (إذا) فقد َ على الماضيّ ،
منية
الز ّ
أما داللتها ّ
رفية الظاهرة هي الماضيّ ،الص ّعلى مضارع مجزوم ،فداللته ّ
أن
(وجب ْ
َ السياق فهي المستقبل ،وجوابها ماض مقترٌن بمصدر ّ
مؤول حوية في هذا ّ
الن ّّ
رطية غالباً ما تكون
الش ّ
الزمن المستقبل ،وجملة (إذا) ّ
الصيغة على ّ
تدل هذه ّ
يتوازيا) و ُّ
داّل ًة على المستقبل ،وهذا ما كان.
الزمن الماضي، يدل به على ّ
الصيغ ،فاستخدم المستقبل ل ُّ ِ
إذاً فقد ّنوع ابن جّني في ّ
إيحائية تتعلق
معنوية و ّ
ّ ليشير به إلى المستقبل ،ولهذا التنويع دالالت
َ واستخدم الماضي
بالصيغ وقوالبها الجامدة ،بل تطويع هذه بإيصال المعنى أو الفكرة للمتلقي ،دون ّ
تقيد ّ
الصيغ لتناسب المعنى الذي أراده.
ّ
الزمن بصيغ مختلفة أيضاً ،في ِ
قول ابن ِجّني " :ومع هذا فلست أدفع أن ونرى تنويع ّ
كل منها على
تدل ّ
فعلية ُّ
أحسوا فرقاً ، "...فنجد في هذا القول ثالث صيغ ّ
()2
يكونوا قد ّ
زمن مختلف عن اآلخر وعلى جهة مختلفة أيضاً ،فقد دّلت صيغة المضارع المسبوق
دل المضارع الناقص الذي جاء
الزمن الحاضر ،فيما ّ
بنفي في قوله( :لست أدفع) على ّ
الخصائص:ابنجنّي.70/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.21،3،
185
مؤوالً في قوله (أن يكونوا) على ماض بعيد ،وأشار الفعل الماضي المسبوق مصد اًر ّ
الزمن الماضي التام القريب الحاضر. أحسوا) على ّبـ(قد) في قوله( :قد ّ
ِ
كان يكون هناك من الزمن أيضاً ،قول ابن ِجّني ":ل َما َ
الدالة على تنويع ّ
ومن األمثلة ّ
حروف المضار ِ
ِ
عة – بقية
يت ّاالستثقال؛ الجتماع الهمزتين في نحو أؤكرم ،و إن َع ِر ْ
وورد في يعد
لو ْلم تح َذف -من اجتماع همزتين؛ وحذفهم أيضاً الفاء من نحو وعدَ ،
ويرد؛ ِل َما كان َيلزم –لو ْلم تح َذف -من وقوع الواو بين ياء وكسرة ،)1( " ...ففي المثال
الشرطية ،والتي تشير في الفعلية المركبة والمصادر والجمل ّ
ّ بالصيغ
غنى كبير ّ السابق
ً
اقترانها بعضها مع بعض إلى أزمنة مختلفة عن داللتها المفردة ،فجملة (كان يكون)
المؤّلفة من فعلين ناقصين األول ماض دال على الماضي والثاني مضارع دال على
وكأنه
الزمن الماضي؛ وذلك ألن المعنى ّ (كان يكون) ف ُّ
تدل على ّ أما جملة َ المستقبلّ ،
أما
تدل على الماضي أيضاًّ ،
(كان يتصف بكذا وكذا) ،ومثلها جملة (كان يلزم) التي ُّ
الزمن المطَلق؛ أي يصلح للماضي يدل مفرداً على ّ
المصدر (االستثقال) والذي ُّ
ولكن اقترانه بالمعنى مع جملة (كان يكون) جعل داللته المطَلقة
والحاضر والمستقبلّ ،
يدل على الماضي المطَلق بسب
بالزمن الماضي ،وكذلك المصدر (الجتماع) ُّمحددة ّ ّ
أن
(إن) فاألصل في جملتها ْ
المصدرة بـ ْ
ّ رطية
الش ّ
أما الجملة ّ
اقترانه بالجملة السابقةَّ ،
إن َع ِر ْ
يت[ ]...وقد جاءت السياق بمعنى (حتى ْ
تدل على المستقبل ،فقد جاءت في هذا ّ
ُّ
الزمن الماضي ،وبعدها المصدر
تدل على ّ
بعدها جملة (لو لم تحذف) المعترضة ،والتي ُّ
يدل في هذه الجملة
يدل هنا على الزم المستقبل ،أما المصدر (حذفهم) ف ُّ
(اجتماع) الذي ُّ
يدل على الماضي بسبب الزمن الماضي المطَلق ،ومثله المصدر(وقوع) الذي ُّ على ّ
اقترانه معنى مع جملة (لِما كان يلزم) التي سبق أن أشرنا إلى داللتها على الماضي.
ً
وليس ِ
وقد أع َّلَ ،استعان ْ
َ فإن قْل َت :فما تقول في
ويقول أبو الفتح في موضع آخرْ " :
كقام يقوم؟ ِقيل :هو و إن لم ين َ
ط ْق َ
عان يعون
ك ال تقولَ :معتل ،أال ت ار َ
ّ تحتَه ثالثي
ّ
ِ
فإنه في حكم المنطوق به ، "...إذ نجد في القول السابق عدداً كبي اًر من بثالثية ّ
()2
ّ
إن وفعلهاالشرط ْزمنية مختلفة ،فقد بدأ الجملة بأداة ّ
الصيغ المركبة التي تحمل دالالت ّ ّ
الخصائص:ابنجنّي.111/1،
ِ -1
-2المصدرالسابق.121/1،
186
وقت وقلت فيه كذا)،
(إن جاء ٌ زمنياً على المستقبل بمعنى ْ
يدل ّ قلت الذي ُّ
الماضي َ
موجهة
استفهامية ّ
ّ االستفهامية (فما تقول) والتي من المفترض ّأنها جملة
ّ وبعدها الجملة
أن وقوعها بيد ّ
الزمن الحاضرَ ، زمنية على ّ
طب حاضر ،فتحمل حينئذ دالل ًة ّ إلى مخا َ
حول تدل على المستقبلّ ، قلت) والتي ُّ
في موقع مقول القول من الجملة السابقة( إن َ
بالصيغة المرّكبة (وقد أ ِع َّل)
الزمن المستقبل ،وبعدها جاء ّ
االستفهامية إلى ّ
ّ داللة الجملة
الصيغة تدل هذه ّ المكونة من حرف التّحقيق قد وصيغة الماضي المبني للمجهول ،إذ ُّّ
زمنية قريبة من الحاضر ،ثم جاءت
الزمن الماضي المتحّقق في لحظة ّ
المرّكبة على ّ
كل منهما على زمن
يدل ٌّ
المكونة من فعلين مضارعين ُّ
ّ اك ال تقول)
الجملة (أال تر َ
الزمن الحاضر -و هي غالباً ما يأتييدل الفعل (تراك) على ّمختلف عن اآلخر؛ إذ ُّ
الزمن الماضي المطَلق ،وبعدها
يدل الفعل (ال تقول) على ّالفعل بعدها ماضياً زمنياً -و ُّ
النحوي فهو المستقبل
أما زمنه ّ ِ
يل)ّ ،
مبنياً للمجهول (ق َ
الشرط فعالً ماضياً ّ جاء جواب ّ
أما جملة مقول القول
جاء داالً على المستقبلّ ،
(قلت) َ
الشرط َ أن فعل ّ المطَلق؛ بحك ِم َّ
منية كاملة هي المستقبل
الز ّ
شرطي ًة أيضاً داللتها ّ
ّ جاءت جمل ًة
ْ الشرط (قيل) فقد
لجواب ّ
مكونة من حرفألن القول في المستقبل المطَلق ،وقد جاءت هذه الجملة ّ
المطَلق ّ ،
دال على الماضي بصيغته المفردة وعلى
الشرط مضارع مجزوم ٌ (إن) وفعل ّ الشرط ْ
ّ
اسمية النحوي المرتبط بالجملة ّ
الشرطية ،وجاء الجواب جمل ًة ّ المستقبل المطَلق في زمنه ّ
تدل على تأكيد وثبات الحدث في المستقبل. المشبه بالفعل َّ
(إن) ل ُّ ّ مؤّكدة بالحرف
الخصائص:ابنجنّي،ص.155/1
ِ -1
187
دال على المستقبل ،ثم يعترض القول بجملة مرّكبة دالة على زمن آخر،
أن القول فيه ٌ
ّ
الزمن
الداللة على ّ
وهي قوله( :وقد تراهم قالوا) ،والذي عهدناه في جملة كهذه هو ّ
ولكن (قد) في
حرف تقليلّ ،
َ المستقبل بسبب دخول قد على الفعل المضارع باعتبارها
الزمن الذي
ألن ّ
هذا المثال كانت دال ًة على التّحقق ال على التوّقع أو التقليل ،وذلك ّ
الزمن الماضي وليس المضارع ،والمعنى( :
تفيده صيغة المضارع في هذا القول هو ّ
الزمن وتحديد القاعدة أيضاً،
السياق في تحديد ّ
وقد رأيتهم قد قالوا كذا وكذا) فقد تح ّكم ّ
ولكن
أن (قد) حرف تقليل والمضارع بعدها دال على المستقبل القريبّ ، ولوال ذلك لقلنا َّ
الشرط الذي بدأ
أما جواب ّ ِ
المعنى لن يستقيم ولن يخدم الفكرة التي أرادها ابن جّنيّ ،
النص فهو قوله( :فالذي نقول في هذا ونحوه) فالصلة والموصول في هذا القول
به ّ
الزمن المستقبل. ُّ
يدالن على ّ
الزمني الذي ينطوي عليه دخول األفعال الناقصة على ومن األمثلة التي توضح التنويع
ّ ّ
َّدك هللا -لم
كنت –أي َ
إن َ رطية ،ما نراه في قول ابن ِجّني " :فقال له السائلْ :
الش ّ
الجمل ّ
رت عنها له ،وأمضيته ،فما أ ِح ُّب
أيت غيره خي اًر منه فكّف َ
تحلف يميناً قط على أمر فر َ
ْ
ِ
أدون ّ
الرجَلين عندك ،)1( "...إ ْذ منك فال تجعلني َ كان ذلك قد كان َأن أ ْحنثَ َك ،و إن َ
ْ
الشرط
المركبة ضمن جملتي ّ
ّ الصيغ تنطوي هاتان الجملتان ّ
الشرطيتان على عدد من ّ
الشرط مركباً بين الفعل الناقص (كان) والفعل
(إن) ،ففي الجملة األولى جاء فعل ّ
بعد ْ
دعائية مستخدماً الفعل
ّ اضية
المضارع المجزوم بـ(لم) وقد فصل بينهما بجملة اعتر ّ
يدل
تحلف) ف ُّ كنت لم
أما تركيب (إن َ
مني على المستقبلّ ،الماضي الدال في مدلوله الز
ْ ّ ّ
الزمن الماضي البعيد المتحّقق ،على عكس ما جرت عليه العادة من مجيء فعلعلى ّ
(إن) داالًّ على المستقبل ،وما يؤّكد لنا داللته على الماضي هو
الشرط وجوابه بعد ْ ّ
ط).الظرفية (ق ّ
ّ القرينة
يتحدث عنه في إطار ّ ثم نرى ابن ِجّني يستخدم حروف العطف ليؤّكد ويعزز ما ّ
رت،
مني والتتابعي لألحداث ،فيقول( :فرأيت ،فكّف َ حكائي ،مراعياً فيه التسلسل الز
ّ ّ ّ
ستقبل بالنسبة إلى الفعل الذي يسبقه ،وكلها أفعال ذات
فكل فعل فيها هو م ٌوأمضيته)ُّ ،
دالالت ماضية ،مما يحيلنا إلى زمنين متداخلين مرّكبين الماضي وهو العام والمستقبل
الخصائص:ابنجنّي.221/1،
ِ -1
188
الشرط فعالً
جاء جواب ّ زمنية أكثر منه زمناً ،ثم َ
في الماضي ويمكن اعتباره جهة ّ
الزمن
يدالن معاً على ّ مضارعاً منفياً بـ(ما) مقترناً بالمصدر المؤول (أن أحنثك) و ُّ
َ ّ
رطية الثانية ففعلها مرّكب
الش ّ
أما الجملة ّ
حب إحناثَ َك)ّ ،
المستقبل ،والمعنى منهما ( فال أ ُّ
الخصائص:ابنجنّي.30/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.15/2،
189
تدل صيغة (كان
كل صيغة منها بجهة مختلفة ،ف ُّ
الزمن الماضي ،وتنفرد ّ
الداللة على ّ
ّ
الزمن الماضي
ينبغي) ،التي أساسها الفعل الناقص المرّكب مع الفعل المضارع ،على ّ
المكون من (أن والفعل المضارع الناقص) على ّ
الزمن ّ المؤول
ّ يدل المصدر
البعيد ،و ُّ
تدل على
الصيغة الثالثة ،وهي (قد مع الفعل الماضي) ف ُّ
أما ّ
المستقبل في الماضيّ ،
الماضي القريب.
ومن األمثلة على استخدام صيغتي الماضي والمضارع في جملة واحدة َّ
للداللة على
زمن واحد هو الماضي ،وفي جهات مختلفة ،ما نالحظه في هذه الجملة " :وذلك ّأن َك
يتقدم على الثانية منهما الزائد
تكررت فيها العينان ّإنما ّ
أن هذه المثل التي ّعلمت ّ
َ قد
زمنية مختلفة عنولكل واحدة منها جهة ّ
ال محالة ، "...ففي هذا المثال ثالث صيغ ّ
()1
الشمس تشرِق ّ
كل يوم، َ إن
علمية مثبتة ،كقولناّ :
الماضي في حقيقته ،أو على حقيقة ّ
الموضع (وهو الشرح) يكون لتأكيد معرف ِ
ته بهذه ِ َّ
المؤكد في هذا واستخدام المضارع
العلمية المتّفق عليها ِ
ونزوله منزل َة الماضي المتحّقق ،أو الحقيقة القاعدة أو هذا الكالم،
ّ
الصيغ،
السياق الذي وردت فيه هذه ّ والتي ال تحتمل ش ّكاً أو انتقاداً ،وهذا ما أحدثه ّ
(إنما يتقدم)،
تدل على معرفة مسبقة باألمر ،وجاء جوابها ّ علمت) ُّ
َ ففي قوله( :أّن َك قد
علمت سابقاً
َ (إنك
كأنه قالّ : يدل على معرفة مسبقة أيضاً ،والمعنى من هذا القولّ ، ل ُّ
أن تكرر المثل التي تتقدم عادةً على الثانية منهما الزائد) ،وأ ّكد على تَ ُّ
حق ِق ذلك القرينة ّ
ختم بها هذه الجملة ،وهي قوله( :ال محالة) ،والتي دّلت على ما سبقت
السياقّية التي َ
ّ
ؤكد والمتحِّقق. اإلشارة ِ
إليه من داللة الصيغ السابقة على الماضي الم َّ
ّ
ومستمر
ّ منية باستخدام األفعال الناقصة ،بين قريب وبعيد
الز ّ
الزمن أو الجهة ّ
ومن تنويع ّ
أجاز أن يكون قد كانت قديماً معربةّ ،
فلما وتام ،ما نراه في قوله " :وقد كان أيضاً َ
الخصائص:ابنجنّي.64/2،
ِ -1
190
الزمني والجهي الذي ثرت غّي َرت فيما بعد" ( ،)1إ ْذ يتّضح من هذا القول ،التّنويع
َك ْ
ّ ّ ّ
أضافه اقتران األفعال الناقصة والقرينة (قد) بعضهما مع بعض ومع الفعل الماضي.
الزمن:
الصيغ المرّكبة وثبات ّ
ّ -8
الصيغ ،وهي تعتبر
حين ننظر إليه بمنظار ّ
الزمن أشكاالً متعددة َ
يتخذ التعبير عن ّ
صيغ مفردة عن زمن ما،
تعبر ّ
أن ّ الزمن ،إذ يمكن ْ
المفتاح المساعد للدخول إلى عتبة ّ
الصيغ ضمن
مركبة مع غيرها من ّ
الصيغ نفسها عن زمن آخر إذا كانت ّ
تعبر هذه ّ
كما ّ
تعبر صيغ عديدة عن زمنسياق ما ،والعكس صحيح في هذا المجال؛ إذ يمكن أن ّ
الزمن،
السياق) ال تشير إلى هذا ّ
الصيغ مفردةً (خارج ّ
واحد حتى ولو كانت دالالت هذه ّ
أن تكون هذه ّ
الصيغ المرّكبة كثيرة األفعال والجمل ومتداخل ًة فيما بينها تداخالً ويمكن ْ
صي َغت من أجلها ،وغالباً ما يكون سبب ثبات هذا منسجماً يخدم السياق والفكرة التي ِ
ّ
الزمن هو قرينة واحدة تخضع لها كل العبارات والتراكيب التابعة لها في المعنى كالقرائن
ّ
رطية ،أو بعض التراكيب المتعارف بداللتها وداللة جملتها على زمن
الش ّ
الظرفية ،أو ّ
ّ
دون آخر ،وقد تكون هذه الصيغ مركبة تركيباً بسيطاً كاجتماع فعلين ل ُّ
يدال على زمن ّ
واحد.
اضع كثيرة سنأتي على بعضها من ِ
الصيغ ،وفي مو َ
وقد لمحنا عند ابن جّني مثل هذه ّ
ك أوردته،)2(" ...
فلم َن َر َ
خالل أمثلة عليها ،ونذكر منها قوله ":وكانت الحركة الزمةْ ،
يدالن على زمن واحد هو فقد اجتمع في هذه الجملة فعالن بصيغتين مختلفتين ،و ُّ
الماضي ،فقد جاءت األولى بصيغة المضارع المجزوم الدال على الماضي ،واآلخر
أما مجيء صيغ مرّكبة كثيرة يدل على الماضي أيضاًّ ، جاء بصيغة الماضي الذي ُّ
َ
شيء منه اعلم َّ
أن اللفظ قد َيرد ِ
ٌ تدل في مجموعها على زمن واحد فمثالها قوله " :و ْ
ُّ
تدل به على أمر ما ، ".فنرى في القول السابق صيغاً
أن يس ُّ
فيجوز جوا اًز صحيحاً ْ
()3
الخصائص:ابنجنّي.31/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.150/1،
-3المصدرالسّابق.106/1،
191
احتمالية
ّ يدل على تقليل
(قد يرد) وهي صيغة مرّكبة من حرف التقليل (قد) الذي ُّ
ْ -
الزمن المستقبل.
يدل على ّ
رد) الذي ُّ
(ي ْ
الحدث في المستقبل ،والفعل المضارع َ
الزمن المستقبل
يدل على ّ
-صيغة (يفعل) الممثلة بالفعل المضارع (يجوز) الذي ُّ
المطَلق.
يدل
-المصدر الصريح(جوا اًز) وهو مفعول مطَلق مؤكد للفعل المضارع يجوز ،و ُّ
المشتق منه.
ّ على مستقبل مطَلق يلي زمن الفعل
الزمن الحاضر في هذا المثال. يدل على ّ
تدل) الذي ُّ
أن يس ُّالمؤول ( ْ
َّ -المصدر
أن المعنى ُّ
يدلنا على ّأنها جملة داّلة وبالنظر إلى تركيبة الجملة الكاملة نرى َّ
رفية.
الص ّ
صورة ّ
متنوعة من حيث ال ّ
عبرت عنه صيغ ّ
الزمن المستقبل الذي ّ
على ّ
كررها كثي اًر في كتابه -مع
ومن أمثلة ذلك أيضاً استخدام صيغة (أال ترى) -التي ّ
ظ الواحد تقديرين
تقدر اللف َ
اك كيف ّ صيغة الفعل المضارع ،نحو قوله " :أفال تر َ
يدل
الزمن الحاضر في استخدامه المفرد ،و ُّ يدل الفعل (ترى) على ّ
مختلفين )1( "...إذ ُّ
السياق الذي وردت فيه هذه
أن ّرفي ،في حين ّ الزمن المستقبل الص(تقدر) على ّ
الفعل ّ
ّ ّ
الزمن الماضي ،إذ َّ
إن تدل على ّ
منية للفعلين وللجملة عام ًة ُّ
الز ّ
الداللة ّ
الصيغ قد جعل ّ
ّ
تعبر عن زمن
ظ ،فنلحظ ها هنا صيغاً متنوعة ّ تقدر اللف َ
كيف كنت ّ المعنى أال ترى َ
نحوي واحد هو الماضي.
ّ
نص ابن
الداللة على زمن واحد في ّ الصيغ المركبةّ ،
ومن األمثلة الشاهدة على تنويع ّ
الهندات ،فلم
َ أن يفتَحوا التّاء فيقولوا :رأيت ِجّني ،قولهّ " :
ألنهم قد كانوا قادرين على ْ
الصيغ بعضها صيغ مركبة يفعلوا ذلك ، "...فنجد في القول السابق عدداً من ّ
()2
الخصائص:ابنجنّي.107/1،
ِ -1
-2المصدرالسابق.111/1،
192
تدل صيغة اسم الفاعل قادرين بوقوعها خب اًر للفعل الناقص
القريب من الحاضر ،فيما ُّ
أما صيغة المصدر المؤول من أن والفعل المضارع بقوله( :أن الزمن الماضيّ ،
على ّ
أن هذا المستقبل وقع في سياق زمن ماض ،فهوتدل على المستقبل ،إال َّ
يفتحوا) ،فهي ُّ
أن هذا المصدر المؤول جاء معطوفاً عليه مستقبل في الماضي ،والدليل على ذلك ّ
بفعل ماض بعده ،وبحرف العطف (الفاء) الذي يفيد الترتيب والتعقيب ،بقوله( :فيقولوا)؛
بكل
أن يفتحوا التاء ،فإذا كان المصدر المؤول سابقاً لفعل ماض ،فهو ّ
أي يقولوا بعد ْ
ال على
الد ّ
تأكيد دال على الماضي ،ثم يتابع قوله بعطف صيغة المضارع المجزوم ّ
سبق أن أشرنا إلى داللتها
َ الزمن الماضي ،على صيغة (قد كانوا قادرين) ،التي
ّ
الزمن المستخدم
الصيغ المركبة والمعطوفة توصلنا إلى استخالص ّ
كل تلك ّ
الماضيةّ ،
في هذه الجملة والذي يظهر لنا ّأنه الماضي.
الصيغ المرّكبة التي دّلت على زمن واحد صيغة (أال تراهم ال يفعلون) والتيومن ّ
سبقت اإلشارة إليها منفصل ًة في الفقرة السابقة ،ومثالها قول ابن ِجّني " :أال ت ارهم ال
الزمن
تدل صيغة (أال تراهم) على ّ يقولون :ابتََيعوا وال استََيروا وال نحو ذلك" ( ،)1إذ ُّ
الزمن الماضي المطَلق؛ الحاضر ،و قد أشرنا إلى داللة صيغة (ال يفعلون) على ّ
بمعنى ّأنهم لم يقولوا في أي وقت سابق ،فيما يذهب بعض الدارسين الم ْح َدِثين إلى
السياق،
أما المعنى العام لهذه الجملة وفي ضوء ّ داللتها على المستقبل أيضاً ّ ،
()2
-1الخصائص:ابن ِجنّي.124/1،
-2يُنظر:اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص.248-247
الخصائص:ابنجنّي.186/1،
ِ -3
193
الصيغ المرّكبة والتي لو نظرنا ،فنرى ّ
أن الَقولين السابَقين ينطويان على عدد من ّ
()1
المطَلق:
الزمن ُ
الداللة على ّ
ّ -9
الزمن المطَلق هو زمن درج استخدامه في الدرس الحديث عند اللسانيين العرب والغرب
ّ
لتشمل
َ محدد تتسع داللته
الداللة على زمن مطَلق غير ّ والمستشرِقين ،ويقصد به ّ
الزمن أقرب للوصفالزمن ،ويكون هذا ّ
الماضي والحاضر والمستقبل ،بجميع جهات ّ
الزمن ،إذ يكون الستخدامه دالل ٌة وصفية ،تشير إلى االتصاف بهذا األمر أو
منه إلى ّ
الموصوف صف ًة
َ أن الوصف يعطي الزمن المطَلقَّ ،
ذاك ،ووجه التقارب بين الوصف و ّ
كل زمان ،وقد استخدمه ابن ِجّني في عباراته كثي اًر ،نحو قوله:
ثابتة مطَلقة تالزمه في ّ
الخصائص:ابنجنّي.217/1،
ِ -1
194
استخدام ابن
َ " واألمر أوسع شّق ًة ،وأظهر كلف ًة ومشق ًة " ( ،)1إذ نلحظ في القول السابق
ِجّني السم التفضيل (أوسع ،وأظهر) في سياق الوصف ،وهذا واضح ،كما َّ
أن داللتهما
الزمن المطَلق الذي يفيده معنى الوصف. منية هي ّالز ّ
ّ
الزمن المطَلق حك اًر على صيغة دو َن غيرها ،أو على قرينة ّ
زمنية الداللة على ّوليست ّ
الزمن على جملة أن يكو َن ّ
السياق فيصالً في إضفاء هذا ّ أو ظرفية بذاتها ،إ ْذ يمكن ْ
ليست داّل ًة ِ
عليه في صورتها المفردة ،وهذا ما َكث َر في نصوص ابن ِجّني في كتابه
أن يكون الحرفان أمكن ْ
(الخصائص) ،والذي نستخلص منه زبدةَ هذا القول " :فمتى َ
دل
فإن ّ
(كل واحد منهما قائم برأسه) ْلم َيسغ العدول عن الحكم بذلكْ ،
جميعاً أصلين ّ
دال [ ]...ع ِم َل بموجب ّ
الداللة ،)2( "...ففي القول السابق جملتان شرطيتَان ،األولى
جاء
أن فعلها َ (إن) ،والجملة األولى التي بدأت بـ متى نرى َّ
صدرة بـ (متى) ،والثانية بـ ْ
م ّ
مؤول قوامه الفعل المضارع الناقص ،و أن جو َابهابصيغة الماضي مضافاً إلى مصدر ّ
منية المفردة لهذه
الز ّ
الدالالت ّ
الزمن الماضي ،فهذه هي ّ
دال على ّ
فعل مضارع مجزوم ٌّ
الزمن
الداللة على ّ الشرط) ،فهي ّ
السياقية(ضمن سياق ّ
منية ّ
الز ّ
أما دالالتها ّ
الصيغّ ،
ّ
أي وقت أمكن فيه كذا ِ المطَلق؛ وذلك َّ
ألن المعنى الذي أراده ابن جّني منها هو( :في ّ
أما الجملة
لكل زمان وليس الماضي فقطّ ،
ْلم يسغ كذا وكذا) ،ولذلك تَصلح هذه الجملة ّ
رطية والتي كان فعالها ماضيين كما هي العادة ،وداللتهما
الش ّ
إن ّاألخرى ،فهي جملة ْ
الشرطية السابقة
أما الجديد فهو تأثرها بمعنى الجملة ّ
جديد في ذلكّ ،
مستقبلي ٌة أيضاً ،وال َ
ّ
الزمن المطَلق وليس
(إن) إلى ّ
لها ،فقد لعب المعنى دو اًر كبي اًر ،في نقل داللة جملة ْ
تابع ِ المستقبل فحسب ،بل الماضي والحاضر ،وكل وقت وجهة ،وذلك َّ
ألن ابن جّني َ
الزمن المطَلق ،فكانت الجملة الثانية
تدل على ّ
بها حديثه الذي بدأه بجملة (متى) التي ُّ
أما عن سبب استخدامه مستقبلية فقطَّ ،
ّ يصح اعتبارها لذلك
ُّ متابع ًة وتفصيالً لها ،وال
يتحدث
أن ما ّ
لصي ِغ الماضي في الجملتين ،فقد أشرنا إليه سابقاً ،وهو التأكيد على ّ
وكأنه أنزله منزلة الماضي المتحقق الذي ال شك فيه.
عنه مؤكد الحدوث ّ
الخصائص:ابنجنّي.108/1،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.83/2،
195
المشتّقات:
-10داللة استخدام ُ
أن الفعل يحمل في ِ
النحويين القدماء منهم والم ْح َدثين إلى ّ
يشير الكثير من الدارسين و ّ
حوي وهو زمنه بعد ِ
السياق ،وآخر َن ّ صرفي وهو زمنه المفرد خارج ّ ّ
زمنين زمن
داللته َ
إن زمنها
بل ّ
صرفياًْ ،
ّ أن تحمل زمناً السياق ،بعكس الصفات التي ال يمكن ْ دخوله في ّ
تمام حسان على بالسياق الذي تقترن به ،ويؤّكد الدكتور ّ ط ّ زمن نحوي ،مرتب ٌ
أبداً هو ٌ
أن هذه الزمن في الصفة ،مضيفاً إلى ّ فرق بين ّ
الزمن في الفعل و ّ هذه النقطة حين ّ
عدي ،فيجعلها عامل ًة
سياقية كاإلسناد والتّ ّ
ّ أن تدخل في عالقة
شتق) يمكن ْ
الصفة (الم ّ
ّ
فيما بعدها (ترفع الفاعل ،وتنصب المفعول به) ،فتكون حينها ّ
منون ًة (غير مضافة)
مستقبلية ،أو تكون داّلة على الماضي إذا كانت غير ّ حالية أو
زمنية ّ
وتحمل داللة ّ
(المقامية)
ّ الحالية
ّ منونة (مضافة) ،وما يحدد داللتها بين الحال واالستقبال هو القرائنّ
()1
السياق.
(المقالية) التي ترافقها في ّ
ّ اللفظية
ّ أو
نص ابن ِجّني ،وكان لظهورها أثر بالغي وإيحائي ومعنوي، وقد ظهرت المشتّقات في ّ
الصيغ البارزة في كتابه الخصائص، حرك المعنى وأغناه ،وكانت ّ
زمني ّ َي َندرج تحته أثر
ّ
صيغة اسم الفاعل تليها صيغة اسم المفعول ،وكانت أكثر حاالتها تك ار اًر ،مجيئها داّل ًة
منية
الز ّ
الداللة على زمن محدد ،ولذلك كانت داللتها ّ
مجرداً من ّ
على ثبات الوصف ّ
الزمن ،وقد اقترنت هذه المشتقات ببعض
تاما من ّ
الزمن وليس تجريداً ّ
أحياناً هي مطَلق ّ
الصيغ الفعلية ،أو قد تكون هذه المشتقات مقترن ًة
السياقية ،شأنها في ذلك شأن ّ
القرائن ّ
منية ،كماالز ّ
الصيغة وتؤّكد داللتها ّتدل حينها على صفة ثابتة في ّبالصيغ الفعلية ف ُّ
ّ
ِ ِ
جاء
أن اإلضافة ، "...فقد َ اعتقد معتَقٌد ّ
ذهب ذاهب ،و َنرى في قول ابن جّني " :فلو َ
()2
كلماضيين ،وجاء معموالهما صيغة اسم الفاعل من ّ َ أبو الفتح في هذا المثال بفعلين
عتقد) في الجملتَين على ثبات الصفة في منهما ،فقد دل اسم الفاعل ِ
(ذاهب ،م ِ
ّ
الزمن في الفعل الذي قام به الفاعل ،ولذلك فقد ساعد اسم الموصوف ،وعلى ثبات ّ
اعتقد).
(ذهب ،و َ
َ الصيغة الفعلية
الزمن الماضي على ّ
الفاعل في تأكيد ّ
-1يُن َ
ظر:اللغةالعربيّةمعناهاومبناها:د.ت ّمامحسّان،ص.253-252
الخصائص:ابنجنّي.183/2،
ِ -2
196
الزمن بنفسه ،فمثاله قوله " :وهذا كّله َمشروٌح في أما أن يكون الم ُّ
شتق داالً على ّ ّ
أماكنه ، "...فقد وقع اسم المفعول من الفعل الثالثي (ش ِرَح) خب اًر للمبتدأ (هذا)،
)1 (
يدل
ألن اسم المفعول هنا ُّ
الزمن الماضي على هذه الجملة الخبرّيةّ ، وساعد في إضفاء ّ
أن عبر عنه فعله (ش ِرَح) ،و ّ
الداللة المفهومة من الجملة ّ الزمن الماضي الذي ي ّ
على ّ
(هذا كله قد ش ِرَح سابقاً).
اء للداللة
الصيغ ،مما يعطي تنويعاً وإثر ً
ورأينا في بعض المواضع استخداماً متنوعاً لهذه ّ
الزمن ،ومن أمثلة ذلك قول ابن ِجّني " :قال :هما أيضاً حرفان َ
للغيبة والمعنى و ّ
مذهب
ٌ االسمية في رأيته ،وغالمي ،وصاحبي ،وهذا
ّ والحضورَ ،مخلوع ٌة عنهما داللة
بالصحة ،)2( " .فنرى في هذا
اس ّ القوة ،ومقتَ ٌ
إن كان كذلك -جار على ّ
َه ْول ،وهو – ْ
المثال أنواعاً مختلفة من المشتقات وبصيغ مختلفة ،منها صيغ اسم الفاعل (جار)،
تدل
ذهب) ،وجميع هذه المشتّقات ُّ
(م َ
المكان َ
(مخلوع ٌة ،مقتَاس) ،واسم َ
المفعول َ
واسم َ
الزمن هو الماضي ،كما هو
الزمن ،وهذا ّ
على زمن واحد وجهات مختلفة ضمن هذا ّ
السياق ،الذي جاءت فيه هذه الجملة ،بوقوعها مقوالً للقول أوالً ،وبسبب اضح من ّو ٌ
الداللة المفهومة من هذه المشتقات ثانياً.
ّ
الظرفية الموجودة
السياقية و ّ بالسياق والقرائن ّ
الصيغّ - وتتأثر المشتقات -كغيرها من ّ
منية،
الز ّ
السياق على داللتها ّ
زمنية جديدة ،أو تأكيداً من ّ
لتكتسب بها دالل ًة ّ
َ النص،
في ّ
فإن َك حينئذ مع ومن أمثلة ذلك قول ابن ِجّني " :أال ترى ّ
أن هذين الحرفين إذا قويا ّ
ذلك مؤِن ٌس فيهما ضعفاً" ( ،)3ففي هذا المثال نجد أن صيغة اسم الفاعل (مؤِن ٌس)
َ
منية هي المستقبل ،كما ّأنها تنطوي
الز ّ غير مضافة ،ولذلك َّ
فإن داللتها ّ منون ًة َ
جاءت ّْ
إسنادي كما األفعال فقد عملت عمل فعلها فرفعت فاعالً وهو الضمير
ّ على تركيب
الداللة
)،ونصبت مفعوالً به وهو (ضعفاً) ،وساعد في التّأكيد على هذه ّ
ْ المستتر(أنت
َ
الزمن المستقبل، الشرط لألداة (إذا) والتي ُّ
تدلنا جملتها على ّ الصيغة في جواب ّ
وقوع هذه ّ
رفية (حينئذ)؛ أي في
ظ ّ وكذلك فقد تحدد هذا المستقبل في نقطة محددة بفضل القرينة ال ّ
ذلك الوقت من المستقبل ستأنس فيهما ضعفاً.
الخصائص:ابنجنّي.185/2،
ِ -1
-2المصدرالسّابق.189/2،
-3المصدرالسّابق.291/2،
197
-11أثر أحرف العطف:
عامة في الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم،
تفيد أحرف العطف بصورة ّ
كل حرف
يتميز بها ّ
تؤديها أحرف العطف ،لكنها تؤدي معاني ّ فهذه هي الوظيفة التي ّ
منية والتراخي واإلضراب والنفي وغيرها ،ولبعض هذه
الز ّ
عن اآلخر كالترتيب والمعاقبة ّ
الوظائف صلة بالزمن كما هو معروف ،وقد ظهر ذلك بجالء في كالم ابن جني ،ومن
وكأنهم ف ّكوا صيغ َة ِتهامة فأصاروها إلى تَ َهم أو تَ ْهم ،)1("...فالفعالن
ذلك قولهّ " :
الزمن الماضي ،ولكن هذا ال يعني ّأنهما في يدالن على ّ الماضيان( ف ّكوا ،فأصاروها) ُّ
لكل واحد منهما جهة ،وساعد في تحديد هذه الجهة حرف وقت واحد من الماضي ،بل ّ
العطف (الفاء) التي تفيد الترتيب والتعقيب المباشر(أي بدون مهلة ّ
زمنية طويلة)؛ أي
ّإنهم ف ّكوا وبعدها مباشرةً أصاروها أو حولوها ،وهذا القرب بين زمن الفعلين ال يعني
حدث
َ ّأنهما حدثا معاً ،بل ثمة ترتيب زمني وتسلسل لألحداث ،فالفعل األول (ف ّكوا)
حدث الفعل الثاني (أصاروها) ،وهذه هي فائدة هذا الحرف. أوالً ،وبعده مباشرةً َ
تدل بها على عدم التقاء الفعلين
مني ،ويس ُّويؤّكد ابن ِجّني على أثر الفاء في التعقيب الز
ّ ّ
معاً في الزمن فيقوله " :ويؤّكد عندك حال إتّباع الثاني لألول و أنه ليس معه في ِ
وقته، َ ّ َ َ ّ
فإنه يعطيني ،وإذا ِلقيته ّ
فإنه كقولك :إذا سألته ّ
َ النحو من الكالم؛ دخول الفاء في هذا ّ
بش بي ،فدخول الفاء هنا ّأول دليل على التّعقيب ،و أن الفعلين لم يقعا معا في زمان
َي ّ
واحد ،)2("...ويشير في موضع آخر إلى داللة حرف العطف (الواو) وصالحيتها
الزمن ،يقول" :
تدل على تخصيص ّ السمة ،ف ُّ
لألزمنة الثالثة ،او قد تخرج عن تلك ّ
تصلح لألوقات الثالثة؛ نحو
َ أن وأو العطف َوضعها لغير الترتيب ،و أن
فنظير هذا ّ
جاء ز ٌيد وبكر ،فيصلح أن يكونا جاءا معاً ،و أن يكون زيد قبل بكر ،و أن يكون بكر
اختصم ز ٌيد
َ ثم ّإن َك قد تنقلها من هذا العموم إلى الخصوص ،وذلك قولهم:
قبل زيدَّ ،
أن يكون الواو فيه إال لوقوع األمرين في وقت واحد ،ففي هذا
وعمرو ،فهذا ال يجوز ْ
الخصائص:ابنجنّي.111/2،
ِ -1
-2المصدرالسابق.223/3،
198
أيضاً إخراج الواو عن أول ما و ِ
ض َعت له في األصل :من صالحيتها لألزمة الثالثة، ّ
واالقتصار بها على بعضها. "...
()1
نصه تسلسالًأكسب ّ
َ كما نرى أن استخدام ابن ِجّني ألحرف العطف في شرح القاعدة
وتشاركية عطف األفعال
ّ حيوي ًة
ّ الحديث
َ وترتيباً في األحداث واألفكار ،كما يكسب
طب ليكون والجمل الفعلية بعضها على بعض و قد استخدم فيها ابن ِجّني ضمير المخا َ
منوعاً في الجمل بين استخدام األفعال ستمع أو ِطب الم ِ
القارئّ ، موجها للمخا َ
الشرح ّ
رطية ،والتي جاءت كّلها في سياق ماض ،وهذا ما كان الش ّ
الماضية والمصادر والجمل ّ
فإن َك
األول ّ
بدأت بالتغيير من ّ
فإن َ بناؤك مثل فعلول[ْ ]...
َ واضحاً في قوله " :ومن ذلك
ثم أبدلت[]...
أدغمت[ ]...فصارت[ّ ]...
َ ثم
فصار التقدير[َّ ]...
َ أبدلت الوأو األولى[]...
َ
فأردت ،)2( "...فنرى تنويعاً في األفعال والجمل ،وأحرف العطف
اجتمعت [َ ]...
ْ فلما
ّ
الزمن
بين (الفاء ،وث َّم) التي جمعت هذه الجمل ،والتي أكسبت المعنى ترتيباً في ّ
أن جهتها وتسلسها يختلف بعضها عن فكل الجمل السابقة ماضية ،إال َّ
الماضيّ ،
أقرب إلى ذهن المتلّقي.
حيوية ،و َ
ص أكثر ّ
الن َّ
بعض ،وهذا ما جعل ّ
الخصائص:ابنجنّي.320/3،
ِ -1
-2يُنظر:المصدرالسّابق.7/3،
199
الخاتمة والنتائج:
مقومات الفعل ،وربطوا الداللةأساسي من ّ مقوم
الزمن ّ النحاة القدماء على َّ
أن ّ لقد أجمع ّ
ّ
الدالة
الزمن بصيغة الفعل ،وقد كان مفهوم الفعل عندهم مرتك اًز على ّأنه الكلمة ّ
على ّ
نقدية كبيرة من اللغويين
على معنى و زمان ،ولذلك فقد واجهت هذه اآلراء موج ًة ّ
المعاصرين ،وخاصة الغربيين ،الذين عابوا على النحاة القدماء عدم االهتمام بما
المعنوية التي يحتويها
ّ السياقية أو
ّ الصيغ من أزمنة مختلفة بعد اقترانها بالقرائن
تنتجه ّ
منية الثالثة للفعل
الز ّ
منية للصيغ ّ الز ّ
النص ،كما اتهموهم بجمود وضعف القدرة ّ ً
الزمن وجهاته المختلفة ،وربما
(الماضي والحاضر والمستقبل) ،وعدم تعبيرها عن دقائق ّ
عام ًة أو
بيد ّأنها ليست ّ
النحويين القدماءَ ،
أن هذه االدعاءات تصدق على بعض ّ نجد ّ
ِ
جانب عدد من كل النحاة القدماء ،وهذا ما حاول هذا البحث إثباته إلى
تنسحب على ّ
تحصلت من مجمل هذه الدراسة ،ويمكن أن نذكر منها:النتائج التي ّ
سانيات
وبين أن الّل ّ
-1وضح البحث مفهوم الزمن ووجهات النظر المختلفة إليهّ ،
الحديثة قد طرحت طروحات ومصطلحات جديدة في الزمن ،كما ّبين أن
النحاة القدماء قد وقفوا على معظم تلك الجوانب ،إال أنهم لم يستخدموا
المصطلحات كما استحدثت.
بالصيغة المفردة ،واآلخر
صرفي متعلق ّ ّ الزمن اللغوي نوعان؛ ّ
األول -2إن ّ
نحوي مرتبط بالسياق وقرائنه ،وكل منهما له دوره الفاعل في تشكيل الزمن
ّ
الذي يفهم في الكالم.
الداللة على المعنى،
الزمن و ّ
رفية للفعل دور مهم في تحديد ّ
الص ّ
للصيغة ّّ -3
كون لبنة من لبنات بناء زمن السياق ،وليس هو الزمن
ولكن هذا الزمن ي ّ
الحقيقي الذي يفهم من الكالم.
منية ،وإمكانات واسعة في
الز ّ
قوة تعبيرّية كبيرة عن الجهات ّ
-4للغة العر ّبية ّ
تشكيل األدوات الدالة على الزمن ،ولها أدواتها الخاصة في التفريق بين
دقائق الفروق الزمنية وتداخل الفضاءات الزمنية التي يمكن أن تحدث على
أرض الواقع ،على عكس ما ّادعاه الغربيون من فقر اللغة العر ّبية ّ
زمنياً
وداللياً.
ّ
200
النحوي المتوّلد النحاة –ومنهم ابن ِجّني -مفهوم ّ
الزمن ّ -5لقد أدرك الكثير من ّ
الدرسالسياق ،على عكس ما اتّهمهم به ّ ركيبية ضمن ّ
من العالقات التّ ّ
اللساني الحديث.
الزمنية،
السياق في تحديد الداللة ّ ِ
-6لقد أثبت البحث أن ابن جّني قد أدرك دور ّ
المعنوية في تشكيل المعنى والزمن.
ّ كما تنبه إلى دور القرائن اللفظية و
اللسانيون
ّ أسبقية ابن ِجّني في إدراك مفاهيم ومصطلحات ّ
تحدث عنها ّ -7
التلقي
اللغوية ،ونظرّية ّ
ّ الم ْح َدثون؛ مثل( :الكفاية اللغوية ،الكفاءة
والخطاب[ ]...وغيرها من المفاهيم ،وإن لم تظهر هذه المصطلحات بصورة
مباشرة ،و َّإنما كانت ظاهرةً من خالل نصوصه وشروحاته.
-8لقد استخدم ابن ِجّني الزمن بجهاته المختلفة في نصوصه ،وظهرت براعته
الزمن بما يتناسب مع القاعدة التي يشرحها ،وطريقة
في اختيار جهة ّ
إيصالها.
فصل بدقة
-9تابع ابن جني القدماء في رؤيتهم للزمن ،وربطه بالفعل ،إال أنه ّ
وبين الفروق الدقيقة بين المجاالت الزمنية المختلفة،
جهاته المختلفة ،وناقش ّ
وربط ذلك بلغة العرب واستخداماتها للغة.
وبين بالتفصيل
-10رتب ابن جني األزمنة بصورة متناسبة مع القرائن الدالةّ ،
األدوات المختلفة التي تساهم في تشكيل الزمن ،والقرائن المعنوية والمقامية
التي تلعب دو اًر في ذلك.
-11صحيح أن ابن جني لم يخرج عن قسمة النحاة التقليدية ألنواع الزمن ،أو
فصل
عن نظرتهم إلى دور الفل في ذلك ،ولكنه تتبع دقائق السياق بحيث ّ
في التفريق بين الجهات المختلفة للزمن ،كالماضي المطلق ،والماضي
البعيد ،والماضي القريب ،والحال ،والمستقبل القريب ،والمستقبل البعيد،
والحاضر المطلق ،والزمن المطلق ،والزمن المقيد ،والماضي التكراري،
والماضي التالي لماض...
201
-12تنبه ابن جني إلى دور ظروف الخطاب في توجيه المعنى والزمن ،كما
أدرك ارتباط الدال والمدلول وعالقة ذلك بالقاعدة األساسية التي يشترك
المجتمع والبيئة اللغوية في التعارف عليها.
-13أدرك ابن جني البعد االجتماعي للغة ،كما أدرك أنها أداة تعبير مجتمعية،
مهمتها األساسية هي التواصل ،وتعامل معها على هذا األساس.
-14أدرك ابن جني البعد التداولي للغة ،وحلل النصوص من خالل حياتها في
االستعمال ،فراعى مالبسات النص والمقام ،وتنبه إلى معطيات الخطاب
والتلقي ،وصلة ذلك بالبيئة اللغوية.
يفرق بين َّ
النظام األصلي أن َّ -15حّل َل ابن جني عالقات الكالم واستطاع ْ
للكالم وبين النظام الذي يخرج به على أرض الواقع.
تطبيقي ًة على نصوص ابن جني ،وحاول استكشاف
ّ قدم البحث دراس ًة
ّ -16
اللغوية ،وغنى لغته في
ّ كفاءته
وبين َ
براعة ابن جني في استخدام اللغةّ ،
تحري المعاني ،كما ألقى الضوء على هيئة استخدامه َّ
التّعبير ،ودقته في ّ
للزمن ،وتنوع األساليب والتّراكيب التي استثمرها في بحثه وتحليله ومناقشته،
ّ
الزمن وجهاته.
والتي ظهرت فيها خبرته الواسعة في استخدام أنواع ّ
وبين َّ
أن ما كان منها -17وقف البحث على ارتباط الزمن بالصيغ المختلفةّ ،
السياق ،كما ّبين
للداللة على زمن آخر خالل ّمعين قد يخالف ذلك َّ
لزمن ّ
الصيغ مع أدوات بعينها ،أو وقوعها ضمن تركيبات بعينها يجعلها
تضام ّ
ّ َّ
أن
األصلي لها.
َّ الزمن قد ال يكون َّ
الزمن داّل ًة على صورة جديدة من َّ
-18وقف البحث على ارتباط األساليب المختلفة َّ
بالزمن ،وعلى َّ
الداللة المعتادة
يؤدي إلى خروج هذه األساليب إلى َّ
الداللة على أن ّ لها عليه ،وما يمكن ْ
للداللة على زمن مختلف.
زمنية مختلفة ،أو رَّبما ّ
جهة ّ
منية في
الز ّ
يتحصل من مجموع المؤثّرات ّ ّ شيء
ٌ الزمن هو -19وأخي اًرَّ ،
فإن ّ
اللفظية
ّ كصيغة الفعل ،وقرِائِن ِه
ِ
اللغوي والتي تَظهر في ّ
السياق، ّ البناء
كشف عن نضج اللغة وقدرتها على إسعاف
َ المقامية ،األمر الذي
ّ المعنوية و
ّ و
202
الدقيقة ،وعلى إيصال
ملية والتعبيرّية ّ
ركيبية والج ّ
المتكّلم باالستعماالت التّ ّ
ومعبرة وموحية للمتلّقي.
الدالالت بصورة سليمة ّ المعاني واألفكار و َّ
نهائية،
ّ حتمية أو
ّ توصل إليها هذا البحث ،ليست وبعد[َّ ]...
فإن جملة النتائج التي ّ
و َّإنما شأنها في ذلك شأن البحث ،فهو قابل ّ
للنقد والتّصويب والتّعديل ،وهو يسعى نحو
اإلضافة واإلسهام ولو بشيء بسيط في مجاله ،وهلل الكمال وحده ،والحمد هلل من قبل
ومن بعد ،عليه توّكلت و ِ
اليه أنيب...
203
ثبت المصادر والمراجع:
المصادر: ❖
القرآن الكريم
-1أسرار العر ّبية :أبو البركات عبد الرحمن بن محمد أبي سعيد األنباري ،تح.
محمد بهجة البيطار ،مطبوعات المجمع العلمي بدمشق ،دمشق -سوريا
1957م.
السيوطي(ت 911هـ)،
الدين ّ
العالمة جالل ّ
النحو :للشيخ ّ
-2األشباه والنظائر في ّ
العلمية ،بيروت – لبنان( ،د.ت).
ّ دار الكتب
النحوي البغدادي= ابن
-3األصول في النحو :ألبي بكر محمد بن سهل بن سراج ّ
السراج (ت 316هـ) ،تح .د .عبد الحسين الفتلي ،ج ،1مؤسسة الرسالة،
بيروت – لبنان ،ط 1996 ،3م.
-4اإليضاح في علل النحو :أبو القاسم الزجاجي (ت 337هـ) ،تح .د .مازن
المبارك ،دار النفائس ،ط ،3بيروت – لبنان1979 ،م.
-5البحر المحيط في أصول الفقه :لبدر الدين الزركشي ،تح .لجنة من علماء
األزهر ،دار الكتبي ،ط1424 ،3هـ2005 -م.
-6بيان المختصر = (شرح مختصر ابن الحاجب) :لشمس الدين محمود بن عبد
الرحمن األصفهاني (ت 688هـ) ،تح د .علي جمعة ،دار السالم للطباعة
والنشر والتوزيع ،ط ،1القاهرة –مصر1409 ،هـ 2004-م.
ناعية ،ط ،1القريبة
الص ّ -7التّصريف الملوكي :ابن ِجّني ،مطبعة شركة التّ ّ
مدن ّ
– مصر( ،د.ت).
الفقهية :ابن حزم
ّ العامية واألمثلة
ّ -8التقريب لحد المنطق والمدخل إليه باأللفاظ
عباس ،دار مكتبة الحياة ،ط ،1بيروت-لبنان ،د.ت. األندلسي ،تح .إحسان ّ
قدم له د.
-9جمهرة اللغة :محمد بن الحسن بن دريد= (ابن دريد) (ت321ه)ّ ،
رمزي منير بعلبكي ،ج ،3دار العلم للماليين ،بيروت – لبنان ،ط1987 ،1م.
204
-10الخصائص :أبو الفتح عثمان بن ِجّني (ت392هـ) ،تح .محمد علي ّ
النجار،
دار الكتب المصرية ،ط1952 ،2م.
-11دالئل اإلعجاز :اإلمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) ،تح .محمود
محمد شاكر ،مكتبة الخانجي ،القاهرة – مصر1984 ،م.
ّ
عزة حسن ،ط،2
-12ديوان بشر بن أبي خازم األسدي :بشر بن أبي خازم ،تحّ .
دار الشرق العربي ،بيروت – لبنان1995 ،م
-13سر صناعة اإلعراب :ابن ِجّني ،تح .محمد حسن إسماعيل وأحمد عامر،
دار الكتب العلمية ،ط ،1بيروت – لبنان2000 ،م.
-14شرح المفصل للزمخشري :للشيخ العالمة موفق الدين يعيش بن علي بن
النحوي= ابن يعيش(ت643هـ) ،صحح وعلق عليه حواشي نفيسة ، يعيش ّ
ج ،7إدارة المطبعة المنيرية ،مصر( ،د.ت).
-15شرح كتاب سيبويه :أبو سعيد السيرافي (الحسن بن عبد هللا بن المرزبان،
ّ
سيد
افي) ،تح .أحمد حسن مهدلي وعلي ّ ت 368هـ ،وسيشار إليه الحقا بـ السير
ّ
العلمية ،ط ،1بيروت – لبنان2008 ،م.
ّ علي ،دار الكتب
-16شعر الكميت بن زيد األسدي :جمع وتقديم الدكتور :داوود سلوم ،مكتبة
األندلس ،بغداد – العراق1969 ،م.
-17الصاحبي في فقه اللغة العر ّبية ومسائلها وسنن العرب في كالمها :اإلمام
العالمة أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا= ابن فارس (ت 395هـ) ،عّلق
عليه ووضع حواشيه أحمد حسن بسج ،دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان،
ط1997 ،1م.
-18كتاب العين :الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ) ،تح .د .عبد الحميد
هنداوي ،ج ،2دار الكتب العلمية ،بيروت – لبنان ،ط2003 ،1م.
-19الكتاب :أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر= سيبويه (ت 180هـ) ،تح .عبد
السالم هارون ،ج ،1مكتبة الخانجي ،القاهرة – مصر ،ط 1988 ،3م.
-20كفاية األصول :محمد كاظم الخرساني (اآلخوند) ،تح .مجتبى المحمودي،
مجمع الفكر اإلسالمي ،ط ،10إيران 1440 ،هـ.
205
-21لسان العرب :ابن منظور (اإلمام العالمة أبي الفضل جمال الدين محمد بن
مكرم ،ت 711هـ) ،م ،13دار صادر ،بيروت – لبنان ،ط( ،1د.ت).
-22اللمع في العر ّبية :ابن ِجّني ،تح .د .سميح أبو مغلي ،دار مجدالوي للنشر،
عمان1988 ،م.
قدمه وعّل َق
الدين بن األثيرّ ،
-23المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر :ضياء ّ
عليه :د .أحمد الحوفي و د .بدوي طبانة ،دار نهضة مصر ،ط ،2القاهرة –
ّ
مصر( ،د.ت).
-24المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات واإليضاح عنها :أبو الفتح عثمان
بن ِجّني ،تح .علي النجدي ِ
ناصف ،د .عبد الفتّاح إسماعيل شلبي ،دار سزكين
للطباعة والنشر ،ط ،2إسطنبول -تركيا1986 ،م.
صديق المشاوي،
-25معجم التّعريفات :الشريف الجرجاني(ت816هـ) ،تح .محمد ّ
دار الفضيلة ،القاهرة – مصر2004 ،م.
-26معجم مقاييس اللغة :ألبي الحسين أحمد بن فارس بن زكرّيا (ت 395هـ)،
تح .عبد السالم هارون ،ج ،3دار الفكر1979 ،م.
-27مغني اللبيب عن كتب األعاريب :ابن هشام األنصاري ،تح .د .مازن المبارك
ومحمد علي حمد هللا ،راجعه سعيد األفغاني ،دار الفكر ،ط ،1دمشق – سورية،
1964م.
-28الممتع الكبير في التّصريف :ابن عصفور اإلشبيلي (669 -597هـ) ،تح.
قب َاوة ،مكتبة لبنان ناشرون ،ط ،1بيروت – لبنان1997 ،مد .فخر الدين َ
جني،
ني :أبو الفتح عثمان بن ّنصف في شرح التصريف ألبي عثمان الماز -29الم ِ
ّ
العمومية ،إدارة إحياء
ّ تح .إبراهيم مصطفى ،وعبد هللا أمين ،و ازرة المعارف
التراث القديم ،ط1954 ،1م.
الدين ،محمد تقي بن محمد
-30هداية المسترشدين في شرح معالم ّ
رحيم(1248هـ) ،طبع الحجر في إيران1313 ،هـ.
السيوطي (ت 911هـ)،
-31همع الهوامع في شرح الجوامع :لإلمام جالل الدين ّ
مكرم ،دار البحوث العلمية ،الكويت1979 ،م.
تح .د .عبد العال سالم ّ
206
محمد
الدين أحمد بن ّ
عباس شمس ّ
الزمان :ألبي ال ّ
وفيات األعيان وإنباء أبناء ّ
ّ -32
عباس ،دار صادر،
بن أبي بكر بن َخّلكان (ابن خّلكان) ،تح .د .إحسان ّ
بيروت – لبنان1978 ،م.
المراجع: ❖
الزمني في الدراسات اللغوية :د .محمد الريحاني ،دار قباء -1اتّجاهات التحليل
ّ ّ
للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة – مصر( ،د.ت).
-2األزمة في العر ّبية :فريد الدين آيدن ،دار العبر للطباعة والنشر ،إسطنبول،
1997م.
النحوي عند األصوليين :مصطفى جمال الدين ،دار الهجرة ،ط ،2ق ْم
-3البحث ّ
– إيران1405 ،هـ.
النحوي للغة العر ّبية :برجشتراسر ،أخرجه وصححه وعّلق عليه د.
-4التّطور ّ
رمضان عبد التواب ،مكتبة الخانجي ،ط ،2القاهرة – مصر1994 ،م.
النحو العربي حتّى نهاية القرن الثالثمني عند نحاة العرب منذ نشأة ّ -5التعبير الز
ّ ّ ّ
الزمن في اللغة العر ّبية وأساليبها :عبد الهجري دراسة في مقاييس ّ
الداللة على ّ
الجامعية ،بن عكنون – الجزائر1987 ،م. ّ هللا بو خلخال ،ديو إن المطبوعات
الوصفية المعاصرة قراءة في المصطلح: حوية
الن ّ
مني في الدراسات ّ -6التعبير الز
ّ ّ ّ
انية –
الديو ّ
أ.م.د .لمى عبد القادر خنياب ،جامعة القادسية ،كلية اآلدابّ ،
العراق( ،د.ت).
-7الحضارات السامية القديمة :سبتينو موسكاتي ،ترجمة الدكتور يعقوب بكر ،دار
الرقي ،بيروت – لبنان1986 ،م. ّ
اللغوية أثارها في التفسير :حمدي الشيخ ،منشأة دار المعارف،
ّ -8الدراسات
اإلسكندرية – مصر2010 ،م.
-9دراسات في الفلسفة اليونانية :حسين صالح حمادة ،دار الهادي للطباعة
والنشر والتوزيع ،ط2005 ،1م.
207
صفية مطهري ،اتحاد الكتّاب
ّ الصيغة اإلفرادية :د.
الداللة اإليحائية في ّ
ّ -10
العرب ،دمشق -سورية2003 ،م.
الزمني لألفعال) :عبد المجيد جحفة، الزمن في العر ّبية (دراسة النسق
-11داللة ّ
ّ ّ
دار توبقال للنشر ،ط ،1الدار البيضاء – المغرب2006 ،م.
منية في الجملة الفعلية ،أ .د علي جابر المنصوري ،الدار العلمية
الز ّ
الداللة ّ
ّ -12
الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ،ط ،1عمان – األردن2002 ،م.
الزمن والفاظه في الثقافة العر ّبية :د.
الزمان الداللي دراسة لغوية لمفهوم ّ
ّ -13
المكرمة – السعودية1989 ،م.ّ كريم زكي حسام الدين ،كتب عربية ،ط ،1مكة
الزمان الداللي :د .كريم زكي حسام الدين ،دار كتب عربية ،القاهرة –
ّ -14
مصر ،ط2001 ،2م.
الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم :الدكتور حسام الدين األلوسي،
ّ -15
المؤسسة العر ّبية للدراسات والنشر ،بيروت – لبنان ،ط1980 ،1م.
-16الزمان والمكان اليوم :مجموعة من المفكرين ،ترجمة :محمد وائل بشير
األتاسي ،المركز اإلسالمي الثقافي ،دمشق – سورية( ،د.ت).
الجبار توامة ،ديو
بي) :عبد ّ النحو العر
-17زمن الفعل في العر ّبية (دراسات في ّ
ّ
الجامعية ،بن عكنون – الجزائر1994 ،م.
ّ إن المطبوعات
النحوي في اللغة العر ّبية :د .كمال رشيد ،دار عالم الثقافة ،عمان –
الزمن ّ
ّ -18
األردن2008 ،م.
اللية) :امحمد المالخ ،دار
الد ّركيبية و ّ
الزمن في اللغة العر ّبية (بنياته التّ ّ
ّ -19
األمان ،ط ،1الرباط – المغرب2009 ،م.
الزمن واللغة :د .مالك يوسف المطلبي ،الهيئة المصرّية العامة للكتاب،
ّ -20
1986م.
-21سياق الحال في كتاب سيبويه :أسعد خلف العوادي ،دار الحامد للنشر
والتوزيع ،عمان – األردن ،ط2011 ،1م.
-22العالمة اإلعرابية في الجملة بين القديم والحديث :محمد حماسة عبد
اللطيف ،كلية دار العلوم ،جامعة القاهرة ،القاهرة -مصر1984 ،م.
208
الداللة :د .أحمد مختار عمر ،عالم الكتب ،ط ،5القاهرة –مصر،
-23علم ّ
1998م.
-24علم اللغة العام :فرديناد دي سوسير ،ترجمة :يوؤيل يوسف عزيز ،دار آفاق
عربية ،ط ،3بغداد – العراق1985 ،م.
-25العلم في منظوره الجديد :روبرت م.أغروس ،جورج ن .ستانسيو ،ترجمة د.
كمال خاليلي ،دار المعرفة1987 ،م.
-26الفعل زمانه وأبنيته :د .إبراهيم السامرائي ،مؤسسة الرسالة ،ط ،3بيروت –
لبنان1983 ،م.
-27في النحو العربي نقد وتوجيه :مهدي المخزومي ،دار الرائد العربي ،ط،2
بيروت – لبنان1986 ،م.
الملفوظية :جان سيرفوني ،ترجمة :د .قاسم المقداد ،اتحاد الكتاب
ّ -28لسانيات
العرب ،دمشق1998 ،م.
سانيات :د .سمير استيتية ،عالم الكتب الحديث ،ط ،2إربد – األردن،
-29الّل ّ
2008م.
عباس محمود العّقاد ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،القاهرة
-30اللغة الشاعرةّ :
– مصر2012 ،م.
تمام حسان ،دار الثقافة ،الدار البيضاء –
-31اللغة العر ّبية معناها ومبناهاّ :
المغرب1994 ،م.
-32اللغة :فندريس ،ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ،تقديم :فاطمة
خليل ،المركز القومي للترجمة ،القاهرة – مصر2014،م.
الزعبالوي،
الدين ّ
النحاة وما غاصوا عليه من دقائق الّلغة وأسرارها :صالح ّ
-33مع ّ
منشورات اتّحاد الكتّاب العرب ،دمشق – سورية 1992 ،م.
السامرائي ،دار عمار ،ط،2
-34معاني األبنية في العر ّبية :د .فاضل صالح ّ
عمان – األردن2007 ،م.
-35المعجم الفلسفي :د .جميل صليبا ،ج ،1دار الكتاب اللبناني ،بيروت –
لبنان1982 ،م.
209
سمية ابرير ،جامعة محمد
ص في دالئل االعجاز :أّ .
الن ّ
لسانيات ّ
ّ -36مفاهيم
خيضر ،بسكرة –الجزائر2011،م.
السببية بين المتكّلمين والفالسفة بين الغزالي وابن رشد دراسة وتحليل:
ّ -37مفهوم
جيزار جهامي ،دار المشرق ،بيروت – لبنان2002 ،م.
حسان ،مكتبة األنجلو المصرّية ،القاهرة –
تمام ّ
-38مناهج البحث في اللغة :دّ .
مصر1990 ،م.
النحو :أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد هللا السهيلي ،تح.
-39نتائج الفكر في ّ
معوض ،دار الكتب الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ،والشيخ علي محمد َّ
العلمية ،ط ،1بيروت – لبنان1992 ،م.
ّ
الزناد ،المركز الثقافي العربي ،ط ،1بيروت -لبنان،
النص :األزهر ّ
-40نسج ّ
1993م.
فلسفية مختارة مقدمة عامة في علم النفس وعلم الجمال :أرمان
ّ -41نصوص
كوفيليه ،ترجمة آالء أسعد نشاط الفخري ،مراجعة :أ.د .أكرم الوتري ،دار بيت
الحكمة ،بغداد – العرق2006 ،م.
النحاة
منية في العر ّبية (دراسة في بعض مقاربات ّ
الز ّ
-1اإلحالة ّ
والمستشرِقين) :حافيظ إسماعيلي علوي ،إشراف :د .امحمد المالخ،
اإلنسانية ،العدد ،26 /104أكادير – المملكة
ّ المجّلة العر ّبية للعلوم
المغر ّبية2008 ،م.
النحوي في الجملة العر ّبية من خالل الخصائص البن
الزمن ّ -2تجليات ّ
حسان :الطالبة :نادية زيد ِ
لتمام ّ
جّني واللغة العر ّبية معناها ومبناها ّ
211
الخير ،إشراف :د .عبد الحليم معزوز ،مجّلة اآلداب واللغات والعلوم
اإلنسانية ،العدد الرابع ،جامعة الحاج لخضر باتنة ،المركز الجامعي عبد
الحفيظ بوالصوف ،ميلة – الجزائر( ،د.ت).
الم ْخَبر ،العدد ،6
مني للفعل الماضي :أ .البشير جلول ،مجّلة َ -3التحول الز
ّ ّ ّ
جامعة محمد خيضر ،بسكرة -الجزائر2011،م.
سانية الحديثة :د .حسين
الزمن والحدث في الدراسات الّل ّ -4تداخل الجهة و ّ
علي الزراعي ،مجّلة مجمع اللغة العر ّبية ،اإلصدار األول2013 ،م.
السياق والحال وأسباب النزول :أ.د .كريم
الزمن في ضوء ّ -5الخالف في ّ
حسين ناصح الخالدي ،شيماء رشيد محمد زنكنة ،مجّلة كلية التربية
األساسية ،العدد ،75بغداد – العراق2012 ،م.
ّ
منية للفعل الماضي عند الرضي في شرحه على الكافية :عذراء
الز ّ
الداللة ّ
ّ -6
ضاري ضبع العزاوي ،مجلة العلوم اإلنسانية ،المجلد ،25العدد األول،
جامعة بابل ،العراق2018 ،م.
الزمن المستقبل في اللغة العر ّبية دراسة لسانية :محمد قواقزه ،مجلة اتحاد
ّ -7
الجامعات العر ّبية لآلداب ،المجلد ،10العدد 2ب ،جامعة اليرموك ،إربد
– األردن2013 ،م.
وصفية :د .محمد حسن بخيت ّ الزمن المطلق في اللغة العر ّبية دراسة
ّ -8
قواقزة ،مجلة مجمع اللغة العر ّبية على الشبكة العالمية ،العدد ،9جامعة
الحدود الشمالية ،المملكة العر ّبية السعودية2015 ،م.
الصرفي ،سناء ناهض الريس ،صحيفة دار العلوم
ّ ّ النحوي و ّ
الزمن الزمن ّ
ّ -9
للغة العر ّبية وآدابها ،اإلصدار الرابع ،المجلد ،19العدد ،39دار
المنظومة ،مصر2011 ،م.
الشرط بين المضي واالستقبال :د .عبد العزيز بن أحمد الزمن في ّ
ّ -10
المنيع ،مجلة جامعة طيبة لآلداب والعلوم اإلنسانية ،العدد ،14المملكة
العر ّبية السعودية2018 ،م.
212
السياق اللغوي ودراسة ّ
الزمن في العر ّبية :محمد رجب الوزير ،علوم ّ -11
اللغة ،القاهرة – مصر ،المجلد 6العدد 2003 ،1م.
السياقي بين النظرية والتطبيق :د.
الزمن في البناء التركيبي و ّ
-12ظاهرة ّ
وفاء محمد علي القطيشات ،د .مفلح عطا هللا الفايز ،مجّلة جامعة
تكريت للعلوم ،المجلد ( ،)19العدد ( ،)7األردن2012 ،م.
الداللة التّطبيقي في التراث العربي :أ.د .هادي نهر ،تقديم أ.د.
-13علم ّ
ّ
علي الحمد ،دار األمل ،ط ،1إربد – األردن2007 ،م.
سانيات المقارنة واللغات في المغرب :التنسيق العلمي عبد القادر
-14الّل ّ
الفاسي الفهري ،منشورات كلية اآلداب في الرباط ،سلسلة ندوات
ومناظرات رقم ،51ط ،1الرباط – المغرب1996 ،م.
-15معالم التالقي بين ابن ِجّني والدراسات الحديثة (دراسة في توظيف
السياق في الدرس اللغوي العربي القديم) :كتاب المؤتمر ( )1الندوة
الدولية :د .الصادق محمد آدم سليمان ،رئيس التحرير :أ.د .محمد بشير،
ّ
جامعة كيراال ،كيراال – الهند2015 ،م.
-16معاني الماضي والمضارع في القرآن الكريم :د .عبد القادر حامد،
مجّلة مجمع اللغة العر ّبية ،الجزء ،10مطبعة التحرير ،القاهرة – مصر،
.1958
طاط ،مجّلة جامعة
الداللة دراسة لسانية :هاني الب ّ
الزمن؛ القرينة و ّ
-17مقولة ّ
الخليل للبحوث ،المجلد ( ،)4العدد ( ،)1الخليل – فلسطين2009 ،م.
الصيغة في اللغة العر ّبية :فالح بن شبيب العجمي ،مجلة جامعة -18نظام ّ
الملك سعود ،المجلد ،5العدد ،1الرياض -المملكة العر ّبية السعودية،
1993م.
اإللكترونية:
ّ المواقع ❖
213
رفية عند ابن ِجّني :عبد الكريم مجاهد عبد
الص ّ
الداللة ّ
الصوتية و ّ
ّ الداللة
ّ -2
إلكترونية (( ، )www. Quranic Thought.comد.ت).
ّ لغوية
الرحمن ،بحوث ّ
سانيات ،موقع سطور ،/https://sotor.com ،أزهار عبد الغني،
-3مفهوم علم الّل ّ
.2021 /2 / 25
214
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
------- اإلهداء
------- ُمخطط البحث
أ >--ط المقدمة
ّ
4- 1 تمهيد ------------------------------------------
33-5 سانيات----------------- :
الزمن بين النحو والّل ّ
األول :مفهوم ّ
الفصل ّ
14-6 الزمن لغ ًة واصطالحاً --------------------------- ّ -1
16-14 سانيات لغ ًة واصطالحاً ------------------------- -2الّل ّ
17-16 النحو العربي -----------------
سانيات و ّ
-3العالقة بين علم الّل ّ
23-17 الزمن ---------------------------------- -4أنواع ّ
26-23 الزمن عند المناطقة والفالسفة -----------------------
ّ -5
29-26 الزمن ---------------------------------
-6رتبة ّ
33-29 -7مفهوم الجهة --------------------------------
215
105-89 الصيغة وداللة السياق ----------------------
الزمن بين ّ
ّ -4
112-106 الزمن الماضي--------------------------- : -5جهات ّ
107-106 أ -الماضي التام -----------------------------
108-107 ب -الماضي القريب ---------------------------
109-108 ج-الماضي البعيد ------------------------------
110-109 د -الماضي المستمر --------------------------
111-110 االعتيادي ---------------------
ّ ه-الماضي التّكرار ّي أو
112-111 و -الماضي المطلق --------------------------
118-112 الزمن المضارع------------------------- :
-6جهات ّ
113-112 جددي أو االستمرار ّي -------------------
أ -الحال التّ ّ
115-113 ب -المستقبل القريب ---------------------------
115 ج -المستقبل البعيد ---------------------------
118-115 د -المستقبل المطلق --------------------------
120-118 الزمن المطلق -------------------------------
ّ -7
128-120 النحوي -------------------
الزمن ّ
الشرط في ّ
-8أثر أدوات ّ
134-128 النحوي -------------------
الزمن ّ
اللغوية في ّ
ّ -9أثر القرائن
138-134 السياق ----------------
الزمن بحسب ّ
-10داللة المصدر على ّ
139-138 بالزمن --------------------------
الرتبة وعالقتها ّ
ّ -11
216
175-155 الشرط------------------------------- : -5أثر أدوات ّ
162-155 الشرط (لو) ---------------------------
أ -أثر أداة ّ
163-162 ب -أثر أداة الشرط (لوال) -------------------------
167-163 ج -أثر أداة الشرط (إذا) --------------------------
173-168 (إن)----------------------------
د -أثر أداة الشرط ْ
175-173 (لما) ---------------------------
ه -أثر أداة الشرط َّ
175 و -أثر أداة الشرط (متى) --------------------------
179-176 الزمن -----------------------------6داللة المصدر على ّ
191-179 الزمن ---------------------------
الصيغ المرّكبة وتنويع ّ
ّ -7
194-191 الزمن ---------------------------
الصيغ المرّكبة وثبات ّ
ّ -8
195-194 الزمن المطلق ----------------------------
الداللة على ّ
ّ -9
197-196 -10داللة استخدام المشتّقات ----------------------------
199-198 -11أثر أحرف العطف -------------------------------
217