Professional Documents
Culture Documents
M813 058
M813 058
( اإللياذة نموذجا)
الحمد هلل والشكر له على انه أسرى خطانا وأنار سبيلنا ويسر لنا إتمام هذا العمل المتواضع
وبكل ممنونية واعتراف دائم بالجميل ،نتقدم أوال وقبل كل شيء بشكرنا الخالص إلى
الدكتور الفاضل
الذي تكرم باإلشراف على هذا البحث وعلى اإلرشادات والنصائح التي أنارت لنا الطريق و
يسرت لنا الصعاب ،فنشكره جزيل الشكر ونسأل العلي القدير أن يجعل ذلك في
كما ال يفوتنا أن نتقدم إلى كل األساتذة الذين علمونا مبادئ العلم واألخالق .
كما نتقدم بالشكر الجزيل إلى من قدم لنا يد المساعدة ومهما كانت درجة ونوعية المساعدة.
23
إهداء
إلى من سهر من أجلى الليالي والى من ال أستطيع رد مثقال ذرة
من حنانهم وحبهم و عطفهم وفضلهم علي أبي وأمي أطال اهلل في
عمرهما.
بكلمة طيبة.
24
فهرس المحــتويات
25
فهرس المحتويات
الصفحة العنوان
مقدمة:
26
أوال :تعريف الصوت31 - 22 ..............................................
27
الفصل الثاني :الصوت والداللة في اإللياذة
28
مقدمة:
لقد شغلت اللغة اهتمام الكثير من المفكرين منذ أمد بعيد؛ وذلك ألن عليها مدار حياة
مجتمعاتهم الفكرية واالجتماعية و بها قوام فهم كتبهم المقدسة ،كما أنها تعد من أهم
خصائص اإلنسان التي تميزه عن غيره من الكائنات الحية ،وتجعل له مكانة مهمة وقابلية
للتطور والرقي والتقدم في الحضارة والعمران ،هذه اللغة في الواقع التي من أهم غاياتها تأمين
االتصال والتواصل ليست إال عالقة بين صورة لفظية (صوت) وصورة مفهومية (معنى).
ولهذا حاول الكثير من المفكرين والعلماء تبيين طبيعة هذه العالقة التي أثارت جدال كبي ار
في األوساط اللغوية واختلف فيها أشد االختالف ،لذلك جاءت هذه الدراسة المعنونة بـ
"الصوت والداللة في شعر مفدي زكرياء – اإللياذة نموذجا" دراسة نظرية تطبيقية لتوضح
آراء العلماء قدماء ومحدثين حول هذه القضية وتكشف عن مدى قدرة الصوت على أداء
-اإلعجاب بشخصية مفدي زكرياء القوية وعزيمته ودوره الفعال الذي أداه في الثورة سياسيا
29
-الرغبة في جعل تاريخ الجزائر حيا دائما في أذهان أبنائها ،ذلك ألن اإللياذة بمثابة صورة
أما المنهج الذي سارت عليه الدراسة فهو المنهج التكاملي و خاصة المنهج الوصفي
التحليلي واإلحصائي فأما األول فقد استعنت به لوصف الظواهر الصوتية وتحليلها للوقوف
على دالالتها ،وأما الثاني فقد اعتمدت عليه لتحديد نسبة تردد األصوات في القصيدة.
وقد تنوعت الدراسات السابقة التي تطرقت إلى هذا الموضوع فمن بينها:
-دراسة إبراهيم مصطفى إبراهيم رجب بعنوان" :البنية الصوتية وداللتها في شعر عبد
-أروى خالد مصطفى عجولي بعنوان" :النظام الصوتي في سيفيات المتنبي وكافورياته"
30
-أما المدخل فكان للتعريف بالشاعر من حيث حياته أعماله وأشعاره ،واإللياذة من حيث
تعريفها وموضوعاتها.
-أما الفصل األول وهو الفصل النظري فخصص لتحديد مفهوم الصوت وأقسام األصوات
وصفاتها ومخارجها ،ومفهوم الداللة والداللة الصوتية باإلضافة إلى العالقة بين الصوت
والداللة.
-أما الفصل الثاني وهو الفصل التطبيقي فقد تناولت فيه نوعين من األصوات :
-أما الخاتمة فقد احتوت على أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة.
وقد تنوعت مصادر هذا البحث ومراجعه وتوزعت حسب مواضيع ورودها وكانت أهمها
كتاب الخصائص البن جني ،والكتاب لسيبويه ،باإلضافة إلى كتاب أصوات اللغة العربية
بين الفصحى واللهجات لرمضان عبد التواب ،وكتاب دالالت الظاهرة الصوتية في القرآن
الكريم لخالد قاسم ابن الدومي ،وكتاب داللة األلفاظ إلبراهيم أنيس...إلخ.
31
ومن هنا فإن أي دراسة ال تخلو من الصعوبات مهما كان نوعها ،وقد واجهتنا جملة من
الصعوبات من بينها:
32
مـــدخـــــــل
شاعر مثّل مرحلة من مراحل الجزائر ووضع نفسه في قلبها ،وكأنه كان يحقق استجابة
حقيقية لتحديات واقع الجزائر آنذاك وفي أحلك فترة من فترات تاريخه السياسي ،شاعر نظ ار
لجهوده الكبيرة في مجاالت الفكر واألدب والنضال الوطني" ،منحه الملك محمد الخامس في
عام 1961وسام الكفاءة الفكرية من الدرجة األولى ،ومنحه الرئيس التونسي الحبيب
بورقيبة وسام االستقالل ووسام االستحقاق الثقافي ،ومنحه الرئيس الجزائري الشاذلي بن
جديد في عام 1984بعد رحيله وسام المقاومة ،ومنحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
وسام األثير في ،1"1999/07/04إنه شاعر الثورة والمغرب العربي الكبير والعروبة إنه
مفدي زكرياء.
1فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة :أمجادنا تتكلم وقصائد أخرى ،تحقيق مصطفى ابن بكير محمودة،
مؤسسة مفدي زكرياء ،الجزائر ،دط ،2003 ،ص.3
33
"مفدي زكرياء" زكرياء بن سليمان بن يحي بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى من مواليد
يوم الجمعة 12جمادى األولى 1326الموافق لـ 12حزيران 1908في بني يزقن بوالية
غرداية ،لقبه زميل دراسته "سليمان بوجناح" بـ مفدي فأصبح لقبه األدبي الذي اشتهر به.
تلقى تعليمه األولي في بلدته ،ثم التحق بالبعثة الميزابية بتونس وأتيح له خالل مقامه في
البلد الشقيق اإلغتراف من نبع اللغة والثقافة العربية ،واستيعاب تراثها الشعري واإلطالع على
قصائد شعراء مدرسة األحياء وكذا المدرسة الرومنسية فكان لذلك أثره في إثراء موهبته
واتباعه المنهج الفني الذي قامت عليه المدرسة األولى بصفة خاصة ،كما يبدو جليا في
شعره ،فواصل دراسته هناك وبدأ يكتب الشعر ونشر أول قصيدة له إلى الريفيين في جريدة
كما أتيح له متابعة الصحف العربية الوافدة من مصر إلى تونس وماحفلت به صفحاتها
من مقاالت بأقالم رواد النهضة واإلصالح والتحرير ،وانعكس هذا بدوره على الموضوعات
واألفكار والمشاعر التي عبر عنها "مفدي زكرياء" ،فبعد عودته من تونس المنكوبة
باالستعمار لم يتردد في اللحاق بركب حركة اإلصالح واالستقالل ،1رافق الحركة السياسية
الوطنية مناضال بقلمه ولسانه ،فكان شاعر الحرية والنضال والدعوة إلى التضحية والفداء
1مفدي زكرياء :اللهب المقدس ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،ط ،2الجزائر ،1983 ،ص.68
34
وقد واكب مفدي الحركة الوطنية في شعره على مستوى المغرب العربي ،واعتقل وسجن عدة
مرات ،وبعد االستقالل أمضى حياته في التنقل بين أقطار المغرب العربي ،وكان مستقره
وظل طول حياته ينادي بوحدة المغرب العربي ،يدعو ويلح في الدعوة ،وكانت القضية
تشغل كل تفكيره ،يرددها منذ إعالنه سنة 1934عن عقيدة التوحيد في مؤتمر إتحاد طالب
شمال إفريقيا بتونس ،وارتبط اسمه بالمغرب العربي منذ ذلك التاريخ وهذا ما ذهب إليه
إبراهيم لونيسي في مقال جاء فيه" :ظل ينتقل بين بلدان المغرب العربي داعيا إلى تحقيق
الوحدة إلى آخر يوم من حياته ،فليس من الغريب إذن أن تكون رحلته األخيرة وهو يغادر
هذه الدنيا تجسيدا لهذه الرحالت الكثيرة ،حيث غادر الدار البيضاء إلى تونس ليلفظ أنفاسه
األخيرة" ،وتستقبل الجزائر جثمانه ويدفن في مسقط رأسه "بني يزقن" ،توفي في تونس يوم
أدخلوه السجون مرات عديدة قضى فيها أكثر من سبع سنوات ،استهلها بثالث في األولى
( )1939 -1937وختمها كذلك بثالث في األخيرة ،وحرب التحرير القائمة (-1956
1مؤسسة مفدي زكرياء :تنظم الملتقى الدولي لألبعاد الدينية والفلسفية والتربوية آلثار مفدي زكرياء ،المطبعة العربية،
غرداية ،أيام 11و 12ماي ،2005ص.34
2محمد عيسى وموسى :كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة ،مؤسسة مفدي ،دط ،2003 ،ص.16
35
.) 1959وقد شاهد بأم عينيه إعدام الشهيد أحمد زبانة وكيف أن هذا البطل تقدم إلى
المقصلة بشجاعة متحديا الجبروت االستعماري ،وتعجب جالدو االستعمار من هذا الرجل
الذي لم يطلب شيئا من الجالد قبل إعدامه ،إال صالة ركعتين هلل قبل صعود روحه الطاهرة
إلى جنات الخلد ونظم "مفدي زكرياء" في الشهيد أحمد زبانة قصيدة منها قوله:
ولكن حياة السجون كانت عنده فترة عطاء فكري ابتعد فيها عن صخب التجارة،
ومضايقات الزبائن ،وخال فيها إلى نفسه والى تأمالته فكتب العديد من المقاالت السياسية
وتعرض مفدي في ا لسجن ألشد أنواع العذاب كتعذيبه بالتسليط المستمر لألضواء
الكاشفة على عينيه ليال ونها ار ألكثر من ثالث سنوات ،وعندما خرج سنة 1959هربته
الثورة إلى المغرب األقصى ليعالج في الخارج وواصل الجهاد بالكلمة فتحول إلى سفير
36
المادي والمعنوي ،فزار الكثير من البلدان العربية والتقى بكبار األدباء ،ولحنت قصائده من
قبل كبار الملحنين ،ولم تخل جريدة من أحاديث عن صوت الثورة وشاعرها مفدي زكرياء.1
ثالثا :جهاده
هذا الشاعر العظيم جاهد بلسانه فكان صادق متمثال في ذلك حديث رسول اهلل "صلعم"
فكان مفدي زكرياء عامال بحديث الرسول"صلعم" ،فتغنى بانتماء الجزائر إلى اإلسالم
والعروبة فتحت رايتهما تصدت كتائب جيش التحرير للمستعمر مستلهمة مبادئها وأهدافها من
األصول اإلسالمية وروح الشريعة فاعلة من الجهاد في سبيل إعادة البالد إلى نهج العروبة
واإلسالم مبدأ مقدس آمن به رجالها إيمانا ال يتزعزع ،ومن ثمة كان للدين اإلسالمي الحنيف
الباع الطويل في شحذ الهمم والتفاف الشعب حول قادة الفاتح من نوفمبر بعد أن مهد
37
إن "مفدي زكرياء" كان يؤمن بثورة القلم ويعتقد بقولها فهو في بعض الحوارات مع
البرامج اإلذاعية التي كانت تسجل له إذاعة الرباط ،نجده يتحدث عن انطالق الثورة الثقافية
كام تداد طبيعي لعمق الثورة (ثورة نوفمبر) الخالدة ،وعن التراث العربي الزاخر فهكذا كان
يؤمن "مفدي زكرياء" بثورته ،وفي إحدى مقاالت الشاعر الكبير "فاروق شوشة"
بجريدة األهرام المصرية ،تحدث عن شاعرنا باعتباره رمز االرتفاع عن قيد العرق أو الجنس
إلى سماء النزعة الوطنية والقومية واإلسالمية ،متفتحا عن أفق إنساني رحب وقيم سامية
ومن النواحي التي نلمس فيها ما ذكرناه اللوعة التي يتكلم بها عن القضية المركزية
للعرب والمسلمين أال وهي القضية الفلسطينية ،وقد ركز مفدي على طرد االستعمار الفرنسي
واصالح األمة بتغيير الفرد ،ولتحقيق ذلك أسس جريدة "الحياة" عام 1933وكتب بقوله
عنها" :إن شعارها اإلخالص في العمل الديني والشعبي لصالح الوطن ،رائدها الصدق
ودعامتها التفكير الحر والعلم الصحيح ،حزبها الحق ،ومبدأها الصراحة" ،وكانت هذه هي
حارب مفدي زكرياء الجهل بكل أنواعه ودعا إلى العلم ووقف بالمرصاد للمتزمتين
وجمودهم يعرقلون األمة عقود عن السير نحو التطور والتقدم وقد وصل هؤالء إلى حد القول
1مؤسسة مفدي زكرياء :تنظم الملتقى الدولي لألبعاد الدينية والفلسفية والتربوية آلثار مفدي زكرياء ،ص.35
38
أن الصحافة والجرائد حرام ،ألنها بدعة اخترعها الكفار ،فغضب "مفدي" من هذا البهتان
إن المتأمل أو الدارس لشعر "مفدي زكرياء" ال يمكنه أن يفصل بين عنصرين
متالزمين هما :الشعر كفن للقول من جانب والثورة والنضال والقضايا الوطنية من جانب
آخر ،فتواترت عنده مصطلحات الثورة والنضال والمقاومة والتحمت بالنسيج الشعري ،فشكلت
ظاهرة فريدة أكدها جل الدارسين ،مصدرها شدة إيمانه بالثورة وقوة عزيمته وثبات مواقفه،
وفي مقدور كل متتبع لشعره أن يكتشف فيه تسجيال وفيا لنبضات شعبه ،ردد موسيقاه بأمانة
عبرت عن المعاناة والحرمان والظلم ،وتظهر الصلة قوية بين األوضاع التي عاشها الشاعر
1مؤسسة مفدي زكرياء :تنظم الملتقى الدولي لألبعاد الدينية والفلسفية والتربوية آلثار مفدي زكرياء ،ص.36
39
أظهرت الدراسة التحليلية ألفكار الشاعر ،قوة إيمانه بعدالة مطالب شعبه تبناها وأمعن
في تصويرها ،حتى امتزجت بذاته وأصبحت جزء منه وفي هذا المعنى جاءت عبارة عالوة
عبد الحميد ،ساير الشاعر ثورته من بذرتها إلى ثمارها فهي كل شيء عنده حتى إنها علة
ومذ قلتها يا رب جنبني الكف ار.1 وكم كنت بين الكاف والنون حائ ار
كان ينادي بالعزة والكرامة في الحياة ،أو الخلود بالشهادة ،فال مكانة عنده لمزلة وسطى،
تعرض لكثير من المعاناة بسبب التصلب في مواقفه ،وبسبب ما يضمره في ق اررة نفسه من
ضغينة للمستعمر ،ينادي بالمواجهة وعدم المهادفة ،ويدعو صراحة إلى أخذ الحق بالقوة ،قوة
وفي هذا السياق ينشد ساخ ار من الموقف المتمرد لألمم المتحدة في الثورة الجزائرية سنة
1فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة :أمجاد تتكلم وقصائد أخرى ،ص ص.9،10
40
1
في محفل الموت ال في عقد مؤتمر مصيرنا بالدم الغالي تقرره
وينطبق قوله على الحاضر ،وكأنه يساهر الوضع وتنبأ قبل أربعين سنة خلت بما
أصبحت عليه األمم المتحدة اليوم ،وتظهر الصلة قوية في أمرين لدى الشاعر :ظاهرة
التمرد ،وطبيعته الثائرة وانعكاس ذلك المضمون في أشعاره التي عبرت بشدة عن التحدي
والرفض لينتهي به األمر في كل مرة إلى االبتهاج كلما ضمه سجن أو أصابه مكروه من
أم خازن النار يكويني فاصطفق أم السياط بها الجالد يلهبني
من يحدق البحر ال يحدق به الغرق يا سجن ما أنت؟ ال أغشاك تعرفني
إن هذا الحب والوفاء الذي عرف به الشاعر لوطنه بلغ به حد التضحية بكل نفيس،
والصبر على مكاره زنزنات السجون ،بل حد االستخفاف بالتعذيب ،وتظهر صلة الشاعر
بالسجون واضحة ،ألفها وأصبح خبي ار في شؤونها ،ينام داخلها ملء جفونه مطمئنا راضيا
بنصيبه ،وقد فتح عينه وهو شاب على مظاهر الظلم ،والحرمان واإلهانة ،وكان ذلك عامال
41
من عوامل ثورته وتمرده واعالنه العصيان ،فأصبح مصيره التشرد والمعاناة من األلم
الجسمي والنفسي ،انتهى به األمر إلى قبول ما أصابه ،أمعن في التصوير ذلك في شعره،
فتجمعت في ه لوحات تحمل تلك البصمات رسمتها ريشة فنان عكست العمق في اإلحساس
والصدق في التعبير يقف المرء حائ ار أمامها ،ويعجب من قدرة شاعر ال يجود الزمن كثي ار
يمثله.1
إن علينا واجب اإلسهام في إيصال رسالته ،وابقاء الشعلة منيرة تضيء الدرب لألجيال،
تزودهم بالثقة في نفوسهم وتبعد عنهم الحيرة والقلق من مصيرهم ،وقد نطق شعره بكل ما
يرمز إلى وحدة الفكر واالنتماء والمشاعر ال يعبأ بمن يتذكر له أو يقيم الحواجز في طريقه
بل زاد ذلك في قوة إيمانه ،وابداعه الشعري توجه بالنشيد الوطني حين طلب من الشهيد
"عبان رمضان" في يوم صائفة 1955وقال لمخاطبه ":الموعد غدا وفي اليوم التالي كان
قسما" بشموخه جاه از أعجب به الشهيد "عبان رمضان" ورفاقه وقالوا" :هذا النشيد الوطني
والذي لحنه الموسيقار المصري "محمد فوزي" ليصبح النشيد الوطني الرسمي".
له الدواوين المطبوعة منها اللهب المقدس صدر سنة ،1961تحت ظالل الزيتون
،1966من وحي األطلس ،1976إلياذة الجزائر ،1972له دواوين شعرية كثيرة غير ما
نشره في دواوينه المتفرقة في الصحافة الجزائرية والتونسية والمغربية وبقي أمر جمعها في
1فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة :أمجاد تتكلم وقصائد أخرى ،ص ص.10،11
42
دواوين حلما يراوده ،ولم يستطع تحقيقه رغم إعالنه عن هذه الدواوين في أحاديثه وتراجمه
الشخصية أهازيج الزحف المقدس ،أغاني الشعب الجزائري الثائر في لغة الشعب "انطالقة":
أما في النثر فكتاباته كثيرة ومتفرقة في صحافة المغرب العربي ،لم تجمع بعد ،وله كتب
ذكرها في أحاديثه الصحفية ،لكنها لم تر النور إلى تاريخ اليوم ،من ذلك "أضواء على واد
أما أهم ما يميز شعره فهو صدق التعبير وجزالة اللفظ وهو يتفوق في شعره الوطني تفوقا
واضحا ،هو صاحب النشيد الوطني واألناشيد للطلبة والعمال ونشيد جيش التحرير الوطني
وغيرها ،كما أنه صاحب نشيد مؤتمر المصير بتونس ونشيد اإلتحاد النسائي التونسي.
-القرآن الكريم :وهو الكتاب المقدس عند جميع المسلمين ،وقد كان شاعرنا مداوما على
قراءته فحفظ جزءا منه ،ويظهر اعتماده عليه في لغته الشعرية وتصويره البديع ،ومن أمثلة
1أنظر فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة :أمجاد تتكلم وقصائد أخرى ،ص.2
2أنظر المرجع نفسه :ص.3
43
يتهادى نشوان ،يتلو النشيدا قام يختال كالمسيح وئيدا
1
فل ،يستقبل الصباح الجديد باسم الثغر كالمالئكة وكالطـ
فهو هنا تأثر بقصيدة "أبي تمام"" :السيف أصدق أنباء من الكتب".
-التاريخ:
استفاد مفدي من التاريخ وخاصة التاريخ اإلسالمي وأهم عمل يمثل ذلك "اإللياذة" التي
تعتبر اإللياذة لوحة فنية باهرة تمثل جزائر اليوم واألمس والغد بتاريخها وجبالها
وصحرائها الشاسعة ،وبشهامة أبطالها ،كما أنها تمثل لألجيال تاريخ بالدهم مجموعا في
أبيات شعرية تمثل براعة صاحبها وتمثل واقع الجزائر وما عاشه شعبها بأفراده وعمرانه.
1مفدي زكرياء :تحت ظالل الزيتون ،موفم للنشر ،الجزائر ،2007 ،ص.7
2إلياس مستاري" :مصادر التراث في شعر مفدي زكرياء" ،مجلة المخبر أبحاث في اللغة واألدب الجزائري ،ع،2013 ،9
بسكرة ،الجزائر ،ص 154وما بعدها.
44
إنها ملحمة شعرية فريدة من نوعها فهي لم تكن تروي أساطير وال معجزات حدثت في
عصور غابرة بل كانت تروي مآثر الجزائر ،وتاريخها وتصور الوقائع ،فجمعت بين معالم
جمال الوطن ،وكيف تغنى اهلل في إبداع نعمه وخلقه ،والتاريخ الذي صنعه الشهداء واألبطال
الذين دفعوا أنفسهم وما لديهم فداءا للوطن ومن أجل حياة مجيدة وشريفة يقول صالح روبي:
"إلياذة الجزائر تختلف عن إلياذة هوميروس وتتميز عنها بتفاعلها مع الواقع بعيدا عن
األساطير وبأنها تعتمد على محورين أساسيين (الجمال ،الجالل) جمال الجزائر وجالل
الجزائر بعيدا عن تكلف الصور وركاكة التعبير وضعف التصوير" ،1فاإللياذة إذن تقوم على
وقد ظهرت فكرة تأليف اإللياذة في الملتقى الخامس للفكر اإلسالمي 1391ه-
1971م في وهران حيث قرر أنه سوف ينعقد الملتقى السادس وسوف يكون بالعاصمة
بمناسبة استرجاع االستقالل وكان محور هذا الملتقى هو التركيز على التاريخ وتصفيته من
كل الشوائب وكتابته من جديد ،واالستفادة من تجاربه في بناء حاضرنا ومستقبلنا في الجزائر
والمغرب الكبير ،والعالم اإلسالمي األوسع ،فجاء طلب وزير الشؤون الدينية "مولود قاسم"
الذي طلب من مفدي زكريا شاعر الثورة والنضال أن يضع نشيدا جديدا يضم كل األناشيد،
فكانت اإللياذة 2ويقول في ذلك مولود قاسم" :طلبنا من مفدي المناضل وشاعر الكفاح
الثوري صاحب األناشيد الوطنية أن يضع لنا نشيدا جديدا يجمعها كلها ويشمل فيه وبه
45
تاريخ الجزائر من أقدم عصورها حتى اليوم مرك از على مقاومتنا لمختلف اإلحتالالت
األجنبية وعلى العهود الحضارية الزاهرة وحاضرنا ومستقبلنا في كفاحنا واستعادة جميع
ثرواتنا ومقوماتنا وشخصيتنا وحصانتنا وبناء مجد جديد ألمتنا" ،1فموضوع اإللياذة هو
الجزائر بعمرانها ومعالمها وهي ترجمة للمسيرة الشاقة في طريق المقاومة إنها تصوير لتاريخ
الجزائر القديم والحديث ،فمفدي زكريا يؤكد بأن دوافع نظمه لإللياذة نابع من إحساسه
الصادق وصميم إيمانه بأمته وبأمجادها ،فهو عاش كل هذه األحاسيس بكل كيانه وروحه
وأود أن أشير إلى أن اإللياذة حضيت بالتفاتة خاصة من طرف الصحافة ،أشاد بها معظم
الذين كتبوا عن الشاعر ،ألنهم وجدوا فيها تمجيدا بالجزائر ،خلدت تاريخها ،وصورت
معالمها ،وأشادت بكل جميل فيها توقف مطوال أمام سحر الطبيعة في شمالها وسهولها
وجنوبها رأى فيها البعض حصيلة الكفاح والنضال توجت المسيرة الشاقة في طريق المقاومة
بالكلمة القوية ،إنها عصارة تجربة بلغت قمة العطاء ،إنها ملحمة كتبت بالدم -والدم هو
الضريبة التي دفعها الشاعر وكل الجزائر من أجل كتابة هذه اإللياذة التي تعتبر نتيجة لحرية
التواصل وابالغ التاريخ ،إنها أحسن سجل لتاريخ الجزائر حتى اليوم إنها أروعه وأسهله حفظا
وأكثره أث ار في النفوس.2
1يحي الشيخ صالح :شعر الثورة عند مفدي زكرياء ،مؤسسة مفدي زكرياء ،ص.205
2مؤسسة مفدي زكرياء :تنظم الملتقى الدولي لألبعاد الدينية والفلسفية والتربوية آلثار مفدي زكرياء ،ص ص.11،12
46
سابعا :موضوعات إلياذة الجزائر
تضم اإللياذة ألف بيت وبيت ،تنقسم إلى مواضيع جزئية محددة وهي:
-تاريخ الجزائر القديم منذ ما قبل الميالد إلى بداية اإلحتالل الفرنسي ( 15مقطعا).
ولكن المتمعن في نص اإللياذة يدرك أن المواضيع تتداخل ،ألن الشاعر يرى التاريخ كوحدة
47
48
أوال :تعريف الصوت
أولى علماء العربية قديما وحديثا عناية كبيرة باللغة التي هي نظام من الرموز الصوتية
حيث يعرفها ابن جني بقوله" :أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" ،1فناقشوا واعتنوا بكل
القضايا التي تتعلق بها ومن بينها الصوت نظ ار الكتشافهم ماله من أهمية في فهم النظام
اللغوي والوقوف عند أس ارره ،وازدادت العناية به لما الحظوا صلته بكل فروع الدراسات
اللغوية :نحوية كانت أو صرفية أو داللية ،فتعدد العلماء الذين شاركوا في إقامة صرحه
وتوطيد بنيانه ومن بين نتائج العناية به تعدد تعريفات الصوت قديمة وحديثة.
-1لغة:
تعدد تعريف الصوت في المعاجم اللغوية ،ولكن لم نجد تعريفا للصوت لغة في المعاجم
1ابن جني :الخصائص ،تحقيق محمد علي النجار ،دار الكتب المصرية ،دط ،دت ،ج ،1ص.33
49
فأما ابن كثير الطائي فقال:
فإنما أنثه ،ألنه أراد به الضوضاء والجلبة ،على معنى الصيحة أو اإلستغاثة.1
سيده:
قال ابن ّ
هذا قبيح من الضرورة ،أعني تأنيث المذكر ،ألنه خروج عن أصل إلى فرع ،وانما المستجاز
من ذلك رد التأنيث إلى التذكير ،ألن التذكير هو األصل ،بداللة أن الشيء مذكر ،وهو يقع
فعلم لهذا عموم التذكير وأنه هو األصل الذي ينكر؛ ونظير هذا في
على المذكر والمؤنث ُ
قال :وهذا أسهل من تأنيث الصوت ،ألنه بعض السنين سنة ،وهي مؤنثة ،وهي من لفظ
صات صوتا فأصات وصوت به :كله نادى .ويقال :صوت يصوت،
يصوت وي َ
وقد صات ُ
1ابن منظور :لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،ج ،2مادة (ص و ت) ،ص.7
2المرجع نفسه :ج ،2ص.57
50
أما ابن السكيت فيقول" :الصوت صوت اإلنسان وغيره والصائت الصائح" ،وكذلك ابن بزرج
قال " :أصات الرجل بالرجل إذا أشهره بأمر ال يشتهيه وانصات الزمان به إنصياتا ،إذا
اشتهر".
الناس.
ويقال له صوت وصيت أي ذكر ،والدف الذي يطبل به ،ويفتح ويضم في الحديث :أنهم
كانوا يكرهون الصوت عند القتال هو أن ينادي بعضهم بعضا ،أو يفعل أحدهم فعل له أثر
الصوت :صات يصوت ويصات ،نادى ،كأصوات وصوت ورجل صات :صيت ،والصيت،
51
-2اصطالحا:
المتوفرة له ،لذلك نجد التعريفات قد تباينت بينهم ،فكانت الدراسات الحديثة أكثر تطو ار من
ومن أهم الرواد القدماء الذين تحدثوا عن الصوت وعرفوه الجاحظ(255ت) ،الذي يرى أن
الصوت هو الجوهر والحروف هي تلك الهيئة التي يأخذها الصوت لتأليف الكالم ويعرفه
بقوله" :الصوت آلة اللفظ ،والجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف ،ولن تكون
حركات اللسان لفظا وال كالما موزونا وال منثورا ،إال بظهور الصوت".1
إن الصوت عند الجاحظ حسب هذا التعريف هو اآللة التي تنتج اللفظ واآللة داللة على
طريقة الحركة واصدار الصوت ،فقوام اللفظة الصوت ،وهي تتألف من مجموعة من المقاطع
وكل مقطع يتألف من مجموعة حروف ،وهذه الحروف عبارة عن أصوات تشكل مجتمعة
كلمة تلفظ بالفم ،وتنطق باللسان وسائر األعضاء المكونة للجهاز النطقي.
"والتقطيع والتأليف هما العمليتان اللتان ينتج من خاللهما اللفظ ،ويعني بذلك تقطيع
األصوات إلى مقاطع وتأليفها بضمها إلى بعضها لتنسج األلفاظ والتراكيب".2
1الجاحظ :البيان والتبيين ،تحقيق عبد السالم محمد هارون ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ط ،1998 ،7ج ،1ص.69
2محاوي كريمة ولحسن كرومي وآخرون" :األلفاظ جمالية لغوية وقداسية وقرآنية" ،مجلة جيل الدراسات األدبية والفكرية،
ع ،2مارس ،2014ص.147
52
ومن الذين عرفوا الصوت أيضا واهتموا به ابن جني( 392ت) ،حيث تحدث عن الصوت
اللغوي الذي يصدر عن اإلنسان فيقول" :اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيال
متصال ،حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته
فيسمى المقطع أينما عرض له حرفا وتختلف أجراس الحروف بحسب اختالف مقاطعها".1
نستخلص من تعريف ابن جني هذا أنه يتحدث عن كيفية خروج الهواء ،وكيفية تشكل
الحرف ،كما نبه إلى مخارج الحروف وأن أجراسها (أي تلك القوة الصوتية) تختلف بحسب
اختالف أماكن اتصال أعضاء النطق أي أماكن إعاقة الهواء في أثناء النطق.
أما فيما يخص المقطع الذي ذكره فيفهم منه أن المقطع عنده داللتان "مكان خروج
الصوت ،واألخرى الصوت نفسه" ،2ومفهومه للمقطع هذا مفهوم خاص ،ال يتصل بمفهوم
وتعريف ابن جني هذا يختلف عن تعريف الجاحظ ،فابن جني تحدث عن كيفية تشكل
الحروف ومخارجها أما الجاحظ فقد تحدث عن الصوت المؤلف للفظ وكيفية تأليف الكالم.
1ابن جني :سر صناعة األعراب ،تحقيق حسن هنداوي ،دار القلم ،دمشق ،ط،1993 ،2ج ،1ص.6
2عبد العزيز الصايغ :المصطلح الصوتي في الدراسات العربية ،دار الفكر ،دمشق ،ط ،2007 ،2ص.52
53
وممن تحدث عن الصوت وأمعن النظر في حدوثه ابن سينا ( 428ت) الذي عنايته
بالطب والتشريح وسائر العلوم الطبيعية قادته إلى إدراك ما للصوت من أهمية فوضع تعريفا
دقيقا له فقال" :الصوت سببه القريب تموج الهواء دفعة بسرعة وبقوة من أي سبب كان...
إن المتأمل لتعريف ابن سينا يجد أنه قد دقق النظر في حدوث الصوت وال سيما أنه
انطلق من منطلق تشريحي ،ويظهر هذا التدقيق في عبارة تموج الهواء وهي تشير إلى طبيعة
الصوت الموجبة والى أن حركة الصوت إنما هي جزئيات الهواء التي تندفع بقوة محددة
ترتبط بقوة تأثير العامل الذي يحدث هذه الموجة ،وهذا الصوت قد يحدث بسبب وهو إما
القرع اصطدام شيئين كأن تضرب صخرة أو خشبة بشيء فيحدث الصوت ،أو القلع كأن
نقلع أحد شقي خشبة عن اآلخر ،2ويقول في ذلك ابن سينا" :إنه ليس يحدث -يعني
الصوت -إال قلع أو قرع مثل قرع صخرة أو خشبة فيحدث صوت".3
من خالل كل هذا نجد أن ابن سينا يتفق مع ابن جني في وصفه للصوت فهو يحدث
حين خروج الهواء من الرئتين ال حين دخوله ،أي مع عملية الزفير المعروفة ،ويختلف معه
في أنه لم يحدد مفهوم الصوت كما فعل ابن جني بل وصفه فقط ،وهذه أهم تعريفات
1ابن سينا :رسالة أسباب حدوث الحروف ،تحقيق محمد حسان الطيان و يحي مير علم ،مجمع اللغة العربية ،دمشق ،دط،
،1983ص ص.56،57
2إبراهيم خليل" :صوتيات ابن سينا" ،دراسات العلوم اإلنسانية واإلجتماعية ،ع ،3األردن ،2005 ،ص.543
3رشيد عبد الرحمن العبيدي :معجم الصوتيات ،مكتبة مروان العطية ،العراق ،ط ،2008 ،1ص.137
54
أما علماؤنا المحدثون الذين أتيحت لهم اإلمكانيات الحديثة للوصول إلى تعريف دقيق
للصوت فيعرفونه على أنه" :األثر السمعي المقصود الهادف الصادر عن أعضاء نطق
اإلنسان" ،1ومن الذين عرفوه على أنه أثر سمعي كمال بشر حيث يقول" :الصوت اللغوي
أثر سمعي يصدر طواعية واختيا ار عن تلك األعضاء المسماة تجاوزا أعضاء النطق"،2
ويتطلب الصوت اللغوي وضع أعضاء النطق في أوضاع معينة محددة ،أو تحريك هذه
نستخلص من هذا التعريف أن الصوت أثر مسموع تدركه األذن البشرية ،وهو يصدر عن
اإلنسان بإرادته ،وهذا الصوت له ذبذبات متغيرة بحسب تغير أعضاء النطق التي تتخذ
أوضاعا معينة إلصدار هذا الصوت الذي يمكن أن نعتبره لغويا ،وأعضاء النطق هذه ليس
وظيفتها النطق فقط بل لها وظائف أخرى إلى جانب هذه الوظيفة وهي التنفس واألكل...إلخ.
والصوت اللغوي يحدث "عندما يستعد اإل نسان للكالم العادي ،فيستنشق الهواء،
فيمتلئ به صدره قليال ،واذا أخذ في التكلم فإن عضالت البطن تتقلص قبل النطق بأول
مقطع صوتي ،ثم تتقلص عضالت القفص الصدري بحركات سريعة تدفع الهواء إلى أعلى
عبر األعضاء المنتجة لألصوات ،وتواصل عضالت النطق تقلصها في حركة بطيئة
مضبوظة إلى أن ينتهي اإلنسان من الجملة األولى" ،3وهذا الوصف لحدوث الصوت
1رمضان عبد التواب :أصوات اللغة العربية بين الفصحى واللهجات ،مكتبة بستان المعرفة ،ط ،2006 ،1ص.33
2كمال بشر :علم األصوات ،دار غريب ،القاهرة ،دط ،2000 ،ص.119
3أحمد مختار عمر :دراسة الصوت اللغوي ،عالم الكتب ،القاهرة ،دط ،1997،ص.111
55
اللغوي هو وصف للعملية الفيسيولوجية التي تحدث في جهاز النطق وذلك بتضافر أعضاء
النطق عند اإلنسان إلنتاجه ،إذن فعملية إنتاج الصوت تحتاج إلى:
ولم يخرج خليل عطية عما ذهب إليه كمال بشر في تعريفه للصوت فيقول" :الصوت
اللغوي الذي تؤلف مادته علم األصوات فإنه :األثر السمعي الذي يصدر طواعية عن تلك
األعضاء التي يطلق عليها اسم جهاز النطق" ،1إذن فالصوت هو تلك المسموعات التي
تصدر عن الجهاز النطقي لإلنسان وذلك من الحنجرة واهتزاز أوتارها الصوتية مرو ار بالفم أو
جانب خاص بأعضاء النطق وأوضاعها وحركاتها وهو الجانب العضوي وجانب خاص بتلك
اآلثار التي تنتشر في الهواء في صورة ذبذبات وهو الجانب الفيزيائي ،وجانب خاص
1خليل إبراهيم العطية :في البحث الصوتي عند العرب ،دار الجاحظ ،بغداد ،العراق ،دط ،1983 ،ص.6
56
ونجد إبراهيم أنيس يعرف الصوت بأنه" :ظاهرة طبيعية تدرك أثرها دون أن تدرك
كنهها ،وقد أثبت علماء الصوت بتجارب ال يتطرق إليها الشك أن كل صوت مسموع
يستلزم جسم يهتز ،على أن تلك الهزات ال تدرك بالعين في بعض الحاالت" ،1إذن فالصوت
ظاهرة فيزيائية ،وهذه الظاهرة موجودة في الطبيعة وهي تستلزم وجود جسم يهتز ،وهذا
أما تمام حسان فالصوت عنده" :عملية حركية يقوم بها الجهاز النطقي وتصحبها آثار
سمعية معينة تأتي من تحريك الهواء فيما بين مصدر إرسال الصوت وهو الجهاز النطقي،
هذا يعني أن المتكلم حين يتكلم نالحظ أنه يقوم بحركات بفكه وشفتيه ولسانه ،ونالحظ
كذلك أن أث ار سمعيا ينتقل في الهواء وهو مرتبط بهذه الحركات التي في فم المتكلم ليصل
إلى أذن السامع ،إذن فالصوت إلنتاجه يتطلب مصدر إنتاج وارسال و استقبال ،ومن شروط
حدوث هذا الصوت اللغوي توفر عنصر اإلعتراض فال صوت دون اعتراض ونقصد
الجهاز الصوتي ،ونقصد بهما عضو ثابت وعضو متحرك ،وهذا في أي نقطة من نقاط
الجهاز الصوتي ،وأين يتم اإلعتراض يخرج الصوت وينسب إلى ذلك المخرج أي ينسب إلى
الحلق أو الشفتين.
1إبراهيم أنيس :األصوات الغوية ،مكتبة نهضة مصر ،دط ،دت ،ص.5
2تمام حسان :اللغة العربية معناها ومبناها ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،المغرب ،دط ،1994 ،ص.66
57
وهذه أهم تعريفات الصوت عند العلماء المحدثين الذين إتفقوا على أن الصوت له ثالث
-األصوات الصامتة :ويقابلها األصوات الجامدة وأي صوت كالمي ينتمي إلى قسم من
وقد كان االتفاق بين علماء األصوات على هذا التقسيم ناتج عن "دراسة طبيعة
األصوات وصفاتها ،ونتيجة أوضاع األوتار الصوتية ،وكيفية مرور الهواء من الحلق إلى
الفم واألنف ذلك أن الهواء المندفع مع الزفير من الرئتين قد ال يصطدم بأي حاجز أو عائق،
1محمود السعران :علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،دط ،دت ،ص.148
2عصام نور الدين :علم األصوات اللغوية -الفونيتيكا -دار الفكر اللبناني ،بيروت ،ط ،1996 ،1ص.195
58
-1األصوات القطعية:
أ -الصوائت:
أصوات مجهورة تخرج من دون أن يعترضها حاجز يسد مجرى النطق أو يضيقه ،لذلك
اعتمد نطقها على اهتزاز الوترين الصوتيين الذي يولد الجهر ،1وذكر دانيال جونز الصوائت
معرفا فقال" :أصوات مجهورة يخرج الهواء عند النطق بها على شكل مستمر من البلعوم
والفم ،دون أن يتعرض لتدخل األعضاء الصوتية تدخال يمنع خروجه ،أو يسبب فيه
احتكاكا مسموعا".2
هذا يعني أن األصوات الصائتة مجهورة وليست مهموسة وتخرج دون وجود عائق يعيقها أو
يمنعها من الخروج.
والمصوات في العربية ستة" :منها ثالثة مصوتات طويلة ،اصطلح على تسميتها بـ (حروف
المد واللين) وثالثة مصوتات قصيرة اصطلحوا على تسميتها بـ (الحركات) وال فرق بين
النوعين إال في الكمية أو الزمن" ،3ويقول في ذلك ابن جني محددا عدد الصوائت" :في
العربية ستة أصوات يتشابه كل إثنين منها تشابها كبي ار بحيث لو مطلنا الصوت بإحداهما
1علي حسن مزبان :علم األصوات بين القدماء والمحدثين ،دار شموع الثقافة ،ط ،2003 ،1ص.72
2غالب فاضل المطلبي :في األصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية ،و ازرة الثقافة واإلعالم ،العراق ،دط ،1984 ،
ص.24
3محمد يحي سالم الجبوري :مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط،2006 ،1
ص.93
59
لكان اآلخر ولو قصرناه باآلخر لكان األول ،وهي الفتحة واأللف ،والكسرة والياء ،والضمة
والواو ،وقد أطلق على األولى حركات وعلى الثانية حروف" ،1من هذا القول نستنتج أن
الحركات هي :الفتحة والضمة والكسرة والحروف هي :األلف والواو والياء ،والفتحة يقابلها
-أ نها عند النطق أو أثناء النطق بها يكون ممر الهواء مفتوحا وتنعدم أنواع االعتراضات أو
العقبات من طريق تيار الهواء وينشأ عن انعدام االعتراضات أن ينعدم وجود أي احتكاك
يصاحب النطق.2
-كما أنها تتميز بالجهر ،فالحركات أصوات مجهورة يتذبذب عند النطق بها أي عند
صدورها الوتران الصوتيان ،لذلك فهي تسمع من مسافة عندها قد تخفى األصوات الصامتة
1حسام سعيد النعيمي :الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني ،دار الرشيد ،الجمهورية العراقية ،دط ،1980 ،ص.193
2سعد عبد العزيز مصلوح :دراسة السمع والكالم ،عالم الكتاب ،القاهرة ،دط ،2000 ،ص.163
3إبراهيم أنيس :األصوات اللغوية ،ص.64
60
وباإلضافة إلى ذلك تعد أصوات العلة أكثر شيوعا في اللغة وأي انحراف في طريقة
أدائها يبعد المتكلم عن الطريقة المألوفة في نطقها ،1كما أنه من النادرة أن تجد صامتا ال
تتبعه حركة ألن الصامت بدون حركة يصعب نطقه بدرجة واضحة والحركة هي التي تجعل
الصامت يصوت.2
وهي األصوات الناتجة أثناء النطق ،عن اصطدام الهواء بعائق من العوائق ،وتتحدد
طبيعتها حسب مخرج الصوت ،ودرجة انفتاح اآللة المصوتة أو إقفالها ،واألحداث التي ترافق
فاألصوات الصامتة إذن تحدث في أثناء النطق بها اعتراض أو عائق في مجرى
الهواء ،سواء كان االعتراض كامال كما في نطق أصوات الدال والطاء والتاء أو كان
االعتراض جزئيا من شأنه أن يسمح بمرور الهواء ولكن بصورة ينتج عنها احتكاك مسموع.4
1مناف مهدي محمد :علم األصوات اللغوي ،عالم الكتاب ،بيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ص.92
2محمد محمد داود :الصوائت والمعنى في العربية ،دار غريب ،القاهرة ،دط ،2001 ،ص.16
3عصام نور الدين :علم األصوات اللغوية ،ص.196
4هادي نهر :علم األصوات النطقي دراسة وصفية تطبيقية ،عالم الكتب الحديث ،إربد ،األردن ،ط ،2011 ،1ص.32
61
وفي كل حاالت النطق بالصوامت يحدث هذا االعتراض ولو لوقت قصير جدا ثم يزول،
وتختلف الصوامت من ناحية النقطة التي يتم فيها االعتراض أي النقطة التي يصدر فيها
الصوت ،1واألصوات الصامتة تسعة وعشرون حرفا كما ذكرها سيبويه ،وصار ما ذكره
أساسا استند عليه معظم علماء العربية ولم يشذ منهم إال أبا العباس المبرد.2
ويقول في ذلك ابن جني" :اعلم أن أصول أحرف المعجم عند الكافة تسعة وعشرون
حرفا ،فأولها األلف ،وآخرها الباء ،على المشهور من ترتيب المعجم ،إال أبا العباس فإنه
فحسب هذا القول هناك اتفاق على أن األصوات الصامتة تسعة وعشرون حرفا ،وهذه
والحروف تشترط وجود عائق يعترض مجرى الهواء المندفع من الرئتين خالل الحلق والفم -
1محمود فهمي حجازي :مدخل إلى علم اللغة ،دار قباء ،القاهرة ،دط ،دت ،ص.39
2غانم قدوري الحمد :الدراسات الصوتية عند علماء التجويد ،دار عمار ،عمان ،ط ،2007 ،2ص.147
3ابن جني :سر صناعة األعراب ،ص.41
4محمد محمد داود :الصوائت والمعنى في العربية ،ص.16
62
وتتميز هذه األصوات بطريقة إنتاجها فالصوت ينتج أساسا من اندفاع هواء الرئتين،
بضغط من الحجاب الحاجز فيمر الهواء في طريقه بالحنجرة والفم إلى الخارج ،وهو يسمى
بعملية الزفير.1
وتتميز كذلك بأن المجرى معها إما أن يغلق تماما ،أو يضيق إلى الدرجة التي يسمع له
فيها نوع من الحفيف ،كذاك الذي نسمعه أثناء نطق الحاء ،2كما أنها تتميز بارتباط المعنى
وتتميز كذلك بأن األوتار الصوتية معها قد تهتز وقد ال تهتز ،بحكم أن منها المجهور
والمهموس فليست كل األصوات الصامتة مجهورة ،وليست كلها ذات نسبة واحدة من
من خالل هذا نصل إلى أن الفرق بين الصوامت والصوائت يتمثل فيما يلي:
-أما من حيث الوظيفة فالصوامت يرتبط معنى الكلمة بها في حين الصوائت تعبر عن
1عبد الصبور شاهين :المنهج الصوتي للبنية العربية رؤية جديدة في الصرف العربي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،دط ،
،1980ص.26
2عبد الفتاح عبد العليم البركاوي :مقدمة في أصوات اللغة العربية وفن األداء القرآني ،القاهرة ،ط ،2002 ،2ص.65
محمد محمد داود :الصوائت والمعنى في العربية ،ص.17 3
63
ومن خالل عرضنا ألنواع األصوات نجد أن هناك نوعا ثالثا من األصوات يعرف
بأشباه الصوائت وهي أيضا تسمى بأشباه الصوامت أو الصوامت الضعيفة وهما الياء والواو،
وهذان الصوتان من جهة النطق يقتربان من المصوتات ولكنهما في السياق يسلكان مسلك
الصوامت ،1وسميت هذه األصوات بأشباه الصوامت ألنها تمتلك خاصية تبادل المواقع مع
الصوامت.2
وهذه األصوات هي:تلك التي تبدأ أعضاء النطق بها من منطقة حركة من الحركات (أي تبدأ
عند نطقها كحركة من الحركات) ولكنها تنتقل من هذا الموضع بسرعة ملحوظة إلى موضع
حركة أخرى وألجل هذه الطبيعة االنزالقية أو االنتقالية عدت هذه األصوات كأشباه صوائت.3
أ -المقطع:
-لغة :قطعه كمنعه ،قطعا ومقطعا وتِ ِقطَّ ًعا ،بكسرتين مشددة الطاء :أبانه ،والنهر،
-اصطالحا:
1محمد يحي سالم الجبوري :مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية ،ص.105
2عبد القادر عبد الجليل :علم الصرف الصوتي ،سلسلة الدراسات اللغوية ،دط ،1998 ،ص.94
3مناف مهدي محمد :علم األصوات اللغوي ،ص.92
4الفيروز أبادي :القاموس المحيط ،مج ،1مادة (ق ط ع) ،ص.1339
64
" إذا كانت األصوات ...هي العناصر البسيطة التي تتكون منها الكلمة العربية ،فإن
بين الصوت المفرد والكلمة المركبة من عدة أصوات ،مرحلة بسيطة ،هي مرحلة
المقطع".1
ويعرف المقطع بأنه" :قمة اإلسماع غالبا ما تكون صوت علة ،مضافا إليها أصوات
أخرى عادة – ولكن ليس حتما -تسبق القمة ،أو تلحقها ،أو تسبقها وتلحقها"،2
ويعرفه إبراهيم أنيس بأنه "عبارة عن حركة قصيرة أو طويلة مكتنفة بصوت أو أكثر من
األصوات الساكنة".3
إذن المقطع يتكون من حركة قصيرة (ضمة أو فتحة أو كسرة) وحركة طويلة (الواو أو
الياء أو األلف) وصامت أي أنه إما يتكون من صامت وحركة قصيرة أو صامت وحركة
مقطع قصير :وال يكون إال مفتوحا ،ويتألف من (صامت +صائت) مثل( :ك)
في كتب.
مقطع متوسط مفتوح :ويتألف من ( صامت +صائت طويل) مثل( :كا) في
كاتب.
1عبد الصبور شاهين :المنهج الصوتي للبنية العربية ،رؤية جديدة في الصرف العربي ،ص.38
2ماريو باي :أسس علم اللغة ،ترجمة أحمد مختار عمر ،عالم الكتاب ،القاهرة ،ط ،1997، 8ص96
3فوزي الشايب :أثر القوانين الصوتية في بناء الكلمة ،عالم الكتاب الحديث ،إربد ،األردن ،ط ،2004 ،1ص.99
65
مقطع متوسط مغلق :ويتألف من (صامت +صائت قصير +صامت) مثل:
(تب) في كاتب.
مقطع زائد الطول :ويتألف من (صامت +صائت طويل +صامتان) مثل( :سار)
ب -التنغيم:
66
-لغة:
الشراب :شرب منه قليال ،ناغمه حادثه نغما ،تنغم :نغم ،النغمة :جرس الكلمة وحسن
-اصطالحا:
يعد التنغيم عنص ار مهما من عناصر السياق من دونه يظل البحث عن داللة التراكيب
اللغوية المنطوقة متأرجحا غير واضح ،وهو كذلك "من مصطلحات الدرس اللساني الحديث
الذي يشير إلى التغيرات في الدرجات الصوتية التي تحدث في صوت المتكلم أثناء الحديث
المتواصل وهو ناتج طبيعي عن تذبذب األوتار الصوتية" ،2والتنغيم من خصائص اللغة
المنطوقة فهو يقتصر على التراكيب المسموعة ال المكتوبة وال تخلو منه لغة من لغات
البشر.
مصطلح التنغيم يقابله في اللغة األجنبية L’intonationوهو "رفع الصوت وخفضه في
أثناء الكالم ،للداللة على المعاني المختلفة للجملة الواحدة ،كنطقنا لجملة مثل" :ال يا شيخ"
1مجمع اللغة العربية :المعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،جمهورية مصر العربية ،ط ،2004 ،4مادة (ن غ م)،
ص.937
2مزاحم مطر حسين" :أثر التنغيم في توجيه األغراض البالغية لعلم المعاني -اإلستفهام نموذجا ،" -مجلة القادسية في
اآلداب والعلوم التربوية ،ع ،3،4مج ،2007 ،6ص.39
67
للداللة على النفي أو التهكم أو االستفهام ،وغير ذلك ،وهو الذي يفرق بين الجمل
االستفهامية والخبرية ،في مثل" :شفت أخوك" 1والذي يالحظ على هذا التعريف أنه ال
يحصر وجود التنغيم ضمن اللغة العربية فحسب بل يتعداه إلى العامية.
ويستخدم التنغيم في الداللة على معان إضافية في غالبية األحيان كالتأكيد والتعجب
واالنفعال والدهشة وغيرها وقد مثل أحمد مختار عمر لذلك باألمثلة التالية:
ال :إذا نطقت بنغمة هابطة تكون الجملة تقريرية بمعنى ال أوافق ،وتدل على دهشة أو
استنكار إذا نطقت بنغمة صاعدة ،أما إذا نطقت بنغمة مسطحة فهي توكيدية.
-والجملة العامية :نجح محمد؟ كاستفهام تختلف عنها في حالة التقرير :نجح محمد.
-وفي قولنا :ماذا تق أر شوقي؟ ففي الحالة األولى تحمل الجملة النداء بمعنى قولنا ماذا تق أر
يا شوقي؟ (محذوفة) أما في الحالة الثانية :ماذا تقرأ؟ شوقي؟ فهي استفهام عن الشاعر
شوقي.2
ومما ينبغي اإلشارة إليه هنا هو التفريق بين النغمة والتنغيم ،فالنغمة تقوم فيها درجات
الصوت المختلفة بدورها المميز على مستوى الكلمة ولذا تسمى تونات الكلمة
1رمضان عبد التواب :المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث ،ص.106
2انظر أحمد مختار عمر :دراسة الصوت اللغوي ،ص ص.366،367
68
، Word tonesأما التنغيم :تقوم فيه درجات الصوت المختلفة بدورها المميز على مستوى
ج -النبر:
-لغة:
نبر :نبرت الشيء أنبره نبرا :رفعته ،ومنه سمي المنبر ،ونبرة المغني :رفع صوته عن
-اصطالحا:
النبر من بين الظواهر الصوتية المهمة في لغتنا العربية كونه يفسر المعاني ويوضحها
ويكشف عن حقائق داللية أرادها المتكلم في آدائه ،وهذه الظاهرة يعرفها إبراهيم أنيس بقوله:
"نشاط في جميع أعضاء النطق في وقت واحد" ،3في حين يقول عنه كمال بشر" :ومعنى
هذا أن المقاطع تتفاوت فيما بينها قوة وضعفا ،فالصوت أو المقطع المنبور ،ينطق ببذل
طاقة أكثر نسبيا ويتطلب من أعضاء النطق مجهودا أشد ،الحظ الفرق مثال في – قوة
69
النطق وضعفه بين المقطع األول في (ضرب) والمقطعين األخيرين في (ض /ر /ب) تجد
فالنبر إذا علو في بعض المقاطع من الكلمة مقارنة مع مقاطع أخرى ويكون مصحوبا
-نبر عالي أو رئيس :يظهر على مقطع أو أكثر من الكلمات الطويلة أو المركبة.2
-إذا توالت عدة مقاطع مفتوحة يكون األول منها منبورا ،ففي كلمة كتب نجد ثالثة مقاطع
-إذا تضمنت الكلمة مقطعا طويال واحدا ،يكون النبر على هذا المقطع الطويل مثل :كتاب
70
-إذا تكونت الكلمة من مقطعين طويلين ،يكون النبر على أولهما ،ففي كلمة كاتب نجد
-1المخرج لغة:
-2المخرج اصطالحا:
محل خروج الحرف-أي ظهوره -أي ظهوره الذي ينقطع عنده صوت النطق به فيتميز
به عن غيره ،3وهو أيضا نقطة معينة في المجرى وعندها يتكون الصوت وعندها يحصل
71
وقد اختلف علماؤنا القدماء والمحدثون في تسميات المخرج فالخليل ذكر المخرج كما
ذكر المبدأ والمدرج حيث يقول..." :أربعة أحرف جوف وهي :الواو والياء واأللف اللينة،
والهمزة وسميت جوفا ألنها تخرج من الجوف فال تقع في مدرج من مدارج اللسان ،وال
مدرج من مدارج الحلق ،1"...ويقول في المبدأ" :فالعين والحاء والخاء والغين حلقية ألن
مبدأها من الحلق.2"...
وأطلق عليه ابن سينا المحبس 3باإلضافة إلى مصطلح المقطع الذي استخدم ابن جني،4
كما أورد ابن دريد لفظ المجرى ،5أما سيبويه فقد استخدم المخرج ،ورغم التسميات الكثيرة
لمصطلح المخرج إال أنه هو المتفق عليه حديثا فكل العلماء الذين أتو بعد الخليل وسيبويه
وهذه التسميات في عمومها تدل على الموضع الذي يكون فيه صدور الحرف في جهاز
النطق.
1الفراهيدي :كتاب العين ،تحقيق مهدي المخزومي و إبراهيم السمرائي ،دار ومكتبة الهالل ،دط ،دت ،ج ،1ص.57
2المرجع نفسه :ص.58
3ابن سينا :أسباب حدوث الحروف ،ص.75
4علي حسن مزبان :علم األصوات بين القدماء والمحدثين ،ص.23
5ابن جني :سر صناعة األعراب ،ص.6
6عبد العزيز الصايغ :المصطلح الصوتي ،ص.51
72
وأما بالنسبة لتحديد المخرج فيبين الطريقة المهدوي بقوله" :فإذا أردت معرفة حقيقة
المخرج من الفم وغيره ،فإنما تنطق بالحرف ساكنا وتدخل عليه همزة الوصل ،فتقول:ان،
ام ،فيظهر لك مخرج الحرف من الفم وغيره وكذلك تعتبر سائر الحروف" ،1ومن هذا القول
نصل إلى أنه إذا أردنا معرفة مخرج الحرف نأتي بهمزة وصل قبله وننطق بالحرف ساكنا.
وفيما يخص عدد المخارج فقد اختلف القدماء والمحدثون في عدد مخارج األصوات
العربية وهذا االختالف مرده إلى الدقة التي يتسم بها كل عالم عن غيره في تحديد مخرج
الصوت ،فهي عند الخليل سبعة عشرة مخرجا جاعال من ضمنها الجوف ،2وسيبويه ذكر
أنها ستة عشرة مخرجا في قوله" :للحروف العربية ستة عشرة مخرجا" ،3وحذف منها مخرج
الجوف الذي ذكر عند الخليل ،وكذلك ذكر في كتاب النشر أن قطرب والجرمي ذكر أربعة
عشرة مخرجا للحروف على اعتبار أن حرف الالم والنون والراء لها مخرج واحد.4
أما علماء األصوات المحدثون فقد خالفوا القدماء في عدد المخارج ،حيث يقول الدكتور
رمضان عبد التواب" :وبيننا وبين قدامى اللغويين من العرب ،خالف في عدد المخارج
1عبد البديع النيرباني :الجوانب الصوتية في كتب االحتجاج في القراءات ،دار الغوثاني للدراسات القرآنية ،دمشق ،سوريا،
ط ،1،2006ص.53
2ابن الجزري :النشر في القراءات العشر ،تحقيق علي محمد الضباع ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دط ،دت،ج،1
ص.198
3سيبويه :الكتاب ،تحقيق عبد السالم هارون ،مكتبة الخانجي بالقاهرة ،دار الرفاعي بالرياض ،ط ،1982 ،2ج، 4
ص.433
4ابن الجزري :النشر في القراءات العشر،ج ،1ص.198
73
لألصوات العربية" ،1فمنهم من عدها تسعة مخارج ،ومنهم من جعلها عشرة ورأى آخرون أنها
إال أن هذا الخالف ليس واقعا بين المحدثين والقدماء فقط ،بل إنه موجود حتى بين
المحدثين أنفسهم ،وربما يرجع هذا الخالف إلى بعض التطورات التي حدثت لبعض
األصوات والتي أدت إلى تغيير في نطقها كما هو الحال في صوت الضاد ،كما يرجع كذلك
إلى الوسائل واإلمكانيات التي استعملها كل واحد حتى يتمكن من تحديد مخرج الصوت،
فالقدماء اعتمدوا الذوق والحس اللغوي الدقيق أما المحدثون فوسيلتهم األجهزة الصوتية
واآلالت المتطورة.
أما فيما يتعلق بتحديد ترتيب مخارج األصوات فقد سلك هؤالء العلماء وجهتان:
-البدء بأقصى موضع من آلة النطق يمكن أن يخرج منه صوت لغوي ،وهو أقصى الحلق
(الحنجرة) ثم االنتقال إلى الموضع الذي يليه باتجاه الخارج ،فيكون األول المخارج في
-أن يكون أول المخارج في الشفتين ،وآخرها في أقصى الحلق ،وهو الذي أخذ به بعض
المحدثين.3
1رمضان عبد التواب :المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،ط ،1997 ،3ص.30
2حيدر فخري ميران وعلي جواد كاظم" :مخارج األصوات الصامتة عند غانم قدوري الحمد في ضوء الدراسات القديمة
والحديثة" ،مجلة مركز بابل ،ع ،1حزيران ،2012ص.37
3غانم قدوري الحمد :علم التجويد دراسة صوتية ميسرة ،دار عمار ،عمان ،األردن ،ط ،2005 ،1ص ص.51،52
74
وسوف أكتفي بذكر واحد من القدماء وآخر من المحدثين لكي أبين ترتيب المخارج.
قسم ابن جني األصوات العربية من حيث المخرج إلى ستة عشرة مخرجا وهي:
-6ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك األعلى مخرج الجيم والشين والياء.
-8ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان من بينها وبين ما يليها من الحنك
-10ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليال النحرافه إلى الالم مخرج الراء.
75
-11ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء والدال والتاء.
وأما مخارج األصوات عنده فقد قسمها إلى إحدى عشرة مخرجا وهي:
76
-7وسط الحنك وهي :الياء.
من خالل عرضنا لمخارج األصوات العربية القديمة والحديثة يبدو أنه هناك اختالف ،وهذا
وينحصر هذا الخالف بين ابن جني وكمال بشر فيما يلي:
-1الواو :عند ابن جني مخرجها الشفتين أما عند كمال بشر مخرجها أقصى الحنك.
-2الصاد والزاي والسين :مخرجها عند ابن جني طرف اللسان والثنايا ،أما مخرجها عند
-3الضاد :عند ابن جني مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من األضراس أما عند
كمال بشر فهي من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا ومقدم اللثة.
-4العين والخاء :مخرجها من الحلق عند ابن جني ،أما كمال بشر من أقصى الحنك.
77
-5الهاء والهمزة واأللف :ابن جني عنده من أقصى الحلق ،أما مخرج الهمزة والهاء فهي
إذن فاألصوات التي اختلفوا فيها هي :الواو ،الصاد ،السين ،الزاي ،الضاد ،العين ،الخاء،
-2الصفة اصطالحا:
الصفات جمع صفة وهي كيفية حدوث الصوت أي الكيفية التي يخرج بها الصوت إلى
الوجود من العدم ،2وهي أيضا كيفية تعرض للحرف عند النطق به كجريان النفس في
الحروف المهموسة وعدم جريانه في الحروف المجهورة ،3أما ابن الجزري فقد ربط الصفة
بالمخرج لمن أراد أن يتقن علم التجويد عمليا حيث قال" :أول ما يجب على مريد إتقان
وتوفية كل حرف صفته المعروفة به توفية تخرجه عن مجانسه يعمل لسانه وفمه
بالرياض ة في ذلك إعماال يصير ذلك له طبعا وسليقة ،فكل حرف شارك غيره في صفاته
78
فإنه ال يمتاز عن مشاركه إال بالصفات ،وكل حرف شارك غيره في صفاته فإنه ال يمتاز
وبعد تحديدنا لمفهوم الصفة نشير إلى أنه كان لعلمائنا القدماء دور وفضل كبير
اليمكن إنكاره في تحديد الصفات ووصفها وصفا دقيقا وواضحا رغم قلة اإلمكانيات والوسائل
العلمية ،لكن بعد التطور السريع الذي شهده العلم استطاع علماؤنا المحدثون أن يحددوا
ورغم هذا التحديد الدقيق إال أن هناك اختالف في عدد الصفات بين العلماء فهي عند
البعض أربعة وأربعون ،وعند البعض اآلخر أربعة وثالثون في حين جعلها آخرون أربع
عشرة صفة ،2غير أن جمهور القراء يعدها سبعة عشرة صفة وهو الذي اختاره الجمهور،
-1الصفات العامة:
أ -الجهر:
-لغة:
79
جهر بالقول إذا رفع به صوته ،فهو جهير ،وأجهر فهو مجهر ،إذا عرف بشدة الصوت
وجهر الشيء:علن وبدا ،وجهر بكالمه ودعائه وصالته وقراءته يجهر جه ار وجها ار وأجهر
-اصطالحا:
اهتزاز األوتار الصوتية عند مرور الهواء بها أثناء النطق بالصوت وهي الصوامت:
الميم ،والباء والواو ،الذال ،الطاء ،الدال ،الضاد ،الزاي ،الالم ،الراء ،النون ،الجيم ،الياء،
ب -الهمس:
-اصطالحا:
حرف أضعف االعتماد في موضعه حتى جرى النفس ،ولو أردت ذلك في المجهور لم
تقدر.1
80
ويفهم من ذلك أن معيار القدماء في تمييز المجهور من المهموس هو منع النفس مع
إشباع االعتماد وقوته على موضع الحرف المجهور وجريان النفس وضعف االعتماد في
الحرف المهموس وحروف الهمس هي :الهاء ،الحاء ،الخاء ،والكاف ،والشين ،والسين،
ولكن هنا البد من اإلشارة إلى أن هناك اختالفا بين القدماء والمحدثين في عدد
األصوات المجهورة والمهموسة ،فالمجهورة عند القدماء تسعة عشرة حرفا ،في حين المهموسة
ج -الرخوة:
-لغة:
81
رخا شيء رخو ورخو ،بكسر الراء وفتحها ،أي هش ،ورخى الشيء يرخى ،ورخو أيضا
-اصطالحا:
وهي التي ينغلق الممر انغالقا جزئيا معها (غير تام) ،حيث يكتفي بتضييقه وتعويق
مرور الهواء ،فينشأ من جراء ذلك احتكاك ذلك الهواء بهذه األعضاء المضيقة أو المعوقة،
فيسمع هذا االحتكاك في صورة أصوات احتكاكية وهي األصوات الرخوة :الثاء ،الحاء،
الخاء ،الذال ،الزاي ،الشين ،الصاد ،الظاء ،العين ،الغين ،الفاء ،الهاء ،الواو ،الياء.2
د -الشديدة:
-لغة:
1الجوهري :الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،راجعه محمد محمد تامر وآخرون ،دار الحديث ،القاهرة ،دط،2009 ،
مج ،1مادة(ر خ ا) ،ص.434
2أبو السعود أحمد الفخراني :دراسات في علم الصوتيات ،مكتبة المتنبي ،السعودية ،ط ،2005 ،1ص.140
82
الشدة الصالبة وهي نقيض اللين ،تكون في الجواهر واألغراض ،والجمع شدد ،شيء
شديد بين الشدة ،وشيء شديد مشتد قوي ،فالشدة المجاعة والشدائد الهزائر ،الشدة صعوبة
الزمن.1
-اصطالحا:
هو أن يحبس الهواء الخارج من الرئتين حبسا تاما في موضع من المواضع ،وينجم
عن هذا الحبس أو الوقف أن يضغط الهواء ثم يطلق سراح المجرى الهوائي فجأة ،فيندفع
الهواء محدثا صوتا انفجاريا ،2ويعرفه سيبويه قائال" :ومن الحروف الشديدة وهو الذي يمنع
الصوت أن يجري فيه" ،3والحروف الشديدة هي :الهمزة ،الجيم ،الدال والكاف ،والقاف والطاء
ه -اإلطباق:
-لغة:
83
وطبقه تطبيقا فانطبق وأطبقه
جاء في المحيط :غطاء كل شيء ،ج :أطباق وأطبقهّ ،
فتطبق ،والطبق أيضا من كل شيء :ما ساواه ،وقد طابقه مطابقة وطباقا ،ووجه األرض،
-اصطالحا:
أن يرفع المتلفظ بهذه الحروف لسانه ،ينطبق بها الحنك األعلى فينحصر الصوت بين
و -االنفتاح:
وهو انفتاح اللسان وانفصاله عن الحلق إلخراج الهواء عند النطق بالصوت ،وأصواته
.
كل األصوات العربية ماعدا أصوات اإلطباق
وفي اللغة :االنفتاح ضد االنغالق ،جاء في اللسان :الفتح نقيض اإلغالق ،وباب فتح أي
واسع مفتح ،وفي حديث أبي الدرداء :من يأتي بابا مغلقا يجد إلى جانبه بابا فتحا ،أي
واسعا.
ي -اإلستعالء:
-لغة:
84
علو الشيء ،مثلثة ،وعالوته ،بالضم ،وعاليته :أرفعه ،عال علوا ،فهو علي ،وعلى،
كرضي ،وتعلّى ،وعاله ،و -به ،واستعاله ،وأعلواله وأعاله وعاله وعااله و -به :صعده،
-اصطالحا:
وهو أن يتصعد اللسان في الحنك األعلى ،والمستعلية سبعة :الخاء ،والغين ،والقاف،
ز -اإلستفال:
-لغة:
السفل والسفول والسفالة ،بضمهن والسفل والسفلة ،بكسرهما والسفال ،بالفتح نقيض العلو
-اصطالحا:
85
انحطاط اللسان عند خروج الحرف من الحنك إلى قاع الفم وحروفه هي إثنان وعشرون
ر -التفخيم:
-لغة:
فخم :فخم الرجل بالضم فخامة ،أي :ضخم ورجل فخم أي عظيم القدر ،والتفخيم:
-اصطالحا:
ارتفاع مؤخر اللسان إلى أعلى قليال في اتجاه الطبق اللين وتحركه إلى الخلف قليال في
اتجاه الحائط الخلفي للحلق ،ولذلك يسميه بعضهم اإلطباق بالنظر إلى الحركة العليا للسان،
ويسميه بعضهم التحليق بالنظر إلى الحركة الخلفية للسان 3وهي :الصاد ،الضاد ،الطاء،
ع -الترقيق:
86
-لغة:
الرقيق نقيض الغليظ والثخين وقد رق الشيء يرق رقة وأرقه ،ورققه وترقيق الكالم
تحسينه.1
-اصطالحا:
هي الصوائت التي يرتفع فيها مقدم اللسان في اتجاه الغار ،ويطلق على ظاهرة الترقيق
هذه مصطلح التغرير واألصوات المرققة هي األصوات غير المفخمة ،والتفخيم ضد الترقيق
-2الصفات الخاصة:
1الجوهري :الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،مج ،1مادة(ر ق ق) ،ص.460
2أروى خالد مصطفى عجولي :النظام الصوتي وداللته في سيفيات المتنبي وكافورياته ،رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير،
قسم الدراسات العليا اللغة العربية وآدابها ،جامعة النجاح ،نابلس ،طرابلس ،2014 ،ص.32
87
أ -القلقلة:
-لغة:
جاء في اللسان :قلقل الشيء وقلقاال وقلقاال فتقلقل وُقلقاال عن كراع وهي نادرة ،حركه
فتحرك واضطرب ،فإذا كسرته فهو مصدر واذا فتحته فهو اسم...والقلقلة :شدة
-اصطالحا:
هي تحريك اللسان واضطرابه عند النطق بالحرف الساكن حتى يسمع نبرة "وهي حركة
قصيرة جدا تشبه الكسرة" ،2وهي خمسة حروف تجمع بين الشدة والجهر :الباء ،الدال،
الطاء ،الجيم ،القاف ،3وسميت بالقلقلة ألنها يصحبها ضغط اللسان في مخرجها في الوقف
مع شدة الصوت المتصعد من الصدر ،وهذا الضغط التام يمنع خروج ذلك الصوت،
فإذا أردت بيانها للمخاطب احتجت إلى قلقلة اللسان وتحريكه عن موضعه حتى يخرج
صوتها فيسمع.4
ب -الصفير:
88
-لغة:
الصفير من الصوت بالدواب إذا سقيت ،صفّر ،يصفّر ،صفيرا ،وصفّر بالحمار وصفر:
-اصطالحا:
هو آلية الرخاوة نفسها ،إال أن درجة االنفتاح معها أضيق وهذا يؤدي إلى ارتفاع صوت
الحفيف الحادث من االحتكاك حتى يغدو صوتا يشبه الصفير الحاد ،واألصوات العربية
ج -اللين:
-لغة:
اللين ضد الخشونة ،يقال في فعل الشيء ألن الشيء يلين لينا وليانا وتلين ،وشيء
العيش.1
89
-اصطالحا:
د -الغنة:
-لغة:
غن،
غنّ ،ي ّ
جريان الكالم في اللهاة ،واستعملها يزيد بن األعور في تصويت الحجارة ّ
بالفتح ،فهو أغن ،والوادي :كثر شجره ،و -النخل أدرك ،كأغن فيهما ،وظبي أغن ،يخرج
صوته من خياشيمه.3
-اصطالحا:
صوت يخرج من الخيشوم ،4وحرفا الغنة النون والميم ،وانما تخرج من تجويف األنف
بسبب انخفاض الحنك اللين في أثناء نطقها فيسد المجرى في الفم مما يضطر النفس من
األنف.5
90
ه -االنحراف:
-لغة:
معانيه ،وفي التنزيل العزيز" :يحرفون الكلم عن مواضعه" (،الحرف) :مال ،ويقال :انحرف
-اصطالحا:
وهو انحراف مخرج الهواء مع جانب اللسان وينطق على صوت واحد وهو الالم ،2وهو
حرف شديد جرى فيه الصوت النحراف اللسان مع الصوت ،ولم يعترض على الصوت
91
و -التفشي:
-لغة:
-اصطالحا:
هو انتشار النفس في الفم عند النطق بالشين وحروفه هي :الشين فقط.3
ي -التكرير:
-لغة:
1حسني عبد الجليل يوسف :التمثيل الصوتي للمعاني( دراسة نظرية وتطبيقية في الشعر الجاهلي) ،الدار الثقافية ،القاهرة،
ط ،1998 ،1ص.19
2الجوهري :الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،مج ،1مادة(ف ش ا) ،ص.889
3صبحي الصالح :دراسات في فقه اللغة ،دار العلم ،بيروت ،لبنان ،دط ،2009،ص.283
92
-اصطالحا:
هي حروف يعرقل فيها سير الهواء بواسطة انسدادات متكررة للحاجز الذي قد يكون
الشفتان أو اللسان ،عندما يكون المخرج من حافة اللسان فإن هذا الحرف المكرر هو:
الراء.2
ويعرفه سيبويه بقوله" :حرف شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى الالم،
ر -الجانبية"الحافية":
أصوات يتم إنتاجها بإغالق المسرب األمامي لتيار الهواء ،وفتح مسرب بديل على
جانبي اللسان ،ويظل تيار الهواء مستم ار في السريان دون توقف ،األمر الذي ال يجوز معه
اعتبار هذه األصوات وقفية ،ويظل الطريق األمامي مغلقا مدة نطق الصوت وهو الالم.1
93
خامسا :مفهوم الداللة
يعد علم الداللة من أهم العلوم التي جذبت انتباه الدارسين في السنوات األخيرة أكثر
من أي فرع آخر من فروع الدراسات اللغوية ،ولم يعد في حاجة إلى من يدافع عنه أو يبرز
االهتمام به ،فقد صار غاية العلوم جميعها لغوية كانت أم غير لغوية ولذلك مدت األيدي
إلى دراسته من مختلف الجهات ،هذه الدراسات جعلته يأخذ منحى استقالليا مما أكسبه
1سمير شريف إستيتية :األصوات اللغوية رؤية عضوية ،دار وائل ،عمان ،ط ،2003 ،1ص.153
94
اتساعا وتداخال في أرجائه ،فكانت عالقته مع المستويات اللغوية األخرى واسعة منفتحة
ومتطورة ،هذا التطور الذي اكتسابه كان سبب التفات العلماء إليه واحاطتهم بكل أجزاءه ليس
لغويين فقط بل مناطق وفالسفة ،ومن بين ما اهتموا به تحديد مفهوم الداللة.
-1لغة:
الدليل :الدال ،وقد دلّه على الطريق يدله داللة وداللة :ودلولة
الدليل :ما يستدل به و ّ
دللّ :
والدليل :الدليل ،والدال :الغنج والشكل ،وقد دلت المرأة تدل بالكسر ،وتدللت ،وهي حسنة
الدل والداللة ،ويقال أدل فأمل ،واالسم الدالة ،....وقال أبو عبيد الدل قريب المعنى من
-2اصطالحا:
تعددت التسميات والمصطلحات التي أطلقت على مصطلح علم الداللة فهو :علم
الد َاللَة وعلم الداللة وبعضهم يطلق عليه تسمية علم المعنى والبعض اآلخر يشتقه من
َ
95
أما الكلمة األجنبية( )semantiqueفهي مشتقة من الكلمة اليونانية( ")semainoدل
وأما المصطلح العربي علم الداللة فهو يعد فرع من فروع علم اللغة ،وهو يعرف عادة بأنه
"دراسة المعنى" ،2فعلم الداللة هو العلم الذي يتناول المعنى بالشرح والتفسير والدراسة ويعرفه
فرانك بالمر بقوله" :علم الداللة مفهوم عام يختص بالمعنى ويمتد إلى كل مستوى لغوي له
عالقة بالداللة" ،3إذن فهو جماع الدراسات صوتية كانت أو نحوية أو معجمية وكل دراسة
ويعرفها السيد الشريف الجرجاني بقوله" :كون الشيء بحالة ،يلزم من العلم به ،العلم
ولتوضيح تعريف الجرجاني نقدم المثال اآلتي :صفرة الوجه دالة على الخوف ،فلو حصل
العلم بصفرة وجه شخص يلزم من ذلك حصول العلم بخوفه ،لذلك فالداللة لحصولها تتطلب
داال ومدلوال.
1فتح اهلل أحمد سليمان :مدخل إلى علم الداللة ،مكتبة اآلداب ،القاهرة ،ط ،1991 ،1ص.7
2المرجع نفسه ،ص.8
3سامي عوض وهند عكرمة" :الوظيفة الداللية في ضوء مناهج اللسانيات" ،مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية،
ع ،2006 ،1ص.158
4فايز الداية :علم الداللة العربي بين النظرية والتطبيق دراسة تاريخية ،تأصيلية ،نقدية ،دار الفكر ،دمشق ،ط،1996 ،2
ص.8
96
وهي عند اللغويين والناطقة" :ما اتصلت باللفظ إذ تمثل في منظورهم كون اللفظ بحيث
إذن فالداللة عند الجرجاني وعندهم تتحقق من توفر عنصرين أحدهما الدال ،والثاني
المدلول ،مثل الطّرق على الباب ،فإنه دال على وجود شخص وهو( المدلول) ،وهذه الصفة
فالداللة إذن تقوم على العالقة بين الدال والمدلول من جهة وبينهما وبين المتلقي من جهة
ويذهب دي سوسير اللساني اللغوي نفس المذهب حيث تقوم عنده الدالة على العالقة بين
الدال والمدلول فيعرفها بقوله" :عبارة عن العالقة التي تربط الدال بالمدلول داخل العالمة
اللسانية" ،2فهو يرى بأن الداللة ال تخرج بين الصوت والفكر ،أو قل بين الدال والمدلول وقد
ألفت بينهما وحدة عضوية هي وحدة ( الفكر -الصوت) ،فال وجود للدال دون مدلول،
وأود أن أشير إلى أن مصطلح الداللة حديث وأول من وضعه العالم الفرنسي اللغوي بلاير
1خديجة غنيشل" :الداللة بين المفهوم واشكالية فهم النص" ،مجلة األثير ،ع ،17جانفي ،2013ورقلة ،الجزائر ،ص.147
2نور الهدى لوشن :علم الداللة (دراسة وتطبيق) ،المكتب الجامعي الحديث ،األ ازريطة ،اإلسكندرية ،دط ،2006 ،ص.27
97
سادسا :تعريف الداللة الصوتية
إن اللغة وسيلة للتواصل تعين أصحابها على الكشف عن أغراضهم ،ووسيلة اللغة في
ذلك هي األصوات ،ولهذه األصوات فائدة كبرى وتأثي ار بالغ األهمية في تحديد المعنى ،فمثال
رفض إذا استبدلنا صوتا من أصواتها وليكن ض بالهاء فتصبح الكلمة رفه فإن المعنى هنا
إلى جانب تأثير الصوت في المعنى ،فإن النطق السليم والصحيح لهذه األصوات يساعد
في الوصول إلى المعنى المقصود دون غموض ،ولذلك شغل البحث في الداللة الصوتية أي
1انظر صالح سليم عبد القادر الفاخري :الداللة الصوتية في اللغة العربية ،المكتب العربي الحديث ،اإلسكندرية ،دط ،دت،
ص.48
98
الصوت والمعنى جانبا واسعا من اهتمام علماء اللغة ،ويقصد بهذه الداللة الصوتية ما تؤديه
األصوات اللغوية المكونة لبنية الكلمة من دور في إظهار المعنى ،وذلك في نطاق تأليف
مجموعة أصوات الكلمة التي قد ترمز إلى معنى معجمي ،كما قد تتحقق الداللة الصوتية من
مجموع تألف أصوات البنية اللغوية وطريقة أدائها الصوتي ،ومظاهر هذا األداء وهذا ما
وبناءا على ذلك فإن الداللة الصوتية تتحقق من خالل العناصر الصوتية الرئيسية
والعناصر الصوتية الثانوية أما العناصر الصوتية الرئيسية فهي :الصوائت والصوامت
ويعرفها إبراهيم أنيس" :الداللة الصوتية بقوله":هي الداللة التي تستمد من طبيعة
األصوات نغمها وجرسها" ،2فتوحي بوقع موسيقي خاص ،يستنبط من تألف الحروف،
وتشاكلها في البنية اللغوية ،والفضل في فهم السامع يرجع إلى إيثار صوت على آخر ،أو
مجموعة من األصوات على أخرى في الكالم المنطوق ،3وهذا يعني أن األصوات تؤدي
1محمود عكاشة :التحليل اللغوي في ضوء علم الداللة ،دراسة في الداللة الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية ،دار النشر
للجامعات ،القاهرة ،ط ،2005 ،1ص ص.17،18
2إبراهيم أنيس :داللة األلفاظ ،مكتبة األنجلو المصرية ،ط ،1986 ،1ص64
3المرجع نفسه :ص.47
99
إن مصطلح الداللة الصوتية هذا يطلق على جانب محدد من الجوانب التي تعكس
العالقة بين أصوات الكلمة العربية ومعانيها حيث يتجلى أثر مساهمة الصوت في المعنى
بمعنى أن الداللة الصوتية تطلق على العالقة الموجودة بين اللفظ :وهو ما يخرج من الفم
في صورة أصوات الكلمات ورموز له بأشكال كتابية للداللة على منطوق له معين ،2والمعنى
وه ذا النوع من الداللة عرفه ابن جني وهو يطلق عليه مصطلح الداللة اللفظية وهي عنده
أقوى الدالالت حيث يقول" :اعلم أن كل واحد من هذه الدالئل معتد مراعى مؤثر ،إال أنها
من خالل هذا القول يعتبر ابن جني أن كل نوع من أنواع الداللة مؤثر إال أن الداللة
الصوتية أقواهن.
1محمد األمين خويلد ":ماهية الداللة الصوتية" ،األثير مجلة اآلداب واللغات ،ع ،2ماي ،2003ورقلة ،الجزائر ،ص.183
2محمود عكاشة :الداللة اللفظية ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،دط ،2002 ،ص.19
3ابن جني :الخصائص ،ج ،1ص.134
100
تعد مسألة اللفظ والمعنى من القضايا التي أثارت الجدل وشغلت االهتمام وأرقت عددا
كبي ار من العلماء ،وذلك نظ ار ألهميتها وارتباطها بكثير من العلوم والمجاالت ،حيث أنها تعد
قضية أساسية مشترك في العلوم والدراسات العربية التي تتصل باللغة ،فقد هيمنت على
تفكير اللغويين والنجاة وشغلت الفقهاء والمتكلمين ،واستثارت باهتمام البالغيين والمشتغلين
بالنقد ،نقد الشعر ،والنثر دع عنك المفسرين والشراح الذين تشكل العالقة بين اللفظ والمعنى
لم يكن االهتمام بهذه الثنائية محصو ار في المجال اللغوي فحسب بل كل المجاالت درست
وتناولت كل ما يخصها من هذه القضية ،وسوف يتم فيما سيأتي عرض آراء العلماء والجدل
إن المتأمل للدراسات الحديثة يجد أن الفالسفة اليونان والهنود اللغويين تعرضوا من
قديم الزمان في بحوثهم ومناقشاتهم إلى الكثير من القضايا من بينها قضية اللفظ
والمعنى ،التي أثارت بينهم جدال واختلفوا فيها بحيث انقسموا إلى قسمين فريق قال بأن
العالقة بين اللفظ (الصوت) ومدلوله (معناه) عالقة طبيعية وأولهم هرقليطس الذي ذهب
1مليكة سعدي" :الداللة وجدل اللفظ والمعنى" ،عود الند ،ع 7 ،61يوليو ،الجزائر ،ص2
101
إلى أن" :المناسبة بين اللفظ ومدلوله ضرورية ،وأن األسماء بأصواتها تستطيع أن
إذن العالقة بين الدال والمدلول تتحكم فيها الضرورة فهي عالقة مادية تحاكي فيها
أما أفالطون فهو يرى أن الصلة بين األصوات ومدلولتها صلة طبيعية ذاتية ،أي أنها
تثير في الذهن مباشرة مدلوالتها المتخصصة لها ،وعندما لم يستطع إثبات هذه الصلة في
بعض األلفاظ لجأ إلى افتراض أن الصلة الطبيعية كانت واضحة سهلة التفسير في بدء
نشأتها ،ثم تطورت األلفاظ ولم يعد من اليسير أن نتبين بوضوح تلك الصلة ،أو نجد لها
تعليل أو تفسير.2
أما الفريق الثاني فهو القائل بأن الصلة بين اللفظ ومدلوله صلة أو عالقة عرفية فهي:
"ال تعدوا أن تكون اصطالحية اجتمع الناس وتواضعوا عليها" ،3وهو أرسطو حيث يدعو
1صالح سليم عبد القادر الفاخري :الداللة الصوتية في اللغة العربية ،ص.33
2مصطفى مندور :اللغة بين العقل والفكر ،منشأة معارف باإلسكندرية ،مصر،دط ،دت ،ص.43
3انظر خالد قاسم بني الدومي :دالالت الظاهرة الصوتية في القرآن الكريم ،عالم الكتاب الحديث ،ط ،1دت ،ص.15
4مصطفى مندور :اللغة بين العقل والفكر ،ص.44
102
كما أوضح آراءه عن اللغة وظواهرها في مقاالت تحت عنوان"الشعر والخطابة" وبين
فيها عرفية اللفظ ومعناه أو مدلوله ،1إذن أرسطو يرى أن العالقة بين اللفظ ومعناه هي
وهناك من اتخذ موقفا توفيقيا في هذه القضية وهو سقراط الذي حاول أن يوفق بين من
قالوا بالعالقة االصطالحية العرفية ،ومن قالوا بالعالقة الطبيعية ،وذهب إلى أن الخوض في
هذه المسألة فيه مشقة وأن هناك نوعا من األسماء تدل وتشهد على أنها لم تتم اعتباطا ،وأن
أما بالنسبة للهنود فهم أيضا اهتموا بالعديد من القضايا ذات الصلة بالداللة وذلك
للمحافظة على كتابهم المقدس"الفيدا" ،فهم يعدون من أوائل اللغويين الذين فكروا في
شؤون لغتهم وقاموا بدراستها للمحافظة على هذا الكتاب ومن بين ما اهتموا به قضية
اللفظ والمعنى ،التي تعددت حولها اآلراء بين رافض لفكرة التباين بين اللفظ والمعنى،
وبين قائل بالعالقة الطبيعية الفطرية ،ومنهم من قال بوجود عالقة بين اللفظ والمعنى
103
ورغم هذه المحاوالت الجادة التي قام بها الفالسفة اليونان واللغويين الهنود إال أنهم لم
يتوصلوا إلى حل حاسم في هذه القضية ،بل وصلت ثناياها لعلمائنا العرب الذين لم
وصلت قضية العالقة بين اللفظ والمعنى إلى العلماء العرب بعد أن كان قد سبقهم إليها
"اليونان والهنود" ،فبذلوا هم أيضا جهدهم في البحث والمحاولة قصد إيجاد حل لهذه المسألة،
فكان الخليل هو أول من تحدث في هذه القضية ،وقد انتصر للعالقة الطبيعية التي تربط
اللفظ بمدلوله ،وحاول إثباتها ويظهر ذلك من خالل قوله" :كأنهم (العرب) توهموا في صوت
وفي هذا القول يوضح لنا الخليل أن الكلمة لها صلة طبيعية بمدلولها ،أي أنه هناك
صلة بين صوت الجندب والفعل صر الذي هو دال عليه ،فكلمة "صر" صورة لفظية لصوت
البازي المتقطع ،2أما صرصر فقد جاء مضاعفا بسبب تشابه صوت البازي وصوت الجندب
مع وجود اختالف في الكيفية ،3ويبدو من خالل هذا المثال أن الخليل أدرك من خالل حسه
104
وقد ذهب كذلك سيبويه إلى نفس ما ذهب إليه الخليل فيما يتعلق بوجود مناسبة طبيعية
بين األصوات وداللتها ،فهو لم يتوقف عند حد إثبات وجود مناسبة طبيعية بين الصوت
ومدلوله فحسب ،وانما بين بنية الكلمة اللغوية وداللتها ،فقال" :ومن المصادر التي جاءت
على مثال واحد حين تقاربت المعاني:النزوان ،والنقزان ،وانما هدف األشياء في زعزعة
فهو هنا يؤكد أن صيغة "فعالن" تدل على زعزعة وتحرك واضطراب ومثل هذا الغليان
ألنه زعزعة وتحرك ،ومثله الغثيان ألنه تجيش نفسه وتثور ،ورأى أنهم قد جاؤوا بـ "الفعالن"
في أشياء تقاربت ،ومن ذلك الطوفان والدوران ،والجوالن ،وشبهوا هذا بحيث كان تقلبا
وتصرفا بالغليان والغثيان ،ألن الغليان أيضا تقلب ما في القدر وتصرفه ،هذا يعني أن
سيبويه أيضا قد تنبه إلى الداللة الصوتية ،فهو يرى أن المصادر التي على وزن فعالن ،تدل
أصواتها على معانيها وهذا ينطبق على كل مصدر جاء على هذا الوزن.
ويوافق ابن جني الخليل وسيبويه فيما ذهبا إليه حيث يرى هو اآلخر أن المصادر التي
تأتي على وزن فعالن تكون لالضطراب والحركة نحو :ثو ارن وغليان.
وابن جني يعد رائد الدراسات الصوتية الداللية ،وهو من أكثر اللغويين تحمسا إلثبات
العالقة الطبيعية بين اللفظ وداللته ،ويبدو ذلك واضحا في كتابه الخصائص حيث عقد فيه
105
ففي الباب األول الذي سماه "تالقي المعاني على اختالف األصول والمباني" نجده يرى
بأن لالسم الواحد معان متعددة ،وهذه المعاني توصلنا إلى معان أخرى ،وهذا الباب يعتبره
ابن جني كثير النفع وقوي الداللة ويضرب لذلك مثال بكلمتي "الصوار من فعال وكلمة
المسك من فعل ،فالمسك يالقي معناه معنى الصوار ،والصوار يجذب حاسة من يشمه وكذا
أما في الباب الثاني الذي أسماه"االشتقاق األكبر" أشار إلى أنه مهما كانت حروف
الكلمة مختلفة فإنها ترتد إلى معنى واحد عام ومشترك من حيث الترتيب ،وان شذ منها واحد
فإنه يرد إلى المعنى األصل بسهولة ولطف ومن ذلك "تقليب (س م ل)(،م س ل)(،م ل
س) (ل م س)(،ل س م) ،والمعنى جامع لها المشتمل على اإلصحاب والمالينة ،ومنها
الثوب(السمل) وهو الخلق ،وذلك ألنه ليس عليه من الوبر والزئبر ما على الحديد ،فاليد
إذا مرت عليه للّمس لم يستوقفها عنه حدة المنسج ،وال خشنة الملمس ،والسمل:الماء
وجمة المرتكض.2"...
القليل ،كأنه شيء قد أخلق وضعف عن قوة المضطربّ ،
وما زال ابن جني يواصل ضرب األمثلة ليؤكد على العالقة الطبيعية بين اللفظ ومعناه في
بقية أبوابه فهاهو في باب"تصاقب األلفاظ لتصاقب المعاني" ،يربط بين الصوت ومعناه
معتمد على تماثل األصوات في صفاتها أو تقارب مخارجها الذي يؤدي إلى اتفاق المعنى أو
106
ومن تصاقب صوت واحد قوله تعالى" :ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم
أزا" ،1أي تزعجهم وتقلقهم ،فهذا في معنى تهزهم هزا"،والهمزة أخت الهاء ،فتقارب اللفظان
لتقارب المعنيين وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة ألنها أقوى من الهاء واألز أعظم من
الهز ،ألنك قد تهز ماال بال له كالجذع ،وساق الشجرة ونحو ذلك".2
أما في الصوتين فيقول" :وقد تقع المضارعة في األصل الواحد بالحرفين نحو قولهم:
" السحيل والصهيل ،ذلك من(س ح ل) ،وهذا من(ص ه ل) والصاد أخت السين ،كما أن
وقالوا" :جلف وجرم وجرم ،فهذا للقشر وهذا التقطع ،وهما متقاربان معنى ،متقاربان
في كل ما تقدم من أمثلة نجد ابن جني يتحدث عن األخوة الصوتية ،أما في باب
"أمساس األلفاظ أشباه المعاني" ،فإنه استشهد بعدد من األمثلة التي تبين الصلة التي تربط
بين الصوت والمعنى أو تلك المناسبة بين األلفاظ ومعانيها ومن األمثلة خضم وقضم،
فخضم تدل على المأكول الرطب وقضم على الصالبة واليبس ويقول في ذلك ابن جني:
"...ومن ذلك قولهم خضم وقضم فالخضم ألكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما
107
من المأكول الرطب ،والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها وفي الخير قد
يدرك الخضم بالقضم أي يدرك الرخاء بالشدة واللين بالشطف" ،1وهكذا تتضح القيمة
التعبيرية للصوت المستوحات من خصائص الصوت نفسه ،فالقاف صوت لهوي شديد
ومهموس والخاء صوت رخو طبقي مهموس أيضا ،فالشدة والرخاوة هنا هما اللتان حددتا
المعنى ،فقد جعل ابن جني القاف لشدتها ألكل الصلب والخاء لرخاوتها لألكل الرطب.
فهو هنا حاول ربط األصوات اللينة مع المعاني اللينة ،واألصوات القوية مع المعاني
القوية.
ومن ذلك قولهم كذلك في نضح ،ونضخ "قولهم النضخ للماء ونحوه والنضخ أقوى من
النضح ،قال سبحانه وتعالى" :فيهما عينان نضاختان" ،وجعلوا الحاء لرقتها للماء
الضعيف ،والخاء لغلظتها لما هو أقوى منه" ،2وكذلك قوله في صعد وسعد قولهم" :صعد
وسعد فجعلوا الصاد ألنها أقوى لما فيها من أثر مشاهد يرى ،وهو الصعود في الحبل
والحائط ،ونحو ذلك وجعلوا السين لضعفها لما ال يظهر وال يشاهد حسا ،إال أنه مع ذلك
فيه صعود الجد ال صعود الجسم ،أال تراهم يقولون هو سعيد الجد وهو عالي الجد ،وقد
108
ارتفع أمره ،وعال ق دره ،فجعلوا الصاد لقوتها مع ما يشاهد من األفعال المعالجة المتجشمة،
ونستخلص مما سبق أن ابن جني كان متفردا في البحث والتقصي واثبات الصلة الطبيعية
بين األصوات وبين معانيها ولم يكتفي بربط الحروف بداللتها بل جعل لترتيب الحرف في
الكلمة داللة لم يسبقه إليها أحد حتى أصبح ما قدمه بمثابة أساس ينطلق منه من جاء بعده.
وبعد ابن جني بقرون جاء سلمان الصيمري وهو من المعتزلة وذهب هو اآلخر إلى القول
بالمناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله وكان من أشد المتعصبين لهذه الفكرة ،ويرى أنه لوال
هذا الربط وهذه المناسبة " لكان تخصيص االسم المعني بالمسمى المعين ترجيحا من غير
مرجح" ،وقد دافع أنصاره عن هذا المذهب وأكدوا معرفته بمناسبة األلفاظ لمعانيها ،واحتجوا
على ذلك بأنه "سئل ما مسمى إذغاغ وهو بالفارسية الحجر ،فقال :أجد فيه يبسا شديدا
وأراه الحجر" ،2فعباد يرى أن األلفاظ لم تأت اعتباطا وانما جاءت بما ينم عن المعاني
المرادفة لها ،فهو يرى المناسبة بين األلفاظ والمعاني ذاتية موجبة.
109
مثلما عرفت العالقة بين الصوت والمعنى اهتماما كبي ار من طرف اليونان والهنود
والقدماء من العرب ،كذلك حظيت هذه العالقة بنصيب أكبر من البحث واالهتمام من
المحدثين العرب وغير العرب ،وقد انقسموا هم أيضا بين قائل بالعالقة الطبيعية ورافض
ومن القائلين بالعالقة الطبيعية نجد أحمد فارس الشدياق ،فقد تأثر بأفكار ابن جني
وانطلق منها ،حيث عالج العالقة بين الحرف والمعنى الذي يرمز له وتبنى فكرة أن كل
صوت يختص بمعنى من المعاني دون غيره ونبه على المعاني التي يوحي بها كل حرف
فمن خصائص الحاء مثال "السعة والسفح والسماحة...ومن خصائص حرف الدال اللين
وممن شاطر الشدياق رأيه عبد اهلل العاليلي الذي ذهب هو اآلخر إلى إبراز معاني
أصوات اللغة العربية ودالالتها بل كان يغالي في ذلك ،فقدم أمثلة تبرز تلك القيمة للصوت
وداللته في األلفاظ وأثر هذا الصوت في تقوية المعنى واضعافه ،فوجد أن "الهمزة تدل على
الجوفية ،والباء تدل على بلوغ المعنى في الشيء بلوغا تاما ،والتاء على اإلضطراب في
الطبيعة...،والتاء على التعلق بالشيء تعلقا له عالمته الظاهرة سواءا في الحس أو في
110
المعنى ،...والجيم يدل على العظم المطلق ،والدال يدل على التصلب ،وعلى التغير
وكذلك كان جورجي زيدان أحد أولئك الذين آمنوا وأيدوا فكرة العالقة الطبيعية بين
الصوت ومدلوله ،وتابعه في ذلك العقاد أيضا ،حيث يرى أن داللة األصوات تتنوع تبعا
لموقعها من الكلمة وتوصل إلى أن هناك حروفا ترتبط وداللة الكلمات ولكنها ال تتساوى في
هذه الداللة.
ويضرب مثال لتنوع داللة األصوات تبعا لموقعها من الكلمة ،فيرى "أن الحاء من
األصوات التي تصور معنى السعة بلفظها ووقعها في السمع ،ولكن على حسب موضعها
من الكلمة ،ومصاحبة ذلك الموضع للداللة الصوتية ،وليست داللتها هذه مصاحبة للفظها
حين كانت في أوائل الكلمات أو أوساطها ،فالحكاية الصوتية واضحة في الداللة على
السعة حين يلفظ الفم بكلمات االرتياع ،والسماح والفالح والنجاح ...،وما جرى مجراها في
داللة نطقه ،وال يمتنع مع هذا أن تكون الحاء المنفردة حرفا سهال قليل الحاجة إلى
الضغط في مخارج الصوت ،ولكن ال يجوز أن يكون البدء بها مقصودا به عند وضع
الكلمات األولى.2"...
1عبد اهلل العاليلي :مقدمة لدرس لغة العرب وكيف نضع المعجم الجديد ،المطبعة العصرية ،القاهرة ،دط،2003 ،
ص.210
2عباس محمود العقاد :أشتات مجتمعات في اللغة واألدب ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،6دت ،ص.45
111
ووصل العقاد بعد عدد من المالحظات على بعض الظواهر الصوتية إلى أنه يوجد
ارتباط بين األصوات وداللة الكلمات ،لكن األصوات ال تتساوى في هذه الداللة ،فقد تختلف
باختالف قوتها وبروزها في الحكاية ،كما يرى أن العبرة بموقع الصوت في الكلمة ال بمجرد
دخوله في تركيبها.
أما المعارضون لهذه الفكرة نجد إبراهيم أنيس الذي يرى أن أفكار الصلة بين األصوات
ومدلوالتها أقرب إلى فهم الطبيعة اللغوية ،إذ يجرد الظواهر اللغوية من كل غموض وأن
األلفاظ رموز على دالالت يصلح أن يتخذ كل منها لتعبر عن أي معنى من المعاني ،وساق
لذلك كلمة شجرة ،إذ لم يجد فيها ما يدل عليها من فروع وأوراق وغيرها ،ولذلك يمكن أن
وهناك من يرى أن إبراهيم أنيس وقف موقفا وسطا في هذه القضية حيث يرى أنه ليس
بالضرورة أن تكون كل الحروف دالة على المعاني فهناك أصوات لها عالقة بمدلوالتها
وكذلك ذهب محمود فهمي حجازي إلى أنه ال توجد أية قيمة ذاتية طبيعية تحملها
األصوات اللغوية من شأنها أن تربط بمدلولها الخارجي "فليس هناك أية عالقة بين كلمة
حصان ومكونات جسم الحصان ،والعالقة كامنة عند الجماعة اإلنسانية التي اصطلحت
112
على استخدام هذه الكلمة اسما لذلك الحيوان" ،1وقال إنه" :لو كان هناك عالقة بين اللفظ
هذا يعني أن محمود فهمي حجازي يؤمن بالعالقة االصطالحية تلك التي يتعارف الناس
عليها ويتواضعوا على تسميتها ،وهذه بعض آراء العلماء العرب المؤيدين والرافضين.
أما الغرب فلم تلق العالقة بين األلفاظ ومعانيها أو األصوات ومعانيها االهتمام والدراسة
إال في القرن 19حيث بدأت على يد همبلت حيث يرى "أن اللغات بوجه عام تؤثر التعبير
عن األشياء بوساطة ألفاظ أثرها في اآلذان يشبه أثر تلك األشياء في األذهان".3
وأما جسبرسن فكان هو اآلخر ممن ينتصرون ألصحاب المناسبة بين األلفاظ
وداللتها ،غير أنه حذر من المغاالة فيها ،إذ يرى أن هذه الظاهرة ال تكاد تطرد في لغة من
اللغات ،4غير أن هناك من عارض هذه الصلة الطبيعية بين األلفاظ والداللة وعلى رأسهم
فردينان دي سوسير وهو يعد من أشهر المعارضين ألصحاب الصلة بين األلفاظ والدالالت
إذ يراها ال تخضع لمنطق أو نظام مطرد ،ومع اعترافه بتلك الصلة في األلفاظ التي تعد
113
بمثابة الصدى ألصوات الطبيعة ،يقرر أنها من القلة في اللغات بحيث ال يصح أن نتخذ
ومن الذين سلموا بآراء (دي سوسير) تسليما كامال سابير الذي يقول" :إن الكلمات التي
تبدو تقليدا للطبيعة ليست بأي معنى من المعاني أصواتا طبيعية ينتجها اإلنسان بصورة
عزيزية أو تلقائية إنها من خلق العقل اإلنساني ومن تخيله ،كأي شيء آخر في اللغة".2
إن سابير يرى أن الكلمات ليس لها عالقة بالطبيعة بل هي من صنع اإلنسان فهو الذي
نستخلص من كل ما سبق أن العلماء سواء كانوا عربا أو غربا ،قدامى أو محدثين على
رأيين أو وجهتين:
114
بعد أن تناولنا الجانب النظري كان البد لنا من تعزيزه بالجانب التطبيقي ،والذي تكمن
أهميته في الكشف عن الدور الذي تلعبه األصوات في المعنى اللغوي للنص الشعري أو
باألحرى الدور الذي تلعبه في صنع هذا النص ومدى العالقة بين األصوات واللفظ ،ولقد
اخترنا شعر مفدي زكريا وعلى الخصوص اإللياذة ألنها جمعت تقريبا جميع األناشيد التي
كتبها مفدي ،وألنها تضم تاريخ الجزائر وواقعها وتعبر عن كل ما عاشه الشعب والبالد من
معاناة وألم ،وألنها تظهر حب مفدي لبالده واعجابه بها ،فقد نظم ما يقارب تسعة عشر
مقطعا في وصف طبيعة الجزائر وعمرانها والمقاطع األخرى موزعة بين تاريخ الجزائر قبل
االحتالل ،والثورة المسلحة واالستقالل.
إنها قصيدة تداخلت فيه الموضوعات ،أو إن صح القول إنها مجموعة قصائد في قصيدة
واحدة ،ونظ ار لهذا التنوع في الموضوعات كان البد لنا أن نتتبع األصوات ودالالتها لكي
نرى هل استطاع مفدي زكرياء أن يصيغ قصيدة متكاملة صوتيا ومحققة للتناغم الذي يلفت
االنتباه ،واالنعكاس الداللي الواسع رغم هذا التعدد في الموضوعات.
لكي نقوم بهذا التتبع الصوتي والداللي يجب أن نحلل القصيدة ،وذلك عن طريق إحصاء
األصوات وربطها بداللتها ،ولنبدأ بالصوامت ثم الصوائت.
115
أوال :داللة الصوامت
إذا كانت الصوائت التي تمثل روح الصوامت قد أدت دو ار بالغ األهمية في إبراز قدرة
الشاعر على إظهار المعنى ،فليس عجيبا على الصوامت التي تمثل الهيكل العظمي لهذه
الروح أن تكون هي األخرى قادرة على حمل المعنى واب ارزه ،ويتم ذلك من خالل التركيز على
األصوات بعينها وعلى مالمحها الخاصة بها ،ويرتبط بهذه الخصائص والصفات جمال
األصوات وموسيقاها وقدرتها على إيصال المعنى ،وتظهر بشكل كثيف في الشعر ،هذا
المجال الذي "يمثل حقال خصبا يوظف فيه الشاعر أصوات اللغة ودالالتها بما تحمله من
معان متعددة ،بما تمتلكه من مساحات صوتية فضال عن تلك التنوعات الموسيقية
وتشكيلها الصوتي".1
وسوف نقوم بتتبع هذه األصوات في نماذج من أشهر ملحمة مثلت تاريخ الجزائر ،وعبرت
عن مشاعر صادقة وعن عاطفة جياشة لصاحبها الذي هز الكثير من الشعراء والكتاب بهذه
المشاعر الصادقة ،ونبدأ بتتبع األصوات المجهورة والمهموسة أوال.
1حسين مجيد رستم " :الداللة الصوتية في نونية ابن زيدون مقاربة في ضوء منهج النقد الصوتي" ،مجلة كلية التربية ،ع،2
مج ،2010 ،2بغداد.
116
واما سمعت نداك ألبي واذا ذكرتك شع كياني
إن المتأمل لهذه المقطوعة يجد أن مفدي يركز على عالقته بالجزائر وهي عالقة قوية
تنم عن حب الشاعر وتعلقه الكبير بوطنه ،فهو يقول عنها بأنها حكاية عن حبه وأنها هي
حاملة الس الم لقلبه ،وساكنة الجمال بروحه ومشعة الضياء بدربه ،كما يؤكد بأنه كلما نادته
وكانت في حاجة إليه أجابها مهما تعد عنها فإن حبها في قلبه حاضر مهما كانت المسافة
بعيدة ،فهي مصدر إلهامه بكل ما عاشه فيها من قصص الحرب والسالم والجمال فكانت
النتيجة تنبؤه بإلياذته.
فليس بالعجيب على شاعر تتملكه هذه النزعة الوطنية أن يجهر بحبه لوطنه ،هذا الجهر
يدفعه إلى اختيار أصوات قوية مناسبة لذلك ،ومن هذه األصوات التي برع الشاعر في تلوين
نصه بها نجد األصوات المجهورة حيث أكثر الشاعر منها في مقطوعته وهي ملمح يكسب
الصوت ظهو ار في النطق ،ووضوحا في السمع وذلك راجع إلى اهتزاز الوترين الصوتيين
أثناء إنتاجها.
117
ومن األصوات المجهورة األكثر حضو ار نجد حرف الالم بتكرار ( 31مرة) وصوت األلف
بـ ( 26مرة) والميم بـ ( 25مرة) والنون بـ ( 20مرة) فهذه الحروف (الالم ،الميم ،النون،
األلف) تعد من بين الحروف األكثر سهولة وسالسة في النطق ،فهذا الوضوح وهذه السالسة
تحقق لفتا النتباه المتلقي لكونهما عنصرين رئيسيين ،من عناصر الموسيقى اللغوية الجذابة.
الشاعر استخدم في هذه المقطوعة هذا النوع من األصوات الذي يعرف بأشباه الصوائت
والتي تجمع بين الشدة والرخاوة قصد لفت انتباه المتلقي وذلك لوضوحها في السمع أو ربما
ألغراض إيحائية تخدم المعنى كما سوف نبين:
فالالم هذا الصوت الصامت والمجهور الجانبي الذي يتكون باعتماد "طرف اللسان على
أصول األسنان العليا مع اللثة بحيث توجد عقبة في وسط الفم تمنع مرور الهواء منه،
ولكن مع ت رك منفذ لهذا الهواء من جانبي الفم أو من أحدهما ،وتتذبذب األوتار الصوتية
عند نطقها".1
يتميز بالوضوح السمعي والقوة ويوحي بالثبات وااللتصاق لذلك وظفه مفدي في مقطوعته
بهذا الحضور القوي ،فمفدي ثابت على حب بالده ،ملتصق بها ،معترف بفضلها في إخراج
إلياذته.
ويلي هذا الحرف في الترتيب حرف األلف بتك ارره له ( 26مرة) فاأللف تعبر عن امتداد
حب مفدي زكرياء لبالده مهما طال به الزمان وبعد به المكان ،وهذا الحرف هو حرف هوائي
جوفي فهذه الميزة تمنح الشاعر الحرية في إخراج الصوت طليقا وواضحا دون عقبة.
ثم تليه صوت الميم التي تكررت ( 25مرة) وهي توصف بأنها صوت صامت أنفي شفوي
متوسط مجهور" ،ويحصل هذا الحرف بانطباق الشفتين على بعضهما بعض في ضمة
1رمضان عبد اهلل :أصوات اللغة العربية بين الفصحى واللهجات ،ص.99
118
متأنية وانفتاحهما عند خروج النفس ،ولذلك فإن هذا الصوت يوحي بذات األحاسيس
اللمسية التي تعانيها الشفتان لدى انطباقهما على بعضهما بعضا من الليونة والمرونة
والتماسك مع شيء من الحرارة" ،1هذه الح اررة تعبر عن تلك العالقة الطردية بين الدين
وقدسية األرض ،التي هي في حقيقة األمر من األمور التي طرقها شعراء الدعوة بشيء من
الفتور ،وهي هنا ساخنة سخونة الحدث ،ذلك أن جمال األرض هو الذي أوصل الشاعر إلى
معرفة حقيقة اهلل في أسرار خلقه.
والى جانب تكرار صوت الميم نجد صوت النون( 20مرة) وهو حرف مجهور من حروف
الغنة ألن هناك غنة تخرج من الخنشوم عند النطق بها فهذه الصفة جعلته من الحروف
القوية ذلك ألن "الغنة من عالمات قوة الحرف" 2لما فيها من تردد موسيقي.
أما بالنسبة لبقية الحروف المجهورة فحضورها قليل ،إال أنها ساهمت في إضفاء جو
موسيقي مميز زاد من جمالية التشكيل الصوتي للمقطوعة.
أما فيما يخص األصوات المهموسة فقد كان عناك تنوع في استعمال هذه النوعية من
حيث التكرار والتردد ،حيث بلغ إجمال تكرارها( 59مرة) منها ( 20مرة) لصوت التاء وهو
صوت أسناني لثوي مهموس وقد استخدمه مفدي ليضفي شيئا من وضوح المعنى يليه
صوت الكاف بـ ( 9مرات) والحاء أيضا ( 9مرات) ثم الفاء ( 8مرات) والهاء والخاء والسين
لكل واحد منها تكرار ( 5مرات) وفي المقابل لم يستخدم صوت الثاء في المقطوعة ومن
األمثلة التي نعزز بها حضور األصوات المهموسة في اإللياذة قوله:
1حسن عباس :خصائص الحروف العربية ومعانيها ،منشورات اتحاد الكتاب ،دمشق ،دط ،1998 ،ص.72
2أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي :الرعاية لتجويد وتحقيق لفظ التالوة ،تحقيق أحمد حسن فرحات ،دار عامر ،عمان،
األردن ،ط ،1996 ،3ص.131
119
ودرسا لقادتنا أي درس فكانوا مع العذر عونا علينا
1
وقالمة للشعب ،دقات جرس وكانت مجازرهم بسطيف
اجتمعت في هذه المقطوعة األصوات المهموسة (الحاء ،الهاء ،الشين ،السين ،الفاء،
الكاف ،التاء ،الصاد ،الخاء) ما عدا حرف الثاء ،لتجسد لنا حالة الشعب الجزائري بعد أن
دافع عن كرامة فرنسا في حربها ضد األلمان منتظرين تلك الوعود التي منحتها فرنسا لهم
والمتمثلة في منحهم االستقالل في مقابل الدفاع عنها فخرجوا يطالبون فرنسا الوفاء بوعدها
محتفلين بذلك إال أنهم تلقوا منها الرصاص فكانت المجزرة ،فهذه األصوات المهموسة عبرت
عن خيبة األمل والحزن واألسى.
وعليه فإن تخير الشاعر لهذه األصوات في هذا الموقف النفسي الذي يمثل خيبة األمل
قد حقق نوعا من االنسجام الصوتي والمعنوي ،وقرب للمتلقي حال هذا الشعب وكأنه يراه بأم
عينه وهنا تكمن براعة التصوير.
120
تعد هذه الصوامت من بين عدد كبير من األصوات األخرى التي ساهمت في إثراء
القصيدة والتأثير في معناها وذلك بما يملكه كل حرف من خصائص مميزة له عن غيره،
وهذه األصوات كما عرفنا سابقا أي الشديدة يحدث في أثناء النطق بها اعتراض قوي
بحبس الهواء ،ثم يتم االنفراج بعد ذلك إال أن ما يجدر التنويه أو اإلشارة إليه هنا أن
األصوات الشديدة تعرف باالنفجارية وتسمى "الوقفات" وتنتج بأن "ينحبس مجرى الهواء
الخارج من الرئتين حبسا تاما في موضع من المواضع وينتج عن هذا الحبس أو
الوقف أن يضغط الهواء ثم يطلق سراح المجرى الهوائي فجأة ،فيندفع الهواء محدثا
1
صوتا إنفجاريا فهذه األصوات باعتبار الحبس أو الوقف يمكن تسميتها بالوقفيات"
" " stopولكنها باعتبار االنفجار تسمى األصوات االنفجارية ،أما األصوات الرخوة عند
القدامى تقابل مصطلحا حديثا يسمى باألصوات االحتكاكية.
ص ،فأوقد قلبي وشعبي جم ار بها ذاب قلبي ،كذوب الرصا
إذا القلب لم ينتفض للجمـ ـ ــال ،ولم يبل في الحب حلوا وم ار
ق ،ومن لم يهم ليس يكتم س ار وال يكتم السر إال المشو
ب ،ومن صدق العهد ،أحرز نص ار وحرب القلوب كحرب الشعو
121
ويشهد لي فيه وادي قري ـ ـ ــش سلوا قلبه ،فهو مني أدرى
1
صالتي – مع الليل -س ار وجه ار وديري الذي كنت أتلو به
في هذه المقطوعة نالحظ أن األصوات الشديدة هي األكثر سيطرت من أول بيت إلى
آخر بيت ،حيث بلغ عدد تكرارها إجماال( 87مرة) إال أن أكثرها حضو ار والتي احتلت المرتبة
األولى في هذه المقطوعة صوت الباء الذي بلغ عدد تك ارره ( 26مرة) وهو "صوت يتم نطقه
بضم الشفتين واقفال ما بين الحلق والتجويف األنفي برفع الطبق على حين توجد ذبذبة
في األوتار الصوتية حيث يمر الهواء أوال بالحنجرة فيتحرك الوتران الصوتيان ثم يتخذ
الهواء مجراه بالحلق والفم حتى ينحبس عند الشفتين المنطبقتين انطباقا تاما ،فإذا
انفجرت الشفتان فجأة نسمع صوت الباء" ،2فهذا الصوت يوصف بأنه مجهور ومن
الحروف الشفوية.
إن هذا الصوت ينتشر في المقطوعة بأكملها فال تق أر بيتا من أبياتها إال وتجد هذا الحرف
حاض ار فيه ،وربما ذلك بغرض تعزيز حضور األصوات الشديدة من جهة واللينة من جهة
أخرى ،فهو صوت بسيط متعدد الوظائف والخصائص الصوتية بعضها إيمائي تمثيلي
وبعضها اآلخر إيحائي.
حيث تكرر ( 26مرة) منها ما كان في أول الكلمة مثل :باب ،ومنها ما جاء في وسطها
مثل :شعبي ،قلبي ،ومنها ما جاء في آخرها مثل :حب ،فعبر هذا الحرف عن االتساع
والضخامة بما يحاكي واقع انفتاح الفم على مداه عند خروج صوته من بين الشفتين.
وربما حرص الشاعر على عدم تغيبه في القصيدة لما فيه من صفات القوة والحدة ،هذه
الصفات جاءت مناسبة لتعبر عن حالة ذوبان قلب مفدي وقوتها التي تشبه قوة الرصاص،
122
والتي أدت إلى إشعال وايقاد قلبه ،ويلي صوت الباء صوت التاء في المرتبة الثانية حيث
تكرر ( 14مرة) ويتصف هذا الصوت "بأنه صوت شديد مهموس مرقق" ،1ويتشكل مخرجه
بأن "يوقف مجرى الهواء وقفا تاما وذلك بأن يلتقي طرف اللسان بأصول الثنايا العليا،
ويرفع الحنك فال يمر الهواء".2
ويليه في المرتبة الثالثة صوت القاف حيث تكرر ( 12مرة) ويخرج هذا الحرف "من
المخرج األول من مخارج الفم مما يلي الحلق ،من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك،
والقاف حرف متمكن قوي ألنه من الحروف المجهورة الشديدة المستعلية ،ومن حروف
القلقلة" ،3ونظ ار لما يملكه هذا الحرف من صفات القوة وعمق المخرج فقد أتى به الشاعر
في مثل كلمات (قلب ،صدق ،أوقد).
أما بقية األصوات الشديدة فقد تكررت بنسب قليلة مقارنة مع الباء والتاء ،فالدال تكرر
( 11مرة) ،والجيم ( 3مرات) ،والكاف ( 10مرات) ،والهمزة ( 11مرة) ،أما الطاء فلم يكن
حاض ار في هذه المقطوعة.
رغم هذا التفاوت في حضور األصوات الشديدة إال أنها أحدثت انسجاما وتفاعال مع
بعضها البعض محدثتا جرسية ونغمية معينة نحسها من خالل المعاني ،وهذا راجع إلى
حسن انتقاء واختيار الشاعر ألصوات المقطوعة والتي جاءت مالئمة ومناسبة للمعاني
المقصود إيصالها إلى المتلقي والتي يستشعر من خاللها تلك الحالة التي كان عليها قلب
مفدي زكرياء من ثورة واشتعال وحب.
ومما يدعم حضور هذه األصوات الشديدة ،وخاصة حضور الطاء قول مفدي:
123
وخط معالمها في السويقة* وبلكور للمجد شق طريقه
1
ر والقصبة الحاملين الوثيقة وحسب الجزائر ،أبطال بلكو
تمازجت في هذه األبيات األصوات الشديدة حيث تكررت اجماال ( 75مرة) منها ( 5مرات)
للهمزة ،و ( 6مرات) للجيم والكاف والطاء ،و ( 9مرات) للتاء ،و ( 11مرة) للدال ،و (14
مرة) للباء ،و ( 18مرة) للقاف.
هذه األصوات مجتمعة خلقت نوعا من االنسجام الصوتي ،هذا االنسجام صور لنا من
خالله الشاعر أبطال بلكور الذين شقوا طريقهم نحو االنتصار ،وعجلوا ببطوالتهم ليوم
*السويقة :سويقة العقيبة منحدر الفدائيين أبطال حي بلكور ،انظر مفدي زكرياء ،اإللياذة ،ص.28
**لما أحس غالوة االستعمار بمحاوالت التفاوض مع حكومة الجنرال ديغول تمردوا على حكومتهم وحاولوا االنفصال
وأقاموا الحواجز في أكبر شوارع العاصمة ضد القوات الموالية لديغول ،انظر المرجع نفسه والصفحة نفسها.
1مفدي زكرياء :إلياذة الجزائر ،ص.28
124
الخالص من االستعمار ونيل الحرية ،وخير مثال على انسجام هذه األصوات الشديدة من
المقطوعة السابقة البيت األول الذي يقول فيه مفدي:
حيث تكرر صوت الطاء (2مرات) والذي وظفه مفدي مجتمعا مع قوة القاف الذي تكرر
في البيت ( 3مرات) في (شق ،طريقه ،سويقه) ،والطاء في (خط ،طريقه) هذه الصوامت إلى
جانب الصوامت الشديدة األخرى (الباء ،الجيم ،الكاف) ليصوروا لنا تصوي ار حسيا صوت
الشق ،فانسجمت األصوات مع المعاني مثيرة الداللة المنشودة والمطلوبة ،أما عن تألف
األصوات الرخوة (اإلحتكاكية) أذكر هذه األبيات:
125
1
ومن لم يوحد شتات الصفـ ــوف ،يعجل به حمقه للفنا
إن القارئ والدارس لهذه األبيات يالحظ أن مفدي زكرياء قد استخدم األصوات الرخوة
والتي تكررت اجماال ( 72مرة) منها السين والعين بتكرار بلغ ( 11مرة) ثم الحاء (10
مرات) والهاء ( 9مرات) والفاء ( 8مرات) وهي أكثر تكرار من بقية األصوات األخرى الرخوة
التي تكررت بنسب ضئيلة.
ونفسر سبب توظيفه لهذا النوع من األصوات بأنه أوضح من ناحية السمع ،وذلك نتيجة
طبيعية لحرية مرور الهواء عند نطق هذه األصوات جميعها ،باإلضافة إلى تلك الصفات
الخاصة التي تمتلكها هذه األصوات الرخوة والتي بفضلها صورت لنا المعاني تصوي ار حسيا،
وأضفت عليها جرسا موسيقيا موحيا ومؤثرا ،فانظر إلى جمال هذه األصوات في البيت
الثالث من المقطوعة السابقة:
حيث اجتمعت فيه ثالثة أصوات في بيت واحد الحاء بترددها ( 3مرات) ،وكل من السين
والهاء مرة واحدة ،فكانت الحاء بح اررتها وعاطفتها واتساعها والهاء برخاوتها ورقتها والسين
بهمسها تصور لنا تصوي ار حسيا صفات الجزائر محدثة نوعا من االرتخاء صوتيا ودالليا.
-2األصوات المائعة:
األصوات المائعة وهي الالم والميم والنون والراء ،تمثل هذه األصوات حلقة وسطى بين
الصوامت والصوائت ذلك ألنها "أصوات صامتة وظيفيا ،أي :من حيث موقعها ودورها في
126
بنية الكلمة ،شأنها في ذلك شأن سائر األصوات الصامتة كالباء والتاء والثاء إلخ،
ولكنها– في الوقت نفسه -تفصح عن شبه ما بالحركات من حيث النطق واآلداء الفعلي".1
أ -األصوات المكررة :ونجد في هذه الزمرة من الصوامت صوت الراء في قول مفدي
زكرياء:
2
ويا روعة الصانع القادر جزائر ،يا بدعة الفاطر
حيث تكرر هذا الصوت الذي من صفاته "أنه صوت متوسط بين الشدة والرخاوة
ومجهور" ،3وسمي تكراري "ألنه يتكرر عل اللسان عند النطق به ،كأن طرف اللسان يرتعد
به ،وأظهر ما يكون إذا كانت الراء مشددة" ،4تكرر أربع مرات في الكلمات (فاطر ،جزائر،
روعة ،القادر) أما في بقية أبيات القصيدة فقد تكرر ( 22مرة) ،وهذه الكلمات كلها تصور
لنا عظمة الخالق فهي مرتبطة بمعجزة اهلل في صنعه ،ومما يدعم حضور هذا الصوت قول
مفدي زكرياء في مقطع آخر من مقاطع اإللياذة:
127
رفائيل يخفي انسالل الجآذر وأبيار تزهو بقديسها
1
وفي كل بيت :نشيد الجزائر وفي كل حي ،غوالي المنى
في البيت األول من هذه المقطوعة تردد صوت الراء ( 4مرات) في كلمات مثل (رؤية،
فكرك ،حائر) ،وهي متصلة اتصاال وثيقا بمعنى الحيرة في التفكير والرؤية.
أما في المقطوعة ككل فقد تردد ( 31مرة) ،إال أن ما يلفت النظر هو مجيء الراء حرف
روي في آخر كل بيت من أبيات القصيدة هذا الصوت القوي الشديد الذي من صفاته التكرار
كان له تأثير فعال في أبيات القصيدة إلى جانب مؤانسته ألصوات أخرى قوية مثل :الهمزة
والعين والهاء ،والتي أعطت تعبي ار قويا تجسيدا حيا لعظمة الخالق وتصوي ار واضحا إلبداعه.
هذا الصوت التكراري استطاع أن يجمع بين القيمة الموسيقية اإليقاعية ،والقيمة الداللية عند
تك ارره ولعل هذا هو المبتغى.
أصوات تتكون عندما "يمر الهواء بمجراه دون انحباس أو احتكاك من أي نوع ،ألن
مجراه خال من العقبات أو المعيقات فيحدث صوتا متوسطا أو واسع االنفتاح كما في الواو
والياء الشبيهين باألصوات الصامتة ،ويحدث أيضا حين يتجنب الهواء في مجراه المرور
128
بنقطة الحبس أو التضييق كما في الالم" ،1ومن خصائص هذا الصوت أنه صوت جانبي
لثوي متوسط بين الشدة والرخاوة مجهور ،وقد ورد هذا الصوت المنحرف في المقطوعة التالية
( 35مرة) يقول مفدي:
ومن هام فيك ،أحب الجم ـ ـ ــال وان المه الغشم ،قال :بالدي
2
ألجل بالدي ،عصرت النج ــوم ،واترعت كأسي ،وصنعت الشوادي
استحوذ الالم في هذه المقطوعة على األبيات كلها من أولها إلى آخرها ،وقد جاء هذا
الصوت مناسبا للمعاني حيث نجد أن من بين صفاته أنه يدل على" :التماسك وااللتصاق"،3
وذلك يظهر في اعتبار مفدي للجزائر جزء ال يتجزء كالجسد الواحد فشرقها وشمالها وجنوبها
وغربها كل شيء فيها جميل وله ميزته الخاصة وسحره الجذاب ،ومفدي في كل مرة يربط
بين حبه ووطنه من خالل جمال الجزائر وكأنها هي التي أهدته هذا الشعور الرقيق الذي
يكاد يداعب النسمات الخفيفة المنبعثة من قمم الجبال والحدائق الغناء.
ومن صفة االلتصاق والتماسك إلى صفة أخرى متأصلة في الالم وهي اإلنحرافية وهذه
الصفة تجسدها األبيات التالية:
129
يدللن بالعار بين القبيله ومنهن كالعنز بادي الرذيله
1
فلم ال تجف الطباع األصيله إذا جف ماء الحياء بأنثى
تردد صوت الالم في هذه المقطوعة ( 45مرة) حيث أضفى على األبيات ايقاعا متمي از
ذلك ألنه ينتمي إلى األصوات المائعة التي تتميز بوضوحها السمعي وسهولة نطقها ،فجاء
ناقال للمعنى المراد بكل براعة حيث جسد لنا صورة البنات المنحرفات الالتي قلدن المجتمع
الغربي وشبههن بالمعز.
130
ومما يوضح صفة اإلنحرافية كلمات مثل (الماعز ،الرذيلة ،السكران) ،فالماعز والسكران
من عادتهما أن يمشيا في طريق منحرف غير مستقيم والذي يتبع الرذيلة كذلك.
هذه الصوامت األنفية "تتكون من طريق إنحباس الهواء حبسا تاما في موضع من
الفم ،ولكن يخفض الحنك اللين ،فيتمكن الهواء من النفاذ عن طريق األنف" ،1وهذا ما
يعرف باألنفية وهذا النوع من الصوامت تردد في المقطوعة اآلتية:
وما كان بوخريص إال طعاما وما كان بوشناق إال ابن آوى
2
وان طال ليل ...أق ار النظاما أبوتان ...هل سيدي فرج
131
تكرر صوت النون في هذه األبيات (20مرة) أما الميم الذي يوصف بأنه صوت أنفي
من أصوات الغنة باإلضافة إلى :الخاصية اإلستم اررية التي يمكن للمتكلم إطالتها ،والوضوح
السمعي الذي يوصل المعنى واضحا للمتكلم تردد ( 26مرة) وهو المسيطر على األبيات فقد
استعان به مفدي ليصل صوته واضحا معب ار عن استغالل الفرنسيين للجزائر واألعمال
التخريبية التي قام بها شارل المريض في أرض الجزائر وطول فترتها وفترة استغالل ثروات
الجزائر ،ومما زاد في قوة هذا الحرف ووضوحه اتصاله باأللف التي تعد صائتا قويا
وواضحا ،وعالوة على كل هذا فقد استخدمه مفدي كحرف روي ليحقق نوعا من اإلنسجام
والجمال والموسيقى في نهاية األبيات.
ومما يدعم حضور صوت النون الذي يعد من األصوات األنفية أيضا والمجهورة،
المتوسطة بين الشدة والرخاوة قول مفدي في مقطوعة أخرى من مقاطع اإللياذة:
1
فيخلع بالرعب ،قلب الجبان وبارك فأرا ...يوزع نا ار
حيث تردد هذا الصوت ( 20مرة) وهو صوت أنفي مجهور يتم نطقه "بجعل طرف
اللسان متصال باللثة مع خفض النطق ليفتح المجرى األنفي ،واحداث ذبذبة في األوتار
132
الصوتية ،ومعنى األنفية في هذا الصوت أن جزء الهواء الخارج من الرئتين يمر في
التجويف األنفي محدثا في مروره نوعا من الحفيف".1
وظفه مفدي زكرياء حتى يساعده في إخراج أكبر كمية من النفس ألنه في موقف الفخر
واالعتزاز واالعتراف بفضل الحيوان على الشعب الجزائري ،حيث كانوا يستعملون البغال
إليصال السالح إلى الثوار ،أما الفئران فقد كانوا يطلونها بالبنزين ويشعلون النار فيها لحرق
ودعم صوت النون األلف
المزارع فتتلف المحاصيل وتشعل الرعب في قلوب المستعمرينّ ،
اللينة بوضوح سمعه وقوته.
-3القلقلة:
إن هذه الحروف تجمع بين الشدة والجهر كما ذكرنا سابقا وهي "مصطلح يقابل عند
المحدثين ما يسمى :باالنفجارية" ،2وقد ترددت هذه األصوات المجموعة في كلمة قطب جد
1رمضان عبد اهلل :أصوات اللغة العربية بين الفصحى واللهجات ،ص.101
2كمال بشر :علم األصوات ،ص.393
133
وما كبل القيد فيه الطماح والبن الثمانين يغدو أسي ار
1
يذود على الشرف المستباح وهقار تزهو بآمودها
لقد تواترت ( 52مرة) حيث احتل صوت الباء المرتبة األولى بـ ( 19مرة) والدال المرتبة
الثانية بـ ( 17مرة) وهو صامت انفجاري شديد يتصف بالقلقلة 2ويقول عنه العاليلي "إنه
للتصلب والتغير المتوزع وهو يوحي بالصالبة والقساوة وكأنه من حجر الصوان" ،3يليه
صوت القاف بـ ( 7مرات) والجيم بترددها ( 5مرات) والطاء بـ ( 4مرات) هذه النوعية من
األصوات التي تجمع بين الشدة والجهر ،نقلت لنا التجربة الشعرية التي أراد الشاعر أن
يوصلها إلى المتلقي من صورتها اللغوية اللفظية إلى صورتها الشعورية الفكرية ،هذا المتلقي
الذي يلمس حالة الشاعر مفدي زكرياء وهو يفتخر بحماسة آل مقران مشيدا بهم من حيث
134
وما زاد في قوة الداللة اجتماع هذه األصوات في كلمات تدل على القوة والصالبة
وقد ساهمت هذه النوعية في تصوير األحداث والوقائع التي أراد الشاعر أن يوصلها
ويبلغها.
-4التفشي:
وهذه الصفة خاصة بصوت الشين ويظهر هذا الصوت في قول مفدي:
ولوال النهود ،لما كنت تفـ ــرق ،بين جميل وجميـ ــله
135
وأرض الجزائر أرض الفحـ ــول فأين الشهامة؟؟ أين الرجوله؟؟
1
ومن لم يصن حرمات البـ ــالد ،ويذر النفايات ...قد خان جيال
تردد صوت الشين في هذه المقطوعة ( 7مرات) في الكلمات التالية (الشعور ،يشيع،
شاع ،شذوذ ،حشيش ،الشهامة) وهذا الصوت صوت رخو مهموس" ،عند النطق به يلتقى
طرف اللسان أي مقدمه بمؤخر اللثة و مقدم الحنك األعلى ،بحيث يكون هناك منفذ ضيق
لمرور الهواء ،ولكن هذا المنفذ أوسع من المنفذ الموجود في حال صوت كالسين مثال،
وفي هذه الحالة يكون كل الجزء األساسي من جسم اللسان مرفوعا نحو الحنك وال تتذبذب
األوتار الصوتية عند النطق به" ،2ويقول العاليلي عن هذا الصوت "إنه للتفشي بغير
نظام" 3ولكي نوضح داللة هذه الصفة على المعنى نورد البيت التالي:
صوت الشين هنا تكرر أربع مرات ،فانظر مثال إلى كلمة شاع ،هذه الكلمة تدل على
االنتشار والشيوع والتفشي بين الناس ،فجاءت الداللة هنا مناسبة للصوت خاصة وأن هذا
وقرب المعنى
الصوت قد اتصل بصوت العين الحلقية العميقة مما عمق اإلحساس باالنتشار ّ
تعد الصوائت الجسر الذي يربط الصوامت في السلسلة الكالمية ،وهي التي تحدد الكثير
من المعاني في اللغة فبالحركات (سواء كانت قصيرة أو طويلة) واختالفها تفهم المعاني،
ونلمس دور هذه الحركات في اإللياذة التي تغلب عليها مشاعر متعددة من حزن وأسى
وغضب وحب ،فهذه المشاعر تحتاج أصوات قوية تعبر عنها وهي الصوائت التي تخلق
نوعا من الوضوح السمعي واالمتداد في النص ذلك ألنها تصدر طليقة من الفم دون أن
يعترضها عارض ،ونجد هذه الصوائت التي تملك القدرة على إبراز وايضاح قدرة الشاعر
137
وتلهمها القيم الخالدات ويا للبطوالت تغزو الدنا
1
فأهوى على قدميها الطغاة وأهوى على قدميها الزمان
في هذا المقطع الذي يبلغ العشرة أبيات يقدم مفدي لنا الجزائر كما يقدم األبطال،
فاألبطال يحققون النصر في ساحة المعركة ،أما الجزائر البطل فبما وهبها التاريخ من
صفات جعلت الزمان يهوي على قدميه ويحدث انقالبا في موازين الزمن فهاهو الشاعر
يتغزل بجمال الجزائر بحديث ساحر يوجهه إليها معددا خصالها وسماتها ،التي حققت لها
الخلود ،مازج بين خلود جمالها الطبيعي ،وخلود جمالها الجهادي ،ونضال أبنائها وبطوالتهم
فكل هذا الحب وهذا التعريف بالجزائر وبطوالت أبنائها كان البد له من توظيف الصوائت
التي تتسم بوضوحها السمعي وكمها الصوتي الهائل لكي تعبر عن حبه لبالده وارادته في أن
يصل صوته إلى كل مكان ،فجاءت الصوائت في هذه األبيات العشرة حاضرة بقوة ،حيث
كررها الشاعر( 68مرة) إال أن أكثرها ترددا هو األلف حيث كان حاض ار تقريبا في كل بيت
من أبيات المقطوعة ،وقد عبر هذا الصوت الذي يوصف باللين واالتساع عن تلك التأوهات
138
المنبعثة من صدر مهموم ليمتد هذا الصوت إلى أقصى مدى ممكن من االندفاع واالنتشار
حتى يصل إلى المتلقي ،ذلك ألن األلف صوت هوائي يخرج من غير قيد وال ضغط لذلك
أما فيما يخص صوت (الياء والواو) فقد تكر ار ( 7مرات) فقط والسبب في ذلك هو أن
األلف أوسع وألين ألن "الحلق والفم معه منفتحين غير معترضين على الصوت بضغط أو
حصر" ،1وذلك هو سبب تك ارره أكثر من الياء والواو ،ويعود مفدي زكرياء مرة أخرى ليوظف
أصوات المد عموما واأللف الطويلة خصوصا مما جعل قراءة هذه المقطوعة سلسة
ومما هو معروف في خصائص الصوائت الطويلة أن لها قيمة تعبيرية خاصة بها،
وخاصة األلف الذي يعرف بوضوحه السمعي وقوة استطالته ،ويظهر هذا النوع من الصوائت
في قول مفدي زكرياء وهو يتحدث عن "باينام" وجمال مناخها الجبلي:
1غالب فاضل المطلبي :في األصوات اللغوية (دراسة في أصوات المد العربية) ،ص.85
2عز الدين علي السيد :التكرير بين المثير والتأثير ،عالم الكتاب ،بيروت ،ط ،1986 ،1ص.67
*باينام :غابة وهي أجمل مناخ جبلي في صدر عاصمة الجزائر يوحي بالعظمة والشموخ ،انظر مفدي زكرياء ،إلياذة
الجزائر ،ص.26
139
فيغمرنا ملتقى الفكر نصحا ويلتف ساق بساق ،فنصبو
1
بأنسام باينام فازداد لفحا وكم من صريع الغواني ،تداوى
إن المتأمل لهذه األبيات يجد أصوات المد مفرقة فيها على أبعاد دقيقة التصويت ظاهرة
وقد تكررت أصوات المد وخاصة األلف في المقطوعة ( 51مرة) حيث مكنت الشاعر من
مد صوته واطالته افتخا ار بعظمة باينام وأشجارها الفارعات ومناخ غابتها التي احتضنت
دموع الموجوعين وجريحي الفؤاد والعاشقين الذين لطالما زاروا هذه الغابة كي يتداووا بنسماتها
140
ومما يلفت اإلنتباه في هذه المقطوعة هي المدود التي ظفرت بها نهاية كل بيت من أبيات
القصيدة سواء في الصدر أو في العجز فتارة تنتهي (بألف ممدودة وتارة بألف مقصورة).
إال أن الجدير بالذكر أن الشاعر لم يكرر هذه األصوات جزافا ،بل جاء بها لدالالت
أما صوتي المد (الواو والياء) فقد كان حضورهما قليل حيث عبر بهما الشاعر عن حالة
الحزن والخيبة واأللم التي يشعر بها جريحي الفؤاد والعاشقين وصريعي الغواني.
وهاهو الشاعر يستخدم صوت المد باأللف مرة أخرى في مقطوعة أخرى والتي يقول فيها:
141
وحط القساوس من شأننا وهل فت فيليب*** في عزمنا
1
فقد عاد يهفو ألكبادنا ومهما يقيمون فيه احتفاال
يرسم لنا مفدي زكرياء صورة الجوامع التي حولها االحتالل إلى كنائس يقيمون فيها
فجاء صوت األلف الممدودة التي بلغ عدد تكرارها ( 31مرة) معبرة عن إحساس مفدي
زكرياء وألمه النفسي لما حل بجامع (كتشاوة) والجوامع األخرى في الجزائر ،كما عبر لنا
صوت المد عن صمود الجزائريين واصرارهم ،هذه المدود الكثيرة التي ظفرت بها هذه
المقطوعة تهز النفس من الداخل ،إنها أنفاس داخل كلمات تهب األبيات حياة وصدقا ومما
يزيد في قوتها هو صوت النون الذي جاء حرف روي وهو "صوت يتميز بقوته اإلسماعية
142
العالية ،وغنته الموسيقية" ،1التي عبرت بصدق عن مشاعر نابعة من أعماق قلب أعياه
وينتقل بنا الشاعر من وصف جمال الجزائر وطبيعتها إلى وصف أبطالها الذين بذلوا
أرواحهم وأموالهم في سبيل تحريرها ويقول مفدي زكرياء واصفا بطال من أبطالها وهو األمير
عبد القادر.
وكان النضال طويال عسي ار أيا عبد القادر ...كنت القدي ار
2
وما خست ،مذ خطفوك أسي ار وعبدت للشعب درب الفدا
يتحدث مفدي في هذه المقطوعة عن كفاءة األمير عبد القادر وأنه يستحق أن يبايع أميرا،
كذلك يشير هنا إلى الخديعة التي استعملتها فرنسا كعادتها عندما تفشل في المواجهة.
143
إن المتأمل لهذه القصيدة يجد أن صوت األلف المد الطويل قد تكرر في األبيات (35
مرة) فكان هو المسيطر ،ولم يتكرر صوتي (الواو والياء) إال بنسبة متوسطة مقارنة باأللف
ويقول سيبويه في األلف معرف" :حرف اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع
مخرج الياء والواو ،ألنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك ،وهي
األلف".1
والسبب الذي جعل مفدي يوظف هذا الصوت شدة اتساعه وامتداده وقدرته على إضفاء
القوة والوضوح السمعي على القصيدة ،ولم يستخدم صائتا ضعيفا ألنه كان بصدد الحديث
عن موقف يحتم عليه اسماع صوته وهو اإلشادة بقوة األمير وشجاعته في الحرب ضد
والالفت للنظر هو اقتران األلف بصوت صامت آخر وهو الراء هذا الصوت المجهور
والتكراري الذي زاد في عمق صوت األلف ووضوحه ،وذلك بما يملكه من القوة اإلسماعية
ويلي صوت األلف الياء حيث ترددت ( 18مرة) وهي أقل وضوحا منه لتعبر بضيقها عن
المعاناة التي عاشها األمير عبد القادر وعن الخدعة التي حاكتها فرنسا ضده وأوقعته في
األسر.
144
ثم تالهما صوت الواو بـ ( 7مرات) وهو أضيق الحركات وأصعبها في النطق ،ما
نالحظه أن الشاعر قد تدرج في ذكر الصوائت من المتسعة إلى األضيق إلى األشد ضيقا،
ويعود مفدي مرة أخرى لوصف منطقة من مناطق الجزائر أال وهي قالمة حيث يقول:
1
وفار بتنورها كار بنـ ـ ــال فأصبح كاربون حمامها
145
فهذه األبيات يوظف مفدي زكرياء صوت المد األلف إال أنه مقرون بصوت الهاء هذا
الصوت الحنجري المهموس 1الذي يخرج من أعماق الجهاز الصوتي استخدمه مع األلف
ليزيد من قوته وعمقه حتى يستطيع أن يوصل ما يمكن في النفس من ألم وشقاء وأوجاع
نفسه ،فاجتماعهما عكس لنا نفسية الشاعر الكئيبة كما عكس صورة الفزع واأللم.
صوت األلف سيطر على األبيات من أولها إلى آخرها حيث تردد ( 49مرة) وسبب هذا
التردد وكثرة الدوران في األبيات ربما راجع إلى وضوح الصوائت والى قدرتها على إيصال ما
ولكن ما يلفت النظر تكرر األلف اللينة في كل شطر من أشطر المقطوعة وخاصة في
نهاية كل بيت ،أما صوتي الواو والياء فقد ترددا بـ ( 6مرات) لكل منها ،وهي نسبة أقل من
نسبة تردد األلف وهذا راجع إلى شدة وضوحه ومما يعزز حضور هذه الطائفة من الصوائت
قول مفدي:
1رمضان عبد اهلل :أصوات اللغة العربية بين الفصحى واللهجات ،ص.74
146
وتقويم أخالقه ،ما استطاعا؟؟ وكيف يقوم بنيانه
السل شاعا؟
وفي قلبه مرض ّ وكيف يداوي المريض صحيحا
1
فإن تهملوه...الوداع ...الوداعا هو الخطر الجارف المستطير
ترددت الصوائت في هذه المقطوعة بنسب متفاوتة األلف ( 38مرة) والذي ينتج عندما
"يرفع اإلنسان لسانه ويسحبه إلى األسفل قدر المستطاع ويسحبه إلى الخلف قدر اإلمكان
ويبسط شفتيه من غير تدوير" ،2وأما الياء فترددت ( 23مرة) وتنتج "عندما يرفع اإلنسان
يضيق المجرى
لسانه إلى األعلى قدر المستطاع ،ويدفعه إلى األمام قدر اإلمكان دون أن ّ
الهوائي بحيث ال يسبب إحداث حفيف ما ويبسط شفتيه في الوقت نفسه فإنه يصدر صوت
147
الياء" ،1أما الواو فقد تردد ( 7مرات) هذا التنوع في المدود قد عبر عن حالة الضيق والقلق
التي تنتاب مفدي حول الشباب الذين فسدت أخالقهم ،وحذر من إهمالهم ألن إهمالهم يؤدي
وكثرة المدود راجع إلى خاصية االمتداد هذه الخاصية التي تمنح الصوت مسافة أطول
من حيث االنطالق لتتجاوب معها المشاعر واألحاسيس التي يريد الشاعر أن يوصلها إلى
المتلقي ،وتطرب لها النفس ويتذوقها القلب ويقول عز الدين السيد عن المدود "إن المدود في
الكالم لها صلة نفسية في راحة القلب بمد النفس ،وراحة األذن ،بطيب النغم".2
هذه المدود التي عبرت عن تأوهات الشاعر وضيقه بما آل إليه الشباب قد جعلت الفكر
يحلق في فضاء هذه األبيات ويتأمل حسن تصوير الشاعر لحال الشباب كأننا نعيش هذه
باإلضافة إلى وجود الحركات الطويلة في القصيدة واحتاللها مساحة واسعة ،فقد احتلت
كذلك الصوائت القصيرة (الفتحة والضمة والكسرة) نفس المساحة فهي ال تقل أهمية عن
الحركات الطويلة في تح ديد الداللة وتمييز معاني الكلمات ومن صور تواجد هذه الحركات
148
وق الس َِّف َينا َولِ َّلن ْ
ص ِر ُر ْحَنا َن ُس ُ َسَب ْحَنا َعلَى لُ َج ٍج ِم ْن ِد َم َانا
العالَ ِم َينا
فَتُْل ِه ُم ثَْوَرتَُنا َ َوُن ْل ِه ُم ثَْوَرتََنا ُم ْبتَ َغ َانا
َل ُكَّنا سم ِ
اس َرةً ُم ْج ِرِم َينا ولَوَال إِ ْلتِحام الصُّفُ ِ
وف َوقَ َانا
ََ َ ُ َْ
1
ار بِهَا َوَي ِم َينا...
تَ ِمي ُل َي َس ًا س تَهتَم ...الَ بِا ْل َكر ِ
اسي َ ُْ
وبِا ْلقُ ْد ِ
َ
من خالل استقراء أبيات المقطوعة نجد أن الحركة القصيرة الفتحة قد ترددت في هذه
األبيات ( 114مرة ) واحتلت المرتبة األولى وهي حركة يتم إنتاجها بأن "يكون اللسان
مستويا في قاع الفم ،مع انحراف قليل في أقصاه نحو أقصى الحنك ،ومرور الهواء دون
أن يعترضه عائق واهتزاز األوتار الصوتية" ،2ومن خصائصها الوضوح السمعي ،االتساع،
والجهر ،فهي بهذه الصفات تفسح المجال أمامه لكي يعبر بطالقة عن اعت اززه بأول نوفمبر
149
هذا الشهر المعجزة شهر البطوالت واالنتصارات الذي أوقد مشاعر مفدي وهز كيانه دون
وتنتج عن طريق "ارتفاع مقدمة اللسان نحو وسط الحنك األعلى بحيث يكون الفراغ بينهما
كافيا لمرور الهواء دون أن يحدث في مروره بهذا الموضع أي نوع من االحتكاك مع
وهي بانفراج الشفتين فيها تحمل األمل والفجر الجديد الذي جاء به شهر نوفمبر ،وبأماميتها
واهتزاز األوتار الصوتية معها تمثل تقدم الشعب الجزائري إلى األمام ونهوضه فزعا وثورة
150
ويلي الكسرة صوت الضمة التي بلغ عدد تكرارها ( 35مرة) وهي التي تنتج عن طربق
"ارتفاع أقصى اللسان نحو سقف الحنك ارتفاعا يؤدي إلى احتكاك الهواء بهذا الموضع"،1
هذا االرتفاع الذي في الضمة جاء مناسبا الفتخار مفدي بأول نوفمبر هذا الشهر العظيم.
نالحظ أن مفدي قد نوع في استعمال الحركات القصيرة إال أن الفتحة كانت هي الغالبة
على هذه المقطوعة وهذا راجع إلى وضوحها السمعي ،أما الترتيب الذي وردت عليه
الصوائت فتحة ثم كسرة وضمة يرتبط بالجهد المبذول فالفتحة أوسع وأخف من الضمة
والكسرة معا ،كما أن الكسرة أخف من الضمة ،2ومن األبيات التي تدعم حضور الصوائت
ِّدتِي فَ ِ
اط َمه تَ ،سي َ
ُبطُوالَ ُ الع ِارَمةُ
َوتَ ْذ ُك ُر ثَ ْوَرتَُنا َ
ف ب ِاريس والع ِ
اص َمه َ فَتَ ْر ِج ُ َ َ ُيفَ ِّج ُر ُب ْرَك ُانهَا ُج ْر ُج َار
الدائِ َمه
استَهُ َ َّ
فَ َزكى قَ َد َ
اسم أ ِ
ُمهَا ذ ْك َرهُ
َّ ِ
َو َخل َد َب َ َ
ض ِت التَوا ُك َل يا فَ ِ
اط َمه وك لِتَآ ْكالَّ
َنسومر م ْذ َنسب ِ
َ َ َرفَ ْ ُ َ ُ ُ َُ
151
السائِ َمه
ْج ُر َ
تَُباعُ َوتُ ْستَأ َ بِ ُج ْن ٍدُ ،يَباعُ َوُي ْشتََرى َك َما
1
اد َها لَ ْم تََز ْل قَائِ َمه؟
َوأ َْم َج ُ اء َها؟ ِ
الج َزائ ُر َح َّو َ
أَتَْن َسى َ
من خالل استقراء األبيات نجد أن صوت الفتحة قد تردد ( 107مرات) يليه صوت الضمة
بـ ( 40مرة) ثم الكسرة بـ ( 39مرة) ،ونالحظ هنا تفوق الفتحة على باقي الحركات وذلك
لكون هذه الحركة المتسعة تنتج بحد أقصى من اإلستم اررية واإلسماع وبحد أدنى من التوتر
واإلحتكاك ،2فهي مناسبة للتعبير عن صورة فاطمة نسومر والدور البطولي الذي قامت به
هذه المرأة العظيمة ،وأما الضمة فقد تكررت أكثر من األبيات السابقة وذلك لما تحمله
الضمة لتكتل مؤخر ا للسان ،وارتفاعه إلى أقصى درجة ممكنة نحو مؤخر اللسان ،وارتفاعه
إلى أقصى درجة ممكنة نحو مؤخر الحنك األعلى من غير أن يحدث هذا االرتفاع انسدادا
للنفس أو تعويقا له ،3للداللة على صالبة قوة فاطمة نسومر وثباتها في محاربة المستعمر.
وأما الكسرة في هذه األبيات فقد جاءت في المرتبة الثالثة على عكس األبيات السابقة
لتعبر عن ثقل الهزيمة التي ألحقتها فاطمة نسومر بفرنسا وجنراالتها؛ لثقلها في النطق ويقول
2ماريو باي :أسس علم اللغة ،ترجمة أحمد مختار عمر ،عالم الكتاب ،القاهرة ،ط ،1997 ،8ص.78
3محمد األنطاكي :المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها ،ج ،1ص.36
152
الفراء" :إنما تستثقل الكسرة ألن لمخرجها مؤونة على اللسان ونمال أحد الشدقين
في ذلك ّ
من خالل ما تقدم نالحظ أن الفتحة الطويلة بنوعيها (القصيرة والطويلة) كانت هي
المسيطرة في جميع المقاطع التي قمنا بتحليلها وسبب ذلك هو طول هذه الحركة واتساع
مخرجها وخروج الهواء ممتدا حتى ينفذ ،2مما أعطى الحرية للشاعر حتى يعبر عن المعاني
إن للمقطع أهمية كبيرة في النص األدبي ويظهر هذا في ما يقدمه للنص من خدمات
مهمة في تشكيله كما أنه يمنح لألديب تلك الخصوصية التي يتميز بها عن غيره من خالل
توظيفه ألشكال معينة منه في بنية النص اإلبداعي تكون كفيلة بنقل الحالة الشعورية لألديب
إن البراعة في استغالل هذا النوع من الوسائل اللغوية تشكل مظه ار صوتيا يمكن رصده
وتحديد أثره في تغير المعنى ،ولكن قبل تحديد المقاطع وأثرها الصوتي في المعنى البد أن
نشير إلى تعريف المقطع والذي اختلف في تحديد تعريفه الكثير من اللغويين وعلماء
1الفراء :أبي زكريا يحي بن زياد :معاني القرآن ،تحقيق محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي ،عالم الكتب ،بيروت ،ط،3
،1983ج ،2ص.13
2كمال بشر :علم األصوات ،ص.217
3انظر رابح بن خوية :في البنية الصوتية واإليقاعية ،عالم الكتاب الحديث ،إربد ،األردن ،ط ،2012 ،1ص.79
153
اللسانيات وذلك راجع إلى االختالف في وجهات النظر ومن بين التعريفات التي وضعت له
أنه "عبارة عن الوحدة األساسية التي تتركب منها اللغة وأن الوحدات (الصوامت والحركات)
إذن فالمقطع حسب هذا التعريف وحدة أساسية وال يمكن للحروف والحركات أن تقوم بأي
وظيفة دونه.
ولما كان وحدة أساسية كان البد لنا أن نقف عنده في قصيدة مفدي زكرياء (اإللياذة) ونرى
إذا كانت الخصائص الصوتية لهذه المقاطع تناسبت مع المعاني ،ولنقف عند قول مفدي
زكرياء:
البيت الشعري:
1حامد بن أحمد بن سعد الشنبري :النظام الصوتي للغة العربية دراسة وصفية تطبيقية ،مركز اللغة العربية ،القاهرة ،دط،
،2004ص.200
154
ومنك استمد الصباح السنا جزائر أنت عروس الدنا
التحليل المقطعي:
155
البيت الشعري:
التحليل المقطعي:
156
صحص صح صحح صحص صح
البيت الشعري:
157
البيت الشعري:
التحليل المقطعي:
158
صحح صح صحص صحح صح
البيت الشعري:
التحليل المقطعي:
159
نا بـ س لـ ـ سا أ د لو
من خالل التحليل المقطعي لهذه األبيات يبدو لنا أن المقطع القصير المفتوح هو األكثر
انتشارا ،حيث يعد أكثر األنواع وجودا في أي نص شعري غالبا ،وذلك أن كل صامت متبوع
بصائت قصير هو التعبير االعتيادي عند أي جماعة لغوية ،وعند المبدعين ،وقد جاء هذا
النوع من المقاطع متواتر بـ ( 49مرة) والسبب في ذلك وضوحه السمعي؛ ألن مفدي يريد أن
يشيد بالجزائر التي علمت األمم العربية بجهاد شعبها وكفاحه وصبره وانتصاره على
االستعمار وخاصة شعب فلسطين ،لذلك استخدمه حتى يوصل صوته واضحا إلى كل
العالم.
وأما المقطع المتوسط المفتوح (ص ح ح) فقد تواتر ( 25مرة) ،ويعد هذا النوع من
المقاطع القوية لكونه يتكون من صامت متبوع بحركة طويلة ،وهذا النوع يستغرق نطقه
بحركته الطويلة زمنا طويال من الذي يستغرقه المقطع القصير والمقطع المتوسط المغلق؛
مما جعله يتوافق مع حاالت الوصل والمد المتتابعة في المقطوعة ،وهذه الحالة ترتبط
بالوضعية النفسية للشاعر ،فهذه المقاطع العتمادها على الحركات الطويلة تعكس لنا البركان
المتأجج والمنبعث من الشاعر ،وقد سيطر هذا النوع على نهاية األبيات فقد جاءت كلها من
النوع (ص ح ح) ،مما أعطى القصيدة وضوحا وقوة موسيقية تتناسب وحالة الشاعر.
160
أما المقاطع المتوسطة المغلقة فقد كان لها النصيب األكبر من التواتر فقد ترددت( 35مرة)
أكثر من المتوسطة المفتوحة فقد جاءت معبرة عن العاطفة الجامحة التي يود مفدي أن
من هنا يتضح لنا أن الشاعر قد وظف المقاطع الصوتية توظيفا جماليا يتناسب واألفكار
المعبر عنها فجاءت المقاطع القصيرة ثم المفتوحة المتوسطة وأحيانا أخرى المقاطع القصيرة
المفتوحة ثم المقاطع المتوسطة المغلقة ثم المفتوحة إال أن الغالب على هذه األبيات هو
ومما يعزز حضور المقاطع الصوتية قول مفدي زكرياء في أبيات أخرى من اإللياذة:
حبه -بالنفور
فالذ –على ّ وأجلى الشباب غالء المهور
البيت الشعري:
التحليل المقطعي:
161
صح صح صححص صحص صح
البيت الشعري:
التحليل المقطعي:
162
مـ ــن يـ ـ م ــر لى عـ
البيت الشعري:
التحليل المقطعي:
163
هي ر وك ـ من
من خالل هذا التحليل المقطعي يبدو لنا أن المقطع القصير المفتوح أكثر توات ار في هذه
األبيات حيث تردد ( 31مرة) ،إلى جانب المقطع المتوسط المفتوح الذي تواتر ( 14مرة) ،ثم
تأتي المقاطع المتعلقة التي تواترت إجماال ( 18مرة) ،للمقطع المتوسط المغلق ( 13مرة)
والطويل المغلق ( 5مرات) ولم يكن للمقاطع األخرى أي حضور ،فقد اقتصر توظيف
النوع األول منها القصير المفتوح (ص ح) اعتمده الشاعر في بدايات هذه األبيات وفي
وسطها وذلك لسهولته وعذوبته ووضوحه السمعي فالشاعر يهجو الشباب الجزائري الذي
164
تزوج من األجنبيات ويريد أن يصل صوته واضحا إلى الشعب حتى يتساعدوا على عالج
كما نالحظ غلبة المقطع المتوسط المفتوح (ص ح ح) على المغلق وهو المتداد النفس
معه ،يوحي بالشكوى من غالء المهور وتزوج الشباب من الفرنسيات ،ومن شأن المقاطع
المتوسطة المغلقة أن تشعر كلما انقطع النفس مع نطق كل منها ،بشدة ضيق الشاعر مما
أما نهاية أبيات القصيدة فقد جاءت على المقطع الطويل المغلق من نوع (ص ح ح ص)،
وهذا النوع المغرق في الطول قد استوفى الحاالت النفسية والفكرية للشاعر ،وخطورة الموقف
لقد وظف الشاعر المقاطع الصوتية توظيفا جماليا برزت فيه المقاطع القصيرة والمغلقة،
يعد التنغيم ظاهرة صوتية تشترك فيها معظم اللغات لكونها تؤثر في تغيير الداللة دون أن
تتغير المفردات واليك بعض األمثلة من القصيدة التي توضح دور هذه الظاهرة في التأثير
على الداللة.
165
1
ألست الذي بث فينا اليقينا؟ نوفمبر جل جاللك فينا
يبدو البيت للوهلة األولى بهذا القدر استفهاميا بناءا على القرينة اللفظية وهي أداة االستفهام
(الهمزة) ،إذا نظرنا إليها مكتوبة ،أما إذا نظرنا إليها وهي منطوقة نجدها ليست استفهاما
حقيقيا ودليل ذلك نطقها بطريقة تنغيمية تناسب األنماط التنغيمية للجمل التقريرية ،وهذا يدل
على أنها تقريرية ذلك أن المنحنى التنغيمي للتقرير يبدأ بنغمة صاعدة تتبعها نغمة هابطة.
2
فأثخن باينام في الصب جرحا وكم من جريح الفؤاد اشتكى
استهل الشاعر البيت بأداة االستفهام (كم) والتي يستفهم بها عادة عن عدد مبهم يراد
تعيينه ،والغرض في هذا البيت هو االستفهام ،فالشاعر هنا قصد تنبيه الحس وتحفيزه لمعرفة
أنهى الشا عر هنا صدر البيتين بنغمة هابطة ،وانتهى العجز في كال البيتين بنغمة
166
وحطا القساوس من شأننا وهل فت فليب في عزمنا؟
1
يداه ،استهان بإص اررنا؟ وهل نابليون ومن وسمته
استهل الشاعر هذه األبيات بأداة االستفهام (هل) التي اجتمع فيها صوتي الهاء والالم،
فالهاء حرف عميق يصدر من الحلق يحمل داللة التعبير عن آهات النفس ،والالم الذي
ذابت فيه الهاء ،عبر عن تساؤالت الشاعر التي تنتظر األجوبة فناسب هذا االستفهام ايقاع
المقطوعة محدثا في ذلك تنغيما ايجابيا صاعدا والدليل على ذلك انهاء الشطر األول من
ويقول في ذلك تمام حسان ..." :أما االستفهام المبدوء بهل والهمزة ،وفي المجموعة
إذن فمالحظة الجانب الصوتي الذي يؤثر على المعنى ضرورية جدا حتى نحدد معنى
الكالم.
167
1
وقد ساوموه عليها فباع؟ وكيف يصون األصالة نشء
استهل الشاعر أبياته بأداة االستفهام (كيف) ليخلق النغمة الموسيقية األساسية التي تسيطر
على جو األبيات النغمي ،والتنغيم في هذه المقطوعة جاء ليؤكد االستفهام حيث يقول تمام
حسان في ذلك " ...ويستعمل أيضا في تأكيد االستفهام بكيف وأنى ،2"...وهو يتناسب
من الوسائل الصوتية الناجحة والتي تستخدم للتمييز بين المعاني والتفريق بينها تبعا
الختالف مواقفه على الكلمات النبر ويظهر هذا النوع في اإللياذة في المقطوعة التالية:
ك أ َْم ِري
ب أ َْم ُر َ
الر ُ
َوقَا َل لَهُ َّ ك َربِي
ب أ َْم ُر َ وقَا َل لَهُ َّ
الش ْع ُ َ
اجتََر ْح ِت ِم ْن ِخ َد ٍ
اع َو َم ْك ِر بِ َما ْ وز
الع ُج ُ ِ
اص ف َرْن َسا َ
ص ُ
ِ
ان الق َ
َوَد َ
3
ات ِح ْب ِر
الي َراعُ ُخ َارفَ َ
اف َفَ َع َ ص ِ
اص ُي َد ِّوي الر َ
ت َّص ْو ُ
َولَ ْعلَ َع َ
168
بالنظر إلى هذه المقطوعة نجد أن النبر جاء على النحو التالي:
وقع النبر على المقطع ص ح (ذ) تَأ ََّذ َن :ص ح .ص ح ص .ص ح .ص ح
(ل)
وقع النبر على المقطع ص ح َ لَْيلَةَ :ص ح ص .ص ح .ص ح
وقع النبر على المقطع ص ح ح (قا) َوقَا َل :ص ح .ص ح ح .ص ح
169
ب :ص ح .ص ح ص .ص ح ص .ص ح وقع النبر على المقطع ص ح ص
لَهُ َش ْع ُ
( َش ْعــ)
(ر)
وقع النبر على المقطع ص ح ُ ك :ص ح ص .ص ح .ص ح
أ َْم ُر َ
وقع النبر على المقطع ص ح ح (قا) َوقَا َل :ص ح .ص ح ح .ص ح
وقع النبر على المقطع ص ح ح (دا) ان ْلـ :ص ح .ص ح ح .ص ح ص
َوَد َ
وقع النبر على المقطع ص ح ح (ص) اص :ص ح .ص ح ح .ص ح ِ
ص ُق َ
وقع النبر على المقطع ص ح ص (رن) ِف َرْن َسا ْلـ :ص ح .ص ح ص .ص ح ح ص
170
وقع النبر على المقطع ص ح ص (من). ِم ْن :ص ح ص
وقع النبر على المقطع ص ح ص (مكــ). َو َم ْك ِري :ص ح .ص ح ص .ص ح ح
وقع النبر على المقطع ص ح (لــ). َولَ ْعلَ َع :ص ح .ص ح ص .ص ح .ص ح
وقع النبر على المقطع ص ح ص (دو). ُي َّد ِوي :ص ح .ص ح ص .ص ح ح
اف ْلـ :ص ح .ص ح ح .ص ح ص وقع النبر على المقطع ص ح ح (عا).
فَ َع َ
وقع النبر على المقطع ص ح ح (را). َي َراعُ :ص ح .ص ح ح .ص ح
يتضح من التحليل السابق أن النبر قد وقع على ثالثة أنواع من المقاطع ،وهي المقطع
ص) ،فأما القصير فقد تردد ( 6مرات) وأما المتوسط المفتوح فقد تردد ( 10مرات) وأما
المتوسط المغلق فقد تردد ( 12مرة) ،وهذا يعني أن النبر قد وقع في األغلب على المقطع
المتوسط المغلق ثم المفتوح أكثر من المقطع القصير ،ولعل سبب وقوع النبر على المقطع
المغلق ثم المفتوح أن الشاعر أراد أن يبين انغالق السبيل أمام الجزائريين الذين كانوا
171
يفضلون الجهاد بالقلم ال بالسالح ،غير أن فرنسا لم تترك أي سبيل أمام الجزائريين إال أن
يحملوا السالح فجاء الفرج بأن انفجرت الثورة في الليلة التي أطلق عليها مفدي اسم ليلة
القدر التي ألقى فيها الستار على كل ما فات ،وهذه الليلة هي ليلة الفاتح من نوفمبر ليلة
الحرية واالستقالل لذلك جاء النبر على هذا النوع من المقاطع قويا.
من خالل هذه األبيات يتضح أن مفدي قد استطاع أن يوظف النبر في التعبير عن
172
خاتمة:
في ختام هذه الدراسة البد من استخالص جملة من النتائج الهامة التي أسفر عنها
-لقد استطاعت هذه الدراسة أن تقدم مثاال تطبيقيا على وجود مناسبة بين الصوت ومدلوله.
-استطاعت أن تبين أن مفدي قد وفق رغم تعدد موضوعات اإللياذة في اختيار األصوات
المناسبة لكل معنى حسب كل موضوع إذ ارتبطت األصوات بالمواقف االنفعالية الناتجة عن
-غلبت األصوات المجهورة على األصوات المهموسة و ذلك لتتوافق مع رغبة الشاعر
في اإلفصاح عن معاناة الشعب الجزائري وعن شجاعته و بطولته ضد االستعمار إضافة
-سيطرت األصوات االنفجارية على االحتكاكية في األبيات المدروسة من اإللياذة فقد كانت
األصوات االنفجارية التي تنتج بحبس الهواء حبسا كامال ثم انفجاره تجسد عاطفة الشاعر و
شدة انفعاله وغضبه كما جسدت قوة الشعب الجزائري و شجاعته وحاالت الضعف والخيبة.
173
-سيطرت األصوات المائعة الالم ،الميم و النون و الراء على األبيات المدروسة وذلك لما
-سيطرت الصوائت القصيرة وخاصة الفتحة تلتها الكسرة أحيانا ،والضمة أحيانا أخرى وذلك
حسب الغرض حيث أسهمت خصائص هذه األصوات في التعبير عن أحاسيس الشاعر.
-وظف الشاعر الصوائت الطويلة خاصة األلف لما فيها من امتداد واتساع ووضوح لكي
تعبر عن عمق وصدق مشاعر مفدي سوءا في حاالت الحزن أو الفرح أو الغضب...إلخ.
-أدى التنغيم دو ار بالغ األهمية في تحديد الداللة وابراز المعنى حيث عبر عن االنفعاالت و
-توصل البحث إلى الدور الذي لعبه النبر في إبراز الداللة التي تحملها القصيدة ،حيث
وقع أكثر على المقاطع المغلقة ليدل على حاالت انغالق السبيل أمام الجزائريين.
-توصي الباحثة بضرورة االهتمام بالظواهر الصوتية الثانوية كالنبر والتنغيم والمماثلة
174
القرآن الكريم
أوال :الكتب
-1إبراهيم أنيس :األصوات اللغوية ،مكتبة نهضة مصر ،مصر ،دط ،دت.
-3أحمد محمد قدور :مبادئ اللسانيات ،دار الفكر ،دمشق ،ط.2008 ،3
-4أحمد مختار عمر :دراسة الصوت اللغوي ،عالم الكتب ،القاهرة ،دط.1997 ،
-5أحمد مختار عمر :علم الداللة ،عالم الكتب ،القاهرة ،ط.1985 ،1
175
-6اإلستربادي (رضي الدين محمد بن الحسن النحوي) ،شرح شافية ابن الحاجب ،تحقيق
محمد نور الحسن وآخرون ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دط.1982 ،
-7عبد البديع النيرباني :الجوانب الصوتية في كتب االحتجاج للقراءات ،دار الغوثاني
-8تمام حسا ن :اللغة العربية معناها ومبناها ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،المغرب ،دط،
.1994
-9تمام حسان :مناهج البحث في اللغة ،مكتبة األنجلو المصرية ،دط.1990 ،
-10جازم كمال الدين :دراسات في علم األصوات ،مكتبة اآلداب ،القاهرة ،ط.1999 ،1
-11ابن الجزري (الحافظ أبي الخير) :النشر في القراءات العشر ،تحقيق علي محمد
الضباع ومحمد بن محمد الدمشقي ،داال الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دط ،دت.
-12ابن جني (أبو الفتح عثمان) :الخصائص ،تحقيق محمد علي النجار ،دار الكتب
-13ابن جني (أبو الفتح عثمان) :سر صناعة اإلعراب ،تحقيق حسن هنداوي ،دار القلم،
176
-14حامد بن أحمد بن سعد الشنبري :النظام الصوتي للغة العربية دراسة وصفية تطبيقية،
-15حسام سعيد النعيمي :الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني ،دار الرشيد،
-16حسن عباس :خصائص الحروف العربية ومعانيها ،منشورات اتحاد الكتاب ،دمشق،
دط.1998 ،
-17حسين عبد الجليل يوسف :التمثيل الصوتي للمعاني (دراسة نظرية وتطبيقية في الشعر
-18حسين الفي وداود غطاشة :علم الداللة والمعجم العربي ،دار الفكر ،عمان ،دط،
.1989
-19خالد قاسم بني الدومي :دالالت الظاهرة الصوتية في القرآن الكريم ،عالم الكتاب
-20خليل ابراهيم العطية :في البحث الصوتي عند العرب ،دار الجاحظ ،بغداد ،العراق،
دط.1983 ،
-21رابح بن خوية :في البنية الصوتية واإليقاعية ،عالم الكتاب الحديث ،اربد ،األردن،
ط.2012 ،1
177
-22رمضان عبد التواب :أصوات اللغة العربية بين الفصحى واللهجات ،مكتبة بستان
-23رمضان عبد التواب :المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ،مكتبة الخانجي،
-24أبو السعود أحمد الفخراني :دراسات في علم الصوتيات ،مكتبة المتنبي ،السعودية،
ط.2005 ،1
-25سعيد عبد العزيز مصلوح :دراسة السمع والكالم ،عالم الكتاب ،القاهرة ،دط.2000 ،
-27سمير شريف إستيتية :األصوات اللغوية رؤية عضوية ،دار وائل ،عمان ،ط،1
.2003
-28ابن سنان الخفاجي (أبو محمد عبد اهلل بن محمد بن سعد) :سر الفصاحة ،دار الكتب
-29ابن سينا (أبو علي الحسين بن عبد اهلل) :رسالة أسباب حدوث الحروف ،تحقيق محمد
حسان الطيان ويحي مير علم ،مجمع اللغة العربية ،دمشق ،دط.1983 ،
178
_ 30السيوطي (عبد الرحمن جالل الدين ) :المزهرفي علوم اللغة وأنواعها شرحه وضبطه
محمد جاد المولى بك وآخرون،المكتبة العصرية ،صيدا ،بيروت ،دط. 1986 ،
-31صالح سليم عبد القادر الفاخري :الداللة الصوتية في اللغة العربية ،المكتب العربي
-32عبد الصبور شاهين :البنية العربية رؤية جديدة في الصرف العربي ،مؤسسة الرسالة،
-33عباس محمود العقاد :أشتات مجتمعات في اللغة واألدب ،دار المعارف ،القاهرة ،ط،6
دت.
-34عز الدين علي السيد :التكرير بين المثير والتأثير ،عالم الكتاب ،بيروت ،ط،1
.1986
-35فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة :أمجادنا تتكلم وقصائد أخرى،
تحقيق مصطفى ابن بكير حمودة ،مؤسسة مفدي زكرياء ،الجزائر ،دط.2003 ،
179
-36عبد العزيز الصايغ :المصطلح الصوتي في الدراسات العربية ،دار الفكر ،دمشق،
ط.2007 ،1
-37عصام نور الدين :علم األصوات اللغوية الفونيتيكا ،دار الفكر الليساني ،بيروت ،ط،1
.1996
-38علي حسن مزبان :علم األصوات بين القدماء والمحدثين ،دار شموع الثقافية ،ط،1
.2003
-39غازي مختار طليمات :في علم اللغة ،دار طالس ،دمشق ،ط.2000 ،2
-40غالب فاضل المطلبي :في األصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية ،و ازرة
-41غانم قدوري الحمد :علم التجويد دراسة صوتية ميسرة ،دار عثمان ،عمان ،األردن،
ط.2005 ،1
-42فايز الداية :علم الداللة العربي بين النظرية والتطبيق دراسة تاريخية تأصيلية نقدية،
-43عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي :هداية القارئ إلى تجويد كالم الباري ،مكتبة طيبة،
180
-44عبد الفتاح عبد العليم البركاوي :مقدمة في أصوات اللغة العربية وفن اآلداء ،الفزاني،
-45فتح اهلل أحمد سليمان :مدخل إلى علم الداللة ،مكتبة اآلداب ،القاهرة ،ط.1991 ،1
-46الفراء (أبو زكريا يحي بن زياد) :معاني القرآن ،تحقيق محمد علي النجار وأحمد
-47الفراهيدي (أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد) :كتاب العين ،تحقيق مهدي المخزومي
-48فوزي الشايب :أثر القوانين الصوتية في بناء الكلمة ،عالم الكتب الحديث ،اربد،
-49عبد القادر عبد الجليل :علم الصرف الصوتي ،سلسلة الدراسات اللغوية ،دط.1998 ،
-51عبد اهلل العاليلي :مقدمة لدرس لغة العرب وكيف نضع المعجم الجديد ،المطبعة
-52ماريو باي :أسس علم اللغة ،ترجمة أحمد مختار ،عالم الكتاب ،القاهرة ،ط.1997 ،8
181
-53محمد األنطاكي :المحيط في دار األصوات العربية ونحوها وصرفها ،دار الشرق
-54محمد محمد داود :الصوائت والمعنى في العربية ،دار غريب ،القاهرة ،دط.2001 ،
-55محمد عيسى وموسى :كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة ،مؤسسة مفدي ،دط،
.2003
-56أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي :الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التالوة،
تحقيق أحمد حسن فرحات ،دار عامر ،عمان ،األردن ،ط.1996 ،3
-57محمد يحي سالم الجبوري :مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية ،دار الكتب
-58محمود السعران :علم اللغة مقدمة للقارئ العربي ،دار النهضة العربية ،بيروت ،ط،1
.1996
-59محمود عكاشة :التحليل اللغوي في ضوء علم الداللة دراسة في الداللة الصوتية
-60محمود عكاشة :الداللة اللفظية ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،دط.2002 ،
-61محمود فهمي حجازي :مدخل إلى علم اللغة ،دار قباء ،القاهرة ،دط ،دت.
182
-62مصطفى حركات :الصوتيات والفونولوجيا ،المكتبة العصرية ،صيدا ،بيروت ،ط،1
.1998
-63مصطفى مندور :اللغة بين العقل والفكر ،منشأة معارف باإلسكندرية ،مصر ،دط،
دت.
-64مناف مهدي محمد :علم األصوات اللغوي ،عالم الكتاب ،بيروت ،لبنان ،ط،1
.1998
-65منصور بن محمد الغامدي :الصوتيات العربية ،مكتبة التوبة ،الرياض ،ط.2001 ،1
-66نور الهدى لوشن :علم الداللة دراسة وتطبيق ،المكتب الجامعي الحديث ،األ ازريطة،
-67هادي نهر :علم األصوات النطقي دراسة وصفية تطبيقية ،عالم الكتب الحديث ،اربد،
-68هادي نهر :علم الداللة التطبيقي في التراث العربي ،تقديم علي الحمد ،دار األمل،
ثانيا :الدواوين
183
-1مفدي زكرياء :إلياذة الجزائر ،المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر.1987 ،
-3مفدي زكرياء :اللهب المقدس ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،الجزائر ،ط.1983 ،2
-1الجوهري (أبو نصر إسماعيل بن حماد) :الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ،راجعه
واعتنى به محمد محمد تامر وآخرون ،دار الحديث ،القاهرة ،دط.2009 ،
-2رشيد عبد الرحمن العبيدي :معجم الصوتيات ،مكتبة مروان العطية ،جمهورية العراق،
ط.2007 ،1
-3الفيروز أبادي (مجد الدين محمد بن يعقوب) :القاموس المحيط ،راجعه واعتنى به أنس
محمد الشامي وزكريا جابر أحمد ،دار الحديث ،القاهرة ،دط.2008 ،
-4مجمع اللغة العربية :المعجم الوسيط ،مكتبة الشروق الدولية ،ط.2004 ،4
-5ابن منظور (أبي الفضل جمال الدين محمد مكرم اإلفريقي المصري) :لسان العرب ،دار
رابعا :المجالت
184
-1إبراهيم خليل" :صوتيات ابن سينا" دراسات العلوم اإلنسانية واإلجتماعية ،ع،2005 ،3
األردن.
-2إلياس مستاري" :مصادر التراث في شعر مفدي زكرياء" ،مجلة المخبر أبحاث في اللغة
-3حسين مجيد رستم" :الداللة الصوتية في نونية ابن زيدون مقاربة في ضوء منهج النقد
-4حيدر فخري ميران وعلي جواد كاظم" :مخارج األصوات الصامتة عند غانم قدوري
الحمد في ضوء الدراسات القديمة والحديثة" ،مجلة مركز بابل ،ع ،1حزيران .2012
-5خديجة غنيشل" :الداللة بين المفهوم واشكالية فهم النص" ،مجلة األثير ،ع ،17جانفي
،2013ورقلة ،الجزائر.
-6سامي عوض وهند عكرمة" :الوظيفة الداللية في ضوء المناهج اللسانية الحديثة" ،مجلة
-7كريمة محاوي وآخرون" :األلفاظ جمالية لغوية وقداسية قرآنية" ،مجلة جيل الدراسات
185
-8محمد األمين خويلد" :ماهية الداللة الصوتية" ،األثير مجلة اآلداب واللغات ،ع ،2ماي
،2003ورقلة ،الجزائر.
-9مزاحم مطر حسين" :أثر التنغيم في توجيه األغراض البالغية لعلم المعاني اإلستفهام
نموذجا" ،مجلة القادسية في اآلداب والعلوم التربوية ،ع 3و ،4مج.2007 ،6
-10مليكة سعدي" :الداللة وجدل اللفظ والمعنى" ،عود الند ،ع 7 ،61يوليو ،الجزائر.
-1أروى خالد مصطفى عجولي" :النظام الصوتي وداللته في سيفيات المتنبي وكافورياته"،
رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها ،كلية الدراسات العليا ،جامعة
186