Professional Documents
Culture Documents
القول المبين في حكم المسح على الجوربين والجرموقين-١
القول المبين في حكم المسح على الجوربين والجرموقين-١
0
1
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فال مضل له ومن يضلل فال هادي له.
الحمد لله علم القرآن خلق اإلنسان علمه البيان.
وأشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
قدير
ونذير وداعيا إلى الله بإذنه
ا ومبشر
ا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،أرسله ربه هاديا
وسراجا منيرا.
فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا
اللهم صل وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير وعلى آله
كثير
وصحبه وسلم تسليما ا
وبعد ...
إن من فضل الله تعالى على أمة اإلسالم مشروعية الطهارة التي جعلها الله شرط
صحة لكثير من العبادات كالصالة والطواف ودخول المساجد ومس المصحف
984
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
ط ِهر
وغيرها وقد أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالىَ :وِثَي َاب َك َف َ
(.)1
غير أن المسلم قد يتعرض لما يسبب له الضرر ومن ذلك بأن يكون في بالد باردة
جدا ويجد في خلع الجوربين ما يعرضه للبرد الشديد ،فله أن يمسح عليهما خوفا من
البرد أو بأن يكون مريضا ،أو في سفر فأجاز لهم الشرع رخصة المسح رفعا
للضيق والحرج ،قال تعالىَ :ما ُي ِر ُيد الل ُه لَِيج َع َل َعَلي ُكم ِمن َح َرٍج َوَل ِكن ُي ِر ُيد
ط ِه َرُكم َولُِيِتم ِنع َمتَ ُه َعَلي ُكم َل َعل ُكم تَش ُك ُرو َن.)4(
لُِي َ
صلى الل ُه َعَلي ِه َو َسل َم ِ" :-إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (.)5 وقال النبي َ
فينتقل إلى الرخصة في ذلك وهي المسح على الجوربين والرخص من النعم التي
امتن بها على عباده ويسر عليهم بها ورفع عنهم الضيق والحرج والضرر
ومن تلك الرخص المسح على الجوربين والجرموقين فأردت من خالل هذا البحث
أن أبين أحكامهما وشروطهما وآراء الفقهاء فيهما ومدى مشروعيتها .والله
المستعان.
إن من األمور التي تهم المسلم في حياته استعمال الرخص تجنبا للضرر والحرج
ومن ذلك المسح على الجوربين والجرموقين فأرت أن أبين مدى مشروعيتهما من
عدمهما.
الكثير من المسلمين في حيرة من أمرهم يتساءلون هل يجوز المسح على الجوربين
والجرموقين أم ال؟ وكيفية المسح عليهما وشروطهما والمدة التي يجوز له المسح
فيها عليهما ،فوددت توضيح ذلك من خالل هذا البحث.
من الفقهاء من قال بمشروعية المسح على الجوربين ومنهم من قال بعدم جواز
المسح عليه إال بشروط فعزمت أن أبين أقوالهم وأدلتهم في هذا الموضوع وأذكر
الراجح منها.
أهداف البحث:
تعريف الجوربين والجرموقين ومشروعية المسح عليهما.
بيان حكم المسح على الجوربين والجرموقين وأقوال الفقهاء في ذلك.
بيان سبب اختالف الفقهاء في جواز المسح من عدمه.
بيان شروط المسح على الجوربين والجرموقين والمدة التي يجوز فيها المسح
عليهما.
941
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
يتساءل الكثير من الناس عن جواز المسح على الجوربين والجرموقين ولذا تكمن
اإلشكالية في مدى مشروعية المسح على الجوربين والجرموقين وما شروط المسح
عليهما؟ وما المدة التي يجوز المسح فيها عليهما؟
حدود البحث:
األحكام الشرعية المتعلقة بأحكام المسح على الجوربين والجرموقين.
المنهج المتبع في البحث:
لقد سلكت في بحثي المنهج االستقرائي واالستنباطي ،حيث أتتبع كل ما يتعلق
بأحكام المسح على الجوربين والجرموقين من خالل النظر في كتب الفقه وما ورد
فيها من أحكام المسح على الجوربين والجرموقين ،وأذكر أقوال الفقهاء في كل
مسألة وأتبعها بما تيسر من األدلة ومناقشتها والراجح منها.
وقد اقتصرت في بحثي على المذاهب الفقهية المشهورة والمعتبرة في الخالفات
الفقهية.
خطة البحث:
مت البحث إلى مقدمة ومبحثين ،وتشمل المقدمة الحمد والثناء على الله
لقد قس ُ
تعالى والصالة والسالم على رسوله صلى الله عليه وسلم ،وأسباب اختيار البحث
وأهميته ،وأهدافه ،وإشكالية البحث وحدوده والمنهج المتبع فيه.
ويشمل المبحث األول:
تعريف الجورب.
944
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
أدلة المجوزين.
أدلة المانعين.
مناقشة األدلة.
المبحث الثاني:
تعريف الجرموق في اللغة والشرع.
أدلة المجوزين.
أدلة المانعين.
944
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
949
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
( )1يسمى في عرف أهل مصر ُشرابا بضم الشين المعجمة .منح الجليل 734/7:وفي عرف أهل ليبيا،
يعرف بالشخشير.
( )2نيل األوطار من أحاديث سيد األخيار شرح منتقى األخبار :محمد بن علي بن محمد
الشوكاني.226/7:
( )3شرح الزركشي على مختصر الخرقي :محمد بن عبد الله الزركشي.777/7:
( )4شرح منتهى اإلرادات ،المسمى دقائق أولي النُّهى لشرح المنتهى :منصور بن يونس بن إدريس
البهوتي ،67/7:وكشاف القناع على متن اإلقناع.777/7:
( )5سنن أبي داود.25/7:
( )6المسح على الجوربين :محمد جمال الدين القاسمي.66/7:
944
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
()1
إلى بعض من سميناهم فعل المسح على الم َحلى
وقد أسند ابن حزم في ُ
الجوربين فقد روى أَيضا عن عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسهل بن
سعد وعمر وبن حريث ،وعن سعيد بن جبير ونافع مولى بن عمر فهم عمر وعلى
وعبد الله بن عمرو وأبو مسعود والبراء ابن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وابن
مسعود وسعد وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ال يعرف لهم ممن يجيز المسح
على الخفين من الصحابة رضي الله عنهم مخالف.
قال القاسمي ( :)2بعد ذكره لكثير من اآلثار بأن هذه اآلثار أخرجها عبد الرزاق في
" المصنف رقم" 722 - 727 - 775 -773 -746" :
وابن أبي شيبة أيضا في المصنف ،والبيهقي ،وكثير من أسانيدها صحيح عنهم.
وبعضهم له أكثر من طريق واحد ومن ذلك طريق قتادة عن أنس "أنه كان يمسح
على الجوربين مثل الخفين" .وسنده صحيح .رواه عبد الرزاق (.)3
()4
مختصرا .وعندهما من طريق يحيى البكاء قال :سمعت وهو عند ابن أبي شيبة
ابن عمر يقول :المسح على الجوربين ،كالمسح على الخفين (.)5
وتلقى نافع ذلك عنه فقال :هما بمنزلة الخفين .أخرجه ابن أبي شيبة بسند
حسن عنه (.)6
وكذلك قال إبراهيم النخعي .أخرجه بسند صحيح عنه (.)1
المحلى.26/2:
(ُ )1
( )2المسح على الجوربين :محمد جمال الدين القاسمي.62/7:
( )3المصنف -222/7:كتاب الطهارة -باب المسح على الجوربين -حديث.775:
( )4المصنف :البن أبي شيبة.276/7:
( )5المصنف :البن أبي شيبة.277/7:
( )6المصنف :البن أبي شيبة.277/7:
944
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
قلت :فبعد ثبوت المسح على الجوربين عن الصحابة رضي الله عنهم :أفال يجوز
لنا أن نقول فيمن رغب عنه ما قاله إبراهيم هذا في مسحهم على الخفين:
" فمن ترك ذلك رغبة عنه فإنما هو من الشيطان "
بإسناد صحيح عنه (.)3 ()2
رواه ابن أبي شيبة
قال النووي في شرح المهذب ( :)4وحكى أصحابنا " الشافعية " عن عمر وعلي
رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا.
وذكر ابن حزم من التابعين سعيد بن المسيب وعطاء وابراهيم النخعي واالعمش
وخالس بن عمرو وسعيد بن جبير ونافع مولى ابن عمر ،وهو قول سفيان الثوري
والحسن بن حي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبى ثور وأحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه وداود ابن علي وغيرهم.
وروى ابن حزم عن قتادة عن سعيد بن المسيب الجوربان بمنزلة الخفين في المسح،
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء نمسح على الجوربين؟ قال نعم امسحوا
عليهما مثل الخفين.
وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي :أنه كان ال يرى بالمسح على
الجوربين بأسا.
وعن أبي نعيم الفضل بن دكين قال :سمعت األعمش سئل عن الجوربين أيمسح
عليهما من بات فيهما؟ قال نعم،
وع ن قتادة عن الحسن وخالس بن عمر أنهما كانا يريان الجوربين في المسح بمنزلة
الخفين (.)1
المحلى.26/2:
(ُ )1
( )2بداية المجتهد.22،75/7:
( )3بدائع الصنائع.72/7:
948
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
إال أنه رجع إلى قول الصاحبين في آخر عمره ،ومسح على جوربيه في مرضه،
لعواده :فعلت ماكنت أمنع الناس عنه ،فاستدلوا به على رجوعه.
وقال ُ
وقال الصاحبان :يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين ،ال يشفان (ال يرى ما
وراءهما)؛ ألن النبي صلى الله عليه وسلم "مسح على الجوربين والنعلين" (،)1
وألنه يمكن المشي في الجورب إذا كان ثخينا ،كجوارب الصوف اليوم.
والمفتى به في المذهب الحنفي :هو جواز المسح على الجوربين الثخينين ،بحيث
يمشي عليهما فرسخا فأكثر ،ويثبت على الساق بنفسه ،وال يرى ما تحته وال يشف.
القول الثاني :قال المالكية ( :)2ال يجوز المسح على الجوربين إال أن يكونا مجلدين
ظاهرهما وباطنهما ،حتى يمكن المشي فيهما عادة ،فيصيران مثل الخف وهو ما
قال به أبو حنيفة ،وهو محمل أحاديث المسح على الجوربين.
وأما الجورب الم صنوع من القماش ،أو القطن ،أو الكتان ،أو الصوف فال يجوز
المسح عليه عند المالكية.
القول الثالث :قال الشافعية ( :)3بجواز المسح على الجورب بشرطين:
أحدهما :أن يكون صفيقا ال يشف بحيث يمكن متابعة المشي عليه.
والثاني :أن يكون منعال .وهذا نص الشافعي ،فإن اختل أحد الشرطين لم يجز
المسح عليه ،ألنه ال يمكن متابعة المشي عليه حينئذ ،كالخرقة ،كما قال أصحابنا.
ونقل المزني أنه ال يمسح على الجوربين إال أن يكونا مجلدي القدمين.
( )1سنننن الترمننذي -767/7:أبنواب الطهننارة -بنناب المسننح علننى الجننوربين والنعلننين -حننديث ،55:وسنننن أبنني
داود -25/7:كتاب الطهارة -باب المسح على الجوربين -حديث.765:
قال األلباني :صحيح ،قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح ،وقال أبوداود :وروي هذا عن أبي موسى
وليس بالمتصل وال بالقوي.
( )2مواهب الجليل.372/7:
( )3المجموع.664/7:
944
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
وقال القاضي أبو الطيب :ال يجوز المسح على الجورب إال أن يكون سات ار لمحل
الفرض ويمكن متابعة ال مشي عليه .قال :وما نقله المزني من قوله إال أن يكونا
مجلدي القدمين ليس بشرط وإنما ذكره الشافعي؛ ألن الغالب أن الجورب ال يمكن
متابعة المشي عليه إال إذا كان مجلد القدمين ،هذا كالم القاضي أبي الطيب
وذكر جماعات من المحققين مثله.
وهناك وجه يقول :أنه ال يجوز المسح وإن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه
حتى يكون مجلد القدمين ،والصحيح ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات
من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإال فال.
القول الرابع :قال الحنابلة ( :)1بجواز المسح على الجورب بشرطين وهما:
األول :أن يكون صفيقا ال يبدو منه شيء من القدم.
الثاني :أن يمكن متابعة المشي فيه ،وأن يثبت بنفسه.
ويجوز المسح على الخف وإن كان غير مجلد ،أو منعل ،أو كان من خرق،
وأمكنت متابعة المشي فيه.
القول الخامس :قال الظاهرية ( :)2المسح على كل ما لبس في الرجلين مما يحل
لباسه مما يبلغ فوق الكعبين سنة سواء كانا خفين من جلود أو لبود أو عود أو
حلفاء أو جوربين من كتان أو صوف أو قطن أو وبر أو شعر كان عليهما جلد أو
لم يكن أو جرموقين أو خفين على خفين أو جوربين على جوربين أو ما كثر من
ذلك.
قال في موضع آخر ( :)3اشتراط التجليد خطأ ال معنى له ،ألنه لم يأت به قرآن وال
سنة وال قياس وال قول صاحب ،والمنع من المسح على الجوربين خطأ ألنه خالف
السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وخالف اآلثار ،ولم يخص
صلى الله عليه وسلم في األخبار التي ذكرنا خفين من غيرهم.
أدلة المجوزين:
ِ
المجوزون بعدة أدلة وهي: استدل
إن مأخذ مسح الجوربين من الكتاب العزيز قد ورد في آيات كثيرة:
اكم َعن ُه َفانتَ ُهوا َواتُقوا وه َو َما َن َه ُ
ول َف ُخ ُذ ُ
اك ُم الرُس ُ الدليل األول :قوله تعالىَ :و َما آتَ ُ
الل َه ِإن الل َه َش ِد ُيد ال ِعَق ِ
اب.)1(
ول الل ِه أُس َوٌة َح َسَن ٌة.)2( ان َل ُكم ِفي رس ِ
َُ الدليل الثاني :قوله تعالىَ :لَقد َك َ
الدليل الثالث :قوله تعالىُ :قل ِإن ُكنتُم تُ ِحبُّو َن الل َه َفاتِب ُعوِني ُيحِبب ُك ُم الل ُه َوَيغ ِفر َل ُكم
يم.)3( ِ
ور َرح ٌ وب ُكم َوالل ُه َغُف ٌ
ُذُن َ
ول.)4( ِ ِ الدليل الرابع :قوله تعالى :يا أَي ِ
يعوا الرُس َ يعوا الل َه َوأَط ُآمُنوا أَط ُ ين َ ُّها الذ ََ َ
ونظائرها مما ال يحصى (.)5
وجه الداللة من النصوص :إن الله تبارك وتعالى بين للمسلمين بأن لهم في رسول
الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة كما أمرهم بإتباعه وطاعته في شؤون حياتهم،
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم مما صح المسح على الجوربين.
الدليل الخامس :حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "
توضأ ومسح على الجوربين والنعلين" (.)1
الدليل السادس :عن أبي موسى األشعري -رضي الله عنه -أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم "توضأ ومسح على الجوربين والنعلين" (.)2
الدليل الثالث :أنه يمكن متابعة المشي في الجورب إذا كان ثخينا ،كجوارب الصوف
اليوم (.)3
الدليل السابع :ما روي من إباحة المسح على الجوربين عن عدد كثير من الصحابة
والتابعين ،كعلي وعمار ،وابن مسعود ،وأنس ،وابن عمر ،والبراء ،وبالل ،وابن أبي
أوفى ،وسهل بن سعد -رضي الله عنهم ،-وبه قال جماعة من مشاهير التابعين،
كعطاء والحسن البصري وسعيد بن المسيب وابن جبير والنخعي والثوري ،وغيرهم
مما تم ذكرهم سابقا (.)4
الدليل الثامن :استدل القائلون بأن الجورب إن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه
ساتر لمحل الفرض
جاز المسح وإال فال ،بأنه ملبوس ،ويمكن متابعة المشي عليه ،و ا
فأشبه الخف ،وال بأس بكونه من جلد أو غيره بخالف النعل فإنه ال يستر محل
الفرض (.)5
( )1سنننن الترمننذي -767/7:أبنواب الطهننارة -بنناب المسننح علننى الجننوربين والنعلننين -حننديث ،55:وسنننن أبنني
داود -25/7:كتاب الطهارة -باب المسح على الجوربين -حديث.765:
قال األلباني :صحيح ،قال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح ،وقال أبوداود :وروي هذا عن أبي موسى
وليس بالمتصل وال بالقوي.
( )2سنن ابن ماجة -26/7:كتاب الطهارة -باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين-حديث،662:
وسنن أبي داود - 25/7:كتاب الطهارة -باب المسح على الجوربين -حديث .765:قال األلباني :صحيح،
وقال أبوداود :ليس بالمتصل وال بالقوي.
( )3بدائع الصنائع.72/7:
( )4المغني ،333/7:والشرح الكبير ،745/7:والمبدع ،736/7:والروض المربع.32/7:
( )5المجموع.664/7:
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
الدليل التاسع :ألن الجواز في الخف لدفع الحرج لما يلحقه من المشقة بالنزع وهذا
المعنى موجود في الجورب بخالف اللفافة والمكعب ألنه ال مشقة في نزعهما (.)1
الدليل العاشر :ألن الجورب ساتر لمحل الفرض يثبت في القدم فجاز المسح عليه
كالنعل (.)2
أدلة المانعين:
استدل المانعون بما يأتي:
الدليل األول :استدل أبو حنيفة لقوله بأن جواز المسح على الخفين ثبت نصا،
بخالف القياس ،فكل ما كان في معنى الخف في إدمان المشي عليه ،وإمكان قطع
السفر به ،يلحق به ،وما ال ،فال ومعلوم أن غير المجلد ،والمنعل ،من الجوارب ال
يشارك الخف في هذا المعنى ،فتعذر اإللحاق ،على أن شرع المسح إن ثبت
للترفيه ،لكن الحاجة إلى الترفيه ،فيما يغلب لبسه ،ولبس الجوارب مما ال يغلب ،فال
حاجة فيها إلى الترفيه ،فبقي أصل الواجب بالكتاب ،وهو غسل الرجلين (.)3
الدليل الثاني :أنه ال يمكن متابعة المشي عليه فلم يجز المسح عليه ،كالخرقة.
الدليل الثالث :أن الجورب ال يسمى خفا فلم يجز المسح عليه ،كالنعل (.)4
مناقشة أدلة المجوزين:
نوقش حديث المغيرة من أوجه أحدها :أنه ضعيف ضعفه الحفاظ ،وقد ضعفه
البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن
المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج وهؤالء هم أعالم أئمة الحديث ( ،)1وإن
كان الترمذي قال :حديث حسن فهؤالء مقدمون عليه بل كل واحد من هؤالء لو
انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة.
الثاني :لو صح لحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين األدلة وليس
في اللفظ عموم يتعلق به.
الثالث :حكاه البيهقي عن أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على
جوربين منعلين ال أنه جورب منفرد ونعل منفردة ،فكأنه قال :مسح جوربيه المنعلين،
وروى البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما يدل على ذلك (.)2
ِّ
المجوزين عن هذه المناقشة بعدة وجوه ذكرها القاسمي وهي: وأجاب
األول :أن تضعيفه بما ذكر يعارضه تصحيح الترمذي له فقد قال بعد تخريجه له
في سننه :هذا حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم.
وتصحيح الترمذي مقدم على تضعيف غيره؛ ألن الترمذي من الطبقة التي تأخرت
عن تلك ووقفت على كل ما قيل فيه ورأت أن الحق في تصحيحه وكذا صححه ابن
حبان وهو ممن استق أر وسبر أيضا.
الثاني :وهو جوابنا عن دعوى شذوذه علما أن الشذوذ مختلف في معناه وأنه ليس
بعلة على اإلطالق وال بمتفق عليها.
توضيحه أن السيوطي قال في حد الصحيح" :وهو ما اتصل إسناده بالعدول
الضابطين من غير شذوذ وال علة"
ما مثاله :قيل لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثالثة أقوال:
أحدها :مخالفة الثقة ألرجح منه.
( )1السنن الكبرى :للبيهقي - 224،223/7:الطهارة -باب ما ورد في الجوربين والنعلين -حديث.7262:
( )2المجموع.666/7:
449
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
وذكر في موضع آخر :أن حديث الجوربين قد تلقاه بالقبول أبو حنيفة والشافعية
وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود الظاهري وابن حزم وهؤالء كلهم أئمة الفقه واالجتهاد
وجميعهم احتج به في الفقه المدون عنه.
فقد اجتمع في حديث الجوربين الصحتان معا :صحته من حيث السند كما صرح به
الترمذي وابن حبان وكما حققناه من درء الشذوذ المزعوم فيه وصحته من غير السند
وهي األمور التي سردت اآلن ومتى صح الحديث فليس إال السمع والطاعة (.)1
لح ِمل على الذي يمكن متابعة المشي عليهوأجيب عن الوجه الثاني القائل :لو صح ُ
جمعا بين األدلة وليس في اللفظ عموم يتعلق به بما يأتي:
وأما قول النووي :إنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين
األدلة ،فمطلوب البيان من جهة الجورب ،فأين الدليل على اشتراط أن يمكن تتابع
المشي عليه فيه؟
ومعلوم أن الجورب غير الخف ولكل حكمه وإذا أطلق الدليل في األصول فال
ينصرف إال إلى الكتاب والسنة وما رجع إليهما وال تعارض إال بين دليلين متكافئين
وهناك يلتمس الجمع وإال فإن المدار على األقوى فاألقوى اتفاقا وليس في الباب إال
إطالق الجوربين وعموم التساخين في حديثهما.
وأما قوله :وليس في اللفظ عموم يتعلق به فيقال فيه :هذا إشارة إلى ما ذكر في
األصول من أن الفعل المثبت ال عموم له فحكايته ال تقتضي العموم ال لألقسام وال
لجهات الوضع وال لألزمان ،إال أن هذا على مذهب من لم يقل بعموم المشترك وال
بعموم جهات الوضع فأما من ذهب إلى العموم فيهما فقد ذهب إلى العموم فيه.
وأجيب عن الوجه الثالث وهو حمله على أنه مسح جوربين منعلين بأن هذا الحمل
( )1الجوهر النقي في الرد على البيهقي :عالء الدين بن علي بن عثمان المارديني ،الشهير بابن
التركماني ،224/7:والمسح على الجوربين :محمد جمال الدين القاسمي ،33/7:وما بعدها.
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
مردود؛ ألن ال حديث ورد بعطف النعلين على الجوربين وهو يقتضي المغايرة فلفظه
مخالف لهذا التأويل وكون أنس مسح على جوربين منعلين ال يلزم منه أن يكون
النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك ،فال يدل فعل أنس على تأويل الحديث بما
ال يحتمله لفظه (.)1
وفي تخصيص جواز المسح على الجورب بوجود النعل قصر للدليل" ،أي الحديث"
والداللة عن مقتضاه من غير سبب (.)2
ونوقش حديث أبي موسى من األوجه الثالثة فإن في بعض رواته ضعفا ،وفيه
أيضا إرسال ،قال أبو داود في سننه :هذا الحديث ليس بالمتصل وال بالقوي.
وليس بالمتصل؛ ألنه من رواية الضحاك ابن عبد الرحمن عن أبي موسى ولم
يثبت سماعه منه.
وال بالقوي؛ ألنه من رواية عيسى بن سنان عن الضحاك وقد ضعفه أحمد وابن
معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم.
وقال الحافظ ابن حجر :حديث أبي موسى الذي أشار إليه أبو داود أخرجه ابن
ماجة وفي إسناده ضعف وانقطاع كما قال أبو داود (.)3
والجواب عن ذلك من "الجوهر النقي" من أن التضعيف بعدم ثبوت سماع عيسى
ابن سنان من أبي موسى هو على مذهب من يشترط لالتصال ثبوت السماع .قال:
ثم هو معارض بما ذكره عبد الغني فإنه قال في الكمال :سمع الضحاك من
أبي موسى .قال :وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره .وقد أخرج الترمذي في
الجنائز حديثا في سنده عيسى بن سنان هذا .وحسنه.
وقال الذهبي في الميزان :هو -أي ابن سنان -ممن يكتب حديثه .قال :وقواه
بعضهم ،وقال العجلي :ال بأس به وبالجملة وإن وجد من ضعفه فقد وجد من وثقه
ومن األئمة من ال يترك حديث المضعف حتى يجمعوا على تركه .وال يقال إن
الجمهور على أن الجرح مقدم على التعديل ألنه مقيد بأن يكون الجرح مفس ار ال
مج مال وبأن يبنى على أمر مجزوم به ال بطريق اجتهادي كما قاله اإلمام ابن دقيق
العيد ونقله عنه السيوطي (.)1
فالمسألة تحتاج إلى دقة فإنها ليست على إطالقها كما وهم ،ومع ذلك فقد يتأيد
الحديث ويعضد بأن يروى من وجه آخر بلفظه أو معناه ،وقد وجد مروي أبي
موسى هذا بلفظه أو معناه ،وقد وجد مروي أبي موسى هذا بلفظه في حديث المغيرة
وبمعناه في حديث ثوبان في التساخين فأصبح من الحسن لغيره وهو كالحسن لذاته
وكالهما يعمل به ويحتج بمقتضاه.
وبالجملة فمهما أعلت هذه األحاديث بما أعلت به من انقطاع أو شذوذ فقد تبين
بما برهنا عليه أن من ها الصحيح لذاته على قول الترمذي كما تقدم ومنها الصحيح
لغيره .وقد نبه في األصول على أن الحديث المعلل إذا عضده ضعيف أو قول
صحابي أو فعله أو قول األكثر من العلماء أو قياس أو انتشار له من غير نكير أو
عمل أهل العصر على وفقه كان المجموع حجة ()2؛ ألنه يحصل من اجتماع
الضعفين قوة مفيدة للظن ومن الشائع ضعيفان يغلبان قويا (.)3
( )1التدريب.773/7:
( )2الجوهر النقي :عالء الدين بن علي بن عثمان المارديني ،الشهير بابن التركماني
،224/7:والمسح على الجوربين :محمد جمال الدين القاسمي.67/7:
( )3شرح جمع الجوامع :البن السبكي.67،66/2:
448
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
وقال ابن حزم ( :)1والمنع من المسح على الجوربين خطأ؛ ألنه خالف السنة الثابتة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وخالف اآلثار ،ولم يخص صلى الله عليه
وسلم في األخبار التي ذكرنا خفين من غيرهم.
الترجيح:
الرأي الراجح بعد عرض اآلراء ومناقشة ما أمكن مناقشته هو رأي القائلين بجواز
المسح على الجوربين ،وهم الحنابلة والصاحبان ،وذلك لقوة أدلتهم وسالمتها من
المناقشة ،وهو األولى بالقبول لما في المسح من التيسير على المسلم؛ تماشيا مع
يسر الشريعة ،وألن المنع من المسح على الجوربين خطأ؛ ألنه خالف السنة الثابتة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وخالف اآلثار ِِالتي رويت عن كثير من
الصحابة والتابعين ،إال أنني أرى في جوازه أن يكون مشروطا بكونه صفيقا ،ال
ساتر لمحل الفرض؛ لما نراه من
ا يشف بحيث يمكن متابعة المشي عليه ،وأن يكون
بعض الشباب اليوم من ارتدائهم لبعض الجوارب التي ال تستر محل الفرض حيث
ال تتجاوز الكعبين ويمسحون عليها ظنا منهم بأن ذلك جائز ،وأن يكون ثخينا حتى
يمنع وصول الماء عند المسح عليه ،كما اشترطه كثير من الفقهاء ،وأن يكون
المسح عند الضرورة ،كشدة برد ،أو مرض ،أو في سفر؛ ألن المسح رخصة أجيزت
للضرورة والضرورة تقدر بقدرها ،والله أعلم.
الجْرُموقين:
المبحث الثاني :حكم المسح على ُ
تعريف الجرموق في اللغة :مفرد جراميق ،ومادته "موق" وهو معرب ،ألن الجيم
والقاف ال يجتمعان في كلمة من كالم العرب إال أن يكون معربا ،أو حكاية صوت،
نحو الجردقة :وهي الرغيف.
المحلى.27/2:
(ُ )1
414
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
قال النووي :ليس الجرموق مطلق الخف فوق الخف ،بل هو شيء يشبه الخف
يلبس فوق الخف في البالد الباردة.
والجرموق :الخف القصير يلبس فوق خف ،وذلك لحفظه من الطين ،وغيره،
ويقال له :الموق ،وليس غيره.
وفي إطالق الفقهاء :هو الخف فوق الخف ،ألن الحكم في المسح عليه يتعلق بخف
فوق خف (.)1
والموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب والموق نوع من ِ
الخفاف ُ ُ ُ
()2
والجمع أَمواق .
وقال األحناف :الموق خف قصير يلبس فوق الخف وهو فارسي معرب ثم ألحقه
بخف ذي طاقين (.)3
( )1القاموس الفقهي :سعدي أبو جيب ،67،62/7:وحاشية ابن عابدين ،262/7:والفقه اإلسالمي
وأدلته.426/7:
( )2لسان العرب ،362/7:مادة موق.
( )3شرح فتح القدير.766/7:
( )4بداية المجتهد.22/7:
411
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
القول األول :قال الحنفية ( :)1يجزئ المسح على الجرموق فوق الخف ،وكذا قال
المالكية.
استدلوا لقولهم ،أوال :بما ُروي عن بالل -رضي الله عنه -أنه قال" :رأيت النبي-
صلى الله عليه وسلم -يمسح على الموقين والخمار " (.)2
والخمار المراد به العمامة.
(.)3
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال" :رأيت رسول الله يمسح على الموقين"
ثانيا :ألنه تبع للخف استعماال من حيث المشي والقيام والقعود وغرضا فإن الخف
للرجل فكذا الجرموق وقاية للخف تبعا له وكالهما تبع ِ
للرجل فصار كخف وقاية ِ
ذي طاقين ،وهو بدل عن ِ
الرجل ال عن الخف ال يقال كيف بطل المسح بنزع
الجرموق
ولم يبطل بنزع أحد طاقي الخف ألنا نقول بالمسح ظهرت أصالة الجرموق فصار
نزعه كنزع الخف بخالف نزع أحد طاقي الخف؛ ألنه جزء من الخف لم يأخذ
األصالة أصال كما إذا غسل رجليه ثم أزال جلدها لم يجب عليه غسلها ثانيا ،ال
يقال أيضا لو كان بدال عن ِ
الرجل لكان ينبغي أن ال يجوز المسح على الخف
بنزعه؛ ألنا نقول الخف لم يكن محال للمسح حال قيام الجرموق فإذا زال صار
محال للمسح.
( )1الكرباس هو كل ما نسج من القطن ،هو فارسي معرب .تاج العروس ،732/76:والنهاية في غريب
األثر ،227/4:ولسان العرب.756/6:
414
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
( )1البحر الرائق ،725/7:وشرح فتح القدير766،766/7:ن وتبيين الحقائق ،62،67/7:واللباب في شرح
الكتاب.27/7:
( )2الكافي :البن عبد البر ،772/7:والشرح الكبير ،746/7:ومواهب الجليل،375/7:
والتاج واإلكليل.375/7:
( )3التلقين.72/7:
( )4المهن ن ن ننذب ،27/7:والمجمن ن ن ننوع ،665/7 :وشن ن ن ننرح الن ن ن ننوجيز ،324/2:روضن ن ن ننة الطن ن ن ننالبين ،43/7:وحلين ن ن ننة
العلماء.736،736/7:
419
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
والثاني ،وهو الذي نص عليه في القديم ،أنه يجوز المسح عليه ،ألنه خف صحيح
يمكن متابعة المشي عليه فأشبه المنفرد ،وهو مذهب المزني.
وقال الشافعية :ال يجزئ في األظهر االقتصار في المسح على الخف األعلى من
الجرموقين (وهما خف فوق خف ،كل منهما صالح للمسح عليه)؛ ألن الرخصة
وردت في الخف لعموم الحاجة إليه ،والجرموق ال تدعو الحاجة إليه ،أي أنه ال بد
من مسح األعلى واألسفل.
واحتج المزني بأن قال" :إنما جاز المسح على الخف ِمرفقا للمتردد في سفره وفي
المسح على الجرموقين َمرفق ظاهر".
فنقول :هذا ِ
المرفق تمس الحاجة إليه نادرا ،فكان كالقفازين؛ فإن المسافر تشتد
حاجته إليهما في شدة البرد ،ثم ال يمسح عليهما .وأما الخف ،فالحاجة إليه عامة
ومسح
ُ ظاهرة ،في حق المقيم والمسافر ،ثم ال يعسر إدخال اليد تحت الجرموق
وغسل الرجل في الخف عسر جدا (.)1
ُ الخف،
ورجح النووي القول بالجواز فقال" :واألصح من الوجهين المذكورين الجواز" (.)2
وقال الغزالي" :األولى إن لبس الجرموق على طهارة كاملة فله المسح عليه" (.)3
القول الرابع :قال الحنابلة ( :)4وإن لبس خفا على طهارة ثم لبس فوقه آخر
أو جرموق ا قبل أن يحدث جاز المسح على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحا،
أو مخرقا؛ ألنه خف صحيح يمكن متابعة المشي فيه لبسه على طهارة كاملة أشبه
المنفرد ،وإن لبس الثاني بعد الحدث لم يجز المسح عليه؛ ألنه لبسه على غير
طهارة ،وإن مسح األول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه؛ ألن المسح لم يزل
الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا
فالمنصوص جواز المسح؛ ألن القدم لم يستر بخف صحيح وقال بعض أصحابنا ال
يجوز؛ ألن الحكم تعلق بالفوقاني فاعتبرت صحته كالمنفرد.
القول الخامس :يرى الظاهرية بجواز المسح على كل ما لبس في ِ
الرجلين مما يحل
لباسه مما يبلغ فوق الكعبين سنة سواء كانا خفين من جلود أو لبود أو عود أو
حلفاء أو جوربين من كتان أو صوف أو قطن أو وبر أو شعر كان عليهما جلد أو
لم يكن أو جرموقين أو خفين على خفين أو جوربين على جوربين أو ما كثر من
ذلك (.)1
خالصة مذاهب الفقهاء في المسح على الجرموقين تتلخص في مذهبين:
األول :قال بمنع المسح على الجرموقين ،وهي إحدى روايتي مالك والشافعي في
الجديد.
والثاني :قال بجواز المسح على الجرموقين ،هو قول الثوري ،وأبو حنيفة ،وأحمد،
وداود الظاهري ،والمزني ،وجمهور العلماء.
مناقشة أدلة المانعين:
ناقش المجوزون ما قاله الشافعي؛ ألن الحاجة ال تدعو إلى لبسه في الغالب فال
يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة.
ولنا :أنه خف سات ر يمكن متابعة المشي فيه أشبه المفرد وكما لو كان الذي تحته
مخرقا وقوله :الحاجة ال تدعو إليه ممنوع فإن البالد الباردة ال يكفي فيها خف واحد
غالبا ولو سلمنا ذلك ولكن الحاجة معتبرة بدليلها ،وهو االقدام على اللبس ال بنفسها
فهو كالخف الواحد
المحلى.22/2:
(ُ )1
414
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
وقوله :فال يتعلق به رخصة عامة كالجبيرة لم يستقم ،فإن الجبيرة تتعلق بها رخصة
وهي الخاصة في حق الكسير ،وإلحاقه على هذا القول بالقفازين أولى من إلحاقه
بالجبيرة التي هي من باب الضرورات (.)1
وقوله المسح عليه بدل عن المسح على الخف ،ممنوع ،بل كل واحد منهما بدل عن
الغسل ،قائم مقامه ،إال إنه إذا نزع الجرموق ال يجب غسل الرجلين ،لوجود شيء
آخر ،وهو بدل عن الغسل ،قائم مقامه ،وهو الخف (.)2
مناقشة أدلة المجوزين:
ناقش المانعون أدلة المجوزين على النحو اآلتي:
قال المانعون :إن الموق هو الخف ال الجرموق ،وهذا هو الصحيح المعروف في
كتب أهل الحديث وغريبه ،وهذا متعين ألوجه :أحدها :أنه اسمه عند أهل اللسان.
والثاني :أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان له جرموقان مع أنهم نقلوا جميع
آالته صلى الله عليه وسلم.
والثالث :أن الحجاز ال يحتاج فيه إلى الجرموقين فيبعد لبسه (.)3
وأجيب عن هذا بأن ما ذكره النووي من أن الموق هو الخف مخالف لما ذكره أهل
اللغة ،كالجوهري والمطرزي فإنهما قاال :إن الجرموق والموق يلبسان فوق الخف
فعلم أنهما غير الخف (.)4
وعارض المانعون أقيسة المجوزين وأجابوا عنها من خالل ردهم على المانعين.
الترجيح:
ا لرأي الراجح بعد عرض األقوال وأدلة كل قول ومناقشتها والرد عليها هو القائل
بجواز المسح على الجرموقين إذا تحققت شروط المسح التي ذكرها األحناف؛ ألن
كثير من البالد الباردة
الحاجة تدعو إلى المسح قياسا على الجوربين ،وكما بينوا أن ا
ال يكفي فيها ارتداء خف واحد غالبا.
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته وفضله تتم الصالحات ،والصالة والسالم على أشرف البرايا
نبينا محمد الذي جاء بختام الرساالت وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه
ونهجه إلى يوم الدين.
وبعد ...
فقد انتهيت من هذا البحث المتواضع والذي أسأل الله أن أكون قد وفقت فيه ،وقد
خلصت منه ببعض النتائج ،وهذه أهمها:
اتفق الفقهاء على جواز المسح على الجوربين إذا كانا مجلدين أو منعلين ،واختلفوا
في الجوربين العاديين.
اشترط المجوزون لصحة المسح على الجوربين والجرموقين شروطا عديدة قد تم
ذكرها عند عرض أدلتهم.
إن المسح على الجوربين للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثالثة أيام على الراجح.
يسر الشريعة اإلسالمية ومراعاتها لرفع الحرج عن المسلمين حيث رخصت للمكسور
والمجروح ومن به قروح المسح على الجبيرة وكذا المسح على الجوربين والجرموقين لشدة
البرد وهذا ما تم ترجيحه من أقوال الفقهاء.
أهم التوصيات:
418
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
على المسلم أن يعلم أن رحمة الله واسعة وفضله واسع فقد يسر على عباده في كل ما
يشق عليهم وأمرهم أن يأخذوا برخص الشرع دون حرج وأال يعرضوا أنفسهم للضرر
والهالك.
على المسلم أن يعلم أن الطهارة من أهم أمور دينه ،فيجب عليه أن يسأل عن كل ما
يتعلق بها من أحكام كالمسح وغيره.
على المسلم أن يعلم أن المسح على الجوربين رخصة يأخذ بها عند الضرورة فقط فال
تيسير على
ا يترك األصل إال عند وجود هذه الضرورة؛ ألن المسح على الجوربين شرع
المسلمين ،وخاصة في وقت الشتاء والبرد ،وفي السفر ،وألصحاب األعمال الدائمة.
414
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
االختيار لتعليل المختار :عبد الله بن محمد بن مودو -تحقيق :عبد اللطيف محمد
عبد الرحمن -دار الكتب العلمية -بيروت -لبنان -الطبعة الثالثة7426 -هن-
2223م.
االختيارات الفقهية :أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت722 :هن) ،تحقيق:
محمد بن عباس البعلي الدمشقي -دار المعرفة -بيروت -لبنان7357 -هن.
اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع :محمد الشربيني الخطيب -تحقيق مكتب البحوث
والدراسات -دار الفكر -بيروت7476 -ه.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق :زين الدين ابن نجيم الحنفي (526هن 572 -هن) -
الناشر دار المعرفة -مكان النشر بيروت.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :عالء الدين الكاساني -دار الكتاب العربي-
7522م.
تاج العروس من جواهر القاموس :محمد بن محمد عبد الرزاق الحسيني ،الملقب
بمرتضي الزبيدي (7226-7746هن) -تحقيق :مجموعة من المحققين -دار
الهداية.
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
التاج واإلكليل لمختصر خليل :محمد بن يوسف العبدري (ت257 :هن) -دار
الفكر -بيروت -لبنان7352-ه.
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق :فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي -دار
الكتاب اإلسالمي -القاهرة7373 -هن.
التلقين في الفقه المالكي :عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي المالكي (ت:
362هن) -تحقيق :محمد ثالث سعيد الغاني -المكتبة التجارية -مكة المكرمة-
7476هن .
الجوهر النقي في الرد على البيهقي :عالء الدين بن علي بن عثمان المارديني،
الشهير بابن التركماني -مصدر الكتاب :موقع يعسوب
حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء :سيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد
الشاشي القفال :سنة الوفاة 627ه -تحقيق :ياسين أحمد إبراهيم درادكة -مؤسسة
الرسالة -دار األرقم -سنة النشر 7522م -بيروت -عمان.
الدر المختار شرح تنوير األبصار وجامع البحار :محمد بن علي بن محمد بن عبد
الرحمن الحصكفي الحنفي (ت7222 :هن) -دار الفكر -بيروت -لبنان7326 -هن.
441
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
الروض المربع شرح زاد المستقنع :منصور يونس البهوتي( :ت7267 :هن)-
تحقيق :سعيد اللحام -دار الفكر -بيروت -لبنان.
روضة الطالبين وعمدة المفتين :أبو زكريا يحيى بن شرف النووي -المكتب
اإلسالمي -بيروت -لبنان7426 -هن.
سنن ابن ماجة :محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني -تحقيق :محمد فؤاد عبد
الباقي -دار الفكر بيروت .مذيل بأحكام األلباني على األحاديث.
سنن أبي داود :سليمان بن األشعث أبو داود السجستاني األزدي -دار الفكر-
بيروت -لبنان -تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد -تعليق :كمال يوسف
الحوت ،ومذيل بأحكام األلباني على األحاديث.
سنن الترمذي :محمد بن عيسي الترمذي السلمي -دار إحياء التراث العربي-
بيروت -لبنان -تحقيق :أحمد محمد شاكر وآخرين -تعليق :محمد ابن ناصر الدين
األلباني -مطبعة مصطفى البابي الحلبي -مصر.
السنن الكبرى :أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ط ،7مطبعة مجلس دائرة
المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن .الهند 7362 .هن الناشر :محمد أمين دمج،
وطبعة :مكتبة الباز -مكة المكرمة7474 -هن7554-م -تحقيق :محمد عبد القادر
عطا.
شن ننرح الخننرشي على مختصر خليل :أبو عبد الله محمد الخرشي ،ط - 2:
المطبعة الكبرى األميرية ببوالق -مصر -سنة 7377هن.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي :محمد بن عبد الله الزركشي -تحقيق :عبد
المنعم خليل إبراهيم -دار الكتب العلمية -بيروت7422 -هن2222-م.
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
الشرح الكبير على متن المقنع :عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة
المقدسي (ت622 :هن) -تحقيق :محمد رشيد رضا -دار الكتاب العربي -بيروت-
لبنان.
الشرح الكبير :أحمد الدردير أبو البركات -تحقيق :محمد عليش -دار الفكر-
بيروت -لبنان.
شرح جمع الجوامع البن السبكي :الجالل شمس الدين محمد بن أحمد المحلي-
وهو شرح المحلي على متن جمع الجوامع لإلمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي
شرح فتح القدير :محمد بن عبد الواحد السيواسي (627 :هن) -دار الفكر-
بيروت.
شرح منتهى اإلرادات المسمى دقائق أولي ُّ
النهى لشرح المنتهى :منصور بن يونس
بن إدريس البهوتي( :ت7267 :هن) -دار عالم الكتب -بيروت7556 -م.
صحيح ابن خزيمة :محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر السلمي النيسابوري-
المكتب اإلسالمي -بيروت 7572 – 7352 ،م -تحقيق :محمد مصطفى
األعظمي -األحاديث مذيلة بأحكام األعظمي واأللباني عليها.
صحيح البخاري :محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي -دار ابن كثير -اليمامة-
بيروت -لبنان -الطبعة الثالثة7427 -هن7527-م -تحقيق :مصطفى ديب البغا.
صحيننح مسلننم بشننرح النووي :محي الدين أبو زكريا يحي بن شرف النووي.
المطبعة المصرية ومكتبتها.
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري -دار إحياء التراث العربي-
بيروت- بيروت -لبنان -تحقيق وتعليق :محمد فؤاد عبد الباقي -دار الجيل-
دار اآلفاق -بيروت.
صحيح وضعيف مسند أبي داود :ناصر الدين األلباني -المصدر :برنامج منظومة
التحقيقات الحديثية المجاني -إنتاج مركز نور اإلسالم ألبحاث القرآن والسنة
باإلسكندرية.
فتننح القننديننر :كمنال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي ،المعروف بابن الهمام
الحنفي .ط .7 :المطبعة الكبرى األميرية ببوالق مصر 7376 ( .هن ).
الفروع وتصحيح الفروع :محمد بن مفلح المقدسي أبو عبد الله762 -777(-ه)-
تحقيق أبو الزهراء حازم القاضي -دار الكتب العلمية -7472 -بيروت.
الفقه اإلسالمي وأدلته :وهبة الزحيلي -دار الفكر -سوريا -دمشق -الطبعة الرابعة.
القاموس الفقهي لغة واصطالحا :سعدي أبو جيب -دار الفكر -دمشق -سوريا-
الطبعة الثانية7422 -هن7552-م.
الكافي في فقه ابن حنبل :عبد الله بن قدامة المقدسي -المكتب اإلسالمي -بيروت.
الكافي في فقه أهل المدينة :أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري
القرطبي -تحقيق :محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني -مكتبة الرياض
449
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
كشاف القناع على متن اإلقناع :منصور بن يونس بن إدريس البهوتي -تحقيق:
هالل مصيلحي مصطفى هالل -دار الفكر -بيروت7422 -هن.
اللباب في شرح الكتاب :عبد الغني الغنيمي الدمشقي -تحقيق :محمود أمين
النواوي -دار الكتاب العربي -بيروت -لبنان.
لسان العرب :محمد بن مكرم بن منظور األفريقي المصري -دار صادر -بيروت-
لبنان -الطبعة األولى.
لنهاية في غريب الحديث واألثر :أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري -المكتبة
العلمية -بيروت 7355 ،هن 7575 -م -تحقيق :طاهر أحمد الزاوى -محمود
محمد الطناحي.
المبدع في شرح المقنع :إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي أبو
إسحاق224 -276 (.ه ) -المكتب اإلسالمي -سنة النشر _7422 -بيروت.
المبسوط :أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي :تحقيق خليل محيي الدين
الميس -دار الفكر -بيروت -لبنان -الطبعة األولى7427 -هن2222-م.
444
العدد ( 52سبتمبر )5255 مجلة العلوم اإلنسانية
المجموع شرح المهذب :أبو زكريا محيي الدين يحيي بن شرف النووي (ت:
676هن) -دار الفكر -بيروت -لبنان7557 -م.
المح ننلى :للح نناف ننظ أبنني محمنند عنلني بننن حننزم األننندلسنني الظنناهري ( ت 466 :هن )
ُ
.تصحين ننح :محمد خليل هراس – مطبعة اإلمام 73شارع قرقول المنشية بالقلعة
بمصر .
المسح على الجوربين :محمد جمال الدين القاسمي -المكتب اإلسالمي – بيروت-
قدم له :أحمد محمد شاكر ،وحققه المحدث ناصر الدين األلباني.
المصنف في األحاديث واآلثار :أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي-
مكتبة الرشد – الرياض -الطبعة األولى 7425 ،م -تحقيق :كمال يوسف الحوت.
المصنف ،مصنف عبد الرزاق :أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني -المكتب
اإلسالمي -بيروت -لبنان -الطبعة الثانية7423 -هن -تحقيق :حبيب الرحمن
األعظمي.
444