Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 256

‫جامعة ابن خلدون تيارت‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫قسم الحقوق‬

‫التدخل التشريعي في العقود و أثره على‬


‫سلطان اإلرادة‬
‫أطروحة لنيل شهادة دكتوراه الطورالثالث‬
‫تخصص القانون الخاص‬

‫تحـت إشراف‪:‬‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬


‫أ‪.‬د‪ /‬علي فتاك‬ ‫مختارية شيباني‬

‫أعضـاء لجنـة املناقشـة‪:‬‬


‫رئيسـا‬ ‫جامعة تيارت‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫بخــالد عجالي‬
‫مشرفـا ومقررا‬ ‫جامعة تيارت‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـلي فت ـ ـاك‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة تيارت‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫أحم ــد شامي‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة تيارت‬ ‫أستاذ محاضر "أ"‬ ‫قديري محمد توفيق‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة البويرة‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫سميرشيهــاني‬
‫ممتحنا‬ ‫جامعة تيسمسيلت‬ ‫أستاذ التعليم العالي‬ ‫عبد القادرعالق‬

‫السنة الجامعية ‪2022/2021‬‬


‫‪0‬‬
‫كلم ـة شك ـ ـر‬
‫‪.‬‬

‫أوال أشكر هللا وأحمده ألن وفقني لهذا البحث العلمي‪ ،‬وسخر لي من الناس‬
‫من جاد بالخير وساعدني في أصعب الظروف‪...‬ولو بالكلمة الطيبة‪..‬‬
‫أشكر األستاذ الدكتورعلي فتاك املشرف على هذه األطروحة على كل‬
‫التوجيهات والنصائح القيمة التي أفادني بها والتي كان لها األثر البالغ في‬
‫مساري العلمي‪.‬‬
‫أشكر أخي وساعدي الدكتورعبد االله شيباني على مساعدته وارشاداته‪.‬‬
‫أشكر االستاذ الدكتورعجالي خالد على التوجيهات القيمة الي أفادني بها في‬
‫هذا املسار العلمي‪.‬‬
‫كما أشكر األستاذ الدكتور بوسماحة الشيخ على املساعدات القيمة التي‬
‫أفادني بها في هذه األطروحة‪.‬‬
‫أشكر الدكتورة فاطيمة نساخ من جامعة الجزائر ‪1‬على املساعدة القيمة‬
‫التي أفادتني بها‪.‬‬
‫كما أتقدم بجزيل الشكر الى الدكتورة أسماء سعيداني من جامعة الجزائر‪1‬‬
‫على مساعدتها لي كما أشكرها على تواضعها ومساعدتها لكل األساتذة‬
‫الباحثين‪ ..‬وأسأل هللا أن يزيدها من فضله ويقدرها لفعل الخير‪.‬‬
‫الى كل من ساهم في اخراج هذا البحث العلمي إلى الوجود‪.‬‬
‫إهـ ـ ـ ــداء‬

‫إلى روح والدتي الغالية‪...‬رحمها هللا وجعلها في عليين‪..‬‬

‫وجعلها ممن يرثون الجنان ويبشرون بروح وريحان‪..‬‬

‫إلى والدي الغالي شفاه هللا ورعاه وأمده بالصحة والعافية‪.‬‬

‫إلى جميع أفراد أسرتي فردا فردا كال باسمه ووسمه ‪.‬‬

‫إلى كل من يحب العلم ويقدر األستاذ الباحث‪.‬‬

‫إلى كل من اصطفاه هللا لحب الخير …‬


‫قائمة املختصرات‬

‫أوال ‪ :‬باللغة العربية‬


‫ص‪ :‬صفحة‬
‫ف‪ :‬فقرة‬
‫ع‪ :‬العدد‬
‫ج ر‪ :‬الجريدة الرسمية‬
‫ق م‪ :‬القانون املدني‬
‫م ق‪ :‬املجلة القضائية‬
‫ن ق‪ :‬نشرة القضاة‬
‫غ م‪ :‬الغرفة املدنية‬

‫ثانيا‪ :‬باللغة الفرنسية‪:‬‬


‫‪P : page‬‬
‫)‪O p. cit : opére citatis (ouvrage déjacité‬‬
‫‪N : numéro‬‬
‫‪Art : article‬‬
‫‪Cass .civ : arrêt d’une chambre civile de la cour de cassation‬‬
‫‪RTDC : revue trimestrielle de droit civil‬‬

‫مقدمة‬

‫مقدمـة‪:‬‬
‫ّ‬
‫ملا كان اإلنسان اجتماعي بطبعه ال يستطيع العيش خارج الجماعة فإنه ال ّبد أن يدخل في عالقات مع‬
‫غيره إلشباع حاجاته اليومية من بيع وشراء وتأجير وتشغيل وتأمين وإعارة وتمليك‪...‬الخ‪ ،‬وال ريب أن الفرد‬
‫عندما يتعامل مع غيره لتحقيق حاجاته اليومية ّإنما يكون ذلك عن طريق العقد‪ 1‬باعتباره األداة ّ‬
‫الفعالة‬
‫ّ‬
‫وبامتياز لتحقيق تبادل الثروات‪ ،‬كما أنه يظهر كتقنية حصرية وأحد اآلليات األساسية في النشاط‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫قام العقد حقبة من الزمن على مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬والذي يعني أن لإلرادة السلطان األكبر في‬
‫الروابط ولو كانت غير تعاقدية‪ 2‬وال َي ُحد من هذه اإلرادة وهذا‬
‫تكوين العقد وتحديد آثاره بل وفي جميع ّ‬
‫السلطان سوى فكرة النظام العام واآلداب العامة‪ ،3‬وترجع الجذور التاريخية ملبدأ سلطان اإلرادة إلى‬
‫األفكار الفلسفية واالقتصادية التي نادى بها أصحاب املذهب الفردي خالل القرن السابع عشر‪ ،‬حيث‬
‫حرا ومختارا‪ ،‬فكل التزام ال ّبد أن يكون‬
‫حر في االلتزام بالشروط التي رض ي بها ّ‬ ‫ّ‬
‫مجدوا الفرد واعتبروا أنه ّ‬
‫أساسه ّ‬
‫الرضا واالختيار‪ ،‬وهو ما يتماش ى مع القانون الطبيعي‪.4‬‬

‫الصديقي‪ ،‬مضمون العقد بين النزعة الشخصية واملوضوعية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬‬ ‫‪ -1‬علي فيصل علي ّ‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2012‬ص‪.19‬‬
‫الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية الجديدة‪،1995 ،‬‬ ‫‪ -2‬عبد ّ‬
‫ص‪.86‬‬
‫‪ -3‬يقصد بالنظام العام في هذه الفقرة النظام العام بمفهومه التقليدي أو ما يعرف بالنظام العام السياس ي‪ ،‬وهي مسائل تتعلق عادة باألمن‬
‫العام والسكينة العامة‪ ،‬ويجمع الفقه على ّأن مجاله يشمل ثالثة مجاالت رئيسية تتمثل في حماية ّ‬
‫الدولة والعائلة واآلداب العامة‪ ،‬حيث تعد‬
‫الدولة والنظام فيها من النظام العام‪ ،‬كالقواعد املتعلقة بالهيئات العمومية والسلطات في الدولة والحقوق‬ ‫القواعد التي تتعلق بحماية ّ‬
‫ُ‬
‫والحريات العامة‪ ،‬وتعد هذه املسائل ضمن قواعد القانون العام‪ ،‬كالقانون الدستوري وقانون العقوبات‪...‬الخ‪ ،‬حيث تعد هذه القواعد من‬
‫النظام العام وال يجوز االتفاق على مخالفتها وانتهاكها يترتب عليه بطالن العقد‪ ،‬كما تشمل قواعد النظام العام التقليدي القواعد املتعلقة‬
‫باألسرة‪ ،‬كروابط األحوال الشخصية والحالة املدنية‪ ،‬األهلية والحقوق والواجبات املتعلقة بالشخص وأسرته وكذلك بعض املعامالت املالية‬
‫لألسرة كالنفقة وامليراث والهبة التي تعد من النظام العام ومخالفة قواعدها يرتب البطالن‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّأما بالنسبة لآلداب العامة فقد أثارت جدال فقهيا حول التمييز بينها وبين النظام العام‪ ،‬فهناك من الفقهاء من يميز بينهما وهناك من يعتبرهما‬
‫وجهان لفكرة واحدة‪ ،‬ونحن نؤيد الرأي األخير الذي يرى أن اآلداب العامة ال تعد سوى جانب خلقي لفكرة النظام العام‪ ،‬وتتعلق عادة‬
‫والرهان والتعامل في األعضاء البشرية‪...‬الخ‪ ،‬ويترتب على مخالفة هذه القواعد البطالن‬ ‫بالعالقات الجنسية والكسب غير املشروع كالقمار ّ‬
‫املطلق‪ ،‬يراجع في هذه املسألة منصف بوعريوة‪" ،‬الحرية العقدية في ظل النظام العام االقتصادي"‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون‬
‫األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.52‬‬
‫الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬سنة ‪ ،1995‬ص ‪.86‬‬ ‫‪ -4‬عبد ّ‬
‫‪-1-‬‬
‫مقدمة‬

‫ّروج لهذه األفكار الفلسفية الفيلسوف األملاني " كانت ‪ ،1 " Kant‬والتي مفادها ّأن للفرد حقوقا‬
‫حريته الشخصية ووجوب احترامها‪ ،‬لذلك يجب أن تكون هذه اإلرادة محل حماية‬‫طبيعية منذ والدته‪ ،‬منها ّ‬
‫من طرف املشرع بحيث تعلو على مصلحة املجموع‪ ،‬فالفرد ال املجموع هو الذي يحميه القانون‪ ،2‬كما قام‬
‫حرية امللكية باعتبا ها حقا طبيعيا ّ‬
‫يتمتع به األفراد‪،‬‬ ‫مبدأ سلطان اإلرادة على أفكار اقتصادية ترتكز على ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫وحرية السوق التي يجب أن تخضع ملبدأ العرض والطلب‪ ،‬وهذه املبادئ يقوم عليها املجتمع الليبيرالي‪.3‬‬
‫صاحب هذه النظريات نظريات أخرى فلسفية وسياسية حمل لوائها روسو (‪ )Rousseau‬في كتابه‬
‫املشهور العقد االجتماعي الذي اعتبر ّأن ّ‬
‫حرية الفرد هي األساس الذي يقوم عليه تفكير ذلك العصر مما‬
‫ساهم في ميالد مبدأ سلطان اإلرادة كمبدأ يحكم العقود‪ ،‬حيث تلقت الثورة الفرنسية هذه األفكار وقامت‬
‫عليها سنة ‪ ،1789‬مما أسال الحبر لدى املشرعين آنذاك‪ ،4‬فظهرت بصمات هذه األفكار في التقنين املدني‬
‫الفرنس ي الذي سمي بقانون نابليون‪ ،‬حيث ّ‬
‫كرس الحرية العقدية في نطاق املادة ‪.51134‬‬
‫يمر" الذي ّ‬
‫يجسد فلسفة الحربة‬ ‫حرية التعاقد املبدأ الشهير "دعه يعمل دعه ّ‬
‫انبثق عن مبدأ ّ‬
‫االقتصادية ويعني ضمنيا دعه يتعاقد بال قيود تشجيعا لالنتعاش االقتصادي‪ ،‬فاإلرادة وحدها التي يجب‬
‫أن تهيمن في مجال العقود‪ ،‬وال يمكن أن يلتزم الشخص من الخارج أي خارج إرادته‪ ،‬فال املشرع وال‬
‫القاض ي يمكنه أن يلزم األفراد بما يخالف إرادتهم‪.6‬‬
‫ّ‬
‫كرس التقنين املدني الفرنس ي مبدأ سلطان اإلرادة بموجب قانون نابليون الصادر سنة ‪ ،1804‬والذي‬
‫الدول حيث استقت‬‫الدول العربية كالجزائر ومصر‪ ،‬وغيرها من ّ‬
‫كان له األثر البالغ في قوانين العديد من ّ‬
‫منه أغلب قواعد القانون املدني‪ ،‬نظرا للجاذبية التي اكتسبها والصياغة الفنية ّ‬
‫الدقيقة التي يتمتع بها التي‬

‫الحرية األملان و ّأول من أطلق عبارة مبدأ سلطان اإلرادة كأساس فلسفي للعالقات بين األفراد‪ ،‬إذ يعتبر أن‬ ‫‪ "kant "-1‬من أشهر فالسفة ّ‬
‫محمد صديق محمد عبد هللا‪ ،‬اإلرادة التعاقدية‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪ ،‬دار الكتب‬ ‫العقد أعلى مرتبة من التشريع‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ّ ،‬‬
‫القانونية‪ ،‬مصر‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬طبعة ‪ ،2012‬ص ‪.155‬‬
‫‪ -2‬أحمد عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪ -3‬علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪ ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2013‬ص‪.51‬‬
‫‪ -4‬أحمد عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني الجديد‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام مصادر االلتزام‪ ،‬املجلد ‪ ،1‬الطبعة الثانية‬
‫الجديدة ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬سنة ‪ ،2000‬ص ‪.156‬‬
‫‪ -5‬جاءت صياغة املادة ‪ 1134‬من التقنين املدني الفرنس ي في لفظها األصلي كما يلي‪:‬‬
‫» ‪« Les conventions l’également formées, tous qui a été convention lieu de loi a ceux qui les ont faites‬‬
‫مس قانون العقود وااللتزامات سنة ‪ 2016‬بموجب األمر ‪ 131-2016‬وتم صياغة مضمونها في املادة‬ ‫إال أتها ألغيت بموجب التعديل الذي ّ‬
‫‪ 1103‬واملادة ‪.1194‬‬
‫‪ -6‬أحمد عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫‪-2-‬‬
‫مقدمة‬

‫جعلت من قواعده ثابتة ومستقرة ألكثر من مئتي سنة‪ ،‬ولقد تأثر املشرع الجزائري بهذا القانون في نطاق‬
‫املادة ‪ 106‬من القانون املدني الجزائري حيث ّ‬
‫كرس مبدأ سلطان اإلرادة‪.1‬‬
‫يعترف مبدأ سلطان اإلرادة بالحرية الواسعة لألفراد في تكوين العقد من حيث الشكل الذي تظهر‬
‫فيه‪ ،‬فيتم العقد بمجرد أن يتطابق االيجاب مع القبول دون اشتراط شكل معين وهو األصل العام‪ ،2‬أما‬
‫من حيث املوضوع فتطبق قاعدة العقد شريعة املتعاقدين أي ّأن اإلرادة قادرة على انشاء التصرفات‬
‫القانونية ولو لم يكن القانون قد تولى تنظيمها‪ ،‬كما أنها قادرة على تغيير وتعديل آثار التصرف القانوني‬
‫الذي تصدى له القانون بالتنظيم‪.3‬‬
‫بعد االزدهار الذي حققه مبدأ سلطان اإلرادة خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بفعل‬
‫العوامل االقتصادية التي ّأدت إلى انتشار روح الفردية‪ ،‬قامت الصناعات الكبرى وتأسست الشركات‬
‫الضخمة‪ ،‬وأصبح العقد هو الوسيلة التي يستطيع بها أصحاب املصانع أن يستخدموا العمال في تشغيل‬
‫مصانعهم مع شيوع القول في هذه الفترة أن العقد هو الصورة املثالية للعدل‪ ،‬وأن من قال عقدا قال‬
‫عدال‪ ،4‬فكان التعاقد على أساس حرية اإلرادة وأنه من غير املمكن أن يتعاقد الشخص بما يخالف‬
‫مصلحته‪ ،‬فأصبح العقد يتم بين أطراف غير متكافئة في القوة االقتصادية‪ ،‬طرف قوي وطرف ضعيف‬
‫يضطر إلى التعاقد بدافع الحاجة ولو بشروط مجحفة‪ ،‬هذا ما أدى إلى انتشار روح االشتراكية وقيامها في‬
‫وجه املذاهب الفردية‪ ،‬وانتقد أصحابها املذهب الفردي القائم على أساس مبدأ سلطان اإلرادة نقدا الذعا‪،‬‬
‫حد رفضه جملة واحدة‪ ،‬هذا ما جعل الدكتور عبد الرزاق السنهوري يقول ‪ ":‬أنه إذا‬ ‫وبالغوا في نقده إلى ّ‬
‫توخينا االعتدال وجانبنا التطرف ّ‬
‫تبين لنا أن اإلرادة ال سلطان لها في دائرة القانون العام‪ ،‬فالروابط‬
‫االجتماعية التي تخضع لهذا القانون ّإنما ّ‬
‫تحددها املصلحة العامة ال إرادة الفرد‪ّ ،‬أما العقد االجتماعي‬
‫الذي نادى به املذهب الفردي فقد أصبح نظرية عتيقة مجهورة"‪.5‬‬

‫ّ‬
‫‪ -1‬تنص املادة ‪ 106‬من القانون املدني على ما يلي‪ " :‬العقد شريعة املتعاقدين‪ ،‬فال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين‪ ،‬أو لألسباب‬
‫التي يقرها القانون"‪ ،‬تقابلها املادة ‪ 147‬من القانون املدني املصري واملادة ‪ 147‬ف ‪ 1‬من القانون املدني الليبي‪ ،‬واملادة ‪ 146‬ف‪ 1‬من القانون‬
‫املدني العراقي‪ ،‬واملادة ‪ 148‬ف‪ 1‬من القانون املدني السوري‪.‬‬
‫‪ -2‬وهو ما ّ‬
‫نصت عليه املادة ‪ 59‬من القانون املدني‪ ،‬كما يلي‪ " :‬يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما املتطابقتين‪ ،‬دون‬
‫االخالل بالنصوص القانونية"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬دراسة لبعض العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬ ‫‪ -‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة ٍ‬
‫أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2016-2015 :‬ص ‪.6‬‬
‫‪ -4‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬سنة ‪ ،1984‬ص ‪.164‬‬
‫‪ -5‬أحمد عبد الرزاق السنهوري‪ ،...‬الوسيط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫‪-3-‬‬
‫مقدمة‬

‫ّإن الفقه الحديث يسلم بدور اإلرادة في نشأة العقد وتحديد محتواه لكن يجيز في الوقت نفسه‬
‫للمشرع وللقاض ي أن يتدخال في تحديد مضمون العقد في ظل تغير البيئة العقدية‪ ،‬فقد ظهرت عقود غير‬
‫مألوفة في النظرية التقليدية للعقد‪ ،1‬كما أ ّن املساواة ّ‬
‫املجردة التي ّ‬
‫كرسها املذهب الفردي لم تعد تحتوي‬
‫على فعاليتها في ظل اختالل التوازن بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬لذلك البد من إقامة املساواة الفعلية بين‬
‫األطراف املتعاقدة بتوجيه اإلرادة عن طريق آلية النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي و الحمائي‪.‬‬
‫من أجل التكيف مع هذه التحوالت التي عرفها العالم مع بداية القرن العشرين ساهم االجتهاد‬
‫القضائي الفرنس ي في صنع العديد من القواعد القانونية من أجل تطويع نصوص التقنين املدني الفرنس ي‬
‫مع الظواهر العقدية املستحدثة‪ ،‬وال نبالغ إذا قلنا أن التقنين املدني الفرنس ي الصادر سنة ‪ 1804‬يعتبر‬
‫من أشهر انجازات نابليون وانتصاراته‪ ،‬والذي كانت جل قواعده مستنبطة من الفقه املالكي‪ ،2‬مما أكسبه‬
‫قوة وشهرة عاملية‪ ،‬حتى أن ّ‬
‫الدكتور عبد الرزاق السنهوري كان يقول عبارة تكررت كثيرا في كتاباته‪ " :‬أن‬
‫ّ‬
‫نابليون كان يمش ي إلى املعارك بأمرين التقنين املدني الفرنس ي في يمينه ومدفع في يساره‪ ،‬لذلك فإنه‬
‫ّ‬
‫حتى ولو هزم في الحرب إال أن انتصاره يبقى في مجال التشريع"‪.‬‬
‫فعلى ّ‬
‫الرغم من الجاذبية التي يتمتع بها التقنين املدني الفرنس ي وثبات قواعده وقدرتها على التكيف‬
‫إال أنه خضع إلصالحات جوهرية وجذرية ّ‬ ‫ّ‬
‫مست الجزء املهم واألخطر وهو نظرية االلتزام‪،‬‬ ‫مع املستجدات‬
‫والحقيقة أن هذا التعديل كان ألمرين لتأكيد جاذبية هذا التقنين وتحقيق األمان القانوني‪.3‬‬
‫بالرجوع إلى املشرع الجزائري فإن تداعيات التطور االقتصادي واالجتماعي ّأدى إلى ظهور تفاوت في‬
‫املراكز القانونية بين األطراف املتعاقدة نتيجة لوجود طرف قوي اقتصاديا وطرف ضعيف قد يتعاقد‬
‫تحت ضغط الحاجة‪ ،‬إن القانون املدني الجزائري ومنذ صدوره سنة ‪ 41975‬اهتم بحماية الطرف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وموسعة نظرا العتناق املشرع ملبدأ سلطان اإلرادة في‬ ‫الضعيف‪ ،5‬إال أن ذلك لم يكن بصفة رئيسية‬

‫‪ -1‬علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ -2‬للوقوف على مدى تأثر القانون املدني الفرنس ي بالفقه املالكي واألدلة الراجحة في ذلك ‪ ،‬يراجع حمزة بن خدة‪ ،‬أثر الفقه املالكي في القانون‬
‫املدني الفرنس ي‪ ،‬العقد نموذجا‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان‪ ،-‬السنة‬
‫الجامعية‪.2017-2016 :‬‬
‫‪ -3‬محاضرة على شبكة االنترنت للدكتور وائل بندق‪ ،‬تتضمن تعديالت القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬املحاضرة الثانية متوافرة على الرابط‬
‫االلكتروني‪ https://www.youtube.com/watch?v=TK7SJFNo8PQ :‬تم االطالع بتاريخ ‪.2021/03/07‬‬
‫‪ -4‬بموجب األمر ‪ ،58-75‬املؤرخ في ‪( 1975/09/26‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ‪ ،1975/09/30 :‬ع ‪ّ ،) 78‬‬
‫املعدل و املتمم‪.‬‬
‫كرسه املشرع بموجب املادة ‪ 90‬من ق م و جعله‬ ‫‪ -5‬بموجب العديد من النصوص القانونية‪ ،‬ومنها على سبيل املثال عيب االستغالل الذي ّ‬
‫الرضا ويجعل العقد قابال لإلبطال‪ ،‬كما أن حماية الطرف املذعن أولى لها املشرع أهمية ضمن املادة ‪ 110‬من ق‪.‬م‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫عيبا يعيب ّ‬
‫ّ‬
‫بالشروط التعسفية التي قد يتضمنها عقد االذعان‪ ،‬حيث أجاز للقاض ي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف املذعن منها‪.‬‬
‫‪-4-‬‬
‫مقدمة‬

‫التعاقد‪ ،‬فالعبرة كانت باملساواة املجردة وليس باملساواة الفعلية‪ ،‬فكانت هذه الحماية غير كافية‪ ،‬هذا ما‬
‫جعل املشرع يلجأ إلى اصدار العقود املتخصصة واملنفصلة عن قواعد القانون املدني كعقد االستهالك‬
‫وعقد التأمين وغيرها من العقود‪ ،‬ولم يسعى إلى تعديل القانون املدني بما يتالءم مع هذه التحوالت‬
‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫إن العقود الخاصة ّ‬
‫تتميز بخاصية احتوائها على القواعد اآلمرة هذا ما جعل التدخل التشريعي يؤثر‬
‫الحرية العقدية التي ّ‬
‫كرسها القانون املدني‪ ،‬مما أثار الجدل بين الفقهاء وأصبح الحديث عن "أزمة‬ ‫على ّ‬
‫العقد"‪ ،‬أي أن ّ‬
‫الحرية العقدية كأساس للعقد ضمن النظرية التقليدية للعقد لم تعد قادرة على‬
‫االنسجام والتالؤم واملواءمة مع هذه التحوالت االقتصادية واالجتماعية وحتى السياسية التي يشهدها‬
‫العالم‪ ،‬بل قد أطلق عليها البعض في إطار ّ‬
‫الدراسات القانونية التي ناقشت هذا التحول في نظرية العقد‬
‫ّ‬
‫وتصوراته‪.‬‬ ‫"النظرية التقليدية للعقد حقيقة أما خيال"‪ ،1‬ولقد ّ‬
‫مست هذه األزمة العقد في مبادئه‬
‫ذهب جانب آخر من الفقه إلى أن تنامي ظاهرة اصدار العقود املتخصصة على حساب النظرية‬
‫ّ‬
‫التقليدية للعقد ما هو إال ضرورة للتكيف مع هذه املستجدات في البيئة العقدية‪ ،‬انطالقا من أن كل‬
‫تطور إجتماعي ال بد أن يلحقه تطور قانوني‪ ،‬وعليه فإن التدخل التشريعي في العقود عن طريق آلية‬
‫النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي لتوجيه اإلرادة‪ ،‬لم يدخل العقد في أزمة‪.2‬‬
‫ّإن أهمية ّ‬
‫الدراسة جاءت نظرا ملا يحتله العقد من أهمية بارزة في حياة األفراد‪ ،‬باعتباره الوسيلة‬
‫ّ‬
‫واألداة الفعالة في عملية التبادل االقتصادي‪ ،‬كما أنه يعتبر العمود الفقري في نظرية االلتزام وأهم‬
‫مصادره‪ ،‬وانطالقا من ّأن الثابت في النظرية التقليدية للعقد هو أن العقد يقوم على أساس مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة أو الحرية العقدية‪ ،‬فإننا سنحاول من خالل هذه الدراسة الوصول إلى حدود تتمتع اإلرادة‬
‫بسلطانها في تكوين العقد وتحديد آثاره‪ ،‬في ظل هذه التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬
‫الراهنة‪ ،‬كما أننا نحاول بيان حقيقة وجود املبادئ التقليدية للعقد‪ّ ،‬‬
‫حرية التعاقد‪ ،‬واألثر النسبي للعقد‬ ‫ّ‬
‫والقوة امللزمة للعقد‪ّ ،‬‬
‫املكرسة ضمن قواعد القانون املدني أم أنها أصبحت مجرد حبر على ورق‪.‬‬
‫تتجلى أهمية هذه ّ‬
‫الدراسة في الوصول أيضا إلى حقيقة التدخل التشريعي في العقود‪ ،‬الذي ّبرره‬
‫املشرع بأنه يهدف إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية‪ ،‬واعادة التوازن العقدي‪ ،‬أم أن هناك‬

‫‪1‬‬
‫‪-Eric Savaux, la théorie générale du contrat, mythe ou réalité, L. GDJ, 1997.‬‬
‫‪ -2‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪-5-‬‬
‫مقدمة‬
‫وجها آخر لهذا التدخل التشريعي في العقود‪ ،‬في ظل انتهاج ّ‬
‫الدولة الجزائرية القتصاد السوق‪ ،1‬وتوجه‬
‫املشرع الى االهتمام بالبعد البيئي في اطار تدخله في مجال العقد‪ ،‬حيث أن هناك من يرى من أن تدخل‬
‫إال إذعانا لإلرادة التشريعية‪ ،‬طاملا أن الشخص ال يجد نفسه ّ‬‫ّ‬
‫حرا في مناقشة‬ ‫املشرع في العقود ما هو‬
‫شروط العقد‪ ،‬كما هو الحال في العقود النموذجية التي يضع صياغتها املشرع‪ ،‬وتزداد أهمية هذه ّ‬
‫الدراسة‬
‫عندما ّ‬
‫يمرر املشرع تدخله في العقود عن طريق آلية النظام العام االقتصادي الذي يشتمل على القواعد‬
‫اآلمرة‪.‬‬
‫من أجل ضبط املوضوع ّ‬
‫فإن دراستنا ملوضوع التدخل التشريعي في العقود وأثره على سلطان اإلرادة‬
‫ستنصب على التدخل املباشر في العقود أي تدخل املشرع‪ ،‬دون التطرق إلى التدخل غير املباشر في العقد‬
‫الذي يكون عن طريق القاض ي إال بالقدر الذي تقتضيه طبيعة املوضوع‪ ،‬كما أننا سنركز على تدخل‬
‫املشرع في العقود في مرحلة تكوين العقد فقط ملا لها من آثار قانونية‪ ،‬دون التطرق إلى مرحلة تنفيذ‬
‫العقد‪ ،‬وسنركز في هذه الدراسة على تدخل املشرع في بعض العقود الخاصة الشائعة‪ ،‬ونسلط الضوء على‬
‫االصالحات الجذرية التي مست التقنين املدني الفرنس ي من التكيف مع التحوالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫السياسية التي يشهدها العالم‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالتحول‬ ‫عن أسباب اختيار املوضوع فإنه يتعلق بميولي الشخص ي لدراسة هذا املوضوع‪ ،‬املتعلق‬
‫والتغير في الثوابت القانونية الراسخة في نظرية العقد‪ ،‬ولقد صادفني هذا املوضوع خالل مرحلة التحضير‬
‫ملسابقة الدكتوراه‪ ،‬فجذبني األسلوب الذي كتب به بعض املؤلفين في هذا املوضوع‪ّ ،‬‬
‫مما أثار في نفس ي رغبة‬
‫في استكمال البحث في هذا املوضوع‪ ،‬وبالتصورات التي رسمتها له‪ ،‬انطالقا من أن التحوالت االقتصادية‬
‫واالجتماعية والسياسية التي شهدها العالم خالل نهاية القرن العشرين أثرت على التوازن العقدي‪ ،‬نظرا‬
‫لتباين املراكز االقتصادية لألطراف املتعاقدة‪ ،‬وهو ما يبرر للمشرع تدخله في العقد لحماية الطرف‬
‫حريته‪ ،‬وكما يقول ‪" Lacordaire‬ما بين القوي والضعيف توجد ّ‬
‫الحرية التي‬ ‫الضعيف‪ ،‬من أجل حماية ّ‬
‫تستبعد والقانون ّ‬
‫يحرر"‪.‬‬
‫عن ّ‬
‫الدراسات السابقة فإنه يوجد دراسات عالجت هذا املوضوع من زوايا مختلفة وتصورات بعيدة‬
‫عن التصور الذي رسمناه لهذا املوضوع‪ ،‬فنجد مثال أطروحة الدكتور لخضر حليس‪ ،‬بعنوان مكانة اإلرادة‬
‫في ظل تطورات العقد‪ ،‬حيث تمت دراسة املوضوع من خالل التطرق إلى املساس بمبدأ حرية التعاقد‪ ،‬حتى‬

‫‪ -1‬سيأتي الحديث بالتفصيل عن مفهوم اقتصاد السوق املنتهج من قبل ّ‬


‫الدولة الجزائرية في الفصل الثاني من الباب الثاني من هذه‬
‫األطروحة‪.‬‬
‫‪-6-‬‬
‫مقدمة‬

‫كاد أن يكون إلغاء لدورها في مجال العقد‪ ،‬وهناك أيضا رسالة ماجستير للدكتور آسيا مندي بعنوان‬
‫النظام العام والعقود حيث تم دراسة تطور مفهوم النظام العام التقليدي‪ ،‬إال ّأن دراسة هذه األطروحة‬
‫تتعلق بمحاولة ايجاد املفهوم الجديد للنظرية العامة للعقد‪ ،‬والتدليل على ذلك بتحليل مظاهر الخروج‬
‫عن املبادئ ّ‬
‫الراسخة في النظرية التقليدية للعقد‪ ،‬كالخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد‪،‬‬
‫وانتهاك القوة امللزمة للعقد من أجل ّ‬
‫التكيف مع املستجدات وغيرها من املبادئ التي سنتناولها بالتفصيل‬
‫بحول هللا ضمن هذه األطروحة‪.‬‬
‫فيما يتعلق بالصعوبات التي واجهتني فإنها تتعلق بكثرة العقود املتخصصة التي تجسد تدخل املشرع‬
‫في العقود وصعوبة االملام بها ّكلها لذلك اقتصرت ّ‬
‫الدراسة على أهم العقود كعقد االيجار وعقد البيع بناء‬
‫على التصاميم‪...‬الخ‪ ،‬كما أنني واجهت صعوبة عند التطرق لآلثار املترتبة على التدخل التشريعي في العقود‬
‫كونها تمس الجزء املهم واألخطر من املبادئ الراسخة ضمن النظرية التقليدية للعقد‪ ،‬كما أنني وجدت‬
‫صعوبة في محاولة التوفيق بين الجانب الفلسفي ملبدأ سلطان اإلرادة الذي تناوله الفقهاء والجانب‬
‫القانوني‪.‬‬
‫في ظل ازدياد ظاهرة التدخل التشريعي في العقود أو ما يعرف بظاهرة التضخم التشريعي في مجال‬
‫العقود املتخصصة‪ ،‬والتي ال يمكن أن ترقى إلى مستوى الشريعة العامة للعقود وبما أن املشرع لم يحدث‬
‫أي تعديالت على القانون املدني‪ ،‬الذي يكرس مبدأ سلطان اإلرادة هذا ما يحدث تضارب ما بين املبادئ‬
‫ّ‬
‫والتوجه الجديد للمشرع الذي يظهر فيه‬ ‫والتصورات التي يحتوي عليها القانون املدني في مجال العقود‪،‬‬
‫سلطان القانون والذي جسده في اطار العقود املتخصصة‪ ،‬وعليه فإن اإلشكالية املحورية التي نعتمدها في‬
‫هذه ّ‬
‫الدراسة هي‪:‬‬
‫حدود االعتداد بمبدأ سلطان اإلرادة وقوته على تكوين العقد وتحديد آثاره في ظل التدخل‬
‫التشريعي في العقود تحت تأثيرالتحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ّ‬
‫الراهنة‪.‬‬
‫ولقد تفرع عن هذه اإلشكالية التساؤالت الفرعية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ما حقيقة أن النظرية التقليدية للعقد أصبحت جامدة وقارة ال تستجيب مع هذه التحوالت؟ أم أن‬
‫النظرية التقليدية للعقد وبما تحتوي عليه من املبادئ العامة قادرة على االنسجام والتالؤم واملالءمة مع‬
‫هذه التحوالت؟‬
‫‪ -‬ما حاجة األفراد إلى التدخل التشريعي في عقودهم الخاصة؟‬

‫‪-7-‬‬
‫مقدمة‬

‫‪ -‬هل بالضرورة يؤدي التدخل التشريعي في العقود إلى إهدار قداسة سلطان اإلرادة؟‬
‫‪ -‬هل التدخل التشريعي في العقود يشكل في ّ‬
‫حد ذاته اذعانا لإلرادة التشريعية؟‬
‫‪ -‬هل التدخل التشريعي في العقود أدخل العقد في أزمة أم أنه أحدث تغييرا وتحديثا في مفهوم العقد؟‬
‫لإلجابة على هذه اإلشكالية وتساؤالتها الفرعية فإنني سأعتمد على املنهج التاريخي من خالل‬
‫استعراض التأصيل القانوني ملبدأ سلطان اإلرادة و املراحل التي ّ‬
‫مر بها من بداية ظهوره إلى مرحلة ازدهاره‬
‫ثم تراجعه‪ ،‬كما أننا سنعتمد على املنهج التحليلي من خالل مبررات التدخل التشريعي في العقود‪ ،‬وبيان‬
‫القصور الذي يعتري النظرية التقليدية للعقد وعدم قدرتها على التالؤم مع هذه التحوالت‪ ،‬كما أننا سنبين‬
‫آثار هذا التدخل باالعتماد على املنهج التحليلي وكذلك االعتماد على املنهج املقارن في الحدود التي تقتضيها‬
‫الدراسة من خالل التطرق لإلصالحات الجذرية التي مست التقنين املدني الفرنس ي سنة ‪.2016‬‬ ‫ّ‬

‫بالنسبة للخطة املتبعة في الدراسة فإن موضوع التدخل التشريعي في العقود تقتض ي تقسيم البحث‬
‫إلى بابين‪ ،‬نتناول في الباب األول تراجع مبدأ سلطان اإلرادة كمبرر للتدخل التشريعي في العقود والذي‬
‫قسمناه إلى فصلين نتناول في الفصل األول التحوالت الكبرى خالل القرن العشرين‪ ،‬حيث قسمناه إلى‬
‫مبحثين تناولنا في املبحث األول اتساع نطاق العالقات العقدية من خالل التطرق إلى تفنيد املذهب‬
‫ّ‬
‫املوجه ملبدأ سلطان‬ ‫الفردي بالتطرق أوال إلى التأصيل القانوني ملبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬ونتائجه والنقد‬
‫اإلرادة‪.‬‬
‫نتطرق في هذا املبحث أيضا لقيام املذهب االجتماعي الذي أسس للمبادئ التي تناولها رواد املذهب‬
‫االشتراكي‪ ،‬حيث اعتبروا ّأن اإلرادة وحدها غير قادرة على حماية حقوق األفراد وإنما يقتصر دورها على‬
‫احترام القانون‪.‬‬
‫في املبحث الثاني نعالج تطور مفهوم النظام العام‪ ،‬وذلك بالتطرق إلى النظام العام التوجيهي‬
‫والحمائي‪ ،‬باعتباره آلية يعتمدها املشرع للتدخل في العقود مستعمال تقنية القواعد اآلمرة‪ ،‬كما أننا‬
‫سنتناول الجزاءات املترتبة على مخالفة كل من النظام العام االقتصادي التوجيهي و الحمائي‪.‬‬
‫في الفصل الثاني من الباب األول نتناول فيه عجز الحرية العقدية على تحقيق التوازن العقدي من‬
‫خالل مبحثين‪ ،‬املبحث األول نتناول فيه حماية الطرف الضعيف من اختالل التوزان العقدي ضمن‬
‫أحكام القانون املدني‪،‬ـ واملبحث الثاني نتناول فيه التوجه الجديد للمشرع في العالقات العقدية القائمة‬
‫على أساس املساواة الفعلية وتجاوز املساواة املجردة من أجل تحقيق العدالة العقدية‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫مقدمة‬

‫الباب الثاني نتناول فيه آثار التدخل التشريعي في العقود على مبدأ سلطان اإلرادة وذلك من خالل‬
‫فصلين الفصل األول نتطرق فيه إلى الخروج والتخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية للعقد‪،‬‬
‫ونتناوله في مبحثين‪ ،‬املبحث األول نتناول فيه الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد‪ ،‬واملبحث‬
‫الثاني نعالج فيه الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة من حيث آثار العقد‪.‬‬
‫الفصل الثاني نتناول فيه مواءمة العقد للسياسة االقتصادية الوجه اآلخر الخفي للتدخل‬
‫التشريعي في العقود من خالل مبحثين‪ ،‬املبحث األول نتناول فيه التحول في وظيفة ّ‬
‫الدولة والتطرق إلى‬
‫استخدام العقد كآلية لخدمة أهداف الدولة في ظل التوجه إلى اقتصاد السوق و نتطرق لتأثيرات جائحة‬
‫كورونا )‪ )covid19‬على السوق والتصدي لهذه الجائحة من خالل النظام العام التوجيهي‪.‬‬
‫في املبحث الثاني نتناول تأثير قواعد قانون املنافسة على الحرية العقدية حيث نتناول تأثير النظام‬
‫العام االقتصادي على اإلدارة عن طريق توجيهها واآلليات املنتهجة من قبل املشرع لتقييد اإلرادة في مجال‬
‫السوق‪ ،‬كما أننا نتناول اثراء قانون املنافسة ملبدأ سلطان اإلرادة باستحداث عيب اإلكراه االقتصادي‬
‫كعيب من عيوب اإلرادة‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫‪‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبرر‬
‫للتدخل التشريعي في العقود‬

‫الباب األول‪ :‬تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬


‫كرس املذهب الفردي مبدأ سلطان اإلرادة بداية من القرن السابع عشر وازدهر في القرن الثامن‬
‫عشر إلى أواخر القرن التاسع عشر والذي يرى أنصاره ان لإلرادة السلطان األكبر في تكوين العقد وتحديد‬
‫آثاره‪ ،‬وال يحد من هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى مقتضيات النظام العام‪.‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬

‫انتهج املشرع الجزائري مبدأ الحرية التعاقدية وسلطان اإلرادة في العقد في املادة ‪ 106‬من القانون‬
‫املدني الجزائري‪ ،‬على غرار املشرع الفرنس ي‪ ،‬الذي كرس مبدأ سلطان اإلرادة في نطاق املادة ‪ 1134‬من‬
‫القانون املدني الفرنس ي‪.‬‬
‫إال أنه ومع بداية القرن العشرين ونظرا للتحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي‬
‫شهدها العالم في العصر الحديث‪ ،‬لم تعد الحرية العقدية التي هي مناط سلطان اإلرادة تتالءم مع‬
‫التحوالت االقتصادية الراهنة‪ ،‬حيث أصبحت قوانين الدول تتجه نحو االهتمام بمصالح الجماعة قبل‬
‫مصلحة الفرد‪ ،‬متأثرة في ذلك باألفكار التي أفرزها املذهب االجتماعي‪ ،‬الذي حمل معه فلسلفة جديدة‬
‫تستجيب للمتغيرات الراهنة‪.‬‬
‫تجسيدا للمذهب االجتماعي أصبحت الدولة تتدخل في طريقة ابرام العقد‪ ،‬وتحديد مضمونه بما‬
‫يكفل حماية الطرف الضعيف في العقد من الشروط التعسفية التي يفرضها الطرف القوي في العقد‬
‫وفرض االلتزام على عاتق املنهي في املرحلة السابقة على التعاقد‪ ،‬تحقيقا للتوازن املعرفي والعدالة العقدية‪.‬‬
‫إن تدخل املشرع لتنظيم العقود كان نتيجة لتراجع مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬الذي كان يحكم العقد‬
‫وهذا ما سنتناوله في هذا الباب في فصلين‪( ،‬الفصل األول) نتناول فيه التحوالت الكبرى خالل القرن‬
‫العشرين وذلك بالتطرق إلى انتشار املذاهب االشتراكية وتطور مفهوم النظام العام‪ ،‬ثم نتناول في (الفصل‬
‫الثاني) عجز الحرية العقدية عن تحقيق التوازن العقدي وبيان قصور القواعد العامة عن تحقيق‬
‫الحماية للطرف الضعيف‪ ،‬ألنها جسدت املساواة املجردة التي أثبت الواقع أنها مجرد مساواة مفترضة‬
‫وليست حقيقية لذلك لجأ املشرع الى إصدار العقود املتخصصة‪.‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫‪‬‬
‫التحوالت االقتصادية الكبرى خالل القرن العشرين‬

‫الفصل األول‪ :‬التحوالت االقتصادية الكبرى خالل القرن العشرين‬


‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بعدما قامت النظرية التقليدية للعقد على مبدأ سلطان اإلرادة فترة طويلة من الزمن صار هذا‬
‫مجد فيه أصحاب املذهب الفردي الفرد واعتبروا أن حرية الفرد وارادته هي أساس‬‫املبدأ ثابتا ومستقرا‪ّ ،‬‬

‫التزامه وال يمكن للفرد أن يلتزم إال وفقا ملا يرضاه وال يحد من هذه الحرية اال فكرة النظام العام إال أنه‬
‫ومع بداية القرن العشرين وباعتبار أن القانون هو ظاهرة اجتماعية ال بد أن تتالءم مع املتغيرات املحيطة‬
‫بها فانه ومع قيام الصناعات الكبيرة والشركات الضخمة أحدث ذلك اختالل التوازن بين األطراف‬
‫املتعاقدة نتيجة اتساع نطاق العالقات العقدية وهو ما تناولته في (املبحث األول) وباتساع العالقات‬
‫العقدية واختالل التوازن بين القوى االقتصادية تدخلت الدولة لتنظيم ابرام العقود‪ ،‬وهو ما أدى الى‬
‫توسيع دائرة النظام العقدي وهو ما نتناوله في (املبحث الثاني )‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اتساع نطاق العالقات العقدية‬

‫مع بداية القرن العشرين حدثت تحوالت اقتصادية و اجتماعية و حتى سياسية مست العالم‬
‫بأسره‪ ،‬بفعل قيام الثورة الصناعية فظهرت الصناعات الكبرى وتأسست الشركات الضخمة‪ ،‬كل ذلك‬
‫أحدث اختالل في التوازن بين القوى االقتصادية وهو ما مهد للمبادئ االشتراكية سبيل االنتشار‪،‬‬
‫فأصبحت الدولة تتدخل في حياة العقد‪ ،‬تجسيدا للمبادئ االشتراكية التي انتقدت املبادئ التي جسدها‬
‫املذهب الفردي القائم على مبدأ سلطان االرادة وهو ما نخصص له (املطلب األول)‪ ،‬بينما نخصص‬
‫(املطلب الثاني) لقيام املذهب االجتماعي‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تفنيد املذهب الفردي‬

‫بعدما قام املذهب الفردي على أساس أن اإلرادة هي مصدر االلتزام أصبح ال يستجيب في مبادئه‬
‫مع التحوالت االقتصادية والسياسية واالجتماعية التي شهدها العالم خالل القرن العشرين‪ ،‬حيث بدأت‬
‫الدولة تتدخل في العالقة العقدية من حيث تنظيمها حماية للطرف الضعيف فيها‪ ،‬هذا ما أدى الى انتشار‬
‫املذاهب االشتراكية‪ ،‬التي قامت ف ي وجه املذهب الفردي الذي تراجع وانحسر وأصبح ال يتالءم مع‬
‫التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬وقبل أن نتطرق إلى قيام املبادئ االشتراكية البد أن‬
‫نتطرق إلى كيف تدهور املذهب الفردي بعدما ازدهر في ظل الرأسمالية وما هو التأصيل القانوني له؟‪،‬‬
‫والنتائج املترتبة عنه ؟ وهو ما نخصص له (الفرع األول)‪ ،‬بينما نخصص (الفرع الثاني ) إلى قيام املذهب‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة في مرحلة ازدهاره‬

‫‪- 13 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫لكي نتوصل الى أسباب تراجع املذهب الفردي الذي جسد مبدأ سلطان اإلرادة بعدما ما ازدهر في‬
‫القرن الثامن عشر الى أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬فإنه ال بد من الوقوف على التأصيل القانوني له (أوال)‬
‫ونتائجه (ثانيا)‪ ،‬وموقف الفقه اإلسالمي منه (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التأصيل القانوني ملبدأ سلطان اإلرادة‬

‫ظهر مبدأ سلطان اإلرادة في القرن السابع عشر واستمد قوته من األفكار التي نادى بها أصحاب‬
‫ا ملذهب الفردي‪ ،‬الذين اعتبروا أن النظام االجتماعي يرتكز على الفرد على اعتبار أنه يعيش في مجتمع‬
‫فالبد أن تكون روابطه العقدية بغيره من أفراد املجتمع أساسها اإلرادة الحرة وال يلتزم الفرد بالواجبات‬
‫وفقا للمذهب الفردي اال اذا رض ي بها مختارا ‪ ،1‬فكل التزام أساسه الرضا واالختيار وهو ما يتماش ى مع‬
‫القانون الطبيعي‪ 2‬الذي يقوم على الحرية الشخصية لألفراد ووجوب احترامها وعليه فإن مهمة القانون هي‬
‫تحقيق حرية كل فرد‪ ،‬بحيث ال تتعارض مع حرية اآلخرين وأن تكون مصلحة الفرد محل اهتمام املشرع‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫بحيث تعلو على مصلحة املجموع‪ ،‬فالفرد ال املجموع هو الذي يحميه القانون‪.‬‬

‫يقوم املذهب الفردي على أساس أن اإلرادة وحدها هي التي تنش ئ العقد ويطلق على هذا االتجاه‬
‫(مذهب سلطان اإلرادة ) ‪ 4‬الذي يعني أن لإلرادة السلطان األكبر في تكوين العقد وتحديد آثاره وفي جميع‬
‫الروابط والقانونية ولو كانت غير تعاقدية‪ 5،‬لقد بلغ مبدأ سلطان اإلرادة ّ‬
‫أوجه بعد الثورة الفرنسية سنة‬
‫‪ ،1789‬ثم صدر قانون نابليون سنة ‪ ،1804‬مكرسا الحرية الفردية ومحترما مبدأ سلطان اإلرادة في نطاق‬
‫املادة ‪ 1134‬القانون املدني الفرنس ي‪.6‬‬

‫صاحب هذه النظريات االقتصادية التي تقوم على مبدأ سلطان اإلرادة نظريات فلسفية‪ ،‬نادى بها‬
‫الفقيه دوما (‪ 7 ،)Domat‬الذي كان يرى بأن الحرية هي أساس االلتزامات والتعهدات التي تنشأ بين االفراد‬

‫‪ -1‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،...،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ -3‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،..‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪ -4‬منذر الفضل‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬مصادر االلتزام وأحكامها‪ ،‬دراسة مقارنة بين القوانين الوضعية والفقه اإلسالمي‪ ،‬معززة‬
‫بآراء الفقه وأحكام القضاء‪ ،‬دار الثقافة للنشر التوزيع‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2012‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 5‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ -6‬فتيحة قريقر‪" ،‬حدود سلطان اإلرادة في نطاق النظام العام"‪ ،‬مجلة الحقوق العلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة‪ ،2017 ،‬ص ‪.278‬‬
‫‪ -7‬عاش في الفترة ما بين ‪ ،1696 -1625‬ولقد كانت أفكاره ترجمة حرفية لنص املادة ‪ 1134‬من القانون املدني الفرنس ي لسنة ‪ 1804‬املعدل‬
‫واملتمم‪.‬‬
‫‪- 14 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫والتي يجب أن تتم بمعرفة واختيار‪ 1‬والتي صارت قاعدة ثابتة في العصر الحديث والذي قال أنه‪ " :‬اذا تم‬
‫االتفاق فكل ما اتفق عليه يقوم مقام القانون ملن تعاقد " وهي العبارة التي أدمجها املشرع الفرنس ي في‬
‫املادة ‪ 1134‬والتي صارت قاعدة ثابتة مقررة ملبدأ سلطان اإلرادة في التعاقد ‪.2‬‬

‫لقد كانت ألفكار الفيلسوف األملاني "‪ Kant‬كانت " ‪ 3‬الدور البارز الذي ساهم في تدعيم الجانب‬
‫الفلسفي‪ ،‬الذي استقى منه مبدأ سلطان اإلرادة مبادئه والذي اعتبر أن مبدأ سلطان اإلرادة " املبدأ‬
‫األسمى في مبادئ االخالق " وهو يرى أنه بإمكان إرادة الشخص أن تنش ئ تشريعا عامليا‪ ،‬يقاض ي فيه‬
‫الشخص نفسه وأفعاله ويسمى هذا املبدأ " مبدأ سلطان اإلرادة"‪ ،‬الذي يعني أنه بمكان مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة أن يكون مصدرا لجميع فروع القانون‪ ،‬متجاوزا بذلك النظرية العامة للعقد ‪.4‬‬

‫كما أن األفكار الفلسفية والسياسية التي جاء بها روسو ‪ )Rousseau( 5‬في كتابه املعروف (بالعقد‬
‫االجتماعي) ‪ 6‬ساهمت في ازدهار مبدأ سلطان االرادة‪ ،‬حيث اعتبر أن إرادة األشخاص وحدها هي من يجب‬
‫أن تسيطر في امليدان االقتصادي‪ ،‬حيث تتحدد األسعار عن طريق املنافسة والعرض والطلب‪ ،‬وليس عن‬
‫طريق املشرع ومن أجل تنشيط وازدهار التجارة فإنه البد أن تخضع العقود في تكوينها وتحديد آثارها الى‬
‫‪7‬‬
‫إرادة املتعاقدين والبد من إزالة أي عقبة تقف أمام حرية اإلرادة‪.‬‬

‫‪ -1‬صديق شياط‪ ،‬أثر مصلحة املجتمع في الحد من مبدأ سلطان اإلرادة في مجال التعاقد‪ ،‬رسالة دكتوراه علوم في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،1‬بن يوسف بن خدة‪ ،‬كلية الحقوق – السعيد حمدين‪ ، -‬السنة الجامعية‪ ، 2018 -2017 :‬ص ‪.64‬‬
‫‪- 2‬جاءت صياغة املادة ‪ 1134‬من القانون املدني الفرنس ي في لفظها األصلي كما يلي‪:‬‬
‫» ‪« Les conventions l également formées, tout ce qui a été convention lieu de loi a ceux qui les ont faites‬‬
‫‪ -‬إال أنها ألغيت بموجب األمر ‪ 131-2016‬وتم صياغة مضمونها في املادة ‪ 1103‬واملادة ‪.1194‬‬
‫‪ "- 3‬كانت "من أشهر فالسفة الحرية األملان وأول من أطلق عبارة مبدأ سلطان اإلرادة كأساس فلسفي للعالقات بين األفراد‪ ،‬إذ يعتبر أن‬
‫العقد أعلى مرتبة من التشريع‪ ،‬يراجع محمد صديق محمد عبد هللا‪ ،‬موضوعية اإلرادة التعاقدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪ - 4‬ياسين سعدون‪ ،‬أثر الظروف االقتصادية على العقد‪ ،‬أطروحة لنيل الشهادة الدكتوراه في القانون الوضعي‪ ،‬تخصص القانون الخاص‬
‫الداخلي‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ - ،‬تيزي وزو ‪ -‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2018 - 2017 :‬ص ‪.2‬‬
‫‪ - 5‬لقد تأثرت الثورة الفرنسية بأفكاره من خالل تجسيدها لفكرة العقد االجتماعي وذلك من خالل االعتراف بوجود حقوق طبيعية لكل‬
‫انسان وقد ظهر واضحا وجليا في اعالن الثورة الفرنسية لحقوق االنسان واملواطن العام ‪ ،1789‬ووفقا لهذا اإلعالن أصبحت قواعد القانون‬
‫الطبيعي مبادئ مقننة رسميا في صلب القانون الوضعي حيث جاء في املادة األولى منه " الناس يولدون ويستمرون أحرار متساوين في الحقوق‬
‫"‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 32‬الهامش رقم ‪.2‬‬
‫‪ -6‬لقد كان لهذا الكتاب أثر كبير في الفلسفة‪ ،‬والسياسة واالجتماع والقانون في القرن التاسع عشر‪ ،‬ومما جاء فيه تأييد لسلطان الفرد‬
‫ّ‬
‫وحرية اإلرادة "ملا كان االنسان ليس له سلطة طبيعية على أخيه االنسان‪ ،‬وملا كانت القوة ليست مصدرا ألي حق من الحقوق فلم تبق إال‬
‫العقود أساسا لكل سلطة بين الناس "العقد االجتماعي الكتاب األول‪ ،‬الفصل الرابع‪ ،‬نقال عن عبد الرزاق السنهوري أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية‬
‫العقد‪ ،..‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -7‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،...‬الوسيط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪- 15 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫لقد انبثق عن هذه املبادئ املبدأ الشهير "دعه يعمل دعه يمر " ‪ 1‬والذي يعني في نفس الوقت دعه‬
‫يتعاقد بال قيود‪ ،‬ووفقا لهذا املبدأ فانه من غير املقبول أن يتم تحديد العدالة والتوازن في العقود من‬
‫الخارج‪ ،‬أي من خارج أطراف التعاقد أو بطريقة موضوعية‪ ،‬فالتعاقد في حد ذاته يحقق التوازن‪ ،‬إن كل‬
‫من األفكار الفلسفية السابقة والنظريات االقتصادية مهدت الندالع الثورة الفرنسية ‪ ،1789‬التي جاءت‬
‫مشبعة باملبادئ الليبرالية وروح الفردية (سلطان إرادة الفرد) ولقد تلقت الثورة الفرنسية هذه النظريات‬
‫واملبادئ فقامت عليها حيث سلمتها إلى املشرعين في أوائل القرن التاسع عشر‪ُ ،‬‬
‫فوضع قانون نابليون‬
‫مجسدا الحرية التعاقدية في نطاق املادة ‪ 2 1134‬وهو ما كرسه املشرع الجزائري في املادة ‪ 106‬من القانون‬
‫املدني‪ 3‬التي تنص " العقد شريعة املتعاقدين‪ ،‬فال يجوز نقضه‪ ،‬وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو لألسباب‬
‫التي يقررها القانون" ‪ ،4‬ومن العوامل التي ساهمت أيضا في ازدهار سلطان اإلرادة وبلوغه شهرة ال مثيل لها‬
‫خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‪ ،‬هو قيام املبادئ الليبرالية االقتصادية‪ ،‬حيث برزت طبقة‬
‫رأسمالية جديدة تمتلك وسائل اإلنتاج والخدمات والتي نادت بضرورة تشجيع املبادرة الفردية وإزالة كل‬
‫العقبات التي تعيق املبادالت التجارية ‪.5‬‬
‫ولقد اعتبرت املذاهب الليبرالية أن حرية العرض والطلب في املجال االقتصادي هي أساس العدالة‬
‫‪6‬‬
‫العقدية حيث يقول الفقيه فوييه ‪ fouillé‬أن " كل ما هو تعاقدي فهو عدل "‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬النتائج القانونية املترتبة على مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫قام سلطان اإلرادة في مفهومة التقليدي على فلسفة مفادها أن الفرد هو العنصر األساس ي في‬
‫العالقة التعاقدية‪ ،‬بحيث أن الفرد هو من يسيطر على هذه العالقة فيكون له السلطان في انشاء العقد‬
‫وتحديد آثاره و ال يحد من هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى فكرة النظام العام ‪.7‬‬
‫إن الحرية التعاقدية التي تكاد تكون مطلقة باملفهوم التقليدي ملبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬تعتبر بمثابة‬
‫املنهج الذي يهيمن على الروابط العقدية وذلك في الفترة التي بلغ فيها قمة ازدهاره خالل القرنين الثامن‬
‫‪8‬‬
‫عشر والتاسع عشر‪.‬‬

‫‪ - 1‬شعار أطلقه الفيلسوف والباحث االسكتلندي‪ ،‬آدم سميث‪ ،‬في مجال قانون االقتصاد والذي يعني تقليص تدخل الدولة في املجال‬
‫االقتصادي‪ ،‬لتنشيط االقتصاد‬
‫‪ -2‬املادة ‪1134‬من القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬التي سبقت االشارة‪.‬‬
‫‪ -3‬الصادر بموجب األمر‪ ،58 -75‬الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -4‬تقابل املادة‪147‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 148‬فقرة أولى من القانون املدني السوري‪ ،‬واملادة ‪ 196‬من القانون املدني الكويتي‪.‬‬
‫‪ -5‬ياسين سعدون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ -7‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد ‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ -8‬صديق شياط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪- 16 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫ولقد ترتب على تطبيق نظرية سلطان اإلرادة على النظام القانوني للعقد عدة نتائج قانونية‪،‬‬
‫سنبيها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬حرية التعاقد‪:‬‬
‫تعتبر حرية التعاقد من صميم مبدأ سلطان اإلرادة والتي تعني تمتع الشخص بمجموعة من‬
‫الخيارات‪ ،‬هي حريته في التعاقد أو عدم التعاقد‪ ،‬وحريته في اختيار املتعاقد معه من عدمه‪ ،‬وكذلك‬
‫‪1‬‬
‫حريته في تحديد موضوع التعاقد‪.‬‬
‫فحريته الشخص في أن يتعاقد أو أن يرفض التعاقد يعني أنه ال يمكن أن يجبر الشخص على‬
‫الدخول في أية عالقة تعاقدية ال يرضها‪ ،‬فالشخص حر في أن يبيع أو يشتري أو يمتلك أو يتبرع أو يؤجر أو‬
‫يستأجر كما أن رفض الشخص للتعاقد هو مظهر من مظاهر الحرية ‪.2‬‬
‫إن حرية الشخص في أن يتعاقد أو ال يتعاقد‪ ،‬يعني أنه أيضا حر في اختيار الشخص الذي يتعاقد‬
‫معه وهذا ملا لإلرادة من دور في تمييز ما يحقق مصلحة صاحبها‪ 3،‬ذلك أن الشخص قد يرى بأن مصلحته‬
‫تتحقق أكثر عندما يتعاقد مع شخص معين‪ ،‬فالشخص يوازن بين الفرص املتاحة والصفقة التي تحقق‬
‫مصلحته أكثر من غيرها ولذلك فهو حر في أن يتعاقد مع الشخص الذي يريده‪ 4 ،‬فمثال في عقد العمل‬
‫يقوم املستخدم باإلعالن عن التوظيف ويمكن للمستخدم من خالل دراسة ملف كل مترشح أن ينتقي‬
‫املترشح األكثر مالئمة للمنصب‪ ،‬بالنظر الى تكوينه وخبرته وكفاءته‪ ،‬فشخصية املتعاقد معه لها أهمية‬
‫كبيرة في العقد‪ ،‬كما أن املشتري حر في أن يشتري من البائع الذي يريده ومن املحل الذي يختاره وفقا ملا‬
‫يتالءم مع قدرته املالية‪ ،‬وكذا بناء على جودة السلع التي تختلف من محل إلى آخر ‪.5‬‬
‫إن حرية الشخص في التعاقد من عدمه وحريته في اختيار الشخص اآلخر املتعاقد معه‪ ،‬يترتب‬
‫عنها أن الشخص حر في أن ُيضمن العقد ما يشاء من شروط بكل حرية واقتناع‪ ،‬فحرية اإلرادة يكون‬
‫احترامها من حيث املوضوع ومن حيث الشكل وال يحد من هذه الحرية سوى فكرة النظام العام ‪ 6‬ففي‬

‫‪ -1‬صديق شياط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.155‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ -3‬عبد الحي حجازي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام وفقا للقانون الكويتي‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبوعات جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪ ،‬طبعة‬
‫سنة ‪ ،1982‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -4‬ياسين سعدون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -6‬صديق شياط‪ ،‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫‪- 17 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫عقد االيجار إلرادة األطراف الحرية في تحديد مدة العقد وكذلك تحديد األجرة التي يلتزم املستأجر بدفعها‬
‫وهكذا األمر في كافة العقود ‪.1‬‬

‫يكون احترام حرية اإلرادة من حيث الشكل عن طريق احترام مبدأ الرضائية في التعاقد ومقتضاه‬
‫أن العقد يتم بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتيهما املتطابقتين دون افراغ هذا التعبير في أي‬
‫‪2‬‬
‫شكل خاص أو اتباع شكليات ومراسيم خاصة‪.‬‬

‫إن حرية الشخص في التعاقد يعني أن االلتزامات التي ارتضاها حتما ستكون عادلة ألنه ال يمكن‬
‫للشخص أن يتصرف خالفا ملصالحه‪ ،‬فاذا اتفقت إرادة شخص حر مع شخص حر آخر على ابرام عقد‬
‫بينهما فال شك أن هذا العقد يحقق مصلحتهما معا‪ ،‬فالعقد وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة هو أصدق تعبير‬
‫عن العدل‪ ،3‬وبهذا أمكن القول أن " كل عدالة هي عقد وأن كل عقد حرحتما سيكون عادل" ‪.4‬‬

‫‪ -2‬اإلرادة الحرة أساس االلتزام‪:‬‬

‫إن مفاد هذه النتيجة أن اإلرادة الحرة هي التي تسيطر على جميع االلتزامات وهي تتجلى بقوة من‬
‫خالل العقد‪ ،‬فاملتعاقدان ال يلتزمان إال بإرادتيهما وال يلتزم شخص بعقد لم يكن طرفا فيه‪ ،‬كما ال يكسب‬
‫حقا من عقد لم يكن طرفا فيه‪ ،‬أما نظرية االشتراط ملصلحة الغير فتبدوا ضيقة محدودة في قانون‬
‫نابليون‪ ،‬لم يحصل التوسع فيها إال في العهد األخير‪ ،‬فالعقد وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة يرتكز على اإلرادة‬
‫الحرة‪ ،‬فإرادة املدين وحده هي التي تلزمه‪ ،‬وسلطان اإلرادة ال يقتصر على توليد االلتزامات بل يولد كل‬
‫الحقوق األخرى كامللكية‪ ،‬التي تمثل الحرية فيه مظهرها امللموس املادي‪ ،‬وحقوق األسرة مبنية على عقد‬
‫الزواج أي على اإلرادة وامليراث مبني على وصية مفروضة‪ ،‬وطرق التنفيذ الجبري ذاتها ترتكز على اإلرادة‬
‫الحرة وإن كانت إجبارية إال أن املدين قد ارتضاها وقت االستدانة ‪ ،5‬واألكثر من ذلك أن العقوبة الجنائية‬
‫ال مبرر ملشروعيتها اال في اإلرادة‪ ،‬فاملجرم عند ارتكابه للفعل املجرم قد ارتض ى مقدما أن يناله الجزاء‪،‬‬
‫وبذلك اعتبر انصار مذهب سلطان اإلرادة أن اختيار املجتمع لاللتزام ما هو إال وليد إلرادة صنعت‬

‫‪ -1‬رمضان أبو السعود‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬األزاريطة‪ ،‬طبعة سنة ‪ ، 2007‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2009‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،...‬مصادر االلتزام‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 4‬جمعة زمام‪" ،‬تحديث النظرية العامة للعقد (في ضوء ظاهرة التخصص التشريعي) "‪ ،‬مجلة البحوث والدراسات القانونية والسياسية‪،‬‬
‫العدد الثاني عشر‪ ،‬ص ‪.225‬‬
‫‪ -5‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني الجديد ‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪- 18 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫القانون‪ ،‬وهذا ما يجد دعامة في نظرية العقد االجتماعي الذي نادى به روسو‪ ،‬وغيره من الفالسفة‬
‫واملفكرين ‪.1‬‬
‫إن أنصار مبدأ سلطان اإلرادة قد تطرفوا في طرحهم عندما أقاموا أحكام القانون املختلفة على‬
‫اإلرادة فحسب‪ ،‬بل وصل بهم األمر إلى نتيجة منافية للعقل واملنطلق‪ ،‬هي أن اإلرادة ليست مجاال تنصب‬
‫‪2‬‬
‫فيه حرية التعاقد بل هي قوام التصرف القانوني‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلرادة الحرة ال تخضع للقيود‪:‬‬
‫يترتب على مبدأ سلطان اإلرادة أن اإلرادة وحدها كافية النعقاد العقد‪ ،‬أي يكفي أن يتوافق‬
‫االيجاب مع القبول النعقاد العقد وال يشترط أي شكل معين للتعبير عن اإلرادة وهذا ما يطلق عليه "‬
‫بقاعدة الرضائية في العقود " وهو ما اعتنقه املشرع في املادة ‪ 59‬من القانون املدني التي تنص " يتم‬
‫العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتهما املتطابقين‪ ،‬دون االخالل بالنصوص القانونية ‪.3‬‬
‫إن منطلق مبدأ الرضائية أن العقود تعتبر صحيحة بمجرد تبادل التراض ي بين طرفي العقد‪،‬‬
‫فاألصل هو الرضائية واالستثناء هو اشتراط إفراغ التصرف القانوني في شكل خاص‪.4‬‬
‫يرى الفقيه جاك غستان أن مبدأ الرضائية هو التفسير الواسع ملبدأ حرية التعاقد‪ ،‬فحرية‬
‫التعاقد من حيث املوضوع تعني اختيار مضمون العقد بحرية أما حرية التعاقد من حيث الشكل هو‬
‫حرية املتعاقدين في اختيار شكل العقد ‪.5‬‬
‫ويعتبر العقد رضائيا حتى لو اشترطت الكتابة إلثباته‪ ،‬طاملا كان انعقاد هذا العقد غير متوقف‬
‫على افراغ التراض ي في شكل كتابي ويترتب على ذلك أنه إذا تخلفت الكتابة املتطلبة لإلثبات فإنه يجوز مع‬
‫ذلك إثبات العقد بما يقوم مقام الكتابة كاإلقرار واليمين ‪.6‬‬
‫إن األصل وفقا ملبدأ حرية التعاقد هو أن يكون العقد رضائيا كما سبق اإلشارة اليه‪ ،‬إال أنه قد‬
‫يشترط املشرع إفراغ العقد في شكل كتابي فيكون العقد شكليا أي البد من توافر هذه الشكلية التي تدخل‬
‫في أركان العقد‪ ،‬فتتمثل أركان العقد الشكلي في التراض ي و املحل و السبب والشكل‪ ،‬فيترتب على مخالفة‬

‫‪ - 1‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني الجديد ‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ - 2‬أحمد حدي اللة‪ ،‬سلطة القاض ي في تعديل االلتزام التعاقدي وتطويع العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في قانون مسؤولية املهنيين‪،‬‬
‫جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان ‪ ، -‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2013 -2012 :‬ص‪.15‬‬
‫‪ -3‬يتطابق هذا النص مع املادة ‪ 89‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 92‬من القانون املدني السوري‪ ،‬واملادة ‪ 90‬من القانون املدني األردني‪،‬‬
‫واملادة ‪ 23‬من مجلة االلتزامات والعقود التونسية‪ ،‬واملادة ‪ 73‬من القانون املدني األردني‪ ،‬واملادة ‪ 23‬من مجلة االلتزامات والعقود التونسية‬
‫واملادة ‪73‬من القانون املدني العراقي‪.‬‬
‫‪ -4‬لخضر حليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ -5‬ياسين سعدون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - 6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪- 19 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫الشكلية بطالن العقد‪ ،‬بينما تتكون أركان العقد الرضائي من التراض ي و املحل و السبب ويكون لألطراف‬
‫املتعاقدة في العقد الرضائي الحرية في اختيار شكل العقد دون أن ينقلب العقد الى شكلي بل يبقى العقد‬
‫محتفظا بطبيعته الرضائية رغم إفراغه في الشكل املختار ‪.1‬‬
‫‪ -4‬العقد قانون املتعاقدين‪:‬‬
‫تأسيسا على النزعة الشخصية التي تجسد حرية التعاقد‪ ،‬حيث تعتبر أن إرادة الفرد هي األساس‬
‫األول في تكوين العقد وتحديد آثاره وهو ما تجسد في اتجاهات القانون املدني املعاصر‪ ،‬حيث ذكر الفقيه‬
‫الفرنس ي ( ‪ 2 ) Domat‬أنه‪ " :‬إذا تم االتفاق فكل ما اتفق عليه يقوم مقام القانون ملن تعاقد " وهي‬
‫القاعدة التي تجسدت تشريعا في املادة (‪ )1134‬من القانون الفرنس ي‪،‬التي نصت في فقرتها األولى بأنه‪:‬‬
‫"تقوم االتفاقيات املبرمة بشكل قانوني مقام القانون بالنسبة إلى من أبرموها " ‪ 3‬و بذلك ُعرف مبدأ "‬
‫العقد شريعة املتعاقدين ‪ ،4 pacta sunt servanda‬الذي قال عنه هنري باتيفول ‪ 5‬بأنه‪ " :‬دستورالنظام‬
‫الداخلي "‪.‬‬
‫إن قاعدة العقد شريعة املتعاقدين تعني أن العقد إذا تنشأ صحيحا واستكمل القاض ي عملتي‬
‫التفسير في حالة الغموض والتكييف تحددت التزاماته وأصبح للعقد قوته امللزمة ومن ثم يجب على‬
‫املتعاقدين والقاض ي على حد السواء التقيد به وتنفيذه في جميع ما اشتمل عليه ‪ 6‬وهو ما كرسه املشرع‬
‫في املادة ‪ 106‬من القانون املدني‪.‬‬

‫إن التزام األطراف بعقد معين يعني أنه أصبح بمثابة القانون بالنسبة لهم فال يجوز ألحد الطرفين‬
‫أن ينفرد بتعديل العقد أو نقضه إال باتفاق الطرفين معا وهذا ما يجعل للعقد قداسة‪ُ ،‬يمنع انتهاكها أو‬
‫االعتداء عليها‪.‬‬

‫‪ -1‬ياسين سعدون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫‪ -2‬جان دوما‪ ،‬ولد سنة ‪ ،1625‬وتوفي سنة ‪ ،1696‬قاض فرنس ي اشتهر بشروحاته للقوانين املدنية التي انتشرت في أوروبا‪ ،‬وكانت أهم مصادر‬
‫القانون الذي أخذ عنه (نابليون ) قانونه املدني الفرنس ي‪ ،‬يراجع في ذلك على فيصل على الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 62‬الهامش رقم ‪.3‬‬
‫‪ -3‬علي فيصل علي الصديقي ‪ ،‬املرجع‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -4‬تعبر قاعدة العقد شريعة املتعاقدين ‪ pacta sunt servenda‬عن الوفاء بالعهد الذي ظهر قديما‪ ،‬وهي تؤكد على ضرورة احترام الكالم‬
‫املعطى ‪.respect de la parole donnée‬‬
‫‪( - 5‬هنري باتيفول ‪ )henri batiffol‬ولد في ‪ 16‬فبراير ‪ ،1905‬وتوفي في ‪ 20‬نوفمبر ‪ 1989‬باحث ومحامي فرنس ي‪ ،‬درس الحقوق في باريس وأصبح‬
‫أستاذا في عام ‪ ،1935‬كما عمل أستاذا زائرا في عدد من كليات الحقوق‪ ،‬ومنها جامعة هارفرد‪ ،‬نقال عن علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪ 63‬الهامش رقم ‪.1‬‬
‫‪ -6‬عبد القادر عالق‪ ،‬أساس القوة للعقد وحدودها‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ - ،‬تلمسان‪-‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2008 -2007 :‬ص ‪.12‬‬
‫‪- 20 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بالرجوع إلى االجتهاد القضائي نجد أن املحكمة العليا قد أقرت مبدأ العقد شريعة املتعاقدين وأن‬
‫أي انتهاكا له ُيعد مساسا وخرقا للقانون وتجاوزا للسلطة‪ 1 ،‬ولقد تكرس هذا املبدأ بموجب قرارا آخر‬
‫للمحكمة العليا التي نقضت قرار قضاة املوضوع الذين أخطأوا في تكييف العقد وخرقوا القانون الواجب‬
‫التطبيق‪ ،‬إذ أن قاض ي املوضوع مطالب بالتكييف القانوني الصحيح وهو في ذلك يخضع لرقابة املحكمة‬
‫العليا‪.‬‬

‫كرس املشرع الجزائري مبدأ القوة امللزمة للعقد أيضا‪ ،‬من خالل املادة ‪ 107‬التي نصت في فقرتها‬
‫األولى على أنه‪ " :‬يجب تنفيذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وبحسن نية‪ ،"...‬فالعقد يجد قوته امللزمة من‬
‫خالل املادتين ‪ 107 ،106‬من القانون املدني‪ ،‬فتصبح قوة العقد كقوة القانون في مواجهة طرفيه معا وفي‬
‫مواجهة القاض ي فال يمكن املساس بها أو انتهاكها‪ ،‬إال وفقا التفاق جديد للمتعاقدين أو حسب األحوال‬
‫‪2‬‬
‫التي يقررها القانون‪.‬‬

‫تعتبر القوة امللزمة للعقد ضرورة لضمان استقرار املعامالت وتحقيق األمن القانوني وهو ما ذهب‬
‫إليه جاك غستان الذي يرى أن جانب كبير من الفقه يعتبر القوة امللزمة للعقد ضرورية لتحقيق األمن‬
‫القانوني ‪.3‬‬

‫ثالثا‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة في الفقه اإلسالمي‬

‫عرفت الشريعة اإلسالمية مبدأ سلطان اإلرادة منذ فجر التاريخ‪ ،‬فيكفي مجرد تراض ي املتعاقدين‬
‫وتوافق إرادتيهما إلنشاء العقد وال يستلزم العقد أي شكلية خاصة في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬باستثناء بعض‬
‫العقود‪ ،‬كعقود الزواج التي تستلزم االشهاد عليها ‪ 4‬وما يؤكد لنا إقرار مبدأ سلطان اإلرادة الفقه اإلسالمي‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪5‬‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫لذين ءامنوا ال تاكلوا أمولكم‬
‫ود " وقوله تعالى " يأيها ا ِ‬ ‫لذين ءامنوا أوفوا ِبالعق ِ‬
‫قوله تعالى‪ " :‬يأيها ا ِ‬

‫‪ -1‬قرار املحكمة العليا‪ ،‬املؤرخ في ‪ 07‬فبراير ‪ ،1983‬قضية رقم ‪ ، 29500‬م ق سنة ‪ 1989‬ع ‪ ،01‬ص ‪ .165‬نقال عن‪ ،‬عالق عبد القادر املرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪ 38‬الهامش رقم ‪.2‬‬
‫‪ -2‬عبد القادر عالق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -3‬بالل عثماني‪ ،‬أطراف العقد املدني بين الحق في تحقيق املصلحة الشخصية وااللتزام بحسن النية‪ ،‬أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه‬
‫في العلوم‪ ،‬تخصص القانون‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ - ،‬تيزي وزو‪، -‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2018-2017 :‬ص ‪.35‬‬
‫‪ -4‬حمدي محمد اسماعيل سلطح‪ ،‬القيود الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة في العقود املدنية‪ ،‬دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي "‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي األزرايطة اإلسكندرية‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2006‬ص ‪.28‬‬
‫‪ - 5‬سورة املائدة اآلية ‪.1‬‬
‫‪- 21 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫بينكم ِبالب ِط ِل ِإال أن تكون ِتجرة عن تراض ِّمنكم وال تقتلوا أنفسك ُمۥ ِإ َن َلَ۬ا كان ِبكم ر ِحيما " ‪ ،1‬كما‬
‫قال عليه الصالة والسالم " املسلمون على شروطهم إال شرطا حرم حالال أو أحل حراما " ‪.2‬‬

‫‪ -1‬دوراإلرادة في تكوين العقد‬

‫إن الفقه اإلسالمي أطلق لإلرادة الحرية في مجال تكوين العقد وهذا املبدأ أساسه من القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية وال وجود لإلكراه العقدي في ظل الفقه اإلسالمي‪ ،‬و ما يؤكد لنا هذه الحرية‬
‫الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء‪ ،‬الذي يرى بأن الشرع اإلسالمي أقر للمتعاقد الحرية في إنشاء عقود‬
‫جديدة لتضاف إلى فئة العقود املسماة املتعارف عليها مما يعني أن العقود في الشرع اإلسالمي ال تنحصر في‬
‫فئة معينة من العقود بل يمكن أن تتجاوزها‪ ،‬بأن يصبح محال للعقد كل ما اتجهت اليه ارادة املتعاقدين‬
‫طاملا خضعت هذه اإلرادة للقواعد والشروط التي تحكم العقود‪.‬‬

‫فحرية التعاقد من منظور الفقه اإلسالمي هو أن الرضائية أو تراض ي األطراف وتوافق إرادتيهما‬
‫كاف إلنشاء العقد‪ ،‬دون التقيد بشكلية معينة ما عدا بعض الحاالت االستثنائية التي سيتم التطرق لها‬
‫‪3‬‬
‫الحقا‪.‬‬

‫تأكيد على مبدأ الرضائية في العقود يرى ابن تيمية أن األصل في العقود رضا املتعاقدين‪ ،‬بما‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أوجباه على أنفسهما بالتعاقد لقوله تعالى‪ِ " :‬إال أن تكون ِتجرة عن تراض ِّمنكم "‪ ،‬وقوله تعالى " ف ِإن ِطبن‬
‫وه ه ِنيـا َم ِريـا "‪ 4‬وفي ذلك يرى ابن تيمية أنه في التبرعات علق الحكم بطيب‬‫ل ُكم عن شےء ّمن ُه نفسا ف ُك ُل ُ‬
‫ِ‬
‫النفس وفي املعاوضات علق الحكم بالتراض ي أي الرضا من الجانبين ألن كل من املتعاوضين يطلب ما عند‬
‫اآلخر و يرض ى به بخالف املتبرع فإنه لم يبذل أي ش يء يرض ى به ولكن قد تسمح له نفسه بالبذل وهو‬
‫طيب النفس ‪.5‬‬

‫فالشريعة اإلسالمية منظومة حياتيه شاملة ومتطورة‪ ،‬ال ينحصر تنظيمها في محض العالقات‬
‫القانونية الفردية فحسب وانما هي منظومة فكرية شاملة تنظم عالقة الفرد بربه وبنفسه وبغيره من‬
‫األفراد‪ ،‬فضال عن عالقته بجماعته السياسية العامة والجماعات التي ينتمي إليها‪ ،‬فاإلرادة في الشرع‬

‫‪ -1‬سورة النساء اآلية ‪.29‬‬


‫‪ -2‬حمدي محمد إسماعيل سلطح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -3‬صديق شياط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 4‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬
‫‪ - 5‬صديق شياط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪- 22 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫اإلسالمي حرة في تصرفاتها ولم ّ‬
‫تقيد إال بقيدين أولهما ما حرمه هللا تعالى ونهى عنه ويقابله في القانون ما‬
‫‪1‬‬
‫يخالف النظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وثانيهما ما فيه اعتداء على حقوق الناس املكتسبة شرعا‪.‬‬

‫أقر فقهاء الشريعة االسالمية ومنهم ابن تيمية وابن القيم رحمهما هللا أن ارادة االنسان مطلقة في‬
‫انشاء العقود والشروط‪ ،‬ولألفراد الحرية الواسعة في ذلك ‪ ،‬فاألصل هو الجواز و الصحة‪ ،‬فال يحرم وال‬
‫يبطل اال ما جاء الدليل على تحريمه وابطاله بالنص في القرآن والسنة أو االجماع و القياس‪.2‬‬

‫إن األصل في العقود في الشريعة االسالمية هو حرية التراض ي‪ ،‬اال أنها تخضع للقيود التي وضعها‬
‫الشارع‪ ،‬وهما ما حرمه هللا سبحانه وتعالى وثانيهما ما فيه اعتداء على حقوق الناس املكتسبة شرعا و لقد‬
‫نتج عن القيد الذي مفاده منع االعتداء على حقوق الغير عناية الشريعة اإلسالمية على وجه الدوام‬
‫بتحقيق العدل بين املتعاقدين وذلك عن طريق تحقيق املساواة بينهم وهذه املساواة مرتبطة بحسن النية‪،‬‬
‫‪ 3‬وقد رتبت الشريعة آثارا لحماية الطرف الذي لم يتمتع بهذه املساواة الى جانب العقوبة الدينية وكما‬
‫سبق التطرق له فإن العقود في الفقه اإلسالمي تحتاج إلى اإلرادة إلبرامها وملا كانت اإلرادة من األمور‬
‫النفسية الباطنية التي يصعب االطالع عليها فإنه ّ‬
‫البد من إخراجها واظهارها‪ ،‬ألن اإلرادة ال يمكن أن تنش ئ‬
‫العقد ما لم تظهر في شكل قول أو فعل‪ 4 ،‬فاإلرادة هي الركن األساس ي في تكوين العقود وهي ذات وجهين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬خارجي ظاهر يطلق عليه اإلرادة الظاهرة‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬داخلي يسمى اإلرادة الباطنة‪.‬‬

‫إن األصل أن تكون اإلرادة الظاهرة موافقة ومعبرة عن اإلرادة الباطنة وفي هذه الحالة ال تثار أي‬
‫مشكلة‪ ،‬لكن اإلشكال يثار عندما تكون اإلرادة الظاهرة مخالفة لإلرادة الباطنة‪ ،‬فهل نأخذ باإلرادة‬
‫الظاهرة ألننا ال يمكن أن نتعرف على اإلرادة الباطنة؟ أم نأخذ باإلرادة الباطنة ألنها هي ما يرتضيه‬
‫صاحبها؟ ‪.5‬‬

‫وفي هذه املسألة ظهر اتجاهان في الفقه اإلسالمي‪ ،‬أما االتجاه األول فيميل أصحابه الى التقيد‬
‫باإلرادة الظاهرة‪ ،‬أي بالعبارة دون األخذ باإلرادة الباطنة ملا كانت هذه العبارة واضحة في التعبير عن هذه‬

‫‪ -1‬محمد صديق محمد عبد هللا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫سامي بن حملة‪" ،‬أصول الحرية التعاقدية وضوابطها في الشريعة االسالمية"‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪،‬‬
‫ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -3‬سامي بن حملة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ -4‬حمدي محمد اسماعيل سلطح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪- 23 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫اإلرادة ومن هؤالء الشافعية فهم يحكمون بوجود العقد لوجود العبارة الدلة عليه‪ ،‬كما في عقد الهازل‬
‫الذي يعرف العبارة ولكنه ال يقصد بها االلتزام باآلثار واألحكام التي تترتب عليها‪ ،‬فالعقود ما دامت‬
‫صحيحة في الظاهر فانه يترتب عليها أثرها‪ ،‬وال يستفيد املتعاقد من قوله أنه كان يقصد خالف ذلك ‪.1‬‬

‫وأما االتجاه الثاني وهو لجمهور الفقهاء من املالكية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬فيميل صاحبه إلى االعتداد‬
‫باإلرادة الباطنة ويذهبون الى بطالن العقود الظاهرة إذا كانت ال تتوافق مع اإلرادة الباطنة‪ ،‬ومنه يمكن‬
‫القول أن اإلرادة في الفقه اإلسالمي كافية إلنشاء العقد بمجرد تالقي إرادة العاقدين‪ ،‬شريطة أال يتناقض‬
‫هذا االتفاق مع األصل من أصول الشريعة أو قاعدة من قواعدها أو مصلحة من املصالح املعتبرة فيها في‬
‫الفقه اإلسالمي ‪.2‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬انهياراملفهوم الكالسيكي ملبدأ سلطان اإلرادة‬

‫بعد االزدهار الذي شهده مبدأ سلطان اإلرادة خالل القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر‪،‬‬
‫فإنه ومع بداية القرن العشرين بدأ هذا املبدأ في التراجع‪ ،‬فتالش ى بريقه شيئا فشيئا متأثرا بعوامل‬
‫وسعت من نطاق العالقات العقدية‪ ،‬فتأسست الشركات الضخمة و ظهر اختالل‬ ‫اقتصادية واجتماعية‪ّ ،‬‬

‫التوازن بين األطراف املتعاقدة واضحا‪ ،‬سواء من الناحية االقتصادية أو الناحية املعرفية‪ ،‬كل هذا ّأدى‬
‫الى انتشار روح االشتراكية وقيامها في وجه املذاهب الفردية القائمة على األنظمة الليبرالية‪ ،‬األمر الذي‬
‫جعل من مبدأ سلطان اإلرادة يتراجع بسبب النقائص التي أظهرها خصومه ‪ ،3‬حيث وصلوا إلى تفنيد‬
‫النتائج التي جاء بها مبدأ سلطان اإلرادة وهذا ما سنوضحه تباعا‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نقد القانون الطبيعي كأساس للمبدأ‬

‫من بين املبادئ التي نشأ عليها مبدأ سلطان اإلرادة هي مبادئ القانون الطبيعي‪ ،‬الذي يعني أن‬
‫لإلنسان حرية وحقوق شخصية سابقة لوجوده‪ ،‬أقرها له القانون الطبيعي وهي تعلو على القوانين‬
‫الوضعية‪ ،‬هذه الحقوق والحريات هي أساس تنظيم املجتمع‪ ،‬ومن ثم فال يجوز تقييدها ألنها حق مقدس‪،‬‬
‫والعقد أساسه هذه الحرية‪ ،‬والقانون يكون نتيجة لهذه الحرية‪.‬‬

‫‪ -1‬حمدي محمد اسماعيل سلطح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ، ...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫‪- 24 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إال أن هذا الطرح أظهر نقائصا حيث يرى الفقهاء أن اإلنسان كائن اجتماعي ومدني بطبعه ال‬
‫يستطيع العيش بدون الجماعة‪ ،‬كما أن مصالحه ال يمكن تحقيقها إال في كنف املجتمع وعليه فإن ما‬
‫يتمتع به من حقوق وحريات يكون في حقيقة األمر كونه عضوا في املجتمع وليس باعتباره فردا منعزال‪.1‬‬

‫كما أن القول بوجود حقوق شخصية للفرد سابقة على وجود املجتمع ومصدرها الوحيد إراداته‬
‫الحرة هي فكرة ميتافيزيقية‪ ،‬فال وجود للحقوق الشخصية التي تنشئها اإلرادة طاملا أن اإلنسان يولد في‬
‫املجتمع ويستمد شخصيته من الضمير االجتماعي باعتبار أن كل فرد في املجتمع يناط له مهمة معينة‬
‫‪2‬‬
‫وإرادته هي وسيلة لتحقيق ذلك انطالقا من ضرورة االعتماد االجتماعي املتبادل‪.‬‬

‫إن حرية اإلرادة ال تصلح أن تكون أساسا للعقد وال أساسا للقانون فلو كان العقد يقوم على إرادة‬
‫املتعاقدين و أراد من التزم باألمس أال يلتزم اليوم‪ ،‬فأي االرادتين يحترم؟ ال شك أن أنصار مذهب سلطان‬
‫اإلرادة يقولون باحترام اإلرادة السابقة ولكن منطق سلطان اإلرادة يقض ي أيضا بأن اإلرادة الالحقة تنسخ‬
‫اإلرادة السابقة ؟ فالواقع أن أساس العقد ليس اإلرادة‪ ،‬بل أساسه العدالة واملصلحة العامة‪ ،‬أما حرية‬
‫‪3‬‬
‫الفرد فال يفسح لها املجال إال بقدر ما تتفق مع املصلحة العامة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نقد نظرية العقد االجتماعي‬

‫تم توجيه النقد لهذه النظرية حيث يرى الدكتور عبد السيد تناغو أن القول بمبدأ سلطان اإلرادة‬
‫يتنافى تماما مع املعنى الحقيقي لنظرية العقد االجتماعي‪ ،‬فمصدر العقد االجتماعي إنما هو القانون‬
‫الطبيعي وليس إرادة االفراد‪ ،‬وأن نظرية العقد االجتماعي ال تهدف إلى إطالق حرية اإلرادة‪ ،‬بل هي على‬
‫العكس من ذلك تخضع لحكم العقل والعدل ومبادئ القانون الطبيعي وليس العكس‪.‬‬

‫فاإلرادة هي وسيلة لتحقيق هدف معين تترتب عليه آثار قانونية‪ ،‬فلو تم التسليم أن اإلرادة هي‬
‫مصدر االلتزام‪ ،‬فينبغي أن يقترن هذا االلتزام باإلرادة التي أنشأته‪ ،‬فإذا التزام شخص في املاض ي ثم بعد‬
‫ذلك نشأت لدى املتعاقد إرادة أخرى تخالف اإلرادة األولى التي التزم بها‪ ،‬فهنا يتدخل القانون ليجبر‬
‫الشخص على تنفيذ التعهد السابق الذي أنشأه في املاض ي‪ ،‬بناءا على إراداته السابقة وعليه فإن القول‬
‫بأن اإلرادة هي أساس العقد وهي التي تحقق مصلحة صاحبها يؤدي الى هدم ما ثم بناؤه في السابق‪ ،‬بحجة‬
‫احترام اإلرادة ولذلك يجب القول بأن مصدر االلتزام هو ش يء آخر غير اإلرادة‪ ،‬أال وهو القانون ومن خالل‬

‫‪ -1‬صديق شياط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬


‫‪ -2‬أحمد حدي اللة‪ ،‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -3‬عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪- 25 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫اإلرادة يتم تحقيق العدل والصالح العام ويصبح من حق كل من املشرع والقاض ي التدخل كلما تطلب األمر‬
‫ذلك‪ ،‬بغرض التأكد من أن سلطان اإلرادة ما هو إال وسيلة لتحقيق الصالح العام وليس هدفا في حد ذاته‬
‫‪.1‬‬

‫إن الفقه الحديث يسلم بدور اإلرادة في نشأة العقد وتحديد محتواه ولكن يجيز في الوقت نفسه‬
‫للمشرع والقاض ي أن يتدخال في تحديد مضمون العقد وفي هذه املسألة يقول الفقيه الفرنس ي رووت‬
‫‪ Rouhette‬أن العقد‪ " :‬ليس باتفاق إرادتين ‪...‬القوة امللزمة للعقد لم تؤسس عند واضعي القانون‬
‫على احترام اإلرادة ولكن على الضرورة االجتماعية الستقرار التعهدات التعاقدية ‪ ....‬وإعماال بسنة‬
‫التطورالحاصل في العالم منذ ‪ ،1804‬فقد اندثرت الفردانية ولم تعد اإلرادة ملزمة إال أنها تحت سلطة‬
‫‪2‬‬
‫القانون "‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نقد األساس أن كل ما هو تعاقدي فهو عادل‬

‫كانت الحرية التعاقدية في القرن التاسع عشر األساس الذي يقوم عليه املذهب الفردي‪ ،‬إذ‬
‫جعلت للعقد القدرة على خلق العدالة الذاتية و التي ال يمكن أن تكون خارج العالقة التعاقدية‪،‬‬
‫فالشخص وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة الذي يقوم عليه املذهب الفردي مادام أن لديه الحرية في تكوين‬
‫العقد وتحديد آثاره وهو يتمتع باملساواة مع شريكه ويسعى من خالل ذلك إلى تحقيق مصلحته وبالتالي‬
‫تتجه ارادته الى تحقيق العدالة للعالقة العقدية ‪.3‬‬

‫إن النظرية التقليدية للعقد تقوم على أساس املساواة املجردة‪ ،‬دون األخذ باملساواة الفعلية‬
‫واألخذ بالعدالة التبادلية دون ألخذ بالعدالة التوزيعية‪ ،‬حيث أن إرادة الشخص في الكثير من األحيان‬
‫تحدث اختالل في التوازن بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬األمر الذي ال يمكن معه القول بالعدالة املجردة ‪.4‬‬

‫إن األخذ بمبدأ مالزمة العدالة للعقد أصبح غير معقول في هذا العصر الذي تجمعت فيه الثروة‬
‫في يد القلة من أفراد املجتمع في الدولة ونشأت الشركات الضخمة واتحادات املنتجين‪ ،‬مما أدى إلى اختالل‬
‫التوازن الواضح في العالقة التعاقدية إذ ظهرت فكرة الطرق الضعيف في العالقة العقدية‪ ،‬فكثيرا ما يتم‬
‫استغالل املستخدمين للعمال وفرض شروطهم عليهم‪ ،‬فيقبلها العامل بدافع الحاجة دون أن تكون لديه‬

‫‪ --1‬شياط صديق‪ ،‬املرجع سابق‪ ،‬ص‪.192‬‬


‫‪ -2‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ - 3‬أحمد حدي اللة‪ ،،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪- 26 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫الحرية في هذا العقد‪ ،‬مما يجعل من فكرة العدالة املجردة غير مجدية في الوقت الراهن وذلك ألنها ال‬
‫تتماش ى مع املستجدات االقتصادية ‪.1‬‬

‫رابعا‪ :‬انتقاد األساس االقتصادي ملبدأ سلطان اإلرادة‬

‫كما سبق وأن رأينا فإن مبدأ سلطان اإلرادة قام على مبدأ الحرية التعاقدية وتقديس حرية الفرد‬
‫ّ‬
‫وجعلها حقا مالزما للشخصية‪ ،‬كما أنه قام على أسس اقتصادية‪ ،‬عن طريق تشجع املبادرة الفردية وإزالة‬
‫كل القيود التي تعيق املبادالت التجارية ولقد برر أيضا هذا املبدأ أن املبادالت التجارية تقوم على أساس‬
‫الحرية التعاقدية التي تعكس املساواة املفترضة وهي مساواة املتعاقدين في تحديد مضمون العقد‬
‫والدخول في العالقة العقدية واختيار املتعاقد معه وهي املبادئ التي تضمنها اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫االنسان سنة ‪ ،1789‬في املواد من ‪ 1‬الى ‪ ، 6‬كما أن املشرع الفرنس ي تأثر بتقديس الحرية‪ّ ،‬‬
‫فأقر حرية‬
‫التجارة والصناعة في القانون الصادر في ‪ 2‬و ‪ 17‬مارس ‪ 1791‬و في الدستور الفرنس ي لسنة ‪ 2 1791‬وتظهر‬
‫‪3‬‬
‫بوادر الحرية التعاقدية في نص املادة ‪ 1134‬من القانون املدني الصادر سنة ‪.1804‬‬

‫إن هذه املبادئ تعكس الليبرالية االقتصادية‪ ،‬فاإلرادة تفرض سلطانها على املتعاقدين وتقتض ي‬
‫إزالة ما يعيق املعامالت االقتصادية واالجتماعية بين األفراد تحقيقا للمنفعة واملصلحة العامة والعدالة‬
‫االجتماعية وبالرجوع الى التجربة الجزائرية فإن املادة ‪ 106‬من القانون املدني ‪ 4‬في ظل دستور ‪ 1963‬ـ تبنت‬
‫الجزائر قواعد النظام االشتراكي ‪ 5‬وبقى األمر ‪ 58 -75‬املتعلق بالقانون املدني ساري املفعول في ظل دستور‬
‫‪ ،1976‬الذي تبني أيضا أفكار االقتصاد االشتراكي‪ ،‬رغم أنه أظهر بعض بوادر االقتصاد الليبرالي‪ ،‬فهنا‬
‫يظهر التعارض ألن النظام االشتراكي يعني توجيه الدولة لالقتصاد لتحقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬في حين‬
‫أن نص املادة ‪ 106‬من القانون املدني تعد األساس القانوني ملبدأ لحرية التعاقدية‪ ،‬فما هو القانون‬
‫الواجب التطبيق اذا تعارضت املادة ‪ 106‬من القانون املدني التي تكرس الحرية التعاقدية مع نص خاص‬
‫جاء تطبيقا ملبادئ النظام االشتراكي وبالرجوع إلى نص املادة ‪ 2‬من القانون املدني في فقرتها ‪ 2‬التي تنص‪":‬‬

‫‪ -1‬أحمد حدي اللة‪ ،،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ - 2‬سعدون ياسين‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -3‬ألغيت املادة ‪ 1134‬من القانون املدني الفرنس ي بمقتض ى االمر ‪ ،131- 2016‬وتم إعادة صياغة مضمون النص في املادة ‪1103‬و املادة‬
‫‪ 1194‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ - 4‬سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬نصت املادة ‪10‬من دستور ‪،1963‬املؤرخ في ‪ 8‬سبتمبر ‪ ،1963‬ج ر‪ ،‬عدد ‪ 64‬على أن‪ " :‬األهداف األساسية للجمهورية الجزائرية تتمثل تشيد‬
‫مجتمع اشتراكي‪ ،‬ومحاربة ظاهرة استغالل االنسان بكل اشكالها "‪.‬‬
‫‪- 27 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫وقد يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا‪ ،‬يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من‬
‫جديد موضوعا سبق وأن قرر قواعده ذلك القانون القديم"‪.‬‬

‫فاملادة ‪ 2‬من القانون املدني تحل إشكالية تعارض نص خاص مع نص املادة ‪ ،106‬التي تعتبر مبدأ‬
‫عام في العقد‪ ،‬أما الحكم الخاص فيظل نافذا باعتباره يمثل استثناء واردا على القاعدة العامة التي يضعها‬
‫‪1‬‬
‫القانون املدني في نص املادة ‪ 106‬منه‪.‬‬

‫جاءت األفكار الليبرالية مشبعة بروح الفردية وتقديس الحرية في ظل سيادة املذهب الفردي‪،‬‬
‫الذي يرى أنصاره أنه البد من استقالل حرية الفرد وإرادته وتسيير هذه اإلرادة لكل ما في الحياة من نظم‬
‫اقتصادية ‪ 2‬واجتماعية وأنه لو ترك الناس أحرارا في نشاطهم االقتصادي وفتحت املنافسة بينهم‪ ،‬ما تلبث‬
‫األمور أن تستقر‪ ،‬فاألسعار تتحدد عن طريق العرض والطلب وليس من طرف املشرع‪.3‬‬

‫غير أن هذا التصور املثالي يكذبه الواقع‪ ،‬فعدم املساواة في القوة االقتصادية أو املراكز‬
‫االجتماعية يؤدي حتما الى عدم التوازن العقدي‪ ،‬كما أن القول بأن الحرية العقدية تحقق التوازن‬
‫االقتصادي عن طريق العرض والطلب هو كالم غير صحيح‪ ،‬ألن الفرد يميل الى تحقيق مصلحته‬
‫الشخصية حتى ولو كان ذلك يتعارض مع املصلحة العامة للمجتمع‪ ،‬مما يفقد العقد وظيفته االجتماعية‬
‫‪.4‬‬

‫إن املبادئ التي قام عليها املذهب الفردي جسدت مبدأ سلطان اإلرادة وتقديس حرية الفرد ولكن‬
‫سرعان ما أثبتت الظروف االقتصادية هشاشها نظرا الختالل التوازن بين القوى االقتصادية‪ ،‬كل ذلك‬
‫ّ‬
‫مهد النتشار املذاهب االشتراكية‪ ،‬بعدما وجه أنصارها النقد الالذع للمذهب الفردي‪ ،‬الذي دافع عن مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة في مفهومه الكالسيكي ‪ ،5‬فاملذاهب االشتراكية أقامها املذهب االجتماعي وهو ما سنتناوله‬
‫في املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬قيام املذهب االجتماعي‬

‫‪ -1‬علي فياللي‪ ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬االلتزامات‪ ،‬املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط الثالثة‪ ،‬سنة ‪ ،2010‬ص ‪.215‬‬
‫‪ -2‬يقوم املذهب االقتصادي على عبارتين مشهورين جعلت عنوانا له وهي دع األمور تجري (‪ ،) laissez faire‬ودع األشياء تنتقل ( ‪laissez‬‬
‫‪ ) passer‬ويراد بذلك إطالق الحرية في العمل وجعل التجارة حرة من القيود الجمركية‪ ،‬يراجع عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪، ...‬‬
‫الجزء ‪ ،1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 96‬الهامش رقم ‪.4‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ -4‬ياسين سعدون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪ -5‬عبد الرزاق احمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح ‪ ،....‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن العوامل االقتصادية والسياسية التي أدت الى ازدهار مبدأ سلطان اإلرادة أخذت تنكمش شيئا‬
‫فشيئا‪ ،‬تحت تأثير التحوالت االقتصادية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬فاختالل التوازن بين القوى‬
‫االقتصادية في التعاقد أدى الى ضرورة تحقيق املساواة الحقيقية وتجاوز املساواة املجردة التي هي من‬
‫أفكار املذهب الفردي‪ ،‬كما أن مصلحة الجماعة أولى من مصلحة الفرد ولقد أسس لهذه املبادئ واألسس‬
‫مفكرين من رواد املذهب االشتراكي الذين يجسدون املذهب االجتماعي وهو ما نتناوله في (الفرع األول)‪،‬‬
‫بينما نخصص (الفرع الثاني) للتطرق إلى الحد من سلطان اإلرادة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬االشتراكية في الجوانب االقتصادية‬

‫إن العوامل االقتصادية التي أدت الى ازدهار مبدأ سلطان اإلرادة في القرن الثامن عشر تطورت في‬
‫القرن العشرين وهي نفسها التي أدت الى تراجع هذا املبدأ‪ ،‬فيكون بذلك مبدأ سلطان اإلرادة قد ازدهر‬
‫متأثرا بعوامل اقتصادية وانتكس بفعل العوامل ذاتها ‪ ،1‬فانتشار الشركات الكبرى كما سبق اإلشارة اليه‪،‬‬
‫أدت إلى اختالل التوازن بين صاحب رؤوس األموال الضخمة والعامل البسيط في العالقات العقدية‪ ،‬مما‬
‫أحدث اختالل التوازن في العقد وهو ما أدى إلى انتشار روح االشتراكية ‪ 2‬وقيامها في وجه املذاهب الفردية‬
‫التي تعترف باملساواة املجردة النظرية دون النظر الى املساواة الحقيقية في العالقة العقدية‪.‬‬

‫إن تراجع مبدأ سلطان اإلرادة في ظل تغير البيئة العقدية أدى الى ظهور تيارات مناهضة للمذهب‬
‫الفردي فلقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر مولد املذاهب االجتماعية‪ ،‬حيث ظهرت فكرة‬
‫"االشتراكية " في الجوانب االقتصادية وحمل لواءها اثنان من كبار املفكرين األملان‪ ،‬هما كارل ماركس‬
‫(‪ 3)Karl Marx‬وفرديك انجلز ( ‪ )Friedrich Engels‬ولقد أدى ذلك إلى ظهور فكرة النظام العام كقيد‬
‫على املذهب الفردي الذي يجسد النزعة الشخصية في العقد وجاءت مفاهيم جديدة لفكرة النظام العام‬
‫التي ال تقتصر على الجانب السلبي الرقابي‪ ،‬الذي يقيد الحرية التعاقدية‪ ،‬بل تجاوزته إلى التدخل اإليجابي‬

‫‪ -1‬عبد الرزاق‪ ،‬أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪ -2‬إن االشتراكية املاركسية هي إيديولوجية إقصائية‪ ،‬تهدف للقضاء على البرجوازية‪ ،‬وعلى قاعدة قوتها املتمثلة في امللكية الخاصة لوسائل‬
‫إلنتاج وحرية السوق‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص محمد مدان‪" ،‬االشتراكية الجزائرية بين النظرية والواقع االجتماعي"‪ ،‬أنثروبولوجيا املجتمع‬
‫الجزائري‪ ،‬املحور الثالث‪ ،‬بدون سنة ص ‪.166‬‬
‫‪ -3‬ماركس وانجلز أصدرا معا اإلعالن العام للحزب الشيوعي في أملانيا عام ‪ 1848‬ويعتبران مصلحان اجتماعيان‪ ،‬وقد تأثرا بالظروف السيئة‬
‫للطبقة العاملة في املجتمع األوروبي الذي عاشا فيه‪ ،‬وذلك في املراحل األولى لتطور النظام الرأسمالي الفردي‪ ،‬وقد كانا من رجال االقتصاد‬
‫على نحو يفوق انتماءهما لعلم القانون‪ ،‬مع ذلك فإن ماركس قام بدراسات عديدة بكلية الحقوق ببرلين ويبدوا أن كراهيته ونفوره من رجال‬
‫القانون يعزى لكونه مصلحا اجتماعيا في مواجهة أنصار النظام السائد‪ ،‬كما كان فيلسوفا وتأثر بتعاليم هيجل‪ ،‬واستوحى منها العديد من‬
‫أفكاره في مجال القانون‪ ،‬يراجع على فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 70‬الهامش ‪.2‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫في تحديد مضمون العقد‪ ،‬لتبرز فكرة العقود املوجهة واملفروضة األمر الذي أدى إلى التراجع الحاد للنزعة‬
‫الشخصية التي يجسدها املذهب الفردي ‪.1‬‬
‫‪ -1‬عجزسلطان اإلرادة على احتواء الظواهرالعقدية املستحدثة‬
‫إن انتكاس مبدأ سلطان اإلرادة تحت تأثير تطور النظم االقتصادية جعل من خصوم املبدأ‬
‫يمعنون في نقده ‪ ،2‬مما جعل البعض ينكر دور اإلرادة في العقد الى حد القول بأن العقد يمر فيما عرف‬
‫بأزمة العقد (‪ ، )Crise de contrat‬أي التشكيك في فاعلية اإلرادة على انشاء العقد وتحديد مضمونه‬
‫وراح الفقه يتحدث عن فقر الشريعة العامة وشيخوختها وعن العقد غير املستقر وعن مبادئ جديدة‬
‫سنتناولها في الفصل الثاني بحول هللا‪ ،‬مثل األخوة العقدية والتوازن العقدي‪ ،‬التناسبية‪ ،‬التضامن ومبدأ‬
‫‪3‬‬
‫العدل واملنفعة‪.‬‬
‫‪ -2‬العدالة أساس نظرية االلتزام‬
‫بعد األزمة التي أصابت العقد تراجع مبدأ سلطان اإلرادة وتالش ى بريقه في الوقت الذي ساد فيه‬
‫املذهب االجتماعي‪ ،‬بأبعاده الفلسفية املبنية على الجانب االقتصادي واالجتماعي للعالقة العقدية وليس‬
‫على إرادة أطرافها فقط ولقد ساد في الفقه الفرنس ي جدل كبير حول مبدأ القوة امللزمة للعقد التي هي من‬
‫نتائج مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬الذي يمجد ويقدس الحرية العقدية وظهر في ذلك اتجاهان‪:‬‬
‫أ‪ -‬االتجاه الراد يكالي‪:‬‬
‫يرتكز على االقصاء الكلي ملبدأ القوة امللزمة للعقد ويتجاهل وجوده‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة‬
‫للفقيه الفرنس ي ( ‪ rouhette‬رووت) الذي قال ‪ " :‬إن العقد ليس باتفاق ارادتين ‪ ...‬القوة امللزمة للعقد‬
‫لم تؤسس عند محرري التقنين املدني على احترام اإلرادة ولكن على الضرورة االجتماعية الستقرار‬
‫التعهدات التعاقدية‪ ،...‬وإعماال بنسبة التطور الحاصل في العالم منذ ‪ 1804‬فقد اندثرت الفردانية‪،‬‬
‫ولم تعد اإلرادة ملزمة إال أنها تحت سلطة القانون ‪.4 "...‬‬
‫ب‪ -‬االتجاه الثاني‪:‬‬

‫‪ -1‬فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬


‫‪ -2‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،...‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ -3‬جمعة زمام‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪ -4‬عبد القادر عالق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪- 30 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫يسميه الفقيه " فرانسوا جيني " (‪ )francoisjeny‬حرية البحث العلمي‪ ،‬إذ يؤكد على املبدأ بقوله‪:‬‬
‫" علينا اإلبقاء على املبدأ مع مالحظتنا أن قوة اإلرادة ليست مطلقة‪ ،‬انها تصطدم بحقائق خارجة عنها‬
‫وبضرورات التنظيم االجتماعي وما يالحظ أن هذا الرأي أكثراعتداال من األول" ‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬ضرورة الحد من مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫إن املفهوم التقليدي للحرية العقدية يجد أساسه في مبدأ سلطان اإلرادة الذي يتزعمه املذهب‬
‫الفردي والذي يعني أن العقد شريعة املتعاقدين فال يجوز تعديل الحقوق وااللتزامات التي اتفق عليها‬
‫املتعاقدين بالزيارة أو النقصان إال باتفاق الطرفين وهذا املبدأ سانده الفقه بقوله أن العدالة تتجسد‬
‫فيما يتفق عليه املتعاقدون‪ ،‬كما أن هذا املبدأ يحقق استقرار املعامالت‪.‬‬

‫غير أن هذه التطورات االقتصادية الحديثة التي بدأت على إثر الثورة الصناعية كشفت وبوضوح‬
‫عن التفاوت بين ما جاء به مبدأ سلطان اإلرادة وبين العدالة الحقيقية التي يشعر بها كل فرد خاصة وأن‬
‫العمل بهذا املبدأ قد ألحق أضرارا بجماعة املستهلكين والعمال‪ ،‬األمر الذي دفع املشرع إلى التدخل بسن‬
‫قوانين استثنائية تعالج حاالت خاصة‪ ،‬ثم تخلى عن هذه الصبغة االستثنائية وأصبح تدخله بموجب‬
‫‪2‬‬
‫قواعد عامة في املجموعات املدنية في اغلب الدول‪.‬‬

‫إن اإلرادة الحرة لوحدها وفقا للمذهب االجتماعي غير قادرة على توليد أثار قانونية في العالم‬
‫الخارجي وإنما يقتصر دورها على احترام ما يضعه القانون من قواعد موضوعية لتحقيق التوازن ما بين‬
‫اإلرادة الحرة وقواعد العدالة التي تخدم املصلحة العامة للمجتمع ‪ 3‬ولذلك أصبح تدخل املشرع في تنظيم‬
‫العقود له ما يبرره وأصبحت العقود خاضعة للنظام العام العقدي ومنه تستمد إلزاميتها وبما أننا‬
‫سنتناول النظام العام العقدي في املبحث الثاني‪ ،‬فإننا نكتفي بالتطرق إلى التدخل التشريعي في العقود‪،‬‬
‫عن طريق التنظيم عبر مرحلتين‪ ،‬مرحلة تكوين العقد‪ ،‬ومرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬وذلك عن طريق العقود‬
‫املوجهة‪ ،‬كل هذا دفع ببعض الفقهاء الى التنديد باألزمة التي لحقت العقد‪ 4 ،‬وأن مبدأ الحرية العقدية‬
‫تراجع وأصبحت مفاهيمه مجرد حبر على ورق وهوما سنتناوله كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬أحمد حدي اللة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪ -2‬عبد الرحمان عياد‪ ،‬أساس االلتزام العقدي‪ ،‬النظرية والتطبيقات‪ ،‬مؤسسة الثقافة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬بدون سنة‪ ،‬ص‪.130-129‬‬
‫‪ -3‬العربي بلحاج‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون املدني الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املصادر االرادية (العقد لإلرادة املنفردة )‪ ،‬ديوان‬
‫املطبوعات الجامعية‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2015‬ص ‪.78‬‬
‫‪ -4‬يقول أحد الفقهاء أنه‪ :‬ال يوجد العقد إذا ما حل القانون محل إرادة املتعاقدين‪ ،‬ويرى آخرون أن العقد يعرف ازدهارا جديدا بسبب اتساع‬
‫املجال الذي تديره العقود ذات الطابع الجماعي أو الفردي‪ ،‬والحقيقة أن هناك اختالفا فقهيا بخصوص مصير العقد‪ ،‬فمنهم املتشائم نظرا‬
‫‪- 31 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بدأ املشرع يتدخل في صلب العالقة العقدية والحد من الحرية التعاقدية املطلقة تحت ستار‬
‫تحقيق املصلحة العامة على حساب املصلحة الخاصة‪ ،‬لتحقيق التوازن العقدي وإقامة العدالة العقدية‪،‬‬
‫فظهر التنظيم التشريعي للعقد اثناء مرحلة تكوين العقد وهو ما سنتناوله (أوال)‪ :‬وامتد الى آثار العقد‬
‫وهو ما سنتناوله (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تقييد اإلرادة في تكوين التصرف القانوني‬

‫يقتض ي مبدأ الرضائية أن العقد يتم بمجرد تطابق اإلرادتين ‪ ،1‬مهما كانت طريقة التعبير عن‬
‫اإلرادة‪ ،‬سواء كان التعبير عنها شفاهيا أو حركيا فالعبرة باالتفاق ال بالطريقة التي تم بها وفي هذا الشأن‬
‫قال الفقيه الفرنس ي لويزل ‪ " Loysel‬تربط الثيران من قرونها والرجال بأقوالها "‪.2‬‬

‫غير أن مبدأ الرضائية املنبثق عن مبدأ سلطان اإلرادة ما لبث أن بدأ يتراجع وبدأ املشرع يتدخل‬
‫ليلزم املتعاقدين بإفراغ التصرف القانوني في شكل معين‪ ،‬أي أن الشكلية تصبح ركن في الحاالت‬
‫املنصوص عليها قانونا وال يقوم العقد من دونها وذلك العتبارات تتعلق باملصلحة العامة وكذا لتنبيه‬
‫‪3‬‬
‫املتعاقد إلى خطورة التصرف ولحماية الغير حسن النية‪.‬‬

‫من العقود التي يجب افراغها في الشكل القانوني الرسمي في القانون املدني الجزائري تحت طائلة‬
‫البطالن‪ ،‬ما نصت عليه املادة ‪ 324‬مكر ‪ 1‬من القانون املدني‪ " :‬زيادة على العقود التي تتضمن نقل ملكية‬
‫‪4‬‬
‫عقار أو حقوق عقارية أو محالت تجارية ‪ ...‬في شكل رسمي "‪.‬‬

‫من االجتهاد القضائي جاء في قرار املجلس األعلى املؤرخ في ‪ " :1982/12/18‬حيث اذا كان العقد‬
‫يبرم من حيث املبدأ بمجرد حصول اتفاق بين اإلرادتين‪ ،‬فان األمر ليس كذلك عندما يشترط القانون و‬

‫لتراجع دور اإلرادة في انشاء العالقات العقدية وتنظيمها ومنهم املتفائل لكون العقد لم يضمحل وإنما تطور استجابة لظروف الحياة‪ ،‬يراجع‬
‫على فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .58‬الهامش رقم ‪.1‬‬
‫‪ -1‬تنص املادة ‪ 59‬من القانون املدني‪ " :‬يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتيهما املتطابقين‪ ،‬دون اإلخالل بالنصوص‬
‫القانونية "‪.‬‬
‫‪ -2‬عبد القادر عالق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 59‬الهامش رقم ‪.03‬‬
‫‪ -3‬العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.296‬‬
‫‪ -4‬يراجع املادة ‪ 324‬مكرر ‪ 1‬من القانون املدني‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 32 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بصورة استثنائية توفر كل شكل من األشكال الرسمية‪ ،‬حيث يصبح تدخل املوثق تحت طائلة البطالن‬
‫واجبا " ‪.1‬‬

‫باإلضافة إلى اشتراط الشكلية في ابرام العقود ‪ 2‬فقد ظهر ما يسمى بالعقد املوجه ( ‪contrat‬‬
‫‪ )dirigé‬أو العقد اإلجباري ( ‪ )contrat composé‬وهو العقد الذي تملى معظم شروطه على األطراف‬
‫وبصفة آمرة وبالرجوع إلى املشرع فإنه قد نص على إلزامية التأمين على السيارات ‪ ،3‬فهنا املتعاقد مجبر‬
‫على التعاقد ولكنه حر في اختيار املتعاقد األخر ومثاله أيضا إلزام أرباب العمل بالتأمين ضد حوادث‬
‫العمل ‪.4‬‬

‫ّإن التنظيم القانوني للعقود أخرج العقد من املفهوم التقليدي الذي يمجد اإلرادة الحرة في تكوين‬
‫العقد وتحديد آثاره وظهر ما يسمى بالعقد املوضوعي الذي ليس من صنع إرادة األفراد وإنما تغير في‬
‫‪5‬‬
‫مفهومه وأخذ يخضع ملقتضيات النظام العام‪.‬‬

‫إن تدخل املشرع في تنظيم العقود تحث تأثير املذهب االجتماعي واألفكار االشتراكية ما هو إال‬
‫خدمة للصالح العام وإقامة التوازن العقدي بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬بعدما أظهر التفوق االقتصادي‬
‫التفاوت بين املراكز القانونية املتعاقدة‪ ،‬فأصبح تدخل الدولة في العالقة العقدية في مرحلة تكوينها ما هو‬
‫إال حد وتضييق من الحرية العقدية التي نادى بها أنصار املذهب الفردي‪ ،‬في ظل سيادة مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة على مر حقبة من الزمن والذي كان البد أن يتراجع ويختفي بريقه مع تطور الحياة االقتصادية‪،‬‬
‫فكل تطور اقتصادي واجتماعي البد أن يتبعه تطور قانوني والدولة في تنظيمها للعالقات العقدية إنما‬
‫تهدف إلى إقامة العدالة العقدية‪ ،‬بدال من املساواة املجردة وتهدف إلى حماية الصالح العام وكل ذلك انما‬
‫تقوم به عن طريق آليات النظام العام ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقييد اإلرادة من حيث ترتيب آثارالعقد‬

‫‪ -1‬قرار املحكمة العليا‪ ،‬غ م‪ ،‬ملف رقم ‪ ،25699‬ن ق‪ ،‬ع خ‪ ،‬سنة ‪ ،1982‬ص ‪ ،171‬نقال عن علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،77‬الهامش‬
‫رقم ‪.01‬‬
‫‪ -2‬هناك ما يسمى بالشكلية غير املباشرة أو شكلية التوجيه وهي تهدف إلى تحقيق أغراض مختلفة كاشتراط الرخص اإلدارية‪ ،‬أو وجوب‬
‫القيام ببعض إلجراءات القانونية في بعض التصرفات املختلفة كاشتراط الرخص اإلدارية او وجوب القيام ببعض اإلجراءات القانونية في‬
‫بعض التصرفات قبل أو بعد إبرام العقد ‪ ،"....‬يراجع في هذا الخصوص العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪ -3‬بموجب األمر ‪ 07-95‬املتعلق بالتأمينات املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪( 1995‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬عدد ‪ ،13‬ص ‪ ،)06‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -4‬آسيا مندي‪ ،‬النظام العام والعقود‪ ،‬مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬فرع العقود واملسؤولية‪ ،‬جامعة يوسف‬
‫بن خدة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2009 -2008 :‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -5‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪- 33 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫لم يقتصر تدخل الدولة في الحياة االقتصادية عن طريق تنظيم العقود في مرحلة اإلبرام بل‬
‫أصبح تدخل املشرع في العقود يمتد الى مرحلة التنفيذ وهذا بعدما تطورت وظيفة الدولة بحيث أصبحت‬
‫تتدخل في امليدان االقتصادي وتتحكم في تسييره وتوجيهه لحماية الطرف الضعيف اجتماعيا واقتصاديا و‬
‫ثقافيا من جهة أخرى‪ ،‬وأدى ذلك إلى تطور الفقه والقانون املقارن للعقود فبرزت أفكار ومبادئ جديدة‬
‫جاءت لتجدد وتكيف قاعدة العقد شريعة املتعاقدين ‪ ،1‬بحيث لم يعد العقد الحديث موجها في نشأته‬
‫فحسب بل كذلك في تنفيذه‪ ،‬فاألصل أن الشروط املتفق عليها بين املتعاقدين تكون ملزمة لهم ولكن في‬
‫كثير من األحيان يتدخل املشرع مباشرة أو عن طريق القاض ي باسم الضرورات االجتماعية لكي يعيد‬
‫تنظيم آثار العقود التي قد أبرمت من قبل‪.‬‬

‫إن تدخل الدولة في تنظيم العقود وتحديد آثارها يهدف إلى تحقيق املنفعة االجتماعية والعدالة‬
‫العقدية ويرمي إلى حماية فئة خاصة من األشخاص على الرغم من وصف عالقاتهم العقدية‪ ،‬لذلك فإن‬
‫التفسير املوضوعي للعقد يستند الى معايير العدالة واملنفعة‪ ،‬كما أن العادل واملفيد يلعب دورا هاما في‬
‫مدة العقد‪ ،‬بحيث يمكن إعادة النظر في العقد لعدم التوقع وهذا السعي يبرر حماية فئة خاصة وهي‬
‫الطرف الضعيف ‪.2‬‬

‫إن الفقه الحديث يجيز للمشرع والقاض ي أن يتدخال في تحديد مضمون العقد وفي ذلك يقول‬
‫الفقيه الفرنس ي ( ‪ Rouhette‬رووت)‪ ":‬أن العقد ال يقوم على مبدأ سلطان االرادة وانما تتمثل القوة امللزمة‬
‫للعقد في احترام الضرورات االجتماعية واملصلحة العامة‪ ،‬على اعتبار أن العالم في تطور وبما أن القاعدة‬
‫القانونية هي قاعدة السلوك فال بد أن تواكب هذا التطور‪.3" .‬‬

‫إن التوازن بين الحرية العقدية والنزعة املوضوعية للعقد مكرس في النصوص القانونية املنظمة‬
‫ملسالة تحديد مضمون العقد بشكل واضح وذلك بموجب نص املادة ‪ 1135‬من القانون املدني الفرنس ي‬
‫قبل التعديل التي تنص‪ " :‬تلزم االتفاقيات ليس فقط بما هو معبر عنه فيها بل أيضا بجميع النتائج التي‬
‫يقرها اإلنصاف أو العادة أو القانون لاللتزام بحسب طبيعته" ‪ ،4‬فاألصل أن العقد يحدد مضمونه ونطاقه‬
‫ويبين حدود االلتزامات التي يرتبها وإذا أغفل املتعاقدين بعض التفاصيل سهوا أو لكونها أمرا مألوفا بين‬

‫‪ -1‬أحمد حدي اللة‪ ،‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫‪ -2‬جاك غستان‪ ،‬املطول في القانون املدني‪ ،‬مفاعيل العقد وآثاره‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدارسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط الثانية‪،‬‬
‫سنة ‪ ،2008‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -3‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ -4‬تقابلها املادة ‪ 107‬فقرة ‪ 2‬من القانون املدني الجزائري واملادة ‪ 148‬فقرة من القانون املدني املصري واملادة ‪ 195‬من القانون املدني الكويتي‬
‫واملادة ‪ 246‬الفقرة من قانون املعامالت املدنية االماراتي‪.‬‬
‫‪- 34 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫الناس يكون العقد ناقصا فيتولى القاض ي إكماله‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 107‬فقرة ‪ 2‬من القانوني املدني على‬
‫ما يلي‪" :‬وال يقتصرالعقد على الزام املتعاقد بما ورد فيه فحسب‪ ،‬بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته‬
‫وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة االلتزام "‪.‬‬

‫ومن الحاالت التي أجاز فيها املشرع للقاض ي التدخل من أجل تعديل العقد هي الحالة التي تطرأ‬
‫فيها ظروف استثنائية بعد ابرام العقد و تؤثر على التوازن االقتصادي للعقد وهو ما كرسه املشرع بموجب‬
‫املادة ‪ 107‬فقرة ‪ 03‬من القانون املدني الجزائري وكذلك ما يتعلق بعقود االذعان بموجب نص املادة ‪110‬‬
‫من املدني ‪ 1‬وهما حالتان على سبيل املثال أجاز فيهما املشرع للقاض ي التدخل من أجل مراجعة العقد على‬
‫خالف املبادئ العامة في أثر القوة امللزمة للعقد‪ ،‬فبموجب املادة ‪110‬من القانون املدني للقاض ي السلطة‬
‫التقديرية في أن يقدر ما اذا كان الشرط تعسفيا أم ال ؟ واذا تبين له أن الشرط جائرا أو تعسفي فله أن‬
‫يلغيه كليا أو يعدله وذلك وفقا ملا تقض ي به مبادئ العدالة وهذا ما يمنح للقاض ي سلطة تقديرية واسعة‬
‫لحماية املستهلك من الشروط التعسفية وكذا التجاوزات التي قد تفرضها عليه الشركات االحتكارية من‬
‫جراء استغالل الوضعية االقتصادية املهيمنة ‪ 2‬وعلى هذا األساس فإن اإلرادة في القانون الجزائري تبقى‬
‫خاضعة ألحكام القانون وليست مطلقة‪ ،‬بل إنها تبقى في خدمة املصالح االجتماعية واالقتصادية‬
‫للمجتمع‪ ،‬بما يحقق التوازن العقدي حماية للطرف الضعيف في العالقة العقدية‪.‬‬

‫‪ -1‬تقابلها املادة ‪ 149‬من ق م املصري واملادة ‪ 167‬ف‪ 2‬من ق م العراقي واملادة ‪ 149‬من ق م الليبي واملادة ‪161‬ف‪ 2‬من ق م التجاري‬
‫الكويتي‪. .‬‬
‫‪ -2‬العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق ‪،‬ص ‪.233 -232‬‬
‫‪- 35 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تطورمفهوم النظام العام بتطورالبيئة العقدية‬
‫إن فكرة النظام العام هي فكرة نسبية ومتغيرة من حيث الزمان واملكان وتختلف من حيث‬
‫املذاهب والنظريات‪ ،‬فالنظام العام في املجتمع الليبرالي يختلف عن النظام العام في ظل املجتمع االشتراكي‬
‫وهذا ما جعل األستاذ فاري سومير ‪ varilles Sommiers‬يقول‪ " :‬إن في محاولة تعريف النظام العام‬
‫اعناتا كبيرا " ‪.1‬‬
‫لعل أدق تعبير عن مفهوم النظام العام هو ما عبر عنه األستاذ كربونيه حيث قال‪ " :‬إن النظام‬
‫العام يعبر عن إرادة الحياة لدى الشعب‪ ،‬تلك اإلرادة التي قد تهددها بعض املبادرات الفردية في إطار‬
‫العقود‪ ،‬و إنه ذريعة حكومية تستطيع الدولة بواسطتها قمع االتفاقيات الخاصة التي تنال من‬
‫مصالحها األساسية " ‪ ،2‬فالنظام العام هو وسيلة في يد الدولة لتقييد سلطان اإلرادة‪ ،‬بعدما أثبت الواقع‬
‫أنها لم تعد قادرة على حماية مصالحها وأنها قد تلجأ إلى إبرام عقد تحت ضغط الحاجة فقط دون أن‬
‫تكون اإلرادة حرة وهذا لم يظهر إال مع التحوالت االقتصادية على اثر الثورة الصناعية خالل القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬فكان البد أن يتغير مفهوم النظام العام ويتطور تبعا لتغير وتطور البيئة العقدية وكما يقول‬
‫جوسران‪ " :‬أن القانون يتطورمع املجتمع" ‪ ،3‬ويمكن تصنيف النظام العام إلى شقين أحدهما سياس ي أو‬
‫تقليدي ‪ 4‬والثاني اقتصادي‪ ،‬فالنظام العام السياس ي أو التقليدي‪ ،‬يتمحور حول ثالث مسائل رئيسية وهي‬
‫الدولة و العائلة و واآلداب ‪ 5‬ويعمل على السهر على األمن العام‪ ،‬أو الصحة العامة والسكينة العامة ‪.6‬‬
‫إن النظام العام وبعد تراجع دور اإلرادة في املجال التعاقدي أصبح له مفهوم حديث وهو النظام‬
‫العام االقتصادي‪ ،‬الذي توسع وازدهر بعدما ازداد تدخل الدولة في املجال االقتصادي واالجتماعي ويرمي‬

‫‪ -1‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬النظام العام العقدي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار السنهوري‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2016‬ص‪.10‬‬
‫‪ -2‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -3‬فاطيمة نساخ‪ ،‬الوظيفة االجتماعية للعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪ ،2014-2013 :‬ص ‪ ،154‬غير منشورة‪.‬‬
‫‪ -4‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.285‬‬
‫‪ -5‬يتضح من نصوص القانون املدني أن املشرع أشار في بعض املواد منها املادة ‪ 96، 24‬و ‪ 204‬إلى مصطلح " النظام العام واآلداب " بينما لم‬
‫يذكر في نصوص أخرى منها املادتين ‪ 344 ،161‬سوى " النظام العام" مما يجعل التساؤل يثور حول ما إذا كان املصطلحين وجهان لعملة‬
‫واحدة أم أنهما فكرتين مختلفين‪ ،‬وهذا ما جعل الكثير الفقهاء يميز بين النظام العام من جهة وحسن اآلداب من جهة ثانية‪ ،‬حيث تم دراستها‬
‫في فصلين مستقلين ويقول عبد الرزاق السنهوري في هذا الشأن‪ " :‬القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق‬
‫مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية‪ ،‬وتتعلق بنظام املجتمع األعلى وتعلو على مصلحة االفراد بينما اآلداب هي مجموعة من‬
‫القواعد وجد الناس أنفسهم ملزمين باتباعها طبقا لناموس أدبي يسود عالقاتهم االجتماعية "‪ ،‬عدة عليان‪ ،‬فكرة النظام العام وحرية‬
‫التعاقد في ضوء القانون الجزائري والفقه اإلسالمي‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو بكر بقايد‪ - ،‬تلمسان ‪،-‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2016 -2015 :‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -6‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 285‬الهامش رقم ‪.01‬‬
‫‪- 36 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫تدخل الدولة في املجال االقتصادي إلى تنظيم العالقات االقتصادية من إنتاج وتوزيع وتبادل واستهالك‬
‫البضائع واملنتوجات وكذلك تنظيم العملة وتنظيم العرض والطلب وهو ما يكرس حرية املنافسة بالنسبة‬
‫للدول التي تنتهج االقتصاد املخطط ‪.1‬‬
‫والنظام العام االقتصادي يتفرع عنه النظام العام التوجيهي وهو ما نتناوله في (املطلب األول)‪،‬‬
‫ونظام عام حمائي وهو الذي يوفر الحماية لألفراد من تعسف األقوياء في العالقات العقدية وسنتطرق له‬
‫في (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬النظام العام االقتصادي التوجيهي‬
‫لم تكن فكرة النظام العام موسعه في ظل املذهب الفردي الذي قدس الحرية التعاقدية ويعتبر‬
‫نابليون ‪ 2‬أول من استعمل مفهوم النظام العام في القانون املدني الفرنس ي سنة ‪ ،1804‬في نطاق املادة ‪6‬‬
‫منه التي تنص‪ " :‬كل اتفاق خاص مخالف للقوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب يكون باطال وال يعمل به‬
‫"‪.‬‬
‫إال أن القوانين التي اعتبرت من النظام العام آنذاك كانت قليلة وبالتالي فال مجال لتدخل الدولة‬
‫في حياة األفراد إال في حدود ضيقة‪ ،‬إال أنه ومع تطور الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية وما‬
‫نتنج عنها من عجز وقصور في املفاهيم التقليدية للعقد‪ ،‬حدث تطور وتحول في وظيفة الدولة التي انتقلت‬
‫من الدولة الحارسة الى الدولة املتدخلة‪ ،‬التي تتدخل في العقود الخاصة لتوجيهها للمصلحة العامة تحقيقا‬
‫للتنمية االقتصادية ‪ 3‬وذلك باستعمال آلية النظام العام التوجيهي والذي سنتطرق ملاهيته في (الفرع‬
‫األول) و الجزاءات املترتبة على مخالفة قواعده في (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ماهية النظام العام االقتصادي التوجيهي‬

‫‪ -1‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬


‫‪ -2‬وهو العسكري الفذ الذي عمل على إصدار القانون املدني الفرنس ي سنة ‪ 1804‬و الذي يبقى من األعمال املجبدة والذي قال عنه ‪tiers‬‬
‫"بأنه قانون العالم املتحدث والذي امتد أثره إلى خارج حدودنا ولقد قال نابليون في منفاه سانت ‪ sainte Hélène‬إن مجدي الحقيقي ليس في‬
‫أني ربحت ‪ 40‬معركة‪ ،‬واترلو ستمحي ذكرى العديد من االنتصارات ولكن ما ال يمحي وما سيبقى خالدا هو تقنيني املدني " يراجع في هذا‬
‫الخصوص حمزة بن خدة‪ " ،‬قراءة في أهم مسجالت اإلصالح الجذري للقانون املدني الفرنس ي ‪ 2016‬ومدى تأثيرها على القانون املدني‬
‫الجزائري في ثوبة الحالي "‪ ،‬مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،11‬سبتمبر ‪ ،2018‬ص ص ‪.120-119‬‬
‫‪ -3‬منال بوروح‪ ،‬النظام العام والعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬نوقشت بتاريخ‪.2019/5/5 :‬‬
‫ص ‪.47‬‬
‫‪- 37 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫تقتض ي التطرق إلى مفهومه (أوال)‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ّ‬
‫املوجه‬ ‫إن دراسة ماهية النظام العام التوجيهي أو‬
‫وخصائصه (ثانيا)‪ ،‬والجزاء املترتب على مخالفته (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم النظام العام االقتصادي التوجيهي‬
‫يقصد بالنظام العام االقتصادي التوجيهي تلك القواعد امللزمة والهادفة الى توجيه االقتصاد‬
‫وتحقيق املصلحة العامة مثل القواعد املنظمة ملالية الدولة وقانون النقد والقرض ‪ ،2‬كما يقصد بالنظام‬
‫العام التوجيهي تلك األسس االقتصادية واالجتماعية التي يقوم عليها مجتمع ما‪ ،‬بحيث ترمي إلى تجسيد‬
‫السياسة الوطنية املتمثلة في تدخل الدولة في حرية األفراد‪ ،‬وقواعد النظام العام التوجيهي يراد بها‬
‫تحقيق املصلحة العامة وهي مرتبطة بنظام الحكم القائم ويهدف من خالل أحكامه إلى تنظيم املبادالت‬
‫االقتصادية أو النقد الوطني وكذا التجارة الخارجية واالستثمار واإلنتاج والتسويق وتحضير التنمية‬
‫االقتصادية و االجتماعية والتهيئة العمرانية‪ ،‬أي تنظيم كل ما له عالقة بالتنمية االقتصادية واالجتماعية‬
‫للدولة وهذا النوع من النظام العام يؤكد علو املصلحة العامة على املصلحة الخاصة ‪.3‬‬
‫يتعلق النظام العام االقتصادي التوجيهي بكل القواعد القانونية التي تنظم وتدير االقتصاد‬
‫الوطني‪ ،‬فهي تحمي املبادئ األساسية واملصالح العليا في البالد في امليدان االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬فاذا كان‬
‫للنظام العام االقتصادي للدولة يقوم على قانون السوق‪ ،‬فان النظام العام االقتصادي التوجيهي يسعى‬
‫من خالل القوانين املختلفة إلى املحافظة على املنافسة واستمرارها ويتم ذلك من خالل منع االحتكار‬
‫‪4‬‬
‫وحماية حرية األسعار‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫أما بالنسبة للبلدان التي كانت تعتمد االقتصاد املخطط فإن النظام العام االقتصادي التوجيهي‬
‫يسعى إلى تنظيم التنمية االقتصادية واالجتماعية تنظيما مفصال ويتم ذلك عن طريق تنظيم التجارة‬
‫الخارجية واالستثمار الخاص واملتعاملين االقتصاديين والتسويق أي كل امليادين التي لها عالقة بالتنمية‬

‫‪ -1‬يعتبر ‪ Josserand‬أول من تفطن لفكرة التوجيه التعاقدي‪ ،‬من خالل مقالة املشهور " العقد املوجه "‪ ،‬وتبعته مقاالت أخرى في سنة ‪1937‬‬
‫وأيضا سنة ‪ 1940‬والذي أشار في مجملها أن توجيه العقد هو غاية ووسيلة في نفس الوقت يستخدمها املشرع بصورة أساسية لبلوغ بعض‬
‫األهداف منها حماية املتعاقد الضعيف وتوجيه العقد لخدمة سياسية االقتصاد املوجه من جهة أخرى وذلك باستخدام القواعد اآلمرة‬
‫وتقييد املبادئ التي كان يقوم عليها مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص أحمد بعجي‪ ،‬تأثير التوجيه التشريعي على النظرية العامة‬
‫للعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬تخصص القانون املدني وقانون التأمين‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪-2018 :‬‬
‫‪، 2019‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -2‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ -3‬منال بوروح‪ " ،‬مصادر النظام العام لحماية الطرق الضعيف"‪ ،‬املجلة األكاديمية للبحوث القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الثاني‪،‬‬
‫ص ‪.291‬‬
‫‪ -4‬يعتبر القانون ‪ 12-89‬املتعلق باألسعار امللغى‪ ،‬واملؤرخ في ‪( ،1989/07/5‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪،1989 /07/19‬العدد ‪ ،29‬ص‪ ،)757‬هو خير‬
‫مثال على تدخل الدولة لتوجيه االقتصاد والذي حرر األسعار بعدما تخلت الدولة عن االشتراكية واعتنقت اقتصاد السوق‪ ،‬يراجع علي‬
‫فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 292‬الهامش رقم ‪.01‬‬
‫‪- 38 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫االقتصادية واالجتماعية للبالد ‪ 1‬والنظام العام التوجيهي يحتوي على القواعد اآلمرة التي تمنع األفراد من‬
‫القيام ببعض التصرفات‪ ،‬مثله مثل النظام العام التقليدي وله في نفس الوقت مفهوم إيجابي والذي‬
‫يحمل األفراد على املشاركة في الحياة االقتصادية واالجتماعية ويكون ذلك عن طريق تحديد مضمون‬
‫العقد و هذا ما يطلق عليه بالعقود املفروضة واملوجهة وأخرى محظورة ومراقبة ‪.2‬‬
‫ففي النظام العام املوجه تقوم الدولة بتسقيف األسعار عن طريق تحديد الثمن و يكون اقتناء‬
‫السلع بكميات محدودة دون أن تأخذ بعين االعتبار حرية األفراد أي إرادة كل من البائع واملشتري في تحديد‬
‫كمية السلع والثمن وللبائع الحرية في أن يبيع بأقل من السعر األقص ى املحدد‪ ،‬كما للمشتري أن يطلب‬
‫أقل من الكمية املحددة للسلع التي يمكن أن يطلبها‪ ،‬فالثمن في النظام العام التوجيهي ال يخضع إلرادة‬
‫األفراد‪ ،‬بل للقيمة االجتماعية التي تحددها السلطة العامة‪ ،‬ألن الدولة تغلب املصلحة العامة على‬
‫مصلحة ألفراد وأبرز مثال يقدمه التشريع املعاصر على النظام العام املوجه هو تحديد األسعار ‪.3‬‬
‫ثانيا‪ :‬خصائص النظام العام االقتصادي التوجيهي‬
‫سبق وأن ذكرنا سابقا أن النظام العام التوجيهي يتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم‬
‫وتوجه االقتصاد الوطني وبذلك فإنه يهدف الى تغليب املصلحة الخاصة وقواعده تتميز باملرونة والتغيير‬
‫وتختلف في ظل النظام االشتراكي عن نظام اقتصاد السوق ولذلك فإنه يشتمل على الخصائص التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬النظام العام التوجيهي يهدف الى تحقيق املصلحة العامة‪:‬‬
‫إن كل من نظام العام السياس ي والنظام العام التوجيهي يهدفان إلى تحقيق املصلحة العامة وهذا‬
‫ما يجعل من التمييز بينهما أمرا صعبا ويمكننا أن نقول أن النظام العام التوجيهي يهدف الى تحقيق‬
‫املنفعة العامة‪ ،‬كتنظيم التبادالت أو النقد الوطني وكذا التجارة الخارجية واالستثمار واإلنتاج والتسويق‬
‫‪4‬‬
‫وتحضير مخططات التنمية االقتصادية واالجتماعية للدولة‪.‬‬
‫وبذلك فإن العقد املخالف لسياسية الدولة االقتصادية يكون مخالفا للمصلحة العامة وبالتالي‬
‫يترتب عليه البطالن املطلق‪ ،‬حيث يحق لكل ذي مصلحة أن يطالب بهذا البطالن ألن املصلحة العليا‬
‫للدولة معرضة للخطر‪ ،‬فالقواعد التي تحكم النظام العام للتوجيهي قواعد آمرة ال يجوز مخالفتها‪.‬‬

‫‪ -1‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬


‫‪ -2‬منال بوروح مصادر النظام العام ‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫‪ -3‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ -4‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪- 39 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫‪ -2‬النظام العام التوجيهي متغير‪:‬‬
‫النظام العام االقتصادي التوجيهي يتضمن القواعد القانونية امللزمة التي توجه االقتصاد والتي‬
‫لها ال تأثير على العقود الخاصة‪ ،‬بحيث أن كل عقد يخالف القواعد امللزمة املتعلقة بالنظام العام‬
‫التوجيهي يترتب على مخالفتها البطالن ‪.1‬‬
‫فالنظام العام املوجه متغير غير ثابت ألن أهدافه قابلة للتغيير والنظام العام التوجيهي ال يرتبط‬
‫بنظام معين فيوجد نظام عام توجيهي في البلدان االشتراكية‪ ،‬كما يوجد نظام عام توجيهي في البلدان‬
‫الليبرالية‪ ،‬فالنظام العام التوجيهي مرتبط بسياسة الدولة وطريقة توجيه االقتصاد تختلف باختالف‬
‫النظام املنتهج ‪ ،2‬ففي الجزائر توجيه االقتصاد في ظل االشتراكية يختلف عن توجيهه في ظل التوجه نحو‬
‫الليبرالية واقتصاد السوق ومثال ذلك األمر ‪ ،25/95‬املؤرخ في سبتمبر‪ ،1995‬املتعلق بتسيير رؤوس‬
‫األموال التجارية التابعة للدولة‪ ،‬وقوانين الجمارك وقوانين املالية ‪.3‬‬
‫‪ -3‬النظام العام التوجيهي إيجابي‪:‬‬
‫يمتاز النظام العام التوجيهي بأنه إيجابي باملقارنة مع النظام العام التقليدي الذي يقتصر على‬
‫حماية املبادئ األساسية في الدولة وتأتي قواعده في صورة املنع‪ ،‬فالنظام العام التوجيهي ال يقتصر فقط‬
‫على منع األفراد املتعاقدة من القيام ببعض التصرفات القانونية ولكن يلزمهم باحترام بعض الشروط التي‬
‫يوردها ضمن القواعد امللزمة التي من خاللها ينظم املشرع اقتصاد الدولة مستعمال وسيلة النظام العام‬
‫التوجيهي ومثال ذلك ما نصت عليه املادة ‪ 136‬من القانون ‪ 11-90‬املتعلق بعالقات العمل‪ 4‬التي تنص‪" :‬‬
‫يكون باطال وعديم األثر كل بند في عقد العمل مخالف لألحكام التشريعية والتنظيمية املعمول بها وتحل‬
‫محله أحكام هذا القانون بقوة القانون " وفي هذا الخصوص يقول رببير ‪ " Ripert‬القانون ال ينص على‬
‫ما يجب االمتناع عنه فحسب بل ينص كذلك على ما يجب القيام به"‪.5‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬جزاء مخالفة قواعد النظام العام التوجيهي‬
‫إن العالقات العقدية التي يقوم بها االفراد أصبحت تخضع ملا ينص عليه النظام العام التوجيهي‪،‬‬
‫بحيث يجب أن تتوافق إرادة األطراف على ما هو مرسوم لها من خطة اقتصادية تحقيقا للتنمية‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪ -2‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق ص‪.109‬‬
‫‪ -3‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 4‬املؤرخ في ‪ 21‬أفريل ‪( ،1990‬ج ر ‪ ،‬الصادرة بتاريخ‪ 25 :‬أفريل ‪ ،1990‬العدد ‪ ،17‬ص ‪ ، )562‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -5‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪- 40 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن األهداف التي تتضمنها الخطة االقتصادية تتصف باإللزام‪ ،‬فكما سبق وأن ذكرنا أن النظام‬
‫العام التوجيهي يتصف بأنه إيجابي أي أنه يحتوي على قواعد تمنع األفراد من القيام ببعض التصرفات‬
‫القانونية املخالفة للنظام العام املوجه‪ ،‬باإلضافة إلى فرض شروط وواجبات على املخاطبين بها بحيث‬
‫يترتب على مخالفتها الجزاء وهو البطالن املوضوعي ألن كل ما يخالف الخطة االقتصادية يتعارض مع‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬لذلك فإن تقرير البطالن كجزاء على مخالفة أحكام النظام العام املوجه يكون بطالنا‬
‫مطلقا‪ ،‬يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به ويجوز للقاض ي أن يقض ي به من تلقاء نفسه‪ ،‬وباإلضافة إلى‬
‫هذا الجزاء فقد تؤدي مخالفة أحكام النظام العام املوجه إلى مصادرة الش يء املطلوب استرداده لحساب‬
‫الخزينة‪ ،‬لذلك سنتناول هذا الفرع (أوال) البطالن املطلق كجزاء املخالفة أحكام النظام العام التوجيهي‬
‫و(ثانيا) املصادرة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬البطالن املطلق للعقد‬
‫إن القواعد املتعلقة بالنظام العام االقتصادي التوجيهي ال تختلف عن أحكام وقواعد النظام‬
‫العام السياس ي بحيث تكون ملزمة ال يمكن مخالفتها بأي شكل من األشكال‪ ،‬وبالتالي فإنه يترتب على‬
‫مخالفتها بطالن العقد بطالنا مطلقا كما هو الحال بالنسبة ملخالفة قواعد النظام العام السياس ي‬
‫‪1‬‬
‫بمفهومه التقليدي‪.‬‬
‫إن العقد املخالف للسياسة االقتصادية للدولة يكون مخالف للمصلحة العامة وبالتالي يكون‬
‫باطال بطالنا مطلقا و يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطالن وللمحكمة أن تقض ي به من تلقاء‬
‫نفسها‪ ،‬ألنه يهدد املصلحة العليا للبالد ‪ 2‬وفي هذا تنص املادة ‪ 102‬من قانون املدني‪ " :‬إذا كان العقد باطال‬
‫بطالنا مطلقا جاز لكل ذي مصلحة التمسك بهذا البطالن وللمحكمة أن تقض ي به من تلقاء نفسها وال‬
‫يسقط باإلجازة "‪ 3 ،‬ومن املقرر فقها وقضاء أن حق الغاء العقد املستمر الغير محدد املدة هو حق من‬
‫النظام العام وألن حرمان الشخص من هذا الحق يجعل من العقد مؤبد وهو ما ال تجيزه القوانين‬
‫املعاصرة‪ ،‬فارتباط هذا الحق بالنظام العام يجعل كل اتفاق على التنازل عنه باطال وعليه فاملتعاقدين‬
‫يستطيعان تنظيم حق إلغاء العقد غير املحدد املدة على أن ال يتعارض هذا التنظيم مع مكنة استعمال‬

‫‪ -1‬إن فكرة النظام العام مكرسة في جميع فروع القانون بقسميه العام والخاص‪ ،‬ففي القانون العام فإن املسائل التي تدخل في املجال‬
‫التقليدي للنظام العام تشمل األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة‪ ،‬أما في مجال القانون الخاص الذي هو موضوع دراستنا فهو‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم املصالح األساسية والعليا في شكل قواعد آمرة وناهية يمنع على األفراد االتفاق على مخالفتها في الحال‪،‬‬
‫كونها تهم مصلحة املجتمع مباشرة أكثر ما تهم األفراد مما يجعل من النظام العام قيدا على الحرية التعاقدية‪ ،‬منال بوروح " مصادر النظام‬
‫العام‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫‪ -2‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ -3‬املادة ‪ 102‬من القانون املدني الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 41 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫هذا الحق وفي هذا الخصوص يرى ‪ farjat‬أن كل من الفقه والقضاء في فرنسا قد استقرا على أن التنازل‬
‫‪1‬‬
‫مقدما عند ابرام العقد غير املحدد املدة عن الحق في طلب الغائه والتحلل منه باطل ال قيمة له"‪.‬‬
‫لذلك فقد أبطلت محكمة استئناف باريس شرطا في عقد تأسيس شركة غير محدد املدة الذي‬
‫يفرض على العضو الذي يطالب بحلها أو االنسحاب منها دفع مبلغ من التعويض وقالت أن هذا الشرط‬
‫باطل حتى ولو تضمنه نص صريح في العقد‪ ،‬ألنه يحد من سلطة املتعاقدين في اللجوء الى القضاء لطلب‬
‫حل الشركة أو االنسحاب منها وهو حق قررته املادة ‪ 1869‬من القانون املدني وملا كان هذا الحق من‬
‫‪2‬‬
‫النظام العام فإن تقيده بهذال القيد باطل ال أثر له‪" .‬‬
‫إن كل القوانين التي تهدف إلى تنظيم املنظومة االقتصادية ‪ 3‬من جميع جوانبها فهي من النظام‬
‫العام االقتصادي التوجيهي وتعد باطلة العقود التي تخالف هذه األحكام وفي ذلك نجد قرار املحكمة‬
‫العليا الذي رفض الطعن في قرار املجلس القضائي الذي قض ى ببطالن بيع شاحنة مستوردة ومحظور‬
‫بيعها بحكم القانون واللوائح التنظيمية‪ ،‬ويدخل البيع هنا ضمن مقتضيات النظام العام‬
‫االقتصادي ‪.4‬‬
‫ولذلك إذا تضمن العقد أية مخالفة تجعله يحيد عن االتجاه املرسوم له قانونا‪ ،‬مما يجعله‬
‫يتعارض مع املصلحة العليا للمجتمع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ويخالف النظام العام املوجه‬
‫‪5‬‬
‫مما يجعل من العقد باطل بطالنا مطلقا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجزاء التكميلي‬
‫ّإن جزاء البطالن املطلق ملخالفة قواعد النظام العام التوجيهي غير كافية ملواجهة املشاكل التي‬
‫تثور بمناسبة هذه املخالفة‪ ،‬لذلك البد من جزاء تكميلي آخر و هو مصادرة محل العقد املخالف للنظام‬
‫العام املوجه ملصلحة الدولة وذلك إذا كان األطراف على علم بما ارتكبوه من مخالفة‪ ،‬في هذا الصدد يرى‬
‫األستاذ (فريجا فيل)‪ " :‬في عقود رشوة املوظف يكون من الشذوذ لفكرة حماية النظام العام أن‬

‫‪ -1‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.156 -155‬‬


‫‪ -2‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫‪ -3‬من بين هذه القوانين على سبيل املثال ال الحصر القانون ‪ 02 - 88‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي‪ 1988‬املتعلق بالتخطيط‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪13‬‬
‫جانفي ‪ ،1988‬ع ‪ ،)02‬وكذلك القانون ‪ 01 -88‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ 1988‬املتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية (ج‬
‫ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬جانفي ‪ ،1988‬ع ‪ ،)02‬كذلك القانون ‪10 -90‬املؤرخ في ‪ 14‬أفريل ‪ ،1990‬املتعلق بالنقد والقرض‪( ،‬ج ر ‪ ،‬الصادرة بتاريخ‬
‫‪ 18‬أفريل ‪ ،1990‬ع ‪ ،16‬ص‪ ،) 520‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 16‬أفريل ‪ ،1983‬ملف رقم ‪ ،30072‬م ق‪ ،‬العدد ‪ ،1989 ،2‬ص ‪ ،37‬نقال عن علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،294‬الهامش رقم‬
‫‪.1‬‬
‫‪ -5‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫يستبقي املوظف املرتش ي مبلغ الرشوة وكذلك بيع منزل يدار للقمار أو للدعارة فإنه من األفضل‬
‫مصادرة محل العقد ألن في ذلك مدعاة لإلحجام عن ابرام مثل هذه العقود"‪ ،‬ويقول األستاذ(رواست)‪:‬‬
‫" يجب أن نفحص كل حالة على حدى لوضع الحل الذي يتناسب مع حماية النظام العام ‪ ،...‬فإذا كنا‬
‫بصدد تصرف مخالف للنظام العام املوجه فيتعين بصفة عامة مصادرة محل االلتزام لسد الطريق‬
‫على أولئك الذين يبرمون عقودا تمس النظام العام بعلمهم مقدما بمصادرة محل االلتزام على الرغم‬
‫‪1‬‬
‫من بطالن العقد ‪".‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬ازدهارالنظام العام في مفهومه الحمائي‬
‫لم تعد قواعد النظام العام االقتصادي تهتم بتوجيه سياسة االقتصاد وإعداد الخطة لتحقيق‬
‫التنمية االقتصادية‪ ،‬بل تطور مفهوم النظام العام وازدهر عندما أصبح يتدخل بقواعد آمرة في تنظيم‬
‫العقود لحماية الطرف الضعيف‪ ،‬وتحقيق العدالة االجتماعية والتوازن العقدي الذي أصبح مفقودا بعد‬
‫التحوالت االقتصادية التي حدثت بعد الثورة الصناعية بداية من القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث ظهر اختالل‬
‫التوازن بظهور أصحاب رؤوس األموال الضخمة في عالقات عقدية مع عمال بسطاء‪ ،‬فأصبحت مقولة‪:‬‬
‫"كل هو عقدي فهو عادل" غير منسجمة ومتالئمة مع الواقع وأصبحت املساواة املجردة التي كرسها مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة ال تستجيب مع هذه التحوالت‪ ،‬كذلك كان البد من اللجوء إلى وضع أسس جديدة للعقد‬
‫وهي تحقيق املساواة الفعلية بدال من املساواة املجردة وكان البد من تقييد العقد بقيود لخدمة املصلحة‬
‫االجتماعية عن طريق توظيف قواعد النظام االقتصادي الحمائي أو ما يسمى بالنظام العام االجتماعي‬
‫ولذلك سنتطرق إلى ماهية النظام العام االقتصادي الحمائي في(الفرع األول) والجزاء املترتب على‬
‫مخالفته في (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ماهية النظام العام االقتصادي الحمائي‬
‫سنتناول في هذا الفرع مفهوم النظام العام االقتصادي الحمائي (أوال) وخصائصه (ثانيا )‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم النظام العام االقتصادي الحمائي‬
‫هو الذي يهدف من خالل النصوص التشريعية اآلمرة إلى إقامة التوازن التعاقدي في التصرف‬
‫القانوني بين اإلرادات املتقابلة وتحقيق املساواة القانونية والفعلية وحماية إرادة الطرف الضعيف في‬
‫التصرف القانوني‪ ،‬في حين نجد أن النظام العام التوجيهي يهدف إلى تأثير التصرف القانوني على‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.160‬‬


‫‪- 43 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫االقتصاد‪ ،‬فالنظام العام الحمائي يهدف الى حماية تأثير التصرف القانوني على الوضع الداخلي الخاص‬
‫‪1‬‬
‫بكال املتعاقدين في نفس التصرف القانوني‪.‬‬
‫كما تهدف أحكام النظام العام االقتصادي الحمائي أو النظام العام االجتماعي إلى حماية بعض‬
‫الفئات االجتماعية الضعيفة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬إذ تحت ضغط هذه الفئات بشتى الطرق تتكفل‬
‫الدولة بحماية بعض املصالح لفئات محددة في املجتمع منها مصالح العمال واملستهلكين ‪ ...‬الخ ‪ 2‬وبصفة‬
‫عامة فالنظام العام الحمائي يختص بالعقود التي ال توجد فيها مساواة اقتصادية ما بين الطرفين وكأنه‬
‫يميل إلى حماية املتعاقد الضعيف اقتصاديا ضد املتعاقد األقوى‪.‬‬
‫لذلك فالقوانين املتعلقة بحماية واعالم املستهلكين وقوانين مقاومة الشروط التعسفية في العقود‬
‫النموذجية ‪ 3‬تنش ئ فرعا جديدا من النظام العام وهو ما أطلق عليه الفقه بالنظام العام الحمائي‬
‫(‪.4 )l’ordre public de protection‬‬
‫يعمل النظام العام االقتصادي الحمائي على تحقيق التوازن في املجتمع بين األفراد تجسيدا‬
‫للعدالة االجتماعية وذلك بواسطة جملة من الحقوق تعطى للطرف الضعيف في العالقة العقدية لتحد‬
‫‪5‬‬
‫من تعسف الطرف القوي‪.‬‬
‫إن الدولة ومن خالل استعمال قواعد النظام العام تقيد الحرية العقدية وهذا التقييد يتمثل في‬
‫مجموع القواعد الحمائية املكرسة لحماية بعض الفئات من األشخاص كالعمال‪ ،‬املستأجرين واملستهلكين‬
‫والنظام العام يقيد الحرية التعاقدية من خالل قواعده اآلمرة التي تهدف إلى حماية املصلحة العامة وذلك‬
‫من خالل حماية الطرف الضعيف في املجتمع وكذلك تحقيق العدالة االجتماعية من خالل العمل على‬
‫‪6‬‬
‫إعادة التوازن العقدي‪.‬‬
‫وعليه فإن النظام العام الذي كان يحمي الحرية العقدية في مفهومه التقليدي‪ ،‬توسع وتطور‬
‫نتيجة لتغير البيئة العقدية‪ ،‬فجعل لهذه الحرية العقدية قيودا وبالتالي تغيرت وظيفة النظام العام من‬

‫‪ -1‬عبد القادر أقصاص ي‪ " ،‬فكرة النظام العام الحمائي ودورها في حماية الطرق الضعيف في العقد"‪ ،‬مجلة معالم للدراسات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،03‬ع ‪ ،01‬السنة ‪ ،2019‬ص ‪.267‬‬
‫‪ -2‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ -3‬عرف الفقيه الفرنس ي جيستان ‪ Ghestin‬العقود النموذجية بأنها‪ " :‬عبارة عن نماذج لعقود تعتبر حجة على األشخاص الذي يقبلون‬
‫صياغة عقودهم على منوالها" وعرفها الفقيه الفرنس ي ‪ lautè‬بأنها‪ " :‬صياغة لعقود معينة تتم بواسطة شخص طبيعي أو معنوي‪ ،‬بحيث‬
‫تستخدم عند إبرام عقود مشابهة تنصب على نفس موضوع العقود النموذجية" يراجع أيمن سعد‪ ،‬العقود النموذجية‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2013 -2012‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -4‬حسين علي الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪ -5‬منال بوروح‪ ،‬مصادر النظام العام‪ ،...‬املرجع السابق ص ‪.291‬‬
‫‪ - 6‬املر جع نفسه‪ ،‬ص ‪. 291‬‬
‫‪- 44 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫الوظيفة الخاصة الحامية للحرية العقدية إلى املقيدة لها‪ ،‬فالنظام العام يعمل على مراقبة العقد‬
‫‪1‬‬
‫بمقتض ى قواعد آمرة‪.‬‬
‫إن وظيفة النظام العام لم تعد تقتصر على املنع أي تحضر على األفراد القيام ببعض التصرفات‬
‫وهذا هو الطابع السلبي للنظام العام‪ ،‬وهو ما يطلق عليه بالنظام العام املانع‪ ،‬بل أصبح النظام العام‬
‫يفرض على األفراد سلوكا معينا يجب االلتزام به‪ ،‬من أجل حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية‬
‫وذلك من خالل تحديد مضمون العقد الذي يبرم بين أطراف في مراكز غير متساوية أصال فالنظام العام‬
‫اتسع ليشمل الحماية الى جانب املنع ‪.2‬‬
‫إن القواعد اآلمرة التي يحتوي عليها النظام العام االقتصادي الحمائي ال يجوز مخالفتها‪ ،‬فهي‬
‫تمثل الحد األدنى من الحماية للطرف الضعيف مثال العامل في عقد العمل‪ ،‬فال يجوز مخالفة هذه‬
‫القواعد تحت طائلة البطالن غير أنه وفي نفس الوقت يمكن مخالفتها بالرغم من صفتها اآلمرة‪ ،‬متى‬
‫انطوت املخالفة على رفع الحد األدنى من الحماية املقررة بموجب هذه القواعد ‪.3‬‬
‫يترتب على هذا في عقد العمل مثال تطبيق نظرية "الشرط األصلح للعامل" التي تقوم على بطالن‬
‫كل شرط يخالف التشريع االجتماعي‪ ،‬ما لم يكن أكثر فائدة للعمال وعليه فقد نص املشرع في املادة ‪62‬‬
‫من القانون رقم ‪ 11 -90‬على أنه‪ " :‬يعدل عقد العمل اذا كان القانون أو التنظيم أو االتفاقيات الجماعية‬
‫تملي قواعد أكثر نفعا للعمال من تلك التي نص عليها عقد العمل "‪.‬‬
‫البد أن يكون الشرط الوارد في عقد العمل والذي هو أكثر فائدة للعامل غير مخالف للنظام العام‬
‫‪4‬‬
‫بمفهومه الكالسيكي وإال كان هذا لشرط باطال بطالنا مطلقا‪.‬‬
‫وعليه فإن النظام العام االقتصادي الحمائي يجسد تطور وظيفة الدولة التي كانت حارسة للحرية‬
‫العقدية في ظل املذهب الفردي ومبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬غير أن التطورات االقتصادية واالجتماعية و‬
‫السياسية على اثر الثورة الصناعية جعلت من وظيفة الدولة تتطور فأصبحت تتدخل في العالقات‬
‫العقدية لحماية الطرف الضعيف بفرض قواعد آمرة تتضمن حقوقا لهذا األخير وهذا الدور الجديد‬
‫للدولة اصطلح على تسميته بالدولة املتدخلة والدولة عندما تتدخل في العالقات العقدية لتنظيمها إنما‬

‫‪ -1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.297‬‬


‫‪ -2‬عبد القادر أقصاص ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.268‬‬
‫‪ -3‬رقية سكيل‪ " ،‬البعد التعاقدي في عالقات العمل في التشريع الجزائري "‪ ،‬األكاديمية للدراسات االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬قسم العلوم‬
‫االقتصادية والقانونية‪ ،‬العدد ‪ ،21‬سنة ‪ ،2019‬ص ‪.171‬‬
‫‪ -4‬رقية سكيل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪- 45 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫تستعمل آلية النظام العام‪ ،‬الذي تطور وازدهر عندما أصبح يهدف إلى حماية الطرف الضعيف وتحقيق‬
‫العدالة العقدية‪ ،‬بعدما كان النظام العام في مفهومه الكالسيكي يهدف إلى حماية الحرية العقدية‪.‬‬
‫إن حماية الطرف الضعيف لم تكن وليدة التشريعات الخاصة‪ 1 ،‬بل هناك أحكام في القانون‬
‫املدني تهدف الى حماية الطرف الضعيف اقتصاديا واجتماعيا إال أننا ال نتطرق لها في هذا املطلب ألننا‬
‫سنتطرق لها بالتفصيل في الفصل الثاني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬خصائص النظام العام االقتصادي الحمائي‬
‫يتميز النظام العام الحمائي بخاصتين هما‪ :‬تحقيق العدالة االجتماعية وأنه يتصل بالواقع ويتأثر‬
‫به وهذا ما ستناوله تباعا‪:‬‬
‫‪ -1‬تكريس العدالة االجتماعية‬
‫تعرف العدالة على أنها ما هو متوافق مع القانون‪ ،‬والقانون البشري يجب أن يكون عادال أي‬
‫موجها نحو الخير العام للشعب‪ ،‬والعدالة التبادلية تقوم على أساس أن العقد هو تصرف تبادلي‪ ،‬يرتب‬
‫التزامات متقابلة ويجب أن تكون متساوية من الجانبين‪ ،‬فالعقد منظور اليه على أنه وسيلة تبادل لألموال‬
‫والخدمات وهو خاضع ملبدأ العدالة التبادلية‪ ،‬فالحرية التعاقدية في ظل األنظمة الليبرالية ال تحقق‬
‫العدالة العقدية ألنه ومع تطور الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية بعد الثورة الصناعية أصبح‬
‫العقد يضم أشخاص غير متكافئين اقتصاديا ومعرفيا مما يجعل اإلرادة غير قادرة على تحقيق العدالة‬
‫العقدية‪ 2 ،‬وعليه فإن الحرية العقدية ال تحقق العدالة العقدية‪ ،‬نظرا الختالل التوازن االقتصادي للعقد‬
‫ولم يعد التراض ي وحده كاف لتحقيق التوازن في العقد‪ ،‬فكان البد للمشرع أن يتدخل في تكوين العقد‬
‫وتحديد مضمونه وبذلك يتم االنتقال من سلطان اإلرادة إلى سلطان القانون‪ ،‬ومن النزعة الفردية الى‬
‫النزعة الجماعية باعتبار أن العقد أداة لتحقيق النفع العام ‪.3‬‬
‫إن تدخل املشرع في تنظيم العالقة العقدية يكون عن طريق آلية النظام العام االقتصادي‬
‫‪4‬‬
‫الحمائي لحماية الطرف الضعيف‪ ،‬وهو ما كرسه املشرع في القانون ‪ ،11-90‬املتعلق بعالقات العمل‬
‫والذي أبرز فيه حقوق العامل ومنها مدة العمل ومواقيت العمل الليلي‪ ،‬والساعات اإلضافية والراحة‬

‫‪ - 1‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.295‬‬


‫‪ -2‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 3‬حفيظ دحمون‪ ،‬التوازن في العقد‪ ،‬مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬فرع العقود واملسؤولية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2012-2011 :‬ص‪.60‬‬
‫‪ - 4‬الذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 46 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫األسبوعية ومدة العمل ومواقيت العمل الليلي والساعات اإلضافية والراحة األسبوعية والعطلة السنوية‪،‬‬
‫واألجر األدنى ‪ ...‬و غيرها من الحقوق‪ 1 ،‬كما تولى تنظيم نشاط االستهالك وذلك من خالل مجموعة من‬
‫القوانين منها القانون رقم ‪ 2 ،03-09‬والقانون رقم ‪ 3 12-08‬املتعلق باملنافسة ويسعى املشرع من هذا‬
‫التدخل إلى توفير الحماية للمستهلك من خالل تنظيم السوق ووضع التزامات على عاتق املتدخلين لفائدة‬
‫‪4‬‬
‫املستهلكين‪.‬‬
‫إن القوانين املذكورة آنفا تنظم العالقات العقدية وهذا ما نجده في العقود املسماة في القانون‬
‫املدني كعقد البيع وعقد الشركة وعقد الرهن ‪ ...‬الخ‪ ،‬كلها قوانين الهدف منها تنظيم العالقات العقدية‪،‬‬
‫مثل القوانين الخاصة غير أنهما يختلفان في الغاية‪ ،‬فالقوانين الخاصة تنظم العالقات العقدية لحماية‬
‫الطرف الضعيف من تعسف املتعاقد القوي بينما الغرض من العقود املسماة التقليدية هو مساعدة‬
‫املتعاقدين على تنظيم عالقتهما العقدية‪ ،‬التي تكون أحكامها مكملة يجوز لألطراف مخالفتها ‪.5‬‬
‫وعليه فإن ما يميز النظام العام الحمائي أن الحقوق التي يرتبها يجوز التنازل عنها‪ ،‬فالعقد يبقى‬
‫صحيحا بالرغم من مخالفته للنظام العام الحمائي‪ ،‬إذا لم يتمسك الطرف الذي تقرر ملصلحته بالبطالن‪،‬‬
‫ولم ينتقص من العقد ذلك الجزء الذي يخالف النظام العام الحمائي ويبقى الجزء اآلخر من العقد‬
‫صحيحا ونافذا‪.‬‬
‫فالجزاء املتعلق بهذا النوع من النظام العام هو البطالن النسبي‪ ،‬بخالف أنواع النظام العام‬
‫‪6‬‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬اتصال النظام العام الحمائي بالو اقع‬
‫يقوم النظام العام االقتصادي الحمائي على ايجاد الحلول للمشاكل التي يفرزها الواقع املعاش‬
‫فاملشرع يتدخل بقواعد آمرة عن طريق آلية النظام العام الحمائي لحماية الطرف الضعيف‪ ،‬ألن القوانين‬
‫تحول الظروف وتطورها داخل املجتمع فمثال يتدخل املشرع عن طريق قواعد النظام العام‬‫تولد من رحم ّ‬
‫الحمائي لحل مشاكل العمال ففي أواخر القرن الثامن عشر وخالل القرن التاسع عشر وهو ما يعرف "‬
‫بعصر محنة العمال الكبرى " حيث تعرضت الطبقة العاملة وخاصة النساء واألطفال ألكبر حملة من‬

‫‪ - 1‬يراجع في هذا الخصوص املواد‪ 87 ،33 ،31 ،27 ،22 ،‬من القانون ‪ ،11-- 90‬املتعلق بعالقات العمل‪.‬‬
‫‪ - 2‬املؤرخ في ‪ 25‬فيفري ‪ ،2009‬يتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 8‬مارس ‪ ،2009‬ع ‪ ،15‬ص ‪ )12‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ - 3‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان سنة ‪ ،2008‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 03 -03‬املتعلق باملنافسة (ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 2‬جويلية ‪ ،2008‬ع ‪ ،34‬ص ‪.)11‬‬
‫‪ - 4‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.296‬‬
‫‪ - 5‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.297‬‬
‫‪- 6‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق ص ‪.106‬‬
‫‪- 47 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫االستغالل في املراحل األولى من تدخل الدولة ملعالجة الختالل االجتماعي ولعل أول هذه التشريعات‬
‫‪1‬‬
‫التشريع الصادر في إنجلترا لتنظيم عمل صغار السن‪.‬‬
‫أما في الجزائر فإنه وبموجب القانون ‪ 11-90‬فإن املشرع احتفظ بتنظيم وتأطير املسائل األساسية‬
‫والجوهرية في شكل قواعد قانونية آمرة‪ ،‬ليعتبر كل شرط أو بند في العقود واالتفاقيات مخالفا لهذه‬
‫القواعد باطال وعديم األثر‪ ،‬ملخالفته األحكام التشريعية املعمول بها‪ .‬كما تدخل إليجاد حلول ألزمة‬
‫السكن وما ترتب عليها من آثار سلبية في املجتمع وبذلك وضع التسهيالت في عقد االيجار لفائدة املستأجر‬
‫‪2‬‬
‫بدافع اجتماعي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬جزاء مخالفة النظام العام االقتصادي الحمائي‬


‫إن النظام العام الحمائي هدفه حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية التي يكون فيها تباين‬
‫في املراكز القانونية بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬لذلك فإنه يختلف عن النظام العام االقتصادي التقليدي من‬
‫حيث الغاية والجزاء‪.‬‬
‫يفرق بعض الفقهاء بين أنواع النظام العام‪ ،‬بحيث يكون لكل نوع جزاء خاص يترتب على مخالفة‬
‫قواعده وفي هذا الشأن األستاذ ريبير ‪ " : 3 Ripert‬إن النظام العام االقتصادي الحمائي تؤدي مخالفته‬
‫الى البطالن النسبي على عكس أنواع النظام العام األخرى"‪.‬‬
‫إن الفكرة التقليدية للنظام العام تهدف إلى حماية املصلحة العامة ولذلك فإن مخالفة قواعده‬
‫تؤدي إلى البطالن املطلق كجزاء على هذه املخالفة والبطالن هو حرمان التصرف من ترتيب اآلثار التي‬
‫يرجوها املتصرف من هذا التصرف فال يعتد به ‪ ،4‬إال أن هذا الجزاء تطور فلقد تنبه الفقهاء بأن هذه‬
‫الفكرة التقليدية البد أن تقيد من خالل حماية املصلحة الخاصة واستنتجوا أن الجزاء األفضل لتحقيق‬
‫الوظيفة الحمائية للنظام العام هو تقرير البطالن النسبي الذي يكون من حق املتعاقد املحمي وحده‬
‫‪5‬‬
‫التمسك به وهو الذي أراد املشرع حمايته وهو ما استخلصه األستاذ ريبير ‪.Ripert‬‬

‫‪- 1‬رقية سكيل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.169‬‬


‫‪- 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪ - 3‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ - 4‬نجيب عبد هللا الحبشة‪ ،‬مفهوم فكرة النظام العام وتطبيقاتها في التشريع الفلسطيني‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة املاجستير في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين ‪،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 5‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪- 48 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن البطالن النسبي كجزاء على مخالفة أحكام النظام العام االقتصادي الحمائي هو ما يخدم‬
‫مصلحة املتعاقد الضعيف التي تقتض ي إبقاء العقد ال بطالنه‪ ،‬مع إبطال الشرط التعسفي أو إعفاء‬
‫املتعاقد من تنفيذه وهو ما نصت عليه املادة ‪ 1 110‬من القانون املدني بخصوص عقود اإلذعان وقد‬
‫يتمثل الجزاء كذلك في استبدال الشرط املخالف للنظام العام بحكم القانون‪ ،‬كما نصت على ذلك املادة‬
‫‪ 136‬من القانون املتعلق بعالقات العمل ‪ 2‬التي تنص‪ " :‬يكون باطال وعديم األثر كل بند في عقد العمل‬
‫مخالف لألحكام التشريعية والتنظيمية املعمول بها وتحل محله أحكام هذا القانون بقوة القانون "‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنص املادة ‪ 110‬من القانون املدني على ما يلي‪ « :‬اذا تم العقد بطريقة اإلذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاض ي أن يعدل هذه‬
‫الشروط أو أن يعفي الطرف املذعن منها‪ ،‬وذلك وفقا ملا تقض ي به العدالة‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك "‪ ،‬والتي تقابلها املادة ‪149‬‬
‫من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 204‬من القانون املدني األردني‪.‬‬
‫‪ - 2‬املادة ‪ 136‬من القانون ‪ ،11 -90‬الذي سبقت إلشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 49 -‬‬
‫‪‬‬
‫عجزالحرية العقدية عن تحقيق التوازن العقدي‬

‫الفصل الثاني‪ :‬عجزالحرية العقدية عن تحقيق التوازن العقدي‬


‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن التطور االقتصادي واالجتماعي الذي نتج عن الثورة الصناعية أدى الى ظهور تفاوت في املراكز‬
‫القانونية بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬نتيجة لوجود طرف قوي اقتصاديا و طرف ضعيف قد يتعاقد تحت‬
‫ضغط الحاجة‪ ،‬هذا ما جعل املشرع يهتم بحماية الطرف الضعيف اقتصاديا واجتماعيا ولكنه لم يكن‬
‫بصفة رئيسية ضمن قواعد القانون املدني‪ ،‬ألن العبرة كانت باملساواة املجردة دون املساواة الحقيقة ومع‬
‫ذلك نجده قد كرس حماية قانونية لحماية املتعاقد الذي يكون في وضع اقتصادي أو اجتماعي صعب ومنها‬
‫على سبيل املثال عيب االستغالل‪ ،‬الذي كرسه املشرع ضمن املادة ‪ 90‬من ق م وجعله عيبا يعيب الرضا‬
‫ويجعل العقد قابال لإلبطال‪ ،‬كما أن حماية الطرف املذعن أولى لها املشرع أهمية ضمن املادة من ‪ 110‬ق‬
‫م وذلك فيما يتعلق بالشروط التعسفية التي قد يتضمنها عقد اإلذعان‪ ،‬حيث أجاز للقاض ي أن يعدل هذه‬
‫الشروط أو أن يعفي الطرف املذعن منها‪ ،‬إال أن هذه الحماية أصبحت غير كافية لحماية للطرف‬
‫الضعيف‪ ،‬هذا ما جعل املشرع يلجأ إلى إصدار العقود املتخصصة املنفصلة عن قواعد القانون املدني‪،‬‬
‫كعقد االستهالك وعقد التأمين وغيرها‪ ،‬وعليه سنتناول في (املبحث األول) حماية الطرف الضعيف من‬
‫اختالل التواز العقدي‪ ،‬فالتوجه الجديد للمشرع في العالقات العقدية لم يعد قائما على املساواة املجردة‬
‫التي هي نتاج املذهب الفردي بل أصبحت العالقات العقدية قائمة على أساس املساواة الحقيقية لتحقيق‬
‫لصالح العام والعدالة العقدية وهذا ما نتناوله في (املبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪- 51 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املبحث األول‪ :‬حماية الطرف الضعيف من اختالل التوازن العقدي‬

‫عمد املشرع إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية منذ إصداره للقانون املدني سنة‬
‫‪ 1975‬وذلك ضمن حاالت قانونية متعددة ومنها على الخصوص الحماية التي كرسها للطرف املستغل في‬
‫نظرية عيوب الرضا منها عيب االستغالل بموجب املادة ‪ 90‬من القانون املدني‪ ،‬حيث نص على أنه و بناءا‬
‫على طلب املتعاقد املغبون يجوز للقاض ي أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد‪ ،‬كما أنه‬
‫نص على محاربة الشروط التعسفية التي قد تتضمنها عقود اإلذعان وسنتناول الحماية القانونية التي‬
‫كرسها املشرع للطرف الضعيف في حالة االستغالل وعقود اإلذعان العتبارهما من أهم الحاالت التي‬
‫يحدث فيها االختالل املادي للتوازن العقدي وهذا ما نتناوله في (املطلب األول)‪ ،‬وملا كانت التطورات‬
‫االقتصادية واالجتماعية لها تأثير على العالقات العقدية فإن حماية الطرف الضعيف ضمن النظرية‬
‫العامة للعقد لم يعد كافيا‪ ،‬هذا ما جعل املشرع يلجأ الى إصدار العقود املتخصصة واملنفصلة عن‬
‫القانون املدني ليكرس الحماية القانونية للطرف الضعيف بما يتماش ى مع هذه التطورات وتحقيقا‬
‫للمصلحة العامة‪ ،‬وذلك بموجب قواعد قانونية آمرة تجسد النظام العام الحمائي كما سبق اإلشارة اليه‬
‫وعليه سنتناول في (املطلب الثاني) اللجوء الى العقود املتخصصة لحماية الطرف الضعيف‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬عدم كفاية القواعد العامة لحماية الطرف الضعيف‬

‫إن النظرية التقليدية للعقد تجسد مبدأ سلطان اإلرادة وذلك بموجب املادة ‪ 106‬من القانون‬
‫املدني التي تنص على أن‪ " :‬العقد شريعة املتعاقدين فال يجوز نقصه وال تعديله إال باتفاق الطرفين‪ ،‬أو‬
‫لألسباب التي يقررها القانون " ‪ ،1‬فاألصل أن العقد املبرم بين الطرفين يعتبر بمثابة القانون في تنظيم‬
‫العالقة العقدية‪ ،‬فال يجوز ألحد الطرفين أن ينفرد بتعديله أو نقضه‪ ،‬كما ال يجوز للقاض ي وال للمشرع‬
‫أن يتدخل لتعديله أو نقضه‪ ،‬إال أنه أورد استثناءات على هذا املبدأ تتمثل في أن العقد ال يقتصر على‬
‫إلزام املتعاقد بما ورد فيه فحسب‪ ،‬بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته والتي تتمثل في مبدأ حسن النية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫والنظام العام والعرف و العدالة وغيرها من املفاهيم التي تتضمن تقييد حرية التعاقد‪.‬‬

‫إن توجه املشرع لحماية الطرف الضعيف ضمن قواعد القانون املدني يظهر في عدة نواحي‬
‫قانونية كما أشرنا إليه آنفا إال أننا سنركز على الحماية القانونية التي كفلها املشرع للطرف الضعيف‬

‫‪ -1‬تقابلها املادة ‪ 177‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 148‬فقرة أولى من القانون املدني السوري‪ ،‬واملادة ‪ 196‬من القانون املدني الكويتي‪.‬‬
‫‪ - 2‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪- 52 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫ضمن نظرية عيوب الرضا وبالتحديد حماية الطرف املستغل بموجب ما يسمى بنظرية االستغالل وهذا ما‬
‫سنتناوله في (الفرع األول) كما أننا سنخصص (الفرع الثاني) لحماية الطرف الضعيف من الشروط‬
‫التعسفية التي تتضمنها عقود اإلذعان‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬معالجة التوازن العقدي ضمن نظرية االستغالل‬

‫إن معالجة التوازن العقدي ضمن نظرية االستغالل يتطلب التطرق الى مفهوم االستغالل‬
‫وعناصره وعالقته بالغبن (أوال)‪ ،‬ثم الجزاء املترتب عليه (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم االستغالل‬

‫يرجع ظهور فكرة نظام االستغالل للشريعة الجرمانية و التي أخذت منها باقي التقنيات والنظم‬
‫القانونية هذه الفكرة‪ ،1‬واالستغالل هو انتهاز املتعاقد لحالة الطيش ّ‬
‫البين أو الهوى الجامح الذي يعتري‬
‫املتعاقد معه لحمله على إبرام العقد يتحمل بمقتضاه التزامات ال تتعادل بتاتا مع العوض املقابل أو من‬
‫غير عوض ‪.2‬‬

‫أما الغبن ‪ la lésion‬فيقصد به اختالل التوازن االقتصادي في عقد املعاوضة نتيجة عدم التعادل‬
‫بين ما يأخذه كل متعاقد وما يعطيه وأما االستغالل ‪ l’exploitation‬فهو أمر نفس ي أو شخص ي ال يعتبر‬
‫الغبن إال مظهرا ماديا له ‪ 3‬ويختلف االستغالل عن الغبن في ثالثة أمور مهمة هي كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬أن االستغالل يقع في جميع التصرفات في حين أن الغبن ال يكون إال في املعاوضات وال يكون في التبرعات‪.‬‬

‫‪ -‬إن املعيار في االستغالل هو املعيار النفس ي‪ ،‬أما في الغبن فإن املعيار مادي‪.‬‬

‫‪ -‬يكلف املدعي في دعوى الغبن بإثبات عدم التعادل بين املبيع والثمن بينما في دعوى االستغالل القائمة‬
‫على األساس النفس ي (الشخص ي ) فيجب على املدعي إثبات أنه كان تحت وطأة الطيش البين أو الهوى‬
‫الجامح‪.4‬‬

‫‪- 1‬بن قويدر زبيري‪ ،‬حماية مركز الطرف الضعيف في الرابطة العقدية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2019‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪ - 3‬العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.374‬‬
‫‪ - 4‬العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.375‬‬
‫‪- 53 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بالرجوع الى نص املادة ‪ 90‬من القانون املدني ‪ 1‬التي تنص‪ " :‬اذا كانت التزامات أحد املتعاقدين‬
‫متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذه املتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات املتعاقد‬
‫اآلخر‪ ،‬وتبين أن املتعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا يبينا أو هوى‬
‫جامحا‪ ،‬جاز للقاض ي بناء على طلب املتعاقد املغبون أي يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد‪.‬‬

‫ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خالل سنة من تاريخ العقد واال كانت غير مقبولة‪.‬‬

‫ويجوز في عقود املعارضة أن يتوفى اآلخر دعوى االبطال اذا عرض ما يرى القاض ي كافيا لرفع‬
‫الغبن "‪.‬‬

‫يتضح من النص أن املشرع قد انتهج الطريق الذي سارت عليه القوانين املدنية الحديثة فأخذ‬
‫فكرة االستغالل كعيب من عيوب الرضا متى ثبت الطيش البين أو الهوى الجامح وأنه يجب أن يتوافر في‬
‫العقد الذي يلحق به االستغالل عدم التعادل بين التزامات أحد املتعاقدين والتزامات املتعاقد اآلخر وأن‬
‫يكون ذلك ناتجا عن استغالل لحالة من الحاالت املبينة آنفا‪ 2 ،‬ومثال ذلك استغالل زوج لرغبة زوجته في‬
‫الزواج من آخر فيحصل منها على تعهد بدفع مبلغ كبير حتى يطلقها وتتزوج من تهواه‪ ،‬أو استغالل زوجة‬
‫‪3‬‬
‫شابة لزوجها الطاعن في السن ليهب لها ماله أو العكس‪.‬‬
‫ُ‬
‫وعليه فإنه يمكن القول أن االستغالل يقوم على أساس النظرية الشخصية التي تسند االستغالل‬
‫لوجود حالة من الحاالت املذكورة آنفا التي تجعل املتعاقد في حالة ضعف نفس ي يستغلها املتعاقد اآلخر‪،‬‬
‫فيبرم العقد وهذا هو الجانب النفس ي في االستغالل والذي يترتب عليه اختالل في اآلداءات بين ما حصل‬
‫عليه املتعاقد املغبون من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات املتعاقد اآلخر وهذا هو الجانب املادي أو‬
‫الغبن وعليه فإن لالستغالل عنصران‪ ،‬عنصر نفس ي وهو استغالل ضعف في نفس املتعاقد‪ ،‬وعنصر‬
‫‪4‬‬
‫موضوعي و هو اختالل التعادل اختالال فادحا‪.‬‬

‫‪ -1‬العنصراملوضوعي‪:‬‬

‫‪ -1‬تقابلها املادة ‪129‬من القانون املدني املصري واملادة ‪ 130‬من القانون املدني السوري واملادة ‪ 129‬من القانون املدني الليبي‪.‬‬
‫‪ -2‬تفادى املشرع ما سقط من النص العربي في املادة ‪ 90‬بحيث أضاف وصف الهوى بالجامح ووصف الطيش بالبين بعد تعديل املادة ‪90‬‬
‫بموجب القانون رقم ‪ 10 - 05‬املؤرخ في ‪ 20‬جوان ‪ ،2005‬املعدل واملتمم للقانون املدني‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص إدريس فاضلي‪ ،‬الوجيز في‬
‫النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬إعادة الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2015‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -3‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني ‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -4‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني ‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪- 54 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫يقصد بالعنصر املادي أو العنصر املوضوعي اختالل التعادل أو انعدام املقابل أي تكون التزامات‬
‫أحد املتعا قدين ال تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا املتعاقد من فائدة بموجب العقد وعدم التكافؤ‬
‫بين التزام املغبون والتزام الطرف املستفيد يجب أن يكون فاحشا وال يكفي عدم التعادل املألوف وهو أمر‬
‫يترك تقديره لقاض ي املوضوع على أساس القيمة يوم العقد وليس على قيمة األداءات بعد ابرام العقد وما‬
‫يطرأ عليها من تغيير ‪.1‬‬

‫إن الفادح في اختالل التعادل هو معيار مادي ولكن هذا املعيار ليس رقما ثابتا‪ ،‬بل هو معيار‬
‫متغير تبعا للظروف في كل حالة والقاض ي هو الذي يقدر متى يكون اختالل التعادل فادحا وهي مسألة واقع‬
‫ال مسألة قانون‪ ،‬و محكمة النقص ال رقابة لها في ذلك إال من حيث قصور التسبيب‪ ،‬فإذا بينت محكمة‬
‫املوضوع الظروف التي جعلتها تقدر أن االختالل في التعادل فادحا فال تعقيب ملحكمة النقض وعبء‬
‫االثبات يقع على عاتق املتعاقد املغبون فهو الذي عليه أن يثبت الفداحة في اختالل التعادل ‪.2‬‬

‫أكثر ما يكون االختالل فادحا في عقود املعاوضة املحددة‪ ،‬ففيها يأخذ املتعاقد ويعطي وهو َيعرف‬
‫على وجه محدد مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطى سواء كان ذلك لنفسه أو لغيره كما هو الحال في االشتراط‬
‫ملصلحة الغير ولكن قد يقع أيضا في العقود االحتمالية وهي عقود تنطوي على احتمال الكسب والخسارة‬
‫كما هو معروف‪ ،‬اذ ينبغي أن يكون هناك تعادل بين احتمال املكسب وقيمته من جهة‪ ،‬واحتمال الخسارة‬
‫وقيمتها من جهة‪ ،‬فلو كان احتمال الخسارة في جانب أحد املتعاقدين أرجح بكثير من احتمال الكسب وكان‬
‫مقدار الخسارة في الوقت ذاته ال يقل كثيرا عن مقدار الكسب كان االختالل في التعادل فادحا ومثاله أن‬
‫الشخص الذي يؤمن منزله من الحريق‪ ،‬حيث يكون املنزل بعيدا كل البعد عن التعرض لخطر الحريق ولم‬
‫يؤمنه إال لطلب دائن ارتهن املنزل واشترطت شركة التأمين أن يدفع لها أقساطا سنوية عالية وكان احتمال‬
‫خسارتها أرجح بكثير من احتمال احتراق املنزل وتقاض ى تعويضا عنه هو مبلغ التأمين ولم يكن هناك فرق‬
‫بين مقدار القسط السنوي وبين مبلغ التأمين ذاته‪ ،‬ففي مثل هذا العقد االحتمالي وهو عقد التأمين يكون‬
‫‪3‬‬
‫فيه االختالل في التعادل ما بين التزامات املؤمن له والتزامات شركة التامين اختالال فادحا‪.‬‬

‫ويقع االستغالل أيضا في عقود التبرع وهو أشد وطأة منه في عقود املعاوضة‪ ،‬فإذا جاز أن يتحقق‬
‫االستغالل فيما يختل فيه التعادل فإن االستغالل يكون أكثر تحققا فيما ال تعادل فيه أصال وبالرجوع إلى‬

‫‪- 1‬ادريس فاضلي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪ -2‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون ‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.395‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون ‪ ،...‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.396 -395‬‬
‫‪- 55 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املادة ‪ 90‬من ق م في فقرتها ‪ 3‬التي تنص‪ " :‬ويجوز في عقود املعاوضة أن يتوقى الطرف اآلخر دعوى‬
‫االبطال‪ ،‬اذا عرض ما يراه القاض ي كافيا لرفع الغبن "‪.‬‬

‫إن الفقرة املذكورة أعاله تفيد أنه يجوز في عقود املعاوضة توقي دعوى االبطال بتكملة البدل‪،‬‬
‫وتفيد ضمنيا أن االستغالل يقع في عقود التبرع أيضا ويقع ذلك كما لو أن شخصا تبرع بجميع ماله وكثيرا‬
‫ما يقع ذلك عن طريق هبة في صورة بيع لزوجته الثانية وأوالده منها ّ‬
‫مضيعا بذلك على زوجته األولى وأوالده‬
‫منها ميراثهم الشرعي‪ ،‬ويكون هذا االستغالل قد صدر نتيجة الستغالل زوجته الثانية لضعفه أو هواه وفي‬
‫هذه الحالة ال يقال أن التعادل مختل اختالال فادحا‪ ،‬بل يقال أنه غير موجود أصال‪ ،‬فاملتبرع أعطى دون‬
‫مقابل وهو لم يرض بهذا التبرع إال نتيجة استغالل لطيشه البين أو لهواه الجامح‪ ،‬بل قد يتجاوز‬
‫االستغالل العقود إلى التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحد كما لو أوص ى شخص بجميع ما يملك‬
‫لشخص استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامح‪ ،‬فالوصية هنا يعيبها االستغالل وهي ليست عقد بل عمال‬
‫قانونيا صادرا من جانب واحدا ‪.1‬‬

‫‪ -3‬العنصرالنفس ي‪:‬‬

‫إن العنصر النفس ي لالستغالل ذكره املشرع بموجب املادة ‪ 90‬من ق م التي تنص‪ ..." :‬وتبين أن‬
‫املتعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا‪ 2 "..‬و‬
‫للعنصر النفس ي مظهران‪ ،‬يتمثل األول في الضعف النفس ي الذي يعتري املتعاقد املغبون ويتمثل املظهر‬
‫الثاني في استغالل املتعاقد معه لهذا الضعف‪ ،‬وهذا ما ستناوله تباعا‪:‬‬

‫أ‪ -‬الضعف النفس ي‪:‬‬

‫ذكر املشرع الضعف النفس ي في نص املادة ‪ 90‬من القانون املدني وحصره في حالتين هما حالة‬
‫الطيش البين والهوى الجامح وجاء نص املادة كما يلي‪ ..." :‬و تبين أن املتعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن‬
‫املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا‪." ...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.396‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬تقابلها املادة ‪ 129‬من ق م املصري واملادة ‪ 130‬من ق م السوري‪ ،‬واملادة ‪ 129‬من ق م الليبي‪.‬‬
‫‪- 56 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫أما الطيش البين فهو الخفة الزائدة والتسرع يصحبه التهور وعدم التبصر وما ينجر عنه من عدم‬
‫االكتراث بالعواقب وسوء النتائج والوقوف عند النزوة العاجلة العابرة التي تدفع الى التعاقد ويشترط في‬
‫الطيش أن يكون بينا أي واضحا ومثال ذلك الوارث الشاب املتهور الذي يريد الحصول على املال بسرعة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فيقع فريسة سهلة ملن يستغل طيشه واندفاعه فيشتري منه ماله يثمن بخس‪.‬‬

‫أما الهوى الجامح فهو الولع أو الرغبة الشديدة أي بمعنى تسلط الشهوة الجامحة التي تقوم في‬
‫نفس املتعاقد والتي ال يستطيع كبحها‪ ،‬فيقع في االستهواء فينقلب مسلوبا لإلرادة ويندفع للتصرف عاطفيا‬
‫وبدون إرادة حكيمة ومثال ذلك أيضا الشخص الذي يولع بسيارة معينة‪ ،‬فيعرض عليه مالكها ثمنا باهضا‬
‫فيندفع إلى شرائها ‪.2‬‬

‫إن الرغبة الشديدة تؤثر على إرادة املتعاقد املغبون فتمثل نوعا من االكراه يفقد املتعاقد حرية‬
‫التصرف فيفسد رضاه ويجب أن تفوق هذه الرغبة أو امليول الحد املعقول‪ ،‬بحيث ال يستطيع املغبون‬
‫دفعها أو تحملها وتتطلب هذه الحالة النفسية التي تنال من إدراك وتمييز املتعاقد حماية قانونية وهذا ما‬
‫يبرر إلحاق االستغالل بعيوب الرضا ‪.3‬‬

‫ب‪ -‬انتهازاملتعاقد اآلخر لحالة الضعف النفس ي‬

‫ال يكفي لتحقيق العنصر النفس ي في االستغالل توافر حالة من الحاالت التي تم ذكرها آنفا وإنما‬
‫يتعين أن يقوم املتعاقد اآلخر بانتهاز هذا الضعف بغية التوصل إلى إبرام عقد يتضمن اختالال واضحا في‬

‫‪ - 1‬تختلف القوانين املقارنة في تحديد حاالت الضعف التي يمكن أن تتخذ سبيال لالستغالل ويمكن التمييز بين اتجاهين اثنين يسودان في‬
‫القوانين املقارنة‪ ،‬االتجاه األول يعمل على تقليص حاالت االستغالل وتحديد نطاقها ويالحظ هذا االتجاه في ق م املصري بموجب ‪ 129‬التي‬
‫تنص‪ " :‬إذا كانت التزامات أحد املتعاقدين ال تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا املتعاقد بموجب العقد أو مع التزامات املتعاقد اآلخر‪ ،‬وتبين‬
‫أن التعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامح‪.‬‬
‫جاز للقاض ي بناءا على طلب املتعاقد املغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا املتعاقد "‪ ،‬وهذا االتجاه سار عليه القانون املدني‬
‫السوري بموجب املادة ‪ ،130‬والقانون املدني الليبي بموجب املادة ‪ ،129‬ونجده في القانون املدني العراقي الذي يورد خمس حاالت من حاالت‬
‫الوهن في اإلرادة يفض ي أي منها إلى تحقق االستغالل‪ ،‬وتتمثل هذه الحاالت في الحاجة‪ ،‬والطيش والهوى وعدم الخبرة‪ ،‬وضعف االدراك‪ ،‬يراجع‬
‫في هذا الخصوص محمود على دريد‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬القسم األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪ ،‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية‪ ،‬بيرت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2012‬ص ‪.169 -168‬‬
‫‪ - 2‬العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.380‬‬
‫‪ -3‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪- 57 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫االلتزامات املتقابلة وال يتطلب تحقق االنتهاز سلوكا معينا وإنما يكفي أن يكون عاملا بحالة الضعف التي‬
‫‪1‬‬
‫تعتري املتعاقد معه حقيقة أو حكما‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬جزاء االستغالل‬

‫اذا توافرت شروط االستغالل التي سبق ذكرها جاز للقاض ي بناءا على طلب املتعاقد املغبون أن‬
‫يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 90‬فقرة أولى من ق م وعليه‬
‫‪2‬‬
‫فإن املشرع رتب على االستغالل إحدى دعويين دعوى اإلبطال ودعوى اإلنقاص‪.‬‬

‫يتعين على املتعاقد املغبون أن يرفع دعواه خالل سنة من تاريخ العقد وإال كانت غير مقبولة‪،‬‬
‫سواء طلب االبطال أو طلب االنقاص والسنة هنا هي ميعاد إسقاط ال ميعاد تقادم‪ ،‬فإذا انقضت السنة‬
‫ولم يرفع املتعاقد املغبون دعواه ورفعها بعد ذلك كانت الدعوى غير مقبولة و ميعاد السنة هو ميعاد‬
‫إسقاط ال ميعاد تقادم والفرق بين امليعادين أن ميعاد االسقاط ال ينقطع وال يسري عليه الوقف بخالف‬
‫ميعاد التقادم فيرد عليه االنقطاع والوقف وتبدأ السنة من وقت تمام العقد والحكمة التي يقصدها‬
‫املشرع في جعل ميعاد رفع الدعوى في االستغالل قصيرة وجعله ميعاد اسقاط ال ينقطع وال يقف هو‬
‫حماية للمتعاقد و من أجل استقرار املعامالت ‪.3‬‬

‫‪ -1‬دعوى االبطال‪:‬‬

‫متى توافرت شروط االستغالل على الوجه املذكور آنفا ترتب على ذلك قابلية العقد لإلبطال وحق‬
‫إبطال العقد هو حق للمغبون وحده دون غيره وله أيضا أن يتنازل عن هذال الحق وال يجوز للقاض ي أن‬
‫يحكم باإلبطال من تلقاء نفسه وهذا ما توضحه املادة ‪ 90‬من ق م حيث تنص‪..." :‬جاز للقاض ي بناءا على‬
‫طلب املتعاقد املغبون أن يبطل العقد‪." ...‬‬

‫إذا اختار املتعاقد املغبون دعوى االبطال جاز للقاض ي أن يقبل طلبه فيبطل العقد اذا رأى أن‬
‫االستغالل عاب رضا املتعاقد املغبون إلى حد أن أفسد هذا الرضا وتبين للقاض ي أن املتعاقد املغبون لم‬
‫يكن ليبرم العقد أصال لوال هذا االستغالل‪ ،‬أما إذا رأى القاض ي أن االستغالل لم يعيب الرضا إلى هذا‬
‫الحد وأن املتعاقد املغبون كان سيبرم العقد دون استغالل ولو لم تكن التزاماته متفاوتة كثيرا في النسبة‬

‫‪ - 1‬محمود علي دريد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬


‫‪ - 2‬يراجع نص املادة ‪ 90‬من فقرة أولى من ق م‪.‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون ‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.404‬‬
‫‪- 58 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫مع التزامات املتعاقد اآلخر‪ ،‬ففي هذه الحالة يرفض القاض ي إبطال العقد معاوضة كان أو تبرعا ويقتصر‬
‫على إنقاص االلتزامات الباهظة كما سيأتي بيانه‪ ،‬والخيار بين إبطال العقد وإنقاص االلتزامات يسترشد‬
‫فيه القاض ي بمالبسات القضية واملسألة هنا ترجع إلى السلطة التقديرية للقاض ي وال معقب عليه من‬
‫املحكمة العليا ‪.1‬‬

‫كما أنه يجوز للطرف املغبون أن يتوق ى إبطال العقد اذا عرض القاض ي ما يراه كافيا لرفع الغبن‬
‫وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 90‬فقرة ‪ 3‬من ق م‪.‬‬

‫خالصة القول أنه يجوز للطرف املغبون املطالبة بإبطال العقد أو اإلنقاص من التزاماته‪ ،‬فإذا‬
‫رفع الطرف املغبون دعوى إبطال العقد فللقاض ي السلطة التقديرية في االبطال أو االنقاص من التزامات‬
‫هذا األخير‪ ،‬أما إذا رفع الطرف املغبون دعوى االنقاص فليس للقاض ي الحكم بإبطال العقد‪ ،‬كما يجوز في‬
‫عقود املعاوضة أن يتوقى الطرف اآلخر دعوى اإلبطال إذا عرض ما يراه القاض ي كافيا لرفع الغبن ‪.2‬‬

‫‪ -2‬دعوى االنقاص‪:‬‬

‫أجاز املشرع للطرف املغبون الحق في رفع دعوى االنقاص كوسيلة ثانية لرفع الغبن عن طريق‬
‫االنقاص من التزاماته وفي هذه الحالة ال يجوز للقاض ي أن يحكم بإبطال العقد‪ ،‬كما سبق وأن مر معنا‬
‫ودعوى االنقاص تضمن استقرار املعامالت ولكنها ال تحقق توازنا كليا بين التزامات املتعاقدين‪ ،‬ألنها تقلل‬
‫من فداحة الغبن فقط‪ ،‬حيث يتولى القاض ي تحديد املقدار الذي يجب انقاصه من التزامات املتعاقد‬
‫املغبون لرفع الغبن‪ ،‬مستهديا في ذلك بالعدالة العقدية ‪.3‬‬

‫يقع عبء اثبات االستغالل وفقا للقواعد العامة على من يدعيه‪ ،‬فعلى املتعاقد املغبون أن يقدم‬
‫الدليل على اختالل االلتزامات املتقابلة اختالال شديدا وقت انعقاد العقد‪ ،‬حيث يثبت أنه أبرم العقد‬
‫تحت تأثير الطيش البين أو الهوى الجامح وله اثبات الفداحة ‪ 4‬في اختالل التعادل بجميع طرق االثبات‬
‫القانونية بما فيها شهادة الشهود والقرائن القانونية باعتباره يقع على وقائع مادية ‪.5‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون ‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.404‬‬
‫‪ - 2‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.229-228‬‬
‫‪ - 3‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 229 - 228‬‬
‫‪ - 4‬أما اختالل التعادل الطارئ الذي يحدث بعد انعقاد العقد فإنه يخرج قانونا عن نطاق نظرية االستغالل حسب نص املادة ‪ 90‬من ق م‬
‫وهو يتصل بشروط وأحكام نظرية الظروف الطارئة (م ‪ 107 -105‬ف‪ 3‬من ق م)‪ ،‬يراجع العربي بلحاج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 384‬الهامش ‪.1‬‬
‫‪ - 5‬علي فياللي املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫‪- 59 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫كما أننا وبالرجوع الى املادة ‪ 91‬من ق م فإن املشرع استبعد تطبيق أحكام االستغالل على بعض‬
‫العقود التي تسري عليها أحكام الغبن ‪.1‬‬

‫ومن خالل ما تم عرضه سابقا فإن املشرع يهدف من خالل نظرية االستغالل إلى حماية املتعاقد‬
‫املغب‬

‫ون بغرض تحقيق العدالة العقدية‪ ،‬فهي آلية ملعالجة توازن العقد وذلك برفع الغبن عن الطرف‬
‫املستغل‪ ،‬محاوال بذلك إيجاد إرادة صحيحة للتعاقد وفق الشروط املقررة في القواعد املنظمة للعقد‪ ،‬غير‬
‫أن الظروف املحاطة بعملية التعاقد من حيث التطور االقتصادي واالجتماعي والتكنولوجي‪ ،‬جعل‬
‫القواعد العامة التي جاء بها املشرع في نظرية االستغالل طبقا للمادة ‪ 90‬من ق م من طيش بين أو هوى‬
‫جامح يتأثر بأسباب أخرى تؤثر على بصيرة املتعاقد وحريته فيتعاقد تحت ظروف معينة قهرية أو بشروط‬
‫تعسفية ارتضاها لنفسه تؤثر على التوازن العقدي‪ ،‬كذلك كان البد من التوسع في نظرية االستغالل و‬
‫ضرورة اعمال حماية جدية وواسعة للتعاقد‪ ،2‬وهذا ما ستناوله في املطلب الثاني‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حماية الطرف الضعيف من الشروط التعسفية في عقد اإلذعان‬

‫نتطرق في هذا الفرع إلى مفهوم اإلذعان من خالل التطرق إلى مفهومه التقليدي و املفهوم‬
‫الحديث‪( ،‬أوال) ثم نتطرق إلى طبيعته (ثانيا)‪ ،‬لنتناول سلطة القاض ي في إعادة التوازن في عقود اإلذعان‬
‫(ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم عقد اإلذعان‪:‬‬

‫نتطرق الى املفهوم التقليدي واملفهوم الحديث ملفهوم عقد اإلذعان كمايلي‪:‬‬

‫‪ -1‬املفهوم التقليدي‬

‫لقد تعددت تعاريف عقد اإلذعان من الناحية القانونية ونذكر تعريف الفقيه "سالي " الذي أجمع‬
‫الفقهاء على أنه صاحب أول فكرة لالذعان بقوله‪ " :‬عقد االذعان هو محض تغليب إلرادة واحدة تتصرف‬

‫‪ - 1‬يراجع نص املادة ‪ 91‬من ق م‪.‬‬


‫‪ - 2‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪- 60 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بصورة منفردة وتملي قانونها ليس على فرد محدد بل على مجموعة غير محددة وتفرضها مسبقا ومن‬
‫جانب واحد وال ينقصها سوى إذعان من يقبل العقد " ‪.1‬‬

‫ُعرف عقد اإلذعان أيضا بأنه‪ " :‬العقد الذي ُيسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها املوجب وال‬
‫يقبل مناقشة فيها وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري يكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون‬
‫املنافسة محدودة النطاق في شأنها"‪ ،‬هذا هو التعريف الذي يتفق الفقه وشراح القانون املدني على أنه‬
‫التعريف املختار‪ 2 ،‬ومن خالل التعريف املذكور آنفا يتجلى أنه يحدد خصائص عقد اإلذعان‪ ،‬فقد بين أن‬
‫محل العقد يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري يكون محل احتكار قانوني أو فعلي وكذلك العالقة بين طرفي‬
‫العقد أي املوجب والقابل ويعتبر الفقيه سالي أول من جلب األنظار في فرنسا نحو هذه العقود عندما ذكر‬
‫في كتابه " اإلعالن عن اإلرادة " أن هناك بعض العقود يفرض مضمونها بواسطة أحد املتعاقدين على‬
‫املتعاقد اآلخر الذي يقتصر دوره على انضمامه لهذا العقد بدون مناقشة أو تعديل ومن هنا أطلق عليها‬
‫الفقيه سالي ( ‪ )contrat d’adhésion‬بمعنى عقود االنضمام ‪.3‬‬

‫يعتبر الدكتور عبد الرزاق السنهوري أول من استخدم تعبير عقد اإلذعان وهو أصح من التسمية‬
‫الفرنسية التي جاء بها األستاذ سالي والتي تعني عقد االنضمام (‪ )contrat d’adhésion‬ألن اإلذعان يدل‬
‫على معنى االضطرار في القبول بينما االنضمام أوسع داللة من اإلذعان فيشمل عقود اإلذعان وغيرها من‬
‫العقود" ‪ 4‬لقد ذكر عبد الرزاق السنهوري أن خصائص عقد اإلذعان تتمثل في ثالث خصائص وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون العقد متعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة للمستهلكين أو املنتفعين‪.‬‬

‫‪ -2‬احتكار املوجب لهذه السلع أو املرافق احتكارا قانونيا أو على األقل السيطرة عليها بحيث تجعل‬
‫املنافسة فيها محدودة النطاق‪.‬‬

‫‪ -3‬صدور االيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستمر ملدة غير محددة ‪.5‬‬

‫‪ - 1‬عامر رحمون‪ " ،‬عقود االذعان في الفقه االسالمي والقانون املدني الجزائري دراسة مقارنة" ‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد‬
‫األول‪ ،‬ع ‪ ،23‬ص ‪.219‬‬
‫‪ - 2‬أعصم أحمد حمدي إمام‪ ،‬أثر تشريعات حماية املستهلك على القانون املدني‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2018‬ص ‪.155‬‬
‫‪ - 3‬عامر رحمون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -4‬محفوظ بن حامد لعشب‪ ،‬عقود اإلذعان في القانون املدني الجزائري واملقارن‪ ،‬املؤسسة الوطنية لكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة ‪ ،1990‬ص‪.23‬‬
‫‪ - 5‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪- 61 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫هذا مفهوم عقد اإلذعان بالنسبة للتشريع فأغلب التشريعات العربية قد نظمت عقد اإلذعان‬
‫ولكن لم تتطرق الى تعريفه‪ ،‬بل أوردت كيفية القبول فيه ولقد نص املشرع في املادة ‪ 70‬من القانون املدني‬
‫على أنه‪ " :‬يحصل القبول في عقود اإلذعان بمجرد التسليم بشروط مقررة يضعها املوجب وال يقبل‬
‫مناقشة فيها " ‪. 1‬‬

‫إن املفهوم الضيق لعقد اإلذعان الذي يقتض ي كما سبق االشارة اليه آنفا االحتكار القانوني أو‬
‫الفعلي لسلعة أو مرفق ضروري تم هجره من قبل الرأي السائد في فرنسا وتبناه عدد غير قليل من الفقه‬
‫املصري و هو ما سنتناوله له اتباعا‪:‬‬

‫‪ -2‬املفهوم الحديث لعقد اإلذعان‪:‬‬

‫اتجه الفقه الحديث إلى البحث عن مفهوم واسع لعقد االذعان قابل الحتواء وصف عقود‬
‫االستهالك حتى يتمكن من حماية املستهلك من الشروط التعسفية وذلك عن طريق نظام الحماية من‬
‫الشروط التعسفية في عقود اإلذعان‪ ،2‬فتبنى الفقه معايير واسعة لعقد اإلذعان‪ ،‬فلم يعد عقد اإلذعان‬
‫يتعلق باشتراط االحتكار فحسب هذا املفهوم الحديث لعقد اإلذعان تم تقليص الشروط الواجب توافرها‬
‫لكي يعتبر العقد من عقود اإلذعان إلى شرط واحد فقط وهو أن يقوم الطرف القوي في العقد مسبقا‬
‫بإعداد شروط العقد ويحدد التزامات األطراف وحقوقهم وال يكون أمام الطرف اآلخر (املستهلك) إال توقيع‬
‫‪3‬‬
‫هذه العقود دون أن يكون له الحق في مناقشها أو تعديلها‪.‬‬

‫إن توجه الفقه لتوس يع مفهوم عقد اإلذعان من خالل تبني معيار واحد ذو طابع قانوني لتكييف‬
‫العقد على أنه عقد إذعان يتمثل في معيار رفض التفاوض حول بنود العقد أي انفراد الطرف القوي‬
‫بوضع شروط العقد‪ ،‬فمجرد إمالء الطرف القوي لشروط ال نقاش فيها كاف إلضفاء وصف اإلذعان على‬
‫عقد ما‪ ،‬فالعقد الذي ينفرد فيه املنهي بتحرير مسبق لشروط غير قابلة للنقاش من املستهلك يعتبر عقد‬
‫إذعان وبالتالي يكون محل لتطبيق النظام القانوني الخاص بحماية املستهلك من الشروط التعسفية ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬تقابلها املادة ‪ 100‬من ق م املصري واملادة‪ 101‬من ق م السوري واملادة ‪ 172‬من ق م اللبناني الذي أطلق على عقد اإلذعان عقد املوافقة‪.‬‬
‫‪- 2‬محمد خليفة كرفة‪ " ،‬ضرورة التخلي عن ربط الشروط التعسفية بعقود اإلذعان من أجل حماية واسعة للمستهلك"‪ ،‬مجلة الدراسات‬
‫القانونية املقارنة‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬نوفمبر ‪ ،2017‬ص‪.56‬‬
‫‪ -3‬عامر رحمون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ - 4‬محمد خليفة كرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫‪- 62 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫وهو ما كرسه املشرع الفرنس ي في التعديل الذي مس القانون املدني الفرنس ي بموجب األمر ‪-2016‬‬
‫‪ 131‬بموجب املادة ‪ 1110‬ف ‪ 2‬التي تنص‪ " :‬عقد اإلذعان هو العقد الذي تكون شروطه العامة غير قابلة‬
‫‪1‬‬
‫للتفاوض محددة سلفا من قبل أحد األطراف "‪.‬‬

‫‪ -3‬الطبيعية القانونية لعقد اإلذعان‪:‬‬

‫لكي نتمكن من حل االشكاالت القانونية املترتبة عن أي عقد البد من تحديد طبيعته القانونية‬
‫ولقد انقسم الفقهاء إلى فريقين لتحديد الطبيعة القانونية لعقود اإلذعان فمنهم من يرى أنها ليست‬
‫عقود حقيقية‪ ،‬وفريق آخر يرى أنها ال تختلف عن سائر العقود ومرد هذا االختالف يرجع إلى تطابق‬
‫اإلرادتين‪ ،‬أي هل يوجد فعال إيجاب يقابله قبول؟ حيث يرى الدكتور عبد املنعم فرج ّ‬
‫الصدة‪ " :‬أن‬
‫الطريقة التي يتم بها اتفاق اإلرادتين في عقد اإلذعان هي السبب في اختالف الفقهاء فيما يتعلق بطبيعة‬
‫العقد "‪.2‬‬

‫حيث يرى بعض الفقهاء وعلى رأسهم سالي ودجييه أن عقد اإلذعان ليس سوى عمل انفرادي أو‬
‫مركز قانوني منظم‪ ،‬ألن إرادة املوجب تكون بمثابة قانون أو الئحة تضعها الشركات التي تحتكر منفعة‬
‫عامة وتفرض على الناس اتباعها‪ ،‬ويحتجون في هذا أن عقود اإلذعان تنقصها اإلرادة التعاقدية التي يجب‬
‫أن تتوافر في كل عقد‪ ،‬كما أن عقد اإلذعان ال يحقق املساواة بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬فعدم مناقشة‬
‫شروط العقد من الطرف املذعن ال يحقق الوصول إلى إرادة مشتركة فهو ال يقبل بنود العقد عن بينة‬
‫وحرية ‪.3‬‬

‫أما الفريق الثاني وهم غالبية فقهاء القانون املدني فيرون أن عقد اإلذعان عقد حقيقي يتم‬
‫بتوافق إرادتين ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود‪ 4 ،‬وأنصار هذا الرأي هم جمهور فقهاء‬
‫القانون املدني في فرنسا وجميعهم في مصر وهؤالء يفندون مزاعم الرأي اآلخر‪ ،‬فيعتبرون أن اإلرادة‬
‫التعاقدية موجودة في عقد اإلذعان ألن إرادة املوجب ال يمكن أن تنتج آثارها إال بعد انضمام إرادة القابل‬

‫‪ - 1‬إن صياغة املادة ‪ 1110‬ف ‪ 2‬باللغة الفرنسية جاءت كما يلي‪:‬‬


‫‪« Le contrat d’adhésion est celui dont les conditions générales, soustraites à la négociation, sont de terminée à l’avance par‬‬
‫‪l’une des parties ».‬‬
‫‪ - 2‬يمينة بليمان‪" ،‬عقود اإلذعان وحماية املستهلك "‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد ‪ ،30‬عدد ‪ ،2‬ديسمبر‪ ،2019 ،‬ص ‪.106‬‬
‫‪ - 3‬محمد فواز صباح اآللوس ي‪ " ،‬التعسف في العقود اإلذعان "‪ ،‬مجلة جامعة األنبار للعلوم القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬العدد‬
‫الثالث عشر‪ ،‬سنة ‪ ،2017‬ص ‪.199 -198‬‬
‫‪ - 4‬بوزيد كيحول ومسعودة حداوي‪ " ،‬عقد اإلذعان بين الفقه والقانون "‪ ،‬مجلة الدراسات اإلسالمية‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬جانفي ‪ ،2017‬ص ‪.64‬‬
‫‪- 63 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إليها وبذلك فإن اجتماع اإلرادتين يساهم في إنشاء العقد وال عبرة باملساواة االقتصادية ألن املساواة‬
‫املجردة هي أساس العقد في ظل املذهب الفردي‪ ،‬كما أنه ال يشترط قانونا التفاق اإلرادتين اتفاقا صحيحا‬
‫أن يكون مضمون العقد محل نقاش سابق أو أن يكون من عمل الطرفين ‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة القاض ي في إعادة التوازن العقدي في عقود اإلذعان‬

‫األصل أن القاض ي ملزم باحترام قانون العقد وال يملك تعديله وهو ما يسمى بمبدأ القوة امللزمة‬
‫للعقد‪ ،‬الذي يستمد شرعيته من مبدأ سلطان اإلرادة وقاعدة العقد شريعة املتعاقدين التي سادت في ظل‬
‫املذهب الفردي‪ ،‬إال أنه ونظرا للعوامل االقتصادية التي صاحبت الثورة الصناعية كما مر معنا فإن ذلك‬
‫أدى إلى اختالل التوازن االقتصادي للعقد‪ ،‬مما يبرر للقاض ي التدخل إلعادة التوازن العقدي عن طريق‬
‫تعديل الشرط التعسفية أو إعفاء الطرف املذعن منها وذلك العتبارات تتعلق بالعدالة وهذا ما كرسه‬
‫املشرع بموجب املادة ‪ 110‬من القانون املدني ‪ 2‬التي تنص‪ " :‬إذا تم العقد بطريقة اإلذعان وكان قد تضمن‬
‫شروطا تعسفية‪ ،‬جاز للقاض ي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف املذعن منها‪ ،‬وذلك وفقا ملا تقض ي‬
‫به العدالة‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك "‪.‬‬

‫فاملشرع ومن خالل نص املادة املذكورة أعاله منح سلطة واسعة للقاض ي املدني أن يعفي الطرف‬
‫املذعن الضعيف من الشروط الجائرة أو التعسفية التي قد تتضمنها عقود اإلذعان وله في ذلك سلطة‬
‫واسعة في تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا فيعدله أو يلغيه‪ ،‬وسلطته في تكييف الشروط التي تعتبر‬
‫تعسفية يعتمد فيها على معايير محددة قانونا‪ ،‬هي معيار التعسف في استعمال القوة االقتصادية ومعيار‬
‫امليزة الفاحشة ومعيار االخالل الظاهر بتوازن االلتزامات‪ ،‬كما يحدد التعسف بالرجوع الى املادة ‪124‬‬
‫مكرر من القانون املدني ‪ ،3‬فإذا كشف القاض ي بحسب تقديره شروطا تعسفية في عقد اإلذعان فله أن‬
‫يعدله بما يزيل هذا التعسف ويعيد التوازن للعقد‪ ،‬بحيث تتساوى األعباء امللقاة على عاتق الطرفين‬
‫ويخفف من االلتزامات امللقاة على عاتق الطرف املذعن وهو الطرف الضعيف في العالقة العقدية‪،‬‬
‫والتعديل األول الذي يقوم به القاض ي يكون إما عن طريق اإلنقاص وذلك بإزالة الشرط التعسفي لتحقيق‬

‫‪ - 1‬علي مصبح صالح الحيصة‪ ،‬سلطة القاض ي في تعديل مضمون عقد اإلذعان‪ ،‬رسالة مقدمة للحصول على درجة املاجستير في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬قسم القانون الخاص‪ ،‬سنة ‪ ،2011‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 2‬تقابلها املادة ‪ 149‬من ق م املصري واملادة ‪ 167‬فقرة ‪ 2‬من ق م العرافي واملادة ‪ 149‬من ق م الليبي واملادة ‪ 161‬فقرة ‪ 2‬من القانون التجاري‬
‫الكويتي‪.‬‬
‫‪ - 3‬حفيظ دحمون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫‪- 64 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫التوازن بين األداءات املتبادلة في العقد ‪ 1‬أو بواسطة الطريق الثاني الذي يمكن للقاض ي أن يسلكه فهو‬
‫إعفاء الطرف الضعيف من الشرط التعسفي‪ ،‬أي تعطيل الشرط التعسفي وهو ما يعد انتهاكا صارخا‬
‫لقاعدة العقد شريعة املتعاقدين التي تعتبر األصل الذي يجسد الحرية العقدية ومبدأ سلطان اإلرادة‪،‬‬
‫ولعل هذا الخروج الذي كرسه املشرع بموجب املادة ‪ 110‬من القانون املدني عن قانون العقد والقوة‬
‫امللزمة له إنما يبتغي به الوصول إلى إعادة التوازن في العقد‪ ،‬و سلطة القاض ي في تعديل العقد أو إعفاء‬
‫الطرف املذعن من الشروط التعسفية هي من النظام العام ال يمكن االتفاق على مخالفتها‪. 2‬‬

‫على الرغم من أن املشرع عالج اختالل التوازن العقدي ضمن نظرية اإلذعان منذ اصدار القانون‬
‫املدني سنة ‪ 1975‬بموجب املادة ‪ 110‬حيث منح للقاض ي سلطة تعديل الشرط التعسفي أو االعفاء منه‬
‫إال أنه لم يعرف الشروط التعسفية كونها كل شرط أو التزام يؤدي إلى اختالل مفرط ليس في فائدة‬
‫املذعن‪ ،‬كما أن الحماية كانت قاصرة على عقود اإلذعان‪ ،‬لذلك فإن الدكتور عبد الرزاق السنهوري رأى‬
‫أن نظرية عقد االذعان أضعف من أن تغطي حاالت الضعف لدى املستهلك إذ أنها تتناول الضعف‬
‫االقتصادي فقط‪ ،‬في حين أن نواحي الضعف تتعدى ذلك الضعف إلى الضعف املعرفي والجهل وعدم‬
‫‪3‬‬
‫الخبرة وهذا ما لم تعتد به النظرية التقليدية‪.‬‬

‫املالحظ أن املشرع وعلى غرار التشريعات العربية تدخل من أجل إعادة التوازن بين حقوق‬
‫والتزامات املتعاقدين في حاالت معينة وعلى سبيل الحصر‪ ،‬كما مر معنا في حالة االستغالل أو الشروط‬
‫التعسفية في عقد اإلذعان‪ ،‬باإلضافة حاالت أخرى كحالة تعديل العقد سبب الظروف الطارئة أو حالة‬
‫إعادة النظر في الشرط الجزائي وهي حاالت محددة على سبيل الحصر‪ ،‬على عكس املشرع الفرنس ي بعد‬
‫تعديل ‪ 2016‬والذي كرس توازن العقد كأحد أهم محاور إصالح قانون العقود‪ ،‬فلقد استحدث املشرع‬
‫الفرنس ي بعد تعديل القانون املدني في سنة ‪ 2016‬نص املادة ‪ 4 1169‬والتي تجعل عقد املعاوضة باطل إذا‬

‫‪ - 1‬خديجة فاضل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬


‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ - 3‬عرعارة عسالي‪ ،‬التوازن العقدي عند نشأة العقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في القانون‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪ ،2015 -2014 :‬ص ‪.163 -162-161‬‬
‫‪ - 4‬إن صياغة املادة ‪ 1169‬من القانون املدني الفرنس ي باللغة الفرنسية جاءت كما يلي‪:‬‬
‫‪« Un contrat à titre onéreux est nul lorsque, au moment de sa formation la contrepartie convenue au profit de celui s’engage‬‬
‫‪est illusoire ou dérisoire ».‬‬
‫‪- 65 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫كان املقابل املالي ثمن بخس أو تافه و نص املادة ‪ 11170‬من القانون نفسه التي تجعل أي بند في العقد‬
‫غير مكتوب إذا كان يرمي إلى إعدام التزام املدين األساس ي من مضمونه‪.‬‬

‫كما تدخل املشرع الفرنس ي من أجل تحقيق التوازن في العقد في نصوص أكثر خصوصية مثل‬
‫نص املادتين ‪ 2 1164‬و ‪ 3 1165‬من التقنين املدني فيما يتعلق بمراقبة الثمن الذي يتم تحديده بصفة‬
‫منفردة‪ ،‬حيث يجوز للقاض ي بحسب الحاالت أن يحكم بالتعويض للمدعي وفسخ العقد عند االقتضاء‪،‬‬
‫إذا تبين أن الثمن الذي حدده ال يتناسب مع طبيعة السلعة أو الخدمة التي قدمها ‪ ،4‬كما أن املشرع‬
‫الفرنس ي اعتبر أن كل شرط في عقد اإلذعان يرتب اختالال واضحا في التوازن بين حقوق والتزامات أطراف‬
‫العقد يعتبر كأن لم يكن وهو ما نصت عليه املادة ‪ ،5 1171‬أما املشرع الجزائري فقد ربط الشروط‬
‫التعسفية بعقود اإلذعان من خالل القواعد العامة واعتمد على املفهوم التقليدي لعقد اإلذعان الذي‬
‫يشترط خاصية االحتكار للطرف القوي في العقد باإلضافة إلى الشروط األخرى ولذلك فقد لجأ املشرع إلى‬
‫إصدار العقود املتخصصة ليوسع في الحماية للطرف الضعيف‪ ،‬وال يقصرها على حاالت محددة على‬
‫سبيل الحصر‪ ،‬كما أن الشروط التعسفية ال يقتصر وجودها على عقود اإلذعان‪ ،‬فهناك من العقود على‬
‫الرغم من أنها ليست عقود اذعان‪ ،‬إال أنها تحتوي على شروط من شأنها إحداث االخالل الظاهر بين‬
‫حقوق والتزامات األطراف‪ ،‬والتفوق االقتصادي للمحترف لم يعد وحده معيارا لضعف املستهلك‪ ،‬فقد‬
‫أصبح التفاوت في الخبرة واملجال املعرفي أساسا لضعف املتعاقد‪ ،‬ولذلك فقد لجأ املشرع الى إصدار‬
‫العقود املتخصصة ليتدارك القصور الذي يعتري القواعد العامة في القانون املدني وهو ما نتناوله في‬
‫املطلب املوالي‪.‬‬

‫‪ - 1‬إن صياغة املادة ‪ 1170‬من القانون املدني الفرنس ي جاءت كما يلي‪:‬‬
‫‪« Toute clause qui prive de sa substance l’obligation essentielle de débiteur est réputée non écrite ».‬‬
‫‪ - 2‬إن صياغة املادة ‪ 1164‬باللغة الفرنسية جاءت كما يلي‪:‬‬
‫‪« Dans les contrats cadre, il peut être convenue que le prix sera fixé unilatéralement par l’une des parties, à charge pour elle‬‬
‫‪d’en motiver le montant en cas de contestation ».‬‬
‫‪ - 3‬إن صياغة املادة ‪ 1165‬باللغة الفرنسية جاءت كما يلي‪:‬‬
‫‪« Dans les contrats de prestation de service, à défaut d’accord des parties avant leur exécution, le prix peut être fixé par le‬‬
‫‪créancier, à charge pour lui d’en motiver le moment en cas de contestation, en cas d’abus dans la fixation du prix, le juge‬‬
‫‪peut être saisi d’une demande en dommages et intérêts ».‬‬
‫‪ -4‬بالل عثماني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.109 -108‬‬
‫‪ -5‬حظر القانون املدني الفرنس ي املعدل الشروط التعسفية في العقود املدنية‪ ،‬السيما عقود اإلذعان معتبرا أن كل شرط يرد في هذه العقود‬
‫يؤدي إلى عدم التوازن الواضح بين الحقوق والواجبات بين أطراف العقد يعتبر غير مكتوب‪ ،‬علما أن عدم التوازن املبالغ فيه ال يتناول‬
‫االلتزام الرئيس ي للعقد أو املقابل املالي لاللتزام‪.‬‬
‫‪- 66 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املطلب الثاني‪ :‬اللجوء إلى اصدارالعقود املتخصصة ملعالجة عدم التوازن العقدي‬

‫ّإن اهتمام املشرع بحماية الطرف الضعيف لم يكن وليد التشريعات الخاصة فحسب وإنما اهتم‬
‫املشرع بحماية الطرف الضعيف في العقد منذ أن وضع القانون املدني سنة ‪ 1975‬مثل ما سبق وأن ذكرنا‬
‫في حالة االستغالل طبقا النص املادة ‪ 90‬من القانون املدني‪ ،‬وحالة وجود عقد إذعان يتضمن شروطا‬
‫تعسفية‪ ،‬إال أن الواقع أثبت أن الحماية ضمن القواعد العامة كانت غير كافية لحماية الطرف الضعيف‬
‫اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬فلم يجد املشرع مالذا سوى اللجوء إلى إصدار العقود املتخصصة لتنظيم العالقات‬
‫العقدية بقواعد آمرة مستعمال آلية النظام العام الحمائي‪ ،‬الذي ازدهر مع تزايد التدخل التشريعي في‬
‫العقود‪.‬‬

‫فالعقد الذي كانت تسيطر عليه الحرية العقدية من حيث تكوينه وتحديد آثاره مع مراعاة النظام‬
‫العام واآلداب العامة‪ ،‬أصبح اليوم يخضع لإلرادة التشريعية عن طريق تدخل املشرع في تنظيم العقد من‬
‫مرحلة ما قبل التعاقد إلى مرحلة التنفيذ ولقد عبر الفقه عن هذه الظاهرة الجديدة بعيممة‬
‫العقد(‪ 1 )publication du contrat‬ويقصد بهذه العبارة أن العقد الخاص الذي كان من قبل مقصورا‬
‫على اإلرادة الفردية قد تدخلت فيه اإلرادة التشريعية‪ ،‬ففقد جانبا من طابعه الخاص‪ ،‬وتعيمم بقدر ما‬
‫فقد من ذلك الطابع‪.‬‬

‫إن العيممة هي ظاهرة جديدة يسعى املشرع من خاللها الى إصدار عقود متخصصة حتى تكون‬
‫أكثر فاعلية في تطور الفكر القانوني‪ ،‬وتحديث النظرية العامة للعقد حتى تستجيب للواقع‪ ،‬فالظروف التي‬
‫وضع فيها القانون املدني سنة ‪ 1975‬لم تعد قائمة‪ ،‬ولذلك فإنه البد أن يتغير القانون بتغير البيئة ويواكب‬
‫التطور الحاصل‪.‬‬

‫ّإن الهدف الرئيس ي الذي يرمي إليه املشرع من خالل العقود املتخصصة إنما هو إيجاد حماية‬
‫للطرف الضعيف عن طريق القواعد اآلمرة التي يتميز بها النظام العام الحمائي الذي يزدهر في ظل العقود‬
‫املتخصصة‪ ،‬ومن بين هذه العقود نجد القانون املنظم لعالقات العمل ‪ ،2 11 -90‬والذي نظم من خالله‬
‫املشرع عالقة العمل تنظيما مفصال ودقيقا‪ ،‬وأبرز فيها حقوق العامل‪ ،‬كما تولى املشرع تنظيم عالقة‬

‫‪ -1‬لخضر حليس‪" ،‬التنظيم القانوني للعقود املدنية"‪ ،‬مجلة البحوث القانونية والسياسية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬ديسمبر‪ ،2013 ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪ - 2‬القانون ‪ 11 – 90‬املنظم لعالقات العمل‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 67 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫االستهالك التي تربط املستهلك ‪ 1‬باملتدخل أو املنهي ‪ 2‬بموجب عدة قوانين منها القانون ‪ 02 -89‬امللغى‬
‫بموجب القانون ‪ 3 03 -09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع لغش‪ ،‬والقانون ‪ 402-04‬املتعلق بالقواعد‬
‫املطبقة على املمارسات التجارية ‪ ..‬وغيرها من العقود‪.‬‬

‫إن حماية الطرف الضعيف في العقود املتخصصة يتمثل في إيجاد التوازن العقدي بين األطراف‬
‫املتعاقدة‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق آليات قانونية إلعادة التوازن العقدي في ظل انتشار عقود ساد فيها‬
‫اختالل التوازن نتيجة لتمتع أحد أطراف العالقة بالقوة االقتصادية واملعرفية بفرضه لشروط تعسفية‬
‫حتم على املشرع معالجة التوازن في العقد عن طريق مكافحة هذه الشروط وهذا ما سنتناوله في (الفرع‬
‫األول )‪ ،‬كما أنه ولتعزيز حماية الطرف الضعيف قام املشرع بفرض التزامات قانونية على املنهي وهو ما‬
‫نتناوله في (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التصدي للشروط التعسفية في عقد االستهالك‬

‫سنتناول في هذا الفرع (أوال) مفهوم الشروط التعسفية في عقد االستهالك‪ ،‬و التدخل التشريعي‬
‫ملكافحة الشروط التعسفية (ثانيا)‪ ،‬ثم التدخل التنظيمي (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الشروط التعسفية‬

‫نتناول مفهوم الشروط التعسفية من خالل التطرق إلى تعريفها‪ ،‬و مجالها وذلك كما يلي‪:‬‬

‫التعريف التشريعي للشرط التعسفي‪:‬‬

‫عرف املشرع الشرط التعسفي بموجب القانون ‪ 1 02-04‬بموجب نص املادة ‪ 03‬فقرة ‪ 7‬كما يلي‬
‫"شرط تعسفي كل بند أو شرط بمفرده أو مشتركا مع بند واحد أو عدة بنود أو شروط أخرى من شأنه‬
‫االخالل الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات أطراف العقد"‪.‬‬

‫‪ -1‬عرف املشرع املستهلك بموجب املادة ‪ 03‬من القانون ‪ ،03 – 09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش كما يلي‪" :‬كل شخص طبيعي أو‬
‫معنوي يقتني بمقابل أو مجانا‪ ،‬سلعة أو خدمة موجهة لالستعمال النهائي من أجل تلبية حاجته الشخصية أو تلبية حاجة شخص آخر أو‬
‫حيوان متكفل به"‪.‬‬
‫‪ - 2‬عرف املشرع املتدخل بموجب املادة ‪ 03‬من القانون ‪ 03 – 09‬ف ‪ 7‬املذكور أعاله أنه‪ " :‬كل شخص طبيعي أو معنوي يتدخل في عملية‬
‫عرض املنتوجات لالستهالك"‪.‬‬
‫‪ - 3‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪ ،‬الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 23‬جوان ‪ ،2004‬املتعلق بتحديد القواعد املطبقة على املمارسات التجارية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪،2004/06/27‬ع ‪ ،41‬ص‪،)3‬‬
‫املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪- 68 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫من خالل التعريف املذكور أعاله يتبين أن املشرع اعتبر أن الشرط يكون تعسفيا بمجرد أنه يؤدي‬
‫إلى إحداث اختالل التوازن العقدي‪ ،‬و تكون هذه الشروط متوافرة في العقود املبرمة بين طرف قوي وطرف‬
‫ضعيف‪ ،‬ال يكون له الحق في مناقشة مضمونها‪ 2 ،‬وعليه يمكن استخالص الشروط التي تميز الشرط‬
‫التعسفي كما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن ال يكون خاضعا للمفاوضات بين الطرفين‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن يترتب عن الشرط عدم التوازن أو التكافؤ بين الحقوق وااللتزامات الناشئة عن العالقة العقدية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ج‪ -‬أن يكون الشرط مكتوبا بصفة مسبقة دون أن يكون للمستهلك أي تأثير في محتوى العقد‪.‬‬

‫كما أن املشرع لم يقتصر على الحماية من الشروط التعسفية على فئة املستهلكين وإنما مد‬
‫الحماية إلى املهنيين أيضا ‪ 4‬في قانون املنافسة كما سيأتي بيانه في الباب الثاني‪ ،‬غير أن املشرع ربط‬
‫الشروط التعسفية بعقود االذعان فقط في عقود االستهالك دون أن يوسع الحماية من الشرط التعسفية‬
‫إلى كل العقود بما فيها العقود الرضائية لتكون الحماية فعالة ‪.5‬‬
‫أما بالنسبة للمشرع الفرنس ي فقد مد الحماية من الشروط التعسفية إلى عقود املساومة وقد‬
‫سلك املشرع الفرنس ي هذا االتجاه من خالل قانون ‪ ،1978‬وقانون االستهالك سنة ‪ 1995‬بموجب املادة‬
‫‪ 1-132‬فقرة ‪ 4‬التي جاء فيها‪ " :‬هذه النصوص تطبق مهما كان شكل أو أساس العقد‪ ،‬وتكون على األخص‬
‫‪6‬‬
‫‪ ...‬اشتراطات‪ ،‬سواء ثم مناقشتها أم ال أو اإلحالة على شروط عامة مقررة سلفا "‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معاييرالشرط التعسفي‪:‬‬
‫من خالل التعريف السابق للشرط التعسفي فإن املعيار املعتمد لتحديد الشرط التعسفي يتمثل‬
‫في معيارين‪ ،‬معيار تعسف النفوذ االقتصادي‪ ،‬ومعيار امليزة املفرطة و هذا ما نتناوله تباعا‪:‬‬

‫‪ - 1‬املتعلق بتحديد القواعد املطبقة على املمارسات التجارية‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬منبرة جربوعة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ - 3‬عايدة مصطفاوي‪ " ،‬حماية املستهلك من الشروط التعسفية "‪ ،‬مجلة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الرابع عشر‪ ،‬أفريل ‪ ،2017‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 4‬عسالي عرعارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ - 5‬لقد انتهج املشرع االتجاه التشريعي الذي يحدد الشروط التعسفية بعقود اإلذعان من جاء نص املادة ‪ 03‬فقرة ‪ 4‬من القانون ‪ 02-04‬كما‬
‫يلي‪ " :‬كل اتفاق او اتفاقية تهدف الى بيع سلعة أو تأدية خدمة حرر مسبقا من أحد أطراف االتفاق مع إذعان الطرف اآلخر بحيث ال يمكن‬
‫لهذا األخير إحداث تغيير حقيقي فيه" وأكدت هذا التعريف املادة ‪ 01‬املرسوم التنفيذي ‪ ،306 – 06‬املؤرخ في ‪ ،2006/9/10‬املحدد للعناصر‬
‫األساسية للعقود املبرمة بين االعوان االقتصاديين واملستهلكين والبنود التي تعتبر تعسفية‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ ،2006/9/11‬ع ‪ ،56‬ص ‪،)16‬‬
‫املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ - 6‬محمد خليفة كرفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪- 69 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫‪ -1‬معيارتعسف النفوذ االقتصادي‪:‬‬
‫حاول الفقه وضع بعض الشروط التي تدل على أن الشرط تعسفي وفق معيار التفوق االقتصادي‬
‫فبمجرد أن يرتب الشرط عدم توازن جسيم في اتفاق ما فهذه النتيجة تجعل الشرط باطال‪ ،‬كما أنه يمكن‬
‫اعتبار الشرط تعسفيا بالنظر إلى وضعية املنهي في السوق‪ ،‬ومن جهة أخرى يمكن اللجوء الى وضع‬
‫املستهلك لتقدير النفوذ االقتصادي‪ ،‬فهو الذي ليس له خيارات وغير قادر على مناقشة شروط العقد‪،‬‬
‫كما أنه يمكن االستدالل على تقدير القوة االقتصادية إذا استعملها املنهي بهدف الحصول على ميزة‬
‫مفرطة ‪.1‬‬
‫‪ -2‬معيارامليزة املفرطة‪Avantage excessif :‬‬
‫ّ‬
‫عرف ‪ Glume‬امليزة املفرطة أنها‪ " :‬مقابل مغالى فيه مفروض بواسطة شرط أو عدة شروط‬
‫مخالفة للقانون املدني أو القانون التجاري‪ ،‬وهذا املعيار يعتبر نتيجة للمعيار األول أي هو املحصلة‬
‫الستخدام النفوذ االقتصادي بطريقة تعسفية‪" .‬‬
‫ُ‬
‫لقد ُوجه النقد إلى هذا املعيار وأقترح في البداية على الحكومة الفرنسية استعمال عبارة " عدم‬
‫التوازن " ثم استبعد ذلك ألنه يثير مسالة الغبن ‪ la lésion‬فرغم الفرق ما يبن الغبن الذي ينصب على‬
‫الثمن والتعسف الذي ينصب على شروط تبعية تتعلق بتنفيذ العقد والتي هي ليست ذات طبيعة مالية إال‬
‫أن النتيجة تحدث اختالل التوازن بين الحقوق وااللتزامات‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫إن املشرع الفرنس ي أخذ في تحديد صفة التعسف بكل العقد وكل املالبسات املحيطة به‪،‬‬

‫أما املشرع الجزائري فقد اعتمد معيار امليزة املفرطة أو االختالل الظاهر بموجب املادة ‪ 3‬من قانون ‪-04‬‬
‫‪ ،3 02‬وهو الذي من شأنه أن يؤدي إلى اختالل التوازن الظاهر بين حقوق والتزامات األطراف‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تضمين العقد بالشروط التعسفية يستدعي التدخل التشريعي‬

‫انتهج املشرع آليات قانونية إلعادة التوازن العقدي معتمدا في ذلك على نظام القائمة ولقد‬
‫اعتمدت عدة دول هذا النظام الذي يعتبر أبرز اآلليات القانونية ملواجهة الشروط التعسفية ومنها أملانيا‬
‫وفرنسا ولقد سار املشرع على هذا النهج‪ ،‬وتعتبر أملانيا أول الدول األوروبية التي بادرت بإصدار قانون في‬

‫‪ - 1‬عسالي عرعارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬


‫‪ - 2‬بن قويدر زبيري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.118 -117‬‬
‫‪ - 3‬يراجع نص املادة ‪ 03‬من القانون ‪ 02-04‬الذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 70 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫هذا املجال حيث أصدرت القانون املتعلق بالشروط العامة للعقود بتاريخ ‪ ،1976/12/9‬والذي بدأ العمل‬
‫به في أول أفريل ‪ ،1977‬ولقد تم تقسيم البنود التعسفية الباطلة إلى قسمين على أساس مدى قابليتها‬
‫للتقويم من عدمه ‪ 1‬إلى شروط تعسفية باطلة ‪ 2‬بقوة القانون واملسماة الشروط السوداء‪ ،‬وتشمل هذه‬
‫القائمة ثمانية أصناف من الشروط التعسفية املحظورة قانونا‪ ،‬وشروطا تعسفية أخرى يفترض فيها‬
‫الطابع التعسفي واملسماة الشروط الرمادية والتي تتضمن عشرة أصناف من الشروط التعسفية الباطلة‬
‫التي تخضع للسلطة الرقابية والتقديرية للقاض ي الذي يجوز له استبعادها إذا كانت تتوافق مع املعيار‬
‫‪3‬‬
‫العام للشرط التعسفي الذي حدده القانون األملاني‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمشرع الفرنس ي فلم يسلك نهج املشرع األملاني في وضع قائمتين للشروط التعسفية‬
‫الباطلة وإنما اختار نظاما معقدا يتميز بتعدد مصادر القوائم الشروط التعسفية وباختالف االلتزام‬
‫‪4‬‬
‫القانوني لكل مصدر من هذه املصادر‪ ،‬حيث يعد التشريع املصدر الثاني بعد التنظيم‪.‬‬
‫حيث صدر أول قانون استهالك في ‪ 10‬جانفي ‪ 1978‬قام بتعريف الشرط التعسفي في نص املادة‬
‫‪ 35‬منه كما يلي‪ " :‬التعسف في استعمال القوة االقتصادية من خالل فرض على غير املحترف أو املستهلك‬
‫بند يخول للمتعاقد معه ميزة مفرطة "‪.5‬‬
‫يوضح النص أن للسلطة التنفيذية أن تصدر ما تشاء من اللوائح عن طريق مجلس الدولة بناءا‬
‫على رأي لجنة البنود التعسفية والتي يتمثل اختصاصها في فحص نماذج العقود الشائع استعمالها من‬
‫قبل املهنيين عند تعاقدهم مع املستهلكين ‪.6‬‬
‫إن املشرع الفرنس ي ومن خالل قانون االستهالك الصادر في ‪ 10‬جانفي ‪ 1978‬لم يحدد قائمة‬
‫الشروط التعسفية مما أدى إلى وجود اختالف عند الفقه والقضاء حول تحديد مفهوم امليزة املفرطة‬
‫والتعسف في استعمال القوة االقتصادية‪ ،‬هذا ما أدى باملشرع الفرنس ي سنة ‪ 1995‬إلى إضافة ملحقا‬

‫‪ - 1‬عبير مزغيش ومحمد عدنان بن ضيف‪" ،‬الضوابط الحمائية املصوبة الختالل التوازن العقدي في عقود االستهالك التعسفية "‪ ،‬مجلة‬
‫الحقوق والحريات في ‪ -‬في األنظمة املقارنة‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أفريل ‪ ،2017‬ص ‪.108‬‬
‫‪ - 2‬املادة ‪ 10‬من القانون املتعلق بالشروط العامة للعقود الصادر بتاريخ ‪.1976/12/09‬‬
‫‪ّ - 3‬إن املشرع األملاني حدد الشروط التعسفية الباطلة بقوة القانون وهي القائمة السوداء ولم يعترف للمشرع بالسلطة التقديرية بشأنها أما‬
‫الشروط الرمادية أجاز للقاض ي استبعادها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Article 35 de la loi de 10 janvier 1978 qui organisent la lutte contre les clauses abusives: « Dont abusives les clauses qui‬‬
‫‪apparaissent imposée aux non –professionnels ou consommateurs par un abus de la puissance économique de l’autre‬‬
‫‪partie et confèrent à cette dernière un avantage excessif ».‬‬
‫‪ - 5‬ياسين سعدون‪ ،‬أثر الظروف االقتصادية ‪ ،..‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ - 6‬أحمد سيد أحمد وأحمد أبو القاسم‪ ،‬مجاالت وأهداف حماية املستهلك‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2018‬ص ‪.26‬‬
‫‪- 71 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫بقانون االستهالك يتضمن قائمة بيانية وغير حصرية لشروط يمكن اعتبارها تعسفية إذا توفرت فيها‬
‫شروط الشرط التعسفي‪ ،‬وهي قائمة مستوحاة من التعليمة األوروبية لعام ‪ 1993‬وقد جاءت شاحبة‬
‫حسب تعبير األستاذ ‪ calais – Auloy‬ألنها تفتقر إلى القوة اإللزامية التي تتميز بها املراسيم ومن جهة‬
‫تحمل املدعي عبء إثبات الطابع التعسفي للشرط وفقا لنص املادة ‪ 1-132‬من قانون االستهالك‬ ‫أخرى ّ‬
‫ويضم امللحق سبعة عشر نوعا من الشروط التعسفية وتتعلق على الخصوص‪:‬‬
‫‪ -‬استبعاد أو تحديد املسؤولية القانونية للمحترف في حالة وفاة املستهلك أو إصابته بأضرار جسمانية‬
‫نتيجة عمل أو امتناع صادر عنه‪.‬‬
‫‪ -‬استبعاد أو تحديد بشكل غير مالئم الحقوق القانونية للمستهلك قبل املحترف أو جزء منها في حالة عدم‬
‫التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ املعيب ألحد التزامات املحترف‪.‬‬
‫وأخيرا أصدر املشرع قانون ‪ 28‬جانفي ‪ 2005‬املسمى قانون ‪ la loi châtel‬نسبة إلى النائب في‬
‫الجمعية الوطنية الذي كلف قبل عامين بمهمة برملانية تتعلق باإلعالم وتمثيل وحماية املستهلكين‪.1‬‬
‫أما املشرع الجزائري فقد انتهج األسلوب التشريعي والتنظيمي معا في مواجهة الشروط التعسفية‪،‬‬
‫حيث نص في املادة ‪ 29‬من القانون ‪ 02-04‬املتعلق باملمارسات التجارية على الشروط التعسفية التعاقدية‬
‫التي وردت على سبيل املثال‪ 2،‬ولقد استحدث املشرع لجنة البنود التعسفية بموجب املرسوم ‪306-06‬‬
‫الذي يحدد العناصر األساسية للعقود املبرمة بين األعوان االقتصاديين واملستهلكين‪ ،‬وحدد البنود التي‬
‫تعتبر تعسفية بموجب املادة ‪ 5‬منه واملالحظ أن بعض الشروط التعسفية أعيد ذكرها في املرسوم‬
‫التنفيذي ‪.3306-06‬‬
‫من الشروط التي تعتبر تعسفية حالة احتفاظ العون االقتصادي بحق تعديل العقد أو فسخه‬
‫بصفة منفردة بدون تعويض املستهلك والشرط الذي يدرجه العون االقتصادي والذي بمقتضاه ال يسمح‬
‫للمستهلك في حالة القوة القاهرة بفسخ العقد إال بقابل دفع تعويض‪ ،‬وغيرها من الشروط التي نص عليها‬
‫بموجب نص املادة ‪ 29‬من القانون ‪.4 02 – 04‬‬
‫رابعا‪ :‬سلطة القاض ي في تعديل الشروط التعسفية وفقا للقوانين املستحدثة‬

‫‪ - 1‬بالل عثماني‪ ،‬أثر الظروف االقتصادية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.192‬‬


‫‪ - 2‬يراجع نص املادة ‪ 29‬من القانون ‪ 02-04‬املتعلق باملمارسات التجارية الذي سبقت إلشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -3‬الذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪ - 4‬الذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 72 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫لقد سبق وأن تطرقنا إلى سلطة القاض ي في تعديل الشروط التعسفية التي قد تتضمنها عقود‬
‫اإلذعان وذلك وفقا للقواعد العامة وهو ما كرسه املشرع بموجب املادة ‪ 110‬من القانون املدني‪ ،‬وقد‬
‫تطرقنا الى أن للقاض ي سلطة تعديل الشرط التعسفي أي إزالة الشرط التعسفي إلعادة التوازن بين‬
‫األداءات أو اعفاء الطرف املذعن منه أي تعطيله وله في ذلك السلطة التقديرية‪ ،‬وبصدور القانون ‪-04‬‬
‫‪ 02‬السابق الذكر فإن املشرع قد حدد قائمة الشروط التعسفية بموجب املادة ‪ 29‬التي احتوت على‬
‫ثمانية شروط تعسفية ويضاف إليها اثنا عشر شرطا تعسفيا جاءت بهم املادة ‪ 05‬من املرسوم التنفيذي‬
‫‪1‬‬
‫رقم ‪ ،306-06‬وال نجد ضمن هذه القواعد الخاصة أي حكم يتكلم عن بطالن الشروط التعسفية‪،‬‬
‫وبالرجوع الى القواعد العامة فإن املشرع أجاز للقاض ي سلطة تعديل الشروط التعسفية أو االعفاء منها‬
‫مع اإلبقاء على العقد بحيث رتب بطالن الشرط التعسفي مقابل اإلبقاء على العقد‬
‫قائما ‪.2‬‬
‫املالحظ أن املشرع ربط الشروط التعسفية بعقود اإلذعان فال يمكن اعمال نص املادة ‪ 110‬في‬
‫عقود املساومة التي يختل فيها التوازن العقدي نتيجة وضعية الهيمنة التي يتمتع بها أحد طرفي العالقة‬
‫العقدية ولذلك فإنه يستوجب مد نطاق الحماية من الشروط التعسفية إلى كل العقود حتى الرضائية‬
‫وعدم حصرها بعقود اإلذعان‪ ،‬ألن ضعف املستهلك لم يعد متعلق بالتفوق االقتصادي للمنهي‪.‬‬
‫بتحديد املشرع لقائمة الشروط التعسفية في املادتين ‪ 29‬من القانون ‪ 02 -04‬واملادة ‪ 05‬من‬
‫املرسوم التنفيذي ‪ ،306 -06‬يكون قد استبعد سلطة القاض ي في تقدير ما اذا كان الشرط تعسفيا‪ ،‬وهو‬
‫ما يتعارض مع املادة ‪ 03‬من فقرة من القانون ‪ 02-04‬التي تمنح للقاض ي سلطة تقديرية في التأكد من‬
‫وجود اختالل في التوازن العقدي بين حقوق وواجبات املتعاقدين ‪.3‬‬
‫وعليه فإنه وبتحديد قائمة الشروط التعسفية من قبل املشرع في املواد املذكورة أعاله يكون قد‬
‫سهل مهمة القاض ي في تقدير الشروط التعسفية‪ ،‬فال يكون أمام القاض ي إال الحكم بتعديلها متى كان ذلك‬
‫ممكنا أو االعفاء منها‪ ،‬وفيما عدا هذه الشروط يبقى للقاض ي مطلق الصالحية في تقدير الطابع التعسفي‬
‫ألي شرط آخر بشرط مراعاة أحكام الفقرتين ‪ 5‬و ‪4‬من املادة ‪ 03‬من القانون ‪ 02 -04‬املتعلقتين بضرورة‬

‫‪ -1‬بخال ف املشرع الفرنس ي الذي نص على بطال ن الشرط التعسفي بموجب املادة ‪ 131‬ف ‪ 2‬من قانون االستهالك الصادر في ‪ 01‬فيفري‬
‫‪ ،1995‬املنقول عن التنظيم األوربي الصادر في ‪ 5‬أفريل ‪ ،1993‬وهو ما كرسه في املادة ‪ 1171‬بعد تعديل قانون العقود وااللتزامات في سنة‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ -2‬سامي بن حملة‪" ،‬إعادة التوازن العقدي بين املستهلك واملتدخل في عقود االستهالك"‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات االكاديمية‪ ،‬العدد‬
‫الخامس‪ ،‬مارس ‪ ،2005‬ص ‪.98‬‬
‫‪ -3‬خديجة فاضل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪- 73 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫ورود الشرط ضمن عقد االستهالك‪ ،‬وأن يتعلق بعقود االذعان وأن يؤدي إلى االخالل الظاهر بالتوازن بين‬
‫حقوق وواجبات أطراف العقد ‪.1‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬فرض التزامات إضافية لتدعيم حماية الطرق الضعيف‬

‫إن اآللية الثانية التي اعتمدها املشرع من أجل حماية الطرف الضعيف في العقد هي اللجوء إلى‬
‫فرض التزامات إضافية على عاتق الطرف القوي في العقد من أجل سالمة رضا املستهلك‪ ،‬فالتطور‬
‫االقتصادي والتكنولوجي الذي شهده العالم منتصف القرن العشرين أفرز ازدحام األسواق بمنتوجات لم‬
‫تكن م ألوفة من ذي قبل‪ ،‬كالسلع االستهالكية واألجهزة املنزلية وغيرها من السلعة واملنتجات ‪ ،...‬ولقد‬
‫صاحب هذا التطور في أساليب اإلنتاج والتوزيع زيادة حجم املخاطر التي قد يتعرض لها املستهلكين أثناء‬
‫اقتنائهم لهذه السلع واملنتجات‪ ،2‬وملا كانت القواعد العامة غير كافية لحماية املستهلك من املخاطر التي‬
‫قد يتعرض لها ‪ 3‬بسبب جهله لهذه السلع والخدمات ذات التقنيات املتطورة كان لزاما على املشرع أن‬
‫يسعى إلى فرض التزامات إضافية على املحترف لتحقيق املساواة بين الطرفين‪ ،‬فضال عن التفاوت‬
‫االقتصادي بين الطرفين والذي سبق وأن تطرقنا له ومن أبرز االلتزامات امللقاة على عاتق املنهي هو‬
‫االلتزام باإلعالم‪ ،‬والذي نشأ من رحم القضاء الفرنس ي الذي كان ينظر إليه بأنه التزام مستقل وهو ما برر‬
‫وجوده بهدف مواجهة اختالل التوازن القائم بين املتعامل االقتصادي واملستهلك في املرحلة قبل‬
‫التعاقدية‪ ،‬وذلك في الحاالت التي تعجز فيها القواعد العامة عن تنظيمه ‪ ،4‬وسنتناول هذا االلزام من‬
‫خالل مفهومه (أوال) ونطاقه (ثانيا) والجزاء املترتب على مخالفته (ثالثا) ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم االلتزام باإلعالم‬

‫ستناول التعريف التشريعي و الفقهي لاللتزام باإلعالم كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬التعريف التشريعي‪:‬‬

‫‪ -1‬منبرة جربوعة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.208-207‬‬


‫‪ -2‬علي فتاك‪ ،‬حماية املستهلك وتأثير املنافسة على ضمان سالمة املنتج‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2013‬ص‪.9‬‬
‫‪ - 3‬لم ينص املشرع على االلتزام باإلعالم قبل التعاقد بصورة صريحة بصدد كل التعامالت ضمن قواعد القانون املدني مكتفيا بالقواعد‬
‫املتعلقة بعيوب الرضا والعلم الكافي باملبيع وأحكام ضمان العيوب الخفية‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬سعاد نويري‪ "،‬االلتزام باإلعالم وحماية‬
‫املستهلك في التشريع الجزائري "‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات االكاديمية ‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬جانفي ‪ ،2016‬ص ‪.224‬‬
‫‪ - 4‬مريم نابي‪ "،‬دور االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي في حماية املستهلك"‪ ،‬مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية‪،‬‬
‫ص ‪.150‬‬
‫‪- 74 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫كرس املشرع االلتزام باإلعالم ضمن قانون حماية املستهلك وقمع الغش ‪ 1 03-09‬بموجب املادة‬
‫‪ 17‬التي تنص‪ " :‬يجب على كل متدخل أن يعلم املستهلك بكل املعلومات املتعلقة باملنتوج الذي يضعه‬
‫لالستهالك بواسطة الوسم ووضع العالمات أو بأية وسيلة أخرى مناسبة "‪.‬‬

‫بالرجوع الى املرسوم التنفيذي ‪ 2 378-13‬فإنه تطرق إلى تعريف االلتزام حول املنتوجات حيث‬
‫نصت املادة ‪ 03‬منه على ما يلي‪ " :‬إعالم حول املنتوجات كل املعلومة متعلقة باملنتوج موجهة للمستهلك‬
‫على بطاقة أو أية وثيقة أخرى مرفقة به أو بواسطة أي وسيلة أخرى بما في ذلك الطرق التكنولوجية‬
‫الحديثة أو من خالل االتصال الشفهي "‪.‬‬

‫بنفس املعنى كرس املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم في قانون حماية املستهلك في املادة ‪،1/111‬‬
‫التي جاء فيها‪ " :‬كل محترف بائع املنتوجات أو مقدم خدمات يجب عليه قبل إبرام العقد أن يضع املستهلك‬
‫في وضع يسمح له بمعرفة الخصائص األساسية للمنتوج أو الخدمة "‪. 3‬‬

‫من خالل قراءة نص املادة ‪ 17‬من القانون ‪ 03-09‬واملادة ‪ 03‬من املرسوم التنفيذي ‪378-13‬‬
‫السابقتين يستنتج منها أن املشرع قد ألزم املحترف بأن يقدم للمستهلك كل املعلومات املرتبطة باملنتوج‬
‫(سلعة أو خدمة) املوضوع للتداول في األسواق بغرض االستهالك ولم يشترط أي وسيلة إعالمية لتنفيذ‬
‫هذا االلتزام بهدف تشجيع املنهي على االلتزام باإلعالم بأية وسيلة يراها مناسبة بحيث يقبل املتعاقد على‬
‫ابرام العقد وإرادته مستنيرة وسليمة وهو على بينة بمحل العقد‪ ،‬ليبقى له حرية إبرام العقد أو العدول‬
‫عنه ‪.4‬‬

‫‪ - 1‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬


‫‪ - 2‬املؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪ ،2013‬يحدد الشروط والكيفيات املتعلقة بإعالم املستهلك‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ 18‬نوفمبر‪ ،‬ع ‪، 58‬ص ‪.)8‬‬
‫‪ - 3‬جاءت صياغة املادة ‪ 1/111‬من قانون االستهالك الفرنس ي كما يلي‪:‬‬
‫‪«Tout professionnel vendeur des bien ou prestataire des services doit, avant la conclusion du contrat, mettre le‬‬
‫» ‪consommateur on mesure de connaitre les carteristique essentielles des bien ou du service‬‬
‫‪ - 4‬سليمة بوزيد وسليم بشير‪ " ،‬االلتزام باإلعالم وطرق تنفيذه وفقا االحكام قانون حماية املستهلك وقمع الغش ‪ ،"03/09‬مجلة الحقوق‬
‫والحريات‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أفريل ‪، 2017‬ص ‪.28‬‬
‫‪- 75 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫نظرا ملا يحتوي عليه االلتزام باإلعالم من أهمية في سالمة رضا املستهلك وإعادة التوازن بين‬
‫املحترف واملستهلك فإن املشرع الفرنس ي أدرج هذا االلتزام تحت طائلة بطالن العقد وذلك بصدد‬
‫االصالحات الجديدة للقانون املدني الفرنس ي لسنة ‪.1 2016‬‬

‫إال أن القانون املدني الجزائري لم يتطرق إلى هذا االلتزام قبل التعاقد بصورة واضحة بل غلبت‬
‫على نصوص القانون املدني العمومية بنصه على التعامل بحسن نية‪ ،‬األمر الذي قد يؤدي إلى تنصل‬
‫املحترف من هذا االلتزام‪ ،‬مما يتعارض مع أهميته باعتباره ضمانة من ضمانات حماية املتعاقدين خاصة‬
‫املبتدئين ‪.2‬‬

‫‪ -2‬التعريف الفقهي‪:‬‬
‫من األهمية أن نذكر أن الفقيه الفرنس ي جولجر هو أول من سعى الى االعتراف بااللتزام باإلعالم ‪،‬‬
‫ونادى بضرورة وجود هذا االلتزام في كل مراحل العقد نظرا ألهميته الكبرى‪ ،‬وأنه يشكل أحد مظاهر روح‬
‫التضامن التي يجب أن تسود في العقود كرد فعل على الحرية الفردية املفرطة التي سادت في ظل املذهب‬
‫الفردي‪ ،‬ولقد أوضح أن الحكمة من فرض هذا االلتزام تكمن في عدم كفاية نظرية عيوب اإلرادة لحماية‬
‫املتعاقد الضعيف‪ ،‬وبما أنها استثناء على األصل فال يجب التوسع في تطبيقها ‪.3‬‬
‫بصدد التأكيد على تكريس االلتزام باإلعالم قبل التعاقد ذهب الفقيه الفرنس ي جستان‬
‫‪ Ghestin‬إلى أن‪ ":‬االلتزام بإعالم املتعاقد اآلخر بكل ظروف العقد ما هو إال وسيلة جديدة تضاف إلى‬
‫الوسائل التقليدية التي تهدف إلى حماية الرضا حتى ال يقوم العقد على رضا غير حر من جانب أحد‬
‫طرفيه‪ ،‬فالرضا ال يكون حرا إال إذا استند إلى حرية كاملة من املتعاقد في تقدير ظروف التعاقد "‪.4‬‬
‫ثانيا ‪:‬الطبيعة القانونية لاللتزام باإلعالم‬
‫إن أهمية البحث عن الطبيعة القانونية لاللتزام باإلعالم تكمن في معرفة القوانين الواجبة‬
‫التطبيق على مثل هذا االلتزام وتحديد نوع املسؤولية املترتبة عن االخالل بهذا االلتزام‪ ،‬ولقد اختلف الفقه‬

‫‪ - 1‬استحدث املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم بموجب املادة ‪ 1112‬وذلك بصدد اإلصالحات الجديدة للقانون املدني الفرنس ي سنة ‪2016‬‬
‫الذي عدل بموجب االمر ‪.31- 2016‬‬
‫‪ - 2‬مولود حاتم‪ " ،‬ادراج االلتزام بالتبصير في اصالح القانون املدني الفرنس ي لسنة ‪ 2016‬وأثره على نظرية االلتزام في القانون املدني‬
‫الجزائري"‪ ،‬املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية‪ ،‬املجدد ‪ ،03‬العدد ‪ ،02‬أكتوبر ‪ ،2019‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 3‬عمر عبد الفتاح السيد عبد الطيف‪ ،‬التوازن املعرفي في العقود املدنية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬طبعة سنة ‪،2016‬‬
‫ص ‪.38‬‬
‫‪ - 4‬املرجع نفسه ص ‪.39‬‬
‫‪- 76 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫حول الطبيعة القانونية لاللتزام باإلعالم فهناك من يرى بأنه التزام ذو طبيعة عقدية (أ)‪ ،‬وهناك من يرى‬
‫أنه التزام غير عقدي (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬الطبيعة العقدية لاللتزام باإلعالم‪:‬‬
‫يستند أنصار هذا الرأي إلى نظرية الخطأ في تكوين العقد‪ ،‬والتي تعتبر أن االلتزامات السابقة على‬
‫التعاقد التزامات عقدية‪ ،‬ويؤسسون ذلك على قيام املسؤولية العقدية كأثر لألخطاء التي تقع بمناسبة‬
‫إبرام العقد وهو ما يؤخذ به القانون السويسري‪ ،‬كما أنهم يرون أن االلتزام باإلعالم قبل التعاقد يستمد‬
‫طبيعته العقدية من العقد الالحق‪ ،‬وقد استندوا على الحجج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عندما يقوم البائع بإعالم املشتري بخصائص املبيع إنما يعلمه بصفته متعاقدا‪ ،‬ألن عدم تنفيذ البائع‬
‫اللتزامه باإلعالم ال يكتشف إال بعد ابرام العقد وأثناء تنفيذه‪ ،‬وهو نفس الحال بالنسبة للمتعامل‬
‫االقتصادي و املستهلك في عالقة االستهالك‪.‬‬
‫‪ -‬إن تقرير االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي من شأنه أن يؤدي إلى معالجة بعض القصور الذي يعتري نظرية‬
‫عيوب اإلرادة‪.‬‬
‫‪ -‬يرى أصحاب هذا االتجاه أنه ينبغي إهمال التفرقة بين االلتزام العقدي وغير العقدي‪ ،‬وأنه من األفضل‬
‫‪1‬‬
‫بسط الطبيعة العقدية على كل منهما‪.‬‬
‫ب – الطبيعة غيرالعقدية لاللتزام باإلعالم‪:‬‬
‫يستند أنصار هذا الرأي إلى أن عدم نشوء عقد بين الطرفين ال يمكن أن يترتب عليه الطبيعة‬
‫العقدية لاللتزام باإلعالم قبل التعاقدي‪ ،‬فااللتزامات غير العقدية يدخل في نطاقها كافة االلتزامات‬
‫الواجبة خارج النطاق العقدي ومنها االلتزامات القانونية وشبه العقدية‪ ،‬وااللتزامات الواجبة اثناء‬
‫املفاوضات العقدية وكذلك االلتزامات الناشئة عن واقعة أو فعل معيب‪ ،‬وهذا ما ينطبق على االلتزام‬
‫باإلعالم قبل التعاقدي‪ ،‬فهو التزام غير عقدي يهدف إلى االدالء بالبيانات الالزمة إلبرام العقد من أجل‬
‫تبصير املتعاقد وتنوير إرادته في الفترة السابقة على العقد‪ ،‬و بذلك فهو يستند إلى أحكام املسؤولية‬
‫املدنية‪ ،‬وال سيما التقصيرية وذلك ألن عدم االدالء بالبيانات الالزمة يعتبر خطأ يوجب املسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬ويستوجب الحكم بالتعويض عمال ينص املادة ‪ 124‬من القانون املدني ‪.2‬‬

‫‪ - 1‬مريم نابي‪ ،‬املرجع السابق ‪،‬ص ‪.153 – 152‬‬


‫‪ - 2‬املختار بن سالم‪ ،‬االلتزام باإلعالم كآلية لحماية املستهلك‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تلمسان‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪ ،2018 -2017 :‬ص ‪.134-133‬‬
‫‪- 77 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫اتجه رأي املشرع إلى أنه ال يمكن االستناد إلى املسؤولية العقدية نتيجة عدم القيام بااللتزام‬
‫باإلعالم قبل التعاقدي‪ ،‬ألنه ال يوجد أصال عقد بين الطرفين‪ ،‬وليس للمتضرر من الخطأ الذي ارتكبه‬
‫املتعاقد اآلخر في مرحلة املفاوضات سوى املطالبة بالتعويض على أساس املسؤولية التقصيرية ‪.1‬‬
‫ثالثا‪ :‬نطاق االلتزام باإلعالم‬
‫نتناول نطاق االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي من حيث األشخاص(‪ )1‬ونطاقه من حيث املوضوع‬
‫(‪ )2‬وذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬من حيث األشخاص‪:‬‬
‫إن نطاق االلتزام باإلعالم من حيث األشخاص يتحدد من حيث معرفة املدين والدائن بهذا‬
‫االلتزام‪ ،‬وبالرجوع إلى املادة ‪ 17‬من القانون ‪ 2 03 -09‬التي نصت على أن الدائن باإلعالم هو املستهلك‪،‬‬
‫ولقد اختلف كل من الفقه والقضاء حول مفهومه بين اتجاه ضيق واتجاه موسع‪ ،‬حيث رأى أصحاب‬
‫االتجاه املوسع أن املتدخل يأخذ سلوك املستهلك العادي إذا تصرف في غير مجال تخصصه فيكون بذلك‬
‫في مركز الطرف الضعيف‪ ،‬وهو ما أخذ به املشرع عند ما أخرج من وصف املستهلك كل شخص يقوم‬
‫بإبرام تصرفات قانونية موجهة ألغراض املهنة أو الحرفة وهو ما أكده بموجب نصوص تشريعية‪.3‬‬
‫أما من حيث املدين بااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي هو املتعامل ولقد اختلف الفقه في تسميته‬
‫فنجد من أطلق عليه مصطلح املنهي أو املنتج للداللة عليه‪ ،‬ولقد عرفه الدكتور محمد جعفر بأنه‪" :‬‬
‫الشخص الطبيعي أو املعنوي من القطاع العام أو الخاص‪ ،‬الذي يمارس باسمه ولحساب الغير نشاطا‬
‫يتمثل في توزيع أو بيع أو تأجير السلع أو تقديم الخدمات‪ ،‬كما يعتبر متعامل محترف أي شخص طبيعي أو‬
‫معنوي يقوم باستيراد السلع بهدف بيعها أو تأجيرها أو توزيعها وذلك في اطار ممارسته لنشاطه املنهي"‪.‬‬
‫لقد عرف املشرع املدين بهذا االلتزام في املادة ‪ 03‬من القانون ‪ 03-09‬على أنه‪ " :‬كل شخص طبيعي‬
‫أو معنوي يتدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك "‪ ،‬ولكي يكون املتعامل شخصا مدينا البد أن يتوافر‬
‫فيه عنصران‪:‬‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.131‬‬


‫‪ - 2‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬عرفت املادة ‪ 03‬من القانون ‪ 03-09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش املستهلك بأنه‪ " :‬كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني بمقابل أو‬
‫مجانا سلعة أو خدمة موجهة لالستعمال النهائي من أجل تلبية حاجته أو حاجة شخص آخر أو حيوان متكفل به "‪ ،‬كما عرفته املادة ‪ 03‬من‬
‫القانون ‪ 02 -04‬املتعلق بالقواعد املطبقة على املمارسات التجارية بأنه‪ " :‬كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني سلعا قدمت للبيع أو يستفيد‬
‫من خدمات عرضت مجردة من كل طابع منهي"‪.‬‬
‫‪- 78 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫‪ -‬العنصراألول‪ :‬يتمثل في ممارسه نشاط اعتيادي‪.‬‬
‫‪ -‬العنصرالثاني‪ :‬هو عرض املنتوجات والخدمات ‪.1‬‬
‫‪ -2‬من حيث املوضوع‪:‬‬
‫يتحدد نطاق االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي من حيث املوضوع في االمتناع عن الكتمان واالدالء‬
‫بالبيانات واملعلومات املتعلقة بوضع الش يء أو الخدمة من الناحتين القانونية أو املادية ثم تلك املتعلقة‬
‫باستخدام الش يء أو محل عقد االستهالك ‪.2‬‬

‫أ ‪ -‬االمتناع عن الكتمان‪:‬‬
‫رتب املشرع التزاما عاما باإلفضاء بموجب املادة ‪ 86‬من القانون املدني وهو يقع على عاتق املتعاقد‬
‫املدين بااللتزام باإلعالم وذلك كلما كانت الواقعة أو املالبسة التي يجهلها املتعاقد معه مؤثرة‪ ،‬ويلتزم‬
‫املتعاقد باإلفضاء على وجه الخصوص كلما تعذر على املتعاقد املدلس عليه التعرف على وقائع ومالبسات‬
‫مؤثرة من دون قيام املدلس باإلفضاء له‪ ،‬كما يتحمل املنهي أو األخصائي أو الفني التزاما باإلفضاء في تعامله‬
‫مع من ال خبرة له‪ ،‬حيث تنص املادة ‪ 86‬من ق م على أنه‪ " :‬ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو‬
‫مالبسة إذا ثبت أن املدلس ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه املالبسة "‪.‬‬
‫لقيام التدليس يشترط أن يتوافر العنصر املعنوي له الذي يتمثل في نية التضليل أو الخداع عند‬
‫املدلس وأن يكون الغرض من الحيل املستعلمة بشتى أنواعها خداع املدلس عليه وإيقاعه في غلط يدفعه‬
‫للتعاقد‪ ،‬وهذا ما ال يتوافر في االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم الذي ينبني أساسا على مبدأ حسن النية‪،‬‬
‫وكذلك األصل في االلتزام باإلعالم يعني االستغناء عن العنصر املعنوي‪ ،‬ويعتبر املدين بااللتزام باإلعالم قد‬
‫أخل بالتزامه بمجرد كتمان البيانات واملعلومات‪ ،‬مما يترتب عليه إمكانية املطالبة بإبطال العقد‬
‫والتعويض بدون حاجة إلى إثبات نية التضليل وهذا الرأي ال يمكن األخذ به ألنه يوسع من دائرة البطالن‬
‫‪3‬‬
‫دون وجود نص قانوني‪.‬‬
‫ب‪ -‬االدالء باملعلومات والبيانات‪:‬‬

‫‪ - 1‬مريم نابي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.160‬‬


‫‪ - 2‬أحمد بورزق‪" ،‬دور االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم في تنوير إرادة املستهلك"‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،03‬جانفي‬
‫‪ ،2016‬ص ‪.179‬‬
‫‪ -3‬أحمد بورزق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪- 79 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫يتم االدالء بالبيانات واملعلومات املتعلقة بالعقد وذلك بكافة الطرق املمكنة‪ ،‬سواء شفاهة عن‬
‫طريق الشرح العلني أو كتابة من خالل تقديم البيانات مكتوبة إلى املستهلك‪ ،‬ويتمثل مضمون البيانات التي‬
‫يجب االدالء بها‪ ،‬في تمكين املستهلك من كافة البيانات واملعلومات املتعلقة بالسلعة أو الخدمة ‪ ،1‬والتي‬
‫تختلف باختالف محل العقد‪ 2،‬وذلك بتنوير إرادة املستهلك بالبيانات واملعلومات املتعلقة بالسلعة أو‬
‫الخدمة‪ ،‬ويجب أن تكون وافية وصحيحة ومفيدة كأوصافها املادية (سعر الوحدة‪ ،‬تاريخ اإلنتاج‪ ،‬طبيعة‬
‫املنتج وخصائصه‪ ،‬طريقة االستعمال‪ ،‬مخاطر االستعمال‪ ،‬اإلجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها في حالة‬
‫كون املواد خطرة ‪.3)...‬‬
‫كما يقع على عاتق املنهي إعالم املستهلك بالحدود املتوقعة للمسؤولية العقدية وذلك بإعالم‬
‫املستهلك بالحدود املتوقعة لألضرار التي يلتزم بتعويضها في حالة وقوعها‪ ،‬ألن التزام املدين بالتعويض في‬
‫املسؤولية العقدية يتحدد بموجب العقد وفقا إلرادة املتعاقدين وقت التعاقد‪ ،‬وذلك بعرض األضرار‬
‫املتوقعة من جانب (املدين) واالتفاق على حدود التعويض الالزم جبرها‪ ،‬كل ذلك ما لم يوجد غش أو خطأ‬
‫جسيم من أحدهما طبقا لنص املادة ‪ 182‬من ق م ‪.4‬‬
‫رابعا‪ :‬جزاء مخالفة االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي‬
‫كما سبق وأن تطرقنا له فإن االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي يرجع في نشأته إلى القضاء الفرنس ي‬
‫استناد ا إلى القواعد العامة للعقد‪ ،‬وال يوجد نص قانوني عام وصريح ينص عليه‪ ،‬ومن هنا فإن الصعوبة‬
‫تكمن في تحديد الجزاء املترتب على االخالل بمثل هذا االلتزام‪ ،‬كما أن املادة ‪ 17‬من القانون ‪ 03-09‬أغفلت‬
‫الجزاء املدني‪ ،‬في حين املادة ‪ 78‬من نفس القانون نصت على عقوبات جزائية‪ ،‬وعليه فإن دراسة الجزاء‬

‫‪ -1‬فايزة بولباني‪ ،‬االعالم كوسيلة لحماية املستهلك‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬فرع العقود واملسؤولية‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪،‬‬
‫السنة الجامعية‪ ،2012 -2011 :‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬فمثال في املجال الطبي يكون حق املري ض في االعالم عن طبيعة العالج من خالل مرحلتين ففي املرحلة األولى يتم هذا االعالم قبل مباشرة‬
‫العالج لكي يرض ى املريض بالخضوع لهذا العالج أو يرفضه‪ ،‬وفي املرحلة الثانية يكون اإلعالم بعد مباشرة العالج ونعني بذلك حق املريض في‬
‫االطالع على ملفه الطبي‪ ،‬وأن يسعى الطبيب إلفادته بمعلومات واضحة وصادقة بشأن أسباب كل عمل طبي‪ ،‬مع ضرورة األخذ بعين االعتبار‬
‫شخصية املريض خالل توضيحاته‪ ،‬وعليه أن يفهمه ذلك في املرحلة األولى أي قبل العالج‪ ،‬وبعد مباشرة العالج يكون حق املريض في اإلعالم‬
‫بامللف الطبي الخاص به ويشمل العديد من الوثائق أهمها وثيقة االستشفاء والرضا املكتوب إذا كان يقرره القانون ونتائج التحاليل‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫يراجع في هذا الخصوص‪ :‬سليمان حاج عزام‪ " ،‬حق املستهلك في اإلعالم والرضا في املجال الطبي – التزام الطبيب بإعالم املريض وتلقي رضاه‬
‫نموذجا‪ ،-‬مجلة الحقوق والحريات‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أفريل ‪ ،2017‬ص ‪.258 ،256‬‬
‫‪ -3‬أحمد بورزق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ -4‬عادل عميرات‪ " ،‬االلتزام العون االقتصادي باإلعالم"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،13‬جوان ‪ ،2016‬ص ‪.241‬‬
‫‪- 80 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املترتب على مخالفة االلتزام باإلعالم تقتض ي التطرق إلى الجزاء املدني ضمن القواعد العامة للعقد (‪،)1‬‬
‫ثم التطرق إلى العقوبات املقدرة بموجب لقانون ‪.)2( 1 03-09‬‬
‫‪ -1‬الجزاء املدني املترتب عن االخالل بااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي‪:‬‬
‫إن غياب نص صريح وعام يكرس االلتزام باإلعالم ضمن القواعد العامة يستوجب الرجوع إلى‬
‫القواعد العامة للمسؤولية وهو ما تناوله اتباعا‪:‬‬
‫أ‪ -‬ابطال العقد استنادا إلى نظرية عيوب إلرادة‪:‬‬
‫إن طلب إبطال العقد استنادا إلى نظرية عيوب اإلرادة تقتض ي تأسيس طلب إبطال العقد على‬
‫الغلط والتدليس الرتباطها الوثيق بااللتزام باإلعالم‪.‬‬
‫‪ -‬الغلط‪:‬‬
‫قد يؤدي اخالل املنهي بااللتزام باإلعالم إلى إيقاع املستهلك في غلط نتيجة املعلومات املضللة التي‬
‫قد قدمها له أو لعدم ذكر بعض املعلومات الهامة ‪ ،2‬وعليه فإنه يجب على املستهلك أن يثبت أنه وقع في‬
‫غلط معين وأن يثبت جوهرية املعلومات التي وقع بشأنها الغلط‪ ،‬سواء كان الغلط في صفة جوهرية‬
‫للش يء‪ 3 ،‬أو في ذات املتعاقد أو في صفة من صفاته ‪ ،4‬ويكون للمستهلك في هذه الحالة املطالبة بإبطال‬
‫العقد على أساس الغلط استنادا لنص املادتين ‪ 82-81‬من ق م‪.‬‬
‫‪ -‬التدليس‪:‬‬
‫يمكن للمستهلك املطالبة بإبطال العقد للتدليس ‪ 5‬إذ أن االخالل بااللتزام باإلعالم هو أحد حاالت‬
‫التدليس بالكتمان لكن يبقى على من وقع في التدليس أن يثبت نية التضليل‪ ،‬ألن التمسك بإبطال العقد‬
‫على أساس الكتمان التدليس ي الذي يرتب اإلخالل بااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي دون إثبات نية‬
‫التضليل يوسع من دائرة البطالن‪ ،‬ولذلك يرى األستاذ حسن جميعي أن استقاللية االلتزام باإلعالم قبل‬
‫التعاقدي يقتض ي أن يتبنى املشرع حق املستهلك في املطالبة بإبطال عقد االستهالك بمجرد االخالل‬
‫بااللتزام وبدون حاجة إلى االستناد إلى النظريات التقليدية في الغلط والتدليس اللتان تقيدان حق‬
‫املستهلك في طلب اإلبطال ‪.6‬‬

‫‪ -1‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش والذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬


‫‪ - 2‬أحمد بورزق املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪ - 3‬يراجع نص املادة ‪ 82‬ف ‪ 2‬ق م‪.‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 82‬ق ‪ 3‬من ق م‪.‬‬
‫‪ -5‬يراجع نص املادة ‪ 86‬م ق م‪.‬‬
‫‪ -6‬أحمد بورزق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪- 81 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫‪ -‬عدم العلم الكافي باملبيع في عقد البيع‪:‬‬
‫نص املشرع على العلم الكافي باملبيع بموجب املادة ‪ 352‬ف‪ 1‬من ق م‪ 1‬كما يلي‪ " :‬يجب أن يكون‬
‫املشتري عاملا باملبيع علما كافيا ويعتبر العلم كافيا إذا اشتمل العقد على بيان املبيع وأوصافه األساسية‬
‫بحيث يمكن التعرف عليه "‪.‬‬
‫يقصد بالعلم الكافي باملبيع اإلحاطة بأوصافه األساسية التي تبين للمشتري مدى صالحيته آلداء‬
‫الغرض املقصود منه‪ ،‬ولذلك يعتبر العلم الكافي أوسع نطاق من مجرد تعيينه وفقا للقواعد العامة‪ ،‬فكان‬
‫النص عليه مستقال بموجب املادة ‪ 352‬ف‪ 1‬من ق م السابقة للذكر‪ 2‬وعليه يرى جانب من الفقه أن العلم‬
‫الكافي باملبيع يخول للمشتري طلب إبطال عقد البيع استنادا إلى نظرية الغلط ألن عدم العلم الكافي باملبيع‬
‫يعد غلطا في صفات املبيع الجوهرية وهو ما يؤدي إلى قابلية العقد لإلبطال والغلط في هذه الحالة غلط‬
‫مفترض ال يطالب املشتري بإثباته‪ ،‬والرأي الراجح من الفقه يرى استقاللية إبطال العقد لعدم العلم‬
‫الكافي باملبيع عن أحكام نظرية الغلط‪ ،‬ويكفي في هذه الحالة أن يثبت املشتري أنه لم يعلم بالش يء املبيع ال‬
‫عن طريق الرؤية وال بالوصف‪ ،‬وأنه لم يقر في العقد أنه عالم‪ ،‬وعليه فإن عدم العلم الكافي باملبيع هو‬
‫الذي يخول للمشتري الحق في إبطال العقد ولو لم يقع في غلط ‪.3‬‬
‫إن نص املادة ‪ 352‬من ق م يحصر العلم الكافي باملبيع على عقد البيع دون أن يشمل عقود‬
‫الخدمات التي انتشرت في الواقع‪ ،‬مما يجعل من االستناد على املادة املذكورة سابقا إلبطال عقد البيع‬
‫كجزاء على االخالل بااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي أمر ال يحقق الحماية الفعالة للطرف الضعيف‪ ،‬هذا‬
‫ما جعل الفقه والقضاء يسعى الى البحث عن وسائل أخرى للحماية وذلك من خالل طلب التعويض‬
‫استنادا إلى قيام املسؤولية املدنية املحترف ‪.4‬‬
‫ب‪ -‬طلب التعويض استنادا إلى قيام املسؤولية املدنية للمتدخل‪:‬‬
‫إذا لم يتمكن املستهلك من إبطال العقد عندما يخل املتدخل بالتزامه باإلعالم قبل التعاقدي أو‬
‫كان طلب اإلبطال غير كاف وفقا للقواعد العامة يمكن له في هذه الحال طلب التعويض تأسيسا على قيام‬
‫املسؤولية املدنية‪ ،‬وفي هذا الصدد ذهب جانب من الفقه املصري والفرنس ي إلى أحقية املستهلك في طلب‬
‫التعويض في إطار قواعد املسؤولية التقصيرية جبرا لألضرار التي أصابته و تحقيق حماية فعلية‬
‫موضوعية للمستهلك ‪.5‬‬

‫‪ -1‬تقابلها املادة ‪ 419‬من ق م املصري‪.‬‬


‫‪ - 2‬أحمد بومدين‪ ،‬دور االلتزام باإلعالم قبل التعاقد في حماية رضا املستهلك "‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬جوان ‪ 2020‬ص ‪.173‬‬
‫‪ - 3‬الطيب قلوش‪ " ،‬الجزاء املدني إلخالل املتدخل بالتزام باإلعالم "‪ ،‬مجلة القانون العدد ‪ ،07‬ديسمبر ‪ ،2016‬ص ‪.158‬‬
‫‪ - 4‬الطيب قلوش‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫‪ - 5‬أحمد بورزق‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.183‬‬
‫‪- 82 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن املسؤولية التقصيرية تنشأ بسبب ما يحدثه الشخص للغير من ضرر بسبب خطئه فهي تنشأ‬
‫خارج العالقات العقدية بين أشخاص ال يرتبطون فيما بينهم بموجب العقد‪ ،‬فااللتزام باإلعالم قبل‬
‫التعاقد يفرضه واجب قانوني يتمثل في إعالم املستهلك بالسلعة تفاديا لوقوع الضرر‪ ،‬وطلب التعويض‬
‫يكون مؤسسا على نص املادة ‪ 124‬من ق م ‪.1‬‬
‫‪ -‬الجزاء الوارد في التعديل األخيرللقانون املدني الفرنس ي‪:‬‬
‫كرس املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي بموجب التعديالت التي مست القانون‬
‫املدني الفرنس ي بموجب األمر (‪ )131-2016‬كما معنا‪ ،‬ونظم له أحكاما ‪ 2‬حيث فرض جزاء عن االخالل به‬
‫وخفف عبء االثبات على الدائن بااللتزام باإلعالم بحيث يكفي أن يثبت أن املدين ملزم بتقديم معلومات‬
‫حول محل العقد لينتقل عبء إثبات تنفيذ االلتزام باإلعالم إلى املدين بااللتزام الذي يتعين عليه أن يثبت‬
‫قيامه بالتزامه‪ ،‬ولقد اعتبر املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي متعلق بالنظام العام ورتب على‬
‫مخالفته البطالن‪ 3 ،‬ويستمد االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي قوته اإللزامية من نصوص القانون املدني‬
‫الفرنس ي باعتباره املصدر املباشر غير التعاقدي لاللتزام باإلعالم ‪.4‬‬
‫إن االصالحات الجذرية التي مست القانون املدني الفرنس ي نصت على االلتزام باإلعالم قبل‬
‫التعاقدي‪ ،‬واعتبرته التزاما مستقال عن نظرية عيوب الرضا‪ ،‬يترتب على مخالفته بطالن العقد بالشروط‬
‫التي نصت عليها املادة ‪ 1130‬من نفس القانون‪.‬‬
‫فضال عن البطالن الذي يلحق العقد نتيجة مخالفة هذا االلتزام فان املشرع الفرنس ي قد فسح‬
‫املجال للمستهلك من أجل املطالبة بالتعويض على أساس قواعد املسؤولية املدنية وبالتحديد املسؤولية‬
‫التقصيرية مع اإلبقاء على العقد ألن مصلحته ال تتحقق مع ابطال العقد ‪.5‬‬
‫‪ -2‬الجزاء الجنائي املترتب عن االخالل بااللتزام قبل التعاقدي‪:‬‬

‫‪ - 1‬تقابلها املادة ‪ 163‬ف ‪ 2‬من ق م املصري‪.‬‬


‫‪ - 2‬بموجب املادة ‪ 1-1112‬من القانون املدني الفرنس ي التي نصت على مايلي‪:‬‬
‫‪Article 1112- 1: « il incombe à celui qui prétend qu’une information lui était due de prouver que l’autre patrie la lui devait. à‬‬
‫‪charge pour celle autre partie de prouver qu’elle l’a fournie.‬‬
‫» ‪- Les parties ne peuvent ni limiter, ni exclure ce devoir‬‬
‫‪- « … le manquement à ce devoir d’information peut entrainer l’annulation de contrat dans les conditions prévues aux‬‬
‫‪articles 1130 et suivants ».‬‬
‫‪ - 3‬بموجب املادة ‪ 1 -1112‬التي سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬
‫‪ - 4‬حمزة بن خدة‪ ،‬قراءة في أهم مستجدات اإلصالح الجذري للقانون املدني الفرنس ي لسنة ‪ 2016‬ومدى تأثيرها على القانون املدني الجزائري‬
‫في ثوبة الحالي "‪ ،‬مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2018‬ص ‪.431‬‬
‫‪ - 5‬عمر عبد الفتاح السيد عبد اللطيف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.365‬‬
‫‪- 83 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫نصت املادة ‪ 78‬من القانون ‪ 1 09 -18‬على أنه‪ ":‬يعاقب بغرامة من مئة ألف دينار (‪100.000‬دج)‬
‫إلى مليون دينار (‪ 1.000.000‬دج ) كل من يخالف إلزامية إعالم املستهلك املنصوص عليها في املادتين ‪ 17‬و‬
‫‪ 18‬من هذا القانون‪" .‬‬
‫يتضح من النص أن املشرع جرم االخالل بااللتزام باإلعالم عن طريق وسم املنتوج‪ ،‬ويتضح من‬
‫النص أن القاعدة آمرة تتعلق بالنظام العام يترتب على مخالفتها البطالن املطلق‪ ،‬ويجوز لكل ذي مصلحة‬
‫أن يتمسك به‪ ،‬إال أن خصوصية النظام العام الحمائي كما مر معنا تحمي املصلحة الخاصة للمستهلكين‬
‫التي تقتض ي اإلبقاء على العقد بدال من إبطاله مع الزيادة في الحقوق محل الحماية‪ ،‬ويمكن للطرف املحمي‬
‫التنازل عن الحماية عند اكتسابه للحق فيكون جزاء مخالفة النظام العام االجتماعي بطالن الشرط دون‬
‫العقد‪ ،‬وحلول حكم القانون محل الشرط الباطل وللمستهلك دون غيره التسمك بإبطال العقد ‪.2‬‬
‫اعتبر املشرع أن مخالفة االلتزام باإلعالم جريمة عمدية بتوافر عناصرها‪ ،‬عمال بنص املادة ‪78‬‬
‫من القانون ‪ 09-18‬السابقة الذكر‪ ،‬وأكد املشرع على ذلك بموجب املادة ‪ 60‬من املرسوم التنفيذي ‪-13‬‬
‫‪ 378‬والتي تنص‪ " :‬يمنع استعمال كل بيان أو إشارة أو كل تسمية خيالية أو كل طريقة أو وسم وكل‬
‫أسلوب ‪ ،3"..‬وأضاف في نفس املرسوم التنفيذي بموجب املادة ‪ 61‬التي جاء فيها‪ " :‬أنه يمنع عرض للبيع أو‬
‫بيع أو توزيع لكل منتوجات ال تتطابق في وسمها مع أحكام هذا املرسوم أو تخزن في ظروف غير عادية"‪.4‬‬
‫كما أن املادة ‪ 62‬من نفس املرسوم نصت على أن كل اخالل بأحكام هذا املرسوم يعاقب عليه‬
‫طبقا للتشريع والتنظيم املعمول بهمها السيما أحكام القانون ‪ 03-09‬املذكور سابقا ‪.5‬‬

‫إن التدخل التشريعي في العقود عن طريق مكافحة الشروط التعسفية وكذا فرض االلتزامات‬
‫اإلضافية على عاتق الطرف القوي الذي غالبا ما يكون املنهي إنما يهدف إلى تكريس الحماية للطرف‬
‫الضعيف عن طريق فرض قواعد قانونية آمرة تمثل النظام العام وذلك من أجل إعادة التوازن العقدي‬
‫وتحقيق العدالة العقدية‪ ،‬فلم تعد الحرية العقدية أساس القوة امللزمة للعقد‪ ،‬وإنما ظهر مفهوم جديد‬
‫للقوة امللزمة للعقد وهو ما سنتناوله في املبحث التالي‪.‬‬

‫‪ -1‬القانون ‪ ،09 -18‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ،2018‬يعدل ويتمم القانون ‪ ،03 - 09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪13‬‬
‫جوان ‪ ،2018‬ع ‪ ،35‬ص ‪.) 5‬‬
‫‪ - 2‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادة ‪ 60‬من املرسوم التنفيذي ‪ ، 378-13‬املؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪،2013‬يحدد الشروط والكيفيات املتعلقة بإعالم املستهلك‪( ،‬ج ر ‪،‬‬
‫الصادرة في ‪ 18‬نوفمبر ‪ ،2013‬ع ‪ ،58‬ص‪.)8‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 61‬من نفس املرسوم‪.‬‬
‫‪ - 5‬يراجع نص املادة ‪ 62‬من نفس املرسوم‪.‬‬
‫‪- 84 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬

‫‪- 85 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املبحث الثاني‪ :‬املفهوم الجديد للقوة امللزمة للعقد‬

‫إن أساس القوة امللزمة للعقد وفقا للمفهوم التقليدي كان يقوم على حرية التعاقد‪ ،‬فقد كان‬
‫لإلرادة الدور املطلق في تكوين العقد وتحديد آثاره وال يحد من هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى فكرة‬
‫النظام العام‪ ،‬وهذا ما جسده املذهب الفردي‪.‬‬

‫إن مبدأ سلطان اإلرادة بمفهومه التقليدي جسد فكرة أن كل ما هو عقدي فهو عادل وبالتالي‬
‫فإنه متى تعاقد الشخص وارتبط اإليجاب بالقبول وكان رضاؤه صحيحا نشأ العقد‪ ،‬وترتبت عليه آثار‬
‫تكون ملزمة ألطرافه وال يجوز للمشرع وال القاض ي التدخل لتعديله‪ ،‬فالعقد يعتبر صحيحا حتى ولو كان‬
‫غير متوازن بمجرد أن الشخص تعاقد بحرية‪ ،‬فكان الدور مطلق لإلرادة في تكوين العقد وتحديد آثاره‪،‬‬
‫ووفقا لهذا املبدأ ال يمكن تصور شخص قد قبل التزاما على نفسه بعقد ال يتوافق مع مصلحته‪ ،‬وأساس‬
‫هذه العالقة العقدية هو املساواة املجردة‪ ،‬التي تقوم على املساواة الحسابية املطلقة النابعة من إرادة‬
‫األفراد وهي تمثل العدل التبادلي‪ ،‬وال يؤخذ فيها بعين االعتبار الظروف االقتصادية واالجتماعية لألفراد‪،‬‬
‫كما أن العقد كان يهدف إلى تحقيق املصالح الخاصة واملتضاربة مع الطرف اآلخر‪.‬‬

‫غير أن التعاقد الحديث وما نتج عنه من اختالل في التوازن العقدي أدى إلى ظهور أفكار فلسفية‬
‫تؤسس ألفكار جديدة للقوة امللزمة للعقد‪ ،‬حمل لوائها املذهب االجتماعي الذي تبنى فكرة العدل التوزيعي‬
‫القائم على املساواة الواقعية أو النسبية‪ ،‬واألخذ باالعتبارات والظروف والقدرات الخاصة لكل فرد عند‬
‫تقرير الحقوق والواجبات‪ ،‬فالتوزيع للثروات واملزايا واألعباء يكون عادال ألنه يأخذ بعين االعتبار ظروف‬
‫األفراد فهو عدل يجسد عالقة األفراد بالجماعة‪ ،‬أي عدل يجب للفرد على الجماعة ولذلك أطلق عليه‬
‫العدل التوزيعي‪.1‬‬

‫أصبح املشرع يتدخل لسن القواعد اآلمرة عن طريق النظام العام الحمائي لتجسيد حماية‬
‫الطرف الضعيف في العقد وإعادة التوازن العقدي‪ ،‬واألخذ بالظروف االقتصادية واالجتماعية لألطراف‬
‫املتعاقدة‪ ،‬فتم االنتقال من فكرة املساواة املجردة التي تقوم على أساس العدل التبادلي إلى فكرة املساواة‬

‫‪ -1‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬


‫‪- 86 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫الفعلية التي يجسدها العدل التوزيعي‪ ،‬مع االعتداد بما يستحقه كل فرد بحسب قدراته وكفاءته وخبراته‪،‬‬
‫وهذا يعني األخذ بالظروف االقتصادية واالجتماعية لألطراف املتعاقدة عند توزيع الحقوق والواجبات‪.1‬‬

‫إن تدخل املشرع في تنظيم العقد يهدف إلى تحقيق السياسة التشريعية للمشرع وهي تحقيق‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬ولذلك كان البد أن يستجيب العقد للمنفعة االجتماعية‪ ،‬عن طريق خضوعه للقواعد‬
‫اآلمرة التي يقررها املشرع وهو ما يجسد العدالة العقدية كأساس جديد للقوة امللزمة للعقد وهو ما نتناوله‬
‫في (املطلب األول)‪ ،‬كما أنه ومن أ جل تكميل العدالة العقدية ال بد من إدخال القواعد األخالقية على‬
‫املفهوم العقدي وهو ما نتناوله في (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬العدالة العقدية أساس القوة امللزمة للعقد‬

‫إن دراسة العدالة العقدية كمفهوم جديد للقوة امللزمة للعقد يقتض ي التطرق إلى ماهية العدالة‬
‫العقدية في (الفرع األول)‪ ،‬واألساس الذي تقوم عليه في (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم العدالة العقدية‬

‫إن أساس العدل التبادلي يقوم على أساس تساوي األفراد في الحقوق وااللتزامات وهو من نتاج‬
‫مذهب سلطان اإلرادة‪ ،‬الذي قام على أساس املساواة املجردة بين األفراد‪ ،‬والتي ال يؤخذ فيها بالظروف‬
‫االقتصادية واالجتماعية فالفرد عندما يتعاقد فمن غير املتصور أن يتعاقد الشخص بما يخالف‬
‫مصلحته‪ ،‬وهذا هو األساس الذي يقوم عليه العدل التبادلي‪.2‬‬

‫يسمى العدل التبادلي بالعدل التصحيحي ألنه يصحح االختالل في الذمة املالية الناتجة عن انتقال‬
‫األموال من ذمة إلى ذمة‪ ،‬أو الناتجة عن عمل غير مشروع ‪.3‬‬

‫إن التحوالت االقتصادية واالجتماعية للمجتمع سرعان ما أثبتت أن املساواة املجردة بين األفراد‬
‫في عالقاتهم العقدية التي تجسد مبدأ سلطان اإلرادة أصبحت غير مجدية في ظل اختالل التوازن العقدي‪،‬‬

‫‪ -1‬وفي هذا الشأن يقول مونتيسكيو‪ " :‬الناس في الحالة الطبيعية يولدون متساوين ولكنهم ال يستطيعون البقاء على هذه الحال فاملجتمع‬
‫يفقدهم املساواة و ال يعودون متساوين إال بالقوانين"‪ ،‬نقال عن حفيظ دحمون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ، 4‬الهامش ‪.1‬‬
‫‪ -2‬حفيظ دحمون‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪ -3‬نساخ فاطمة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫‪- 87 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫وظهور طرف قوي وطرف ضعيف في العالقات العقدية وبالتالي أصبحت مقولة أن من قال عقدا قال‬
‫عدال غيرصحيحة‪.1‬‬

‫نتيجة لذلك بدأ املشرع يتدخل في تنظيم العالقات العقدية لتحقيق التوازن العقدي وذلك عن‬
‫طريق العدالة التوزيعية التي توزع فيها الحقوق والواجبات على أفراد املجتمع على أساس ما يستحقه كل‬
‫فرد بالنظر إلى ظروفه االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وهنا تكون املساواة تناسبية وليست مساواة مطلقة‪.2‬‬

‫إن تدخل املشرع في العقد بفرض شروط تعاقدية إللزامية العقد هو تحقيق للمساواة الفعلية‬
‫التي قد تغيب أثناء إبرام العقد وذلك للفروق الطبيعية واالجتماعية املتأصلة بين الطرفين‪ ،‬وهكذا فإن‬
‫عدالة العقد تظهر من خالل شروط العقد املبرم بين الطرفين‪ ،‬فيكون العقد عادال تبعا لعدالة األداءات‬
‫املتبادلة للمتعاقدين‪ ،‬ويعتبر العقد في هذه الحالة أداة لتحقيق منافع متبادلة ومتكافئة إلى حد ما بين‬
‫طرفيه‪ 3،‬وإذا كانت قواعد العدالة تقتض ي وجود توازن بين االلتزامات املترتبة عن العقد بغض النظر عن‬
‫إمكانية عدم التكافؤ االقتصادي للطرفين خارج نطاق العقد‪ ،‬فإنها تقتض ي من باب أولى التعادل في‬
‫املنافع التي يجنيها أطراف العقد‪ ،‬وعليه فإن جوهر العدالة العقدية هو تحقيق منفعة مادية للمتعاقد‪،‬‬
‫تتناسب مع األداء املطلوب القيام به‪.4‬‬

‫ملا كان العقد واقعة اجتماعية فإنه البد أن يكون في خدمة املجتمع‪ ،‬أي خضوع العقد ملا يقرره‬
‫املشرع لصالح املنفعة العامة باإلضافة إلى تحقيق املنفعة الخاصة‪ ،‬والفلسفة النفعية هي من دعت إلى‬
‫انتهاج املنفعة العامة واعتبارها كمعيار للمنفعة العقدية‪ ،5‬وبمعنى آخر تكون املبادالت نافعة اجتماعيا‬
‫طاملا كانت متوافقة مع املنفعة العامة‪ ،‬ولعل خضوع املتعاقدين للنظام العام هو ما يجسد املنفعة‬
‫العامة‪.6‬‬

‫‪ -1‬تنسب هذه املقولة إلى الفقيه األملاني ‪ fouille‬ولقد تعرضت لنقد الذع من طرف الفقيه األملاني أهرنج ‪ Ihering‬الذي صرح قائال‪" :‬إن القول‬
‫بأن اتفاق اإلرادتين يكون بالضرورة عادال هو بمنزلة إعطاء ترخيص بالصيد للقراصنة وقطاع الطرق وتقرير حقهم في االستيالء على كل ما‬
‫تقع عليه أيديهم"‪ ،‬نقال عن صديق شياط‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،195‬الهامش ‪.1‬‬
‫‪ -2‬سماح جبار‪ ،‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة نيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبي بكر‬
‫بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2018-2017 :‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -3‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -4‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية في القانون الجزائري‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪ ،2014-2013 :‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -5‬جمعة زمام‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ -6‬جمعة زمام‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪- 88 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫نتيجة لذلك تم التحول إلى مفهوم جديد للقوة امللزمة للعقد‪ ،‬فاملفهوم التقليدي للقوة امللزمة‬
‫للعقد القائم على أن‪" :‬العقد شريعة املتعاقدين ال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو‬
‫لألسباب التي يقررها القانون"‪ 1‬لم يعد يتالءم مع املستجدات التي فرضها الواقع االقتصادي واالجتماعي‪،‬‬
‫وفي هذا السياق يرى "‪ 2 "Kelsen‬أن مضمون العقد يستمد قوته امللزمة من إرادة املشرع وهذا ما‬
‫استوجب أن يكون العقد نافعا وعادال‪ ،3‬وهو ما دفع بالفقيه ‪ Ghestin‬إلى ربط تحقق القوة امللزمة للعقد‬
‫بشرطي املنفعة والعدل‪ ،‬فالعقد ملزم كلما توافقت إرادة األطراف املتعاقدة مع إرادة املشرع لتحقيق‬
‫‪4‬‬
‫العدالة العقدية التي تقوم على فكرة النافع والعادل‪.‬‬

‫من التطبيقات التي يظهر فيها مفهوم العدالة التعاقدية هو ما يفرضه املشرع من التزامات على‬
‫األشخاص املتعاقدة لم تتجه إليها إرادتهم التعاقدية‪ ،‬كااللتزام باإلعالم‪ 5‬وااللتزام بالسالمة‪ ،6‬فهي التزامات‬
‫تقتض ي حصول كل متعاقد على املنفعة املقصودة من العقد بما يتناسب مع ما يحصل عليه املتعاقد‬
‫اآلخر‪ ،‬وكذلك من التطبيقات التشريعية للعدالة العقدية هو حظر الشروط التعسفية في عقود اإلذعان‬
‫وعقود االستهالك كما مر معنا‪ ،7‬وبالرجوع إلى التعديل الذي مس القانون املدني الفرنس ي فإن املشرع‬
‫الفرنس ي توجه إلى ربط القوة امللزمة للعقد بالتوازن العقدي من خالل حظر الشروط التعسفية في العقود‬
‫املدنية السيما عقود اإلذعان‪ ،‬معتبرا أن كل شرط يرد في هذه العقود ويفض ي إلى عدم التوازن الواضح بين‬

‫‪ -1‬نصت على هذا املعنى املادة ‪ 106‬من ق م‪ ،‬والتي تقابلها املادة ‪ 1103‬واملادة ‪ 1193‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل‪ ،‬بحيث أعاد املشرع‬
‫الفرنس ي التموضع القانوني لهذا املبدأ ووضعه ضمن املبادئ العامة التي تحكم العقد وليس كما كان سابقا مبدئا فرعيا يتناول تحديد قوة‬
‫العقد ضمن القسم املخصص للبحث في آثار العقد‪ ،‬ولقد أضفى على املبدأ العديد من الجوانب الحداثية التي تهدف إلى تحقيق األمان‬
‫التعاقدي لطرفي العقد سواء أثناء انعقاد العقد أو تنفيذه‪ ،‬ضمانا للتوازن العقدي بين طرفيه‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص محمد عرفان‬
‫الخطيب‪" ،‬املبادئ املؤطرة لنظرية العقد في التشريع املدني الفرنس ي الجديد دراسة نقدية تأصيلية مقارنة"‪ ،‬مجلة كلية القانون الكويتية‬
‫العاملية‪ ،‬السنة السابعة‪ ،‬العدد‪ ،2‬العدد التسلسلي ‪ ،26‬يونيو ‪ ،2019‬ص ‪.215‬‬
‫‪ -2‬هانز كلسن فقيه نمساوي وفيلسوف قانوني وسياس ي وهو صاحب النظرية الهرمية في القانون الوضعي‪ ،‬نقال عن علي فيصل علي‬
‫الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪ -3‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ -5‬يراجع االلتزام باإلعالم في املبحث األول من هذا الفصل‪.‬‬
‫‪ -6‬كرس املشرع حماية األفراد بإقراره مبدأ االلتزام بضمان السالمة سواء استنادا إلى املسؤولية العقدية أو املسؤولية التقصيرية‪ ،‬وهو التزام‬
‫ذو طبيعة خاصة وفقا ملا نصت عليه املادة ‪ 140‬مكرر من القانون املدني حيث أنه متى لحق الشخص ضرر بسبب عيب في املنتوج لزم‬
‫املتدخل بالتعويض ويستند االلتزام بضمان السالمة إلى قواعد املسؤولية التقصيرية إذا لم توجد عالقة تعاقدية مباشرة‪ ،‬يراجع في هذا‬
‫الخصوص‪ :‬حسين بطيمي ونصيرة غزالي‪" ،‬طبيعة وأساس االلتزام بضمان السالمة"‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة عمار تليجي‪،‬‬
‫األغواط‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬مارس ‪ ،2017‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -7‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬حظر الشروط التعسفية التي تم التطرق اليها في املبحث األول من الفصل الثاني من الباب األول‪.‬‬
‫‪- 89 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫الحقوق والواجبات بين أطراف العقد يعد غير مكتوبا‪ ،‬مع مراعاة استثناء أن ال يكون عدم التوازن املبالغ‬
‫فيه يتناول موضوع العقد أو املقابل املالي لاللتزام‪.1‬‬

‫كما أن القانون املدني الفرنس ي املعدل أدخل إلى نصوصه فكرة اإلكراه االقتصادي والتي يرجع‬
‫تسميتها إلى الفقه وهي تستند إلى فكرة التبعية التي يكون فيها أحد املتعاقدين متعسفا من وضع التبعية‬
‫التي يوجد فيها املتعاقد اآلخر وذلك للحصول منه على التزامات لم يكن ليحصل عليها في غياب هذه‬
‫التبعية‪ ،2‬و رتب املشرع على العقود التي تحتوي على حالة التبعية أو اإلكراه االقتصادي أنه يمكن في هذه‬
‫الحالة املطالبة بفسخ العقد بناء على دعوى قضائية وال يعتبر الشرط بحكم العدم بقوة القانون‪.3‬‬

‫إن املشرع الفرنس ي وحرصا منه على تحقيق العدالة العقدية فقد كرس القانون املدني املعدل‬
‫العقود اإلطارية التي بموجبها يكون بإمكان الطرفين االتفاق على أن يحدد الثمن بشكل أحادي من قبل‬
‫أحدهما مع تعهد هذا األخير بتبرير هذا املبلغ وفي حال االعتراض أو وجود تجاوز في تحديد الثمن فيمكن‬
‫للطرف املتضرر املطالبة القضائية بالتعويض نتيجة املبالغة في تحديد املقابل وفسخ العقد عند‬
‫االقتضاء‪.4‬‬

‫كما أن القانون املدني الفرنس ي بموجب التعديل كرس تحقيق العدالة العقدية من خالل إعطاء‬
‫الحق القانوني بإعادة التفاوض حول بنود العقد في حال حدوث ظروف طارئة تجعل تنفيذ االلتزام مرهقا‬
‫بالنسبة ألحد طرفيه‪ ،‬فلهذا الطرف الذي ال يقبل تحمل هذه املخاطر أن يطالب بإعادة مناقشة بنود‬
‫العقد مع االستمرار في تنفيذ العقد وفي حال فشل املفاوضات فلهم الحق في فسخ العقد وفق الشروط‬
‫واملدة املتفق عليها‪ ،‬أو أن يطلبوا من القاض ي إعادة تحديث العقد مع الظروف املستجدة‪ ،‬ويمكن ألحد‬
‫األطراف أن يطلب من القاض ي إنهاء العقد أو تعديله بالتاريخ والشروط التي يحددها القاض ي‪ 5،‬وبذلك‬
‫يكون القانون املدني املعدل قد تبنى نظرية الظروف الطارئة بعد أن أرس ى االجتهاد القضائي قواعدها‬
‫الخاصة‪.6‬‬

‫‪ -1‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ 1171‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل‪.‬‬


‫‪ -2‬محمد عرفان الخطيب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -3‬نصت على هذا املعنى املادة ‪ 1143‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل‪.‬‬
‫‪ -4‬نصت على هذا املعنى املادة ‪ 1164‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل‪.‬‬
‫‪ -5‬نصت على هذا املعنى املادة ‪ 1195‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل‪.‬‬
‫‪ -6‬محمد عرفان الخطيب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.223‬‬
‫‪- 90 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن تحليلنا ملفهوم العدالة العقدية وتطبيقاتها التي تقوم على توافق إرادة األطراف مع إرادة املشرع‬
‫بهدف حماية املصلحة العامة تبين أنها تجسد الوظيفة االجتماعية للعقد‪ ،‬وهي بذلك تقوم على فكرة‬
‫النافع والعادل‪ ،‬وهو ما سنتناوله في الفرع املوالي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية النافع وقيمة األداء العادلة‬

‫انتهج املشرع أفكار الفقيه ‪ 1Ghestin‬في العديد من التطبيقات القانونية التي تجسد مبدأ العادل‬
‫والنافع في العقد‪ ،‬وعليه فإن القوة امللزمة للعقد تقوم على أساس النافع في العقد (أوال) والعادل في العقد‬
‫(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬النافع في العقد‬

‫نتطرق إلى فكرة النافع في العقد من خالل بيان مدلولها وتأصيلها القانوني وإعادة إحيائه من قبل‬
‫االقتصاديين وذلك كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬مدلول فكرة النافع في العقد‪:‬‬

‫تقوم فكرة "النافع" في تحديد مضمون العقد على أن العقد بوصفه وسيلة من وسائل التبادل‬
‫االقتصادي بين األفراد ال يمكن لقواعده أن تبقى جامدة وبعيدة عن تطور البيئة العقدية وإال أصبح‬
‫وسيلة بدون جدوى‪ ،‬ولقد تأثر القضاء الفرنس ي في إطار جهوده في توسيع مضمون العقد بأمرين أولهما أن‬
‫العقد قد تطور وتوسع نطاقه فلم يعد مجرد وسيلة إلشباع الحاجات البسيطة بل أضحى وسيلة مهمة‬
‫لتبادل السلع والخدمات املتطورة ووسيلة يجب أن تسخر لخدمة الجماعة فلقد تحولت النظرة ما بين‬
‫املتعاقدين من البحث عن املصلحة الشخصية لكل منهما ومحاولة الحصول على املنافع إلى ضرورة سيادة‬
‫روح التعاون فيما بينهما بما يسهل الوصول إلى أقص ى املنافع التي يحققها‪ ،‬لذا أصبح كل منهما ملتزم اتجاه‬
‫اآلخر بواجب التعاون املثمر‪ ،‬واألمر الثاني هو التقدم التقني والذي أدى إلى ظهور التباين في املراكز‬
‫االقتصادية وعنصر املعرفة التقنية‪ ،‬فأصبح الطرف الضعيف خاضع لشروط وإرادة الطرف اآلخر مما‬
‫استدعى تدخل القضاء إلعادة التوازن في املضمون العقدي‪ ،‬وذلك بإضافة عدد من االلتزامات على عاتق‬
‫الطرف القوي ملصلحة الطرف الضعيف‪.2‬‬

‫‪ -1‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.234‬‬


‫‪ -2‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.235-234‬‬
‫‪- 91 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن التصرفات الجادة الصادرة من إنسان سوي ال تقع مجردة من املنفعة فاملنفعة هي فطرة في‬
‫‪1‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬يسعى إلى تحصيلها ويستوي في ذلك أن تكون عامة أو خاصة مادية أو معنوية‪.‬‬

‫تعرف املنفعة بكل ما يعبر عن التحصيل بجلب املنفعة ودفع املضرة‪ ،‬ويرى جانب آخر من الفقه‬
‫أن املنفعة ترتكز على الجانب املادي‪ ،‬في حين يرى الرأي الغالب من الفقه بعدم مالية املنافع وأنها ال تقوم‬
‫إال بالعقد أو بشبه العقد‪.2‬‬

‫تعود فكرة املنفعة إلى الجذور الفلسفية املسماة "النفعية" ‪ Utilitarisme‬واملنسوبة إلى ‪Germy‬‬
‫‪ ،Bentham‬والذي يرى أن كل التصرفات واألفعال يجب أن تحكم وتقرر بأكبر قدر من السعادة ألكبر‬
‫عدد من األفراد‪ ،‬وبذلك يتم قبول أو رفض أي فعل باعتبار ما يزيد أو ينقص من سعادة الجماعة‪.3‬‬

‫تتنوع املنفعة العقدية من حيث مظاهرها فقد تكون خاصة باملتعاقد ذاته وهي حاجته الشخصية‬
‫التي يهدف إلى الحصول عليها‪ ،‬فإذا لم تتحقق املنفعة من العقد ألحد طرفيه ال نكون أمام تطبيق من‬
‫تطبيقات العدالة التعاقدية‪ ،4‬ألنه يمكن أن يؤدي إلى بطالن العقد على أساس عدم تحقق السبب‪.5‬‬

‫املنفعة العامة تعني أن يتضمن العقد تبادل للقيم ويجب أن يكون التبادل نافعا اجتماعيا‪ ،‬أي أن‬
‫تتوافق اإلرادة مع املنفعة العامة التي يحميها النظام العام بموجب القواعد اآلمرة التي تهدف إلى حماية‬
‫الطرف الضعيف وال يؤخذ القانون الوضعي في االعتبار إال هذه األخيرة‪ ،6‬أما طبيعة املنفعة في العقد‬
‫التبادلي فقد تكون اقتصادية أو اجتماعية‪ ،‬فاملنفعة االقتصادية تتمثل في تناسب األداءات بين األطراف‬
‫املتعاقدة‪ ،‬أما املنفعة االجتماعية تعني عدم اقتصارها على مصلحة املتعاقد وإنما تمتد إلى العقد ككل‬
‫وما يحققه للمجتمع‪.7‬‬

‫‪ -1‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ -3‬منصور حاتم محسن‪" ،‬العدالة العقدية‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬مجلة جامعة بابل العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد ‪ ،65‬العدد‪ ،6‬سنة ‪،2018‬‬
‫ص ‪.2582‬‬
‫‪ -4‬منصور حاتم محسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.2586‬‬
‫‪ -5‬يراجع نصوص املواد‪ ،98-97 ،‬من ق م‪.‬‬
‫‪ -6‬ريما فرج مكي‪ ،‬تصحيح العقد‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬املؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2000‬ص ‪ / 372‬عبد القادر عالق‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ -7‬سيتم تفصيل املفهوم االقتصادي للمنفعة في الصفحة ‪.94‬‬
‫‪- 92 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن األطراف املتعاقدة عندما تتجه إرادتها إلى إبرام العقد فإن كل منها يتوقع من الطرف اآلخر‬
‫الحصول على مزايا وفوائد من العقد‪ ،‬وفي هذا الشأن يقول الفقيه األمريكي روسكو باوند‪ " :‬بأن الفرد‬
‫يطالب بتنفيذ املنافع والفوائد التي وعد بها‪ ،‬كما أن له أن يطالب بتحقيق توقعاته املشروعة الناشئة عن‬
‫الوعود واالتفاقات‪ ،‬حيث أصبح العقد في ظل نظرية أطلق عليها نظرية "التنبؤ"‪ ،‬يعد تنبؤا بالقدرة على‬
‫انجاز أمر ما في املستقبل وباالستعداد إلنجازه "‪.1‬‬

‫‪ -2‬التأصيل القانوني لفكرة النافع‪:‬‬


‫َ‬
‫َع َرف القانون الروماني النزعة املوضوعية في تحديد مضمون العقد وفي هذا يقول الفقيه‬
‫‪ " :Ghestin‬إن القانون الروماني ينظر إلى عملية التبادل في تحديد مضمون العقد من خالل سياقين‬
‫مختلفتين السياق األول‪ :‬يشمل فكرة التبادل ويقصد به أي عملية سواء كانت ملزمة لجانب واحد أو‬
‫لجانبين حيث أن األولى غايتها اقتصادية أيضا و اعتبر االقتصاديون الرومان هذا العقد منتميا لعقود‬
‫التبادل ‪ Sunallgmma‬والسياق الثاني فكرة الوظائف فينظر إلى العقد بأنه عملية قانونية مجردة تقوم‬
‫على االلتزامات املتقابلة أما التبادل الذي يعنيه السياق الثاني هو تبادل الوظائف ‪ Permotio‬على طريقة "‬
‫أن أسلمك شيئا ما من أجل أن تسلمني شيئا آخر"‪.2‬‬

‫خالل القرن الخامس عشر بسط الفقهاء بعقالنية هذا التصنيف وبرزت فكرة أن مضمون العقد‬
‫يمثل تبادال للرضا‪ ،‬بعد ما كان املفهوم السابق يعني تبادال اقتصاديا للقيم ال يتم إال باالداءات املتبادلة‬
‫لألطراف‪ ،‬غير أن الفقيه الفرنس ي دوما ‪ Domat‬قدم في القرن السادس عشر تصنيفا واحدا للعقود وهو‬
‫عقود عوض أو تبرع وربط عقود العوض بمفهوم تبادل اآلداءات‪ ،‬مما أوقع ‪ Domat‬في لبس ألنه كان‬
‫يعتمد على فكرة الرضائية‪ ،‬وهو املفهوم الذي انتهجه واضعوا القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬فتم املحافظة على‬
‫عقود العوض التبادلية وفق معنى ضيق حيث يتجلى في تبادل اإلرادات وهو ما أفقد العقد أهميته‬
‫االقتصادية‪.3‬‬
‫إن املفهوم القانوني لفكرة األداءات َ‬
‫قص َر فكرة التبادل في نطاق تبادل اإلرادات التعاقدية‪ ،‬وهذا‬
‫الفهم ال يسع ليشمل أساس موضوعي ولكن كيف نظر االقتصاديون إلى فكرة التبادل؟ هل هي تبادل‬
‫آداءات أم كما نظر إليها رجال القانون وعلى رأسهم ‪ Domat‬تبادل إرادات؟‬

‫‪ -1‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.236-235‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪ -3‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪- 93 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫‪ -3‬التأصيل االقتصادي لفكرة النافع "تبادل األداءات"‬

‫بداية من القرن الثامن عشر أعاد االقتصاديون االعتبار ملفهوم التبادل فالشخص الذي يتعاقد‬
‫وفقا لتعبير إرادته يعتبر مبادال‪ ،‬وهو شخص له حاجات ورغبات أكثر مما هو كائن له في إرادته‪ ،‬فالتبادل‬
‫ليس نقال متبادال ومجردا للحاجات وإنما نقال للقيم‪ ،‬فالحاجة لم تعد موجودة بذاتها وإنما بكونها قيمة‬
‫استعمال يكتسبها الشخص أو يتخلى عنها‪.1‬‬

‫يؤكد القائلون بالتحليل االقتصادي للقانون بأن مبدأ حرية التعاقد هو مبدأ لحرية التبادل الذي‬
‫يمثل أحد معطيات الحياة االقتصادية وال وظيفة لقانون العقود دون مصاحبة هذه املعطيات‪ ،‬وينظر‬
‫بعض فقهاء القانون الفرنسيين أمثال ‪ Demolombe‬و ‪ Aubry‬و ‪ Rau‬والعميد ‪ Maury‬إلى تبادل‬
‫االلتزامات من زاوية اقتصادية مبنية على التوازن املوضوعي أو الذاتي للقيم املتبادلة‪ ،‬فالعقد ليس في‬
‫نهاية املطاف سوى تبادل قيم ويظهر جليا في عقد البيع‪.2‬‬

‫أثر التحليل االقتصادي على الفقه واالجتهاد القانوني والنص التشريعي في مسألة التبادل ويظهر‬
‫ذلك من خالل وصف العقد باملبادلة االقتصادية‪ ،‬فقد اعترف املشرع بالعقد التبادلي حيث نص في املادة‬
‫‪ 55‬من ق م على أنه‪" :‬يكون العقد ملزما للطرفين متى تبادل املتعاقدان االلتزام ببعضهما البعض" ‪،3‬‬
‫فالعقد التبادلي هو الذي يرتب التزامات متقابلة ومرتبطة بعضها ببعض‪ ،‬بحيث يكون كل متعاقد دائنا‬
‫ومدينا بالنسبة للمتعاقد اآلخر‪ ،‬فالبائع مدينا بنقل ملكية املبيع إلى املشتري وهو في نفس الوقت دائنا له‬
‫"بسبب ما التزم به" بثمن هذا املبيع‪ ،‬وفي املقابل يكون املشتري مدينا للبائع بثمن املبيع‪ ،‬ودائنا له بنقل‬
‫ملكية املبيع‪ ،4‬وهذا وجه من األوجه التي أكدها ‪ Ghestin‬عندما ربط القوة امللزمة للعقد بمصدرها‬
‫التبادلي أي املنفعة املتبادلة‪ ،‬وهو ما يعبر عن الوظيفة االقتصادية للعقد‪ 5‬وهذا ما فسره األستاذين‬
‫‪ Maury‬و ‪ Demolombe‬في تعريف العقد بأنه "عملية اقتصادية مبنية على التوازن املوضوعي أو الذاتي‬
‫للقيم املتبادلة"‪.6‬‬

‫‪ -1‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.240‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪ -3‬تقابلها املادة ‪ 89‬من ق م املصري واملادة ‪ 92‬من ق م السوري واملادة ‪ 89‬ق الليبي واملادة ‪ 73‬ق م العراقي‪.‬‬
‫‪ -4‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ -5‬جمعة زمام العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ -6‬جمعة زمام العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪- 94 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫من هذا املنطلق تم تحليل ركن السبب في العقد وفقا لهذا املعيار بأنه قيمة أو فائدة أو "املعادل‬
‫املراد" في محتوى العقد وكما يقول الفقيه ‪ Maury‬أن ركن السبب وفقا لهذه الوجهة هو قيمة اقتصادية‬
‫تتعلق بالعوض الذي يشكل فكرة املقابل املوضوعي في مضمون العقد‪ ،‬وهذا ما يمثل أبرز تأثيرات الفكر‬
‫االقتصادي على فقهاء القانون إلى درجة أن البعض يقول بأن التبادل االقتصادي وقانون االلتزامات هما‬
‫"ش يء واحد وحيد" وأن القانون واالقتصاد ليس سوى وجهين لظاهرة واحدة وهي ظاهرة التبادل التي‬
‫تشكل مضمون العقد وهو ما يطلق عليه اليوم القانون االقتصادي أو قانون األعمال‪ ،‬وعليه فقد عاد‬
‫التبادل ملحتوى العقد كما تقدم معنا مع الرؤية الجديدة للقانون ليكون أساس العقد قانوني واقتصادي‬
‫منشئا نظاما جديدا يسمى ‪Sunallagma‬ـ‪.1‬‬

‫يقول الفقيه الفرنس ي ‪ Ghestin‬أن عبارة ‪ sunallagma‬التي تعني العقد أكثر دقة من الكلمة‬
‫الالتينية ‪ contractus‬التي طاملا دلت على معنى "التبادل"‪ ،‬حيث أن تبادل االلتزامات في مضمون العقد‬
‫تتميز به العقود امللزمة للجانبين عن طريق تبادل األموال والخدمات‪ ،‬وهو الوظيفة االقتصادية للعقد‪،‬‬
‫فأصبح العقد " تبال أداءات أكثر مما هو تبادل للرضا"‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك في العقود امللزمة للجانبين‬
‫فكيف نفسر العقود امللزمة لجانب واحد أي عقود التبرع؟‪.2‬‬

‫إن عقد الهبة يفترض عمليا احترام أشكال خاصة مما يعني أنها ليست مجرد اتفاق ارادات‪ ،‬وهو‬
‫ما ذهب اليه الفقيه ‪ Ghestin‬حيث اقترب في مفهوم عقود التبرع من النظم األنجلوسكسونية التي تؤسس‬
‫العقود التبرعية على عنصر الشكل الرسمي‪ ،‬فيستمد عقد الهبة أساسه من عنصر الشكل وليس على‬
‫أساس املقابل‪ ،‬ألن اتفاق اإلرادات في عقود الهبة يعتبر أمرا وهميا‪ ،‬إال أنه ال يجب أن نأخذ بهذا املفهوم‬
‫على إطالقه فإلرادة املوهوب له دور في رفض الهبة أو املطالبة بها‪ ،‬فاتفاق اإلرادتين موجود أيضا وعليه‬
‫فإن عقود الهبات في النظم األنجلوساكسونية ليست مصنفة ضمن عداد العقود وتستمد قوتها امللزمة‬
‫من عنصر الشكل‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬العادل في العقد‬

‫إن العقد ال يحقق العدالة العقدية بين طرفيه إال إذا كان نافعا وعادال وبعد أن تطرقنا إلى فكرة‬
‫الن افع في العقد‪ ،‬بقي العنصر الثاني من عناصر العدالة العقدية وهو العادل في العقد‪ ،‬أو عدالة القيمة‬

‫‪ -1‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫‪ -3‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫‪- 95 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫والذي يعني التناسب بين األداءات‪ ،‬وتنظيم العقود يتضمن تناسبا موضوعيا يحدده القانون وليس‬
‫تناسبا ذاتيا تحدده إرادة الطرفين‪ ،‬فإرادة املشرع لها دور الكبير في التخفيف من الالمساواة بين الطرفين‪،‬‬
‫ولكن هذا ال يعني غياب أي دور لإلرادة وإنما يعمد التناسب على الربط بين الظروف املتبادلة في العناصر‬
‫الذاتية واملوضوعية املكونة للعقد‪ ،‬وقد يكون تحقيق التناسب من خالل اإلبقاء على العقد دون فسخه أو‬
‫إبطاله‪ ،‬وهذا يعني ارتباط التناسب باملفهوم الواسع هو اإلنصاف الذي يراقب تحققه القاض ي في نطاق‬
‫العقد وكذلك يكون بفرض التزامات لم ينص عليها في العقد‪ ،‬كأثر من آثار التناسب بين األداءات‪ ،1‬ومن‬
‫مظاهر الشروط العقدية التي تؤدي إلى عدم التوازن العقدي وبالتالي عدم التناسب بين االداءات ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬فرض ثمن غيرعادل‬

‫األصل هو حرية الطرفين في تحديد الثمن تكريسا لحرية املنافسة إال أنه ومع ذلك يجب التحقق‬
‫من صياغة شرط الثمن للوقوف على مدى عدالته‪ ،‬حيث يمكن القول بعدم مشروعيته إذا تبين من‬
‫ُ‬
‫صياغته أنه فرض من خالل التسلط االقتصادي ألحد الطرفين بحيث استطاع بذلك فرض ثمن ال يملك‬
‫الطرف اآلخر إال قبوله وعدم مناقشته‪.2‬‬

‫‪ -2‬شرط األسد ‪clause léonine‬‬

‫إن تكوين عقد الشركة يتطلب ركن "نية املشاركة" التي تعبر عن موقف نفس ي يدفع الشركاء إلى‬
‫االتحاد والتعاون من أجل استغالل مشروع الشركة‪ ،‬فإذا اشترط أحد الشركاء بما لديه من هيمنة‬
‫اقتصادية أن ال يشترك في تحمل الخسائر مع احتفاظه بحقه في األرباح سمي الشرط هنا بشرط األسد‬
‫والشركة "بشركة األسد"‪ ،3‬كما أنه ومن أوجه شرط األسد أيضا أن يشترط أحد الشركاء أن ال يساهم في‬
‫أرباح الشركة أو في خسائرها وهو ما يترتب عليه بطالن عقد الشركة‪ ،‬النعدام نية املشاركة مع اقتسام‬
‫األرباح والخسائر‪.4‬‬

‫مما يعني أن العدالة العقدية تقوم عل فكرتي النافع والعادل في العقد ويظهر ذلك من خالل‬
‫اعتمادها على املساواة الفعلية بين األفراد التي يجسدها العدل التوزيعي وذلك لتحقيق التوازن العقدي في‬

‫‪ -1‬منصور حاتم محسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.2588-2587‬‬


‫‪ -2‬محمد محي الدين ابراهيم سليم‪ ،‬التسلط االقتصادي وأثره على التوازن العقدي‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬طبعة سنة‬
‫‪ ،2008‬ص ‪.53‬‬
‫‪ -3‬محمد محي الدين ابراهيم سليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29 -28‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 426‬ف ‪ 1‬من ق م‪.‬‬
‫‪- 96 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫جميع مراحل العقد وتحقيق املنفعة االجتماعية‪ ،‬ولقد كان ذلك بإدراج العنصر األخالقي في العالقة‬
‫العقدية‪ ،‬فلقد ظهر مبدأ حسن النية كمكمل للعدالة العقدية وهو ما سنتناوله في املطلب الثاني‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أخلقة العقد عن طريق حسن النية‪:‬‬

‫إن فكرة حسن النية كمفهوم أخالقي ظهرت في النظم القانونية عامة وتطورت في نظرية العقد على‬
‫وجه الخصوص وذلك في إطار تكريس العدالة العقدية أو ملا سماها بعض الفقهاء بـ "املقتضيات أو‬
‫‪1‬‬
‫املتطلبات االجتماعية األخالقية‪ ،‬بحثا عن القيم التعاقدية‪".‬‬

‫ويعتبر القانون املدني الفرنس ي الصادر سنة ‪ 1804‬أكثر القوانين في النظام الالتيني الذي كان له‬
‫الفضل في ارساء مبادئ حسن النية والتي تأثرت بها العديد من القوانين املقارنة كالقانون املدني الجزائري‬
‫والقانون املدني املصري‪ ،‬ولقد كان للفقه الفرنس ي ‪ 2‬األثر الكبير في االعتراف القانوني بااللتزام بحسن‬
‫‪3‬‬
‫النية في تنفيذ العقد من خالل املادة ‪ 1134‬في فقرتها الثالثة من القانون املدني الفرنس ي قبل التعديل‬
‫وبذلك أصبح مبدأ حسن النية مفهوما أساسيا في نظرية العقد‪.4‬‬

‫اعترف املشرع الفرنس ي بمبدأ حسن النية بموجب املادة ‪ 1134‬في فقرتها الثالثة على الرغم من‬
‫النزعة الفردية التي كانت تميز العقد القائم على مبدأ سلطان اإلرادة وحرية اإلرادة التي تجسد تضارب‬
‫املصالح‪ ،‬مما يؤكد عدم تجاهل املشرع الفرنس ي ملبدأ حسن النية بصفة مطلقة وذلك باعتباره التزاما‬
‫قانونيا يقع على عاتق املتعاقدين أثناء تنفيذ العقد‪ ،5‬إال أنه وسع من نطاق هذا االلتزام ليشمل كل مراحل‬
‫العقد‪ ،‬أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد قصر االلتزام بمبدأ حسن النية على مرحلة التنفيذ‪.6‬‬

‫‪ -1‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬


‫‪ -2‬يعتبر كل من الفقيه دوما وبوتيه األبوين الروحيين ملبدأ حسن النية حيث يعود لهما الفضل في التوجه إلى أخلقة العقد ووضع أسس‬
‫القانون املدني الفرنس ي الصادر سنة ‪ ،1804‬يراجع في هذا الخصوص بالل عثماني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ -3‬إن صياغة املادة ‪ 1134‬قبل التعديل باللغة الفرنسية كاآلتي‪:‬‬
‫‪L’ancien article 1134 paragraphe 3 du code civil français stipulait que « : …elles doivent être exécutées de bonne foi ».‬‬
‫‪ -4‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬بحث مضمون مبدأ جسن النية في إطار نظرية العقد‪ ،‬مجلة القانون والعلوم السياسية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬جوان‬
‫‪ ،2016‬ص ‪.431‬‬
‫‪ -5‬بالل عثماني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ -6‬نص املشرع صراحة على تنفيذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وبحسن نية وذكر بذلك مرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬وهو ما نصت عليه املادة ‪107‬‬
‫ف‪ 1‬من ق م‪ ،‬غير أن املشرع قصد تطبيق مبدأ حسن النية بصورة ضمنية في جميع مراحل العقد‪ ،‬ومن ذلك نظرية عيوب الرضا‪ ،‬حيث جعل‬
‫التدليس واإلكراه سببا إلبطال العقد طبقا للمادتين ‪ 88-86‬على سبيل املثال‪.‬‬
‫‪- 97 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن أحكام القضاء الفرنس ي مدت نطاق مبدأ حسن النية لفترة إبرام العقد‪ 1،‬وهو ما كرسه املشرع‬
‫الفرنس ي في القانون املدني املعدل في املادة ‪ ،21104‬حيث اعتبر أن مبدأ حسن النية يحكم جميع املراحل‬
‫التعاقدية ويشمل جميع العقود وأنه من النظام العام‪.‬‬

‫إن مبدأ حسن النية في العقود يعني إصباغ العقد بالقيم األخالقية ولذلك كان من الصعب‬
‫تحديد مفهوم لها‪ ،‬وهو مبدأ أخالقي فلسفي يصعب حصره وتحديده ويستند إلى أساس أدبي وينطوي على‬
‫االستقامة لفرض القيام بالتزام األدب والعدالة‪ ،3‬ويحمل عدة معان كاالستقامة وعدم التعسف في‬
‫استعمال الحق واإلخالص عند تولي إدارة أعمال الغير واإلنصاف وعدم اإلضرار بالغير وعدم اإلثراء الغير‬
‫املشروع على حساب الغير‪.4‬‬

‫إن الفقيه ‪ Ripert‬يرى أن حسن النية هو أحد الوسائل التي يستخدمها املشرع واملحاكم إلدخال‬
‫القاعدة األخالقية في القانون الوضعي‪ ،5‬ويقول الفقيه ‪ Ghestin‬أن حسن النية بهذه الصفة يتمثل في‬
‫مفهوم موحد واملقصود في جميع األحوال أن يؤخذ في الحسبان مسلك معين غير أنه باختراقه للتقنية‬
‫القانونية يفقد وحدته مما يجعل له تعاريف متعددة بقدر التطبيقات الخاصة بهذا املفهوم‪.6‬‬

‫وبذلك كان من الصعب تحديد مفهوم ملبدأ حسن النية‪ ،‬فهناك من الفقه من حاول إعطائه‬
‫مفهوما شخصيا وهناك من جعل له مفهوما موضوعيا وهو ما سنتناوله في (الفرع األول)‪ ،‬كما أن مبدأ‬
‫حسن النية باعتباره آلية لتكريس العدالة العقدية واملساواة الفعلية له مظاهر أخالقية عند إبرام العقد‬
‫وتنفيذه وهو ما سنتناوله في (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم مبدأ حسن النية‬

‫‪ -1‬محمد عرفان الخطيب‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.204‬‬


‫‪ -2‬إن صياغة املادة ‪ 1104‬من القانون املدني الفرنس ي املعدل كاآلتي‪:‬‬
‫‪Art 1104 : « les contrats doivent être négociés formés et exécutés de bonne foi.‬‬
‫‪Cette disposition est d’ordre public ».‬‬
‫‪ -3‬محمد عدنان باقر‪" ،‬قواعد األخالق في تحديد مضمون العقد"‪ ،‬مجلة جامعة بابل‪ ،‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد‪ ،66‬العدد‪ ،4‬سنة ‪،2014‬‬
‫ص ‪.780‬‬
‫‪ -4‬محمد عدنان باقر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.781‬‬
‫‪ -5‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ -6‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.36 -35‬‬
‫‪- 98 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫عرفت فكرة حسن النية‪ 1‬تطورا على اثر توسيع الفقه والقضاء الفرنس ي لنطاقها ليشمل مرحلة‬
‫تكوين العقد‪ ،‬إال أن الفقهاء وفي إعطائهم مفهوما ملبدأ حسن النية انقسموا إلى اتجاهين‪ ،‬اتجاه يعتد‬
‫باملفهوم الشخص ي ملبدأ حسن نية وهو ما نتناوله (أوال) واتجاه اعتد باملفهوم املوضوعي (ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬املفهوم الشخص ي ملبدأ حسن النية‬

‫يأخذ القانون باملفهوم الشخص ي استنادا إلى نفسية املتعامل ويتم تقدير حسن أو سوء النية‬
‫استنادا إلى ما اعتقده حقيقة ودار في مكامن نفسه‪ ،‬فيختلف حسن أو سوء النية تبعا لذلك من شخص‬
‫إلى آخر‪ ،‬باعتباره حالة نفسية أو ذهنية تتمثل في الجهل بواقعة أو ظرف ما‪ ،‬وبهذا املفهوم فإن فكرة‬
‫حسن النية تبدوا فكرة شخصية ذاتية تتسم بطابع سلبي محض‪ ،‬وتعرف تبعا لهذا املفهوم على أنها نوع‬
‫من الجهل أو العلم بتلك الواقعة أو الظرف‪ ،‬واملفهوم الشخص ي هو املقصود بحسن النية في قواعد‬
‫الحيازة وااللتصاق ودفع غير املستحق‪ ،2‬ففي إطار قواعد الحيازة يعتبر الحائز حسن النية إذا كان يجهل‬
‫أنه يتعدى على حق الغير طبقا لنص املادة ‪ 824‬من ق م ‪ 3‬بشرط أن ال يكون جهل الحائز ناشئا عن خطأ‬
‫جسيم‪.‬‬

‫كما يظهر حسن النية الشخص ي في مجال الدفع غير املستحق بحسن نية كحالة املستأجر الذي‬
‫يقوم بالدفع املسبق ملؤجر لم يعد مالكا للعين املؤجرة وهو يعتقد أنه يدفع للمالك وهو ما يستنتج‬
‫بمفهوم املخالفة من املادة ‪ 469‬مكرر من ق م‪ ،‬فيكون للمالك الجديد الرجوع على املؤجر السابق بأحكام‬
‫الدفع غير املستحق لحسن نية املستأجر بسبب عدم علمه وقت الدفع بانتقال امللكية‪.4‬‬

‫باإلضافة إلى املفهوم الشخص ي ملبدأ حسن النية يذهب جانب من الفقه إلعطائه مفهوما قانونيا‪،‬‬
‫فيرى أنه‪" :‬قصد االلتزام بالحدود التي يفرضها القانون"‪ ،‬ومثال ذلك نجده في نقل ملكية العقار حيث‬
‫أن التزام البائع بنقل امللكية إذا كان محل العقد عقارا ال ينفذ إال بالتسجيل‪ ،‬ومنه يكون الشخص حسن‬

‫‪ -1‬إختلف الفقهاء حول الطبيعة القانونية مبدأ حسن النية هل هو واجب أم التزام أم مبدأ قانوني؟ ‪ ،‬إال أن وصف االلتزام هو األنسب من‬
‫أجل تجسيد فعلي للمعنى القانوني لحسن النية سواء في املرحلة السابقة على التعاقد أو مرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬فإذا كانت كلمة "يجب" التي‬
‫وظفها املشرع في نص املادة ‪ 107‬من ق م تفيد صراحة أن مبدأ حسن النية التزام قانوني حقيقي في مرحلة التنفيذ فإن املسؤولية التقصيرية‬
‫الناتجة عن انحراف املتعاقد عن السلوك النزيه في املرحلة السابقة على التعاقد توحي بأن املسؤول قد أخل بالتزام قانوني وهو االلتزام بحسن‬
‫النية ‪ .‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬بالل عثماني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ -2‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬مبدأ حسن النية في العقود‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه علوم قانون خاص‪ ،‬جامعة أبي‬
‫بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2018-2017 :‬ص ‪.26‬‬
‫‪ -3‬تقابلها املادة ‪ 965‬من ق م املصري‪ ،‬واملادة ‪ 550‬ق م ق‪.‬‬
‫‪ -4‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬مبدأ حسن النية في العقود‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪- 99 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫النية إذا قصد االلتزام بحدود القانون بتسجيل العقار محل العقد‪ ،‬فإذا لم يقم بتسجيله اعتبر سيئ‬
‫النية‪ ،‬بينما يذهب البعض اآلخر إلى القول أن مبدأ حسن النية يكون بوجوب االلتزام بالقانون عند القيام‬
‫بالتصرفات ومخالفتها يعتبر سوء نية‪.1‬‬

‫كما أنه ال يوجد فرق بين املفهوم القانوني والشخص ي ملبدأ حسن النية‪ ،‬إذ أن الشخص الذي‬
‫يتصرف وهو يجهل أنه يعتدي على حقوق الغير هو شخص قصد التزام حدود القانون‪ ،‬ولم يقصد‬
‫الخروج عليها‪ ،‬وبذلك يكون الجهل صادر عن شخص قصد التزام حدود القانون والقول بوجود املفهوم‬
‫القانوني ملبدأ حسن النية‪ ،‬وبالتالي فال يكون هناك فصل بين املفهوم القانوني واملفهوم الشخص ي ملبدأ‬
‫حسن النية وان كان فإنه يكون العتبارات يرى القانون أنها أولى للمحافظة على استقرار املعامالت‪.2‬‬

‫إال أن األخذ باملفهوم الشخص ي لفكرة حسن النية يجعلها تتصف بعدم الثبات الرتباطها بنية من‬
‫وجهت إليه‪ ،‬ذلك أن الشخص يعتبر حسن النية إذا وقع في غلط أو جهل كما يجعل ترتيب اآلثار‬
‫القانونية مرتكزا على إرادة الشخص‪ ،‬باإلضافة إلى أن املفهوم الشخص ي ملبدأ حسن النية يصلح في مجال‬
‫الحيازة واألوضاع الظاهرة‪ ،‬وال يمكن االستناد إليه في مجال العالقات العقدية‪ ،‬ألنه ينظر إليه على أنه‬
‫موقف سلبي‪ ،‬فحسن النية ال يقتصر على فكرة الجهل فقط بل على املتعاقد أن يسعى إلى مراعاة مصالح‬
‫الطرف اآلخر واملحافظة على توقعاته املعقولة ومراعاة الثقة املشروعة التي تولدت عنها‪.3‬‬

‫ثانيا‪ :‬املفهوم املوضوعي ملبدأ حسن النية‬

‫يعتبر املظهر املوضوعي لحسن النية أكثر أهمية في مجال قانون العقود عن املفهوم الشخص ي‪،‬‬
‫ألنه يمنح للقاض ي توقيع الجزاء على املتعاقد الذي خالف سلوكه النزاهة والثقة الواجبة بين األطراف‪ ،‬وال‬
‫يمكن فصل حسن النية عن ضدها أي سوء النية باعتبارها معيار لتقدير سلوك الفرد‪ ،‬ولذلك فإن‬
‫املشرع ميز في العديد من الحاالت بين املتعاقد حسن النية وسوء النية بالنظر إلى سلوكه‪.4‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.438-437‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.439‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.439-438‬‬
‫‪ -4‬بالل عثماني‪ ،‬أطراف العقد املدني‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪- 100 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫إن املفهوم املوضوعي ملبدأ حسن النية هو أن تكون حسن النية فكرة أخالقية خالصة تشكل‬
‫قاعدة للسلوك‪ ،‬وتتطلب من األشخاص مراعاة النزاهة واألمانة في معامالتهم‪ ،‬وبهذا املعنى يصبح مفهوم‬
‫مبدأ حسن مفهوما موضوعيا‪ ،‬وهو ضابط أخالقي للسلوك يجري تقديره على نحو موضوعي مجرد وفقا‬
‫للسلوك الحسن الذي تتطلبه الحياة في املجتمع‪.1‬‬

‫كما تقوم مقتضيا ت حسن النية على دعائم أخالقية تتصف بالعموم والتجريد حتى ولو لم‬
‫يتضمنها نص تشريعي كالوفاء بالعهد و األمانة و الثقة املشروعة و شرف التعامل‪ ،‬ومخالفة مقتضيات‬
‫حسن النية تتحقق بمجرد صدور التصرف على خالف ما تقض ي به تلك املقتضيات‪ ،‬دون النظر إلى علم‬
‫املخالف باملقتض ى الذي خالفه‪ ،‬فإمكان العلم يحقق سوء النية‪ ،‬وعليه فإن املفهوم املوضوعي يتعدى‬
‫حالة الجهل إلى العلم‪ ،‬واملقصود هنا إمكانية العلم ال العلم املوضوعي وهذا ما يجعل املبدأ قاعدة‬
‫سلوك‪.2‬‬

‫عرف بعضهم حسن النية بأنه‪" :‬اإلخالص في تنفيذ ما تم االتفاق عليه ومراعاة مصالح الطرف‬
‫اآلخر عند التعاقد‪ ،3‬أي ضمان نزاهة املعامالت بشكل يحقق العدالة التعاقدية تحقيقا للمنفعة‬
‫املقصودة من العقد‪ ،‬أما املعايير التي على أساسها يتحقق حسن النية والعدالة بين املتعاقدين فهي‬
‫معياران‪ ،‬املعيار األول ذاتي وهو أن ال تكون إرادة املتعاقد قد اتجهت نحو اإلضرار بالطرف اآلخر‪ ،‬وبذلك‬
‫يتجنب الخطأ العمد وكذلك الغش والتعسف في استعمال الحق ويتجنب اإلهمال الفاحش الذي يعتبره‬
‫القانون معادال للخطأ العمد من حيث األثر‪ ،‬أما بالنسبة للمعيار اآلخر فهو موضوعي ويراد به وجوب‬
‫تحلي املتعاقد بقدر كاف من الصبر يكفل تحقق الغرض املتعاقد من أجله‪ ،‬فال يجوز للمدين أن يتعذر‬
‫بجهل ما كان عليه أن يتوقعه من ظروف تؤثر على سير تنفيذ االلتزام بغية اتخاذ االحتياطات والتدابير‬
‫الالزمة ملنع حدوث تلك الظروف أو على األقل لتجنب اآلثار املعرقلة للتنفيذ‪.4‬‬

‫‪ -1‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬مبدأ حسن النية في العقود‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ -3‬محمود فياض‪ ،‬مدى التزام األنظمة املقارنة بمبدأ حسن النية في مرحلة التفاوض على العقد‪ ،‬مجلة جامعة اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬
‫السنة ‪ ،27‬عدد ‪ ،2013 ،54‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -4‬منصور حاتم محسن‪ ،‬متطلبات تحقيق العدالة التعاقدية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة جامعة بابل‪ ،‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد‪ ،26 ،‬العدد‪،3‬‬
‫سنة ‪ ،2016‬ص ‪.14‬‬
‫‪- 101 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫باستقراء العديد من نصوص القانون املدني نجد أن املشرع قد اعتمد على املفهوم املوضوعي في‬
‫مجال العقود كغيره من التشريعات املقارنة فمثال نجده قد نص في املادة ‪ 87‬من ق م ‪ 1‬على أنه إذا صدر‬
‫التدليس من غير املتعاقدين ال يمكن للمتعاقد املدلس عليه أن يحتج بإبطال العقد على أساس التدليس‬
‫إال إذا ثبت أن املتعاقد اآلخر كان يعلم أو كان من املفروض أن يعلم بهذا التدليس‪.‬‬

‫كما أنه وفي الغلط فقد نصت املادة ‪ 85‬من ق م على" أنه ليس ملن وقع في غلط أن يتمسك به على‬
‫وجه يتعارض مع ما يقض ي به حسن النية ويبقى باألخص ملزما بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف‬
‫اآلخر استعداداه لتنفيذ العقد"‪.2‬‬

‫باستعراضنا ملفهوم مبدأ حسن النية وموقف املشرع من تكريس هذا املبدأ توصلنا إلى أنه مبدأ‬
‫أخالقي ال بد من إدخاله على املفهوم العقدي بشكل واسع لتحقيق التوازن العقدي والعدالة العقدية‪،‬‬
‫فإنه ينبغي التطرق إلى مظاهر مبدأ حسن النية كآلية لتحقيق العدالة العقدية وهو ما نتطرق له في الفرع‬
‫املوالي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مظاهرمبدأ حسن النية كآلية لتحقيق العدالة العقدية‬

‫إن مبدأ حسن النية في العقود يجسد إصباغ العقد بالقواعد األخالقية لتحقيق التوازن العقدي‬
‫فالعدالة العقدية كمفهوم جديد للعقد ال يقوم على تعارض املصالح الشخصية للمتعاقدين التي قام‬
‫عليها مبدأ سلطان اإلرادة والذي كرس مبدأ حسن النية في العقود إال أنه لم يكن بالصورة التي وصل إليها‬
‫في الوقت الراهن‪ ،‬والتي مهد لها االجتهاد القضائي والفقه وأصبح مبدأ حسن النية مبدأ عام يشمل جميع‬
‫مراحل العقد‪ ،‬وهو ما كرسه املشرع الفرنس ي في إطار اإلصالحات الجذرية للقانون املدني الفرنس ي‪.3‬‬

‫أصبح للعقد مفهوما جديدا يقوم على أساس سعي كل من املتعاقدين إلى تحقيق هدف واحد‬
‫الذي يعتبر مجموع األهداف الفردية‪ ،‬وهو ما يعرف بالتصور التضامني في العقد‪ 4‬والذي نتناوله من خالل‬

‫‪ -1‬تقابلها املادة ‪ 126‬من ق م املصري‪ ،‬واملادة ‪ 126‬ق م الليبي‪.‬‬


‫‪ -2‬تقابلها املادة ‪ 124‬من ق م املصري واملادة ‪ 125‬من ق م السوري واملادة ‪ 124‬من ق م الليبي‪.‬‬
‫‪ -3‬بموجب املادة ‪ 1104‬من القانون املدني املعدل واعتبر ذلك من النظام العام‪ ،‬مؤسسا بذلك ملبدأ عام جديد يحكم مختلف أنواع العقود‬
‫التي تندرج ضمن الفصل األول املتعلق باألحكام العقدية‪ ،‬للمزيد من املعلومات يراجع في هذا الخصوص‪ :‬محمد حسن قاسم‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.30‬‬
‫‪ -4‬فاطيمة نساخ‪" ،‬أخلقة العالقة العقدية"‪ ،‬املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬ص ‪.303‬‬
‫‪- 102 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫التطرق إلى واجب النزاهة (أوال) وواجب التعاون (ثانيا) والثقة املشروعة كمفهوم جديد ملبدأ حسن النية‬
‫(ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االستقامة والنزاهة‬

‫إن حسن النية يتطلب االستقامة والنزاهة في التعامل الذي يمكن أن تحدد درجته املمارسات‬
‫العقدية الحسنة أو يحدده املشرع أو االجتهاد القضائي‪ ،‬وال شك أن تنفيذ واجب النزاهة واالستقامة‬
‫يحقق الهدف الذي يصبوا إليه الطرفان من التعاقد ويحافظ على استقرار املعامالت‪.1‬‬

‫كما تعني االستقامة التحلي بأحسن الفضائل في القول والفعل كالصدق وحسن املعاملة ولقد‬
‫اقترنت االستقامة بعبارة سالمة النية التي تعني من وجهة نظر أخالقية أن القصد من األفعال هو قصد‬
‫الخير‪ ،‬أما النزاهة تبدوا مظاهرها دائما ذات طبيعة سلبية فهي تفرض تجنب التغرير وجميع أنواع الغش‬
‫أثناء إبرام وتنفيذه ألنها تعتبر مظاهر لسوء نية املدين ومن ثم تعد سلوكا مخالفا للقانون‪.2‬‬

‫إن واجب النزاهة يقتض ي عدم اللجوء إلى الغش والكتمان الذي غرضه غش املتعاقد اآلخر هذا‬
‫من جهة ومن جهة أخرى فإنه ال يقع على املتعاقد فقط عدم اضرار املتعاقد اآلخر بالسلوكيات السلبية‬
‫بل يقع عليه أن يسعى إلى وجود جو تعاقدي تطغى عليه فكرة التالحم والتماسك وذلك تكريسا ملبدأ‬
‫حسن النية‪ ،‬فالنزاهة هي نتيجة ملبدأ حسن النية‪ ،‬وهي مجسدة في إطار العالقة التعاقدية خالل مرحلة‬
‫تكوين العقد أيضا‪ ،‬وهو ما نستشفه من خالل نصوص القانون املدني في نظرية عيوب اإلرادة التي تؤدي‬
‫إلى إبطال العقد بطلب من املتعاقد الذي شاب رضاه عيب التدليس‪ ،‬فالسكوت التدليس ي يجانب االلتزام‬
‫بالنزاهة واالستقامة‪ ،‬كما أن القوانين الخاصة قد كرست التزامات تترجم االستقامة والنزاهة في تكوين‬
‫العقد‪ 3‬كااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي الذي يشمل مرحلة املفاوضات‪.4‬‬

‫ثانيا‪ :‬واجب التعاون‬

‫إن مبدأ حسن النية يفرض ضمنيا أن يتعاون كل متعاقد مع اآلخر وذلك في سبيل تحقيق‬
‫املصلحة املرجوة من كليهما‪ ،‬فواجب التعاون يفرض سلوكيات تخدم املصلحة التعاقدية املشتركة‪ ،‬فيقع‬

‫‪ -1‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ -3‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -4‬نصت على هذا االلتزام املادة ‪ 17‬من القانون ‪ 03-09‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 103 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫على املتعاقد أن يقدم الرعاية واملساعدة للمتعاقد اآلخر‪ ،1‬حيث أن العالقة العقدية تقوم على التعاون‬
‫والثقة املتبادلة بين أطرافها‪ ،‬إال أنه ال يوجد نص صريح ينص على االلتزام بالتعاون واملساعدة بل يفترض‬
‫ضمنيا‪ ،2‬ويجسد ذلك االلتزام بالتعاون في عقد الشركة‪ 3‬ذلك أن االلتزام بالتعاون بين الشركاء يعتبر‬
‫املعيار املوضوعي لركن نية االشتراك التي تستمر باستمرارية نشاط الشركة‪.4‬‬

‫كما يظهر التعاون في عقد اإليجار من خالل الزام املستأجر بإخبار املؤجر بكل ما يستوجب‬
‫تدخله كالترميمات املستعجلة أو عندما يظهر عيب فيها أو تعدي الغير بالتعرض أو اإلضرار بها‪.5‬‬

‫فاالعتراف بواجب التعاون بين األطراف ال يظهر كتطور لألخالق أو بروز األخلقة العقدية‪ ،‬وإنما‬
‫اكتشاف لرابطة التضامن في العقد‪ ،‬فالتعاون يؤدي باملتعاقدين إلى العمل جماعيا بهدف مشترك‪ 6‬وبالتالي‬
‫فإن العقد أصبح آداة للتعاون املتبادل نتيجة للتطور املحقق واملستمر الذي أدى إلى تغير النظرة‬
‫التقليدية للعقد‪ ،‬فلم يعد أداة للتنافر وتضارب املصالح‪ ،‬وإنما أصبح أداة لتحقيق التضامن والتعاون وفي‬
‫هذا يقول العميد كربونيه ‪" :Carbonnier‬أن العقد يظل من الناحية االجتماعية ارتباطا عمال من‬
‫أعمال النية وعمال من أعمال الثقة" ومن "الثقة" إلى "التعاون" لم يعد هناك سوى خطوة "‪.7‬‬

‫ثالثا‪ :‬الثقة املشروعة مفهوم جديد ملبدأ حسن النية‪:‬‬

‫يرى األستاذ ‪ Carbonnier‬أن العقد الذي يعد أداة لتبادل األموال والخدمات تحميه الثقة طيلة‬
‫حياته لذلك يتجه جانب من الفقه الفرنس ي إلى اعتبار أن تكريس الثقة كمبدأ ينظم السلوك التعاقدي‬
‫يجسد بوضوح تجديد قانون العقود‪ ،8‬ولذلك راح مبدأ حسن النية يستدرج الترقية غير املباشرة لفكرة‬
‫الثقة وذلك بتعميق التأسيس ألخالق عقدية يمكن أن تساهم بشكل هام في تسيير االلتزامات العقدية إلى‬

‫‪ -1‬فاطيمة نساخ‪ ،‬أخلقة العالقة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.307‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.307‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادة ‪ 416‬ق م‪.‬‬
‫‪ -4‬إيمان زكري‪" ،‬مبدأ حسن النية في الشركات التجارية مظاهره وآثاره"‪ ،‬مجلة املنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الرابع‪،‬‬
‫مارس ‪ ،2018‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -5‬يراجع نص املادة ‪ 497‬من ق م‪.‬‬
‫‪ -6‬خديجة فاضل‪ ،‬املرجع السابق‪.228 ،‬‬
‫‪ -7‬أيمن ابراهيم العشماوي‪ ،‬مفهوم العقد وتطوره‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،2002‬ص ‪.168‬‬
‫‪ -8‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫جانب واجب النزاهة وواجب التعاون اللتان أصبحتا ذات نطاق ضعيف في بعض العالقات كونها ال تتالءم‬
‫مع التكريس العام ملبدأ حسن النية‪.1‬‬

‫إن الوظيفة التقليدية لحسن النية في األنظمة التقليدية أظهرت التقليل من فعالية الجزاء في‬
‫مادة العقود وباألخص التقليل من األضرار الناتجة عن العالقات العقدية‪ ،‬األمر الذي أدى إلى ظهور‬
‫مفهوم جديد لحسن النية وهو الثقة املشروعة إلى جانب االلتزام بالتعاون والنزاهة فمبدأ الثقة هو‬
‫الوحيد الكفيل بضمان التقليل من األضرار العقدية ومحاولة إنقاذ العقود من خطر االنقضاء‪.2‬‬

‫إن الثقة املشروعة بهذه املهمة الجديدة أصبح مبدأ يضمن استمرارية التنفيذ العادل للعقد‪،‬‬
‫ذلك أن واجب الثقة مقترن بالوفاء وال يتحقق ذلك إال منذ فترة تنفيذ العقد كأصل عام‪ ،‬وهذا ما ذهب‬
‫إليه املشرع األملاني‪ ،‬إال أن القضاء الفرنس ي وفي منهجه التطوري في قانون العقد راح يستنبط من الثقة‬
‫املشروعة طابعها العام واملمتد إلى مرحلة تكوين العقد‪ ،‬وخلص إلى القول أن الثقة الناشئة عن الوفاء‬
‫بااللتزام قد تتصل بفترة التفاوض عندما يتعلق األمر بتطلعات املتعاقد اآلخر وعدم خيانتها‪ ،‬وأن انعدام‬
‫هذه الثقة يهدد العقد بعدم االستمرار تحت طائلة التعديل أو اإلنهاء‪ ،3‬كما أنه يمكن أن يستدل بتكريس‬
‫الثقة املشروعة في مرحلة إبرام العقد بالرجوع إلى نظرية عيوب الرضا التي ال تأخذ بعين االعتبار إرادة‬
‫ضحية الغلط وحسب وإنما كذلك الثقة املشروعة للطرف اآلخر بفعالية العقد القانونية‪.4‬‬

‫تعرف الثقة بأنها حالة ذهنية واقعية لدى املخاطب باإلرادة‪ ،‬تقوم على أساس التزام صاحب‬
‫اإلرادة بحسن النية في العقد الذي يتطلب منه األخذ بعين االعتبار الثقة املتولدة لدى الطرف املقابل‪.5‬‬

‫لقد اعتبر ‪ Gino Corla‬أن أساس القوة امللزمة للعقد هي "الرغبة املشروعة" ‪l’attente‬‬
‫‪ ،légitime‬وهي ذات طابع موضوعي واجتماعي وتعرف بأنها رغبة معقولة‪ ،‬ويعتبر الغلط في الصفات‬
‫الجوهرية مرجعا هاما للكشف عن وجود هذا العيب ألنه يتعلق باملساس بالرغبة املشروعة‪ ،‬وهو ما‬
‫كرسه املشرع في القانون ‪ 603-09‬حيث يعتبر تطورا في مجال "مطابقة املنتوجات" فاملستهلك في مجال‬

‫‪ -1‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.330‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.330‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫‪ -4‬سماح جبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ -6‬يراجع نص املادة ‪ 11‬من القانون ‪ 03-09‬الذي سبق اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 105 -‬‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود‬ ‫الباب األول‬
‫املطابقة ينتظر مطابقة املنتوجات مع التصريحات املعروضة من قبل املنهي‪ ،‬والثقة املحمية في قانون‬
‫ُ‬
‫حماية املستهلك تعتبر أن النصوص املتعلقة باملطابقة واألمن تكون الرغبة املشروعة‪.1‬‬

‫اعتبر األستاذ ‪ Mekki‬في سياق عرضه ملبدأ الوفاء العقدي أن الوفاء هو بمثابة "الرغبة‬
‫املشروعة" لدى الغير(املتعاقد اآلخر)‪ ،‬كما فسر األستاذ ‪ Bencheneb‬مفهوم الثقة الواردة في املادة ‪111‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ 2‬من ق م الفقرة الثانية املتعلقة بتفسير العقد بالرغبة املشروعة للدائن بااللتزام‪.‬‬

‫‪ -1‬جمعة زمام‪ ،‬تحديث النظرية العامة للعقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪ -2‬تنص املادة ‪ 111‬من ق م ف‪ 2‬على أنه "‪...‬أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النية املشتركة للمتعاقدين دون الوقوف‬
‫عند املعنى الحرفي لأللفاظ‪ ،‬مع االستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين املتعاقدين وفق للعرف الجاري في‬
‫املعامالت"‪.‬‬
‫‪ -3‬جمعة زمام‪ ،‬تحديث النظرية العامة للعقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪- 106 -‬‬
‫‪‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان‬
‫اإلرادة‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫الباب الثاني‪ :‬آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬


‫بعد التحوالت االجتماعية واالقتصادية والسياسية وحتى الفكرية(‪ )1‬التي شهدها العالم في أواخر‬
‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أصبح النظام القانوني للعقد والذي تم وضعه منذ سنه ‪1804‬‬
‫ال يستجيب مع التطورات التي حدثت في البيئة العقدية‪ ،‬وهو ما حدث مع ّ‬
‫الدول التي انتهجت نفس النهج‬
‫باعتمادها على مبدأ سلطان اإلرادة كأساس لاللتزام العقدي‪.‬‬
‫فالبيئة العقدية التي تعتمد على أسلوب التعاقد البسيط العتمادها على الزراعة وابرام عقود غالبا‬
‫ما تكون بين األسر لم تعد نفسها البيئة العقدية التي يشهدها العالم في هذا القرن‪ ،‬فالثورة الصناعية‬
‫وظهور التكنولوجيا واقتحامها نظام العقد أدت إلى ظهور عقود جديدة وتقنيات مستحدثة للتعاقد‬
‫ووسعت من نطاق العالقات العقدية‪ ،‬وهو ما جعل املبادئ الراسخة والثابتة في النظرية التقليدية للعقد‬
‫ال تتالءم مع هذه املستجدات والواقع املتطور‪.‬‬
‫اعتمد القضاء الفرنس ي على االجتهاد القضائي من أجل تطويع النصوص القانونية التي تحكم العقد‬
‫وجعلها تتالءم مع التحوالت التي يشهدها العالم وهذا ما أدى إلى اصدار عدة اجتهادات قضائية‪ ،‬اعتمدها‬
‫املشرع وكرسها في التعديل األخير للقانون املدني الفرنس ي سنة ‪ ،2016‬مثل االلتزام بحسن النية وااللتزام‬
‫باإلعالم وغيرها من االجتهادات القضائية‪.‬‬
‫بالرجوع إلى املشرع الجزائري فعلى غرار باقي الدول وبغية مالئمة هذه املستجدات التي أثرت على‬
‫املفاهيم التقليدية للعقد انتهج سياسة التنظيم القانوني للعقود‪ ،‬مما جعله يستعمل أسلوب النظام‬
‫العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي لحماية الطرف الضعيف واحداث التوازن العقدي الذي‬
‫ظهر على اثر اختالل توازن القوى االقتصادية‪ ،‬فلم تعد الحرية العقدية تخدم مصالح الطرف الضعيف‪،‬‬
‫ولم تعد املساواة املجردة تعكس عدالة العقد‪.‬‬
‫على اثر ذلك لجأ املشرع إلى توجيه العقود‪ ،‬مستعمال أسلوب االجبار على التعاقد أحيانا واملنع من‬
‫التعاقد أحيانا أخرى وفرض املتعاقد اآلخر في العقد‪ ،‬من أجل تطبيق سياسته االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪ -1‬حصل تغيير جذري من الناحية الفكرية فالفرد هو عضو في املجتمع يتولى وظيفة اجتماعية تحمله واجبات نحو غيره وتمنحه حقوقا‬
‫تمكنه من العيش في الجماعة‪ ،‬فأصبح املجتمع مصدر حقوق الفرد وواجباته‪ ،‬وهذا على عكس ما كان يقوم عليه املذهب الفردي‪ ،‬حيث يرى‬
‫أن الفرد كائن مستقل بذاته وأن ارادته هي مصدر حقوقه وواجباته فبمقتض ى هذا التصور الفكري الجديد يتحمل املتعاقد واجبات نحو‬
‫املتعاقد اآلخر‪ ،‬منها التعاون والنزاهة والثقة والنصح‪ ،...‬يراجع في هذا الخصوص على فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،54‬الهامش ‪.2‬‬
‫‪- 108 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫كما لجأ املشرع إلى اصدار العقود املتخصصة‪ ،‬كعقد االستهالك وعقد التأمين‪ ،‬وعقد العمل‪...‬‬
‫وغيرها من العقود التي ظهرت فيها إرادة املشرع كطرف ثالث في العقد من خالل تحديد مضمون العقد‪،‬‬
‫مما جعل بعض الفقهاء يقول أن املشرع كاد أن يكون طرفا ثالثا في العقد(‪ )1‬وهذا ما أدى إلى خروج العقد‬
‫من نزعته الفردية كونه خاص باألفراد‪ ،‬إلى نزعة جماعية‪ ،‬وبذلك تعيمم بقدر ما فقد من طابعه الخاص‪،‬‬
‫وهذا ما يسمى بعيممة العقد وهو مفهوم جديد للعقد‪ ،‬وتخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية‬
‫للعقد وهو ما نتناوله في (الفصل األول) كما أن الدولة الجزائرية وابتداء من دستور ‪ 1989‬انتهجت النظام‬
‫الليبرالي بعد فشل النظام االشتراكي في سد حاجيات األفراد املختلفة‪ ،‬وبدأت الدولة الجزائرية تتجه إلى‬
‫االقتصاد الحر والتخلي عن االقتصاد املوجه وهذا ما كرسه دستور ‪ 1996‬بموجب املادة ‪ )2(37‬التي‬
‫(‪)4‬‬
‫كرست حرية التجارة والصناعة‪ ،‬في التعديل الدستوري سنة ‪ )3(2016‬بموجب املادة ‪ 43‬منه‪.‬‬
‫تحولت وظيفة الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة الضابطة فحرية التجارة والصناعة البد أن‬
‫تمارس وفقا لسياسة الدولة املتمثلة في التوفيق بين حرية املنافسة وتحقيق املصلحة العامة‪ ،‬وحماية‬
‫الطرف الضعيف من االتفاقات غير املشرعة‪ ،‬ووضعية الهيمنة في السوق التي قد تؤدي إلى استعمال‬
‫التعسف في العقود بين املحترفين واملستهلكين‪.‬‬
‫استحدثت الدولة سلطات الضبط االقتصادي من أجل حماية الحرية التعاقدية عن طريق تقييدها‪،‬‬
‫فظهرت العديد من الهيئات اإلدارية التي تتولى مهمة الضبط‪ ،‬منها مجلس النقد والقرض‪ ،‬ومجلس‬
‫املنافسة الذي استحدث بموجب األمر ‪ )5(06-95‬الذي ألغي بموجب األمر ‪ )6(03-03‬وهو ما تناولته في‬
‫(الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪ -1‬لخصر حليس‪ ،‬املرجع السابق‪.151 ،‬‬


‫‪ -2‬تنص املادة ‪ 37‬من دستور ‪ 1996‬على ما يلي‪" :‬حرية الصناعة والتجارة مضمونه وتمارس في إطار القانون"‪.‬‬
‫‪ -3‬الصادر بموجب القانون رقم ‪ 01 -16‬املؤرخ في مارس ‪ ،2016‬يتضمن التعديل الدستوري ( ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 07‬مارس ‪ ،2016‬ع ‪.)14‬‬
‫‪ -4‬تنص املادة ‪ 43‬من الدستور املعدل سنة ‪ 2016‬على ما يلي‪":‬‬
‫‪ -5‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬املتعلق باملنافسة‪( ،‬ج ر الصادرة بتاريخ‪ 22‬فيفري ‪ ،1995‬ع ‪ ،09‬ص ‪ ،)13‬امللغى بموجب األمر ‪.03-03‬‬
‫‪ -6‬املؤرخ في ‪ 19‬جويلية ‪ 2003‬املتعلق باملنافسة ( ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 20‬جويلية ‪ ،2003‬ع ‪ ،43‬ص ‪ )25‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪- 109 -‬‬
‫‪‬‬
‫التخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية‬
‫التقليدية للعقد‪ :‬العقد شريعة املشرع‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫الفصل األول‪ :‬التخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية للعقد‪ :‬العقد شريعة املشرع‬
‫استقرت النظرية التقليدية للعقد على مبادئ تحكم العالقات العقدية وهي حرية التعاقد‪ ،‬واألثر‬
‫النسبي للعقد‪ ،‬والقوة امللزمة للعقد‪ ،‬وذلك منذ أن وضع القانون الفرنس ي سنة ‪ 1804‬من طرف نابليون‪،‬‬
‫والذي استقت منه أغلب التشريعات العربية مبادئه القائمة على سلطان اإلدارة‪ ،‬الذي مجد إرادة الفرد‬
‫في تكوين العقد وتحديد أثاره‪ ،‬فال أحد يمكنه أن يحد أو يقيد هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى مقتضيات‬
‫النظام العام(‪.)1‬‬
‫فالحرية العقدية تعني أن الشخص حر في أن يتعاقد أو ال يتعاقد وهو حر في اختيار الشخص اآلخر‬
‫الذي يتعاقد معه‪ ،‬ولديه الحرية أيضا في تحديد مضمون العقد‪ ،‬وإذا قرر الشخص أن يتعاقد وارتبط‬
‫االيجاب بالقبول أصبح مسؤوال عن تنفيذ االلتزامات التي تترتب عن هذا التعاقد‪ ،‬وهذا ما يسمى بالقوة‬
‫امللزمة للعقد‪ ،‬طبقا لنص املادة ‪ 106‬من القانون املدني‪.‬‬
‫كما أن األشخاص إذا قرروا التعاقد فإن العقد يلزمهم وحدهم وال يرتب هذا العقد التزاما في ذمة‬
‫الغير(‪ )2‬وهذا ما يسمى بمبدأ نسبية أثر العقد(‪ ،)3‬والذي كرسه املشرع بموجب املادتين ‪ 113 ،108‬من‬
‫القانون املدني‪ ،‬حيث تنص املادة ‪ )4(108‬على ما يلي‪ " :‬ينصرف العقد إلى املتعاقدين والخلف العام‪، "...‬‬
‫وتنص املادة ‪ )5(113‬على ما يلي‪ " :‬ال يرتب العقد التزاما في ذمة الغير‪ ،‬ولكن يجوز أن يكسبه حقا "‪ ،‬هذه‬
‫القاعدة تكون مطلقة في شقها السلبي‪ ،‬ولكن تحمل استثناء في جانبها االيجابي حيث يجوز للشخص أن‬
‫يتعاقد باسمه لحسابا لغير(‪.)6‬‬
‫إال أنه ومع مستجدات الواقع التعاقدي بدأ املشرع يتدخل في العالقات العقدية لتنظيمها من‬
‫أجل تمرير سياسته التشريعية املتمثلة في حماية الفئات الخاصة وتحقيق املصلحة العامة‪ ،‬ألن الظروف‬

‫‪ -1‬وهو ما يعرف بالنظام العام السياس ي أو التقليدي‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص منصف بوعريوة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ -2‬أيمن ابراهيم العشماوي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28-27‬‬
‫‪ -3‬ومن املقرر قانونا أن الخلف العام والخلف الخاص ال يعتبران من الغير ومبدأ نسبية أثر العقد ال تعني أن قوته امللزمة تنصرف إلى‬
‫املتعا قدين بأشخاصهما فقط‪ ،‬بل يقصد به أن أثار العقد تنصرف إلى املتعاقدين وإلى خلفها العام والخاص‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص ‪ ،‬سمير‬
‫عد السيد تناغو‪ ،...‬مصادر االلتزام‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ -4‬تقابلها املادة ‪ 145‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 145‬من القانون املدني الليبي‪ ،‬واملادة ‪ 142‬من القانون املدني العراقي‪ ،‬واملادة ‪ 133‬من‬
‫القانون املدني البحريني‪.‬‬
‫‪ -5‬يقابلها نص املادة ‪ 152‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 154‬من القانون املدني الليبي‪.‬‬
‫‪ -6‬علي فياللي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.426‬‬
‫‪- 111 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫االقتصادية أثبتت اختالل التوازن العقدي‪ ،‬وكشفت عدم مالئمة النظرية التقليدية للعقد لهذه‬
‫املستجدات‪.‬‬
‫هذا ما أدى باملشرع إلى انتهاج سياسة اصدار العقود املتخصصة املستقلة عن القانون املدني‪،‬‬
‫دون إحداث تعديالت في قانون العقود وااللتزامات فظهر نمط جديد للتعاقد وهو اشتراط الرخص‬
‫اإلدارية من أجل التعاقد‪ ،‬ولم يعد الفرد حر في التعاقد أو االمتناع بل ظهرت العقود الجبرية‪ ،‬وأصبح‬
‫املشرع يتدخل في تحديد مضمون العقد وهو ما يعرف بالعقود املوجهة‪ ،‬كعقود االستهالك وعقود العمل‬
‫وهذا ما نتناوله في (املبحث االول) ولم يعد العقد يرتب أثارا في ذمم أطرافه‪ ،‬بل أصبحت أثاره تمتد إلى‬
‫الجماعة كما هو الحال في عقود العمل الجماعية‪ ،‬وظهور ما يسمى بالكيانات العقدية كما أنه تم الخروج‬
‫عن مبدأ القوة امللزمة للعقد في حال تضمينه بالشروط التعسفية من أجل إعادة التوازن العقدي‬
‫وتحقيق العدالة العقدية‪.‬‬
‫إن التدخل املتزايد للمشرع في جميع مراحل العقد أدى إلى تحول جذري في النظرية التقليدية للعقد‪،‬‬
‫وذلك بالخروج والتخلي عن املبادئ الراسخة والثابتة في النظرية العامة للعقد‪ ،‬فلم يعد ألثر النسبي للعقد‬
‫يتعلق بأطراف العقد‪ ،‬ولم تعد امللزمة للعقد مقدسة بمفهومها التقليدي وهذا ما نتناوله في (املبحث‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫‪- 112 -‬‬


‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املبحث االول‪ :‬الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد‬
‫يعتبر العقد األداة الفعالة بامتياز التي اعتمدها املشرع في تنفيذ سياسته االقتصادية واالجتماعية في‬
‫الدولة عن طريق توجيه العقد مستعمال آلية النظام العام االقتصادي‪ ،‬بشقيه التوجيهي والحمائي ولقد‬
‫ظهر تدخل املشرع في العقد من خالل استحداث نظام التراخيص املسبقة ملمارسة األنشطة االقتصادية‪،‬‬
‫ولم يعد الفرد حر في أن يتعاقد أو ال يتعاقد مع الشخص الذي يختاره‪ ،‬بل أصبح املشرع يتدخل لتقييد‬
‫حرية التعاقدية وهذا ما نتناوله في (املطلب األول)‪.‬‬
‫لقد أصبح التدخل التشريعي في العقد يمتد لتحديد مضمون العقد‪ ،‬فلم يعد األفراد أحرارا في‬
‫تضمين العقد بالشروط التي يرونها مناسبة بل البد أن تخضع اراداتهم ما يميله املشرع وهذا ما تناوله في‬
‫(املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تقييد حرية التعاقد بفرض االلتزامات االضافية‬
‫عرفت الجزائر تحوال جذريا في النظام االقتصادي بداية من دستور ‪ ،1996‬حيث تم تكريس حرية‬
‫التجارة والصناعة(‪ )1‬وهذا ما عززه التعديل الدستوري سنة ‪ )2(2016‬مما فتح املجال الزدهار االنشطة‬
‫الصناعية والتجارية(‪ )3‬وأدى إلى صدور عدة نصوص تشريعية‪ ،‬فمنها قانون تطوير االستثمار(‪ )4‬والقانون‬
‫التوجيهي لترقية املؤسسات الصغيرة واملتوسطة(‪ )5‬وقانون تهيئة االقليم وتنميته املستدامة(‪ ،)6‬التي كان‬
‫الهدف منها تشجيع مختلف النشاطات التجارية والصناعية لخلق حركية اقتصادية وتنموية(‪.)7‬‬
‫نظرا لعالقة هذه األنشطة الصناعية والتجارية بالبيئة وتأثيراتها السلبية عليها‪ ،‬بدأت الدول‬
‫الصناعية تهتم بقضايا البيئة‪ ،‬حيث صدرت عدة تشريعات ترتب مسؤولية املؤسسات الصناعية عن‬
‫األضرار التي تسببها البيئة‪ ،‬ولقد ازداد االهتمام أكثر بالبيئة عندما بدأ التفكير في التوفيق بين البيئة‬

‫‪ -1‬بموجب املادة ‪ ،37‬التي سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬


‫‪ -2‬بموجب املادة ‪ 43‬التي سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬
‫‪ -3‬أمال مدين‪ " ،‬الترخيص اإلداري وسيلة لحماية البيئة في اطار التنمية املستدامة‪ ،‬الترخيص باستغالل املنشآت املصنفة بحماية بيئة‬
‫نموذجا"‪ ،‬مجلة القانون العقاري والبيئة‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬جوان ‪ ،2005‬دون ذكر الصفحة‪.‬‬
‫‪ -4‬الصادر بموجب األمر ‪ 03-01‬املؤرخ في ‪ 20‬أوت ‪ ،2001‬يتعلق بتطوير االستثمار‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 22‬أوت ‪ ،2001‬ع ‪ ،47‬ص ‪ )4‬املعدل‬
‫واملتمم‪.‬‬
‫‪ -5‬الصادر بموجب القانون رقم ‪ ،18-01‬املؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،2001‬يتضمن القانون التوجيهي لترقية املؤسسات الصغيرة واملتوسطة ( ج‬
‫ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 15‬ديسمبر ‪ ،2001‬ص ‪.)4‬‬
‫‪ -6‬الصادر بموجب القانون رقم ‪ ،20-01‬املؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،2001‬املتعلق بتهيئة االقليم وتنميته املستدامة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪15‬‬
‫ديسمبر ‪،2001‬ع ‪ ،77‬ص ‪.)18‬‬
‫‪ -7‬أمال مدين‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪- 113 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫والتنمية‪ ،‬وهو ما أدى إلى انعقاد عدة مؤتمرات دولية أهمها مؤتمر قمة األرض‪ ،‬بريودي جانيرو عام‬
‫‪ ،)1(1992‬الذي انبثق عنه مفهوم التنمية املستدامة‪ ،‬حيث أدمج البعد البيئي‪ ،‬ضمن أبعاد التنمية وهو ما‬
‫استجاب له املشرع باصدار النصوص التشريعية املتعلقة بالبيئة وحمايتها من األضرار وفي مقدمتها‬
‫القانون ‪ ،)2(03-83‬وبعده القانون رقم ‪ ،)3(10-03‬ولقد اعتمد املشرع على أسلوب الترخيص االداري‬
‫املسبق الستغالل املنشآت املصنفة(‪ ،)4‬وهذا ما نتناوله في (الفرع ألول) كما أنه فرض التزامات على‬
‫املتعاقدين من أجل حماية الطرف الضعيف وتنوير إرادته التعاقدية حتى تصدر على بصيرة حيث فرض‬
‫الشكلية االعالمية وهو ما تناوله في (الفرع الثاني) وقيد حرية األفراد من حيث التعاقد أو االمتناع عن‬
‫التعاقد باإلجبار على التعاقد‪ ،‬وحظر التعاقد واختيار الشخص املتعاقد معه وهو ما تناوله في (الفرع‬
‫الثالث)‪.‬‬

‫‪ -1‬عواطف محي الدين‪ " ،‬الرقابة اإلدارية على استغالل املنشآت املصنفة تكريس ملبدأ النشاط الوقائي للحماية البيئية"‪ ،‬الحوار املتوسطي‪،‬‬
‫املجلد ‪ ،11‬العدد ‪ ،02‬سبتمبر ‪ ،2020‬ص ‪.307‬‬
‫‪ -2‬املؤرخ في ‪ 1983/02/5‬املتعلق بالبيئة‪ ،‬ملغى‪.‬‬
‫‪ -3‬املؤرخ في ‪ ،2003/8/19‬املتعلق بحماية البيئة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ ،2003/8/20‬ع ‪ ،43‬ص‪.)6‬‬
‫‪ -4‬حاول الفقه ايجاد تعريف للمنشآت املصنفة فكانت متقاربة أحيانا ومختلفة أحيانا أخرى‪ ،‬ولقد استعملت عدة مصطلحات للتعبير عنها‪،‬‬
‫منها منشأة مصنفة‪ ،‬مؤسسة مصنفة‪ ،‬محال خطرة‪ ،‬منشأة مقلقة للراحة‪ ،‬محال مضرة بالصحة‪ ،‬ونذكر منها املنشأة املصنفة‬
‫(‪ ، )installation classé‬ولقد عرفها بعدة تعاريف منها‪" :‬أنها جميع املؤسسات الواردة في جدول تصنيف مختلف املؤسسات الصناعية‬
‫املضرة واملزعجة والخطيرة على الصحة العامة"‪ ،‬يراجع حمزة عثماني‪ ،‬مسؤولية املنشآت املصنفة عن جريمة التلويث البيئية في التشريع‬
‫الجزائري‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2014-2013 :‬ص‪ّ ،8‬‬
‫وعرف املشرع املنشأة املصنفة‬
‫بموجب املادة ‪ 18‬من القانون ‪ 10-03‬الذي سبقت اإلشارة إليه كما يلي‪ ":‬تخضع ألحكام هذا القانون املصانع والورشات واملشاغل ومقالع‬
‫عامة املنشآت التي يستغلها أو يملكها كل شخص طبيعي أو معنوي عمومي أو خاص‪ ،‬والتي قد تتسبب في أخطار‬ ‫الحجارة واملناجم وبصفة ّ‬
‫على الصحة العمومية والنظافة واألمن والفالحة واألنظمة البيئية واملوارد الطبيعية واملواقع واملعالم واملناطق السياحية أو قد تتسبب في‬
‫املساس براحة الجوار"‪.‬‬
‫عرفها املرسوم التنفيذي ‪ ،198-06‬املؤرخ في ‪ 31‬ماي ‪ ،2006‬املتعلق بضبط التنظيم املطبق على املنشآت املصنفة لحماية البيئة‪( ،‬ج ر‪،‬‬ ‫كما ّ‬
‫عرف‬‫الصادرة بتاريخ ‪ 4‬جوان ‪ ،2006‬ع ‪ ،37‬ص‪ ،)9‬في مادته الثانية حيث ّميز بينها وبين املؤسسة املصنفة‪ ،‬وأورد تعريفا لكل منهما‪ ،‬وقد ّ‬
‫عدة أنشطة من النشاطات املذكورة في قائمة املنشآت املصنفة ّ‬
‫املحددة في‬ ‫بأنها‪" :‬كل وحدة تقنية ثابتة يمارس فيها نشاط أو ّ‬ ‫املنشأة املصنفة ّ‬
‫التنظيم املعمول به"‪ ،‬وبذلك يكون املشرع في تعريفه للمنشأة املصنفة قد اعتمد على معيار قانوني هو التعداد الوارد في قائمة املنشآت‬
‫املصنفة الواردة بموجب املرسوم التنفيذي ‪ ،144-07‬املؤرخ في ‪ ،2007/05/19‬يحدد قائمة املنشآت املصنفة لحماية البيئة‪( ،‬ج ر الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪ ،2007‬ع ‪ ،34‬ص ‪.) 3‬‬
‫‪- 114 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫الفرع االول‪ :‬اشتراط الترخيص االداري املسبق‬
‫إن النشاطات الصناعية والتجارية وأعمال التهيئة التي تنجز في مواقع معينة لها تأثير على البيئة ومن‬
‫شأنها أن تحدث تغييرا على األماكن‪ ،‬لذلك فإن كل مؤسسة مصنفة حسب القانون(‪ ،)1‬فإنها تخضع في‬
‫إنجازها لنظام محدد سلفا وهو إعداد الدراسة(‪ )2‬حول التأثيرات املحتملة التي تؤثر على البيئة ثم بعد‬
‫ذلك تخضع للترخيص اإلداري املسبق (أوال) كقيد على استغالل هذه املنشآت املصنفة‪ّ ،‬‬
‫مما يشكل قيدا‬
‫على ممارسة ّ‬
‫حرية التعاقد العتبارات تتعلق بحماية املصلحة العامة واملحافظة على البيئة لتحقيق‬
‫التنمية املستدامة‪ ،‬وأتبع املشرع نظام الترخيص اإلداري املسبق بجزاءات إدارية كنتيجة ملخالفة قواعد‬
‫هذا ّ‬
‫القيد وهو ما نتناوله (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الترخيص اإلداري املسبق‬
‫يعتبر الترخيص اإلداري املسبق(‪ )3‬من أكثر اآلليات القانونية استعماال نظرا لفاعليته في توجيه‬
‫ومراقبة النشاط الفردي على املجتمع‪ ،‬لذلك قد يشترط املشرع في كثير من الحاالت ومن بينها األنشطة‬
‫املقننة الحصول على اإلذن املسبق ملمارسة النشاط الصناعي أو التجاري ملا له من تأثير سلبي على الصحة‬
‫العامة والبيئة ومن أجل التطرق إلى مفهوم الترخيص اإلداري املسبق فإننا نتطرق إلى تعريفه (‪)1‬‬
‫وإجراءاته (‪.)2‬‬

‫تصنف املنشآت املصنفة حسب أهمية النشاط الذي تمارسه وطبيعته ودرجة اتصاله‬ ‫‪ -1‬نصت املادتين ‪ 17‬و ‪ 18‬من القانون ‪ 10-03‬على ّأن ّ‬
‫خصها القانون بنظام قانوني خاص وأسماها باملنشآت املصنفة‪ ،‬ولقد نصت املادة ‪ 03‬من‬ ‫باألرض وخطورته ومساسه بالبيئة والجوار لذلك ّ‬
‫ّ‬
‫املرسوم التنفيذي ‪ 198-06‬الذي يضبط التنظيم املطبق على املنشآت املصنفة لحماية البيئة على أنه‪ ":‬تقسم املؤسسات املصنفة إلى أربعة‬
‫فئات‪:‬‬
‫‪ -‬مؤسسة مصنفة من الفئة األولى تتضمن على األقل منشأة خاضعة لرخصة وزارية‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسة مصنفة من الفئة الثانية تتضمن على األقل منشأة لرخصة الوالي املختص اقليميا‪.‬‬
‫‪ -‬مؤسسة مصنفة من الفئة الثالثة تتضمن على األقل منشأة خاضعة لرخصة رئيس املجلس الشعبي البلدي املختص اقليميا‪ ،"...‬ملزيد من‬
‫التفاصيل حول تصنيف املنشآت املصنفة يراجع‪ ،‬في هذا الخصوص هناء بن عامر وروان محمد‪" ،‬دور تقسيمات املنشآت املصنفة في حماية‬
‫البيئة من التلوث في التشريع الجزائري"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،10‬العدد ‪ ،03‬ص ص‪ ،189 -174‬ديسمبر ‪ ،2019‬ص‬
‫‪.179 -178 -177‬‬
‫‪ -2‬تنص املادة ‪ 15‬من القانون ‪ 10-03‬على أنه " تخضع مسبقا وحسب الحالة لدراسة التأثير أو ملوجز التأثير على البيئة‪ ،‬مشاريع التنمية‬
‫والهياكل واملنشآت الثابتة واملصانع واألعمال الفنية األخرى وكل األعمال وبرامج البناء والتهيئة‪ ،‬التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة فورا أو‬
‫الحقا على البيئة‪ ،‬السيما على األنواع واملوارد واألوساط والفضاءات الطبيعية والتوازنات االيكولوجية وكذلك على إطار ونوعية املعيشة‪.‬‬
‫‪ -‬تحدد كيفيات تطبيق هذه املادة عن طريق التنظيم"‪.‬‬
‫‪ -3‬يشترط املشرع لقيام املنشآت املصنفة لحماية البيئة من الناحية القانونية تحقق شرط واقف هو الترخيص اإلداري أو التصريح اإلداري‬
‫لدى السلطات اإلدارية ويكون خضوعها ألحد هذين النظامين حسب خطورتها على البيئة إذ تخضع منشآت الدرجة األولى إلى الثالثة لنظام‬
‫الترخيص اإلداري‪ ،‬بينما تخضع منشآت الدرجة الرابعة لنظام التصريح‪ ،‬ملزيد من التفاصيل‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬عواطف محي ّ‬
‫الدين‪،‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.322-321‬‬
‫‪- 115 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫‪ -1‬تعريف الترخيص اإلداري املسبق‬
‫عرف املرسوم التنفيذي ‪ 198-06‬رخصة استغالل املنشأة املصنفة في املادة ‪ 4‬منه على ّأنها‪" :‬وثيقة‬
‫ّ‬
‫إدارية تثبت أن املنشأة املصنفة تطابق األحكام والشروط املتعلقة بحماية البيئة املنصوص عليها في‬
‫التشريع والتنظيم املعمول بها‪ ،‬وهذه الصفة ال تحد وال تحل محل أي رخصة من ّ‬
‫الرخص القطاعية‬
‫املنصوص عليها في التشريع والتنظيم املعمول بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويعرف الترخيص اإلداري املسبق بأنه‪ " :‬تلك األداة من مجموع األدوات املباشرة التي تستعملها اإلدارة‬
‫للتعبير عن رضاها في مجال الضبط اإلداري البيئي‪ ،‬ويكون فحوى هذا الترخيص اإلذن لشخص ّ‬
‫معين‬
‫محدد وفقا لضوابط وشروط(‪ ،)1‬أو هو ذلك العمل اإلداري الذي يأتي على هيئة قرار‬ ‫بمما سة نشاط ّ‬
‫ر‬
‫يخول لصاحبه ممارسة نشاط ّ‬
‫معين"‪.‬‬ ‫إداري يصدر عن سلطة أصلية إدارية أو هيئة تابعة لها ّ‬
‫عرفه محمد الطيب عبد اللطيف بقوله‪" :‬الترخيص وسيلة من وسائل تدخل ّ‬
‫الدولة في ممارسة‬ ‫وقد ّ‬
‫النشاط الفردي للوقاية مما قد ينشأ عنه من ضرر‪ ،‬وذلك بتمكين الهيئات اإلدارية بفرض ما تراه مالئما‬
‫من االحتياطات التي من شأنها منع هذا الضرر‪ ،‬أو رفض اإلذن بممارسة النشاط إذا كان ال يكفي للوقاية‬
‫قررها املشرع‬‫منه اتخاذ االحتياطات املذكورة أو كان غير مستوف للشروط التي ّ‬
‫سلفا" (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬إجراءات الحصول على الترخيص املسبق‬
‫تخضع املنشآت املصنفة إلجراء الحصول على الترخيص اإلداري املسبق(‪ )3‬من أجل استغاللها‪ ،‬وهي‬
‫(‪،)4‬‬ ‫املنشآت من ّ‬
‫الدرجة األولى إلى الثالثة‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 03‬من املرسوم التنفيذي ‪198-06‬‬
‫وللحصول على الترخيص اإلداري املسبق فإنه يجب اتباع مجموعة من اإلجراءات تتلخص في طلب رخصة‬
‫استغالل منشأة مصنفة‪ ،‬ثم دراسة هذا امللف‪ ،‬ويتم ايداع امللف على مستوى مديرية البيئة‪ ،‬وطبقا ملا هو‬
‫وا د في املادتين ‪ 29‬و ‪ 32‬من املرسوم التنفيذي ‪ 198-06‬فيما يتعلق باملنشآت املصنفة من ّ‬
‫الدرجة األولى‬ ‫ر‬
‫والثانية والثالثة فلهم نفس وثائق امللف الواردة في املادتين ‪ 8‬و ‪ 9‬من املرسوم التنفيذي ‪ ،98-06‬و بعد‬
‫دراسة مختلف الوثائق املرفقة بامللف بما فيها دراسة الخطر ودراسة موجز التأثير واملوافقة عليهما وفقا‬

‫‪ -1‬هناء بن عامر وروان محمد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.182‬‬


‫الرخص اإلدارية في التشريع الجزائري‪ ،‬رسالة لنيل درجة دكتوراه دولة في القانون العام‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية‬‫عزاوي‪ّ ،‬‬ ‫‪ -2‬عبد الرحمن ّ‬
‫الحقوق‪ ،‬نوقشت بتاريخ ‪ 02‬جوان ‪ ،2007‬ص‪.155‬‬
‫كرسه املشرع بموجب املادة ‪ 19‬من القانون ‪ ،10-03‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬‫‪ -3‬وهو ما ّ‬
‫‪ -4‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 116 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ملا نصت عليه املادة ‪ 15‬من القانون ‪ 10-03‬واملرسوم التنفيذي ‪ )1(145-07‬الذي يبين املشاريع التي تخضع‬
‫لدراسة وموجز التأثير على البيئة(‪ )2‬وذلك بموجب امللحق املرفق بهذا املرسوم‪ ،‬وبعد أخذ رأي املحافظ‬
‫املحقق تصدر اللجنة الوالئية ملراقبة املنشآت املصنفة محضر اجتماع وتقوم بمنح مقرر املوافقة املسبقة‬
‫إلنشاء املنشأة املصنفة بالنسبة للمنشآت من الفئة الثانية والثالثة‪ ،‬التي تخضع لترخيص من الوالي‬
‫ّ‬
‫ورئيس املجلس الشعبي البلدي‪ّ ،‬أما املنشآت من الفئة األولى الخاضعة لترخيص من الوزير املكلف بالبيئة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ففي هذه الحالة تقوم اللجنة بإرسال محضر االجتماع إلى الوزير املكلف بالبيئة الذي يقوم بمنح مقرر‬
‫املوافقة املسبقة بإنشاء املنشأة املصنفة بالنسبة لهذه الفئة(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫بعد انجاز املنشأة املصنفة تقوم اللجنة بزيارة املوقع بغرض التحقق من مطابقتها للوثائق املدرجة في‬
‫ملف الطلب‪ ،‬وبعد التأكد من مطابقتها تقوم اللجنة بإعداد مشروع قرار رخصة استغالل املنشأة املصنفة‬
‫ّ‬
‫وارسالها إلى السلطة املؤهلة للتوقيع(‪ )4‬واملتمثلة في الوزير املكلف بالبيئة بالنسبة للمنشآت املصنفة من‬
‫الفئة األولى‪ ،‬والوالي بالنسبة للمنشآت املصنفة من الفئة الثانية‪ ،‬والى رئيس املجلس الشعبي البلدي‬
‫بالنسبة للمنشآت من الفئة الثالثة (‪.)5‬‬
‫ثانيا‪ :‬جزاء مخالفة قواعد الترخيص اإلداري املسبق‬
‫رتب املشرع جزاءات إدارية ومالية وجزائية على مخالفة قواعد الترخيص اإلداري املسبق‬
‫ّ ّ‬
‫الستغالل املنشآت املصنفة‪ ،‬إال أننا نكتفي بذكر الجزاءات اإلدارية املترتبة نظرا الرتباطها بعرقلة حركة‬
‫املكرسة دستوريا‪ ،‬واملتمثلة في سحب الترخيص‪ ،‬وغلق املنشآت املصنفة‪ ،‬ووقف‬ ‫حرية التجارة والصناعة ّ‬
‫استغالل املنشأة‪.‬‬

‫‪ -1‬سحب الترخيص‬

‫يحدد مجال تطبيق ومحتوى وكيفيات املصادفة على دراسة وموجز التأثير على البيئة‪ ( ،‬ج ر ‪ ،‬الصادرة في ‪ 22‬ماي‬ ‫‪ -1‬املؤرخ في ‪ 19‬ماي ‪ّ ،2007‬‬
‫‪ ،2007‬ع ‪ ،34‬ص‪ّ ،)92‬‬
‫املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -2‬يراجع نص املادة ‪ 02‬من املرسوم ‪ ،195-07‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬إلياس بوكاري‪ ،‬الرقابة اإلدارية على املنشآت املصنفة لحماية البيئة في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬فرع‬
‫قانون البيئية والعمران‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2016-2015 :‬ص‪.15-14‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 6‬من املرسوم التنفيذي ‪ ،168-06‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬إلياس بوكاري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪- 117 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫يعد إلغاء الترخيص من أخطر الجزاءات اإلدارية وأكثرها ضررا على املشروعات املتسببة في‬
‫إحداث التلوث‪ ،‬وبما ّأن اإلدارة تتمتع بسلطة منح التراخيص فلها كذلك السلطة فيما يتعلق بإلغائها(‪.)1‬‬
‫حيث تتخذ اإلدارة قرارا إداريا بسحب قرار الترخيص‪ ،‬ضد املستغل الذي يخالف املقاييس‬
‫البيئية في ممارسة نشاطه التجاري أو الصناعي في الحالة التي يكون فيها خطر على النظام العام أو الصحة‬
‫ضده حكم قضائي يقض ي بغلق‬ ‫العامة أو األمن العام أو لم يستوف الشروط الواجب توافرها‪ ،‬أو صدر ّ‬

‫نصت عليه املادة ‪ 11‬من املرسوم رقم ‪ 160-93‬املتعلق‬‫عدة تطبيقات منها ما ّ‬‫املشروع أو إ الته‪ ،‬وهناك ّ‬
‫ز‬
‫ّ‬
‫املحدد أعاله‬ ‫بتنظيم النفايات الصناعية السائلة والتي تنص‪ ":‬إذا لم يمتثل مالك التجهيزات في األجل‬
‫يقدر الوالي االيقاف املؤقت لسير التجهيزات املتسببة في التلوث"(‪.)2‬‬
‫من النصوص القانونية التي نصت على سحب الترخيص املتعلق باستغالل املنشآت املصنفة‬
‫املادة ‪ 23‬من املرسوم التنفيذي ‪ ،،)3(198-06‬حيث ّ‬
‫نص من خاللها املشرع على حالتين يمكن من خاللهما‬
‫للهيئة اإلدارية سحب رخصة استغالل املنشآت املصنفة في حالتين واردتين على سبيل الحصر وهي‪:‬‬

‫‪ -‬عدم مطابقة املؤسسات املصنفة للتنظيم املطبق عليها‪.‬‬


‫‪ -‬عدم مطابقة املؤسسات املصنفة لألحكام التقنية املنصوص عليها في رخصة االستغالل‬
‫املمنوحة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬غلق املنشأة املصنفة‬
‫ّ‬
‫املصنفة في الحالة التي لم يجدي فيها اإلعذار أو اإلنذار‪ ،‬وذلك‬ ‫تلجأ اإلدارة إلى غلق املنشأة‬
‫ٌ‬
‫كعقوبة لصاحب املشروع‪ ،‬أو املستغل وتتمثل عقوبة غلق املنشأة في املنع من االستمرار في استغالل تلك‬
‫املنشأة عندما تكون محال مخالفا للنظام العام والبيئة واملصالح املحمية بموجب قانون املنشآت‬
‫ّ‬
‫املصنفة(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬فتحي بن جديد‪" ،‬الترخيص اإلداري كإجراء لحماية البيئة من التلوث‪ ،‬رخصتي البناء واستغالل املنشآت املصنفة"‪ ،‬مجلة البحوث العلمية‬
‫في التشريعات البيئية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬سنة ‪ ،2016‬ص‪.32-31‬‬
‫‪ -2‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ ،160-93‬املتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة في األوساط الطبيعية‪ ،‬املؤرخ في ‪ 10‬جويلية‪( ،‬ج ر الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 14‬جويلية ‪،1993‬ع ‪ ،46‬ص‪.)6‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادة ‪ 23‬من املرسوم التنفيذي ‪ ،198-06‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬إلياس بوكاري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪- 118 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ويختلف الغلق عن سحب الترخيص في أن هذا األخير أوسع مجاال من غلق املنشأة ألنه يمتنع على‬
‫املحكوم عليه مزاولة عمله ليس فقط في املنشأة التي تقرر اغالقها بل وفي ّأية منشأة أخرى من طبيعتها(‪.)1‬‬
‫لقد نص املشرع على هذا النوع من العقوبات اإلدارية في مجال املنشآت املصنفة في املادة ‪ 48‬من‬
‫املرسوم التنفيذ رقم ‪ 198-06‬السالف الذكر فحسب هذه املادة فإنه في حالة قيام الوالي بإعذار مستغل‬
‫املؤسسة املصنفة إليداع التصريح أو طلب الرخصة أو مراجعة بيئية أو دراسة الخطر‪ ،‬ولم يقم املستغل‬
‫بتسوية وضعيته خالل اآلجال املحددة في سنتين‪ ،‬يمكن للوالي املختص اقليميا أن يأمر بغلق املنشاة‬
‫املصنفة(‪.)2‬‬
‫حيث تنص املادة ‪ 48‬من املرسوم التنفيذي ‪ 198-06‬على أنه ‪ ":‬يمكن للوالي املختص اقليميا في‬
‫الحالة املنصوص عليها في املادتين ‪ 44‬و‪ 47‬أعاله اعذار مستغل املؤسسة املصنفة إليداع التصريح أو‬
‫طلب الرخصة أو مراجعة بيئية أو دراسة الخطر‪.‬‬
‫ّ‬
‫املحددة في املادتين ‪ 44‬و ‪ 47‬أعاله‪ ،‬يمكن للوالي‬ ‫إذا لم يقم املستغل بتسوية وضعيته في اآلجال‬
‫املختص اقليميا‪ ،‬أن يأمر بغلق املؤسسة‪.‬‬
‫أما مضمون الحاالت املنصوص عليها في املواد ‪ 44‬و ‪ 47‬من املرسوم التنفيذي رقم ‪ 198-06‬فإنه‬
‫وحسب املادة ‪ 44‬فإنه يتعين على املؤسسة املصنفة املوجودة والتي لم تحصل على رخصة استغالل‬
‫للفئات ّ‬
‫املحددة في املادة ‪ 03‬أعاله وفئات قائمة املنشآت املصنفة املحددة في التنظيم املعمول به‪ ،‬إنجاز‬
‫مراجعة بيئية في أجل ال يتعدى سنتين ابتداء من صدور املرسوم التنفيذي رقم ‪ 98-06‬السالف الذكر‪،‬‬
‫تتمثل في أنه يتعين على املؤسسات املصنفة املوجودة والتي نصت قائمة املنشآت املصنفة بشأنها على‬
‫دراسة الخطر‪ ،‬إنجاز دراسة الخطر في أجل ال يتعدى سنتين من تاريخ صدور املرسوم التنفيذي ‪-06‬‬
‫‪.)3(198‬‬
‫‪ -3‬وقف استغالل املنشأة‪:‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.103‬‬


‫‪ -2‬إلهام فاضل‪" ،‬العقوبات اإلدارية ملواجهة خطر املنشآت املصنفة على البيئية في التشريع الجزائري"‪ ،‬دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬العدد‬
‫التاسع‪ ،‬جوان ‪ ،2013‬ص ‪. 318‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادتين ‪ 47 ،44‬من املرسوم التنفيذي ‪ ،198-06‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 119 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫يعتبر وقف النشاط أو استغالل املنشأة من التدابير التي تلجأ إليها اإلدارة في حالة وقوع خطر‬
‫بسبب مزاولة املشروعات الصناعية لألنشطة قد تؤدي إلى تلوث البيئة(‪ )1‬وفي حالة ارتكابها ألفعال مخالفة‬
‫ملدة معلومة‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى خسارة مادية‬ ‫للتشريع والتنظيم املعمول به‪ ،‬ويكون الوقف مؤقتا ّ‬

‫كرس املرسوم التنفيذي ‪198-06‬‬ ‫اقتصادية‪ ،‬تتمثل في وقف النشاط التجاري أو الصناعي للمنشأة‪ ،‬ولقد ّ‬
‫هذه العقوبة بموجب املادة ‪ 23‬منه وكذا املادة ‪ 25‬من القانون ‪ ،10-03‬حيث تنص املادة ‪ 23‬من املرسوم‬
‫التنفيذي ‪ 198-06‬على أنه ‪ ":‬في حالة معاينة وضعية عير مطابقة عند كل مراقبة‪:‬‬
‫‪ -‬التنظيم املطبق على املؤسسات املصنفة في مجال حماية البيئة لألحكام التنفيذية الخاصة املنصوص‬
‫عليها في رخصة االستغالل املمنوحة‪.‬‬
‫يحرر محضر يبين األفعال املجرمة حسب طبيعة وأهمية هذه األفعال ويحدد أجل لتسوية وضعية‬
‫املؤسسة املعنية‪.‬‬
‫عند نهاية هذا األجل وفي حالة عدم التكفل بالوضعية غير املطابقة‪ ،‬تعلق رخصة استغالل املؤسسة‬
‫املصنفة‪"....‬‬
‫من خالل النص املذكور أعاله يتضح أن املشرع قد نص على تعليق الرخص‪ ،‬وبالتالي وقف العمل‬
‫بالرخصة ووقف نشاط املؤسسة املصنفة إلى غاية تسوية وضعية املنشأة املصنفة‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمادة ‪ 25‬من القانون ‪ ،10-03‬فإنها تنص على املنشآت غير الواردة في قائمة املنشآت‬
‫املصنفة والتي تنص على أنه‪ ":‬عندما تنجم عن استغالل منشأة غير واردة في قائمة املنشآت املصنفة‬
‫أخطار وأضرار تمس باملصالح املذكورة في املادة ‪ 18‬أعاله وبناءا على تقرير من مصالح البيئة‪ُ ،‬يعذر الوالي‬
‫املستغل ويحدد له أجال التخاذ التدابير الضرورية إلزالة األخطار واألضرار املثبتة‪.‬‬
‫إذا لم يمتثل املستغل في اآلجال املحددة‪ ،‬يوقف سير املنشأة إلى حين تنفيذ الشروط املفروضة‪ ،‬مع اتخاذ‬
‫التدابير املؤقتة الضرورية‪ ،‬بما فيها التي تضمن دفع مستحقات املستخدمين مهما كان نوعها"‪.‬‬
‫يفهم من النص املذكور أعاله أن املؤسسة غير الواردة ضمن قائمة املنشآت املصنفة‪ ،‬والتي‬
‫تتسبب في أخطار وأضرار على البيئة‪ ،‬فإنه يمكن اتخاذ تدابير وإجراءات بشأنها إلزالة األخطار واألضرار‬

‫‪ -1‬كمال معيفي‪ ،‬آليات الضبط االداري في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬جامعة باتنة‪ ،‬السنة الجامعية‪-2010 :‬‬
‫‪ ،2011‬ص ‪.109‬‬
‫‪- 120 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املسببة لها‪ ،‬وعليه يمكن للوالي أن يوقف سير املنشأة إلى غاية تنفيذ الشروط املفروضة واتخاذ التدابير‬
‫التي فرضتها املادة ‪ 25‬املذكورة أعاله(‪.)1‬‬
‫ما يمكن مالحظته أن عقوبة وقف نشاط املنشأة ال بد أن يسبقه إجراء اإلعذار‪ ،‬أي إعذار‬
‫املستغل بحيث يكون الغلق بعد اعذار املعني وتذكيره بالتزاماته اتجاه البيئة(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الشكلية اإلعالمية‬
‫فرض املشرع االلتزام باإلعالم(‪ )3‬كالتزام قانوني على عاتق املنهي‪ ،‬بموجب القانون ‪ )4(09-03‬املتعلق‬
‫بحماية املستهلك وقمع الغش وذلك في نطاق املادتين ‪ 17‬و ‪ 18‬منه(‪ّ )5‬‬
‫وحدد كيفية تنفيذ هذا االلتزام‬
‫بموجب املرسوم التنفيذي ‪ )6(178-13‬ولم يقتصر تكريس االلتزام باإلعالم على قانون االستهالك بل فرضه‬
‫املشرع حتى في عالقات املحترفين فيما بينهم‪ ،‬من خالل قانون املمارسات التجارية بموجب املادة ‪ 07‬من‬
‫القانون ‪ ،)7(02-04‬وذلك من خالل شفافية املعامالت الذي يفرضها قانون املنافسة‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى‬
‫الوقاية من عدم التوازن في ّ‬
‫كل أنواع العقود(‪.)8‬‬
‫بما أننا تطرقنا في الباب األول لهذا االلتزام ومبرراته‪ ،‬والجزاءات املترتبة عن االخالل به‪ ،‬فإننا نركز‬
‫الدراسة في هذا الباب عن آثار هذا االلتزام على مبدأ سلطان اإلرادة (أوال)‪ ،‬كما ّأن االلتزام باإلعالم‬
‫يقتض ي االلتزام بمبدأ حسن النية وهو ما سنتناوله (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ -1‬إلياس‪ ،‬بوكاري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫‪ -2‬كمال معيفي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫الن بعض االلتزامات تنشأ‬‫‪ّ -3‬إن التمييز بين االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي‪ ،‬وااللتزام باإلعالم التعاقدي ش يء صعب بين الناحية الواقعية‪ّ ،‬‬
‫قبل إبرام العقد وتمتد بعده‪ ،‬كما ّأن بعض العقود تتكون تدريجيا لهذا يصعب التحديد إذا ما كان االلتزام تعاقدي‪ ،‬أم ال يزال قبل التعاقد‪،‬‬
‫فرق الفقه بين‬ ‫ولحل هذه املسألة اقترح الفقه التفرقة بين هذه هذين االلتزامين على أساس املنفعة التي يقدمها االلتزام لصاحبه‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫االلتزام الذي هدفه تمكين املتعاقد من التعبير عن إرادة مبصرة‪ ،‬وااللتزام باإلعالم الهادف إلى ضمان حسن تنفيذ العقد‪ ،‬فااللتزام األول‬
‫الرضا كامال خالل حياة العقد عند ابرام العقد وفي حالة تجديده أو تعديله أو فسخه‪ ،‬وجزاء االخالل بهذا االلتزام الضامن‬ ‫يضمن أن يكون ّ‬
‫لرضا غير معيب هو بطالن التصرف القانوني والتعويض على أساس املسؤولية التقصيرية‪ّ ،‬أما جزاء االخالل بااللتزام الضامن لحسن تنفيذ‬
‫العقد هو املسؤولية العقدية‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬آسيا مندي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ -4‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫املعدل سنة ‪ ،2016‬واملادة ‪ 3/113‬من قانون‬ ‫كرس املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم بموجب املادة ‪ 1112‬من القانون املدني الفرنس ي ّ‬
‫‪ -5‬ولقد ّ‬
‫أهمية حاسمة بالنسبة‬‫االستهالك الفرنس ي‪ ،‬وجعله نص عام يسري على كافة العقود‪ ،‬حيث أوجب على الطرف الذي يحوز املعلومات التي لها ّ‬
‫ملوقف الطرف اآلخر أن يبلغ هذا األخير‪ ،‬الذي ال يعرف هذه املعلومات أو يثق في الطرف اآلخر واعتبر ّأن االخالل بااللتزام باإلعالم يمكن أن‬
‫يترتب عليه بطالن العقد‪.‬‬
‫‪ -6‬يح ّدد الشروط والكيفيات املتعلقة بإعالم املستهلك‪ ،‬والذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -7‬التي تنص‪"ُ :‬يلزم البائع في العالقات بين األعوان االقتصاديين بإعالم الزبون باألسعار والتعريفات عند طلبها‪ ،‬ويكون هذا اإلعالم بواسطة‬
‫جداول األسعار أو النشرات البيانية‪ ،‬أو دليل األسعار أو بأية وسيلة أخرى مالئمة مقبولة بصفة عامة في املهنة"‪.‬‬
‫‪ -8‬أحمد بعجي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪- 121 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫أوال‪ :‬االلتزام باإلعالم آلية مستحدثة في نظام العقد‬
‫إن تكريس املشرع لاللتزام باإلعالم يرتب التزامات على عاتق الطرف القوي في عقد االستهالك وهو‬
‫املنهي‪ ،‬بل وحتى في العالقات بين املتعاملين االقتصاديين فيما بينهم‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى تقييد مبدأ سلطان‬
‫حرية التعاقد كمفهوم تقليدي للعقد‪ ،‬الذي ّ‬
‫يعتد بحرية الفرد في انشاء االلتزام‬ ‫اإلرادة والخروج عن مبدأ ّ‬
‫الحرة نفسها‪ ،‬وال مجال لفرض االلتزامات عليها‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ونقله وتعديله وانهائه‪ ،‬فااللتزامات تأتي من إرادته ّ‬
‫التدخل في اإلرادة من شأنه أن يؤدي إلى املساس ّ‬
‫بحرية الفرد التي تنبع من القانون الطبيعي‪.‬‬
‫ّإن االلتزام باإلعالم يجسد تخلي املشرع عن مبدأ ّ‬
‫الرضائية(‪ )1‬والتوجه إلى انتهاج الشكلية اإلعالمية‬
‫(‪ )2( )la formalisme informatif‬وهو التزام مستقل عن العقد وسابق عليه وهو التزام بعمل يتمثل في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلدالء ببيانات صحيحة وكافية‪ ،‬كما أنه التزام بتحقيق غاية فال يسوغ للمنهي أن يثبت أنه بذل العناية‬
‫ّ‬
‫الالزمة في ايصال البيانات واملعلومات للمستهلك(‪.)3‬‬
‫إن هذا التدخل في توجيه اإلرادة عن طريق فرض التزامات إضافية من أجل تحقيق املساواة بين‬
‫األطراف املتعاقدة بعدما أثبتت النظرية التقليدية للعقد عدم مالءمتها مع مستجدات الواقع ّأدى إلى‬
‫اضمحالل واندثار حرية اإلرادة في تكوين العقد‪ ،‬عن طريق الخروج عن مبدأ حرية اإلرادة في تكوين العقد‬
‫ّ‬
‫إال ّ‬
‫تحول جذري في املفاهيم التقليدية‬ ‫بل وفي جميع مراحل العقد كما سيأتي بيانه‪ ،‬وهذا الخروج ما هو‬
‫من أجل تكييفها مع تطور املجتمع‪ ،‬فكل تطور في املجتمع ال ّبد أن يتبعه تطور قانوني‪.‬‬
‫ّ‬
‫حيث يرى الفقيه ‪ Josserand‬أنه‪" :‬البد من تجديد املفاهيم نظرا للتحوالت السياسية‬
‫ّ‬
‫املجردة باملساواة الحقيقية‪ ،‬وذلك بتدخل‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ويجب استبدال املساواة‬
‫املشرع في تنظيم العالقة التعاقدية حماية للطرف الضعيف"‪.‬‬
‫ويقول أيضا‪" :‬إن املفاهيم القانونية تنشأ وتتطور وتنجز في مناخ فردي ومناخ اجتماعي‬
‫الن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحرية العقدية أصبحت دون معنى‬ ‫واالتجاه الحالي أن املناخ االجتماعي يطغى على املناخ الفردي‪،‬‬
‫ّ‬
‫بين األقوياء والضعفاء وال تخدم إال مصالح األقوياء(‪.)4‬‬

‫‪ّ -1‬‬
‫كرس املشرع مبدأ الرضائية بموجب املادة ‪ 59‬من القانون املدني‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬محمد بودالي‪" ،‬أزمة القانون املدني في ظل اتساع نطاق قانون حماية املستهلك"‪ ،‬حوليات جامعة الجزائر‪ ،‬املجلد ‪ ،30‬العدد‪ ،3‬ص ص‬
‫‪ ،245 -224‬ص ‪.236‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬لخضر حليس‪" ،‬التنظيم القانوني للعقود املدنية"‪ ،‬مجلة البحوث القانونية والسياسية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2013‬ص‪.83‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-aperçu général des tendances actuelles de la théorie des contrat, RTD, 1973, p1.‬‬
‫نقال عن حليس لخضر‪ ،‬مكانة االرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،150‬الهامش رقم ‪.03‬‬
‫‪- 122 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫إ ّن تدخل املشرع في العقد عن طريق فرض االلتزام باإلعالم ّ‬
‫يجسد سلطان القانون على إرادة‬
‫األطراف‪ ،‬فلم يعد األفراد وحدهم يضعون أو يصنعون قانونهم التعاقدي‪ ،‬بل هناك إرادة وسلطة أعلى‬
‫توجه إرادتهم وتراقبها(‪.)1‬‬
‫إن ضرو ات الحياة الحديثة ُ‬
‫وتعقدها تقض ي حتمية وجود هذا االلتزام وتوسيع نطاقه‪ ،‬إلى كل‬ ‫ر‬
‫العقود األخرى‪ ،‬وذلك بهدف الحد من عدم املساواة في املعرفة بين الطرفين(‪ )2‬وحماية الطرف الضعيف‬
‫من خالل فرض االلتزام باإلعالم قبل التعاقد كوسيلة وقائية وحمائية إلرادته‪ ،‬انطالقا من أن الحماية‬
‫الوقائية خير من الحماية العالجية(‪.)3‬‬
‫إن فرض التزامات إضافية قبل التعاقد هي خطوة جديدة سلكها املشرع إلى جانب املبادئ ّ‬
‫املكرسة‬
‫في النظرية العامة للعقد‪ ،‬مع العلم أن هذه املبادئ الجديدة املستحدثة تستند إلى تصور ومنهج مغاير‬
‫تماما لذلك الذي أخذ به في القانون املدني‪ ،‬فالقانون املدني كان يستند إلى املساواة املفترضة بين‬
‫املجردة‪ ،‬و حسب هذا التصور يكون لكل من املتعاقدين نفس الحقوق‬ ‫ّ‬ ‫املتعاقدين والتي تعتد باملساواة‬
‫ّ‬
‫ونفس الواجبات‪ّ ،‬أما تشريعات االستهالك تسعى إلى تحقيق املساواة على اعتبار الالمساواة بين األطراف‬
‫ّ‬
‫املتعاقدة‪ ،‬فهناك طرف قوي وهو املحترف وطرف ضعيف هو املستهلك(‪.)4‬‬
‫ّإن االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي التزام جديد وضعه املشرع من أجل حماية رضا املستهلك‬
‫ليصدر عن إرادة ّ‬
‫حرة مستبصره بكل ما يتعلق بالعقد وخالية من العيوب‪ ،‬ونظرا ألهمية هذه املبادئ‬
‫الجديدة ذهب الفقه للقول ّ‬
‫بأنها قد تحل مستقبال محل النظرية ّ‬
‫العامة للعقد(‪.)5‬‬
‫إن هذه القواعد ال تلغي قواعد القانون املدني ولم تغفل احتماالت التعسف أو الخداع الذي‬
‫يقوم به أحد العاقدين أضرارا باآلخر‪ ،‬ويبقى القاسم املشترك بينهما هو حماية املستهلك‪ ،‬فقانون حماية‬
‫املستهلك هو قانون وظيفي يستمد وجوده وذاتية من الوظيفة املرسومة له‪.‬‬

‫‪ -1‬لخضر حليس‪ ،‬التنظيم القانوني للعقود املدنية‪ ،..‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.83‬‬


‫‪ -2‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪ -3‬عمر عبد الفتاح السيد عبد اللطيف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫ّ‬
‫متجدد"‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪،2018‬‬ ‫‪ -4‬علي فياللي‪" ،‬الحرية العقدية مفهوم قديم وواقع‬
‫ص‪.13-12‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Ali filali ; le droit de la consommation ; une adaptation du droit commun des contrats, colloque international,‬‬
‫‪développement, spécificités et impact du droit de la consommation » organisé par l’université d’Oran, faculté de droit et le‬‬
‫‪laboratoire de droit économique et environnement, des 16-16 mai 2013, in annales de l’université Alger, N°27, T1, 2015, pp‬‬
‫‪5-45.‬‬
‫‪- 123 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬
‫ّإن اللجوء إلى استحداث قواعد عامة ضمن نصوص تشريعية متخصصة في حماية األطراف‬
‫الضعيفة في جميع أوجه التعامل تتويجا للنزعة إلى الحماية فالعقود التي تبرم في سبيل االستهالك مثال قد‬
‫تم تنظيمها على نحو يوجه العملية التعاقدية نحو ضمان املستهلكين‪ ،‬وصحة رضاهم وحسن اختيارهم‬ ‫ّ‬
‫وتحقيق حقوقهم‪ ،‬للحد من سيطرة املنتج أو البائع(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مما ال شك فيه أن هذه القوانين إنما تمس قواعد العقد بشكل واضح ال غبار عليه‪ ،‬فتغير في‬
‫طبيعته والتزامات أطرافه وحقوقهم ّ‬
‫مما جعل عقود االستهالك تتميز بطبيعة خاصة مغايرة للعقود‬
‫األخرى التي تبرم في الحياة العملية(‪.)2‬‬
‫ّإن حق املستهلك في االعالم امتد تفعيله في العقود املتعلقة بمختلف املنتوجات الطبية‬
‫والصيدالنية والغذائية‪ ،‬ويشمل اإلعالم بخصائص املنتوج وكيفية استعماله‪ ،‬واالعالم عن األسعار‪،‬‬
‫والتعريفات وشروط البيع أو حتى االفضاء بمكامن الخطورة فيه‪ ،‬ليتجسد تكريس هذا املبدأ ويصبح‬
‫راسخا ال يمكن لألعوان االقتصادي التنصل منه تحت طائلة توقيع العقوبات‪ّ ،‬‬
‫مما يجعل من االلتزام‬
‫باإلعالم التزام جديد ومكون للنظام التعاقدي(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬مبدأ حسن النية أساس لاللتزامات املستحدثة في نظام العقد‬
‫أثبت مبدأ حسن النية فعاليته على مستوى الفقه والقضاء أنه األساس الذي يقوم عليه االلتزام‬
‫باإلعالم قبل التعاقدي‪ )4(،‬وفي سبيل استخدام مبدأ حسن النية في مضمون العقد واستحداث التزامات‬
‫النية الشخص ي" و"حسن النية املوضوعي"‪ ،‬أي بمعنى ّ‬
‫التفرقة بين أمانة‬ ‫فرق الفقه بين "حسن ّ‬ ‫جديدة ّ‬
‫ّ‬
‫املوضوعي(‪.)5‬‬ ‫املتعاقد "حسن النية الشخص ي"‪ ،‬و"األمانة التعاقدية "حسن النية‬
‫الداللة القصدية ملبدأ حسن النية في تنفيذ العقود كما ورد في املادة ‪ )6(107‬من القانون‬ ‫إن ّ‬
‫املدني‪ ،‬واملادة ‪ )7(1131‬من القانون املدني الفرنس ي ّ‬
‫املعدلة‪ ،‬التي تضفي على هذا املبدأ صبغة املعيار‬

‫‪ -1‬لخضر حليس‪" ،‬سلطان اإلرادة وحماية املستهلك"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية واالجتماعية‪ ،‬زيان عاشور بالجلفة‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬ص ‪-270‬‬
‫‪.271‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫‪ -3‬قادة شهيدة‪" ،‬التجربة الجزائرية في حماية املستهلك بين طموح وتطور النصوص وافتقاد آليات تطبيقها"‪ ،‬املجلة الجزائرية للقانون‬
‫املقارن‪ ،‬العدد ‪ ،01‬سنة ‪ ،2014‬ص‪.21‬‬
‫‪ -4‬سارة بيالمي‪ ،‬حسن النية في تكوين العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬فرع عقود ومسؤولية‪ ،‬جامعة االخوة‬
‫منتوري‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2017-2010 :‬ص‪.89‬‬
‫‪ -5‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫‪ -6‬تقابلها املادة ‪ 148‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة ‪ 150‬من قانون املدني العراقي‪ ،‬واملادة ‪ 148‬ف‪ 2‬من القانون املدني الليبي‪.‬‬
‫‪ -7‬تقابلها املادة ‪ 157‬من القانون املدني األملاني‪ ،‬واملادة ‪ 1375‬من القانون املدني االيطالي‪ ،‬واملادة ‪ 148‬ف‪ 1‬من القانون املدني املصري‪ ،‬واملادة‬
‫‪ 197‬من القانون املدني الكويتي‪.‬‬
‫‪- 124 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬
‫الشخص ي والتي تعني أال يسلك املتعاقد مسلكا سيئا في قصده وال يصدر منه سلوك تدليس أو غش‪ ،‬ولقد‬
‫انتقد الفقه الفرنس ي هذا املعنى الشخص ي لحسن النية باعتباره مفهوما ضيقا وقاصرا على أن يكون‬
‫أساسا لاللتزام باإلعالم والتحذير والنصيحة‪ ،‬فال يمكن البحث عن مفهوم حسن النية كمبدأ قانوني عام‬
‫في أحكام القانون‪ ،‬ولكن يتم البحث عن حسن النية بمفهومه املوضوعي‪ ،‬كأساس اللتزامات قانونية ذات‬
‫طبيعة جديدة‪ ،‬ومن هنا سعى الفقه الفرنس ي إلى ايجاد معنى أكثر وضوحا لفكرة حسن النية في جانبه‬
‫املوضوعي‪ ،‬وأخذ البعض يطلق عليه مصطلح "األمانة العقدية" (‪.)1‬‬
‫ّإن مبدأ حسن النية في إطا ه الشخص ي يواجه اشكاالت ّ‬
‫فنية إذ أن هذا املبدأ وعلى افتراض أنه‬ ‫ر‬
‫يسود جميع العقود ّ‬
‫فإن فرض االلتزام باإلعالم على سبيل املثال واسقاطه على حسن النية باملعنى السابق‬
‫أي املفهوم الشخص ي يؤدي اإلخالل به إلى القول أن املتعاقد اآلخر س يء النية بل وأنه في حالة غش في حين‬
‫يزود املتعاقد اآلخر باملعلومات كان على أساس ترجيح مصلحة مشروعة‪ ،‬وليس على‬ ‫أن املتعاقد الذي لم ّ‬

‫أساس من سوء النية أو محاولة الغش‪ّ ،‬إن هذا املأزق الفني هو ما دفع الفقه إلى اعتناق التمييز بين ما‬
‫أطلق عليه "حسن النية الشخص ي"‪ ،‬و"حسن النية املوضوعي"‪ ،‬أي التفرقة بين أمانة املتعاقد‪ ،‬واألمانة‬
‫التعاقدية(‪.)2‬‬
‫وعليه فإن "حسن النية الشخص ي" هو ما يتعلق بماهية االعتقاد ّ‬
‫الداخلي للشخص املتعاقد‬
‫والحالة الذهنية التي يكون عليها أثناء التعاقد‪ ،‬على نحو قد يحمله على عدم مراعاة مصالح الطرف‬
‫املقابل‪ ،‬لترجيح مصالحه في حين أن "حسن النية املوضوعي" يتعلق بمؤشرات خارجية يمكن البناء عليها‬
‫عند التعامل مع هذا املبدأ‪ ،‬وذلك من خالل البحث عن التوازن العقدي بين أطراف العالقة العقدية أثناء‬
‫مرحلة التفاوض على شروط العقد وخالل (مرحلة تنفيذ هذه الشروط)(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫إن مبدأ حسن النية بمعناه املوضوعي املتقدم يعتبر قاعدة للسلوك يفرضه القانون‪ ،‬كلما تعلق‬
‫األمر بتفسير العقود أو تنفيذ االلتزامات الناشئة عنها واملعتاد أن هذا االلتزام يتقرر بموجب نص قانوني‬

‫‪ -1‬علي فيصل علي الصديقي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.205-204‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.206-205‬‬
‫‪- 125 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫صريح‪ّ )1(،‬أما بالنسبة للمرحلة السابقة على التعاقد فغالبا ال يوجد نص صريح ّ‬
‫يكرس هذا املبدأ وإن كانت‬
‫بعض التشريعات قد نصت عليه بصورة ضمنية(‪.)2‬‬
‫إن املشرع اعترف صراحة بمبدأ حسن النية في املادة ‪107‬ف ‪ 1‬من القانون املدني التي تنص‪:‬‬
‫"يجب تنفيذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وبحسن نية"‪ ،‬وهو إقرار من املشرع بوجوب االلتزام بمبدأ حسن‬
‫النية أثناء تنفيذ العقد وهو أيضا اعتراف ضمني بامتداده لكل املراحل التعاقدية‪.‬‬
‫بالرجوع إلى القانون املدني الفرنس ي ّ‬
‫املعدل فقد ّ‬
‫كرس مبدأ حسن النية كمبدأ عام يشمل جميع‬
‫العقود بموجب املادة ‪ 1104‬من القانون املدني الفرنس ي التي تنص‪ " :‬العقود يجب مناقشتها وتكوينها‬
‫وتنفيذها بحسن نية‪.‬‬
‫هذا املبدأ من النظام العام‪".‬‬
‫أضافت املادة ‪ 1114‬على أن‪" :‬العقود يجب التفاوض حولها وتكوينها وتنفيذها بحسن نية"‪،‬‬
‫وبذلك ساهم املشرع الفرنس ي في تطوير هذا املبدأ أوال من خالل ادراجه ضمن القواعد العامة للعقود‪،‬‬
‫بعدما كان مندرجا ضمن آثار العقد وثانيا من حيث توسيع نطاق مبدأ حسن النية ليشمل جميع مراحل‬
‫العقد(‪.)3‬‬
‫بالرجوع إلى املادة ‪ 1112‬ف‪ 1‬فقد اعتبر املشرع الفرنس ي أن االلتزام باإلعالم تطبيق من تطبيقات‬
‫مبدأ حسن النية‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد ّ‬
‫نص في قوانين االستهالك وبموجب املادة ‪ 174‬من القانون ‪-03‬‬
‫‪ )4(09‬إلى وجوب أن يعلم كل متدخل املستهل ك بكل املعلومات املتعلقة باملنتوج‪ ،‬ونص على ذلك أيضا‬
‫بموجب املادة ‪ 4‬من القانون ‪ )5(02-04‬على أن البائع يتولى وجوبا إعالم الزبائن بأسعار وتعريفات السلع‬
‫والخدمات وبشروط البيع‪.‬‬

‫محمد عبد هللا‪" ،‬أثر موضوعية اإلرادة التعاقدية في مرحلة املفاوضات"‪ ،‬مجلة الرافدين‬ ‫ّ‬
‫ومحمد صديق ّ‬ ‫‪ -1‬أكرم محمود حسن البدو‬
‫للحقوق‪ ،‬املجلد‪ ،13‬العدد‪ ،49‬سنة ‪ ،16‬ص‪.409‬‬
‫‪ -2‬نص املشرع على االلتزام بحسن النية أثناء تنفيذ العقد بموجب املادة ‪ 107‬ف‪ 1‬من ق م‪ ،‬وهو اعتراف ضمني بامتداد هذا االلتزام إلى‬
‫مرحلة ما قبل التعاقد‪.‬‬
‫‪ -3‬عرعارة عسالي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ -4‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬املتعلق بالقواعد املطبقة على املمارسات التجارية‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 126 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫يرى الفقيه "‪ّ "Ghestin‬أن العقود ما دامت تقتض ي االلتزام بحسن النية بين الطرفين‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يتطلب حتما مواجهة عدم التكافؤ بينهما من حيث العلم بظروف العقد‪ ،‬وفرض االلتزام باإلعالم(‪ ،)1‬بذلك‬
‫يكون ملبدأ حسن النية ّ‬
‫الدور الفعال في تكريس االلتزام باإلعالم وتوسيع نطاق تطبيقه‪ ،‬انطالقا من قرينة‬
‫مفادها جهل الطرف اآلخر باملنتوج أو الخدمة‪ّ ،‬‬
‫مما يخوله الحق في التنوير والتعبير(‪.)2‬‬
‫إن مبدأ حسن النية من املبادئ األخالقية(‪ )3‬التي جعلها التشريع قاعدة قانونية‪ ،‬نظرا للدور‬
‫ّ‬
‫املمتاز الذي تؤديه في توجيه العالقة العقدية وتقويمها‪ ،‬بما تحتويه من مبادئ تساهم في إثراء وتطوير‬
‫سلوكيات األشخاص ّ‬
‫مما يؤدي إلى تحقيق العدالة العقدية وتكريس التوازن العقدي(‪.)4‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تجاوزاإلرادة من حيث حرية التعاقد أو االمتناع‬
‫واصل املشرع تدخله في نظام العقد ولم يكتف بتحديد مضمون العقد‪ ،‬بل استعمل سياسته‬
‫التشريعية الهادف ة إلى حماية املصلحة العامة وتغليبها على مصلحة الفرد‪ ،‬مستعينا في ذلك بالقواعد‬
‫اآلمرة التي ازدهر معها النظام العام االقتصادي‪ ،‬بشقيه الحمائي والتوجيهي‪ ،‬فأصبح النظام العقدي‬
‫يحتوي على القواعد اآلمرة‪ ،‬التي لم تكن مـألوفة في النظرية العامة للعقد‪ ،‬بل واألكثر من ذلك ألغى دور‬
‫اإلرادة عندما انتهج نظام العقد املفروض‪ ،‬والذي لم تعد معه اإلرادة ّ‬
‫حرة في رفض التعاقد وفقا ملا يقوم‬
‫عليه مبدأ سلطان اإلرادة (أوال) ولم يعد األشخاص أحرارا في أن يبرموا ما يشاؤون من العقود بل عمد‬
‫املشرع إلى تكريس نظام العقد املحظور (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬العقد املفروض‬
‫ّإن تدخل املشرع في العقود ّأدى إلى ظهور نمط جديد من العقود سميت بالعقود الجبرية‪ ،‬تظهر‬
‫فيها آلية النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي‪ ،‬حيث ّ‬
‫كرس املشرع نظام التأمين في‬
‫مجاالت متعددة‪ ،‬كالتأمين على السيارات والكوارث الطبيعية‪ ،‬وحتى التأمين على الحياة في بعض الرحالت‪،‬‬
‫كما يشترط التأمين ملباشرة بعض املهن كاملحاماة والتوثيق‪ ،‬الهندسة املعمارية وغيرها ولقد عالج املشرع‬
‫عقد التأمين في القواعد العامة(‪ ،)5‬وبموجب القوانين الخاصة(‪ )1‬بعدما كان نشاط التأمين حكرا على‬

‫‪ -1‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬مبدأ حسن النية في العقود‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.379‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.380‬‬
‫‪ -3‬عبد املنعم موس ى ابراهيم‪ ،‬حسن النية في العقود (دراسة مقارنة)‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2006 ،‬ص‪.94‬‬
‫‪ -4‬عرعارة عسالي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.206‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -5‬نظم القانون املدني عقد التأمين من خالل املواد ‪ 619‬إلى ‪ 625‬من القانون املدني ّ‬
‫وعرف عقد التأمين بموجب املادة ‪ 619‬ق م بأنه‪ ":‬عقد‬
‫يلتزم املؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى املؤمن له أو إلى املستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه‪ ،‬مبلغا من املال أو إيرادا مرتبا‪ ،‬أو أي عوض مالي‬
‫آخر في حالة وقوع الحادث‪ ،‬أو تحقق الخطر املبين بالعقد‪ ،‬وذلك نظير قسط أو ّأية دفعة مالية أخرى يؤديها املؤمن له للمؤمن"‪.‬‬
‫‪- 127 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬
‫الدولة‪ ،‬إلى أن صدر األمر ‪ 07-95‬الذي سمح بظهور هيئات خاصة تمارس عملية التأمين(‪ ،)2‬حيث تكون‬
‫طبيعة عقد التأمين مدنية أو تجارية حسب صفة أطرافه ولقد نص األمر املذكور أعاله على التأمينات‬
‫االجبارية(‪.)3‬‬
‫من بين نماذج عقود التأمين اإللزامية هو عقد التأمين اإللزامي على املركبات‪ ،‬نظرا للواقع الذي‬
‫تزايدت فيه حوادث السيارات وتفاقمت أضرارها‪ ،‬ونظرا العتبارات تتعلق باملصلحة العامة‪ ،‬من أجل‬
‫تغطية األضرار التي يسببها استعمال املركبات‪ ،‬أجبر املشرع كل مالك ملركبة بإلزامية التأمين وهو خروج‬
‫عن املبدأ العام في التعاقد والذي يخول لإلرادة الحرية في التعاقد أو رفض التعاقد‪ ،‬دون أن يستطيع أحد‬
‫وال حتى املشرع أن يجبرها على خالف ما ترتضيه‪ ،‬مع مراعاة حدود النظام العام واآلداب العامة‪.‬‬
‫من أجل تنفيذ السياسة االقتصادية واالجتماعية والسياسية للمشرع عمد إلى إصدار األمر ‪-74‬‬
‫ّ‬
‫واملعدل بموجب القانون ‪ ، 31/88‬انتهج املشرع من خالله نظاما جديدا لتعويض األخطار واألضرار‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫الجسمانية التي تصيب الضحايا‪ ،‬دون تمييز بين نوع وظروف الحادث و دون البحث عن مصدر الخطأ‪ ،‬إال‬
‫(‪)5‬‬ ‫في حاالت مستثناة‪ّ ،‬‬
‫مما يعني أن املشرع قد انتهج نظام املسؤولية املدنية على أساس تحمل التبعة‬
‫وتخلى عن مبدأ املسؤولية املدنية التي تقوم على أساس الخطأ(‪.)6‬‬

‫‪ -1‬نظم املشرع عقد التأمين بموجب األمر ‪ ،07-95‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬يتعلق بالتأمينات (ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ ،1995/03/08‬ع ‪،13‬‬
‫املعدل بموجب القانون ‪ ،04-06‬املؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ،2006‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 07-95‬املتعلق بالتأمينات‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ‬ ‫ص‪ّ ،)3‬‬
‫‪ 12‬مارس ‪ ،2006‬ع ‪ ،15‬ص‪.)3‬‬
‫‪ -2‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫‪ -3‬نص األمر ‪ 07-95‬على أنواع التأمينات االجبارية كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬التأمينات على الحريق واالنفجار أو الصواعق والكهرباء أو ضمن االتفاقات الخاصة بين املؤمن واملؤمن له‪.‬‬
‫‪ -‬تأمينات القطعان الحيوانية من البرد والهالك‪.‬‬
‫‪ -‬تأمينات القطاعات الصحية والعمرانية ومراكز العطل ّ‬
‫والرحالت‪.‬‬
‫‪ -‬تأمينات مكاتب التسيير العقاري للدولة من أضرار املياه والحريق‪.‬‬
‫‪ -‬تأمين نقل البضائع واألشخاص من املسؤولية املدنية‪ ،‬سواء البرية منها أو البحرية أو الجوية‪.‬‬
‫الرياضية والترفيهية من املسؤولية املدنية‪.‬‬‫‪ -‬تأمين املؤسسة ّ‬
‫‪ -‬تأمين قطاع التربية والتكوين املنهي‪.‬‬
‫البري والبحري وأعماق البحار‪.‬‬ ‫‪ -‬تأمين الصيد ّ‬
‫‪ -‬تأمين املركبات‪ ،‬السيارات والشاحنات واملركبات بصفة عامة‪.‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ ،1974‬املتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ونظام التعويض عن األضرار‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 26‬فيفري ‪،1974‬‬
‫املعدل بالقانون ‪ ،31-88‬املؤرخ في ‪( 1988/07/19‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 20‬جويلية ‪ ،1988‬ع ‪ ،)29‬املعدل واملتمم‪.‬‬ ‫ع ‪ّ ،)15‬‬
‫‪ -5‬في الوقت الحالي لم تبق املسؤولية التقصيرية كما كان يسمى سابقا والتي يقصد بها الفعل املستحق للتعويض مرتبطة بفكرة الخطأ‪ ،‬أي‬
‫سلوك املسؤول‪ ،‬بل أصبحت تستند الى فكرة تحمل التبعة‪ ،‬حيث يكون الهدف األول هو تعويض الضرر الذي أصاب الضحية‪ ،‬بدال من‬
‫البحث عن خطأ أو تقصير املسؤول‪ ،‬يراجع علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪ ،‬الفعل املستحق للتعويض‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ -6‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،..‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫‪- 128 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫تنص املادة األولى من األمر ‪ 15-74‬املتعلق بإلزامية التأمين على السيارات على ما يلي‪" :‬كل مالك‬
‫(‪،)1‬‬
‫مركبة ملزم باالكتتاب في عقد تأمين يغطي األضرار التي تسببها املركبة للغير‪ ،‬وذلك قبل إطالقها للسير"‬
‫ولقد رتب املشرع عقوبات جزائية على االخالل بهذا االلتزام سعيا منه إلى اعطاء موضوع التأمين على‬
‫املركبات أهمية كبيرة‪ ،‬نظرا لآلثار الناجمة عنه بتوفير قوانين تحمي املتضرر‪ ،‬وفقا للقواعد العامة في‬
‫ّ‬
‫الخاصة تحديدا(‪.)2‬‬ ‫إطار قواعد املسؤولية عموما وفي القوانين‬
‫ثانيا‪ :‬العقد املحظور‬

‫يستعمل النظام العام التقليدي السياس ي واألخالقي أسلوب املنع من القيام بالتصرفات القانونية‬
‫التي تتعارض مع النظام العام واملصلحة العامة ولذلك فهي سلبي واملنع أو الحظر من التعاقد يعتبر أيضا‬
‫كرسه املشرع بحظره للقروض االستهالكية(‪ )3‬لحماية‬ ‫آلية من آليات النظام العام االقتصادي وهذا ما ّ‬
‫االقتصاد الوطني من التقلبات التي ترتبت عن األزمة املالية األخيرة‪ ،‬فمنع على البنوك ابرام عقود القروض‬
‫خص املشرع بإبرام عقود القرض‬‫ورخص لها بإبرام عقود القروض العقارية(‪ )4‬ولقد ر ّ‬ ‫ّ‬ ‫االستهالكية‪،‬‬
‫االستهالكي ّ‬
‫املوجهة القتناء السلع من طرف العائالت في إطار تنمية األنشطة االقتصادية(‪ ،)5‬والهدف من‬
‫رفع الحظر كان نتيجة انتعاش االقتصاد ألن القروض االستهالكية تعتبر وسيلة إلشباع حاجات العائالت‬
‫من السلع مع ما يتماش ى ومتطلباتها من جهة وزيادة النمو االقتصادي من جهة ثانية(‪.)6‬‬
‫إن أسلوب املنع من التعاقد يعتبر تدخل في اإلرادة التعاقدية بهدف تحقيق املصلحة االجتماعية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬ألن املشرع ال يتدخل في إرادة األطراف لعرقلة املبادالت وإنما من أجل مصلحة ذات بعد‬
‫أخالقي وذات مشروعية‪ ،‬لذلك عمد املشرع إلى حظر كل عقد غايته احتكار مؤسسة ما لنشاط معين‬

‫‪ -1‬تعني كلمة مركبة طبقا ملا نصت عليه الفقرة الثانية من املادة األولى من األمر ‪ ،15-74‬ما يلي‪:‬‬
‫محرك وكذلك مقطوراتها وحموالتها ويفهم بمقطورات ونصف مقطورات ما يلي‪:‬‬ ‫‪ -‬كل مركبة برية ذات ّ‬
‫البرية املنشأة بقصد ربطها بمركبة ّبرية ذات محرك وتكون املركبات مخصصة لنقل األشخاص أو األشياء‪.‬‬ ‫‪ -1‬املركبات ّ‬
‫‪ -2‬كل جهاز ّبري مرتبط بمركبة ّبرية ذات ّ‬
‫محرك‪.‬‬
‫=‪ -3‬كل آلية أخرى يمكن أن تكون مشابهة للمقطورات أو نصف املقطورات بموجب مرسوم‪.‬‬
‫‪ -2‬لخضر حليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.186‬‬
‫‪ -3‬يراجع املادة ‪ 75‬من األمر رقم ‪ ،01-09‬املؤرخ في ‪ 22‬جويلية ‪ ،2009‬يتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ‪.2009‬‬
‫‪ -4‬املادة ‪ 75‬من األمر ‪ 01-09‬املتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ‪.2009‬‬
‫تعدل وتتم املادة ‪ 75‬من األمر رقم ‪ 01-09‬يتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ‪ ،2009‬بموجب القانون‬ ‫نصت عليه املادة ‪ 88‬التي ّ‬
‫‪ -5‬هذا ما ّ‬
‫رقم ‪ 10-14‬املؤرخ في ‪ 30‬ديسمبر ‪ ،2014‬املتضمن قانون املالية لسنة ‪( ،2015‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 31‬ديسمبر ‪،2014‬‬
‫العدد ‪.)78‬‬
‫‪ -6‬خديجة فاضل‪ ،... ،‬عيممة العقد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪- 129 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫بهدف حماية ّ‬
‫حرية املنافسة(‪ ،)1‬كما أن البيع بأسعار منخفضة مقارنة بتكاليف اإلنتاج أو التحويل‬
‫والتسويق ّ‬
‫يعد مساس بمبدأ املنافسة املشروعة(‪.)2‬‬
‫بالرجوع إلى القانون ‪ 11-90‬املتعلق بعالقات العمل(‪ )3‬فإنه يمنع ابرام عقود عمل تخالف تشريع‬
‫العمل فيما يتعلق بحقوق ّ‬
‫العمال من أجرة وساعات العمل والعطل وغيرها وفي حالة مخالفتها فإنه يترتب‬
‫عنها البطالن(‪.)4‬‬
‫إن أسلوب املنع من التعاقد تضمنته القواعد العامة في القانون املدني ورتب على مخالفته‬
‫البطالن‪ ،‬أو تعديل العقد جزئيا عن طريق استبعاد الشرط غير املشروع(‪ )5‬واستمر املشرع في ترتيب جزاء‬
‫البطالن على مخالفة العقود املحظورة في القوانين الخاصة عن طريق آلية النظام العام االقتصادي‬
‫وأتبعه بعقوبات جزائية(‪.)6‬‬
‫ثالثا‪ :‬تقييد اإلرادة في اختيارالطرف اآلخر‬
‫ّ‬ ‫رغم أن املشرع ّ‬
‫كرس مبدأ حرية التجارة والصناعة الذي ينعكس على حرية اإلرادة إال أنه يلجأ إلى‬
‫تقييد إرادة األطراف في التعاقد كما سبق و أن رأينا في اإلجبار على التعاقد أو املنع من التعاقد‪ ،‬بل وصل‬
‫مما يجعل من مبدأ سلطان اإلرادة منعدما في إنشاء‬ ‫به األمر إلى حد اختيار املتعاقد اآلخر في العقد‪ّ ،‬‬
‫التصرف القانوني وذلك من أجل تنفيذ السياسة االقتصادية واالجتماعية للمشرع‪ ،‬فنجد أن املشرع‬
‫ّ‬ ‫كرس ّ‬
‫ّ‬
‫حرية االستثمار بموجب املادة ‪ 1‬فقرة ‪ 1‬من األمر ‪ )7(03-01‬املتعلق بتطوير االستثمار إال أنه تم‬
‫الدولة أو املؤسسات االقتصادية‬‫بحرية اختيار املتعاقد‪ ،‬عن طريق فرض املتعاقد اآلخر سواء ّ‬‫املساس ّ‬
‫وذلك بأن تكون له األفضلية بموجب حق الشفعة عن كل التنازالت عن حصص املساهمين األجانب أو‬
‫لفائدة املساهمين األجانب وذلك طبقا لنص املادة ‪ 4‬مكرر ‪.)8(3‬‬

‫‪ -1‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،41‬يراجع نص املادة ‪ 10‬من القانون ‪ّ ،11-08‬‬
‫املعدل واملتمم للقانون ‪.03-03‬‬
‫‪ -2‬يراجع نص املادة ‪ 12‬من القانون ‪.11-08‬‬
‫‪ -3‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬يراجع املواد ‪ ،80-28-15‬و خاصة املواد ‪ 137-136-135‬من القانون ‪ 11-90‬املتعلق بعالقات العمل‪.‬‬
‫كرسه املشرع في قانون املنافسة والقانون املؤسسات التجارية وقوانين االستهالك‪.‬‬‫‪ 5‬وهو ما ّ‬
‫‪ -6‬يراجع األحكام الجزائية الواردة في قانون االستهالك وقانون العمل وقانون التأمينات وقانون املنافسة و غيرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -7‬املؤرخ في ‪ 20‬أوت ‪ ،2001‬يتعلق بتطوير االستثمار ( ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 22‬اوت ‪ ،2001‬ع ‪ ،47‬ص‪ ،)4‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -8‬نصت على هذا االستثناء املادة ‪ 62‬من القانون ‪ ،01-09‬املؤرخ في ‪ 22‬جويلية‪ ،‬املتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ‪( ،2009‬ج ر‪ ،‬الصادرة‬
‫عدل ّ‬
‫وتمم األمر ‪ ،03-01‬املتعلق بتطوير االستثمار‪ ،‬بموجب املواد ‪ 4‬مكرر ‪ ،1‬و‪4‬‬ ‫بتاريخ ‪ 26‬جويلية ‪ ،2009‬ع ‪ ،44‬ص‪ ،)4‬معدل ومتمم‪ ،‬الذي ّ‬
‫مكرر ‪ ،2‬و‪ 4‬مكرر‪ ،3‬كما أن املشرع أعاد صياغة املادة ‪ 1‬مكرر ‪ 3‬بموجب األمر ‪.01-10‬‬
‫‪- 130 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫نص املشرع على حق ّ‬
‫الدولة واملؤسسات العمومية االقتصادية في إعادة شراء األسهم والحصص‬
‫االجتماعية التي تتنازل عنها الشركات الخاضعة للقانون الجزائري في الخارج سواء بصيغة مباشرة أو غير‬
‫ّ‬
‫مباشرة و ال يجوز طرح األسهم للبيع إال بعد استشارة الحكومة الجزائرية مسبقا(‪.)1‬‬
‫سعى املشرع إلى تشديد رقابة الدولة على تنازالت أسهم الشركات األجنبية املستثمرة في الجزائر‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا بتشريع حق الشفعة على كل اتفاقيات بيع فروع الشركات الدولية سواء كان تنازال كليا أو جزئيا‬
‫وبذلك تحتل الدولة واملؤسسات العمومية محل املستثمرين اآلخرين من األجانب بوصفها مشتري ممتاز له‬
‫حق الشفعة وهذا ما ّيدل على الخروج عن مبدأ حرية اإلرادة في اختيار املتعاقد اآلخر ومبدأ ّ‬
‫حرية التعاقد‬
‫على املال األجنبي املنصوص عليه في املادة ‪ 30‬من األمر ‪ 03-01‬الذي ّ‬
‫نص فيه املشرع على حق نقل امللكية‬
‫وبحرية وكما ّأن هذا النص القانوني يتناقض مع نص املادة‬‫أو تحويلها من املالك األصلي إلى املالك الجديد ّ‬
‫كرس فيه املشرع مبدأ ّ‬
‫حرية إعادة تحويل األموال الناتجة عن نهاية االستثمار(‪.)3‬‬ ‫‪ 31‬الذي ّ‬
‫من التطبيقات التي تؤكد على تطبيق ّ‬
‫الدولة الجزائرية لحق الشفعة أو سعيها في ذلك قضية جيزي‬
‫(‪ )OTA‬لسنة ‪.)4(2010‬‬

‫‪ -1‬يرجع سبب هذا اإلجراء املتمثل في االستشارة الوجوبية للحكومة الجزائرية قبل اقدام املستثمر على طرح أسهمه للبيع إلى قيام مجمع‬
‫(‪ )OTA‬بطرح أسهم شركة ‪ ACC‬للبيع لصالح شركة "الفارج الفرنسية" في بورصة القاهرة‪ ،‬دون علم الدولة الجزائرية‪ ،‬نقال عن سفيان زبيري‬
‫ّ‬ ‫"القيود القانونية الواردة على االستثمار األجنبي في ظل التشريعات الحالية‪ :‬ضبط للنشاط االقتصادي أم عودة إلى ّ‬
‫الدولة املتدخلة"‪ ،‬املجلة‬
‫األكاديمية للبحوث القانونية‪ ،‬املجلد ‪ ،4‬عدد ‪ ،1‬ص ص‪ ،126-104‬هامش رقم ‪.52‬‬
‫‪ -2‬يراجع نص املادة ‪ 4‬مكرر ‪ 03‬من األمر ‪ 01-09‬الذي شبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادة ‪ 31 -30‬من األمر ‪ 01-03‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬تعتبر سابقة في تطبيق الجزائر لحق الشفعة وذلك بإقرار وزارة املالية تنفيذ الشفعة على شركة "جيزي" (‪ )OTA‬من منطلق أولويتها‬
‫الروسية لالتصاالت‪،‬‬‫وأسبقيتها في شراء أسهم الشركة مقارنة باملترشحين اآلخرين كشركة جيزي الجنوب افريقية لالتصاالت‪ ،‬وشركة فيمبري ّ‬
‫قيدت حق املتعامل املصري هنا في إعادة تحويل أرباحه تارة والتضييق على ابرام صفقة التنازل لتفادي تحويل عوائد التنازل تارة‬ ‫فالجزائر ّ‬
‫أخرى‪ ،‬مع العلم أن قيمة صفقة التنازل بلغت ‪ 5‬مليار دوالر‪ ،‬كمبلغ مؤهل لتحويله لدولة املستثمر املصري‪ ،‬مما قد يحدث ضعف االقتصاد‬
‫النقدي وتضخم ميزان املدفوعات‪ ،‬ملزيد من التفاصيل يراجع سفيان زبيري‪ ،‬حرية االستثمار والرقابة على التصرف في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫عبد الرحمن ميرة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تاريخ املناقشة‪ 26 :‬جوان ‪ ،2012‬ص‪.121‬‬
‫‪- 131 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تحديد مضمون العقد‬
‫ّإن تدخل املشرع في تنظيم مضمون العقد لم يقتصر على تحديد شروط العقد بل امتد هذا‬
‫التنظيم إلى فرض نماذج للعقود جاهزة(‪ّ )1‬‬
‫ومعد إلبرام العقد مستقبال يحدد فيها مضمون العقد من طرف‬
‫املشرع(‪ )2‬نظرا للتحوالت االقتصادية واالجتماعية التي أثرت على العالقات العقدية والتفاوت ّ‬
‫الصارخ في‬
‫املراكز العقدية لألطراف املتعاقدة‪ ،‬هذا ما جعل املشرع يتدخل في تحديد مضمون العقد لوضع الشروط‬
‫التعاقدية التي يراعي فيها مصالح الطرف الضعيف في العقد وان كان العقد النموذجي املفروض من طرف‬
‫املشرع يراعي مصلحة كال الطرفين وينعدم فيه التعسف‪ ،‬لذلك سنركز ّ‬
‫الدراسة على العقود النموذجية‬
‫املفروضة من قبل املشرع لعالقتها باملوضوع‪ ،‬فتنظيم العقد عن طريق العقود النموذجية(‪ )3‬وإن كان‬
‫الغرض من ورائه حماية املصلحة العامة وتوجيه العقد وفقا للبيئة التي يبرم فيها وهو ما يسمى بالوظيفة‬
‫ّ‬
‫االجتماعية للعقد(‪ )4‬إال أن هذا التحديد املسبق للعقد وفقا لقالب جاهز يعد إهدارا لحرية اإلرادة‪ ،‬بل ّأن‬
‫هناك من الفقه من ذهب إلى القول إلى ّأن هناك احتكار لإلدارة من طرف املشرع وهو ما نتناوله في (الفرع‬
‫عدة‬‫األول)‪ ،‬ولقد ا داد تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد عن طريق العقود النموذجية‪ ،‬فظهرت ّ‬
‫ز‬
‫محددة مسبقا في قالب جاهز من طرف املشرع‪ ،‬وعليه سنتناول تطبيقات العقود النموذجية في‬ ‫عقود ّ‬

‫(الفرع الثاني)‬

‫الدقيق لهذه العقود‬‫‪ -1‬سبق التطرق إلى تعريف العقود النموذجية في الفصل الثاني من الباب األول ولقد ذهب بعض الفقه إلى ّأن املصطلح ّ‬
‫هو ‪ formule type de contrat‬بدال من العقود النموذجية ‪ ، les contrat type‬ولكن نظرا لشيوع استخدام اصطالح العقود النموذجية درج‬
‫الفقه على استخدام هذا املصطلح‪ ،‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬يراجع أيمن سعد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.13-12‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬إن العقود النموذجية ال يقتصر وضعها من قبل املشرع بل يوجد نوعين من هذه العقود النوع األول‪ :‬العقود النموذجية املحررة بإرادة‬
‫املحررة بصفة انفرادية وهي املحررة من قبل أحد املتعاقدين‪ ،‬مع تضمين هذا‬ ‫املتعاقدين وفي هذا النوع يجب التمييز بين العقود النموذجية ّ‬
‫العقد الشروط مفروضة على املتعاقد اآلخر‪ ،‬دون أن يكون هذا األخير الحق في املساومة في الشروط‪ ،‬إال في جانب الثمن وآجال التسليم‪ ،‬وهنا‬
‫معد مسبقا من طرف املوجب وال يقبل املفاوضة‪ ،‬مثل عقد التأمين‪ ،‬والعقود البنكية وهناك‬ ‫يعد العقد النموذجي عقد اذعان‪ ،‬كون العقد ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتجسد هذا النوع من العقود النموذجية في تدخل املتعاقد في اعداد صيغ نموذجية في ظل الهيئات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعددة األطراف‪،‬‬ ‫العقود النموذجية‬
‫ّ‬
‫ترد في شكل صيغ تحمل عدة فراغات‪ ،‬يبقى على األطراف ملؤها لكي ينعقد العقد‪ ،‬كما قد يتخذ هذا العقد النموذجي املتعدد‬ ‫املهنية‪ ،‬فقد ّ‬
‫األطراف شكل بروتوكول اتفاقي بين هيئات تمثل مصالح متضاربة ومن صوره عقد العمل الجماعي‪ ،‬الذي يتم ابرامه بين النقابات وبين طرف‬
‫آخر متمثل في رب العمل أو أرباب العمل‪ ،‬وهذه العقود ينعدم فيها االذعان‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬وهي العقود النموذجية املفروضة من قبل املشرع وهي موضوع الدراسة ملزيد من التفاصيل في العقود النموذجية يراجع‪ :‬منال‬
‫بوروح‪ ،‬النظام العام والعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬نوقشت بتاريخ‪ 5 :‬ماي‬
‫‪ ،2019‬ص‪.204-203-202-200-199‬‬
‫‪ -3‬نظرا لشيوع مصطلح العقود النموذجية سنستعمل هذا املصطلح في هذه الدراسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬يقصد بالوظيفة االجتماعية للعقد أنه واقعة اجتماعية فهو في خدمة الفرد واملجتمع على حد السواء ويكون موجها من طرف املشرع ومن‬
‫ّ‬
‫ثم فال يجوز أن تترتب على اإلرادة الفردية آثارا إال بقدر ما تتفق هذه اآلثار مع البيئة االجتماعية وقوانينها‪ ،‬يراجع لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‬
‫‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.153‬‬
‫‪- 132 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫الفرع األول‪ :‬التصرف القانوني الثالثي‪ :‬العقود النموذجية‬
‫ّإن املبادئ الكالسيكية املنظمة للعقد أقرت مشاركة املتعاقدين في صياغة العقد‪ ،‬فالعقد هو‬
‫شأن يخص األفراد لوحدهم وال دخل للمشرع وال القاض ي في التدخل في صياغة بنوده وال يجوز نقضه أو‬
‫ّ‬
‫إال باتفاق الطرفين أو طبقا لألوضاع التي ّ‬
‫يقرها القانون(‪ )1‬اعماال ملبدأ القوة امللزمة للعقد‪،‬‬ ‫تعديله‬
‫فاإلرادة وحدها قادرة على ترتيب آثار العقد ومتى التزم الطرفان بإرادتيهما الح ّرة املتطابقة مع اإلرادة‬
‫ّ‬
‫األخرى انعقد العقد وأصبح ملزما لطرفيه‪ ،‬إال أن التطورات التي عرفها العالم على إثر الثورة الصناعية‬
‫وما نتج عنها من تطور وسائل ابرام العقد أثرت على املبادئ الكالسيكية للعقد وأصبح املشرع يتدخل في‬
‫تحديد مضمون العقد عن طريق نماذج العقود(‪ )2‬بفرض توجيه اإلرادة ملا يخدم مصلحة املجتمع وحماية‬
‫الطرف الضعيف‪.‬‬
‫ّإن العقد النموذجي يعكس تطور مفهوم العقد وهو صورة من صور التعاقد الحديث وهذا ما‬
‫سنتناوله (أوال) وملا كان العقد النموذجي عبارة عن قالب جاهز للتعاقد ومعد مسبقا من طرف املشرع‬
‫ّ‬
‫وأقره عن طريق القوانين‪ ،‬فإننا سنبحث عن حقيقة اإلرادة في العقود النموذجية التي يضعها املشرع‬
‫(ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬العقد النموذجي صوة مستحدثة للتعاقد‬
‫املحررة من قبل السلطة التشريعية يستوجب التطرق إلى‬‫ّ‬ ‫إن التطرق إلى العقود النموذجية‬
‫التكييف القانوني للعقد النموذجي وتمييزه عن عقد االذعان(‪ ،)1‬كما ّأن العقود النموذجية عبارة عن‬
‫نماذج عقود تأتي بصيغة آمرة ال يجوز لألفراد مخالفتها وهو ما يمنحها الطابع االلزامي وهو ما نتناوله(‪.)2‬‬
‫‪ -1‬الطبيعة القانونية للعقد النموذجي‬
‫ّإن التطرق للطبيعة القانونية للعقود النموذجية يستوجب التمييز بينها وبين عقود اإلذعان‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك نوضح حقيقة هذه العقود‪.‬‬

‫أ‪ -‬التمييزبين العقود النموذجية و عقود اإلذعان‬

‫‪ -1‬نصت على املعنى املادة ‪ 106‬من القانون املدني‪ ،‬التي سبقت اإلشارة إليها‪.‬‬
‫ّ‬
‫بمجرد أن يتبادل‬ ‫‪ -2‬وهذا ما يعتبر خروج عن املفهوم الكالسيكي إلبرام العقد وفقا ملا نصت عليه املادة ‪ 59‬من ق م التي تنص ‪":‬يتم العقد‬
‫الطرفان التعبير عن إرادتهما املتطابقتين دون االخالل بالنصوص القانونية"‪ ،‬تقابلها املادة ‪ 89‬من ق‪.‬م الليبي و توافقها املادة ‪ 73‬ق‪.‬م العراقي‬
‫و ‪ 165‬واملادة ‪ 178‬من ق م اللبناني‪.‬‬
‫‪- 133 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫سبق وأن ّ‬
‫مر معنا أن عقود اإلذعان (‪ )les contrat d’adhésion‬هي تلك العقود التي تبرم بين‬
‫طرفين أحدهما هو الطرف األقوى في العقد من الناحية االقتصادية والقانونية ولذك فهو يعرض عليه‬
‫ّ‬ ‫شروطا تعاقدية ال يقبل املناقشة فيها ّ‬
‫فإما أن يقبلها الطرف الضعيف (املذعن) كلها أو يرفضها كلها‪ ،‬دون‬
‫أن يكون له حق مناقشتها(‪ ،)1‬والحقيقة أن عقود اإلذعان عادة ما تكون عقودا نموذجية صادرة من جانب‬
‫واحد مع وجود تفاوت اقتصادي كبير بين أطرافها(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫إن العقود النموذجية حتى في الحالة التي تكون فيها ملزمة ما هي إال صياغة ملزمة صادرة من‬
‫معين يلزم شخصا آخر أن يبرم العقود التي تحمل نفس موضوعها على نفس تلك الصياغة‬ ‫شخص ّ‬

‫النموذجية مستقبال‪ ،‬ولذلك ليس كل العقود النموذجية عقود اذعان فالعقود النموذجية أصبحت‬
‫تستخدم في مختلف املعامالت القانونية بغض النظر عن التعادل بين املراكز القانونية ألطرافها‪ ،‬فكما‬
‫تستعمل العقود النموذجية في عقود اإلذعان كوسيلة في يد الطرف القوي في مواجهة الطرف الضعيف‬
‫حتى يذعن لشروطه‪ ،‬فقد تستخدم العقود النموذجية كوسيلة سالم بين طرفين مصالحها متعارضة وهما‬
‫على قدم املساواة بحيث يكون الغرض منها منع وتجنب الخالفات بينهما عند ابرامهم لعقود تنصب على‬
‫نفس موضوعها في املستقبل‪ ،‬ومن أمثلة هذا النوع ما حدث في فرنسا من اتفاق ما بين شركة أصحاب‬
‫األقالم ونقابات الصحافة االقليمية على وضع نموذج لعقد ينظم العالقة بينهما تجنبا للوقوع في مشكالت‬
‫بينهما في املستقبل(‪.)3‬‬
‫إن العقود النموذجية ليست بالضرورة عقود اذعان‪ ،‬وقد تكون وضعت لتوفير الوقت إلبرام‬
‫العقد في ظل سرعة املعامالت ووفرتها‪ ،‬فيكون للمشتري حق مناقشة بنود العقد(‪ ،)4‬كما هو الحال في‬
‫ّ‬
‫السلع الكهربائية املوجودة في املحالت الكبرى فقد يبيع التاجر من ذات السلع مائة وحدة في اليوم‪ ،‬ولكي‬
‫يتجنب البائع اعداد عقد عن كل عملية بيع وقد يصل إلى اعداد مائة عقد تم اللجوء إلى العقد النموذجي‬
‫ّ‬
‫والتي ال يتطلب اعدادها إال إضافة اسم املشتري‪ ،‬وتاريخ الشراء وتحديد اسم البائع‪ ،‬وبعض البيانات‬
‫التكميلية‪ ،‬التي يترك مصدر العقد النموذجي مكانا مسبقا لها‪ ،‬وبالتالي يمكن مفاوضة بعض الشروط في‬
‫العقد عكس عقود اإلذعان‪ ،‬وإن كانت كل عقود اإلذعان عقود نموذجية إذ ّأن العقد النموذجي هو‬

‫‪ -1‬أيمن سعد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ -4‬ياسين سعدون‪ ،‬أثر الظروف االقتصادية‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪- 134 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫الوسيلة الغالبة إلبرام عقود اإلذعان‪ ،‬لسهولة وضع االيجاب املوجه للعامة في شكل مكتوب ّ‬
‫ومعد مسبقا‬
‫النضمام املتعاقد املذعن(‪.)1‬‬
‫وعليه يمكن القول ّأن كل عقد إذعان هو عقد نموذجي ولكن ليس بالضرورة كل عقد نموذجي هو‬
‫عقد إذعان‪ ،‬إذ يمكن للمشتري حق مناقشة بنود العقد في بعض العقود النموذجية‪ ،‬كما أننا نجد بعض‬
‫العقود النموذجية ّ‬
‫املعدة بانفراد أحد املتعاقدين في وضعها غالبا ما تكون عقود إذعان وقد تحتوي على‬
‫الشروط التعسفية ّأما العقود النموذجية ّ‬
‫املعدة مسبقا من طرف السلطة التشريعية والتي تجسد تدخل‬
‫املشرع في تحديد كل جوانب العقد فليست عقود إذعان‪ ،‬بل الغرض منها توجيه اإلرادة لخدمة املصلحة‬
‫العامة للمجتمع وحماية الطرف الضعيف وإن كان التدخل التشريعي في العقود في ّ‬
‫حد ذاته يشكل عقد‬
‫إذعان‪ ،‬ما دام أن املتعاقد ال يجد نفسه حرا في مناقشة شروط العقد‪.‬‬
‫ب‪ -‬العقود النموذجية نوع من أنواع العقود ّ‬
‫املوجهة‬
‫ّإن التكييف الصحيح للعقود النموذجية هو ّأنها نوع من أنواع العقود املوجهة الغرض من‬
‫تحريرها توجيه املتعاملين نحو اتخاذها كنموذج في ابرام العقود التي هي على نفس منوالها مستقبال ومثل‬
‫ذلك اتفاقية العمل الجماعية‪ ،‬فهي اتفاقية تنظم شروط وظروف العمل وأحكام التشغيل وتبرم بين‬
‫منظمة أو أكثر من املنظمات النقابية ّ‬
‫العمالية وبين صاحب العمل أو مجموعة من أصحاب األعمال أو‬
‫منظمة أو أكثر من منظماتهم‪ ،‬فالهدف الذي يهدف إليه املشرع من هذه العقود النموذجية هو توجيه‬
‫عقود العمل الفردية ملصلحة كل من العامل وصاحب العمل(‪.)2‬‬
‫إن العقد النموذجي ليس عقدا حقيقيا وفقا للمفهوم التقليدي للعقد(‪ )3‬بل الغرض منه هو‬
‫توجيه ارادة املتعاقدين للتعامل بها‪ ،‬فالعقد النموذجي ذو طبيعة خاصة‪ ،‬لذلك يعتمد في تفسيرها باإلرادة‬
‫الحقيقية للمتعاقدين فإذا استعمل املتعاقدان نموذجا مطبوعا للعقد وأضاف إليه بخط اليد أو بأية‬
‫وسيلة أخرى شروطا تتعارض مع الشروط املطلوبة وجب تغليب الشروط املضافة باعتبارها تعبيرا واضحا‬
‫عن اإلرادة(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬ياسين سعدون‪ ،‬أثر الظروف االقتصادية‪ ،....‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ -2‬أيمن سعد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.30 -23‬‬
‫‪ -3‬العقد من حيث تكوينه أو جوهره هو اتجاه إرادي مشترك إلى ترتيب أثر قانوني معين هو إنشاء أو تعديل أو نقل أو إنهاء رابطة مالية من‬
‫روابط القانون الخاص‪ ،‬وال ينشأ العقد إال إذا التقت اإلرادة بإرادة أخرى تشاركها في اتجاهها إلى ترتيب أثر معين من اآلثار القانونية املتقدمة‬
‫ولهذا فإن العقد هو اتجاه إرادي مشترك‪ ،‬إذ ال بد أن تشترك إرادة طرفين أو أكثر في نفس االتجاه‪ ،‬تكريسا ملبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬يراجع‪ ،‬عبد‬
‫الحي حجازي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.112-111‬‬
‫‪ -4‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪73-72‬‬
‫‪- 135 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫‪ -2‬الطابع اإللزامي للعقود النموذجية‬
‫ّ‬
‫ّإن تدخل املشرع في العقود عن طريق العقود النموذجية إنما لحماية مصلحة جديرة بالرعاية هي‬
‫حماية الضعيف في العقد‪ ،‬الذي يقابله طرف متفوق من الناحية االقتصادية لفرض شروط من شأنها أن‬
‫تؤدي إلى املساس بالتوازن العقدي‪ ،‬فقد نظم املشرع العقد النموذجي لتقييد إرادة املتعاقدين عن طريق‬
‫إملامه بالشروط العامة والشروط الخاصة التي تخدم عملية ابرام العقد(‪.)1‬‬
‫إن اآلليات القانونية التي انتهجها املشرع لتنظيم العقد النموذجي هو القواعد اآلمرة(‪ )2‬وهذا ما‬
‫يمنحها الطابع اإللزامي‪ ،‬فال يجوز مخالفتها لتحقيق السياسة التشريعية املتمثلة في حماية الطرف‬
‫الضعيف في العالقة العقدية‪ ،‬من أجل تحقيق العدالة العقدية كما أن العقود النموذجية تعتبر نوع‬
‫جديد من أنواع الشكلية(‪.)3‬‬
‫ازداد التدخل التشريعي في العقد وأصبح يهتم بظروف ابرام العقد وشروطه واآلثار التي أراد‬
‫املشرع أن تترتب عليه والوقائع التي تؤدي إلى انهائه وفي هذا الصدد يقول العميد (‪" :)Ripert‬أن العقد في‬
‫الوقت املعاصرقد ظهركأنه خضوع األطراف إلى مجموع القواعد االجبارية في القانون"(‪.)4‬‬
‫ّإن العقد هو اآلداة الفعالة بامتياز في تبادل الثروات والخدمات بين األفراد ولذلك فال يجب أن تستعمل‬
‫هذه األداة الستغالل األشخاص وهذا ما جعل املشرع يتدخل من أجل توجيه العقود ّ‬
‫ويعد هذا التوجيه‬
‫أحد الظواهر الهامة في القانون املعاصر ولقد ّ‬
‫عبر الفقهاء عن هذه الظاهرة بجمعية العقد‬
‫(‪ ،)socialisation du contrat‬أي خروج العقد من نزعته الفردية التقليدية إلى نزعة جماعية جديدة‬
‫والنظر إليه على أنه وسيلة الحياة الجماعية وأنه ال يهم املتعاقدين وحدهما بل يهم الجماعة(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬منال بوروح‪ ،‬النظام العام والعقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.204‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.204‬‬
‫‪ -3‬تعتبر العقود النموذجية نوع من أنواع الشكلية القانونية التي يهدف املشرع من ورائها إلى خدمة املتعاقدين في تنظيم عالقتهما هذا من‬
‫جانب ومن جهة أخرى خدمة الطرف الضعيف في العالقة العقدية ومثال ذلك تنظيم العقود ذات املنفعة العامة مثل عقد البيع باإليجار‪،‬‬
‫عقد البيع بناء على التصاميم‪ ،‬يراجع فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬حسن عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪ -5‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫‪- 136 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ثانيا‪ :‬حقيقة سلطان اإلرادة في العقود النموذجية‬
‫إن تنظيم العالقة العقدية عن طريق العقود ّ‬
‫املوجهة له ما يبرره خاصة إذا كان من طرف املشرع‪،‬‬
‫ّ‬
‫من أجل مساعدة األفراد التخاذها كعقود مستقبلية وترتيب الجزاء على مخالفتها‪ ،‬إال أن تدخل املشرع في‬
‫توجيه الع قد برهنة على أن العقد لم يعد شأن املتعاقدين بل أصبح املشرع يتدخل وينظم العقد كليا‪،‬‬
‫ّ‬
‫خاصة إذا تعلق األمر بتحقيق العدالة العقدية‪ ،‬أو األهداف االقتصادية(‪.)1‬‬
‫تعتبر العقود النموذجية قيدا على ّ‬
‫حرية األفراد في ابرام العقد وفقا ملا يجسده مبدأ سلطان‬
‫والدليل على ذلك هو انفراد املشرع بوضع شروط العقد مسبقا‪ ،‬فهو عقد‬‫اإل ادة في مفهومه التقليدي ّ‬
‫ر‬
‫جاهز إلبرام العقد املستقبلي وهو صيغة شاملة لكل جوانب العقد وال يشترط في العقود النموذجية أن‬
‫يكون أحد أطرافها متفوق اقتصاديا‪ ،‬كما أنها قد تكون اختيارية أو إلزامية‪ ،‬فالعقود النموذجية التي‬
‫يفرضها املشرع غالبا ما تكون في مصلحة الجماعة لذلك فهي تتصف بصفة اإللزام(‪.)2‬‬
‫مشاركة املشرع في تكوين العقد عن طريق العقود النموذجية وجعلها صياغة نموذجية ّ‬
‫معدة‬
‫مسبقا إلبرام العقود التي تتفق مع موضوعها مستقبال يؤكد ّ‬
‫الدور الثانوي لإلرادة من أجل تحقيق‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬فبعدما كان القانون يحمي ّ‬
‫حرية اإلرادة‪ ،‬أصبح اليوم القانون يحمي املصلحة العامة‬
‫والفئات الضعيفة في املجتمع وما بقي لإلرادة سوى الخضوع بهذه الفلسفة التدخلية(‪ )3‬ولكن السؤال‬
‫الذي يطرح هل انتقل املشرع إلى جعل أشخاص القانون الخاص يذعنون لسلطان القانون؟ بعدما كان‬
‫القانون يحمي األطراف املتعاقدة من اإلذعان للطرف القوي في العقد؟‬
‫الرغم ّ‬
‫مما‬ ‫إن العقود النموذجية املوضوعة من طرف املشرع ال تتضمن الشروط التعسفية وعلى ّ‬
‫ّ‬
‫إال أن العقود النموذجية التي ّ‬ ‫ّ‬
‫أعدها املشرع الهدف منها هو‬ ‫تعرض له مبدأ سلطان اإلرادة من تراجع‬
‫تنظيم العالقات العقدية توجيهها لتحقيق املصلحة العامة وبذلك يطغى سلطان القانون على سلطان‬
‫اإلرادة(‪ )4‬لذلك ذهب جانب من الفقه الى القول‪ :‬نحن ال نقول سلطان االرادة أوال ثم سلطان القانون‬
‫ثانيا ولكن نقول سلطان القانون وسلطان اإلرادة جنبا إلى جنب فهما وجهان لعملة واحدة(‪.)5‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬بعض التطبيقات عن العقود النموذجية‬

‫‪ -1‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ -5‬أيمن ابراهيم العشماوي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪- 137 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫تدخل املشرع في بعض العقود لتحديد مضمونها عن طريق نماذج ّ‬
‫معدة مسبقا يحدد فيها املشرع‬
‫ما على األطراف املتعاقدة من حقوق والتزامات وسنتناول نماذج عن بعض العقود التي يظهر فيها تدخل‬
‫املشرع بصورة كبيرة‪ ،‬فنتناول عقد االيجار (أوال) وعقد البيع بناء على التصاميم (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الصيغة النموذجية لعقد االيجار‬
‫خضع عقد االيجار إلى العديد من التعديالت‪ ،‬فبعدما ما كان اتجاه املشرع لحماية املستأجر‬
‫بتقريره حق البقاء في األمكنة ذات االستعمال السكني بموجب األمر ‪ 58-75‬املتضمن القانون املدني(‪ )1‬ال‬
‫سيما املادة ‪ 509‬منه حيث كانت غاية املشرع في ذلك هي حماية املستأجر باعتباره الطرف الضعيف‬
‫والعتبا ات انسانية واقتصادية واجتماعية(‪ ،)2‬خاصة حماية األسرة والتخفيف من ّ‬
‫حدة أزمة السكن في‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫ظل النمو الديمغرافي(‪ ،)3‬غير أن املشرع غير سياسته التشريعية واتجه إلى اقتصاد السوق وتشجيع‬
‫االستثمار في النشاط العقاري وتراجع بذلك عن تقرير حق البقاء للمستأجر‪ ،‬ألنه أصبح عائقا أمام‬
‫املؤجرين في التصرف في أمالكهم املؤجرة وهو ما أدى إلى عزوفهم عن اإليجار‪ ،‬وهو ما أدى باملشرع إلى‬
‫اإللغاء الضمني ملا يعرف بالتمديد القانوني لعقد اإليجار‪ ،‬بموجب املرسوم التشريعي ‪ ،)4(03-93‬ال سيما‬
‫املادة ‪ 20‬منه التي جاء ّ‬
‫نصها‪ ":‬ال تطبق املواد ‪ 472-471‬و ‪ 509‬وكذلك املواد ‪ 514‬إلى ‪ 537‬من األمر ‪-75‬‬
‫‪... 58‬واملتعلقة بحق البقاء في األمكنة بالنسبة لعقود االيجار ذات االستعمال السكني املبرمة بعد هذا‬
‫املرسوم التشريعي‪ ،"...‬كما ّ‬
‫نصت املادة ‪ 22‬من نفس املرسوم على أنه ‪ ":‬إذا انقض ى أجل عقد ايجار مبرم‬
‫قانونيا يتعين على املستأجر أن يغادر األمكنة"‪.‬‬

‫إن تحرير عقد االيجار وفقا لهذا املرسوم يكون طبقا لنموذج محرر مسبقا والذي جاء تنظيمه‬
‫بمقتض ى املرسوم التنفيذي قم ‪ ،569-94‬ثم صدر القانون ‪ ،105-07‬املتضمن القانون املدني حيث ّ‬
‫عدل‬ ‫ر‬
‫بعض املواد املتعلقة بعقد االيجار(‪ )2‬وألغى البعض منها(‪.)3‬‬

‫‪ -1‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-Benslimane née hadj Mokhtar leila, de la théorie de l’autonomie de la volonté et de ses effets en droit contractuelle‬‬
‫‪algérien, mémoire de magister en droit privé, institut de droit et des sciences administratives, université d'orant 1983.‬‬
‫‪ -3‬خديجة فاضل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 1‬مارس ‪ ،1993‬املتعلق بالنشاط العقاري‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 03‬مارس ‪ ،1993‬ع ‪ ،14‬ص‪ ،)9-4‬امللغى بموجب القانون رقم ‪-11‬‬
‫‪ 04‬املحدد للقواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية‪ ،‬ج ر ‪ ،‬ع ‪.14‬‬
‫‪ -5‬املؤرخ في ‪ ،1994 /03/19‬املتضمن املصادقة على نموذج عقد االيجار املنصوص عليه في املادة ‪ 21‬من املرسوم التشريعي رقم ‪( ،03 -93‬ج‬
‫ر‪ ،‬الصادرة في س ‪ ،1994‬ع ‪ ،17‬ص ‪.)8‬‬
‫‪- 138 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫أوجب املشرع افراغ عقد االيجار وفقا للصياغة النموذجية التي ّ‬
‫حددها املرسوم التنفيذي رقم‬
‫نصت املادة ‪ 02‬من النموذج على ضرو ة تحديد ّ‬
‫مدة االيجار فجاءت الصياغة كما يلي‪:‬‬ ‫‪ ،69-94‬حيث ّ‬
‫ر‬
‫مدة‪...‬وتبدأ هذه ّ‬
‫املدة من تاريخ‪."....‬‬ ‫"أتفق على التأجير املقصود بهذا العقد ّ‬

‫كما ّ‬
‫نصت املادة ‪ 03‬من نموذج عقد االيجار على ضرورة تحديد بدل االيجار فجاءت الصياغة كما يلي‪" :‬‬
‫أتفق على هذا التأجير بمقابل ثمنه ‪."...‬‬
‫أ‪ -‬التزامات املؤجر‪:‬‬
‫بالرجوع إلى املادة ‪ )4(04‬من نموذج عقد االيجار ‪ 69-94‬فإنها نصت على التزامات املؤجر‪ ،‬منها‬
‫االلتزام بتسليم امللك املؤجر وملحقاته في حالة صالحة للسكن والتجهيزات والتركيبات في حالة صالحة‬
‫ّ‬
‫لالستعمال وهو ما أكده بموجب القانون ‪ 05-07‬املتضمن تعديل القانون املدني‪ ،‬بموجب املادة ‪ 467‬التي‬
‫ملدة ّ‬ ‫ّ‬
‫يمكن املؤجر بمقتضاه املستأجر من االنتفاع بش يء ّ‬
‫محددة‪."...‬‬ ‫نصت على ما يلي‪...":‬االيجار عقد‬
‫ّإن تنظيم املشرع لعقد االيجار تضمن كل الجوانب منها التزام املؤجر بصياغة العين املؤجرة‬
‫لتحقيق الغاية من اإليجار وهي أن تبقى العين املؤجرة بعد استالمها صالحة لالنتفاع طوال ّ‬
‫مدة االيجار‪،‬‬
‫وهو ما نصت عليه املادة ‪ 7‬ف ‪ 2‬من نموذج عقد االيجار و نصت عليه املواد ‪ 482-481-480-479‬من ق‬
‫م‪ّ ،‬إن هذه الترميمات قد تكون ضرورية لحفظ العين من الهالك كإصالح حائط أو تدعيم وتقوية‬
‫األساسيات وترميم الطوابق السفلية واألسقف املهددة بالسقوط أو ضرورية لتمكين املستأجر من‬
‫االنتفاع بالعين املؤجرة ومثالها اصالح السلم واملصعد ودورات املياه‪ )5(،‬وبصفة عامة فإن االصالحات التي‬
‫يقع على املؤجر االلتزام بها هي التي تتعلق بهيكل البناية من جدران وأسطح وكل ما يفوق التزام املستأجر في‬

‫‪ -1‬املؤرخ في ‪ ،2007/05 /13‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ ،58 -75‬الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -2‬عدل املواد‪ 476-469-468-467‬الى ‪ 485‬الى ‪ 490‬و من ‪ 492‬الى ‪ 501‬و من ‪ 503‬الى ‪ 505‬و‪ 507‬و تمم املواد ‪ 469‬مكرر‪ 469 ،‬مكرر‪469 ،1‬‬
‫مكرر‪ 2،469‬مكرر‪ 469 ،3‬مكرر‪.4‬‬
‫‪ -3‬تم الغاء املواد ‪ 470‬الى ‪ 475‬واملادة ‪ 504‬ومن ‪ 508‬الى ‪ 537‬من القانون املدني و كذلك املادة ‪ 20‬والفقرتان ‪ 2‬و ‪ 3‬من املادة ‪ 21‬و املادة ‪22‬‬
‫من املرسوم التشريعي رقم ‪.03 -93‬‬
‫‪ -4‬نصت املادة ‪ 07‬من املرسوم التنفيذي ‪ 69-94‬على ما يلي‪ ":‬يجب على املؤجر أن يقوم بما يلي‪ :‬تسليم للمستأجر امللك املؤجر وملحقاته‬
‫املحتملة في حالة صالحة للسكن والتجهيزات والتركيبات في حالة صالحة لالستعمال‪ ،‬صيانة املحالت بإبقائها في حالة صالحة لالستعمال‬
‫املنصوص عليه في العقد والقيام بجميع الترميمات التي يتحملها صراحة املستأجر‪ ،‬االمتناع عن املساس بحقوق املستأجر في التمتع باألماكن‬
‫املؤجرة تمتعا ارتياحيا‪ ،‬جميع االلتزامات األخرى التي يتفق الطفان عليها"‪.‬‬
‫‪ -5‬جميلة دوار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫‪- 139 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫الترميم كاستبدال املصعد وصيانة البالط‪ ،‬باستثناء الترميمات البسيطة التي تنشأ عن االستعمال العادي‬
‫للعين املؤجرة فال يمكن الزام املؤجر بها(‪.)1‬‬
‫يلتزم املؤجر أيضا بضمان العيوب الخفية والتي تؤثر على حق املستأجر في االنتفاع بالعين‬
‫املؤجرة‪ ،‬فعلى املؤجر تسليم العين املؤجرة في حالة تكون صالحة لالنتفاع‪ ،‬من هنا يضمن املؤجر العيوب‬
‫التي تنقص من حق استعمال العين املؤجرة استعماال هادئا ما لم يوجد اتفاق يخالف ذلك وهذا ما نصت‬
‫َ‬
‫عليه املادة ‪ 488‬ف‪ 1‬من ق م‪ ،‬غير أن املؤجر ال يضمن العيوب التي أعلم بها املستأجر أو كان هذا األخير‬
‫يعلم بها وقت التعاقد طبقا لنص املادة ‪ 488‬ف‪ 3‬من ق م‪.‬‬
‫إن املشرع أوجب على املؤجر أن يضمن للمستأجر االنتفاع بالعين املؤجرة انتفاعا هادئا‪ ،‬و يلتزم‬
‫بعدم تعرضه شخصيا للمستأجر وهو التزام باالمتناع عن عمل ويلتزم كذلك بعدم تعرض الغير‬
‫للمستأجر وهو التزام بعمل وهو ما نصت عليه املادة ‪ 483‬من القواعد العامة املوافقة لنص املادة ‪ 7‬ف‪3‬‬
‫من نموذج عقد االيجار‪.‬‬
‫إن وجود العيب بالعين املؤجرة يتحقق معه الضمان‪ ،‬حيث يجوز للمستأجر حسب الحالة أن‬
‫يطلب فسخ االيجار أو انقاص بدل االيجار وله كذلك أن يطلب اصالح العيب أو أن يقوم هو بإصالحه‬
‫على نفقة املؤجر إذا كان االصالح ال يشكل نفقة باهظة على املؤجر‪.‬‬
‫إن كل هذه االلتزامات التي يقع على املؤجر االلتزام بها اتجاه املستأجر في عقد االيجار نص عليها‬
‫ّ‬ ‫املشرع في القواعد ّ‬
‫العامة‪ ،‬غير أنه صاغها في شكل أحكام خاصة ينفرد بها النموذج(‪.)2‬‬
‫ب‪ -‬التزامات املستأجر‬
‫رجوعا لنص املادة ‪ )3(6‬من نموذج عقد االيجار فإنه يقع على املستأجر ما يلي‪:‬‬
‫ضرورة استعمال العين املؤجرة حسب ما أتفق عليه عمال بنص املادة ‪ 6‬ف ‪ 1‬من نموذج عقد‬
‫ُ‬
‫االيجار املوافقة لنص املادة ‪ 491‬من القواعد العامة املنظمة لعقد االيجار‪ ،‬فيجب على املستأجر أن‬
‫ّ‬
‫يستعمل العين املؤجرة وفقا ‪....‬االتفاق عليه‪ ،‬وال يتركها دون استعمال‪ ،‬ألنه ينقص ويضر بالعين املؤجرة‪،‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.57‬‬


‫‪ -2‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪ -3‬نصت عليه املادة ‪ 6‬من نموذج عقد االيجار ‪ 69-94‬على أن يلتزم املستأجر بما يلي‪ ":‬شغل األماكن طبقا للعرف املتفق عليه‪ ،‬دفع ثمن‬
‫االيجار في املوعد املتفق عليه ودفع املبالغ الواقعة على عاتقه‪ ،‬عدم تحويل املحالت والتجهيزات املؤجرة دون موافقة املؤجر كتابيا‪ ،‬السماح‬
‫ّ‬
‫بتنفيذ أشغال تحسين األجزاء املشتركة أو األجزاء الخاصة في األماكن املؤجرة العقارية نفسها وكذلك األشغال الالزمة إلبقاء املحالت واألجهزة‬
‫املؤجرة على حالتها‪ ،‬التكفل بالصيانة العادية لألماكن املؤجرة والتجهيزات والتركيبات التي ينتفع بها‪ ،‬اخالء األماكن املؤجرة عند انتهاء األجل‬
‫املتفق عليه في هذا العقد طبقا ألحكام املادة ‪ 22‬من املرسوم التشريعي رقم ‪ 03-93‬املؤرخ في أول مارس سنة ‪ 1993‬وذلك دون اعذار وال‬
‫اخطار سابق من املؤجر‪ ،‬جميع االلتزامات األخرى التي يتفق الطرفان عليها"‪.‬‬
‫‪- 140 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫كما أنه يقع عليه استعمال العين املؤجرة وفق الغرض الذي ّ‬
‫أجرت له‪ ،‬وال يجوز له التغيير في استعمال‬
‫العين املؤجرة‪ ،‬فإذا اتفق املؤجر مع املستأجر على ايجار ملمارسة نشاط تجاري‪ ،‬فال يمكن للمستأجر أن‬
‫ّ‬
‫يحوره إلى ايجار سكني‪ ،‬وللمؤجر أن يلجأ إلى قاض ي املوضوع ليطالب املستأجر باحترام العقد أي التنفيذ‬
‫العيني اللتزامه‪ ،‬كما له أن يطلب الفسخ إذا كان الضرر جسيما(‪.)1‬‬
‫يلتزم املستأجر يدفع بدل االيجار حسب ما نصت عليه املادة ‪ 6‬ف ‪ 2‬من نموذج عقد االيجار‬
‫املوافقة لنص املادة ‪ 498‬من القواعد العامة‪ ،‬فيجب على املستأجر أن يقوم بدفع بدل االيجار في املواعيد‬
‫ُ‬
‫املتفق عليها فإذا لم يكن هناك اتفاق وجب الوفاء ببدل االيجار في املواعيد املعمول بها في الجهة‪.‬‬
‫إن طبيعة بدل االيجار ّ‬
‫حددها املشرع بموجب املادة ‪ 467‬من ق م فقد يكون بدل االيجار نقدا او‬
‫بتقديم أي عمل آخر‪.‬‬
‫يلتزم املستأجر باالمتناع عن احداث تغييرات في العين املؤجرة دون موافقة املؤجر كتابيا وهو ما‬
‫نصت عليه املادة ‪ 6‬ف ‪ 2‬من نموذج عقد االيجار املوافقة لنص املادة ‪ 492‬من القانون املدني وإذا خالف‬
‫املستأجر هذا النص يقع عليه ارجاع العين املؤجرة للحالة التي كانت عليها مع التعويض عند االقتضاء‬
‫وهو ما نصت عليه املادة ‪ 492‬ف‪ 2‬من ق م‪.‬‬
‫إذا أحدث املستأجر بإذن املؤجر تغييرات في العين املؤجرة زادت في قيمتها وجب على املؤجر عند‬
‫االنتهاء االيجار أن يرد للمستأجر املصاريف التي أنفقها أو قيمة ما زاد في العين املؤجرة‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق‬
‫يقض ي بخالف ذلك‪ ،‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ 492‬ف‪ 3‬من ق م‪.‬‬
‫يلتزم املستأجر بإخالء األماكن املؤجرة عند انتهاء األجل وهو ما نصت عليه املادة ‪ 22‬من املرسوم‬
‫التشريعي ‪ 03-93‬فجاء ّ‬
‫نصها كما يلي‪ ":‬إذا انقض ى أجل عقد اإليجار املبرم قانونيا يتعين على املستأجر أن‬
‫يغادر األمكنة"‪ ،‬فينتهي عقد االيجار دون اعذار أو اخطار وهذه املادة موافقة لنص املادة ‪ 469‬مكرر‬
‫املستحدثة بموجب القانون ‪ 05-07‬املتضمن تعديل القانون املدني‪ ،‬وعليه يتم اخالء األمكنة دون‬
‫اجراءات التنبيه باإلخالء(‪.)2‬‬
‫إن املشرع يهدف من تنظيم عقد االيجار عن طريق صياغة نموذجية إلى تنفيذ سياسته‬
‫التشريعية املتمثلة في تشجيع استثمار العقار بعدما كان حق البقاء املقرر سابقا يشكل عقبة أمام‬

‫‪ -1‬يراجع نص املادة ‪ 119‬ق م‪.‬‬


‫‪ -2‬إن عقود االيجار املبرمة قبل ‪ 93‬تطبق فيها املادة ‪ 474‬امللغاة التي تنص على أنه ‪ ":‬إذا أبرم عقد االيجار دون اتفاق على مدة أو عقد ملدة‬
‫ّ‬
‫إال بناءا على اآلجال التي ّ‬ ‫غير محدودة أو تعذر اثبات ّ‬
‫تحددها املادة ‪ 475‬من‬ ‫املدة فال يجوز ألحد املتعاقدين أن يرسل إلى اآلخر انذارا بالتخلي‬
‫هذا القانون"‪.‬‬
‫‪- 141 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املؤجرين الذين أصبحوا ال يستطيعون التصرف في أمالكهم املؤجرة‪ ،‬لذلك نظم عقد االيجار بجملة من‬
‫ّ‬
‫القوانين لتجاوز مشكل أزمة السكن الذي أصبح يؤرق الفئة الهشة في املجتمع‪ ،‬إال أن هناك من يرى بأن‬
‫املشرع لم يوافق بين مصالح املؤجر واملستأجر ذلك ّأنه ألغى حق البقاء وجعل تحديد ّ‬
‫مدة االيجار يخضع‬
‫إلرادة املؤجر‪ ،‬وعدم تطبيق النصوص القانونية املتعلقة بإعادة النظر في األجرة يجعل من نموذج االيجار‬
‫ّ‬
‫شبه اذعان ال يملك املستأجر أمام أزمة السكن إال تقبله وذلك دون الحماية والضمانات املقررة في عقود‬
‫اإلذعان(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬الصيغة النموذجية لعقد البيع بناء على التصاميم‬
‫أقر املشرع عقد البيع بناء على التصاميم لتحقيق غايات اجتماعية تتعلق بحل مشكل السكن‬
‫الذي كان وال يزال يمثل مشكال للمواطن ّ‬
‫والدولة على حد سواء(‪.)2‬‬
‫أصدر املشرع املرسوم ‪ 58-94‬الذي يتعلق بنموذج عقد البيع بناء على التصاميم(‪ )3‬والذي ّ‬
‫عرف‬
‫هذا األخير بأنه ‪ ":‬عقد البيع على التصاميم لبناية أو جزء من بناية مقرر بناؤها أو في طور البناء‪ ،‬هو ذلك‬
‫العقد الذي يتضمن ويكرس تحويل حقوق األرض وملكية البناءات من طرف املرقي العقاري لفائدة املقتني‬
‫ّ‬
‫موازاة مع تقدم األشغال وفي املقابل يلتزم املقتني بتسديد السعر كلما تقدم اإلنجاز"(‪.)4‬‬
‫نصت املادة ‪ 03‬من القانون ‪ 04-11‬على ّأن القائم بهذه العملية هو املرقي العقاري شخصا طبيعيا‬
‫أو معنويا‪ ،‬يبادر بعمليات بناء مشاريع جديدة أو ترميمات أو تجديد أو إعادة هيكلة‪ ...‬ومن أجل تبسيط‬
‫املعنى فإن البيع على التصاميم هو عقد يبرم ما بين املرقي العقاري الذي يمكن وصفه بالبائع واملقتني‬
‫مشتري العقار وخصوصية هذا العقد تكمن في ّأن عملية التعاقد تتعلق بمحل مستقبلي سيوجد في‬
‫املستقبل(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬فريدة محمدي‪" ،‬التوازن في العالقات اإليجارية طبقا للمرسوم ‪ 03-93‬و نموذج عقد اإليجار"‪ ،‬املجلة الجزائرية للعلوم القانونية ‪،2000‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ -2‬نظم املشرع عقد البيع بناء على التصاميم من خالل جملة من النصوص القانونية‪ ،‬بدءا بالقانون ‪ 07-86‬املتعلق بالترقية العقارية‪ ،‬املؤرخ‬
‫وعزز ذلك بصدور املرسوم التشريعي ‪ ،03-93‬املتعلق بالنشاط العقاري‬ ‫في ‪( 1986/03/4‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ ،1986/03/5‬ع ‪ ،10‬ص‪ّ ،)350‬‬
‫يحدد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية‪(،‬‬‫الذي سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬امللغى بموجب القانون ‪ ،04-11‬املؤرخ في ‪ ،2011/02/17‬الذي ّ‬
‫ج ر ‪ ،‬الصادرة في ‪ 17‬فيفري ‪ ،2011‬ع ‪ ،14‬ص‪.)4‬‬
‫‪ -3‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ 58-94‬املؤرخ في ‪ 7‬مارس ‪ ،1994‬يتعلق بنموذج عقد البيع بناء على التصاميم الذي طبق في مجال الترقية العقارية‪،‬‬
‫( ج ر ‪ ،‬الصادرة في ‪ 7‬مارس ‪ ،1994‬ع ‪ ،13‬ص‪.)11‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 28‬من القانون ‪ ،04-11‬الذي يحدد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية وتاله املرسوم الرئاس ي ‪ ،431-13‬املؤرخ في‬
‫‪ 18‬ديسمبر ‪ 2013‬يحدد نموذجي عقد حفظ الحق وعقد البيع على التصاميم لألمالك العقارية وكذا حدود تسديد سعر امللك موضوع عقد‬
‫البيع على التصاميم ومبلغ عقوبة التأخير وآجالها وكيفيات دفعها (ج ر الصادرة في ‪ 25‬ديسمبر‪ ،2013‬ع ‪ ،66‬ص‪.)11‬‬
‫مجسمات ونماذج افتراضية)‪ ،‬تجسد مستقبال على أرض الواقع‬ ‫‪ -5‬إن عقد البيع بناء على التصاميم هو عقد نموذجي فيتم التعاقد على ( ّ‬
‫وبالرجوع إلى القواعد العامة نجد ّأن هذا التعاقد صحيح وفقا لنص املادة ‪ 92‬من ق م التي تجيز أن يكون محل االلتزام ش يء مستقبلي‬
‫‪- 142 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫نصت املادة ‪ 34‬من القانون رقم ‪ 04-11‬على ّأن عقد البيع بناء على التصاميم ينعقد ويرتب كافة‬
‫يحرر في الشكل الرسمي و يسجل في مصلحة التسجيل مع شهره في املحافظة العقارية ومن‬ ‫آثاره بعد أن ّ‬
‫ّ‬
‫ثمة فال تنتقل فيه امللكية إلى املشتري إال بعد استفاء جميع هذه املراحل(‪.)1‬‬
‫يتم تحرير عقد البيع بناء على التصاميم من قبل املوثق وفقا لألشكال القانونية املطلوبة في كل‬
‫عقد يحرر أمام املوثق وال يكفي لصحة عقد البيع بناء على التصاميم أن يتم تحريره من قبل املوثق وفقا‬
‫لألشكال القانونية‪ ،‬بل اشترط املشرع أن يتم افراغه في النموذج املحدد وفقا للمرسوم التنفيذي رقم ‪-13‬‬
‫‪ 431‬املتضمن نموذج عقد البيع بناء على التصاميم وأن يتضمن بيانات إلزامية خاصة به وإال كان‬
‫باطال(‪.)2‬‬
‫إن عقد البيع بناء على التصاميم عقد نموذجي تتقيد فيه الحرية التعاقدية من خالل اتباع‬
‫النموذج املفروض ولقد أوجب املشرع على املرقي العقاري قبل تسليم البناية أو جزء منها تسليم شهادة‬
‫املطابقة واحترام اآلجال املحددة في العقد وااللتزام بتسليم البناء وفق املواصفات الفنية وباملقابل يستفيد‬
‫مقتني العقار من تقسيط الثمن(‪.)3‬‬
‫نظم املشرع عقد البيع بناء على التصاميم بدءا بمرحلة ما قبل التعاقد ومرورا بمرحلة تكوين‬
‫العقد إلى غاية التنفيذ‪ ،‬حيث يقع على عاتق املرقي العقاري االلتزام باإلعالم بكل ما يتعلق باألرضية أو‬
‫البناية ورتب املسؤولية املدنية على اإلخالل بهذا االلتزام‪.‬‬
‫يتمثل لجوء املشرع إلى اصدار نماذج العقود الخاصة في جعل العقد ذو طبيعة اجتماعية‪،‬‬
‫حيث تشارك اإلرادة التشريعية إرادة األطراف في هذه العقود من أجل تحقيق العدالة االجتماعية وحماية‬
‫الطرف الضعيف من الطرف املتفوق اقتصاديا‪ ،‬ومعرفيا مستعمال في ذلك آليات النظام العام‬
‫االقتصادي الذي يحتوي على القواعد اآلمرة لضبط مضامين هذه العقود و الوقاية من األضرار التي قد‬

‫ومحقق‪ ،‬غير أن الش يء املستقبلي قد يتحقق وقد ال يتحقق‪ ،‬فما هي الضمانات التي ّ‬
‫يقدمها املشرع لتحقق االلتزام املستقبلي؟ يراجع لخضر‬
‫حليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 162‬الهامش ‪.6‬‬
‫‪ -1‬أعمر تسبية‪ ،‬اآلليات القانونية لحماية املشتري في عقد البيع على التصاميم‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬تخصص القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة أدرار‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تاريخ املناقشة‪ 13 :‬جوان ‪ ،2019‬ص ‪.128‬‬
‫‪ -2‬يراجع املواد ‪ 37 ،43 ،495‬من القانون ‪.04-11‬‬
‫‪ -3‬يلتزم املرقي العقاري بجملة من االلتزامات بدءا بااللتزام باإلعالم وافراغ العقد في الشكل الرسمي وتحديد الثمن وآليات مراجعته‪ ،‬لتستمر‬
‫هذه االلتزامات إلى غاية مرحلة التنفيذ من خالل إلزامه باملسؤولية املقررة في العقود العامة‪ ،‬والتأمين من املسؤولية وتأمين األضرار وهذا ما‬
‫يؤكد املساس باإلرادة وتقييد دورها‪ ،‬يراجع لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،163‬هامش ‪.3‬‬
‫‪- 143 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫تنجم عدم التوازن الذي يصاحبها ويبقى العقد وسيلة لتبادل العالقات املالية في ظل نظام اقتصادي‬
‫واجتماعي ّ‬
‫معين مع مراعاة مالئمة العقد للواقع ومراعاة فكرة التطور(‪.)1‬‬
‫ّإن هذه املعطيات أبرزت تحول جذري في املفاهيم الراسخة في النظرية التقليدية للعقد‪ ،‬فلم يعد‬
‫يخص األفراد وحدهم بل أصبح من اهتمامات املجتمع ممثال في ّ‬
‫الدولة‪ ،‬التي تسهر على املحافظة‬ ‫ّ‬ ‫العقد‬
‫على أمنه واستقراره وأصبح االعتداد باملساواة الفعلية بدال من املساواة ّ‬
‫املجردة‪ ،‬فالعقد الذي كان يخدم‬
‫املصلحة الخاصة أصبح أداة لحماية املصلحة العامة(‪.)2‬‬
‫إن هذه التبريرات التي يطرحها أصحابها إليجاد األسباب السائغة التي دفعت باملشرع إلى تنظيم‬
‫العقود هناك من يعتبرها تعد صارخ على مبدأ سلطان اإلرادة وال يعدوا أن يكون تجاوز إلى تجاوز أخطر‬
‫ّ‬
‫منه‪ ،‬فمن الحرية الزائدة إلى االفراط في التدخل والتنظيم(‪ ،)3‬إال أننا نرى أن املشرع يتدخل لتنظيم‬
‫العالقات العقدية التي يختل فيها التوازن العقدي بين الطرف القوي اقتصاديا أو معرفيا والطرف‬
‫الضعيف ومنعا للتعسفات املحتملة‪ ،‬التي غالبا ما تكون املجال الخصب في العقود الغير متكافئة‪ ،‬من‬
‫أجل تحقيق الحماية وتكريس الضمانات القانونية للطرف الضعيف‪ ،‬كما أن السياسة التشريعية تجعل‬
‫من املشرع يتدخل ّكلما اقتض ى ذلك تحقيق املصلحة العامة و ال ننكر ّأنه يبقى لإل ادة ّ‬
‫الدور األكبر في‬ ‫ر‬
‫انشاء العقود‪ ،‬فال يمكن للعقد أن ينشأ دون أن تتوافق إرادة األطراف مع اإلرادة التشريعية لتكييف‬
‫املفاهيم التقليدية للعقد مع مستجدات الواقع‪.‬‬

‫‪ -1‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.163‬‬


‫‪ -2‬فاطيمة نساخ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫‪ -3‬حليس لخضر‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪- 144 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة من حيث آثارالعقد‬
‫تتولد عن العقد قوة ملزمة يستمد منها قدرته على إنتاج آثاره ولهذه القوة امللزمة نطاق من حيث‬
‫األشخاص الذين تنصرف إليهم ومن حيث املوضوع الذي ترد عليه(‪ )1‬فبالنسبة آلثار العقد من حيث‬
‫األشخاص فإن آثاره من حقوق وواجبات تعاقدية ال تتعدى أطرافه(‪ )2‬وهو ما يعرف بنسبية أثر العقد‬
‫وهو ما نصت عليه املادة ‪ 108‬من ق م كما يلي‪ " :‬ينصرف العقد إلى املتعاقدين والخلف العام‪ ،‬ما لم يتبين‬
‫من طبيعة التعامل أو من نص القانون ّأن هذا األثر ال ينصرف إلى الخلف العام‪ ،‬كل ذلك مع مراعاة‬
‫ّ‬ ‫القواعد املتعلقة بامليراث" وال يرتب العقد التزاما في ّ‬
‫ذمة الغير‪ ،‬مع أنه يجوز استثناءا أن يكسبه حقا وهو‬
‫ما نصت عليه املادة ‪ 113‬من ق م التي تنص ‪ " :‬ال يرتب العقد التزاما في ذمة الغير‪ ،‬ولكن يجوز أن يكسبه‬
‫حقا"‪.‬‬
‫حرتين ولذلك فإن آثاره تلزمهما وحدهما وال يمكن أن يلتزم غيرهما‬ ‫إن العقد ينشأ من تالقي إرادتين ّ‬
‫ّ‬
‫بها‪ ،‬فاألثر ال يسري في مواجهة الغير(‪ ،)3‬إال ّأن املشرع خرج عن هذه القاعدة فيما يتعلق بعقود العمل‬
‫الجماعية لظروف أملتها املصلحة العامة وهو ما نتناوله (املطلب األول) كما ّأن مبدأ القوة امللزمة للعقد‬
‫من حيث املوضوع يعني أن العقد يقوم مقام القانون في تنظيم العالقات العقدية وال يجوز للقاض ي وال‬
‫ّ‬
‫للمشرع أن يتدخل إلنهاء أو تعديل العالقات املترتبة عنه‪ ،‬إال باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها‬
‫القانون‪.‬‬
‫محددة قانونا وبصورة‬‫لقد كانت االستثناءات على مبدأ القوة امللزمة للعقد تتمثل في حاالت ّ‬
‫ّ‬
‫ضيقة‪ ،‬إال انه ومع التحوالت االقتصادية واالجتماعية أصبح هناك انتهاك صارخ لهذه القوة امللزمة وهو‬
‫ما نتناوله في (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬الخروج عن مبدأ األثرالنسبي للعقد‬
‫التحوالت التي عرفها املجتمع ّأدت إلى تقييد حرية اإلرادة‪ ،‬حيث كان ال بد من تجاوز التصور‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫الليبيرالي القائم على الحرية املطلقة لإلدارة في انشاء العقود‪ ،‬ألن املساواة املجردة التي نادى بها أصحاب‬
‫املذهب الفردي أصبح الواقع يثبت أنها مجرد مساواة مفترضة غير قادرة على حماية الطرف الضعيف في‬

‫‪ -1‬عبد الحي حجازي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.259‬‬


‫‪ -2‬من املقرر قانونا أن الخلف العام والخلف الخاص ال يعتبران من الغير‪ ،‬فمبدأ نسبية أثر العقد ال يعني أن قوته امللزمة تنصرف إلى‬
‫املتعاقدين بأشخاصهما فقط‪ ،‬بل يقصد به أن آثار العقد تنصرف إلى املتعاقدين وإلى خلفهما العام والخاص‪ ،‬يراجع سمير عبد ّ‬
‫السيد‬
‫تناغو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪-3‬أحمد بعجي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪- 145 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫العقد‪ ،‬ونادى أصحاب املذهب االجتماعي بضرورة تحقيق املساواة الفعلية بين أطراف العقد من أجل‬
‫(‪)1‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التحوالت ظهرت تشريعات اجتماعية‬ ‫تجاوز الالعدل‪ ،‬ومن أجل تكييف املفاهيم التقليدية مع هذه‬
‫مما ّأدى إلى‬
‫تنظم الحرية العقدية ويظهر ذلك في تنظيم عقد العمل ملالئمته مع املقتضيات االجتماعية‪ّ ،‬‬
‫تغيير في تصور العقد من تصور فردي إلى تصور اجتماعي‪ ،‬فكان لتنظيم عقد العمل عن طريق اتفاقيات‬
‫العمل الجماعية التأثير على املبادئ املنظمة آلثار العقد‪ ،‬فأصبح أثر العقد يمتد إلى الغير (الفرع األول)‪،‬‬
‫كما أن تقنية فرض االرتباط بين العقود أثرت على النظرية العامة للعقد من حيث األثر النسبي للعقد‪،‬‬
‫حيث أن ربط االئتمان االستهالكي أو العقاري بالعقد الذي ّ‬
‫يموله اعتداء على مبدأ األثر النسبي للعقد‬
‫(الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬توسيع األثرالنسبي للعقد (اتفاقيات العمل الجماعية)‬
‫إن ظهور الثورة الصناعية في أوربا ّأدى إلى ظهور صورة جديدة لعالقات العمل لم تكن مألوفة في‬
‫ظل املفاهيم التقليدية في العالقات العقدية بين ّ‬
‫العمال وأرباب العمل‪ ،‬فالظروف القاسية التي اشتغل‬
‫ظلها وانخفاض األجور مع زيادة ساعات العمل‪ ،‬هذا ما ساهم في اذكاء الوعي بين طبقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العمال‬ ‫العمال في‬
‫من أجل التضامن وتوحيد الصفوف‪ ،‬واالتحاد لتقوية الضعف ومواجهة أصحاب العمل واستغاللهم‪،‬‬
‫وهذا ما حدث فعال فقد تجمع العمال وتكتلوا في تجمعات واتحادات نقابية للدفاع عن حقوقهم‬
‫ومصالحهم املشتركة(‪.)2‬‬
‫العمال أسلوب املفاوضات الجماعية باعتبارها ّ‬
‫تجسد أسلوب الحوار االجتماعي‪ ،‬فأصبحت‬ ‫ابتدع ّ‬
‫من أنجع السبل وأكثرها فاعلية في تنظيم عالقات العمل من خالل ابرام اتفاقيات جماعية(‪ ،)3‬باعتبارها‬
‫الوسيلة املثلى التي تحكم عالقات العمل وقدرتها على تحقيق الوصول إلى ما يتفق والظروف االقتصادية‬
‫لكل مهنة‪ ،‬من أجل التالؤم واملالئمة مع التحوالت والتغيرات التي يعرفها عالم الشغل ونظرا ألهمية آلية‬

‫‪ -1‬النظام العام االجتماعي مصطلح أطلقه فقهاء القانون االجتماعي‪ ،‬كما أن مضمونه نسبي فهو يتغير بالتحوالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية للمجتمع و يرمز للدور االجتماعي الذي يلعبه قانون العمل في إرساء السلم االجتماعي وفق قواعد وقوانين آمرة تتضمن حد أدنى‬
‫من الحماية للعامل والتي ال يجوز التنازل عنها أو االنتقاص منها أو االتفاق على مخالفتها‪ ،‬إال إذا كانت تقدم له مزايا وامتيازات أفضل من تلك‬
‫التي منحها له القانون وهذا ما يسمى بمبدأ األفضلية‪ ،‬يراجع‪ :‬محمد أمين حجاجي وقويدر قرارية‪" ،‬النظام العام االجتماعي بين الحماية‬
‫االجتماعية للعامل وتداعيات العوملة االقتصادية"‪ ،‬مجلة القانون والعلوم السياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد‪ ،1‬سنة ‪ ،2020‬ص‪ ،50-39‬ص‪.41‬‬
‫‪ -2‬كمال مخلوف‪"،‬اإلطار التنظيمي التفاقية العمل الجماعية في التشريع الجزائري"‪ ،‬مجلة دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬جانفي‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪.88‬‬
‫ّ‬
‫عرف املشرع اتفاقية العمل الجماعية بموجب املادة ‪ 114‬من القانون رقم ‪ ،11-90‬على أنها‪ ":‬اتفاق مدون يتضمن مجموع شروط التشغيل‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫عدة فئات مهنية"‪.‬‬‫والعمل فيما يخص فئة أو ّ‬
‫‪- 146 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫اتفاقية العمل الجماعية وعلى غرار التشريع املقارن(‪ )1‬خصص لها املشرع الباب السادس من القانون رقم‬
‫فحدد أطرافها ومحتواها وكيفية تنفيذها ّ‬
‫وحدد أحكاما جزائية ملخالفتها‪.‬‬ ‫‪ 11-90‬املتضمن عالقات العمل‪ّ ،‬‬

‫يساهم قانون عقد العمل في تبني تصور اجتماعي ملبدأ الحرية ويقتض ي أن تكون املساواة بين‬
‫األطراف املتعاقدة مساواة حقيقية بدال من املساواة املجردة وحتى يكون العقد عادال تدخل املشرع لتأطير‬
‫عالقات العمل وجعلها تتالءم مع املقتضيات االجتماعية وهذا ما أدى إلى تغيير في تصور العقد من تصور‬
‫فردي إلى تصور اجتماعي وذلك بجميعته والذي يعتبر تطويرا للعقد(‪.)2‬‬
‫ّإن ظهور أسلوب التعاقد الجديد عن طريق اتفاقية العمل الجماعية أثر على مبدأ نسبية العقد‬
‫فلم يعد مبدأ آثار العقد تنصرف إلى أطرافه طبقا للمادة ‪ 108‬و ‪ 113‬من ق م‪ ،‬بل ّ‬
‫وسع املشرع من مبدأ‬
‫نسبية أثر العقد ليمتد أثره إلى أشخاص غرباء عن العقد‪ ،‬فلم تعد اإلرادة وحدها أساس لألثر النسبي‬
‫للعقد وإنما يؤسسها املشرع ويظهر الحد من مبدأ األثر النسبي في قانون العمل عند التغيير في الهيئة‬
‫املستخدمة أو من خالل تطبيق اتفاقيات العمل الجماعية(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫كرس املشرع مبدأ ابقاء عالقة العمل عند تغيير الوضعية القانونية للهيئة من جهة وأرباب العمل‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬من أجل التوصل إلى تحقيق التوازن العقدي وهذا ال يمنع أن ينصرف آثارها إلى أشخاص‬
‫لم ينضموا إليها أو يرضوا بها وهذا ما يشكل مساسا بمبدأ األثر النسبي للعقد‪ ،‬من أجل تحقيق املصلحة‬
‫للعمال وأرباب العمل وتحقيق التوازن العقدي(‪ )4‬وعليه فإن العقد ليس مسألة ترتبط‬ ‫الجماعية ّ‬
‫بالعالقات بين األفراد فقط ولكنه يمثل واقعة اجتماعية ترتبط بحياة الجماعة وتؤثر فيها‪ ،‬فالبد من أن‬
‫تنصرف آثاره وفقا للمقتضيات االجتماعية ووفقا ملا يحدده املشرع وهذا تطوير ملفهوم العقد‪.‬‬
‫ّ‬
‫التحوالت االقتصادية ساهمت في تغيير مالمح النظرية العامة للعقد‪ ،‬بعدما أصبحت هذه‬ ‫ّإن‬
‫األخيرة ال تواكب التطور الذي عرفه املجتمع وخاصة في امليدان االقتصادي‪ ،‬هذا ما دفع باملشرع إلى‬
‫حدة هذه القواعد و جعلها تخضع للتطور‪ ،‬باعتبار ّأن العقد وسيلة قانونية يلجأ إليها‬
‫التخفيف من ّ‬

‫األشخاص لحماية حقوقهم من جهة وتنفيذ التزاماتهم من جهة أخرى‪ ،‬فكان من الضروري أن يلجأ املشرع‬

‫‪ -1‬كمال مخلوف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.88 -87‬‬


‫‪ -2‬خديجة فاضل‪ "،‬تأثير قانون عقد العمل على جمعية قانون العقود"‪ ،‬مجلة بحوث جامعة الجزائر‪ ،1‬الجزء األول‪ ،‬العدد ‪،2020 ،14‬‬
‫ص‪.53-33‬‬
‫‪ -3‬خديجة فاضل‪ ،‬تأثير قانون عقد العمل‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪ -4‬خديجة فاضل‪ ،‬عيممة العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.164‬‬
‫‪- 147 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫الزمن‪ ،‬لذلك‬ ‫مست املبادئ الراسخة في النظرية العامة للعقد ّ‬
‫مدة طويلة من ّ‬ ‫إلى مجموعة من التعديالت ّ‬
‫كان ال بد لها أن تتكيف مع هذا التطور االقتصادي والثقافي واالجتماعي والسياس ي واملعرفي‪.)1( ...‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أثرتشريعات االستهالك على مبدأ األثرالنسبي للعقد‬
‫عدة عقود متشابكة يسمح بإنجاز عملية‬ ‫ّإن ظهور وانتشار املجموعة العقدية التي تجمع ّ‬

‫اقتصادية واحدة‪ ،‬ذلك ّان تخصص العوامل االقتصادية والتداول السريع لألموال واتساع املجاالت‬
‫الجغرافية ألنشطة املشروعات قد أظهر قصور العقد املستقل‪ ،‬فكان اللجوء إلى العقود املدمجة أو‬
‫املجموعة العقدية ومن أمثلتها البيوع املتتالية والشراء املقابل في العالقات الدولية والقرض االستهالكي(‪.)2‬‬
‫تظهر فكرة االرتباط بين العقود من خالل عقد البيع الذي يتم تمويله بواسطة القرض‪ ،‬حيث يبرم‬
‫عدة عقود من أجل تحقيق عملية واحدة‪ ،‬فاملستهلك ال يستطيع أن يشتري بدون قرض وال‬ ‫املستهلك ّ‬

‫يمكن له أن يقترض دون أن يشتري وهذا ما أدى إلى الخروج عن مبدأ األثر النبي للعقد (أوال) واقرار حق‬
‫املستهلك في الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك عن طريق ّ‬
‫الدعوى املباشرة (ثانيا)‬
‫مع اقرار حق جمعيات املستهلك في التقاض ي(ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬االرتباط بين العقود في مجال القرض االستهالكي‬
‫أقامت تشريعات االستهالك ارتباطا بين عقد البيع الذي يتم تمويله عن طريق القرض‪ ،‬فاملستهلك‬
‫يبرم ّ‬
‫عدة عقود من أجل تحقيق عملية واحدة وتظهر فكرة االرتباط بين العقود(‪ )3‬من خالل املبادئ التي‬
‫نص عليها املشرع في املرسوم التنفيذي ‪ ،114-15‬املتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض‬ ‫ّ‬
‫االستهالكي(‪ )4‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬تبعية عقد القرض للعملية املمولة‬

‫‪ -1‬لطيفة بوراس‪ " ،‬نظرية العقد في مواجهة التحديات االقتصادية"‪ ،‬بحوث جامعة الجزائر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العدد‪ ،2020 ،14‬ص‪ ،19-10‬ص‬
‫‪.14 ،3‬‬
‫‪ -2‬ابراهيم أيمن العشماوي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪ -3‬عيس ى بخيت‪" ،‬أثر تشريعات االستهالك على مبادئ النظرية التقليدية للعقد"‪ ،‬األكاديمية للدراسات االجتماعية واالنسانية‪ ،‬قسم العلوم‬
‫االقتصادية والقانونية‪ ،‬العدد ‪ ،20‬جوان ‪ ،2018‬ص ‪ ،117-110‬ص‪.115-114‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 12‬ماي ‪ ،2015‬يتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض االستهالكي‪( ،‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 13‬ماي ‪ ،2015‬ع ‪.)24‬‬
‫‪- 148 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نصت املادة ‪ 08‬من املرسوم التنفيذي ‪ 114-15‬على أنه ‪ ":‬ال تسري واجبات املقترض إال ابتداء من‬
‫متوال فإن واجبات املقترض تسري‬
‫ٍ‬ ‫تسليم السلعة التي استوفى القرض من أجلها وفي حالة عقد بيع بتنفيذ‬
‫ابتداء من بداية تسليم السلعة وتتوقف في حالة انقطاع هذا التسليم"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن املقترض ال يلتزم بتسديد القرض إال إذا سلم البائع للمشتري (املستهلك) السلعة أو الخدمة(‪،)1‬‬
‫فإذا تعلق األمر بعقد يكون فيه التنفيذ متتابع فإن التسديد يكون بداية بالتنفيذ وفي حالة انقطاع‬
‫التسليم يمتنع كذلك املقترض على التسديد‪ ،‬فالتسديد من طرف املقترض مرتبط مع تسليم البائع‬
‫للسلعة أو الخدمة محل العقد ّ‬
‫املمول ولقد أقام املشرع هذا االرتباط وجعله من النظام العام الحمائي‬
‫املقرر لحماية املستهلك‪ ،‬حتى ال يجد نفسه مدينا بقرض دون أن يستفيد من البيع وتظهر عالقة التبعية‬
‫املمول له في أ ّنه إذا تقرر الحكم بفسخ أو بطالن العقد الرئيس ي ّ‬
‫املمول (عقد‬ ‫بين عقد القرض وعقد البيع ّ‬
‫البيع) ترتب عليه فسخ أو البطالن عقد القرض ّ‬
‫بقوة القانون وهو ما ّ‬
‫نص عليه املشرع الفرنس ي في املادة‬
‫‪ 32-311‬من قانون االستهالك الفرنس ي في فقرتها األولى وغفل عنه املشرع عند تنظيمه في املرسوم‬
‫التنفيذي ‪.144-15‬‬
‫‪ -2‬تبعية العملية ّ‬
‫املمولة للقرض‬
‫ّإن املستهلك يقترض من أجل الشراء وعليه فإن لم يتم ابرام عقد البيع فإن عقد القرض ال ينفذ‬
‫وهذه العالقة التبعية نص عليها املرسوم ‪ )2(114-15‬كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬نصت املادة ‪ 10‬ف‪ 1‬من املرسوم ‪ 114-15‬على أنه ال يمكن اكتتاب أي التزام من طرف املشتري تجاه‬
‫ّ‬
‫البائع في إطار القرض االستهالكي إال بموافقة املقرض املسبقة(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬ال يلتزم البائع بتسليم أو تمويل محل عقد البيع إال بعد اخطاره من طرف املشتري بتحصيله على‬
‫القرض(‪.)4‬‬
‫املدة ّ‬
‫املحددة(‪.)5‬‬ ‫‪ -‬ال تسري آثار عقد البيع إذا ما س املقترض ّ‬
‫حقه في العدول خالل ّ‬
‫ر‬

‫‪ -1‬لم يتطرق املشرع في املادة ‪ 8‬من املرسوم التنفيذي ‪ 114-15‬إلى الخدمة واكتفى بالسلعة مع العلم أن عقد القرض قد يمول عقود تتعلق‬
‫بالسلع أو أداء الخدمات وهو ما تطرق له املشرع الفرنس ي‪ ،‬بموجب املادة ‪ 31-311‬من قانون االستهالك الفرنس ي‪.‬‬
‫‪ -2‬سبقت الشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادة ‪ 10‬ف‪ 1‬من املرسوم ‪.114-15‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 11‬ف‪ 1‬من نفس املرسوم‪.‬‬
‫‪ -5‬يراجع نص املادة ‪ 12‬ف ‪ 1‬من نفس املرسوم‪.‬‬
‫‪- 149 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫‪ -‬ال يمكن أن يستلم البائع من املشتري أي دفع آخر في شكل من األشكال وال ايداع زيادة على الجزء من‬
‫الثمن الذي وافق املشتري على دفعه نقدا ما لم يبرم العقد املتفق بعملية القرض نهائيا(‪.)1‬‬
‫إن هذا الترابط بين العقود جاء لتحقيق هدف هو تمكين املستهلك من اقتناء ما يريده بطريق‬
‫التمويل عن طريق القرض وفي هذا خرج املشرع عن مبدأ األثر النسبي للعقد عن طريق وجود ارتباط بين‬
‫العقود في مجال القرض االستهالكي وهذا التحول في املبادئ العامة يهدف إلى حماية مصالح املستهلك‬
‫باعتباره الطرف الضعيف في العقد(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬حق املستهلك في ّ‬
‫الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج للتداول‬
‫عدة أطراف ً‬
‫بدءا باملنتج ومرورا باملوزع وتاجر التجزئة‬ ‫يساهم في عملية وضع املنتوج لالستهالك ّ‬

‫وصوال إلى املستهلك‪ ،‬فالعالقة االستهالكية تربط بين املستهلك وتاجر التجزئة‪ّ ،‬أما بقية األطراف املتدخلة‬
‫في عرض املنتوج(‪ )3‬هم من الغير بالنسبة لعقد االستهالك وال يمكن رفع دعاوى قضائية ضدهم تطبيقا‬
‫ملبدأ نسبية أثر العقد غير أنه مراعاة لصفة الضعف التي تعتري املستهلك ومن أجل توفير الحماية له‬
‫الدعوى املباشرة ضد كل متدخل في عملية عرض املنتوج‬ ‫أجاز االجتهاد القضائي الفرنس ي(‪ )4‬مما سة ّ‬
‫ر‬
‫لالستهالك‪.‬‬
‫أما موقف املشرع الجزائري يظهر من خالل تشريعات االستهالك التي تم اصدارها والنصوص‬
‫كرس املشرع دعوى‬ ‫التنظيمية لها‪ ،‬ففي القانون ‪ ،02-89‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش امللغى ّ‬
‫الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك‪ ،‬حيث نصت املادة ‪12‬ف‪ 1‬منه على ما يلي‪ّ ":‬إن‬
‫الزام املطابقة كما نصت عليه املادة ‪ 3‬من هذا القانون ووجوب الضمان والتجربة من أي من املتدخلين في‬
‫مراحل عرض املنتوج لالستهالك حق للمستهلك ويكون للمتابع الحق في اتباع الطرق القانونية ضد كل‬
‫املتدخلين أو بعضهم‪ ،‬كل حسب مسؤوليته الخاصة وفي حدود فعله"‪.‬‬

‫‪ -1‬يراجع نص املادة ‪ 13‬ف ‪ 1‬من نفس املرسوم‪.‬‬


‫‪ -2‬عيس ى بخيت‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫عرف القانون ‪ 03-09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش مصطلح املنتوج حيث تنص املادة ‪ 03‬منه على ما يلي‪ ":‬املنتوج هو كل سلعة أو‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫خدمة يمكن أن يكون موضوع تنازل بمقابل أو مجانا"‪ ،‬ولم يستعمل القانون املدني الصادر باألمر ‪ ،58-75‬مصطلح املنتوج وإنما استعمل‬
‫لفظ الش يء في املادة ‪ 138‬منه‪ ،‬لكن بعد تعديل القانون املدني بموجب القانون بموجب القانون ‪ 10-05‬أدرج املشرع مصطلح املنتوج بموجب‬
‫نص املادة ‪ 140‬مكرر‪ 2‬والتي تنص‪" :‬يعتبر منتوجا كل مال منقول ولو كان متصال بعقار‪ ،‬ال سيما املنتوج الزراعي واملنتوج الصناعي وتربية‬
‫الحيوانات والصناعة الغذائية والصيد البري والبحري والطاقة الكهربائية"‪.‬‬
‫‪ -4‬عيس ى بخيت‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪- 150 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫إن املشرع خرج عن مبدأ نسبية أثر العقد املكرسة بموجب املادة ‪ 113‬من ق م بإقراره حق‬
‫املستهلك في ّ‬
‫الرجوع على كل املتدخلين أو بعضهم كل حسب مسؤوليته وفي حدود فعله ولقد قصر املشرع‬
‫هذه الدعوى على االلتزام باملطابقة ووجوب الضمان ولم يشر إلى االلتزامات األخرى كااللتزام باإلعالم‬
‫والسالمة وتدارك املشرع هذا القصور بموجب املرسوم التنفيذي ‪ ،266-90‬املتعلق بضمان املنتوجات‬
‫امللغى‪ ،‬حيث نص في املادة ‪ 20‬على أنه ‪ ":‬يمكن للمستهلك وفقا للمادة ‪ 12‬من القانون رقم ‪ 02-89‬املؤرخ في‬
‫‪ 07‬فبراير ‪ 1989‬املذكور أعاله‪ ،‬أن يتابع املحترف املتعاقد معه وكل متدخل في عملية عرض املنتوج‬
‫ّ‬
‫لالستهالك وعليه فإن املرسوم املتعلق بضمان املنتوجات والخدمات جاءت عباراته عامة ويمكن املستهلك‬
‫من متابعة املحترف املتعاقد معه وكل متدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك(‪.)1‬‬
‫بعد صدور القانون ‪ 03-09‬تم الغاء القانون ‪ 02-89‬بموجب املادة ‪ 24‬من القانون ‪ 03-09‬وأكد‬
‫املشرع هذا املوقف بإلغاء املرسوم التنفيذي رقم ‪ ،)2(327-13‬املحدد لشروط وكيفيات وضع ضمان السلع‬
‫والخدمات ّ‬
‫حيز التنفيذ هذا ما يؤكد تراجع املشرع عن منح املستهلك حق الرجوع على أي متدخل في عملية‬
‫عرض املنتوج لالستهالك‪ّ ،‬‬
‫مما يشكل تضييق نطاق حماية املستهلك‪.‬‬
‫بالرجوع للقواعد العامة في القانون املدني فإن املشرع انتهج املنهج الفرنس ي واألوربي في توسيع‬
‫ُ‬
‫مفهوم املنتج إلى كل متدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك(‪ ،)3‬باستحداث املادة ‪ 140‬مكرر بموجب‬
‫تعديل القانون املدني بموجب القانون ‪ 10-05‬والتي نصت على أنه‪" :‬يكون املنتج مسؤوال عن الضرر الناتج‬
‫عن عيب في منتوجه حتى ولو لم تربطه باملتضرر عالقة تعاقدية"‪.‬‬
‫باستقراء النص املذكور أعاله فإن املشرع أقام نظام جديد ملسؤولية املنتج تقوم في حالة ما إذا كانت‬
‫السلعة معيبة بغض النظر عن خطئه تماشيا مع عصر العوملة املتميز بالتكنولوجيا املتطورة‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يمكن استبعاد املسؤولية الناشئة عن منتجات ال تعتبر معيبة وفقا للتطور العلمي والتكنولوجي السائد‬
‫وقت عرضها وهو ما يعرف بخطر التطور العلمي(‪ )4‬ونص املادة ‪ 140‬مكرر يتعلق بالعيب الذي يتعلق‬
‫باملنتوج وال يمتد إلى االلتزامات األخرى كااللتزام باإلعالم وااللتزام بالسالمة(‪.)5‬‬

‫‪ -1‬عيس ى بخيت‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.116‬‬


‫املحدد لشروط وكيفيات وضع ضمان السلع والخدمات‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 02‬أكتوبر ‪ ،2013‬ع ‪،49‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2‬املؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪،2013‬‬
‫ص‪ ،)16‬امللغى‪.‬‬
‫‪ -3‬تأثر املشرع الجزائري بالقانون املدني الفرنس ي عند تعديله للقانون املدني بموجب القانون ‪ 10-05‬و ذلك بإضافة نص املادة ‪ 140‬مكرر من‬
‫ق م و املستوحاة من نص املادة ‪ 1836‬من ق م الفرنس ي‪.‬‬
‫‪ -4‬الصالح بوغرارة وعبد القادر حمر العين‪" ،‬الحماية املدنية املضرور من املنتجات املعيبة بين ضعف القواعد التقليدية وعدم وضوح‬
‫القواعد الخاصة‪ ،‬املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،4‬العدد ‪ ،2‬ص ص ‪.226 -197‬‬
‫‪ -5‬عيس ى بخيت‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪- 151 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ُ‬
‫يكون للمستهلك الحق في اتباع الطرق القانونية ضد املنتج وكل متدخل في عملية عرض املنتوج‬
‫لالستهالك ولو لم يكن متعاقد معه(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬حق جمعيات حماية املستهلك في التقاض ي‬
‫عرف املشرع جمعيات حماية املستهلك بموجب املادة ‪ 21‬من القانون ‪ 03-09‬التي نصت على أنها‪" :‬كل‬
‫جمعية منشأة طبقا للقانون تهدف إلى ضمان حماية املستهلك من خالل إعالمه وتحسيسه وتوجيهه"‪.‬‬
‫أعطى املشرع لجمعيات حماية املستهلك الصفة في أن تتأسس كطرف مدني في التعويض عن األضرار‬
‫املشتركة التي تصيب املستهلكين وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 23‬من القانون ‪ 03-09‬التي تنص على أنه‪:‬‬
‫"عندما يتعرض مستهلك أو عدة مستهلكين ألضرار فردية تسبب فيها نفس املتدخل وذات أصل مشترك‬
‫يمكن لجمعيات حماية املستهلك الحق في التأسيس كطرف مدني وأعطى املشرع للجمعيات حق رفع‬
‫شكوى لدى وكيل الجمهورية ضد كل عون اقتصادي ارتكب جريمة عدم إعالن األسعار واملطالبة‬
‫بالتعويض الالحق باملستهلكين من جراء ذلك"‪.‬‬
‫بالرجوع إلى املادة ‪ 65‬من القانون ‪ 02-04‬املحدد للممارسات املطبقة على القواعد التجارية نجدها‬
‫تنص على أنه‪" :‬دون املساس بأحكام املادة ‪ 02‬من قانون اإلجراءات الجزائية يمكن لجمعيات حماية‬
‫املستهلك والجمعيات املهنية التي أنشأت طبقا للقانون وكذا كل شخص طبيعي أو معنوي ذي مصلحة‬
‫القيام برفع دعوى أمام العدالة ضد كل عون اقتصادي قام بمخالفة أحكام هذا القانون‪ ،‬كما يمكنهم‬
‫التأسيس كطرف مدني في الدعوى للحصول على تعويض الضرر الذي لحقهم"‪.‬‬
‫ّ‬
‫فسر بعض الفقهاء أن املشرع قد اتجه إلى توجيه أحكام املسؤولية حيث جعل من وصف الغير أمرا‬
‫غير ذي أهمية ألن وصف الغير ال يلعب دورا إال في تحديد الخطأ وليس في تحديد املسؤولية ولذلك ال يعد‬
‫ً‬
‫استثناء على نسبية أثر العقد وذهبوا إلى القول أن مفهوم الغير قد تطور ولم يعد ملفهوم التقليدي للغير‬
‫يقوم على عدم مساهمة اإلدارية في العقد وهذا ما يدل على أن الغير بدأ يحتل مركزا ذو طابع موضوعي‪،‬‬
‫أي ّأن إرادته ليست املعيار الوحيد لتحديد هذا املركز(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬علي فتاك‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.361‬‬


‫‪ -2‬أحمد بعجي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫‪- 152 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الخروج عن مبدأ القوة امللزمة للعقد‬
‫إن العقد إذا نشأ صحيحا مستوفيا شروط انعقاده وصحته فإنه يصبح بمثابة القانون بين الطرفين‬
‫وال يجوز نقضه وال تعديله وال إلغاؤه إال باتفاق الطرفين أو لألسباب التي يقررها القانون‪ ،‬وهذا ما نصت‬
‫عليه املادة ‪ 106‬من القانون املدني وهو ما ّ‬
‫يسمى بالقوة امللزمة للعقد من حيث املوضوع‪ ،‬إال أنه ونظرا ألن‬
‫املتعاقد في العقد االلكتروني ليس لديه من الوسائل ما يكفل معاينة السلعة والتعرف على مكوناتها‬
‫وخصائصها قبل إبرام العقد‪ ،‬فإن التشريعات املنظمة للتعاقد عن بعد عموما ونظيراتها املتعلقة‬
‫باملعامالت االلكترونية‪ ،‬أجازت للقابل أن يعدل عن قبوله بعد تنفيذ العقد إذ تبين له أن تسرع في التعبير‬
‫عن قبوله أو أنه صدر عن غير اقتناع وهذا ما يسمى بالحق في التراجع(‪ )1‬عن العقد‪ ،‬من أجل حماية رضاء‬
‫املتعاقد إلى جانب عيوب الرضا التي كرستها النظرية العامة للعقد وملواجهة وسائل اإلغراء التي يمتلكها‬
‫املتعاقد اآلخر من تقنيات املعلومات التي من شأنها أن تدفع املتعاقد الضعيف إلى أن يبرم العقد عن غير‬
‫بينة‪ ،‬خاصة وأن هذه العقود املبرمة عن بعد والعقد االلكتروني خاصة يبرم في بيئة ال مادية افتراضية‬
‫دون وجود ملموس للسلعة والحق في التراجع هو أحد مظاهر الخروج عن مبدأ القوة امللزمة للعقد ولذلك‬
‫سنتناول على سبيل االستثناء وليس الحصر حق التراجع عن العقد كآلية جديدة لحماية رضاء املستهلك‬
‫(الفرع األول) وما مدى تأثيره على القوة امللزمة للعقد وعلى املراكز القانونية لألطراف املتعاقدة (الفرع‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حق العدول عن العقد آلية لسالمة رضاء املستهلك‬
‫إن حق العدول عن العقد يقتض ي التطرق إلى مفهومه ونشأته (أوال) ونطاقه (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الحق في العدول عن العقد و نشأته‬
‫الحق في العدول عن العقد(‪ )2‬هو وسيلة بمقتضاها يتيح املشرع ألحد املتعاقدين أن يعيد النظر من‬
‫جديد من جانب واحد في االلتزام الذي ارتبط به مسبقا‪ ،‬فهو يفترض أن عقدا تم إبرامه لكن أحد طرفيه‬

‫‪ -1‬بخالد عجالي‪" ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع عن العقد وأثره على النظرية العامة للعقد في ظل نظريات القانون االقتصادي"‪ ،‬امللتقى‬
‫الدولي السابع عشر حول "الحماية القانونية للمستهلك في ظل التحوالت االقتصادية الراهنة" املنعقد يومي ‪ 10‬و‪ 11‬أفريل ‪ ،2017‬مخبر‬
‫الحقوق والحريات في األنظمة املقارنة‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬ص ‪.333‬‬
‫‪ -2‬استعمل املشرع مصطلح العدول عن العقد بموجب املادة ‪ 19‬من القانون ‪ 09 -18‬املؤرخ في ‪ 10‬جوان سنة ‪ 2018‬يعدل ويتمم القانون رقم‬
‫‪ 03-09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬جوان ‪ ،2018‬ع ‪ 35‬ص ‪ )5‬وأطلق الفقه الفرس ي على هذا الحق ‪Droit‬‬
‫‪ ،A repentir‬حق التراجع عن العقد وقد اختلف الفقه العربي حول هذا املصطلح فمنهم من عبر عنه بالحق في إعادة النظر ومنهم من‬
‫استعمل مصطلح خيار العدول واستعمل آخرون مصطلح الحق في التراجع واملصطلح الدقيق هو حق التراجع عن العقد‪ ،‬أما املصطلح‬
‫املتداول في الفقه اإلسالمي والذي نصت عليه الكثير من التشريعات املستمدة منه هو خيار الرؤية‪ ،‬يراجع بخالد عجالي‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.333‬‬
‫‪ -‬سنستعمل مصطلح حق العدول عن العقد كما كرسه املشرع بموجب املادة ‪ 19‬من القانون ‪ 09-19‬املعدل واملتمم للقانون ‪ 03-09‬املتعلق‬
‫بحماية املستهلك وقمع الغش‪.‬‬
‫‪- 153 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫يستفيد من مهلة التفكير‪ ،‬ويكون املستهلك غالبا‪ ،‬خاللها يكون بوسعه سحب قبوله الذي ارتبط بموجبه‬
‫بالعقد(‪.)1‬‬
‫إن الحق في العدول عن العقد بهذا املعنى يتشابه إلى حد بعيد مع خير الرؤية الذي قال به فقهاء‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فخيار الرؤية هو حق املتعاقد أن يبطل العقد أو يجيزه بعد رؤية محل العقد إن لم‬
‫يكن قد رآه أثناء العقد أو بعده(‪.)2‬‬
‫نصت على خيار الرؤية املادة ‪ 320‬من مجلة األحكام العدلية عندما عرفته بقولها‪" :‬من اشترى شيئا‬
‫ولم يره كان له الخيار إلى أن يراه‪ ،‬فإذا رآه إن شاء قبله وإن شاء فسخ البيع ويقال لهذا الخيار خيار‬
‫الرؤية(‪.)3‬‬
‫من خالل ما سبق من التعاريف يتضح أن حق العدول يتفق مع خيار الرؤية‪ ،‬فكالهما حق مطلق‬
‫خوله املشرع للمستهلك وحده وبإرادته املنفردة لحماية رضاءه عندما ال يتمكن من رؤية محل العقد وبدون‬
‫اشتراط أي تعويضات أو موافقة الطرف الثاني‪.‬‬
‫ارتبط حق العدول عن العقد بداية في فرنسا بحماية رضاء املستهلك في بعض العقود التي يعبر فيها‬
‫عن إرادته تحت تأثير وسائل اإلعالن والدعاية التي تعرض السلع والخدمات باستعمال وسائل اإلغراء من‬
‫جانب البائع املنهي وبشكل ال يتيح للمستهلك أن يأخذ الوقت الكافي للتأمل والتفكير‪ ،‬ليصدر رضاؤه عن‬
‫بينة‪ ،‬كما أن حاجة املستهلك للسلعة‪ ،‬أو الخدمة محل العقد تجعله يقبل إبرام التعاقد تحت تأثير‬
‫الحاجة دون أ يكون مقتنعا بها‪ ،‬كل هذه األسباب جعلت من املشرع الفرنس ي يرخص للمستهلك أن يعدل‬
‫عن العقد الذي أبرمه خالل املدة املحددة لذلك ودون الحاجة إلى أن يبدي أي تبرير ودون دفع أي تعويض‬
‫ما عدا مصاريف اإلرجاع(‪.)4‬‬
‫لذلك كرس املشرع الفرنس ي فكرة حق املستهلك في العديد من القوانين كان أهمها القانون املؤرخ في‬
‫‪ 12‬جويلية ‪ ،1971‬املتعلق بالتعليم باملراسلة‪ ،‬حيث أعطى لطالب العلم الحق في العدول عن خدمة‬

‫‪ -1‬بخالد عجالي‪ ،‬النظام القانوني للعقد االلكتروني في التشريع الجزائري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم‪ ،‬تخصص‬
‫القانون‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تاريخ املناقشة‪ 16 :‬جوان ‪ ،2014‬ص ‪.224‬‬
‫‪ -2‬بخالد عجالي‪ ،‬النظام القانوني للعقد االلكتروني‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪ -3‬تأثرت بعض القوانين املدنية العربية بالفقه اإلسالمي واستمدت منه تشريعاتها‪ ،‬راجع املواد ‪ 517‬من القانون املدني العراقي‪ ،‬واملادة ‪235‬‬
‫من القانون املدني اليمني‪ ،‬واملادة ‪ 184‬من القانون املدني األردني‪.‬‬
‫‪-4‬أمال بوهنتالة‪" ،‬الحق في العدول عن التعاقد كوسيلة لحماية رضا املستهلك"‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪،‬‬
‫ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.138‬‬
‫‪- 154 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫التعليم في مدة ثالثة أشهر يبدأ احتسابها من تاريخ تنفيذ العقد ويلزم الطالب في هذه الحالة بدفع مبلغ ال‬
‫يزيد عن ‪ % 30‬من أجر التعليم(‪.)1‬‬
‫ثم كرس املشرع الفرنس ي هذا الحق في القانون املؤرخ في ‪ 1972/12/22‬وقرره للمستهلك في جميع‬
‫عقود البيع أو أداء الخدمات التي تبرم على أثر السعي إلى منزله من قبل البائع أو مقدم الخدمة‪ ،‬بحيث‬
‫أجاز للمستهلك في مثل هذه العقود الحق في التراجع عن العقد الذي أبرمه خالل سبعة أيام كاملة تحسب‬
‫من تاريخ الطلب أو االلتزام بالشراء(‪.)2‬‬
‫ثم أصدر القانون رقم ‪ 12-88‬املؤرخ في ‪ 1988/01/06‬املتعلق بعقد البيع عن بعد والبيع من خالل‬
‫التلفزيون ومنح املشتري الحق في التراجع عن العقد خالل سبعة أيام تحسب من تاريخ تسلمه البضاعة‬
‫بموجب املادة ‪ 1‬منه التي جاء فيها‪ " :‬في كافة العمليات التي يتم فيها البيع عبر املسافات فإن ملشتري املنتج‬
‫وذلك خالل سبعة أيام من تاريخ تسلم املبيع‪ ،‬الحق في إعادته إلى البائع الستبداله بآخر أو رده واسترداد‬
‫الثمن دون أية نفقات من جانبه سوى مصاريف الرد "(‪.)3‬‬
‫لم يبق الحق في العدول عن العقد في حدود التشريعات الفرنسية بل انتقل إلى دول كثيرة منها‬
‫لكسمبورغ‪ ،‬التي صدر فيها القانون املؤرخ في ‪ 1983/08/25‬بشأن البيع باملراسلة‪ ،‬حيث خول حق العدول‬
‫للمستهلك بموجب املادة ‪ 07‬منه على أن يكون ذلك خالل مهلة سبعة أيام من تاريخ الطلب أو تاريخ تمام‬
‫الشراء وخالل مهلة خمسة عشر يوما من تاريخ استالم البضاعة(‪.)4‬‬
‫انتقل تنظيم الحق في التراجع عن العقد إلى التوجيه األوربي رقم ‪ 07-97‬الصادر في ‪ 20‬ماي ‪،1997‬‬
‫املتعلق بالتعاقد عن بعد في املادة ‪ 6‬منه التي جاء فيها‪ " :‬كل عقد عن بعد يجب أن ينص فيه على أحقية‬
‫املستهلك في العدول خالل مدة ال تقل عن سبعة أيام تبدأ من تاريخ االستالم بالنسبة للمنتوجات والسلع‪،‬‬
‫أما بالنسبة للخدمات فإن مهلة سبعة أيام تبدأ من تاريخ إبرام العقد أو من تاريخ كتابة املورد اإلقرار‬

‫‪ -1‬نورة جحايشية و عصام نجاح‪" ،‬حق املستهلك في العدول في التشريع الجزائري"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،11‬العدد ‪،01‬‬
‫ص ص ‪ ،497-480‬أفريل ‪ ،2020‬ص ‪.485‬‬
‫‪ -2‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬حماية املستهلك في املعامالت االلكترونية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الدار الجامعية االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪،2007‬‬
‫ص ‪.267‬‬
‫‪ -3‬جاءت صياغة املادة باللغة الفرنسية كما يلي‪:‬‬
‫‪« Pour toutes les opération de vente à distance, l’acheteur d’un produit dispose d’un délai de sept jours à compter de la‬‬
‫‪livraison de sa commande pour faire retour de ce produit au vendeur pour échanges ou remboursement sans pénalités, à‬‬
‫» ‪l’exception des frais de retour‬‬
‫‪ -4‬عجالي خالد‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.337‬‬
‫‪- 155 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫الخطي وتصل هذه املدة إلى ثالثة أشهر إذا تخلف املورد عن القيام بالتزامه بإرسال إقرار مكتوب يتضمن‬
‫العناصر الرئيسية للعقد(‪.)1‬‬
‫تم إلغاء هذا التوجيه بموجب توجيه أوربي آخر صدر في ‪ 25‬أكتوبر ‪ ،2011‬املتعلق بحقوق‬
‫ُ‬
‫وطبق ابتداء من ‪ 13‬جوان ‪ 2014‬بالنسبة للعقود التي تبرم بعد هذا التاريخ‪ّ ،‬‬
‫وقرر هذا التوجيه‬ ‫املستهلكين‬
‫في املادة ‪ 09‬منه مدة أربعة عشر يوما ملمارسة املستهلك حقه في العدول‪ ،‬يبدأ حسابها من يوم تسلم‬
‫املنتوج‪ ،‬أما بالنسبة للخدمات من يوم إبرام العقد‪ ،‬ويعتمد في حساب املدة امليعاد الكامل‪ ،‬أي ال يحسب‬
‫اليوم األول واليوم األخير(‪.)2‬‬
‫اعماال لتوصيات التوجيه األوروبي أصدر املشرع الفرنس ي املرسوم ‪ 741-2001‬بمقتضاه ثم إضافة‬
‫املادة ‪ 20-121‬إلى قانون االستهالك الفرنس ي‪ ،‬املتضمنة الحق في العدول عن العقد في كل العقود التي تبرم‬
‫عن بعد‪ ،‬حيث نصت هذه املادة على ما يلي‪ " :‬للمستهلك خالل سبعة أيام كاملة أن يمارس حقه في العدول‬
‫دون ابداء أسباب أو دفع أية جزاءات باستثناء مصاريف الرد "‪ ،‬وتم تعديل املادة ‪ 20-121‬من قانون‬
‫االستهالك الفرنس ي بموجب القانون الصادر في ‪ 17‬مارس ‪ ،2014‬حيث قام املشرع الفرنس ي بتمديد مدة‬
‫العدول عن العقد إلى أربعة عشر يوما‪ ،‬وقرر املشرع الفرنس ي إعطاء املستهلك هذه املكنة من خالل‬
‫اتصال هاتفي فقط باملحترف يعبر فيه عن تراجعه عن العقد دون الحاجة إلى إبداء أي تبرير(‪.)3‬‬
‫بالرجوع إلى املشرع الجزائري فإنه نص على حق العدول في القرض االستهالكي خالل مدة ثمانية أيام‬
‫عمل يبدأ احتسابها من تاريخ إمضاء العقد وهو ما نصت عليه املادة ‪ 11‬من املرسوم التنفيذي ‪،114-15‬‬
‫وإذا تم البيع في املنزل فقد منح املشرع للمستهلك مدة سبعة أيام عمل فقط للتراجع عن العقد ولم يولي‬
‫املشرع أي اهتمام لتاريخ انعقاد العقد ومثال ذلك لو ّأن املحترف انتقل إلى منزل املستهلك وعرض عليه‬
‫منتوجا ما و تطابق ايجاب املحترف بقبول املستهلك وانعقد العقد واتفق الطرفان على أن يكون تاريخ‬
‫التسليم بعد شهر فإن للمستهلك مدة سبعة أيام من تاريخ تسلم السلعة حتى يعدل عن العقد(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬عجالي خالد‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.338‬‬


‫‪-2‬سمير زوبة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادة ‪ 21-121‬فقرة ‪ 10‬من قانون االستهالك الفرنس ي الصادر في ‪ 17‬مارس ‪.2014‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 14‬من املرسوم التنفيذي ‪ 114-15‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 156 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫كما قرر املشرع الجزائري مدة ثالثين يوم للمتعاقد في عقد التأمين على األشخاص للعدول عن‬
‫تعاقده‪ ،‬يبدأ حسابها من يوم دفع القسط األول ويبلغ الطرف اآلخر بقراره في العدول بموجب رسالة‬
‫مضمونة الوصول(‪.)1‬‬
‫بإصدار املشرع القانون ‪ 05-18‬املتعلق بالتجارة االلكترونية(‪ )2‬نص في املادة ‪ 22‬منه على أنه‪ " :‬يمكن‬
‫للمستهلك االلكتروني إعادة إرسال املنتوج على حالته في أجل أقصاه أربعة أيام عمل ابتداء من تاريخ‬
‫التسليم الفعلي للمنتوج"‪.‬‬
‫يفهم من املادة املذكورة أعاله ّأن املشرع قد منح للمستهلك االلكتروني مهلة أربعة أيام للعدول عن‬
‫تعاقده واشترط أن يكون سبب العدول هو عدم احترام املورد االلكتروني آجال التسليم‪.‬‬
‫كما أن املشرع كرس حق املستهلك في العدول عن العقد بموجب املادة ‪ 19‬من القانون ‪ 309-18‬التي تنص ‪:‬‬
‫"يجب أن ال يمس املنتوج املقدم للمستهلك بمصلحته املادية وأن ال يسبب له ضررا معنويا‪.‬‬
‫‪ -‬العدول هو حق املستهلك في التراجع عن اقتناء منتوج ما دون وجه سبب‬
‫‪ -‬للمستهلك الحق في العدول عن اقتناء منتوج ما ضمن احترام شروط التعاقد‪ ،‬ودون دفعه مصاريف‬
‫إضافية‪.‬‬
‫‪ -‬تحدد شروط وكيفيات ممارسة حق العدول وكذا آجال واقعة املنتوجات املعنية عن طريق‬
‫‪4‬‬
‫التنظيم "‪.‬‬
‫أما عن مشروع تعديل القانون املدني الجزائري في جزئه املتعلق بعقد البيع و املخصص لتنظيم‬
‫البيع عن بعد فقد أورد القائمون على املشروع نص املادة ‪ 412‬مكرر ‪ 06‬التي نصت على ّأن ‪ ":‬للمشتري‬
‫مهلة سبعة أيام كاملة للتمسك بحقه في العدول دون تسبيب ذلك وال دفع أي تعويض باستثناء مصاريف‬
‫‪5‬‬
‫اإلرجاع إن كانت‪."...‬‬
‫من خالل التطرق إلى مفهوم حق العدول عن العقد ونشأته فإن السؤال الذي يثار ما نطاق حق‬
‫العدول عن العقد من حيث العقود التي يرد عليها وما هي االستثناءات الواردة على هذا الحق؟‬

‫‪ -1‬يراجع نص املادة ‪ 90‬مكرر من القانون ‪ ،07-95‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬


‫‪ -2‬املؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪ ،2018‬يتعلق بالتجارة االلكترونية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 16‬ماي ‪ ،2018‬العدد ‪ ،28‬ص ‪.)4‬‬
‫‪ -3‬املؤرخ في ‪ 10‬جوان سنة ‪ ،2018‬يعدل ويتمم القانون رقم ‪ 03-09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع‪ ،‬الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -4‬لم يتطرق املشرع إلى األحكام القانونية املتعلقة بهذا الحق وأسندها إلى التنظيم‪.‬‬
‫‪ -5‬مشروع تعديل القانون املدني الجزائري وثيقة غير منشورة‪ ،‬نقال عن بخالد عجالي‪ ،‬النظام القانوني للعقد االلكتروني‪ ،...‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪ 33‬هامش ‪.3‬‬
‫‪- 157 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ثانيا‪ :‬نطاق حق املستهلك في العدول عن العقد‬
‫من خالل عرض مختلف التشريعات التي كرست حق العدول عن العقد يتجلى أن هذا الحق‬
‫أصبح مكرسا في كل العقود التي تتم عن بعد بما فيها العقود التي يكون محلها أداء الخدمات وهذا بعدما‬
‫كان قاصرا في بداية ظهوره على بعض العقود دون غيرها‪ ،‬ويشمل حق املستهلك في العدول عن العقد كل‬
‫عقود البيع وعقود الخدمات التي تتم بوسائل اتصال الكترونية‪ 1‬واألصل أن جل التشريعات الغربية‬
‫والعربية قد كرست حق العدول عن العقد إال أن هذا األصل ترد عليه االستثناءات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬عقود الخدمات التي يبدأ تنفيذها قبل انتهاء املدة املقررة للعدول‬

‫نصت على هذا االستثناء املادة ‪ 21-121‬فقرة ‪ 8‬من قانون االستهالك الفرنس ي ويتعلق هنا حق‬
‫العدول بعقد من عقود تقديم الخدمات عندما يتم االتفاق بين املنهي البائع واملشتري املستهلك على أن‬
‫بداية تنفيذ هذا العقد ستكون قبل انتهاء مهلة العدول‪.‬‬
‫إن الحكمة التي يريدها املشرع من هذا االستثناء هو تفادي أن يبدأ املستهلك في االستفادة من‬
‫الخدمة املقدمة ثم يعدل عن العقد مما يرتب أضرارا للمنهي‪ ،‬إال أن املستهلك عموما في العقود املتعلقة‬
‫بالخدمات ال يستطيع أن يبدي رأيه في الخدمة إال بعد البدء في االستفادة منها‪ ،‬كما أن املنهي ونظرا لتفوقه‬
‫املعرفي ملا يملكه من وسائل تقنية قد يقنع املستهلك في البدء في تنفيذ الخدمة قبل انتهاء املدة وعليه فإن‬
‫هذا االستثناء ال يوجد ما يبرره‪.2‬‬
‫‪ -2‬عقود توريد سلع سريعة التلف أو متقلبة األسعار‬
‫إن املنتوجات القابلة للتلف خالل مدة العدول ال يمكن للمستهلك أن يمارس العدول بشأنها‪ ،‬فإن‬
‫قرر املستهلك أن يعدل عن العقد ويردها للمحترف فإن هذا األخير سيلحقه ضرر ألنه ال يتمكن من بيعها‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ ،8-21-120‬من قانون االستهالك الفرنس ي‪.‬‬
‫أما بالنسبة للسلع التي تعرف أسعارا متقلبة باستمرار مع تقلبات السوق املالي تستثنى من نطاق‬
‫ممارسة الحق في العدول عن العقد‪ ،‬فالسلع والخدمات التي تتقلب أسعارها باستمرار مع تقلبات السوق‬
‫املالي إذا أجاز القانون ممارسة حق العدول فيها فإن املنهي أي البائع يكون ملزما برد املبلغ الذي دفعه‬

‫‪ -1‬بخالد عجالي‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع عن العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.339‬‬
‫‪ -2‬محمد حسن قاسم‪ ،‬التعاقد عن بعد‪ ،‬قراءة تحليلية في التجربة الفرنسية مع اإلشارة لقواعد القانون األوربي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪ ،2005‬ص ‪.60‬‬
‫‪- 158 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫املستهلك عند إبرام العقد مما يجعل من السعر الذي يرده مخالفا لسعر السلعة أو الخدمة عند التعاقد‬
‫وهذا ما يجعله يتكبد أضرارا مالية‪.1‬‬
‫‪ -3‬عقود توريد منتوجات مصنعة خصيصا للمستهلك‬
‫إن السلع التي يتم إنتاجها بطلب من املستهلك وباملواصفات التي أرادها أو تم تصميمها وفق رغبته‬
‫الخاصة ال يمكن للمستهلك أن يمارس حق العدول عن العقد بشأنها ألنه تم إنتاجها وفقا لطلبه الشخص ي‬
‫‪2‬‬
‫بالضبط‪.‬‬
‫‪ -4‬ا لعقود التي ترد على التسجيالت السمعية أو البصرية أو برامج الحاسوب التي يقوم املستهلك بفتح‬
‫غالفها‬
‫ّإن املعلومات املوجودة في التسجيالت السمعية أو البصرية تتواجد في أغلب األحيان على أقراص‬
‫مضغوطة ومثالها برامج الحاسوب أو محتوى صوتي أو فيديو وغيرها فبمجرد فتح غالفها من طرف‬
‫املستهلك يكون من السهل جدا أن يستنسخها‪ ،‬أو يطلع على محتوياتها لهذه األسباب استثنى املشرع حق‬
‫العدول على هذه العقود وهو ما نصت عليه املادة ‪ 8-21-121‬من قانون االستهالك الفرنس ي‪.‬‬
‫‪ -5‬عقود توريد الصحف و الدوريات‬
‫إن اقتناء املستهلك ملجلة ما أو جريدة من املنطقي أن يمكنه من االطالع على مضمونها وبالتالي فإن‬
‫ممارسته لحق العدول وإرجاع املجلة أو الصحيفة الدورية إلى املحترف يفقد هذه األخيرة لقيمتها ويلحق‬
‫أضرارا مادية باملحترف‪ ،‬لذلك استثنت املادة ‪ 8-21-121‬من قانون االستهالك الفرنس ي هذا النوع من‬
‫العقود من حق العدول‪.‬‬
‫‪ -6‬العقود التي تبرم عن طريق املزاد العلني‬
‫إن حق العدول عن العقد مقرر قانونا لحماية املستهلك في عقود البيع وعقود توريد الخدمات‬
‫املبرمة عن بعد‪ ،‬كونه ال يتمكن من رؤية محل العقد كما يتم التعاقد بالطريقة التقليدية‪ ،‬كما أنه قد يبرم‬
‫العقد على عجلة من أمره دون تدبر‪ ،‬هذا ماال نجده في العقود املبرمة عن طريق املزاد العلني‪ ،‬فاملستهلك‬

‫‪ -1‬بخالد عجالي‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.341‬‬
‫‪ -2‬بن قويدر زييري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪- 159 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫هو من يقرر بكامل إرادته دخول املزايدة للحصول على ش يء ما وبالتالي ينتفي حقه في ممارسة العدول عن‬
‫هذا العقد‪.1‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أثارحق العدول عن العقد على القوة امللزمة له‬
‫إن انقضاء مهلة العدول عن العقد يترتب عليه أن يصبح لهذا العقد قوة ملزمة لكل من طرفيه‬
‫وواجب التنفيذ‪ ،‬أما إذا مارس املستهلك حق العدول عن العقد فإنه يترتب عليه أثارا بالنسبة لطرفيه‬
‫(أوال)‪ ،‬كما أن ذلك يؤثر على العقد برمته ويكون خروجا على مبدأ القوة امللزمة للعقد (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬حق العدول يؤثرعلى العقد برمته‬
‫انقسم الفقه الى اتجاهين فيما يتعلق بآثار حق العدول على مبدأ الرضائية أو الخروج على املبدأ‬
‫الراسخ في النظرية التقليدية للعقد وهو القوة امللزمة للعقد وذهب البعض بأن العقد الذي يتضمن حق‬
‫العدول ال يبرم بصفة نهائية‪ ،‬بل يكون في مرحلة التكوين والفترة التي منحها املشرع للعدول عن العقد ما‬
‫هي إال فترة للتفكير والتروي و االتفاق الذي تم بين املحترف واملستهلك عن بعد لم يكن املقصود منه إبرام‬
‫العقد بصفة نهائية إنما كان مجرد رغبة في إبرام العقد وال يتم العقد إال بعد انتهاء املهلة املقررة ملمارسة‬
‫الحق في العدول عن العقد ويكون رضاؤه قد اكتمل‪.2‬‬
‫خالصة هذا االتجاه أن حق العدول عن العقد ال يمثل خروجا عن القوة امللزمة للعقد ألن العدول‬
‫يكون في مرحلة التكوين والعقد لم يبرم بعد‪ ،‬ألن التراض ي على العقد يتم عبر مرحلتين‪ ،‬فاملرحلة األولى‬
‫تتمثل في تطابق اإلرادتين وال تكفي لتمام العقد‪ ،‬ألن خصوصية التراض ي في العقد املبرم عن بعد تجعل من‬
‫مهلة التفكير والتأمل ضرورية للتأكد والتروي وتمكنه من العدول في حالة ما إذا رأى أنه تسرع في التعبير‬
‫عن اإلرادة كما يمكنه العدول دون ابداء أية أسباب خالل املدة املحددة قانونا وال يكتمل وجود العقد اال‬
‫بانتهاء املهلة وهي املرحلة الثانية‪ ،‬أما املرحلة األولى أي خالل ملدة القانونية ملمارسة حق العدول يكون‬
‫العقد غير مكتمل مما يجعل من العدول عنه ال يؤثر على القوة امللزمة للعقد‪.3‬‬
‫إن القول بأن العقد يمر بمرحلتين ال يستند إلى أي أساس قانوني فبمجرد أن يتبادل الطرفان‬
‫التعبير عن إرادتيهما املتطابقتين يتم العقد‪ ،‬تطبيقا لألصل العام في التعاقد وهو مبدأ الرضائية‪.‬‬

‫‪ -1‬نورة جحايشية وعصام نجاح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.491‬‬


‫‪ -2‬بخالد عجالي‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.351‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.351‬‬
‫‪- 160 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫بينما ذهب آخرون إلى أن تقرير الحق في التراجع ال يغير من العالقة العقدية شيئا وبالتالي فإن‬
‫العقد ينعقد بمجرد تبادل اإلرادتين املتطابقتين على العناصر الجوهرية للعقد واملستهلك يمارس حق‬
‫العدول على عقد قائم مكتمل األركان وتترتب عليه آثاره‪ ،‬فتنتقل امللكية إلى املشتري ويتحمل تبعة الهالك‬
‫حتى خالل مهلة ممارسة الحق في العدول وله أن يتصرف في محل العقد‪.1‬‬
‫ذهب البعض اآلخر إلى البحث عن األساس الذي يقوم عليه العقد املتضمن حق العدول عن‬
‫العقد والقول الراجح والذي يمثل الوصف الدقيق لحق العدول عن العقد هو العقد غير الالزم‪ ،‬وفكرة‬
‫الخيارات اشتهر بها الفقه اإلسالمي‪ ،‬والتي تعني أن العقد الجائز الذي يجوز ألحد الطرفين أو لكليهما‬
‫فسخه وعليه فإن ممارسة حق العدول من طرف املستهلك يؤدي إلى املساس بالقوة امللزمة للعقد ويشكل‬
‫تضاربا بين التكريس القانوني لقوة العقد اإللزامية مع االعتراف أيضا بأن حق العدول عن العقد حق‬
‫مستقل وقائم بذاته مصدره القانون ونصوصه تعتبر من القواعد اآلمرة‪ ،‬مما يعمق الشرخ في هذه املسألة‬
‫القانونية‪.2‬‬
‫إال أننا نرى بأن حق العدول عن العقد له ما يبرره فكما سبق وأن ذكرنا فإن املستهلك الذي يبرم‬
‫عقودا عن بعد خاصة العقود االلكترونية يكون عرضة للدعاية واإلعالنات التي قد تؤثر على إرادته في‬
‫إبرام العقد فيبرمه على عجلة من أمره‪ ،‬كما أن خصوصية التراض ي في العقود املبرمة عن بعد تجعل من‬
‫خيار العدول أمرا صائبا ومنطقيا وله أسباب سائغة قانونا‪ ،‬كما أن املادة ‪ 106‬من القانون املدني نصت‬
‫على أن للعقد قوة ملزمة في حالة ما إذا نشأ صحيحا‪ ،‬فال يجوز ألحد األطراف أن ينفرد بتعديله أو نقضه‬
‫إال باالتفاق املشترك بين الطرفين أو األسباب التي يقررها القانون‪ ،‬ومن بين هذه األسباب هي حالة العدول‬
‫عن العقد املبرم عن بعد‪ ،‬فهذا الحق مقرر قانونا ويهدف إلى ضمان تدعيم حماية رضاء املستهلك‬
‫االلكتروني باعتباره الطرف الضعيف في العالقة العقدية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬آثارحق العدول على املراكزالقانونية لألطراف املتعاقدة‬
‫إن حق املستهلك في العدول عن العقد املبرم عن بعد يؤثر على املراكز القانونية لألطراف‬
‫املتعاقدة‪ ،‬لذلك سنتناول آثاره بالنسبة للمستهلك‪ ،‬واملحترف كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬بخالد عجالي‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪ -2‬بن قويدر زبيري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71-70‬‬
‫‪- 161 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫‪ -1‬آثاره بالنسبة للمستهلك‬
‫إذا تمسك املستهلك بحقه في العدول عن العقد املبرم عن بعد فإن ذلك يؤدي إلى زوال العقد‬
‫واعتباره كأن لم يكن منذ لحظة إبرامه وهذا ما يلزمه برد السلعة أو املنتوج للبائع أو التنازل عن االستفادة‬
‫من الخدمة ويجب أن يرجع البضاعة أو املنتوج بالحالة التي تسلمها فإن أصابها تلف أو هالك تحمل‬
‫تبعته باعتباره كان مالكا لها‪.1‬‬
‫تكريسا لحماية املستهلك عند ممارسته لحق العدول عن العقد فإن التشريعات التي نظمت هذا‬
‫الحق جعلته مجانيا‪ ،‬دون أن يتحمل أية مصاريف أو جزاءات لكي ال يعزف املستهلك عن ممارسة هذا‬
‫حددت مختلف التشريعات ّ‬
‫املدة القانونية التي يجب أن يمارس خاللها‪ ،‬حيث‬ ‫الحق‪ ،‬كما أن هذا الحق ّ‬

‫نجد أن املادة ‪ 1-9‬من التوجه األوربي رقم ‪ 2011-83‬نصت على أن مهلة العدول عن العقد هي ‪ 14‬يوما‬
‫يبدأ حسابها من يوم تسلم املنتوج أو من تاريخ إبرام العقد بالنسبة للخدمات‪ ،‬دون تحمله ألية مصاريف‬
‫باستثناء مصاريف الرد‪.2‬‬
‫بالرجوع إلى قانون االستهالك الصادر في ‪ 17‬مارس ‪ 2014‬قام املشرع الفرنس ي بتمديد مدة العدول‬
‫وخول للمستهلك هذه املكنة من خالل اتصال هاتفي فقط باملحترف يعبر‬‫عن العقد إلى أربعة عشر يوما ّ‬
‫فيه عن تراجعه عن العقد دون الحاجة إلى إبداء أي تبرير وهو ما نصت عليه املادة ‪ 21-121‬فقرة‪ 1‬من‬
‫قانون االستهالك الفرنس ي‪.3‬‬
‫كما نصت املادة ‪ 18-121‬من قانون االستهالك الفرنس ي بأن املستهلك ال يتحمل أية مصاريف أو‬
‫تكاليف نتيجة ممارسته لحقه في العدول عن العقد باستثناء املصاريف املحددة في املواد ‪ 23-221‬الى‬
‫‪.4 25 -221‬‬
‫جاء في قانون املبادالت التجارية االلكترونية التونس ي رقم ‪ 83‬لسنة ‪ 2000‬في الفصل ‪ 30‬منه على‬
‫أن املستهلك يتحمل املصاريف الناجمة عن إرجاع البضاعة وليس في هذا الحكم إجحاف بحق املستهلك‬

‫‪ -1‬بخالد عجالي‪ ،‬حق املستهلك في التراجع‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.353‬‬


‫‪ -2‬محمد أمين سعدي‪" ،‬حق العدول عن العقد كآلية حمائية للمستهلك"‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية املقارنة‪ ،‬املجلد‪ ،05‬العدد ‪ ،02‬سنة‬
‫‪ ،2019‬ص ‪ ،63-32‬ص ‪.48‬‬
‫‪ -3‬مليكة جامع‪" ،‬حق العدول عن العقد كآلية مستحدثة لحماية املستهلك االلكتروني"‪ ،‬مجلة الواحات للبحوث والدراسات املجلد ‪،13‬‬
‫العدد‪ ،1‬سنة ‪ ،2020‬ص ‪ ،478-451‬ص ‪.472‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 18 -221‬من قانون االستهالك الفرنس ي‪.‬‬
‫‪- 162 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫إذ ال ينسب إلى التاجر خطأ أو إخالل بتنفيذ التزاماته‪ ،‬لذلك فليس من العدل إلزامه بنفقات اعادة‬
‫السلعة‪ ،‬ألن املستهلك هو من اختار العدول عن العقد وعليه أن يتحمل نفقات ذلك‪.1‬‬
‫بالرجوع إلى املشرع الجزائري فإنه وبموجب املادة ‪ 19‬ف ‪ 3‬من القانون ‪ 05-18‬نص على أن ‪ ":‬الحق‬
‫في العدول عن اقتناء منتوج ما ضمن احترام شروط التعاقد ودون دفعه مصاريف إضافية"‪.‬‬
‫ّإن انقضاء املدة املحددة قانونا ملمارسة حق العدول عن العقد يؤدي إلى سقوط هذا األخير‪ ،‬إال‬
‫أنه ال يمنع املستهلك من االستفادة من القواعد العامة الخاصة بضمان العيوب الخفية أو االستناد إلى‬
‫نظرية عيوب اإلرادة اذا تبين أن إرادته كانت معيبة‪ ،‬فالحق في العدول عن العقد هو مكنة قانونية لحماية‬
‫ُ‬
‫املستهلك‪ ،‬ضمن القواعد الخاصة والتي ال تسقط الحماية العامة املقررة في القانون املدني‪.2‬‬
‫‪ -2‬آثارحق العدول عن العقد بالنسبة للمحترف‬
‫إن ممارسة حق العدول عن العقد املبرم عن بعد يؤدي إلى ترتيب التزامات على عاتق املحترف‪،‬‬
‫تتمثل في رد السلعة أو مقابل الخدمة التي سبق وأن قبضها من طرف املستهلك‪ ،‬على أن يكون ذلك خالل‬
‫املدة املحددة قانونا واألصل أن املحترف يلتزم برد ثمن السلعة أو مقابل الخدمة بمجرد إعالن املستهلك‬
‫عن رغبته في العدول عن العقد ونظرا ملا قد يصدر عن املحترف من مماطلة في تنفيذ التزامه برد الثمن‬
‫تدخل املشرع لتحديد مهلة إرجاع الثمن ومقابل الخدمة وجعلها كحد أقص ى‪ ،‬ولقد اختلفت التشريعات‬
‫في هذا الصدد فنجد املادة ‪ 13‬من التوجيه األوربي ‪ 83‬لسنة ‪ 32011‬نصت على أن املحترف يلتزم برد الثمن‬
‫للمستهلك في أجل أقصاه ‪ 14‬يوما التالية إلخباره بقرار املستهلك املتمثل في العدول وأن يرد الثمن بذات‬
‫تم بها الوفاء سواء تم ذلك نقدا أو كان عبارة عن شيك بنكي أو عن طريق حواالت بريدية‪ ،‬أو‬‫الوسيلة التي ّ‬
‫ُ‬
‫أية وسيلة أخرى وفي حالة ما إذا طلب املستهلك صراحة رد الثمن بوسيلة تكلف املحترف مصاريف أكبر‬
‫من وسائل السداد املعتادة فإن املستهلك يلتزم بسداد الرسوم اإلضافية‪.4‬‬

‫‪ -1‬مليكة جامع‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.472‬‬


‫‪ -2‬بخالد عجالي‪ ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪ -3‬جاءت صياغة املادة ‪ 13‬من التوجيه األوربي رقم ‪ 83‬لسنة ‪ 2011‬باللغة الفرنسية كما يلي‪:‬‬
‫‪« Les professionnel rembourse tous les paiements de la part du consommateur y compris, le cas échant, les frais de livraison‬‬
‫‪retard excessif tout l’cas de cause dans les quatorze jours suivant celui où il informe de la décision du consommateur…du‬‬
‫» ‪contrat conformément à l’article….‬‬
‫‪ -4‬محمد الطاهر أدحيمن‪" ،‬حق العدول عن العقود االستهالكية عن بعد كآلية قانونية لضمان حماية املستهلك" املجلة الجزائرية للعلوم‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،57‬العدد‪ ،01‬سنة ‪ ،2020‬ص ‪ ،44-24‬ص ‪.41‬‬
‫‪- 163 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫نص قانون االستهالك الفرنس ي بموجي املادة ‪ 24-221‬على إلزام املنهي برد املبلغ اإلجمالي بما في ذلك‬
‫رسوم التسليم دون تأخير ال مبرر له وكأقص ى تقدير خالل ‪ 14‬يوما من تاريخ إبالغه بقرار املستهلك في‬
‫‪1‬‬
‫العدول‪.‬‬
‫نص قانون حماية املستهلك املغربي في املادة ‪ 37‬منه على أنه عند ممارسة حق التراجع على املورد‬
‫(املحترف) أن يرد للمستهلك املبلغ املدفوع كامال على الفور وعلى أبعد تقدير خالل ‪ 15‬يوما للتاريخ الذي‬
‫تمت فيه ممارسة الحق املذكور وبعد انقضاء األجل املذكور تترتب بقوة القانون على املبلغ املستحق فوائد‬
‫‪2‬‬
‫بالسعر القانوني املعمول به‪.‬‬
‫كما جاء في قانون املبادالت التجارية االلكترونية التونس ي رقم ‪ 83‬لسنة ‪ 2000‬حيث نص في‬
‫الفصل ‪ 30‬منه على أنه‪..." :‬يتعين على البائع ارجاع املبلغ املدفوع الى املستهلك في أجل ‪ 10‬أيام عمل من‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ ارجاع البضاعة أو العدول عن الخدمة‪.‬‬
‫يترتب على ممارسة حق العدول عن العقد من قبل املستهلك أن يلتزم البائع بفسخ عقد القرض‬
‫الذي يكون قد أبرمه مع املشتري لتمويل شراء البضاعة أو االستفادة من الخدمة‪ ،‬وهو ما تبناه املشرع‬
‫الفرنس ي و املشرع التونس ي في قانون املبادالت التجارية التونس ي‪.4.‬‬

‫‪ -1‬جاءت صياغة املادة ‪ 24-221‬من قانون االستهالك الفرنس ي كما يلي‪:‬‬


‫‪« Lorsque le droit de rétraction est exercé, le professionnel rembourse les consommateurs de la totalité des sommes versées,‬‬
‫‪y compris les frais de livraison, dans retard injustifié et au plus tard dans les quatorze jours à compter de la date a l’aquelle il‬‬
‫‪est informé de la décision du consommateur de se rétracter ».‬‬
‫‪ -2‬محمد الطاهر أدحيمن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ -4‬مليكة جامع‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.474‬‬
‫‪- 164 -‬‬
‫‪‬‬
‫مواءمة العقد للسياسة االقتصادية‪:‬‬
‫الوجه اآلخرللتدخل التشريعي في العقود‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مواءمة العقد للسياسة االقتصادية‪ :‬الوجه اآلخرللتدخل التشريعي في العقود‪.‬‬
‫نتج عن األزمة العاملية للبترول سنة ‪ 1986‬تدهور األوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية في‬
‫الجزائر‪ ،‬األمر الذي أدى إلى إعادة النظر في كل املنظومة القانونية‪ ،‬بداية بتغيير النظام السياس ي‬
‫الجزائري من النظام االشتراكي إلى النظام الليبيرالي وهذا ما كرسه دستور ‪ 1989‬وأدى ذلك بالضرورة إلى‬
‫تغيير طبيعة النظام االقتصادي من االقتصاد املوجه إلى االقتصاد الحر‪ ،‬وتغيير دور الدولة من الدور‬
‫املتدخل إلى الدور الضابط‪.1‬‬
‫تجلت مظاهر اإلصالح األولى بصدور القانون ‪ 01-88‬املتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات‬
‫العمومية االقتصادية‪ 2‬والقانون رقم ‪ 12-89‬املتعلق باألسعار‪ 3‬ثم توالت عدة تشريعات تكرس نظام‬
‫على أن‬ ‫اقتصاد السوق‪ ،‬حيث تم تكريسه صراحة بموجب املادة ‪ 37‬من دستور ‪ 1996‬التي نصت‬
‫‪":‬حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون" وتأكد ذلك بموجب املادة ‪ 43‬من التعديل‬
‫األخير للدستور سنة ‪ 42016‬التي كرست االعتراف بحرية التجارة من جهة وتكفل الدولة بضبط السوق‪،‬‬
‫أي يبقى لها الدور الرقابي في وظيفتها وعليه سنتناول في (املبحث األول) التحول في وظيفة الدولة والذي‬
‫نتج عنه مبدأ حرية التجارة والصناعة أي حرية املنافسة‪ ،‬هذا ما أدى إلى تخلي الدولة عن دورها املتمثل‬
‫في الدولة املتدخلة وأصبحت دولة حارسة مع إسناد وظيفة ضبط السوق إلى أجهزة الضبط املستقلة من‬
‫أجل تنفيذ سياسة الدولة في ضبط االقتصاد عن طريق آلية النظام العام التنافس ي‪.‬‬
‫إن مبدأ حرية التجارة والصناعة انبثق عنه مبدأ حرية املنافسة من أجل حماية حرية التعاقد الذي‬
‫استوجب تكريس نظام اقتصادي توجيهي مما أثر على حرية اإلرادة التعاقدية وهو ما سنتناوله في (‬
‫املبحث الثاني)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التحول في وظيفة الدولة‪ :‬العقد آلية لخدمة األهداف االقتصادية‬

‫‪ -1‬ليندة بلحارت‪ " ،‬دور مجلس املنافسة في ضبط املنافسة الحرة "‪ ،‬مجلة املعارف‪ ،‬قسم العلوم القانونية‪ ،‬السنة الحادية عشر‪ ،‬العدد ‪21‬‬
‫ديسمبر ‪ ،2016‬ص ‪.224‬‬
‫‪ -2‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ ،1988‬يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 13‬جانفي ‪ ،1988‬ع ‪.)02‬‬
‫‪ -3‬املؤرخ في ‪ 5‬ماي ‪ ،1989‬يتعلق باألسعار‪ ،‬امللغى والذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -4‬بموجب القانون رقم ‪ ،01-16‬املؤرخ في مارس ‪ ،2016‬يتضمن التعديل الدستوري‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة اليه‪.‬‬
‫‪- 166 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫بعد فشل سياسة التسيير االقتصادي القائمة أساسا على الريع النفطي وإهمال دور املؤسسة‬
‫االقتصادية واعتبارها أداة تسيير مركزي عوض النظر إليها ككيان اقتصادي منتج وفعال جاءت عدة‬
‫محاوالت أولية لتفادي االنعكاسات السلبية لهذه األزمة عن طريق ضمان قدر من االستقاللية لها إزاء‬
‫السلطة املركزية‪ ،‬مما أدى إلى صدور عدة قوانين في هذا املجال‪ 1‬من أجل إعادة هيكلة املؤسسات‬
‫العمومية إال أن هذه اإلجراءات باءت بالفشل لغياب رؤية واضحة تجسد استقاللية حقيقية للمؤسسات‬
‫األمر الذي استدعى إصالحات أكثر كفاءة لتحقيق تحول في االقتصاد الجزائري من خالل التوجه إلى‬
‫اقتصاد السوق‪.2‬‬
‫ملا كان القانون هو اإلطار املنظم ملختلف التوجيهات الجديدة فإن تغير هذه التوجهات يستدعي‬
‫إحداث تغيرات جذرية في املنظمة القانونية تكون قادرة على استيعابها‪ ،‬ولقد تعددت النصوص القانونية‬
‫ّ‬
‫التي تولت مهمة تأهيل االقتصاد الجزائري لخوض مرحلة جديدة تظهر فيها السوق كمنظومة جديدة‬
‫باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق الفعالية االقتصادية فعلى الصعيد السياس ي كرس دستور ‪1989‬‬
‫تعددية املمارسة السياسية‪ ،‬أما على الصعيد القانوني فقد صدرت عدة نصوص قانونية ذات البعد‬
‫‪3‬‬
‫التأطيري كمرحلة أولى‪ ،‬إلى حين صدور النصوص املتخصصة أو القطاعية‪.‬‬
‫من النصوص التأطيرية التي صدرت في بداية التسعينات قانون النقد والقرض‪ 4‬سنة ‪ ،1990‬باعتبار‬
‫أن املجال املصرفي عصب الحياة االقتصادية وقومها واستتبع ذلك إصدار نصوص قانونية أخرى ال تقل‬
‫أهمية منها األمر املتعلق بخوصصة املؤسسات العمومية‪ 5‬على إثر االتفاقيتين املبرمتين مع صندوق النقد‬
‫الدولي سنتي ‪ 1995-1994‬والذي عرف ببرنامج التعديل الهيكلي‪.6‬‬
‫وعلى إثر ذلك صدر أول قانون جزائري يتعلق باملنافسة بموجب األمر ‪ 706-95‬فلم يخصص املشرع‬
‫هذا النص لقواعد املنافسة بل جمعها بالقواعد الخاصة األمر الذي لم يؤدي إلى ظهور كقانون‬
‫للمنافسة‪ ،‬باإلضافة إلى أنه لم يتوسع في املمارسات املنافية للمنافسة وكذا إجراءات متابعتها من قبل‬

‫‪ -1‬منها القانون رقم ‪ 01 -88‬يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية الذي سبقت اإلشارة‪.‬‬
‫‪ -2‬الهام بوحاليس‪ ،‬الحماية القانونية للسوق في ظل قواعد املنافسة‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم‪ ،‬جامعة اإلخوة منتوري‪،‬‬
‫قسنطينة كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2017 -2016 :‬ص ‪.03‬‬
‫‪ -3‬الهام بوحاليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ -4‬القانون رقم ‪ ،10-90‬املؤرخ في ‪ 14‬أفريل ‪ ،1990‬يتعلق بالنقد والقرض‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 18‬أفريل ‪ ،1990‬ع ‪ ،16‬ص ‪ ،)51‬ملغى‪.‬‬
‫‪ -5‬رقم ‪ 22-95‬املؤرخ في ‪ 26‬أوت ‪ ،1994‬يتعلق بخصوصة املؤسسات العمومية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 30‬سبتمبر ‪ ،1995‬ع ‪ ، 48‬ص ‪.)03‬‬
‫‪ -6‬الهام بوحاليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ -7‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬يتعلق باملنافسة (ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 22‬جانفي ‪ ،1995‬ع ‪ ،9‬ص ‪ ،) 13‬ملغى‪.‬‬
‫‪- 167 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫مجلس املنافسة هذه العوامل ساهمت في إعادة النظر في األمر ‪ ،06-95‬وأهمها هو توقيع اتفاقية‬
‫الشراكة مع االتحاد األوربي سنة ‪ 2002‬ومفاوضاتها املتواصلة بشأن االنضمام إلى منظمة التجارة العاملية‬
‫وعلى إثر ذلك أصدر املشرع األمر ‪ ،103-03‬املتعلق باملنافسة والذي ألغى األمر ‪.06-95‬‬
‫إن سياسة الجزائر في التوجه إلى اقتصاد السوق‪ 2‬ترمي إلى وضع وإرساء األدوات الضرورية للسير‬
‫الحسن القتصاد تلعب فيه الدولة دور الحارس واملوجه وتفسح فيه املجال للمبادرات الفردية وحرية‬
‫املشروع وتكريس حرية التجارة والصناعة الذي سبق على حرية املنافسة وهو ما نتناوله في (املطلب‬
‫األول)‪ ،‬كما أن انتهاج الدولة لسياسة اقتصاد السوق نتج عنه تكريس النظام العام التوجيهي في بعده‬
‫التنافس ي وهو ما سنتناوله في (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ضرورة تكريس نظام قانوني يجسد حرية املنافسة‬
‫نتج عن تخلي الدولة عن النظام االشتراكي وانتهاج النظام الليبيرالي‪ 3‬بداية من دستور ‪ 1989‬عدة‬
‫إصالحات في املنظمة القانونية كما مر معنا‪ ،‬بغية الوصول إلى تحقيق بديل عن مقومات االقتصاد آنذاك‬
‫الذي كان يعتمد على الريع النفطي‪ ،‬وبصدور دستور ‪ 1996‬أقر املشرع صراحة مبدأ حرية التجارة‬
‫والصناعة بموجب املادة ‪ّ 37‬‬
‫وعزز ذلك بموجب املادة ‪ 43‬من القانون ‪ ،01-16‬املتضمن التعديل‬
‫الدستوري لسنة ‪ 2016‬وبذلك تحولت الدولة الجزائرية من انتهاج نظام االقتصاد املوجه إلى نظام‬
‫االقتصاد الحر‪ ،‬الذي انبثق عنه مبدأ حرية املنافسة ولكي نتطرق إلى النظام القانوني الذي ينظم‬
‫املنافسة فإنه ال بد من تحديد مفهوم املنافسة (الفرع األول) ثم نتناول القانون الذي ينظم املنافسة‬
‫والذي يعتبر وليد النظام االقتصادي الجديد في(الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬ماهية مبدأ حرية املنافسة‬

‫‪ -1‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬


‫‪ -2‬اقتصاد السوق أو اقتصاد السوق الحر نظام اقتصادي يتم فيه انتاج وتوزيع السلع والخدمات من خالل آليات السوق الحر في ظل نظام‬
‫حر لألسعار‪ ،‬بدال عن قيام الحكومة بذلك في االقتصاد املخطط‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬الزين منصوري‪" ،‬دور الدولة في تنظيم املنافسة‬
‫ومنع املمارسات االحتكارية في ظل اقتصاد السوق‪ ،‬حالة الجزائر"‪ ،‬مجلة أبحاث اقتصادية وإدارية‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬جوان ‪ ،2012‬ص‬
‫‪.303‬‬
‫‪ -3‬في النظام الليبيرالي الرأسمالي يتم الضبط من خالل قواعد السوق أي عن طريق العرض والطلب‪ ،‬أما في النظام االشتراكي فالضبط يتم‬
‫عن طريق التخطيط‪ ،‬أي عن طريق االقتصاد والبرامج املخططة وهذا ما حدث في الجزائر بعد فترة االستقالل وما يليها‪ ،‬أي الفترة الذي‬
‫أعقبت االستقالل والسياسة التي كانت متبعة عبر تطبيق سياسة االحتكار ثم التخلي عنها وانتهاج سياسة اقتصاد السوق‪ ،‬لكن هذا ال ينفي‬
‫تعايش األنظمة في دولة معينة‪ ،‬يراجع أحمد بعجي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪- 168 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫إن تحديد مفهوم حرية املنافسة يستوجب التطرق إلى مفهوم مبدأ حرية التجارة والصناعة الذي‬
‫انبثق عنه مبدأ حرية املنافسة (أوال) ثم نتناول مفهوم مبدأ حرية املنافسة (ثانيا) واألهداف التي يسعى‬
‫إليها هذا املبدأ (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تكريس مبدأ حرية التجارة و الصناعة‬
‫كرس املشرع مبدأ حرية التجارة والصناعة بعد انتهاجه لنظام اقتصاد السوق‪ ،‬الذي فرضته‬
‫العوملة‪ ،‬مسايرا التطورات االقتصادية العاملية‪ ،‬بعد إبرام اتفاق الشراكة مع االتحاد األوربي وكذا انضمام‬
‫الجزائر إلى منظمة التجارة العاملية‪.‬‬
‫إن مبدأ حرية التجارة والصناعة يقتض ي منح القطاع الخاص حرية أكثر في ممارسة النشاط‬
‫االقتصادي وهذا ما ّ‬
‫جسده املشرع من خالل إصداره للعديد من النصوص القانونية التي تنص على هذا‬
‫املبدأ منها مبدأ حرية االستثمار‪ ،‬مبدأ حرية تحويل االستيراد والتصدير ومبدأ حرية األسعار‪.1...‬‬
‫إن هذه العقود الجديدة لم يتصدى لها القانون املدني‪ ،‬فهي تجسد تقنيات حديثة للتعاون ابتدعها‬
‫املشرع من أجل تنظيم السوق في ظل التجارة العاملية‪ ،‬من أجل زيادة عدد املؤسسات التجارية وتوسيع‬
‫دائرة نشاطها‪ ،‬هذا ما جعل من العقد (االلتزامات اإلرادية) أهم قواعد اللعبة االقتصادية‪ ،‬مما تعني‬
‫‪2‬‬
‫تراجع التشريع األحادي املركزي في املجال االقتصادي ويحل محله العقد‪.‬‬
‫إن النهج الجديد للنظام االقتصادي يستوجب إيجاد آليات قانونية تتماش ى معه فكان االهتمام‬
‫بحرية املنافسة وتأكد ذلك بهجر النظام القائم على االقتصاد املوجه وأصبح تحديد أسعار السلع‬
‫والخدمات يتم بكل حرية سيما غير الضرورية منها‪ ،‬اعتمادا على قواعد املنافسة والحرية االقتصادية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم مبدأ حرية املنافسة‬

‫‪ -1‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.252‬‬
‫‪- 169 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬
‫تعرف املنافسة بأنها‪ " :‬تنافس املصالح بين التجار والصناع ومحاولة جذب الزبائن إليهم بأفضل‬
‫‪1‬‬
‫األسعار وأحسن جودة‪."...‬‬
‫ّ‬
‫تعرف املنافسة أيضا بأنها الحالة التي تقوم فيها مواجهة حرة صادقة لجميع الفاعلين االقتصاديين‬
‫على صعيد العرض والطلب للسلع والخدمات وثمرات اإلنتاج ورؤوس األموال‪.2‬‬
‫إن مبدأ حرية املنافسة له عالقة بمبدأ حرية التجارة والصناعة طاملا أن هذا األخير يتجسد من‬
‫خالل السماح للخواص بممارسة األنشطة االقتصادية في إطار نظام تنافس ي‪ 3‬والذي ال ينبغي اختراقه أو‬
‫املساس به من السلطة العامة ال بطريقة مباشرة عن طريق األوامر والتعليمات وال بطريقة غير مباشرة‬
‫عن طريق دعم بعض املؤسسات على حساب األخرى‪.4‬‬
‫يقصد بحرية املنافسة العمل في سوق يتعدد فيه املمارسون االقتصاديون لنفس النشاط وأن‬
‫يستمروا في هذه املنافسة من دون قيد‪ ،‬ويمكن القول أن حرية املنافسة تتضمن باإلضافة إلى حرية انتقال‬
‫األشخاص واحترام حرية القيام باملشاريع بدون أن تكون هناك حواجز تحظر الدخول إلى السوق وحرية‬
‫‪5‬‬
‫حركة عوامل اإلنتاج وعدم إعاقة تدفق رؤوس األموال وتضيف حرية وحركة انتقال السلع وغيرها‪.‬‬
‫ذهب البعض إلى القول أن املنافسة تمثل أحسن عالقة ممكنة بين كل من السعر والجودة‪ ،‬من‬
‫حيث النظر إليها كنمط لتنظيم املجتمع‪ ،‬أما من حيث جانبها االقتصادي تبدوا املنافسة كآلية تمكن في‬
‫سوق محددة من تشكل األسعار بواسطة عملتي العرض والطلب‪.6‬‬
‫بعد أن خلصنا إلى حقيقة مفادها أن املنافسة أصبحت تمثل العمود الفقري لالقتصاد الحالي وال‬
‫يمكن للتنمية االقتصادية أن تنتعش إال في ظل مبدأ حرية املنافسة تسودها الشفافية واملساواة فإننا‬
‫نتطرق إلى دواعي وأهداف املنافسة كما يلي‪:‬‬
‫ثالثا‪ :‬دواعي وجود قانون يحمي املنافسة‬

‫‪ -1‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬


‫‪ -2‬الهام بوحاليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -3‬سيأتي التفصيل في مفهوم النظام العام التنافس ي في املبحث الثاني من هذا الباب‪.‬‬
‫‪ -4‬الهام بوحاليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -5‬أميرة ايمان عمارة‪ " ،‬نطاق حرية التعاقد في قانون املنافسة "‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪،2018‬‬
‫ص ‪.92‬‬
‫‪ -6‬محمد تيورس ي‪ ،‬الضوابط القانونية للحرية التنافسية في الجزائر‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،2013‬ص‬
‫‪.31-30‬‬
‫‪- 170 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫يمكن حصر دواعي سن قواعد قانونية تنظم وتضبط السوق التنافسية كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن تنظيم قانون يحمي املنافسة ال حرة ترتب على اثر اإلصالحات التي عرفتها وال تزال تعرفها‬
‫املنظومتان القانونية واملؤسساتية لالقتصاد الوطني والتي تستهدف تأهيل املؤسسات الوطنية وجعلها‬
‫عنصرا فعاال في السوق‪ ،‬من أجل تحقيق التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -2‬مساعدة املؤسسات االقتصادية على اكتساب مناعة وطنية من أجل التصدي لالنعكاسات‬
‫السلبية للعوملة وتحضيرا لاللتزامات التي ترتبت نتيجة انضمام الجزائر إلى املنظمة العاملية للتجارة ‪.OMC‬‬
‫‪ -3‬ضمان الحرية لكل متعامل (مشروع) في الدخول إلى السوق الوطنية من جهة ودون أن يتعرض‬
‫‪1‬‬
‫ملمارسات غير مشروعة أو من شأنها املساس باللعبة التنافسية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قانون املنافسة وليد النظام االقتصادي الجديد‬
‫إن تكريس املشرع لقانون املنافسة يعتبر الصورة الحقيقية التي ّ‬
‫تجسد التحوالت التي يعرفها أي‬
‫نظام اقتصادي‪ ،‬بحيث يعتبر األداة الفعالة لتنظيم وتنمية االقتصاد عموما وعنصرا ال يمكن االستغناء‬
‫عنه في تفعيل نشاط اقتصاد السوق تحديدا‪ 2‬وبما أن قانون املنافسة ينظم النشاط االقتصادي داخل‬
‫السوق فإن ذلك يعني أن له عالقة بالعقد‪ ،‬بحيث يعتبر هذا األخير أداة للتواجد في السوق‪ ،‬من هذا‬
‫املنطلق سنتناول (أوال) مفهوم قانون املنافسة و(ثانيا) خصوصيته و عالقته بالعقد( ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم قانون املنافسة‬
‫إن كثرة األهداف والغايات التي يهدف إلى تحقيقها قانون املنافسة تجعل من وضع تعريف له أمرا‬
‫صعبا‪ ،‬باإلضافة إلى أن هذا القانون له عالقة بفروع أخرى من القوانين سواء تلك التي تدخل في إطار‬
‫القانون العام أو القانون الخاص‪ ،‬إال أنه ينفتح أكثر على قانون األعمال وما يحتوي عليه من موضوعات‬
‫‪3‬‬
‫كالشركة وامللكية الصناعية وحماية املستهلك‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪- 171 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬
‫عرفت األستاذة ‪ Catherine barreau‬قانون املنافسة بأنه‪" :‬مجموعة القواعد التي تطبق على‬
‫املؤسسات أثناء نشاطها في السوق والتي تكون موجهة الى تنظيم التنافس الذي تخوضه هذه املؤسسات‬
‫‪1‬‬
‫بمعنى العمل على أن تكون هذه املنافسة كافية ودون أن تكون مفرطة"‪.‬‬
‫يعبر قانون املنافسة عن نظام لتنظيم السوق مثله مثل العقد في خاصية تنظيم العالقات‪ ،‬فالعقد‬
‫هو تنظيم العالقات بين األفراد‪ ،‬أما بالنسبة لقانون املنافسة فهو وسيلة لتنظيم العالقات بين‬
‫املتنافسين والفاعلين في السوق وبصورة عامة هو وسيلة لتنظيم السوق وبالتالي يعبر عن تالقي طريقتين‬
‫للتنظيم‪.‬‬
‫بالرجوع إلى املادة ‪ 01‬من ق ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة فإن املشرع نص على أنه‪ " :‬يهدف هذا األمر‬
‫إلى تحديد شروط ممارسة املنافسة في السوق وتفادي كل ممارسة مقيدة للمنافسة ومراقبة التجميعات‬
‫االقتصادية قصد زيادة الفعالية االقتصادية وتحسين ظروف معيشة املستهلكين"‪.‬‬
‫يفهم من املادة املذكورة أعاله ومن خالل ما سبق أن العقد وسيلة للدخول إلى السوق من أجل‬
‫خلق سوق تنافسية حرة‪ ،‬حتى ولو كان ذلك السوق يخضع للضبط من طرف هيئة الضبط وما أكد هذه‬
‫العالقة هو قانون املنافسة حيث تضمن مفهوم العقد في العديد من أحكامه‪ ،‬سواء نص على ذلك‬
‫صراحة أو في إطار مفهوم االتفاق وكذلك في العالقات التجارية وعليه سنتناول خصوصية هذا القانون‬
‫ثم العالقة بينه وبين العقد القائم على مبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬خصوصية قانون املنافسة‬
‫إن قانون املنافسة كما سبق وأن تطرقنا له يهدف إلى حد كبير إلى خدمة األهداف السياسية‬
‫للدولة‪ ،‬فهو أداة لتنفيذ السياسة االقتصادية واالجتماعية للدولة لذلك ال يمكن الجزم بأنه قانون خاص‬
‫على اعتبار أنه يحكم العالقات بين مصالح األشخاص الخاصة‪ ،‬كما أن قانون املنافسة ال يمثل فرعا من‬
‫فروع القانون الكالسيكية التي تقسم القوانين إلى قوانين عامة وقوانين خاصة ألنه يحتوي على العديد من‬
‫القواعد التي تجد أصلها في فروع القانون األخرى التي يشملها القانون العام وكنتيجة لذلك فإنه يمكن‬
‫القول أن ما يميز هذا الفرع من فروع القانون األخرى هو مهمة التوفيق بين املصالح املتضاربة‪ ،‬فكما يقول‬
‫الفيلسوف القانوني ‪ ":M.villey‬إن القانون يعرف من خالل غايته وأهدافه" وإذا كانت قواعد املنافسة‬

‫‪1‬‬
‫‪-frison-roche, marie Anne contrat concurrence, régulation , RTD civ, 2004, op, cit.32.‬‬
‫‪- 172 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫تهدف أساسا إلى حماية املنافسة فهي في الوقت ذاته تحرص على حماية مصالح املتنافسين أنفسهم‪ ،‬من‬
‫‪1‬‬
‫جهة ومصالح املستهلكين من جهة أخرى‪.‬‬
‫إن قواعد املنافسة تهدف كأصل عام إلى ضمان السير الحسن للسوق وتحقيق الفاعلية أي أنها‬
‫تحمي املنافسة من كل ممارسة من شأنها املساس بهاتين الغايتين‪ ،‬من أجل تحقيق الفاعلية االقتصادية‬
‫وكمثال على ذلك ما نصت عليه املادة ‪ 11‬من األمر ‪ ،203-03‬املتعلق باملنافسة التي تحظر املمارسات‬
‫التمييزية‪ ،‬التي من شأنها أن تخلق وضعية امتياز أو عدم امتياز في املنافسة‪ ،‬هذا ما يبين إبعاد نظرية‬
‫الغبن املعروفة في القانون املدني‪ ،‬ألنها تهدف الى توازن السوق من هذه الوضعيات باإلضافة إلى حماية‬
‫‪3‬‬
‫املتعاقد‪.‬‬
‫بعد ما كان املشرع يحصر محاربة الشروط التعسفية في نطاق عقود اإلذعان وفي العالقات بين‬
‫املستهلكين واملهنيين فقط دون أن تمتد هذه الحماية إلى املهنيين أنفسهم‪ ،‬وسع من هذه الحماية في نطاق‬
‫قانون املنافسة عن طريق ظهور عقود التبعية بين األعوان االقتصاديين من أجل محاربة عدم التوازن‬
‫العقدي‪ ،4‬فكل قاعدة ظاهرها حماية السوق نجدها تحتوي على معاقبة السلوكيات غير املشروعة‬
‫ً‬
‫والالتنافسية وهذا ما يشكل ميال إلى حماية طرف (الضعيف) على حساب اآلخر ولذلك أشار الفقيه‬
‫‪ l. Vogel‬أنه يوجد في القانون الخاص باملنافسة نوعان من القواعد تلك التي يتوقف تطبيقها أساسا على‬
‫سلوكيات املؤسسات‪ ،‬وقواعد مختلطة ‪ mixtes‬تتطلب بدورها توافر شرطين السيطرة على السوق‬
‫كشرط هيكلي‪ ،‬والسلوك التعسفي (كشرط سلوكي)‪.5‬‬
‫تحرص التشريعات املنظمة للمنافسة على أن تكون اللعبة التنافسية في صالح املستهلك من خالل‬
‫حصوله على السلع والخدمات التي يرغب فيها بأفضل األسعار واملواصفات‪ ،‬لذلك ّ‬
‫تضمن قانون املنافسة‬
‫القواعد الخاصة بحماية املستهلك أيضا‪ ،‬حيث تضمن مواد تتعلق بإعالم املستهلكين وحمايتهم‪...‬الخ‪ ،‬كما‬
‫أن قانون املنافسة يرتكز على تحليل السوق‪ ،‬لذلك يعتبر قانون املنافسة قانونا اقتصاديا‪ ،‬ألنه يسعى‬
‫لخدمة غايات اقتصادية (التفوق املالي جذب العمالء‪...‬الخ) وهي ظواهر اقتصادية تجعله يظهر أكثر فأكثر‬
‫قانون واقعي براغماتي‪ ،‬موجه نحو إشباع الحاجات املادية على األخص ألن قواعد املنافسة تنتقي‬

‫‪ -1‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫‪ -2‬يراجع نص املادة ‪ 11‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ -4‬ليندة قردوح‪" ،‬البطالن في قانون املنافسة كدعامة إلعادة التوازن العقدي "‪ ،‬مجلة البحوث في العقود قانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس ‪،‬‬
‫ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.108‬‬
‫‪ -5‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪- 173 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫املتنافسين األكثر فعالية من أجل تحقيق الفعالية االقتصادية دون إلغاء املبادئ العامة للقانون (الحرية‪،‬‬
‫العدالة و األمن‪.)...‬‬
‫كما أننا نجد أن قانون املنافسة يتغير ويتنوع تماشيا مع األهداف التي يخدمها أي التي تم تحديدها‬
‫‪1‬‬
‫في السياسة االقتصادية ومن ثمة فإن شرعيته تستمد وتمكن في مدى إشباعه لهذه األخيرة‪.‬‬
‫إن ما يمكن استخالصه من خالل ما سبق أن العقد وسيلة للدخول إلى السوق من أجل خلق سوق‬
‫ّ‬
‫تنافسية حرة حتى ولو كان ذلك السوق يخضع للضبط وما أكد هذه العالقة هو قانون املنافسة حيث‬
‫تضمن مفهوم العقد في العديد من أحكامه‪ ،‬سواء نص عليها صراحة أو في إطار مفهوم االتفاق وكذلك في‬
‫العالقات التجارية وسنتطرق لهذه العالقة القائمة بين العقد في مفهومه التقليدي القائم على سلطان‬
‫اإلرادة وحرية التعاقد وقانون املنافسة تباعا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العقد آلية لضبط املنافسة‬
‫يعتبر العقد املحرك األساس ي لالقتصاد‪ ،‬عن طريقه يتم تبادل السلع والخدمات بين املتعاملين‬
‫االقتصاديين في ظل نظام اقتصاد السوق ويركز على اعمال سلطان إرادة املتدخلين فيما ال يخالف‬
‫النظام العام التنافس ي‪ ،‬فالعقد املجال الخصب لوضع قواعد خاصة في السوق تصنعها إرادة األعوان‬
‫االقتصاديين وال يحد من مجال اعمالها إال مخالفة مقتضيات النظام العام االقتصادي‪.2‬‬
‫‪ -1‬العقد أداة بامتيازللمبادالت التجارية‬
‫يتجسد النشاط االقتصادي قانونيا من خالل العقود لذلك يعتبر العقد أداة فعالة في السوق‬
‫ويظهر ذلك كتقنية حصرية لتبادل الثروات وأحد اآلليات األساسية للنشاط االقتصادي‪ ،‬حيث تعتبر‬
‫الحرية العقدية أحد أسس االقتصاد الليبيرالي وركيزة للحرية االقتصادية‪ ،‬حيث يرتكز اقتصاد السوق‬
‫على التبادالت التي تنتج من تداول الثروات في السوق ويترتب على ذلك أن العقد أصبح وسيلة لتحقيق‬
‫التبادالت‪ ،‬مما يدفعنا إلى القول أنه ال يمكن أن يسير السوق بدون عقد وال بدون حرية عقدية‪.3‬‬
‫إن تخلي الدولة عن سياسة االحتكار والتوجه نحو تشجيع االستثمار واملنافسة في ظل االقتصاد‬
‫الحر‪ ،‬جعل الدولة تتجه إلى تحرير قطاعات كانت تعتبر مرافق عامة تقليدية‪ ،‬كاملياه والكهرباء والغاز‪ ،‬بل‬
‫األكثر من ذلك عمدت الدولة إلى فتح القطاعات االستراتيجية كاملحروقات وتظهر أهمية العقد في أنه‬

‫‪ -1‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫‪ -2‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫‪ -3‬خديجة فاضل‪ ،‬الحرية العقدية وقانون السوق‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪- 174 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫األداة القانونية للتواجد في السوق من أجل خلق سوق تنافسية حرة‪ ،‬مع إخضاع السوق إلى الضبط‬
‫االقتصادي وملا كان السوق يقوم أصال على مبدأ التوازن بين املنافسة الحرة ومبدأ آخر هو النظام العام‬
‫‪1‬‬
‫التنافس ي فيمكن أن يكون العقد وسيلة لتحقيق هذا التوازن‪.‬‬
‫‪ -2‬العقد وسيلة لضبط السوق‬
‫ّ‬
‫إن العقد وسيلة للتواجد في السوق كما مر معنا إال أن التطورات الالحقة آلليات السوق دلت على‬
‫أن االكتفاء بهذا الطرح أصبح متجاوزا واإلحاطة بحدود قدرة العقد على القيام بهذه األدوار الجديدة‬
‫سيمكننا الحقا من الوقوف على املدى الذي يصل إليه التوجه التعاقدي في قانون املنافسة‪ ،‬فهناك توجه‬
‫يرحب بمساهمة العقد في هيكلة وضبط السوق والتنظيمات االقتصادية الفاعلة فيه وفي هذا الصدد‬
‫يرى الدكتور قادة شهيدة بأن ‪" :‬إسهامات التقنيات التعاقدية جد واعدة‪ ،‬طاملا أن تنظيم تداول القيم‬
‫التنافسية بين املشروعات أصبح يتم عن طريق العقود وحدود الدور املستقبلي للعقد لن يتوقف عند هذا‬
‫املستوى‪ ،‬بل إن هناك رهانات جديدة باتت مطروحة في مجال الضبط واملوازنة‪.2‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬استحداث سلطات الضبط االقتصادي‪ :‬املفهوم الجديد لتدخل الدولة‬
‫نتج عن تخلي الدولة عن النظام االشتراكي انتهاج النظام الليبيرالي والتوجه إلى اقتصاد السوق‪ ،‬بعد‬
‫اآلثار السلبية التي خلفها النظام االشتراكي واالتجاه نحو العوملة‪ ،‬فبعد ما كانت مهيمنة على السوق وفي‬
‫مست جميع‬‫كل جوانبه‪ ،‬أدى هذا األسلوب التدخلي إلى آثار سلبية تسببت في أزمة اقتصادية حادة ّ‬
‫امليادين‪ ،‬فأصبح من الضروري إعادة النظر في الوظائف وتكيفها مع التحوالت الداخلية والعاملية‬
‫الجديدة‪ ،‬وبذلك تم استحداث سلطات الضبط االقتصادي باعتبارها العمود الفقري لالقتصاد في‬
‫مختلف القطاعات‪ 3‬وهذا ما ستناوله في (الفرع األول)‪ ،‬كما أن إسناد الدولة مهمة الضبط لهذه‬
‫السلطات اإلدارية والتخلي عن دورها التدخلي املباشر كان البد أن يكون عبر آلية النظام العام االقتصادي‬
‫في بعده التنافس ي والذي يظهر فيه الطابع التوجيهي بصورة واضحة مقارنة مع النظام االقتصادي في‬
‫طابعه الحمائي وهو ما سنتناوله في (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫‪ -1‬عز الدين عيساوي‪ " ،‬العقد كوسيلة لضبط السوق "‪ ،‬مجلة املفكر‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪ -2‬لخضر حليس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫‪ -3‬داود منصور‪ ،‬اآلليات القانونية لضبط النشاط االقتصادي في الجزائر‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم‪ ،‬تخصص قانون األعمال‪،‬‬
‫جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة ‪،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ، 2016 -2015 :‬ص ‪.71‬‬
‫‪- 175 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫الفرع األول‪ :‬الضبط االقتصادي يمثل العمود الفقري لالقتصاد‬


‫يجسد الضبط االقتصادي‪ 1‬هجر الدولة للتنظيم في املجال االقتصادي وقيامها بالضبط‪ ،‬لضمان‬
‫استقرار حرية السوق بدل توجيهه وهو تصور ليبيرالي يرفض كل تدخل للدولة‪ ،‬حيث أصبح املصطلح‬
‫الجديد املتعامل هو مصطلح الدولة الضابطة‪ ،‬إن هذا التحول في وظيفة الدولة هو ّ‬
‫الدافع لخلق‬
‫مؤسساتية للضبط بحجة أن املؤسسات اإلدارية التقليدية لم تعد قادرة على تلبية الحاجة الجديدة في‬
‫الضبط وحماية الحريات‪ ،‬كما أن البناء املؤسساتي التقليدي ليس قادرا على االستجابة ملتطلبات التدخل‬
‫الفعال السريع ملواكبة تطور العلوم‪ 2‬وسنتناوله في هذا الفرع (أوال) مفهوم الضبط االقتصادي‪( ،‬ثانيا)‬
‫مظاهره‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم الضبط االقتصادي‬
‫سنتناول تحديد مفهوم الضبط االقتصادي من خالل التطرق الى التعريف الفقهي للضبط‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫ّ‬
‫عرف األستاذ " ‪ " Jobart‬الضبط كما يلي‪ " :‬الضبط هو الشكل الجديد للقانون الذي يسعى بوسائل‬
‫مرنة إلى حث وتوجيه ومالئمة السلوك االجتماعي"‪.‬‬
‫كما ّ‬
‫صرح أحد الكتاب أن‪" :‬الضبط ليس إنكار دور الدولة في العمل الجديد في املجال االقتصادي‬
‫ولكن هو طريقة أخرى لتحرك الدولة بفلسفة اجتماعية جديدة‪.3"...‬‬
‫ذهب األستاذ زوايمية رشيد أن الضبط ما هو إال طريقة جديدة لتدخل الدولة التي انتقلت من‬
‫ميكانيزمات الرقابة إلى أشكال جديدة من التدخل تسمى بالضبط‪ ،‬فبعد أن كانت دولة حارسة أصبحت‬
‫دولة ضابطة خالفا ملا يمكن فهمه من عبارة انسحاب الدولة من الحقل االقتصادي‪ ،‬فإن االنتقال من‬

‫‪ -1‬ظهر مصطلح الضبط االقتصادي في امليدان القانوني أول مرة في الواليات املتحدة األمريكية خالل ‪ 1933‬مباشرة بعد أزمة ‪ 1929‬وكأثر من‬
‫آثارها‪ ،‬حيث أصدر الرئيس " روزفلت " قرارا إلنشاء مجموعة من الهيئات لرقابة السوق املالية وغيرها وضمان السير الحسن ومنع االحتكار‬
‫بفتح املجال للمنافسة املشروعة‪ ،‬ويراد به تدخل الهيئات العامة ملراقبة املتعاملين االقتصاديين في السوق وما لبث أن تأثرت به التشريعات‬
‫األخرى‪ ،‬لتكرسه في منظومتها القانونية ال سيما التشريع الفرنس ي‪ ،‬الذي اقتبس منه املشرع الجزائري بدوره النصوص القانونية املجسدة‬
‫لفكرة الضبط‪ ،‬على أثر اإلصالحات السياسية واالقتصادية التي قام بها في أواخر الثمانينات‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص يسمينة شيخ أعمر‪،‬‬
‫توزيع االختصاص ما بين مجلس املنافسة وسلطات الضبط القطاعية في الجزائر‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة‬
‫بجاية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2009 -2008 :‬ص ‪.24‬‬
‫‪ -2‬عائشة خليل‪ ،‬دور السلطات اإلدارية املستقلة في تجديد الشريعة العامة للعقود‪ ،‬مذكرة لنيل درجة املاجستير في العقود القانونية‪ ،‬فرع‬
‫قانون األعمال‪ ،‬جامعة ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬قاملة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم القانونية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2016 -2015 :‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -3‬عائشة خليل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪- 176 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫اقتصاد تديره الدولة إلى اقتصاد يديره السوق سيكون بالضرورة عن طريق خلق أساليب جديدة لتدخل‬
‫الدولة الذي يمكن تلخيصه في مصطلح الضبط‪.1‬‬
‫إن الضبط االقتصادي ّ‬
‫يجسد التغيير الذي طرأ على التقسيم التقليدي لكل من القانون العام‬
‫والقانون الخاص بسبب تطور وظيفة الدولة وهو يعبر عن غزو القانون العام للقانون الخاص‪ ،‬إذ‬
‫أصبحت العالقات يحكمها القانون الخاص وهي تنظيمية أكثر مما هي تعاقدية كما يعني هذا التغيير أيضا‬
‫خصخصة القانون العام‪ ،‬إذ أصبحت الدولة تباشر نشاطات اقتصادية وتجارية وتتعامل عن طريق تقنية‬
‫العقد‪ ،‬فلم تبقى حدود كل من القانون العام والقانون الخاص ثابتة وال مستقرة‪.2‬‬
‫من خالل ما سبق يمكن القول أن قانون الضبط االقتصادي قد تجاوز التقسيم التقليدي للقانون‬
‫إلى عام وخاص‪ ،‬كما أن سلطات الضبط االقتصادي تعمل على االستماع إلى املجتمع املدني وتالحظ‬
‫الوقائع وترصد مصالح وأهداف هذا املجتمع لتصوغ على أساس ذلك قواعد ضبطية ولكن هذه األجهزة‬
‫والسلطات توصف على أنها "إدارية" لذلك يمكن حل هذا التناقض بالقول بأن قانون الضبط هو قانون‬
‫مختلط‪.3‬‬
‫ثانيا‪ :‬مظاهرالضبط االقتصادي‬
‫كان السبق في إنشاء هيئات الضبط املستقلة يرجع ألمريكا‪ ،‬عندما حاولت التحييد السياس ي‬
‫لإلدارة‪ ،‬لضمان استقرار الهيئات الخاضعة لحماية السلطات التشريعية ممثلة في الكونغرس‪ ،‬وكذلك‬
‫إلسباغ العقالنية على نشاط اإلدارة وكان ظهور هذه السلطات على شكل لجان‪ ،‬أما بالنسبة لفرنسا فقد‬
‫تأخر ظهور هذه السلطات فيها مقارنة بأمريكا وانجلترا‪ ،‬وكان ّأول ظهور لهذا املفهوم بمناسبة قانون‬
‫اإلعالم اآللي والحريات رقم ‪ ،17-78‬الصادر في ‪ 7‬جانفي ‪ 1978‬والذي بموجبه تم إنشاء اللجنة الوطنية‬
‫لإلعالم اآللي والحريات‪.4 Cnil‬‬
‫كرس املشرع سلطات الضبط االقتصادي بعد أن تخلت الدولة عن النظام االشتراكي و انتهجت‬
‫اقتصاد السوق‪ ،‬لذلك لجأت إلى إنشاء سلطات إدارية مستقلة تتكفل بوظيفة الضبط االقتصادي‬
‫كمرحلة انتقالية في انتظار تحرير وسائل اإلنتاج من رقابة السلطات العمومية ولقد تجسد ذلك سنة‬

‫‪ -1‬عائشة خليل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬


‫‪ -2‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2010 ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ -3‬عائشة خليل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -4‬الشاذلي زيبار‪" ،‬النظام القانوني السلطات الضبط االقتصادي في القانون الجزائري"‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات األكاديمية‪ ،‬العدد الرابع‪،‬‬
‫ديسمبر‪ ،2014 ،‬ص ‪.211‬‬
‫‪- 177 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫‪ 1990‬بإنشاء املجلس األعلى لإلعالم بموجب القانون ‪ 07-90‬املتعلق باإلعالم‪ ،1‬حيث نصت املادة ‪ 59‬منه‬
‫على أنه سلطة إدارية مستقلة بنصها على أن " ُيحدث مجلس أعلى لإلعالم وهو سلطة إدارية مستقلة‪."...‬‬
‫ولقد مر انشاء هذه السلطات اإلدارية املستقلة بمرحلتين كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬املرحلة األول‪ :‬وهي الفترة املمتدة من سنة ‪ 1990‬الى سنة ‪ .2000‬حيث تميزت هذه املرحلة بتباطؤ إنشاء‬
‫هذه السلطات ولقد تم إنشاء ستة سلطات ضبط فقط وهي‪:‬‬
‫‪ -‬املجلس األعلى لإلعالم الذي ُحل سنة ‪ 1993‬بموجب املرسوم الرئاس ي ‪ 252-93‬املتعلق باملجلس األعلى‬
‫لإلعالم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مجلس النقد والقرض بموجب القانون ‪.10-90‬‬
‫‪ -‬اللجنة املصرفية‪ ،‬التي ينظر إليها على أنها سلطة إدارية مستقلة وقد أنشئت بواسطة القانون رقم ‪-84‬‬
‫‪ ،46‬في ‪ 24‬جانفي ‪ 1984‬املتعلق بنشاط ومراقبة مؤسسات القرض‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة‪ ،‬بموجب املرسوم التشريعي ‪.10-93‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬مجلس املنافسة بموجب األمر ‪.06-95‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬وسيط الجمهورية بموجب املرسوم الرئاس ي ‪.113-96‬‬
‫‪ -2‬املرحلة الثانية‪ :‬تمتد هذه املرحلة من سنة ‪ 2000‬إلى يومنا هذا‪ ،‬حيث شاع فيها إنشاء السلطات‬
‫اإلدارية املستقل ة وتعديل معظم النصوص القانونية للسلطات التي أنشئت في املرحلة السابقة وأهم‬
‫‪6‬‬
‫السلطات التي تم إنشاؤها نتناولها تباعا‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬سلطة ضبط البريد واملواصالت السلكية والالسلكية بموجب القانون ‪.03- 2000‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬سلطة ضبط التبغ واملواد التبغية بموجب القانون ‪.06 -2000‬‬

‫‪ -1‬املؤرخ في ‪ 03‬أفريل ‪( ،1990‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 04‬أفريل ‪ ،1990‬ع ‪ ،14‬ص ‪ ،)458‬املعدل واملتمم‪.‬‬


‫‪ -2‬الذي سبقت االشارة اليه‪ ،‬امللغى بموجب األمر ‪ 11-03‬املؤرخ في ‪ 26‬أوت ‪ ،2003‬يتعلق بالنقد والقرض‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في‪ 26‬أوت ‪،2003‬‬
‫عدد‪ ،52‬ص ‪ ،)03‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -3‬املؤرخ في ‪ 23‬ماي ‪ ،1993‬املتعلق ببورصة القيم املنقولة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 23‬ماي ‪ ،1993‬ع ‪ ،34‬ص ‪ )4‬معدل ومتمم باألمر ‪،10-96‬‬
‫مؤرخ في ‪ 10‬جانفي ‪( ،1996‬ج ر‪ ،‬الصادرة سنة ‪ ،1996‬ع ‪ ،3‬ص ‪ ) 34‬والقانون رقم ‪ ،04-03‬املؤرخ في ‪ 17‬فيفري ‪( 2003‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ‬
‫‪ 19‬فيفري ‪ ،2003‬ع ‪ ، 11‬ص ‪.)20‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ 1995‬يتعلق باملنافسة‪ ،‬امللغى‪ ،‬الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -5‬املؤرخ في ‪ 23‬مارس ‪ ،1996‬يتضمن تأسيس وسيط الجمهورية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ ،1996‬ع ‪ ،20‬ص ‪.)4‬‬
‫‪ -6‬الشاذلي زيبار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.213‬‬
‫‪ -7‬املؤرخ في ‪ 5‬أوت ‪ ،2000‬املتعلق بالقواعد العامة للبريد واملواصالت السلكية والالسلكية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 06‬أوت ‪،2000‬‬
‫ع ‪ ،48‬ص ‪ )3‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪- 178 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الوكالة الوطنية للممتلكات املنجمية بموجب القانون ‪.10-01‬‬
‫‪ -‬الوكالة الوطنية للجيولوجيا والرقابة املنجمية بموجب القانون ‪.01-01‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬لجنة ضبط الكهرباء والغاز بموجب القانون ‪.01-02‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬سلطة ضبط املحروقات بموجب القانون ‪.07-05‬‬
‫‪ -‬الوكالة الوطنية لتثمين موارد املحروقات بموجب القانون ‪.07-05‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬سلطة ضبط املياه بموجب القانون ‪.12-05‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬لجنة اإلشراف على التأمينات بموجب القانون ‪.04-06‬‬
‫‪ -‬الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد بموجب القانون ‪.01-06‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬الوكالة الوطنية للموارد الصيدالنية بموجب القانون ‪.13-08‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬سلطة ضبط الصحافة املكتوبة بموجب القانون العضوي ‪.05-12‬‬
‫‪ -‬سلطة ضبط السمعي البصري بموجب القانون العضوي ‪.05-12‬‬
‫‪ -‬خلية االستعالم املالي‪.‬‬
‫منح املش رع لسلطات الضبط في املجال االقتصادي صالحيات واسعة تتعدى تلك الصالحيات‬
‫املمنوحة للهيئات اإلدارية التقليدية‪ ،‬كصالحية توجيه األوامر ومراقبة الدخول إلى السوق القطاعي‬
‫‪9‬‬
‫وسلطة التحقيق واالختصاص التنظيمي وصالحية توقيع عقوبات إدارية‪.‬‬

‫‪ -1‬املؤرخ في ‪ 23‬ديسمبر ‪ ،2000‬املتضمن قانون املالية لسنة ‪( ،2001‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 24‬ديسمبر ‪ ،2000‬ع ‪ ،80‬ص ‪.) 03‬‬
‫‪ -2‬املؤرخ في ‪ 3‬جويلية ‪ ،2001‬املتعلق باملناجم‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬جويلية ‪ ،2001‬ع ‪ ،35‬ص ‪ ،)02‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -3‬املؤرخ في ‪ 5‬فيفري ‪ ،2002‬املتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز عن بواسطة القنوات‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 06‬فيفري ‪ ،2002‬ع ‪،8‬‬
‫ص ‪.)02‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ ،2005‬يتعلق باملحروقات ( ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 22‬جوان ‪ ،2005‬ع ‪ ،50‬ص ‪ ،) 3‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -5‬املؤرخ في ‪ 4‬أوت ‪ ،2005‬املتعلق باملياه‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬سبتمبر ‪ ،2005‬ع ‪ ،6‬ص ‪،)03‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -6‬املؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ،2006‬املعدل واملتمم لألمر رقم ‪ ،04-95‬املتعلق بالتأمينات‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬مارس‪ ،2006‬ع ‪،44‬‬
‫ص ‪.)03‬‬
‫‪ -7‬املؤرخ في ‪ 20‬جويلية ‪ ،2008‬املعدل واملتمم لألمر ‪ ،05 -85‬املتعلق بحماية وترقية الصحة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ ،)2008‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -8‬القانون العضوي رقم ‪ 05-12‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ ،2012‬املتعلق باإلعالم‪ ( ،‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 15‬جانفي ‪ ،2012 ،‬ع ‪ ، 02‬ص ‪،)21‬‬
‫املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -9‬أحمد بعجي‪" ،‬من أجل إصالح النظرية العامة للعقد"‪ ،‬بحوث جامعة الجزائر‪ ،1‬الجزء األول‪ ،‬العدد ‪ ،2020 ،14‬ص ‪.442‬‬
‫‪- 179 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬
‫ّ‬
‫إن تطور وظيفة الدولة وانتقالها من مفهوم الدولة املتدخلة إلى مفهوم الدولة الضابطة أثر على‬
‫مضمون القواعد القانونية وأدى إلى إنشاء سلطات إدارية مستقلة تهتم بمراعاة التوازن ما بين الحقوق‬
‫وااللتزامات ما بين الفاعلين في السوق و مراعاة التوازن التعاقدي ما بين األطراف‪ ،‬هذا ما دفع البعض إلى‬
‫القول أن السلطات اإلدارية املستقلة أصبحت تمثل مصدرا جديدا في قانون العقود وقد ّبرر الفقه هذا‬
‫التدخل من السلطات اإلدارية املستقلة في العقد‪ ،‬من زاوية فشل وعدم قدرة الوسائل الفردية باملقارنة‬
‫مع الوسائل الجماعية‪ ،‬وهذا ما يظهر من خالل تدخل مجلس املنافسة للدفاع عن املصالح العامة‪.‬‬
‫لقد أكد الفقه أن وظيفة الضبط املوكلة للسلطات اإلدارية املستقلة تتولى تأطير عملية التدخل في‬
‫األنشطة والقطاعات‪ ،‬خاصة عندما يكون التأطير أكثر ايجابية‪ ،‬من خالل البحث عن التوازن بين‬
‫الحقوق والواجبات لكل الفاعلين في السوق أو القطاع ومن جهة أخرى فالضبط لديه عدة مجاالت‬
‫وغايات‪ ،‬فأحيانا يسعى إلى ترقية الحريات األساسية للفرد وكذلك ترقية الحريات االقتصادية وأحيانا‬
‫أخرى يسعى إلى حماية السوق واملنافسة وأحيانا أخرى تسعى سلطات الضبط لحماية بعض الفئات‬
‫املتعاقدة وبالتالي فاألهداف مختلفة من جانب سلطات الضبط ألنها تراعي فكرة التوازن أكثر من فكرة‬
‫‪1‬‬
‫اإلجبار والسلطة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬النظام العام التنافس ي‬
‫إن النظام العام الت وجيهي كما سبق وأن مر معنا يقوم على أسس اقتصادية واجتماعية سائدة في‬
‫مجتمع ما وبالتالي فإن الدولة تسعى من خالله إلى فرض توجه اقتصادي واجتماعي معين ويظهر ذلك من‬
‫خالل التدخل في العقود باعتبارها أداة املبادالت االقتصادية وبما أن النظام العام التوجيهي من خالله‬
‫معين فإن قواعده تكون حسب النظام االقتصادي‬ ‫تسعى الدولة إلى تحقيق توجه اقتصادي واجتماعي ّ‬

‫املنتهج من قبل الدولة‪ ،‬فانتهاج الدولة القتصاد السوق يجعل من قواعد النظام العام التوجيهي قواعد‬
‫تهدف الى تحقيق املنافسة الحرة ومنع االحتكار‪ ،‬هذا ما يؤكد تغليب الطابع التوجيهي في النظام العام‬
‫التنافس ي (أوال)‪ ،‬مع الظهور املحتشم لقواعد النظام الحمائي (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تغليب الطابع التوجيهي في النظام العام التنافس ي‬
‫إن تحديد الهدف من وجود قواعد قانون املنافسة يؤدي إلى صعوبة تحديد طبيعة املصلحة‬
‫املحمية‪ ،‬فقواعد النظام العام االقتصادي الحمائي أكثر وضوحا في مجال حماية املستهلك أو حماية‬

‫‪ -1‬أحمد بعجي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.256‬‬


‫‪- 180 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫العامل‪ ،‬ألنه يهدف إلى الدفاع على حرية املتعاقد الذي ُيفترض أنه في حالة ضعف اقتصادي أو معرفي‬
‫مقارنة مع الطرف اآلخر الذي يمتلك القوة االقتصادية واملعرفة‪ ،‬مما يؤثر على رضا املتعاقد الضعيف‬
‫فيدفعه إلى التعاقد بشروط غير عادلة‪ 1،‬أما في مجال املنافسة فهناك تردد بين النظام العام الحمائي‬
‫والتوجيهي وبما أن قانون املنافسة ال يحمي املتنافسين بل املنافسة أي السوق فهذا ما يؤكد أنه قانون‬
‫النظام العام التوجيهي وهذه الحجج استند عليها العديد من الفقهاء للقول بأن قانون املنافسة ال يحمي‬
‫‪2‬‬
‫املتنافسين وإنما املنافسة أي السوق‪.‬‬
‫إن قواعد املنافسة تهدف في األصل إلى ضمان السير الحسن للسوق وتحقيق الفاعلية وبمعنى آخر‬
‫حماية هذه األخيرة من كل ممارسة من شأنها املساس بهاتين الغايتين من أجل تحقيق التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية للبلد على وجه الخصوص ويظهر ذلك جليا من خالل حظر املمارسات التي يكون موضوعها‬
‫أو من آثارها منع أو تضييق أو عرقلة الحرية التنافسية في السوق‪ ،‬فمثال إذا رجعنا إلى القواعد التي‬
‫تضبط املمارسات املحظورة التي تضيق املنافسة قد يقول قائل أنها ترمي إلى حماية مصالح خاصة‬
‫للمتنافسين‪ ،‬أو املتعاقدين لكن هذه القواعد وهي تقوم بهذه املهمة تكون في ذات الوقت موجهة إلى ضمان‬
‫‪3‬‬
‫السير الحسن للسوق واملنافسة والغاية األساسية من ورائها هي املحافظة على النظام العام االقتصادي‪.‬‬
‫من األمثلة التي يمكن أن نضربها في التدليل على أن قواعد املنافسة تهدف إلى حماية السوق في حد‬
‫ذاتها وليس حماية املتنافسين أو املتعاقدين هو املادة ‪ 11‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة التي تنص‬
‫‪4‬‬
‫صراحة على أن التمييز من شأنه أن يخلق وضعية امتياز أو عدم امتياز في املنافسة‪.‬‬
‫وعليه فإن تنظيم الوضعيات التمييزية في إطار قواعد املنافسة يترجم تطورا وتقدما في ابعاد نظرية‬
‫الغبن املعروفة في القانون املدني‪ ،‬ألنه باإلضافة إلى حماية الشخص املتعاقد فإن الهدف من هذا التنظيم‬
‫‪5‬‬
‫هو توازن السوق‪.‬‬

‫‪ -1‬ليندة قردوح‪ " ،‬البطالن في قانون املنافسة كدعامة إلعادة التوازن العقدي"‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪،‬‬
‫ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -3‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ -4‬تنص املادة ‪ 11‬من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه على ما يلي ‪":‬يحظر على كل مؤسسة التعسف في استغالل‬
‫وضعية التبعية ملؤسسة أخرى بصفتها زبونا أو ممونا اذا كان ذلك يخل بقواعد املنافسة ويتمثل عدم التعسف على الخصوص في رفض البيع‬
‫بدون مبرر شرعي‪ ،‬البيع املتالزم أو التمييزي‪ ،‬البيع املشروط باقتناء كمية دنيا‪ ،‬االلتزام بإعادة البيع بسعر أدنى‪ ،‬قطع العالقة التجارية بمجرد‬
‫رفض املتعامل الخضوع لشروط تجارية غير مبررة‪ ،‬كل عمل آخر من شأنه أن يقلل أو يلغي منافع املنافسة داخل السوق"‪.‬‬
‫‪ -5‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.40 -39‬‬
‫‪- 181 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫بما أن النظام العام التوجيهي تسعى من خالله الدولة إلى تحقيق توجه اقتصادي واجتماعي معين‬
‫فإن قواعده تكون حسب النظام االقتصادي املنتهج من قبل الدولة‪ ،‬فانتهاج الدولة القتصاد السوق‬
‫يجعل من قواعد النظام العام التوجيهي قواعد في سبيل تحقيق املنافسة الحرة ومنع االحتكار‪ ،‬وإطالق‬
‫حرية األسعار‪ ،‬وإخضاعها لقانون العرض والطلب أما في حالة انتهاج الدولة أسلوب االقتصاد املخطط‬
‫فإن قواعد النظام العام التوجيهي الهدف منها ضبط االقتصاد عن طريق تنظيم التجارة واإلنتاج‬
‫والتسويق واالستثمار وتوجيه املؤسسات االقتصادية وبالنسبة للجزائر فإننا نالحظ تأرجح ما بين انتهاج‬
‫‪1‬‬
‫االقتصاد املوجه واقتصاد السوق‪ ،‬وهو ما جعل من قواعد النظام العام التوجيهي أيضا متأرجحة‪.‬‬
‫ويميز الفقيه ‪ Carbonnier‬بين النظام العام الحمائي والنظام العام التوجيهي في أن هدف النظام‬
‫العام الحمائي هو حماية الطرف الضعيف اقتصاديا في بعض العقود‪ ،‬في حين أن النظام العام التوجيهي‬
‫يرتبط بالتوجيهات املتعلقة باالقتصاد الوطني واستبعاد كل ما يعوق هذه التوجيهات‪ ،‬لذلك تنازل النظام‬
‫‪2‬‬
‫العام الحمائي عن مكانه للنظام العام التوجيهي‪.‬‬
‫إن ازدواجية قانون املنافسة تجعل من النظام العام االقتصادي التوجيهي يتعارض مع النظام‬
‫العام الحمائي‪ ،‬ألن األول يضع القواعد اآلمرة التي توجه السياسة االقتصادية واملالية والنقدية للدولة‪ ،‬في‬
‫حين أن الثاني يضع القواعد اآلمرة التي يهدف املشرع من ورائها إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة‬
‫العقدية‪ ،‬فالنظامين يتمايزان بحسب طبيعة املصالح املحمية وإذا كان األصل أن الغاية من قانون‬
‫املنافسة هو حماية املنافسة أو السوق فإن هذا ال يمكن أن يؤدي إلى حصول تعارض بين املصلحة العامة‬
‫التي هي حماية السوق واملصلحة الخاصة املرتبطة باحترام قواعد املنافسة‪ ،‬لذلك اعتبر البعض أن‬
‫النظام العام االقتصادي في مجال املنافسة له طابع خاص ولم يعد النظام العام االقتصادي توجيهيا بعد‬
‫تكريس حرية املنافسة وإنما أصبح كنظام اقتصادي جديد ‪ un nouvel ordre économique‬ألنه يكرس‬
‫مبدأ اقتصاد السوق مع إخضاع االقتصاد إلى الرقابة‪ ،‬لذلك اعتبره البعض من الفقه بأنه نظام عام‬
‫تنظيمي ‪ ordre public d’organisation‬أو أنه نظام عام مختلط ألنه يجمع في بعض األحيان بين حماية‬
‫‪3‬‬
‫فئة من املتعاملين وحماية القواعد التي تحكم العالقة االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -1‬منصف بوعريوة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ -2‬سامي بن حملة‪" ،‬قانون العقود في مواجهة قانون املنافسة"‪ ،‬امللتقى الدولي الخامس‪ ،‬القانون املدني بعد أربعين سنة‪ ،‬جامعة الجزائر‪،1‬‬
‫يومي ‪ 24‬و ‪ 25‬أكتوبر ‪ ،2016‬ص ‪.285‬‬
‫‪ -3‬سامي بن حملة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.286‬‬
‫‪- 182 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫وفي نظرنا فإن املشرع من خالل قانون املنافسة غلب قواعد النظام العام التوجيهي بمواءمة العقد‬
‫مع سياسة الدولة في االقتصاد وإن كان هذا الضبط االقتصادي يحمل في طياته أهدافا أخرى متفرعة‬
‫عنه ومكملة له تتمثل على وجه الخصوص في حماية املتعاملين االقتصاديين من تصرفات منافسيهم غير‬
‫املشروعة وفي هذا اإلطار يقول كبير الفقهاء ‪" : l.vogel‬أنه يوجد في القانون الخاص باملنافسة نوعان من‬
‫القواعد‪ ،‬تلك التي يتوقف تطبيقها أساسا على سلوكيات املؤسسات وقواعد أخرى مختلطة تتطلب‬
‫بدورها توافر شرطين‪ ،‬السيطرة على السوق (كشرط هيكلي) والسلوك التعسفي (كشرط سلوكي)‪ 1،‬كما‬
‫أن هناك ارتباط وثيق بين مبدأي شرعية املنافسة وحماية املستهلك بحيث أن التشريعات املنظمة‬
‫للمنافسة تحرص على أن تكون اللعبة التنافسية في صالح املستهلك من خالل حصوله على السلع‬
‫والخدمات التي يرغب فيها بأفضل األسعار واملواصفات‪ ،‬لذلك كان ال بد أن تقحم القواعد الخاصة‬
‫‪2‬‬
‫بحماية املستهلك ضمن قواعد قانون املنافسة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬دورالنظام العام التوجيهي في مواجهة جائحة كورونا‪covid19.‬‬


‫شكلت جائحة كورنا ‪ 3‬أزمة اقتصادية عالية التأثير م ّست جميع أنحاء العالم وألقت بتداعياتها على‬
‫كل مناحي الحياة االقتصادية بشكل جعل الخبراء واملختصين يرفعوا من سقف توقعاتهم بشأن حدوث‬
‫ان كماش اقتصادي خطير‪ ،‬بناءا على حالة الركود والكساد االقتصادي التي خلفتها الجائحة في األشهر‬
‫األولى من بداياتها ولقد خلفت عائقا حقيقيا أمام انسيابية الحياة االقتصادية وديناميكيتها على املستوى‬
‫العالمي وكذا حالة إغالق األسواق والقطاعات االقتصادية بسبب الجائحة وقد أطلق على هذه األزمة‬

‫‪ -1‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ -3‬ظهر مرض كوفيد‪ 19‬الذي يسببه فيروس كورنا كحاالت عدوى للبشر في مدينه ووهان الصينية في أواخر عام ‪ 2019‬وتحديدا في شهر‬
‫ديسمبر وسرعان ما امتدت عدواه إلى معظم دول العالم مسببا إصابة وعدوى املاليين ووفاة آالف البشر‪ ،‬ويعتقد أن منشأ فيروس كورونا‬
‫حيواني طبيعي واألكثر تحديدا الخفافيش حيث يتسبب املرض بالتأثير على الجهاز التنفس ي وتختلف حدته من شخص آلخر‪ ،‬حيث يزيد مع‬
‫أصحاب األمراض املزمنة وكبار السن خاصة ذوي املناعة األقل‪ ،‬كما تتزايد حدة الخطورة مع األشخاص الذين يعانون مشاكل طبية أصال‪،‬‬
‫مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب والرئتين أو داء السكري أو السرطان وتعد ّ‬
‫الحمى واإلرهاق والتعب والرشح واحتقان األنف واإلسهال‬
‫وآالم الحلق أبرز األعراض‪ ،‬إال أنها تتفاوت بين الناس وقد تتطور األمور الى مشاكل تنفسية والتهابات بالجهاز التنفس ي تؤدي بحياة االنسان‬
‫املصاب يراجع في هذا الخصوص أحمد فايز الهرش‪" ،‬أزمة فايروس كورنا‪ ،‬العوملة ودور جديد للدولة اقتصاديا"‪ ،‬مجلة االقتصاد الدولي‬
‫والعوملة‪ ،‬املجلد‪ ،3‬العدد‪ ،2020 ،2‬ص ‪ ،247-230‬ص ‪.232‬‬
‫‪- 183 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫"أزمة اإلغالق الكبير"‪ 1‬وبالنسبة للجزائر فإنها على غرار باقي دول العالم وجدت نفسها متأثرة بتداعيات‬
‫جائحة كورنا على اقتصادها‪ ،‬نظرا لخصوصية االقتصاد الجزائري كاقتصاد ريعي قائم على مداخيل‬
‫املحروقات‪ ،‬فكان التأثير مزدوجا بسبب تراجع الطلب على املحروقات وتهاوي أسعار النفط العاملية‪ ،‬حيث‬
‫بلغ معدل النمو االقتصادي الجزائري في سنة ‪ 2019‬نسبة ‪ %0.8‬من حيث الحجم مقابل ‪ %1.4‬لسنة‬
‫‪ 2018‬ومع تفش ي وباء كوفيد ‪ 19‬وجد االقتصاد الجزائري نفسه أمام جملة من التحديات ّ‬
‫مست عدة‬
‫قطاعات أهمها قطاع املحروقات‪ ،‬حيث انحسر سوق النفط العالمي جراء أزمة كورنا في تقليص مستوى‬
‫الصادرات الجزائرية للبترول والغاز بنسبة ‪ %7.5‬خالل العام الجاري ‪ ،2020‬لهذا توقعت الحكومة‬
‫الجزائرية انخفاضا ملداخيل املحروقات إلى ‪ 20,6‬مليار دوالر مقابل ‪ 37,4‬مليار دوالر كانت متوقعة في‬
‫‪2‬‬
‫قانون املالية األولى ل ‪.2020‬‬
‫كما أن تدابير تقييد الحركة والنقل املتخذة في الجزائر توقف بسببها حوالي‪ % 50‬من الطاقة‬
‫العمالية‪ ،‬مما أثر على قطاع الصناعة‪ ،‬هذا باإلضافة إلى تأثير وباء كوفيد ‪ 19‬على قطاع النقل وقطاع‬
‫السياحة مما أثر على القطاع الجبائي‪ ،‬وانعكس ذلك على تفش ي البطالة في الجزائر‪ ،‬حيث توقع صندوق‬
‫النقد الدولي أن ينكمش االقتصاد الجزائري بنسبة ‪ 5.2‬في املائة في عام ‪ 2020‬مما سيرفع نسبة البطالة إلى‬
‫‪3‬‬
‫أكثر من ‪ 15‬في املائة‪.‬‬
‫ترتكز الدول على السياسات املالية والنقدية في تحقيق االستقرار املالي والنمو االقتصادي نظرا‬
‫الدور تأكد عمليا في ظل جائحة كورونا‪ ،‬حيث أكد بنك التنمية اآلسيوي‬ ‫لنجاعتها في مجابهة األ مات وهذا ّ‬
‫ز‬
‫أن االستجابة السريعة للحكومات من جميع أنحاء العالم في تفعيل سياستها االقتصادية ملحاصرة اآلثار‬
‫االقتصادية للوباء قد ساهمت في التقليل من الخسائر االقتصادية العاملية بسبب جائحة كورونا إلى ما‬
‫بين ‪ 4.1‬ترليون دوالر و ‪ 5.4‬تريليون دوالر‪ ،‬إال أن السياسة املالية والنقدية في الجزائر تتأثر بأسعار‬
‫البترول حيث أن ارتفاع أسعار البترول سيدعم السياسة املالية والنقدية‪ ،‬كما أن تراجع أسعار البترول‬
‫سيعقد من عمل السياسة االقتصادية ككل‪ ،‬ويضعف من فعالية أدواتها ويقلل من مردوديتها ويدفع‬ ‫ُ‬
‫الحكومة إلى االستدانة لتأمين هذه املوارد‪ ،‬وهذا ما يؤكد أن تراجع أسعار النفط خالل هذه املرحلة يشكل‬
‫عائقا أمام الحكومة الجزائرية في تفعيل سياساتها املالية والنقدية‪ ،‬خاصة وأن هذه السياسات موجهة‬

‫‪ -1‬أحمد فايز الهرش‪.169 ،‬‬


‫‪ -2‬صالح الدين بولعراس‪" ،‬االقتصاد الجزائري في ظل التداعيات العاملية لجائحة كورنا بين االستجابة اآلنية واملواكبة البعدية"‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫االقتصادية وعلوم التسيير املجلد ‪ ،20‬العدد الخاص حول اآلثار االقتصادية لجائحة كورونا‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2020‬ص ‪ ،182-163‬ص ‪.169-168‬‬
‫‪ -3‬أحمد صالح الدين بولعراس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪- 184 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫لتحقيق توازن اقتصادي صعب في ظل تداعيات أزمة خانقة ومنه يمكن القول أن دور السياسة‬
‫االقتصادية في تحقيق االنتعاش االقتصادي وتحقيق آثار كورنا في الجزائر يعتبر تحديا كبيرا للحكومة في‬
‫ظل هذه الظروف االستثنائية‪ ،‬حيث أصبح الوضع االقتصادي تحت وطأة أزمتين عامليتين في آن واحد‪،‬‬
‫أزمة تراجع مداخيل املحروقات في ظل اقتصاد ريعي من جهة وتداعيات أزمة جائحة كورنا في ظل اقتصاد‬
‫‪1‬‬
‫هش ومتهالك من جهة أخرى‪.‬‬
‫من أهم استخدامات الحكومة الجزائرية للسياسة املالية والنقدية في تخفيف آثار وتداعيات جائحة‬
‫كورونا ‪ covid 19‬على االقتصاد الجزائري في سبيل تحقيق االنتعاش االقتصادي هو تحقيق تسيير رصين‬
‫واحترازي للمالية العمومية من خالل الحد من اإلسراف في استخدام املوارد وعقلنة التسيير والتجهيز من‬
‫خالل القضاء على مصادر التبذير واإلسراف والنفقات التي ليس لها تأثير كبير على تحسين إطار معيشة‬
‫املواطن‪ ،‬مع تعزيز احتياطي الصرف من خالل إضفاء حركية على التنمية االقتصادية وترقية االقتصاد‬
‫مع اإلبقاء على التزامات الدولة في مجال تمويل التنمية‪ ،‬كما خططت الحكومة لتعزيز القدرة الشرائية‬
‫للمواطن مع ضمان تموين السوق الوطنية بشكل منتظم باملنتجات األساسية واملواد األولية وتفعيل‬
‫إجراءات قانونية قاعدية ضرورية لتحسين مناخ األعمال وإعادة بعث االستثمار ذو القيمة املضافة‬
‫العالية بشكل يكفل تحسين وضعية ميزان املدفوعات من خالل االنفتاح على االستثمارات األجنبية‬
‫وأدرجت ضمن أهدافها أيضا تحسين املردود الجبائي للدولة بالتركيز أساسا على إنشاء الشركات الناشئة‬
‫وتطويرها بمنحها جملة من االمتيازات الجبائية وتنويع أدوات التمويل املوجهة لها ولقد أسفرت‬
‫االجتماعات الدورية للحكومة على توسيع دائرة هذه األهداف بما يكفل تحقيق حوكمة حقيقية‬
‫لالستثمار تقوم على الشفافية والفعالية والنجاعة التي من شأنها إثراء البالد باملوارد املتولدة عنها‬
‫وبمساهماتها التكنولوجية مع تحسين مرونة االقتصاد والحفاظ على احتياطي الصرف وتطوير االستثمار‬
‫‪2‬‬
‫والحفاظ على النمو ومناصب الشغل‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.171‬‬


‫‪ -2‬أحمد صالح الدين بولعراس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪- 185 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫املبحث الثاني‪ :‬تأثيرقواعد املنافسة على الحرية العقدية‬


‫إن التطورات الحديثة التي شهدها العالم أدت إلى التغيير في التوجه االقتصادي من االقتصاد‬
‫املوجه الى اقتصاد السوق وباعتبار أن العقد وسيلة للتبادل االقتصادي فال يمكن للسوق أن يسير بدون‬
‫عقد وال بدون حرية عقدية‪ ،‬إال أن هذه األخيرة لم تعد مطلقة وإنما أصبحت نسبية وهذا تكيفا مع‬
‫اقتصاد السوق‪ ،‬تبعا لتطور فكرة النظام العام االقتصادي‪ ،‬الذي فرض قيودا على هذه الحرية أخذت‬
‫تزداد يوما بعد يوم وهذا ما أملته األزمات االقتصادية التي أعقبت الحربين العامليتين األولى والثانية‪ ،‬حيث‬
‫يفرض قانون السوق إكراهات شكلت مساسا بمبادئ العقد‪ ،‬حيث يتم التدخل في اإلرادة التعاقدية‬
‫لألشخاص مما يترتب عنه تقييدا لها‪ ،‬فلم يعد تكوين العقد وتنفيذه يقوم على أساس حرية التعاقد وإنما‬
‫أصبح موجها لغايات أخرى هي حسن سير السوق‪ ،‬مما يترتب عنه تغيير في القواعد التقليدية للعقد في‬
‫املجال االقتصادي‪ ،‬وخاصة الحرية العقدية‪ ،‬التي أصبحت ترتكز على قانون السوق‪ 1‬وهو ما أدى إلى‬
‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة وهذا ما ستناوله في (املطلب األول)‪ ،‬كما أن التحوالت االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي عرفها العالم في اآلونة األخيرة أدت إلى إحداث فوارق طبيعية واضحة بين األفراد بسبب‬
‫تراكم رؤوس األموال وتركيز املشروعات‪ ،‬لذلك أصبحت القواعد القانونية تستجيب للمعطيات الجديدة‬
‫وتقديم الحلول الال مة لهذه الفوارق تفاديا الختالل التوازن العقدي‪ ،‬مما دفع ّ‬
‫بالدول إلى التدخل بما‬ ‫ز‬
‫تتوافر عليه من وسائل توجيهية في امليدان االقتصادي‪ ،‬لتنظيم السوق داخل ما يسمى بالقانون‬
‫االقتصادي وهو ما أدى إلى تطوير مبادئ النظرية العامة خاصة الحرية التعاقدية بما يواكب واقع‬
‫التطورات االقتصادية واالجتماعية وما يؤدي إلى تحقيق التوازن االقتصادي للعقد وبالتالي نصبح أمام‬
‫مفهوم جديد للحرية التعاقدية يتقاطع فيه سلطان اإلرادة وسلطان الضوابط القانونية وهو ما سنتناوله‬
‫في (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬توجيه اإلرادة وفقا ملقتضيات النظام العام االقتصادي‬
‫تراجع املبدأ القائل بأن السوق ينظم نفسه بنفسه‪ ،‬الذي هو نتاج الفكر الليبيرالي فالسوق ورغم‬
‫تكريس حرية الصناعة والتجارة إال أنه يبقى في حاجة لقوانين وقواعد تضبطه‪ ،‬تكون معدة مسبقا‬
‫لتضبط شروط ممارسة هذه الحرية هذا ما كرسه املشرع بموجب األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة‪ 2‬والذي‬
‫تضمن حرية املنافسة ووضع ضوابطها لخلق نوع من التوازن بين مصالح املتعاملين االقتصاديين من جهة‬

‫‪ -1‬خديجة فاضل‪ ،‬الحرية العقدية والسوق‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬


‫‪ -2‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 186 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫ومصالح الدولة من جهة أخرى‪ ،‬حيث أسس قانون املنافسة نظاما عاما يوجه اتفاقات األطراف نحو‬
‫توجه معين أال وهو النظام العام التنافس ي‪ ،‬الذي يج ّسد التحول في وظيفة الدولة من الدولة املتدخلة إلى‬
‫‪1‬‬
‫الدولة الضابطة‪.‬‬
‫إن انتهاج الدولة لنظام اقتصاد السوق ومبدأ حرية التجارة والصناعة ال يعني عدم التدخل املطلق‬
‫في السوق وإنما يتباين التدخل في القضايا االقتصادية من دولة ألخرى حسب ما تراه ضروريا لتحقيق‬
‫التوازن االجتماعي‪ ،‬أو للتخفيف من حدة األخطار املتولدة عن الحرية املطلقة في السياسة االقتصادية‪،‬‬
‫فاألنظمة االقتصادية املعاصرة تأخذ بمبدأ التدخل جزئيا أو كليا ومن الصعب التسليم بوجود نظام‬
‫يعتمد مبدأ الحرية االقتصادية ويرفض كليا فكرة التدخل‪ ،‬فالتدخل قائم في األنظمة الرأسمالية بطريقة‬
‫تختلف عن مفهوم التدخل في األنظمة االشتراكية‪ ،‬إن التوجيه الذي يمارسه النظام الرأسمالي على اإلنتاج‬
‫واالستهالك واألسعار فضال عن التدخل في القوانين االجتماعية يعتبر تدخال واضحا تفرضه التطورات‬
‫‪2‬‬
‫االقتصادية واالجتماعية املعاصرة‪.‬‬
‫إن األزمات التي أفرزتها سياسة االقتصاد ّ‬
‫املوجه أدت إلى إعادة اإلصالح املنظومة االقتصادية وتبنى‬
‫أساليب جديدة للتدخل مع منع االحتكار الذي أدى إلى تدهور املستوى االقتصادي واملديونية والبطالة‬
‫وغيرها من األزمات التي تمس املجتمع‪ ،‬لذلك اعتمدت الدولة تقنيات قانونية لتحافظ على السلم‬
‫االجتماعي عن طريق عيممة العقد بالتدخل في ضبط ّ‬
‫السوق‪ ،‬لذلك هناك من يرى أن العيممة تقنية‬
‫قانونية تظهر للعيان أكثر في فترة األزمات‪ ،‬ما عدا ذلك فهي موجودة بصفة ضمنية أو صريحة في معظم‬
‫التشريعات‪ ،‬فهي تتماش ى مع تطور املجتمعات ال سيما مع التحديات التي تواجه الدولة الجزائرية اليوم‬
‫من البطالة وضعف القدرة الشرائية التي ال يمكن حلها إال من خالل تدخل الدولة بصفة مباشرة وغير‬
‫‪3‬‬
‫مباشرة وذلك بانتهاجها سياسة تنموية واجتماعية‪.‬‬
‫إن تدخل الدولة غير املباشر في ضبط السوق من أجل تحقيق األهداف االقتصادية وتكريس انتهاج‬
‫نظام اقتصاد السوق سواء عن طريق هيئات الضبط القطاعية أو عن طريق مجلس الدولة تختار العقد‬
‫كوسيلة مفضلة لديها باعتباره األداة الفعالة في السوق ومصدر لتبادل السلع والخدمات‪ ،‬هذا كله أدى إلى‬

‫‪ -1‬منصف بوعريوة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫ّ‬
‫‪ -2‬املعز هلل صالح أحمد البالع‪" ،‬الحرية االقتصادية ومبدأ تدخل الدولة"‪ ،‬بحث مقدم للملتقى الدولي األول‪ ،‬االقتصاد اإلسالمي الواقع‬
‫ورهانات املستقبل‪ ،‬معهد العلوم االقتصادية التجارية وعلوم التسيير‪ ،‬الجزائر دون ذكر السنة‪ ،‬ص ‪.11-10‬‬
‫‪ -3‬خديجة فاضل‪ ،‬عيممة العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪- 187 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫تقييد حرية اإلرادة وهو ما سنتناوله في (الفرع األول) كما أن انتهاج املشرع لسياسية الضبط االقتصادي‬
‫للسوق قام على اعتماد آليات قانونية وقائية وأخرى عالجية وهذا ما سنتناوله في (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مظاهرالحرية العقدية املوجهة‬
‫ازداد تدخل املشرع في العالقات التعاقدية الفردية بعد أن كانت هذه العالقات من قبل مقصورة‬
‫على إرادة املتعاقدين ال يتدخل فيها املشرع إال نادرا وذلك من أجل ضمان منع االستغالل والتعسف‬
‫وتجسيد األهداف االقتصادية للدولة‪ ،‬هذا ما أدى إلى التطور الفقهي لفكرة تعميم العقد‪ ،‬أي اصباغه‬
‫بصبغة القانون العام وتجلى ذلك بصورة واضحة عندما ازدادت القيود التي تضعها الدولة على الحرية‬
‫االقتصادية‪ ،‬متخذة من آلية النظام العام وسيلة لتغليب الطابع العام في العقد‪ 1‬ويظهر ذلك من خالل‬
‫عدة مظاهر نتناولها تباعا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تدخل املشرع في تو افق اإلرادتين‬
‫إن الحرية العقدية التي هي من نتائج مبدأ سلطان اإلرادة تعني أن الشخص حر في أن يتعاقد أو‬
‫يرفض التعاقد وله حرية اختيار الشخص الذي يتعاقد معه وال يمكن ألي أحد أن يجبره على الدخول في‬
‫عالقات ال يريدها مع اآلخرين‪ ،‬أو أن يمنعه من التعاقد‪ ،‬هذا ما يكرس املبدأ الشهير "دعه يعمل دعه‬
‫يمر" والذي هو في األصل يجسد فلسفة الحرية االقتصادية ويعني ضمنيا دعه يتعاقد‪ 2،‬إال أن هذا املبدأ‬
‫اخذ يتراجع مع بداية التدخل التشريعي في ضبط السوق‪ ،‬فانتهاج الدولة الجزائرية لنظام االقتصاد الحر‬
‫لم يؤخذ على إطالقه وإنما كان ال بد من ضبط السوق عن طريق تقييد الحرية التعاقدية من حيث حرية‬
‫التعاقد أو االمتناع وهو ما سنتناوله كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تقييد حرية التعاقد‪ :‬حظرالتعاقد‬
‫تتمتع كل مؤسسة في ظل النظام الليبيرالي بحرية انتهاج أساليب متنوعة ومتعددة للحفاظ على‬
‫مكانتها في السوق كلجوئها إلى إبرام اتفاقات مع مؤسسة أخرى‪ ،‬بهدف االتفاق على خطة مشتركة لتسيير‬
‫نشاطها في السوق وهنا األصل أن هذه االتفاقات تكون مشروعة‪ ،‬أما إذا أدت إلى اإلخالل باملنافسة فإنها‬
‫‪3‬‬
‫تدخل في نطاق االتفاقات املحظورة تسري عليها أحكام قانون املنافسة‪.‬‬

‫‪ -1‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.124‬‬


‫‪ -2‬أيمن إبراهيم العشماوي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -3‬يسمينة شيخ أعمر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪- 188 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫رجوعا الى املادة ‪ 06‬من قانون املنافسة التي تنص على أنه‪ " :‬تحظر املمارسات واألعمال املدبرة‬
‫واالتفاقات الصريحة والضمنية عندما تهدف أو يمكن أن تهدف الى عرقلة حرية املنافسة أو الحد منها أو‬
‫االخالل بها في نفس السوق أو في جزء منه ‪ ،"...‬والتي تم تعديلها بموجب القانون ‪ ،1 12-08‬و من خالل‬
‫النص يتضح أن املشرع تبنى مبدأ حظر االتفاقات املقيدة للمنافسة اذا توافرت ثالثة عناصر‪ ،‬أن يكون‬
‫هنالك اتفاق وأن يؤدي هذا االتفاق الى تقييد املنافسة وأن تكون هناك عالقة سببية بين االتفاق القائم‬
‫‪2‬‬
‫بين األطراف املتواطئة وبين الضرر الذي لحق بحرية املنافسة‪.‬‬
‫إن قانون املنافسة ال يمنع التعاون وتنسيق الجهود بين املؤسسات بغرض القيام بدراسات مشتركة‬
‫وتبادل املعلومات والخبرات لتحسين اإلنتاج والحد من تكاليفه وغيرها من أشكال التعاون بين املؤسسات‬
‫املتواجدة في السوق‪ ،‬إنما الذي يحظره القانون هو االتفاق الصريح أو الضمني بين املؤسسات التي تنشط‬
‫في سوق معينة من أجل تنظيم املنافسة فيما بينها مما يؤدي إلى عرقلة السير الطبيعي لقانون العرض‬
‫والطلب في السوق‪ ،‬كأن يتم االتفاق على تحديد سعر محدد لسلعة أو خدمة معينة‪ ،‬أو تقسيم األسواق‬
‫أو مصادر التموين‪ ،‬أو مقاطعة تاجر أو عون اقتصادي معين أو تقليص اإلنتاج ووفق التطور التقني أو‬
‫االستثمار‪ ،‬والتواطؤ في منح الصفقات العمومية وغيرها من املمارسات غير املشروعة التي لم يوردها‬
‫املشرع على سبيل الحصر وإنما على سبيل املثال‪ 3‬نظرا للطابع االقتصادي الغالب على هذه االتفاقات‬
‫‪4‬‬
‫املقيدة للمنافسة‪ ،‬مما يجعل من الصعب تحديدها تحديدا دقيقا وحصريا‪.‬‬
‫من أمثلة االتفاقات غير املشروعة التي تطبق بشأنها املادة ‪ 06‬من األمر ‪ 03-03‬هو إبرام عقود توزيع‬
‫نموذجية مختلفة تم إعدادها من طرف مؤسسة منتجة مع موزعيها وأدرجت هذه األخيرة بندا لفرض‬
‫أسعارها عند بيع منتوجاتها وبعد اإلمضاء عليها من طرف املوزعين يكون القبول قد تم‪ ،‬وعليه فإن فرض‬

‫‪ُ -1‬عدلت املادة ‪ 06‬من األمر ‪ 03-03‬بموجب القانون ‪ ،12 -08‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ،2008‬يعدل ويتمم األمر‪ ،03 -03‬املتعلق باملنافسة‪ ( ،‬ج ر‪،‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 02‬جويلية ‪، 2008‬ع ‪ ،36‬ص ‪ ،)11‬املعدل واملتمم‪ ،‬حيث جاء نص املادة ‪ 5‬كمايلي‪ " :‬تتمم أحكام املادة‪ 06‬من األمر رقم ‪-03‬‬
‫‪ ،03‬املؤرخ في ‪19‬جمادى األولى عام ‪ 1424‬املوافق ل ‪ 19‬جويلية سنة ‪ 2003‬واملذكورة أعاله‪ ،‬بمطة أخيرة وتحرر كمايلي‪:‬‬
‫" تحظر‪...‬بدون تغيير حتى ‪...‬األعراف التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬السماح بمنح صفقة عمومية لفائدة أصحاب هذه املمارسات املقيدة"‪.‬‬
‫‪ -2‬يسمينة شيخ أعمر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪ -3‬محمد الشريف كتو‪ ،‬قانون املنافسة واملمارسات التجارية وفقا لألمر ‪ 03-03‬والقانون ‪ ،03-04‬دار بغدادي للطبع والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -4‬يسمينة شيخ أعمر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪- 189 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫أسعار املنتوج بصورة انفرادية من طرف املنتج وقبول هذا الشرط من طرف املوزعين يدخل في نطاق‬
‫‪1‬‬
‫االتفاقات غير املشروعة التي نصت عليها املادة ‪ 06‬من األمر ‪.03-03‬‬
‫وعليه فإن االتفاقات غير املشروعة هي التي تقوم بها مؤسستين أو أكثر بإتباع سلوك معين وبشكل‬
‫محدد في السوق بغض النظر عن شكل هذا االتفاق فقد يكون صريحا أو ضمنيا وأن تكون نيتها هي الحد‬
‫أو التقييد من املمارسة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى حظر االتفاقات غير املشروعة فإنه وبالرجوع إلى املادة ‪ 07‬من األمر ‪ 03-03‬فإن قانون‬
‫املنافسة يحظر التعسف في استعمال وضعية الهيمنة وال يحظر وضعية الهيمنة في حد ذاتها‪ ،‬حيث جاء‬
‫نص املادة كما يلي‪" :‬يحظر كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على السوق أو احتكارها أو على جزء منها‬
‫قصد‪:‬‬
‫‪ -‬الحد من الدخول في السوق أو ممارسة النشاطات التجارية فيها‪.‬‬
‫‪ -‬تقليص أو مراقبة اإلنتاج أو منافذ التسويق أو االستثمارات أو التطور التقني‪.‬‬
‫‪ -‬اقتسام األسواق ومصادر التموين‪.‬‬
‫‪ -‬عرقلة تحديد األسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع املصطنع الرتفاع األسعار و انخفاضها‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين مما يحرمهم من منافع املنافسة‪.‬‬
‫‪ -‬إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء‬
‫بحكم طبيعتها أو حسب األعراف التجارية"‪.‬‬
‫من خالل املادة املذكورة أعاله يتضح أن املشرع قد حظر كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على‬
‫سوق ما إذا كان من شأنه تقييد املنافسة بتوافر شرطين‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون املؤسسة في وضعية هيمنة‪ ،‬فإذا كانت املؤسسة تهدف للحصول على مركز قوة مهيمن داخل‬
‫السوق ليس ممنوعا بحد ذاته‪ ،‬ولكن هذا الشرط يظل ركنا مفترضا لقيام حالة التعسف في الهيمنة‪.‬‬
‫‪ -‬التعسف في استغالل وضعية الهيمنة وذلك بالقيام باملمارسات التي حددتها املادة ‪ 07‬من األمر ‪،03-03‬‬
‫على سبيل املثال املتعلقة باألسعار كالرفع املفرط لها أو خفضها وتلك الخاصة بشروط البيع كشرط عدم‬
‫‪1‬‬
‫املنافسة‪ ،‬شروط البيع التمييزية وتلك املتعلقة بالعالقات التجارية مع الشركاء االقتصاديين‪.‬‬

‫‪ -1‬عائشة خليل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬


‫‪- 190 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫إن الحكمة من هذا الحظر هو تحقيق التوازن في العقود املبرمة بين أطراف غير متكافئة في القوة‬
‫التفاوضية السيما مع ظهور مؤسسات قوية في مجاالت اإلنتاج والتوزيع وهو ما تطلب توفير حماية للطرف‬
‫‪2‬‬
‫الضعيف مما قد ينجر عن هذه الوضعيات "الهيمنة" من شروط تعسفية‪.‬‬
‫كما أن مجلس املنافسة يختص طبقا لنص املادة ‪ 10‬من قانون املنافسة بمنع األعمال والعقود التي‬
‫تضفي طابعا استئثاريا على ممارسات نشاطات اإلنتاج والتوزيع والخدمات واالستيراد‪ ،‬تفاديا لحاالت‬
‫االحتكار التي قد يستغلها املتعاملون االقتصاديون وهذا الحظر كان قبل تعديل أحكام هذه املادة بموجب‬
‫القانون رقم ‪ 12-08‬يتعلق فقط بتصرف واحد يتمثل في عقد الشراء االستئثاري وبإحدى النشاطات التي‬
‫نص عليها قانون املنافسة واملتمثلة في نشاط التوزيع‪ ،‬إن التوجه الجديد للمشرع منه هو إلزام املتعاملين‬
‫االقتصاديين ببذل جهد لتحقيق مكانتهم في السوق على أساس قدراتهم االقتصادية وذلك في إطار روح‬
‫‪3‬‬
‫تنافسية شفافة ونزيهة‪.‬‬
‫‪ -2‬تقييد حرية عدم التعاقد‪ :‬اإلجبارعلى التعاقد‬
‫تظهر حرية التعاقد في أن الشخص حر في أن يتعاقد أو يرفض التعاقد وعليه ال يمكن للشخص أن‬
‫ُيجبر على التعاقد تطبيقا ملبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬إال أنه وبالرجوع إلى قانون املنافسة نجد أن هناك قيودا‬
‫واردة على حرية الشخص في أال يتعاقد وهي صورة أخرى من االكراهات‪ ،‬حيث يعتبر رفض البيع حالة من‬
‫حاالت رفض التعاقد‪ ،‬حيث يحظر كل استغالل تعسفي لوضعية التبعية االقتصادية بموجب املادة ‪11‬‬
‫من األمر ‪ ، 03-03‬فيتعين على مجلس املنافسة وضع حد لكل تعسف استغاللي لوضعية تبعية مؤسسة‬
‫‪4‬‬
‫ألخرى بصفتها زبونا أو ممونا إذا كان ذلك يخل بقواعد املنافسة‪.‬‬
‫ّإن حرية الشخص في االمتناع عن التعاقد تكريسا ملبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬تجد تضييقا لها في ظل‬
‫قانون املنافسة من خالل حظر كل استغالل تعسفي لوضعية التبعية االقتصادية فمثال عندما يرفض‬
‫متعامل اقتصادي بيع سلعته أو تقديم خدماته فهو يعرقل نشاط الزبون مما يؤثر سلبا على السوق‬
‫ويترتب على ذلك قيام املسؤولية التقصيرية لرافض البيع‪ ،‬كونه ارتكب خطأ ويحق للطرف املضرور‬
‫التمسك بالقواعد العامة ملطالبة بالتعويض عن الضرر الالحق به ويؤسس طلبه على التعسف في‬

‫‪ -1‬يسمينة شيخ أعمر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.69-68‬‬


‫‪ -2‬خديجة فاضل‪ ،‬الحرية العقدية والسوق‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -3‬يسمينة شيخ أعمر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ -4‬عرفت املادة ‪ 2‬من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة وضعية التبعية االقتصادية على أنها‪" :‬هي العالقة التجارية التي ال يكون فيها للمؤسسة‬
‫ما حل بديل مقارن اذا أرادت رفض التعاقد بالشروط التي فرضتها عليها مؤسسة أخرى سواء كانت زبونا أو ممونا‪".‬‬
‫‪- 191 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫استعمال الحق طبقا للمادة ‪ 124‬مكرر من القانون املدني ويقع عبء اثبات العكس على املتعامل‬
‫‪1‬‬
‫االقتصادي الذي رفض التعاقد‪.‬‬
‫كما يحق لكل متضرر من ممارسة مقيدة للمنافسة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض طبقا‬
‫للمادة ‪ 48‬من األمر ‪ ،03-03‬حيث يشكل رفض التعاقد تصرف غير مشروع يعرض املؤسسة املتعسفة في‬
‫استغالل وضعية التبعية أن تتعرض لجزاءات مدنية وجزائية نصت عليها املادتين ‪ 13‬و ‪ 56‬من األمر‬
‫‪2‬‬
‫املذكور أعاله لكونها ممارسات مقيدة للمنافسة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد‬
‫تراجعت الحرية العقدية أمام تدخل املشرع في تنظيم السوق عن طريق تحديد مضمون العقد‬
‫بصفة إلزامية‪ ،‬من أجل إعادة التوازن العقدي املفقود نظرا لعدم املساواة بين األفراد في نطاق السوق وما‬
‫ظهور العقد النموذجي إال دليل على تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬فلم يعد العقد شأن للمتعاقدين بل‬
‫أصبح املشرع كما سبق وأن رأينا في الفصل األول من هذا الباب يتدخل في تحديد مضمون العقد من أجل‬
‫حماية الطرف الضعيف‪ ،‬كما أن املشرع أظهر تدخله في تحديد مضمون العقد من أجل تنفيذ األهداف‬
‫املتعلقة بالسياسة االقتصادية وهو الوجه اآلخر للتدخل التشريعي في العقود‪ ،‬فهذا النوع من العقود‬
‫يعتبر قيدا على إرادة املتعاقدين أحدهما أو كالهما‪ ،‬فيكون تحديد مضمون العقد دون مشاركتهما في‬
‫‪3‬‬
‫صياغة بنوده‪ ،‬إنما تكون العقود ُموجهة إلرادة املتعاقدين بإتباع نموذج محدد‪.‬‬
‫كان أول من استعمل فكرة العقد املوجه هو الفقيه الفرنس ي ‪ Josserand‬حيث قال ‪ ":‬أن هناك‬
‫أسئلة كثيرة تبادرت لألذهان منذ سنتين حول االقتصاد ّ‬
‫املوجه وقد حان الوقت للحديث أيضا عن العقد‬
‫املوجه‪ ،‬بفضل طريقة التوجيه وال يقتصر ذلك على امليدان االقتصادي بل يظهر كذلك في امليدان‬
‫‪4‬‬
‫القانوني‪.‬‬
‫يظهر تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد من خالل تكريسه مبدئيا لحرية األسعار طبقا للمادة‬
‫‪ 04‬من القانون رقم ‪ 05-10‬املتعلق باملنافسة والتي تخضع لقانون العرض والطلب في السوق‪ ،‬اال أنه أورد‬
‫استثناءات على مبدأ حرية األسعار بموجب املادة ‪ 5‬ف ‪ 1‬من نفس القانون‪ ،‬من خالل تنظيم األسعار‬

‫‪ -1‬خديجة فاضل‪ ،‬لحرية العقدية والسوق‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.36-35‬‬
‫‪ -3‬عائشة خليل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.120-119‬‬
‫‪ -4‬أحمد بعجي‪ ،‬تأثير التوجيه التشريعي على النظرية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.260‬‬
‫‪- 192 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫سواء بالنسبة ألسعار السلع والخدمات الضرورية أو ذات االستهالك الواسع في حالة اضطراب محسوس‬
‫للسوق‪ ،‬أو في حالة االرتفاع املفرط لألسعار غير املبررة طبقا للمادة ‪ 5‬ف ‪ 5‬من قانون املنافسة فإنه يمكن‬
‫اتخاذ تدابير استثنائية للحد من ارتفاع األسعار أو تحديدها في الحالة التي يكون فيها ارتفاع مفرط بسبب‬
‫اضطراب خطير للسوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة‬
‫جغرافية معينة أو في حالة االحتكارات الطبيعية ونظرا للطابع غير الدقيق لهذه املصطلحات فإن الدولة‬
‫تملك حرية واسعة في التقدير‪ ،‬غير أن تدخلها ال يجوز إال إذا أدت هذه األسباب إلى ارتفاع مفرط في‬
‫‪1‬‬
‫األسعار‪.‬‬
‫يكون التدخل اإللزامي في صورة التسعيرة ويراد بالتسعيرة التي تلجأ إليها السلطات العمومية‬
‫التحديد املباشر لألسعار من قبل السلطة اإلدارية‪ ،‬فطبقا لنص املادة ‪ 5‬ف ‪ 1‬من قانون املنافسة يمكن‬
‫تحديد هوامش وأسعار السلع والخدمات‪...‬عن طريق التنظيم وتتخذ تدابير تحديد هوامش الربح وأسعار‬
‫السلع والخدمات أو تسقيفها أو التصديق عليها على أساس اقتراحات القطاعات املعنية طبقا للمادة ‪05‬‬
‫من قانون املنافسة‪ ،‬فمثال تم تحديد السعر األقص ى للسكر األبيض عند االستهالك بـ ‪ 90‬دج للكيلوغرام‬
‫غير املوضب و ‪ 95‬دج للكيلوغرام املوضب‪ 2‬ويعتبر تحديد أسعار املنتوجات تقنية بسيطة لتسهيل‬
‫‪3‬‬
‫الرقابة‪.‬‬
‫يتم تحديد هوامش الربح القصوى والتي يراد بها الفارق بين سعر الشراء أو التكلفة وسعر البيع‬
‫لفئة من الوسطاء وطبقا لنص املادة ‪ 07‬من املرسوم التنفيذي رقم ‪ 108-11‬يتم تحديد هوامش الربح‬
‫القصوى عند البيع بالجملة والتجزئة للزيت الغذائي املكرر العادي كما يلي ‪ % 5‬و ‪ %10‬أما منتوج السكر‬
‫األبيض فيتم تحديد هوامش الربح القصوى عند البيع بالجملة والتجزئة كما يلي بـ ‪ %5‬و ‪.%10‬‬
‫تتدخل الدولة في املجال البورص ي من خالل لجنة تنظيم عمليات البرمجة ومراقبتها على تحديد‬
‫مضمون العروض العمومية التي يتم إصدارها في السوق والتي تشمل أساسا على تحديد أسعار العروض‬
‫وطبقا لنص املادة ‪ 43‬من نظام لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم ‪ 403-97‬فإنه يفرض على‬

‫‪ -1‬محمد بودالي‪ ،‬حماية املستهلك في القانون املقارن دراسة مقارنة مع القانون الفرنس ي‪ ،‬دار الكتاب الحديث‪ ،‬الجزائر‪ ،‬طبعة سنة ‪،2008‬‬
‫ص ‪.535‬‬
‫‪ -2‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ 02‬من املرسوم التنفيذي ‪ ،108-11‬املؤرخ في ‪ 06‬مارس ‪ ،2011‬يحدد السعر األقص ى عند االستهالك وكذا‬
‫هوامش الربح القصوى عند اإلنتاج واالستيراد وعند التوزيع بالجملة والتجزئة ملادتي الزيت الغذائي املكرر العادي والسكر األبيض‪( ،‬ج ر‬
‫الصادرة في ‪ 9‬مارس ‪ ،2011‬ع ‪ ،15‬ص ‪ ،)27‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -3‬خديجة فاضل‪ ،‬الحرية العقدية والسوق‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 18‬نوفمبر ‪ ،1997‬يتعلق بالنظام العام لبورصة القيم املنقولة‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ 29‬ديسمبر ‪ ،1997‬ص ‪ ،)6‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪- 193 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫الشركة التي تقدم طلب قبول سندات رأس املال في التداول في البورصة أن ال تقل قيمة رأس مالها الذي‬
‫تم وفاؤه عن مائة مليون دينار وأن توزع على الجمهور سندات تمثل ‪ %20‬من رأس املال االجتماعي للشركة‬
‫على األقل وذلك يوم اإلدخال على أبعد تقدير‪ ،‬كما فرض املشرع التصريح بتجاوز حدود املساهمة في‬
‫رأسمال الشركات املتداول رأسمالها في البورصة طبقا للمادة ‪ 65‬مكرر من القانون رقم ‪ ،04-03‬املتعلق‬
‫‪1‬‬
‫ببورصة القيم املنقولة‪.‬‬
‫يجب أن يكون سعر سندات ّ‬
‫الديون التي يقدم بشأنها طلب قبول في التداول في البورصة يساوي على‬
‫األقل مئة مليون دينار يوم االدخار‪ 2،‬أي يتم تحديد سعر سندات الديون املتعلقة بطلب قبول في التداول‬
‫في البورصة يساوي على األقل مئة مليون دينار يوم اإلدخال ويمكن تحديد سعر سندات الديون في سوق‬
‫سندات االستحقاق حسب السعر الثابت أو املتواصل وهو ما نصت عليه املادة ‪ 80‬ف‪ 2‬من نظام لجنة‬
‫تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم ‪ ،03-97‬واشترط على الشركة التي تطلب قبول قيمتها في البورصة‬
‫أن تنشر الكشوف املالية املصادق عليها للسنتين املاليتين السابقتين للسنة التي تم خاللها تقديم طلب‬
‫القبول‪ 3‬ويترتب على عدم احترام الشركة لشرط نشر الكشوف املالية املصادق عليها للسنتين املاليتين‬
‫السابقتين للسنة التي تم خاللها تقديم طلب القبول هو عدم القبول في التداول لقيم الشركة في بورصة‬
‫القيم املنقولة‪.‬‬
‫طبقا للمادة ‪ 41‬ف‪ 2‬من القانون ‪ 04-03‬فإن املشرع ألزم الشركة التي تطلب قبول سنداتها للتداول‬
‫في البورصة بالنشر املسبق للمذكرة املوجهة إلى إعالم الجمهور ويتضمن تنظيم الشركة ووضعيتها املالية‬
‫وتطور نشاطها‪ ،‬وعلى كل شركة أو مؤسسة عمومية التي تصدر أوراقا مالية أو منتوج مالي باللجوء العلني‬
‫لالدخار‪ 4‬ويشكل هذا التنظيم تعدي عل ى الحرية العقدية كونها تجبر الشركات على القيام بالنشر املسبق‬
‫للمذكرة املوجهة الى إعالم الجمهور‪.‬‬

‫إن املشرع يتدخل في تحديد مضمون العقد أيضا عن طريق حظر بعض املمارسات املقيدة لحرية‬
‫املنافسة في السوق واملثال على ذلك هو حظر بيع سلعة بأقل من سعر التكلفة الحقيقي وهو ما نصت‬
‫عليه املادة ‪ 12‬من قانون املنافسة‪ ،‬حيث يمنع على العون االقتصادي إدراج أي شرط في العقد يتضمن‬

‫‪ -1‬املؤرخ في ‪ 14‬فبراير ‪ ،2003‬يعدل ويتمم املرسوم التشريعي رقم ‪ 10 -93‬املؤرخ في ‪ 23‬ماي ‪ ،1993‬املتعلق ببورصة القيم املنقولة‪ ( ،‬ج ر‪،‬‬
‫الصادرة في ‪ 19‬فبراير ‪ ،2003‬ع ‪ ،11‬ص ‪ ،)20‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -2‬وهو ملا نصت عليه املادة ‪ 45‬من نظام لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم ‪.03-97‬‬
‫‪ -3‬وهو ملا نصت عليه املادة ‪ ،45‬من نظام لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم ‪ 03-97‬الذي سبقت االشارة اليه‪.‬‬
‫‪ -4‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ 4 1‬ف‪ ،2‬من القانون ‪ 04-03‬املتعلق ببورصة القيم املنقولة‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪- 194 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫أسعار بيع منخفضة بشكل تعسفي للمستهلكين‪ ،‬سواء كانت سلع أو خدمات وهو ما يمثل تدخل من‬
‫املشرع في تحديد مضمون العقد‪ ،‬مما يرتب مساسا بمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬كما يحظر إعادة بيع سلعة أو‬
‫خدمة بسعر أدنى والهدف من إعادة البيع بسعر أدنى هو التحريض على فرض حد أدنى لسعر بيع سلعة‬
‫ما‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى تقييد املنافسة عن طريق خفض األثمان من أجل تحقيق أرباح فاحشة وتعرف هذه‬
‫املمارسات بمخالفة األثمان املفروضة والغاية من محاربة مثل هذه املعاملة هو حماية املستوى العام‬
‫‪1‬‬
‫لألسعار وتنفيذ السياسة االقتصادية القائمة على حرية األسعار‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آليات تقييد لحرية التعاقدية في قانون املنافسة‬


‫ّ‬
‫كرس املشرع آليات قانونية لتقييد الحرية التعاقدية كلما أدى ذلك إلى املساس بحرية املنافسة عن‬
‫طريق الرقابة القبلية على الحرية التعاقدية (أوال) أو الرقابة البعدية أو العالجية عن طريق بطالن‬
‫التصرفات القانونية املنافية ملبدأ حرية املنافسة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة على التجميعات والترخيص لها‬

‫إن اللجوء إلى إنشاء التكتالت بين املشروعات في إطار ما يعرف بعمليات التركيز االقتصادي بين‬
‫أشخاص القانون الخاص يعتبر عنصرا هاما في انتعاش االقتصاد الوطني وتمكينه من مواجهة تحديات‬
‫املنافسة األجنبية‪ ،‬إال أنه ومن أجل ضمان حرية املنافسة فإنه البد من فرض املراقبة على عمليات التركيز‬
‫االقتصادي‪ ،‬فاحتواء قانون املنافسة على فصل خاص بالتجميعات االقتصادية وآليات مراقبتها ليس‬
‫الهدف منه منع هذه التكتالت وإنما من أجل تنظيمها حتى ال يتم املساس بقواعد اللعبة التنافسية‪ ،2‬ومن‬
‫أجل التطرق إلى الرقابة التي فرضها املشرع على التجميعات االقتصادية‪ 3‬فإننا سنتطرق إلى الشروط‬
‫الواجب توافرها لحصول الرقابة (‪ )1‬وإجراءات الرقابة(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬الشروط الواجب تو افرها لحصول الرقابة‬

‫‪ -1‬خديجة فاضل‪ ،‬الحرية العقدية والسوق‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬


‫‪ -2‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.234‬‬
‫‪ -3‬تنص املادة ‪ 15‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة على أنه يتم التجميع في مفهوم هذا األمر اذا‪:‬‬
‫‪ -‬اندمجت مؤسستان أو أكثر كانت مستقلة من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬حصل شخص أو عدة أشخاص طبيعيين لهم نفوذ على مؤسسة على األقل أو حصلت مؤسسة أو عدة مؤسسات على مراقبة مؤسسة أو‬
‫عدة مؤسسات أو جزء منها بصفة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق‬
‫‪ -‬أخذ أسهم في رأسمال أو عن طريق شراء عناصر من أصول ملؤسسة أو بموجب عقد أو بأي وسيلة أخرى‬
‫‪ -‬أنشئت مؤسسة مشتركة تؤدي بصفة دائمة جميع وظائف مؤسسة اقتصادية مستقلة"‪.‬‬
‫‪- 195 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫نصت املادة ‪ 17‬من األمر ‪ " 03-03‬كل تجميع من شأنه املساس باملنافسة وال سيما يعزز وضعية‬
‫هيمنة مؤسسة على سوق ما يجب أن يقدمه أصحابه إلى مجلس املنافسة الذي يبث فيه في أجل ‪ 3‬أشهر"‪.‬‬
‫يفهم من النص املذكور أعاله أنه يخرج من نطاق الرقابة عمليات التجميع التي ال تشكل مساسا‬
‫باملنافسة‪ ،‬أي التي ال تشكل هيمنة قوية في السوق إلى جانب صور أخرى التي ترك تقديرها إلى مجلس‬
‫املنافسة وهذا ما يفهم من عبارة "السيما"‪ ،‬مما يدل على وجود صور أخرى للتأثير على املنافسة كحاالت‬
‫التبعية االقتصادية‪ .‬و هو نفس التوجه الذي أخذ به املشرع األوربي والفرنس ي الذي خلص إلى وضع‬
‫مفهوم التأثير على املنافسة واملساس بها‪ ،‬وقد انتقد هذا التوجه باعتباره يعطي لسلطة املنافسة‬
‫‪1‬‬
‫صالحيات واسعة في تقدير حالة املساس باملنافسة داخل السوق‪.‬‬
‫لم يفرض قانون املنافسة الرقابة على كل التجميعات االقتصادية بل جعل حدا لذلك بموجب‬
‫املادة ‪ 18‬من األمر ‪ 03-03‬التي نصت على أنه‪" :‬تطبق أحكام املادة ‪ 17‬أعاله كلما كان التجميع يرمي إلى‬
‫تحقيق حد يفوق ‪ % 40‬من املبيعات أو املشتريات املنجزة في سوق معينة"‪.‬‬
‫حدد املشرع ملراجعة عملية التركيز االقتصادي أن يترتب عنها خلق قوة اقتصادية يتجاوز نصيبها ‪40‬‬
‫‪ %‬من البيوع أو الشراءات أو املعامالت األخرى في سوق وطنية للسلع أو املنتوجات أو الخدمات من نفس‬
‫‪2‬‬
‫النوع أو القابلة لالستبدال أو في جزء مهم من السوق املذكور‪.‬‬
‫بالرجوع إلى تعديل قانون املنافسة سنة ‪ ،2008‬بموجب القانون ‪ 312-08‬عمد املشرع إلى حماية‬
‫الدور اإليديولوجي للدولة في عمليات مراقبة التجميعات االقتصادية بإضافة املادة ‪ 21‬مكرر والتي تنص‬
‫في فقرتها الثانية على أنه ‪":‬ال يطبق الحد املنصوص عليه في املادة ‪ 18‬أعاله على التجميعات التي يمكن أن‬
‫يثبت أصحابها أنها تؤدي ال سيما إلى تطوير قدراتها التنافسية أو تساهم في تحسين الشغل أو من شأنها‬
‫السماح للمؤسسات الصغيرة واملتوسطة بتعزيز وضعيتها التنافسية في السوق‪".‬‬
‫يتضح من النص املذكور أعاله أن مجلس املنافسة ال يأخذ بعين االعتبار الحد املنصوص عليه في‬
‫املادة ‪ 18‬من األمر ‪ 03-03‬املتمثل في النسبة التي تفوق ‪ % 40‬من املبيعات واملشتريات في السوق املعنية‪،‬‬
‫في الحالة التي تقدم فيها املؤسسات املعنية الدالئل التي تبين تحقيق التطور االقتصادي كالعمل على‬

‫‪ -1‬عبد اللطيف والي وعبد الرزاق رحموني‪" ،‬رقابة التجميعات االقتصادية كآلية لحماية املنافسة"‪ ،‬مجلة معالم للدراسات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،5‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪.137‬‬
‫‪ -2‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬
‫‪ -3‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ،2008‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ 2‬جويلية ‪ ،2008‬ع ‪ ،36‬ص ‪ ،)11‬املعدل‬
‫واملتمم‪.‬‬
‫‪- 196 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫تدعيم دور املؤسسات الصغيرة واملتوسطة أو تشجيع االستثمار في بعض املناطق الجغرافية والقطاعات‬
‫‪1‬‬
‫الحيوية أو خلق مناصب الشغل‪ ،‬أو الحفاظ عليها أو تعزيزها‪.‬‬
‫‪ -2‬إجراءات الرقابة‬
‫أوجبت املادة ‪ 17‬من األمر ‪ 03-03‬على أصحاب التجميع أن يقدموا طلب الترخيص إلى مجلس‬
‫املنافسة للبت فيه في أجل ثالثة أشهر‪ ،‬وخالل هذه املدة عليهم االمتناع عن اتخاذ أي تدبير يجعل‬
‫التجميع نهائيا عمال بنص املادة ‪ 20‬من نفس األمر وقد بين إجراءات مراقبة التجميع املرسوم التنفيذي‬
‫‪2‬‬
‫رقم ‪.219-05‬‬
‫يتم البدء في إجراءات الرقابة بمجرد تقديم طلب الترخيص بالتجميع إلى مجلس املنافسة وهذا ما‬
‫نصت عليه املادة ‪ 03‬من املرسوم ‪ 219-05‬السالف الذكر‪ ،‬يتضمن الطلب وجوبا مجموعة من الشروط‬
‫واملعلومات والوثائق واملستندات‪ 3،‬كما يجب تقديم كل املعلومات واملستندات اإلضافية التي يمكن أن‬
‫تكون محل طلب من املقرر املكلف بالتحقيق في الطلب‪ 4‬وتتعلق املعلومات املطلوبة أساسا باملؤسسات‬
‫طالبة التجميع‪ ،‬من حيث النشاطات املعنية بالتجميع ورقم أعمالها ورأس املال االجتماعي لكل مؤسسة‬
‫‪5‬‬
‫وكذا طبيعة التجميع وهدفه‪.‬‬
‫يقوم مجلس املنافسة بدراسة عملية التجميع دراسة تحليلية معمقة معتمدا على عدة عوامل‪،‬‬
‫يملك بشأنها مجلس املنافسة سلطة تقديرية أصلية مع األخذ بعين االعتبار مدى تأثيرها على املنافسة ثم‬
‫يتخذ قراره في مدة ال تتجاوز ثالثة أشهر من تاريخ إيداع طلب الترخيص وهو ما نصت عليه املادة ‪ 17‬من‬
‫األمر ‪ 03-03‬ويمكن أن يتضمن قرار املنافسة الصادر بشأن طلب الترخيص رفض الطلب أو قبوله حسب‬
‫ما نصت عليه املادة ‪ 19‬من األمر ‪ 603-03‬وعليه سنتناول الحاالت التي يمكن أن يتضمنها قرار الصادر عن‬
‫مجلس املنافسة كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬كمال آيت منصور‪" ،‬دور مجلس املنافسة في مراقبة التجميعات االقتصادية"‪ ،‬املجلة األكاديمية للبحث القانوني‪ ،‬املجلد ‪ ،12‬العدد ‪،02‬‬
‫سنة ‪ ،2015‬ص ‪.154‬‬
‫‪ -2‬املؤرخ في ‪ 2‬جوان ‪ ،2005‬يتعلق بالترخيص لعمليات التجميع‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 22‬جوان ‪ ،2005‬ع ‪ ،43‬ص ‪.)5‬‬
‫‪ -3‬يراجع نص املادتين ‪ 5‬و ‪ 6‬من املرسوم ‪ ،219-05‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬يراجع نص املادة ‪ 08‬من املرسوم ‪ ،219-05‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬علي غربي‪" ،‬مجلس املنافسة كآلية املراقبة التجميعات االقتصادية"‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد االقتصادي‪ ،)02(35 ،‬ص‬
‫‪.145‬‬
‫‪ -6‬نصت املادة ‪ 19‬من األمر ‪ 03-03‬على ما يلي‪" :‬يمكن ملجلس املنافسة أن يرخص بالتجميع أو يفرضه بمقرر معلل بعد أخذ رأي الوزير‬
‫املكلف بالتجارة‪.‬‬
‫‪- 197 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫أ‪ -‬قبول التجميع‬


‫قد يقبل مجلس املنافسة التجميع إذا تأكد من مشروعيته أي عدم مساسه باملنافسة‪ ،‬وما يالحظ على‬
‫موقف املشرع أنه لم ينص على الترخيص الضمني في حالة عدم اتخاذ القرار في املدة املحددة بموجب‬
‫املادة ‪ 17‬وهي مدة ‪ 03‬أشهر‪ ،‬بخالف بعض التشريعات التي نصت على أن عدم الرد خالل املدة املقررة‬
‫لتقييم مشروع التجميع دون اعتراض جهاز الرقابة يعد ترخيصا ضمنيا‪ 1‬مما يؤثر على مصالح املؤسسات‬
‫‪2‬‬
‫املعنية‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعليق التجميع‬
‫يمكن ملجلس املنافسة أن يقرر مبدئيا عملية التجميع‪ ،‬مع تعليق ذلك على تحقيق شروط أو‬
‫تعهدات تلتزم بها أطراف التجميع تلقائيا‪ ،‬للتخفيف من آثار التجميع على املنافسة وفي حالة عدم احترام‬
‫تلك الشروط أو االلتزامات‪ ،‬يمكن للمجلس أن يفرض عقوبات مالية نصت عليها املادة ‪ 62‬من األمر ‪-03‬‬
‫‪ 03‬والتي قد تصل إلى ‪ %5‬من رقم األعمال‪ ،‬ضد كل مؤسسة تعد طرفا في التجميع أو نشأت عن عملية‬
‫التجميع‪.‬‬
‫ج‪ -‬رفض التجميع‬
‫يمكن ملجلس املنافسة أن يفرض التجميع إذا رأى أنه ينطوي على نتائج مؤثرة على املنافسة وذلك‬
‫بموجب قرار معلل بعد أخذ رأي الوزير املكلف بالتجارة‪ ،‬غير أن املادة ‪ 21‬من األمر ‪ 03-03‬أعطت‬
‫للحكومة إمكانية الترخيص بالتجميع رغم رفض املجلس له تلقائيا إذا اقتضت املصلحة العامة ذلك أو‬
‫بناء على طلب األطراف املعنية‪ ،‬وذلك بعد تقرير وزاري مشترك بين الوزير املكلف بالتجارة والوزير الذي‬
‫يتبعه القطاع املعني بالتجميع‪.3‬‬
‫وعليه من خالل ما سبق عرضه من ضرورة الحصول على طلب الترخيص بعمليات التجميع‬
‫للمؤسسات االقتصادية من أجل ممارسة نشاطها االقتصادي‪ ،‬فإنه يتجلى لنا تضييق نطاق الحرية‬
‫التعاقدية حيث أنه ال يمكن للمؤسسات االقتصادية أن تقوم بعمليات التجميع املنصوص عنها في األمر‬
‫‪ 03-03‬إال من خالل الحصول على الترخيص من طرف مجلس املنافسة‪ ،‬كما أن وضع شروط تتعلق بعدم‬

‫‪ -‬ويمكن أن يقبل مجلس املنافسة التجميع وفق شروط من شأنها تخفيف آثار التجميع على املنافسة‪ ،‬كما يمكن الطعن في قرار رفض‬
‫التجميع أمام مجلس الدولة"‪.‬‬
‫‪ -1‬منها املادة ‪ 5-430‬من التقنين التجاري الفرنس ي‪.‬‬
‫‪ -2‬كمال آيت منصور‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.156‬‬
‫‪ -3‬علي غربي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫‪- 198 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫املساس باملنافسة يتجاوز حد ‪ %40‬من املشتريات واملبيعات في السوق من شأنه أن يحد من مبدأ حرية‬
‫التعاقد التي ظهر تراجعها ضمن القواعد املنظمة للمنافسة وذلك من خالل عرقلة حرية التعاقد عن‬
‫طريق إجراءات الرقابة على عمليات التجميع‪.‬‬
‫إن هذه القيود ما هي إال وسيلة من وسائل الرقابة الوقائية لضبط السوق من املمارسات املنافية‬
‫ملبدأ حرية املنافسة‪ ،‬وبالتالي يمكن القول أنه وفي ظل اقتصاد السوق يتم تحديد حرية التعاقد‪ ،‬فيتراجع‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة ويظهر سلطان القانون من أجل حماية حرية التعاقد في حد ذاتها‪ ،‬حتى ال تكون‬
‫الهيمنة على السوق من طرف املؤسسات االقتصادية حكرا على الفئة التي تمتلك القوة االقتصادية أو‬
‫عن طريق القيام بممارسات منافية ملبدأ حرية املنافسة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرقابة العالجية‬
‫كلما أدت الحرية التعاقدية إلى املساس بالحرية التنافسية باعتبارها مبدأ دستوريا يتدخل قانون‬
‫املنافسة لتقييد حرية املنافسة عن طريق مجموعة من اآلليات الرقابية‪ ،‬منها الرقابة القبلية كما مر معنا‬
‫املتمثلة في الرقابة على التجميعات والترخيص لها‪ ،‬كما أن قانون املنافسة أقر بالرقابة العالجية كلما أدى‬
‫ذلك الى املساس باملنافسة‪ ،‬لذلك سنتناول (‪ )1‬البطالن (‪ )2‬الغرامات املالية‪ ،‬باعتبارهما من آليات‬
‫الرقابة العالجية‪.‬‬
‫‪ -1‬البطالن‬
‫بالرجوع إلى نص املادة ‪ 13‬من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة نجدها تنص على أنه ‪":‬دون االخالل‬
‫بأحكام املادتين ‪ 8‬و ‪ 9‬من هذا األمر يبطل كل اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بإحدى املمارسات املحظورة‬
‫بموجب املواد ‪ 6‬و ‪ 7‬و ‪ 10‬و ‪ 11‬و ‪ 12‬أعاله"‪.‬‬
‫إن البطالن وفقا للقواعد العامة ينقسم إلى بطالن مطلق وبطالن نسبي‪ 1،‬فكل من النوعين يختلف‬
‫عن اآلخر واملعيار الذي يعتمد عليه في التفرقة والتمييز بين البطالن املطلق والبطالن النسبي هو طبيعة‬
‫املصلحة املحمية‪ ،‬هل هي مصلحة عامة أم مصلحة خاصة؟ فمن املعلوم قانونا أن الشروط املفروضة‬
‫لحماية املصلحة العامة يترتب على مخالفتها البطالن املطلق للعقد‪ ،‬بينما الشروط التي تهدف إلى حماية‬
‫‪2‬‬
‫املصلحة الخاصة فإنه يترتب على مخالفتها البطالن النسبي‪.‬‬

‫‪ -1‬للمزيد من التفاصيل في البطالن املطلق والبطالن النسبي يراجع عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.594-564‬‬
‫‪ -2‬علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.334‬‬
‫‪- 199 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫ملعرفة طبيعة البطالن في ظل قانون املنافسة يتعين معرفة طبيعة املصلحة املحمية في إطار هذا‬
‫القانون‪ ،‬هل هي مصلحة عامة تتعلق بمصلحة السوق أم مصلحة خاصة تتعلق بمصلحة املتعاقدين؟‬
‫ّ‬
‫مر معنا في الفصل األول أن طبيعة املصلحة املحمية مترددة بين النظام العام الحمائي والنظام‬
‫العام التوجيهي وبما أن قانون املنافسة ال يحمي املتنافسين بل املنافسة أي السوق‪ ،‬باالعتماد على معايير‬
‫التحليل التي يستند عليها القانون العام‪ ،‬فقانون املنافسة ُيغلب الطابع التوجيهي مع الظهور املحتشم‬
‫للنظام العام الحمائي و يستخلص العديد من الفقهاء الطابع التوجيهي للنظام العام التنافس ي في كون أن‬
‫قانون املنافسة ال يحمي املتنافسين وإنما يحمي املنافسة‪ 1،‬كما أننا نجد أن هذا القانون يهتم بتوازن‬
‫العالقات التجارية ُويحظر التعسف في استعمال حالة التبعية االقتصادية‪ ،‬هذا ما يؤكد أن النظام العام‬
‫التوجيهي لقانون املنافسة يمثل أيضا الطابع الحمائي في نفس الوقت‪ ،‬لذلك يمكن أن نستخلص أن‬
‫‪2‬‬
‫النظام العام في إطار قانون املنافسة هو نظام مختلط أو مركب‪.‬‬
‫ودراسة البطالن في قانون املنافسة تستوجب التطرق إلى البطالن املطلق‪ ،‬والبطالن الجزئي كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬البطالن املطلق في قانون املنافسة‬
‫إن البطالن في قانون املنافسة يختلف عن البطالن في القواعد العامة‪ ،‬فهو جزاء يرتبه القانون على‬
‫عدم توفر أركان العقد‪ ،‬فيكون جزاء لتخلف أحد أركان العقد‪ ،‬أما في قانون املنافسة فيترتب البطالن على‬
‫آثار العقد حتى ولو استوفى جميع أركانه‪ ،‬متى كان هذا العقد يرتب آثارا تخالف قواعد املنافسة‪ ،‬حتى ولو‬
‫كانت هذه اآلثار غير مباشرة ولم يقصد املتعاقدين تحقيقها ولم يتوقعوها‪ ،‬و لعل الغاية التي يسعى‬
‫املشرع الى تحقيقها من وراء بطالن العقد رغم كونه مستوفي كافة أركانه هو حماية املصالحة العامة وهو‬
‫ما يعتبر خروجا عن القواعد العامة في قانون العقود‪.‬‬
‫يمتد البطالن الى املمارسات املقيدة للمنافسة كما نصت عليه املادة ‪ 13‬من األمر ‪ 03-03‬بقولها‪:‬‬
‫"دون اإلخالل بأحكام املادتين ‪ 8‬و ‪ 9‬من هذا األمر يبطل كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق‬
‫بإحدى املمارسات املحظورة بموجب املادة ‪ 6‬و ‪ 7‬و ‪ 10‬و ‪ 11‬و ‪."12‬‬

‫‪ -1‬ليندة فردوح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪- 200 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫استنادا إلى املادة املذكورة أعاله فإنه يبطل كل اتفاق أو شرط تعاقدي يكون موضوعه تقييد‬
‫املنافسة سواء تعلق باالتفاقات املحظورة أو تعسف في استغالل وضعية الهيمنة أو تبعية اقتصادية‪،‬‬
‫دون اإلخالل بأحكام املادتين ‪ 8‬و‪ 9‬من األمر ‪.103-03‬‬
‫يمتد نطاق البطالن إلى املتعاقدين الذين لم يساهموا في هذه املمارسات أو لم يكونوا على علم بها‬
‫وهو ما يعرف البطالن املطلق وينتج عن ذلك أنه إذا كان الشرط باطال فال يحق ألحد أطراف العقد أن‬
‫يطالب بتعويض الضرر الناتج عن عدم تنفيذ هذا الشرط الباطل‪.2‬‬
‫إن املمارسات املقيدة أو املنافية للمنافسة يترتب عنها البطالن املطلق الذي يهدف إلى حماية‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬لذلك فإنه يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به‪ ،3‬فيجوز لألطراف التي أصابها ضرر من‬
‫هذه البنود أو االتفاقات غير املشروعة أن يلجأ إلى املحكمة (القسم املدني أو التجاري) للمطالبة ببطالن‬
‫االتفاق املقيد للمنافسة‪ ،‬كما يمكن ذلك أيضا للغير الذي تضرر من االتفاق املقيد للمنافسة‪ ،‬كأن يرفع‬
‫الدعوى القضائية ممون تمت مقاطعته تجاريا نتيجة التفاق مبرم بين منتج سيارات ومجموعة من‬
‫أصحاب االمتياز التابعين له يطالب ببطالن االتفاق‪ ،‬كما يجوز لكل من مجلس املنافسة وجمعية حماية‬
‫املستهلك املطالبة ببطالن العقد أمام الجهات القضائية املختصة‪.‬‬
‫ب‪ -‬البطالن الجزئي في قانون املنافسة‬
‫يترتب البطالن النسبي على االتفاقات التي تخالف أحكام النظام العام الحمائي فهي تتعلق باملصلحة‬
‫الخاصة للمتعاقد املحمي وله وحده التمسك بإبطال العقد‪ ،‬إال أن البطالن النسبي للعقد ال يحقق‬
‫‪4‬‬
‫الحماية للمتعاقد الضعيف الذي يكون من مصلحته اإلبقاء على العقد وإبطال الشرط املقيد للمنافسة‬
‫ورجوعا إلى نص املادة ‪ 13‬من األمر ‪ 03-03‬والتي تعد أساسا للبطالن في قانون املنافسة حيث جاءت‬
‫عباراتها كما يلي‪..." :‬يبطل كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي‪ ،"...‬تعني عبارة أو شرط تعاقدي أن‬
‫البطالن يمكن أن يكون كليا يطال العقد كليا أو يكون جزئيا يتعلق بالشرط أو البند املقيد للمنافسة‬

‫‪ -1‬يراجع نص املادتين ‪ 8‬و ‪ 9‬من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة‪.‬‬


‫‪ -2‬نبية شفار‪ ،‬الجرائم املتعلقة باملنافسة في القانون الجزائري والقانون املقارن‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫وهران‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2013 -2012 :‬ص ‪.141‬‬
‫‪ -3‬تنص املادة ‪ 102‬من التقنين املدني على أنه‪" :‬إذا كان العقد باطال بطالنا مطلقا جاز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطالن وللمحكمة‬
‫أن تقض ي به من تلقاء نفسها‪ ،‬وال يزول البطالن باإلجازة‪.‬‬
‫و تسقط دعوى البطالن بمض ي خمسة عشر سنة من وقت إبرام العقد"‪ ،‬وهي تقابل املادة ‪ 141‬من التقنين املدني املصري‪.‬‬
‫‪ -4‬خديجة فاضل‪ ،‬عيممة العقد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪- 201 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫فقط مع اإلبقاء على العقد‪ ،‬في هذه الحالة فإن القاض ي يلجا إلى البحث عما إذا كان الشرط املتنازع عليه‬
‫‪1‬‬
‫جوهريا أم ال ؟‪.‬‬
‫إذا كان الشرط املتنازع عليه جوهريا وأساسيا يتم بناء العقد عليه فهنا يقوم القاض ي بإبطال العقد‬
‫كليا‪ ،‬ألن الشرط الجوهري متنازع عليه وعليه ال فائدة من إبقاء على الشروط األخرى‪ 2،‬أما إذا كان الشرط‬
‫املتنازع عليه غير جوهري في العقد فهنا يبطل القاض ي هذا الشرط وحده‪ ،‬مع اإلبقاء على الشروط‬
‫الصحيحة في العقد وهذا ما يساهم في ديمومة املعامالت االقتصادية‪ ،‬ألن إبطال العقد ال يقدم مصلحة‬
‫للمتضرر ال سيما إذا كان يرغب في اإلبقاء على العالقة التجارية‪ ،‬بالرغم من أن البطالن في هذا اإلطار‬
‫مقرر لحماية املصلحة العامة املجسدة في النظام العام التنافس ي‪ ،‬كما أن البعض يرى بأن للبطالن‬
‫‪3‬‬
‫مصلحة مزدوجة‪ ،‬مصلحة املتضرر واملصلحة العامة‪.‬‬
‫يرى جانب من الفقه أنه حتى يكون الجزاء مناسبا للمتعاقد الضعيف من جهة واملحافظة على‬
‫استقرار املعامالت من جهة أخرى‪ ،‬فإن الجزاء املناسب املترتب عن مخالفة قواعد النظام العام الحمائي‬
‫يكون عن طريق تصحيح العقد وهو بذلك يختلف عن الجزاء املترتب عن مخالفة النظام العام الكالسيكي‬
‫سواء البطالن املطلق أو ال بطالن النسبي وعليه فال يترتب البطالن الجزئي فقط وإنما يصحح العقد وعليه‬
‫فإن الجزاء الذي نظمه النظام العام الحمائي هو تصحيح العقد عن طريق البطالن الجزئي أو عن طريق‬
‫‪4‬‬
‫التعديل‪.‬‬
‫إن البطالن املقرر في قانون املنافسة كجزاء على مخالفة العقود والبنود التعاقدية لقواعد املنافسة‬
‫ّ‬
‫إنما هو مساس بتوقعات املتعاقدين وبمضمون اتفاقاتهم وهذا ما يشكل مساس وانتهاكا ملبدأ القوة امللزمة‬
‫‪5‬‬
‫للعقد‪ ،‬غير أن هذا القيد إنما تبرره أهمية تحقيق التوازن العقدي‪.‬‬
‫‪ -2‬الغرامات‬
‫إن الغرامات التي يصدرها مجلس املنافسة تعتبر عقوبات إدارية‪ ،‬تتمثل في تقرير عقوبات مالية إما‬
‫نافذة فورا وإما في اآلجال التي يحددها عند عدم تطبيق األوامر‪ ،‬كما يمكنه أيضا أن يأمر بنشر قراراه أو‬

‫‪ -1‬ليندة قردوح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪ -2‬تنص املادة ‪ 104‬من التقنين املدني على أنه‪" :‬إذا كان العقد في شق منه باطال أو قابال لإلبطال‪ ،‬فهذا الشق وحده هو الذي يبطل إال إذا‬
‫تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطال أو قابال لإلبطال‪ ،‬فيبطل العقد كله‪".‬‬
‫‪ -3‬سامي بن حملة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪ -4‬خديجة فاضل‪ ،‬عيممة العقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ -5‬ليندة قردوح‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪- 202 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫مستخرجا منه أو توزيعه أو تعليقه وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 45‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة‬
‫‪1‬‬
‫ومحتوى هذه العقوبات تناولته املواد من ‪ 56‬إلى ‪ 62‬من نفس األمر‪.‬‬
‫إن املادة ‪ 26‬من القانون ‪ّ 12-08‬‬
‫عدلت أحكام املادة ‪ 56‬من األمر ‪ ،03-03‬ونصت على أنه تسلط‬
‫غرامة مالية ال تفوق عقوبة مالية تمثل ‪ %12‬من مبلغ رقم األعمال آلخر السنة املالية املختتمة وحسب‬
‫رقم املبيعات التي ُحققت بغض النظر عن النفقات واملصاريف أو بغرامة تساوي على األقل ضعفي الربح‬
‫املحقق بواسطة هذه املمارسات بشرط أن ال تتجاوز هذه الغرامة أربعة أضعاف الربح املحقق‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كانت املؤسسة املخالفة ال تملك رقم أعمال تعاقب بغرامة ال تتجاوز ستة ماليين دينار جزائري‬
‫‪2‬‬
‫‪ 6.000.000‬دج‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن ملجلس املنافسة أن يسلط عقوبات إدارية على املؤسسات وكذلك األشخاص الطبيعية وهذا ما‬
‫نصت عليه املادة ‪ 57‬من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة كما يلي‪" :‬يعاقب بغرامة قدرها مليوني دينار‬
‫‪ 2000.000‬دج كل شخص طبيعي ساهم شخصيا بصفة احتيالية في تنظيم املمارسات املقيدة للمنافسة‬
‫‪3‬‬
‫وفي تنفيذها كما هي محددة في هذا األمر"‪.‬‬
‫طبقا لنص املادة ‪ 58‬املعدلة بموجب القانون ‪ 412-08‬فإنه يمكن ملجلس املنافسة اذا لم تحترم‬
‫األوامر واإلجراءات املؤقتة املنصوص عليها في املادتين ‪ 45‬و ‪ 46‬من نفس األمر في اآلجال املحددة أن يقرر‬
‫‪5‬‬
‫عقوبات تهديدية ال تقل عن مبلغ مئة وخمسين ألف دينار ‪ 150.000‬دج عن كل يوم تأخير‪.‬‬
‫يمكن ملجلس املنافسة إقرار غرامة ال تتجاوز مبلغ ثمان مائة ألف ‪ 800.000‬دج بناء على تقرير‬
‫املقرر ضد املؤسسات التي تتعمد تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة بالنسبة للمعلومات املطلوبة أو‬
‫تتهاون في تقديمها طبقا للمادة ‪ 51‬من هذا األمر‪ ،‬أو التي ال تقدم املعلومات املطلوبة في اآلجال املحددة من‬
‫قبل املقرر‪ ،‬كما يمكن للمجلس أن يحكم أيضا بغرامة تهديدية ال تقل عن مئة ألف دينار ‪ 100.000‬دج‬
‫‪6‬‬
‫عن كل يوم تأخير‪.‬‬

‫‪ -1‬يراجع نص املادة ‪ 46‬و املواد من املادة ‪ 56‬إلى ‪ 62‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬يراجع نص املادة ‪ 26‬من القانون ‪ ،16-08‬املعدلة ألحكام املادة ‪ 56‬من األمر ‪.03-03‬‬
‫‪ -3‬نص املادة ‪ 57‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ،2008‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 03-03‬املؤرخ في ‪ 19‬ماي ‪ ،2003‬املتعلق باملنافسة‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ 2‬جويلية ‪ ،2008‬ع‬
‫‪ ،36‬ص ‪ ،)11‬املعدل واملتمم‪.‬‬
‫‪ -5‬نص املادة ‪ 58‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة املعدلة بموجب القانون ‪.12-08‬‬
‫‪ -6‬نص املادة ‪ 59‬من نفس األمر‪.‬‬
‫‪- 203 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫يمكن ملجلس املنافسة أن يخفض الغرامة إذا توافرت مجموعة من الشروط التي تناولها املادة ‪60‬‬
‫من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬املؤسسات التي تعترف بالخطأ واملخالفات املنسوبة إليها أثناء التحقيق في القضية‪.‬‬
‫‪ -‬املؤسسات التي تتعاون في االسراع بالتحقيق في املخالفات واألخطاء املنسوبة إليها‪ ،‬وتتعهد بعدم ارتكاب‬
‫املخالفات املتعلقة بتطبيق أحكام هذا األمر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ال تطبق أحكام الفقرة األولى أعاله في حالة العود مهما تكن طبيعة املخالفات املرتكبة‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬إثراء قانون املنافسة ملبدأ سلطان اإلرادة‬
‫اتسمت النظرية العامة للعقد القائمة على أساس مبدأ سلطان اإلرادة باالستقرار والثبات منذ‬
‫صدور قانون نابليون سنة ‪ ،1804‬ومع التطور الصناعي واالقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي‬
‫يشهده العالم في الوقت الراهن لم تعد النظرية العامة للعقد التي كرست مبدأ سلطان اإلرادة في إبرام‬
‫العقد وتحديد آثاره تتالءم مع هذه التطورات‪ ،‬لذلك أصبح من الضروري إيجاد تصور جديد لفكرة‬
‫النظام العام التقليدية تجسدت في ادخال النظام العام الحمائي على العقد‪ ،‬والذي يهدف أساسا لحماية‬
‫الطرف الضعيف في العقد خاصة مع وجود تفاوت اقتصادي وقانوني ومعرفي بين املتعاقدين‪ ،‬ورغم‬
‫الجهود التي بذلها املشرع لحماية الطرف الضعيف في العقد إال أنها ال تزال غير كافية‪ ،‬مما استوجب‬
‫البحث عن آليات جديدة تساهم في تعزيز الحماية القانونية للمنهي أيضا باعتباره ال يستفيد من أحكام‬
‫‪2‬‬
‫تشريعات االستهالك‪ ،‬ومن بين هذه اآلليات نظرية اإلكراه االقتصادي‪.‬‬
‫بصدور األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة املعدل واملتمم ومن خالل املادة األولى منه التي نصت على أنه‬
‫‪":‬يهدف هذا األمر إلى تحديد شروط ممارسة املنافسة في السوق وتفادي كل ممارسات مقيدة للمنافسة‬
‫ومراقبة التجمعات االقتصادية لزيادة الفعالية االقتصادية وتحسين معيشية املستهلكين" وهذا ما يعني‬
‫توجيه الحماية للمستهلكين واملهنيين على حد السواء مما إلى إحداث تغيير في املفاهيم الكالسيكية للعقد‬
‫من خالل تجديد عيب اإلكراه‪ ،‬عن طريق حظر االستعمال التعسفي لوضعية التبعية االقتصادية‬
‫بموجب املادة ‪ 11‬من األمر ‪ ، 03-03‬الذي كرس فيه املشرع حماية األطراف الضعيفة عقديا وغير متكافئة‬
‫اقتصاديا‪ ،‬بعد قصور ومحدودية املادة ‪ 124‬مكرر من ق م (نظرية التعسف في استعمال الحق) والتي‬

‫‪ -1‬نص املادة ‪ 60‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة‪.‬‬


‫‪ -2‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪" ،‬الحماية القانونية للمتعاقد الضعيف من اإلكراه االقتصادي في ظل أزمة فيروس كورنا "‪ ،‬حوليات جامعة‬
‫الجزائر‪ ،1‬املجلد‪ ،34‬عدد خاص‪ ،‬القانون وجائحة كوفيد ‪ ،19‬ص ‪ ،384-369‬ص ‪.370‬‬
‫‪- 204 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫جعلها املشرع منذ تعديل ‪ 2005‬تتعلق بقواعد املسؤولية التقصيرية‪ ،‬كما نص قانون املنافسة على حظر‬
‫استعمال التعسف في وضعية الهيمنة بموجب املادة ‪ 07‬من نفس األمر‪ ،1‬لذلك سنتناول في هذا املطلب في‬
‫فرعين (الفرع األول) سنتناول فيه استحداث اإلكراه االقتصادي إلثراء النظرية العامة للعقد وبما أن‬
‫تجديد عيب اإلكراه ضمن قانون املنافسة يهدف إلى إعادة التوازن العقدي فسنتناوله في (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬استحداث عيب اإلكراه االقتصادي لتدعيم سالمة الرضا‬
‫على غرار قانون حماية املستهلك ‪ 203-09‬وقانون املمارسات التجارية‪ ،3‬اللذان تأثرا بمظاهر القوة‬
‫التعاقدية بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬فإنه ومن جهة أخرى فإن قانون املنافسة تصدى ملظاهر القوة‬
‫التعاقدية فما بين األعوان االقتصاديين‪ ،‬من خالل حظر وضعية الهيمنة في السوق من متعاقد نحو‬
‫املتعاقد اآلخر‪ ،‬أومن خالل حظر التعسف الناتج عن وضعية التبعية االقتصادية ألحدهم اتجاه الطرف‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫لقد كان القانون املدني الفرنس ي سباقا لالعتراف بعيب اإلكراه االقتصادي في التعديل الذي ّ‬
‫مس‬
‫قانون العقود وااللتزامات سنة ‪ ،2016‬واعتبره آلية جديدة يواجه من خاللها مظاهر القوة االقتصادية‬
‫بعد ما دافع االجتهاد القضائي كثيرا من أجل محاربة الوضعيات التعسفية بين املتعاقدين‪ 4‬وذلك من‬
‫خالل املادة ‪ 1143‬ق م‪ 5‬وعليه سنتناول مفهوم عيب اإلكراه االقتصادي (أوال) واألساس الذي يقوم عليه‬
‫في القانون الجزائري (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم اإلكراه االقتصادي‬
‫يعتبر السوق املوطن الخصب لظهور املمارسات التعسفية في العالقات التعاقدية التي تبرم بين‬
‫املتدخلين في السوق نتيجة للتفوق االقتصادي أو املالي الذي يتمتع به أحد أطراف العالقة التعاقدية في‬
‫مواجهة الطرف اآلخر أو ألن هذا األخير يعاني من وضعية ضعف‪ ،‬لذلك تكون العقود املجال الخصب‬
‫‪6‬‬
‫ملظاهر التعسف التي تشكل ممارسات تعسفية يحظرها قانون املنافسة‪.‬‬

‫‪ -1‬جمعة زمام‪ ،‬تحديث النظرية العامة للعقد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ -2‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ 02 -04 -3‬الذي سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫‪ -4‬أحمد بعجي‪" ،‬من أجل إصالح النظرية العامة للعقد"‪ ،‬بحوث جامعة الجزائر‪ ،1‬الجزء األول‪ ،‬العدد‪ ،2020 ،14‬ص ‪،252 -232‬‬
‫ص ‪.244‬‬
‫‪ -5‬يراجع نص املادة ‪ 1143‬من القانون املدني الفرنس ي‪.‬‬
‫‪ -6‬أحمد بعجي‪ ،‬من أجل اصالح‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪- 205 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫بالرجوع إلى النظرية التقليدية للعقد فإنها ال تعتد بوضعية املتعاقد وقدرته التعاقدية فيما إذا كان‬
‫طرفا قويا أو طرفا ضعيفا‪ ،‬فاألطراف متساوية في العملية العقدية سواء كان أحدهم في وضعية قوة أو في‬
‫وضعية ضعف اقتصادي‪ ،‬ألن العبرة باملساواة املجردة دون املساواة الفعلية تجسيدا ملبدأ سلطان اإلرادة‬
‫الذي يعطي لإلرادة الحرية في التعاقد‪ ،‬مع مراعاة ما يقتضيه النظام العام واآلداب العامة‪ ،‬وتترك مسألة‬
‫تحقيق العدالة العقدية للقاض ي في إطار عقود اإلذعان‪ ،‬هذا ما دفع الفقه إلى انتقاد هذا األساس التي‬
‫يقوم عليه مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬ملا يعطي للشخص من القدرة على تحقيق مصالحه بما يتمتع به من حرية‬
‫في التعاقد وبالتالي فكل ما هو عقدي فهو عادل‪ ،‬وهو ما أدى إلى املساس بمصالح الطرف الضعيف في‬
‫العقد ليتم معالجة هذا النقص في إطار القواعد الخاصة "قانون املنافسة" على غرار قانون حماية‬
‫املستهلك‪ 03-09‬والقانون ‪ ،02-04‬املتعلق باملمارسات التجارية‪ ،‬حيث يأخذ قانون املنافسة بعين االعتبار‬
‫‪1‬‬
‫وضعيات أو مراكز القوة التي يتمتع بها املتعاقد‪.‬‬
‫ّ‬
‫كما حاول الفقه تعريف اإلكراه االقتصادي بأنه االستغالل املفرط أو التهديد املسلط على املصالح‬
‫االقتصادية للشخص بغية الحصول منه على رضا سليم ما كان ليصدر منه لو لم يكن تحت طائلة هذا‬
‫ّ‬
‫الضغط‪ ،‬كما تم تعريفه بأنه ممارسة الضغط على أحد األطراف إلبرام العقد حيث ينتزع رضاه عنوة من‬
‫‪2‬‬
‫خالل االستفادة من ظروفه السيئة ولو لم يساهم في إيجادها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أساس االكراه االقتصادي في القانون الجزائري‬

‫لم يتبنى املشرع نظرية اإلكراه االقتصادي بشكل صريح‪ ،‬لكنه كرس مفهوم اإلكراه كعيب من عيوب‬
‫اإلرادة بموجب املادة ‪ 88‬من التقنين املدني‪ ،‬التي تنص‪" :‬يجوز إبطال العقد لإلكراه إذا تعاقد شخص‬
‫تحت سلطان رهبة بينة بعثها املتعاقد اآلخر في نفسه دون حق‪.‬‬
‫وتعتبر الرهبة قائمة على بينة إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرا جسيما‬
‫‪3‬‬
‫محدقا يهدده هو أو أحد أقاربه في النفس أو الجسم أو الشرف أو املال‪".‬‬

‫‪ -1‬سامي بن حملة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.288‬‬


‫‪ -2‬وفاء شناتلية و منية شوايدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.372‬‬
‫عرف الفقه اإلكراه كعيب من عيوب اإلرادة وفقا للمفهوم التقليدي على أنه‪" :‬ضغط تتأثر به إرادة الشخص فيندفع الى التعاقد والذي‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫يفسد الرضا ليست الوسائل املادية التي تستعمل في اإلكراه بل هي الرهبة التي تقع في نفس املتعاقد" ولهذا يفضل تعبير ‪ contrainte‬بدال من‬
‫‪ violence‬وهو التعبير الوارد في التقنين املدني الفرنس ي‪ ،‬ألن الذي يصيب الرضا ليس هو فعل اإلكراه ذاته وإنما الخشية أو الرهبة الناتجة‬
‫عنه‪ ،‬كما أنه يجب التفرقة بين اإلكراه الذي يعدم الرضا والذي يفسده فقط‪ ،‬حيث يرى الفقيه عبد الرزاق أحمد السنهوري أن اإلكراه الذي‬
‫يعدم الرضا يبطل العقد بطالنا مطلقا‪ ،‬بينما اإلكراه الذي يعيب الرضا فإنه يترتب عليه البطالن النسبي‪ ،‬يراجع في هذا الخصوص‪ ،‬عبد‬
‫الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني الجديد‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،360‬الهامش ‪ 01‬ص ‪ ،360‬و الهامش ‪ ،1‬ص ‪.361‬‬
‫‪- 206 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫إن اإلكراه باملفهوم التقليدي ووفقا ملا نصت عليه املادة املذكورة أعاله يختلف عن اإلكراه‬
‫االقتصادي باستغالل وضعية التبعية‪ ،‬ففي الحالة األخيرة يتطلب وجود عالقة تجارية أي عالقة عقدية‪،‬‬
‫تحت ضغط وإكراه تسببت فيه ظروف الحال وعامل الخوف من تحقق خسارة أكيدة من املؤسسة‪ 1،‬كما‬
‫ّ‬
‫حاول الفقه تعريف اإلكراه االقتصادي بأنه االستغالل املفرط أو التهديد املسلط على املصالح‬
‫االقتصادية للشخص بغية الحصول منه على رضا سليم ما كان ليصدر منه لو لم يكن تحت طائلة هذا‬
‫ّ‬
‫الضغط‪ ،‬كما تم تعريفه بأنه ممارسة الضغط على أحد األطراف إلبرام العقد حيث ينتزع رضاه عنوة من‬
‫‪2‬‬
‫خالل االستفادة من ظروفه السيئة ولو لم يساهم في إيجادها‪.‬‬
‫وأمام عدم وجود نص صريح يكرس نظرية اإلكراه االقتصادي في التقنين املدني الجزائري فإن الفقه‬
‫حاول إيجاد أساسا قانوني يمكن من خالله طلب إبطال العقد بوجود إرادة معيبة بسبب اإلكراه‬
‫االقتصادي‪ ،‬وذلك بالرجوع إلى أحكام التقنين املدني باعتباره الشريعة العامة وتحديدا تطبيق نص املادة‬
‫‪3‬‬
‫‪ 88‬منه‪.‬‬
‫نظرا لخصوصية اإلكراه االقتصادي سعى الفقهاء إلى محاولة التقريب بين نص املادة ‪ 88‬من‬
‫التقنين املدني ومفهوم هذا األخير‪ ،‬حيث تؤدي الضغوطات االقتصادية التي يمارسها متعاقد ذو قوة‬
‫اقتصادية على املتعاقد اآلخر بطريقة تعسفية إلى إجباره على التعاقد أو القبول بشروط مجحفة لم يكن‬
‫ليقبلها لوال هذه الظروف‪ ،‬وعليه فإنه عند وقوع شخص في اإلكراه االقتصادي فإنه يمكنه املطالبة‬
‫‪4‬‬
‫بإبطال العقد تأسيسا على نص املادة ‪ 88‬من التقنين املدني‪ ،‬إلى حين تعديل التقنين املدني الجزائري‪.‬‬
‫كرس املشرع الفرنس ي اإلكراه االقتصادي كأحد عيوب اإلرادة بعدما تبناه القضاء في عدة أحكام‬
‫قضائية‪ ،‬وهو ما جاءت به املادة ‪ 1143‬من التقنين املدني الفرنس ي املعدل‪ ،‬باعتباره صورة من صور‬
‫اإلكراه االقتصادي تجعل العقد قابال لإلبطال‪ ،‬مؤسسا ذلك على مفهوم جديد يتمثل في إساءة استغالل‬
‫أحد املتعاقدين لحالة التبعية ‪ ، l’abus de l’état dépendance‬والتي لوالها ملا كان لهذا األخير أن‬
‫يتعاقد‪ 5‬وقد نص على هذه الحالة كما يلي ‪":‬وكذلك يكون هناك اكراه إذا استغل أحد املتعاقدين حالة‬

‫‪ -1‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية‪ ،...‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.415‬‬


‫‪ -2‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.372‬‬
‫‪ -3‬عرعارة عسالي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ -4‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.374‬‬
‫‪ -5‬أشرف جابر ‪ "،‬اإلصالح التشريعي الفرنس ي لنظرية العقد‪ :‬صنيعة قضائية وصياغة تشريعية"‪ ،‬ملحات في بعض املستحدثات"‪ ،‬أبحاث‬
‫املؤتمر السنوي الرابع‪ ،‬القانون أداة لإلصالح والتطوير‪ 10/9 ،‬ماي‪ ،2017 ،‬ص ‪.308‬‬
‫‪- 207 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫التبعية التي يكون عليها املتعاقد اآلخر للحصول منه تعهد لم يكن يلتزم به لوال هذا اإلكراه وذلك لتحقيق‬
‫‪1‬‬
‫مزية فاحشة‪".‬‬
‫كما قضت محكمة النقض في عدة قضايا بأنه ليس هناك ما يحول دون إبطال العقد لإلكراه‬
‫االقتصادي‪ 2،‬كما أكدت على أن مجرد وجود تبعية اقتصادية ليس كافيا في هذا الصدد وإنما يجب أن‬
‫يكون هناك إساءة استغالل هذه التبعية من املتعاقد اآلخر وعليه فإن أهمية اعتراف املشرع الفرنس ي‬
‫بفكرة اإلكراه االقتصادي ال تقتصر على كونها تطورا تشريعيا فيما يتعلق باإلكراه املعيب لإلرادة بل ّأنها‬
‫‪3‬‬
‫فتحت الباب الواسع للقضاء بتأسيس أحكامه على فكرة قلما كان يلجأ إليها في ظل غياب تشريعي‪.‬‬
‫إن ما يالحظ أن املشرع الفرنس ي قد ميز بين فكرة إساءة استغالل التبعية االقتصادية من ناحية‬
‫واختالل التوازن العقدي الجسيم من ناحية أخرى‪ ،‬فحالة التبعية االقتصادية تنظمها املادة ‪ 1143‬من‬
‫التقنين املدني الفرنس ي‪ ،‬ويكون الجزاء املترتب عنها إبطال العقد لعيب اإلكراه بشرط أن تتحقق للطرف‬
‫اآلخر نتيجة هذه اإلساءة في استعمال التبعية "مزية فاحشة" وهو جزاء عام يطبق في كافة العقود‪ ،‬أما‬
‫اختالل التوازن العقدي الجسيم فنظمته املادة ‪ 1171‬من التقنين املدني الفرنس ي وجزاؤه إبطال الشروط‬
‫‪5‬‬
‫التعسفية وليس العقد‪ ،‬التي تخل بالتوازن بين املتعاقدين‪ 4‬وهو جزاء ينحصر في عقود اإلذعان‪.‬‬
‫نصت املادة ‪ 1143‬من التقنين املدني الفرنس ي املستحدثة على أن ‪":‬عيب اإلكراه يتوافر كذلك متى‬
‫أساء أحد املتعاقدين استغالل حالة التبعية التي يوجد فيها املتعاقد اآلخر‪.".....‬‬
‫يفهم من النص املذكور أعاله أن اإلكراه في هذه الصورة يمكن أن يتحقق في أي حالة من حاالت‬
‫التبعية دون أن يقتصر على حالة التبعية االقتصادية‪ ،‬مما يكرس املفهوم الواسع لإلكراه االقتصادي وفي‬
‫هذا اإلطار يظهر أثره على املتعاقد اآلخر دون الغير‪ ،‬خالفا لقانون املنافسة الذي تصدى للتعسف الناتج‬

‫‪1‬‬
‫‪- Art.1143 : « il y a également violence l’lorsqu’une partie, abusant de l’état de dépendance dans lequel se trouve son‬‬
‫‪contractant, obtient de lui un engagement qu’il n’aurait pas souscrit en l’absence d’une telle contrainte et en tire un‬‬
‫‪avantage manifestement excessif ».‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Cass civ 1.30 mai 2000, n 98-15.242.‬‬
‫نقال عن أشرف جابر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.309‬هامش ‪.4‬‬
‫‪ -3‬أشرف جابر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،309‬ص ‪.309‬‬
‫‪ -4‬ملزيد من التفاصيل يراجع أشرف جابر‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.317-312‬‬
‫‪ -5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.317‬‬
‫‪- 208 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫عن وضعيات الهيمنة‪ 1‬وكذلك وضعيات التبعية االقتصادية‪ 2‬التي تظهر في العالقات التعاقدية بين‬
‫‪3‬‬ ‫املتعاملين االقتصاديين في ّ‬
‫السوق سواء كانوا منافسين أو شركاء تجاريين‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬مظاهراإلكراه االقتصادي في قانون املنافسة‬
‫بعد ما أظهرت النظرية العامة للعقد عجزها عن معالجة مظاهر التعسف التي تظهر في العالقات‬
‫التعاقدية في السوق تدخل املشرع عن طريق قانون املنافسة من أجل التصدي لحاالت التعسف التي تنتج‬
‫عن حاالت التبعية االقتصادية‪ ،‬فضال عن الوضعيات االقتصادية التي ينتج عنها حاالت عدم التوازن‬
‫العقدي وسنتناول مظاهر التعسف في قانون املنافسة كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التعسف الناتج عن وضعية التبعية االقتصادية للمتعاقد‬
‫ّ‬
‫عرفت املادة ‪ 03‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة وضعية التبعية االقتصادية بأنها ‪":‬العالقة‬
‫التجارية التي ال يكون فيها ملؤسسة ما حل بديل مقارن إذا أرادت رفض التعاقد بالشروط التي تفرضها‬
‫عليها مؤسسة أخرى سواء كانت زبونا أو ممونا" وعليه فإن التبعية االقتصادية هي تلك العالقة التجارية‬
‫التي تربط بين مؤسستين سواء كانت شخص طبيعي أو معنوي يمارس بصفة دائمة نشاطات اإلنتاج أو‬
‫التوزيع أو الخدمات وال يمكن الحديث عن وجود املستهلك في هذه العالقة بحيث تكون مؤسسة ما تحت‬
‫‪4‬‬
‫سلطة مؤسسة أخرى تخضع لشروطها وال يمكن إيجاد طرف بديل للتعاقد معه‪.‬‬
‫وعليه يشترط لتحقق حالة التبعية أن تكون هناك عالقة تعاقدية بين املؤسسة وممونيها أو عمالئها‬
‫وأن وضعية التبعية في حد ذاتها ال تعتبر أمرا محظورا‪ ،‬فالسيطرة أو التفوق هو طموح أي مؤسسة في‬
‫امليدان االقتصادي وإنما املحظور هو تعسف املؤسسة املهيمنة الناتج عن استغالل وضعية التبعية‬
‫االقتصادية والذي يتخذ عدة أشكال نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬رفض البيع دون مبرر شرعي وفرض شروط بيع تمييزية‪.‬‬
‫‪ -2‬االلتزام بإعادة البيع بسعر أدنى‪.‬‬
‫‪ -3‬البيع املشروط باقتناء كمية معينة‪.‬‬

‫‪ -1‬يراجع نص املادة ‪ 07‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة املعدل واملتمم‬


‫‪ -2‬يراجع نص املادة ‪ 11‬من نفس األمر‬
‫‪ -3‬سامي بن حملة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ -4‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.376‬‬
‫‪- 209 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫‪ -4‬عملية إيقاف التعامل مع العميل الذي يكون الباعث عليها مجرد رفض الخضوع لشروط تجارية غير‬
‫‪1‬‬
‫ُمسببة‪.‬‬
‫إن هذه الحاالت من املمارسات التعسفية والتي تشكل خرقا لقواعد املنافسة ذكرت على سبيل‬
‫املثال وليس على سبيل الحصر وهذا ما يظهر من خالل الفقرة األخيرة من نص املادة ‪ 11‬من األمر ‪03-03‬‬
‫‪2‬‬
‫التي وسعت من دائرة هذه التصرفات‪.‬‬
‫إن إسقاط حالة التبعية االقتصادية على الفقرة ‪ 02‬من املادة ‪ 88‬من التقنين املدني‪ ،‬يعني أن‬
‫املتعاقد (املؤسسة) لم تجد حال بديال مما يجعلها تبرم عقدا يتضمن بنودا يراها هو تعسفية نتيجة‬
‫التبعية االقتصادية‪ ،‬هذا ما يشكل جوهر اإلكراه االقتصادي ومساسا بمبدأ الحرية التعاقدية للشخص‪،‬‬
‫إذ ّأن إرادته تصبح معيبة نتيجة الرهبة التي تكون في نفسه‪ ،‬تهدد مصالحه املشروعة بشكل مباشر‪ ،‬لذلك‬
‫فإن االستفادة من وضعية التبعية االقتصادية‪ ،‬يعتبر إكراها والذي تقوم به املؤسسة األخرى بغرض‬
‫الحصول على فائدة في صورة شروط تعسفية أو تفاوت في االلتزامات‪ ،‬كأن تفرض أسعار معينة على‬
‫التجار الذين يبيعون منتجاتها إلى املستهلكين وهي حالة تجعل إرادة املتعاقد اآلخر معيبة ويكون العقد‬
‫‪3‬‬
‫قابال لإلبطال‪.‬‬
‫ّإن ما يميز التعسف في وضعية التبعية االقتصادية عن التعسف في وضعية الهيمنة هو درجة وقوة‬
‫تأثير فعل التعسف‪ ،‬ففي وضعية الهيمنة فإنه يمتد إلى السوق كلها‪ ،‬أما في حالة التبعية االقتصادية فإن‬
‫‪4‬‬
‫محيط التأثير ال يتعدى املتعاقد اآلخر ويمكن أن تقع الحالتين معا على املتعاقد‪.‬‬
‫‪ -2‬التعسف في استعمال وضعية الهيمنة‪:‬‬
‫عرفت املادة ‪ 03‬من األمر ‪ 03-03‬وضعية الهيمنة بأنها ‪":‬الوضعية التي ُتمكن مؤسسة من الحصول‬
‫على مركز قوة اقتصادية في السوق املعني من شأنها عرقلة قيام منافسة فعلية فيه وتعطيها إمكانية القيام‬
‫بتصرفات منفردة إلى حد معتبر إزاء منافسيها‪ ،‬أو زبائنها أو ممونيها"‪.‬‬
‫بالرجوع إلى نص املادة ‪ 07‬من األمر ‪ 03-03‬يتبين أن وضعية االحتكار قد تمثل وضعية هيمنة على‬
‫السوق‪ ،‬إذا كانت املؤسسة املعنية تشمل أو تضم جميع الحصص أو القسط األكبر منها‪ ،‬مما يجعلها ال‬

‫‪ -1‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.229-228‬‬


‫‪ -2‬جاء في نص املادة ‪ 11‬من األمر ‪ 03-03‬املتعلق باملنافسة ما يلي‪ ..." :‬يتمثل هذا التعسف على الخصوص في‪ ،"....‬مما يعني أن املمارسات‬
‫املذكورة في املادة ‪ 11‬جاءت على سبيل املثال لوجود عبارة "على الخصوص"‪.‬‬
‫‪ -3‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.377‬‬
‫‪ -4‬محمد تيورس ي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪- 210 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫تخضع ألي منافسة نظرا للتمركز الفعلي واألكيد للقوة االقتصادية الذي يتحقق لها نتيجة لتمتعها بهذه‬
‫‪1‬‬
‫الصبغة‪.‬‬
‫إن الفعل الغير مشروع ال يتمثل في مجرد احتكار أو الهيمنة على سوق ما وإنما في سوء استغالل‬
‫هذه الهيمنة وعليه فإن قانون املنافسة ال يحظر وضعية الهيمنة في حد ذاتها‪ ،‬وإنما يمنع التعسف في‬
‫استعمالها ولعل الحكمة من هذا الحظر هو تحقيق التوازن في العقود املبرمة بين أطراف غير متكافئة في‬
‫القوة التفاوضية‪ ،‬ال سيما مع ظهور مؤسسات قوية في مجاالت اإلنتاج والتوزيع‪ ،‬مما يستدعي توفير‬
‫‪2‬‬
‫حماية للطرف الضعيف بما قد يترتب عن مثل هذه الوضعيات (املهيمنة) من شروط تعسفية‪.‬‬
‫استنادا إلى نص املادة ‪ 03‬ف ‪ 3‬من األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة فإن املؤسسة تكون في وضع‬
‫مهيمن بمجرد تمكنها من تحديد الشروط التي يتم في ظلها تطوير املنافسة‪ ،‬والقيام بأي تصرف دون األخذ‬
‫بعين االعتبار السير العادي للعبة التنافسية ويتميز الوضع املهيمن بتوافر ثالثة عناصر على األقل هي‪:‬‬
‫‪ -‬تمكين املقاولة املهيمنة من القيام بعملية تقييم وتحليل اقتصادي للسوق‪.‬‬
‫‪ -‬احتكار املقاولة املهيمنة للسوق ما دامت تستحوذ على السوق بأكملها أو على جزء مهم منها‪ ،‬دون‬
‫الخضوع ألية منافسة من طرف جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬تركيز القوة االقتصادية في يد املقاولة أو مجموعات املقاوالت املهيمنة وانطالقا من كل ذلك يظهر أن‬
‫اعتبار مقاولة ما في وضع مهيمن يتطلب دراية تامة وحذرا شديدا وفحصا دقيقا للحيز الذي تحتله املقاولة‬
‫في السوق‪.‬‬
‫إن التعسف الناتج عن وضعية الهيمنة ال يكون مقيدا للمنافسة إال بعد وقوعه ولم يتطرق قانون‬
‫ّ‬
‫املنافسة لتعريف التعسف وإنما اكتفى بإيراد أمثلة للتعسف ويمكن القول أن التعسف في وضعية‬
‫الهيمنة يتمثل في السلوكات التي تتبعها املؤسسة والتي من طبيعتها أن تؤثر على السوق‪ ،‬والتي تسعى‬
‫‪3‬‬
‫املؤسسة من خاللها للحصول على ميزة تنافسية أو اقتصادية غير مبررة‪.‬‬
‫إن االستغالل التعسفي لوضعية الهيمنة االقتصادية التي يفرضها االحتكار من طرف املنهي على‬
‫حساب املستهلك أو غير املحترف هو ما يؤدي إلى قيام نظرية اإلكراه االقتصادي‪ ،‬ويتجسد ذلك في‬
‫الشروط التعسفية وهو معيار ذاتي يختلف باختالف الشخص وظروفه االقتصادية‪ ،‬وقد ّ‬
‫نص املشرع‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.217‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪ -3‬زهرة بن عبد القادر‪ " ،‬حماية مبدأ املنافسة من التعسف في استغالل وضعية الهيمنة على السوق"‪ ،‬دراسة تحليلية في التشريع الجزائري‬
‫على ضوء نظيرة الفرنس ي‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية املقارنة‪ ،‬املجلد‪ ،5‬العدد‪ ،2019 ،01‬ص ‪ ،58 -31‬ص ‪.42‬‬
‫‪- 211 -‬‬
‫آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‬ ‫الباب الثاني‬

‫على معيار واحد للتعسف وهو اإلخالل الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات الطرفين وعليه فإنه ملعرفة‬
‫التعسف يكون البحث عن اختالل التوازن في العقد املبرم بين املنهي واملستهلك‪ ،‬الذي يكون نتيجة ضعف‬
‫هذا األخير أمام املنهي الذي يفرض عليه شروط بما يملكه من تفوق في االقتصاد املعرفي وبالتالي يتم‬
‫استغالل حاجة املستهلك للسلعة أو الخدمة وال يمكنه إال القبول أو الرفض دون إمكانية املناقشة‪ ،‬وهو‬
‫ما يعرف بعقود اإلذعان‪ ،‬حيث تقوم الشركات الكبرى بإبرام عقود تدرج فيها شروط تعسفية تخدم‬
‫مصلحتها االقتصادية‪ ،‬فالالمساواة في القوة االقتصادية يجعلها تتحكم في الجمهور من خالل استغالل‬
‫خوفهم من عدم تلبية احتياجاتهم‪ ،‬فينعدم االختيار ونظرا للظروف االقتصادية فإنه يقوم بإبرام العقد‬
‫مكرها ويترتب على هذا الخضوع عدم التوازن العقدي‪ ،‬يمنح للمحترف الحصول على فائدة مفرطة‪ ،‬وهو‬
‫‪1‬‬
‫ما يكون قرينة على التعسف في استعمال وضعية الهيمنة االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -1‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.379‬‬


‫‪- 212 -‬‬
‫خ ـ ــاتمـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫خاتمة‬
‫خاتم ـة‪:‬‬
‫ملا كانت القاعدة القانونية قاعدة ّ‬
‫السلوك االجتماعي فإنها ال بد أن تتغير بتغير املجتمع‪ ،‬فكل‬
‫تطور اجتماعي ال بد أن يتبعه تطور قانوني‪ ،‬هذا ما جعل مبدأ سلطان اإلرادة كأساس قانوني للعقد يولد‬
‫في كنف األفكار الليبيرالية التي ّجسدت فلسفة مشبعة بروح الفردية‪ ،‬وتقديس ّ‬
‫الحرية في ظل سيادة‬
‫املذهب الفردي الذي يرى أنصاره أنه ال بد من استقالل حرية الفرد وإرادته‪ ،‬وتسخير هذه اإلرادة لكل ما‬
‫في الحياة من نظم اقتصادية واجتماعية بما فيها حريته في النشاط االقتصادي‪ ،‬في ظل بيئة عقدية‬
‫اعتمدت آنذاك خالل القرن الثامن على أسلوب التعاقد البسيط حيث كانت تعتمد على الزراعة وعقود‬
‫محدودة النطاق غالبا ما تتم بين األسر‪.‬‬
‫ّ‬
‫إال أن هذه البيئة العقدية لم تعد نفسها البيئة التي يشهدها العالم بداية من القرن العشرين‪،‬‬
‫فالثورة الصناعية وظهور التكنولوجيا بشكل كبير أثر كثيرا على العقد‪ّ ،‬‬
‫مما أدى إلى ظهور عقود جديدة‬
‫وسعت من نطاق العالقات العقدية‪ ،‬بل ّ‬
‫وأدت إلى اختالل التوازن العقدي‬ ‫وتقنيات مستحدثة في التعاقد ّ‬
‫نظرا لتباين القوى االقتصادية واملعرفية بين األطراف املتعاقدة‪ ،‬هذا ما جعل الفلسفة والتصورات التي‬
‫قام عليها مبدأ سلطان اإلرادة كأساس يقوم عليه العقد‪ ،‬لم تعد صالحة لحماية ّ‬
‫حرية اإلرادة ولم تعد‬
‫ّ‬ ‫عقدا قال ً‬‫مقولة فوييه "من قال ً‬
‫عدا" مقولة صحيحة‪ ،‬بل صار العقد يمثل الالعدل في ظل عالقات‬
‫عقدية غير متساوية األطراف‪ ،‬يخضع ويذعن فيها الطرف الضعيف للشروط التعسفية التي يمليها عليه‬
‫الطرف القوي في العقد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مهدت هذه الظروف إلى انتشار األفكار االشتراكية بعدما ّ‬
‫ّ‬
‫وجه أنصارها النقد الالذع للمذهب‬
‫الفردي‪ ،‬وبرهنوا على أن مبدأ سلطان اإلرادة أصبح يقوم على أرضية غير صلبة‪ّ ،‬‬
‫مما انعكس على حرية‬
‫األفراد و أدى الى انتشار الظلم في أوساط العمال‪ ،‬وغيرها من ّ‬
‫الروابط العقدية الغير متساوية األطراف‪،‬‬
‫هذا ما جعل قوانين ّ‬
‫الدولة تتجه نحو االهتمام بمصالح الجماعة قبل مصلحة الفرد‪ ،‬متأثرة باألفكار التي‬
‫أفرزها املذهب االجتماعي الذي حمل معه فلسفة جديدة تستجيب للمتغيرات الراهنة‪ ،‬فظهرت مفاهيم‬
‫جديدة لفكرة النظام العام التي ال تقتصر على الجانب السلبي ّ‬
‫الرقابي‪ ،‬بل تجاوزته إلى التدخل االيجابي في‬
‫تحديد مضمون العقد‪ ،‬عن طريق التدخل املباشر للمشرع في الرابطة العقدية‪ ،‬لتظهر إلى الوجود فكرة‬
‫العقود املوجهة أو املفروضة‪ ،‬األمر الذي ّأدى إلى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‪ّ ،‬‬
‫مما أثار جدال كبيرا في‬
‫أوساط الفقهاء‪ ،‬وذهب البعض منهم إلى القول أن العقد ّيمر فيما يعرف "بأزمة العقد" وشككوا في‬
‫فاعلية اإلرادة وقدرتها على إنشاء العقد وتحديد آثاره‪ ،‬بينما ذهب البعض اآلخر ّأن العقد يعرف انتعاشا‬

‫‪- 215 -‬‬


‫خاتمة‬
‫ّ‬
‫وتجديدا في مبادئه وتصوراته‪ ،‬وأن اإلرادة ال يمكن انكارها طاملا أن العقد ال يتم إال بتوافق إرادتين‪ ،‬ولكن‬
‫ما يجب أن يكون هو أن يتم توجيه هذه اإلرادة وتقييدها بما يكفل حماية الطرف الضعيف واملصلحة‬
‫ّ‬
‫العامة وهذا ما هو إال حماية في حد ذاته لهذه اإلرادة‪.‬‬
‫عمد املشرع الجزائري على غرار باقي مشرعي ّ‬
‫الدول األخرى إلى تنظيم العقد وتوجيهه مستعمال‬
‫تقنية النظام العام بشقيه التوجيهي والحمائي بعدما أصبحت القواعد العامة ضمن النظرية التقليدية‬
‫للعقد غير كافية لحماية إرادة الطرف الضعيف‪ ،‬فلجأ إلى اصدار العقود املتخصصة التي تحتوي على‬
‫القواعد اآلمرة والتي كان لها التأثير ال محالة على مبدأ سلطان اإلرادة دون االصالح الشامل لقانون العقود‬
‫واللتزامات‪.‬‬
‫ّإن جملة النتائج التي توصلنا إليها ضمن هذه الدراسة يمكن حصرها في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ّ -1‬إن مبدأ سلطان اإلرادة يعتبر فلسفة فقهية تتغير وتتطور بتغير وتطور املجتمع‪ ،‬وهذا ما‬
‫ينعكس على نظام العقد‪ ،‬ويجعله ينتقل من سلطان اإلرادة إلى سلطان القانون من حيث تكوينه وتحديد‬
‫آثاره‪.‬‬
‫‪ّ -2‬إن الليبيرالية الفردية بالغت في تمجيد الفرد واالعتراف بحريته في مجال العقد إلى ّ‬
‫حد اإلطالق‪،‬‬
‫مما أثر على تكريس التوازن العقدي وتحقيق العدالة العقدية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬وفقا للمذاهب االشتراكية فإن مصلحة الجماعة أولى من مصلحة الفرد‪ ،‬وما دام أنه يعيش في‬
‫وسط الجماعة فال بد أن تكون إرادته متوافقة مع مصلحة الجماعة‪.‬‬
‫‪ -4‬ظهور النظام العام االقتصادي بشقيه الحمائي والتوجيهي من أجل حماية الطرف الضعيف‬
‫وضبط النشاط االقتصادي‪ ،‬كما أن انتهاج ّ‬
‫الدولة الجزائرية القتصاد السوق ابتداء من دستور ‪،1989‬‬
‫وتكريسه صراحة في دستور ‪ 1996‬جعل ّ‬
‫الدولة تتخلى عن وظيفتها كدولة متدخلة في النشاط االقتصادي‬
‫بصفة مباشرة‪ ،‬وتصبح دولة ضابطة للسوق مستعملة آلية العقد عن طريق توجيهه وتقييده من أجل‬
‫حماية ّ‬
‫حرية املنافسة من التصرفات املقيدة لها‪.‬‬
‫‪ -5‬لجوء املشرع إلى اصدار العقود املتخصصة املنفصلة عن القانون املدني‪ ،‬من أجل حماية‬
‫الطرف الضعيف‪ ،‬والتكيف مع التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي عرفها العالم بداية‬
‫من القرن العشرين‪ ،‬فأصدر العديد من القوانين الهادفة إلى حماية الطرف الضعيف منها قانون‬
‫االستهالك ‪ ،03-09‬وقانون العمل ‪ 11-90‬املعدل واملتمم ونظم عقد االيجار املدني‪ ،‬إلى غيرها من القوانين‬

‫‪- 216 -‬‬


‫خاتمة‬
‫التي تهدف إلى حماية الطرف الضعيف وإعادة التوازن العقدي من أجل تحقيق العدالة العقدية‪ ،‬ولقد‬
‫عبر الفقهاء عن هذه الظاهرة بعيممة العقد‪ ،‬التي أصبغت العقد بقواعد القانون العام‪.‬‬
‫‪ -6‬إن تدخل املشرع في العقود أثر على مبدأ سلطان اإلدارة في مبادئه وتصوراته‪ ،‬فلم يعد‬
‫الشخص حرا في أن يتعاقد أو أن يرفض التعاقد بل ظهرت العقود اإلجبارية كعقد التأمين‪ ،‬والعقود‬
‫املحظورة وهو ما كرسه املشرع بحظره للقروض االستهالكية بموجب املادة ‪ 75‬من األمر ‪ 01-09‬املتضمن‬
‫قانون املالية التكميلي لسنة ‪ ،2009‬ثم رفع هذا الحظر نتيجة انتعاش االقتصاد الوطني‪ ،‬كما قيد املشرع‬
‫حرية اإلرادة في اختيار الطرف اآلخر على الرغم من تكريس املشرع لحرية االستثمار إال أنه نص على حق‬
‫الدولة واملؤسسات العمومية االقتصادية في إعادة شراء األسهم والحصص االجتماعية التي تتنازل عنها‬
‫الشركات الخاضعة للقانون الجزائري في الخارج سواء مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬
‫‪ّ -7‬‬
‫دعم املشرع حماية الطرف الضعيف في العقد عن طريق فرض التزامات إضافية كااللتزام‬
‫باإلعالم‪ ،‬وفرض االلتزام بحسن النية أثناء املرحلة السابقة على التعاقد‪ ،‬وفرض نظام التراخيص اإلدارية‬
‫املسبقة‪.‬‬
‫‪ -8‬لم يقتصر تدخل املشرع في الحد من حرية التعاقد أو االمتناع وتحديد الطرف اآلخر املتعاقد‬
‫معه بل واصل تدخله الذي طال مضمون العقد‪ ،‬بل األكثر من ذلك امتد هذا التنظيم إلى فرض نماذج‬
‫للعقود جاهزة ومعد مسبقا‪ ،‬كاد أن يكون فيها املشرع طرفا ثالثا في العقد عن طريق تمذيج العقود‪.‬‬
‫‪ -9‬أدى التدخل التشريعي في العقود إلى الخروج عن مبدأ سلطان اإلدارة من حيث أثار العقد‪ ،‬فلم‬
‫يعد األثر نسبيا بالنسبة للعقد‪ ،‬بل هناك توسع هذا املبدأ عن طريق اتفاقيات العمل الجماعية‪،‬‬
‫وتشريعات االستهالك كما أن تدخل املشرع في العقود أدى إلى انتهاك حرمة القوة امللزمة للعقد‪ ،‬كما هو‬
‫الحال بالنسبة لحق العدول عن العقد‪ ،‬كآلية لتدعيم رضاء املستهلك في العقود املبرمة عن بعد‪.‬‬
‫‪ -10‬إن تدخل املشرع في تنظيم العقد يهدف إلى تحقيق السياسة التشريعية للمشرع وهي تحقيق‬
‫املصلحة العامة‪ ،‬ولذلك كان البد أن يستجيب للمنفعة االجتماعية‪ ،‬عن طريق اخضاعه للقواعد اآلمرة‬
‫وهذا ما يكرس العدالة كأساس جديد للقوة امللزمة للعقد‪.‬‬
‫‪ -11‬من أجل تكميل العدالة العقدية فإنه تم إدخال القواعد األخالقية على مفهوم العقد‪،‬‬
‫كااللتزام بمبدأ حسن النية‪ ،‬الذي أسبغ عليه الفقه مفهوما جديدا يتعلق بالثقة املشروعة للمستهلك‪.‬‬

‫‪- 217 -‬‬


‫خاتمة‬
‫‪ -12‬على الرغم من مرونة قواعد النظرية التقليدية للعقد وثباتها مدة طويلة من الزمن‪ ،‬إال أنها‬
‫أصبحت غير قادرة على احتواء العقود املستحدثة نتيجة التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫هذا ما جعل املشرع الفرنس ي يحدث إصالحات جذرية على الجزء املهم واملتعلق بالعقود وااللتزامات‪.‬‬
‫‪ -13‬إن التكيف مع التحوالت الراهنة أحدث خروجا عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية‬
‫للعقد‪ ،‬من أجل تطوير العقد وتحديثه في مبادئه وتصوراته‪ ،‬ولم يشكل هذا التدخل أزمة للعقد‪.‬‬
‫‪ -14‬إن تدخل املشرع في العقود عن طريق التنظيم ال يشكل إذعانا لإلدارة التشريعية بل إن‬
‫الهدف من هذا التنظيم هو تنفيذ سياسة املشرع في حماية الطرف الضعيف وتحقيق املصلحة العامة‪،‬‬
‫وكذا ضبط النشاط االقتصادي في ظل انتهاج سياسة االقتصاد الحر‪.‬‬
‫‪ -15‬على الرغم من اختفاء سلطان اإلرادة بمفهومه الكالسيكي في تكوين العقد وتحديد أثاره إال‬
‫أنه يبقى له الدور في إنشاء العقد الذي ال يتم إال بتوافق إرادتين‪.‬‬
‫‪-16‬إثراء قانون املنافسة لإلرادة التعاقدية‪ ،‬من خالل استحداث عيب اإلكراه االقتصادي كعيب‬
‫من عيوب الرضا‪.‬‬
‫لذلك فإننا نوص ي بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ندعو املشرع الى ضرورة تعديل القانون املدني خاصة قانون العقود وااللتزامات وذلك بإدخال‬
‫إصالحات جديدة لتتالءم النظرية التقليدية للعقد مع التصورات الجديدة للمنظومة التعاقدية حتى يتم‬
‫توحيد املفاهيم الجديدة التي جاءت بها القوانين املتخصصة مع النظرية العامة للعقد‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫التطرق إلى مرحلة التفاوض االلكتروني وتجسيد مبدأ حسن النية في املرحلة السابقة على التعاقد‪،‬‬
‫وترتيب املسؤولية وكجزاء عن اإلخالل بااللتزامات في هذه املرحلة‪.‬‬
‫‪ -2‬إحداث تعديالت على تشريعات االستهالك وكذا القانون املدني تشمل حماية املستهلك من‬
‫الشروط التعسفية في كل العقود على غرار ما فعله املشرع الفرنس ي في قانون االستهالك في القانون املدني‬
‫الفرنس ي املعدل بموجب املادة ‪1171.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة ربط الشروط التعسفية بكل العقود النموذجية سواءا كانت عقود إذعان أو عقود‬
‫مساومة ألن الواقع أثبت أن الشروط التعسفية لم تعد ترتبط بعقود اإلذعان فقط‪ ،‬باإلضافة إال أنه ليس‬
‫كل عقود اإلذعان بالضرورة تتضمن الشروط التعسفية بل إن عقود املساومة وفقا لتشريعات االستهالك‬

‫‪- 218 -‬‬


‫خاتمة‬
‫ال يمتلك فيها املستهلك سوى اإلذعان لطرف القوي ألن املفاوضة تكون صورية وهي صورة متطورة لعقد‬
‫اإلذعان‪.‬‬
‫‪ -4‬ضرورة التوافق ما بين سلطان اإلرادة وسلطان القانون فال يكون هناك إقصاء كلي وإلغاء لدور‬
‫االرادة عن طريق احتكارها من طرف املشرع وال إطالقها مما ال يحقق املساواة الفعلية وإنما ينبغي أن‬
‫يكون سلطان اإلرادة يمش ي جنبا إلى جنب مع سلطان القانون‪ ،‬مع ضرورة توجيه هذه اإلرادة كلما كانت‬
‫العالقة العقدية غير متساوية االطراف‪.‬‬

‫‪- 219 -‬‬


‫قـ ــائمة املصادرواملراجع‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫القرآن الكريم برواية ورش عن نافع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬املصادر‬

‫‪ -1‬الدساتير‪:‬‬

‫‪ -1‬دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ( ،‬ج ر الصادرة في ‪ ،1996 /12 /8‬ع ‪ ،)76‬املعدل‬
‫واملتمم‪.‬‬

‫‪-2‬القوانين الوطنية و األجنبية‪:‬‬

‫أ‪ /‬القوانين الوطنية‪:‬‬

‫‪ .1‬القانون ‪ 12-89‬املتعلق باألسعار ‪ ،‬واملؤرخ في ‪( 1989/07/5‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪،1989 /07/19‬ع ‪،29‬‬


‫ص‪ ،)757‬امللغى‪.‬‬

‫‪ .2‬القانون ‪ 02 - 88‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي‪ 1988‬املتعلق بالتخطيط‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬جانفي‬


‫‪ ،1988‬ع ‪.)02‬‬

‫‪ .3‬القانون ‪ 01 -88‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ 1988‬املتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية‬


‫االقتصادية (ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬جانفي ‪ ،1988‬العدد ‪.)02‬‬

‫‪ .4‬القانون ‪10 -90‬املؤرخ في ‪ 14‬أفريل ‪ ،1990‬املتعلق بالنقد والقرض‪( ،‬ج ر ‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 18‬أفريل‬
‫‪ ،1990‬ع ‪ ،16‬ص‪ ،) 520‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ -2‬القانون ‪ 11-90‬املتعلق بعالقات العمل‪ ،‬املؤرخ في ‪ 21‬أفريل ‪( 1990‬ج ر ‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 25‬أفريل‬
‫‪ ،1990‬ع ‪ ،17‬ص ‪ ،)562‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .5‬القانون ‪ ،09-18‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ،2018‬يعدل ويتمم القانون ‪ ،03 - 09‬املتعلق بحماية املستهلك‬
‫وقمع الغش‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 13‬جوان ‪ ،2018‬ع ‪ ،35‬ص ‪.) 5‬‬

‫‪ .6‬القانون رقم ‪ 01 -16‬املؤرخ في مارس ‪ ،2016‬يتضن التعديل الدستوري ( ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪07‬‬
‫مارس ‪ ،2016‬ع ‪.)14‬‬

‫‪ .7‬القانون رقم ‪ ،18-01‬املؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،2001‬يتضمن القانون التوجيهي لترقية املؤسسات‬


‫الصغيرة واملتوسطة ( ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 15‬ديسمبر ‪ ،2001‬ص ‪.)4‬‬
‫‪- 221 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .8‬القانون رقم ‪ ،20-01‬املؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ ،2001‬يتعلق بتهيئة االقليم و تنميته املستدامة‪ (،‬ج ر‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 15‬ديسمبر ‪ ،2001‬ع ‪ ،77‬ص ‪.)18‬‬

‫‪ .9‬القانون ‪ ،01-09‬املؤرخ في ‪ 22‬جويلية‪ ،‬املتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ‪( ،2009‬ج ر‪ ،‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 26‬جويلية ‪ ،2009‬ع ‪ ،44‬ص‪ ،)4‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .10‬القانون ‪ 07-86‬املتعلق بالترقية العقارية‪ ،‬املؤرخ في ‪( 1986/03/4‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ ،1986/03/5‬ع‬


‫‪ ،10‬ص‪ ،)350‬ملغى‪.‬‬

‫‪ .11‬القانون رقم ‪ ،10-90‬املؤرخ في ‪ 14‬أفريل ‪ ،1990‬يتعلق بالنقد والقرض‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪18‬‬
‫أفريل ‪ ،1990‬ع‪ ،16‬ص ‪ ،)51‬ملغى‪.‬‬

‫‪ .12‬القانون العضوي رقم ‪ 05-12‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ ،2012‬املتعلق باإلعالم‪ ( ،‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪15‬‬
‫جانفي ‪ ،2012 ،‬ع ‪ ، 02‬ص ‪ ،) 21‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .13‬القانون ‪ 12-08‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ،2008‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 03-03‬املؤرخ في ‪ 19‬ماي ‪،2003‬‬
‫املتعلق باملنافسة‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ 2‬جويلية ‪ ،2008‬ع ‪ ،36‬ص ‪ ،)11‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .14‬القانون رقم ‪ 04-03‬املؤرخ في ‪ 14‬فبراير ‪ ،2003‬يعدل ويتمم املرسوم التشريعي رقم ‪ 10 -93‬املؤرخ في‬
‫‪ 23‬ماي ‪ ،1993‬املتعلق ببورصة القيم املنقولة‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 19‬فبراير ‪ ،2003‬ع ‪ ،11‬ص ‪،)20‬‬
‫املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .15‬القانون ‪ 03-97‬املؤرخ في ‪ 18‬نوفمبر ‪ ،1997‬يتعلق بالنظام العام البورصة القيم املنقولة (ج ر‬


‫الصادرة في ‪ 29‬ديسمبر ‪ ،1997‬ص ‪ )6‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .16‬القانون ‪ 13-08‬املؤرخ في ‪ 20‬جويلية ‪ ،2008‬املعدل واملتمم لألمر ‪ ،05 -85‬املتعلق بحماية وترقية‬
‫الصحة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ ،)2008‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .17‬القانون ‪ 04-06‬املؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ،2006‬املعدل واملتمم لألمر رقم ‪ ،04-95‬املتعلق بالتأمينات‪ ( ،‬ج‬
‫ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬مارس‪ ،2006‬ع ‪ ،44‬ص ‪.)03‬‬

‫‪ .18‬القانون ‪ 12-05‬املؤرخ في ‪ 4‬أوت ‪ ،2005‬املتعلق باملياه‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬سبتمبر ‪ ،2005‬ع‬
‫‪ ،6‬ص ‪،)03‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪- 222 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫املؤرخ في ‪ 28‬أفريل ‪ ،2005‬يتعلق باملحروقات‪ ( ،‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 22‬جوان‬ ‫‪ .19‬القانون ‪07-05‬‬
‫‪ ،2005‬ع ‪ ،50‬ص ‪ ،)3‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .20‬القانون ‪ 01-02‬املؤرخ في ‪ 5‬فيفري ‪ ،2002‬املتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز عن بواسطة القنوات‪( ،‬ج ر‪،‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 06‬فيفري ‪ ،2002‬ع ‪ ،8‬ص ‪.)02‬‬

‫‪ .21‬القانون ‪ 10-01‬املؤرخ في ‪ 3‬جويلية ‪ ،2001‬املتعلق باملناجم‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 04‬جويلية‬


‫‪ ،2001‬ع ‪ ،35‬ص ‪ ،)02‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .22‬القانون ‪ 03- 2000‬املؤرخ في ‪ 5‬أوت ‪ ،2000‬املتعلق بالقواعد العامة للبريد واملواصالت السلكية‬
‫والالسلكية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 06‬أوت ‪ ،2000‬ع ‪ ،48‬ص ‪ ،)3‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .23‬القانون ‪ 07-90‬املتعلق باإلعالم املؤرخ في ‪ 03‬أفريل ‪( ،1990‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 04‬أفريل ‪ ،1990‬ع‬


‫‪ ،14‬ص ‪ ،)458‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .24‬القانون رقم ‪ 22-95‬املؤرخ في ‪ 26‬أوت ‪ ،1994‬يتعلق بخوصصة املؤسسات العمومية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 30‬سبتمبر ‪ ،1995‬ع ‪ ، 48‬ص ‪ ،)03‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .25‬القانون ‪ 01-88‬املؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ ،1988‬يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية‬


‫االقتصادية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 13‬جانفي ‪ ،1988‬ع ‪.)02‬‬

‫‪ .26‬القانون ‪ ،09-18‬املؤرخ في ‪ 10‬جوان سنة ‪ ،2018‬يعدل ويتمم القانون رقم ‪ 03-09‬املتعلق بحماية‬
‫املستهلك وقمع‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 13‬جوان ‪ ،2018‬ع ‪ ،35‬ص ‪.)5‬‬

‫‪ .27‬القانون ‪ 05-18‬املتعلق بالتجارة االلكترونية‪ ،‬املؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪ ،2018‬يتعلق بالتجارة االلكترونية‪،‬‬


‫(ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 16‬ماي ‪ ،2018‬العدد ‪ ،28‬ص ‪.)4‬‬

‫‪ .28‬القانون رقم ‪ 10-03‬املؤرخ في ‪ ،2003/8/19‬املتعلق بحماية البيئة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ‬


‫‪ ،2003/8/20‬ع ‪ ،43‬ص‪.)6‬‬

‫‪ .29‬القانون ‪ ،02 -89‬املؤرخ في ‪ 25‬فيفري ‪ ،2000‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في‬
‫‪ 8‬مارس ‪ ،2009‬ع ‪ ،15‬ص ‪ ،)12‬امللغى‪.‬‬

‫‪ .30‬القانون رقم ‪ 12-08‬املؤرخ في ‪ 25‬جوان سنة ‪ ،2008‬يعدل ويتمم األمر رقم ‪ 03 -03‬املتعلق باملنافسة‬
‫(ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 2‬جويلية ‪ ،2008‬ع ‪ ،34‬ص ‪.)11‬‬
‫‪- 223 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .31‬القانون رقم ‪ 03-09‬املؤرخ في ‪ 25‬فيفري ‪ ،2009‬يتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة‬
‫في ‪ 8‬مارس ‪ ،2009‬ع ‪ ،15‬ص ‪ )12‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫القانون ‪ 02-04‬املؤرخ في ‪ 23‬جوان ‪ ،2004‬املتعلق بتحديد القواعد املطبقة على املمارسات‬ ‫‪.32‬‬
‫التجارية‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪،2004/06/27‬ع ‪ ،41‬ص‪ ،)3‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫القانون ‪ 06 -2000‬املؤرخ في ‪ 23‬ديسمبر ‪ ،2000‬املتضمن قانون املالية لسنة ‪( ،2001‬ج ر‪،‬‬ ‫‪.33‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 24‬ديسمبر ‪ ،2000‬ع ‪ ،80‬ص ‪.) 03‬‬

‫‪-‬األوامر‬

‫‪ .1‬األمر‪ 58 –75‬املؤرخ في ‪ ،1975/09/26‬يتضمن القانون املدني‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ ،1975/09/30‬ع‬


‫‪ )78‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .2‬األمر ‪ 03-01‬املؤرخ في ‪ 20‬أوت ‪ ،2001‬يتعلق بتطوير االستثمار‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 22‬أوت ‪ ،2001‬ع‬
‫‪ ،47‬ص ‪ )4‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .3‬األمر ‪ ،07-95‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬يتعلق بالتأمينات (ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ ،1995/03/08‬ع‬


‫‪ ،13‬ص‪ّ ،)3‬‬
‫املعدل بموجب القانون ‪ ،04-06‬املؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ( ،2006‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬مارس‬
‫‪ ،2006‬ع ‪ ،15‬ص‪ ،)3‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .4‬األمر رقم ‪ ،01-09‬املؤرخ في ‪ 22‬جويلية ‪ 2009‬يتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ‪(،2009‬ج ر‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 26‬جويلية ‪ ،2009‬ع ‪ ،44‬ص ‪.)4‬‬

‫‪ .5‬األمر ‪ 11-03‬املؤرخ في ‪ 26‬أوت ‪ ،2003‬يتعلق بالنقد والقرض‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في‪ 26‬أوت ‪،2003‬‬
‫عدد‪ ،52‬ص ‪ ،)03‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .6‬األمر ‪ 06-95‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬املتعلق باملنافسة‪( ،‬ج ر الصادر بتاريخ ‪ 22‬رمضان ‪ ،1415‬ع‬
‫‪ ،09‬ص ‪ ،)13‬امللغى بموجب األمر ‪.03-03‬‬

‫‪ .7‬األمر ‪ 15-74‬املؤرخ في ‪ 30‬جانفي ‪ ،1974‬املتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ونظام التعويض عن‬
‫األضرار‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصاد ة بتا يخ ‪ 26‬فيفري ‪ ،1974‬ع ‪ّ ،)15‬‬
‫املعدل بالقانون ‪ ،31-88‬املؤرخ في ‪1988/07/19‬‬ ‫ر ر‬
‫(ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 20‬جويلية ‪ ،1988‬ع ‪.)29‬‬

‫‪- 224 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫ّ‬
‫‪ .8‬األمر ‪ 03 -01‬املؤرخ في ‪ 20‬أوت ‪ ،2001‬يتعلق بتطوير االستثمار ( ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪ 22‬اوت ‪ ،2001‬ع‬
‫‪ ،47‬ص‪ ،)4‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .9‬األمر ‪ 06-95‬املؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ،1995‬يتعلق باملنافسة (ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 22‬جانفي ‪ ،1995‬ع ‪،9‬‬
‫ص ‪ ،) 13‬امللغى‪.‬‬

‫‪ .10‬األمر ‪ ،03-03‬املتعلق باملنافسة‪ ،‬املؤرخ في ‪ 19‬جويلية ‪ (،2003‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 20‬جويلية ‪،2003‬‬
‫ع ‪ ،43‬ص )‪ ،‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪-‬املراسيم‪:‬‬

‫‪ .1‬املرسوم التشريعي ‪ 03-93‬املؤرخ في ‪ 1‬مارس ‪ ،1993‬املتعلق بالنشاط العقاري‪ ( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة في ‪03‬‬
‫مارس ‪ ،1993‬ع ‪ ،14‬ص‪ ،)9-4‬امللغى بموجب القانون رقم ‪ 04-11‬املحدد للقواعد التي تنظم نشاط‬
‫الترقية العقارية‪ ،‬ج ر ‪ ،‬ع ‪.14‬‬

‫‪ .2‬املرسوم التشريعي ‪ 10-93‬املؤرخ في ‪ 23‬ماي ‪ ،1993‬املتعلق ببورصة القيم املنقولة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 23‬ماي ‪ ،1993‬ع ‪ ،34‬ص ‪ )4‬معدل ومتمم باألمر ‪ ،10-96‬مؤرخ في ‪ 10‬جانفي ‪( ،1996‬ج ر‪،‬‬
‫الصادرة سنة ‪ ،1996‬ع ‪ ،3‬ص ‪ ) 34‬والقانون رقم ‪ ،04-03‬املؤرخ في ‪ 17‬فيفري ‪( 2003‬ج ر‪ ،‬الصادرة‬
‫بتاريخ ‪ 19‬فيفري ‪ ،2003‬ع ‪ ، 11‬ص ‪.)20‬‬
‫‪ .3‬املرسوم الرئاس ي ‪ 113-96‬املؤرخ في ‪ 23‬مارس ‪ ،1996‬يتضمن تأسيس وسيط الجمهورية‪( ،‬ج ر‪،‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ ،1996‬ع ‪ ،20‬ص ‪.)4‬‬
‫‪ .4‬املرسوم الرئاس ي ‪ ،431-13‬املؤرخ في ‪ 18‬ديسمبر ‪ 2013‬يحدد نموذجي عقد حفظ الحق وعقد البيع‬
‫على التصاميم لألمالك العقارية وكذا حدود تسديد سعر امللك موضوع عقد البيع على التصاميم ومبلغ‬
‫عقوبة التأخير وآجالها وكيفيات دفعها (ج ر الصادرة في ‪ 25‬ديسمبر‪ ،‬ع ‪ ،66‬ص‪.)11‬‬
‫‪ .5‬املرسوم التنفيذي ‪ ،306 – 06‬املؤرخ في ‪ ،2006/9/10‬املحدد للعناصر األساسية للعقود املبرمة بين‬
‫االعوان االقتصاديين واملستهلكين والبنود التي تعتبر تعسفية (ج ر الصادرة في ‪ ،2006/9/11‬ع ‪ 56‬ص‬
‫‪ )16‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .6‬املرسوم التنفيذي ‪ ، 378-13‬املؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪،2013‬يحدد الشروط والكيفيات املتعلقة بإعالم‬


‫املستهلك‪( ،‬ج ر ‪ ،‬الصادرة في ‪ 18‬نوفمبر ‪ ،2013‬ع ‪ ،58‬ص‪.)8‬‬

‫‪ .7‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ 58-94‬املؤرخ في ‪ 7‬مارس ‪ ،1994‬يتعلق بنموذج عقد البيع بناء على التصاميم‬
‫الذي طبق في مجال الترقية العقارية‪ ( ،‬ج ر ‪ ،‬الصادرة في ‪ 7‬مارس ‪ ،1994‬ع ‪ ،13‬ص‪.)11‬‬

‫‪- 225 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .8‬املرسوم التنفيذي ‪ ،108-11‬املؤرخ في ‪ 06‬مارس ‪ ،2011‬يحدد السعر األقص ى عند االستهالك وكذا‬
‫هوامش الربح القصوى عند اإلنتاج واالستيراد وعند التوزيع بالجملة والتجزئة ملادتي الزيت الغذائي املكرر‬
‫العادي والسكر األبيض‪( ،‬ج ر الصادرة في ‪ 9‬مارس ‪ ،2011‬ع ‪ ،15‬ص ‪ ،)27‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .9‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ ،160-93‬املتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة في األوساط الطبيعية‪،‬‬
‫املؤرخ في ‪ 10‬جويلية‪( ،‬ج ر الصادرة بتاريخ ‪ 14‬جويلية ‪ ،1993‬العدد‪ 46 ،‬ص‪.)6‬‬

‫‪ .10‬املرسوم التنفيذي ‪ ،198-06‬املؤرخ في ‪ 31‬ماي ‪ 2006‬املتعلق بضبط التنظيم املطبق على املنشآت‬
‫املصنفة لحماية البيئة‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 4‬جوان ‪ ،2006‬ع ‪ ،37‬ص‪.)9‬‬
‫‪ .11‬املرسوم التنفيذي ‪ 145-07‬املؤرخ في ‪ 19‬ماي ‪ّ ،2007‬‬
‫يحدد مجال تطبيق ومحتوى وكيفيات املصادفة‬
‫على د اسة وموجز التأثير على البيئة‪ ( ،‬ج ر ‪ ،‬الصاد ة في ‪ 22‬ماي ‪ ،2007‬ع ‪ ،34‬ص‪ّ ،)92‬‬
‫املعدل واملتمم‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬

‫‪ .12‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ 69-94‬املؤرخ في ‪ ،1994 /03/19‬املتضمن املصادقة على نموذج عقد االيجار‬
‫املنصوص عليه في املادة ‪ 21‬من املرسوم التشريعي رقم ‪( ،03 -93‬ج ر‪ ،‬الصادرة في س ‪ ،1994‬ع ‪ ،17‬ص‬
‫‪.)8‬‬

‫‪ .13‬املرسوم التنفيذي ‪ ،114-15‬املتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض االستهالكي ‪ ،‬املؤرخ‬
‫في ‪ 12‬ماي ‪ ،2015‬يتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض االستهالكي (ج ر الصادرة بتاريخ ‪13‬‬
‫ماي ‪ ،2015‬ع ‪.)24‬‬
‫ّ‬
‫املحدد لشروط وكيفيات وضع ضمان‬ ‫‪ .14‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ 327-13‬املؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪،2013‬‬
‫السلع والخدمات‪( ،‬ج ر‪ ،‬الصادرة بتاريخ ‪ 02‬أكتوبر ‪ ،2013‬ع ‪ ،49‬ص‪ ،)16‬امللغى‪.‬‬

‫‪ .15‬املرسوم التنفيذي رقم ‪ 219-05‬املؤرخ في ‪ 2‬جوان ‪ ،2005‬يتعلق بالترخيص لعمليات التجميع‪( ،‬ج ر‪،‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 22‬جوان ‪ ،2005‬ع ‪ ،43‬ص ‪.)5‬‬

‫ب‪ /‬القوانين األجنبية‪:‬‬

‫‪ .1‬القانون املدني املصري ‪ 131‬لسنة ‪ ،1948‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .2‬القانون املدني السوري‪ ،‬الصادر باملرسوم التشريعي رقم ‪ 84‬سنة ‪ ، 1949‬املعدل واملتمم ‪-‬‬

‫‪ .3‬القانون املدني األردني‪ ،‬رقم ‪ ،43‬لسنة ‪ ،1976‬املعدل واملتمم‬

‫‪- 226 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .4‬القانون املدني الفرنس ي لسنة ‪ ،1804‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .5‬قانون االستهالك الفرنس ي املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .6‬مجلة االلتزامات والعقود التونسية الصادرة في ‪ ،1906/12/15‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .7‬قانون املوجبات اللبناني الصادر في ‪ ،1930 / 03 /9‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .8‬القانون املدني العراقي رقم ‪ 40‬لسنة‪ ،1951‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .9‬القانون املدني الليبي الصادر بتاريخ ‪ 20‬فيفري ‪ ،1954‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪ .10‬القانون املدني الكويتي الصادر سنة ‪ ،1980‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫‪-‬قرارات املحكمة العليا‪:‬‬

‫‪ .1‬قرار املحكمة العليا‪ ،‬املؤرخ في ‪ 07‬فبراير ‪ ،1983‬قضية رقم ‪ ، 29500‬م ق سنة ‪ 1989‬ع ‪.01‬‬

‫‪ .2‬قرار املحكمة العليا‪ ،‬غ م‪ ،‬ملف رقم ‪ ،25699‬ن ق‪ ،‬ع خ‪ ،‬سنة ‪.1982‬‬

‫ثانيا‪ :‬الكتب‬

‫أ‪/‬الكتب العامة‪:‬‬

‫‪ .1‬إدريس فاضلي‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬إعادة الطبعة األولى‪،‬‬
‫سنة ‪.2015‬‬
‫‪ .2‬أعصم أحمد حمدي إمام‪ ،‬أثر تشريعات حماية املستهلك على القانون املدني دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬طبعة سنة ‪.2018‬‬
‫‪ .3‬أيمن سعد‪ ،‬العقود النموذجية دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة سنة ‪.2013 -2012‬‬
‫‪ .4‬جاك غستان‪ ،‬املطول في القانون املدني‪ ،‬مفاعيل العقد وآثاره‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدارسات‪ ،‬والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪.2008‬‬
‫‪ .5‬حسين عبد هللا الكالبي‪ ،‬النظام العام العقدي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار السنهوري‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬سنة ‪.2016‬‬
‫‪ .6‬رمضان أبو السعود‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬األزاريطة‪.2007،‬‬

‫‪- 227 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .7‬ريما فرج مكي‪ ،‬تصحيح العقد‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬املؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪ ،1‬سنة‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ .8‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬سنة ‪.1984‬‬
‫‪ .9‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‬
‫‪.2009‬‬
‫‪ .10‬عبد الحي حجازي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام وفقا للقانون الكويتي‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬طبعة سنة ‪.1982‬‬
‫‪ .11‬عبد الرحمان عياد‪ ،‬أساس االلتزام العقدي‪ ،‬النظرية والتطبيقات‪ ،‬مؤسسة الثقافة الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬بدون سنة‪.‬‬
‫‪ .12‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني الجديد‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪،‬‬
‫مصادر االلتزام‪ ،‬املجلد ‪ ،1‬ط الثانية الجديدة‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬سنة ‪.2000‬‬
‫‪ .13‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية الجديدة‪ ،‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية‪ ،‬بيروت لبنان‪.1995 ،‬‬
‫‪ .14‬عبد ّ‬
‫الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬نظرية العقد‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية الجديدة‪.1995 ،‬‬
‫‪ .15‬عبد املنعم موس ى ابراهيم‪ ،‬حسن النية في العقود (دراسة مقارنة)‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.2006 ،‬‬
‫‪ .16‬العربي بلحاج‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون املدني الجزائري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املصادر االرادية‬
‫(العقد لإلرادة املنفردة )‪ ،‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬طبعة سنة ‪.2015‬‬
‫‪ .17‬علي فتاك‪ ،‬حماية املستهلك وتأثير املنافسة على ضمان سالمة املنتج‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪.2013‬‬
‫‪ .18‬علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪ ،‬الفعل املستحق للتعويض‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ .‬سنة‬
‫‪.2015‬‬
‫‪ .19‬علي فياللي‪ ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬االلتزامات‪ ،‬املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬طبعة سنة‬
‫‪.2010‬‬
‫‪- 228 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .20‬عمر عبد الفتاح السيد عبد الطيف‪ ،‬التوازن املعرفي في العقود املدنية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة سنة ‪.2016‬‬
‫‪ .21‬محمد حسن قاسم‪ ،‬التعاقد عن بعد‪ ،‬قراءة تحليلية في التجربة الفرنسية مع اإلشارة لقواعد القانون‬
‫األوربي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪.2005‬‬
‫‪ .22‬محمد الشريف كتو‪ ،‬قانون املنافسة واملمارسات التجارية وفقا لألمر ‪ 03-03‬والقانون ‪ ،03-04‬دار‬
‫بغدادي للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ .23‬محمود على دريد‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬القسم األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دراسة تحليلية مقارنة‪،‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيرت لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪..2012‬‬
‫‪ .24‬منذر الفضل‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬مصادر االلتزام وأحكامها‪ ،‬دراسة مقارنة بين القوانين‬
‫الوضعية والفقه اإلسالمي‪ ،‬معززة بآراء الفقه وأحكام القضاء‪ ،‬دار الثقافة للنشر التوزيع‪ ،‬طبعة سنة‬
‫‪.2012‬‬
‫ب‪/‬الكتب املتخصصة‪:‬‬

‫‪ .27‬أحمد سيد أحمد وأحمد أبو القاسم‪ ،‬مجاالت وأهداف حماية املستهلك‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بدون‬
‫مكان الطبع‪ ،‬طبعة سنة ‪.2018‬‬
‫‪ .28‬بن قويدر زبيري‪ ،‬حماية مركز الطرف الضعيف في الرابطة العقدية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫طبعة سنة ‪.2019‬‬
‫‪ .25‬أيمن ابراهيم العشماوي‪ ،‬مفهوم العقد وتطوره‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة‬
‫‪.2002‬‬
‫‪ .26‬حمدي محمد اسماعيل سلطح‪ ،‬القيود الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة في العقود املدنية‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة بالفقه اإلسالمي "‪ ،‬دار الفكر الجامعي األزرايطة اإلسكندرية‪ ،‬طبعة سنة ‪.2006‬‬
‫‪ .27‬خالد ممدوح إبراهيم‪ ،‬حماية املستهلك في املعامالت االلكترونية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬الدار الجامعية‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪.2007‬‬
‫‪ .28‬علي فيصل علي ّ‬
‫الصديقي‪ ،‬مضمون العقد بين النزعة الشخصية واملوضوعية‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪.2012‬‬
‫‪ .29‬محفوظ بن حامد لعشب‪ ،‬عقود اإلذعان في القانون املدني الجزائري واملقارن‪ ،‬املؤسسة الوطنية‬
‫لكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سنة ‪.1990‬‬
‫‪- 229 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .30‬محمد بودالي‪ ،‬حماية املستهلك في القانون املقارن دراسة مقارنة مع القانون الفرنس ي‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الحديث‪ ،‬الجزائر‪ ،‬طبعة سنة ‪.2008‬‬
‫‪ .31‬محمد تيورس ي‪ ،‬الضوابط القانونية للحرية التنافسية في الجزائر‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬طبعة سنة ‪.2013‬‬
‫‪ .32‬محمد صديق محمد عبد هللا‪ ،‬موضوعية اإلرادة التعاقدية‪ ،‬دراسة تحليلية‪ ،‬دار الكتب القانونية‪،‬‬
‫دار شتات للنشر و البرمجيات‪ ،‬مصر االمارات‪ ،‬طبعة ‪.2012‬‬
‫‪ .33‬محمد محي الدين ابراهيم سليم‪ ،‬التسلط االقتصادي وأثره على التوازن العقدي‪ ،‬ديوان املطبوعات‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬بدون ذكر الطبعة والسنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرسائل واملذكرات‪:‬‬

‫أ‪/‬رسائل الدكتوراه‪:‬‬

‫‪ .1‬أحمد بعجي‪ ،‬تأثير التوجيه التشريعي على النظرية العامة للعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‪،‬‬
‫تخصص القانون املدني وقانون التأمين‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪2019-2018 :‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ .2‬أعمر تسبية‪ ،‬اآلليات القانونية لحماية املشتري في عقد البيع على التصاميم‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬تخصص القانون الخاص‪ ،‬جامعة أدرار‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تاريخ‬
‫املناقشة‪ 13 :‬جوان ‪.2019‬‬

‫‪ .3‬بخالد عجالي‪ ،‬النظام القانوني للعقد االلكتروني في التشريع الجزائري‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة مولود‬
‫معمري‪ ،‬تيزي وزو‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم‪ ،‬التخصص‬
‫القانون‪ ،‬تاريخ املناقشة‪ 16 :‬جوان ‪.2014‬‬

‫‪ .4‬بالل عثماني‪ ،‬أطراف العقد املدني بين الحق في تحقيق املصلحة الشخصية وااللتزام بحسن النية‪،‬‬
‫أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتورة في العلوم‪ ،‬تخصص القانون‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪ - ،‬تيزي وزو‪-‬‬
‫‪،‬كلية الحقوق والعلوم السياسة‪ ،‬السنة الجامعية‪.2018-2017 :‬‬

‫‪ .5‬جمعة زمام‪ ،‬العدالة العقدية في القانون الجزائري‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2014-2013‬‬

‫‪- 230 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .6‬حمزة بن خدة‪ ،‬أثر الفقه املالكي في القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬العقد نموذجا‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه علوم في القانون الخاص جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان‪ ،-‬السنة الجامعية‪-2016 :‬‬
‫‪.2017‬‬

‫‪ .7‬داود منصور‪ ،‬اآلليات القانونية لضبط النشاط االقتصادي في الجزائر‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه‬
‫علوم‪ ،‬تخصص قانون االعمال‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة ‪،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪. 2016 -2015 :‬‬

‫‪ .8‬سفيان زبيدي‪ ،‬حرية االستثمار والرقابة على التصرف في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تاريخ املناقشة‪ 26 :‬جوان ‪.2012‬‬

‫‪ .9‬سماح جبار‪ ،‬القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة‪ ،‬رسالة نيل شهادة الدكتوراه في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪.2018-2017‬‬

‫‪ .10‬صديق شياط‪ ،‬أثر مصلحة املجتمع في الحد من مبدأ سلطان اإلرادة في مجال التعاقد‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫علوم في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1‬بن يوسف بن خدة‪ ،‬كلية الحقوق – السعيد حمدين‪، -‬‬
‫السنة الجامعية‪.2018 -2017 :‬‬
‫‪ .11‬عبد الرحمن ّ‬
‫عزاوي‪ّ ،‬‬
‫الرخص اإلدارية في التشريع الجزائري‪ ،‬رسالة لنيل درجة دكتوراه دولة في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬نوقشت بتاريخ ‪ 02‬جوان ‪.2007‬‬

‫‪ .12‬عدة عليان‪ ،‬فكرة النظام العام وحرية التعاقد في ضوء القانون الجزائري والفقه اإلسالمي‪ ،‬أطروحة‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبو بكر بقايد‪ - ،‬تلمسان ‪ ،-‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪.2016 -2015 :‬‬

‫‪ .13‬عرعارة عسالي‪ ،‬التوازن العقدي عند نشأة العقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في القانون‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2015 -2014‬‬

‫‪ .14‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬مبدأ حسن النية في العقود‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة‬
‫الدكتوراه علوم قانون خاص‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪.2018-2017 :‬‬

‫‪- 231 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .15‬فطيمة نساخ‪ ،‬الوظيفة االجتماعية للعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في الحقوق جامعة الجزائر‬
‫‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2014-2013 :‬‬

‫اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬دراسة لبعض العقود الخاصة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة‬
‫‪ .16‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة ٍ‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬تلمسان‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪.2016-2015 :‬‬

‫‪ .17‬لخضر حليس‪ ،‬مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتورة في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية الجامعية‪.2016 -2015 :‬‬

‫‪ .18‬منال بوروح‪ ،‬النظام العام والعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتورة‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق‪،‬‬
‫نوقشت بتاريخ‪.2019/5/5 :‬‬

‫‪ .19‬منال بوروح‪ ،‬النظام العام والعقد‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬نوقشت بتاريخ ‪ 5‬ماي ‪ ،2019‬ص‪.204-203-202-200-199‬‬

‫‪ .20‬الهام بوحاليس‪ ،‬الحماية القانونية للسوق في ظل قواعد املنافسة‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‬
‫علوم‪ ،‬جامعة اإلخوة منتوري‪ ،‬قسنطينة كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2017 -2016 :‬‬

‫‪ .21‬ياسين سعدون‪ ،‬أثر الظروف االقتصادية على العقد‪ ،‬أطروحة لنيل الشهادة الدكتورة في القانون‬
‫الوضعي‪ ،‬تخصص القانون الخاص الداخلي‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ - ،‬تيزي وزو ‪ -‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪.2018 – 2017 :‬‬

‫ب‪/‬مذكرات املاجستير‪:‬‬

‫‪ .1‬أحمد حدي اللة‪ ،‬سلطة القاض ي في تعديل االلتزام التعاقدي وتطويع العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫املاجستير في قانون مسؤولية املهنيين‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان ‪ ، -‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪.2013 -2012 :‬‬

‫‪ .2‬آسيا مندي‪ ،‬النظام العام والعقود‪ ،‬مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬فرع‬
‫العقود واملسؤولية‪ ،‬جامعة يوسف بن خدة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2009 -2008 :‬‬

‫‪ .3‬إلياس بوكاري‪ ،‬الرقابة اإلدارية على املنشآت املصنفة لحماية البيئة في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬فرع قانون البيئية والعمران‪ ،‬السنة الجامعية‪.2016-2015 :‬‬
‫‪- 232 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .4‬حفيظ دحمون‪ ،‬التوازن في العقد‪ ،‬مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬فرع‬
‫العقود واملسؤولية‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2012-2011 :‬‬

‫‪ .5‬حمزة عثماني‪ ،‬مسؤولية املنشآت املصنفة عن جريمة التلويث البيئية في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة‬
‫لنيل شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2014-2013 :‬ص‪.8‬‬

‫‪ .6‬سارة بيالمي‪ ،‬حسن النية في تكوين العقد‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬فرع‬
‫عقود ومسؤولية‪ ،‬جامعة االخوة منتوري‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2017-2010 :‬‬

‫‪ .7‬عائشة خليل‪ ،‬دور السلطات اإلدارية املستقلة في تجديد الشريعة العامة للعقود‪ ،‬مذكرة لنيل درجة‬
‫املاجستير في العقود القانونية‪ ،‬فرع قانون األعمال‪ ،‬جامعة ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬قاملة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫القانونية‪ ،‬السنة الجامعية‪.2016 -2015 :‬‬

‫‪ .8‬عبد القادر عالق‪ ،‬أساس القوة للعقد وحدودها‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة أبي بكر بلقايد‪ - ،‬تلمسان‪ -‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2008 -2007 :‬‬

‫‪ .9‬علي مصبح صالح الحيصة‪ ،‬سلطة القاض ي في تعديل مضمون عقد اإلذعان‪ ،‬رسالة مقدمة للحصول‬
‫على درجة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬قسم القانون الخاص‪،‬‬
‫سنة ‪.2011‬‬

‫‪ .10‬فايزة بولباني‪ ،‬االعالم كوسيلة لحماية املستهلك‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬فرع العقود‬
‫واملسؤولية‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ،1‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪.2012 -2011 :‬‬

‫‪ .11‬كمال معيفي‪ ،‬آليات الضبط االداري في التشريع الجزائري‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل شهادة املاجستير‪،‬‬
‫جامعة باتنة‪ ،‬السنة الجامعية‪.2011 -2010 :‬‬

‫‪ .12‬املختار بن سالم‪ ،‬االلتزام باإلعالم كآلية لحماية املستهلك‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬تلمسان‪ ،‬السنة الجامعية‪.2018 -2017 :‬‬

‫‪ .13‬نبية شفار‪ ،‬الجرائم املتعلقة باملنافسة في القانون الجزائري والقانون املقارن‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية‪-2012 :‬‬
‫‪.2013‬‬

‫‪- 233 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .14‬نجيب عبد هللا الحبشة‪ ،‬مفهوم فكرة النظام العام وتطبيقاتها في التشريع الفلسطيني‪ ،‬مذكرة‬
‫للحصول على شهادة املاجستير في القانون الخاص‪ ،‬جامعة النجاح‪ ،‬الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين ‪،‬كلية‬
‫الدراسات العليا‪.‬‬

‫‪ .15‬يسمينة شيخ أعمر‪ ،‬توزيع االختصاص ما بين مجلس املنافسة وسلطات الضبط القطاعية في‬
‫الجزائر‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪.2009 -2008‬‬

‫رابعا‪ :‬املقاالت و املداخالت‬

‫‪ .1‬أحمد بعجي‪" ،‬من أجل إصالح النظرية العامة للعقد"‪ ،‬بحوث جامعة الجزائر‪ ،1‬الجزء األول‪ ،‬العدد‬
‫‪.2020 ،14‬‬

‫‪ .2‬أحمد بورزق‪" ،‬دور االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم في تنوير إرادة املستهلك"‪ ،‬مجلة الدراسات‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،03‬جانفي ‪.2016‬‬

‫‪ .3‬أحمد بومدين‪ ،‬دور االلتزام باإلعالم قبل التعاقد في حماية رضا املستهلك "‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،1‬جوان ‪. 2020‬‬

‫‪ .4‬أحمد فايز الهرش‪" ،‬أزمة فايروس كورنا‪ ،‬العوملة ودور جديد للدولة اقتصاديا"‪ ،‬مجلة االقتصاد‬
‫الدولي والعوملة‪ ،‬املجلد‪ ،3‬العدد‪ ،2020 ،2‬ص ‪.247-230‬‬

‫‪ .5‬أشرف جابر ‪"،‬اإلصالح التشريعي الفرنس ي لنظرية العقد‪ :‬صنيعة قضائية وصياغة تشريعية"‪ ،‬ملحات‬
‫في بعض املستحدثات"‪ ،‬أبحاث املؤتمر السنوي الرابع‪ ،‬القانون أداة لإلصالح والتطوير‪ 10/9 ،‬ماي‪،‬‬
‫‪.2017‬‬

‫محمد عبد هللا‪" ،‬أثر موضوعية اإلرادة التعاقدية في مرحلة‬ ‫ّ‬


‫ومحمد صديق ّ‬ ‫‪ .6‬أكرم محمود حسن البدو‬
‫املفاوضات"‪ ،‬مجلة الرافدين للحقوق‪ ،‬املجلد‪ ،13‬العدد‪ ،49‬سنة ‪.16‬‬

‫‪ .7‬إلهام فاضل‪" ،‬العقوبات اإلدارية ملواجهة خطر املنشآت املصنفة على البيئية في التشريع الجزائري"‪،‬‬
‫دفاتر السياسة والقانون‪ ،‬العدد التاسع‪ ،‬جوان ‪.2013‬‬

‫‪ .8‬أمال بوهنتالة‪" ،‬الحق في العدول عن التعاقد كوسيلة لحماية رضا املستهلك"‪ ،‬مجلة البحوث في‬
‫العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪.2018‬‬
‫‪- 234 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .9‬أمال مدين‪ " ،‬الترخيص اإلداري وسيلة لحماية البيئة في اطار التنمية املستدامة‪ ،‬الترخيص‬
‫باستغالل املنشآت املصنفة بحماية بيئة نموذجا"‪ ،‬مجلة القانون العقاري والبيئة‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬جوان‬
‫‪.2005‬‬

‫‪ .10‬أميرة ايمان عمارة‪ " ،‬نطاق حرية التعاقد في قانون املنافسة "‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون‬
‫األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .11‬ايمان زكري‪" ،‬مبدأ حسن النية في الشركات التجارية مظاهره وآثاره"‪ ،‬مجلة املنار للبحوث‬
‫والدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬مارس ‪.2018‬‬

‫‪ .12‬بخالد عجالي‪" ،‬حق املستهلك االلكتروني في التراجع عن العقد وأثره على النظرية العامة للعقد في ظل‬
‫نظريات القانون االقتصادي"‪ ،‬امللتقى الدولي السابع عشر حول "الحماية القانونية للمستهلك في ظل‬
‫التحوالت االقتصادية الراهنة" املنعقد يومي ‪ 10‬و‪ 11‬أفريل ‪ ،2017‬مخبر الحقوق والحريات في األنظمة‬
‫املقارنة‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪.‬‬

‫‪ .13‬بوزيد كيحول ومسعودة حداوي‪ " ،‬عقد اإلذعان بين الفقه والقانون "‪ ،‬مجلة الدراسات اإلسالمية‪،‬‬
‫العدد الثامن ‪،‬جانفي ‪.2017‬‬

‫‪ .14‬جمعة زمام‪" ،‬تحديث النظرية العامة للعقد (في ضوء ظاهرة التخصص التشريعي) "‪ ،‬مجلة البحوث‬
‫والدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الثاني عشر‪.‬‬

‫‪ .15‬حجاجي وقويدر قرارية‪" ،‬النظام العام االجتماعي بين الحماية االجتماعية للعامل وتداعيات العوملة‬
‫االقتصادية"‪ ،‬مجلة القانون والعلوم السياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،6‬العدد‪ ،1‬سنة ‪.2020‬‬

‫‪ .16‬حسين بطيمي ونصيرة غزالي‪" ،‬طبيعة وأساس االلتزام بضمان السالمة"‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة عمار تليجي‪ ،‬األغواط‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬مارس ‪.2017‬‬

‫‪ .17‬حمد عرفان الخطيب‪" ،‬املبادئ املؤطرة لنظرية العقد في التشريع املدني الفرنس ي الجديد دراسة‬
‫نقدية تأصيلية مقارنة"‪ ،‬مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‪ ،‬السنة السابعة‪ ،‬العدد‪ ،2‬العدد التسلسلي‬
‫‪ 26‬يونيو ‪. 2019‬‬

‫‪- 235 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .18‬حمزة بن خدة‪ " ،‬قراءة في اهم مسجالت اإلصالح الجذري‪ ،‬للقانون املدني الفرنس ي ‪ 2016‬ومدى‬
‫تأثيرها على القانون املدني الجزائري في ثوبة الحالي " مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،11‬سبتمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .19‬حمزة بن خدة‪ ،‬قراءة في أهم مستجدات اإلصالح الجذري للقانون املدني الفرنس ي لسنة ‪ 2016‬ومدى‬
‫تأثيرها على القانون املدني الجزائري في ثوبة الحالي "‪ ،‬مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬سبتمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .20‬خديجة فاضل‪ " ،‬تأثير قانون عقد العمل على جمعية قانون العقود"‪ ،‬مجلة بحوث جامعة‬
‫الجزائر‪ ،1‬الجزء األول‪ ،‬العدد ‪.2020 ،14‬‬

‫‪ .21‬رقية سكيل " البعد التعاقدي في عالقات العمل في التشريع الجزائري "‪ ،‬األكاديمية للدراسات‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية والقانونية‪ ،‬العدد ‪ ،21‬سنة ‪. 2019‬‬

‫‪ .22‬زهرة بن عبد القادر‪ " ،‬حماية مبدأ املنافسة من التعسف في استغالل وضعية الهيمنة على السوق"‪،‬‬
‫دراسة تحليلية في التشريع الجزائري على ضوء نظيرة الفرنس ي‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية املقارنة‪،‬‬
‫املجلد‪ ،5‬العدد‪.2019 ،01‬‬

‫‪ .23‬الزين منصوري‪" ،‬دور الدولة في تنظيم املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية في ظل اقتصاد السوق‪،‬‬
‫حالة الجزائر"‪ ،‬مجلة أبحاث اقتصادية وإدارية‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬جوان ‪.2012‬‬

‫‪ .24‬سامي بن حملة‪" ،‬أصول الحرية التعاقدية وضوابطها في الشريعة االسالمية"‪ ،‬مجلة البحوث في‬
‫العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .25‬سامي بن حملة‪" ،‬إعادة التوازن العقدي بين املستهلك واملتدخل في عقود االستهالك"‪ ،‬مجلة الباحث‬
‫للدراسات االكاديمية‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬مارس ‪.2005‬‬

‫‪ .26‬سامي بن حملة‪" ،‬قانون العقود في مواجهة قانون املنافسة"‪ ،‬امللتقى الدولي الخامس‪ ،‬القانون املدني‬
‫بعد أربعين سنة‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،1‬يومي ‪ 24‬و ‪ 25‬أكتوبر ‪.2016‬‬

‫‪ .27‬سعاد نويري‪ "،‬االلتزام باإلعالم وحماية املستهلك في التشريع الجزائري "‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات‬
‫االكاديمية ‪ ،‬العدد الثامن‪ ،‬جانفي ‪.2016‬‬

‫‪- 236 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .28‬سفيان زبيري "القيود القانونية الواردة على االستثمار األجنبي في ظل التشريعات الحالية‪ :‬ضبط‬
‫ّ‬ ‫للنشاط االقتصادي أم عودة إلى ّ‬
‫الدولة املتدخلة"‪ ،‬املجلة األكاديمية للبحوث القانونية‪ ،‬املجلد ‪ ،4‬عدد ‪.1‬‬

‫‪ .29‬سليمان حاج عزام‪ " ،‬حق املستهلك في اإلعالم والرضا في املجال الطبي – التزام الطبيب بإعالم‬
‫املريض وتلقي رضاه نموذجا‪ ،-‬مجلة الحقوق والحريات‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أفريل ‪.2017‬‬

‫‪ .30‬سليمة بوزيد وسليم بشير‪ " ،‬االلتزام باإلعالم وطرق تنفيذه وفقا االحكام قانون حماية املستهلك‬
‫وقمع الغش ‪ ،"03/09‬مجلة الحقوق والحريات‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أفريل ‪. 2017‬‬

‫‪ .31‬الشاذلي زيبار‪" ،‬النظام القانوني السلطات الضبط االقتصادي في القانون الجزائري"‪ ،‬مجلة الباحث‬
‫للدراسات األكاديمية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ديسمبر‪.2014 ،‬‬

‫‪ .32‬الصالح بوغرارة وعبد القادر حمر العين‪" ،‬الحماية املدنية املضرور من املنتجات املصيبة بين ضعف‬
‫القواعد التقليدية وعدم وضوح القواعد الخاصة‪ ،‬املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد‬
‫‪ ،4‬العدد ‪.2‬‬

‫‪ .33‬صالح الدين بولعراس‪" ،‬االقتصاد الجزائري في ظل التداعيات العاملية لجائحة كورنا بين االستجابة‬
‫اآلنية واملواكبة البعدية"‪ ،‬مجلة العلوم االقتصادية وعلوم التسيير املجلد ‪ ،20‬العدد الخاص حول اآلثار‬
‫االقتصادية لجائحة كورونا‪ ،‬سبتمبر ‪.2020‬‬

‫‪ .34‬الطيب قلوش‪ " ،‬الجزاء املدني إلخالل املتدخل بالتزام باإلعالم "‪ ،‬مجلة القانون العدد ‪ ،07‬ديسمبر‬
‫‪.2016‬‬

‫‪ .35‬عادل عميرات‪ " ،‬االلتزام العون االقتصادي باإلعالم"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،13‬جوان ‪.2016‬‬

‫‪ .36‬عامر رحمون‪ " ،‬عقود الذعان في الفقه االسالمي والقانون املدني الجزائري دراسة مقارنة" ‪ ،‬مجلة‬
‫الحقوق والعلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬ع ‪.23‬‬

‫‪ .37‬عايدة مصطفاوي‪ " ،‬حماية املستهلك من الشروط التعسفية "‪ ،‬مجلة االجتهاد القضائي‪ ،‬العدد الرابع‬
‫عشر‪ ،‬أفريل ‪.2017‬‬

‫‪ .38‬عبد القادر أقصاص ي‪ " ،‬فكرة النظام العام الحمائي ودورها في حماية الطرق الضعيف في العقد"‪،‬‬
‫مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،03‬ع ‪ ،01‬السنة ‪.2019‬‬
‫‪- 237 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .39‬عبد اللطيف والي وعبد الرزاق رحموني‪" ،‬رقابة التجميعات االقتصادية كآلية لحماية املنافسة"‪،‬‬
‫مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية‪ ،‬العدد ‪ ،5‬ديسمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .40‬عبير مزغيش ومحمد عدنان بن ضيف‪" ،‬الضوابط الحمائية املصوبة الختالل التوازن العقدي في‬
‫عقود االستهالك التعسفية"‪ ،‬مجلة الحقوق والحريات في ‪ -‬في األنظمة املقارنة‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪،‬‬
‫بسكرة‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أفريل ‪.2017‬‬

‫‪ .41‬عز الدين عيساوي‪ " ،‬العقد كوسيلة لضبط السوق "‪ ،‬مجلة املفكر‪ ،‬العدد الثالث‪.‬‬

‫‪ .42‬علي غربي‪" ،‬مجلس املنافسة كآلية املراقبة التجميعات االقتصادية"‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬العدد االقتصادي‪.)02(35 ،‬‬
‫ّ‬
‫متجدد"‪ ،‬مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال‪،‬‬ ‫‪ .43‬علي فياللي‪" ،‬الحرية العقدية مفهوم قديم وواقع‬
‫العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .44‬عواطف محي الدين‪ " ،‬الرقابة اإلدارية على استغالل املنشآت املصنفة تكريس ملبدأ النشاط الوقائي‬
‫للحماية البيئية" الحوار املتوسطي‪ ،‬املجلد ‪ ،11‬العدد ‪ ،02‬سبتمبر ‪.2020‬‬

‫‪ .45‬عيس ى بخيت‪" ،‬أثر تشريعات االستهالك على مبادئ النظرية التقليدية للعقد"‪ ،‬األكاديمية للدراسات‬
‫االجتماعية واالنسانية‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية والقانونية‪ ،‬العدد ‪ ،20‬جوان ‪ ،2018‬ص ‪.117-110‬‬

‫‪ .46‬فاطمة الزهراء زيتوني‪ ،‬بحث مضمون مبدأ جسن النية في إطار نظرية العقد‪ ،‬مجلة القانون والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬جوان ‪.2016‬‬

‫‪ .47‬فاطيمة نساخ‪" ،‬أخلقة العالقة العقدية"‪ ،‬املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية‬
‫والسياسية‪.‬‬

‫‪ .48‬فتحي بن جديد‪" ،‬الترخيص اإلداري كإجراء لحماية البيئة من التلوث‪ ،‬رخصتي البناء واستغالل‬
‫املنشآت املصنفة"‪ ،‬مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬سنة ‪.2016‬‬

‫‪ .49‬فريدة محمدي‪" ،‬التوازن في العالقات اإليجارية طبقا للمرسوم ‪ 03-93‬و نموذج عقد اإليجار"‪ ،‬املجلة‬
‫الجزائرية للعلوم القانونية ‪ ،2000‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ .50‬فتيحة قريقر‪" ،‬حدود سلطان اإلرادة في نطاق النظام العام"‪ ،‬مجلة الحقوق العلوم اإلنسانية العدد‬
‫األول‪ ،‬سنة‪.2017 ،‬‬
‫‪- 238 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .51‬قادة شهيدة‪" ،‬التجربة الجزائرية في حماية املستهلك بين طموح وتطور النصوص وافتقاد آليات‬
‫تطبيقها"‪ ،‬املجلة الجزائرية للقانون املقارن‪ ،‬العدد ‪ ،01‬سنة ‪.2014‬‬

‫‪ .52‬كمال آيت منصور‪" ،‬دور مجلس املنافسة في مراقبة التجميعات االقتصادية"‪ ،‬املجلة األكاديمية‬
‫للبحث القانوني‪ ،‬املجلد ‪ ،12‬العدد ‪ ،02‬سنة ‪ ،2015‬ص ‪.154‬‬

‫‪ .53‬كمال مخلوف‪" ،‬اإلطار التنظيمي التفاقية العمل الجماعية في التشريع الجزائري"‪ ،‬مجلة دفاتر‬
‫السياسة والقانون‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬جانفي‪.2011 ،‬‬

‫‪ .54‬لخضر حليس‪" ،‬التنظيم القانوني للعقود املدنية"‪ ،‬مجلة البحوث القانونية والسياسية‪ ،‬العدد‬
‫ّ‬
‫األول‪ ،‬ديسمبر ‪.2013‬‬

‫‪ .55‬لخضر حليس‪" ،‬التنظيم القانوني للعقود املدنية"‪ ،‬مجلة البحوث القانونية والسياسية‪ ،‬العدد‬
‫األول‪ ،‬ديسمبر‪.2013 ،‬‬

‫‪ .56‬لخضر حليس‪" ،‬سلطان اإلرادة وحماية املستهلك"‪ ،‬مجلة العلوم القانونية واالجتماعية‪ ،‬زيان عاشور‬
‫بالجلفة‪ ،‬العدد السادس‪.‬‬

‫‪ .57‬لطيفة بوراس‪ " ،‬نظرية العقد في مواجهة التحديات االقتصادية"‪ ،‬بحوث جامعة الجزائر‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬العدد‪.2020 ،14‬‬

‫‪ .58‬ليندة بلحارت‪ " ،‬دور مجلس املنافسة في ضبط املنافسة الحرة "‪ ،‬مجلة املعارف‪ ،‬قسم العلوم‬
‫القانونية‪ ،‬السنة الحادية عشر‪ ،‬العدد ‪ 21‬ديسمبر ‪.2016‬‬

‫‪ .59‬ليندة فردوج‪ " ،‬البطالن في قانون املنافسة كدعامة إلعادة التوازن العقدي"‪ ،‬مجلة البحوث في‬
‫العقود وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .60‬محمد الطاهر أدحيمن‪" ،‬حق العدول عن العقود االستهالكية عن بعد كآلية قانونية لضمان حماية‬
‫املستهلك" املجلة الجزائرية للعلوم القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،57‬العدد‪ ،01‬سنة ‪.2020‬‬

‫‪ .61‬محمد أمين سعدي‪" ،‬حق العدول عن العقد كآلية حمائية للمستهلك"‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية‬
‫املقارنة‪ ،‬املجلد‪ ،05‬العدد ‪ ،02‬سنة ‪.2019‬‬

‫‪ .62‬محمد بودالي‪" ،‬أزمة القانون املدني في ظل اتساع نطاق قانون حماية املستهلك"‪ ،‬حوليات جامعة‬
‫الجزائر‪ ،‬املجلد ‪ ،30‬العدد‪ ،3‬ص ص ‪.245 -224‬‬
‫‪- 239 -‬‬
‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .63‬محمد خليفة كرفة‪ " ،‬ضرورة التخلي عن ربط الشروط التعسفية بعقود اإلذعان من أجل حماية‬
‫واسعة للمستهلك"‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية املقارنة‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬نوفمبر‪.2017 ،‬‬

‫‪ .64‬محمد عدنان باقر‪" ،‬قواعد األخالق في تحديد مضمون العقد"‪ ،‬مجلة جامعة بابل‪ ،‬العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬املجلد‪ ،66‬العدد‪ ،4‬سنة ‪.2014‬‬

‫‪ .65‬محمد فواز صباح اآللوس ي‪ " ،‬التعسف في العقود اإلذعان "‪ ،‬مجلة جامعة األنبار للعلوم القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬العدد الثالث عشر‪ ،‬سنة ‪.2017‬‬

‫‪ .66‬محمد مدان‪" ،‬االشتراكية الجزائرية بين النظرية والواقع االجتماعي"‪ ،‬أنثروبولوجيا املجتمع‬
‫الجزائري‪ ،‬املحور الثالث‪ ،‬بدون سنة‪.‬‬

‫‪ .67‬محمود فياض‪ ،‬مدى التزام األنظمة املقارنة بمبدأ حسن النية في مرحلة التفاوض على العقد‪ ،‬مجلة‬
‫جامعة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬السنة ‪ ،27‬عدد ‪.2013 ،54‬‬

‫‪ .68‬مريم نابي‪ "،‬دور االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي في حماية املستهلك"‪ ،‬مجلة األستاذ الباحث‬
‫للدراسات القانونية والسياسية‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .69‬املعز هلل صالح أحمد البالع‪" ،‬الحرية االقتصادية ومبدأ تدخل الدولة"‪ ،‬بحث مقدم للملتقى الدولي‬
‫األول‪ ،‬االقتصاد اإلسالمي الواقع ورهانات املستقبل‪ ،‬معهد العلوم االقتصادية التجارية وعلوم التسيير‪،‬‬
‫الجزائر دون ذكر السنة‪.‬‬

‫‪ .70‬مليكة جامع‪" ،‬حق العدول عن العقد كآلية مستحدثة لحماية املستهلك االلكتروني"‪ ،‬مجلة الواحات‬
‫للبحوث والدراسات املجلد ‪ ،13‬العدد‪ ،1‬سنة ‪ ،2020‬ص ‪.478-451‬‬

‫‪ .71‬منال بوروح " مصادر النظام العام لحماية الطرق الضعيف"‪ ،‬املجلة االكاديمية للبحوث القانونية‬
‫والسياسية‪ ،‬العدد الثاني‪.‬‬

‫‪ .72‬منصف بوعريوة‪" ،‬الحرية العقدية في ظل النظام العام االقتصادي" مجلة البحوث في العقود‬
‫وقانون األعمال‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ديسمبر ‪.2018‬‬

‫‪ .73‬منصور حاتم محسن‪" ،‬العدالة العقدية‪ ،‬دراسة مقارنة"‪ ،‬مجلة جامعة بابل العلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫املجلد ‪ ،65‬العدد‪ ،6‬سنة ‪.2018‬‬

‫‪- 240 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪ .74‬منصور حاتم محسن‪ ،‬متطلبات تحقيق العدالة التعاقدية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة جامعة بابل‪،‬‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد‪ ،26 ،‬العدد‪ ،3‬سنة ‪.2016‬‬

‫‪ .75‬مولود حاتم‪ " ،‬ادراج االلتزام بالتبصير في اصالح القانون املدني الفرنس ي لسنة ‪ 2016‬وأثره على‬
‫نظرية االلتزام في القانون املدني الجزائري"‪ ،‬املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية‪ ،‬املجدد ‪،03‬‬
‫العدد ‪ ،02‬أكتوبر ‪. 2019‬‬

‫‪ .76‬نورة جحايشية و عصام نجاح‪" ،‬حق املستهلك في العدول في التشريع الجزائري"‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،11‬العدد ‪ ،01‬ص ص ‪ ،497-480‬أفريل ‪.2020‬‬

‫‪ .77‬وفاء شناتلية ومنية شوايدية‪" ،‬الحماية القانونية للمتعاقد الضعيف من اإلكراه االقتصادي في ظل‬
‫أزمة فيروس كورنا " حوليات جامعة الجزائر‪ ،1‬املجلد‪ ،34‬عدد خاص‪ ،‬القانون وجائحة كوفيد‪.‬‬

‫‪ .78‬يمينة بليمان "عقود اإلذعان وحماية املستهلك "‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬املجلد ‪ ،30‬عدد ‪،2‬‬
‫ديسمبر‪.2019 ،‬‬

‫خامسا‪ :‬املراجع باللغة األجنبية‬

‫‪1-Les ouvrages :‬‬

‫‪1. Eric Savaux, la théorie générale du contrat, mythe ou réalité, L. GDJ, 1997.‬‬

‫‪2. Frison-roche, marie Anne contrat concurrence, régulation, RTD civ, 2004.‬‬

‫‪2-Les thèses :‬‬

‫‪1. Benslimane née hadj Mokhtar leila , de la théorie de l’autonomie de la volonté et de ses‬‬
‫‪effets en droit contractuelle algérien, mémoire de magister en droit privé, institut de droit et‬‬
‫‪des sciences administratives, université d'orant 1983.‬‬

‫‪3-les articles :‬‬

‫‪1. Ali filali ; le droit de la consommation ; une adaptation du droit commun des contrats,‬‬
‫» ‪colloque international, développement, spécificités et impact du droit de la consommation‬‬

‫‪- 241 -‬‬


‫قائمة املصادرواملراجع‬
‫‪organisé par l’université d’Oran, faculté de droit et le laboratoire de droit économique et‬‬
‫‪environnement, des 16-16 mai 2013, in annales de l’université Alger, N°27, T1, 2015.‬‬

‫سادسا‪ :‬مو اقع األنترنت‪:‬‬

‫محاضرة على شبكة االنترنت للدكتور وائل بندق‪ ،‬تتضمن تعديالت القانون املدني الفرنس ي‪ ،‬املحاضرة‬
‫الثانية متوافرة على الرابط االلكتروني‪https://www.youtube.com/watch?v=TK7SJFNo8PQ :‬‬
‫تم االطالع بتاريخ ‪.2021/03/07‬‬

‫‪- 242 -‬‬


‫فهرس املحتويات‬
‫فهرس املحتويات‬

‫الفهرس‬
‫شكر وتقدير‬

‫إهداء‬

‫قائمة املختصرات‬

‫مقدمة‪1 ............................................................................................................................................................‬‬

‫الباب األول‪ :‬تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبرر للتدخل التشريعي في العقود‪11 ................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬التحوالت االقتصادية الكبرى خالل القرن العشرين‪13 ...........................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اتساع نطاق العالقات العقدية ‪13 ..........................................................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تفنيد املذهب الفردي‪13 ............................................................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة في مرحلة ازدهاره‪14 .....................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬التأصيل القانوني ملبدأ سلطان اإلرادة‪14 ................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬النتائج القانونية املترتبة على مبدأ سلطان اإلرادة‪16 ..............................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة في الفقه اإلسالمي‪21 ..............................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬انهيار املفهوم الكالسيكي ملبدأ سلطان اإلرادة‪24 ......................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬نقد القانون الطبيعي كأساس للمبدأ‪24 ...................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬نقد نظرية العقد االجتماعي‪25 ...............................................................................................................‬‬

‫رابعا‪ :‬نقد األساس أن كل ما هو تعاقدي فهو عادل‪26 ....................................................................................‬‬

‫خامسا‪ :‬انتقاد األساس االقتصادي ملبدأ سلطان اإلرادة‪27 ............................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬قيام املذهب االجتماعي‪29 .......................................................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬االشتراكية في الجوانب االقتصادية‪29 ........................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحد من مبدأ سلطان اإلرادة‪31 ................................................................................................‬‬


‫فهرس املحتويات‬

‫أوال ‪ -‬تقييد اإلرادة في تكوين التصرف القانوني‪32 ...........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ -‬تقييد اإلرادة من حيث ترتيب آثار العقد‪34 ...........................................................................................‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬تطور مفهوم النظام العام بتطور البيئة العقدية‪36 ...............................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬النظام العام االقتصادي التوجيهي‪37 .....................................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ماهية النظام العام االقتصادي التوجيهي‪38 .............................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم النظام العام االقتصادي التوجيهي‪38 ........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص النظام العام االقتصادي التوجيهي‪39 ..................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬جزاء مخالفة قواعد النظام العام التوجيهي‪41 .........................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬البطالن املطلق للعقد‪41 ..........................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الجزاء التكميلي‪43 ..................................................................................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬ازدهار النظام العام في مفهومه الحمائي ‪43 ............................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ماهية النظام العام االقتصادي الحمائي‪44 ...............................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم النظام العام االقتصادي الحمائي‪44 ...........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص النظام العام االقتصادي الحمائي‪46 .....................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬جزاء مخالفة النظام العام االقتصادي الحمائي‪49 ...................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬عجز الحرية العقدية عن تحقيق التوازن العقدي‪51 ............................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬حماية الطرف الضعيف من اختالل التوازن العقدي‪52 ........................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬عدم كفاية القواعد العامة لحماية الطرف الضعيف‪52 ........................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬معالجة التوازن العقدي ضمن نظرية االستغالل‪53 ..................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم االستغالل‪53 ................................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬جزاء االستغالل‪58 ...................................................................................................................................‬‬


‫فهرس املحتويات‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حماية الطرف الضعيف من الشروط التعسفية في عقد اإلذعان‪60 .......................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم عقد اإلذعان‪61 ............................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة القاض ي في إعادة التوازن العقدي في عقود اإلذعان ‪64 .............................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اللجوء إلى اصدار العقود املتخصصة ملعالجة عدم التوازن العقدي‪64 ................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التصدي للشروط التعسفية في عقد االستهالك ‪67 ...................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الشروط التعسفية ‪69 ..................................................................................................................‬‬

‫ثانيا معايير الشرط التعسفي‪69 .......................................................................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬تضمين العقد بالشروط التعسفية يستدعي التدخل التشريعي‪70 .......................................................‬‬

‫رابعا‪ :‬سلطة القاض ي في تعديل الشروط التعسفية وفقا للقوانين املستحدثة‪71 ..........................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬فرض التزامات إضافية لتدعيم حماية الطرق الضعيف‪73 .....................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم االلتزام باإلعالم‪74 ........................................................................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬نطاق االلتزام باإلعالم ‪75 ........................................................................................................................‬‬

‫رابعا‪ :‬جزاء مخالفة االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي‪78 ....................................................................................‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املفهوم الجديد للقوة امللزمة للعقد‪81 .....................................................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬العدالة العقدية أساس القوة امللزمة للعقد‪86 ........................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم العدالة العقدية‪87 ...........................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية النافع وقيمة األداء العادلة‪87 ..........................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬النافع في العقد‪91 .....................................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬العادل في العقد‪96 ...................................................................................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أخلقة العقد عن طريق حسن النية‪97 ....................................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم مبدأ حسن النية‪99 ...........................................................................................................‬‬


‫فهرس املحتويات‬

‫أوال‪ :‬املفهوم الشخص ي ملبدأ حسن النية‪99 .....................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬املفهوم املوضوعي ملبدأ حسن النية‪101 .................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مظاهر مبدأ حسن النية كآلية لتحقيق العدالة العقدية‪102 ...................................................‬‬

‫أوال‪ :‬االستقامة والنزاهة‪103 ............................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬واجب التعاون‪104 ..................................................................................................................................‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬آثار التدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة‪108 .........................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬التخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية للعقد‪ :‬القعد شريعة املشرع ‪111 .............‬‬

‫املبحث االول‪ :‬الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد‪113 ..............................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تقييد حرية التعاقد بفرض االلتزامات االضافية‪113 ..............................................................‬‬

‫الفرع االول‪ :‬اشتراط الترخيص االداري املسبق‪115 ........................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الترخيص اإلداري املسبق‪115 ......................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬جزاء مخالفة قواعد الترخيص اإلداري املسبق‪117 ...............................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الشكلية اإلعالمية ‪121 ...............................................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬اإللتزام باإلعالم آلية مستحدثة في نظام العقد‪122 ................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬مبدأ حسن النية أساس لاللتزامات املستحدثة في نظام العقد‪124 ......................................................‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تجاوز اإلرادة من حيث حرية التعاقد أو االمتناع‪127 ...............................................................‬‬

‫أوال‪ :‬العقد املفروض‪127 ..................................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬العقد املحظور ‪129 .................................................................................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬تقييد اإلرادة في اختيار الطرف اآلخر‪130 ...............................................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تحديد مضمون العقد‪132 .......................................................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التصرف القانوني الثالثي‪ :‬العقود النموذجية ‪133 .....................................................................‬‬


‫فهرس املحتويات‬

‫أوال‪ :‬العقد النموذجي صوة مستحدثة للتعاقد‪133 .........................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬حقيقة سلطان اإلرادة في العقود النموذجية‪137 ...................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬بعض التطبيقات عن العقود النموذجية‪138 ............................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬الصيغة النموذجية لعقد االيجار‪138 .....................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬الصيغة النموذجية لعقد البيع بناء على التصاميم‪142 ........................................................................‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة من حيث آثار العقد‪145 ......................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الخروج عن مبدأ األثر النسبي للعقد‪145 .................................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬توسيع األثر النسبي للعقد (اتفاقيات العمل الجماعية)‪146 .....................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثر تشريعات االستهالك على مبدأ األثر النسبي للعقد‪148 .......................................................‬‬

‫أوال‪ :‬االرتباط بين العقود في مجال القرض االستهالكي‪148 ..............................................................................‬‬


‫ثانيا‪ :‬حق املستهلك في ّ‬
‫الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج للتداول ‪150 .....................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬حق جمعيات حماية املستهلك في التقاض ي‪152 ......................................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬انتهاك حرمة القوة امللزمة للعقد‪153 ......................................................................................‬‬

‫الفرع االول‪ :‬حق العدول عن العقد آلية لتدعيم رضاء املستهلك‪153 ............................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الحق في العدول عن العقد ونشأته‪153 .......................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬نطاق حق املستهلك في العدول عن العقد‪158 ........................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثار حق العدول عن العقد على القوة امللزمة له‪160 .................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬حق العدول عن العقد يؤثر على العقد برمته‪160 ..................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬آثار حق العدول على املراكز القانونية لألطراف املتعاقدة‪161 ..............................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مواءمة العقد للسياسة االقتصادية‪ :‬الوجه اآلخر للتدخل التشريعي في العقود‪166 .......... .‬‬

‫املبحث األول‪ :‬التحول في وظيفة الدولة‪ :‬العقد آلية لخدمة أهداف الدولة‪167 ............................................‬‬
‫فهرس املحتويات‬

‫املطلب األول‪ :‬ضرورة تكريس نظام قانوني يجسد حرية املنافسة‪168 ...........................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬ماهية مبدأ حرية املنافسة‪169 ....................................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬تكريس مبدأ حرية التجارة و الصناعة‪169 ..............................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم مبدأ حرية املنافسة‪170 ..............................................................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬دواعي وجود قانون يحمي املنافسة‪171 ..................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬قانون املنافسة وليد النظام االقتصادي الجديد‪171 ................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم قانون املنافسة‪171 .......................................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصوصية قانون املنافسة‪172 ...............................................................................................................‬‬

‫ثالثا‪ :‬العقد آلية لضبط املنافسة‪174 .............................................................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬استحداث سلطات الضبط االقتصادي‪ :‬مفهوم جديد لتدخل الدولة‪175 ...........................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الضبط االقتصادي العمود الفقري لالقتصاد‪176 ....................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الضبط االقتصادي‪176 ...............................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬مظاهر الضبط االقتصادي‪177 .............................................................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬النظام العام التنافس ي‪180 .........................................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬تغليب الطابع التوجيهي في النظام العام التنافس ي‪181 ..........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬دور النظام العام التوجيهي في مواجهة جائحة كورونا‪184 ....................................................covid19.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬تأثير قواعد املنافسة على الحرية العقدية‪187 .......................................................................‬‬

‫املطلب األول‪ :‬توجيه اإلرادة وفقا ملقتضيات النظام العام االقتصادي‪187 ...................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مظاهر الحرية العقدية املوجهة‪189 ...........................................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬تدخل املشرع في توافق اإلرادتين‪189 ........................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد‪193 ...........................................................................................‬‬


‫فهرس املحتويات‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آليات تقييد لحرية التعاقدية في قانون املنافسة‪196 ................................................................‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة على التجميعات والترخيص لها‪196 ............................................................................................:‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرقابة العالجية‪200 ................................................................................................................................‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬إثراء قانون املنافسة ملبدأ سلطان اإلرادة‪205 .........................................................................‬‬

‫الفرع األول‪ :‬استحداث عيب اإلكراه االقتصادي لتدعيم سالمة الرضا‪206 .................................................‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم عيب اإلكراه االقتصادي‪207 .......................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬أساس االكراه االقتصادي في القانون الجزائري‪208 ..............................................................................‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مظاهر اإلكراه االقتصادي في قانون املنافسة‪210 ....................................................................‬‬

‫الخاتمة‪215 ......................................................................................................................................................‬‬

‫املراجع ‪221 ......................................................................................................................................................‬‬

‫الفهرس‬
:‫ملخص باللغة العربية‬
‫اكتسب مبدأ سلطان االرادة شهرة عاملية خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والذي نادى به أصحاب‬
‫ حيث مجدوا الفرد واعتبروا أن إلرادته السلطان األكبر في تكوين العقد وتحديد آثاره وال يحد من هذه‬،‫املذهب الفردي‬
‫ ولقد انبثق عن حرية التعاقد املبدأ الشهير "دعه يعمل‬،‫االرادة وهذا السلطان سوى فكرة النظام العام واآلداب العامة‬
‫دعه يمر" الذي يجسد الحرية االقتصادية ومما ساعد على ازدهار سلطان االرادة وشيوعه هو البيئة العقدية التي كانت‬
.‫تعتمد على أسلوب التعاقد البسيط‬
‫كرس املشرع الجزائري هذا املبدأ من حيث حرية األفراد في اختيار الشكل الذي تظهر فيه ارادتهم بموجب املادة‬
‫ من القانون‬106 ‫ من القانون املدني الجزائري ومن حيث املوضوع تضمين العقد بالشروط التي يرونها بموجب املادة‬59
‫ إال أنه وعلى اثر التحوالت االقتصادية و‬،‫املدني الجزائري مع احترام فكرة النظام العام واآلداب العامة في حدود ضيقة‬
‫االجتماعية والسياسية التي شهدها العالم بداية من القرن العشرين ظهرت عقود لم تكن مألوفة ضمن النظرية‬
‫ هذا ما دفع باملشرع للتدخل في العالقة‬،‫التقليدية للعقد مما أثر على التوازن العقدي فظهرت فكرة الطرف الضعيف‬
‫العقدية وتوجيهها عن طريق اللجوء الى اصدار العقود املتخصصة مستعمال آلية النظام العام بشقيه التوجيهي‬
‫ أما الجانب اآلخر فيرى أن العقد القائم على‬،‫ مما جعل بعض الفقه يرى أن العقد يمر فيما يعرف بأزمة العقد‬،‫والحمائي‬
.‫مبدأ سلطان االرادة يشهد تحديثا وتطورا ملواكبة هذه املستجدات‬
Abstract :
The principle of the authority of the will gained international fame during the eighteenth and
nineteenth centuries, which was advocated by the proprietors of the individual doctrine, where they
glorified the individual and considered that his will has the greatest authority in the formation of the
contract and determining its effects. Contracting is the famous principle of "let it work, let it pass", which
embodies economic freedom. What helped to flourish and spread the power of the will is the contractual
environment that was based on the simple method of contracting.
The Algerian legislator has enshrined this principle in terms of the freedom of individuals to
choose the form in which their will appears under Article 59 of the Algerian Civil Code and in terms of
subject matter to include the contract with the conditions they see under Article 106 of the Algerian Civil
Code while respecting the idea of public order and public morals within narrow limits, However, as a
result of the economic, social and political transformations that the world witnessed since the beginning
of the twentieth century, decades emerged that were not familiar within the traditional theory of the
contract, which affected the contractual balance, and the idea of the weak party emerged. This prompted
the legislator to intervene in the contractual relationship and direct it by resorting to the issuance of
contracts The specialist uses the general system mechanism, both guiding and protective, which made
some jurisprudence believe that the contract is going through what is known as the contract crisis, while
the other side sees that the contract based on the principle of the power of the will is witnessing an update
and development to keep pace with these developments.

You might also like