Professional Documents
Culture Documents
شيباني مختارية
شيباني مختارية
أوال أشكر هللا وأحمده ألن وفقني لهذا البحث العلمي ،وسخر لي من الناس
من جاد بالخير وساعدني في أصعب الظروف...ولو بالكلمة الطيبة..
أشكر األستاذ الدكتورعلي فتاك املشرف على هذه األطروحة على كل
التوجيهات والنصائح القيمة التي أفادني بها والتي كان لها األثر البالغ في
مساري العلمي.
أشكر أخي وساعدي الدكتورعبد االله شيباني على مساعدته وارشاداته.
أشكر االستاذ الدكتورعجالي خالد على التوجيهات القيمة الي أفادني بها في
هذا املسار العلمي.
كما أشكر األستاذ الدكتور بوسماحة الشيخ على املساعدات القيمة التي
أفادني بها في هذه األطروحة.
أشكر الدكتورة فاطيمة نساخ من جامعة الجزائر 1على املساعدة القيمة
التي أفادتني بها.
كما أتقدم بجزيل الشكر الى الدكتورة أسماء سعيداني من جامعة الجزائر1
على مساعدتها لي كما أشكرها على تواضعها ومساعدتها لكل األساتذة
الباحثين ..وأسأل هللا أن يزيدها من فضله ويقدرها لفعل الخير.
الى كل من ساهم في اخراج هذا البحث العلمي إلى الوجود.
إهـ ـ ـ ــداء
إلى جميع أفراد أسرتي فردا فردا كال باسمه ووسمه .
مقدمـة:
ّ
ملا كان اإلنسان اجتماعي بطبعه ال يستطيع العيش خارج الجماعة فإنه ال ّبد أن يدخل في عالقات مع
غيره إلشباع حاجاته اليومية من بيع وشراء وتأجير وتشغيل وتأمين وإعارة وتمليك...الخ ،وال ريب أن الفرد
عندما يتعامل مع غيره لتحقيق حاجاته اليومية ّإنما يكون ذلك عن طريق العقد 1باعتباره األداة ّ
الفعالة
ّ
وبامتياز لتحقيق تبادل الثروات ،كما أنه يظهر كتقنية حصرية وأحد اآلليات األساسية في النشاط
االقتصادي.
قام العقد حقبة من الزمن على مبدأ سلطان اإلرادة ،والذي يعني أن لإلرادة السلطان األكبر في
الروابط ولو كانت غير تعاقدية 2وال َي ُحد من هذه اإلرادة وهذا
تكوين العقد وتحديد آثاره بل وفي جميع ّ
السلطان سوى فكرة النظام العام واآلداب العامة ،3وترجع الجذور التاريخية ملبدأ سلطان اإلرادة إلى
األفكار الفلسفية واالقتصادية التي نادى بها أصحاب املذهب الفردي خالل القرن السابع عشر ،حيث
حرا ومختارا ،فكل التزام ال ّبد أن يكون
حر في االلتزام بالشروط التي رض ي بها ّ ّ
مجدوا الفرد واعتبروا أنه ّ
أساسه ّ
الرضا واالختيار ،وهو ما يتماش ى مع القانون الطبيعي.4
الصديقي ،مضمون العقد بين النزعة الشخصية واملوضوعية ،دراسة مقارنة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت لبنان، -1علي فيصل علي ّ
الطبعة األولى ،سنة ،2012ص.19
الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،الجزء األول ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية الجديدة،1995 ، -2عبد ّ
ص.86
-3يقصد بالنظام العام في هذه الفقرة النظام العام بمفهومه التقليدي أو ما يعرف بالنظام العام السياس ي ،وهي مسائل تتعلق عادة باألمن
العام والسكينة العامة ،ويجمع الفقه على ّأن مجاله يشمل ثالثة مجاالت رئيسية تتمثل في حماية ّ
الدولة والعائلة واآلداب العامة ،حيث تعد
الدولة والنظام فيها من النظام العام ،كالقواعد املتعلقة بالهيئات العمومية والسلطات في الدولة والحقوق القواعد التي تتعلق بحماية ّ
ُ
والحريات العامة ،وتعد هذه املسائل ضمن قواعد القانون العام ،كالقانون الدستوري وقانون العقوبات...الخ ،حيث تعد هذه القواعد من
النظام العام وال يجوز االتفاق على مخالفتها وانتهاكها يترتب عليه بطالن العقد ،كما تشمل قواعد النظام العام التقليدي القواعد املتعلقة
باألسرة ،كروابط األحوال الشخصية والحالة املدنية ،األهلية والحقوق والواجبات املتعلقة بالشخص وأسرته وكذلك بعض املعامالت املالية
لألسرة كالنفقة وامليراث والهبة التي تعد من النظام العام ومخالفة قواعدها يرتب البطالن.
ّ
ّأما بالنسبة لآلداب العامة فقد أثارت جدال فقهيا حول التمييز بينها وبين النظام العام ،فهناك من الفقهاء من يميز بينهما وهناك من يعتبرهما
وجهان لفكرة واحدة ،ونحن نؤيد الرأي األخير الذي يرى أن اآلداب العامة ال تعد سوى جانب خلقي لفكرة النظام العام ،وتتعلق عادة
والرهان والتعامل في األعضاء البشرية...الخ ،ويترتب على مخالفة هذه القواعد البطالن بالعالقات الجنسية والكسب غير املشروع كالقمار ّ
املطلق ،يراجع في هذه املسألة منصف بوعريوة" ،الحرية العقدية في ظل النظام العام االقتصادي" ،مجلة البحوث في العقود وقانون
األعمال ،العدد الخامس ،ديسمبر ،2018ص .52
الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،الجزء األول ،الطبعة الثانية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت لبنان ،سنة ،1995ص .86 -4عبد ّ
-1-
مقدمة
ّروج لهذه األفكار الفلسفية الفيلسوف األملاني " كانت ،1 " Kantوالتي مفادها ّأن للفرد حقوقا
حريته الشخصية ووجوب احترامها ،لذلك يجب أن تكون هذه اإلرادة محل حمايةطبيعية منذ والدته ،منها ّ
من طرف املشرع بحيث تعلو على مصلحة املجموع ،فالفرد ال املجموع هو الذي يحميه القانون ،2كما قام
حرية امللكية باعتبا ها حقا طبيعيا ّ
يتمتع به األفراد، مبدأ سلطان اإلرادة على أفكار اقتصادية ترتكز على ّ
ر
ّ
وحرية السوق التي يجب أن تخضع ملبدأ العرض والطلب ،وهذه املبادئ يقوم عليها املجتمع الليبيرالي.3
صاحب هذه النظريات نظريات أخرى فلسفية وسياسية حمل لوائها روسو ( )Rousseauفي كتابه
املشهور العقد االجتماعي الذي اعتبر ّأن ّ
حرية الفرد هي األساس الذي يقوم عليه تفكير ذلك العصر مما
ساهم في ميالد مبدأ سلطان اإلرادة كمبدأ يحكم العقود ،حيث تلقت الثورة الفرنسية هذه األفكار وقامت
عليها سنة ،1789مما أسال الحبر لدى املشرعين آنذاك ،4فظهرت بصمات هذه األفكار في التقنين املدني
الفرنس ي الذي سمي بقانون نابليون ،حيث ّ
كرس الحرية العقدية في نطاق املادة .51134
يمر" الذي ّ
يجسد فلسفة الحربة حرية التعاقد املبدأ الشهير "دعه يعمل دعه ّ
انبثق عن مبدأ ّ
االقتصادية ويعني ضمنيا دعه يتعاقد بال قيود تشجيعا لالنتعاش االقتصادي ،فاإلرادة وحدها التي يجب
أن تهيمن في مجال العقود ،وال يمكن أن يلتزم الشخص من الخارج أي خارج إرادته ،فال املشرع وال
القاض ي يمكنه أن يلزم األفراد بما يخالف إرادتهم.6
ّ
كرس التقنين املدني الفرنس ي مبدأ سلطان اإلرادة بموجب قانون نابليون الصادر سنة ،1804والذي
الدول حيث استقتالدول العربية كالجزائر ومصر ،وغيرها من ّ
كان له األثر البالغ في قوانين العديد من ّ
منه أغلب قواعد القانون املدني ،نظرا للجاذبية التي اكتسبها والصياغة الفنية ّ
الدقيقة التي يتمتع بها التي
الحرية األملان و ّأول من أطلق عبارة مبدأ سلطان اإلرادة كأساس فلسفي للعالقات بين األفراد ،إذ يعتبر أن "kant "-1من أشهر فالسفة ّ
محمد صديق محمد عبد هللا ،اإلرادة التعاقدية ،دراسة تحليلية مقارنة ،دار الكتب العقد أعلى مرتبة من التشريع ،يراجع في هذا الخصوصّ ،
القانونية ،مصر ،اإلمارات ،طبعة ،2012ص .155
-2أحمد عبد الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،...املرجع السابق ،ص.86
-3علي فياللي ،االلتزامات ،النظرية العامة للعقد ،موفم للنشر ،الجزائر ،طبعة سنة ،2013ص.51
-4أحمد عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون املدني الجديد ،نظرية االلتزام بوجه عام مصادر االلتزام ،املجلد ،1الطبعة الثانية
الجديدة ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،سنة ،2000ص .156
-5جاءت صياغة املادة 1134من التقنين املدني الفرنس ي في لفظها األصلي كما يلي:
» « Les conventions l’également formées, tous qui a été convention lieu de loi a ceux qui les ont faites
مس قانون العقود وااللتزامات سنة 2016بموجب األمر 131-2016وتم صياغة مضمونها في املادة إال أتها ألغيت بموجب التعديل الذي ّ
1103واملادة .1194
-6أحمد عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط ،...املرجع السابق ،ص.157
-2-
مقدمة
جعلت من قواعده ثابتة ومستقرة ألكثر من مئتي سنة ،ولقد تأثر املشرع الجزائري بهذا القانون في نطاق
املادة 106من القانون املدني الجزائري حيث ّ
كرس مبدأ سلطان اإلرادة.1
يعترف مبدأ سلطان اإلرادة بالحرية الواسعة لألفراد في تكوين العقد من حيث الشكل الذي تظهر
فيه ،فيتم العقد بمجرد أن يتطابق االيجاب مع القبول دون اشتراط شكل معين وهو األصل العام ،2أما
من حيث املوضوع فتطبق قاعدة العقد شريعة املتعاقدين أي ّأن اإلرادة قادرة على انشاء التصرفات
القانونية ولو لم يكن القانون قد تولى تنظيمها ،كما أنها قادرة على تغيير وتعديل آثار التصرف القانوني
الذي تصدى له القانون بالتنظيم.3
بعد االزدهار الذي حققه مبدأ سلطان اإلرادة خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بفعل
العوامل االقتصادية التي ّأدت إلى انتشار روح الفردية ،قامت الصناعات الكبرى وتأسست الشركات
الضخمة ،وأصبح العقد هو الوسيلة التي يستطيع بها أصحاب املصانع أن يستخدموا العمال في تشغيل
مصانعهم مع شيوع القول في هذه الفترة أن العقد هو الصورة املثالية للعدل ،وأن من قال عقدا قال
عدال ،4فكان التعاقد على أساس حرية اإلرادة وأنه من غير املمكن أن يتعاقد الشخص بما يخالف
مصلحته ،فأصبح العقد يتم بين أطراف غير متكافئة في القوة االقتصادية ،طرف قوي وطرف ضعيف
يضطر إلى التعاقد بدافع الحاجة ولو بشروط مجحفة ،هذا ما أدى إلى انتشار روح االشتراكية وقيامها في
وجه املذاهب الفردية ،وانتقد أصحابها املذهب الفردي القائم على أساس مبدأ سلطان اإلرادة نقدا الذعا،
حد رفضه جملة واحدة ،هذا ما جعل الدكتور عبد الرزاق السنهوري يقول ":أنه إذا وبالغوا في نقده إلى ّ
توخينا االعتدال وجانبنا التطرف ّ
تبين لنا أن اإلرادة ال سلطان لها في دائرة القانون العام ،فالروابط
االجتماعية التي تخضع لهذا القانون ّإنما ّ
تحددها املصلحة العامة ال إرادة الفردّ ،أما العقد االجتماعي
الذي نادى به املذهب الفردي فقد أصبح نظرية عتيقة مجهورة".5
ّ
-1تنص املادة 106من القانون املدني على ما يلي " :العقد شريعة املتعاقدين ،فال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين ،أو لألسباب
التي يقرها القانون" ،تقابلها املادة 147من القانون املدني املصري واملادة 147ف 1من القانون املدني الليبي ،واملادة 146ف 1من القانون
املدني العراقي ،واملادة 148ف 1من القانون املدني السوري.
-2وهو ما ّ
نصت عليه املادة 59من القانون املدني ،كما يلي " :يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيهما املتطابقتين ،دون
االخالل بالنصوص القانونية".
3
اإلرادة في ظل تطور العقد ،دراسة لبعض العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة -لخضر حليس ،مكانة ٍ
أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،2016-2015 :ص .6
-4سمير عبد السيد تناغو ،النظرية العامة للقانون ،منشأة املعارف ،االسكندرية ،سنة ،1984ص .164
-5أحمد عبد الرزاق السنهوري ،...الوسيط ،املرجع السابق ،ص.160
-3-
مقدمة
ّإن الفقه الحديث يسلم بدور اإلرادة في نشأة العقد وتحديد محتواه لكن يجيز في الوقت نفسه
للمشرع وللقاض ي أن يتدخال في تحديد مضمون العقد في ظل تغير البيئة العقدية ،فقد ظهرت عقود غير
مألوفة في النظرية التقليدية للعقد ،1كما أ ّن املساواة ّ
املجردة التي ّ
كرسها املذهب الفردي لم تعد تحتوي
على فعاليتها في ظل اختالل التوازن بين األطراف املتعاقدة ،لذلك البد من إقامة املساواة الفعلية بين
األطراف املتعاقدة بتوجيه اإلرادة عن طريق آلية النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي و الحمائي.
من أجل التكيف مع هذه التحوالت التي عرفها العالم مع بداية القرن العشرين ساهم االجتهاد
القضائي الفرنس ي في صنع العديد من القواعد القانونية من أجل تطويع نصوص التقنين املدني الفرنس ي
مع الظواهر العقدية املستحدثة ،وال نبالغ إذا قلنا أن التقنين املدني الفرنس ي الصادر سنة 1804يعتبر
من أشهر انجازات نابليون وانتصاراته ،والذي كانت جل قواعده مستنبطة من الفقه املالكي ،2مما أكسبه
قوة وشهرة عاملية ،حتى أن ّ
الدكتور عبد الرزاق السنهوري كان يقول عبارة تكررت كثيرا في كتاباته " :أن
ّ
نابليون كان يمش ي إلى املعارك بأمرين التقنين املدني الفرنس ي في يمينه ومدفع في يساره ،لذلك فإنه
ّ
حتى ولو هزم في الحرب إال أن انتصاره يبقى في مجال التشريع".
فعلى ّ
الرغم من الجاذبية التي يتمتع بها التقنين املدني الفرنس ي وثبات قواعده وقدرتها على التكيف
إال أنه خضع إلصالحات جوهرية وجذرية ّ ّ
مست الجزء املهم واألخطر وهو نظرية االلتزام، مع املستجدات
والحقيقة أن هذا التعديل كان ألمرين لتأكيد جاذبية هذا التقنين وتحقيق األمان القانوني.3
بالرجوع إلى املشرع الجزائري فإن تداعيات التطور االقتصادي واالجتماعي ّأدى إلى ظهور تفاوت في
املراكز القانونية بين األطراف املتعاقدة نتيجة لوجود طرف قوي اقتصاديا وطرف ضعيف قد يتعاقد
تحت ضغط الحاجة ،إن القانون املدني الجزائري ومنذ صدوره سنة 41975اهتم بحماية الطرف
ّ ّ
وموسعة نظرا العتناق املشرع ملبدأ سلطان اإلرادة في الضعيف ،5إال أن ذلك لم يكن بصفة رئيسية
التعاقد ،فالعبرة كانت باملساواة املجردة وليس باملساواة الفعلية ،فكانت هذه الحماية غير كافية ،هذا ما
جعل املشرع يلجأ إلى اصدار العقود املتخصصة واملنفصلة عن قواعد القانون املدني كعقد االستهالك
وعقد التأمين وغيرها من العقود ،ولم يسعى إلى تعديل القانون املدني بما يتالءم مع هذه التحوالت
االقتصادية واالجتماعية والسياسية.
إن العقود الخاصة ّ
تتميز بخاصية احتوائها على القواعد اآلمرة هذا ما جعل التدخل التشريعي يؤثر
الحرية العقدية التي ّ
كرسها القانون املدني ،مما أثار الجدل بين الفقهاء وأصبح الحديث عن "أزمة على ّ
العقد" ،أي أن ّ
الحرية العقدية كأساس للعقد ضمن النظرية التقليدية للعقد لم تعد قادرة على
االنسجام والتالؤم واملواءمة مع هذه التحوالت االقتصادية واالجتماعية وحتى السياسية التي يشهدها
العالم ،بل قد أطلق عليها البعض في إطار ّ
الدراسات القانونية التي ناقشت هذا التحول في نظرية العقد
ّ
وتصوراته. "النظرية التقليدية للعقد حقيقة أما خيال" ،1ولقد ّ
مست هذه األزمة العقد في مبادئه
ذهب جانب آخر من الفقه إلى أن تنامي ظاهرة اصدار العقود املتخصصة على حساب النظرية
ّ
التقليدية للعقد ما هو إال ضرورة للتكيف مع هذه املستجدات في البيئة العقدية ،انطالقا من أن كل
تطور إجتماعي ال بد أن يلحقه تطور قانوني ،وعليه فإن التدخل التشريعي في العقود عن طريق آلية
النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي لتوجيه اإلرادة ،لم يدخل العقد في أزمة.2
ّإن أهمية ّ
الدراسة جاءت نظرا ملا يحتله العقد من أهمية بارزة في حياة األفراد ،باعتباره الوسيلة
ّ
واألداة الفعالة في عملية التبادل االقتصادي ،كما أنه يعتبر العمود الفقري في نظرية االلتزام وأهم
مصادره ،وانطالقا من ّأن الثابت في النظرية التقليدية للعقد هو أن العقد يقوم على أساس مبدأ سلطان
اإلرادة أو الحرية العقدية ،فإننا سنحاول من خالل هذه الدراسة الوصول إلى حدود تتمتع اإلرادة
بسلطانها في تكوين العقد وتحديد آثاره ،في ظل هذه التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية
الراهنة ،كما أننا نحاول بيان حقيقة وجود املبادئ التقليدية للعقدّ ،
حرية التعاقد ،واألثر النسبي للعقد ّ
والقوة امللزمة للعقدّ ،
املكرسة ضمن قواعد القانون املدني أم أنها أصبحت مجرد حبر على ورق.
تتجلى أهمية هذه ّ
الدراسة في الوصول أيضا إلى حقيقة التدخل التشريعي في العقود ،الذي ّبرره
املشرع بأنه يهدف إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية ،واعادة التوازن العقدي ،أم أن هناك
1
-Eric Savaux, la théorie générale du contrat, mythe ou réalité, L. GDJ, 1997.
-2لخضر حليس ،مكانة اإلرادة ،...،املرجع السابق ،ص.10
-5-
مقدمة
وجها آخر لهذا التدخل التشريعي في العقود ،في ظل انتهاج ّ
الدولة الجزائرية القتصاد السوق ،1وتوجه
املشرع الى االهتمام بالبعد البيئي في اطار تدخله في مجال العقد ،حيث أن هناك من يرى من أن تدخل
إال إذعانا لإلرادة التشريعية ،طاملا أن الشخص ال يجد نفسه ّّ
حرا في مناقشة املشرع في العقود ما هو
شروط العقد ،كما هو الحال في العقود النموذجية التي يضع صياغتها املشرع ،وتزداد أهمية هذه ّ
الدراسة
عندما ّ
يمرر املشرع تدخله في العقود عن طريق آلية النظام العام االقتصادي الذي يشتمل على القواعد
اآلمرة.
من أجل ضبط املوضوع ّ
فإن دراستنا ملوضوع التدخل التشريعي في العقود وأثره على سلطان اإلرادة
ستنصب على التدخل املباشر في العقود أي تدخل املشرع ،دون التطرق إلى التدخل غير املباشر في العقد
الذي يكون عن طريق القاض ي إال بالقدر الذي تقتضيه طبيعة املوضوع ،كما أننا سنركز على تدخل
املشرع في العقود في مرحلة تكوين العقد فقط ملا لها من آثار قانونية ،دون التطرق إلى مرحلة تنفيذ
العقد ،وسنركز في هذه الدراسة على تدخل املشرع في بعض العقود الخاصة الشائعة ،ونسلط الضوء على
االصالحات الجذرية التي مست التقنين املدني الفرنس ي من التكيف مع التحوالت االقتصادية واالجتماعية
السياسية التي يشهدها العالم.
ّ
بالتحول عن أسباب اختيار املوضوع فإنه يتعلق بميولي الشخص ي لدراسة هذا املوضوع ،املتعلق
والتغير في الثوابت القانونية الراسخة في نظرية العقد ،ولقد صادفني هذا املوضوع خالل مرحلة التحضير
ملسابقة الدكتوراه ،فجذبني األسلوب الذي كتب به بعض املؤلفين في هذا املوضوعّ ،
مما أثار في نفس ي رغبة
في استكمال البحث في هذا املوضوع ،وبالتصورات التي رسمتها له ،انطالقا من أن التحوالت االقتصادية
واالجتماعية والسياسية التي شهدها العالم خالل نهاية القرن العشرين أثرت على التوازن العقدي ،نظرا
لتباين املراكز االقتصادية لألطراف املتعاقدة ،وهو ما يبرر للمشرع تدخله في العقد لحماية الطرف
حريته ،وكما يقول " Lacordaireما بين القوي والضعيف توجد ّ
الحرية التي الضعيف ،من أجل حماية ّ
تستبعد والقانون ّ
يحرر".
عن ّ
الدراسات السابقة فإنه يوجد دراسات عالجت هذا املوضوع من زوايا مختلفة وتصورات بعيدة
عن التصور الذي رسمناه لهذا املوضوع ،فنجد مثال أطروحة الدكتور لخضر حليس ،بعنوان مكانة اإلرادة
في ظل تطورات العقد ،حيث تمت دراسة املوضوع من خالل التطرق إلى املساس بمبدأ حرية التعاقد ،حتى
كاد أن يكون إلغاء لدورها في مجال العقد ،وهناك أيضا رسالة ماجستير للدكتور آسيا مندي بعنوان
النظام العام والعقود حيث تم دراسة تطور مفهوم النظام العام التقليدي ،إال ّأن دراسة هذه األطروحة
تتعلق بمحاولة ايجاد املفهوم الجديد للنظرية العامة للعقد ،والتدليل على ذلك بتحليل مظاهر الخروج
عن املبادئ ّ
الراسخة في النظرية التقليدية للعقد ،كالخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد،
وانتهاك القوة امللزمة للعقد من أجل ّ
التكيف مع املستجدات وغيرها من املبادئ التي سنتناولها بالتفصيل
بحول هللا ضمن هذه األطروحة.
فيما يتعلق بالصعوبات التي واجهتني فإنها تتعلق بكثرة العقود املتخصصة التي تجسد تدخل املشرع
في العقود وصعوبة االملام بها ّكلها لذلك اقتصرت ّ
الدراسة على أهم العقود كعقد االيجار وعقد البيع بناء
على التصاميم...الخ ،كما أنني واجهت صعوبة عند التطرق لآلثار املترتبة على التدخل التشريعي في العقود
كونها تمس الجزء املهم واألخطر من املبادئ الراسخة ضمن النظرية التقليدية للعقد ،كما أنني وجدت
صعوبة في محاولة التوفيق بين الجانب الفلسفي ملبدأ سلطان اإلرادة الذي تناوله الفقهاء والجانب
القانوني.
في ظل ازدياد ظاهرة التدخل التشريعي في العقود أو ما يعرف بظاهرة التضخم التشريعي في مجال
العقود املتخصصة ،والتي ال يمكن أن ترقى إلى مستوى الشريعة العامة للعقود وبما أن املشرع لم يحدث
أي تعديالت على القانون املدني ،الذي يكرس مبدأ سلطان اإلرادة هذا ما يحدث تضارب ما بين املبادئ
ّ
والتوجه الجديد للمشرع الذي يظهر فيه والتصورات التي يحتوي عليها القانون املدني في مجال العقود،
سلطان القانون والذي جسده في اطار العقود املتخصصة ،وعليه فإن اإلشكالية املحورية التي نعتمدها في
هذه ّ
الدراسة هي:
حدود االعتداد بمبدأ سلطان اإلرادة وقوته على تكوين العقد وتحديد آثاره في ظل التدخل
التشريعي في العقود تحت تأثيرالتحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ّ
الراهنة.
ولقد تفرع عن هذه اإلشكالية التساؤالت الفرعية التالية:
-ما حقيقة أن النظرية التقليدية للعقد أصبحت جامدة وقارة ال تستجيب مع هذه التحوالت؟ أم أن
النظرية التقليدية للعقد وبما تحتوي عليه من املبادئ العامة قادرة على االنسجام والتالؤم واملالءمة مع
هذه التحوالت؟
-ما حاجة األفراد إلى التدخل التشريعي في عقودهم الخاصة؟
-7-
مقدمة
-هل بالضرورة يؤدي التدخل التشريعي في العقود إلى إهدار قداسة سلطان اإلرادة؟
-هل التدخل التشريعي في العقود يشكل في ّ
حد ذاته اذعانا لإلرادة التشريعية؟
-هل التدخل التشريعي في العقود أدخل العقد في أزمة أم أنه أحدث تغييرا وتحديثا في مفهوم العقد؟
لإلجابة على هذه اإلشكالية وتساؤالتها الفرعية فإنني سأعتمد على املنهج التاريخي من خالل
استعراض التأصيل القانوني ملبدأ سلطان اإلرادة و املراحل التي ّ
مر بها من بداية ظهوره إلى مرحلة ازدهاره
ثم تراجعه ،كما أننا سنعتمد على املنهج التحليلي من خالل مبررات التدخل التشريعي في العقود ،وبيان
القصور الذي يعتري النظرية التقليدية للعقد وعدم قدرتها على التالؤم مع هذه التحوالت ،كما أننا سنبين
آثار هذا التدخل باالعتماد على املنهج التحليلي وكذلك االعتماد على املنهج املقارن في الحدود التي تقتضيها
الدراسة من خالل التطرق لإلصالحات الجذرية التي مست التقنين املدني الفرنس ي سنة .2016 ّ
بالنسبة للخطة املتبعة في الدراسة فإن موضوع التدخل التشريعي في العقود تقتض ي تقسيم البحث
إلى بابين ،نتناول في الباب األول تراجع مبدأ سلطان اإلرادة كمبرر للتدخل التشريعي في العقود والذي
قسمناه إلى فصلين نتناول في الفصل األول التحوالت الكبرى خالل القرن العشرين ،حيث قسمناه إلى
مبحثين تناولنا في املبحث األول اتساع نطاق العالقات العقدية من خالل التطرق إلى تفنيد املذهب
ّ
املوجه ملبدأ سلطان الفردي بالتطرق أوال إلى التأصيل القانوني ملبدأ سلطان اإلرادة ،ونتائجه والنقد
اإلرادة.
نتطرق في هذا املبحث أيضا لقيام املذهب االجتماعي الذي أسس للمبادئ التي تناولها رواد املذهب
االشتراكي ،حيث اعتبروا ّأن اإلرادة وحدها غير قادرة على حماية حقوق األفراد وإنما يقتصر دورها على
احترام القانون.
في املبحث الثاني نعالج تطور مفهوم النظام العام ،وذلك بالتطرق إلى النظام العام التوجيهي
والحمائي ،باعتباره آلية يعتمدها املشرع للتدخل في العقود مستعمال تقنية القواعد اآلمرة ،كما أننا
سنتناول الجزاءات املترتبة على مخالفة كل من النظام العام االقتصادي التوجيهي و الحمائي.
في الفصل الثاني من الباب األول نتناول فيه عجز الحرية العقدية على تحقيق التوازن العقدي من
خالل مبحثين ،املبحث األول نتناول فيه حماية الطرف الضعيف من اختالل التوزان العقدي ضمن
أحكام القانون املدني،ـ واملبحث الثاني نتناول فيه التوجه الجديد للمشرع في العالقات العقدية القائمة
على أساس املساواة الفعلية وتجاوز املساواة املجردة من أجل تحقيق العدالة العقدية.
-8-
مقدمة
الباب الثاني نتناول فيه آثار التدخل التشريعي في العقود على مبدأ سلطان اإلرادة وذلك من خالل
فصلين الفصل األول نتطرق فيه إلى الخروج والتخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية للعقد،
ونتناوله في مبحثين ،املبحث األول نتناول فيه الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة في تكوين العقد ،واملبحث
الثاني نعالج فيه الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة من حيث آثار العقد.
الفصل الثاني نتناول فيه مواءمة العقد للسياسة االقتصادية الوجه اآلخر الخفي للتدخل
التشريعي في العقود من خالل مبحثين ،املبحث األول نتناول فيه التحول في وظيفة ّ
الدولة والتطرق إلى
استخدام العقد كآلية لخدمة أهداف الدولة في ظل التوجه إلى اقتصاد السوق و نتطرق لتأثيرات جائحة
كورونا ) )covid19على السوق والتصدي لهذه الجائحة من خالل النظام العام التوجيهي.
في املبحث الثاني نتناول تأثير قواعد قانون املنافسة على الحرية العقدية حيث نتناول تأثير النظام
العام االقتصادي على اإلدارة عن طريق توجيهها واآلليات املنتهجة من قبل املشرع لتقييد اإلرادة في مجال
السوق ،كما أننا نتناول اثراء قانون املنافسة ملبدأ سلطان اإلرادة باستحداث عيب اإلكراه االقتصادي
كعيب من عيوب اإلرادة.
-9-
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبرر
للتدخل التشريعي في العقود
انتهج املشرع الجزائري مبدأ الحرية التعاقدية وسلطان اإلرادة في العقد في املادة 106من القانون
املدني الجزائري ،على غرار املشرع الفرنس ي ،الذي كرس مبدأ سلطان اإلرادة في نطاق املادة 1134من
القانون املدني الفرنس ي.
إال أنه ومع بداية القرن العشرين ونظرا للتحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي
شهدها العالم في العصر الحديث ،لم تعد الحرية العقدية التي هي مناط سلطان اإلرادة تتالءم مع
التحوالت االقتصادية الراهنة ،حيث أصبحت قوانين الدول تتجه نحو االهتمام بمصالح الجماعة قبل
مصلحة الفرد ،متأثرة في ذلك باألفكار التي أفرزها املذهب االجتماعي ،الذي حمل معه فلسلفة جديدة
تستجيب للمتغيرات الراهنة.
تجسيدا للمذهب االجتماعي أصبحت الدولة تتدخل في طريقة ابرام العقد ،وتحديد مضمونه بما
يكفل حماية الطرف الضعيف في العقد من الشروط التعسفية التي يفرضها الطرف القوي في العقد
وفرض االلتزام على عاتق املنهي في املرحلة السابقة على التعاقد ،تحقيقا للتوازن املعرفي والعدالة العقدية.
إن تدخل املشرع لتنظيم العقود كان نتيجة لتراجع مبدأ سلطان اإلرادة ،الذي كان يحكم العقد
وهذا ما سنتناوله في هذا الباب في فصلين( ،الفصل األول) نتناول فيه التحوالت الكبرى خالل القرن
العشرين وذلك بالتطرق إلى انتشار املذاهب االشتراكية وتطور مفهوم النظام العام ،ثم نتناول في (الفصل
الثاني) عجز الحرية العقدية عن تحقيق التوازن العقدي وبيان قصور القواعد العامة عن تحقيق
الحماية للطرف الضعيف ،ألنها جسدت املساواة املجردة التي أثبت الواقع أنها مجرد مساواة مفترضة
وليست حقيقية لذلك لجأ املشرع الى إصدار العقود املتخصصة.
- 11 -
التحوالت االقتصادية الكبرى خالل القرن العشرين
التزامه وال يمكن للفرد أن يلتزم إال وفقا ملا يرضاه وال يحد من هذه الحرية اال فكرة النظام العام إال أنه
ومع بداية القرن العشرين وباعتبار أن القانون هو ظاهرة اجتماعية ال بد أن تتالءم مع املتغيرات املحيطة
بها فانه ومع قيام الصناعات الكبيرة والشركات الضخمة أحدث ذلك اختالل التوازن بين األطراف
املتعاقدة نتيجة اتساع نطاق العالقات العقدية وهو ما تناولته في (املبحث األول) وباتساع العالقات
العقدية واختالل التوازن بين القوى االقتصادية تدخلت الدولة لتنظيم ابرام العقود ،وهو ما أدى الى
توسيع دائرة النظام العقدي وهو ما نتناوله في (املبحث الثاني ).
مع بداية القرن العشرين حدثت تحوالت اقتصادية و اجتماعية و حتى سياسية مست العالم
بأسره ،بفعل قيام الثورة الصناعية فظهرت الصناعات الكبرى وتأسست الشركات الضخمة ،كل ذلك
أحدث اختالل في التوازن بين القوى االقتصادية وهو ما مهد للمبادئ االشتراكية سبيل االنتشار،
فأصبحت الدولة تتدخل في حياة العقد ،تجسيدا للمبادئ االشتراكية التي انتقدت املبادئ التي جسدها
املذهب الفردي القائم على مبدأ سلطان االرادة وهو ما نخصص له (املطلب األول) ،بينما نخصص
(املطلب الثاني) لقيام املذهب االجتماعي.
بعدما قام املذهب الفردي على أساس أن اإلرادة هي مصدر االلتزام أصبح ال يستجيب في مبادئه
مع التحوالت االقتصادية والسياسية واالجتماعية التي شهدها العالم خالل القرن العشرين ،حيث بدأت
الدولة تتدخل في العالقة العقدية من حيث تنظيمها حماية للطرف الضعيف فيها ،هذا ما أدى الى انتشار
املذاهب االشتراكية ،التي قامت ف ي وجه املذهب الفردي الذي تراجع وانحسر وأصبح ال يتالءم مع
التحوالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،وقبل أن نتطرق إلى قيام املبادئ االشتراكية البد أن
نتطرق إلى كيف تدهور املذهب الفردي بعدما ازدهر في ظل الرأسمالية وما هو التأصيل القانوني له؟،
والنتائج املترتبة عنه ؟ وهو ما نخصص له (الفرع األول) ،بينما نخصص (الفرع الثاني ) إلى قيام املذهب
االجتماعي.
- 13 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
لكي نتوصل الى أسباب تراجع املذهب الفردي الذي جسد مبدأ سلطان اإلرادة بعدما ما ازدهر في
القرن الثامن عشر الى أواخر القرن التاسع عشر ،فإنه ال بد من الوقوف على التأصيل القانوني له (أوال)
ونتائجه (ثانيا) ،وموقف الفقه اإلسالمي منه (ثالثا).
ظهر مبدأ سلطان اإلرادة في القرن السابع عشر واستمد قوته من األفكار التي نادى بها أصحاب
ا ملذهب الفردي ،الذين اعتبروا أن النظام االجتماعي يرتكز على الفرد على اعتبار أنه يعيش في مجتمع
فالبد أن تكون روابطه العقدية بغيره من أفراد املجتمع أساسها اإلرادة الحرة وال يلتزم الفرد بالواجبات
وفقا للمذهب الفردي اال اذا رض ي بها مختارا ،1فكل التزام أساسه الرضا واالختيار وهو ما يتماش ى مع
القانون الطبيعي 2الذي يقوم على الحرية الشخصية لألفراد ووجوب احترامها وعليه فإن مهمة القانون هي
تحقيق حرية كل فرد ،بحيث ال تتعارض مع حرية اآلخرين وأن تكون مصلحة الفرد محل اهتمام املشرع،
3
بحيث تعلو على مصلحة املجموع ،فالفرد ال املجموع هو الذي يحميه القانون.
يقوم املذهب الفردي على أساس أن اإلرادة وحدها هي التي تنش ئ العقد ويطلق على هذا االتجاه
(مذهب سلطان اإلرادة ) 4الذي يعني أن لإلرادة السلطان األكبر في تكوين العقد وتحديد آثاره وفي جميع
الروابط والقانونية ولو كانت غير تعاقدية 5،لقد بلغ مبدأ سلطان اإلرادة ّ
أوجه بعد الثورة الفرنسية سنة
،1789ثم صدر قانون نابليون سنة ،1804مكرسا الحرية الفردية ومحترما مبدأ سلطان اإلرادة في نطاق
املادة 1134القانون املدني الفرنس ي.6
صاحب هذه النظريات االقتصادية التي تقوم على مبدأ سلطان اإلرادة نظريات فلسفية ،نادى بها
الفقيه دوما ( 7 ،)Domatالذي كان يرى بأن الحرية هي أساس االلتزامات والتعهدات التي تنشأ بين االفراد
-1عبد الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،...،املرجع السابق ،ص .86
- 2املرجع نفسه ،ص .86
-3عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط ،..املرجع السابق ،ص .135
-4منذر الفضل ،الوسيط في شرح القانون املدني ،مصادر االلتزام وأحكامها ،دراسة مقارنة بين القوانين الوضعية والفقه اإلسالمي ،معززة
بآراء الفقه وأحكام القضاء ،دار الثقافة للنشر التوزيع ،طبعة سنة ،2012ص .44
- 5عبد الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،...املرجع السابق ،ص .85
-6فتيحة قريقر" ،حدود سلطان اإلرادة في نطاق النظام العام" ،مجلة الحقوق العلوم اإلنسانية ،العدد األول ،سنة ،2017 ،ص .278
-7عاش في الفترة ما بين ،1696 -1625ولقد كانت أفكاره ترجمة حرفية لنص املادة 1134من القانون املدني الفرنس ي لسنة 1804املعدل
واملتمم.
- 14 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
والتي يجب أن تتم بمعرفة واختيار 1والتي صارت قاعدة ثابتة في العصر الحديث والذي قال أنه " :اذا تم
االتفاق فكل ما اتفق عليه يقوم مقام القانون ملن تعاقد " وهي العبارة التي أدمجها املشرع الفرنس ي في
املادة 1134والتي صارت قاعدة ثابتة مقررة ملبدأ سلطان اإلرادة في التعاقد .2
لقد كانت ألفكار الفيلسوف األملاني " Kantكانت " 3الدور البارز الذي ساهم في تدعيم الجانب
الفلسفي ،الذي استقى منه مبدأ سلطان اإلرادة مبادئه والذي اعتبر أن مبدأ سلطان اإلرادة " املبدأ
األسمى في مبادئ االخالق " وهو يرى أنه بإمكان إرادة الشخص أن تنش ئ تشريعا عامليا ،يقاض ي فيه
الشخص نفسه وأفعاله ويسمى هذا املبدأ " مبدأ سلطان اإلرادة" ،الذي يعني أنه بمكان مبدأ سلطان
اإلرادة أن يكون مصدرا لجميع فروع القانون ،متجاوزا بذلك النظرية العامة للعقد .4
كما أن األفكار الفلسفية والسياسية التي جاء بها روسو )Rousseau( 5في كتابه املعروف (بالعقد
االجتماعي) 6ساهمت في ازدهار مبدأ سلطان االرادة ،حيث اعتبر أن إرادة األشخاص وحدها هي من يجب
أن تسيطر في امليدان االقتصادي ،حيث تتحدد األسعار عن طريق املنافسة والعرض والطلب ،وليس عن
طريق املشرع ومن أجل تنشيط وازدهار التجارة فإنه البد أن تخضع العقود في تكوينها وتحديد آثارها الى
7
إرادة املتعاقدين والبد من إزالة أي عقبة تقف أمام حرية اإلرادة.
-1صديق شياط ،أثر مصلحة املجتمع في الحد من مبدأ سلطان اإلرادة في مجال التعاقد ،رسالة دكتوراه علوم في القانون الخاص ،جامعة
الجزائر ،1بن يوسف بن خدة ،كلية الحقوق – السعيد حمدين ، -السنة الجامعية ، 2018 -2017 :ص .64
- 2جاءت صياغة املادة 1134من القانون املدني الفرنس ي في لفظها األصلي كما يلي:
» « Les conventions l également formées, tout ce qui a été convention lieu de loi a ceux qui les ont faites
-إال أنها ألغيت بموجب األمر 131-2016وتم صياغة مضمونها في املادة 1103واملادة .1194
"- 3كانت "من أشهر فالسفة الحرية األملان وأول من أطلق عبارة مبدأ سلطان اإلرادة كأساس فلسفي للعالقات بين األفراد ،إذ يعتبر أن
العقد أعلى مرتبة من التشريع ،يراجع محمد صديق محمد عبد هللا ،موضوعية اإلرادة التعاقدية ،املرجع السابق ،ص.155
- 4ياسين سعدون ،أثر الظروف االقتصادية على العقد ،أطروحة لنيل الشهادة الدكتوراه في القانون الوضعي ،تخصص القانون الخاص
الداخلي ،جامعة مولود معمري - ،تيزي وزو -كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،2018 - 2017 :ص .2
- 5لقد تأثرت الثورة الفرنسية بأفكاره من خالل تجسيدها لفكرة العقد االجتماعي وذلك من خالل االعتراف بوجود حقوق طبيعية لكل
انسان وقد ظهر واضحا وجليا في اعالن الثورة الفرنسية لحقوق االنسان واملواطن العام ،1789ووفقا لهذا اإلعالن أصبحت قواعد القانون
الطبيعي مبادئ مقننة رسميا في صلب القانون الوضعي حيث جاء في املادة األولى منه " الناس يولدون ويستمرون أحرار متساوين في الحقوق
" ،يراجع في هذا الخصوص ،لخضر حليس ،مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد ،...املرجع السابق ،ص 32الهامش رقم .2
-6لقد كان لهذا الكتاب أثر كبير في الفلسفة ،والسياسة واالجتماع والقانون في القرن التاسع عشر ،ومما جاء فيه تأييد لسلطان الفرد
ّ
وحرية اإلرادة "ملا كان االنسان ليس له سلطة طبيعية على أخيه االنسان ،وملا كانت القوة ليست مصدرا ألي حق من الحقوق فلم تبق إال
العقود أساسا لكل سلطة بين الناس "العقد االجتماعي الكتاب األول ،الفصل الرابع ،نقال عن عبد الرزاق السنهوري أحمد السنهوري ،نظرية
العقد ،..املرجع السابق ،ص .98
-7عبد الرزاق أحمد السنهوري ،...الوسيط ،املرجع السابق ،ص .98
- 15 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
لقد انبثق عن هذه املبادئ املبدأ الشهير "دعه يعمل دعه يمر " 1والذي يعني في نفس الوقت دعه
يتعاقد بال قيود ،ووفقا لهذا املبدأ فانه من غير املقبول أن يتم تحديد العدالة والتوازن في العقود من
الخارج ،أي من خارج أطراف التعاقد أو بطريقة موضوعية ،فالتعاقد في حد ذاته يحقق التوازن ،إن كل
من األفكار الفلسفية السابقة والنظريات االقتصادية مهدت الندالع الثورة الفرنسية ،1789التي جاءت
مشبعة باملبادئ الليبرالية وروح الفردية (سلطان إرادة الفرد) ولقد تلقت الثورة الفرنسية هذه النظريات
واملبادئ فقامت عليها حيث سلمتها إلى املشرعين في أوائل القرن التاسع عشرُ ،
فوضع قانون نابليون
مجسدا الحرية التعاقدية في نطاق املادة 2 1134وهو ما كرسه املشرع الجزائري في املادة 106من القانون
املدني 3التي تنص " العقد شريعة املتعاقدين ،فال يجوز نقضه ،وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو لألسباب
التي يقررها القانون" ،4ومن العوامل التي ساهمت أيضا في ازدهار سلطان اإلرادة وبلوغه شهرة ال مثيل لها
خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ،هو قيام املبادئ الليبرالية االقتصادية ،حيث برزت طبقة
رأسمالية جديدة تمتلك وسائل اإلنتاج والخدمات والتي نادت بضرورة تشجيع املبادرة الفردية وإزالة كل
العقبات التي تعيق املبادالت التجارية .5
ولقد اعتبرت املذاهب الليبرالية أن حرية العرض والطلب في املجال االقتصادي هي أساس العدالة
6
العقدية حيث يقول الفقيه فوييه fouilléأن " كل ما هو تعاقدي فهو عدل ".
ثانيا :النتائج القانونية املترتبة على مبدأ سلطان اإلرادة
قام سلطان اإلرادة في مفهومة التقليدي على فلسفة مفادها أن الفرد هو العنصر األساس ي في
العالقة التعاقدية ،بحيث أن الفرد هو من يسيطر على هذه العالقة فيكون له السلطان في انشاء العقد
وتحديد آثاره و ال يحد من هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى فكرة النظام العام .7
إن الحرية التعاقدية التي تكاد تكون مطلقة باملفهوم التقليدي ملبدأ سلطان اإلرادة ،تعتبر بمثابة
املنهج الذي يهيمن على الروابط العقدية وذلك في الفترة التي بلغ فيها قمة ازدهاره خالل القرنين الثامن
8
عشر والتاسع عشر.
- 1شعار أطلقه الفيلسوف والباحث االسكتلندي ،آدم سميث ،في مجال قانون االقتصاد والذي يعني تقليص تدخل الدولة في املجال
االقتصادي ،لتنشيط االقتصاد
-2املادة 1134من القانون املدني الفرنس ي ،التي سبقت االشارة.
-3الصادر بموجب األمر ،58 -75الذي سبقت االشارة اليه.
-4تقابل املادة147من القانون املدني املصري ،واملادة 148فقرة أولى من القانون املدني السوري ،واملادة 196من القانون املدني الكويتي.
-5ياسين سعدون ،املرجع السابق ،ص .13
-6املرجع نفسه ،ص .14
-7عبد الرزاق أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،...املرجع السابق ،ص .85
-8صديق شياط ،املرجع السابق ،ص .154
- 16 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
ولقد ترتب على تطبيق نظرية سلطان اإلرادة على النظام القانوني للعقد عدة نتائج قانونية،
سنبيها فيما يلي:
-1حرية التعاقد:
تعتبر حرية التعاقد من صميم مبدأ سلطان اإلرادة والتي تعني تمتع الشخص بمجموعة من
الخيارات ،هي حريته في التعاقد أو عدم التعاقد ،وحريته في اختيار املتعاقد معه من عدمه ،وكذلك
1
حريته في تحديد موضوع التعاقد.
فحريته الشخص في أن يتعاقد أو أن يرفض التعاقد يعني أنه ال يمكن أن يجبر الشخص على
الدخول في أية عالقة تعاقدية ال يرضها ،فالشخص حر في أن يبيع أو يشتري أو يمتلك أو يتبرع أو يؤجر أو
يستأجر كما أن رفض الشخص للتعاقد هو مظهر من مظاهر الحرية .2
إن حرية الشخص في أن يتعاقد أو ال يتعاقد ،يعني أنه أيضا حر في اختيار الشخص الذي يتعاقد
معه وهذا ملا لإلرادة من دور في تمييز ما يحقق مصلحة صاحبها 3،ذلك أن الشخص قد يرى بأن مصلحته
تتحقق أكثر عندما يتعاقد مع شخص معين ،فالشخص يوازن بين الفرص املتاحة والصفقة التي تحقق
مصلحته أكثر من غيرها ولذلك فهو حر في أن يتعاقد مع الشخص الذي يريده 4 ،فمثال في عقد العمل
يقوم املستخدم باإلعالن عن التوظيف ويمكن للمستخدم من خالل دراسة ملف كل مترشح أن ينتقي
املترشح األكثر مالئمة للمنصب ،بالنظر الى تكوينه وخبرته وكفاءته ،فشخصية املتعاقد معه لها أهمية
كبيرة في العقد ،كما أن املشتري حر في أن يشتري من البائع الذي يريده ومن املحل الذي يختاره وفقا ملا
يتالءم مع قدرته املالية ،وكذا بناء على جودة السلع التي تختلف من محل إلى آخر .5
إن حرية الشخص في التعاقد من عدمه وحريته في اختيار الشخص اآلخر املتعاقد معه ،يترتب
عنها أن الشخص حر في أن ُيضمن العقد ما يشاء من شروط بكل حرية واقتناع ،فحرية اإلرادة يكون
احترامها من حيث املوضوع ومن حيث الشكل وال يحد من هذه الحرية سوى فكرة النظام العام 6ففي
يكون احترام حرية اإلرادة من حيث الشكل عن طريق احترام مبدأ الرضائية في التعاقد ومقتضاه
أن العقد يتم بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتيهما املتطابقتين دون افراغ هذا التعبير في أي
2
شكل خاص أو اتباع شكليات ومراسيم خاصة.
إن حرية الشخص في التعاقد يعني أن االلتزامات التي ارتضاها حتما ستكون عادلة ألنه ال يمكن
للشخص أن يتصرف خالفا ملصالحه ،فاذا اتفقت إرادة شخص حر مع شخص حر آخر على ابرام عقد
بينهما فال شك أن هذا العقد يحقق مصلحتهما معا ،فالعقد وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة هو أصدق تعبير
عن العدل ،3وبهذا أمكن القول أن " كل عدالة هي عقد وأن كل عقد حرحتما سيكون عادل" .4
إن مفاد هذه النتيجة أن اإلرادة الحرة هي التي تسيطر على جميع االلتزامات وهي تتجلى بقوة من
خالل العقد ،فاملتعاقدان ال يلتزمان إال بإرادتيهما وال يلتزم شخص بعقد لم يكن طرفا فيه ،كما ال يكسب
حقا من عقد لم يكن طرفا فيه ،أما نظرية االشتراط ملصلحة الغير فتبدوا ضيقة محدودة في قانون
نابليون ،لم يحصل التوسع فيها إال في العهد األخير ،فالعقد وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة يرتكز على اإلرادة
الحرة ،فإرادة املدين وحده هي التي تلزمه ،وسلطان اإلرادة ال يقتصر على توليد االلتزامات بل يولد كل
الحقوق األخرى كامللكية ،التي تمثل الحرية فيه مظهرها امللموس املادي ،وحقوق األسرة مبنية على عقد
الزواج أي على اإلرادة وامليراث مبني على وصية مفروضة ،وطرق التنفيذ الجبري ذاتها ترتكز على اإلرادة
الحرة وإن كانت إجبارية إال أن املدين قد ارتضاها وقت االستدانة ،5واألكثر من ذلك أن العقوبة الجنائية
ال مبرر ملشروعيتها اال في اإلرادة ،فاملجرم عند ارتكابه للفعل املجرم قد ارتض ى مقدما أن يناله الجزاء،
وبذلك اعتبر انصار مذهب سلطان اإلرادة أن اختيار املجتمع لاللتزام ما هو إال وليد إلرادة صنعت
-1رمضان أبو السعود ،مصادر االلتزام ،دار الجامعة الجديدة ،األزاريطة ،طبعة سنة ، 2007ص .19
- 2سمير عبد السيد تناغو ،مصادر االلتزام ،مكتبة الوفاء القانونية ،اإلسكندرية ،الطبعة األولى ،سنة ،2009ص .11
3سمير عبد السيد تناغو ،...مصادر االلتزام ،املرجع السابق ،ص .11
4جمعة زمام" ،تحديث النظرية العامة للعقد (في ضوء ظاهرة التخصص التشريعي) " ،مجلة البحوث والدراسات القانونية والسياسية،
العدد الثاني عشر ،ص .225
-5عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون املدني الجديد ،....املرجع السابق ،ص .107
- 18 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
القانون ،وهذا ما يجد دعامة في نظرية العقد االجتماعي الذي نادى به روسو ،وغيره من الفالسفة
واملفكرين .1
إن أنصار مبدأ سلطان اإلرادة قد تطرفوا في طرحهم عندما أقاموا أحكام القانون املختلفة على
اإلرادة فحسب ،بل وصل بهم األمر إلى نتيجة منافية للعقل واملنطلق ،هي أن اإلرادة ليست مجاال تنصب
2
فيه حرية التعاقد بل هي قوام التصرف القانوني.
-3اإلرادة الحرة ال تخضع للقيود:
يترتب على مبدأ سلطان اإلرادة أن اإلرادة وحدها كافية النعقاد العقد ،أي يكفي أن يتوافق
االيجاب مع القبول النعقاد العقد وال يشترط أي شكل معين للتعبير عن اإلرادة وهذا ما يطلق عليه "
بقاعدة الرضائية في العقود " وهو ما اعتنقه املشرع في املادة 59من القانون املدني التي تنص " يتم
العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتهما املتطابقين ،دون االخالل بالنصوص القانونية .3
إن منطلق مبدأ الرضائية أن العقود تعتبر صحيحة بمجرد تبادل التراض ي بين طرفي العقد،
فاألصل هو الرضائية واالستثناء هو اشتراط إفراغ التصرف القانوني في شكل خاص.4
يرى الفقيه جاك غستان أن مبدأ الرضائية هو التفسير الواسع ملبدأ حرية التعاقد ،فحرية
التعاقد من حيث املوضوع تعني اختيار مضمون العقد بحرية أما حرية التعاقد من حيث الشكل هو
حرية املتعاقدين في اختيار شكل العقد .5
ويعتبر العقد رضائيا حتى لو اشترطت الكتابة إلثباته ،طاملا كان انعقاد هذا العقد غير متوقف
على افراغ التراض ي في شكل كتابي ويترتب على ذلك أنه إذا تخلفت الكتابة املتطلبة لإلثبات فإنه يجوز مع
ذلك إثبات العقد بما يقوم مقام الكتابة كاإلقرار واليمين .6
إن األصل وفقا ملبدأ حرية التعاقد هو أن يكون العقد رضائيا كما سبق اإلشارة اليه ،إال أنه قد
يشترط املشرع إفراغ العقد في شكل كتابي فيكون العقد شكليا أي البد من توافر هذه الشكلية التي تدخل
في أركان العقد ،فتتمثل أركان العقد الشكلي في التراض ي و املحل و السبب والشكل ،فيترتب على مخالفة
- 1عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون املدني الجديد ،....املرجع السابق ،ص .185
- 2أحمد حدي اللة ،سلطة القاض ي في تعديل االلتزام التعاقدي وتطويع العقد ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في قانون مسؤولية املهنيين،
جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان ، -كلية الحقوق ،السنة الجامعية ،2013 -2012 :ص.15
-3يتطابق هذا النص مع املادة 89من القانون املدني املصري ،واملادة 92من القانون املدني السوري ،واملادة 90من القانون املدني األردني،
واملادة 23من مجلة االلتزامات والعقود التونسية ،واملادة 73من القانون املدني األردني ،واملادة 23من مجلة االلتزامات والعقود التونسية
واملادة 73من القانون املدني العراقي.
-4لخضر حليس ،املرجع السابق ،ص.51
-5ياسين سعدون ،املرجع السابق ،ص .30
- 6املرجع نفسه ،ص .22
- 19 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
الشكلية بطالن العقد ،بينما تتكون أركان العقد الرضائي من التراض ي و املحل و السبب ويكون لألطراف
املتعاقدة في العقد الرضائي الحرية في اختيار شكل العقد دون أن ينقلب العقد الى شكلي بل يبقى العقد
محتفظا بطبيعته الرضائية رغم إفراغه في الشكل املختار .1
-4العقد قانون املتعاقدين:
تأسيسا على النزعة الشخصية التي تجسد حرية التعاقد ،حيث تعتبر أن إرادة الفرد هي األساس
األول في تكوين العقد وتحديد آثاره وهو ما تجسد في اتجاهات القانون املدني املعاصر ،حيث ذكر الفقيه
الفرنس ي ( 2 ) Domatأنه " :إذا تم االتفاق فكل ما اتفق عليه يقوم مقام القانون ملن تعاقد " وهي
القاعدة التي تجسدت تشريعا في املادة ( )1134من القانون الفرنس ي،التي نصت في فقرتها األولى بأنه:
"تقوم االتفاقيات املبرمة بشكل قانوني مقام القانون بالنسبة إلى من أبرموها " 3و بذلك ُعرف مبدأ "
العقد شريعة املتعاقدين ،4 pacta sunt servandaالذي قال عنه هنري باتيفول 5بأنه " :دستورالنظام
الداخلي ".
إن قاعدة العقد شريعة املتعاقدين تعني أن العقد إذا تنشأ صحيحا واستكمل القاض ي عملتي
التفسير في حالة الغموض والتكييف تحددت التزاماته وأصبح للعقد قوته امللزمة ومن ثم يجب على
املتعاقدين والقاض ي على حد السواء التقيد به وتنفيذه في جميع ما اشتمل عليه 6وهو ما كرسه املشرع
في املادة 106من القانون املدني.
إن التزام األطراف بعقد معين يعني أنه أصبح بمثابة القانون بالنسبة لهم فال يجوز ألحد الطرفين
أن ينفرد بتعديل العقد أو نقضه إال باتفاق الطرفين معا وهذا ما يجعل للعقد قداسةُ ،يمنع انتهاكها أو
االعتداء عليها.
كرس املشرع الجزائري مبدأ القوة امللزمة للعقد أيضا ،من خالل املادة 107التي نصت في فقرتها
األولى على أنه " :يجب تنفيذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وبحسن نية ،"...فالعقد يجد قوته امللزمة من
خالل املادتين 107 ،106من القانون املدني ،فتصبح قوة العقد كقوة القانون في مواجهة طرفيه معا وفي
مواجهة القاض ي فال يمكن املساس بها أو انتهاكها ،إال وفقا التفاق جديد للمتعاقدين أو حسب األحوال
2
التي يقررها القانون.
تعتبر القوة امللزمة للعقد ضرورة لضمان استقرار املعامالت وتحقيق األمن القانوني وهو ما ذهب
إليه جاك غستان الذي يرى أن جانب كبير من الفقه يعتبر القوة امللزمة للعقد ضرورية لتحقيق األمن
القانوني .3
عرفت الشريعة اإلسالمية مبدأ سلطان اإلرادة منذ فجر التاريخ ،فيكفي مجرد تراض ي املتعاقدين
وتوافق إرادتيهما إلنشاء العقد وال يستلزم العقد أي شكلية خاصة في الشريعة اإلسالمية ،باستثناء بعض
العقود ،كعقود الزواج التي تستلزم االشهاد عليها 4وما يؤكد لنا إقرار مبدأ سلطان اإلرادة الفقه اإلسالمي
ُ ُُ ُ ُّ 5 ُُ ُ ُ ُّ
لذين ءامنوا ال تاكلوا أمولكم
ود " وقوله تعالى " يأيها ا ِ لذين ءامنوا أوفوا ِبالعق ِ
قوله تعالى " :يأيها ا ِ
-1قرار املحكمة العليا ،املؤرخ في 07فبراير ،1983قضية رقم ، 29500م ق سنة 1989ع ،01ص .165نقال عن ،عالق عبد القادر املرجع
السابق ،ص 38الهامش رقم .2
-2عبد القادر عالق ،املرجع السابق ،ص .33
-3بالل عثماني ،أطراف العقد املدني بين الحق في تحقيق املصلحة الشخصية وااللتزام بحسن النية ،أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه
في العلوم ،تخصص القانون ،جامعة مولود معمري - ،تيزي وزو، -كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،2018-2017 :ص .35
-4حمدي محمد اسماعيل سلطح ،القيود الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة في العقود املدنية ،دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي " ،دار الفكر
الجامعي األزرايطة اإلسكندرية ،طبعة سنة ،2006ص .28
- 5سورة املائدة اآلية .1
- 21 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
ُ ُ ُ ُُ ُ ٌ ُ َ ُ
بينكم ِبالب ِط ِل ِإال أن تكون ِتجرة عن تراض ِّمنكم وال تقتلوا أنفسك ُمۥ ِإ َن َلَ۬ا كان ِبكم ر ِحيما " ،1كما
قال عليه الصالة والسالم " املسلمون على شروطهم إال شرطا حرم حالال أو أحل حراما " .2
إن الفقه اإلسالمي أطلق لإلرادة الحرية في مجال تكوين العقد وهذا املبدأ أساسه من القرآن
الكريم والسنة النبوية وال وجود لإلكراه العقدي في ظل الفقه اإلسالمي ،و ما يؤكد لنا هذه الحرية
الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء ،الذي يرى بأن الشرع اإلسالمي أقر للمتعاقد الحرية في إنشاء عقود
جديدة لتضاف إلى فئة العقود املسماة املتعارف عليها مما يعني أن العقود في الشرع اإلسالمي ال تنحصر في
فئة معينة من العقود بل يمكن أن تتجاوزها ،بأن يصبح محال للعقد كل ما اتجهت اليه ارادة املتعاقدين
طاملا خضعت هذه اإلرادة للقواعد والشروط التي تحكم العقود.
فحرية التعاقد من منظور الفقه اإلسالمي هو أن الرضائية أو تراض ي األطراف وتوافق إرادتيهما
كاف إلنشاء العقد ،دون التقيد بشكلية معينة ما عدا بعض الحاالت االستثنائية التي سيتم التطرق لها
3
الحقا.
تأكيد على مبدأ الرضائية في العقود يرى ابن تيمية أن األصل في العقود رضا املتعاقدين ،بما
ُ ٌ ُ َ
أوجباه على أنفسهما بالتعاقد لقوله تعالىِ " :إال أن تكون ِتجرة عن تراض ِّمنكم " ،وقوله تعالى " ف ِإن ِطبن
وه ه ِنيـا َم ِريـا " 4وفي ذلك يرى ابن تيمية أنه في التبرعات علق الحكم بطيبل ُكم عن شےء ّمن ُه نفسا ف ُك ُل ُ
ِ
النفس وفي املعاوضات علق الحكم بالتراض ي أي الرضا من الجانبين ألن كل من املتعاوضين يطلب ما عند
اآلخر و يرض ى به بخالف املتبرع فإنه لم يبذل أي ش يء يرض ى به ولكن قد تسمح له نفسه بالبذل وهو
طيب النفس .5
فالشريعة اإلسالمية منظومة حياتيه شاملة ومتطورة ،ال ينحصر تنظيمها في محض العالقات
القانونية الفردية فحسب وانما هي منظومة فكرية شاملة تنظم عالقة الفرد بربه وبنفسه وبغيره من
األفراد ،فضال عن عالقته بجماعته السياسية العامة والجماعات التي ينتمي إليها ،فاإلرادة في الشرع
أقر فقهاء الشريعة االسالمية ومنهم ابن تيمية وابن القيم رحمهما هللا أن ارادة االنسان مطلقة في
انشاء العقود والشروط ،ولألفراد الحرية الواسعة في ذلك ،فاألصل هو الجواز و الصحة ،فال يحرم وال
يبطل اال ما جاء الدليل على تحريمه وابطاله بالنص في القرآن والسنة أو االجماع و القياس.2
إن األصل في العقود في الشريعة االسالمية هو حرية التراض ي ،اال أنها تخضع للقيود التي وضعها
الشارع ،وهما ما حرمه هللا سبحانه وتعالى وثانيهما ما فيه اعتداء على حقوق الناس املكتسبة شرعا و لقد
نتج عن القيد الذي مفاده منع االعتداء على حقوق الغير عناية الشريعة اإلسالمية على وجه الدوام
بتحقيق العدل بين املتعاقدين وذلك عن طريق تحقيق املساواة بينهم وهذه املساواة مرتبطة بحسن النية،
3وقد رتبت الشريعة آثارا لحماية الطرف الذي لم يتمتع بهذه املساواة الى جانب العقوبة الدينية وكما
سبق التطرق له فإن العقود في الفقه اإلسالمي تحتاج إلى اإلرادة إلبرامها وملا كانت اإلرادة من األمور
النفسية الباطنية التي يصعب االطالع عليها فإنه ّ
البد من إخراجها واظهارها ،ألن اإلرادة ال يمكن أن تنش ئ
العقد ما لم تظهر في شكل قول أو فعل 4 ،فاإلرادة هي الركن األساس ي في تكوين العقود وهي ذات وجهين:
إن األصل أن تكون اإلرادة الظاهرة موافقة ومعبرة عن اإلرادة الباطنة وفي هذه الحالة ال تثار أي
مشكلة ،لكن اإلشكال يثار عندما تكون اإلرادة الظاهرة مخالفة لإلرادة الباطنة ،فهل نأخذ باإلرادة
الظاهرة ألننا ال يمكن أن نتعرف على اإلرادة الباطنة؟ أم نأخذ باإلرادة الباطنة ألنها هي ما يرتضيه
صاحبها؟ .5
وفي هذه املسألة ظهر اتجاهان في الفقه اإلسالمي ،أما االتجاه األول فيميل أصحابه الى التقيد
باإلرادة الظاهرة ،أي بالعبارة دون األخذ باإلرادة الباطنة ملا كانت هذه العبارة واضحة في التعبير عن هذه
وأما االتجاه الثاني وهو لجمهور الفقهاء من املالكية ،والحنابلة ،فيميل صاحبه إلى االعتداد
باإلرادة الباطنة ويذهبون الى بطالن العقود الظاهرة إذا كانت ال تتوافق مع اإلرادة الباطنة ،ومنه يمكن
القول أن اإلرادة في الفقه اإلسالمي كافية إلنشاء العقد بمجرد تالقي إرادة العاقدين ،شريطة أال يتناقض
هذا االتفاق مع األصل من أصول الشريعة أو قاعدة من قواعدها أو مصلحة من املصالح املعتبرة فيها في
الفقه اإلسالمي .2
بعد االزدهار الذي شهده مبدأ سلطان اإلرادة خالل القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر،
فإنه ومع بداية القرن العشرين بدأ هذا املبدأ في التراجع ،فتالش ى بريقه شيئا فشيئا متأثرا بعوامل
وسعت من نطاق العالقات العقدية ،فتأسست الشركات الضخمة و ظهر اختالل اقتصادية واجتماعيةّ ،
التوازن بين األطراف املتعاقدة واضحا ،سواء من الناحية االقتصادية أو الناحية املعرفية ،كل هذا ّأدى
الى انتشار روح االشتراكية وقيامها في وجه املذاهب الفردية القائمة على األنظمة الليبرالية ،األمر الذي
جعل من مبدأ سلطان اإلرادة يتراجع بسبب النقائص التي أظهرها خصومه ،3حيث وصلوا إلى تفنيد
النتائج التي جاء بها مبدأ سلطان اإلرادة وهذا ما سنوضحه تباعا:
من بين املبادئ التي نشأ عليها مبدأ سلطان اإلرادة هي مبادئ القانون الطبيعي ،الذي يعني أن
لإلنسان حرية وحقوق شخصية سابقة لوجوده ،أقرها له القانون الطبيعي وهي تعلو على القوانين
الوضعية ،هذه الحقوق والحريات هي أساس تنظيم املجتمع ،ومن ثم فال يجوز تقييدها ألنها حق مقدس،
والعقد أساسه هذه الحرية ،والقانون يكون نتيجة لهذه الحرية.
كما أن القول بوجود حقوق شخصية للفرد سابقة على وجود املجتمع ومصدرها الوحيد إراداته
الحرة هي فكرة ميتافيزيقية ،فال وجود للحقوق الشخصية التي تنشئها اإلرادة طاملا أن اإلنسان يولد في
املجتمع ويستمد شخصيته من الضمير االجتماعي باعتبار أن كل فرد في املجتمع يناط له مهمة معينة
2
وإرادته هي وسيلة لتحقيق ذلك انطالقا من ضرورة االعتماد االجتماعي املتبادل.
إن حرية اإلرادة ال تصلح أن تكون أساسا للعقد وال أساسا للقانون فلو كان العقد يقوم على إرادة
املتعاقدين و أراد من التزم باألمس أال يلتزم اليوم ،فأي االرادتين يحترم؟ ال شك أن أنصار مذهب سلطان
اإلرادة يقولون باحترام اإلرادة السابقة ولكن منطق سلطان اإلرادة يقض ي أيضا بأن اإلرادة الالحقة تنسخ
اإلرادة السابقة ؟ فالواقع أن أساس العقد ليس اإلرادة ،بل أساسه العدالة واملصلحة العامة ،أما حرية
3
الفرد فال يفسح لها املجال إال بقدر ما تتفق مع املصلحة العامة.
تم توجيه النقد لهذه النظرية حيث يرى الدكتور عبد السيد تناغو أن القول بمبدأ سلطان اإلرادة
يتنافى تماما مع املعنى الحقيقي لنظرية العقد االجتماعي ،فمصدر العقد االجتماعي إنما هو القانون
الطبيعي وليس إرادة االفراد ،وأن نظرية العقد االجتماعي ال تهدف إلى إطالق حرية اإلرادة ،بل هي على
العكس من ذلك تخضع لحكم العقل والعدل ومبادئ القانون الطبيعي وليس العكس.
فاإلرادة هي وسيلة لتحقيق هدف معين تترتب عليه آثار قانونية ،فلو تم التسليم أن اإلرادة هي
مصدر االلتزام ،فينبغي أن يقترن هذا االلتزام باإلرادة التي أنشأته ،فإذا التزام شخص في املاض ي ثم بعد
ذلك نشأت لدى املتعاقد إرادة أخرى تخالف اإلرادة األولى التي التزم بها ،فهنا يتدخل القانون ليجبر
الشخص على تنفيذ التعهد السابق الذي أنشأه في املاض ي ،بناءا على إراداته السابقة وعليه فإن القول
بأن اإلرادة هي أساس العقد وهي التي تحقق مصلحة صاحبها يؤدي الى هدم ما ثم بناؤه في السابق ،بحجة
احترام اإلرادة ولذلك يجب القول بأن مصدر االلتزام هو ش يء آخر غير اإلرادة ،أال وهو القانون ومن خالل
إن الفقه الحديث يسلم بدور اإلرادة في نشأة العقد وتحديد محتواه ولكن يجيز في الوقت نفسه
للمشرع والقاض ي أن يتدخال في تحديد مضمون العقد وفي هذه املسألة يقول الفقيه الفرنس ي رووت
Rouhetteأن العقد " :ليس باتفاق إرادتين ...القوة امللزمة للعقد لم تؤسس عند واضعي القانون
على احترام اإلرادة ولكن على الضرورة االجتماعية الستقرار التعهدات التعاقدية ....وإعماال بسنة
التطورالحاصل في العالم منذ ،1804فقد اندثرت الفردانية ولم تعد اإلرادة ملزمة إال أنها تحت سلطة
2
القانون ".
كانت الحرية التعاقدية في القرن التاسع عشر األساس الذي يقوم عليه املذهب الفردي ،إذ
جعلت للعقد القدرة على خلق العدالة الذاتية و التي ال يمكن أن تكون خارج العالقة التعاقدية،
فالشخص وفقا ملبدأ سلطان اإلرادة الذي يقوم عليه املذهب الفردي مادام أن لديه الحرية في تكوين
العقد وتحديد آثاره وهو يتمتع باملساواة مع شريكه ويسعى من خالل ذلك إلى تحقيق مصلحته وبالتالي
تتجه ارادته الى تحقيق العدالة للعالقة العقدية .3
إن النظرية التقليدية للعقد تقوم على أساس املساواة املجردة ،دون األخذ باملساواة الفعلية
واألخذ بالعدالة التبادلية دون ألخذ بالعدالة التوزيعية ،حيث أن إرادة الشخص في الكثير من األحيان
تحدث اختالل في التوازن بين األطراف املتعاقدة ،األمر الذي ال يمكن معه القول بالعدالة املجردة .4
إن األخذ بمبدأ مالزمة العدالة للعقد أصبح غير معقول في هذا العصر الذي تجمعت فيه الثروة
في يد القلة من أفراد املجتمع في الدولة ونشأت الشركات الضخمة واتحادات املنتجين ،مما أدى إلى اختالل
التوازن الواضح في العالقة التعاقدية إذ ظهرت فكرة الطرق الضعيف في العالقة العقدية ،فكثيرا ما يتم
استغالل املستخدمين للعمال وفرض شروطهم عليهم ،فيقبلها العامل بدافع الحاجة دون أن تكون لديه
كما سبق وأن رأينا فإن مبدأ سلطان اإلرادة قام على مبدأ الحرية التعاقدية وتقديس حرية الفرد
ّ
وجعلها حقا مالزما للشخصية ،كما أنه قام على أسس اقتصادية ،عن طريق تشجع املبادرة الفردية وإزالة
كل القيود التي تعيق املبادالت التجارية ولقد برر أيضا هذا املبدأ أن املبادالت التجارية تقوم على أساس
الحرية التعاقدية التي تعكس املساواة املفترضة وهي مساواة املتعاقدين في تحديد مضمون العقد
والدخول في العالقة العقدية واختيار املتعاقد معه وهي املبادئ التي تضمنها اإلعالن العالمي لحقوق
االنسان سنة ،1789في املواد من 1الى ، 6كما أن املشرع الفرنس ي تأثر بتقديس الحريةّ ،
فأقر حرية
التجارة والصناعة في القانون الصادر في 2و 17مارس 1791و في الدستور الفرنس ي لسنة 2 1791وتظهر
3
بوادر الحرية التعاقدية في نص املادة 1134من القانون املدني الصادر سنة .1804
إن هذه املبادئ تعكس الليبرالية االقتصادية ،فاإلرادة تفرض سلطانها على املتعاقدين وتقتض ي
إزالة ما يعيق املعامالت االقتصادية واالجتماعية بين األفراد تحقيقا للمنفعة واملصلحة العامة والعدالة
االجتماعية وبالرجوع الى التجربة الجزائرية فإن املادة 106من القانون املدني 4في ظل دستور 1963ـ تبنت
الجزائر قواعد النظام االشتراكي 5وبقى األمر 58 -75املتعلق بالقانون املدني ساري املفعول في ظل دستور
،1976الذي تبني أيضا أفكار االقتصاد االشتراكي ،رغم أنه أظهر بعض بوادر االقتصاد الليبرالي ،فهنا
يظهر التعارض ألن النظام االشتراكي يعني توجيه الدولة لالقتصاد لتحقيق التنمية االقتصادية ،في حين
أن نص املادة 106من القانون املدني تعد األساس القانوني ملبدأ لحرية التعاقدية ،فما هو القانون
الواجب التطبيق اذا تعارضت املادة 106من القانون املدني التي تكرس الحرية التعاقدية مع نص خاص
جاء تطبيقا ملبادئ النظام االشتراكي وبالرجوع إلى نص املادة 2من القانون املدني في فقرتها 2التي تنص":
فاملادة 2من القانون املدني تحل إشكالية تعارض نص خاص مع نص املادة ،106التي تعتبر مبدأ
عام في العقد ،أما الحكم الخاص فيظل نافذا باعتباره يمثل استثناء واردا على القاعدة العامة التي يضعها
1
القانون املدني في نص املادة 106منه.
جاءت األفكار الليبرالية مشبعة بروح الفردية وتقديس الحرية في ظل سيادة املذهب الفردي،
الذي يرى أنصاره أنه البد من استقالل حرية الفرد وإرادته وتسيير هذه اإلرادة لكل ما في الحياة من نظم
اقتصادية 2واجتماعية وأنه لو ترك الناس أحرارا في نشاطهم االقتصادي وفتحت املنافسة بينهم ،ما تلبث
األمور أن تستقر ،فاألسعار تتحدد عن طريق العرض والطلب وليس من طرف املشرع.3
غير أن هذا التصور املثالي يكذبه الواقع ،فعدم املساواة في القوة االقتصادية أو املراكز
االجتماعية يؤدي حتما الى عدم التوازن العقدي ،كما أن القول بأن الحرية العقدية تحقق التوازن
االقتصادي عن طريق العرض والطلب هو كالم غير صحيح ،ألن الفرد يميل الى تحقيق مصلحته
الشخصية حتى ولو كان ذلك يتعارض مع املصلحة العامة للمجتمع ،مما يفقد العقد وظيفته االجتماعية
.4
إن املبادئ التي قام عليها املذهب الفردي جسدت مبدأ سلطان اإلرادة وتقديس حرية الفرد ولكن
سرعان ما أثبتت الظروف االقتصادية هشاشها نظرا الختالل التوازن بين القوى االقتصادية ،كل ذلك
ّ
مهد النتشار املذاهب االشتراكية ،بعدما وجه أنصارها النقد الالذع للمذهب الفردي ،الذي دافع عن مبدأ
سلطان اإلرادة في مفهومه الكالسيكي ،5فاملذاهب االشتراكية أقامها املذهب االجتماعي وهو ما سنتناوله
في املطلب الثاني.
-1علي فياللي ،النظرية العامة للعقد ،االلتزامات ،املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية ،الجزائر ،ط الثالثة ،سنة ،2010ص .215
-2يقوم املذهب االقتصادي على عبارتين مشهورين جعلت عنوانا له وهي دع األمور تجري ( ،) laissez faireودع األشياء تنتقل ( laissez
) passerويراد بذلك إطالق الحرية في العمل وجعل التجارة حرة من القيود الجمركية ،يراجع عبد الرزاق احمد السنهوري ،نظرية العقد، ...
الجزء ،1املرجع السابق ،ص 96الهامش رقم .4
-3املرجع نفسه ،ص .97
-4ياسين سعدون ،املرجع السابق ،ص .197
-5عبد الرزاق احمد السنهوري ،الوسيط في شرح ،....املرجع سابق ،ص .158
- 28 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
إن العوامل االقتصادية والسياسية التي أدت الى ازدهار مبدأ سلطان اإلرادة أخذت تنكمش شيئا
فشيئا ،تحت تأثير التحوالت االقتصادية والسياسية واالجتماعية ،فاختالل التوازن بين القوى
االقتصادية في التعاقد أدى الى ضرورة تحقيق املساواة الحقيقية وتجاوز املساواة املجردة التي هي من
أفكار املذهب الفردي ،كما أن مصلحة الجماعة أولى من مصلحة الفرد ولقد أسس لهذه املبادئ واألسس
مفكرين من رواد املذهب االشتراكي الذين يجسدون املذهب االجتماعي وهو ما نتناوله في (الفرع األول)،
بينما نخصص (الفرع الثاني) للتطرق إلى الحد من سلطان اإلرادة.
إن العوامل االقتصادية التي أدت الى ازدهار مبدأ سلطان اإلرادة في القرن الثامن عشر تطورت في
القرن العشرين وهي نفسها التي أدت الى تراجع هذا املبدأ ،فيكون بذلك مبدأ سلطان اإلرادة قد ازدهر
متأثرا بعوامل اقتصادية وانتكس بفعل العوامل ذاتها ،1فانتشار الشركات الكبرى كما سبق اإلشارة اليه،
أدت إلى اختالل التوازن بين صاحب رؤوس األموال الضخمة والعامل البسيط في العالقات العقدية ،مما
أحدث اختالل التوازن في العقد وهو ما أدى إلى انتشار روح االشتراكية 2وقيامها في وجه املذاهب الفردية
التي تعترف باملساواة املجردة النظرية دون النظر الى املساواة الحقيقية في العالقة العقدية.
إن تراجع مبدأ سلطان اإلرادة في ظل تغير البيئة العقدية أدى الى ظهور تيارات مناهضة للمذهب
الفردي فلقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر مولد املذاهب االجتماعية ،حيث ظهرت فكرة
"االشتراكية " في الجوانب االقتصادية وحمل لواءها اثنان من كبار املفكرين األملان ،هما كارل ماركس
( 3)Karl Marxوفرديك انجلز ( )Friedrich Engelsولقد أدى ذلك إلى ظهور فكرة النظام العام كقيد
على املذهب الفردي الذي يجسد النزعة الشخصية في العقد وجاءت مفاهيم جديدة لفكرة النظام العام
التي ال تقتصر على الجانب السلبي الرقابي ،الذي يقيد الحرية التعاقدية ،بل تجاوزته إلى التدخل اإليجابي
-1عبد الرزاق ،أحمد السنهوري ،نظرية العقد ،...املرجع السابق ،ص .102
-2إن االشتراكية املاركسية هي إيديولوجية إقصائية ،تهدف للقضاء على البرجوازية ،وعلى قاعدة قوتها املتمثلة في امللكية الخاصة لوسائل
إلنتاج وحرية السوق ،يراجع في هذا الخصوص محمد مدان" ،االشتراكية الجزائرية بين النظرية والواقع االجتماعي" ،أنثروبولوجيا املجتمع
الجزائري ،املحور الثالث ،بدون سنة ص .166
-3ماركس وانجلز أصدرا معا اإلعالن العام للحزب الشيوعي في أملانيا عام 1848ويعتبران مصلحان اجتماعيان ،وقد تأثرا بالظروف السيئة
للطبقة العاملة في املجتمع األوروبي الذي عاشا فيه ،وذلك في املراحل األولى لتطور النظام الرأسمالي الفردي ،وقد كانا من رجال االقتصاد
على نحو يفوق انتماءهما لعلم القانون ،مع ذلك فإن ماركس قام بدراسات عديدة بكلية الحقوق ببرلين ويبدوا أن كراهيته ونفوره من رجال
القانون يعزى لكونه مصلحا اجتماعيا في مواجهة أنصار النظام السائد ،كما كان فيلسوفا وتأثر بتعاليم هيجل ،واستوحى منها العديد من
أفكاره في مجال القانون ،يراجع على فيصل علي الصديقي ،املرجع السابق ،ص 70الهامش .2
- 29 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
في تحديد مضمون العقد ،لتبرز فكرة العقود املوجهة واملفروضة األمر الذي أدى إلى التراجع الحاد للنزعة
الشخصية التي يجسدها املذهب الفردي .1
-1عجزسلطان اإلرادة على احتواء الظواهرالعقدية املستحدثة
إن انتكاس مبدأ سلطان اإلرادة تحت تأثير تطور النظم االقتصادية جعل من خصوم املبدأ
يمعنون في نقده ،2مما جعل البعض ينكر دور اإلرادة في العقد الى حد القول بأن العقد يمر فيما عرف
بأزمة العقد ( ، )Crise de contratأي التشكيك في فاعلية اإلرادة على انشاء العقد وتحديد مضمونه
وراح الفقه يتحدث عن فقر الشريعة العامة وشيخوختها وعن العقد غير املستقر وعن مبادئ جديدة
سنتناولها في الفصل الثاني بحول هللا ،مثل األخوة العقدية والتوازن العقدي ،التناسبية ،التضامن ومبدأ
3
العدل واملنفعة.
-2العدالة أساس نظرية االلتزام
بعد األزمة التي أصابت العقد تراجع مبدأ سلطان اإلرادة وتالش ى بريقه في الوقت الذي ساد فيه
املذهب االجتماعي ،بأبعاده الفلسفية املبنية على الجانب االقتصادي واالجتماعي للعالقة العقدية وليس
على إرادة أطرافها فقط ولقد ساد في الفقه الفرنس ي جدل كبير حول مبدأ القوة امللزمة للعقد التي هي من
نتائج مبدأ سلطان اإلرادة ،الذي يمجد ويقدس الحرية العقدية وظهر في ذلك اتجاهان:
أ -االتجاه الراد يكالي:
يرتكز على االقصاء الكلي ملبدأ القوة امللزمة للعقد ويتجاهل وجوده ،كما هو الحال بالنسبة
للفقيه الفرنس ي ( rouhetteرووت) الذي قال " :إن العقد ليس باتفاق ارادتين ...القوة امللزمة للعقد
لم تؤسس عند محرري التقنين املدني على احترام اإلرادة ولكن على الضرورة االجتماعية الستقرار
التعهدات التعاقدية ،...وإعماال بنسبة التطور الحاصل في العالم منذ 1804فقد اندثرت الفردانية،
ولم تعد اإلرادة ملزمة إال أنها تحت سلطة القانون .4 "...
ب -االتجاه الثاني:
إن املفهوم التقليدي للحرية العقدية يجد أساسه في مبدأ سلطان اإلرادة الذي يتزعمه املذهب
الفردي والذي يعني أن العقد شريعة املتعاقدين فال يجوز تعديل الحقوق وااللتزامات التي اتفق عليها
املتعاقدين بالزيارة أو النقصان إال باتفاق الطرفين وهذا املبدأ سانده الفقه بقوله أن العدالة تتجسد
فيما يتفق عليه املتعاقدون ،كما أن هذا املبدأ يحقق استقرار املعامالت.
غير أن هذه التطورات االقتصادية الحديثة التي بدأت على إثر الثورة الصناعية كشفت وبوضوح
عن التفاوت بين ما جاء به مبدأ سلطان اإلرادة وبين العدالة الحقيقية التي يشعر بها كل فرد خاصة وأن
العمل بهذا املبدأ قد ألحق أضرارا بجماعة املستهلكين والعمال ،األمر الذي دفع املشرع إلى التدخل بسن
قوانين استثنائية تعالج حاالت خاصة ،ثم تخلى عن هذه الصبغة االستثنائية وأصبح تدخله بموجب
2
قواعد عامة في املجموعات املدنية في اغلب الدول.
إن اإلرادة الحرة لوحدها وفقا للمذهب االجتماعي غير قادرة على توليد أثار قانونية في العالم
الخارجي وإنما يقتصر دورها على احترام ما يضعه القانون من قواعد موضوعية لتحقيق التوازن ما بين
اإلرادة الحرة وقواعد العدالة التي تخدم املصلحة العامة للمجتمع 3ولذلك أصبح تدخل املشرع في تنظيم
العقود له ما يبرره وأصبحت العقود خاضعة للنظام العام العقدي ومنه تستمد إلزاميتها وبما أننا
سنتناول النظام العام العقدي في املبحث الثاني ،فإننا نكتفي بالتطرق إلى التدخل التشريعي في العقود،
عن طريق التنظيم عبر مرحلتين ،مرحلة تكوين العقد ،ومرحلة تنفيذ العقد ،وذلك عن طريق العقود
املوجهة ،كل هذا دفع ببعض الفقهاء الى التنديد باألزمة التي لحقت العقد 4 ،وأن مبدأ الحرية العقدية
تراجع وأصبحت مفاهيمه مجرد حبر على ورق وهوما سنتناوله كما يلي:
يقتض ي مبدأ الرضائية أن العقد يتم بمجرد تطابق اإلرادتين ،1مهما كانت طريقة التعبير عن
اإلرادة ،سواء كان التعبير عنها شفاهيا أو حركيا فالعبرة باالتفاق ال بالطريقة التي تم بها وفي هذا الشأن
قال الفقيه الفرنس ي لويزل " Loyselتربط الثيران من قرونها والرجال بأقوالها ".2
غير أن مبدأ الرضائية املنبثق عن مبدأ سلطان اإلرادة ما لبث أن بدأ يتراجع وبدأ املشرع يتدخل
ليلزم املتعاقدين بإفراغ التصرف القانوني في شكل معين ،أي أن الشكلية تصبح ركن في الحاالت
املنصوص عليها قانونا وال يقوم العقد من دونها وذلك العتبارات تتعلق باملصلحة العامة وكذا لتنبيه
3
املتعاقد إلى خطورة التصرف ولحماية الغير حسن النية.
من العقود التي يجب افراغها في الشكل القانوني الرسمي في القانون املدني الجزائري تحت طائلة
البطالن ،ما نصت عليه املادة 324مكر 1من القانون املدني " :زيادة على العقود التي تتضمن نقل ملكية
4
عقار أو حقوق عقارية أو محالت تجارية ...في شكل رسمي ".
من االجتهاد القضائي جاء في قرار املجلس األعلى املؤرخ في " :1982/12/18حيث اذا كان العقد
يبرم من حيث املبدأ بمجرد حصول اتفاق بين اإلرادتين ،فان األمر ليس كذلك عندما يشترط القانون و
لتراجع دور اإلرادة في انشاء العالقات العقدية وتنظيمها ومنهم املتفائل لكون العقد لم يضمحل وإنما تطور استجابة لظروف الحياة ،يراجع
على فياللي ،املرجع السابق ،ص .58الهامش رقم .1
-1تنص املادة 59من القانون املدني " :يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن ارادتيهما املتطابقين ،دون اإلخالل بالنصوص
القانونية ".
-2عبد القادر عالق ،املرجع السابق ،ص 59الهامش رقم .03
-3العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص .296
-4يراجع املادة 324مكرر 1من القانون املدني ،الذي سبقت اإلشارة اليه.
- 32 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
بصورة استثنائية توفر كل شكل من األشكال الرسمية ،حيث يصبح تدخل املوثق تحت طائلة البطالن
واجبا " .1
باإلضافة إلى اشتراط الشكلية في ابرام العقود 2فقد ظهر ما يسمى بالعقد املوجه ( contrat
)dirigéأو العقد اإلجباري ( )contrat composéوهو العقد الذي تملى معظم شروطه على األطراف
وبصفة آمرة وبالرجوع إلى املشرع فإنه قد نص على إلزامية التأمين على السيارات ،3فهنا املتعاقد مجبر
على التعاقد ولكنه حر في اختيار املتعاقد األخر ومثاله أيضا إلزام أرباب العمل بالتأمين ضد حوادث
العمل .4
ّإن التنظيم القانوني للعقود أخرج العقد من املفهوم التقليدي الذي يمجد اإلرادة الحرة في تكوين
العقد وتحديد آثاره وظهر ما يسمى بالعقد املوضوعي الذي ليس من صنع إرادة األفراد وإنما تغير في
5
مفهومه وأخذ يخضع ملقتضيات النظام العام.
إن تدخل املشرع في تنظيم العقود تحث تأثير املذهب االجتماعي واألفكار االشتراكية ما هو إال
خدمة للصالح العام وإقامة التوازن العقدي بين األطراف املتعاقدة ،بعدما أظهر التفوق االقتصادي
التفاوت بين املراكز القانونية املتعاقدة ،فأصبح تدخل الدولة في العالقة العقدية في مرحلة تكوينها ما هو
إال حد وتضييق من الحرية العقدية التي نادى بها أنصار املذهب الفردي ،في ظل سيادة مبدأ سلطان
اإلرادة على مر حقبة من الزمن والذي كان البد أن يتراجع ويختفي بريقه مع تطور الحياة االقتصادية،
فكل تطور اقتصادي واجتماعي البد أن يتبعه تطور قانوني والدولة في تنظيمها للعالقات العقدية إنما
تهدف إلى إقامة العدالة العقدية ،بدال من املساواة املجردة وتهدف إلى حماية الصالح العام وكل ذلك انما
تقوم به عن طريق آليات النظام العام .
-1قرار املحكمة العليا ،غ م ،ملف رقم ،25699ن ق ،ع خ ،سنة ،1982ص ،171نقال عن علي فياللي ،املرجع السابق ،ص ،77الهامش
رقم .01
-2هناك ما يسمى بالشكلية غير املباشرة أو شكلية التوجيه وهي تهدف إلى تحقيق أغراض مختلفة كاشتراط الرخص اإلدارية ،أو وجوب
القيام ببعض إلجراءات القانونية في بعض التصرفات املختلفة كاشتراط الرخص اإلدارية او وجوب القيام ببعض اإلجراءات القانونية في
بعض التصرفات قبل أو بعد إبرام العقد ،"....يراجع في هذا الخصوص العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص .272
-3بموجب األمر 07-95املتعلق بالتأمينات املؤرخ في 25جانفي ( 1995ج ر ،الصادرة في 25جانفي ،1995عدد ،13ص ،)06املعدل واملتمم.
-4آسيا مندي ،النظام العام والعقود ،مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق ،فرع العقود واملسؤولية ،جامعة يوسف
بن خدة ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية ،2009 -2008 :ص .34
-5حسين عبد هللا الكالبي ،املرجع السابق ،ص .64
- 33 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
لم يقتصر تدخل الدولة في الحياة االقتصادية عن طريق تنظيم العقود في مرحلة اإلبرام بل
أصبح تدخل املشرع في العقود يمتد الى مرحلة التنفيذ وهذا بعدما تطورت وظيفة الدولة بحيث أصبحت
تتدخل في امليدان االقتصادي وتتحكم في تسييره وتوجيهه لحماية الطرف الضعيف اجتماعيا واقتصاديا و
ثقافيا من جهة أخرى ،وأدى ذلك إلى تطور الفقه والقانون املقارن للعقود فبرزت أفكار ومبادئ جديدة
جاءت لتجدد وتكيف قاعدة العقد شريعة املتعاقدين ،1بحيث لم يعد العقد الحديث موجها في نشأته
فحسب بل كذلك في تنفيذه ،فاألصل أن الشروط املتفق عليها بين املتعاقدين تكون ملزمة لهم ولكن في
كثير من األحيان يتدخل املشرع مباشرة أو عن طريق القاض ي باسم الضرورات االجتماعية لكي يعيد
تنظيم آثار العقود التي قد أبرمت من قبل.
إن تدخل الدولة في تنظيم العقود وتحديد آثارها يهدف إلى تحقيق املنفعة االجتماعية والعدالة
العقدية ويرمي إلى حماية فئة خاصة من األشخاص على الرغم من وصف عالقاتهم العقدية ،لذلك فإن
التفسير املوضوعي للعقد يستند الى معايير العدالة واملنفعة ،كما أن العادل واملفيد يلعب دورا هاما في
مدة العقد ،بحيث يمكن إعادة النظر في العقد لعدم التوقع وهذا السعي يبرر حماية فئة خاصة وهي
الطرف الضعيف .2
إن الفقه الحديث يجيز للمشرع والقاض ي أن يتدخال في تحديد مضمون العقد وفي ذلك يقول
الفقيه الفرنس ي ( Rouhetteرووت) ":أن العقد ال يقوم على مبدأ سلطان االرادة وانما تتمثل القوة امللزمة
للعقد في احترام الضرورات االجتماعية واملصلحة العامة ،على اعتبار أن العالم في تطور وبما أن القاعدة
القانونية هي قاعدة السلوك فال بد أن تواكب هذا التطور.3" .
إن التوازن بين الحرية العقدية والنزعة املوضوعية للعقد مكرس في النصوص القانونية املنظمة
ملسالة تحديد مضمون العقد بشكل واضح وذلك بموجب نص املادة 1135من القانون املدني الفرنس ي
قبل التعديل التي تنص " :تلزم االتفاقيات ليس فقط بما هو معبر عنه فيها بل أيضا بجميع النتائج التي
يقرها اإلنصاف أو العادة أو القانون لاللتزام بحسب طبيعته" ،4فاألصل أن العقد يحدد مضمونه ونطاقه
ويبين حدود االلتزامات التي يرتبها وإذا أغفل املتعاقدين بعض التفاصيل سهوا أو لكونها أمرا مألوفا بين
ومن الحاالت التي أجاز فيها املشرع للقاض ي التدخل من أجل تعديل العقد هي الحالة التي تطرأ
فيها ظروف استثنائية بعد ابرام العقد و تؤثر على التوازن االقتصادي للعقد وهو ما كرسه املشرع بموجب
املادة 107فقرة 03من القانون املدني الجزائري وكذلك ما يتعلق بعقود االذعان بموجب نص املادة 110
من املدني 1وهما حالتان على سبيل املثال أجاز فيهما املشرع للقاض ي التدخل من أجل مراجعة العقد على
خالف املبادئ العامة في أثر القوة امللزمة للعقد ،فبموجب املادة 110من القانون املدني للقاض ي السلطة
التقديرية في أن يقدر ما اذا كان الشرط تعسفيا أم ال ؟ واذا تبين له أن الشرط جائرا أو تعسفي فله أن
يلغيه كليا أو يعدله وذلك وفقا ملا تقض ي به مبادئ العدالة وهذا ما يمنح للقاض ي سلطة تقديرية واسعة
لحماية املستهلك من الشروط التعسفية وكذا التجاوزات التي قد تفرضها عليه الشركات االحتكارية من
جراء استغالل الوضعية االقتصادية املهيمنة 2وعلى هذا األساس فإن اإلرادة في القانون الجزائري تبقى
خاضعة ألحكام القانون وليست مطلقة ،بل إنها تبقى في خدمة املصالح االجتماعية واالقتصادية
للمجتمع ،بما يحقق التوازن العقدي حماية للطرف الضعيف في العالقة العقدية.
-1تقابلها املادة 149من ق م املصري واملادة 167ف 2من ق م العراقي واملادة 149من ق م الليبي واملادة 161ف 2من ق م التجاري
الكويتي. .
-2العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص .233 -232
- 35 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
املبحث الثاني :تطورمفهوم النظام العام بتطورالبيئة العقدية
إن فكرة النظام العام هي فكرة نسبية ومتغيرة من حيث الزمان واملكان وتختلف من حيث
املذاهب والنظريات ،فالنظام العام في املجتمع الليبرالي يختلف عن النظام العام في ظل املجتمع االشتراكي
وهذا ما جعل األستاذ فاري سومير varilles Sommiersيقول " :إن في محاولة تعريف النظام العام
اعناتا كبيرا " .1
لعل أدق تعبير عن مفهوم النظام العام هو ما عبر عنه األستاذ كربونيه حيث قال " :إن النظام
العام يعبر عن إرادة الحياة لدى الشعب ،تلك اإلرادة التي قد تهددها بعض املبادرات الفردية في إطار
العقود ،و إنه ذريعة حكومية تستطيع الدولة بواسطتها قمع االتفاقيات الخاصة التي تنال من
مصالحها األساسية " ،2فالنظام العام هو وسيلة في يد الدولة لتقييد سلطان اإلرادة ،بعدما أثبت الواقع
أنها لم تعد قادرة على حماية مصالحها وأنها قد تلجأ إلى إبرام عقد تحت ضغط الحاجة فقط دون أن
تكون اإلرادة حرة وهذا لم يظهر إال مع التحوالت االقتصادية على اثر الثورة الصناعية خالل القرن التاسع
عشر ،فكان البد أن يتغير مفهوم النظام العام ويتطور تبعا لتغير وتطور البيئة العقدية وكما يقول
جوسران " :أن القانون يتطورمع املجتمع" ،3ويمكن تصنيف النظام العام إلى شقين أحدهما سياس ي أو
تقليدي 4والثاني اقتصادي ،فالنظام العام السياس ي أو التقليدي ،يتمحور حول ثالث مسائل رئيسية وهي
الدولة و العائلة و واآلداب 5ويعمل على السهر على األمن العام ،أو الصحة العامة والسكينة العامة .6
إن النظام العام وبعد تراجع دور اإلرادة في املجال التعاقدي أصبح له مفهوم حديث وهو النظام
العام االقتصادي ،الذي توسع وازدهر بعدما ازداد تدخل الدولة في املجال االقتصادي واالجتماعي ويرمي
-1حسين عبد هللا الكالبي ،النظام العام العقدي ،دراسة مقارنة ،دار السنهوري ،بيروت لبنان ،الطبعة األولى ،سنة ،2016ص.10
-2حسين عبد هللا الكالبي ،املرجع السابق ،ص .10
-3فاطيمة نساخ ،الوظيفة االجتماعية للعقد ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة
الجامعية ،2014-2013 :ص ،154غير منشورة.
-4علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .285
-5يتضح من نصوص القانون املدني أن املشرع أشار في بعض املواد منها املادة 96، 24و 204إلى مصطلح " النظام العام واآلداب " بينما لم
يذكر في نصوص أخرى منها املادتين 344 ،161سوى " النظام العام" مما يجعل التساؤل يثور حول ما إذا كان املصطلحين وجهان لعملة
واحدة أم أنهما فكرتين مختلفين ،وهذا ما جعل الكثير الفقهاء يميز بين النظام العام من جهة وحسن اآلداب من جهة ثانية ،حيث تم دراستها
في فصلين مستقلين ويقول عبد الرزاق السنهوري في هذا الشأن " :القواعد القانونية التي تعتبر من النظام العام هي قواعد يقصد بها تحقيق
مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ،وتتعلق بنظام املجتمع األعلى وتعلو على مصلحة االفراد بينما اآلداب هي مجموعة من
القواعد وجد الناس أنفسهم ملزمين باتباعها طبقا لناموس أدبي يسود عالقاتهم االجتماعية " ،عدة عليان ،فكرة النظام العام وحرية
التعاقد في ضوء القانون الجزائري والفقه اإلسالمي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبو بكر بقايد - ،تلمسان ،-
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،2016 -2015 :ص .33
-6علي فياللي ،املرجع السابق ،ص 285الهامش رقم .01
- 36 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
تدخل الدولة في املجال االقتصادي إلى تنظيم العالقات االقتصادية من إنتاج وتوزيع وتبادل واستهالك
البضائع واملنتوجات وكذلك تنظيم العملة وتنظيم العرض والطلب وهو ما يكرس حرية املنافسة بالنسبة
للدول التي تنتهج االقتصاد املخطط .1
والنظام العام االقتصادي يتفرع عنه النظام العام التوجيهي وهو ما نتناوله في (املطلب األول)،
ونظام عام حمائي وهو الذي يوفر الحماية لألفراد من تعسف األقوياء في العالقات العقدية وسنتطرق له
في (املطلب الثاني).
املطلب األول :النظام العام االقتصادي التوجيهي
لم تكن فكرة النظام العام موسعه في ظل املذهب الفردي الذي قدس الحرية التعاقدية ويعتبر
نابليون 2أول من استعمل مفهوم النظام العام في القانون املدني الفرنس ي سنة ،1804في نطاق املادة 6
منه التي تنص " :كل اتفاق خاص مخالف للقوانين املتعلقة بالنظام العام واآلداب يكون باطال وال يعمل به
".
إال أن القوانين التي اعتبرت من النظام العام آنذاك كانت قليلة وبالتالي فال مجال لتدخل الدولة
في حياة األفراد إال في حدود ضيقة ،إال أنه ومع تطور الظروف االقتصادية واالجتماعية والسياسية وما
نتنج عنها من عجز وقصور في املفاهيم التقليدية للعقد ،حدث تطور وتحول في وظيفة الدولة التي انتقلت
من الدولة الحارسة الى الدولة املتدخلة ،التي تتدخل في العقود الخاصة لتوجيهها للمصلحة العامة تحقيقا
للتنمية االقتصادية 3وذلك باستعمال آلية النظام العام التوجيهي والذي سنتطرق ملاهيته في (الفرع
األول) و الجزاءات املترتبة على مخالفة قواعده في (الفرع الثاني).
-1يعتبر Josserandأول من تفطن لفكرة التوجيه التعاقدي ،من خالل مقالة املشهور " العقد املوجه " ،وتبعته مقاالت أخرى في سنة 1937
وأيضا سنة 1940والذي أشار في مجملها أن توجيه العقد هو غاية ووسيلة في نفس الوقت يستخدمها املشرع بصورة أساسية لبلوغ بعض
األهداف منها حماية املتعاقد الضعيف وتوجيه العقد لخدمة سياسية االقتصاد املوجه من جهة أخرى وذلك باستخدام القواعد اآلمرة
وتقييد املبادئ التي كان يقوم عليها مبدأ سلطان اإلرادة ،يراجع في هذا الخصوص أحمد بعجي ،تأثير التوجيه التشريعي على النظرية العامة
للعقد ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ،تخصص القانون املدني وقانون التأمين ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة الجامعية-2018 :
، 2019ص .2
-2آسيا مندي ،املرجع السابق ،ص .8
-3منال بوروح " ،مصادر النظام العام لحماية الطرق الضعيف" ،املجلة األكاديمية للبحوث القانونية والسياسية ،العدد الثاني،
ص .291
-4يعتبر القانون 12-89املتعلق باألسعار امللغى ،واملؤرخ في ( ،1989/07/5ج ر ،الصادرة في ،1989 /07/19العدد ،29ص ،)757هو خير
مثال على تدخل الدولة لتوجيه االقتصاد والذي حرر األسعار بعدما تخلت الدولة عن االشتراكية واعتنقت اقتصاد السوق ،يراجع علي
فياللي ،املرجع السابق ،ص 292الهامش رقم .01
- 38 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
االقتصادية واالجتماعية للبالد 1والنظام العام التوجيهي يحتوي على القواعد اآلمرة التي تمنع األفراد من
القيام ببعض التصرفات ،مثله مثل النظام العام التقليدي وله في نفس الوقت مفهوم إيجابي والذي
يحمل األفراد على املشاركة في الحياة االقتصادية واالجتماعية ويكون ذلك عن طريق تحديد مضمون
العقد و هذا ما يطلق عليه بالعقود املفروضة واملوجهة وأخرى محظورة ومراقبة .2
ففي النظام العام املوجه تقوم الدولة بتسقيف األسعار عن طريق تحديد الثمن و يكون اقتناء
السلع بكميات محدودة دون أن تأخذ بعين االعتبار حرية األفراد أي إرادة كل من البائع واملشتري في تحديد
كمية السلع والثمن وللبائع الحرية في أن يبيع بأقل من السعر األقص ى املحدد ،كما للمشتري أن يطلب
أقل من الكمية املحددة للسلع التي يمكن أن يطلبها ،فالثمن في النظام العام التوجيهي ال يخضع إلرادة
األفراد ،بل للقيمة االجتماعية التي تحددها السلطة العامة ،ألن الدولة تغلب املصلحة العامة على
مصلحة ألفراد وأبرز مثال يقدمه التشريع املعاصر على النظام العام املوجه هو تحديد األسعار .3
ثانيا :خصائص النظام العام االقتصادي التوجيهي
سبق وأن ذكرنا سابقا أن النظام العام التوجيهي يتضمن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم
وتوجه االقتصاد الوطني وبذلك فإنه يهدف الى تغليب املصلحة الخاصة وقواعده تتميز باملرونة والتغيير
وتختلف في ظل النظام االشتراكي عن نظام اقتصاد السوق ولذلك فإنه يشتمل على الخصائص التالية:
-1النظام العام التوجيهي يهدف الى تحقيق املصلحة العامة:
إن كل من نظام العام السياس ي والنظام العام التوجيهي يهدفان إلى تحقيق املصلحة العامة وهذا
ما يجعل من التمييز بينهما أمرا صعبا ويمكننا أن نقول أن النظام العام التوجيهي يهدف الى تحقيق
املنفعة العامة ،كتنظيم التبادالت أو النقد الوطني وكذا التجارة الخارجية واالستثمار واإلنتاج والتسويق
4
وتحضير مخططات التنمية االقتصادية واالجتماعية للدولة.
وبذلك فإن العقد املخالف لسياسية الدولة االقتصادية يكون مخالفا للمصلحة العامة وبالتالي
يترتب عليه البطالن املطلق ،حيث يحق لكل ذي مصلحة أن يطالب بهذا البطالن ألن املصلحة العليا
للدولة معرضة للخطر ،فالقواعد التي تحكم النظام العام للتوجيهي قواعد آمرة ال يجوز مخالفتها.
-1إن فكرة النظام العام مكرسة في جميع فروع القانون بقسميه العام والخاص ،ففي القانون العام فإن املسائل التي تدخل في املجال
التقليدي للنظام العام تشمل األمن العام والصحة العامة والسكينة العامة ،أما في مجال القانون الخاص الذي هو موضوع دراستنا فهو
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم املصالح األساسية والعليا في شكل قواعد آمرة وناهية يمنع على األفراد االتفاق على مخالفتها في الحال،
كونها تهم مصلحة املجتمع مباشرة أكثر ما تهم األفراد مما يجعل من النظام العام قيدا على الحرية التعاقدية ،منال بوروح " مصادر النظام
العام ،...املرجع السابق ،ص .288
-2آسيا مندي ،املرجع السابق ،ص .10
-3املادة 102من القانون املدني الذي سبقت االشارة اليه.
- 41 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
هذا الحق وفي هذا الخصوص يرى farjatأن كل من الفقه والقضاء في فرنسا قد استقرا على أن التنازل
1
مقدما عند ابرام العقد غير املحدد املدة عن الحق في طلب الغائه والتحلل منه باطل ال قيمة له".
لذلك فقد أبطلت محكمة استئناف باريس شرطا في عقد تأسيس شركة غير محدد املدة الذي
يفرض على العضو الذي يطالب بحلها أو االنسحاب منها دفع مبلغ من التعويض وقالت أن هذا الشرط
باطل حتى ولو تضمنه نص صريح في العقد ،ألنه يحد من سلطة املتعاقدين في اللجوء الى القضاء لطلب
حل الشركة أو االنسحاب منها وهو حق قررته املادة 1869من القانون املدني وملا كان هذا الحق من
2
النظام العام فإن تقيده بهذال القيد باطل ال أثر له" .
إن كل القوانين التي تهدف إلى تنظيم املنظومة االقتصادية 3من جميع جوانبها فهي من النظام
العام االقتصادي التوجيهي وتعد باطلة العقود التي تخالف هذه األحكام وفي ذلك نجد قرار املحكمة
العليا الذي رفض الطعن في قرار املجلس القضائي الذي قض ى ببطالن بيع شاحنة مستوردة ومحظور
بيعها بحكم القانون واللوائح التنظيمية ،ويدخل البيع هنا ضمن مقتضيات النظام العام
االقتصادي .4
ولذلك إذا تضمن العقد أية مخالفة تجعله يحيد عن االتجاه املرسوم له قانونا ،مما يجعله
يتعارض مع املصلحة العليا للمجتمع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ويخالف النظام العام املوجه
5
مما يجعل من العقد باطل بطالنا مطلقا.
ثانيا :الجزاء التكميلي
ّإن جزاء البطالن املطلق ملخالفة قواعد النظام العام التوجيهي غير كافية ملواجهة املشاكل التي
تثور بمناسبة هذه املخالفة ،لذلك البد من جزاء تكميلي آخر و هو مصادرة محل العقد املخالف للنظام
العام املوجه ملصلحة الدولة وذلك إذا كان األطراف على علم بما ارتكبوه من مخالفة ،في هذا الصدد يرى
األستاذ (فريجا فيل) " :في عقود رشوة املوظف يكون من الشذوذ لفكرة حماية النظام العام أن
-1عبد القادر أقصاص ي " ،فكرة النظام العام الحمائي ودورها في حماية الطرق الضعيف في العقد" ،مجلة معالم للدراسات القانونية
والسياسية ،املجلد ،03ع ،01السنة ،2019ص .267
-2علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .294
-3عرف الفقيه الفرنس ي جيستان Ghestinالعقود النموذجية بأنها " :عبارة عن نماذج لعقود تعتبر حجة على األشخاص الذي يقبلون
صياغة عقودهم على منوالها" وعرفها الفقيه الفرنس ي lautèبأنها " :صياغة لعقود معينة تتم بواسطة شخص طبيعي أو معنوي ،بحيث
تستخدم عند إبرام عقود مشابهة تنصب على نفس موضوع العقود النموذجية" يراجع أيمن سعد ،العقود النموذجية ،دار النهضة العربية،
القاهرة ،طبعة سنة ،2013 -2012ص .12
-4حسين علي الكالبي ،املرجع السابق ،ص .106
-5منال بوروح ،مصادر النظام العام ،...املرجع السابق ص .291
- 6املر جع نفسه ،ص . 291
- 44 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
الوظيفة الخاصة الحامية للحرية العقدية إلى املقيدة لها ،فالنظام العام يعمل على مراقبة العقد
1
بمقتض ى قواعد آمرة.
إن وظيفة النظام العام لم تعد تقتصر على املنع أي تحضر على األفراد القيام ببعض التصرفات
وهذا هو الطابع السلبي للنظام العام ،وهو ما يطلق عليه بالنظام العام املانع ،بل أصبح النظام العام
يفرض على األفراد سلوكا معينا يجب االلتزام به ،من أجل حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية
وذلك من خالل تحديد مضمون العقد الذي يبرم بين أطراف في مراكز غير متساوية أصال فالنظام العام
اتسع ليشمل الحماية الى جانب املنع .2
إن القواعد اآلمرة التي يحتوي عليها النظام العام االقتصادي الحمائي ال يجوز مخالفتها ،فهي
تمثل الحد األدنى من الحماية للطرف الضعيف مثال العامل في عقد العمل ،فال يجوز مخالفة هذه
القواعد تحت طائلة البطالن غير أنه وفي نفس الوقت يمكن مخالفتها بالرغم من صفتها اآلمرة ،متى
انطوت املخالفة على رفع الحد األدنى من الحماية املقررة بموجب هذه القواعد .3
يترتب على هذا في عقد العمل مثال تطبيق نظرية "الشرط األصلح للعامل" التي تقوم على بطالن
كل شرط يخالف التشريع االجتماعي ،ما لم يكن أكثر فائدة للعمال وعليه فقد نص املشرع في املادة 62
من القانون رقم 11 -90على أنه " :يعدل عقد العمل اذا كان القانون أو التنظيم أو االتفاقيات الجماعية
تملي قواعد أكثر نفعا للعمال من تلك التي نص عليها عقد العمل ".
البد أن يكون الشرط الوارد في عقد العمل والذي هو أكثر فائدة للعامل غير مخالف للنظام العام
4
بمفهومه الكالسيكي وإال كان هذا لشرط باطال بطالنا مطلقا.
وعليه فإن النظام العام االقتصادي الحمائي يجسد تطور وظيفة الدولة التي كانت حارسة للحرية
العقدية في ظل املذهب الفردي ومبدأ سلطان اإلرادة ،غير أن التطورات االقتصادية واالجتماعية و
السياسية على اثر الثورة الصناعية جعلت من وظيفة الدولة تتطور فأصبحت تتدخل في العالقات
العقدية لحماية الطرف الضعيف بفرض قواعد آمرة تتضمن حقوقا لهذا األخير وهذا الدور الجديد
للدولة اصطلح على تسميته بالدولة املتدخلة والدولة عندما تتدخل في العالقات العقدية لتنظيمها إنما
- 1يراجع في هذا الخصوص املواد 87 ،33 ،31 ،27 ،22 ،من القانون ،11-- 90املتعلق بعالقات العمل.
- 2املؤرخ في 25فيفري ،2009يتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش( ،ج ر ،الصادرة في 8مارس ،2009ع ،15ص )12املعدل واملتمم.
- 3املؤرخ في 25جوان سنة ،2008يعدل ويتمم األمر رقم 03 -03املتعلق باملنافسة (ج ر ،الصادرة بتاريخ 2جويلية ،2008ع ،34ص .)11
- 4علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .296
- 5علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .297
- 6حسين عبد هللا الكالبي ،املرجع السابق ص .106
- 47 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
االستغالل في املراحل األولى من تدخل الدولة ملعالجة الختالل االجتماعي ولعل أول هذه التشريعات
1
التشريع الصادر في إنجلترا لتنظيم عمل صغار السن.
أما في الجزائر فإنه وبموجب القانون 11-90فإن املشرع احتفظ بتنظيم وتأطير املسائل األساسية
والجوهرية في شكل قواعد قانونية آمرة ،ليعتبر كل شرط أو بند في العقود واالتفاقيات مخالفا لهذه
القواعد باطال وعديم األثر ،ملخالفته األحكام التشريعية املعمول بها .كما تدخل إليجاد حلول ألزمة
السكن وما ترتب عليها من آثار سلبية في املجتمع وبذلك وضع التسهيالت في عقد االيجار لفائدة املستأجر
2
بدافع اجتماعي.
- 1تنص املادة 110من القانون املدني على ما يلي « :اذا تم العقد بطريقة اإلذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاض ي أن يعدل هذه
الشروط أو أن يعفي الطرف املذعن منها ،وذلك وفقا ملا تقض ي به العدالة ،ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك " ،والتي تقابلها املادة 149
من القانون املدني املصري ،واملادة 204من القانون املدني األردني.
- 2املادة 136من القانون ،11 -90الذي سبقت إلشارة اليه.
- 49 -
عجزالحرية العقدية عن تحقيق التوازن العقدي
- 51 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
املبحث األول :حماية الطرف الضعيف من اختالل التوازن العقدي
عمد املشرع إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة العقدية منذ إصداره للقانون املدني سنة
1975وذلك ضمن حاالت قانونية متعددة ومنها على الخصوص الحماية التي كرسها للطرف املستغل في
نظرية عيوب الرضا منها عيب االستغالل بموجب املادة 90من القانون املدني ،حيث نص على أنه و بناءا
على طلب املتعاقد املغبون يجوز للقاض ي أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد ،كما أنه
نص على محاربة الشروط التعسفية التي قد تتضمنها عقود اإلذعان وسنتناول الحماية القانونية التي
كرسها املشرع للطرف الضعيف في حالة االستغالل وعقود اإلذعان العتبارهما من أهم الحاالت التي
يحدث فيها االختالل املادي للتوازن العقدي وهذا ما نتناوله في (املطلب األول) ،وملا كانت التطورات
االقتصادية واالجتماعية لها تأثير على العالقات العقدية فإن حماية الطرف الضعيف ضمن النظرية
العامة للعقد لم يعد كافيا ،هذا ما جعل املشرع يلجأ الى إصدار العقود املتخصصة واملنفصلة عن
القانون املدني ليكرس الحماية القانونية للطرف الضعيف بما يتماش ى مع هذه التطورات وتحقيقا
للمصلحة العامة ،وذلك بموجب قواعد قانونية آمرة تجسد النظام العام الحمائي كما سبق اإلشارة اليه
وعليه سنتناول في (املطلب الثاني) اللجوء الى العقود املتخصصة لحماية الطرف الضعيف.
إن النظرية التقليدية للعقد تجسد مبدأ سلطان اإلرادة وذلك بموجب املادة 106من القانون
املدني التي تنص على أن " :العقد شريعة املتعاقدين فال يجوز نقصه وال تعديله إال باتفاق الطرفين ،أو
لألسباب التي يقررها القانون " ،1فاألصل أن العقد املبرم بين الطرفين يعتبر بمثابة القانون في تنظيم
العالقة العقدية ،فال يجوز ألحد الطرفين أن ينفرد بتعديله أو نقضه ،كما ال يجوز للقاض ي وال للمشرع
أن يتدخل لتعديله أو نقضه ،إال أنه أورد استثناءات على هذا املبدأ تتمثل في أن العقد ال يقتصر على
إلزام املتعاقد بما ورد فيه فحسب ،بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته والتي تتمثل في مبدأ حسن النية،
2
والنظام العام والعرف و العدالة وغيرها من املفاهيم التي تتضمن تقييد حرية التعاقد.
إن توجه املشرع لحماية الطرف الضعيف ضمن قواعد القانون املدني يظهر في عدة نواحي
قانونية كما أشرنا إليه آنفا إال أننا سنركز على الحماية القانونية التي كفلها املشرع للطرف الضعيف
-1تقابلها املادة 177من القانون املدني املصري ،واملادة 148فقرة أولى من القانون املدني السوري ،واملادة 196من القانون املدني الكويتي.
- 2فاطيمة نساخ ،املرجع السابق ،ص .111
- 52 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
ضمن نظرية عيوب الرضا وبالتحديد حماية الطرف املستغل بموجب ما يسمى بنظرية االستغالل وهذا ما
سنتناوله في (الفرع األول) كما أننا سنخصص (الفرع الثاني) لحماية الطرف الضعيف من الشروط
التعسفية التي تتضمنها عقود اإلذعان.
إن معالجة التوازن العقدي ضمن نظرية االستغالل يتطلب التطرق الى مفهوم االستغالل
وعناصره وعالقته بالغبن (أوال) ،ثم الجزاء املترتب عليه (ثانيا).
يرجع ظهور فكرة نظام االستغالل للشريعة الجرمانية و التي أخذت منها باقي التقنيات والنظم
القانونية هذه الفكرة ،1واالستغالل هو انتهاز املتعاقد لحالة الطيش ّ
البين أو الهوى الجامح الذي يعتري
املتعاقد معه لحمله على إبرام العقد يتحمل بمقتضاه التزامات ال تتعادل بتاتا مع العوض املقابل أو من
غير عوض .2
أما الغبن la lésionفيقصد به اختالل التوازن االقتصادي في عقد املعاوضة نتيجة عدم التعادل
بين ما يأخذه كل متعاقد وما يعطيه وأما االستغالل l’exploitationفهو أمر نفس ي أو شخص ي ال يعتبر
الغبن إال مظهرا ماديا له 3ويختلف االستغالل عن الغبن في ثالثة أمور مهمة هي كاآلتي:
-أن االستغالل يقع في جميع التصرفات في حين أن الغبن ال يكون إال في املعاوضات وال يكون في التبرعات.
-إن املعيار في االستغالل هو املعيار النفس ي ،أما في الغبن فإن املعيار مادي.
-يكلف املدعي في دعوى الغبن بإثبات عدم التعادل بين املبيع والثمن بينما في دعوى االستغالل القائمة
على األساس النفس ي (الشخص ي ) فيجب على املدعي إثبات أنه كان تحت وطأة الطيش البين أو الهوى
الجامح.4
- 1بن قويدر زبيري ،حماية مركز الطرف الضعيف في الرابطة العقدية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،طبعة سنة ،2019ص .19
- 2علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .217
- 3العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص .374
- 4العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص .375
- 53 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
بالرجوع الى نص املادة 90من القانون املدني 1التي تنص " :اذا كانت التزامات أحد املتعاقدين
متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذه املتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات املتعاقد
اآلخر ،وتبين أن املتعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا يبينا أو هوى
جامحا ،جاز للقاض ي بناء على طلب املتعاقد املغبون أي يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد.
ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خالل سنة من تاريخ العقد واال كانت غير مقبولة.
ويجوز في عقود املعارضة أن يتوفى اآلخر دعوى االبطال اذا عرض ما يرى القاض ي كافيا لرفع
الغبن ".
يتضح من النص أن املشرع قد انتهج الطريق الذي سارت عليه القوانين املدنية الحديثة فأخذ
فكرة االستغالل كعيب من عيوب الرضا متى ثبت الطيش البين أو الهوى الجامح وأنه يجب أن يتوافر في
العقد الذي يلحق به االستغالل عدم التعادل بين التزامات أحد املتعاقدين والتزامات املتعاقد اآلخر وأن
يكون ذلك ناتجا عن استغالل لحالة من الحاالت املبينة آنفا 2 ،ومثال ذلك استغالل زوج لرغبة زوجته في
الزواج من آخر فيحصل منها على تعهد بدفع مبلغ كبير حتى يطلقها وتتزوج من تهواه ،أو استغالل زوجة
3
شابة لزوجها الطاعن في السن ليهب لها ماله أو العكس.
ُ
وعليه فإنه يمكن القول أن االستغالل يقوم على أساس النظرية الشخصية التي تسند االستغالل
لوجود حالة من الحاالت املذكورة آنفا التي تجعل املتعاقد في حالة ضعف نفس ي يستغلها املتعاقد اآلخر،
فيبرم العقد وهذا هو الجانب النفس ي في االستغالل والذي يترتب عليه اختالل في اآلداءات بين ما حصل
عليه املتعاقد املغبون من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات املتعاقد اآلخر وهذا هو الجانب املادي أو
الغبن وعليه فإن لالستغالل عنصران ،عنصر نفس ي وهو استغالل ضعف في نفس املتعاقد ،وعنصر
4
موضوعي و هو اختالل التعادل اختالال فادحا.
-1العنصراملوضوعي:
-1تقابلها املادة 129من القانون املدني املصري واملادة 130من القانون املدني السوري واملادة 129من القانون املدني الليبي.
-2تفادى املشرع ما سقط من النص العربي في املادة 90بحيث أضاف وصف الهوى بالجامح ووصف الطيش بالبين بعد تعديل املادة 90
بموجب القانون رقم 10 - 05املؤرخ في 20جوان ،2005املعدل واملتمم للقانون املدني ،يراجع في هذا الخصوص إدريس فاضلي ،الوجيز في
النظرية العامة لاللتزام ،ديوان املطبوعات الجامعية ،إعادة الطبعة األولى ،سنة ،2015ص .98
-3عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون املدني ،....املرجع السابق ،ص .99
-4عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون املدني ،....املرجع السابق ،ص .393
- 54 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
يقصد بالعنصر املادي أو العنصر املوضوعي اختالل التعادل أو انعدام املقابل أي تكون التزامات
أحد املتعا قدين ال تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا املتعاقد من فائدة بموجب العقد وعدم التكافؤ
بين التزام املغبون والتزام الطرف املستفيد يجب أن يكون فاحشا وال يكفي عدم التعادل املألوف وهو أمر
يترك تقديره لقاض ي املوضوع على أساس القيمة يوم العقد وليس على قيمة األداءات بعد ابرام العقد وما
يطرأ عليها من تغيير .1
إن الفادح في اختالل التعادل هو معيار مادي ولكن هذا املعيار ليس رقما ثابتا ،بل هو معيار
متغير تبعا للظروف في كل حالة والقاض ي هو الذي يقدر متى يكون اختالل التعادل فادحا وهي مسألة واقع
ال مسألة قانون ،و محكمة النقص ال رقابة لها في ذلك إال من حيث قصور التسبيب ،فإذا بينت محكمة
املوضوع الظروف التي جعلتها تقدر أن االختالل في التعادل فادحا فال تعقيب ملحكمة النقض وعبء
االثبات يقع على عاتق املتعاقد املغبون فهو الذي عليه أن يثبت الفداحة في اختالل التعادل .2
أكثر ما يكون االختالل فادحا في عقود املعاوضة املحددة ،ففيها يأخذ املتعاقد ويعطي وهو َيعرف
على وجه محدد مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطى سواء كان ذلك لنفسه أو لغيره كما هو الحال في االشتراط
ملصلحة الغير ولكن قد يقع أيضا في العقود االحتمالية وهي عقود تنطوي على احتمال الكسب والخسارة
كما هو معروف ،اذ ينبغي أن يكون هناك تعادل بين احتمال املكسب وقيمته من جهة ،واحتمال الخسارة
وقيمتها من جهة ،فلو كان احتمال الخسارة في جانب أحد املتعاقدين أرجح بكثير من احتمال الكسب وكان
مقدار الخسارة في الوقت ذاته ال يقل كثيرا عن مقدار الكسب كان االختالل في التعادل فادحا ومثاله أن
الشخص الذي يؤمن منزله من الحريق ،حيث يكون املنزل بعيدا كل البعد عن التعرض لخطر الحريق ولم
يؤمنه إال لطلب دائن ارتهن املنزل واشترطت شركة التأمين أن يدفع لها أقساطا سنوية عالية وكان احتمال
خسارتها أرجح بكثير من احتمال احتراق املنزل وتقاض ى تعويضا عنه هو مبلغ التأمين ولم يكن هناك فرق
بين مقدار القسط السنوي وبين مبلغ التأمين ذاته ،ففي مثل هذا العقد االحتمالي وهو عقد التأمين يكون
3
فيه االختالل في التعادل ما بين التزامات املؤمن له والتزامات شركة التامين اختالال فادحا.
ويقع االستغالل أيضا في عقود التبرع وهو أشد وطأة منه في عقود املعاوضة ،فإذا جاز أن يتحقق
االستغالل فيما يختل فيه التعادل فإن االستغالل يكون أكثر تحققا فيما ال تعادل فيه أصال وبالرجوع إلى
إن الفقرة املذكورة أعاله تفيد أنه يجوز في عقود املعاوضة توقي دعوى االبطال بتكملة البدل،
وتفيد ضمنيا أن االستغالل يقع في عقود التبرع أيضا ويقع ذلك كما لو أن شخصا تبرع بجميع ماله وكثيرا
ما يقع ذلك عن طريق هبة في صورة بيع لزوجته الثانية وأوالده منها ّ
مضيعا بذلك على زوجته األولى وأوالده
منها ميراثهم الشرعي ،ويكون هذا االستغالل قد صدر نتيجة الستغالل زوجته الثانية لضعفه أو هواه وفي
هذه الحالة ال يقال أن التعادل مختل اختالال فادحا ،بل يقال أنه غير موجود أصال ،فاملتبرع أعطى دون
مقابل وهو لم يرض بهذا التبرع إال نتيجة استغالل لطيشه البين أو لهواه الجامح ،بل قد يتجاوز
االستغالل العقود إلى التصرفات القانونية الصادرة من جانب واحد كما لو أوص ى شخص بجميع ما يملك
لشخص استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامح ،فالوصية هنا يعيبها االستغالل وهي ليست عقد بل عمال
قانونيا صادرا من جانب واحدا .1
-3العنصرالنفس ي:
إن العنصر النفس ي لالستغالل ذكره املشرع بموجب املادة 90من ق م التي تنص ..." :وتبين أن
املتعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا 2 "..و
للعنصر النفس ي مظهران ،يتمثل األول في الضعف النفس ي الذي يعتري املتعاقد املغبون ويتمثل املظهر
الثاني في استغالل املتعاقد معه لهذا الضعف ،وهذا ما ستناوله تباعا:
ذكر املشرع الضعف النفس ي في نص املادة 90من القانون املدني وحصره في حالتين هما حالة
الطيش البين والهوى الجامح وجاء نص املادة كما يلي ..." :و تبين أن املتعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن
املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامحا." ...
1
-عبد الرزاق أحمد السنهوري ،املرجع السابق ،ص .396
2
-تقابلها املادة 129من ق م املصري واملادة 130من ق م السوري ،واملادة 129من ق م الليبي.
- 56 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
أما الطيش البين فهو الخفة الزائدة والتسرع يصحبه التهور وعدم التبصر وما ينجر عنه من عدم
االكتراث بالعواقب وسوء النتائج والوقوف عند النزوة العاجلة العابرة التي تدفع الى التعاقد ويشترط في
الطيش أن يكون بينا أي واضحا ومثال ذلك الوارث الشاب املتهور الذي يريد الحصول على املال بسرعة،
1
فيقع فريسة سهلة ملن يستغل طيشه واندفاعه فيشتري منه ماله يثمن بخس.
أما الهوى الجامح فهو الولع أو الرغبة الشديدة أي بمعنى تسلط الشهوة الجامحة التي تقوم في
نفس املتعاقد والتي ال يستطيع كبحها ،فيقع في االستهواء فينقلب مسلوبا لإلرادة ويندفع للتصرف عاطفيا
وبدون إرادة حكيمة ومثال ذلك أيضا الشخص الذي يولع بسيارة معينة ،فيعرض عليه مالكها ثمنا باهضا
فيندفع إلى شرائها .2
إن الرغبة الشديدة تؤثر على إرادة املتعاقد املغبون فتمثل نوعا من االكراه يفقد املتعاقد حرية
التصرف فيفسد رضاه ويجب أن تفوق هذه الرغبة أو امليول الحد املعقول ،بحيث ال يستطيع املغبون
دفعها أو تحملها وتتطلب هذه الحالة النفسية التي تنال من إدراك وتمييز املتعاقد حماية قانونية وهذا ما
يبرر إلحاق االستغالل بعيوب الرضا .3
ال يكفي لتحقيق العنصر النفس ي في االستغالل توافر حالة من الحاالت التي تم ذكرها آنفا وإنما
يتعين أن يقوم املتعاقد اآلخر بانتهاز هذا الضعف بغية التوصل إلى إبرام عقد يتضمن اختالال واضحا في
- 1تختلف القوانين املقارنة في تحديد حاالت الضعف التي يمكن أن تتخذ سبيال لالستغالل ويمكن التمييز بين اتجاهين اثنين يسودان في
القوانين املقارنة ،االتجاه األول يعمل على تقليص حاالت االستغالل وتحديد نطاقها ويالحظ هذا االتجاه في ق م املصري بموجب 129التي
تنص " :إذا كانت التزامات أحد املتعاقدين ال تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا املتعاقد بموجب العقد أو مع التزامات املتعاقد اآلخر ،وتبين
أن التعاقد املغبون لم يبرم العقد إال ألن املتعاقد اآلخر قد استغل فيه طيشا بينا أو هوى جامح.
جاز للقاض ي بناءا على طلب املتعاقد املغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا املتعاقد " ،وهذا االتجاه سار عليه القانون املدني
السوري بموجب املادة ،130والقانون املدني الليبي بموجب املادة ،129ونجده في القانون املدني العراقي الذي يورد خمس حاالت من حاالت
الوهن في اإلرادة يفض ي أي منها إلى تحقق االستغالل ،وتتمثل هذه الحاالت في الحاجة ،والطيش والهوى وعدم الخبرة ،وضعف االدراك ،يراجع
في هذا الخصوص محمود على دريد ،النظرية العامة لاللتزام ،القسم األول ،مصادر االلتزام ،دراسة تحليلية مقارنة ،منشورات الحلبي
الحقوقية ،بيرت لبنان ،الطبعة األولى ،سنة ،2012ص .169 -168
- 2العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص .380
-3علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .224
- 57 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
االلتزامات املتقابلة وال يتطلب تحقق االنتهاز سلوكا معينا وإنما يكفي أن يكون عاملا بحالة الضعف التي
1
تعتري املتعاقد معه حقيقة أو حكما.
اذا توافرت شروط االستغالل التي سبق ذكرها جاز للقاض ي بناءا على طلب املتعاقد املغبون أن
يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا املتعاقد وهذا ما نصت عليه املادة 90فقرة أولى من ق م وعليه
2
فإن املشرع رتب على االستغالل إحدى دعويين دعوى اإلبطال ودعوى اإلنقاص.
يتعين على املتعاقد املغبون أن يرفع دعواه خالل سنة من تاريخ العقد وإال كانت غير مقبولة،
سواء طلب االبطال أو طلب االنقاص والسنة هنا هي ميعاد إسقاط ال ميعاد تقادم ،فإذا انقضت السنة
ولم يرفع املتعاقد املغبون دعواه ورفعها بعد ذلك كانت الدعوى غير مقبولة و ميعاد السنة هو ميعاد
إسقاط ال ميعاد تقادم والفرق بين امليعادين أن ميعاد االسقاط ال ينقطع وال يسري عليه الوقف بخالف
ميعاد التقادم فيرد عليه االنقطاع والوقف وتبدأ السنة من وقت تمام العقد والحكمة التي يقصدها
املشرع في جعل ميعاد رفع الدعوى في االستغالل قصيرة وجعله ميعاد اسقاط ال ينقطع وال يقف هو
حماية للمتعاقد و من أجل استقرار املعامالت .3
-1دعوى االبطال:
متى توافرت شروط االستغالل على الوجه املذكور آنفا ترتب على ذلك قابلية العقد لإلبطال وحق
إبطال العقد هو حق للمغبون وحده دون غيره وله أيضا أن يتنازل عن هذال الحق وال يجوز للقاض ي أن
يحكم باإلبطال من تلقاء نفسه وهذا ما توضحه املادة 90من ق م حيث تنص..." :جاز للقاض ي بناءا على
طلب املتعاقد املغبون أن يبطل العقد." ...
إذا اختار املتعاقد املغبون دعوى االبطال جاز للقاض ي أن يقبل طلبه فيبطل العقد اذا رأى أن
االستغالل عاب رضا املتعاقد املغبون إلى حد أن أفسد هذا الرضا وتبين للقاض ي أن املتعاقد املغبون لم
يكن ليبرم العقد أصال لوال هذا االستغالل ،أما إذا رأى القاض ي أن االستغالل لم يعيب الرضا إلى هذا
الحد وأن املتعاقد املغبون كان سيبرم العقد دون استغالل ولو لم تكن التزاماته متفاوتة كثيرا في النسبة
كما أنه يجوز للطرف املغبون أن يتوق ى إبطال العقد اذا عرض القاض ي ما يراه كافيا لرفع الغبن
وهذا ما نصت عليه املادة 90فقرة 3من ق م.
خالصة القول أنه يجوز للطرف املغبون املطالبة بإبطال العقد أو اإلنقاص من التزاماته ،فإذا
رفع الطرف املغبون دعوى إبطال العقد فللقاض ي السلطة التقديرية في االبطال أو االنقاص من التزامات
هذا األخير ،أما إذا رفع الطرف املغبون دعوى االنقاص فليس للقاض ي الحكم بإبطال العقد ،كما يجوز في
عقود املعاوضة أن يتوقى الطرف اآلخر دعوى اإلبطال إذا عرض ما يراه القاض ي كافيا لرفع الغبن .2
-2دعوى االنقاص:
أجاز املشرع للطرف املغبون الحق في رفع دعوى االنقاص كوسيلة ثانية لرفع الغبن عن طريق
االنقاص من التزاماته وفي هذه الحالة ال يجوز للقاض ي أن يحكم بإبطال العقد ،كما سبق وأن مر معنا
ودعوى االنقاص تضمن استقرار املعامالت ولكنها ال تحقق توازنا كليا بين التزامات املتعاقدين ،ألنها تقلل
من فداحة الغبن فقط ،حيث يتولى القاض ي تحديد املقدار الذي يجب انقاصه من التزامات املتعاقد
املغبون لرفع الغبن ،مستهديا في ذلك بالعدالة العقدية .3
يقع عبء اثبات االستغالل وفقا للقواعد العامة على من يدعيه ،فعلى املتعاقد املغبون أن يقدم
الدليل على اختالل االلتزامات املتقابلة اختالال شديدا وقت انعقاد العقد ،حيث يثبت أنه أبرم العقد
تحت تأثير الطيش البين أو الهوى الجامح وله اثبات الفداحة 4في اختالل التعادل بجميع طرق االثبات
القانونية بما فيها شهادة الشهود والقرائن القانونية باعتباره يقع على وقائع مادية .5
- 1عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون ،....املرجع السابق ،ص .404
- 2علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .229-228
- 3علي فياللي ،املرجع السابق ،ص. 229 - 228
- 4أما اختالل التعادل الطارئ الذي يحدث بعد انعقاد العقد فإنه يخرج قانونا عن نطاق نظرية االستغالل حسب نص املادة 90من ق م
وهو يتصل بشروط وأحكام نظرية الظروف الطارئة (م 107 -105ف 3من ق م) ،يراجع العربي بلحاج ،املرجع السابق ،ص 384الهامش .1
- 5علي فياللي املرجع السابق ،ص .284
- 59 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
كما أننا وبالرجوع الى املادة 91من ق م فإن املشرع استبعد تطبيق أحكام االستغالل على بعض
العقود التي تسري عليها أحكام الغبن .1
ومن خالل ما تم عرضه سابقا فإن املشرع يهدف من خالل نظرية االستغالل إلى حماية املتعاقد
املغب
ون بغرض تحقيق العدالة العقدية ،فهي آلية ملعالجة توازن العقد وذلك برفع الغبن عن الطرف
املستغل ،محاوال بذلك إيجاد إرادة صحيحة للتعاقد وفق الشروط املقررة في القواعد املنظمة للعقد ،غير
أن الظروف املحاطة بعملية التعاقد من حيث التطور االقتصادي واالجتماعي والتكنولوجي ،جعل
القواعد العامة التي جاء بها املشرع في نظرية االستغالل طبقا للمادة 90من ق م من طيش بين أو هوى
جامح يتأثر بأسباب أخرى تؤثر على بصيرة املتعاقد وحريته فيتعاقد تحت ظروف معينة قهرية أو بشروط
تعسفية ارتضاها لنفسه تؤثر على التوازن العقدي ،كذلك كان البد من التوسع في نظرية االستغالل و
ضرورة اعمال حماية جدية وواسعة للتعاقد ،2وهذا ما ستناوله في املطلب الثاني.
نتطرق في هذا الفرع إلى مفهوم اإلذعان من خالل التطرق إلى مفهومه التقليدي و املفهوم
الحديث( ،أوال) ثم نتطرق إلى طبيعته (ثانيا) ،لنتناول سلطة القاض ي في إعادة التوازن في عقود اإلذعان
(ثالثا).
نتطرق الى املفهوم التقليدي واملفهوم الحديث ملفهوم عقد اإلذعان كمايلي:
-1املفهوم التقليدي
لقد تعددت تعاريف عقد اإلذعان من الناحية القانونية ونذكر تعريف الفقيه "سالي " الذي أجمع
الفقهاء على أنه صاحب أول فكرة لالذعان بقوله " :عقد االذعان هو محض تغليب إلرادة واحدة تتصرف
ُعرف عقد اإلذعان أيضا بأنه " :العقد الذي ُيسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها املوجب وال
يقبل مناقشة فيها وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري يكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون
املنافسة محدودة النطاق في شأنها" ،هذا هو التعريف الذي يتفق الفقه وشراح القانون املدني على أنه
التعريف املختار 2 ،ومن خالل التعريف املذكور آنفا يتجلى أنه يحدد خصائص عقد اإلذعان ،فقد بين أن
محل العقد يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري يكون محل احتكار قانوني أو فعلي وكذلك العالقة بين طرفي
العقد أي املوجب والقابل ويعتبر الفقيه سالي أول من جلب األنظار في فرنسا نحو هذه العقود عندما ذكر
في كتابه " اإلعالن عن اإلرادة " أن هناك بعض العقود يفرض مضمونها بواسطة أحد املتعاقدين على
املتعاقد اآلخر الذي يقتصر دوره على انضمامه لهذا العقد بدون مناقشة أو تعديل ومن هنا أطلق عليها
الفقيه سالي ( )contrat d’adhésionبمعنى عقود االنضمام .3
يعتبر الدكتور عبد الرزاق السنهوري أول من استخدم تعبير عقد اإلذعان وهو أصح من التسمية
الفرنسية التي جاء بها األستاذ سالي والتي تعني عقد االنضمام ( )contrat d’adhésionألن اإلذعان يدل
على معنى االضطرار في القبول بينما االنضمام أوسع داللة من اإلذعان فيشمل عقود اإلذعان وغيرها من
العقود" 4لقد ذكر عبد الرزاق السنهوري أن خصائص عقد اإلذعان تتمثل في ثالث خصائص وهي:
-1أن يكون العقد متعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة للمستهلكين أو املنتفعين.
-2احتكار املوجب لهذه السلع أو املرافق احتكارا قانونيا أو على األقل السيطرة عليها بحيث تجعل
املنافسة فيها محدودة النطاق.
-3صدور االيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستمر ملدة غير محددة .5
- 1عامر رحمون " ،عقود االذعان في الفقه االسالمي والقانون املدني الجزائري دراسة مقارنة" ،مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية ،املجلد
األول ،ع ،23ص .219
- 2أعصم أحمد حمدي إمام ،أثر تشريعات حماية املستهلك على القانون املدني ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،طبعة سنة ،2018ص .155
- 3عامر رحمون ،املرجع السابق ،ص .220
-4محفوظ بن حامد لعشب ،عقود اإلذعان في القانون املدني الجزائري واملقارن ،املؤسسة الوطنية لكتاب ،الجزائر ،سنة ،1990ص.23
- 5علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .84
- 61 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
هذا مفهوم عقد اإلذعان بالنسبة للتشريع فأغلب التشريعات العربية قد نظمت عقد اإلذعان
ولكن لم تتطرق الى تعريفه ،بل أوردت كيفية القبول فيه ولقد نص املشرع في املادة 70من القانون املدني
على أنه " :يحصل القبول في عقود اإلذعان بمجرد التسليم بشروط مقررة يضعها املوجب وال يقبل
مناقشة فيها " . 1
إن املفهوم الضيق لعقد اإلذعان الذي يقتض ي كما سبق االشارة اليه آنفا االحتكار القانوني أو
الفعلي لسلعة أو مرفق ضروري تم هجره من قبل الرأي السائد في فرنسا وتبناه عدد غير قليل من الفقه
املصري و هو ما سنتناوله له اتباعا:
اتجه الفقه الحديث إلى البحث عن مفهوم واسع لعقد االذعان قابل الحتواء وصف عقود
االستهالك حتى يتمكن من حماية املستهلك من الشروط التعسفية وذلك عن طريق نظام الحماية من
الشروط التعسفية في عقود اإلذعان ،2فتبنى الفقه معايير واسعة لعقد اإلذعان ،فلم يعد عقد اإلذعان
يتعلق باشتراط االحتكار فحسب هذا املفهوم الحديث لعقد اإلذعان تم تقليص الشروط الواجب توافرها
لكي يعتبر العقد من عقود اإلذعان إلى شرط واحد فقط وهو أن يقوم الطرف القوي في العقد مسبقا
بإعداد شروط العقد ويحدد التزامات األطراف وحقوقهم وال يكون أمام الطرف اآلخر (املستهلك) إال توقيع
3
هذه العقود دون أن يكون له الحق في مناقشها أو تعديلها.
إن توجه الفقه لتوس يع مفهوم عقد اإلذعان من خالل تبني معيار واحد ذو طابع قانوني لتكييف
العقد على أنه عقد إذعان يتمثل في معيار رفض التفاوض حول بنود العقد أي انفراد الطرف القوي
بوضع شروط العقد ،فمجرد إمالء الطرف القوي لشروط ال نقاش فيها كاف إلضفاء وصف اإلذعان على
عقد ما ،فالعقد الذي ينفرد فيه املنهي بتحرير مسبق لشروط غير قابلة للنقاش من املستهلك يعتبر عقد
إذعان وبالتالي يكون محل لتطبيق النظام القانوني الخاص بحماية املستهلك من الشروط التعسفية .4
- 1تقابلها املادة 100من ق م املصري واملادة 101من ق م السوري واملادة 172من ق م اللبناني الذي أطلق على عقد اإلذعان عقد املوافقة.
- 2محمد خليفة كرفة " ،ضرورة التخلي عن ربط الشروط التعسفية بعقود اإلذعان من أجل حماية واسعة للمستهلك" ،مجلة الدراسات
القانونية املقارنة ،العدد الرابع ،نوفمبر ،2017ص.56
-3عامر رحمون ،املرجع السابق ،ص .220
- 4محمد خليفة كرفة ،املرجع السابق ،ص.57
- 62 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
وهو ما كرسه املشرع الفرنس ي في التعديل الذي مس القانون املدني الفرنس ي بموجب األمر -2016
131بموجب املادة 1110ف 2التي تنص " :عقد اإلذعان هو العقد الذي تكون شروطه العامة غير قابلة
1
للتفاوض محددة سلفا من قبل أحد األطراف ".
لكي نتمكن من حل االشكاالت القانونية املترتبة عن أي عقد البد من تحديد طبيعته القانونية
ولقد انقسم الفقهاء إلى فريقين لتحديد الطبيعة القانونية لعقود اإلذعان فمنهم من يرى أنها ليست
عقود حقيقية ،وفريق آخر يرى أنها ال تختلف عن سائر العقود ومرد هذا االختالف يرجع إلى تطابق
اإلرادتين ،أي هل يوجد فعال إيجاب يقابله قبول؟ حيث يرى الدكتور عبد املنعم فرج ّ
الصدة " :أن
الطريقة التي يتم بها اتفاق اإلرادتين في عقد اإلذعان هي السبب في اختالف الفقهاء فيما يتعلق بطبيعة
العقد ".2
حيث يرى بعض الفقهاء وعلى رأسهم سالي ودجييه أن عقد اإلذعان ليس سوى عمل انفرادي أو
مركز قانوني منظم ،ألن إرادة املوجب تكون بمثابة قانون أو الئحة تضعها الشركات التي تحتكر منفعة
عامة وتفرض على الناس اتباعها ،ويحتجون في هذا أن عقود اإلذعان تنقصها اإلرادة التعاقدية التي يجب
أن تتوافر في كل عقد ،كما أن عقد اإلذعان ال يحقق املساواة بين األطراف املتعاقدة ،فعدم مناقشة
شروط العقد من الطرف املذعن ال يحقق الوصول إلى إرادة مشتركة فهو ال يقبل بنود العقد عن بينة
وحرية .3
أما الفريق الثاني وهم غالبية فقهاء القانون املدني فيرون أن عقد اإلذعان عقد حقيقي يتم
بتوافق إرادتين ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود 4 ،وأنصار هذا الرأي هم جمهور فقهاء
القانون املدني في فرنسا وجميعهم في مصر وهؤالء يفندون مزاعم الرأي اآلخر ،فيعتبرون أن اإلرادة
التعاقدية موجودة في عقد اإلذعان ألن إرادة املوجب ال يمكن أن تنتج آثارها إال بعد انضمام إرادة القابل
األصل أن القاض ي ملزم باحترام قانون العقد وال يملك تعديله وهو ما يسمى بمبدأ القوة امللزمة
للعقد ،الذي يستمد شرعيته من مبدأ سلطان اإلرادة وقاعدة العقد شريعة املتعاقدين التي سادت في ظل
املذهب الفردي ،إال أنه ونظرا للعوامل االقتصادية التي صاحبت الثورة الصناعية كما مر معنا فإن ذلك
أدى إلى اختالل التوازن االقتصادي للعقد ،مما يبرر للقاض ي التدخل إلعادة التوازن العقدي عن طريق
تعديل الشرط التعسفية أو إعفاء الطرف املذعن منها وذلك العتبارات تتعلق بالعدالة وهذا ما كرسه
املشرع بموجب املادة 110من القانون املدني 2التي تنص " :إذا تم العقد بطريقة اإلذعان وكان قد تضمن
شروطا تعسفية ،جاز للقاض ي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف املذعن منها ،وذلك وفقا ملا تقض ي
به العدالة ،ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك ".
فاملشرع ومن خالل نص املادة املذكورة أعاله منح سلطة واسعة للقاض ي املدني أن يعفي الطرف
املذعن الضعيف من الشروط الجائرة أو التعسفية التي قد تتضمنها عقود اإلذعان وله في ذلك سلطة
واسعة في تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا فيعدله أو يلغيه ،وسلطته في تكييف الشروط التي تعتبر
تعسفية يعتمد فيها على معايير محددة قانونا ،هي معيار التعسف في استعمال القوة االقتصادية ومعيار
امليزة الفاحشة ومعيار االخالل الظاهر بتوازن االلتزامات ،كما يحدد التعسف بالرجوع الى املادة 124
مكرر من القانون املدني ،3فإذا كشف القاض ي بحسب تقديره شروطا تعسفية في عقد اإلذعان فله أن
يعدله بما يزيل هذا التعسف ويعيد التوازن للعقد ،بحيث تتساوى األعباء امللقاة على عاتق الطرفين
ويخفف من االلتزامات امللقاة على عاتق الطرف املذعن وهو الطرف الضعيف في العالقة العقدية،
والتعديل األول الذي يقوم به القاض ي يكون إما عن طريق اإلنقاص وذلك بإزالة الشرط التعسفي لتحقيق
- 1علي مصبح صالح الحيصة ،سلطة القاض ي في تعديل مضمون عقد اإلذعان ،رسالة مقدمة للحصول على درجة املاجستير في القانون
الخاص ،جامعة الشرق األوسط ،كلية الحقوق ،قسم القانون الخاص ،سنة ،2011ص .31
- 2تقابلها املادة 149من ق م املصري واملادة 167فقرة 2من ق م العرافي واملادة 149من ق م الليبي واملادة 161فقرة 2من القانون التجاري
الكويتي.
- 3حفيظ دحمون ،املرجع السابق ،ص .87
- 64 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
التوازن بين األداءات املتبادلة في العقد 1أو بواسطة الطريق الثاني الذي يمكن للقاض ي أن يسلكه فهو
إعفاء الطرف الضعيف من الشرط التعسفي ،أي تعطيل الشرط التعسفي وهو ما يعد انتهاكا صارخا
لقاعدة العقد شريعة املتعاقدين التي تعتبر األصل الذي يجسد الحرية العقدية ومبدأ سلطان اإلرادة،
ولعل هذا الخروج الذي كرسه املشرع بموجب املادة 110من القانون املدني عن قانون العقد والقوة
امللزمة له إنما يبتغي به الوصول إلى إعادة التوازن في العقد ،و سلطة القاض ي في تعديل العقد أو إعفاء
الطرف املذعن من الشروط التعسفية هي من النظام العام ال يمكن االتفاق على مخالفتها. 2
على الرغم من أن املشرع عالج اختالل التوازن العقدي ضمن نظرية اإلذعان منذ اصدار القانون
املدني سنة 1975بموجب املادة 110حيث منح للقاض ي سلطة تعديل الشرط التعسفي أو االعفاء منه
إال أنه لم يعرف الشروط التعسفية كونها كل شرط أو التزام يؤدي إلى اختالل مفرط ليس في فائدة
املذعن ،كما أن الحماية كانت قاصرة على عقود اإلذعان ،لذلك فإن الدكتور عبد الرزاق السنهوري رأى
أن نظرية عقد االذعان أضعف من أن تغطي حاالت الضعف لدى املستهلك إذ أنها تتناول الضعف
االقتصادي فقط ،في حين أن نواحي الضعف تتعدى ذلك الضعف إلى الضعف املعرفي والجهل وعدم
3
الخبرة وهذا ما لم تعتد به النظرية التقليدية.
املالحظ أن املشرع وعلى غرار التشريعات العربية تدخل من أجل إعادة التوازن بين حقوق
والتزامات املتعاقدين في حاالت معينة وعلى سبيل الحصر ،كما مر معنا في حالة االستغالل أو الشروط
التعسفية في عقد اإلذعان ،باإلضافة حاالت أخرى كحالة تعديل العقد سبب الظروف الطارئة أو حالة
إعادة النظر في الشرط الجزائي وهي حاالت محددة على سبيل الحصر ،على عكس املشرع الفرنس ي بعد
تعديل 2016والذي كرس توازن العقد كأحد أهم محاور إصالح قانون العقود ،فلقد استحدث املشرع
الفرنس ي بعد تعديل القانون املدني في سنة 2016نص املادة 4 1169والتي تجعل عقد املعاوضة باطل إذا
كما تدخل املشرع الفرنس ي من أجل تحقيق التوازن في العقد في نصوص أكثر خصوصية مثل
نص املادتين 2 1164و 3 1165من التقنين املدني فيما يتعلق بمراقبة الثمن الذي يتم تحديده بصفة
منفردة ،حيث يجوز للقاض ي بحسب الحاالت أن يحكم بالتعويض للمدعي وفسخ العقد عند االقتضاء،
إذا تبين أن الثمن الذي حدده ال يتناسب مع طبيعة السلعة أو الخدمة التي قدمها ،4كما أن املشرع
الفرنس ي اعتبر أن كل شرط في عقد اإلذعان يرتب اختالال واضحا في التوازن بين حقوق والتزامات أطراف
العقد يعتبر كأن لم يكن وهو ما نصت عليه املادة ،5 1171أما املشرع الجزائري فقد ربط الشروط
التعسفية بعقود اإلذعان من خالل القواعد العامة واعتمد على املفهوم التقليدي لعقد اإلذعان الذي
يشترط خاصية االحتكار للطرف القوي في العقد باإلضافة إلى الشروط األخرى ولذلك فقد لجأ املشرع إلى
إصدار العقود املتخصصة ليوسع في الحماية للطرف الضعيف ،وال يقصرها على حاالت محددة على
سبيل الحصر ،كما أن الشروط التعسفية ال يقتصر وجودها على عقود اإلذعان ،فهناك من العقود على
الرغم من أنها ليست عقود اذعان ،إال أنها تحتوي على شروط من شأنها إحداث االخالل الظاهر بين
حقوق والتزامات األطراف ،والتفوق االقتصادي للمحترف لم يعد وحده معيارا لضعف املستهلك ،فقد
أصبح التفاوت في الخبرة واملجال املعرفي أساسا لضعف املتعاقد ،ولذلك فقد لجأ املشرع الى إصدار
العقود املتخصصة ليتدارك القصور الذي يعتري القواعد العامة في القانون املدني وهو ما نتناوله في
املطلب املوالي.
- 1إن صياغة املادة 1170من القانون املدني الفرنس ي جاءت كما يلي:
« Toute clause qui prive de sa substance l’obligation essentielle de débiteur est réputée non écrite ».
- 2إن صياغة املادة 1164باللغة الفرنسية جاءت كما يلي:
« Dans les contrats cadre, il peut être convenue que le prix sera fixé unilatéralement par l’une des parties, à charge pour elle
d’en motiver le montant en cas de contestation ».
- 3إن صياغة املادة 1165باللغة الفرنسية جاءت كما يلي:
« Dans les contrats de prestation de service, à défaut d’accord des parties avant leur exécution, le prix peut être fixé par le
créancier, à charge pour lui d’en motiver le moment en cas de contestation, en cas d’abus dans la fixation du prix, le juge
peut être saisi d’une demande en dommages et intérêts ».
-4بالل عثماني ،املرجع السابق ،ص .109 -108
-5حظر القانون املدني الفرنس ي املعدل الشروط التعسفية في العقود املدنية ،السيما عقود اإلذعان معتبرا أن كل شرط يرد في هذه العقود
يؤدي إلى عدم التوازن الواضح بين الحقوق والواجبات بين أطراف العقد يعتبر غير مكتوب ،علما أن عدم التوازن املبالغ فيه ال يتناول
االلتزام الرئيس ي للعقد أو املقابل املالي لاللتزام.
- 66 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
املطلب الثاني :اللجوء إلى اصدارالعقود املتخصصة ملعالجة عدم التوازن العقدي
ّإن اهتمام املشرع بحماية الطرف الضعيف لم يكن وليد التشريعات الخاصة فحسب وإنما اهتم
املشرع بحماية الطرف الضعيف في العقد منذ أن وضع القانون املدني سنة 1975مثل ما سبق وأن ذكرنا
في حالة االستغالل طبقا النص املادة 90من القانون املدني ،وحالة وجود عقد إذعان يتضمن شروطا
تعسفية ،إال أن الواقع أثبت أن الحماية ضمن القواعد العامة كانت غير كافية لحماية الطرف الضعيف
اقتصاديا واجتماعيا ،فلم يجد املشرع مالذا سوى اللجوء إلى إصدار العقود املتخصصة لتنظيم العالقات
العقدية بقواعد آمرة مستعمال آلية النظام العام الحمائي ،الذي ازدهر مع تزايد التدخل التشريعي في
العقود.
فالعقد الذي كانت تسيطر عليه الحرية العقدية من حيث تكوينه وتحديد آثاره مع مراعاة النظام
العام واآلداب العامة ،أصبح اليوم يخضع لإلرادة التشريعية عن طريق تدخل املشرع في تنظيم العقد من
مرحلة ما قبل التعاقد إلى مرحلة التنفيذ ولقد عبر الفقه عن هذه الظاهرة الجديدة بعيممة
العقد( 1 )publication du contratويقصد بهذه العبارة أن العقد الخاص الذي كان من قبل مقصورا
على اإلرادة الفردية قد تدخلت فيه اإلرادة التشريعية ،ففقد جانبا من طابعه الخاص ،وتعيمم بقدر ما
فقد من ذلك الطابع.
إن العيممة هي ظاهرة جديدة يسعى املشرع من خاللها الى إصدار عقود متخصصة حتى تكون
أكثر فاعلية في تطور الفكر القانوني ،وتحديث النظرية العامة للعقد حتى تستجيب للواقع ،فالظروف التي
وضع فيها القانون املدني سنة 1975لم تعد قائمة ،ولذلك فإنه البد أن يتغير القانون بتغير البيئة ويواكب
التطور الحاصل.
ّإن الهدف الرئيس ي الذي يرمي إليه املشرع من خالل العقود املتخصصة إنما هو إيجاد حماية
للطرف الضعيف عن طريق القواعد اآلمرة التي يتميز بها النظام العام الحمائي الذي يزدهر في ظل العقود
املتخصصة ،ومن بين هذه العقود نجد القانون املنظم لعالقات العمل ،2 11 -90والذي نظم من خالله
املشرع عالقة العمل تنظيما مفصال ودقيقا ،وأبرز فيها حقوق العامل ،كما تولى املشرع تنظيم عالقة
-1لخضر حليس" ،التنظيم القانوني للعقود املدنية" ،مجلة البحوث القانونية والسياسية ،العدد األول ،ديسمبر ،2013 ،ص .82
- 2القانون 11 – 90املنظم لعالقات العمل ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
- 67 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
االستهالك التي تربط املستهلك 1باملتدخل أو املنهي 2بموجب عدة قوانين منها القانون 02 -89امللغى
بموجب القانون 3 03 -09املتعلق بحماية املستهلك وقمع لغش ،والقانون 402-04املتعلق بالقواعد
املطبقة على املمارسات التجارية ..وغيرها من العقود.
إن حماية الطرف الضعيف في العقود املتخصصة يتمثل في إيجاد التوازن العقدي بين األطراف
املتعاقدة ،ويكون ذلك عن طريق آليات قانونية إلعادة التوازن العقدي في ظل انتشار عقود ساد فيها
اختالل التوازن نتيجة لتمتع أحد أطراف العالقة بالقوة االقتصادية واملعرفية بفرضه لشروط تعسفية
حتم على املشرع معالجة التوازن في العقد عن طريق مكافحة هذه الشروط وهذا ما سنتناوله في (الفرع
األول ) ،كما أنه ولتعزيز حماية الطرف الضعيف قام املشرع بفرض التزامات قانونية على املنهي وهو ما
نتناوله في (الفرع الثاني).
سنتناول في هذا الفرع (أوال) مفهوم الشروط التعسفية في عقد االستهالك ،و التدخل التشريعي
ملكافحة الشروط التعسفية (ثانيا) ،ثم التدخل التنظيمي (ثالثا).
نتناول مفهوم الشروط التعسفية من خالل التطرق إلى تعريفها ،و مجالها وذلك كما يلي:
عرف املشرع الشرط التعسفي بموجب القانون 1 02-04بموجب نص املادة 03فقرة 7كما يلي
"شرط تعسفي كل بند أو شرط بمفرده أو مشتركا مع بند واحد أو عدة بنود أو شروط أخرى من شأنه
االخالل الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات أطراف العقد".
-1عرف املشرع املستهلك بموجب املادة 03من القانون ،03 – 09املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش كما يلي" :كل شخص طبيعي أو
معنوي يقتني بمقابل أو مجانا ،سلعة أو خدمة موجهة لالستعمال النهائي من أجل تلبية حاجته الشخصية أو تلبية حاجة شخص آخر أو
حيوان متكفل به".
- 2عرف املشرع املتدخل بموجب املادة 03من القانون 03 – 09ف 7املذكور أعاله أنه " :كل شخص طبيعي أو معنوي يتدخل في عملية
عرض املنتوجات لالستهالك".
- 3املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش ،الذي سبقت االشارة اليه.
-4املؤرخ في 23جوان ،2004املتعلق بتحديد القواعد املطبقة على املمارسات التجارية( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ ،2004/06/27ع ،41ص،)3
املعدل واملتمم.
- 68 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
من خالل التعريف املذكور أعاله يتبين أن املشرع اعتبر أن الشرط يكون تعسفيا بمجرد أنه يؤدي
إلى إحداث اختالل التوازن العقدي ،و تكون هذه الشروط متوافرة في العقود املبرمة بين طرف قوي وطرف
ضعيف ،ال يكون له الحق في مناقشة مضمونها 2 ،وعليه يمكن استخالص الشروط التي تميز الشرط
التعسفي كما يلي:
ب -أن يترتب عن الشرط عدم التوازن أو التكافؤ بين الحقوق وااللتزامات الناشئة عن العالقة العقدية.
3
ج -أن يكون الشرط مكتوبا بصفة مسبقة دون أن يكون للمستهلك أي تأثير في محتوى العقد.
كما أن املشرع لم يقتصر على الحماية من الشروط التعسفية على فئة املستهلكين وإنما مد
الحماية إلى املهنيين أيضا 4في قانون املنافسة كما سيأتي بيانه في الباب الثاني ،غير أن املشرع ربط
الشروط التعسفية بعقود االذعان فقط في عقود االستهالك دون أن يوسع الحماية من الشرط التعسفية
إلى كل العقود بما فيها العقود الرضائية لتكون الحماية فعالة .5
أما بالنسبة للمشرع الفرنس ي فقد مد الحماية من الشروط التعسفية إلى عقود املساومة وقد
سلك املشرع الفرنس ي هذا االتجاه من خالل قانون ،1978وقانون االستهالك سنة 1995بموجب املادة
1-132فقرة 4التي جاء فيها " :هذه النصوص تطبق مهما كان شكل أو أساس العقد ،وتكون على األخص
6
...اشتراطات ،سواء ثم مناقشتها أم ال أو اإلحالة على شروط عامة مقررة سلفا ".
ثانيا :معاييرالشرط التعسفي:
من خالل التعريف السابق للشرط التعسفي فإن املعيار املعتمد لتحديد الشرط التعسفي يتمثل
في معيارين ،معيار تعسف النفوذ االقتصادي ،ومعيار امليزة املفرطة و هذا ما نتناوله تباعا:
- 1املتعلق بتحديد القواعد املطبقة على املمارسات التجارية ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
- 2منبرة جربوعة ،املرجع السابق ،ص .194
- 3عايدة مصطفاوي " ،حماية املستهلك من الشروط التعسفية " ،مجلة االجتهاد القضائي ،العدد الرابع عشر ،أفريل ،2017ص .12
- 4عسالي عرعارة ،املرجع السابق ،ص .173
- 5لقد انتهج املشرع االتجاه التشريعي الذي يحدد الشروط التعسفية بعقود اإلذعان من جاء نص املادة 03فقرة 4من القانون 02-04كما
يلي " :كل اتفاق او اتفاقية تهدف الى بيع سلعة أو تأدية خدمة حرر مسبقا من أحد أطراف االتفاق مع إذعان الطرف اآلخر بحيث ال يمكن
لهذا األخير إحداث تغيير حقيقي فيه" وأكدت هذا التعريف املادة 01املرسوم التنفيذي ،306 – 06املؤرخ في ،2006/9/10املحدد للعناصر
األساسية للعقود املبرمة بين االعوان االقتصاديين واملستهلكين والبنود التي تعتبر تعسفية( ،ج ر الصادرة في ،2006/9/11ع ،56ص ،)16
املعدل واملتمم.
- 6محمد خليفة كرفة ،املرجع السابق ،ص .59
- 69 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
-1معيارتعسف النفوذ االقتصادي:
حاول الفقه وضع بعض الشروط التي تدل على أن الشرط تعسفي وفق معيار التفوق االقتصادي
فبمجرد أن يرتب الشرط عدم توازن جسيم في اتفاق ما فهذه النتيجة تجعل الشرط باطال ،كما أنه يمكن
اعتبار الشرط تعسفيا بالنظر إلى وضعية املنهي في السوق ،ومن جهة أخرى يمكن اللجوء الى وضع
املستهلك لتقدير النفوذ االقتصادي ،فهو الذي ليس له خيارات وغير قادر على مناقشة شروط العقد،
كما أنه يمكن االستدالل على تقدير القوة االقتصادية إذا استعملها املنهي بهدف الحصول على ميزة
مفرطة .1
-2معيارامليزة املفرطةAvantage excessif :
ّ
عرف Glumeامليزة املفرطة أنها " :مقابل مغالى فيه مفروض بواسطة شرط أو عدة شروط
مخالفة للقانون املدني أو القانون التجاري ،وهذا املعيار يعتبر نتيجة للمعيار األول أي هو املحصلة
الستخدام النفوذ االقتصادي بطريقة تعسفية" .
ُ
لقد ُوجه النقد إلى هذا املعيار وأقترح في البداية على الحكومة الفرنسية استعمال عبارة " عدم
التوازن " ثم استبعد ذلك ألنه يثير مسالة الغبن la lésionفرغم الفرق ما يبن الغبن الذي ينصب على
الثمن والتعسف الذي ينصب على شروط تبعية تتعلق بتنفيذ العقد والتي هي ليست ذات طبيعة مالية إال
أن النتيجة تحدث اختالل التوازن بين الحقوق وااللتزامات.
2
إن املشرع الفرنس ي أخذ في تحديد صفة التعسف بكل العقد وكل املالبسات املحيطة به،
أما املشرع الجزائري فقد اعتمد معيار امليزة املفرطة أو االختالل الظاهر بموجب املادة 3من قانون -04
،3 02وهو الذي من شأنه أن يؤدي إلى اختالل التوازن الظاهر بين حقوق والتزامات األطراف.
انتهج املشرع آليات قانونية إلعادة التوازن العقدي معتمدا في ذلك على نظام القائمة ولقد
اعتمدت عدة دول هذا النظام الذي يعتبر أبرز اآلليات القانونية ملواجهة الشروط التعسفية ومنها أملانيا
وفرنسا ولقد سار املشرع على هذا النهج ،وتعتبر أملانيا أول الدول األوروبية التي بادرت بإصدار قانون في
- 1عبير مزغيش ومحمد عدنان بن ضيف" ،الضوابط الحمائية املصوبة الختالل التوازن العقدي في عقود االستهالك التعسفية " ،مجلة
الحقوق والحريات في -في األنظمة املقارنة ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،العدد الرابع ،أفريل ،2017ص .108
- 2املادة 10من القانون املتعلق بالشروط العامة للعقود الصادر بتاريخ .1976/12/09
ّ - 3إن املشرع األملاني حدد الشروط التعسفية الباطلة بقوة القانون وهي القائمة السوداء ولم يعترف للمشرع بالسلطة التقديرية بشأنها أما
الشروط الرمادية أجاز للقاض ي استبعادها.
4
Article 35 de la loi de 10 janvier 1978 qui organisent la lutte contre les clauses abusives: « Dont abusives les clauses qui
apparaissent imposée aux non –professionnels ou consommateurs par un abus de la puissance économique de l’autre
partie et confèrent à cette dernière un avantage excessif ».
- 5ياسين سعدون ،أثر الظروف االقتصادية ،..املرجع السابق ،ص .191
- 6أحمد سيد أحمد وأحمد أبو القاسم ،مجاالت وأهداف حماية املستهلك ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،طبعة سنة ،2018ص .26
- 71 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
بقانون االستهالك يتضمن قائمة بيانية وغير حصرية لشروط يمكن اعتبارها تعسفية إذا توفرت فيها
شروط الشرط التعسفي ،وهي قائمة مستوحاة من التعليمة األوروبية لعام 1993وقد جاءت شاحبة
حسب تعبير األستاذ calais – Auloyألنها تفتقر إلى القوة اإللزامية التي تتميز بها املراسيم ومن جهة
تحمل املدعي عبء إثبات الطابع التعسفي للشرط وفقا لنص املادة 1-132من قانون االستهالك أخرى ّ
ويضم امللحق سبعة عشر نوعا من الشروط التعسفية وتتعلق على الخصوص:
-استبعاد أو تحديد املسؤولية القانونية للمحترف في حالة وفاة املستهلك أو إصابته بأضرار جسمانية
نتيجة عمل أو امتناع صادر عنه.
-استبعاد أو تحديد بشكل غير مالئم الحقوق القانونية للمستهلك قبل املحترف أو جزء منها في حالة عدم
التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ املعيب ألحد التزامات املحترف.
وأخيرا أصدر املشرع قانون 28جانفي 2005املسمى قانون la loi châtelنسبة إلى النائب في
الجمعية الوطنية الذي كلف قبل عامين بمهمة برملانية تتعلق باإلعالم وتمثيل وحماية املستهلكين.1
أما املشرع الجزائري فقد انتهج األسلوب التشريعي والتنظيمي معا في مواجهة الشروط التعسفية،
حيث نص في املادة 29من القانون 02-04املتعلق باملمارسات التجارية على الشروط التعسفية التعاقدية
التي وردت على سبيل املثال 2،ولقد استحدث املشرع لجنة البنود التعسفية بموجب املرسوم 306-06
الذي يحدد العناصر األساسية للعقود املبرمة بين األعوان االقتصاديين واملستهلكين ،وحدد البنود التي
تعتبر تعسفية بموجب املادة 5منه واملالحظ أن بعض الشروط التعسفية أعيد ذكرها في املرسوم
التنفيذي .3306-06
من الشروط التي تعتبر تعسفية حالة احتفاظ العون االقتصادي بحق تعديل العقد أو فسخه
بصفة منفردة بدون تعويض املستهلك والشرط الذي يدرجه العون االقتصادي والذي بمقتضاه ال يسمح
للمستهلك في حالة القوة القاهرة بفسخ العقد إال بقابل دفع تعويض ،وغيرها من الشروط التي نص عليها
بموجب نص املادة 29من القانون .4 02 – 04
رابعا :سلطة القاض ي في تعديل الشروط التعسفية وفقا للقوانين املستحدثة
-1بخال ف املشرع الفرنس ي الذي نص على بطال ن الشرط التعسفي بموجب املادة 131ف 2من قانون االستهالك الصادر في 01فيفري
،1995املنقول عن التنظيم األوربي الصادر في 5أفريل ،1993وهو ما كرسه في املادة 1171بعد تعديل قانون العقود وااللتزامات في سنة
.2016
-2سامي بن حملة" ،إعادة التوازن العقدي بين املستهلك واملتدخل في عقود االستهالك" ،مجلة الباحث للدراسات االكاديمية ،العدد
الخامس ،مارس ،2005ص .98
-3خديجة فاضل ،املرجع السابق ،ص .222
- 73 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
ورود الشرط ضمن عقد االستهالك ،وأن يتعلق بعقود االذعان وأن يؤدي إلى االخالل الظاهر بالتوازن بين
حقوق وواجبات أطراف العقد .1
الفرع الثاني :فرض التزامات إضافية لتدعيم حماية الطرق الضعيف
إن اآللية الثانية التي اعتمدها املشرع من أجل حماية الطرف الضعيف في العقد هي اللجوء إلى
فرض التزامات إضافية على عاتق الطرف القوي في العقد من أجل سالمة رضا املستهلك ،فالتطور
االقتصادي والتكنولوجي الذي شهده العالم منتصف القرن العشرين أفرز ازدحام األسواق بمنتوجات لم
تكن م ألوفة من ذي قبل ،كالسلع االستهالكية واألجهزة املنزلية وغيرها من السلعة واملنتجات ،...ولقد
صاحب هذا التطور في أساليب اإلنتاج والتوزيع زيادة حجم املخاطر التي قد يتعرض لها املستهلكين أثناء
اقتنائهم لهذه السلع واملنتجات ،2وملا كانت القواعد العامة غير كافية لحماية املستهلك من املخاطر التي
قد يتعرض لها 3بسبب جهله لهذه السلع والخدمات ذات التقنيات املتطورة كان لزاما على املشرع أن
يسعى إلى فرض التزامات إضافية على املحترف لتحقيق املساواة بين الطرفين ،فضال عن التفاوت
االقتصادي بين الطرفين والذي سبق وأن تطرقنا له ومن أبرز االلتزامات امللقاة على عاتق املنهي هو
االلتزام باإلعالم ،والذي نشأ من رحم القضاء الفرنس ي الذي كان ينظر إليه بأنه التزام مستقل وهو ما برر
وجوده بهدف مواجهة اختالل التوازن القائم بين املتعامل االقتصادي واملستهلك في املرحلة قبل
التعاقدية ،وذلك في الحاالت التي تعجز فيها القواعد العامة عن تنظيمه ،4وسنتناول هذا االلزام من
خالل مفهومه (أوال) ونطاقه (ثانيا) والجزاء املترتب على مخالفته (ثالثا) .
-1التعريف التشريعي:
بالرجوع الى املرسوم التنفيذي 2 378-13فإنه تطرق إلى تعريف االلتزام حول املنتوجات حيث
نصت املادة 03منه على ما يلي " :إعالم حول املنتوجات كل املعلومة متعلقة باملنتوج موجهة للمستهلك
على بطاقة أو أية وثيقة أخرى مرفقة به أو بواسطة أي وسيلة أخرى بما في ذلك الطرق التكنولوجية
الحديثة أو من خالل االتصال الشفهي ".
بنفس املعنى كرس املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم في قانون حماية املستهلك في املادة ،1/111
التي جاء فيها " :كل محترف بائع املنتوجات أو مقدم خدمات يجب عليه قبل إبرام العقد أن يضع املستهلك
في وضع يسمح له بمعرفة الخصائص األساسية للمنتوج أو الخدمة ". 3
من خالل قراءة نص املادة 17من القانون 03-09واملادة 03من املرسوم التنفيذي 378-13
السابقتين يستنتج منها أن املشرع قد ألزم املحترف بأن يقدم للمستهلك كل املعلومات املرتبطة باملنتوج
(سلعة أو خدمة) املوضوع للتداول في األسواق بغرض االستهالك ولم يشترط أي وسيلة إعالمية لتنفيذ
هذا االلتزام بهدف تشجيع املنهي على االلتزام باإلعالم بأية وسيلة يراها مناسبة بحيث يقبل املتعاقد على
ابرام العقد وإرادته مستنيرة وسليمة وهو على بينة بمحل العقد ،ليبقى له حرية إبرام العقد أو العدول
عنه .4
إال أن القانون املدني الجزائري لم يتطرق إلى هذا االلتزام قبل التعاقد بصورة واضحة بل غلبت
على نصوص القانون املدني العمومية بنصه على التعامل بحسن نية ،األمر الذي قد يؤدي إلى تنصل
املحترف من هذا االلتزام ،مما يتعارض مع أهميته باعتباره ضمانة من ضمانات حماية املتعاقدين خاصة
املبتدئين .2
-2التعريف الفقهي:
من األهمية أن نذكر أن الفقيه الفرنس ي جولجر هو أول من سعى الى االعتراف بااللتزام باإلعالم ،
ونادى بضرورة وجود هذا االلتزام في كل مراحل العقد نظرا ألهميته الكبرى ،وأنه يشكل أحد مظاهر روح
التضامن التي يجب أن تسود في العقود كرد فعل على الحرية الفردية املفرطة التي سادت في ظل املذهب
الفردي ،ولقد أوضح أن الحكمة من فرض هذا االلتزام تكمن في عدم كفاية نظرية عيوب اإلرادة لحماية
املتعاقد الضعيف ،وبما أنها استثناء على األصل فال يجب التوسع في تطبيقها .3
بصدد التأكيد على تكريس االلتزام باإلعالم قبل التعاقد ذهب الفقيه الفرنس ي جستان
Ghestinإلى أن ":االلتزام بإعالم املتعاقد اآلخر بكل ظروف العقد ما هو إال وسيلة جديدة تضاف إلى
الوسائل التقليدية التي تهدف إلى حماية الرضا حتى ال يقوم العقد على رضا غير حر من جانب أحد
طرفيه ،فالرضا ال يكون حرا إال إذا استند إلى حرية كاملة من املتعاقد في تقدير ظروف التعاقد ".4
ثانيا :الطبيعة القانونية لاللتزام باإلعالم
إن أهمية البحث عن الطبيعة القانونية لاللتزام باإلعالم تكمن في معرفة القوانين الواجبة
التطبيق على مثل هذا االلتزام وتحديد نوع املسؤولية املترتبة عن االخالل بهذا االلتزام ،ولقد اختلف الفقه
- 1استحدث املشرع الفرنس ي االلتزام باإلعالم بموجب املادة 1112وذلك بصدد اإلصالحات الجديدة للقانون املدني الفرنس ي سنة 2016
الذي عدل بموجب االمر .31- 2016
- 2مولود حاتم " ،ادراج االلتزام بالتبصير في اصالح القانون املدني الفرنس ي لسنة 2016وأثره على نظرية االلتزام في القانون املدني
الجزائري" ،املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية ،املجدد ،03العدد ،02أكتوبر ،2019ص .78
- 3عمر عبد الفتاح السيد عبد الطيف ،التوازن املعرفي في العقود املدنية ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،طبعة سنة ،2016
ص .38
- 4املرجع نفسه ص .39
- 76 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
حول الطبيعة القانونية لاللتزام باإلعالم فهناك من يرى بأنه التزام ذو طبيعة عقدية (أ) ،وهناك من يرى
أنه التزام غير عقدي (ب).
أ -الطبيعة العقدية لاللتزام باإلعالم:
يستند أنصار هذا الرأي إلى نظرية الخطأ في تكوين العقد ،والتي تعتبر أن االلتزامات السابقة على
التعاقد التزامات عقدية ،ويؤسسون ذلك على قيام املسؤولية العقدية كأثر لألخطاء التي تقع بمناسبة
إبرام العقد وهو ما يؤخذ به القانون السويسري ،كما أنهم يرون أن االلتزام باإلعالم قبل التعاقد يستمد
طبيعته العقدية من العقد الالحق ،وقد استندوا على الحجج التالية:
-عندما يقوم البائع بإعالم املشتري بخصائص املبيع إنما يعلمه بصفته متعاقدا ،ألن عدم تنفيذ البائع
اللتزامه باإلعالم ال يكتشف إال بعد ابرام العقد وأثناء تنفيذه ،وهو نفس الحال بالنسبة للمتعامل
االقتصادي و املستهلك في عالقة االستهالك.
-إن تقرير االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي من شأنه أن يؤدي إلى معالجة بعض القصور الذي يعتري نظرية
عيوب اإلرادة.
-يرى أصحاب هذا االتجاه أنه ينبغي إهمال التفرقة بين االلتزام العقدي وغير العقدي ،وأنه من األفضل
1
بسط الطبيعة العقدية على كل منهما.
ب – الطبيعة غيرالعقدية لاللتزام باإلعالم:
يستند أنصار هذا الرأي إلى أن عدم نشوء عقد بين الطرفين ال يمكن أن يترتب عليه الطبيعة
العقدية لاللتزام باإلعالم قبل التعاقدي ،فااللتزامات غير العقدية يدخل في نطاقها كافة االلتزامات
الواجبة خارج النطاق العقدي ومنها االلتزامات القانونية وشبه العقدية ،وااللتزامات الواجبة اثناء
املفاوضات العقدية وكذلك االلتزامات الناشئة عن واقعة أو فعل معيب ،وهذا ما ينطبق على االلتزام
باإلعالم قبل التعاقدي ،فهو التزام غير عقدي يهدف إلى االدالء بالبيانات الالزمة إلبرام العقد من أجل
تبصير املتعاقد وتنوير إرادته في الفترة السابقة على العقد ،و بذلك فهو يستند إلى أحكام املسؤولية
املدنية ،وال سيما التقصيرية وذلك ألن عدم االدالء بالبيانات الالزمة يعتبر خطأ يوجب املسؤولية
التقصيرية ،ويستوجب الحكم بالتعويض عمال ينص املادة 124من القانون املدني .2
أ -االمتناع عن الكتمان:
رتب املشرع التزاما عاما باإلفضاء بموجب املادة 86من القانون املدني وهو يقع على عاتق املتعاقد
املدين بااللتزام باإلعالم وذلك كلما كانت الواقعة أو املالبسة التي يجهلها املتعاقد معه مؤثرة ،ويلتزم
املتعاقد باإلفضاء على وجه الخصوص كلما تعذر على املتعاقد املدلس عليه التعرف على وقائع ومالبسات
مؤثرة من دون قيام املدلس باإلفضاء له ،كما يتحمل املنهي أو األخصائي أو الفني التزاما باإلفضاء في تعامله
مع من ال خبرة له ،حيث تنص املادة 86من ق م على أنه " :ويعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو
مالبسة إذا ثبت أن املدلس ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه املالبسة ".
لقيام التدليس يشترط أن يتوافر العنصر املعنوي له الذي يتمثل في نية التضليل أو الخداع عند
املدلس وأن يكون الغرض من الحيل املستعلمة بشتى أنواعها خداع املدلس عليه وإيقاعه في غلط يدفعه
للتعاقد ،وهذا ما ال يتوافر في االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم الذي ينبني أساسا على مبدأ حسن النية،
وكذلك األصل في االلتزام باإلعالم يعني االستغناء عن العنصر املعنوي ،ويعتبر املدين بااللتزام باإلعالم قد
أخل بالتزامه بمجرد كتمان البيانات واملعلومات ،مما يترتب عليه إمكانية املطالبة بإبطال العقد
والتعويض بدون حاجة إلى إثبات نية التضليل وهذا الرأي ال يمكن األخذ به ألنه يوسع من دائرة البطالن
3
دون وجود نص قانوني.
ب -االدالء باملعلومات والبيانات:
-1فايزة بولباني ،االعالم كوسيلة لحماية املستهلك ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير ،فرع العقود واملسؤولية ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق،
السنة الجامعية ،2012 -2011 :ص .111
-2فمثال في املجال الطبي يكون حق املري ض في االعالم عن طبيعة العالج من خالل مرحلتين ففي املرحلة األولى يتم هذا االعالم قبل مباشرة
العالج لكي يرض ى املريض بالخضوع لهذا العالج أو يرفضه ،وفي املرحلة الثانية يكون اإلعالم بعد مباشرة العالج ونعني بذلك حق املريض في
االطالع على ملفه الطبي ،وأن يسعى الطبيب إلفادته بمعلومات واضحة وصادقة بشأن أسباب كل عمل طبي ،مع ضرورة األخذ بعين االعتبار
شخصية املريض خالل توضيحاته ،وعليه أن يفهمه ذلك في املرحلة األولى أي قبل العالج ،وبعد مباشرة العالج يكون حق املريض في اإلعالم
بامللف الطبي الخاص به ويشمل العديد من الوثائق أهمها وثيقة االستشفاء والرضا املكتوب إذا كان يقرره القانون ونتائج التحاليل ...إلخ،
يراجع في هذا الخصوص :سليمان حاج عزام " ،حق املستهلك في اإلعالم والرضا في املجال الطبي – التزام الطبيب بإعالم املريض وتلقي رضاه
نموذجا ،-مجلة الحقوق والحريات ،العدد الرابع ،أفريل ،2017ص .258 ،256
-3أحمد بورزق ،املرجع السابق ،ص .180
-4عادل عميرات " ،االلتزام العون االقتصادي باإلعالم" ،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،العدد ،13جوان ،2016ص .241
- 80 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
املترتب على مخالفة االلتزام باإلعالم تقتض ي التطرق إلى الجزاء املدني ضمن القواعد العامة للعقد (،)1
ثم التطرق إلى العقوبات املقدرة بموجب لقانون .)2( 1 03-09
-1الجزاء املدني املترتب عن االخالل بااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي:
إن غياب نص صريح وعام يكرس االلتزام باإلعالم ضمن القواعد العامة يستوجب الرجوع إلى
القواعد العامة للمسؤولية وهو ما تناوله اتباعا:
أ -ابطال العقد استنادا إلى نظرية عيوب إلرادة:
إن طلب إبطال العقد استنادا إلى نظرية عيوب اإلرادة تقتض ي تأسيس طلب إبطال العقد على
الغلط والتدليس الرتباطها الوثيق بااللتزام باإلعالم.
-الغلط:
قد يؤدي اخالل املنهي بااللتزام باإلعالم إلى إيقاع املستهلك في غلط نتيجة املعلومات املضللة التي
قد قدمها له أو لعدم ذكر بعض املعلومات الهامة ،2وعليه فإنه يجب على املستهلك أن يثبت أنه وقع في
غلط معين وأن يثبت جوهرية املعلومات التي وقع بشأنها الغلط ،سواء كان الغلط في صفة جوهرية
للش يء 3 ،أو في ذات املتعاقد أو في صفة من صفاته ،4ويكون للمستهلك في هذه الحالة املطالبة بإبطال
العقد على أساس الغلط استنادا لنص املادتين 82-81من ق م.
-التدليس:
يمكن للمستهلك املطالبة بإبطال العقد للتدليس 5إذ أن االخالل بااللتزام باإلعالم هو أحد حاالت
التدليس بالكتمان لكن يبقى على من وقع في التدليس أن يثبت نية التضليل ،ألن التمسك بإبطال العقد
على أساس الكتمان التدليس ي الذي يرتب اإلخالل بااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي دون إثبات نية
التضليل يوسع من دائرة البطالن ،ولذلك يرى األستاذ حسن جميعي أن استقاللية االلتزام باإلعالم قبل
التعاقدي يقتض ي أن يتبنى املشرع حق املستهلك في املطالبة بإبطال عقد االستهالك بمجرد االخالل
بااللتزام وبدون حاجة إلى االستناد إلى النظريات التقليدية في الغلط والتدليس اللتان تقيدان حق
املستهلك في طلب اإلبطال .6
إن التدخل التشريعي في العقود عن طريق مكافحة الشروط التعسفية وكذا فرض االلتزامات
اإلضافية على عاتق الطرف القوي الذي غالبا ما يكون املنهي إنما يهدف إلى تكريس الحماية للطرف
الضعيف عن طريق فرض قواعد قانونية آمرة تمثل النظام العام وذلك من أجل إعادة التوازن العقدي
وتحقيق العدالة العقدية ،فلم تعد الحرية العقدية أساس القوة امللزمة للعقد ،وإنما ظهر مفهوم جديد
للقوة امللزمة للعقد وهو ما سنتناوله في املبحث التالي.
-1القانون ،09 -18املؤرخ في 25جوان ،2018يعدل ويتمم القانون ،03 - 09املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش( ،ج ر ،الصادرة في 13
جوان ،2018ع ،35ص .) 5
- 2علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .197
-3يراجع نص املادة 60من املرسوم التنفيذي ، 378-13املؤرخ في 9نوفمبر ،2013يحدد الشروط والكيفيات املتعلقة بإعالم املستهلك( ،ج ر ،
الصادرة في 18نوفمبر ،2013ع ،58ص.)8
-4يراجع نص املادة 61من نفس املرسوم.
- 5يراجع نص املادة 62من نفس املرسوم.
- 84 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
- 85 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
املبحث الثاني :املفهوم الجديد للقوة امللزمة للعقد
إن أساس القوة امللزمة للعقد وفقا للمفهوم التقليدي كان يقوم على حرية التعاقد ،فقد كان
لإلرادة الدور املطلق في تكوين العقد وتحديد آثاره وال يحد من هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى فكرة
النظام العام ،وهذا ما جسده املذهب الفردي.
إن مبدأ سلطان اإلرادة بمفهومه التقليدي جسد فكرة أن كل ما هو عقدي فهو عادل وبالتالي
فإنه متى تعاقد الشخص وارتبط اإليجاب بالقبول وكان رضاؤه صحيحا نشأ العقد ،وترتبت عليه آثار
تكون ملزمة ألطرافه وال يجوز للمشرع وال القاض ي التدخل لتعديله ،فالعقد يعتبر صحيحا حتى ولو كان
غير متوازن بمجرد أن الشخص تعاقد بحرية ،فكان الدور مطلق لإلرادة في تكوين العقد وتحديد آثاره،
ووفقا لهذا املبدأ ال يمكن تصور شخص قد قبل التزاما على نفسه بعقد ال يتوافق مع مصلحته ،وأساس
هذه العالقة العقدية هو املساواة املجردة ،التي تقوم على املساواة الحسابية املطلقة النابعة من إرادة
األفراد وهي تمثل العدل التبادلي ،وال يؤخذ فيها بعين االعتبار الظروف االقتصادية واالجتماعية لألفراد،
كما أن العقد كان يهدف إلى تحقيق املصالح الخاصة واملتضاربة مع الطرف اآلخر.
غير أن التعاقد الحديث وما نتج عنه من اختالل في التوازن العقدي أدى إلى ظهور أفكار فلسفية
تؤسس ألفكار جديدة للقوة امللزمة للعقد ،حمل لوائها املذهب االجتماعي الذي تبنى فكرة العدل التوزيعي
القائم على املساواة الواقعية أو النسبية ،واألخذ باالعتبارات والظروف والقدرات الخاصة لكل فرد عند
تقرير الحقوق والواجبات ،فالتوزيع للثروات واملزايا واألعباء يكون عادال ألنه يأخذ بعين االعتبار ظروف
األفراد فهو عدل يجسد عالقة األفراد بالجماعة ،أي عدل يجب للفرد على الجماعة ولذلك أطلق عليه
العدل التوزيعي.1
أصبح املشرع يتدخل لسن القواعد اآلمرة عن طريق النظام العام الحمائي لتجسيد حماية
الطرف الضعيف في العقد وإعادة التوازن العقدي ،واألخذ بالظروف االقتصادية واالجتماعية لألطراف
املتعاقدة ،فتم االنتقال من فكرة املساواة املجردة التي تقوم على أساس العدل التبادلي إلى فكرة املساواة
إن تدخل املشرع في تنظيم العقد يهدف إلى تحقيق السياسة التشريعية للمشرع وهي تحقيق
املصلحة العامة ،ولذلك كان البد أن يستجيب العقد للمنفعة االجتماعية ،عن طريق خضوعه للقواعد
اآلمرة التي يقررها املشرع وهو ما يجسد العدالة العقدية كأساس جديد للقوة امللزمة للعقد وهو ما نتناوله
في (املطلب األول) ،كما أنه ومن أ جل تكميل العدالة العقدية ال بد من إدخال القواعد األخالقية على
املفهوم العقدي وهو ما نتناوله في (املطلب الثاني).
إن دراسة العدالة العقدية كمفهوم جديد للقوة امللزمة للعقد يقتض ي التطرق إلى ماهية العدالة
العقدية في (الفرع األول) ،واألساس الذي تقوم عليه في (الفرع الثاني).
إن أساس العدل التبادلي يقوم على أساس تساوي األفراد في الحقوق وااللتزامات وهو من نتاج
مذهب سلطان اإلرادة ،الذي قام على أساس املساواة املجردة بين األفراد ،والتي ال يؤخذ فيها بالظروف
االقتصادية واالجتماعية فالفرد عندما يتعاقد فمن غير املتصور أن يتعاقد الشخص بما يخالف
مصلحته ،وهذا هو األساس الذي يقوم عليه العدل التبادلي.2
يسمى العدل التبادلي بالعدل التصحيحي ألنه يصحح االختالل في الذمة املالية الناتجة عن انتقال
األموال من ذمة إلى ذمة ،أو الناتجة عن عمل غير مشروع .3
إن التحوالت االقتصادية واالجتماعية للمجتمع سرعان ما أثبتت أن املساواة املجردة بين األفراد
في عالقاتهم العقدية التي تجسد مبدأ سلطان اإلرادة أصبحت غير مجدية في ظل اختالل التوازن العقدي،
-1وفي هذا الشأن يقول مونتيسكيو " :الناس في الحالة الطبيعية يولدون متساوين ولكنهم ال يستطيعون البقاء على هذه الحال فاملجتمع
يفقدهم املساواة و ال يعودون متساوين إال بالقوانين" ،نقال عن حفيظ دحمون ،املرجع السابق ،ص ، 4الهامش .1
-2حفيظ دحمون ،املرجع السابق ،ص .4
-3نساخ فاطمة ،املرجع السابق ،ص .175
- 87 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
وظهور طرف قوي وطرف ضعيف في العالقات العقدية وبالتالي أصبحت مقولة أن من قال عقدا قال
عدال غيرصحيحة.1
نتيجة لذلك بدأ املشرع يتدخل في تنظيم العالقات العقدية لتحقيق التوازن العقدي وذلك عن
طريق العدالة التوزيعية التي توزع فيها الحقوق والواجبات على أفراد املجتمع على أساس ما يستحقه كل
فرد بالنظر إلى ظروفه االقتصادية واالجتماعية ،وهنا تكون املساواة تناسبية وليست مساواة مطلقة.2
إن تدخل املشرع في العقد بفرض شروط تعاقدية إللزامية العقد هو تحقيق للمساواة الفعلية
التي قد تغيب أثناء إبرام العقد وذلك للفروق الطبيعية واالجتماعية املتأصلة بين الطرفين ،وهكذا فإن
عدالة العقد تظهر من خالل شروط العقد املبرم بين الطرفين ،فيكون العقد عادال تبعا لعدالة األداءات
املتبادلة للمتعاقدين ،ويعتبر العقد في هذه الحالة أداة لتحقيق منافع متبادلة ومتكافئة إلى حد ما بين
طرفيه 3،وإذا كانت قواعد العدالة تقتض ي وجود توازن بين االلتزامات املترتبة عن العقد بغض النظر عن
إمكانية عدم التكافؤ االقتصادي للطرفين خارج نطاق العقد ،فإنها تقتض ي من باب أولى التعادل في
املنافع التي يجنيها أطراف العقد ،وعليه فإن جوهر العدالة العقدية هو تحقيق منفعة مادية للمتعاقد،
تتناسب مع األداء املطلوب القيام به.4
ملا كان العقد واقعة اجتماعية فإنه البد أن يكون في خدمة املجتمع ،أي خضوع العقد ملا يقرره
املشرع لصالح املنفعة العامة باإلضافة إلى تحقيق املنفعة الخاصة ،والفلسفة النفعية هي من دعت إلى
انتهاج املنفعة العامة واعتبارها كمعيار للمنفعة العقدية ،5وبمعنى آخر تكون املبادالت نافعة اجتماعيا
طاملا كانت متوافقة مع املنفعة العامة ،ولعل خضوع املتعاقدين للنظام العام هو ما يجسد املنفعة
العامة.6
-1تنسب هذه املقولة إلى الفقيه األملاني fouilleولقد تعرضت لنقد الذع من طرف الفقيه األملاني أهرنج Iheringالذي صرح قائال" :إن القول
بأن اتفاق اإلرادتين يكون بالضرورة عادال هو بمنزلة إعطاء ترخيص بالصيد للقراصنة وقطاع الطرق وتقرير حقهم في االستيالء على كل ما
تقع عليه أيديهم" ،نقال عن صديق شياط ،املرجع السابق ،ص ،195الهامش .1
-2سماح جبار ،القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة نيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبي بكر
بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،2018-2017 :ص .30
-3سماح جبار ،املرجع السابق ،ص .30
-4جمعة زمام ،العدالة العقدية في القانون الجزائري ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة
الجامعية ،2014-2013 :ص .89
-5جمعة زمام ،املرجع السابق ،ص .88
-6جمعة زمام ،املرجع السابق ،ص .88
- 88 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
نتيجة لذلك تم التحول إلى مفهوم جديد للقوة امللزمة للعقد ،فاملفهوم التقليدي للقوة امللزمة
للعقد القائم على أن" :العقد شريعة املتعاقدين ال يجوز نقضه وال تعديله إال باتفاق الطرفين أو
لألسباب التي يقررها القانون" 1لم يعد يتالءم مع املستجدات التي فرضها الواقع االقتصادي واالجتماعي،
وفي هذا السياق يرى " 2 "Kelsenأن مضمون العقد يستمد قوته امللزمة من إرادة املشرع وهذا ما
استوجب أن يكون العقد نافعا وعادال ،3وهو ما دفع بالفقيه Ghestinإلى ربط تحقق القوة امللزمة للعقد
بشرطي املنفعة والعدل ،فالعقد ملزم كلما توافقت إرادة األطراف املتعاقدة مع إرادة املشرع لتحقيق
4
العدالة العقدية التي تقوم على فكرة النافع والعادل.
من التطبيقات التي يظهر فيها مفهوم العدالة التعاقدية هو ما يفرضه املشرع من التزامات على
األشخاص املتعاقدة لم تتجه إليها إرادتهم التعاقدية ،كااللتزام باإلعالم 5وااللتزام بالسالمة ،6فهي التزامات
تقتض ي حصول كل متعاقد على املنفعة املقصودة من العقد بما يتناسب مع ما يحصل عليه املتعاقد
اآلخر ،وكذلك من التطبيقات التشريعية للعدالة العقدية هو حظر الشروط التعسفية في عقود اإلذعان
وعقود االستهالك كما مر معنا ،7وبالرجوع إلى التعديل الذي مس القانون املدني الفرنس ي فإن املشرع
الفرنس ي توجه إلى ربط القوة امللزمة للعقد بالتوازن العقدي من خالل حظر الشروط التعسفية في العقود
املدنية السيما عقود اإلذعان ،معتبرا أن كل شرط يرد في هذه العقود ويفض ي إلى عدم التوازن الواضح بين
-1نصت على هذا املعنى املادة 106من ق م ،والتي تقابلها املادة 1103واملادة 1193من القانون املدني الفرنس ي املعدل ،بحيث أعاد املشرع
الفرنس ي التموضع القانوني لهذا املبدأ ووضعه ضمن املبادئ العامة التي تحكم العقد وليس كما كان سابقا مبدئا فرعيا يتناول تحديد قوة
العقد ضمن القسم املخصص للبحث في آثار العقد ،ولقد أضفى على املبدأ العديد من الجوانب الحداثية التي تهدف إلى تحقيق األمان
التعاقدي لطرفي العقد سواء أثناء انعقاد العقد أو تنفيذه ،ضمانا للتوازن العقدي بين طرفيه ،يراجع في هذا الخصوص محمد عرفان
الخطيب" ،املبادئ املؤطرة لنظرية العقد في التشريع املدني الفرنس ي الجديد دراسة نقدية تأصيلية مقارنة" ،مجلة كلية القانون الكويتية
العاملية ،السنة السابعة ،العدد ،2العدد التسلسلي ،26يونيو ،2019ص .215
-2هانز كلسن فقيه نمساوي وفيلسوف قانوني وسياس ي وهو صاحب النظرية الهرمية في القانون الوضعي ،نقال عن علي فيصل علي
الصديقي ،املرجع السابق ،ص .233
-3جمعة زمام ،العدالة العقدية ،...املرجع السابق ،ص .88
-4املرجع نفسه ،ص .88
-5يراجع االلتزام باإلعالم في املبحث األول من هذا الفصل.
-6كرس املشرع حماية األفراد بإقراره مبدأ االلتزام بضمان السالمة سواء استنادا إلى املسؤولية العقدية أو املسؤولية التقصيرية ،وهو التزام
ذو طبيعة خاصة وفقا ملا نصت عليه املادة 140مكرر من القانون املدني حيث أنه متى لحق الشخص ضرر بسبب عيب في املنتوج لزم
املتدخل بالتعويض ويستند االلتزام بضمان السالمة إلى قواعد املسؤولية التقصيرية إذا لم توجد عالقة تعاقدية مباشرة ،يراجع في هذا
الخصوص :حسين بطيمي ونصيرة غزالي" ،طبيعة وأساس االلتزام بضمان السالمة" ،مجلة الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة عمار تليجي،
األغواط ،الجزائر ،العدد الثالث عشر ،مارس ،2017ص .65
-7يراجع في هذا الخصوص ،حظر الشروط التعسفية التي تم التطرق اليها في املبحث األول من الفصل الثاني من الباب األول.
- 89 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
الحقوق والواجبات بين أطراف العقد يعد غير مكتوبا ،مع مراعاة استثناء أن ال يكون عدم التوازن املبالغ
فيه يتناول موضوع العقد أو املقابل املالي لاللتزام.1
كما أن القانون املدني الفرنس ي املعدل أدخل إلى نصوصه فكرة اإلكراه االقتصادي والتي يرجع
تسميتها إلى الفقه وهي تستند إلى فكرة التبعية التي يكون فيها أحد املتعاقدين متعسفا من وضع التبعية
التي يوجد فيها املتعاقد اآلخر وذلك للحصول منه على التزامات لم يكن ليحصل عليها في غياب هذه
التبعية ،2و رتب املشرع على العقود التي تحتوي على حالة التبعية أو اإلكراه االقتصادي أنه يمكن في هذه
الحالة املطالبة بفسخ العقد بناء على دعوى قضائية وال يعتبر الشرط بحكم العدم بقوة القانون.3
إن املشرع الفرنس ي وحرصا منه على تحقيق العدالة العقدية فقد كرس القانون املدني املعدل
العقود اإلطارية التي بموجبها يكون بإمكان الطرفين االتفاق على أن يحدد الثمن بشكل أحادي من قبل
أحدهما مع تعهد هذا األخير بتبرير هذا املبلغ وفي حال االعتراض أو وجود تجاوز في تحديد الثمن فيمكن
للطرف املتضرر املطالبة القضائية بالتعويض نتيجة املبالغة في تحديد املقابل وفسخ العقد عند
االقتضاء.4
كما أن القانون املدني الفرنس ي بموجب التعديل كرس تحقيق العدالة العقدية من خالل إعطاء
الحق القانوني بإعادة التفاوض حول بنود العقد في حال حدوث ظروف طارئة تجعل تنفيذ االلتزام مرهقا
بالنسبة ألحد طرفيه ،فلهذا الطرف الذي ال يقبل تحمل هذه املخاطر أن يطالب بإعادة مناقشة بنود
العقد مع االستمرار في تنفيذ العقد وفي حال فشل املفاوضات فلهم الحق في فسخ العقد وفق الشروط
واملدة املتفق عليها ،أو أن يطلبوا من القاض ي إعادة تحديث العقد مع الظروف املستجدة ،ويمكن ألحد
األطراف أن يطلب من القاض ي إنهاء العقد أو تعديله بالتاريخ والشروط التي يحددها القاض ي 5،وبذلك
يكون القانون املدني املعدل قد تبنى نظرية الظروف الطارئة بعد أن أرس ى االجتهاد القضائي قواعدها
الخاصة.6
انتهج املشرع أفكار الفقيه 1Ghestinفي العديد من التطبيقات القانونية التي تجسد مبدأ العادل
والنافع في العقد ،وعليه فإن القوة امللزمة للعقد تقوم على أساس النافع في العقد (أوال) والعادل في العقد
(ثانيا).
نتطرق إلى فكرة النافع في العقد من خالل بيان مدلولها وتأصيلها القانوني وإعادة إحيائه من قبل
االقتصاديين وذلك كما يلي:
تقوم فكرة "النافع" في تحديد مضمون العقد على أن العقد بوصفه وسيلة من وسائل التبادل
االقتصادي بين األفراد ال يمكن لقواعده أن تبقى جامدة وبعيدة عن تطور البيئة العقدية وإال أصبح
وسيلة بدون جدوى ،ولقد تأثر القضاء الفرنس ي في إطار جهوده في توسيع مضمون العقد بأمرين أولهما أن
العقد قد تطور وتوسع نطاقه فلم يعد مجرد وسيلة إلشباع الحاجات البسيطة بل أضحى وسيلة مهمة
لتبادل السلع والخدمات املتطورة ووسيلة يجب أن تسخر لخدمة الجماعة فلقد تحولت النظرة ما بين
املتعاقدين من البحث عن املصلحة الشخصية لكل منهما ومحاولة الحصول على املنافع إلى ضرورة سيادة
روح التعاون فيما بينهما بما يسهل الوصول إلى أقص ى املنافع التي يحققها ،لذا أصبح كل منهما ملتزم اتجاه
اآلخر بواجب التعاون املثمر ،واألمر الثاني هو التقدم التقني والذي أدى إلى ظهور التباين في املراكز
االقتصادية وعنصر املعرفة التقنية ،فأصبح الطرف الضعيف خاضع لشروط وإرادة الطرف اآلخر مما
استدعى تدخل القضاء إلعادة التوازن في املضمون العقدي ،وذلك بإضافة عدد من االلتزامات على عاتق
الطرف القوي ملصلحة الطرف الضعيف.2
تعرف املنفعة بكل ما يعبر عن التحصيل بجلب املنفعة ودفع املضرة ،ويرى جانب آخر من الفقه
أن املنفعة ترتكز على الجانب املادي ،في حين يرى الرأي الغالب من الفقه بعدم مالية املنافع وأنها ال تقوم
إال بالعقد أو بشبه العقد.2
تعود فكرة املنفعة إلى الجذور الفلسفية املسماة "النفعية" Utilitarismeواملنسوبة إلى Germy
،Benthamوالذي يرى أن كل التصرفات واألفعال يجب أن تحكم وتقرر بأكبر قدر من السعادة ألكبر
عدد من األفراد ،وبذلك يتم قبول أو رفض أي فعل باعتبار ما يزيد أو ينقص من سعادة الجماعة.3
تتنوع املنفعة العقدية من حيث مظاهرها فقد تكون خاصة باملتعاقد ذاته وهي حاجته الشخصية
التي يهدف إلى الحصول عليها ،فإذا لم تتحقق املنفعة من العقد ألحد طرفيه ال نكون أمام تطبيق من
تطبيقات العدالة التعاقدية ،4ألنه يمكن أن يؤدي إلى بطالن العقد على أساس عدم تحقق السبب.5
املنفعة العامة تعني أن يتضمن العقد تبادل للقيم ويجب أن يكون التبادل نافعا اجتماعيا ،أي أن
تتوافق اإلرادة مع املنفعة العامة التي يحميها النظام العام بموجب القواعد اآلمرة التي تهدف إلى حماية
الطرف الضعيف وال يؤخذ القانون الوضعي في االعتبار إال هذه األخيرة ،6أما طبيعة املنفعة في العقد
التبادلي فقد تكون اقتصادية أو اجتماعية ،فاملنفعة االقتصادية تتمثل في تناسب األداءات بين األطراف
املتعاقدة ،أما املنفعة االجتماعية تعني عدم اقتصارها على مصلحة املتعاقد وإنما تمتد إلى العقد ككل
وما يحققه للمجتمع.7
خالل القرن الخامس عشر بسط الفقهاء بعقالنية هذا التصنيف وبرزت فكرة أن مضمون العقد
يمثل تبادال للرضا ،بعد ما كان املفهوم السابق يعني تبادال اقتصاديا للقيم ال يتم إال باالداءات املتبادلة
لألطراف ،غير أن الفقيه الفرنس ي دوما Domatقدم في القرن السادس عشر تصنيفا واحدا للعقود وهو
عقود عوض أو تبرع وربط عقود العوض بمفهوم تبادل اآلداءات ،مما أوقع Domatفي لبس ألنه كان
يعتمد على فكرة الرضائية ،وهو املفهوم الذي انتهجه واضعوا القانون املدني الفرنس ي ،فتم املحافظة على
عقود العوض التبادلية وفق معنى ضيق حيث يتجلى في تبادل اإلرادات وهو ما أفقد العقد أهميته
االقتصادية.3
إن املفهوم القانوني لفكرة األداءات َ
قص َر فكرة التبادل في نطاق تبادل اإلرادات التعاقدية ،وهذا
الفهم ال يسع ليشمل أساس موضوعي ولكن كيف نظر االقتصاديون إلى فكرة التبادل؟ هل هي تبادل
آداءات أم كما نظر إليها رجال القانون وعلى رأسهم Domatتبادل إرادات؟
بداية من القرن الثامن عشر أعاد االقتصاديون االعتبار ملفهوم التبادل فالشخص الذي يتعاقد
وفقا لتعبير إرادته يعتبر مبادال ،وهو شخص له حاجات ورغبات أكثر مما هو كائن له في إرادته ،فالتبادل
ليس نقال متبادال ومجردا للحاجات وإنما نقال للقيم ،فالحاجة لم تعد موجودة بذاتها وإنما بكونها قيمة
استعمال يكتسبها الشخص أو يتخلى عنها.1
يؤكد القائلون بالتحليل االقتصادي للقانون بأن مبدأ حرية التعاقد هو مبدأ لحرية التبادل الذي
يمثل أحد معطيات الحياة االقتصادية وال وظيفة لقانون العقود دون مصاحبة هذه املعطيات ،وينظر
بعض فقهاء القانون الفرنسيين أمثال Demolombeو Aubryو Rauوالعميد Mauryإلى تبادل
االلتزامات من زاوية اقتصادية مبنية على التوازن املوضوعي أو الذاتي للقيم املتبادلة ،فالعقد ليس في
نهاية املطاف سوى تبادل قيم ويظهر جليا في عقد البيع.2
أثر التحليل االقتصادي على الفقه واالجتهاد القانوني والنص التشريعي في مسألة التبادل ويظهر
ذلك من خالل وصف العقد باملبادلة االقتصادية ،فقد اعترف املشرع بالعقد التبادلي حيث نص في املادة
55من ق م على أنه" :يكون العقد ملزما للطرفين متى تبادل املتعاقدان االلتزام ببعضهما البعض" ،3
فالعقد التبادلي هو الذي يرتب التزامات متقابلة ومرتبطة بعضها ببعض ،بحيث يكون كل متعاقد دائنا
ومدينا بالنسبة للمتعاقد اآلخر ،فالبائع مدينا بنقل ملكية املبيع إلى املشتري وهو في نفس الوقت دائنا له
"بسبب ما التزم به" بثمن هذا املبيع ،وفي املقابل يكون املشتري مدينا للبائع بثمن املبيع ،ودائنا له بنقل
ملكية املبيع ،4وهذا وجه من األوجه التي أكدها Ghestinعندما ربط القوة امللزمة للعقد بمصدرها
التبادلي أي املنفعة املتبادلة ،وهو ما يعبر عن الوظيفة االقتصادية للعقد 5وهذا ما فسره األستاذين
Mauryو Demolombeفي تعريف العقد بأنه "عملية اقتصادية مبنية على التوازن املوضوعي أو الذاتي
للقيم املتبادلة".6
يقول الفقيه الفرنس ي Ghestinأن عبارة sunallagmaالتي تعني العقد أكثر دقة من الكلمة
الالتينية contractusالتي طاملا دلت على معنى "التبادل" ،حيث أن تبادل االلتزامات في مضمون العقد
تتميز به العقود امللزمة للجانبين عن طريق تبادل األموال والخدمات ،وهو الوظيفة االقتصادية للعقد،
فأصبح العقد " تبال أداءات أكثر مما هو تبادل للرضا" ،وإذا كان األمر كذلك في العقود امللزمة للجانبين
فكيف نفسر العقود امللزمة لجانب واحد أي عقود التبرع؟.2
إن عقد الهبة يفترض عمليا احترام أشكال خاصة مما يعني أنها ليست مجرد اتفاق ارادات ،وهو
ما ذهب اليه الفقيه Ghestinحيث اقترب في مفهوم عقود التبرع من النظم األنجلوسكسونية التي تؤسس
العقود التبرعية على عنصر الشكل الرسمي ،فيستمد عقد الهبة أساسه من عنصر الشكل وليس على
أساس املقابل ،ألن اتفاق اإلرادات في عقود الهبة يعتبر أمرا وهميا ،إال أنه ال يجب أن نأخذ بهذا املفهوم
على إطالقه فإلرادة املوهوب له دور في رفض الهبة أو املطالبة بها ،فاتفاق اإلرادتين موجود أيضا وعليه
فإن عقود الهبات في النظم األنجلوساكسونية ليست مصنفة ضمن عداد العقود وتستمد قوتها امللزمة
من عنصر الشكل.3
إن العقد ال يحقق العدالة العقدية بين طرفيه إال إذا كان نافعا وعادال وبعد أن تطرقنا إلى فكرة
الن افع في العقد ،بقي العنصر الثاني من عناصر العدالة العقدية وهو العادل في العقد ،أو عدالة القيمة
األصل هو حرية الطرفين في تحديد الثمن تكريسا لحرية املنافسة إال أنه ومع ذلك يجب التحقق
من صياغة شرط الثمن للوقوف على مدى عدالته ،حيث يمكن القول بعدم مشروعيته إذا تبين من
ُ
صياغته أنه فرض من خالل التسلط االقتصادي ألحد الطرفين بحيث استطاع بذلك فرض ثمن ال يملك
الطرف اآلخر إال قبوله وعدم مناقشته.2
إن تكوين عقد الشركة يتطلب ركن "نية املشاركة" التي تعبر عن موقف نفس ي يدفع الشركاء إلى
االتحاد والتعاون من أجل استغالل مشروع الشركة ،فإذا اشترط أحد الشركاء بما لديه من هيمنة
اقتصادية أن ال يشترك في تحمل الخسائر مع احتفاظه بحقه في األرباح سمي الشرط هنا بشرط األسد
والشركة "بشركة األسد" ،3كما أنه ومن أوجه شرط األسد أيضا أن يشترط أحد الشركاء أن ال يساهم في
أرباح الشركة أو في خسائرها وهو ما يترتب عليه بطالن عقد الشركة ،النعدام نية املشاركة مع اقتسام
األرباح والخسائر.4
مما يعني أن العدالة العقدية تقوم عل فكرتي النافع والعادل في العقد ويظهر ذلك من خالل
اعتمادها على املساواة الفعلية بين األفراد التي يجسدها العدل التوزيعي وذلك لتحقيق التوازن العقدي في
إن فكرة حسن النية كمفهوم أخالقي ظهرت في النظم القانونية عامة وتطورت في نظرية العقد على
وجه الخصوص وذلك في إطار تكريس العدالة العقدية أو ملا سماها بعض الفقهاء بـ "املقتضيات أو
1
املتطلبات االجتماعية األخالقية ،بحثا عن القيم التعاقدية".
ويعتبر القانون املدني الفرنس ي الصادر سنة 1804أكثر القوانين في النظام الالتيني الذي كان له
الفضل في ارساء مبادئ حسن النية والتي تأثرت بها العديد من القوانين املقارنة كالقانون املدني الجزائري
والقانون املدني املصري ،ولقد كان للفقه الفرنس ي 2األثر الكبير في االعتراف القانوني بااللتزام بحسن
3
النية في تنفيذ العقد من خالل املادة 1134في فقرتها الثالثة من القانون املدني الفرنس ي قبل التعديل
وبذلك أصبح مبدأ حسن النية مفهوما أساسيا في نظرية العقد.4
اعترف املشرع الفرنس ي بمبدأ حسن النية بموجب املادة 1134في فقرتها الثالثة على الرغم من
النزعة الفردية التي كانت تميز العقد القائم على مبدأ سلطان اإلرادة وحرية اإلرادة التي تجسد تضارب
املصالح ،مما يؤكد عدم تجاهل املشرع الفرنس ي ملبدأ حسن النية بصفة مطلقة وذلك باعتباره التزاما
قانونيا يقع على عاتق املتعاقدين أثناء تنفيذ العقد ،5إال أنه وسع من نطاق هذا االلتزام ليشمل كل مراحل
العقد ،أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد قصر االلتزام بمبدأ حسن النية على مرحلة التنفيذ.6
إن مبدأ حسن النية في العقود يعني إصباغ العقد بالقيم األخالقية ولذلك كان من الصعب
تحديد مفهوم لها ،وهو مبدأ أخالقي فلسفي يصعب حصره وتحديده ويستند إلى أساس أدبي وينطوي على
االستقامة لفرض القيام بالتزام األدب والعدالة ،3ويحمل عدة معان كاالستقامة وعدم التعسف في
استعمال الحق واإلخالص عند تولي إدارة أعمال الغير واإلنصاف وعدم اإلضرار بالغير وعدم اإلثراء الغير
املشروع على حساب الغير.4
إن الفقيه Ripertيرى أن حسن النية هو أحد الوسائل التي يستخدمها املشرع واملحاكم إلدخال
القاعدة األخالقية في القانون الوضعي ،5ويقول الفقيه Ghestinأن حسن النية بهذه الصفة يتمثل في
مفهوم موحد واملقصود في جميع األحوال أن يؤخذ في الحسبان مسلك معين غير أنه باختراقه للتقنية
القانونية يفقد وحدته مما يجعل له تعاريف متعددة بقدر التطبيقات الخاصة بهذا املفهوم.6
وبذلك كان من الصعب تحديد مفهوم ملبدأ حسن النية ،فهناك من الفقه من حاول إعطائه
مفهوما شخصيا وهناك من جعل له مفهوما موضوعيا وهو ما سنتناوله في (الفرع األول) ،كما أن مبدأ
حسن النية باعتباره آلية لتكريس العدالة العقدية واملساواة الفعلية له مظاهر أخالقية عند إبرام العقد
وتنفيذه وهو ما سنتناوله في (الفرع الثاني).
يأخذ القانون باملفهوم الشخص ي استنادا إلى نفسية املتعامل ويتم تقدير حسن أو سوء النية
استنادا إلى ما اعتقده حقيقة ودار في مكامن نفسه ،فيختلف حسن أو سوء النية تبعا لذلك من شخص
إلى آخر ،باعتباره حالة نفسية أو ذهنية تتمثل في الجهل بواقعة أو ظرف ما ،وبهذا املفهوم فإن فكرة
حسن النية تبدوا فكرة شخصية ذاتية تتسم بطابع سلبي محض ،وتعرف تبعا لهذا املفهوم على أنها نوع
من الجهل أو العلم بتلك الواقعة أو الظرف ،واملفهوم الشخص ي هو املقصود بحسن النية في قواعد
الحيازة وااللتصاق ودفع غير املستحق ،2ففي إطار قواعد الحيازة يعتبر الحائز حسن النية إذا كان يجهل
أنه يتعدى على حق الغير طبقا لنص املادة 824من ق م 3بشرط أن ال يكون جهل الحائز ناشئا عن خطأ
جسيم.
كما يظهر حسن النية الشخص ي في مجال الدفع غير املستحق بحسن نية كحالة املستأجر الذي
يقوم بالدفع املسبق ملؤجر لم يعد مالكا للعين املؤجرة وهو يعتقد أنه يدفع للمالك وهو ما يستنتج
بمفهوم املخالفة من املادة 469مكرر من ق م ،فيكون للمالك الجديد الرجوع على املؤجر السابق بأحكام
الدفع غير املستحق لحسن نية املستأجر بسبب عدم علمه وقت الدفع بانتقال امللكية.4
باإلضافة إلى املفهوم الشخص ي ملبدأ حسن النية يذهب جانب من الفقه إلعطائه مفهوما قانونيا،
فيرى أنه" :قصد االلتزام بالحدود التي يفرضها القانون" ،ومثال ذلك نجده في نقل ملكية العقار حيث
أن التزام البائع بنقل امللكية إذا كان محل العقد عقارا ال ينفذ إال بالتسجيل ،ومنه يكون الشخص حسن
-1إختلف الفقهاء حول الطبيعة القانونية مبدأ حسن النية هل هو واجب أم التزام أم مبدأ قانوني؟ ،إال أن وصف االلتزام هو األنسب من
أجل تجسيد فعلي للمعنى القانوني لحسن النية سواء في املرحلة السابقة على التعاقد أو مرحلة تنفيذ العقد ،فإذا كانت كلمة "يجب" التي
وظفها املشرع في نص املادة 107من ق م تفيد صراحة أن مبدأ حسن النية التزام قانوني حقيقي في مرحلة التنفيذ فإن املسؤولية التقصيرية
الناتجة عن انحراف املتعاقد عن السلوك النزيه في املرحلة السابقة على التعاقد توحي بأن املسؤول قد أخل بالتزام قانوني وهو االلتزام بحسن
النية .يراجع في هذا الخصوص ،بالل عثماني ،املرجع السابق ،ص .65
-2فاطمة الزهراء زيتوني ،مبدأ حسن النية في العقود ،دراسة مقارنة ،رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه علوم قانون خاص ،جامعة أبي
بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،2018-2017 :ص .26
-3تقابلها املادة 965من ق م املصري ،واملادة 550ق م ق.
-4فاطمة الزهراء زيتوني ،مبدأ حسن النية في العقود ،...املرجع السابق ،ص .29
- 99 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
النية إذا قصد االلتزام بحدود القانون بتسجيل العقار محل العقد ،فإذا لم يقم بتسجيله اعتبر سيئ
النية ،بينما يذهب البعض اآلخر إلى القول أن مبدأ حسن النية يكون بوجوب االلتزام بالقانون عند القيام
بالتصرفات ومخالفتها يعتبر سوء نية.1
كما أنه ال يوجد فرق بين املفهوم القانوني والشخص ي ملبدأ حسن النية ،إذ أن الشخص الذي
يتصرف وهو يجهل أنه يعتدي على حقوق الغير هو شخص قصد التزام حدود القانون ،ولم يقصد
الخروج عليها ،وبذلك يكون الجهل صادر عن شخص قصد التزام حدود القانون والقول بوجود املفهوم
القانوني ملبدأ حسن النية ،وبالتالي فال يكون هناك فصل بين املفهوم القانوني واملفهوم الشخص ي ملبدأ
حسن النية وان كان فإنه يكون العتبارات يرى القانون أنها أولى للمحافظة على استقرار املعامالت.2
إال أن األخذ باملفهوم الشخص ي لفكرة حسن النية يجعلها تتصف بعدم الثبات الرتباطها بنية من
وجهت إليه ،ذلك أن الشخص يعتبر حسن النية إذا وقع في غلط أو جهل كما يجعل ترتيب اآلثار
القانونية مرتكزا على إرادة الشخص ،باإلضافة إلى أن املفهوم الشخص ي ملبدأ حسن النية يصلح في مجال
الحيازة واألوضاع الظاهرة ،وال يمكن االستناد إليه في مجال العالقات العقدية ،ألنه ينظر إليه على أنه
موقف سلبي ،فحسن النية ال يقتصر على فكرة الجهل فقط بل على املتعاقد أن يسعى إلى مراعاة مصالح
الطرف اآلخر واملحافظة على توقعاته املعقولة ومراعاة الثقة املشروعة التي تولدت عنها.3
يعتبر املظهر املوضوعي لحسن النية أكثر أهمية في مجال قانون العقود عن املفهوم الشخص ي،
ألنه يمنح للقاض ي توقيع الجزاء على املتعاقد الذي خالف سلوكه النزاهة والثقة الواجبة بين األطراف ،وال
يمكن فصل حسن النية عن ضدها أي سوء النية باعتبارها معيار لتقدير سلوك الفرد ،ولذلك فإن
املشرع ميز في العديد من الحاالت بين املتعاقد حسن النية وسوء النية بالنظر إلى سلوكه.4
كما تقوم مقتضيا ت حسن النية على دعائم أخالقية تتصف بالعموم والتجريد حتى ولو لم
يتضمنها نص تشريعي كالوفاء بالعهد و األمانة و الثقة املشروعة و شرف التعامل ،ومخالفة مقتضيات
حسن النية تتحقق بمجرد صدور التصرف على خالف ما تقض ي به تلك املقتضيات ،دون النظر إلى علم
املخالف باملقتض ى الذي خالفه ،فإمكان العلم يحقق سوء النية ،وعليه فإن املفهوم املوضوعي يتعدى
حالة الجهل إلى العلم ،واملقصود هنا إمكانية العلم ال العلم املوضوعي وهذا ما يجعل املبدأ قاعدة
سلوك.2
عرف بعضهم حسن النية بأنه" :اإلخالص في تنفيذ ما تم االتفاق عليه ومراعاة مصالح الطرف
اآلخر عند التعاقد ،3أي ضمان نزاهة املعامالت بشكل يحقق العدالة التعاقدية تحقيقا للمنفعة
املقصودة من العقد ،أما املعايير التي على أساسها يتحقق حسن النية والعدالة بين املتعاقدين فهي
معياران ،املعيار األول ذاتي وهو أن ال تكون إرادة املتعاقد قد اتجهت نحو اإلضرار بالطرف اآلخر ،وبذلك
يتجنب الخطأ العمد وكذلك الغش والتعسف في استعمال الحق ويتجنب اإلهمال الفاحش الذي يعتبره
القانون معادال للخطأ العمد من حيث األثر ،أما بالنسبة للمعيار اآلخر فهو موضوعي ويراد به وجوب
تحلي املتعاقد بقدر كاف من الصبر يكفل تحقق الغرض املتعاقد من أجله ،فال يجوز للمدين أن يتعذر
بجهل ما كان عليه أن يتوقعه من ظروف تؤثر على سير تنفيذ االلتزام بغية اتخاذ االحتياطات والتدابير
الالزمة ملنع حدوث تلك الظروف أو على األقل لتجنب اآلثار املعرقلة للتنفيذ.4
-1فاطمة الزهراء زيتوني ،مبدأ حسن النية في العقود ،...املرجع السابق ،ص .35
-2املرجع نفسه ،ص .36
-3محمود فياض ،مدى التزام األنظمة املقارنة بمبدأ حسن النية في مرحلة التفاوض على العقد ،مجلة جامعة اإلمارات العربية املتحدة،
السنة ،27عدد ،2013 ،54ص .23
-4منصور حاتم محسن ،متطلبات تحقيق العدالة التعاقدية ،دراسة مقارنة ،مجلة جامعة بابل ،العلوم اإلنسانية ،املجلد ،26 ،العدد،3
سنة ،2016ص .14
- 101 -
تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبررللتدخل التشريعي في العقود الباب األول
باستقراء العديد من نصوص القانون املدني نجد أن املشرع قد اعتمد على املفهوم املوضوعي في
مجال العقود كغيره من التشريعات املقارنة فمثال نجده قد نص في املادة 87من ق م 1على أنه إذا صدر
التدليس من غير املتعاقدين ال يمكن للمتعاقد املدلس عليه أن يحتج بإبطال العقد على أساس التدليس
إال إذا ثبت أن املتعاقد اآلخر كان يعلم أو كان من املفروض أن يعلم بهذا التدليس.
كما أنه وفي الغلط فقد نصت املادة 85من ق م على" أنه ليس ملن وقع في غلط أن يتمسك به على
وجه يتعارض مع ما يقض ي به حسن النية ويبقى باألخص ملزما بالعقد الذي قصد إبرامه إذا أظهر الطرف
اآلخر استعداداه لتنفيذ العقد".2
باستعراضنا ملفهوم مبدأ حسن النية وموقف املشرع من تكريس هذا املبدأ توصلنا إلى أنه مبدأ
أخالقي ال بد من إدخاله على املفهوم العقدي بشكل واسع لتحقيق التوازن العقدي والعدالة العقدية،
فإنه ينبغي التطرق إلى مظاهر مبدأ حسن النية كآلية لتحقيق العدالة العقدية وهو ما نتطرق له في الفرع
املوالي.
إن مبدأ حسن النية في العقود يجسد إصباغ العقد بالقواعد األخالقية لتحقيق التوازن العقدي
فالعدالة العقدية كمفهوم جديد للعقد ال يقوم على تعارض املصالح الشخصية للمتعاقدين التي قام
عليها مبدأ سلطان اإلرادة والذي كرس مبدأ حسن النية في العقود إال أنه لم يكن بالصورة التي وصل إليها
في الوقت الراهن ،والتي مهد لها االجتهاد القضائي والفقه وأصبح مبدأ حسن النية مبدأ عام يشمل جميع
مراحل العقد ،وهو ما كرسه املشرع الفرنس ي في إطار اإلصالحات الجذرية للقانون املدني الفرنس ي.3
أصبح للعقد مفهوما جديدا يقوم على أساس سعي كل من املتعاقدين إلى تحقيق هدف واحد
الذي يعتبر مجموع األهداف الفردية ،وهو ما يعرف بالتصور التضامني في العقد 4والذي نتناوله من خالل
إن حسن النية يتطلب االستقامة والنزاهة في التعامل الذي يمكن أن تحدد درجته املمارسات
العقدية الحسنة أو يحدده املشرع أو االجتهاد القضائي ،وال شك أن تنفيذ واجب النزاهة واالستقامة
يحقق الهدف الذي يصبوا إليه الطرفان من التعاقد ويحافظ على استقرار املعامالت.1
كما تعني االستقامة التحلي بأحسن الفضائل في القول والفعل كالصدق وحسن املعاملة ولقد
اقترنت االستقامة بعبارة سالمة النية التي تعني من وجهة نظر أخالقية أن القصد من األفعال هو قصد
الخير ،أما النزاهة تبدوا مظاهرها دائما ذات طبيعة سلبية فهي تفرض تجنب التغرير وجميع أنواع الغش
أثناء إبرام وتنفيذه ألنها تعتبر مظاهر لسوء نية املدين ومن ثم تعد سلوكا مخالفا للقانون.2
إن واجب النزاهة يقتض ي عدم اللجوء إلى الغش والكتمان الذي غرضه غش املتعاقد اآلخر هذا
من جهة ومن جهة أخرى فإنه ال يقع على املتعاقد فقط عدم اضرار املتعاقد اآلخر بالسلوكيات السلبية
بل يقع عليه أن يسعى إلى وجود جو تعاقدي تطغى عليه فكرة التالحم والتماسك وذلك تكريسا ملبدأ
حسن النية ،فالنزاهة هي نتيجة ملبدأ حسن النية ،وهي مجسدة في إطار العالقة التعاقدية خالل مرحلة
تكوين العقد أيضا ،وهو ما نستشفه من خالل نصوص القانون املدني في نظرية عيوب اإلرادة التي تؤدي
إلى إبطال العقد بطلب من املتعاقد الذي شاب رضاه عيب التدليس ،فالسكوت التدليس ي يجانب االلتزام
بالنزاهة واالستقامة ،كما أن القوانين الخاصة قد كرست التزامات تترجم االستقامة والنزاهة في تكوين
العقد 3كااللتزام باإلعالم قبل التعاقدي الذي يشمل مرحلة املفاوضات.4
إن مبدأ حسن النية يفرض ضمنيا أن يتعاون كل متعاقد مع اآلخر وذلك في سبيل تحقيق
املصلحة املرجوة من كليهما ،فواجب التعاون يفرض سلوكيات تخدم املصلحة التعاقدية املشتركة ،فيقع
كما يظهر التعاون في عقد اإليجار من خالل الزام املستأجر بإخبار املؤجر بكل ما يستوجب
تدخله كالترميمات املستعجلة أو عندما يظهر عيب فيها أو تعدي الغير بالتعرض أو اإلضرار بها.5
فاالعتراف بواجب التعاون بين األطراف ال يظهر كتطور لألخالق أو بروز األخلقة العقدية ،وإنما
اكتشاف لرابطة التضامن في العقد ،فالتعاون يؤدي باملتعاقدين إلى العمل جماعيا بهدف مشترك 6وبالتالي
فإن العقد أصبح آداة للتعاون املتبادل نتيجة للتطور املحقق واملستمر الذي أدى إلى تغير النظرة
التقليدية للعقد ،فلم يعد أداة للتنافر وتضارب املصالح ،وإنما أصبح أداة لتحقيق التضامن والتعاون وفي
هذا يقول العميد كربونيه " :Carbonnierأن العقد يظل من الناحية االجتماعية ارتباطا عمال من
أعمال النية وعمال من أعمال الثقة" ومن "الثقة" إلى "التعاون" لم يعد هناك سوى خطوة ".7
يرى األستاذ Carbonnierأن العقد الذي يعد أداة لتبادل األموال والخدمات تحميه الثقة طيلة
حياته لذلك يتجه جانب من الفقه الفرنس ي إلى اعتبار أن تكريس الثقة كمبدأ ينظم السلوك التعاقدي
يجسد بوضوح تجديد قانون العقود ،8ولذلك راح مبدأ حسن النية يستدرج الترقية غير املباشرة لفكرة
الثقة وذلك بتعميق التأسيس ألخالق عقدية يمكن أن تساهم بشكل هام في تسيير االلتزامات العقدية إلى
إن الوظيفة التقليدية لحسن النية في األنظمة التقليدية أظهرت التقليل من فعالية الجزاء في
مادة العقود وباألخص التقليل من األضرار الناتجة عن العالقات العقدية ،األمر الذي أدى إلى ظهور
مفهوم جديد لحسن النية وهو الثقة املشروعة إلى جانب االلتزام بالتعاون والنزاهة فمبدأ الثقة هو
الوحيد الكفيل بضمان التقليل من األضرار العقدية ومحاولة إنقاذ العقود من خطر االنقضاء.2
إن الثقة املشروعة بهذه املهمة الجديدة أصبح مبدأ يضمن استمرارية التنفيذ العادل للعقد،
ذلك أن واجب الثقة مقترن بالوفاء وال يتحقق ذلك إال منذ فترة تنفيذ العقد كأصل عام ،وهذا ما ذهب
إليه املشرع األملاني ،إال أن القضاء الفرنس ي وفي منهجه التطوري في قانون العقد راح يستنبط من الثقة
املشروعة طابعها العام واملمتد إلى مرحلة تكوين العقد ،وخلص إلى القول أن الثقة الناشئة عن الوفاء
بااللتزام قد تتصل بفترة التفاوض عندما يتعلق األمر بتطلعات املتعاقد اآلخر وعدم خيانتها ،وأن انعدام
هذه الثقة يهدد العقد بعدم االستمرار تحت طائلة التعديل أو اإلنهاء ،3كما أنه يمكن أن يستدل بتكريس
الثقة املشروعة في مرحلة إبرام العقد بالرجوع إلى نظرية عيوب الرضا التي ال تأخذ بعين االعتبار إرادة
ضحية الغلط وحسب وإنما كذلك الثقة املشروعة للطرف اآلخر بفعالية العقد القانونية.4
تعرف الثقة بأنها حالة ذهنية واقعية لدى املخاطب باإلرادة ،تقوم على أساس التزام صاحب
اإلرادة بحسن النية في العقد الذي يتطلب منه األخذ بعين االعتبار الثقة املتولدة لدى الطرف املقابل.5
لقد اعتبر Gino Corlaأن أساس القوة امللزمة للعقد هي "الرغبة املشروعة" l’attente
،légitimeوهي ذات طابع موضوعي واجتماعي وتعرف بأنها رغبة معقولة ،ويعتبر الغلط في الصفات
الجوهرية مرجعا هاما للكشف عن وجود هذا العيب ألنه يتعلق باملساس بالرغبة املشروعة ،وهو ما
كرسه املشرع في القانون 603-09حيث يعتبر تطورا في مجال "مطابقة املنتوجات" فاملستهلك في مجال
اعتبر األستاذ Mekkiفي سياق عرضه ملبدأ الوفاء العقدي أن الوفاء هو بمثابة "الرغبة
املشروعة" لدى الغير(املتعاقد اآلخر) ،كما فسر األستاذ Benchenebمفهوم الثقة الواردة في املادة 111
3
2من ق م الفقرة الثانية املتعلقة بتفسير العقد بالرغبة املشروعة للدائن بااللتزام.
-1جمعة زمام ،تحديث النظرية العامة للعقد ،...املرجع السابق ،ص .230
-2تنص املادة 111من ق م ف 2على أنه "...أما إذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النية املشتركة للمتعاقدين دون الوقوف
عند املعنى الحرفي لأللفاظ ،مع االستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين املتعاقدين وفق للعرف الجاري في
املعامالت".
-3جمعة زمام ،تحديث النظرية العامة للعقد ،...املرجع السابق ،ص .230
- 106 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان
اإلرادة
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
-1حصل تغيير جذري من الناحية الفكرية فالفرد هو عضو في املجتمع يتولى وظيفة اجتماعية تحمله واجبات نحو غيره وتمنحه حقوقا
تمكنه من العيش في الجماعة ،فأصبح املجتمع مصدر حقوق الفرد وواجباته ،وهذا على عكس ما كان يقوم عليه املذهب الفردي ،حيث يرى
أن الفرد كائن مستقل بذاته وأن ارادته هي مصدر حقوقه وواجباته فبمقتض ى هذا التصور الفكري الجديد يتحمل املتعاقد واجبات نحو
املتعاقد اآلخر ،منها التعاون والنزاهة والثقة والنصح ،...يراجع في هذا الخصوص على فياللي ،املرجع السابق ،ص ،54الهامش .2
- 108 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
كما لجأ املشرع إلى اصدار العقود املتخصصة ،كعقد االستهالك وعقد التأمين ،وعقد العمل...
وغيرها من العقود التي ظهرت فيها إرادة املشرع كطرف ثالث في العقد من خالل تحديد مضمون العقد،
مما جعل بعض الفقهاء يقول أن املشرع كاد أن يكون طرفا ثالثا في العقد( )1وهذا ما أدى إلى خروج العقد
من نزعته الفردية كونه خاص باألفراد ،إلى نزعة جماعية ،وبذلك تعيمم بقدر ما فقد من طابعه الخاص،
وهذا ما يسمى بعيممة العقد وهو مفهوم جديد للعقد ،وتخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية
للعقد وهو ما نتناوله في (الفصل األول) كما أن الدولة الجزائرية وابتداء من دستور 1989انتهجت النظام
الليبرالي بعد فشل النظام االشتراكي في سد حاجيات األفراد املختلفة ،وبدأت الدولة الجزائرية تتجه إلى
االقتصاد الحر والتخلي عن االقتصاد املوجه وهذا ما كرسه دستور 1996بموجب املادة )2(37التي
()4
كرست حرية التجارة والصناعة ،في التعديل الدستوري سنة )3(2016بموجب املادة 43منه.
تحولت وظيفة الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة الضابطة فحرية التجارة والصناعة البد أن
تمارس وفقا لسياسة الدولة املتمثلة في التوفيق بين حرية املنافسة وتحقيق املصلحة العامة ،وحماية
الطرف الضعيف من االتفاقات غير املشرعة ،ووضعية الهيمنة في السوق التي قد تؤدي إلى استعمال
التعسف في العقود بين املحترفين واملستهلكين.
استحدثت الدولة سلطات الضبط االقتصادي من أجل حماية الحرية التعاقدية عن طريق تقييدها،
فظهرت العديد من الهيئات اإلدارية التي تتولى مهمة الضبط ،منها مجلس النقد والقرض ،ومجلس
املنافسة الذي استحدث بموجب األمر )5(06-95الذي ألغي بموجب األمر )6(03-03وهو ما تناولته في
(الفصل الثاني).
الفصل األول :التخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية للعقد :العقد شريعة املشرع
استقرت النظرية التقليدية للعقد على مبادئ تحكم العالقات العقدية وهي حرية التعاقد ،واألثر
النسبي للعقد ،والقوة امللزمة للعقد ،وذلك منذ أن وضع القانون الفرنس ي سنة 1804من طرف نابليون،
والذي استقت منه أغلب التشريعات العربية مبادئه القائمة على سلطان اإلدارة ،الذي مجد إرادة الفرد
في تكوين العقد وتحديد أثاره ،فال أحد يمكنه أن يحد أو يقيد هذه اإلرادة وهذا السلطان سوى مقتضيات
النظام العام(.)1
فالحرية العقدية تعني أن الشخص حر في أن يتعاقد أو ال يتعاقد وهو حر في اختيار الشخص اآلخر
الذي يتعاقد معه ،ولديه الحرية أيضا في تحديد مضمون العقد ،وإذا قرر الشخص أن يتعاقد وارتبط
االيجاب بالقبول أصبح مسؤوال عن تنفيذ االلتزامات التي تترتب عن هذا التعاقد ،وهذا ما يسمى بالقوة
امللزمة للعقد ،طبقا لنص املادة 106من القانون املدني.
كما أن األشخاص إذا قرروا التعاقد فإن العقد يلزمهم وحدهم وال يرتب هذا العقد التزاما في ذمة
الغير( )2وهذا ما يسمى بمبدأ نسبية أثر العقد( ،)3والذي كرسه املشرع بموجب املادتين 113 ،108من
القانون املدني ،حيث تنص املادة )4(108على ما يلي " :ينصرف العقد إلى املتعاقدين والخلف العام، "...
وتنص املادة )5(113على ما يلي " :ال يرتب العقد التزاما في ذمة الغير ،ولكن يجوز أن يكسبه حقا " ،هذه
القاعدة تكون مطلقة في شقها السلبي ،ولكن تحمل استثناء في جانبها االيجابي حيث يجوز للشخص أن
يتعاقد باسمه لحسابا لغير(.)6
إال أنه ومع مستجدات الواقع التعاقدي بدأ املشرع يتدخل في العالقات العقدية لتنظيمها من
أجل تمرير سياسته التشريعية املتمثلة في حماية الفئات الخاصة وتحقيق املصلحة العامة ،ألن الظروف
-1وهو ما يعرف بالنظام العام السياس ي أو التقليدي ،يراجع في هذا الخصوص منصف بوعريوة ،املرجع السابق ،ص .52
-2أيمن ابراهيم العشماوي ،املرجع السابق ،ص .28-27
-3ومن املقرر قانونا أن الخلف العام والخلف الخاص ال يعتبران من الغير ومبدأ نسبية أثر العقد ال تعني أن قوته امللزمة تنصرف إلى
املتعا قدين بأشخاصهما فقط ،بل يقصد به أن أثار العقد تنصرف إلى املتعاقدين وإلى خلفها العام والخاص ،يراجع في هذا الخصوص ،سمير
عد السيد تناغو ،...مصادر االلتزام ،املرجع السابق ،ص .113
-4تقابلها املادة 145من القانون املدني املصري ،واملادة 145من القانون املدني الليبي ،واملادة 142من القانون املدني العراقي ،واملادة 133من
القانون املدني البحريني.
-5يقابلها نص املادة 152من القانون املدني املصري ،واملادة 154من القانون املدني الليبي.
-6علي فياللي ،املرجع السابق ،ص .426
- 111 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
االقتصادية أثبتت اختالل التوازن العقدي ،وكشفت عدم مالئمة النظرية التقليدية للعقد لهذه
املستجدات.
هذا ما أدى باملشرع إلى انتهاج سياسة اصدار العقود املتخصصة املستقلة عن القانون املدني،
دون إحداث تعديالت في قانون العقود وااللتزامات فظهر نمط جديد للتعاقد وهو اشتراط الرخص
اإلدارية من أجل التعاقد ،ولم يعد الفرد حر في التعاقد أو االمتناع بل ظهرت العقود الجبرية ،وأصبح
املشرع يتدخل في تحديد مضمون العقد وهو ما يعرف بالعقود املوجهة ،كعقود االستهالك وعقود العمل
وهذا ما نتناوله في (املبحث االول) ولم يعد العقد يرتب أثارا في ذمم أطرافه ،بل أصبحت أثاره تمتد إلى
الجماعة كما هو الحال في عقود العمل الجماعية ،وظهور ما يسمى بالكيانات العقدية كما أنه تم الخروج
عن مبدأ القوة امللزمة للعقد في حال تضمينه بالشروط التعسفية من أجل إعادة التوازن العقدي
وتحقيق العدالة العقدية.
إن التدخل املتزايد للمشرع في جميع مراحل العقد أدى إلى تحول جذري في النظرية التقليدية للعقد،
وذلك بالخروج والتخلي عن املبادئ الراسخة والثابتة في النظرية العامة للعقد ،فلم يعد ألثر النسبي للعقد
يتعلق بأطراف العقد ،ولم تعد امللزمة للعقد مقدسة بمفهومها التقليدي وهذا ما نتناوله في (املبحث
الثاني).
-1عواطف محي الدين " ،الرقابة اإلدارية على استغالل املنشآت املصنفة تكريس ملبدأ النشاط الوقائي للحماية البيئية" ،الحوار املتوسطي،
املجلد ،11العدد ،02سبتمبر ،2020ص .307
-2املؤرخ في 1983/02/5املتعلق بالبيئة ،ملغى.
-3املؤرخ في ،2003/8/19املتعلق بحماية البيئة( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ ،2003/8/20ع ،43ص.)6
-4حاول الفقه ايجاد تعريف للمنشآت املصنفة فكانت متقاربة أحيانا ومختلفة أحيانا أخرى ،ولقد استعملت عدة مصطلحات للتعبير عنها،
منها منشأة مصنفة ،مؤسسة مصنفة ،محال خطرة ،منشأة مقلقة للراحة ،محال مضرة بالصحة ،ونذكر منها املنشأة املصنفة
( ، )installation classéولقد عرفها بعدة تعاريف منها" :أنها جميع املؤسسات الواردة في جدول تصنيف مختلف املؤسسات الصناعية
املضرة واملزعجة والخطيرة على الصحة العامة" ،يراجع حمزة عثماني ،مسؤولية املنشآت املصنفة عن جريمة التلويث البيئية في التشريع
الجزائري ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق ،جامعة الجزائر ،السنة الجامعية ،2014-2013 :صّ ،8
وعرف املشرع املنشأة املصنفة
بموجب املادة 18من القانون 10-03الذي سبقت اإلشارة إليه كما يلي ":تخضع ألحكام هذا القانون املصانع والورشات واملشاغل ومقالع
عامة املنشآت التي يستغلها أو يملكها كل شخص طبيعي أو معنوي عمومي أو خاص ،والتي قد تتسبب في أخطار الحجارة واملناجم وبصفة ّ
على الصحة العمومية والنظافة واألمن والفالحة واألنظمة البيئية واملوارد الطبيعية واملواقع واملعالم واملناطق السياحية أو قد تتسبب في
املساس براحة الجوار".
عرفها املرسوم التنفيذي ،198-06املؤرخ في 31ماي ،2006املتعلق بضبط التنظيم املطبق على املنشآت املصنفة لحماية البيئة( ،ج ر، كما ّ
عرفالصادرة بتاريخ 4جوان ،2006ع ،37ص ،)9في مادته الثانية حيث ّميز بينها وبين املؤسسة املصنفة ،وأورد تعريفا لكل منهما ،وقد ّ
عدة أنشطة من النشاطات املذكورة في قائمة املنشآت املصنفة ّ
املحددة في بأنها" :كل وحدة تقنية ثابتة يمارس فيها نشاط أو ّ املنشأة املصنفة ّ
التنظيم املعمول به" ،وبذلك يكون املشرع في تعريفه للمنشأة املصنفة قد اعتمد على معيار قانوني هو التعداد الوارد في قائمة املنشآت
املصنفة الواردة بموجب املرسوم التنفيذي ،144-07املؤرخ في ،2007/05/19يحدد قائمة املنشآت املصنفة لحماية البيئة( ،ج ر الصادرة
بتاريخ 22ماي ،2007ع ،34ص .) 3
- 114 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
الفرع االول :اشتراط الترخيص االداري املسبق
إن النشاطات الصناعية والتجارية وأعمال التهيئة التي تنجز في مواقع معينة لها تأثير على البيئة ومن
شأنها أن تحدث تغييرا على األماكن ،لذلك فإن كل مؤسسة مصنفة حسب القانون( ،)1فإنها تخضع في
إنجازها لنظام محدد سلفا وهو إعداد الدراسة( )2حول التأثيرات املحتملة التي تؤثر على البيئة ثم بعد
ذلك تخضع للترخيص اإلداري املسبق (أوال) كقيد على استغالل هذه املنشآت املصنفةّ ،
مما يشكل قيدا
على ممارسة ّ
حرية التعاقد العتبارات تتعلق بحماية املصلحة العامة واملحافظة على البيئة لتحقيق
التنمية املستدامة ،وأتبع املشرع نظام الترخيص اإلداري املسبق بجزاءات إدارية كنتيجة ملخالفة قواعد
هذا ّ
القيد وهو ما نتناوله (ثانيا).
أوال :مفهوم الترخيص اإلداري املسبق
يعتبر الترخيص اإلداري املسبق( )3من أكثر اآلليات القانونية استعماال نظرا لفاعليته في توجيه
ومراقبة النشاط الفردي على املجتمع ،لذلك قد يشترط املشرع في كثير من الحاالت ومن بينها األنشطة
املقننة الحصول على اإلذن املسبق ملمارسة النشاط الصناعي أو التجاري ملا له من تأثير سلبي على الصحة
العامة والبيئة ومن أجل التطرق إلى مفهوم الترخيص اإلداري املسبق فإننا نتطرق إلى تعريفه ()1
وإجراءاته (.)2
تصنف املنشآت املصنفة حسب أهمية النشاط الذي تمارسه وطبيعته ودرجة اتصاله -1نصت املادتين 17و 18من القانون 10-03على ّأن ّ
خصها القانون بنظام قانوني خاص وأسماها باملنشآت املصنفة ،ولقد نصت املادة 03من باألرض وخطورته ومساسه بالبيئة والجوار لذلك ّ
ّ
املرسوم التنفيذي 198-06الذي يضبط التنظيم املطبق على املنشآت املصنفة لحماية البيئة على أنه ":تقسم املؤسسات املصنفة إلى أربعة
فئات:
-مؤسسة مصنفة من الفئة األولى تتضمن على األقل منشأة خاضعة لرخصة وزارية.
-مؤسسة مصنفة من الفئة الثانية تتضمن على األقل منشأة لرخصة الوالي املختص اقليميا.
-مؤسسة مصنفة من الفئة الثالثة تتضمن على األقل منشأة خاضعة لرخصة رئيس املجلس الشعبي البلدي املختص اقليميا ،"...ملزيد من
التفاصيل حول تصنيف املنشآت املصنفة يراجع ،في هذا الخصوص هناء بن عامر وروان محمد" ،دور تقسيمات املنشآت املصنفة في حماية
البيئة من التلوث في التشريع الجزائري" ،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،املجلد ،10العدد ،03ص ص ،189 -174ديسمبر ،2019ص
.179 -178 -177
-2تنص املادة 15من القانون 10-03على أنه " تخضع مسبقا وحسب الحالة لدراسة التأثير أو ملوجز التأثير على البيئة ،مشاريع التنمية
والهياكل واملنشآت الثابتة واملصانع واألعمال الفنية األخرى وكل األعمال وبرامج البناء والتهيئة ،التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة فورا أو
الحقا على البيئة ،السيما على األنواع واملوارد واألوساط والفضاءات الطبيعية والتوازنات االيكولوجية وكذلك على إطار ونوعية املعيشة.
-تحدد كيفيات تطبيق هذه املادة عن طريق التنظيم".
-3يشترط املشرع لقيام املنشآت املصنفة لحماية البيئة من الناحية القانونية تحقق شرط واقف هو الترخيص اإلداري أو التصريح اإلداري
لدى السلطات اإلدارية ويكون خضوعها ألحد هذين النظامين حسب خطورتها على البيئة إذ تخضع منشآت الدرجة األولى إلى الثالثة لنظام
الترخيص اإلداري ،بينما تخضع منشآت الدرجة الرابعة لنظام التصريح ،ملزيد من التفاصيل ،يراجع في هذا الخصوص ،عواطف محي ّ
الدين،
املرجع السابق ،ص .322-321
- 115 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
-1تعريف الترخيص اإلداري املسبق
عرف املرسوم التنفيذي 198-06رخصة استغالل املنشأة املصنفة في املادة 4منه على ّأنها" :وثيقة
ّ
إدارية تثبت أن املنشأة املصنفة تطابق األحكام والشروط املتعلقة بحماية البيئة املنصوص عليها في
التشريع والتنظيم املعمول بها ،وهذه الصفة ال تحد وال تحل محل أي رخصة من ّ
الرخص القطاعية
املنصوص عليها في التشريع والتنظيم املعمول بها.
ّ ّ
ويعرف الترخيص اإلداري املسبق بأنه " :تلك األداة من مجموع األدوات املباشرة التي تستعملها اإلدارة
للتعبير عن رضاها في مجال الضبط اإلداري البيئي ،ويكون فحوى هذا الترخيص اإلذن لشخص ّ
معين
محدد وفقا لضوابط وشروط( ،)1أو هو ذلك العمل اإلداري الذي يأتي على هيئة قرار بمما سة نشاط ّ
ر
يخول لصاحبه ممارسة نشاط ّ
معين". إداري يصدر عن سلطة أصلية إدارية أو هيئة تابعة لها ّ
عرفه محمد الطيب عبد اللطيف بقوله" :الترخيص وسيلة من وسائل تدخل ّ
الدولة في ممارسة وقد ّ
النشاط الفردي للوقاية مما قد ينشأ عنه من ضرر ،وذلك بتمكين الهيئات اإلدارية بفرض ما تراه مالئما
من االحتياطات التي من شأنها منع هذا الضرر ،أو رفض اإلذن بممارسة النشاط إذا كان ال يكفي للوقاية
قررها املشرعمنه اتخاذ االحتياطات املذكورة أو كان غير مستوف للشروط التي ّ
سلفا" (.)2
-2إجراءات الحصول على الترخيص املسبق
تخضع املنشآت املصنفة إلجراء الحصول على الترخيص اإلداري املسبق( )3من أجل استغاللها ،وهي
(،)4 املنشآت من ّ
الدرجة األولى إلى الثالثة ،وهذا ما نصت عليه املادة 03من املرسوم التنفيذي 198-06
وللحصول على الترخيص اإلداري املسبق فإنه يجب اتباع مجموعة من اإلجراءات تتلخص في طلب رخصة
استغالل منشأة مصنفة ،ثم دراسة هذا امللف ،ويتم ايداع امللف على مستوى مديرية البيئة ،وطبقا ملا هو
وا د في املادتين 29و 32من املرسوم التنفيذي 198-06فيما يتعلق باملنشآت املصنفة من ّ
الدرجة األولى ر
والثانية والثالثة فلهم نفس وثائق امللف الواردة في املادتين 8و 9من املرسوم التنفيذي ،98-06و بعد
دراسة مختلف الوثائق املرفقة بامللف بما فيها دراسة الخطر ودراسة موجز التأثير واملوافقة عليهما وفقا
-1سحب الترخيص
يحدد مجال تطبيق ومحتوى وكيفيات املصادفة على دراسة وموجز التأثير على البيئة ( ،ج ر ،الصادرة في 22ماي -1املؤرخ في 19ماي ّ ،2007
،2007ع ،34صّ ،)92
املعدل واملتمم.
-2يراجع نص املادة 02من املرسوم ،195-07الذي سبقت اإلشارة إليه.
-3إلياس بوكاري ،الرقابة اإلدارية على املنشآت املصنفة لحماية البيئة في التشريع الجزائري ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق ،فرع
قانون البيئية والعمران ،السنة الجامعية ،2016-2015 :ص.15-14
-4يراجع نص املادة 6من املرسوم التنفيذي ،168-06الذي سبقت اإلشارة إليه.
-5إلياس بوكاري ،املرجع السابق ،ص.68
- 117 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
يعد إلغاء الترخيص من أخطر الجزاءات اإلدارية وأكثرها ضررا على املشروعات املتسببة في
إحداث التلوث ،وبما ّأن اإلدارة تتمتع بسلطة منح التراخيص فلها كذلك السلطة فيما يتعلق بإلغائها(.)1
حيث تتخذ اإلدارة قرارا إداريا بسحب قرار الترخيص ،ضد املستغل الذي يخالف املقاييس
البيئية في ممارسة نشاطه التجاري أو الصناعي في الحالة التي يكون فيها خطر على النظام العام أو الصحة
ضده حكم قضائي يقض ي بغلق العامة أو األمن العام أو لم يستوف الشروط الواجب توافرها ،أو صدر ّ
نصت عليه املادة 11من املرسوم رقم 160-93املتعلقعدة تطبيقات منها ما ّاملشروع أو إ الته ،وهناك ّ
ز
ّ
املحدد أعاله بتنظيم النفايات الصناعية السائلة والتي تنص ":إذا لم يمتثل مالك التجهيزات في األجل
يقدر الوالي االيقاف املؤقت لسير التجهيزات املتسببة في التلوث"(.)2
من النصوص القانونية التي نصت على سحب الترخيص املتعلق باستغالل املنشآت املصنفة
املادة 23من املرسوم التنفيذي ،،)3(198-06حيث ّ
نص من خاللها املشرع على حالتين يمكن من خاللهما
للهيئة اإلدارية سحب رخصة استغالل املنشآت املصنفة في حالتين واردتين على سبيل الحصر وهي:
-1فتحي بن جديد" ،الترخيص اإلداري كإجراء لحماية البيئة من التلوث ،رخصتي البناء واستغالل املنشآت املصنفة" ،مجلة البحوث العلمية
في التشريعات البيئية ،العدد السادس ،سنة ،2016ص.32-31
-2املرسوم التنفيذي رقم ،160-93املتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة في األوساط الطبيعية ،املؤرخ في 10جويلية( ،ج ر الصادرة
بتاريخ 14جويلية ،1993ع ،46ص.)6
-3يراجع نص املادة 23من املرسوم التنفيذي ،198-06الذي سبقت اإلشارة إليه.
-4إلياس بوكاري ،املرجع السابق ،ص .103
- 118 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
ويختلف الغلق عن سحب الترخيص في أن هذا األخير أوسع مجاال من غلق املنشأة ألنه يمتنع على
املحكوم عليه مزاولة عمله ليس فقط في املنشأة التي تقرر اغالقها بل وفي ّأية منشأة أخرى من طبيعتها(.)1
لقد نص املشرع على هذا النوع من العقوبات اإلدارية في مجال املنشآت املصنفة في املادة 48من
املرسوم التنفيذ رقم 198-06السالف الذكر فحسب هذه املادة فإنه في حالة قيام الوالي بإعذار مستغل
املؤسسة املصنفة إليداع التصريح أو طلب الرخصة أو مراجعة بيئية أو دراسة الخطر ،ولم يقم املستغل
بتسوية وضعيته خالل اآلجال املحددة في سنتين ،يمكن للوالي املختص اقليميا أن يأمر بغلق املنشاة
املصنفة(.)2
حيث تنص املادة 48من املرسوم التنفيذي 198-06على أنه ":يمكن للوالي املختص اقليميا في
الحالة املنصوص عليها في املادتين 44و 47أعاله اعذار مستغل املؤسسة املصنفة إليداع التصريح أو
طلب الرخصة أو مراجعة بيئية أو دراسة الخطر.
ّ
املحددة في املادتين 44و 47أعاله ،يمكن للوالي إذا لم يقم املستغل بتسوية وضعيته في اآلجال
املختص اقليميا ،أن يأمر بغلق املؤسسة.
أما مضمون الحاالت املنصوص عليها في املواد 44و 47من املرسوم التنفيذي رقم 198-06فإنه
وحسب املادة 44فإنه يتعين على املؤسسة املصنفة املوجودة والتي لم تحصل على رخصة استغالل
للفئات ّ
املحددة في املادة 03أعاله وفئات قائمة املنشآت املصنفة املحددة في التنظيم املعمول به ،إنجاز
مراجعة بيئية في أجل ال يتعدى سنتين ابتداء من صدور املرسوم التنفيذي رقم 98-06السالف الذكر،
تتمثل في أنه يتعين على املؤسسات املصنفة املوجودة والتي نصت قائمة املنشآت املصنفة بشأنها على
دراسة الخطر ،إنجاز دراسة الخطر في أجل ال يتعدى سنتين من تاريخ صدور املرسوم التنفيذي -06
.)3(198
-3وقف استغالل املنشأة:
كرس املرسوم التنفيذي 198-06 اقتصادية ،تتمثل في وقف النشاط التجاري أو الصناعي للمنشأة ،ولقد ّ
هذه العقوبة بموجب املادة 23منه وكذا املادة 25من القانون ،10-03حيث تنص املادة 23من املرسوم
التنفيذي 198-06على أنه ":في حالة معاينة وضعية عير مطابقة عند كل مراقبة:
-التنظيم املطبق على املؤسسات املصنفة في مجال حماية البيئة لألحكام التنفيذية الخاصة املنصوص
عليها في رخصة االستغالل املمنوحة.
يحرر محضر يبين األفعال املجرمة حسب طبيعة وأهمية هذه األفعال ويحدد أجل لتسوية وضعية
املؤسسة املعنية.
عند نهاية هذا األجل وفي حالة عدم التكفل بالوضعية غير املطابقة ،تعلق رخصة استغالل املؤسسة
املصنفة"....
من خالل النص املذكور أعاله يتضح أن املشرع قد نص على تعليق الرخص ،وبالتالي وقف العمل
بالرخصة ووقف نشاط املؤسسة املصنفة إلى غاية تسوية وضعية املنشأة املصنفة.
أما بالنسبة للمادة 25من القانون ،10-03فإنها تنص على املنشآت غير الواردة في قائمة املنشآت
املصنفة والتي تنص على أنه ":عندما تنجم عن استغالل منشأة غير واردة في قائمة املنشآت املصنفة
أخطار وأضرار تمس باملصالح املذكورة في املادة 18أعاله وبناءا على تقرير من مصالح البيئةُ ،يعذر الوالي
املستغل ويحدد له أجال التخاذ التدابير الضرورية إلزالة األخطار واألضرار املثبتة.
إذا لم يمتثل املستغل في اآلجال املحددة ،يوقف سير املنشأة إلى حين تنفيذ الشروط املفروضة ،مع اتخاذ
التدابير املؤقتة الضرورية ،بما فيها التي تضمن دفع مستحقات املستخدمين مهما كان نوعها".
يفهم من النص املذكور أعاله أن املؤسسة غير الواردة ضمن قائمة املنشآت املصنفة ،والتي
تتسبب في أخطار وأضرار على البيئة ،فإنه يمكن اتخاذ تدابير وإجراءات بشأنها إلزالة األخطار واألضرار
-1كمال معيفي ،آليات الضبط االداري في التشريع الجزائري ،مذكرة تخرج لنيل شهادة املاجستير ،جامعة باتنة ،السنة الجامعية-2010 :
،2011ص .109
- 120 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
املسببة لها ،وعليه يمكن للوالي أن يوقف سير املنشأة إلى غاية تنفيذ الشروط املفروضة واتخاذ التدابير
التي فرضتها املادة 25املذكورة أعاله(.)1
ما يمكن مالحظته أن عقوبة وقف نشاط املنشأة ال بد أن يسبقه إجراء اإلعذار ،أي إعذار
املستغل بحيث يكون الغلق بعد اعذار املعني وتذكيره بالتزاماته اتجاه البيئة(.)2
الفرع الثاني :الشكلية اإلعالمية
فرض املشرع االلتزام باإلعالم( )3كالتزام قانوني على عاتق املنهي ،بموجب القانون )4(09-03املتعلق
بحماية املستهلك وقمع الغش وذلك في نطاق املادتين 17و 18منه(ّ )5
وحدد كيفية تنفيذ هذا االلتزام
بموجب املرسوم التنفيذي )6(178-13ولم يقتصر تكريس االلتزام باإلعالم على قانون االستهالك بل فرضه
املشرع حتى في عالقات املحترفين فيما بينهم ،من خالل قانون املمارسات التجارية بموجب املادة 07من
القانون ،)7(02-04وذلك من خالل شفافية املعامالت الذي يفرضها قانون املنافسة ،وهو ما يؤدي إلى
الوقاية من عدم التوازن في ّ
كل أنواع العقود(.)8
بما أننا تطرقنا في الباب األول لهذا االلتزام ومبرراته ،والجزاءات املترتبة عن االخالل به ،فإننا نركز
الدراسة في هذا الباب عن آثار هذا االلتزام على مبدأ سلطان اإلرادة (أوال) ،كما ّأن االلتزام باإلعالم
يقتض ي االلتزام بمبدأ حسن النية وهو ما سنتناوله (ثانيا).
ّ -1
كرس املشرع مبدأ الرضائية بموجب املادة 59من القانون املدني ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
-2محمد بودالي" ،أزمة القانون املدني في ظل اتساع نطاق قانون حماية املستهلك" ،حوليات جامعة الجزائر ،املجلد ،30العدد ،3ص ص
،245 -224ص .236
ّ
-3لخضر حليس" ،التنظيم القانوني للعقود املدنية" ،مجلة البحوث القانونية والسياسية ،العدد األول ،ديسمبر ،2013ص.83
4
-aperçu général des tendances actuelles de la théorie des contrat, RTD, 1973, p1.
نقال عن حليس لخضر ،مكانة االرادة ،...املرجع السابق ،ص ،150الهامش رقم .03
- 122 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
إ ّن تدخل املشرع في العقد عن طريق فرض االلتزام باإلعالم ّ
يجسد سلطان القانون على إرادة
األطراف ،فلم يعد األفراد وحدهم يضعون أو يصنعون قانونهم التعاقدي ،بل هناك إرادة وسلطة أعلى
توجه إرادتهم وتراقبها(.)1
إن ضرو ات الحياة الحديثة ُ
وتعقدها تقض ي حتمية وجود هذا االلتزام وتوسيع نطاقه ،إلى كل ر
العقود األخرى ،وذلك بهدف الحد من عدم املساواة في املعرفة بين الطرفين( )2وحماية الطرف الضعيف
من خالل فرض االلتزام باإلعالم قبل التعاقد كوسيلة وقائية وحمائية إلرادته ،انطالقا من أن الحماية
الوقائية خير من الحماية العالجية(.)3
إن فرض التزامات إضافية قبل التعاقد هي خطوة جديدة سلكها املشرع إلى جانب املبادئ ّ
املكرسة
في النظرية العامة للعقد ،مع العلم أن هذه املبادئ الجديدة املستحدثة تستند إلى تصور ومنهج مغاير
تماما لذلك الذي أخذ به في القانون املدني ،فالقانون املدني كان يستند إلى املساواة املفترضة بين
املجردة ،و حسب هذا التصور يكون لكل من املتعاقدين نفس الحقوق ّ املتعاقدين والتي تعتد باملساواة
ّ
ونفس الواجباتّ ،أما تشريعات االستهالك تسعى إلى تحقيق املساواة على اعتبار الالمساواة بين األطراف
ّ
املتعاقدة ،فهناك طرف قوي وهو املحترف وطرف ضعيف هو املستهلك(.)4
ّإن االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي التزام جديد وضعه املشرع من أجل حماية رضا املستهلك
ليصدر عن إرادة ّ
حرة مستبصره بكل ما يتعلق بالعقد وخالية من العيوب ،ونظرا ألهمية هذه املبادئ
الجديدة ذهب الفقه للقول ّ
بأنها قد تحل مستقبال محل النظرية ّ
العامة للعقد(.)5
إن هذه القواعد ال تلغي قواعد القانون املدني ولم تغفل احتماالت التعسف أو الخداع الذي
يقوم به أحد العاقدين أضرارا باآلخر ،ويبقى القاسم املشترك بينهما هو حماية املستهلك ،فقانون حماية
املستهلك هو قانون وظيفي يستمد وجوده وذاتية من الوظيفة املرسومة له.
-1لخضر حليس" ،سلطان اإلرادة وحماية املستهلك" ،مجلة العلوم القانونية واالجتماعية ،زيان عاشور بالجلفة ،العدد السادس ،ص -270
.271
-2املرجع نفسه ،ص.271
-3قادة شهيدة" ،التجربة الجزائرية في حماية املستهلك بين طموح وتطور النصوص وافتقاد آليات تطبيقها" ،املجلة الجزائرية للقانون
املقارن ،العدد ،01سنة ،2014ص.21
-4سارة بيالمي ،حسن النية في تكوين العقد ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص ،فرع عقود ومسؤولية ،جامعة االخوة
منتوري ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية ،2017-2010 :ص.89
-5علي فيصل علي الصديقي ،املرجع السابق ،ص.178
-6تقابلها املادة 148من القانون املدني املصري ،واملادة 150من قانون املدني العراقي ،واملادة 148ف 2من القانون املدني الليبي.
-7تقابلها املادة 157من القانون املدني األملاني ،واملادة 1375من القانون املدني االيطالي ،واملادة 148ف 1من القانون املدني املصري ،واملادة
197من القانون املدني الكويتي.
- 124 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
ّ
الشخص ي والتي تعني أال يسلك املتعاقد مسلكا سيئا في قصده وال يصدر منه سلوك تدليس أو غش ،ولقد
انتقد الفقه الفرنس ي هذا املعنى الشخص ي لحسن النية باعتباره مفهوما ضيقا وقاصرا على أن يكون
أساسا لاللتزام باإلعالم والتحذير والنصيحة ،فال يمكن البحث عن مفهوم حسن النية كمبدأ قانوني عام
في أحكام القانون ،ولكن يتم البحث عن حسن النية بمفهومه املوضوعي ،كأساس اللتزامات قانونية ذات
طبيعة جديدة ،ومن هنا سعى الفقه الفرنس ي إلى ايجاد معنى أكثر وضوحا لفكرة حسن النية في جانبه
املوضوعي ،وأخذ البعض يطلق عليه مصطلح "األمانة العقدية" (.)1
ّإن مبدأ حسن النية في إطا ه الشخص ي يواجه اشكاالت ّ
فنية إذ أن هذا املبدأ وعلى افتراض أنه ر
يسود جميع العقود ّ
فإن فرض االلتزام باإلعالم على سبيل املثال واسقاطه على حسن النية باملعنى السابق
أي املفهوم الشخص ي يؤدي اإلخالل به إلى القول أن املتعاقد اآلخر س يء النية بل وأنه في حالة غش في حين
يزود املتعاقد اآلخر باملعلومات كان على أساس ترجيح مصلحة مشروعة ،وليس على أن املتعاقد الذي لم ّ
أساس من سوء النية أو محاولة الغشّ ،إن هذا املأزق الفني هو ما دفع الفقه إلى اعتناق التمييز بين ما
أطلق عليه "حسن النية الشخص ي" ،و"حسن النية املوضوعي" ،أي التفرقة بين أمانة املتعاقد ،واألمانة
التعاقدية(.)2
وعليه فإن "حسن النية الشخص ي" هو ما يتعلق بماهية االعتقاد ّ
الداخلي للشخص املتعاقد
والحالة الذهنية التي يكون عليها أثناء التعاقد ،على نحو قد يحمله على عدم مراعاة مصالح الطرف
املقابل ،لترجيح مصالحه في حين أن "حسن النية املوضوعي" يتعلق بمؤشرات خارجية يمكن البناء عليها
عند التعامل مع هذا املبدأ ،وذلك من خالل البحث عن التوازن العقدي بين أطراف العالقة العقدية أثناء
مرحلة التفاوض على شروط العقد وخالل (مرحلة تنفيذ هذه الشروط)(.)3
ّ
إن مبدأ حسن النية بمعناه املوضوعي املتقدم يعتبر قاعدة للسلوك يفرضه القانون ،كلما تعلق
األمر بتفسير العقود أو تنفيذ االلتزامات الناشئة عنها واملعتاد أن هذا االلتزام يتقرر بموجب نص قانوني
محمد عبد هللا" ،أثر موضوعية اإلرادة التعاقدية في مرحلة املفاوضات" ،مجلة الرافدين ّ
ومحمد صديق ّ -1أكرم محمود حسن البدو
للحقوق ،املجلد ،13العدد ،49سنة ،16ص.409
-2نص املشرع على االلتزام بحسن النية أثناء تنفيذ العقد بموجب املادة 107ف 1من ق م ،وهو اعتراف ضمني بامتداد هذا االلتزام إلى
مرحلة ما قبل التعاقد.
-3عرعارة عسالي ،املرجع السابق ،ص.208
-4املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
-5املتعلق بالقواعد املطبقة على املمارسات التجارية ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
- 126 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
يرى الفقيه "ّ "Ghestinأن العقود ما دامت تقتض ي االلتزام بحسن النية بين الطرفين ،فإن ذلك
يتطلب حتما مواجهة عدم التكافؤ بينهما من حيث العلم بظروف العقد ،وفرض االلتزام باإلعالم( ،)1بذلك
يكون ملبدأ حسن النية ّ
الدور الفعال في تكريس االلتزام باإلعالم وتوسيع نطاق تطبيقه ،انطالقا من قرينة
مفادها جهل الطرف اآلخر باملنتوج أو الخدمةّ ،
مما يخوله الحق في التنوير والتعبير(.)2
إن مبدأ حسن النية من املبادئ األخالقية( )3التي جعلها التشريع قاعدة قانونية ،نظرا للدور
ّ
املمتاز الذي تؤديه في توجيه العالقة العقدية وتقويمها ،بما تحتويه من مبادئ تساهم في إثراء وتطوير
سلوكيات األشخاص ّ
مما يؤدي إلى تحقيق العدالة العقدية وتكريس التوازن العقدي(.)4
الفرع الثالث :تجاوزاإلرادة من حيث حرية التعاقد أو االمتناع
واصل املشرع تدخله في نظام العقد ولم يكتف بتحديد مضمون العقد ،بل استعمل سياسته
التشريعية الهادف ة إلى حماية املصلحة العامة وتغليبها على مصلحة الفرد ،مستعينا في ذلك بالقواعد
اآلمرة التي ازدهر معها النظام العام االقتصادي ،بشقيه الحمائي والتوجيهي ،فأصبح النظام العقدي
يحتوي على القواعد اآلمرة ،التي لم تكن مـألوفة في النظرية العامة للعقد ،بل واألكثر من ذلك ألغى دور
اإلرادة عندما انتهج نظام العقد املفروض ،والذي لم تعد معه اإلرادة ّ
حرة في رفض التعاقد وفقا ملا يقوم
عليه مبدأ سلطان اإلرادة (أوال) ولم يعد األشخاص أحرارا في أن يبرموا ما يشاؤون من العقود بل عمد
املشرع إلى تكريس نظام العقد املحظور (ثانيا).
أوال :العقد املفروض
ّإن تدخل املشرع في العقود ّأدى إلى ظهور نمط جديد من العقود سميت بالعقود الجبرية ،تظهر
فيها آلية النظام العام االقتصادي بشقيه التوجيهي والحمائي ،حيث ّ
كرس املشرع نظام التأمين في
مجاالت متعددة ،كالتأمين على السيارات والكوارث الطبيعية ،وحتى التأمين على الحياة في بعض الرحالت،
كما يشترط التأمين ملباشرة بعض املهن كاملحاماة والتوثيق ،الهندسة املعمارية وغيرها ولقد عالج املشرع
عقد التأمين في القواعد العامة( ،)5وبموجب القوانين الخاصة( )1بعدما كان نشاط التأمين حكرا على
-1فاطمة الزهراء زيتوني ،مبدأ حسن النية في العقود ،...املرجع السابق ،ص.379
-2املرجع نفسه ،ص.380
-3عبد املنعم موس ى ابراهيم ،حسن النية في العقود (دراسة مقارنة) ،منشورات زين الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،2006 ،ص.94
-4عرعارة عسالي ،املرجع السابق ،ص.206
ّ -5نظم القانون املدني عقد التأمين من خالل املواد 619إلى 625من القانون املدني ّ
وعرف عقد التأمين بموجب املادة 619ق م بأنه ":عقد
يلتزم املؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى املؤمن له أو إلى املستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه ،مبلغا من املال أو إيرادا مرتبا ،أو أي عوض مالي
آخر في حالة وقوع الحادث ،أو تحقق الخطر املبين بالعقد ،وذلك نظير قسط أو ّأية دفعة مالية أخرى يؤديها املؤمن له للمؤمن".
- 127 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
ّ
الدولة ،إلى أن صدر األمر 07-95الذي سمح بظهور هيئات خاصة تمارس عملية التأمين( ،)2حيث تكون
طبيعة عقد التأمين مدنية أو تجارية حسب صفة أطرافه ولقد نص األمر املذكور أعاله على التأمينات
االجبارية(.)3
من بين نماذج عقود التأمين اإللزامية هو عقد التأمين اإللزامي على املركبات ،نظرا للواقع الذي
تزايدت فيه حوادث السيارات وتفاقمت أضرارها ،ونظرا العتبارات تتعلق باملصلحة العامة ،من أجل
تغطية األضرار التي يسببها استعمال املركبات ،أجبر املشرع كل مالك ملركبة بإلزامية التأمين وهو خروج
عن املبدأ العام في التعاقد والذي يخول لإلرادة الحرية في التعاقد أو رفض التعاقد ،دون أن يستطيع أحد
وال حتى املشرع أن يجبرها على خالف ما ترتضيه ،مع مراعاة حدود النظام العام واآلداب العامة.
من أجل تنفيذ السياسة االقتصادية واالجتماعية والسياسية للمشرع عمد إلى إصدار األمر -74
ّ
واملعدل بموجب القانون ، 31/88انتهج املشرع من خالله نظاما جديدا لتعويض األخطار واألضرار ()4
15
ّ
الجسمانية التي تصيب الضحايا ،دون تمييز بين نوع وظروف الحادث و دون البحث عن مصدر الخطأ ،إال
()5 في حاالت مستثناةّ ،
مما يعني أن املشرع قد انتهج نظام املسؤولية املدنية على أساس تحمل التبعة
وتخلى عن مبدأ املسؤولية املدنية التي تقوم على أساس الخطأ(.)6
-1نظم املشرع عقد التأمين بموجب األمر ،07-95املؤرخ في 25جانفي ،1995يتعلق بالتأمينات (ج ر ،الصادرة بتاريخ ،1995/03/08ع ،13
املعدل بموجب القانون ،04-06املؤرخ في 20فيفري ،2006يعدل ويتمم األمر رقم 07-95املتعلق بالتأمينات ( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ صّ ،)3
12مارس ،2006ع ،15ص.)3
-2لخضر حليس ،مكانة اإلرادة ،...املرجع السابق ،ص.182
-3نص األمر 07-95على أنواع التأمينات االجبارية كما يلي:
-التأمينات على الحريق واالنفجار أو الصواعق والكهرباء أو ضمن االتفاقات الخاصة بين املؤمن واملؤمن له.
-تأمينات القطعان الحيوانية من البرد والهالك.
-تأمينات القطاعات الصحية والعمرانية ومراكز العطل ّ
والرحالت.
-تأمينات مكاتب التسيير العقاري للدولة من أضرار املياه والحريق.
-تأمين نقل البضائع واألشخاص من املسؤولية املدنية ،سواء البرية منها أو البحرية أو الجوية.
الرياضية والترفيهية من املسؤولية املدنية. -تأمين املؤسسة ّ
-تأمين قطاع التربية والتكوين املنهي.
البري والبحري وأعماق البحار. -تأمين الصيد ّ
-تأمين املركبات ،السيارات والشاحنات واملركبات بصفة عامة.
-4املؤرخ في 30جانفي ،1974املتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ونظام التعويض عن األضرار( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 26فيفري ،1974
املعدل بالقانون ،31-88املؤرخ في ( 1988/07/19ج ر الصادرة بتاريخ 20جويلية ،1988ع ،)29املعدل واملتمم. ع ّ ،)15
-5في الوقت الحالي لم تبق املسؤولية التقصيرية كما كان يسمى سابقا والتي يقصد بها الفعل املستحق للتعويض مرتبطة بفكرة الخطأ ،أي
سلوك املسؤول ،بل أصبحت تستند الى فكرة تحمل التبعة ،حيث يكون الهدف األول هو تعويض الضرر الذي أصاب الضحية ،بدال من
البحث عن خطأ أو تقصير املسؤول ،يراجع علي فياللي ،االلتزامات ،الفعل املستحق للتعويض ،موفم للنشر ،الجزائر ،الطبعة الثالثة ،ص .6
-6لخضر حليس ،مكانة اإلرادة ،..املرجع السابق ،ص.185
- 128 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
تنص املادة األولى من األمر 15-74املتعلق بإلزامية التأمين على السيارات على ما يلي" :كل مالك
(،)1
مركبة ملزم باالكتتاب في عقد تأمين يغطي األضرار التي تسببها املركبة للغير ،وذلك قبل إطالقها للسير"
ولقد رتب املشرع عقوبات جزائية على االخالل بهذا االلتزام سعيا منه إلى اعطاء موضوع التأمين على
املركبات أهمية كبيرة ،نظرا لآلثار الناجمة عنه بتوفير قوانين تحمي املتضرر ،وفقا للقواعد العامة في
ّ
الخاصة تحديدا(.)2 إطار قواعد املسؤولية عموما وفي القوانين
ثانيا :العقد املحظور
يستعمل النظام العام التقليدي السياس ي واألخالقي أسلوب املنع من القيام بالتصرفات القانونية
التي تتعارض مع النظام العام واملصلحة العامة ولذلك فهي سلبي واملنع أو الحظر من التعاقد يعتبر أيضا
كرسه املشرع بحظره للقروض االستهالكية( )3لحماية آلية من آليات النظام العام االقتصادي وهذا ما ّ
االقتصاد الوطني من التقلبات التي ترتبت عن األزمة املالية األخيرة ،فمنع على البنوك ابرام عقود القروض
خص املشرع بإبرام عقود القرضورخص لها بإبرام عقود القروض العقارية( )4ولقد ر ّ ّ االستهالكية،
االستهالكي ّ
املوجهة القتناء السلع من طرف العائالت في إطار تنمية األنشطة االقتصادية( ،)5والهدف من
رفع الحظر كان نتيجة انتعاش االقتصاد ألن القروض االستهالكية تعتبر وسيلة إلشباع حاجات العائالت
من السلع مع ما يتماش ى ومتطلباتها من جهة وزيادة النمو االقتصادي من جهة ثانية(.)6
إن أسلوب املنع من التعاقد يعتبر تدخل في اإلرادة التعاقدية بهدف تحقيق املصلحة االجتماعية
واالقتصادية ،ألن املشرع ال يتدخل في إرادة األطراف لعرقلة املبادالت وإنما من أجل مصلحة ذات بعد
أخالقي وذات مشروعية ،لذلك عمد املشرع إلى حظر كل عقد غايته احتكار مؤسسة ما لنشاط معين
-1تعني كلمة مركبة طبقا ملا نصت عليه الفقرة الثانية من املادة األولى من األمر ،15-74ما يلي:
محرك وكذلك مقطوراتها وحموالتها ويفهم بمقطورات ونصف مقطورات ما يلي: -كل مركبة برية ذات ّ
البرية املنشأة بقصد ربطها بمركبة ّبرية ذات محرك وتكون املركبات مخصصة لنقل األشخاص أو األشياء. -1املركبات ّ
-2كل جهاز ّبري مرتبط بمركبة ّبرية ذات ّ
محرك.
= -3كل آلية أخرى يمكن أن تكون مشابهة للمقطورات أو نصف املقطورات بموجب مرسوم.
-2لخضر حليس ،املرجع السابق ،ص.186
-3يراجع املادة 75من األمر رقم ،01-09املؤرخ في 22جويلية ،2009يتضمن قانون املالية التكميلي لسنة .2009
-4املادة 75من األمر 01-09املتضمن قانون املالية التكميلي لسنة .2009
تعدل وتتم املادة 75من األمر رقم 01-09يتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ،2009بموجب القانون نصت عليه املادة 88التي ّ
-5هذا ما ّ
رقم 10-14املؤرخ في 30ديسمبر ،2014املتضمن قانون املالية لسنة ( ،2015ج ر ،الصادرة بتاريخ 31ديسمبر ،2014
العدد .)78
-6خديجة فاضل ،... ،عيممة العقد ،املرجع السابق ،ص.33
- 129 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
بهدف حماية ّ
حرية املنافسة( ،)1كما أن البيع بأسعار منخفضة مقارنة بتكاليف اإلنتاج أو التحويل
والتسويق ّ
يعد مساس بمبدأ املنافسة املشروعة(.)2
بالرجوع إلى القانون 11-90املتعلق بعالقات العمل( )3فإنه يمنع ابرام عقود عمل تخالف تشريع
العمل فيما يتعلق بحقوق ّ
العمال من أجرة وساعات العمل والعطل وغيرها وفي حالة مخالفتها فإنه يترتب
عنها البطالن(.)4
إن أسلوب املنع من التعاقد تضمنته القواعد العامة في القانون املدني ورتب على مخالفته
البطالن ،أو تعديل العقد جزئيا عن طريق استبعاد الشرط غير املشروع( )5واستمر املشرع في ترتيب جزاء
البطالن على مخالفة العقود املحظورة في القوانين الخاصة عن طريق آلية النظام العام االقتصادي
وأتبعه بعقوبات جزائية(.)6
ثالثا :تقييد اإلرادة في اختيارالطرف اآلخر
ّ رغم أن املشرع ّ
كرس مبدأ حرية التجارة والصناعة الذي ينعكس على حرية اإلرادة إال أنه يلجأ إلى
تقييد إرادة األطراف في التعاقد كما سبق و أن رأينا في اإلجبار على التعاقد أو املنع من التعاقد ،بل وصل
مما يجعل من مبدأ سلطان اإلرادة منعدما في إنشاء به األمر إلى حد اختيار املتعاقد اآلخر في العقدّ ،
التصرف القانوني وذلك من أجل تنفيذ السياسة االقتصادية واالجتماعية للمشرع ،فنجد أن املشرع
ّ كرس ّ
ّ
حرية االستثمار بموجب املادة 1فقرة 1من األمر )7(03-01املتعلق بتطوير االستثمار إال أنه تم
الدولة أو املؤسسات االقتصاديةبحرية اختيار املتعاقد ،عن طريق فرض املتعاقد اآلخر سواء ّاملساس ّ
وذلك بأن تكون له األفضلية بموجب حق الشفعة عن كل التنازالت عن حصص املساهمين األجانب أو
لفائدة املساهمين األجانب وذلك طبقا لنص املادة 4مكرر .)8(3
-1جمعة زمام ،العدالة العقدية ،...املرجع السابق ،ص ،41يراجع نص املادة 10من القانون ّ ،11-08
املعدل واملتمم للقانون .03-03
-2يراجع نص املادة 12من القانون .11-08
-3الذي سبقت اإلشارة إليه.
-4يراجع املواد ،80-28-15و خاصة املواد 137-136-135من القانون 11-90املتعلق بعالقات العمل.
كرسه املشرع في قانون املنافسة والقانون املؤسسات التجارية وقوانين االستهالك. 5وهو ما ّ
-6يراجع األحكام الجزائية الواردة في قانون االستهالك وقانون العمل وقانون التأمينات وقانون املنافسة و غيرها.
ّ
-7املؤرخ في 20أوت ،2001يتعلق بتطوير االستثمار ( ج ر ،الصادرة في 22اوت ،2001ع ،47ص ،)4املعدل واملتمم.
-8نصت على هذا االستثناء املادة 62من القانون ،01-09املؤرخ في 22جويلية ،املتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ( ،2009ج ر ،الصادرة
عدل ّ
وتمم األمر ،03-01املتعلق بتطوير االستثمار ،بموجب املواد 4مكرر ،1و4 بتاريخ 26جويلية ،2009ع ،44ص ،)4معدل ومتمم ،الذي ّ
مكرر ،2و 4مكرر ،3كما أن املشرع أعاد صياغة املادة 1مكرر 3بموجب األمر .01-10
- 130 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
نص املشرع على حق ّ
الدولة واملؤسسات العمومية االقتصادية في إعادة شراء األسهم والحصص
االجتماعية التي تتنازل عنها الشركات الخاضعة للقانون الجزائري في الخارج سواء بصيغة مباشرة أو غير
ّ
مباشرة و ال يجوز طرح األسهم للبيع إال بعد استشارة الحكومة الجزائرية مسبقا(.)1
سعى املشرع إلى تشديد رقابة الدولة على تنازالت أسهم الشركات األجنبية املستثمرة في الجزائر
()2
وهذا بتشريع حق الشفعة على كل اتفاقيات بيع فروع الشركات الدولية سواء كان تنازال كليا أو جزئيا
وبذلك تحتل الدولة واملؤسسات العمومية محل املستثمرين اآلخرين من األجانب بوصفها مشتري ممتاز له
حق الشفعة وهذا ما ّيدل على الخروج عن مبدأ حرية اإلرادة في اختيار املتعاقد اآلخر ومبدأ ّ
حرية التعاقد
على املال األجنبي املنصوص عليه في املادة 30من األمر 03-01الذي ّ
نص فيه املشرع على حق نقل امللكية
وبحرية وكما ّأن هذا النص القانوني يتناقض مع نص املادةأو تحويلها من املالك األصلي إلى املالك الجديد ّ
كرس فيه املشرع مبدأ ّ
حرية إعادة تحويل األموال الناتجة عن نهاية االستثمار(.)3 31الذي ّ
من التطبيقات التي تؤكد على تطبيق ّ
الدولة الجزائرية لحق الشفعة أو سعيها في ذلك قضية جيزي
( )OTAلسنة .)4(2010
-1يرجع سبب هذا اإلجراء املتمثل في االستشارة الوجوبية للحكومة الجزائرية قبل اقدام املستثمر على طرح أسهمه للبيع إلى قيام مجمع
( )OTAبطرح أسهم شركة ACCللبيع لصالح شركة "الفارج الفرنسية" في بورصة القاهرة ،دون علم الدولة الجزائرية ،نقال عن سفيان زبيري
ّ "القيود القانونية الواردة على االستثمار األجنبي في ظل التشريعات الحالية :ضبط للنشاط االقتصادي أم عودة إلى ّ
الدولة املتدخلة" ،املجلة
األكاديمية للبحوث القانونية ،املجلد ،4عدد ،1ص ص ،126-104هامش رقم .52
-2يراجع نص املادة 4مكرر 03من األمر 01-09الذي شبقت اإلشارة إليه.
-3يراجع نص املادة 31 -30من األمر 01-03الذي سبقت اإلشارة إليه.
-4تعتبر سابقة في تطبيق الجزائر لحق الشفعة وذلك بإقرار وزارة املالية تنفيذ الشفعة على شركة "جيزي" ( )OTAمن منطلق أولويتها
الروسية لالتصاالت،وأسبقيتها في شراء أسهم الشركة مقارنة باملترشحين اآلخرين كشركة جيزي الجنوب افريقية لالتصاالت ،وشركة فيمبري ّ
قيدت حق املتعامل املصري هنا في إعادة تحويل أرباحه تارة والتضييق على ابرام صفقة التنازل لتفادي تحويل عوائد التنازل تارة فالجزائر ّ
أخرى ،مع العلم أن قيمة صفقة التنازل بلغت 5مليار دوالر ،كمبلغ مؤهل لتحويله لدولة املستثمر املصري ،مما قد يحدث ضعف االقتصاد
النقدي وتضخم ميزان املدفوعات ،ملزيد من التفاصيل يراجع سفيان زبيري ،حرية االستثمار والرقابة على التصرف في القانون العام ،جامعة
عبد الرحمن ميرة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،تاريخ املناقشة 26 :جوان ،2012ص.121
- 131 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
املطلب الثاني :تحديد مضمون العقد
ّإن تدخل املشرع في تنظيم مضمون العقد لم يقتصر على تحديد شروط العقد بل امتد هذا
التنظيم إلى فرض نماذج للعقود جاهزة(ّ )1
ومعد إلبرام العقد مستقبال يحدد فيها مضمون العقد من طرف
املشرع( )2نظرا للتحوالت االقتصادية واالجتماعية التي أثرت على العالقات العقدية والتفاوت ّ
الصارخ في
املراكز العقدية لألطراف املتعاقدة ،هذا ما جعل املشرع يتدخل في تحديد مضمون العقد لوضع الشروط
التعاقدية التي يراعي فيها مصالح الطرف الضعيف في العقد وان كان العقد النموذجي املفروض من طرف
املشرع يراعي مصلحة كال الطرفين وينعدم فيه التعسف ،لذلك سنركز ّ
الدراسة على العقود النموذجية
املفروضة من قبل املشرع لعالقتها باملوضوع ،فتنظيم العقد عن طريق العقود النموذجية( )3وإن كان
الغرض من ورائه حماية املصلحة العامة وتوجيه العقد وفقا للبيئة التي يبرم فيها وهو ما يسمى بالوظيفة
ّ
االجتماعية للعقد( )4إال أن هذا التحديد املسبق للعقد وفقا لقالب جاهز يعد إهدارا لحرية اإلرادة ،بل ّأن
هناك من الفقه من ذهب إلى القول إلى ّأن هناك احتكار لإلدارة من طرف املشرع وهو ما نتناوله في (الفرع
عدةاألول) ،ولقد ا داد تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد عن طريق العقود النموذجية ،فظهرت ّ
ز
محددة مسبقا في قالب جاهز من طرف املشرع ،وعليه سنتناول تطبيقات العقود النموذجية في عقود ّ
(الفرع الثاني)
الدقيق لهذه العقود -1سبق التطرق إلى تعريف العقود النموذجية في الفصل الثاني من الباب األول ولقد ذهب بعض الفقه إلى ّأن املصطلح ّ
هو formule type de contratبدال من العقود النموذجية ، les contrat typeولكن نظرا لشيوع استخدام اصطالح العقود النموذجية درج
الفقه على استخدام هذا املصطلح ،للمزيد من التفاصيل ،يراجع أيمن سعد ،املرجع السابق ،ص.13-12
ّ
-2إن العقود النموذجية ال يقتصر وضعها من قبل املشرع بل يوجد نوعين من هذه العقود النوع األول :العقود النموذجية املحررة بإرادة
املحررة بصفة انفرادية وهي املحررة من قبل أحد املتعاقدين ،مع تضمين هذا املتعاقدين وفي هذا النوع يجب التمييز بين العقود النموذجية ّ
العقد الشروط مفروضة على املتعاقد اآلخر ،دون أن يكون هذا األخير الحق في املساومة في الشروط ،إال في جانب الثمن وآجال التسليم ،وهنا
معد مسبقا من طرف املوجب وال يقبل املفاوضة ،مثل عقد التأمين ،والعقود البنكية وهناك يعد العقد النموذجي عقد اذعان ،كون العقد ّ ّ
ويتجسد هذا النوع من العقود النموذجية في تدخل املتعاقد في اعداد صيغ نموذجية في ظل الهيئات ّ ّ
املتعددة األطراف، العقود النموذجية
ّ
ترد في شكل صيغ تحمل عدة فراغات ،يبقى على األطراف ملؤها لكي ينعقد العقد ،كما قد يتخذ هذا العقد النموذجي املتعدد املهنية ،فقد ّ
األطراف شكل بروتوكول اتفاقي بين هيئات تمثل مصالح متضاربة ومن صوره عقد العمل الجماعي ،الذي يتم ابرامه بين النقابات وبين طرف
آخر متمثل في رب العمل أو أرباب العمل ،وهذه العقود ينعدم فيها االذعان.
النوع الثاني :وهي العقود النموذجية املفروضة من قبل املشرع وهي موضوع الدراسة ملزيد من التفاصيل في العقود النموذجية يراجع :منال
بوروح ،النظام العام والعقد ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في القانون الخاص ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،نوقشت بتاريخ 5 :ماي
،2019ص.204-203-202-200-199
-3نظرا لشيوع مصطلح العقود النموذجية سنستعمل هذا املصطلح في هذه الدراسة.
ّ
-4يقصد بالوظيفة االجتماعية للعقد أنه واقعة اجتماعية فهو في خدمة الفرد واملجتمع على حد السواء ويكون موجها من طرف املشرع ومن
ّ
ثم فال يجوز أن تترتب على اإلرادة الفردية آثارا إال بقدر ما تتفق هذه اآلثار مع البيئة االجتماعية وقوانينها ،يراجع لخضر حليس ،مكانة اإلرادة
،...املرجع السابق ،ص.153
- 132 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
الفرع األول :التصرف القانوني الثالثي :العقود النموذجية
ّإن املبادئ الكالسيكية املنظمة للعقد أقرت مشاركة املتعاقدين في صياغة العقد ،فالعقد هو
شأن يخص األفراد لوحدهم وال دخل للمشرع وال القاض ي في التدخل في صياغة بنوده وال يجوز نقضه أو
ّ
إال باتفاق الطرفين أو طبقا لألوضاع التي ّ
يقرها القانون( )1اعماال ملبدأ القوة امللزمة للعقد، تعديله
فاإلرادة وحدها قادرة على ترتيب آثار العقد ومتى التزم الطرفان بإرادتيهما الح ّرة املتطابقة مع اإلرادة
ّ
األخرى انعقد العقد وأصبح ملزما لطرفيه ،إال أن التطورات التي عرفها العالم على إثر الثورة الصناعية
وما نتج عنها من تطور وسائل ابرام العقد أثرت على املبادئ الكالسيكية للعقد وأصبح املشرع يتدخل في
تحديد مضمون العقد عن طريق نماذج العقود( )2بفرض توجيه اإلرادة ملا يخدم مصلحة املجتمع وحماية
الطرف الضعيف.
ّإن العقد النموذجي يعكس تطور مفهوم العقد وهو صورة من صور التعاقد الحديث وهذا ما
سنتناوله (أوال) وملا كان العقد النموذجي عبارة عن قالب جاهز للتعاقد ومعد مسبقا من طرف املشرع
ّ
وأقره عن طريق القوانين ،فإننا سنبحث عن حقيقة اإلرادة في العقود النموذجية التي يضعها املشرع
(ثانيا).
أوال :العقد النموذجي صوة مستحدثة للتعاقد
املحررة من قبل السلطة التشريعية يستوجب التطرق إلىّ إن التطرق إلى العقود النموذجية
التكييف القانوني للعقد النموذجي وتمييزه عن عقد االذعان( ،)1كما ّأن العقود النموذجية عبارة عن
نماذج عقود تأتي بصيغة آمرة ال يجوز لألفراد مخالفتها وهو ما يمنحها الطابع االلزامي وهو ما نتناوله(.)2
-1الطبيعة القانونية للعقد النموذجي
ّإن التطرق للطبيعة القانونية للعقود النموذجية يستوجب التمييز بينها وبين عقود اإلذعان ،ثم
بعد ذلك نوضح حقيقة هذه العقود.
-1نصت على املعنى املادة 106من القانون املدني ،التي سبقت اإلشارة إليها.
ّ
بمجرد أن يتبادل -2وهذا ما يعتبر خروج عن املفهوم الكالسيكي إلبرام العقد وفقا ملا نصت عليه املادة 59من ق م التي تنص ":يتم العقد
الطرفان التعبير عن إرادتهما املتطابقتين دون االخالل بالنصوص القانونية" ،تقابلها املادة 89من ق.م الليبي و توافقها املادة 73ق.م العراقي
و 165واملادة 178من ق م اللبناني.
- 133 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
سبق وأن ّ
مر معنا أن عقود اإلذعان ( )les contrat d’adhésionهي تلك العقود التي تبرم بين
طرفين أحدهما هو الطرف األقوى في العقد من الناحية االقتصادية والقانونية ولذك فهو يعرض عليه
ّ شروطا تعاقدية ال يقبل املناقشة فيها ّ
فإما أن يقبلها الطرف الضعيف (املذعن) كلها أو يرفضها كلها ،دون
أن يكون له حق مناقشتها( ،)1والحقيقة أن عقود اإلذعان عادة ما تكون عقودا نموذجية صادرة من جانب
واحد مع وجود تفاوت اقتصادي كبير بين أطرافها(.)2
ّ
إن العقود النموذجية حتى في الحالة التي تكون فيها ملزمة ما هي إال صياغة ملزمة صادرة من
معين يلزم شخصا آخر أن يبرم العقود التي تحمل نفس موضوعها على نفس تلك الصياغة شخص ّ
النموذجية مستقبال ،ولذلك ليس كل العقود النموذجية عقود اذعان فالعقود النموذجية أصبحت
تستخدم في مختلف املعامالت القانونية بغض النظر عن التعادل بين املراكز القانونية ألطرافها ،فكما
تستعمل العقود النموذجية في عقود اإلذعان كوسيلة في يد الطرف القوي في مواجهة الطرف الضعيف
حتى يذعن لشروطه ،فقد تستخدم العقود النموذجية كوسيلة سالم بين طرفين مصالحها متعارضة وهما
على قدم املساواة بحيث يكون الغرض منها منع وتجنب الخالفات بينهما عند ابرامهم لعقود تنصب على
نفس موضوعها في املستقبل ،ومن أمثلة هذا النوع ما حدث في فرنسا من اتفاق ما بين شركة أصحاب
األقالم ونقابات الصحافة االقليمية على وضع نموذج لعقد ينظم العالقة بينهما تجنبا للوقوع في مشكالت
بينهما في املستقبل(.)3
إن العقود النموذجية ليست بالضرورة عقود اذعان ،وقد تكون وضعت لتوفير الوقت إلبرام
العقد في ظل سرعة املعامالت ووفرتها ،فيكون للمشتري حق مناقشة بنود العقد( ،)4كما هو الحال في
ّ
السلع الكهربائية املوجودة في املحالت الكبرى فقد يبيع التاجر من ذات السلع مائة وحدة في اليوم ،ولكي
يتجنب البائع اعداد عقد عن كل عملية بيع وقد يصل إلى اعداد مائة عقد تم اللجوء إلى العقد النموذجي
ّ
والتي ال يتطلب اعدادها إال إضافة اسم املشتري ،وتاريخ الشراء وتحديد اسم البائع ،وبعض البيانات
التكميلية ،التي يترك مصدر العقد النموذجي مكانا مسبقا لها ،وبالتالي يمكن مفاوضة بعض الشروط في
العقد عكس عقود اإلذعان ،وإن كانت كل عقود اإلذعان عقود نموذجية إذ ّأن العقد النموذجي هو
إن تحرير عقد االيجار وفقا لهذا املرسوم يكون طبقا لنموذج محرر مسبقا والذي جاء تنظيمه
بمقتض ى املرسوم التنفيذي قم ،569-94ثم صدر القانون ،105-07املتضمن القانون املدني حيث ّ
عدل ر
بعض املواد املتعلقة بعقد االيجار( )2وألغى البعض منها(.)3
كما ّ
نصت املادة 03من نموذج عقد االيجار على ضرورة تحديد بدل االيجار فجاءت الصياغة كما يلي" :
أتفق على هذا التأجير بمقابل ثمنه ."...
أ -التزامات املؤجر:
بالرجوع إلى املادة )4(04من نموذج عقد االيجار 69-94فإنها نصت على التزامات املؤجر ،منها
االلتزام بتسليم امللك املؤجر وملحقاته في حالة صالحة للسكن والتجهيزات والتركيبات في حالة صالحة
ّ
لالستعمال وهو ما أكده بموجب القانون 05-07املتضمن تعديل القانون املدني ،بموجب املادة 467التي
ملدة ّ ّ
يمكن املؤجر بمقتضاه املستأجر من االنتفاع بش يء ّ
محددة."... نصت على ما يلي...":االيجار عقد
ّإن تنظيم املشرع لعقد االيجار تضمن كل الجوانب منها التزام املؤجر بصياغة العين املؤجرة
لتحقيق الغاية من اإليجار وهي أن تبقى العين املؤجرة بعد استالمها صالحة لالنتفاع طوال ّ
مدة االيجار،
وهو ما نصت عليه املادة 7ف 2من نموذج عقد االيجار و نصت عليه املواد 482-481-480-479من ق
مّ ،إن هذه الترميمات قد تكون ضرورية لحفظ العين من الهالك كإصالح حائط أو تدعيم وتقوية
األساسيات وترميم الطوابق السفلية واألسقف املهددة بالسقوط أو ضرورية لتمكين املستأجر من
االنتفاع بالعين املؤجرة ومثالها اصالح السلم واملصعد ودورات املياه )5(،وبصفة عامة فإن االصالحات التي
يقع على املؤجر االلتزام بها هي التي تتعلق بهيكل البناية من جدران وأسطح وكل ما يفوق التزام املستأجر في
-1املؤرخ في ،2007/05 /13يعدل ويتمم األمر رقم ،58 -75الذي سبقت االشارة اليه.
-2عدل املواد 476-469-468-467الى 485الى 490و من 492الى 501و من 503الى 505و 507و تمم املواد 469مكرر 469 ،مكرر469 ،1
مكرر 2،469مكرر 469 ،3مكرر.4
-3تم الغاء املواد 470الى 475واملادة 504ومن 508الى 537من القانون املدني و كذلك املادة 20والفقرتان 2و 3من املادة 21و املادة 22
من املرسوم التشريعي رقم .03 -93
-4نصت املادة 07من املرسوم التنفيذي 69-94على ما يلي ":يجب على املؤجر أن يقوم بما يلي :تسليم للمستأجر امللك املؤجر وملحقاته
املحتملة في حالة صالحة للسكن والتجهيزات والتركيبات في حالة صالحة لالستعمال ،صيانة املحالت بإبقائها في حالة صالحة لالستعمال
املنصوص عليه في العقد والقيام بجميع الترميمات التي يتحملها صراحة املستأجر ،االمتناع عن املساس بحقوق املستأجر في التمتع باألماكن
املؤجرة تمتعا ارتياحيا ،جميع االلتزامات األخرى التي يتفق الطفان عليها".
-5جميلة دوار ،املرجع السابق ،ص.56
- 139 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
الترميم كاستبدال املصعد وصيانة البالط ،باستثناء الترميمات البسيطة التي تنشأ عن االستعمال العادي
للعين املؤجرة فال يمكن الزام املؤجر بها(.)1
يلتزم املؤجر أيضا بضمان العيوب الخفية والتي تؤثر على حق املستأجر في االنتفاع بالعين
املؤجرة ،فعلى املؤجر تسليم العين املؤجرة في حالة تكون صالحة لالنتفاع ،من هنا يضمن املؤجر العيوب
التي تنقص من حق استعمال العين املؤجرة استعماال هادئا ما لم يوجد اتفاق يخالف ذلك وهذا ما نصت
َ
عليه املادة 488ف 1من ق م ،غير أن املؤجر ال يضمن العيوب التي أعلم بها املستأجر أو كان هذا األخير
يعلم بها وقت التعاقد طبقا لنص املادة 488ف 3من ق م.
إن املشرع أوجب على املؤجر أن يضمن للمستأجر االنتفاع بالعين املؤجرة انتفاعا هادئا ،و يلتزم
بعدم تعرضه شخصيا للمستأجر وهو التزام باالمتناع عن عمل ويلتزم كذلك بعدم تعرض الغير
للمستأجر وهو التزام بعمل وهو ما نصت عليه املادة 483من القواعد العامة املوافقة لنص املادة 7ف3
من نموذج عقد االيجار.
إن وجود العيب بالعين املؤجرة يتحقق معه الضمان ،حيث يجوز للمستأجر حسب الحالة أن
يطلب فسخ االيجار أو انقاص بدل االيجار وله كذلك أن يطلب اصالح العيب أو أن يقوم هو بإصالحه
على نفقة املؤجر إذا كان االصالح ال يشكل نفقة باهظة على املؤجر.
إن كل هذه االلتزامات التي يقع على املؤجر االلتزام بها اتجاه املستأجر في عقد االيجار نص عليها
ّ املشرع في القواعد ّ
العامة ،غير أنه صاغها في شكل أحكام خاصة ينفرد بها النموذج(.)2
ب -التزامات املستأجر
رجوعا لنص املادة )3(6من نموذج عقد االيجار فإنه يقع على املستأجر ما يلي:
ضرورة استعمال العين املؤجرة حسب ما أتفق عليه عمال بنص املادة 6ف 1من نموذج عقد
ُ
االيجار املوافقة لنص املادة 491من القواعد العامة املنظمة لعقد االيجار ،فيجب على املستأجر أن
ّ
يستعمل العين املؤجرة وفقا ....االتفاق عليه ،وال يتركها دون استعمال ،ألنه ينقص ويضر بالعين املؤجرة،
-1فريدة محمدي" ،التوازن في العالقات اإليجارية طبقا للمرسوم 03-93و نموذج عقد اإليجار" ،املجلة الجزائرية للعلوم القانونية ،2000
الجزائر ،ص.2
-2نظم املشرع عقد البيع بناء على التصاميم من خالل جملة من النصوص القانونية ،بدءا بالقانون 07-86املتعلق بالترقية العقارية ،املؤرخ
وعزز ذلك بصدور املرسوم التشريعي ،03-93املتعلق بالنشاط العقاري في ( 1986/03/4ج ر ،الصادرة في ،1986/03/5ع ،10صّ ،)350
يحدد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية(،الذي سبقت اإلشارة إليه ،امللغى بموجب القانون ،04-11املؤرخ في ،2011/02/17الذي ّ
ج ر ،الصادرة في 17فيفري ،2011ع ،14ص.)4
-3املرسوم التنفيذي رقم 58-94املؤرخ في 7مارس ،1994يتعلق بنموذج عقد البيع بناء على التصاميم الذي طبق في مجال الترقية العقارية،
( ج ر ،الصادرة في 7مارس ،1994ع ،13ص.)11
-4يراجع نص املادة 28من القانون ،04-11الذي يحدد القواعد التي تنظم نشاط الترقية العقارية وتاله املرسوم الرئاس ي ،431-13املؤرخ في
18ديسمبر 2013يحدد نموذجي عقد حفظ الحق وعقد البيع على التصاميم لألمالك العقارية وكذا حدود تسديد سعر امللك موضوع عقد
البيع على التصاميم ومبلغ عقوبة التأخير وآجالها وكيفيات دفعها (ج ر الصادرة في 25ديسمبر ،2013ع ،66ص.)11
مجسمات ونماذج افتراضية) ،تجسد مستقبال على أرض الواقع -5إن عقد البيع بناء على التصاميم هو عقد نموذجي فيتم التعاقد على ( ّ
وبالرجوع إلى القواعد العامة نجد ّأن هذا التعاقد صحيح وفقا لنص املادة 92من ق م التي تجيز أن يكون محل االلتزام ش يء مستقبلي
- 142 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
نصت املادة 34من القانون رقم 04-11على ّأن عقد البيع بناء على التصاميم ينعقد ويرتب كافة
يحرر في الشكل الرسمي و يسجل في مصلحة التسجيل مع شهره في املحافظة العقارية ومن آثاره بعد أن ّ
ّ
ثمة فال تنتقل فيه امللكية إلى املشتري إال بعد استفاء جميع هذه املراحل(.)1
يتم تحرير عقد البيع بناء على التصاميم من قبل املوثق وفقا لألشكال القانونية املطلوبة في كل
عقد يحرر أمام املوثق وال يكفي لصحة عقد البيع بناء على التصاميم أن يتم تحريره من قبل املوثق وفقا
لألشكال القانونية ،بل اشترط املشرع أن يتم افراغه في النموذج املحدد وفقا للمرسوم التنفيذي رقم -13
431املتضمن نموذج عقد البيع بناء على التصاميم وأن يتضمن بيانات إلزامية خاصة به وإال كان
باطال(.)2
إن عقد البيع بناء على التصاميم عقد نموذجي تتقيد فيه الحرية التعاقدية من خالل اتباع
النموذج املفروض ولقد أوجب املشرع على املرقي العقاري قبل تسليم البناية أو جزء منها تسليم شهادة
املطابقة واحترام اآلجال املحددة في العقد وااللتزام بتسليم البناء وفق املواصفات الفنية وباملقابل يستفيد
مقتني العقار من تقسيط الثمن(.)3
نظم املشرع عقد البيع بناء على التصاميم بدءا بمرحلة ما قبل التعاقد ومرورا بمرحلة تكوين
العقد إلى غاية التنفيذ ،حيث يقع على عاتق املرقي العقاري االلتزام باإلعالم بكل ما يتعلق باألرضية أو
البناية ورتب املسؤولية املدنية على اإلخالل بهذا االلتزام.
يتمثل لجوء املشرع إلى اصدار نماذج العقود الخاصة في جعل العقد ذو طبيعة اجتماعية،
حيث تشارك اإلرادة التشريعية إرادة األطراف في هذه العقود من أجل تحقيق العدالة االجتماعية وحماية
الطرف الضعيف من الطرف املتفوق اقتصاديا ،ومعرفيا مستعمال في ذلك آليات النظام العام
االقتصادي الذي يحتوي على القواعد اآلمرة لضبط مضامين هذه العقود و الوقاية من األضرار التي قد
ومحقق ،غير أن الش يء املستقبلي قد يتحقق وقد ال يتحقق ،فما هي الضمانات التي ّ
يقدمها املشرع لتحقق االلتزام املستقبلي؟ يراجع لخضر
حليس ،املرجع السابق ،ص 162الهامش .6
-1أعمر تسبية ،اآلليات القانونية لحماية املشتري في عقد البيع على التصاميم ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق ،تخصص القانون
الخاص ،جامعة أدرار ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،تاريخ املناقشة 13 :جوان ،2019ص .128
-2يراجع املواد 37 ،43 ،495من القانون .04-11
-3يلتزم املرقي العقاري بجملة من االلتزامات بدءا بااللتزام باإلعالم وافراغ العقد في الشكل الرسمي وتحديد الثمن وآليات مراجعته ،لتستمر
هذه االلتزامات إلى غاية مرحلة التنفيذ من خالل إلزامه باملسؤولية املقررة في العقود العامة ،والتأمين من املسؤولية وتأمين األضرار وهذا ما
يؤكد املساس باإلرادة وتقييد دورها ،يراجع لخضر حليس ،مكانة اإلرادة ،...املرجع السابق ،ص ،163هامش .3
- 143 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
تنجم عدم التوازن الذي يصاحبها ويبقى العقد وسيلة لتبادل العالقات املالية في ظل نظام اقتصادي
واجتماعي ّ
معين مع مراعاة مالئمة العقد للواقع ومراعاة فكرة التطور(.)1
ّإن هذه املعطيات أبرزت تحول جذري في املفاهيم الراسخة في النظرية التقليدية للعقد ،فلم يعد
يخص األفراد وحدهم بل أصبح من اهتمامات املجتمع ممثال في ّ
الدولة ،التي تسهر على املحافظة ّ العقد
على أمنه واستقراره وأصبح االعتداد باملساواة الفعلية بدال من املساواة ّ
املجردة ،فالعقد الذي كان يخدم
املصلحة الخاصة أصبح أداة لحماية املصلحة العامة(.)2
إن هذه التبريرات التي يطرحها أصحابها إليجاد األسباب السائغة التي دفعت باملشرع إلى تنظيم
العقود هناك من يعتبرها تعد صارخ على مبدأ سلطان اإلرادة وال يعدوا أن يكون تجاوز إلى تجاوز أخطر
ّ
منه ،فمن الحرية الزائدة إلى االفراط في التدخل والتنظيم( ،)3إال أننا نرى أن املشرع يتدخل لتنظيم
العالقات العقدية التي يختل فيها التوازن العقدي بين الطرف القوي اقتصاديا أو معرفيا والطرف
الضعيف ومنعا للتعسفات املحتملة ،التي غالبا ما تكون املجال الخصب في العقود الغير متكافئة ،من
أجل تحقيق الحماية وتكريس الضمانات القانونية للطرف الضعيف ،كما أن السياسة التشريعية تجعل
من املشرع يتدخل ّكلما اقتض ى ذلك تحقيق املصلحة العامة و ال ننكر ّأنه يبقى لإل ادة ّ
الدور األكبر في ر
انشاء العقود ،فال يمكن للعقد أن ينشأ دون أن تتوافق إرادة األطراف مع اإلرادة التشريعية لتكييف
املفاهيم التقليدية للعقد مع مستجدات الواقع.
-1النظام العام االجتماعي مصطلح أطلقه فقهاء القانون االجتماعي ،كما أن مضمونه نسبي فهو يتغير بالتحوالت االقتصادية واالجتماعية
والسياسية للمجتمع و يرمز للدور االجتماعي الذي يلعبه قانون العمل في إرساء السلم االجتماعي وفق قواعد وقوانين آمرة تتضمن حد أدنى
من الحماية للعامل والتي ال يجوز التنازل عنها أو االنتقاص منها أو االتفاق على مخالفتها ،إال إذا كانت تقدم له مزايا وامتيازات أفضل من تلك
التي منحها له القانون وهذا ما يسمى بمبدأ األفضلية ،يراجع :محمد أمين حجاجي وقويدر قرارية" ،النظام العام االجتماعي بين الحماية
االجتماعية للعامل وتداعيات العوملة االقتصادية" ،مجلة القانون والعلوم السياسية ،املجلد ،6العدد ،1سنة ،2020ص ،50-39ص.41
-2كمال مخلوف"،اإلطار التنظيمي التفاقية العمل الجماعية في التشريع الجزائري" ،مجلة دفاتر السياسة والقانون ،العدد الرابع ،جانفي،
،2011ص.88
ّ
عرف املشرع اتفاقية العمل الجماعية بموجب املادة 114من القانون رقم ،11-90على أنها ":اتفاق مدون يتضمن مجموع شروط التشغيل ّ -3
عدة فئات مهنية".والعمل فيما يخص فئة أو ّ
- 146 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
اتفاقية العمل الجماعية وعلى غرار التشريع املقارن( )1خصص لها املشرع الباب السادس من القانون رقم
فحدد أطرافها ومحتواها وكيفية تنفيذها ّ
وحدد أحكاما جزائية ملخالفتها. 11-90املتضمن عالقات العملّ ،
يساهم قانون عقد العمل في تبني تصور اجتماعي ملبدأ الحرية ويقتض ي أن تكون املساواة بين
األطراف املتعاقدة مساواة حقيقية بدال من املساواة املجردة وحتى يكون العقد عادال تدخل املشرع لتأطير
عالقات العمل وجعلها تتالءم مع املقتضيات االجتماعية وهذا ما أدى إلى تغيير في تصور العقد من تصور
فردي إلى تصور اجتماعي وذلك بجميعته والذي يعتبر تطويرا للعقد(.)2
ّإن ظهور أسلوب التعاقد الجديد عن طريق اتفاقية العمل الجماعية أثر على مبدأ نسبية العقد
فلم يعد مبدأ آثار العقد تنصرف إلى أطرافه طبقا للمادة 108و 113من ق م ،بل ّ
وسع املشرع من مبدأ
نسبية أثر العقد ليمتد أثره إلى أشخاص غرباء عن العقد ،فلم تعد اإلرادة وحدها أساس لألثر النسبي
للعقد وإنما يؤسسها املشرع ويظهر الحد من مبدأ األثر النسبي في قانون العمل عند التغيير في الهيئة
املستخدمة أو من خالل تطبيق اتفاقيات العمل الجماعية(.)3
ّ
كرس املشرع مبدأ ابقاء عالقة العمل عند تغيير الوضعية القانونية للهيئة من جهة وأرباب العمل
من جهة أخرى ،من أجل التوصل إلى تحقيق التوازن العقدي وهذا ال يمنع أن ينصرف آثارها إلى أشخاص
لم ينضموا إليها أو يرضوا بها وهذا ما يشكل مساسا بمبدأ األثر النسبي للعقد ،من أجل تحقيق املصلحة
للعمال وأرباب العمل وتحقيق التوازن العقدي( )4وعليه فإن العقد ليس مسألة ترتبط الجماعية ّ
بالعالقات بين األفراد فقط ولكنه يمثل واقعة اجتماعية ترتبط بحياة الجماعة وتؤثر فيها ،فالبد من أن
تنصرف آثاره وفقا للمقتضيات االجتماعية ووفقا ملا يحدده املشرع وهذا تطوير ملفهوم العقد.
ّ
التحوالت االقتصادية ساهمت في تغيير مالمح النظرية العامة للعقد ،بعدما أصبحت هذه ّإن
األخيرة ال تواكب التطور الذي عرفه املجتمع وخاصة في امليدان االقتصادي ،هذا ما دفع باملشرع إلى
حدة هذه القواعد و جعلها تخضع للتطور ،باعتبار ّأن العقد وسيلة قانونية يلجأ إليها
التخفيف من ّ
األشخاص لحماية حقوقهم من جهة وتنفيذ التزاماتهم من جهة أخرى ،فكان من الضروري أن يلجأ املشرع
اقتصادية واحدة ،ذلك ّان تخصص العوامل االقتصادية والتداول السريع لألموال واتساع املجاالت
الجغرافية ألنشطة املشروعات قد أظهر قصور العقد املستقل ،فكان اللجوء إلى العقود املدمجة أو
املجموعة العقدية ومن أمثلتها البيوع املتتالية والشراء املقابل في العالقات الدولية والقرض االستهالكي(.)2
تظهر فكرة االرتباط بين العقود من خالل عقد البيع الذي يتم تمويله بواسطة القرض ،حيث يبرم
عدة عقود من أجل تحقيق عملية واحدة ،فاملستهلك ال يستطيع أن يشتري بدون قرض وال املستهلك ّ
يمكن له أن يقترض دون أن يشتري وهذا ما أدى إلى الخروج عن مبدأ األثر النبي للعقد (أوال) واقرار حق
املستهلك في الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك عن طريق ّ
الدعوى املباشرة (ثانيا)
مع اقرار حق جمعيات املستهلك في التقاض ي(ثالثا).
أوال :االرتباط بين العقود في مجال القرض االستهالكي
أقامت تشريعات االستهالك ارتباطا بين عقد البيع الذي يتم تمويله عن طريق القرض ،فاملستهلك
يبرم ّ
عدة عقود من أجل تحقيق عملية واحدة وتظهر فكرة االرتباط بين العقود( )3من خالل املبادئ التي
نص عليها املشرع في املرسوم التنفيذي ،114-15املتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض ّ
االستهالكي( )4وهي:
-1لطيفة بوراس " ،نظرية العقد في مواجهة التحديات االقتصادية" ،بحوث جامعة الجزائر ،الجزء األول ،العدد ،2020 ،14ص ،19-10ص
.14 ،3
-2ابراهيم أيمن العشماوي ،املرجع السابق ،ص.195
-3عيس ى بخيت" ،أثر تشريعات االستهالك على مبادئ النظرية التقليدية للعقد" ،األكاديمية للدراسات االجتماعية واالنسانية ،قسم العلوم
االقتصادية والقانونية ،العدد ،20جوان ،2018ص ،117-110ص.115-114
-4املؤرخ في 12ماي ،2015يتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض االستهالكي( ،ج ر الصادرة بتاريخ 13ماي ،2015ع .)24
- 148 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
ّ ّ
نصت املادة 08من املرسوم التنفيذي 114-15على أنه ":ال تسري واجبات املقترض إال ابتداء من
متوال فإن واجبات املقترض تسري
ٍ تسليم السلعة التي استوفى القرض من أجلها وفي حالة عقد بيع بتنفيذ
ابتداء من بداية تسليم السلعة وتتوقف في حالة انقطاع هذا التسليم".
ّ ّ
إن املقترض ال يلتزم بتسديد القرض إال إذا سلم البائع للمشتري (املستهلك) السلعة أو الخدمة(،)1
فإذا تعلق األمر بعقد يكون فيه التنفيذ متتابع فإن التسديد يكون بداية بالتنفيذ وفي حالة انقطاع
التسليم يمتنع كذلك املقترض على التسديد ،فالتسديد من طرف املقترض مرتبط مع تسليم البائع
للسلعة أو الخدمة محل العقد ّ
املمول ولقد أقام املشرع هذا االرتباط وجعله من النظام العام الحمائي
املقرر لحماية املستهلك ،حتى ال يجد نفسه مدينا بقرض دون أن يستفيد من البيع وتظهر عالقة التبعية
املمول له في أ ّنه إذا تقرر الحكم بفسخ أو بطالن العقد الرئيس ي ّ
املمول (عقد بين عقد القرض وعقد البيع ّ
البيع) ترتب عليه فسخ أو البطالن عقد القرض ّ
بقوة القانون وهو ما ّ
نص عليه املشرع الفرنس ي في املادة
32-311من قانون االستهالك الفرنس ي في فقرتها األولى وغفل عنه املشرع عند تنظيمه في املرسوم
التنفيذي .144-15
-2تبعية العملية ّ
املمولة للقرض
ّإن املستهلك يقترض من أجل الشراء وعليه فإن لم يتم ابرام عقد البيع فإن عقد القرض ال ينفذ
وهذه العالقة التبعية نص عليها املرسوم )2(114-15كما يلي:
-نصت املادة 10ف 1من املرسوم 114-15على أنه ال يمكن اكتتاب أي التزام من طرف املشتري تجاه
ّ
البائع في إطار القرض االستهالكي إال بموافقة املقرض املسبقة(.)3
ّ
-ال يلتزم البائع بتسليم أو تمويل محل عقد البيع إال بعد اخطاره من طرف املشتري بتحصيله على
القرض(.)4
املدة ّ
املحددة(.)5 -ال تسري آثار عقد البيع إذا ما س املقترض ّ
حقه في العدول خالل ّ
ر
-1لم يتطرق املشرع في املادة 8من املرسوم التنفيذي 114-15إلى الخدمة واكتفى بالسلعة مع العلم أن عقد القرض قد يمول عقود تتعلق
بالسلع أو أداء الخدمات وهو ما تطرق له املشرع الفرنس ي ،بموجب املادة 31-311من قانون االستهالك الفرنس ي.
-2سبقت الشارة إليه.
-3يراجع نص املادة 10ف 1من املرسوم .114-15
-4يراجع نص املادة 11ف 1من نفس املرسوم.
-5يراجع نص املادة 12ف 1من نفس املرسوم.
- 149 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
-ال يمكن أن يستلم البائع من املشتري أي دفع آخر في شكل من األشكال وال ايداع زيادة على الجزء من
الثمن الذي وافق املشتري على دفعه نقدا ما لم يبرم العقد املتفق بعملية القرض نهائيا(.)1
إن هذا الترابط بين العقود جاء لتحقيق هدف هو تمكين املستهلك من اقتناء ما يريده بطريق
التمويل عن طريق القرض وفي هذا خرج املشرع عن مبدأ األثر النسبي للعقد عن طريق وجود ارتباط بين
العقود في مجال القرض االستهالكي وهذا التحول في املبادئ العامة يهدف إلى حماية مصالح املستهلك
باعتباره الطرف الضعيف في العقد(.)2
ثانيا :حق املستهلك في ّ
الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج للتداول
عدة أطراف ً
بدءا باملنتج ومرورا باملوزع وتاجر التجزئة يساهم في عملية وضع املنتوج لالستهالك ّ
وصوال إلى املستهلك ،فالعالقة االستهالكية تربط بين املستهلك وتاجر التجزئةّ ،أما بقية األطراف املتدخلة
في عرض املنتوج( )3هم من الغير بالنسبة لعقد االستهالك وال يمكن رفع دعاوى قضائية ضدهم تطبيقا
ملبدأ نسبية أثر العقد غير أنه مراعاة لصفة الضعف التي تعتري املستهلك ومن أجل توفير الحماية له
الدعوى املباشرة ضد كل متدخل في عملية عرض املنتوج أجاز االجتهاد القضائي الفرنس ي( )4مما سة ّ
ر
لالستهالك.
أما موقف املشرع الجزائري يظهر من خالل تشريعات االستهالك التي تم اصدارها والنصوص
كرس املشرع دعوى التنظيمية لها ،ففي القانون ،02-89املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش امللغى ّ
الرجوع على كل متدخل في عملية عرض املنتوج لالستهالك ،حيث نصت املادة 12ف 1منه على ما يليّ ":إن
الزام املطابقة كما نصت عليه املادة 3من هذا القانون ووجوب الضمان والتجربة من أي من املتدخلين في
مراحل عرض املنتوج لالستهالك حق للمستهلك ويكون للمتابع الحق في اتباع الطرق القانونية ضد كل
املتدخلين أو بعضهم ،كل حسب مسؤوليته الخاصة وفي حدود فعله".
-1بخالد عجالي" ،حق املستهلك االلكتروني في التراجع عن العقد وأثره على النظرية العامة للعقد في ظل نظريات القانون االقتصادي" ،امللتقى
الدولي السابع عشر حول "الحماية القانونية للمستهلك في ظل التحوالت االقتصادية الراهنة" املنعقد يومي 10و 11أفريل ،2017مخبر
الحقوق والحريات في األنظمة املقارنة ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،ص .333
-2استعمل املشرع مصطلح العدول عن العقد بموجب املادة 19من القانون 09 -18املؤرخ في 10جوان سنة 2018يعدل ويتمم القانون رقم
03-09املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 13جوان ،2018ع 35ص )5وأطلق الفقه الفرس ي على هذا الحق Droit
،A repentirحق التراجع عن العقد وقد اختلف الفقه العربي حول هذا املصطلح فمنهم من عبر عنه بالحق في إعادة النظر ومنهم من
استعمل مصطلح خيار العدول واستعمل آخرون مصطلح الحق في التراجع واملصطلح الدقيق هو حق التراجع عن العقد ،أما املصطلح
املتداول في الفقه اإلسالمي والذي نصت عليه الكثير من التشريعات املستمدة منه هو خيار الرؤية ،يراجع بخالد عجالي ،املرجع السابق،
ص.333
-سنستعمل مصطلح حق العدول عن العقد كما كرسه املشرع بموجب املادة 19من القانون 09-19املعدل واملتمم للقانون 03-09املتعلق
بحماية املستهلك وقمع الغش.
- 153 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
يستفيد من مهلة التفكير ،ويكون املستهلك غالبا ،خاللها يكون بوسعه سحب قبوله الذي ارتبط بموجبه
بالعقد(.)1
إن الحق في العدول عن العقد بهذا املعنى يتشابه إلى حد بعيد مع خير الرؤية الذي قال به فقهاء
الشريعة اإلسالمية ،فخيار الرؤية هو حق املتعاقد أن يبطل العقد أو يجيزه بعد رؤية محل العقد إن لم
يكن قد رآه أثناء العقد أو بعده(.)2
نصت على خيار الرؤية املادة 320من مجلة األحكام العدلية عندما عرفته بقولها" :من اشترى شيئا
ولم يره كان له الخيار إلى أن يراه ،فإذا رآه إن شاء قبله وإن شاء فسخ البيع ويقال لهذا الخيار خيار
الرؤية(.)3
من خالل ما سبق من التعاريف يتضح أن حق العدول يتفق مع خيار الرؤية ،فكالهما حق مطلق
خوله املشرع للمستهلك وحده وبإرادته املنفردة لحماية رضاءه عندما ال يتمكن من رؤية محل العقد وبدون
اشتراط أي تعويضات أو موافقة الطرف الثاني.
ارتبط حق العدول عن العقد بداية في فرنسا بحماية رضاء املستهلك في بعض العقود التي يعبر فيها
عن إرادته تحت تأثير وسائل اإلعالن والدعاية التي تعرض السلع والخدمات باستعمال وسائل اإلغراء من
جانب البائع املنهي وبشكل ال يتيح للمستهلك أن يأخذ الوقت الكافي للتأمل والتفكير ،ليصدر رضاؤه عن
بينة ،كما أن حاجة املستهلك للسلعة ،أو الخدمة محل العقد تجعله يقبل إبرام التعاقد تحت تأثير
الحاجة دون أ يكون مقتنعا بها ،كل هذه األسباب جعلت من املشرع الفرنس ي يرخص للمستهلك أن يعدل
عن العقد الذي أبرمه خالل املدة املحددة لذلك ودون الحاجة إلى أن يبدي أي تبرير ودون دفع أي تعويض
ما عدا مصاريف اإلرجاع(.)4
لذلك كرس املشرع الفرنس ي فكرة حق املستهلك في العديد من القوانين كان أهمها القانون املؤرخ في
12جويلية ،1971املتعلق بالتعليم باملراسلة ،حيث أعطى لطالب العلم الحق في العدول عن خدمة
-1بخالد عجالي ،النظام القانوني للعقد االلكتروني في التشريع الجزائري ،دراسة مقارنة ،رسالة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم ،تخصص
القانون ،جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،تاريخ املناقشة 16 :جوان ،2014ص .224
-2بخالد عجالي ،النظام القانوني للعقد االلكتروني ،...املرجع السابق ،ص .224
-3تأثرت بعض القوانين املدنية العربية بالفقه اإلسالمي واستمدت منه تشريعاتها ،راجع املواد 517من القانون املدني العراقي ،واملادة 235
من القانون املدني اليمني ،واملادة 184من القانون املدني األردني.
-4أمال بوهنتالة" ،الحق في العدول عن التعاقد كوسيلة لحماية رضا املستهلك" ،مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال ،العدد الخامس،
ديسمبر ،2018ص .138
- 154 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
التعليم في مدة ثالثة أشهر يبدأ احتسابها من تاريخ تنفيذ العقد ويلزم الطالب في هذه الحالة بدفع مبلغ ال
يزيد عن % 30من أجر التعليم(.)1
ثم كرس املشرع الفرنس ي هذا الحق في القانون املؤرخ في 1972/12/22وقرره للمستهلك في جميع
عقود البيع أو أداء الخدمات التي تبرم على أثر السعي إلى منزله من قبل البائع أو مقدم الخدمة ،بحيث
أجاز للمستهلك في مثل هذه العقود الحق في التراجع عن العقد الذي أبرمه خالل سبعة أيام كاملة تحسب
من تاريخ الطلب أو االلتزام بالشراء(.)2
ثم أصدر القانون رقم 12-88املؤرخ في 1988/01/06املتعلق بعقد البيع عن بعد والبيع من خالل
التلفزيون ومنح املشتري الحق في التراجع عن العقد خالل سبعة أيام تحسب من تاريخ تسلمه البضاعة
بموجب املادة 1منه التي جاء فيها " :في كافة العمليات التي يتم فيها البيع عبر املسافات فإن ملشتري املنتج
وذلك خالل سبعة أيام من تاريخ تسلم املبيع ،الحق في إعادته إلى البائع الستبداله بآخر أو رده واسترداد
الثمن دون أية نفقات من جانبه سوى مصاريف الرد "(.)3
لم يبق الحق في العدول عن العقد في حدود التشريعات الفرنسية بل انتقل إلى دول كثيرة منها
لكسمبورغ ،التي صدر فيها القانون املؤرخ في 1983/08/25بشأن البيع باملراسلة ،حيث خول حق العدول
للمستهلك بموجب املادة 07منه على أن يكون ذلك خالل مهلة سبعة أيام من تاريخ الطلب أو تاريخ تمام
الشراء وخالل مهلة خمسة عشر يوما من تاريخ استالم البضاعة(.)4
انتقل تنظيم الحق في التراجع عن العقد إلى التوجيه األوربي رقم 07-97الصادر في 20ماي ،1997
املتعلق بالتعاقد عن بعد في املادة 6منه التي جاء فيها " :كل عقد عن بعد يجب أن ينص فيه على أحقية
املستهلك في العدول خالل مدة ال تقل عن سبعة أيام تبدأ من تاريخ االستالم بالنسبة للمنتوجات والسلع،
أما بالنسبة للخدمات فإن مهلة سبعة أيام تبدأ من تاريخ إبرام العقد أو من تاريخ كتابة املورد اإلقرار
-1نورة جحايشية و عصام نجاح" ،حق املستهلك في العدول في التشريع الجزائري" ،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،املجلد ،11العدد ،01
ص ص ،497-480أفريل ،2020ص .485
-2خالد ممدوح إبراهيم ،حماية املستهلك في املعامالت االلكترونية ،دراسة مقارنة ،الدار الجامعية االسكندرية ،مصر ،طبعة ،2007
ص .267
-3جاءت صياغة املادة باللغة الفرنسية كما يلي:
« Pour toutes les opération de vente à distance, l’acheteur d’un produit dispose d’un délai de sept jours à compter de la
livraison de sa commande pour faire retour de ce produit au vendeur pour échanges ou remboursement sans pénalités, à
» l’exception des frais de retour
-4عجالي خالد ،حق املستهلك االلكتروني ،...املرجع السابق ،ص .337
- 155 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
الخطي وتصل هذه املدة إلى ثالثة أشهر إذا تخلف املورد عن القيام بالتزامه بإرسال إقرار مكتوب يتضمن
العناصر الرئيسية للعقد(.)1
تم إلغاء هذا التوجيه بموجب توجيه أوربي آخر صدر في 25أكتوبر ،2011املتعلق بحقوق
ُ
وطبق ابتداء من 13جوان 2014بالنسبة للعقود التي تبرم بعد هذا التاريخّ ،
وقرر هذا التوجيه املستهلكين
في املادة 09منه مدة أربعة عشر يوما ملمارسة املستهلك حقه في العدول ،يبدأ حسابها من يوم تسلم
املنتوج ،أما بالنسبة للخدمات من يوم إبرام العقد ،ويعتمد في حساب املدة امليعاد الكامل ،أي ال يحسب
اليوم األول واليوم األخير(.)2
اعماال لتوصيات التوجيه األوروبي أصدر املشرع الفرنس ي املرسوم 741-2001بمقتضاه ثم إضافة
املادة 20-121إلى قانون االستهالك الفرنس ي ،املتضمنة الحق في العدول عن العقد في كل العقود التي تبرم
عن بعد ،حيث نصت هذه املادة على ما يلي " :للمستهلك خالل سبعة أيام كاملة أن يمارس حقه في العدول
دون ابداء أسباب أو دفع أية جزاءات باستثناء مصاريف الرد " ،وتم تعديل املادة 20-121من قانون
االستهالك الفرنس ي بموجب القانون الصادر في 17مارس ،2014حيث قام املشرع الفرنس ي بتمديد مدة
العدول عن العقد إلى أربعة عشر يوما ،وقرر املشرع الفرنس ي إعطاء املستهلك هذه املكنة من خالل
اتصال هاتفي فقط باملحترف يعبر فيه عن تراجعه عن العقد دون الحاجة إلى إبداء أي تبرير(.)3
بالرجوع إلى املشرع الجزائري فإنه نص على حق العدول في القرض االستهالكي خالل مدة ثمانية أيام
عمل يبدأ احتسابها من تاريخ إمضاء العقد وهو ما نصت عليه املادة 11من املرسوم التنفيذي ،114-15
وإذا تم البيع في املنزل فقد منح املشرع للمستهلك مدة سبعة أيام عمل فقط للتراجع عن العقد ولم يولي
املشرع أي اهتمام لتاريخ انعقاد العقد ومثال ذلك لو ّأن املحترف انتقل إلى منزل املستهلك وعرض عليه
منتوجا ما و تطابق ايجاب املحترف بقبول املستهلك وانعقد العقد واتفق الطرفان على أن يكون تاريخ
التسليم بعد شهر فإن للمستهلك مدة سبعة أيام من تاريخ تسلم السلعة حتى يعدل عن العقد(.)4
نصت على هذا االستثناء املادة 21-121فقرة 8من قانون االستهالك الفرنس ي ويتعلق هنا حق
العدول بعقد من عقود تقديم الخدمات عندما يتم االتفاق بين املنهي البائع واملشتري املستهلك على أن
بداية تنفيذ هذا العقد ستكون قبل انتهاء مهلة العدول.
إن الحكمة التي يريدها املشرع من هذا االستثناء هو تفادي أن يبدأ املستهلك في االستفادة من
الخدمة املقدمة ثم يعدل عن العقد مما يرتب أضرارا للمنهي ،إال أن املستهلك عموما في العقود املتعلقة
بالخدمات ال يستطيع أن يبدي رأيه في الخدمة إال بعد البدء في االستفادة منها ،كما أن املنهي ونظرا لتفوقه
املعرفي ملا يملكه من وسائل تقنية قد يقنع املستهلك في البدء في تنفيذ الخدمة قبل انتهاء املدة وعليه فإن
هذا االستثناء ال يوجد ما يبرره.2
-2عقود توريد سلع سريعة التلف أو متقلبة األسعار
إن املنتوجات القابلة للتلف خالل مدة العدول ال يمكن للمستهلك أن يمارس العدول بشأنها ،فإن
قرر املستهلك أن يعدل عن العقد ويردها للمحترف فإن هذا األخير سيلحقه ضرر ألنه ال يتمكن من بيعها
مرة أخرى ،وهو ما نصت عليه املادة ،8-21-120من قانون االستهالك الفرنس ي.
أما بالنسبة للسلع التي تعرف أسعارا متقلبة باستمرار مع تقلبات السوق املالي تستثنى من نطاق
ممارسة الحق في العدول عن العقد ،فالسلع والخدمات التي تتقلب أسعارها باستمرار مع تقلبات السوق
املالي إذا أجاز القانون ممارسة حق العدول فيها فإن املنهي أي البائع يكون ملزما برد املبلغ الذي دفعه
-1بخالد عجالي ،حق املستهلك االلكتروني في التراجع عن العقد ،...املرجع السابق ،ص .339
-2محمد حسن قاسم ،التعاقد عن بعد ،قراءة تحليلية في التجربة الفرنسية مع اإلشارة لقواعد القانون األوربي ،دار الجامعة الجديدة،
مصر ،ط ،2005ص .60
- 158 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
املستهلك عند إبرام العقد مما يجعل من السعر الذي يرده مخالفا لسعر السلعة أو الخدمة عند التعاقد
وهذا ما يجعله يتكبد أضرارا مالية.1
-3عقود توريد منتوجات مصنعة خصيصا للمستهلك
إن السلع التي يتم إنتاجها بطلب من املستهلك وباملواصفات التي أرادها أو تم تصميمها وفق رغبته
الخاصة ال يمكن للمستهلك أن يمارس حق العدول عن العقد بشأنها ألنه تم إنتاجها وفقا لطلبه الشخص ي
2
بالضبط.
-4ا لعقود التي ترد على التسجيالت السمعية أو البصرية أو برامج الحاسوب التي يقوم املستهلك بفتح
غالفها
ّإن املعلومات املوجودة في التسجيالت السمعية أو البصرية تتواجد في أغلب األحيان على أقراص
مضغوطة ومثالها برامج الحاسوب أو محتوى صوتي أو فيديو وغيرها فبمجرد فتح غالفها من طرف
املستهلك يكون من السهل جدا أن يستنسخها ،أو يطلع على محتوياتها لهذه األسباب استثنى املشرع حق
العدول على هذه العقود وهو ما نصت عليه املادة 8-21-121من قانون االستهالك الفرنس ي.
-5عقود توريد الصحف و الدوريات
إن اقتناء املستهلك ملجلة ما أو جريدة من املنطقي أن يمكنه من االطالع على مضمونها وبالتالي فإن
ممارسته لحق العدول وإرجاع املجلة أو الصحيفة الدورية إلى املحترف يفقد هذه األخيرة لقيمتها ويلحق
أضرارا مادية باملحترف ،لذلك استثنت املادة 8-21-121من قانون االستهالك الفرنس ي هذا النوع من
العقود من حق العدول.
-6العقود التي تبرم عن طريق املزاد العلني
إن حق العدول عن العقد مقرر قانونا لحماية املستهلك في عقود البيع وعقود توريد الخدمات
املبرمة عن بعد ،كونه ال يتمكن من رؤية محل العقد كما يتم التعاقد بالطريقة التقليدية ،كما أنه قد يبرم
العقد على عجلة من أمره دون تدبر ،هذا ماال نجده في العقود املبرمة عن طريق املزاد العلني ،فاملستهلك
-1بخالد عجالي ،حق املستهلك االلكتروني في التراجع ،...املرجع السابق ،ص .341
-2بن قويدر زييري ،املرجع السابق ،ص .74
- 159 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
هو من يقرر بكامل إرادته دخول املزايدة للحصول على ش يء ما وبالتالي ينتفي حقه في ممارسة العدول عن
هذا العقد.1
الفرع الثاني :أثارحق العدول عن العقد على القوة امللزمة له
إن انقضاء مهلة العدول عن العقد يترتب عليه أن يصبح لهذا العقد قوة ملزمة لكل من طرفيه
وواجب التنفيذ ،أما إذا مارس املستهلك حق العدول عن العقد فإنه يترتب عليه أثارا بالنسبة لطرفيه
(أوال) ،كما أن ذلك يؤثر على العقد برمته ويكون خروجا على مبدأ القوة امللزمة للعقد (ثانيا).
أوال :حق العدول يؤثرعلى العقد برمته
انقسم الفقه الى اتجاهين فيما يتعلق بآثار حق العدول على مبدأ الرضائية أو الخروج على املبدأ
الراسخ في النظرية التقليدية للعقد وهو القوة امللزمة للعقد وذهب البعض بأن العقد الذي يتضمن حق
العدول ال يبرم بصفة نهائية ،بل يكون في مرحلة التكوين والفترة التي منحها املشرع للعدول عن العقد ما
هي إال فترة للتفكير والتروي و االتفاق الذي تم بين املحترف واملستهلك عن بعد لم يكن املقصود منه إبرام
العقد بصفة نهائية إنما كان مجرد رغبة في إبرام العقد وال يتم العقد إال بعد انتهاء املهلة املقررة ملمارسة
الحق في العدول عن العقد ويكون رضاؤه قد اكتمل.2
خالصة هذا االتجاه أن حق العدول عن العقد ال يمثل خروجا عن القوة امللزمة للعقد ألن العدول
يكون في مرحلة التكوين والعقد لم يبرم بعد ،ألن التراض ي على العقد يتم عبر مرحلتين ،فاملرحلة األولى
تتمثل في تطابق اإلرادتين وال تكفي لتمام العقد ،ألن خصوصية التراض ي في العقد املبرم عن بعد تجعل من
مهلة التفكير والتأمل ضرورية للتأكد والتروي وتمكنه من العدول في حالة ما إذا رأى أنه تسرع في التعبير
عن اإلرادة كما يمكنه العدول دون ابداء أية أسباب خالل املدة املحددة قانونا وال يكتمل وجود العقد اال
بانتهاء املهلة وهي املرحلة الثانية ،أما املرحلة األولى أي خالل ملدة القانونية ملمارسة حق العدول يكون
العقد غير مكتمل مما يجعل من العدول عنه ال يؤثر على القوة امللزمة للعقد.3
إن القول بأن العقد يمر بمرحلتين ال يستند إلى أي أساس قانوني فبمجرد أن يتبادل الطرفان
التعبير عن إرادتيهما املتطابقتين يتم العقد ،تطبيقا لألصل العام في التعاقد وهو مبدأ الرضائية.
-1بخالد عجالي ،حق املستهلك االلكتروني في التراجع ،...املرجع السابق ،ص .243
-2بن قويدر زبيري ،املرجع السابق ،ص .71-70
- 161 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
-1آثاره بالنسبة للمستهلك
إذا تمسك املستهلك بحقه في العدول عن العقد املبرم عن بعد فإن ذلك يؤدي إلى زوال العقد
واعتباره كأن لم يكن منذ لحظة إبرامه وهذا ما يلزمه برد السلعة أو املنتوج للبائع أو التنازل عن االستفادة
من الخدمة ويجب أن يرجع البضاعة أو املنتوج بالحالة التي تسلمها فإن أصابها تلف أو هالك تحمل
تبعته باعتباره كان مالكا لها.1
تكريسا لحماية املستهلك عند ممارسته لحق العدول عن العقد فإن التشريعات التي نظمت هذا
الحق جعلته مجانيا ،دون أن يتحمل أية مصاريف أو جزاءات لكي ال يعزف املستهلك عن ممارسة هذا
حددت مختلف التشريعات ّ
املدة القانونية التي يجب أن يمارس خاللها ،حيث الحق ،كما أن هذا الحق ّ
نجد أن املادة 1-9من التوجه األوربي رقم 2011-83نصت على أن مهلة العدول عن العقد هي 14يوما
يبدأ حسابها من يوم تسلم املنتوج أو من تاريخ إبرام العقد بالنسبة للخدمات ،دون تحمله ألية مصاريف
باستثناء مصاريف الرد.2
بالرجوع إلى قانون االستهالك الصادر في 17مارس 2014قام املشرع الفرنس ي بتمديد مدة العدول
وخول للمستهلك هذه املكنة من خالل اتصال هاتفي فقط باملحترف يعبرعن العقد إلى أربعة عشر يوما ّ
فيه عن تراجعه عن العقد دون الحاجة إلى إبداء أي تبرير وهو ما نصت عليه املادة 21-121فقرة 1من
قانون االستهالك الفرنس ي.3
كما نصت املادة 18-121من قانون االستهالك الفرنس ي بأن املستهلك ال يتحمل أية مصاريف أو
تكاليف نتيجة ممارسته لحقه في العدول عن العقد باستثناء املصاريف املحددة في املواد 23-221الى
.4 25 -221
جاء في قانون املبادالت التجارية االلكترونية التونس ي رقم 83لسنة 2000في الفصل 30منه على
أن املستهلك يتحمل املصاريف الناجمة عن إرجاع البضاعة وليس في هذا الحكم إجحاف بحق املستهلك
الفصل الثاني :مواءمة العقد للسياسة االقتصادية :الوجه اآلخرللتدخل التشريعي في العقود.
نتج عن األزمة العاملية للبترول سنة 1986تدهور األوضاع االقتصادية واالجتماعية والسياسية في
الجزائر ،األمر الذي أدى إلى إعادة النظر في كل املنظومة القانونية ،بداية بتغيير النظام السياس ي
الجزائري من النظام االشتراكي إلى النظام الليبيرالي وهذا ما كرسه دستور 1989وأدى ذلك بالضرورة إلى
تغيير طبيعة النظام االقتصادي من االقتصاد املوجه إلى االقتصاد الحر ،وتغيير دور الدولة من الدور
املتدخل إلى الدور الضابط.1
تجلت مظاهر اإلصالح األولى بصدور القانون 01-88املتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات
العمومية االقتصادية 2والقانون رقم 12-89املتعلق باألسعار 3ثم توالت عدة تشريعات تكرس نظام
على أن اقتصاد السوق ،حيث تم تكريسه صراحة بموجب املادة 37من دستور 1996التي نصت
":حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون" وتأكد ذلك بموجب املادة 43من التعديل
األخير للدستور سنة 42016التي كرست االعتراف بحرية التجارة من جهة وتكفل الدولة بضبط السوق،
أي يبقى لها الدور الرقابي في وظيفتها وعليه سنتناول في (املبحث األول) التحول في وظيفة الدولة والذي
نتج عنه مبدأ حرية التجارة والصناعة أي حرية املنافسة ،هذا ما أدى إلى تخلي الدولة عن دورها املتمثل
في الدولة املتدخلة وأصبحت دولة حارسة مع إسناد وظيفة ضبط السوق إلى أجهزة الضبط املستقلة من
أجل تنفيذ سياسة الدولة في ضبط االقتصاد عن طريق آلية النظام العام التنافس ي.
إن مبدأ حرية التجارة والصناعة انبثق عنه مبدأ حرية املنافسة من أجل حماية حرية التعاقد الذي
استوجب تكريس نظام اقتصادي توجيهي مما أثر على حرية اإلرادة التعاقدية وهو ما سنتناوله في (
املبحث الثاني).
املبحث األول :التحول في وظيفة الدولة :العقد آلية لخدمة األهداف االقتصادية
-1ليندة بلحارت " ،دور مجلس املنافسة في ضبط املنافسة الحرة " ،مجلة املعارف ،قسم العلوم القانونية ،السنة الحادية عشر ،العدد 21
ديسمبر ،2016ص .224
-2املؤرخ في 12جانفي ،1988يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية( ،ج ر ،الصادرة في 13جانفي ،1988ع .)02
-3املؤرخ في 5ماي ،1989يتعلق باألسعار ،امللغى والذي سبقت اإلشارة اليه.
-4بموجب القانون رقم ،01-16املؤرخ في مارس ،2016يتضمن التعديل الدستوري ،الذي سبقت اإلشارة اليه.
- 166 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
بعد فشل سياسة التسيير االقتصادي القائمة أساسا على الريع النفطي وإهمال دور املؤسسة
االقتصادية واعتبارها أداة تسيير مركزي عوض النظر إليها ككيان اقتصادي منتج وفعال جاءت عدة
محاوالت أولية لتفادي االنعكاسات السلبية لهذه األزمة عن طريق ضمان قدر من االستقاللية لها إزاء
السلطة املركزية ،مما أدى إلى صدور عدة قوانين في هذا املجال 1من أجل إعادة هيكلة املؤسسات
العمومية إال أن هذه اإلجراءات باءت بالفشل لغياب رؤية واضحة تجسد استقاللية حقيقية للمؤسسات
األمر الذي استدعى إصالحات أكثر كفاءة لتحقيق تحول في االقتصاد الجزائري من خالل التوجه إلى
اقتصاد السوق.2
ملا كان القانون هو اإلطار املنظم ملختلف التوجيهات الجديدة فإن تغير هذه التوجهات يستدعي
إحداث تغيرات جذرية في املنظمة القانونية تكون قادرة على استيعابها ،ولقد تعددت النصوص القانونية
ّ
التي تولت مهمة تأهيل االقتصاد الجزائري لخوض مرحلة جديدة تظهر فيها السوق كمنظومة جديدة
باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق الفعالية االقتصادية فعلى الصعيد السياس ي كرس دستور 1989
تعددية املمارسة السياسية ،أما على الصعيد القانوني فقد صدرت عدة نصوص قانونية ذات البعد
3
التأطيري كمرحلة أولى ،إلى حين صدور النصوص املتخصصة أو القطاعية.
من النصوص التأطيرية التي صدرت في بداية التسعينات قانون النقد والقرض 4سنة ،1990باعتبار
أن املجال املصرفي عصب الحياة االقتصادية وقومها واستتبع ذلك إصدار نصوص قانونية أخرى ال تقل
أهمية منها األمر املتعلق بخوصصة املؤسسات العمومية 5على إثر االتفاقيتين املبرمتين مع صندوق النقد
الدولي سنتي 1995-1994والذي عرف ببرنامج التعديل الهيكلي.6
وعلى إثر ذلك صدر أول قانون جزائري يتعلق باملنافسة بموجب األمر 706-95فلم يخصص املشرع
هذا النص لقواعد املنافسة بل جمعها بالقواعد الخاصة األمر الذي لم يؤدي إلى ظهور كقانون
للمنافسة ،باإلضافة إلى أنه لم يتوسع في املمارسات املنافية للمنافسة وكذا إجراءات متابعتها من قبل
-1منها القانون رقم 01 -88يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية الذي سبقت اإلشارة.
-2الهام بوحاليس ،الحماية القانونية للسوق في ظل قواعد املنافسة ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم ،جامعة اإلخوة منتوري،
قسنطينة كلية الحقوق ،السنة الجامعية ،2017 -2016 :ص .03
-3الهام بوحاليس ،املرجع السابق ،ص .03
-4القانون رقم ،10-90املؤرخ في 14أفريل ،1990يتعلق بالنقد والقرض( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 18أفريل ،1990ع ،16ص ،)51ملغى.
-5رقم 22-95املؤرخ في 26أوت ،1994يتعلق بخصوصة املؤسسات العمومية( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 30سبتمبر ،1995ع ، 48ص .)03
-6الهام بوحاليس ،املرجع السابق ،ص .03
-7املؤرخ في 25جانفي ،1995يتعلق باملنافسة (ج ر ،الصادرة بتاريخ 22جانفي ،1995ع ،9ص ،) 13ملغى.
- 167 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
مجلس املنافسة هذه العوامل ساهمت في إعادة النظر في األمر ،06-95وأهمها هو توقيع اتفاقية
الشراكة مع االتحاد األوربي سنة 2002ومفاوضاتها املتواصلة بشأن االنضمام إلى منظمة التجارة العاملية
وعلى إثر ذلك أصدر املشرع األمر ،103-03املتعلق باملنافسة والذي ألغى األمر .06-95
إن سياسة الجزائر في التوجه إلى اقتصاد السوق 2ترمي إلى وضع وإرساء األدوات الضرورية للسير
الحسن القتصاد تلعب فيه الدولة دور الحارس واملوجه وتفسح فيه املجال للمبادرات الفردية وحرية
املشروع وتكريس حرية التجارة والصناعة الذي سبق على حرية املنافسة وهو ما نتناوله في (املطلب
األول) ،كما أن انتهاج الدولة لسياسة اقتصاد السوق نتج عنه تكريس النظام العام التوجيهي في بعده
التنافس ي وهو ما سنتناوله في (املطلب الثاني).
املطلب األول :ضرورة تكريس نظام قانوني يجسد حرية املنافسة
نتج عن تخلي الدولة عن النظام االشتراكي وانتهاج النظام الليبيرالي 3بداية من دستور 1989عدة
إصالحات في املنظمة القانونية كما مر معنا ،بغية الوصول إلى تحقيق بديل عن مقومات االقتصاد آنذاك
الذي كان يعتمد على الريع النفطي ،وبصدور دستور 1996أقر املشرع صراحة مبدأ حرية التجارة
والصناعة بموجب املادة ّ 37
وعزز ذلك بموجب املادة 43من القانون ،01-16املتضمن التعديل
الدستوري لسنة 2016وبذلك تحولت الدولة الجزائرية من انتهاج نظام االقتصاد املوجه إلى نظام
االقتصاد الحر ،الذي انبثق عنه مبدأ حرية املنافسة ولكي نتطرق إلى النظام القانوني الذي ينظم
املنافسة فإنه ال بد من تحديد مفهوم املنافسة (الفرع األول) ثم نتناول القانون الذي ينظم املنافسة
والذي يعتبر وليد النظام االقتصادي الجديد في(الفرع الثاني).
الفرع األول :ماهية مبدأ حرية املنافسة
إن تحديد مفهوم حرية املنافسة يستوجب التطرق إلى مفهوم مبدأ حرية التجارة والصناعة الذي
انبثق عنه مبدأ حرية املنافسة (أوال) ثم نتناول مفهوم مبدأ حرية املنافسة (ثانيا) واألهداف التي يسعى
إليها هذا املبدأ (ثالثا).
أوال :تكريس مبدأ حرية التجارة و الصناعة
كرس املشرع مبدأ حرية التجارة والصناعة بعد انتهاجه لنظام اقتصاد السوق ،الذي فرضته
العوملة ،مسايرا التطورات االقتصادية العاملية ،بعد إبرام اتفاق الشراكة مع االتحاد األوربي وكذا انضمام
الجزائر إلى منظمة التجارة العاملية.
إن مبدأ حرية التجارة والصناعة يقتض ي منح القطاع الخاص حرية أكثر في ممارسة النشاط
االقتصادي وهذا ما ّ
جسده املشرع من خالل إصداره للعديد من النصوص القانونية التي تنص على هذا
املبدأ منها مبدأ حرية االستثمار ،مبدأ حرية تحويل االستيراد والتصدير ومبدأ حرية األسعار.1...
إن هذه العقود الجديدة لم يتصدى لها القانون املدني ،فهي تجسد تقنيات حديثة للتعاون ابتدعها
املشرع من أجل تنظيم السوق في ظل التجارة العاملية ،من أجل زيادة عدد املؤسسات التجارية وتوسيع
دائرة نشاطها ،هذا ما جعل من العقد (االلتزامات اإلرادية) أهم قواعد اللعبة االقتصادية ،مما تعني
2
تراجع التشريع األحادي املركزي في املجال االقتصادي ويحل محله العقد.
إن النهج الجديد للنظام االقتصادي يستوجب إيجاد آليات قانونية تتماش ى معه فكان االهتمام
بحرية املنافسة وتأكد ذلك بهجر النظام القائم على االقتصاد املوجه وأصبح تحديد أسعار السلع
والخدمات يتم بكل حرية سيما غير الضرورية منها ،اعتمادا على قواعد املنافسة والحرية االقتصادية.
يمكن حصر دواعي سن قواعد قانونية تنظم وتضبط السوق التنافسية كما يلي:
-1إن تنظيم قانون يحمي املنافسة ال حرة ترتب على اثر اإلصالحات التي عرفتها وال تزال تعرفها
املنظومتان القانونية واملؤسساتية لالقتصاد الوطني والتي تستهدف تأهيل املؤسسات الوطنية وجعلها
عنصرا فعاال في السوق ،من أجل تحقيق التنمية االقتصادية.
-2مساعدة املؤسسات االقتصادية على اكتساب مناعة وطنية من أجل التصدي لالنعكاسات
السلبية للعوملة وتحضيرا لاللتزامات التي ترتبت نتيجة انضمام الجزائر إلى املنظمة العاملية للتجارة .OMC
-3ضمان الحرية لكل متعامل (مشروع) في الدخول إلى السوق الوطنية من جهة ودون أن يتعرض
1
ملمارسات غير مشروعة أو من شأنها املساس باللعبة التنافسية.
الفرع الثاني :قانون املنافسة وليد النظام االقتصادي الجديد
إن تكريس املشرع لقانون املنافسة يعتبر الصورة الحقيقية التي ّ
تجسد التحوالت التي يعرفها أي
نظام اقتصادي ،بحيث يعتبر األداة الفعالة لتنظيم وتنمية االقتصاد عموما وعنصرا ال يمكن االستغناء
عنه في تفعيل نشاط اقتصاد السوق تحديدا 2وبما أن قانون املنافسة ينظم النشاط االقتصادي داخل
السوق فإن ذلك يعني أن له عالقة بالعقد ،بحيث يعتبر هذا األخير أداة للتواجد في السوق ،من هذا
املنطلق سنتناول (أوال) مفهوم قانون املنافسة و(ثانيا) خصوصيته و عالقته بالعقد( ثالثا).
أوال :مفهوم قانون املنافسة
إن كثرة األهداف والغايات التي يهدف إلى تحقيقها قانون املنافسة تجعل من وضع تعريف له أمرا
صعبا ،باإلضافة إلى أن هذا القانون له عالقة بفروع أخرى من القوانين سواء تلك التي تدخل في إطار
القانون العام أو القانون الخاص ،إال أنه ينفتح أكثر على قانون األعمال وما يحتوي عليه من موضوعات
3
كالشركة وامللكية الصناعية وحماية املستهلك...الخ.
1
-frison-roche, marie Anne contrat concurrence, régulation , RTD civ, 2004, op, cit.32.
- 172 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
تهدف أساسا إلى حماية املنافسة فهي في الوقت ذاته تحرص على حماية مصالح املتنافسين أنفسهم ،من
1
جهة ومصالح املستهلكين من جهة أخرى.
إن قواعد املنافسة تهدف كأصل عام إلى ضمان السير الحسن للسوق وتحقيق الفاعلية أي أنها
تحمي املنافسة من كل ممارسة من شأنها املساس بهاتين الغايتين ،من أجل تحقيق الفاعلية االقتصادية
وكمثال على ذلك ما نصت عليه املادة 11من األمر ،203-03املتعلق باملنافسة التي تحظر املمارسات
التمييزية ،التي من شأنها أن تخلق وضعية امتياز أو عدم امتياز في املنافسة ،هذا ما يبين إبعاد نظرية
الغبن املعروفة في القانون املدني ،ألنها تهدف الى توازن السوق من هذه الوضعيات باإلضافة إلى حماية
3
املتعاقد.
بعد ما كان املشرع يحصر محاربة الشروط التعسفية في نطاق عقود اإلذعان وفي العالقات بين
املستهلكين واملهنيين فقط دون أن تمتد هذه الحماية إلى املهنيين أنفسهم ،وسع من هذه الحماية في نطاق
قانون املنافسة عن طريق ظهور عقود التبعية بين األعوان االقتصاديين من أجل محاربة عدم التوازن
العقدي ،4فكل قاعدة ظاهرها حماية السوق نجدها تحتوي على معاقبة السلوكيات غير املشروعة
ً
والالتنافسية وهذا ما يشكل ميال إلى حماية طرف (الضعيف) على حساب اآلخر ولذلك أشار الفقيه
l. Vogelأنه يوجد في القانون الخاص باملنافسة نوعان من القواعد تلك التي يتوقف تطبيقها أساسا على
سلوكيات املؤسسات ،وقواعد مختلطة mixtesتتطلب بدورها توافر شرطين السيطرة على السوق
كشرط هيكلي ،والسلوك التعسفي (كشرط سلوكي).5
تحرص التشريعات املنظمة للمنافسة على أن تكون اللعبة التنافسية في صالح املستهلك من خالل
حصوله على السلع والخدمات التي يرغب فيها بأفضل األسعار واملواصفات ،لذلك ّ
تضمن قانون املنافسة
القواعد الخاصة بحماية املستهلك أيضا ،حيث تضمن مواد تتعلق بإعالم املستهلكين وحمايتهم...الخ ،كما
أن قانون املنافسة يرتكز على تحليل السوق ،لذلك يعتبر قانون املنافسة قانونا اقتصاديا ،ألنه يسعى
لخدمة غايات اقتصادية (التفوق املالي جذب العمالء...الخ) وهي ظواهر اقتصادية تجعله يظهر أكثر فأكثر
قانون واقعي براغماتي ،موجه نحو إشباع الحاجات املادية على األخص ألن قواعد املنافسة تنتقي
املتنافسين األكثر فعالية من أجل تحقيق الفعالية االقتصادية دون إلغاء املبادئ العامة للقانون (الحرية،
العدالة و األمن.)...
كما أننا نجد أن قانون املنافسة يتغير ويتنوع تماشيا مع األهداف التي يخدمها أي التي تم تحديدها
1
في السياسة االقتصادية ومن ثمة فإن شرعيته تستمد وتمكن في مدى إشباعه لهذه األخيرة.
إن ما يمكن استخالصه من خالل ما سبق أن العقد وسيلة للدخول إلى السوق من أجل خلق سوق
ّ
تنافسية حرة حتى ولو كان ذلك السوق يخضع للضبط وما أكد هذه العالقة هو قانون املنافسة حيث
تضمن مفهوم العقد في العديد من أحكامه ،سواء نص عليها صراحة أو في إطار مفهوم االتفاق وكذلك في
العالقات التجارية وسنتطرق لهذه العالقة القائمة بين العقد في مفهومه التقليدي القائم على سلطان
اإلرادة وحرية التعاقد وقانون املنافسة تباعا.
ثالثا :العقد آلية لضبط املنافسة
يعتبر العقد املحرك األساس ي لالقتصاد ،عن طريقه يتم تبادل السلع والخدمات بين املتعاملين
االقتصاديين في ظل نظام اقتصاد السوق ويركز على اعمال سلطان إرادة املتدخلين فيما ال يخالف
النظام العام التنافس ي ،فالعقد املجال الخصب لوضع قواعد خاصة في السوق تصنعها إرادة األعوان
االقتصاديين وال يحد من مجال اعمالها إال مخالفة مقتضيات النظام العام االقتصادي.2
-1العقد أداة بامتيازللمبادالت التجارية
يتجسد النشاط االقتصادي قانونيا من خالل العقود لذلك يعتبر العقد أداة فعالة في السوق
ويظهر ذلك كتقنية حصرية لتبادل الثروات وأحد اآلليات األساسية للنشاط االقتصادي ،حيث تعتبر
الحرية العقدية أحد أسس االقتصاد الليبيرالي وركيزة للحرية االقتصادية ،حيث يرتكز اقتصاد السوق
على التبادالت التي تنتج من تداول الثروات في السوق ويترتب على ذلك أن العقد أصبح وسيلة لتحقيق
التبادالت ،مما يدفعنا إلى القول أنه ال يمكن أن يسير السوق بدون عقد وال بدون حرية عقدية.3
إن تخلي الدولة عن سياسة االحتكار والتوجه نحو تشجيع االستثمار واملنافسة في ظل االقتصاد
الحر ،جعل الدولة تتجه إلى تحرير قطاعات كانت تعتبر مرافق عامة تقليدية ،كاملياه والكهرباء والغاز ،بل
األكثر من ذلك عمدت الدولة إلى فتح القطاعات االستراتيجية كاملحروقات وتظهر أهمية العقد في أنه
األداة القانونية للتواجد في السوق من أجل خلق سوق تنافسية حرة ،مع إخضاع السوق إلى الضبط
االقتصادي وملا كان السوق يقوم أصال على مبدأ التوازن بين املنافسة الحرة ومبدأ آخر هو النظام العام
1
التنافس ي فيمكن أن يكون العقد وسيلة لتحقيق هذا التوازن.
-2العقد وسيلة لضبط السوق
ّ
إن العقد وسيلة للتواجد في السوق كما مر معنا إال أن التطورات الالحقة آلليات السوق دلت على
أن االكتفاء بهذا الطرح أصبح متجاوزا واإلحاطة بحدود قدرة العقد على القيام بهذه األدوار الجديدة
سيمكننا الحقا من الوقوف على املدى الذي يصل إليه التوجه التعاقدي في قانون املنافسة ،فهناك توجه
يرحب بمساهمة العقد في هيكلة وضبط السوق والتنظيمات االقتصادية الفاعلة فيه وفي هذا الصدد
يرى الدكتور قادة شهيدة بأن " :إسهامات التقنيات التعاقدية جد واعدة ،طاملا أن تنظيم تداول القيم
التنافسية بين املشروعات أصبح يتم عن طريق العقود وحدود الدور املستقبلي للعقد لن يتوقف عند هذا
املستوى ،بل إن هناك رهانات جديدة باتت مطروحة في مجال الضبط واملوازنة.2
املطلب الثاني :استحداث سلطات الضبط االقتصادي :املفهوم الجديد لتدخل الدولة
نتج عن تخلي الدولة عن النظام االشتراكي انتهاج النظام الليبيرالي والتوجه إلى اقتصاد السوق ،بعد
اآلثار السلبية التي خلفها النظام االشتراكي واالتجاه نحو العوملة ،فبعد ما كانت مهيمنة على السوق وفي
مست جميعكل جوانبه ،أدى هذا األسلوب التدخلي إلى آثار سلبية تسببت في أزمة اقتصادية حادة ّ
امليادين ،فأصبح من الضروري إعادة النظر في الوظائف وتكيفها مع التحوالت الداخلية والعاملية
الجديدة ،وبذلك تم استحداث سلطات الضبط االقتصادي باعتبارها العمود الفقري لالقتصاد في
مختلف القطاعات 3وهذا ما ستناوله في (الفرع األول) ،كما أن إسناد الدولة مهمة الضبط لهذه
السلطات اإلدارية والتخلي عن دورها التدخلي املباشر كان البد أن يكون عبر آلية النظام العام االقتصادي
في بعده التنافس ي والذي يظهر فيه الطابع التوجيهي بصورة واضحة مقارنة مع النظام االقتصادي في
طابعه الحمائي وهو ما سنتناوله في (الفرع الثاني).
-1عز الدين عيساوي " ،العقد كوسيلة لضبط السوق " ،مجلة املفكر ،العدد الثالث ،ص .211
-2لخضر حليس ،املرجع السابق ،ص .254
-3داود منصور ،اآلليات القانونية لضبط النشاط االقتصادي في الجزائر ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم ،تخصص قانون األعمال،
جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ، 2016 -2015 :ص .71
- 175 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
-1ظهر مصطلح الضبط االقتصادي في امليدان القانوني أول مرة في الواليات املتحدة األمريكية خالل 1933مباشرة بعد أزمة 1929وكأثر من
آثارها ،حيث أصدر الرئيس " روزفلت " قرارا إلنشاء مجموعة من الهيئات لرقابة السوق املالية وغيرها وضمان السير الحسن ومنع االحتكار
بفتح املجال للمنافسة املشروعة ،ويراد به تدخل الهيئات العامة ملراقبة املتعاملين االقتصاديين في السوق وما لبث أن تأثرت به التشريعات
األخرى ،لتكرسه في منظومتها القانونية ال سيما التشريع الفرنس ي ،الذي اقتبس منه املشرع الجزائري بدوره النصوص القانونية املجسدة
لفكرة الضبط ،على أثر اإلصالحات السياسية واالقتصادية التي قام بها في أواخر الثمانينات ،يراجع في هذا الخصوص يسمينة شيخ أعمر،
توزيع االختصاص ما بين مجلس املنافسة وسلطات الضبط القطاعية في الجزائر ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير ،جامعة عبد الرحمن ميرة
بجاية ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية ،2009 -2008 :ص .24
-2عائشة خليل ،دور السلطات اإلدارية املستقلة في تجديد الشريعة العامة للعقود ،مذكرة لنيل درجة املاجستير في العقود القانونية ،فرع
قانون األعمال ،جامعة 8ماي 1945قاملة ،كلية الحقوق والعلوم القانونية ،السنة الجامعية ،2016 -2015 :ص .19
-3عائشة خليل ،املرجع السابق ،ص .20
- 176 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
اقتصاد تديره الدولة إلى اقتصاد يديره السوق سيكون بالضرورة عن طريق خلق أساليب جديدة لتدخل
الدولة الذي يمكن تلخيصه في مصطلح الضبط.1
إن الضبط االقتصادي ّ
يجسد التغيير الذي طرأ على التقسيم التقليدي لكل من القانون العام
والقانون الخاص بسبب تطور وظيفة الدولة وهو يعبر عن غزو القانون العام للقانون الخاص ،إذ
أصبحت العالقات يحكمها القانون الخاص وهي تنظيمية أكثر مما هي تعاقدية كما يعني هذا التغيير أيضا
خصخصة القانون العام ،إذ أصبحت الدولة تباشر نشاطات اقتصادية وتجارية وتتعامل عن طريق تقنية
العقد ،فلم تبقى حدود كل من القانون العام والقانون الخاص ثابتة وال مستقرة.2
من خالل ما سبق يمكن القول أن قانون الضبط االقتصادي قد تجاوز التقسيم التقليدي للقانون
إلى عام وخاص ،كما أن سلطات الضبط االقتصادي تعمل على االستماع إلى املجتمع املدني وتالحظ
الوقائع وترصد مصالح وأهداف هذا املجتمع لتصوغ على أساس ذلك قواعد ضبطية ولكن هذه األجهزة
والسلطات توصف على أنها "إدارية" لذلك يمكن حل هذا التناقض بالقول بأن قانون الضبط هو قانون
مختلط.3
ثانيا :مظاهرالضبط االقتصادي
كان السبق في إنشاء هيئات الضبط املستقلة يرجع ألمريكا ،عندما حاولت التحييد السياس ي
لإلدارة ،لضمان استقرار الهيئات الخاضعة لحماية السلطات التشريعية ممثلة في الكونغرس ،وكذلك
إلسباغ العقالنية على نشاط اإلدارة وكان ظهور هذه السلطات على شكل لجان ،أما بالنسبة لفرنسا فقد
تأخر ظهور هذه السلطات فيها مقارنة بأمريكا وانجلترا ،وكان ّأول ظهور لهذا املفهوم بمناسبة قانون
اإلعالم اآللي والحريات رقم ،17-78الصادر في 7جانفي 1978والذي بموجبه تم إنشاء اللجنة الوطنية
لإلعالم اآللي والحريات.4 Cnil
كرس املشرع سلطات الضبط االقتصادي بعد أن تخلت الدولة عن النظام االشتراكي و انتهجت
اقتصاد السوق ،لذلك لجأت إلى إنشاء سلطات إدارية مستقلة تتكفل بوظيفة الضبط االقتصادي
كمرحلة انتقالية في انتظار تحرير وسائل اإلنتاج من رقابة السلطات العمومية ولقد تجسد ذلك سنة
1990بإنشاء املجلس األعلى لإلعالم بموجب القانون 07-90املتعلق باإلعالم ،1حيث نصت املادة 59منه
على أنه سلطة إدارية مستقلة بنصها على أن " ُيحدث مجلس أعلى لإلعالم وهو سلطة إدارية مستقلة."...
ولقد مر انشاء هذه السلطات اإلدارية املستقلة بمرحلتين كما يلي:
-1املرحلة األول :وهي الفترة املمتدة من سنة 1990الى سنة .2000حيث تميزت هذه املرحلة بتباطؤ إنشاء
هذه السلطات ولقد تم إنشاء ستة سلطات ضبط فقط وهي:
-املجلس األعلى لإلعالم الذي ُحل سنة 1993بموجب املرسوم الرئاس ي 252-93املتعلق باملجلس األعلى
لإلعالم.
2
-مجلس النقد والقرض بموجب القانون .10-90
-اللجنة املصرفية ،التي ينظر إليها على أنها سلطة إدارية مستقلة وقد أنشئت بواسطة القانون رقم -84
،46في 24جانفي 1984املتعلق بنشاط ومراقبة مؤسسات القرض.
3
-لجنة تنظيم ومراقبة عمليات البورصة ،بموجب املرسوم التشريعي .10-93
4
-مجلس املنافسة بموجب األمر .06-95
5
-وسيط الجمهورية بموجب املرسوم الرئاس ي .113-96
-2املرحلة الثانية :تمتد هذه املرحلة من سنة 2000إلى يومنا هذا ،حيث شاع فيها إنشاء السلطات
اإلدارية املستقل ة وتعديل معظم النصوص القانونية للسلطات التي أنشئت في املرحلة السابقة وأهم
6
السلطات التي تم إنشاؤها نتناولها تباعا:
7
-سلطة ضبط البريد واملواصالت السلكية والالسلكية بموجب القانون .03- 2000
1
-سلطة ضبط التبغ واملواد التبغية بموجب القانون .06 -2000
-1املؤرخ في 23ديسمبر ،2000املتضمن قانون املالية لسنة ( ،2001ج ر ،الصادرة بتاريخ 24ديسمبر ،2000ع ،80ص .) 03
-2املؤرخ في 3جويلية ،2001املتعلق باملناجم ( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 04جويلية ،2001ع ،35ص ،)02املعدل واملتمم.
-3املؤرخ في 5فيفري ،2002املتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز عن بواسطة القنوات( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 06فيفري ،2002ع ،8
ص .)02
-4املؤرخ في 28أفريل ،2005يتعلق باملحروقات ( ج ر الصادرة بتاريخ 22جوان ،2005ع ،50ص ،) 3املعدل واملتمم.
-5املؤرخ في 4أوت ،2005املتعلق باملياه( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 04سبتمبر ،2005ع ،6ص ،)03املعدل واملتمم.
-6املؤرخ في 20فيفري ،2006املعدل واملتمم لألمر رقم ،04-95املتعلق بالتأمينات ( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 12مارس ،2006ع ،44
ص .)03
-7املؤرخ في 20جويلية ،2008املعدل واملتمم لألمر ،05 -85املتعلق بحماية وترقية الصحة( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ ،)2008املعدل واملتمم.
-8القانون العضوي رقم 05-12املؤرخ في 12جانفي ،2012املتعلق باإلعالم ( ،ج ر الصادرة بتاريخ 15جانفي ،2012 ،ع ، 02ص ،)21
املعدل واملتمم.
-9أحمد بعجي" ،من أجل إصالح النظرية العامة للعقد" ،بحوث جامعة الجزائر ،1الجزء األول ،العدد ،2020 ،14ص .442
- 179 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
ّ
إن تطور وظيفة الدولة وانتقالها من مفهوم الدولة املتدخلة إلى مفهوم الدولة الضابطة أثر على
مضمون القواعد القانونية وأدى إلى إنشاء سلطات إدارية مستقلة تهتم بمراعاة التوازن ما بين الحقوق
وااللتزامات ما بين الفاعلين في السوق و مراعاة التوازن التعاقدي ما بين األطراف ،هذا ما دفع البعض إلى
القول أن السلطات اإلدارية املستقلة أصبحت تمثل مصدرا جديدا في قانون العقود وقد ّبرر الفقه هذا
التدخل من السلطات اإلدارية املستقلة في العقد ،من زاوية فشل وعدم قدرة الوسائل الفردية باملقارنة
مع الوسائل الجماعية ،وهذا ما يظهر من خالل تدخل مجلس املنافسة للدفاع عن املصالح العامة.
لقد أكد الفقه أن وظيفة الضبط املوكلة للسلطات اإلدارية املستقلة تتولى تأطير عملية التدخل في
األنشطة والقطاعات ،خاصة عندما يكون التأطير أكثر ايجابية ،من خالل البحث عن التوازن بين
الحقوق والواجبات لكل الفاعلين في السوق أو القطاع ومن جهة أخرى فالضبط لديه عدة مجاالت
وغايات ،فأحيانا يسعى إلى ترقية الحريات األساسية للفرد وكذلك ترقية الحريات االقتصادية وأحيانا
أخرى يسعى إلى حماية السوق واملنافسة وأحيانا أخرى تسعى سلطات الضبط لحماية بعض الفئات
املتعاقدة وبالتالي فاألهداف مختلفة من جانب سلطات الضبط ألنها تراعي فكرة التوازن أكثر من فكرة
1
اإلجبار والسلطة.
الفرع الثاني :النظام العام التنافس ي
إن النظام العام الت وجيهي كما سبق وأن مر معنا يقوم على أسس اقتصادية واجتماعية سائدة في
مجتمع ما وبالتالي فإن الدولة تسعى من خالله إلى فرض توجه اقتصادي واجتماعي معين ويظهر ذلك من
خالل التدخل في العقود باعتبارها أداة املبادالت االقتصادية وبما أن النظام العام التوجيهي من خالله
معين فإن قواعده تكون حسب النظام االقتصادي تسعى الدولة إلى تحقيق توجه اقتصادي واجتماعي ّ
املنتهج من قبل الدولة ،فانتهاج الدولة القتصاد السوق يجعل من قواعد النظام العام التوجيهي قواعد
تهدف الى تحقيق املنافسة الحرة ومنع االحتكار ،هذا ما يؤكد تغليب الطابع التوجيهي في النظام العام
التنافس ي (أوال) ،مع الظهور املحتشم لقواعد النظام الحمائي (ثانيا).
أوال :تغليب الطابع التوجيهي في النظام العام التنافس ي
إن تحديد الهدف من وجود قواعد قانون املنافسة يؤدي إلى صعوبة تحديد طبيعة املصلحة
املحمية ،فقواعد النظام العام االقتصادي الحمائي أكثر وضوحا في مجال حماية املستهلك أو حماية
العامل ،ألنه يهدف إلى الدفاع على حرية املتعاقد الذي ُيفترض أنه في حالة ضعف اقتصادي أو معرفي
مقارنة مع الطرف اآلخر الذي يمتلك القوة االقتصادية واملعرفة ،مما يؤثر على رضا املتعاقد الضعيف
فيدفعه إلى التعاقد بشروط غير عادلة 1،أما في مجال املنافسة فهناك تردد بين النظام العام الحمائي
والتوجيهي وبما أن قانون املنافسة ال يحمي املتنافسين بل املنافسة أي السوق فهذا ما يؤكد أنه قانون
النظام العام التوجيهي وهذه الحجج استند عليها العديد من الفقهاء للقول بأن قانون املنافسة ال يحمي
2
املتنافسين وإنما املنافسة أي السوق.
إن قواعد املنافسة تهدف في األصل إلى ضمان السير الحسن للسوق وتحقيق الفاعلية وبمعنى آخر
حماية هذه األخيرة من كل ممارسة من شأنها املساس بهاتين الغايتين من أجل تحقيق التنمية االقتصادية
واالجتماعية للبلد على وجه الخصوص ويظهر ذلك جليا من خالل حظر املمارسات التي يكون موضوعها
أو من آثارها منع أو تضييق أو عرقلة الحرية التنافسية في السوق ،فمثال إذا رجعنا إلى القواعد التي
تضبط املمارسات املحظورة التي تضيق املنافسة قد يقول قائل أنها ترمي إلى حماية مصالح خاصة
للمتنافسين ،أو املتعاقدين لكن هذه القواعد وهي تقوم بهذه املهمة تكون في ذات الوقت موجهة إلى ضمان
3
السير الحسن للسوق واملنافسة والغاية األساسية من ورائها هي املحافظة على النظام العام االقتصادي.
من األمثلة التي يمكن أن نضربها في التدليل على أن قواعد املنافسة تهدف إلى حماية السوق في حد
ذاتها وليس حماية املتنافسين أو املتعاقدين هو املادة 11من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة التي تنص
4
صراحة على أن التمييز من شأنه أن يخلق وضعية امتياز أو عدم امتياز في املنافسة.
وعليه فإن تنظيم الوضعيات التمييزية في إطار قواعد املنافسة يترجم تطورا وتقدما في ابعاد نظرية
الغبن املعروفة في القانون املدني ،ألنه باإلضافة إلى حماية الشخص املتعاقد فإن الهدف من هذا التنظيم
5
هو توازن السوق.
-1ليندة قردوح " ،البطالن في قانون املنافسة كدعامة إلعادة التوازن العقدي" ،مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال ،العدد الخامس،
ديسمبر ،2018ص .111
-2املرجع نفسه ،ص .111
-3محمد تيورس ي ،املرجع السابق ،ص .39
-4تنص املادة 11من األمر 03-03املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه على ما يلي ":يحظر على كل مؤسسة التعسف في استغالل
وضعية التبعية ملؤسسة أخرى بصفتها زبونا أو ممونا اذا كان ذلك يخل بقواعد املنافسة ويتمثل عدم التعسف على الخصوص في رفض البيع
بدون مبرر شرعي ،البيع املتالزم أو التمييزي ،البيع املشروط باقتناء كمية دنيا ،االلتزام بإعادة البيع بسعر أدنى ،قطع العالقة التجارية بمجرد
رفض املتعامل الخضوع لشروط تجارية غير مبررة ،كل عمل آخر من شأنه أن يقلل أو يلغي منافع املنافسة داخل السوق".
-5محمد تيورس ي ،املرجع السابق ،ص .40 -39
- 181 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
بما أن النظام العام التوجيهي تسعى من خالله الدولة إلى تحقيق توجه اقتصادي واجتماعي معين
فإن قواعده تكون حسب النظام االقتصادي املنتهج من قبل الدولة ،فانتهاج الدولة القتصاد السوق
يجعل من قواعد النظام العام التوجيهي قواعد في سبيل تحقيق املنافسة الحرة ومنع االحتكار ،وإطالق
حرية األسعار ،وإخضاعها لقانون العرض والطلب أما في حالة انتهاج الدولة أسلوب االقتصاد املخطط
فإن قواعد النظام العام التوجيهي الهدف منها ضبط االقتصاد عن طريق تنظيم التجارة واإلنتاج
والتسويق واالستثمار وتوجيه املؤسسات االقتصادية وبالنسبة للجزائر فإننا نالحظ تأرجح ما بين انتهاج
1
االقتصاد املوجه واقتصاد السوق ،وهو ما جعل من قواعد النظام العام التوجيهي أيضا متأرجحة.
ويميز الفقيه Carbonnierبين النظام العام الحمائي والنظام العام التوجيهي في أن هدف النظام
العام الحمائي هو حماية الطرف الضعيف اقتصاديا في بعض العقود ،في حين أن النظام العام التوجيهي
يرتبط بالتوجيهات املتعلقة باالقتصاد الوطني واستبعاد كل ما يعوق هذه التوجيهات ،لذلك تنازل النظام
2
العام الحمائي عن مكانه للنظام العام التوجيهي.
إن ازدواجية قانون املنافسة تجعل من النظام العام االقتصادي التوجيهي يتعارض مع النظام
العام الحمائي ،ألن األول يضع القواعد اآلمرة التي توجه السياسة االقتصادية واملالية والنقدية للدولة ،في
حين أن الثاني يضع القواعد اآلمرة التي يهدف املشرع من ورائها إلى حماية الطرف الضعيف في العالقة
العقدية ،فالنظامين يتمايزان بحسب طبيعة املصالح املحمية وإذا كان األصل أن الغاية من قانون
املنافسة هو حماية املنافسة أو السوق فإن هذا ال يمكن أن يؤدي إلى حصول تعارض بين املصلحة العامة
التي هي حماية السوق واملصلحة الخاصة املرتبطة باحترام قواعد املنافسة ،لذلك اعتبر البعض أن
النظام العام االقتصادي في مجال املنافسة له طابع خاص ولم يعد النظام العام االقتصادي توجيهيا بعد
تكريس حرية املنافسة وإنما أصبح كنظام اقتصادي جديد un nouvel ordre économiqueألنه يكرس
مبدأ اقتصاد السوق مع إخضاع االقتصاد إلى الرقابة ،لذلك اعتبره البعض من الفقه بأنه نظام عام
تنظيمي ordre public d’organisationأو أنه نظام عام مختلط ألنه يجمع في بعض األحيان بين حماية
3
فئة من املتعاملين وحماية القواعد التي تحكم العالقة االقتصادية.
وفي نظرنا فإن املشرع من خالل قانون املنافسة غلب قواعد النظام العام التوجيهي بمواءمة العقد
مع سياسة الدولة في االقتصاد وإن كان هذا الضبط االقتصادي يحمل في طياته أهدافا أخرى متفرعة
عنه ومكملة له تتمثل على وجه الخصوص في حماية املتعاملين االقتصاديين من تصرفات منافسيهم غير
املشروعة وفي هذا اإلطار يقول كبير الفقهاء " : l.vogelأنه يوجد في القانون الخاص باملنافسة نوعان من
القواعد ،تلك التي يتوقف تطبيقها أساسا على سلوكيات املؤسسات وقواعد أخرى مختلطة تتطلب
بدورها توافر شرطين ،السيطرة على السوق (كشرط هيكلي) والسلوك التعسفي (كشرط سلوكي) 1،كما
أن هناك ارتباط وثيق بين مبدأي شرعية املنافسة وحماية املستهلك بحيث أن التشريعات املنظمة
للمنافسة تحرص على أن تكون اللعبة التنافسية في صالح املستهلك من خالل حصوله على السلع
والخدمات التي يرغب فيها بأفضل األسعار واملواصفات ،لذلك كان ال بد أن تقحم القواعد الخاصة
2
بحماية املستهلك ضمن قواعد قانون املنافسة.
"أزمة اإلغالق الكبير" 1وبالنسبة للجزائر فإنها على غرار باقي دول العالم وجدت نفسها متأثرة بتداعيات
جائحة كورنا على اقتصادها ،نظرا لخصوصية االقتصاد الجزائري كاقتصاد ريعي قائم على مداخيل
املحروقات ،فكان التأثير مزدوجا بسبب تراجع الطلب على املحروقات وتهاوي أسعار النفط العاملية ،حيث
بلغ معدل النمو االقتصادي الجزائري في سنة 2019نسبة %0.8من حيث الحجم مقابل %1.4لسنة
2018ومع تفش ي وباء كوفيد 19وجد االقتصاد الجزائري نفسه أمام جملة من التحديات ّ
مست عدة
قطاعات أهمها قطاع املحروقات ،حيث انحسر سوق النفط العالمي جراء أزمة كورنا في تقليص مستوى
الصادرات الجزائرية للبترول والغاز بنسبة %7.5خالل العام الجاري ،2020لهذا توقعت الحكومة
الجزائرية انخفاضا ملداخيل املحروقات إلى 20,6مليار دوالر مقابل 37,4مليار دوالر كانت متوقعة في
2
قانون املالية األولى ل .2020
كما أن تدابير تقييد الحركة والنقل املتخذة في الجزائر توقف بسببها حوالي % 50من الطاقة
العمالية ،مما أثر على قطاع الصناعة ،هذا باإلضافة إلى تأثير وباء كوفيد 19على قطاع النقل وقطاع
السياحة مما أثر على القطاع الجبائي ،وانعكس ذلك على تفش ي البطالة في الجزائر ،حيث توقع صندوق
النقد الدولي أن ينكمش االقتصاد الجزائري بنسبة 5.2في املائة في عام 2020مما سيرفع نسبة البطالة إلى
3
أكثر من 15في املائة.
ترتكز الدول على السياسات املالية والنقدية في تحقيق االستقرار املالي والنمو االقتصادي نظرا
الدور تأكد عمليا في ظل جائحة كورونا ،حيث أكد بنك التنمية اآلسيوي لنجاعتها في مجابهة األ مات وهذا ّ
ز
أن االستجابة السريعة للحكومات من جميع أنحاء العالم في تفعيل سياستها االقتصادية ملحاصرة اآلثار
االقتصادية للوباء قد ساهمت في التقليل من الخسائر االقتصادية العاملية بسبب جائحة كورونا إلى ما
بين 4.1ترليون دوالر و 5.4تريليون دوالر ،إال أن السياسة املالية والنقدية في الجزائر تتأثر بأسعار
البترول حيث أن ارتفاع أسعار البترول سيدعم السياسة املالية والنقدية ،كما أن تراجع أسعار البترول
سيعقد من عمل السياسة االقتصادية ككل ،ويضعف من فعالية أدواتها ويقلل من مردوديتها ويدفع ُ
الحكومة إلى االستدانة لتأمين هذه املوارد ،وهذا ما يؤكد أن تراجع أسعار النفط خالل هذه املرحلة يشكل
عائقا أمام الحكومة الجزائرية في تفعيل سياساتها املالية والنقدية ،خاصة وأن هذه السياسات موجهة
لتحقيق توازن اقتصادي صعب في ظل تداعيات أزمة خانقة ومنه يمكن القول أن دور السياسة
االقتصادية في تحقيق االنتعاش االقتصادي وتحقيق آثار كورنا في الجزائر يعتبر تحديا كبيرا للحكومة في
ظل هذه الظروف االستثنائية ،حيث أصبح الوضع االقتصادي تحت وطأة أزمتين عامليتين في آن واحد،
أزمة تراجع مداخيل املحروقات في ظل اقتصاد ريعي من جهة وتداعيات أزمة جائحة كورنا في ظل اقتصاد
1
هش ومتهالك من جهة أخرى.
من أهم استخدامات الحكومة الجزائرية للسياسة املالية والنقدية في تخفيف آثار وتداعيات جائحة
كورونا covid 19على االقتصاد الجزائري في سبيل تحقيق االنتعاش االقتصادي هو تحقيق تسيير رصين
واحترازي للمالية العمومية من خالل الحد من اإلسراف في استخدام املوارد وعقلنة التسيير والتجهيز من
خالل القضاء على مصادر التبذير واإلسراف والنفقات التي ليس لها تأثير كبير على تحسين إطار معيشة
املواطن ،مع تعزيز احتياطي الصرف من خالل إضفاء حركية على التنمية االقتصادية وترقية االقتصاد
مع اإلبقاء على التزامات الدولة في مجال تمويل التنمية ،كما خططت الحكومة لتعزيز القدرة الشرائية
للمواطن مع ضمان تموين السوق الوطنية بشكل منتظم باملنتجات األساسية واملواد األولية وتفعيل
إجراءات قانونية قاعدية ضرورية لتحسين مناخ األعمال وإعادة بعث االستثمار ذو القيمة املضافة
العالية بشكل يكفل تحسين وضعية ميزان املدفوعات من خالل االنفتاح على االستثمارات األجنبية
وأدرجت ضمن أهدافها أيضا تحسين املردود الجبائي للدولة بالتركيز أساسا على إنشاء الشركات الناشئة
وتطويرها بمنحها جملة من االمتيازات الجبائية وتنويع أدوات التمويل املوجهة لها ولقد أسفرت
االجتماعات الدورية للحكومة على توسيع دائرة هذه األهداف بما يكفل تحقيق حوكمة حقيقية
لالستثمار تقوم على الشفافية والفعالية والنجاعة التي من شأنها إثراء البالد باملوارد املتولدة عنها
وبمساهماتها التكنولوجية مع تحسين مرونة االقتصاد والحفاظ على احتياطي الصرف وتطوير االستثمار
2
والحفاظ على النمو ومناصب الشغل.
ومصالح الدولة من جهة أخرى ،حيث أسس قانون املنافسة نظاما عاما يوجه اتفاقات األطراف نحو
توجه معين أال وهو النظام العام التنافس ي ،الذي يج ّسد التحول في وظيفة الدولة من الدولة املتدخلة إلى
1
الدولة الضابطة.
إن انتهاج الدولة لنظام اقتصاد السوق ومبدأ حرية التجارة والصناعة ال يعني عدم التدخل املطلق
في السوق وإنما يتباين التدخل في القضايا االقتصادية من دولة ألخرى حسب ما تراه ضروريا لتحقيق
التوازن االجتماعي ،أو للتخفيف من حدة األخطار املتولدة عن الحرية املطلقة في السياسة االقتصادية،
فاألنظمة االقتصادية املعاصرة تأخذ بمبدأ التدخل جزئيا أو كليا ومن الصعب التسليم بوجود نظام
يعتمد مبدأ الحرية االقتصادية ويرفض كليا فكرة التدخل ،فالتدخل قائم في األنظمة الرأسمالية بطريقة
تختلف عن مفهوم التدخل في األنظمة االشتراكية ،إن التوجيه الذي يمارسه النظام الرأسمالي على اإلنتاج
واالستهالك واألسعار فضال عن التدخل في القوانين االجتماعية يعتبر تدخال واضحا تفرضه التطورات
2
االقتصادية واالجتماعية املعاصرة.
إن األزمات التي أفرزتها سياسة االقتصاد ّ
املوجه أدت إلى إعادة اإلصالح املنظومة االقتصادية وتبنى
أساليب جديدة للتدخل مع منع االحتكار الذي أدى إلى تدهور املستوى االقتصادي واملديونية والبطالة
وغيرها من األزمات التي تمس املجتمع ،لذلك اعتمدت الدولة تقنيات قانونية لتحافظ على السلم
االجتماعي عن طريق عيممة العقد بالتدخل في ضبط ّ
السوق ،لذلك هناك من يرى أن العيممة تقنية
قانونية تظهر للعيان أكثر في فترة األزمات ،ما عدا ذلك فهي موجودة بصفة ضمنية أو صريحة في معظم
التشريعات ،فهي تتماش ى مع تطور املجتمعات ال سيما مع التحديات التي تواجه الدولة الجزائرية اليوم
من البطالة وضعف القدرة الشرائية التي ال يمكن حلها إال من خالل تدخل الدولة بصفة مباشرة وغير
3
مباشرة وذلك بانتهاجها سياسة تنموية واجتماعية.
إن تدخل الدولة غير املباشر في ضبط السوق من أجل تحقيق األهداف االقتصادية وتكريس انتهاج
نظام اقتصاد السوق سواء عن طريق هيئات الضبط القطاعية أو عن طريق مجلس الدولة تختار العقد
كوسيلة مفضلة لديها باعتباره األداة الفعالة في السوق ومصدر لتبادل السلع والخدمات ،هذا كله أدى إلى
تقييد حرية اإلرادة وهو ما سنتناوله في (الفرع األول) كما أن انتهاج املشرع لسياسية الضبط االقتصادي
للسوق قام على اعتماد آليات قانونية وقائية وأخرى عالجية وهذا ما سنتناوله في (الفرع الثاني).
الفرع األول :مظاهرالحرية العقدية املوجهة
ازداد تدخل املشرع في العالقات التعاقدية الفردية بعد أن كانت هذه العالقات من قبل مقصورة
على إرادة املتعاقدين ال يتدخل فيها املشرع إال نادرا وذلك من أجل ضمان منع االستغالل والتعسف
وتجسيد األهداف االقتصادية للدولة ،هذا ما أدى إلى التطور الفقهي لفكرة تعميم العقد ،أي اصباغه
بصبغة القانون العام وتجلى ذلك بصورة واضحة عندما ازدادت القيود التي تضعها الدولة على الحرية
االقتصادية ،متخذة من آلية النظام العام وسيلة لتغليب الطابع العام في العقد 1ويظهر ذلك من خالل
عدة مظاهر نتناولها تباعا:
أوال :تدخل املشرع في تو افق اإلرادتين
إن الحرية العقدية التي هي من نتائج مبدأ سلطان اإلرادة تعني أن الشخص حر في أن يتعاقد أو
يرفض التعاقد وله حرية اختيار الشخص الذي يتعاقد معه وال يمكن ألي أحد أن يجبره على الدخول في
عالقات ال يريدها مع اآلخرين ،أو أن يمنعه من التعاقد ،هذا ما يكرس املبدأ الشهير "دعه يعمل دعه
يمر" والذي هو في األصل يجسد فلسفة الحرية االقتصادية ويعني ضمنيا دعه يتعاقد 2،إال أن هذا املبدأ
اخذ يتراجع مع بداية التدخل التشريعي في ضبط السوق ،فانتهاج الدولة الجزائرية لنظام االقتصاد الحر
لم يؤخذ على إطالقه وإنما كان ال بد من ضبط السوق عن طريق تقييد الحرية التعاقدية من حيث حرية
التعاقد أو االمتناع وهو ما سنتناوله كما يلي:
-1تقييد حرية التعاقد :حظرالتعاقد
تتمتع كل مؤسسة في ظل النظام الليبيرالي بحرية انتهاج أساليب متنوعة ومتعددة للحفاظ على
مكانتها في السوق كلجوئها إلى إبرام اتفاقات مع مؤسسة أخرى ،بهدف االتفاق على خطة مشتركة لتسيير
نشاطها في السوق وهنا األصل أن هذه االتفاقات تكون مشروعة ،أما إذا أدت إلى اإلخالل باملنافسة فإنها
3
تدخل في نطاق االتفاقات املحظورة تسري عليها أحكام قانون املنافسة.
رجوعا الى املادة 06من قانون املنافسة التي تنص على أنه " :تحظر املمارسات واألعمال املدبرة
واالتفاقات الصريحة والضمنية عندما تهدف أو يمكن أن تهدف الى عرقلة حرية املنافسة أو الحد منها أو
االخالل بها في نفس السوق أو في جزء منه ،"...والتي تم تعديلها بموجب القانون ،1 12-08و من خالل
النص يتضح أن املشرع تبنى مبدأ حظر االتفاقات املقيدة للمنافسة اذا توافرت ثالثة عناصر ،أن يكون
هنالك اتفاق وأن يؤدي هذا االتفاق الى تقييد املنافسة وأن تكون هناك عالقة سببية بين االتفاق القائم
2
بين األطراف املتواطئة وبين الضرر الذي لحق بحرية املنافسة.
إن قانون املنافسة ال يمنع التعاون وتنسيق الجهود بين املؤسسات بغرض القيام بدراسات مشتركة
وتبادل املعلومات والخبرات لتحسين اإلنتاج والحد من تكاليفه وغيرها من أشكال التعاون بين املؤسسات
املتواجدة في السوق ،إنما الذي يحظره القانون هو االتفاق الصريح أو الضمني بين املؤسسات التي تنشط
في سوق معينة من أجل تنظيم املنافسة فيما بينها مما يؤدي إلى عرقلة السير الطبيعي لقانون العرض
والطلب في السوق ،كأن يتم االتفاق على تحديد سعر محدد لسلعة أو خدمة معينة ،أو تقسيم األسواق
أو مصادر التموين ،أو مقاطعة تاجر أو عون اقتصادي معين أو تقليص اإلنتاج ووفق التطور التقني أو
االستثمار ،والتواطؤ في منح الصفقات العمومية وغيرها من املمارسات غير املشروعة التي لم يوردها
املشرع على سبيل الحصر وإنما على سبيل املثال 3نظرا للطابع االقتصادي الغالب على هذه االتفاقات
4
املقيدة للمنافسة ،مما يجعل من الصعب تحديدها تحديدا دقيقا وحصريا.
من أمثلة االتفاقات غير املشروعة التي تطبق بشأنها املادة 06من األمر 03-03هو إبرام عقود توزيع
نموذجية مختلفة تم إعدادها من طرف مؤسسة منتجة مع موزعيها وأدرجت هذه األخيرة بندا لفرض
أسعارها عند بيع منتوجاتها وبعد اإلمضاء عليها من طرف املوزعين يكون القبول قد تم ،وعليه فإن فرض
ُ -1عدلت املادة 06من األمر 03-03بموجب القانون ،12 -08املؤرخ في 25جوان ،2008يعدل ويتمم األمر ،03 -03املتعلق باملنافسة ( ،ج ر،
الصادرة بتاريخ 02جويلية ، 2008ع ،36ص ،)11املعدل واملتمم ،حيث جاء نص املادة 5كمايلي " :تتمم أحكام املادة 06من األمر رقم -03
،03املؤرخ في 19جمادى األولى عام 1424املوافق ل 19جويلية سنة 2003واملذكورة أعاله ،بمطة أخيرة وتحرر كمايلي:
" تحظر...بدون تغيير حتى ...األعراف التجارية.
-السماح بمنح صفقة عمومية لفائدة أصحاب هذه املمارسات املقيدة".
-2يسمينة شيخ أعمر ،املرجع السابق ،ص .67
-3محمد الشريف كتو ،قانون املنافسة واملمارسات التجارية وفقا لألمر 03-03والقانون ،03-04دار بغدادي للطبع والنشر والتوزيع،
الجزائر ،ص .34
-4يسمينة شيخ أعمر ،املرجع السابق ،ص .67
- 189 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
أسعار املنتوج بصورة انفرادية من طرف املنتج وقبول هذا الشرط من طرف املوزعين يدخل في نطاق
1
االتفاقات غير املشروعة التي نصت عليها املادة 06من األمر .03-03
وعليه فإن االتفاقات غير املشروعة هي التي تقوم بها مؤسستين أو أكثر بإتباع سلوك معين وبشكل
محدد في السوق بغض النظر عن شكل هذا االتفاق فقد يكون صريحا أو ضمنيا وأن تكون نيتها هي الحد
أو التقييد من املمارسة.
باإلضافة إلى حظر االتفاقات غير املشروعة فإنه وبالرجوع إلى املادة 07من األمر 03-03فإن قانون
املنافسة يحظر التعسف في استعمال وضعية الهيمنة وال يحظر وضعية الهيمنة في حد ذاتها ،حيث جاء
نص املادة كما يلي" :يحظر كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على السوق أو احتكارها أو على جزء منها
قصد:
-الحد من الدخول في السوق أو ممارسة النشاطات التجارية فيها.
-تقليص أو مراقبة اإلنتاج أو منافذ التسويق أو االستثمارات أو التطور التقني.
-اقتسام األسواق ومصادر التموين.
-عرقلة تحديد األسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع املصطنع الرتفاع األسعار و انخفاضها.
-تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين مما يحرمهم من منافع املنافسة.
-إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء
بحكم طبيعتها أو حسب األعراف التجارية".
من خالل املادة املذكورة أعاله يتضح أن املشرع قد حظر كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على
سوق ما إذا كان من شأنه تقييد املنافسة بتوافر شرطين:
-أن تكون املؤسسة في وضعية هيمنة ،فإذا كانت املؤسسة تهدف للحصول على مركز قوة مهيمن داخل
السوق ليس ممنوعا بحد ذاته ،ولكن هذا الشرط يظل ركنا مفترضا لقيام حالة التعسف في الهيمنة.
-التعسف في استغالل وضعية الهيمنة وذلك بالقيام باملمارسات التي حددتها املادة 07من األمر ،03-03
على سبيل املثال املتعلقة باألسعار كالرفع املفرط لها أو خفضها وتلك الخاصة بشروط البيع كشرط عدم
1
املنافسة ،شروط البيع التمييزية وتلك املتعلقة بالعالقات التجارية مع الشركاء االقتصاديين.
إن الحكمة من هذا الحظر هو تحقيق التوازن في العقود املبرمة بين أطراف غير متكافئة في القوة
التفاوضية السيما مع ظهور مؤسسات قوية في مجاالت اإلنتاج والتوزيع وهو ما تطلب توفير حماية للطرف
2
الضعيف مما قد ينجر عن هذه الوضعيات "الهيمنة" من شروط تعسفية.
كما أن مجلس املنافسة يختص طبقا لنص املادة 10من قانون املنافسة بمنع األعمال والعقود التي
تضفي طابعا استئثاريا على ممارسات نشاطات اإلنتاج والتوزيع والخدمات واالستيراد ،تفاديا لحاالت
االحتكار التي قد يستغلها املتعاملون االقتصاديون وهذا الحظر كان قبل تعديل أحكام هذه املادة بموجب
القانون رقم 12-08يتعلق فقط بتصرف واحد يتمثل في عقد الشراء االستئثاري وبإحدى النشاطات التي
نص عليها قانون املنافسة واملتمثلة في نشاط التوزيع ،إن التوجه الجديد للمشرع منه هو إلزام املتعاملين
االقتصاديين ببذل جهد لتحقيق مكانتهم في السوق على أساس قدراتهم االقتصادية وذلك في إطار روح
3
تنافسية شفافة ونزيهة.
-2تقييد حرية عدم التعاقد :اإلجبارعلى التعاقد
تظهر حرية التعاقد في أن الشخص حر في أن يتعاقد أو يرفض التعاقد وعليه ال يمكن للشخص أن
ُيجبر على التعاقد تطبيقا ملبدأ سلطان اإلرادة ،إال أنه وبالرجوع إلى قانون املنافسة نجد أن هناك قيودا
واردة على حرية الشخص في أال يتعاقد وهي صورة أخرى من االكراهات ،حيث يعتبر رفض البيع حالة من
حاالت رفض التعاقد ،حيث يحظر كل استغالل تعسفي لوضعية التبعية االقتصادية بموجب املادة 11
من األمر ، 03-03فيتعين على مجلس املنافسة وضع حد لكل تعسف استغاللي لوضعية تبعية مؤسسة
4
ألخرى بصفتها زبونا أو ممونا إذا كان ذلك يخل بقواعد املنافسة.
ّإن حرية الشخص في االمتناع عن التعاقد تكريسا ملبدأ سلطان اإلرادة ،تجد تضييقا لها في ظل
قانون املنافسة من خالل حظر كل استغالل تعسفي لوضعية التبعية االقتصادية فمثال عندما يرفض
متعامل اقتصادي بيع سلعته أو تقديم خدماته فهو يعرقل نشاط الزبون مما يؤثر سلبا على السوق
ويترتب على ذلك قيام املسؤولية التقصيرية لرافض البيع ،كونه ارتكب خطأ ويحق للطرف املضرور
التمسك بالقواعد العامة ملطالبة بالتعويض عن الضرر الالحق به ويؤسس طلبه على التعسف في
استعمال الحق طبقا للمادة 124مكرر من القانون املدني ويقع عبء اثبات العكس على املتعامل
1
االقتصادي الذي رفض التعاقد.
كما يحق لكل متضرر من ممارسة مقيدة للمنافسة اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض طبقا
للمادة 48من األمر ،03-03حيث يشكل رفض التعاقد تصرف غير مشروع يعرض املؤسسة املتعسفة في
استغالل وضعية التبعية أن تتعرض لجزاءات مدنية وجزائية نصت عليها املادتين 13و 56من األمر
2
املذكور أعاله لكونها ممارسات مقيدة للمنافسة.
ثانيا :تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد
تراجعت الحرية العقدية أمام تدخل املشرع في تنظيم السوق عن طريق تحديد مضمون العقد
بصفة إلزامية ،من أجل إعادة التوازن العقدي املفقود نظرا لعدم املساواة بين األفراد في نطاق السوق وما
ظهور العقد النموذجي إال دليل على تراجع مبدأ سلطان اإلرادة ،فلم يعد العقد شأن للمتعاقدين بل
أصبح املشرع كما سبق وأن رأينا في الفصل األول من هذا الباب يتدخل في تحديد مضمون العقد من أجل
حماية الطرف الضعيف ،كما أن املشرع أظهر تدخله في تحديد مضمون العقد من أجل تنفيذ األهداف
املتعلقة بالسياسة االقتصادية وهو الوجه اآلخر للتدخل التشريعي في العقود ،فهذا النوع من العقود
يعتبر قيدا على إرادة املتعاقدين أحدهما أو كالهما ،فيكون تحديد مضمون العقد دون مشاركتهما في
3
صياغة بنوده ،إنما تكون العقود ُموجهة إلرادة املتعاقدين بإتباع نموذج محدد.
كان أول من استعمل فكرة العقد املوجه هو الفقيه الفرنس ي Josserandحيث قال ":أن هناك
أسئلة كثيرة تبادرت لألذهان منذ سنتين حول االقتصاد ّ
املوجه وقد حان الوقت للحديث أيضا عن العقد
املوجه ،بفضل طريقة التوجيه وال يقتصر ذلك على امليدان االقتصادي بل يظهر كذلك في امليدان
4
القانوني.
يظهر تدخل املشرع في تحديد مضمون العقد من خالل تكريسه مبدئيا لحرية األسعار طبقا للمادة
04من القانون رقم 05-10املتعلق باملنافسة والتي تخضع لقانون العرض والطلب في السوق ،اال أنه أورد
استثناءات على مبدأ حرية األسعار بموجب املادة 5ف 1من نفس القانون ،من خالل تنظيم األسعار
سواء بالنسبة ألسعار السلع والخدمات الضرورية أو ذات االستهالك الواسع في حالة اضطراب محسوس
للسوق ،أو في حالة االرتفاع املفرط لألسعار غير املبررة طبقا للمادة 5ف 5من قانون املنافسة فإنه يمكن
اتخاذ تدابير استثنائية للحد من ارتفاع األسعار أو تحديدها في الحالة التي يكون فيها ارتفاع مفرط بسبب
اضطراب خطير للسوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة
جغرافية معينة أو في حالة االحتكارات الطبيعية ونظرا للطابع غير الدقيق لهذه املصطلحات فإن الدولة
تملك حرية واسعة في التقدير ،غير أن تدخلها ال يجوز إال إذا أدت هذه األسباب إلى ارتفاع مفرط في
1
األسعار.
يكون التدخل اإللزامي في صورة التسعيرة ويراد بالتسعيرة التي تلجأ إليها السلطات العمومية
التحديد املباشر لألسعار من قبل السلطة اإلدارية ،فطبقا لنص املادة 5ف 1من قانون املنافسة يمكن
تحديد هوامش وأسعار السلع والخدمات...عن طريق التنظيم وتتخذ تدابير تحديد هوامش الربح وأسعار
السلع والخدمات أو تسقيفها أو التصديق عليها على أساس اقتراحات القطاعات املعنية طبقا للمادة 05
من قانون املنافسة ،فمثال تم تحديد السعر األقص ى للسكر األبيض عند االستهالك بـ 90دج للكيلوغرام
غير املوضب و 95دج للكيلوغرام املوضب 2ويعتبر تحديد أسعار املنتوجات تقنية بسيطة لتسهيل
3
الرقابة.
يتم تحديد هوامش الربح القصوى والتي يراد بها الفارق بين سعر الشراء أو التكلفة وسعر البيع
لفئة من الوسطاء وطبقا لنص املادة 07من املرسوم التنفيذي رقم 108-11يتم تحديد هوامش الربح
القصوى عند البيع بالجملة والتجزئة للزيت الغذائي املكرر العادي كما يلي % 5و %10أما منتوج السكر
األبيض فيتم تحديد هوامش الربح القصوى عند البيع بالجملة والتجزئة كما يلي بـ %5و .%10
تتدخل الدولة في املجال البورص ي من خالل لجنة تنظيم عمليات البرمجة ومراقبتها على تحديد
مضمون العروض العمومية التي يتم إصدارها في السوق والتي تشمل أساسا على تحديد أسعار العروض
وطبقا لنص املادة 43من نظام لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم 403-97فإنه يفرض على
-1محمد بودالي ،حماية املستهلك في القانون املقارن دراسة مقارنة مع القانون الفرنس ي ،دار الكتاب الحديث ،الجزائر ،طبعة سنة ،2008
ص .535
-2وهو ما نصت عليه املادة 02من املرسوم التنفيذي ،108-11املؤرخ في 06مارس ،2011يحدد السعر األقص ى عند االستهالك وكذا
هوامش الربح القصوى عند اإلنتاج واالستيراد وعند التوزيع بالجملة والتجزئة ملادتي الزيت الغذائي املكرر العادي والسكر األبيض( ،ج ر
الصادرة في 9مارس ،2011ع ،15ص ،)27املعدل واملتمم.
-3خديجة فاضل ،الحرية العقدية والسوق ،...املرجع السابق ،ص .37
-4املؤرخ في 18نوفمبر ،1997يتعلق بالنظام العام لبورصة القيم املنقولة( ،ج ر الصادرة في 29ديسمبر ،1997ص ،)6املعدل واملتمم.
- 193 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
الشركة التي تقدم طلب قبول سندات رأس املال في التداول في البورصة أن ال تقل قيمة رأس مالها الذي
تم وفاؤه عن مائة مليون دينار وأن توزع على الجمهور سندات تمثل %20من رأس املال االجتماعي للشركة
على األقل وذلك يوم اإلدخال على أبعد تقدير ،كما فرض املشرع التصريح بتجاوز حدود املساهمة في
رأسمال الشركات املتداول رأسمالها في البورصة طبقا للمادة 65مكرر من القانون رقم ،04-03املتعلق
1
ببورصة القيم املنقولة.
يجب أن يكون سعر سندات ّ
الديون التي يقدم بشأنها طلب قبول في التداول في البورصة يساوي على
األقل مئة مليون دينار يوم االدخار 2،أي يتم تحديد سعر سندات الديون املتعلقة بطلب قبول في التداول
في البورصة يساوي على األقل مئة مليون دينار يوم اإلدخال ويمكن تحديد سعر سندات الديون في سوق
سندات االستحقاق حسب السعر الثابت أو املتواصل وهو ما نصت عليه املادة 80ف 2من نظام لجنة
تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم ،03-97واشترط على الشركة التي تطلب قبول قيمتها في البورصة
أن تنشر الكشوف املالية املصادق عليها للسنتين املاليتين السابقتين للسنة التي تم خاللها تقديم طلب
القبول 3ويترتب على عدم احترام الشركة لشرط نشر الكشوف املالية املصادق عليها للسنتين املاليتين
السابقتين للسنة التي تم خاللها تقديم طلب القبول هو عدم القبول في التداول لقيم الشركة في بورصة
القيم املنقولة.
طبقا للمادة 41ف 2من القانون 04-03فإن املشرع ألزم الشركة التي تطلب قبول سنداتها للتداول
في البورصة بالنشر املسبق للمذكرة املوجهة إلى إعالم الجمهور ويتضمن تنظيم الشركة ووضعيتها املالية
وتطور نشاطها ،وعلى كل شركة أو مؤسسة عمومية التي تصدر أوراقا مالية أو منتوج مالي باللجوء العلني
لالدخار 4ويشكل هذا التنظيم تعدي عل ى الحرية العقدية كونها تجبر الشركات على القيام بالنشر املسبق
للمذكرة املوجهة الى إعالم الجمهور.
إن املشرع يتدخل في تحديد مضمون العقد أيضا عن طريق حظر بعض املمارسات املقيدة لحرية
املنافسة في السوق واملثال على ذلك هو حظر بيع سلعة بأقل من سعر التكلفة الحقيقي وهو ما نصت
عليه املادة 12من قانون املنافسة ،حيث يمنع على العون االقتصادي إدراج أي شرط في العقد يتضمن
-1املؤرخ في 14فبراير ،2003يعدل ويتمم املرسوم التشريعي رقم 10 -93املؤرخ في 23ماي ،1993املتعلق ببورصة القيم املنقولة ( ،ج ر،
الصادرة في 19فبراير ،2003ع ،11ص ،)20املعدل واملتمم.
-2وهو ملا نصت عليه املادة 45من نظام لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم .03-97
-3وهو ملا نصت عليه املادة ،45من نظام لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها رقم 03-97الذي سبقت االشارة اليه.
-4وهو ما نصت عليه املادة 4 1ف ،2من القانون 04-03املتعلق ببورصة القيم املنقولة ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
- 194 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
أسعار بيع منخفضة بشكل تعسفي للمستهلكين ،سواء كانت سلع أو خدمات وهو ما يمثل تدخل من
املشرع في تحديد مضمون العقد ،مما يرتب مساسا بمبدأ سلطان اإلرادة ،كما يحظر إعادة بيع سلعة أو
خدمة بسعر أدنى والهدف من إعادة البيع بسعر أدنى هو التحريض على فرض حد أدنى لسعر بيع سلعة
ما ،وهو ما يؤدي إلى تقييد املنافسة عن طريق خفض األثمان من أجل تحقيق أرباح فاحشة وتعرف هذه
املمارسات بمخالفة األثمان املفروضة والغاية من محاربة مثل هذه املعاملة هو حماية املستوى العام
1
لألسعار وتنفيذ السياسة االقتصادية القائمة على حرية األسعار.
إن اللجوء إلى إنشاء التكتالت بين املشروعات في إطار ما يعرف بعمليات التركيز االقتصادي بين
أشخاص القانون الخاص يعتبر عنصرا هاما في انتعاش االقتصاد الوطني وتمكينه من مواجهة تحديات
املنافسة األجنبية ،إال أنه ومن أجل ضمان حرية املنافسة فإنه البد من فرض املراقبة على عمليات التركيز
االقتصادي ،فاحتواء قانون املنافسة على فصل خاص بالتجميعات االقتصادية وآليات مراقبتها ليس
الهدف منه منع هذه التكتالت وإنما من أجل تنظيمها حتى ال يتم املساس بقواعد اللعبة التنافسية ،2ومن
أجل التطرق إلى الرقابة التي فرضها املشرع على التجميعات االقتصادية 3فإننا سنتطرق إلى الشروط
الواجب توافرها لحصول الرقابة ( )1وإجراءات الرقابة(.)2
نصت املادة 17من األمر " 03-03كل تجميع من شأنه املساس باملنافسة وال سيما يعزز وضعية
هيمنة مؤسسة على سوق ما يجب أن يقدمه أصحابه إلى مجلس املنافسة الذي يبث فيه في أجل 3أشهر".
يفهم من النص املذكور أعاله أنه يخرج من نطاق الرقابة عمليات التجميع التي ال تشكل مساسا
باملنافسة ،أي التي ال تشكل هيمنة قوية في السوق إلى جانب صور أخرى التي ترك تقديرها إلى مجلس
املنافسة وهذا ما يفهم من عبارة "السيما" ،مما يدل على وجود صور أخرى للتأثير على املنافسة كحاالت
التبعية االقتصادية .و هو نفس التوجه الذي أخذ به املشرع األوربي والفرنس ي الذي خلص إلى وضع
مفهوم التأثير على املنافسة واملساس بها ،وقد انتقد هذا التوجه باعتباره يعطي لسلطة املنافسة
1
صالحيات واسعة في تقدير حالة املساس باملنافسة داخل السوق.
لم يفرض قانون املنافسة الرقابة على كل التجميعات االقتصادية بل جعل حدا لذلك بموجب
املادة 18من األمر 03-03التي نصت على أنه" :تطبق أحكام املادة 17أعاله كلما كان التجميع يرمي إلى
تحقيق حد يفوق % 40من املبيعات أو املشتريات املنجزة في سوق معينة".
حدد املشرع ملراجعة عملية التركيز االقتصادي أن يترتب عنها خلق قوة اقتصادية يتجاوز نصيبها 40
%من البيوع أو الشراءات أو املعامالت األخرى في سوق وطنية للسلع أو املنتوجات أو الخدمات من نفس
2
النوع أو القابلة لالستبدال أو في جزء مهم من السوق املذكور.
بالرجوع إلى تعديل قانون املنافسة سنة ،2008بموجب القانون 312-08عمد املشرع إلى حماية
الدور اإليديولوجي للدولة في عمليات مراقبة التجميعات االقتصادية بإضافة املادة 21مكرر والتي تنص
في فقرتها الثانية على أنه ":ال يطبق الحد املنصوص عليه في املادة 18أعاله على التجميعات التي يمكن أن
يثبت أصحابها أنها تؤدي ال سيما إلى تطوير قدراتها التنافسية أو تساهم في تحسين الشغل أو من شأنها
السماح للمؤسسات الصغيرة واملتوسطة بتعزيز وضعيتها التنافسية في السوق".
يتضح من النص املذكور أعاله أن مجلس املنافسة ال يأخذ بعين االعتبار الحد املنصوص عليه في
املادة 18من األمر 03-03املتمثل في النسبة التي تفوق % 40من املبيعات واملشتريات في السوق املعنية،
في الحالة التي تقدم فيها املؤسسات املعنية الدالئل التي تبين تحقيق التطور االقتصادي كالعمل على
-1عبد اللطيف والي وعبد الرزاق رحموني" ،رقابة التجميعات االقتصادية كآلية لحماية املنافسة" ،مجلة معالم للدراسات القانونية
والسياسية ،العدد ،5ديسمبر ،2018ص .137
-2محمد تيورس ي ،املرجع السابق ،ص .241
-3املؤرخ في 25جوان ،2008يعدل ويتمم األمر رقم 03-03املتعلق باملنافسة( ،ج ر الصادرة في 2جويلية ،2008ع ،36ص ،)11املعدل
واملتمم.
- 196 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
تدعيم دور املؤسسات الصغيرة واملتوسطة أو تشجيع االستثمار في بعض املناطق الجغرافية والقطاعات
1
الحيوية أو خلق مناصب الشغل ،أو الحفاظ عليها أو تعزيزها.
-2إجراءات الرقابة
أوجبت املادة 17من األمر 03-03على أصحاب التجميع أن يقدموا طلب الترخيص إلى مجلس
املنافسة للبت فيه في أجل ثالثة أشهر ،وخالل هذه املدة عليهم االمتناع عن اتخاذ أي تدبير يجعل
التجميع نهائيا عمال بنص املادة 20من نفس األمر وقد بين إجراءات مراقبة التجميع املرسوم التنفيذي
2
رقم .219-05
يتم البدء في إجراءات الرقابة بمجرد تقديم طلب الترخيص بالتجميع إلى مجلس املنافسة وهذا ما
نصت عليه املادة 03من املرسوم 219-05السالف الذكر ،يتضمن الطلب وجوبا مجموعة من الشروط
واملعلومات والوثائق واملستندات 3،كما يجب تقديم كل املعلومات واملستندات اإلضافية التي يمكن أن
تكون محل طلب من املقرر املكلف بالتحقيق في الطلب 4وتتعلق املعلومات املطلوبة أساسا باملؤسسات
طالبة التجميع ،من حيث النشاطات املعنية بالتجميع ورقم أعمالها ورأس املال االجتماعي لكل مؤسسة
5
وكذا طبيعة التجميع وهدفه.
يقوم مجلس املنافسة بدراسة عملية التجميع دراسة تحليلية معمقة معتمدا على عدة عوامل،
يملك بشأنها مجلس املنافسة سلطة تقديرية أصلية مع األخذ بعين االعتبار مدى تأثيرها على املنافسة ثم
يتخذ قراره في مدة ال تتجاوز ثالثة أشهر من تاريخ إيداع طلب الترخيص وهو ما نصت عليه املادة 17من
األمر 03-03ويمكن أن يتضمن قرار املنافسة الصادر بشأن طلب الترخيص رفض الطلب أو قبوله حسب
ما نصت عليه املادة 19من األمر 603-03وعليه سنتناول الحاالت التي يمكن أن يتضمنها قرار الصادر عن
مجلس املنافسة كما يلي:
-1كمال آيت منصور" ،دور مجلس املنافسة في مراقبة التجميعات االقتصادية" ،املجلة األكاديمية للبحث القانوني ،املجلد ،12العدد ،02
سنة ،2015ص .154
-2املؤرخ في 2جوان ،2005يتعلق بالترخيص لعمليات التجميع( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 22جوان ،2005ع ،43ص .)5
-3يراجع نص املادتين 5و 6من املرسوم ،219-05الذي سبقت اإلشارة إليه.
-4يراجع نص املادة 08من املرسوم ،219-05الذي سبقت اإلشارة إليه.
-5علي غربي" ،مجلس املنافسة كآلية املراقبة التجميعات االقتصادية" ،مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية ،العدد االقتصادي ،)02(35 ،ص
.145
-6نصت املادة 19من األمر 03-03على ما يلي" :يمكن ملجلس املنافسة أن يرخص بالتجميع أو يفرضه بمقرر معلل بعد أخذ رأي الوزير
املكلف بالتجارة.
- 197 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
-ويمكن أن يقبل مجلس املنافسة التجميع وفق شروط من شأنها تخفيف آثار التجميع على املنافسة ،كما يمكن الطعن في قرار رفض
التجميع أمام مجلس الدولة".
-1منها املادة 5-430من التقنين التجاري الفرنس ي.
-2كمال آيت منصور ،املرجع السابق ،ص .156
-3علي غربي ،املرجع السابق ،ص .146
- 198 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
املساس باملنافسة يتجاوز حد %40من املشتريات واملبيعات في السوق من شأنه أن يحد من مبدأ حرية
التعاقد التي ظهر تراجعها ضمن القواعد املنظمة للمنافسة وذلك من خالل عرقلة حرية التعاقد عن
طريق إجراءات الرقابة على عمليات التجميع.
إن هذه القيود ما هي إال وسيلة من وسائل الرقابة الوقائية لضبط السوق من املمارسات املنافية
ملبدأ حرية املنافسة ،وبالتالي يمكن القول أنه وفي ظل اقتصاد السوق يتم تحديد حرية التعاقد ،فيتراجع
مبدأ سلطان اإلرادة ويظهر سلطان القانون من أجل حماية حرية التعاقد في حد ذاتها ،حتى ال تكون
الهيمنة على السوق من طرف املؤسسات االقتصادية حكرا على الفئة التي تمتلك القوة االقتصادية أو
عن طريق القيام بممارسات منافية ملبدأ حرية املنافسة.
ثانيا :الرقابة العالجية
كلما أدت الحرية التعاقدية إلى املساس بالحرية التنافسية باعتبارها مبدأ دستوريا يتدخل قانون
املنافسة لتقييد حرية املنافسة عن طريق مجموعة من اآلليات الرقابية ،منها الرقابة القبلية كما مر معنا
املتمثلة في الرقابة على التجميعات والترخيص لها ،كما أن قانون املنافسة أقر بالرقابة العالجية كلما أدى
ذلك الى املساس باملنافسة ،لذلك سنتناول ( )1البطالن ( )2الغرامات املالية ،باعتبارهما من آليات
الرقابة العالجية.
-1البطالن
بالرجوع إلى نص املادة 13من األمر 03-03املتعلق باملنافسة نجدها تنص على أنه ":دون االخالل
بأحكام املادتين 8و 9من هذا األمر يبطل كل اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بإحدى املمارسات املحظورة
بموجب املواد 6و 7و 10و 11و 12أعاله".
إن البطالن وفقا للقواعد العامة ينقسم إلى بطالن مطلق وبطالن نسبي 1،فكل من النوعين يختلف
عن اآلخر واملعيار الذي يعتمد عليه في التفرقة والتمييز بين البطالن املطلق والبطالن النسبي هو طبيعة
املصلحة املحمية ،هل هي مصلحة عامة أم مصلحة خاصة؟ فمن املعلوم قانونا أن الشروط املفروضة
لحماية املصلحة العامة يترتب على مخالفتها البطالن املطلق للعقد ،بينما الشروط التي تهدف إلى حماية
2
املصلحة الخاصة فإنه يترتب على مخالفتها البطالن النسبي.
-1للمزيد من التفاصيل في البطالن املطلق والبطالن النسبي يراجع عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط ،...املرجع السابق ،ص .594-564
-2علي فياللي ،االلتزامات ،...املرجع السابق ،ص .334
- 199 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
ملعرفة طبيعة البطالن في ظل قانون املنافسة يتعين معرفة طبيعة املصلحة املحمية في إطار هذا
القانون ،هل هي مصلحة عامة تتعلق بمصلحة السوق أم مصلحة خاصة تتعلق بمصلحة املتعاقدين؟
ّ
مر معنا في الفصل األول أن طبيعة املصلحة املحمية مترددة بين النظام العام الحمائي والنظام
العام التوجيهي وبما أن قانون املنافسة ال يحمي املتنافسين بل املنافسة أي السوق ،باالعتماد على معايير
التحليل التي يستند عليها القانون العام ،فقانون املنافسة ُيغلب الطابع التوجيهي مع الظهور املحتشم
للنظام العام الحمائي و يستخلص العديد من الفقهاء الطابع التوجيهي للنظام العام التنافس ي في كون أن
قانون املنافسة ال يحمي املتنافسين وإنما يحمي املنافسة 1،كما أننا نجد أن هذا القانون يهتم بتوازن
العالقات التجارية ُويحظر التعسف في استعمال حالة التبعية االقتصادية ،هذا ما يؤكد أن النظام العام
التوجيهي لقانون املنافسة يمثل أيضا الطابع الحمائي في نفس الوقت ،لذلك يمكن أن نستخلص أن
2
النظام العام في إطار قانون املنافسة هو نظام مختلط أو مركب.
ودراسة البطالن في قانون املنافسة تستوجب التطرق إلى البطالن املطلق ،والبطالن الجزئي كما يلي:
أ -البطالن املطلق في قانون املنافسة
إن البطالن في قانون املنافسة يختلف عن البطالن في القواعد العامة ،فهو جزاء يرتبه القانون على
عدم توفر أركان العقد ،فيكون جزاء لتخلف أحد أركان العقد ،أما في قانون املنافسة فيترتب البطالن على
آثار العقد حتى ولو استوفى جميع أركانه ،متى كان هذا العقد يرتب آثارا تخالف قواعد املنافسة ،حتى ولو
كانت هذه اآلثار غير مباشرة ولم يقصد املتعاقدين تحقيقها ولم يتوقعوها ،و لعل الغاية التي يسعى
املشرع الى تحقيقها من وراء بطالن العقد رغم كونه مستوفي كافة أركانه هو حماية املصالحة العامة وهو
ما يعتبر خروجا عن القواعد العامة في قانون العقود.
يمتد البطالن الى املمارسات املقيدة للمنافسة كما نصت عليه املادة 13من األمر 03-03بقولها:
"دون اإلخالل بأحكام املادتين 8و 9من هذا األمر يبطل كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق
بإحدى املمارسات املحظورة بموجب املادة 6و 7و 10و 11و ."12
استنادا إلى املادة املذكورة أعاله فإنه يبطل كل اتفاق أو شرط تعاقدي يكون موضوعه تقييد
املنافسة سواء تعلق باالتفاقات املحظورة أو تعسف في استغالل وضعية الهيمنة أو تبعية اقتصادية،
دون اإلخالل بأحكام املادتين 8و 9من األمر .103-03
يمتد نطاق البطالن إلى املتعاقدين الذين لم يساهموا في هذه املمارسات أو لم يكونوا على علم بها
وهو ما يعرف البطالن املطلق وينتج عن ذلك أنه إذا كان الشرط باطال فال يحق ألحد أطراف العقد أن
يطالب بتعويض الضرر الناتج عن عدم تنفيذ هذا الشرط الباطل.2
إن املمارسات املقيدة أو املنافية للمنافسة يترتب عنها البطالن املطلق الذي يهدف إلى حماية
املصلحة العامة ،لذلك فإنه يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به ،3فيجوز لألطراف التي أصابها ضرر من
هذه البنود أو االتفاقات غير املشروعة أن يلجأ إلى املحكمة (القسم املدني أو التجاري) للمطالبة ببطالن
االتفاق املقيد للمنافسة ،كما يمكن ذلك أيضا للغير الذي تضرر من االتفاق املقيد للمنافسة ،كأن يرفع
الدعوى القضائية ممون تمت مقاطعته تجاريا نتيجة التفاق مبرم بين منتج سيارات ومجموعة من
أصحاب االمتياز التابعين له يطالب ببطالن االتفاق ،كما يجوز لكل من مجلس املنافسة وجمعية حماية
املستهلك املطالبة ببطالن العقد أمام الجهات القضائية املختصة.
ب -البطالن الجزئي في قانون املنافسة
يترتب البطالن النسبي على االتفاقات التي تخالف أحكام النظام العام الحمائي فهي تتعلق باملصلحة
الخاصة للمتعاقد املحمي وله وحده التمسك بإبطال العقد ،إال أن البطالن النسبي للعقد ال يحقق
4
الحماية للمتعاقد الضعيف الذي يكون من مصلحته اإلبقاء على العقد وإبطال الشرط املقيد للمنافسة
ورجوعا إلى نص املادة 13من األمر 03-03والتي تعد أساسا للبطالن في قانون املنافسة حيث جاءت
عباراتها كما يلي..." :يبطل كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي ،"...تعني عبارة أو شرط تعاقدي أن
البطالن يمكن أن يكون كليا يطال العقد كليا أو يكون جزئيا يتعلق بالشرط أو البند املقيد للمنافسة
فقط مع اإلبقاء على العقد ،في هذه الحالة فإن القاض ي يلجا إلى البحث عما إذا كان الشرط املتنازع عليه
1
جوهريا أم ال ؟.
إذا كان الشرط املتنازع عليه جوهريا وأساسيا يتم بناء العقد عليه فهنا يقوم القاض ي بإبطال العقد
كليا ،ألن الشرط الجوهري متنازع عليه وعليه ال فائدة من إبقاء على الشروط األخرى 2،أما إذا كان الشرط
املتنازع عليه غير جوهري في العقد فهنا يبطل القاض ي هذا الشرط وحده ،مع اإلبقاء على الشروط
الصحيحة في العقد وهذا ما يساهم في ديمومة املعامالت االقتصادية ،ألن إبطال العقد ال يقدم مصلحة
للمتضرر ال سيما إذا كان يرغب في اإلبقاء على العالقة التجارية ،بالرغم من أن البطالن في هذا اإلطار
مقرر لحماية املصلحة العامة املجسدة في النظام العام التنافس ي ،كما أن البعض يرى بأن للبطالن
3
مصلحة مزدوجة ،مصلحة املتضرر واملصلحة العامة.
يرى جانب من الفقه أنه حتى يكون الجزاء مناسبا للمتعاقد الضعيف من جهة واملحافظة على
استقرار املعامالت من جهة أخرى ،فإن الجزاء املناسب املترتب عن مخالفة قواعد النظام العام الحمائي
يكون عن طريق تصحيح العقد وهو بذلك يختلف عن الجزاء املترتب عن مخالفة النظام العام الكالسيكي
سواء البطالن املطلق أو ال بطالن النسبي وعليه فال يترتب البطالن الجزئي فقط وإنما يصحح العقد وعليه
فإن الجزاء الذي نظمه النظام العام الحمائي هو تصحيح العقد عن طريق البطالن الجزئي أو عن طريق
4
التعديل.
إن البطالن املقرر في قانون املنافسة كجزاء على مخالفة العقود والبنود التعاقدية لقواعد املنافسة
ّ
إنما هو مساس بتوقعات املتعاقدين وبمضمون اتفاقاتهم وهذا ما يشكل مساس وانتهاكا ملبدأ القوة امللزمة
5
للعقد ،غير أن هذا القيد إنما تبرره أهمية تحقيق التوازن العقدي.
-2الغرامات
إن الغرامات التي يصدرها مجلس املنافسة تعتبر عقوبات إدارية ،تتمثل في تقرير عقوبات مالية إما
نافذة فورا وإما في اآلجال التي يحددها عند عدم تطبيق األوامر ،كما يمكنه أيضا أن يأمر بنشر قراراه أو
مستخرجا منه أو توزيعه أو تعليقه وهذا ما نصت عليه املادة 45من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة
1
ومحتوى هذه العقوبات تناولته املواد من 56إلى 62من نفس األمر.
إن املادة 26من القانون ّ 12-08
عدلت أحكام املادة 56من األمر ،03-03ونصت على أنه تسلط
غرامة مالية ال تفوق عقوبة مالية تمثل %12من مبلغ رقم األعمال آلخر السنة املالية املختتمة وحسب
رقم املبيعات التي ُحققت بغض النظر عن النفقات واملصاريف أو بغرامة تساوي على األقل ضعفي الربح
املحقق بواسطة هذه املمارسات بشرط أن ال تتجاوز هذه الغرامة أربعة أضعاف الربح املحقق.
-وإذا كانت املؤسسة املخالفة ال تملك رقم أعمال تعاقب بغرامة ال تتجاوز ستة ماليين دينار جزائري
2
6.000.000دج.
-يمكن ملجلس املنافسة أن يسلط عقوبات إدارية على املؤسسات وكذلك األشخاص الطبيعية وهذا ما
نصت عليه املادة 57من األمر 03-03املتعلق باملنافسة كما يلي" :يعاقب بغرامة قدرها مليوني دينار
2000.000دج كل شخص طبيعي ساهم شخصيا بصفة احتيالية في تنظيم املمارسات املقيدة للمنافسة
3
وفي تنفيذها كما هي محددة في هذا األمر".
طبقا لنص املادة 58املعدلة بموجب القانون 412-08فإنه يمكن ملجلس املنافسة اذا لم تحترم
األوامر واإلجراءات املؤقتة املنصوص عليها في املادتين 45و 46من نفس األمر في اآلجال املحددة أن يقرر
5
عقوبات تهديدية ال تقل عن مبلغ مئة وخمسين ألف دينار 150.000دج عن كل يوم تأخير.
يمكن ملجلس املنافسة إقرار غرامة ال تتجاوز مبلغ ثمان مائة ألف 800.000دج بناء على تقرير
املقرر ضد املؤسسات التي تتعمد تقديم معلومات خاطئة أو غير كاملة بالنسبة للمعلومات املطلوبة أو
تتهاون في تقديمها طبقا للمادة 51من هذا األمر ،أو التي ال تقدم املعلومات املطلوبة في اآلجال املحددة من
قبل املقرر ،كما يمكن للمجلس أن يحكم أيضا بغرامة تهديدية ال تقل عن مئة ألف دينار 100.000دج
6
عن كل يوم تأخير.
-1يراجع نص املادة 46و املواد من املادة 56إلى 62من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه.
-2يراجع نص املادة 26من القانون ،16-08املعدلة ألحكام املادة 56من األمر .03-03
-3نص املادة 57من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة والذي سبقت اإلشارة إليه.
-4املؤرخ في 25جوان ،2008يعدل ويتمم األمر رقم 03-03املؤرخ في 19ماي ،2003املتعلق باملنافسة( ،ج ر الصادرة في 2جويلية ،2008ع
،36ص ،)11املعدل واملتمم.
-5نص املادة 58من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة املعدلة بموجب القانون .12-08
-6نص املادة 59من نفس األمر.
- 203 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
يمكن ملجلس املنافسة أن يخفض الغرامة إذا توافرت مجموعة من الشروط التي تناولها املادة 60
من األمر 03-03املتعلق باملنافسة كما يلي:
-املؤسسات التي تعترف بالخطأ واملخالفات املنسوبة إليها أثناء التحقيق في القضية.
-املؤسسات التي تتعاون في االسراع بالتحقيق في املخالفات واألخطاء املنسوبة إليها ،وتتعهد بعدم ارتكاب
املخالفات املتعلقة بتطبيق أحكام هذا األمر.
1
-ال تطبق أحكام الفقرة األولى أعاله في حالة العود مهما تكن طبيعة املخالفات املرتكبة.
املطلب الثاني :إثراء قانون املنافسة ملبدأ سلطان اإلرادة
اتسمت النظرية العامة للعقد القائمة على أساس مبدأ سلطان اإلرادة باالستقرار والثبات منذ
صدور قانون نابليون سنة ،1804ومع التطور الصناعي واالقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي
يشهده العالم في الوقت الراهن لم تعد النظرية العامة للعقد التي كرست مبدأ سلطان اإلرادة في إبرام
العقد وتحديد آثاره تتالءم مع هذه التطورات ،لذلك أصبح من الضروري إيجاد تصور جديد لفكرة
النظام العام التقليدية تجسدت في ادخال النظام العام الحمائي على العقد ،والذي يهدف أساسا لحماية
الطرف الضعيف في العقد خاصة مع وجود تفاوت اقتصادي وقانوني ومعرفي بين املتعاقدين ،ورغم
الجهود التي بذلها املشرع لحماية الطرف الضعيف في العقد إال أنها ال تزال غير كافية ،مما استوجب
البحث عن آليات جديدة تساهم في تعزيز الحماية القانونية للمنهي أيضا باعتباره ال يستفيد من أحكام
2
تشريعات االستهالك ،ومن بين هذه اآلليات نظرية اإلكراه االقتصادي.
بصدور األمر 03-03املتعلق باملنافسة املعدل واملتمم ومن خالل املادة األولى منه التي نصت على أنه
":يهدف هذا األمر إلى تحديد شروط ممارسة املنافسة في السوق وتفادي كل ممارسات مقيدة للمنافسة
ومراقبة التجمعات االقتصادية لزيادة الفعالية االقتصادية وتحسين معيشية املستهلكين" وهذا ما يعني
توجيه الحماية للمستهلكين واملهنيين على حد السواء مما إلى إحداث تغيير في املفاهيم الكالسيكية للعقد
من خالل تجديد عيب اإلكراه ،عن طريق حظر االستعمال التعسفي لوضعية التبعية االقتصادية
بموجب املادة 11من األمر ، 03-03الذي كرس فيه املشرع حماية األطراف الضعيفة عقديا وغير متكافئة
اقتصاديا ،بعد قصور ومحدودية املادة 124مكرر من ق م (نظرية التعسف في استعمال الحق) والتي
جعلها املشرع منذ تعديل 2005تتعلق بقواعد املسؤولية التقصيرية ،كما نص قانون املنافسة على حظر
استعمال التعسف في وضعية الهيمنة بموجب املادة 07من نفس األمر ،1لذلك سنتناول في هذا املطلب في
فرعين (الفرع األول) سنتناول فيه استحداث اإلكراه االقتصادي إلثراء النظرية العامة للعقد وبما أن
تجديد عيب اإلكراه ضمن قانون املنافسة يهدف إلى إعادة التوازن العقدي فسنتناوله في (الفرع الثاني).
الفرع األول :استحداث عيب اإلكراه االقتصادي لتدعيم سالمة الرضا
على غرار قانون حماية املستهلك 203-09وقانون املمارسات التجارية ،3اللذان تأثرا بمظاهر القوة
التعاقدية بين األطراف املتعاقدة ،فإنه ومن جهة أخرى فإن قانون املنافسة تصدى ملظاهر القوة
التعاقدية فما بين األعوان االقتصاديين ،من خالل حظر وضعية الهيمنة في السوق من متعاقد نحو
املتعاقد اآلخر ،أومن خالل حظر التعسف الناتج عن وضعية التبعية االقتصادية ألحدهم اتجاه الطرف
اآلخر.
لقد كان القانون املدني الفرنس ي سباقا لالعتراف بعيب اإلكراه االقتصادي في التعديل الذي ّ
مس
قانون العقود وااللتزامات سنة ،2016واعتبره آلية جديدة يواجه من خاللها مظاهر القوة االقتصادية
بعد ما دافع االجتهاد القضائي كثيرا من أجل محاربة الوضعيات التعسفية بين املتعاقدين 4وذلك من
خالل املادة 1143ق م 5وعليه سنتناول مفهوم عيب اإلكراه االقتصادي (أوال) واألساس الذي يقوم عليه
في القانون الجزائري (ثانيا).
أوال :مفهوم اإلكراه االقتصادي
يعتبر السوق املوطن الخصب لظهور املمارسات التعسفية في العالقات التعاقدية التي تبرم بين
املتدخلين في السوق نتيجة للتفوق االقتصادي أو املالي الذي يتمتع به أحد أطراف العالقة التعاقدية في
مواجهة الطرف اآلخر أو ألن هذا األخير يعاني من وضعية ضعف ،لذلك تكون العقود املجال الخصب
6
ملظاهر التعسف التي تشكل ممارسات تعسفية يحظرها قانون املنافسة.
-1جمعة زمام ،تحديث النظرية العامة للعقد ،...املرجع السابق ،ص .236
-2املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش ،الذي سبقت اإلشارة إليه.
02 -04 -3الذي سبقت اإلشارة إليه.
-4أحمد بعجي" ،من أجل إصالح النظرية العامة للعقد" ،بحوث جامعة الجزائر ،1الجزء األول ،العدد ،2020 ،14ص ،252 -232
ص .244
-5يراجع نص املادة 1143من القانون املدني الفرنس ي.
-6أحمد بعجي ،من أجل اصالح ،...املرجع السابق ،ص .244
- 205 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
بالرجوع إلى النظرية التقليدية للعقد فإنها ال تعتد بوضعية املتعاقد وقدرته التعاقدية فيما إذا كان
طرفا قويا أو طرفا ضعيفا ،فاألطراف متساوية في العملية العقدية سواء كان أحدهم في وضعية قوة أو في
وضعية ضعف اقتصادي ،ألن العبرة باملساواة املجردة دون املساواة الفعلية تجسيدا ملبدأ سلطان اإلرادة
الذي يعطي لإلرادة الحرية في التعاقد ،مع مراعاة ما يقتضيه النظام العام واآلداب العامة ،وتترك مسألة
تحقيق العدالة العقدية للقاض ي في إطار عقود اإلذعان ،هذا ما دفع الفقه إلى انتقاد هذا األساس التي
يقوم عليه مبدأ سلطان اإلرادة ،ملا يعطي للشخص من القدرة على تحقيق مصالحه بما يتمتع به من حرية
في التعاقد وبالتالي فكل ما هو عقدي فهو عادل ،وهو ما أدى إلى املساس بمصالح الطرف الضعيف في
العقد ليتم معالجة هذا النقص في إطار القواعد الخاصة "قانون املنافسة" على غرار قانون حماية
املستهلك 03-09والقانون ،02-04املتعلق باملمارسات التجارية ،حيث يأخذ قانون املنافسة بعين االعتبار
1
وضعيات أو مراكز القوة التي يتمتع بها املتعاقد.
ّ
كما حاول الفقه تعريف اإلكراه االقتصادي بأنه االستغالل املفرط أو التهديد املسلط على املصالح
االقتصادية للشخص بغية الحصول منه على رضا سليم ما كان ليصدر منه لو لم يكن تحت طائلة هذا
ّ
الضغط ،كما تم تعريفه بأنه ممارسة الضغط على أحد األطراف إلبرام العقد حيث ينتزع رضاه عنوة من
2
خالل االستفادة من ظروفه السيئة ولو لم يساهم في إيجادها.
ثانيا :أساس االكراه االقتصادي في القانون الجزائري
لم يتبنى املشرع نظرية اإلكراه االقتصادي بشكل صريح ،لكنه كرس مفهوم اإلكراه كعيب من عيوب
اإلرادة بموجب املادة 88من التقنين املدني ،التي تنص" :يجوز إبطال العقد لإلكراه إذا تعاقد شخص
تحت سلطان رهبة بينة بعثها املتعاقد اآلخر في نفسه دون حق.
وتعتبر الرهبة قائمة على بينة إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرا جسيما
3
محدقا يهدده هو أو أحد أقاربه في النفس أو الجسم أو الشرف أو املال".
إن اإلكراه باملفهوم التقليدي ووفقا ملا نصت عليه املادة املذكورة أعاله يختلف عن اإلكراه
االقتصادي باستغالل وضعية التبعية ،ففي الحالة األخيرة يتطلب وجود عالقة تجارية أي عالقة عقدية،
تحت ضغط وإكراه تسببت فيه ظروف الحال وعامل الخوف من تحقق خسارة أكيدة من املؤسسة 1،كما
ّ
حاول الفقه تعريف اإلكراه االقتصادي بأنه االستغالل املفرط أو التهديد املسلط على املصالح
االقتصادية للشخص بغية الحصول منه على رضا سليم ما كان ليصدر منه لو لم يكن تحت طائلة هذا
ّ
الضغط ،كما تم تعريفه بأنه ممارسة الضغط على أحد األطراف إلبرام العقد حيث ينتزع رضاه عنوة من
2
خالل االستفادة من ظروفه السيئة ولو لم يساهم في إيجادها.
وأمام عدم وجود نص صريح يكرس نظرية اإلكراه االقتصادي في التقنين املدني الجزائري فإن الفقه
حاول إيجاد أساسا قانوني يمكن من خالله طلب إبطال العقد بوجود إرادة معيبة بسبب اإلكراه
االقتصادي ،وذلك بالرجوع إلى أحكام التقنين املدني باعتباره الشريعة العامة وتحديدا تطبيق نص املادة
3
88منه.
نظرا لخصوصية اإلكراه االقتصادي سعى الفقهاء إلى محاولة التقريب بين نص املادة 88من
التقنين املدني ومفهوم هذا األخير ،حيث تؤدي الضغوطات االقتصادية التي يمارسها متعاقد ذو قوة
اقتصادية على املتعاقد اآلخر بطريقة تعسفية إلى إجباره على التعاقد أو القبول بشروط مجحفة لم يكن
ليقبلها لوال هذه الظروف ،وعليه فإنه عند وقوع شخص في اإلكراه االقتصادي فإنه يمكنه املطالبة
4
بإبطال العقد تأسيسا على نص املادة 88من التقنين املدني ،إلى حين تعديل التقنين املدني الجزائري.
كرس املشرع الفرنس ي اإلكراه االقتصادي كأحد عيوب اإلرادة بعدما تبناه القضاء في عدة أحكام
قضائية ،وهو ما جاءت به املادة 1143من التقنين املدني الفرنس ي املعدل ،باعتباره صورة من صور
اإلكراه االقتصادي تجعل العقد قابال لإلبطال ،مؤسسا ذلك على مفهوم جديد يتمثل في إساءة استغالل
أحد املتعاقدين لحالة التبعية ، l’abus de l’état dépendanceوالتي لوالها ملا كان لهذا األخير أن
يتعاقد 5وقد نص على هذه الحالة كما يلي ":وكذلك يكون هناك اكراه إذا استغل أحد املتعاقدين حالة
التبعية التي يكون عليها املتعاقد اآلخر للحصول منه تعهد لم يكن يلتزم به لوال هذا اإلكراه وذلك لتحقيق
1
مزية فاحشة".
كما قضت محكمة النقض في عدة قضايا بأنه ليس هناك ما يحول دون إبطال العقد لإلكراه
االقتصادي 2،كما أكدت على أن مجرد وجود تبعية اقتصادية ليس كافيا في هذا الصدد وإنما يجب أن
يكون هناك إساءة استغالل هذه التبعية من املتعاقد اآلخر وعليه فإن أهمية اعتراف املشرع الفرنس ي
بفكرة اإلكراه االقتصادي ال تقتصر على كونها تطورا تشريعيا فيما يتعلق باإلكراه املعيب لإلرادة بل ّأنها
3
فتحت الباب الواسع للقضاء بتأسيس أحكامه على فكرة قلما كان يلجأ إليها في ظل غياب تشريعي.
إن ما يالحظ أن املشرع الفرنس ي قد ميز بين فكرة إساءة استغالل التبعية االقتصادية من ناحية
واختالل التوازن العقدي الجسيم من ناحية أخرى ،فحالة التبعية االقتصادية تنظمها املادة 1143من
التقنين املدني الفرنس ي ،ويكون الجزاء املترتب عنها إبطال العقد لعيب اإلكراه بشرط أن تتحقق للطرف
اآلخر نتيجة هذه اإلساءة في استعمال التبعية "مزية فاحشة" وهو جزاء عام يطبق في كافة العقود ،أما
اختالل التوازن العقدي الجسيم فنظمته املادة 1171من التقنين املدني الفرنس ي وجزاؤه إبطال الشروط
5
التعسفية وليس العقد ،التي تخل بالتوازن بين املتعاقدين 4وهو جزاء ينحصر في عقود اإلذعان.
نصت املادة 1143من التقنين املدني الفرنس ي املستحدثة على أن ":عيب اإلكراه يتوافر كذلك متى
أساء أحد املتعاقدين استغالل حالة التبعية التي يوجد فيها املتعاقد اآلخر.".....
يفهم من النص املذكور أعاله أن اإلكراه في هذه الصورة يمكن أن يتحقق في أي حالة من حاالت
التبعية دون أن يقتصر على حالة التبعية االقتصادية ،مما يكرس املفهوم الواسع لإلكراه االقتصادي وفي
هذا اإلطار يظهر أثره على املتعاقد اآلخر دون الغير ،خالفا لقانون املنافسة الذي تصدى للتعسف الناتج
1
- Art.1143 : « il y a également violence l’lorsqu’une partie, abusant de l’état de dépendance dans lequel se trouve son
contractant, obtient de lui un engagement qu’il n’aurait pas souscrit en l’absence d’une telle contrainte et en tire un
avantage manifestement excessif ».
2
- Cass civ 1.30 mai 2000, n 98-15.242.
نقال عن أشرف جابر ،املرجع السابق ،ص .309هامش .4
-3أشرف جابر ،املرجع السابق ،ص ،309ص .309
-4ملزيد من التفاصيل يراجع أشرف جابر ،املرجع نفسه ،ص .317-312
-5املرجع نفسه ،ص .317
- 208 -
آثارالتدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة الباب الثاني
عن وضعيات الهيمنة 1وكذلك وضعيات التبعية االقتصادية 2التي تظهر في العالقات التعاقدية بين
3 املتعاملين االقتصاديين في ّ
السوق سواء كانوا منافسين أو شركاء تجاريين.
الفرع الثاني :مظاهراإلكراه االقتصادي في قانون املنافسة
بعد ما أظهرت النظرية العامة للعقد عجزها عن معالجة مظاهر التعسف التي تظهر في العالقات
التعاقدية في السوق تدخل املشرع عن طريق قانون املنافسة من أجل التصدي لحاالت التعسف التي تنتج
عن حاالت التبعية االقتصادية ،فضال عن الوضعيات االقتصادية التي ينتج عنها حاالت عدم التوازن
العقدي وسنتناول مظاهر التعسف في قانون املنافسة كما يلي:
أ -التعسف الناتج عن وضعية التبعية االقتصادية للمتعاقد
ّ
عرفت املادة 03من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة وضعية التبعية االقتصادية بأنها ":العالقة
التجارية التي ال يكون فيها ملؤسسة ما حل بديل مقارن إذا أرادت رفض التعاقد بالشروط التي تفرضها
عليها مؤسسة أخرى سواء كانت زبونا أو ممونا" وعليه فإن التبعية االقتصادية هي تلك العالقة التجارية
التي تربط بين مؤسستين سواء كانت شخص طبيعي أو معنوي يمارس بصفة دائمة نشاطات اإلنتاج أو
التوزيع أو الخدمات وال يمكن الحديث عن وجود املستهلك في هذه العالقة بحيث تكون مؤسسة ما تحت
4
سلطة مؤسسة أخرى تخضع لشروطها وال يمكن إيجاد طرف بديل للتعاقد معه.
وعليه يشترط لتحقق حالة التبعية أن تكون هناك عالقة تعاقدية بين املؤسسة وممونيها أو عمالئها
وأن وضعية التبعية في حد ذاتها ال تعتبر أمرا محظورا ،فالسيطرة أو التفوق هو طموح أي مؤسسة في
امليدان االقتصادي وإنما املحظور هو تعسف املؤسسة املهيمنة الناتج عن استغالل وضعية التبعية
االقتصادية والذي يتخذ عدة أشكال نوجزها فيما يلي:
-1رفض البيع دون مبرر شرعي وفرض شروط بيع تمييزية.
-2االلتزام بإعادة البيع بسعر أدنى.
-3البيع املشروط باقتناء كمية معينة.
-4عملية إيقاف التعامل مع العميل الذي يكون الباعث عليها مجرد رفض الخضوع لشروط تجارية غير
1
ُمسببة.
إن هذه الحاالت من املمارسات التعسفية والتي تشكل خرقا لقواعد املنافسة ذكرت على سبيل
املثال وليس على سبيل الحصر وهذا ما يظهر من خالل الفقرة األخيرة من نص املادة 11من األمر 03-03
2
التي وسعت من دائرة هذه التصرفات.
إن إسقاط حالة التبعية االقتصادية على الفقرة 02من املادة 88من التقنين املدني ،يعني أن
املتعاقد (املؤسسة) لم تجد حال بديال مما يجعلها تبرم عقدا يتضمن بنودا يراها هو تعسفية نتيجة
التبعية االقتصادية ،هذا ما يشكل جوهر اإلكراه االقتصادي ومساسا بمبدأ الحرية التعاقدية للشخص،
إذ ّأن إرادته تصبح معيبة نتيجة الرهبة التي تكون في نفسه ،تهدد مصالحه املشروعة بشكل مباشر ،لذلك
فإن االستفادة من وضعية التبعية االقتصادية ،يعتبر إكراها والذي تقوم به املؤسسة األخرى بغرض
الحصول على فائدة في صورة شروط تعسفية أو تفاوت في االلتزامات ،كأن تفرض أسعار معينة على
التجار الذين يبيعون منتجاتها إلى املستهلكين وهي حالة تجعل إرادة املتعاقد اآلخر معيبة ويكون العقد
3
قابال لإلبطال.
ّإن ما يميز التعسف في وضعية التبعية االقتصادية عن التعسف في وضعية الهيمنة هو درجة وقوة
تأثير فعل التعسف ،ففي وضعية الهيمنة فإنه يمتد إلى السوق كلها ،أما في حالة التبعية االقتصادية فإن
4
محيط التأثير ال يتعدى املتعاقد اآلخر ويمكن أن تقع الحالتين معا على املتعاقد.
-2التعسف في استعمال وضعية الهيمنة:
عرفت املادة 03من األمر 03-03وضعية الهيمنة بأنها ":الوضعية التي ُتمكن مؤسسة من الحصول
على مركز قوة اقتصادية في السوق املعني من شأنها عرقلة قيام منافسة فعلية فيه وتعطيها إمكانية القيام
بتصرفات منفردة إلى حد معتبر إزاء منافسيها ،أو زبائنها أو ممونيها".
بالرجوع إلى نص املادة 07من األمر 03-03يتبين أن وضعية االحتكار قد تمثل وضعية هيمنة على
السوق ،إذا كانت املؤسسة املعنية تشمل أو تضم جميع الحصص أو القسط األكبر منها ،مما يجعلها ال
تخضع ألي منافسة نظرا للتمركز الفعلي واألكيد للقوة االقتصادية الذي يتحقق لها نتيجة لتمتعها بهذه
1
الصبغة.
إن الفعل الغير مشروع ال يتمثل في مجرد احتكار أو الهيمنة على سوق ما وإنما في سوء استغالل
هذه الهيمنة وعليه فإن قانون املنافسة ال يحظر وضعية الهيمنة في حد ذاتها ،وإنما يمنع التعسف في
استعمالها ولعل الحكمة من هذا الحظر هو تحقيق التوازن في العقود املبرمة بين أطراف غير متكافئة في
القوة التفاوضية ،ال سيما مع ظهور مؤسسات قوية في مجاالت اإلنتاج والتوزيع ،مما يستدعي توفير
2
حماية للطرف الضعيف بما قد يترتب عن مثل هذه الوضعيات (املهيمنة) من شروط تعسفية.
استنادا إلى نص املادة 03ف 3من األمر ،03-03املتعلق باملنافسة فإن املؤسسة تكون في وضع
مهيمن بمجرد تمكنها من تحديد الشروط التي يتم في ظلها تطوير املنافسة ،والقيام بأي تصرف دون األخذ
بعين االعتبار السير العادي للعبة التنافسية ويتميز الوضع املهيمن بتوافر ثالثة عناصر على األقل هي:
-تمكين املقاولة املهيمنة من القيام بعملية تقييم وتحليل اقتصادي للسوق.
-احتكار املقاولة املهيمنة للسوق ما دامت تستحوذ على السوق بأكملها أو على جزء مهم منها ،دون
الخضوع ألية منافسة من طرف جهة أخرى.
-تركيز القوة االقتصادية في يد املقاولة أو مجموعات املقاوالت املهيمنة وانطالقا من كل ذلك يظهر أن
اعتبار مقاولة ما في وضع مهيمن يتطلب دراية تامة وحذرا شديدا وفحصا دقيقا للحيز الذي تحتله املقاولة
في السوق.
إن التعسف الناتج عن وضعية الهيمنة ال يكون مقيدا للمنافسة إال بعد وقوعه ولم يتطرق قانون
ّ
املنافسة لتعريف التعسف وإنما اكتفى بإيراد أمثلة للتعسف ويمكن القول أن التعسف في وضعية
الهيمنة يتمثل في السلوكات التي تتبعها املؤسسة والتي من طبيعتها أن تؤثر على السوق ،والتي تسعى
3
املؤسسة من خاللها للحصول على ميزة تنافسية أو اقتصادية غير مبررة.
إن االستغالل التعسفي لوضعية الهيمنة االقتصادية التي يفرضها االحتكار من طرف املنهي على
حساب املستهلك أو غير املحترف هو ما يؤدي إلى قيام نظرية اإلكراه االقتصادي ،ويتجسد ذلك في
الشروط التعسفية وهو معيار ذاتي يختلف باختالف الشخص وظروفه االقتصادية ،وقد ّ
نص املشرع
على معيار واحد للتعسف وهو اإلخالل الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات الطرفين وعليه فإنه ملعرفة
التعسف يكون البحث عن اختالل التوازن في العقد املبرم بين املنهي واملستهلك ،الذي يكون نتيجة ضعف
هذا األخير أمام املنهي الذي يفرض عليه شروط بما يملكه من تفوق في االقتصاد املعرفي وبالتالي يتم
استغالل حاجة املستهلك للسلعة أو الخدمة وال يمكنه إال القبول أو الرفض دون إمكانية املناقشة ،وهو
ما يعرف بعقود اإلذعان ،حيث تقوم الشركات الكبرى بإبرام عقود تدرج فيها شروط تعسفية تخدم
مصلحتها االقتصادية ،فالالمساواة في القوة االقتصادية يجعلها تتحكم في الجمهور من خالل استغالل
خوفهم من عدم تلبية احتياجاتهم ،فينعدم االختيار ونظرا للظروف االقتصادية فإنه يقوم بإبرام العقد
مكرها ويترتب على هذا الخضوع عدم التوازن العقدي ،يمنح للمحترف الحصول على فائدة مفرطة ،وهو
1
ما يكون قرينة على التعسف في استعمال وضعية الهيمنة االقتصادية.
أوال :املصادر
-1الدساتير:
-1دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ( ،ج ر الصادرة في ،1996 /12 /8ع ،)76املعدل
واملتمم.
.4القانون 10 -90املؤرخ في 14أفريل ،1990املتعلق بالنقد والقرض( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 18أفريل
،1990ع ،16ص ،) 520املعدل واملتمم.
-2القانون 11-90املتعلق بعالقات العمل ،املؤرخ في 21أفريل ( 1990ج ر ،الصادرة بتاريخ 25أفريل
،1990ع ،17ص ،)562املعدل واملتمم.
.5القانون ،09-18املؤرخ في 25جوان ،2018يعدل ويتمم القانون ،03 - 09املتعلق بحماية املستهلك
وقمع الغش( ،ج ر ،الصادرة في 13جوان ،2018ع ،35ص .) 5
.6القانون رقم 01 -16املؤرخ في مارس ،2016يتضن التعديل الدستوري ( ج ر ،الصادرة بتاريخ 07
مارس ،2016ع .)14
.9القانون ،01-09املؤرخ في 22جويلية ،املتضمن قانون املالية التكميلي لسنة ( ،2009ج ر ،الصادرة
بتاريخ 26جويلية ،2009ع ،44ص ،)4املعدل واملتمم.
.11القانون رقم ،10-90املؤرخ في 14أفريل ،1990يتعلق بالنقد والقرض( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 18
أفريل ،1990ع ،16ص ،)51ملغى.
.12القانون العضوي رقم 05-12املؤرخ في 12جانفي ،2012املتعلق باإلعالم ( ،ج ر الصادرة بتاريخ 15
جانفي ،2012 ،ع ، 02ص ،) 21املعدل واملتمم.
.13القانون 12-08املؤرخ في 25جوان ،2008يعدل ويتمم األمر رقم 03-03املؤرخ في 19ماي ،2003
املتعلق باملنافسة( ،ج ر الصادرة في 2جويلية ،2008ع ،36ص ،)11املعدل واملتمم.
.14القانون رقم 04-03املؤرخ في 14فبراير ،2003يعدل ويتمم املرسوم التشريعي رقم 10 -93املؤرخ في
23ماي ،1993املتعلق ببورصة القيم املنقولة ( ،ج ر ،الصادرة في 19فبراير ،2003ع ،11ص ،)20
املعدل واملتمم.
.16القانون 13-08املؤرخ في 20جويلية ،2008املعدل واملتمم لألمر ،05 -85املتعلق بحماية وترقية
الصحة( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ ،)2008املعدل واملتمم.
.17القانون 04-06املؤرخ في 20فيفري ،2006املعدل واملتمم لألمر رقم ،04-95املتعلق بالتأمينات ( ،ج
ر ،الصادرة بتاريخ 12مارس ،2006ع ،44ص .)03
.18القانون 12-05املؤرخ في 4أوت ،2005املتعلق باملياه( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 04سبتمبر ،2005ع
،6ص ،)03املعدل واملتمم.
.20القانون 01-02املؤرخ في 5فيفري ،2002املتعلق بالكهرباء وتوزيع الغاز عن بواسطة القنوات( ،ج ر،
الصادرة بتاريخ 06فيفري ،2002ع ،8ص .)02
.22القانون 03- 2000املؤرخ في 5أوت ،2000املتعلق بالقواعد العامة للبريد واملواصالت السلكية
والالسلكية( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 06أوت ،2000ع ،48ص ،)3املعدل واملتمم.
.24القانون رقم 22-95املؤرخ في 26أوت ،1994يتعلق بخوصصة املؤسسات العمومية( ،ج ر ،الصادرة
بتاريخ 30سبتمبر ،1995ع ، 48ص ،)03املعدل واملتمم.
.26القانون ،09-18املؤرخ في 10جوان سنة ،2018يعدل ويتمم القانون رقم 03-09املتعلق بحماية
املستهلك وقمع( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 13جوان ،2018ع ،35ص .)5
.29القانون ،02 -89املؤرخ في 25فيفري ،2000املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش( ،ج ر ،الصادرة في
8مارس ،2009ع ،15ص ،)12امللغى.
.30القانون رقم 12-08املؤرخ في 25جوان سنة ،2008يعدل ويتمم األمر رقم 03 -03املتعلق باملنافسة
(ج ر ،الصادرة بتاريخ 2جويلية ،2008ع ،34ص .)11
- 223 -
قائمة املصادرواملراجع
.31القانون رقم 03-09املؤرخ في 25فيفري ،2009يتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش( ،ج ر ،الصادرة
في 8مارس ،2009ع ،15ص )12املعدل واملتمم.
القانون 02-04املؤرخ في 23جوان ،2004املتعلق بتحديد القواعد املطبقة على املمارسات .32
التجارية( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ ،2004/06/27ع ،41ص ،)3املعدل واملتمم.
القانون 06 -2000املؤرخ في 23ديسمبر ،2000املتضمن قانون املالية لسنة ( ،2001ج ر، .33
الصادرة بتاريخ 24ديسمبر ،2000ع ،80ص .) 03
-األوامر
.2األمر 03-01املؤرخ في 20أوت ،2001يتعلق بتطوير االستثمار( ،ج ر ،الصادرة في 22أوت ،2001ع
،47ص )4املعدل واملتمم.
.4األمر رقم ،01-09املؤرخ في 22جويلية 2009يتضمن قانون املالية التكميلي لسنة (،2009ج ر
الصادرة بتاريخ 26جويلية ،2009ع ،44ص .)4
.5األمر 11-03املؤرخ في 26أوت ،2003يتعلق بالنقد والقرض( ،ج ر ،الصادرة في 26أوت ،2003
عدد ،52ص ،)03املعدل واملتمم.
.6األمر 06-95املؤرخ في 25جانفي ،1995املتعلق باملنافسة( ،ج ر الصادر بتاريخ 22رمضان ،1415ع
،09ص ،)13امللغى بموجب األمر .03-03
.7األمر 15-74املؤرخ في 30جانفي ،1974املتعلق بإلزامية التأمين على السيارات ونظام التعويض عن
األضرار( ،ج ر ،الصاد ة بتا يخ 26فيفري ،1974ع ّ ،)15
املعدل بالقانون ،31-88املؤرخ في 1988/07/19 ر ر
(ج ر الصادرة بتاريخ 20جويلية ،1988ع .)29
.9األمر 06-95املؤرخ في 25جانفي ،1995يتعلق باملنافسة (ج ر ،الصادرة بتاريخ 22جانفي ،1995ع ،9
ص ،) 13امللغى.
.10األمر ،03-03املتعلق باملنافسة ،املؤرخ في 19جويلية (،2003ج ر الصادرة بتاريخ 20جويلية ،2003
ع ،43ص ) ،املعدل واملتمم.
-املراسيم:
.1املرسوم التشريعي 03-93املؤرخ في 1مارس ،1993املتعلق بالنشاط العقاري ( ،ج ر ،الصادرة في 03
مارس ،1993ع ،14ص ،)9-4امللغى بموجب القانون رقم 04-11املحدد للقواعد التي تنظم نشاط
الترقية العقارية ،ج ر ،ع .14
.2املرسوم التشريعي 10-93املؤرخ في 23ماي ،1993املتعلق ببورصة القيم املنقولة( ،ج ر ،الصادرة
بتاريخ 23ماي ،1993ع ،34ص )4معدل ومتمم باألمر ،10-96مؤرخ في 10جانفي ( ،1996ج ر،
الصادرة سنة ،1996ع ،3ص ) 34والقانون رقم ،04-03املؤرخ في 17فيفري ( 2003ج ر ،الصادرة
بتاريخ 19فيفري ،2003ع ، 11ص .)20
.3املرسوم الرئاس ي 113-96املؤرخ في 23مارس ،1996يتضمن تأسيس وسيط الجمهورية( ،ج ر،
الصادرة بتاريخ 31مارس ،1996ع ،20ص .)4
.4املرسوم الرئاس ي ،431-13املؤرخ في 18ديسمبر 2013يحدد نموذجي عقد حفظ الحق وعقد البيع
على التصاميم لألمالك العقارية وكذا حدود تسديد سعر امللك موضوع عقد البيع على التصاميم ومبلغ
عقوبة التأخير وآجالها وكيفيات دفعها (ج ر الصادرة في 25ديسمبر ،ع ،66ص.)11
.5املرسوم التنفيذي ،306 – 06املؤرخ في ،2006/9/10املحدد للعناصر األساسية للعقود املبرمة بين
االعوان االقتصاديين واملستهلكين والبنود التي تعتبر تعسفية (ج ر الصادرة في ،2006/9/11ع 56ص
)16املعدل واملتمم.
.7املرسوم التنفيذي رقم 58-94املؤرخ في 7مارس ،1994يتعلق بنموذج عقد البيع بناء على التصاميم
الذي طبق في مجال الترقية العقارية ( ،ج ر ،الصادرة في 7مارس ،1994ع ،13ص.)11
.9املرسوم التنفيذي رقم ،160-93املتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة في األوساط الطبيعية،
املؤرخ في 10جويلية( ،ج ر الصادرة بتاريخ 14جويلية ،1993العدد 46 ،ص.)6
.10املرسوم التنفيذي ،198-06املؤرخ في 31ماي 2006املتعلق بضبط التنظيم املطبق على املنشآت
املصنفة لحماية البيئة( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 4جوان ،2006ع ،37ص.)9
.11املرسوم التنفيذي 145-07املؤرخ في 19ماي ّ ،2007
يحدد مجال تطبيق ومحتوى وكيفيات املصادفة
على د اسة وموجز التأثير على البيئة ( ،ج ر ،الصاد ة في 22ماي ،2007ع ،34صّ ،)92
املعدل واملتمم. ر ر
.12املرسوم التنفيذي رقم 69-94املؤرخ في ،1994 /03/19املتضمن املصادقة على نموذج عقد االيجار
املنصوص عليه في املادة 21من املرسوم التشريعي رقم ( ،03 -93ج ر ،الصادرة في س ،1994ع ،17ص
.)8
.13املرسوم التنفيذي ،114-15املتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض االستهالكي ،املؤرخ
في 12ماي ،2015يتعلق بشروط وكيفيات العروض في مجال القرض االستهالكي (ج ر الصادرة بتاريخ 13
ماي ،2015ع .)24
ّ
املحدد لشروط وكيفيات وضع ضمان .14املرسوم التنفيذي رقم 327-13املؤرخ في 26سبتمبر ،2013
السلع والخدمات( ،ج ر ،الصادرة بتاريخ 02أكتوبر ،2013ع ،49ص ،)16امللغى.
.15املرسوم التنفيذي رقم 219-05املؤرخ في 2جوان ،2005يتعلق بالترخيص لعمليات التجميع( ،ج ر،
الصادرة بتاريخ 22جوان ،2005ع ،43ص .)5
.2القانون املدني السوري ،الصادر باملرسوم التشريعي رقم 84سنة ، 1949املعدل واملتمم -
.1قرار املحكمة العليا ،املؤرخ في 07فبراير ،1983قضية رقم ، 29500م ق سنة 1989ع .01
.2قرار املحكمة العليا ،غ م ،ملف رقم ،25699ن ق ،ع خ ،سنة .1982
ثانيا :الكتب
أ/الكتب العامة:
.1إدريس فاضلي ،الوجيز في النظرية العامة لاللتزام ،ديوان املطبوعات الجامعية ،إعادة الطبعة األولى،
سنة .2015
.2أعصم أحمد حمدي إمام ،أثر تشريعات حماية املستهلك على القانون املدني دار النهضة العربية،
القاهرة ،طبعة سنة .2018
.3أيمن سعد ،العقود النموذجية دار النهضة العربية ،القاهرة ،طبعة سنة .2013 -2012
.4جاك غستان ،املطول في القانون املدني ،مفاعيل العقد وآثاره ،املؤسسة الجامعية للدارسات ،والنشر
والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،الطبعة الثانية ،سنة .2008
.5حسين عبد هللا الكالبي ،النظام العام العقدي ،دراسة مقارنة ،دار السنهوري ،بيروت لبنان ،الطبعة
األولى ،سنة .2016
.6رمضان أبو السعود ،مصادر االلتزام ،دار الجامعة الجديدة ،األزاريطة.2007،
.27أحمد سيد أحمد وأحمد أبو القاسم ،مجاالت وأهداف حماية املستهلك ،دار النهضة العربية ،بدون
مكان الطبع ،طبعة سنة .2018
.28بن قويدر زبيري ،حماية مركز الطرف الضعيف في الرابطة العقدية ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
طبعة سنة .2019
.25أيمن ابراهيم العشماوي ،مفهوم العقد وتطوره ،دراسة مقارنة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،سنة
.2002
.26حمدي محمد اسماعيل سلطح ،القيود الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة في العقود املدنية ،دراسة
مقارنة بالفقه اإلسالمي " ،دار الفكر الجامعي األزرايطة اإلسكندرية ،طبعة سنة .2006
.27خالد ممدوح إبراهيم ،حماية املستهلك في املعامالت االلكترونية ،دراسة مقارنة ،الدار الجامعية
االسكندرية ،مصر ،طبعة .2007
.28علي فيصل علي ّ
الصديقي ،مضمون العقد بين النزعة الشخصية واملوضوعية ،دراسة مقارنة،
منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى ،سنة .2012
.29محفوظ بن حامد لعشب ،عقود اإلذعان في القانون املدني الجزائري واملقارن ،املؤسسة الوطنية
لكتاب ،الجزائر ،سنة .1990
- 229 -
قائمة املصادرواملراجع
.30محمد بودالي ،حماية املستهلك في القانون املقارن دراسة مقارنة مع القانون الفرنس ي ،دار الكتاب
الحديث ،الجزائر ،طبعة سنة .2008
.31محمد تيورس ي ،الضوابط القانونية للحرية التنافسية في الجزائر ،دار هومه للطباعة والنشر
والتوزيع ،الجزائر ،طبعة سنة .2013
.32محمد صديق محمد عبد هللا ،موضوعية اإلرادة التعاقدية ،دراسة تحليلية ،دار الكتب القانونية،
دار شتات للنشر و البرمجيات ،مصر االمارات ،طبعة .2012
.33محمد محي الدين ابراهيم سليم ،التسلط االقتصادي وأثره على التوازن العقدي ،ديوان املطبوعات
الجامعية ،اإلسكندرية ،بدون ذكر الطبعة والسنة.
ثالثا :الرسائل واملذكرات:
أ/رسائل الدكتوراه:
.1أحمد بعجي ،تأثير التوجيه التشريعي على النظرية العامة للعقد ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه،
تخصص القانون املدني وقانون التأمين ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة الجامعية2019-2018 :
.
.2أعمر تسبية ،اآلليات القانونية لحماية املشتري في عقد البيع على التصاميم ،أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراه في الحقوق ،تخصص القانون الخاص ،جامعة أدرار ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،تاريخ
املناقشة 13 :جوان .2019
.3بخالد عجالي ،النظام القانوني للعقد االلكتروني في التشريع الجزائري ،دراسة مقارنة ،جامعة مولود
معمري ،تيزي وزو ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،رسالة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم ،التخصص
القانون ،تاريخ املناقشة 16 :جوان .2014
.4بالل عثماني ،أطراف العقد املدني بين الحق في تحقيق املصلحة الشخصية وااللتزام بحسن النية،
أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتورة في العلوم ،تخصص القانون ،جامعة مولود معمري - ،تيزي وزو-
،كلية الحقوق والعلوم السياسة ،السنة الجامعية.2018-2017 :
.5جمعة زمام ،العدالة العقدية في القانون الجزائري ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم ،جامعة
الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة الجامعية .2014-2013
.7داود منصور ،اآلليات القانونية لضبط النشاط االقتصادي في الجزائر ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراه
علوم ،تخصص قانون االعمال ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة
الجامعية. 2016 -2015 :
.8سفيان زبيدي ،حرية االستثمار والرقابة على التصرف في القانون العام ،جامعة عبد الرحمن ميرة،
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،تاريخ املناقشة 26 :جوان .2012
.9سماح جبار ،القيمة القانونية للعنصر األخالقي في العقود الخاصة ،رسالة نيل شهادة الدكتوراه في
القانون الخاص ،جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية:
.2018-2017
.10صديق شياط ،أثر مصلحة املجتمع في الحد من مبدأ سلطان اإلرادة في مجال التعاقد ،رسالة دكتوراه
علوم في القانون الخاص ،جامعة الجزائر ،1بن يوسف بن خدة ،كلية الحقوق – السعيد حمدين، -
السنة الجامعية.2018 -2017 :
.11عبد الرحمن ّ
عزاويّ ،
الرخص اإلدارية في التشريع الجزائري ،رسالة لنيل درجة دكتوراه دولة في
القانون العام ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،نوقشت بتاريخ 02جوان .2007
.12عدة عليان ،فكرة النظام العام وحرية التعاقد في ضوء القانون الجزائري والفقه اإلسالمي ،أطروحة
لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبو بكر بقايد - ،تلمسان ،-كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،السنة الجامعية.2016 -2015 :
.13عرعارة عسالي ،التوازن العقدي عند نشأة العقد ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في القانون،
جامعة الجزائر ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية .2015 -2014
.14فاطمة الزهراء زيتوني ،مبدأ حسن النية في العقود ،دراسة مقارنة ،رسالة مقدمة لنيل شهادة
الدكتوراه علوم قانون خاص ،جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة
الجامعية.2018-2017 :
اإلرادة في ظل تطور العقد ،دراسة لبعض العقود الخاصة ،رسالة لنيل شهادة
.16لخضر حليس ،مكانة ٍ
الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة أبي بكر بلقايد ،تلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة
الجامعية.2016-2015 :
.17لخضر حليس ،مكانة اإلرادة في ظل تطور العقد ،رسالة لنيل شهادة الدكتورة في القانون الخاص،
جامعة أبي بكر بلقايد ،كلية الحقوق والعلوم السياسية الجامعية.2016 -2015 :
.18منال بوروح ،النظام العام والعقد ،أطروحة لنيل شهادة الدكتورة ،جامعة الجزائر ،كلية الحقوق،
نوقشت بتاريخ.2019/5/5 :
.19منال بوروح ،النظام العام والعقد ،أطروحة لنيل شهادة دكتوراه علوم في القانون الخاص ،جامعة
الجزائر ،1كلية الحقوق ،نوقشت بتاريخ 5ماي ،2019ص.204-203-202-200-199
.20الهام بوحاليس ،الحماية القانونية للسوق في ظل قواعد املنافسة ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه
علوم ،جامعة اإلخوة منتوري ،قسنطينة كلية الحقوق ،السنة الجامعية.2017 -2016 :
.21ياسين سعدون ،أثر الظروف االقتصادية على العقد ،أطروحة لنيل الشهادة الدكتورة في القانون
الوضعي ،تخصص القانون الخاص الداخلي ،جامعة مولود معمري - ،تيزي وزو -كلية الحقوق والعلوم
السياسية ،السنة الجامعية.2018 – 2017 :
ب/مذكرات املاجستير:
.1أحمد حدي اللة ،سلطة القاض ي في تعديل االلتزام التعاقدي وتطويع العقد ،مذكرة لنيل شهادة
املاجستير في قانون مسؤولية املهنيين ،جامعة أبي بكر بلقايد – تلمسان ، -كلية الحقوق ،السنة
الجامعية.2013 -2012 :
.2آسيا مندي ،النظام العام والعقود ،مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق ،فرع
العقود واملسؤولية ،جامعة يوسف بن خدة ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية.2009 -2008 :
.3إلياس بوكاري ،الرقابة اإلدارية على املنشآت املصنفة لحماية البيئة في التشريع الجزائري ،مذكرة لنيل
شهادة املاجستير في الحقوق ،فرع قانون البيئية والعمران ،السنة الجامعية.2016-2015 :
- 232 -
قائمة املصادرواملراجع
.4حفيظ دحمون ،التوازن في العقد ،مذكرة من أجل الحصول على شهادة املاجستير في الحقوق ،فرع
العقود واملسؤولية ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة الجامعية.2012-2011 :
.5حمزة عثماني ،مسؤولية املنشآت املصنفة عن جريمة التلويث البيئية في التشريع الجزائري ،مذكرة
لنيل شهادة املاجستير في الحقوق ،جامعة الجزائر ،السنة الجامعية ،2014-2013 :ص.8
.6سارة بيالمي ،حسن النية في تكوين العقد ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص ،فرع
عقود ومسؤولية ،جامعة االخوة منتوري ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية.2017-2010 :
.7عائشة خليل ،دور السلطات اإلدارية املستقلة في تجديد الشريعة العامة للعقود ،مذكرة لنيل درجة
املاجستير في العقود القانونية ،فرع قانون األعمال ،جامعة 8ماي 1945قاملة ،كلية الحقوق والعلوم
القانونية ،السنة الجامعية.2016 -2015 :
.8عبد القادر عالق ،أساس القوة للعقد وحدودها ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون الخاص،
جامعة أبي بكر بلقايد - ،تلمسان -كلية الحقوق ،السنة الجامعية.2008 -2007 :
.9علي مصبح صالح الحيصة ،سلطة القاض ي في تعديل مضمون عقد اإلذعان ،رسالة مقدمة للحصول
على درجة املاجستير في القانون الخاص ،جامعة الشرق األوسط ،كلية الحقوق ،قسم القانون الخاص،
سنة .2011
.10فايزة بولباني ،االعالم كوسيلة لحماية املستهلك ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير ،فرع العقود
واملسؤولية ،جامعة الجزائر ،1كلية الحقوق ،السنة الجامعية.2012 -2011 :
.11كمال معيفي ،آليات الضبط االداري في التشريع الجزائري ،مذكرة تخرج لنيل شهادة املاجستير،
جامعة باتنة ،السنة الجامعية.2011 -2010 :
.12املختار بن سالم ،االلتزام باإلعالم كآلية لحماية املستهلك ،جامعة أبي بكر بلقايد ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية ،تلمسان ،السنة الجامعية.2018 -2017 :
.13نبية شفار ،الجرائم املتعلقة باملنافسة في القانون الجزائري والقانون املقارن ،مذكرة لنيل شهادة
املاجستير في القانون الخاص ،جامعة وهران ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية-2012 :
.2013
.15يسمينة شيخ أعمر ،توزيع االختصاص ما بين مجلس املنافسة وسلطات الضبط القطاعية في
الجزائر ،مذكرة لنيل شهادة املاجستير ،جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية ،كلية الحقوق ،السنة الجامعية:
.2009 -2008
.1أحمد بعجي" ،من أجل إصالح النظرية العامة للعقد" ،بحوث جامعة الجزائر ،1الجزء األول ،العدد
.2020 ،14
.2أحمد بورزق" ،دور االلتزام قبل التعاقدي باإلعالم في تنوير إرادة املستهلك" ،مجلة الدراسات
القانونية والسياسية ،العدد ،03جانفي .2016
.3أحمد بومدين ،دور االلتزام باإلعالم قبل التعاقد في حماية رضا املستهلك " ،مجلة العلوم القانونية،
العدد ،1جوان . 2020
.4أحمد فايز الهرش" ،أزمة فايروس كورنا ،العوملة ودور جديد للدولة اقتصاديا" ،مجلة االقتصاد
الدولي والعوملة ،املجلد ،3العدد ،2020 ،2ص .247-230
.5أشرف جابر "،اإلصالح التشريعي الفرنس ي لنظرية العقد :صنيعة قضائية وصياغة تشريعية" ،ملحات
في بعض املستحدثات" ،أبحاث املؤتمر السنوي الرابع ،القانون أداة لإلصالح والتطوير 10/9 ،ماي،
.2017
.7إلهام فاضل" ،العقوبات اإلدارية ملواجهة خطر املنشآت املصنفة على البيئية في التشريع الجزائري"،
دفاتر السياسة والقانون ،العدد التاسع ،جوان .2013
.8أمال بوهنتالة" ،الحق في العدول عن التعاقد كوسيلة لحماية رضا املستهلك" ،مجلة البحوث في
العقود وقانون األعمال ،العدد الخامس ،ديسمبر .2018
- 234 -
قائمة املصادرواملراجع
.9أمال مدين " ،الترخيص اإلداري وسيلة لحماية البيئة في اطار التنمية املستدامة ،الترخيص
باستغالل املنشآت املصنفة بحماية بيئة نموذجا" ،مجلة القانون العقاري والبيئة ،العدد الخامس ،جوان
.2005
.10أميرة ايمان عمارة " ،نطاق حرية التعاقد في قانون املنافسة " ،مجلة البحوث في العقود وقانون
األعمال ،العدد الخامس ،ديسمبر .2018
.11ايمان زكري" ،مبدأ حسن النية في الشركات التجارية مظاهره وآثاره" ،مجلة املنار للبحوث
والدراسات القانونية والسياسية ،العدد الرابع ،مارس .2018
.12بخالد عجالي" ،حق املستهلك االلكتروني في التراجع عن العقد وأثره على النظرية العامة للعقد في ظل
نظريات القانون االقتصادي" ،امللتقى الدولي السابع عشر حول "الحماية القانونية للمستهلك في ظل
التحوالت االقتصادية الراهنة" املنعقد يومي 10و 11أفريل ،2017مخبر الحقوق والحريات في األنظمة
املقارنة ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة.
.13بوزيد كيحول ومسعودة حداوي " ،عقد اإلذعان بين الفقه والقانون " ،مجلة الدراسات اإلسالمية،
العدد الثامن ،جانفي .2017
.14جمعة زمام" ،تحديث النظرية العامة للعقد (في ضوء ظاهرة التخصص التشريعي) " ،مجلة البحوث
والدراسات القانونية والسياسية ،العدد الثاني عشر.
.15حجاجي وقويدر قرارية" ،النظام العام االجتماعي بين الحماية االجتماعية للعامل وتداعيات العوملة
االقتصادية" ،مجلة القانون والعلوم السياسية ،املجلد ،6العدد ،1سنة .2020
.16حسين بطيمي ونصيرة غزالي" ،طبيعة وأساس االلتزام بضمان السالمة" ،مجلة الحقوق والعلوم
السياسية ،جامعة عمار تليجي ،األغواط ،الجزائر ،العدد الثالث عشر ،مارس .2017
.17حمد عرفان الخطيب" ،املبادئ املؤطرة لنظرية العقد في التشريع املدني الفرنس ي الجديد دراسة
نقدية تأصيلية مقارنة" ،مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ،السنة السابعة ،العدد ،2العدد التسلسلي
26يونيو . 2019
.19حمزة بن خدة ،قراءة في أهم مستجدات اإلصالح الجذري للقانون املدني الفرنس ي لسنة 2016ومدى
تأثيرها على القانون املدني الجزائري في ثوبة الحالي " ،مجلة األستاذ الباحث للدراسات القانونية
والسياسية ،العدد الحادي عشر ،سبتمبر .2018
.20خديجة فاضل " ،تأثير قانون عقد العمل على جمعية قانون العقود" ،مجلة بحوث جامعة
الجزائر ،1الجزء األول ،العدد .2020 ،14
.21رقية سكيل " البعد التعاقدي في عالقات العمل في التشريع الجزائري " ،األكاديمية للدراسات
االجتماعية واإلنسانية ،قسم العلوم االقتصادية والقانونية ،العدد ،21سنة . 2019
.22زهرة بن عبد القادر " ،حماية مبدأ املنافسة من التعسف في استغالل وضعية الهيمنة على السوق"،
دراسة تحليلية في التشريع الجزائري على ضوء نظيرة الفرنس ي ،مجلة الدراسات القانونية املقارنة،
املجلد ،5العدد.2019 ،01
.23الزين منصوري" ،دور الدولة في تنظيم املنافسة ومنع املمارسات االحتكارية في ظل اقتصاد السوق،
حالة الجزائر" ،مجلة أبحاث اقتصادية وإدارية ،العدد الحادي عشر ،جوان .2012
.24سامي بن حملة" ،أصول الحرية التعاقدية وضوابطها في الشريعة االسالمية" ،مجلة البحوث في
العقود وقانون األعمال ،العدد الخامس ،ديسمبر .2018
.25سامي بن حملة" ،إعادة التوازن العقدي بين املستهلك واملتدخل في عقود االستهالك" ،مجلة الباحث
للدراسات االكاديمية ،العدد الخامس ،مارس .2005
.26سامي بن حملة" ،قانون العقود في مواجهة قانون املنافسة" ،امللتقى الدولي الخامس ،القانون املدني
بعد أربعين سنة ،جامعة الجزائر ،1يومي 24و 25أكتوبر .2016
.27سعاد نويري "،االلتزام باإلعالم وحماية املستهلك في التشريع الجزائري " ،مجلة الباحث للدراسات
االكاديمية ،العدد الثامن ،جانفي .2016
.29سليمان حاج عزام " ،حق املستهلك في اإلعالم والرضا في املجال الطبي – التزام الطبيب بإعالم
املريض وتلقي رضاه نموذجا ،-مجلة الحقوق والحريات ،العدد الرابع ،أفريل .2017
.30سليمة بوزيد وسليم بشير " ،االلتزام باإلعالم وطرق تنفيذه وفقا االحكام قانون حماية املستهلك
وقمع الغش ،"03/09مجلة الحقوق والحريات ،العدد الرابع ،أفريل . 2017
.31الشاذلي زيبار" ،النظام القانوني السلطات الضبط االقتصادي في القانون الجزائري" ،مجلة الباحث
للدراسات األكاديمية ،العدد الرابع ،ديسمبر.2014 ،
.32الصالح بوغرارة وعبد القادر حمر العين" ،الحماية املدنية املضرور من املنتجات املصيبة بين ضعف
القواعد التقليدية وعدم وضوح القواعد الخاصة ،املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية ،املجلد
،4العدد .2
.33صالح الدين بولعراس" ،االقتصاد الجزائري في ظل التداعيات العاملية لجائحة كورنا بين االستجابة
اآلنية واملواكبة البعدية" ،مجلة العلوم االقتصادية وعلوم التسيير املجلد ،20العدد الخاص حول اآلثار
االقتصادية لجائحة كورونا ،سبتمبر .2020
.34الطيب قلوش " ،الجزاء املدني إلخالل املتدخل بالتزام باإلعالم " ،مجلة القانون العدد ،07ديسمبر
.2016
.35عادل عميرات " ،االلتزام العون االقتصادي باإلعالم" ،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،العدد
،13جوان .2016
.36عامر رحمون " ،عقود الذعان في الفقه االسالمي والقانون املدني الجزائري دراسة مقارنة" ،مجلة
الحقوق والعلوم اإلنسانية ،املجلد األول ،ع .23
.37عايدة مصطفاوي " ،حماية املستهلك من الشروط التعسفية " ،مجلة االجتهاد القضائي ،العدد الرابع
عشر ،أفريل .2017
.38عبد القادر أقصاص ي " ،فكرة النظام العام الحمائي ودورها في حماية الطرق الضعيف في العقد"،
مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية ،املجلد ،03ع ،01السنة .2019
- 237 -
قائمة املصادرواملراجع
.39عبد اللطيف والي وعبد الرزاق رحموني" ،رقابة التجميعات االقتصادية كآلية لحماية املنافسة"،
مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية ،العدد ،5ديسمبر .2018
.40عبير مزغيش ومحمد عدنان بن ضيف" ،الضوابط الحمائية املصوبة الختالل التوازن العقدي في
عقود االستهالك التعسفية" ،مجلة الحقوق والحريات في -في األنظمة املقارنة ،جامعة محمد خيضر،
بسكرة ،العدد الرابع ،أفريل .2017
.41عز الدين عيساوي " ،العقد كوسيلة لضبط السوق " ،مجلة املفكر ،العدد الثالث.
.42علي غربي" ،مجلس املنافسة كآلية املراقبة التجميعات االقتصادية" ،مجلة الحقوق والعلوم
اإلنسانية ،العدد االقتصادي.)02(35 ،
ّ
متجدد" ،مجلة البحوث في العقود وقانون األعمال، .43علي فياللي" ،الحرية العقدية مفهوم قديم وواقع
العدد الخامس ،ديسمبر .2018
.44عواطف محي الدين " ،الرقابة اإلدارية على استغالل املنشآت املصنفة تكريس ملبدأ النشاط الوقائي
للحماية البيئية" الحوار املتوسطي ،املجلد ،11العدد ،02سبتمبر .2020
.45عيس ى بخيت" ،أثر تشريعات االستهالك على مبادئ النظرية التقليدية للعقد" ،األكاديمية للدراسات
االجتماعية واالنسانية ،قسم العلوم االقتصادية والقانونية ،العدد ،20جوان ،2018ص .117-110
.46فاطمة الزهراء زيتوني ،بحث مضمون مبدأ جسن النية في إطار نظرية العقد ،مجلة القانون والعلوم
السياسية ،العدد الرابع ،جوان .2016
.47فاطيمة نساخ" ،أخلقة العالقة العقدية" ،املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية
والسياسية.
.48فتحي بن جديد" ،الترخيص اإلداري كإجراء لحماية البيئة من التلوث ،رخصتي البناء واستغالل
املنشآت املصنفة" ،مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية ،العدد السادس ،سنة .2016
.49فريدة محمدي" ،التوازن في العالقات اإليجارية طبقا للمرسوم 03-93و نموذج عقد اإليجار" ،املجلة
الجزائرية للعلوم القانونية ،2000الجزائر.
.50فتيحة قريقر" ،حدود سلطان اإلرادة في نطاق النظام العام" ،مجلة الحقوق العلوم اإلنسانية العدد
األول ،سنة.2017 ،
- 238 -
قائمة املصادرواملراجع
.51قادة شهيدة" ،التجربة الجزائرية في حماية املستهلك بين طموح وتطور النصوص وافتقاد آليات
تطبيقها" ،املجلة الجزائرية للقانون املقارن ،العدد ،01سنة .2014
.52كمال آيت منصور" ،دور مجلس املنافسة في مراقبة التجميعات االقتصادية" ،املجلة األكاديمية
للبحث القانوني ،املجلد ،12العدد ،02سنة ،2015ص .154
.53كمال مخلوف" ،اإلطار التنظيمي التفاقية العمل الجماعية في التشريع الجزائري" ،مجلة دفاتر
السياسة والقانون ،العدد الرابع ،جانفي.2011 ،
.54لخضر حليس" ،التنظيم القانوني للعقود املدنية" ،مجلة البحوث القانونية والسياسية ،العدد
ّ
األول ،ديسمبر .2013
.55لخضر حليس" ،التنظيم القانوني للعقود املدنية" ،مجلة البحوث القانونية والسياسية ،العدد
األول ،ديسمبر.2013 ،
.56لخضر حليس" ،سلطان اإلرادة وحماية املستهلك" ،مجلة العلوم القانونية واالجتماعية ،زيان عاشور
بالجلفة ،العدد السادس.
.57لطيفة بوراس " ،نظرية العقد في مواجهة التحديات االقتصادية" ،بحوث جامعة الجزائر ،الجزء
األول ،العدد.2020 ،14
.58ليندة بلحارت " ،دور مجلس املنافسة في ضبط املنافسة الحرة " ،مجلة املعارف ،قسم العلوم
القانونية ،السنة الحادية عشر ،العدد 21ديسمبر .2016
.59ليندة فردوج " ،البطالن في قانون املنافسة كدعامة إلعادة التوازن العقدي" ،مجلة البحوث في
العقود وقانون األعمال ،العدد الخامس ،ديسمبر .2018
.60محمد الطاهر أدحيمن" ،حق العدول عن العقود االستهالكية عن بعد كآلية قانونية لضمان حماية
املستهلك" املجلة الجزائرية للعلوم القانونية والسياسية ،املجلد ،57العدد ،01سنة .2020
.61محمد أمين سعدي" ،حق العدول عن العقد كآلية حمائية للمستهلك" ،مجلة الدراسات القانونية
املقارنة ،املجلد ،05العدد ،02سنة .2019
.62محمد بودالي" ،أزمة القانون املدني في ظل اتساع نطاق قانون حماية املستهلك" ،حوليات جامعة
الجزائر ،املجلد ،30العدد ،3ص ص .245 -224
- 239 -
قائمة املصادرواملراجع
.63محمد خليفة كرفة " ،ضرورة التخلي عن ربط الشروط التعسفية بعقود اإلذعان من أجل حماية
واسعة للمستهلك" ،مجلة الدراسات القانونية املقارنة ،العدد الرابع ،نوفمبر.2017 ،
.64محمد عدنان باقر" ،قواعد األخالق في تحديد مضمون العقد" ،مجلة جامعة بابل ،العلوم
اإلنسانية ،املجلد ،66العدد ،4سنة .2014
.65محمد فواز صباح اآللوس ي " ،التعسف في العقود اإلذعان " ،مجلة جامعة األنبار للعلوم القانونية
والسياسية ،املجلد الثاني ،العدد الثالث عشر ،سنة .2017
.66محمد مدان" ،االشتراكية الجزائرية بين النظرية والواقع االجتماعي" ،أنثروبولوجيا املجتمع
الجزائري ،املحور الثالث ،بدون سنة.
.67محمود فياض ،مدى التزام األنظمة املقارنة بمبدأ حسن النية في مرحلة التفاوض على العقد ،مجلة
جامعة اإلمارات العربية املتحدة ،السنة ،27عدد .2013 ،54
.68مريم نابي "،دور االلتزام باإلعالم قبل التعاقدي في حماية املستهلك" ،مجلة األستاذ الباحث
للدراسات القانونية والسياسية.
ّ
.69املعز هلل صالح أحمد البالع" ،الحرية االقتصادية ومبدأ تدخل الدولة" ،بحث مقدم للملتقى الدولي
األول ،االقتصاد اإلسالمي الواقع ورهانات املستقبل ،معهد العلوم االقتصادية التجارية وعلوم التسيير،
الجزائر دون ذكر السنة.
.70مليكة جامع" ،حق العدول عن العقد كآلية مستحدثة لحماية املستهلك االلكتروني" ،مجلة الواحات
للبحوث والدراسات املجلد ،13العدد ،1سنة ،2020ص .478-451
.71منال بوروح " مصادر النظام العام لحماية الطرق الضعيف" ،املجلة االكاديمية للبحوث القانونية
والسياسية ،العدد الثاني.
.72منصف بوعريوة" ،الحرية العقدية في ظل النظام العام االقتصادي" مجلة البحوث في العقود
وقانون األعمال ،العدد الخامس ،ديسمبر .2018
.73منصور حاتم محسن" ،العدالة العقدية ،دراسة مقارنة" ،مجلة جامعة بابل العلوم اإلنسانية،
املجلد ،65العدد ،6سنة .2018
.75مولود حاتم " ،ادراج االلتزام بالتبصير في اصالح القانون املدني الفرنس ي لسنة 2016وأثره على
نظرية االلتزام في القانون املدني الجزائري" ،املجلة الدولية للبحوث القانونية والسياسية ،املجدد ،03
العدد ،02أكتوبر . 2019
.76نورة جحايشية و عصام نجاح" ،حق املستهلك في العدول في التشريع الجزائري" ،مجلة العلوم
القانونية والسياسية ،املجلد ،11العدد ،01ص ص ،497-480أفريل .2020
.77وفاء شناتلية ومنية شوايدية" ،الحماية القانونية للمتعاقد الضعيف من اإلكراه االقتصادي في ظل
أزمة فيروس كورنا " حوليات جامعة الجزائر ،1املجلد ،34عدد خاص ،القانون وجائحة كوفيد.
.78يمينة بليمان "عقود اإلذعان وحماية املستهلك " ،مجلة العلوم اإلنسانية ،املجلد ،30عدد ،2
ديسمبر.2019 ،
1. Eric Savaux, la théorie générale du contrat, mythe ou réalité, L. GDJ, 1997.
2. Frison-roche, marie Anne contrat concurrence, régulation, RTD civ, 2004.
1. Benslimane née hadj Mokhtar leila , de la théorie de l’autonomie de la volonté et de ses
effets en droit contractuelle algérien, mémoire de magister en droit privé, institut de droit et
des sciences administratives, université d'orant 1983.
1. Ali filali ; le droit de la consommation ; une adaptation du droit commun des contrats,
» colloque international, développement, spécificités et impact du droit de la consommation
محاضرة على شبكة االنترنت للدكتور وائل بندق ،تتضمن تعديالت القانون املدني الفرنس ي ،املحاضرة
الثانية متوافرة على الرابط االلكترونيhttps://www.youtube.com/watch?v=TK7SJFNo8PQ :
تم االطالع بتاريخ .2021/03/07
الفهرس
شكر وتقدير
إهداء
قائمة املختصرات
مقدمة1 ............................................................................................................................................................
الباب األول :تراجع مبدأ سلطان اإلرادة مبرر للتدخل التشريعي في العقود11 ................................................
املبحث الثاني :تطور مفهوم النظام العام بتطور البيئة العقدية36 ...............................................................
املطلب األول :عدم كفاية القواعد العامة لحماية الطرف الضعيف52 ........................................................
الفرع الثاني :حماية الطرف الضعيف من الشروط التعسفية في عقد اإلذعان60 .......................................
ثانيا :سلطة القاض ي في إعادة التوازن العقدي في عقود اإلذعان 64 .............................................................
املطلب الثاني :اللجوء إلى اصدار العقود املتخصصة ملعالجة عدم التوازن العقدي64 ................................
رابعا :سلطة القاض ي في تعديل الشروط التعسفية وفقا للقوانين املستحدثة71 ..........................................
الفرع الثاني :فرض التزامات إضافية لتدعيم حماية الطرق الضعيف73 .....................................................
الفرع الثاني :مظاهر مبدأ حسن النية كآلية لتحقيق العدالة العقدية102 ...................................................
الباب الثاني :آثار التدخل التشريعي في العقود على سلطان اإلرادة108 .........................................................
الفصل األول :التخلي عن املبادئ الراسخة في النظرية التقليدية للعقد :القعد شريعة املشرع 111 .............
ثانيا :مبدأ حسن النية أساس لاللتزامات املستحدثة في نظام العقد124 ......................................................
املبحث الثاني :الخروج عن مبدأ سلطان اإلرادة من حيث آثار العقد145 ......................................................
الفرع األول :توسيع األثر النسبي للعقد (اتفاقيات العمل الجماعية)146 .....................................................
الفرع الثاني :أثر تشريعات االستهالك على مبدأ األثر النسبي للعقد148 .......................................................
الفرع االول :حق العدول عن العقد آلية لتدعيم رضاء املستهلك153 ............................................................
الفرع الثاني :أثار حق العدول عن العقد على القوة امللزمة له160 .................................................................
الفصل الثاني :مواءمة العقد للسياسة االقتصادية :الوجه اآلخر للتدخل التشريعي في العقود166 .......... .
املبحث األول :التحول في وظيفة الدولة :العقد آلية لخدمة أهداف الدولة167 ............................................
فهرس املحتويات
املطلب األول :ضرورة تكريس نظام قانوني يجسد حرية املنافسة168 ...........................................................
املطلب الثاني :استحداث سلطات الضبط االقتصادي :مفهوم جديد لتدخل الدولة175 ...........................
املطلب األول :توجيه اإلرادة وفقا ملقتضيات النظام العام االقتصادي187 ...................................................
الفرع األول :استحداث عيب اإلكراه االقتصادي لتدعيم سالمة الرضا206 .................................................
الخاتمة215 ......................................................................................................................................................
الفهرس
:ملخص باللغة العربية
اكتسب مبدأ سلطان االرادة شهرة عاملية خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والذي نادى به أصحاب
حيث مجدوا الفرد واعتبروا أن إلرادته السلطان األكبر في تكوين العقد وتحديد آثاره وال يحد من هذه،املذهب الفردي
ولقد انبثق عن حرية التعاقد املبدأ الشهير "دعه يعمل،االرادة وهذا السلطان سوى فكرة النظام العام واآلداب العامة
دعه يمر" الذي يجسد الحرية االقتصادية ومما ساعد على ازدهار سلطان االرادة وشيوعه هو البيئة العقدية التي كانت
.تعتمد على أسلوب التعاقد البسيط
كرس املشرع الجزائري هذا املبدأ من حيث حرية األفراد في اختيار الشكل الذي تظهر فيه ارادتهم بموجب املادة
من القانون106 من القانون املدني الجزائري ومن حيث املوضوع تضمين العقد بالشروط التي يرونها بموجب املادة59
إال أنه وعلى اثر التحوالت االقتصادية و،املدني الجزائري مع احترام فكرة النظام العام واآلداب العامة في حدود ضيقة
االجتماعية والسياسية التي شهدها العالم بداية من القرن العشرين ظهرت عقود لم تكن مألوفة ضمن النظرية
هذا ما دفع باملشرع للتدخل في العالقة،التقليدية للعقد مما أثر على التوازن العقدي فظهرت فكرة الطرف الضعيف
العقدية وتوجيهها عن طريق اللجوء الى اصدار العقود املتخصصة مستعمال آلية النظام العام بشقيه التوجيهي
أما الجانب اآلخر فيرى أن العقد القائم على، مما جعل بعض الفقه يرى أن العقد يمر فيما يعرف بأزمة العقد،والحمائي
.مبدأ سلطان االرادة يشهد تحديثا وتطورا ملواكبة هذه املستجدات
Abstract :
The principle of the authority of the will gained international fame during the eighteenth and
nineteenth centuries, which was advocated by the proprietors of the individual doctrine, where they
glorified the individual and considered that his will has the greatest authority in the formation of the
contract and determining its effects. Contracting is the famous principle of "let it work, let it pass", which
embodies economic freedom. What helped to flourish and spread the power of the will is the contractual
environment that was based on the simple method of contracting.
The Algerian legislator has enshrined this principle in terms of the freedom of individuals to
choose the form in which their will appears under Article 59 of the Algerian Civil Code and in terms of
subject matter to include the contract with the conditions they see under Article 106 of the Algerian Civil
Code while respecting the idea of public order and public morals within narrow limits, However, as a
result of the economic, social and political transformations that the world witnessed since the beginning
of the twentieth century, decades emerged that were not familiar within the traditional theory of the
contract, which affected the contractual balance, and the idea of the weak party emerged. This prompted
the legislator to intervene in the contractual relationship and direct it by resorting to the issuance of
contracts The specialist uses the general system mechanism, both guiding and protective, which made
some jurisprudence believe that the contract is going through what is known as the contract crisis, while
the other side sees that the contract based on the principle of the power of the will is witnessing an update
and development to keep pace with these developments.