فيسيولوجية اللغة وآلياتها العملية من منظور اللسانيات العصبية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 37

‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬

‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫فيسيولوجية اللغة وآلياتها العملية من منظور اللسانيات العصبية‬

‫ألاستاذة‪ :‬أمال كعواش‬


‫جامعة ألامير عبد القادر‪ -‬قسنطينة‬
‫‪kaouache78.amel@gmail.com‬‬

‫تاريخ الوصول ‪ 1059/03/51:‬القبول‪ 1059/00/ 51:‬النشر على الخط‪...............................................:‬‬


‫……‪…...................……l Published online :………....….....…………l Accepted :………..............Received :‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ‬

‫امللخص ‪:‬‬

‫انشغلت العديد من الدراسات العلمية في آلاونة ألاخيرة بما يميز إلانسان عن باقي الكائنات‬
‫الحية‪ ،‬والتي أجمعت على أن لإلنسان قدرة مكنونة في دماغه تمكنه من الكالم‪ ،‬وبتنشيط هذه‬
‫القدرة‪ ،‬تبدأ عملية توليد العالمات اللغوية داخل املخ‪ ،‬وتحدث عملية التواصل‪ .‬وال تزال العديد‬
‫من ألابحاث ال سيما العلمية منها ولحد الساعة تحاول الوقوف عند الحقيقة الفيسيولوجية لهذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬وتعمل جاهدة ملعرفة أهم امليكانيزمات العملية التي تتم بها عمليات فهم وإنتاج‬
‫واكتساب اللغة في دماغ إلانسان‪ .‬جاءت الحاجة ملحة في هذه الدراسة إلى محاولة الوقوف عند‬
‫بعض النتائج التي توصل إليها العلماء شرحا وتفسيرا ملا لها من أهمية تعود على الدراسات اللسانية‬
‫على وجه الخصوص‪ ،‬فمن خاللها يمكن تفسير العديد من القضايا التي أشكلت على كثير من‬
‫اللغويين‪ ،‬والفصل فيما اختلفوا فيه‪ .‬بل أكثر من ذلك يمكن لتلك النتائج أن تساعد في معالجة‬
‫العديد من ألامراض اللغوية والنطقية والتي استعصيت حتى على ألاطباء‪ ،‬وبالتالي يمكن أن تفتح‬
‫آفاقا جديدة للبحث والتقص ي وحتى العالج‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬اللسانيات العصبية – علم النفس العصبي ‪ -‬اللغة ‪ -‬التعلم – الدماغ‬

‫‪76‬‬
ISSN: 1112-4628 ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
1212 : ‫السنة‬ 12 ‫عدد‬ 21 : ‫مجلد‬

.‫ املعالجة الدماغية للغة‬- ‫إلانساني – فيسيولوجية اللغة‬

Abstract:

Recently various scientific studies have been preoccupied with what distinguishes
man from the remaining living beings; those have agreed that man has enabling capacity
in his brain allowed
him to speak, and through activating this capacity started the generating process of
the linguistic tags inside the brain and then the communication process occurred. Till
now, much researches principally scientific ones are trying to stand up to the
physiological truth of this phenomenon and are working hardly to know the most
eminent practical mechanisms by which the processes of comprehending, producing
and acquiring of the language in the man’s brain are accomplished. The urgent need
arose in this study in trying to stand up of the scientists’ findings in explaining and
interpreting because of their importance particularly comes back on the linguistic studies;
through which many of the cases can be cured that have hardened on lot of linguists and
remove in what they differed. Yet; moreover these findings can help in healing numerous
of the linguistic and acoustic diseases that have even been stumbled on the doctors, and
therefore; it can open up new horizons for research, investigation and even for the cure.

The Keywords: The Neurologist Linguistics – the Language –The Learning – The
Humanitarian Brain–The Brain Processing of the Language

76
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫مقدمة‬

‫كثيرة هي الدراسات وألابحاث العلمية التي انشغلت بما يميز إلانسان عن باقي الكائنات‬
‫والتي أجمعت على أن إلانسان كائن حي ناطق‪ ،‬ناطق بمجموعة من الرموز املختلفة التي‬ ‫الحية‪،‬‬
‫تشير إلى أفكار يتواصل بها مع غيره من بني قومه‪ .‬وقد أثبتت العديد من النظريات اللغوية‬
‫والتجارب العلمية أن لإلنسان قدرة مكنونة في دماغه تمكنه من الكالم‪ ،‬وبتنشيط واستثارة هذه‬
‫القدرة‪ ،‬تبدأ عملية توليد العالمات اللغوية داخل املخ‪ ،‬فتنتج عن ذلك اللغة‪ ،‬وتبدأ عملية‬
‫التواصل‪ .‬ويشترط لنجاح هذه العملية أن يكون الفرد ضمن مجموعة لغوية ما‪ .‬وعليه استقر‬
‫الرأي على أن‪ :‬اللغة إلانسانية مكتسبة وليست غريزية‪ ،‬وهذا بعد تأرجح طويل ولعصور متعددة‬
‫بين أخذ ورد‪.‬‬

‫وال تزال العديد من ألابحاث ال سيما العلمية منها ولحد اليوم تحاول الوقوف عند حقيقة‬
‫الظاهرة اللغوية ليس من الناحية الصوتية والصرفية والتركيبية والداللية فقط‪ ،‬بل تتعدى ذلك‬
‫إلى رؤية حديثة وطرح جديد‪ ،‬فاللغة عندها باإلضافة إلى أنها وسيلة لتواصل الفرد مع غيره فهي‬
‫ومتآزر للعديد من املناطق املتخصصة في املخ »‪ 1،‬وعليه تعمل هذه‬ ‫« نتاج عقلي معقد‬
‫ألابحاث جاهدة ملعرفة أهم امليكانيزمات العملية التي تتم بها عمليات فهم‪ ،‬وإنتاج‪ ،‬واكتساب‬
‫اللغة في دماغ إلانسان‪ .‬ويعد هذا النوع من ألابحاث العلمية املعاصرة محطة اهتمام فرع جديد‬
‫من فروع اللسانيات املعاصرة والذي يعرف بـ‪ :‬اللسانيات العصبية‪.‬‬

‫تعد اللسانيات العصبية من املداخل اللسانية الحديثة التي تقوم أساسا على التجريب‬
‫كنهج أساس ي في تحليلها للظاهرة اللغوية‪ ،‬معتمدة في ذلك على نتائج عدة علوم‪ ،‬تأتي في مقدمتها‬

‫‪ 1‬سامي عبد القوى‪ ،‬علم النفس العصبي ألاسس وطرق التقييم‪ ( .‬مكتبة ألانجلو املصرية ‪ :‬القاهرة )‪ .‬ط‪.1 :‬‬
‫‪1055‬م‪ .‬ص‪.101 :‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫كال من علمي ألاعصاب‪ ،‬وعلم النفس املعرفي‪.‬‬

‫انطالقا من هذا الطرح‪ ،‬تعد النتائج التي يمكن أن تصل إليها اللسانيات العصبية ذات‬
‫أهمية كبيرة بالنسبة للدراسات الطبيعية عامة واللغوية على وجه الخصوص‪ ،‬فمن خاللها يمكن‬
‫تفسير العديد من القضايا التي أشكلت على كثير من اللغويين‪ ،‬وكذا الفصل في املسائل الصوتية‬
‫والتركيبية وحتى الداللية التي اختلف حولها الدارسون زمنا طويال‪ ،‬بل يمكن لنتائجها أن تساعد‬
‫في معالجة العديد من ألامراض اللغوية والنطقية والتي استعصيت حتى على ألاطباء‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫أن تفتح آفاقا جديدة للبحث والتقص ي وحتى العالج‪.‬‬

‫و نظرا ملدى أهمية هذا النوع من العلوم سواء على املجال النظري أو التطبيقي‪ ،‬تهدف‬
‫هذه الدراسة إلى الوقوف بالشرح والتفصيل عند أهم مسألة من مسائل اللسانيات العصبية التي‬
‫أجري وال يزال يقام عليها العديد من التجارب امليدانية‪ ،‬وهي محل اهتمام أهل الاختصاص من‬
‫أطباء ألاعصاب أو املختصين في علم النفس املعرفي‪ ،‬ونقصد بذلك مسألة‪ :‬كيفية إنتاج اللغة في‬
‫الدماغ‪.‬‬

‫و حتى تتمكن هذه الدراسة من تحقيق هدفها‪ ،‬ال بد من محاولة إلاجابة على عدة تساؤالت‪:‬‬

‫‪ -‬مفهوم اللسانيات العصبية‪.‬‬


‫‪ -‬كيف يمكن للدماغ إلانساني من التعلم‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي أهم املناطق املخية املسئولة عن تعلم اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي أهم آلاليات الدماغية والعصبية لعمليات إلارسال والاستقبال اللغوي‪.‬‬

‫أال‪ :‬اللسانيات العصبية (‪ ،)Neurolinguistique‬املفهوم واملجاالت‬

‫أ‪ -‬مفهوم اللسانيات العصبية‬


‫يعتبر مصطلح اللسانيات العصبية من املصطلحات التي أطلقت على نوع جديد من‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫الدراسات اللغوية‪ ،‬والذي كثرت تعريفاته وتنوعت بتنوع آراء أصحابها‪ ،‬وإن كانت ال تخرج في‬
‫مجملها بأنها ذلك العلم الذي يبحث في العالقة بين الجهاز العصبي واللغة‪ 1.‬ومن بين أهم‬
‫« فرع من اللغويات يتعامل مع ترميز املقدرة اللغوية في الدماغ‬ ‫تعريفاتها نجد من يعرفها بأنها‪:‬‬
‫»‪ 2،‬فعلم اللسانيات العصبية يدرس عملية الترميز التي تحدث في الدماغ كقدرة لغوية كامنة في‬
‫دماغ إلانسان؛ تحدث أثناء الكالم‪ .‬فهو علم يهتم بجانب إنتاج اللغة وصنعها في الدماغ‪ ،‬ومعرفة‬
‫‪3‬‬
‫كيف يتم ذلك‪.‬‬

‫وهناك من أضاف إلى هذا التعريف؛ أن اللسانيات العصبية تتناول عالقة الدماغ باللغة‪،‬‬
‫على أسس نفسية عصبية‪ ،‬لبيان طبيعة العالقة بين الجسد والروح؛ أي بين املادي واملعنوي‪،‬‬
‫فالدماغ وبفضل العلوم الحديثة أصبح خاضعا للتصوير والتحليل؛ فظهرت العمليات اللغوية أثناء‬
‫‪4‬‬
‫حدوثها في الدماغ؛ فأصبحت اللغة شيئا ماديا محسوسا‪ ،‬وظلت الروح سرا مخفيا‪.‬‬

‫واملالحظ على هذه التعريفات وغيرها كثير‪ ،‬أنها في مجملها تتفق على أن اللسانيات العصبية‬
‫تبحث في دراسة العالقة الكائنة بين اللغة والدماغ‪ ،‬وما هي طبيعة هذه العالقة‪ ،‬وكيفية حدوث‬
‫اللغة في هذا ألاخير‪.‬‬

‫أما عن البدايات ألاولى لهذا العلم‪ ،‬فالكثير من املراجع تؤرخ لبوادر ظهوره مع الحضارات‬
‫القديمة‪ ،‬وبالتحديد مع قدماء املصريين‪ ،‬فهم أول من الحظوا أثر إلاصابة الدماغية على الكالم‪،‬‬
‫ودونوها على بردياتهم‪ 5 ،‬وهذا خالف ما ذهب إليه "أرسطو" في القرن الرابع قبل امليالد‪ ،‬إذ يرى أن‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية )‪( .‬ألاكاديمية‬
‫الجديدة للكتاب الجامعي)‪ .‬دط‪1059 .‬م‪ .‬ص‪.511 :‬‬
‫‪ 2‬روث ليسر‪ ،‬اللغويات – العصبية ‪ .‬موقع‪ www.pdffactory.com :‬ص‪.115 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية )‪ .‬ص‪،513 :‬‬
‫‪.511‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية )‪ .‬ص‪-510 :‬‬
‫‪.511‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫الدماغ لم يكن مفيدا إال في عملية تبريد الدم‪ ،‬أما ألافكار والانفعاالت فتحكمها قوة غير مادية وهي‬
‫النفس‪ 1.‬ساد هذا املفهوم املجتمع الغربي إلى غاية العصور الوسطى‪ ،‬عند مجيء الطبيب "توماس‬
‫ويليس" (‪5201-5215‬م)‪ ،‬و الذي حاول وصف املوقع الدقيق للغة‪ ،‬وحدده آنذاك في حافة ( املخ )‪.‬‬
‫ليوسع "إيمانويل شفدنبورج" (‪5001 -5255‬م ) من بعده أبحاث "ويليس"‪ ،‬لتأكدها ألابحاث‬
‫العلمية التي جاءت فيما بعد تدريجيا‪ .‬وفي القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة ‪5521‬م‪ ،‬الحظ أحد‬
‫أطباء ألاعصاب الطبيب الفرنس ي "بول بروكا" ‪5550 -5511 (Poul Broca‬م )‪ ،‬بالصدفة مدى تأثير‬
‫إصابة أحد مرضاه في دماغه على مجرى كالمه‪ ،‬حيث استنتج فيما بعد‪ ،‬وبعد قيامه بالعمليات‬
‫التشريحية أن منطقة معينة في سطح النصف ألايسر من كرة املخ مسئولة عن اللغة‪ -‬والتي‬
‫أصبحت فيما بعد تعرف باسمه (منطقة بروكا)‪ 2-‬ويعد ما جاء في مقال شهير له نشره تحت‬
‫عنوان‪ :‬مالحظات حول موقع ملكة اللغة املنطوقة باإلضافة إلى مالحظات تتعلق بفقدان النطق‬
‫‪3‬‬
‫‪ ...‬يعد هذا املقال بداية نشأة اللسانيات العصبية‪ ،‬وإن لم تصبح التسمية رسمية بعد‪.‬‬

‫كان هذا املقال منطلق البحث حول العالقة بين اللغة والدماغ‪ ،‬حيث توجه العديد من‬
‫الباحثين بعد تخليهم عن البحث السلوكي الذي كان معموال به آنذاك‪ ،‬إلى الاهتمام باألبحاث‬
‫العصبية وعالقتها باالضطرابات اللغوية‪ ،‬انطالقا من عمليات سريرية تقوم على تشريح مناطق من‬
‫الدماغ‪ ،‬وبالتالي الخروج بالدراسات من مجرد مالحظات وافتراضات‪ ،‬والولوج بها إلى عالم‬
‫املالحظات الفعلية عن طريق التصوير الفعلي ملا يحدث داخل املخ‪ ،‬وبالتالي تحديد مواضع إنتاج‬
‫‪4‬‬
‫وإدراك مكونات اللغة املختلفة في الدماغ‪.‬‬

‫و من النتائج ألاولى واملهمة التي توصلت إليها الدراسات املكثفة حول كيفية عمل آليات‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ترجمة‪ :‬زينا دهيبي‪ ( .‬مكتبة امللك فهد الوطنية ‪ :‬الرياض )‪ .‬ط‪1051 .5 :‬م‪.‬‬
‫ص‪.05 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية )‪ .‬ص‪.511-510 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية )‪ .‬ص‪:‬‬
‫‪.511-510‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.510 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫اللغة في الدماغ‪ ،‬اكتشاف ركائز عصبية غير التي اكتشفها من قبل "بروكا"‪ ،‬واملتعلقة باالضطرابات‬
‫اللغوية غير اللغة الشفوية‪ ،‬ونقصد بها مراكز (الكتابة)‪ ،‬ففي عام ‪5520‬م نشر "وليم أوغل"‬
‫‪William Ogle‬حالة عرض من خاللها استقالل مركز الكتابة في املخ عن مركز ( بروكا ) للغة‬
‫الشفوية‪ .‬ثم توالت ألابحاث ليكتشف "كارل فيرنيكه" ‪5901 – 5515 ( Carl Wenicke‬م ) العالم‬
‫ألاملاني عام ‪5501‬م مركز اللغة السمعي‪ ،‬والذي حدده في منطقة ( الفص الصدغي ) من نصف‬
‫الكرة اليسرى من الدماغ‪ ،‬والذي حددها بأنها املنطقة املرتبطة بـ ( استيعاب الكالم )‪ ،‬مقارنة‬
‫بمنطقة ( بروكا ) املتواجدة في ( الفص الجبهي) من نفس جهة الفص الصدغي‪ ،‬والتي تمثل مركز (‬
‫النطق التعبيري )‪ .‬وفي عام ‪5591‬م‪ ،‬تم تحديد املناطق املسؤولة عن القراءة من طرف عالم‬
‫‪1‬‬
‫ألاعصاب الفرنس ي "جوزيف ديجيرين" ‪.Joseph Degerine‬‬

‫و هكذا توالت الاكتشافات الواحدة تلوى ألاخرى‪ ،‬ومع مرور الزمن لم تعد هذه ألابحاث‬
‫مجال اهتمام علماء ألاعصاب فقط‪ ،‬فقد شاركهم في ذلك علماء النفس واللسانيات‪ ،‬حيث يؤكد‬
‫"نعوم تشومسكي "‪5915 (Noam Chomsky‬م )‪ ،‬عالم اللغة ألامريكي‪ ،‬على الاستعداد الفطري‬
‫الكتساب اللغة‪ ،‬وأن هناك جزءا في الدماغ‪ ،‬وظيفته اكتساب اللغة يسمى ( جهاز اكتساب اللغة )‬
‫(‪ ،Language Acquisition Devise )LAD‬هذا ما يسمح بإمكانية تحليل كافة اللغات البشرية بما‬
‫فيها اللغات الشديدة التباين كاالنجليزية واليابانية مثال على أنها متماثلة أصال؛ ومعنى هذا عند‬
‫"تشومسكي" بأن هذه القواعد العاملية – القاعدة ألاولى للبشر‪ -‬هي معينة سبقا في الدماغ بشكل‬
‫وراثي‪ 2.‬ولعل الحجة املقدمة إلثبات هذه النظرية أن ألاطفال ذوي املنشأ الاجتماعي املختلف‪،‬‬
‫والثقافات املتباينة يقتربون من تعلم اللغة في نفس ألاعمار تقريبا متبعين نفس املراحل ويكتسبونها‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ترجمة‪ :‬محمد زياد يحيى‬
‫بركة‪( .‬النشر العلمي واملطابع‪ ،‬جامعة امللك سعود ‪ :‬الرياض)‪ .‬دط‪1050 .‬م‪ ،‬ص‪.09 ،05 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬نعوم تشومسكي‪ ،‬آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل‪ .‬ترجمة عدنان حسن‪ ( .‬دار الحوار ‪ :‬سوريا )‪.‬‬
‫ط‪1009 .5 :‬م‪ .‬ص‪.32 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪1‬‬
‫دون الحاجة إلى تدريب خاص مثلها مثل تعلم املش ي‪.‬‬

‫وانطالقا مما ذهب إليه "تشومسكي" ونتيجة ملا جاءت به املنهجية الجديدة في التعامل مع‬
‫الظاهرة اللغوية وربطها بالدماغ‪ ،‬عكف العديد من اللسانيين والعلماء املتخصصين في العلوم‬
‫ونتائج علم ألاعصاب‪ ،‬للتأكد من مدى مصداقية نماذجهم النظرية التي‬ ‫املعرفية على أبحاث‬
‫تقدموا بها‪ .‬ومهما جاءت به هذه النماذج النظرية املقامة على نتائج علم ألاعصاب‪ ،‬تبقى ولحد‬
‫‪2‬‬
‫اللحظة مجرد افتراضات وإن قاربت كثيرا الواقع‪.‬‬

‫مجال وأهمية اللسانيات العصبية‬ ‫ب‪-‬‬

‫تبحث اللسانيات العصبية العالقة الكائنة بين كل من اللغة والدماغ‪ ،‬وكل التفاعالت التي‬
‫تحدث بينهما‪ ،‬وكيفية إنتاج اللغات‪ .‬وعليه‪ ،‬فمن بين أهم املوضوعات التي تهتم بها ألابحاث‬
‫اللسانية العصبية نجد‪:‬‬

‫‪ -‬القضايا ألاساسية املشتركة بين العنصرين ألاساسيين اللغة والدماغ‪.‬‬


‫‪ -‬دراسة الجهاز العصبي‪ ،‬وربط الوظيفة العصبية بالسلوك اللغوي من خالل معرفة كل‬
‫‪3‬‬
‫العمليات وامليكنيزمات العقلية التي تحدث قبل وأثناء وبعد إنتاج اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة السلوك اللغوي من حيث عملية فهم اللغة وإنتاجها‪ ،‬وكيفية تحول هذه‬
‫‪4‬‬
‫ألاخيرة من أفكار صامتة إلى واقع منطوق مفهوم‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة دور اللغة في التفاعل الحاصل بين عمليتي التفكير والكالم‪ ،‬وأهم امليكانيزمات‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬تشارلز فيرست‪ .‬الدماغ والفكر‪ .‬ترجمة‪ :‬محمود سيد رصاص‪ ( .‬دار املعرفة ‪ :‬سوريا )‪ .‬ط‪5950 .5:‬م‪.‬‬
‫ص‪.515 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪.515 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.521 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.521 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪1‬‬
‫الدماغية التي تتحكم في ذلك‪.‬‬

‫و تهدف هذه املباحث إلى‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬توحيد نتائج البحث اللغوي مع املقاربات البحثية ألاخرى لخصائص الدماغ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الاهتمام بالطرق البيولوجية التي من خاللها تستعمل اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬وضع نموذج عقلي خاص باللغة فيما يشبه خريطة بنائية ُّ‬
‫لتكون اللغة داخل املخ‬
‫البشري‪ ،‬تماما مثل الشريط الجيني الوراثي ‪ ،DNA‬والاستفادة منه فيما بعد في عدة‬
‫‪4‬‬
‫مجاالت‪ ،‬لغوية‪ ،‬نفسية‪ ،‬قانونية‪ ،‬تعليمية ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫إن البحث في هذا النوع من املواضيع‪ ،‬ال شك في أنه سيعود بفائدة كبيرة على ميدان‬
‫الدراسات اللغوية‪ ،‬فالفهم الفيسيولوجي‪ ،‬والبيولوجي العصبي للغة إلانسانية آلان‪ ،‬قد يحل كثيرا من‬
‫مشاكل لغوية دامت زمنا طويال‪ ،‬فمثال في اللغة العربية‪ ،‬حاول العديد من العلماء ربط العديد من‬
‫قضاياها باملنطق أحيانا‪ ،‬والحدس والفلسفة ألارسطية اليونانية أحيانا أخرى؛ فمواضيع من مثل‬
‫مشاكل التعدية‪ ،‬واللزوم‪ ،‬واملوازين‪ ،‬وإلاعالل ‪ ...‬إلخ‪ ،‬كلها قضايا بحثها الذهن العربي بمعزل عن‬
‫أصول اللغة والفكر داخل الدماغ‪ ،‬فكان الحدس والتوقع أساس الاستنباط‪ ،‬وكانت املقارنة مع اللغات‬
‫ألاخرى محاولة لتقرير القاعدة النحوية‪ ،‬لكن ألامر آلان مختلف تماما؛ حيث إن اللسانيين يدخلون‬
‫ويتناولون الجمل التي يشوبها استفهام حول بنائها‬ ‫غرفة العمليات في جراحات املخ وألاعصاب‪،‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية‪ .‬ص‪.521 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬نعوم تشومسكي‪ ،‬آفاق جديدة في دراسة اللغة والعقل‪ .‬ص‪.19 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.19 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬عبد الرحمان محمد طعمه‪ ،‬التطور اللغوي من منظور اللسانيات العصبية ‪:‬قراءة بينية معاصرة‬
‫لبعض القضاياألاولية‪ .‬دورية رسالة املشرق‪ .‬مركز الدراسات الشرقية ‪ .‬جامعة القاهرة‪ .‬املجلد‪.30 :‬‬
‫‪1051‬م‪ .‬ص‪.151 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪1‬‬
‫وتكوينها التركيبي‪ ،‬ويتابعون النتائج كهربائيا وفيزيائيا وكيميائيا‪.‬‬

‫كما أن لدراسة اللغة في عالقتها بالدماغ إلانساني ومختلف نتائج التصوير الدماغي قد‬
‫وبشكل كبير في تحسين وسائل وطرق التعليم‪ ،‬خاصة عند ألاطفال‪ ،‬وفي مراحل نموهم‬ ‫تساهم‬
‫املختلفة‪ ،‬وذلك من خالل محاولة تفعيل أكبر قدر ممكن من النشاط العقلي لدى الطفل‪ ،‬حتى‬
‫وعلى مختلف مناحي حياته‪ .‬وعليه فإن إبداع طرق تعليمية حديثة‬ ‫ينعكس ذلك على تعلمه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫يعتمد بشكل كبير على ما توصلت إليه نتائج أبحاث الدماغ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدماغ والتعلم إلانساني‬

‫يقوم ميدان العلوم العصبية على الدراسات املرتبطة بالجهاز العصبي‪ ،‬بينما تهتم العلوم‬
‫املعرفية بكل الوظائف العليا للجهاز العصبي‪ ،‬ونقصد بذلك‪ :‬الذاكرة‪ ،‬وإلادراك‪ ،‬واللغة‪ ،‬والتعلم‬
‫وفي آلاونة ألاخيرة ونتيجة للتطور العلمي وما عرفته العديد من العلوم من تداخل‬ ‫‪ ...‬إلخ‪ ،‬إال أنه‬
‫في ميادينها‪ ،‬ظهر ما يعرف اليوم بـ ( علم النفس العصبي ) أو ( العلوم العصبية املعرفية )‪ ،‬وهو‬
‫من العلوم البينية يجمع بين العلوم العصبية وعلم النفس املعرفي‪ ،‬وتفسيراتهما املتعلقة بالوظائف‬
‫الذهنية العليا لدماغ إلانسان‪ .‬وبالرغم من الثورة املعلوماتية والتطور التقني والتكنولوجي الذي‬
‫يعرفه العالم اليوم‪ ،‬إال أنه ال تزال العالقة التي تربط بين كل من الدماغ ومختلف الوظائف‬
‫الذهنية للجهاز العصبي ( الذاكرة وإلادراك واللغة والتعلم ‪ ) ....‬محدودة نسبيا إن لم نقل بندرتها‬
‫في بعض القضايا‪ .‬ويعد التعلم من أصعب الوظائف املعقدة للدماغ خاصة عند إلانسان‪.‬‬

‫و إذا ما أردنا الوقوف عند مفهوم ( التعلم )‪ ،‬بعيدا عن الخطابات والتعريفات التعليمية‬
‫كما هو شائع‪ ،‬فالتعلم هو قدرة فطرية جينية بأدمغة كل البشر‪ ،‬يتوارثونها جيال بعد جيل‪ ،‬ويقصد‬

‫‪ 1‬عبد الرحمان محمد طعمه‪ ،‬التطور اللغوي من منظور اللسانيات العصبية ‪:‬قراءة بينية معاصرة لبعض‬
‫القضايا ألاولية‪ .‬دورية رسالة املشرق‪ .‬مركز الدراسات الشرقية ‪ .‬جامعة القاهرة‪ .‬املجلد‪1051 .30 :‬م‪.‬‬
‫ص‪.153 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬بوعافية خالد‪ ،‬العلوم العصبية املعرفية والتربية‪ ،‬روابط مشتركة واهتمامات مستجدة‪ .‬مجلة‬
‫دراسات نفسية وتربوية‪ .‬ورقلة‪ .‬املجلد‪ .09 :‬العدد‪1052 .05 :‬م‪ .‬ص‪.513 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫به‪ « :‬العملية الفيسونفسية التي يتم من خاللها تطوير معرفة جديدة بزيادة كمية البناء الادراكي‬
‫»‪ 1،‬واملقصود باإلدراك هو إلاحساس بالش يء وفهمه‪ ،‬وإلاحساس يتم عن طريق الحواس الخمس‬
‫‪2‬‬
‫والفهم يتم عن طريق الربط بين ما نحس به وما تم تخزينه بالدماغ من معارف سابقة‪.‬‬

‫الثابت وما استقرت عليه العديد من ألابحاث العلمية خاصة بعد تطور الدراسات‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬إلى أن نمو الدماغ‪ ،‬والتعلم‪ ،‬وجهان لعملية واحدة‪ ،‬فالنماء‬ ‫البيولوجية‪،‬‬
‫البيولوجي والفسيولوجي للدماغ‪ ،‬يتم من خالل التعلم‪ ،‬والتعلم يتم من خالل النضج البيولوجي‬
‫‪3‬‬
‫والفسيولوجي للدماغ‪.‬‬

‫‪ ‬ميكانيزمات التعلم في الدماغ‬

‫إن التطورات املعاصرة وما صاحبها من تقدم في علوم الحاسب آلالي‪ ،‬واستخداماتها الحديثة‬
‫في رصد التغيرات العصبية‪ ،‬و تطور نمو الجهاز العصبي املركزي‪ ،‬أتاحت للعديد من الدراسات‬
‫البحثية إمكانية تصوير ورصد ميكانيزمات أو آليات النشاط العقلي املعرفي وظيفيا إلى حد كبير‪ .‬حيث‬
‫‪4‬‬
‫اعتمدت هذه الدراسات على مجموعة من ألاسس أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬تصوير املواد أو إلافرازات العصبية التي تقف خلف الاكتسابات ( التعلم )‪.‬‬
‫‪ -‬فحص وتحليل الاستثارات املنتجة لهذه التغيرات الفسيولوجية ( إلافرازات العصبية )‪.‬‬
‫‪ -‬اكتشاف ألاسباب املنشأة لهذه التغيرات أو التطورات النمائية والنتائج املترتبة عن‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪( .‬دار التربية الحديثة ‪ :‬ألاردن)‪ .‬دط‪5952 .‬م‪ .‬ص‪.30 ،32 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ركزة سميرة‪ ،‬الاسس العصبية للمعرفة‪ .‬مجلة البحوث التربوية والتعليمية‪ .‬املدرسة العليا لألساتذة‬
‫بوزريعة‪.‬املجلد‪ .02 :‬العدد‪1050 .55 :‬م‪ .‬ص‪.592 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.590 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫و على الرغم من ارتكاز هذه ألاسس على النشاط العصبي العقلي‪ ،‬إال أنه ال يعني بالضرورة‬
‫قدرة هذه ألابحاث على التحليل والتفسير التام للعالقة الكائنة بين املخ والتعلم‪ ،‬وذلك لشدة‬
‫تعقيد الجهاز العصبي‪ ،‬والعملية املعرفية ككل‪ .‬إال أنه توجد بعض املحاوالت التفسيرية لكيفية‬
‫تعلم الدماغ‪ ،‬وبالتالي اكتساب مختلف املعارف وإلادراكات التي تتجلى عادة بوضوح من خالل‬
‫سلوك الفرد‪.‬‬

‫من بين املحاوالت التفسيرية لعملية تعلم الدماغ‪ ،‬تلك التي ترى أن التعلم كمفهوم‬
‫فيسيونفس ي يحدث داخل الدماغ‪ ،‬بما يمتلكه هذا ألاخير من خاليا‪ ،‬ومناطق خلوية‪ ،‬فإن الخاليا‬
‫الدماغية تتصل معا بمادة حيوية هي السياالت العصبية‪ ،‬وتبدأ « الرسالة املثيرة للسياالت‬
‫العصبية عادة من مصدرين‪ :‬البيئة الخارجية‪ ،‬حيث تصل منبهاتها لواحدة أو أكثر من الحواس‬
‫الخمس‪ ،‬فتقوم خاليا الحاسة املعنية باستقبالها‪ ،‬ثم معالجتها ونقلها على شكل رسائل كيموكهربية‬
‫لخاليا الدماغ املختصة‪ .‬أو تبدأ من داخل الجسم بأعضائه املختلفة بما فيها الدماغ‪ ،‬حيث تبعث‬
‫‪1‬‬ ‫ُ‬
‫الخاليا الداخلية املستقبلة برسائلها العصبية مرة أخرى للدماغ ليقرر الاستجابة املناسبة »‪.‬‬

‫و تؤكد نتائج الدراسات العصبية املعاصرة‪ ،‬أن الدماغ يستقبل املنبهات سواء الخارجية أو‬
‫الناتجة من جسم إلانسان على شكل طاقة مشعة؛ أي أنها تصل على شكل دفعات أو موجات‬
‫ُمتغيرة القوة‪ ،‬فتستقبلها الخاليا املسؤولة وتقوم بالتقاطها‪ .‬وتؤكد نفس الدراسات أن التغيرات في‬
‫كمية موجات الطاقة الناجمة عن املنبهات هي التي تمكن الخاليا العصبية من التفرقة بين منبه‬
‫وآخر‪ ،‬وإال ملا استطاع الدماغ التفرقة بين املنبهات التي نحس بها‪ ،‬ولكانت إدراكاتنا متجانسة أو على‬
‫وتيرة واحدة‪ 2.‬فالزهرة التي نراها مثال هي عبارة عن تغير طول موجات الطاقة ألشعتها املنعكسة على‬
‫العين‪ ،‬أما ألاصوات التي نسمعها فهي موجات متغيرة في ضغط الهواء الوارد لألذن‪ ،‬و شعورنا‬
‫بالجوع مثال ينتج عن التغيرات التي تحدث في مقادير الكلوكوز بالدم وهكذا‪ ،‬فعقل إلانسان يدرك‬

‫‪ 1‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتها ووظائفها وعالقاتها‪.‬‬
‫ص‪.30 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.35 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫نوعية هذه املنبهات من خالل اختالف دفعات أو قوة املوجات التي تصل إليه؛ أي أن املنبهات وما‬
‫‪1‬‬
‫تحدثه في الخاليا من رسائل عصبية هي أساس تعلم الدماغ ومعرفته لألشياء‪.‬‬

‫و املالحظ على هذه املنبهات ‪ -‬التي هي بمثابة معلومات يتعلمها الدماغ ‪ -‬أنها كلما تكررت‬
‫كلما أدت إلى تغيير في فيسيولوجية الخاليا الدماغية؛ حيث أثبتت البحوث أن هذه ألاخيرة جراء‬
‫تكرار املنبهات ينمو لها فروع إضافية وتتشابك مع الخاليا العصبية ألاخرى ذات الصلة‪ ،‬وكلما‬
‫تكررت نفس التنبيهات أكثر كلما تكاثفت تشابكات الخاليا العصبية أكثر‪ ،‬وزادت ارتباطاتها فيما‬
‫بينها‪ ،‬وبالتالي زاد توطد املعلومة بالدماغ أكثر‪ .‬وتشير نفس البحوث إلى أن الخلية العصبية الواحدة‬
‫( ‪ )50000‬خلية أخرى من خالل الوصالت العصبية‪ ،‬ألامر الذي جعل‬ ‫بإمكانها أن ترتبط بـ‬
‫العلماء ومن بينهم عالم ألاحياء ألامريكي "جيرالد إدملان"‪1051 -5919 ( Grald Edelman‬م )‪ ،‬رئيس‬
‫وحدة ألاعصاب الحيوية والحاصل على جائزة نوبل سنة ‪5901‬م‪ ،‬يصف الدماغ بمثابة ( غابة )‬
‫‪2‬‬
‫تتفاعل فيها ألانظمة بشكل منتظم‪.‬‬

‫كما توصل العلماء إلى اكتشاف ظاهرة جد مهمة‪ ،‬تسرع في عملية تعلم الدماغ وتسهل‬
‫عليه عمليات الفهم والتخزين أكثر‪ ،‬وتعرف عندهم بـ ( مرونة الدماغ )؛ إذ ا توصلوا إلى أن للدماغ‬
‫إلانساني القدرة على تغيير ثالثة أرباعه‪ ،‬وذلك من خالل تشكيل اتصاالت عصبية جديدة كلما‬
‫تتكرر وتصله نفس املنبهات الخارجية‪ ،‬ومن ثم تحدث عملية التعلم بأريحية تامة؛ أي أن ( التعلم )‬
‫هو عملية تغيير في فيسيولوجية الخاليا العصبية الدماغية املرنة‪ 3.‬إذن فالتعلم كقدرة فطرية لدى‬
‫البشر‪ ،‬هي ألاساس للتغير الدائم واملستمر لبناء الجهاز العصبي للمخ ووظائفه؛ مما ُي َمكن الفرد من‬
‫اكتساب كل املهارات ومن بينها مهارة اللغة‪ 4،‬ولهذا ُينصح املنشغلين بمجال تعليمية اللغات‪،‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ ،‬ختاش محمد‪ ،‬نظرية التعلم املتناغم وتوظيفاتها في التعلم والتعلم الجامعي‪ .‬مجلة الحقوق‬
‫والعلوم إلانسانية‪ ،‬املجلد الثاني‪ .‬العدد‪ 1 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ ،‬ختاش محمد‪ ،‬نظرية التعلم املتناغم وتوظيفاتها في التعلم والتعلم الجامعي‪ .‬مجلة الحقوق‬
‫والعلوم إلانسانية‪ ،‬املجلد الثاني‪ .‬العدد‪ 1 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪.‬ص‪.111 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪1‬‬
‫استغالل هذه املرونة وتسخيرها في إعادة تدريب الدماغ لتسهيل عملية التعلم أكثر‪.‬‬

‫انطالقا من هذا الطرح‪ ،‬واستنادا إلى نتائج أبحاث بيولوجية أخرى‪ ،‬توصل علماء ألاعصاب‬
‫مؤخرا إلى نتيجة جد مهمة‪ ،‬استفادت منها مختلف العلوم والعلوم اللسانية على وجه التحديد‪،‬‬
‫حيث أكدت هذه ألابحاث أن هناك خصائص إنسانية تورث أكثر من ألاخرى؛ ويقصد بها ميزات‬
‫الشعر‪ ،‬والبشرة‪ ،‬والعينين‪ ،‬والبنية الجسمية العامة‪ ،‬والقابلية للتعرض ملرض من ألامراض‪ ،‬إال أنه‬
‫وفي املقابل هناك أيضا خصائص مكتسبة ترجع بدرجة رئيسية للبيئة املحيطة‪ ،‬والخبرات املختلفة‬
‫التي توفرها للفرد‪ ،‬ومن بين أهم هذه املكتسبات نجد ( التعلم )‪ ،‬تعلم كل الخبرات التي تحيط‬
‫بالدماغ من الوسط الخارجي‪ ،‬وتأتي اللغة أول تلك املكتسبات التي يكتسبها إلانسان من ذلك‬
‫الوسط‪ 2.‬فدماغ إلانسان بمقدرته تعلم أصوات لغة ما‪ ،‬حيث يقوم بتخزين كل ما تعلمه من‬
‫أصوات في ما يعرف بـ ( التشابكات العصبية املخية )؛ مميزا بين أصوات ألفاظ الكالم‪ ،‬وأصوات‬
‫ألاشخاص‪ ،‬فيفرق بين صوت شخص ما‪ ،‬وصوت شخص آخر‪ ،‬أو التفرقة بين مختلف ألاصوات‬
‫‪3‬‬
‫بناء على مخزونه الذي اكتسبه عن طريق التعلم‪.‬‬

‫فهذه الدراسات تؤكد مرونة الدماغ وقدرته الفريدة من نوعها على التكيف والتغير والنمو‬
‫باستمرار فكلما أحيط بالعديد من املنبهات واملكتسبات اللغوية الخارجية مثال‪ ،‬زادت قدرته على‬
‫اكتسابها أكثر‪ ،‬والعكس صحيح؛ فإذا قلت استخداماته اللغوية قل تطوره وضعف نموه اللغوي‪.‬‬
‫فاكتساب اللغة متوقفة على مدى درجة تعلم الدماغ لتلك اللغة‪ .‬و النتيجة التي يمكن الخروج بها‬
‫أن ( التعلم ) قدرة فطرية‪ ،‬و( اكتساب اللغة ) عملية تعليمية‪ .‬و عليه وبناءا على النتائج العلمية‬
‫التي توصل إليها العلماء‪ ،‬أكدت العلوم العصبية املعرفية بأن اللغة إلانسانية ظاهرة ( مكتسبة )‬
‫عن طريق التعلم‪ ،‬وليس موروثة أو ملهمة أو وحيا‪ ،‬وبالتالي رجحت الكفة لصالح مجموع آلاراء التي‬

‫‪ 1‬ينظر‪ ،‬ختاش محمد‪ ،‬نظرية التعلم املتناغم وتوظيفاتها في التعلم والتعلم الجامعي‪ .‬مجلة الحقوق‬
‫والعلوم إلانسانية‪ ،‬املجلد الثاني‪ .‬العدد‪ 1 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ 2‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتية ها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.39 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪.‬ص‪.119 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫كانت تؤمن باصطالحية اللغة وبأنها مكتسبة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬املناطق املخية التشريحية املسؤولة عن تعلم اللغة ووظائفها الفيسيولوجية‬

‫تمكن علماء ألاعصاب في آلاونة ألاخيرة بعد اكتشافهم للعديد من آلاليات‪ ،‬والتقنيات‬
‫‪2‬‬
‫املتطورة‪ ،‬كالتصوير الوظيفي بالرنين املغناطيس ي ( ‪ 1،) fMRI‬وتخطيط الدماغ الكهربائي ( ‪،) EEG‬‬
‫واملسح الضوئي ‪...‬إلخ‪ ،‬مكنتهم هذه آلاالت وغيرها من الوقوف عند العديد من املعلومات فيما‬
‫يتعلق باألعضاء املسؤولة عن العمليات الذهنية العليا ( إلادراك‪ -‬التعلم‪ -‬اللغة ‪ ،)...‬وكذا كيفية‬
‫وتشير العديد من ألابحاث العصبية املتخصصة إلى أن الظاهرة اللغوية‪،‬‬ ‫تعامل الدماغ معها‪.‬‬
‫والتي تعد من الظواهر الجد معقدة التي يصعب تفسير عمليات حدوثها فيسيولوجيا بدقة‪ ،‬يشترك‬
‫في عملية إنتاجها العديد من ألاعضاء الفيسيولوجية التي تستوطن الدماغ؛ أي أنها تتفق جميعها‬
‫على أن مقر اللغة الدماغ‪ ،‬وعلى أن جميع املراكز املسؤولة عنها متواجدة به‪ .‬وفيما يلي عرض‬
‫مبسط عن أهم ألانشطة الفيسيولوجية العصبية للدماغ وأهم أعضائه التشريحية املسؤولة عن‬
‫عمليات استقبال وفهم وإنتاج اللغة مسموعة كانت أو مقروءة و ذلك من وجهة نظر علماء‬
‫ألاعصاب‪:‬‬

‫‪ -‬الدماغ إلانساني‬

‫الدماغ عبارة عن كتلة رخوة‪ ،‬رمادية اللون من الخارج بيضاء من الداخل‪ ،‬يبلغ وزنها في‬
‫إلانسان العادي ما يقارب ثالثة باوندات‪ 3،‬تقع داخل جمجمة إلانسان وهي محمية بعدة طبقات‬

‫‪ ،Functional Magnetic Resonance Imaging 1‬واحدة من أكثر ألاشكال التي وضعت مؤخرا في تصوير‬
‫ألاعصاب‪ ،‬وهو أسلوب متخصص في لقياس استجابة الدورة الدموية (التغير في تدفق الدم) املتصلة‬
‫بالنشاط العصبي في الدماغ أو النخاع الشوكي من البشر أو الحيوانات‪ar .m.wikipedia. .‬‬
‫‪ Electroencephalography 2‬وهي طريقة لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ على طول فروة الرأس‪ ،‬ويقيس‬
‫تخطيط أمواج الدماغ التقلبات في الجهد الناتجة عن تيارات أيونية في عصبونات الدماغ‪.‬‬
‫‪ar .m.wikipedia‬‬
‫‪ 3‬أي ما يقارب ‪ 1.4‬كيلوغرام‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫عظمية متتالية‪ 1.‬يشغل دماغ إلانسان حجما مقداره ‪ 5310‬سم‪ .3‬ويعود (‪ )%10‬من وزن الدماغ‬
‫للقشرة املحيطة به والتي تعرف بـ ( القشرة الدماغية )‪ ،‬وهي طبقة مثنية تبلغ مساحتها متر مربع‬
‫واحد تقريبا‪ ،‬وهذا ما يفسر سبب تعدد ثنايا هذه القشرة‪ .‬كذلك إذا وضعت خاليا النظام العصبي‬
‫‪2‬‬
‫كلها متجاورة على خط واحد‪ ،‬يصل طول الخط ‪5000‬كم تقريبا‪.‬‬

‫يبدأ الدماغ إلانساني في التكوين بأنبوب عصبي يتشكل لدى الجنين في وقت مبكر من‬
‫والذي يمتد لألسفل‪ ،‬وألاعلى ليعرف بعدئذ بنصفي الدماغ ألايمن وألايسر‪ .‬كما يعد‬ ‫الحمل‬
‫ألانبوب املصدر الوحيد لتكاثر باليين الخاليا املكملة للنظام العصبي‪ ،‬وقد أكد أغلب املختصين في‬
‫علم ألاعصاب على أن الدماغ يحتوي على ( ‪ ) 5000‬ترليون نقطة تشابك عن طريق الوصالت‬
‫العصبية‪ ،‬حيث يبدأ الدماغ بتكوين الوصالت العصبية عند الوالدة بشكل عشوائي أوال ثم تزداد‬
‫‪3‬‬
‫بشكل نشيط جدا من خالل تحكم بعض الجينات بها لكي تهيأ الدماغ للتعلم‪.‬‬

‫يقوم الدماغ بتفكيك جميع رموز العالم من صور‪ ،‬وأصوات‪ ،‬وروائح‪ ،‬وأحاسيس ملسية‪،‬‬
‫ومذاقات‪ ،‬كذلك تتشكل في الدماغ العواطف‪ ،‬والانفعاالت‪ ،‬وألافكار‪ ،‬واللغة‪ ،‬وفيه تؤخذ جميع‬
‫القرارات‪ .‬باإلضافة إلى ما سبق‪ ،‬يتحكم الدماغ بحركة الجسم‪ ،‬ويؤمن له كل الاحتياجات من‬
‫حسن تسيير للتنفس‪ ،‬وتوازن الهرمونات‪ ،‬وضبط أوقات النوم‪ ،‬واليقضة ‪...‬إلخ‪ 4.‬ويتكون دماغ‬
‫إلانسان تشريحيا من عدة أعضاء رئيسية‪ ،‬تخطط وتوجه وتتحكم في جميع إدراكات وسلوكياته‪،‬‬
‫من أهمها ثالثة أجزاء رئيسية هي‪:‬‬

‫‪ -1‬نصفي الكرتين املخيتين ( ألايمن وألايسر )‪ ،‬وهما نصفا الدماغ الكبيران وتغطيهما‬
‫القشرة الدماغية‪ ،‬وهي مادة رمادية اللون‪ ،‬مسؤولة عن مهارات التفكير العليا ومن بينها اللغة‪،‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتية ها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.00 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.53 :‬‬
‫ُ‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬وسام صالح عبد الحسين‪ ،‬التعلم املتناغم مع الدماغ تطبيقات ألبحاث الدماغ في التعلم‪( .‬دار‬
‫الكتاب العلمية ‪ :‬لبنان)‪ .‬دط‪1051 .‬م‪ .‬ص‪.02 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.51 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫وفيها تجري مهارات القراءة‪ ،‬والاستيعاب‪ ،‬والتحليل‪ ،‬وتخزين املعلومات‪ ،‬واسترجاعها‪ 1.‬وتجمع‬
‫الدراسات على أن أغلب وظائف اللغة تقع عادة في النصف الكروي ألايسر و ذلك في حوالي ‪- 51‬‬
‫‪ % 90‬من ألافراد‪ 2.‬يتصل نصفا الكرتين املخيتين بـ ( الجسم الجاس ئ ) وهو عبارة عن كتلة من‬
‫ألالياف العصبية التي تتولى نقل الرسائل الحسية واملعلومات من يمين أو يسار الدماغ إلى مناطق‬
‫أخرى من الدماغ‪ .‬و يرى العلماء أن هذه املنطقة هي املسؤولة عن تكوين ألافكار‪ ،‬وترتيبها‪ ،‬وفهم‬
‫ألاشياء املقروءة‪ ،‬واملسموعة‪ ،‬وتحقيق نوع من التفكير املنطقي السليم‪ .‬وعلميا عند اجتماع القشرة‬
‫‪3‬‬
‫الدماغية مع نصفي الكرتين املخيتين يعرف بـ (املخ)‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2‬املخيخ‪ :‬وهي تسمية تصغيرا لكلمة مخ‪ ،‬وحجمه بالفعل أصغر منه إذ ال يتجاوز وزنه ثمن‬
‫وزن املخ‪ .‬يقع املخيخ في مؤخرة الدماغ‪ ،‬ويختص بالعمليات السلوكية ألعضاء الجسم كالرياضة‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫واملوسيقى‪ ،‬والفن ‪...‬إلخ‪ ،‬فهو املسؤول عن السيطرة على توازن حركات الجسم بصورة صحيحة‪.‬‬
‫ويبدو أن له دور بالغ ألاهمية في تنسيق الحركات السريعة والدقيقة التي يحتاجها النطق بالكالم‬
‫‪5‬‬
‫العادي‪.‬‬
‫‪ -3‬جذع الدماغ‪ :‬ساق قصيرة تبدأ من أسفل املخ ثم تضيق كلما انحدرت حتى تصل إلى‬
‫قاع الجمجمة‪ ،‬ويبدأ منه الحبل الشوكي‪ .‬يلعب هذا الجذع دورا مهما في السيطرة املخية على‬
‫العضالت الخاصة بالوقوف‪ ،‬وحفظ التوازن‪ ،‬ويكاد يرتكز عليه النصفان الكرويان ومن هنا سمي‬
‫‪6‬‬
‫بجذع أو ساق املخ‪.‬‬

‫ُ‬
‫‪ 1‬ينظر‪ :‬وسام صالح عبد الحسين‪ ،‬التعلم املتناغم مع الدماغ تطبيقات ألبحاث الدماغ في التعلم‪ .‬ص‪،02 :‬‬
‫‪.00‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬سامي عبد القوى‪ ،‬علم النفس العصبي ألاسس وطرق التقييم‪ .‬ص‪.100 :‬‬
‫ُ‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬وسام صالح عبد الحسين‪ ،‬التعلم املتناغم مع الدماغ تطبيقات ألبحاث الدماغ في التعلم‪ .‬ص‪،02 :‬‬
‫‪.00‬‬
‫ُ‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬وسام صالح عبد الحسين‪ ،‬التعلم املتناغم مع الدماغ تطبيقات ألبحاث الدماغ في التعلم‪ .‬ص‪،02 :‬‬
‫‪.00‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ص‪.11 ،11 :‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬سامي عبد القوى‪ ،‬علم النفس العصبي ألاسس وطرق التقييم‪ .‬ص‪.535 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫شكل رقم (‪ :)1‬رسم توضيحي ملكونات الدماغ‬

‫و الدماغ إلانساني يتكون من نوعين من الخاليا‪ ،‬الخاليا العصبية أو النيورونات ‪Les‬‬


‫‪ ،neurones‬والخاليا الفردية املسؤولة عن تغذية الخاليا العصبية‪ ،‬وعلى الرغم من أن (‪ )%90‬من‬
‫خاليا الدماغ هي خاليا فردية؛ أي ما يقارب (‪ )500‬بليون خلية‪ ،‬إال أن (‪ )%50‬هي من الخاليا‬
‫العصبية والتي يتراوح مجموعها ما بين عشرة واثنتي عشرة بليون خلية‪ 1،‬وهي مسؤولة عن جميع‬
‫‪2‬‬
‫العمليات العصبية في الجسم وتتحكم بعمل أعضائه‪.‬‬

‫تعتبر الخلية العصبية الدماغية مركز عضوي‪ ،‬وإدراكي‪ ،‬وسلوكي للدماغ‪ ،‬والجسم بوجه‬
‫عام‪ .‬فالخلية العصبية هي‪ :‬الخلية التي تستقبل املعلومات من خاليا أخرى أو من ألاعضاء الحسية‬
‫ثم توصلها إلى خاليا عصبية أخرى‪ ،‬بينما تقوم عصبونات أخرى بتوصيلها مرة أخرى إلى أجزاء‬
‫الجسم التي تتفاعل مع أعضاء البيئة‪ 3.‬تتخذ الخلية العصبية الشكل ألاخطبوطي التساقها‬
‫بمجموعة من الشجيرات‪ ،‬وفي هذه الشجيرات يجري النبض العصبي أو املعروف بـ ( السيالة‬

‫ُ‬
‫‪ 1‬ينظر‪ :‬وسام صالح عبد الحسين‪ ،‬التعلم املتناغم مع الدماغ تطبيقات ألبحاث الدماغ في التعلم‪ .‬ص‪.01 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتية ها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.00 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪.111 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫العصبية )‪ 1.‬وفيمايلي رسم توضيحي للخلية العصبية‪:‬‬

‫شكل رقم (‪ :)2‬خلية عصبية بسيطة‬

‫بعد التطور العلمي العصبي‪ ،‬بدأ العلماء في بناء تصور عن عملية التواصل بين الخاليا‬
‫العصبية من خالل افتراض وجود شبكة من ألاسالك بين الخاليا العصبية‪ ،‬والتي اقتبسوا تسميتها‬
‫من شبكة ألاسالك الكهربائية‪ ،‬وأطلقوا عليها تسمية ( الشبكة العصبية ) وهي‪ :‬استعارة تصورية‬
‫افتراضية للترابطات املوجودة بين الخاليا العصبية لتحقيق التواصل بينها وفق مخطط محدد‪.‬‬
‫وتعد الشبكات العصبية مركز تخزين املعلومات باملخ‪ ،‬وتتميز هذه الشبكات بالنمو املستمر‪،‬‬
‫واكتساب الجديد كل يوم‪ ،‬والقيام بتنقية املعلومات؛ أي أنها تعمل على إزالة املعلومة التي ال قيمة‬
‫‪2‬‬
‫لها‪ ،‬أو وضعها في مكان بعيد في الذاكرة بعيدة املدى‪ ،‬لتستدعيها عند الحاجة‪.‬‬

‫و الخلية العصبية مثل بقية خاليا الجسم مع فارق أن غشاءها ُم َعد بشكل يسمح له بنقل‬
‫الدفعات العصبية‪ .‬إن الوظيفة ألاساسية للخلية العصبية تلقي املعلومة من خارج الجسم ونقلها‬
‫بشكل مشفر ( إلاشارة العصبية )‪ 3،‬و يكون النقل كيميائي أو كهربائي في بعض ألاحيان‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى حدوث تغيير في خلية عصبون آخر‪ ،‬أو في عضلة ما‪ ،‬أو غدة ما ‪ ...‬إلخ‪ ،‬ويؤدي هذا التغيير إلى‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.52 ،50 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪.105 :‬‬
‫‪.150‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.52 ،50 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫أو حس‪ ،‬أو إفراز‪ ،‬أو فكرة‪ ،‬أو أي شكل آخر من أشكال الوظائف‬ ‫إحداث تعلم‪ ،‬أو حركة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫الجسمية سواء الوظائف العليا (الادراك‪ -‬التعلم‪ -‬الانفعال – اللغة ‪ ،)...‬أو السلوكية‪.‬‬

‫وألن اهتمام هذه الدراسة منصب على املناطق الدماغية املسؤولة‪ ،‬واملتحكمة في اللغة‪،‬‬
‫سنركز حديثنا هنا على تلك املناطق املتواجدة بالدماغ ووظائفها بوجه عام‪ ،‬إذ لم تتمكن ألابحاث‬
‫قبل اكتشاف كل من الرنين املغناطيس ي الوظيفي ( ‪ ،) fMRI‬أو مخطط أمواج الدماغ ( ‪ ) EEG‬إلى‬
‫التعرف بدقة على مواضع املخ املسؤولة عن اللغة‪ ،‬إال أنه بعد حصولهم على تلك ألاجهزة مكنهم‬
‫فيما بعد من معرفة أهم تلك املناطق والتي تتموضع أغلبها في نصف الكرة املخية ألايسر‬
‫وعن أهم تلك املناطق نجد‪:‬‬ ‫وبالتحديد على القشرة الدماغية منه‪،‬‬

‫‪ -1‬ثنائية النصف ألايمن والنصف ألايسر‬

‫يمثل الدماغ جانبين تفصل بينهما هوة عميقة‪ ،‬ويمثالن نصفي الدماغ‪ ،‬النصف ألايمن‬
‫والنصف ألايسر‪ .‬كل واحد منهما يهتم بأحد جانبي الجسم‪ .‬النصف ألايمن يسيطر على الجانب‬
‫ألايسر‪ ،‬والنصف ألايسر يسيطر على الجانب ألايمن‪ 2.‬يربط بين نصفي الدماغ ( الجسم الجاس ئ )‬
‫أو املعروف بـ ( الثفني )‪ ،‬ولهذا ألاخير دور كبير في وظائف اللغة والنطق‪ .‬يشبه الجسم الجاس ئ سلك‬
‫سميك‪ ،‬وهو عبارة عن حزمة من ألالياف التي تربط منطقتي الدماغ اليمنى واليسرى ‪ ،‬وتتولى هذه‬
‫‪3‬‬
‫واملعلومات من جهة ( يمنى أو يسرى ) ألخرى في الدماغ‪.‬‬ ‫املنطقة نقل الرسائل الحسية‬

‫و يؤكد علماء ألاعصاب بأن نصفي كرة الدماغ متطابقين شكال مختلفين وظيفة‪ ،‬فالفكر‬
‫الشفهي املنطقي التحليلي ( الرياضيات )‪ ،‬وكل ما يتعلق باملعالجة اللغوية‪ ،‬وعملية النطق‪،‬‬
‫والنطق الرمزي‪ ،‬يهتم به النصف ألايسر من املخ؛ ففي هذه العمليات‬ ‫والتصورات املجردة‪،‬‬
‫الذهنية ًّ‬
‫تترمز الوقائع حسب متتاليات خطية رمزا برمز‪ .‬أما وظيفة النصف ألايمن من املخ فتتمثل‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ص‪.11 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.51 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتية ها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.51 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫وإلابداع‪ ،‬والوعي‪ ،‬واملوسيقى‪ ،‬وكذا الحدس‪ 1.‬وعليه‪ ،‬وكما‬ ‫في إدراك ألاشكال‪ ،‬ومختلف الصور‪،‬‬
‫تبين الدراسة التشريحية وكذا العديد من آلاالت الحديثة‪ ،‬أن أغلب آلاليات العصبية الرئيسة‬
‫للنطق واللغة موجودة بالقشرة الدماغية على الجهة اليسرى من الدماغ؛ وكل منطقة متخصصة‬
‫‪2‬‬
‫في صنف معين من املعالجة املعرفية الخاصة باللغة‪.‬‬

‫شكل رقم (‪ :)3‬رسم توضيحي لنصفي الكرتين املخيتين‬

‫‪ -2‬منطقة بروكا ‪l'aire de Broca‬‬

‫منطقة في النصف الدماغي ألامامي ألايسر‪ ،‬ومن أهم املناطق العصبية اللغوية‪ ،‬مخصصة‬
‫إلنتاج ألاصوات في اللغة التي يتم لفظها؛ أي أنها متخصصة في ( إنتاج الكالم )‪ .‬تم اكتشاف هذه‬
‫املنطقة سنة ‪5525‬م من طرف الجراح الفرنس ي "بول بروكا" أثناء تفقده لدماغ ميت فقد تماما‬
‫القدرة على النطق‪ ،‬فانتبه إلى وجود جرح في نصف الكرة ألامامي ألايسر‪ ،‬وعرفت منذ ذلك الوقت‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬تشارلز فيرست‪ .‬الدماغ والفكر‪ .‬ص‪.520 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ ،‬فاطمة الزهراء أغالل‪ ،‬بلخير عمر‪ .‬الازدواجية اللغوية من منظور العلوم العصبية املعرفية‪ .‬مجلة‬
‫الخطاب‪ .‬تيزي وزو‪ .‬العدد‪3 .55 :‬ص‪.113 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪2‬‬
‫باسم باحة أو ( منطقة بروكا )‪ 1.‬ولباحة بروكا دور أساس في إنتاج نطق طليق واضح العبارة‪.‬‬
‫تعمل هذه املنطقة على تحويل التصورات للكلمات إلى تسلسالت نطقية‪ ،‬لذلك وصفها "بروكا" بـ (‬
‫مركز نطق اللغة )‪ .‬تقوم هذه املنطقة أيضا بعملية تشكيل‪ ،‬وبناء الكلمات‪ ،‬والجمل‪ ،‬وكذا‬
‫استخدام عالمات الجمع وشكل ألافعال‪ ،‬واختيار الكلمات الوظيفية كحروف الجر‪ ،‬والعطف‪،‬‬
‫وتعيين املعاني للمفردات التي نستخدمها‪ 3.‬يتم آلان دراسة هذه املنطقة بشكل موسع وتفصيلي‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتم تجزيئها بواسطة التصوير الوظيفي إلى مقاطع أصغر أكتشف أنها تشارك في مهمات لغوية‬
‫مختلفة؛ حيث تم ربط إنتاج املعنى بالجزء العلوي من املنطقة‪ ،‬بينما يقع النطق في وسط مركز‬
‫باحة بروكا‪ .‬تؤكد الدراسات املعاصرة على أن منطقة بروكا ليست هي املنطقة الوحيدة املسؤولة‬
‫عن الكالم؛ وإنما هي مرتبطة بعملية نطق اللغة بصورة عامة‪ ،‬تسيطر ليس على الكالم املنطوق‬
‫‪4‬‬
‫فقط‪ ،‬وإنما على املكتوب وعلى إنتاج لغة إلاشارة أيضا‪.‬‬

‫وتؤدي املشكالت املرضية في هذه املنطقة إلى اضطراب لغوي يعرف بـ ( حبسة بروكا )‬
‫أو الحبسة التعبيرية‪ ،‬أو الحركية؛ فيكون الشخص قادرا على فهم الكالم‪ ،‬لكنه غير قادر على‬
‫التعبير الجيد؛ أي أنه يعاني ضعف في أيجاد الكلمات املناسبة فكالمه قليل لكنه ذا معنى‪ ،‬ذلك أنه‬
‫‪5‬‬
‫يعاني من صعوبة في إصدار الكالم‪.‬‬

‫‪ -3‬منطقة فيرنيك ‪l'aire de Wernicke‬‬

‫عند مرور حوالي خمسة عشر عام من اكتشاف ( منطقة بروكا )‪ ،‬أشار عالم ألاعصاب‬
‫ألاملاني "كارل فيرنيك" عام ‪5501‬م إلى منطقة أساسية أخرى لها دور كبير في فهم اللغة سواء‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.21 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ ،‬فاطمة الزهراء أغالل‪ ،‬بلخير عمر‪ .‬الازدواجية اللغوية من منظور العلوم العصبية املعرفية‪ .‬مجلة‬
‫الخطاب‪ .‬تيزي وزو‪ .‬العدد‪ .55 :‬ص‪.111 ،111 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬محمد إسماعيل بن شهداء‪ ،‬إنتاج اللغة في الدماغ (دراسة في علم اللغة العصبي)‪ .‬لسان الضاد‪،‬‬
‫دورية اللغة العربية تعليمها وأدبها‪.‬أندونيسيا املجلد‪ .01 :‬العدد‪ .05 :‬أبريل ‪1051‬م‪ .‬ص‪.59 :‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬ألفت حسين كحلة‪ ،‬علم النفس العصبي‪ ( .‬مكتبة الانجلو املصرية ‪ :‬القاهرة )‪ .‬دط‪ .‬دت‪ .‬ص‪.532 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫أو املكتوبة معا‪ ،‬ونسبت هذه املنطقة إليه فيما بعد وعرفت بـ ( منطقة فيرنك )‪.‬‬ ‫املنطوقة‬
‫تقع هذه ألاخيرة أيضا في النصف ألايسر من الدماغ‪ ،‬لكن في الفص الصدغي‪ ،‬ويذهب "فيرنيك"‬
‫بالقول إلى أن هذه املنطقة هي املسؤولة عن فهم معاني الكلمات؛ إذ إنها تحتوي على تمثيالت‬
‫سمعية للكلمات بحيث يمكن فهمها حال سماعها‪ ،‬وأن ألاشخاص املصابين بجروح في هذه املنطقة‬
‫يمكنهم الكالم إال أنه ال يحمل أي معنى‪ 1.‬وبعد التقدم التكنولوجي أثبتت ألابحاث التشريحية ما‬
‫ذهب إليه "فيرنيك"‪ ،‬وأن هذه املنطقة تقع بالقرب من منطقة السمع الرئيسية في الجزء الخلفي‬
‫للفص الصدغي بنصف املخ ألايسر‪ ،‬ومن وظائفها استقبال املدخالت أو التمثيالت السمعية وفهم‪،‬‬
‫وتفسير الكالم‪ ،‬وتعيين معناه‪ ،‬وكذا تفسير املفردات واختيارها بهدف إنتاج الجمل‪ .‬وغالبا ما تعرف‬
‫هذه املنطقة بمنطقة ( استيعاب اللغة )‪ ،‬فهي املنطقة املخصصة للتعامل مع اللغة الواردة إلى‬
‫الدماغ سواء كانت مكتوبة أو مقروءة أو محكية‪ ،‬كما تسيطر أيضا على إنتاج لغة إلاشارة‪ .‬تتصل (‬
‫منطقة فيرنيك ) بمنطقة ( بروكا بواسطة ) بواسطة ( الحزمة املقوسة ) ‪ ،Faisceau arqué‬وتتكون‬
‫‪2‬‬
‫هذه الحزمة من مجموعة ألياف عصبية‪.‬‬

‫وتؤدي إلاصابة في ( منطقة فيرنيك ) إلى اضطراب في قدرة الفرد على الاستيعاب اللغوي‪،‬‬
‫وتسمى حبسة استقبالية‪ ،‬أو حبسة فيرينيك فيعاني املريض من صعوبة في فهم ألالفاظ املسموعة‪،‬‬
‫ويمكنه التحدث وتكوين جمل طويلة لكنها عديمة املعنى‪ ،‬ويالحظ أن املريض يستخدم اصطالحات‬
‫‪3‬‬
‫غامضة‪ ،‬ويكرر الكثير من الجمل‪ ،‬والكلمات التي ال ترتبط بعضها ببعض‪.‬‬

‫منطقة اللحاء الحركي الرئيس ي‬ ‫‪-4‬‬

‫يعرف كذلك باسم التلفيف أمام املركز ‪ ،‬أو الشريط الحركي‪ ،‬وتوجد بالفص الجداري‪.‬‬
‫خاليا هذه املنطقة هي املسؤولة عن التحكم إلارادي في العضالت الهيكلية على الجانب املقابل من‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬آن دوبرواز‪ ،‬خفايا الدماغ‪ .‬ص‪.21 :‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ ،‬فاطمة الزهراء أغالل‪ ،‬بلخير عمر‪ .‬الازدواجية اللغوية من منظور العلوم العصبية املعرفية‪ .‬مجلة‬
‫الخطاب‪ .‬تيزي وزو‪ .‬العدد‪ .55 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ألفت حسين كحلة‪ ،‬علم النفس العصبي‪ .‬ص‪.530 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪2‬‬
‫الجسم‪ 1.‬كما أنها املسؤولة عن التحكم في عضالت الوجه والفك واللسان والحنجرة‪.‬‬

‫منطقة اللحاء السمعي‬ ‫‪-5‬‬

‫تعرف كذلك بمنطقة الترابط السمعي‪ ،‬وتقع بالفص الصدغي‪ ،‬ومهمتها إدراك ألاصوات‪،‬‬
‫وألالفاظ املسموعة؛ ‪ 3‬أي أنها تمثل موضع املعالجة السمعية في الدماغ‪ 4،‬فهي املسؤولة عن فهم‬
‫‪5‬‬
‫اللغة املنطوقة عن آلاخرين واملسموعة عن الفرد‪.‬‬

‫‪-6‬منطقة اللحاء البصري ( التلفيفة الزاوية ) ‪gyrus angulaire‬‬

‫تتموضع هذه املنطقة في أسفل الفص الجداري‪ ،‬خلف منطقة فيرينك‪ ،‬وأمام مناطق‬
‫الاستقبال البصري‪ ،‬وهي املنطقة املسؤولة عن فهم اللغة املكتوبة من آلاخرين‪ ،‬واملقروءة من‬
‫الفرد‪ 6.‬تعمل هذه املنطقة على تحويل املثير البصري إلى رسالة عصبية سمعية‪ ،‬وتعمل على تسهيل‬
‫وظيفة القراءة البصرية‪ ،‬وكل ما يحتاج إلى الربط بين املثيرات البصرية‪ ،‬ومناطق الكالم‪ 7.‬مهمتها‬
‫إدراك املرئيات بوجه عام؛‪ 8‬وهي مهمة لإلدراك البصري‪ ،‬ولبعض املنعكسات البصرية‪ ،‬مثل تثبيت‬
‫النظر‪ .‬وإصابة هذه املنطقة قد يسبب العديد من املشاكل البصرية كالهلوسة البصرية‪ ،‬أو العمى‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ ،‬فاطمة الزهراء أغالل‪ ،‬بلخير عمر‪ .‬الازدواجية اللغوية من منظور العلوم العصبية املعرفية‪ .‬مجلة‬
‫الخطاب‪ .‬تيزي وزو‪ .‬العدد‪ .55 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتية ها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ص‪.32 :‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬سامي عبد القوى‪ ،‬علم النفس العصبي ألاسس وطرق التقييم‪ .‬ص‪.105 :‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 7‬ينظر‪ ،‬فاطمة الزهراء أغالل‪ ،‬بلخير عمر‪ .‬الازدواجية اللغوية من منظور العلوم العصبية املعرفية‪ .‬مجلة‬
‫الخطاب‪ .‬تيزي وزو‪ .‬العدد‪ .55 :‬ص‪.111 :‬‬
‫‪ 8‬ينظر‪ :‬محمد زياد حمدان‪ ،‬الدماغ والادراك والذكاء والتعلم دراسة فيسيولوجية ملاهيتية ها ووظائفها‬
‫وعالقاتها‪ .‬ص‪.55 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪1‬‬
‫الجزئي ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫شكل رقم (‪ :)4‬مناطق اللغة في القشرة الدماغية‬

‫رابعا‪ :‬استقبال وإرسال اللغة وآلياته العملية ( املعالجات الدماغية للغة )‬

‫تمكنت العديد من الدراسات العلمية من الوقوف على أن اللغة هي مجموع العمليات‬


‫العقلية التي يقوم بها الدماغ‪ .‬وقد تمكن العلماء مؤخرا وبواسطة املسح التكنولوجي من دراسة‬
‫الفروق و الاختالفات في عمل الخاليا الحيوية التي تظهر الاستجابات أثناء عمل املخ‪ ،‬مثل تحليل‬
‫ألاصوات وفهمها‪ ،‬وتعلم كلمات جديدة‪ ،‬والاستجابة للتخيالت الذهنية وغيرها‪ ،‬حيث أن الخاليا‬
‫املسؤولة عن نشاط ما‪ ،‬هي التي تنشط أثناء ما يقوم به الشخص في تلك اللحظة‪ .‬وانطالقا من‬
‫هذه املعرفة حاول العلماء بناء نماذج توضيحية لتفسير السلوكيات اللغوية التي تحدث في الدماغ‪.‬‬

‫إال أن املالحظ على جموع تلك التفسيرات‪ ،‬أن هذه ألاخيرة تتميز بالصعوبة والتعقيد‬
‫مما نجم عن ذلك جدل كبير بين العلماء حول الكيفية التي تتم بها العمليات اللغوية‬ ‫الشديد‪،‬‬
‫بالدماغ‪ .‬ولم يتمكن العلماء ولحد الساعة إال تقديم تفسيرات جزئية لبعض السياقات العصبية‬
‫التي يمكن لها أن تتدخل في املعالجة اللغوية‪ .‬وذلك ألسباب متعددة أهمها كون إلانسان دون سائر‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬رسل لوف‪ ،‬واندا ويب‪ ،‬علم ألاعصاب للمختصين في عالج أراض اللغة والنطق‪ .‬ص‪.11 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫الكائنات الحية ألاخرى‪ ،‬يمتلك تركيبة دماغ خاصة به‪ ،‬وعليه وألسباب أخالقية وجد العلماء‬
‫صعوبة كبيرة في تطبيق فرضياتهم وإقامة تجاربهم على ألاشخاص‪ .‬لذلك لجأت مختلف الدراسات‬
‫إلى عدة عينات من ألاشخاص املتطوعين والذين يعانون من أمراض أو اضطرابات عصبية‬
‫لفحصهم‪ ،‬وإخضاعهم لتجاربهم‪ ،‬هذا في البداية‪ ،‬ومع مرور الزمن ومع التطور العلمي والتكنولوجي‬
‫سمحت بعض الوسائل التقنية الجديدة كالتصوير بالرنين املغنطيس ي‪ ،‬والتصوير املقطعي وغيرها‬
‫من تصوير الدماغ الطبيعي لإلنسان أثناء معالجته وإنتاجه للغة‪.‬‬
‫تتفق الدراسات العصبية على أن عملية إنتاج اللغة من منظور التحليل الفيسيولوجي‬
‫آللية عمل الجهاز العصبي‪ ،‬تمر بثالث مراحل أساسية هي‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة استقبال الكلمة املسموعة أو املكتوبة‬
‫تمثل مرحلة استقبال الكلمة املسموعة أو املكتوبة املرحلة ألاولى من مراحل استقبال‬
‫الكالم‪ ،‬وهي املرحلة ألاساسية ألنه من دونها لن تتم باقي املراحل الالحقة‪ .‬ففي حالة استقبال (‬
‫الكلمة املسموعة )؛ يستقبل الجهاز السمعي لدى إلانسان هذه الكلمة عن طريق ألاذن الخارجية‪،‬‬
‫فتتجمع املوجات الصوتية في ما يعرف بـ ( الصيوان )‪ ،‬وتمر هذه الذبذبات من الصيوان عبر (‬
‫( طبلة ألاذن ) في الداخل‪ ،‬يقابلها غشاء الطبله‬ ‫القناة السمعية الخارجية )‪ ،‬لتصل إلى‬
‫فتصطدم الذبذبات بغشاء الطبله فيهتز غشاء الطبله‪ ،‬حيث تنتقل هذه الذبذبات إلى ( ألاذن‬
‫الوسطى )‪ ،‬ومن ثمة إلى ألاذن الداخلية‪ ،‬ومن خالل السائل املوجود بالسلم الدهليزي تهز الذبذبات‬
‫عضو السمع املوجود هناك ويوصل ومضات‪ ،‬وإشارات عصبية تسري من العصب السمعي إلى‬
‫‪1‬‬
‫منطقة السمع في املخ‪.‬‬

‫و في حالة استقبال ( الكلمة املكتوبة )‪ ،‬فبعد استقبال تمثل مركز إلابصار أو التي تعرف‬
‫( إلاحساس البصري ) وهي املنطقة املسؤولة عن معنى الصور التي نراها‪ ،‬وألالفاظ‬ ‫بمنطقة‬
‫‪2‬‬
‫التي نقرأها‪ ،‬تقوم هذه املنطقة باستقبال إلاحساسات البصرية من العينين عبر العصب البصري؛‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪،135 :‬‬
‫‪.531‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬سامي عبد القوى‪ ،‬علم النفس العصبي ألاسس وطرق التقييم‪ .‬ص‪.511 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫( فيرنيك ) ومن هناك تستكمل نفس دورة الكلمة املسموعة‪.‬‬ ‫ثم تقوم بإرسالها إلى منطقة‬

‫شكل رقم (‪ :)5‬املناطق املسؤولة عن استقبال الكلمة املسموعة واملكتوبة‬

‫‪ -2‬مرحلة معالجة اللغة ( املسموعة واملكتوبة )‬

‫تتم هذه املرحلة في الدماغ‪ ،‬وتؤكد أغلب الدراسات العصبية على أن كال نصفي الدماغ‬
‫يشتركان في عملية معالجة اللغة‪ ،‬إال أن الغالب من هذه العمليات وعند أغلبية ألاشخاص يتم‬
‫بالنصف الكروي ألايسر‪ .‬أما عن كيفية معالجة ( الكلمة املسموعة واملكتوبة ) في الدماغ‪،‬‬
‫فتفترض الدراسات العصبية أنها تتم عن طريقين‪ ،‬طريق فيسيولوجي و آخر بيولوجي‪ ،‬يهدف‬
‫و تتبع مجموع العمليات التي تمر بها‬ ‫الطريق ألاول إلى التفسير العضوي للسلوك اللغوي‬
‫املعالجة اللغوية عن طريق ألاعضاء و املراكز الحيوية املسؤولة عنها‪ ،‬أما الطريق الثاني فيمثله‬
‫مجموع العمليات الكيميائية التي تحدث متزامنة و املعالجة اللغوية بالدماغ‪.‬‬

‫أ‪ -‬الطريق الفيسيولوجي‬

‫في حالة ( الكلمة املسموعة )‪ ،‬عند تلقي الخاليا العصبية ( خاليا السمع ) إشارة سمعية‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫على شكل نبضات عصبية‪ ،‬تقوم هذه ألاخيرة بنقلها إلى مركز السمع باملخ‪ 1‬وتعرف بـ ( برودمان )‬
‫وهي املسؤولة عن استقبال النبضات العصبية السمعية ( الكالم املسموع ) وتسجيلها‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫ُ‬
‫ترسل هذه النبضات عن طريق مجموعة من الخاليا العصبية املتخصصة إلى منطقه ( فيرنيك )‬
‫‪2‬‬
‫وهي املنطقة املسؤوله عن إلادراك السمعي؛ أي أنها املسؤولة عن فهم وتفسير الكالم املسموع‪.‬‬
‫تتميز خاليا هذه املنطقة بقدرتها العجيبة على تفسير واستنتاج شدة ودرجة ومعنى املوجات‬
‫الصوتية التي تصلها‪ ،‬وعند وصول النبضات العصبية الحاملة للموجات الصوتية‪ ،‬تقوم خاليا هذه‬
‫املنطقة – فيرنيك ‪ -‬مباشرة وبسرعة فائقة بعملية مقابلتها بما هو مخزون لديها في تشابكات الخاليا‬
‫العصبية – الذي اكتسبته من قبل عن طريق التعلم‪ -‬فتكون نتيجة املقابلة مثال أن هذا النوع من‬
‫النبضات لفالن أو نبضات حاملة ملوجات صوتية جديدة لم ُيسمع بها من قبل‪ ،‬وعليه يتم تحديد‬
‫نوع الصوت‪ ،‬وصاحبه‪ ،‬والتعرف عليه؛ أي أنها تقوم بربط الكالم املسموع بتصور معين‪ ،‬فتتم‬
‫‪3‬‬
‫عملية تفسير‪ ،‬وفهم الكالم املسموع في هذه املنطقة‪.‬‬

‫بعد الانتهاء من عملية الربط بين الكالم املسموع بتصوراتها‪ ،‬تقوم الخاليا العصبية لنمطقة‬
‫ُ‬
‫فيرنيك بإرسالها من جديد على شكل نبضات عصبية مشكلة رسالة عصبية‪ ،‬ترسل إلى منطقة‬
‫اللحاء البصري أو ما يعرف كذلك بـ ( التلفيفة الزاوية )‪ ،‬حيث يتم في هذه املنطقة تحويل التصور‬
‫إلى مثير بصري يمكن إدراكه في املنطقة البصرية؛ فمثال عند سماعنا لكلمة ما‪ ،‬يعطي لنا الدماغ‬
‫أقرب صورة مسجلة لتلك الكلمة نتيجة التصور البصري في الدماغ الناتج عن السمع‪ .‬وإذا أراد‬
‫نفس الشخص الذي تلقى كالما مسموعا الرد والتواصل مع غيره‪ ،‬فإن الكالم ُيرسل من منطقة‬
‫فيرينيك عن طريق ( حزمة ألالياف املقوسة ) وهي عبارة عن مجموعة من ألالياف العصبية التي‬
‫تعمل مجتمعة وتقوم بالربط بين املنطقتين فيرينيك وبروكا‪ ،‬عن طريق هذه الحزمة تصل النبضات‬
‫العصبية إلى ( باحة بروكا )‪ ،‬والتي تقوم بتحديد الشكل الحركي للكالم املراد التلفظ به‪ ،‬ثم تقوم‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪،135 :‬‬
‫‪.531‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬محمد إسماعيل بن شهداء‪ ،‬إنتاج اللغة في الدماغ (دراسة في علم اللغة العصبي)‪ .‬لسان الضاد‪،‬‬
‫دورية اللغة العربية تعليمها وأدبها‪.‬أندونيسيا املجلد‪ .01 :‬العدد‪ .05 :‬أبريل ‪1051‬م‪.‬ص‪.90 :‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪.131 :‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫بدورها بإرسال التعليمات الالزمة على شكل رسائل عصبية إلى تلك ألاجزاء من قشرة املنطقة‬
‫الحركية التي تتحكم في عضالت الحنجرة والشفاه الصوتية‪ ،‬حيث تمر نبضات إلاثارة التي تنبع من‬
‫خاليا القشرة الحركية‪ ،‬عبر ألاعصاب الحركية‪ ،‬لتدفع عضالت الحنجرة والشفاه الصوتية وأعضاء‬
‫النطق إلى الحركة إلحداث عملية الكالم‪ 1.‬يمكن تصور هذه العملية ألاخيرة من خالل الشكل‬
‫‪2‬‬
‫آلاتي‪:‬‬

‫تدفع عضالت‬ ‫نبضات اإلثارة‬ ‫إرسال التعليمات‬


‫الحنجرة والشفاه‬ ‫آتية من خاليا‬ ‫إلى القشرة‬
‫مركز بروكا (‬
‫إلى الحركة التي‬ ‫القشرة الحركية‬ ‫الحركية‬
‫عمليات‬
‫ينتج عنها عملية‬ ‫( مثر عرب‬ ‫( املتحكمة يف‬
‫ختطيط )‬
‫الكالم‪.‬‬ ‫األعصاب احلركية‬ ‫عضالت احلنجرة‬
‫)‬ ‫والشفاه )‬

‫أكدت الدراسات العصبية على أنه عندما يتحدث الناس أو يقرؤون الكلمات بصوت عال‪،‬‬
‫فهم‬
‫أيضا يستمعون ألنفسهم ليتأكدوا من أنهم يتحدثون بطريقة صحيحة‪ .‬وفي حالة عدم السمع‬
‫والصحيح للغة املنطوقة أو املحكية‪ ،‬لن يحدث استيعاب لغوي لديهم‪ .‬أما في حالة‬ ‫الجيد‬
‫إصابة نسيج اللحاء السمعي بمشاكل جراء الجلطات الدماغية مثال‪ ،‬ففي هذه الحالة تتأثر مناطق‬
‫استقبال الكالم وليس اللغة‪ ،‬إال أنه تشير دراسات أخرى أن هذا النوع من إلاصابات قد يؤثر كذلك‬
‫على إنتاج الكالم بسبب التغيرات التي تطرأ على ما يعرف عندهم بـ ( الراجعة السمعية ) التي عادة‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية )‪ .‬ص‪.130 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫تستخدم للتحري من إنتاج الكالم الصوتي‪ 1.‬وعليه إن خلل الاستقبال يتوقف على مشكل بمنطق‬
‫فيرينيك وخلل إلارسال اللغوي يتوقف على مشكل في منطقة بروكا‪.‬‬

‫هذا فيما يتعلق باستقبال الكلمة املسموعة‪ ،‬أما في حالة استقبال ( الكلمة املكتوبة )‪،‬‬
‫فتشير الدراسات أن املعلومات تصل أوال إلى القشرة البصرية الرئيسة‪ ،‬والتي تقوم بإرسالها إلى (‬
‫منطقة الكالم ) بباحة ( فيرنيك )‪ ،‬ومن منطقة فيرنيك‪ ،‬تنتقل املعلومة ‪ -‬على نفس خطوات الكلمة‬
‫املسموعة‪ -‬إلى منطقة ( بروكا ) عن طريق ( الحزمة العصبية ) الرابطة بين املنطقتين‪ ،‬ومن منطقة‬
‫بروكا تقوم بإرسال التعليمات الالزمة إلى القشرة الحركية‪ ،‬لتيهئ ألاعضاء املسؤولة عن الكالم‪ 2.‬أي‬
‫أنها تسير على نفس خطوات الكلمة املسموعة‪ ،‬وفي مايلي رسم توضيحي ألهم املناطق املسؤولة عن‬
‫املعالجة اللغوية‪:‬‬

‫شكل رقم (‪ :)6‬أهم املناطق املسؤولة عن املعالجة الفيسيولوجية اللغوية‬

‫إن مسار املعلومات املشتركة املتعلقة سواء بالكلمة املسموعة أو املكتوبة يكون على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬محمد إسماعيل بن شهداء‪ ،‬إنتاج اللغة في الدماغ ( دراسة في علم اللغة العصبي )‪ .‬لسان الضاد‪،‬‬
‫دورية اللغة العربية تعليمها وأدبها‪.‬أندونيسيا املجلد‪ .01 :‬العدد‪ .05 :‬أبريل ‪1051‬م‪.‬ص‪.90 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫( برودمان ) ‪ ( ....‬فيرنيك ) ‪ ( .....‬بروكا ) ‪ ( .....‬املنطقة الحركية )‬

‫‪1‬‬
‫و فيمايلي رسم توضيحي لكيفية إدراك املخ للكلمة املسموعة والكلمة املكتوبة‪.‬‬

‫شكل رقم (‪ :)7‬مسارات إدراك املخ للكلمة املسموعة واملكتوبة‬

‫و قد تمكن العلماء عن طريق التصوير املقطعي والتصوير بالرنين املغنطيس ي الوظيفي من‬
‫التقاط صور للدماغ إلانساني أثناء ممارسته لنشاطه اللغوي‪ ،‬وأكدت تلك الصور على أن أغلب‬
‫املناطق التي وقف عندها العلماء في تحليلهم ملسارات اللغة في الدماغ هي بالفعل املسؤولة عن‬
‫النشاط اللغوي‪ ،‬وإن لم تكن لوحدها‪ ،‬فقد تتداخل وتتشارك معها مناطق ومسارات أخرى ال يزال‬
‫علم ألاعصاب بصدد محاولة اكتشافها‪ .‬فاملعالجة اللغوية هي عملية جد معقدة تشترك فيها عدة‬
‫مناطق ومراكز في الدماغ فهي ال ترتبط بمناطق محددة‪ ،‬وإن كان الغالب عليها حدوثها في املناطق‬
‫السابقة‪ ،‬كما تشير إلى ذلك ما التقطته مختلف آلاالت من صور‪ .‬وفيما يلي رسم ملتقط عن طريق‬
‫‪2‬‬
‫ألاشعة يوضح أهم املناطق املعالجات اللغوية بالدماغ‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪https/midan.aljazeera.net :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪www.m.marefa.org :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫شكل رقم (‪ :)8‬صور ألهم املناطق املسؤولة عن املعالجات اللغوية بالدماغ‬

‫ب‪ -‬الطريق البيولوجي‬

‫تتم معالجة املعلومات كيميائيا في الدماغ‪ ،‬ومن بينها املعلومات املتعلقة باللغة في منطقة‬
‫املشابك العصبية‪ ،‬حيث تنتقل املعلومات من عصبون إلى آخر في املشبك على شكل ( نبضات‬
‫عصبية )‪ 1‬كهروكيميائية تعرف بـ ( ألايونات ) ‪ ،Les ions‬وهي عبارة عن عناصر كيميائية مشحونة‬
‫كهربائيا من مثل ( البوتاسيوم ) و( الصوديوم ) ويطلق عليها أيضا تسمية (الناقالت العصبية)‪،‬‬
‫وهي ناتجة عن التفاعل الكهروكيميائي الحادث داخل الخلية وحولها‪ .‬تجتمع هذه الناقالت أو املواد‬
‫الكيميائية في منطقة تدعى منطقة ( قبل التشابك ) توجد بين خليتين كما هو موضح في الشكل‬
‫رقم (‪ ،)9‬وتقوم بإرسال إلايعازات أو التحفيزات كما يسيها العلماء‪ ،‬و هي عبارة عن مجموعة من‬
‫معلومات‪ ،‬تصل هذه ألاخيرة إلى منطقة تعرف بمنطقة ( بعد التشابك )؛ حيث تقوم تلك‬
‫التحفيزات باالتحاد مع مستقبالت موجودة في الخلية العصبية املجاورة‪ ،‬بعده تعود الناقالت‬

‫‪ 1‬يعتقد البعض أن النبضة العصبية هي الروح‪ .‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في‬
‫الدماغ ( رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية ) ص‪ .101 :‬هامش‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫العصبية بعد إرسال املحفز إلى مواقعها ألاولى‪ ،‬وهكذا تتم العملية‪ ،‬ويتم نقل املعلومة من خلية‬
‫عصبية إلى أخرى‪ ،‬لتقوم الخلية العصبية الالحقة بنفس العملية السابقة فيتكون لديها نبض‬
‫وبسرعة فائقة‬ ‫عصبي جديد ينتقل بدوره عبر مشبك جديد‪ ،‬وتستمر وتتكرر هذه العمليات‬
‫إلى أن تصل املعلومة إلى وجهتها املطلوبة‪ 1.‬و ذلك كما هو موضح في الشكل رقم (‪.)9‬‬

‫شكل رقم (‪ )9‬رسم توضيحي لكيفية نقل املعلومة من خلية عصبية إلى أخرى‬

‫بعد وصول النبضات العصبية إلى املراكز املختصة في املخ؛ كمركز إلابصار‪ ،‬ومركز السمع‪،‬‬
‫ومركز الكالم‪... ،‬إلخ؛ تقوم املراكز بتنفيذ مختلف ألاوامر التي تحملها النبضات العصبية فتتحول‬
‫بتدخل عمليات أخرى إلى سلوك فعلي يقوم به العضو‪ .‬وتتميز النبضة العصبية بالسرعة الفائقة‬
‫تصل سرعتها إلى نحو مائة متر في الثانية الواحدة‪ ،‬كما تتميز بالسرية التامة‪ ،‬فال يمكن ألي أحد‬
‫وألي آلة مهما كانت تقنياتها متطورة من اكتشاف نوعية املعلومة التي تحملها هذه النبضات‪ .‬ومن‬
‫‪2‬‬
‫هنا تبقى تفسيرات العلماء لنوعية املعلومة املحمولة من طرف النبضة العصبية مجرد افتراضات‪.‬‬

‫إلى جانب الوظيفة ألاساسية للمشبك العصبي توصيل املعلومات بين خاليا املخ‪ ،‬تعمل‬
‫هذه املشابك بالتعاون مع جسم الخلية العصبية على معالجة املعلومات اللغوية وغير اللغوية وفق‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية‪ .‬ص‪.100 :‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬ص‪.100-101 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫‪1‬‬
‫املراحل آلاتية‪:‬‬

‫‪-‬مرحلة الاستقبال‪ :‬حيث تقوم الخلية العصبية بتخزين املعلومة في تشابكاتها فور وصولها إليها‬
‫من الحواس واملدركات املختلفة‪.‬‬

‫‪-‬مرحلة املعالجة‪ :‬تقوم الخلية بمعايرتها؛ أي تزنها وتقدر قيمتها‪ ،‬تستحق الرد أم ال‪.‬‬

‫‪-‬مرحلة التخزين‪ :‬تقدر الخلية قيمة املعلومة لتسجيلها وتخزينها‪ ،‬وهل توضع في الذاكرة القريبة‬
‫أم الذاكرة البعيدة املدى‪ ،‬ثم تحفظ وتخزن في التشابكات العصبية بعد أن تنحت لها‬
‫الخلية العصبية مكانا نظرا ألهيتها‪.‬‬

‫‪-‬مرحلة الاستدعاء‪ :‬عند الحاجة تقوم الخلية باستدعاء كل املعلومات التي تتصل بصوت‬
‫أو كلمة أو معنى ما‪ ،‬وتقديمها ملدخالت الخلية ملعالجتها فيها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫و يمكن توضيح عمل املشبك باملخطط التالي‪:‬‬

‫استدعاء‬ ‫تخزين‬ ‫معالجة‬ ‫استقبال‬

‫على الرغم من املجهود الكبير الذي بذله العلماء كمحاولة منهم لتفسير عمليات املعالجات‬
‫اللغوية البيولوجية الدماغية‪ ،‬إال أن تفسيراتهم تبقى مجرد افتراضات؛ فلم يتمكنوا ولحد الساعة‬
‫من إثبات صحتها‪ ،‬فلم يتمكنوا من التفريق بين النبضة العصبية الحاملة للمعلومة اللغوية عن‬
‫النبضة العصبية التي تحمل معلومة غير لغوية ؟ هل يظهر من خالل عدد النبضات أم من خالل‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬عطية سليمان أحمد‪ ،‬اللسانيات العصبية اللغة في الدماغ (رمزية‪ .‬عصبية‪ .‬عرفانية)‪ .‬ص‪.125 :‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪777‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫سرعتها ؟ وإذا تمكنا من تصوير خروج النبضة وجريان السيالة الكهروكيميائية فهل يمكن الجزم‬
‫‪1‬‬
‫أن الذي تحمله رسالة لغوية ؟‬

‫فما توصل إليه العلماء لحد الساعة فيما يتعلق بالنقل البيولوجي للغة يبقى مجرد‬
‫افتراضات ال يملك العلماء إلاجابات القاطعة إلثبات صحتها‪ ،‬فلربما النبضات هي تيار وظيفته ليس‬
‫كما هو معتقد ‪...‬‬

‫‪ -3‬مرحلة إرسال وإنتاج الكالم‬

‫بعد العمليات السابقة وبعد املعالجات الدماغية التي تحدث باملخ‪ ،‬يصدر هذا ألاخير‬
‫توجيهاته إلى ألاجهزة املسؤولة عن إنتاج ألاصوات لتتهيأ ألخذ أوضاع وأشكال مناسبة لنطق الكالم‪،‬‬
‫حيث يشترك كل من الجهاز التنفس ي‪ ،‬والجهاز الصوتي‪ ،‬وأجهزة النطق في عملية إنتاجه‪ ،‬وبتدخل‬
‫‪2‬‬
‫هذه ألاجهزة تتم عملية التلفظ‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫تبقى الظاهرة اللغوية من الظواهر الجد معقدة‪ ،‬والتي سعت ومنذ القدم العديد من‬
‫الدراسات باختالف اهتماماتها الدينية والفلسفية والعلمية الوقوف عند أسرارها‪ ،‬كمحاولة منها‬
‫وأسرار هذه الظاهرة‪ .‬وها هو التقدم العلمي اليوم وبكل ما توفر له من نظريات‬ ‫للولوج إلى خبايا‬
‫ووسائل تقنية معاصرة وبتشابك مختلف مجاالته املعرفية الطبية والنفسية واللغوية وغيرها‪ ،‬ال‬
‫ومعرفة طرق تحليلها‪ ،‬وإنما كان الغرض من مجموع تلك‬ ‫يزال يحاول فك الشفرة اللغوية‬
‫املحاوالت قديمها وحديثها‪ ،‬الوقوف عند أيسر الطرق لفهم اللغة وحسن اكتسابها‪ ،‬ويعد هذا‬
‫املسعى من بين أهم ما تسعى إلى تحقيقه أحدث الدراسات اللسانية املعاصرة اليوم والتي تعرف بـ (‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ .‬ص‪.101 :‬‬


‫‪ 2‬هذا موضوع آخر ليس محل اهتمام هذه الدراسة‪.‬‬

‫‪777‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫والتخمينات التي تقوم عليها أغلب‬ ‫اللسانيات العصبية )‪ .‬وبالرغم من كثرة الافتراضات‬
‫نتائج هذا العلم؛ لشدة تعقيد الظاهرة اللغوية من جهة ولقلة التقنية العلمية املعتمدة ن جهة‬
‫ثانية‪ ،‬إال أن اللسانيات العصبية اليوم و بالرجوع إلى نتائج علمية دقيقة استطاعت أن تفسر بعض‬
‫أسرار اللغة خاصة الفيسيولوجية منها‪ ،‬من حيث كيفية تعلمها أو فهمها أو إنتاجها‪ ،‬وتأمل مع مرور‬
‫الزمن ومع التطور العلمي والتكنولوجي أن تتمكن من تحليل وفك الكثير من أسرار اللغة‬
‫الفيسيولوجية والبيولوجية معا‪ .‬وفي مايلي أهم النقاط التي وقفت عندها هذه الدراسة فيما يتعلق‬
‫بأهم العمليات الدماغية والتحليل الفيسيولوجي للغة إلانسان والتي أكدتها البحوث العصبية‬
‫امليدانية‪:‬‬

‫‪ ( -‬التعلم ) قدرة فطرية‪ ،‬و( اكتساب اللغة ) عملية تعليمية‪.‬‬


‫‪ -‬عملية ( اكتساب اللغة ) تتم بالدماغ؛ فالدماغ إلانساني مهيأ فطريا بجهاز خاص في‬
‫واكتساب وإنتاج اللغة‪.‬‬ ‫فهم‬
‫‪ -‬القشرة الدماغية هي العضو الرئيس باملخ املسؤول عن أي نشاط نفس ي معرفي وذلك‬
‫الحتوائها على املراكز العصبية املتخصصة‪.‬‬
‫‪ -‬تشكل الخلية العصبية املحطة ألاولى ملمر الاستيعاب اللغوي‪.‬‬
‫‪ -‬تعلم اللغة يستدعي تدخل عدة مناطق بالقشرة الدماغية‪ ،‬كاملناطق‪ :‬الجبهية ( بروكا‬
‫والصدغية ( فرينيك )‪ ،‬والجدارية ( السمعية )‪ ،‬والبصرية‪.‬‬ ‫)‪،‬‬
‫‪ -‬آليات استقبال اللغة تختص بها منطقة ( فرينيك )‪ ،‬وآليات إرسالها من مهام منطقة (‬
‫بروكا )؛ أي أن منطقة فيرنيك تتعامل مع الكالم ( الوارد ) بينما تتعامل بروكا مع‬
‫الكالم ( الصادر )‪.‬‬
‫‪ -‬خلل إلارسال اللغوي بسبب مشكل في منطقة بروكا‪ ،‬ينجم عنه اضطراب ( حبسة في‬
‫اللغة التعبيرية‪.‬‬
‫‪ -‬خلل الاستقبال اللغوي بسبب مشكل في منطقة فيرينيك‪ ،‬ينجم عنه اضطراب (‬
‫حبسة استقبالية )‪.‬‬
‫‪ -‬تداخل نصفي الدماغ في عملية فهم وتخزين وإنتاج اللغة‪ ،‬وإن كان أغلبيتها تتم‬

‫‪777‬‬
‫‪ISSN: 1112-4628‬‬ ‫مجلة آلاداب و الحضارة إلاسالمية‬
‫السنة ‪1212 :‬‬ ‫عدد ‪12‬‬ ‫مجلد ‪21 :‬‬

‫بالنصف ألايسر عند أغلبية ألاشخاص‪.‬‬


‫‪ -‬إن تفاعل مراكز الدماغ في معالجتها للمعلومة يتم في صورة متكاملة وتناسق دقيق‪.‬‬
‫‪ -‬املعالجة اللغوية عملية معقدة جدا تشترك فيها عدة مناطق ومراكز في الدماغ‪،‬‬
‫فمناطق اللغة تحتل مساحات واسعة من الدماغ‪ ،‬فهي ال ترتبط بمراكز محددة‪ ،‬ولم‬
‫يستطع العلم الوقوف إال على بعضها‪ ،‬فعمل الدماغ سر من ألاسرار العظيمة وأكثر‬
‫آالت الكون تعقيدا ومن أعظم معجزات هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬لم يستطع العلماء‬
‫اكتشاف إال اليسير منه‪.‬‬
‫‪ -‬إن اللغة ظاهرة تجمع بين عدة ميادين‪ ،‬الفيزيائي والفيسيولوجي والنفس ي‪.‬‬

‫إن معرفتنا لكيفية عمل وإنتاج الدماغ وكيفية معالجته للغة‪ ،‬سيمكن مستقبال من إيجاد‬
‫الوسائل والتقنيات ألاكثر فعالية سواء في تسهيل الطرق التي نعلم بها أطفالنا اللغة ألام أو اللغات‬
‫ألاخرى في مراحل نموهم املختلفة‪ ،‬أو من حيث معالجة العديد من الاضطرابات اللغوية التي تعد‬
‫مشكال يعاني منه العديد من ألاشخاص‪.‬‬

‫‪777‬‬

You might also like