Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 78

www.christianlib.

com
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫هيأة الله‬
‫في نغس اإلنسان‬

‫تأليف‬
‫هنري سكوجال‬
‫‪1‬ألجال‪0‬ء‪ 8‬مد‪611٢‬ال‬

‫ترجمة‬
‫هدى بهيج‬

‫المحررالعام‬
‫د *سامي فوزي‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫هياة الله في‬


‫نفس ابرنسان‬
‫تأليف؛ هدري سكوجال‬
‫ترجمة‪ :‬هدى بهيج‬
‫الناشر‪ :‬د‪ .‬سأمي فوزي‬
‫المحررالعام لسلسلة الكالسيكيات‪ :‬د‪ .‬سامي فوزي‬
‫الطبعة العريبة األولى‪٢٠١٨ :‬‬
‫رقم اإليداع‪٢٠١٩/٢٧٢٣ :‬‬
‫عأ‪1<81‬‬ ‫ج‪881€8.0٢‬ة‪1‬ح—‪1٦‬ة‪1‬ا‪11٠18‬إحا‪:/‬والخ‪٢688: 11‬للح‬
‫‪8‬‬ ‫انتاج فني وطباعة‪0٢18 :‬ا‪1:‬ل‪٦‬ا‪0‬ة ‪8‬ا‪11‬خ‪ 1<1٠111‬هسل‬
‫‪ ٤‬ض المسعودي من ش المقريزي‪ .‬روكسي ‪٠١٢٨٢١١٧٨١٢‬‬

‫جميع الحقوق محفوخلة‪ ،‬اليسمح بإعادة إصدارهذا الكتاب‪ ،‬أوأي جزء منه‪،‬‬
‫أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أونقلها‪ ،‬أواسنثساخه بإي شكل من‬
‫األشكال‪ ،‬دون إذن خطي مسبق من الناشر‪.‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫املحتويات‬

‫ه‬ ‫شكر وتقدير‬


‫‪٧‬‬ ‫تقديم بقلم د‪.‬سامي فوزي‪ :‬اقرأ من أجل نفسك‬

‫‪٩‬‬ ‫مقدمة للكالسيكيات المسيحية‬

‫‪١١‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬عن الدين؛ الحياة الطبيعية والحياة اإللهية؛‬


‫والتوضيح النموذجي للحب اإللهي في مخلصنا المبارك‪.‬‬

‫‪٣١‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬عن تفوق الدين والحب اإللهي‪.‬‬

‫‪٤٧‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬عن صعوبات وواجبات الحياة المسيحية‪.‬‬


www.christianlib.com
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫اقرأ من أجل شدك‬

‫‪,,‬رجل لمتقدلم في العمرجالسا يقرا‬

‫رم الفائن العالمي فان جوخ ‪11‬ج‪0‬ل) آلة‪٧‬هذه اللوحة المعبرة — والتي تكأد‬
‫نتحلق بالكلمات — عن رحل متقدم في العمر يجلس في وضع جسدي معدر‪ ،‬وفي‬
‫بح‬ ‫أه‬ ‫بح‬ ‫هدو؛ وتأمل‪.‬‬
‫ماذا يفعل هذا الرجل؟ إنه يقرأ‪ .‬في هذه اللوحة عبر الفائن العظيم عن‬
‫إحدى ركائز الحياة البشرية‪ :‬القراءة‪ ...‬القراءة في هدوء وتأئل واختالء‬
‫*‬ ‫بح‬ ‫بالذغس‪.‬‬

‫وفي نقديمنا لهذه الكالسيكيات المسيحية العمالقة‪ ،‬ندعو ‪١‬لقارىء إلى‬


‫أخذ نفس ‪,,‬وضع* رجل لوحة فان جوخ‪ .‬في هذا ‪,,‬الوضع* نذهب لألبدية؛‬
‫ما الذي يعبرعنه هذا الوضع؟‬
‫أوال‪ :‬إنه يعبر عن إنسان اقتلع نفسه من زحمة الحياة وصخبها وانشفاالتها‬
‫وضجيجها‪ ،‬ثم أخذ هذه النفس إلى ‪,,‬موضع خالء*‪ .‬هناك يتقابل عع نفسه‪،‬‬
‫ومع خالقه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يعبر هذا الوضع عن قرار واتجاه ورغبة وتصميم على أخذ النفس‬
‫في رحلة تدريب شاقة في معترك القراءة والبحث والتفكير‪ .‬إن أهم معركة‬
‫لإلنسان في هذه الحياة التعيسة التي نعيشها هي ‪,,‬معركة الفكر والتفكير*‪.‬‬
‫قال فرانسيس شيغر‪٢‬حا»ححةء‪٦٠18 8‬د ‪ ،‬أحد عمالقة رجال الله في القرن‬
‫‪*< 1 18‬‬ ‫العشرين‪,, ،‬الحرب هي حرب الفكر سلل ‪01‬؛ اة ع‪1‬ة‬
‫ويقصد شيفر بهذه العبارة‪ ،‬أن السراع بين الله وبين الشيطان وقوى الشر‬
‫الروحية‪ ،‬هو صراع على امتالك فكر اإلنسان والتحكم فيه‪ .‬عندما يدرب‬
‫اإلنسان نفسه في شبابه في معترك القراءة والفكر سيجد نفسه في شيخوخته‬
‫ن اهدا بسهولة إلى ‪,,‬موضع الخالء* الذي اعتاد عليه في سنين حياته‪.‬‬
‫‪٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫ثالثا؛ إنه *وضع" الخشع والخضوع أمام *كلمة مكتوبة"‪ .‬هنا في هذا‬
‫*الوضع" اعتراف صارخ مدوي لإلنسان بأنه ال يستحنيع أبدا أن يعيش الحياة‬
‫بدون *كلمة مكتوبة"‪ .‬بالنسبة لإلنسان‪ ،‬الكلمة المكتوبة هي تجربة مئ سبقوه‬
‫ومن أقامهم الله ولصبهم في الحياة ليكونوا مرشدين ومعلمين وممسكين‬
‫بالمصباح إلنارة الطريق لمئ يأتي بعدهم‪ .‬هؤالء المرشدين المستنيرين هم مئ‬
‫تركوا لنا *كلمه مكتوبة"‪ .‬هذه *الكلمة المكتوبة" تقف طى قاعدة *كلمة الله‬
‫المكتوبة" في الحياة‪ ،‬وأيشا في الوحي المقدس *المسلم مرة للقديسين"‪ .‬كان‬
‫المسيح يقول دائائ *إنه مكتوب‪ ."...‬منن بدء الخليقة يتكلم الله كل يوم في‬
‫ابتاريخ ولإلنسبان؛ وعندما يتكلم الله‪ ،‬يتحتم على اإلنسان أن *يقرأ"‪ .‬فافرأ‬
‫إذا من أجل نفسك(‬

‫رابنا؛ إنه ‪ ,‬الوضع‪ ١‬الذي يعبرعن اشتياق النفس‪ .‬تشتاق النفس الصادقة‬
‫البارة إلى االختالء والهدوء والسكينة وحياة التأكل‪ ,‬يوحي لنا *رجل" فان‬
‫جوخ بأنه وجد مبتغى ومشتهى نفسه‪ .‬لقد تعب من السير في الحياة واآلن‬
‫يأتي إلى *موضع خالء"‪ ...‬يأتي إلى نفسه وإلى خالقه ومخئصه والرجاه‬
‫الوحيد المتبقي له‪ .‬لقد بحث في كل موضع وفي كل مكان‪ . ٠ .‬بحث مع شولميث‬
‫التي طافت المدينة باحثه وتبحث‪...‬واآلن‪ ،‬أخيرا ولجن ضالته‪ ،‬وأراد أن ينهب‬
‫مع *حبيب نفسه" إلى موضع خالء‪.‬‬

‫أيها اإلنسان‪ ...‬قد تقول في ننسلن‪* :‬عندما أتقدم في العمر‪ ،‬سوف أتحرر‬
‫من مشغوليات الحياة الطاحنة وعندئذ أجد الوقت ألقرأ‪ ".‬أقول لك في هدو‬
‫ويقس‪ :‬إذا لم نقرأ اآلن في شبابك وفي وسحل كل مشغوياتك‪ ،‬فلن تقرأ في‬
‫شيخوختك‪ .‬هذا هوقانون الحياة والقانون اإللهي المحفورفي صخر الحياة‪.‬‬
‫مئ يعرف الله حنا‪ ...‬يقرأ‪ ...‬نعم يقرأ‪ .‬مئ ال يعرف الله‪ ،‬ال‬
‫يقرأ‪ .‬اقرأإذا من أجل شك‪.‬‬
‫د‪ .‬سامي فوزي‬
‫القاهرة‪ ،‬مايو‪٢٠١٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫مقدمة للكالسيكيات اصبدغ‬

‫*ولتكن نغمة الزب إلهثا عليثا‪ ،‬وعمل أيدينا ثبت عليثا‪ ،‬وعمل أردينا‬
‫ثبته*(مزمور‪)١٧:٩٠‬‬
‫تم‬
‫نحن نعيش في زمن الفراغ الداخلي والتسطح‪ .‬نعيش في زمن ‪,‬المسيحية‬
‫السوقية والباعة الجائلون‪ .‬إنه زمن قد انقلبت فيه األعمدة *إذا انقلبت‬
‫األعبدة‪ ،‬فالصنيق ماذا يفعل؟* (مز‪ .)٣:١١‬لقد انقلبت األعمدة والمسكن‬
‫ينهارعلى ساكتيه‪.‬‬

‫نعيش اليوم في زمن جفاف مؤلم‪ ،‬وأرض جرداء قاحلة‪ ،‬وشبه غياب‬
‫تام للقدادة ولبقدوة الروحية انطاهرًا والبار *وأجعل صبيانا رؤساء لهم‪،‬‬
‫وأطفاال تتسلط عليهلم‪( *.‬إشعياء‪ ،)٤:٣‬هذا هوحالنا اليوم‪ .‬كان هذا عقاب‬
‫الله للشعب في القديم‪ ،‬واتشاهد المدقق الصادق مع نفسه‪ ،‬يرى هذا العقاب‬
‫حادث وحاز بيننا في بالدنا وفي كنيسة بالدنا‪.‬‬

‫وعندما نتوقف بأمانة لنفحص الواقع الروحي المحيط بنا في بلدنا‪ ،‬وأيصا‬
‫في الشرق األوسط؛ نجد فقزا شديدا— بل شبه مجاعة‪ -‬في عنصر التعليم‬
‫اإللهي والمعلم الممسوح من جهة‪ ،‬وعنصر الكلمة المقروءة الفعالة من جهة‬
‫أخرى‪ .‬وكان لهذا كله تبعيات كارثية على الكنيسة وعلى هؤالء المسيحيين‬
‫األمناء الذين يبحثون حائ عن الله ‪ -‬لحياة البر‪.‬‬

‫تحت ضغط هذا الفقر الشديد‪ ،‬وتحت إلحاح االحتياج العميق لألمناء‪،‬‬
‫جاءت فكرة هذه السلسلة *سلسلة الكالسيكيات المسيحية*‪ .‬وهذه‬
‫الكالسيكيات هي تلك الكتب التي أثبتت رجاحتها الالهوتية وعمقها‬
‫الروحي وتاثيرها القعال في بناء الحياة المسيحية الحقيقية واألصيلة‪ .‬تلك‬
‫الكتب التي أثبت التاريخ‪ ،‬وتجد لها القديسون عبر تاريخ الكنيسة‪ ،‬أنها لعبت‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫دورا الهدا أساسدا في هداية اإلنسان المسيحي في بحثه عن الله وسعيه الحثيث‬
‫في حياة البئ والقداسة‪ .‬في إيماننا المسيحي نحن نقف على أكتاف مئ سبقونا‪.‬‬
‫ولألسف فإن مكتبتنا العربية تفتقر لهذه النوعية من الكتب المسيحية‪.‬‬
‫*إذا انقلبت األعبدة‪ ،‬فالصنيق ماذا يفعل؟م‪ ،‬لكننا نقول إنه مهما‬
‫انقلبت األعمدة فمازال هناك الصديقون‪ ،‬حتى وإن كانوا قليلين جدا‪ .‬ولهؤالء‬
‫الصديقين القالئل نقدم هذه الكالسيكيات المسيحية‪ ،‬لتكون كالمنارة الهادية‪.‬‬
‫إنهم قالئل‪ ،‬ولكن لهؤالء القالئل جاء المسيح وقبز وقام‪ ،‬وسيأتي ثانيه في‬
‫سحاب المجد ليأخذهم معه‪ .‬لهم قال السيد *ال تخف‪ ،‬أدها القطيع الئغيئ‪،‬‬
‫ألن أباكلم قذ سر اذ يعحليكم الملكوت‪ *.‬انا العائة‪ ،‬فهذه الكالسيكيات‬
‫تدعوهم للخروج من *الفخ* الذي وضعته لهم الحياة ووضعوه هم أيصا‬
‫ألنفسهم‪ .‬نقول لهم لم يغذ الوقت بعد لتفيير المسار والخروج من الكهف‪،‬‬
‫ولكته حثا وقت قصير جدا ومقصر‪ ،‬وحاأل سئفتق األبواب على العذارى‬
‫الجاهالت‪ .‬هؤالء العذارى الجاهالت الالتي يمألن أسواق* المسيحية السوقية*‬
‫ويجدربهن أن يستمعئ للكلمات الخالدة من عمالق المسيحية في القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬سورين كيركجارد ‪1‬آالاًةجج;ا‪٣‬ح‪٦ 1>1‬لج‪0٢‬ة *هؤالء العذارى الجاهالت‬
‫قد فقدن الونع المتقد الالمتناهي النتظار العريس ‪881011‬ة(ل ئ‪٦1‬لةع‪1‬‬

‫ولذلك أطفئت مصابيحهن‪ .‬أما العذارى الحكيمات‬ ‫؛‪4*0‬‬ ‫‪ً101٦‬ا‪ً3.‬انحول\ج‬


‫الساهرات‪ ،‬فستكون لهن هذه الكالسيكيات— التي شهد لها الزمن والزمان‬
‫عبر تاريخ المسيحية— كحلوق نجاة‪ ،‬وكقطرات ماء من ينبع الماء الحي للنفس‬
‫العطشة المتألمة السائرة في وسط صحراء الحياة الجرداء وأرضها القاحلة‪.‬‬

‫د‪ .‬سامي فوزي‬


‫القاهرة‪ ،‬مايو‪٢٠١٣‬‬

‫‪١٠‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫عن الدين‪ :‬الحياة الطبيعية والحياة اإللهية؛‬


‫والتوضيح النموذجي للحب اإللهي في مخلصنا المبارك‬

‫صديقي العزيز‪،‬‬
‫تقدم لك هذه التسمية عنوانًا لكل المجهودات التي‬
‫يمكنني بها خدمة اهتماماتك‪ .‬إن ميولك التقوية للقيام‬
‫بذلك‪ ،‬تتفق لحسن الحظ مع مهمتي‪ ،‬فلن أحتاج أن أخرج‬
‫عن مساري لكي أجنبك — لكني ربما أقوم مرة واحدة‬
‫بواجب الصداقة‪ ،‬وأمارس مهنتي‪ ،‬حيث أن نمو الفضيلة‬
‫والقداسة (والذي آمل أن تجعله أعظم دراساتك)‪ ،‬هو‬
‫العمل المميز لمهنتي‪ .‬لذلك تعتبر هذه أكثر مرة أقوم‬
‫فيها‪ ،‬بصورة عامة‪ ،‬بالتنفيس عن عواطفي‪ ،‬والتعبير‬
‫عن امتناني لك‪ ،‬ولن أتأخر بعد ذلك في تنفين الوعد‬
‫الذي قطعته معك لهذا الفرض؛ ألنه رغم أنني أعرف‬
‫أنك مزود بمساعدات من هذا النوع‪ ،‬أفضل من أي شيء‬
‫أستطيع أن أقدمه لك‪ ،‬كما أنك لن تلتقي بأي شيء‬
‫هنا لم تكن تعرفه من قبل‪ ،‬إال أنني آمل أن ما يأتي من‬
‫شخص تسر بأن تكرمه بصداقتك‪ ،‬ومخصص بصورة‬
‫أكثرتحديدًا الستخدامك‪ ،‬ستقبله بلطف؛ وآمل أن توجه‬
‫عناية الله أفكاري بحيث تجذ شيائً ما مفيدًا لك‪ .‬كما‬
‫أنني ال أشك في عفوك‪ ،‬إن كان ألجل صياغة حديثي‬

‫‪١١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬


‫ء‬ ‫ه‬ ‫ء‬ ‫م‬
‫في شكل أفضل‪ ،‬أرسي أساسا منخفضا‪ ،‬مبتدائ بطبيعة وخحعائحس الدين‪،‬‬
‫وهلوال الوقت أفسح مجاألألفكاري في متابعة الموضع‪ ،‬يجعلني أقول عدة أمور‬
‫لم تكن ضرورية‪ ،‬لوال أنني أهتم بمن أكتب إليه‪.‬‬

‫ال أستطيع الحديث عن الدين‪ ،‬لكني البد أن أرثي بحزن أنه من بين‬
‫الكثيرين الذين يتظاهرون به‪ ،‬القليلون جدا هم الذين يفهمون معناه‪.‬‬
‫البعض يضعونه في العقل‪ ،‬من حيث األفكار واآلراء التقليدية؛ وكل تعليل‬
‫يستطيعون تقديمه لديانتهم هو أنهم يتبعون هذه القناعة أو تلك‪ ،‬وأنهم قد‬
‫انضموا إلى واحدة من الطوائف الكثيرة التي ينقسم إليها العالم المسيحي‬
‫بصورة بائسة‪ .‬بينما يقوم آخرون بوضع الدين في اإلنسان الخارجي‪ ،‬في‬
‫اتجاه مستمرللواجبات الخارجية‪ ،‬ونموذج للسلوكيات واإلنجازات‪ .‬فإذا كانوا‬
‫يعيشون بسالم مع جيرانهم‪ ،‬ويحافظون على نظام غذائي معتدل‪ ،‬ويراعون‬
‫عوائد العبادة‪ ،‬ويذهبون كثيرًا إلى الكنيسة او إلى الصالة في مخادعهم‪،‬‬
‫وفي بعض‪ .‬األحيان يمدون أيديهم لمساعدة الفقراء‪ ،‬يعتقدون أنهم قاموا‬
‫بالتزاماتهم بما يكفي‪ .‬هنالى آخرون يضعون الديانة كلها في العواطف‪ ،‬في‬
‫اسوب المتحمسة‪ ،‬والعبادة المنتشية؛ وكل ما يهدفون إليه هو أن يصلوا‬
‫بحماس‪ ،‬ويفكروا في السماء بمتعة‪ ،‬ويتأثروا بتلك التعبيرات اللطيفة والمؤثرة‬
‫التي يخعلبون بها ود مخلصهم‪ ،‬إلى أن يقنعوا أنفسهم أنهم يحبونه بقوة‪،‬‬
‫ومن هنا يفترضون ثقة عظيمة في خالصهم‪ ،‬والذي يقدرون أنه أساس النعم‬
‫المسيحية‪ .‬وهكذا يخطوئن فهم تلك األمور التي *تشبه* التقوى‪ ،‬فيعتبرونها‬
‫هي الدين بأكمله‪ ،‬والتي في أفضل حاالتها ما هي إال وسائل للحصول عليه‪ ،‬أو‬
‫ممارسات معينة له — ال بل وفي بعض األحيان‪ ،‬يزعم الشر والرنيلة لنفسهما‬
‫ذلك اإلسم‪ .‬إنني ال أتكلم اآلن عن تلك المعاصي الفاضحة التي كان الوثنيون‬
‫معتادين أن يعبدوا بها آلهتهم‪ .‬لكن توجد أعداد كبيرة جدًا من المسيحيين‬
‫يقدسون رذائلهم‪ ،‬ويتبعون ميولهم الفاسدة‪ ،‬والذين يطلقون على هزلهم‬

‫‪١٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫الرث وكبريائهم العنيد‪* ،‬صرامة مسيحية*؛ ويطلقون على سخطهم الوحشي‬


‫وهياجهم المر على أعدائهم‪* ،‬غيرة مقدسة*؛ والذين البد أن يطلقوا على‬
‫احتقارهم لرؤسائهم‪ ،‬أوتمردهم على حكامهم‪* ،‬شجاعة وتصميم مسيحي*(‬

‫لكن الدين بالتأكيد شيء آخر تمامًا‪ ،‬وأولئك الذين يعرفونه سيتبنون‬
‫أفكارًا مختلفة تمامًا‪ ،‬ويحتقرون كل تلك الخياالت والمحاكاة الزائغة له‪ .‬فهم‬
‫يعرفون بالخبرة أن الديانة الحقيقية هي اتحاد النفس مع الله‪ ،‬واشتراك‬
‫حقيقي فى الطبيعة االلهية‪ ،‬حيث تنطبع صورة الله نفسها على النفس‪ ،‬أو‪،‬‬
‫بحسب تعبير الرسول‪* ،‬يتصور المسيح فيكم* (غالطية ‪ .) ١٩ :٤‬باختصار‪،‬‬
‫ال أعرف كيف يمكن أن يتم التعبير بشمولية أكثر عن طبيعة الدين‪ ،‬إال بأن‬
‫نطلق عليه *الحياة اإللهية*؛ وبموجب هذه التسمية سأتحدث عنه‪ ،‬موضحًافي‬
‫البداية كيف ئطلق عليه *حياة*؛ ثم كيف تحللق عليها *إلهية*‪.‬‬

‫سأختارفيالبداية أن أعبرعنه باسم *الحياة*‪ ،‬بسبب دوامه وثباته‪ .‬ليس‬


‫الدين بداية مفاجئة‪ ،‬أو هوى للعقل‪ ،‬كما أنه ال يجب أن يرتفع إلى ذروة النشوة‬
‫ويبدو أنه ينقل اإلنسان إلى إنجازات استثنائية‪ .‬هناك القليلون الذين لديهم‬
‫قناعات بضرورة فعل شيء ما لخالص نفوسهم‪ ،‬وهو األمر الذي قد يدفعهم‬
‫إلى بعض الخطوات لألمام بقدر كبير من التسرع كما يبدو‪ ،‬لكنهم سريعًا‬
‫ما يفغرون ويستسلمون‪ .‬لقد كانوا في حالة من الحرارة‪ ،‬لكنهم اآلن بردوا؛‬
‫كانوا ينمون ويرتفعون عاليًا‪ ،‬ولكنهم ذبلوا سريعًا‪ ،‬ألنه لم توجد لديهم‬
‫جذور‪ .‬يمكن مقارنة هذه النوبات المفاجئة‪ ،‬بالتحركات العنيفة والمتشنجة‬
‫لألجسام التي سطع رؤوسها حديثًا‪ ،‬والتي تسببها هياج األرواح الحيوانية‪،‬‬
‫بعد أن تقارقها النفس‪ ،‬والتي مهما كانت عنيفة ومندفعة‪ ،‬ال نستطيع أن تستمر‬
‫طويال‪ .‬لكن تحركات النفوس المقدسة مستمرة ومنتظمة‪ ،‬وتنبع من مصدر‬
‫دائم وحي‪ .‬صحيح أن هذه الحياة اإللهية ال تستمر دائمًا بنفس تلك القوة‬
‫والحيوية‪ ،‬بل تعاني مرات كثيرة من ذبول مؤسف؛ ويجد القديسون صعوبة‬

‫‪١٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫أكبر في مقاومة التجربة‪ ،‬وبهجة أقل في أداء مسؤولياتهم‪ .‬وهع ذلك‪ ،‬فهذه‬
‫الحياة ال تنحلقيء تمامًا‪ ،‬وال يدركون هم أيضًا إلى سلطة تلك الميول الفاسدة‬
‫التي تتسلط وتطغى على بقية العالم‪.‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬يمكن تسمية الدين *حياة* ألنه جوهرداخلي‪ ،‬وحر‪ ،‬وذاتي‬
‫انحركة؛ وأولئك الذين أحرزوا تقدمًا فيه‪ ،‬ال يحئزون فقط بدوافع خارجية‪،‬‬
‫مسوقين فقط بالتهديدات‪ ،‬وال ترشيهم الوعود‪ ،‬وال تقيدهم القوانين؛ لكنهم‬
‫ر‬ ‫مم‬
‫يميلون بقوة الى ما هوصالح‪ ،‬ويفرحون بإنجازه‪ .‬الحب الذي يكنه اإلنسان‬
‫التقي لله وللخير‪ ،‬ليس باألكثر بسبب أمر تلزمه بالقيام بذلك‪ ،‬لكنه بسبب‬
‫طبيعة جديدة تقوده وتحثه على ذلك؛ كما أنه ال يقدم صلواته باعتبارها‬
‫ضريبة ال يمكن تجنبها‪ ،‬فقط لكي يرضي العدالة اإللهية‪ ،‬أويهديء من ضميره‬
‫المزعج؛ لكن تلك الممارسات الدينية هي النتائج المالئمة للحياة الروحية‪،‬‬
‫والتجسديات الطبيعية للنفس التي ولدت من جديد‪ .‬فيصلي ذلك اإلنسان‬
‫ويشكر الله ويتوب‪ ،‬ليس فقط ألنه يوصى بهذه األشياء‪ ،‬بل باألحرى ألنه واع‬
‫بنقائصه ئ خفاقاته‪ ،‬وبالصالح اإللهي‪ ،‬وبحمق وشقاء الحياة اآلثمة‪ .‬لذللائً‬
‫فإحسانه ليس متكلفًا‪ ،‬وال تنتزع صدقاته منه انتزاعًا؛ لكن حبه يجعله راغبًا‬
‫في العطاء‪ ،‬ورغم أنه ال يوجد التزام خارجي فإن قلبه سيفكرفي أمور سخية‬
‫ليقوم بها‪ .‬الخللم واإلسراف‪ ،‬وكل الرذائل األخرى‪ ،‬تكون مناقضة لطبعه‬
‫ومزاجه مثلما تكون األفعال الوضيعة للروح الكريمة‪ ،‬والوقاحة والبناءة للذين‬
‫هم بالطبيعة متواضعون‪ .‬لذلك يمكنني أن أقول عن حق مع القديس يوحنا‪،‬‬
‫*كل من هو مولود من الله ال يفعل خطية ألن زرعه يثبت فيه وال يستطيع أن‬
‫يخطيء ألنه مولود من الله* ( ‪ ١‬يوحنا ‪ . ) ٩ :٣‬فرغم أن األشخاص المقدسين‬
‫واألتقياء يراعون ناموس الله كثيرًا ويهتمون به بصورة عظيمة‪ ،‬إال أنه ليس‬
‫عقوبات الناموس هي ابتي تغلب عليهم‪ ،‬بل عقالنيته ونقاؤه وصالحه‪ .‬فهم‬
‫يحسبونه متفوقا وجذابا في حد ذاته‪ ،‬وفي حفظه ثواب عظيم؛ والحب اإللهي‬
‫الذي يدفعهم يجعلهم يصبحون هم ناموسا ألنفسهم‪:‬‬
‫‪١٤‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫من يمكنه أن يصف ناموسا ألولئك الذين يحبون؟‬


‫—د‬ ‫—‬ ‫—‬ ‫———————‪-‬امك———د‬

‫فالحب الذي يحركهم هوناموس أقوى‪.‬‬


‫••—‬ ‫‪....‬‬ ‫]*‬

‫باختصار‪ ،‬ما قاله مخلصنا المبارك عن نفسه‪ ،‬ينطبق بدرجة ما على‬


‫أتباعه‪ ،‬أن اطعامهم وشرابهم هو أن يفعلوا مشيئة اآلب*‪ .‬وكما أن الشهية‬
‫الطبيعية ننجذب إلى الحلعام‪ ،‬رغم أننا يجب أال نفكرفي أنه ضروري لإلبقاء‬
‫على حياتنا‪ ،‬هكذا أيضا تجدهم ينجذبون بميل هلبيعي غير متكلف نحو ما‬
‫هوصالح وصيته حسن‪ .‬إال أنه من الصحيح أن المحفزات الخارجية في كثير‬
‫من األحيان تكون مفيدة للغاية إلثارة وإيقاظ هذا األصل الداخلي‪ ،‬خاصة في‬
‫طفولته وضعفه‪ ،‬عندما يكون في كثير من األحيان ضعيفًا جدًا بحيث يستطبع‬
‫اإلنسان نفسه بالكاد أن يميزه‪ ،‬وبالكاد يتمكن من التحرك خطوة واحدة‬
‫لألمام ما لم تدفعه آماله أومخاوفه‪ ،‬بضغط من ضيقة ما‪ ،‬أو بشعور بالرحمة‪،‬‬
‫أو بسلطة القانون‪ ،‬أو بإقناع من اآلخرين‪ .‬فإن كان مثل هذا الشخحص ذا‬
‫ضمير يقظ ومنتظم في طاعته‪ ،‬ويئن بجدية تحت الشعور بغتوره‪ ،‬ويرغب في‬
‫القيام بواجباته بروح ونشاط أكثر‪ ،‬فهذه هي التحوكات األولى للحياة اإللهية‪،‬‬
‫والتي‪ ،‬رغم كونها ضعيفة وباهتة‪ ،‬سوف تعرز بالفعل بتأثيرات السماء‪ ،‬وتنمو‬
‫نحو نضج أعظم‪ .‬لكن اإلنسان الذي يكون خاليًا بالكامل من هذا الجوهر‬
‫الداخلي‪ ،‬وال يطمح إليه‪ ،‬بل يرضي ذغسه'بتلك‪ ,‬اإلنجازات والممارسات التي‬
‫يحثه عليها التهذيب أو التقليد‪ ،‬خوفًا من الجحيم او بواعز ض مفاهيم‬
‫جسدية عن السماء‪ ،‬ال يمكن أن يعتبر شخص تقى‪ ،‬كما ال يمكن ان ‪,‬نطلق‬
‫على الدمية إنسانا‪ .‬هذه الديانة المتكلفة أو االصطناعية‪-‬تكون بصورة عامة‬
‫ثقيلة وفاترة‪ ،‬مثل حركة ثقل يرعع ألعلى‪ .‬إنها تكون باردة وخالية من الحياة‪،‬‬
‫مثل صعوبة إلتزام زوجة متزوجة ضد إرادتها‪ ،‬والتي تقوم بذلك بدافع من‬
‫الواجب تجاه زوج ال تحبه‪ ،‬وبدافع من شعور ما بالفضيلة أو الكرامة‪ .‬من هنا‬
‫تكون هذه الديانة أيضًا ضعيفة وهزيلة‪ ،‬خاصة في تلك الواجبات التي تعامل‬

‫‪١٥‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫بعنف شديد ميول اإلنسان الجسدية ؛ فتسعى تلك األ واح الوضيعة أال تفعل‬
‫أكثر مما هو مطلوب نطعًا‪ .‬فحيث أن القانون هو الذي يجبرهم‪ ،‬سيكرهون‬
‫أن يعيلوا أكثر مما يحدهم بعمله؛ ال بل أنهم سيضعون عليه باستمرار مظهرا‬
‫جذابا مخادعًا‪ ،,‬بحيث يتركون ألنفسهم أعظم حرية ممكنة‪ .‬لكن روح الدين‬
‫الحقيقي صريحة ومتحررة‪ ،‬أبعد ما يكون عن التفكير الكثيب والضيق؛‬
‫والشخص الذي قدم نفسه بالكامل لله‪ ،‬لن يفكر أبدًا في أنه يفعل أكثر مما‬
‫(‬ ‫يجب ألجل الله‪.‬‬

‫أرجوأن يكون قد تبتغ لك اآلن أن الدين‪ ،‬بقدركبيرمن المنطق‪ ،‬رط اق عليه‬


‫*حياة*‪ ،‬أو جذرحيوي‪ ،‬وأنه من الضروري جدًا التمييز بينه وبين تلك الطاعة‬
‫المقيدة والتي تعتمد على األسباب الخارجية‪ .‬سأنتقل اآلن لكي أعلل لماذا‬
‫حددت له اسم *الحياة اإللهية*؛ وهكذا يمكن دعوته‪ ،‬ليس فقط في عالقته‬
‫بمصدره وأصله‪ ،‬باعتبار الله هو منبعه‪ ،‬وكونه يعمل في نفوس البشر بقوة‬
‫روحه القدوس؛ بل أيضًا من حيث طبيعته‪ ،‬باعتبار الدين مشابهة للكماالت‬
‫اإللهية‪ ،‬وصورة القدير التي تشع في نفس اإلنسان؛ ال بل أنه اشتراك حقيقي‬
‫في طبيعة الله‪ ،‬وشعاع من النور األبدي‪ ،‬وقطرة من ذلك المحيط الالنهائي‬
‫للصالح؛ وأولئك الذين وهبوا الدين يمكن أن يقال أن *الله يسكن فيهم‬
‫والمسيح قد تصور فيهم*‪.‬‬

‫قبل أن أنتقل إلى تفكير أكثر تحديدًا عن تلك الحياة اإللهية حيث نتمثل‬
‫الديانة الحقيقية‪ ،‬ربما يكون من المالئم أن أتحدث قليال عن تلك الحياة‬
‫الطبيعية أو الحيوانية التي تسود في أولئك الذين هم غرباء عن الحياة‬
‫األخوى؛ وأنا ال أفهم عن هذه الحياة سوى ميلنا أو اتفاقنا الكامل مع تلك‬
‫األمور التي تسر وترضي الطبيعة؛ أو حب النفس الذي ينبع وينتشر داخل‬
‫أكبر عدد ممكن من الجوانب‪ ،‬إذ لدى البشر العديد من الرغبات والميول‪.‬‬
‫إنني أعتبر أن أصل وأساس الحياة الحيوانية هو الحواس‪ ،‬واذ أتحدث عنها‬

‫‪١٦‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫بطريقة واسعة‪ ،‬التي هي مضادة لإليمان‪ ،‬وهذا يعني؛ادراكنا وإحساسنا بتلك‬


‫األمور التي إما نثير لدينا االمتنان أو اإلزعاج‪ .‬هذه الميول الحيوانية‪ ،‬إذ نفكر‬
‫بها في حد ن اتها‪ ،‬وحيث أنها مغروسة فينا بالطبيعة‪ ،‬ليست شريرة أو تالمة؛‬
‫كال‪ ،‬بل أنها لمحات من حكمة الخالق‪ ،‬الذي يزود مخلوقاته بمثل هذه الرغبات‬
‫التي تعمل على استبقاء وسالمة حياتهم‪ .‬هذه تكون بديلة عن القانون داخل‬
‫الوحوش الغاشمة‪ ،‬والتي توحه نحو الغايات التي حلقوا ألجلها‪ .‬لكن حيث أن‬
‫اإلنسان قد صنع ألغراض أسمى‪ ،‬لكي يقاد بقوانين أكثر تفوقًا وروعة‪ ،‬فإنه‬
‫يصبح مذنبًا ومجرمًا عندما يبتعد عنها جدًا بواسطة ميول هذه الحياة الدنيا‬
‫بحيث ينتهك واجباته‪ ،‬أو يتجاهل التصميمات األسمى واألنبل لخلقه‪ .‬مدوبنا‬
‫الطبيعية ال يجب أن كستأصل وتدئر بالكامل‪ ،‬بل يجب فقط أن تدار ويسيطر‬
‫عليها مبد‪ ,‬أ أكثر سموًا وتفوقًا ‪ .‬باختصار‪ ،‬الغارق بين اإلنسان التقي واإلنسان‬
‫الشرير‪ ،‬هو أنه في السابق تسود الحياة اإللهية‪ ،‬بينما في الالحق تغلب الحياة‬
‫ايحيوانية‪.‬‬

‫لكن من الغريب أن نالحظ إلى أية مسارات مختلفة يحمل هذا المبدأ‬
‫الحلبيعي أحيانًا أولئك الذين ينقادون به بالكامل‪ ،‬بحسب الظروف المتنوعة‬
‫التي توجد معه لتحديد هذه المسارات؛ ثم بعد ذلك‪ ،‬في كثير من األحيان‬
‫يؤدى عدم التفكير في ذلك إلى أخطاء خطيرة للغاية‪ ،‬تجعل البشر يفكرون‬
‫حسنا من جهة أنفسهم بسبب هذا االختالف الظاهر بينهم وبين اآلخرين؛‬
‫بينما قد تنبع أفعالهم طوال ذلك الوقت من نفس المصدر عينه‪ .‬إذا فكرنا‬
‫في الطبع والمزاج الطبيعي للنفوس البشرية‪ ،‬سنجد البعض منها مستهترًا‬
‫ومازحًا وهنائشًا‪ ،‬مما يجعل سلوك اإلنسان متطرفًا وسخيفًا؛ بينما هناك‬
‫آخرون جادون وصارمون بالطبيعة‪ ،‬وحياتهم بأكملها منضبطة بمثل تلك‬
‫الرزانة التي تعطيهم قدرًا كبيرًا من المهابة واالحترام‪ .‬البعض يكونون ذوي‬
‫طباع هزلية‪ ،‬قاسية‪ ،‬عابسة‪ ،‬فال يستطيعون أن يكونوا هم أنفسهم قانعين‬

‫‪١٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫وال يحتملون أن يكون اآلخرون كذلك‪ .‬لكن ال يولد الجميع بمثل هذه النزعات‬
‫البائسة والكريهة؛ فبعض األشخاص لديهم عذوبة وعطف خاص متأصل في‬
‫طبيعتهم ويجدون أعظم سعادة في التعبير عن المودة للناس‪ ،‬والوضا المتبادل‬
‫بين األصدقاء‪ ،‬وال يشتهون أكثرمن أن يكون الجميع ممتنين لهم‪ .‬من الجيد‬
‫أن الطبيعة قد وئرت هذه الرقة المزاجية لسد العجز في المحبة الحقيقية في‬
‫العالم‪ ،‬ولجذب البشر للقيام بشيء لخير اآلخرين‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بالتهذيب‪ ،‬البعض لم يتعلموا أبدًا أن يتبعوا أية قواعد أخرى سوى ا تلك‬
‫الخاصة بالمتعة أو المصلحة؛ لكن هناك آخرون معتادون للغاية على مراعاة‬
‫أكثر القواعد الصارمة من اللياقة واالحترام وبعض نماذج الفضيلة‪ ،‬بحيث‬
‫يتمكنون بالكاد من فعل أي شيء كانوا معتادين على النظرإليه باعتباره دنيء‬
‫وغير جدير بالتقدير‪.‬‬

‫باختصار‪ ،‬هناك فارق كبير في طباع البشر الطبيعيين‪ ،‬والذي ينشأ‬


‫من قوة' أو ضعف ذكائهم أو بصيرتهم‪ ،‬ومن اهتمامهم أو إهمالهم في‬
‫استخدامهما‪ .‬فاإلسراف والشهوة‪ ،‬الظلم واالضطهاد‪ ،‬وكل تلك الشرر‬
‫االري التي نكثر في العالم‪ ،‬وتجعله شديد البؤس‪ ،‬هي مشاكبة حب النفس‪،‬‬
‫وأثر الطبيعة الحيوانية‪ ،‬عندما ال يتغلب عليها ‪١‬كين‪ ،‬وال دحكم بالمنطق‬
‫الحلبيعي‪ .‬ولكن هذه الطبيعة اإلنسانية إن تمسكت مرة بالعقل‪ ،‬وجاءت إلى‬
‫جانب البصيرة والذكاء‪ ،‬فإنها في كثير من األحيان ستزدري األنواع الجسيمة‬
‫من الرذائل‪ ،‬وتتحول إلى محاكاة مقبولة للفضيلة والصالح‪ .‬إن كان دى‬
‫اإلنسان الكثيرجدًا من التعقل بحيث يفكرفي األضرار التي يأتي بها اإلسراف‬
‫والشهوات الجامحة على صحته‪ ،‬وثروته‪ ،‬وسمعته‪ ،‬فإن حبه لنفسه يمكن أن‬
‫يجعله يتوقف عنها؛ ويمكن لإلنسان أن يالحظ قواعد العدالة األخالقية‪،‬‬
‫في التعامل مع اآلخرين‪ ،‬باعتبارها أفضل طريقة للحفاظ على مصلحته‬
‫الخاصة‪ ،‬والحفاظ على سمعته في العالم‪ .‬لكن ليس هذا هوكل شيء؛ فهذا‬

‫‪١٨‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫األصل الحلبيعي (الطبيعة اإلنسانية) ‪ ،‬بمساعدة العقل‪ ،‬يمكن أن يحلق أعلى‬


‫من ذلك‪ ،‬ويقترب أكثر من نماذج التقوى والتدين‪ :‬فقد يميل باإلنسان إلى‬
‫دراسة مجتهدة للحقائق اإللهية؛ فلماذا ال تكون مثل هذه األمور‪ ،‬مثلها مثل‬
‫النظريات األخوى‪ ،‬ممتعة ومستحبة للعقول الباحثة والشغوفة بالمعرفة؟ فقد‬
‫تجعل الناس متحمسين للحصول على مثل هذه األفكار ونشرها كما اعتنقوها‬
‫هم‪ ،‬وتجعلهم شديدي الرغبة في أن يبضع اآلخرون إلى رأيهم‪ ،‬ويؤيدون‬
‫اختيار الدين الذي قاموا به هم شخصيا‪ .‬وقد يجعلهم هذا يفرحون بسماع‬
‫وتأليف محاضرات رائعة عن األمور المختصة بالدين؛ حيث أن الخطابة‬
‫هي أمر ممتع للغاية‪ ،‬مهما كان الموضع‪ ،‬ال بل أن البعض قد يضعونها في‬
‫ارتفاع ليس بقليل في العبادة العقلية‪ .‬األمور المجيدة التي يتم الحديث بها عن‬
‫السماء‪ ،‬قد تجعل حتى القلب الجسدي (قلب اإلنسان الغيرمؤمن) يقع في‬
‫حبها‪ :‬فالتشبيهات واالستعارات التشبيهية التي ستخدم في الكتاب المقدس‬
‫عن التيجان واألكاليل والصولجانات‪ ،‬وأنهار المتعة‪ ،‬الخ‪ ،‬تؤثر بسهولة في خيال‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتجعله يتمنى أن يكون هناك‪ ،‬رغم أنه ال يفهم وال يرغب في تلك‬
‫المتع الروحية الموصوفة والتي يسعى إليها؛ وعندما يأتي مثل هذا الشخص‬
‫لإليمان بأن المسيح قد اقتنى له مثل هذه األمور المجيدة‪ ،‬قد يشعر بنوع‬
‫من الحنان والحب تجاه مثل هذا المحسن العظيم‪ ،‬ويتخيل أنه أصبح يحبه‬
‫بقوة‪ ،‬لكنه طوال هذا الوقت يظل غريبا عن الطباع المقدسة وعن روح يسوع‬
‫المبارك‪ .‬وقد اكتشف مؤخرًا العديد من الكتاب المثقفين والحكماء‪ ،‬بطريقة‬
‫فائقة‪ ،‬العالقة التي يمكن أن تكون للتكوين الحلبيعي بالعبادة المنتشية لبعض‬
‫األشخاص السوداويين (في كل الفقرة السابقة‪ ،‬يحاول الكاتب أن يوضح أن‬
‫اإلنسان الطبيعي في طبيعته األصليه المخلوقه من الله‪ ،‬يمكن أن يحب الفضيلة‬
‫والصالح والعدل وجمال األخالق‪ ،‬وحتى يحب التدين — يحب كل هذا بدون‬
‫أن تكون له عالقة حية هع الله وهع يسع المسيح — المحرر)‪.‬‬

‫‪١٩‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫أه في نغسن اإلنسان‬

‫في الختام‪ ،‬ال شيء مالئم لجعل حياة اإلنسان ممتعة‪ ،‬أو لجعل نفسه‬
‫متفوقًا وبارزأ في العالم سوى هذا الجذر الطبيعي‪ ،‬يعاونه الذكاء والمنطق‪،‬‬
‫الذي يحثه على ذلك‪ .‬ورغم أنني ال أدين تلك األمور في حد ذاتها‪ ،‬إال أنه‬
‫يهمنا بصورة وثيقة أن نعرف ونفكر في طبيعتها‪ ،‬حتى يمكننا أن نبقيها‬
‫داخل حدودها الواجبة‪ ،‬وأيضًا أن نتعلم أال نقيم أنفسنا على أساس مثل هذه‬
‫اإلنجازات‪ ،‬وال نلقي بأهمية الدين على رغباتنا أو إنجازاتنا الطبيعية‪.‬‬

‫حان الوقت اآلن للعودة إلى التفكير في تلك م الحياة اإللهية)‪ ،‬حيث كنت‬
‫أتكلم من قبل‪ ،‬تلك الحياة المستترة مع المسيح في الله ؛ وبالتالي ليس لها تفاخر‬
‫أو مظهر رائع في العالم‪ ،‬والتي تبدو لإلنسان الطبيعي فكرة مزعجة وغير‬
‫ممتعة‪ .‬فكما تتمثل الحياة الحيوانية في ذلك الحب المحدود والضيق الذي‬
‫ينتهي عند نفس اإلنسان‪ ،‬ورضاه عن تلك األشياء التي تسر هذه الطبيعة؛‬
‫هكذا أيضًا نتمثل الحياة الروحية في المحبة الشاملة غير المحدودة‪ ،‬وفي‬
‫السيطرة على ميولنا الطبيعية‪ ،‬حتى ال نتمكن أبدًا من خداعنا بتلك األمور‬
‫التي نعرف أنها ملومة‪ .‬جذرالحياة االلهية هواإليمان؛ واألغصان الرئيسية‬
‫هي محبة الله ومحبة اإلنسان والطهارة واالتضاع‪ ،‬وكما قال احد الكتاب‪،‬‬
‫مهما كانت هذه األمور شائعة ومألوفة وال تبدو استنثائية‪ ،‬فإنها تحمل معنى‬
‫قويًا‪ ،‬حتى أن لسان الناس والمالئكة ال يمكن أن ينطق بشيء أكثر أهمية أو‬
‫تفوقًا منها‪ .‬اإليمان له في الحياة اإللهية نفس المكانة التي لحاسة اإلدراك‬
‫‪ 861186‬في الحياة الطبيعية‪ ،‬لكونه في الواقع ليس إال نوعًا من اإلدراك‪ ،‬أو‬
‫االقتناع الحسي باألمور الروحية؛ وهويمدد نفسه داخل كل الحقائق اإللهية‪.‬‬
‫لكنه في حالئثا الساقطة‪ ،‬له عالقة خاصة بإعالن رحمة الله ومصالحته مع‬
‫الخطاة من خالل وسيط؛ وبالتالي‪ ،‬يتلقى تسميته من هذا الموضع الرئيسي‬
‫ويسمى عادة‪ ،‬اإليمان بيسوع المسيح‪.‬‬

‫محبة الله هي إدراك مفرح ومثير للعاطفة بالكماالت اإللهية‪ ،‬الذي يجعل‬

‫‪٢٠‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫النفس تستسلم وتضحي بذاتها بالكامل ألجله‪ ،‬فترغب فوق كل شيء في‬
‫أن ترضيه‪ ،‬وال تفرح بشيء أكثر مما تفرح بالشركة والتواصل معه‪ ،‬وتكون‬
‫مستعدة أن تفعل أو تتحمل أي شيء ألجل خاطره‪ ،‬أو ألجل مسرته‪ .‬رغم أن‬
‫هذه العاطفة قد نثشأ في البداية من أفضال ومراحم الله تجاهنا‪ ،‬لكنها في‬
‫نموها وتطورها نتسامى على مثل هذه االعتبارات‪ ،‬وتؤسس نفسها على صالح‬
‫الله الالنهائي المعلن في كل أعمال الخليقة والعناية اإللهية‪ .‬لذلك فالنفس‬
‫التي تستحوذ عليها المحبة اإللهية‪ ،‬البد أن تتسع لتشمل البشر جميعهم‪ ،‬بمحبة‬
‫مخلصة غير محدودة‪ ،‬بسبب عالقتهم بالله‪ ،‬حيث أنهم مخلوقاته‪ ،‬وشيء‬
‫من شبهه مطبوع عليهم‪ .‬هذه هي المحبة التي أطلقت عليها الفرع الثاني من‬
‫الدين‪ ،‬والتي تفهم بموجبها بصورة بارزة كل جوانب العدل‪ ،‬وكل الواجبات‬
‫التي ندين بها لقريبنا‪ .‬فاإلنسان الذي يحب العالم كله حقًا‪ ،‬سيكون مهتمًا‬
‫بمصلحة كل إنسان تقريبًا؛ وأبعد من أن يؤذي أويضر أي إنسان‪ ،‬فإنه يستاء‬
‫من أي شر يقع على اآلخرين‪ ،‬كما لو أنه يقع على نفسه‪.‬‬

‫أقصد بالطهارة ‪٢‬د‪11٠11‬از‪ 1‬التجرد الواجب من الجسد‪ ،‬والسيطرة على‬


‫الشهوات الدنيا؛ أو الميل واالتجاه الفكري الذي يجعل اإلنسان يحتقر ويمتنع‬
‫عن كل المتع والمسرات الحسية أو التخيلية‪ ،‬التي هي آثمة في حد ناتها‪ ،‬أوتميل‬
‫إلى إطغاء أو تقليل تلذذنا بمزيد من المتع اإللهية والفكرية‪ .‬وهذه الطهارة‬
‫تثتج أيضًا تصميمًا على اجتياز كل تلك الصعوبات التي يمكن أن يواجهها‬
‫اإلنسان في قيامه بمسؤولياته؛ بحيث يقع تحت هذا العنوان‪ ،‬ليس فقط التعفف‬
‫وضبط النفس‪ ،‬بل أيضًا الشجاعة والشهامة المسيحية‪.‬‬

‫يترك االتضاع ج‪11‬ل‪1٢1‬د‪٦‬ب‪ 1‬شعورًا عميقًا بدناءتنا‪ ،‬مع إدراك واعتراف‬


‫قلبي صادق وعميق بمديونية كل مانحن عليه للسخاء اإللهي؛ ويصحب هذا‬
‫دائمًا خضوع عميق إلرادة الله‪ ،‬وموت عظيم عن مجد العالم واستحسان‬
‫البشر‪.‬‬

‫‪٢١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫هذه هي أسمى الكماالت التي يقدر عليها البشر أو المالئكة — أساس‬


‫السماء الذي يرسى في النفس؛ واإلنسان الذي يصل إليها‪ ،‬ال يجب أن يرغب‬
‫في التنقيب في القوائم الخفية لشرائع الله‪ ،‬أو يبحث في مجلدات السماء لكي‬
‫يعرف ماذا تقرر بشأن حالته األبدية؛ لكنه يمكن أن يجد نسخة من أفكار‬
‫الله بخصوصه مكتوبة في صدره هو‪ .‬محبته لله يمكن أن تعطيه اليقين‬
‫بإنعام الله عليه؛ وهذه البدايات من السعادة التي يشعر بها‪ ،‬بتوافق قوى‬
‫نفسه مع طبيعة الله‪ ،‬واإلذعان لمشيئته‪ ،‬هي ضمان أكيد بأن سعادته سلوف‬
‫تتكمل وتستمر طوال األبدية؛ وليس دون سبب أن قال أحدهم‪ ،‬ر أفئل أن أرى‬
‫البصمات الحقيقية للطبيعة اإللهية على نغسي وفي داخل نغسي‪ ،‬عن أن أرى‬
‫رؤية من السماء‪ ،‬أو يرسل مالك ليخبرني أن اسمي مكتوب في سفر الحياة‪١ .‬‬

‫بعد أن نقول كل ما نقدر عليه‪ ،‬ال يمكن أبدًا أن نعبر بما يكفي عن غموض‬
‫أسرار الطبيعة الجديدة والحياة اإللهية‪ :‬فاللغة والكلمات ال تستطيع أن تصل‬
‫إليها؛ كمحا اليمكن فهمها حقًا سوى بواسطة تلك النفوس المستنيرة من الداخل‪،‬‬
‫والتي تيقظت للشعور والتلذذ باألمور الروحية‪* :‬توجد رح في اإلنسان؛ ووحي‬
‫القديريعطي هذا اإلدراك‪ ".‬يمكن التعبيرعن قوة وحياة الدين بصورة أفضل‬
‫باألفعال أكثر مما بالكلمات؛ ألن األفعال شيء أكثر حيوية‪ ،‬وتعرض بصورة‬
‫أفضل األصل الداخلي الذي تنبع منه؛ وبالتالي‪ ،‬يمكننا أن نأخذ أفضل مقياس‬
‫لتلك الهبات الكريمة‪ ،‬من سلوك أولئك الذين تكمن فيهم؛ خاصة وهي نتمثل‬
‫بكمال واتقان في نموذج الحياة المقدسة لمخلصنا المبارك‪ ،‬الذي كان جزء‬
‫أساسي من عمله في هذا العالم أن يعلم‪ ،‬بواسطة اممارسته‪ ،‬ما يطلبه من‬
‫اآلخرين‪ ،‬وأن يجعل كلماته الخاصة مشابهة تماما لتلك القواعد الغريدة‬
‫التي وصفها؛ بحيث أنه إن كان الصالح الحقيقي يمكن أن يكون مرئيًا لعيون‬
‫البشر‪ ،‬فقد حدث ذلك عندما جئل حضور المسيح وزدن هذا العالم األدنى‪.‬‬

‫‪٢٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫ذلك الحب المخلص والخاشع الذي كانت نفسه المباركة نتقد به باستمرار‬
‫نحو أبيه السماوي‪ ،‬كان يعبر عن نفسه في التسليم الكامل إلرادته؛ فقد كان‬
‫*طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله‪( ١١‬يوحنا ‪ ٠)٣٤ :٤‬كان هذا‬
‫هوتدريب طفولته‪ ،‬وشغله الشاغل في عمره الناضج‪ .‬لم يبخل بأي سفر أوآالم‬
‫عندما كان يعمل فيما البيه‪ ،‬بل كان يجد الرضا والشبع اللدنهائي في إنجازه‪،‬‬
‫حتى أنه عندما تعب وأدعق في رحلته‪ ،‬استراح عند بئر يعقوب‪ ،‬وطلب ماء من‬
‫امرأة سامرية‪ .‬نجاح حديثه معها‪ ،‬ودخولها إلى ملكوت الله‪ ،‬مأل عقله بفرح‪،‬‬
‫كان يبدو أنه أسهم بقوة في جسده‪ ،‬وأنعش نفسيته‪ ،‬وجعله ينسى عطشه الذي‬
‫كان يشكومنه قبال‪ ،‬ويرفضى الطعام الذي كان قد أرسل تالميذه لكي يشتروه‪.‬‬
‫كما أنه لم يكن أقل صبرًا وخضوعًافي تحمل مشيئة الله‪ ،‬من كونه مجتهدًافي‬
‫تحقيقها‪ :‬فتحمل أقسى اآلالم وأقصى المآسي التي وقعت على أي انسان من‬
‫قبل‪ ،‬دون بكر متبرم‪ ،‬أو كلمة استياء‪ .‬فرغم أنه كان أبعد ما يكون عن عدم‬
‫الوعي الغبي‪ ،‬أو عن العناد األحمق أو الرزين‪ ،‬ولديه شعور سربع باأللم مثله‬
‫مثل بقية البشر‪ ،‬وأعمق فهم لما كان يجب أن يتألم به في نفسه‪ ( ،‬كما يعلن عن‬
‫ذلك كثيرا عرقه النازل كقطرات الدم‪ ،‬والدهش واالكتائب الذي اعترف به) ‪،‬‬
‫إال أنه خضع بالكامل لذلك الترتيب الصارم للعناية اإللهية وأذعن له طوعًا‪.‬‬

‫وقد صلى لله أنه رإن أمكن‪ ( ، ١‬أو كما عدر أحد البشيرين *ان أمكن فلتعبر‬
‫عني هذه الكأس*)؛ لكنه أضاف برقة‪* ،‬ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد‬
‫أذت‪ (.١‬متى ‪ ٠ ) ٣٩ : ٢٦‬يالها من أهمية غريبة نجدها لتعبيرات يوحنا ‪، ٢٧ : ١٢‬‬
‫حيث اعترف ألول مرة بحزن روحه‪* ،‬اآلن نغسي قد اضطربت‪( ١١‬مما يبدو‬
‫أنه ينتج نوعًا من االعتراض) ‪* ،‬ومان ا أقول*‪ ،‬ثم يواصل بعد ذلك ليحتج على‬
‫آالمه‪* ،‬أيها اآلب نجني من هذه الساعة‪١١‬؛ والذي لم يلبث أن نطق بذلك‪،‬‬
‫حتى استرجع هذه الكلمات كما لو أنه أعاد التفكير مرة أخرى‪* ،‬ولكن ألجل‬
‫هذا أتيت إلى هذه الساعة*؛ ثم يختم‪* ،‬أيها اآلب مجد اسمك*‪ .‬يجب أال‬

‫‪٢٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫ننظر إلى هذا باعتباره تقلب في الرأي‪ ،‬أوضعف يالم عليه يسوع المبارك‪ :‬فقد‬
‫كان يعرف طوال الوقت ما كان عليه أن يتألم به‪ ،‬واجتازه بكل تصميم؛ لكن‬
‫هذا يوضح لنا الثقل والضغط الرهيب الذي ال يمكن تخيله الذي كان عليه أن‬
‫يتحمله‪ ،‬والذي لكونه شديد اإليالم ومضاد للطبيعة‪ ،‬لم يستطع أن يفكر فيه‬
‫دون رعب؛ لكنه إذ كان يفكرفي مشيئة الله‪ ،‬وفي المجد الذي سيأتي منه بسبب‬
‫ذلك‪ ،‬لم يرض به فقط‪ ،‬بل أراد أن يتحمله‪.‬‬

‫مثل آخر على محبته لله كان تلذذه بالحديث معه في الصالة‪ ،‬وهو األمر‬
‫الذي جعله يعتزل كثيرًا عن العالم‪ ،‬وبأعظم تكريس ومتعة‪ ،‬يقضي لياي كاملة‬
‫في تلك الممارسة السماوية‪ ،‬رغم أنه لم تكن لديه خطايا يعترف بها‪ ،‬وبيل من‬
‫االهتمامات الدنيوية لكي يصلي ألجلها؛ والتي هي لالسف تعتبرنقريبا األمور‬
‫الوحيدة التي تدفعنا ‪٤‬الى صلواتنا‪ .‬ال بل يمكننا أن نقول أن حياته بأكملها كانت‬
‫نوعًا من الصالة؛ ومسارًا مستمرًا من الشركة مع الله‪ :‬إن كانت الذبيحة ال‬
‫تقدم باستمرار‪ ،‬فإن النار ظلت مشتعلة باستمرار؛ كما لم يكن يسع المبارك‬
‫تفاجأ بتلك البالدة‪ ،‬أوفتور الروح‪ ،‬الذي البد أن نصارع معه مرارا كثيرة قبل‬
‫أن نكون مهيئين لممارسة الصالة‪.‬‬

‫في المكانة الثانية‪ ،‬يجب أن أتكلم عن محبته ئ حسانه نحو جميع البشر‪:‬‬
‫لكن اإلنسان الذي يمكن أن يعبر عنها البد أن يسجل تاريخ اإلنجيل‪ ،‬ويطق‬
‫عليه؛ إذ أنه يندر أن نجد شيائً مكتوب أنه فعله أو تكلم به‪ ،‬لم يكن معدًا‬
‫ألجل خير وفائدة شخص ما‪ .‬كل أعماله المعجزية كانت نماذج لصالحه مثلما‬
‫كان سلطانه؛ وكانت تفيد أولئك الذين تجرى لهم‪ ،‬كما أنها كانت تذهل من‬
‫يرونها‪ .‬لم يكن إحسانه مقصورًا على أقاربه أومعارفه؛ كما لم تبتلع صداقته‬
‫الخاصة التي كان يكنها لتلميذه الحبيب كل لطفه؛ بل كل إنسان يطيع وصاياه‬
‫المقدسة كان صديقه‪ ،‬يوحنا ه ‪ ، ١٤ : ١‬وكل من يفعل مشيئة أبيه‪ ،‬كان بالنسبة‬
‫له أخاه وأخته وأمه‪.‬‬

‫‪٢٤‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫أي إنسان كان يأتي إليه بنية صادقة كان يجد منه الترحيب‪ ،‬كما أنه لم‬
‫يرفض أبدًا أي طلب كان يقصد به خير أولئك الذين طلبوه‪ :‬حتى أن ما قيل‬
‫عن ذلك االمبراطور الروماني‪ ،‬الذي كان بسبب صالحه يطلق عليه حبيب‬
‫البشرية‪ ،‬قد عاشه يسوع حقًا‪ ،‬بحيث لم يبتعد عنه بحزن سوى ذلك الشاب‬
‫الغني (مرقس ‪ )١٠‬الذي كان حزينًا لسماعه أن ملكوت السموات كان يتطلب‬
‫مستوى شديد السمو‪ ،‬وأنه اليستطيع أن يخلص نفسه وأمواله أيضًا‪ .‬وبالتأكيد‬
‫أزعج مخلصنا أن يرى أنه عندما كان في يده ثمن الحصول على الحكمة‪،‬‬
‫لم تكن لديه الرغبة فيها‪ .‬كانت البراعة التي ظهرت في حديث ذلك الشاب‬
‫في البداية قد جلبت له بالفعل نوعًا من اللطف؛ ألنه يقال‪ ،‬دلم فنظر إليه يسوع‬
‫وأحبه‪ .١‬لكن هل كان البد ليسوع‪ ،‬ألجل خاطره‪ ،‬أن يصف له طريقًا جديدًا‬
‫مختصرًا إلى السماء‪ ،‬ويغير طبيعة األمور‪ ،‬التي كانت تجعل من المستحيل‬
‫لإلنسان الطماع أن يكون سعيدًا؟‬

‫وماذا يمكن أن أقول عن وداعته‪ ،‬هذا الذي استطاع أن يواجه الجحود‬


‫الرهيب ورياء وخداع ذلك المجرم الذي خانه‪ ،‬بكلمات ليست أقسى من هذه‪،‬‬
‫*يا يهونا أبقبلة تسلم ابن اإلنسان* (لوقا ‪ . ) ٤٨ :٢٢‬هل من أدلة أكثرمن ذلك‬
‫يمكن أن نرغب فيها على إحسانه الشديد وغير المحدود‪ ،‬أكثر من استعداده‬
‫أن يضع حياته حتى ألجل أكثر أعدائه عنفًا؛ ويمزج صلواته بدمه‪ ،‬ويتضرع‬
‫إلى اآلب أال يعم لهم خطية قتله‪ ،‬بل أن يصبح موته وسيلة للحياة األبدية‬
‫لنفس أولئك األشخاحس الذين قتلوه؟‬

‫أما الفرع الثالث للحياة اإللهية فهو الطهارة‪ ،‬والتي‪ ،‬كما قلت من قبل‪،‬‬
‫تتمثل في إهمال وسائل المتعة العالمية‪ ،‬مع تحمل بكل تصميم جميع تلك المتاعب‬
‫التي نالقيها في أدائنا لمسؤولياتنا‪ .‬بال شك‪ ،‬لو كان هناك إنسانًا قد مات‬
‫بالكامل عن كل متع الحياة الطبيعية‪ ،‬فهوبالتأكيد يسوع المبارك‪ ،‬الذي نادرًا‬
‫ما تذوقها عندما جاءت في طريقه؛ لكنه لم يخرج قط عن مساره لكي يسعى‬

‫‪٢٥‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫إليها‪ .‬فوغم أنه سمح لآلخرين برفاهية الزواج‪ ،‬وكرم الزواج بحضوره‪ ،‬إال‬
‫أنه اختار قسوة حياة العزوبية‪ ،‬ولم يعرف أبدًا فراش الزوجية‪ .‬ورغم أنه في‬
‫نفس الوقت أمدهم باحتياجهم من الخمرفي العرس بمعجزة‪ ،‬إال أنه لم يكن‬
‫ليصنع معجزة إلشباع جوعه الخاص في البرية‪ .‬كانت طباعه شديدة الكرم‬
‫واللطف واأللوهية‪ ،‬بسماحه لآلخرين بمثل تلك المسرات المشروعة التي فكر‬
‫أنه من الجيد له هو االمتناع عنها‪ ،‬وزؤدهم ليس فقط بضرورياتهم القصوى‬
‫والملحة‪ ،‬بل أيضًا بتلك األقل أهمية‪ .‬نسمع في كثير من األحيان عن تنهدات‬
‫وأنين ودع مخلصنا؛ لكننا لم نسمع أبدًا أنه ضحك‪ ،‬سوى أنه تهلل مرة‬
‫بالروح‪ :‬بحيث أنه خالل حياته بأكملها حقق تماما تلك الصفة التي أعبيت‬
‫له من النبي قديمًا‪ ،‬أنه كان ‪,‬درجل أوجاع ومختبر الحزن* (إشعياء ‪.)٣ :٥٣‬‬
‫كما لم تكن اضطرابات وأتعاب حياته سوى مسألة اختيار؛ فلم يظهر أبدًا على‬
‫مسرح العالم شخص بامتيازات أعظم منه تمكنه من أن يرفع نفسه إلى أعلى‬
‫درجات السعادة الدنيوية‪ .‬فاإلنسان الذي يستطيع أن يجمع مثل هذا العدد‬
‫الهائل من األسماك داخل شبكة تلميذه‪ ،‬وفي وقت آخر‪ ،‬يستلم الجزية من فم‬
‫سمكة‪ ،‬والتي كان سيدفعها للهيكل‪ ،‬كان يمكنه بسهولة أن يجعل نفسه أغنى‬
‫شخص في العالم‪ .‬ال‪ ،‬بل أنه بدون أية أموال‪ ،‬كان يمكنه أن يحصل على جيش‬
‫قوي بما يكفي لخلع القيصر عن عرشه‪ ،‬حيث أنه أكثرمن مرة أشبع عدة آالف‬
‫من الجمع بقليل من األرغفة وصفار السمك‪ .‬لكن لكي يظهر كيف كان لديه‬
‫تقديرضئيل لكل متع العالم‪ ،‬اختار أن يعيش في حالة شديدة الفقر واالتضاع‪،‬‬
‫لم للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار‪ .‬وأما ابن اإلنسان قليس له أين يسند‬
‫رأسه‪( *.‬متى ‪.)٢٠ :٨‬لم يتردد على قصور األمراء‪ ،‬ولم يحب معرفة العظماء‬
‫أو الحديث معهم؛ لكن لكونه اشتهر بأنه ابن نجار‪ ،‬اختار صيادين للسملف‬
‫وغيرهم من الفقراء ليكونوا رفاقه‪ ،‬وعاش بذلك المستوى الذي يتناسب مع‬
‫وضاعة تلك الحالة‪.‬‬

‫‪٢٦‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫وهكذا آتي اآلن للحديث دون تخطيط عن اتضاعه — آخر فرع في الحياة‬
‫اإللهية؛ حيث كان المسيح أبرز نموذج لنا‪ ،‬حتى يمكن أن *نتعلم منه ألنه وديع‬
‫ومتواضع القلب* (متى ‪ .)٢٩ :١١‬لن أتحدث اآلن عن ذلك التنازل الالنهائي‬
‫البن الله األزلي‪ ،‬بأخذه طبيعتنا في نفسه‪ ،‬لكني سأتأمل فقط في سلوك‬
‫مخلحدنا الودبع والمتضع بينما ك‪1‬نفي العالم‪ .‬لم تكن لديه أي من تلك الخطايا‬
‫والنقصات التي يمكن عن حق أن تذل أفضل البشر؛ لكنه ابهلع بالكامل داخل‬
‫شعور عميق بكماالت الله الالنهائية‪ ،‬حتى أنه ظهر كالشيء في عيني نفسه؛‬
‫وأعني بذلك بقدر ما كان إنسانًا‪ .‬لقد اعتبر تلك الكماالت البارزة التي لمعت‬
‫في نفسه المباركة‪ ،‬ليست له‪ ،‬بل عطايا من الله؛ وبالتالي لم يفترض شيائً منها‬
‫لنفسه‪ ،‬بل بأعمق اتضاع‪ ،‬رفض كل تفاخربهذه األمور‪ .‬لذلك رفض نلك المدح‬
‫العادي *المعلم الصالح*‪ ،‬عندما وحه إلى طبيعته اإلنسانية بواسطة إنسان‪،‬‬
‫كما يبدو‪ ،‬كان جاهال بألوهيته‪* :‬لماذا تدعوني صالحًا‪ .‬ليس أحد صالحًا إال‬
‫واحد وهوالله* (متى ‪ . ) ١٧ : ١٩‬كما لوأنه كان يقول له‪,, ،‬إن صالح أي مخلوق‬
‫(وهكذا فقط تعتبرني) ال يستحق أن يتم تشميته أو مالحظته‪ .‬فالله وحده‬
‫هو الصالح في األصل وفي الجوهر*‪ .‬لم يستخدم أبدًا قوته المعجزية للغرور‬
‫أو التفاخر؛ ولم يرد أن يشبع فضول اليهود بآية من السماء‪ ،‬بظهور مذهل في‬
‫الهواء‪ .‬كما أنه لم يتبع نصيحة رفاقه وأقاربه‪ ،‬الذين طلبوا منه أن يجري كل‬
‫أعماله العظيمة عالنية أمام عيون العالم لكي ينال شهرة أعظم‪ .‬لكن عندما‬
‫كان عطفه واحسانه يحثه على إراحة البؤساء‪ ،‬جعله اتضاعه مرارًا كثيرة‬
‫يأمرهم بإخغاء المعجزة؛ وعندما تطلب مجد الله‪ ،‬والتخطيط الذي جاء ألجله‬
‫إلى العالم إعالنهازنسب المجد في كل ذلك ألبيه‪ ،‬وأخبرهم‪* ،‬أنا ال أقدر أن‬
‫أفعل من نغسي شيائ* (يوحنا ه‪.)٣٠ :‬‬

‫ال أستطبع أن أشير إلى جميع نماذج االتضاع في سلوكه تجاه البشر‪:‬‬
‫انسحابه عندما كانوا يريدون أن يجطوه ملكًا؛ خضوعه‪ ،‬ليس فقط ألمه‬

‫‪٢٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫المباركة‪ ،‬بل أيضًا لزوجها‪ ،‬خالل سنوات طفولته؛ وخضوعه لكل اإلهانات‬
‫واالعتداءات التي وجهها إليه أعداؤه الوقحين األشرار‪ .‬إن تاريخ حياته‬
‫المقدسة‪ ،‬المدون بواسطة أولئك الذين عاشوا معه‪ ،‬مليء بمقاطع مثل هذه؛‬
‫والواقع أن الدراسة الجادة والدقيقة له هي أفضل طريقة للتعرف بصورة‬
‫صحيحة على مقابيس اتضاعه‪ ،‬وكل النواحي األخرى من الديانة التي كنت‬
‫أجاهد لكي أصفها‪.‬‬

‫لكن اآلن‪ ،‬لكي أقلل من انزعاجك بقراءة خطاب طويل‪ ،‬بعمل نوع من‬
‫فترات الراحة فيه‪ ،‬دعني أضيف صالة‪ ،‬والتي يمكن أن تكون مالئمة عندما‬
‫يبدأ الشخص‪ ،‬الذي كان يعتنق من قبل مفاهيم خاطئة عن الدين‪ ،‬في‬
‫اكتشاف حقيقته‪.‬‬

‫صالة‬

‫سيدي اإلله الالنهائي واألبدي؛ يا خالق ومنبع الوجود والسعادة؛ كم نعرف‬


‫عنك‪ ،‬نحن الكائنات البائسة الخاطئة‪ ،‬أو عن طريقة خدمتك وارضائك‪،‬‬
‫أقل القليل؛ إننا نتكلم عن الديانة‪ ،‬ونتفاخر بها‪ ،‬لكن لألسف؛ كم هم قليلون‬
‫منا الذين يعرفون ويفكرون فيما تعنيه حقاد كم نخطيء بسهولة فهم ميول‬
‫طبيعتنا‪ ،‬ومشاكل حب النفس‪ ،‬ونفسرها باعتبارها تلك النعم اإللهية التي‬
‫تستطيع وحدها أن تجعلنا مقبولين في نظرك د يمكن عن حق أن يحزنني‬
‫التفكيرفي أنني ضللت لغترة طويلة جدًا‪ ،‬وأرضيت نغسي كثيرًا بخياالت باطلة‬
‫وصور زائغة من التقوى والتدين؛ إال أنه ال يسعني سوى أن أعترف بصالحك‬
‫وأعشقه‪ ،‬أنت الذي سررت أن تفتح عيني‪ ،‬بقدر ما‪ ،‬وتدعني أرى ما الذي‬
‫يجب أن أسعى إليه‪ .‬إنني أفرح بالتفكير في التطويرات العظيمة التي تستطيع‬
‫هلبيعتي أن تصل إليها‪ ،‬وفي الطباع اإللهية للروح‪ ،‬التي تشرق في أولئك الذين‬
‫سررت باختيارهم‪ ،‬وجعلتهم يقتربون إليك‪ .‬مباركة هي رحمتك الالنهائية‪،‬‬

‫‪٢٨‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل االول‬

‫انت الذي ارسلت ابنك الوحيد ليعيش بين البشر‪ ،‬ويعلمهم بمثاله وايضا‬
‫بنواميسه‪ ،‬ويعطيهم نموذجًا كامأل ومتقنا لما يجب أن يكونوا عليه‪ .‬ليت حياة‬
‫يسبع المدارك المقدسة تكون دائمًا في أفكاري‪ ،‬وأمام عيني‪ ،‬إلى أن أنال شعورًا‬
‫وانطباعا عميقا بتلك النعم الفائقة التي أشرقت بصورة شديدة التميز فيه؛‬
‫ولينثى ال أتوقف أبدًا في مساعى‪ ،‬إلى أن تشيطر على نغسى تلك الطبيعة‬
‫ب‬ ‫‪٥٢‬‬ ‫‪٢‬‬
‫الجديدة واإللهية‪ ،‬ويتصور المسيح في‪.‬‬

‫‪٢٩‬‬
www.christianlib.com
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الغصل‪١‬لثاذي‬

‫عن تفوق الدين والحب اإللهي‬

‫واآلن صديقي العزيز‪ ،‬بعد أن اكتشفنا طبيعة الديانة‬


‫الحقيقية‪ ،‬وقبل أن أواصل أكثر من ذلك‪ ،‬سيكون من‬
‫المالئم أن نركز تأمالتنا قليأل حول تفوقها ومميزاتها‪،‬‬
‫حتى نكون متحمسين لمزيد من التطبيق الفعال والجاد‬
‫لتلك الوسائل‪ ،‬التي يمكننا بها الوصول إلى مثل هذه‬
‫السعادة العظمى‪ ,‬لكن يالألسفإ كيف يمكن أن نجد‬
‫الكلمات للتعبير عن ذلك الشبع الداخلي‪ ،‬وتلك الكنوز‬
‫الخفية‪ ،‬التي ال يمكن أن يغهمها بصورة صحيحة سوى‬
‫تلك النفوس المقدسة التي تشعر بها؛ األناس الذيزا ال ينزع‬
‫أحد فرحهم منهم* (يوحنا ‪)٢٢ :١٦‬؟ القداسة هي الميل‬
‫الصحيح‪ ،‬والمكون القوي والصحي للنفس‪ .‬فقد ضعفت‬
‫قدرات النفس من قبل وتقوشت‪ ،‬بحيث لم تستطع أن‬
‫تمارس وظائفها الطبيعية؛ وقد أرهقت نفسها بشد وجذب‬
‫ال نهاية له‪ ،‬ولم نتمكن أبدًا من العثور على أية راحة‪ .‬لكن‬
‫عندما يزال هذا الوهن واالضطراب‪ ،‬تشعر بأنها على ما‬
‫يرام؛ وأنه يوجد انسجام واجب في قدراتها‪ ،‬وأن هناك‬
‫قوة نشطة نتملك على كل جزء فيها‪ .‬عندئذ يمكن للفهم‬
‫أن يميز ما هوصالح‪ ،‬ويمكن لإلرادة أن تتمسك به‪ .‬ال‬

‫‪٣١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫نتقيد الميول بتحركات الحس وبتأثير العوامل الخارجية‪ ،‬لكنها سارفي النفس‬
‫بمزيد من البصمات اإللهية‪ ،‬وتتأثر بالشعور باألمور غير المنظورة‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬إن سمحت لي‪ ،‬دعنا نتقدم إلى نظرة أقرب وأكثر تحديدًا للدين‪ ،‬في‬
‫تلك األفرع المتعددة له‪ ،‬والتي ذكرناها منقبل‪ .‬دعنا نفكرفي ذلك الحبو‪١‬لميل‬
‫الذي به تتحد النفوس المقدسة بالله‪ ،‬حتى يمكن أن نرى مدى التفوق والفرح‬
‫المتضمنين فيه‪ .‬الحب هوتلك العاطفة القوية المسيطرة‪ ،‬التي تحدد بواسطتها‬
‫كل ملكات وميول النفس‪ ،‬والتي يعتمد عليها كمالها وفرحها‪ .‬تقاس قيمة‬
‫وتفوق النفس بموضوع حبها‪ .‬فاإلنسان الذي يحب أمورًا دنيئة وخسيسة‪،‬‬
‫يصبح بالتالي خسيسًا وحقيرًا؛ لكن العاطفة النبيلة الموضوعة في مكانها‬
‫الصحيح‪ ،‬تحسن وتطور الروح بحيث تصبح في انسجام واتساق مع الكماالت‬
‫التي تحبها‪ .‬تعرض صور هذه الكماالت نفسها كثيرًا على الفكر‪ ،‬وبواسطة‬
‫فوة وطافة سرية‪ ،‬تتسلل داخل تكوين النفس ذاتها‪ ،‬فتشكلها وتصيفها‬
‫على مثالها‪ .‬من هنا نرى كم من السهل على المحبين أو األصدقاء أن يميلوا‬
‫إلى تقليد األشخاص المولعين بهم؛ وكيف‪ ،‬قبل حتى أن يعوا ذلك‪ ،‬يبدأون في‬
‫التشبه بهم‪ ،‬ليس فقط في األشياء الكبيرة في سلوكهم بل أيضًا في صوتهم‬
‫وايماءاتهم‪ ،‬وذلك الذي نطلق عليه مالمحهم ومظهرهم؛ وبالتأكيد‪ ،‬يجب‬
‫أيضًا أن نذكر الفضائل والجمال الداخلي للنفس‪ ،‬إن كانت هي موضع ودافع‬
‫حبنا‪ .‬لكن اآلن‪ ،‬كما أن كل األشخاص الذين نتحدث معهم لديهم خلط ومزح‬
‫بين كل هذه األمور‪ ،‬فإننا نكون دائمًا في خطر أن نصبح ملحلخين وفاسدين‬
‫عن طريق وضع عواطفنا ومحبتنا فيهم‪ .‬دعمي العاطفة عيوننا بسهولة‪،‬‬
‫بحيث نؤيد في البداية‪ ،‬ثم نقلد األشياء الملومة فيهم‪ .‬لكن الوسيلة الصحيحة‬
‫لتحسين نفوسنا وحطها نبيلة‪ ،‬هي بأن نثبت محبتثا في الكماالت اإللهية‪ ،‬حتى‬
‫تكون لدينا وأمامنا دائمًا‪ ،‬وتنطبع في أنفسنا؛ بحيث أنه ررونحن جميعًا ناظرين‬

‫‪٣٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيرإلى تلك الصورة عينها من مجد‬
‫إلى مجد" (‪٢‬كورذثوس ‪ ٠)١٨ :٣‬فالشخص الذي يرفع عينيه بطموح كريم‬
‫ومقدس إلى ذلك الجمال والصالح غير المخلوق‪ ،‬ويثبت عواطفه هناك‪ ،‬يكون‬
‫شخصًا من روح آخرتمامًا‪ ،‬ون ا طبع أكثرتفوقًا وقوة من بقية العالم‪ ،‬وال يسعه‬
‫سوى أن يمتتع بصورة النهائية عن كل األمور الدنيئة والحقيرة‪ ،‬وال يتبنى أية‬
‫أفكار وضيعة أو دنيئة يمكن أن تحط من طموحاته السامية والنبيلة‪ .‬الحب‬
‫هو أعظم وأكثر األمور التي نستطيعها‪ ،‬وبالتالي يكون من الحماقة والخسة‬
‫أن نمنحه بصورة حقيرة‪ .‬إنه في الواقع الشيء الوحيد الذي يمكن أن ندعوه‬
‫ملكًا لنا‪ :‬فاألشياء األخرى يمكن أن تؤخذ منا بالعنف‪ ،‬لكن ال أحد يستطيع‬
‫أن يسلبنا حبنا‪ .‬إن كان يمكن أن نحسب أي شيء آخر ملكًا لنا يإعطائه حبنا‪،‬‬
‫فإننا سنعطيه الكل‪ ،‬بقدر ما نفير قلوبنا وارادتنا — التي نمتلك بها مسرانتا‬
‫األخرى‪ .‬فليس من الممكن أن نرفض أي شيء لذلك الذي أعطينا أنفسنا له‬
‫بالحب‪ .‬ال‪ ،‬بل حيث أن امتياز العطايا هو أنها تأخذ قيمتها من فكر الواهب‪،‬‬
‫وأال تقاس بواسطة الحدث‪ ،‬بل بواسطة الرغبة‪ ،‬فإن اإلنسان الذي يحب‪،‬‬
‫يمكن من ناحية ما أن يقال‪ ،‬ليس فقط أنه يهب كل ما عنده‪ ،‬بل كل األشياء‬
‫األخرى أيضًا التي يمكن أن تجعل المحبوب سعيدًا؛ حيث أنه يتمناها بقوة‪،‬‬
‫ويمكن حقًا أن يعطيها لو كانت في قدرته‪ :‬بهنا المعنى يمكن أن يقال‪ :‬ررنلك‬
‫الحب اإللهي‪ ،‬من ناحية‪ ،‬يعطيه الله لنفسه‪ ،‬بواسطة الرضا عن الذات الذي‬
‫يحصل عليه في سعادة وكمال طبيعته"‪ .‬لكن رغم أن هذا قد يبدوتعبيرًا شديد‬
‫القصور‪ ،‬فإن الحب بالتأكيد هو أثمن هدية نستطيع أن نقدمها لله‪ ،‬ويكون من‬
‫الدنيء للغاية أن نمنحه بطريقة أخرى‪.‬‬

‫عندما بوضع هذا الحب في غير محله‪ ،‬فإنه في كثير من األحيان ينفس عن‬
‫نفسه بتعبيرات تشير إلى موضوعه األصيل والمالئم‪ ،‬ويلئح إلى حيث يجب‬

‫‪٣٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫أن يوضع‪ .‬إن تعبيرات العشق المتملقة والتجديفية‪ ،‬والتي يعبر بها البشر في‬
‫بعض األحيان عن عواهلفهم‪ ،‬هي لغة تلك العاطفة التي حلقت وصممت ألجل‬
‫الله؛ حيث أن اإلنسان الذي يعتاد على الحديث مع شخص ما عظيم‪ ،‬ربما‬
‫دون أن يعي‪ ،‬يخاطب شخصًا آخر بتلك األلقاب التي كان معتادًا أن يعطيها‬
‫لذلك العظيم‪ .‬لكن األكيد هو أن تلك العاطفة التي يعتبر الله هو موضوعها‪،‬‬
‫يجب أن تمنح فعليًا لذلك الشخص الذي هو الله‪ .‬ذلك الخضع غير المحدود‪،‬‬
‫الذي من شأنه أن يذل النفس‪ ،‬إن تم توجيهه إلى أي إنسان آخر‪ ،‬سوف يرفع‬
‫النفس ويجعلها نبيلة عندما يقدم لله؛ وتكون تلك القيود ورط الحب أكثر‬
‫روعة بما ال يقاس من الحرية نفسها؛ وتلك العبودية أكثر شرفًا وسموًا من كل‬
‫امبراطوريات العالم‪.‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬إذ يتقدم الحب اإللهي ويرفع النفس‪ ،‬فإنه هو وحده الذي‬
‫يستطيع أن يجعل النفس سعيدة‪ .‬أسمى وأمتع الملذات‪ ،‬وأقوى وأكبر المسرات‬
‫التي يمكن للطبيعة البشرية أن تحصل عليها‪ ،‬هي تلك التي ننشأ من تعبيرات‬
‫الحب عن العاطفة الناجحة والتي توضع في محلها‪ .‬األمر الذي يكدر الحب‪،‬‬
‫ويجعله عاد؛ عاطفة شديدة اإلزعاج واإليالم‪ ،‬هو وضعه في أولئك الذين‬
‫ليست لديهم قيمة كافية يستحقوه‪ ،‬أو عاطفة وامتنان ليردوه‪ ،‬أو الذين قد‬
‫يحرمنا غيابهم من متعة حديثهم‪ ،‬أو الذين تسبب مآسيهم انزعاجنا‪ .‬يكونون‬
‫معرضين لكل هذه المساويء‪ ،‬أولئك الذين يضعون محبتهم األساسية والغائقة‬
‫في مخلوقات مثلهم؛ لكن محبة الله تنقذنا منها كلها‪.‬‬

‫أقول أوأل‪ ،‬البد أن يكون الحب بائسًا‪ ،‬ومليائًبالقلق والمتاعب‪ ،‬عندما ال تكون‬
‫هناك قيمة وتفوق في الشخص موضوع المحبة‪ ،‬بما يكفي إلشباع ضخامة‬
‫طاقة الحب القصوى‪ .‬ال يسع العاطفة التواقة والقوية سوى أن تضايق وتعذب‬

‫‪٣٤‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫الروح‪ ،‬عندما التجد هناك ما يشبع اشتياقاتها؛ وفي الواقع‪ ،‬حيث انها شديدة‬
‫االتساع والوفرة في طبيعتها‪ ،‬فإنها البد أن يضدق عليها وتحصر‪ ،‬عندما ثكون‬
‫مقصورة على أي مخلوق‪ :‬فال شيء أقل من الخيروالصالح الالنهائي‪ ،‬يمكن‬
‫أن يوفر لها مكانًا لتمدد نفسها فيه‪ ،‬وتمارس نشاطها وقوتها‪ .‬فكيف يمكن‬
‫لجمال ضئيل ال يتعدى البشرة‪ ،‬أو لدرجات صغيرة من الخير‪ ،‬أن بباري‬
‫أو تشبع عاطفة حلقت ألجل الله‪ :‬وصممت لكي تحتضن الخير الالنهائي؟‬
‫ال عجب إذًا‪ ،‬أن المحبين بالكاد يحتملون أي منافس‪ ،‬وال يرغبون في أن يؤيد‬
‫آخرون عواطفهم بواسطة تقليدها؛ إذ هم يعرفون قصوروضيق الخير الذي‬
‫يحبونه‪ ،‬بحيث أنه ال يكفي الثنين‪ ،‬حيث أنه ضئيل للغاية بالنسبة لواحد‪ .‬من‬
‫هنا فالمحبة ر القوية كالموت؛ ‪ ،‬تسبب رغيرة قاسية كالهاوية؛ (نشيد األنشاد ‪:٨‬‬
‫‪ ، )٦‬حيث يكون الفحم هوفحم النار التي لها أقوى لهيب‪.‬‬

‫لكن المحبة اإللهية ليس بها مزيج من هذه المرارة‪ .‬فبمجرد أن ترتكزالنفس‬
‫على ذلك الخير االسمى كلي الكفاية‪ ،‬تجد كماال وخيرا فائضًا‪ ،‬حتى أنه‬
‫ال يجيب ويشبع عاطفتها فقط‪ ،‬لكنه يديرها ويهيمن عليها أيضًا‪ .‬فهي‬
‫تجد كل محبتها شديدة الضعف والغتور بالنسبة لهذا الموضوع النبيل للحب‪،‬‬
‫وتتأسف فقط ألنها ال تقدر أن يكون لديها أكثرمن نلك‪ .‬إنها ترغب في نيران‬
‫السيرافيم‪ ،‬وتتوق إلى الوقت الذي تذوب فيه بالكامل وتتحلل داخل الحب؛‬
‫وحيث أنها تستطيع هي نفسها القيام بالقليل جدًا‪ ،‬فإنها ترغب في مساعدة‬
‫الخليقة كلها‪ ،‬حتى يستطيع المالئكة والبشر أن يمتلكوا معها إعجاب ومحبة‬
‫تلك الكماالت الالنهائية‪.‬‬

‫مرة ثانية‪ ،‬يصحب الحب المتاعب‪ ،‬عندما يفتقد مردودا مالئمًا من‬
‫العاطفة‪ .‬الحب هو أثمن شيء يمكن أن نعطيه‪ ،‬وعندما نعطيه‪ ،‬فإننا نعطي‬

‫‪٣٥‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫‪.‬حيا‪ .‬ة الله‪.,‬في‪...‬نغس‪., ,‬إلنسان‬

‫نتيجة لذلك كل ما لدينا؛ وبالتالي البد انه من المحزن أن نجد مثل هذه الهدية‬
‫العظيمة تحتقر‪ ،‬فتلك الهدية التي قدمها اإلنسان — كل قلبه — ال تستطيع أن‬
‫تسود لكي تنال أي مردود‪ .‬فالمحبة الكاملة هي نوع من نبذ الذات (التسليم‬
‫‪11‬ج‪-‬لج‪1٤-)1‬ج‪ - 8‬المحرر)‪ ،‬االبتعاد عن أنفسنا؛ إنها‬ ‫‪01‬‬ ‫والتخلي عن الذات‬
‫نوع من الموت الطوعي‪ ،‬حيث يموت المحب عن نفسه‪ ،‬وعن جميع اهتماماته‪،‬‬
‫وال يفكر فيها‪ ،‬وال يهتم بها بعد ذلك‪ ،‬وال يفكر في شيء سوى في كيفية إرضاء‬
‫ئ شباع الطرف الذي يحبه‪ .‬لذلك فإنه يدثر تمامًا‪ ،‬ما لم يقابل عاطفة‬
‫متبادلة؛ فهوينجاهل نفسه‪ ،‬ويجد اآلخرال يهتم به‪ :‬لكنه إذا كان محبوبًا فإنه‬
‫ينتعش‪ ،‬كما يمكن أن يقال‪ ،‬ويعيش في نفس واهتمام الشخص الذي يحبه؛‬
‫ويبدأ في التفكير في اهتماماته‪ ،‬ليس ألنها خاصة به‪ ،‬بقدر ما ألن المحبوب‬
‫يسر بأن يهتم بها‪ :‬فيصبح عزيزًا لدى نفسه‪ ،‬ألن اآلخر يكن له هذا اإلعزاز‪.‬‬

‫لكن لماذا أتوسع في مثل هذا األمر المعروف للغاية؟ ال شيء يمكن أن يكون‬
‫أكثر وضوحًا من أن السعادة في الحب تعتمد على المردود الذي يقابله‪ :‬ومن‬
‫هنا فالذي يحب الله لديه إمتيازال يعدر عنه‪ ،‬ألنه وضع محبته في الشخص‬
‫الذي طبيعته هي الحب‪ ،‬وصالحه النهائي مثل كيانه‪ ،‬والذي رحمته أرشدنتا‬
‫وساعدتنا‪ ،‬عندما كنا أعداءه‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن يختار سوى أن يحتضننا‬
‫عندما نصبح أصدقاءه وأحباءه‪ .‬من االستحالة الكاملة أن يمنع الفه حبه‬
‫عن نفس مكرسة بالكامل له‪ ،‬والتي ال ترغب في شيء أكثر من أن تخدمه‬
‫وترضيه؛ ال يمكنه أن يزدري صورته‪ ،‬وال القلب المحفورة فيه‪ .‬الحب هوكل‬
‫الضريبة التي يمكننا أن ندفعها له‪ ،‬وهوالذبيحة التي لن يحتقرها‪.‬‬

‫شيء آخريزعج لذة الحب‪ ،‬ويجعله عاطفة بائسة ومضطربة‪ ،‬هو غياب من‬
‫نحبهم واالنفصال عنهم‪ .‬ليس بدون ألم ملموس يفترق األصدقاء‪ ،‬رغم أنه‬

‫‪٣٦‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫لغترة ضئيلة‪ .‬من المحزن أن نحرم من صحبة شديدة اإلمتاع؛ وتصبح حياتنا‬
‫مملة‪ ،‬إذ تنفق في توقع جرع للساعة المفوحة التي يمكن أن نلتقي فيها مرة‬
‫أخرى‪ .‬لكن إن قام الموت بهذا الفصل‪ ،‬كما البد أن يحدث في وقت أوآخر‪ ،‬فغي‬
‫هذا الوقت يندر أن يقارن هذا الحزن بأية مصيبة أخرى في الحياة اإلنسانية‪،‬‬
‫والتي فيها يمكن أن ندفع ثمنًا غاليًا بما يكفي لتعزيات صداقتنا‪ .‬لكن‪ ،‬كم‬
‫يكونون سعداء أولئك الذين وضعوا محبتهم في الشخص الذي ال يمكن أن‬
‫يغيب عنهم أبدًا؛ ال يحتاجون سوى أن يفتحوا عيونهم‪ ،‬وسوف ينظرون في‬
‫كل مكان آثار حضوره ومجده‪ ،‬ويتكلمون مع الشخص الذي تحبه نفوسهم؛‬
‫وهذا يجعل من أعتم سجن‪ ،‬أو أقحل برية‪ ،‬ليس فقط مكانًا محتنال‪ ،‬بل أيضًا‬
‫مفرحًا‪.‬‬

‫باختصار‪ ،‬يكون المحب بائسًا‪ ،‬إن كان الشخص الذي يحبه هكنا‪ .‬أولئك الذين‬
‫يتبادلون قلوبهم من خالل الحب‪ ،‬يكون لديهم اهتمام بسعادة اآلخر وشقائه؛‬
‫وهذا يجعل الحب عاطفة مثيرة للمتاعب عندما توضع في إنسان أرضي‪ .‬فأكثر‬
‫شخص محظوظ‪ ،‬لديه حزن يكفي إلفساد هدوء وطمأنينة صديقه؛ ومن‬
‫الصعب أن نتمسك بشيء‪ ،‬عندما نتعرض للهجوم من كل النواحي‪ ،‬ونتألم‬
‫ليس فقط في أنفسنا‪ ،‬بل في شخص آخر‪ .‬لكن إن ا كان الله هو موضوع حبنا‪،‬‬
‫فإننا سنتشارك في سعادة النهائية‪ ،‬دون أي مزيج أو احتمالية لنقصانها‪.‬‬
‫يجب أن نبتهج لرؤية مجد الله‪ ،‬ولقبول التعزية والمتعة من كل التسبيحات التي‬
‫يرفعه ويمجده بها البشر والمالئكة‪ .‬يجب أن يفرحنا‪ ،‬بصورة ال ينحلق بها‪،‬‬
‫التفكيرفي أن حبيب نفوسنا سعيد في ناته بصورة النهائية‪ ،‬وأن كل أعدائه ال‬
‫يستطيعون أن يهزوا أو يزعزعوا عرشه‪, :‬كل ما شاء الرب صنع في السموات‬
‫وفي األرض* (مزمور ‪.)٦ :١٣٥‬‬

‫‪٣٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة‪.‬الله في نفس‪ .‬اإلنسان‬

‫يا له من أساس قوي تبنى عليه سعادة تلك النفس التي يتملكها الحب اإللهي‪،‬‬
‫والتي تغيرت إرادتها بحسب إرادة الله‪ ،‬والتي تكون رغبتها العظمى هي إرضاء‬
‫خالقهاإ يا له من سالم وراحة وشبع يحل في ذلك الفكرد‬

‫لذلك يالها من متعة النهائية‪ ،‬أن دضإبع أنفسنا فيه‪ ،‬وأن كبتلع في اإلدراك‬
‫الطاغي بصالحه‪ ،‬وأن نقدم أنفسنا ذبيحة حية‪ ،‬تصعد إليه دائمًافي نيران‬
‫الحب؛ لن تعرف النفس أبدًا مدى الفرح والمتعة الجوهرية القوية‪٤ ،‬اال عندما‬
‫تكون قد متت من نفسها‪ ،‬وتخلت عن كل حق واستحقاق‪ ،‬وأعطت ذاتها إلى‬
‫خالق كيانها‪ ،‬وشعرت أنها أصبحت مقدسة ومكرسة‪ ،‬وتستطيع أن تقول‪،‬‬
‫بإحساس داخلي من األعماق‪" ،‬حبيبي لي‪( ١١‬فأنا أعتبر كل اهتمام له هو‬
‫اهتمامي الشخصي) ‪,, ،‬وأنا له‪ ،١١‬أنا أرضى بأن أكون أي شيء بالنسبة له‪ ،‬وال‬
‫أهتم بما لنفسي‪ ،‬بل بأن أخدمه‪ .‬الشخص الذي يكون متشكال بهذا الميل‪،‬‬
‫سيجد المتعة في كل تدبيرات العناية اإللهية؛ وستكون للمتع الوقتية مذاق‬
‫آخر عندما يتذوق الصالح اإللهي فيها‪ ،‬ويعتبرها عالمة على الحب مرسلة‬
‫من ربه وخالقه الحبيب؛ والتأديبات‪ ،‬رغم أنها ال تكون مفرحة‪ ،‬بل محزنة‪،‬‬
‫ستفقد وخزها‪ ،‬وستعزيه العصا مثلها مثل العكاز‪ .‬سيسترق قبلة لليد التي‬
‫كانت تضربه‪ ،‬ويستجمع حالوة من الجافي؛ ال بل أنه سيفرح أنه رغم أن الله‬
‫لم يفعل إرادة مخلوق حقيروأحمق مثله‪ ،‬إال أنه فعل مشيئته هو‪ ،‬وحقق خططه‬
‫الخاصة‪ ،‬التي هي أكثرقداسة وحكمة بصورة النهائية‪.‬‬

‫الممارسات الدينية التي تكون بالنسبة لآلخرين مملة وغير ممتعة‪ ،‬تسبب‬
‫أقصى المتع والمسرات للنفوس التي يمتلكها الحب اإللهي‪ .‬فهي تفرح عندما‬
‫تدعى ‪,,‬إلى بيت الرب‪ ،١١‬بحيث تتمكن من رؤية ‪,,‬قوته ومجده كما قد رأته‬
‫في قدسه ا (مزمور ‪ ٠)٢ :٦٣‬إنها ال تعتقد أبدا أنها شديدة السعادة‪ ،‬مثلما‬

‫‪٣٨‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫تكون عندما تعتزل عن العالم‪ ،‬وتتحرر من الضوضاء والعجلة المحمومة‪،‬‬


‫وتهديء كل عواطفها الصاخبة ( أولئك الضيوف المزعجون في الداخل) التي‬
‫وضعتها في محضر الله‪ ،‬وتستمتع بالشركة والتواصل معه‪ .‬تسعد تلك النفوس‬
‫بأن تعبد كماالته‪ ،‬وئحصي بعمه — وتتحسر على ميولها الخاطئه‪ ،‬وتخبره‬
‫آالف المرات بأنها تحبه‪ ،‬وتضع متاعبها أو احتياجاتها أمامه‪ ،‬وتلقي بأحمال‬
‫قلوبها في حضنه‪ .‬تكون التوبة نفسها ممارسة مفرحة‪ ،‬عندما تتدفق من جذر‬
‫الحب‪ .‬توجد عذوبة سرية تصحب دمع التوبة‪ ،‬تلك الليونة واذعان النفس‬
‫التي ترجع إلى الله ‪ ،‬وترثي قساوتها السالغة‪.‬‬

‫إن صرامة الحياة المقدسة‪ ،‬وذلك السهر واليقظة المستمرة التي دلؤم بأن‬
‫نحفظ بها كلوبنا وطرقنا‪ ،‬مزعجة للغاية بالنسبة ألولئك الذين يحكمون‬
‫فقط ويتصرفون بموجب ناموس خارجي‪ ،‬وليس لديهم نا موس في نفوسهم‬
‫وأفكارهم يجعلهم يميلون ألداء مسؤولياتهم‪ .‬لكن حين يتملك الحب اإللهي‬
‫على النفس‪ ،‬فإنه يقف مثل حارس يمنع كل شيء يمكن أن يجرح المحبوب‪،‬‬
‫ويصد بازدراء تلك التجارب التي تهاجمه‪ .‬هذا الحب يستجيب بفرح‪ ،‬ليس‬
‫فقط للومعايا الواضحة‪ ،‬بل ألكثر التلميحات السرية لرضا المحبوب‪ ،‬ويبرع‬
‫في اكتشاف ما يعبر له عن االمتنان وما هو مقبول لديه‪ .‬إنها تجعل اإلماتة‬
‫ونكار النفس يغيران اسميهما الخشنين والمخيفين‪ ،‬ليصبحا ممكنين وعذبيين‬
‫ومفرحين‪.‬‬

‫لكني أجد هذا الجزء من خطابي يزيد بصورة أكثر مما خططت له (في‬
‫الواقع‪ ،‬من ال يفريه االسترسال في مثل هذا الموضع الممتع() ‪ ٠‬لذلك سأجتهد‬
‫لكي أعوض عن ذلك باالختصار في النقاط األخرى‪.‬‬

‫الفرع التالي من الحياة اإللهية هو المحبة واإلحسان العام‪ .‬يتم االعتراف‬

‫‪٣٩‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫بسهولة بتفوق هذه النعمة؛ ألنه ماذا يمكن أن يكون أكثر نبال وكرمًا من قلب‬
‫يتسع لكي يحتضن العالم بأكمله‪ ،‬والذي تكون رغباته وخططه متجهة إلى‬
‫خير وسالمة الكون‪ ،‬والذي يعتبر اهتمام كل إنسان مثل اهتمامه هوالخاص؟‬
‫اإلنسان الذي يحب قريبه مثل نفسه‪ ،‬ال يمكنه أبدًا أن يتبنى أي فكر خسيس‬
‫أوضار‪ ،‬أو أن يفتقر إلى تعبيرات العطاء‪ .‬يكون من األفضل له أن يعاني من‬
‫آالف اإلساءات‪ ،‬عن أن يكون مذنبًا بإساءة واحدة؛ وال يحسب نفسه أبدًا‬
‫سعيدًا‪ ،‬إال عندما يفيد إنسانًا ما؛ وال يستطبع استياء وجحود البشر أن يقاوم‬
‫محبته‪ .‬فهو يتغاضى عن إساءاتهم‪ ،‬ويشفق على حماقاتهم‪ ،‬ويغلب الشر‬
‫بالخير‪ ،‬واليخطط ألي تدبيرات لالنتقام من ألد وأشر أعدائه‪ .‬هل هناك‬
‫ما يثير العجب إذًا في أن مثل هذا اإلنسان يوعر ويحظى باإلعجاب‪ ،‬ويعد‬
‫محبًا للبشرية؟ هذا الصالح والسالم الداخلي للروح يعكس عذوبة وهدوءًا‬
‫ما على مالمحه ومظهره‪ ،‬ويجطه محببًا ولطيفًا‪ .‬إنه يلهم النفس بتصميم‬
‫وشجاعة مقدسة‪ ،‬ويجعلها قادرة على المبادرة واحداث أسمى األمور‪ .‬تلك‬
‫األعمال البطولية التي نعتاد أن نقرأها يإعجاب‪ ،‬كانت في معظم األحيان من‬
‫آثار محبة اإلنسان لوطنه‪ ،‬أو لصداقة معينة؛ وبالتأكيد‪ ،‬فإن العاطفة األكثر‬
‫امتدادًا وشموية البد أن تكون أكثرقوة وتأثيرًا‪.‬‬

‫مرة أخوى‪ ،‬إذ يتدفق اإلحسان من طبع سخي ومتفوق‪ ،‬هكذا يصحبه أيضًا‬
‫أعظم رضا ومتعة‪ :‬إنه أمر يفرح النفس أن تشعر أنها قد اتسعت هكذا‪ ،‬وأن‬
‫نتقن من تلك المشاعر المقلقة والمشوهة‪ ،‬ومن الحقد والكراهية والحسد؛ وأن‬
‫تصبح وديعة ولطيفة وكريمة‪ .‬لو كان لي أن أختار من بين كل األشياه التي‬
‫يمكن أن تصون سعادتي الحالية‪ ،‬لكنت سأختار هذا‪ :‬أن يتملك على قلبي‬
‫أعظم لطف ومحبة تجاه جميع البشر في العالم‪ .‬أنا واثق أن هذا من شأنه‬
‫أن يجعلني شريكًا في كل سعادة لآلخرين‪ :‬مواهبهم الداخلية وازدهارهم‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫الخارجي أيضًا؛ وكل شيء أفادهم ونفعهم سيوفر لي الراحة والمتعة‪ .‬ورغم‬
‫أنني يجب أن ألتقي كثيرًا بمناسبات من الحزن والتعاطف‪ ،‬إال أن هناك عذوبة‬
‫في المواساة‪ ،‬مما يجعلها محببة للغاية أكثرمن الالمباالة الغبية ‪ ٠‬يمكن للتفكير‬
‫في ذلك الصالح والحكمة الالنهائية التي تحكم العالم‪ ،‬أن يمنع أي انزعاج‬
‫مفرط لمصائب معينة تحدث فيه؛ كما أن آمال البشر أو إمكانية سعادتهم‬
‫األبدية‪ ،‬يمكن أن تهديء من أحزانهم في مصائبهم الحالية‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬بعد‬
‫محبة الله واالستمتاع به‪ ،‬يعتبر هذا اإلحسان وهذه المحبة المتقدة التي بها‬
‫تحتضن النفوس المباركة بعضها البعض‪ ،‬هو عن حق أعظم سعادة في كل‬
‫النواحي المنكوره سابقًا؛ والتي لوسادت بصفة شاملة في العالم‪ ،‬كان يمكنه‬
‫أن يتوقع ذلك النعيم‪ ،‬ويجعلنا نتذوق أفراح السماء على األرض‪.‬‬

‫ذلك الذي سميته الفرع الثالث من الديانة‪ ،‬هوالطهارة؛ وربما تتذكر أنني‬
‫وصغتها بأنها نتمثل في ازدراء المتع الحسية‪ ،‬والتصميم على اجتياز تلك‬
‫المتاعب واآلالم التي يمكن أن نقابلها في أدائنا لمسؤولياتنا‪ .‬قد تكفي تسمية‬
‫هذا األمر للثناء عليه باعتباره أنبل الصفات وأكثرها تفوقًا‪ .‬ال توجد عبودية‬
‫شديدة الخسة‪ ،‬مثل تلك التي يصبح اإلنسان بواسطتها ساعيًا وراء شهواته‬
‫الخاصة؛ وال توجد نصرة شديدة الروعة مثل تلك التي ننالها بالسيطرة‬
‫على تلك الشهوات‪ .‬ال يقدر على أي شيء نبيل أو جدير بالتقدير‪ ،‬ذلك‬
‫اإلنسان الذي يفرق في الملذات الحسية الكثيرة والكبيرة‪ ،‬أو يغس بأضواء‬
‫وأجواء المسرات الفاخرة‪ .‬لكن النفس التقية لديها طبع أكثر سموًا وروحانية؛‬
‫فهي تعرف أنها حلقت ألمور أسمى‪ ،‬وتحتقر أن دخرج قدمًا واحدة بعيدًا عن‬
‫طرق القداسة‪ ،‬ألجل الحصول على أي من هذه المسرات‪.‬‬

‫يصحب هذه الطهارة قدر كبير من المتعة‪ .‬أي شيء ينجس النفس يزعجها‬

‫‪٤١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫أيضًا؛ فكل الملذات النجسة بها لدغة‪ ،‬ونترك ألمأ وانزعاجًا خلفها‪ .‬فاإلفراط‬
‫وعدم االعتدال‪ ،‬وكل الشهوات الجامحة‪ ،‬هي أعداء بالمثل لصحة الجسد‪،‬‬
‫ولفائدة الحياة الحاضرة‪ ،‬بحيث أن القليل من التفكير يمكن أن يجبر أي‬
‫إنسان عاقل على الكف عنها ألجل تلك النتائج‪ .‬وإذ ا ذهب اإلنسان النقي‬
‫إلى مستوى أعلى‪ ،‬ولم يمتنع فقط عن الملذات البغيضة‪ ،‬بل تجاهل أيضًا تلك‬
‫المتع البريئة‪ ،‬فال يجب أن يعتبر هذا كبح عنيف أوصعب‪ ،‬بل نتيجة الختيار‬
‫أفضل‪ :‬أن فكره يرتفع للسعي إلى مسرات أكثر سموًا ونقاء‪ ،‬بحيث أنه ال يهتم‬
‫بتلك األمور األخوى‪ .‬أي إنسان يكون منغمسًافي عاطفة قوية ومتقدة‪ ،‬سينسى‬
‫بسهولة ملذاته العادية‪ ،‬وسيكون أقل شففًا بطعامه أوراحته الجسدية أو بالمتع‬
‫التي كان معتادًا على التلذذ بها‪ .‬العجب إذًا‪ ،‬إن احتقرت النفوس التي يسيطر‬
‫عليها الحب اإللهي‪ ،‬المتع الدنيا‪ ،‬وكانت مستعدة حتى أن تحرم الجسد من‬
‫اهتمامه الضروري بمتطلبات الحياة العادية‪ ،‬إذ تحكم على كل هذه األشياء‬
‫باعتبارها ال تنثاسب مع سعادتها األساسية — مع تلك المتع األسمى التي تسعى‬
‫إليها‪ .‬أما بالنسبة للصعوبات التي يمكن لهذه النفوس أن تالقيها‪ ،‬فهي تقرح‬
‫فيها‪ ،‬باعتبارها فرص لممارسة محبتها والشهادة لها؛ وحيث أنها ال تستطيع‬
‫القيام سوى بالقليل جدًا ألجل الله‪ ،‬فإنها تفرح بشرف أن تتألم من أجله‪.‬‬

‫الفرع األخير من الديانة هو االتضاع؛ ومهما بدى للعيون العادية الجسدية‬


‫أن هذه صفة حقيرة ودنيئة ومهينة‪ ،‬فالحقيقة هي أن نفس اإلنسان غيرقادرة‬
‫على هبة أكثر منها نبال وسموًا‪ .‬الجهل السخيف هو الذي ينجب الكبرياء؛‬
‫لكن االتضاع ينشأ من معرفة أوثق بأمور فائقة‪ ،‬والتي تحفظ اإلنسان من‬
‫الشغف باألمور التافهة‪ ،‬أومن اإلعجاب بنفسه بسبب بعض الممتلكات الثانوية‪.‬‬
‫النفوس الشريفة والمهذبة جيدًا ال يكون لديها مثل هذا التقدير العالي للثراء‬
‫والجمال والقوة‪ ،‬وغيرها من تلك المميزات‪ ،‬بحيث تقيم نفسها على أساسها‪،‬‬

‫‪٤٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫أو تحتقر أولئك الذين ال يملكونها‪ .‬أما بالنسبة للقيمة الداخلية والصالح‬
‫الحقيقي‪ ،‬فإن الحس الذي لديهم بالكماالت اإللهية‪ ،‬يجعلهم يفكرون بصورة‬
‫حقيرة للغاية في أي شيء حصلوا عليه حتى تلك اللحظة‪ ،‬ويظلون يجاهدون‬
‫لكي يعلوا بأنفسهم‪ ،‬ويقتربوا أكثرإلى تلك الصفات األكثرروعة التي يعجبون‬
‫بها‪.‬‬

‫ال أعلم ما األفكار التي يمكن أن تكون لدى الناس عن االتضاع‪ ،‬لكني أرى‬
‫أن كل شخص تقريبًا يزعم أنه متضع‪ ،‬ويمتنع عن كل تعبيرات وأفعال يمكن‬
‫أن تجعله يعتبر متعجرف ومتفاخر‪ ،‬حتى أن أكثر من يرغب في النثاء‪ ،‬يكره‬
‫أن يمدح نفسه‪ .‬فماذا يكون ذلك اإلطراء وأساليب اللياقة‪ ،‬التي تكثر جدًا‬
‫في حديثنا العادي‪، ،‬اال الكثير جدًا من التوكيدات على تقديرنا لآلخرين‪،‬‬
‫واألفكار الدنيا التي لدينا عن أنفسنا؟ أال يجب أن يكون هذا االتضاع هبة‬
‫نبيلة ومتفوقة‪ ،‬حيث أن مجرد ظالله كعتبر ضرورية للغاية كجزء من التهذيب‬
‫الجيد؟‬

‫مرة أخرى‪ ،‬يصحب هذه النعمة قدر كبير من السعادة والهدوء‪ .‬اإلنسان‬
‫المتكبر والمتعجرف يكون مزعجًا لكل الذين يتحدث معهم ‪ ،‬ولكن أكثر كل‬
‫شيء‪ ،‬يكون مزعجًا لنفسه‪ .‬فكل شيء يكفي إلغاظته‪ ،‬ويندر أن يوجد شيء‬
‫يكفي لكي يرضيه ويسعده‪ .‬إنه مستعد أن يتشاجر بخصوص أي شيء يحدث؛‬
‫كما لو أنه هو نفسه شخص مهم‪ ،‬بحيث يجب على الله القدير أن يفعل كل‬
‫شيء لكي يرضيه‪ ،‬ويجب على جمبع مخلوقات السماء واألرض أن تخدمه‬
‫وتطيع مشيئته‪ .‬تهتز أوراق األشجار العالية بكل هبوب للرياح؛ وكل نفس‪ ،‬وكل‬
‫كلمة ردئية تزعج وتعذب اإلنسان المتعجرف‪ .‬لكن اإلنسان المتضع لديه ميزة‬
‫عندما يحثقر‪ ،‬أن ال أحد يمكن أن يفكر فيه بطريقة وضيعة أكثر مما يفكر هو‬

‫‪٤٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في‪.‬نفس اإلنسان‬

‫في نفسه؛ وبالتالي فهوال ينزعج لألمر‪ ،‬لكنه يستطيع بسهولة أن يتحمل تلك‬
‫التوبيخات التي تجرح المتكبرفي أعماق نفسه‪ .‬وباإلضافة لذلك‪ ،‬كما أنه يكون‬
‫أقل تأثرًا باإلهانات‪ ،‬يكون بالحقيقة أيضًا أقل بغضًا لها‪, .‬دالخصام الذي يأتي‬
‫من الكبرياء ‪ ،‬يكشف في اإلنسان ألف عقبة‪ ،‬والتي يندر أن يتعرض لها ذوي‬
‫السمات الوديعة والمتضدعة‪ .‬فاالتضاع الحقيقي األصيل يولد كأل من الوقار‬
‫والمحبة وسط كل األشخاص الحكماء والغاهمين‪ ،‬بينما الكبرياء يهزم هدفه‬
‫الخاص‪ ،‬ويحرم اإلنسان من ذلك الشرف الذي يجعله يتظاهر به‪.‬‬

‫لكن حيث أن الممارسات األساسية لالتضاع هي تلك التي ترتبط بالله القدير‪،‬‬
‫فإن هذه يصحبها أعظم رضا وعذوبة‪ .‬من المستحيل التعبير عن المتعة‬
‫والفرح العظيم الذي يشعر به األتقياء في أدنى سجود لنفوسهم أمام الله‪،‬‬
‫إذ عندما يشعرون شعورًا عميقًا بالجالل والمجد اإللهي‪ ،‬يغوصون (كما يمكن‬
‫أن يقال) في أعماق كيانهم‪ ،‬ويختفون في حضور الله‪ ،‬باعتراف جاد ومحب‬
‫بعدم قيمتهم‪ ،‬وبقصور ونقص ما يملكونه‪ ،‬إذ يفهمون الشعور والمعنى الكامل‬
‫لتعجب المرنم‪ ،‬ررمن هو اإلنسان حتى تذكره" (مزمور ‪- ، )٤ :٨‬ن أن‬
‫ينطقوا به بنفس المحبة‪ .‬لم يتلى من فبل أي إنسان متكبر أو طموح ثناء‬
‫واستحسان البشر‪ ،‬بمثل تلك المتعة التي يرفض بها األشخاهن المتضعون‬
‫واألتقياء هذه األمور‪* :‬ليس لنا يا رب ليس لنا لكن السمك أعط مجدًا من‬
‫أجل رحمتك من أجل أمانتك" (مزمور ه ‪. ) ١ : ١١‬‬

‫وهكذا‪ ،‬لقد تحدثت عن شيء من السمات والمميزات الرائعة للدين في فروعه‬


‫المتعددة‪ .‬لكنه سيكون أمرًا شديد اإليذاء للموضوع‪ ،‬إن زعمت أنني قدمت أي‬
‫تقرير كامل عنه‪ .‬لذلك دعونا نعرفه بأنفسنا‪ ،‬وسوف تعلمنا الخبرة أكثر من‬
‫كل ما قيل أو كتب بشأنه‪ .‬لكن إن افترضنا أن النفس قد تيقظت بالفعل لنع‬
‫من الشوق والرغبة في السعى خلف تلك السعادة العظمى‪ ،‬سيكون من الجيد‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫آن ننفس عنه‪ ،‬ونسمح له آن ينتج فينا تطلعات مثل هذه‪.‬‬

‫صالة‬

‫يا إلهي الصالح؛ يا لها من سعادة عظمى تلك التي تدعونا إليهاإ كم بلطفك‬
‫قرنت مسؤوليتنا وسعادتنا معًا‪ ،‬وحددت أن تكون هناك مكافأة عظيمة‬
‫ألداثنا لواجباتنا( هل يمكن لذلك الدود السخيف أن يرتقي إلى مثل هذا‬
‫السمو العظيم؟ هل تسمح لنا أن نرفع عيوننا إليك؟ هل تعترف بمحبتنا‬
‫وتقبلها؟ هل نتلقى انطباع كماالتك اإللهية‪ ،‬بأن نراها ونعجب بها — ونشارك‬
‫في نعيمك ومجدك الالمحدود‪ ،‬بأن نحبك ونفرح بك؟ يا لسعادة تلك النفوس‬
‫التي حطمت أغالل محبة النفس‪ ،‬وحررت عاطغتها من كل خيرضيق ومحدودا‬
‫يالسعادة تلك النفوس التي استنيرت أفهامها بروحك القدوس‪ ،‬واتسعت‬
‫مشيئآتها لمدى مشيئتك؛ تلك التي تحبك أكثر من كل األشياه‪ ،‬وتحب البشرية‬
‫كلها ألجلك؛ لقد اقتنعت ياإلهي‪ ،‬لقد افتنعت‪ ،‬أنني ال يمكن أن أكون سعيدا‪،‬‬
‫إال عندما نمات ميولي الجسدية والغاسدة‪ ،‬ونخضع كبرياء وغرورروحي‪،‬‬
‫وعندما أصل بجدية إلى احتقار العالم‪ ،‬والتفكير في نغسي كالشيء‪ .‬آه‪،‬‬
‫متى يكون ذلك؟ متى تأتي داخلي‪ ،‬وثدع نغسي بشبهك‪ ،‬وتجعلني قديسًا كما‬
‫أنك أنت قدوس‪ ،‬في كل سيرة؟ هل تعجني إمكانية لمثل هذه السعادة العظمى‪،‬‬
‫وال تدخلني إليها؟ هل سر في نغسي هذه الرغبات‪ ،‬وال نشبعها أيضًا؟ آه‪،‬‬
‫*علمني أن أعمل رضاك ألنك أنت إلهي‪ .‬روحك الصالح يهديني في أرض‬
‫مستوية‪ .‬من أجل اسمك يا رب تحييني‪ .‬بعدلك تخرج من الضيق نغسي ‪...‬‬
‫يارب رحمتك إلى األبد‪ .‬عن أعمال يديك ال تتخل"‪.‬‬

‫‪٤٥‬‬
www.christianlib.com
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫عن صعوبات وواجبات ‪,‬لحياة المسيحية‬

‫لقد كنا نفكر حتى اآلن في أي شيء تتمثل الديانة‬


‫الحقيقية‪ ،‬وكم هي محببة وجذابة؛ لكن عندما يرى‬
‫اإلنسان كم يبتعد الطبع والمزاج العادي بصورة غير‬
‫محدودة عن ذلك‪ ،‬ربما يميل إلى اليأس أواالبتعاد عنها‪،‬‬
‫ويعتقد أنه من المستحيل للغاية الوصول إليها‪ .‬ربما يجلس‬
‫فى حزن وينتحب‪ ،‬في ألم ومرارة روحه‪ ،‬قائأل‪* ،‬يالغبطة‬
‫تلك النفوس التي تيقظت على الحياة اإللهية‪ ،‬وبالتالي‬
‫تجددت بروح أذهانها؛ لكني لإلسف ذو طبع مختلف‬
‫تمامًا عن ذلك‪ ،‬وال أستطيع أن أحدث مثل هذا التغيير‬
‫الضخم‪ .‬لو كانت الممارسات الخارجية تقدر أن تقوم‬
‫بهنا األمر‪ ،‬ربما كان يمكن أن آمل في تسوية نلك بنغسي‪،‬‬
‫باالجتهاد واالهتمام؛ لكن حيث أن ال شيء سوى الطبيعة‬
‫الجديدة يستطيع أن يقوم بهذا التغيير‪ ،‬فماذا يمكنني‬
‫أن أفعل؟ في إمكاني تقديم كل ممتلكاتي كقرابين لله‪ ،‬أو‬
‫تبرعات للفقراء‪ ،‬لكني لن أتمكن من أن أمنح نلك الحبه‬
‫واإلحسان‪ ،‬والذي بدونهما لن ينفعني هذا العطاء شيائ‪.‬‬
‫فهبة الله ال يمكن شراؤها بالمال‪ .‬لو أعطى اإلنسان كل‬
‫ثروة بيته بدل المحبة‪ ،‬تحتقر احتقارًا‪ .‬يمكنني أن أقمع‬
‫جسدي وأنهكه وأجتاز الكثير من الصعوبات والضيقات‪،‬‬
‫لكني ال أستطيع أن أميت كل فسادي‪ ،‬وال أن أفطم جميع‬

‫‪٤٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫ميولي عن األمور الدنيوية‪ .‬التزال هناك بعض الشهوات العالمية التي تكمن‬
‫في قلبي؛ وتلك األباطيل التي أطردها من الباب‪ ،‬تدخل دائمًا من النوافذ‪.‬‬
‫إنني أقتنع في مرات كثيرة بحقارتي‪ ،‬وبضعف جسدي‪ ،‬وبالضعف األعظم‬
‫لنفسي؛ لكن هذا ينشيء سخطًا واستياء أكثر مما ينشيء اتضاعًا حقيقيًا‬
‫في روحي‪ .‬فرغم أنني أفكر بحقارة في نغسي‪ ،‬ال أحتمل أن يفكر اآلخرون ة‬
‫كذلك‪ .‬باختصار‪ ،‬عندما أفكر فليًا فيما يبدوأسمى وأفضل إنجازاتي‪ ،‬لدي‬
‫ما يجعلني أشك في أن جميعها ما هي إال نتاج الطبيعة ومحبة النفس التي‬
‫تتخفى في مظاهر متعددة؛ وهدا الجذر شديد القوة‪ ،‬ومتأصل بعمق داخلي‬
‫حتى أنني ال يمكن أن آمل في التخلص من سيطرته‪ .‬ربما يمكنني أن أتأرجح‬
‫للداخل والخارج مثل باب على مفصالت‪ ،‬لكني ال أستطيع أبدًا أن أتخلص‬
‫تمامًا أو أنفصل بالكامل عن الذات التي التزال مركز كل تحركاتي؛ بحيث‬
‫أن كل فائدة يمكنني أن أنالها من اكتشاف الديانة‪ ،‬ليست سوى رؤية تلك‬
‫السعادة‪ ،‬التي ال أستطيع الوصول إليها‪ ،‬من على بعد هائل؛ مثل إنسان في‬
‫حطام سفينة‪ ،‬الذي يستطيع أن يرى األرض‪ ،‬ويحسد سعادة أولئك الذين هم‬
‫عليها‪ ،‬لكنه يعتقد أنه من المستحيل بالنسبة له أن يصل إلى الشاطيء ‪٠‬‬

‫قد كثار مثل هذه األفكار اليائسة التي أقولها في عقول أولئك الذين يبدأون‬
‫في إدراك المزيد عن طبيعة وتقوق الديانة أكثرمما سبق‪ .‬لقد تجسسوا األرضى‪،‬‬
‫ورأوا أنها فائقة الجودة‪ ،‬وأنها تفيض لبنًا وعسأل؛ ولكنهم وجدوا أن لديهم‬
‫بني عناق الذين يجب أن يصارعوهم‪ ،‬والكثير من الشهوات والمغاسد القوية‬
‫التي يجب التغلب عليها‪ ،‬وهم يخشون أال يتمكنوا من السيطرة عليها أبدًا‪.‬‬
‫لكن لماذا يجب علينا أن نفسح المجال لمثل هذه االفتراضات المحبطة؟ لماذا‬
‫نتبنى مثل هذه المخاوف غير المعقولة‪ ،‬والتي توهن أرواحنا وتضعف أيدينا‪،‬‬
‫ونجادل في صعوبات طريقنا؟ دعنا نشجع أنفسنا‪ ،‬صديقي العزيز‪ ،‬دعنا‬
‫نشجع أنفسنا بتلك المعونات القديرة التي يجب أن نتوقعها في هذه الحرب‬

‫‪٤٨‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫الروحية؛ ألن الذي معنا أعظم من كل الذين يقومون علينا‪* .‬اإلله القديم‬
‫ملجأ واألذع األبدية من تحت" (تثنية ‪)٢٧ :٣٣‬؛ فدعنا *نتقوى في الرب وفي‬
‫شدة قوته (أفسس‪ ،)١٠ :٦‬فالله هو الذي لم سيدوس أعداءنا ‪ .‬الله لديه‬
‫اهتمام حنون بنغوس البشر‪ ،‬وهو يرغب بصورة النهائية في تعزيز خيرهم‬
‫وصالحهم‪ .‬لقد تنازل لضعفنا‪ ،‬وأعلن بغتم أنه ال يسر بهالكنا‪ .‬ال يوجد‬
‫نزاع أو حسد يكمن في قلب ذلك الكائن المبارك من األزل ئ لى األبد‪ ،‬الذي‬
‫اسمه وطبيعته هوالحب‪ .‬لقد خلقنا منن البداية في حالة الفرح؛ واآلن‪ ،‬عندما‬
‫سقطنا منها *خلصت له ذراعه" (إشعياء ‪ :٦٣‬ه ) ‪ ،‬فهو لم يوكل مهمة رعاية‬
‫نفوسنا لشخص أقل من ابن محبته األزلي‪ .‬إنه هو رئيس خالصنا‪ ،‬فمن هم‬
‫األعداء الذين يكونون أقوى من أن نتغلب عليهم عندما نحارب تحت رايته؟‬
‫ألم ينزل ابن الله من حضن أبيه‪ ،‬ويقيم مسكنه وسط بني البشر‪ ،‬لكي يسترد‬
‫وينشر الحياة اإللهية‪ ،‬ويسترجع صورة الله في نفوسنا؟ كل األعمال القديرة‬
‫التي أجراها‪ ،‬وكل اآلالم المؤسفة التي تحملها‪ ،‬كان هذا هومنظورها وهدفها؛‬
‫وألجل هذا تعب وتألم‪ ،‬وألجل هذا سفك دمه ومات‪* .‬حمل ابنًا‪ ،‬وتأئم؛ فهل‬
‫لم يلد سوى الربح؛ هل لم يعمل أي خالص في األرض؟ هل لم يرى من تعب‬
‫نفسه؟ ا من المستحيل بالتأكيد أن يفشل هذا التدبير السمائي العظيم؛ أن‬
‫يخفق هذا المشرع العظيم ويجهضى‪ .‬لقد أدى بالفعل إلى خالص اآلالف من‬
‫البشر الذين كانوا قبال بعيدين عن ملكوت السموات‪ ،‬مثلما نفترض نحن في‬
‫أنفسنا أيضًا‪ ،‬كما أن رئيس كهنتنا العظيم *يبض إلى األبد له كهنوت ال يزول‬
‫فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله* (عبرانيين‬
‫‪ ،٢٤ :٧‬ه‪ ٠)٢‬إنه حنون و ووف‪ ،‬وهو يعرف ضعفنا‪ ،‬وتعرض لكل تجاربنا‪.‬‬
‫لم‪ ,‬قصبة مرضوضة ال يقصف وفتيلة خامدة ال يطغيء‪ .‬إلى األمان يخرج‬
‫الحق" (إشعياء ‪.)٣ :٤٢‬لقد أرسل روحه القدوس‪ ،‬الذي التزال أنفاسه العذبة‬
‫والقوية تتحرك في كل أنحاء العالم‪ ،‬لكي تحيي وتنعش نفوس البشر‪ ،‬وتوقفلهم‬

‫‪٤٩‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫للشعور واإلحساس بتلك األمور اإللهية التي غبقوا ألجلها‪ ،‬وهو مستعد لمعونة‬
‫مخلوفات ضعيفة واهنة مثلنا‪ ،‬في جهادنا نحو القداسة والسعادة‪ :‬وعندما‬
‫يتملك على النفس ويشعلها بأقل شرارة من المحبة اإللهية‪ ،‬ستعمل بالتأكيد‬
‫على االحتفاظ بها وإزكائها‪ ،‬لتصبح لهيب نار‪* ،‬ال تستطيع مياه كثيرة أن‬
‫تهلفئها والسيول ال تغمرهالما (نشيد األنشاد ‪ ٠)٧:٨‬عندما يبدأ بزوغ فجر هذا‬
‫اليوم‪ ،‬ويطلع كوكب الصبح في القلب*‪ ،‬سيطرد بسهولة قوى الظيمة‪ ،‬ويجعل‬
‫الجهل والحماقة وكل ميول البشر الفاسدة واألنانية تهرب سريعا أمانه مثل‬
‫ظالل الليل عندما تشرق الشمس في جنباته‪ ،‬لم أما سبيل الصديقين فكنور‬
‫مشرق‪ .‬يتزايد وينير إلى النهار الكامل‪ ...‬يذهبون من قوة إلى قوة‪ .‬يرون‬
‫قدام الله في صهيون‪( *.‬أمثال ‪١٨ :٤‬؛ مزمور ‪.)٧ :٨٤‬‬

‫لماذا نعتقد أنه من المستحيل أن يأتي الصالح الحقيقي والحب الشامل‬


‫ويسود نفوسنا ويهيمن عليها؟ أليست هذه هي حالتها البدائية األولى‪ ،‬وأصلها‬
‫وتكوينها الحقيقي‪ ،‬كما جاءت في البداية من يدي خالقها؟ الخطية والغساد‬
‫هما مجرد غاصبين‪ ،‬ورغم أنهما تملكا علينا لزمان طويل‪ ،‬إال أنه *لم يكن‬
‫هكذا في البدء*‪ .‬حبنا المفرط ألنفسنا‪ ،‬الذي يمكن لإلنسان أن يعتقد أنه‬
‫متأصل في كياننا نفسه‪ ،‬ومنسوج في تكوين طبيعتنا‪ ،‬هو رغم ذلك من ننب‬
‫غريب‪ ،‬وليس له مكان على اإلطالق في حالة الكمال‪ .‬اليزال لدينا الكثير من‬
‫األسباب الباقية داخلنا إلدانته؛ كما يسهل إقناع مفاهيمنا بأننا يجب أن نكون‬
‫مكرسين بالكامل للشخص الذي منه كياننا‪ ،‬وأن نحب‪ ،‬أكثرمن حبنا ألنفسنا‬
‫بما ال يقاس‪ ،‬الشخص الذي هو أفضل من أنفسنا بصورة النهائية‪ .‬يمكن‬
‫إلرادتنا أن تذعن لذلك بسرعة إن لم نكن معشوشين ومضطربين‪ .‬أليس الذي‬
‫خلق نفوسنا‪ ،‬فادراأن يقومهاويشغيهامرة أخرى ؟ أالنستطيع بمعونته أن‬
‫نقهرونطرد هؤالء الدخالء العنيفين‪ ،‬و نهزم جيوش غرباء*؟‬

‫بمجرد أن نتسلح في هذه الحوب المقدسة‪ ،‬سنجد كل القديسين الذين على‬


‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫األرض وكل مالئكة السماء‪ ،‬يشاركون في الحرب إلى جانبنا‪ .‬فالكنيسة المقدسة‬
‫في كل أنحاء العالم تتشفع يوميًا أمام الله ألجل نجاح كل هذه المجهودات؛ وبال‬
‫شك أن تلك األجناد السماوية تهتم بمصالح الديانة وترغب بال حدود أن ترى‬
‫الحياة اإللهية تزدهروتسودفي هذا العالم األدنى؛ وأن نتحقق مشيئة الله على‬
‫األرحض بواسطتنا‪ ،‬كما نتحقق في السماء بواسطتهم‪ .‬أليس علينا إذًا أن نشجع‬
‫أنفسنا‪ ،‬كما فعل النبي لعبده‪ ،‬عندما أراه الخيول والمركبات النارية‪* ،‬ال تخف‬
‫ألن الذين معنا أكثرمن الذين معهم* (‪٢‬ملوك ‪) ١٦ :٦‬؟‬

‫فلنطرح إذًا كل مخاوف مربكة وأفكار محبطة‪ .‬عندما نلتزم بقوة‬


‫ونعتمد بثقة على المعونة اإللهية‪ ،‬فهذا نصف االنتصار‪* .‬لنقم ولوح‪ ،‬والوب‬
‫سيكون معنا*‪ .‬من الصحيح أن الدين في نفوس البشر هو عمل الله المباشر‪،‬‬
‫وأن كل مجهوداتنا الطبيعية ال تستطيع أن تنتجه بمفردها‪ ،‬كما أنها ال تستأهل‬
‫تلك المساعدات فوق الطبيعية التي يجب بها أن تنجز بها‪ .‬البد أن يحل الروح‬
‫القدس علينا‪ ،‬وقوة العلي تظللنا‪ ،‬قبل أن يولد هذا األمر المقدس‪ ،‬ويتصور‬
‫المسيح فينا‪ .‬لكن رغم ذلك ال يجب أن نتوقع أن هذا العمل بأكمله يجب أن‬
‫يحدث بدون أي مجهودات متعاونة من جانبنا‪ .‬يجب أال نقبع ساكنين في‬
‫خندق‪ ،‬وننتظر حتى تجذبنا القدرة الكلية من هناك‪ .‬كال‪ :‬بل البد أن نجتهد‬
‫نحن أنفسنا ونفعل تلك القوى التي قد قبلناها حقًا‪ .‬البد أن ندفع أنفسنا بكامل‬
‫طاقاتنا‪ ،‬وعندئذ يمكننا أن نأمل *أن تعبنا ليس باطال في الرب* ( ‪ ١‬كورنثوس‬
‫ه ‪ . ) ٥٨ :١‬كل نون وصناعة اإلنسان ال تستطيع أن تشكل أصغر عشب‪ ،‬أو‬
‫تجعل ساقًا من الذرة تنموفي الحقل؛ فعمل الطبيعة‪ ،‬وتأثيرات السماء‪ ،‬هي‬
‫التي نثتج هذا األثر‪ .‬فرغم أن الله هو* المنبت عشبًا للبهائم وخضرة لخدمة‬
‫اإلنسان* (مزمور ‪ ) ١٤ : ١٠٤‬؛ لكن ال أحد يقول أن شغل الفالح ال جدوى منه‬
‫أو غير ضروري‪ .‬وهكذا أيضًا بالمثل‪ ،‬لقد حلقت النفس البشرية بواسطة‬
‫الله مباشرة‪ ،‬فهو الذي يشكل الجنين ويحييه‪ ،‬ومع ذلك فهوقد عحئ فراش‬

‫‪٥١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫الزواج باعتباره الوسيلة الطبيعية لتكاثر الجنس البشري‪ .‬رغم أنه البد من‬
‫تدخل عمل القدرة االلهية إلحداث هذا التفيير الضخم في نفوسنا‪ ،‬إال أننا‬
‫يجب علينا أن نفعل ما نستطيعه لكي نؤهل ودعد أنفسنا له؛ إذ أننا البد أن‬
‫نكسر أرضنا البور ونقظع األعشاب الضارة وننزع األشواك‪ ،‬بحيث نكون أكثر‬
‫استعدادًا لقبول بذور النعمة وندى السماء‪ .‬من الصحيح أن الله وحد ألناس‬
‫لم يطلبوه؛ فقد ألقى بنفسه في طريقهم‪ ،‬إذ كانوا خارج طريقه بالكامل‪.‬‬
‫فأمسكهم وأوقف مسارهم فجأة؛ هكذا تجدد بولس الرسول في رحلته إلى‬
‫دمشق‪ .‬لكن بالتأكيد ليست هذه هي طريقة الله المعتادة في التعامل هع البشر‪.‬‬
‫فرغم أنه لم يقيد نفسه بوسائل معينة‪ ،‬إال أنه قيدنا نحن باستخدامها؛ وليس‬
‫لدينا أبدًا سبب لتوقع المعونة اإللهية‪ ،‬إال عندما نقوم بأقصى مساعينا‪ .‬لذلك‬
‫ستكون مهمتي التالية هي أن أوضح المسار الذي ينبغي أن نتبعه للحصول‬
‫على هذا الطبع المبارك الذي كنت أصغه حتى اآلن‪ .‬لكن‪ ،‬إن كان في تقديم‬
‫أفكاري الخاصة‪ ،‬تصادف أنني أختلف عما يقال أو يمكن أن يقال بواسطة‬
‫آخرين في هذا الموضع‪ ،‬فأل يجب االعتقاد بأنني أناقضهم أو أعارضهم‪ ،‬أكثر‬
‫مما يفعل األطباء عندما يصفون عالجات متعددة لنفس المرض‪ ،‬والتي ربما‬
‫تكون جميعها نافعة وجيدة‪* .‬يمكن ألي إنسان أن يقترح الوسيلة التي يعتبرها‬
‫أكثرمالءمة؛ ولكنه ال يجب أن يزعم أن الشفاء ال يمكن أن يحدث أبدًا*‪ ،‬ما لم‬
‫تراعى تلك الوسيلة بالضبط‪ .‬أشك أنه حدث الكثير من القلق غير الضروري‬
‫لبعض األتقياء‪ ،‬ألنهم لم يجدوافي نفوسهم ذلك التحول المنظم والمنتخلم الذي‬
‫رأوه موصوفا في الكتب‪ ،‬إذ أنهم لم يمروا عبر كل تلك الخطوات والمراحل‬
‫في التجديد‪ ،‬والتي وصفها البعض (الذين ربما شعروا بها هم في أنفسهم)‬
‫لآلخرين بصورة قاطعة‪ .‬الله لديه طرق متعددة للتعامل مع نفوس البشر‪،‬‬
‫ويكفي أن يتحقق العمل‪ ،‬مهما كانت الوسائل‪.‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬رغم أنني يجب عند اقتراح االتجاهات أن أتبع ذلك الترتيب‬

‫‪٥٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫الذي تقود إليه طبيعة األمور‪ ،‬إال أنني ال أقصد أنه يجب اتباع نفس هذه‬
‫الطريقة بدقة في الممارسة العملية‪ ،‬كما لو أن القواعد الالحقة ال يمكن‬
‫اتباعها أبدًا إال بعد انقضاء وقت كبيرفي ممارسة تلك السابقة‪ .‬االتجاهات‬
‫التي أقصدها يقود أحدها إلى اآلخر بصورة متبادلة‪ ،‬ويجب أن تطدق جميعها‬
‫بحسب ما تسمح الفرصة ونجد أنفسنا قادرين على إنجازها‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬حتى ال أعطلك أكثر من ذلك‪ ،‬إن كنا نرغب في أن تتشكل نفوسنا‬
‫بهذا اإلطار المقدس‪ ،‬ونصبح شركاء الطبيعة اإللهية‪ ،‬ويتصور المسيح في‬
‫قلوبنا‪ ،‬البد أن نحسم ذلك بصورة جدية‪ ،‬ونجاهد بعناية لكي نتجنب ونترك‬
‫كل الشرور والممارسات اآلثمة‪ .‬ال يمكن أن يكون هناك أي عهد سالم‪ ،‬إال‬
‫عندما نتتازل عن أسلحة التمرد التي نحارب بها ضد السماء؛ كما ال نستطيع‬
‫أن نتوقع شفاء لطباعنا السيئة‪ ،‬إن كنا نتغذى على السم يوميًا‪ .‬كل خطية‬
‫متعمدة تسبب جرحًا مميتًا للنفس‪ ،‬وتبعدها أكثرعن الله وعن الصالح‪ .‬ال‬
‫يمكن أن نأمل في أن تتطهرفلوبنا من الميول الغاسدة‪ ،‬ما لم ننقي أيدينا من‬
‫األفعال الشريرة‪ .‬ال نستطيع أن نلتمس العذر ألنفسنا بأن نزعم استحالة‬
‫ذلك؛ ألن األكيد هوأن إنساننا الخارجي هوتحت سلطتنابدرجة ما‪ .‬فلدينا‬
‫ع من السيطرة على أقدامنا وأيدينا ولساننا‪ ،‬ال بل على أفكارنا وخياالتنا‬
‫أيضًا‪ ،‬على األقل بقدر ما يمكننا أن نبعدها عن األمور البذيئة واآلثمة‪ ،‬وأن‬
‫نحول أذهاننا في طريق آخر‪ .‬سنجد هذه القوة والسلطة تتقوى وتتقدم أكثر‪،‬‬
‫إن اعتنينا بإدارتها وممارستها‪ .‬في نفس الوقت أنا أعترف بأن مفاسدنا‬
‫شديدة القوة‪ ،‬وتجاربنا كثيرة للغاية‪ ،‬بحيث أن األمر يتطلب قدرًا كبيرًا من‬
‫المثابرة والتصميم واليقظة واالهتمام لمجرد حتى الحفاظ على أنفسنا في هذه‬
‫الدرجة من الطهارة والنقاء‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬دعنا نعرف أنفسنا جيدًا بماهية هذه الخطايا التي ينبغي أن نمتنع‬
‫عنها‪ .‬وهنا يجب علينا أال نأخذ مقاييسنا من مباديء العالم وحكمه‪ ،‬أو من‬

‫‪٥٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫ممارسات أولئك الذين نعتبرهم صالحين ومحسنين‪ .‬معظم الناس لديهم‬


‫مخاوف ضئيلة للغاية من هذه األمور‪ ،‬وال يشعرون بأي خطأ‪ ،‬مالم يكن فاضحا‬
‫وحقيرًا‪ ،‬ويندر أن يعتبروا أيًا من هذه األمور‪ ،‬التي يطلقون عليها تدقيقًا‪،‬‬
‫شديدة الهول‪ .‬أما أولئك األكثر جدية‪ ،‬فيسمحون ألنفسهم في موات كثيرة‬
‫بقدر أكبر من الالزم من حرية الفكر واألفعال‪ .‬يالألسف إ كم من الكبرياء‬
‫والغرور والشهوة والتفاخر؛ كم من الضعف والحماقة واإلثم‪ ،‬يظهر كل يوم في‬
‫كالمهم وسلوكهم؛ ربما يتضعون ألجل هذه األمورويجاهدون ضدها‪ ،‬ويفوزون‬
‫يوميًا بقدر من األرض‪ :‬لكن التقدم يكون ضئيال للغاية‪ ،‬وسقطاتهم كثيرة‬
‫للغاية‪ ،‬بحيث أننا يجب أن نختار نموذجا أكثر صرامة‪ .‬البد لكل إنسان منا‬
‫أن يعطي حسابًا عن نفسه‪ ،‬وممارسات اآلخرين لن تبررنا أوتحمينا‪ .‬أشد‬
‫حماقة هي أن نضبط أفعالنا بأي مقياس آخر سوى المقياس الذي البد أن‬
‫ندان به‪ .‬إن كان يمكننا أن نزكي طريقنا‪ ،‬فالبد أن يكون ذلك *بحفظه إياه‬
‫حسب كالم الله*‪ ،‬وتلك الكلمة التي هي *حية وضالة وأمضى من كل سيف‬
‫ذي حدين وخارقة إلى مغرق النفس والروح والمغاصل والمخاخ ومميزة أفكار‬
‫القلب ونياته* (عبرايين ‪ ،)١٢ :٤‬سوف ثكشف بالتأكيد الكثير من األمور‬
‫اآلثمة والقبيحة‪ ،‬والتي تعتبر شديدة الطهارة في عيني العالم‪ .‬دعنا إذًا نتشبه‬
‫بكاتب المزامير الذي قال‪* ،‬من جهة أعمال الناس فبكالم شفتيك أنا تحفظت‬
‫من طرق المعتنف* (مزمور ‪ )٤ :١٧‬فليتنا نعرف القوانين الصارمة والمقدسة‬
‫لدياننتا‪ .‬لينتا نفكر في كالم مخلصنا المبارك‪( ،‬خاصة تلك العظة اإللهية‬
‫على الجبل)‪ ،‬وكتابات رسله القديسين‪ ،‬حيث يمكن للعقل الصادق وغير‬
‫المتحيز أن يميز بوضوح تلك الحدود التي يجب أن تلتزم بها أفعالنا‪ .‬ثم دعنا‬
‫ال ننظر أبدًا إلى أية خطية باستخفاف وعدم اهتمام؛ بل أن نقتثع بالكامل‬
‫أن أصغر الخطايا تكون بشعة بصورة النهائية في نظر الله‪ ،‬ومؤذية لنفوس‬
‫البشر؛ وأنه إن كان لدينا الحس الصحيح باألمور‪ ،‬يجب أن نتأثر بمثل هذا‬
‫العمق بأقل تجاوزات‪ ،‬كما نتاثر اآلن بأكبو الجرائم‪.‬‬

‫‪٥٤‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫لكن‪ ،‬تلك األمور التي نكتشف أنها آثمة‪ ،‬سيكون هناك البعض منها‪ ،‬من‬
‫خالل ميل طبيعتنا‪ ،‬أو التعود الطويل‪ ،‬أو حب المتعة‪ ،‬نتشبث به كثيرًا‪ ،‬حتى أن‬
‫تركه سيشبه قطع اليد اليمنى‪ ،‬أو قلع العين اليمنى‪ .‬لكن هل يجب علينا إذًا أن‬
‫نجلس وننتظر حتى ننتهي كل هذه الصعوبات وتزول كل التجارب؟ يشبه هذا‬
‫األحمق الذي وقف طوال اليوم على جانب النهر في انتظار أن يمر الماء كله(‬
‫لكننا يجب أال نتساهل مع ميولنا كما نفعل مع األطفال الصغار إلى أن يملوا‬
‫من الشيء الذي ال يريدون أن يتركوه‪ .‬يجب أال نستمرفي ممارساتنا اآلثمة‪،‬‬
‫على أمل أن النعمة اإللهية ستتغلب يومأ ما على أرواحنا‪ ،‬وتجعلنا نكره هذه‬
‫الممارسات بسبب فسادها‪٠‬‬

‫لنفترض أننا محرومون بالكامل من أي أصل فوق طبيعي‪ ،‬ونفتقرإلى‬


‫ذلك الحس الذي يجب بموجبه أن نميز ونبغض األمور المنحرفة؛ لكننا‬
‫قادرون بالتأكيد على النظر إلى بعض االعتبارات التي يمكن أن تكون لها‬
‫القوة الفناعنا على القيام بهذا التغيير في حياتنا‪ .‬فإذا لم يستطع الفساد‬
‫الداخلي والطبيعة البغيضة للخحلية أن تؤثر فينا‪ ،‬على األقل يمكن أن نخاف‬
‫من تلك العواقب البغيضة التي تصحبها‪ :‬ونفس األصل األناني الذي يدفعنا‬
‫قدمًا للسعي وراء الشهوات اآلثمة‪ ،‬سيجعلنا نكره أن نشتريها على حساب‬
‫الشقاء األبدي‪ .‬لذلك يمكننا أن نقاوم محبة الذات بنفس أسلحتها‪ ،‬ونولملف‬
‫واحدًا من الميول الطبيعية لقمع اإلفراط في ميل آخر‪ .‬دعنا نعود أنفسنا على‬
‫التفكير بجدية‪ :‬كم هو أمر مخيف أن نضايق ونجرح ذلك الكائن الالنهائي‬
‫الذي نتعلق به ونعتمد عليه كل لحظة‪ ،‬والذي ال يحتاج إال أن يحجز نعمه لكي‬
‫يجعلنا بائسين‪ ،‬أويحجب معونته ليجعلنا الشيء‪ .‬دعنا نتذكر باستمرارخصر‬
‫وعدم يقينية حياتنا‪ ،‬وكيف أننا بعد أن نأخذ بضعة منعطفات أخرى في العالم‪،‬‬
‫ونتحدث مدة أطول قليال مع البشر‪ ،‬البد أن نذهب جميعناإلى القبرالمظلم‬
‫الساكن‪ ،‬وال نحمل معنا أي شيء سوى الحزن والندم بسبب كل المتع اآلثمة؛‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الئه في نفس اإلنسان‬

‫ثم نفكر بعد ذلك في مدى الرعب الدي سيستحوذ على النفس المذنبة إذ‬
‫توجد عارية ومنفردة تمامًا أمام الديان الصارم والعادل للعالم‪ ،‬لكي تعطي‬
‫حسابًا دقيقًا‪ ،‬ليس فقط عن أعمالها المهمة والكبيرة‪ ،‬بل عن كل كلمة نطق‬
‫بها اللسان‪ ،‬وعن أسرع األفكار التي وردت على الذهن وأكثرها سرية‪ .‬دعنا‬
‫نقوم من حين إلى آخر باستعراض أهوال ذلك اليوم المخيف‪ ،‬عندما تهتز‬
‫أسس األرضن‪ ،‬وتنحل السموات بضجيج‪ ،‬وتذوب العناصر محترقة‪ ،‬ويتحلل‬
‫هيكل الطبيعة الحالي‪ ،‬وترى عيوننا يسوع المبارك (الذي جاء مرة إلى العالم‬
‫بكل اتضاع ليفتقدنا‪ ،‬ويشتري لنا الفغران‪ ،‬ويناشدنا أن نقبله) ‪ ،‬والذي يظهر‬
‫اآلن في جالل مجده ‪ ،‬وينزل من السماء في لهيب نار‪ ،‬لينتقم من أولئك الذين‬
‫ازدروا نعمته‪ ،‬وأصروا على التترد عليه‪ .‬عندما ككثب) للنور كل خفايا الظالم‪،‬‬
‫وتظهر آراء القلوب؛ عندما ككشف وتعرض علنًا تلك النجاسات السرية‬
‫والمخادعات الخفية التي لم يشككنا فيها العالم من قبل‪ ،‬وتتهم ضمائرنا‪،‬‬
‫يإدانات واضحة بالذنب‪ ،‬بآالف األفعال التي لم نتخيل قط أن تكون آثمة‪ ،‬أو‬
‫غيرها التي نسيناها بالكامل‪ ،‬والتي لن نتمكن قط من إنكارها أو تبريرها‪.‬‬
‫عندئذ سيقوم كل مالئكة السماء‪ ،‬وكل القديسين الذين عاشوا من فبل‬
‫على األرض‪ ،‬بتأكيد ذلك الحكم الرهيب الذي سيصدر على األشرار؛‬
‫وأولئك الذين ربما أحبوهم أو قدروهم عندما كانوا يعيشون في العالم‪ ،‬سوف‬
‫ينظرون إليهم بغضب واشمئزاز‪ ،‬ولن يتقدموا بطلب واحد إلنقانهم‪ .‬دعنا‬
‫نفكر في العقاب األبدي للنفوس الملعونة‪ ،‬والذي يصوره الكتاب المقدس‬
‫باستعارات مأخوذة من أبشع األمور وأيفضها في العالم‪ ،‬ومع ذلك كل هذا‬
‫ال يكفي لكي ينقل لعقولنا إدراكًا شامال لها‪ .‬عندما نربط معًا معاني كل هذه‬
‫التعبيرات‪ ،‬ونضيف إليها كل ما يمكن أن ينتجه خيالنا عن الشقاء والعذاب‪،‬‬
‫البد أن نتذكر أيضًا أن كل هذا يعجز بال نهاية عن أن يصف الحقيقة الفعلية‬
‫لهذا األمر‪.‬‬

‫‪٥٦‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫من الصحيح آنه موضوع محزن ومثير للكآبة؛ والتفكير فيه يثير األلم‬
‫والرعب؛ لكن األكيد هو أن اختباره البد أن يكون أكثر رعبًا بصورة النهائية‪.‬‬
‫مثل هذه األفكار قد ثكون شديدة النفع في إخافتنا من طرق يمكن أن تقودنا‬
‫إلى هناك‪ .‬مهما كان يمكن أن نكون مغرمين بأي درجة من الدرجات بالشهوات‬
‫اآلثمة‪ ،‬فإن الخوف من الجحيم سيجعلنا نمتنع عنها‪ .‬أكثرميولنا جرأة سوف‬
‫تفزع وتتراجع‪ ،‬عندما تواجه ضغط سؤال النبي‪* ،‬من منا يسكن في نار آكلة؟"‬
‫(إشعياء ‪)١٤ :٣٣‬‬

‫لهذا الفرض عينه دعرض أهوال العالم اآلخر مرارا كثيرة في الكتابات‬
‫المقدسة‪ ،‬وبمثل تلك التعبيرات التي تصلح بأفضل صورة للتأثيرفي الذهن‬
‫الجسدي‪ .‬هذه المخاوف ال يمكن أبدًا أن تكون كافية لجعل اإلنسان صالحًا‬
‫حقًا؛ لكنها تستطيع بالتأكيد أن تمنعنا من كثرة الشر‪ ،‬وكد كانت في كثير‬
‫من األحيان تمغد الطريق لتأثيرات أكثربراعة ولطفًا‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬لن يكون كافيًا أن نفكر في هذه األمور مرارًا وتكرارًا‪ ،‬وال أن‬
‫نقوم بنوع من التصميم على ترك خطايانا‪ ،‬ما لم نحترص منها بحراسة‬
‫دائمة‪ ،‬ونكون ساهرين باستمرارضدها‪ .‬في بعض األحيان يستفيق العقل لكي‬
‫يرى العواقب المحزنة لحياة الشر‪ ،‬ويقررفي الحال أن يصلحها؛ لكن لألسفإ‬
‫فهو يفغو وينام سريعًا‪ ،‬ونفقد تلك النظرة التي كانت لدينا لألمور؛ وعندئذ‬
‫تستغل التجارب الفرصة‪ ،‬فتغوينا وتلح علينا باستمرار‪ ،‬وهكذا نثال في كثير‬
‫من األحيان قبولنا قبل أن نعي ذلك‪ .‬من حمق ودمار معظم الناس أن يعيشوا‬
‫في مخاطرة‪ ،‬ويشاركوا في كل شيء يأتي في طريقهم‪ ،‬ونادرًا ما يفكرون فيما‬
‫سيقولونه أويفعلونه‪ .‬لكن إن كنا نريد أن نجعل تصميمنا يأتي بنتيجة‪ ،‬البد أن‬
‫نحذرفي طرقنا‪ ،‬ونضع حارسًا على باب شفتينا‪ ،‬ونمتحن التحركات التي تنشأ‬
‫في قلوبنا‪ ،‬ونجعلها تخبرنا من أين تأتي وإلى أين تذهب؛ سواء كانت كبرياء أو‬
‫شهوة‪ ،‬أو أي ميل فاسد وشرير يدفعنا ألي تخطيط‪ ،‬وما إذ ا كان هذا سيجرح‬

‫‪٥٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫الله أويضر أي إنسان‪ .‬فإن لم يكن لديغا وقت لمناقشات كثيرة‪ ،‬ليتنا على األقل‬
‫نحول عيوننا نحو الله‪ ،‬ونضع أنفسنا في محضره‪ ،‬لكي نطلب إذنه وموافقته‬
‫على ما نفعله‪ .‬لينتا نعتبر أنفسنا تحت عين الجاللة اإللهية كاملة الرؤية‪ ،‬كما‬
‫لو أننا وسط دائرة النهائية من النور‪ ،‬تحيط بنا وتحاصرنا من خلف ومن‬
‫قدام‪ ،‬وتخترق أعماق جوانب نفسنا‪ .‬فالشعوربالحضوراإللهي وتذئره هو‬
‫أسرع الوسائل وأنجحها الكتشاف ما هوغيرمشروع‪ ،‬وامتناعنا عنه‪ .‬توجد‬
‫بعض األمور التي يمكن للشخص أن يغير فيها لتخفيفها أو للدفاع عدها‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإنه ال يجرؤ أن يواجه بها الله القدير‪ ،‬ويمضي قدمًا على الوغم من‬
‫المخاطر‪ .‬إذا نظرنا إلى الله سنستنير؛ إن *جعلنا الرب أمامنا في كل حين‪،‬‬
‫سيعلمنا ويرشدنا الطريق التي نسلكها‪ ،‬وينصحنا‪ ،‬عينه علينا"‪.‬‬

‫هذا االهتمام والسهر واليقظة على أفعالنا البد أن يتبعه تفكير متكرر‬
‫وجاد فيها‪ ،‬ليس فقط لكي ننال الرحمة والغفران اإللهي لخطايانا‪ ،‬باالعتراف‬
‫المتضع واآلسف بها؛ بل أيضًا لكي نتمكن من أن نعيد تصميمنا بقوة‪ ،‬ونتعلم‬
‫أن نرفض أو نقاوم التجارب التي كانت تهزمنا من قبل‪ .‬إنها نصيحة تليق‬
‫بالمسيحي‪ ،‬رغم أنها جاءت في األساس من قلم وثني‪ ،‬أننا قبل أن نلجأ إلى‬
‫الراحة‪ ،‬علينا أن نواصل ونمتحن كل فقرات اليوم‪ ،‬حتى نستريح لما فعلناه‬
‫حسنًا‪ ،‬ونصلح ما رأينا أننا فعلناه بطريقة خاطئة‪ ،‬ونجعل حطام يوم واحد‬
‫عالمات لتوجيه مسارنا في اليوم التالي‪ .‬يمكن أن نطلق على هذا فن الحياة‬
‫التقوية‪ ،‬ويمكنه أن يسهم بصورة رائعة في تقدم إصالحنا وإعادة تشكيلنا‪،‬‬
‫وفي حفظ طهارتنا‪ .‬لكن باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬البد أال ننسى االستغاثة بالمعونة‬
‫اإللهية‪ ،‬خاصة ضد تلك الخطايا التي تحيط بنا بسهولة‪ :‬ورغم أنه من‬
‫المغترض أن قلوبنا لم نتشكل بعد بذلك المزطار الروحي الذي يجعل صلواتنا‬
‫مقبولة؛ إال أنه يبدو لي أن مثل هذه االعتبارات المقترحة لصدنا عن الخطية‪،‬‬
‫يمكن أيضًا أن تحثثا على نوع من الجدية الطبيعية‪ ،‬وتجعل صلواتنا ضدها‬

‫‪٥٨‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫على األقل بمثل الجدية التي من المعتاد أن نواجه بها المصائب األخرى‪ .‬بال‬
‫شك أن الله الذي يسمع صراخ الغربان‪ ،‬سيهتم بمثل هذه التضرعات التي‬
‫تأتي من تلك العواطف الطبيعية التي زرعها هونفسه فينا‪ .‬إلى جانب ذلك‪،‬‬
‫هذه الصلوات ضد الخطية ستكون تعهدات قوية على أنفسنا تحفزنا على‬
‫اليقظة واالهتمام؛ والبراعة العامة ستجعلنا نخجل من االرتداد إلى نفس تلك‬
‫األخطا‪ ۶‬التي كحنا عليها مؤخرًا أمام الله‪ ،‬والتي تضرعنا بشأنها هللبًا لمعونته‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬علينا أن نجعل المقالة األولى هي عن استرداد ‪,‬لحياة االلهية‪ ،‬عن‬


‫طريق كبح الميول الطبيعية‪ ،‬حتى ال تخرج إلى ممارسات آثمة‪ .‬لكنني البد‬
‫أن أضيف اآلن أن التعقل المسيحي سيعلمنا االمتناع عن المتع التي ليست مجرد‬
‫محظورة‪ ،‬ليس فقط لكي نحمي طهارتنا التي ستكون في خطر مستمر‪ ،‬إن‬
‫قمعنا حريتنا إلى أقصى درجة؛ بل أيضًا بحيث يمكن أن نضعف قوة الطبيعة‪،‬‬
‫ونعلم نزعاتنا الطاعة‪ .‬البد أن نفعل مع أنفسنا كما يفعل الوالدين المتعقلون‬
‫مع أطغالهم‪ ،‬فيعترضون على إرادتهم في كثير من األمور الصغيرة العارضة‪،‬‬
‫حتى يصبحوا هليعين وخاضعين ويسهل قيادتهم في األمور األكثر أهمية‪.‬‬
‫فاإلنسان الذي يميت الكبرياء والغرور في روحه‪ ،‬يجب أن يمنع عن أذنيه‬
‫أكثر مديح وثناء مستحق‪ ،‬وفي بعض األحيان يمنع تبرئته العادلة من توبيخ‬
‫ومهاجمات اآلخرين له‪ ،‬خاصة إن كانت نتعكس فقط على تعقله وسلوكه‪،‬‬
‫وليس على فضيلته وهلهارته‪ .‬اإلنسان الذي يقمع نفسه من طبع االنتقام‪ ،‬يفعل‬
‫حسنًا بأن تنكو على نفسه الرضا المتمثل في استعراض اإلبذاءات التي تحملها‬
‫أمام اآلخرين؛ وهكذا إن انتبهنا إلى طرقنا‪ ،‬بحيث ال نخطي ء بلساننا‪ ،‬البد‬
‫أن نعود أنفسنا كثيرًا على العزلة والصمت‪ ،‬وفي بعض األحيان مع المرنم‪،‬‬
‫*نحجز سالمنا حتى عن الخير*‪ ،‬إلى أن نستعيد مرة أخرى سيطرتنا على‬
‫ذلك العضو الجامح‪ .‬وهكذا أقول أننا يمكن أن نقدد ميولنا الطبيعية‪ ،‬ونجعل‬
‫نزعاتنا أكثر اعتداألفي رغباتها‪ ،‬عن طريق تعويدها على الرفض المتكرر؛ لكن‬
‫ال يكفي أن نجعلها تحت العنف والقمع‪.‬‬
‫‪٥٩‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫البد أن يكون مقالنا التالي هوأن نفطم عواطفنا عن األمورالمخلوقة‪،‬‬


‫وعن كل مسرات ومتع الحياة الدنيا‪ ،‬التي ددمر ونحزن نفوس البشر‪،‬‬
‫وتؤخر تحركاتهم نحو الله والسماء؛ البد أن نفعل هذا بأن تمتلك عقولنا‬
‫قناعة عميقة بزيف وحمق المتع الدنيوية‪ .‬هذا موضوع معتاد‪ ،‬ويمكن لكل‬
‫إنسان أن يلقي خطبًا عنه؛ لكن لألسف إ قليلون هم الذين يدركون أويصدقون‬
‫ما يقولونه إ هذه األفكارتطفوعلى عقولنا وتنزلق على ألسنتنا‪ ،‬لكنها ال تنطبع‬
‫بعمق في أرواحنا‪ .‬فنحن ال نشعر بالحق الذي نتظاهر أننا نؤمن به‪ .‬يمكننا أن‬
‫نقول أن كل مجد العالم وبهائه وروعته‪ ،‬وكل متع وشهوات العالم باطلة والشيء؛‬
‫ومع ذلك‪ ،‬هذه *الالشيء* تستحوذ على كل تفكيرنا وتستغرق كل عواطفنا؛‬
‫إنها تخنق الميول العضلى لنفوسنا‪ ،‬وتقوينا بكثيرمن الخطايا‪ .‬ربمافي مزاجنا‬
‫المعتدل نعطيها القليل‪ ،‬ونصمم أال ننخدع بها بعد ذلك؛ لكن تلك األفكار يندر‬
‫أن تصمد في التجربة التالية؛ واألباطيل التي أخرجناها من األبواب تدخل من‬
‫باب خلفي‪ :‬فال تزال هناك بعض الطموحات‪ ،‬وبعض اآلمال التي تتملقنا؛ وبعد‬
‫أن نكون قد هزمنا ألف مرة‪ ،‬البد أن نكرر التجربة باستمرار‪ :‬فأقل اختالف‬
‫في الظروف يكفي لتضليلنا‪ ،‬ويجعلنا نتوقع أن الشبع الذي افتقدناه في شيء‬
‫ما‪ ،‬سنجده في شيء آخر‪ .‬لكن بمجرد أن بقلع عن ذلك مرة واحدة بشكل‬
‫واضح‪ ،‬ونتوصل إلى ازدراء جاد وحقيقي لألمور األرضية‪ ،‬يكون هذا تقدمًا‬
‫كبيرًا للغاية في طريقنا‪ .‬إن نفس اإلنسان ذات طبيعة فوية ونشطة‪ ،‬ويوجد‬
‫بها عطش مستعر اليطفأ‪ ،‬ونار غير مادية‪ ،‬تمسك دائمًا بشيء أو بآخر‪،‬‬
‫في ارتباط تعتقد أنه سعيد؛ ولو أنها انفصلت مرة عن العالم‪ ،‬وعن كل المتع‬
‫الخالبة تحت الشمس‪ ،‬ستبحث بسرعة عن شيء أسمى وأكثر تفوقًا وروعة‪،‬‬
‫لكي يشبع أشواقها المتقدة والملحة؛ ولكونها لم تعد تنبهر ببريق األباطيل‪،‬‬
‫ستركز على ذلك الخير الفائق كلي الكفاية‪ ،‬حيث تكتشف ذلك الجمال‬
‫والعذوبة التي تسحر وشبي كل عواطفها‪ .‬محبة العالم ومحبة الله هما مثل‬
‫كفتي الميزان؛ إذ تثزل الواحدة ترتفع األخرى‪ :‬فعندما تزدهرعواطفنا وميولنا‬

‫‪٦٠‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫الطبيعية‪ ،‬وترتفع المخلوقات في نفوسنا‪ ،‬تضعف الديانة وتذبل‪ .‬لكن ضدها‬


‫تذوي األشياء األرضية وتفقد جمالها‪ ،‬تبدأ النفس في الهدوء والسكينة ‪ ٠‬وتقتر‬
‫ض مالحقتها‪ ،‬وعندئذ تتأصل جذور النعمة‪ ،‬وتبدأ الحياة اإللهية في االزدهار‬
‫والهيمنة‪ .‬لذلك يهمنا حقا أن نقنع أنفسنا بحمق وبطالن المتع المخلوقة؛ وأن‬
‫نجادل قلوبنا لكي نتحرر من محبتها‪ .‬فدعنا نفكر بجدية في كل ما يمكن‬
‫أن يفترضه عقلنا أوإيماننا‪ ،‬وخبرتنا الشخصية أومالحظات اآلخرين‪ ،‬في‬
‫هذا الشأن‪ .‬دعنا نفكرفي هذا األمر بعمق مرات ومرات‪ ،‬ونثبت أفكارنا على‬
‫هذا الحق‪ ،‬إلى أن نصبح مقتنعين فعال به‪ .‬وسط كل مساعينا وتخطيطانتا‪،‬‬
‫ليتثا نتوقف ونسأل أنفسنا‪ ،‬ما الغاية من وراء كل هذا؟ ما الذي أهدف إليه؟‬
‫هل تستطيع الشهوات الحسية الفاضحة والقذرة‪ ،‬أو كومة من التراب األبيض‬
‫واألصفر‪ ،‬أو تقدير وعواطف مخلوقات سخيفة مثلي‪ ،‬أن يشبع نفسا عاقلة‬
‫خالدة؟ ألم أجرب هذه األشياء بالفعل؟ هل ستكون لها متعة أكبر‪ ،‬وتمنحني‬
‫غدًا رضا أكثر من األمس‪ ،‬أو السنة القادمة أكثر من الماضية؟ ربما يكون‬
‫هناك اختالفًا ضئيأل بين ذلك الذي أسعى إليه اآلن‪ ،‬وذلك الذي استمتعت به‬
‫من قبل؛ لكن األكيد أن أية متع سابقة‪ ،‬ظهرت وكأنها مبهجة وواعدة وجميلة‪،‬‬
‫قبل أن أحصل عليها؛ فهي مثل قوس قزح‪ ،‬تبدوشديدة الروعة من على بعد‪،‬‬
‫لكن عندما أقترب ال أجد شيائً سوى الفراغ والبخار‪ .‬كم ستبدو حياة اإلنسان‬
‫بائسة‪ ،‬لولم ثكن قادرة على اقتناء متع أسمى؛‬

‫ال يمكن أن أشدد أكثر من ذلك على هذا الموضع؛ وال يوجد احتياج لهنا‬
‫عندما أتذكر إلى تن أكتب‪ .‬نعم صديقي العزيز‪ ،‬لقد اختبرن كثيرا حمق‬
‫وبطالن األمور البشرية‪ ،‬ولديك في الوقت الحالي القليل من االرتباطات‬
‫الدنيوية مثل أي من األمور التي أعرفها‪ .‬في بعض األحيان أتأمل في تلك‬
‫الفترات من حياتك التي سررت فيها بالنعرف إلي‪ ،‬وبدا لي‪ ،‬خالل كل ذلك‪،‬‬
‫أنني أستطيع تمييز خطة العناية اإللهية لغطام عواطفك من كل شي ه أدنى‬

‫‪٦١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫هنا‪ .‬لقد علمتك التجارب التي كانت لك في تلك األمور التي يفرم بها العالم‪،‬‬
‫أن تحتقر هذه األمور؛ وقد وجدت بالتجربة أنه ال هبات الطبيعة‪ ،‬وال مزايا‬
‫الثروة‪ ،‬تكفي للسعادة؛ وأن كل وردة لها أشواكها‪ ،‬وقد تكون هناك دودة في قلب‬
‫أفضل أنواع التربة؛ هناك نوع من الحزن الخفي وغير المدرك‪ ،‬الذي يمكن‬
‫أن يجعل الشخص يستحق شفقة أولئك الذين ربما يعجبون به أو يحسدون‬
‫سعادته المغترضة‪ .‬فإن كانت هناك تعزيات أرضية قد استحوذت على الكثير‬
‫جدًا من قلبك‪ ،‬أعتقد أنها كانت عالقاتك وأصدقاءك؛ وأعز هؤالء لديك‬
‫ينتقلون من العالم‪ ،‬بحيث أنك البد أن ترفع فكرك للسماء عندما تفكر فيهم‪.‬‬
‫وهكذا فقد دبر الله أن يتمكن قلبك من التحررمن العالم‪ ،‬وأال يكون له منافس‬
‫في عواطفك‪ ،‬والتي كنت أالحظ دائمًا أنها شديدة االتساع وغير محدودة‪،‬‬
‫وشديدة النبل والنزاهة‪ ،‬بحيث ال يمكن لكائن أدنى أن يشبعها أويستحقها‪.‬‬

‫عندما نكبح فسادنا‪ ،‬ودخضع شهواتنا وميولنا الطبيعية تجاه األمور‬


‫الدنيوية بدرجة ما‪ ،‬البد أن نواصل بالقيام ببعض التدريبات التي يكون‬
‫لها اتجاه مباشر أكثر لتنشيط وإيقاظ الحياة االلهية‪ .‬أوأل‪ ،‬دعنا نجاهد‬
‫بضميرصاح ألداء تلك الواجبات التي تتطلبها الديانة‪ ،‬أينما توحهنا‪ ،‬إن كانت‬
‫تسود في نفوسنا‪ .‬فإن لم نستطع حث اتجاهنا الداخلي الحالي‪ ،‬دعنا ندرس‬
‫على األقل كيف نضبط سلوكنا الخارجي‪ :‬إذا لم تكن قلوبنا متقدة بعد بالمحبة‬
‫اإللهية‪ ،‬ليتنا نقدم والءنا إلى جالله الالنهائي‪ ،‬بالقيام بخدمته واالستماع إلى‬
‫كلمته‪ ،‬وبالحديث بمهابة عن اسمه ومدح صالحه‪ ،‬وحث اآلخرين على خدمته‬
‫وطاعته‪ .‬إن كنا نريد ذلك اإلحسان‪ ،‬وأحشاء الرأفة التي يجب أن تكون لدينا‬
‫نحوجيراننا‪ ،‬البد أال نتربى أية مناسبة *اال ونقدم لهم الخير؛ إن كانت قلوبنا‬
‫متكبرة ومتعالية‪ ،‬البد إذا أن ندرس السلوك المتضع والمعتدل‪ .‬هذه الواجبات‬
‫الخارجية ن ات قيمة ضئيلة في حد ن اتها ‪ ،‬لكنها يمكن أن تساعدنا للتقدم إلى‬
‫أمور أفضل‪ .‬يخبرنا الرسول بالتأكيد‪ ،‬أن *الرياضة الجسدية ناضة لقليل*‬

‫‪٦٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫( ‪ ١‬تيموثاوس ‪)٨ :٤‬؛ لكن يبدو أنه ال يؤكد أنها غير نافعة على اإلطالق‪ .‬من‬
‫الجيد دائمًا أن نفعل ما نستطيع‪ ،‬ألنه عندئذ سيشفق الله على ضعفنا‪ ،‬ويساعد‬
‫مجهوداتنا الواهنة؛ وعندما يأتي اإلحسان واالتضاع الحقيقي‪ ،‬وغيرها من‬
‫نعم الروح اإللهي‪ ،‬لكي تتأصل في نفوسنا‪ ،‬فإنها ستمارس نفسها بحرية‬
‫أكبر‪ ،‬وبصعوبة أقل‪ ،‬إن كنا معتادين من قبل على التعبير عنها في أحاديثنا‬
‫الظاهرية‪ .‬كما ال يجب أن نخاف من أن ينسب لنا الرياء؛ رغم أن أفعالنا‬
‫بدرجة ما تسبق عواطفنا‪ ،‬إذ نرى أنها التزال تنبع من شعورنا بالواجب؛‬
‫وقصدنا في ذلك هو أال نظهر أفضل مما نحن عليه‪ ،‬بل أن نصبح هكذا حقًا‪.‬‬

‫لكن حيث أن األفعال الداخلية لها تأثير مباشر أكثر على النفس‪،‬‬
‫لتشكيلها للطبع واإلطار السليم‪ ،‬يجب أن نكون أكثر تكرارًا ومواظبة في‬
‫ممارستها‪ .‬ليتتا نرفع قلوبنا كثيرًا نحو الله؛ وان لم نكن نقول أننا نحبه أكثر‬
‫من كل شيء‪ ،‬فدعنا نعترف على األقل‪ ،‬أن هذا هوواجبنا‪ ،‬وستكون سعادتنا‬
‫أن نفعل ذلك‪ .‬دعنا ننوح لإلهانة التي يوجهها له الحمقى واآلثمون‪ ،‬ونثني‬
‫على المدح والتعبد الذي تعطيه إياه الرفقة المجيدة والمباركة في العلى‪ .‬ليتنا‬
‫نسلم ونخضع أنفسنا له آالف المرات‪ ،‬لكي تحكمنا قوانينه‪ ،‬وننفق أنفسنا‬
‫لمسرته؛ ورغم أن قلوبنا العتيدة تتراجع وترفض ذلك‪ ،‬دعنا نخبره بأننا‬
‫مقتنعون أن إرادته هي دائما عادلة وصالحة؛ وبالتالي‪ ،‬نرغب في أن يصنع بنا‬
‫كل مايرضيه‪ ،‬سواء رغبنافي ذلك أولم نرغب‪ .‬وهكذا‪ ،‬لكي نولدفينا*احسانًا‬
‫شامال نحو البشر‪ ،‬البد أن نرغب كثيرًافي سعادتهم‪ ،‬ونبارك كل إنسان نراه؛‬
‫وعندما نفعل أي شيء إلراحة البؤساء‪ ،‬يمكن أن نتبعه برغبات جادة أن يعتني‬
‫الله بهم وينقذهم من كل آالمهم وضيقاتهم‪.‬‬

‫هكنا يجب أن ندرب أنفسنا على التقوى‪ ،‬وعندما نوظف القوى التي لدينا‪،‬‬
‫يواصل وح الله بأن يرفع أعمال نفوسنا إلى ما يتجاوز مستوى الطبيعة‪،‬‬
‫ويعطيها انطباعًا إلهيًا‪ .‬وبعد التكرار الكثير لهذه األمور‪ ،‬ستجد أنفسنا أكثر‬

‫‪٦٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫ميال إليها‪ ،‬وسنجدها تتدفق بحرية وسهولة أكثر‪.‬‬

‫سأذكر اثنين فقط من الوسائل األخوى إلنتاج الطبع اإللهي والمقدس‬


‫للروح‪ ،‬الذي هوموضع الحديث الحالي‪ .‬األول هوالتفكيرالعميق والجاد في‬
‫حقائق ديانتنا‪ ،‬فيما يختص بمصداقيتها وأهميتها‪ .‬إن القبول الذي يعئلى‬
‫عادة للحق اإللهي شديد الضعف والوهن‪ ،‬وغيرمؤثر ‪ ،‬وينبع فقط من ميل أعمى‬
‫التباع تلك الديانة ن ات النمط السائد‪ ،‬أو عدم المباالة الكسولة وعدم االهتمام‬
‫بما إذا كانت األمورهكنا أم ال‪ .‬ال يرغب البشرفي أن يخالفوا ديانة بالدهم‪،‬‬
‫وحيث أن كل جيرانهم مسيحيون‪ ،‬فإنهم يقنعون بأن يكونوا هكذا أيضًا‪ .‬لكن‬
‫يندر أن يتحملوا مشقة التفكيرفي دالالت تلك الحقائق‪ ،‬أويتأملوا في أهميتها‬
‫وغرضها؛ ومن هنا يكون لها أثر ضئيل للغاية على ميولهم وممارساتهم‪ .‬تلك‬
‫*األفكار الكسيحة والخالية من الحياة ا (كما يصفها أحدهم عن حق) ‪ ،‬ال‬
‫تقدر أن تحرك اإلرادة‪ ،‬وتوحه اليد‪ .‬لذلك البد أن نجاهد لكي دعمل عقولنا‬
‫باجتهاد في إيمان جاد وقناعة كاملة بالحقائق اإللهية‪ ،‬للوصعول إلى إدراك‬
‫وحس باألمور الروحية‪ :‬فالبد ألفكارنا أن ننغمس فيها‪ ،‬إلى أن نقتنع ونتأثر‬
‫بها بعمق‪ .‬دعنا نحث أرواحنا قدمًا‪ ،‬ونجعلها تقترب من العالم المنظور‪ ،‬ونثبت‬
‫عقولنا على األمور غير المادية‪ ،‬إلى أن ندرك بوضوح أن هذه ليست أحالم؛‬
‫ال بل أن كل األشياء األخرى هي أحالم وخياالت بجانبها‪ .‬عندما ننظر حولنا‬
‫ونرى جمال وروعة هذه الصورة اإللهية الكاملة‪ ،‬في نظام واتساق الخليقة‬
‫بأكملها‪ ،‬ليت أفكارنا تحلق من هنا نحو تلك الحكمة والصالح كلي القدرة‪،‬‬
‫الذي أنشأ في البداية‪ ،‬واليزال ينشيء ويدعم تلك الخليقة‪ .‬عندما نتأمل في‬
‫أنفسنا‪ ،‬دعنا نفكر أننا لسنا مجرد قطعة من المادة المنظمة‪ ،‬أو أداة ميكانيكية‬
‫طريفة ومصممة جيدًا؛ إن بنا ما هو أكثر من اللحم والدم والعظام — بنا‬
‫شعلة إلهية قادرة أن تعرف وتحب وتستمتع بخالقها؛ ورغم أنها مثقلة اآلن‬
‫بصورة فائقة برفيقها الممل والكسول‪ ،‬إال أنها قريبًا سوف تنقن من الجسد‬

‫‪٦٤‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫وتتمكن من الوجود بدونه‪ ،‬مثلما يتمكن الجسد من الوجود بدون الملدبس الني‬
‫نتخلص منها عندما نرغب‪ .‬دعنا نسحب أفكارنا كثيرًا من هذه األرض؛‬
‫موقع الشقاء والحمق والخطية‪ ،‬ونرفعها نحو ذلك العالم األكثر اشاعًا‬
‫ومجدًا‪ ،‬الذي يتمتع فيه ساكنوه األبرار المباركون إلى األبد بالحضور‬
‫اإللهي‪ ،‬وال يعرفون عواطف أخرى سوى الفرح الخالص والحب غير المحدود‪.‬‬
‫ثم دعنا نفكر كيف نزل ابن الله المبارك إلى هذا العالم األدنى لكي يعيش‬
‫وسطنا‪ ،‬ويموت نيابة عنا‪ ،‬لكي يأتي لنا بنصيب في نفس هذه السعادة؛ ونفكر‬
‫كيف تغئب على قسوة الموت‪ ،‬وفتح ملكوت السموات لجميع المؤمنين‪ ،‬وهويجلس‬
‫اآلن عن يمين العظمة في األعالي‪ ،‬ومع نلك فهوال ينسانا‪ ،‬بل يقبل صلواتنا‪،‬‬
‫ويقدمها إلى أبيه‪ ،‬ويفتقد كنيسته كل يوم بتأثيرات روحه القدوس‪ ،‬مثلما‬
‫تمدنا الشمس بأشعته‪.‬‬

‫إن التفكير الجاد والمتكررفي هذه األمور‪ ،‬وغيرها من الحقائق الروحية‪،‬‬


‫هو أكثروسيلة ملدثمة إلنتاج ذلك اإليمان الحي الذي هو أساس الديانة‪ ،‬ونبع‬
‫وجذر الحياة اإللهية‪ .‬دعني أقترح عليك المزيد من الموضوعات المحددة للتأمل‬
‫فيها إلنتاج عدة فروع منها‪ .‬أوأل‪ ،‬لكي نشعل نفوسنا بمحبة الله‪ ،‬دعنا نفكر‬
‫في تفوق طبيعته‪ ،‬وفي محبته ولطفه تجاهنا‪ .‬قليل هوما نعرفه عن الكماالت‬
‫اإللهية؛ ومع ذلك‪ ،‬هذا القليل قد يكفي لكي يمأل نفوسنا باإلعجاب والحب؛‬
‫ولكي يغس عواطفنا‪ ،‬وأيضًا يثير تعجبنا‪ .‬فنحن لسنا مجرد مخلوقات حسية‪،‬‬
‫بحيث ال نقدرعلى الشعوربأية عواطف أخرى سوى تجاه تلك األمور التي نراها‬
‫بعيوننا‪ .‬إن شخصية أي إنسان رائع لم نره من قبل‪ ،‬تشغل في كثيرمن األحيائ‬
‫قلوبنا‪ ،‬وتجعلنا مهتمين بصورة هائلة بكل اهتماماته‪ .‬ما الذي يجذبنا كثيرا‬
‫ألولئك الذين نتكلم معهم؟ ال أعتقد أن هذا يرجع لمجرد لون وجوههم؛ وال‬
‫جمال اتساق أجسامهم‪ ،‬واال لوقعنا في حب التماثيل والصور والزهور‪ .‬فهذه‬
‫اإلنجازات الخارجية قد نسر العين قليأل‪ ،‬لكنها لن نستطيع أبدًا أن تتملك‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة النه في نفس اإلنسان‬

‫كثيرًاعلى قلوبنًا‪ ،‬إن لم تكن تمثل نوعًا من الكمال الحيوي‪ .‬إندا نفهم أوندرك‬
‫نوعا من عظمة الفكر‪ ،‬أو قوة الروح‪ ،‬أو عذوبة الصفات؛ نوعا من الحيوية أو‬
‫الحكمة أو الصالح الذي يجذب أرواحنا ويستدعي محبتنا‪ .‬هذه الكماالت ال‬
‫تكون ظاهرة للعين‪ ،‬فالعبن ال تستطيع أن تميز سوى عالماتها وآثارها‪ .‬فإن‬
‫كان الفهم هو الذي يوجه عواطفنا‪ ،‬وتسود معه الكماالت الحيوية‪ ،‬فاألكيد هو‬
‫أن كماالت الطبيعة اإللهية ( اآلثار التي ال يسعنا سوى أن نكتشفها في كل شيء‬
‫ننظره) ‪ ،‬لن تفشل في جذب قلوبنا‪ ،‬إن رأيناها واهتممنا بها بجدية حثًا‪ .‬أفال‬
‫يغمرنا فرح أكثر بصورة النهائية بتلك الحكمة والصالح القدير الذي يمأل‬
‫الكون‪ ،‬ويكشف عن نفسه في كل نواحي الخليقة‪ ،‬والذي يثبت إطار الطبيعة‪،‬‬
‫ويحول العجالت القديرة للعناية اإللهية‪ ،‬ويحفظ العالم من الفوضى والدمار‪،‬‬
‫أكثر مما نفرح بأشعة باهتة لنفس تلك الكماالت التي نلتقي بها في رفاقنا‬
‫البشر؟ هل نغرم بنماذج مقدسة لصورة ساذجة وغير كاملة‪ ،‬وال نتأثر أبدًا‬
‫بالجمال األصلي؛ هذا حمق وغمى ال يمكن تغسيره؛ أي شيء نراه جميآل في‬
‫صديق أو قديس‪ ،‬يجب أال يستحوذ علينا‪ ،‬بل أن يرفع عواطفنا‪ :‬يجب أن‬
‫نستنتج في أنفسنا‪ ،‬أنه إن كان هناك مثل هذه العذوبة في فطرة ماء‪ ،‬البد أن‬
‫يكون هناك أكثرمنها بآل حدودفي الينبوع؛ وإن كان هناك مثل هذه الروعة‬
‫والبهاء في شعاع واحد‪ ،‬فما بالك بالشمس في مجدها؟؛‬

‫لكن ال يمكن أن نزعم بعد موضع محبتنا‪ ،‬كما لو أن الله أبعد بصورة‬
‫هائلة من أن نتحدث معه أونحبه‪ .‬فهو‪,,‬ءن كل واحد منا ليس بعيدًا‪ .‬ألننا به‬
‫نحيا ونتحرك ونوجد* ( أعمال ‪ ٠ ) ٢٧ : ١٧‬إننا ال نستطيع أن نفتح أعيننا‪ ،‬لكننا‬
‫البد أن نرى بعض آثار من مجده؛ وال يمكننا أن نتحول تجاهه‪ ،‬لكننا سنكون‬
‫متأكدين من أننا سنجد إصراره علينا واهتمامه بنا‪ ،‬منتظرًا‪ ،‬إن جاز التعبير‪،‬‬
‫أن يلقي نظرة‪ ،‬مستعدًا للتمتع بأكثر شركة وتواصل حميمي معنا‪ .‬لذلك دعنا‬
‫نجتهد لكي نرفع عقولنا إلى أوضح المفاهيم عن الطبيعة اإللهية‪ .‬لينتا نفكر‬

‫‪٦٦‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫في كل ما تعلنه أعماله‪ ،‬وما يكشفه لنا كالمه؛ وليتنا نتأمل بصفة خاصة في‬
‫نلك التمثيل المرئي له الذي أخذ طبيعتثا‪ ،‬في ابنه‪ ،‬الذي هور بهاء مجده ورسم‬
‫جوهره ا (عبرانيين ‪ ، )٣ : ١‬الذي ظهر في العالم لكي يكشف مباشرة من هو‬
‫الله‪ ،‬وماذا يجب أن نكون‪ .‬دعنا نستحضره في عقولنا كما نجده موصوفًا في‬
‫اإلنجيل‪ ،‬وهناك سنرى كماالت الطبيعة اإللهية‪ ،‬رغم أنها مغطاة بحجاب‬
‫الضعف البشري؛ وعندما نشكل في أنفسنا أوضح فكرة يمكننا تصورها عن‬
‫كائن الذهائيفي‪١‬لقدرة والحكمة والصالح‪ ،‬الخالق واألساس لكل الكماالت‪،‬‬
‫ليتنا نثبت عيون نفوسنا عليها‪ ،‬حتى يمكن لعيوننا أن تؤثر في قلوبنا —‬
‫وبينما نتفكر فيها بعمق‪ ،‬ستشتعل النارن‬

‫خاصة إن أضفنا هنا اعتبار فضل الله وإحسانه وحسن نواياه تجاهنا‪ ،‬ال‬
‫شيء يمكن أن يجذب عواطفنا أكثر من أن نكتشف أننا محبوبون‪ .‬إن تعبيرات‬
‫اللطف دائمًا ما تكون محببة ومقبولة لدينا‪ ،‬رغم أن الشخص الذي يقدمها‬
‫يمكن أن يكون حقيرًا ووضيعًا؛ لكن حصولنا على محبة شخص رائع بالكامل‪،‬‬
‫أن نعرف أن جالل مجد السماء يهتم بنا‪ ،‬كم يجب أن يدهشنا هذا ويفرحنا‪،‬‬
‫وكم يجب أن يغلب على أرواحنا‪ ،‬ويذيب قلوبنا‪ ،‬ويشعل نفوسنا بأكملها بنيران‬
‫الحب؛ وكما أن كلمة الله مليئه بالتعبيرات عن محبته تجاه البشر‪ ،‬هكذا أيضًا‬
‫كل أعماله تعلن ذلك بصوت عال‪ .‬لقد أعطانا وجودنا‪ ،‬وإذ يحفخلنا في هذا‬
‫الوجود‪ ،‬يجدد هذه العطية كل لحظة‪ .‬لقد وضعنا في عالم غني وئهيأ جيدًا‪،‬‬
‫ووفر بسخاء كل احتياجاتنا الضرورية‪ .‬إنه يمطر علينا البركات من السماء‪،‬‬
‫ويجعل األرض ننتج مؤننا‪ .‬إنه يعطينا طعامنا وثيابنا‪ ،‬وبينما نقوم يإنفاق‬
‫نتاج عام واحد‪ ،‬يجهز لنا لعام آخر‪ .‬إنه يقلي حياتنا بتعزيات ال حصر لها‪،‬‬
‫ويشبع كل لملكاتنا بأمور مالئمة‪ .‬عين عنايته اإللهية علينا دائمًا‪ ،‬وهو يسهو‬
‫على سالمتنا عندما نكون نائمين‪ ،‬ال ننتبه له وال ألنفسنا‪ .‬لكن‪ ،‬لئال نعتقد أن‬
‫هذه الشهادات ‪.‬عن لطفه قليلة األهمية‪ ،‬ألنها أمور سهلة بالنسبة لقوة قدرته‬

‫‪٦٧‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫الكلية‪ ،‬وال تكلفه أي تعب أومشقة‪ ،‬اتخن وسيلة أخرى أكثرروعة ليحبب نفسه‬
‫إلينا‪ :‬لقد برهن على محبته لنا‪ ،‬باالحتمال كما بالعمل؛ وحيث أنه لم يكن‬
‫يستطيع أن يتألم في طبيعته الخاصة‪ ،‬اتخن طبيعتنا‪ ٠‬ابن الله األزلي ألبس‬
‫نفسه ضعفات جسدنا‪ ،‬وترك رفقة تلك األرواح البارة المباركة التي كانت‬
‫تعرف جيدًا كيف تحبه وتعبده‪ ،‬حتى يسكن بين البشر‪ ،‬ويداع مع عناد‬
‫هذا الجنس المتمرد‪ ،‬لكي يردهم إلى انتهائهم وسعادتهم‪ ،‬ثم ليقدم نفسه‬
‫كذبيحة وكفارة ألجلهم‪ .‬أذكر أحد الشعراء الذي كان لديه خيال *باع في‬
‫التعبير عن الحب الذي وجد نفسه مغمورًا به‪ ،‬بعد مقاومة طويلة‪ ،‬فقال‪ :‬أن‬
‫إله الحب صؤب كل سهامه الذهبية نحوه‪ ،‬لكنه لم يستطع أبدًا أن يصيب قلبه‪،‬‬
‫إلى أن قام في النهاية بوضع نفسه داخل القوس‪ ،‬وأطلق نفسه مباشرة داخل‬
‫صدره‪ .‬يبدو لي أن هذا يشير بدرجة ما إلى طريقة الئه في التعامل مع البشر‪.‬‬
‫لقد احتمل كثيرًا العالم العنيد‪ ،‬وأغدق عليهم الكثير من بركاته؛ وعندما لم‬
‫تستطع كل عطاياه األخرى أن تقوى عليهم‪ ،‬جعل من نفسه أخيرًا عطية لهم‪،‬‬
‫لكي يبوهن على حبه ويجتذب محبتهم‪ .‬الرواية التي لدينا عن حياة مخلصنا‬
‫في اإلنجيل تعرض لنا في كل أنحائها قصة محبته‪ :‬فكل اآلالم والمشقة التي‬
‫تعرض لها‪ ،‬وكل المتاعب التي تحملها‪ ،‬كانت الثمار الرائعة والبراهين الدامغة‬
‫على هذا الحب‪ .‬لكن‪ ،‬ياله من مشهد محزن‪ ،‬هذا المشهد األخيرإ هل يمكن أن‬
‫نتنكر هذا المشهد‪ ،‬ونتشكك في حنانه‪ ،‬أو ننكر عليه حناننا؟ هذا هو‪ ،‬هذا هو‬
‫يا صديقي العزيز‪ ،‬المشهد الذي يجب أن نثبت عليه أكثر أفكارنا جدية وسموًا‪،‬‬
‫لم ليحل المسيح باإليمان في قلوبنا ونحن متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى‬
‫نستطيع أن ندرك مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو‬
‫ونعرف محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي نمتلي ء إلى كل ملء الله* (أفسس‬
‫‪.)١٩_١٧:٣‬‬

‫يجب علينا أيضًا أن نتأمل كثيرًا في تلك العالمات المميزة على النعمة‬

‫‪٦٨‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫والمحبة اإللهية‪ ،‬والتي أسبفها الله علينا؛ كم احتمل حماقاتنا وخطايانا‪،‬‬


‫وانتظر ليتراءف علينا — وصاع‪ ،‬إن جاز القول‪ ،‬مع عناد قلوبنا‪ ،‬محاوأل‬
‫إصالحنا بكل الطوق‪ .‬يجب أن نحتفظ بسجل في عقولنا بكل البركات ومرات‬
‫اإلنقاذ العظيمة التي حدثت لنا‪ ،‬البعض منها كان ظاهرًا لنا للغاية‪ ،‬بحيث‬
‫يمكن أن ندرك بوضوح أنها لم تكن من قبيل المصادفة‪ ،‬بل من اآلثار الرحيمة‬
‫للفضل واإلحسان اإللهي‪ ،‬واستجابات رائعة لصلواتنا‪ .‬كما يجب أال نكدر‬
‫األفكار الخاصة بهذه األمور بأية شكوك قاسية أو غير جديرة‪ ،‬كما لو أنه‬
‫قد قصد بها عن عمد أن تزيد من ذنبنا‪ ،‬وتبرز هالكنا األبدي‪ .‬ال‪ ،‬ال يا‬
‫صديقي‪ ،‬فالله محبة‪ ،‬وهوال يسر بهالك مخلوقاته‪ .‬إن أساءوا إلى صالحه‪،‬‬
‫وحولوا نعمته إلى الدعارة‪ ،‬وبالتالي أدخلوا أنفسهم في أعماق أعظم من اإلثم‬
‫والشقاء‪ ،‬فهذا نتيجة شرهم العنيد‪ ،‬وليس بتخطيط من تلك المساعدات التي‬
‫يهبها لنا الله‪.‬‬

‫إن وئدت هذه االءتبًاراتفي وقت من ‪١‬ألوقاتفي قلوبنا حبًا ومودة حقيقية‬
‫تجاه الله القدير‪ ،‬فسوف يقودنا هذا بسهولة إلى فرع أخرى من الديانة؛‬
‫وبالتالي‪ ،‬سأحتاج إلى قول القليل عنها‪.‬‬

‫سنجد أن قلوبنا قد اتسعت في المحبة تجاه البشر‪ ،‬عندما نفكرفي عالقتهم‬


‫بالله‪ ،‬وفي بصمات صورته المطبوعة فيهم‪ .‬ليس فقط لكونهم خالئقه‪ ،‬وصنعة‬
‫يديه‪ ،‬ولكن لكونهم خالئقه الذين يهتم بهم بصورة خاصة‪ ،‬ولديه رعاية‬
‫حنونة ومحبة شديدة لهم‪ ،‬حيث أنه وضع تصميمات سعادتهم قبل تأسيس‬
‫العالم‪ ،‬ولكونه يرغب في أن يعيش ويتكلم معهم في كل الدهور األبدية‪ .‬أحقر‬
‫وأدنى شخص يمكن أن ننظر إليه‪ ،‬هو ذرية السماء‪ ،‬وواحد من بني العلي؛‬
‫ومهما كان غير جديرفي تصرفه بما يتفق مع تلك العالقة‪ ،‬فمادام الله حتى‬
‫اآلن لم يتخلى عنه ويتبرأ منه بحكم نهائي‪ ،‬سيكون علينا أن نعترف به كواحد‬
‫من ذريته‪ ،‬وباعتباره هكذا يجب أن نحتضنه بمحبة مخلصة وشديدة‪ .‬أنت‬

‫‪٦٩‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة النه في نغس اإلنسان‬

‫تعلم كم نحن معتادون أن نهتم كثيرًا بأولئك الذين ينتمون بأي شكل إلى‬
‫شفعى نحبه؛ وكم بسرور ننتهز أية فرصة لكي نبعث السرورفي ابن أو خادم‬
‫أحد األصدقاء‪ .‬لذلك فمن المؤكد أن محبنتا لله ستنتج بصورة طبيعية محبة‬
‫واحسانًا تجاه البشر‪ ،‬إن فكرنا في االهتمام الذي يسر الله بأن بوليه لهم؛‬
‫واعتبرنا كل نفس أحب لديه من كل العالم المادي؛ وأنه لم يحسب دم ابنه ثمنا‬
‫أعظم من أن يدفعه ألجل فدائهم‪.‬‬

‫مرة أخرى‪ ،‬حيث أن جميع البشريعتبرون في عالقة قرابة وثيقة بالله‪،‬‬


‫فإنه اليزال لديهم الكثير من صورته مطبوع عليهم‪ ،‬مما يلزمنا ويدفعنا‬
‫لمحبتهم‪ .‬في بعض الناس تكون هذه الصورة أكثر بروزًا ووضوحًا‪ ،‬ويمكننا أن‬
‫نميز اآلثار الجميلة للحكمة والصالح؛ ورغم أنه في اآلخرين ربما تكون هذه‬
‫الصورة قد تشوهت وتلوثت بشكل بائس‪ ،‬إال أنها لم تدثر بالكامل — فتظل‬
‫لديهم على األقل بعض المالمح‪ .‬وعب جميع البشر نغوسأ عاقلة وخالدة‪ ،‬مع‬
‫فهم وارادة قادرين على التعامل مع أسمى األموروأمجدها؛ إن كانوا في الوقت‬
‫الحاضر مشوشين ومضطربين بسبب الشروالجهل‪ ،‬فوبما يزيل هذا تعاطفنا‬
‫معهم‪ ،‬لكنه ال ينبغي أن يكون سببًا إلطغاء محبتنا لهم‪ .‬عندما نرى شخصًا‬
‫ذا دعابة قاسية وسلوك منحرف‪ ،‬مليء باالستياء والخداع‪ ،‬شديد الحماقة‬
‫والكبرياء‪ ،‬يكون من الصعب أن نقع في حب هذا اإلنسان الذي يعرض نفسه‬
‫علينا بمثل هذا األسلوب قليل االمتنان واللطف‪ .‬لكن عندما نفكر في هذه‬
‫السمات الشريرة باعتبارها أمراض واضطرابات في النفس‪ ،‬التي هي في حد‬
‫ذاتها قادرة على كل تلك الحكمة والصالح التي يتزين بها أفضل القديسين‪،‬‬
‫والتي يمكن في يوم ما أن ترتفع إلى هذه الدرجات العليا من الكمال مما‬
‫يجعلها رفيقة مالئمة للمالئكة القديسين‪ ،‬فإن هذا سيحول نغورنا إلى شفقة‪،‬‬
‫ويجعلنا ننظر لهذا اإلنسان باستياء كما يجب أن ننظرإلى جسد جميل مفحلى‬
‫بالجروح‪ ،‬أو مشوه بواسطة مرض بغيض ما؛ وهكذا فرغم أننا نكره الرذائل‪،‬‬
‫لن نتوقف عن محبة اإلنسان‪.‬‬
‫‪٧٠‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫فى المقام الثاني‪ ،‬الجل تطهير نفوسنا‪ ،‬وفصل عواطفنا عن متع‬


‫ومسرات الحياة الدنيا‪ ،‬ليتنا نتفكركثيرًافي تفوق وكرامة طبيعتنا‪ ،‬وكم هو‬
‫أمر مخز وغير جدير لمثل هذا المخلوق النبيل واإللهي مثل نفس اإلنسان‪ ،‬أن‬
‫يغوص وينغمس في شهوات بهيمية وحسية‪ ،‬أو أن تكون المنع التافهة والزائغة‬
‫هي تسليته‪ ،‬وهكذا أن يفقد لذة المتع الروحية الثابتة‪ .‬هذه هي أفضل ما يمكن‬
‫التغذي عليه والشبع به‪ ،‬وأفضل ما يجع إليه اإلنسان والمسيحي فينا‪ .‬إن‬
‫فكرنا من نحن‪ ،‬وفيما حلقنا ألجله‪ ،‬فهنا سيعلمنا‪ ،‬بمفهوم صحيح‪ ،‬أن نحترم‬
‫أنفسنا ونقدرها ونقف في رهبة أمامها؛ وسوف يوئد هذا فينا اتضاعًا وخجأل‪،‬‬
‫ويجعلنا شديدي الحذر والتحفظ في التعامل مع أكثر المتع براءة ومشروعية‪.‬‬

‫سيكون من المؤثر للغاية لنفس هذا الفرض‪ ،‬أن نرفع أفكارنا كثيرًا إلى‬
‫السماء‪ ،‬ونستعرض في أفكارنا األفراح الموجودة عن يمين الله‪ ،‬وتلك المتع التي‬
‫تدوم إلى األبد؛ ألن *كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر*‬
‫(ابوحنا ‪ .)٣ :٣‬إن كان وطننا السماوي في أفكارنا كثيرًا‪ ،‬فإنه سيجعلنا‬
‫‪ ,‬غرباء ونزالء نمتنع عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس‪ ١ ( ١‬بطرس‬
‫‪ ، ) ١ :٢‬ونحفظ أنفسنا بال دنس من العالم‪ ،‬حتى يمكن أن نكون مؤهلين لمتع‬
‫وأفراح العالم اآلخر‪ .‬لكن عندئذ البد أن نعمل على أال ثكون أفكارنا عن‬
‫السماء فاضحة وجسدانية‪ ،‬وأال نتكل على تلك التشبيهات واالستعارات التي‬
‫تصؤر بها هذه المتع في بعض األحيان‪ :‬ألن هذا ربما ينتج أثرًا مناقضًا لذلك‬
‫تمامًا‪ .‬فيمكن أن يوقعنا هذا أكثر فأكثر في سرك الميول الجسدانية‪ ،‬فنكون‬
‫مستعدين لالنغماس في أفكار مسبقة تحررية للغاية عن تلك المتع التي وضعنا‬
‫فيها سعادتنا األبدية‪ .‬لكن عندما نصل في وقت من األوقات إلى فهم صحيح‬
‫لتلك المتع النقية والروحية؛ عندما تكون السعادة التي نفترضها ألنفسنا هي‬
‫من رؤية ومحبة الله والتلذذ به‪ ،‬وتمتليء عقولنا بآمال وأفكار لما يمكن أن‬
‫يحدث في المستقبل في تلك الحالة المباركة؛ كم ستبدو في أعيننا كل األشياء‬

‫‪٧١‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫الموجودة هنا في هذا العالم حقيرة ودنيئة د بأي ازدراء سوف نرفض الشهوات‬
‫الفاضحة القذرة‪ ،‬التي يمكن أن تمنعنا من تلك المتع السماوية‪ ،‬أو أي طرق‬
‫غير مالئمة نثغرنا منهاد‬

‫الفرع األخير من الديانة هو االتضاع‪ ،‬ومن المؤكد أننا ال يمكن أبدًا أن‬
‫نفتقر إلى مادة للتفكير لكي نولد بها االتضاع‪ .‬كل شرورنا ونقائصنا‪ ،‬وكل‬
‫حماقاتنا وخطايانا‪ ،‬قد تساعدنا على أن نقلل من ذلك الولع والزهو المفرط‬
‫بأنفسنا الذي نكون معرضين له‪ .‬فالشيء الذي يجعل أي إنسان يقدزنا‪ ،‬هو‬
‫معرفته أوإدراكه لنع من الخير القليل‪ ،‬وجهله بقدر كبير من الشر‪ ،‬الذي‬
‫يمكن أن يكون موجودًا فينا‪ .‬فلوأنهم عرفونا تمامًا‪ ،‬سيغيرون رأيهم سريعًا‪.‬‬
‫األفكار ‪,‬لتي كعبر على فلوبنا‪ ،‬في أفضل وأكثر يوم جاد في حياتنا‪ ،‬لو أنها‬
‫عرضت في العلن‪ ،‬ستجعلنا إما كريهين أو سخفاء‪ .‬واآلن‪ ،‬مهما أخفينا‬
‫نقصاتنا عن أحدنا اآلخر‪ ،‬فإننا بالتأكيد نكون واعين بها نحن أنفسنا‪،‬‬
‫وبعفن التأمالت الخاصة فيها سيؤهلنا كثيرًا ويقلل من غرور أرواحنا‪.‬‬
‫هكذا وصل األتقياء حقًا إلى التفكير بصورة سيئه في أنفسهم‪ ،‬أكثر من أي‬
‫إنسان آخر في العالم‪ :‬ليس ألنهم عرفوا أن الرذائل الفاحشة والغاضحة في‬
‫طبيعتهح‪ ،‬أكثر بشاعة من مفاجآت اإلغراءات والضعف؛ بل ألنهم كانوا أكثر‬
‫اهتماما بإخفاقاتهم الخاصة مما بإخفاقات جيرانهم‪ ،‬واهتموا بكل صفات‬
‫سيئة في أنفسهم‪ ،‬وبكل شيء من المغترض أن يقلل ويخفف مما في اآلخرين‪.‬‬

‫لكن من المالحظ جيدًا بواسطة كاتب تقي‪ ،‬أن أعمق وأنقى اتضاع ال ينشأ‬
‫كثيرا من التفكيرفي أخطاثنا ونقائصنا الخاصة‪ ،‬مثلما ينشأ من التأمل‬
‫الهاديء والرزين في الطهارة والصالح اإللهي‪ .‬وصماتنا ال تظهر أبدأ‬
‫بوضوح شديد‪ ،‬مثلما تظهر عندما نضعها أمام هذا النور الالنهائي؛ وال نبدو‬
‫أقل في عيوننا الخاصة‪ ،‬إال عندما ننظر من العاله ألسفل على أنفسنا‪ .‬كم‬
‫تبدوضئيلة عندئذ‪ ،‬كم تبدو كالشيء‪ ،‬كل هذه الظالل للكمال‪ ،‬التي نعتاد أن‬

‫‪٧٢‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫نقيم بها أنفسناإ ذلك االتضاع الذي يأتي من النظر إلى إثمنا وبؤسنا‪ ،‬يكون‬
‫أكثر اضطرابًا وصخبًا؛ أما اآلخر‪ ،‬فيضعنا في اتضاع كامل‪ ،‬وال يتطلب شيائً‬
‫من ذلك األلم والضيق الذي تكون نفوسنا معرضة أن تتهيج به‪ ،‬عندما يكونان‬
‫أقرب شيئين ألفكارنا‪.‬‬

‫إال أنه توجد وسيلة أخرى إلنشاء سلوك مقدس وتقوي في النفس‪ ،‬وهو‬
‫الصالة القوية والمتقدة‪ .‬القداسة هي هبة الله — في الواقع أنها أعظم هبة‬
‫يمنحنا إياها‪ ،‬أونكون قادرين على قبولها؛ وهوقد وعد روحه القدوس ألولئك‬
‫الذين يطلبونه منه‪ .‬في الصالة نحن نقوم بأفرب تعامالت مع الله‪ ،‬ونكون‬
‫منفتحين لتأثيرات السماء؛ وعندئذ يزورنا شمس البر بأشعته المباشرة‪،‬‬
‫ويبدد ظلمتنا‪ ،‬ويطبع صورته على نفوسنا‪ .‬ال يمكنني أن أشدد أكثر من‬
‫ذلك على مزايا هذه الممارسة‪ ،‬أو على الطريقة التي يجب أن تؤدى بها؛ وال‬
‫توجد حاجة ألن أقوم بذلك‪ ،‬حيث أن هناك الكثير من الكتب التي تتعامل‬
‫مع هذا الموضوع‪ .‬لكني سأخبرك فقط‪ ،‬أنه كما يوجد نوع من الصالة التي‬
‫نستخدم فيها أصواتنا‪ ،‬وهو األمر الضروري في العلن‪ ،‬ويمكن أن يكين له‬
‫مزاياه الخاصة في السرفي بعض األحيان؛ ونوع آخر‪ ،‬والذي رغم أنتاال ننطق‬
‫فيه بأي صوت‪ ،‬إال أننا ندرك التعبيرات‪ ،‬ونكون الكلمات‪ ،‬كما يمكن أن نقول‪،‬‬
‫في عقولنا؛ هكنا يوجد نوع ثالث من الصالة‪ ،‬أكثرسموًا‪ ،‬والذي فيه تحنق‬
‫النفس في طيران أعلى‪ ،‬وإذتستجمع كل قواهابالتأمل الطويل والجاد‪ ،‬تقفز‬
‫(إن جازالقول) نحوالله بتنهدات وأنات وأفكارتفوق التعبير‪ .‬حيث أنه‪ ،‬بعد‬
‫تأمل عميق في الكماالت اإللهية التي تظهرفين كل أعمال الله العجيبة‪ ،‬تخاطب‬
‫النفس ذاتها في أعمق عبادة لمجده وجالله‪ :‬ألنها بعد التأمالت الحزينة في‬
‫وضاعتها واخفاقاتها‪ ،‬عندما تسجد وتنبحلح أمامه في أعظم ارتباك وحزن‪،‬‬
‫وال تجرؤ أن ترفع عينيها‪ ،‬أو ننطق بكلمة واحدة في محضره؛ أو بعد أن تفكر‬
‫جيدًافي جمال القداسة‪ ،‬والفرح الذي الكطق به ألولئك األتقياه حقًا‪ ،‬وتلهث‬

‫‪٧٣‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫وراء الثه‪ ،‬وترسل ألعلى تلك الرغبات القوية المشتعلة التي ال يمكن لكلمات أن‬
‫تعبر عنها بما يكفي‪ ،‬فإنها تواصل وثكرر كأل من هذه األعمال‪ ،‬طالما وجدت‬
‫نفسها مرفوعة بقوة ودافع ذلك التأمل السابق‪.‬‬

‫هذه الصالة الذهنية هي األكثر تأثيرا من كل األنواع األخرى في‬


‫تطهير النفس‪ ،‬وإعدادها للطبع المقدس والتفنوي‪ ،‬ويمكن وصفها بأنها‬
‫السر العظيم للتكريس‪ ،‬وواحدة من أفوى األدوات للحياة اإللهية؛ وربما‬
‫كان للرسول بولس إجلدل وتقدير خاص لها‪ ،‬عندما قال‪ ،‬م الروح أيضًا يعين‬
‫ضعفاتنا‪ .‬ألننا لسنا نعلم ما نصلي ألجله كما ينبغي‪ .‬ولكن الروح نفسه يشفع‬
‫فينا بأنات ال ينطق بها* (رومية ‪ ، ) ٢٦ :٨‬أو بحسب المعنى في األصل‪* ،‬ال يمكن‬
‫التعبير عنها بكلمات*‪ .‬إال أنني ال أوصي بهذا النوع من الصالة كثيرًا‪ ،‬بحيث‬
‫يحل محل استخدام األنواع األخرى؛ فنحن لدينا الكثير جدًا من األشياء التي‬
‫يجب أن نصلي ألجلها‪ ،‬وكل تضرع بهذه الطبيعة يتطلب وقتًا كبيرًا للغاية‪،‬‬
‫وانتباهًا عظيمًا للروح‪ ،‬بحيث أنه ليس من السهل أن يالحقها كلها‪ :‬ناهيك‬
‫عن أن تنهدات وتثقالت القلب العميقة‪ ،‬التي من المعتاد أن تصحبها‪ ،‬هي شيء‬
‫مرهق للطبيعة‪ ،‬ويجعل من الصعب االستمرار طويأل فيها‪ .‬لكن من المؤكد أن‬
‫القليل من هذه التطلعات الداخلية ستفعل أكثر من عدد كبير من التعبيرات‬
‫الفصيحة والعاطفية‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬صديقي العزيز‪ ،‬لقد اقترحت بإيجاز الوسيلة التي أعتقد أنها‬
‫مالئمة لتشكيل النفس بالطبع المقدس؛ ونفس الوسيلة التي تعمل على إنتاج‬
‫هذا الطبع المقدس‪ ،‬البد من ممارستها لتقويته وتقدمه أيضا‪ :‬لذلك سأنصح‬
‫بشيء واحد آخر لهذا الفرض‪ ،‬وهو االستخدام المتكرر وبصورة صحيحة‬
‫ضميريًا للعشاء الرباني المقدس‪ ،‬ئ لمعين خصيصًا لتفذية ونمو الحياة‬
‫الروحية‪ ،‬عندما تبدأ في النفس‪ .‬كل أدوات الديانة تلتقي معًا في هذا السر‬
‫المقدس؛ وبينما نقترب؛اليه فإننا نضع كل القواعد التي نكرناها من قبل موضع‬

‫‪٧٤‬‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫الممارسة‪ .‬عندئذ نقوم بأقسى فحص ألفعالنا‪ ،‬ونضع أصعب االلتزامات على‬
‫أنفسنا؛ عندئذ ترتفع عقولنا إلى أعلى ازدراء للعالم‪ ،‬وتمارس كل نعمة نفسها‬
‫بأعظم فاعلية وقوة‪ .‬تظهرهنا كل موضوعات التامل بأعظم فائدة‪ .‬وعندئذ‪،‬‬
‫تقوم النفس بأقوى اندفاعات لها نحو السماء‪ ،‬وتنقخن عليها بقوة مقدسة‬
‫ومقبولة‪ .‬ومن المؤكد أن تجاهل هذا األمر أو أدائه بدون اهتمام هو واحد‬
‫من األسباب الرئيسية التي تعوق نموديانتثا‪ ،‬وتجعلنا نستمر في حجم ضئيل‬
‫للغاية‪.‬‬

‫حان الوقت اآلن لكي أنهي هذا الخطاب‪ ،‬والذي طال أكثر جدًا مما كنت‬
‫أنوي في البداية‪ .‬إن كان يمكن لهذه األوراق الضعيفة أن تقدم لك أقل خدمة‪،‬‬
‫سأعتبر نغسي شديد السعادة في هذه المهمة‪ .‬آمل على األقل أن نقبل يلطف‬
‫االجتهادات المخلصة لشخص يسدد بسرور جزءًا مما هومدين لك به‪.‬‬

‫صالة‬

‫واآلن‪ ،‬أيها اإلله عخليم الرحمة‪ ،‬أيها اآلب ومنبع النعمة والصالح‪ ،‬الذي‬
‫باركنا بمعرفة سعادتنا‪ ،‬وبالطريق الذي يقودنا إليهاإ إضرم في نفوسنا مثل‬
‫هذه الرغبات المتقدة التي تقود الواحدة منها إلى سعينا الدؤوب نحو األخرى‪.‬‬
‫دعنا ال نتكل على قدرتنا الخاصة‪ ،‬وال نشك في معونتك اإللهية‪ .‬لكن بينما‬
‫نقوم بأقصى اجتهاداتنا‪ ،‬عدمنا رغم ذلك أن نتكل عليك ألجل النجاح‪ .‬افتح‬
‫عيوننا‪ ،‬يا الله‪ ،‬وعلمنا من شريعتك‪ .‬باركنا بإدراك قوي وحساس لواجبنا‪،‬‬
‫وبمعرفة لتمييز األمور المنحرفة‪ .‬ليت طرقنا توحه لحغظ فرائضك‪ ،‬عندئذ‬
‫ال نخزى إذ نراعي كل وصاياك‪ .‬تمئك على قلوبنا يتربع كريم ومقدس عن كذ‬
‫تلك المتع البائسة التي يعوضها العالم أمامنا ليغوينا‪ ،‬حتى ال نتمكن أبدًا من‬
‫تضليل عواطفنا‪ ،‬أوإغرائنا بأية خطية‪ .‬حول عيوننا عن النظر إلى الباطل‪،‬‬
‫وأحينا بشريعتك‪ .‬امأل نفوسنا بمثل هذا االدارك العميق‪ ،‬واالقثاع الكامل‬
‫‪www.christianlib.com‬‬

‫حياة الله في نفس اإلنسان‬

‫بتلك الحقائق العظيمة التي كشفتها في اإلنجيل‪ ،‬حتى تؤثر في أحاديثثا كلها‬
‫وتضبطها؛ حتى نحيا حياتنا اآلن في الجسد‪ ،‬باإليمان بابن الله‪ .‬ليت لتلك‬
‫الكماالت الالنهائية لعلبيعتك المباركة‪ ،‬والتعبيرات المذهلة عن صالحك‬
‫وحبك‪ ،‬أن تغلب على قلوبنا وتهيمن عليها‪ ،‬حتى ترتفع باستمرار نحوك في‬
‫نيران العواطف المكرسة‪ ،‬وتسع في محبة ملتهبة مخلصة تجاه كل العالم ألجل‬
‫خاطرك؛ وحتى يمكن أن نطهر أنفسنا من كل دنس الجسد والروح‪ ،‬ونكئل‬
‫القداسة في خوفلف‪ ،‬والتي بدونها ال نقدر أبدًا أن نأمل في رؤيتك واالستمتاع‬
‫بك‪ .‬أخيرًا يا إلهي‪ ،‬امنحنا أن يجعلنا تفكيرنا فيمن أنت‪ ،‬وفيمن نحن‪ ،‬أن‬
‫نتضع وننبطح أمامك‪ ،‬وأيضًا أن يثير فينا أقوى وأكثر الطموحات اشتعاال‬
‫تجاهك‪ .‬إننا نرغب في أن نسلم أنفسنا إليك ونستسلم لقيادة روحك القدوس؛‬
‫فقدنا في حقك‪ ،‬وعلمنا‪ ،‬ألنك أنت إله خالصنا‪ .‬أرشدنا بمشورتك‪ ،‬وفيما بعد‬
‫اقبلنا في مجدك‪ ،‬ألجل استحقاقات وشفاعة ابنك المبارك مخلصنا‪ .‬آمين‪.‬‬

‫‪٧٦‬‬
www.christianlib.com
‫البد أن يكون مقالنا التالي هو أن نفطم عواطفنا‬
‫عز األمور المخلوقة‪ ،‬وعز كل مسرات ومتع الحياة‬
‫الدنيا‪ ،‬التي تدمر ونخزن نفوس البشر‪ ،‬وتؤخر‬
‫مركاتهم نحو الله والسماء‪ :‬البد أن نفعل هذا بأن‬
‫لقتلك عقولنا قناعة عميقة بزيف وحمق المتع‬ ‫‪٠‬‬
‫‪،11‬؛>‪011‬ء‪٠٢ $‬ا‪٦‬األار‬ ‫الدنيوية‪ .‬هذا موضوع معتاد‪ ،‬وبوكز لكل انسان أن‬
‫يلقي خطبا عنه؛ لكز لألسف ة قليلون هم الذين يدركون أو‬
‫يصدقون ما يقولونه إ هذه األفكار تطفو على عقولنا وتنزلق علي ألسنتنا‪،‬‬
‫لكنها ال تنطبع بعمق في‪ ٠‬أرواحنا‪ .‬فنعز ال نشعربالحق الذي نتظاهر أننا نؤمز‬

‫األفكار التي تعبر عدى قلوبنا‪ ،‬في‪ ٠‬أفضل وأكثر يوم جاد في حياتنا‪ ،‬لو أنهأ‬
‫عرضت في العلز‪ ،‬ستجعلنا اما كريهين أو سفف ء ‪ ٠‬واألئ‪ ،‬مهما أخفينا نقصاتنا‬
‫عئ أحدنا األخر‪ ،‬فاننا بالتاكيد نكون واعين بها نحز أنفسنا‪ ،‬وبعض التأمالت‬
‫الخاصة فيها سيؤهلنا كثيرا ويقلل مز غرور أرواحنا‪.‬‬

‫هكذا يوجد نوع ثالت مز الصالة‪ ،‬اكثر سموا‪ ،‬واللذي فيه نحلق النفس في‬
‫طبران أعلى‪ ،‬واذ تستجمع كل قواها بالتامل الطويل والجاد‪ ،‬تقفز (ان جاز‬
‫القول) نحو الله بتنهدات وأنات وأفكارتفوق التعبير‪ .‬حيث أنه‪ ،‬بعد تامل‬
‫عميق في الكماالت االلهية التي تخلهرفي كل أعمال الله العجيبة‪ ،‬تخاطب النفس‬
‫ذاتها في أعمق عبادة لمجده وجالله‪ ،‬ألنها بعد التامالت الحزيذةفيوضاعتها‬
‫واخفاقاتها‪ ،‬عندما تسجد وتنبطج أمامه في أعظم ارتباك وحزن‪ ،‬والنجرؤ أن‬
‫ترفع عينيها‪ ،‬أو تنطق بكلمة واحدة في‪ ٠‬محضره‪.‬‬

‫________‬
‫حياة الله فى دعس االنسان‬

You might also like