Professional Documents
Culture Documents
كتاب حياة الله في نفس الإنسان - هنري سكوجال
كتاب حياة الله في نفس الإنسان - هنري سكوجال
com
www.christianlib.com
هيأة الله
في نغس اإلنسان
تأليف
هنري سكوجال
1ألجال0ء 8مد611٢ال
ترجمة
هدى بهيج
المحررالعام
د *سامي فوزي
www.christianlib.com
جميع الحقوق محفوخلة ،اليسمح بإعادة إصدارهذا الكتاب ،أوأي جزء منه،
أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أونقلها ،أواسنثساخه بإي شكل من
األشكال ،دون إذن خطي مسبق من الناشر.
www.christianlib.com
املحتويات
رم الفائن العالمي فان جوخ 11ج0ل) آلة٧هذه اللوحة المعبرة — والتي تكأد
نتحلق بالكلمات — عن رحل متقدم في العمر يجلس في وضع جسدي معدر ،وفي
بح أه بح هدو؛ وتأمل.
ماذا يفعل هذا الرجل؟ إنه يقرأ .في هذه اللوحة عبر الفائن العظيم عن
إحدى ركائز الحياة البشرية :القراءة ...القراءة في هدوء وتأئل واختالء
* بح بالذغس.
ثانيا :يعبر هذا الوضع عن قرار واتجاه ورغبة وتصميم على أخذ النفس
في رحلة تدريب شاقة في معترك القراءة والبحث والتفكير .إن أهم معركة
لإلنسان في هذه الحياة التعيسة التي نعيشها هي ,,معركة الفكر والتفكير*.
قال فرانسيس شيغر٢حا»ححةء٦٠18 8د ،أحد عمالقة رجال الله في القرن
*< 1 18 العشرين,, ،الحرب هي حرب الفكر سلل 01؛ اة ع1ة
ويقصد شيفر بهذه العبارة ،أن السراع بين الله وبين الشيطان وقوى الشر
الروحية ،هو صراع على امتالك فكر اإلنسان والتحكم فيه .عندما يدرب
اإلنسان نفسه في شبابه في معترك القراءة والفكر سيجد نفسه في شيخوخته
ن اهدا بسهولة إلى ,,موضع الخالء* الذي اعتاد عليه في سنين حياته.
٧
www.christianlib.com
ثالثا؛ إنه *وضع" الخشع والخضوع أمام *كلمة مكتوبة" .هنا في هذا
*الوضع" اعتراف صارخ مدوي لإلنسان بأنه ال يستحنيع أبدا أن يعيش الحياة
بدون *كلمة مكتوبة" .بالنسبة لإلنسان ،الكلمة المكتوبة هي تجربة مئ سبقوه
ومن أقامهم الله ولصبهم في الحياة ليكونوا مرشدين ومعلمين وممسكين
بالمصباح إلنارة الطريق لمئ يأتي بعدهم .هؤالء المرشدين المستنيرين هم مئ
تركوا لنا *كلمه مكتوبة" .هذه *الكلمة المكتوبة" تقف طى قاعدة *كلمة الله
المكتوبة" في الحياة ،وأيشا في الوحي المقدس *المسلم مرة للقديسين" .كان
المسيح يقول دائائ *إنه مكتوب ."...منن بدء الخليقة يتكلم الله كل يوم في
ابتاريخ ولإلنسبان؛ وعندما يتكلم الله ،يتحتم على اإلنسان أن *يقرأ" .فافرأ
إذا من أجل نفسك(
رابنا؛ إنه ,الوضع ١الذي يعبرعن اشتياق النفس .تشتاق النفس الصادقة
البارة إلى االختالء والهدوء والسكينة وحياة التأكل ,يوحي لنا *رجل" فان
جوخ بأنه وجد مبتغى ومشتهى نفسه .لقد تعب من السير في الحياة واآلن
يأتي إلى *موضع خالء" ...يأتي إلى نفسه وإلى خالقه ومخئصه والرجاه
الوحيد المتبقي له .لقد بحث في كل موضع وفي كل مكان . ٠ .بحث مع شولميث
التي طافت المدينة باحثه وتبحث...واآلن ،أخيرا ولجن ضالته ،وأراد أن ينهب
مع *حبيب نفسه" إلى موضع خالء.
أيها اإلنسان ...قد تقول في ننسلن* :عندما أتقدم في العمر ،سوف أتحرر
من مشغوليات الحياة الطاحنة وعندئذ أجد الوقت ألقرأ ".أقول لك في هدو
ويقس :إذا لم نقرأ اآلن في شبابك وفي وسحل كل مشغوياتك ،فلن تقرأ في
شيخوختك .هذا هوقانون الحياة والقانون اإللهي المحفورفي صخر الحياة.
مئ يعرف الله حنا ...يقرأ ...نعم يقرأ .مئ ال يعرف الله ،ال
يقرأ .اقرأإذا من أجل شك.
د .سامي فوزي
القاهرة ،مايو٢٠١٣
www.christianlib.com
*ولتكن نغمة الزب إلهثا عليثا ،وعمل أيدينا ثبت عليثا ،وعمل أردينا
ثبته*(مزمور)١٧:٩٠
تم
نحن نعيش في زمن الفراغ الداخلي والتسطح .نعيش في زمن ,المسيحية
السوقية والباعة الجائلون .إنه زمن قد انقلبت فيه األعمدة *إذا انقلبت
األعبدة ،فالصنيق ماذا يفعل؟* (مز .)٣:١١لقد انقلبت األعمدة والمسكن
ينهارعلى ساكتيه.
نعيش اليوم في زمن جفاف مؤلم ،وأرض جرداء قاحلة ،وشبه غياب
تام للقدادة ولبقدوة الروحية انطاهرًا والبار *وأجعل صبيانا رؤساء لهم،
وأطفاال تتسلط عليهلم( *.إشعياء ،)٤:٣هذا هوحالنا اليوم .كان هذا عقاب
الله للشعب في القديم ،واتشاهد المدقق الصادق مع نفسه ،يرى هذا العقاب
حادث وحاز بيننا في بالدنا وفي كنيسة بالدنا.
وعندما نتوقف بأمانة لنفحص الواقع الروحي المحيط بنا في بلدنا ،وأيصا
في الشرق األوسط؛ نجد فقزا شديدا— بل شبه مجاعة -في عنصر التعليم
اإللهي والمعلم الممسوح من جهة ،وعنصر الكلمة المقروءة الفعالة من جهة
أخرى .وكان لهذا كله تبعيات كارثية على الكنيسة وعلى هؤالء المسيحيين
األمناء الذين يبحثون حائ عن الله -لحياة البر.
تحت ضغط هذا الفقر الشديد ،وتحت إلحاح االحتياج العميق لألمناء،
جاءت فكرة هذه السلسلة *سلسلة الكالسيكيات المسيحية* .وهذه
الكالسيكيات هي تلك الكتب التي أثبتت رجاحتها الالهوتية وعمقها
الروحي وتاثيرها القعال في بناء الحياة المسيحية الحقيقية واألصيلة .تلك
الكتب التي أثبت التاريخ ،وتجد لها القديسون عبر تاريخ الكنيسة ،أنها لعبت
www.christianlib.com
دورا الهدا أساسدا في هداية اإلنسان المسيحي في بحثه عن الله وسعيه الحثيث
في حياة البئ والقداسة .في إيماننا المسيحي نحن نقف على أكتاف مئ سبقونا.
ولألسف فإن مكتبتنا العربية تفتقر لهذه النوعية من الكتب المسيحية.
*إذا انقلبت األعبدة ،فالصنيق ماذا يفعل؟م ،لكننا نقول إنه مهما
انقلبت األعمدة فمازال هناك الصديقون ،حتى وإن كانوا قليلين جدا .ولهؤالء
الصديقين القالئل نقدم هذه الكالسيكيات المسيحية ،لتكون كالمنارة الهادية.
إنهم قالئل ،ولكن لهؤالء القالئل جاء المسيح وقبز وقام ،وسيأتي ثانيه في
سحاب المجد ليأخذهم معه .لهم قال السيد *ال تخف ،أدها القطيع الئغيئ،
ألن أباكلم قذ سر اذ يعحليكم الملكوت *.انا العائة ،فهذه الكالسيكيات
تدعوهم للخروج من *الفخ* الذي وضعته لهم الحياة ووضعوه هم أيصا
ألنفسهم .نقول لهم لم يغذ الوقت بعد لتفيير المسار والخروج من الكهف،
ولكته حثا وقت قصير جدا ومقصر ،وحاأل سئفتق األبواب على العذارى
الجاهالت .هؤالء العذارى الجاهالت الالتي يمألن أسواق* المسيحية السوقية*
ويجدربهن أن يستمعئ للكلمات الخالدة من عمالق المسيحية في القرن التاسع
عشر ،سورين كيركجارد 1آالاًةجج;ا٣ح٦ 1>1لج0٢ة *هؤالء العذارى الجاهالت
قد فقدن الونع المتقد الالمتناهي النتظار العريس 881011ة(ل ئ٦1لةع1
١٠
www.christianlib.com
الفصل االول
صديقي العزيز،
تقدم لك هذه التسمية عنوانًا لكل المجهودات التي
يمكنني بها خدمة اهتماماتك .إن ميولك التقوية للقيام
بذلك ،تتفق لحسن الحظ مع مهمتي ،فلن أحتاج أن أخرج
عن مساري لكي أجنبك — لكني ربما أقوم مرة واحدة
بواجب الصداقة ،وأمارس مهنتي ،حيث أن نمو الفضيلة
والقداسة (والذي آمل أن تجعله أعظم دراساتك) ،هو
العمل المميز لمهنتي .لذلك تعتبر هذه أكثر مرة أقوم
فيها ،بصورة عامة ،بالتنفيس عن عواطفي ،والتعبير
عن امتناني لك ،ولن أتأخر بعد ذلك في تنفين الوعد
الذي قطعته معك لهذا الفرض؛ ألنه رغم أنني أعرف
أنك مزود بمساعدات من هذا النوع ،أفضل من أي شيء
أستطيع أن أقدمه لك ،كما أنك لن تلتقي بأي شيء
هنا لم تكن تعرفه من قبل ،إال أنني آمل أن ما يأتي من
شخص تسر بأن تكرمه بصداقتك ،ومخصص بصورة
أكثرتحديدًا الستخدامك ،ستقبله بلطف؛ وآمل أن توجه
عناية الله أفكاري بحيث تجذ شيائً ما مفيدًا لك .كما
أنني ال أشك في عفوك ،إن كان ألجل صياغة حديثي
١١
www.christianlib.com
ال أستطيع الحديث عن الدين ،لكني البد أن أرثي بحزن أنه من بين
الكثيرين الذين يتظاهرون به ،القليلون جدا هم الذين يفهمون معناه.
البعض يضعونه في العقل ،من حيث األفكار واآلراء التقليدية؛ وكل تعليل
يستطيعون تقديمه لديانتهم هو أنهم يتبعون هذه القناعة أو تلك ،وأنهم قد
انضموا إلى واحدة من الطوائف الكثيرة التي ينقسم إليها العالم المسيحي
بصورة بائسة .بينما يقوم آخرون بوضع الدين في اإلنسان الخارجي ،في
اتجاه مستمرللواجبات الخارجية ،ونموذج للسلوكيات واإلنجازات .فإذا كانوا
يعيشون بسالم مع جيرانهم ،ويحافظون على نظام غذائي معتدل ،ويراعون
عوائد العبادة ،ويذهبون كثيرًا إلى الكنيسة او إلى الصالة في مخادعهم،
وفي بعض .األحيان يمدون أيديهم لمساعدة الفقراء ،يعتقدون أنهم قاموا
بالتزاماتهم بما يكفي .هنالى آخرون يضعون الديانة كلها في العواطف ،في
اسوب المتحمسة ،والعبادة المنتشية؛ وكل ما يهدفون إليه هو أن يصلوا
بحماس ،ويفكروا في السماء بمتعة ،ويتأثروا بتلك التعبيرات اللطيفة والمؤثرة
التي يخعلبون بها ود مخلصهم ،إلى أن يقنعوا أنفسهم أنهم يحبونه بقوة،
ومن هنا يفترضون ثقة عظيمة في خالصهم ،والذي يقدرون أنه أساس النعم
المسيحية .وهكذا يخطوئن فهم تلك األمور التي *تشبه* التقوى ،فيعتبرونها
هي الدين بأكمله ،والتي في أفضل حاالتها ما هي إال وسائل للحصول عليه ،أو
ممارسات معينة له — ال بل وفي بعض األحيان ،يزعم الشر والرنيلة لنفسهما
ذلك اإلسم .إنني ال أتكلم اآلن عن تلك المعاصي الفاضحة التي كان الوثنيون
معتادين أن يعبدوا بها آلهتهم .لكن توجد أعداد كبيرة جدًا من المسيحيين
يقدسون رذائلهم ،ويتبعون ميولهم الفاسدة ،والذين يطلقون على هزلهم
١٢
www.christianlib.com
الفصل االول
لكن الدين بالتأكيد شيء آخر تمامًا ،وأولئك الذين يعرفونه سيتبنون
أفكارًا مختلفة تمامًا ،ويحتقرون كل تلك الخياالت والمحاكاة الزائغة له .فهم
يعرفون بالخبرة أن الديانة الحقيقية هي اتحاد النفس مع الله ،واشتراك
حقيقي فى الطبيعة االلهية ،حيث تنطبع صورة الله نفسها على النفس ،أو،
بحسب تعبير الرسول* ،يتصور المسيح فيكم* (غالطية .) ١٩ :٤باختصار،
ال أعرف كيف يمكن أن يتم التعبير بشمولية أكثر عن طبيعة الدين ،إال بأن
نطلق عليه *الحياة اإللهية*؛ وبموجب هذه التسمية سأتحدث عنه ،موضحًافي
البداية كيف ئطلق عليه *حياة*؛ ثم كيف تحللق عليها *إلهية*.
١٣
www.christianlib.com
أكبر في مقاومة التجربة ،وبهجة أقل في أداء مسؤولياتهم .وهع ذلك ،فهذه
الحياة ال تنحلقيء تمامًا ،وال يدركون هم أيضًا إلى سلطة تلك الميول الفاسدة
التي تتسلط وتطغى على بقية العالم.
مرة أخرى ،يمكن تسمية الدين *حياة* ألنه جوهرداخلي ،وحر ،وذاتي
انحركة؛ وأولئك الذين أحرزوا تقدمًا فيه ،ال يحئزون فقط بدوافع خارجية،
مسوقين فقط بالتهديدات ،وال ترشيهم الوعود ،وال تقيدهم القوانين؛ لكنهم
ر مم
يميلون بقوة الى ما هوصالح ،ويفرحون بإنجازه .الحب الذي يكنه اإلنسان
التقي لله وللخير ،ليس باألكثر بسبب أمر تلزمه بالقيام بذلك ،لكنه بسبب
طبيعة جديدة تقوده وتحثه على ذلك؛ كما أنه ال يقدم صلواته باعتبارها
ضريبة ال يمكن تجنبها ،فقط لكي يرضي العدالة اإللهية ،أويهديء من ضميره
المزعج؛ لكن تلك الممارسات الدينية هي النتائج المالئمة للحياة الروحية،
والتجسديات الطبيعية للنفس التي ولدت من جديد .فيصلي ذلك اإلنسان
ويشكر الله ويتوب ،ليس فقط ألنه يوصى بهذه األشياء ،بل باألحرى ألنه واع
بنقائصه ئ خفاقاته ،وبالصالح اإللهي ،وبحمق وشقاء الحياة اآلثمة .لذللائً
فإحسانه ليس متكلفًا ،وال تنتزع صدقاته منه انتزاعًا؛ لكن حبه يجعله راغبًا
في العطاء ،ورغم أنه ال يوجد التزام خارجي فإن قلبه سيفكرفي أمور سخية
ليقوم بها .الخللم واإلسراف ،وكل الرذائل األخرى ،تكون مناقضة لطبعه
ومزاجه مثلما تكون األفعال الوضيعة للروح الكريمة ،والوقاحة والبناءة للذين
هم بالطبيعة متواضعون .لذلك يمكنني أن أقول عن حق مع القديس يوحنا،
*كل من هو مولود من الله ال يفعل خطية ألن زرعه يثبت فيه وال يستطيع أن
يخطيء ألنه مولود من الله* ( ١يوحنا . ) ٩ :٣فرغم أن األشخاص المقدسين
واألتقياء يراعون ناموس الله كثيرًا ويهتمون به بصورة عظيمة ،إال أنه ليس
عقوبات الناموس هي ابتي تغلب عليهم ،بل عقالنيته ونقاؤه وصالحه .فهم
يحسبونه متفوقا وجذابا في حد ذاته ،وفي حفظه ثواب عظيم؛ والحب اإللهي
الذي يدفعهم يجعلهم يصبحون هم ناموسا ألنفسهم:
١٤
www.christianlib.com
الفصل االول
١٥
www.christianlib.com
بعنف شديد ميول اإلنسان الجسدية ؛ فتسعى تلك األ واح الوضيعة أال تفعل
أكثر مما هو مطلوب نطعًا .فحيث أن القانون هو الذي يجبرهم ،سيكرهون
أن يعيلوا أكثر مما يحدهم بعمله؛ ال بل أنهم سيضعون عليه باستمرار مظهرا
جذابا مخادعًا ،,بحيث يتركون ألنفسهم أعظم حرية ممكنة .لكن روح الدين
الحقيقي صريحة ومتحررة ،أبعد ما يكون عن التفكير الكثيب والضيق؛
والشخص الذي قدم نفسه بالكامل لله ،لن يفكر أبدًا في أنه يفعل أكثر مما
( يجب ألجل الله.
قبل أن أنتقل إلى تفكير أكثر تحديدًا عن تلك الحياة اإللهية حيث نتمثل
الديانة الحقيقية ،ربما يكون من المالئم أن أتحدث قليال عن تلك الحياة
الطبيعية أو الحيوانية التي تسود في أولئك الذين هم غرباء عن الحياة
األخوى؛ وأنا ال أفهم عن هذه الحياة سوى ميلنا أو اتفاقنا الكامل مع تلك
األمور التي تسر وترضي الطبيعة؛ أو حب النفس الذي ينبع وينتشر داخل
أكبر عدد ممكن من الجوانب ،إذ لدى البشر العديد من الرغبات والميول.
إنني أعتبر أن أصل وأساس الحياة الحيوانية هو الحواس ،واذ أتحدث عنها
١٦
www.christianlib.com
الفصل االول
لكن من الغريب أن نالحظ إلى أية مسارات مختلفة يحمل هذا المبدأ
الحلبيعي أحيانًا أولئك الذين ينقادون به بالكامل ،بحسب الظروف المتنوعة
التي توجد معه لتحديد هذه المسارات؛ ثم بعد ذلك ،في كثير من األحيان
يؤدى عدم التفكير في ذلك إلى أخطاء خطيرة للغاية ،تجعل البشر يفكرون
حسنا من جهة أنفسهم بسبب هذا االختالف الظاهر بينهم وبين اآلخرين؛
بينما قد تنبع أفعالهم طوال ذلك الوقت من نفس المصدر عينه .إذا فكرنا
في الطبع والمزاج الطبيعي للنفوس البشرية ،سنجد البعض منها مستهترًا
ومازحًا وهنائشًا ،مما يجعل سلوك اإلنسان متطرفًا وسخيفًا؛ بينما هناك
آخرون جادون وصارمون بالطبيعة ،وحياتهم بأكملها منضبطة بمثل تلك
الرزانة التي تعطيهم قدرًا كبيرًا من المهابة واالحترام .البعض يكونون ذوي
طباع هزلية ،قاسية ،عابسة ،فال يستطيعون أن يكونوا هم أنفسهم قانعين
١٧
www.christianlib.com
وال يحتملون أن يكون اآلخرون كذلك .لكن ال يولد الجميع بمثل هذه النزعات
البائسة والكريهة؛ فبعض األشخاص لديهم عذوبة وعطف خاص متأصل في
طبيعتهم ويجدون أعظم سعادة في التعبير عن المودة للناس ،والوضا المتبادل
بين األصدقاء ،وال يشتهون أكثرمن أن يكون الجميع ممتنين لهم .من الجيد
أن الطبيعة قد وئرت هذه الرقة المزاجية لسد العجز في المحبة الحقيقية في
العالم ،ولجذب البشر للقيام بشيء لخير اآلخرين .مرة أخرى ،فيما يتعلق
بالتهذيب ،البعض لم يتعلموا أبدًا أن يتبعوا أية قواعد أخرى سوى ا تلك
الخاصة بالمتعة أو المصلحة؛ لكن هناك آخرون معتادون للغاية على مراعاة
أكثر القواعد الصارمة من اللياقة واالحترام وبعض نماذج الفضيلة ،بحيث
يتمكنون بالكاد من فعل أي شيء كانوا معتادين على النظرإليه باعتباره دنيء
وغير جدير بالتقدير.
١٨
www.christianlib.com
الفصل االول
١٩
www.christianlib.com
في الختام ،ال شيء مالئم لجعل حياة اإلنسان ممتعة ،أو لجعل نفسه
متفوقًا وبارزأ في العالم سوى هذا الجذر الطبيعي ،يعاونه الذكاء والمنطق،
الذي يحثه على ذلك .ورغم أنني ال أدين تلك األمور في حد ذاتها ،إال أنه
يهمنا بصورة وثيقة أن نعرف ونفكر في طبيعتها ،حتى يمكننا أن نبقيها
داخل حدودها الواجبة ،وأيضًا أن نتعلم أال نقيم أنفسنا على أساس مثل هذه
اإلنجازات ،وال نلقي بأهمية الدين على رغباتنا أو إنجازاتنا الطبيعية.
حان الوقت اآلن للعودة إلى التفكير في تلك م الحياة اإللهية) ،حيث كنت
أتكلم من قبل ،تلك الحياة المستترة مع المسيح في الله ؛ وبالتالي ليس لها تفاخر
أو مظهر رائع في العالم ،والتي تبدو لإلنسان الطبيعي فكرة مزعجة وغير
ممتعة .فكما تتمثل الحياة الحيوانية في ذلك الحب المحدود والضيق الذي
ينتهي عند نفس اإلنسان ،ورضاه عن تلك األشياء التي تسر هذه الطبيعة؛
هكذا أيضًا نتمثل الحياة الروحية في المحبة الشاملة غير المحدودة ،وفي
السيطرة على ميولنا الطبيعية ،حتى ال نتمكن أبدًا من خداعنا بتلك األمور
التي نعرف أنها ملومة .جذرالحياة االلهية هواإليمان؛ واألغصان الرئيسية
هي محبة الله ومحبة اإلنسان والطهارة واالتضاع ،وكما قال احد الكتاب،
مهما كانت هذه األمور شائعة ومألوفة وال تبدو استنثائية ،فإنها تحمل معنى
قويًا ،حتى أن لسان الناس والمالئكة ال يمكن أن ينطق بشيء أكثر أهمية أو
تفوقًا منها .اإليمان له في الحياة اإللهية نفس المكانة التي لحاسة اإلدراك
861186في الحياة الطبيعية ،لكونه في الواقع ليس إال نوعًا من اإلدراك ،أو
االقتناع الحسي باألمور الروحية؛ وهويمدد نفسه داخل كل الحقائق اإللهية.
لكنه في حالئثا الساقطة ،له عالقة خاصة بإعالن رحمة الله ومصالحته مع
الخطاة من خالل وسيط؛ وبالتالي ،يتلقى تسميته من هذا الموضع الرئيسي
ويسمى عادة ،اإليمان بيسوع المسيح.
محبة الله هي إدراك مفرح ومثير للعاطفة بالكماالت اإللهية ،الذي يجعل
٢٠
www.christianlib.com
الفصل االول
النفس تستسلم وتضحي بذاتها بالكامل ألجله ،فترغب فوق كل شيء في
أن ترضيه ،وال تفرح بشيء أكثر مما تفرح بالشركة والتواصل معه ،وتكون
مستعدة أن تفعل أو تتحمل أي شيء ألجل خاطره ،أو ألجل مسرته .رغم أن
هذه العاطفة قد نثشأ في البداية من أفضال ومراحم الله تجاهنا ،لكنها في
نموها وتطورها نتسامى على مثل هذه االعتبارات ،وتؤسس نفسها على صالح
الله الالنهائي المعلن في كل أعمال الخليقة والعناية اإللهية .لذلك فالنفس
التي تستحوذ عليها المحبة اإللهية ،البد أن تتسع لتشمل البشر جميعهم ،بمحبة
مخلصة غير محدودة ،بسبب عالقتهم بالله ،حيث أنهم مخلوقاته ،وشيء
من شبهه مطبوع عليهم .هذه هي المحبة التي أطلقت عليها الفرع الثاني من
الدين ،والتي تفهم بموجبها بصورة بارزة كل جوانب العدل ،وكل الواجبات
التي ندين بها لقريبنا .فاإلنسان الذي يحب العالم كله حقًا ،سيكون مهتمًا
بمصلحة كل إنسان تقريبًا؛ وأبعد من أن يؤذي أويضر أي إنسان ،فإنه يستاء
من أي شر يقع على اآلخرين ،كما لو أنه يقع على نفسه.
٢١
www.christianlib.com
بعد أن نقول كل ما نقدر عليه ،ال يمكن أبدًا أن نعبر بما يكفي عن غموض
أسرار الطبيعة الجديدة والحياة اإللهية :فاللغة والكلمات ال تستطيع أن تصل
إليها؛ كمحا اليمكن فهمها حقًا سوى بواسطة تلك النفوس المستنيرة من الداخل،
والتي تيقظت للشعور والتلذذ باألمور الروحية* :توجد رح في اإلنسان؛ ووحي
القديريعطي هذا اإلدراك ".يمكن التعبيرعن قوة وحياة الدين بصورة أفضل
باألفعال أكثر مما بالكلمات؛ ألن األفعال شيء أكثر حيوية ،وتعرض بصورة
أفضل األصل الداخلي الذي تنبع منه؛ وبالتالي ،يمكننا أن نأخذ أفضل مقياس
لتلك الهبات الكريمة ،من سلوك أولئك الذين تكمن فيهم؛ خاصة وهي نتمثل
بكمال واتقان في نموذج الحياة المقدسة لمخلصنا المبارك ،الذي كان جزء
أساسي من عمله في هذا العالم أن يعلم ،بواسطة اممارسته ،ما يطلبه من
اآلخرين ،وأن يجعل كلماته الخاصة مشابهة تماما لتلك القواعد الغريدة
التي وصفها؛ بحيث أنه إن كان الصالح الحقيقي يمكن أن يكون مرئيًا لعيون
البشر ،فقد حدث ذلك عندما جئل حضور المسيح وزدن هذا العالم األدنى.
٢٢
www.christianlib.com
الفصل االول
ذلك الحب المخلص والخاشع الذي كانت نفسه المباركة نتقد به باستمرار
نحو أبيه السماوي ،كان يعبر عن نفسه في التسليم الكامل إلرادته؛ فقد كان
*طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله( ١١يوحنا ٠)٣٤ :٤كان هذا
هوتدريب طفولته ،وشغله الشاغل في عمره الناضج .لم يبخل بأي سفر أوآالم
عندما كان يعمل فيما البيه ،بل كان يجد الرضا والشبع اللدنهائي في إنجازه،
حتى أنه عندما تعب وأدعق في رحلته ،استراح عند بئر يعقوب ،وطلب ماء من
امرأة سامرية .نجاح حديثه معها ،ودخولها إلى ملكوت الله ،مأل عقله بفرح،
كان يبدو أنه أسهم بقوة في جسده ،وأنعش نفسيته ،وجعله ينسى عطشه الذي
كان يشكومنه قبال ،ويرفضى الطعام الذي كان قد أرسل تالميذه لكي يشتروه.
كما أنه لم يكن أقل صبرًا وخضوعًافي تحمل مشيئة الله ،من كونه مجتهدًافي
تحقيقها :فتحمل أقسى اآلالم وأقصى المآسي التي وقعت على أي انسان من
قبل ،دون بكر متبرم ،أو كلمة استياء .فرغم أنه كان أبعد ما يكون عن عدم
الوعي الغبي ،أو عن العناد األحمق أو الرزين ،ولديه شعور سربع باأللم مثله
مثل بقية البشر ،وأعمق فهم لما كان يجب أن يتألم به في نفسه ( ،كما يعلن عن
ذلك كثيرا عرقه النازل كقطرات الدم ،والدهش واالكتائب الذي اعترف به) ،
إال أنه خضع بالكامل لذلك الترتيب الصارم للعناية اإللهية وأذعن له طوعًا.
وقد صلى لله أنه رإن أمكن ( ، ١أو كما عدر أحد البشيرين *ان أمكن فلتعبر
عني هذه الكأس*)؛ لكنه أضاف برقة* ،ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد
أذت (.١متى ٠ ) ٣٩ : ٢٦يالها من أهمية غريبة نجدها لتعبيرات يوحنا ، ٢٧ : ١٢
حيث اعترف ألول مرة بحزن روحه* ،اآلن نغسي قد اضطربت( ١١مما يبدو
أنه ينتج نوعًا من االعتراض) * ،ومان ا أقول* ،ثم يواصل بعد ذلك ليحتج على
آالمه* ،أيها اآلب نجني من هذه الساعة١١؛ والذي لم يلبث أن نطق بذلك،
حتى استرجع هذه الكلمات كما لو أنه أعاد التفكير مرة أخرى* ،ولكن ألجل
هذا أتيت إلى هذه الساعة*؛ ثم يختم* ،أيها اآلب مجد اسمك* .يجب أال
٢٣
www.christianlib.com
ننظر إلى هذا باعتباره تقلب في الرأي ،أوضعف يالم عليه يسوع المبارك :فقد
كان يعرف طوال الوقت ما كان عليه أن يتألم به ،واجتازه بكل تصميم؛ لكن
هذا يوضح لنا الثقل والضغط الرهيب الذي ال يمكن تخيله الذي كان عليه أن
يتحمله ،والذي لكونه شديد اإليالم ومضاد للطبيعة ،لم يستطع أن يفكر فيه
دون رعب؛ لكنه إذ كان يفكرفي مشيئة الله ،وفي المجد الذي سيأتي منه بسبب
ذلك ،لم يرض به فقط ،بل أراد أن يتحمله.
مثل آخر على محبته لله كان تلذذه بالحديث معه في الصالة ،وهو األمر
الذي جعله يعتزل كثيرًا عن العالم ،وبأعظم تكريس ومتعة ،يقضي لياي كاملة
في تلك الممارسة السماوية ،رغم أنه لم تكن لديه خطايا يعترف بها ،وبيل من
االهتمامات الدنيوية لكي يصلي ألجلها؛ والتي هي لالسف تعتبرنقريبا األمور
الوحيدة التي تدفعنا ٤الى صلواتنا .ال بل يمكننا أن نقول أن حياته بأكملها كانت
نوعًا من الصالة؛ ومسارًا مستمرًا من الشركة مع الله :إن كانت الذبيحة ال
تقدم باستمرار ،فإن النار ظلت مشتعلة باستمرار؛ كما لم يكن يسع المبارك
تفاجأ بتلك البالدة ،أوفتور الروح ،الذي البد أن نصارع معه مرارا كثيرة قبل
أن نكون مهيئين لممارسة الصالة.
في المكانة الثانية ،يجب أن أتكلم عن محبته ئ حسانه نحو جميع البشر:
لكن اإلنسان الذي يمكن أن يعبر عنها البد أن يسجل تاريخ اإلنجيل ،ويطق
عليه؛ إذ أنه يندر أن نجد شيائً مكتوب أنه فعله أو تكلم به ،لم يكن معدًا
ألجل خير وفائدة شخص ما .كل أعماله المعجزية كانت نماذج لصالحه مثلما
كان سلطانه؛ وكانت تفيد أولئك الذين تجرى لهم ،كما أنها كانت تذهل من
يرونها .لم يكن إحسانه مقصورًا على أقاربه أومعارفه؛ كما لم تبتلع صداقته
الخاصة التي كان يكنها لتلميذه الحبيب كل لطفه؛ بل كل إنسان يطيع وصاياه
المقدسة كان صديقه ،يوحنا ه ، ١٤ : ١وكل من يفعل مشيئة أبيه ،كان بالنسبة
له أخاه وأخته وأمه.
٢٤
www.christianlib.com
الفصل االول
أي إنسان كان يأتي إليه بنية صادقة كان يجد منه الترحيب ،كما أنه لم
يرفض أبدًا أي طلب كان يقصد به خير أولئك الذين طلبوه :حتى أن ما قيل
عن ذلك االمبراطور الروماني ،الذي كان بسبب صالحه يطلق عليه حبيب
البشرية ،قد عاشه يسوع حقًا ،بحيث لم يبتعد عنه بحزن سوى ذلك الشاب
الغني (مرقس )١٠الذي كان حزينًا لسماعه أن ملكوت السموات كان يتطلب
مستوى شديد السمو ،وأنه اليستطيع أن يخلص نفسه وأمواله أيضًا .وبالتأكيد
أزعج مخلصنا أن يرى أنه عندما كان في يده ثمن الحصول على الحكمة،
لم تكن لديه الرغبة فيها .كانت البراعة التي ظهرت في حديث ذلك الشاب
في البداية قد جلبت له بالفعل نوعًا من اللطف؛ ألنه يقال ،دلم فنظر إليه يسوع
وأحبه .١لكن هل كان البد ليسوع ،ألجل خاطره ،أن يصف له طريقًا جديدًا
مختصرًا إلى السماء ،ويغير طبيعة األمور ،التي كانت تجعل من المستحيل
لإلنسان الطماع أن يكون سعيدًا؟
أما الفرع الثالث للحياة اإللهية فهو الطهارة ،والتي ،كما قلت من قبل،
تتمثل في إهمال وسائل المتعة العالمية ،مع تحمل بكل تصميم جميع تلك المتاعب
التي نالقيها في أدائنا لمسؤولياتنا .بال شك ،لو كان هناك إنسانًا قد مات
بالكامل عن كل متع الحياة الطبيعية ،فهوبالتأكيد يسوع المبارك ،الذي نادرًا
ما تذوقها عندما جاءت في طريقه؛ لكنه لم يخرج قط عن مساره لكي يسعى
٢٥
www.christianlib.com
إليها .فوغم أنه سمح لآلخرين برفاهية الزواج ،وكرم الزواج بحضوره ،إال
أنه اختار قسوة حياة العزوبية ،ولم يعرف أبدًا فراش الزوجية .ورغم أنه في
نفس الوقت أمدهم باحتياجهم من الخمرفي العرس بمعجزة ،إال أنه لم يكن
ليصنع معجزة إلشباع جوعه الخاص في البرية .كانت طباعه شديدة الكرم
واللطف واأللوهية ،بسماحه لآلخرين بمثل تلك المسرات المشروعة التي فكر
أنه من الجيد له هو االمتناع عنها ،وزؤدهم ليس فقط بضرورياتهم القصوى
والملحة ،بل أيضًا بتلك األقل أهمية .نسمع في كثير من األحيان عن تنهدات
وأنين ودع مخلصنا؛ لكننا لم نسمع أبدًا أنه ضحك ،سوى أنه تهلل مرة
بالروح :بحيث أنه خالل حياته بأكملها حقق تماما تلك الصفة التي أعبيت
له من النبي قديمًا ،أنه كان ,درجل أوجاع ومختبر الحزن* (إشعياء .)٣ :٥٣
كما لم تكن اضطرابات وأتعاب حياته سوى مسألة اختيار؛ فلم يظهر أبدًا على
مسرح العالم شخص بامتيازات أعظم منه تمكنه من أن يرفع نفسه إلى أعلى
درجات السعادة الدنيوية .فاإلنسان الذي يستطيع أن يجمع مثل هذا العدد
الهائل من األسماك داخل شبكة تلميذه ،وفي وقت آخر ،يستلم الجزية من فم
سمكة ،والتي كان سيدفعها للهيكل ،كان يمكنه بسهولة أن يجعل نفسه أغنى
شخص في العالم .ال ،بل أنه بدون أية أموال ،كان يمكنه أن يحصل على جيش
قوي بما يكفي لخلع القيصر عن عرشه ،حيث أنه أكثرمن مرة أشبع عدة آالف
من الجمع بقليل من األرغفة وصفار السمك .لكن لكي يظهر كيف كان لديه
تقديرضئيل لكل متع العالم ،اختار أن يعيش في حالة شديدة الفقر واالتضاع،
لم للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار .وأما ابن اإلنسان قليس له أين يسند
رأسه( *.متى .)٢٠ :٨لم يتردد على قصور األمراء ،ولم يحب معرفة العظماء
أو الحديث معهم؛ لكن لكونه اشتهر بأنه ابن نجار ،اختار صيادين للسملف
وغيرهم من الفقراء ليكونوا رفاقه ،وعاش بذلك المستوى الذي يتناسب مع
وضاعة تلك الحالة.
٢٦
www.christianlib.com
الفصل االول
وهكذا آتي اآلن للحديث دون تخطيط عن اتضاعه — آخر فرع في الحياة
اإللهية؛ حيث كان المسيح أبرز نموذج لنا ،حتى يمكن أن *نتعلم منه ألنه وديع
ومتواضع القلب* (متى .)٢٩ :١١لن أتحدث اآلن عن ذلك التنازل الالنهائي
البن الله األزلي ،بأخذه طبيعتنا في نفسه ،لكني سأتأمل فقط في سلوك
مخلحدنا الودبع والمتضع بينما ك1نفي العالم .لم تكن لديه أي من تلك الخطايا
والنقصات التي يمكن عن حق أن تذل أفضل البشر؛ لكنه ابهلع بالكامل داخل
شعور عميق بكماالت الله الالنهائية ،حتى أنه ظهر كالشيء في عيني نفسه؛
وأعني بذلك بقدر ما كان إنسانًا .لقد اعتبر تلك الكماالت البارزة التي لمعت
في نفسه المباركة ،ليست له ،بل عطايا من الله؛ وبالتالي لم يفترض شيائً منها
لنفسه ،بل بأعمق اتضاع ،رفض كل تفاخربهذه األمور .لذلك رفض نلك المدح
العادي *المعلم الصالح* ،عندما وحه إلى طبيعته اإلنسانية بواسطة إنسان،
كما يبدو ،كان جاهال بألوهيته* :لماذا تدعوني صالحًا .ليس أحد صالحًا إال
واحد وهوالله* (متى . ) ١٧ : ١٩كما لوأنه كان يقول له,, ،إن صالح أي مخلوق
(وهكذا فقط تعتبرني) ال يستحق أن يتم تشميته أو مالحظته .فالله وحده
هو الصالح في األصل وفي الجوهر* .لم يستخدم أبدًا قوته المعجزية للغرور
أو التفاخر؛ ولم يرد أن يشبع فضول اليهود بآية من السماء ،بظهور مذهل في
الهواء .كما أنه لم يتبع نصيحة رفاقه وأقاربه ،الذين طلبوا منه أن يجري كل
أعماله العظيمة عالنية أمام عيون العالم لكي ينال شهرة أعظم .لكن عندما
كان عطفه واحسانه يحثه على إراحة البؤساء ،جعله اتضاعه مرارًا كثيرة
يأمرهم بإخغاء المعجزة؛ وعندما تطلب مجد الله ،والتخطيط الذي جاء ألجله
إلى العالم إعالنهازنسب المجد في كل ذلك ألبيه ،وأخبرهم* ،أنا ال أقدر أن
أفعل من نغسي شيائ* (يوحنا ه.)٣٠ :
ال أستطبع أن أشير إلى جميع نماذج االتضاع في سلوكه تجاه البشر:
انسحابه عندما كانوا يريدون أن يجطوه ملكًا؛ خضوعه ،ليس فقط ألمه
٢٧
www.christianlib.com
المباركة ،بل أيضًا لزوجها ،خالل سنوات طفولته؛ وخضوعه لكل اإلهانات
واالعتداءات التي وجهها إليه أعداؤه الوقحين األشرار .إن تاريخ حياته
المقدسة ،المدون بواسطة أولئك الذين عاشوا معه ،مليء بمقاطع مثل هذه؛
والواقع أن الدراسة الجادة والدقيقة له هي أفضل طريقة للتعرف بصورة
صحيحة على مقابيس اتضاعه ،وكل النواحي األخرى من الديانة التي كنت
أجاهد لكي أصفها.
لكن اآلن ،لكي أقلل من انزعاجك بقراءة خطاب طويل ،بعمل نوع من
فترات الراحة فيه ،دعني أضيف صالة ،والتي يمكن أن تكون مالئمة عندما
يبدأ الشخص ،الذي كان يعتنق من قبل مفاهيم خاطئة عن الدين ،في
اكتشاف حقيقته.
صالة
٢٨
www.christianlib.com
الفصل االول
انت الذي ارسلت ابنك الوحيد ليعيش بين البشر ،ويعلمهم بمثاله وايضا
بنواميسه ،ويعطيهم نموذجًا كامأل ومتقنا لما يجب أن يكونوا عليه .ليت حياة
يسبع المدارك المقدسة تكون دائمًا في أفكاري ،وأمام عيني ،إلى أن أنال شعورًا
وانطباعا عميقا بتلك النعم الفائقة التي أشرقت بصورة شديدة التميز فيه؛
ولينثى ال أتوقف أبدًا في مساعى ،إلى أن تشيطر على نغسى تلك الطبيعة
ب ٥٢ ٢
الجديدة واإللهية ،ويتصور المسيح في.
٢٩
www.christianlib.com
www.christianlib.com
الغصل١لثاذي
٣١
www.christianlib.com
نتقيد الميول بتحركات الحس وبتأثير العوامل الخارجية ،لكنها سارفي النفس
بمزيد من البصمات اإللهية ،وتتأثر بالشعور باألمور غير المنظورة.
لذلك ،إن سمحت لي ،دعنا نتقدم إلى نظرة أقرب وأكثر تحديدًا للدين ،في
تلك األفرع المتعددة له ،والتي ذكرناها منقبل .دعنا نفكرفي ذلك الحبو١لميل
الذي به تتحد النفوس المقدسة بالله ،حتى يمكن أن نرى مدى التفوق والفرح
المتضمنين فيه .الحب هوتلك العاطفة القوية المسيطرة ،التي تحدد بواسطتها
كل ملكات وميول النفس ،والتي يعتمد عليها كمالها وفرحها .تقاس قيمة
وتفوق النفس بموضوع حبها .فاإلنسان الذي يحب أمورًا دنيئة وخسيسة،
يصبح بالتالي خسيسًا وحقيرًا؛ لكن العاطفة النبيلة الموضوعة في مكانها
الصحيح ،تحسن وتطور الروح بحيث تصبح في انسجام واتساق مع الكماالت
التي تحبها .تعرض صور هذه الكماالت نفسها كثيرًا على الفكر ،وبواسطة
فوة وطافة سرية ،تتسلل داخل تكوين النفس ذاتها ،فتشكلها وتصيفها
على مثالها .من هنا نرى كم من السهل على المحبين أو األصدقاء أن يميلوا
إلى تقليد األشخاص المولعين بهم؛ وكيف ،قبل حتى أن يعوا ذلك ،يبدأون في
التشبه بهم ،ليس فقط في األشياء الكبيرة في سلوكهم بل أيضًا في صوتهم
وايماءاتهم ،وذلك الذي نطلق عليه مالمحهم ومظهرهم؛ وبالتأكيد ،يجب
أيضًا أن نذكر الفضائل والجمال الداخلي للنفس ،إن كانت هي موضع ودافع
حبنا .لكن اآلن ،كما أن كل األشخاص الذين نتحدث معهم لديهم خلط ومزح
بين كل هذه األمور ،فإننا نكون دائمًا في خطر أن نصبح ملحلخين وفاسدين
عن طريق وضع عواطفنا ومحبتنا فيهم .دعمي العاطفة عيوننا بسهولة،
بحيث نؤيد في البداية ،ثم نقلد األشياء الملومة فيهم .لكن الوسيلة الصحيحة
لتحسين نفوسنا وحطها نبيلة ،هي بأن نثبت محبتثا في الكماالت اإللهية ،حتى
تكون لدينا وأمامنا دائمًا ،وتنطبع في أنفسنا؛ بحيث أنه ررونحن جميعًا ناظرين
٣٢
www.christianlib.com
الفصل الثاني
مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيرإلى تلك الصورة عينها من مجد
إلى مجد" (٢كورذثوس ٠)١٨ :٣فالشخص الذي يرفع عينيه بطموح كريم
ومقدس إلى ذلك الجمال والصالح غير المخلوق ،ويثبت عواطفه هناك ،يكون
شخصًا من روح آخرتمامًا ،ون ا طبع أكثرتفوقًا وقوة من بقية العالم ،وال يسعه
سوى أن يمتتع بصورة النهائية عن كل األمور الدنيئة والحقيرة ،وال يتبنى أية
أفكار وضيعة أو دنيئة يمكن أن تحط من طموحاته السامية والنبيلة .الحب
هو أعظم وأكثر األمور التي نستطيعها ،وبالتالي يكون من الحماقة والخسة
أن نمنحه بصورة حقيرة .إنه في الواقع الشيء الوحيد الذي يمكن أن ندعوه
ملكًا لنا :فاألشياء األخرى يمكن أن تؤخذ منا بالعنف ،لكن ال أحد يستطيع
أن يسلبنا حبنا .إن كان يمكن أن نحسب أي شيء آخر ملكًا لنا يإعطائه حبنا،
فإننا سنعطيه الكل ،بقدر ما نفير قلوبنا وارادتنا — التي نمتلك بها مسرانتا
األخرى .فليس من الممكن أن نرفض أي شيء لذلك الذي أعطينا أنفسنا له
بالحب .ال ،بل حيث أن امتياز العطايا هو أنها تأخذ قيمتها من فكر الواهب،
وأال تقاس بواسطة الحدث ،بل بواسطة الرغبة ،فإن اإلنسان الذي يحب،
يمكن من ناحية ما أن يقال ،ليس فقط أنه يهب كل ما عنده ،بل كل األشياء
األخرى أيضًا التي يمكن أن تجعل المحبوب سعيدًا؛ حيث أنه يتمناها بقوة،
ويمكن حقًا أن يعطيها لو كانت في قدرته :بهنا المعنى يمكن أن يقال :ررنلك
الحب اإللهي ،من ناحية ،يعطيه الله لنفسه ،بواسطة الرضا عن الذات الذي
يحصل عليه في سعادة وكمال طبيعته" .لكن رغم أن هذا قد يبدوتعبيرًا شديد
القصور ،فإن الحب بالتأكيد هو أثمن هدية نستطيع أن نقدمها لله ،ويكون من
الدنيء للغاية أن نمنحه بطريقة أخرى.
عندما بوضع هذا الحب في غير محله ،فإنه في كثير من األحيان ينفس عن
نفسه بتعبيرات تشير إلى موضوعه األصيل والمالئم ،ويلئح إلى حيث يجب
٣٣
www.christianlib.com
أن يوضع .إن تعبيرات العشق المتملقة والتجديفية ،والتي يعبر بها البشر في
بعض األحيان عن عواهلفهم ،هي لغة تلك العاطفة التي حلقت وصممت ألجل
الله؛ حيث أن اإلنسان الذي يعتاد على الحديث مع شخص ما عظيم ،ربما
دون أن يعي ،يخاطب شخصًا آخر بتلك األلقاب التي كان معتادًا أن يعطيها
لذلك العظيم .لكن األكيد هو أن تلك العاطفة التي يعتبر الله هو موضوعها،
يجب أن تمنح فعليًا لذلك الشخص الذي هو الله .ذلك الخضع غير المحدود،
الذي من شأنه أن يذل النفس ،إن تم توجيهه إلى أي إنسان آخر ،سوف يرفع
النفس ويجعلها نبيلة عندما يقدم لله؛ وتكون تلك القيود ورط الحب أكثر
روعة بما ال يقاس من الحرية نفسها؛ وتلك العبودية أكثر شرفًا وسموًا من كل
امبراطوريات العالم.
مرة أخرى ،إذ يتقدم الحب اإللهي ويرفع النفس ،فإنه هو وحده الذي
يستطيع أن يجعل النفس سعيدة .أسمى وأمتع الملذات ،وأقوى وأكبر المسرات
التي يمكن للطبيعة البشرية أن تحصل عليها ،هي تلك التي ننشأ من تعبيرات
الحب عن العاطفة الناجحة والتي توضع في محلها .األمر الذي يكدر الحب،
ويجعله عاد؛ عاطفة شديدة اإلزعاج واإليالم ،هو وضعه في أولئك الذين
ليست لديهم قيمة كافية يستحقوه ،أو عاطفة وامتنان ليردوه ،أو الذين قد
يحرمنا غيابهم من متعة حديثهم ،أو الذين تسبب مآسيهم انزعاجنا .يكونون
معرضين لكل هذه المساويء ،أولئك الذين يضعون محبتهم األساسية والغائقة
في مخلوقات مثلهم؛ لكن محبة الله تنقذنا منها كلها.
أقول أوأل ،البد أن يكون الحب بائسًا ،ومليائًبالقلق والمتاعب ،عندما ال تكون
هناك قيمة وتفوق في الشخص موضوع المحبة ،بما يكفي إلشباع ضخامة
طاقة الحب القصوى .ال يسع العاطفة التواقة والقوية سوى أن تضايق وتعذب
٣٤
www.christianlib.com
الفصل الثاني
الروح ،عندما التجد هناك ما يشبع اشتياقاتها؛ وفي الواقع ،حيث انها شديدة
االتساع والوفرة في طبيعتها ،فإنها البد أن يضدق عليها وتحصر ،عندما ثكون
مقصورة على أي مخلوق :فال شيء أقل من الخيروالصالح الالنهائي ،يمكن
أن يوفر لها مكانًا لتمدد نفسها فيه ،وتمارس نشاطها وقوتها .فكيف يمكن
لجمال ضئيل ال يتعدى البشرة ،أو لدرجات صغيرة من الخير ،أن بباري
أو تشبع عاطفة حلقت ألجل الله :وصممت لكي تحتضن الخير الالنهائي؟
ال عجب إذًا ،أن المحبين بالكاد يحتملون أي منافس ،وال يرغبون في أن يؤيد
آخرون عواطفهم بواسطة تقليدها؛ إذ هم يعرفون قصوروضيق الخير الذي
يحبونه ،بحيث أنه ال يكفي الثنين ،حيث أنه ضئيل للغاية بالنسبة لواحد .من
هنا فالمحبة ر القوية كالموت؛ ،تسبب رغيرة قاسية كالهاوية؛ (نشيد األنشاد :٨
، )٦حيث يكون الفحم هوفحم النار التي لها أقوى لهيب.
لكن المحبة اإللهية ليس بها مزيج من هذه المرارة .فبمجرد أن ترتكزالنفس
على ذلك الخير االسمى كلي الكفاية ،تجد كماال وخيرا فائضًا ،حتى أنه
ال يجيب ويشبع عاطفتها فقط ،لكنه يديرها ويهيمن عليها أيضًا .فهي
تجد كل محبتها شديدة الضعف والغتور بالنسبة لهذا الموضوع النبيل للحب،
وتتأسف فقط ألنها ال تقدر أن يكون لديها أكثرمن نلك .إنها ترغب في نيران
السيرافيم ،وتتوق إلى الوقت الذي تذوب فيه بالكامل وتتحلل داخل الحب؛
وحيث أنها تستطيع هي نفسها القيام بالقليل جدًا ،فإنها ترغب في مساعدة
الخليقة كلها ،حتى يستطيع المالئكة والبشر أن يمتلكوا معها إعجاب ومحبة
تلك الكماالت الالنهائية.
مرة ثانية ،يصحب الحب المتاعب ،عندما يفتقد مردودا مالئمًا من
العاطفة .الحب هو أثمن شيء يمكن أن نعطيه ،وعندما نعطيه ،فإننا نعطي
٣٥
www.christianlib.com
نتيجة لذلك كل ما لدينا؛ وبالتالي البد انه من المحزن أن نجد مثل هذه الهدية
العظيمة تحتقر ،فتلك الهدية التي قدمها اإلنسان — كل قلبه — ال تستطيع أن
تسود لكي تنال أي مردود .فالمحبة الكاملة هي نوع من نبذ الذات (التسليم
11ج-لج1٤-)1ج - 8المحرر) ،االبتعاد عن أنفسنا؛ إنها 01 والتخلي عن الذات
نوع من الموت الطوعي ،حيث يموت المحب عن نفسه ،وعن جميع اهتماماته،
وال يفكر فيها ،وال يهتم بها بعد ذلك ،وال يفكر في شيء سوى في كيفية إرضاء
ئ شباع الطرف الذي يحبه .لذلك فإنه يدثر تمامًا ،ما لم يقابل عاطفة
متبادلة؛ فهوينجاهل نفسه ،ويجد اآلخرال يهتم به :لكنه إذا كان محبوبًا فإنه
ينتعش ،كما يمكن أن يقال ،ويعيش في نفس واهتمام الشخص الذي يحبه؛
ويبدأ في التفكير في اهتماماته ،ليس ألنها خاصة به ،بقدر ما ألن المحبوب
يسر بأن يهتم بها :فيصبح عزيزًا لدى نفسه ،ألن اآلخر يكن له هذا اإلعزاز.
لكن لماذا أتوسع في مثل هذا األمر المعروف للغاية؟ ال شيء يمكن أن يكون
أكثر وضوحًا من أن السعادة في الحب تعتمد على المردود الذي يقابله :ومن
هنا فالذي يحب الله لديه إمتيازال يعدر عنه ،ألنه وضع محبته في الشخص
الذي طبيعته هي الحب ،وصالحه النهائي مثل كيانه ،والذي رحمته أرشدنتا
وساعدتنا ،عندما كنا أعداءه ،ولذلك ال يمكن أن يختار سوى أن يحتضننا
عندما نصبح أصدقاءه وأحباءه .من االستحالة الكاملة أن يمنع الفه حبه
عن نفس مكرسة بالكامل له ،والتي ال ترغب في شيء أكثر من أن تخدمه
وترضيه؛ ال يمكنه أن يزدري صورته ،وال القلب المحفورة فيه .الحب هوكل
الضريبة التي يمكننا أن ندفعها له ،وهوالذبيحة التي لن يحتقرها.
شيء آخريزعج لذة الحب ،ويجعله عاطفة بائسة ومضطربة ،هو غياب من
نحبهم واالنفصال عنهم .ليس بدون ألم ملموس يفترق األصدقاء ،رغم أنه
٣٦
www.christianlib.com
الفصل الثاني
لغترة ضئيلة .من المحزن أن نحرم من صحبة شديدة اإلمتاع؛ وتصبح حياتنا
مملة ،إذ تنفق في توقع جرع للساعة المفوحة التي يمكن أن نلتقي فيها مرة
أخرى .لكن إن قام الموت بهذا الفصل ،كما البد أن يحدث في وقت أوآخر ،فغي
هذا الوقت يندر أن يقارن هذا الحزن بأية مصيبة أخرى في الحياة اإلنسانية،
والتي فيها يمكن أن ندفع ثمنًا غاليًا بما يكفي لتعزيات صداقتنا .لكن ،كم
يكونون سعداء أولئك الذين وضعوا محبتهم في الشخص الذي ال يمكن أن
يغيب عنهم أبدًا؛ ال يحتاجون سوى أن يفتحوا عيونهم ،وسوف ينظرون في
كل مكان آثار حضوره ومجده ،ويتكلمون مع الشخص الذي تحبه نفوسهم؛
وهذا يجعل من أعتم سجن ،أو أقحل برية ،ليس فقط مكانًا محتنال ،بل أيضًا
مفرحًا.
باختصار ،يكون المحب بائسًا ،إن كان الشخص الذي يحبه هكنا .أولئك الذين
يتبادلون قلوبهم من خالل الحب ،يكون لديهم اهتمام بسعادة اآلخر وشقائه؛
وهذا يجعل الحب عاطفة مثيرة للمتاعب عندما توضع في إنسان أرضي .فأكثر
شخص محظوظ ،لديه حزن يكفي إلفساد هدوء وطمأنينة صديقه؛ ومن
الصعب أن نتمسك بشيء ،عندما نتعرض للهجوم من كل النواحي ،ونتألم
ليس فقط في أنفسنا ،بل في شخص آخر .لكن إن ا كان الله هو موضوع حبنا،
فإننا سنتشارك في سعادة النهائية ،دون أي مزيج أو احتمالية لنقصانها.
يجب أن نبتهج لرؤية مجد الله ،ولقبول التعزية والمتعة من كل التسبيحات التي
يرفعه ويمجده بها البشر والمالئكة .يجب أن يفرحنا ،بصورة ال ينحلق بها،
التفكيرفي أن حبيب نفوسنا سعيد في ناته بصورة النهائية ،وأن كل أعدائه ال
يستطيعون أن يهزوا أو يزعزعوا عرشه, :كل ما شاء الرب صنع في السموات
وفي األرض* (مزمور .)٦ :١٣٥
٣٧
www.christianlib.com
يا له من أساس قوي تبنى عليه سعادة تلك النفس التي يتملكها الحب اإللهي،
والتي تغيرت إرادتها بحسب إرادة الله ،والتي تكون رغبتها العظمى هي إرضاء
خالقهاإ يا له من سالم وراحة وشبع يحل في ذلك الفكرد
لذلك يالها من متعة النهائية ،أن دضإبع أنفسنا فيه ،وأن كبتلع في اإلدراك
الطاغي بصالحه ،وأن نقدم أنفسنا ذبيحة حية ،تصعد إليه دائمًافي نيران
الحب؛ لن تعرف النفس أبدًا مدى الفرح والمتعة الجوهرية القوية٤ ،اال عندما
تكون قد متت من نفسها ،وتخلت عن كل حق واستحقاق ،وأعطت ذاتها إلى
خالق كيانها ،وشعرت أنها أصبحت مقدسة ومكرسة ،وتستطيع أن تقول،
بإحساس داخلي من األعماق" ،حبيبي لي( ١١فأنا أعتبر كل اهتمام له هو
اهتمامي الشخصي) ,, ،وأنا له ،١١أنا أرضى بأن أكون أي شيء بالنسبة له ،وال
أهتم بما لنفسي ،بل بأن أخدمه .الشخص الذي يكون متشكال بهذا الميل،
سيجد المتعة في كل تدبيرات العناية اإللهية؛ وستكون للمتع الوقتية مذاق
آخر عندما يتذوق الصالح اإللهي فيها ،ويعتبرها عالمة على الحب مرسلة
من ربه وخالقه الحبيب؛ والتأديبات ،رغم أنها ال تكون مفرحة ،بل محزنة،
ستفقد وخزها ،وستعزيه العصا مثلها مثل العكاز .سيسترق قبلة لليد التي
كانت تضربه ،ويستجمع حالوة من الجافي؛ ال بل أنه سيفرح أنه رغم أن الله
لم يفعل إرادة مخلوق حقيروأحمق مثله ،إال أنه فعل مشيئته هو ،وحقق خططه
الخاصة ،التي هي أكثرقداسة وحكمة بصورة النهائية.
الممارسات الدينية التي تكون بالنسبة لآلخرين مملة وغير ممتعة ،تسبب
أقصى المتع والمسرات للنفوس التي يمتلكها الحب اإللهي .فهي تفرح عندما
تدعى ,,إلى بيت الرب ،١١بحيث تتمكن من رؤية ,,قوته ومجده كما قد رأته
في قدسه ا (مزمور ٠)٢ :٦٣إنها ال تعتقد أبدا أنها شديدة السعادة ،مثلما
٣٨
www.christianlib.com
الفصل الثاني
إن صرامة الحياة المقدسة ،وذلك السهر واليقظة المستمرة التي دلؤم بأن
نحفظ بها كلوبنا وطرقنا ،مزعجة للغاية بالنسبة ألولئك الذين يحكمون
فقط ويتصرفون بموجب ناموس خارجي ،وليس لديهم نا موس في نفوسهم
وأفكارهم يجعلهم يميلون ألداء مسؤولياتهم .لكن حين يتملك الحب اإللهي
على النفس ،فإنه يقف مثل حارس يمنع كل شيء يمكن أن يجرح المحبوب،
ويصد بازدراء تلك التجارب التي تهاجمه .هذا الحب يستجيب بفرح ،ليس
فقط للومعايا الواضحة ،بل ألكثر التلميحات السرية لرضا المحبوب ،ويبرع
في اكتشاف ما يعبر له عن االمتنان وما هو مقبول لديه .إنها تجعل اإلماتة
ونكار النفس يغيران اسميهما الخشنين والمخيفين ،ليصبحا ممكنين وعذبيين
ومفرحين.
لكني أجد هذا الجزء من خطابي يزيد بصورة أكثر مما خططت له (في
الواقع ،من ال يفريه االسترسال في مثل هذا الموضع الممتع() ٠لذلك سأجتهد
لكي أعوض عن ذلك باالختصار في النقاط األخرى.
٣٩
www.christianlib.com
بسهولة بتفوق هذه النعمة؛ ألنه ماذا يمكن أن يكون أكثر نبال وكرمًا من قلب
يتسع لكي يحتضن العالم بأكمله ،والذي تكون رغباته وخططه متجهة إلى
خير وسالمة الكون ،والذي يعتبر اهتمام كل إنسان مثل اهتمامه هوالخاص؟
اإلنسان الذي يحب قريبه مثل نفسه ،ال يمكنه أبدًا أن يتبنى أي فكر خسيس
أوضار ،أو أن يفتقر إلى تعبيرات العطاء .يكون من األفضل له أن يعاني من
آالف اإلساءات ،عن أن يكون مذنبًا بإساءة واحدة؛ وال يحسب نفسه أبدًا
سعيدًا ،إال عندما يفيد إنسانًا ما؛ وال يستطبع استياء وجحود البشر أن يقاوم
محبته .فهو يتغاضى عن إساءاتهم ،ويشفق على حماقاتهم ،ويغلب الشر
بالخير ،واليخطط ألي تدبيرات لالنتقام من ألد وأشر أعدائه .هل هناك
ما يثير العجب إذًا في أن مثل هذا اإلنسان يوعر ويحظى باإلعجاب ،ويعد
محبًا للبشرية؟ هذا الصالح والسالم الداخلي للروح يعكس عذوبة وهدوءًا
ما على مالمحه ومظهره ،ويجطه محببًا ولطيفًا .إنه يلهم النفس بتصميم
وشجاعة مقدسة ،ويجعلها قادرة على المبادرة واحداث أسمى األمور .تلك
األعمال البطولية التي نعتاد أن نقرأها يإعجاب ،كانت في معظم األحيان من
آثار محبة اإلنسان لوطنه ،أو لصداقة معينة؛ وبالتأكيد ،فإن العاطفة األكثر
امتدادًا وشموية البد أن تكون أكثرقوة وتأثيرًا.
مرة أخوى ،إذ يتدفق اإلحسان من طبع سخي ومتفوق ،هكذا يصحبه أيضًا
أعظم رضا ومتعة :إنه أمر يفرح النفس أن تشعر أنها قد اتسعت هكذا ،وأن
نتقن من تلك المشاعر المقلقة والمشوهة ،ومن الحقد والكراهية والحسد؛ وأن
تصبح وديعة ولطيفة وكريمة .لو كان لي أن أختار من بين كل األشياه التي
يمكن أن تصون سعادتي الحالية ،لكنت سأختار هذا :أن يتملك على قلبي
أعظم لطف ومحبة تجاه جميع البشر في العالم .أنا واثق أن هذا من شأنه
أن يجعلني شريكًا في كل سعادة لآلخرين :مواهبهم الداخلية وازدهارهم
www.christianlib.com
الفصل الثاني
الخارجي أيضًا؛ وكل شيء أفادهم ونفعهم سيوفر لي الراحة والمتعة .ورغم
أنني يجب أن ألتقي كثيرًا بمناسبات من الحزن والتعاطف ،إال أن هناك عذوبة
في المواساة ،مما يجعلها محببة للغاية أكثرمن الالمباالة الغبية ٠يمكن للتفكير
في ذلك الصالح والحكمة الالنهائية التي تحكم العالم ،أن يمنع أي انزعاج
مفرط لمصائب معينة تحدث فيه؛ كما أن آمال البشر أو إمكانية سعادتهم
األبدية ،يمكن أن تهديء من أحزانهم في مصائبهم الحالية .بالتأكيد ،بعد
محبة الله واالستمتاع به ،يعتبر هذا اإلحسان وهذه المحبة المتقدة التي بها
تحتضن النفوس المباركة بعضها البعض ،هو عن حق أعظم سعادة في كل
النواحي المنكوره سابقًا؛ والتي لوسادت بصفة شاملة في العالم ،كان يمكنه
أن يتوقع ذلك النعيم ،ويجعلنا نتذوق أفراح السماء على األرض.
ذلك الذي سميته الفرع الثالث من الديانة ،هوالطهارة؛ وربما تتذكر أنني
وصغتها بأنها نتمثل في ازدراء المتع الحسية ،والتصميم على اجتياز تلك
المتاعب واآلالم التي يمكن أن نقابلها في أدائنا لمسؤولياتنا .قد تكفي تسمية
هذا األمر للثناء عليه باعتباره أنبل الصفات وأكثرها تفوقًا .ال توجد عبودية
شديدة الخسة ،مثل تلك التي يصبح اإلنسان بواسطتها ساعيًا وراء شهواته
الخاصة؛ وال توجد نصرة شديدة الروعة مثل تلك التي ننالها بالسيطرة
على تلك الشهوات .ال يقدر على أي شيء نبيل أو جدير بالتقدير ،ذلك
اإلنسان الذي يفرق في الملذات الحسية الكثيرة والكبيرة ،أو يغس بأضواء
وأجواء المسرات الفاخرة .لكن النفس التقية لديها طبع أكثر سموًا وروحانية؛
فهي تعرف أنها حلقت ألمور أسمى ،وتحتقر أن دخرج قدمًا واحدة بعيدًا عن
طرق القداسة ،ألجل الحصول على أي من هذه المسرات.
يصحب هذه الطهارة قدر كبير من المتعة .أي شيء ينجس النفس يزعجها
٤١
www.christianlib.com
أيضًا؛ فكل الملذات النجسة بها لدغة ،ونترك ألمأ وانزعاجًا خلفها .فاإلفراط
وعدم االعتدال ،وكل الشهوات الجامحة ،هي أعداء بالمثل لصحة الجسد،
ولفائدة الحياة الحاضرة ،بحيث أن القليل من التفكير يمكن أن يجبر أي
إنسان عاقل على الكف عنها ألجل تلك النتائج .وإذ ا ذهب اإلنسان النقي
إلى مستوى أعلى ،ولم يمتنع فقط عن الملذات البغيضة ،بل تجاهل أيضًا تلك
المتع البريئة ،فال يجب أن يعتبر هذا كبح عنيف أوصعب ،بل نتيجة الختيار
أفضل :أن فكره يرتفع للسعي إلى مسرات أكثر سموًا ونقاء ،بحيث أنه ال يهتم
بتلك األمور األخوى .أي إنسان يكون منغمسًافي عاطفة قوية ومتقدة ،سينسى
بسهولة ملذاته العادية ،وسيكون أقل شففًا بطعامه أوراحته الجسدية أو بالمتع
التي كان معتادًا على التلذذ بها .العجب إذًا ،إن احتقرت النفوس التي يسيطر
عليها الحب اإللهي ،المتع الدنيا ،وكانت مستعدة حتى أن تحرم الجسد من
اهتمامه الضروري بمتطلبات الحياة العادية ،إذ تحكم على كل هذه األشياء
باعتبارها ال تنثاسب مع سعادتها األساسية — مع تلك المتع األسمى التي تسعى
إليها .أما بالنسبة للصعوبات التي يمكن لهذه النفوس أن تالقيها ،فهي تقرح
فيها ،باعتبارها فرص لممارسة محبتها والشهادة لها؛ وحيث أنها ال تستطيع
القيام سوى بالقليل جدًا ألجل الله ،فإنها تفرح بشرف أن تتألم من أجله.
٤٢
www.christianlib.com
الفصل الثاني
أو تحتقر أولئك الذين ال يملكونها .أما بالنسبة للقيمة الداخلية والصالح
الحقيقي ،فإن الحس الذي لديهم بالكماالت اإللهية ،يجعلهم يفكرون بصورة
حقيرة للغاية في أي شيء حصلوا عليه حتى تلك اللحظة ،ويظلون يجاهدون
لكي يعلوا بأنفسهم ،ويقتربوا أكثرإلى تلك الصفات األكثرروعة التي يعجبون
بها.
ال أعلم ما األفكار التي يمكن أن تكون لدى الناس عن االتضاع ،لكني أرى
أن كل شخص تقريبًا يزعم أنه متضع ،ويمتنع عن كل تعبيرات وأفعال يمكن
أن تجعله يعتبر متعجرف ومتفاخر ،حتى أن أكثر من يرغب في النثاء ،يكره
أن يمدح نفسه .فماذا يكون ذلك اإلطراء وأساليب اللياقة ،التي تكثر جدًا
في حديثنا العادي، ،اال الكثير جدًا من التوكيدات على تقديرنا لآلخرين،
واألفكار الدنيا التي لدينا عن أنفسنا؟ أال يجب أن يكون هذا االتضاع هبة
نبيلة ومتفوقة ،حيث أن مجرد ظالله كعتبر ضرورية للغاية كجزء من التهذيب
الجيد؟
مرة أخرى ،يصحب هذه النعمة قدر كبير من السعادة والهدوء .اإلنسان
المتكبر والمتعجرف يكون مزعجًا لكل الذين يتحدث معهم ،ولكن أكثر كل
شيء ،يكون مزعجًا لنفسه .فكل شيء يكفي إلغاظته ،ويندر أن يوجد شيء
يكفي لكي يرضيه ويسعده .إنه مستعد أن يتشاجر بخصوص أي شيء يحدث؛
كما لو أنه هو نفسه شخص مهم ،بحيث يجب على الله القدير أن يفعل كل
شيء لكي يرضيه ،ويجب على جمبع مخلوقات السماء واألرض أن تخدمه
وتطيع مشيئته .تهتز أوراق األشجار العالية بكل هبوب للرياح؛ وكل نفس ،وكل
كلمة ردئية تزعج وتعذب اإلنسان المتعجرف .لكن اإلنسان المتضع لديه ميزة
عندما يحثقر ،أن ال أحد يمكن أن يفكر فيه بطريقة وضيعة أكثر مما يفكر هو
٤٣
www.christianlib.com
في نفسه؛ وبالتالي فهوال ينزعج لألمر ،لكنه يستطيع بسهولة أن يتحمل تلك
التوبيخات التي تجرح المتكبرفي أعماق نفسه .وباإلضافة لذلك ،كما أنه يكون
أقل تأثرًا باإلهانات ،يكون بالحقيقة أيضًا أقل بغضًا لها, .دالخصام الذي يأتي
من الكبرياء ،يكشف في اإلنسان ألف عقبة ،والتي يندر أن يتعرض لها ذوي
السمات الوديعة والمتضدعة .فاالتضاع الحقيقي األصيل يولد كأل من الوقار
والمحبة وسط كل األشخاص الحكماء والغاهمين ،بينما الكبرياء يهزم هدفه
الخاص ،ويحرم اإلنسان من ذلك الشرف الذي يجعله يتظاهر به.
لكن حيث أن الممارسات األساسية لالتضاع هي تلك التي ترتبط بالله القدير،
فإن هذه يصحبها أعظم رضا وعذوبة .من المستحيل التعبير عن المتعة
والفرح العظيم الذي يشعر به األتقياء في أدنى سجود لنفوسهم أمام الله،
إذ عندما يشعرون شعورًا عميقًا بالجالل والمجد اإللهي ،يغوصون (كما يمكن
أن يقال) في أعماق كيانهم ،ويختفون في حضور الله ،باعتراف جاد ومحب
بعدم قيمتهم ،وبقصور ونقص ما يملكونه ،إذ يفهمون الشعور والمعنى الكامل
لتعجب المرنم ،ررمن هو اإلنسان حتى تذكره" (مزمور - ، )٤ :٨ن أن
ينطقوا به بنفس المحبة .لم يتلى من فبل أي إنسان متكبر أو طموح ثناء
واستحسان البشر ،بمثل تلك المتعة التي يرفض بها األشخاهن المتضعون
واألتقياء هذه األمور* :ليس لنا يا رب ليس لنا لكن السمك أعط مجدًا من
أجل رحمتك من أجل أمانتك" (مزمور ه . ) ١ : ١١
الفصل الثاني
صالة
يا إلهي الصالح؛ يا لها من سعادة عظمى تلك التي تدعونا إليهاإ كم بلطفك
قرنت مسؤوليتنا وسعادتنا معًا ،وحددت أن تكون هناك مكافأة عظيمة
ألداثنا لواجباتنا( هل يمكن لذلك الدود السخيف أن يرتقي إلى مثل هذا
السمو العظيم؟ هل تسمح لنا أن نرفع عيوننا إليك؟ هل تعترف بمحبتنا
وتقبلها؟ هل نتلقى انطباع كماالتك اإللهية ،بأن نراها ونعجب بها — ونشارك
في نعيمك ومجدك الالمحدود ،بأن نحبك ونفرح بك؟ يا لسعادة تلك النفوس
التي حطمت أغالل محبة النفس ،وحررت عاطغتها من كل خيرضيق ومحدودا
يالسعادة تلك النفوس التي استنيرت أفهامها بروحك القدوس ،واتسعت
مشيئآتها لمدى مشيئتك؛ تلك التي تحبك أكثر من كل األشياه ،وتحب البشرية
كلها ألجلك؛ لقد اقتنعت ياإلهي ،لقد افتنعت ،أنني ال يمكن أن أكون سعيدا،
إال عندما نمات ميولي الجسدية والغاسدة ،ونخضع كبرياء وغرورروحي،
وعندما أصل بجدية إلى احتقار العالم ،والتفكير في نغسي كالشيء .آه،
متى يكون ذلك؟ متى تأتي داخلي ،وثدع نغسي بشبهك ،وتجعلني قديسًا كما
أنك أنت قدوس ،في كل سيرة؟ هل تعجني إمكانية لمثل هذه السعادة العظمى،
وال تدخلني إليها؟ هل سر في نغسي هذه الرغبات ،وال نشبعها أيضًا؟ آه،
*علمني أن أعمل رضاك ألنك أنت إلهي .روحك الصالح يهديني في أرض
مستوية .من أجل اسمك يا رب تحييني .بعدلك تخرج من الضيق نغسي ...
يارب رحمتك إلى األبد .عن أعمال يديك ال تتخل".
٤٥
www.christianlib.com
www.christianlib.com
الفصل الثالث
عن صعوبات وواجبات ,لحياة المسيحية
٤٧
www.christianlib.com
ميولي عن األمور الدنيوية .التزال هناك بعض الشهوات العالمية التي تكمن
في قلبي؛ وتلك األباطيل التي أطردها من الباب ،تدخل دائمًا من النوافذ.
إنني أقتنع في مرات كثيرة بحقارتي ،وبضعف جسدي ،وبالضعف األعظم
لنفسي؛ لكن هذا ينشيء سخطًا واستياء أكثر مما ينشيء اتضاعًا حقيقيًا
في روحي .فرغم أنني أفكر بحقارة في نغسي ،ال أحتمل أن يفكر اآلخرون ة
كذلك .باختصار ،عندما أفكر فليًا فيما يبدوأسمى وأفضل إنجازاتي ،لدي
ما يجعلني أشك في أن جميعها ما هي إال نتاج الطبيعة ومحبة النفس التي
تتخفى في مظاهر متعددة؛ وهدا الجذر شديد القوة ،ومتأصل بعمق داخلي
حتى أنني ال يمكن أن آمل في التخلص من سيطرته .ربما يمكنني أن أتأرجح
للداخل والخارج مثل باب على مفصالت ،لكني ال أستطيع أبدًا أن أتخلص
تمامًا أو أنفصل بالكامل عن الذات التي التزال مركز كل تحركاتي؛ بحيث
أن كل فائدة يمكنني أن أنالها من اكتشاف الديانة ،ليست سوى رؤية تلك
السعادة ،التي ال أستطيع الوصول إليها ،من على بعد هائل؛ مثل إنسان في
حطام سفينة ،الذي يستطيع أن يرى األرض ،ويحسد سعادة أولئك الذين هم
عليها ،لكنه يعتقد أنه من المستحيل بالنسبة له أن يصل إلى الشاطيء ٠
قد كثار مثل هذه األفكار اليائسة التي أقولها في عقول أولئك الذين يبدأون
في إدراك المزيد عن طبيعة وتقوق الديانة أكثرمما سبق .لقد تجسسوا األرضى،
ورأوا أنها فائقة الجودة ،وأنها تفيض لبنًا وعسأل؛ ولكنهم وجدوا أن لديهم
بني عناق الذين يجب أن يصارعوهم ،والكثير من الشهوات والمغاسد القوية
التي يجب التغلب عليها ،وهم يخشون أال يتمكنوا من السيطرة عليها أبدًا.
لكن لماذا يجب علينا أن نفسح المجال لمثل هذه االفتراضات المحبطة؟ لماذا
نتبنى مثل هذه المخاوف غير المعقولة ،والتي توهن أرواحنا وتضعف أيدينا،
ونجادل في صعوبات طريقنا؟ دعنا نشجع أنفسنا ،صديقي العزيز ،دعنا
نشجع أنفسنا بتلك المعونات القديرة التي يجب أن نتوقعها في هذه الحرب
٤٨
www.christianlib.com
الفصل الثالث
الروحية؛ ألن الذي معنا أعظم من كل الذين يقومون علينا* .اإلله القديم
ملجأ واألذع األبدية من تحت" (تثنية )٢٧ :٣٣؛ فدعنا *نتقوى في الرب وفي
شدة قوته (أفسس ،)١٠ :٦فالله هو الذي لم سيدوس أعداءنا .الله لديه
اهتمام حنون بنغوس البشر ،وهو يرغب بصورة النهائية في تعزيز خيرهم
وصالحهم .لقد تنازل لضعفنا ،وأعلن بغتم أنه ال يسر بهالكنا .ال يوجد
نزاع أو حسد يكمن في قلب ذلك الكائن المبارك من األزل ئ لى األبد ،الذي
اسمه وطبيعته هوالحب .لقد خلقنا منن البداية في حالة الفرح؛ واآلن ،عندما
سقطنا منها *خلصت له ذراعه" (إشعياء :٦٣ه ) ،فهو لم يوكل مهمة رعاية
نفوسنا لشخص أقل من ابن محبته األزلي .إنه هو رئيس خالصنا ،فمن هم
األعداء الذين يكونون أقوى من أن نتغلب عليهم عندما نحارب تحت رايته؟
ألم ينزل ابن الله من حضن أبيه ،ويقيم مسكنه وسط بني البشر ،لكي يسترد
وينشر الحياة اإللهية ،ويسترجع صورة الله في نفوسنا؟ كل األعمال القديرة
التي أجراها ،وكل اآلالم المؤسفة التي تحملها ،كان هذا هومنظورها وهدفها؛
وألجل هذا تعب وتألم ،وألجل هذا سفك دمه ومات* .حمل ابنًا ،وتأئم؛ فهل
لم يلد سوى الربح؛ هل لم يعمل أي خالص في األرض؟ هل لم يرى من تعب
نفسه؟ ا من المستحيل بالتأكيد أن يفشل هذا التدبير السمائي العظيم؛ أن
يخفق هذا المشرع العظيم ويجهضى .لقد أدى بالفعل إلى خالص اآلالف من
البشر الذين كانوا قبال بعيدين عن ملكوت السموات ،مثلما نفترض نحن في
أنفسنا أيضًا ،كما أن رئيس كهنتنا العظيم *يبض إلى األبد له كهنوت ال يزول
فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله* (عبرانيين
،٢٤ :٧ه ٠)٢إنه حنون و ووف ،وهو يعرف ضعفنا ،وتعرض لكل تجاربنا.
لم ,قصبة مرضوضة ال يقصف وفتيلة خامدة ال يطغيء .إلى األمان يخرج
الحق" (إشعياء .)٣ :٤٢لقد أرسل روحه القدوس ،الذي التزال أنفاسه العذبة
والقوية تتحرك في كل أنحاء العالم ،لكي تحيي وتنعش نفوس البشر ،وتوقفلهم
٤٩
www.christianlib.com
للشعور واإلحساس بتلك األمور اإللهية التي غبقوا ألجلها ،وهو مستعد لمعونة
مخلوفات ضعيفة واهنة مثلنا ،في جهادنا نحو القداسة والسعادة :وعندما
يتملك على النفس ويشعلها بأقل شرارة من المحبة اإللهية ،ستعمل بالتأكيد
على االحتفاظ بها وإزكائها ،لتصبح لهيب نار* ،ال تستطيع مياه كثيرة أن
تهلفئها والسيول ال تغمرهالما (نشيد األنشاد ٠)٧:٨عندما يبدأ بزوغ فجر هذا
اليوم ،ويطلع كوكب الصبح في القلب* ،سيطرد بسهولة قوى الظيمة ،ويجعل
الجهل والحماقة وكل ميول البشر الفاسدة واألنانية تهرب سريعا أمانه مثل
ظالل الليل عندما تشرق الشمس في جنباته ،لم أما سبيل الصديقين فكنور
مشرق .يتزايد وينير إلى النهار الكامل ...يذهبون من قوة إلى قوة .يرون
قدام الله في صهيون( *.أمثال ١٨ :٤؛ مزمور .)٧ :٨٤
الفصل الثالث
األرض وكل مالئكة السماء ،يشاركون في الحرب إلى جانبنا .فالكنيسة المقدسة
في كل أنحاء العالم تتشفع يوميًا أمام الله ألجل نجاح كل هذه المجهودات؛ وبال
شك أن تلك األجناد السماوية تهتم بمصالح الديانة وترغب بال حدود أن ترى
الحياة اإللهية تزدهروتسودفي هذا العالم األدنى؛ وأن نتحقق مشيئة الله على
األرحض بواسطتنا ،كما نتحقق في السماء بواسطتهم .أليس علينا إذًا أن نشجع
أنفسنا ،كما فعل النبي لعبده ،عندما أراه الخيول والمركبات النارية* ،ال تخف
ألن الذين معنا أكثرمن الذين معهم* (٢ملوك ) ١٦ :٦؟
٥١
www.christianlib.com
الزواج باعتباره الوسيلة الطبيعية لتكاثر الجنس البشري .رغم أنه البد من
تدخل عمل القدرة االلهية إلحداث هذا التفيير الضخم في نفوسنا ،إال أننا
يجب علينا أن نفعل ما نستطيعه لكي نؤهل ودعد أنفسنا له؛ إذ أننا البد أن
نكسر أرضنا البور ونقظع األعشاب الضارة وننزع األشواك ،بحيث نكون أكثر
استعدادًا لقبول بذور النعمة وندى السماء .من الصحيح أن الله وحد ألناس
لم يطلبوه؛ فقد ألقى بنفسه في طريقهم ،إذ كانوا خارج طريقه بالكامل.
فأمسكهم وأوقف مسارهم فجأة؛ هكذا تجدد بولس الرسول في رحلته إلى
دمشق .لكن بالتأكيد ليست هذه هي طريقة الله المعتادة في التعامل هع البشر.
فرغم أنه لم يقيد نفسه بوسائل معينة ،إال أنه قيدنا نحن باستخدامها؛ وليس
لدينا أبدًا سبب لتوقع المعونة اإللهية ،إال عندما نقوم بأقصى مساعينا .لذلك
ستكون مهمتي التالية هي أن أوضح المسار الذي ينبغي أن نتبعه للحصول
على هذا الطبع المبارك الذي كنت أصغه حتى اآلن .لكن ،إن كان في تقديم
أفكاري الخاصة ،تصادف أنني أختلف عما يقال أو يمكن أن يقال بواسطة
آخرين في هذا الموضع ،فأل يجب االعتقاد بأنني أناقضهم أو أعارضهم ،أكثر
مما يفعل األطباء عندما يصفون عالجات متعددة لنفس المرض ،والتي ربما
تكون جميعها نافعة وجيدة* .يمكن ألي إنسان أن يقترح الوسيلة التي يعتبرها
أكثرمالءمة؛ ولكنه ال يجب أن يزعم أن الشفاء ال يمكن أن يحدث أبدًا* ،ما لم
تراعى تلك الوسيلة بالضبط .أشك أنه حدث الكثير من القلق غير الضروري
لبعض األتقياء ،ألنهم لم يجدوافي نفوسهم ذلك التحول المنظم والمنتخلم الذي
رأوه موصوفا في الكتب ،إذ أنهم لم يمروا عبر كل تلك الخطوات والمراحل
في التجديد ،والتي وصفها البعض (الذين ربما شعروا بها هم في أنفسهم)
لآلخرين بصورة قاطعة .الله لديه طرق متعددة للتعامل مع نفوس البشر،
ويكفي أن يتحقق العمل ،مهما كانت الوسائل.
مرة أخرى ،رغم أنني يجب عند اقتراح االتجاهات أن أتبع ذلك الترتيب
٥٢
www.christianlib.com
الفصل الثالث
الذي تقود إليه طبيعة األمور ،إال أنني ال أقصد أنه يجب اتباع نفس هذه
الطريقة بدقة في الممارسة العملية ،كما لو أن القواعد الالحقة ال يمكن
اتباعها أبدًا إال بعد انقضاء وقت كبيرفي ممارسة تلك السابقة .االتجاهات
التي أقصدها يقود أحدها إلى اآلخر بصورة متبادلة ،ويجب أن تطدق جميعها
بحسب ما تسمح الفرصة ونجد أنفسنا قادرين على إنجازها.
واآلن ،حتى ال أعطلك أكثر من ذلك ،إن كنا نرغب في أن تتشكل نفوسنا
بهذا اإلطار المقدس ،ونصبح شركاء الطبيعة اإللهية ،ويتصور المسيح في
قلوبنا ،البد أن نحسم ذلك بصورة جدية ،ونجاهد بعناية لكي نتجنب ونترك
كل الشرور والممارسات اآلثمة .ال يمكن أن يكون هناك أي عهد سالم ،إال
عندما نتتازل عن أسلحة التمرد التي نحارب بها ضد السماء؛ كما ال نستطيع
أن نتوقع شفاء لطباعنا السيئة ،إن كنا نتغذى على السم يوميًا .كل خطية
متعمدة تسبب جرحًا مميتًا للنفس ،وتبعدها أكثرعن الله وعن الصالح .ال
يمكن أن نأمل في أن تتطهرفلوبنا من الميول الغاسدة ،ما لم ننقي أيدينا من
األفعال الشريرة .ال نستطيع أن نلتمس العذر ألنفسنا بأن نزعم استحالة
ذلك؛ ألن األكيد هوأن إنساننا الخارجي هوتحت سلطتنابدرجة ما .فلدينا
ع من السيطرة على أقدامنا وأيدينا ولساننا ،ال بل على أفكارنا وخياالتنا
أيضًا ،على األقل بقدر ما يمكننا أن نبعدها عن األمور البذيئة واآلثمة ،وأن
نحول أذهاننا في طريق آخر .سنجد هذه القوة والسلطة تتقوى وتتقدم أكثر،
إن اعتنينا بإدارتها وممارستها .في نفس الوقت أنا أعترف بأن مفاسدنا
شديدة القوة ،وتجاربنا كثيرة للغاية ،بحيث أن األمر يتطلب قدرًا كبيرًا من
المثابرة والتصميم واليقظة واالهتمام لمجرد حتى الحفاظ على أنفسنا في هذه
الدرجة من الطهارة والنقاء.
أوال ،دعنا نعرف أنفسنا جيدًا بماهية هذه الخطايا التي ينبغي أن نمتنع
عنها .وهنا يجب علينا أال نأخذ مقاييسنا من مباديء العالم وحكمه ،أو من
٥٣
www.christianlib.com
٥٤
www.christianlib.com
الفصل الثالث
لكن ،تلك األمور التي نكتشف أنها آثمة ،سيكون هناك البعض منها ،من
خالل ميل طبيعتنا ،أو التعود الطويل ،أو حب المتعة ،نتشبث به كثيرًا ،حتى أن
تركه سيشبه قطع اليد اليمنى ،أو قلع العين اليمنى .لكن هل يجب علينا إذًا أن
نجلس وننتظر حتى ننتهي كل هذه الصعوبات وتزول كل التجارب؟ يشبه هذا
األحمق الذي وقف طوال اليوم على جانب النهر في انتظار أن يمر الماء كله(
لكننا يجب أال نتساهل مع ميولنا كما نفعل مع األطفال الصغار إلى أن يملوا
من الشيء الذي ال يريدون أن يتركوه .يجب أال نستمرفي ممارساتنا اآلثمة،
على أمل أن النعمة اإللهية ستتغلب يومأ ما على أرواحنا ،وتجعلنا نكره هذه
الممارسات بسبب فسادها٠
ثم نفكر بعد ذلك في مدى الرعب الدي سيستحوذ على النفس المذنبة إذ
توجد عارية ومنفردة تمامًا أمام الديان الصارم والعادل للعالم ،لكي تعطي
حسابًا دقيقًا ،ليس فقط عن أعمالها المهمة والكبيرة ،بل عن كل كلمة نطق
بها اللسان ،وعن أسرع األفكار التي وردت على الذهن وأكثرها سرية .دعنا
نقوم من حين إلى آخر باستعراض أهوال ذلك اليوم المخيف ،عندما تهتز
أسس األرضن ،وتنحل السموات بضجيج ،وتذوب العناصر محترقة ،ويتحلل
هيكل الطبيعة الحالي ،وترى عيوننا يسوع المبارك (الذي جاء مرة إلى العالم
بكل اتضاع ليفتقدنا ،ويشتري لنا الفغران ،ويناشدنا أن نقبله) ،والذي يظهر
اآلن في جالل مجده ،وينزل من السماء في لهيب نار ،لينتقم من أولئك الذين
ازدروا نعمته ،وأصروا على التترد عليه .عندما ككثب) للنور كل خفايا الظالم،
وتظهر آراء القلوب؛ عندما ككشف وتعرض علنًا تلك النجاسات السرية
والمخادعات الخفية التي لم يشككنا فيها العالم من قبل ،وتتهم ضمائرنا،
يإدانات واضحة بالذنب ،بآالف األفعال التي لم نتخيل قط أن تكون آثمة ،أو
غيرها التي نسيناها بالكامل ،والتي لن نتمكن قط من إنكارها أو تبريرها.
عندئذ سيقوم كل مالئكة السماء ،وكل القديسين الذين عاشوا من فبل
على األرض ،بتأكيد ذلك الحكم الرهيب الذي سيصدر على األشرار؛
وأولئك الذين ربما أحبوهم أو قدروهم عندما كانوا يعيشون في العالم ،سوف
ينظرون إليهم بغضب واشمئزاز ،ولن يتقدموا بطلب واحد إلنقانهم .دعنا
نفكر في العقاب األبدي للنفوس الملعونة ،والذي يصوره الكتاب المقدس
باستعارات مأخوذة من أبشع األمور وأيفضها في العالم ،ومع ذلك كل هذا
ال يكفي لكي ينقل لعقولنا إدراكًا شامال لها .عندما نربط معًا معاني كل هذه
التعبيرات ،ونضيف إليها كل ما يمكن أن ينتجه خيالنا عن الشقاء والعذاب،
البد أن نتذكر أيضًا أن كل هذا يعجز بال نهاية عن أن يصف الحقيقة الفعلية
لهذا األمر.
٥٦
www.christianlib.com
الفصل الثالث
من الصحيح آنه موضوع محزن ومثير للكآبة؛ والتفكير فيه يثير األلم
والرعب؛ لكن األكيد هو أن اختباره البد أن يكون أكثر رعبًا بصورة النهائية.
مثل هذه األفكار قد ثكون شديدة النفع في إخافتنا من طرق يمكن أن تقودنا
إلى هناك .مهما كان يمكن أن نكون مغرمين بأي درجة من الدرجات بالشهوات
اآلثمة ،فإن الخوف من الجحيم سيجعلنا نمتنع عنها .أكثرميولنا جرأة سوف
تفزع وتتراجع ،عندما تواجه ضغط سؤال النبي* ،من منا يسكن في نار آكلة؟"
(إشعياء )١٤ :٣٣
لهذا الفرض عينه دعرض أهوال العالم اآلخر مرارا كثيرة في الكتابات
المقدسة ،وبمثل تلك التعبيرات التي تصلح بأفضل صورة للتأثيرفي الذهن
الجسدي .هذه المخاوف ال يمكن أبدًا أن تكون كافية لجعل اإلنسان صالحًا
حقًا؛ لكنها تستطيع بالتأكيد أن تمنعنا من كثرة الشر ،وكد كانت في كثير
من األحيان تمغد الطريق لتأثيرات أكثربراعة ولطفًا.
ومع ذلك ،لن يكون كافيًا أن نفكر في هذه األمور مرارًا وتكرارًا ،وال أن
نقوم بنوع من التصميم على ترك خطايانا ،ما لم نحترص منها بحراسة
دائمة ،ونكون ساهرين باستمرارضدها .في بعض األحيان يستفيق العقل لكي
يرى العواقب المحزنة لحياة الشر ،ويقررفي الحال أن يصلحها؛ لكن لألسفإ
فهو يفغو وينام سريعًا ،ونفقد تلك النظرة التي كانت لدينا لألمور؛ وعندئذ
تستغل التجارب الفرصة ،فتغوينا وتلح علينا باستمرار ،وهكذا نثال في كثير
من األحيان قبولنا قبل أن نعي ذلك .من حمق ودمار معظم الناس أن يعيشوا
في مخاطرة ،ويشاركوا في كل شيء يأتي في طريقهم ،ونادرًا ما يفكرون فيما
سيقولونه أويفعلونه .لكن إن كنا نريد أن نجعل تصميمنا يأتي بنتيجة ،البد أن
نحذرفي طرقنا ،ونضع حارسًا على باب شفتينا ،ونمتحن التحركات التي تنشأ
في قلوبنا ،ونجعلها تخبرنا من أين تأتي وإلى أين تذهب؛ سواء كانت كبرياء أو
شهوة ،أو أي ميل فاسد وشرير يدفعنا ألي تخطيط ،وما إذ ا كان هذا سيجرح
٥٧
www.christianlib.com
الله أويضر أي إنسان .فإن لم يكن لديغا وقت لمناقشات كثيرة ،ليتنا على األقل
نحول عيوننا نحو الله ،ونضع أنفسنا في محضره ،لكي نطلب إذنه وموافقته
على ما نفعله .لينتا نعتبر أنفسنا تحت عين الجاللة اإللهية كاملة الرؤية ،كما
لو أننا وسط دائرة النهائية من النور ،تحيط بنا وتحاصرنا من خلف ومن
قدام ،وتخترق أعماق جوانب نفسنا .فالشعوربالحضوراإللهي وتذئره هو
أسرع الوسائل وأنجحها الكتشاف ما هوغيرمشروع ،وامتناعنا عنه .توجد
بعض األمور التي يمكن للشخص أن يغير فيها لتخفيفها أو للدفاع عدها ،ومع
ذلك فإنه ال يجرؤ أن يواجه بها الله القدير ،ويمضي قدمًا على الوغم من
المخاطر .إذا نظرنا إلى الله سنستنير؛ إن *جعلنا الرب أمامنا في كل حين،
سيعلمنا ويرشدنا الطريق التي نسلكها ،وينصحنا ،عينه علينا".
هذا االهتمام والسهر واليقظة على أفعالنا البد أن يتبعه تفكير متكرر
وجاد فيها ،ليس فقط لكي ننال الرحمة والغفران اإللهي لخطايانا ،باالعتراف
المتضع واآلسف بها؛ بل أيضًا لكي نتمكن من أن نعيد تصميمنا بقوة ،ونتعلم
أن نرفض أو نقاوم التجارب التي كانت تهزمنا من قبل .إنها نصيحة تليق
بالمسيحي ،رغم أنها جاءت في األساس من قلم وثني ،أننا قبل أن نلجأ إلى
الراحة ،علينا أن نواصل ونمتحن كل فقرات اليوم ،حتى نستريح لما فعلناه
حسنًا ،ونصلح ما رأينا أننا فعلناه بطريقة خاطئة ،ونجعل حطام يوم واحد
عالمات لتوجيه مسارنا في اليوم التالي .يمكن أن نطلق على هذا فن الحياة
التقوية ،ويمكنه أن يسهم بصورة رائعة في تقدم إصالحنا وإعادة تشكيلنا،
وفي حفظ طهارتنا .لكن باإلضافة إلى ذلك ،البد أال ننسى االستغاثة بالمعونة
اإللهية ،خاصة ضد تلك الخطايا التي تحيط بنا بسهولة :ورغم أنه من
المغترض أن قلوبنا لم نتشكل بعد بذلك المزطار الروحي الذي يجعل صلواتنا
مقبولة؛ إال أنه يبدو لي أن مثل هذه االعتبارات المقترحة لصدنا عن الخطية،
يمكن أيضًا أن تحثثا على نوع من الجدية الطبيعية ،وتجعل صلواتنا ضدها
٥٨
www.christianlib.com
الفصل الثالث
على األقل بمثل الجدية التي من المعتاد أن نواجه بها المصائب األخرى .بال
شك أن الله الذي يسمع صراخ الغربان ،سيهتم بمثل هذه التضرعات التي
تأتي من تلك العواطف الطبيعية التي زرعها هونفسه فينا .إلى جانب ذلك،
هذه الصلوات ضد الخطية ستكون تعهدات قوية على أنفسنا تحفزنا على
اليقظة واالهتمام؛ والبراعة العامة ستجعلنا نخجل من االرتداد إلى نفس تلك
األخطا ۶التي كحنا عليها مؤخرًا أمام الله ،والتي تضرعنا بشأنها هللبًا لمعونته.
٦٠
www.christianlib.com
الفصل الثالث
ال يمكن أن أشدد أكثر من ذلك على هذا الموضع؛ وال يوجد احتياج لهنا
عندما أتذكر إلى تن أكتب .نعم صديقي العزيز ،لقد اختبرن كثيرا حمق
وبطالن األمور البشرية ،ولديك في الوقت الحالي القليل من االرتباطات
الدنيوية مثل أي من األمور التي أعرفها .في بعض األحيان أتأمل في تلك
الفترات من حياتك التي سررت فيها بالنعرف إلي ،وبدا لي ،خالل كل ذلك،
أنني أستطيع تمييز خطة العناية اإللهية لغطام عواطفك من كل شي ه أدنى
٦١
www.christianlib.com
هنا .لقد علمتك التجارب التي كانت لك في تلك األمور التي يفرم بها العالم،
أن تحتقر هذه األمور؛ وقد وجدت بالتجربة أنه ال هبات الطبيعة ،وال مزايا
الثروة ،تكفي للسعادة؛ وأن كل وردة لها أشواكها ،وقد تكون هناك دودة في قلب
أفضل أنواع التربة؛ هناك نوع من الحزن الخفي وغير المدرك ،الذي يمكن
أن يجعل الشخص يستحق شفقة أولئك الذين ربما يعجبون به أو يحسدون
سعادته المغترضة .فإن كانت هناك تعزيات أرضية قد استحوذت على الكثير
جدًا من قلبك ،أعتقد أنها كانت عالقاتك وأصدقاءك؛ وأعز هؤالء لديك
ينتقلون من العالم ،بحيث أنك البد أن ترفع فكرك للسماء عندما تفكر فيهم.
وهكذا فقد دبر الله أن يتمكن قلبك من التحررمن العالم ،وأال يكون له منافس
في عواطفك ،والتي كنت أالحظ دائمًا أنها شديدة االتساع وغير محدودة،
وشديدة النبل والنزاهة ،بحيث ال يمكن لكائن أدنى أن يشبعها أويستحقها.
٦٢
www.christianlib.com
الفصل الثالث
( ١تيموثاوس )٨ :٤؛ لكن يبدو أنه ال يؤكد أنها غير نافعة على اإلطالق .من
الجيد دائمًا أن نفعل ما نستطيع ،ألنه عندئذ سيشفق الله على ضعفنا ،ويساعد
مجهوداتنا الواهنة؛ وعندما يأتي اإلحسان واالتضاع الحقيقي ،وغيرها من
نعم الروح اإللهي ،لكي تتأصل في نفوسنا ،فإنها ستمارس نفسها بحرية
أكبر ،وبصعوبة أقل ،إن كنا معتادين من قبل على التعبير عنها في أحاديثنا
الظاهرية .كما ال يجب أن نخاف من أن ينسب لنا الرياء؛ رغم أن أفعالنا
بدرجة ما تسبق عواطفنا ،إذ نرى أنها التزال تنبع من شعورنا بالواجب؛
وقصدنا في ذلك هو أال نظهر أفضل مما نحن عليه ،بل أن نصبح هكذا حقًا.
لكن حيث أن األفعال الداخلية لها تأثير مباشر أكثر على النفس،
لتشكيلها للطبع واإلطار السليم ،يجب أن نكون أكثر تكرارًا ومواظبة في
ممارستها .ليتتا نرفع قلوبنا كثيرًا نحو الله؛ وان لم نكن نقول أننا نحبه أكثر
من كل شيء ،فدعنا نعترف على األقل ،أن هذا هوواجبنا ،وستكون سعادتنا
أن نفعل ذلك .دعنا ننوح لإلهانة التي يوجهها له الحمقى واآلثمون ،ونثني
على المدح والتعبد الذي تعطيه إياه الرفقة المجيدة والمباركة في العلى .ليتنا
نسلم ونخضع أنفسنا له آالف المرات ،لكي تحكمنا قوانينه ،وننفق أنفسنا
لمسرته؛ ورغم أن قلوبنا العتيدة تتراجع وترفض ذلك ،دعنا نخبره بأننا
مقتنعون أن إرادته هي دائما عادلة وصالحة؛ وبالتالي ،نرغب في أن يصنع بنا
كل مايرضيه ،سواء رغبنافي ذلك أولم نرغب .وهكذا ،لكي نولدفينا*احسانًا
شامال نحو البشر ،البد أن نرغب كثيرًافي سعادتهم ،ونبارك كل إنسان نراه؛
وعندما نفعل أي شيء إلراحة البؤساء ،يمكن أن نتبعه برغبات جادة أن يعتني
الله بهم وينقذهم من كل آالمهم وضيقاتهم.
هكنا يجب أن ندرب أنفسنا على التقوى ،وعندما نوظف القوى التي لدينا،
يواصل وح الله بأن يرفع أعمال نفوسنا إلى ما يتجاوز مستوى الطبيعة،
ويعطيها انطباعًا إلهيًا .وبعد التكرار الكثير لهذه األمور ،ستجد أنفسنا أكثر
٦٣
www.christianlib.com
٦٤
www.christianlib.com
الفصل الثالث
وتتمكن من الوجود بدونه ،مثلما يتمكن الجسد من الوجود بدون الملدبس الني
نتخلص منها عندما نرغب .دعنا نسحب أفكارنا كثيرًا من هذه األرض؛
موقع الشقاء والحمق والخطية ،ونرفعها نحو ذلك العالم األكثر اشاعًا
ومجدًا ،الذي يتمتع فيه ساكنوه األبرار المباركون إلى األبد بالحضور
اإللهي ،وال يعرفون عواطف أخرى سوى الفرح الخالص والحب غير المحدود.
ثم دعنا نفكر كيف نزل ابن الله المبارك إلى هذا العالم األدنى لكي يعيش
وسطنا ،ويموت نيابة عنا ،لكي يأتي لنا بنصيب في نفس هذه السعادة؛ ونفكر
كيف تغئب على قسوة الموت ،وفتح ملكوت السموات لجميع المؤمنين ،وهويجلس
اآلن عن يمين العظمة في األعالي ،ومع نلك فهوال ينسانا ،بل يقبل صلواتنا،
ويقدمها إلى أبيه ،ويفتقد كنيسته كل يوم بتأثيرات روحه القدوس ،مثلما
تمدنا الشمس بأشعته.
كثيرًاعلى قلوبنًا ،إن لم تكن تمثل نوعًا من الكمال الحيوي .إندا نفهم أوندرك
نوعا من عظمة الفكر ،أو قوة الروح ،أو عذوبة الصفات؛ نوعا من الحيوية أو
الحكمة أو الصالح الذي يجذب أرواحنا ويستدعي محبتنا .هذه الكماالت ال
تكون ظاهرة للعين ،فالعبن ال تستطيع أن تميز سوى عالماتها وآثارها .فإن
كان الفهم هو الذي يوجه عواطفنا ،وتسود معه الكماالت الحيوية ،فاألكيد هو
أن كماالت الطبيعة اإللهية ( اآلثار التي ال يسعنا سوى أن نكتشفها في كل شيء
ننظره) ،لن تفشل في جذب قلوبنا ،إن رأيناها واهتممنا بها بجدية حثًا .أفال
يغمرنا فرح أكثر بصورة النهائية بتلك الحكمة والصالح القدير الذي يمأل
الكون ،ويكشف عن نفسه في كل نواحي الخليقة ،والذي يثبت إطار الطبيعة،
ويحول العجالت القديرة للعناية اإللهية ،ويحفظ العالم من الفوضى والدمار،
أكثر مما نفرح بأشعة باهتة لنفس تلك الكماالت التي نلتقي بها في رفاقنا
البشر؟ هل نغرم بنماذج مقدسة لصورة ساذجة وغير كاملة ،وال نتأثر أبدًا
بالجمال األصلي؛ هذا حمق وغمى ال يمكن تغسيره؛ أي شيء نراه جميآل في
صديق أو قديس ،يجب أال يستحوذ علينا ،بل أن يرفع عواطفنا :يجب أن
نستنتج في أنفسنا ،أنه إن كان هناك مثل هذه العذوبة في فطرة ماء ،البد أن
يكون هناك أكثرمنها بآل حدودفي الينبوع؛ وإن كان هناك مثل هذه الروعة
والبهاء في شعاع واحد ،فما بالك بالشمس في مجدها؟؛
لكن ال يمكن أن نزعم بعد موضع محبتنا ،كما لو أن الله أبعد بصورة
هائلة من أن نتحدث معه أونحبه .فهو,,ءن كل واحد منا ليس بعيدًا .ألننا به
نحيا ونتحرك ونوجد* ( أعمال ٠ ) ٢٧ : ١٧إننا ال نستطيع أن نفتح أعيننا ،لكننا
البد أن نرى بعض آثار من مجده؛ وال يمكننا أن نتحول تجاهه ،لكننا سنكون
متأكدين من أننا سنجد إصراره علينا واهتمامه بنا ،منتظرًا ،إن جاز التعبير،
أن يلقي نظرة ،مستعدًا للتمتع بأكثر شركة وتواصل حميمي معنا .لذلك دعنا
نجتهد لكي نرفع عقولنا إلى أوضح المفاهيم عن الطبيعة اإللهية .لينتا نفكر
٦٦
www.christianlib.com
الفصل الثالث
في كل ما تعلنه أعماله ،وما يكشفه لنا كالمه؛ وليتنا نتأمل بصفة خاصة في
نلك التمثيل المرئي له الذي أخذ طبيعتثا ،في ابنه ،الذي هور بهاء مجده ورسم
جوهره ا (عبرانيين ، )٣ : ١الذي ظهر في العالم لكي يكشف مباشرة من هو
الله ،وماذا يجب أن نكون .دعنا نستحضره في عقولنا كما نجده موصوفًا في
اإلنجيل ،وهناك سنرى كماالت الطبيعة اإللهية ،رغم أنها مغطاة بحجاب
الضعف البشري؛ وعندما نشكل في أنفسنا أوضح فكرة يمكننا تصورها عن
كائن الذهائيفي١لقدرة والحكمة والصالح ،الخالق واألساس لكل الكماالت،
ليتنا نثبت عيون نفوسنا عليها ،حتى يمكن لعيوننا أن تؤثر في قلوبنا —
وبينما نتفكر فيها بعمق ،ستشتعل النارن
خاصة إن أضفنا هنا اعتبار فضل الله وإحسانه وحسن نواياه تجاهنا ،ال
شيء يمكن أن يجذب عواطفنا أكثر من أن نكتشف أننا محبوبون .إن تعبيرات
اللطف دائمًا ما تكون محببة ومقبولة لدينا ،رغم أن الشخص الذي يقدمها
يمكن أن يكون حقيرًا ووضيعًا؛ لكن حصولنا على محبة شخص رائع بالكامل،
أن نعرف أن جالل مجد السماء يهتم بنا ،كم يجب أن يدهشنا هذا ويفرحنا،
وكم يجب أن يغلب على أرواحنا ،ويذيب قلوبنا ،ويشعل نفوسنا بأكملها بنيران
الحب؛ وكما أن كلمة الله مليئه بالتعبيرات عن محبته تجاه البشر ،هكذا أيضًا
كل أعماله تعلن ذلك بصوت عال .لقد أعطانا وجودنا ،وإذ يحفخلنا في هذا
الوجود ،يجدد هذه العطية كل لحظة .لقد وضعنا في عالم غني وئهيأ جيدًا،
ووفر بسخاء كل احتياجاتنا الضرورية .إنه يمطر علينا البركات من السماء،
ويجعل األرض ننتج مؤننا .إنه يعطينا طعامنا وثيابنا ،وبينما نقوم يإنفاق
نتاج عام واحد ،يجهز لنا لعام آخر .إنه يقلي حياتنا بتعزيات ال حصر لها،
ويشبع كل لملكاتنا بأمور مالئمة .عين عنايته اإللهية علينا دائمًا ،وهو يسهو
على سالمتنا عندما نكون نائمين ،ال ننتبه له وال ألنفسنا .لكن ،لئال نعتقد أن
هذه الشهادات .عن لطفه قليلة األهمية ،ألنها أمور سهلة بالنسبة لقوة قدرته
٦٧
www.christianlib.com
الكلية ،وال تكلفه أي تعب أومشقة ،اتخن وسيلة أخرى أكثرروعة ليحبب نفسه
إلينا :لقد برهن على محبته لنا ،باالحتمال كما بالعمل؛ وحيث أنه لم يكن
يستطيع أن يتألم في طبيعته الخاصة ،اتخن طبيعتنا ٠ابن الله األزلي ألبس
نفسه ضعفات جسدنا ،وترك رفقة تلك األرواح البارة المباركة التي كانت
تعرف جيدًا كيف تحبه وتعبده ،حتى يسكن بين البشر ،ويداع مع عناد
هذا الجنس المتمرد ،لكي يردهم إلى انتهائهم وسعادتهم ،ثم ليقدم نفسه
كذبيحة وكفارة ألجلهم .أذكر أحد الشعراء الذي كان لديه خيال *باع في
التعبير عن الحب الذي وجد نفسه مغمورًا به ،بعد مقاومة طويلة ،فقال :أن
إله الحب صؤب كل سهامه الذهبية نحوه ،لكنه لم يستطع أبدًا أن يصيب قلبه،
إلى أن قام في النهاية بوضع نفسه داخل القوس ،وأطلق نفسه مباشرة داخل
صدره .يبدو لي أن هذا يشير بدرجة ما إلى طريقة الئه في التعامل مع البشر.
لقد احتمل كثيرًا العالم العنيد ،وأغدق عليهم الكثير من بركاته؛ وعندما لم
تستطع كل عطاياه األخرى أن تقوى عليهم ،جعل من نفسه أخيرًا عطية لهم،
لكي يبوهن على حبه ويجتذب محبتهم .الرواية التي لدينا عن حياة مخلصنا
في اإلنجيل تعرض لنا في كل أنحائها قصة محبته :فكل اآلالم والمشقة التي
تعرض لها ،وكل المتاعب التي تحملها ،كانت الثمار الرائعة والبراهين الدامغة
على هذا الحب .لكن ،ياله من مشهد محزن ،هذا المشهد األخيرإ هل يمكن أن
نتنكر هذا المشهد ،ونتشكك في حنانه ،أو ننكر عليه حناننا؟ هذا هو ،هذا هو
يا صديقي العزيز ،المشهد الذي يجب أن نثبت عليه أكثر أفكارنا جدية وسموًا،
لم ليحل المسيح باإليمان في قلوبنا ونحن متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى
نستطيع أن ندرك مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو
ونعرف محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي نمتلي ء إلى كل ملء الله* (أفسس
.)١٩_١٧:٣
يجب علينا أيضًا أن نتأمل كثيرًا في تلك العالمات المميزة على النعمة
٦٨
www.christianlib.com
الفصل الثالث
إن وئدت هذه االءتبًاراتفي وقت من ١ألوقاتفي قلوبنا حبًا ومودة حقيقية
تجاه الله القدير ،فسوف يقودنا هذا بسهولة إلى فرع أخرى من الديانة؛
وبالتالي ،سأحتاج إلى قول القليل عنها.
٦٩
www.christianlib.com
تعلم كم نحن معتادون أن نهتم كثيرًا بأولئك الذين ينتمون بأي شكل إلى
شفعى نحبه؛ وكم بسرور ننتهز أية فرصة لكي نبعث السرورفي ابن أو خادم
أحد األصدقاء .لذلك فمن المؤكد أن محبنتا لله ستنتج بصورة طبيعية محبة
واحسانًا تجاه البشر ،إن فكرنا في االهتمام الذي يسر الله بأن بوليه لهم؛
واعتبرنا كل نفس أحب لديه من كل العالم المادي؛ وأنه لم يحسب دم ابنه ثمنا
أعظم من أن يدفعه ألجل فدائهم.
الفصل الثالث
سيكون من المؤثر للغاية لنفس هذا الفرض ،أن نرفع أفكارنا كثيرًا إلى
السماء ،ونستعرض في أفكارنا األفراح الموجودة عن يمين الله ،وتلك المتع التي
تدوم إلى األبد؛ ألن *كل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهر*
(ابوحنا .)٣ :٣إن كان وطننا السماوي في أفكارنا كثيرًا ،فإنه سيجعلنا
,غرباء ونزالء نمتنع عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس ١ ( ١بطرس
، ) ١ :٢ونحفظ أنفسنا بال دنس من العالم ،حتى يمكن أن نكون مؤهلين لمتع
وأفراح العالم اآلخر .لكن عندئذ البد أن نعمل على أال ثكون أفكارنا عن
السماء فاضحة وجسدانية ،وأال نتكل على تلك التشبيهات واالستعارات التي
تصؤر بها هذه المتع في بعض األحيان :ألن هذا ربما ينتج أثرًا مناقضًا لذلك
تمامًا .فيمكن أن يوقعنا هذا أكثر فأكثر في سرك الميول الجسدانية ،فنكون
مستعدين لالنغماس في أفكار مسبقة تحررية للغاية عن تلك المتع التي وضعنا
فيها سعادتنا األبدية .لكن عندما نصل في وقت من األوقات إلى فهم صحيح
لتلك المتع النقية والروحية؛ عندما تكون السعادة التي نفترضها ألنفسنا هي
من رؤية ومحبة الله والتلذذ به ،وتمتليء عقولنا بآمال وأفكار لما يمكن أن
يحدث في المستقبل في تلك الحالة المباركة؛ كم ستبدو في أعيننا كل األشياء
٧١
www.christianlib.com
الموجودة هنا في هذا العالم حقيرة ودنيئة د بأي ازدراء سوف نرفض الشهوات
الفاضحة القذرة ،التي يمكن أن تمنعنا من تلك المتع السماوية ،أو أي طرق
غير مالئمة نثغرنا منهاد
الفرع األخير من الديانة هو االتضاع ،ومن المؤكد أننا ال يمكن أبدًا أن
نفتقر إلى مادة للتفكير لكي نولد بها االتضاع .كل شرورنا ونقائصنا ،وكل
حماقاتنا وخطايانا ،قد تساعدنا على أن نقلل من ذلك الولع والزهو المفرط
بأنفسنا الذي نكون معرضين له .فالشيء الذي يجعل أي إنسان يقدزنا ،هو
معرفته أوإدراكه لنع من الخير القليل ،وجهله بقدر كبير من الشر ،الذي
يمكن أن يكون موجودًا فينا .فلوأنهم عرفونا تمامًا ،سيغيرون رأيهم سريعًا.
األفكار ,لتي كعبر على فلوبنا ،في أفضل وأكثر يوم جاد في حياتنا ،لو أنها
عرضت في العلن ،ستجعلنا إما كريهين أو سخفاء .واآلن ،مهما أخفينا
نقصاتنا عن أحدنا اآلخر ،فإننا بالتأكيد نكون واعين بها نحن أنفسنا،
وبعفن التأمالت الخاصة فيها سيؤهلنا كثيرًا ويقلل من غرور أرواحنا.
هكذا وصل األتقياء حقًا إلى التفكير بصورة سيئه في أنفسهم ،أكثر من أي
إنسان آخر في العالم :ليس ألنهم عرفوا أن الرذائل الفاحشة والغاضحة في
طبيعتهح ،أكثر بشاعة من مفاجآت اإلغراءات والضعف؛ بل ألنهم كانوا أكثر
اهتماما بإخفاقاتهم الخاصة مما بإخفاقات جيرانهم ،واهتموا بكل صفات
سيئة في أنفسهم ،وبكل شيء من المغترض أن يقلل ويخفف مما في اآلخرين.
لكن من المالحظ جيدًا بواسطة كاتب تقي ،أن أعمق وأنقى اتضاع ال ينشأ
كثيرا من التفكيرفي أخطاثنا ونقائصنا الخاصة ،مثلما ينشأ من التأمل
الهاديء والرزين في الطهارة والصالح اإللهي .وصماتنا ال تظهر أبدأ
بوضوح شديد ،مثلما تظهر عندما نضعها أمام هذا النور الالنهائي؛ وال نبدو
أقل في عيوننا الخاصة ،إال عندما ننظر من العاله ألسفل على أنفسنا .كم
تبدوضئيلة عندئذ ،كم تبدو كالشيء ،كل هذه الظالل للكمال ،التي نعتاد أن
٧٢
www.christianlib.com
الفصل الثالث
نقيم بها أنفسناإ ذلك االتضاع الذي يأتي من النظر إلى إثمنا وبؤسنا ،يكون
أكثر اضطرابًا وصخبًا؛ أما اآلخر ،فيضعنا في اتضاع كامل ،وال يتطلب شيائً
من ذلك األلم والضيق الذي تكون نفوسنا معرضة أن تتهيج به ،عندما يكونان
أقرب شيئين ألفكارنا.
إال أنه توجد وسيلة أخرى إلنشاء سلوك مقدس وتقوي في النفس ،وهو
الصالة القوية والمتقدة .القداسة هي هبة الله — في الواقع أنها أعظم هبة
يمنحنا إياها ،أونكون قادرين على قبولها؛ وهوقد وعد روحه القدوس ألولئك
الذين يطلبونه منه .في الصالة نحن نقوم بأفرب تعامالت مع الله ،ونكون
منفتحين لتأثيرات السماء؛ وعندئذ يزورنا شمس البر بأشعته المباشرة،
ويبدد ظلمتنا ،ويطبع صورته على نفوسنا .ال يمكنني أن أشدد أكثر من
ذلك على مزايا هذه الممارسة ،أو على الطريقة التي يجب أن تؤدى بها؛ وال
توجد حاجة ألن أقوم بذلك ،حيث أن هناك الكثير من الكتب التي تتعامل
مع هذا الموضوع .لكني سأخبرك فقط ،أنه كما يوجد نوع من الصالة التي
نستخدم فيها أصواتنا ،وهو األمر الضروري في العلن ،ويمكن أن يكين له
مزاياه الخاصة في السرفي بعض األحيان؛ ونوع آخر ،والذي رغم أنتاال ننطق
فيه بأي صوت ،إال أننا ندرك التعبيرات ،ونكون الكلمات ،كما يمكن أن نقول،
في عقولنا؛ هكنا يوجد نوع ثالث من الصالة ،أكثرسموًا ،والذي فيه تحنق
النفس في طيران أعلى ،وإذتستجمع كل قواهابالتأمل الطويل والجاد ،تقفز
(إن جازالقول) نحوالله بتنهدات وأنات وأفكارتفوق التعبير .حيث أنه ،بعد
تأمل عميق في الكماالت اإللهية التي تظهرفين كل أعمال الله العجيبة ،تخاطب
النفس ذاتها في أعمق عبادة لمجده وجالله :ألنها بعد التأمالت الحزينة في
وضاعتها واخفاقاتها ،عندما تسجد وتنبحلح أمامه في أعظم ارتباك وحزن،
وال تجرؤ أن ترفع عينيها ،أو ننطق بكلمة واحدة في محضره؛ أو بعد أن تفكر
جيدًافي جمال القداسة ،والفرح الذي الكطق به ألولئك األتقياه حقًا ،وتلهث
٧٣
www.christianlib.com
وراء الثه ،وترسل ألعلى تلك الرغبات القوية المشتعلة التي ال يمكن لكلمات أن
تعبر عنها بما يكفي ،فإنها تواصل وثكرر كأل من هذه األعمال ،طالما وجدت
نفسها مرفوعة بقوة ودافع ذلك التأمل السابق.
وهكذا ،صديقي العزيز ،لقد اقترحت بإيجاز الوسيلة التي أعتقد أنها
مالئمة لتشكيل النفس بالطبع المقدس؛ ونفس الوسيلة التي تعمل على إنتاج
هذا الطبع المقدس ،البد من ممارستها لتقويته وتقدمه أيضا :لذلك سأنصح
بشيء واحد آخر لهذا الفرض ،وهو االستخدام المتكرر وبصورة صحيحة
ضميريًا للعشاء الرباني المقدس ،ئ لمعين خصيصًا لتفذية ونمو الحياة
الروحية ،عندما تبدأ في النفس .كل أدوات الديانة تلتقي معًا في هذا السر
المقدس؛ وبينما نقترب؛اليه فإننا نضع كل القواعد التي نكرناها من قبل موضع
٧٤
www.christianlib.com
الفصل الثالث
الممارسة .عندئذ نقوم بأقسى فحص ألفعالنا ،ونضع أصعب االلتزامات على
أنفسنا؛ عندئذ ترتفع عقولنا إلى أعلى ازدراء للعالم ،وتمارس كل نعمة نفسها
بأعظم فاعلية وقوة .تظهرهنا كل موضوعات التامل بأعظم فائدة .وعندئذ،
تقوم النفس بأقوى اندفاعات لها نحو السماء ،وتنقخن عليها بقوة مقدسة
ومقبولة .ومن المؤكد أن تجاهل هذا األمر أو أدائه بدون اهتمام هو واحد
من األسباب الرئيسية التي تعوق نموديانتثا ،وتجعلنا نستمر في حجم ضئيل
للغاية.
حان الوقت اآلن لكي أنهي هذا الخطاب ،والذي طال أكثر جدًا مما كنت
أنوي في البداية .إن كان يمكن لهذه األوراق الضعيفة أن تقدم لك أقل خدمة،
سأعتبر نغسي شديد السعادة في هذه المهمة .آمل على األقل أن نقبل يلطف
االجتهادات المخلصة لشخص يسدد بسرور جزءًا مما هومدين لك به.
صالة
واآلن ،أيها اإلله عخليم الرحمة ،أيها اآلب ومنبع النعمة والصالح ،الذي
باركنا بمعرفة سعادتنا ،وبالطريق الذي يقودنا إليهاإ إضرم في نفوسنا مثل
هذه الرغبات المتقدة التي تقود الواحدة منها إلى سعينا الدؤوب نحو األخرى.
دعنا ال نتكل على قدرتنا الخاصة ،وال نشك في معونتك اإللهية .لكن بينما
نقوم بأقصى اجتهاداتنا ،عدمنا رغم ذلك أن نتكل عليك ألجل النجاح .افتح
عيوننا ،يا الله ،وعلمنا من شريعتك .باركنا بإدراك قوي وحساس لواجبنا،
وبمعرفة لتمييز األمور المنحرفة .ليت طرقنا توحه لحغظ فرائضك ،عندئذ
ال نخزى إذ نراعي كل وصاياك .تمئك على قلوبنا يتربع كريم ومقدس عن كذ
تلك المتع البائسة التي يعوضها العالم أمامنا ليغوينا ،حتى ال نتمكن أبدًا من
تضليل عواطفنا ،أوإغرائنا بأية خطية .حول عيوننا عن النظر إلى الباطل،
وأحينا بشريعتك .امأل نفوسنا بمثل هذا االدارك العميق ،واالقثاع الكامل
www.christianlib.com
بتلك الحقائق العظيمة التي كشفتها في اإلنجيل ،حتى تؤثر في أحاديثثا كلها
وتضبطها؛ حتى نحيا حياتنا اآلن في الجسد ،باإليمان بابن الله .ليت لتلك
الكماالت الالنهائية لعلبيعتك المباركة ،والتعبيرات المذهلة عن صالحك
وحبك ،أن تغلب على قلوبنا وتهيمن عليها ،حتى ترتفع باستمرار نحوك في
نيران العواطف المكرسة ،وتسع في محبة ملتهبة مخلصة تجاه كل العالم ألجل
خاطرك؛ وحتى يمكن أن نطهر أنفسنا من كل دنس الجسد والروح ،ونكئل
القداسة في خوفلف ،والتي بدونها ال نقدر أبدًا أن نأمل في رؤيتك واالستمتاع
بك .أخيرًا يا إلهي ،امنحنا أن يجعلنا تفكيرنا فيمن أنت ،وفيمن نحن ،أن
نتضع وننبطح أمامك ،وأيضًا أن يثير فينا أقوى وأكثر الطموحات اشتعاال
تجاهك .إننا نرغب في أن نسلم أنفسنا إليك ونستسلم لقيادة روحك القدوس؛
فقدنا في حقك ،وعلمنا ،ألنك أنت إله خالصنا .أرشدنا بمشورتك ،وفيما بعد
اقبلنا في مجدك ،ألجل استحقاقات وشفاعة ابنك المبارك مخلصنا .آمين.
٧٦
www.christianlib.com
البد أن يكون مقالنا التالي هو أن نفطم عواطفنا
عز األمور المخلوقة ،وعز كل مسرات ومتع الحياة
الدنيا ،التي تدمر ونخزن نفوس البشر ،وتؤخر
مركاتهم نحو الله والسماء :البد أن نفعل هذا بأن
لقتلك عقولنا قناعة عميقة بزيف وحمق المتع ٠
،11؛>011ء٠٢ $ا٦األار الدنيوية .هذا موضوع معتاد ،وبوكز لكل انسان أن
يلقي خطبا عنه؛ لكز لألسف ة قليلون هم الذين يدركون أو
يصدقون ما يقولونه إ هذه األفكار تطفو على عقولنا وتنزلق علي ألسنتنا،
لكنها ال تنطبع بعمق في ٠أرواحنا .فنعز ال نشعربالحق الذي نتظاهر أننا نؤمز
األفكار التي تعبر عدى قلوبنا ،في ٠أفضل وأكثر يوم جاد في حياتنا ،لو أنهأ
عرضت في العلز ،ستجعلنا اما كريهين أو سفف ء ٠واألئ ،مهما أخفينا نقصاتنا
عئ أحدنا األخر ،فاننا بالتاكيد نكون واعين بها نحز أنفسنا ،وبعض التأمالت
الخاصة فيها سيؤهلنا كثيرا ويقلل مز غرور أرواحنا.
هكذا يوجد نوع ثالت مز الصالة ،اكثر سموا ،واللذي فيه نحلق النفس في
طبران أعلى ،واذ تستجمع كل قواها بالتامل الطويل والجاد ،تقفز (ان جاز
القول) نحو الله بتنهدات وأنات وأفكارتفوق التعبير .حيث أنه ،بعد تامل
عميق في الكماالت االلهية التي تخلهرفي كل أعمال الله العجيبة ،تخاطب النفس
ذاتها في أعمق عبادة لمجده وجالله ،ألنها بعد التامالت الحزيذةفيوضاعتها
واخفاقاتها ،عندما تسجد وتنبطج أمامه في أعظم ارتباك وحزن ،والنجرؤ أن
ترفع عينيها ،أو تنطق بكلمة واحدة في ٠محضره.
________
حياة الله فى دعس االنسان