Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 263

‫علم االجتماع السياسي‬

‫تأليف‬

‫األستاذ الدكتور‪ /‬إحسان محمد الحسن‬

‫دكتوراه علوم في علم االجتماع من جامعة لندن بدرجة امتياز‬

‫حائز على جائزة نوبل في العلوم االجتماعية‬

‫أستاذ علم االجتماع في كلية اآلداب بجامعة بغداد‬

‫دار وائل للنشر‬

‫الطبعة الرابعة‬

‫‪2013‬‬

‫‪1‬‬
‫المحتويات‬

‫املوضوع‬
‫املقدمة‬
‫الفصل األول‬
‫نشوء وتطور علم االجتماع السياسي‬
‫مفهوم علم االجتماع السياسي‬
‫جمال علم االجتماع السياسي‬
‫منهجية علم االجتماع السياسي‬
‫الطريقة التارخيية‬
‫طريقة املقارنة‬
‫طريقة املالحظة باملشاركة‬
‫طريقة املسح امليداين‬
‫هوامش ومصادر الفصل األول‬
‫الفصل الثاين‬
‫عالقة علم االجتماع السياسي بعلم االجتماع والعلوم السياسية‬
‫عالقة علم االجتماع السياسي بعلم االجتماع‬
‫عالقة علم االجتماع السياسي بالعلوم السياسية‬
‫هوامش ومصادر الفصل الثاين‬
‫الفصل الثالث‬
‫البىن والنظم االجتماعية والسياسية‬
‫البنية االجتماعية‬
‫حتليل البنية السياسية‬
‫الوظائف األجتماعية‬
‫هوامش ومصادر الفصل الثالث‬
‫الفصل الرابع‬
‫تاريخ علم االجتماع السياسي‬

‫‪2‬‬
‫هوامش ومصادر الفصل الرابع‬
‫الفصل اخلامس‬
‫الفكر االجتماعي والسياسي عند نيقوال ميكافيلي‬
‫أوًال ‪ -‬تاريخ حياته وأعماله العلمية‬
‫ثانيًا ‪ -‬طبيعة النفس البشرية كما يراها ميكافيلي‬
‫ثالثًا ‪ -‬سيل تطبيع النفس البشرية يف فكر ميكافيلي‬
‫رابعًا ‪ -‬أصل نشوء اجملتمع البشري عند ميكافيلي‬
‫خامسًا ‪ -‬عدالة احلاكم مع الرعية يف فكر ميكافيلي‬
‫سادسًا ‪ -‬الدميقراطية والدكتاتورية يف فكر ميكافيلي‬
‫سابعًا – الغاية والواسطة كما يفسرها ميكافيلي‬
‫ثامنًا – موازنة القوى واستقرار الدولة يف فكر ميكافيلي‬
‫هوامش ومصادر الفصل اخلامس‬
‫الفصل السادس‬
‫السلوك السياسي‬
‫مفهوم السلوك السياسي‬
‫الرأي العام واملواقف السياسية‬
‫العوامل املؤثرة يف تكوين اآلراء واملواقف السياسية‬
‫العوامل الذاتية‬
‫العوامل املرجعية‬
‫أثر الطبقة االجتماعية‬
‫عامل القيادة‬
‫وسائل اإلعالم اجلماهريية مع إشارة خاصة للتلفزيون‬
‫العوامل املؤثرة يف تغيري السلوك السياسي‬
‫هوامش ومصادر الفصل السادس‬
‫الفصل السابع‬
‫السلطة السياسية والنظم السياسية‬

‫‪3‬‬
‫ظاهرة السلطة‬
‫الدولة واجملتمع‬
‫صفات الدولة‬
‫وظائف الدولة للمجتمع‬
‫وظائف اجملتمع للدولة‬
‫شرعية السلطة ومربراهتا‬
‫املربرات اليت تستند على الدين‬
‫املربرات اليت تستند على العادات واألعراف االجتماعية‬
‫املربرات الدستورية والعقالنية‬
‫املربرات الكرزماتيكية‬
‫مربرات املصلحة العامة والصاحل العام‬
‫أنواع الدول والسلطات السياسية‬
‫هوامش ومصادر الفصل السابع‬
‫الفصل الثامن‬
‫األحزاب السياسية‬
‫املفهوم العلمي لألحزاب السياسية‬
‫املفهوم املاركسي للحزب (مفهوم ماركس ولينني)‬
‫املفهوم الربجوازي للحزب‬
‫املفهوم البعثي للحزب‬
‫وظائف األحزاب السياسية‬
‫اخللفية االجتماعية والطيقية لألحزاب السياسية‬
‫أثر األحزاب السياسية يف تكوين الرأي العام‬
‫هوامش ومصادر الفصل الثامن‬
‫الفصل التاسع‬
‫مجاعات الضغط‬
‫مفهوم مجاعات الضغط‬

‫‪4‬‬
‫كيف تعمل مجاعات الضغط‬
‫االتصال املباشر باحلكومة‬
‫التأثري يف أعضاء اجمللس‬
‫مجاعات الضغط واألحزاب السياسية والرأي العام‬
‫فوائد ومضار مجاعات الضغط‬
‫مجاعات الضغط يف اجملتمع العريب‬
‫هوامش ومصادر الفصل التاسع‬
‫الفصل العاشر‬
‫مجاعات الضغط الصهيونية يف أمريكا واإلمعان يف معاداة العراق‬
‫أ‪ -‬مفهوم مجاعة الضغط وحتديد أنواعها‬
‫ب‪ -‬طبيعة مجاعة الضغط الصهيونية وكيف تعمل‬
‫ج‪ -‬دور مجاعة الضغط الصهيونية يف العدوان الثالثيين الغادر على العراق‬
‫د‪ -‬دور مجاعة الضغط الصهيونية يف فرض احلصار االقتصادي على العراق وإطالة مدته‬
‫ه‪ -‬اخلامتة‬
‫هوامش ومصادر الفصل العاشر‬
‫الفصل احلادي عشر‬
‫القيادة‬
‫احلكم والقادة‬
‫ماهية وطبيعة القيادة‬
‫كيف تشخص القائد؟‬
‫األزمات والكوارث وظهور القيادات‬
‫صفات القائد‬
‫‪ -١‬الشخصية املتميزة‬
‫‪ -۲‬قوة اإلرادة‬
‫‪ -٣‬التضحية يف سبيل الغري‬
‫قابلية القائد على التفاعل مع اجلماعة‬

‫‪5‬‬
‫تواضع القائد‬
‫قابلية القائد على التكيف مع األفراد واجلماعات واملناسبات‬
‫وظائف القائد‬
‫الواجبات التنفيذية‬
‫الواجبات التخطيطية‬
‫الواجبات الفنية‬
‫الواجبات الفكرية واالديولوجية‬
‫أنواع القيادات‬
‫القيادة الديكتاتورية‬
‫القيادة الدميقراطية‬
‫الفوارق األساسية بني مفاهيم احلاكم والقائد والزعيم والرئيس‬
‫هوامش ومصادر الفصل احلادي عشر‬
‫الفصل الثاين عشر‬
‫التنشئة السياسية وقنواهتا الفكرية والرتبوية‬
‫قنوات التنشئة السياسية‬
‫املؤسسات الثقافية والرتبوية‬
‫وسائل اإلعالم اجلماهريية‬
‫العاتلة‬
‫املنظمات املهنية والشعبية‬
‫هوامش ومصادر الفصل الثاين عشر‬
‫مصادر الكتاب العربية‬
‫مصادر الكتاب األجنبية‬
‫ترمجة املص††طلحات املس††تعملة يف علم االجتم††اع السياس††ي من اللغ††ة اإلنكليزي††ة إىل اللغ††ة‬
‫العربية‬

‫‪6‬‬
‫المقدمة‬

‫تفتق ††د املكتب ††ة العربي ††ة الكتب ومؤلف ††ات ودراس ††ات وأحباث علم االجتم ††اع بص ††ورة عام ††ة وعلم االجتم ††اع‬
‫السياسي بصورة خاصة بالرغم من ظهور العلم األخ†ري وش†يوعه وانتش†ار مواض††يعه األكادميي†ة والتطبيقي†ة يف‬
‫أغلب بل††دان الع††امل املتحض††ر من††ذ ف††رتة األربعين††ات من ه††ذا الق††رن‪ .‬اال ان هن††اك مص††ادرة أجنبي††ة وعربي††ة عن‬
‫املوض † ††وع يف بعض مكتب † ††ات القط † ††ر لكن مجيعه † ††ا ال يص † ††لح للت † ††دريس يف الع † ††راق خصوص † †ًا يف كلي † ††ات‬
‫وجامعات القطر نظرًا لسيطرة األفكار واملفاهيم الدخيلة والغريبة عليه†ا وابتعاده†ا عن حقيق†ة الواق†ع الع†ريب‬
‫وتناقض † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ها م † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ع طبيع † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ة االجتم † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اع‬
‫السياسي الذي ينطبق مع املرحلة احلضارية التارخيية اليت مير هبا اجملتمع العريب‪.‬‬

‫كم ††ا أن ه ††ذه الكتب واملؤلف ††ات ال تش ††بع رغبتن ††ا يف معرف ††ة القض ††ايا االجتماعي ††ة والسياس ††ية للمجتمع ††ات‬
‫األجنبية معرفة حقيقية تبتعد عن التحيز والتعصب واملوضوعية ‪.‬‬

‫أن الواقع االجتماعي والسياسي العريب مل ي†درس دراس†ة علمي†ة وموض†وعية احلد اآلن وان املص†ادر األجنبي†ة‬
‫لعلم االجتم ††اع السياس ††ي ال حتت ††وي على احلق ††ائق واملعلوم ††ات الواقعي ††ة عن النظم االجتماعي ††ة والسياس ††ية‬
‫للمجتمعات اليت ينتمي إليها كتاب ومؤلفو هذه املصادر بسبب حتيزهم وتعصبهم لالنظمة االجتماعية اليت‬
‫يعيشون فيها ووقوفهم ضد األنظمة األخرى يف العامل ‪.‬‬

‫وعلم االجتم † ††اع السياس † ††ي ال † ††ذي ندرس † ††ه يف ال † ††وطن الع † ††ريب ينبغي أن يك † ††ون جمردا عن اختاذ املواق † ††ف‬
‫االديولوجي ††ة املؤي ††دة للق ††وى السياس ††ية العظمى املتص ††ارعة يف الع ††امل ب ††ل ينبغي أن يتخ ††ذ املواق ††ف السياس ††ية‬
‫واالجتماعي††ة املناص††رة لألفك††ار واملف††اهيم والنظري††ات الوطني††ة والقومي††ة واإلنس††انية ال††يت يتبناه††ا الفك††ر الع††ريب‬
‫والنضال العريب ضد التخلف والرتاجع والضياع ‪.‬‬

‫فدراس††تنا لعلم االجتم††اع السياس††ي جيب أن تس††تنبط من طبيع††ة األفك††ار والقيم واملمارس††ات ال††يت تع††رب خ††ري‬
‫تعبري عن الواقع االجتماعي والسياسي العريب بكل إجيابياته وسلبياته‪ .‬لذا هتتم هذه الدراسة بوصف وحتليل‬
‫هذا الواقع بأسلوب يتميز بالعمق واملوضوعية والعلمية‪ ،‬ويف نفس الوقت حتاول معاجلة مش†كالته ومعوقات†ه‬
‫معاجلة جذرية مستوحاة من خصوصية ومعطيات وأهداف األمة العربية اجمليدة وتارخيها املشرق ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وعن††دما ال يوج††د يف ال††وقت احلاض††ر كت††اب أو مص††در ي††درس علم االجتم††اع السياس††ي بالطريق††ة ال††يت ن††ود‬
‫انتهاجها يف تدريس هذه املادة التفتنا إىل هذه احلقيقة وبادرن††ا بت††أليف كت††اب علمي يف االجتم††اع السياس††ي‬
‫يفي ب ††الغرض املطل ††وب أي كت ††اب ي ††درس االديولوجي ††ات االجتماعي ††ة والسياس ††ية يف الع ††امل دراس ††ة حماي ††دة‬
‫وعلمي ††ة وحيل ††ل الب ††ىن االجتماعي ††ة والسياس ††ية للمجتم ††ع الع ††ريب حتليال علمي ††ا يس ††تهدف رب ††ط االديولوجي ††ة‬
‫بالتكتي††ك واالس††رتاتيجية ربط†ًا علمي†ًا ج††دليًا وتش††خيص مش††كالت اجملتم††ع السياس††ي والقض††اء على أساس††ها‬
‫وظواهرها لكي يستطيع اجملتمع العريب إحراز درجات متقدمة يف التنمية والتحديث الشامل ‪.‬‬

‫وق† ††د اعتم† ††د املؤل† ††ف يف دراس† ††ته ه† ††ذه على جتارب وخ† ††رب الع† ††راق وال† ††وطن الع† ††ريب يف أص† ††عدة التح† ††والت‬
‫االجتماعية والسياسية اليت حتققت منذ منتصف القرن العشرين ‪.‬‬

‫أن الكت††اب يتك††ون من إثن††ا عش††ر فص †ًال يكم††ل الواح††د اآلخ††ر‪ .‬وه††ذه الفص††ول تك††ون املادة املنهجي††ة لعلم‬
‫االجتماع السياسي وترسم أبعاده األكادميية والتطبيقية وحتدد جماالته وأهدافه اجلوهرية ‪.‬‬

‫إن الفص ††ل األول من الكت ††اب ي ††درس ماهي ††ة ونش ††وء تط ††ور ومنهجي ††ة وأه ††داف علم االجتم ††اع السياس ††ي‪،‬‬
‫والفصل الثاين يهتم بعالقة علم االجتماع السياسي بعلم االجتماع والعلوم السياس†ية والعوام†ل ال†يت مه†دت‬
‫لظه††وره وتط††وره‪ .‬بينم††ا ي††دور الفص††ل الث††الث ح††ول دراس††ة البي††ئي والنظم االجتماعي††ة والسياس††ية‪ .‬والفص††ل‬
‫الراب ††ع يهتم بدراس ††ة ت ††اريخ علم االجتم ††اع السياس ††ي‪ .‬أم ††ا الفص ††ل اخلامس في ††درس اإلض ††افات ال ††يت ق ††دمها‬
‫ميكافيلي لتطور علم االجتماع السياس†ي‪ .‬بينم†ا ي†درس الفص†ل الس†ادس من الكت†اب الس†لوك السياس†ي‪ ،‬يف‬
‫حني يدرس الفصل السابع السلطة السياسية والنظم السياسية وشرعية السلطة وم††ربرات ش†رعيتها وأنواعه††ا‬
‫وعالقتها بالنظم السياسية خصوصا الدولة والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬والفصل الث†امن يهتم‬
‫ب ††األحزاب السياس ††ية من حيث مفهومه† ††ا وأنواعه† ††ا ووظائفه† ††ا وخلفياهتا االجتماعي ††ة والطبقي ††ة وأثره ††ا يف‬
‫تكوين الرأي العام‪ ،‬والفصل التاسع يهتم بدراسة مجاعات الضغط‪ .‬أم†ا الفص†ل العاش†ر من الكت†اب في†درس‬
‫مجاعة الضغط الصهيونية يف أمريكا واإلمعان يف معاداة العراق‪ .‬بينم†ا ي†درس الفص†ل احلادي عش†ر موض†وع‬
‫القيادة وصفاهتا ووظائفها وأنواعها‪ .‬والفصل الثاين عشر واألخري ي†درس التنش†ئة السياس†ية وقنواهتا الفكري†ة‬
‫والرتبوية‪ ،‬وأخريا هناك مصطلحات علم االجتماع السياسي املرتمجة إىل اإلنكليزية ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أمل أن يكون هذا الكتاب بفصوله املتكاملة مفيدا لطلبة العلم على اختالف مس††توياهتم الدراس††ية وآم††ل أن‬
‫أكون قد وفقت يف هذا اجلهد املتواضع‪ ،‬واهلل هو املوفق وبه نستعني ‪.‬‬

‫المؤلف‬

‫األستاذ الدكتور إحسان محمد الحسن‬

‫قسم االجتماع ‪ -‬كلية اآلداب‬

‫جامعة بغداد‬

‫‪9‬‬
‫الفصل األول‬

‫نشوء وتطور علم االجتماع السياسي‬

‫مفهوم علم االجتماع السياسي‬

‫مل يظه ††ر علم االجتم ††اع السياس ††ي كعلم مس ††تقل عن حق ††ل االجتم ††اع وحق ††ل العل ††وم السياس ††ية اال خالل‬
‫األربعين††ات من ه††ذا الق††رن وذل††ك حلاج††ة اجملتم††ع إلي††ه بع††د اختالط الظ††واهر االجتماعي††ة ب††الظواهر السياس††ية‬
‫وتعق† ††د أس† ††باب احلوادث السياس† ††ية واآلث† ††ار ال† ††يت ترتكه† ††ا ه† ††ذه احلوادث على اإلنس† ††ان واجملتم† ††ع‪ ،‬أن علم‬
‫االجتم † ††اع السياس † ††ي ي † ††درس الظ † ††واهر السياس † ††ية دراس † ††ة تعتم † ††د على خلفي † ††ة البن † ††اء االجتم † ††اعي طاملا أن‬
‫املؤسسات السياسية هي جزء من املؤسسات االجتماعية البنيوية وان الفعاليات والنشاطات السياسية ت††رتك‬
‫آثارها الفاعلة والعميقة على مجيع مؤسسات ومنظم†ات اجملتم†ع حبيث تتغ††ري ه††ذه من منط آلخ†ر خالل ف†رتة‬
‫زمنية حمددة‪ .‬إذن ظهر علم االجتم†اع السياس†ي لدراس†ة الظ†روف واملتغ†ريات االجتماعي†ة ال†يت ت†ؤثر بص†ورة‬
‫مباشرة أو غري مباشرة يف احلوادث والظواهر السياسية ال†يت تأخ†ذ مكاهنا يف اجملتم†ع‪ ،‬ولتعلي†ل وتفس†ري نت†ائج‬
‫احلوادث السياسية على التفاعالت االجتماعية واألمناط السلوكية يف اجملتمع‪ .‬إض††افة إىل أمهيت††ه وقدرت††ه على‬
‫تنب ††ؤ احلوادث والظ ††واهر السياس ††ية ال ††يت س ††تقع يف اجملتم ††ع من خالل دراس ††ته وفحص ††ه للمتغ ††ريات واحلق ††ائق‬
‫االجتماعي ††ة املتعلق ††ة بالنظ ††ام االجتم ††اعي ومكونات ††ه البنيوي ††ة‪ .‬أخ ††ريًا ت ††ربز أمهي ††ة علم االجتم ††اع السياس ††ي يف‬
‫حقيق ††ة تشخيص ††ه األس ††باب املباش ††رة وغ ††ري املباش ††رة ال ††يت تكمن خل ††ف فاعلي ††ة ودميوم ††ة ونش ††اط املؤسس ††ات‬
‫السياس††ية وم††ا تتوص††ل إلي††ه ه††ذه املؤسس††ات من أحك††ام وق††رارات حتدد العم††ل السياس††ي يف اجملتم††ع وترس††م‬
‫إطاره اخلارجي وتضع فحواه اجلوهري ‪.‬‬

‫أن هن††اك تعاريف †ًا كث††رية لعلم االجتم††اع السياس††ي أمهه ††ا حس††ب اعتق ††ادي التعري††ف ال††ذي ينص ‪ :‬على أن††ه‬
‫العلم الذي يدرس طبيعة التفاعل العلمي والدايلكتيكي بني الدولة واجملتمع(‪ .)‬أي ي††درس الفع††ل ورد الفع††ل‬
‫والتج††ارب املنطقي بني أجه††زة اجملتم††ع من جه††ة ومؤسس††ات الدول††ة من جه††ة أخ††رى‪ .‬فمؤسس††ات الدول††ة‬

‫‪‬‬
‫أرجع إلى الفصل السادس لمعرفة تحليل العالقة بين الدولة والمجتمع‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫بأنواعها املختلف†ة إض†افة إىل األح†زاب السياس†ية واجلماع†ات الض†اغطة واإلديولوجي†ات السياس†ية ال†يت تظه†ر‬
‫يف اجملتمع هلا عالقة وثيقة باجملتمع الذي توجد فيه وتتفاعل معه‪ ،‬وهذه العالقة تتجسد بالوظائف اليت تق††وم‬
‫هبا املؤسسات السياسية للمجتمع من حيث إدارت†ه وحكم†ه والس†يطرة علي†ه وتوجي†ه فعاليات†ه ومنوه وتط†وره‬
‫يف خ ††ط معني ‪.‬فل ††وال وج ††ود اجملتم ††ع ملا ظه ††رت الدول ††ة وملا ظه ††رت املؤسس ††ات واالديولوجي ††ات السياس ††ية‬
‫بأنواعه ††ا املختلف ††ة‪ .‬أن الدول ††ة م ††ع بقي ††ة التنظيم ††ات السياس ††ية الرمسية وغ ††ري الرمسية ختدم اجملتم ††ع يف جماالت‬
‫خمتلفة وتعمل جاهدة يف أغلب احلاالت على إشباع حاجاته وحتقيق طموحاته القريبة والبعيدة األم††د‪ .‬ومن‬
‫جه ††ة ثاني ††ة ال ميكن للمؤسس ††ات السياس ††ية العم ††ل والدميوم ††ة والنم ††و دون تع ††اون وتك ††اتف اجملتم ††ع معه ††ا‪.‬‬
‫فاملؤسس††ات السياس††ية الدميقراطي††ة تنبعث من اجملتم††ع وتعم††ل جاه ††دة على خدمت††ه وتقدم ††ه وس††عادته‪ ،‬وأهنا‬
‫ج†زء من البن†اء االجتم†اعي حيث أن التغي†ري ال†ذي يط†رأ على األخ†ري الب†د أن ميس ه††ذه املؤسس†ات ويغريه††ا‬
‫يف اجتاه معني‪ .‬كم††ا ان تع††اون الش††عب م††ع املؤسس††ات السياس††ية من حيث إطاع††ة وتنفي††ذ أوامره††ا وقوانينه††ا‬
‫ومبادرت†ه بتزوي†دها بالك†ادر البش†ري ال†ذي حتتاج†ه سيس†اعد على جناحه†ا وتق†دمها ويش†حذ مهم قادهتا على‬
‫العمل اجلدي املثمر يف سبيل خدمة اجملتمع وحتقيق أهدافه القريبة والبعيدة األمد‪.‬‬

‫وهن††اك تعري††ف آخ††ر لعلم االجتم††اع السياس††ي ينص على أن††ه العلم ال††ذي ي††درس طبيع††ة الظ††روف والعوام††ل‬
‫االجتماعي††ة ال††يت ت††ؤثر يف جمرى األح††داث السياس††ية يف اجملتم††ع‪ ،‬وي††درس ك††ذلك أث††ر األح††داث السياس††ية يف‬
‫البنية االجتماعي†ة ومكوناهتا الرتكيبي†ة(‪ .)1‬أن علم االجتم†اع السياس†ي مبوجب ه†ذا التعري†ف ي†درس العوام†ل‬
‫واملتغريات االجتماعية كاملتغريات االقتصادية والدينية والقيمية والعسكرية واالديولوجية والرتاثية ال†يت تق††ف‬
‫خل ††ف األح ††داث والق ††رارات السياس ††ية ال ††يت تتوص ††ل اليه ††ا القي ††ادة يف اجملتم ††ع‪ .‬أن علم االجتم ††اع السياس ††ي‬
‫حياول تش † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††خيص األس † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††باب‬
‫والظ† ††واهر االجتماعي† ††ة املختلف† ††ة ال† ††يت تكمن وراء األح† ††داث والوق† ††ائع السياس† ††ية ك† ††الثورات واالنقالب† ††ات‬
‫العسكرية واملظاهرات واملس†ريات االحتجاجي†ة ذات املض†مون السياس†ي واحلروب واملعاه†دات واالتفاقي†ات‬
‫وال††ربتوكوالت وح††وادث العن††ف السياس††ي‪ ...‬اخل‪ .‬فل††و أخ††ذنا ث††ورة الراب††ع عش††ر من متوز لع††ام ‪ 1958‬ال††يت‬
‫ق††امت هبا الق††وات املس††لحة الباس††لة ودرس††نا أس††باهبا االجتماعي††ة واحلض††ارية املباش††رة وغ††ري املباش††رة لش††اهدنا‬

‫‪11‬‬
‫بأن هناك أسبابًا اجتماعية وحضارية كثرية تكمن خل†ف ان†دالع ئ†ريان ه†ذه الث†ورة الوطني†ة وه†ذه األس†باب‬
‫ميكن تلخيصها بالنقاط التالية ‪:‬‬

‫خيب ††ة األم ††ل والت ††داعي السياس ††ي واالجتم ††اعي والس ††يكولوجي ال ††ذي أص ††اب األم ††ة العربي ††ة بع ††د‬ ‫‪-1‬‬
‫الع ††دوان الثالثي على مص ††ر ع ††ام ‪ .1956‬ف ††الثورة ج ††اءت لتض ††ع ح ††دًا هلذا االنكس ††ار والت ††داعي‬
‫وتعيد ثقة األم†ة العربي†ة بنفس†ها وق†دراهتا املادي†ة والبش†رية وت†دفع الع†رب حنو الوح†دة ومجع الش†مل‬
‫للوقوف بوجه التحديات اخلارجية ‪.‬‬
‫اخنفاض املستوى االقتصادي واالجتم†اعي بني املواط†نني وانتش†ار البطال†ة والفق†ر والتخل†ف واملرض‬ ‫‪-2‬‬
‫واألمية بينهم‪.‬‬
‫وجود الفوارق الطبقية واالجتماعية بني املواطنني وعدم احرتام السلطة األبنائها ورعاياها‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ع††دم وج†ود الرض††ا والطمأنين†ة بني أبن†اء الش†عب نظ†رًا لتقص††ري الس†لطة يف أعماهلا ومهامه††ا وفش†لها‬ ‫‪-4‬‬
‫يف تقدمي أية مكاسب أو منجزات جلماهري الشعب الكادحة واملظلومة‪.‬‬
‫فق††دان القيم االجتماعي††ة واملث††ل احلض††ارية ال††يت يص††بو اليه††ا األف††راد كالعدال††ة االجتماعي††ة واملس††اواة‬ ‫‪-5‬‬
‫والدميقراطية واحلرية ‪.‬‬
‫تص††دع الوح††دة الوطني††ة يس††يب املس††ألة الكردي††ة ومس††ألة األقلي††ات القومي††ة يف القط††ر وبس††بب ك††ثرة‬ ‫‪-6‬‬
‫احلركات واالديولوجيات السياسية املتناقضة واملتنازعة بعضها مع بعض ‪.‬‬

‫اجلميع هذه األس†باب االجتماعي†ة واحلض†ارية ق†امت ث†ورة الراب†ع عش†ر من متوز اجملي†دة ع†ام ‪1958‬م‪ ،‬وعلم‬
‫االجتماع السياسي يهتم بدراس†ة ه†ذه األس†باب بع†د فرزه†ا وتشخيص†ها‪ ،‬ولكن†ه ال يكتفي بدراس†ة أس†باب‬
‫احلادثة أو الظواهر السياسية كالثورة مثال‪ ،‬بل يهتم بدراس†ة نتائجه†ا وانعكاس†اهتا على اجملتم†ع وم†ا تس†تطيع‬
‫أن تقدم††ه لإلنس††ان واجلماع††ة والكي††ان االجتم††اعي برمت††ه‪ .‬فعلم االجتم††اع السياس††ي يس††تطيع دراس††ة النت††ائج‬
‫االقتص ††ادية واالجتماعي ††ة والنفس ††ية واحلض ††ارية للث ††ورة‪ .‬وم ††ا تس ††تطيع الث ††ورة ان تقدم ††ه ألبن ††اء الش ††عب من‬
‫مكاس††ب وطموح††ات تس††اعد على رف††اهيتهم االجتماعي††ة وس††عادهتم وازده ††ارهم كمواط ††نني يعتم††د عليهم‬
‫اجملتم††ع‪ .‬أن الع††امل االجتم††اعي السياس††ي يس††تطيع بع††د دراس††ته ألس††باب ث††ورة الراب††ع عش††ر من متوز املباش††رة‬
‫منها وغري املباشرة حتديد النتائج واالنعكاس†ات ال†يت تركته†ا الث†ورة على بني†ة اجملتم†ع الع†راقي بص†ورة خاص†ة‬

‫‪12‬‬
‫واجملتمع العريب بصورة عام†ة‪ .‬وه†ذه النت†ائج واالنعكاس†ات تتجس†د يف املكاس†ب واالنتص†ارات العدي†دة ال†يت‬
‫حققتها الثورة على الصعيدين القط†ري والق†ومي‪ .‬ه†ذه املكاس†ب واالنتص†ارات ال†يت جلبت للع†راق وال†وطن‬
‫العريب التقدم والنهوض املادي واالجتماعي واحلضاري الذي يعرتف به األعداء قبل األصدقاء ‪.‬‬

‫وأخ† † ††ريًا جيب أن نش† † ††ري هن† † ††ا إىل إنن† † ††ا ال نس† † ††تطيع فهم علم االجتم† † ††اع السياس† † ††ي دون دراس† † ††ة وفهم علم‬
‫االجتم † ††اع والعل † ††وم السياس † ††ية وعلم النفس وعلم األخالق‪ ،‬حيث أن ه † ††ذه العل † ††وم األربع † ††ة ت † ††زود الع † ††امل‬
‫االجتم††اعي السياس††ي باملادة األساس††ية ال††يت يعتم††د عليه††ا موض††وعه العلمي واختصاص††ه األك††ادميي‪ .‬كم††ا ان††ه‬
‫يعتم ††د على ه ††ذه العل ††وم يف احلص ††ول على مص ††طلحاهتا العلمي ††ة ال ††يت يس ††تعملها يف بن ††اء فرض ††ياته ونظريات ††ه‬
‫وأحكام ††ه وقوانين ††ه الكوني ††ة الش ††مولية‪ .‬إض ††افة إىل أن الع ††امل االجتم ††اعي السياس ††ي يس ††تعمل نفس الط ††رق‬
‫املنهجي† ††ة والعلمي† ††ة ال† ††يت تس† ††تعملها ه† ††ذه العل† ††وم يف مجع مادهتا ومعلوماهتا وتص† ††نيف حقائقه† ††ا وب† ††ديهياهتا‬
‫كطريقة املقارنة والطريقة التارخيية والطريقة البنائية الوظيفية وطريقة املسح امليداين‪.‬‬

‫مجال علم االجتماع السياسي ‪The Scope of Political Sociology‬‬

‫نع††ين مبج††ال علم االجتم††اع السياس††ي املواض††يع واملواد التخصص††ية ال††يت يدرس††ها ه††ذا العلم ويبحث يف جماهلا‬
‫وإطاره ††ا النظ ††ري والتط ††بيقي ومنهجيته ††ا العلمي ††ة‪ .‬ومن خالل التع ††رف على جمال علم االجتم ††اع السياس ††ي‬
‫نس ††تطيع اإلملام مبواده الدراس ††ية وأفق ††ه العلمي ††ة وأهداف ††ه األكادميي ††ة والبحثي ††ة‪ .‬كم ††ا نس ††تطيع متي ††يزه عن بقي ††ة‬
‫العل†وم االجتماعي†ة ال†يت تربط†ه وإياه†ا ص†لة وثيق†ة خصوص†ا علم االجتم†اع والعل†وم السياس†ية واملواض†يع ال†يت‬
‫يدرسها علم االجتماع السياسي كثرية ومتشعبة أمهها ما يلي‪-:‬‬

‫عالقة علم االجتماع السياسي بفروع واختصاص††ات علم االجتم†اع كعلم االجتم†اع العس†كري‬ ‫‪.1‬‬
‫وعلم االجتم†اع احلض†ري والص†ناعي وعلم اجتم†اع ال†دين وعلم اجتم†اع الق†انون وعلم اجتم†اع‬
‫الرتبي ††ة وعلم اجتم ††اع املعرف ††ة‪ ...‬اخل‪ ،‬وعالقت ††ه ب ††العلوم االجتماعي ††ة األخ ††رى كاالقتص ††اد والعل ††وم‬
‫السياسية والتاريخ وعلم االجتماع وعلم النفس واألنثروبولوجيا‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫منهجي ††ة علم االجتم ††اع السياس ††ي والط ††رق العلمي ††ة ال ††يت يس ††تعني هبا يف مجع املعلوم ††ات واحلق ††ائق‬ ‫‪.2‬‬
‫والبيانات العلمي†ة كالطريق†ة التارخيي†ة‪ ،‬وطريق†ة املقارن†ة والطريق†ة الفلس†فية وطريق†ة املس†ح املي†داين‬
‫والطريقة البنائية الوظيفية ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫العالقة املنطقية بني املؤسسات األجتماعية واملؤسسات السياسية ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أصل نشوء وتطور الدولة واجملتمع ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الدول††ة والس††لطة‪ ،‬ش††رعية الس††لطة‪ ،‬العوام††ل ال††يت تعتم††د عليه††ا ش††رعية الس††لطة‪ ،‬حق††وق وواجب††ات‬ ‫‪.5‬‬
‫الس† ††لطة جتاه الش† ††عب وحق† ††وق وواجب† ††ات الش† ††عب جتاه الس† ††لطة‪ ،‬أن† ††واع الس† ††لطات السياس† ††ية‪،‬‬
‫السلطة الديكتاتورية‪ ،‬السلطة الدميقراطية والسلطة الكريزماتيكية ‪.‬‬
‫الس† ††لوك االجتم† ††اعي والس† ††لوك السياس† ††ي‪ ،‬الوس† ††يلة واهلدف يف الس† ††لوك االجتم† ††اعي والس† ††لوك‬ ‫‪.6‬‬
‫السياسي‪.‬‬
‫سيكولوجية اجلماهري واجلماعات االجتماعية والسياسية ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬األديولوجيات واجلماعات الضاغطة ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫الرأي العام‪ ،‬مراحل تكوين الرأي العام‪ ،‬العوامل االجتماعية والس†يكولوجية ال†يت ت†ؤثر يف تك†وين‬ ‫‪.9‬‬
‫الرأي العام واليت تبدل الرأي العام من شكل آلخر ‪.‬‬
‫سيكولوجية الدعاية واإلشاعة ‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫التصويت السياسي واألحزاب السياسية ‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫القي††ادة‪ ،‬الف††وارق األساس††ية بني القي††ادة والزعام††ة والرئاس††ة‪ ،‬أن††واع القي††ادات‪ ،‬وظ††ائف وص††فات‬ ‫‪.12‬‬
‫القائد‪ ،‬العالقة اجلدلية بني القيادة واجلماهري ‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق مبجال علم االجتماع السياسي‪ .‬أم†ا الش†روط العلمي†ة ال†يت تت†وفر يف ه†ذا املوض†وع وال†يت جتع†ل‬
‫العلماء واملختصني يعتربونه من العلوم االجتماعية املتميزة فيمكن درجها كاآليت ‪:‬‬

‫علم االجتماع السياسي ه†و موض†وع نظ†ري وتط†بيقي يف آن واح†د‪ .‬آن لعلم االجتم†اع السياس†ي‬ ‫‪)1‬‬
‫فرض††ياته ونظريات††ه وقوانين††ه الش††مولية املتعلق††ة ب††املواد الدراس††ية ال††يت يهتم هبا كالس††لطات السياس††ية‪،‬‬
‫الدول††ة واجملتم††ع األح††زاب السياس††ية‪ ،‬اجلم††اهري‪ ،‬الدعاي††ة واإلش††اعة‪ ،‬القي††ادة واجلم††اهري‪ ،‬ال††رأي الع††ام‬

‫‪14‬‬
‫ومراح††ل تكوين††ه والعوام††ل املؤثرة في††ه ‪ ...‬اخل‪ .‬وق††د اس††تطاع علم††اء االجتم††اع السياس††ي النظري††ون‬
‫ص† ††ياغة الفرض† ††يات والنظري† ††ات والق† ††وانني العلمي† ††ة بع† ††د قي† ††امهم بالدراس† ††ة النظري† ††ة وامليداني† ††ة عن‬
‫املواض ††يع الدراس ††ية ال ††يت اهتم ††وا هبا(‪ .)2‬اس ††تعملوا ع ††دة ط ††رق ومن ††اهج دراس ††ية يف مجع معلوم ††اهتم‬
‫وحق††ائقهم وبيان††اهتم عن الظ††واهر والتف††اعالت االجتماعي††ة والسياس††ية كالطريق††ة التارخيي††ة وطريق††ة‬
‫املقارنة والطريقة التجريبية وطريق†ة املس†ح املي†داين‪ .‬وق†د س†اعدهتم ه†ذه الط†رق فعال على اكتس†اب‬
‫املعلوم††ات وتص††نيفها وحتليله††ا واالعتم††اد عليه††ا يف ص††ياغة الفرض††ية أو النظري††ة ال††يت تش††كل اهليك††ل‬
‫الرئيس ††ي لعلم االجتم ††اع السياس ††ي النظ ††ري‪ ،‬وعلم االجتم ††اع السياس ††ي ه ††و علم تط ††بيقي أيض ††ا اذ‬
‫يس ††تعمل نظريات ††ه وقوانين ††ه وحقائق ††ه يف ح ††ل املش ††كالت االجتماعي ††ة السياس ††ية ال ††يت جتاب ††ه اإلنس ††ان‬
‫واجملتمع‪ .‬فالعامل االجتماعي السياسي التطبيقي يستعمل مثال نظري†ات الدعاي†ة واإلش†اعة يف حمارب†ة‬
‫احلمالت الدعائية املظللة اليت تقوم هبا األوساط اإلمربيالية والصهيونية ضد األمة العربية من خالل‬
‫أجهزهتا اإلعالمي† ††ة(‪ .)3‬أو حمارب† ††ة اإلش† ††اعات املخرب† ††ة واهلدام† ††ة ال† ††يت يروجه† ††ا جواس† ††يس وعمالء‬
‫اإلمربيالي††ة والص††هيونية يف ال††داخل وال††يت تس††تهدف زعزع††ة ثق††ة اجلم††اهري بقيادهتا احلكيم††ة أو ش††ق‬
‫الصف الوطين ومتزيق الوحدة القومية ألبناء الشعب العريب‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫علم االجتم†اع السياس†ي ه†و علم جتري†يب وعقالين‪ .‬ان مق†درة علم االجتم†اع السياس†ي على القي†ام‬ ‫‪)2‬‬
‫بالدراس††ات العلمي††ة التجريبي††ة ذات املراح††ل النظامي††ة جتعل††ه من املواض††يع العلمي††ة ال††يت ختتل††ف ك††ل‬
‫االختالف عن املواض† ††يع الفلس† ††فية والالهوتي† ††ة‪ .‬ومجي† ††ع مواض† ††يع علم االجتم† ††اع السياس† ††ي ميكن‬
‫دراس††تها دراس††ة علمي††ة جتريبي††ة وذل††ك من خالل اتب††اع املنهج املي††داين يف الدراس††ة والتحلي††ل‪ .‬فل††و‬
‫أخ†ذنا موض††وع أث†ر اخللفي†ة االجتماعي†ة يف التص††ويت السياس†ي وأردن†ا دراس†ته دراس†ة ميداني†ة فإنن†ا‬
‫نس ††تطيع اس ††تعمال املنهج التجري ††يب يف فهم وحتلي ††ل املوض ††وع من خالل مجع املعلوم ††ات والبيان ††ات‬
‫امليداني ††ة حول ††ه‪ .‬والدراس ††ة امليداني ††ة واألمربيقي ††ة هلذا املوض ††وع تس ††تلزم اختي ††ار عين ††ات من خلفي ††ات‬
‫اجتماعي††ة خمتلف††ة ومقابل††ة وح††داهتا مقابل††ة رمسية أو غ††ري رمسية تس††تهدف مجع احلق††ائق عن س††لوكها‬
‫االنتخايب‪ ،‬وبع†د االنته†اء من املق†ابالت ومجع البيان†ات من خالل اس†تعمال أوراق االس†تبيان تي†وب‬

‫‪15‬‬
‫املعلوم†ات وحتل†ل إحص†ائيًا(‪ .)4‬والتحلي†ل اإلحص†ائي يزودن†ا بنت†ائج تش†ري إىل اث†ر اخللفي†ة االجتماعي†ة‬
‫يف التصويت السياسي‪.‬‬
‫ويك††ثر اس††تخدام البح††وث التجريبي††ة يف علم االجتم††اع السياس††ي خصوص †ًا م††ا يتعل††ق مبج††ال حتلي††ل‬
‫السلوك السياسي‪ .‬فالب†احث هن†ا خيتص مبالحظ†ة الس†لوك السياس†ي يف داخ†ل املؤسس†ات السياس†ية‬
‫أو خارجه††ا‪ .‬ومهمت††ه هي حتدي††د البن††اءات ال††يت يتش††كل من خالهلا ه††ذا الس††لوك وأس††بابه والنت††ائج‬
‫املرتتبة عليه ‪.‬‬
‫إن نظریات وقوانني وأحكام علم االجتماع السياس†ي قابل†ة على الزي†ادة وال†رتاكم بفض†ل البح†وث‬ ‫‪)3‬‬
‫والدراس ††ات ال ††يت جيريه ††ا العلم ††اء املتخصص ††ون‪ .‬جيب أن نش ††ري هن ††ا إىل أن نظري ††ات وق ††وانني علم‬
‫االجتم ††اع السياس ††ي غ ††ري ثابت ††ة وليس ††ت حمدودة من ناحي ††ة كميته ††ا وق ††درهتا على تفس ††ري الظ ††واهر‬
‫والتف††اعالت ال††يت هتتم بدراس††تها وحتليله††ا‪ ،‬كم††ا أن جماهلا الدراس††ي غ††ري جام††د وال متحج††ر‪ ،‬ومث††ل‬
‫ه ††ذه الص ††فات ال ††يت تتم ††يز هبا مف ††اهیم ونظریات وق ††وانني علم االجتم ††اع السياس ††ي جتع ††ل العلم ال‬
‫خيتل††ف عن العل††وم االجتماعي††ة األخ††رى من ناحي††ة الدرج††ة العلمي††ة والط††رق املنهجي††ة والق††درة على‬
‫التوسع والتطور(‪ .)5‬فاألساليب املنهجية والعلمية وكثرة املواضيع الدراسية اليت يتخصص فيه†ا علم‬
‫االجتماع السياسي إضافة إىل حداثة املوضوع وعدم نضجه وتكامل نظريات††ه وقوانين††ه جتعل††ه ق††ادرًا‬
‫على ص ††ياغة مف ††اهيم وفرض ††يات جدي ††دة واکتش ††اف نظریات وق ††وانني فاعل ††ة تس ††اعده على النم ††و‬
‫واالكتم†ال والتق††دم‪ .‬وكلم†ا منت وتط†ورت نظريات†ه وقوانين†ه كلم†ا ك†ان مبق††دوره کش†ف الظ†واهر‬
‫االجتماعي ††ة والسياس ††ية وتفس ††ري أمناطه ††ا ومالبس ††اهتا مث تط ††بيق حقائقه ††ا ونتائجه ††ا على املش ††كالت‬
‫االجتماعية والسياسية اليت تواجه اجملتمع املعاصر ومؤسسات الدولة وبقية املنظمات السياس††ية ال††يت‬
‫حيتضنها اجملتمع(‪ .)6‬این قابلية علم االجتماع السياس†ي على النم†و والتط†ور النظ†ري وزي†ادة فاعليت†ه‬
‫يف معاجلة مش††كالت الدول††ة واجملتم††ع جتع ††ل املوض ††وع متم††يزًا بالعلمي††ة والعقالني††ة ش††أنه ش††أن بقي††ة‬
‫العلوم االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫أن علم االجتم† † ††اع السياس† † ††ي ه† † ††و علم موض† † ††وعي يهتم بوص† † ††ف وحتلي† † ††ل احلق † ††ائق االجتماعي† † ††ة‬ ‫‪)4‬‬
‫والسياس ††ية وال يهتم بتقييمه ††ا أو انتقاده ††ا أو توجي ††ه مس ††ريهتا وص ††ريورهتا(‪ .)7‬فالع ††امل االجتم ††اعي‬

‫‪16‬‬
‫السياسي يهتم بوصف وشرح ومقارن†ة املؤسس†ات السياس†ية يف اجملتم†ع من حيث هياكله†ا البنيوي†ة‬
‫ووظائفه††ا وأديولوجيته††ا وعالقته††ا باملؤسس††ات واملنظم††ات االجتماعي††ة األخ††رى‪ .‬وي††درس أس††باب‬
‫ونت ††ائج س ††كوهنا وحتوهلا ويرب ††ط بني س ††كون وحتول املؤسس ††ات السياس ††ية وس ††كون وحتول اجملتم ††ع‬
‫برمت††ه‪ .‬فه††و مثال ي††درس أن††واع وأص††ول ووظ††ائف الس††لطات السياس††ية ويرب††ط بينه††ا وبني املربرات‬
‫الش ††رعية ال ††يت تس ††تند عليه ††ا الدول ††ة‪ ،‬وحيل ††ل العالق ††ة بني طبيع ††ة الس ††لطة وطبيع ††ة القي ††ادة ال ††يت حتكم‬
‫وتوج† ††ه اجملتم† ††ع‪ .‬ان الع † ††امل االجتم† ††اعي السياس† ††ي مييز بني الس† ††لطة التقليدي† ††ة والس† ††لطة الش† ††رعية‬
‫والعقالني††ة من جه††ة وبني القي††ادة الديكتاتوري††ة والكرزماتيكي††ة والقي††ادة الدميقراطي††ة ولكن ليس من‬
‫اختصاص† † ††ه تق† † ††ييم أن† † ††واع الس† † ††لطات والقي† † ††ادات ك† † ††ان يفض† † ††ل الس† † ††لطة التقليدي† † ††ة على الس † ††لطة‬
‫الكرزماتيكي† ††ة أو يفض† ††ل القي† ††ادة الكرزماتيكي† ††ة على القي† ††ادة الدميقراطي† ††ة‪ .‬ف† ††التقييم ومن واجب‬
‫الفيلس† † ††وف السياس† † ††ي وليس من واجب الع† † ††امل االجتم† † ††اعي السياس† † ††ي‪ .‬اذن طاملا حيص† † ††ر الع† † ††امل‬
‫االجتماعي السياس†ي جه††وده يف وص††ف وحتلي†ل ومقارن†ة النظم السياس†ية وال ي†دخل يف مش†كالت‬
‫التقييم واألحكام القيمية فان عمله واختصاصه يكون موضوعيا وبعيدا عن الفلسفة والذاتية ‪.‬‬

‫وميكنن††ا التع††رف على طبيع††ة علم االجتم††اع السياس††ي من خالل دراس††ة وحتدي††د وظائف††ه ال††يت يق††دمها للف††رد‬
‫واجلماع ††ة واجملتم ††ع والعلم ومن خالل إدراك واس ††تيعاب املش ††كالت الدراس ††ية واملنهجي ††ة واألكادميي ††ة ال ††يت‬
‫جياهبها هذا العلم‪ .‬أن دراس†ة وظ†ائف وأه†داف علم االجتم†اع السياس†ي توض†ح أمهيت†ه للمجتم†ع من خالل‬
‫كشفه احلقيقة الرتابط املنطقي بني املؤسسات السياسية والبنية االجتماعية ومن خالل تشخيص††ه للمتغ††ريات‬
‫االجتماعية اليت تكمن وراء العمل السياسي مع توض†يح أث†ر العم†ل السياس†ي يف تغي†ري اجملتم†ع وتقم†ه وس†ريه‬
‫حنو حتقي† ††ق أهداف† ††ه العلي† ††ا(‪ .)8‬وأمهي† ††ة علم االجتم† ††اع السياس† ††ي ال تقتص† ††ر على إدراك وفهم طبيع† ††ة اجملتم ††ع‬
‫السياسي‪ ،‬بل تنعكس أيضا يف حتليل دور الفرد يف عملية التنشئة السياسية وأثر هذه العملية يف بل††ورة وعي††ه‬
‫االجتماعي والسياسي وحتمل مس†ؤولياته الوظيفي†ة واالجتماعي†ة والوطني†ة خدم†ة ألغ†راض اجملتم†ع التكتيكي†ة‬
‫واالسرتاتيجية‪ .‬لكننا نستطيع تلخيص وظائف علم االجتماع السياسي بالنقاط التالية ‪:‬‬

‫فهم واس††تيعاب القواع††د واألحك††ام االجتماعي††ة ال††يت يس††تند عليه††ا العم††ل السياس††ي وتس††تند عليه††ا‬ ‫‪.1‬‬
‫املؤسسات السياسية ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫تش ††خيص وحتلي ††ل وتفس ††ري العوام ††ل االجتماعي ††ة واحلض ††ارية ال ††يت تس ††اعد على االس ††تقرار واهلدوء‬ ‫‪.2‬‬
‫السياسي يف اجملتم†ع ومعرف†ة ماهي†ة العوام†ل االجتماعي†ة ال†يت تس†بب االض†طراب السياس†ي والقالق†ل‬
‫السياسية اليت تصدع وحدة اجملتمع وتشق صفه الوطين والقومي(‪.)9‬‬
‫دراس††ة أس††باب وطبيع††ة ونت††ائج الظ††واهر السياس††ية املعق††دة دراس††ة اجتماعي††ة حتليلي††ة ونقدي††ة تنب††ع من‬ ‫‪.3‬‬
‫واق ††ع وظ ††روف ومالبس ††ات ه ††ذه الظ ††واهر كدراس ††ة الث ††ورات السياس ††ية واالنقالب ††ات العس ††كرية‪،‬‬
‫األح † ††زاب السياس † ††ية‪ ،‬التص † ††ويت السياس † ††ي‪ ،‬ش † ††رعية الس † ††لطة‪ ،‬احلروب‪ ،‬احلرك † ††ات االجتماعي † ††ة‬
‫والسياسية‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫ربط املؤسسات والنظم السياس†ية من حيث نش†وءها وتطوره†ا وهياكله†ا ووظائفه†ا ب†اجملتمع ال†ذي‬ ‫‪.4‬‬
‫توجد فيه وتتفاعل معه‪ .‬فهذه املؤسسات والنظم ظهرت لتنظيم اجملتمع وحتل مشكالته املستعص††ية‬
‫وتوطد عالقاته مع اجملتمعات األخرى‪.‬‬

‫إضافة إىل قيامها خبدمة الفرد وحتقيق أهدافه وطموحاته القريبة والبعيدة األمد‪.‬‬

‫أما أهداف علم االجتماع السياسي فيمكن حصرها بالنقاط التالية ‪:‬‬

‫تث ††بيت احلدود العلمي ††ة واألكادميي ††ة بين ††ه وبني ف ††روع واختصاص ††ات علم االجتم ††اع األخ ††رى كعلم‬ ‫‪-1‬‬
‫اجتم† ††اع الق† ††انون وعلم اجتم† ††اع املعرف† ††ة وعلم اجتم† ††اع الرتبي† ††ة وعلم االجتم† ††اع احلض† ††ري وعلم‬
‫االجتم † ††اع الص † ††ناعي وال † ††ريفي‪ ...‬اخل من جه † ††ة‪ .‬وبين † ††ه وبني العل † ††وم االجتماعي † ††ة األخ† ††رى كعلم‬
‫االجتماع والسياسة وعلم النفس وعلم األخالق‪ ...‬اخل(‪.)10‬‬
‫العم ††ل على زي ††ادة أخص ††ائيه وباحثي ††ه وذل ††ك من خالل إقن ††اع علم ††اء االجتم ††اع على املش ††اركة يف‬ ‫‪-2‬‬
‫حبوث ودراس††ات علم االجتم††اع السياس††ي خصوص††ا املواض††يع ال††يت مل تط††رق حلد اآلن كموض††وع‬
‫العوام ††ل ال ††يت تس ††بب االس ††تقرار واهلدوء السياس ††ي والعوام ††ل ال ††يت تس ††بب االض ††طرابات والقالق ††ل‬
‫السياس††ية‪ ،‬وموض††وع أس††س توطي††د العالق††ات االجتماعي††ة التعاوني††ة واملتفاعل††ة بني الدول††ة واجملتم††ع‪،‬‬
‫وموض ††وع األس ††س االجتماعي ††ة للدميقراطي ††ة وموض ††وع املش ††اركة الش ††عبية واجلماهريي ††ة يف العم ††ل‬
‫السياسي وهكذا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ض ††رورة املب ††ادرة على مجع احلق ††ائق واملعلوم ††ات السياس ††ية واالجتماعي ††ة ال ††يت من ش ††أهنا أن تك ††ثر‬ ‫‪-3‬‬
‫وتض††اعف الفرض††يات والنظري††ات واألحك††ام املتعلق††ة حبق††ل علم االجتم††اع السياس††ي‪ .‬وأم††ر كه††ذا‬
‫البد أن يساهم يف تشعب وتراكم املعرفة العلمية يف هذا احلق††ل الدراس†ي ويف نفس ال†وقت يس†اعد‬
‫على كش ††ف العدي ††د من الظ ††واهر السياس ††ية الغامض ††ة ال ††يت حتت ††اج يف ال ††وقت احلاض ††ر إىل تفس ††ريات‬
‫وتعليالت علمية ومنطقية‪.‬‬

‫أم††ا أهم املش††كالت املنهجي††ة والدراس††ية والعلمي††ة ال††يت جتاب††ه حق††ل علم االجتم††اع السياس††ي فيمكن حص††رها‬
‫بالنقاط التالية‪:‬‬

‫قل ††ة اخلرباء واملتخصص ††ني والب ††احثني يف ه ††ذا احلق ††ل الدراس ††ي نتيج ††ة لص ††عوبة املوض ††وع وتعق ††ده‬ ‫‪.1‬‬
‫العلمي‪ ،‬وط††ول ف††رتة الدراس††ة والت††دريب يف اختصاص††ه م††ع قل††ة احلوافز املادي††ة واملعنوي††ة ال††يت تق††دم‬
‫خلربائه ورجاله وأساتذته ‪.‬‬
‫غموض وعدم وضوح احلدود العلمية واألكادميية اليت تفصل بني علم االجتماع السياسي والعل††وم‬ ‫‪.2‬‬
‫السياسية من جهة وبني علم االجتم†اع السياس†ي وعلم االجتم†اع من جه†ة أخ†رى‪ ،‬فعلم السياس†ة‬
‫وعلم االجتماع يبحثان نفس املواضيع اليت يبحثها علم االجتماع السياسي وخيتص هبا بالرغم من‬
‫وجود الفوارق األكادميية والعلمية الواضحة بينهما(‪.)11‬‬
‫حساس††ية املواض††يع ال††يت يدرس††ها علم االجتم††اع السياس††ي ال تس††اعد الع††امل أو املختص على حبثه††ا‬ ‫‪.3‬‬
‫وحتليله††ا بص††ورة حيادي††ة وإجيابي††ة وال متكن††ه من مجع املادة األساس††ية ال††يت تفس††ر الظ††واهر واحلق††ائق‬
‫اليت يهتم هبا العلم ‪.‬‬
‫عدم بلورة وفاعلية الطرق املنهجية اليت يستعملها علم االجتم†اع السياس†ي يف مجع مادت†ه وحقائق†ه‬ ‫‪.4‬‬
‫مع عدم استطاعة معظم هذه الطرق على كشف حقيقة الظ††واهر االجتماعي††ة والسياس††ية ال††يت يهتم‬
‫هبا املوضوع وتعرية العوامل واملتغريات اليت تؤثر فيها وتعطيها خصائصها املوضوعية والثابتة‪.‬‬

‫منهجية علم االجتماع السياسي‬

‫‪19‬‬
‫من املؤشرات األساسية اليت تدل على علمية علم االجتماع السياسي طبيعة منهجيته اليت يستعملها يف مجع‬
‫البيان††ات واحلق††ائق واملعلوم††ات ال††يت منه††ا يص††وغ فرض††ياته ونظريات††ه العلمي††ة‪ .‬وه††ذه الفرض††يات والنظري††ات‬
‫تفسر وحتلل الظ†واهر و التف†اعالت االجتماعي†ة والسياس†ية ال†يت يهتم بدراس†تها الع†امل اإلجتم†اعي السياس†ي‪.‬‬
‫أن منهجي† ††ة علم االجتم† ††اع السياس† ††ي هي منهجي† ††ة علمي† ††ة تتجس† ††د يف الط† ††رق املوض† ††وعية والنظامي† ††ة ال† ††يت‬
‫يعتم ††دها العلم وقت قيام ††ه جبم ††ع وتص ††نيف وحتلي ††ل وع ††رض البيان ††ان واحلق ††ائق ال ††يت هتم ††ه وتش ††غل جماالت‬
‫اختصاص† ††ه(‪ .)12‬فعلم االجتم† ††اع السياس† ††ي يس† ††تعمل تقريب† ††ا نفس الط† ††رق املنهجي† ††ة ال† ††يت تعتم† ††دها العل† ††وم‬
‫االجتماعي††ة املس††تقرة كعلم الت††اريخ واألنثروبولوجي††ا واالقتص††اد وعلم النفس‪ ...‬اخل واس††تعماله هلذه الط††رق‬
‫جيعل††ه ال خيتل††ف عنه††ا بأس††لوبه الدراس††ي وقدرت††ه على مجع املعلوم††ات وتص††نيفها وحتليله††ا وتفس††ريها‪ ،‬واهم‬
‫الط ††رق ال ††يت يس ††تعملها علم االجتم ††اع السياس ††ي وال ††يت تس ††اعده على النم ††و والتط ††ور والتوس ††ع يف الط ††رق‬
‫التالية ‪:‬‬

‫الطريقة التارخيية ‪Historical Method‬‬

‫طريقة املقارنة ‪Comparative Method‬‬

‫طريقة املالحظة باملشاركة ‪Participant Observation Method‬‬

‫طريقة املسح باملقارنة ‪Field Survey Method‬‬

‫الطريقة التاريخية‬ ‫(‪)1‬‬

‫تف ††رتض ه ††ذه الطريق ††ة ب ††ان الع ††امل االجتم ††اعي السياس ††ي ال يس ††تطيع دراس ††ة وفهم وحتلي ††ل النظم السياس ††ية‬
‫والس†لوك السياس†ي والظ†واهر السياس†ية ال†يت تق†ع يف اجملتم†ع يف الف†رتة احلاض†رة دون دراس†تها دراس†ة تارخيي†ة‬
‫مفصلة طاملا أن النظم والظ†واهر السياس†ية املعاص†رة م†ا هي اال ولي†دة التح†والت التارخيي†ة ال†يت ط†رأت عليه†ا‬
‫فغريهتا وجعلته††ا تتم††يز بص††فاهتا احلاض††رة ال††يت نش††عر هبا اآلن(‪ .)13‬فالس††لطة الش††رعية العقلي††ة ال††يت تس††تند على‬
‫املربرات الدميقراطي††ة يف حكمه††ا للش††عب واجملتم††ع ق††د تك††ون ولي††دة الس††لطة التقليدي††ة ال††يت تعتم††د على ق††وة‬

‫‪20‬‬
‫التقالي††د واألع††راف والس††وابق االجتماعي††ة ال††يت ختول الدول††ة حكم اجملتم††ع(‪ .)14‬أو ق††د تك††ون ولي††دة الس††لطة‬
‫الكرزماتيكي††ة ال††يت تعتم††د على الص††فات الشخص††ية اخلارق††ة والف††ذة ال††يت ميتلكه††ا القائ††د الكرزم††اتیکی وال††يت‬
‫ختوله حكم اجملتمع والسيطرة عليه‪ .‬أن دراستنا للماضي تعطينا اجملال لفهم احلاضر والتنب†ؤ عن املس†تقبل أي‬
‫مس†تقبل األح†داث والوق†ائع االجتماعي†ة السياس†ية ك†الثورة أو االنقالب أو احلرب أو احلرك†ات االجتماعي†ة‬
‫السياسية أو االنقسامات الفكرية واملذهبية‪ ...‬اخل اليت س†تقع يف اجملتم†ع(‪ .)15‬فاألنظم†ة السياس†ية املختلف†ة يف‬
‫الوطن العريب ومه تكتنفه هذه األنظمة من سلطات متنوعة وأحزاب سياسية ومجاع††ات ض††اغطة وحرك††ات‬
‫اجتماعي††ة تس††تهدف التط††ور والتغ††ري م††ا هي إّال امت††داد ت††ارخيي لنظم وممارس††ات وحرك††ات سياس††ية ك††انت‬
‫س††ائدة يف ال††وطن الع††ريب خالل الف††رتة املاض††ية‪ .‬فل††و أخ††ذنا نظ††ام احلكم يف الع††راق خالل العه††ود اإلقطاعي††ة‬
‫والرجعي††ة واالس††تبدادية لش††اهدنا بأن††ه ال يق††ف على قاع††دة دميقراطي††ة وش††عبية ب††ل يعتم††د على ق††وة اإلره††اب‬
‫والقه††ر والتس††لط يف حكم اجلم††اهري‪ .‬وان اجلم††اهري ال تش††ارك مطلق††ا يف اختاذ الق††رار السياس††ي ال††ذي يهمه††ا‬
‫ويرسم معامل طريقها حنو التقدم والتط†ور االزده†ار‪ .‬ان األس†اليب اخلاطئ†ة واملتح†يزة والديكتاتوري†ة املعتم†دة‬
‫على مب††ادئ الظلم والتعس††ف والقه††ر ال††يت اتبعته††ا أنظم††ة احلكم الفاس††دة ق††د أدت إىل س††قوطها وحتوهلا إىل‬
‫نظ ††ام ي ††ؤمن ب ††دور اجلم ††اهري وقوهتا يف حتقي ††ق الغ ††د املش ††رق هلا‪ ،‬نظ ††ام ي ††ؤمن بالدميقراطي ††ة واحلري ††ة والعدال ††ة‬
‫االجتماعي††ة‪ ،‬نظ††ام يري††د التق††دم والتحض††ر والتح††ديث‪ .‬وق††د جتس††د ه††ذا النظ††ام بالعه††د الث††وري الوط††ين ال††ذي‬
‫ج† ††اء بع† ††د ث† ††ورة الس† ††ابع عش† ††ر من متوز ع† ††ام ‪ .1958‬أذن الطريق† ††ة التارخيي† ††ة ت† ††درس النظم واملمارس† ††ات‬
‫االجتماعي††ة والسياس††ية املاض††ية‪ .‬ومث††ل ه††ذه الدراس††ة متكن ع††امل االجتم††اع السياس††ي من فهم حاض††ر ه††ذه‬
‫النظم واملمارسات مث التنبؤ عن مستقبلها‪.‬‬

‫أن لك††ل نظ††ام سياس††ي تارخيه اخلاص وان النظم ختض††ع لنم††و وتط††ور وحرك††ة اجملتم††ع ع††رب الزم††ان‪ ،‬وب††دون‬
‫املعرفة احلقه بأصول وتطور النظم السياسية واالجتماعية فإننا ال نعرف هذه النظم مث بالتايل ال تكون ل††دينا‬
‫دراس††ة ش††املة للمجتم††ع السياس††ي‪ .‬واملنهج الت††ارخيي ق††دمي ق††دم كتاب††ات أرس††طو ال††ذي اعتق††د ب††ان فهم أي‬
‫شيء يتطلب فحص بداياته األوىل وتطوراته الالحق††ة‪ .‬ف†املنهج الت†ارخيي يس†عى إىل تفس†ري النظم املختلف††ة يف‬
‫وجوده ††ا ال ††واقعي واجتاهاهتا ويزودن ††ا مبعرف ††ة ح ††ول أص ††وهلا وتطوراهتا املتوقع ††ة‪ .‬املنهج الت ††ارخيي أذن يزودن ††ا‬

‫‪21‬‬
‫بإحساس تارخیي ومنظور تط†وري‪ .‬فاألح†داث ليس†ت منعزل†ة أو مس†تقلة بعض†ها عن بعض ولكنه†ا مرتابط†ة‬
‫يف سیاق زمين حمدد ‪.‬‬

‫طريقة المقارنة‬ ‫(‪)2‬‬

‫وهي الطريقة اليت يس†تعملها الع†امل االجتم†اعي السياس†ي يف مجع معلوم†ات وص†فية وحتليلي†ة ح†ول جمتمع†ات‬
‫سياسية خمتلفة ومتباينة من ناحية درجة تقدمها احلضاري واالجتماعي ونضجها السياسي والقانوين‪ .‬وهذه‬
‫اجملتمع ††ات ق ††د تك ††ون متباع ††دة الواح ††دة عن األخ ††رى ومعرض ††ة لظ ††روف وعوام ††ل بيئي ††ة جتعله ††ا خمتلف ††ة يف‬
‫مس††تواها التكنول††وجي واالقتص††ادي والسياس††ي وال††ديين‪ ،‬وبع††د مجع مث††ل ه††ذه املعلوم††ات يق††وم مبقارنته††ا مث‬
‫يس ††تخرج الق ††وانني االجتماعي ††ة الكوني ††ة منه ††ا‪ ،‬ه ††ذه الق ††وانني ال ††يت تس ††تند على أدل ††ة وب ††راهني إحص ††ائية أو‬
‫مش ††اهدات موض ††وعية هلا األمهي ††ة يف تفس ††ري طبيع ††ة األنظم ††ة السياس ††ية هلذه اجملتمع ††ات(‪ .)16‬وهلذه الق ††وانني‬
‫الفض††ل الكب††ري يف حتدي††د طبيع††ة الس††لوك السياس††ي والنظم السياس††ية والعالق††ة املتفاعل††ة بني الس††لطة واجملتم††ع‪.‬‬
‫إضافة إىل مقدرة هذه القوانني على تنبؤ احلوادث والظواهر السياسية ال†يت تأخ†ذ مكاهنا يف ه†ذه اجملتمع†ات‪.‬‬
‫فق ††د يقس ††م الع ††امل االجتم ††اعي السياس ††ي ال ††دول إىل ثالث ††ة أن ††واع من ناحي ††ة درج ††ة دميقراطيته ††ا كال ††دول‬
‫الديكتاتورية والدول األوتوقراطية والدول الدميقراطية‪ ،‬وبعد هذا التقس†يم يق†وم بدراس†ة خص†ائص وم†يزات‬
‫ك††ل ن††وع منه††ا مث يس††تنتج الق††وانني الكوني††ة والش††مولية ال††يت حتدد هياكله††ا البنيوي††ة‪ ،‬وظائفه††ا‪ ،‬إي††ديولوجياهتا‬
‫وأمناط عالقاهتا باجلماهري‪ .‬ومثل هذه الدراسة تساعد على مقارن†ة ه†ذه األمناط من ال†دول بتش†خيص أوج†ه‬
‫الشبه واالختالف بينها‪.‬‬

‫كان أرسطو أول من اس†تخدم طريق†ة املقارن†ة يف حتلي†ل اجملتمع†ات السياس†ية ذات املض†مون االجتم†اعي(‪.)17‬‬
‫مث تطورت هذه الطريق†ة على أي†دي مونتس†كيو وت†ايكوفيلي وهرب†رت سبنس†ر وج†ون س†تيورت م†ل‪ ،‬وتق†وم‬
‫الطريق††ة على دراس††ة النظم واألح††داث السياس††ية يف املاض††ي أو احلاض††ر ومجع املعلوم††ات الض††رورية عنه††ا مث‬
‫حتليله ††ا ومقارنته ††ا هبدف اس ††تقباط بعض املب ††ادئ السياس ††ية العام ††ة‪ .‬يق ††ول ج ††ون س ††تيورت م ††ل أن املنهج‬
‫املق††ارن يع††ين مقارن††ة نظ††امني سياس††يني متم††اثلني يف مجي††ع الظ††روف ولكنهم††ا خيتلف††ان يف عنص††ر واح††د‪ ،‬ومن‬
‫خالل دراس††ة أوج††ه التماث††ل واالختالف ميكن اس††تخراج الق††وانني الكوني††ة عن النظم واملؤسس††ات السياس††ية‬

‫‪22‬‬
‫ال††يت تس††اعد الب††احث أو املختص على فهمه††ا واس††تيعاب عناص††رها اجلوهري††ة(‪ .)18‬مثًال نق††وم مبقارن††ة دول††تني‬
‫هلم†ا نفس النظ†ام الق†انوين واخللفي†ة الثقافي†ة وال†رتكيب الس†كاين واملوارد الطبيعي†ة ولكنهم†ا خيتلف†ان يف عام†ل‬
‫واح††د كوج††ود التخطي††ط يف دول††ة واح††دة وع††دم وج††وده يف الدول††ة األخ††رى‪ .‬ومث††ل ه††ذا االختالف يفس††ر‬
‫التفاوت بني الدولتني يف املس†توى االقتص†ادي مثًال‪ ،‬ه†ذا ب†دوره ميكنن†ا من تفس†ري حقيق†ة العالق†ة الس†بية بني‬
‫التخطي††ط والرفاهي††ة االقتص††ادية‪ .‬ومن اجلدير بال††ذكر أن هن††اك ص††عوبات تواج††ه تط††بيق املنهج املق††ارن على‬
‫هذا النحو ترجع أساسا إىل تعقد وتعدد العوامل والظروف اليت حتكم احلياة السياسية‪.‬‬

‫طريقة المالحظة بالمشاركة‬ ‫(‪)3‬‬

‫وهي ال††يت تتض††من اش††رتاك الب††احث يف احلي††اة السياس††ية للن††اس ال††ذين يق††وم مبالحظتهم‪ ،‬ومس††امهته يف أوج††ه‬
‫النش††اط السياس††ي ال††ذي يقوم††ون ب††ه لف††رتة مؤقت††ة وهي ف††رتة املالحظ††ة‪ ،‬ويتطلب ه††ذا الن††وع من املالحظ††ة أن‬
‫يك†ون الب†احث عض†وًا يف اجلماع†ة ال†يت يق†وم بدراس†تها وان يتج†اوب م†ع اجلماع†ة ويتفاع†ل معه†ا وان مير يف‬
‫نفس الظ††روف ال††يت متر هبا وخيض††ع جلمي††ع املؤثرات ال††يت ختض††ع هلا(‪ .19‬وال يكش††ف املالح††ظ عن هويت††ه أو‬
‫يفص††ح عن شخص††يته ليك††ون س††لوك اجلماع††ة املدروس††ة ك††احلزب السياس††ي مثًال بعي††دًا عن التص††نع والري††اء‪.‬‬
‫وق † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††د يكش † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ف الب † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††احث شخص † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††يته‬
‫ويفصح عن غرضه‪ ،‬وهنا البد أن يألفه أبناء اجملتمع مبرور الزمن ويصبح وجوده شيئًا اعتياديًا‪.‬‬

‫ه††ذا م††ا يتعل††ق باألس††اليب العلمي††ة ال††يت ينبغي أن يتبعه††ا الب††احث يف املالحظ††ة ب††دون املش††اركة ويف املالحظ††ة‬
‫باملش† ††اركة‪ .‬لكن† ††ه يف بعض احلاالت تفتق† ††ر املالحظ† ††ة التحدي† ††د ال† ††دقيق‪ ،‬وهن† ††ا ينبغي على الب† ††احث ترك† ††يز‬
‫مالحظت††ه على املش††كلة موض††وع الدراس††ة واالنتب††اه إىل املوق††ف السياس††ي ال††ذي حيي††ط هبا(‪ .)20‬وق††د يتض††من‬
‫ه ††ذا املوق ††ف أبع ††ادًا رئيس ††ية‪ ،‬إال أن الب ††احث جيب أن خيت ††ار من بينه ††ا م ††ا يتناس ††ب م ††ع أه ††داف دراس ††ته‪.‬‬
‫فالباحث جيب أن يالحظ ويشخص املشرتكني يف الدراسة واملطل†وب فحص††هم وتقص††ي احلق††ائق عنهم‪ .‬من‬
‫هم وم ††ا هي أعم ††ارهم وأجناس ††هم وخلفي ††اهتم االجتماعي ††ة واحنداراهتم الطبقي ††ة؟ وجيب أن يعني الف ††رد حتت‬
‫املالحظ††ة ويف††رز مكانت††ه يف اجملتم††ع وال††دور االجتم††اعي ال††ذي يش††غله وعالقت††ه ب††أدوار اآلخ††رين (‪ .)۲۱‬كم††ا‬
‫يتحتم علي†ه تبي†ان الص††لة ال†يت ترب†ط األف†راد املطل†وب مالحظتهم‪ ،‬ه††ل هم غرب†اء عن بعض††هم‪ ،‬ه††ل س†بق هلم‬

‫‪23‬‬
‫التع† ††ارف‪ ،‬ه† ††ل هم أعض† ††اء يف مجاع† ††ة واح† ††دة؟ وأخ† ††ريًا جيب التع† ††رف على طبيع† ††ة االجتاه† ††ات والعالق† ††ات‬
‫االجتماعي††ة ال††يت ترب††ط بعض††هم ببعض واملؤسس††ات أو املنظم††ات ال††يت ينتم††ون اليه††ا‪ .‬وجبانب معرف††ة األف††راد‬
‫حتت املالحظة جيب على الباحث معرفة املكان الذي تكون فيه املالحظ†ة م†ا ن†وع املك†ان ال†ذي ي†ذهب إلي†ه‬
‫الباحث إلجراء املالحظة شارع‪ ،‬مطعم‪ ،‬مدرسة‪ ،‬مصنع‪ ،‬جامعة‪ ،‬وهل أن املكان ينطبق مع الس††لوك ال††ذي‬
‫يقوم به األفراد الذين ينتمون إليه‪.‬‬

‫ال يكتفي الب††احث مبالحظ††ة األف††راد واملك††ان اجلغ††رايف ال††ذي يعيش††ون أو يعمل††ون في††ه ب††ل يتط††رق إىل التع††رف‬
‫على اهلدف ال†ذي دف†ع اجلماع††ة إىل االجتم†اع أو العم†ل أو التفاع††ل املتعم†د أو غ††ري املتعم†د‪ .‬فالب†احث غالب†ا‬
‫ما يقصد رصد اهلدف الذي دعا أعضاء اجلماعة إىل التجمه†ر أو التجم†ع يف مك†ان م†ا‪ .‬ه†ل اجتم†ع األف†راد‬
‫الغ ††رض معني أو اجتمع ††وا بطريق ††ة الص ††دفة؟ فل ††و ك ††انت هن ††اك أه ††داف حمددة فم ††ا هي؟ الدراس ††ة‪ ،‬ال ††بيع‬
‫والش††راء‪ ،‬املش††اركة يف احتف††ال‪ ،‬املنافس††ة وال††نزاع‪ ...‬اخل‪ .‬كم††ا يتطلب من الب††احث معرف††ة اس††تجابة األف††راد‬
‫اجملتمعني لله††دف ال††ذي اجتمع††وا من أجل††ه وه††ل هن††اك أه††داف أخ††رى باإلض††افة إىل اهلدف األص††لي ال††ذي‬
‫اجتمع††وا من أجل††ه‪ .‬كم††ا يتطلب من الب††احث فحص ومتحيص س††لوك األف†راد االجتم††اعي أي االطالع على‬
‫أفعال املشاركني وتصرفاهتم واألساليب الذي يستعملوهنا أثناء التجمه†ر واالجتم†اع(‪ .)22‬وبالنس†بة للس†لوك‬
‫االجتم††اعي جيب أن يهتم املالح††ظ مبا يلي‪ :‬احلادث املنب††ه أو الظ††روف املث††رية للس††لوك‪ ،‬األس††باب املوض††وعية‬
‫والذاتي ††ة للس ††لوك‪ ،‬األف ††راد ال ††ذي يه ††دفهم الس ††لوك‪ ،‬طبيع ††ة الس ††لوك‪ ،‬مميزات الس ††لوك‪ ،‬وأخ ††ريًا آث ††ار ونت ††ائج‬
‫السلوك ‪.‬‬

‫وأخ ††ريًا جيب أن يهتم املالح ††ظ بتس ††جيل ظ ††واهر ومالبس ††ات املالحظ ††ة‪ .‬من األفض ††ل أن يس ††جل الب ††احث‬
‫مالحظات†ه يف نفس ال†وقت ال†ذي جتري في†ه املالحظ†ة لكي تق†ل أو تنع†دم احتم†االت التح†يز ولكي ال ينس†ى‬
‫الب ††احث الظ ††واهر واملع ††امل واألش ††ياء ال ††يت يالحظه ††ا‪ .‬فبعض األم ††ور تض ††يع من ال ††ذاكرة عن طري ††ق النس ††يان‬
‫وبعضها اآلخر قد حترفة الذاكرة بصورة متعم†دة أو غ†ري متعم†دة‪ .‬وق†د يع†ارض البعض تس†جيل املالحظ†ات‬
‫يف حينه ††ا ألن ذل ††ك ق ††د يض ††ايق األف ††راد ال ††ذين جتري عليهم املالحظ ††ة أو يث ††ري ش ††كوكهم‪ .‬كم ††ا أن اهنم ††اك‬
‫املالح†ظ يف التس†جيل كفي†ل ب†أن يش†تت انتباه†ه بنی املالحظ†ة والتس†جيل فتض†يع من†ه حق†ائق ق†د تك†ون على‬
‫ج ††انب من األمهي ††ة‪ .‬ولكن ††ه من املمكن يف مث ††ل ه ††ذه األح ††وال أن يق ††وم الب ††احث بكتاب ††ة بعض الكلم ††ات أو‬

‫‪24‬‬
‫النقاط الرئيسية على بطاقة خاص†ة مع†دة هلذا الغ†رض‪ .‬وبع†د االنته†اء من عملي†ة املالحظ†ة وال†ذهاب إىل بيت†ه‬
‫أو دائرت††ه يس††تطيع ت††دوين مجي††ع املعلوم††ات والتفص††يالت عن األش††ياء ال††يت الحظه††ا أثن††اء زيارت††ه لألف††راد أو‬
‫املكان املطلوب دراسته ‪.‬‬

‫طريقة المسح الميداني‬ ‫(‪)4‬‬

‫ان طريق ††ة املس ††ح املي ††داين ال ††يت يس ††تعملها علم االجتم ††اع السياس ††ي يف مجع حقائق ††ه وبيانات ††ه هي من أك ††ثر‬
‫الط††رق املنهجي††ة ش††يوعا وحداث††ة وأغلبه††ا دق††ة وعلمي††ة‪ .‬وهي من أهم الط††رق العلمي††ة ال††يت يس††تعملها علم††اء‬
‫االجتم††اع السياس††ي خصوص††ا إذا ع††ززت ه††ذه الطريق††ة نتائجه††ا اإلحص††ائية وحقائقه††ا املوض††وعية باملص††ادر‬
‫والكتب العلمي ††ة ال ††يت تتن ††اول نفس موض ††وع البحث املي ††داين ال ††ذي يق ††وم ب ††ه الع ††امل االجتم ††اعي السياس ††ي‬
‫كالعوام † ††ل االجتماعي † ††ة واحلض † ††ارية ال † ††يت تكمن خل † ††ف التص † ††ويت السياس † ††ي أو األس † ††باب االجتماعي † ††ة‬
‫لالنقسامات السياسية أو النتائج االجتماعية واحلضارية للثورة‪ .‬وتتجسد أمهية وعلمية طريقة املسح املي†داين‬
‫باملراح† ††ل التحليلي† ††ة املتتابع† ††ة ال† ††يت تعتم† ††دها ابت† ††داء من تص† ††ميم العين† ††ة وتص† ††ميم االس† ††تمارة االس† ††تبيانية إىل‬
‫املقابالت وتبويب املعلومات اإلحص†ائية وانته†اء بعملي†ة التحلي†ل اإلحص†ائي وكتاب†ة التقري†ر أو الدراس†ة ال†يت‬
‫تتض ††من النت ††ائج النهائي ††ة للبحث العلمي املي ††داين(‪ .)23‬وتتجس ††د ه ††ذه الطريق ††ة أيض ††ا باعتماده ††ا املتزاي ††د على‬
‫الواق ††ع االجتم ††اعي والتفاع ††ل مع ††ه ومجع املعلوم ††ات من ††ه وعكس طبيعت ††ه ومساته األساس ††ية جبمي ††ع إجيابيات ††ه‬
‫وسلبياته‪ ،‬اتساقه وتناقضه‪ ،‬اعتداله وتطرفه ‪.‬‬

‫ميكن الق ††ول هن ††ا ب ††ان اس ††تعمال طريق ††ة املس ††ح املي ††داين اس ††تعماًال علمي† †ًا ومنطقي ††ة من قب ††ل علم االجتم ††اع‬
‫السياسي البد أن يساهم مسامهة جدية يف حتول هذا العلم من اعلم أديب وفلسفي إىل علم موضوعي تتم††يز‬
‫حقائق ††ه ونظريات ††ه وقوانين ††ه بالدق ††ة والواقعي ††ة(‪ .)24‬وتس ††اعد ه ††ذه الطريق ††ة علم االجتم ††اع السياس ††ي على منو‬
‫وت ††راكم حقائق ††ه ومعلومات ††ه حبيث متكن ††ه من تك ††وين فرض ††ياته ونظريات ††ه وقوانين ††ه اجلدي ††دة‪ .‬وتلعب طريق ††ة‬
‫املس ††ح املي ††داين ال ††دور املؤثر يف حتري ††ر آراء وفرض ††يات ونظري ††ات ه ††ذا العلم من س ††لبيات التح ††يز والتعص ††ب‬
‫وض ††يق التفك ††ري ال ††يت غالب ††ا م ††ا ختيم على العل ††وم االجتماعي ††ة فتجعله ††ا قاص ††رة بطرحه ††ا ومش ††وهة بأفكاره ††ا‬
‫ومضطربة مبفاهيمها ومبادئها ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أن طريق††ة املس††ح املي††داين هي الطريق††ة احلديث††ة ال††يت يس††تعملها الع††امل االجتم††اعي السياس††ي يف مجع معلومات††ه‬
‫وبيانات† ††ه امليداني† ††ة ال† ††يت تس† ††اعده على بن† ††اء فرض† ††ياته وتك† ††وين نظريات† ††ه وتوض† ††يح حقائق† ††ه وص† ††ياغة قوانين† ††ه‬
‫االجتماعية الش†مولية‪ .‬وهي الطريق†ة املس†تعملة يف أغلب وأش†هر البح†وث االجتماعي†ة والسياس†ية ال†يت تتم†يز‬
‫بالط††ابع العلمي واملوض††وعية املتناهي††ة يف الط††رح والتحلي††ل واالس††تنتاج‪ ،‬ف††البحوث املتعلق††ة بوص††ف ت††ركيب‬
‫ووظائف األحزاب السياسية‪ ،‬والبحوث ال†يت ت†دور ح†ول اجملتم†ع السياس†ي وم†ا في†ه من منبه†ات ونش†اطات‬
‫وعوام ††ل ثابت ††ة ومتغ ††رية‪ ،‬والبح ††وث الرامي ††ة إىل قي ††اس وختمني اآلراء واملواق ††ف واالنطباع ††ات واالجتاه ††ات‬
‫السياس†ية لألف†راد واجلماع†ات هي حبوث تس†تعني بطريق†ة املس†ح املي†داين‪ .‬ه†ذه الطريق†ة ال†يت تس†اعد الب†احث‬
‫على ض † ††بط وقي † ††اس والتأك † ††د من ص † ††حة م † ††ا حيص † ††ل علي † ††ه من البيان † ††ات ال † ††يت تفس † ††ر الظ † ††واهر والعالق† ††ات‬
‫والتفاعالت االجتماعية والسياسية تفسريا منطقية وعقالنية وذل†ك من خالل اعتماده†ا على مب†دأ التج†ريب‬
‫والتحليل اإلحصائي واالس†تنتاج املوض†وعي للحق†ائق واملتغ†ريات ال†يت يهتم هبا الب†احث املي†داين‪ .‬لكن طريق†ة‬
‫املسح امليداين تعتمد على أساليب العينات اإلحصائية‪ ،‬االستمارات االس††تبيانية‪ ،‬املق††ابالت الرمسية والتحلي††ل‬
‫اإلحص ††ائي‪ ،‬ه ††ذه األس ††اليب ال ††يت الب ††د من اس ††تعماهلا واعتماده ††ا يف كش ††ف احلقيق ††ة والواق ††ع ال ††ذي ي ††روم‬
‫الب ††احث حص ††ره وجتري ††ده ودراس ††ته دراس ††ة ال تعتم ††د على اخلي ††ال واحلزر الفلس ††في ب ††ل تعتم ††د على املب ††ادئ‬
‫العقالنية والواقعية واملوضوعية ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الهوامش والمصادر‬

1. Pizzorno, A. Political Sociology. Penguin Book, Middlesex,


London, 1971, P. 7.
2. Jacobson, N. and Lipman, An Outline of Political Science,
Barnes and Nabel, London, 1951, P. 15.
،‫ حبث منش ††ور يف جمل ††ة األمن الق ††ومي‬،‫ س ††يكولوجية الدعاي ††ة واإلش ††اعة‬.)‫ إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور‬،‫ احلس ††ن‬.3
.۱۹۸۰ ‫العدد الثاين لسنة‬
4. Moser, C.A. Survey Methods in Social Investigation,
Heinemann, London, 1967, P. 39.
5. Johnson, H. Sociology: Systematic Introduction, Routledge
and Kegan Paul, London, PP. 2-3.
6. Ibid., P. 5,
7. Catlin, P. The Science and Methods of Politics, New York,
1956, P. 114.
8. Strauss, L. What is Political Philosophy, The Free Press,
1959, PP, 42-43.
9. Ginsberg, M. Sociology, Oxford University Press, London,
1950, P.21.
10. Davis, K., Human Society, New York, 1967.

27
11. Al-Hassan, Ihsan M. The Beginning and Rise of Sociology in
Iraq, An Article Published in “Szociologia" Hungarian
Academy of Sciences, Budapest, No. 3, 1978,
P. 450.
،‫ الق ††اهرة‬،‫ دار اجلامع ††ات املص ††رية‬،‫ دراس ††ات يف علم االجتم ††اع السياس ††ي‬.)‫ حمم ††د علي (ال ††دكتور‬،‫حمم ††د‬.12
.74 ‫ ص‬،۱۹۷۸
.۱۲۰‫ ص‬،۱۹۷۹ ،‫ بغداد‬،‫ دراسة نظامية‬: ‫ علم االجتماع‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .13
14. Weber, Max. The Theory of Social and Economic
Organization, New York, 1969, P. 130.
. ۱۳-۱۱ ‫ ص‬،۱۹۷۸ ،‫ بریوت‬،‫ دار التعلم‬،‫ املقدمة‬.‫ابن خلدون‬ .15
16. Ginsberg, M. Essays in Sociology and Social Philosophy, Vol.
1, See the Ch. On the Comparative Method, Heinemann,
London, 1956.
17. Tomlin, E. The Great Philosophers of the Western World,
London, 1955, P. 61.
18. Mill, J.S. The Scientific Method, London, 1949 See the
Introduction.
19. Swedner, H. Observation and Participant Observation, A
Paper Submitted to the Unesco Seminar on Social Research
Methodology Held in Copenhagen-Denmark in 1968 ,July.
20. Moser, C.A. Survey Methods in Social Investigation, P. 169,
21. Madge, J. The Tools of Social Science, Longman, Green,
London, 1953, See the Ch. On Observation.

28
22. Firth, R. An Anthropologist's View of Mass Observation,
The Sociological Review, 31, 1939, PP. 166-93.
،‫ استعمال الطريقة اإلحصائية يف البح††وث االجتماعي††ة امليداني††ة‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .23
،‫ الس††نة الثالث††ة‬،‫ الع††دد األول‬،‫حبث منش††ور يف جمل††ة املرك††ز الق††ومي للبح††وث االجتماعي††ة واجلنائي††ة‬
.1974 ‫آذار‬
24. Jahoda, M. Deutsch, M. and Cook, S. Research Methods in
Social Relations, Vol. 1, Basic Processes, The Dryden Press,
New York, 1951, See the Introduction.

29
‫الفصل الثاني‬

‫عالقة علم االجتماع السياسي بعلم االجتماع والعلوم السياسية‬

‫يهتم علم االجتم† ††اع بدراس† ††ة الظ† ††واهر االجتماعي† ††ة الناجتة عن تعام† ††ل وتفاع† ††ل الن† ††اس بعض† ††هم م† ††ع بعض‬
‫وعالقتهم بعض ††هم ببعض يف اجلماع ††ات املختلف ††ة كاألس ††رة واجلماع ††ة الرتفيهي ††ة واملدرس ††ة واجلماع ††ة املهني ††ة‬
‫واحلزب السياسي أو يف اجملتمعات املختلفة كاحلي والقرية واملدينة‪ ،‬ولذلك ال يبع††د عن الص††واب من يق††ول‬
‫أن علم االجتماع يدرس العالقات االجتماعية اليت تنشأ بني األفراد واجلماعات من حيث تكوينها وشدهتا‬
‫وم†دى اس†تدامتها واجتاهاهتا وأه†دافها وم†ا ينظمه†ا أو يش†كلها أو يغريه†ا(‪ .)1‬وهن†اك بعض العلم†اء يعتق†دون‬
‫ب ††أن مي ††دان االجتم ††اع يش ††مل العل ††وم االجتماعي ††ة كله ††ا بض ††منها العل ††وم السياس ††ية ول ††ذلك ق ††الوا أن علم‬
‫االجتماع هو علم العل†وم(‪ .)2‬ولكن احلقيق†ة والواق†ع أن لك†ل علم من العل†وم االجتماعي†ة ك†العلوم السياس†ية‬
‫واالنثروبولوجي † ††ا والت † ††اريخ وعلم النفس ميدان † ††ه اخلاص ومص † ††طلحاته العلمي † ††ة وطرق † ††ه املنهجي † ††ة وأس † ††اليبه‬
‫الدراسية ومشكالته األكادميية اليت جتعله متم††يزا عن غ††ريه من العل††وم األخ†رى‪ ،‬ويف نفس ال††وقت مكمال هلا‬
‫طاملا أن العلوم االجتماعية كلها تدرس زوايا اجملتمع املختلفة(‪ .)3‬وملا كانت زوایا وأرك†ان اجملتم†ع متكامل†ة‬
‫فان العلوم االجتماعية ذاهتا تك†ون متكامل†ة ومرتابط†ة وال ميكن فص†ل بعض†ها عن بعض فص†ًال ک†امًال‪ ،‬فعلم‬
‫االنثروبولوجي ††ا االجتماعي ††ة ي ††درس اإلنس ††ان نفس ††ه وي ††درس مؤسس ††اته البنيوي ††ة من ناحي ††ة أص ††وهلا التكويني ††ة‬
‫وتطوره ††ا الت ††ارخيي ووظائفه ††ا وعالق ††ات بعض ††ها ببعض‪ ،‬وعلم االقتص ††اد ي ††درس الطريق ††ة ال ††يت من خالهلا‬
‫يستطيع اإلنسان كس†ب عيش†ه وتنظيم حيات†ه املادي†ة ويرك†ز على فهم واس†تيعاب فعالي†ات اإلنت†اج والتوزي†ع‬
‫واالس††تهالك والعل††وم السياس††ية ترك††ز على دراس††ة ظ††واهر الق††وة والس††لطة والعالق††ة بني الش††عب والدول††ة من‬
‫ناحي† ††ة احلق† ††وق والواجب† ††ات م† ††ع اإلش† ††ارة إىل املؤسس† ††ات السياس† ††ية من حيث وظائفه† ††ا وأه† ††دافها القريب† ††ة‬
‫والبعيدة األمد‪.‬‬

‫لكن ليس هناك قاعدة يعتمد عليها يف التمييز بني هذه العلوم‪ ،‬فالعلوم االجتماعي†ة كله†ا هتتم بدراس†ة نفس‬
‫الظ†واهر اخلارجي†ة ال†يت هي حق†ائق احلي†اة االجتماعي†ة وترك†ز على فهم وحتلي†ل نش†اطات وفعالي†ات اإلنس†ان‬

‫‪30‬‬
‫املختلفة وحتاول تعليل أسباهبا وتش†خص نتائجه†ا ومالبس†اهتا‪ .‬ان ك†ل علم من العل†وم االجتماعي†ة يث†ري ع†دة‬
‫تس††اؤالت واستفس††ارات تتعل††ق مبجال††ه النظ††ري والعلمي وحياول اإلجاب††ة عليه††ا بع††د قيام††ه باملش†اريع البحثي††ة‬
‫النظري†ة والتطبيقي†ة ه†ذه املش†اريع ال†يت متكن†ه من مجع املعلوم†ات وتص†نيفها وحتليله†ا بغي†ة التوص†ل إىل النت†ائج‬
‫النهائي†ة‪ .‬وتس†تعمل النت†ائج النهائي†ة ه†ذه يف ص†ياغة فرض†ياته ونظريات†ه وقوانين†ه الش†مولية ال†يت ت†ؤدي بالنهاي†ة‬
‫إىل تط††ويره وت††راکم م††واده النظري††ة واملنهجي††ة(‪ .)4‬أذن العل††وم االجتماعي††ة هي عل††وم جتريدي††ة ختتص بدراس††ة‬
‫األش ††ياء دراس ††ة باطني ††ة وظاهري ††ة مش ††تقة من طبيعته ††ا ومميزاهتا ومالبس ††اهتا‪ ،‬وان هن ††اك تك ††امال بينه ††ا وه ††ذا‬
‫التكامل مينحها القدرة على تفسري الظواهر االجتماعية والتنبؤ عن احلوادث اليت تقع يف املستقبل‪.‬‬

‫من اجلدير بال ††ذكر ان العل ††وم االجتماعي ††ة ختتص بدراس ††ة اإلنس ††ان يف اجملتم ††ع‪ ،‬فاحلي ††اة االجتماعي ††ة لإلنس ††ان‬
‫تتطلب وج ††ود العدي ††د من أدوات ووس ††ائل العيش املادي ††ة وغ ††ري املادي ††ة‪ ،‬وكلم ††ا ي ††رتقي اإلنس ††ان اجتماعي ††ا‬
‫وحض † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اريا كلم † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اتزداد‬
‫حض††ارته تعقي††دة وتش††عبة وتركيب††ة وتص††بح حباج††ة ماس††ة إىل التحلي††ل والدراس††ة من زواي††ا خمتلف††ة ومتنوع††ة‪،‬‬
‫واحلياة اليومية لإلنسان تفرض علي†ه تك†وين عالق†ات إنس†انية ال حص†ر هلا(‪ .)5‬فه†و عض†و يف مجاع†ات خمتلف†ة‬
‫يفكر ويشعر ويكتسب املعرفة ويف نفس الوقت يتصل باآلخرين ليكون عاداته وتقاليده ومعتقداته(‪.)6‬‬

‫واإلنس ††ان ينظم ش ††ؤونه وص ††الته ب ††اآلخرين وحيق ††ق مص ††احله عن طري ††ق الس ††لوك والتفاع ††ل والتح ††رك داخ ††ل‬
‫اجملتم ††ع السياس ††ي‪ .‬وق ††د ظه ††رت العل ††وم االجتماعي ††ة يف ب ††ادئ األم ††ر لدراس ††ة اجلوانب املتداخل ††ة واملش ††رتكة‬
‫للحي††اة االجتماعي††ة‪ .‬وق††د ك††انت يف ب††دايتها علم††ا اجتماعي††ة واح††دة ولكنه††ا م††ا لبثت أن أقس††مت إىل ف††روع‬
‫واختصاص ††ات دراس ††ية خمتلف ††ة‪ .‬ك ††ل ف ††رع يتخص ††ص جبانب معني من ج ††وانب احلي ††اة االجتماعي ††ة وبطريقت ††ه‬
‫العلمي††ة املتم††يزة‪ .‬والش††ك أن ه††ذا التخص††ص نتج يف تق††دم ه††ذه الف††روع ومنحه††ا مزي††دًا من الدق††ة والكف††اءة‬
‫والقدرة على التحليل‪ .‬ولكن تشعب الفروع الدراسية االجتماعية ال خيلو من النت†ائج الس†لبية ال†يت أث†رت يف‬
‫عالق ††ات بعض ††ها ببعض ت ††أثرية مشوش ††ة‪ .‬فق ††د ت ††رتب على ع ††زل العل ††وم وانفص ††ال بعض ††ها عن بعض تقس ††يم‬
‫النشاط اإلنساين إىل فئات ض†يقة ومتح†يزة تس†تند على ع†زل اجلوانب املتش†ابكة اللحي†اة االجتماعي†ة بص†ورة‬
‫تعس††فية وافرتاض††ية حبت††ة حبيث تص††ور البعض أن هن††اك إنس††انا اجتماعي††ة واقتص††ادية وسياس††ية وتارخيي††ة دون‬
‫إدراك التكام††ل بني ه††ذه اجلوانب‪ .‬ه††ذا فض††ال عن ع††دم إمكاني††ة جتزئ††ة اجملتم††ع إىل قطاع††ات خمتلف††ة ووض††ع‬

‫‪31‬‬
‫احلدود الصلبة بينها كما يفرتض بعض املتخصصني يف فروع العلوم االجتماعية املختلفة(‪ .)7‬هلذا جيب علين††ا‬
‫القول بأنه على الرغم من استقاللية علم االجتماع أو العلوم السياس†ية عن العل†وم االجتماعي†ة األخ†رى ف†ان‬
‫هلذه العل ††وم وش ††ائج وعالق ††ات ص ††ميمية م ††ع العل ††وم االجتماعي ††ة تتعل ††ق مبناهجه ††ا الدراس ††ية وأه ††دافها العام ††ة‬
‫ومصطلحاهتا العلمية وقوانينها الدراسية واهتماماهتا النظرية والتطبيقية‪.‬‬

‫أن علم االجتماع اآلن يهتم بدراسة اإلنسان بصفته نتاج†ا للحي†اة االجتماعي†ة(‪ .)8‬وحيل†ل ه†ذا العلم الس†لوك‬
‫االجتم††اعي وأمناط التفاع††ل والعالق††ات االجتماعي††ة ال††يت ترب††ط األف††راد وأح††دهم ب††اآلخر والع††ادات والتقالي††د‬
‫واحلض†ارة وبن†اء ووظ†ائف األنظم†ة االجتماعي†ة والقيم واملث†ل ال†يت تنظم احلي†اة االجتماعي†ة إض†افة إىل دراس†ة‬
‫أمناط املؤسس ††ات البنيوي ††ة ال ††يت يتك ††ون منه ††ا ال ††رتكيب االجتم ††اعي من حيث أسس ††ها وعناص ††رها التكويني ††ة‪.‬‬
‫أص††وهلا التارخيي††ة‪ ،‬ووظائفه††ا املؤسس††ية وأه††دافها القريب††ة والبعي††دة األم††د وأخ††ريا طبيع††ة العالق††ات االجتماعي††ة‬
‫بني أركاهنا الداخلية من جهة وبينها وبني اجملتمع الكبري من جهة أخرى(‪ .)9‬وأخريًا يهتم علم االجتماع‬

‫بدراس ††ة أس ††باب االس ††تقرار والس ††كون االجتم ††اعي ( ‪ )Social Static‬وأس ††باب التح ††ول والداينميكي ††ة‬
‫االجتماعية (‪.)10()Social Dynamic‬‬

‫أما العلوم السياسية فرتكز على دراسة الدولة وعالقتها باألفراد الذين حتكمهم وه†ذه العالق†ة غالب†ا م†ا تق†وم‬
‫على قواع ††د مق ††ررة ومقبول ††ة توص ††ف بالش ††رعية والقانوني ††ة(‪ .)11‬وهتتم العل ††وم السياس ††ية بدراس ††ة األح ††زاب‬
‫السياس††ية والس††لوك السياس††ي والقي††ادة واجلماع††ات الض††اغطة وال††رأي الع††ام وأس††س اإلدارة العام††ة‪ ،‬ويرتب††ط‬
‫هبذا املي ††دان ذل ††ك االجتاه ال ††ذي يع ††ين بدراس ††ة الدول ††ة دراس ††ة مقارن ††ة‪ .‬وترك ††ز ه ††ذه الدراس ††ة على اخلريات‬
‫السياسية واألنظمة وأمناط السلوك والعمليات اليت تظهر مصاحبة اللدول احلديثة مبختلف منائجها وغالبا ما‬
‫تع††ين العل††وم السياس††ية بتل††ك األنظم††ة ال††يت تتح††در من أص††ول اديولوجي††ة وفكري††ة مش††رتكة وع††ادات وتقالي††د‬
‫اجتماعي † ††ة متش † ††اهبة ونظم اقتص † ††ادية وثقافي † ††ة واح † ††دة ك † ††دول ال † ††وطن الع † ††ريب وال † ††دول االش † ††رتاكية ودول‬
‫الكمن ††ويلث واحلكوم ††ات الربملاني ††ة يف غ ††رب أورب ††ا‪ .‬أم ††ا املوض ††وعات ال ††يت تناقش ††ها ه ††ذه الدراس ††ات فتض ††م‬
‫القي ††ادة السياس ††ية‪ ،‬النخب ††ة احلاكم ††ة وغ ††ري احلاكم ††ة ( ‪ )Ruling and Non-Ruling Elite‬من‬

‫‪32‬‬
‫حيث مص ††ادر تكوينه ††ا والط ††ابع املم ††يز هلا‪ ،‬ودراس ††ات األح ††زاب والس ††لوك االنتخ ††ايب ومش ††كالت التنش ††ئة‬
‫السياسية والتغري السياسي واالختالفات يف االديولوجيات القومية واالشرتاكية‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫ويش† † ††رتك علم† † ††اء االجتم† † ††اع والسياس† † ††ة يف تب† † ††ين نظ† † ††رة ش† † ††املة للتنظيم االجتم† † ††اعي ف† † ††الظواهر السياس † ††ية‬
‫كاملعاه ††دات واالتفاقي ††ات وال ††ربتوكوالت السياس ††ية‪ ،‬واحلرك ††ات السياس ††ية واحلروب والس ††لطات والق ††وة‬
‫السياس† † ††ية‪ ،‬ميكن حتليله† † ††ا على ض وء البن† † ††اء االجتم† † ††اعي حبيث يص† † ††بح الواق† † ††ع السياس† † ††ي تابع† † ††ة للواق† † ††ع‬
‫االجتم ††اعي‪ ،‬واكتس ††ب میدان االجتم ††اع السياس ††ي (‪ )Political Sociology‬أمهي ††ة خاص ††ة بع ††د ان‬
‫تبل ††ورت مف ††اهیم ومص ††طلحات جدي ††دة كالنس ††ق االجتم ††اعي واجلماع ††ات السياس ††ية وبن ††اء الق ††وة والقي ††ادة‬
‫والنخبة السياسية‪ .‬واستعملت يف بن†اء وتك†وين فرض†ياته ونظريات†ه االجتماعي†ة والسياس†ية املتط†ورة والق†ادرة‬
‫على تفسري ظواهره ومالبساته(‪ .)12‬وبعد أن استخدمت الطرق املنهجية العلمية يف مجع معلومات وحقائق††ه‬
‫اليت يعتم†دها يف ش†رح وتفس†ري الظ†واهر والتف†اعالت واملش†كالت ال†يت يهتم بدراس†تها وال†يت تش†تق من جمال†ه‬
‫الدراس††ي وافق††ه النظ††ري واألك††ادميي‪ .‬وق††د ظه††ر علم االجتم††اع السياس††ي يف الف††رتة التارخيي††ة ال††يت أص††بح من‬
‫املمكن فيه††ا التمي††يز بني م††ا ه††و اجتم††اعي (‪ )Social‬وبني م††ا ه††و سياس††ي (‪ .)Political‬وميكن اعتب††ار‬
‫ع††ام ‪ 1840‬تارخيًا حمدد لظه††ور ه††ذا العلم خصوص †ًا بع††د قي††ام م††اركس بانتق††اد فلس††فة هيج††ل وقي††ام ف††ون‬
‫ش††تاين بتحلي††ل ت††اريخ احلرك††ات االجتماعي††ة يف أورب††ا خالل الق††رن التاس††ع عش††ر‪ .‬ويف تنفس الف††رتة الزمني††ة‬
‫ظهر مصطلح اجملتمع املدين (‪ )Civil Society‬الذي كان مثرة تفكري وتأمل لف†رتة طويل†ة من ال†زمن‪ .‬اذ‬
‫ساعدت كتابات هوبز ولوك وروسو وأخريا هيجل يف توضيحه وإضافة أبعاد جديدة له‪ .‬وخالل منتص††ف‬
‫الق ††رن التاس ††ع عش ††ر أص ††بح اجملتم ††ع يع ††ين نس ††ق العالق ††ات االجتماعي ††ة املتبادل ††ة‪ .‬وق ††د ظه ††رت في ††ه الطبق ††ات‬
‫االجتماعي††ة املتخاص††مة ال††يت ع††رب عنه††ا م††اركس يف كتاب††ه رأس املال‪ .‬وظه††ور الطبق††ات ك††ان بس††بب امتالك‬
‫املادة والقوة والنفوذ االجتماعي من قبل فئة اجتماعية وعدم امتالكها من قبل الفئة أو الطبقة األخ††رى(‪.)13‬‬
‫وحقيق††ة كه††ذه تث††ري الص††راع بني ه††اتني الطبق††تني‪ ،‬والص††راع يق††ود إىل إعالن الث††ورة االجتماعي††ة والسياس††ية‬
‫وحتول اجملتم††ع برمت††ه من ش††كل آلخ††ر‪ .‬ومث††ل ه††ذه احلق††ائق ت††دل على أن الظ††واهر السياس††ية ك††الثورة وتب††دل‬
‫نظ ††ام احلكم تعتم ††د على حقيق ††ة البن ††اء الطبقي‪ .‬وأص ††بح املختص ††ون يف االجتم ††اع والسياس ††ة يتفق ††ون على‬
‫ض††رورة تفس††ري الظ††واهر السياس††ية مبوجب معطي††ات العالق††ات االجتماعي††ة ال††يت تس††ود اجملتم††ع بأس††ره‪ .‬وق††د‬

‫‪33‬‬
‫اعرتف ماكس فيرب يف أحد مقاالته حول العالقة بني السياسة والدين ب††ان اجملتم††ع السياس††ي حيب فص††له عن‬
‫اجملتم††ع ال††ديين خصوص††ا بع††د تط††ور اجملتم††ع البش††ري مادي†ًا وحض††ارية وبع††د انتش††ار األفك††ار التحرري††ة خالل‬
‫ف ††رتة اإلص ††الح ال ††ديين ال ††يت ك ††انت ت ††دعو إىل حترر أفك ††ار اإلنس ††ان وقرائح ††ه من ض ††غوط وقي ††ود الكنيس ††ة‬
‫البابوي††ة‪ .‬كم††ا ن††ادي في††رب بض††رورة فص††ل الدول††ة عن اجملتم††ع املدين نتيج††ة لنم††و وتط††ور الربجوازي††ة حيث أن‬
‫(‪)14‬‬
‫واجبات وحقوق اجملتمع ختتلف عن واجبات وحلوق الدولة ‪ .‬وقد توضع ه†ذا االختالف واص†بح ب†ارزًا‬
‫بع ††د تعق ††د اجملتم ††ع املدين وزي ††ادة حاج ††ات أبنائ ††ه وبع ††د التق ††دم التكنول ††وجي والعلمي واملادي ال ††ذي ش ††هده‬
‫اجملتم††ع ال††ربجوازي بع††د الث††ورة الص††ناعية‪ ،‬واخلالص††ة أن الفك††ر السياس††ي املعاص††ر ظه††ر نتيج††ة وج††ود تي††ارين‬
‫اجتم††اعيني أساس††يني‪ :‬األول يهتم ب††التمييز بني اجملتم††ع والدول††ة أي بني م††ا ه††و اجتم††اعي وم††ا ه††و سياس††ي‪.‬‬
‫وقد توصل إىل نتيجة مفادها بأن الظواهر السياسية حمكومة بنفس القوانني اليت حتكم الظواهر االجتماعي††ة‪.‬‬
‫والث††اين يتعل††ق بالص††فات الثنائي††ة للسياس††ة أي كوهنا أداة لإلدارة والض††بط ومتش††ية أم††ور األف††راد يف اجملتم††ع‪،‬‬
‫وكوهنا أداة حلل وإزالة الصراع بني اجلماعات واألفراد حول املصاحل واألهداف والطموحات اليت حياولون‬
‫حتقيقها من خالل تعاوهنم أو تنافسهم مع اآلخرين(‪.)15‬‬

‫عالقة علم االجتماع السياسي بعلم االجتماع‬

‫إذا فهمن ††ا وأدركن ††ا ماهي ††ة علم االجتم ††اع السياس ††ي وطبيعت ††ه وأغراض ††ه ومنهجيت ††ه وقارناه ††ا مباهي ††ة وطبيع ††ة‬
‫وأغ ††راض ومنهجي ††ة علم االجتم ††اع فإنن ††ا نس ††تطيع اس ††تنتاج وحتلي ††ل أوج ††ه الش ††به واالختالف بني العلمني‬
‫وبالت ††ايل معرف ††ة واس ††تيعاب العالق ††ة املتفاعل ††ة بينهم ††ا‪ ،‬فعالق ††ة علم االجتم ††اع السياس ††ي بعلم االجتم ††اع هي‬
‫عالق††ة وثيق††ة ومرتس††خة إذ ال ميكن للعلمني االس††تقالل واالنفص††ال عن بعض††هما البعض طاملا أن األخص††ائي‬
‫االجتماعي يعتم†د على دراس†ات وأحباث علم االجتم†اع السياس†ي ل†دى معرفت†ه أث†ر العوام†ل االجتماعي†ة يف‬
‫األح ††داث السياس ††ية والنت ††ائج واالنعكاس ††ات ال ††يت ترتكه ††ا ه ††ذه األح ††داث على البني ††ة االجتماعي ††ة‪ .‬كم ††ا أن‬
‫الع ††امل االجتم ††اعي السياس ††ي يعتم ††د على دراس ††ات علم االجتم ††اع يف فهم العالق ††ة املتفاعل ††ة بني مؤسس ††ات‬
‫اجملتم††ع وأث††ر اإلنس††ان فيه††ا‪ ،‬إض††افة إىل اس††تعمال مص††طلحات ومنهجي††ة ونظري††ات علم االجتم††اع يف دراس††ة‬
‫الظواهر والعمليات والتفاعالت االجتماعية والسياسية اليت يتخصص فيها العامل االجتماعي السياسي‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫إن عالقة علم االجتماع السياسي بعلم االجتماع تتجسد حبقيقة كون علم االجتماع السياسي فرع††ا مهم††ا‬
‫من فروع علم االجتماع وكون علم االجتم†اع أق†رب املواض†يع العلم االجتم†اع السياس†ي‪ .‬فعلم االجتم†اع‬
‫السياس††ي يعتم††د على علم االجتم††اع يف ص††ياغة وع††رض نظريات††ه ويف ط††رح ورب††ط قوانين††ه الكوني††ة بعض††ها‬
‫ببعض ويف دراس††ته للواق††ع السياس††ي دراس††ة اجتماعي††ة مش††تقة من طبيعت††ه ومالبس††اته والعوام††ل املتش††عبة ال††يت‬
‫تؤثر فيه(‪ .)16‬لكن علم االجتماع كما أسلفنا هو علم واسع بدرس مجيع أنظمة ومؤسسات اجملتم††ع دراس††ة‬
‫عام† ††ة وش† ††املة‪ ،‬ومث† ††ل ه† ††ذه الدراس† ††ة تس† ††اعده على اش† ††تقاق الق† ††وانني العام† ††ة ال† ††يت تفس† ††ر حقيق† ††ة الوج ††ود‬
‫االجتم† ††اعي مبا في† ††ه من تعق† ††د وتش† ††عب وغم† ††وض‪ .‬ويهتم علم االجتم† ††اع بدراس† ††ة الفع† ††ل ورد الفع† ††ل بني‬
‫املؤسسات املادية واملثالية للمجتمع وحيدد العوامل اليت ترسم العالق†ة بينه†ا وت†دفعها حنو التب†اين واالختالف‬
‫أو التماسك والتكامل‪ .‬ويدرس علم االجتماع أيضًا الع†ادات والتقالي†د والقيم واملق†اييس واملث†ل االجتماعي†ة‬
‫ويشخص أثرها يف بناء وتكوين النماذج السلوكية ألفراد ومجاعات اجملتمع كما يرك†ز على دراس†ة أس†باب‬
‫الس††كون واالس††تقرار االجتم††اعي ودراس††ة احلرك††ة والداينميكي††ة االجتماعي††ة‪ ،‬إض ††افة إىل اهتمامات††ه بفحص‬
‫نت ††ائج االس ††تقرار والداينميكي ††ة االجتماعي ††ة على اإلنس ††ان واجملتم ††ع الكب ††ري‪ ،‬وأخ ††ريًا ي ††درس علم االجتم ††اع‬
‫مشكالت اجملتمع املادية واحلضارية دراسة اعلمية وحتليلي†ة تتط†رق إىل أس†باهبا ونتائجه††ا والظ†واهر اإلنس†انية‬
‫املرضية اليت جتلبه†ا للمجتم†ع مث يق†رتح اإلج†راءات واحلل†ول ال†يت من ش†أهنا أن تع†اجل ه†ذه املش†كالت وتض†ع‬
‫حدًا هلا‪ .‬أما علم االجتماع السياسي فيختص بدراسة املؤسسات السياسية والظواهر واملشكالت السياسية‬
‫دراسة اجتماعية علمية وحتليلية هتدف حنو تشخيص وحتليل العوامل االجتماعية واحلضارية ال††يت تق††ف وراء‬
‫الظ ††واهر واألح ††داث السياس ††ية‪ ،‬وت ††رمي إىل دراس ††ة األص ††ول واجلذور االجتماعي ††ة للمنظم ††ات واملؤسس ††ات‬
‫السياسية يف اجملتمع(‪ .)17‬إضافة إىل اهتمام علم االجتماع بدراسة اآلثار االجتماعي†ة واحلض††ارية ال†يت ترتكه††ا‬
‫الظ††واهر واألح††داث السياس††ية ال††يت تق††ع يف اجملتم††ع ك††الثورات السياس††ية‪ ،‬واملعاه††دات واالتفاقي††ات الدولي††ة‪،‬‬
‫واالضطرابات السياسية واحلروب‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫إن عالق † ††ة علم االجتم † ††اع بعلم االجتم † ††اع السياس † ††ي هي عالق † ††ة وطي † ††دة تنعكس يف حقيق † ††ة اعتم † ††اد علم‬
‫االجتم††اع على دراس††ات وأحباث ونت††ائج وأحك††ام علم االجتم††اع السياس††ي‪ .‬ه††ذه املعلوم††ات ال††يت تس††اعده‬
‫على فهم ومعرف ††ة طبيع ††ة املؤسس ††ات السياس ††ية‪ ،‬ال ††يت يدرس ††ها الع ††امل االجتم ††اعي جنب ††ا إىل جنب م ††ع بقي ††ة‬

‫‪35‬‬
‫املؤسسات االجتماعية البنيوية األخرى‪ ،‬من حيث نشوءها وتطورها وأسس††ها االجتماعي††ة والعوام††ل املؤثرة‬
‫يف دميومته ††ا واس ††تقرارها وص ††ريورهتا‪ .‬ومث ††ل ه ††ذه املعلوم ††ات يس ††تفيد منه ††ا الع ††امل االجتم ††اعي عن ††د دراس ††ته‬
‫وحتليل ††ه للعوام ††ل والظ ††واهر املش ††رتكة ال ††يت تظه ††ر يف املنظم ††ات السياس ††ية‪ .‬أم ††ا أمهي ††ة علم االجتم ††اع لعلم‬
‫االجتماع السياسي فتتجسد بقابلية علم االجتماع على حتليل وتفسري ماهية الظ††واهر والعوام††ل االجتماعي††ة‬
‫ال ††يت ت ††ؤثر يف اس ††تقرار وداينميكي ††ة اجملتم ††ع وتتجس ††د بالعالق ††ة العض ††وية بني مؤسس ††ات اجملتم ††ع املختلف ††ة ويف‬
‫العوام††ل الذاتي††ة واملوض††وعية ال††يت ت††ؤثر يف العالق††ات االجتماعي††ة والس††لوك االجتم††اعي لألف††راد وأخ††ريا ت††ربز‬
‫أمهي††ة علم االجتم††اع بدراس††ته للتفاع††ل العض††وي بني الف††رد واجلماع††ة واجملتم††ع وقدرت††ه على تفس††ري ظ††واهر‬
‫االستقرار واحلركة االجتماعية وتشخيص القوانني اليت حتكمها وتسيطر على فاعليتها(‪.)18‬‬

‫ومث††ل ه††ذه احلق††ائق واملعلوم††ات يس††تفيد منه††ا الع††امل االجتم††اعي السياس††ي فائ††دة كب††رية عن††د قيام††ه بدراس††ة‬
‫وحتليل األحداث والظواهر واملؤسسات السياسية يف اجملتمع‪.‬‬

‫أما أوجه الشبه والتكامل بني علم االجتماع وعلم االجتماع السياسي فيمكن درجها بالنقاط التالية ‪:‬‬

‫أن علم االجتم ††اع ي ††درس مجي ††ع مؤسس ††ات اجملتم ††ع دراس ††ة بنائي ††ة وظيفي ††ة ودراس ††ة حتولي ††ة يف آن‬ ‫‪-1‬‬
‫واح† ††د‪ .‬فالع† ††امل االجتم† ††اعي ي† ††درس مثال املؤسس† ††ات االقتص† ††ادية واملؤسس† ††ات السياس† ††ية دراس† ††ة‬
‫تفص ††يلية وحتليلي ††ة مث يرب ††ط بينه ††ا ربط †ًا س ††ببيًا وعقالني ††ة يس ††تهدف فهم أث ††ر األح ††داث السياس ††ية يف‬
‫الظواهر االقتصادية أو أثر األحداث االقتصادية يف األح†داث السياس†ية‪ .‬وعلم االجتم†اع السياس†ي‬
‫ي† † ††درس الفع† † ††ل ورد الفع† † ††ل بني املؤسس† † ††ات السياس† † ††ية واجملتم† † ††ع أي ي† † ††درس األس† † ††باب والنت† † ††ائج‬
‫االجتماعية لألح†داث والظ†واهر السياس†ية‪ .‬اذن ك†ل من علم االجتم†اع وعلم االجتم†اع السياس†ي‬
‫يدرسان الفعل ورد الفعل بني املؤسسات السياسية وبقية مؤسسات اجملتمع ‪.‬‬
‫يس ††تعمل علم االجتم ††اع السياس ††ي نفس املص ††طلحات ال ††يت يس ††تعملها علم االجتم ††اع کاص ††طالح‬ ‫‪-2‬‬
‫املؤسس ††ة واملنظم ††ة‪ ،‬ال ††دور واملنزل ††ة‪ ،‬الق ††وة والنف ††وذ‪ ،‬الطبق ††ة والنخب ††ة‪ ،‬أبن ††اء الق ††وة وبن ††اء النخب ††ة‪،‬‬
‫االستقرار والتغري االجتماعي‪ ،‬الدميقراطي†ة واألتوقراطي†ة‪ ،‬الديكتاتوري†ة والكرزماتيكي†ة‪ ...‬اخل‪ .‬كم†ا‬

‫‪36‬‬
‫أن مع ††اين املص ††طلحات ه ††ذه والطريق ††ة ال ††يت تس ††تعمل يف بن ††اء الفرض ††يات والنظري ††ات والتعب ††ري عن‬
‫األفكار واملفاهيم هي واحدة ومتكاملة وال ميكن التفريق بينها مطلقًا‪.‬‬
‫تشابه الطرق املنهجية والعلمية اليت يستعملها العلمان يف مجع املعلومات واحلقائق وصياغة املفاهيم‬ ‫‪-3‬‬
‫والفرض ††يات والنظري ††ات‪ .‬ان كال العلمني يس ††تعمالن الطريق ††ة التارخيي ††ة وطريق ††ة املقارن ††ة وطريق ††ة‬
‫املسح االجتماعي امليداين وطريقة املشاهدة واملشاهدة باملشاركة ‪.‬‬
‫أن كال العلمني يتقي††دان باملن††اهج واألس††اليب العلمي††ة ال††يت تتبعه††ا العل††وم االجتماعي††ة والطبيعي††ة على‬ ‫‪-4‬‬
‫ح ††د س ††واء ويتم ††يزان بالص ††فات العلمي ††ة واملوض ††وعية ال ††يت تتس ††م هبا بقي ††ة العل ††وم ككوهنم ††ا علمني‬
‫نظ † ††ريني وتطبيق † ††يني يف آن واح † ††د‪ ،‬وأن أس † ††اليبهما البحثي † ††ة والتحليلي † ††ة تتم † ††يز باجلانب االم † ††ربيقي‬
‫واملوض ††وعي‪ .‬كم ††ا أن نظرياهتم ††ا وقوانينهم ††ا الكوني ††ة قابل ††ة للزي ††ادة والك ††ثرة وال ††رتاكم‪ ،‬إض ††افة إىل‬
‫كوهنما علومة هتتم بالوصف والتحلي†ل والع†رض وال هتتم ب†التقييم الفلس†في واألحك†ام القيمي†ة ال†يت‬
‫تشغل بال الفلسفة والدين والالهوت‪.‬‬

‫وب ††الرغم من تش ††ابه العلمني ف ††ان هن ††اك مثة فروق ††ا أساس ††ية بينهم ††ا وه ††ذه الف ††روق ميكن تلخيص ††ها بالنق ††اط‬
‫التالية ‪:‬‬

‫ي††درس علم االجتم††اع اجملتم††ع برمت††ه مبا في††ه من مؤسس††ات ومنظم††ات اجتماعي††ة‪ ،‬س††لوك وعالق†ات‬ ‫‪-1‬‬
‫اجتماعي ††ة‪ ،‬س ††کون وداينميكي ††ة اجتماعي ††ة‪ .‬بينم ††ا ي ††درس علم االجتم ††اع السياس ††ي أث ††ر العوام ††ل‬
‫االجتماعي ††ة واحلض ††ارية يف احلوادث السياس ††ية وي ††درس يف نفس ال ††وقت نت ††ائج احلوادث السياس ††ية‬
‫على الفرد واجلماعة واجملتمع‪.‬‬
‫أن حق††ل علم االجتم††اع أوس††ع بكث††ري من حق††ل علم االجتم††اع السياس††ي حيث أن علم االجتم††اع‬ ‫‪-2‬‬
‫ي††درس احلي††اة االجتماعي††ة برمته††ا‪ ،‬بينم††ا علم االجتم††اع السياس††ي ي††درس العالق††ة الديلكتيكي††ة بني‬
‫املؤسسات السياسية واجملتمع‪.‬‬
‫أن حقل علم االجتماع أقدم تارخيية من حقل االجتماع السياسي‪ .‬فاحلقل األخ†ري ظه†ر بع†د تعق†د‬ ‫‪-3‬‬
‫احلي ††اة السياس ††ية يف اجملتم ††ع وبع ††د زي ††ادة أمهي ††ة الدول ††ة وارتف ††اع هيبته ††ا نتيج ††ة للخ ††دمات الكث ††رية‬
‫واملتفرعة اليت تقدمها لألفراد واجلماعات وبعد تشابك وتظافر املنظمات السياس†ية وحاج†ة اجملتم†ع‬

‫‪37‬‬
‫املاس ††ة ل ††ه‪ .‬فالدول ††ة ال ††يت هي من أك ††رب وأق ††دم املنظم ††ات السياس ††ية يف اجملتم ††ع مس ††ؤولة عن ختطي ††ط‬
‫اجملتم†ع وتلبي†ة حاجات†ه والعم†ل على إزال†ة مش†اكله وس†لبياته خصوص†ًا بع††د تعق††د احلي†اة االجتماعي†ة‬
‫وزيادة العوامل والقوى املؤثرة فيها وبعد تط†ور ومنو اجملتم†ع البش†ري يف األص†عدة املادي†ة والروحي†ة‬
‫والقيمية‪.‬‬
‫يع††ين علم††اء االجتم††اع بدراس††ة أث††ر القيم والقواع††د االجتماعي††ة يف الرواب††ط القائم††ة بني الوح††دات‬ ‫‪-4‬‬
‫االجتماعية املختلفة اليت تكون النظام االجتماعي الكب†ري‪ .‬يف حني يع††ين علم†اء االجتم†اع السياس†ي‬
‫(‬
‫بدراسة العالق†ة املتفاعل†ة بني اجملتم†ع ونظ†ام احلكم أي بني الب†ىن االجتماعي†ة واملؤسس†ات السياس†ية‬
‫‪.)19‬‬

‫عالقة علم االجتماع السياسي بالعلوم السياسية‬

‫ال نس ††تطيع فهم وإدراك طبيع ††ة العالق ††ة املتفاعل ††ة بني ه ††ذين العلمني دون معرفتن ††ا لطبيعتهم ††ا ومنهجيتهم ††ا‬
‫وأه† ††دافهما وأبعادمها وجماالهتم† ††ا النظري† ††ة والتطبيقي† ††ة ودون تش† ††خيص الف† ††وارق اجلوهري† ††ة بينهم† ††ا كعلمني‬
‫مس ††تقلني تربطهم ††ا رواب ††ط علمي ††ة ومنهجي ††ة ونظري ††ة قوي ††ة ومتماس ††كة‪ .‬ف ††العلوم السياس ††ية هي من العل ††وم‬
‫االجتماعي††ة املهم††ة ال††يت هتتم بدراس††ة أص††ول وبني††ات ووظ††ائف واديولوجي††ة األنظم††ة واألح††داث والظ††واهر‬
‫السياسية يف اجملتمع وتركز على تفسري أسباب ظهورها ودميومتها وتغريها من فرتة ألخرى(‪.)20‬‬

‫أن العلوم السياسية تدرس الدولة دراسة مفصلة وهتتم بتحلي†ل العالق†ة بني األف†راد والس†لطات‪ ،‬ه††ذه العالق†ة‬
‫اليت تقوم على قواعد ومربرات شرعية يعرتف هبا الطرفان‪ .‬ه††ذا فض††ال عن اهتم†ام العل†وم السياس†ية بدراس†ة‬
‫األح††زاب السياس††ية والس††لوك السياس††ي‪ ،‬القي††ادة واجلماع††ات الض††اغطة‪ ،‬ال††رأي الع††ام وأس††س اإلدارة العام††ة‪.‬‬
‫وت††درس العل††وم السياس††ية حق††ل العالق††ات الدولي††ة ه††ذا احلق††ل ال††ذي يع††اجل املس††ائل والقض††ايا ال††يت تظه††ر على‬
‫املس†رح السياس††ي ال††دويل‪ .‬ومن اجلدير بال††ذكر أن نط††اق الظ††واهر السياس††ية ذات الط††ابع ال††دويل واس††ع ج††دا‬
‫حبيث ميكن تقس† ††يمه إىل أقس† ††ام فرعي† ††ة كالق† ††انون ال† ††دويل والعالق† ††ات الدولي† ††ة والسياس† ††ة الدولي† ††ة والتنظيم‬
‫الدويل‪ .‬ويسعی علم السياسية يف هذا امليدان بصورة عامة إىل حتليل طبيعة العالقات بني دول العامل وتق††ييم‬
‫عوامل الصراع وأسباب التعاون بينها‪ .‬وهناك موضوع النظرية السياسية (‪ )Political Theory‬الذي‬

‫‪38‬‬
‫(‬
‫هتتم به العل†وم السياس†ية‪ .‬وينص†ب اهتم†ام ه†ذا املوض†وع على دراس†ة األس†اس الفلس†في والفك†ري للسياس†ة‬
‫‪ .)21‬وواجب الع††امل السياس††ي املتخص††ص يف ه††ذا املي††دان الدراس††ي ينحص††ر يف نقط††تني أساس††يتني مها عملي††ة‬
‫التعريف والتعميم والتصنيف الض†رورية لص†ياغة املف††اهيم واملص†طلحات ال†يت ي†دور حوهلا التفك†ري السياس†ي‪،‬‬
‫والثانية هي اكتشاف طبيعة اجملتم†ع السياس†ي ووظائف†ه وأغراض†ه‪ ،‬إض†افة إىل دراس†ة ال†رتاث السياس†ي ال†ذي‬
‫يتض ††من األفك ††ار واملذاهب واالديولوجي ††ات ال ††يت تش ††كل اإلط ††ار الش ††امل للسياس ††ة كك ††ل‪ .‬ام ††ا حق ††ل علم‬
‫االجتم††اع السياس††ي فيش††مل دراس††ة العوام††ل واملتغ††ريات االجتماعي††ة ال††يت تكمن خل††ف الظ††واهر واألح††داث‬
‫والقوى السياسية‪ ،‬تشريح املؤسسات السياس†ية تش†رحية سس†يولوجيا‪ ،‬حتلي†ل العالق†ة الديلكتيكي†ة بني الدول†ة‬
‫واجملتم ††ع من خالل دراس ††ة أمهي ††ة ك ††ل منهم ††ا لآلخ ††ر‪ ،‬وأخ ††ريًا دراس ††ة احلرك ††ات االجتماعي ††ة ذات األبع ††اد‬
‫السياس†ية دراس†ة حتليلي†ة وعلمي†ة تس†تهدف اس†تيعاب أس†باب ظهوره†ا‪ ،‬تطوره†ا‪ ،‬وظائفه†ا وأه†دافها وأخ†ريًا‬
‫الوس†ائل ال†يت تس†تعملها يف الوص††ول إىل مراك†ز الق††وة واحلكم‪ .‬إض††افة إىل قي†ام العلم بتط†وير أسس†ه املنهجي†ة‬
‫وزيادة نظرياته وقوانينه الكونية اليت تنتج يف منوه ونضوجه وتطوره ‪.‬‬

‫أن العلوم السياسية حتتاج إىل اختصاص علم االجتماع السياس†ي حاج†ة ماس†ة وذل†ك لقدرت†ه على تزوي†دها‬
‫باحلق†ائق والق†وانني االجتماعي†ة ال†يت تفس†ر الس†لوك السياس†ي تفس†ريا عقالني†ة وعلمي†ة‪ ،‬ولكفاءت†ه على ختمني‬
‫النت††ائج االجتماعي††ة ال††يت تتمخض عن الس††لوك السياس††ي واألح††داث السياس††ية ال††يت تأخ††ذ مكاهنا يف اجملتم††ع‬
‫إض††افة إىل مس††اعدة العل††وم السياس††ية على فهم املؤسس††ات السياس††ية من خالل دراس††ة عالقته††ا باملؤسس††ات‬
‫البنيوية األخرى اليت تتفاعل معها يف احلياة العلمية(‪ .)22‬وأخريًا يلعب علم االجتماع السياس††ي ال††دور الكب††ري‬
‫يف فهم وإدراك عملي† ††ة التح† ††ول احلض† ††اري واالجتم† ††اعي ال† ††يت متر هبا املؤسس† ††ات واملنظم† ††ات السياس† ††ية يف‬
‫اجملتم††ع‪ .‬فالع††امل االجتم††اعي السياس††ي ي††زود الع††امل السياس††ي مبعلوم††ات قيم††ة عن ق††وانني التح††ول االجتم††اعي‬
‫للمؤسسات السياسية وعن أسباب ونتائج حتول املؤسسات السياسية وعالقة حتول هذه املؤسسات يتحول‬
‫املؤسس ††ات األخ ††رى هك ††ذا‪ .‬أم ††ا أمهي ††ة العل ††وم السياس ††ية لعلم االجتم ††اع السياس ††ي فال تق ††ل عن أمهي ††ة علم‬
‫االجتم†اع السياس†ي للعل†وم السياس†ية‪ .‬ف†العلوم السياس†ية ت†زود الع†امل االجتم†اعي مبعلوم†ات مفص†لة ومس†هبة‬
‫عن املؤسس ††ات واملنظم ††ات السياس ††ية من حيث أص ††وهلا التكويني ††ة‪ ،‬بنائه ††ا‪ ،‬وظائفه ††ا‪ ،‬أحكامه ††ا وقوانينه ††ا‬
‫وتطوره††ا‪ ،‬وت††زوده ك††ذلك حبق††ائق وبيان††ات مهم††ة عن الظ††واهر السياس††ية املختلف††ة كالتص††ويت السياس††ي‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫ال††وعي السياس††ي‪ ،‬الص††راع السياس††ي‪ ،‬التكام††ل السياس††ي‪ ،‬املس††ؤولية السياس††ية‪ ،‬الس††يطرة السياس††ية ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫وأخ††ريا جته††زه مبعلوم††ات وتفص††يالت نظري††ة ووص††فية وحتليلي††ة عن األح††داث السياس††ية ال††يت تق††ع يف اجملتم††ع‬
‫كاالتفاقي † ††ات واملعاه † ††دات السياس † ††ية‪ ،‬االس † ††تقرار السياس † ††ي‪ ،‬القالق † ††ل واالض † ††طرابات السياس † ††ية‪ ،‬احلروب‬
‫والص†راعات السياس†ية والعس†كرية بني ال†دول‪ ...‬اخل‪ .‬ومث†ل ه†ذه املعلوم†ات يس†تفيد منه†ا الع†امل االجتم†اعي‬
‫السياس ††ي فائ ††دة كامل ††ة يف دراس ††ته الس ††لوك السياس ††ي واألح ††داث السياس ††ية دراس ††ة سس ††يولوجية ال تكتفي‬
‫بفحص ماهيتها و جوانبها السياس†ية فق†ط ب†ل ت†ذهب إىل العوام†ل اجملتمعي†ة املختلف†ة ال†يت ت†ؤثر فيه†ا وتعطيه†ا‬
‫ص ††فاهتا املس ††تقرة وطابعه ††ا املتم ††يز‪ .‬كم ††ا تتجس ††د الوظ ††ائف ال ††يت تق ††وم هبا العل ††وم السياس ††ية لعلم االجتم ††اع‬
‫السياس††ي باملص††طلحات العلمي††ة ال††يت تس††تعملها العل††وم السياس††ية وال††يت اس††تعار الع††امل االجتم††اعي السياس††ي‬
‫الكثري منها واستعملها يف بناء فرضيائه وص†ياغة قوانين†ه وأحكام†ه العلمي†ة‪ ،‬ومن ه†ذه املص†طلحات مص†طلح‬
‫الق† † ††وة السياس† † ††ية‪ ،‬النخب† † ††ة‪ ،‬اجلماع† † ††ات الض† † ††اغطة‪ ،‬الكرزم† † ††ة‪ ،‬الدكتاتوري† † ††ة واالتوقراطي† † ††ة واألوليكاركي † ††ة‬
‫والدميقراطي††ة‪ ،‬االس††تقرار واالض††طراب السياس††ي‪ ...‬اخل‪ .‬إض††افة إىل اعتم††اد الع††امل االجتم††اعي السياس††ي على‬
‫العل††وم السياس††ية من ناحي††ة الط††رق املنهجي††ة ال††يت تس††تعملها األخ††رية كالطريق††ة الفلس††فية والطريق††ة التارخيي††ة‬
‫وطريقة املقارنة‪ .‬ومثل هذه الطرق تلعب الدور املؤثر يف زيادة وت††راكم فرض††يات ونظري††ات علم االجتم††اع‬
‫السياسي وتقود إىل منوه وتطوره واتساع مادته العلمية ‪.‬‬

‫أم††ا الف††روق املوض††وعية بني العل††وم السياس††ية وعلم االجتم††اع السياس††ي فيمكن تلخيص††ها بالنق††اط اجلوهري††ة‬
‫التالية‪:‬‬

‫تتخصص العلوم السياسية بدراس†ة الس†لوك السياس†ي واملؤسس†ات السياس†ية واألح†داث والظ†واهر السياس†ية‬
‫ال††يت تق††ع يف اجملتم††ع‪ ،‬بينم††ا يتخص††ص علم االجتم††اع السياس††ي بدراس††ة األس††باب والنت††ائج االجتماعي††ة ال††يت‬
‫تتمخض عن السلوك السياسي ‪.‬‬

‫أن حق ††ل العل ††وم السياس ††ية أوس ††ع بكث ††ري من حق ††ل علم االجتم ††اع السياس ††ي‪ ،‬ف ††العلوم السياس ††ية تتخص ††ص‬
‫بدراسة مجيع املؤسسات السياسية دراسة عامة ومشولية يف حني يتخصص علم االجتم†اع السياس†ي بدراس†ة‬
‫احلقائق واملتغريات االجتماعية اليت تقف خلف السلوك السياسي ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫أن حقل العلوم السياسية أقدم تارخييا من حقل علم االجتماع السياسي‪ .‬فقد نشأ علم االجتماع السياس††ي‬
‫بع††د تعق††د وتش††عب أجه††زة الدول††ة وتض††خم وظائفه††ا ومس††ؤولياهتا وبع††د تف††رع علم االجتم††اع إىل حق††ول‬
‫دراسية أخصائية هتتم بدراسة وحبث اجلوانب املختلفة للمجتمع دراسة عميقة وشاملة‪ ،‬أما العلوم السياس†ية‬
‫فقد ظهرت منذ القدم وقد صاحب ظهورها نشوء الدولة واجملتمع واملاكنة اإلدارية والسياسية ال††يت تتحم††ل‬
‫مسؤولية حكم اجملتمع والسيطرة على شؤونه‪.‬‬

‫أن علم السياس ††ة وعلم االجتم ††اع السياس ††ي يدرس ††ان نفس الظ ††واهر االجتماعي ††ة غ ††ري أن إط ††ار حبث ك ††ل‬
‫منهم††ا خيتل††ف عن اآلخ††ر‪ ،‬فموض ††وعهما املش††رتك ه ††و الوق††ائع السياس††ية‪ ،‬غ ††ري أن علم السياس††ة يدرس††ها يف‬
‫إطار الدولة بينما يدرس†ها علم االجتم†اع السياس†ي يف إط†ار اجملتمع†ات السياس†ية ال†يت س†بقت وج†ود الدول†ة‬
‫أو عاصرهتا(‪.)23‬‬

‫الهوامش والمصادر‬

‫‪1- Ginsberg, Morris. Sociology, Oxford University Press,‬‬


‫‪London, 1950, P.7.‬‬
‫‪2- Davis, K. Human Society, Macmillan Co., London, 1967, P.‬‬
‫‪11.‬‬
‫‪3- Sorokin, P. Contemporary Sociological Theories, New‬‬
‫‪York, 1956, P. 43.‬‬

‫‪41‬‬
4- Sprott, W.H. Sociology, Huchinson University Library,
London, 1968, P. 33.
5- Ginsberg, Morris. Sociology, P.9.
6- Parsons, T. and Shils, E. Toward A General Theory of
Action, Cambridge, 1952, P. 190.
7- Hobhouse, L.T. Social Evolution and Political Theory, New
York, 1951, PP. 16-18.
8- Kvasov, G. Sociology and Moral Progress, An Article
Published in Social Sciences, Vol. IX. No. 3, 1978, Moscow,
P. 124.
9- Radcliffe - Brown, A. The Structure and Functions of
Primitive Society, London, 1952, P.9.
.43 ‫ ص‬،۱۹۷۸ ،‫ بریوت‬،‫ دار القلم‬،‫ املقدمة‬: ‫ابن خلدون‬ -10
11- Garner, S. Political Science and Government, London, 1959,
P. 36.
،‫ دار اجلامع ††ات املص ††رية‬،‫ دراس ††ات يف علم االجتم ††اع السياس ††ي‬.)‫ حمم ††د علي (ال ††دكتور‬،‫حمم ††د‬ -12
.47-46 ‫ ص‬،۱۹۷۷
13- Freedman, R. Marx on Economics, a Pelican Book,
Middlesex, England, 1968, P. 13.
14- Bendix, R. Max Weber: An Intellectual Portrait, Beacon
Press, New York, 1966, PP. 22-24.
15- Machiavelli, N. The Prince, Penguin Books, Middlesex,
England, 1970, P. 16-17.

42
‫‪16- Lipset, Sim. Political Sociology, an Article in Sociology‬‬
‫‪Today: Problems and Prospects, New York, 1959, P. 54.‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬بغداد‪ ،۱۹۸۰ ،‬ص‪.۱۰-۹‬‬ ‫‪-17‬‬
‫احلس† ††ن‪ ،‬إحس† ††ان حمم† ††د (ال† ††دكتور)‪ .‬عالق† ††ة البن† ††اء الطبقي بالتحص† ††يل العلمي لألطف† ††ال دراس† ††ة‬ ‫‪-18‬‬
‫منشورة يف جملة العلوم االجتماعية‪ ،‬العدد الرابع‪.۱۹۸۰ ،‬‬
‫األس ††ود‪ ،‬ص ††ادق (ال ††دكتور)‪ .‬علم االجتم ††اع السياس ††ي‪ ،‬بغ ††داد‪ ،‬مطبع ††ة اإلرش ††اد‪ ،۱۹۷۳ ،‬ص‬ ‫‪-19‬‬
‫‪.34‬‬
‫‪20- Broom, L. and Seiznick, P. Sociology, New York, 1968, P.‬‬
‫‪497.‬‬
‫‪21- Michels, R. Political Sociology, University of Minnesota‬‬
‫‪Press, Minneapolis, 1949, See the Introduction.‬‬
‫‪22- Davis, K. Human Society, P. 478.‬‬
‫األسود‪ ،‬صادق (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬ص ‪.39-37‬‬ ‫‪-23‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫البنى والنظم االجتماعية والسياسية‬

‫لكل جمتمع بشري بين ونظم اجتماعي†ة أساس†ية تش†كل هيكل†ه وإط††اره اخلارجي وحتدد عالق†ات وممارس†ات‬
‫وتفاعالت أعضائه وترسم منوذج جوهره الداخلي وعناصره املثالي†ة والروحي†ة ال†يت تس†بب متاس†كه ودميومت†ه‬
‫ومنوه وتط††وره‪ .‬وب††ىن ونظم اجملتم††ع تك††ون على أش††كال خمتلف††ة تبع††ا لطبيع††ة الوظ††ائف ال††يت تق††دمها لإلنس††ان‬
‫واجملتمع مثلها مثل األجهزة العضوية والفيزيولوجية اليت يتكون منها الك†ائن احلي†واين احلي كجه††از ال†دوران‬
‫واجله†از اهلض†مي واجله†از العض†لي واجله†از العص†يب‪ )1( ...‬اخل‪ .‬هن†اك الب†ىن االقتص†ادية وهن†اك الب†ىن السياس†ية‬

‫‪43‬‬
‫والبىن العائلية‪ ،‬ولكل من هذه البين وظائف أساسية ختدم استقرار وتقدم وصريورة اجملتم†ع‪ .‬لكن ه††ذه الب†ين‬
‫م ††ا هي باحلقيق ††ة اال أحك ††ام وق ††وانني اجتماعي ††ة مدون ††ة أو متع ††ارف عليه ††ا حتدد س ††لوكية وأخالقي ††ة األف ††راد‬
‫وترس ††م أمناط عالق ††اهتم وتف ††اعالهتم االجتماعي ††ة وتض ††ع أيديولوجي ††ة اجملتم ††ع وأس ††س نظام ††ه الكلي وفروع ††ه‬
‫اجلانبية وتصمم أمناط عالقات أجزائه بعضها ببعض(‪ .)2‬وكما يتجزأ البناء االجتماعي إىل بين فرعية كالبين‬
‫االقتصادية والسياسية والدينية والعائلية فان البناء الفرعي الواحد (‪ )Sub – Social System‬كالبناء‬
‫السياس † † † ††ي مثال يتج † † † ††زأ إىل ب † † † ††ين ثانوي † † † ††ة وفرعي † † † ††ة يطل † † † ††ق عليه † † † ††ا املؤسس † † † ††ات السياس † † † ††ية (‪Political‬‬
‫‪ )Institutions‬ک ††األحزاب السياس ††ية والس ††لطات واجلماع ††ات الض ††اغطة (‪.)Pressure Group‬‬
‫ك ††ذلك تتك ††ون املؤسس ††ة الواح ††دة ك ††احلزب السياس ††ي من أدوار اجتماعي ††ة (‪ )Social Roles‬مكمل ††ة‬
‫بعض†ها لبعض‪ ،‬وخمتلف†ة بوظائفه†ا ومنازهلا االجتماعي†ة وحقوقه†ا املادي†ة واملعنوي†ة(‪ .)3‬يف ه†ذا الفص†ل س†نركز‬
‫انتباهن††ا على مفه††وم البني††ة االجتماعي††ة ومفه††وم الوظ††ائف االجتماعي††ة ومفه††وم البنائي††ة االجتماعي††ة وس††نطبق‬
‫ه ††ذه املف ††اهيم على املؤسس ††ات واملنظم ††ات السياس ††ية ونكش ††ف عالق ††ة األخ ††رية ببقي ††ة املؤسس ††ات البنيوي ††ة‬
‫للمجتمع‪.‬‬

‫البنية االجتماعية (‪)Social Structure‬‬

‫يعت ††رب اص ††طالح البني ††ة االجتماعي ††ة من االص ††طالحات األساس ††ية ال ††يت تس ††تعملها املدرس ††ة الوظيفي ††ة البنائي ††ة‬
‫كمدرس††ية مهم††ة من م††دارس علم االجتم††اع واالنثروبولوجي††ا االجتماعي††ة‪ .‬يس††تعمل علم††اء األنثروبولوجي††ا‬
‫االجتماعي† ††ة اص† ††طالح البني† ††ة االجتماعي† ††ة بص† ††ورة مرتادف† ††ة م† ††ع اص† ††طالح املنظم† ††ة االجتماعي† ††ة (‪Social‬‬
‫‪ .)Organization‬غ††ري أن††ه يس††تعمل بص††ورة خاص††ة يف حتلي††ل مؤسس††ات العائل††ة والقراب††ة واملؤسس††ات‬
‫السياس ††ية والش ††رعية يف اجملتمع ††ات البدائي ††ة‪ .‬لكن الربوفس ††ور ف ††ريث ( ‪ )Professor Firth‬ال يس ††تعمل‬
‫اصطالح بناء ليعين به املنظمة االجتماعية‪ .‬ففي مؤلفاته "عناصر املنظمة االجتماعية" و"التحول االجتماعي‬
‫يف تكوبي † ††ا" ح † ††اول التمي † ††يز بني ه † ††ذين املص † ††طلحني‪ .‬فاملنظم † ††ة هتتم ب † ††القرارات واألحك † ††ام ال † ††يت حتدد منط‬
‫العالقات االجتماعية احلقيقة الداخلة يف أجزاء البناء الوظيفي للمجتمع(‪ .)4‬بينما البناء االجتماعي يش††ري إىل‬
‫العالق††ات االجتماعي††ة اجلوهري††ة ال††يت حتدد الش††كل األساس††ي للمجتم††ع وت††بني الطريق††ة ال††يت بواس††طتها تنف††ذ‬
‫األعم††ال والفعالي††ات الروتيني††ة والنظامي††ة(‪ .)5‬أم††ا الربوفس††ور ف††ورتس (‪ )Professor Fortes‬فيعتق††د ب††أن‬

‫‪44‬‬
‫البن††اء االجتم††اعي ه††و ذل††ك ال††رتكيب املنظم واملنس††ق لألج††زاء املختلف††ة ال††يت يتك††ون منه††ا اجملتم††ع كاملؤسس††ة‬
‫واجلماع ††ة والعملي ††ة واملرك ††ز االجتم ††اعي‪ .‬أم ††ا ايف ††انز برجیارد ( ‪ )Evans Pritechard‬فيق ††ول يف كتاب ††ه‬
‫"النيور" بأن البناء االجتماعي هو نسيج العالقات االجتماعية ال†يت تق†ع بني اجلماع†ات األولي†ة والثانوي†ة ال†يت‬
‫يتكون منها اجملتمع(‪ .)7‬بينما يقول الربوفسور ليج (‪ )Professor Leach‬يف كتابه " األنظم††ة السياس††ية‬
‫يف مرتفع††ات الربم††ا" ب††أن البن††اء االجتم††اعي ه††و جمموع††ة األفك††ار واآلراء ال††يت هتتم بتوزي††ع النف††وذ والق††وة بني‬
‫األش††خاص واجلماع††ات(‪ .)8‬أم††ا رادكل††ف ب††راون (‪ )Brown Radcliffe‬فق††د ح††اول دراس††ة الف††روق‬
‫األساس ††ية بني احلض ††ارة والبن ††اء االجتم ††اعي‪ ،‬ففي كتاب ††ه املوس ††وم "العلم الط ††بيعي للمجتم ††ع" أش ††ار إىل أن‬
‫حض ††ارة اجملتم ††ع تنعكس يف أمناط س ††لوكية أف ††راده ويف تفك ††ريهم وش ††عورهم‪ ،‬بينم ††ا البن ††اء االجتم ††اعي ه ††و‬
‫شبكة العالقات االجتماعية اليت تربط األفراد خالل نقط†ة زمني†ة معين†ة‪ ،‬ويؤك†د رادكل†ف ب†راون يف دراس†ته‬
‫ه†ذه على ض†رورة دراس†ة احلض†ارة دراس†ة علمي†ة من خالل النظ†ر إىل البن†اء االجتم†اعي‪ ،‬فاألمناط احلض†ارية‬
‫ما هي إّال أنواعًا من العالقات االجتماعية(‪.)9‬‬

‫وقد شاع استعمال االصطالح يف علم االجتماع م†ؤخرة‪ .‬أال أن†ه مل يكن دقيق†ا ومض†بوطة من ناحي†ة املع††ىن‬
‫واألمهية‪ .‬ففي بعض األحيان يستعمل اصطالح البناء االجتماعي ليع††ين انتظ†ام الس†لوكية االجتماعي†ة وذل†ك‬
‫لتكراره ††ا بني ف ††رتة وأخ ††رى واختاذه ††ا نفس النم ††اذج والظ ††واهر الفعلي ††ة‪ .‬وأحيان ††ا يس ††تعمل االص ††طالح يف‬
‫ص † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ورته‬
‫الواس††عة ليع††ين التنظيم الش††امل للعناص††ر والوح††دات ال††يت تك††ون منه††ا اجملتم††ع کاملنظم††ات واملؤسس††ات‪ .‬كم††ا‬
‫يس ††تعمل االص ††طالح بك ††ثرة يف النظري ††ة البنائي ††ة الوظيفي ††ة ال ††يت تعت ††رب من النظري ††ات احلديث ††ة لعلم االجتم ††اع‬
‫املعاص†ر‪ .‬واالص†طالح يع†ين هن†ا العالق†ة املتداخل†ة بني املراك†ز واألدوار االجتماعي†ة‪ .‬فالتفاع†ل ال†ذي يق†ع بني‬
‫األش† † ††خاص داخ† † ††ل النظ† † ††ام االجتم† † ††اعي ميكن التعب† † ††ري عن† † ††ه من خالل املراك† † ††ز واألدوار االجتماعي† † ††ة ال† † ††يت‬
‫يشغلوهنا ‪.‬‬

‫لكن البنية االجتماعية تتكون من املؤسسات البنيوية األساسية اليت حتدد طبيعة اجملتمع‪ ،‬واملؤسسات البنيوية‬
‫تتك††ون من تكام††ل األدوار االجتماعي††ة األعض††ائها ومنتس††بيها(‪ .)10‬واألدوار االجتماعي††ة ال ميكن أن تك††ون‬
‫ثابت ††ة ومرتس ††خة إّال بع ††د إس ††نادها وتربيره ††ا من قب ††ل الس ††لطة املؤسس ††ية ال ††يت تنتمي اليه ††ا وختض ††ع ألحكامه ††ا‬

‫‪45‬‬
‫وقوانينه ††ا‪ .‬األدوار االجتماعي ††ة يف العائل ††ة ال تعت ††رب ش ††رعية وال ميكن قبوهلا اذا مل تتبناه ††ا الس ††لطة األبوي ††ة يف‬
‫العائلة‪ .‬واألدوار االجتماعية يف الدولة أو احلزب السياس†ي ال ميكن أن تك†ون ش†رعية ومقبول†ة اذا مل يتبناه†ا‬
‫قائ††د الدول††ة ورئيس††ها أو مؤس††س وقائ††د احلزب السياس††ي‪ ،‬وعن††دما تك††ون األدوار االجتماعي††ة مدعوم††ة من‬
‫قب ††ل الس ††لطة ومقبول ††ة من قب ††ل األف ††راد ال ††ذين يش ††غلوهنا تتح ††ول إىل مؤسس ††ة اجتماعي ††ة هلا قي ††ادة وأحك ††ام‬
‫وقوانني معينة حتدد سلوكية وعالقات أفرادها ومنتس†بيها(‪ .)11‬إذن املؤسس†ة االجتماعي†ة هي من التنظيم†ات‬
‫األساس††ية ال††يت تس††اعدها على فهم الف††رد بع††د فهم طبيعت††ه وس††لوكه وعالقت††ه م††ع اآلخ††رين‪ .‬ل††ذا ميكن اعتب††ار‬
‫األدوار االجتماعي ††ة مبثاب ††ة الوح ††دات البنائي ††ة لتك ††وين املؤسس ††ة وميكن اعتب ††ار املؤسس ††ات االجتماعي ††ة مبثاب ††ة‬
‫الوحدات البنائية لتكوين البناء االجتماعي‪ .‬وال ميكن اعتبار البناء االجتماعي مبثابة عالقات متداخلة ترب††ط‬
‫مؤسس† ††ات اجملتم† ††ع بعض† ††ها ببعض ب† ††ل ميكن اعتب† ††اره أحكام † †ًا وق† ††وانني حتدد س† ††لوكية األف† ††راد وعالق† ††اهتم‬
‫االجتماعي† † ††ة‪ .‬وميكن تقس† † ††يم املؤسس† † ††ات االجتماعي† † ††ة (‪ )Social Institutions‬حس† † ††ب األغ† † ††راض‬
‫واأله ††داف والوظ ††ائف ال ††يت تق ††وم هبا(‪ .)12‬فاملؤسس ††ات السياس ††ية هتتم بتوزي ††ع النف ††وذ والق ††وة على األف ††راد‬
‫واجلماعات وترس†م مع†امل اإلدارة السياس†ية يف اجملتم†ع وحتدد حق†وق وواجب†ات رئيس الدول†ة بالنس†بة ألبن†اء‬
‫الش ††عب وحق ††وق وواجب ††ات أبن ††اء الش ††عب بالنس ††بة لل ††رئيس‪ .‬وتعني واجب ††ات الس ††لطات الثالث ††ة التش ††ريعية‬
‫والتنفيذية والقضائية وتفصل بينها‪ .‬وحتدد طبيعة االديولوجية السياسية ال†يت تتبناه††ا الدول†ة إض††افة إىل قيامه††ا‬
‫برس ††م منط العالق ††ات الدولي ††ة ال ††يت تربطه ††ا بال ††دول األجنبي ††ة‪ .‬واملؤسس ††ات االقتص ††ادية تتب ††ىن ع ††دة وظ ††ائف‬
‫للمجتمع أمهها حتديد مناذج النشاطات االقتصادية للمجتمع واإلشراف على اإلنت††اج والتوزي††ع واالس††تهالك‬
‫واحملافظة على مس†تويات العمل†ة الوطني†ة بالنس†بة العمالت األجنبي†ة والس†يطرة على ش†ؤون التج†ارة الداخلي†ة‬
‫واخلارجية ورسم السياسة االقتصادية اليت تتبناها املشاريع اإلنتاجية يف اجملتم†ع وبن†اء القاع††دة املادي†ة لإلنت†اج‬
‫القومي مع حتديث القطاعات األساس†ية لالقتص†اد كالص†ناعة والزراع†ة والتج†ارة‪ .‬أم†ا املؤسس†ات العس†كرية‬
‫يف اجملتمع فتشرف على تدريب وتسليح القوات املسلحة وحتديد الظ†روف ال†يت تعلن فيه†ا حال†ة النف†ري الع†ام‬
‫واحلرب وش††رعية قت††ل األع††داء(‪ .)13‬كم††ا تض ††ع األحك††ام والق ††وانني ال††يت متكنه ††ا من إدارة وتط††وير منظماهتا‬
‫وتش† † ††كيالهتا العس† † ††كرية وحتقي† † ††ق الوح† † ††دة النفس† † ††ية واالجتماعي† † ††ة بني أعض† † ††ائها حبيث تك† † ††ون منظم† † ††ات‬
‫وتشكيالت موحدة ومستعدة على تنفيذ األوامر اليت تصدر اليها من القيادة السياسية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫تحليل البنية السياسية‬

‫أن املؤسس††ات السياس††ية ج††زء من البن††اء االجتم††اعي‪ ،‬وكم††ا نس††تطيع حتلي††ل البن††اء االجتم††اعي إىل عناص††ره‬
‫ومكونات ††ه األساس ††ية فإنن ††ا نس ††تطيع حتلي ††ل البني ††ة السياس ††ية إىل عناص ††رها األولي ††ة‪ .‬لكن قب ††ل قيامن ††ا بتحلي ††ل‬
‫املؤسس ††ات السياس ††ية ينبغي علين ††ا حتدي ††د ماهي ††ة املنظم ††ات السياس ††ية ال ††يت ختض ††ع لق ††وانني وأحك ††ام البن ††اء‬
‫االجتم ††اعي‪ .‬ك ††ذلك ينبغي أن نوض ††ح الف ††روق اجلوهري ††ة بني املؤسس ††ات واملنظم ††ات السياس ††ية‪ ،‬املؤسس ††ة‬
‫السياس ††ية هي جمموع ††ة األحك ††ام والق ††وانني ال ††يت حتدد عالق ††ات وس ††لوكية األف ††راد يف املنظم ††ات السياس ††ية‬
‫ك††األحزاب والس††لطات واجلماع††ات الض††اغطة واملنظم††ات السياس††ية الس††رية‪ ...‬اخل‪ .‬أم††ا املنظم††ة السياس††ية (‬
‫‪Political‬‬
‫‪ )Organization‬فإهنا مجعي ††ة أو منش ††أة ينتمي اليه ††ا األف ††راد لتحقي ††ق أه ††دافهم وم ††آرهبم السياس ††ية(‪.)14‬‬
‫فاألفراد يف اجملتمع ينتمون إىل املنظمات السياسية وال ينتمون إىل املؤسسات السياسية حيث أن املؤسسات‬
‫هي أحكام وقوانني وأعراف سلوكية وانضباطية حتدد أعمال وواجبات املنظمات اليت توج†د فيه†ا(‪ .)15‬فل†و‬
‫أخ†ذنا احلزب السياس†ي مثال وحللن†اه حتلي†ة اجتماعي†ة علمي†ة لوج†دنا بان†ه يتك†ون من أدوار اجتماعي†ة خمتلف†ة‬
‫بواجباهتا ووظائفه ††ا وخمتلف ††ة مبنازهلا االجتماعي ††ة ومسعتها وامتیازاهتا املادي ††ة واملعنوي ††ة‪ .‬ف ††دور زعيم أو قائ ††د‬
‫احلزب خيتل††ف عن دور عض††و الف††رع أو الش††عبة ودور األخ††ري خيتل††ف عن دور العض††و العام††ل ودور العض††و‬
‫العام††ل خيتل††ف عن دور النص††ري أو املؤي††د‪ ،‬وب††الرغم من االختالف بني األدوار االجتماعي††ة ال††يت يتك††ون منه††ا‬
‫احلزب ف††ان ك††ل دور منه††ا مكم††ل لألدوار األخ††رى حيث أن األدوار االجتماعي††ة ال††يت تق††ع يف القم††ة وال††يت‬
‫تشكل املراكز القيادي†ة للح†زب تكم†ل األدوار االجتماعي†ة ال†يت تق†ع يف القاع†دة‪ ،‬وه†ذا ي†دل على أن القي†ادة‬
‫تعتم ††د على القاع ††دة والقاع ††دة تعتم ††د على القي ††ادة وال ميكن وض ††ع احلدود الفاص ††لة بينهم ††ا ألن مث ††ل ه ††ذه‬
‫احلدود تعرق†ل س†ري العم†ل احلزيب ومتن†ع احلزب من بل†وغ أهداف†ه وطموحات†ه القريب†ة والبعي†دة األم†د‪ .‬ه†ذا م†ا‬
‫يتعل††ق بتحلي††ل البني††ة السياس††ية إىل مكوناهتا األولي††ة‪ .‬أم††ا طبيع††ة البني††ة السياس††ية فتتم††يز ب††القوة الش††رعية‪ ،‬ه††ذه‬
‫القوة اليت تعترب احملرك األساسي جلميع املنظمات السياسية يف اجملتمع‪ .‬فالبنية السياسية تت††وىل مهم††ة الس††يطرة‬
‫على م††دخالهتا أي املعطي††ات ال††يت تس††اعدها على العم††ل والفاعلي††ة ( ‪ )Political Inputs‬كاملس††تلزمات‬
‫املادي††ة واخلدمي††ة (البناي††ات‪ ،‬األجه††زة واملع††دات‪ ،‬وس††ائل النق††ل‪ ،‬النق††ود‪ ،‬الك††ادر اخلدمي وال††وظيفي‪ ...‬اخل)‪،‬‬

‫‪47‬‬
‫وسائل تنظيم السلوك السياسي‪ ،‬املشاركة يف الفعاليات السياس†ية عن طري†ق االنتخاب†ات‪ ،‬االمتث†ال للق††وانني‬
‫والق ††رارات الص ††ادرة عن الس ††لطة السياس ††ية‪ ...‬اخل‪ .‬وحتاول البني ††ة السياس ††ية االس ††تفادة من ه ††ذه املدخالت‬
‫وتش † † ††غيلها وحتويله † † ††ا إىل خمرج † † ††ات (‪ )Political Outputs‬تس † † ††اعد على حتقي † † ††ق أه † † ††داف النظ † † ††ام‬
‫االجتماعي ومتكنه من االستقرار والتكامل(‪ .)16‬ولكن بدون القوة الشرعية اليت تتمتع هبا البنية السياس††ية يف‬
‫اجملتم ††ع ال تس ††تطيع املنظم ††ات السياس ††ية من تس ††خری م ††دخالهتا وتش ††غيلها وحتويله ††ا إىل خمرج ††ات تس ††هم يف‬
‫االس ††تقرار والنم ††و السياس ††ي ال ††ذي حيتاج ††ه اجملتم ††ع املتحض ††ر‪ .‬اذن ترتب ††ط مجي ††ع اإلم ††دادات واملدخالت ال ††يت‬
‫تدخل إىل البنية السياسية وكذلك مجيع املخرجات والطاق†ات ال†يت تص††در عنه††ا مبمارس†ة الس†لطة‪ .‬والس†لطة‬
‫يف ه ††ذا الس ††ياق تع ††ين اس ††تخدام أس ††اليب الق ††وة والعن ††ف وبقي ††ة القواع ††د امللزم ††ة قانوني ††ة على إرغ ††ام الفئ ††ات‬
‫اخلارج††ة عن النظ††ام بإطاع††ة األنظم††ة والق††وانني واح††رتام الس††لطة وتنفي††ذ أوامره††ا وتعليماهتا(‪ .)17‬أم††ا اخلروج‬
‫عن الش ††رعية وع ††دم تقب ††ل الق ††وانني والق ††رارات املع ††ربة عن إرادة الس ††لطة فان ††ه يع ††رض النظ ††ام السياس ††ي إىل‬
‫االض ††طرابات والقالق ††ل ال ††يت ق ††د ت ††ؤدي إىل اهني ††اره وس ††قوطه‪ .‬والنظ ††ام السياس ††ي ش ††أنه ش ††أن بقي ††ة األنظم ††ة‬
‫االجتماعية األخرى يتفاعل م†ع البيئ†ة االجتماعي†ة وي†دخل معه†ا يف عالق†ات متبادل†ة تش†ري إىل تكام†ل واحتاد‬
‫مجيع األنظمة الفرعية للمجتمع‪.‬‬

‫أم ††ا أهم املدخالت أو التك ††اليف ال ††يت تض ††من فاعلي ††ة ودميوم ††ة وداينميكي ††ة البني ††ة السياس ††ية وال ††يت ال ميكن‬
‫االستغناء عنها بأية صورة من الصور فيمكن درجها بالنقاط التالية ‪:‬‬

‫املنش††آت والنق††ود واخلدمات‪ .‬املنظم††ات السياس††ية حتت†اج إىل بنایات خاص††ة هبا تس††تطيع من خالهلا‬ ‫‪-1‬‬
‫القيام بواجباته ومهامها األساسية‪ ،‬وهذه البنايات حتت†اج إىل األث†اث وبقي†ة األجه††زة واملع††دات ال†يت‬
‫حيتاجه † ††ا الع † ††املون فيه † ††ا‪ .‬وتتطلب املنظم † ††ات السياس † ††ية أيض † ††ا الك † ††ادر اإلداري والف † ††ين والعلمي‬
‫والدبلوماس††ي ال††ذي يض††من س††ري العم††ل وتنفي††ذه‪ .‬إض††افة إىل حاجته††ا إىل املوارد املالي††ة ال††يت تنفقه††ا‬
‫على دفع رواتب وأجور موظفيها ومستخدميها وشراء األجهزة واملعدات اليت حتتاجها(‪.)19‬‬
‫الرتتيب† ††ات ال† ††يت تتخ† ††ذها املؤسس† ††ات السياس† ††ية يف تنظيم الس† ††لوك السياس† ††ي يف اجملتم† ††ع ك† ††إجراء‬ ‫‪-2‬‬
‫االنتخاب † ††ات العام† † ††ة وحتدي † ††د واجب † ††ات وحق† † ††وق الس † ††لطات الثالث † ††ة وتنظيم العالق † ††ة بني الدول † ††ة‬
‫واألحزاب السياسية وحتديد فعاليات األحزاب السياسية‪ ...‬اخل ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫هتيئ† ††ة اجلم† ††اهري على املش† ††اركة يف الفعالي† ††ات السياس† ††ية ك† ††الطلب اليهم بإش† ††عال املراك† ††ز اإلداري ††ة‬ ‫‪-3‬‬
‫والدبلوماسية يف املنظم†ات السياس†ية ش†ريطة متتعهم مبواص†فات مهني†ة وعلمي†ة معين†ة‪ ،‬وإتاح†ة اجملال‬
‫أمام اجلماهري باملش†اركة يف االنتخاب†ات العام†ة ومنحهم احلري†ات الكافي†ة ب†التعبري عن آرائهم ح†ول‬
‫القضايا السياسية املهمة اليت تقرر مصري ومستقبل بلدهم‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫االمتثال للقوانني والقرارات الصادرة عن الس†لطة السياس†ية وع††دم االع†رتاض عليه††ا أو الته††رب من‬ ‫‪-4‬‬
‫تنفيذها مع ضرورة دفع وتسديد الضرائب املفروضة على األفراد أو الشركات أو اجلمعيات‪.‬‬

‫وق††د م††یز ایس††تون (‪ )Easten‬يف كتاب††ه "م††دخل إىل حتلي††ل األنظم††ة السياس††ية " ثالث††ة مناذج من املدخالت‬
‫السياس††ية متث††ل ال††دعامات األساس††ية للبني††ة السياس††ية وه††ذه هي ‪( :‬أ) ض††رورة مش††اركة ك††ل ف††رد من أف††راد‬
‫اجملتمع يف النسق السياسي حبيث يكون هذا النسق متكامال وقادرا على اإليفاء بالتزاماته جتاه اجملتمع‪( .‬ب)‬
‫تكوين البنية السياسية للنظام احلاكم (‪ )The Regime‬اليت تتألف من عدد من التنظيمات الرمسية اليت‬
‫تت ††وىل عملي ††ة ص ††نع الق ††رارات السياس ††ية ومتابع ††ة تنفي ††ذها وترمجته ††ا إىل واق ††ع عم ††ل حي‪ ،‬وه ††ذه التنظيم ††ات‬
‫تش†مل ع†ادة الس†لطات الثالث†ة وهي الس†لطة التش†ريعية والتنفيذي†ة والقض†ائية‪( .‬ج) تش†خيص مراك†ز الس†لطة‬
‫وتع††يني األش††خاص ألش††غاهلا وأداء واجباهتا علم††ا ب††أن ق††رارات وأوام††ر ش††اغلي ه††ذه املراك††ز جيب االل††تزام هبا‬
‫وطاعتها من قبل أبناء اجملتمع‪.‬‬

‫الوظائف االجتماعية (‪)Social Functions‬‬

‫هن† ††اك معني† ††ان أساس† ††يان يف علم االجتم† ††اع الص† ††طالح الوظيف† ††ة املع† ††ىن األول ه† ††و الواجب† ††ات والفعالي† ††ات‬
‫والنشاطات اليت تقوم هبا املنظمة االجتماعية واليت تشارك مش†اركة فعال†ة يف إش†باع حاج†ات األف†راد وتلبي†ة‬
‫طموح† ††اهتم الذاتي† ††ة (‪ .)۲۰‬فالوظ† ††ائف االجتماعي† ††ة للمؤسس† ††ات السياس† ††ية هي الواجب† ††ات ال† ††يت تق† ††وم هبا‬
‫املنظمات السياسية يف اجملتمع واليت من خالهلا يس†تطيع ك†ل من الف†رد واجملتم†ع حتقي†ق أهداف†ه األساس†ية ويف‬
‫نفس ال ††وقت إجناز وح ††دة وتكام ††ل مجاعات ††ه ومنظمات ††ه املختلف ††ة‪ .‬والوظيف ††ة االجتماعي ††ة كم ††ا يق ††ول الع ††امل‬
‫روب ††رت م ††ريتن (‪ )Merton‬هي نتيج ††ة موض ††وعية الظ ††اهرة اجتماعي ††ة يلمس ††ها األف ††راد واجلماع ††ات وق ††د‬

‫‪49‬‬
‫تك † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ون ظ † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اهرة (‪Manifest‬‬
‫‪ )Function‬أو تكون كامنة وغري متوقعة (‪.")Latent Function‬‬

‫الوظيفة الظاهرة هي نتيجة موضوعية للنظ†ام ال†ذي توج†د في†ه‪ ،‬وتك†ون ه†ذه مقص†ودة ومع†رتف هبا من قب†ل‬
‫األشخاص الذين يقومون هبا كوظيفة حتقيق الوحدة الفكرية ألعضاء احلزب السياسي‪ .‬أما الوظيفة الكامنة‬
‫فهي الوظيفة غري املتوقعة وغري املقصودة من قبل أعضاء املنظمة الذين ينفذوهنا فق††د يتخ††ذ احلزب السياس††ي‬
‫مثال بعض اإلج ††راءات لتحقي ††ق الوح ††دة االديولوجي ††ة بني أعض ††ائه ولكن ه ††ذه اإلج ††راءات ال تنتج بتحقي ††ق‬
‫الوح†دة املنش†ودة ب†ل تنتج بظه††ور االنقس†ام والتكت†ل داخ†ل احلزب السياس†ي ولكي منيز بني النش†اطات ال†يت‬
‫تس††اعد على بق††اء النظ††ام االجتم††اعي واحملافظ††ة علي††ه والنش††اطات ال††يت تس††بب اختالل††ه واض††طرابه جيب علين††ا‬
‫النظ† ††ر إىل الوظ† ††ائف البن† ††اءة ال† ††يت تتماش† ††ى م† ††ع النظ† ††ام وحتقي† ††ق أهداف† ††ه وطموحات† ††ه (‪)Eutfinctions‬‬
‫والوظ† † ††ائف اهلدام† † ††ة ال† † ††يت تتن† † ††اقض مع† † ††ه وحتول دون حتقي† † ††ق أهداف† † ††ه (‪ .)Dysfunctions‬ومن اجلدير‬
‫باإلشارة هنا إىل أن الوظائف الظاهرة والكامن†ة ق†د تك†ون بن†اءة أو هدام†ة بالنس†بة للنظ†ام االجتم†اعي ال†ذي‬
‫توجد فيه ‪.‬‬

‫ويس†تعمل اص†طالح الوظيف†ة يف مع†ىن ث†اين يقص†د ب†ه الرتاب†ط والتكام†ل‪ .‬ففي علم الرياض†يات نق†ول مثال أن‬
‫املتغري (س) مكمل ملتغري (ص) أي أن أي تغيري يف (س) البد أن يسبب تغيريا مماثال يف (ص)‪ .‬وب††الرغم من‬
‫اختالف االستعمالني االصطالح وظيف†ة (األس†تعمال االجتم†اعي والرياض†ي) ف†ان كليهم†ا مرتبط†ان ويكم†ل‬
‫أحدمها اآلخ†ر‪ .‬هلذا نس†تطيع الق†ول ب†أن للوظيف†ة ظ†واهر اجتماعي†ة تس†اعد على اس†تمرارها يف القي†ام بعمله†ا‬
‫وان مجي††ع الظ††واهر االجتماعي††ة للنظ††ام مرتبط††ة ومتعلق††ة الواح††دة ب††األخرى وأي تغي††ري يف أي منه††ا الب††د أن‬
‫ي††ؤثر يف مجيعه††ا‪ ،‬إذن هن††اك عالق††ة مباش††رة بني الوظيف††ة ال††يت هي نتيج††ة لنظ††ام اجتم††اعي معني والوظيف††ة ال††يت‬
‫هي ترابط بني متغريات خمتلفة‪.‬‬

‫أن ج††ذور الدراس††ة الوظيفي††ة يف علم االجتم††اع متت††د إىل ف††رتة الق††رن الث††امن عش††ر ال††يت ظه††ر خالهلا مفك††رون‬
‫اجتماعيون بارزون أمثال فولتري وروسو وهوبز الذين اعتنقوا مب†دأ العالق†ة الوظيفي†ة بني متغ††ريين أو ع††املني‬
‫أح ††دمها مس ††تقل والث ††اين معتم ††د‪ ،‬يق ††ول فولت ††ري مثال ب ††أن االعتق ††اد باهلل س ††بحانه وتع ††اىل ه ††و اعتق ††اد وظيفي‬

‫‪50‬‬
‫أساس ††ي بالنس ††بة لإلنس ††ان‪ ،‬فطاملا هن ††اك إنس ††ان فالب††د أن تك ††ون هن ††اك فك ††رة االعتق ††اد باهلل س ††بحانه وتع ††اىل‬
‫حيث أن اإلنس†ان والعقي†دة باهلل مها ش†يئان متالزم††ان ومرتابط†ان‪ .‬ظه††ر ال†دافع احلقيقي الس†تعمال اص††طالح‬
‫"وظيف††ة" نتيج††ة ظه††ور علم††اء اجتم††اع الق††رن التاس††ع عش††ر مث††ل او کس††ت ک††ومت وهرب††رت سبنس††ر ال††ذين‬
‫شبهوا اجملتمع اإلنساين بالك†ائن احلي†واين من حيث األج†زاء البنائي†ة والوظ†ائف‪ .‬وق†د اس†تعملوا كلم†ة وظيف†ة‬
‫حمل كلمة غاية أو غرض طاملا أن وجود الظواهر االجتماعية ال يعتمد على النتائج اليت حتدثها(‪.)22‬‬

‫إّال ان االجتاهات الوظيفية األوىل قد انعكست يف علم االجتماع احلديث من خالل التطورات الس††يولوجية‬
‫احلديث††ة ال††يت ظه††رت خالل الف††رتة الزمني††ة ‪ .1940-1920‬فق††د ش††هدت ف††رتة العش††رينات تغ††ريات فكري††ة‬
‫جذري††ة يف مي††دان علم االنثروبولوجي††ا احلض††اري واالجتم††اعي‪ ،‬ومث††ل ه††ذه التغ††ريات الفكري††ة انعكس††ت يف‬
‫كتابات وحبوث العامل االنثروبولوجي البولندي األصل والربيطاين اجلنسية الربوفسور بروس†الو مالنوفس†كي‬
‫ال† ††ذي وض† ††ع أس† ††لوبه اآليل واس† ††تعمله يف حتلي† ††ل اجملتمع† ††ات البدائي† ††ة إىل عناص† ††رها األولي† ††ة‪ .‬وق† ††ام بتفس† ††ري‬
‫املؤسسات االجتماعي†ة بالنس†بة لعالقته†ا باملؤسس†ات األخ†رى يف اجملتم†ع البش†ري الواح†د ووض†ح أمهيته†ا يف‬
‫إش † ††باع وس † ††د احلاج † ††ات الض † ††رورية خصوص † ††ا احلاج † ††ات البايولوجي † ††ة ألعض † ††اء اجملتم † ††ع(‪ .)23‬لكن أمهي † ††ة‬
‫مالنوفس††كي كع††امل اجتم††اعي وظيفي تق††ل عن أمهي††ة الع††امل االجتم††اعي االنكل††يزي رادكل††ف ب††راون بالنس††بة‬
‫لتفس††ريات املش††اكل النظري††ة ال††يت تواج††ه املدرس††ة الوظيفي††ة البنائي††ة‪ .‬فرادكل††ف ب††راون ش††به احلي††اة االجتماعي††ة‬
‫باحلي ††اة العض ††وية‪ ،‬غ ††ري ان ††ه ح ††اول جتنب آراء دوركه ††امي ال ††يت تؤك ††د على أمهي ††ة إش ††باع حاج ††ات الك ††ائن‬
‫االجتم††اعي واس††تعمل حمله††ا الظ††روف الض††رورية لوج††ود وبق††اء الك††ائن االجتم††اعي‪ .‬وك††ان ه††ذا ب††دافع من‬
‫رغبته بتجنب املدلوالت الغائية لألشياء كفكرة الروح املوجهة أو القوة الغامضة يف احلياة االجتماعية‪ ،‬ويف‬
‫الف† ††رتة الزمني ††ة ال ††يت حنن بص† ††ددها ‪ 1940-1920‬اهتم علم االجتم ††اع اهتمام† ††ا متزاي ††دًا ب ††الفكرة اجملردة‬
‫لألنظم††ة االجتماعي††ة‪ ،‬ه††ذه الفك††رة ال††يت مل تنظ††ر إىل اجملتمع††ات البش††رية نظ††رة ض††يقة ب††ل نظ††رت إليه††ا نظ††رة‬
‫مشولية عام ††ة اذ اعتربه ††ا أنظم ††ة متص ††لة ومكمل ††ة الواح ††دة لألخ ††رى‪ .‬وق ††د اعتم ††د الع ††امل االجتم ††اعي ت ††الكت‬
‫بارس††نز(‪ )Talcott Parsons‬ه††ذا األس††لوب الدراس††ي يف مجي††ع حبوث††ه وحتليالت††ه االجتماعي††ة‪ .‬يف كتاب††ه‬
‫"تركيب الفعل االجتماعي" الذي نشره عام ‪ 1937‬يربز هذا األسلوب التجريدي الذي اعتمده يف تفسري‬

‫‪51‬‬
‫نظريت ††ه البنائي ††ة الوظيفي ††ة ال ††يت لعبت دورًا كب ††ريًا يف حتوي ††ل الوظيف ††ة االجتماعي ††ة إىل فك ††رة نظامي ††ة وعقالني ††ة‬
‫متطورة قادرة على تفسري اجملتمع وظواهره ومالبساته ‪.‬‬

‫غري أن بارسنز وصف أسلوبه الوظيفي هذا باألسلوب الغائي الذي خيتلف عن األسلوب الغائي الذي اتبعه‬
‫علم††اء اجتم††اع الق††رن التاس††ع عش††ر من حيث درج††ة موض††وعيته وخل††وه من التن††اقض واجلدل‪ .‬وباألس††لوب‬
‫الغ ††ائي يع ††ين بارس ††نز دراس ††ة العالق ††ة بني الواس ††طة (‪ )Means‬والغاي ††ة (‪ ،)End‬فالنش ††اطات والظ ††روف‬
‫االجتماعية قد تساعد على تطوير ومنو النظام االجتماعي أو قد تقف موقفًا معاكسًا النم††وه وتط††وره‪ ،‬لكن‬
‫الوظيفية البنائية (‪ )Structural Functionalism‬تتميز باملزايا التالية على حد قول بارسنز ‪:‬‬

‫قيامه††ا بتث††بيت احلدود بني النظ††ام االجتم††اعي واألنظم††ة األخ††رى كالنظ††ام احلض††اري والب††ايولوجي‬ ‫‪.1‬‬
‫ونظام الشخصية مثًال‪.‬‬
‫ق††درهتا على وض††ع احلدود التجريدي††ة والتارخيي††ة بني الوح††دات البنائي††ة الرئيس††ية النظ††ام االجتم††اعي‬ ‫‪.2‬‬
‫مع التأكيد على العالقات النظامية بني هذه الوحدات ‪.‬‬
‫اهتمامها املتزايد بالظروف والعوامل اليت تساعد على اس†تقرار وتكام†ل وفاعلي†ة النظ†ام االجتم†اعي‬ ‫‪.3‬‬
‫املطلوب دراسته‪.‬‬

‫إن مجيع االجتاهات واألفكار الوظيفية تتصف هبذه املزايا ولكن من أهم هذه االجتاهات واألفك††ار وأكثره††ا‬
‫ت ††أثريًا فك ††رة الض ††رورات الوظيفي ††ة (‪ )Functional Imperatives‬ه ††ذه الفك ††رة ال ††يت تش ††ري إىل أرب ††ع‬
‫مش††اكل أساس††ية تكمن يف النظ††ام االجتم††اعي وتواج††ه بقي††ة األنظم††ة االجتماعي††ة الفرعي††ة يف اجملتم††ع(‪ .)24‬ل††ذا‬
‫ينبغي على اجملتمعات مواجهتها بصورة فعالة وحازمة‪ ،‬أما الضرورات الوظيفية األربع فهي‪:‬‬

‫قابلية النظام على تكييف نفسه لألنظمة األخرى وللبيئة الطبيعية اليت يوجد فيها‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫حتقيق األهداف الرئيسية للنظام‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫قابليته على حتقيق الوحدة بني أعضائه‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫قدرته على احملافظة على االستقرار واالنسجام‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪52‬‬
‫لكن فك† † † † ††رة الض† † † † ††رورات الوظيفي† † † † ††ة ليس† † † † ††ت هي نفس فك† † † † ††رة املتطلب† † † † ††ات الوظيفي† † † † ††ة ( ‪Functional‬‬
‫‪ )Prerequisites‬على ال ††رغم من التش ††ابه املوج ††ود بينهم ††ا ففك ††رة املتطلب ††ات الوظيفي ††ة تش ††ري إىل حتقي ††ق‬
‫وإجناز الظ ††روف األساس ††ية ال ††يت تس ††اعد النظ ††ام االجتم ††اعي على البق ††اء واالس ††تمرار والتط ††ور‪ ،‬ومن ه ††ذه‬
‫الظ ††روف تنش ††ئة األطف ††ال تنش ††ئة اجتماعي ††ة‪ ،‬اللغ ††ة املش ††رتكة‪ ،‬وطريق ††ة توزي ††ع األدوار االجتماعي ††ة على أبن ††اء‬
‫اجملتمع أو اجلماعة‪ ،‬وأخريا توزيع املكافآت واحلق†وق على األف†راد بطريق†ة تعتم†د على طبيع†ة الواجب†ات ال†يت‬
‫يقوم ††ون هبا يف اجملتم ††ع‪ .‬أن جلمي ††ع املنظم ††ات االجتماعي ††ة كالدول ††ة والعائل ††ة واجلامع أو الكنيس ††ة‪ ،‬األح ††زاب‬
‫السياسية‪ ،‬السلطات واجلماعات الضاغطة‪ ...‬اخل وظائف اجتماعية مهمة تساعد النظام على حتقي††ق أهداف††ه‬
‫وطموحات††ه وتنتج يف ت††وازن وتكام††ل أجزائ††ه البنيوي††ة‪ .‬والنظري††ة الوظيفي††ة ال††يت تكلمن††ا عنه††ا أعاله هي منهج‬
‫التفس † ††ري الظ † ††واهر االجتماعي † ††ة والسياس † ††ية من خالل الكش † ††ف عن طبيع † ††ة وظائفه † ††ا وق † ††درهتا على حتقي† ††ق‬
‫األه† ††داف والطموح† ††ات‪ .‬فدراس† ††تنا الألح† ††زاب السياس† ††ية مثًال ت† ††دفعنا إىل توض† ††يح الوظ† ††ائف ال† ††يت تؤديه† ††ا‬
‫للمجتم††ع كرتمجة حاج††ات األف††راد واجلماع††ات إىل سياس††ات واض††حة ميكن االس††تفادة منه††ا يف رس††م مع††امل‬
‫شكلية اجملتمع ومسريته املستقبلية‪ ،‬واذا كانت األحزاب السياسية تعرب عن طموحات األف††راد وض††مري األم††ة‬
‫ومس††تقبلها فإهنا تش††ارك مش††اركة فعال††ة وجدي††ة يف اهنوض اجملتم††ع وتقدم††ه‪ .‬كم††ا أن الطريق††ة الوظيفي††ة متدنا‬
‫ب ††األدوات الالزم ††ة للبح ††وث السياس ††ية واالجتماعي ††ة(‪ )25‬اذ اهنا متكنن ††ا من ط ††رح التس ††اؤالت الرئيس ††ية عن‬
‫موض††وع البحث ومش††كلته ك††ان نتس††اهل مثال كي††ف يس††تطيع احلزب السياس††ي التعب††ري عن مص††احل األف††راد‬
‫واجلماع ††ات؟ واذا مل تكن هن ††اك أح ††زاب سياس ††ية فكي ††ف ميكن التعب ††ري عن املص ††احل املتص ††ارعة واملتناقض ††ة‬
‫للناس‪ .‬وما هو أسلوب إشباعها؟ وهكذا تكون الطريقة الوظيفية طريقة التفسري وطريقة للبحث يف ال††وقت‬
‫ذاته إضافة إىل‬

‫استعماهلا جملموعة من املفاهيم واملص†طلحات العلمي†ة ال†يت تس†تخدم يف ص†ياغة فروض†ها ونظرياهتا وقوانينه†ا‪.‬‬
‫ان الدراس ††ة الوظيفي ††ة لألح ††زاب السياس ††ية ال تتط ††رق فق ††ط إىل الوظ ††ائف األساس ††ية ال ††يت تق ††وم هبا األح ††زاب‬
‫ألعضائها وللمجتمع الكبري فقط بل اهنا حتاول الربط بني األح†زاب السياس†ية وبقي†ة مؤسس†ات اجملتم†ع‪ .‬ق†د‬
‫تتساءل مثًال عن الوظائف اجلوهرية لألحزاب السياسية؟ وهناك إجابات كثرية ومتنوعة عن هذا التس††اؤل‪.‬‬
‫فاألحزاب السياسية هي وسيلة لتوصيل رغبات واستجابات وأفكار وميول اجلماهري إىل احلكومة وتوص††يل‬

‫‪53‬‬
‫الق† ††رارات واإلج† ††راءات والسياس† ††ات ال† ††يت تتخ† ††ذها احلكوم† ††ة إىل اجلم† ††اهري(‪ .)26‬كم† ††ا اهنا وس† ††ائل ملراقب† ††ة‬
‫املمارسات اليت تقوم هبا احلكومة واذا ك†انت ه†ذه املمارس†ات خاطئ†ة ف†ان األح†زاب تش†كل خ†ط املعارض†ة‬
‫هلذه املمارس† ††ات اذ تنب† ††ه احلكوم† ††ة حوهلا وحتاول تص† ††حيحها ب† ††الطرق الس† ††لمية واذا مل تس† ††تجب احلكوم† ††ة‬
‫املالحظاهتا وتوجيهاهتا فإهنا تتح † ††ول إىل منظم † ††ات لل † ††ردع والتق † ††ومي(‪ .)27‬إض † ††افة إىل ال † ††دور ال † ††ذي تلعب † ††ه‬
‫األح††زاب السياس††ية يف وض††ع االديولوجي††ة الفكري††ة ال††يت يس††ري عليه††ا النظ††ام االجتم††اعي واذا م††ا جنحت ه††ذه‬
‫األحزاب يف وضع االديولوجية الفكرية اليت حيتاجها اجملتمع فإن األخ†ري يعطيه†ا احلق باس†تالم الق†وة واحلكم‬
‫‪.‬‬

‫والعامل السياسي الوظيفي ال يكتفي مبجرد حتديد الوظائف وامله†ام ال†يت تق†وم هبا املنظم†ة السياس†ية ك†احلزب‬
‫مثال ب††ل حياول رب††ط املنظم††ة السياس††ية م††ع بقي††ة املنظم††ات االجتماعي††ة األخ††رى‪ ،‬ف††األحزاب السياس††ية كم††ا‬
‫يعتق ††د الع ††امل السياس ††ي ال ††وظيفي ال ميكن أن توج ††د يف ف ††راغ فهي ترتب ††ط باملؤسس ††ات السياس ††ية األخ ††رى‬
‫کارتباطه††ا بالدول††ة والس††لطات واجلماع††ات الض††اغطة‪ ،‬كم††ا ترتب††ط مبؤسس††ات اجملتم††ع األخ††رى كارتباطه††ا‬
‫باملدارس واجلامعات واجليش والقوات املسلحة والعوائل واجملتمعات احمللية واملؤسسات اإلنتاجي††ة‪ .‬أذن عن††د‬
‫دراس ††تنا لألح ††زاب السياس ††ية ال نرك ††ز فق ††ط على وظائفه ††ا ب ††ل نق ††وم بتفس ††ري عالقته ††ا ب ††النظم واألنس ††اق‬
‫االجتماعي††ة األخ††رى‪ .‬وهن††ا يص††بح مفه††وم الوظيف††ة أداة حتليلي††ة حتدد لن††ا م††ا جيب أن نبحث عن††ه‪ ،‬ونق††دم ل††ه‬
‫تفسريا لفعاليات األحزاب السياسية من حيث تأثريها وتأثرها بالنظم واألنساق األخرى‪.‬‬

‫ل ††ذا ترتب ††ط النظم السياس ††ية ارتباط ††ا وثيق ††ا بالتنظيم ††ات االجتماعي ††ة األخ ††رى وال ميكن أن تنفص ††ل عنه ††ا‪.‬‬
‫والواقع أن هذه النظرة إىل النظم السياسية أي ك†ون النظم ه†ذه ترتب†ط ب†الظروف االجتماعي†ة العام†ة ك†انت‬
‫وال تزال النظرة املعول عليها واليت يعتقد هبا عدد كبري من املفكرين السياسيني‪ .‬وقد ش††جعت ه††ذه النظري††ة‬
‫البحث العلمي يف اجملال السياس ††ي ال ††ذي مل يع ††د يهتم فق ††ط ب ††النظم السياس ††ية الرمسية وبالقض ††ايا األخالقي ††ة‬
‫والفلسفية وامنا اجته حنو دراسة اجلماعات السياسية غري الرمسية وربطها بالتنظيم االجتماعي العام‪ .‬من ه††ذه‬
‫الزاوي††ة دخ††ل علم االجتم††اع اجملال السياس††ي واص††طحب مع††ه نظريات††ه وأدوات††ه البحثي††ة الفني††ة وأط††ره العلمي††ة‬
‫وأساليبه االستطالعية اليت استعملت يف حبث ودراسة العدي†د من القض†ايا واملش†كالت السياس†ية وال†يت ك†ان‬
‫هلا الدور الكبري يف إمناء وتطوير العل†وم السياس†ية‪ .‬وق†د منحت النظري†ة الوظيفي†ة العل†وم السياس†ية الكث†ري من‬

‫‪54‬‬
‫اإلجيابي † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ات والفوائ † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††د ال † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††يت ال ميكن التقلي † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ل‬
‫من أمهيته ††ا‪ ،‬حيث زودت††ه ب††األدوات الالزم ††ة لتحلي††ل األنش††طة السياس††ية غ ††ري الرمسية دون ال††دخول بقض ††ايا‬
‫األحك††ام القيمي††ة والفلس††فية‪ .‬فاألس††لوب ال††وظيفي ي††درس م††ا ه††و ك††ائن وال يهتم مبا ينبغي أن يك††ون أي ان††ه‬
‫أس ††لوب علمي موض ††وعي يتعل ††ق بوص ††ف وحتلي ††ل الظ ††واهر السياس ††ية كم ††ا هي وال يهتم بتقييمه ††ا وإص ††دار‬
‫األحك††ام الذاتي††ة حوهلا(‪ .)28‬والنظري††ة الوظيفي††ة ف††وق ك††ل ذل††ك تض††ع لن††ا أساس†ًا مالئم†ًا للدراس††ات املقارن††ة‬
‫حيث اهنا متدنا باألدوات الالزمة ملقارنة األنساق السياسية البسيطة واملركبة يف اجملتمعات التقليدية والنامي††ة‬
‫واملتقدمة على حد سواء هلذا جنح األسلوب الوظيفي يف الدراسات السياسية‪ ،‬اال ان هذا ال يعين ب††أن مجي††ع‬
‫علم ††اء السياس ††ة يس ††تخدمون ه ††ذا األس ††لوب وخيض ††عون لش ††روطه وقوانين ††ه وتعليمات ††ه‪ .‬فهن ††اك الكث ††ريين من‬
‫علم††اء السياس††ة يس††تخدمون األس††لوب التح††وىل الت††ارخيي املادي أو األس††لوب املق††ارن أو األس††لوب املي††داين‬
‫املسحي ‪.‬‬

‫إن النظرية الوظيفية يف علم االجتماع توضح لنا كيفية قيام املنظم†ات السياس†ية بوظائفه††ا والتزاماهتا وذل†ك‬
‫بع††د حتلي††ل ه††ذه املنظم††ات إىل عناص††رها األولي††ة‪ ،‬ف††احلزب السياس††ي ال††ذي ه††و منظم††ة اجتماعي††ة يتك††ون من‬
‫أدوار اجتماعي† ††ة خمتلف† ††ة من حيث واجباهتا وعالقاهتا االجتماعي† ††ة ومنازهلا وقوهتا االجتماعي† ††ة‪ .‬ولك† ††ل دور‬
‫اجتم ††اعي يف احلزب جمموع ††ة واجب ††ات وحق ††وق ومنط معني من العالق ††ات واالتص ††االت االجتماعي ††ة ال ††يت‬
‫تك ††ون على أن ††واع خمتلف ††ة كالعالق ††ات العمودي ††ة والعالق ††ات األفقي ††ة والعالق ††ات الرمسية وغ ††ري الرمسية(‪.)29‬‬
‫فواجب††ات وحق††وق عض††و احلزب حتدد ل††ه من قب††ل ق††انون أو دس††تور احلزب ال††ذي ق††د يك††ون م††دونا أو غ††ري‬
‫م††دون‪ ،‬عن††دما يتص††ل عض††و احلزب بالنص††ري أو املؤي††د أو بعض††و الش††عبة أو الف††رع ف††ان اتص††اله ه††ذا يس††مى‬
‫باالتص††ال العم††ودي ألن††ه يق††ع بني أدوار اجتماعي††ة ختتل††ف بواجباهتا وحقوقه††ا االجتماعي††ة‪ ،‬وعن††دما يتص††ل‬
‫العضو بعضو آخر فان اتصاله هذا يسمى باالتصال أو العالقة األفقية الهنا تق††ع بني شخص††ني ميثالن مرك††زًا‬
‫وظيفي †ًا واح††دًا‪ ،‬ويف حال††ة اتص††ال عض††و احلزب بعض††و آخ††ر ويك††ون االتص††ال ه††ذا ح††ول األم††ور التنظيمي††ة‬
‫واحلزبي†ة أو السياس†ية ف†ان ه†ذا االتص†ال يس†مى باالتص†ال أو العالق†ة الرمسية‪ .‬يف حني اذا ك†ان االتص†ال بني‬
‫هذين العضوين حول األمور الشخصية اليت هتمهم كأمور العائلة واألطف†ال واألم†ور الثقافي†ة والرتفيهي†ة ف†ان‬
‫االتصال أو العالقة هذه تسمى بالعالقة غري الرمسية وهكذا ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫أن معظم العالق††ات والتف††اعالت االجتماعي††ة بني القي††ادة والقاع††دة يف األح††زاب السياس††ية تك††ون رمسية أي‬
‫أهنا حتدد بق††وانني رمسية مدون††ة أو غ††ري مدون††ة‪ .‬ويف ح††االت كث††رية تك††ون العالق††ات االجتماعي††ة بني القي††ادة‬
‫والقاعدة غري رمسية أي اهنا ال حتدد بقوانني وأحكام رمسية‪ .‬وكلما كانت العالق††ات االجتماعي††ة ال††يت ترب††ط‬
‫أعض † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اء‬
‫احلزب غ ††ري رمسية كلم††ا ك††انت قوي††ة ومتماس††كة‪ .‬وكلم††ا ك††انت العالق††ات االجتماعي††ة ال††يت ترب††ط القي††ادة‬
‫بالقاع†دة رمسية كلم†ا ك†انت ه†ذه العالق†ة ض عيف†ة ومفكك†ة‪ .‬وإذا ك†انت العالق†ات االجتماعي†ة ال†يت ترب†ط‬
‫أعض††اء احلزب رمسية وض††عيفة ف††ان احلاجز االجتم††اعي والس††يكولوجي س††رعان م††ا يظه††ر بني قي††ادة وقاع††دة‬
‫احلزب‪ .‬وه ††ذا احلاجز الب ††د أن يق ††ود إىل تص ††دع كي ††ان احلزب وع ††دم وح ††دة أف ††راده ومنتس ††بيه‪ ،‬وعن ††دما ال‬
‫يك††ون احلزب موح††دًا فإن††ه يك††ون ع††اجزًا عن حتقي††ق أبس††ط أهداف††ه وطموحات††ه‪ .‬ل††ذا واحلال††ة ه††ذه ينبغي أن‬
‫تتح††ول العالق††ات االجتماعي††ة ال††يت ترب††ط قي††ادة احلزب بقاعدت††ه من عالق††ات رمسية تتس††م بالض††عف واجلم††ود‬
‫والس ††كون إىل عالق ††ات غ ††ري رمسية تتم ††يز ب ††روح الص ††داقة واحلب واإلخ ††اء والتع ††اون واإليث ††ار‪ .‬واذا ك ††انت‬
‫العالق ††ة اإلنس ††انية ال ††يت ترب ††ط قي ††ادة احلزب بقاعدت ††ه غ ††ري رمسية ف ††ان احلاجز االجتم ††اعي والنفس ††ي ال ††ذي ق ††د‬
‫يفصل القيادة عن القاعدة سيزول عاجال أم آجال‪ .‬ويف حالة زوال هذا احلاجز فان احلزب س††يكون منظم††ة‬
‫اجتماعية موحدة‪ ،‬ووحدة املنظمة هذه ستمكنها من حتقيق أهدافها وطموحاهتا ‪.‬‬

‫ه ††ذا م ††ا يتعل ††ق بتحلي ††ل العناص ††ر والعالق ††ات والفعالي ††ات الداخلي ††ة للمنظم ††ة السياس ††ية ك ††احلزب مثال‪ .‬أم ††ا‬
‫الوظائف العامة اليت يقوم هبا النظام السياسي يف اجملتمع فيمكن تقسيمها إىل مخسة وظائف أساسية هي(‪:)‬‬

‫ترمجة األفك ††ار واملب ††ادئ والقيم واملث ††ل السياس ††ية ال ††يت ي ††ؤمن هبا اجملتم ††ع إىل سياس ††ات عملي ††ة تلعب‬ ‫‪-1‬‬
‫الدور الكبري يف منو اجملتمع وتقدمه ويف نفس الوقت حتقيق أهداف وطموحات أفراده ‪.‬‬

‫‪ )(‬للحصول على المزيد من المعلومات عن الضرورات الوظيفية لألنظمة األجتماعية الفرعية ومنها النظام السياسي‬
‫ارجع إلى كتاب‪:‬‬
‫‪Marion J. Levy, the Structure of Society, Princeton University Press, 1952.‬‬
‫كما يمكن الرجوع إلى كتاب ‪:‬‬
‫‪Don Martindale, the Nature and Types of Sociological Theory, 2, Boston, Houghton Minlin, 1981, PP. 477-‬‬
‫‪479.‬‬

‫‪56‬‬
‫تشريع وتنفيذ الق†وانني املتعلق†ة بتنظيم ش†ؤون وفعالي†ات املؤسس†ات البنيوي†ة ال†يت يتك†ون منه†ا البن†اء‬ ‫‪-2‬‬
‫االجتم ††اعي م ††ع حتدي ††د واجب ††ات وحق ††وق الش ††عب جتاه الدول ††ة وواجب ††ات وحق ††وق الدول ††ة جتاه‬
‫الشعب‪.‬‬
‫التص† ††دي لألخط† ††ار الداخلي† ††ة واخلارجي† ††ة ال† ††يت هتدم النظ† ††ام االجتم† ††اعي وتعرق† ††ل مس† ††رية اجملتم† ††ع‬ ‫‪-3‬‬
‫كاالنقسامات السياسية الداخلية‪ ،‬الصراع بني االقليات القومية‪ ،‬الصراعات االجتماعي†ة والطبقي†ة‪،‬‬
‫أو التص††دي للع††دوان اخلارجي ال††ذي ي††داهم اجملتم††ع ويتح††دى وج††وده وقوميت††ه وتراث††ه ومقدس††اته‪،‬‬
‫وهن††ا تلعب الق††وات املس††لحة ال††يت تس††يطر عليه††ا البني††ة السياس††ية ال††دور الكب††ري يف التص††دي للع††دوان‬
‫اخلارجي وتصفية آثاره السلبية‪.‬‬
‫قيام النظام أو النسق السياسي على تشجيع األفراد باملسامهة يف ش†ؤونه وإش†غال األدوار املهم†ة في†ه‬ ‫‪-4‬‬
‫بع††د احلص††ول على الت††دريب وامله††ارة والكف††اءة اإلداري††ة واملهني††ة م††ع مكافئ††ة ش††اغلي ه††ذه األدوار‬
‫وحتف††يزهم على تق††دمي املزي††د من اخلدمات والفعالي††ات املفي††دة واملخلص††ة وال††يت من ش††أهنا أن تط††ور‬
‫نوعية العمل السياسي يف اجملتمع‪.‬‬
‫العم††ل على تك††ييف النظ††ام السياس††ي برمت††ه إىل طبيع††ة البيئ††ة االجتماعي††ة ال††يت يوج††د فيه††ا م††ع ترمجة‬ ‫‪-5‬‬
‫اديولوجية النظام االجتماعي إىل واقع عمل يسهم يف حتقيق أهداف القيادة السياسية‪.‬‬

‫الهوامش والمصادر‬

‫‪1.‬‬ ‫‪Radcliffe - Brown, A. Structure and Function in Primitive‬‬


‫‪Society, London, 1952, PP. 188-190.‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Maclver, R. and Page, C. Society, Macmillan, London, 1962,‬‬
‫‪P.16.‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Davis, K. Human Society, Macmillan Co., London, 1967,‬‬
‫‪P.480.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Firth, R. Element of Social Organization, London, 1956, P. 11.‬‬
‫‪Ibid. P. 17.‬‬
‫‪5.‬‬ ‫‪Fortes, M. Social Structure, London, 1949, See the Ch., Time‬‬
‫‪and Social Structure: An Ashanticase Study.‬‬
‫‪6.‬‬ ‫‪Evans-Pritchard, E. The Nuer, London, 1940, PP. 10-12.‬‬

‫‪57‬‬
7. Leach, E. Political Systems of Highland Burma, New York,
1954, P.22.
8. Radcliffe-Brown, E. Natural Science of Society, London,
1956, See the Introduction.
.51‫ ص‬،1972 ،‫ بغداد‬،‫ دراسات حتليلية يف اجملتمع املعاصر‬،)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .9
.52‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .10
11. Gerth, H. and Mills, Character and Social Structure, London,
1956, P. 25.
12. Lundberg, G. Foundations of Sociology, London 1954, See Ch.
X.
13. Maclver, R. and Page, Society, P. 453.
14. Ibid., P. 18.
15. Easton, D. Limits of the Equlibirium Model , An Article
written in the Social Research Journal, London, March, 1955,
P. 82.
16. Ibid., P. 89.
17. Almond, A. Developmental Approach to Political Systems, An
Article written in World Political, XVII., 1963, London.
18. Easton, D. An Approach to the Analysis of Political Systems,
An Article Published in. World Politics Vol. 9, 1956, P. 888.
19. Mitchell, D. A Dictionary of Sociology, Routledge and Kegan
Paul, London, 1973, P. 81.
20. Merton, R. Social Theory and Social Structure the Free Press
of Glencoe, 1949, See Ch. 1.
21. Spencer, H., Principles of Sociology, London, 1891, PP. 210-
212.

58
‫‪22. Malinowskie, B. Magic, Science and Religion, New York,‬‬
‫‪1961, PP. 153-155.‬‬
‫‪23. Parsons, T. The Structure of Social Action, New York, 1937.‬‬
‫‪24. Rex, J. Key Problems of Sociological Theory, Routledge and‬‬
‫‪Kegan Paul, London, 1963, See the Ch. On Functionalism.‬‬
‫محادي‪ ،‬مشران (الدكتور)‪ ،‬األحزاب السياسية‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة دار السالم‪ ،1972 ،‬ص‪.215‬‬ ‫‪.25‬‬
‫نفس املصدر السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪.26‬‬
‫‪27. Lowie, R. Social Organization, London, 1950, See Ch. 14.‬‬
‫‪28. Ginsberg, M. Sociology. Oxford University Press, London,‬‬
‫‪1950, P.9.‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫تاريخ علم االجتماع السياسي‬

‫علم االجتم ††اع السياس ††ي ه ††و ف ††رع من ف ††روع علم االجتم ††اع‪ ،‬ول ††ه ص ††لة وثيق ††ة بك ††ل من علم االجتم ††اع‬
‫والعل††وم السياس††ية سنوض††حها فيم††ا بع††د‪ .‬وقب††ل ظه††ور علم االجتم††اع السياس††ي خالل ف††رتة األربعين††ات من‬
‫هذا القرن ك†انت معظم مص†طلحاته ومواض†يعه وفروض†ه وحقائق†ه وقوانين†ه داخل†ة يف حقلي علم االجتم†اع‬
‫والعل††وم السياس††ية‪ .‬اال اهنا انفص††لت واس††تقلت عن ه††ذين العلمني وأص††بحت تش††كل وح††دة قائم††ة حبد ذاهتا‬
‫ترج††ع إىل حق††ل االجتم††اع السياس††ي ال††ذي ظه††ر للعي††ان كعلم مس††تقل بع††د زي††ادة وتش††عب وظ††ائف الدول††ة‬
‫وتعاظم أمهيتها للفرد واجملتمع على حد سواء(‪.)1‬‬

‫‪59‬‬
‫وبع†د ظه†ور املش†كالت السياس†ية واالجتماعي†ة النامجة عن تعق†د طبيع†ة العالق†ات ال†يت ترب†ط اجملتم†ع بالدول†ة‬
‫وترب ††ط الش ††عب بالدول ††ة وترب ††ط ال ††دول بعض ††ها ببعض‪ ،‬وعلى ال ††رغم من ظه ††ور وتكام ††ل واس ††تقالل علم‬
‫االجتم††اع السياس††ي من††ذ ف††رتة ليس††ت بعي††دة إّال أن تراث††ه الفك††ري والعلمي ق††دمي ق††دم اجملتم††ع البش††ري نفس††ه‬
‫وق† ††دم السياس† ††ة والدول† ††ة‪ ،‬أن األص† ††ول التارخيي† ††ة والفكري† ††ة لعلم االجتم† ††اع السياس† ††ي متت† ††د إىل احلض† ††ارات‬
‫اإلنس† ††انية القدمية كحض† ††ارة وادي الراف† ††دين ووادي الني† ††ل‪ .‬وإهنا تأخ† ††ذ بالتش† ††عب والتط† ††ور والنم ††و كلم ††ا‬
‫تش ††عبت وتط ††ورت حض ††ارة اإلنس ††ان وكلم ††ا ارتقت املعرف ††ة البش ††رية وتوس ††عت املدارك الفلس ††فية والعلمي ††ة‬
‫واحلض ††ارية‪ ،‬ل ††ذا يتطلب من ††ا اس ††تعراض تط ††ور الفك ††ر االجتم ††اعي والسياس ††ي ابت ††داء من ††ذ ظه ††ور احلض ††ارات‬
‫القدمية ومرورا باحلضارة العربية اإلسالمية وانتهاء بعصر االضطرابات والقالقل السياسية والثورات القومي†ة‬
‫التحررية اليت اجتاحت القارة األوربية خالل القرون السابع عشر والثامن عشر والتاس†ع عش†ر‪ .‬ه†ذا العص†ر‬
‫الذي برز خالله عدد من املفكرين االجتماعيني والسياسيني أمث††ال ميكيفيلي‪ ،‬تيكيفيلي‪ ،‬هيج††ل‪ ،‬م††اركس‪،‬‬
‫م††اكس في††رب‪ ،‬وغ††ريهم من ال††ذين س††امهوا يف تط††ور الفك††ر االجتم††اعي والسياس††ي ولعب††وا ال††دور الكب††ري يف منو‬
‫واكتم††ال واس††تقاللية علم االجتم††اع السياس††ي كعلم موض††وعي يهتم بدراس††ة الظ††واهر والنظم السياس††ية يف‬
‫ضوء البناء االجتماعي واحلضارة السائدة يف اجملتمع‪.‬‬

‫ل††و نظرن††ا إىل الفك††ر االجتم††اعي والسياس††ي يف الش††رق الق††دمي إب††ان عص††ر حض††اريت وادي الراف††دين ووادي‬
‫النيل لشاهنا وجود أفكار ناضجة ومكتملة حول العالقة بني اجملتمع والدولة وأمهية كل منهما لآلخ††ر‪ .‬جند‬
‫يف الع††راق الق††دمي مثًال فلس†فات وش†رائع وحكم†ة اجتماعي†ة وسياس†ية على ج†انب كب†ري من ال†رقي والتق††دم‪،‬‬
‫وهن ††اك فالس ††فة ترك ††وا وص ††ايا وإرش ††ادات وع ††رب ال ت ††زال ح ††ىت اآلن تعت ††رب من مقوم ††ات احلي ††اة االجتماعي ††ة‬
‫والسياس ††ية(‪ .)2‬فق ††د ق ††ام محورايب بإنش ††اء أول مس ††لة عرفه ††ا الت ††اريخ دونت فيه ††ا الش ††رائع والق ††وانني واحلكم‬
‫والوصايا ال†يت نظمت ش†ؤون اجملتم†ع املختلف†ة وح†ددت املث†ل الفلس†فية واألخالقي†ة ال†يت جيب أن يس†ري عليه†ا‬
‫املل ††ك وأف ††راد الش ††عب وذل ††ك من خالل حتدي ††د واجب ††ات وحق ††وق املل ††ك إزاء الش ††عب وواجب ††ات وحق ††وق‬
‫الشعب إزاء امللك والدولة(‪ .)3‬أما ألوان التفكري االجتماعي والسياسي عند املصريني القدماء فتتمثل باآلث††ار‬
‫ال ††يت تركوه ††ا‪ .‬فمعتق ††دات املص ††ريني الديني ††ة وعن ††ايتهم ب ††دفن موت ††اهم وحبهم إلظه ††ار عظمتهم وتس ††جيل‬
‫فتوحاهتم قد أمدتنا مبصادر صحيحة وصرحية عن حياهتم االجتماعية واالقتص††ادية والسياس††ية والديني††ة‪ .‬لق††د‬

‫‪60‬‬
‫امت††از املص††ريون حبس††ن السياس††ة وفن اإلدارة واس††تطاع احلك††ام بفض††ل ذل††ك أن يس††يطروا س††يطرة تام††ة على‬
‫أمور بالدهم(‪.)4‬‬

‫وخالل عصر احلضارة اليونانية والرومانية منی وتطور الفكر االجتماعي والسياسي إىل درجة كبرية‪ ،‬وظهر‬
‫ع ††دد من الفالس††فة واملفك††رين الب††ارزين مث††ل أفالط††ون وارس††طو وس††ینکا وسیس††رو الروم ††انيني‪ .‬فق ††د وهب‬
‫أفالط ††ون (‪ 347-427‬ق‪.‬م) ع ††دة أفك ††ار ونظري ††ات عن الدول ††ة واجملتم ††ع وطبقات ††ه وفلس ††فته السياس ††ية‪،‬‬
‫وانعكست أفكاره ونظرياته هذه يف كتابه املوسوم "اجلمهوري†ة" والكت†اب يه††دف إىل وض††ع األس†س املثالي†ة‬
‫ال† ††يت جيب أن يرتك† ††ز عليه† ††ا اجملتم† ††ع اإلنس† ††اين کالعدال† ††ة االجتماعي† ††ة مثال وال† ††يت يق† ††ول عنه† ††ا بأهنا من أهم‬
‫األه†داف السياس†ية ال†يت جيب على ال†دول حتقيقه†ا(‪ .)5‬وأش†ار أفالط†ون يف كتاب†ه ب†أن الطبق†ة املثقف†ة جيب أن‬
‫تقود وحتكم اجملتمع ألهنا أعرف من غريها بالسبل والغاي††ات ال††يت جتلب اخلري والرفاهي††ة والس††عادة لإلنس††ان‪.‬‬
‫كم†ا ذك†ر ب†ان اجملتم†ع مك†ون من أنظم†ة متص†لة الواح†دة ب†األخرى كالنظ†ام السياس†ي واالقتص†ادي وال†ديين‬
‫والع † ††ائلي‪ .‬وأن أي تغي † ††ري يف أح † ††دها الب † ††د أن ينعكس على بقي † ††ة األنظم † ††ة األخ † ††رى(‪ .)6‬ومن أهم أفك† ††اره‬
‫األخرى توضيحه للعالقة بني الفرد والدولة بقوله أن رئيس الدول†ة جيب أن يض†حي بنفس†ه من أج†ل خدم†ة‬
‫اجملم††وع‪ .‬ون††ادي ب††ان املثالي††ة األفالطوني††ة واجملتم††ع املث††ايل ال ميكن حتقي††ق أهداف††ه دون قي††ام الف††رد بالتف††اين من‬
‫أجل خدمة أبناء الشعب مجيعهم(‪.)7‬‬

‫أما أرس†طو (‪ 322-384‬ق‪.‬م) فق†د ع†اجل ع†دة مواض†يع فلس†فية واجتماعي†ة وسياس†ية أمهه†ا كيفي†ة تك†وين‬
‫اجلماعات السياس†ية‪ .‬يعت†رب ارس†طو األس†رة بأهنا أول خلي†ة اجتماعي†ة‪ ،‬وهي أول اجتم†اع ت†دعو الي†ه الطبيع†ة‬
‫ألن هناك ضرورة أولية تؤدي إىل اجتماع ك†ائنني ال غ†ىن ألح†دمها عن اآلخ†ر وان احلي†اة اإلنس†انية ال ميكن‬
‫أن تتحقق على وجه ص†حيح اال يف األس†رة ال†يت وظيفته†ا القي†ام باحلاج†ات اليومي†ة‪ .‬ومن اجتم†اع ع†دة أس†ر‬
‫تنشأ القرية وهي وحدة اجتماعية أوسع نطاقا وتقوم بوظائف أكثر تنوعا من األسرة اال أن طبيعة تكوينه††ا‬
‫تس† ††مح بتقس† ††يم العم† ††ل‪ .‬ومن اجتم† ††اع ع† ††دة ق† ††رى تتك† ††ون املدين† ††ة أو الدول† ††ة(‪ ،)8‬وهي أكم† ††ل ال† ††درجات‬
‫االجتماعية وأمتها وأوضحها قصد تكفي نفسها بنفسها وتضمن لألفراد وسائل العيش‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ووهب املفك††ر الروم††اين س††ينكا ال††ذي ول††د يف مدين††ة قرطب††ة ع††ام (‪ 4‬ق‪.‬م) الكث††ري من األفك††ار االجتماعي††ة‬
‫والسياس††ية أمهه††ا اعتق††اده ب††دور امللكي††ة يف حتدي††د الطبق††ة االجتماعي††ة لإلنس††ان‪ ،‬وأمهي††ة املال وال††ثروة يف رس††م‬
‫جمال الق † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††وة والس † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††لطة‬
‫السياسية اليت يهيمن عليها احلاكم‪ ،‬حيث قال بان أغنياء اجملتمع غالبا ما يكونوا حكامه الشرعيني(‪ .)9‬كم††ا‬
‫نادي بض†رورة فص†ل الس†لطة السياس†ية عن الس†لطة الديني†ة وق†ال ب†ان رج†ل ال†دين جيب أن ال يت†أثر بأحك†ام‬
‫السلطة السياسية يف البالد‪ .‬أما الفيلسوف الروماين سيس†ريو فق†د اعتق†د بض†رورة تك†وين الدول†ة املثالي†ة ال†يت‬
‫جيب أن تكون على غرار مجهورية أفالطون اال انه ذكر بأن اجملتمع الروماين جيب أن ال يسعى وراء املثالية‬
‫ألن††ه جمتم††ع خ††ري وليس في††ه م††ا ي††دل على وج††ود التعس††ف والظلم االجتم††اعي‪ .‬كم††ا أك††د على أمهي††ة احلي††اة‬
‫(‬
‫االجتماعية والسياسية وذلك ملا تقدمه من ق†واننی وض†وابط س†لوكية وأخالقي†ة لألف†راد ال†ذين ش†اركوا فيه†ا‬
‫‪ ،)10‬ووض†ح أض†رار العزل†ة االجتماعي†ة ال†يت ال تعطي اجملال لإلنس†ان االنتف†اع من قدرات†ه وطاقات†ه إض†افة إىل‬
‫مقارنته بني التكامل االجتماعي والتكامل السياسي للمجتمع والدولة ‪.‬‬

‫وخالل عص††ر اإلمرباطوري††ة العربي††ة اإلس††المية تبل††ورت اآلراء واملف††اهيم والنظري††ات االجتماعي††ة والسياس††ية‬
‫اليت تفسر أصل نشوء اجملتمع وتطوره وعالقة اجملتمع بالدولة على أيدي املفك†رين االجتم†اعيني والسياس†يني‬
‫العرب كالفارايب وابن خلدون والغزايل واحلموي وابن بطوطة‪ .‬وقد ركزت ه††ذه املف††اهيم والنظري††ات على‬
‫دور الغريزة االجتماعية يف تكوين اجملتمع والدولة‪ .‬فالغريزة االجتماعية هي أساس االجتم††اع اإلنس††اين وان‬
‫اإلنس††ان ه††و حي††وان اجتم††اعي وسياس††ي بالطبيع††ة‪ .‬فه††و ال ميكن أن يعيش مبع††زل عن اآلخ††رين وال ميكن أن‬
‫حيص ††ل على أهداف ††ه وطموحات ††ه دون وج ††ود س ††لطة تنظم وتش ††رف على واجب ††ات وحق ††وق األف ††راد وتنش ††ر‬
‫الع††دل واملس††اواة واحلري††ة يف رب††وع اجملتم††ع(‪ .)11‬علين††ا هن††ا دراس††ة النظري††ات االجتماعي††ة والسياس††ية للف††ارايب‬
‫وابن خل††دون لنطل††ع على دور احلض††ارة العربي††ة يف إغن††اء الفك††ر االجتم††اعي والسياس††ي الع††املي‪ ،‬ه††ذا الفك††ر‬
‫الذي متخض عنه يف النهاية ظهور وبلورة علم االجتماع السياس†ي‪ .‬الف††ارايب ه††و من املفك†رين االجتم†اعيني‬
‫والسياس††يني الع††رب ال††ذين ب††رزوا يف مواض††يع السياس††ة واالجتم††اع والفلس††فة‪ .‬ول††د ع††ام ‪۸۷۰‬م وت††ويف ع††ام‬
‫‪۹۰۰‬م من أهم مؤلفاته كتاب "السياسات املدنية" وكتاب "أه†ل املدين†ة الفاض†لة" والكت†اب األخ†ري ه†و من‬
‫أش ††هر مؤلفات ††ه إذ ك ††ان على غ ††رار كت ††اب مجهوري ††ة أفالط ††ون من حيث ترتيب ††ه العلمي وحكم ††ه الفلس ††فية‬

‫‪62‬‬
‫والسياسية‪ .‬والغاية من تأليف كتاب أهل املدينة الفاضلة هي توضيح طبيعة اجملتمع الفاضل والدول†ة املثالي†ة‪.‬‬
‫وقد قسم هذا الكتاب إىل قس†مني‪ :‬قس†م يهتم بدراس†ة األس†س الفلس†فية ال†يت تس†تند عليه†ا املدين†ة الفاض†لة‪،‬‬
‫والقس††م الث††اين يوض††ح املب††ادئ ال††يت تق††وم عليه††ا املدين††ة الفاض††لة‪ .‬وق††د ع††اجل الف††ارايب يف ه††ذا الكت††اب أيض††ا‬
‫حقيقة االجتماع اإلنساين وحقيقة الدولة وأصل نشؤها‪.‬‬

‫بدأ الفارايب حبوث†ه االجتماعي†ة بتحلي†ل حقيق†ة االجتم†اع اإلنس†اين وال†دوافع األساس†ية إىل قيام†ه والش†ك ان†ه‬
‫رجع يف هذا الصدد إىل ارسطو عن†دما ق†ال ب†أن اإلنس†ان حي†وان اجتم†اعي بطبيعت†ه أي أن†ه حيت†اج إىل أش†ياء‬
‫كث††رية ال يس††تطيع احلص††ول عليه††ا مبف††رده‪ .‬فه††و الب††د ل††ه من التع††اون م††ع أعض††اء جنس††ه لكي يس††تطيع بل††وغ‬
‫الكم††ال‪ ،‬والكم††ال ال††ذي يقص††ده الف††ارايب هن††ا ه††و الس††عادة(‪ .)12‬وال يتم للف††رد حتقي††ق الس††عادة يف نفس††ه عن‬
‫طري ††ق التع ††اون املادي فحس ††ب ب ††ل الب ††د ل ††ه من التع ††اون ال ††روحي أو الفك ††ري ألن الس ††عادة تتص ††ل بتحقي ††ق‬
‫األش † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ياء املادي † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ة والروحي † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ة يف آن‬
‫واح ††د‪ ،‬ورغب ††ة اإلنس ††ان يف حتقي ††ق الس ††عادة ال ميكن أن يتم اال اذا اس ††تطاع تك ††وين هيئ ††ة أو س ††لطة سياس ††ية‬
‫منظمة تتوىل القيام بوظائف عديدة لألفراد‪ ،‬ومثل ه†ذه الوظ†ائف ينبغي أن جتلب الس†عادة للمجتم†ع وحتق†ق‬
‫أماين األفراد‪ .‬واذا ما انتشرت السعادة يف اجملتمع وك†ان انتش†ارها يعتم†د على مب†ادئ العدال†ة واملس†اواة ف†ان‬
‫املدين††ة الفاض††لة ال††يت كتب عنه††ا الف††ارايب س††تظهر للعي††ان‪ .‬وق††د تكلم الف††ارايب بإس††هاب عن املدين††ة الفاض††لة‬
‫وهي املدينة اليت يتع†اون أفراده†ا واح†دهم م†ع اآلخ†ر لغ†رض ني†ل الس†عادة‪ ،‬كم†ا جيب على ك†ل واح†د منهم‬
‫القيام بعمل معني والتخصص به‪ .‬وأهم وظائف املدينة وأكربه†ا خط†رة وظيف†ة الرئاس†ة‪ .‬وذل†ك ألن ال†رئيس‬
‫هو منبع الس†لطة العلي†ا وه†و املث†ل األعلى ال†ذي تتحق†ق يف شخص†يته مجي†ع مع†اين الكم†ال وه†و مص†در حي†اة‬
‫املدينة ودعامة نظامها‪ .‬ومنزلة الرئيس بالنسبة لألفراد كمنزلة القلب بالنسبة الس†ائر أحناء اجلس†م ول†ذلك ال‬
‫يصلح للرئاسة حسب اعتقاد الف†ارايب إّال من زود بص†فات وراثي†ة ومكتس†بة يتمث†ل فيه†ا أقص†ى م†ا ميكن أن‬
‫يصل إليه الكمال يف اجلسم والعقل والعلم واخللق والدين‪.‬‬

‫أما املفكر االجتماعي العريب ابن خلدون (‪1406-1332‬م) فقد كان مهتما مبواضيع كثرية أمهها األدب‬
‫والفلس††فة والت††اريخ والسياس††ة واالجتم††اع ال††ذي أطل††ق علي††ه يف كتاب††ه "املقدم††ة" اس††م علم العم††ران البش††ري‬
‫الذي يدرس ما استطاع اإلنسان إجنازه يف البيئة احلضرية من معامل املدنية وال†رتاث احلض††اري وب†اقي الفن†ون‬

‫‪63‬‬
‫احلياتية اليت طورت اجملتمع ومنته يف ضروب وجماالت خمتلف†ة(‪ .)13‬ودرس ابن خل†دون اجملتم†ع دراس†ة تارخيي†ة‬
‫اذ اعتق††د بأن†ه مير يف مراح†ل تارخيي†ة متباين†ة‪ ،‬وك†ل مرحل†ة حض††ارية متص††لة باملرحل†ة احلض††ارية ال†يت س†بقتها‪.‬‬
‫وأش† ††ار إىل أن دراس† ††ة املاض† ††ي ترش† ††دنا إىل فهم احلاض† ††ر والتنب† ††ؤ عن املس† ††تقبل‪ ،‬ودراس† ††ة كه† ††ذه تع† ††ود إىل‬
‫موضوع فلسفة التاريخ الذي برز فيه ابن خلدون قبل غريه من مفكري وفالسفة العامل ‪.‬‬

‫وال يكتفي ابن خل††دون ب††ان يق††رر أن اجملتم††ع حقيق††ة جيب أن ت††درس وان علم االجتم††اع ه††و ال††ذي ي††درس‬
‫اجملتمع البش†ري وم†ا يلحق†ه من ع†وارض‪ ،‬ب†ل حياول أك†ثر من ذل†ك اذ حيل†ل الض†رورة االجتماعي†ة ويكش†ف‬
‫عن ال††دعائم ال††يت تق††وم عليه††ا‪ .‬فيق††ول ان االجتم††اع اإلنس††اين ض††روري الن اإلنس††ان م††دين بطبع††ه ويس††ري يف‬
‫ش ††رح ه ††ذه القض ††ايا على وت ††رية من س ††بقه من مفک ††رین کارس ††طو والف ††ارايب‪ .‬ويق ††رر ان ع ††دم كفاي ††ة الف ††رد‬
‫لنفسه يدفعه إىل التع†اون واالش†رتاك يف حي†اة اجلماع†ة ومن مث ينش†أ التض†امن ال†ذي يعت†رب أق†وى ال†دعائم ال†يت‬
‫يقوم عليها اجملتمع وهك†ذا(‪ .)14‬وم†ا فط†ر علي†ه اإلنس†ان من ش†عور حنو اجلماع†ة يدفع†ه إىل االس†تكمال بغ†ريه‬
‫ليس††تكمل ب††ذلك خواص††ه النوعي††ة واجلنس††ية فض††ال عن حاجات††ه الض††رورية وق††د يك††ون التض††امن علی أن††واع‬
‫كثرية كالتضامن االقتصادي والسياسي والثق†ايف والع†ائلي‪ .‬ففي حال†ة التض†امن السياس†ي أي دخ†ول األف†راد‬
‫بعالقات تعاونية تستهدف متشية أم†ور اجملتم†ع والس†يطرة علي†ه والكف†اح من أج†ل حتقي†ق أهداف†ه وطموحات†ه‬
‫ف ††ان الدول† ††ة تظه† ††ر من ه† ††ذا التض† ††امن‪ .‬والدول† ††ة حس† ††ب اعتق† ††اد ابن خل† ††دون من أق† ††وى مظ† ††اهر التض ††امن‬
‫االجتماعي وأكثرها أمهية وخطورة يف حتديد معامل اجملتمع وصورته السياسية(‪ .)15‬والدولة كاجملتمع يف نظر‬
‫ابن خل ††دون ش ††يء ط ††بيعي وهي هلذه الص ††فة ختض ††ع لق ††وانني عام ††ة‪ ،‬مثله ††ا يف ذل ††ك مث ††ل الظ ††واهر الفردي ††ة‬
‫وظ† ††واهر احلي† ††اة يف الكائن† ††ات احلي† ††ة‪ .‬ول† ††ذلك يب† ††ذل قص† ††ارى جه† ††ده يف تفس† ††ري مبادئه† ††ا وحتلي† ††ل وظائفه† ††ا‬
‫والكشف عن العوامل اليت تؤثر يف نشأهتا واستقرارها وتطورها‪.‬‬

‫ويف أوربا ظهر عدد كبري من املفك†رين السياس†يني واالجتم†اعيني خالل الق†رنني الس†ابع عش†ر والث†امن عش†ر‬
‫أمثال توماس هوبز وجون لوك يف إنكلرتا وجان جاك روسو ومنتسكيو يف فرنسا الذين ط††وروا الدراس††ات‬
‫السياس††ية واالجتماعي††ة يف جماالت كث††رية ومهم††ة‪ .‬فق††د تس††اءلوا عن العوام††ل واألس†باب ال††يت دفعت اإلنس††ان‬
‫التكوين اجملتمع والدولة ومنح الدولة الصالحيات املطلقة لقيادت†ه والتص†رف بش†ؤونه‪ .‬وق†د أج†ابوا عن ه†ذه‬
‫األس ††ئلة ووض ††حوها وشخص ††وا معامله ††ا بكتاب ††اهتم السياس ††ية واالجتماعي ††ة‪ .‬ان توم ††اس ه ††وبز وج ††ون ل ††وك‬

‫‪64‬‬
‫اإلنكليزي††ان وج††ان ج††اك روس††و ومنتس††كيو الفرنس††يان هم من أقط††اب مدرس††ة العق††د االجتم††اعي‪ .‬فأقط††اب‬
‫مدرس††ة العق††د االجتم††اعي باس††تثناء روس††و جيمع††ون على أن اإلنس††ان بطبيعت††ه حي††وان ال اجتم††اعي وع††دائي‪.‬‬
‫ففي البداي ††ة ك ††ان مع ††زوال عن أبن ††اء جنس ††ه وم ††دفوعًا لس ††د حاجات ††ه الشخص ††ية ال ††يت تتن ††اقض م ††ع حاج ††ات‬
‫وطموحات اآلخرين(‪.)16‬‬

‫وس†عي اإلنس†ان الق†دمي لس†د حاجات†ه اخلاص†ة مبف†رده واحلص†ول على مكاس†ب شخص†ية دفع†ه لالص†طدام م†ع‬
‫اآلخرين واالقتت†ال معهم‪ ،‬األم†ر ال†ذي خل†ق حال†ة االض†طراب والفوض†ى والقل†ق املس†تمر ال†يت س†يطرت على‬
‫األف††راد واجلماع††ات‪ .‬فق††د ك††ان الق††وي يس††لب أم††وال وحق††وق الض††عيف ب††القوة ويتمت††ع هبا لف††رتة من ال††زمن‪،‬‬
‫ولكن سرعان ما يضعف القوي فتسلب حقوقه وممتلكاته من قبل شخص أقوى من†ه‪ .‬وحال†ة كه†ذه س†ببت‬
‫الفوضى والدمار املستمرين ونتجت يف قص†ر عم†ر اإلنس†ان‪ .‬وق†د س†اد ق†انون الغ†اب على عالق†ات األف†راد‪،‬‬
‫هذا القانون الذي يعتقد بان احلق للقوة والفرد الذي ال قوة له ليس لدي†ه ح†ق(‪ .)17‬واس†تمر قانون†ا الغ†اب (‬
‫‪ )The Law of Nature‬حيكم األف ††راد واجلماع ††ات لف ††رتة طويل ††ة إىل أن ق ††رر األف ††راد إهناء مفعول ††ه‬
‫والقض† ††اء على حال† ††ة االض† ††طراب وال† ††دمار وذل† ††ك من خالل االتف† ††اق اجلم† ††اعي بني األش† ††خاص األقوي† ††اء‬
‫والض ††عفاء والتوقي ††ع على العق ††د االجتم ††اعي‪ .‬ه ††ذا العق ††د ال ††ذي يس ††تهدف انتخ ††اب س ††لطة سياس ††ية من بني‬
‫األف ††راد عن طري ††ق االس ††تفتاء الع ††ام (‪ .)Referendum‬وتن ††ازل األف ††راد عن حق ††وقهم إىل الس ††لطة ال ††يت‬
‫اختاروها‪ .‬والسلطة هذه تقوم بإعادة توزيع احلقوق والواجبات االجتماعية على األفراد بطريق†ة مش†تقة من‬
‫طبيعة واقعهم االجتماعي ومن مبادئ العدالة واملساواة االجتماعية(‪ .)18‬وبعد اختيار السلطة السياس††ية ه††ذه‬
‫(الدولة) تقوم األخرية بتأسيس املنظمات الوظيفية على اختالف أنواعها كاملنظمات االقتص††ادية والسياس††ية‬
‫والثقافي††ة والعس††كرية‪ ...‬اخل مث حتدد قوانينه††ا وأحكامه††ا (مؤسس††اهتا)‪ .‬وهن††ا يظه††ر البن††اء االجتم††اعي وتنش††أ‬
‫العالقات والتفاعالت االجتماعية‪.‬‬

‫لكن هن††اك اختالف بني مفك††ري العق††د االجتم††اعي ح††ول طبيع††ة العام††ل ال††ذي دف††ع األف††راد إىل التوقي††ع على‬
‫العق† ††د االجتم† ††اعي ال† ††ذي ينهي ق† ††انون الغ† ††اب ويك† ††ون اجملتم† ††ع املدين‪ ،‬ف† ††املفكر ه† ††وبر يعتق† ††د يف كتاب† ††ه “‬
‫‪ ”Levathian‬ب†أن خ†وف اإلنس†ان من أخي†ه اإلنس†ان ه††و ال†ذي دفع††ه لتك†وين اجملتم†ع‪ .‬بينم†ا يعتق††د ل†وك‬
‫ب ††ان رغب ††ة اإلنس ††ان يف احملافظ ††ة على حقوق ††ه املدني ††ة واملادي ††ة وممتلكات ††ه هي ال ††يت دفعت ††ه إىل تك ††وين اجملتم ††ع‬

‫‪65‬‬
‫والدول†ة‪ .‬أم†ا ج†ان ج†اك روس†و فيعتق†د ب†ان غري†زة اإلنس†ان االجتماعي†ة وحب†ه للص†احل الع†ام ورغبت†ه يف نش†ر‬
‫العدالة االجتماعية هي اليت حفزته على إنشاء اجملتمع والدولة‪.‬‬

‫وخالل الق††رنني التاس††ع عش††ر والعش††رين تط††ور الفك††ر السياس††ي واالجتم††اعي على ي††د جمموع††ة من الفالس†فة‬
‫واملفك ††رين أش ††هرهم هيج ††ل وم ††اركس وم ††اكس في ††رب و ب ††اريتو وميش ††يل‪ .‬ون ††ود هن ††ا ش ††رح وحتلي ††ل اهلب ††ات‬
‫الفكرية والعلمية اليت منحها كل مفكر لتطوير الفكر االجتماعي والسياسي العاملي‪.‬‬

‫فردري ††ك وليم هيج ††ل (‪۱۸۳۱-۱۷۷۰‬م) ه ††و من أش ††هر الفالس ††فة واملفك ††رين السياس ††يني واالجتم ††اعيني‬
‫األملان‪ .‬وق† ††د اش† ††تهر بابت† ††داع ق† ††انون ال† ††دايلكتيك ( ‪ )Law of Dialectics‬ال† ††ذي يه† ††دف إىل ح† ††ل‬
‫املتناقض ††ات واألض ††داد بني األفك ††ار (‪ )Thesises‬واألفك ††ار املض ††ادة (‪ )Anti Thesises‬حال وس ††طا‬
‫وذل††ك من خالل االع††رتاف بص††حة ج††زء من األفك††ار وج††زء من األفك††ار املض††ادة والتوحي††د بينه††ا واش††تقاق‬
‫(‬
‫أفكار جديدة ختتل†ف عن مجي†ع األفك†ار واألفك†ار املض†ادة املطروح†ة على بس†اط البحث الفلس†في والعلمي‬
‫‪ .)19‬وق††د اس††تعمل هيج††ل ال††دايلكتيك يف فهم الت††اريخ وفهم اجملتم††ع البش††ري وفهم طبيع††ة املعرف††ة العلمي††ة (‬
‫‪ )Epistemology‬اليت قال بأهنا وليدة الصراع بني الفكر والطبيعة(‪ .)20‬ويف مجيع كتابات†ه أش†اد بال†دور‬
‫املهم ال††ذي تلعب††ه الدول††ة يف حي††اة األف††راد واجلماع††ات‪ .‬وذك††ر يف كتاب††ه "فلس††فة احلق" ب††أن الدول††ة هي وعي‬
‫ال††روح وظ††ل اهلل يف األرض هلذا وجب عبادت††ه وتقديس††ها ومتجي††د أعماهلا وأه††دافها‪ ،‬كم††ا ق††ال ب††ان الدول††ة‬
‫هي مص ††در العلم واملعرف ††ة وهي النقط ††ة ال ††يت يتوح ††د فيه ††ا العق ††ل واحلري ††ة(‪ .)21‬والدول ††ة باعتق ††اده هي احلق‬
‫واملنط ††ق والعق ††ل وم ††ا بع ††د احلق واملنط ††ق والعق ††ل اال الظلم واجله ††ل والفس ††اد‪ .‬وبع ††د ه ††ذه األق ††وال عن م ††آثر‬
‫وأمهي† ††ة الدول† ††ة للمجتم† ††ع يق† ††وم هيج† ††ل بتفس† ††ري أص† ††ل نش† ††وء اجملتم† ††ع والدول† ††ة يف كتاب† ††ه "فلس† ††فة احلق" (‬
‫‪.)Philosophy of Right‬‬

‫يعتق††د هيج††ل ب††ان الدول††ة ولي††دة العائل††ة وان اجملتم††ع املدين ولي††د العائل††ة أيض †ًا‪ .‬لكن العواط††ف الطبيعي††ة عن††د‬
‫اإلنس††ان هي ال††يت تدفع††ه إىل ال††زواج وتك††وين العائل††ة(‪ .)22‬والعائل††ة البش††رية تعتم††د على عاطف††ة احلب وتعتم††د‬
‫على اإلرث وامللكي††ة املش††رتكة‪ .‬وال توج††د يف اجملتم††ع عائل††ة واح††دة وامنا توج††د عوائ††ل متع††ددة جتتم††ع فيم††ا‬
‫بينها وتكون اجملتمع املدين الذي نعرفه‪ .‬وعندما توج†د ع†دة عوائ†ل يف بقع†ة واح†دة وتش†رتك يف لغ†ة وت†اريخ‬

‫‪66‬‬
‫وعادات وتقاليد مشرتكة وهلا مصاحل اقتصادية خمتلفة فان الصراع البد أن ينشب بينها‪ .‬وهنا تظه††ر الدول††ة‬
‫لتح† ††ل الص† ††راع ال† ††ذي يق† ††ع بني األف† ††راد والعوائ† ††ل ويف نفس ال† ††وقت تت† ††وىل القي† ††ام بع† ††دة وظ† ††ائف لألف† ††راد‬
‫واجلماع††ات(‪ .)23‬يق††ول هيج††ل أن م††ا ه††و موج††ود أوال ه††و العائل††ة ال††يت فيه††ا تتجس††د اإلرادة وتف††رض الذاتي††ة‬
‫مبلء رض††اها‪ .‬والعواط††ف الطبيعي††ة هي أس††اس تك††وين األس††رة‪ .‬ويف الواق††ع ال توج††د أس††رة واح††دة ب††ل هن††اك‬
‫أس††ر تنتظم يف قلب ص††راع البق††اء(‪ .)24‬ووج††ود األس††رة يعتم††د على وج††ود اجملتم††ع ال††ذي يزوده††ا مبقوم††ات‬
‫املعيشة والبقاء ويدافع عنها ضد األخطار اليت هتدد كياهنا‪ .‬وصراع األسر أو العوائل ينتج يف ظه††ور الدول††ة‬
‫اليت حتل الصراع وتضمن اخلري والعدالة يف اجملتمع‪.‬‬

‫ويض††يف هيج††ل ق††ائال إن ماهي††ة الدول††ة هي الكلي يف ذات††ه ومن أج††ل ذات††ه‪ ،‬و العنص††ر العقلي لإلرادة عنص††ر‬
‫ذايت بوص††فه يع††رف ذات††ه ويتوط††د على أن††ه ك††ذلك‪ ،‬عنص††ر ل††ه فرديت††ه مبا ه††و واقعي‪ .‬ان عمله††ا بوج††ه ع††ام‬
‫م† ††زدوج بالنس† ††بة للفردي† ††ة يف تطرفه† ††ا أي بالنس† ††بة لألف† ††راد مجه† ††ورة‪ .‬فيجب عليه† ††ا أوال أن حتاف† ††ظ عليهم‬
‫أشخاصة‪ ،‬وبالت†ايل أن جتع†ل من احلق واقع†ا ض†رورية‪ ،‬مث أن ت†وفر هلم رف†اهيتهم ال†يت يعم†ل ك†ل واح†د منهم‬
‫ويسعى إليها لنفسه مع أن هلا جانبًا عامًا(‪ )25‬وجيب عليها أن حتمی األسرة وتتوىل قيادة اجملتمع املدين‪.‬‬

‫أم ††ا بالنس ††بة لنظري ††ة ك ††ارل م ††ارکس (‪۱۸۸۳-۱۸۱۸‬م) عن أص ††ل اجملتم ††ع والدول ††ة فإهنا تس ††تند على آرائ ††ه‬
‫وتعاليمه املادية التارخيية الدايلكتيكية وتعتمد على ظاهرة الصراع الطبقي االجتماعي ال†ذي يق††ع بني الطبق††ة‬
‫الربجوازي ††ة ال ††يت متتل ††ك وس ††ائل اإلنت ††اج وامللكي ††ة الواس ††عة وتتمت ††ع ب ††النفوذ االجتم ††اعي والسياس ††ي والطبق ††ة‬
‫العمالي††ة الكادح††ة ال††يت ال متتل††ك أي ش††يء س††وى جهوده††ا وطاقاهتا البش††رية ال††يت تبيعه††ا ب††أجور زهي††دة إىل‬
‫الطبق ††ة الربجوازي ††ة(‪ .)26‬والص ††راع الطبقي ال ††ذي أساس ††ه امللكي ††ة ووس ††ائل اإلنت ††اج دائم ††ا م ††ا ينتهي ب ††الثورة‬
‫االجتماعية اليت تغري معامل اجملتمع البشري من شكل آلخر‪.‬‬

‫وتك††وين اجملتم††ع البش††ري بالنس††بة ملاركس يعتم††د على عام††ل زي††ادة وتك††اثر الس††كان وظه††ور احلاج††ة امللح††ة‬
‫إلدخال نظام تقسيم العمل الذي يضمن سد حاجات الس†كان املتزاي†د للم†واد الغذائي†ة واملواد األخ†رى ال†يت‬
‫حيتاجها يف حياته اليومية(‪.)27‬‬

‫‪67‬‬
‫وخالل ف ††رتة زي ††ادة وتك ††اثر الس ††كان واالعتم ††اد على منهج تقس ††يم العم ††ل والتخص ††ص في ††ه تظه ††ر الطبق ††ات‬
‫االجتماعي††ة ويظه††ر الص††راع بينه††ا‪ .‬وعن††د ظه††ور النظ††ام الطبقي يظه††ر اجملتم††ع البش††ري ال††ذي ينظم حق††وق‬
‫وواجب ††ات الطبق ††ات االجتماعي ††ة‪ .‬وتلعب الطبق ††ة العلي ††ا ال ††يت تس ††يطر على وس ††ائل اإلنت ††اج ال ††دور الكب ††ري يف‬
‫حتدي ††د ق ††وانني مس ††رية اجملتم ††ع ورس ††م عالق ††ات اإلنت ††اج وتع ††يني طبيع ††ة العالق ††ات ال ††يت ترب ††ط طبق ††ات اجملتم ††ع‬
‫واح††دهتا ب††األخرى(‪ .)28‬وعن††دما ينش††ب الص††راع بني الطبق††ات تظه††ر الدول††ة لتحم††ل مس††ؤولية ختفي††ف ح††دة‬
‫الص††راع وع††دم جماهبة الطبق††ة االجتماعي††ة للطبق††ة األخ††رى‪ .‬ولكن الص††راع الطبقي يظه††ر بني القبائ††ل عن††دما‬
‫تتف † ††اوت األح † ††وال املعاش † ††ية واالقتص † ††ادية بني األف † ††راد واجلماع † ††ات‪ ،‬وق † ††د ظه † ††ر فعال يف القبائ † ††ل اليوناني † ††ة‬
‫والرومانية خصوصا بني الطبقة األرستقراطية (طبقة األحرار) وطبقة العبيد(‪ .)29‬وبعد سقوط اجملتم†ع الق††دمي‬
‫الذي كان قائمة على مب†دأ الص†راع بني أف†راد القبائ†ل ظه†رت الدول†ة لتت†وىل ختفي†ف أو إهناء ح†دة الص†راع‪.‬‬
‫اال أن الدول††ة بع††د ظهوره††ا متكنت من تك††وين س††لطة متنف††ذة وق††ادرة على الوق††وف ف††وق مص††احل الطبق††تني‬
‫املتصارعتني وق†د منحت ه†ذه الس†لطة ق†وة كافي†ة لتح†ل اخلص†ام وتنش†ر األمن والطمأنين†ة والس†الم يف رب†وع‬
‫اجملتم ††ع‪ .‬ويف ب ††ادئ األم ††ر ك ††انت ه ††ذه الس ††لطة عادل ††ة ومنص ††فة وليس حتت ت ††أثري الطبق ††ة املالك ††ة الوس ††ائل‬
‫اإلنت†اج(‪ .)30‬ولكنه†ا س†رعان م†ا احنرفت عن مب†ادئ الع†دل واملس†اواة وأخ†ذت تنح†از وتتعص†ب للطبق†ة ال†يت‬
‫متتل ††ك وس ††ائل اإلنت ††اج‪ .‬وخالل ف ††رتة العه ††ود اإلقطاعي ††ة والرأمسالية أص ††بحت الس ††لطة ج ††زءًا ال يتج ††زأ عن‬
‫الطبق††ات املالك††ة لوس††ائل اإلنت††اج والطبق††ات املس††تغلة خصوص††ا عن††دما أص††بحت الدول††ة نفس††ها تتك††ون من‬
‫م† ††الكي وس† ††ائل اإلنت† ††اج واملس† ††يطرة على ث† ††روات ومق† ††درات اجملتم† ††ع(‪ .)31‬فأعض† ††اء الطبق† ††ات اإلقطاعي† ††ة‬
‫والرأمسالية ال ميلك ††ون مس ††ببات الق ††وة االقتص ††ادية واالجتماعي ††ة فحس ††ب ب ††ل ميلك ††ون أيض †ًا مس ††ببات الق ††وة‬
‫السياسية والقانونية‪ .‬وقد استعملت هذه القوة يف قهر الطبقة الفالحية يف اجملتمع اإلقطاعي والطبقة العمالية‬
‫يف اجملتمع الرأمسايل(‪ .)32‬ومثل هذا الظلم والقه†ر ال†ذي متارس†ه الطبق†ة احلاكم†ة س†يولد ت†أجج ال†وعي الطبقي‬
‫عند أبناء الطبقة احملكومة على حد قول ماركس وال†وعي الطبقي سيس†اعد على حتقي†ق وح†دة ه†ذه الطبق†ة‪.‬‬
‫وبعد حتقيق الوحدة الطبقية تق†وم الطبق†ة احملكوم†ة ب†إعالن التم†رد والث†ورة ض†د الطبق†ة احلاكم†ة‪ .‬ه†ذا التم†رد‬
‫الذي غالبا ما يسبب سقوط الدولة واجملتم†ع اإلقط†اعي أو الرأمسايل وظه††ور جمتم†ع جي†د يعتم†د على مب†ادئ‬
‫العدالة واحلرية واملساواة‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫واهتم م ††ارکس مبس ††ألة الص ††راع (‪ )Conflict‬ومس ††ألة االتف ††اق (‪ )Consensus‬حيث اعت ††رب الص ††راع‬
‫حقيقة قائمة بني طبقات اجملتمع البشري وال ميكن التخلص منها اال بتحقيق جمتم†ع ع†دمي الطبق†ات (اجملتم†ع‬
‫الشيوعي)‪ .‬وذكر بأن الصراع بني الطبقات أشغل مجيع املراحل التارخيية اليت مر هبا اجملتمع اإلنس††اين ابت††داء‬
‫من املرحلة املشاعية وانتهاء بالثورة الربوليتارية(‪ .)33‬وأضاف بأن االتف††اق واالنس†جام والتكام††ل ال ميكن أن‬
‫يتحق ††ق أّال بع ††د القض ††اء على الطبق ††ات االجتماعي ††ة والص ††راع الطبقي‪ ،‬والقض ††اء على الطبق ††ات والص ††راع‬
‫الطبقي يش ††هده اجملتم ††ع البش ††ري بع ††د اجتي ††ازه للمراح ††ل املتقدم ††ة لالش ††رتاكية ودخول ††ه يف مرحل ††ة اجملتم ††ع‬
‫الشيوعي‪ .‬وملا كان االتفاق ش†يئًا قائم†ًا يف اجملتم†ع الش†يوعي حس†ب اعتق†اد م†ارکس ومفق†ودًا يف اجملتمع†ات‬
‫العبودي† ††ة واإلقطاعي† ††ة والرأمسالية ال† ††يت ك† ††رس كتابات† ††ه األكادميي† ††ة حوهلا فإن† ††ه يفص† ††ح عن مص† ††ادر التض† ††امن‬
‫واالس††تقرار يف ه††ذه اجملتمع††ات وم††ع ه††ذا فإن††ه ط††رح بعض القض††ايا املتعلق††ة بالتنش††ئة االجتماعي††ة للف††رد ومنو‬
‫اهتماماته واجتاهات†ه وقيم†ه ومص†احله‪ .‬إذن تنط†وي نظري†ة م†اركس على نظ†امني اجتم†اعيني متك†املنی‪ :‬نظ†ام‬
‫يس ††وده الص ††راع ونظ ††ام آخ ††ر يس ††وده التض ††امن واالنس ††جام‪ .‬أن النظ ††ام األول بطبيعت ††ه يق ††ف ض ††د كرام ††ة‬
‫وتطلع ††ات وس ††عادة اإلنس ††ان‪ ،‬هلذا جيب القض ††اء علي ††ه وإهناء مفعول ††ه بأس ††رع وقت ممكن‪ .‬أم ††ا النظ ††ام الث ††اين‬
‫فيخل†و من مص†ادر املنافس†ة والص†راع وتس†يطر علي†ه روح احملب†ة والس†الم والطمأنين†ة‪ .‬ونظ†ام كه†ذا ال حيت†اج‬
‫إىل نظم ومؤسس††ات دميقراطي††ة حتمي س††لطة الدول††ة وس††لطاهنا وت††دحر الق††وى املس††تبدة وتقض††ي على الظلم‬
‫والقهر واجلربوت‪.‬‬

‫أم ††ا الع ††امل االجتم ††اعي والسياس ††ي األملاين م ††اكس في ††رب (‪1920-1864‬م) فق ††د وهب الكث ††ري من األفك ††ار‬
‫واملف†اهيم واحلق†ائق اجلدي†دة ال†يت ط†ورت وبل†ورت حق†ل علم االجتم†اع السياس†ي وجعلت†ه على م†ا ه†و علي†ه‬
‫اآلن‪ .‬والدراس††ات العلمي††ة ال††يت ب††رز هبا يف حق††ل علم االجتم††اع السياس††ي تتعل††ق بدراس††ته عن البريوقراطي††ة‬
‫والدميقراطي† ††ة وبتقس† ††يمه لل† ††دول والس† ††لطات السياس† ††ية إىل ثالث أص† ††ناف رئيس† ††ية هي الس† ††لطات العقلي† ††ة‬
‫والش††رعية‪ ،‬الس††لطات التقليدي††ة‪ ،‬وأخ††ريا الس††لطات الكوزماتيكي††ة‪ .‬أن دراس††ة البريوقراطي††ة والدميقراطي††ة ق††د‬
‫ارتبطت ارتباطا وثيق†ا باس†م م†اكس في†رب(‪ .)34‬واهتمام†ه هبا يعكس الفك†ر االجتم†اعي للمراح†ل املت†أخرة من‬
‫الث ††ورة الص ††ناعية ال ††يت ب ††دأت يف إنكل ††رتا خالل الق ††رن الث ††امن عش ††ر وانتش ††رت إىل بقي ††ة األقط ††ار األوربي ††ة يف‬
‫الق††رن التاس††ع عش††ر‪ .‬وق††د اهتم كث††ري من الفالس††فة االجتم††اعيني يف الق††رن التاس††ع عش††ر بالت††أثريات املخرب††ة‬

‫‪69‬‬
‫للثورة الصناعية على اجملتم†ع ويف نفس ال†وقت ك†انوا يفتش†ون عن هياك†ل سياس†ية تع†زز دور الدميقراطي†ة يف‬
‫اجملتم††ع الص††ناعي ويبحث††ون عن الظ††روف االجتماعي††ة والسياس††ية ال††يت متكنهم من إقام††ة اجملتم††ع الب††ريوقراطي‬
‫ال††ذي ال ميكن أن يس††تغين عن††ه اجملتم††ع الص††ناعي‪ .‬اعتق††د في††رب ب††أن منو وتكام††ل التنظيم††ات البريوقراطي††ة ه††و‬
‫شيء البد منه إلقامة اجملتم†ع الص†ناعي املتط†ور(‪ .)35‬والبريوقراطي†ة تض†من املنظم†ات االجتماعي†ة وحتف†ز ق†وى‬
‫التوازن االجتماعي‪ ،‬أي الق†وى ال†يت تري†د احملافظ†ة على الوض†ع الس†ابق للمجتم†ع‪ ،‬على التص†ادم م†ع أس†باب‬
‫ومقومات التغ†ري(‪ .)36‬اال ان الداينميكي†ة البريوقراطي†ة س†رعان م†ا تنتص†ر على الق†وى الرجعي†ة واحملافظ†ة وهن†ا‬
‫يستطيع اجملتمع من بلوغ النمو والتطور الذي يدعم حركة التصنيع والتحديث الشامل‪.‬‬

‫ع†اجل م†اكس في†رب موض†وع البريوقراطي†ة معاجلة سس†يولوجية حديث†ة وذل†ك بع†د أن فص†ل فك†رة البريوقراطي†ة‬
‫عن األفكار العاطفية واالنفعالية اليت أحاطت هبا لفرتة طويلة من الزمن‪ .‬واعتق††د ان النظ††ام الب††ريوقراطي ه††و‬
‫شيء ال ميكن االستغناء عنه عند إجناز األهداف العقلي†ة ملؤسس†ات اجملتم†ع الص†ناعي‪ .‬وق†د طب†ق في†رب مذهب†ه‬
‫املش†هور النم†وذج املث†ايل (‪ )Ideal Type‬يف تعري†ف ودراس†ة املزاي†ا اجلوهري†ة للنظ†ام الب†ريوقراطي‪ ،‬وق†ال‬
‫بان البريوقراطية تتميز بالصفات التالية‪:‬‬

‫األحك††ام والق††وانني العقالني††ة هي ال††يت حتدد واجب††ات ووظ††ائف األدوار اإلداري††ة يف املؤسس††ة‪ ،‬وان‬ ‫‪.1‬‬
‫هذه األدوار هي أدوار أخصائية حيتلها موظفون مؤهلون عقلية وأكادمييا‪.‬‬
‫أن األدوار اإلدارية تكون على شكل مراتب متسلسلة من ناحية مقدار سلطتها وقوهتا اإلدارية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫تعتم† ††د اإلدارة البريوقراطي† ††ة على وث† ††ائق ومستمس† ††كات مدون† ††ة ال يس† ††تطيع اهليمن† ††ة عليه† ††ا إال من‬ ‫‪.3‬‬
‫حصل على تدريب ودراسة خاصة يف الشؤون اإلدارية‪.‬‬
‫يعني املوظفون على أساس مؤهالهتم الفنية وقابلياهتم يف اإلدارة اليت اكتس†بوها عن طري†ق الدراس†ة‬ ‫‪.4‬‬
‫الطويلة أو التجربة واخلربة‪.‬‬
‫ال ميتلك املوظف اإلداري مركزه الوظيفي وال األدوات اليت يستعملها يف تنفيذ واجباته(‪.)37‬‬ ‫‪.5‬‬

‫أم†ا أفك†ار في†رب عن تقس†يم ال†دول والس†لطات فق†د لعبت ال†دور املباش†ر يف تط†وير علم االجتم†اع السياس†ي‪.‬‬
‫يقس††م م††اكس في††رب الس††لطات إىل ثالث††ة أقس††ام رئيس††ية هي‪ )1( :‬الس††لطة التقليدي††ة (‪ )۲‬الس††لطة العقلي††ة –‬

‫‪70‬‬
‫الش††رعية (‪ )3‬الس††لطة الكرزماتيكي††ة‪ .‬لس††لطة التقليدي††ة هي ال††يت تعتق ††د ب††ان نظمه ††ا م ††ا هي اال امت††داد لنظم‬
‫كانت موجودة يف الزمن السابق أو أن رئيسها تقلد منصبه مبوجب مؤهالت معينة كانت شرعية يف الزمن‬
‫املاض††ي أو أن األوام††ر ال††يت يص††درها مدعوم††ة ب††أوامر ك††انت ماثل††ة يف ال††زمن الس††ابق ومتف††ق على التص††رف‬
‫مبوجبها‪ .‬وهذا يعين بأن اجلماعة اليت ختضع للسلطة التقليدية تطيع أوام†ر س†لطتها بس†بب ش†رعيتها التارخيي†ة‬
‫أو بس†بب تعوده†ا من†ذ ال†زمن الق†دمي على إطاع†ة مث†ل ه†ذه األوام†ر(‪ .)38‬أم†ا الس†لطة الش†رعية – العقلي†ة فإهنا‬
‫تعتق††د ب††ان نظم وأحك††ام الس††لطة ذاهتا والطريق††ة ال††يت من خالهلا يش††غل الق††رد دور س††لطته وأس††لوب ادع††اء‬
‫السلطة جيب أن يتم بالطرق واألحكام القانونية العامة‪.‬‬

‫والسلطة الكرزماتيكية تتجسد يف شخصية الفرد الذي يش†غلها‪ ،‬ه†ذه الشخص†ية ال†يت تتم†يز ببعض الص†فات‬
‫واملزايا املقدسة ال†يت ت†دل على قابليات†ه الف†ذة وس†حر شخص†يته وص†الحيته لل†دور ال†ذي حيتل†ه(‪ .)39‬ويف مجي†ع‬
‫حاالت السلطات الثالثة نشاهد ب†أن أحك†ام الس†لطة وقوانينه†ا والطريق†ة ال†يت حيت†ل هبا ال†رئيس مرك†ز قيادت†ه‬
‫وجوهر احلكم ومبدأ إصدار األوام†ر كله†ا تعتم†د على االعتق†اد ب†أن الس†لطة متص†لة بص†ورة مباش†رة أو غ†ري‬
‫مباش ††رة بق ††وة ش ††رعية هنائي ††ة ومطلق ††ة‪ .‬وه ††ذه ق ††د تك ††ون إرادة اهلل أو إرادة مؤسس ††ي اخلالف ††ة أو اجملتم ††ع أو‬
‫الق††انون الط††بيعي أو إرادة الش††عب‪ .‬وه††ذا يع††ين ب††أن ش††رعية الس††لطات التقليدي††ة والش††رعية ‪ -‬العقلي††ة حس††ب‬
‫اعتقاد فيرب تعتمد على اعتقادها واتصاهلا مبصدر مقدس أي مصدر کرزماتيكي‪ .‬إّال أن الس††لطتني األولي††نني‬
‫ختتلفان عن السلطة الكرزماتيكية من حيث كون اتصاهلا باملصدر املقدس غري مباش††ر يف حني تك††ون عالق††ة‬
‫السلطة الكرزماتيكية باملصدر املقدس عالقة مباشرة وعميقة‪.‬‬

‫أم ††ا الع ††امل االجتم ††اعي والسياس ††ي اإليط ††ايل الفري ††د وب ††اريتو )‪ )1923-1848‬فق ††د وهب ع ††دة أفك ††ار‬
‫ومف ††اهيم ونظري ††ات ك ††ان هلا ال ††دور املباش ††ر يف منو وتط ††وير علم االجتم ††اع السياس ††ي‪ ،‬ق ††د ع ††رب عن أفك ††اره‬
‫وتعاليم††ه االجتماعي††ة والسياس††ية يف كتاب††ه املوس††وم " العق ††ل واجملتم††ع ال††ذي بني من خالل††ه حقيق ††ة الس††لوك‬
‫االجتم ††اعي والسياس ††ي والقواع ††د ال ††يت تس ††تند عليه ††ا العالق ††ات االجتماعي ††ة بكاف ††ة أنواعه ††ا والف ††وارق بني‬
‫ال†دوافع احلقيقي†ة للس†لوك واملظ†اهر اخلارجي†ة والعقالني†ة ل†ه‪ ،‬ويف دراس†اته ه††ذه اعتم†د على نظري†ة الرواس†ب‬
‫واملش† ††تقات ال† ††يت اس† ††تعملها يف تفس† ††ري مؤسس† ††ات اجملتم† ††ع من حيث أص† ††وهلا ووظائفه† ††ا وبنائه† ††ا وعالقته† ††ا‬
‫الواحدة باألخرى ويف تفسري السلوك السياسي والعالقات السياسية ذات الدوافع واألبعاد االجتماعية(‪.)40‬‬

‫‪71‬‬
‫كما انه تطرق يف كتابه العقل واجملتمع إىل دراسة النخبة (‪ )Elite‬اليت قسمها إىل قسمني أساسيني النخب††ة‬
‫احلاكم††ة والنخب††ة غ††ري احلاكم††ة ( ‪ .)Ruling and Non - Ruling Elite‬ووض††ح العالق††ة بني‬
‫النخب ††ة والع ††وام من أبن ††اء الش ††عب ودرس العوام ††ل ال ††يت تكمن خل ††ف دورة النخب ††ة (‪Circulation of‬‬
‫‪ )Elite‬وعالقتها بتوازن أو عدم توازن اجملتمع‪.‬‬

‫أكد العامل باريتو يف أحد املقاالت اليت كتبها واملوسومة "علم االجتماع العام" على أمهي†ة دراس†ة النظري†ات‬
‫الالمنطقي ††ة‪ ،‬ه ††ذه النظري ††ات ال ††يت تعت ††رب مبثاب ††ة تفس ††ريات فلس ††فية ومثالي ††ة لظ ††واهر ال ميكن حتليله ††ا وش ††رحها‬
‫بواسطة العلوم الطبيعية وهذه التفسريات حسب اعتقاده تكمن يف عنصرين أساسيني‪ :‬العنص††ر ال††دائم ال††ذي‬
‫مساه بالرواس † ††ب والعنص † ††ر املتغ † ††ري ال † ††ذي مساه باملش † ††تقات‪ .‬فالرواس † ††ب (‪ )Residues‬تعكس العواط † ††ف‬
‫اإلنس ††انية وح ††االت العق ††ل الش ††عوري ال ††يت ميكن مش ††اهدهتا يف اجملتم ††ع اإلنس ††اين مهم ††ا ك ††ان نوع ††ه ق ††دميا أو‬
‫حديثا بدائية أو متقدمة(‪ .)41‬وغالبًا م†ا تك†ون الرواس†ب مقنع†ة أو متنك†رة يف أش†كال وص†يغ خمتلف†ة‪ ،‬غ†ري ان†ه‬
‫ميكن كش † ††فها وتعريته † † ††ا وفض † † ††ح حقيقته † † ††ا والتوص † † ††ل إىل أه † † ††دافها ومقاص † † ††دها من خالل الفحوص † ††ات‬
‫واالختب††ارات السس††يولوجية‪ .‬أم††ا املش††تقات فهي الوس††ائل أو الس††بل ال††يت من خالهلا تنف††ذ الرواس††ب أو هي‬
‫األش††ياء ال††يت تكمن خلفه††ا الرواس††ب(‪ .)42‬وه††ذه يقس††مها ب††اريتو إىل أربع††ة أص††ناف أساس††ية هي العب††ارات‪،‬‬
‫املظهر اخلارجي‪ ،‬احلجج املوضوعية ال†يت ت†ربر العاطف†ة ذاهتا وأخ†ريا ال†رباهني الكالمي†ة‪ .‬وميكنن†ا تط†بيق نظري†ة‬
‫الربوفس††ور ب††اريتو عن الرواس††ب واملش††تقات ( ‪ )Residues and Derivations‬علی واق††ع وحقيق††ة‬
‫الكي††ان الص††هيوين ال††ذي ي††دعي بأن††ه ك††ان يتك††ون من ش††عب مظل††وم ومتعس††ف ض††ده وش††عب يري††د الس††لم‬
‫واالس††تقرار والتق††دم (ه††ذه االدع††اءات الكاذب††ة واملزورة هي املش††تقات ال††يت تكلم عنه††ا ب††اريتو) بينم††ا حقيق††ة‬
‫الكيان العدوانية والعنصرية والتوس†عية واإلمربيالي†ة واعتم†اده على أس†اليب الغش وال†تزوير والك†ذب والغ††در‬
‫والكراهي ††ة للش ††عوب اآلمن ††ة واملس ††تقرة هي الرواس ††ب ال ††يت وض ††حها ب ††اريتو يف س ††ياق نظريت ††ه االجتماعي ††ة‬
‫والسياسية‪.‬‬

‫كم††ا تكلم ب††اريتو عن نظري††ة النخب††ة حيث ق††ال ب††أن النخب††ة هي الطبق††ة احلاكم††ة أو املتنف††ذة يف اجملتم††ع ال††يت‬
‫تش††كل األقلي††ة من أبن††اء الش††عب‪ ،‬وه††ذه الطبق††ة ميكن متييزه††ا عن الطبق††ة احملكوم††ة يف معي††ار الق††وة والس††لطة‬
‫والنفوذ فهي تتمتع بقوة ونفوذ وتأثري أكثر مما تتمتع به الطبقة احملكومة يف اجملتمع‪ .‬كم†ا أن†ه درس يف كتاب†ه‬

‫‪72‬‬
‫العقل واجملتمع الفوارق األساسية بني النخب†ة احلاكم†ة (‪ )Ruling Elite‬والنخب†ة غ†ري احلاكم†ة (‪Non‬‬
‫‪ )– Ruling Elite‬ووضح طبيعة التناقض واالنقسام التارخيي املستمر بني النخبة وعوام الشعب حيث‬
‫ذكر بأن أس†اس التن†اقض والص†راع بني اجلم†اعتني يع†زى إىل عام†ل الق†وة أي ك†ون الع†وام جمردين عنه†ا(‪.)43‬‬
‫وحقيقة كهذه تسبب انقسام اجملتمع وتصدعه وقد يسيطر ه†ذا االنقس†ام على مجي†ع املؤسس†ات االجتماعي†ة‬
‫البنيوية بضمنها املؤسسات السياسية خصوصا األحزاب والسلطات السياسية‪.‬‬

‫ويرك††ز ب††اريتو يف دراس††اته السياس††ية على دورة النخب††ة من حيث طبيعته††ا وأس††باهبا ويرب††ط بني دورة النخب††ة‬
‫والتغري االجتم†اعي‪ .‬ف†اجملتمع حس†ب تعاليم†ه ينقس†م إىل فئ†تني النخب†ة ال†يت تتك†ون من حك†ام وق†ادة وزعم†اء‬
‫اجملتمع ومن األشخاص املتنفذين واملسيطرين على مؤسساته املختلفة‪ .‬وهؤالء يشكلون نسبة قليلة من أبناء‬
‫اجملتمع وقد أطل†ق عليهم ب†اريتو جبماع†ة األس†ود‪ .‬والفئ†ة الثاني†ة تتك†ون من ع†وام الش†عب (‪The Ruled‬‬
‫‪ )Class‬ال†ذين ليس ل†ديهم ق†وة سياس†ية أو نف†وذ اقتص†ادية و اجتماعي†ة ولكنهم ميلك†ون الطاق†ات الذكائي†ة‬
‫والق††درات البدني††ة الداينميكي††ة ال††يت تس††اعدهم على العم††ل واإلنت††اج‪ ،‬وق††د أطل††ق ب††اريتو على ه††ذه الفئ††ة اس††م‬
‫الثع††الب(‪ .)44‬والنخب††ة هي يف ص††راع دائم م††ع ع††وام الش††عب بس††بب الق††وة ال††يت متتلكه††ا النخب††ة وجترد ع††وام‬
‫الشعب منها والصراع املستمر بني الفئتني ينتهي بسقوط النخبة أو الطبقة األرستقراطية وص††عود مجاع††ة من‬
‫عوام الشعب إىل مراكز النخبة االحتالهلا والتمتع حبقوقها وامتيازاهتا‪ .‬فأعضاء النخبة ال يس†تطيعون احتالل‬
‫مراك ††زهم القيادي ††ة أك ††ثر من عش ††رين س ††نة على ح ††د ق ††ول ب ††اريتو بس ††بب ك ††ربهم وه ††رمهم وض ††عف ق ††واهم‬
‫العقلية واجلسمانية وإصابتهم مبرض اخلدر والرتهل وامللل من إشغال مراكز القيادة والقيام بوظائفه†ا الرمسية‬
‫والروتينية اليت جتعل حياهتم ضيقة وميكانيكية ومملة‪ .‬هلذا يض††عف أدائهم وتقت†ل عن†دهم روح العم†ل املب†دع‬
‫واخلالق‪ .‬ويف الوقت الذي يتعرض فيه أعضاء النخبة إىل مرض امللل واخلدر والرتهل واخلمول تبادر مجاعة‬
‫من ع††وام الش††عب خصوص††ا تل††ك ال††يت تتم††يز بال††ذكاء والنش††اط والفاعلي††ة والرغب††ة يف احتالل مراك††ز القي††ادة‬
‫واحلكم مبض††اعفة جهوده††ا وتك††ثيف نش††اطاهتا وتص††عيد ص††راعها م††ع فئ††ة النخب††ة‪ .‬وغالب††ا م††ا ينتهي الص††راع‬
‫بف ††وز مجاع ††ة الع ††وام على النخب ††ة حبيث تفق ††د النخب ††ة مراكزه ††ا القيادي ††ة وقوهتا وتأثريه ††ا وتنخفض إىل طبق ††ة‬
‫العوام يف حني تقفز مجاعة العوام (الثعالب) إىل مراكز القوة واحلكم‪ ،‬وهذه الظاهرة االجتماعية والسياس††ية‬
‫يس††ميها ب††اريتو ب††دورة النخب††ة ( ‪ )Circulation of Elite‬ال††يت تص††يب مجي††ع اجملتمع††ات البش††رية مهم††ا‬

‫‪73‬‬
‫كانت نظمها السياسية واالديولوجية‪ .‬ونظريته عن دورة النخبة تفسر أفكاره حول السكون االجتم††اعي (‬
‫‪ )Social Static‬والداينميكي† ††ة االجتماعي† ††ة (‪ )Social Dynamic‬وبع† ††د تفس† ††ريه للنخب† ††ة ودورة‬
‫النخبة يقول باريتو بأن الت†اريخ ه†و مق†ربة األرس†تقراطية‪ ،‬أي أن النخب†ة س†ائرة حنو ال†زوال واالن†دثار ع†اجًال‬
‫أم آجال والتاريخ اإلنساين هو خري شاهد على ذلك‪.‬‬

‫أم ††ا فض ††ل الع ††امل االجتم ††اعي السياس ††ي اإليط ††ايل روب ††رت ميش ††يل (‪ )1936-1876‬يف تط ††وير النظري ††ة‬
‫االجتماعي† † † ††ة والسياس† † † ††ية فيتجس† † † ††د يف نظريت† † † ††ه عن الدميقراطي† † † ††ة (‪ )Dermocracy‬واألوليكاركي† † † ††ة (‬
‫‪ )Oligarchy‬أي حكم األقلي††ة‪ ،‬ويف تشخيص††ه لطبيع††ة الق††انون احلدي††دي لالوليكاركي††ة (‪The Iron‬‬
‫‪.)Law of Oligarchy‬‬

‫وق ††د ظه ††رت دراس ††ته االجتماعي ††ة والسياس ††ية ه ††ذه يف كتاب ††ه الش ††هري "األح ††زاب السياس ††ية"‪ .‬يف بداي ††ة ه ††ذا‬
‫الكت††اب أش††ار ميش††يل ب††أن الدميقراطي††ة دائم††ا تتح††ول إىل األوليكاركي††ة(‪ )45‬ال††يت تطغي عليه††ا بعض الص††فات‬
‫الس ††لبية واملض ††رة لألف ††راد واجلماع ††ات ال ††ذين ش ††اركوا يف اختي ††ار الق ††ادة ال ††يت متثلهم وت ††دافع عن حق ††وقهم‪.‬‬
‫واعتم ††د ميش ††يل يف تعميمات ††ه االجتماعي ††ة والسياس ††ية على دراس ††ته لألح ††زاب السياس ††ية ونقاب ††ات العم ††ال‬
‫واملنشآت الصناعية والتجارية يف إيطاليا‪ .‬حيث شاهد بان املمارسات الدميقراطية اهلادف†ة إىل انتخ†اب قي†ادة‬
‫املنظم† ††ات السياس† ††ية واالقتص† ††ادية واالجتماعي† ††ة من قب† ††ل أعض† ††اء ه† ††ذه املنظم† ††ات هي ممارس† ††ات ال ت† ††ؤمن‬
‫بدميقراطي ††ة ه ††ذه املنظم ††ات‪ .‬فس ††رعان م ††ا تتح ††ول القي ††ادة الدميقراطي ††ة ال ††يت انتخبه ††ا األعض ††اء انتخاب †ًا ح ††رًا‬
‫وش ††ريف إىل قي ††ادة اوليكاركي ††ة أي قي ††ادة ش ††به ديكتاتوري ††ة حمتك ††رة من قب ††ل ع ††دد من الق ††ادة واتب ††اعهم من‬
‫املدراء الع††امني واملدراء واخلرباء والفن††يني ب††ل وح††ىت ص††غار املوظفني من أعض††اء اجله††از اإلداري(‪ .)46‬فالق††ادة‬
‫املنتخب††ون من قب††ل نقاب††ات العم††ال مثًال يعين††ون اتب††اعهم وأق††ارهبم وأنص††ارهم يف املراك††ز اإلداري††ة والتنفيذي††ة‬
‫العلي ††ا لنقاب ††ات العم ††ال ويعط ††وهنم ص ††الحيات واس ††عة حلكم وإدارة أم ††ور ه ††ذه النقاب ††ات‪ .‬وه ††ؤالء األق ††ارب‬
‫واالتب ††اع املعين ††ون يف املراك ††ز احلساس ††ة يطيع ††ون الق ††ادة ال ††ذين عين ††وهم طاع ††ة عمي ††اء‪ .‬كم ††ا أن بقي ††ة أعض ††اء‬
‫اجلهاز اإلداري املنفذ يودون کسب رضى القادة والتقرب اليهم بإطاعتهم طاعة عمياء حىت ولو مل يكونوا‬
‫على ح ††ق رغب ††ة يف احلص ††ول على بعض املكاس ††ب الشخص ††ية منهم(‪ .)47‬وبالت ††ايل تتح ††ول إدارة املنظم ††ة إىل‬
‫إدارة متملق ††ة ومزيف ††ة وحتت الت ††أثري املباش ††ر للق ††ادة املنتخ ††بني‪ .‬كم ††ا أن الق ††ادة أنفس ††هم ي ††ودون االس ††تمرار‬

‫‪74‬‬
‫ب ††احلكم والس ††يطرة ألط ††ول ف ††رتة ممكن ††ة ويكون ††ون مس ††تعدين الختاذ أقص† ††ى العقوب ††ات حبق من خيالفهم أو‬
‫يتحداهم(‪ .)48‬وهنا تتح†ول اإلدارة والقي†ادة الدميقراطي†ة إىل قي†ادة ش†به دكتاتوري†ة تس†مى ب†اإلدارة أو القي†ادة‬
‫األوليكاركية اليت تكلم عنها روبرت ميشيل‪.‬‬

‫كما أن القيادة تكون بعيدة كل البعد عن آمال وطموحات وأماين األشخاص ال††ذين انتخبوه††ا وص††وتوا هلا‬
‫يف عملي ††ة االق ††رتاع الس ††ري‪ .‬ل ††ذا يعتق ††د ميش ††يل ب ††أن أغلب القي ††ادات الدميقراطي ††ة يف الع ††امل خصوص †ًا الع ††امل‬
‫الرأمسايل الغريب الذي يطلق على نفسه العامل الدميقراطي احلر الذي يتشدق بالدميقراطية الربملانية وباحلري†ات‬
‫واملس††اواة هي قي††ادات مزيف††ة تطغي عليه††ا الص††فات األوليكاركي††ة ال††يت تكلم عنه††ا ميش††يل يف س††ياق نظريت††ه‬
‫عن القانون احلديدي حلكم األقلية‪.‬‬

‫الهوامش والمصادر‬

‫احلس††ن‪ ،‬إحس††ان حمم††د (ال††دكتور)‪ .‬حماض††رات يف علم االجتم††اع السياس††ي‪ ،‬كلي††ة األمن الق††ومي‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫بغداد‪( ،۱۹۸۰ ،‬حماضرات مسحوبة بالرونيو)‪.‬‬
‫‪2. Becker and Barnes. Social Thought From Lore to Science,‬‬
‫‪Vol. 1, New York, 1933, P, 143.‬‬
‫احلس ††ن‪ ،‬إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور)‪ ،‬علم االجتم ††اع‪ :‬دراس ††ة نظامي ††ة‪ ،‬بغ ††داد‪ ،‬مطبع ††ة اجلامع ††ة‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪ ،1975‬ص ‪.۱۱‬‬
‫اخلشاب‪ ،‬مصطفی (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع ومدارس††ه‪ ،‬الكت††اب األول‪ ،‬الق††اهرة‪ ،۱۹۹۹ ،‬ص‬ ‫‪.4‬‬
‫‪.15‬‬

‫‪75‬‬
5. Plato. The Republic Translated by H.Lee, Penguin Books
Middlesex, England, 1963. P. 174.
6. Ibid. P. 181,
7. Ibid. P., 193.
8. Tomlin, E. The Great Philosophers of the Western World
London, 1955, P, 6l.
9. Maus, S. A Short History of Sociology, New York, 1949, P.
27.
.۲۱ ‫ ص‬،‫ دراسة نظامية‬:‫ علم االجتماع‬،)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .10
.۲۲ ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .11
.116 ‫ ص‬،‫ علم االجتماع ومدارسه‬.)‫ مصطفى (الدكتور‬،‫اخلشاب‬ .12
.41 ‫ ص‬،۱۹۷۸ ،‫ بريوت‬،‫ دار القلم‬،‫ املقدمة‬،‫ابن خلدون‬ .13
.42 ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .14
.163 ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .15
16. Hobbes, T. Leviathan, London, 1931, See Ch. 21.
17. Locke, J. Essays Concerning Toleration, London 1942, PP.
9-11.
18. Benn, I. And Peters, R. Social Principles and the Democratic
State, George Allen and Unwin, London, 1959, P. 95.
19. Hegel, W.F. Lectures on the Philosophy History, Vol. 3,
London, 1956.
20. Hegel, W.F. Phenomenology of the Spirit, See the
Introduction, London, 1961.
. ۱۷۲ ‫ ص‬،1974 ،‫ دمشق‬،‫ ترمجة جورج صدقين‬،‫ هيجل‬،‫فرانسوا شاتليه‬ .21
. 174 ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .22
. ۱۷۸‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .23
. ۱۸۲ ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .24
76
. ۱۸۸ ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .25
26. Mitchell, D. A Dictionary of Sociology, Routledge and
Kegan Paul, London, 1973, P. 115.
27. Marx, K. Selected Writings in Sociology and Social
Philosophy, Edited by Bottomore and Rubel, A Pelican
Book, Middlesex, England, 1967, P. 119.
28. Ibid. P. 122.
29. Marx, K. and Engels, F. Selected Works, Moscow, 1975, P.
472.
30. Ibid. P, 481.
31. Ibid. P. 482.
32. Freedman, R. Marx on Economics, a Pelican Book,
Middlesex, England, 1968, P. 234.
33. Ibid. P. 5-7.
34. Weber, Max. The Theory of Social and Economic
Organization, New York, 1969, P. 329.
35. Ibid. P. 331.
36. Ibid. P. 335.
37. Bendix, R. Max Weber: An Intellectual Portrait, New York,
1960, P. 293.
38. Weber, Max. The Theory of Social and Economic
Organization, P. 341.
39. Ibid. P. 358-359.
40. Pareto, V. Mind and Society, Vol. 1, New York, 1963, PP.
499-500.
41. Hinkle, R. The Development of Modern Sociology,
Random House, New York, 1963, P. 50.
77
‫‪42.‬‬ ‫‪Ibid., P. 51.‬‬
‫‪43.‬‬ ‫‪Pareto, V. Mind and Society, PP. 1422-3.‬‬
‫‪44.‬‬ ‫‪Ibid., P. 1426.‬‬
‫‪45.‬‬ ‫‪Mitchell, R. Political Parties, New York, The Macmillan‬‬
‫‪Co., Paper Back, 1968, P. 6.‬‬
‫‪46. Broom, L. and Zelznick. Sociology (4 h Ed.), New York,‬‬
‫‪Harper and Row, 1968, P. 219.‬‬
‫‪47. Bottomore, T.B. Elites and Society, A Pelican Book,‬‬
‫‪Midllesex, England, 1967, P. 112.‬‬
‫‪48. Ibid., PP. 115-116.‬‬

‫الفصل الخامس‬

‫الفكر االجتماعي والسياسي عند نيقوال ميكافيلي‬

‫أوًال ‪ -‬تاريخ حياته وأعماله العلمية‬

‫ولد نيقوال بريناردو ميكافيلي يف مدينة فلورنسيا بإيطاليا ع†ام ‪ 1469‬وك†ان وال†ده يعم†ل قاض†يا يف إح†دى‬
‫حماكم فلورنس ††ا‪ .‬حص ††ل ميك ††افيلي على تعليم ††ه يف م ††دارس فلورنس ††ا واكتس ††ب قس ††طا من الرتبي ††ة والتعليم‬
‫وأص††ول الكتاب††ة والق††انون‪ ،‬وبع††د انته††اءه لدراس††اته األولي††ة عني كتاب††ا يف مق††ر إدارة املدين††ة يف عه††د احلاكم‬
‫ل ††ورنزو ميديس ††ي‪ ،‬وعن ††د ع ††زل احلاكم ميديس ††ي وتع ††يني س ††ودريين‪ ،‬ال ††ذي ك ††ان ص ††ديقًا محيم †ًا امليك ††افيلي‪،‬‬
‫حاكم †ًا لفلورنس ††ا راف ††ع ميك ††افيلي إىل درج ††ة مستش ††ار ث ††اين للح ††اكم‪ ،‬مث تقل ††د منص ††ب م ††دير إدارة احلاكم‬

‫‪78‬‬
‫وش ††غل العدي ††د من املناص ††ب الدبلوماس ††ية يف بالط احلاكم(‪ .)1‬إض ††افة إىل تفويض ††ه من قب ††ل احلاكم لقي ††ادة‬
‫التش††كيالت العس††كرية ملقاطع††ة فلورنس††ا‪ .‬وأثن††اء أش††غال ميك††افيلي للمناص††ب الدبلوماس††ية والعس††كرية ال††يت‬
‫اس ††ندها ل ††ه احلاكم س ††ودريين بعث مفاوض ††أ م ††ع مل ††ك فرنس ††ا ل ††ويس الث ††اين عش ††ر ومفاوض †ًا م ††ع اإلم ††رباطور‬
‫مكسمليان ومرافقة لألمري القيصر بوركيا أم†ري مقاطع†ة رومكان†ا بإيطالي†ا‪ .‬ك†ذلك بعث س†ودريين ميك†افيلي‬
‫ملشاهدة انتخابات البابا عام ‪ ،1503‬وبعثه أيضًا ملرافقة األمري جوليوس الثاين أثناء محلته العس††كرية إلمخاد‬
‫االنتفاض†ة ض†د حكم†ه يف إح†دى املقاطع†ات اإليطالي†ة(‪ .)2‬كم†ا عني ميك†افيلي قائ†دًا للتش†كيالت العس†كرية‬
‫االحتالل مدين † ††ة ب † ††يزا اإليطالي † ††ة ع † ††ام ‪ ،1509‬ولكن ثالث س † ††نوات بع † ††د احتالل ب † ††يزا اش † ††تبكت ق † ††وات‬
‫ميك††افيلي م††ع جي††وش العص††بة املقدس††ة يف مدين††ة برات††و اإليطالي††ة‪ ،‬وق††د أس††فر االش††تباك عن هزمية ميك††افيلي‬
‫وقواته العسكرية اليت كان يقودها‪.‬‬

‫ولكن يف ع† ††ام ‪ 1512‬متكن ل† ††ورنزو وميديس† ††ي من الع† ††ودة إىل احلكم ثاني† ††ة بع† ††د أن اس† ††قط س† ††ودريين يف‬
‫انقالب عسكري خاطف‪ ،‬وعندما سقط سودريين وحل حمله ل†ورنزو ميديس†ي حاكم†ا ملدين†ة فلورنس†ا ق†رر‬
‫ميديس ††ي ط ††رد ميك ††افيلي من مجي ††ع مناص ††به الدبلوماس ††ية والعس ††كرية بع ††د أن اعت ††ربه من أنص ††ار ومس ††اعدي‬
‫س ††ودريين ومن الرج ††ال املق ††ربني ل ††ه‪ .‬ومل يكت ††ف ميديس ††ي بط ††رد ميك ††افيلي من مناص ††به وإهناء حيات ††ه العام ††ة‬
‫فحس†ب ب†ل س†جنه وعذب†ه ملدة س†نة كامل†ة بع††دها ف†رض علي†ه اإلقام††ة اجلربي†ة يف مزرعت†ه الكائن†ة يف أط††راف‬
‫مدين††ة فلورنس††ا(‪ .)3‬وعن††د ف††رض اإلقام††ة اجلربي††ة علي††ه وعزل††ه عن احلي††اة العام††ة ق††رر ميك††افيلي التف††رغ للبحث‬
‫والكتاب††ة والت††أليف‪ ،‬ف††ألف خالل الف††رتة ‪ 1520-1512‬أربع††ة كتب مهم††ة هي كت††اب (األم††ري) وكت††اب‬
‫(فن السياس† ††ة) وكت† ††اب (فن احلرب) وکت† ††اب (حماض† ††رات عن الكتب العش† ††رة األوىل عن منطق† ††ة تي† ††تيوس‬
‫ليفي††وس)‪ .‬ويف ع††ام ‪ 1525‬كل††ف احلاكم جيلي††و ميديس††ي ابن احلاكم ل††ورنزو ميديس††ي ميك††افيلي بت††أليف‬
‫كت ††اب عن ت ††اريخ مدين ††ة فلورنس ††ا‪ ،‬فقب ††ل ميك ††افيلي التكلي ††ف ه ††ذا‪ ،‬وأهنى ت ††أليف كت ††اب (ت ††اريخ مدين ††ة‬
‫فلورنس†ا) يف ع†ام ‪ .1525‬وعن†د تأليف†ه للكت†اب مسح مليك†افيلي باملش†اركة احملدودة يف احلي†اة العام†ة اخلاص†ة‬
‫باألنشطة األدبية والفنية‪ .‬ويف عام ‪ 1527‬تويف ميكافيلي دون أن حيقق طموحات†ه السياس†ية وهي الوص††ول‬
‫إىل أعلى املراك††ز السياس††ية يف إيطالي††ا والت††أثري من خالهلا على مس††رية احلي††اة السياس††ي والعس††كرية اإليطالي††ا‬
‫السيما ما يتعلق بوحدهتا وتكامل استقالهلا السياسي‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫علين††ا يف ه††ذا املق††ام التح††دث عن أهم األعم††ال العلمي††ة ال††يت أجنزه††ا ميك††افيلي وهي كت††اب (األم††ري) وكت††اب‬
‫(فن السياسة) وكتاب (فن احلرب)‪ ،‬كت†اب األم†ري ه†و كت†اب يف السياس†ة العلمي†ة وفن إدارة ش†ؤون الدول†ة‬
‫من املوق† ††ع األعلى‪ .‬ه† ††دف الكت† ††اب يكمن يف ع† ††رض طرائ† ††ق احلكم واملمارس† ††ات السياس† ††ية ال† ††يت ميكن أن‬
‫يعتم†دها احلاكم لكي يبقى أط†ول ف†رتة ممكن†ة يف احلكم‪ .‬كم†ا يظه†ر الكت†اب كيفي†ة اإليق†اع خبص††وم احلاكم‬
‫أو األمري وتص†فيته بطريق†ة ذكي†ة تعتم†د أس†اليب املك†ر وال†دهاء واملراوغ†ة ال†يت ت†ؤمن للح†اكم التف†رد ب†احلكم‬
‫وإدارة شؤون الدولة حسب رغباته وإرادته ومصاحله وطموحاته(‪ .)4‬أم†ا األس†اليب والطرائ†ق ال†يت يوض†حها‬
‫كتاب (األمري) للحاكم فمستقاة من بطون التاريخ الق†دمي أو الت†اريخ املعاص†ر للف†رتة ال†يت عاش†ها ميك†افيلي‪.‬‬
‫علم ††ا ب ††ان ه ††ذه األس ††اليب ال ††يت يس ††ردها بدق ††ة ومتعن كت ††اب األم ††ري تنس ††ب إىل احلك ††ام ال ††ذين اختذوها ع ††رب‬
‫الت††اريخ وتوض††ح األفع††ال السياس††ية ال††يت اعتم††دوها للوص††ول إىل دف††ة احلكم والتعام††ل م††ع اخلص††وم واملن††اوئني‬
‫السياس† ††يني م† ††ع جتس† ††يد فوائ† ††د وس† ††لبيات الق† ††رارات السياس† ††ية ال† ††يت تبنوه† ††ا هلم ولرعاي† ††اهم وممالكهم ال† ††يت‬
‫حكموه ††ا‪ .‬ومن اجلدير بال ††ذكر أن األفك ††ار والطروح ††ات ال ††يت وردت يف كت ††اب األم ††ري تش ††كل اإلض ††افات‬
‫األساسية قدمها ميكافيلي لتطور علم السياسة بصورة عامة وعلم االجتماع السياسي بصورة خاصة‪.‬‬

‫لق ††د أل ††ف ميك ††افيلي كت ††اب األم ††ري عن ††دما ك ††ان رهن اإلقام ††ة يف داره ومزرعت ††ه كم ††ا وض ††حنا أعاله وبع ††د‬
‫االنته††اء من ت††أليف الكت††اب يف مطل††ع ع††ام ‪ 1914‬ق††رر إهدائ††ه إىل احلاكم ميديس††ي ليس††تفيد من††ه يف إطال††ة‬
‫مدة حكمه عن طريق كيفية التعامل مع خصومه السياسيني وتصفيتهم وجتنب األخطاء اليت ارتكبها امللوك‬
‫واألم††راء واحلك††ام ع††رب الت††اريخ‪ .‬أم††ا الغ††رض احلقيقي ال††ذي دف††ع ميك††افيلي إله††داء الكت††اب إىل احلاكم فه††و‬
‫التق††رب للح††اكم وإرض††ائه كيم††ا يعف††و عن††ه ورمبا يعي††ده إىل مناص††به الس††ابقة‪ .‬ق††ال ميك††افيلي مليديس††ي عن††د‬
‫إهدائ††ه للكت††اب (فتش††تت ممتلك††ايت املادي††ة واالعتباري††ة ألق††دم ج††زءا منه††ا هدي††ة ل††ك فلم أج††د بينه††ا امثن من‬
‫كت††اب (األم††ري) ال††ذي ق††ررت إهدائ††ه ل††ك لقراءت††ه واالس††تفادة من††ه يف تعزي††ز موقع††ك السياس††ي وإطال††ة م††دة‬
‫حكم††ك‪ .‬علم††ا ب††ان األعي††ان من الن††اس يه††دون لفخ††امتكم النق††ود واألرض والعم††ارات واخلي††ول وال††ذهب‬
‫والفضة واألثاث الفاخرة والتحفيات واملالبس املذهبة‪ ...‬اخل ولكين ال أمل†ك امثن من كت†اب األم†ري ألقدم†ه‬
‫هدية رمزية متواضعة فرجاء التمس فخامتكم قبول اهلدية مقرونة مبشاعر الود واالحرتام) (‪.)5‬‬

‫‪80‬‬
‫وملا ق††رأ احلاكم ل††ورنزو مي††ديس كت††اب (األم††ري) وج††د ان††ه كت††اب مليء باخلدع واجلرائم واألعم††ال املفك††رة‬
‫ال ††يت يري ††د ميك ††افيلي أن يتض ††لع هبا احلك ††ام واألم ††راء ويتعلموه ††ا ويعتم ††دوها يف حكمهم مما أغض ††ب ذل ††ك‬
‫احلاكم ميديس ††ي إذ أطل ††ق على كتب األم ††ري كت ††اب الش ††يطان وطلب من املس ††ؤولني ح ††رق الكت ††اب ونفي‬
‫الكاتب امللعون إىل جزيرة بعيدة كيم†ا ال تط†أ ق†دماه مدين†ة فلورنس†ا(‪ .)6‬وهن†ا خ†اب ظن ميك†افيلي باحلاكم‬
‫وطالت مدة عزله السياسي وفقد طموحاته يف تبو املراكز السياسية اليت كان حيلم باحتالهلا‪.‬‬

‫أم††ا كتاب††ا (فن السياس††ة) و(فن احلرب) الل††ذان ألفهم††ا ميك††افيلي خالل ف††رتة عزل††ه السياس††ي فكان††ا حيتوي††ان‬
‫على أفكار وطروحات وطنية وقومية تتلخص بكيفي†ة توحي†د إيطالي†ا وتص†فية عوام†ل الفرق†ة واالنقس†ام ال†يت‬
‫ك††انت تع††اين منه††ا‪ ،‬وض††رورة العم††ل على حتقي††ق الوح††دة اإليطالي††ة ال††يت هي كم††ا يق††ول ميك††افيلي أمني††ة ك††ل‬
‫إيطايل غي†ور وش†ريف يعم†ل من اج†ل إيطالي†ا الك†ربى املوح†دة(‪ .)7‬يض†اف إىل أن الكت†ابني يوض†حان الس†بل‬
‫اليت ميكن أن يعتمدها اإليطاليون يف إزالة فرقتهم وانقسامهم وحتقي†ق املص†احلة الوطني†ة ال†يت تض†من وح†دهتم‬
‫وقوهتم وقهر أعدائهم‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ -‬طبيعة النفس البشرية كما يراها ميكافيلي‬

‫لق††د نظ††ر ميك††افيلي إىل اإلنس††ان نظ††رة متش††ائمة وقامتة ألن††ه يعتق††د ب††ان طبيع††ة النفس البش††رية ش††ريرة وبائس††ة‬
‫ومتدني††ة نتيج††ة لعناص††رها التكويني††ة ال††يت تطغي عليه††ا النزع††ات واملي††ول احليواني††ة والوحش††ية غ††ري املهذب††ة (‪.)8‬‬
‫علمًا بأن العناصر التكوينية احليواني†ة والعاطفي†ة عن†د اإلنس†ان ال تقب†ع يف منطق†ة الالش†عور فحس†ب ب†ل تقب†ع‬
‫أيض†ًا يف منطق††ة الش†عور كم†ا يعتق††د ميك†افيلي‪ .‬وال†دليل على ذل†ك أن اإلنس†ان بالطبيع††ة ك†ائن رديء يتس†م‬
‫بالدونية واالحنط†اط ل†ذا فه†و مس†تعد على إظه†ار طبيعت†ه احلقيقي†ة وذاتيت†ه الوحش†ية والالأخالقي†ة عن†دما حتني‬
‫الفرص† ††ة املناس† ††بة ل† ††ذلك‪ .‬أن اإلنس† ††ان بالطبيع† ††ة میال حنو الطم† ††ع واجلش† ††ع واالس† ††تغالل واالس† ††تحواذ على‬
‫ممتلك†ات اآلخ†رين وهنبه†ا ب†القوة‪ ،‬وان†ه میال حنو االقتت†ال م†ع اآلخ†رين واالعت†داء عليهم والتنكي†ل هبم‪ ،‬وأن†ه‬
‫میال حنو إش††باع حاجات††ه الغريزي††ة واحليواني††ة ح††اًال وب††دون ت††ردد ح††ىت ل††و كلف††ه ذل††ك حيات††ه‪ ،‬وان††ه میال حنو‬
‫حب الظهور والسيطرة على اآلخرين وقهر أرادهتم والتعسف ضدهم وظلمهم وغمط حقوقهم(‪.)9‬‬

‫‪81‬‬
‫إض††افة إىل اتس††ام العدي††د منهم بالص††فات الس††لبية واملنب††وذة كالك††ذب والنف††اق والنميم††ة والوش††اية والتس††رع‬
‫والغ†رية واحلس†د والغش وجلب الض†رر لآلخ†رين وال†نزاع االتف†ه األس†باب والغ†رور والتع†ايل والتك†رب وكس†ر‬
‫املواعي††د واملخادع††ة والتض††ليل والتقلي††ل من ش††أن اآلخ††رين والطعن هبم وإظه††ار عي††وهبم‪ ...‬اخل من الص††فات‬
‫الساقطة واملنحدرة ‪.‬‬

‫أم††ا املي††ول واالجتاه††ات الوحش††ية والش††ريرة ال††يت يتس††م هبا اإلنس††ان من††ذ بداي††ة حيات††ه وح††ىت ممات††ه ف††رتجع إىل‬
‫الغرائز والرواسب الشهوانية واحليوانية اليت يرثها من أس†الفه وال†يت ال ميكن التح†رر منه††ا بس†هولة‪ .‬ل†ذا تبقى‬
‫ترافق مسرية حياته وتدفعه دائما إىل الدخول يف حلق†ات الش†ر واألذى واالنتق†ام‪ ،‬تل†ك احللق†ات ال†يت تفس†ر‬
‫مجي † ††ع احلوادث املؤس † ††فة واملأس † ††اوية ال † ††يت تق † ††ع يف اجملتم † ††ع كاملنازع † ††ات واحلروب والس † ††رقات والقت † ††ول‬
‫واالغتصاب وأعم†ال العن†ف‪ ..‬اخل‪ .‬لق†د اظه†ر ميك†افيلي طبيع†ة النفس البش†رية على حقيقته†ا وح†ذر احلك†ام‬
‫يف كتاب ††ه (األم ††ري) من ش روره ††ا ال ††يت الب ††د ان متس ††هم ألهنم يتع ††املون دائم ††ا م ††ع الرعي ††ة ال ††ذين هم بش ††ر‪،‬‬
‫ولك††وهنم بش††رًا ف††إن خص††ال الدوني††ة واالحنط††اط والرذيل††ة تس††ري يف ع††روقهم وال ب††د للح††اكم أن يوجهه††ا‬
‫ويطوق دوافعها وادراهنا‪.‬‬

‫يق††ول ميك††افيلي يف كتاب††ه (األم††ري) ينبغي أن يك††ون احلاكم ثعلب††ا لكي يس††تطيع كش††ف املص††ائد املنص††وبة ل††ه‬
‫ومعرف† ††ة أماكنه† ††ا لكي ال يك† ††ون ض† ††حية هلا‪ ،‬وينبغي يف ال† ††وقت نفس† ††ه أن يك† ††ون أس† ††د‪ ،‬ليخي† ††ف ال† ††ذئاب‬
‫ويطردها عنه‪ .‬لذا على احلاكم أن يكون نصف ثعلب ونصف أسد لكي يكون ق†ادرًا على محاي†ة نفس†ه من‬
‫مكر املاكرين والدهالقة ومن شرور الوحوش الكاسرة احمليطة ب†ه من ك†ل ج†انب(‪ .)10‬ويف مبحث آخ†ر من‬
‫كت††اب (األم††ري) ينص††ح ميك††افيلي احلك††ام بض††رورة االح††رتاس من الطبيع††ة الوحش††ية والش††ريرة للن††اس ال††ذين‬
‫يتعامل معهم‪ ،‬فهناك الكثري من الناس يك†ذبون وخيلف††ون املواعي†د وين†افقون ويس†رقون وحيس†دون‪ .‬وملا ك†ان‬
‫ه††ؤالء الن††اس يتس††مون هبذه الطبيع††ة الالأخالقي††ة ف††إن على احلاكم أن يتع††رف على ط††بيعتهم ويتعلمه††ا منهم‬
‫ويتص††رف على وف††ق مس††ارها‪ ،‬فال ض††ري علي††ه أن يك††ذب وخيل††ف املواعي††د وين††افق ويس††رق وحيس††د لكي ال‬
‫يك††ون ض††حية الك††ذب والنف††اق وال††دس والس††رقة واحلس††د‪ .‬وينهي ميك††افيلي نص††يحته ب††القول (يش††ري الت††اريخ‬
‫إىل أن احلك†ام واألم††راء واملل†وك الن†اجحني هم ال†ذين يتخ†ذون من الثع††الب ق†دوة هلم اذ يتفنن†ون يف الك†ذب‬
‫والغش وال ††دس واإليق ††اع ب ††اآلخرين‪ .‬أم ††ا التمس ††ك ب ††األخالق واملب ††ادئ والقيم الش ††ريفة يف مجي ††ع األح ††وال‬

‫‪82‬‬
‫واملناسبات فقد جيلب للحكام واألمراء واملل†وك ال†دمار الكام†ل ويع†رض ش†عوهبم اللهالك احملق†ق الن ه†ؤالء‬
‫ال يفهمون الطبيعة الشريرة للبشر‪ ،‬وعدم فهمها جيعلهم يثقون هبا ويستسلمو إلرادهتا‪.‬‬

‫لذا نراها تضرهم وتضجعهم بدمائهم خالل ليلة وضحاها‪ ،‬وهنا ال يفيد الندم(‪.)11‬‬

‫ثالثًا‪ -‬سبل تطبيع النفس البشرية في فكر ميكافيلي‬

‫ي† ††رى ميك† ††افيلي ب† ††ان النفس البش† ††رية ذات اخلص† ††ال امللتوي† ††ة والش† ††ريرة ليس من الس† ††هولة مبك† ††ان تطبيعه† ††ا‬
‫وتكييفها للوسط الذي توجد فيه‪ ،‬ومع هذا فان فان هناك أساليب قاسية وحازمة ميكن أن يتعمدها األم††ري‬
‫يف هتذيب وتط†بيع وتنش†ئة النفس البش†رية حبيث تك†ون مرن†ة ومتجاوب†ة ومطيع†ة ومتكيف†ة م†ع األوض†اع ال†يت‬
‫مير هبا اجملتم†ع‪ .‬أم††ا األس†اليب التطبيعي†ة ال†يت ميكن اعتماده††ا يف ت†رويض النفس البش†رية وإخض††اعها ملا يري†ده‬
‫األمري فهي الضغط والقسوة والشدة والعنف وتقييد احلرية بل وحىت احلرمان والتجويع‪ ،‬ذل†ك أن مث†ل ه†ذه‬
‫األس††اليب القهري††ة واحلازم††ة ال††يت يعتم††دها األم††ري وحاش††يته واتباع††ه م††ع الن††اس تكف††ل حتري††رهم من عق††دهم‬
‫وأمراض† † ††هم النفس† † ††ية واالجتماعي† † ††ة وش† † ††رورهم وجتعلهم مطيعني ومل† † ††تزمني وجي† † ††دين يف مساهتم وقيمهم‬
‫ومبادئهم وسلوكهم وتفاعلهم مع اآلخرين(‪.)12‬‬

‫يف حني أن اس ††تعمال األس ††اليب الرتبوي ††ة واملتس ††اهلة القائم ††ة على مف ††اهیم الدميقراطي ††ة واحلري ††ة واالح ††رتام‬
‫والتق ††دير والش ††فقة والعط ††ف ال ميكن أن يك ††ون نافع† †ًا وم ††ؤثرًا يف تط ††بيع النفس البش ††رية وجعله ††ا متكيف ††ة‬
‫ومتفاعل††ة وخاض††عة إلرادة األم††ري‪ .‬فاألس††اليب الرتبوي††ة اللين††ة ال††يت يس††تعملها ميك††افيلي‪ ،‬ال ميكن أن حتررهم‬
‫من عق † ††دهم وأدراهنم وس † ††لبياهتم اذ ان ه † ††ذه األس † ††اليب جتعلهم أك † ††ثر ص † ††لفة وش † ††رة ونقم † ††ة على الق † ††ادة‬
‫املسؤولني كما أهنا تدفعهم إىل ع†دم اح†رتام من خيدمهم ويض†حي من أجلهم ومن يري†د إص†الحهم واألخ†ذ‬
‫بي ††دهم إىل طري† ††ق اخلري والفالح والتق† ††دم‪ ،‬ل† ††ذا فأس† ††اليب الش† ††دة والقس† ††وة واحلزم والتنكي† ††ل ال† ††يت ميكن أن‬
‫يس††تعملها األم††ري م††ع الرعي††ة هي وح††دها ال††يت تكف††ل تط††بيع نفوس††هم الش††ريرة واص††الحها وتقوميه††ا وه††دايتها‬
‫إىل الطريق املستقيم(‪.)13‬‬

‫ومن اجلدير بالذكر أن ميكافيلي يعتقد بان اعتم†اد الق†ادة واملس†ؤولني أس†اليب العن†ف والش†دة والقس†وة م†ع‬
‫الن ††اس ال يص ††لح نفوس ††هم الش ††ريرة فحس ††ب ب ††ل ي ††دفعهم إىل العم ††ل املتم ††يز ال ††ذي ينمي اجملتم ††ع ويط ††وره يف‬

‫‪83‬‬
‫اجملاالت كافة‪ .‬فاذا مل يكن األمري شديدًا م†ع األف†راد ومل يس†تعمل معهم أس†اليب العن†ف والقس†وة والتنكي†ل‬
‫والتخوي† ††ف ف† ††إهنم يتكاس† ††لون ويتهرب† ††ون من أداء العم† ††ل املطل† ††وب منهم‪ .‬وهن† ††ا ال ميكن أن ينم† ††و اجملتم† ††ع‬
‫ويتق††دم‪ .‬يض††اف إىل ذل††ك أن النظ††ام والق††انون الل††ذين يطبقهم††ا األم††ري على اجملتم††ع ويفرض††هما على األف††راد‬
‫فرض††ا امنا يس††همان ويش††اركان مش††اركة فعال††ة يف حتوي††ل الن††اس من كائن††ات رديئ††ة ومشاكس††ة إىل كائن††ات‬
‫جيدة وملتزمة(‪.)14‬‬

‫يق ††ول ميك ††افيلي يف كتاب ††ه (األم† ††ري) على األم† ††ري أن يك ††ون قاس ††ية م† ††ع الرعي ††ة‪ ،‬فالقس ††وة جتعلهم حيرتمون ††ه‬
‫ويطيعونه ويهيبون جانبه‪.‬‬

‫ويض†يف ق†ائال يف الكت†اب نفس†ه "عن†دما اس†تعمل األم†ري بوركي†ا القس†وة م†ع ش†عبه ف†ان القس†وة ه†ذه علمت‬
‫شعبة الطاع†ة والنظ†ام واالنض†باط وجعلت†ه ينص†لح ويعم†ل جبد ومث†ابرة وتص†ميم وإرادة قوي†ة ال تلني‪ .‬إض†افة‬
‫إىل أمهيته††ا يف إزال††ة اخلالف††ات والنزاع††ات والتناقض††ات فيم††ا بينهم‪ ،‬ودوره††ا الفاع††ل يف تض††امنهم ووح††دهتم‬
‫ومتاس††كهم‪ .‬ويف فق††رات أخ††رى من كت††اب (األم††ري) يق††ول ميك††افيلي أن األم††ري ينبغي أن ال يل††وم نفس††ه على‬
‫اس ††تعمال الص ††يغ القاس ††ية واملتش ††ددة م ††ع رعاي ††اه الن ه ††ذه الص ††يغ هي ملص ††لحتهم طاملا اهنا تض ††من ط ††اعتهم‬
‫وانض††باطهم وتض††امنهم ووح††دهتم(‪ .)16‬ويسرتس††ل ميك††افيلي ق††ائًال (إذا خ††ري األم††ري بني اس††تعمال القس††وة أو‬
‫اللني مع الرعية فان عليه أن خيتار القسوة طاملا انه يتعامل مع أفراد يتسمون بصفات ش†ريرة وس†اقطة‪ ،‬ه†ذه‬
‫الص††فات ال††يت تتمث††ل يف نك††ران اجلمي††ل والغش والك††ذب وتقلب األه††واء واملزاج واألناني††ة والغ††رية واحلس††د‬
‫والظلم والتسرع والغرور‪ .‬ان القسوة اليت يستعملها األم†ري م†ع ه†ؤالء األف†راد ميكن أن حتررهم من ص†فاهتم‬
‫املذمومة اليت توارثوها من آبائهم وأجدادهم)(‪.)17‬‬

‫رابعًا ‪ -‬أصل نشوء المجتمع البشري عند ميكافيلي‬

‫يعتقد ميكافيلي بأن الناس يف البداي†ة ك†انوا قليلي الع††دد ومنع††زلني بعض††هم عن بعض ويعيش†ون كاحليوان†ات‬
‫الكاس ††رة‪ .‬ذل ††ك أن ق ††ويهم ك ††ان يس ††يطر على ض عیفهم وجيرده من ممتلكات ††ه وحقوق ††ه ورمبا يقتل ††ه وينهي‬
‫حياته لفرتة من الزمن‪ ،‬وعن†دما يض†عف يتع†رض للع†دوان ال†ذي يق†وم ب†ه ش†خص أق†وى من†ه‪ .‬والع†دوان ينتج‬
‫يف تصفية الضعيف وسيطرة القوي حىت يض†عف‪ .‬وهك†ذا م†ر أبن†اء اجلنس البش†ري هبذه احلال†ة احليواني†ة غ†ري‬

‫‪84‬‬
‫املهذب††ة ال††يت س††اد فيه††ا ق††انون ش††رعية الغ††اب‪ ،‬ه††ذا الق††انون ال††ذي يس††اوي بني الق††وة واحلق‪ ،‬ف††احلق ال ميكن‬
‫ض† ††مانه ب† ††دون الق† ††وة‪ ،‬والق† ††وة هي ال† ††يت حتمي احلق ومتكن ص† ††احبه من التمت† ††ع ب† ††ه طاملا ان† ††ه ميتل† ††ك الق† ††وة‬
‫والسيطرة‪.‬‬

‫ويرج††ع ميك††افيلي س††يادة ق††انون ش††ريعة الغ††اب إىل الغري††زة العدواني††ة املتأص††لة يف اإلنس††ان‪ ،‬ه††ذه الغري††زة ال††يت‬
‫ت††دفع اإلنس††ان إىل تس††ليط عدوانيت††ه على اآلخ††رين‪ ،‬وترج††ع أيض††ا إىل غري††زة حب الظه††ور والس††يطرة على‬
‫اآلخ††رين‪ .‬والغري††زة األخ††رية اجنم عنه††ا انقس††ام أبن††اء اجلنس البش††ري إىل جمموع††تني مها األقوي††اء والض††عفاء‪،‬‬
‫وأفراد هاتني اجملموعتني كانوا يتقاتلون بعضهم مع بعض بسبب كون اإلنسان ميتلك طبيعة شريرة أساسها‬
‫الغرائز احليوانية غري املهذبة املتأصلة يف ذاتيته(‪.)19‬‬

‫لقد استمرت هذه احلالة حتكم بين اإلنسان لفرتة طويل†ة من ال†زمن كم†ا يعتق†د ميك†افيلي‪ ،‬ولكن عن†د زي†ادة‬
‫أبناء اجلنس البشري تعاظمت التفاعالت فيما بينهم واخ†ذوا حيتك†ون بعض††هم ببعض ووض††عت حال†ة العزل†ة‬
‫االجتماعية اليت كانوا يعانون منها عندما كانوا قليلي العدد‪ .‬لذا قرروا إهناء قانون شريعة الغاب من خالل‬
‫اختي††ار أق††واهم وأش††جعهم ليك††ون حاكم††ا عليهم‪ ،‬كم††ا عق††دوا الع††زم على طاعت††ه وتنفي††ذ أوام††ره واالمتث††ال‬
‫ألحكام ††ه وقرارات††ه‪ .‬وعن††دما يظه ††ر احلاكم تتبل††ور العالق††ة بين††ه وبني الن††اس ‪.‬وه ††ذه العالق††ة تق ††وم على مب††دأ‬
‫اتف††اق احلاكم م††ع الن††اس يف تك††وين اهليئ††ات ال††يت ختدم الن††اس وتل††يب مط††اليبهم‪ ،‬ويف ال††وقت نفس††ه ت††دافع عن‬
‫شرعية احلاكم واس†تمراره بالس†لطة‪ .‬أن مث†ل ه†ذه التف†اعالت وم†ا ينجم عنه†ا من واجب†ات وحق†وق متبادل†ة‬
‫ترعاه ††ا اهليئ ††ات ال ††يت ختدم الن ††اس وتنش ††ر العدال ††ة بينهم امنا هي ج ††وهر اجملتم ††ع وأس ††اس تكوين ††ه كم ††ا يعتق ††د‬
‫ميكافيلي‪.‬‬

‫ولكن بع††د ظه††ور احلك††ام يكتش††ف الن††اس أن بعض††هم جي††دين وأمي††نني وبعض††هم اآلخ††ر ردي††ئني ومنح††رفني‪،‬‬
‫فاحلك ††ام اجلي ††دون كم ††ا ي ††رى ميك ††افيلي هم ال ††ذين يس ††تعملون أس ††اليب البطش والق ††وة والتنكي ††ل م ††ع الن ††اس‬
‫ليحرروهم من طبيعتهم الشريرة والرديئة‪ ،‬وال†ذين ي†أتون إىل احلكم عن طري†ق االختي†ار احلر وحكم الش†رع‬
‫والقانون‪ .‬أما احلكام الرديئون فهم الذين يعتمدون الطرق الدميقراطية واملتس††اهلة م††ع الن††اس‪ ،‬الط††رق ال††يت ال‬
‫تنجح يف إصالح الناس وحتريرهم من ص†فاهتم الش†ريرة والبائس†ة وال تض†من طاع†ة الن†اس للحك†ام وتع†اوهنم‬

‫‪85‬‬
‫معهم(‪ .)20‬ويع††د احلك††ام ردي††ئني من قب††ل الن††اس عن††دما ي††أتون إىل احلكم عن طري††ق اجلرمية وليس عن طري††ق‬
‫االختي ††ار احلر وحكم الش ††رع والق ††انون‪ .‬ومن احلك ††ام الردي ††ئني ال ††ذين ج ††اءوا إىل احلكم عن طري ††ق اجلرمية‬
‫احلاكم اوليفرت††و ال††ذي ب††دأ حيات††ه جن††ديا عن††د أخي††ه في††تيلزر‪ ،‬وبس††بب ش††جاعته وذكائ††ه ودهائ††ه متكن من أن‬
‫يك††ون مس††اعدا ألخي††ه القائ††د‪ .‬وعن††د اش††غاله للمنص††ب متكن بالتع††اون م††ع بعض ض††باط تش††كيله العس††كري‬
‫بتوجيه دعوة عشاء ألمري مقاطعة فريمو املدعو جيوفاين‪ ،‬فلىب األمري الدعوة‪ .‬وبع†د االنته†اء من العش†اء دع†ا‬
‫اوليفرت††و األم††ري إىل غرفت††ه للتح††دث عن بعض األم††ور اخلاص††ة‪ .‬وعن††د دخول††ه إىل الغرف††ة وجلوس††ه على أح††د‬
‫الكراس††ي خ††رج من وراء س††تائر الغرف††ة عش††رة جن††ود ح††املني س††يوفهم فهجم††وا على األم††ري جيوف††اين بإيع††از‬
‫من اوليفرتو فأردوه قتيًال يف احلال(‪ .)21‬وبعد مقتل األمري جيوفاين امتطى اوليفرتو جواده م††ع العش††رات من‬
‫فرس ††انه الض ††باط مت ††وجهني إىل قص ††ر األم ††ري املقت ††ول يف ف ††ريتو فطوق ††وه واحتل ††وه م ††ع املدين ††ة بأكمله ††ا‪ .‬وبع ††د‬
‫احتالل املدينة نصب اوليفرتو نفسه أمريا على مدينة فريمو اليت حكمها مدة س††نة واح††دة تع††رض بع††دها إىل‬
‫القتل مع أخيه القائد العسكري فيتيلوزو‪.‬‬

‫خامسًا ‪ -‬عدالة الحاكم مع الرعية في فكر ميكافيلي‬

‫العدالة يف مفهوم ميكافيلي هي اعتماد السلوك الذي يتناس††ب م††ع الش††يء أو احلدث ال††ذي يتص††رف احلاكم‬
‫أو األم ††ري أو املل ††ك جتاه ††ه‪ ،‬يف حني أن الظلم كم ††ا يفهم ††ه ميك ††افيلي ه ††و التص ††رف حنو الش ††يء أو احلدث‬
‫بطريق ††ة تتن††اقض م ††ع خصوص ††يته وطبيعت††ه‪ .‬ذل††ك أن األم ††ري يك††ون ع ††ادال يف تص ††رفه م ††ع الرعي††ة اذا اس††تعمل‬
‫معهم أس†اليب العن†ف واإلره†اب والتنكي†ل‪ ،‬الن ه†ذه األس†اليب تتناس†ب م†ع ط†بيعتهم الش†ريرة والالإنس†انية‬
‫والبائس††ة وميكن أن ختلص††هم من مسات الش††ر والب††ؤس والفس††اد والت††داعي(‪ .)22‬من جه††ة ثاني††ة يك††ون األم††ري‬
‫ظاملة مع الرعية إذا استعمل األساليب اإلنسانية والدميقراطية واملتس†اهلة معهم الن ه††ذه األس†اليب بنظ†ره ال‬
‫تتف††ق م††ع ط††بيعتهم الش††ريرة والالأخالقي††ة‪ .‬إذن العدال††ة عن††د ميك††افيلي هي حكم األف††راد واجلماع††ات حكم††ة‬
‫إرهابية قاسية يعتمد على ص†يغ التخوي†ف وال†رتهيب واالس†تفزاز والتنكي†ل طاملا أن ه†ذه األس†اليب ميكن أن‬
‫تض††بط األف††راد وتص††لحهم وحتررهم من ص††فات الش††ر واجلرمية‪ ،‬بينم††ا الظلم ه††و ع††دم معرف††ة التص††رف م††ع‬
‫الن† ††اس ك† ††احرتامهم وتق† ††ديرهم والتس† ††اهل معهم يف وقت ينبغي اإلس† ††اءة اليهم وإذالهلم واحتق† ††ارهم ألهنم‬
‫يستحقون ذلك نتيجة صفاهتم املتدنية وممارساهتم املنحرفة كما يعتق††د ميك††افيلي‪ .‬ل††ذا يؤك††د ميك††افيلي على‬

‫‪86‬‬
‫أن احلاكم أو األم ††ري يك ††ون ع ††ادال م ††ع الرعي ††ة وناجح †ًا يف حكم ††ه عن ††دما يس ††تعمل أس ††اليب البطش والق ††وة‬
‫والقه† ††ر والتنكي† ††ل اذ ان ه† ††ذه األس† ††اليب كفيل† ††ة بإص† ††الحهم وحتري† ††رهم من عق† ††دهم وش† ††رورهم وأدراهنم‬
‫االجتماعية والنفسية‪.‬‬

‫يق ††ول ميك ††افيلي يف كتاب ††ه (األم ††ري) أن عدال ††ة احلك ††ام واألم ††راء ال تتحق ††ق إّال باس ††تعمال الش ††دة والقس ††وة‬
‫واإلرهاب مع الشعب‪ ،‬طاملا أن هذه األساليب قسرية تتالئم مع طبيعته املنحرفة وتؤدي يف الوقت ذاته إىل‬
‫إصالحه وحتريره من عقد الشر واللؤم واألنانية والتمرد"(‪.)23‬‬

‫وتأخ††ذ العدال††ة يف تفك††ري ميك††افيلي بع††دا آخ††رة‪ ،‬ذل††ك أهنا تتجس††د يف جتنيب احلاكم أو األم††ري ص††فة الك††رم‬
‫واالحني††از لص††فة البخ††ل‪ .‬ف††الكرم جيع††ل األم††ري يب††ذر األم††وال ويه††درها من خالل إنفاقه††ا على ع††دد قلي††ل من‬
‫األفراد‪ .‬علما بأن التبذير ينتهي يف إفالس احلاكم وفقره‪ ،‬مما يض†طره إىل االس†تحواذ على أم†واهلم ومص†ادرة‬
‫ممتلك† ††اهتم أو ف† ††رض الض† ††رائب عليهم‪ ،‬وأفع† ††ال كه† ††ذه يق† ††وم هبا األم† ††ري جتع† ††ل الن† ††اس يكرهون† ††ه وحيتقرون ††ه‬
‫ويعتربون††ه غ††ري ع††ادل معهم مما ق††د ي††دفعهم إىل الت††آمر علي††ه وإس††قاط حكم††ه أم††ا ب††املكر وال††دهاء واحليل††ة أو‬
‫باستعمال القوة والعنف(‪ .)24‬أما صفة البخل اليت يعتم†دها احلاكم يف س†لوكه الي†ومي والتفص†يلي فق†د جتعل†ه‬
‫عادال مع الرعية ذلك أن البخل جيعل األمري أو احلاكم غنيا وميسورة ألنه ميكنه من مجع الثروات واحملافظ††ة‬
‫عليه††ا‪ ،‬وهن†ا يس†تطيع إنف††اق األم††وال على أبن†اء اجليش الق††وي واملقت†در ال†ذي ي†دافع عن البالد بص††ورة عام††ة‬
‫وي††دافع عن††ه بص††ورة خاص††ة‪ .‬كم††ا يس††تطيع األم††ري بن††اء املش††اريع اإلنتاجي††ة واخلدمي††ة ال††يت تنف††ع الن††اس وتق††وي‬
‫أركان الدولة‪.‬‬

‫يضاف إىل ذلك أن غىن األمري جيعل†ه بعي†دا عن ف†رض الض†رائب على الن†اس أو االس†تحواذ أو الس†يطرة على‬
‫ممتلك††اهتم مما يق††ودهم إىل حب††ة واحرتام††ه وطاعت††ه باعتب††اره ع††ادال ومس††تقيما يف حكم††ه وتعامل††ه معهم وم††ع‬
‫غريهم‪ ،‬وهنا ينجح األمري يف احلكم ويقوي مركزه ويستطيع التمتع بالقوة والنفوذ ألطول فرتة ممكنة‪.‬‬

‫سادسًا ‪ -‬الديمقراطية والدكتاتورية في فكر ميكافيلي‬

‫يعتق ††د ميك ††افيلي أن الدميقراطي ††ة والدكتاتوري ††ة مها نظام ††ان سیاس ††يان يتعاقب ††ان الواح ††د بع ††د اآلخ ††ر ذل ††ك أن‬
‫الدميقراطي† ††ة تنتهي بالدكتاتوري† ††ة وأن الدكتاتوري† ††ة تنتهي بالدميقراطي† ††ة‪ .‬والت† ††اريخ يوض† ††ح لن† ††ا كيفي† ††ة حتول‬

‫‪87‬‬
‫احلك††ام ال††دميقراطيني إىل حك††ام دكت††اتوريني(‪ .)25‬علم††ا ب††ان ه††ذين الن††وعني من احلك††ام خيتلف††ان بعض††هما عن‬
‫بعض‪ ،‬فاحلاكم ال ††دميقراطي ي ††ؤمن باحلري ††ة ويس ††مع إىل آراء اآلخ ††رين ومينحهم حري ††ة التعب ††ري عن ال ††رأي وال‬
‫يس † ††تعمل ض † ††دهم أس † ††اليب العن † ††ف والق † ††وة اذا اختل † ††ف معهم يف ال † ††رأي والتفك † ††ري‪ .‬أم † ††ا شخص † ††ية احلاكم‬
‫الدميقراطي فتتسم باملرونة واألخذ والعطاء واالنفتاح وتقبل النقد والتكيف للظروف واملعطي††ات املتغ††رية‪...‬‬
‫اخل‪ .‬بينم† ††ا ي† ††ؤمن احلاكم ال† ††دكتاتوري باملركزي† ††ة وتقيي† ††د احلري† ††ات وخن† ††ق األص† ††وات واالس† ††تبداد ب† ††الرأي‬
‫والت ††دخل يف الص ††غرية والكب ††رية واالعتق ††اد بأن ††ه افض ††ل من االتب ††اع‪ ،‬واس ††تعمال الش ††دة والبطش والقس ††وة‬
‫والتنكي††ل ض††د اخلص††وم واملع††ادين‪ .‬وان شخص††ية احلاكم ال††دكتاتوري كم††ا ي††رى ميك††افيلي تتس††م بالتعص††ب‬
‫والتحيز واالنغالق وعدم تقبل النقد‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫يعتقد ميكافيلي بان احلكام كانوا يف السابق دميقراط†يني الهنم ك†انوا ينتخب†ون من قب†ل الن†اس ‪ ,‬واذا مل يكن‬
‫احلاكم دميقراطية فان الناس ال ينتخبونه‪ .‬ذل†ك أن احلاكم غ†ري ال†دميقراطي يك†ون ظاملة وقاس†ية م†ع االتب†اع‪،‬‬
‫لذا يبتعد عنه هؤالء كلما استطاعوا إىل ذلك سبيال‪ .‬وبتتابع الزمن اخذ احلكام ينصبون أنفسهم يف أم††اكن‬
‫احلكم والقي† ††ادة‪ ،‬واص† ††بحوا ميارس† ††ون أس† ††اليب احلكم االس† ††تبدادي وال† ††دكتاتوري م† ††ع الن† ††اس‪ .‬مث† ††ل ه† ††ذه‬
‫األساليب جعلتهم أغنياء وميسورين ومتنف†ذين وقس†اة م†ع الن†اس ال†ذين حيكم†وهنم‪ .‬ل†ذا ب†دأ الن†اس يت†ذمرون‬
‫منهم ويوجه ††ون االنتق ††ادات املرة إليهم‪ .‬وعن ††دما مل جتد ه ††ذه األس ††اليب نفع† †ًا ف ††اهنم اخ ††ذوا يت ††آمرون على‬
‫احلك††ام وحياولون إخ††راجهم من مراك††ز الق††وة والس††لطة والنف††وذ‪ ،‬وعن††د ش††عور احلك††ام بت††آمر الن††اس ض††دهم‬
‫ف ††اهنم يتحول ††ون كم ††ا يق ††ول ميك ††افيلي‪ ،‬من حك ††ام دكت ††اتوريني إىل طغ ††اة ميارس ††ون أش ††كال أس ††اليب القه ††ر‬
‫والظلم والتعسف االجتماعي ضد الناس‪.‬‬

‫وعندما ال يطيق الناس شدة هذه األساليب الطاغية فاهنم يطيحون بالطغاة واحلك†ام املتج†ربين وحيول†ون منط‬
‫احلكم من الشكل الدكتاتوري واالستبدادي إىل الش†كل ال†دميقراطي احلر‪ ،‬ولكن عن†دما تس†يطر الدميقراطي†ة‬
‫على اجملتمع ويستلم احلكام الدميقراطيون دف†ة احلكم ف†ان احلكم بالت†دريج س†رعان م†ا يتح†ول إىل نظ†ام ق†ائم‬
‫على احلري ††ات املطلق ††ة غ ††ري املفي ††دة‪ ،‬وس ††ريان ه ††ذه احلري ††ات يف رب ††وع اجملتم ††ع يق ††ود إىل ح ††دوث الفوض ††ى‬
‫االجتماعية واإلباحية والتحلل اليت ال ميكن التصدي هلا وكبح مجاحها اال من خالل الدكتاتورية اليت تض††ع‬
‫ح ††دا للفوض ††ى وع ††دم االس ††تقرار(‪ .)26‬وهك ††ذا تتع ††اقب الدكتاتوري ††ة والدميقراطي ††ة يف س ††ياق دائ ††ري ال ميكن‬

‫‪88‬‬
‫إيقاف † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ه أو تغي † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ري‬
‫مساره التارخيي‪.‬‬

‫يوض††ح ميك††افيلي يف كتاب††ه (األم††ري) كيفي††ة حتول احلاكم إىل دكت††اتور مطل††ق‪ .‬عن††د اس††تالم احلاكم أو األم††ري‬
‫دف†ة احلكم فان†ه س†رعان م†ا حيارب األش†خاص ال†ذين س†اعدوه يف اس†تالم الس†لطة‪ ،‬وه†و يف نفس ال†وقت ق†د‬
‫خل††ق أع††داء ل††دودين ل††ه من ال††ذين ح††ارهبم األم††ري وقض††ى عليهم واحتلهم وأخض††عهم إلرادت††ه‪ .‬ل††ذا تتح††الف‬
‫ضد األمري القوتان املعاديتان له وتكونان قوة واح†دة تعلن العص†يان والتم†رد ض†ده وتث†ور علي†ه‪ .‬وعن†د فش†ل‬
‫العص††يان املوج†ه ض††د األم††ري‪ ،‬ف†ان األخ†ري يتح†ول إىل دكت†اتور مطل†ق حيكم اجملتم†ع حس†ب أهوائ†ه ومص††احله‬
‫ونزوات ††ه الذاتي ††ة‪ ،‬وعن ††دما ال ي ††روق مث ††ل ه ††ذا احلكم إىل الن ††اس‪ ،‬ف ††اهنم يعمل ††ون م ††ا يف اس ††تطاعتهم إلس ††قاطه‬
‫وتغي††ريه إىل نظ††ام دميق ††راطي حيل حمل††ه(‪ .)27‬غ ††ري ان الدميقراطي††ة كم††ا يعتق ††د ميك††افيلي جتلب معه ††ا الفوض ††ى‬
‫واالرتباك اللتني ميكن وضع هناية هلما عن طري†ق الدكتاتوري†ة‪ .‬وهك†ذا تتع††اقب أنظم†ة احلكم اذ تتح†ول من‬
‫الدميقراطية إىل الدكتاتورية ومن الدكتاتورية إىل الدميقراطية‪.‬‬

‫سابعًا ‪ -‬الغاية والواسطة كما يفسرها ميكافيلي‬

‫يعتم ††د ميك ††افيلي يف مجي ††ع طروحات ††ه السياس ††ية على مب ††دأ الغاي ††ة ت ††ربر الواس ††طة‪ ،‬والغاي ††ة بالنس ††بة لألم ††ري هي‬
‫البقاء يف كرسي احلكم والس†لطة ألط†ول ف†رتة زمني†ة ممكن†ة يس†تطيع خالهلا التمت†ع ب†احلكم وم†ا ينط†وي علي†ه‬
‫من جاه وأهبة وشرف واحرتام وتقدير واحلصول على منافع وامتیازات مادي†ة يتمناه††ا لنفس†ه ويري†د احلف††اظ‬
‫عليها مهما كلفه ذلك من جهود وتض†حيات وعط†اءات‪ .‬أم†ا الواس†طة ال†يت يعتم†دها األم†ري وال†يت متكن†ه من‬
‫البق††اء على رأس دف††ة احلكم فهي مجي††ع األفع††ال ال††يت يق††وم هبا س††واء ك††انت ه††ذه أخالقي††ة أو غ††ري أخالقي††ة‪،‬‬
‫شريفة أو غري شريفة‪ ،‬أو رديئة‪ .‬أن هدف األمري هو التمتع بشهوة احلكم ألطول فرتة ممكن††ة‪ ،‬وه††ذا اهلدف‬
‫ال ميكن نيله دون اعتماد وسيلة أو واسطة تعني األمري على حتقيق اهلدف‪.‬‬

‫أن كت†اب (األم†ري) برمت†ه ه†و حماول†ة ذكي†ة ت†بني الوس†ائل ال†يت ميكن أن يعتم†دها األم†ري لبقائ†ه يف احلكم ف†رتة‬
‫طويل ††ة من خالل امله ††ام ال ††يت يق ††وم هبا وال ††يت ت ††ربهن على أهليت ††ه الحتالل مقالي ††د الس ††لطة واحلكم اك ††ثر من‬
‫غ††ريه‪ ،‬أو عن طري††ق اإلجنازات والنجاح††ات الفعلي††ة ال††يت حيققه††ا وال††يت جتع††ل اآلخ††رين واجلماع††ات يؤيدون††ه‬

‫‪89‬‬
‫ويلتفون حوله‪ ،‬ناهيك عن األفعال اإلجرامية اليت قد يرتكبها ض†د خص†ومه ومنافس†ية السياس†يني لتص†فيتهم‬
‫ومن مث التمتع بالسلطة واحلكم بدون منافس‪.‬‬

‫إذن الغاية اليت حيددها ميكافيلي لألمري هي البق†اء يف احلكم لف†رتة طويل†ة‪ ،‬والواس†طة ال†يت ينص†ح األم†ري على‬
‫اعتماده†ا لتض†من ل†ه البق†اء على س†دة احلكم ق†د تك†ون ش†ريفة وأخالقي†ة قائم†ة على الص†دق واإلخالص يف‬
‫العم ††ل والتف ††اين يف خدم ††ة الرعي ††ة والب ††ذل والعط ††اء من أج ††ل رف ††اهيتهم وع ††زهتم وك ††رامتهم وال ††دفاع عنهم‬
‫ورع ††ايتهم وق ††د تك ††ون الواس ††طة غ ††ري ش ††ريفة فهي تتجس ††د يف تص ††فية اخلص ††وم واملن ††اوئني واعتم ††اد أس ††اليب‬
‫التموي ††ه والغش والك ††ذب والري ††اء والتض ††ليل يف حكم الن ††اس وجلب األذى والض ††رر لألف ††راد ال ††ذين يتعام ††ل‬
‫معهم األمري(‪ .)28‬ناهيك عن استعمال األمري سياسة فرق تسد مع اجلماهري اليت حيكمها إلض††عافها ومتزيقه††ا‬
‫وتش ††ويه ص ††ورهتا والطعن مبص ††داقيتها وبع ††ثرة ص ††فوفها أوال‪ ،‬مث اإلجه ††اض عليه ††ا وحكمه ††ا وف ††ق مص ††احله‬
‫ورغباته وأهدافه املنشودة‪ .‬وأخريا قد يستعمل األمري أنواع اجلرائم واملوبقات واألفعال املنكرة مع اجلم†اهري‬
‫لتخويفها وترهيبها وإرباكها ومن مث محلها على طاعته واالستسالم إلرادته وخمططاته‪.‬‬

‫إن ميكافيلي يف كت†اب (األم†ري) يعلم احلاكم على اتب†اع أي†ة وس†يلة ك†انت م†ع اجلم†اهري تض†من ل†ه البق†اء يف‬
‫احلكم‪ .‬فهو حيث احلاكم على عدم الوفاء بالعهد مع الن†اس والك†ذب عليهم وترويض†هم وغش†هم والتحاي†ل‬
‫عليهم واإليق††اع هبم إذا ك††انت ه††ذه األفع††ال ختدم وحتق††ق مطاليب††ه ونزوات††ه‪ .‬وينص††حه على ع††دم ال††رتدد عن‬
‫ارتك † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اب‬
‫اجلرائم واملنك††رات ض††د الن††اس اذا ك††ان ذل††ك خيدم مص††احله ويل††يب طموحات††ه وأهداف††ه‪ .‬إض††افة إىل حث††ه على‬
‫اس ††تعمال أس ††اليب العن ††ف والقس ††وة والبطش والتنكي ††ل بك ††ل من يش ††ك بوالئ ††ه وإخالص ††ه ل ††ه كيم ††ا ينهي ††ه‬
‫ويستأصله قبل أن تتاح له فرصة االنقضاض عليه أي على احلاكم أو األمري(‪ .)29‬إن ميكافيلي يبيح للح†اكم‬
‫اس † ††تعمال مجي † ††ع احملرم † ††ات واحملض † ††ورات واملمنوع † ††ات ال † ††يت من ش † ††أهنا أن تقض † ††ي على اخلص † ††وم والنق † ††اد‬
‫واملعارضني ومتكنه بالتايل من االستئثار بالقوة والسطوة واجلاه‪.‬‬

‫يق††ول ميك†افيلي يف كتاب†ه (األم††ري) عن†دما يب†دأ احلاكم مبمارس†ة حكم†ه يف املقاطع††ة أو املدين†ة علي†ه اس†تعمال‬
‫الق††وة ض††د اخلص††وم واملعارض††ني م††رة واح††دة اليقض††ي عليهم وينهيهم كيم††ا يتف††رد ب††احلكم ب††دون مع††ارض‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫وعن††دما يس††تعمل الق††وة م††ع اخلص††وم ال††يت تنهيهم وتزي††ل خط††رهم فان††ه يب††ادر يف ال††وقت نفس††ه بإرض††اء أه††ل‬
‫املدين ††ة وكس ††بهم إىل جانب ††ه عن طري ††ق أس ††اليب ال ††رتغيب والتك ††رمي واجلذب واالس ††تمالة‪ .‬إن األم ††ري يعتم ††د‬
‫أساليب التنكيل وال†رتهيب م†ع بعض الن†اس وال†رتغيب والتك†رمي م†ع البعض اآلخ†ر لكي يبقى على راس دف†ة‬
‫احلكم ألط†ول ف†رتة ممكن†ة‪ .‬ذل†ك أن ال†رتهيب والقت†ل والبطش والتخوي†ف جيع†ل خص†ومه خيش†ونه ويتجنبون†ه‬
‫كلما استطاعوا إىل ذلك سبيًال‪ .‬أما الرتغيب واالستمالة واجلذب فتحمل بعض الناس إىل االلتفاف حول‬

‫األم††ري وتأيي††ده وإس††ناد حكم††ه والوق††وف إىل جانب††ه‪ ،‬وهك††ذا يبقى األم††ري يف الس††لطة لف††رتة طويل††ة عن طري††ق‬
‫اعتماد أساليب الرتهيب والرتغيب‪.‬‬

‫ثامنًا ‪ -‬موازنة القوى واستقرار الدولة في فكر ميكافيلي‬

‫يعين ميكافيلي مبوازنة القوى يف اإلمارة أو املقاطعة أو اململكة ثالثة أشياء رئيس††ية هي أوال توزي††ع املناص††ب‬
‫السياس††ية على ق††ادة الفئ††ات والعناص††ر الس††كانية بالتس††اوي دون إج††راء أي متي††يز بني فئ††ة وأخ††رى من ناحي††ة‬
‫املراك††ز ال††يت تتبوؤه††ا‪ .‬وثاني††ة تع††ين موازن††ة الق††وى السياس††ية التحكم يف التوزي††ع اجلغ††رايف للفئ††ات االجتماعي††ة‬
‫والعناصر السكانية‪ ،‬فكل فئة اجتماعية أو عنصر س كاين ينبغي أن يتمازج م††ع العناص††ر الس†كانية األخ†رى‬
‫يف طريق ††ة ال تعطي اجملال ل††ذلك العنص ††ر أن يس††يطر على بقع ††ة جغرافي††ة معين††ة ويتحكم يف مص ††ريها ويط††رد‬
‫العناصر السكانية األخرى من تلك البقعة أو املنطقة‪ .‬وهنا تتحقق موازنة القوى يف املقاطعة أو اإلمارة(‪.)30‬‬
‫وأخ††ريًا يع††ين ميك††افيلي مبوازن††ة الق††وى حتقي††ق العدال††ة واملس††اواة بني ق††وة الدول††ة وق††وة الش††عب‪ ،‬أو بني ق††وة‬
‫األمري واتباعه وقوة الرعية اليت حيكمها األمري‪.‬‬

‫إن املوازنة السياسية يف فكر ميكافيلي تعين يف هذا املفهوم أن تتعادل قوة الفئة احلاكم††ة م††ع الفئ††ة احملكوم††ة‪.‬‬
‫أي أن يتمت††ع األم††ري بامتي††ازات وحق††وق وتتمت††ع الفئ††ة احملكوم††ة بدرج††ة ال ب††أس هبا من ه††ذه املكاف††آت كيم††ا‬
‫يتولد االنسجام والتناغم بني ما يريده احلاكم أو األمري وما يريده الشعب واحملكومني‪.‬‬

‫ومهم††ا يكن من أم††ر ف††أن موازن††ة الق††وى السياس††ية يف اإلم††ارة أو اململك††ة ت††ؤدي إىل اس††تقرار الدول††ة وثباهتا‬
‫وقوهتا ومتاس††كها‪ ،‬بينم††ا اختالل املوازن††ة بني الق††وى السياس††ية ي††ؤثر ت††أثريًا س††لبية يف اس††تقرار الدول††ة وتنميته††ا‬
‫وتق††دمها ورفعته††ا(‪ .)31‬هلذا حيرص األم††ري على ع††دم االس††تحواذ على مجي††ع املناص††ب واملراك††ز السياس††ية ه††و‬

‫‪91‬‬
‫ومجاعت††ه الن ذل††ك يرب††ك اس††تقرار الدول††ة وخيل بتوازهنا وخيرب وح††دهتا ومتاس††كها‪ .‬بينم††ا إذا وزع األم ††ري‬
‫املراكز السياسية ومناصب القوة واحلكم على مجيع القوى والتيارات السياسية بصورة عادلة وحمققة ترضي‬
‫اجلميع وتقنعهم فان ذلك سيقود إىل االستقرار والطمأنينة والتضامن والوح††دة ال††يت تع††د من مقوم††ات الق††وة‬
‫لإلم††ارة أو اململك††ة‪ .‬اذا من ص††احل األم††ري أن يك††ون ع††ادال يف توزي††ع املواق††ع السياس††ية ومراك††ز النف††وذ والق††وة‬
‫على أبن ††اء الش ††عب بطريق ††ة تأخ ††ذ بعني االعتب ††ار الثق ††ل السياس ††ي واملكان ††ة االجتماعي ††ة للفئ ††ة أو الش ††رحية أو‬
‫اجلماع † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ات ال † † † † † † † † † † † † † † † † † ††يت مينحه † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ا األم † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ري الق † † † † † † † † † † † † † † † † † ††وة السياس † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ية وح † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ق‬
‫ممارس ††ة الس ††لطة والس ††يادة‪ .‬أم ††ا اذا مل يكن األم ††ري ع ††ادال م ††ع الق ††وى والتي ††ارات السياس ††ية ومي ††اة إىل غم ††ط‬
‫حقوقها والتعسف ضدها ومص†ادرة إرادهتا ف†ان الق†وى والتي†ارات السياس†ية س†تكون يف حال†ة ع†دم اس†تقرار‬
‫وهدوء مما قد يعصف ذلك بالفئة احلاكمة ويسقطها ويزيلها عن الوجود‪.‬‬

‫وم ††ا يتعل ††ق مبوازن ††ة الق ††وى واس ††تقرار الدول ††ة يق ††ول ميك ††افيلي يف كتاب ††ه (األم ††ري) عن ††د ح ††دوث العص ††يان يف‬
‫مقاطع††ة من مقاطع††ات اململك††ة ف††ان على األم††ري التح††رك إلمخاد العص††يان وتطويق††ه‪ ،‬وعن††د جناح††ه يف املهم††ة‬
‫يتطلب منه اختاذ ما يلزم باالنتقال واإلقام†ة يف املنطق†ة أو املقاطع†ة ال†يت وق†ع فيه†ا العص†يان‪ ،‬م†ع هتج†ري أهله†ا‬
‫األص††ليني إىل من†اطق أخ†رى واس†تبدال املهج†رين بأس†ر وأش†خاص م††والني ل†ه‪ .‬وهن†ا تس†تقر األم††ور وال ميكن‬
‫للمقاطعة ان تثور عليه مرة ثانية‪.‬‬

‫ومن جه††ة أخ††رى يتحق††ق االس††تقرار يف املقاطع††ة أو اإلم††ارة اذا ب††ادر األم††ري بتوزي††ع املناص††ب السياس††ية على‬
‫العناص†ر الس†كانية املختلف†ة‪ .‬أن على األم†ري أن يس†ند بعض املناص†ب احلساس†ة ألهل†ه وعش†ريته واتباع†ه‪ ،‬وان‬
‫پس† ††ند املناص† ††ب األخ† ††رى للفئ† ††ات والعناص† ††ر الس† ††كانية األخ† ††رى ال† ††يت متكن األم† ††ري من إخض† ††اعها حلكم† ††ه‬
‫وس††طوته‪ .‬وهك††ذا تت††وازن الق††وى وتس††تقر الدول††ة وتبقى‪ ،‬والعكس ه††و الص††حيح إذا س††تأثر األم††ري ومجاعت††ه‬
‫واملقربني له مبراكز السلطة واحلكم وأبعد الفئات األخرى عن اشغاهلا وممارسة القوة والسيادة من خالهلا‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫الهوامش والمصادر‬

1. Machiavelli, N. The Prince, Penguin Classics, London, 1970,


P. 12.
2. Ibid., P. 15.
3. Ibid., P.16.
-205 ‫ ص‬،1957 ،‫ الق† ††اهرة‬،‫ املدخل يف علم السياس† ††ة‬،‫ وحمم† ††ود خ† ††ريي عيس† ††ى‬،‫بط† ††رس غ† ††ايل‬ .4
.206
5. Machiavelli, N. The Prince, P.29.
6. Martindale, Don. The Nature and Types of Sociological
Theory, Boston, 1981, P.136.
7. Ibid., PP.136-137.
8. Ibid., P.136.

93
9. Becker, H. and H. Barnes. Social Thought From Lore to
Science, Vol. 1, New York, 1961 ,P.303.
10. Machiavelli, N. The Prince, P. 100.
11. Ibid., P. 101.
12. Ibid., P. 96.
13. Ibid., P. 97.
14. Ibid., P. 98.
15. Ibid., P. 95.
16. Ibid., P. 96.
17. Ibid., PP, 95-96.
18. Martindale, Don. The Nature and Types of Sociological
Theory, P.136.
،‫ املوص ††ل‬،‫ مطبع ††ة جامع ††ة املوص ††ل‬،‫ علم االجتم ††اع السياس ††ي‬.)‫ إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور‬،‫احلس ††ن‬ .19
.35 ‫ ص‬،1984
20. Becker, H. and H, Barnes. Social Thought From Lore to
Science, P, 304.
21. Machiavelli, N. The Prince, P. 63.
22. Ibid., P. 97,
23. Ibid., P. 92.
24. Ibid., P. 93.
25. Machiavelli, N. The Prince and The Discourses on the First
Ten Book of Titus Livius, edited by Max Lerner, New York,
1946, P. 117.

94
‫‪26. Ibid. , P.120.‬‬
‫‪27. Ibid. , P. 125.‬‬
‫‪28. Becker, H. and H. Bares. Social Thought From Lore to‬‬
‫‪Science, PP.303-304.‬‬
‫‪29. Ibid. , P. 305.‬‬
‫‪30. Machiavelli, N. The Prince, P. 38.‬‬
‫‪31. Ibid., P. 39.‬‬

‫الفصل السادس‬

‫السلوك السياسي‬

‫مفهوم السلوك السياسي‬

‫الس† ††لوك السياس† ††ي ه† ††و منط مهم من أمناط الس† ††لوك االجتم† ††اعي وخيض† ††ع إىل نفس الش† ††روط واملواص† ††فات‬
‫واألحك††ام والق††وانني ال††يت خيض††ع هلا الس††لوك االجتم††اعي‪ .‬إّال ان††ه يرك††ز على النش††اطات والفعالي††ات املتعلق††ة‬
‫حبكم وقي††ادة وتنظيم وتنس††يق اجملتم††ع بغي††ة حتقي††ق أهداف††ه وإش††باع طموح††ات وتطلع ††ات أف††راده ش††ريطة أن‬
‫تنس ††جم ه ††ذه الطموح ††ات والتطلع ††ات م ††ع طبيع ††ة النظ ††ام االجتم ††اعي ال ††يت حتاول القي ††ادة السياس ††ية تعزي ††زه‬
‫واحلف ††اظ على هنج ††ه من األخط ††ار والتح ††ديات الداخلي ††ة واخلارجي ††ة ويف نفس ال ††وقت تعم ††ل جاه ††دة على‬
‫ترسيخه وتنميته وتط†ويره خدم†ة أله†داف اجملتم†ع التكتيكي†ة واالس†رتاتيجية‪ .‬أن الس†لوك السياس†ي ه†و ذل†ك‬
‫النش††اط والفاعلي††ة ال††يت ميارس††ها ف††رد أو جمموع††ة أف††راد يش††غلون أدوارا سياس††ية معين††ة يس††تطيعون من خالهلا‬

‫‪95‬‬
‫(‬
‫تنظيم احلياة السياسية يف اجملتمع وحتديد مراكز القوى فيه وتنظيم العالقات السياسية بني القيادة واجلماهري‬
‫‪ .)1‬ويشرتط يف السلوك السياسي تواجد املتغريات التالية‪:‬‬

‫وجود دور أو أدوار اجتماعية ميكن من خالهلا اختاذ القرارات السياسية ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وجود عالقة اجتماعية صميمية بني األدوار اليت تتخذ القرار السياسي واألدوار اليت تنفذه(‪.)2‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وج ††ود جمموع ††ة أحك ††ام وق ††وانني مدون ††ة أو غ ††ري مدون ††ة حتدد كيفي ††ة الوص ††ول إىل الق ††رار السياس ††ي‬ ‫‪.3‬‬
‫وكيفية تنفيذه ومدی عالقته حباجات وطموحات اجملتمع الكبري(‪.)3‬‬
‫مشولية وشرعية وعقالنية القرار السياسي الذي يتخذه املشرع السياسي أو القيادة السياسية ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫والق††رارات السياس††ية ال††يت تتخ††ذها الس††لطة احلاكم††ة يف اجملتم††ع حتدد أمناط ووس††ائل الس††لوك السياس††ي ال††يت‬
‫ينتهجه††ا أعض††اء أجه††زة الدول††ة على كاف††ة مس††توياهتم وختصص††اهتم الوظيفي††ة‪ .‬ويف نفس ال††وقت حتدد أيض††ا‬
‫م ††دى اس† ††تجابة أبن† ††اء اجملتم† ††ع هلذه الق† ††رارات وأث† ††ر الق† ††رارات يف حتقي† ††ق طموح† ††ات األف ††راد وس† ††عادهتم(‪.)4‬‬
‫والس † ††لوك السياس † ††ي ال † ††ذي تنتهج † ††ه الس † ††لطة احلاكم † ††ة غالب † ††ا م † ††ا ينبعث من أديولوجي † ††ة وأه † ††داف النظ † ††ام‬
‫االجتم ††اعي ال ††ذي متثل ††ه الس ††لطة وت ††دافع عن ††ه ض ††د األخط ††ار والتح ††ديات‪ .‬وإذا مل ينبعث ه ††ذا الس ††لوك من‬
‫اديولوجية النظام االجتم†اعي ف†ان م†ردوده يك†ون مض†ادا لطموح†ات النظ†ام وأهداف†ه االس†رتاتيجية خصوص†ا‬
‫اذا كانت فلسفة النظام االجتماعي تعرب خرب تعبري عن حاجات وأماين وأهداف اجلماهري‪ .‬لذا واحلال††ة ه††ذه‬
‫جييء التش ††ريع السياس ††ي مع ††ربا عن حاج ††ات اجملتم ††ع وظروف ††ه اخلصوص ††ية‪ .‬واذا ك ††ان على ه ††ذا النح ††و فأن ††ه‬
‫سيلعب ال†دور القي†ادي واحلاس†م يف عملي†ة التغ†ري الث†وري وس†يلقى التأيي†د اجلم†اهريي املطل†ق ال†ذي يق†ود إىل‬
‫جناحه واستقراره وفاعليته يف التأثري على جمرى األحداث والظروف االجتماعية(‪.)5‬‬

‫إن مجي††ع الق††وانني والتش††ريعات ال††يت اختذهتا القي††ادة يف الع††راق بع††د ع††ام ‪ 1968‬ك††انت مس††توحاة من تع††اليم‬
‫وأفكار وفلسفة الشعب‪ .‬هذه التعاليم واألفكار ال†يت تع†رب خ†ري تعب†ري عن حاج†ات وطموح†ات األم†ة العربي†ة‬
‫وتعرب عن تراثها وتارخيه†ا وتطلعاهتا‪ ،‬وتع†اجل س†لبياهتا ومش†كالهتا وتناقض†اهتا وادراهنا ال†يت ورثته†ا من عه†ود‬
‫االحتالل األجن†يب واالس†تغالل االجتم†اعي والقه†ر الطبقي والتم†زق الق†ومي‪ .‬تعاجله†ا معاجلة ثوري†ة وجذري†ة‬
‫تقود إىل حترر األمة وانعتاقها وبعثها من جديد لتأخذ مكاهنا الطبيعي بني أمم وشعوب الع††امل‪ .‬هلذا تكللت‬

‫‪96‬‬
‫مجيع هذه القوانني والتشريعات بالنجاح والظفر إىل درجة اهنا استطاعت تغيري اجملتمع تغيريا ثوريا مل يعرف††ه‬
‫أبناء اجملتمع من قبل‪ ،‬هذا التغيري الذي جلب للمواطنني بكافة خلفياهتم واحنداراهتم القومية والطبقية التقدم‬
‫والرفاهية واالزدهار يف مجيع ميادين وأصعدة احلي†اة‪ .‬وإذا م†ا اس†تمرت القي†ادة السياس†ية يف جهوده†ا احلثيث†ة‬
‫وقراراهتا الثوري††ة وإجنازاهتا املثم††رة ه††ذه ف††ان القط††ر الع††راقي خالل ف††رتة قص††رية س††يقف على ص††عيد واح††دمع‬
‫األقطار الصناعية املتقدمة يف العامل وسيض†رب أروع األمثل†ة يف اجلد والعم†ل والص†دق واإلخالص والتق†دم‪.‬‬
‫وهن ††ا يتخلص قطرن ††ا من التخل ††ف والفق ††ر واملرض واجله ††ل ال ††ذي فرض ††ته علي ††ه ق ††وى االحتالل واالس ††تغالل‬
‫ويتقدم يف جماالت احلياة املادية والروحية ويف هذا الصدد ينبغي توض†يح أث†ر الق†رارات السياس†ية ال†يت اختذهتا‬
‫القيادة يف تقدم اجملتمع من جهة ويف التحام اجلماهري مع السلطة والتعاون معه†ا من جه†ة أخ†رى‪ .‬ان العم†ل‬
‫السياس ††ي ال ††ذي ج ††اء نتيج ††ة الق ††وانني ال ††يت اختذهتا القي ††ادة إزاء القض ††ايا السياس ††ية واالجتماعي ††ة واالقتص ††ادية‬
‫والثقافي† ††ة ال† ††يت هتم القط† ††ر ك† ††ان مبثاب† ††ة الس† ††لوك االجتم† ††اعي السياس† ††ي ال† ††ذي يعتم† ††د الوس† ††يلة العقالني† ††ة (‬
‫‪ )Rational Meins‬والغاية العقالنية (‪ )Rational End‬أي السلوك االجتماعي السياس††ي املث††ايل‬
‫كما يس†ميه الربوفس†ور م†اكس في†رب(‪ .)6‬أن جمم†وع الق†رارات السياس†ية ال†يت اختذهتا الس†لطة الثوري†ة من†ذ ع†ام‬
‫‪ 1968‬كقرار حل املسألة الكردية يف مشال القطر وحتقيق الوح†دة الوطني†ة بني الع††رب واألك†راد يف الع††راق‬
‫وق ††رار ت ††أميم ش ††ركات الب ††رتول االحتكاري ††ة األجنبي ††ة وق ††رار التص ††دي لألطم ††اع اإلمربيالي ††ة والص ††هيونية يف‬
‫ال††وطن الع††ريب‪ ،‬وق††رار احلمل††ة الوطني††ة الش††املة حملو األمي††ة والتعليم اإلل††زامي وغريه††ا من الق††رارات السياس††ية‬
‫املهمة هي قرارات تعتمد على الوسائل واألهداف العقالنية والواقعية واملوضوعية‪ .‬أي إهنا ق†رارات سياس†ية‬
‫ينعكس فيها النموذج املثايل للسلوك االجتماعي السياسي‪ .‬هذا النم†وذج ال†ذي ينش†د العلمي†ة والعقالني†ة يف‬
‫ختطي ††ط اجملتم ††ع وتنميت ††ه ويه ††دف إىل نقل ††ة اجملتم ††ع برمت ††ه من مرحل ††ة حض ††ارية متخلف ††ة وجام ††دة إىل مرحل ††ة‬
‫حضارية متقدمة وداينميكية‪.‬‬

‫ل ††و أخ ††ذنا الق ††رار السياس ††ي الت ††ارخيي اخلاص بت ††أميم الب ††رتول من الش ††ركات االحتكاري ††ة األجنبي ††ة يف ش ††هر‬
‫حزيران عام ‪ ۱۹۷۲‬لشاهدنا بأنه منط من أمناط السلوك السياسي واالقتصادي املث†ايل ال††ذي يعتم††د الوس††يلة‬
‫العقالني† ††ة ال† ††يت تتجس† ††د يف تص† ††فية ممتلك† ††ات الش† ††ركات البرتولي† ††ة االحتكاري† ††ة يف الع† ††راق وإهناء س† ††يطرهتا‬
‫االقتص ††ادية والسياس ††ية وترحي ††ل موظفيه ††ا األج ††انب عن القط ††ر وحتطيم مص ††احلها االقتص ††ادية واالس ††تغاللية‬

‫‪97‬‬
‫ومنعه††ا من هنب خ††ريات الش††عب الع††راقي‪ .‬وغاي††ة الت††أميم ك††انت عقالني††ة أيض †ًا‪ .‬فالت††أميم ح††رر الع††راق من‬
‫التبعي††ة االقتص††ادية والسياس††ية ال††يت ك††انت مفروض††ة علي††ه من††ذ بداي††ة ه††ذا الق††رن وأعط††اه اجملال يف التص††رف‬
‫بثروات†ه املعدني†ة حس†ب مقتض†يات وظ†روف مص†احلة الوطني†ة والقومي†ة ومنح†ه األم†وال الطائل†ة ال†يت س†اعدته‬
‫على إح ††راز التق ††دم والنه ††وض املادي واالجتم ††اعي والثق ††ايف‪ ،‬زد على ذل ††ك م ††ا للت ††أميم من أمهي ††ة بالغ ††ة يف‬
‫اعتم ††اد القط ††ر على أبنائ ††ه يف اس ††تثمار ثروات ††ه املعدني ††ة اس ††تثمار‪ ،‬اقتص ††ادية علمي ††ة جيلب التق ††دم والرفاهي ††ة‬
‫والس ††عادة للمواط ††نني مجيع †ًا‪ .‬ه ††ذا م ††ا اس ††تطاع القط ††ر أن حيقق ††ه بع ††د ت ††أميم الب ††رتول‪ .‬ك ††ذلك احلال بالنس ††بة‬
‫للق††رارات السياس††ية ال††يت اختذهتا الس††لطة الثوري††ة إزاء القض††ايا املختلف††ة ال††يت هتم القط††ر‪ ،‬ه††ذه الق††رارات ال††يت‬
‫ب†رهنت نفس†ها بأهنا تعتم†د الص†يغ العقالني†ة واملوض†وعية يف ترمجته†ا إىل واق†ع عم†ل وهتدف يف نفس ال†وقت‬
‫إىل حتقيق الطموحات املصريية واالسرتاتيجية للعراق بصورة خاصة واألمة العربية بصورة عامة‪.‬‬

‫أن القرارات السياسية العقالنية‪ ،‬اليت تشكل املادة األساسية للسلوك السياسي يف العراق‪ ،‬جاءت معربة عن‬
‫حاج ††ات وأم ††اين وطموح ††ات اجلم ††اهري وك ††انت مبثاب ††ة حج ††ر الزاوي ††ة لتالحم اجلم ††اهري م ††ع الس ††لطة الثوري ††ة‬
‫تالمحة مص††ريية‪ .‬فاجلم††اهري من خالل منظماهتا النقابي††ة واملهني††ة والش††عبية س††امهت مس††امهة فعال††ة يف ص††ياغة‬
‫هذه القرارات ووضعتها موض†ع التنفي†ذ‪ ،‬والس†لطة ك†انت عازم†ة على تش†ريع مث†ل ه†ذه الق†رارات وتعميقه†ا‬
‫يف اجملتم ††ع لكي تنتف ††ع منه ††ا اجلم ††اهري ويتط ††ور القط ††ر من خالهلا يف ش ††ىت املي ††ادين احلياتي ††ة‪ .‬ل ††ذا فالتفاع ††ل‬
‫العضوي بني الدولة واجلماهري ال†ذي يه†دف إىل حتقي†ق الص†احل الع†ام ونش†ر الدميقراطي†ة والعدال†ة االجتماعي†ة‬
‫يف اجملتمع هو من املقومات املركزية للطبيعة اجلماهريية والثورية اليت يتسم هبا النظ††ام االجتم††اعي‪ .‬وملا ك††ان‬
‫مث ††ل ه ††ذا التفاع ††ل موج ††ودة يف الع ††راق ويع ††رب عن ذاتيت ††ه يف ع ††دة مي ††ادين سياس ††ية واجتماعي ††ة وعلى خمتل ††ف‬
‫األص ††عدة الوظيفي ††ة والش ††عبية فإنن ††ا نس ††تطيع الق ††ول ب ††أن اجملتم ††ع س ††ائر يف الطري ††ق الص ††حيح طري ††ق التق ††دم‬
‫والنهوض واالزدهار‪.‬‬

‫الرأي العام والمواقف السياسية‬

‫قب ††ل دراس ††تنا وحتليلن ††ا ملفه ††ومي ال ††رأي الع ††ام واملواق ††ف السياس ††ية جيب علين ††ا الق ††ول ب ††ان الس ††لوك السياس ††ي‬
‫للم† ††واطن كانتمائ† ††ه احلزيب وتص† ††ويته السياس† ††ي يف االنتخاب† ††ات الربملاني† ††ة العام† ††ة ومش† ††اركته يف املظ† ††اهرات‬

‫‪98‬‬
‫واملسريات السياسية املؤيدة اآلراء أو ممارسات سياسية معين†ة‪ ،‬والس†لوك السياس†ي للدول†ة كعق††د املعاه††دات‬
‫واالتفاقي††ات السياس††ية م††ع ال††دول األجنبي††ة أو إعالن حال††ة احلرب م††ع دول††ة من ال††دول أو توطي††د العالق††ات‬
‫السياسية مع املنظمات املهنية والش†عبية أو تك†وين اجلبه†ة السياس†ية م†ع األح†زاب والق†وى الوطني†ة والتقدمي†ة‬
‫والقومي† ††ة‪ ...‬اخل يعتم† ††د على طبيع† ††ة اآلراء واملواق† ††ف السياس† ††ية ال† ††يت حيمله† ††ا املواطن وحتمله† ††ا الدول† ††ة إزاء‬
‫القض††ايا واألح††داث السياس††ية ال††يت يش††هدها اجملتم††ع(‪ .)7‬ف††إذا ك††ان املواطن مثال حيم††ل آراء ومواق††ف جي††دة‬
‫وإجيابي ††ة عن الدول ††ة كاعتق ††اده بأهنا دول ††ة قومي ††ة وتقدمي ††ة غرض ††ها حتقي ††ق الوح ††دة العربي ††ة الش ††املة وض ††رب‬
‫مصاحل االستعمار والصهيونية يف ال†وطن الع†ريب وحمارب†ة االس†تغالل االقتص†ادي والقه†ر الطبقي والنض†ال من‬
‫أجل تطوير اجملتمع العريب يف األصعدة املادية واحلض†ارية واالجتماعي†ة وحتري†ر الش†عب الع†ريب من االس†تعمار‬
‫والس††يطرة األجنبي††ة ومن واق††ع التخل††ف والتجزئ††ة‪ ،‬ف††ان مث††ل ه††ذه اآلراء واملواق††ف س††تدفع ذل††ك املواطن إىل‬
‫تأييد الدولة والوقوف جبانبها يف مجيع القضايا اليت تطرحه†ا أو ح†ىت أن†ه جيد نفس†ه يف خ†دمتها والنض†ال من‬
‫أج††ل حتقي††ق أه††دافها وطموحاهتا‪ .‬وك††ذلك احلال بالنس††بة للح††زب‪ .‬ف††اآلراء واملواق††ف اإلجيابي††ة ال††يت حيمله††ا‬
‫احلزب إزاء حزب أخر هي اليت تقود األوىل إىل عق†د املعاه†دات او االتفاقي†ات الرامي†ة إىل توطي†د العالق†ات‬
‫السياسية واالقتصادية والثقافية م†ع احلزب األخ†ر لص†احل الط†رفني املتعاق†دين‪ .‬أم†ا إذا ك†انت اآلراء واملواق†ف‬
‫اليت حيملها حزب من األحزاب إزاء دولة أخرى سلبية وعدائية فان الدولة ال ترتدد عن ال††دخول يف ح††رب‬
‫مدمرة مع الدولة األخرى‪ .‬أذن اآلراء واملواقف السياسية اليت حيملها األف†راد وحتمله††ا ال†دول هي ال†يت تق††رر‬
‫سلوكها وفعلها السياس†ي‪ .‬ل†ذا يتطلب من†ا دراس†ة ال†رأي الع†ام واملواق†ف السياس†ية دراس†ة علمي†ة لكي نفهم‬
‫حقيق††ة الس†لوك السياس†ي ال†ذي يعتم†د‪ ،‬كم†ا بين†ا‪ ،‬على اآلراء واملواق†ف واملي†ول واالجتاه††ات السياس†ية عن†د‬
‫األفراد واجلماعات‪.‬‬

‫عن ††د دراس ††تنا لل ††رأي الع ††ام جيب أن نع ††رف مفه ††وم "ال ††رأي" ومفه ††وم "الع ††ام" لكي حندد ماهي ††ة املوض ††وع‬
‫وخصائص ††ه ون ††درك أمهيت ††ه ونلم جبوانب ††ه األساس ††ية ومض ††امينه اجلوهري ††ة‪ ،‬تع ††ين باص ††طالح "ع ††ام" األش ††ياء‬
‫واألح††داث ال††يت ال تتعل††ق بف††رد واح††د أو مجاع††ة واح††دة ب††ل تتعل††ق ب††أفراد كث††ريين ومجاع††ات خمتلف††ة ومجاهري‬
‫(‬
‫متعددة وجمتمعات حملية متباينة بص†فاهتا املوض†وعية والذاتي†ة‪ ،‬مراح†ل تطوره†ا ومش†كالهتا اآلني†ة واملس†تقبلية‬
‫‪.)8‬‬

‫‪99‬‬
‫أما اصطالح "رأي" فيعين فكرة أو عقيدة أو مذهب مل تربهن صحته يف ال†وقت احلاض†ر ومل تثبت فرض†ياته‬
‫وحججه‪ ،‬لذا فهو حيتاج إىل براهني وأدلة وجتارب تؤيد صحته وتعزز مبادئ†ه وتثبت فرض†ياته لكي يتح†ول‬
‫إىل حقيق††ة قائم††ة حبد ذاهتا ال تش††وهبا الش††كوك والتس††اؤالت وال تت††أثر ب††القيم الذاتي††ة وال††نزوات النفس††ية ال††يت‬
‫تطغي على عقول األفراد ومداركهم فتجعلهم يتسمون خبصائص التحيز والتعص††ب والالموض††وعية(‪ .)9‬وإذا‬
‫دجمن††ا االص††طالحني "رأي" و"ع††ام" (ال††رأي الع††ام) فيك††ون معن††اه الش††امل وال††دقيق جمموع††ة األفك††ار واآلراء‬
‫واملعتق † ††دات املتداول† ††ة واملنتش† ††رة بني الن† ††اس ح† ††ول موض † ††وع أو حادث† ††ة معين† ††ة لن تثبت أو تؤي† ††د ص† ††حتها‬
‫وشرعيتها وقانونيتها لكوهنا تتعلق باجلوانب الذاتية لألفراد واجلماعات ومل يتيس††ر ال††وقت الك††ايف هلا بربه††ان‬
‫طروحاهتا ومبادئه††ا وفلس††فتها(‪ .)10‬واص††طالح ال††رأي الع††ام يس††تعمل يف معن††يني خمتلفني‪ :‬املع††ىن األول يتم††يز‬
‫بالثب ††ات واالس ††تقرار والس ††كون أي ك ††ون ال ††رأي جام ††دة وغ ††ري حمرك للجم ††اهري وال ميكن إثب ††ات ص ††حته‬
‫وش ††رعيته‪ .‬واملع ††ىن الث ††اين يتم ††يز باحلرك ††ة والداينميكي ††ة أي ك ††ون ال ††رأي ق ††ادرا على دف ††ع الن ††اس الختاذ بعض‬
‫املواقف والقرارات اليت من شأهنا أن تشبع حاجاهتم وحتقق طموحاهتم القريبة والبعيدة األمد(‪.)11‬‬

‫ولكي يك†ون ال†رأي ناض††جة ومتبل†ورا وثابت†ا وق†ادرا يف نفس ال†وقت على حتري†ك اجلم†اهري باجتاه معني جيب‬
‫ان مير باملراحل التالية‪:‬‬

‫جيب أن ي ††دور ال ††رأي الع† ††ام ح ††ول قض† ††ية أو مش ††كلة أو أزم† ††ة جتذب اهتم ††ام أبن ††اء اجملتم ††ع احمللي‬ ‫‪-1‬‬
‫وجتعلهم مس ††تعدين الختاذ املواق ††ف إزائه ††ا ك ††احلرب أو الث ††ورة أو ت ††أميم الب ††رتول أو حتقي ††ق الوح ††دة‬
‫واالشرتاكية أو عقد االتفاقيات واملعاهدات والربوتوكوالت السياسية‪ ...‬اخل ‪.‬‬
‫االستفس ††ار جتاه القض ††ية أو املش ††كلة كش ††ن احلرب على األع ††داء أو إهنائه ††ا معهم مثال‪ ،‬ويف ه ††ذه‬ ‫‪-2‬‬
‫احلال†ة من تك†وين ال†رأي تث†ار ع†دة تس†اؤالت أمهه†ا درج†ة خط†ورة املش†كلة املطل†وب تك†وين ال†رأي‬
‫جتاهه††ا‪ ،‬ه††ل أن ال†وقت ق†د ح†ان الختاذ الق††رارات املناس†بة إزائه††ا‪ ،‬ه††ل ان املش†كلة قابل†ة للح†ل وم††ا‬
‫هي احلل†ول املناس†بة؟ وإذا مل حتل فم†ا هي النت†ائج املرتتب†ة على ذل†ك؟ وهن†ا ميكن االس†تعانة ب†اخلرباء‬
‫واملختص ††ني إلعط ††اء املعلوم ††ات حوهلا‪ ،‬كم ††ا ميكن إج ††راء املق ††ابالت معهم يف الص ††حف وأجه ††زة‬
‫الراديو والتلفزيون لتزوي†د املواط†نني باملعلوم†ات املطلوب†ة عن القض†ية لكي يس†تطيعوا إب†داء وتك†وين‬

‫‪100‬‬
‫اآلراء حوهلا(‪ .)12‬وميكن ك ††ذلك إج ††راء الن ††دوات واملؤمترات القطري ††ة أو القومي ††ة أو الدولي ††ة حوهلا‬
‫لكي حيصل املواطنون على املزيد من املعلومات حول املشكلة املطلوب تكوين الرأي حوهلا‪.‬‬
‫بع††د تزوي††د الن††اس باملعلوم††ات واحلق††ائق والتفص††يالت عن املش††كلة ال††يت ت††واجههم وال††يت حتت††اج إىل‬ ‫‪-3‬‬
‫حل† ††ول س† ††ريعة وجذري† ††ة يب† ††دأ ه† ††ؤالء باختاذ املواق† ††ف اإلجيابي† ††ة أو الس† ††لبية جتاهه† ††ا وتب† ††دأ مي† ††وهلم‬
‫واجتاهاهتم تتبلور وتقوى(‪.)13‬‬
‫بع††د املناقش††ات واجملادالت والكتاب††ة واخلطب واملق††ابالت والن††دوات واملؤمترات ال††يت يعق††دها الن††اس‬ ‫‪-4‬‬
‫عن املشكلة املطلوب مواجهتها يتفق مجيعهم على رأي واحد وهذا الرأي هو الرأي العام‪.‬‬

‫أم††ا املواق†ف السياس†ية فهي املي†ول أو النزع††ات ال†يت يتعلمه††ا األف†راد من ب†يئتهم االجتماعي†ة ويس†تخدموهنا يف‬
‫تق††ييم األح††داث السياس††ية ك††احلروب والث††ورات واالنقس††امات العقائدي††ة واملعاه††دات واالتفاقي††ات السياس††ية‬
‫بطريق††ة متم††يزة ومتماس††كة تبع††د ك††ل البع††د عن التن††اقض والتن††افر‪ .‬وأول من اس††تعمل اص††طالح "موق††ف" و‬
‫"مواق ††ف" الع ††امل هرب ††رت سبنس ††ر عن ††دما تكلم عن موق ††ف العق ††ل ال ††ذي يس ††اعد اإلنس ††ان على التوص ††ل إىل‬
‫قرارات†ه وأحكام††ه ح†ول األم††ور والقض††ايا املتن†ازع عليه††ا‪ .‬وه††ذا املع††ىن ال†ذي قص††ده سبنس†ر عن†دما تكلم عن‬
‫(‬
‫موقف العقل ال يزال يستعمل حلد اآلن يف عبارات خمتلفة كاملوقف االستفس†اري واملوق†ف العلمي النق†دي‬
‫‪ .)14‬بيد أن مجيع هذه االس†تعماالت للموق†ف ختتل†ف عن االس†تعمال املعاص†ر ال†ذي يقص†د ب†ه احلال†ة العقلي†ة‬
‫ال ††يت تنت ††اب الف ††رد وجتعل ††ه مس ††تعدا للقي ††ام بس ††لوك معني جتاه ش يء أو حادث ††ة تث ††ري اهتمام ††ه(‪ .)15‬وق ††د أخ ††ذ‬
‫االص††طالح يكتس††ب مع††اين جدي††دة منه††ا اس††تجابة الف††رد للم††ؤثرات اخلارجي††ة يف طريق††ة معين††ة‪ ،‬ومث††ل ه††ذه‬
‫التع††اليم اجلدي††دة اش††تقت من تع††اليم املدرس††ة الس††لوكية لعلم النفس‪ .‬إال أن تأكي††د الع††امل الس††لوكي على أن‬
‫تص ††رفات األف ††راد ميكن أن ترج ††ع إىل م ††ؤثرات وأس ††باب معين ††ة مل تس ††تطع بع ††د تفس ††ری تعقي ††دات الس ††لوك‬
‫االجتم††اعي‪ .‬ل††ذا اص††بح اص††طالح موق††ف يس††تعمل مبثاب††ة املتغ††ري الوس††يط بني املؤثر واالس††تجابة لكي يتمكن‬
‫من تفس ††ري التعق ††د املتط ††رف للس ††لوك االجتم ††اعي‪ .‬ف ††املوقف اإلجيايب ال ††ذي حيمل ††ه املواطن جتاه االديولوجي ††ة‬
‫االش ††رتاكية مثال م ††ا ه ††و باحلقيق ††ة اال نتيج ††ة فع ††ل للمعلوم ††ات واخلرب والتج ††ارب اإلجيابي ††ة ال ††يت حيمله ††ا عن‬
‫الفلسفة االشرتاكية وهو يف نفس الوقت س†بب مهم من أس†باب املمارس†ات االش†رتاكية ال†يت يق†وم هبا الف†رد‬
‫يف حياته اليومية‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ومن اش ††هر الدراس ††ات ال ††يت أج ††ريت يف حق ††ل املواق ††ف دراس ††ة "الف ††رد يف اجملتم ††ع" (‪Individual in‬‬
‫‪ )Society‬ال ††يت ق ††ام هبا العاملان ک ††ریج وکرجفيل ††د ( ‪ .)Krech and Crutchfield‬ففي الفص ††ل‬
‫اخلامس من هذه الدراسة حاول العاملان دراسة أهم العوامل املس†اعدة على تك†وين املواق†ف (‪)Attitides‬‬
‫وقد شخصا هذه العوامل كاآليت‪ :‬مس†توى املعلوم†ات ال†يت اكتس†بها الف†رد من بيئت†ه االجتماعي†ة ومن جتارب†ه‬
‫احلياتي† ††ة‪ ،‬املص† ††احل واحلاج† ††ات عن† ††د الف† ††رد وعالقته† ††ا ب† ††املواقف ال† ††يت حيمله† ††ا‪ ،‬اجلماع† ††ات املرجعي† ††ة‪ ،‬الطبق† ††ة‬
‫االجتماعي††ة وأخ††ريًا عام††ل مميزات الشخص††ية ال††يت يتمت††ع هبا الف††رد(‪ .)16‬كم††ا حل††ل العاملان العناص††ر األساس††ية‬
‫اليت تتكون منها املواقف وطبيعة هذه من حيث درجة إجيابيته†ا أو س†لبيتها‪ .‬ف†املوقف السياس†ي ال†ذي حيمل†ه‬
‫املواطن الع ††ريب إزاء الص ††هيونية مثًال يتك ††ون من ثالث ††ة عناص ††ر أساس ††ية هي املعتق ††دات واآلراء واملف ††اهيم (‬
‫‪ )Cognition and Concept‬كاعتقاده بان الصهيونية هي حركة إمربيالية عنصرية هدفها التوسع‬
‫على حساب الغري وسلب حقوق وممتلكات الغ†ري واالعت†داء على كي†اهنم وك†رامتهم‪ .‬إض†افة إىل أهنا حرك†ة‬
‫خبيثة تربطها عالق†ات وثيق†ة م†ع ق†وى الع†دوان والش†ر والتوس†ع يف الع†امل‪ ،‬حرك†ة قائم†ة على روح التض†ليل‬
‫واخلداع واملراوغ † ††ة ومبني † ††ة على ممارس † ††ات التعص † ††ب والتعنت واالزدواجي † ††ة‪ .‬وأخ † ††ريا يعتق † ††د املواطن ب † ††أن‬
‫الص † ††هاينة هم أرذل وأح † ††ط البش † ††ر وأك † ††ثرهم س † ††وءا وتفس † ††خة وعنجهي † ††ة‪ .‬ك † ††ل ه † ††ذه املعلوم † ††ات واآلراء‬
‫واملعتق ††دات حيمله ††ا املواطن الع ††ريب إزاء الص ††هيونية‪ .‬والعنص ††ر الث ††اين للمواق ††ف ه ††و الش ††عور (‪)Feeling‬‬
‫ف ††املواطن الع ††ريب ال ††ذي حيم ††ل اآلراء واملعتق ††دات واملف ††اهيم الس ††لبية جتاه الص ††هيونية غالب ††ا م ††ا ينتاب ††ه الش ††عور‬
‫الس††ليب جتاهه††ا‪ ،‬وه††ذا الش††عور جيعل††ه کاره††ا إياه††ا ومس††تعدًا االختاذ اإلج††راءات االنتقامي††ة ض††دها‪ .‬والعنص††ر‬
‫الثالث واألخري للمواقف ه†و الس†لوك أو احلرك†ة (‪ )Action‬فالش†عور الس†ليب ال†ذي ينت†اب املواطن الع†ريب‬
‫عن الصهيونية‬

‫ه††و ال†ذي يدفع††ه للقي†ام بس†لوك س†ليب جتاهه††ا كقيام††ه مبحاربته††ا والتنكي†ل هبا واس†تعداده على ش†ن احلمالت‬
‫الدعائية واإلعالمية ضدها ومقاطعة مجيع األفراد واجلماعات ال†يت تك†ون عالق†ات وطي†دة معه††ا‪ ...‬اخل‪ .‬اذن‬
‫ل††و ك††انت املعتق††دات ال††يت حيمله††ا املواطن عن موض††وع معني إجيابي††ة ف††ان ش††عوره وحركت††ه أو س††لوكه جتاه‬
‫ذل†ك املوض††وع الب†د أن يك†ون إجيابي†ة والعكس ب†العكس اذا ك†انت املعتق††دات س†لبية‪ .‬كم†ا ح†ددت دراس†ة‬
‫املواقف اليت قام هبا العاملان األساليب اليت من خالهلا ميكن تغي†ري املواق†ف وتب†ديلها خالل ف†رتة زمني†ة معين†ة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫فلو أردنا تغيري املواقف اليت حيملها الفرد فإننا جيب أن نغري مستوى معلوماته عن احلوادث واألشياء احمليط††ة‬
‫ب ††ه‪ ،‬وتغ ††ري اجلماع ††ات املرجعي ††ة املختلف ††ة ال ††يت ينتمي اليه ††ا‪ ،‬وخنف ††ف من اآلث ††ار املباش ††رة ال ††يت ترتكه ††ا طبقت ††ه‬
‫االجتماعية عليه‪ .‬ونغري طبيعة حاجاته ومصاحله بتغي†ري ظروف†ه االقتص†ادية واالجتماعي†ة‪ ،‬وأخ†ريا ينبغي علين†ا‬
‫تغي††ري الس††مات األساس††ية لشخص††يته‪ .‬وعملي††ة كه††ذه تس††تغرق وقت††ا ط††ويال وحتت††اج إىل جه††ود مض††نية تتعل††ق‬
‫بتغيري بيئة الفرد ومكوناته السيكولوجية ‪.‬‬

‫العوامل المؤثرة في تكوين اآلراء والمواقف السياسية‬

‫ال يوجد عامل واحد يؤثر يف تكوين اآلراء واملواقف السياسية بل توجد عدة عوامل ومتغ††ريات ت††ؤثر ت††أثريا‬
‫فعاال يف تك†وين وص†ياغة واس†تقرار وانتش†ار اآلراء واملعتق†دات السياس†ية‪ ،‬أن اآلراء واملواق†ف السياس†ية ال†يت‬
‫حيمله† † ††ا األف† † ††راد عن االديولوجي† † ††ات واحلرك† † ††ات السياس† † ††ية يف الع† † ††امل كالنازي† † ††ة والفاشس† † ††تية والش† † ††يوعية‬
‫والص † ††هيونية‪ ...‬اخل أو الث † ††ورات واالنقالب † ††ات العس † ††كرية واحلروب أو اإلمربيالي † ††ة واالس † ††تعمار اجلدي † ††د أو‬
‫األح ††زاب السياس ††ية يف الع ††امل أو حقيق ††ة الص ††راع بني اإلمربيالي ††ة ودول الع ††امل الث ††الث‪ ...‬اخل تت ††أثر بالعوام ††ل‬
‫الذاتي† ††ة عن† ††د األف† ††راد ال† ††ذين حيملوهنا ويعتق† ††دون هبا‪ ،‬وهبذه العوام† ††ل نع† ††ين طبيع† ††ة شخص† ††ياهتم وأفك† ††ارهم‬
‫وتصوراهتم الذهنية ومواقفهم وقيمهم وخرباهتم الس†ابقة ومي†وهلم واجتاه††اهتم االجتماعي†ة والسياس†ية‪ ،‬وتت†أثر‬
‫ك††ذلك باجلماع††ات املرجعي††ة ال††يت ينتمي إليه††ا األف††راد كالعائل††ة والقراب††ة واملدرس††ة واحلزب واجلامع واجملتم††ع‬
‫احمللي‪ ...‬اخل وباخللفيات االجتماعية اليت ينحدرون منها ‪.‬‬

‫إضافة إىل تأثرها بعوامل القيادة وبوسائل اإلعالم اجلماهريية‪ .‬وكل هذه العوام†ل تش†ارك مش†اركة فعال†ة يف‬
‫تكوين اآلراء واملواق†ف السياس†ية عن†د األف†راد واجلماع†ات خصوص†ا خالل ف†رتة األم†د البعي†د‪ .‬ويك†ون ت†أثري‬
‫فعاال ومتميزة اذا كانت مجيعها تردد نفس اآلراء واألفكار عن القض†ية السياس†ية قي†د الدراس†ة‬
‫هذه العوامل ً‬
‫والتحلي††ل‪ .‬بينم††ا تق††ل وتض††عف فاعليته††ا اذا ك††انت أفكاره††ا وطروحاهتا ح††ول املوض††وع أو القض††ية خمتلف††ة‬
‫ومتناقضة‪ ،‬والعوامل اليت تؤثر يف تكوين اآلراء واملواقف السياسية هي كاآليت ‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫العوامل الذاتية‬ ‫‪)1‬‬

‫وهي العوام† ††ل النفس† ††ية والقيمي† ††ة ال† ††يت جتع† ††ل الف† ††رد ي† ††ؤمن ويعتق† ††د ب† ††رأي معني دون ال† ††رأي اآلخ† ††ر كإميان ††ه‬
‫باالش ††رتاكية ووقوف ††ه ض ††د الرأمسالية مثال‪ .‬فهن ††اك تص ††ور الف ††رد لذات ††ه وتص ††وره لآلخ ††رين‪ .‬وتص ††ور الف ††رد‬
‫لآلخ††رين كتص††ور املواطن لإلمربي††اليني يعتم††د على عالقات††ه وتفاعالت††ه وخ††ربه وجتارب††ه معهم‪ ،‬والص††ورة ال††يت‬
‫حيمله††ا الف††رد عن اآلخ†رين ق†د تك†ون ص††حيحة وص††ادقة اذ تعكس وجتس†د ط††بيعتهم وح†التهم املوض††وعية أو‬
‫تكون مشوهة وكاذب†ة‪ .‬وه†ذا يعتم†د على طبيع†ة اتص†النا هبم وكمي†ة املعلوم†ات ال†يت نكتس†بها عنهم ونوعي†ة‬
‫جتاربن† ††ا معهم‪ .‬إال أن الص† ††ورة ال† ††يت حنمله† ††ا عن اآلخ† ††رين كمعتق† ††داتنا وأفكارن† ††ا عن األقلي† ††ات القومي† ††ة أو‬
‫األجانب قد تكون جامدة وغري موض†وعية وتطغي عليه†ا الص†فات املتعص†بة وغ†ري العقالني†ة‪ .‬وعن†د تكوينه†ا‬
‫عندنا ال نستطيع بسهولة تب†ديلها أو التخلص منه†ا أو الوق†وف ض†د آثاره†ا الس†لبية واملخرب†ة(‪ .)17‬ويف حال†ة‬
‫كه††ذه ت††رتكب ش††يئا من اخلط††أ عن††دما نقيم اآلخ††رين‪ ،‬فتقييمن††ا هلم ال يعتم††د على احلقيق††ة والواق††ع ب††ل يعتم††د‬
‫على ذاكرتن††ا وجتاربن††ا وإدراكن††ا اهلم‪ .‬وأم††ور كه††ذه ال تتم††يز بالش††رعية واملوض††وعية واالس††تقاللية‪ .‬وجبانب‬
‫التص† ††ورات ال† ††يت حيمله† ††ا األش† ††خاص أو اجلماع† ††ات إزاء األش† ††خاص واجلماع† ††ات األخ† ††رى‪ ،‬هن† ††اك كمي† ††ة‬
‫ومس††توى ودرج††ة املعلوم††ات ال††يت حيمله††ا الش††خص أو حتمله††ا اجلماع††ة إزاء قض††ية أو مس††ألة معين††ة(‪ .)18‬أن‬
‫كمية ومستوى املعلومات عند األفراد يؤثر يف تك†وين اآلراء واملواق†ف بص†ورة ال ميكن جتاهله†ا بأي†ة ص†ورة‬
‫من الصور ‪.‬‬

‫فاملعلوم ††ات املش ††عبة والعميق ††ة ال ††يت حيمله ††ا الش ††خص جتاه مس ††ألة معين ††ة تس ††اعده على تك ††وين اآلراء حوهلا‬
‫وبالت† ††ايل تقييمه† ††ا ووض† ††عها يف مكاهنا املناس† ††ب والعكس ه† ††و الص† ††حيح اذا ك† ††ان الف† ††رد يفتق† ††ر املعلوم† ††ات‬
‫واحلقائق عن املسألة املراد تقييمه†ا واختاذ الق†رار حوهلا(‪ .)19‬وهن†ا ميكن أن تلعب وس†ائل اإلعالم اجلماهريي†ة‬
‫الدور املؤثر يف تزويد الفرد باحلقائق واملعلومات املطلوبة عن املس†ألة حبيث يس†تطيع تقييمه†ا وتك†وين ال†رأي‬
‫الواض††ح حوهلا‪ .‬فعن††دما حيم††ل املواطن الع††ريب مثال معلوم††ات وجتارب كث††رية ومري††رة عن الكي††ان الص††هيوين‬
‫ويع ††رف مجي ††ع أس ††اليبه الش ††ريرة وممارس ††اته الالإنس ††انية ويعلم الش ††يء الكث ††ري عن نواي ††اه التوس ††عية وأهداف ††ه‬
‫االس††تغاللية يف األرض العربي††ة‪ ،‬فان††ه بك††ل س††هولة يس††تطيع تك††وين اآلراء حول††ه وتقييم††ه ووض††عه يف مكان††ه‬
‫احلقيقي ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫أذن كلم††ا ك††ثرت املعلوم††ات واحلق††ائق والتفص††يالت عن الش††يء أو املس††ألة كلم††ا ك††ان مبق††دور الش††خص أو‬
‫اجلماعة تقييمها وتكوين اآلراء حوهلا ‪.‬‬

‫الجماعات المرجعية‬ ‫‪)2‬‬

‫من العوام††ل املهم††ة واجلوهري††ة يف تك††وين اآلراء واملواق††ف ح††ول األح††داث والقض††ايا السياس††ية واالجتماعي††ة‬
‫طبيعة اجلماعات املرجعية اليت ينتمي اليها الفرد‪ .‬فالفرد يف اجملتمع املعقد واملتحضر ينتمي إىل عدة مجاع††ات‬
‫مرجعي ††ة يف أن واح ††د‪ ،‬فه ††و ينتمي مثال إىل ح ††زب سياس ††ي وينتمي إىل عائل ††ة وينتمي إىل دائ ††رة بريوقراطي ††ة‬
‫(‬
‫وينتمي إىل مص††نع أو ش††ركة أو ينتمي إىل ن††ادي اجتم††اعي أو رياض††ي وينتمي إىل ج††امع أو كنيس††ة‪ ...‬اخل‬
‫‪ .)20‬ولك ††ل من ه ††ذه اجلماع ††ات املرجعي ††ة أه ††دافها ووظائفه ††ا وطموحاهتا وق ††د تتن ††اقض أه ††داف ووظ ††ائف‬
‫مجاعة مرجعية مع أهداف ووظائف مجاعة مرجعية أخرى‪ .‬وهذا ما يؤثر تأثريا سلبية يف شخصيات األفراد‬
‫ال††ذين ينتم††ون اليه††ا وي††ؤثر ك††ذلك على آرائهم وأفك††ارهم وتق††ييمهم لألش††ياء واألح††داث السياس††ية‪ .‬ف††الفرد‬
‫الذي ينتمي إىل احلزب السياس†ي مثًال يطلب من†ه دراس†ة الكراس†ات احلزبي†ة عن أديولوجي†ة احلزب وأهداف†ه‬
‫وس † ††لوكه األخالقي واالنض † ††باطي بينم † ††ا تطلب املدرس † ††ة أو الكلي † ††ة من نفس ذل † ††ك الف † ††رد دراس † ††ة الكتب‬
‫واملص† ††ادر املنهجي† ††ة املق† ††ررة املتعلق† ††ة باختص† ††اص معني‪ .‬وهن† ††ا ال يس† ††تطيع الف† ††رد اختاذ الق† ††رار عن الدراس† ††ة‬
‫والتحض††ري ال††ذي يق††وم ب††ه ه††ل يرك††ز على الكتب السياس††ية أم الكتب واملص††ادر املنهجي††ة والعلمي††ة؟ أن مث††ل‬
‫هذه املؤثرات املتناقضة اليت ترتكها اجلماعات املختلفة على آراء وأفكار األفراد تسمى بالض†غوط املتعارض†ة‬
‫(‪ .)21( )Cross Pressures‬لكن الض†غوط املتعارض†ة ه†ذه ال†يت يتع†رض إليه†ا الف†رد وس†ط اجملتم†ع املعق†د‬
‫جتعله غري قادر على تكوين أفكاره بسهولة واختاذ القرارات املناسبة حول القضايا واألمور اليت ختصه وه††ذا‬
‫م ††ا جيع ††ل أفك ††اره متناقض ††ة وغ ††ري مس ††تقرة وجيع ††ل شخص ††يته مض ††طربة وغ ††ري متزن ††ة‪ .‬وتتف ††اهم آث ††ار الض ††غوط‬
‫املتعارضة يف أفكار وشخصية الفرد كلما كثرت وتعقدت اجلماع†ات االجتماعي†ة ال†يت ينتمي إليه†ا(‪ .)22‬هلذا‬
‫يت ††وجب على اجملتم ††ع اختاذ اإلج ††راءات احلازم ††ة ال ††يت من ش ††أهنا أن توح ††د وتنس ††ق بني أه ††داف وطموح ††ات‬
‫اجلماع ††ات املرجعي ††ة حبيث ال تتن ††اقض بعض ††ها م ††ع البعض اآلخ ††ر‪ ،‬وإذا أجنز اجملتم ††ع ه ††ذا اهلدف املهم ف ††إن‬
‫شخصية الفرد ستكون أكثر توازنًا وصحة وحيوية وبالتايل يكون اجملتمع قادرا على املضي قدما حنو حتقي†ق‬
‫أهدافه التكتيكية واالسرتاتيجية‪ .‬من ه†ذا الش†رح نس†تنتج ب†أن الف†رد ينتمي إىل ع†دة مجاع†ات مرجعي†ة يف أن‬

‫‪105‬‬
‫واح†د‪ ،‬ولك†ل من ه††ذه اجلماع††ات وظائفه††ا وأه††دافها ال†يت ت†ؤثر يف ص††ب آراء ومف††اهيم األف†راد يف اجتاه††ات‬
‫معينة‪.‬‬

‫أثر الطبقة االجتماعية‬ ‫‪)3‬‬

‫اميكن اعتب ††ار الطبق ††ة االجتماعي ††ة من أهم اجلماع ††ات ال ††يت ت ††ؤثر يف املواق ††ف واملي ††ول واالجتاه ††ات واألفك ††ار‬
‫السياس††ية عن††د األف††راد أك††ثر من غريه††ا من اجلماع††ات االجتماعي††ة األخ††رى ال††يت ينتم††ون اليه††ا ويالزموهنا يف‬
‫حي††اهتم اليومي††ة‪ .‬والطبق††ة االجتماعي††ة (‪ )Social Class‬هي اجملموع††ة ال††يت تتم††يز عن غريه††ا ب††اختالف يف‬
‫املس†توى االجتم††اعي ال††ذي يتح††دد بعوام††ل ش††ىت منه††ا ال††دخل وامللكي††ة‪ ،‬التخص††ص امله††ين‪ ،‬املس††توى العلمي‪،‬‬
‫(‪)33‬‬
‫وهي خبالف الطبق ††ة الطائفي ††ة (‬ ‫النس ††ب واحلس ††ب وم ††ا إىل ذل ††ك من الف ††وارق ال ††يت توج ††د يف اجملتم ††ع‬
‫‪ ) Caste‬اليت تتميز عن غريها بالدين أو اللون أو اجلنس أو املولد‪ .‬ويالحظ أنه قد توجد مرونة اجتماعي††ة‬
‫بني الطبقات املختلفة تساعد على وجوده†ا التغ†ريات الس†ريعة يف حي†اة اجملتم†ع وك†ذلك الزي†ادة املس†تمرة يف‬
‫اإلنتاج الزراعي والصناعي‪ ،‬بينما تكاد هذه املرونة تكون معدومة بني الطبقات الطائفية كم††ا يش††اهد ذل††ك‬
‫يف اهلن ††د(‪ .)24‬ومع ††ايري االنتم ††اء الطبقي تنقس ††م إىل قس ††مني رئيس ††يني‪ :‬املع ††ايري املوض ††وعية (‪Objective‬‬
‫‪ )Criteria‬وه ††ذه تنعكس يف الثقاف ††ة والرتبي ††ة والتعليم‪ ،‬املهن ††ة‪ ،‬ال ††دخل وامللكي ††ة‪ ،‬املنطق ††ة الس ††كنية ولقب‬
‫العائلة‪ .‬واملعايري الذاتية اليت تنعكس يف قيم وآراء وميول واجتاهات ومصاحل وأهداف الفرد(‪.)25‬‬

‫ومن اجلدير بال ††ذكر أن األح ††وال املوض ††وعية والذاتي ††ة للطبق ††ة املتوس ††طة ختتل ††ف عن تل ††ك ال ††يت متيز الطبق ††ة‬
‫العمالي ††ة والكادح ††ة‪ .‬فاملس ††توى االقتص ††ادي والثق ††ايف واالجتم ††اعي للطبق ††ة املتوس ††طة يك ††ون أعلى نوع ††ا من‬
‫املستوى االقتصادي والثق†ايف واالجتم†اعي للطبق†ة العمالي†ة الكادح†ة‪ .‬وظ†روف الطبق†ة املتوس†طة االجتماعي†ة‬
‫واحلض††ارية واملادي†ة ختتل†ف عن ظ††روف الطبق††ة العمالي†ة‪ .‬وه††ذا م††ا جيع††ل أف†راد الطبق††تني خيتلف††ون الواح†د عن‬
‫اآلخ ††ر يف آرائهم وقيمهم ومقاييس ††هم ومص ††احلهم وأه ††دافهم ومي ††وهلم واجتاه ††اهتم وشخص ††ياهتم(‪ .)26‬ففي‬
‫بريطاني ††ا مثال ن ††رى ب ††أن معظم أبن ††اء الطبق ††ة العمالي ††ة والكادح ††ة يؤي ††دون أم ††ا ح ††زب العم ††ال االش ††رتاكي أو‬
‫احلزب الش†يوعي حيث أن ه†ذه األح†زاب ت†دافع عن حق†وق وأم†اين الطبق†ات العمالي†ة الكادح†ة ‪.‬أم†ا الطبق†ة‬
‫املتوس ††طة والطبق ††ة األرس ††تقراطية فتؤي ††د ح ††زب احملافظني الربيط ††اين حيث أن ه ††ذا احلزب ي ††دافع عن حق ††وق‬

‫‪106‬‬
‫وأماين وامتيازات الطبقة املهنية والربجوازية وطبقة أصحاب رؤوس األموال‪ .‬لذا ن††رى ب††أن االنتم††اء الطبقي‬
‫للف††رد وخلفيت††ه االجتماعي††ة تلعب ال††دور املؤثر يف حتدي††د طبيع††ة آرائ††ه وأفك††اره وقيم††ه ومواقف††ه االجتماعي††ة‬
‫والسياس† † † † † ††ية‪ .‬وحقيق† † † † † ††ة كه† † † † † ††ذه تؤي† † † † † ††د ق† † † † † ††ول الربوفس† † † † † ††ور النمس† † † † † ††اوي جوزي† † † † † ††ف مشبيرت (‪Joseph‬‬
‫‪ )Schumpeter‬أن عملن††ا الي††ومي يق††رر م††ا تعتق††د ب††ه ومركزن††ا بالنس††بة لق††وى اإلنت††اج يق††رر آرائن††ا ح††ول‬
‫احلي††اة وم††ا فيه††ا من وق††ائع ومش††اهد(‪ .)27‬إذن الطبق††ة االجتماعي††ة ومتغرياهتا املوض††وعية والذاتي††ة تلعب ال††دور‬
‫املباشر يف بلورة ومتاسك آراء وأفكار ومعتقدات الفرد حنو األشياء واحلوادث احمليطة به يف اجملتمع ‪.‬‬

‫عامل القيادة‬ ‫‪)4‬‬

‫يلعب القائ††د اجلم††اهريي والث††وري ال††دور احلاس††م يف تك††وين ال††رأي الع††ام وقت تس††لمه للس††لطة وقيام††ه بتغي††ري‬
‫مكونات البنية االجتماعي†ة وتغي†ري أمناط العالق†ات االجتماعي†ة وتغي†ري األحك†ام والق†وانني ال†يت حتدد س†لوكية‬
‫األف†راد وتف††اعلهم الواح†د م††ع اآلخ†ر‪ ،‬والقائ†د الث†وري ه††و ذل†ك الش†خص ال†ذي يتس†م بص††فات معين†ة جتعل†ه‬
‫ق†ادرا على الت†أثري يف س†لوكية اجلم†اهري حبيث يستس†لم ك†ل عض†و من أعض†ائها إىل آرائ†ه وتعاليم†ه اإلنس†انية‬
‫والثورية وحياول االلتزام هبا والعمل مبوجبها دون تردد أو ملل‪.‬‬

‫وللقائ† ††د الث† ††وري الق† ††درة على تب† ††ديل أفك† ††ار الن† ††اس وص† ††بها يف ق† ††الب معني يتماش† ††ى م† ††ع أم† ††اين ومص† ††احل‬
‫وطموحات اجملتمع الكبري ال†ذي يق†وده ويك†افح من أج†ل تقدم†ه وهنوض†ه وس†عادته‪ .‬والقائ†د اجلم†اهريي ه†و‬
‫ذلك الشخص الذي لديه القدرات والقابليات على حتقيق وحدة اجملتمع ومجع كلمة أفراده ومجاعاته حبيث‬
‫تك † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ون ه † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ذه‬
‫قادرة على الوصول إىل أهدافه وطموحاته القريبة والبعيدة األمد(‪ .)28‬وهو الشخص الق††ادر على تس†يري دف†ة‬
‫اجملتمع بالطريق املناس†ب ال†ذي ينس†جم م†ع اديولوجي†ة ومب†ادئ وأه†داف اجملتم†ع الكب†ري‪ .‬فالقائ†د اجلم†اهريي‬
‫والث††وري ال††ذي حيم††ل الص††فات الدميقراطي††ة والش††عبية الفري††دة من نوعه††ا ال يس††تطيع تغي††ري اآلراء واملواق††ف‬
‫واالجتاه††ات عن†د األف†راد فحس†ب ب†ل يس†تطيع أيض††ا تغي†ري مس†رية األح†داث اجملتم†ع وينق††ل اجملتم†ع برمت†ه من‬
‫مرحل† ††ة حض† ††ارية نامي† ††ة إىل مرحل† ††ة حض† ††ارية متط† ††ورة ومتقدم† ††ة مل يش† ††هدها اجملتم† ††ع يف تارخيه من قب† ††ل‪،‬‬
‫والصفات الدميقراطية اإلجيابية اليت حيمله†ا القائ†د الب†د أن تزي†د من درج†ة ش†عبيته يف اجملتم†ع وجتع†ل عالقات†ه‬

‫‪107‬‬
‫مع أبناء الش†عب قوي†ة ومتماس†كة وجتعل†ه أك†ثر ق†درة وقابلي†ة على تغي†ري اجملتم†ع حنو األحس†ن واألفض†ل‪ .‬من‬
‫هن ††ا نس ††تنتج ب ††ان دور القي ††ادة الثوري ††ة يف عملي ††ة تك ††وين أو تب ††ديل اآلراء واملواق ††ف السياس ††ية ه ††و دور مهم‬
‫واساسي وال ميكن التقليل من أمهيته يف دراسة العوامل املؤثرة يف تكوين الرأي العام بأي†ة ص†ورة من الص†ور‬
‫‪.‬‬

‫أم ††ا القي††ادة اجملهول††ة أو غ ††ري املؤثرة فال تلعب أي دور يف عملي††ة تك††وين أو تب††ديل ال††رأي الع ††ام أو الت††أثري يف‬
‫اآلراء واألفك† ††ار والقيم أو تغي† ††ري طبيع† ††ة وبني† ††ة اجملتم† ††ع الكب† ††ري‪ ،‬وال† ††رئيس ال† ††ذي يتم† ††يز بض† ††عف الشخص† ††ية‬
‫وباجملهولي ††ة ه ††و الش ††خص ال ††ذي ال ي ††ؤثر يف تك ††وين وبل ††ورة وانتش ††ار ال ††رأي الع ††ام وال جيذب اجلم ††اهري حنو‬
‫مبادئه وفلسفته السياسية اليت يعتمدها يف حكمه للمجتمع‪ .‬كما ال ميكن ان حيقق أية انتصارات يف حق††ول‬
‫ومي ††ادين احلي ††اة املتش ††عبة‪ .‬وهن ††ا يبقي جام ††دا وغ ††ري ق ††ادر على التط ††ور والتق ††دم‪ .‬ورئيس كه ††ذا ال يس ††تطيع‬
‫احلفاظ على مركزه القيادي لفرتة طويلة من الزمن خصوصا اذا كان جمتمع††ه يع††اين من مش†كالت حض††ارية‬
‫واجتماعية ومادية مزمنة‪ ،‬هذه املشكالت اليت حتتاج إىل قيادة حازم††ة وحكيم†ة وق†ادرة على ت†ذليلها وكبح‬
‫مجاحه††ا‪ .‬مما تق††دم ذك††ره نس††تنتج ب††أن القي††ادة الثوري††ة تس††تطيع الت††أثري يف تك††وين اآلراء واملواق††ف السياس††ية‬
‫وبلورهتا أو تغيريها وحتويرها إىل أمناط معينة‪ .‬وتستطيع أيضا تغيري بنية اجملتمع وحتقيق املنجزات الكثرية له‪.‬‬
‫يف حني ال تس ††تطيع القي ††ادة اجملهول ††ة والالثوري ††ة الت ††أثري يف تك ††وين اآلراء واملواق ††ف وتفش ††ل يف تغي ††ري اجملتم ††ع‬
‫وحتقيق االنتصارات واملنجزات ألفراده ‪.‬‬

‫وسائل اإلعالم الجماهيرية مع إشارة خاصة للتلفزيون‬ ‫‪)5‬‬

‫يف اجملتمع العصري احلديث تتأثر اآلراء واملواق†ف السياس†ية بص†ورة مباش†رة أو غ†ري مباش†رة بوس†ائل اإلعالم‬
‫اجلماهريي††ة ك††التلفزيون والرادي††و واجملالت والكتب واألفالم ال††يت تع††رض من شاش††ات دور الس††ينما‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫ووسائل اإلعالم اجلماهريية تستطيع خالل فرتة األمد البعيد املشاركة يف تغيري املواق†ف واملي†ول واالجتاه††ات‬
‫اليت حيملها أبناء اجملتم†ع إزاء القض†ايا واألم†ور السياس†ية واالقتص†ادية واالجتماعي†ة واالديولوجي†ة ال†يت هتمهم‬
‫ش††ريطة قي††ام ه††ذه الوس††ائل بيث وع††رض من††اهج وفعالي††ات تتالءم م††ع طبيع††ة األفك††ار واملمارس††ات املطل††وب‬
‫ترس††يخها ونش††رها بني اجلم††اهري‪ ،‬وش††ريطة قي††ام أجه††زة وقطاع††ات اجملتم††ع األخ††رى بتأيي††د وتعزي††ز مث††ل ه††ذه‬

‫‪108‬‬
‫األفك ††ار واملمارس ††ات‪ ،‬من ه ††ذه احلقيق ††ة جيب على املس ††ؤولني االهتم ††ام ب ††ربامج وأنش ††طة وس ††ائل اإلعالم‬
‫والسيطرة عليها بطريقة تؤمن إحداث التغيري املنشود يف اآلراء واملواقف(‪ .)29‬كما جيب على املسؤولني عن‬
‫أجهزة ومنظم†ات اجملتم†ع تنس†يق وظ†ائف ومه†ام أجه†زهتم ومنظم†اهتم م†ع فعالي†ات وأنش†طة وس†ائل اإلعالم‬
‫اجلماهريي† ††ة لكي يك† ††ون املواطن حتت تأثريه† ††ا املباش† ††ر ولكي ت† ††ؤثر يف آرائ† ††ه ومواقف† ††ه السياس† ††ية يف االجتاه‬
‫املطلوب ‪.‬‬

‫فالتلفزيون الذي ه†و وس†يلة مهم†ة من وس†ائل اإلعالم ميكن اعتب†اره مربي†ة وموجه†ا يف ال†بيت حيث تش†ارك‬
‫نشاطاته اإلعالمية يف عملية التنشئة السياسية اليت تزرع األفكار والقيم واملقاييس السياسية املطلوب نشرها‬
‫وترسيخها يف اجملتمع‪ ،‬يف نفوس أبناء العائلة‪ .‬علما بأن شيوع وانتشار وسيطرة أفكار وقيم سياسية واحدة‬
‫من خالل أجه††زة اإلعالم اجلماهريي††ة س††تلعب ال††دور الكب††ري يف حتقي††ق الوح††دة االديولوجي††ة والسياس††ية بني‬
‫أبن††اء اجملتم††ع‪ .‬ومث††ل ه††ذه الوح††دة الب††د أن تس††اعد اجملتم††ع على بل††وغ أهداف††ه اجلوهري††ة‪ ،‬كم††ا ان التلفزي††ون‬
‫ينق††ل الص††ور واألخب††ار السياس††ية عن اجملتمع††ات األجنبي††ة إىل بي††وت العوائ††ل وبقي††ة منظم††ات اجملتم††ع بص††ورة‬
‫منقطع††ة النظ††ري ويش††ارك مش††اركة فعال††ة يف زي††ادة ال††وعي السياس††ي والفك††ري بني اجلم††اهري (‪ .)30‬ووظ††ائف‬
‫سياسية مهمة كهذه تلعب الدور الكبري يف بلورة وترسيخ املعرفة السياسية بني قطاعات اجملتمع املختلفة‪.‬‬

‫أم ††ا أمهي ††ة التلفزي ††ون يف تغي ††ري املواق ††ف السياس ††ية ال ††يت حيمله ††ا األف ††راد إزاء قض ††ايا ومواض ††يع معين ††ة فال ميكن‬
‫التقلي ††ل من مكانته ††ا وآثاره ††ا بأي ††ة ص ††ورة من الص ††ور‪ .‬ف ††التلفزيون يلعب ال ††دور الكب ††ري يف متس ††ك املواط ††نني‬
‫بأفكار ومعتقدات سياس†ية معين†ة دون األفك†ار واملعتق†دات األخ†رى‪ .‬ويف احلمالت االنتخابي†ة ال†يت تق†وم هبا‬
‫األح ††زاب السياس ††ية يف اجملتمع ††ات الص ††ناعية يلعب التلفزي ††ون ال ††دور املؤثر يف مس ††اعدة ه ††ذه األح ††زاب على‬
‫تنفيذ محالهتا اإلعالمية والسياسية‪ .‬فهو يبث أفكارها وأه††دافها ومش††اريعها املس††تقبلية بني ص††فوف الش††عب‬
‫وينقل صور قادهتا إىل الشعب من خالل عقد الندوات معهم يف حمطات†ه(‪ .)31‬وي†ؤثر يف األفك†ار واملعتق†دات‬
‫السياس ††ية ال ††يت حيمله ††ا أبن ††اء الش ††عب من خالل براجمه التثقيفي ††ة‪ .‬إال أن آث ††ار التلفزي ††ون يف اآلراء واملواق ††ف‬
‫السياس††ية ال††يت حيمله††ا أبن††اء الش††عب ال ميكن ملس††ها والش††عور هبا إال خالل ف††رتة األم††د البعي††د(‪ .)32‬وب††رامج‬
‫التلفزي† ††ون السياس† ††ية ال ميكن أن تك† ††ون حمرك† ††ة وم† ††ؤثرة يف عق† ††ول وآراء اجلم† ††اهري اذا مل تنس† ††جم مواده† ††ا‬
‫وبراجمه††ا م††ع تطلع††ات وطموح††ات اجلم††اهري واذا مل ختدم حاج††ات وأه††داف األف††راد واجلماع††ات على ح††د‬

‫‪109‬‬
‫س††واء‪ .‬تق††ول الربفس††ورة مهل††وایت (‪ )Professor Himmelwcit‬أن باس††تطاعة التلفزي††ون الت††أثري يف‬
‫أفكار ومواقف الفرد املشاهد اذا توفرت العوامل التالية‪:‬‬

‫يستطيع التلفزيون تبديل س†لوك وقيم األف†راد اذا ك†انت مجي†ع براجمه متكامل†ة ومك†ررة لن†وع واح†د‬ ‫‪.1‬‬
‫من اآلراء والقيم واملقاييس‪.‬‬
‫عرض اآلراء والقيم واملقاييس املطلوب نشرها وترسيخها يف عقول األف†راد بص†ورة تث†ري انفع†االهتم‬ ‫‪.2‬‬
‫النفسية جتاه هذه اآلراء واملقاييس‪.‬‬
‫جيب أن ترتبط اآلراء والقيم واملقاييس اجلديدة مبصاحل وطموحات األفراد اآلنية واملستقبلية ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫جيب أن تكون برامج التلفزيون غري معرضة لالنتق†اد اهلدام من قب†ل أي†ة جه†ة وتنس†جم م†ع رغب†ات‬ ‫‪.4‬‬
‫ومصاحل األفراد(‪.)33‬‬

‫العوامل المؤثرة في تغيير السلوك السياسي‬

‫ال ميكن للس††لوك السياس††ي ال††ذي ينتهج††ه األف††راد واجلماع††ات واملنظم††ات والق††وى السياس††ية يف اجملتم††ع أن‬
‫يتغ††ري من منط آلخ††ر دون تغي††ري عناص††ره ومكونات††ه األساس††ية أي تغي††ري األفك††ار واآلراء واملف††اهيم والش††عور‬
‫واملواقف السياسية عند األفراد واجلماعات(‪ .)34‬فإذا تغ†ريت اآلراء واملواق†ف السياس†ية لس†بب أو آلخ†ر ف†ان‬
‫السلوك السياسي البد أن يتغري طاملا أن†ه تعب†ري عن اآلراء واملف†اهيم واملواق†ف ال†يت حيمله†ا األف†راد وتعتق†د هبا‬
‫اجلماعات واملنظمات فأبناء اجملتمع مثًال ال يستطيعون تأييد ومناصرة احلركة االشرتاكية وااللتزام بأس††اليب‬
‫التط † ††بيق االش † ††رتاكي واملب † ††ادرة حنو العم † ††ل يف س † ††بيل خدم † ††ة اجملم † ††وع والتخلص من املمارس † ††ات واألدران‬
‫الربجوازي ††ة واألناني ††ة الض ††يقة دون االعتق ††اد والتمس ††ك باملب ††ادئ واألفك ††ار والقيم االش ††رتاكية كاملش ††اركة‬
‫اجلماهريي†ة والش†عور باملس†ؤولية اجلماعي†ة والتف††اين يف خدم††ة اجملتم†ع‪ ،‬ختفي†ف الف††وارق الطبقي†ة‪ ،‬القض††اء على‬
‫االس ††تغالل الطبقي والقه ††ر االجتم ††اعي‪ ،‬إع ††ادة توزي ††ع ال ††ثروة على أبن ††اء الش ††عب وانته ††اج نظ ††ام التخص ††ص‬
‫ال††وظيفي يف العم††ل ‪...‬اخل(‪ .)35‬إّال أن تغي††ري اآلراء واملف††اهيم واملواق††ف السياس††ية ال††ذي ي††دعم م††ا يع††زز تغي††ري‬
‫السلوك السياسي ويضمن حتقيقه وإبراز معامله اجلوهرية يف اجملتم†ع ال يت†أثر بعام†ل واح†د ب†ل يت†أثر مبجموع†ة‬
‫عوام ††ل جوهري ††ة كتب ††ديل ال ††وعي السياس ††ي واملعرف ††ة السياس ††ية للف ††رد وتب ††ديل بن ††اء ووظ ††ائف واديولوجي ††ة‬

‫‪110‬‬
‫اجلماع† † ††ات املرجعي† † ††ة ال† † ††يت ينتمي اليه† † ††ا وتب† † ††ديل وعي† † ††ه االجتم† † ††اعي والطبقي وتغي† † ††ري ظروف† † ††ه االقتص† † ††ادية‬
‫واالجتماعية والثقافية وأخريًا تبديل السمات األساسية لشخصيته وحاجاته النفسية واالدراكية‪.‬‬

‫ل††و أردن††ا مثال تغي††ري اآلراء واملواق††ف ال††يت حيمله††ا املواطن الع††ريب إزاء االش††رتاكية وحتويله††ا من آراء ومواق††ف‬
‫سلبية إىل آراء ومواقف إجيابية فإننا جيب القيام باإلجراءات التالية ‪:‬‬

‫تغيري مستوى وطبيع†ة املعلوم†ات واحلق†ائق والبيان†ات ال†يت حيمله†ا املواطن إزاء االش†رتاكية كتزوي†ده‬ ‫‪-1‬‬
‫مبعلوم ††ات مفص ††لة عن عالق ††ة االش ††رتاكية باإلنس ††انية وأثره ††ا يف ح ††ل مش ††كالت الفق ††ر والتخل ††ف‬
‫واالس††تغالل ال††يت يع††اين منه††ا اإلنس††ان يف اجملتمع††ات اإلقطاعي††ة والرأمسالية‪ .‬إض††افة إىل توض††يح آث††ار‬
‫االشرتاكية يف تقدم اجملتمع البشري يف النواحي املادية واملثالية واالجتماعية‪ ،‬والدور الذي تلعب†ه يف‬
‫القض† ††اء على الظلم االجتم† ††اعي واالس† ††تغالل املادي والبش† ††ري والص† ††راع الطبقي وبالت† ††ايل حتقي† ††ق‬
‫جمتمع الكفاية والعدل‪ ،‬ومثل هذه املعلومات عن االشرتاكية ستدفع املواطن إىل تأييدها والتمس††ك‬
‫مببادئه ††ا وفلس ††فتها مث ترمجة ه ††ذه املب ††ادئ والفلس ††فة إىل واق ††ع عم ††ل يس ††اعد على تس ††ريع عملي ††ات‬
‫التحول االشرتاكي يف اجملتمع‪.‬‬
‫إدخال املبادئ واألفكار واملمارسات االشرتاكية واإلنسانية يف اجلماعات املرجعية اليت ينتمي اليها‬ ‫‪-2‬‬
‫املواطن العائل ††ة واملدرس ††ة واجلامع أو الكنيس ††ة واحلزب السياس ††ي واجملتم ††ع احمللي‪ ...‬اخل‪ .‬وعن ††دما‬
‫ينتمي وحيت††ك املواطن مبث††ل ه ††ذه اجلماع ††ات ال††يت تعتق ††د باألفك††ار والقيم االش††رتاكية فان††ه س يت††أثر‬
‫فيه††ا بطريق††ة أو أخ††رى ويكتس††ب منه††ا تعاليمه††ا وأخالقه††ا وفلس††فتها حبيث تص††بح ه††ذه ج††زء من‬
‫شخصيته وسلوكيته اليومية ‪.‬‬
‫ختفي † ††ف الف † ††وارق الطبقي † ††ة االجتماعي † ††ة بني أبن † ††اء اجملتم † ††ع والقض † ††اء على أس † ††باب التم † ††ايز الطبقي‬ ‫‪-3‬‬
‫املوض†وعية منه†ا والذاتي†ة كالقض†اء على الف†وارق االقتص†ادية واالجتماعي†ة والثقافي†ة والس†يكولوجية‬
‫بني األف††راد‪ .‬وهن††ا الب††د أن تتحق††ق املس††اواة والعدال††ة االجتماعي††ة وتظه††ر القيم االش††رتاكية يف مجي††ع‬
‫أجه ††زة ومنظم ††ات اجملتم ††ع‪ ،‬وحال ††ة كه ††ذه جتع ††ل الف ††رد مس ††تعدا على قب ††ول االش ††رتاكية واملش ††اركة‬
‫الفعالة يف تثبيت أركاهنا ونشر مبادئها وممارساهتا يف كل مكان ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫التنس ††يق بني وس ††ائل اإلعالم اجلماهريي ††ة واملنظم ††ات املهني ††ة والش ††عبية ح ††ول إب ††راز فوائ ††د ومزاي ††ا‬ ‫‪-4‬‬
‫االشرتاكية للمجتمع والدور املهم الذي تلعبه يف عملية التنمية القومية وعالقتها بتحقي††ق األه††داف‬
‫االسرتاتيجية لألمة العربية كالوحدة واحلرية والعدالة االجتماعية ‪.‬‬
‫العم ††ل على تغي ††ري الس ††مات اجلوهري ††ة لشخص ††ية الف ††رد وتغي ††ري حاجات ††ه النفس ††ية واالدراكي ††ة‪ .‬ان‬ ‫‪-5‬‬
‫شخص ††ية الف ††رد ميكن أن تتح ††ول من شخص ††ية س ††لطوية (‪)Authoritarian Personality‬‬
‫ومتحج † † ††رة تتس † † ††م بالتعص† † ††ب والتح † † ††يز واجلم † † ††ود إىل شخص† † ††ية دميقراطي † † ††ة (‪Democratic‬‬
‫‪ )Personality‬تتسم بالبساطة والوضوح وعدم التعقد‪.‬‬

‫وتغي ††ري الشخص ††ية ميكن أن يتم بإع ††ادة تنش ††ئة الف ††رد ومس ††اعدته على التخلص من مس ††ببات تعص ††به وحتيزه‬
‫ودوافعه العدائية الغريزية‪ .‬ويف ظروف كهذه يستطيع الفرد قبول األفكار االشرتاكية واعتمادها يف س††لوكه‬
‫الي††ومي ويف نفس ال††وقت نب††ذ األفك††ار واملمارس††ات الربجوازي††ة والرجعي††ة والش††وفينية ال††يت ق††د ي††نزلق إليه††ا‪.‬‬
‫وحاج† ††ات الف† ††رد الشخص† ††ية واألناني† ††ة ميكن أن تب† ††دل إىل حاج† ††ات مجاعي† ††ة وإنس† ††انية من خالل عملي† ††ات‬
‫التثقيف والوعي القومي والتنشئة السياسية‪ .‬وهنا يكون الفرد مستعدًا على قبول واعتماد األفك††ار واملب††ادئ‬
‫االشرتاكية يف حياته االجتماعية‪.‬‬

‫غري أن استعداد وقدرة الفرد على تغيري آرائه ومواقفه السياسية تعتمد على عدة متغريات ميكن حصر أمهها‬
‫بالنقاط التالية‪:‬‬

‫تط††رف وتعص††ب اآلراء واملواق††ف السياس††ية‪ .‬كلم††ا ك††ان الف††رد متعص††با ألفك††اره ومواقف††ه السياس††ية‬ ‫‪-1‬‬
‫كلما كان صعبا عليه تغيريها واالعتقاد بافكار ومواقف جديدة‪ ،‬وكلما كان الف†رد ال ي†ؤمن إميان†ا‬
‫شديدا بأفكاره ومواقفه كلما كان سهًال عليه تبديلها‪.‬‬
‫تعق††د وتش††عب اآلراء واملواق††ف السياس††ية‪ .‬إذا ك††انت اآلراء واملواق††ف السياس††ية ال††يت حيمله††ا الف††رد‬ ‫‪-2‬‬
‫معقدة ومتشعبة فإنه يصعب عليه تبديلها وقبول أفكار وقيم جديدة‪ .‬والعكس بالعكس اذا كانت‬
‫آراؤه ومواقفه بسيطة وواضحة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫اتس † ††اق اآلراء واملواق † ††ف‪ .‬اذا ك † ††انت اآلراء واملواق † ††ف السياس † ††ية ال † ††يت حيمله † ††ا الف † ††رد متس † ††قة أي‬ ‫‪-3‬‬
‫منس††جمة ومتكامل††ة بعض††ها م††ع بعض ف††ان من الص††عوبة علي††ه تب††دیلها والعكس ب††العكس اذا ك††انت‬
‫أفكاره ومواقفه متناقضة ومبعثرة‪.‬‬
‫أثر اآلراء واملواقف السياسية يف سد وإشباع حاج†ات الف†رد‪ .‬اذا ك†انت اآلراء واملواق†ف السياس†ية‬ ‫‪-4‬‬
‫ال†يت حيمله†ا الف†رد تش†بع حاجات†ه اخلاص†ة وتفي مبص†احله وطموحات†ه وختدم أغراض†ه املادي†ة واملعنوي†ة‬
‫فأن††ه ال يس††تطيع بس††هولة تب††ديلها والعكس ب††العكس اذا ك††انت آراؤه ومواقف††ه ال ختدم أغراض††ه وال‬
‫تشبع حاجاته األساسية وطموحاته الشخصية‪.‬‬
‫اش†تقاق اآلراء واملواق†ف السياس†ية من القيم واملق††اييس االجتماعي†ة ال†يت ي†ؤمن هبا الف††رد‪ .‬اذا ك†انت‬ ‫‪-5‬‬
‫اآلراء واملواق††ف السياس††ية ال††يت حيمله††ا الف††رد مش††تقة من قيم††ه ومقاييس††ه االجتماعي††ة ال††يت ي††ؤمن هبا‬
‫فان††ه ال يك††ون مس††تعدًا على تغيريه ††ا والعكس ب††العكس اذا ك††انت أفك††اره ومواقف ††ه السياس††ية غ ††ري‬
‫معتمدة على قيمه ومقاييسه االجتماعية‪.‬‬

‫الهوامش والمصادر‬

‫‪1.‬‬ ‫‪Weber, Max. The Theory of Social and Economic‬‬


‫‪Organization, New York, 1969, P. 88.‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Ibid., P. 96.‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع‪ :‬دراسة نظامية‪ ،‬بغداد‪ ،۱۹۷۹ ،‬ص‪. ۹۸‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Barker, E. Principles of Social and Political Theory, Oxford‬‬
‫‪University Press, London, 1951, PP. 2-3.‬‬
‫د‪ .‬احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬طبيعة الس†لوك السياس†ي يف اجملتم†ع الث†وري‪ ،‬حبث منش†ور يف‬ ‫‪.5‬‬
‫جريد اإلعالم‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬العدد ‪ ۱۰‬السنة الثالثة ‪.1/12/79‬‬
‫‪6.‬‬ ‫‪Weber, Max. The Theory of Social and Economic‬‬
‫‪Organization, P.115.‬‬

‫‪113‬‬
7. Krech, D. and Crutchfield, R. Individual in Society, New
York, 1962, See the Ch. On Attitude Formation.
8. Newcomb, T. Social Psychology, New York, Dryden, 1950,
P. 118.
9. Broom, L. and Selznick, P. Sociology, New York, 1968,
P.236.
10. Ibid., P. 237.
11. Blumer, H. Public Opinion and Public Opinion Polling,
American Sociological Review, B. Oct.1948, PP. 542-549.
12. Al-Hassan, Ihsan. Collective Behaviour, Baghdad, 1974, P.33.
13. Ibid., P. 34.
14. Mitchell, D. A Dictionary of Sociology , Routledge and
Kegan Paul, London, 1973, P. 10.
15. Allport, F. Social Psychology, New York, 1924, PP. 52-54.
16. Krech, D. and Crutchfield, R. Individual in Society, See
Ch.5.
17. Vernon, M.D. The Psychology of Perception, 2 Edition,
Penguin Books, Middle Sex, England, 1975, PP. 182-183.
18. Ibid. , P. 185.
‫ حبث منش††ور‬،‫ آثار التلفزيون االجتماعية والنفسية على األطفال‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .19
.۱۳۱ ‫ ص‬،۱۹۷۳ ،‫ تشرين أول‬،‫ العدد اخلامس‬،‫يف جملة الفنون اإلذاعية‬
20. Landis, J.R. Sociology: Concepts and Characteristics, (3rd
Ed.), Belmont, California, 1971, P. 107.

114
21. Sherif, M. An Outline of Social Psychology, New York, 1948,
PP.110-112.
22. Ibid., P. 134.
23. Ginsberg, M. Sociology, Oxford University Press, London,
1950, P.159.
24. Ibid. , P. 166.
25. Bottomore, T.B. Classes in Modern Society, London, 1960,
PP. 10-12.
26. Johnson, H. Sociology: An Introductory Analysis, Routledge
and Kegan Paul, London, 1961, P. 474.
27. Schumpeter, J.A. Capitalism, Socialism and Democracy, New
York, 1942, See Ch.
28. Biesanz, M. Introduction to Sociology (2nd Ed.), New Jersey,
1973, PP. 459-461.
29. Himmelweit, H., T.V. and the Child, 1959, PP. 161-163.
30. Klapper, J.T. The Effects of Mass Communication, New
York, 1961,P. 150.
31. Halloran, J.D. The Effects of Mass Communication, with
Special Reference to Television, Manchester, 1963, P. 19.
32. Ibid., P. 47
33. Himmelweit, H., T.V. and the Child, 1959, PP. 169.
34. Krech, D. and Crutchfield, R. Individual in Society, See the
Ch. On Attitude Change.

115
‫‪35. Crosland A. The Future of Socialism, London, 1956, See the‬‬
‫‪Conclusion.‬‬

‫الفصل السابع‬

‫السلطة السياسية والنظم السياسية‬

‫ال ميكن دراسة ظ†اهرة الس†لطة وش†رعيتها دون دراس†ة الدول†ة دراس†ة علمي†ة طاملا أن الس†لطة هي الق†وة ال†يت‬
‫متارس ††ها الدول ††ة بع ††د أن ت ††ربر ش رعيته ††ا وش ††رعية اس ††تعماهلا وطاملا أن س ††يادة الدول ††ة هي س ††يادة مطلق ††ة ال‬
‫حتدها حدود وسيادة عامة وشاملة تفرض على مجيع األفراد واملنظمات واهليئات املوجودة يف اجملتمع (‪ .)1‬ال‬
‫ميكنن ††ا دراس ††ة س ††لطة الدول ††ة وقانونيته ††ا وأمهيته ††ا دون ربطه ††ا ب ††اجملتمع ال ††ذي حتكم ††ه‪ ،‬ف ††اجملتمع ه ††و احملرك‬
‫األساس لظهور الدولة واستقرارها ومنوها ودميومتها‪ .‬إن الدول†ة تظه†ر إىل ح†يز الوج†ود عن†دما يك†ون هن†اك‬
‫جمتمع حباجة إىل جهود وخدمات ت†رعى متطلبات†ه وحتمي أف†راده من التح†ديات الداخلي†ة واخلارجي†ة ال†يت ق†د‬
‫يتعرض†ون اليه†ا وحتق†ق أهداف†ه وطموحات†ه القريب†ة والبعي†دة األم†د(‪ .)2‬ل†ذا عن†د دراس†تنا لظ†اهرة الس†لطة جيب‬

‫‪116‬‬
‫الرتك ††يز على أمهي ††ة الدول ††ة للمجتم ††ع وأمهي ††ة اجملتم ††ع للدول ††ة أي اخلدمات والواجب ††ات ال ††يت تق ††دمها الدول ††ة‬
‫للمجتم ††ع واخلدمات والواجب ††ات ال ††يت يق ††دمها اجملتم ††ع للدول ††ة‪ ،‬وبع ††د االنته ††اء من دراس ††ة ظ ††اهرة الس ††لطة‬
‫وربطه ††ا بالدول††ة واجملتم††ع س††نركز على حتلي††ل املربرات اجلوهري††ة ال††يت تس††تند عليه ††ا ش††رعية الس††لطة مث خنتم‬
‫الفص ††ل بدراس ††ة أن ††واع الس ††لطات السياس ††ية وهي الس ††لطة التقليدي ††ة والس ††لطة العقالني ††ة الش ††رعية والس ††لطة‬
‫الكرزماتيكية‪.‬‬

‫ظاهرة السلطة‬

‫السلطة هي شكل من أشكال القوة اليت توجه وتقود جه†ود وفعالي†ات األف†راد حنو حتقي†ق األه†داف اخلاص†ة‬
‫والعامة للمجتمع‪ .‬والشروط املساعدة على توجيه اجلهود وحث األفراد على العمل هي ‪:‬‬

‫التب†ادل ال†ذي يتم عن†دما يق†وم عض†و اجلماع†ة بتق†دمي جمموع†ة وظ†ائف وخ†دمات يس†تفيد منه†ا بقي†ة‬ ‫‪.1‬‬
‫األعضاء ‪.‬‬
‫املص ††احل املش ††رتكة‪ :‬ال ††يت تتحق ††ق عن ††دما يق ††وم الف ††رد بإجناز العم ††ل املطل ††وب من ††ه املص ††لحة ش ††خص‬ ‫‪.2‬‬
‫ثالث ‪.‬‬
‫التماس†ك الن†اجم عن وج†ود عواط†ف ومعتق†دات ومص†احل مش†رتكة‪ :‬يظه†ر التماس†ك عن†دما يش†عر‬ ‫‪.3‬‬
‫كل فرد ان عمله مفيد لآلخرين ومكمل لألعمال اليت ينجزها اآلخرون ‪.‬‬
‫القوة اليت تكمن يف التأثري‪ ،‬السلطة والس†يطرة اجلربي†ة‪ .‬تظه†ر الق†وة عن†دما يت†أثر س†لوك اآلخ†رين أو‬ ‫‪.4‬‬
‫تتأثر أعماهلم بأوامر شخص حيتل منصبة عالية يف املؤسسة أو اجلماعة(‪.)3‬‬

‫لذا فالسلطة هي نوع من أنواع القوة املنظم†ة جله†ود وفعالي†ات اآلخ†رين نظ†رًا لألوام†ر ال†يت يص†درها حك†ام‬
‫وقادة اجملتمع واليت تتسم بص†فة اإلل†زام والش†رعية بع†د إطاعته†ا وتنفي†ذها تلقائي†ًا من قب†ل احملك†ومني من أبن†اء‬
‫اجملتم † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††ع‪.‬‬
‫والسلطة الشرعية هي السلطة اليت تتأثر فعاليتها باألجهزة اليت تعتمدها كاملصلحة العام††ة والفائ††دة املش††رتكة‬
‫ال ††يت جينيه ††ا ك ††ل من احلك ††ام واحملك ††ومني من الس ††لطة‪ .‬والس ††لطة غالب †ًا م ††ا تق ††دم املكاف ††آت املادي ††ة واملعنوي ††ة‬
‫لألشخاص ال†ذين يق†دمون اخلدمات هلا وت†دافع عنهم وقت تعرض†هم للخط†ر‪ .‬وهن†اك مجل†ة مص†احل مش†رتكة‬

‫‪117‬‬
‫بني أعض††اء الس††لطة وقادهتا من جه††ة واألش††خاص اخلاض††عني هلا من جه††ة أخ††رى(‪ .)4‬وه††ذه املص††احل تتجس††د‬
‫يف حتقي††ق األه††داف العلي††ا للمجتم††ع ال††يت هتم مص††لحة الط††رفني كتحقي††ق االنتص††ار العس††كري على األع††داء‬
‫والط†امعني أو إجناز اخلط†ط واملش†اريع االقتص†ادية والثقافي†ة والص†حية واالجتماعي†ة ال†يت يس†تفيد منه†ا اجملتم†ع‬
‫الكب††ري‪ .‬كم††ا ان التماس††ك ال††ذي يرب††ط الس††لطة باجلماع††ة التابع††ة هلا غالب††ا م††ا حيق††ق هلا أغراض†ًا نافع††ة ومفي††دة‬
‫ك††الفوز يف لعب††ة أو س††باق رياض††ي معني أو رف††ع املس††توى العلمي يف املدرس††ة أو اجلامع††ة‪ .‬لكن اجله††از ال††ذي‬
‫يس††اعد الس††لطة على القي††ام بأعماهلا وواجباهتا ق††د يق††وي أو يض††عف تبع†ًا لدرج††ة ان††دفاع األف††راد على تنفي††ذ‬
‫األوامر الصادرة هلم من السلطة وهذا ما يؤثر يف كمية وعدد املنجزات اليت تستطيع السلطة حتقيقه††ا ألبن††اء‬
‫الش††عب‪ .‬إّال أن األجه††زة ال††يت تس††تعني هبا الس††لطة يف تنفي††ذ خططه††ا ق††د ال تعم††ل بص††ورة متوافق††ة ومتناس††قة‬
‫ألسباب خمتلفة منها عدم وج†ود املص†احل املش†رتكة بني الس†لطة واألش†خاص الت†ابعني هلا أو ض†عف العالق†ات‬
‫املتبادل††ة بينهم††ا إذ يك††ره أح††دمها اآلخ††ر ألس††باب معين††ة‪ .‬أو ق††د تك††ون العالق††ات القائم††ة بينهم††ا غ††ري مقنع††ة‬
‫خصوص† †ًا بالنس ††بة للط ††رف ال ††ذي خيض ††ع للس ††لطة‪ ،‬فق ††د يعتق ††د مثال ب ††أن اجله ††ود ال ††يت يب ††ذهلا ال تنطب ††ق م ††ع‬
‫املكاف ††آت واالمتي ††ازات ال ††يت حص ††لها من الس ††لطة (من إدارة املص ††نع أو ال ††دائرة ال ††يت يعم ††ل فيه ††ا)‪ .‬غ ††ري أن‬
‫ممارس ††ة الس ††يطرة اجلربي ††ة من قب ††ل الس ††لطة الش ††رعية ق ††د تك ††ون دميقراطي ††ة أو غ ††ري دميقراطي ††ة‪ .‬املمارس ††ة غ ††ري‬
‫الدميقراطية للسيطرة اجلربية قد ختلق مشاكل ومتاعب للسلطة أو لألش††خاص ال††ذين ميارس††وهنا أو ق††د ت††ؤدي‬
‫إىل تدمري السلطة أو القضاء عليها من خالل عدم إطاعتها من قبل اتباعها‪ ،‬ل††ذا تعتم††د ش††رعية الس††لطة على‬
‫أرجحي††ة األس††لوب أو الطريق††ة ال††يت متارس هبا الس††لطة خصوص††ا اجلدارة والكف††اءة والشخص††ية اجلذاب††ة ال††يت‬
‫يتمتع هبا قائد السلطة‪.‬‬

‫والدول††ة كم††ا بين††ا هي من أعلى الس††لطات يف اجملتم††ع لكوهنا الق††وة والس††يادة املطلق††ة ال††يت من خالهلا حيكم‬
‫اجملتمع وتدار وتنظم شؤونه(‪ .)5‬لكن السلطة هي مفهوم قانوين يش†ري إىل الق†وة العلي†ا ال†يت تتمت†ع هبا الدول†ة‪.‬‬
‫ولك††ل دول††ة جه ††از ن††و س††لطة ختول††ه على ترمجة إرادة الدول††ة إىل ص ††يغ قانوني††ة ناف††ذة املفع ††ول وه ††ذا اجله ††از‬
‫الس ††لطوي ق ††د يتمث ††ل بشخص ††ية ف ††رد أو جمموع ††ة أف ††راد‪ .‬وإرادة الدول ††ة بس ††بب الس ††لطة العلي ††ا ال ††يت تتمت ††ع هبا‬
‫تف ††رض على مجي ††ع األف ††راد وكاف ††ة املنظم ††ات واهليئ ††ات الداخل ††ة يف نطاقه ††ا‪ ،‬ويف حال ††ة وق ††وع الص ††راع بني‬
‫األفراد أو املنظمات تكون هذه السلطة صاحبة السيادة يف التدخل إلهناء الصراع حفظ††ا للس††الم واألمن يف‬

‫‪118‬‬
‫اجملتم††ع(‪ .)6‬لكن الدول††ة متارس س††يادهتا أو س††لطتها العام††ة أم††ا من خالل الق††وة أو اإلمجاع أو باس††تخدامهما‬
‫مع ††ا‪ ،‬وطبيع ††ة ممارس ††ة ه ††ذه الس ††لطة من قب ††ل الدول ††ة ترج ††ع أساس† †ًا إىل بن ††اء ووظ ††ائف واديولوجي ††ة الدول ††ة‬
‫وأس ††لوب احلكم ال ††ذي تتبع ††ه‪ ،‬كم ††ا ترج ††ع إىل درج ††ة النض ††ج السياس ††ي وال ††وعي الق ††ومي ال ††ذي يتمت ††ع ب ††ه‬
‫الش ††عب‪ .‬ففي احلكم املطل ††ق أو االس ††تبدادي متي ††ل الطبق ††ة احلاكم ††ة إىل اس ††تخدام الق ††وة يف تأكي ††د دوره ††ا‬
‫السلطوي والدكتاتوري‪ ،‬وهذه الق†وة ب†الطبع ال تس†تمد من إرادة ومش†يئة الش†عب ال†ذي حتكم†ه ب†ل تس†تمد‬
‫من الق††وة السياس†ية والعس†كرية واألمني†ة ال†يت تتمت†ع هبا الفئ†ة احلاكم†ة‪ .‬ويف احلكم ال†دميقراطي ال†ذي يتم في†ه‬
‫اختي ††ار الفئ ††ة احلاكم ††ة حبري ††ة م ن قب ††ل أبن ††اء الش ††عب يض ††عف دور الق ††وة والس ††لطة إىل ح ††د كب ††ري‪ .‬فالق ††انون‬
‫وليس الفئة احلاكمة املستبدة يف هذا النوع من احلكم هو الذي يعرب عن اإلرادة العامة للمجتمع‪ .‬هلذا ميتث†ل‬
‫الن††اس ألوام††ره وش††روطه ونصوص††ه طواعي††ة وق††د ع††رب الربفس††ور ب††ريجس (‪ )Professor Burgess‬عن‬
‫مس††ألة س††يادة الدول††ة املطلق††ة على الف††رد بقول††ه‪" :‬أن††ين افهم الس††لطة على اهنا الق††وة املطلق††ة غ††ري احملدودة ال††يت‬
‫متارسها الدولة على األفراد واملنظمات"‪ .‬ومثل هذا الفهم هو الذي جعل البعض يعتق†دون ب†أن حري†ة الف†رد‬
‫ملغية متاما أمام سيادة الدولة وسلطتها املطلق†ة لكن الدول†ة تص†بح حقيق†ة واقع†ة وأم†رًا مس†لمة ب†ه حينم†ا يتم‬
‫االع††رتاف هلا ب††القوة والنف††وذ على األف††راد وحينم††ا يتص††رف ه††ؤالء بطريق††ة تع††رب عن ط††اعتهم وامتث††اهلم هلذا‬
‫النفوذ‪.‬‬

‫ويف هذا السياق الذي حيدد طبيعة سلطة وسيادة الدولة يقوم ج†ان ب†ودان بتعري†ف الدول†ة على اهنا حكوم†ة‬
‫شرعية تتكون من عدة أسر ومن ممتلكاهتا املش†رتكة وهلا س†لطة قس†رية وس†يادة علي†ا‪ .‬وأهم م†ا ينط†وي علي†ه‬
‫ه††ذا التعري†ف ه††و تأكي†ده‪ ،‬ملب†دأ الس†يادة (‪ ،)Sovereignty‬فوج†ود الس†لطة ذات الس†يادة ه††و ال†دليل أو‬
‫املعيار الذي مييز الدولة عن بقية املنظمات األخرى ال†يت تكوهنا األس†ر(‪ .)7‬ومن جه†ة أخ†رى ي†رى ب†ودان أن‬
‫طاع ††ة الف ††رد لص ††احب الس ††لطة هي ال ††يت جتع ††ل من ††ه مواطن ††ة‪ ،‬ومع ††ىن ذل ††ك أن الس ††يادة هي س ††لطة علي ††ا على‬
‫املواطنني والرعايا ال حيد منها القانون‪ ،‬والدولة تتمرك†ز يف الس†لطة ذات الس†يادة‪ ،‬أم††ا احلكوم††ة فهي اجله††از‬
‫الذي يتم من خالله ممارسة السلطة(‪.)8‬‬

‫إذن سلطة الدولة كم†ا تناولته†ا وجه†ة النظ†ر القانوني†ة هي س†لطة مطلق†ة ال حتدها ح†دود وال توج†د ق†وة يف‬
‫اجملتمع تعلو عليها أو تتنافس معها أو تعرتض عليها‪ ،‬ومع هذا ف†ان وجه††ة النظ†ر القانوني†ة ه††ذه مل تس†توعب‬

‫‪119‬‬
‫بعض الوقائع السياسية‪ .‬فقد الحظ هارولد الس†کی ب†ان الق†وة القانوني†ة الالحمدودة تتح†ول يف املمارس†ة إىل‬
‫ق†وة تس†تند إىل م†ربرات معين†ة يعرفه†ا أبن†اء الش†عب(‪ .)9‬أم†ا الس†ري ه†نري مني (‪ )Sir H. Maine‬فيق†ول‬
‫ب††أن الع††ادات والتقالي††د االجتماعي††ة غالب †ًا م††ا تف††رض على الس††لطة وتفي††د ج††زءًا من س††يادهتا‪ .‬ومع††ىن ه††ذا ان‬
‫هناك قيودا علی سلطة الدولة املعاصرة أمهها مب†دأ س†لطة الق†انون وس†يادته ال†ذي حتولت الدول†ة مبقتض†اه من‬
‫دولة استبدادية إىل دولة قانونية‪.‬‬

‫الدولة والمجتمع‬

‫الدول ††ة هي من أهم املنظم ††ات السياس ††ية املوج ††ودة يف اجملتم ††ع‪ ،‬وال ميكن مقارن ††ة أمهيته ††ا وس ††يادهتا بأمهي ††ة‬
‫وسيادة أية منظمة أخرى نظرا لسلطتها العليا اليت تفرض†ها على األف†راد واملنظم†ات والوظ†ائف اخلط†رية ال†يت‬
‫تقدمها ألبناء اجملتمع ولقدرهتا القيادي†ة والتنظيمي†ة واإلداري†ة والقانوني†ة ال†يت تض†من حتقي†ق األه†داف الك†ربى‬
‫للمجتم††ع واألم††ة‪ ،‬والدول††ة هي نظ††ام كلي يش††رف على أم††ور اجملتم††ع برمته††ا‪ ،‬وهلذا النظ††ام أحك††ام وق††وانني‬
‫ش††رعية يطيعه††ا األف††راد وخيض††ع ألوامره††ا وذل††ك ألهنا ص††ممت من أج††ل ض††مان س††عادهتم وراحتهم وحتقي††ق‬
‫أه††دافهم وح††ل النزاع††ات ال††يت ق††د تنش††ب بينهم‪ ،‬والدول††ة ال تعت††رب مص††در الق††وانني فحس††ب ب††ل هي الق††وانني‬
‫ذاهتا(‪ ،)10‬حيث أن هن††اك ترادف†ًا بني مص††طلح الدول††ة ومص††طلح الق††انون‪ .‬فالدول††ة هي الق††انون والق††انون ه††و‬
‫الدول†ة‪ .‬الدول†ة أذن هي نظ†ام ق†انوين مشويل وكلي الوحي†د من نوع††ه يف اجملتم†ع‪ .‬والدول†ة تنطب†ق م††ع الق††انون‬
‫نظ††را لكوهنا الس††لطة املركزي††ة التش††ريع وتنفي††ذ الق††وانني يف اجملتم††ع‪ .‬والدول††ة ال تش††رع الق††وانني فحس††ب ب††ل‬
‫حتتكر تكوين وإدارة‬

‫وتط ††وير واس ††تعمال الق ††وات املس ††لحة واس ††تخدامها يف احملافظ ††ة على األمن والنظ ††ام وص ††يانة ح ††دود وس ††يادة‬
‫ال††وطن من الع††دوان اخلارجي واألطم††اع األجنبي††ة والتوس††عية‪ .‬لكن احتك††ار الس††يطرة على الق††وات املس††لحة‬
‫من قبل الدولة يدعم سيادة القوانني اليت تشرعها الدولة ويضمن فاعلية تنفيذها وحيقق الص††احل الع††ام للدول††ة‬
‫والشعب على حد سواء‪.‬‬

‫أم††ا اجملتم††ع فيعرف††ه الربفس††ور هوهبوس (‪ )Hobhouse‬بأن††ه جمموع††ة من األف††راد تقطن على بقع††ة جغرافي††ة‬
‫معين † ††ة وحمددة من الناحي † ††ة السياس † ††ية ومع † ††رتف هبا وهلا جمموع † ††ة من الع † ††ادات والتقالي † ††د واملق † ††اييس والقيم‬

‫‪120‬‬
‫واألحكام االجتماعية واألهداف املشرتكة املتبادلة اليت أساس†ها اللغ†ة والت†اريخ واملص††ري املش†رتك(‪ ،)11‬وهن†اك‬
‫من ع††رف اجملتم††ع بأن††ه مجي††ع العالق††ات بني األف††راد وهم يف حال††ة تفاع††ل م††ع منظم††ات ومجعي††ات هلا أحك††ام‬
‫وأسس معين†ة‪ .‬لكن اجملتم†ع يش†مل مجي†ع املنظم†ات واجلماع†ات ال†يت هلا بني†ات دائمي†ة منظم†ة ميكن دراس†تها‬
‫دراس††ة موض††وعية تق††ع ض††من اختص††اص املنهج العلمي ال††ذي يس††ري علي††ه الع††امل االجتم††اعي(‪ .)12‬فالعالق††ات‬
‫اإلنس† ††انية ال† ††يت ترب† ††ط األف† ††راد الب† ††د أن حتدد طبيع† ††ة املؤسس† ††ات االجتماعي† ††ة املوج† ††ودة يف اجملتم† ††ع وه† ††ذه‬
‫املؤسس††ات هي ال††يت تنظم فعالي††ات املنظم††ات وتش††رف عليه††ا وتوجهه††ا حنو سياس††ة معين††ة(‪ .)13‬اذن ميكنن††ا‬
‫اس††تعمال كلم††ة جمتم††ع لتع††ين الش††بكة املعق††دة من العالق††ات االجتماعي††ة ال††يت ق††ام اإلنس††ان بتنظيمه††ا ورس††م‬
‫معاملها‪.‬‬

‫أن من أهم العناصر التكوينية للمجتمعات اإلنسانية اجملتمع††ات احمللي††ة (‪ )Communities‬واملنظم††ات (‬


‫‪ .)Associations‬اجملتم††ع احمللي ه††و جمم††وع الس††كان ال††ذي يش††غل بقع††ة جغرافي††ة معين††ة ويش††رتك بنظ††ام‬
‫حيدد ق†وانني احلي†اة االجتماعي†ة اخلاص†ة‪ .‬وأهم ش†رط من ش†روط تك†وين اجملتم†ع احمللي وج†ود بن†اء اجتم†اعي‬
‫يتكون من أحكام وقوانني حتدد طبيعة العالقات بني أفراده‪ .‬واجملتمع احمللي قد يكون جزءا من جمتم††ع حملي‬
‫كب ††ري حيث أن اجملتمع ††ات دائم ††ا م ††ا تك ††ون وس ††ط جمتمع ††ات حملي ††ة أخ ††رى وهك ††ذا(‪ .)14‬أم ††ا املنظم ††ات فإهنا‬
‫تتك ††ون من مجاع ††ات من الن ††اس تعم ††ل فيم ††ا بينه ††ا إلجناز وظيف ††ة أو وظ ††ائف معين ††ة ك ††األحزاب السياس ††ية‬
‫ونقابات العمال واملدارس واجلامعات‪ .‬واملنظم†ات االجتماعي†ة ميكن تقس†يمها إىل أقس†ام خمتلف†ة تبع†ا لطبيع†ة‬
‫أغراض††ها أو أه††دافها أو مواقعه††ا اجلغرافي††ة أو حجومه††ا أو ش††روط االنتم††اء اليه††ا‪ .‬ولكنن††ا جيب أن منيز بني‬
‫املنظم ††ة واملؤسس ††ة االجتماعي ††ة (‪ )Social Institution‬املؤسس ††ة االجتماعي ††ة هي جمموع ††ة األحك ††ام‬
‫والق ††وانني ال ††يت حتدد العالق ††ات بني األف ††راد واجلماع ††ات(‪ .)15‬فامللكي ††ة هي مؤسس ††ة اجتماعي ††ة ألهنا أحك ††ام‬
‫وق ††وانني حتدد العالق ††ة بني األف ††راد بالنس ††بة لس ††يطرهتم على األش ††ياء املادي ††ة أو امتالكه ††ا أو تبادهلا‪ .‬واجملتم ††ع‬
‫احمللي أو املنظم ††ات االجتماعي ††ة هي ال ††يت تك ††ون وت ††دعم املؤسس ††ات االجتماعي ††ة‪ .‬غ ††ري أن هن ††اك ارتباك ††ا يف‬
‫اس††تعمال مص††طلحي املؤسس††ة واملنظم††ة ألن††ه يف ح††االت معين††ة يش††ري كال االص††طالحني إىل أش††ياء واح††دة‪.‬‬
‫فالدول††ة مثال هي مؤسس††ة اجتماعي††ة ألهنا تتك††ون من جمموع††ة أحك††ام وق††وانني تنظم احلي††اة يف اجملتم††ع وهي‬

‫‪121‬‬
‫أيض††ا منظم††ة اجتماعي††ة الهنا تتك††ون من أف††راد يس††عون للقي††ام بأعم††ال معين††ة ه††دفها حتقي††ق طم††وح وم††آرب‬
‫اجملتمع(‪.)16‬‬

‫بع ††د تعري ††ف ك ††ل من الدول ††ة واجملتم ††ع جيب علين ††ا دراس ††ة ص ††فات الدول ††ة وتوض ††يح الواجب ††ات ال ††يت تق ††دمها‬
‫الدولة للمجتمع والواجبات اليت يقدمها اجملتمع للدولة‪.‬‬

‫صفات الدولة‬

‫قب ††ل دراس ††ة واجب ††ات الدول ††ة للمجتم ††ع وواجب ††ات اجملتم ††ع الدول ††ة جيدر بن ††ا فحص طبيع ††ة املزاي ††ا والص ††فات‬
‫املشرتكة اليت تتميز هبا الدول مهما كانت أنظمتها االجتماعية وأديولوجيتها السياسية والعقائدي††ة ومن أهم‬
‫الصفات األساسية للدول ما يلي‪:‬‬

‫أن املراكز القيادية واملهنية والوظيفية للدولة غالب†ا م†ا تش†غل من قب†ل نس†بة ض†ئيلة من أبن†اء اجملتم†ع‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وه†ذا يع†ين ب†أن احلكم يك†ون بي†د األقلي†ة‪ .‬فانظم†ة احلكم يف مجي†ع اجملتمع†ات الرأمسالية واالش†رتاكية‬
‫والنامي† † ††ة واملتط† † ††ورة هي بي† † ††د األقلي† † ††ة‪ .‬يف بريطاني† † ††ا مثال يس† † ††يطر جملس العم† † ††وم (‪House of‬‬
‫‪ )Commons‬على دف††ة احلكم أم††ا من خالل احلزب احلاكم أو احلزب املع††ارض عن††د اس††تالمه‬
‫للس†لطة بع†د ف†وزه يف االنتخاب†ات‪ .‬وع†دد أعض†اء اجمللس يزي†د على الـ (‪ )600‬عض†و وال†ذين منهم‬
‫تش† ††كل ال† ††وزارة(‪ .)‬أي احلزب الف† ††ائز يف االنتخاب† ††ات العام† ††ة ه† ††و ال† ††ذي يش† ††كل ال† ††وزارة من بني‬
‫أعض ††ائه يف اجمللس‪ .‬وال ††وزارة ال يزي ††د ع ††دد أعض ††ائها عن (‪ )30‬وزي ††رًا يعه ††د اليهم حكم البالد‬
‫برمته††ا‪ .‬أي حكم الش††عب ال††ذي يبل††غ نفوس††ه (‪ )52‬ملي††ون نس††مة‪ .‬أم††ا يف االحتاد الس††وفيييت ف††ان‬
‫جملس الس ††وفيت األعلى ه ††و ال ††ذي حيكم الش ††عب الس ††وفيييت املتك ††ون من (‪ )250‬ملي ††ون نس ††مة‪.‬‬
‫وه ††ذا اجمللس يت ††ألف من ع ††دد من األعض ††اء ال ††ذين ميثل ††ون مجهوري ††ات االحتاد الس ††وفيييت اخلمس ††ة‬
‫عشر‪ .‬وكل مجهورية من هذه اجلمهوريات ترسل ممثليه†ا إىل جملس الس†وفيت األعلى ال†ذي جيتم†ع‬
‫بني آونة وأخرى لتدارس أمور ومشكالت البالد(‪.)18‬‬

‫‪) (‬‬
‫أعضاء مجلس العموم ال يمكن حصرهم برقم ثابت حيث أن عندهم يتبدل بين أونة وأخرى تبعا للكثافة السكانية للمناطق االنتخابية‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ويف الدول النامية نرى بأن الدول†ة ال†يت تتك†ون من األقلي†ة هي ال†يت حتكم األكثري†ة أي أكثري†ة أبن†اء‬
‫الشعب ‪.‬‬
‫أن لك ††ل دول ††ة من دول الع ††امل جملس وزاري يرتأس ††ه رئيس الدول ††ة‪ .‬وه ††ذا ي ††دل على أن الدول ††ة ال‬ ‫‪-2‬‬
‫حيكمها ف†رد واح†د ب†ل حيكمه†ا جمموع†ة من األف†راد‪ .‬زد على ذل†ك ك†ون الدول†ة يف بعض األحي†ان‬
‫حتت سيطرة اجمللس التنفيذي‪.‬‬
‫وأعضاء الدولة ال يكونوا متساويني يف القوة والسلطة السياسية ال†يت يوزعه†ا اجملتم†ع عليهم‪ ،‬حيث‬ ‫‪-3‬‬
‫اهنم خيتلف ††ون يف مراك ††ز الق ††وة والنف ††وذ تبع ††ا ألمهي ††ة الواجب ††ات والوظ ††ائف السياس ††ية ال ††يت يق ††دموهنا‬
‫للمجتمع الكبري ‪.‬‬
‫إن مجي††ع ال††دول ت††دعي الش††رعية والس††يادة على أراض††يها ومواطنيه††ا‪ ،‬وش††رعيتها تس††تمد من إطاع††ة‬ ‫‪-4‬‬
‫مواطنيها لقوانينها وأوامرها ومن قدرة قادهتا على أجهزهتا اإلدارية ‪.‬‬
‫ق ††د ال تعتم ††د ش ††رعية الدول ††ة على مب ††دأ اس ††تعمال الق ††وة والنف ††وذ ب ††ل تعتم ††د على االح ††رتام املتب ††ادل‬ ‫‪-5‬‬
‫واملصلحة املشرتكة بني الطبقة احلاكمة والطبقة احملكومة(‪.)19‬‬
‫على الدول ††ة أن هتتم برفاهي ††ة وس ††عادة مجي ††ع قطاع ††ات اجملتم ††ع مهم ††ا ك ††انت خلفي ††اهتم االجتماعي ††ة‬ ‫‪-6‬‬
‫واحنداراهتم القومي† ††ة والعنص† ††رية‪ .‬فاحلكوم† ††ة يف القط† ††ر الع† ††ريب الواح† ††د هتتم برعاي† ††ة ومحاي† ††ة مجي† ††ع‬
‫املواط††نني وتع††املهم معامل††ة واح††دة ومتس††اوية‪ .‬وال متيز بني أكثري††ة س††كانية وأقلي††ة س††كانية اال اذا‬
‫ك† ††ان هن† ††اك م† ††ربر عقالين هلذا التمي† ††يز‪ ،‬فالوظ† ††ائف احلكومي† ††ة واملراك† ††ز اإلداري† ††ة مفتوح† ††ة جلمي† ††ع‬
‫املواط ††نني حيث أن ال ††دخول إىل الوظيف ††ة ال يعتم ††د على االعتب ††ارات اجلانبي ††ة كاحلس ††ب والنس ††ب‪،‬‬
‫ال ††دين أو العنص ††ر ‪ ...‬اخل ب ††ل يعتم ††د على الكف ††اءة واملؤهالت العلمي ††ة والق ††درة على القي ††ام بأعب ††اء‬
‫الوظيفة ‪.‬‬

‫وظائف الدولة للمجتمع‬

‫بع††د تعق††د اجملتم††ع البش††ري نتيج††ة لتض††خم الس††كان وتوس††ع املدن وانتش††ار مع††امل التص††نيع والتحض††ر وش††يوع‬
‫الثقاف ††ة والرتبي ††ة والتعليم بني فئ ††ات وعناص ††ر اجملتم ††ع املختلف ††ة وارتف ††اع املس ††تويات االقتص ††ادية واالجتماعي ††ة‬
‫لألف††راد واجلماع††ات أص††بحت الدول††ة ال تكتفي بتق††دمي واجباهتا ووظائفه††ا التقليدي††ة ألبن††اء اجملتم††ع كوظيف††ة‬

‫‪123‬‬
‫احملافظ ††ة على األمن والنظ ††ام يف ال ††داخل ووظيف ††ة ال ††دفاع اخلارجي‪ .‬اذ ق ††امت بتحم ††ل واجب ††ات وخ ††دمات‬
‫أخ††رى للمواط††نني حيث تعه††دت بتخطي††ط اجملتم††ع ختطي††ط اقتص††ادية واجتماعي††ة وعمراني††ة وتربوي††ة لغ††رض‬
‫تنميت† ††ه وتط† ††ويره حنو األحس† ††ن واألفض† ††ل‪ .‬وأخ† ††ذت تت† ††دخل بش† ††ؤون األس† ††رة واألف† ††راد لض† ††مان راحتهم‬
‫وسعادهتم ومحايتهم من االحتكار واالستغالل الذي كان ميارسه القطاع اخلاص بسبب رغبته جبين األرباح‬
‫والفوائد غري املشروعة(‪ .)20‬وفشل القطاع اخلاص بتلبية حاج†ات ومتطلب†ات أبن†اء اجملتم†ع املتش†عبة ك†ان من‬
‫العوام†ل األخ†رى ال†يت حف†زت الدول†ة على الت†دخل بش†ؤون اجملتم†ع بغي†ة تنظيم†ه والس†يطرة علي†ه ومحايت†ه من‬
‫االستغالل والفساد‪ .‬وقيام الدولة بالتدخل يف شؤون اجملتمع ومس†امهتها بتلبي†ة حاج†ات وطموح†ات األف†راد‬
‫ال يقتص††ر على ال††دول االش††رتاكية فحس††ب ب††ل يتع††داه إىل معظم ال††دول النامي††ة وال††دول الرأمسالية‪ .‬فالدول††ة‬
‫الرأمسالية ب††دأت تنظم ش††ؤون االقتص††اد والعائل††ة والص††حة العام††ة والثقاف††ة و الرتبي††ة والتعليم يف جمتمعه††ا على‬
‫نط†اق واس†ع وه†ذا م†ا زاد أمهيته†ا ورف†ع مسعتها وهيبته†ا‪ .‬إال أن واجب†ات والتزام†ات الدول†ة االش†رتاكية إزاء‬
‫ش ††عبها وجمتمعه ††ا أك ††ثر تعق ††دة وأمشل نطاق ††ا من واجب ††ات والتزام ††ات الدول ††ة الرأمسالية حيث أن مؤسس ††اهتا‬
‫االش ††رتاكية اإلنتاجي ††ة واخلدمي ††ة تنج ††ز مجي ††ع األعم ††ال واخلدمات ال ††يت حيتاجه ††ا أبن ††اء اجملتم ††ع‪ .‬يف حني يلعب‬
‫القط††اع اخلاص ال††دور األساس††ي يف اجملتمع††ات الرأمسالية من ناحي††ة تلبي††ة متطلب††ات ش††عوهبا وت††أمني حاج††اهتم‬
‫وطموحاهتم‪.‬‬

‫دعن††ا اآلن نفحص طبيع††ة الواجب††ات واخلدمات ال††يت تق††دمها الدول††ة إىل أبن††اء اجملتم††ع لكي نتع††رف على أمهي††ة‬
‫الدول††ة للمجتم††ع يف ال††وقت احلاض††ر‪ .‬إن واجب††ات الدول††ة ألبن††اء اجملتم††ع أخ††ذت تتزاي††د وتنم††و مبرور ال††زمن‪،‬‬
‫وق††د أص††بحت يف ال††وقت احلاض††ر ال تق††ل خط††ورة وأمهي††ة عن واجب††ات أي††ة دول††ة اش††رتاكية يف الع††امل ألبنائه††ا‬
‫ومنتس ††بيها‪ ،‬وميكنن ††ا هن ††ا توض ††يح طبيع ††ة وأمهي ††ة ه ††ذه الوظ ††ائف للمواط ††نني بش ††يء من التفص ††يل‪ .‬أن الدول ††ة‬
‫بفض ††ل ق ††وات الش ††رطة واألمن وبفض ††ل احملاكم والس ††لطات الش ††رعية والقض ††ائية مس ††ؤولة عن نش ††ر العدال ††ة‬
‫واس ††تتباب األمن والنظ ††ام يف ال ††داخل ومس ††ؤولة عن راح ††ة املواط ††نني وس ††المتهم وطم ††أنينتهم من اجلاحنني‬
‫والع ††ابثني واألش††رار ال††ذين ق††د تس††ول هلم أنفس††هم جلب الض ††رر واألذى للمواط ††نني وإش††اعة روح الش††غب‬
‫والع††دوان وع††دم االس††تقرار يف اجملتم††ع‪ ،‬فاحملاكم القض††ائية واجه††زة الع††دل هي الس††لطات ال††يت تتحم††ل مهم††ة‬
‫نشر العدالة والس†الم والطمأنين†ة بني املواط†نني‪ .‬وق†وات الش†رطة واألمن هي العني الس†اهرة حلماي†ة املواط†نني‬

‫‪124‬‬
‫من اجلرائم والش† † ††رور والع† † ††دوان حبيث يتمكن ه† † ††ؤالء من االنص† † ††راف إىل أعم† † ††اهلم والتمت† † ††ع حبي † ††اة مليئ † ††ة‬
‫باإلجنازات واملكاسب واملأثورات‪.‬‬

‫ومن الواجب† ††ات املهم† ††ة للدول† ††ة محاي† ††ة ح† ††دود وترب† ††ة القط† ††ر وال† ††وطن الع† ††ريب من أطم† ††اع الغ† ††زاة الص† ††هاينة‬
‫واإلمربياليني الذين حيملون األطماع التوسعية واالستغاللية واالستعمارية ويبيتون نوايا الشر والع††دوان ض††د‬
‫األم ††ة الع ††ريب وحض ††ارهتا العريق ††ة‪ .‬ومحاي ††ة ح ††دود وترب ††ة ال ††وطن توك ††ل إىل الق ††وات املس ††لحة الربي ††ة واجلوي ††ة‬
‫والبحري ††ة‪ .‬فالدول ††ة مس ††ؤولة عن إدارة وت ††دريب وتس ††ليح ورعاي ††ة وتط ††وير الق ††وات املس ††لحة ومس ††ؤولة عن‬
‫استعماهلا وقت احملن واألزمات السياسية والعسكرية لردع ودحر الط†امعني خبريات األم†ة العربي†ة والتص†دي‬
‫ملخطط ††اهتم العدواني ††ة والش ††ريرة‪ .‬إن وج ††ود الق ††وات املس ††لحة واس ††تعدادها خلوض املع ††ارك واحلروب ض ††د‬
‫أع††داء األم††ة العربي††ة س††ريدع ه††ؤالء ومينعهم من االعت††داء على اجملتم††ع الع††ريب‪ .‬وهن††ا يس††تطيع اجملتم††ع احملافظ††ة‬
‫على أراضيه وسكانه ومقدساته من أطماع املعتدين واملستغلني‪.‬‬

‫وجبانب وظ††ائف األمن ال††داخلي وال††دفاع اخلارجي تتحم††ل الدول††ة وظ††ائف كث††رية ومتط††ورة إزاء املواط††نني‬
‫كالوظ ††ائف االقتص ††ادية والثقافي ††ة والص ††حية واالجتماعي ††ة والرتفيهي ††ة‪ .‬فالدول ††ة هي ال ††يت ختل ††ق األعم ††ال على‬
‫اختالف أنواعه ††ا وتش ††جع املواط ††نني على أش ††غاهلا‪ ،‬وهي ال ††يت تنتج البض ††ائع الص ††ناعية والزراعي ††ة وتوفره ††ا‬
‫للمواطن بأسعار معتدلة وتنظم التجارة الداخلية واخلارجي†ة‪ .‬وتش†يد املص†انع اإلنتاجي†ة الكب†رية بع†د إرس†ائها‬
‫لألس ††م املادي ††ة والتكنولوجي ††ة للتص ††نيع وتس ††يطر على قيم ††ة العمل ††ة الوطني ††ة وحتميه ††ا من املض ††اربات النقدي ††ة‬
‫األجنبية وهكذا‪.‬‬

‫والدولة من خالل وزاريت الرتبية والتعليم العايل والبحث العلمي تتعهد بفتح املدارس والكليات واجلامعات‬
‫وتش ††رف على إدارهتا وتنظيمه ††ا ومنوه ††ا وتزوده ††ا ب ††األدوات والك ††ادر التعليمي وترس ††م سياس ††تها الرتبوي ††ة‬
‫والعلمي ††ة والوطني ††ة‪ ،‬وبع ††د تأس ††يس ه ††ذه املدارس واملعاه ††د العالي ††ة تش ††جع املواط ††نني على اختالف خلفي ††اهتم‬
‫االجتماعية والقومية بالذهاب اليها واالستفادة منه††ا‪ ،‬وتتحم††ل الدول††ة من خالل وزارة الص††حة مس††ؤوليات‬
‫احملافظ††ة على ص††حة وحيوي††ة أبن††اء اجملتم††ع ومحايتهم من األم††راض الس††ارية واملعدي††ة ال††يت ق††د تلح††ق هبم‪ .‬ويتم‬
‫ه† ††ذا عن طري† ††ق تأس† ††يس املراك† ††ز الص† ††حية والطبي† ††ة يف مجي† ††ع أرج† ††اء القط† ††ر مث† ††ل كلي† ††ات ومعاه† ††د الطب‬

‫‪125‬‬
‫والتم††ريض‪ ،‬املستش††فيات واملستوص††فات والعي††ادات الطبي††ة الش††عبية وبقي††ة املراك††ز الص††حية األخ††رى‪ .‬وه††ذه‬
‫املؤسسات الصحية مفتوحة جلميع املواطنني مهما تكن مستوياهتم االجتماعية والثقافية‪.‬‬

‫والدولة مسؤولة من خالل وزارة العمل والشؤون االجتماعية ووزارة اإلس†كان ووزارة الش†باب عن القي†ام‬
‫باخلدمات االجتماعي† ††ة كخ† ††دمات الرعاي† ††ة االجتماعي† ††ة بأنواعه† ††ا املختلف† ††ة مث† ††ل خ† ††دمات رعاي† ††ة األموم† ††ة‬
‫والطفولة وخدمات املعوقني جسمانية وعقلي†ة وخ†دمات رعاي†ة األس†رة وخ†دمات الض†مان االجتم†اعي ال†يت‬
‫تض††من املواط††نني ض††د البطال††ة واملرض واهلرم واملوت وبقي††ة احلوادث املؤس††فة ال††يت يتعرض††ون اليه††ا‪ ،‬وإنش††اء‬
‫املش ††اريع الس ††كنية وتوزيعه ††ا جمان ††ا أو بأس ††عار الكلف ††ة على املواط ††نني‪ .‬كم ††ا تتعه ††د الدول ††ة بتق ††دمي اخلدمات‬
‫الرتوحيي† † ††ة والرتفيهي† † ††ة للمواط† † ††نني کتهيئ† † ††ة اجلرائ† † ††د واجملالت والكتب هلم والس† † ††يطرة على أجه† † ††زة الرادي† † ††و‬
‫والتلفزي ††ون واإلش ††راف على مؤسس ††ات الس ††ياحة واالص ††طياف‪ .‬ورعاي ††ة دور األوب ††را واملوس ††يقى والس ††ينما‬
‫واملسرح ‪ ...‬اخل‪ ،‬ومسؤولة أيضا عن اإلش†راف على املؤسس†ات الرياض†ية والكش†فية والش†بابية‪ .‬ومث†ل ه†ذه‬
‫النش† ††اطات الرتوحيي ††ة ت† ††دفع املواط† ††نني على اس† ††تغالل أوق† ††ات ف† ††راغهم بطريق† ††ة تس† ††بب تط† ††وير شخص ††ياهتم‬
‫ومواهبهم اخلالقة واملبدعة‪.‬‬

‫وباإلضافة إىل هذه اخلدمات اجلليلة اليت تقدمها الدولة للمواطنني هناك مسؤوليات ختطيط اجملتمع من أجل‬
‫تنميت††ه وتط††ويره يف مجي††ع احلق††ول واملي††ادين احلياتي††ة لكي يك††ون اجملتم††ع متق††دما وناهض††ة‪ .‬فعن طري††ق وزارة‬
‫التخطي ††ط تق ††وم الدول ††ة بدراس ††ة اإلمكاني ††ات املادي ††ة والبش ††رية للمجتم ††ع وعلى ض ††وء أه ††دافها وطموحاهتا‬
‫التنموي ††ة تس ††عى جاه ††دة باس ††تثمار ه ††ذه اإلمكاني ††ات إىل أبع ††د ح ††دودها حبيث تنتج يف تط ††وير اجملتم ††ع مادي ††ا‬
‫واجتماعيا وحضارية‪ .‬وهنا يتمكن اجملتمع من الوقوف على صعيد واح††د م††ع ال††دول العص††رية واملتط††ورة يف‬
‫العامل‪.‬‬

‫وظائف المجتمع الدولة‬

‫كم ††ا تق ††وم الدول ††ة بتق ††دمي وظ ††ائف وخ ††دمات جليل ††ة للمجتم ††ع ف ††ان اجملتم ††ع ب ††دوره يتحم ††ل مجل ††ة خ ††دمات‬
‫يق††دمها للدول††ة لكي تتمكن األخ††رية من القي††ام بواجبه††ا القي††ادي والتنظيمي ال††ذي يعتم††د علي††ه تق††دم اجملتم††ع‬

‫‪126‬‬
‫وتط ††وره‪ .‬ف ††اجملتمع يق ††وم مبجموع ††ة وظ ††ائف أساس ††ية لألف ††راد والدول ††ة متكن ك ††ل منهم ††ا من حتقي ††ق أهداف ††ه‬
‫والوصول إىل طموحاته املنشودة‪ .‬ومن أهم الواجبات اليت يقدمها اجملتمع للدولة ما يلي‪:‬‬

‫تعاون أبناء اجملتمع مع أجهزة الدولة املختلفة وإطاعتهم لالنظمة والقوانني اليت تش†رعها الدول†ة من‬ ‫‪)1‬‬
‫أج ††ل س ††عادهتم ورف ††اهيتهم‪ .‬ان تع ††اون اجملتم ††ع م ††ع الدول ††ة س ††يمكن األخ ††رية من القي ††ام بوظائفه ††ا‬
‫بأحسن صورة ممكنة وحيفزها إىل تقدمي املزيد من اجلهود البناءة للمواطنني‪.‬‬
‫اجملتم†ع ي†زود الدول†ة بالك†ادر البش†ري ال†ذي حتتاج†ه أجهزهتا اإلداري†ة واملهني†ة والوظيفي†ة‪ .‬ف†إذا ك†ان‬ ‫‪)2‬‬
‫اجملتم††ع واعي††ا ومتعلم††ة ومتدرب††ة على أص††ناف الفن††ون وامله††ارات والكف††اءات العلمي††ة والتكنولوجي††ة‬
‫فان†ه س†يتمكن من جته††يز الدول†ة ب†الكوادر العلمي†ة واألخص††ائية ال†يت حتتاجه††ا والعكس ه††و الص††حيح‬
‫إذا ك ††ان اجملتم ††ع غ ††ري متعلم وغ ††ري م ††درب‪ .‬هلذا من مص ††لحة الدول ††ة نفس ††ها أن تعم ††ل وتناض ††ل من‬
‫أجل تطوير إمكانيات الشعب ورف†ع نوعيت†ه وقدرت†ه على العم†ل واإلنت†اج‪ ،‬وه†ذا يك†ون من خالل‬
‫االهتمام باملؤسسات الثقافية والرتبوية واملؤسسات العائلية واالقتصادية والصحية‪.‬‬
‫واجب ††ات اجملتم ††ع الك ††ربى ال ††يت حتاف ††ظ على النظ ††ام االجتم ††اعي ومتكن الدول ††ة من القي ††ام بنش ††اطاهتا‬ ‫‪)3‬‬
‫ووظائفها(‪ .)21‬وهذه الواجبات ميكن تلخيصها بالنقاط التالية‪:‬‬
‫من أهم واجب ††ات اجملتم ††ع العم ††ل على حتقي ††ق طموحات ††ه وأغراض ††ه من خالل القض ††اء على‬ ‫ا‪.‬‬
‫الص ††راعات الداخلي ††ة ال ††يت ق ††د تنش ††أ بني أف ††راده ومجاعات ††ه وحتقي ††ق الوح ††دة الس ††يكولوجية‬
‫واالجتماعي † ††ة بينهم‪ ،‬وواجب كه † ††ذا ميكن اجملتم † ††ع من الس † ††ري ق † ††دما حنو تنفي † ††ذ واجبات † ††ه‬
‫ووظائفه وبالتايل الوصول إىل أهدافه القريبة والبعيدة األمد‬
‫على اجملتمع أن حيمي نفسه من األخطار والتحديات اليت هتدد كيانه ووجوده‪ .‬فه††و جيب‬ ‫ب‪.‬‬
‫أن يتحذر من األعمال املقصودة أو غ†ري املقص†ودة ال†يت يق†وم هبا ع†دد من أف†راده وال†يت ق†د‬
‫تس ††تهدف نظام ††ه اللغ ††وي مثال أو أص ††الته االجتماعي ††ة واحلض ††ارية أو توازن ††ه العض ††وي أو‬
‫تقدمه يف األصعدة املادية والعلمية‪ ...‬اخل‬
‫ضرورة قيام اجملتمع بتحفيز أفراده على العم†ل املثم†ر ال†ذي ينتج يف تط†وير اجملتم†ع وتقدم††ه‬ ‫ج‪.‬‬
‫يف خمتل ††ف املي ††ادين احلياتي ††ة‪ .‬والتحف ††يز ه ††ذا يأخ ††ذ ع ††دة أش ††كال كتش ††جيع املواط ††نني على‬

‫‪127‬‬
‫اإلس ††هام واملش ††اركة يف األعم ††ال املنتج ††ة واخلالق ††ة وتق ††دم اجلوائز واملكاف ††آت للمب ††دعني‬
‫والبارزين يف العمل اجليد وتقييم األشخاص اجليدين يف العمل ومعاقبة املسيئني‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫قي††ام اجملتم††ع بتس††هيل عملي††ة االتص††ال والتفاع††ل االجتم††اعي وال††وظيفي بني األدوار القيادي††ة‬ ‫د‪.‬‬
‫الوظيفية واألدوار الروتينية اليت تقع يف قاعدة اهلرم ال†وظيفي‪ .‬ف†األوامر والوص††ايا ينبغي أن‬
‫مترر بس†هولة من املراك†ز العلي†ا يف اجملتم†ع إىل املراك†ز الواطئ†ة‪ .‬مث أن ه†ذه األوام†ر جيب أن‬
‫تتم بالص† ††فة الس† ††لطوية والش† ††رعية لكي تط† ††اع وتنف† ††ذ باس† ††رع وقت ممكن‪ .‬وهن† ††ا يتمكن‬
‫اجملتمع من القيام بوظائفه املطلوبة واملخططة له من قبل قادته وزعمائه‪.‬‬
‫ض ††رورة اعتق ††اد النظ ††ام االجتم ††اعي باديولوجي ††ة وعقي ††دة واح ††دة ترش ††ده إىل العم ††ل املنظم‬ ‫ه‪.‬‬
‫واجلدي ال ††ذي يس ††هم يف تط ††وير اجملتم ††ع وحتقي ††ق أهداف ††ه الك ††ربى‪ .‬بينم ††ا اذا ك ††ان النظ ††ام‬
‫االجتم††اعي يعتق††د ب††آراء واديولوجي††ات وأفك††ار كث††رية ومتناقض††ة ف††ان أف††راده سيص††طدمون‬
‫الواحد مع اآلخر‪ ،‬وهذا ما ينتج يف تصدع كيان اجملتمع وتبعثر وحدته الوطنية‪.‬‬

‫شرعية السلطة ومبرراتها‬

‫أش ††رنا يف بداي ††ة ه ††ذا الفص ††ل ب ††ان الس ††لطة هي الق ††وة ال ††يت متارس ††ها الدول ††ة بع ††د أن ت ††ربر ش ††رعيتها وش ††رعية‬
‫اس††تعماهلا‪ .‬والش††رعية (‪ )Legality‬هي الق††وة ال††يت تربره††ا األحك††ام والق††وانني املتف††ق عليه††ا من قب††ل الدول††ة‬
‫والش† ††عب(‪ .)22‬وش† ††رعية الس† ††لطة (‪ )Legality of Authority‬هي ق† ††وة الدول† ††ة ال† ††يت تربره† ††ا القيم‬
‫واألحك ††ام والق ††وانني املرعي ††ة يف اجملتم ††ع‪ .‬ان الش ††رعية هي ال ††يت ختول الدول ††ة اس ††تعمال الق ††وة ض ††د املخ ††الفني‬
‫واجلاحنني والعص††اة‪ ،‬ول††وال ه††ذه الش††رعية لك††انت ق††وة الدول††ة ق††وة تعس††فية ولك††ان اس††تعماهلا غ††ري ع††ادل وال‬
‫منص ††ف‪ ،‬واذا ك ††انت ق ††وانني الدول ††ة غ ††ري ش ††رعية (‪ )llegal‬ف ††ان األف ††راد ال يطيعوهنا وال ميتل ††ون ألوامره ††ا‬
‫وشروطها‪ .‬لذا فشرعية القوانني وشرعية السلطة هي اليت جتعل األفراد خيضعون لتعاليم وأوامر الدول†ة وهي‬
‫اليت متكن األخرية من حكم اجملتمع ومتنحها السيادة املطلقة باختاذ القرارات املناسبة اليت تكفل تقدم اجملتمع‬
‫وسريه إىل أمام‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫بي††د أن الس††لطة ال تك††ون ش††رعية وقوي††ة وم††ؤثرة يف س††ري األح††داث ال††يت تط††رأ على اجملتم††ع وال ميكن أن تع††رب‬
‫عن أم††اين وطموح††ات الش††عب ال††ذي حتكم††ه وال ميكن أن تن††ال تأيي††د واح††رتام الش††عب دون اعتماده††ا على‬
‫بعض املربرات املنطقي††ة والعقالني††ة ال††يت ت††دعم وجوده††ا وتع††زز مكانته††ا وت††دافع عن قراراهتا وطموحاهتا(‪.)23‬‬
‫واملربرات اليت تس†تند عليه†ا ش†رعية الس†لطة وتس†تند عليه†ا الدول†ة يف قوهتا وحكمه†ا وس†يادهتا على الش†عب‬
‫تكون على أشكال وصور خمتلفة بعضها قدمي العهد وبعضها األخ†ر ح†ديث ويتف††ق م††ع األح†وال والظ†روف‬
‫املعاص††رة ال††يت تعيش††ها اجملتمع††ات العص††رية‪ ،‬ولكن م††ربرات ش††رعية الس††لطة تعتم††د على الظ††روف احلض††ارية‬
‫واالجتماعي††ة الس††ائدة يف اجملتم††ع وتعتم††د على طبيع††ة وقيم وع††ادات وتقالي††د وأه††داف ابن††اء اجملتم††ع وتعتم††د‬
‫أيض††ا على درج††ة النض††وج احلض††اري واالجتم††اعي للمجتم††ع‪ .‬وبص††ورة عام††ة ميكن تقس††يم م††ربرات ش††رعية‬
‫السلطة إىل مخسة أقسام أساسية هي‪:‬‬

‫املربرات اليت تستند على الدين (نظرية التفويض اإلهلي) ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫املربرات اليت تستند على العادات والتقاليد واألعراف األجتماعية ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫املربرات الدستورية العقالنية ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫املربرات الكرزماتيكية ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫مربرات املصلحة العامة والصاحل العام ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫المبررات التي تستند على الدين‬ ‫[‪]1‬‬

‫السلطة اليت تستند سيادهتا على حكم الدين ت†دعي باهنا مفوض††ة من قب†ل اهلل س†بحانه وتع††اىل حبكم اجملتم†ع‪،‬‬
‫وأن قوانينه ††ا وأحكامه ††ا منزل ††ة من الس ††ماء هلذا ينبغي طاعته ††ا والتمس ††ك هبا والتص ††رف مبوجب ش ††روطها‬
‫وتعليماهتا‪ .‬واملل ††ك أو الس ††لطان أو اخلليف ††ة هن ††ا يعت ††رب واس ††طة بني اهلل والش ††عب‪ ،‬فه ††و ال ††ذي يس ††تلم أوام ††ره‬
‫وقوانين ††ه من ال ††رب وميرره ††ا ب ††دوره إىل أبن ††اء الش ††عب لكي يل ††تزموا هبا وينف ††ذوها كم ††ا هي دون ج ††دل أو‬
‫اع ††رتاض(‪ .)24‬ومن أمثل ††ة الس ††لطة ال ††يت تس ††تند على ال ††دين اخلالف ††ة اإلس ††المية خالل عه ††د اخللف ††اء الراش ††دين‬
‫وخالل العه ††د األم ††وي والعباس ††ي‪ .‬مبوجب أحك ††ام الس ††لطة الديني ††ة يت ††وجب على األف ††راد إطاع ††ة األوام ††ر‬

‫‪129‬‬
‫والق ††وانني ال ††يت تص ††درها اخلالف ††ة ألن طاعته ††ا هي طاع ††ة اهلل ومعص ††يتها والوق ††وف ض ††دها هي معص ††ية اهلل‬
‫والوقوف ضده‪ .‬ويكون سلطان امللك أو اخلليفة هنا مقدسًا نظرًا لدعمه وإسناده وتأييده من قبل اهلل‪ .‬وان‬
‫أبناء الشعب خيافون اخلليفة أو امللك وال يعصون أوامره حيث أن عصيان اخلليفة أو امللك ما هو اال ش†كل‬
‫من أشكال عصيان اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وعص††يان اهلل يع††ين حتدي†ه والوق†وف ض††د تعاليم†ه وأوام††ره وش†ريعته‪.‬‬
‫وأمر كهذا جيلب للعاصي أنواع املشاكل والشرور يف احلياة األوىل واحلياة الثانية‪.‬‬

‫ومن اجلدير باملالحظة أن احلكم السياسي إلمرباطور الصني واليابان واحلكم السياسي مللوك إنكل††رتا وأملاني††ا‬
‫س ††ابقا يعتم ††د على نظري ††ة التف ††ويض اإلهلي أي اعتم ††اد ش ††رعية وق ††وة الس ††لطة على إرادة اهلل ومش ††يئته ال ††يت‬
‫تتجس††د يف ض††رورة حكم اجملتم††ع من قب††ل املل††ك أو الس††لطان‪ .‬فاملل††ك حيكم اجملتم††ع مبوجب الرس††الة اإلهلي††ة‬
‫املقدسة اليت استلمها من قبل اهلل‪ .‬وهنا تكون شرعية سلطته واض††حة وال ميكن األح††د أن يع††رتض عليه††ا أو‬
‫يتحداها ألن هذا يقف ضد إرادة اهلل وقوانينه السماوية املقدسة‪.‬‬

‫المبررات التي تستند على العادات واألعراف االجتماعية‬ ‫[‪]2‬‬

‫وق† ††د تس† ††تند الس† ††لطة ال على ال† ††دين وإرادة اهلل ب† ††ل تس† ††تند على الع† ††ادات والتقالي† ††د والس† ††وابق واألع† ††راف‬
‫وقوانينه†ا العقائدي†ة والس†لوكية‪ .‬وتعت†رب ه†ذا الع†ادات والتقالي†د واألع†راف االجتماعي†ة كأش†ياء مقدس†ة جيب‬
‫إطاعته††ا والتص††رف مبوجبه††ا‪ .‬فالع††ادات والتقالي††د واألع††راف االجتماعي††ة ال††يت هي ض††وابط وأحك††ام أخالقي††ة‬
‫وس ††لوكية هي ال ††يت تؤك ††د على ض ††رورة حكم اجملتم ††ع من قب ††ل مل ††ك أو رئيس معني‪ .‬وهن ††ا يك ††ون احلكم‬
‫العادات واألعراف االجتماعية قوة خارجية ملزمة تدفع األفراد واجلماعات إىل التحلي بالقوتني ال††يت تقره††ا‬
‫الع† ††ادات والتقالي† ††د واألع† ††راف(‪ .)25‬ان الع† ††ادات والتقالي† ††د والس† ††وابق االجتماعي† ††ة تع† ††رب عن ض† ††مري األم† ††ة‬
‫وطموحات وأماين الشعب من†ذ أق†دم العص†ور‪ .‬فق†د اخت†ار أبن†اء الش†عب ه†ذه الع†ادات واألع†راف يف ال†زمن‬
‫الس ††ابق عن طري ††ق اخلط ††أ والتجرب ††ة وم ††دى مالئمته ††ا للظ ††روف واحلاج ††ات واملش ††كالت االجتماعي ††ة وبع ††د‬
‫اختياره ††ا واعتماده ††ا من قب ††ل أبن ††اء الش ††عب يف ض ††بط العالق ††ات والس ††لوك ب ††رهنت بأهنا ق ††ادرة على حتدي ††د‬
‫العمليات االجتماعية اليت يريدها أبناء اجملتمع واليت من شأهنا أن تطور اجملتمع وحتق††ق وحدت††ه ومتاس††كه(‪.)26‬‬
‫هلذا جيب أن يس††تمر مفعوهلا وتأثريه††ا اذا أراد اجملتم††ع أن حياف††ظ على كيان††ه وحيرز التق††دم والتط††ور وال††رقي‬

‫‪130‬‬
‫ال††ذي يض††من س††عادته ومس††تقبل أبنائ††ه‪ .‬اذا ك††انت الع††ادات واألع††راف االجتماعي††ة مثال ت††دعم س††لطة عائلي††ة‬
‫معين††ة ومتنحه††ا ش††رعية حكم اجملتم††ع‪ ،‬ف††ان على ه††ذه العائل††ة االس††تمرار يف حكم اجملتم††ع واحلكم يك††ون هن††ا‬
‫وراثي††ة أي أن احلكم والق††وة تس††لم من األج††داد إىل اآلب††اء ومن اآلب††اء إىل األبن††اء‪ ،‬ومث††ل ه††ذا احلكم يك††ون‬
‫ش††رعيا وملزم††ا بس††بب ق††وة التقالي††د واألع††راف ال††يت تدعم††ه وت††ربر ش††رعيته وقانونيت††ه ويف نفس ال††وقت ت††دفع‬
‫أبن††اء اجملتم††ع إىل طاعت††ه وتأيي††ده ومحايت††ه‪ .‬ومن أمثل††ة الس††لطة التقليدي††ة س††لطة ملك††ة بريطاني††ا وس††لطة مل††وك‬
‫السويد والدامنارك وأسبانيا وسلطة اغلب األنظمة امللكية يف العامل‪.‬‬

‫المبررات الدستورية والعقالنية‬ ‫[‪]3‬‬

‫ال تس ††تند الس ††لطة على عام ††ل ال ††دين وعام ††ل الع ††ادات والتقالي ††د االجتماعي ††ة فق ††ط ب ††ل تس ††تند على العوام ††ل‬
‫الدستورية والعقالنية‪ .‬وهذا يعين أن شرعية السلطة تعتمد على قوة القانون والدستور والعقل‪ .‬فالس††لطة يف‬
‫اجملتمع الصناعي الدميقراطي احلديث غالبًا ما تكون دستورية وعقالني†ة‪ ،‬أي أن م†ربرات حكمه†ا ترتك†ز أم†ا‬
‫على االنتخابات الربملانية أو حكم القانون وسيادته أو كفاءة ومقدرة رئيسها أو قائدها‪ ،‬إض†افة إىل مق†درة‬
‫وكف††اءة األش†خاص ال†ذين يش†غلون مراك†ز الق††وة واحلكم في†ه‪ .‬أن الس†لطة ال†يت ت†ربر قوهتا حبكم الدس†تور يف‬
‫الس ††لطة ال ††يت تعتم ††د على االنتخاب ††ات الدميقراطي ††ة‪ ،‬ه ††ذه االنتخاب ††ات ال ††يت ينظمه ††ا الدس ††تور وحيدد طبيعته ††ا‬
‫وص ††ورهتا‪ .‬فالدس ††تور ه ††و ال ††ذي حيدد طبيع ††ة وأمهي ††ة الس ††لطة التش ††ريعية وحيدد كيفي ††ة انتخاهبا وحله ††ا‪ ،‬لكن‬
‫االنتخاب ††ات العام ††ة هي ال ††يت جتلب الس ††لطة إىل احلكم‪ ،‬فالش ††عب من خالل عملي ††ة االنتخ ††اب يص ††وت إىل‬
‫احلزب أو الفئ††ة ال††يت يري††دها أن حتكم اجملتم††ع ‪ .‬وبع††د عملي††ة التص††ويت وف††وز احلزب بأغلبي††ة األص††وات مينح‬
‫حري††ة تك††وين احلكوم††ة ال††يت متارس الس††لطة السياس††ية بأكمله††ا‪ .‬وهن††ا تعت††رب الس††لطة ش††رعية ألن الش††عب ه††و‬
‫ال††ذي اختاره††ا بطريق††ة االنتخاب††ات واالس††تفتاء وخوهلا حبكم††ه وتقري††ر مص††ريه(‪ .)28‬ومن أمثل††ة الس††لطة ال††يت‬
‫تستند على املربرات الدس†تورية معظم دول أورب†ا الغربي†ة ال†يت ختت†ار حكوماهتا عن طري†ق التص†ويت الربملاين‬
‫کربيطانيا وفرنسا والسويد وأملانيا االحتادية وكندا والواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫والس ††لطة الدس ††تورية هي الس ††لطة العقالني ††ة حيث أن اختياره ††ا يك ††ون من حمض إرادة أغلبي ††ة أبن ††اء اجملتم ††ع‪.‬‬
‫وإهنا ال تعتم†د على الق††وانني القبلي†ة والعش†ائرية ال†يت تأخ†ذ بعني االعتب†ار أمهي†ة األع††راف والع††ادات والتقالي†د‬

‫‪131‬‬
‫يف حكم اجملتم ††ع ب ††ل تعتم ††د على حكم الق ††انون ومب ††دأ املواطن ††ة ال ††ذي يس ††اوي مجي ††ع األف ††راد يف الواجب ††ات‬
‫واحلق ††وق وينظ††ر اليهم نظ††رة متكافئ††ة تعتم††د على مب††ادئ املس††اواة والعدال††ة االجتماعي††ة‪ .‬وعقالني††ة الس††لطة‬
‫الدستورية تعتمد أيضًا على مبدا وضع الشخص املناسب يف املكان املناسب‪ ،‬فاالعتبارات العائلي†ة والقرابي†ة‬
‫والعاطفي ††ة ال ت ††دخل يف اختي ††ار الش ††خص للمرك ††ز ال ††وظيفي احلس ††اس يف حال ††ة الس ††لطة العقالني ††ة حيث أن‬
‫عملي††ة االختي††ار تعتم††د بص††ورة مباش††رة على كف††اءة ومه††ارة الش††خص يف العم††ل ال††ذي ينس††ب إلي††ه(‪ .)29‬أذن‬
‫السلطة الدستورية هي السلطة اليت تتالئم مع ظروف ومتطلبات اجملتمع احلديث‪ ،‬اجملتم††ع ال††ذي يعتم††د على‬
‫مبادئ التصنيع والتحضر والتحديث الشامل‪ ،‬وأن مربراهتا تستند على االنتخابات العام†ة‪ ،‬ثق†ة الش†عب هبا‪،‬‬
‫كقامته † ††ا و مهارهتا يف أداء األعم † ††ال ال † ††يت حيتاجه † ††ا اجملتم † ††ع وأخ † ††ريا اعتماده † ††ا على املب † ††ادئ الدميقراطي † ††ة‬
‫واملوض††وعية يف اختي††ار األش††خاص ال††ذين يش††غلون مراكزه††ا احلساس††ة ونظرهتا نظ††رة متس††اوية جلمي††ع األف††راد‬
‫واجلماع††ات مهم††ا تكن خلفياهتا االجتماعي††ة واحنداراهتا الطبقي††ة(‪ .)30‬وميكن اعتب††ار الس††لطة يف مص††ر س††لطة‬
‫دس ††تورية وعقالني ††ة اآلن مجي ††ع الص ††فات الدس ††تورية والعقالني ††ة تنطب ††ق عليه ††ا‪ .‬فوج ††ود الق ††وانني الش ††مولية‬
‫واجلماعي††ة ال††يت تنطب††ق على مجي††ع األف††راد بالتس††اوي ووج††ود اجملالس الوطني††ة والتش††ريعية والش††عبية ال††يت يتم‬
‫انتخاهبا ب††الطرق الدميقراطي††ة احلق††ه ووج††ود التمثي††ل النق††ايب وامله††ين ومس††اواة املرأة م††ع الرج††ل يف الواجب††ات‬
‫واحلقوق االجتماعية تشري مجيعها إىل أن السلطة يف مصر تستند على املبادئ العقالنية والدستورية‪.‬‬

‫المبررات الكرزماتيكية‬ ‫[‪]4‬‬

‫تس††تند الس††لطة على املربرات الكرزماتيكي††ة عن††دما يتمت††ع قائ††دها بص††فات متم††يزة وفري††دة من نوعه††ا كص††فة‬
‫الذكاء اخلارق والنبوغ‪ ،‬القدرة على حل املشاكل اوجماهبة التحديات‪ ،‬القدرة على توحيد أعضاء اجلماعة‪،‬‬
‫ال†ربوز يف حق†ول العلم واملعرف†ة‪ ،‬اللباق†ة يف الكالم والقابلي†ة على إقن†اع الغ†ري باألفك†ار واملواق†ف ال†يت حيمله†ا‬
‫وهك † ††ذا (‪ .)31‬وه † ††ذه الص † ††فات ال يتمت † ††ع هبا أي ش † ††خص يف اجملتم † ††ع م † ††ا ع † ††دا القائ † ††د الك † ††رز م † ††اتيكي (‬
‫‪ )Charismatic Leader‬ال ††ذي بفض ††ل ص ††فاته اجلذاب ††ة وشخص ††يته الالمع ††ة وقدرات ††ه غ ††ري احملدودة يف‬
‫جماهبة احملن والشدائد والتحديات يستطيع كسب وتأييد اجلماهري له وااللتفاف حوله(‪ .)32‬وغالب††ا م††ا ي††دعي‬
‫القائ††د الكوزم††اتيكي ب††أن ل††ه رس††الة مقدس††ة جيب العم††ل من أج††ل حتقيقه††ا ووض††عها موض††ع التنفي††ذ وان ل††ه‬
‫رؤی ثاقب††ة وتص††ور ش††امل لألم††ور واملش††اكل واألح††داث احلاض††رة ويس††تطيع تنب††ؤ مس††تقبل اجملتم††ع ومص††ريه‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫والقائد الكرزماتيكي ال يتصرف مبوجب األحكام والقوانني بل يتص†رف مبوجب أهوائ†ه ودوافع†ه ورغبات†ه‪،‬‬
‫وي ††ربر تص ††رفه ه ††ذا بقدرت ††ه على معرف ††ة وحتلي ††ل األم ††ور ومواجهته ††ا مواجه ††ة حقيقي ††ة وحامسة وإخالص ††ه‬
‫للمجتمع وتفاني†ه يف خدمت†ه والتض†حية من أجل†ه‪ ،‬والتص†رف الف†ردي ال†ذي ينتهج†ه القائ†د وال†ذي ال خيض†ع‬
‫احلكم القانون جيعله دكتاتورة ال حتد سلطته الواسعة أية حدود أو ضوابط‪.‬‬
‫(‬
‫ومن اجلدير باإلش††ارة أن القائ††د الكرزم††اتيكي يظه††ر وقت األزم††ات والش††دائد والنكب††ات ال††يت تلم ب††اجملتمع‬
‫‪ .)33‬وبع††د ظه††وره يفص††ح للش††عب بأن††ه ق††ادر على إنق††اذه من األزم††ات والش††دائد‪ ،‬وبفض††ل ص††فاته القيادي††ة‬
‫اجلذابة ووعوده املغربية بثق به اجملتمع ومينحه السلطة املطلق††ة للتص††رف بش†ؤونه ومص††ريه كم†ا يش†اء‪ .‬ولكن‬
‫اجملتمع ينتظر االنتص†ارات واملنج†زات من القائ†د الكوزم†اتيكي‪ ،‬ف†اذا جنح يف حتقي†ق الوع†ود ال†يت قطعه†ا على‬
‫نفسه ألفراد جمتمعه فان کرزماتيكيته ستقوی وتتعمق ويس†تمر حبكم اجملتم†ع وحيص†ل على املزي†د من ال†دعم‬
‫والتأيي††د‪ .‬أم ††ا إذا فش††ل يف حتقي††ق الوع ††ود واأله††داف ف††ان ص ††فة الكرزم ††ة ستض ††عف عن††ده أو تتالش††ى وهن††ا‬
‫(‬
‫يتحول القائ†د إىل ش†خص اعتي†ادي ال يس†تطيع حكم اجملتم†ع لف†رتة أط†ول بس†بب س†حب الش†عب الثق†ة من†ه‬
‫‪ .)34‬وأمور كهذه ستدفع القائد إىل التع†رض ألزم†ات نفس†ية واجتماعي†ة ح†ادة ق†د تس†بب انتح†اره أو وفات†ه‬
‫بص ††ورة غ ††ري متوقع ††ة ومن أمثل††ة الق ††ادة الك††رز م ††اتيكيني ال††ذين ش††هدهم الت††اريخ ن††ابليون وهتل††ر وموس††یلینی‬
‫وستالني‪.‬‬

‫مبررات المصلحة العامة والصالح العام‬ ‫[‪]5‬‬

‫وش††رعية الس††لطة ق††د تس††تند على ادعائه††ا بأهنا تعم††ل من أج††ل حتقي††ق املص††لحة العام††ة‪ ،‬فالدول††ة ال††يت تس††تند‬
‫ش ††رعيتها على الص ††احل الع ††ام تعت ††رب مبثاب ††ة املؤسس ††ة الوحي ††دة ال ††يت تل ††يب مط ††اليب الص ††احل الع ††ام‪ ،‬وهي بعكس‬
‫اجلماعات األخرى اليت تعمل لص†احلها فق†ط وص†احل أفراده†ا ومنتس†بيها‪ .‬ان الدول†ة ه†ذه تعم†ل جلمي†ع فئ†ات‬
‫ومجاع ††ات اجملتم ††ع دون تفري ††ق أو متي ††يز بني مجاع ††ة وأخ ††رى(‪ .)35‬عن ††دما تس ††يطر الدول ††ة على وظ ††ائف األمن‬
‫ال††داخلي وال††دفاع اخلارجي وتق††دم اخلدمات الص††حية والثقافي††ة واالقتص††ادية لألف††راد وتس††يطر على خ††دمات‬
‫املاء والكهرب††اء والس††كك احلديدي††ة واملالح††ة اجلوي††ة ف††أن س††يطرهتا ه††ذه ختدم املص††لحة العام††ة ألبن††اء اجملتم††ع‪.‬‬
‫فخدمات املاء والكهرب†اء مثال ال تق†دم إىل جمموع†ة من الن†اس ب†ل تق†دم جلمي†ع أبن†اء اجملتم†ع بغض النظ†ر عن‬

‫‪133‬‬
‫احنداراهتم الطبقي ††ة وخلفي ††اهتم االجتماعي ††ة ومس ††توياهتم الثقافي ††ة والعلمي ††ة‪ ،‬والدول ††ة عن ††د تق ††دميها مث ††ل ه ††ذه‬
‫اخلدمات الض††رورية ألبن††اء اجملتم††ع ال تنظ††ر إىل موض††وع ال††ربح االقتص††ادي بق††در م††ا تنظ††ر إىل جته††يز األف††راد‬
‫والعوائل باملاء والكهرباء الذي حيتاجونه يف حياهتم اليومية‪ .‬اذن غرض الدول†ة من خدم†ة أف†راد الش†عب ه†و‬
‫حتقيق املصلحة العامة‪ .‬وهذا الغرض خيتلف عن أغراض اهليئات واملؤسسات اخلاصة اليت قد تقدم مثل ه††ذه‬
‫اخلدمات للمجتمع‪ .‬فهذه املؤسسات واهليئات ال تنظر إىل موضوع الصاحل العام بقدر ما تنظر إىل األرب††اح‬
‫العالية اليت تتوقعها أو املعاملة التفضيلية اليت تقدمها اجلماعة من الناس دون اجلماعة األخرى‪.‬‬

‫ومفهوم املصلحة العامة ال يعين سد وإشباع حاجات أغلبية أبناء الشعب اخلدم†ة معين†ة أو بض†اعة معين†ة ب†ل‬
‫يع††ين قي††ام مؤسس††ات القط††اع الع††ام بتلبي††ة حاج††ات وأم††اين مجي††ع عناص††ر وقطاع††ات الش††عب بغض النظ††ر عن‬
‫درج††ة قرهبا أو بع††دها عن الس††لطة‪ .‬أن ت††أميم الب††رتول يف الع††راق ع††ام ‪ 1972‬من قب††ل حكوم††ة الث††ورة ج††اء‬
‫ليخدم املصلحة العام†ة من حيث أن أرب†اح الب†رتول ال†يت ك†انت جتنيه†ا الش†ركات االحتكاري†ة أص†بحت بع†د‬
‫الت † ††أميم ملك † ††ا للحكوم † ††ة العراقي † ††ة‪ .‬وق † ††د اس † ††تثمرت ه † ††ذه األرب † ††اح يف تنفي † ††ذ خط † ††ط التنمي † ††ة االقتص † ††ادية‬
‫واالجتماعية‪ .‬هذه اخلطط اليت تطور اجملتمع وختدم طموحات أبنائ†ه‪ .‬اذن تعتم†د ش†رعية الس†لطة على س†عي‬
‫الدول††ة وراء حتقي††ق املص††لحة العام††ة ال††يت ختتل††ف ب††ل وتتن††اقض م††ع املص††لحة اخلاص††ة‪ .‬وس††عي الدول††ة من أج††ل‬
‫حتقي††ق املص††لحة العام††ة ه††و ال††ذي جيعله††ا ختتل††ف عن بقي††ة املنظم††ات االجتماعي††ة األخ††رى ويف نفس ال††وقت‬
‫مينحه††ا ص††فة القانوني††ة والش††رعية ال††يت ال ميكن ألي ف††رد أو مجاع††ة أن تتح††داها وتقل††ل من ش††اهنا بأي††ة ص††ورة‬
‫من الصور‪.‬‬

‫ومهما تكن مربرات شرعية السلطة فان احلكام يعمدون يف رسم سياستهم إىل وس††يلتني مها وس††يلة اإلقن††اع‬
‫ووسيلة اإلكراه أو استعمال القوة(‪.)36‬‬

‫أنواع الدول والسلطات السياسية‬

‫ال توج††د هن††اك ح††دود ثابت††ة ومس††تقرة تفص††ل النظم السياس††ية يف الع††امل بعض††ها عن البعض اآلخ††ر‪ ،‬فال††دول‬
‫والسلطات ال تكون على منط واحد بل تكون على أمناط خمتلفة‪ ،‬وبالرغم من هذه احلقيقة فال توج††د دول††ة‬
‫أو سلطة تتميز بنظام سیاس†ي معني جيعله†ا ختتل†ف عن ال†دول والس†لطات األخ†رى‪ .‬لكن هن†اك ثالث†ة أن†واع‬

‫‪134‬‬
‫رئيس††ية من الس††لطات السياس††ية‪ ،‬وال توج††د دول††ة يف الع††امل يف ال††وقت احلاض††ر تعتم††د على منط من الس††لطة‬
‫دون غ††ريه من األمناط‪ ،‬فال††دول ال تنتهج نظ††ام س††لطوية متم††يزة ب††ل تنتهج مزجيا من األنظم††ة الس††لطوية ال††يت‬
‫سنش ††رحها بع ††د قلي ††ل‪ .‬وم ††ع ه ††ذا ف ††ان هن ††اك جمتمع ††ات تنتهج نظ ††ام س ††لطوية معين ††ة دون غ ††ريه من األنظم ††ة‬
‫السلطوية األخرى‪ .‬لكن مجيع الدول تتبع مزجيا من األنظمة السلطوية املعروفة‪ .‬وبالنظام السلطوي ال تع††ين‬
‫النظام الدكتاتوري بل النظام الذي يعتمد على السلطة والسيادة‪.‬‬

‫وتقس ††يم الس ††لطات أو ال ††دول يف الع ††امل يس ††تند على عام ††ل ش ††رعية النظ ††ام السياس ††ي ال ††ذي تدعي ††ه الدول ††ة‪.‬‬
‫فشرعية الدولة ق†د تعتم†د على الس†لطة الش†رعية والعقالني†ة ( ‪ )Rational - Legal Authority‬أو‬
‫تعتم† † ††د الس† † ††لطة التقليدي† † ††ة (‪ )Traditional Authority‬أو تعتم† † ††د على الس† † ††لطة الكرزماتيكي † ††ة (‬
‫‪ .)Charismatic Authority‬ففي حال ††ة الس ††لطة الش ††رعية العقلي ††ة ي ††دعى أعض ††اء الدول ††ة بض ††منهم‬
‫ال ††رئيس أو املل ††ك ب ††أن س ††لطتهم وس ††يادهتم تعتم ††د على قاع ††دة الشخص ††ية‪ ،‬وان مراك ††زهم وم ††ا يكتنفه ††ا من‬
‫حقوق وواجبات حتدد حتديدًا شرعيًا عقالنيًا يعتمد على مبدأ وضع الشخص املناسب يف املك††ان املناس††ب‪،‬‬
‫وان ه ††ذه الس ††لطة تكمن يف النظ ††ام الش ††رعي العقالين ذات ††ه وليس يف الشخص ††يات ال ††يت حتت ††ل املراك ††ز وتت ††اثر‬
‫باالعتب ††ارات اجلانبي ††ة کاحملس ††وبية واملنس ††وبية واجلاه والنف ††وذ وص ††لة العائل ††ة والقراب ††ة‪ ...‬اخل‪ ،‬وتعتم ††د ه ††ذه‬
‫الس††لطة على املب††ادئ البريوقراطي††ة يف اإلدارة والتنظيم ومتش††ية األم††ور واملع††امالت‪ .‬والبريوقراطي††ة كم††ا نعلم‬
‫تنتهج األس††اليب واملمارس††ات الرمسية وتعتم††د على مب††دأ الكف††اءة والق††درة يف تأدي††ة ال††واجب وختض††ع حلكم‬
‫القانون (‪ )The Rule of Law‬خضوعًا تامًا ومطلقًا(‪.)36‬‬

‫أم ††ا الس ††لطة التقليدي ††ة يف اجملتم ††ع ف ††رتتكز على قاع ††دة أص ††الة التقالي ††د والع ††ادات واألع ††راف االجتماعي ††ة ال ††يت‬
‫حتكم اجملتم ††ع وحتدد س ††لوكية وعالق ††ات أعض ††ائه‪ .‬اوش ††اغلو الس ††لطة التقليدي ††ة يؤك ††دون ع ††ادة على أمهي ††ة‬
‫املاضي السحيق والسوابق املتعارف عليها حيث أهنا حجر الزاوية للطاعة واالح††رتام وتنفي††ذ األوام††ر يف ه††ذا‬
‫النوع من النظام‪ .‬إّال أن هناك فروق†ة أساس†ية بني النظ†ام العقلي الش†رعي للس†لطة والنظ†ام التقلي†دي للس†لطة‬
‫جيب ذكره††ا وتوض††يحها هن††ا‪ .‬الف††رق األول ه††و ان عقالني††ة الس††لطة يف النظ††ام الش††رعي تتجس††د يف اعتب††ار‬
‫الق ††وانني وس ††ائل فعال ††ة لتحقي ††ق غاي ††ات س ††امية ي ††ؤمن هبا اجملتم ††ع ويعتق ††د بأمهيته ††ا وفاعليته ††ا‪ .‬يف حني يعت ††رب‬
‫النظ ††ام التقلي ††دي للس ††لطة الق ††وانني والس ††وابق على أهنا أش ††ياء مقدس ††ة وس ††امية الب ††د من إطاعته ††ا واحرتامه ††ا‬

‫‪135‬‬
‫واخلض††وع لش††روطها وأوامره††ا وبنوده††ا(‪ .)38‬هلذا تس††مح الس††لطة الش††رعية والعقالني††ة بس††ن ق††وانني جدي††دة‬
‫تتالئم م ††ع طبيع ††ة اجملتم ††ع وحاجات ††ه املتط ††ورة‪ .‬يف حني ال تس ††مح الس ††لطة التقليدي ††ة بس ††ن الق ††وانني اجلدي ††دة‬
‫وإلغاء القوانني القدمية حيث أن القوانني القدمية هي أشياء مقدسة وس††امية ال ميكن تب††ديلها أو إهناء مفعوهلا‬
‫مهما كانت األمور‪.‬‬

‫والفرق الثاين بني النظامني السياسيني هو أن الن†وع الش†رعي للس†لطة ه†و نظ†ام سياس†ي يتس†م بالعقالني†ة من‬
‫حيث أن القوانني تعترب نظاما متكامال من األحكام اجملردة املتنوعة واملتشعبة وال††يت ميكن تطبيقه††ا على مجي††ع‬
‫احلاالت ال ††يت تظه ††ر إب ††ان ف ††رتة احلكم‪ .‬فالق ††انون يف النظ ††ام الش ††رعي يلعب ال ††دور املهم يف حتدي ††د الس ††لوك‬
‫والعالقات االجتماعية والسياسية وحتديد احلقوق والواجبات‪ ،‬بينما القوانني يف النظام التقلي††دي تعت††رب مبثاب††ة‬
‫س†وابق غ†ري متكامل†ة وال متص†لة بعض†ها ببعض اتص†اًال علمي†ة ومنطقي†ة‪ .‬هلذا تك†ون ق†وانني الس†لطة التقليدي†ة‬
‫جام ††دة ومتحج ††رة وال ميكن تطبيقه ††ا على احلاالت اجلدي ††دة ال ††يت تظه ††ر يف اجملتم ††ع خالل ف ††رتة احلكم‪ .‬ل ††ذا‬
‫يب ††ادر النظ ††ام التقلي ††دي للس ††لطة مبنح احلك ††ام مطل ††ق احلري ††ة يف اس ††تعمال ص ††الحياهتم واجته ††اداهتم وآرائهم‬
‫اخلاص ††ة يف ح††ل القض ††ايا واملش††اكل ال††يت متر أم ††امهم‪ .‬وهن††ا يؤك††د ه ††ذا النظ††ام على أمهي††ة األش††خاص ال††ذين‬
‫حيتل ††ون املراك ††ز القيادي ††ة يف الس ††لطة‪ ،‬فهم حيل ††ون حمل األحك ††ام والق ††وانني ال ††يت تس ††ري أم ††ور اجملتم ††ع وحتدد‬
‫سلوكية وفاعلية أفراده ورعاياه‪.‬‬

‫أما النوع الكراماتيكي للسلطة فانه يؤكد على أمهية الصفات واملزايا الشخصية اجلذاب†ة واخلارق†ة ال†يت يتمت†ع‬
‫هبا الشخص الذي يدعي السلطة واحلكم‪ .‬إن اص†طالح كرزم†ة (‪ )Charisma‬يع†ين هب†ة ال†رب ال†يت ينعم‬
‫هبا على أشخاص قالئل حبيث يصبح الشخص الذي حيمل اهلبة الربانية هذه قائدا للمجتمع واألمة‪ .‬وقد ال‬
‫ي ††دعي القائ ††د الكرزم ††اتيكي بان ††ه يتمت ††ع بص ††فات وق ††وة رباني ††ة غ ††ري ان ††ه من خالل اتص ††االته واحتكاك ††ه م ††ع‬
‫اجلماهري تظهر هذه الص†فات عن†ده وجتعل†ه خمتلف†ا عن بقي†ة األش†خاص ومتم†يزا عليهم‪ ،‬ومث†ل ه†ذه الص†فات‬
‫الن††ادرة واملتم††يزة ال††يت حيمله††ا القائ††د هي ال††يت ت††دفع اتباع††ه وأبن††اء جمتمع††ه على احرتام††ه وتق††ديره وااللتف††اف‬
‫حول††ه ومتكن††ه من قي††ادة اجملتم††ع وحکم††ه(‪ .)39‬وغالب††ا م††ا يك††ون القائ††د الكوزم††اتيكي ثوري††ا بس††لوكه وأس††اليبه‬
‫االجتماعي††ة والسياس††ية‪ .‬ولكن جيب أن نوض††ح هن††ا ب††ان العناص††ر الك††رز ماتيكي††ة للس††لطة غالب††ا م††ا ختل††ط م††ع‬
‫العناصر الشرعية العقلية والعناصر التقليدية للس†لطة‪ .‬بي†د ان القائ†د الكرزم†اتیکی غالب†ا م†ا يعلن س†لطته ض†د‬

‫‪136‬‬
‫التقاليد واألحكام الشرعية والعقلية املوجودة يف اجملتمع‪ .‬أو مبعىن آخر انه يعلو على الق††وانني والتقالي††د نظ††را‬
‫العتق††اده اجلازم حبتمي††ة تنفي††ذ الرس††الة التارخيي††ة ال††يت تس††اعد اجملتم††ع على بل††وغ أهداف††ه وطموحات††ه املنش††ودة‪.‬‬
‫وبس††بب الص††فات الالمع††ة ال††يت يتمت††ع هبا القائ††د الكروم††اتيكي حيرتم ه††ذا القائ††د ويق††در تق††ديرًا فائق†ًا من قب††ل‬
‫أبن††اء جمتمع††ه إىل درج††ة أن اتباع††ه يع††ربون عن اس††تعدادهم يف التض††حية بأنفس††هم وأم††واهلم من أج††ل محايت††ه‬
‫وعزته ورفعته‪ .‬ويعترب أبناء اجملتمع القائد الكرزماتیکی عاملة ومتض†لع يف ع†دة مه†ارات وحق†ول علمي†ة وان†ه‬
‫قادر على إنقاذ اجملتمع من املشكلة أو الفاجعة اليت أملت به وقيادته من الفشل إىل النصر احملقق‪.‬‬

‫الهوامش والمصادر‬

‫‪1.‬‬ ‫‪Benn, S, and Peters, R. Social Principles and the Democratic‬‬


‫‪State, George Allen and Unwin, London, 1959, P. 57.‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Lasswell, H. Kaplan, A. Power and Society, New Haven, Yale‬‬
‫‪University Press, 1950, P. 181.‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Benn, S, and Peters, R. Social Principles and the Democratic‬‬
‫‪State, P. 18.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Mackenzie, J.S. Outline of Social Philosophy, George Allen‬‬
‫‪and Unwin, London, 1961, P. 133.‬‬

‫‪137‬‬
5. Maclver, R. and Page, C. Society, The Macmillan Co.,
London, 962, P. 453.
6. Ibid., P. 455.
7. Benn, S, and Peters, R. Social Principles and the Democratic
State, P. 257.
8. Ibid. , P. 258.
9. Laski, H. A Grammar of Politics, London, 1951, P. 219.
10. Hegel, W.F. The Phenomenology of the Spirit, London, 1947,
See the Introduction.
11. Hobhouse, L.T. and et al. The Material Culture of Simpler
People, London, 1964, P. 23.
12. Davis, K. Human Society, The Macmillan Co., New York,
1967, P.5.
.149‫ ص‬،1976 ،‫ بغداد‬،‫ دراسة نظامية‬:‫ علم االجتماع‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .13
.42-40‫ ص‬،1959 ،‫ بريوت‬،‫ أهل املدينة الفاضلة‬:‫الفارايب‬ .14
15. Maclver, R. and Page, C. Society, P. 15.
16. Ibid. , P. 16.
17. Field, G. Political Theory, London, 1962, P. 105.
18. Alexeyev, S. and et al. A Short History of the U.S.S.R.
Moscow, 1975, P. 165.
19. Bosanquet, F. The Philosophical Theory of the State, London ,
1952, PP. 10-11.

138
20. Fletcher, P. Family and Industrialization in the Twentieth
Century, A Pelican Book , Middesex, England, 1963, See the
Introduction.
21. Levi-Strauss, C. Social Structure in A.L. Kroeber (Ed.)
Anthropology To-day, Chicago, 1953, PP. 524-526.
22. Laski, H. An Introduction to Politics, London, 1948,
PP. 92-93.
23. Benn, S, and Peters, R. Social Principles and the Democratic
State , P. 299.
24. Hegel, W.F. The Philosophy of Right, London, 1955, See the
Introduction.
25. Benn, S, and Peters, R. Social Principles and the Democratic
State , P. 307.
26. Sumner, W.G. Folkways, New York, 1934, PP. 709.
27. Simon, R. The Philosophy of Democratic Government,
Chicago, 1951, PP. 20-22.
28. Ibid. , P. 25.
29. Crosland, A. The Future of Socialism, London, P. 8.
30. Ibid. , P. 195.
31. Weber, M. The Theory of Social and Economic Organization
The Free Press, 1947, P. 189.
32. Ibid. , P. 191
33. Ibid. , P. 193.

139
‫ثيماشيف‪ ،‬نظرية علم االجتماع‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممود عودة وآخ††رون‪ ،‬الق††اهرة‪ ،‬دار املع††ارف‪،۱۹۷۰ ،‬‬ ‫‪.34‬‬
‫ص ‪. ۲۹۹‬‬
‫‪35. Green, T.H. Lectures on the Principles of Political Obligation,‬‬
‫‪Londons, London, 1948, See the Introduction.‬‬
‫شفيق‪ ،‬حسان حممد (الدكتور)‪ .‬الدستور‪ ،‬مطبعة جامعة بغداد‪ ،1981 ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪.36‬‬
‫‪37. H. Gerth and C.W. Mills. From Max Weber New York, 1948,‬‬
‫‪, PP.196-199.‬‬
‫‪38. Ibid., P. 204.‬‬
‫‪39. Ibid., P.211.‬‬

‫الفصل الثامن‬

‫األحزاب السياسية‬

‫ال ميكنن††ا فهم واس††تيعاب املؤسس††ات السياس††ية يف اجملتم††ع من حيث تراكيبه††ا ووظائفه††ا وعالقاهتا الداخلي††ة‬
‫واخلارجي††ة واديولوجيته††ا وأمناط س††لوكيتها وتفاعالهتا االجتماعي††ة الرمسية وغ††ري الرمسية دون دراس††ة وحتلي††ل‬
‫األح ††زاب السياس ††ية‪ .‬ف ††األحزاب السياس ††ية هي من أهم املؤسس ††ات املعاص ††رة ال ††يت ت ††ؤثر يف جمری األح ††داث‬
‫السياسية يف اجملتمع واآلثار اليت ترتكها هذه األحداث يف بنية وفعالي†ات وتق†دم اجملتم†ع وهنوض†ه‪ ،‬لكن أمهي†ة‬
‫(‪)۱‬‬
‫األح††زاب السياس††ية تكمن يف منافس††ة بعض††ها البعض اآلخ††ر "يف اس††تالم مراك††ز احلكم وممارس††ة الس††لطة"‬
‫للس††يطرة على أم††ور ومق††درات اجملتم††ع‪ .‬واحلزب السياس††ي ال††ذي يف††وز يف اس††تالم مف††اتیح احلكم ه††و احلزب‬

‫‪140‬‬
‫األك††ثر تنظيم††ا ووعي††ا وق††درة وكف ††اءة‪ ،‬وه ††و احلزب ال††ذي ي††ؤمن بأديولوجي††ة اجتماعي††ة وسياس††ية تنب††ع من‬
‫معطيات وتناقضات الواقع االجتماعي والسياسي الذي يظه††ر في†ه احلزب السياس†ي‪ .‬واذا ك†انت اديولوجي†ة‬
‫احلزب تع ††رب عن أفك ††ار وطموح ††ات اجلم ††اهري وتنس ††جم م ††ع حاجاهتا ومص ††احلها وتطلعاهتا وأماهلا احلاض ††رة‬
‫واملستقبلية فان احلزب البد أن يلقي الدعم والتأييد من قبلها‪ .‬وهنا يستطيع استالم السلطة وقيادة اجلماهري‬
‫مبا حيق† ††ق طموحاهتا وأه† ††دافها(‪ .)2‬ومن أس† ††رار ظف† ††ر وجناح احلزب بص† ††ورة عام† ††ة اس† ††تنباط أفك† ††اره وقيم ††ه‬
‫وممارس ††اته واديولوجيت ††ه االجتماعي ††ة والسياس ††ية والفلس ††فية من واق ††ع ومعطي ††ات ومعان ††اة اجلم ††اهري العربي ††ة‬
‫وكفاحه من أجل وحدة الوطن العريب اليت تساعد على قوته وقدرته وكفاءته يف حترير اجلماهري العربي†ة من‬
‫الس††يطرة اإلمربيالي††ة والص††هيونية ومن االس††تغالل الطبقي والقه††ر االجتم††اعي‪ .‬وحق††ائق سياس††ية واجتماعي††ة‬
‫كه ††ذه الب ††د أن تق ††ود إىل التط ††ور والتق ††دم االقتص ††ادي والعلمي واالجتم ††اعي ال ††ذي تس ††تفيد من ††ه اجلم ††اهري‬
‫العربية يف حاضرها ومستقبلها‪.‬‬

‫يهدف هذا الفصل عن األحزاب السياسية دراسة أربعة مواضيع أساسية وهي‪:‬‬

‫املفهوم العلمي لألحزاب السياسية ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫وظائف األحزاب السياسية ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫اخللفية االجتماعية والطبقية لألحزاب السياسية ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أثر األحزاب السياسية يف تكوين وتبديل الرأي العام ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫المفهوم العلمي لألحزاب السياسية‬

‫األح† ††زاب السياس† ††ية هي منظم† ††ات اجتماعي† ††ة متماس† ††كة وموح† ††دة ينتمي إليه† ††ا األف† ††راد لتحقي† ††ق أه† ††دافهم‬
‫وأهداف اجملتمع الكبري وذلك من خالل العمل اجلدي بني صفوف أعضائها والنضال من أج†ل اس†تالم دف†ة‬
‫الس † ††لطة واحلكم ال † ††يت متكن احلزب السياس † ††ي من ترمجة أفك † ††اره ومعتقدات † ††ه وأديولوجيت † ††ه إىل واق† ††ع عم† ††ل‬
‫يس††تطيع تغي††ري اجملتم††ع ودفع††ه إىل أم††ام‪ ،‬واألح††زاب السياس††ية هي نتيج††ة حتمي††ة لتط††ور اجتم††اعي وحض††اري‬
‫كان ل†ه الفض†ل الكب†ري يف نق†ل التجمع†ات املهني†ة والسياس†ية والفكري†ة من مس†توی عف†وي ض†يق قاص†ر على‬
‫مهم††ات قريب††ة وأه††داف مباش††رة إىل مس††توى الش††مول والتنظيم والعالق††ات املوض††وعية والتطل††ع إىل أه††داف‬

‫‪141‬‬
‫كب ††رية وبعي ††دة‪ .‬ومن اجلدير باإلش ††ارة هن ††ا إىل أن ††ه ح ††ىت ع ††ام ‪ 1850‬مل يكن بل ††د من بل ††دان الع ††امل يع ††رف‬
‫وج††ود أح††زاب سياس††ية ب††املعىن احلديث للكلم††ة‪ .‬فق††د ك††انت هن††اك ن††واد ش††عبية ومجعي††ات فكري††ة وجتمع††ات‬
‫برملاني††ة واجتاه††ات لل††رأي الع††ام ولكن مل يكن هن††اك أح††زاب ب††املفهوم احلديث‪ ،‬ويف منتص††ف الق††رن التاس††ع‬
‫عشر جاءت مرحلة نشوء األحزاب السياسية‪ ،‬فظه†رت أح†زاب ذات منش†أ فك†ري وطبقي متع†دد اختلفت‬
‫معه أمساء تلك األحزاب وأنظمتها وبراجمها وأدوارها فكانت هناك أح†زاب تقدمي†ة وأخ†رى رجعي†ة‪ ،‬قومي†ة‬
‫أو إقليمي ††ة‪ ،‬اش ††رتاكية أو برجوازي ††ة ‪ ...‬اخل فالب ††د على ض ††وء ذل ††ك من حتدي ††د للمفه ††وم احلديث لألح ††زاب‬
‫السياس††ية‪ .‬وبص††ورة عام††ة ميكن اعتب††ار احلزب السياس††ي على أن††ه جمموع††ة من األف††راد جتمعهم فك††رة معين††ة‬
‫تدفعهم للعم†ل املتواص†ل يف س†بيل اس†تالم الس†لطة أو املش†اركة فيه†ا لتحقي†ق أه†داف معين†ة(‪ .)3‬وهن†اك ثالث†ة‬
‫مفاهيم لألحزاب السياسية هي‪:‬‬

‫المفهوم الماركسي للحزب (مفهوم ماركس ولينين)‬ ‫ا]‬

‫أن كتابات كارل ماركس وفردريك اجنلز تؤكد على احلركة العضوية النضال الطبق†ة العامل†ة‪ .‬ل†ذلك فهم†ا‬
‫يرفض††ان فك††رة احلزب كقض††ية ال تتس††ع الس††تيعاب الطبق††ة العامل††ة كش††كل وال يتحق††ق فيه††ا ش††رط احملافظ††ة‬
‫على الطابع العضوي حلركة اجلماهري الكادحة‪ ،‬لذلك كانت الصيغة الوحيدة املقبولة ل††دى م††ارکس واجنل††ز‬
‫هي صيغة احلزب الذي يفي جتمع الطبقة العاملة ضمن إط††ار تنظيم موح†د(‪ ،)4‬وك†ذلك ص††يغة احلزب ال†ذي‬
‫يكون النظام فيه قائمة على أقل قدر ممكن من اآللة وأكرب قدر من العضوية‪.‬‬

‫أم ††ا لي ††نني فيعتق ††د ب ††أن احلزب يأخ ††ذ مفه ††وم الطليع ††ة الثوري ††ة (الطليع ††ة املنظم ††ة)‪ .‬ل ††ذلك فه ††و يؤك ††د على‬
‫االحرتاف الثوري وعلى أمهية التنظيم‪ ،‬وهو الذي يضع نظرية املركزية الدميقراطية وانطل††ق فيه††ا من مب††دئني‬
‫األول ه ††و أن اجلم ††اهري هي ال ††يت تص ††نع الت ††اريخ‪ ،‬والث ††اين ه ††و ض ††رورة وج ††ود قواع ††د موض ††وعية يف التط ††ور‬
‫االجتم ††اعي تس ††مح بقي ††ادة اجملتم ††ع قي ††ادة علمي ††ة(‪ .)5‬والقي ††ادة العلمي ††ة يف رأي لي ††نني تس ††تلزم وج ††ود احلزب‬
‫الثوري ووجود احلزب الثوري يرتكز على املتغريات التالية‪:‬‬

‫حاجة احلركة الثورية إىل وجود منظمة قائدة مستقرة تكفل استمرارها ودميومتها ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أن احلاجة إىل هذه املنظمة واىل قوة تنظيمها تزداد كلما ازداد العمل اجلماهريي العضوي اتساعاً‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪142‬‬
‫أن ه ††ذه املنظم ††ة جيب أن تش ††كل من الث ††وريني احملرتفني وهك ††ذا ف ††ان فك ††رة احلزب الث ††وري تش ††كل‬ ‫‪.3‬‬
‫بالنسبة إىل لينني ظاهرة مالزمة ألعلى مرحلة من مراحل الصراع الطبقي(‪.)6‬‬

‫أما خصائص احلزب الثوري بالنسبة إىل لينني فهي‪:‬‬

‫املوقف احلاسم من النظام الرأمسايل ومن حماوالت التكيف مع هذا النظام ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫التقيد بالنظرية الثورية ووحدة الفكر واملمارسة وبالتكتيك املرن ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫(‬
‫متثيل الطبقة العاملة وقيادهتا وتوجيهها لقلب النظام الرأمسايل وبناء االشرتاكية والتقدم االجتماعي‬ ‫‪.3‬‬
‫‪.)7‬‬
‫المفهوم البرجوازي للحزب‬ ‫ب]‬

‫احلزب ال ††ربجوازي ه ††و ذل ††ك التنظيم السياس ††ي ال ††ذي يقتص ††ر االنتم ††اء إلي ††ه على أف ††راد وفئ ††ات ومجاع ††ات‬
‫اجتماعي ††ة معين ††ة تنتمي إىل الطبق ††ات املتوس ††طة أو الربجوازي ††ة أو العلي ††ا‪ ،‬ويف نفس ال ††وقت ينك ††ر للطبق ††ات‬
‫العمالي ††ة والكادح ††ة ح ††ق االنتم ††اء الي ††ه وذل ††ك الع ††دم ص ††الحيتها وق ††درهتا على العم ††ل في ††ه وتن ††اقض أفكاره ††ا‬
‫ومصاحلها وطموحاهتا مع أفكار ومصاحل وطموحات احلزب الربجوازي(‪ .)8‬واألحزاب الربجوازي††ة ال ختدم‬
‫أغ†راض ومص†احل اجلم†اهري الكادح†ة ص†احبة املص†لحة احلقيقي†ة يف عملي†ة التغ†ري والتق†دم االجتم†اعي ب†ل ختدم‬
‫فق ††ط طموح ††ات وتطلع ††ات الطبق ††ات املتوس ††طة والربجوازي ††ة ال ††يت تتك ††ون منه ††ا ه ††ذه األح ††زاب‪ ،‬وال تعتق ††د‬
‫األح ††زاب الربجوازي ††ة بض ††رورة جتدد وتغ ††ري اجملتم ††ع من خالل نش ††ر الثقاف ††ة والرتبي ††ة والتعليم بني اجلم ††اهري‬
‫وزيادة الوعي االجتم†اعي والسياس†ي بينهم وتط†وير اجملتم†ع اقتص†ادية وحض†ارية ب†ل على العكس تري†د ه†ذه‬
‫األح † ††زاب أن حتاف † ††ظ على الوض † ††ع الس † ††ابق أو احلاض † ††ر للمجتم † ††ع من خالل حمافظته † ††ا على ش † ††كلية البني† ††ة‬
‫االجتماعي† ††ة وحتقي† ††ق الت† ††وازن بني املؤثرات والق† ††وى السياس† ††ية وحمارب† ††ة ك† ††ل م† ††ا من ش† ††أنه أن يب† ††دل أمناط‬
‫العالق††ات والس††لوك االجتم††اعي وت††راكيب املؤسس††ات االجتماعي††ة‪ .‬وحال††ة كه††ذه س††تعطي ه††ذه األح††زاب‬
‫فرصة العمل واالستمرار حبكم اجملتمع بعد فرض واقع اجلمود والتحجر والسكون عليه(‪.)9‬‬

‫األن ه ††دف األح ††زاب الربجوازي ††ة ه ††و وص ††ول قياداهتا إىل دف ††ة احلكم لتحقي ††ق املكاس ††ب الشخص ††ية وخل ††ق‬
‫احلريات وحماربة التق†دم والتط†ور االجتم†اعي وغالب†ا م†ا تنه†ار وتنتهي األح†زاب الربجوازي†ة بتحقي†ق أه†دافها‬

‫‪143‬‬
‫الض † ††يقة وقص † ††رية األم † ††د اال وهي الوص † ††ول إىل احلكم وحتقي † ††ق املكاس † ††ب والغن † ††ائم ألعض † ††ائها ومنتس † ††بيها‬
‫خصوص †ًا زعمائه††ا‪ ،‬وختتل††ف األح††زاب الربجوازي††ة عن األح††زاب الثوري††ة بص††فة مهم††ة إّال وهي ان االنتم††اء‬
‫إىل األح ††زاب الربجوازي ††ة ه ††و انتم ††اء ش ††كلي ال يتحم ††ل العض ††و في ††ه أي ††ة التزام ††ات س ††وى دف ††ع االش ††رتاكات‬
‫واملشاركة يف عملية التصويت السياسي اليت حتدث أثناء االنتخابات العامة(‪ .)10‬بينما االنتماء إىل األحزاب‬
‫الثورية كحزب البعث العريب االشرتاكي يتطلب حضور االجتماعات األسبوعية ودفع االشرتاكات وتنفي††ذ‬
‫املهمات النض†الية والتنظيمي†ة ال†يت توك†ل للعض†و واملش†اركة يف عملي†ة التص†ويت السياس†ي واخلض†وع لتع†اليم‬
‫وفلس††فة احلزب واالل††تزام املطل††ق مبب††ادئ االنض††باط احلزيب(‪ .)11‬واحلزب الث††وري للمناض††ل ه††و اجملال احلي††وي‬
‫حلياته‪ ،‬فهو مصدر العيش له ومصدر أفراحه وأحزانه‪ ،‬وهو يف مركز تفك†ريه واهتمام†ه وآمال†ه‪ .‬كم†ا يفتق†د‬
‫احلزب ال ††ربجوازي إىل الص ††فات ال ††يت جتعل ††ه ح ††زب مجاهريي ††ة ق ††ادرة على حكم اجملتم ††ع وحتقي ††ق املنج ††زات‬
‫التارخيية له كوجود اإلديولوجية الواضحة‪ ،‬الوجود اجلماهريي‪ ،‬الطليع††ة املنظم†ة‪ ،‬الش†كل التنظيمي‪ ،‬وأخ†ريا‬
‫االل ††تزام واالنض ††باط احلزيب‪ ،‬وتتمث ††ل األح ††زاب الربجوازي ††ة حبزب احملافظني واألح ††رار يف بريطاني ††ا واحلزب‬
‫الدميقراطي واحلزب اجلمهوري يف الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫المفهوم البعثي للحزب‬ ‫ج]‬

‫إن مفهوم البعث للحزب الثوري ينطلق من التاكيد على أمهية العوامل والصفات اليت متيز األحزاب الثوري†ة‬
‫واجلماهريية يف العامل وهذه هي‪:‬‬

‫االديولوجية الثورية ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫القاعدة الشعبية واجلماهريية ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫اجليل الثوري اجلديد ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫النظرية التنظيمية ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫االحرتاف الثوري ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫وعلى ه ††ذا األس ††اس ف ††ان ح ††زب البعث الع ††ريب االش ††رتاكي ينطل ††ق من األديولوجي ††ة العربي ††ة الثوري ††ة أي من‬
‫نظري ††ة الوح ††دة واحلري ††ة واالش ††رتاكية‪ .‬وك ††ذلك من اس ††رتاتيجية الث ††ورة العربي ††ة ال ††يت ترس ††م اخلط السياس ††ي‬

‫‪144‬‬
‫لتحق ††ق ه ††ذه األديولوجي ††ة ع ††رب مراح ††ل النض ††ال السياس ††ي ال ††ذي متر ب ††ه األم ††ة العربي ††ة خالل ص ††راعها م ††ع‬
‫االس†تعمار الع††املي والص††هيونية والرجعي†ة والطبق††ات االجتماعي†ة ال†يت تس†تغل العي†د األك†رب من أبنائه††ا(‪ )12‬من‬
‫اج††ل بن††اء اجملتم††ع الع††ريب املوح††د االش††رتاكي وح††زب البعث الع††ريب االش††رتاكي هبذا املقي††اس يعت††رب نفس††ه أداة‬
‫الث†ورة العربي†ة‪ .‬ل†ذلك ك†ان تنظيم†ه قائم†ة على أس†اس حتقیق ش†روط خل†ق جي†ل ع††ريب ث†وري جدي†د متح†رر‬
‫من التجزئ†ة وعقليته†ا ومص†احلها‪ ،‬ملتحم التحام†ًا مص†ريية مبص†لحة الطبق†ة العامل†ة يف ال†وطن الع†ريب‪ ،‬وتتمث†ل‬
‫فيه صور املس†تقبل الع†ريب‪ .‬إن احلزب يس†بق اجملتم†ع إّال أن†ه يبقى يف موض†ع الت†أثري األق†وى علي†ه ح†ىت يتمكن‬
‫من تغيريه وحتقيق الصورة اجلديدة لألمة(‪ .)13‬صورة األمة املتحررة من الوج†ود الطبقي ومن ك†ل أث†ر لق†وى‬
‫خارجية تتحكم يف مقدراهتا أو تعطل إرادهتا يف تقرير مصريها‪.‬‬

‫ل††ذلك ف††ان ح††زب البعث الع††ريب االش††رتاكي يعت††رب نفس††ه ح††زب الطبق††ة العامل††ة العربي††ة‪ ،‬وقائ††د التح††الف بني‬
‫الطبقات الثورية يف الوطن العريب وبني قوى الثورة العربية‪ .‬ان هذه اخلص†ائص ال†يت ق†ام عليه†ا ح†زب البعث‬
‫الع†ريب االش†رتاكي‪ ،‬وهي خص†ائص احلزب الق†ومي االش†رتاكي ال†ذي يتج†اوز يف فك†ره وتنظيم†ه مع†ًا ح†دود‬
‫التجزئة ويعمل يف تركيبه الداخلي على أن يلتزم نظرية الدميقراطية املركزية اليت تتحقق فيها العالقة الثوري††ة‬
‫الص ††حيحة بني القي ††ادة والقاع ††دة كم ††ا يعم ††ل يف بنيت ††ه الطبقي ††ة على أن يك ††ون ممثال ليس فق ††ط إلديولوجي ††ة‬
‫الطبق ††ة العامل††ة العربي††ة ب††ل وللتك††وين الطبقي الث††وري يف األم ††ة العربي††ة(‪ )14‬وه ††ذه اخلص ††ائص جمتمع ††ة تش††كل‬
‫ص††يغة علمي††ة ال للح††زب الث††وري يف ال††وطن الع††ريب فق††ط‪ ،‬ب††ل للح††زب الث††وري يف الع††امل الث††الث أيض††ا‪ .‬ذل††ك‬
‫ألن نض††ال الق††ارات الثالث ه††و نض††ال وح††دوي يتج††ه إىل توحي††د أقط††ار جزاه††ا االس††تغالل األجن††يب‪ ،‬وه††و‬
‫نضال اشرتاكي يتجه إىل حذف نضال حترري دميقراطي وإنس†اين‪ .‬ألن†ه يواج†ه ق†وى اإلمربيالي†ة والص†هيونية‬
‫والرجعية اليت تشكل قيادة الثورة املضادة يف العامل أمجع‪.‬‬

‫وظائف األحزاب السياسية‬

‫تلعب األح††زاب السياس††ية خصوص††ا اجلماهريي††ة والثوري††ة منه††ا وال††يت تع††رب اديولوجيته††ا وممارس††اهتا التنظيمي††ة‬
‫والنضالية عن طبيعتها لل†دور الكب†ري يف توحي†د وتق†دم ومنو وازده†ار اجملتمع†ات ال†يت توج†د فيه†ا‪ .‬وتك†ون يف‬

‫‪145‬‬
‫نفس ال † ††وقت مس † ††ؤولة عن مه † ††ام سياس † ††ية واديولوجي † ††ة ومادي † ††ة وحض † ††ارية هلا أمهيته † ††ا وفاعليته † ††ا يف أداء‬
‫اجملتمع ††ات اللتزاماهتا وواجباهتا حنو رعاياه ††ا ومنتس ††بيها وض ††مان متاس ††كها واس ††تقالليتها وس ††يادهتا وتق ††دمها‬
‫االجتم††اعي‪ ،‬ويف ه††ذا اجلزء من الدراس††ة لألح††زاب السياس††ية تس††تطيع تلخيص أهم الوظ††ائف ال††يت تق††وم هبا‬
‫األحزاب السياسية التقليدية يف العامل‪ ،‬بعدها نعرج على شرح الوظائف والواجبات اليت تق††وم هبا األح†زاب‬
‫الثوري ††ة يف الع ††امل كح ††زب البعث الع ††ريب االش ††رتاكي لكي نطل ††ع من خالهلا على طبيع ††ة املراك ††ز االجتماعي ††ة‬
‫والسياس††ية اجلوهري††ة ال††يت تش††غلها األح††زاب السياس††ية بالنس††بة للس††لطات السياس††ية‪ ،‬الدول††ة واجملتم††ع وبقي††ة‬
‫األجهزة اإلدارية والتنظيمية يف البالد‪ .‬أن الواجبات التقليدية اليت تقوم هبا األحزاب السياسية هي كاآليت‪:‬‬

‫تك ††وين التنظيم ††ات واألجه ††زة احلزبي ††ة ال ††يت ميكن أن ينتمي اليه ††ا األف ††راد وال ††يت تع ††رب عن ع ††واطفهم‬ ‫‪)1‬‬
‫وشعورهم ومصاحلهم ومي†وهلم واجتاه†اهتم السياس†ية واالجتماعي†ة‪ ،‬وانتم†اء األف†راد هلذه التنظيم†ات‬
‫واألجه††زة احلزبي††ة يس††تلزم عملهم وتك††اتفهم بعض††هم م††ع بعض يف تنفي††ذ الواجب††ات وامله††ام احلزبي††ة‬
‫والنضالية اليت توكل إليهم(‪ ،)15‬علمًا بأن دخول األف†راد إىل األح†زاب السياس†ية وتع††اوهنم يف تنفي†ذ‬
‫واجب † ††اهتم السياس † ††ية واالجتماعي † ††ة س † ††يمكن ه † ††ذه التنظيم † ††ات من حتقي † ††ق أه † ††دافهم وطموح † ††اهتم‬
‫ومصاحلهم اليت دفعتهم إىل االنتماء إليها‪.‬‬
‫اندفاع مجي†ع األح†زاب السياس†ية يف اجملتم†ع حنو التن†افس بعض†ها م†ع بعض من أج†ل احتالل مراك†ز‬ ‫‪)2‬‬
‫الق††وة واحلكم‪ ،‬ألن احتالل مث††ل ه††ذه املراك††ز س††يمكنها من حتقي††ق أه††دافها وطموحاهتا بع††د ترمجة‬
‫اديولوجيتها السياس†ية والفكري†ة إىل واق†ع عم†ل ملم†وس يش†ارك مش†اركة فعال†ة يف تغي†ري يف اجملتم†ع‬
‫التحتية والفوقية مع تغيري عالقاته االجتماعية والسياسية يف الداخل واخلارج(‪.)16‬‬
‫توعي††ة أبن††اء الش††عب ورف††ع درج††ات وعي††ه ومدارك††ه السياس††ية واالجتماعي††ة واحلض††ارية وذل††ك من‬ ‫‪)3‬‬
‫خالل قيامها مبهام التثقيف احلزيب والكسب احلزيب والدعاية السياسية لتقاليدها ونظمها وأفكاره††ا‬
‫ونضاهلا وأمهيتها يف حتقيق أهداف وطموحات اجلماهري اليت تنتمي اليها وتقودها‪.‬‬
‫مراقبة أجهزة الدولة والسلطات السياسية مراقبة دقيقة وحماسبتها فيما إذا ش†طت عن أداء أدواره††ا‬ ‫‪)4‬‬
‫وتنفيذ واجباهتا األساسية(‪ .)17‬واملراقب†ة واحملاس†بة ه†ذه تأخ†ذ ع†دة أش†كال وص†ور كتوجي†ه االنتق†اد‬
‫املباشر يف الصحف ووسائل اإلعالم اجلماهريية األخرى للجهاز احلكومي الذي ال ي††ؤدي واجبات††ه‬

‫‪146‬‬
‫التنفيذي ††ة واإلداري ††ة بص ††ورة جي ††دة أو اإليع ††از ألعض ††اء احلزب الع ††املني يف س ††لطات ومؤسس ††ات‬
‫الدولة للتصدي ملمارستها اخلاطئة وسوء استعماهلا ملراسيم القوة واحلكم‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫تقليص وإزال††ة اخلالف††ات واالنقس††امات السياس††ية ال††يت تق††ع بني أف††راد ومجاع††ات اجملتم††ع ومنظمات††ه‬ ‫‪)5‬‬
‫احليوية وذلك من خالل ف†رزهم إىل جماميع تعتق†د بأفك†ار وتیارات سياس†ية معين†ة‪ ،‬ك†ل فك†ر وتي†ار‬
‫ميكن أن يك ††ون حزب† †ًا سياس ††يًا ينتمي إلي ††ه األف ††راد واجلماع ††ات لض ††مان حتقي ††ق أه ††دافهم وم ††آرهبم‬
‫الفكرية والوجدانية واملادية واالجتماعية والسياسية(‪.)18‬‬
‫قي††ادة اجملتم††ع وتوجيه††ه واملض††ي ق††دما حنو حتقي††ق أهداف††ه التكتيكي††ة واالس††رتاتيجية وف††ق اديولوجيت††ه‬ ‫‪)6‬‬
‫ومساراته الفكرية والنض†الية ووف†ق درج†ة ص†لته باجلم†اهري وارتباط†ه معه†ا مبا حيق†ق آماهلا وتطلعاهتا‬
‫القريبة والبعيدة األمن(‪.)19‬‬
‫األحزاب السياسية هي حلقة الوصل بني اجلماهري اليت تنتمي إليها إذا كانت أحزابا ثورية وش††عبية‬ ‫‪)7‬‬
‫وبني الدولة اليت ت†دير وتنظم ش†ؤون اجملتم†ع(‪ .)20‬ف†األحزاب السياس†ية احلاكم†ة من خالل قواع††دها‬
‫تس†تطيع توص††يل مش†کالت ومعان†اة وتطلع††ات اجلم†اهري إىل قياداهتا‪ .‬واألخ†رية تس†تطيع متريره††ا إىل‬
‫أجهزة الدولة لكي تتخذ اإلج†راءات املناس†بة ملعاجلة مش†كالت اجلم†اهري ووض†ع ح†د هلا ويف نفس‬
‫ال ††وقت العم ††ل على تلبي ††ة طموح ††ات اجلم ††اهري ومس ††اعدهتا على حتقي ††ق أه ††دافها‪ .‬إّال ان تص ††ورات‬
‫وأفك † ††ار وطموح † ††ات احلزب القائ † ††د هي أك † ††ثر نض † ††وجة وتط † ††ورة وتقدمي † ††ة من تص † ††ور وأفك † ††ار‬
‫وطموح† † ††ات الدول† † ††ة‪ .‬هلذا ينبغي على أجه† † ††زة الدول† † ††ة العم† † ††ل وف† † ††ق التعليم† † ††ات واإلرش† † ††ادات‬
‫والتوجيه††ات ال††يت تتلقاه††ا من قي††ادة احلزب لكي تك††ون ق††ادرة على أداء عمله††ا وواجباهتا بص††ورة‬
‫صحيحة ولكي تكون ممارساهتا اليومية مع أفكار وتطلعات احلزب‪.‬‬

‫أم ††ا وظ ††ائف األح ††زاب الثوري ††ة واجلماهريي ††ة كح ††زب البعث الع ††ريب االش ††رتاكي ال ††يت تق ††وم بادائه ††ا للش ††عب‬
‫والدول ††ة واجملتم ††ع فهي أك ††ثر تش ††عبة وأعم ††ق أث ††را وأك ††رب فاعلي ††ة من وظ ††ائف األح ††زاب التقليدي ††ة خصوص ††ا‬
‫الرجعية والربجوازية منها‪ ،‬وميكننا حصر وظائف األحزاب الثورية واجلماهريية بالنقاط التالية‪:‬‬

‫‪147‬‬
‫حكم وقي††ادة اجملتم††ع ورس††م مع††امل اديولوجيت††ه الفكري††ة ونظام††ه السياس††ي وحتدي††د أمناط العالق††ات‬ ‫‪-1‬‬
‫االجتماعية والسياسية بني قواه الوطنية من جهة وبني األنظمة السياسية للدولة األجنبية ومنظماهتا‬
‫االجتماعية والدولية من جهة أخرى‪.‬‬
‫إزالة اخلالفات العقائدية والفكرية بني أبنائ†ه ومجاعات†ه وق†واه السياس†ية والعم†ل على حتقي†ق الوح†دة‬ ‫‪-2‬‬
‫الوطنية مبا يضمن إجناز طموحات اجملتمع واألمة(‪.)21‬‬
‫تنظيم بلی ووظائف وعالقات ومبادئ وممارسات مجيع املؤسسات االجتماعية البنيوية اليت يتكون‬ ‫‪-3‬‬
‫منه ††ا البن ††اء االجتم ††اعي والتنس ††يق بني أه ††دافها وسياس ††اهتا والعم ††ل على تقوي ††ة أجهزهتا اإلداري ††ة‬
‫والفنية والرتبوية مبا يكفل استقرارها ومنوها وتقدمها‪.‬‬
‫نش ††ر ال ††وعي السياس ††ي والتنظيمي والنض ††ايل بني مجي ††ع فئ ††ات وش ††رائح اجملتم ††ع من خالل أجه ††زة‬ ‫‪-4‬‬
‫اإلعالم اجلماهريية واملنظمات املهنية والش†عبية‪ ،‬ه†ذا ال†وعي ال†ذي يكف†ل ترس†يخ اديولوجي†ة احلزب‬
‫القائد وميكن السلطات الثورية من ترمجتها إىل واقع عمل ملموس يساهم مسامهة جمدي††ة يف تط††وير‬
‫اجملتمع وتقدمه إىل أمام‪.‬‬
‫التنس†يق بني حاج†ات ومط†الب اجلم†اهري وبني سياس†ات الدول†ة الرامي†ة إىل تط†ور اجملتم†ع وازده†اره‬ ‫‪-5‬‬
‫من جهة وبني التصورات الفكرية والنضالية للحزب القائد واألفكار واملمارسات السياسية للقوى‬
‫(‪)22‬‬
‫ومث††ل ه††ذا التنس††يق الب††د أن يس††بب اس††تقرار اجملتم††ع وطمأنينت††ه‬ ‫الوطني††ة األخ††رى من جه††ة ثاني††ة‬
‫اللذين ميكناه من إحراز النهوض والتقدم يف مجيع اجملاالت احلياتية‪.‬‬
‫الت†دخل يف مواجه†ة التح†ديات واالس†تفزازات الداخلي†ة واخلارجي†ة ال†يت ق†د تق†وم هبا بعض العناص†ر‬ ‫‪-6‬‬
‫والق ††وى املض ††ادة والتص ††دي ألثاره ††ا الس ††لبية وأعماهلا التخريبي ††ة‪ ،‬مثال يق ††وم احلزب القائ ††د بتص ††فية‬
‫الص† ††راعات والفنت الداخلي† ††ة ال† ††يت يثريه† ††ا األع† ††داء واحلاق† ††دون يف ال† ††داخل‪ ،‬والتص† ††دي للتح ††ديات‬
‫الفكري†ة واألمني†ة ال†يت تس†تهدف وج†ود األم†ة وتراثه†ا الت†ارخيي وقيمه†ا احلياتي†ة ومقدس†اهتا الروحي†ة‬
‫والس††ماوية‪ .‬إض††افة إىل جماهبت††ه للع††دوان العس††كري اخلارجي ال††ذي ق††د يتع††رض إلي††ه اجملتم††ع وص††د‬
‫تياره وحماصرته وتطويقه وردعه ضمانا لسالمة تربة الوطن واستقاللية وسيادة األمة‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الخلفية االجتماعية والطبقية لألحزاب السياسية‬

‫إن ال† ††وعي الطبقي ال† ††ذي ينت† ††اب األف† ††راد واجلماع† ††ات وال† ††ذي جيعله† ††ا تش† ††عر بتش† ††ابه ظروفه† ††ا االقتص† ††ادية‬
‫واالجتماعي† † ††ة والسياس† † ††ية والثقافي† † ††ة ووض† † ††وح أه† † ††دافها وطموحاهتا ه† † ††و املس† † ††ؤول عن تعاوهنا وتكاتفه† † ††ا‬
‫وان††دفاعها حنو تك††وين األح††زاب السياس††ية ال††يت ت††دافع عن مص††احلها وحتقي††ق آماهلا وأه††دافها املنش††ودة‪ .‬هلذا‬
‫ي††دافع األف††راد عن األح††زاب السياس††ية ال††يت متث††ل طبق††اهتم االجتماعي††ة(‪ .)23‬لكن للطبق††ة االجتماعي††ة الواح††دة‬
‫مص††احل اقتص††ادية وسياس††ية وأديولوجي††ة‪ ،‬وهي ال تس††تطيع يش††كليتها االجتماعي††ة ومنظماهتا الوظيفي††ة حتقي††ق‬
‫ه†ذه املص††احل دون تك†وين أح†زاب سياس†ية تتمت†ع بقس†ط من الق†وة ال†يت متكن اعض†اءها من حتقي†ق األه†داف‬
‫اجلوهري††ة للطبق ††ات والش††رائح االجتماعي††ة ال††يت ينتم††ون اليه ††ا‪ .‬اذن ميكن اعتب††ار األح††زاب السياس††ية أدوات‬
‫فعال†ة للعم†ل من أج†ل حتقي†ق طموح†ات األف†راد ال†ذين ينح†درون من خلفي†ات اجتماعي†ة وطبقي†ة خمتلف†ة(‪.)24‬‬
‫فلو درسنا اجملتمع الربيطاين مثًال دراسة اجتماعية علمية حتليلية لشاهدنا بانه ينقس†م إىل طبق††تني اجتم†اعيتني‬
‫خمتلف† † ††تني‪ ،‬مها الطبق† † ††ة املتوس† † ††طة والطبق† † ††ة العمالي† † ††ة‪ .‬ولك† † ††ل من ه† † ††اتني الطبق† † ††تني طموحاهتا االجتماعي† † ††ة‬
‫واالقتص ††ادية وميوهلا واجتاهاهتا الفكري ††ة والسياس ††ية وأحزاهبا ومنظماهتا االجتماعي ††ة والسياس ††ية ال ††يت ت ††دافع‬
‫عنها وتناصرها وتنتمي اليه†ا انتم†اء‪ ،‬فكري†ًا ومص†رييًا(‪ .)25‬فالطبق†ة املتوس†طة تؤي†د ح†زب احملافظني الربيط†اين‬
‫وتنتمي الي††ه وجتن††د جهوده††ا وطاقاهتا يف خدمت††ه وال††دفاع عن مص††احله احليوي††ة وتص††وت الي††ه يف االنتخاب††ات‬
‫العام ††ة‪ .‬يف حني تؤي ††د الطبق ††ة العامل ††ة ح ††زب العم ††ال الربيط ††اين وتعم ††ل جاه ††دة على االنض ††واء حتت لوائ ††ه‬
‫ودعمه مادي†ا ومعنوي†ا وال†دفاع عن وج†وده وش†رعيته والتص†ويت الي†ه يف االنتخاب†ات العام†ة(‪ .)26‬إذن ح†زب‬
‫احملافظني ه††و ح††زب الطبق††ة املتوس††طة حيث أن أعض††اءه وقادت††ه ينح††درون من خلفي††ات اجتماعي††ة برجوازي††ة‬
‫أو مهنية ويدافعون عن حقوق وأماين وطموحات الطبقة املتوس†طة يف بريطاني†ا‪ .‬وح†زب العم†ال ه††و ح†زب‬
‫الطبقة العامل†ة طاملا أن معظم أعض†اءه وقادت†ه ينح†درون من خلفي†ات اجتماعي†ة عمالي†ة أو فالحي†ة أو نقابي†ة‬
‫أو تعاونية ويدافعون بصورة عامة عن حقوق وأهداف وطموحات الطبقة العاملة(‪.)27‬‬

‫يق ††ول األس ††تاذان ار‪ .‬ملني (‪ )R. Milne‬ويت‪ .‬أج میك ††نزي (‪ )T.H. Mackenzie‬يف دراس ††تهما‬
‫املوس†وعة "كي†ف يص††وت الن†اخبون" ال†يت قام††ا هبا يف مدين†ة بريس†تول الربيطاني†ة ع††ام ‪ 1951‬أن هن†اك مجل†ه‬
‫عوام††ل موض††وعية ت††ؤثر يف املواق††ف السياس††ية ال††يت حيمله††ا الن††اخبون وت††دفعهم للتص††ويت إىل ح††زب سياس††ي‬

‫‪149‬‬
‫معني دون احلزب اآلخ ††ر‪ ،‬ومن أهم ه ††ذه العوام ††ل عام ††ل الطبق ††ة االجتماعي ††ة وعام ††ل العم ††ر وعام ††ل املنطق ††ة‬
‫السكنية وعامل املهنة وعامل املستوى الثقايف والعلمي وأخريًا عام††ل اجلنس(‪ .)28‬ويس†تطرد ه††ذان األس†تاذان‬
‫ق ††ائلني ب ††ان معظم أبن ††اء الطبق ††ة املتوس ††طة يف بريطاني ††ا يص ††وتون حلزب احملافظني‪ ،‬بينم ††ا معظم أبن ††اء الطبق ††ة‬
‫العمالي††ة يص††وتون حلزب العم††ال‪ ،‬وأن األش††خاص الكب††ار واملس††نني يص††وتون حلزب احملافظني بينم††ا يص††وت‬
‫الش ††باب حلزب العم ††ال(‪ .)29‬ومعظم املن ††اطق الس ††كنية املهني ††ة والربجوازي ††ة تص ††وت حلزب احملافظني بينم ††ا‬
‫تص††وت املن††اطق العمالي††ة الكادح††ة احلزب العم††ال(‪ .)30‬وان املثقفني والفقه††اء يف اجملتم††ع الربيط††اين يص††وتون‬
‫حلزب احملافظني يف حني يص††وت األش††خاص ال††ذين ال حيمل††ون املؤهالت العلمي††ة العالي††ة احلزب العم††ال(‪.)31‬‬
‫وأخريا تصوت معظم النساء حلزب احملافظني بينما بصوت الرجال حلزب العم†ال وهك†ذا(‪ .)32‬وبع††د دراس†ة‬
‫العالق ††ة بني الطبق ††ة االجتماعي ††ة واالنتم ††اءات احلزبي ††ة ال ††يت تع ††رب عن نفس ††ها أم ††ا بالعض ††وية الفعلي ††ة يف احلزب‬
‫السياس††ي أو التص††ويت ل††ه خالل االنتخاب††ات العام††ة يق††وم األس††تاذان بدراس††ة العوام††ل األساس††ية ال††يت ت††دفع‬
‫األش††خاص إىل االنتم††اء لألح††زاب السياس††ية أو التص††ويت هلايف االنتخاب††ات‪ .‬يق††ول الربوفس††ور ميك††نزي يف‬
‫كتاب††ه "األح††زاب السياس††ية يف بريطاني††ا" ب††ان هن††اك ثالث††ة عوام††ل ت††دفع األف††راد إىل االنتم††اء حلزب سياس††ي‬
‫معني دون احلزب اآلخر وهذه العوامل هي‪:‬‬

‫المصلحة‪ :‬أي الرغب††ة يف احلص††ول على مكاس††ب ذاتي††ة لألف††راد ال††ذين ينتم††ون الي††ه كاحلص††ول على‬ ‫‪)1‬‬
‫املناص ††ب والوظ ††ائف واألم ††وال واملكافئ ††ات واالمتي ††ازات‪ .‬وي ††دفع عام ††ل املص ††لحة حس ††ب دراس ††ة‬
‫ميكنزي ‪ %۷۰‬من األفراد بالدخول إىل األحزاب السياسية(‪.)33‬‬
‫األنفعال‪ :‬أي اندفاع املواطنني على تأيي†د أفك†ار وب†رامج وأه†داف وسياس†ات احلزب ب†دون حتف††ظ‬ ‫‪)2‬‬
‫وذل††ك الهنا تث††ري ع††واطفهم ونزع††اهتم النفس††ية وجتعلهم متحمس††ني لنص††رة احلزب والوق††وف جبانب‬
‫قض ††اياه وأم ††وره وال ††دفاع عنه ††ا دون خ ††وف أو ت ††ردد‪ .‬وي ††دفع عام ††ل العاطف ††ة ح ††وايل ‪ %36‬من‬
‫األفراد بالدخول إىل األحزاب السياسية‪.‬‬
‫اإلدراك والتعقل والعقي•دة‪ :‬أي أن الش††خص ي††دخل إىل احلزب ال بس††بب املص††لحة أو العاطف††ة أو‬ ‫‪)3‬‬
‫االنفع ††ال ب††ل بس††بب اإلميان والعقي††دة واإلدراك الث††اقب األفك††ار واديولوجي††ة ومعتق ††دات وأه ††داف‬
‫احلزب حبيث تك ††ون ه ††ذه ج ††زء ال يتج ††زأ من شخص ††يته وآمال ††ه يف احلي ††اة وتطلعات ††ه‪ .‬واألش ††خاص‬

‫‪150‬‬
‫ال ††ذين ي ††دخلون إىل احلزب بس ††بب ه ††ذا العام ††ل هم احلزبي ††ون احلقيقي ††ون ال ††ذين يبق ††ون يف احلزب‬
‫ويدافعون عنه ويناضلون من أجل نصرته مهما كانت الظروف(‪ .)34‬ويدفع عامل اإلدراك والتعقل‬
‫والبص † ††رية واإلميان مبب † ††ادئ وفلس † ††فة احلزب فق † ††ط ‪ %4‬من األش † ††خاص بال † ††دخول إىل األح † ††زاب‬
‫السياسية‪.‬‬

‫أم ††ا يف املاني ††ا ال ††يت ك ††انت فيه ††ا املراتب واملراك ††ز االجتماعي ††ة جام ††دة وثابت ††ة ف ††إن الص ††راع الطبقي ك ††ان على‬
‫أش††ده‪ .‬فالطبق††ة األرس††تقراطية األملاني††ة ك††انت تس††يطر على مؤسس††ات احلكم الك††ربى إىل ح††د منعه††ا للطبق††ة‬
‫الوسطى من السيطرة على هذه املؤسسات‪ .‬ومع أن األرس†تقراطية األملاني†ة ك†افحت من أج†ل كس†ب تأيي†د‬
‫اجلم ††اهري هلا يف ص ††راعها م ††ع الربجوازي ††ة وذل ††ك من خالل نش ††ر ب ††رامج الرعاي ††ة والرفاهي ††ة االجتماعي ††ة بني‬
‫اجلم ††اهري إال أهنا من ناحي ††ة أخ ††رى مل تس ††مح حبق املواطن ††ة التام ††ة املنظم ††ات العم ††ال وزعم ††ائهم‪ .‬فق ††د ح ††رم‬
‫االشرتاكيون من حق العمل السياسي من ‪ ۱۸۷۸‬إىل ‪ ۱۸۹۱‬عن طري†ق تك†وين ح†زب سیاس†ی مع††رتف ب†ه‬
‫قانوني ††ا‪ .‬ومل يق ††ر ح ††ق االنتخ ††اب يف بروس ††يا إال بع ††د ان ††دحار أملاني ††ا يف احلرب العاملي ††ة األوىل‪ .‬لكن حرم ††ان‬
‫االش††رتاكيني من املس††امهة يف الس††لطة السياس††ية دف††ع احلرك††ة االش††رتاكية إىل التص††لب يف عمله††ا الث††وري ويف‬
‫اديولوجيته ††ا السياس ††ية‪ ،‬وتتجلى العالق ††ة بني الطبق ††ة االجتماعي ††ة واملواق ††ف السياس ††ية بظ ††اهرة قي ††ام الطبق ††ة‬
‫الوس ††طى يف أملاني ††ا بتأيي ††د احلزب الن ††ازي‪" .‬فالطبق ††ة الوس ††طى خالل ف ††رتة الثالثيني ††ات ك ††انت تتخ ††وف على‬
‫امتيازاهتا من سياس† ††ة مجهوري† ††ة فاميار ال† ††يت ق† ††امت بع† ††د احلرب العاملي† ††ة األوىل وال† ††يت ك† ††انت تطب† ††ق سياس† ††ة‬
‫ال††دميقراطيني االجتم††اعيني االش††رتاكية وعلى األخص بع††د الكارث††ة االقتص††ادية ال††يت حلت بأملاني††ا خالل ف††رتة‬
‫م††ا بني احلربني الع††امليتني"(‪ .)35‬وس††بب تأيي††د الطبق††ة الوس††طى للح††زب الن††ازي يرج††ع إىل قي††ام احلزب خبدم††ة‬
‫مصاحلها وأهدافها وأمانيها‪.‬‬

‫وإذا ما فحصنا وحللنا العالقة بني الطبقات االجتماعي†ة واألح†زاب السياس†ية يف ال†وطن الع†ريب‪ ،‬وج†دنا ب†ان‬
‫لكل ح†زب سياس†ي طبقت†ه أو ش†رحيته االجتماعي†ة ال†يت تؤي†ده وتدعم†ه ومتده باإلعان†ات املادي†ة والبش†رية‪ .‬مث‬
‫ان الطبقة أو الش†رحية االجتماعي†ة هي ال†يت تش†ارك يف تأسيس†ه ومنوه وتط†وره‪ ،‬هلذا نش†اهد احلزب السياس†ي‬
‫ي††دعمها وي††دافع عن حقوقه††ا ويعم††ل من أج††ل حتقي††ق أه††دافها وطموحاهتا‪ .‬أن هن††اك ثالث††ة دواف††ع أساس††ية‬
‫أدت إىل ظهور احلركات احلزبية يف الوطن العريب وهذه ميكن تلخيصها كاآليت‪:‬‬

‫‪151‬‬
‫ظه††رت بعض األح††زاب القومي††ة واالش††رتاكية من††ذ ف††رتة األربعين††ات ك††رد فع††ل للس††بات العمي††ق ال††يت‬ ‫‪)1‬‬
‫ك † ††انت األم † ††ة العربي † ††ة غارق † ††ة في † ††ه لف † ††رتات طويل † ††ة من ال † ††زمن ه † ††ذا الس † ††بات ال † ††ذي مسح للق † ††وى‬
‫االس ††تعمارية الطامع ††ة على احتالل بعض أج ††زاء ال ††وطن الع ††ريب وف ††رض واق ††ع التجزئ ††ة والتخل ††ف‬
‫واألمية والفقر واملرض على األمة العربي†ة‪ .‬وق†د ت†وخت ه†ذه األح†زاب وعلى رأس†ها ح†زب البعث‬
‫الع††ريب االش††رتاكي توعي††ة الش††عب الع††ريب وحتريض††ه على الث††ورة واالنقض††اض على ق††وى االس††تعمار‬
‫والرجعي † ††ة بغي † ††ة حتقي † ††ق التح † ††رر واالنعت † ††اق والتوج † ††ه حنو تص † ††فية آثارمها وخملفاهتم † ††ا االجتماعي † ††ة‬
‫واحلضارية السلبية‪.‬‬
‫ظه ††رت بعض احلرك ††ات األممي ††ة وعلى رأس ††ها األح ††زاب الش ††يوعية العربي ††ة ال ††يت ك ††انت تق ††ف من‬ ‫‪)2‬‬
‫موض ††وع الوح ††دة العربي ††ة ومن ك ††ل م ††ا ميت إىل الط ††رح الق ††ومي للقض ††ايا العربي ††ة موقف ††ا معادي ††ة‪.‬‬
‫وك ††انت تكتفي يط ††رح القض ††ية االجتماعي ††ة (الص ††راع الطبقي) طرح ††ا نظري ††ا ال يعتم ††د على حتلي ††ل‬
‫الواق ††ع االجتم ††اعي املباش ††ر ب ††ل ينطل ††ق من ص ††يغ التحلي ††ل التقليدي ††ة للمجتمع ††ات الرأمسالية ويطبقه ††ا‬
‫بش††كل جمرد على األوض††اع العربي††ة ق††افزا من ف††وق القض††ايا األساس††ية وامللح††ة ال††يت تواج††ه الش††عب‬
‫العريب‪ ،‬ومتجاهال أحد التناقضات اجلوهرية يف الواقع العريب وهو تناقض التجزئة(‪.)37‬‬
‫ظهرت بعض األحزاب السياس†ية اليميني†ة يف ال†وطن الع††ريب كح†زب االحتاد الدس†توري ال†ذي ك†ان‬ ‫‪)3‬‬
‫يتزعم ††ه ن ††وري الس ††عيد خالل احلكم امللكي البائ ††د يف الع ††راق وح ††زب األم ††ة وح ††زب الكت ††ائب يف‬
‫لبنان‪ .‬وغرض هذه األحزاب يكمن يف دعم احلركات اليميني†ة يف ال†وطن الع†ريب وتك†ريس الوج†ود‬
‫الغ††ريب وإتاح††ة اجملال للغ††رب باهليمن††ة على مق††درات الع††رب والت††أثري يف اجلم††اهري(‪ .)38‬وإبق††اء حال††ة‬
‫التجزئ††ة يف ال††وطن الع††ريب وإحك††ام س††يطرة الغ††رب على ال††وطن الع††ريب‪ .‬إض††افة إىل التص††دي حلرك††ة‬
‫الث ††ورة العربي ††ة وإجه ††اض خمططاهتا وأه ††دافها الرامي ††ة إىل حتقي ††ق الوح ††دة العربي ††ة الش ††املة وحتري ††ر‬
‫الشعب العريب من واقع التجزئة والتخلف والفقر واجلهل‪.‬‬

‫لكن هلذه احلرك††ات والق††وى واألح††زاب السياس††ية يف ال††وطن الع††ريب أرض††يتها االجتماعي††ة وخلفياهتا الطبقي††ة‬
‫ال††يت ال ميكن أن تس††تقل عنه††ا بأي††ة ص††ورة من الص††ور‪ .‬فلك††ل حرك††ة أو ح††زب سياس††ي منظمات††ه وش††رائحه‬
‫االجتماعي ††ة ال ††يت أوجدت ††ه من ††ذ البداي ††ة وزودت ††ه بالك ††ادر البش ††ري واإلمكاني ††ات املادي ††ة وحرص ††ت على منوه‬

‫‪152‬‬
‫وتط††وره‪ .‬أن اخللفي††ة االجتماعي††ة والطبقي††ة حلزب البعث الع††ريب االش††رتاكي تكمن يف الطبق††ة العامل††ة العربي††ة‬
‫ويف الطبق††ة الربجوازي††ة الوطني††ة وبقي††ة الش††رائح والفئ††ات الكادح††ة واملناض††لة يف ال††وطن الع††ريب‪ ،‬ومجي††ع ه††ذه‬
‫الطبق ††ات والش††رائح االجتماعي††ة تؤي††د وتناص ††ر ح††زب البعث واألخ††ري ي††دافع عن حقوقه ††ا وأمانيه ††ا‪ .‬هلذا ال‬
‫ينح††از احلزب الطبق††ة واح††دة كم††ا يفع††ل احلزب الش††يوعي أو األح††زاب اليميني††ة يف ال††وطن الع††ريب ب††ل ينح††از‬
‫لكاف††ة الفئ††ات والش††رائح والطبق††ات الكادح††ة يف اجملتم††ع‪ ،‬هلذا مسي ح††زب البعث الع††ريب االش††رتاكي ح††زب‬
‫اجلماهري العربية الكادحة(‪ .)39‬ويف الوقت الذي ينحاز فيه حزب البعث إىل كافة اجلم†اهري العربي†ة الكادح†ة‬
‫فان ††ه يع ††ادي الق ††وى والفئ ††ات والش ††رائح االجتماعي ††ة اليميني ††ة يف ال ††وطن الع ††ريب ويناض ††ل من أج ††ل س ††قوطها‬
‫وتص††فيتها‪ .‬يق††ول األس††تاذ ميش††يل عفل††ق يف كتاب††ه "يف س††بيل البعث" أن النض††ال الق††ومي االش††رتاكي ال††ذي‬
‫ختوض ††ه األم ††ة العربي ††ة ض ††د أع ††دائها يس ††توجب بالض ††رورة مس ††امهة ك ††ل اجلم ††اهري العربي ††ة‪ ،‬ص ††احبة املص ††لحة‬
‫احلقيقية يف بناء اجملتمع العريب االشرتاكي الدميقراطي املوحد ال طبقة حمددة(‪.)40‬‬

‫فاخلالص لن يكون إال على يد الش†عب على ي†د الك†ثرة الس†احقة من أبن†اء ش†عبنا‪ ،‬على ي†د الك†ثرة الكادح†ة‬
‫واملظلوم ††ة املس ††تغلة‪ ،‬ليس ألهنا أكثري ††ة فحس ††ب‪ ،‬ب ††ل ألهنا تع ††اين الظلم واالس ††تغالل وفق ††دان احلري ††ة وج ††رح‬
‫الكرامة يف مجيع النواحي اإلنسانية والقومية(‪.)41‬‬

‫أم††ا األح††زاب الش††يوعية يف ال††وطن الع††ريب فإهنا ت††دافع عن الطبق††ة العامل††ة وحترض أبناءه††ا على االنتم††اء اليه††ا‬
‫والعم††ل يف ص††فوفها‪ .‬غ††ري أن معظم أعض††ائها من الطبق††ة الوس††طى واملثقف††ة وبعض††هم من الطبق††ات العمالي††ة‬
‫والفالحي††ة الكادح††ة‪ .‬وتس††تلم ه††ذه األح††زاب تعاليمه††ا وسياس††تها من األح††زاب الش††يوعية الدولي††ة خصوص†ًا‬
‫احلزب الش ††يوعي الس ††وفييت‪ .‬وتطمح ه ††ذه األح ††زاب بوح ††دة الطبق ††ة العامل ††ة وبض ††رورة تص ††عيدها للص ††راع‬
‫الطبقي مع الطبقات الربجوازية واإلقطاعية واألرستقراطية إضافة إىل اعتمادها على صيغ العنف الث††وري يف‬
‫تب††ديل النظ††ام االجتم††اعي وجعل††ه نظام †ًا خيدم الطبق††ة العمالي††ة يف الع††امل وي††دعم حرك††ات الس††لم ومص††ارعة‬
‫اإلمربيالية يف العال(‪ .)42‬غري أن األح†زاب الش†يوعية تع†ارض القومي†ة وتتهمه†ا بأهنا فك†رة برجوازي†ة مس†ؤولة‬
‫عن س ††وء التف ††اهم بني الش ††عوب وح ††دوث احلروب واألزم ††ات السياس ††ية يف الع ††امل(‪ .)43‬ويف نفس ال ††وقت‬
‫حتارب ه ††ذه األح††زاب الوح††دة العربي††ة وتس††خر منه ††ا وال تري††د حتقيقه ††ا‪ .‬ولكنن††ا جيب أن نش††ري هن††ا إىل أن‬
‫(‪)44‬‬
‫القومية معادية للربجوازية والرجعية خصوصًا إذا كانت القومية قومية حتررية اشرتاكية كالقومية العربية‬

‫‪153‬‬
‫وهي عقي††دة وحرك††ة إنس††انية وحض††ارية هتدف إىل مجع ش††تات األم††ة والتوحي††د بني أبنائه††ا للوق††وف بوج††ه‬
‫التحديات واألخطار واملضي قدمًا حنو التحرر واالستقالل والسيادة والتقدم االجتماعي‪.‬‬

‫وت † ††دعو األح † ††زاب الش † ††يوعية العربي † ††ة إىل األممي † ††ة أي إزال † ††ة احلواجز القومي † ††ة واالجتماعي † ††ة واحلض† ††ارية بني‬
‫الشعوب والوقوف ضد الرتاث وال†دين والع†ادات والتقالي†د ال†يت تتمس†ك هبا اجلماع†ات والش†عوب‪ .‬وتك†ون‬
‫الوحدة الطبقية الربوليتارية اليت تركز على التعاليم األممي†ة ال†يت وض††حها م††ارکس واجنل†ز يف كتاهبم††ا املوس†وم‬
‫بي††ان احلزب الش††يوعي"(‪ .)45‬ومن اجلدير بال††ذكر أن فك††رة األممي†ة ال††يت تعتم††د على وح††دة الطبق††ة الربوليتاري††ة‬
‫الدولية هي فكرة مثالية وطوبائية ال متت إىل احلقيقة والواقع بصلة‪ ،‬فكيف نستطيع أن نوح††د بني الطبق††ات‬
‫العمالي ††ة يف الع ††امل دون التوحي ††د بني اجملتمع ††ات املختلف ††ة ال ††يت تنتمي اليه ††ا ه ††ذه الطبق ††ات؟ وكي ††ف نس ††تطيع‬
‫التوحي ††د بني اجملتمع ††ات وص ††هر بعض ††ها ببعض وهن ††اك ف ††روق حض ††ارية واجتماعي ††ة وقومي ††ة ومادي ††ة ولغوي ††ة‬
‫وديني††ة وسياس††ية واديولوجي††ة بينه††ا‪ .‬ف††روق ال ميكن جتاوزه††ا أو التقلي††ل من أمهيته††ا مهم††ا ك††انت الظ††روف‬
‫ومهما تغريت موازين القوى(‪.)46‬‬

‫أم ††ا األح ††زاب واحلرك ††ات والق ††وى الرجعي ††ة يف ال ††وطن الع ††ريب كح ††زب االحتاد الدس ††توري وح ††زب األم ††ة‬
‫وح††زب الكت††ائب ومجعي††ات األخ††وان املس††لمني فاهنا أح††زاب وق††وى سياس††ية تلقي ال††دعم والتأيي††د من ل††دن‬
‫الطبق ††ات الربجوازي ††ة الرجعي ††ة والطبق ††ات اإلقطاعي ††ة والطبق ††ات املتنف ††ذة يف اجملتم ††ع الع ††ريب ومن قب ††ل الق ††وى‬
‫اإلمربيالي† ††ة والص† ††هيونية ال† ††يت هلا مص† ††احل اس† ††رتاتيجية يف ال† ††وطن الع† ††ريب‪ .‬ان للطبق† ††ات الربجوازي† ††ة الرجعي† ††ة‬
‫واإلقطاعي ††ة مص ††احل اقتص ††ادية واجتماعي ††ة وسياس ††ية تري ††د حتقيقه ††ا ألفراده ††ا ومنظماهتا‪ ،‬واهنا األداة املنف ††ذة‬
‫ألوام††ر ومط††اليب الق††وى االس††تعمارية والص††هيونية يف املنطق††ة العربي††ة نظ††رًا لتوطئه††ا معه††ا واعتقاده††ا بنفس‬
‫األفكار واملعتقدات والطموحات اليت حتملها الدوائر االستعمارية والصهيونية‪ .‬ولكن لكي تك††ون الطبق††ات‬
‫الربجوازي††ة الرجعي††ة واإلقطاعي††ة ق††ادرة على بل††وغ أه††دافها وحتقي††ق مص††احلها ومص††احل اس††يادها اإلمربي††اليني‬
‫والصهاينة فإهنا تشكل أحزابا ومنظم†ات سياس†ية تعه†د إليه†ا مهم†ة تنظيم قواه†ا وإمكانياهتا والس†يطرة على‬
‫فعالياهتا ونشاطاهتا وبلورة تكتيكها واسرتاتيجيتها وتنسيق خططها مع األح††زاب والق††وى الرجعي††ة األخ††رى‬
‫اليت تعمل معها يف املنطقة‪ .‬فاألغراض الرئيسية اليت قادت الطبقات والشرائح الرجعية يف الع††راق ولبن††ان إىل‬
‫تكوين حزب االحتاد الدستوري وحزب األمة خالل عه††د ن†وري الس†عيد وح†زب الكت†ائب يف لبن†ان تكمن‬

‫‪154‬‬
‫يف حتقي†ق أه†داف ومص†احل الق†وى اليميني†ة يف البل†دين واهليمن†ة على أنظم†ة احلكم املتخلف†ة فيه†ا آن†ذاك وقت†ل‬
‫حري ††ات وطموح ††ات الش ††عب والتنكي ††ل بأبنائ ††ه خدم ††ة لطموح ††ات األس ††ياد اإلمربي ††اليني والص ††هاينة‪ .‬وفعًال‬
‫عملت ه† ††ذه األح† ††زاب والق† ††وى السياس† ††ية العميل† ††ة واملش† ††بوهة على خل† ††ق حري† ††ات الش† ††عب ومتهي† ††د اجملال‬
‫لالس ††تعمار والص ††هيونية يف إحك ††ام س ††يطرهتا ونفوذه ††ا على ال ††وطن الع ††ريب وف ††رض واق ††ع التجزئ ††ة والتخل ††ف‬
‫والفق† ††ر والب† ††ؤس علي† ††ه‪ ،‬وس† ††يطرت من خالل نفوذه† ††ا السياس† ††ي وقوهتا غ† ††ري احملدودة على املراك† ††ز املهني† ††ة‬
‫والوظيفي†ة احلساس†ية للدول†ة‪ ،‬ه††ذه املراك†ز ال†يت اعتم†دهتا يف حتقي†ق أطماعه††ا الذاتي†ة ومنافعه††ا الشخص††ية ويف‬
‫نفس ال † ††وقت حمارب † ††ة الق † ††وى واحلرك † ††ات املعادي † ††ة وتص † ††فيتها لكي يس † ††نح هلا اجملال بالس † ††يطرة على البالد‬
‫وحكمها حسب أهوائها الشخصية وطموحاهتا األنانية وأفكارها وممارساهتا املشبوهة واملتخلفة ‪.‬‬

‫أثر األحزاب السياسية في تكوين الرأي العام‬

‫األح ††زاب السياس ††ية هي من اجلماع ††ات املرجعي ††ة املهم ††ة ال ††يت تش ††ارك مش ††اركة فعال ††ة يف تك ††وين وبل ††ورة أو‬
‫تب ††ديل اآلراء واملواق ††ف ال ††يت حيمله ††ا أبن ††اء الش ††عب إزاء بنایا وأم ††ور سياس ††ية واجتماعي ††ة واقتص ††ادية وثقافي ††ة‬
‫معينة هتمهم وهتمها وهتم اجملتمع الكبري‪ ،‬واألحزاب السياسية تقوم بعمله†ا ه†ذا من خالل احتك†اك وتفاع†ل‬
‫أعض††ائها م††ع اجلم††اهري وأجهزهتا اإلعالمي††ة‪ ،‬قياداهتا وكوادره††ا املتقدم††ة‪ ،‬كتاهبا وفالس††فتها وأدبائه††ا وأخ††ريا‬
‫األشخاص ال†ذين ميثلوهنا يف أجه†زة الدول†ة الرمسية(‪ .)47‬وتس†تطيع األح†زاب السياس†ية الت†أثري يف أفك†ار وآراء‬
‫ومواق††ف اجلم††اهري من خالل دعمه††ا وبلورهتا أو تب††ديلها لكي تنس††جم وتتواف††ق م††ع اديولوجيته††ا وفلس††فتها‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية اذا توافرت الشروط التالية ‪:‬‬

‫ك ††ون احلزب حزي ††ا مجاهريي ††ا وش ††عبيا غرض ††ه خدم ††ة اجلم ††اهري وض ††مان تق ††دمها وعزهتا وكرامته ††ا‬ ‫‪)1‬‬
‫وحتقي††ق أه††دافها ومص††احلها وطموحاهتا‪ .‬وان اديولوجيت††ه وممارس††اته مش††تقة من الواق††ع االجتم††اعي‬
‫للجماهري ومن معاناهتم وظروفهم احلياتية‪.‬‬
‫إشغال احلزب ملراكز السلطة والدولة خصوصًا إذا كان احلزب حزبًا قائدًا‪ .‬ف††احلزب ال††ذي يس††يطر‬ ‫‪)2‬‬
‫على زم ††ام األم ††ور السياس ††ية وحيت ††ل مراك ††ز الق ††وة واحلكم ه ††و احلزب ال ††ذي ي ††دير وس ††ائل اإلعالم‬
‫(‬
‫اجلماهريي†ة ويش†رف عليه†ا ويس†تعملها يف تك†وين وتغي†ري املواق†ف واالجتاه†ات لألف†راد واجلماع†ات‬

‫‪155‬‬
‫‪ .)48‬كما أنه يستطيع التأثري على أفكار ومي†ول واجتاه††ات أبن†اء الش†عب من خالل حكمهم وتلبي†ة‬
‫حاجاهتم ومتطلباهتم من خالل منظمات وأجهزة الدولة‪.‬‬
‫ع††دم وج††ود االنقس††امات واالنش††قاقات السياس††ية والديني††ة والقومي††ة واالجتماعي††ة يف اجملتم††ع حيث‬ ‫‪)3‬‬
‫أن وج††ود مث††ل ه††ذه االنقس††امات ال ميكن احلزب من نش††ر أفك††اره ومعتقدات††ه بس††هولة‪ ،‬وهن††ا يتع††ثر‬
‫احلزب يف تكوين وتغيري اآلراء واملواقف والعكس هو الصحيح إذا كان اجملتمع موحدًا وخالي†ًا من‬
‫االنقسامات واالختالفات الفكرية والعقائدية واالجتماعية‪.‬‬
‫تعصب وتعنت أغلبية أبناء اجملتمع األفك†ار ومعتق††دات وآراء ومواق†ف نقيض††ه لألفك†ار واملعتق††دات‬ ‫‪)4‬‬
‫واملواق†ف ال†يت يري†د احلزب تكوينه††ا ونش†رها وبلورهتا يف اجملتم†ع‪ .‬فكلم†ا ك†انت األفك†ار واملواق†ف‬
‫اليت حيملها أبن†اء اجملتم†ع إزاء أم†ور وقض†ايا معين†ة متطرف†ة وحدي†ة ومتص†لبة كلم†ا ك†ان من الص†عب‬
‫على األح ††زاب السياس ††ية وبقي ††ة اجلماع ††ات املرجعي ††ة تب ††ديلها وتغيريه ††ا‪ ،‬وكلم ††ا ك ††انت األفك ††ار‬
‫واملواقف مرنة ودميقراطية وشفافة كلما كان من السهولة مبكان تغيريها وتبديلها‪.‬‬
‫تس† ††تطيع األح† ††زاب السياس† ††ية تغي† ††ري اآلراء واملواق† ††ف يف اجتاه معني إذا ك† ††ان التغي† ††ري ينس† ††جم م† ††ع‬ ‫‪)5‬‬
‫طموح† ††ات ومص† ††احل أبن† ††اء اجملتم† ††ع‪ ،‬والعكس ب† ††العكس إذا ك† ††ان التغي† ††ري يتن† ††اقض م† ††ع طموح† ††ات‬
‫ومصاحل وأهداف اجلماهري ‪.‬‬
‫ع ††دم تن ††اقض آراء ومواق ††ف اجلماع ††ات املرجعي ††ة األخ ††رى كالعائل ††ة واجلامع أو الكنيس ††ة أو احلزب‬ ‫‪)6‬‬
‫السياس††ي أو اجملتم††ع احمللي أو الن††ادي الرياض††ي م††ع اآلراء واملواق††ف ال††يت تري††د األح††زاب السياس††ية‬
‫نشرها وترسيخها يف اجملتمع‪.‬‬

‫وال يستطيع احلزب تك†وين اآلراء واملواق†ف أو تغيريه†ا خالل ف†رتة األم†د القص†ري حيث ان تك†وين اآلراء أو‬
‫تغيريه††ا حيت††اج إىل ف††رتة طويل††ة ال تق††ل عن س††تة أش††هر خصوص †ًا اذا ك††ان احلزب ش††اغال للس††لطة ومس††يطرة‬
‫على وس ††ائل اإلعالم اجلماهريي ††ة ك ††التلفزيون والرادي ††و واجلرائ ††د‪ .‬يق ††ول الربوفس ††ور ولس ††ن ب ††أن األح ††زاب‬
‫السياس††ية يف بريطاني††ا ال تس††تطيع الت††أثري على آراء الن††اخبني إال خالل ف††رتة األم††د البعي††د‪ .‬ف††احلزب السياس††ي‬
‫ال ††ذي يق ††وم بالدعاي ††ة االنتخابي ††ة لف ††رتة طويل ††ة قب ††ل االنتخاب ††ات العام ††ة ه ††و احلزب ال ††ذي ينجح يف كس ††ب‬
‫أصوات الناخبني ويفوز يف املعركة االنتخابية خصوصا اذا كان يستعمل وسائل اإلعالم اجلماهريي††ة احلديث††ة‬

‫‪156‬‬
‫يف الدعاي††ة االنتخابي††ة(‪ .)49‬أم††ا اذا اس††تعمل احلزب الدعاي††ة االنتخابي††ة لف††رتة قص††رية قبي††ل االنتخاب††ات العام††ة‬
‫فأنه ال ميكن أن يكتب له النجاح يف االنتخابات وال ميكن كسب أصوات الناخبني‪.‬‬

‫ولكي تستطيع األحزاب السياسية الت†أثري يف ال†رأي الع†ام وبل†ورة األفك†ار واملواق†ف بالش†كل ال†ذي يتف†ق م†ع‬
‫مصاحلها ومتطلباهتا البد من وج†ود أجه†زة حزبي†ة دعائي†ة تت†وىل مهم†ة عم†ل الدعاي†ة للح†زب وإقن†اع ال†رأي‬
‫العام بأفضلية مبادئه وأفكاره وممارساته بالنسبة لتل†ك ال†يت متيز األح†زاب السياس†ية األخ†رى‪ ،‬وب†النظر ألمهي†ة‬
‫ه† ††ذه األجه† ††زة اإلعالمي† ††ة لألح† ††زاب السياس† ††ية فإنن† ††ا جندها ترتب† ††ط ب† ††أعلى اهليئ† ††ات القيادي† ††ة يف األح ††زاب‪،‬‬
‫واألحزاب تعمل جاهدة على توفري مجيع اإلمكانات واملستلزمات املادية والفنية اليت متكنها من أداء دوره††ا‬
‫اإلعالمي على أحسن وجه(‪.)50‬‬

‫أم††ا دور احلزب الث†وري يف تك†وين وبل†ورة ال†رأي الع††ام ف†ان احلزب ي†ؤمن مبب†دأ التحري†ك اجلم††اهريي لتوعي†ة‬
‫اجلماهري بأفكار وأهداف وش†عارات وممارس†ات احلزب الث†وري‪ ،‬وي†رى احلزب الث†وري ب†ان التحري†ك جيب‬
‫أن يرتب†ط بطبيع†ة الظ†روف احمليط†ة ب†الثورة الن التحري†ك ال جيري يف ف†راغ وال ميارس بش†كل جتري†دي طاملا‬
‫ان ††ه يرتب ††ط بص ††ورة مباش ††رة باملهم ††ات املرحلي ††ة‪ .‬ولنج ††اح التحري ††ك االب ††د قب ††ل ك ††ل ش ††يء من وج ††ود ثق ††ة‬
‫مجاهريي ††ة ب ††احلزب ال ††ذي يق ††ود عملي ††ة التحري ††ك‪ .‬والتحري ††ك جيب أن يك ††ون ص ††ادقا وان يس ††تهدف توعي ††ة‬
‫الش ††عب ال تض ††ليله أو ختدير يقظت ††ه‪ ،‬وي ††رى احلزب ب ††أن للتحري ††ك ش ††روط من أمهه ††ا أن يتم بعقلي ††ة القي ††ادة‬
‫السياس ††ية املرتبط ††ة باجلم ††اهري وليس بعقلي ††ة الوص ††اية واألمري ††ة‪ .‬وك ††ذلك توف ††ري املن ††اخ ال ††دميقراطي الص ††حي‬
‫للجم ††اهري وتنظيماهتا لتم ††ارس مهم ††ات الرقاب ††ة على الس ††لطة وتق ††دم مقرتحاهتا من أج ††ل التط ††وير والتغي ††ري‬
‫والتق††دم‪ .‬ومن أج††ل تنفي††ذ ذل††ك ب††ادر احلزب إىل اعتم††اد أس††لوب الن††دوات الش††عبية واجلماهريي††ة واس††تعمال‬
‫أجه ††زة اإلعالم اجلماهريي ††ة وتزاي ††د احتك ††اك الك ††وادر احلزبي ††ة جبم ††اهري الش ††عب بكاف ††ة خلفياهتا االجتماعي ††ة‬
‫وشرائحها الطبقية‪.‬‬

‫يس††تفيد احلزب اذن من كاف††ة الوس††ائل اإلعالمي††ة واجلماهريي††ة املت††وفرة لدي††ه يف بل††ورة ال††رأي الع††ام أو تغي††ريه‪،‬‬
‫وتلعب املنظمات الواجهية للحزب االحتادات والنقابات واملكاتب املهني†ة ال†دور الكب†ري يف ه††ذا اجملال حيث‬
‫تس††ري يف خ††ط م††وازي م††ع منظم††ات وأجه††زة احلزب لغ††رض توجي††ه اجلم††اهري وتوعيته††ا وقيادهتا حنو حتقي††ق‬

‫‪157‬‬
‫أهداف الثورة واجملتم†ع‪ .‬واحلزب الث†وري يعتم†د احلقيق†ة والط†رح املباش†ر للحق†ائق دون اللج†وء إىل أس†لوب‬
‫اللف أو الدوران أو التسويف وهذا ما دفع اجلماهري إىل االلتف†اف ح†ول قي†ادة احلزب والث†ورة ودعمه†ا من‬
‫اج ††ل حتقي ††ق األه ††داف والطموح ††ات‪ .‬وأخ ††ريًا يعتم ††د احلزب مب ††دا الرتبي ††ة الثوري ††ة للناش ††ئة س ††واء يف ص ††ياغة‬
‫من ††اهج الرتبي ††ة والتعليم أو يف منظم ††ات الطالئ ††ع والفت ††وة والتش ††كيالت الش ††بابية األخ ††رى‪ .‬إض ††افة إىل دف ††ع‬
‫املواط ††نني إىل محل الس ††الح لل ††دفاع عن تربي ††ة ال ††وطن ض ††د الغ ††زاة والط ††امعني ورب ††ط مب ††دأ التنمي ††ة ب ††التحرير‬
‫الشامل وترشيد النزعات االس†تهالكية وتوجي†ه اجلم†اهري حنو العم†ل املنتج واخلالق يف س†بيل خدم†ة اجملتم†ع‪.‬‬
‫ومث††ل ه††ذه القيم القومي††ة واالش††رتاكية واإلنس††انية ال††يت يناض††ل احلزب من اج††ل نش††رها وترس††يخها يف نف††وس‬
‫املواطنني البد أن تسبب يف تغيري أفك†ارهم ومعتق††داهتم وم††واقفهم الس†ابقة واإلميان بأفك†ار ومعتق††دات وقيم‬
‫جديدة تتالئم مع البنية االجتماعية واحلضارية للمجتمع الثوري اجلديد‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫الهوامش والمصادر‬

1. Duverger, M. Political Parties, New York, Science Edition,


1961, FXNIIL.
2. Weiner, M. Political Parties and Political Development,
Princeton,
1966 , P. 8.
‫ ص‬،۱۹۸۰ ،‫ مطبع††ة املع††ارف‬،‫ بغ††داد‬،‫ األنظم††ة السياس††ية املقارن††ة‬.)‫ حس††ان توفي††ق (ال††دكتور‬،‫الع††اين‬ .3
.46
4. Marx, K. and Engles, F. The Socialist Revolution, Moscow,
1978, P. 193.
5. Lenin, V.I. Britain, Moscow, 1960, P. 526.
6. Ibid., P. 527.
7. Ibid., P. 630,
8. Marx, K. and Engels, F. Selected Works , Moscow, 1975, PP.
35-37

159
‫‪9.‬‬ ‫‪Mandic, Oleg. The Marxist School of Sociology , An Article‬‬
‫‪written in Marxism and Sociology, Edited by P. Berger , New‬‬
‫‪York,‬‬ ‫‪1969,‬‬
‫‪P. 55.‬‬
‫‪10. White, R. J. The Conservative Tradition, London, 1950, PP.‬‬
‫‪11-15.‬‬
‫الك††ادر احلزيب‪ ،‬سلس††لة الثقاف††ة الثوري††ة‪ ،‬املؤسس††ة العربي††ة للدراس††ات والنش††ر‪ ،‬ب††ريوت‪ ،1974 ،‬ص‬ ‫‪.11‬‬
‫‪.5-4‬‬
‫مفه††وم احلزب‪ ،‬سلس††لة الثقاف††ة الثوري††ة‪ ،‬املؤسس††ة العربي††ة للدراس††ات والنش††ر‪ ،‬ب††ريوت‪ ،1974 ،‬ص‬ ‫‪.12‬‬
‫‪.14‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪.13‬‬
‫مفهوم احلزب‪ ،‬ص‪.16‬‬ ‫‪.14‬‬
‫حمم† ††د‪ ،‬علي حمم† ††د‪( ،‬ال† ††دكتور)‪ .‬دراس† ††ات يف علم االجتم† ††اع السياس† ††ي‪ ،‬دار اجلامع† ††ات املص† ††رية‪،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫القاهرة‪ ،۱۹۷۷ ،‬ص ‪.۳۷۹‬‬
‫‪16. Michels, R. First Lectures in Political Sociology, University of‬‬
‫‪Minnesota Press, Minneapolis, 1949, P. 134.‬‬
‫‪17. Mckenzie, R. B. British Political Parties, London, 1955, PP.‬‬
‫‪57-59.‬‬
‫‪18. Ibid., P. 63,‬‬
‫ف ††رح‪ ،‬الي ††اس (ال ††دكتور)‪ ،‬تط ††ور األديولوجي ††ة العربي ††ة الثوري ††ة (الفك ††ر الق ††ومي)‪ ،‬املؤسس ††ة العربي ††ة‬ ‫‪.19‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،1979 ،‬ص‪.35-33‬‬
‫املنهاج الثقايف املركزي‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬بغداد‪ ،۱۹۷۹ ،‬ص ‪.47‬‬ ‫‪.20‬‬
‫التقرير السياسي‪ ،‬بغداد‪ ،۱۹۷۶ ،‬ص‪.۹۲‬‬ ‫‪.21‬‬

‫‪160‬‬
.65-63 ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .22
23. Beer, S. Pressure Groups and Parties in Britain, An Article
written
in the American Political Review, March, 1956.
24. Bonham, J. and Martin, F. Two Studies in the Middle Class
Vote, British Journal of Sociology, 3 (3), Sept., 1952.
25. Davis, K. and Moore, W. Some Principles of Stratification,
American Sociological Review, 10 (1945), PP. 242-249.
26. Lockwood, D. The Blackcoated Worker: A Study in Class
Consciousness, London, 1958, PP. 10-13.
27. Ibid., P. 24,
28. Milne, R.S. and Mckenzie, H.C. Straight Fight: A Study in
Voting
Behaviour, London, 1954, PP. 3-6.
29. Ibid., P. 11,
30. Ibid., P. 23,
31. Ibid., P. 62.
32. Ibid., P. 81.
33. Mckenzie , R.T, British Political Parties , London, 1956 , PP.
20-22.
34. Ibid., P. 29,
.244 ‫ ص‬،1973 ،‫ مطبعة اإلرشاد‬،‫ بغداد‬،‫ علم االجتماع السياسي‬.)‫ صادق (الدكتور‬،‫األسود‬ .35

161
‫ف††رح‪ ،‬الي††اس (ال††دكتور)‪ .‬تط††ور األديولوجي††ة العربي††ة الثوري††ة (الفك††ر االش††رتاكي)‪ ،‬املؤسس††ة العربي††ة‬ ‫‪.36‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،۱۹۷۹ ،‬ص ‪.36-35‬‬
‫نفس املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪.37‬‬
‫الكبيس††ي‪ ،‬محدان (ال††دكتور) وعب††د ال††رمحن الع††اين (ال††دكتور)‪ .‬اجملتم††ع الع††ريب‪ ،‬بغ††داد‪ ،۱۹۷۹ ،‬ص‬ ‫‪.38‬‬
‫‪.74 -۷۲‬‬
‫الطبق† ††ة واالنتم† ††اء الطبقي عن† ††د البعث‪ ،‬الث† ††ورة العربي† ††ة‪ ،‬الع† ††دد الس† ††ابع‪ ،‬املئ† ††ة احلادي† ††ة عش† ††رة‪ ،‬متوز‬ ‫‪.39‬‬
‫‪ ،1979‬ص‪.50‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬ ‫‪.40‬‬
‫نفس املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪.41‬‬
‫‪42. Marx, K. and Engles. F. The Socialist Revolution, P. 194.‬‬
‫‪43. Marx, K and Engels, F. Selected Works, PP. 265-266.‬‬
‫ميش ††يل عفل ††ق (القائ ††د املؤس ††س)‪ .‬البعث والوح ††دة‪ ،‬املؤسس ††ة العربي ††ة للدراس ††ات والنش ††ر‪ ،‬ب ††ريوت‪،‬‬ ‫‪.44‬‬
‫‪ ،1973‬ص‪.94‬‬
‫‪45. Marx, K. and Engels, F. Selected Works, P. 37-45.‬‬
‫احلس ††ن‪ ،‬إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور)‪ .‬أث ††ر الثقاف ††ة والرتبي ††ة والتعليم يف مواجه ††ة التح ††ديات العقائدي ††ة‬ ‫‪.46‬‬
‫األمنية‪ ،‬حبث مقدم إىل معهد الدراسات األمنية‪ ،‬بغداد‪.1980 ،‬‬
‫محادي‪ ،‬مشران (الدكتور)‪ .‬األحزاب السياسية‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة دار السالم‪ ،۱۹۷۲ ،‬ص ‪.16-15‬‬ ‫‪.47‬‬
‫‪48. Finer, S. The Theory and Practices of Modern Government,‬‬
‫‪London, 1967, P. 14,‬‬
‫‪49. Halloran , J.B. The Effects of Mass Communication With‬‬
‫‪Special Reference to Television, London, 1965, P, 52.‬‬
‫‪50. Ibid., P. 55.‬‬

‫‪162‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫جماعات الضغط‬

‫مجاع††ات الض††غط هي ن††وع من أن††واع اجلماع††ات االجتماعي††ة ال††يت ق††د تك††ون ص††غرية أو كب††رية احلجم‪ ،‬وهلذه‬
‫اجلماع ††ات االجتماعي ††ة مص ††احل معين ††ة تري ††د حتقيقه ††ا األفراده ††ا بأس ††رع وقت ممكن(‪ .)1‬وم ††ىت م ††ا اس ††تطاعت‬
‫مجاع ††ة الض ††غط (‪ )Pressure Group‬أو الل ††ويب(‪ )Lobby( )‬حتقي ††ق مص ††احلها اآلتي ††ة تنتهي مهمته ††ا‬
‫وتتجم ††د فاعليته ††ا ونش ††اطاهتا يف الت ††أثري على سياس ††ة احلكوم ††ة والت ††أثري على املنظم ††ات واهليئ ††ات ال ††يت تتعل ††ق‬
‫مص ††احلها وأه ††دافها هبا‪ ،‬وتتوق ††ف عن تس ††ليط الض ††غوط ال ††يت من ش ††أهنا أن حتق ††ق أمانيه ††ا وأه ††دافها‪ .‬لكن‬
‫مجاع††ات الض††غط ال تن††وي الس††يطرة على احلكم واش††غال املراك††ز القيادي††ة واحلساس††ة يف الدول††ة واجملتم††ع ب††ل‬
‫تري ††د الت ††أثري املباش ††ر أو غ ††ري املباش ††ر على احلكوم ††ة واملنظم ††ات اجملتمعي ††ة وت ††رغب يف احتالل مواق ††ع الفاعلي ††ة‬
‫والس ††معة العالي ††ة ال ††يت متكنه ††ا من العم ††ل احلثيث يف إجناز مص ††احل وغاي ††ات األف ††راد ال ††ذين ينتم ††ون اليه ††ا أو‬
‫املؤسسات اليت تشرتك يف تنظيماهتا وتدور يف فلكها(‪.)2‬‬

‫‪ )(‬اللوبي هو األداء الفعلية المنفذة لجماعة الضغط‪ .‬وهدفها التأثير والضغط على صاحب‪ ،‬اتخاذ القرار وحمله على اتخاذ ما تريده جماعة‬
‫الضغط‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ومجاعات الضغط ال تعمل ضمن مؤسسات الدولة فحس†ب ب†ل تعم†ل يف مجي†ع املؤسس†ات االجتماعي†ة ال†يت‬
‫يتكون منها البناء االجتماعي وتظهر يف األوس†اط اجلماهريي†ة والش†عبية ويف التنظيم†ات الرمسية وغ†ري الرمسية‬
‫أيض †ًا‪ .‬فق††د توج††د مجاع††ات ض††غط ض††من املص††نع واملزرع††ة والعائل††ة والق††وات املس††لحة واملدرس††ة واجلامع††ة‪،‬‬
‫وتوجد أيضًا يف نقابات العمال واالحتادات النسوية والنقابات والتنظيمات املهني††ة واحلزبي††ة‪ .‬ووجوده††ا ه††ذا‬
‫يظه ††ر ب ††دافع املص ††احل الذاتي ††ة أو اجلماعي ††ة لألف ††راد ال ††ذين يكونوهنا‪ ،‬فق ††د يظه ††ر الل ††ويب وس ††ط العائل ††ة املمت ††دة‬
‫للت†أثري على رئيس†ها ودفع†ه على تس†جيل بعض املمتلك†ات والعق†ارات باس†م أح†د أعض†ائها أو نق†ل ممتلكاهتا‬
‫املنقول ††ة من ح ††وزة ش ††خص حلوزة ش ††خص آخ ††ر‪ .‬ويظه ††ر الل ††ويب يف املص ††نع للت ††أثري على اإلدارة أو أرب ††اب‬
‫العم ††ل ومحلهم على زي ††ادة أج ††ور العم ††ال أو تقليص س ††اعات العم ††ل أو حتس ††ني ظ ††روف اإلنت ††اج أو تب ††ديل‬
‫املك††ائن واآللي††ات اإلنتاجي††ة أو بن††اء دور للعم††ال وتوزيعه††ا عليهم جمان††ا أو باس††عار الكلف††ة‪ .‬كم††ا ق††د يظه††ر‬
‫اللويب يف القوات املسلحة للتأثري على قادهتا يف حتديث أسلحة وجته†يزات اجليش أو ش†ن اهلج†وم العس†كري‬
‫على األع†داء واحلاق†دين أو رف†ع املس†تويات الثقافي†ة والعلمي†ة ألبن†اء الق†وات املس†لحة وهك†ذا (‪ .)4‬وأخ†ريًا رمبا‬
‫يظهر اللويب وسط نقابات العمال حلم††ل قادهتا وأقطاهبا على التع††اون م††ع اإلدارة أو أرب†اب العم†ل من أج†ل‬
‫رف ††ع الكف ††اءة اإلنتاجي ††ة للعم ††ال وزي ††ادة مه ††اراهتم يف أداء العم ††ل الص ††ناعي وهك ††ذا‪ .‬إذن مجاع ††ة الض ††غط أو‬
‫الل††ويب ه††و مجاع††ة اجتماعي††ة تتك††ون من أف††راد يس††عون لتحقي††ق أه††داف مش††رتكة من خالل العم††ل اجلم††اعي‬
‫املنظم ال††ذي يعتم††د على ق††وة املتابع††ة والت††أثري يف ص††نع الق††رار املناس††ب ال††ذي يتمخض عن††ه حتقي††ق املص††لحة‬
‫وتأمني املطاليب واحلاجات‪.‬‬

‫ومجاع ††ات الض ††غط ال ††يت تع ††رب عن املمارس ††ات الدميقراطي ††ة يف املؤسس ††ات السياس ††ية واجملتمعي ††ة ال توج ††د يف‬
‫اجملتمع ††ات الغربي ††ة كم ††ا ي ††دعي بعض املفك ††رين والكت ††اب الغرب ††يني فحس ††ب ب ††ل توج ††د يف مجي ††ع اجملتمع ††ات‬
‫اإلنسانية مهما كانت نظمها السياسية ودرجة منوها احلضاري وتقدمها االجتم††اعي(‪ .)5‬فجماع††ات الض††غط‬
‫توج † ††د يف البل † ††دان االش † ††رتاكية وتوج † ††د يف البل † ††دان الغربي † ††ة والبل † ††دان النامي † ††ة‪ .‬وبغض النظ † ††ر عن البل † ††دان‬
‫واجملتمعات اليت توجد فيها فإن طبيعتها وتنظيماهتا وصيغ عملها وأهدافها تكون متشاهبة إىل درجة كب††رية‪.‬‬
‫فجميعها تظهر يف املؤسسات البنيوية للمجتم†ع خصوص††ا املؤسس†ات السياس†ية وحتاول الت†أثري على ق†رارات‬

‫‪164‬‬
‫الدول† ††ة واجملتم† ††ع مبا خيدم مص† ††احلها وحيق† ††ق أه† ††دافها وتس† ††تخدم أس† ††اليب الت† ††أثري واإلقن† ††اع يف محل الق† ††ادة‬
‫واملسؤولني على اإلصغاء ألوامرها ومطاليبها ووضعها موضع التنفيذ‪.‬‬

‫لكن اس††تجابة احلكوم††ة وق††ادة املنظم††ات واجملتمع††ات احمللي††ة ألوام††ر ومط††اليب مجاع††ات الض††غط تعتم††د على‬
‫اعتب††ارين أساس††يني مها أن ه††ذه اجلماع††ات متث††ل ج††زءا كب††ريا من املواط††نني وتع††رب عن ح††اجتهم وطموح††اهتم‬
‫وتري††د تنميتهم وتط††ويرهم وحتقي††ق أه††دافهم‪ .‬ل††ذا غالب††ا م††ا ت††ذعن احلكوم††ة واملنظم††ات االجتماعي††ة ملا تري††ده‬
‫هذه اجلماعات إميانًا منها بأمهي†ة املواط†نني ال†ذين متثلهم وترع†اهم وت†دافع عنهم(‪ .)6‬لكنن†ا جيب أن نق†ول هن†ا‬
‫بأن مجاعات الضغط قد ال متثل املواطنني وال تريد الدفاع عنهم بل تريد حتقيق املص††احل والغاي††ات األساس††ية‬
‫لألعضاء الذين تتك†ون منهم‪ ،‬واالعتب†ار اآلخ†ر ال†ذي ي†دفع احلكوم†ة واملس†ؤولني إىل تلبي†ة مط†اليب ومص†احل‬
‫مجاع† ††ات الض† ††غط يتجس† ††د يف ردود الفع† ††ل االنتقامي† ††ة ال† ††يت ق† ††د تتخ† ††ذها مجاع† ††ات الض† ††غط ض† ††د احلكوم† ††ة‬
‫واملس ††ؤولني فيم ††ا اذا مل يس ††تجيبوا إلرادهتا ومطاليبه ††ا ومل حيقق ††وا مص ††احل أفراده ††ا(‪ .)7‬ف ††إذا امتنعت احلكوم ††ة‬
‫مثال عن زي††ادة رواتب األطب††اء ال††ذين ت††دافع عنهم نقاب††ة األطب††اء ال††يت ميكن أن تك††ون مجاع††ة ض††غط أو ل††ويب‬
‫ف ††ان النقاب ††ة ميكن أن تص ††در إيعازاهتا غ ††ري الرمسية إىل األطب ††اء باالس ††تقالة أو االمتن ††اع عن العم ††ل اإلض ††ايف‪،‬‬
‫وه††ذا م††ا ال تري††ده احلكوم††ة‪ .‬ل††ذا ت††ذعن احلكوم††ة ملط††الب نقاب††ة األطب††اء وتستس††لم لض††غوطها بزي††ادة رواتب‬
‫األطب ††اء خوف ††ا من الع ††واقب الوخيم ††ة ال ††يت ق ††د حتدث يف املؤسس ††ات الص ††حية نتيج ††ة لع ††دم زي ††ادة ال ††رواتب‬
‫واملخصص ††ات‪ .‬لكن ††ه يف معظم األح ††وال تس ††تعمل مجاع ††ات الض ††غط الص ††يغ الدميقراطي ††ة والس ††رية يف العم ††ل‬
‫والت ††أثري(‪ .)8‬فهي تع ††رض قض ††يتها أم ††ام الق ††ادة واملس ††ؤولني وتناقش ††هم بش ††رعية الق ††رار ال ††ذي جيب أن يتخ ††ذ‬
‫لصاحلها‪ ،‬واذا مل يقتنعوا بقضيتها ومناقشتها فإهنا ميكن أن تسلط عليهم الض††غوط املكثف††ة ال†يت تل†زمهم على‬
‫اختاذ القرار املالئم الذي من شأنه أن حيقق مصاحلها‪.‬‬

‫لكنن††ا جيب أن نش††ري هن††ا إىل أن ليس مجي††ع مجاع††ات الض††غط هي مجاع††ات فتوي††ة ومص††لحية (‪Sectorial‬‬
‫‪ )Pressure Groups‬تفتش دائما عن مصاحل أعضائها ومنظماهتا بل أن هن†اك مجاع††ات ض††غط دعائي†ة‬
‫أو إعالمي ††ة ه ††دفها تزوي ††د املواط ††نني مبعلوم ††ات وحق ††ائق عن موض ††وع جمه ††ول أو غ ††ري مع ††روف وال مت ††داول‬
‫كقي†ام مجعي†ة املؤرخني الع††رب بكش†ف اجلذور التارخيي†ة لع††داء الف††رس للع††رب وعنجهي†ة وغ††رور الف††رس ع††رب‬
‫التاريخ واملواقف الالإنس†انية ال†يت اختذوها إزاء القومي†ة العربي†ة واملمارس†ات العنص†رية الض†يقة ال†يت جس†دوها‬

‫‪165‬‬
‫يف تعاملهم مع العرب وس†ائر القومي†ات األخ†رى(‪ .)9‬أو قي†ام جامع†ة ال†دول العربي†ة بش†ن محالت إعالمي†ة يف‬
‫اجلمعي† ††ات واحملاف† ††ل الدولي† ††ة ح† ††ول املواق† ††ف العنص† ††رية والعدواني† ††ة والتوس† ††عية ال† ††يت حيمله† ††ا الص† ††هاينة إزاء‬
‫الفلس††طينيني الع††رب وإزاء األم††ة العربي††ة بأمجعه††ا لكي يتن††ور ال††رأي الع††ام الع††املي حبقيق††ة الص††هيونية وطبيع††ة‬
‫وجوده††ا التوس††عي واالس††تغاليل والعنص††ري‪ ،‬ومث††ل ه††ذه احلقيق††ة الب††د أن تس††اعد ال††دول يف رس††م سياس††تها‬
‫اخلارجية حي†ال الكي†ان الص†هيوين وال†دول اإلمربيالي†ة ال†يت متده بي†د الع†ون واملس†اعدة‪ .‬وهن†اك أيض†ا مجاع†ات‬
‫الضغط املبدئية اليت تناضل من اجل قض†ية عادل†ة أو س†بب مش†روع کنض†ال منظم†ة التحري†ر الفلس†طينية من‬
‫اج ††ل اس ††تعادة األراض ††ي العربي ††ة احملتل ††ة من الغ ††زاة واحملتلني الص ††هاينة واإلمربي ††اليني وتأس ††يس دول ††ة فلس ††طني‬
‫املستقلة وإرجاع الالجئني الفلسطينيني إىل ديارهم(‪ ...)10‬اخل‪.‬‬

‫مفهوم جماعات الضغط‬

‫هناك تعاريف كثرية ملصطلح مجاعة الضغط أمهها التعريف الذي ذك†ره الربوفس†ور م†وودي (‪Professor‬‬
‫‪ )Moodie‬يف كتاب††ه املوس††وم "ال††رأي الع††ام ومجاع††ات الض††غط " ال††ذي ينص على أن مجاع††ة الض††غط هي‬
‫أية مجاعة منظمة حتاول التأثري على سياسات وقرارات احلكومة دون حماولته††ا الس††يطرة على املراك††ز الرمسية‬
‫للدول† ††ة وممارس† ††ة أس† ††اليب الق† ††وة الرمسية من خالهلا(‪ .)11‬وهن† ††ا ميكن التمي† ††يز بني مجاع† ††ة الض† ††غط واحلزب‬
‫السياس ††ي‪ ،‬فجماع ††ة الض ††غط ال تن ††وي احتالل مراک ††ز الق ††وة واحلكم ب ††ل تري ††د حتقي ††ق مص ††احلها عن طري ††ق‬
‫الض ††غط على مؤسس ††ات الدول ††ة واجملتم ††ع وإقناعه ††ا بض ††رورة تلبي ††ة مطاليبه ††ا وس ††د حاجاهتا‪ ،‬بينم ††ا احلزب‬
‫السياس ††ي ال ين ††وي الض ††غط والت ††أثري على سياس ††ة احلكوم ††ة فحس ††ب ب ††ل يري ††د الوص ††ول إىل احلكم واحتالل‬
‫مراكز القوة والنفوذ اليت من خالهلا يستطيع ترمجة أهدافه ومبادئه إىل واقع ملموس يؤدي أدواره الواض††حة‬
‫يف تبديل مسرية اجملتمع مبا يتوافق مع ديولوجي†ة احلزب ومفاهيم†ه ومبادئ†ه(‪ .)12‬وهن†اك تعري†ف آخ†ر جلماع†ة‬
‫الض ††غط ذك ††ره الربوفس ††ور ف ††اينر (‪ )Professor S. Finer‬يف كتاب ††ه املوس ††وم "اإلمرباطوري ††ة اجملهول ††ة"‬
‫ينص على أن مجاع† ††ة الض† ††غط هي منظم† ††ة هتدف إىل الت† ††أثري على سياس† ††ة اهليئ† ††ات واملؤسس† ††ات الرمسية مبا‬
‫يتالئم مع أهدافها ومصاحلها وهذه املنظمة ال تريد احتالل مراكز القوة واحلكم يف الدولة(‪.)13‬‬

‫‪166‬‬
‫ومجاع ††ات الض ††غط تك ††ون على أن ††واع كث ††رية ومتع ††ددة أمهه ††ا مجاع ††ات الض ††غط السياس ††ية أو اللوبي ††ات (‬
‫‪ )Lobbies‬وهي مجاع†ات ليس هلا اال مص†لحة سياس†ية حبت†ة مث†ل ل†ويب الكي†ان الص†هيوين ال†ذي ي†ؤثر على‬
‫سياس ††ة الوالي ††ات املتح ††دة اخلارجي ††ة وحيمله ††ا على تأيي ††د مواقف ††ه العدواني ††ة والتوس ††عية إزاء ال ††وطن واألم ††ة‬
‫العربية‪ ،‬ولوبی الواليات املتحدة األمريكية يف األمم املتحدة الذي يض††غط على سياس†ات ال†دول الس†ائرة يف‬
‫فل ††ك السياس ††ة األمريكي ††ة وجيعله ††ا تؤي ††د املواق ††ف املنح ††ازة للوالي ††ات املتح ††دة األمريكي ††ة بالنس ††بة للكي ††ان‬
‫الص ††هيوين أو جيعله ††ا تؤي ††د الوالي ††ات املتح ††دة يف دعمه ††ا لإلمربيالي ††ة والعنص ††رية والت ††دخل الس ††افر يف ش ††ؤون‬
‫ال ††دول الص ††غرية(‪ .)14‬وهن ††اك مجاع ††ات الض ††غط ش ††به السياس ††ية ال ††يت تتمث ††ل يف املنظم ††ات املهني ††ة والش ††عبية‬
‫كنقابات العمال واالحتادات النسوية والطالبية أو احتادات أصحاب األعمال يف الدول الغربية‪.‬‬

‫ومع أن نشاط هذه املنظمات ال ينحصر مجيعه يف اجملاالت السياس††ية‪ ،‬إّال أن ه††ذه املنظم††ات واجلماع††ات ال‬
‫تتمكن من القي††ام بأنش††طتها وفعالياهتا وحتقي††ق أه††دافها القريب††ة والبعي††دة دون النش††اط السياس††ي(‪ .)15‬وهن††اك‬
‫أيض †ًا مجاع††ات الض††غط اإلنس††انية ال††يت ال متارس نش††اطات سياس††ية إال يف القلي††ل الن††ادر ومن أمثاهلا مجعي††ات‬
‫محاي††ة األطف††ال ورع††ايتهم ومجعي††ات الرف††ق ب††احليوان ومجعي††ات ال††رب واإلحس††ان وبقي††ة اجلمعي††ات اخلريي††ة ذات‬
‫األه††داف اإلنس††انية واالجتماعي††ة‪ ،‬ومجي††ع ه††ذه اجلمعي††ات واملنظم††ات ال تت††دخل يف الش††ؤون السياس††ية وال‬
‫تستعمل وس†ائل الض†غط على الس†لطة احلاكم†ة اال يف ح†التني ‪ :‬أوهلم†ا طلب املعون†ة املالي†ة وال†دعم وثانيهم†ا‬
‫مناقشة مشاريع القوانني اليت متس أوجه نشاطاهتا(‪.)16‬‬

‫وهناك مجاعات الضغط ذات اهلدف احملدد اليت تكون على أنواع خمتلفة فمنها مجاعات املبادئ أو مجاع††ات‬
‫الربامج اليت ترمي إىل حتقيق أهداف قومي†ة مث†ل مجاع†ة الوح†دة األوربي†ة ومجاع†ة احلكوم†ة العاملي†ة يف اململك†ة‬
‫املتح††دة‪ .‬ومنه††ا مجاع††ات املص††لحة اخلاص††ة ال††يت ت††رمي إىل حتقي††ق املص††احل اخلاص††ة ألعض††ائها (‪ ،)17‬وق††د تأخ††ذ‬
‫هذه املص†لحة اخلاص†ة ص†يغة قومي†ة مث†ل إق†رار ح†ق التقاع†د لكب†ار الس†ن أو تأخ†ذ ص†يغة حملي†ة حبت†ة كال†دفاع‬
‫عن مص††احل ص††ناعة القطن يف منطق††ة النكش††ري يف إنكل††رتا أو منطق††ة نيوانكالن††د يف أمريك††ا أو منتجي األلب††ان‬
‫يف الوالي ††ات الوس ††طى من الوالي ††ات املتح ††دة األمريكي ††ة‪ .‬لكن ه ††ذا التقس ††يم ليس ثابت ††ة‪ ،‬فكث ††ري من املص ††احل‬
‫اخلاص ††ة ق ††د تك ††ون مص ††احل قومي ††ة يف نفس ال ††وقت‪ .‬وال ش ††ك أن األغلبي ††ة العظمى من أعض ††اء اجلماع ††ات‬
‫املختلف††ة تنك†ر وج†ود تض††ارب بني أه††دافها واأله†داف القومي†ة‪ .‬فنقاب†ة م††وظفي احلكوم††ة يف ال†دول األوربي†ة‬

‫‪167‬‬
‫مثال عن ††دما تط ††الب بف ††رض العقوب ††ات القاس ††ية على املوظفني املرتش ††ني ت ††ؤمن ب ††أن حتقي ††ق مطلبه ††ا ه ††ذا ه ††و‬
‫انتصار على الرشوة والفساد يف اإلدارة احلكومية‪.‬‬

‫وأخريًا هناك مجاعات الضغط للدفاع عن مصاحل الدول األجنبية داخ†ل الدول†ة‪ ،‬وه†ذا الن†وع من اجلماع†ات‬
‫منتشر بصفة خاصة يف الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث تعم†د ال†دول األجنبي†ة إىل تش†كيل لوبي†ات لتأيي†د‬
‫ودعم وجه ††ات نظره ††ا وال ††دفاع عن مص ††احلها‪ .‬وق ††د نش ††رت جمل ††ة نيوزوي ††ك األمريكي ††ة يف ش ††هر متوز ع ††ام‬
‫‪ 1962‬مقاًال يف هذا املوض†وع روت في†ه أن ال†دول األجنبي†ة أنفقت حنو ‪ 150‬ملي†ون دوالر عن مص†احلها‬
‫وسياساهتا لدى سلطات واشنطن‪.‬‬

‫وخيتل ††ف نش ††اط اجلماع ††ات ونفوذه ††ا ب ††اختالف حجمه ††ا‪ ،‬فكلم ††ا زاد حجم مجاع ††ة الض ††غط س ††هل عليه ††ا‬
‫االتص ††ال بالس ††لطة احلاكم ††ة والت ††أثري فيه ††ا‪ ،‬ولكن احلجم وح ††ده ال يكفي معي ††ارة لق ††وة اجلماع ††ة‪ ،‬فجماع ††ة‬
‫االحتاد الس††وفييت أو ل††ويب االحتاد الس††وفييت يف الوالي††ات املتح††دة اس††تطاعت أن حتق††ق غرض††ها ب††دفع احلكوم††ة‬
‫األمريكي††ة بتقوي††ة عالقاهتا االقتص††ادية م††ع االحتاد الس††وفييت ب††الرغم من ص††غرها ويرج††ع ذل††ك إىل ق††وة إمياهنا‬
‫بض ††رورة تقوي ††ة العالق ††ات م ††ع االحتاد الس ††وفييت وحتقي ††ق الوف ††اق ال ††دويل وعق ††د االتفاقي ††ات الس ††لمية ون ††زع‬
‫السالح‪ ،‬كما يرجع ذلك إىل عدم وجود معارضة قوي†ة تق††ف يف طريقه††ا من ناحي†ة أخ†رى‪ ،‬مما تق††دم ميكن‬
‫الق††ول ب††ان مجاع††ات الض††غط هي منظم††ات تعم††ل مس††تقلة عن إرادة أعض††ائها‪ ،‬وهلا مص††احل سياس††ية أكي††دة‪،‬‬
‫وبعضها قد يكون مجاعات مبادئ‪ ،‬ولكن األغلبية العظمى منها مجاعات مصاحل وهلا صفة الدوام ‪.‬‬

‫كيف تعمل جماعات الضغط؟‬

‫تنتش††ر مجاع††ات الض††غط يف ال††دول الغربي††ة بريطاني††ا والوالي††ات املتح††دة األمريكي††ة وفرنس††ا وأملاني††ا االحتادي††ة‬
‫وهولن ††دا والس ††ويد أك ††ثر من غريه ††ا من دول الع ††امل‪ ،‬وتس ††تعمل ه ††ذه اجلماع ††ات أس ††اليب خاص ††ة يف حتقي ††ق‬
‫أه † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††دافها ومص † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††احلها‪،‬‬
‫تنعكس يف ط ††رق الت ††أثري واإلقن ††اع واملراوغ ††ة والتهدي ††د واالس ††تدراج والرش ††وة والتض ††ليل‪ ،‬ه ††ذه الط ††رق ال ††يت‬
‫ت††ؤمن حتقي††ق غاياهتا ومص††احلها وتل††يب مطاليبه††ا وحاجاهتا(‪ .)18‬وعن††دما تنجح مجاع††ات الض††غط يف الوص††ول‬
‫إىل مص††احلها وغايته††ا ف††ان مهامه††ا وأنش††طتها تك††ون ق††د انتهت‪ .‬غ††ري أن ه††ذا ال يع††ين جتمي††د النش††اط وح††ل‬

‫‪168‬‬
‫هيكله††ا واختف††اء ذاتيته††ا‪ ،‬فجماع††ات الض††غط تس††تمر باس††تمرار املنظم††ات واهليئ††ات واملؤسس††ات ال††يت متثله††ا‬
‫وتدافع عنها(‪.)19‬‬

‫إن مجاعات الضغط تلعب دورا ملحوظ†ا يف رس†م وتنفي†ذ سياس†ة احلكوم†ة الداخلي†ة واخلارجي†ة‪ .‬فجماع†ات‬
‫الض††غط ال††يت تس††مى أحيان †ًا جبماع††ات املص††احل (‪ )Interests Groups‬تعم††ل ع††ادة ب††أكثر من أس††لوب‬
‫واحد لتحقيق مصاحلها‪ ،‬فهي تتص†ل باجله†ات الرمسية وغ†ري الرمسية بط†رق خمتلف†ة ‪ :‬منه†ا االتص†ال بالوس†ائل‬
‫املباش ††رة ومنه ††ا اتص ††اهلا عن طري ††ق الص ††حف ال ††يت ت ††ؤثر عليه ††ا ه ††ذه اجلماع ††ات‪ .‬ومنه ††ا الت ††أثري على وس ††ائل‬
‫(‬
‫اإلعالم األخ††رى التلفزي††ون والرادي††و وغريه††ا ال††يت متتلكه††ا ش††ركات أهلي††ة وختض††ع لإلغ††راءات املادي††ة ع††ادة‬
‫‪ .)20‬كم†ا تعم†ل مجاع†ات الض†غط على الت†أثري بوس†ائل خمتلف†ة على سياس†ة الدول†ة ومنه†ا السياس†ة اخلارجي†ة‪.‬‬
‫فقد تتصل اتصاال شخص†يا عن طري†ق رؤس†ائها باملس†ؤولني لتنفي†ذ آرائه†ا وت†دافع عن مص†احلها‪ .‬وق†د تتص†ل‬
‫عن طريق الرسائل اخلاصة مهددة أو واعدة أو مغرية‪.‬‬

‫وأخط††ر ص††ورة تظه††ر فيه††ا مجاع††ات الض††غط هي تل††ك الص††ورة املض††للة ال††يت تك††ون فيه††ا مواقفه††ا أوس††ع من‬
‫أهدافها‪ .‬هذه الصورة تضليل الرأي العام وسلوك تستغل فيه املصاحل اخلاصة على حساب املصلحة العامة‪.‬‬
‫ومن أش ††هر مجاع ††ات الض ††غط واملص ††احل مجاع ††ة الض ††غط الص ††هيوين ومجاع ††ة الفالحني واجلماع ††ة الكاثوليكي ††ة‬
‫ومجاع†ة رج†ال األعم†ال ومجاع†ة احتاد العم†ال(‪ .)21‬وجيدر بن†ا أن نق†ف هن†ا على الوس†ائل ال†يت تتبعه†ا إح†دى‬
‫هذه اجلماعات وهي مجاعة الض†غط الص†هيوين‪ .‬أن املع†روف عن مجاع†ة الض†غط الص†هيوين اهنا ال متث†ل مجي†ع‬
‫اليهود وامنا متثل ‪ %10‬منهم كح†د أقص†ى‪ .‬وعلى ال†رغم من قل†ة ع†ددها النس†يب‪ ،‬ف†إن م†ا متلك†ه من وس†ائل‬
‫التنظيم احمللي والع ††املي يف ††وق أي ††ة مجاع ††ة أخ ††رى‪ .‬وينطل ††ق التنظيم الع ††املي من مركزه ††ا الرئيس ††ي يف مدين ††ة‬
‫نيويورك مقر هيئة األمم املتح†دة‪ .‬ومن أهم م†ا متت†از ب†ه ه†ذه اجلماع†ة ق†وة متاس†كها وغناه†ا املادي ومعرفته†ا‬
‫الدقيق ††ة بتفك ††ري وس ††لوك الش ††عوب‪ .‬أم ††ا أس ††اليبها وص ††يغها الض ††غطية فهي أس ††اليب وص ††يغ ش ††يطانية وملتوي ††ة‬
‫وخداعة تستغل نقاط الضعف لتدخل من خالهلا وكاهنا مالك رمحة ج†اء خلري اإلنس†ان وهدايت†ه‪ .‬ومن ه†ذه‬
‫الوس††ائل اهنا تنقس††م على نفس††ها إىل منظم††ات حملي††ة وقطري††ة حتم††ل أمساء جذاب††ة لتبع††د أي ش††ك عنه††ا بأهنا‬
‫منظم ††ات ص ††هيونية‪ ،‬ومن وس ††ائلها اخلبيث ††ة اهنا تنته ††ز الف ††رص املواتي ††ة جلم ††ع التربع ††ات عن طري ††ق فروعه ††ا‬
‫املنتش††رة يف س††ائر أحناء الع††امل واملتمرك††زة بوج††ه خ††اص يف الوالي††ات املتح††دة األمريكي††ة‪ .‬فلق††د مجعت ل††دعم‬

‫‪169‬‬
‫الكي††ان الص††هيوين (من اليه††ود واملس††يحيني من مؤي††دين وحماي††دين أمريك††يني) ح††وايل ‪ 500‬ملي††ون دوالر يف‬
‫عام ‪ ،1967‬واستطاعت أن جتمع ضعف هذا املبلغ يف سنة ‪ 1968‬والسنوات اليت تلتها‪.‬‬

‫كم ††ا اس ††تطاعت الت ††أثري على الك ††ونكرس واحلكوم ††ة األمريكي ††ة للحص ††ول على منح عالي ††ة زادت يف مع ††دهلا‬
‫على األلف مليون دوالر سنويا‪ .‬أما تاثريها على الص†حف األوربي†ة واألمريكي†ة فان†ه يتم بالتغلغ†ل يف جمالس‬
‫إداراهتا ويف ش ††رائها األس ††هم الكب ††رية‪ ،‬ح ††ىت اذا م ††ا مل تتمكن من ذل ††ك فإهنا متارس أس ††اليب اإلغ ††راء ب ††دفع‬
‫املب ††الغ الطائل ††ة للمق ††االت ال ††يت تنش ††ر يف الص ††حف وال ††يت تؤي ††د الكي ††ان الص ††هيوين وتق ††ف موقف ††ا معادي ††ة حنو‬
‫الع††رب‪ .‬فاملقال†ة ال†يت تنش†رها هلا ص††حيفة نيوي†ورك ت†اميس مثًال وال†يت حتق††ق أغراض††ها الدنيئ†ة ال تت†واين من أن‬
‫تدفع هلا املنظمة مبلغ ألفي دوالر وما يزيد‪.‬‬

‫هذه هي أس†اليب مجاع†ات الض†غط الص†هيونية املنتش†رة يف أورب†ا وأمريك†ا‪ .‬ولكن األس†اليب ال†يت تس†تخدمها‬
‫مجاع††ات الض††غط األخ†رى لتحقي†ق أه††دافها ختتل†ف ب†اختالف النظ†ام السياس†ي ال†ذي تعم†ل في†ه‪ .‬وب†اختالف‬
‫طبيع††ة اهلدف ال†ذي ت†رمي إىل حتقيق††ه‪ .‬وه††ذه األس†اليب هي (‪ )0‬االتص††ال املباش†ر باحلكوم††ة (ب) الت†أثري يف‬
‫أعض††اء اجمللس (ج) تعبئ†ة ال†رأي الع††ام وميكنن†ا هن†ا ش†رح ه††ذه األس†اليب بالتفص††يل وذل†ك األمهيته††ا يف تغي†ري‬
‫سياسة احلكومة والتأثري يف الرأي العام وتعبئة اجمللس على تشريع الق†وانني ال†يت تتواف†ق م†ع نواياه†ا وخططه†ا‬
‫ومصاحلها‪.‬‬

‫االتصال المباشر بالحكومة‪.‬‬ ‫(ا)‬

‫من الظ ††واهر احلديث ††ة يف نظم احلكم ازدي ††اد ت ††دخل احلكوم ††ات بالنش ††اط االقتص ††ادي‪ ،‬وق ††د ك ††ان من نتيج ††ة‬
‫ذلك أن ارتبطت مصاحل األفراد ارتباطا وثيق بسياسة احلكوم††ة‪ ،‬وعلى ال†رغم من أن األغلبي†ة من األف†راد م††ا‬
‫زالت تعم ††ل يف القط ††اع االقتص ††ادي اخلاص خصوص ††ا يف ال ††دول الرأمسالية إال أن ازدي ††اد الرقاب ††ة احلكومي ††ة‬
‫واألخ††ذ بسياس††ة التوجي††ه االقتص††ادي وزي††ادة التس††لح‪ ،‬ك††ل ذل††ك جع††ل معظم النش††اط االقتص††ادي خاض††عة‬
‫لإلش††راف احلك††ومي‪ ،‬ويظه††ر ذل††ك واض††حا ح††ىت يف الوالي††ات املتح††دة نفس††ها حيث متد احلكوم††ة مبعوناهتا‬
‫املالي††ة ص ناع††ة بن††اء الس††فن وص††ناعة النق††ل‪ .‬كم††ا تق††وم مبهم††ة تنظيم ش††ؤون التج††ارة اخلارجي††ة ‪ -‬ووس††ائل‬
‫االتصال وحتديد أسعار السلع الزراعية وغريها‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫ومن الطبيعي أن تتجه مجاعات الضغط إىل االتصال بأعضاء اهليئة التنفيذية حملاولة التأثري فيهم كي يصدروا‬
‫القرارات اليت تتفق ومصاحلها(‪ .)23‬ويتم هذا االتصال بطريق مباش†ر يف إنكل†رتا‪ ،‬حيث تلج†أ احلكوم†ة هن†اك‬
‫إىل مناقش††ة اجلماع††ات املختلف††ة يف الق††وانني املقرتح††ة‪ .‬أم††ا يف الوالي††ات املتح††دة فتعم††د اجلماع††ات إىل إغ††راق‬
‫رئيس الس††لطة التنفيذي††ة بفيض من الرس††ائل والربقي††ات لوق††ف تنفي††ذ ق††انون م††ا‪ ،‬أو وق††ف التص††ديق علي††ه أو‬
‫التوصية حبذف بعض مواده أو إضافة مواد أخرى وقد تطالب اجلماعات السلطة التشريعية بتعديل القوانني‬
‫تع ††ديال ينقص أو يزي ††د من س ††لطان الس ††لطة التنفيذي ††ة وفق ††ا ملقتض ††يات مص ††لحة اجلماع ††ات‪ .‬ورمبا تع ††اونت‬
‫السلطة التنفيذية مع مجاعات الضغط لضمان احلصول على موافقة السلطة التشريعية على بعض التشريعات‬
‫املتفق††ة م††ع مص††لحة الط††رفني‪ ،‬غ††ري أن كث††ريا م††ا تتع††اون بعض اجلماع††ات م††ع إح††دى املص††احل احلكومي††ة ض††د‬
‫مصلحة أخرى لتحقق منها كسبًا علی حساب خالف قائم داخل السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫التأثير في أعضاء المجلس‬ ‫(ب)‬

‫الشك أن اجمللس هو امليدان الرئيسي لنشاط مجاعات الضغط خاصة يف الدول الرئاسية ويف الدول الربملانية‬
‫ال††يت تف††وق فيه††ا ق††وة اجمللس ق††وة احلكوم††ة‪ .‬وق††د يك††ون الغ††رض من الت††أثري يف اجمللس احلص††ول على املوافق††ة‬
‫على تعديل دستوري مقرتح أو إسقاطه‪ ،‬أو املوافقة على مشروع قانون أو رفض†ه أو تعديل†ه‪ ،‬حس†بما يتف†ق‬
‫وسياس† ††ة اجلماع† ††ة(‪ .)24‬وتس† ††تعمل مجاع† ††ات الض† ††غط وس† ††ائل عدي† ††دة للت† ††أثري يف اجمللس منه† ††ا تق† ††دمي اهلدايا‬
‫والرش††اوي لألعض††اء‪ ،‬وإقام††ة احلفالت وال††والئم الف††اخرة‪ .‬غ††ري أن ه††ذه الوس††ائل ص††ارت مس††تهجنة والقت‬
‫معارضة شديدة من الرأي العام‪ .‬مما أدى إىل التقليل من شأهنا ولو ظاهريًا‪.‬‬

‫وجلأت مجاعات الضغط يف الوالي†ات املتح†دة إىل إنش†اء مك†اتب خاص††ة يف ك†ل أحناء الدول†ة زودهتا بطائف††ة‬
‫من الكتاب والناشرين ورجال القانون والدعاية واألحباث العلمية‪ ،‬ومهمة ه†ذه املك†اتب هي تزوي†د أعض†اء‬
‫الك ††ونكرس باملعلوم ††ات الالزم ††ة بش ††أن موض ††وع معني‪ ،‬وجتم ††ع األدل ††ة واملعلوم ††ات عن الق ††وانني املطل ††وب‬
‫تش††ريعها‪ .‬كم††ا تض††ع التق††ارير املطل††وب تق††دميها إىل اللج††ان وتعه††د إىل بعض أعض††اء الك††ونكرس يف ع††رض‬
‫وجهة نظرها أم†ام اجمللس وال†دفاع عن قض†اياها وذل†ك مقاب†ل أج†ر ث†ابت أو مكاف†أة‪ .‬كم†ا تعني ك†ل مجاع†ة‬
‫ممثال هلا يف الكونكرس مهمته االتصال باألعضاء‪ ،‬وقد تسعى اجلماعات إىل تأيي††د بعض املرش††حني لعض††وية‬

‫‪171‬‬
‫الكونكرس املؤيدين آلرائهم وإمدادهم باملال الالزم ملواصلة احلملة االنتخابي††ة‪ ،‬وعلى ال††رغم من أن الق††انون‬
‫حيرم على نقابات العمال دفع اإلعانات أو إنفاق األم††وال للت†أثري يف انتخاب†ات الك†ونكرس أو الرئاس†ة‪ ،‬فق†د‬
‫ثبت أن معظم النقابات وكثريا من الشركات الكربى تواصل تقدمي املساعدات إىل كثري من املرشحني‪.‬‬

‫أما تأثري مجاعات الضغط يف تعبئة وتغيري الرأي الع†ام في†رتك ملوض†وع مجاع†ات الض†غط واألح†زاب السياس†ية‬
‫والرأي العام الذي جيب أن تتناوله اآلن‪.‬‬

‫جماعات الضغط واألحزاب السياسية والرأي العام‬ ‫(ج)‬

‫يف بداية هذا املوض†وع جيب أن نف†رق بني مجاع†ات الض†غط واألح†زاب السياس†ية‪ .‬ويس†تلزم ه†ذا التفري†ق أن‬
‫ن††ذكر مالحظ††ة هي أن األح††زاب تنش††أ أص †ًال البل††وغ غ††رض سیاس††ي‪ ،‬أم††ا مجاع††ات الض††غط فتظه††ر لقض††اء‬
‫(‬
‫مص††لحة اقتص††ادية أو اجتماعي††ة جملموع††ة من األف††راد وان ك††انت تس††تعمل الوس††ائل السياس††ية يف س††بيل ذل††ك‬
‫‪ .)25‬فاهلدف إذن هو الفارق األساسي بني االث†نني ألن احلزب يه††دف إىل االس†تيالء على الس†لطة السياس†ية‬
‫أو االشرتاك فيها‪ ،‬بينما يقتصر هدف مجاعات الضغط على حتقي†ق مص†لحة اجلماع†ة دون وج†ود طم†وح يف‬
‫الس††يطرة على احلكم‪ .‬وه††ذا الف††رق يك††ون جلي††ا يف حال††ة ال††دول األخ††ذة بنظ††ام احلزبني‪ ،‬ولكن††ه يتض††اءل يف‬
‫ال ††دول اآلخ ††ذة بنظ ††ام تع ††دد األح ††زاب حيث تق ††وم األح ††زاب على أس ††س ومب ††ادئ ثابت ††ة مما جيعله ††ا ش ††بيهة‬
‫جبماع ††ات الض ††غط إىل ح ††د كب ††ري‪ .‬وعلى س ††بيل التبس ††يط ميكنن ††ا التمي ††يز بني مجاع ††ات الض ††غط واألح ††زاب‬
‫السياسية يف األمرين التاليني‪:‬‬

‫أوًال ‪ -‬أن األغلبية العظمى من مجاعات الض†غط ال يك†ون غرض†ها الوحي†د بل†وغ ه†دف سياس†ي‪ ،‬وح†ىت ل†و‬
‫أنش ††ئت مجاع ††ة منه ††ا هلذا الغ ††رض ف ††ان مهمته ††ا تنتهي ببلوغ ††ه مث تنفض‪ ،‬ومن هن ††ا ال تض ††ع ه ††ذه اجلماع ††ات‬
‫لنفسها برناجمًا سياسيًا كامًال كاألحزاب السياسية‪.‬‬

‫ثاني †ًا ‪ -‬ان مجاع ††ات الض ††غط خالق ††ا لألح ††زاب السياس ††ية ال تق ††دم مرش ††حني هلا يف االنتخاب ††ات العام ††ة وان‬
‫ك ††انت تعم ††ل على تأي ††د بعض املرش ††حني‪ ،‬وفح ††وى ذل ††ك ان مجاع ††ات الض ††غط ال ختوض بنفس ††ها املعرك ††ة‬
‫السياسية يف االنتخابات العامة وهذا هو يف الواقع الفارق األساسي الفاصل بينها وبني األحزاب(‪.)26‬‬

‫‪172‬‬
‫وبالرغم من االختالفات اجلوهري†ة بني مجاع†ات الض†غط واألح†زاب السياس†ية ف†ان هن†اك أوج†ه ش†به بينهم†ا‪.‬‬
‫فاألحزاب السياسية قد تفرز مجاعات ضغط تتوخى التأثري على سياسة احلكومة أو الت††أثري على ال††رأي الع††ام‬
‫حبيث يكون مؤيدًا ومناصرًا هلا خصوصًا قبيل االنتخابات العامة‪ ،‬ومن جهة ثانية قد توجد مجاعات‬

‫ض ††غط خ ††ارج هياك ††ل وأط ††ر األح ††زاب السياس ††ية كنقاب ††ات العم ††ال واحتادات أرب ††اب العم ††ل حتاول تأيي ††د‬
‫األحزاب واحلركات السياسية من خالل التصويت هلا أو التاثري على املواط†نني بطريق†ة أو أخ†رى للتص†ويت‬
‫هلا خالل االنتخاب ††ات أو دعم مش ††اريعها وخططه ††ا واالنض ††واء حتت لوائه ††ا(‪ .)27‬هلذا ال نس ††تطيع بس ††هولة‬
‫فص ††ل فعالي ††ات وأه ††داف األح ††زاب السياس ††ية عن فعالي ††ات وأه ††داف مجاع ††ات الض ††غط طاملا أن األح ††زاب‬
‫السياسية غالبًا ما تشكل مجاعات ض†غط ت†ؤثر يف مس†رية األح†داث وتقوده†ا حنو تأيي†د اديولوجي†ة األح†زاب‬
‫وخططها وبراجمها وتطلعاهتا إىل احتالل مواقع القوة والنفوذ يف اجملتمع‪.‬‬

‫وهن ††اك عالق ††ة وثيق ††ة بني مجاع ††ات الض ††غط وتك ††وين ال ††رأي الع ††ام (‪ ،)28‬فجماع ††ات الض ††غط تعت ††رب من أهم‬
‫اجلماع††ات املرجعي††ة ال††يت ت††ؤثر يف تك††وين ال††رأي الع††ام‪ ،‬وملا ك††انت احلكوم††ات تعتم††د يف بقائه††ا على تأيي††د‬
‫ال ††رأي الع ††ام‪ ،‬فط ††بيعي أن تع ††ري مجاع ††ات الض ††غط اهتمام ††ا كب ††ريا لتعبئ ††ة ال ††رأي الع ††ام وتوجيه ††ه يف كث ††ري من‬
‫األحي††ان إىل حتقي††ق أه††دافها‪ .‬وال ش††ك أن ه††ذه اجلماع††ات ق††ادرة مبا ل††ديها من م††وارد مالي††ة كب††رية على ه††ذا‬
‫التوجي ††ه يف طري ††ق مص ††لحتها ومحل احلكوم ††ة واجمللس على تب ††ين قض ††اياها‪ .‬وتلج ††ا اجلماع ††ات إىل اس ††تخدام‬
‫خمتلف الوسائل اليت ت†ؤثر يف ال†رأي الع†ام مث†ل إص†دار النش†رات وتوزيعه†ا وعق†د الن†دوات وإلق†اء احملاض†رات‬
‫واس††تخدام اإلذاع ††ة والتلفزي††ون وم ††ا إىل ذل††ك من خمتل††ف وس††ائل االتص ††ال ب††الرأي الع ††ام‪ .‬ف††اذا م ††ا حتق ††ق هلا‬
‫اقتالع ال††رأي الع††ام بقض††يتها حثت††ه على كتاب††ة الرس††ائل والربقي††ات للمجلس أو للحكوم††ة ح††ىت يتم التع††ديل‬
‫املطلوب ملشروع ق†انون أو سياس†ة حكومي†ة‪ ،‬وتس†مى ه†ذه الوس†يلة باس†م الض†غط اجلذري أي ض†غط طبق†ة‬
‫عامة الشعب‪.‬‬

‫وقد تقارن مجاعات الضغط بعضها مع بعض لتحقيق أكرب قدر من الضغط على الس††لطات احلاكم††ة‪ ،‬وه††ذا‬
‫التع ††اون يظه ††ر مجاع ††ات الض ††غط مبظه ††ر املؤي ††د من ال ††رأي الع ††ام(‪ .)29‬ويف س ††بيل حتقي ††ق ه ††ذا التع ††اون تتن ††ازل‬
‫مجاع††ات منه††ا عن خالفاهتا األساس††ية لتض††من احلص††ول على تأيي††د مجاع††ات أخ††رى هلا عن††د ع††رض قض††اياها‬

‫‪173‬‬
‫على اجمللس‪ ،‬ويف كث†ري من األحي†ان يتم ه†ذا التع†اون عن طري†ق اتفاق†ات ص†رحية أو عق†ود رمسية‪ .‬وق†د تتش†ا‬
‫مجاع††ة ض††غط مهمته††ا األساس††ية الس††عي إىل التوفي††ق بني خمتل††ف اجلماع††ات‪ ،‬وهي تتك††ون من ممثلني ينوب††ون‬
‫عن اجلماعات املختلفة‪ ،‬وتنفض هذه اجلماعة مبجرد حتقيق اهلدف من تكوينها‪.‬‬

‫إن مجاع ††ات الض ††غط متارس يف بعض أقط ††ار الع ††امل نف ††وذًا كب ††ريًا على س ††لطاهتا من خالل الت ††أثري على ال ††رأي‬
‫العام وتعبئته وتغيريه لصاحلها وصاحل أه†دافها ومص†احلها وخططه†ا‪ .‬والنتيج†ة أن مث†ل ه†ذه ال†دول ختض†ع يف‬
‫سياس† ††تها هلذه اجلماع† ††ات‪ ،‬وخ† ††ري مث† ††ال على ذل† ††ك الوالي† ††ات املتح† ††دة األمريكي† ††ة ال† ††يت هتيمن على توجي† ††ه‬
‫سياستها اخلارجية يف الشرق األوسط مجاعة ضغط منظمة تعرف باجلماعة الصهيونية اليت استطاعت الت††أثري‬
‫يف الرأي العام ومحله على تأييد أهدافها وبراجمها ومتكنت من أن ختضع كال السلطتني التنفيذي††ة والتش††ريعية‬
‫إىل مش††يئتها إىل ح††د كب††ري(‪ .)30‬وه††ذا ه††و س††ر بق††اء سياس††ة أمريك††ا يف الش††رق األوس††ط على حالته††ا ال††زمن‬
‫طويل‪ ،‬بالرغم من تبدل األحزاب اليت تعتلي السلطة واختالف األوجه التی تشغل القيادة‪.‬‬

‫وعليه فان ما جيب التأكيد عليه هو أن مجاعة الضغط الصهيوين تلعب دوره††ا املؤثر يف السياس††ة األمريكي††ة‪.‬‬
‫وقد أتاح هلا نفوذه†ا اس†تخدام خمتل†ف الوس†ائل مبا يف ذل†ك الوس†ائل الالأخالقي†ة ووس†ائل اإلغ†راء ال†يت توق†ع‬
‫املس††ؤولني يف ش††باكها‪ .‬وهك††ذا يق††ول الص††هاينة ال††ذين يس††يطرون على نيوي††ورك ان††ه اذا م††ا مل يعم††ل املرش††ح‬
‫على تأيي ††دهم فيم ††ا يريدون ††ه يف سياس ††ة الش ††رق األوس ††ط ف ††اهنم س ††يعملون على تأیید ض ††ده (‪ .)31‬وعملهم‬
‫السياس†ي ه††ذا يعتم†د على فعالي†ات الض††غط ال†يت يس†يطرون عليه††ا وال†يت ت†ؤثر يف ال†رأي الع††ام وجتعل†ه مناص††را‬
‫للكيان الصهيوين وحتمل شاغلي املراكز احلساسة على تأييد إسرائيل تأييدا ك†امال وتنفي†ذ خططه†ا وبراجمه†ا‬
‫غ††ري املش††روعة وذل††ك من خالل الت††أثري فيهم وإغ††رائهم وإث††ارة روح احلم††اس عن††دهم ل††دعم مواق††ف وقض††ايا‬
‫الكي ††ان الص† ††هيوين ب ††دون حتف† ††ظ والوق ††وف ض† ††د مص† ††احل وأم† ††اين األم† ††ة العربي ††ة خصوص† ††ا الش ††عب الع ††ريب‬
‫الفلسطيين‪.‬‬

‫فوائد ومضار جماعات الضغط‬

‫يب ††دو أن هن ††اك تعارض ††ا وتناقض ††ا بني قيم الدميقراطي ††ة واحلري ††ات الفردي ††ة وبني ممارس ††ات مجاع ††ات الض ††غط‪.‬‬
‫لكن مجاع††ات الض††غط م††ا هي يف احلقيق††ة إّال وس††يلة منظم††ة لل††دفاع عن مص††احل األف††راد وحري††اهتم ش††اهنا يف‬

‫‪174‬‬
‫ذلك شأن اهليئات واملنظمات األخرى اليت ترعى مصاحل بعض الفئات‪ .‬فالطبقة العاملة ترى أن خري وسيلة‬
‫للدفاع عن مصاحلها هي تكوين النقابات‪ ،‬أو االنضمام إىل األحزاب االش†رتاكية‪ ،‬ف†ريى أص†حاب األعم†ال‬
‫مقابل ذلك أن يؤلفوا احتادات تصون مصاحلهم حيال تكتالت العمال‪.‬‬

‫ولكن ال ميكن أن ننك † ††ر من الناحي † ††ة األخ † ††رى أن نش † ††اط مجاع † ††ات الض † ††غط يتع † ††ارض متام † ††ا م † ††ع النظري † ††ة‬
‫الدميقراطي ††ة التحرري ††ة ال ††يت تنص على أن للمواط ††نني ک ††افراد ح ††ق االش ††رتاك يف العم ††ل السياس ††ي‪ ،‬وم ††ا دمن ††ا‬
‫نسلم بأن املواطن يستطيع كفرد أن يكفل مصاحله‪ ،‬وما دمنا نسلم أيضا بأنه ال يصح ترك زمام األم†ر كل†ه‬
‫(‬
‫يف أيدي هذه اجلماعات‪ ،‬فان ذلك يؤدي بنا إىل االعتقاد بضرورة اش†رتاك االث†نني مع††ا يف العم†ل السياس†ي‬
‫‪ .)32‬بقي أن نقول بان الكثريين من الكتاب يهامجون مجاعات الضغط وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫إن مجاعات الضغط تقوم على أساس حتقيق مصاحل طبقية‪ ،‬مما يتعارض مع املصلحة العامة‪ ،‬وتأمني‬ ‫‪)1‬‬
‫هذه املصلحة من أهم واجبات الدميقراطية احلديثة‪.‬‬
‫إن مجاعات الضغط تفرض على أعضائها الوالء هلا‪ ،‬وهذا يتناىف مع والء العضو للجماعة الكربى‬ ‫‪)2‬‬
‫وهي الدولة‪.‬‬
‫يساور الطبقة املتوسطة خوف كب†ري من تكت†ل العم†ال يف نقاب†ات قوي†ة ق†د هتدد يف النهاي†ة بس†يطرة‬ ‫‪)3‬‬
‫العمال على احلكم وتكوين الدكتاتورية‪ ...‬الربوليتارية‪.‬‬
‫تتب††ع معظم مجاع††ات الض††غط أس††اليب جمحف††ة وظاملة يف س††بيل حتقي††ق أغراض††ها‪ ،‬وغالب††ا م††ا تس††تعمل‬ ‫‪)4‬‬
‫الرش ††وة واخلداع والتض ††ليل يف حتقي ††ق م ††ا تص ††بو إلي ††ه(‪ .)33‬ويتض ††ح ذل ††ك من ق ††ول رئيس الوالي ††ات‬
‫املتح ††دة الس ††ابق تروم ††ان‪ :‬إن مجاع ††ات الض ††غط تق ††وض بني ††ان احلكوم ††ات الربملاني ††ة وتع ††وق مس ††عى‬
‫ال††دول اإلس††عاد جمم††وع الش††عب الس††يما أن ه††ذه اجلماع††ات تعتم††د يف حتقي††ق أه††دافها على رش††وة‬
‫وإغراء الكونكرس وتقدمي اهلدايا هلم وغري ذلك من األساليب املنافية لألخالق‪.‬‬
‫إن مجاع††ات الض††غط ال متث††ل املص††احل املتعارض††ة جلمي††ع فئ††ات اجملتم††ع‪ ،‬فبينم††ا توج††د مجاع††ات ض††غط‬ ‫‪)5‬‬
‫للمنتجني مثًال ال توج ††د مجاع ††ات تقابله ††ا للمس ††تهلكني وهك ††ذا‪ .‬من ذل ††ك يت ††بني أن ††ه حني حتق ††ق‬
‫مجاع ††ات الض ††غط أه ††دافها فإمنا يك ††ون ذل ††ك املص ††لحة فئ ††ة على حس ††اب فئ ††ة أو فئ ††ات أخ ††رى من‬
‫الشعب قد تكون أكرب منها‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫إن زم† ††ام األم† ††ور يف مجاع† ††ات الض† ††غط تس† ††تأثر ب† ††ه ع† ††ادة فئ† ††ة قليل† ††ة من الزعم† ††اء وبعض املوظفني‬ ‫‪)6‬‬
‫املأجورين‪ ،‬وه ††ؤالء هم ال ††ذين يرمسون السياس ††ة العام ††ة للجماع ††ة غ ††ري مك ††رتثني ب ††آراء املعارض ††ني‬
‫داخ ††ل اجلماع ††ة نفس ††ها ول ††و ك ††انوا أغلبي ††ة‪ .‬وه ††ذه الفئ ††ة القليل ††ة تس ††عى إىل حتقي ††ق أغراض ††ها باس ††م‬
‫اجلماعة دون أن تضطلع بأدين مسؤولية جتاه بقية األعضاء ودون مباالة باملصلحة العامة‪.‬‬

‫ولكن ه††ذه املس††اوئ والعي††وب ال††يت تع††اين منه††ا مجاع††ات الض††غط تقابله††ا حماس††ن وفوائ††د كث††رية تق††دمها ه††ذه‬
‫اجلماعات للنظام السياسي‪ ،‬ومن أهم هذه احملاسن ما يلي‪:‬‬

‫إن مجاعة املصلحني الذين ينددون مبساوي مجاعات الضغط هم أنفسهم يف حاج††ة إىل أن ينتظم††وا‬ ‫‪-1‬‬
‫يف مجاعات كي ميكنهم التغلب على هذه املساوئ‪.‬‬
‫أن منو اجله ††از احلك ††ومي وازدي ††اد ع ††دد موظفي ††ه يه ††دد بالقض ††اء على حري ††ات األف††راد‪ ،‬م ††ا مل ينتظم‬ ‫‪-2‬‬
‫ه† ††ؤالء األف† ††راد يف مجاع† ††ات قوي† ††ة تس† ††تطيع أن تك† ††ون ن† ††دًا هلذا اجله† ††از‪ ،‬وأن حتمي حري† ††اهتم من‬
‫استفحال منو هذا اجلهاز باستمرار‪.‬‬
‫تقوم مجاعات الضغط بالتأثري يف احلكومة ط†وال الف†رتات بني االنتخاب†ات العام†ة‪ ،‬ه†ذا بينم†ا يك†ون‬ ‫‪-3‬‬
‫الفرد يف هذه الفرتات عاجزة عن إحداث أي تأثري يقابله(‪.)34‬‬
‫وال يتبادر إىل الذهن‪ ،‬أن مجاعات الضغط تقوم بأعماهلا دون عون من الفرد‪ ،‬ذلك أهنا ليس††ت اال‬
‫جمموع††ة من األف††راد حتت††اج إىل تعض††يدهم املتواص††ل لكي تظ††ل اجلماع††ة مرتابط††ة متماس††كة الكي††ان‪.‬‬
‫والواق†ع أن الف†رد أق†در على ممارس†ة حق†ه السياس†ي داخ†ل اجلماع†ة من†ه ل†و ك†ان خارجه†ا‪ ،‬كم†ا أن‬
‫زعم† ††اء اجلماع† ††ة ال يتمتع† ††ون بنف† ††وذ مطل† ††ق على األعض† ††اء كم† ††ا يعتق† ††د البعض‪ ،‬ف† ††الزعيم الن† ††اجح‬
‫احلريص على دوام زعامته يعوزه التعرف على الرأي العام داخل مجاعته واحرتامه‪.‬‬
‫أم††ا املس†اوئ األخالقي†ة فهي أوال ال تنفي عنهم أهنم يعمل†ون على مس†ايرة الن†اموس الط†بيعي‪ ،‬وه††و‬ ‫‪-4‬‬
‫نق†اد اجلماع†ات‪ .‬وثاني†ة ميكن عالج ه†ذه املس†اوي بواس†طة الت†دخل احلك†ومي وإص†دار التش†ريعات‬
‫املنظمة للجماعات‪.‬‬
‫أن هذه اجلماعات متلك حبكم ختصصها ومترسها مبهامها وسائل الوق††وف على البيان††ات واالتص††ال‬ ‫‪-5‬‬
‫باجله ††ات املوث ††وق هبا وأه ††ل اخلربة يف خمتل ††ف أل ††وان املعرف ††ة‪ ،‬ومن مث يس ††هل على احلكوم ††ة دراس ††ة‬

‫‪176‬‬
‫مشروعات الق†وانني املقرتح†ة وأحس†ن الط†رق لتنفي†ذها‪ .‬يض†اف إىل ذل†ك أن اجلماع†ات أك†ثر ت†أثرا‬
‫بالقرارات احلكومية من األفراد‪ ،‬وأقدر منهم على استثارة املعارض††ة الس††ريعة الفعال††ة جتاه الق††رارات‬
‫احلكومي††ة اجملحف††ة حبق††وق األف††راد والض††ارة مبص††احلهم‪ ،‬وإذا ف††رض ان عملت مجاع††ات على حتقي††ق‬
‫مصاحلها اخلاصة غري عابئة باملصلحة العامة فإن هذا يصدق على الكثري من األفراد وعلى احلكوم††ة‬
‫نفسها‪.‬‬

‫جماعات الضغط في المجتمع العربي‬

‫اجملتمع العريب كغريه من اجملتمعات اإلنس†انية توج†د في†ه ع†دد من مجاع†ات الض†غط ال†يت ال ت†ؤثر على سياس†ة‬
‫احلكوم††ة فحس††ب ب††ل ت††ؤثر أيض†ًا على فعالي††ات وق††رارات ومس††رية املؤسس††ات اجملتمعي††ة واملنظم††ات الوظيفي††ة‬
‫اليت يتكون منها اجملتمع‪.‬‬

‫فجماع ††ات الض ††غط ال توج††د يف األجه ††زة واملؤسس††ات احلكومي††ة والس††لطات التنفيذي††ة ب††ل توج††د أيض †ًا يف‬
‫الربملان††ات واجملالس التش††ريعية ويف أجه††زة العدال††ة والقض††اء ويف مؤسس††ات ومنظم††ات اجملتم††ع الرمسية وغ††ري‬
‫الرمسية(‪ .)35‬وتس † ††تعمل ه † ††ذه اجلماع † ††ات أس † ††اليب الض † ††غط واإلقن † ††اع واجملامل † ††ة والتهدي † ††د م † ††ع املؤسس † ††ات‬
‫والس†لطات ال†يت تري†د الت†أثري على سياس†اهتا وقراراهتا وبراجمه†ا حبيث تك†ون متجاوب†ة م†ع أه†دافها ومص†احلها‬
‫القريبة والبعيدة‪ .‬وبع†د جناح مجاع†ات الض†غط يف الت†أثري على سياس†ة املؤسس†ات واهليئ†ات وحتقي†ق مص†احلها‬
‫الذاتي†ة ف†أن عمله††ا يتوق†ف وتتجم†د أنش†طتها‪ ،‬وتتمث†ل مجاع††ات الض††غط يف اجملتم†ع الع††ريب باملنظم†ات املهني†ة‬
‫والش††عبية‪ ،‬األندي††ة واجلمعي††ات‪ ..‬االجتماعي††ة والرياض††ية‪ ،‬اهليئ††ات واملؤسس††ات العلمي††ة‪ ،‬األح††زاب السياس††ية‪،‬‬
‫جلان اجملتمعات احمللية‪ ،‬الشركات التجارية األهلية‪ ،‬العوائل املتنف†ذة خصوص†ا امليس†ورة منه†ا‪ ،‬أم†اكن العب†ادة‬
‫والت† † † ††دين ك† † † ††اجلوامع والكن† † † ††ائس‪ ،‬املعاه† † † ††د واجلامع† † † ††ات األكادميي† † † ††ة وجمالس البحث العلمي‪ ،‬املؤسس† † † ††ات‬
‫والتشكيالت العسكرية‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫وتس ††تطيع مجاع ††ات الض ††غط ه ††ذه من خالل قوهتا ونفوذه ††ا وتأثريه ††ا ومسعتها ف ††رض إرادهتا على األجه ††زة‬
‫والسلطات احلكومي†ة وغ†ري احلكومي†ة ومحله†ا على التص†رف ض†من مص†احلها وأه†دافها وخططه†ا(‪ .)36‬ف†أول‬
‫ماتقوم به مجاعات الضغط عند رغبتها وتصميمها على تغيري سياسة مؤسس††ة م††ا االتص††ال املباش††ر باملؤسس††ة‬

‫‪177‬‬
‫وإقناعها بضرورة اعتماد سياسة معينة دون السياسة األخرى وتقدمي املغريات والتسهيالت الالزم††ة هلا بغي†ة‬
‫القي † ††ام هبذا العم † ††ل‪ ،‬ويف بعض األحي † ††ان ميكن أن تلج † ††ا مجاع † ††ات الض † ††غط إىل أس † ††اليب اخلداع واملراوغ † ††ة‬
‫والتض† ††ليل إلقن† ††اع اجله† ††ة املس† ††ؤولة على ض† ††رورة اختاذ إج† ††راءات معين† ††ة ختدمها وحتق† ††ق أغراض† ††ها‪ .‬واذا مل‬
‫تس ††تجب اجله ††ة املس ††ؤولة اإلرادة ومط ††اليب مجاع ††ات الض ††غط ف ††إن األخ ††رية ال ت ††رتدد عن اس ††تعمال ص ††يغ‬
‫التهديد والوعيد يف محلها على االنصياع ألوامرها وخمططاهتا‪.‬‬

‫فنقاب† ††ة العم† ††ال مثال ق† ††د تس† ††لط الض† ††غوط على وزارة اإلس† ††كان والتعم† ††ري وترغمه† ††ا على توزي† ††ع األراض† ††ي‬
‫السكنية على العمال بأسعار واطئة أو توزيع الدور عليهم جمان†ا أو بأس†عار الكلف†ة‪ .‬وق†د تق†وم نقاب†ة األطب†اء‬
‫بالض††غط على وزارة الص††حة بش††أن زي††ادة رواتب األطب††اء والس††ماح هلم مبمارس††ة عملهم امله††ين يف عي††ادات‬
‫خاصة بعد االنتهاء من دوامهم الرمسي‪ .‬وقد تب†ادر مجعي†ة االقتص††اديني أو االجتم†اعيني بالض††غط على وزارة‬
‫الرتبية بإدخال ماديت علم االقتصاد وعلم االجتماع يف االمتحانات الوزاري†ة للف†رعني العلمي واألديب‪ .‬وهن†ا‬
‫ميكن تع ††يني خ ††رجيي االقتص ††اد واالجتم ††اع كمدرس ††ني يف املدارس الثانوي ††ة‪ ،‬وأخ ††ريا رمبا تس ††عى االحتادات‬
‫الرياض††ية والكش††فية يف القط††ر بالت††أثري على سياس††ة وزارة الش††باب ومحله††ا على تق††دمي مكاف††آت وتس††هيالت‬
‫كثرية للرياضيني الذين يربزون يف جماالت ختصصهم املهين والوظيفي‪.‬‬

‫إذن مجاع††ات الض††غط متث††ل منظم††ات ونقاب††ات ومؤسس††ات مهم††ة يعتم††د عليه††ا اجملتم††ع يف مس††ريته احلض††ارية‬
‫وحتقي† ††ق براجمه وأهداف† ††ه‪ .‬ول† ††وال أمهي† ††ة ه† ††ذه اجلماع† ††ات ملا أذعنت مؤسس† ††ات الدول† ††ة واجملتم† ††ع لض† ††غوطها‬
‫وأوامره ††ا ومطاليبه ††ا وملا اس ††تطاعت اجلماع ††ات ذاهتا من حتقي ††ق أه ††دافها وتلبي ††ة مص ††احلها ولكن ††ه يف معظم‬
‫األحي††ان ال تق††وم مجاع††ات الض††غط بالت††أثري على سياس††ة الدول††ة واجملتم††ع وجعله††ا متض††ي يف مس††ارات معين††ة‬
‫دون أن يكون هذا التأثري للصاحل العام وحتقيق املصلحة اجلماعية(‪ .)37‬ومن جهة أخرى نس††تطيع الق††ول ب††أن‬
‫املمارسات السلوكية جلماعات عن الوساطات اليت يعتمدها بعض األفراد واجلماع††ات يف حتقي††ق الض††غط ال‬
‫ختتلف مارهبا وأهدافها‪ .‬فعائلة متنفذة معينة تس†تطيع الض†غط على الدول†ة وحتمله†ا على تغي†ري ق†وانني امللكي†ة‬
‫الزراعي††ة أو تغي††ري ق††وانني القب††ول يف اجلامع††ات‪ .‬وبع††د تغي††ري ه††ذه الق††وانني تس††تفيد العائل††ة يف توس††يع ملكيته††ا‬
‫الزراعية وقبول أبنائها يف اجلامع†ات الغ†رض الدراس†ة والتحص†يل العلمي‪ ،‬وه†ذا معن†اه ب†أن العائل†ة اس†تعملت‬
‫نفوذها (الوساطة) يف تغيري قوانني الدولة اليت ساعدهتا يف حتقيق مصاحلها وأغراضها‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫الهوامش والمصادر‬

1. Cole and Others. European Political System, Alfred Knopf,


New York, 1963, P. 22.
2. Corry, J. A. Elements of Democratic Government, Oxford
University Press, London, 1954, PP. 13-15.

179
- ۸†‫ ص‬،۱۹۸۱ ،‫ ب††ريوت‬،‫ دار الطليع††ة‬،‫ العائلة والقرابة وال††زواج‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .3
.44
4. Huntington, F. S. Military Sociology, London, 1965, PP. 11-
14.
5. Dudinsky, 1. Closer Cooperation Among Socialist States an
Article written in Economic Problems of Developed Socialism,
Edited by Komkov and Others, Moscow, 1976, P. 228.
.635 ‫ ص‬،1974 ،‫ مكتبة االجنلو املصرية‬،‫ املدخل يف علم السياسة‬.)‫غايل (الدكتور‬ .6
.۹۳۸ ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .7
8. Finer, S. E. Anonymous Empire, The Pall Mall Press, London,
1962, PP. 19-20.
.۱۱۳-۱۱۰‫ ص‬،1995 ،‫ بريوت‬،‫ الطبعة الرابعة‬،‫ تاريخ العرب املطول‬.‫ فيليب‬،‫حين‬ .9
،۱۹۷۳ ،‫ بغ††داد‬،‫ مطبع††ة دار الس†الم‬،‫ حماضرات يف اجملتم†ع الع††ريب‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .10
.۱۹۸‫ص‬
11. Moodie, G. Opinions , Publics and Pressure Groups, George
Allen and Unwin, London, 1970, P. 61.
12. Ibid., P. 62.
13. Finer, S. E. Anonymous Empire, P.5.
،1974 ،‫ بغ††داد‬،‫ مطبعة شفيق‬،‫ السياسة اخلارجية وأبعادها يف السياسة الدولية‬.‫ فاضل زكي‬،‫حممد‬ .14
.43 ‫ص‬
15. Eckstein, H. Pressure Group Politics, Allen and Unwin,
London, 1960 , P. 9.
16. Ibid., P. 11.

180
17. Ibid., P. 14.
‫ ص‬،۱۹۷۱ ،‫ ب††ريوت‬،‫ منش††ورات عوي††دات‬،‫ ترمجة هبيج ش††عبان‬،‫ اجلماع††ات الض††اغطة‬.‫ ج††ان‬،‫مین††و‬ .18
.54 -51
19. Finer, S. E. Anonymous Empire, P.9.
20. Kornhauser, W. The Politics of Mass Society, Routledge and
Kegan Paul, London, 1960, P. 43.
.166-164‫ ص‬،‫ السياسة اخلارجية وأبعادها يف السياسة الدولية‬.)‫ فاضل زكي (الدكتور‬،‫حممد‬ .21
22. Mckenzie, R. T. Parties, Pressure Groups and the British
Political Process, Political Quarterly, XXIX., 1950.
23. Walkand, S. The Legislative Process in Great Britain,
London, 1968, P. 3.
24. Ibid., PP. 95-97.
25. Castles, F. Pressure Groups and Political Culture, Rouledge and
Kegan Paul, 1967, PP. 2-3.
26. Ibid., P.6.
27. Ibid., P. 13.
،‫ دار اجلامع † ††ات املص † ††رية‬،‫ دراس † ††ات يف علم االجتم † ††اع السياس † ††ي‬.)‫ حمم † ††د علي (ال † ††دكتور‬،‫حمم † ††د‬ .28
. ‫ انظر يف نفس الصفحة تعريف برايس للرأي العام‬.۳۸۸ ‫ ص‬،۱۹۷۷ ،‫اإلسكندرية‬
29. Wilson, H. Congress : Corruption and Compromise, Holt,
Rinehart, 1951, Ch. 13.
. ۱۹۷‫ ص‬،‫ السياسة اخلارجية وأبعادها يف السياسة الدولية‬.)‫ فاضل زكي (الدكتور‬،‫حممد‬ .30
،۱۹۹۲ ،‫ الق†اهرة‬،‫ مكتب†ة األجنل†و املص†رية‬،‫ دراسات يف اجملتم†ع الع†ريب‬.)‫ عبد امللك (الدكتور‬،‫عودة‬ .31
.47‫ص‬

181
32. Stewart, J. D. British Pressure Groups, Oxford, 1958, PP.
21-24.
33. Ibid., p. 28,
34. Ehemann, W. Interest Groups in Four Continents, University
of Pittsburgh, 1958, P. 71-73.
،‫ املدخل يف علم السياسة‬.)‫ غايل (الدكتور‬.646 ‫ بطرس ص‬،‫غايل‬ .35
36. Kelley, S. Professional Public Relations and Political Power,
John Hopkins, 1966, PP. 27-30.
. ‫ راجع يف الكتاب املذكور حول تقييم الطلبات‬۱۰۸-۱۰۳‫ ص‬،‫ اجلماعات الضاغطة‬.‫ جان‬،‫مینو‬ .37

‫الفصل العاشر‬

‫جماعة الضغط الصهيونية في أمريكا واإلمعان‬

182
‫في معاداة العراق (دراسة تطبيقية)‬

‫تش††ري مجي††ع احلق††ائق واألدل††ة املادي††ة املت††وفرة إىل أن السياس††ة اخلارجي††ة األمريكي††ة يف الش††رق األوس††ط عموم††ا‬
‫واملنطقة العربية خصوصا ترمسها وحتدد معاملها وتنفذها مجاعة الضغط الصهيوين املتواجدة يف نيويورك مق††ر‬
‫منظم ††ة األمم املتح ††دة‪ ،‬ه ††ذه اجلماع ††ة ال ††يت اس ††تطاعت الت ††أثري يف ال ††رأي الع ††ام األم ††ريكي ومحل ††ه على تأيي ††د‬
‫أه††دافها وبراجمه††ا‪ ،‬ومتكنت من أن ختض††ع الس††لطتني التنفيذي††ة والتش††ريعية املش††يئتها إىل ح††د كب††ري‪ ،‬وه††ذا ه††و‬
‫س ††ر بق ††اء سياس ††ة أمريك ††ا يف الش ††رق األوس ††ط واملنطق ††ة العربي ††ة على حالته ††ا ل ††زمن طوي ††ل ب ††الرغم من تب ††دل‬
‫األحزاب اليت تعتلي السلطة واختالف األوجه اليت تشغل القيادة‪ ،‬لكن الكيان الص†هيوين والوكال†ة اليهودي†ة‬
‫مها اللتان توجهان مجاعة الضغط الصهيونية وحتمالهنا على التأثري يف السياس††ة اخلارجي††ة األمريكي††ة اذ تنح††از‬
‫ه ††ذه السياس ††ة ملص ††احل الص ††هيونية وض ††د مص ††احل ال ††دول العربي ††ة الس ††يما تل ††ك ال ††يت تنش ††د الوح ††دة واحلري ††ة‬
‫والس††يادة واالس††تقاللية والتنمي††ة والتق††دم الع††راق وليبي††ا والص††ومال والس††ودان واليمن وغريه††ا من ال††دول ال††يت‬
‫ترفض التبعية جبميع أشكاهلا‪ ،‬وتقف ض†د "النظ†ام ال†دويل اجلدي†د" ال†ذي تق†وده أمريك†ا للس†يطرة على الع†امل‬
‫وإذالل شعوبه وهنب خرياهتا ومقدراهتا(‪.)2‬‬

‫تتضمن هذه الدراسة أربعة مباحث أساسية هي‪:‬‬

‫مفهوم مجاعة الضغط وحتديد أنواعها ‪.‬‬ ‫ا‪.‬‬


‫طبيعة مجاعة الضغط الصهيونية وكيفية تعمل ‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫دور مجاعة الضغط الصهيونية يف العدوان الثالثيين الغادر على العراق ‪.‬‬ ‫ج‪.‬‬
‫دور مجاعة الضغط الصهيونية يف فرض احلصار االقتصادي على العراق وإطالة مدته ‪.‬‬ ‫د‪.‬‬
‫اخلامتة ‪.‬‬ ‫ه‪.‬‬

‫واالن علينا دراسة هذه املباحث مفصال ‪:‬‬

‫مفهوم جماعة الضغط وتحديد أنواعها‬ ‫ا]‬

‫‪183‬‬
‫هناك عدة تعاريف جلماعة الضغط أمهها التعريف الذي ينص على أن مجاع††ة الض††غط هي أي††ة مجاع††ة منظم††ة‬
‫حتاول الت††أثري يف سياس††ات وق††رارات احلكوم ††ة دون حماولته ††ا الس††يطرة على املراك††ز الرمسية للدول††ة وممارس††ة‬
‫أس††اليب الق††وة الرمسية من خالهلا(‪ .)3‬وهن††اك تعري††ف آخ††ر جلماع††ة الض††غط ينص على اهنا منظم††ة هتدف إىل‬
‫الت ††أثري يف سياس ††ة اهليئ ††ات واملؤسس ††ات الرمسية مبا يتالءم م ††ع أه ††دافها ومص ††احلها‪ ،‬وه ††ذه املنظم ††ة ال تري ††د‬
‫احتالل مراك ††ز الق ††وة واحلكم يف الدول ††ة(‪ .)4‬كم ††ا ع ††رفت مجاع ††ة الض ††غط بأهنا مجاع ††ة س ††رية تعم ††ل هبدوء‬
‫وكتمان من اجل حتقيق مصاحلها وطموحاهتا أو مصاحلها وطموحات اجلهات اليت تق††ف خلفه††ا من خالل‬
‫الت ††أثري يف أص ††حاب اختاذ الق ††رار وال ††رأي الع ††ام واجملالس النيابي ††ة والتش ††ريعية واحلكوم ††ة ومحله ††ا على تأيي ††دها‬
‫واإلقرار مبا ختطط وتريد من مكاسب وأرباح(‪.)5‬‬

‫ومجاع ††ة الض ††غط ختتل ††ف عن احلزب السياس ††ي‪ ،‬وذل ††ك أن مجاع ††ة الض ††غط ال تن ††وي احتالل مراك ††ز الق ††وة‬
‫واحلكم بل تريد حتقيق مصاحلها عن طريق الض†غط على مؤسس†ات الدول†ة واجملتم†ع وإقناعه†ا بض†رورة تلبي†ة‬
‫مطاليبها وسد حاجاهتا‪ .‬بينما احلزب السياس†ي ال ين†وي الض†غط والت†أثري على سياس†ة احلكوم†ة حس†ب‪ ،‬ب†ل‬
‫يري††د الوص††ول إىل احلكم واحتالل مراك††ز الق††وة والنف††وذ ال††يت من خالهلا يس††تطيع ترمجة أهداف††ه ومبادئ††ه إىل‬
‫واق††ع ملم††وس ي††ؤدي أدواره الواض††حة يف تب††ديل مس††رية اجملتم††ع مبا يتواف††ق م††ع أيديولوجي††ة احلزب ومفاهيم††ه‬
‫ومبادئ ††ه(‪ .)6‬والف ††رق األخ ††ر بني مجاع ††ة الض ††غط واحلزب السياس ††ي ه ††و أن مجاع ††ة الض ††غط تنح ††ل وجتم ††د‬
‫نشاطاهتا مؤقتًا عندما حتقق مصاحلها وأهدافها‪ ،‬بينما احلزب السياسي يبقى ويس††تمر س††واء حق††ق أهداف††ه أو‬
‫مل حيققها‪ ،‬وأخريا تعم†ل مجاع†ة الض†غط يف الس†ر واخلف†اء بينم†ا يعم†ل احلزب السياس†ي بص†ورة علني†ة‪ ،‬اذا مل‬
‫يكن حمظورة أو يعمل بالسر واخلفاء إذا كان حمظورًا‪.‬‬

‫ومجاع ††ات الض ††غط تك ††ون على أن ††واع كث ††رية أمهه ††ا مجاع ††ات الض ††غط السياس ††ية أو اللوبي ††ات (‪)Lobbies‬‬
‫كجماع††ة الض††غط الص††هيونية يف الوالي††ات املتح††دة األمريكي††ة وغريه††ا من دول أورب††ا الغربي††ة والوس††طى(‪.)7‬‬
‫وهن ††اك مجاع ††ات الض ††غط ش ††به السياس ††ية ال ††يت تتمث ††ل يف املنظم ††ات املهني ††ة واجلماهريي ††ة والش ††عبية كنقاب ††ات‬
‫العمال واالحتادات النسوية والطالبية أو احتادات أص†حاب األعم†ال يف ال†دول الغربي†ة‪ .‬وم†ع أن نش†اط ه†ذه‬
‫املنظم ††ات ال ينحص ††ر مجيع ††ه يف اجملاالت السياس ††ية إّال أن ه ††ذه املنظم ††ات واجلماع ††ات ال تتمكن من القي ††ام‬
‫بأنش ††طتها وفعالياهتا وحتقي ††ق أه ††دافها القريب ††ة والبعي ††دة دون النش ††اط السياس ††ي(‪ .)8‬وهن ††اك أيض† †ًا مجاع ††ات‬

‫‪184‬‬
‫الض††غط اإلنس††انية ال††يت ال متارس نش††اطات سياس††ية إّال يف القلي††ل الن††ادر ومن أمثاهلا مجعي††ات محاي††ة األطف††ال‬
‫ورع ††ايتهم ومجعي ††ات الرف ††ق ب ††احليوان ومجعي ††ات ال ††رب واإلحس ††ان وبقي ††ة اجلمعي ††ات اخلريي ††ة ذات األه ††داف‬
‫اإلنس††انية واالجتماعي††ة(‪ .)9‬ومجي††ع ه††ذه اجلمعي††ات واملنظم††ات ال تت††دخل يف الش††ؤون السياس††ية وال تس††تعمل‬
‫وس††ائل الض††غط على الس††لطة احلاكم††ة اال يف احلاليت‪ :‬أوهلم††ا طلب املعون††ة املالي††ة وال††دعم‪ .‬وثانيهم††ا مناقش††ة‬
‫مشاريع القوانني اليت متس اوجه نشاطاهتا‪.‬‬

‫طبيعة جماعة الضغط الصهيونية وكيف تعمل؟‬ ‫ب]‬

‫أن مجاعة الضغط الصهيونية املتواجدة يف أمريكا بصورة خاصة والعواصم األوربية بصورة عام††ة هي مجاع††ة‬
‫الض ††غط السياس ††ي أو الل ††ويب‪ .‬ذل ††ك أن مص ††لحة ه ††ذه اجلماع ††ة هي مص ††لحة سياس ††ية حبت ††ة‪ .‬فل ††ويب الكي ††ان‬
‫الص † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††هيوين يف‬
‫أمريك†ا يتعم†د يف الت†أثري على السياس†ة اخلارجي†ة األمريكي†ة وحيمله††ا على تأيي†د املواق†ف العدواني†ة والتوس†عية‬
‫واالستغاللية إزاء الوطن العريب واألمة العربية(‪.)10‬‬

‫أم††ا ل††ويب أمريك††ا يف األمم املتح††دة فه††و مجاع††ة ض††غط سياس††ية هتدف إىل الت††أثري يف سياس††ات ال††دول بص††ورة‬
‫مباشرة أو غري مباشرة‪ .‬اذ جتعلها تؤيد املواقف األمريكية املنحازة للكيان الصهيوين واملعادية للدول العربي††ة‬
‫ال س ††يما تل ††ك ال ††دول ال ††يت تن ††اهض اإلمربيالي ††ة والص ††هيونية والعنص ††رية وتق ††ف إىل ج ††انب القض ††ايا العربي ††ة‬
‫املشروعة‪.‬‬

‫تنتش††ر مجاع††ات الض††غط الص††هيونية يف ال††دول الغربي††ة كأمريك††ا وبريطاني††ا وفرنس††ا وأملاني††ا وهولن††دا وبلجيك††ا‬
‫والسويد والدامنارك وأسبانيا أك†ثر من غريه†ا من دول الع†امل‪ ،‬وتس†تعمل ه†ذه اجلماع†ات أس†اليب خاص†ة يف‬
‫حتقي† ††ق أه† ††دافها ومص† ††احلها‪ ،‬وه† ††ذه األس† ††اليب تتجس† ††د يف الت† ††أثري واإلقن† ††اع واملراوغ† ††ة والتهدي† ††د وال† ††تزوير‬
‫واالس††تدراج والرش††وة والتض††ليل(‪ .)11‬ومث††ل ه††ذه األس††اليب ت††ؤمن حتقي††ق غاياهتا ومص††احلها وتل††يب مطاليبه††ا‬
‫وحاجاهتا‪ ،‬وعندما تنجح مجاعات الضغط يف الوصول إىل أهدافها ومصاحلها فان مهامها وأنش††طتها تك††ون‬
‫ق††د انتهت‪ .‬غ††ري أن ه††ذا ال يع††ين جتمي††د نش††اطها وح††ل هيكله††ا واختف††اء ذاتيته††ا‪ ،‬فجماع††ات الض††غط تس††تمر‬
‫باستمرار املنظمات واهليئات واملؤسسات والكيانات والدول اليت حتميها وتدافع عنها‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫إن مجاع††ات الض††غط الص††هيونية يف أمريك††ا تلعب دورا ملحوظ††ا يف رس††م وتنفي††ذ سياس††ة احلكوم††ة األمريكي††ة‬
‫الداخلية واخلارجية‪ .‬أن هذه اجلماعة اليت متارس نشاطها يف الس†ر والكتم†ان تعم†ل ع††ادة ب†أكثر من أس†لوب‬
‫واحد لتحقيق مص†احلها‪ .‬فهي تتص†ل باجله†ات الرمسية وغ†ري الرمسية يف أمريك†ا بط†رق خمتلف†ة‪ :‬منه†ا االتص†ال‬
‫بالوس† ††ائل املباش† ††رة ومنه† ††ا االتص† ††ال باملس† ††ؤولني األمريك† ††يني عن طري† ††ق الص† ††حف ال† ††يت ت† ††ؤثر عليه† ††ا ه† ††ذه‬
‫اجلماع†ات‪ ،‬ومنه†ا الت†أثري يف وس†ائل اإلعالم األخ†رى ك†التلفزيون والرادي†و وغريه†ا‪ ،‬وال†يت متتلكه†ا ش†ركات‬
‫أهلي ††ة وختض ††ع لالغ ††راءات املادي ††ة ع ††ادة‪ .‬كم ††ا تعم ††ل مجاع ††ات الض ††غط على الت ††أثري يف السياس ††ة اخلارجي ††ة‬
‫األمريكية‪ ،‬فقد تتصل اتصاال شخص†ية عن طري†ق رؤس†ائها باملس†ؤولني لتنفي†ذ آرائه†ا وال†دفاع عن مص†احلها‬
‫ومصاحل الكيان الصهيوين الذي متثله(‪ .)12‬وقد تتصل عن طريق الرسائل اخلاص†ة مه†ددة أو واع†دة أو مغري†ة‬
‫ومجيع أنشطتها هذه تكون طي السرية والكتمان‪.‬‬

‫إن مجاع††ة الض††غط الص††هيونية العام††ة يف أمريك††ا ال متث††ل مجي††ع اليه††ود وإمنا متث††ل ‪ %۱۰‬منهم كح††د أقص††ى‪.‬‬
‫وعلى الرغم من قلة عددهم النسيب فان ما متلكه من وسائل التنظيم احمللي والعاملي يفوق أية مجاعة أخ†رى‪،‬‬
‫وينطل††ق التنظيم الع††املي جلماع††ة الض††غط الص††هيونية من مركزه††ا الرئيس††ي يف مدين††ة نيوي††ورك مق††ر هيئ††ة األمم‬
‫املتح††دة‪ ،‬ومن أهم م††ا متت††از ب††ه ه††ذه اجلماع††ة ق††وة متاس††كها وغناه††ا املادي ومعرفته††ا الدقيق††ة بتفك††ري وس††لوك‬
‫الشعوب(‪ .)13‬أما أساليبها وصيغها الضغطية فهي أساليب وصيغ شيطانية وملتوية ومض††للة وخداع††ة تس††تغل‬
‫نق††اط الض††عف الت††دخل من خالهلا وكأهنا مالك الرمحة ج††اء خلري اإلنس††ان وهدايت††ه‪ .‬ومن ه††ذه الوس††ائل أهنا‬
‫تنقسم على نفسها إىل منظمات حملية وقطرية وعاملية حتمل أمساء جذابة لتبعد أي شك عنها باهنا منظمات‬
‫ص††هيونية‪ .‬ومن أنش††طتها الرخيص††ة يف أمريك††ا أهنا ت††ؤثر يف جملس الن††واب والش††يوخ عن طري††ق تق††دمي اهلدايا‬
‫والرش ††اوي لألعض ††اء‪ ،‬وإقام ††ة احلفالت وال ††والئم الف ††اخرة والتفنن يف جلب األعض ††اء ملطاليبه ††ا عن طري ††ق‬
‫االغ ††راءات اجلنس ††ية والالأخالقي ††ة‪ .‬ومن ص ††يغها اخلبيث ††ة األخ ††رى اهنا تنته ††ز الف ††رص املواتي ††ة جلم ††ع التربع ††ات‬
‫للكيان الصهيوين عن طريق فروعها املنتشرة يف سائر أحناء العامل واملتمركزة بوجه خاص يف نيويورك‪ .‬فق††د‬
‫مجعت لدى الكيان الصهيوين (من اليهود واملسيحيني من مؤيدين وحمايدين أمريكيني) حوايل ‪ 500‬ملي††ون‬
‫دوالر عام ‪ 1967‬واستطاعت أن جتمع ضعف هذا املبلغ يف سنة ‪ 1968‬والسنوات اليت تلتها(‪.)14‬‬

‫‪186‬‬
‫واس††تطاعت مجاع††ة الض††غط الص††هيونية يف أمريك††ا الت††أثري يف الك††ونغرس واحلكوم††ة األمريكي††ة باحلص††ول على‬
‫منح عالية للكي†ان الص†هيوين زادت يف مع†دهلا على اآلل†ف ملي†ون دوالر س†نويا‪ .‬وخالل املنازل†ة الك†ربى الم‬
‫املع ††ارك ال ††يت واج ††ه فيه ††ا الع ††راق الع ††دوان الثالثي ††ين الغ ††ادر‪ ،‬الع ††دوان ال ††ذي لعبت خالل ††ه مجاع ††ات الض ††غط‬
‫الص ††هيونية يف أمريك ††ا وأورب ††ا واس ††يا وأفريقي ††ا ال ††دور النش ††يط يف حتريض دول الع ††دوان على مهامجة الع ††راق‬
‫وت††دمري حض ††ارته وقت††ل س††كانه حبج††ة دخول††ه إىل الك††ويت‪ ،‬متكنت ه ††ذه اجلماع ††ات الض ††غطية الس††يما بع ††د‬
‫جناح الع††راق ب††دك املدن الص††هيونية بالص††واريخ العراقي††ة العمالق††ة من مجع التربع††ات للكي††ان الص††هيوين ال††يت‬
‫زادت قيمته ††ا على (‪ )۱۰‬ملي ††ار دوالر‪ ،‬وإقن ††اع اإلدارة األمريكي ††ة بتق ††دمي املس ††اعدات العس ††كرية الض ††خمة‬
‫للكيان الصهيوين اليت كان منها منظومة صواريخ اإلنذار املبكر (ب†اتريوت) ملواجه†ة الص†واريخ العراقي†ة ال†يت‬
‫راحت تدمر أكرب وأبعد املدن الصهيونية‪.‬‬

‫أم††ا ت††أثري مجاع††ة الض††غط الص††هيونية على الص††حف األوربي††ة واألمريكي††ة فإن††ه يتم بالتغلغ††ل يف جمالس إداراهتا‬
‫ويف شراءها األسهم الكبرية‪ ،‬واذا مل تتمكن من ذلك فإهنا متارس أساليب اإلغراء بدفع املبالغ املالية الطائلة‬
‫للمق††االت ال††يت تنش††ر يف الص††حف وال††يت تؤي††د الكي††ان الص††هيوين وتق††ف موقق††ا معادي††ا من القض††ايا العربي††ة‪،‬‬
‫فاملقاالت ال†يت تنش†رها ص†حيفة (نيوي†ورك ت†اميز) مثًال وال†يت حتق†ق أغراض†ها الدنيئ†ة ال تت†واين من أن ت†دفع هلا‬
‫مبلغ مخسة آالف دوالر أو أكثر‪.‬‬

‫دور جماعة الضغط الصهيونية في العدوان الثالثيني الغادر على العراق‬ ‫ج]‬

‫نوهنا أعاله ب†أن مجاع†ة الض†غط الص†هيونية يف نيوي†ورك وبالتع†اون والتنس†يق م†ع مجاع†ات الض†غط الص†هيونية‬
‫املتواج††دة يف العدي††د من العواص††م األوربي††ة وبعض العواص††م العربي††ة م††ع ش††ديد األس††ف ك††انت من األس††باب‬
‫املهم ††ة املس ††ؤولة عن الع ††دوان الثالثي ††ين الغ ††ادر ال ††ذي تع ††رض ل ††ه الع ††راق ي ††وم ‪ .17/01/1991‬فجماع ††ات‬
‫الض ††غط الص ††هيونية ه ††ذه ال ††يت تتك ††ون من كب ††ار الرأمساليني ورج ††ال األعم ††ال وأس ††اتذة اجلامع ††ات واألطب ††اء‬
‫واحملامني واملهندس ††ني واإلعالم ††يني والفن ††انني املمثلني والع ††ازفني واملط ††ربني أخ ††ذت تض ††غط على حكوم ††ات‬
‫دول الع ††دوان الس ††يما أمريك ††ا وبريطاني ††ا ودول أورب ††ا الغربي ††ة وحترض ††ها على ش ††ن ع ††دوان عس ††كري واس ††ع‬
‫النط ††اق على الع ††راق مس ††تغلة أح ††داث ‪ 2‬آب ‪ ،1990‬وض ††غوطها ه ††ذه أقنعت حكوم ††ات دول الع ††دوان‬

‫‪187‬‬
‫باس††تعمال اح††دث م††ا توص††لت الي††ه التكنولوجي††ا العس††كرية يف حمارب††ة الع††راق وختص††يص مئ††ات امللي††ارات من‬
‫الدوالرات هلذه احلرب الواسعة النطاق‪ .‬فانساقت حكومات دول الع††دوان وعلى رأس††ها اإلدارة األمريكي††ة‬
‫للض††غوط والت††أثريات اإلجرامي††ة جلماع††ات الض††غط الص††هيونية فنف††ذت ع††دواهنا الغ††ادر على الع††راق بع††د أن‬
‫حص ††لت على موافق ††ة األمم املتح ††دة بفض ††ل مجاع ††ات الض ††غط الص ††هيونية املتواج ††دة يف نيوي ††ورك واملتمرس ††ة‬
‫بالتأثري يف اإلدارة األمريكية(‪.)16‬‬

‫وق ††د متعن الع ††دوان الثالثي ††ين الغ ††ادر بت ††دمري مع ††امل احلض ††ارة املادي ††ة والتكنولوجي ††ة ال ††يت ميتلكه ††ا الع ††راق وقت ††ل‬
‫األرواح الربيئ†ة وش†ل املؤسس†ات اإلنتاجي†ة واخلدمي†ة يف حماول†ة لئيم†ة لته††دمي الب†ىن التحتي†ة للمجتم†ع الع††راقي‬
‫لكي هتتز بع† ††د ذل† ††ك الب† ††ين الفوقي† ††ة للمجتم† ††ع ويستس† ††لم الع† ††راق ال س† ††امح اهلل اإلرادة اإلمربيالي† ††ة العاملي† ††ة‬
‫والص††هيونية والرجعي††ة العربي††ة‪ .‬لكن الع††راق العظيم وق††ف بوج††ه الع††دوان الثالثي††ين الش††رس وأجهض نواي††اه‬
‫الش††ريرة وتص††دى ملخططات††ه اإلجرامي††ة بفض††ل القي††ادة ومهة العراق††يني األماج††د وتض††حيات ق††واهتم املس††لحة‬
‫الباس††لة(‪ .)17‬كم††ا ك††انت مجاع††ة الض††غط الص††هيونية تق††ف خل††ف احلص††ار االقتص††ادي الظ††امل املف††روض على‬
‫الع ††راق‪ ،‬احلص ††ار ال ††ذي ك ††ان الس ††بب بقط ††ع مص ††ادر الغ ††ذاء وال ††دواء عن العراق ††يني وارتف ††اع األس ††عار إىل‬
‫(‬
‫مس††تويات تك††اد ال تص††دق وإيق††اف العدي††د من املش††اريع اإلنتاجي††ة واخلدمي††ة والعلمي††ة والتنموي††ة عن العم††ل‬
‫‪.)18‬‬

‫إضافة إىل أثر احلصار االقتصادي يف عدم قدرة العراق على تنفيذ مشاريعه التسليحية اهلادفة إىل ص††يانة أمن‬
‫العراق والدفاع عنه ضد األخطار العسكرية احملدقة السيما اخلطر الص††هيوين‪ ،‬ناهي†ك عن اآلث†ار االجتماعي†ة‬
‫السلبية اليت متخضت عن إطالة مدة احلصار االقتصادي املفروض على الع††راق ال†يت ال جمال ل†ذكرها يف ه††ذه‬
‫الدراس††ة‪ .‬علم††ا ب††ان اس††تمرار احلص††ار االقتص††ادي املف††روض على الع††راق ملدة جتاوزت العش††رة س††نوات ق††د‬
‫أضر بالعراقيني ودمر مصاحلهم‬

‫االقتص††ادية واحلق هبم الش††رور النفس††ية واالجتماعي††ة ال††يت ال ميكن جتاوزه††ا بس††هولة‪ .‬ك††ل ذل††ك ك††ان نتيج††ة‬
‫للمخططات الدنيئة اليت قامت هبا مجاعات الضغط الصهيونية ضد العراق والعراقيني‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫ومل تتوقف مجاعات الضغط الصهيونية عند ح†د التخطي†ط إلش†عال فتي†ل احلرب م†ع الع†راق وف†رض احلص†ار‬
‫االقتص ††ادي الل ††ئيم على ش ††عبه األيب ب ††ل راحت أبع ††د من ذل ††ك إذ حرض ††ت أمريك ††ا وغ ††ري أمريك ††ا على فتح‬
‫صفحة الغدر واخليانة باالتفاق مع عمالئها وجواسيسها يف إيران‪ ،‬هذه الص†فحة ال†يت خط†ط هلا األع†داء أن‬
‫تك ††ون بداي ††ة احلرب أهلي ††ة يف الع ††راق‪ ،‬ومث ††ل ه ††ذه احلرب ميكن أن حتق ††ق م ††ا فش ††ل اإلمربي ††اليون والص ††هاينة‬
‫الرجعيون يف حتقيقه عسكريًا(‪ .)19‬ولكن صفحة الغدر واخليانة اليت كانت تقبع ورائه††ا اللوبي††ات الص††هيونية‬
‫املتواج††دة يف نيوي††ورك وطه††ران وبعض العواص††م األوربي††ة والعربي††ة ق††د فش††لت كم††ا فش††لت ص††فحة الع††دوان‬
‫العس††كري من قبله††ا‪ .‬ل††ذا ق††ام األع††داء ال††ذين حتركهم مجاع††ات الض††غط الص††هيونية املتواج††دة يف ك††ل مك††ان‬
‫بلعب ورق††ة التقس††يم والوص††ايا‪ ،‬أي تقس††يم الع††راق إىل ثالث کیان††ات هزيل††ة‪ ،‬كي††ان يف الش††مال وكي††ان يف‬
‫الوس ††ط وكي ††ان يف اجلن ††وب‪ .‬والتقس ††يم ه ††ذا من وحي الص ††هيوين األم ††ريكي (ب ††ري جنس ††كي) زعيم مجاع ††ة‬
‫الضغط الصهيونية يف أمريك†ا‪ .‬ولكن وعي العراق†يني ويقض†تهم وحتس†بهم للم†ؤامرة الك†ربى وحنك†ة قي†اداهتم‬
‫قد أجهضت هذه اللعبة وقربهتا يف مهدها(‪.)20‬‬

‫بقي لإلمربيالي† ††ة األمريكي† ††ة والص† ††هيونية الرجعي† ††ة ال† ††يت حتركه† ††ا اللوبي† ††ات الص† ††هيونية املتمرك† ††زة يف أمريك ††ا‬
‫وبريطاني ††ا كال ††دمى‪ ،‬أن تلعب ورقته ††ا األخ ††رية وهي ورق ††ة إطال ††ة م ††دة احلص ††ار االقتص ††ادي املف ††روض على‬
‫الع††راق حبجج واهي††ة ال أس††اس هلا من الص††حة كاحتج††از األس††رى الكويت††يني يف الع††راق وع††دم إيف††اء الع††راق‬
‫بالتزامات††ه ال††يت ج††اءت يف ق††رارات جملس األمن الس††يما ق††راري ‪ 686‬و‪ .687‬علين††ا الق††ول هن††ا إن الع††راق‬
‫أخذ جبميع قرارات جملس األمن السيما ق†رار رقم ‪ 687‬املادة (‪ )22‬وعش†رات املواد األخ†رى معه†ا‪ ،‬لكن†ه‬
‫ال ميكن أن يأخ ††ذ ب ††القرارات التعجيزي ††ة الس ††يما ال ††يت متس س ††يادته واس ††تقالليته وأمن ††ه الوط ††ين وال ††يت هي من‬
‫صنع مجاعات الضغط الصهيونية املوغلة يف حتدي إرادة الشعوب وغمط حقوقها وسلب إرادهتا والض††حك‬
‫عليه††ا وارتك††اب اجلرائم البش††عة ض††دها‪ .‬أن الورق††ة األخ††رية ال††يت تلعبه††ا الق††وى املعادي††ة للع††راق وهي ورق††ة‬
‫إطالة مدة احلصار االقتص†ادي إمنا هي ورق†ة ض†عيفة س†يكون مص†ريها الفش†ل الق†ريب ب†إذن اهلل كم†ا فش†لت‬
‫األوراق اإلجرامية والتآمرية اليت لعبتها هذه القوى املعادية بإيعاز من اللوبيات من قبل‪.‬‬

‫علينا هنا ذكر أهم األسباب املس†ؤولة عن قي†ام مجاع†ات الض†غط الص†هيونية الس†يما اجلماع†ات املتواج†دة يف‬
‫نيوي††ورك بتح††ريض من أمريك††ا وبريطاني††ا وال††دول األخ††رى املمثل††ة يف منظم††ة األمم املتح††دة مبع††اداة الع††راق‬

‫‪189‬‬
‫ومالحقت ††ه وافتع ††ال املش ††كالت واألزم ††ات ل ††ه وإطال ††ة م ††دة احلص ††ار االقتص ††ادي املف ††روض علي ††ه‪ .‬إن ه ††ذه‬
‫األسباب ميكن حصرها بالنقاط التالية‪:‬‬

‫متيز الع† † † ††راق بأس† † † ††باب الق† † † ††وة واالقت† † † ††دار والنه† † † ††وض احلض† † † ††اري واالجتم† † † ††اعي والتق† † † ††دم العلمي‬ ‫‪-1‬‬
‫والتكنول††وجي(‪ ،)21‬وحتول††ه إىل مرك††ز إش††عاع فك††ري وثق††ايف وسياس††ي ميكن أن ي††ؤثر على املنطق††ة‬
‫العربية بصورة عامة ومنطقة اخلليج العريب الغنية بالبرتول بصورة خاصة‪.‬‬
‫انتص ††ار الع ††راق على إي ††ران يف ح ††رب اس ††تنزافية طويل ††ة األم ††د دامت حنو مثاين س ††نوات‪ ،‬وانتص ††ار‬ ‫‪-2‬‬
‫العراق ثانية على العدوان الثالثيين الغادر وإفشال خمططاته الرامية إىل احتالل العراق وإذالل ش††عبه‬
‫ال سامح اهلل مع إفشال مجيع الصفحات العدوانية والتآمرية اليت تلت العدوان بقوة واقتدار‪.‬‬
‫تقدم العراق يف جمال التصنيع العسكري الذي خيشاه الكيان الصهيوين وختشاه اإلمربيالي†ة أك†ثر من‬ ‫‪-3‬‬
‫أي ش††يء آخ††ر‪ ،‬وقطع††ة أش††واط متقدم††ة يف مض††مار التكنولوجي††ا العس††كرية وجناح††ه يف إع††ادة بن††اء‬
‫تراكيب††ه احلض††ارية واالجتماعي††ة ومش††اركته الفاعل††ة يف بن††اء اإلنس††ان اجلدي††د املؤمن ب††الثورة وفكره††ا‬
‫النري وقيمها األخالقية والرتبوية والسلوكية(‪ .)22‬ومثل هذه املكاسب املادية والعسكرية واحلض†ارية‬
‫ال††يت أحرزه††ا العراقي††ون بع††د ث††ورة ‪ 30-17‬متوز اجملي††دة ق††د جعلت األع††داء واحلاق††دين خيافون من‬
‫العراقيني وخيشون سريان منجزاهتم وانتصاراهتم إىل األقطار العربية األخرى‪.‬‬
‫مض†ي الع†راق ق†دما حبث الع†رب دائم†ا على التكت†ل والوح†دة‪ ،‬فالوح†دة هي اهلدف األمسى للع†رب‬ ‫‪-4‬‬
‫ومركز كفاحهم وأساس قوهتم يف قه†ر أع†دائهم‪ .‬ف†العرب ينبغي أن يعتم†دوا على أنفس†هم يف ك†ل‬
‫ش ††يء وان ال يعتم ††دوا على األج ††انب يف ال ††دفاع عن أنفس ††هم وإع ††ادة بن ††اء جمتمعهم وحض ††ارهتم‬
‫العريقة(‪.)23‬‬
‫إص † ††رار القي † ††ادة السياس † ††ية يف الع † ††راق على ض † ††رورة حث األقط † ††ار العربي † ††ة باالبتع † ††اد عن أمريك † ††ا‬ ‫‪-5‬‬
‫والص††هيونية وال††دول الغربي††ة املتحالف††ة معه††ا وحتقي††ق درج††ة من الس††يادة واالس††تقاللية والتح††رر من‬
‫التبعي††ة االقتص††ادية والسياس††ية للغ††رب الس††يما وأن الغ††رب منح††از للكي††ان الص††هيوين وان سياس††اته‬
‫متناقضة مع أماين وطموحات األمة العربية‪.‬‬
‫دور جماعة الضغط الصهيونية في فرض الحصار االقتصادي على العراق وإطالة مدته‬ ‫د]‬

‫‪190‬‬
‫أن حتذير الع††راق املس††تمر للع††رب على لس††ان قيادت††ه السياس††ية باالبتع††اد عن فل††ك السياس††ة األمريكي††ة وال††تزام‬
‫ج††انب احلي††اد اإلجيايب يف التعام††ل م††ع ال††دول وض††رورة اعتم††اد الع††رب على أنفس††هم يف ك††ل ش††يء ق††د محل‬
‫مجاع† ††ات الض† ††غط الص† ††هيونية املتواج† ††دة يف أمريك† ††ا وأورب† ††ا بالض† ††غط على اإلدارة األمريكي† ††ة واحلكوم† ††ات‬
‫األوربي††ة وتش††جيعها على اختاذ مواق††ف س††لبية ض††د الع††راق‪ .‬وق††د اس††تجابت اإلدارة األمريكي††ة برئاس††ة ب††وش‬
‫والعدي ††د من احلكوم ††ات األوربي ††ة وغ ††ري األوربي ††ة ملط ††اليب مجاع ††ات الض ††غط الص ††هيونية‪ ،‬اذ أخ ††ذت تتحني‬
‫الفرص املؤاتية لالنتقام من العراق والوقوف ب†دون حتف†ظ ض†د مص†احلة الوطني†ة والقومي†ة(‪ .)24‬وهن†ا اغتنمت‬
‫أمريكا وحلفائها فرصة أحداث ‪ 2‬آب ‪ 1990‬فزجت قواهتا العسكرية يف حرب طاحنة مع العراق هادفة‬
‫من حرهبا العدواني ††ة ه† ††ذه إىل إخ ††راج الق† ††وات العراقي ††ة من الك ††ويت‪ ،‬وفرض† ††ت احلص† ††ار االقتص† ††ادي على‬
‫الش††عب الع††راقي وتعم††دت يف إطال††ة مدت††ه لکی يفع††ل فعل††ه املخ††رب وي††رغم الع††راق على االستس††الم إلرادة‬
‫أمريك††ا وال††دول املتحالف††ة معه††ا بض††منها الكي††ان الص††هيوين‪ ،‬غ††ري أن الش††عب الع††راقي األيب ق††د ق††اوم م††ؤامرة‬
‫احلص††ار وال ي††زال يق††اوم من خالل األس††اليب االقتص††ادية وغ††ري االقتص††ادية ال††يت يعتم††دها يف مواجه††ة ص††يغه‬
‫الظاملة وممارساته الالإنسانية‪.‬‬

‫أم†ا املكاس†ب االقتص†ادية والسياس†ية والعس†كرية واحلض†ارية ال†يت جتنيه†ا اإلمربيالي†ة العاملي†ة الس†يما اإلمربيالي†ة‬
‫األمريكي††ة والص††هيونية والرجعي††ة العربي††ة من اس††تمرار لعب††ة ف††رض احلص††ار االقتص††ادي على الع††راق وتض††ييق‬
‫اخلن††اق على ش††عبه األيب وحماربت††ه برزق††ه الي††ومي وإرب††اك قيادت††ه األمين††ة‪ ،‬وحس††ب خمطط††ات وحي††ل وأالعيب‬
‫مجاعات الضغط الصهيونية يف نيويورك ولن†دن وغريه†ا من العواص†م األوربي†ة وغ†ري األوربي†ة فيمكن درجه†ا‬
‫بالنقاط التالية‪:‬‬

‫أن اس††تمرار ف††رض احلص††ار االقتص††ادي على الع††راق س††يجعل الع††راق غ††ري ق††ادر على الوق††وف بوج††ه‬ ‫‪-1‬‬
‫املخطط††ات الص††هيونية واإلمربيالي††ة والرجعي††ة اهلادف††ة إىل تس††وية القض††ية الفلس††طينية لص††احل الكي††ان‬
‫الص ††هيوين واع ††رتاف ال ††دول العربي ††ة بالكي ††ان الص ††هيوين دون اس ††رتجاع الع ††رب ألراض ††يهم احملتل ††ة‪،‬‬
‫فالكي† ††ان الص† ††هيوين ال ي† ††زال حيت† ††ل أراض† ††ي واس† ††عة من مخس دول عربي† ††ة هي (فلس† ††طني‪ ،‬مص† ††ر‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬سوريا‪ ،‬لبنان)‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫استمرار فرض احلصار االقتصادي على العراق حبسابات مجاعات الضغط الصهيونية سيلزم العراق‬ ‫‪-2‬‬
‫على التخلي عن مشاريعه التنموية االقتصادية منه†ا واالجتماعي†ة‪ ،‬والتخلي عن ه†ذه املش†اريع الب†د‬
‫أن جيعل العراق يراوح يف مكانه‪ ،‬أي يكون غري قادر على حتقيق التنمية والتقدم االجتماعي(‪.)25‬‬
‫اعتق††اد مجاع††ات الض††غط الص††هيونية ب††ان اس††تمرار ف††رض احلص††ار االقتص††ادي على الع††راق سيض††طره‬ ‫‪-3‬‬
‫إىل ت ††رك ص ††ناعاته احلربي ††ة وإغالق منش ††اهتا وبع ††ثرة کوادره ††ا ومالكاهتا العلمي ††ة والتقني ††ة‪ .‬وهن ††ا ال‬
‫يس†تطيع الع††راق بع††د ذل†ك من ص††ناعة األس†لحة التقليدي†ة واملتط†ورة فيص††في اجلو للكي†ان الص††هيوين‬
‫وال ††دول اإلمربيالي ††ة باحتك ††ار ص ††ناعة وبي ††ع األس ††لحة الدفاعي ††ة واهلجومي ††ة ال ††يت من خالهلا تس ††تطيع‬
‫السيطرة على العامل والتفرد بنهب موارده وخرياته وإذالل شعوبه وغمط حقوقها املشروعة‪.‬‬
‫أن أمن الص † † ††هيونية يعتم † ††د على ختلى الع † † ††راق عن مش † ††اريعه التس † ††ليحية املعتم † ††دة على التص † ††نيع‬ ‫‪-4‬‬
‫العسكري‪ ،‬وفرض احلص†ار االقتص†ادي على الع†راق وإحك†ام الس†يطرة علي†ه ه†و خ†ري طريق†ة إلل†زام‬
‫الع† ††راق على ت† ††رك ص† ††ناعاته العس† ††كرية ال† ††يت هتدد أمن الكي† ††ان الص† ††هيوين ومس† ††تقبله الس† ††يما وأن‬
‫الص††ناعات العس††كرية العراقي††ة ق††د جنحت يف ص††ناعة ص††واريخ عمالق††ة بعي††دة املدى متكنت من دك‬
‫أكرب املدن الصهيونية أبان ملحمة أم املعارك اخلالدة يف مطلع عام ‪ 1991‬وإحلاق الدمار‪.‬‬
‫إن إطال ††ة م ††دة احلص ††ار االقتص ††ادي وغ ††ري االقتص ††ادي املف ††روض على الع ††راق كم ††ا تفك ††ر مجاع ††ات‬ ‫‪-5‬‬
‫الض ††غط الص ††هيونية الب ††د أن ت ††ؤدي إىل هب ††وط قيم ††ة العمل ††ة الوطني ††ة العراقي ††ة إىل مع ††دالت متدني ††ة‬
‫وارتف††اع األس††عار واخنف††اض الق††وة الش††رائية للمواط††نني مما يس††بب تفش††ي مش††كلة الفق††ر يف اجملتم††ع‬
‫العراقي وتفشي هذه املش†كلة الب†د أن يس†بب ظه†ور مش†کالت اجتماعي†ة أخ†رى مص†احبة ملش†كلة‬
‫الفق ††ر كاجله ††ل واألمي ††ة واملرض واجلرمية واهني ††ار القيم وتفك ††ك األخالق وع ††دم اس ††تقرار األس ††رة‬
‫وظهور الصراعات االجتماعية بني األجيال من جهة وبني العناصر السكانية للمجتمع الع††راقي من‬
‫جه ††ة أخ ††رى(‪ .)26‬وه ††ذه الص ††راعات االجتماعي ††ة والس ††كانية إمنا تق ††وض أرك ††ان الوح ††دة الوطني ††ة‬
‫للمجتمع العراقي‪ ،‬وهذا ما تريده اإلمربيالية والصهيونية والرجعية وتسعى من أجله‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫اس†تمرار احلص†ار االقتص†ادي حس†ب تفك†ري وخمطط†ات مجاع†ات الض†غط الص†هيونية ق†د خيل†ق حال†ة‬ ‫‪-6‬‬
‫القطيعة والصراع بني الثورة واجلماهري‪ ،‬وهذه احلالة جتعل كل طرف يشكك بنوايا الطرف اآلخر‬
‫مما قد يقود إىل اهنيار اجلبهة الداخلية‪.‬‬
‫احلصار االقتصادي املفروض على العراق كما تفكر وختطط مجاعات الضغط الصهيونية هو هتديد‬ ‫‪-7‬‬
‫لك ††ل دول ††ة عربي ††ة أو غ ††ري عربي ††ة حتذو ح ††ذو الع ††راق‪ ،‬أي تط ††الب باحلري ††ة والس ††يادة واالس ††تقاللية‬
‫والتنمي ††ة والتق ††دم ومتتل ††ك ناص ††ية العلم والتكنولوجي ††ا واملعرف ††ة‪ ،‬وال تتص ††اع للنظ ††ام ال ††دويل اجلدي ††د‬
‫الذي اختطته أمريكا والصهيونية للسيطرة على العامل والعبث به كما تريدان‪.‬‬

‫أم††ا اإلج††راءات ال††يت اختذهتا مجاع††ات الض††غط الص††هيونية يف أمريك††ا وغ††ري أمريك††ا الس††تمرار ف††رض احلص††ار‬
‫االقتص††ادي على الع††راق وحتويل††ه إىل س††الح فع††ال بي††د األع††داء يس††تعملونه يف حتقي††ق أغراض††هم الدنيئ††ة فهي‬
‫على النحو التايل‪:‬‬

‫الض ††غط على جملس األمن ال ††دويل الت ††ابع هليئ ††ة األمم املتح ††دة بتمدي ††د م ††دة احلص ††ار املف ††روض على‬ ‫‪.1‬‬
‫الع† ††راق وافتع† ††ال املس† ††وغات املزورة ال† ††يت ت† ††ربر متدي† ††د م† ††دة احلص† ††ار كاحتج† ††از الع† ††راق لألس† ††رى‬
‫الكويت ††يني‪ ،‬وع ††دم تنفي ††ذ الع ††راق لش ††روط األمم املتح ††دة‪ ،‬وع ††دم اح ††رتام الع ††راق حلق ††وق اإلنس ††ان‬
‫وغريها من الذرائع الباطلة واملزورة‪.‬‬
‫تفنت مجاع† ††ات الض† ††غط الص† ††هيونية يف نيوي† ††ورك مبه† ††ام التع† ††اون والتنس† ††يق م† ††ع مجاع† ††ات الض† ††غط‬ ‫‪.2‬‬
‫الص† ††هيونية يف لن† ††دن وب† ††اريس واله† ††اي وبروكس† ††ل ومدري† ††د وكوبنه† ††اكن واس† ††توكهومل وأنق† ††رة‬
‫وطه††ران والق††اهرة والري††اض والك††ويت وغريه††ا بالض††غط على حكوم††ات دول ه††ذه العواص††م بع††دم‬
‫املوافق ††ة على رف ††ع احلص ††ار االقتص ††ادي املف ††روض على الع ††راق وافتع ††ال احلوادث واملس ††وغات ال ††يت‬
‫تكرر ذلك‪.‬‬
‫قي ††ام مجاع ††ات الض ††غط الص ††هيونية جبم ††ع التربع ††ات واألم ††وال وتق ††دميها کرش ††اوي وإغ ††راءات مالي ††ة‬ ‫‪.3‬‬
‫للدول املتضررة من فرض احلصار االقتصادي على العراق لكي تستمر هذه الدول مبقاطع†ة الع†راق‬
‫وفرض احلصار عليه‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫اتص††ال مجاع††ات الض††غط الص††هيونية بأش††هر الكت††اب والص††حفيني واملؤلفني يف ال††دول ال††يت تتواج††د‬ ‫‪.4‬‬
‫فيه ††ا مجاع ††ات الض ††غط ه ††ذه والطلب منهم بنش ††ر وع ††رض النتاج ††ات اإلعالمي ††ة والفني ††ة ال ††يت جتع ††ل‬
‫ال ††رأي الع ††ام يف دول الع ††دوان م ††ع اس ††تمرار ف ††رض احلص ††ار االقتص ††ادي على الع ††راق‪ ،‬م ††ع تق ††دمي‬
‫املكافآت املالية السخية وعمل الدعاية والشهرة هلم‪.‬‬
‫استعمال مجاعات الضغط الصهيونية أس†اليب الت†أثري واإلقن†اع واملراوغ†ة والك†ذب وال†دس وال†تزوير‬ ‫‪.5‬‬
‫وتق†دمي الرش†اوي واالغ†راءات املالي†ة واجلنس†ية عن†د اتص†اهلا باملس†ؤولني احلكوم†يني وأعض†اء اجملالس‬
‫النيابي††ة لل††دول ال††يت ت††ؤثر يف ق††رارات جملس األمن وحتملهم على الت††أثري يف حكوم††اهتم بتمدي††د ف††رتة‬
‫احلصار االقتصادي املفروض على العراق‪.‬‬
‫الخاتمة‬ ‫ه]‬

‫إن األنشطة املعادية واهلدامة اليت تقوم هبا اللوبيات الصهيونية املتمركزة بصورة خاصة يف أمريك††ا إمنا تفس††ر‬
‫قيام هيئة األمم املتحدة بدوائرها وجمالس†ها املختلف†ة بتمدي†د م†دة احلص††ار اجلائر املف†روض على الع†راق م†رارا‬
‫وتكرارا‪ ،‬وليس ان العراق مل يلتزم بق†رارات ول†وائح وبن†ود األمم املتح†دة اخلاص†ة بش†روط رف†ع احلص†ار عن‬
‫الع††راق‪ ،‬ل††ذا واحلال††ة ه††ذه ينبغي على وس††ائل اإلعالم الش††ريفة يف ك††ل مك††ان تعري††ة وكش††ف ال††دور الت††آمري‬
‫احلاقد الذي تلعبه مجاعات الضغط الصهيونية اليت تقب††ع وراء ق††رارات جملس األمن بع††دم املوافق††ة على ف††رض‬
‫احلص††ار الظ††امل املف††روض على الع††راق‪ ،‬وتص††دي املؤسس††ات السياس††ية يف الع††راق وال††دول املناص††رة ال††ه حلي††ل‬
‫وأالعيب مجاع ††ات الض ††غط ه ††ذه وتفني ††دها وإجه ††اض خمططاهتا اللئيم ††ة واحلاق ††دة‪ ،‬كم ††ا ينبغي على الش ††عب‬
‫الع††راقي يف مجي††ع فئات††ه وش††رائحه االجتماعي††ة حتم††ل ش††رف التص††دي للمش††كالت االقتص††ادية واالجتماعي††ة‬
‫النامجة عن آث ††ار الع ††دوان واحلص ††ار‪ .‬إض ††افة إىل ض ††رورة خل ††ق ش ††عب ع ††راقي متماس ††ك اجتماعي †ًا وسياس ††يًا‬
‫وفكري†ًا واقتص††اديًا ووطني†ًا وروحي†ًا لكي يتمكن ه††ذا الش††عب من اجتي††از االمتح††ان الص††عب بنج††اح ويثبت‬
‫للعامل أمجع بأنه أق†وى من ك†ل املؤامرات والتح†ديات ال†يت تفتعله†ا ض†ده مجاع†ات الض†غط الص†هيونية لص†احل‬
‫اإلمربيالية والصهيونية والرجعية احمللية‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫الهوامش والمصادر‬

‫حمم ††د‪ ،‬فاض ††ل زکی (ال ††دكتور)‪ .‬السياس ††ة اخلارجي ††ة وأبعاده ††ا يف السياس ††ة الدولي ††ة‪ ،‬مطبع ††ة ش ††فيق‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ ،1974‬ص ‪.43‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحس†ان حمم†د (ال†دكتور)‪ .‬األمم املتح†دة بني املبدئي†ة واالحنراف‪ ،‬دراس†ة منش†ورة يف جري†دة‬ ‫‪.2‬‬
‫القادسية بتاريخ ‪ ،28/05/1994‬ص‪.۳‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Moodie, G. Opinions , Publics and Pressure Groups , George‬‬
‫‪Allen and Unwin, London, 1970, P. 61.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Finer, S. Anonymous Empire, The Pall Mall Press, London,‬‬
‫‪P.5.‬‬

‫‪195‬‬
،‫ املوص ††ل‬،‫ مطبع ††ة جامع ††ة املوص ††ل‬،‫ علم االجتم ††اع السياس ††ي‬.)‫ إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور‬،‫احلس ††ن‬ .5
.۱۷۷‫ ص‬،1984
6. Moodie, G. Opinions , Publics and Pressure Groups, P. 62.
7. Eckstein, S. Pressure Group Politics, Allen and Unwin,
London, 1975, P. 9,
8. Ibid., P. 10.
9. Ibid., P. 11,
.44 ‫ ص‬،‫ السياسة اخلارجية وأبعادها يف السياسة الدولية‬.)‫ فاضل زكي (الدكتور‬،‫حممد‬ .10
‫ ص‬،1971 ،‫ ب††ریوت‬،‫ منش††ورات عوي††دات‬،‫ ترمجة هبيج ش††عبان‬،‫ اجلماع††ات الض††اغطة‬.‫ ج††ان‬،‫مین††و‬ .11
.52-51
12. Mezes, Florian. The Hidden Empire in America, London,
Oxford University Press, 1992, P. 14.
13. Ibid. , P. 17
14. Lukacs, Joan. Zionist Pressure Groups in Action, The
Academy, Press Budapest, 1993, P. 43,
15. Ibid., P. 59.
16. Pall, N. Zionist Interests Groups in America, London, 1992,
PP.216-218,
‫ دراس†ة منش†ورة‬،‫ دور العراق يف إجهاض الع†دوان الثالثي†ين الغ†ادر‬،)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .17
.۳ ‫ ص‬،27/02/1994 ‫يف جريدة القادسية بتاريخ‬
18. Levite, A. Zionist Pressure Group: Secrecy Coordination, Paris,
1993, P. 24,
19. Ibid., P. 27,

196
‫احلس ††ن‪ ،‬إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور)‪ .‬دور القي ††ادة يف التعبئ ††ة اجلماهريي ††ة‪ ،‬دراس ††ة منش ††ورة يف جري ††دة‬ ‫‪.20‬‬
‫القادسية بتاريخ ‪ ،28/04/1994‬ص‪.3‬‬
‫صايغ‪ ،‬يزيد (الدكتور ال‪.‬ناعة العربية العسكرية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ب††ريوت‪،۱۹۹۲ ،‬‬ ‫‪.21‬‬
‫ص ‪.235‬‬
‫ف†رح‪ ،‬الي†اس (ال†دكتور)‪ .‬يف بن†اء اإلنس†ان اجلدي†د‪ ،‬من أحباث الن†دوة الفكري†ة النقاب†ة املعلمني ملناقش†ة‬ ‫‪.22‬‬
‫األبع††اد الرتبوي††ة واالجتماعي††ة والنفس††ية القادس††ية ص††دام املنعق††دة يف بغ††داد خالل الف††رتة من ‪۲۸-۲۷‬‬
‫مایس ‪.۱۹۸۱‬‬
‫خطاب القائد صدام حسني يف مؤمتر القمة العربية املنعقد يف بغداد يف شهر أيار ‪. ۱۹۹۰‬‬ ‫‪.23‬‬
‫‪24. Mezes, Florian. The Hidden Empire in America, P. 31.‬‬
‫‪25. Ibid., PP. 45-46.‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬االنعكاسات االجتماعية ألم املعارك على اجملتم†ع الع†راقي‪ ،‬دراس†ة‬ ‫‪.26‬‬
‫مقدم††ة ملكتب الثقاف††ة واإلعالم الق††ومي يف القي††ادة القومي††ة حلزب البعث الع††ريب االش††رتاكي‪ ،‬بغ††داد‪،‬‬
‫‪ ،۱۹۹۳‬ص ‪.14‬‬

‫الفصل الحادي عشر‬

‫القيادة‬

‫الحكام والقادة‬

‫ال ميكن للجماع††ات واملنظم††ات األجتماعي††ة واجملتمع††ات اإلنس††انية القي††ام بنش††اطاهتا وفاعلياهتا واملض††ي ق††دما‬
‫حنو حتقي††ق أه††دافها دون وج††ود حك††ام وق††ادة يتم††يزون بص††فات معين††ة ختوهلم على احلكم والقي††ادة والتنظيم‬
‫والتوجي ††ه‪ .‬ه ††ؤالء احلك ††ام والق ††ادة ال ††ذين ي ††تزعمون اجلماع ††ات واملنظم ††ات مينح ††ون ص ††الحية احلكم والق ††وة‬

‫‪197‬‬
‫والقيادة أما من قب†ل الس†لطات العلي†ا ال†يت تش†رف على اجملتم†ع بع†د تع†يينهم وتنس†يبهم املراك†ز الق†وة واحلكم‬
‫املناس ††بة لق ††دراهتم وإمكاني ††اهتم أو ينتخب ††ون من قب ††ل أبن ††اء الش ††عب أو من قب ††ل الفئ ††ات واألح ††زاب والق ††وى‬
‫السياسية األخرى‪ .‬اال ان هناك فروقًا واضحة بني احلكام والقادة جيب توضيحها يف بداية ه††ذا الفص††ل‪ .‬آن‬
‫جميء احلكام للسلطة بعد اشغاهلم مراكز احلكم احلساسة يكون بواسطة التعيني(‪ .)1‬ف††رئيس الدول††ة أو رئيس‬
‫اجمللس األعلى للدولة أو امللك هو الذي يعني حكام مقاطعات اإلقليم السياسي للدولة‪ ،‬أو يعني الوزراء أو‬
‫املدراء العامني لدوائر الدولة املختلفة‪ .‬واحلكام املعينني من قبل السلطات العليا يفرضون على األفراد وليس‬
‫لألفراد القوة على تبديلهم أو االعرتاض على حكمهم أو حتديهم‪ .‬اما الق††ادة فال يعين††ون من قب††ل الس††لطات‬
‫العلي ††ا يف البالد ب ††ل خيت ††ارون أو ينتخب ††ون بطريق ††ة ح ††رة دميقراطي ††ة من قب ††ل أبن ††اء الش ††عب(‪ .)2‬واالختي ††ار أو‬
‫االنتخاب يعتمد على الص†فات الشخص†ية واالجتماعي†ة والثقافي†ة واإلداري†ة واإلنس†انية ال†يت يتمت†ع هبا ه†ؤالء‬
‫الق††ادة‪ .‬فالص††فات اإلجيابي††ة ال††يت يتمت††ع هبا الق††ادة يع††رتف هبا األع††داء واألص††دقاء وال ميكن ألح††د أن ينكره††ا‬
‫أو يقلل من امهيتها ألهنا واضحة وضوح الشمس ومسؤولة عن اختيارهم ملراكز القيادة واحلكم(‪.)3‬‬

‫والفرق األساسي اآلخر بني احلكام والقادة هو ان احلكام يعينون لفرتة معينة من الزمن مث يس††تبدلون حبك††ام‬
‫آخ ††رين‪ ،‬أم ††ا الق ††ادة فينتق ††ون ملراك ††ز القي ††ادة واحلكم الف ††رتات طويل ††ة من ال ††زمن وليس من الس ††هولة مبك ††ان‬
‫اس†تبداهلم بأش†خاص آخ†رين وذل†ك للص†فات القيادي†ة اإلجيابي†ة ال†يت يتمتع†ون هبا(‪ ،)4‬ومن اجلدير بال†ذكر هن†ا‬
‫بأن بعض احلكام قد حيملون بعض الصفات القيادية‪ ،‬هذه الصفات ال†يت غالب†ًا م††ا ت†دفع الس†لطات العلي†ا إىل‬
‫تعيينهم ملراكز القوة واحلكم‪ .‬وميكن تعريف احلكام بأهنم أولئك األش†خاص ال†ذين يس†ريون الش†ؤون العام†ة‬
‫يف اجلماع ††ات واملنظم ††ات االجتماعي ††ة ويتخ ††ذون الق ††رارات بامسها ويش ††رفون على تطبيقه ††ا وفق ††ا ملب ††ادئهم‬
‫ومص ††احل مجاعات ††ه(‪ .)5‬وهم ال ††ذين حيرك ††ون وس ††ائل القم ††ع والقس ††ر واإلك ††راه عن ††د خمالف ††ة ق ††راراهتم أو ع ††دم‬
‫تنفي ††ذها‪ .‬أم ††ا الق ††ادة فهم املس ††ؤولون احلقيقي ††ون يف اجملتم ††ع وم ††الكو الس ††لطة وأص ††حاب الس ††يادة‪ ،‬وان مجي ††ع‬
‫اهليئ††ات السياس††ية احلاكم††ة تس††تمد منهم ح††ق احلكم نظ††رة للق††وة الواس††عة ال††يت يتمتع††ون هبا‪ .‬غ††ري ان الس††يادة‬
‫والق††وة والس††لطة ال††يت ميارس††ها الق††ادة أو الزعم††اء تس††تند ع††ادة على طبيع††ة الظ††روف ال††يت جلبتهم إىل احلكم‬
‫وتعتمد على صفاهتم القيادية املتميزة كق†وة اإلرادة والشخص†ية املتم†يزة والتض†حية يف س†بيل الغ†ري والتواض†ع‬
‫والقابلية على التفاعل االجتماعي مع اآلخرين‪ ...‬اخل(‪.)6‬‬

‫‪198‬‬
‫ماهية وطبيعة القيادة‬

‫يف كل مجاعة أو منظمة اجتماعية سواء كانت اجلماعة أو املنظمة ص†غرية أو كب†رية يظه†ر رج†ل أو جمموع†ة‬
‫رج ††ال يتم ††يزون عن غ ††ريهم بالقابلي ††ة والكف ††اءة على قي ††ادة وتوجي ††ه ورعاي ††ة اجلماع ††ة أو املنظم ††ة وحتقي ††ق‬
‫املكاس††ب واإلجنازات ألعض††ائها‪ .‬وص††الحية وق††درة ه††ؤالء الرج††ال على القي††ادة أو الزعام††ة ال تعتم††د فق††ط‬
‫على الص ††فات اجلس ††مانية والوراثي ††ة والعقلي ††ة واالجتماعي ††ة واخللقي ††ة ال ††يت يتمتع ††ون هبا ب ††ل تعتم ††د أيض †ًا على‬
‫طبيعة ظروف ومشكالت ومالبسات اجلماعة أو املنظمة اليت يظهر فيه††ا ه††ؤالء الق††ادة(‪ .)7‬فالش††خص ال††ذي‬
‫ق ††د يص ††لح لقي ††ادة اجلماع ††ة وتوجيهه ††ا من الناحي ††ة االجتماعي ††ة واخللقي ††ة ق ††د ال يص ††لح لقيادهتا من الناحي ††ة‬
‫السياس ††ية والعس ††كرية‪ .‬وق ††د يص ††لح الش ††خص القي ††ادة مجاع ††ة رياض ††ية وال يص ††لح لقي ††ادة مجاع ††ة أو منظم ††ة‬
‫اقتص††ادية كالش††ركة أو املص††نع أو املزرع††ة‪ .‬وق††د يص††لح الش††خص القي††ادة مجاع††ة مس††تقرة وهادئ††ة وال يص††لح‬
‫لقي††ادة مجاع††ة غ††ري مس††تقرة ومض††طربة ومليئ††ة بالقالق††ل والفنت‪ .‬والقائ††د ه††و الش††خص ال††ذي يتم††يز بالنش††اط‬
‫واملثابرة والقدرة على احلركة والتفاعل والتكيف مع اآلخ†رين أك†ثر من غ†ريه(‪ .)8‬وه†و ال†ذي يتكلم بص†وت‬
‫ع††ال وبص††ورة مس††تمرة أك††ثر من غ††ريه أو يتمت††ع بص††فات جس††مانية ووراثي††ة إجيابي††ة أو لدي††ه م††واهب ذكائي††ة‬
‫وفكري†ة وادراكي†ة جتعل†ه يتف††وق على اآلخ†رين يف ح†ل املش†كالت واألزم††ات ال†يت تواج†ه اجلماع††ة‪ ،‬وص††فات‬
‫قيادي ††ة كه† ††ذه عن ††دما تس ††يطر على بعض األش ††خاص يف اجلماع† ††ة االجتماعي ††ة تس ††بب انقس ††امها إىل فئ ††تني‬
‫أساس††يتني فئ††ة قائ††دة وفئ††ة تابع††ة‪ ،‬الفئ††ة القائ††دة هي فئ††ة األقلي††ة يف اجلماع††ة والفئ††ة التابع††ة هي فئ††ة األكثري††ة يف‬
‫اجلماع††ة‪ .‬ويع††زى علم††اء النفس تقس††يم اجلماع††ة إىل فئ††ة قائ††دة وفئ††ة تابع††ة إىل وج††ود غري††زيت حب الظه††ور‬
‫والسيطرة على اآلخرين (‪ )The Self-Assertive Instinct‬وغري†زة االستس†الم واخلض†وع ‪The‬‬
‫‪ )Submissive Instinct‬فالش ††خص ال ††ذي تتغلب علي ††ه غري ††زة حب الظه ††ور والس ††يطرة ه ††و ال ††ذي‬
‫يك ††ون م ††دفوعا حنو طلب الق ††وة والقي ††ادة والس ††يطرة‪ ،‬بينم ††ا الش ††خص ال ††ذي تتغلب علي ††ه غري ††زة االستس ††الم‬
‫واخلضوع هو الذي يكون تابعًا وخاضعًا لآلخرين‪.‬‬

‫والقي†ادة مفي†دة والب†د منه†ا يف اجلماع†ات االجتماعي†ة واجملتم†ع الكب†ري‪ .‬فكلم†ا تعق†دت وتف†رعت اجلماع†ة أو‬
‫اجملتم††ع كلم††ا ك††انت احلاج††ة للقي††ادة ماس††ة وض††رورية‪ .‬إن اجلماع††ة الكب††رية واملتش††عبة هي اجلماع††ة املعرض††ة‬
‫ألخط ††ار االنقس ††ام وع ††دم االس ††تقرار والتص ††دع‪ ،‬وهن ††ا تلعب القي ††ادة العام ††ل األساس ††ي والفع ††ال يف اس ††تقرار‬

‫‪199‬‬
‫وثب†ات وداينمكي†ة اجلماع†ة ه†ذه وتك†ون س†ببا جوهري†ا من أس†باب حتقي†ق أه†دافها وطموحاهتا وعام†ة مهم†ة‬
‫من عوام††ل حتقیق وح†دهتا ومتاس†كها وص††الدهتا(‪ .)10‬أم††ا قي†ادة اجملتم†ع الكب†ري فإهنا تك†ون أص††عب وأش†ق من‬
‫قيادة اجلماع†ة الص†غرية‪ ،‬هلذا ميي†ل ق†ادة اجملتم†ع حنو تك†وين القي†ادات الوس†طية والقي†ادات القاعدي†ة ومينحوه†ا‬
‫بعض الص ††الحيات واحلق ††وق واالمتي ††ازات ال ††يت متكنه ††ا من حكم اتباعه ††ا ومتش ††ية أم ††ورهم احلياتي ††ة والتغلب‬
‫على مشكالهتم ومالبساهتم أن وجدت‪ ،‬وبالطبع أن هن†اك اتص†االت دائمي†ة مباش†رة بني ه†ذه األص†عدة من‬
‫القي††ادات وهن††اك تنس††يق على مس††توى ع††ال يف ش††ؤون وأم††ور ومتطلب††ات ومي††ول واجتاه††ات ه††ذه القي††ادات‬
‫حبيث تتمكن مجيعها من تلبية متطلباهتا وحتقيق طموحاهتا وأهدافها البعيدة والقصرية األمد‪.‬‬

‫كيف نشخص القائد؟‬

‫هناك طريقتان متميزتان لتشخيص ومعرفة القادة يف اجلماعة االجتماعية ‪.‬‬

‫وهاتان الطريقتان مها ‪:‬‬

‫الطلب من أعض††اء اجلماع††ة تش††خيص األف††راد األك††ثر نش††اطا وفاعلي††ة وحرك††ة وداينميكي††ة‪ ،‬ه††ؤالء‬ ‫‪)1‬‬
‫األف†راد ال†ذين يص†لحون ان يكون†وا قادهتا وموجهيه†ا ومحاهتا من األخط†ار والتح†ديات ال†يت هتددها‬
‫بالقناء واالنقسام والبعثرة‪.‬‬
‫الطلب من أش ††خاص خ ††ارجيني مش ††اهدة فعالي ††ات ونش ††اطات أعض ††اء اجلماع ††ة مث بع ††د املش ††اهدة‬ ‫‪)2‬‬
‫اختيار األفراد األكثر نشاطًا وجدية وحيوية ليكونوا قادهتا وموجهيها(‪ .)11‬والق†ادة هم األش†خاص‬
‫ال ††ذين ي ††ؤثرون على فعالي ††ات ونش ††اطات اجلماع ††ة ويس ††ريوهنا يف خ ††ط معني يتالئم م ††ع أه ††دافهم‬
‫وأفكارهم وميوهلم واجتاه†اهتم‪ ،‬وهم ال†ذين يرج†ع إليهم الفض†ل يف متاس†ك وح†دة اجلماع†ة وبقائه†ا‬
‫وداينميكيتها وقدرهتا على حتقيق أهدافها ومآرهبا‪.‬‬

‫إن ظهور القيادة وخ†دمتها للجماع†ة وتفاعله†ا م†ع االتب†اع يعتم†د على ت†ركيب اجلماع†ة وأوض†اعها الس†يكو‬
‫اجتماعي††ة كم††ا يعتم††د على وظائفه††ا واديولوجيته††ا وتطلعاهتا الفكري††ة والس††لوكية‪ .‬فبفض††ل املرك††ز الوس††ط‬
‫ال ††ذي حيتل ††ه الق ††ادة يف مجاع ††اهتم يس ††تطيع ه ††ؤالء الت ††أثري على طبيع ††ة أه ††داف اجلماع ††ة وتركيبه ††ا ووظائفه ††ا‬
‫ونشاطاهتا املشرتكة أو املتبادلة‪ .‬كما يستطيعوا املسامهة يف جتديد حيويته††ا ودف†ع أفراده††ا إىل الب†ذل والعط†اء‬

‫‪200‬‬
‫من أج ††ل اس ††تمراريتها وتق ††دمها ورفاهيته ††ا(‪ .)12‬وجيب أن نالح ††ظ هن ††ا ب ††أن أه ††داف وت ††ركيب ووظ ††ائف‬
‫وايديولوجي†ة اجلماع†ة هي ال†يت تق†ود إىل ظه†ور الشخص†يات القيادي†ة الق†ادرة على العم†ل والنض†ال من أج†ل‬
‫حتقي ††ق أه ††دافها وال ††دفاع عنه ††ا ومحاي ††ة تقالي ††دها ومقدس ††اهتا وممارس ††تها‪ .‬اذن القي ††ادة هي ظ ††اهرة توج ††د يف‬
‫اجلماع††ات املختلف††ة‪ .‬ويف ك††ل مجاع††ة يظه††ر ف††رد أو جمموع††ة أف††راد االش††غال دور القي††ادة فيه††ا‪ ،‬وق††د يس††تخدم‬
‫القائد ذكائ†ه وارائ†ه ومش†اعره وك†ل م†ا ميلك†ه من جه†د ومه†ارة ومعرف†ة للت†أثري على س†لوك األف†راد وتوجي†ه‬
‫ماعن † ††دهم من ق † ††درات و اس † ††تعدادات توجيه † ††ا خاص † ††ا خيدم أغ † ††راض اجلماع † ††ة‪ ،‬وت † ††دريبهم على مه † ††ارات‬
‫وكف††اءات معين††ة هلا أمهيته††ا يف فاعلي††ة وداينميكي††ة ومنو اجلماع††ة وتطوره††ا‪ .‬وك††ل ه††ذا ي††دل على أن القي††ادة‬
‫هي عملية داينميكية أساسها العالقات املتبادلة بني القائد واتباعه(‪.)13‬‬

‫األزمات والكوارث وظهور القيادات‬

‫تظه ††ر القي ††ادات ع ††ادة عن ††دما تتع ††رض اجلماع ††ات أو اجملتم ††ع الكب ††ري إىل األخط ††ار والتح ††ديات كالتهدي ††دات‬
‫العس† ††كرية األجنبي† ††ة بال† ††دمار واالحتالل أو االنقس† ††امات الداخلي† ††ة واالنش† ††قاقات السياس† ††ية والطائفي† ††ة بني‬
‫األف ††راد واجلماع ††ات أو املنافس ††ة اهلدام ††ة بني األقلي ††ات واجملتم ††ع الكب ††ري أو فش ††ل اجلماع ††ة أو اجملتم ††ع الكب ††ري‬
‫بتحقي ††ق أهداف ††ه وطموحات ††ه أو بع† ††ثرة بن ††اء اجلماع† ††ة وتص† ††دع أديولوجيته† ††ا(‪ .)14‬أن مجي ††ع ه† ††ذه األخط ††ار‬
‫والتح††ديات اخلارجي††ة والداخلي††ة تق††ود إىل ظه††ور القي††ادة خصوص††ا القي††ادة الكرزماتيكي††ة أو القي††ادة امللهم††ة‪.‬‬
‫ه ††ذه القي ††ادة ال ††يت تقط ††ع الوع ††ود على نفس ††ها وتتعه ††د بإزال ††ة اخلط ††ر احملدق ب ††اجملتمع أو اجلماع ††ة‪ ،‬وتع ††رب عن‬
‫عزمه ††ا وإرادهتا يف حتقي ††ق الوح ††دة الوطني ††ة للمجتم ††ع والتص ††دي للع ††دوان والتوس ††ع العس ††كري ال ††ذي تنوي ††ه‬
‫بعض ال††دول واجملتمع††ات‪ .‬وتعم††ل من اج††ل تق††دم وهنوض اجملتم††ع يف ش††ىت اجملاالت واملي††ادين وجتدد الثق††ة يف‬
‫النفوس وتعمل جاه†دة على إزال†ة االنقس†امات واخلص†ومات بني األف†راد وهك†ذا(‪ .)15‬وعن†دما تتعه†د القي†ادة‬
‫بالقيام يف هذه األعم†ال ال†يت يري†دها ويقيمه†ا الش†عب ويطمح بتحقيقه†ا ف†ان الش†عب يع†رب عن ثقت†ه بالقي†ادة‬
‫ومينحه†ا ح†ق حكم†ه والتص†رف مبس†تقبله‪ ،‬وهن†ا تب†دا القي†ادة حبكم اجملتم†ع والعم†ل على إنق†اذه من األخط†ار‬
‫اخلارجي††ة والداخلي††ة ال††يت تتح††داه وحتقي††ق أن††واع املكاس††ب واالنتص††ارات ل††ه‪ .‬ويف حال††ة جناح القي††ادة بتنفي††ذ‬
‫الوعود اليت قطعتها عن نفس†ها للش†عب ووض†عها موض†ع التنفي†ذ ف†ان ثق†ة الش†عب بقيادت†ه س†تقوى وتتوط†د‪.‬‬
‫وهنا تتعزز الصالت والعالئق الصميمية بني القيادة واجلماهري(‪.)16‬‬

‫‪201‬‬
‫صفات القائد‬

‫قبل أك†ثر من أل†ف س†نة تكلم الفيلس†وف الع†ريب الش†هري الف†ارايب يف كتاب†ه " أه†ل املدين†ة الفاض†لة" عن أمهي†ة‬
‫القيادة وفضلها يف حتقي†ق اجملتم†ع املث†ايل فالقائ†د كم†ا يق†ول الفيلس†وف الف†ارايب ه†و منب†ع الس†لطة العلي†ا وه†و‬
‫املث ††ل األعلى ال ††ذي تتحق ††ق يف شخص ††يته مجي ††ع مع ††اين الكم ††ال وه ††و مص ††در حي ††اة املدين ††ة ودعام ††ة نظامه ††ا‪.‬‬
‫ومنزل††ة القائ††د بالنس††بة لألف††راد كمنزل††ة القلب بالنس††بة لس††ائر أحناء اجلس††م ول††ذلك ال يص††لح للقي††ادة اال من‬
‫زود بص††فات وراثي††ة ومكتس††بة يتمث††ل فيه††ا أقص††ى م††ا ميكن أن يص††ل إلي††ه الكم††ال يف اجلس††م والعق††ل والعلم‬
‫واخللق والدين(‪ .)17‬وهنا يذكر الفارايب بأن قائد املدينة الفاضلة جيب أن يتصف باملزايا التالية‪:‬‬

‫أن يكون القائد تام األعضاء وسليم احلواس ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫أن يكون جيد الفهم والتصور لكل ما يقال أمامه ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أن يكون ذكية ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫أن يكون حسن العبارة وقوي اللسان ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أن يكون حمبا للعلم والعلماء ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫أن يكون صادقا وحمبا للصدق ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫أن يكون حمبا للعدل ويكره الظلم ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫أن يكون كبري النفس حمبا للكرامة ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫جيب أن ال يهتم جبمع املال ‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫أن يك††ون ق††وي العزمية على الش††يء ال††ذي ي††رى ان††ه ينبغي أن يفع††ل‪ ،‬جس††ورًا مق††دامًا غ††ري خ††ائف‬ ‫‪.10‬‬
‫وال ضعیف النفس(‪.)18‬‬

‫ه ††ذه هي ص ††فات القائ ††د اجلي ††د كم ††ا شخص ††ها الف ††ارايب يف كتاب ††ه "أه ††ل املدين ††ة الفاض ††لة" وق ††د درس علم ††اء‬
‫االجتماع وعلماء النفس االجتماعي خصوصًا خالل القرنني التاسع عش†ر والعش†رين ص†فات القائ†د دراس†ة‬
‫علمية وجتريبية مفصلة‪ ،‬هذه الدراسة اليت ك†انت تؤك†د على ض†رورة تواج†د الص†فات اإلجيابي†ة يف شخص†ية‬
‫القائد الناجح واملؤثر‪ ،‬والصفات القيادية اليت أكدوا عليها وحيثوها بالتفصيل هي كاآليت‪:‬‬

‫‪202‬‬
‫الشخصية المتميزة‬ ‫[‪]1‬‬

‫يتم ††يز القائ ††د على غ ††ريه من األف ††راد بالشخص ††ية الب ††ارزة واملتم ††يزة ال ††يت يقص ††د اهبا جمموع ††ة الص ††فات العقلي ††ة‬
‫واخللقي† ††ة والس† ††لوكية ال† ††يت يتمت† ††ع هبا وال† ††يت متكن† ††ه من الت† ††أثري يف اآلخ† ††رين ودفعهم وت† ††وجيههم حنو حتقي† ††ق‬
‫األه ††داف العام ††ة واخلاص ††ة‪ .‬فالقائ ††د ينبغي أن يتم ††يز ب ††ذكاء ن ††ادر وبص ††رية ناف ††ذة وخل ††ق ع ††ال وق ††درة على‬
‫(‬
‫اخلطاب††ة والكتاب††ة بص††ورة حترك اجلم††اهري وت††دفعهم إىل العم††ل واإلنت††اج واملث††ابرة يف خدم††ة اجلماع††ة واجملتم††ع‬
‫‪ .)19‬وعلى القائ††د أن يعتم††د على نفس††ه يف وض††ع اخلط††ط واأله††داف وتنفي††ذها‪ ،‬وليس مع††ىن ه††ذا أن††ه يق††وم‬
‫بنفس††ه بعم††ل ك††ل ش††يء ولكنن††ا نقص††د ان يك††ون الدي††ه الق††درة على ذل††ك‪ .‬وه††ذا م††ا يس††هل مهمت††ه يف قي††ادة‬
‫تابعيه‪ .‬وجيب أن يتميز القائد كذلك بصفة االعتزاز بالنفس وان تكون شخصيته شديدة اخلص††وبة والنض††ج‬
‫من مجي††ع الن††واحي وكلم††ا انتش††رت الثقاف††ة يف اجملتم††ع وزاد ع††دد املتعلمني في††ه كلم††ا أص††بحت مهم††ة اختي††ار‬
‫القائد تعتمد على التمييز العقلي واخللفي‪.‬‬

‫فاجلماع ††ات البدائي ††ة ك ††انت ختت ††ار قادهتا من ذوي احلن ††اجر القوي ††ة والبن ††اء اجلس ††مي املتني وس ††رعة ال ††ركض‬
‫وسالمة احلواس وما إىل ذلك من اخلصائص اليت حيتاجوهنا يف احلياة البدائية‪ .‬واذا وجدنا ب††أن اختي††ار الق††ادة‬
‫يعتم††د على ه††ذه الص††فات التقليدي††ة يف جمتم††ع م††ا فإنن††ا حنكم على ه††ذا اجملتم††ع ب††التخلف والبدائي††ة بينم††ا إذا‬
‫اعتم††د اجملتم††ع على الص††فات الشخص††ية اإلجيابي††ة يف اختي††ار قادت††ه فإنن††ا نعت††رب ذل††ك اجملتم††ع متقدم††ة وناهض††ة‪.‬‬
‫ونالح ††ظ أن تالمي ††ذ املدرس ††ة االبتدائي ††ة خيت ††ارون ق ††ادهتم من ذوي الص ††فات البدائي ††ة ال ††يت ذكرناه ††ا‪ ،‬ويتغ ††ري‬
‫الوضع غالبا عند انتقالنا إىل املدارس الثانوية أو العالية‪.‬‬

‫قوة اإلرادة‬ ‫[‪]2‬‬

‫ونقص ††د بق ††وة إرادة الش ††خص طبيع ††ة موقف ††ه إزاء م ††ا يتخ ††ذه من أحك ††ام وق ††رارات‪ ،‬والقائ ††د ينبغي أن يتس ††م‬
‫ب††إرادة قوي††ة وحازم††ة وه††ذا يتطلب من††ه اإلميان بنفس††ه وقدرات††ه واالقتن††اع بقوت††ه حبيث يتوق††ع لنفس††ه النج††اح‬
‫فيم ††ا يرمسه وم ††ا يتخ ††ذه من اخط ††ط‪ ،‬وأهم م ††ا يف ص ††فة ق ††وة اإلرادة الثق ††ة العالي ††ة ب ††النفس واالقتن ††اع الت ††ام‬
‫بص††واب اجتاهاهتا‪ .‬وق††وة اإلرادة عن††د القائ††د جتعل††ه مؤمن††ا مبا يق††وم ب††ه من أعم††ال أو م††ا يتخ††ذه من ق††رارات‬

‫‪203‬‬
‫وأحك††ام(‪ .)20‬وجتعل††ه ماض††ية يف حتقي††ق وإجناز م††ا ق††رر القي††ام ب††ه من واجب††ات ووظ††ائف‪ ،‬وق††وة اإلرادة ال††يت‬
‫يتمت ††ع هبا القائ ††د اجلي ††د هي ال ††يت تس ††اعده علی حتقي ††ق طموح ††ات وأه ††داف تابعي ††ه‪ .‬واذا م ††ا حق ††ق أه ††داف‬
‫وطموحات تابعيه ف†ان مرك†زه القي†ادي س†يتوطد وأن مسعته س†رتتفع وبالت†ايل يص†بح من الرج†ال اخلال†دين يف‬
‫اجملتم††ع‪ ،‬ولكن من جه††ة أخ††رى نالح††ظ ب††أن ق††وة اإلرادة ال††يت تتس††م هبا شخص††ية القائ††د اق††د جتعله††ا متح††يزة‬
‫ومتعصبة وغري مرنة إزاء األشياء والقرارات اليت تتوصل إليها‪ .‬وبالرغم من ه†ذا ف†ان شخص†ية القائ†د القوي†ة‬
‫واملؤثرة يف نفوس األفراد واجلماعات جتعل القائ†د شخص†ا حمرتم†ة ومتم†يزة على اآلخ†رين ومتمكن†ا من اختاذ‬
‫القرارات احلازمة اليت تقرر مصري ومستقبل اجملتمع الذي حيكمه‪.‬‬

‫التضحية في سبيل الغير‬ ‫[‪]3‬‬

‫إن للقائد صالته ومصاحله الشخصية‪ .‬فله عالقات بأفراد أسرته وأبن†اء جمتم†ع احمللي وأص†دقائه ومن ي†دينون‬
‫بدينه‪ .‬ولكن الذي ينتظ†ر من القائ†د أن جيع†ل ك†ل ه†ذا يف املرتب†ة األخ†رية من األمهي†ة‪ .‬وأن ال†ذي يق†دم علي†ه‬
‫جيب أن يك ††ون يف ص ††احل اجلماع ††ة أو الش ††عب ال ††ذي يق ††وده‪ .‬فقائ ††د األم ††ة ال يك ††ون ناجح ††ا كقائ ††د إّال إذا‬
‫تس††اوت أمام††ه ك††ل االعتب††ارات م††ا ع††دا اعتب††ار الص††احل الع††ام‪ .‬ومع††ىن ه††ذا أن القائ††د يعل††و ف††وق االعتب††ارات‬
‫الطائفي ††ة واإلقليمي ††ة وف ††وق عالق ††ات القراب ††ة والص ††داقة وف ††وق املص ††احل الشخص ††ية والذائي ††ة‪ ،‬وه ††ذا ه ††و مع ††ىن‬
‫التضحية‪ .‬ويذهب قادة اجملتمع والدين والعلم بالتضحية إىل أبع†د من ه†ذا ح†ىت تص†بح التض†حية ب†النفس من‬
‫ج††انبهم أم††رًا س††هًال يف س††بيل حتقي††ق األه††داف العام††ة(‪ .)21‬والتض††حية الكامل††ة أي تض††حية القائ††د الكامل††ة يف‬
‫سبيل خدمة ورفاهية وسعادة مجاعته أو جمتمعه هي سر جناح احلركات االجتماعية والسياسية يف العامل‪.‬‬

‫قابلية القائد على التفاعل مع الجماعة‬ ‫[‪]4‬‬

‫ينبغي على القائ ††د أن يك ††ون ق ††ادرا على تقوي ††ة الش ††عور بشخص ††يته للجماع ††ة أو الش ††عور بالذاتي ††ة اجلماعي ††ة‪.‬‬
‫فيعم††ل ك††ل م††ا يس††تطيع ليجع††ل ك††ل ف††رد من مجاعت††ه يش††عر ب††النواحي ال††يت تربط††ه بغ††ريه من األف††راد اآلخ††رين‬

‫‪204‬‬
‫فتقوى وحدة اجلماعة وتساعد هذه الوحدة على حتقيق األهداف املنشودة(‪ .)22‬وجيب على القائ†د أيض†ا أن‬
‫حيب وحيرتم أف††راد مجاعت††ه ويول††د بين††ه وبينهم روح عط††ف جتع††ل عالقات††ه هبم كعالق††ات رب األس††رة ب††أفراد‬
‫أس†رته‪ ،‬فيواس†ي من ميرض ويق††دم الع††زاء أله††ل من يت†وىف ويع††اون الفق††ري مادي†ا ومعنوي†ا يف مناس†بات كث†رية‪.‬‬
‫ويكون القائد يقظة دائمة للمناسبات ال†يت تق†وم هبا مبث†ل ه†ذا العم†ل ال†ذي يزي†د من ق†وة عالقات†ه الودي†ة بين†ه‬
‫وبني اتباع ††ه‪ .‬ويع ††رف الظ ††روف ال ††يت ت ††ؤذي ش ††عور االتب ††اع فيس ††تبعدها أو يعادهلا تع ††ديًال يزي ††د من رض ††اهم‬
‫وجيع ††ل قي ††ادهتم س ††هلة ومثم ††رة‪ .‬ومن الط ††بيعي أن معظم أف ††راد اجلماع ††ة ان مل يكن كلهم يرغب ††ون يف رض ††اء‬
‫قائدهم وعطفه ويسرهم ذلك كثريًا‪ .‬والقائد الناجح هو الذي يتمتع باحرتام اجلماعة كلها وحيتفظ مبرك††زه‬
‫فيها وال يتورط يف عالقات شخصية مع نفر من اتباع†ه‪ ،‬ألن مث†ل ه†ذه العالق†ات ق†د جتعل†ه يتش†يع لفري†ق أو‬
‫جتعله جيامل فريقا على حساب الفريق اآلخر ‪.‬‬

‫تواضع القائد‬ ‫[‪]5‬‬

‫من الص ††فات املهم ††ة ال ††يت ينبغي على القائ ††د اجلي ††د التمت ††ع هبا ص ††فة التواض ††ع وع ††دم التك ††رب على اآلخ ††رين‪.‬‬
‫فالتواض ††ع ه ††و من الس ††مات اإلجيابي ††ة ال ††يت تتص ††ف هبا الشخص ††ية اجلي ††دة والالمع ††ة حيث اهنا متنح ص ††احبها‬
‫القابلي††ة على التفاع††ل وتك††وين العالق††ات االجتماعي††ة الص††ميمية م††ع الغ††ري‪ ،‬أن الش††خص املتواض††ع خصوص †ًا‬
‫القائ††د ي††دخل يف قل††وب االتب††اع إىل درج††ة اهنم حيرتمون††ه ويقدرون††ه ويطيع††ون أوام††ره مهم††ا ك††انت ش††ديدة‬
‫ومتص†لبة‪ .‬ويف نفس ال†وقت يعمل†ون م†ا يف اس†تطاعتهم على التع†اون والت†آزر مع†ه بغي†ة جناح†ه واس†تمراره يف‬
‫القيادة واحلكم‪ .‬والقائد املتواضع هو الرجل الذي يكثر أصدقاؤه وأعوانه وأنصاره املخلصون واملتفانون يف‬
‫خدمت†ه وخدم†ة رس†الته ال†يت حياول نش†رها وترس†يخها يف نف†وس االتب†اع واجلم†اهري‪ .‬وه†و الرج†ل الن†اجح يف‬
‫قيادة وتوجيه االتباع واملتمكن من حتقي†ق وح†دة اجلماع†ة أو اجملتم†ع ال†ذي يق†وده‪ ،‬وه†ذه الوح†دة هي ش†يء‬
‫البد منه يف حتقيق أهداف وطموحات اجملتمع الكبري‪.‬‬

‫أما اذا كان القائد متكربة وطائشة ومستبدة وغ†ري ق†ادر على التع†اون والت†آزر املش†رتك م†ع اتباع†ه ف†ان اتباع†ه‬
‫وأعوان††ه يتهرب††ون من تك††وين العالق††ات والتفاع††ل مع††ه وال يس††ندون ويع††ززون حكم††ه وقيادت††ه‪ .‬واذا تع††رض‬
‫للمش† ††اكل واألزم † ††ات ال† ††يت حتدد اکي† ††ان حكم† ††ه ف† ††اهنم ال يس† ††اعدونه على التغلب على ه † ††ذه املش† ††كالت‬

‫‪205‬‬
‫واألزمات بل على العكس يقفون ض†ده ويعمل†ون جاه†دين على إهناء حكم†ه واس†تبداده وجربوت†ه‪ .‬والقائ†د‬
‫املتكرب الذي ال يتص†ف بص†فة التواض†ع واح†رتام اآلخ†رين ال ميكن اعتب†اره قائ†دا ب†ل اعتب†اره حاكم†ا اعتيادي†ة‬
‫ألن ††ه ال يتمت ††ع بالش ††عبية والتأيي ††د اجلم ††اهريي‪ .‬القائ ††د الش ††عيب واجلم ††اهريي ه ††و الرج ††ل املتواض ††ع والبس ††يط‪،‬‬
‫الرج††ل ال††ذي يع††رف كيفي††ة تك††وين العالق††ات اجلي††دة واإلجيابي††ة م††ع الغ††ري‪ ،‬ه††ذه العالق††ات ال††يت تع††زز منص††به‬
‫وترفع درجة هيبته وقيمته يف اجملتمع ‪.‬‬

‫قابلية القائد على التكييف مع األفراد والجماعات والمناسبات‬ ‫[‪]6‬‬

‫القائد الالمع واملتميز هو الرجل الذي يستطيع تكييف نفسه وذهنيته وشخصيته جلمي††ع األف††راد واجلماع††ات‬
‫والظروف واملناسبات ال†يت تص†ادفه أثن†اء قيادت†ه للجماع†ة أو اجملتم†ع فه†و يس†تطيع التكلم والتفاع†ل م†ع مجي†ع‬
‫الناس مهما تكن أعمارهم واحنداراهتم الطبقي†ة واالجتماعي†ة والقومي†ة ومهم†ا تكن اختصاص†اهتم ووظ†ائفهم‬
‫ومراكزهم االجتماعية‪ .‬ويستطيع أيضا التكيف والتفاعل مع مجيع الظروف واملناس†بات‪ ،‬فه††و يش†غل ال†دور‬
‫املؤثر يف أوق ††ات الس ††لم واحلرب ويلعب ال ††دور اإلجيايب يف مناس ††بات األف ††راح واملأمت ويكي ††ف مرك ††زه املهم‬
‫ملناس ††بات األعي ††اد الوطني ††ة والقومي ††ة‪ ،‬ومث ††ل ه ††ذا القائ ††د ال ††ذي يتمت ††ع هبذه الص ††فة املهم ††ة الب ††د أن ي ††ؤثر يف‬
‫اجلماهري تأثريا إجيابيا يقود إىل تعزيز مركزه القيادي ويسبب جناحه وعلو شأنه يف اجملتمع‪.‬‬

‫ومن جه††ة أخ††رى اذا ك††ان القائ††د ال يع††رف ماهي††ة الطريق††ة أو األس††لوب ال††ذي من خالل††ه يس††تطيع تك††ييف‬
‫نفس ††ه لألف ††راد واجلماع ††ات واملناس ††بات كع ††دم اس ††تطاعته مثًال فهم حاج ††ات ومعان ††اة ومش ††كالت الطبق ††ة‬
‫العمالي††ة أو أي††ة ش††رحية أخ††رى يف اجملتم††ع فأن††ه س††وف ال ميكن االختالط هبا والتفاع††ل معه††ا‪ .‬وهن††ا سيخس††ر‬
‫القائد هذه الطبقة أو الشرحية‪ .‬والقائد الذي ال يعرف طريقة التعامل مع اآلخرين وتلبية مطاليبهم و احرتام‬
‫مشاعرهم هو الشخص الذي يفشل يف حتقيق الوحدة السيكو اجتماعي†ة اجلماعت†ه أو جمتمع††ه‪ .‬فالقائ†د اجلي†د‬
‫ه††و رم††ز وح††دة مجاعت††ه‪ ،‬وإذا فش††ل القائ††د يف حتقي††ق وح††دة اجلماع††ة لس††بب أو آخ††ر ف††ان اجلماع††ة س††تكون‬
‫ضعيفة وغري قادرة على حتقيق أبسط أهدافها وأمانيها‪ ،‬وأمر كهذا قد يقود إىل إزاح†ة القائ†د والتف††تيش عن‬
‫قائ†د آخ†ر يأخ†ذ مكان†ه ليت†وىل قي†ادة اجملتم†ع وحتقي†ق وح†دة أف†راده ومجاعات†ه‪ .‬والقائ†د ال†ذي ال يع†رف كيفي†ة‬
‫التعامل واالنسجام مع االتباع واجلماهري ال ميكن أن يعترب قائدا مبعىن الكلمة بل يعترب حاكما حيكم اجملتم†ع‬

‫‪206‬‬
‫لفرتة معينة تنتهي بانتهاء فرتة حكمه املقررة‪ .‬بينما القائد هو ذل†ك الش†خص ال†ذي حيكم اجملتم†ع لف††رتة غ††ري‬
‫حمددة ألن اجلم ††اهري تري ††ده أن يقوده ††ا طاملا أن ††ه على قي ††د احلي ††اة‪ .‬أن ص ††فة تك ††ييف القائ ††د اجلمي ††ع األف ††راد‬
‫واملناسبات هي صفة جوهرية والبد منها يف القيادة اجلماهريية الناجحة‪.‬‬

‫وظائف القائد‬

‫أن تعق†د وتش†عب األدوار األجتماعي†ة والسياس†ية ال†يت يش†غلها القائ†د جتعل†ه يف مرک†ز مهم يؤهل†ه على القي†ام‬
‫بالوظائف االسرتاتيجية اليت يقدمها جلماعته واليت من شأهنا أن تعزز مكان††ة اجلماع††ة وتس††اعدها على حتقي††ق‬
‫أه††دافها‪ .‬ووظ††ائف الق††ادة ال تك††ون متش††اهبة وعلى منط واح††د من األمهي††ة والنف††وذ حيث ان وظ††ائف القائ††د‬
‫ال ††دميقراطي ختتل ††ف عن وظ ††ائف القائ ††د ال ††ديكتاتوري ووظ ††ائف القائ ††د ال ††ديكتاتوري ختتل ††ف عن وظ ††ائف‬
‫القائد الكرزماتیکی وهكذا‪ .‬كما أن القائد الذي يقود اجلماعة املدني†ة يق†وم بوظ†ائف ختتل†ف عن الوظ†ائف‬
‫اليت يقوم هبا القائد العسكري‪ ،‬والوظائف اليت يق††وم هبا القائ†د السياس†ي ختتل†ف عن الوظ††ائف ال†يت يق††وم هبا‬
‫القائد االقتصادي أو االجتم†اعي وهك†ذا‪ .‬اذن نوعي†ة القي†ادة وه†دفها هي ال†يت حتدد أمناط وطبيع†ة الوظ†ائف‬
‫واخلدمات اليت تقدمها للجماعة أو اجملتمع الكبري أو اجلماهري الشعبية اليت حتكمه†ا‪ .‬وجيب أن نش†ري هن†ا إىل‬
‫أن من أهم الواجب††ات األساس††ية ال††يت يق††وم هبا القائ††د يف اجلماع††ة إزال††ة اخلالف††ات واالنقس††امات بني أفراده††ا‬
‫والعم††ل على حتقي††ق الوح††دة االجتماعي††ة والنفس††ية واالديولوجي††ة بينهم‪ ،‬حيث أن وح††دة اجلماع††ة ومتاس††كها‬
‫تلعب ال † ††دور القي † ††ادي واملؤثر يف قوهتا وفاعليته † ††ا وحتقي † ††ق أه † ††دافها املص † ††ريية(‪ .)23‬وبع † ††د إزال † ††ة اخلالف † ††ات‬
‫واالنقس††امات بني أعض††اء اجلماع††ة يق††وم القائ††د بتوزي††ع األعم††ال والواجب††ات عليهم ك††ل حس††ب اختصاص††ه‬
‫وقابليات††ه ومهارات††ه‪ .‬مث يق††وم باإلش††راف على أداء الواجب††ات وتنفي††ذها والعم††ل على إزال††ة وجتاوز املعوق††ات‬
‫ال††يت تعرق††ل اجلماع††ة من القي††ام مبهامه††ا وواجباهتا(‪ .)24‬ويف أحي††ان كث††رية يتعه††د القائ††د ب††أداء مهم††ة تش††جيع‬
‫وحتف ††يز األف††راد على العم ††ل من خالل مكافئ ††ة املب ††دعني والفع ††الني يف عملهم ومعاقب ††ة املقص ††رين واملته ††اونني‬
‫منهم‪ .‬وميكننا تقسيم الوظائف اليت يقوم هبا القائد باملهام التالية‪:‬‬

‫(‪)1‬الواجبات التنفيذية‬

‫‪207‬‬
‫من أهم واجب ††ات القائ ††د متابع ††ة تنفي ††ذ الق ††رارات والسياس ††ات والص ††يغ العملي ††ة ال ††يت تتخ ††ذها اجلماع ††ة إزاء‬
‫الفعالي ††ات واألعم ††ال والواجب ††ات ال ††يت تق ††وم هبا‪ .‬والقائ ††د ه ††و مبثاب ††ة املنس ††ق للجه ††ود واألعم ††ال ال ††يت توك ††ل‬
‫ألعض††اء اجلماع††ة على اختالف مراك†زهم الوظيفي†ة والفني†ة واملهني†ة‪ ،‬فه††و ال†ذي يش†رف على عم†ل الف††رد يف‬
‫اجلماع††ة ويف حال††ة ع††دم مقدرت††ه على القي††ام هبذا العم††ل ف††ان من واجب القائ††د معرف††ة الس††بب أوال مث اختاذ‬
‫اإلج ††راءات املناس ††بة ال ††يت تس ††اعد العض ††و على القي ††ام بأعمال ††ه وواجبات ††ه ال ††يت حتتاجه ††ا اجلماع ††ة‪ ،‬ومن اجلدير‬
‫باإلش††ارة هن††ا إىل أن القائ††د ه††و ال††ذي يض††ع ق††واننی ومق††ررات اجلماع††ة موض††ع التنفي††ذ أي يرتمجه††ا إىل واق††ع‬
‫عم ††ل‪ .‬ومث ††ل ه ††ذه الرتمجة تلعب ال ††دور الكب ††ري يف حتدي ††د فعالياهتا وحتقي ††ق أه ††دافها ومتطلباهتا(‪ .)25‬واذا مل‬
‫ترتجم قواننی و مقررات وتوصيات اجلماعة إىل واق†ع عم†ل ف†إن اجلماع†ة الب†د ان تتع†ثر يف مس†ريهتا وتص†بح‬
‫ع ††اجزة عن حتقي ††ق أبس ††ط أه ††دافها‪ .‬والقائ ††د كم ††ا ذكرن ††ا يلعب ال ††دور املؤثر واحلس ††اس يف تنفي ††ذ مق ††ررات‬
‫اجلماع ††ة وذل ††ك من خالل اإلش ††راف ومتابع ††ة أعم ††ال وفعالي ††ات األعض ††اء‪ .‬وإذا مل يس ††تطع القائ ††د متابع ††ة‬
‫العمليات التنفيذية للقرارات والوصايا ال†يت تتخ†ذها اجلماع†ة بس†بب أو آخ†ر ف†ان القائ†د يس†تطيع تع†يني جلان‬
‫متابعة للقيام هبذه املهمة اخلطرية‪.‬‬

‫الواجبات التخطيطية‬ ‫(‪)2‬‬

‫غالبًا ما يشغل القائد دور املخطط أي دور وضع األه†داف واالس†رتاتيجيات ال†يت تتالئم م†ع طبيع†ة اجلماع†ة‬
‫وأغراض † † ††ها وتتف † † ††ق م † † ††ع قابلياهتا ونش † † ††اطاهتا واعتم † † ††اد الوس † † ††ائل والس † † ††بل ال † † ††يت تكف † † ††ل إجناز األه † † ††داف‬
‫واالس††رتاتيجيات(‪ .)26‬إن القائ††د ه††و ال††ذي يص††مم اخلط††ط ال††يت تنمي اجلماع††ة وتق††ود إىل اس††تقرارها وجناحه††ا‬
‫وازدهارها‪ ،‬وهو الذي حيدد اخلطوات القصرية والبعيدة األمد ال†يت حتق††ق أه††داف اجلماع††ة وتس†بب تعميقه††ا‬
‫وبلورهتا يف نف††وس األعض††اء مهم††ا ك††ان ع††ددهم ومهم††ا ك††انت قابلي††اهتم واختصاص††اهتم الوظيفي††ة‪ .‬فالقائ††د‬
‫اجلي††د ه††و ال††ذي يع††رف متام املعرف††ة اديولوجي††ة اجلماع††ة وأه††دافها وطموحاهتا‪ ،‬ومعرفت††ه هلذه األم††ور املهم††ة‬
‫البد أن تساعده علی وضع اخلطط واالسرتاتيجيات اليت متكن اجلماعة من بلوغ أهدافها وتطوير مفاهيمه†ا‬
‫واديولوجيته ††ا‪ ،‬ولكن وض ††ع اخلط ††ط وح ††دها ال ميكن أن يس ††اعد اجلماع ††ة علی بل ††وغ أه ††دافها‪ .‬ان عملي ††ة‬
‫وض††ع اخلط††ط جيب ان تك††ون مقرون††ة م††ع عملي††ة وض††ع الس††بل وهتيئ††ة املس††تلزمات ال††يت من ش††أهنا أن تق††ود‬
‫اجلماع††ة إىل التق††دم والنه††وض وال††رقي واذا مل يهتم القائ††د بعملي††ة التخطي††ط للجماع††ة ف††ان اجلماع††ة س††تكون‬

‫‪208‬‬
‫منظم† † ††ة جام† † ††دة ومتحج† † ††رة وغ† † ††ري ق† † ††ادرة على العم† † ††ل والفاعلي† † ††ة وع† † ††اجزة عن إدراك ومعرف† † ††ة مبادئه† † ††ا‬
‫واديولوجيتها‪ .‬األمر الذي يسبب هلا التعثر والضعف واخلمود‪.‬‬

‫الواجبات الفنية‬ ‫(‪)3‬‬

‫يعترب القائد مصدرًا أساسيًا من مصادر اخلرب واملعلومات واملعارف اليت حتتاجه†ا مجاعت†ه وقت القي†ام مبهامه†ا‬
‫ووظائفه† ††ا احليوي† ††ة‪ .‬ان القائ† ††د اجلي† ††د ه† ††و الش† ††خص ال† ††ذي يع† ††رف ك† ††ل ش† ††يء عن مجاعت† ††ه وعن أعض† ††ائها‬
‫ومنتس ††بيها‪ ،‬حيث يتطلب من ††ه مع ††رفتهم مجيع ††ا معرف ††ة حقيقي ††ة ومض ††بوطة‪ .‬فه ††و الش ††خص ال ††ذي ينبغي أن‬
‫يع ††رف األقوي††اء والض ††عفاء يف اجلماع ††ة ويع ††رف نق ††اط ق††وهتم وض ††عفهم‪ ،‬وجيب أن يك††ون متمرس††ا بتحوي††ل‬
‫نق††اط الض††عف يف اجلماع††ة إىل نق††اط ق††وة ميكن أن تس††تفيد منه††ا اجلماع††ة يف بل††وغ أه††دافها ومتاس††ك كياهنا‬
‫والشعور بشخصيتها(‪ .)27‬زد على ذلك أن القائد املتميز هو الشخص الذي يع†رف مجي†ع أم†ور ومش†کالت‬
‫مجاعت†ه مهم†ا ك†انت خط†رية أو بس†يطة‪ ،‬ولدي†ه تص†ور كام†ل عن ت†ركيب ووظ†ائف وداينميكي†ة واديولوجي†ة‬
‫امجاعت††ه ومق††درهتا على التغلب على مش††كالهتا وس††لبياهتا‪ .‬وبع††د معرف††ة القائ††د جلمي††ع ه††ذه األم††ور والقض††ايا‬
‫يس†تطيع الت†أثري يف مجاعت†ه إىل درج†ة متكنه†ا من الق†وة واملنع†ة وبالت†ايل الق†درة على حتقي†ق األه†داف واألم†اين‬
‫وال ميكن أن يكون القائد الئقة اجلماعته إذا كان يفتقد املعلوم†ات عنه†ا وجيه†ل نق†اط الق†وة والض†عف عن†د‬
‫أعضائها‪ .‬وال يعرف طبيعة تركيبها ووظائفها والعوامل اليت تقود إىل ثباهتا وسكوهنا أو العوامل اليت تق††ود‬
‫إىل حتوهلا وداينميكيته ††ا‪ .‬وقائ ††د كه ††ذا ال ميكن أن يق ††ود مجاعت ††ه قي ††ادة أمين ††ة وخملص ††ة‪ ،‬واذا ك ††انت قي ††ادة‬
‫اجلماعة هبذه الصورة فان اجلماعة ال ميكن أن تستمر وتبقى وتفشل يف خططها واسرتاتيجيتها‪.‬‬

‫الواجبات الفكرية واالديولوجية‬ ‫(‪)4‬‬

‫غالبًا ما يكون القائد مصدرًا مهما من املص†ادر اإلديولوجي†ة والفكري†ة والفلس†فية ال†يت تس†ري عليه†ا اجلماع†ة‪.‬‬
‫فالقائ ††د يض ††ع ويص ††وغ اديولوجي ††ة اجلماع ††ة وفكره ††ا الفلس ††في ال ††ذي تس ††ري على ه ††داه‪ .‬وه ††و ال ††ذي مينح‬
‫أعض††اءها األفك††ار واملعتق††دات والقيم ال††يت ترس††م أمناط س††لوكهم وممارس††اهتم االجتماعي††ة اليومي††ة‪ ،‬كم††ا ان††ه‬
‫الش ††خص ال ††ذي يس ††تطيع تغي ††ري اديولوجي ††ة وأفك ††ار وفلس ††فة اجلماع ††ة دون ش ††قها وتقس ††يمها وب ††ذر مسات‬
‫اخلالف†ات والتناقض†ات بني أفراده†ا(‪ .)28‬وملا ك†انت األديولوجي†ة احلياتي†ة والفكري†ة ال†يت تتمس†ك هبا اجلماع†ة‬

‫‪209‬‬
‫عامال أساسيا يف وحدهتا ومتاسكها وأن القائد هو ال†ذي يص†وغ مع†امل اإلديولوجي†ة ه†ذه‪ ،‬ف†ان القائ†د يلعب‬
‫الدور الكبري واحلساس يف توحيد اجلماعة ومتاسكها وإزالة اخلالف†ات اجلانبي†ة ال†يت ق†د تظه†ر فيه†ا‪ .‬ان القائ†د‬
‫يس ††تطيع الت ††أثري يف أفك ††ار وقيم ومعتق ††دات التب ††اع من خالل االديولوجي ††ة ال ††يت يض ††عها وينش ††رها ويرمسها‬
‫بينهم‪ ،‬واذا ك ††ان القائ ††د يتمت ††ع ب ††ذكاء ع ††ال وشخص ††ية م ††ؤثرة وفک ††ر عمیق ون ††ری ف ††ان أفك ††اره ومعتقدات ††ه‬
‫وفلس††فته احلياتي††ة س††تمرر إىل اآلخ††رين وبالت††ايل تك††ون هن††اك درج††ة عالي††ة من االنس††جام والتواف††ق بني القائ††د‬
‫واتباع ††ه‪ .‬وه ††ذا االنس ††جام والتواف ††ق بس ††بب وح ††دة اجلماع ††ة ومتاس ††ك أفراده ††ا‪ .‬وأم ††ر كه ††ذا يق ††ود إىل جناح‬
‫اجلماعة واستقرارها وتطورها‪.‬‬

‫أنواع القيادات‬

‫ميكن تقسيم القيادات إىل قسمني أساسيني تبعا الختالف اجلماعات واالختالف بني املواقف اليت تواجهه††ا‬
‫هذه اجلماع†ات واختالف طبيع†ة العالق†ات االجتماعي†ة والنفس†ية بني الق†ادة واالتب†اع‪ .‬ولكن مهم†ا اختلفت‬
‫القي ††ادات فإهنا ال ميكن ان تتع ††دى الن ††وعني الرئيس ††يني للقي ††ادات ومها القي ††ادة الديكتاتوري ††ة أو االس ††تبدادية‬
‫والقيادة الدميقراطية اليت جيب شرحهما بالتفصيل يف هذا اجلزء من الدراسة‪.‬‬

‫القيادة الديكتاتورية‬

‫القائد الديكتاتوري هو الشخص الذي يتمتع بقوة مطلقة ونفوذ غ†ري حمدودة ومنزلت†ه يف اجلماع†ة أو اجملتم†ع‬
‫الذي يقوده أكثر فاعلية وتأثريا من منزلة القائ†د ال†دميقراطي‪ ،‬ان القائ†د ال†ديكتاتوري وح†ده ه†و ال†ذي حيدد‬
‫السياس††ات الداخلي††ة واخلارجي††ة للجماع††ة‪ ،‬ويض††ع خططه††ا التكتيكي††ة واالس††رتاتيجية ويش††رف على تنفي††ذها‬
‫ومتابعتها‪ ،‬إضافة إىل معرفت†ه مجي†ع فعالي†ات ونش†اطات اجلماع†ة‪ .‬فه†و يت†دخل يف الش†ؤون الص†غرية والكب†رية‬
‫للجماعة وال يدع اجملال ألحد القيام بعمل دون احلص††ول على موافقت†ه‪ ،‬كم†ا ان†ه ينظم عالق†ات وتف†اعالت‬
‫أعض ††اء اجلماع ††ة ويطلب منهم االتص ††ال ب ††ه مباش ††رة قب ††ل القي ††ام ب ††أي عم ††ل‪ ،‬حيث ان ††ه ال يث ††ق بقابلي ††اهتم‬
‫وإمكانياهتم يف أداء العمل ويشك دائما حبسن نيتهم ونزاهتهم واستعدادهم على حتم†ل املس†ؤولية(‪ .)29‬وه††و‬
‫يعرف متام املعرفة كل شخص يف اجلماع†ة خصوص†ا م†ا يتعل†ق بنق†اط قوت†ه وض†عفه إض†افة إىل إملام†ه بش†ؤون‬
‫اجلماعة وتطلعاهتا وطموحاهتا‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫والقائد الديكتاتوري يقرر مصري اتباع†ه وأعوان†ه فه†و ال†ذي ي†رقيهم يف س†لم الوظ†ائف واملناص†ب أو يبع†دهم‬
‫عنها وينكل هبم كما يشاء ويف أي وقت يشاء دون وجود سبب حقيقي لإلبع†اد والتنكي†ل(‪ .)30‬وال يوج†د‬
‫هناك أي شخص حياسبه أو يقيد درجة قوته وتسلطه وجربوته‪ ،‬وهو ال يلتزم بالشرائع والق††وانني ألن†ه كم†ا‬
‫ي††دعي ه††و الش††رع والق††انون وينبغي على ك††ل واح††د من اتباع††ه إطاعت††ه طاع††ة عمي††اء وتنفي††ذ أوام††ره والتقي††د‬
‫بإرش††اداته ونص††ائحه(‪ .)31‬وال ميكن ألي††ة جه††ة أو س††لطة يف اجملتم††ع ان تغ††ري أفك††ار وممارس††ات وطموح††ات‬
‫القائد الديكتاتوري ألن مكانته االجتماعية وشخصيته تعل†و على تل†ك ال†يت حيتله†ا اآلخ†رون‪ .‬ويعتق†د القائ†د‬
‫ال††ديكتاتوري بأن††ه مص††در الق††وة واجلاه والش††رف والنف††وذ يف اجملتم††ع وال يوج††د هن††اك أي ش††خص يتس††اوى‬
‫معه يف االعتبارات االجتماعية واخللقية اليت ي†دعيها لنفس†ه ه†ذا القائ†د‪ .‬وهلذا الس†بب يعتق†د بأن†ه أحس†ن من‬
‫االتب††اع يف مجي††ع الص††فات واإلمكاني††ات ول††ه ح††ق قي††ادهتم وتس††يريهم حنو األه††داف واملث††ل ال††ذي يعتق††د هبا‪.‬‬
‫ويؤكد هذا القائد بان مكانته القيادية يف اجملتمع هي شيء البد منه وان مرك††زه القي††ادي ه††و أس††اس اجملتم††ع‬
‫ومص††در اهنوض††ه وتقدم††ه‪ ،‬وال يوج††د هن††اك أي رج††ل يس††تطيع تب††وء ه††ذا املرك††ز القي††ادي س††واه نظ††رًا لكون††ه‬
‫حسب اعتقاده أشرف وأنبل وأحسن وأقوى الرجال يف اجملتم†ع‪ .‬إض††افة إىل أن†ه يعتق††د بأن†ه ق†ادر على قي†ادة‬
‫اجملتمع حنو شاطئ الس†الم والتق†دم والرفاهي†ة ويف نفس ال†وقت متمكن ون†ابغ يف ش†ىت حق†ول املعرف†ة العلمي†ة‬
‫ويف شئی األعمال واالختصاصات والقابليات‪ .‬هلذا نراه يتدخل يف شؤون اجملتمع الص††غرية والكب††رية التافه††ة‬
‫واملهمة‪.‬‬

‫ويظهر عادة القائد الديكتاتوري وقت األزمات والك†وارث واملش†كالت احلض†ارية واالجتماعي†ة ال†يت مير هبا‬
‫اجملتمع‪ .‬وأول ما يفعله إقناع الناس بأنه الشخص الوحيد ال†ذي يس†تطيع إنق†اذ اجملتم†ع من الكارث†ة واألزم†ة‪.‬‬
‫هلذا يس††تجد الن††اس ب††ه إلع††انتهم يف التغلب على األزم††ة أو الكارث††ة ال††يت هتدد حي††اهتم ومس††تقبلهم ومينحون††ه‬
‫حق حكم اجملتم†ع التص†رف بش†ؤونه‪ .‬وبع†د ت†ويل القائ†د ال†ديكتاتوري حکم اجملتم†ع حياول إقن†اع اتباع†ه ب†أن‬
‫ل††ه رس††الة تارخيي††ة منزل††ة من الس††ماء ينبغي متريره††ا إىل الن††اس‪ ،‬كم††ا ينبغي على الن††اس إطاعته††ا والعم††ل على‬
‫تنفي††ذها(‪ .)32‬والقائ††د ال††ديكتاتوري مس††تعد لتص††فية أي ش††خص يتح††دى حكم††ه ورس††الته ألن حتدي احلكم‬
‫والرسالة هو حتدي إلرادة ورسالة السماء‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫أم† ††ا طبيع† ††ة العالق† ††ات السوش† ††وميرتية ( ‪ )Sociometric Relationship‬بنی القائ† ††د ال† ††ديكتاتوري‬
‫وأعض† ††اء مجاعت† ††ه فاهنا تك† ††ون على ش† ††كل جنم† ††ة (‪ ،)Star‬فالقائ† ††د حيت ††ل مرك† ††ز النجم† ††ة واالتب† ††اع حيتل ††ون‬
‫رؤوسها(‪ .)33‬وهذا يكون بسبب طلب القائد من األعضاء االتصال به مباشرة قبل القيام ب††أي ش††يء وع††دم‬
‫االتصال بأي شخص آخر‪ .‬إذن تكون القيادة ديكتاتورية أذا عمل القائد على نشر مب††ادئ معين††ة ب††القوة أو‬
‫عمل على أن يسوق الناس قهرا يف اجتاهات خاصة‪ .‬فال يأخذ الناس هبذه املبادئ واالجتاهات عن قب††ول أو‬
‫اختيار‪ ،‬وامنا نتيجة ضغط وإلزام‪ .‬وي†درك ه†ذا القائ†د يف نفس ال†وقت أن هن†اك مب†ادی واجتاه†ات ختالف أو‬
‫تناقض ما يفرضه على الناس وينشره بينهم‪ ،‬ولذلك يكون يقظة باس†تمرار ويزي†د من ض††غطه وإلزام††ه‪ ،‬وه††و‬
‫ب ††ری ع ††ادة أن قيم ††ة االجتماعي ††ة ال تن ††اقش وعلى اجلماع ††ة أن تقبله ††ا بأي ††ة وس ††يلة ك ††انت ‪ .‬ويتس ††م القائ ††د‬
‫ال†ديكتاتوري ع†ادة بشخص†ية الفعالي†ة وعاطفي†ة وحدي†ة اذ يغض†ب ألبس†ط األم†ور واذا غض†ب فان†ه الب†د أن‬
‫جيلب الض†رر واألذى ب†احمليطني ب†ه من اتباع†ه‪ .‬كم†ا يك†ون م†زاج القائ†د ال†ديكتاتوري متقلب†ة اذ يتف†اوت بني‬
‫الغضب واالنفعال وبني االرتياح واالبتهاج دون أن تكون هناك أسباب مربرة ملثل هذا التقلب ‪.‬‬

‫القيادة الديمقراطية‬

‫ال خيتلف القائد الدميقراطي عن القائد الديكتاتوري بكمية القوة والنفوذ اليت يتمتع هبا بل خيتلف عنه أيض†ًا‬
‫بطريقة وأس†لوب ممارس†ته للق†وة والنف†وذ‪ .‬فالقائ†د ال†دميقراطي يطلب من اتباع†ه املش†اركة الفعال†ة واجملدي†ة يف‬
‫ش†ؤون وفعالي†ات اجلماع†ة واملش†اركة يف الق†رارات والص†يغ القيمي†ة والس†لوكية ال†يت تس†ري اجلماع†ة مبوجبه†ا‪.‬‬
‫كما انه يتعاون معهم يف حتدي†د أه†داف اجلماع†ة ووض†ع الس†بل ال†يت ميكن أن تعتم†دها اجلماع†ة يف الوص†ول‬
‫إىل غاياهتا وأه† ††دافها‪ ،‬وه† ††و ال† ††ذي يطلب من أعض† ††اء اجلماع† ††ة أو اجملتم† ††ع املس† ††امهة يف رس† ††م اإلديولوجي† ††ة‬
‫الفكري††ة والفلس††فية ال††يت تس††ري عليه††ا اجلماع††ة أو املس††امهة يف تع††ديلها أو تب††ديلها ووض††ع اديولوجي††ة جدي††دة‬
‫حتق ††ق أم ††اين وأه ††داف األعض ††اء وتكف ††ل رف ††اهيتهم وتق ††دمهم االجتم ††اعي واخللقي واإلنس ††اين(‪ .)34‬والقائ ††د‬
‫ال ††دميقراطي ال يري† ††د أن تنحص† ††ر بي† ††ده املس† ††ؤوليات اخلط† ††رية ال† ††يت حيتاجه† ††ا اجملتم† ††ع ب† ††ل يري† ††د توزي ††ع ه† ††ذه‬
‫املس††ؤوليات والواجب††ات على األع††وان واالتب††اع‪ ،‬فه††و ال††ذي مينح الص††الحيات إىل الن††واب واألع††وان للقي††ام‬
‫بالواجب ††ات واألعم ††ال ال ††يت خيوهلم القي ††ام هبا دون أخ ††ذ رخص ††ة أو إج ††ازة من ††ه‪ ،‬حيث ان ††ه يث ††ق مبق ††درات‬
‫وقابليات وإمكانيات أعوانه ومينحهم الصالحيات اليت ختوهلم القيام باألعمال املطلوبة ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫والقائد الدميقراطي بعكس القائد الديكتاتوري ال يتدخل يف شؤون أعضاء مجاعته وال يفرض إرادت†ه وقوت†ه‬
‫عليهم ب ††ل حيرتمهم ويعت ††ربهم أخوان ††ا وأص ††دقاء ل ††ه ‪.‬ويتن ††اقش معهم ب ††روح دميقراطي ††ة بن ††اءه ح ††ول األم ††ور‬
‫والقض††ايا ال††يت هتم مس††تقبل اجلماع††ة ورفاهيته††ا وتق††دمها‪ ،‬وتك††ون ع††ادة أفك††اره ومعتقدات††ه مرن††ة ومتس††اهلة‬
‫وغري مطلقة(‪ .)35‬وإذا اختلف بالرأي مع أعوانه أو بعض مجاعته فانه ال يتخذ ضدهم اإلج†راءات االنتقامي†ة‬
‫الرادع††ة كم††ا يفع††ل القائ††د ال††ديكتاتوري ب††ل يس††تمر يف اح††رتامهم وتق††ديرهم وحياول س††د ثغ††رات االختالف‬
‫وحتقي††ق الوح††دة والتماس††ك م††ع االتب††اع حبيث تك††ون اجلماع††ة متماس††كة وقوي††ة وق††ادرة على حتقي††ق أه††دافها‬
‫وطموحاهتا‪ .‬والقائ††د ال††دميقراطي ي††وزع األعم††ال على أعض††اء مجاعت††ه ك††ل حس††ب اختصاص††ه وإمكانيات††ه و‬
‫اس†تعداده على القي†ام بالعم†ل ال†ذي يوك†ل إلي†ه‪ .‬واذا ح†دث ص†راع أو جماهبة بني أف†راد اجلماع†ة فان†ه يت†دخل‬
‫يف ح ††ل الص ††راع واجملاهبة ب ††روح دميقراطي ††ة وبن ††اءه بع ††د دراس ††ة ومعرف ††ة أس ††باب وج ††ذور الص ††راع‪ .‬واختاذ‬
‫الق††رارات اإلجيابي††ة ال††يت حتل الص††راع حال يض††من حق††وق األط††راف املعني††ة وجيلب الع††دل واإلخ††اء واملس††اواة‬
‫والدميقراطية للجماعة ‪.‬‬

‫وال يت†دخل القائ†د ال†دميقراطي بتنظيم العالق†ات االجتماعي†ة ال†يت تأخ†ذ مكاهنا بني االتب†اع وأعض††اء اجلماع††ة‬
‫اليت يقودها‪ ،‬بل يعطي مطلق احلرية لألفراد بتكوين العالق†ات والتف†اعالت االجتماعي†ة اإلجيابي†ة بعض†هم م†ع‬
‫بعض وال يطلب منهم استشارته حول طبيعة العالقات االجتماعية املطلوب بنائها وترسيخها يف اجلماع††ة ‪.‬‬
‫وال تك† ††ون العالق† ††ات السوش† ††وميرتية يف اجلماع† ††ات الدميقراطي† ††ة على ش† ††كل جنم† ††ة ب† ††ل تك† ††ون على ش ††كل‬
‫مستطيل طويل توجد فيه أنواع العالقات بني األفراد‪ ،‬وال حيتل القائد الدميقراطي املرك††ز الوس††ط واحلس††اس‬
‫يف ه††ذا املس†تطيل ب†ل يش†غل ح†يزا في†ه ي†بني عالقات†ه م††ع بعض األف†راد‪ .‬وعالقات†ه م††ع بعض األف†راد ال ختتل†ف‬
‫عن عالقات األفراد بعضهم ببعض‪ .‬وهذا ان دل على شيء فإمنا يدل على طبيعة العالقات الدميقراطية ال†يت‬
‫تأخذ مكاهنا يف اجلماعة االجتماعية ‪.‬‬

‫والقائ††د ال††دميقراطي يتس††م بشخص††ية معتدل††ة ومتزن††ة وبعي††دة ك††ل البع††د عن االنفع††ال والت††وتر واحلدي††ة‪ ،‬ومث††ل‬
‫هذه الشخصية جتعله حمرتم††ة ومق†درة ومنس†جمة م†ع اجلماع†ة أك†ثر من القائ†د ال†ديكتاتوري‪ ،‬واح†رتام القائ†د‬
‫ال††دميقراطي من قب††ل أعض††اء اجلماع††ة وتكيف††ه معهم الب††د أن يع††زز مكانت††ه يف اجلماع††ة وي††ؤثر فيه††ا أك††ثر من‬
‫القائ††د ال††ديكتاتوري‪ .‬وه††ذا م††ا جيعل††ه أن يك††ون قائ††دا حقيقي††ا وأص††يال للجماع††ة حبيث ال اتس††تطيع اجلماع††ة‬

‫‪213‬‬
‫االس††تغناء عن††ه بس††هولة أو الت††آمر ض††ده إلس††قاطه وتنحيت††ه عن مراك††ز السياس††ة والق††وة كم††ا تفع††ل اجلماع††ة‬
‫عندما يكون قائدها ديكتاتورًا مستبًد ا ‪.‬‬

‫وهناك حدود لصالحيات ونفوذ القيادة الدميقراطية وهذه احلدود تتجسد يف القوانني أو الدستور أو ال††رأي‬
‫الع ††ام ال ††ذي حيدد واجب ††ات وحق ††وق القائ ††د إزاء الش ††عب مثال أو واجب ††ات وحق ††وق الش ††عب إزاء القائ ††د‪،‬‬
‫فالقائ ††د ال ††دميقراطي الص ††حيح ال يس ††تطيع اختاذ أي ††ة إج ††راءات مبف ††رده دون استش ††ارة الش ††عب أو احلزب أو‬
‫اجلماعة اليت ميثلها حيث أنه يعتقد بأن الش†عب أو اجلماع††ة هي ص††احبة املص††لحة احلقيقي†ة يف اختاذ الق††رار أو‬
‫اإلج††راء املطل††وب ووض††عه موض††ع التنفي††ذ‪ .‬وقي††ادة بعض األح††زاب وال††دول هي قي††ادة دميقراطي††ة ح††رة ألهنا‬
‫تكون مستندة إىل أفك†ار واديولوجي†ة متح†ررة‪ ،‬ه†ذه األفك†ار ال†يت تعتق†د ب†أن القي†ادي الص†حيح واحلقيقي ال‬
‫حيتل مكانته السياسية إال بثقة اجلماهري ومشيئتها وه†ذا م†ا حيدد مس†ؤوليته إزاءه†ا‪ .‬فاجلم†اهري ليس†ت قطيع†ة‬
‫والقي ††ادي راع من نس ††يج آخ ††ر‪ ،‬أن اجلم ††اهري هي ال ††يت متنح القائ ††د ثقته ††ا وتس ††مح ل ††ه أن يتح ††دث بامسها‬
‫ويقودها‪ .‬ولكي يظل قائدا البد أن يظ†ل حمافظ†ة وحريص†ة على الثق†ة ال†يت أولته†ا إي†اه اجلم†اهري‪ .‬يف حني أن‬
‫البريوقراطيني والدكتاتوريني هم وحدهم الذين يأتون إىل احلكم بدون ثقة اجلم††اهري وهلذا ف††ان أجلهم حمدد‬
‫وهنايتهم السياس ††ية مظلم ††ة‪ .‬ف ††القفز إىل س ††دة احلكم من وراء ظه ††ر اجلم ††اهري أم ††را ال طائ ††ل من ورائ ††ه‪ .‬أم ††ا‬
‫بالنسبة للحزب الدميقراطي فهو ال يقفز إىل احلكم ملصلحة ذاتية‪ ،‬انه يعتمد على إرادة اجلماهري ويعرب عنه††ا‬
‫كطليعة هلا مث يق†ود الش†عب وش†عاره واض†ح يف أن ه†ذه اإلرادة هي ال†يت س†تبقي وك†ل م†ا ع†داها ال يص†مد‪،‬‬
‫والقادة حسب املفهوم الدميقراطي للقي†ادة جيب أن ي†ربهنوا على اح†رتامهم ل†رأي الش†عب ف†رأي الش†عب ه†و‬
‫احلقيقة وهو املنطق بذاته‪ ،‬واملناضل جيس†د ص†وت احلقيق†ة بع†د أن يس†لخ عن†ه األغطي†ة التقليدي†ة وينفض عن†ه‬
‫غبار العواصف املصلحية اآلنية‪ .‬ول†ذلك فاملناض†ل القي†ادي يعيش بني اجلم†اهري مس†تمعا إىل وجه†ات نظره†ا‬
‫وانتقاداهتا وتعليقاهتا‪ ،‬ألن اجلم††اهري هي بي††دها التفاص††يل واملعلوم††ات ومن املس††تحيل إخف††اء أي ش††يء عنه††ا‬
‫أو إمرار أي شيء من وراء ظهرها ‪.‬‬

‫إذن تك†ون القي†ادة دميقراطي†ة اذا ك†ان ال†رأي يف اجلماع†ة ش†وری وياخ†ذ القائ†د اب†رأي األغلبي†ة‪ ،‬وه†ذا الن†وع‬
‫من القي ††ادة أص ††بح مألوف ††ا يف اجلماع ††ات واملؤسس ††ات الدميقراطي ††ة الس ††ليمة‪ .‬والقائ ††د يف اجلماع ††ة الدميقراطي ††ة‬
‫يوج††ه اهتم††ام مجاعت††ه إىل تنظيم نفس††ها بنفس††ها حبيث تق ††وى فيه ††ا روح الت††آخي واحملب††ة وينم††و بني أفراده ††ا‬

‫‪214‬‬
‫التعاون الص†حيح وت†ربز ق†دراهتم وم†واهبهم ويتحم†ل ك†ل واح†د منهم م†ا يس†تطيع القي†ام ب†ه من املس†ؤوليات‬
‫ويظهر منهم من يستطيع التعبري عن أهداف اجلماعة ومشاعرها‪.‬‬

‫الفوارق األساسية بين مفاهيم الحاكم والقائد والزعيم والرئيس‬

‫علين††ا هن††ا التمي††يز بني مف††اهيم احلاكم والقائ††د من جه††ة وبني مف††اهيم القائ††د وال††زعيم والقائ††د وال††رئيس من‬
‫جه† ††ة أخ† ††رى م† ††ع تبي† ††ان الف† ††وارق األساس† ††ية يف املع† ††اين بني ه† ††ذه املص† ††طلحات واملف† ††اهيم املتقارب† ††ة املع† ††اين‬
‫والدالالت ‪ ,‬فاحلاكم هو ذلك الشخص الذي يتوىل مسؤولية اجلماعة أو املؤسسة‪ ،‬بي††د أن تولي††ه املس††ؤولية‬
‫ال يعتم††د على اخلواص الفردي††ة والس††مات الشخص††ية الن††ادرة والفري††دة ال††يت يتمت††ع هبا ب††ل يعتم††د على تعيين††ه‬
‫من قبل جهة عليا وفرضه على اجلماعة اليت حيكمها سواء كانت تل†ك اجلماع††ة راغب†ة ب†ه أو غ††ري راغب†ة(‪.)36‬‬
‫أم††ا القائ†د فه††و الرج†ل ال†ذي ميتل†ك فن الت†أثري يف الرج†ال اذ حيملهم على أداء العم†ل املطل†وب طواعي†ة دون‬
‫ف††رض الق††وة عليهم أو التهدي††د بفرض††ها(‪ .)37‬وه††و ال يعني من قب††ل جه††ة علي††ا ب††ل خيت††ار أو ينتخب من قب††ل‬
‫اجلماعة بناء على املؤهالت واملواصفات القيادية اليت ميتلكها واليت يعرتف هبا كل من األصدقاء واألعداء‪.‬‬

‫أما الزعيم فهو الرجل الذي حيمل الصفات القيادية اإلجيابية واملوهوبة منذ الصغر‪ .‬علما ب††ان ه††ذه الص††فات‬
‫تكون وراثية أكثر مما تكون منجزة‪ ،‬وان صفة الزعامة تكون موجودة يف عائلة الزعيم اذ أن عائلته ال ختلو‬
‫من الزعامة اذ كان أح†د أف†راد عائلت†ه أو عائلت†ه املمت†دة أو أقربائ†ه زعيم†ا أو قائ†دا معروف†ا يف اجملتم†ع(‪ .)38‬يف‬
‫حني أن الرئيس هو ذلك الرجل الذي حيتل السلطة العليا‪ ،‬أي سلطة الرئاسة اليت منحت له بناء على توافر‬
‫ش ††رطني أساس ††يني مها امتالك ††ه لبعض الص† ††فات القيادي ††ة اإلجيابي ††ة كالش ††جاعة وال ††ذكاء وس ††رعة البديهي ††ة‬
‫والتواض ††ع والثق ††ة العالي ††ة ب ††النفس والعدال ††ة واإلميان واملبدئي ††ة ‪ ...‬اخل‪ ،‬وانتخاب ††ه من قب ††ل اجمللس الرئاس ††ي أو‬
‫(‬
‫ال††وزاري أو التنفي††ذي أو التش††ريعي أو القض††ائي رئيس††ا للدول††ة أو احلكوم††ة أو النظ††ام االجتم††اعي السياس††ي‬
‫‪.)39‬‬

‫هذه هي مفاهيم كل من احلاكم والقائد والزعيم والرئيس‪ ،‬بقي علينا أن نعرف الفوارق األساسية بني كل‬
‫من‪:‬‬

‫‪215‬‬
‫احلاكم والقائد ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫القائد والزعيم ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫القائد والرئيس ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫الفوارق األساسية بين الحاكم والقائد‬ ‫‪]1‬‬

‫هناك ثالثة فوارق أساسية بني احلاكم والقائد وهذه الفوارق هي على النحو اآليت ‪:‬‬

‫ال ميتلك احلاكم صفات قيادية نادرة‪ ،‬بينما ميتلك القائد مثل هذه الصفات اليت تؤهله على القيادة‬ ‫ا‪.‬‬
‫والتأثري يف أعضاء اجلماعة ‪.‬‬
‫احلاكم يعني من قب††ل جه††ة علي††ا ويف††رض على أعض††اء اجلماع††ة‪ ،‬بينم††ا القائ††د خيت††ار أو ينتخب من‬ ‫ب‪.‬‬
‫قبل أعضاء اجلماعة طواعية بناء على املؤهالت الشخصية اليت ميتلكها ‪.‬‬
‫مدة حكم احلاكم تك†ون حمدودة‪ ،‬بينم†ا م†دة حكم القائ†د تك†ون طويل†ة ب†ل وق†د تس†تمر طيل†ة ف†رتة‬ ‫ج‪.‬‬
‫حياته ألن مسات القيادة هي متوفرة عنده‪ ،‬وطاملا أهنا متوفرة فهو يبقى يف القيادة واملسؤولية(‪.)40‬‬
‫الفوارق األساسية بين القائد والزعيم‬ ‫‪]2‬‬

‫هناك ثالثة فوارق رئيسية بني القائد والزعيم‪ ،‬وهذه الفوارق هي علی النحو اآليت‪:‬‬

‫السمات الشخصية اليت ميتلكها القائد ال تكون وراثية بل تكون منجزة‪ ،‬بينما السمات الشخص††ية‬ ‫ا‪.‬‬
‫اليت ميتلكها الزعيم هي مسات وراثية حيصل عليها من اآلباء واألجداد ‪.‬‬
‫مسات القي††ادة تك††ون عن††د القائ††د يف وقت مت††أخر من حيات††ه وان الظ††روف البيئي††ة ال††يت مير هبا تلعب‬ ‫ب‪.‬‬
‫دورا كب†ريا يف ظهوره††ا وبلورهتا‪ ،‬بينم†ا مسات الزعام††ة تك†ون عن†د الف††رد من†ذ نعوم††ة أظف††اره وتبقى‬
‫عنده طيلة فرتة حياته(‪.)41‬‬
‫الزعامة تكون متأصلة يف عائلة الزعيم‪ ،‬أي أن أحد أفراد عائلته أو أقربائه كان زعيمة أو قائدة أو‬ ‫ج‪.‬‬
‫مسؤوال كبريا يف الدولة واجملتمع‪ ،‬بينم†ا ليس بالض†رورة أن تك†ون القي†ادة متأص†لة يف عائل†ة القائ†د‪،‬‬

‫‪216‬‬
‫فالقائد قد يظهر بناء على ظروف اجتماعية أو سياس†ية أو اقتص†ادية ختدم†ه وتس†اعده يف ان يك†ون‬
‫قائدا ‪.‬‬

‫الفوارق األساسية بين القائد والرئيس‬ ‫‪]3‬‬

‫هناك ثالثة فوارق رئيسية بني القائد والرئيس‪ ،‬وهذه الفوارق هي على النحو اآليت ‪:‬‬

‫ميتل††ك القائ††د ص††فات شخص††ية واجتماعي††ة ن††ادرة تؤهل††ه على القي††ادة‪ ،‬بينم††ا ميتل††ك ال††رئيس ص††فات‬ ‫ا‪.‬‬
‫قيادية إدارية وقانونية تؤهله على اشغال دور الرئيس وأدائه الفرتة من الزمن(‪.)42‬‬
‫موقع القيادة الذي حيتله القائد ال يستمر لفرتة حمددة بل يستمر لف††رتة طويل††ة ج††دا طاملا ان ص††فات‬ ‫ب‪.‬‬
‫القيادة تكون متوفرة عند القائد‪ ،‬بينما الرئاس†ة ال يش†غلها ال†رئيس أك†ثر من أرب†ع أو مخس س†نوات‬
‫قابلة للتمديد‪ .‬لذا ففرتة القيادة هي أطول بكثري من فرتة الرئاسة ‪.‬‬
‫ال†رئيس ينتخب من قب†ل أعض††اء اجمللس الرئاس†ي أو القض††ائي أو ال†وزاري أو التش†ريعي فق††ط‪ ،‬بينم†ا‬ ‫ج‪.‬‬
‫القائد خيتار أو ينتخب من قبل اجلماهري أو مجوع الشعب‪ ،‬اذ أن هؤالء مهما يكن عندهم ومهم††ا‬
‫تكن اجتاه ††اهتم ومش ††ارهبم ومس ††توياهتم يع ††رتفون بالس ††مات القيادي ††ة املتف ††ردة والن ††ادرة ال ††يت حيمله ††ا‬
‫القائد‪ ،‬وهذه السمات برأيهم هي أساس جناح القائد واستمرار قيادته وتأثريه يف الدولة واجملتمع ‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫الهوامش والمصادر‬

1. Asch, S. Social Psychology, New York, 1959, See the Ch. On


Leadership
2. Ibid., P. 281,
3. Ibid., p. 285
4. Gibb, C.A. The Principles and Traits of Leadership, New
York, 1956, PP, 6-7.
5. Ibid., P. 11.
6. Ibid., See the Introduction.
7. Munn, N.L. Psychology: The Fundamentals of Human
Adjustment, London, 1961, P. 640.
8. G. Homans. "The Small Warship" American Sociological
Review, XI, (1946), PP, 294-300).
9. McDougall, W. Social Psychology, (Paper-back Ed.), London,
1964, P. 110.

218
10. G. Homans. The Human Group, Routledge and Kegan Paul,
London, 1959, P. 416,
11. Maccoby, E., Newcomb, T. and Hartley, E. Readings in Social
Psychology, 3' Ed. Holt, 1958, P. 501.
12. Al-Hassan, Ihsan. Collective Behaviour, Baghdad, 1974, P. 27.
13. Ginsberg, M. Sociology, London, 1950, P. 26.
14. Tannenbaum, S. and Weschler, Leadership and Organization,
London, 1960, PP. 42-43.
15. Ibid., P. 51.
‫ حبث منش ††ور يف‬،‫ طبيع ††ة الس ††لوك السياس ††ي يف اجملتم ††ع الث ††وري‬.)‫ إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور‬،‫احلس ††ن‬ .16
.01/12/1980 ،‫ السنة الثالثة‬،۱۹ ‫ العدد‬،‫ جامعة بغداد‬،‫ كلية اآلداب‬،‫جريدة اإلعالم‬
‫ ص‬،1949 ،‫ ب†ريوت‬،‫ املطبع†ة الكاثوليكي†ة‬،‫ حتقي†ق الب†ري نص†ري ق†ادر‬،‫ أهل املدين†ة الفاض†لة‬،‫الفارايب‬ .17
.24
.۲۹ ‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .18
،‫ مكتب ††ة النهض ††ة املص ††رية‬،‫ أسس ††ه وتطبيقات ††ه الرتبوي ††ة‬:‫ علم النفس‬.)‫ عب ††د العزي ††ز (ال ††دكتور‬،‫القوص ††ي‬ .19
. ۳۹۹ ‫ ص‬،1947 ،‫القاهرة‬
.۳۹۷‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .20
. ۳۹۸‫ ص‬،‫نفس املصدر السابق‬ .21
22. Barnard, C. Organization and Management, New York, 1954,
PP, 24-25.
23. Stagdill, T. and Coons, Leader Behaviour: Its Description and
Measurement, New York, 1948, P.13.
24. Ibid., P.27.

219
25. Barnard, C. The Functions of the Executive, New York,
1938,P. 163.
.۳۹۹ ‫ ص‬،‫ علم النفس أسسه وتطبيقاته الرتبوية‬.)‫ عبد العزيز (الدكتور‬،‫القوصي‬ .26
27. Jameson, H. An Outline of Psychology, London, 1947, P.151.
‫ حبث منش†ور‬،‫ اجلزء الث†اين‬،‫ العوام†ل املؤثرة يف تك†وين ال†رأي الع†ام‬.)‫ إحسان حممد (الدكتور‬،‫احلسن‬ .28
. ۱۹۸۹ ‫ نيسان‬،‫ السنة الرابعة‬،‫ العدد التاسع‬،‫ جامعة بغداد‬،‫ كلية اآلداب‬،‫يف جريدة اإلعالم‬
29. Adorno, amd et al. The Authoritarian Personality, New York,
1951, PP. 40-42.
30. Machiavelli, N. The Prince , Penguin Books, Middlesex,
England, 1970 , P, 61.
31. Ibid., P. 63.
32. Weber, M. The Theory of Social and Economic Organization,
The Free Press 1969, See the Ch. On Charismatic Authority, P.
358.
33. Lindzey, G. and Borgatta, E. Hand Book, of Social Psychology,
Vol. 1, 1954, See Ch.
34. Eysenck, H. Sense and Nonsense in Psychology, A Pelican
Book, Middlesex , England, 1962, P. 281.
35. Ibid., P. 288,
36. Al-Hassan, Ihsan M. Collective Behaviour, Baghdad, 1974,
P.27.
37. Stewart, E.W. The Human Bond, John Wiley and Sons, New
York, 1978, P. 201.

220
‫‪38. Ibid., P. 202.‬‬
‫‪39. Fancis, H. Rulers, Leaders and Presidents: A Study in Political‬‬
‫‪Leadership, London, Longman, 1986, P. 23.‬‬
‫‪40. Ibid., P. 25.‬‬
‫‪41. Ibid., P. 29.‬‬
‫‪42. Ibid. , P. 31.‬‬

‫الفصل الثاني عشر‬

‫التنشئة السياسية وقنواتها الفكرية والتربوية‬

‫التنشئة السياسية هي تل†ك العملي†ة ال†يت يكتس†ب الف†رد من خالهلا معلومات†ه وحقائق†ه وقيم†ه ومثل†ه السياس†ية‬
‫ويك††ون بواس††طتها مواقف††ه واجتاهات††ه الفكري††ة واالديولوجي††ة ال††يت ت††ؤثر يف س††لوكه وممارس††اته اليومي††ة وحتدد‬
‫درج†ة نض††جه وفاعليت†ه السياس†ية يف اجملتم†ع(‪ .)1‬وهن†اك منظم†ات عدي†دة تش†ارك يف عملي†ة التنش†ئة السياس†ية‬
‫ه††ذه أمهه††ا األس††رة واملدرس††ة واحلزب السياس††ي واملهن††ة ووس††ائل اإلعالم اجلماهريي††ة واجملتم††ع احمللي ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫وت ††أثريات ه ††ذه املنظم ††ات يف األفك ††ار واملب ††ادئ السياس ††ية ال ††يت يكوهنا الف ††رد من ††ذ بداي ††ة حيات ††ه االجتماعي ††ة‬
‫والسياس ††ية ق ††د تك ††ون قوي ††ة وفاعل ††ة اذا ك ††انت مجي ††ع املنظم ††ات ت ††ردد نفس املعلوم ††ات واألفك ††ار السياس ††ية‬
‫وتعتم††د نفس األس††اليب التأنيس††ية والرتبوي††ة يف زرع األفك††ار والقيم السياس††ية عن††د األف††راد(‪ .)2‬بينم††ا اتك††ون‬
‫ت ††أثريات ه ††ذه املنظم ††ات ض ††عيفة وهامش ††ية عن ††دما تك ††ون تعاليمه ††ا وتوجيهاهتا وأس ††اليبها التثقيفي ††ة والرتبوي ††ة‬
‫خمتلف††ة ومتناقض††ة‪ .‬ومن اجلدير باملالحظ††ة أن التنش††ئة السياس††ية تس††اعد على بق††اء ودميوم††ة واس††تقرار النظ††ام‬
‫السياس††ي طاملا اهنا تس††تهدف متري††ر األفك††ار واخلربات واألس††اليب السياس††ية ال††يت يعتم††دها اجملتم††ع بني أبن††اء‬
‫الش † ††عب وحتاول زرعه † ††ا يف نف † ††وس األف † ††راد واجلماع † ††ات على اختالف خلفياهتا االجتماعي † ††ة والطبقي † ††ة‪.‬‬
‫فاالس ††تقرار السياس ††ي أي دميوم ††ة النظ ††ام السياس ††ي هي خاص ††ية إجيابي ††ة ومرغوب ††ة وان التنش ††ئة السياس ††ية هي‬

‫‪221‬‬
‫الوس ††يلة ال ††يت يص ††بح الف ††رد من خالهلا واعي ††ا وم ††دركا للمب ††ادئ واأله ††داف السياس ††ية ال ††يت ي ††ؤمن هبا النظ ††ام‬
‫االجتماعي‪ .‬أما األشخاص الذين ينحرفون عن مبادئ الثقافة والوعي السياسي بسبب الس†لبيات والع†ثرات‬
‫ال††يت ج††اهبتهم خالل مراح††ل تنش††ئتهم السياس††ية فال ميكن االعتم††اد عليهم يف تث††بيت أس††س النس††ق السياس††ي‬
‫للمجتمع وحتقيق أهدافه وطموحاته ‪.‬‬

‫بي ††د أن املنظم† ††ات ال† ††يت تتم من خالهلا عملي† ††ة التنش† ††ئة ت† ††رتك تأثرياهتا املتباين† ††ة او املتناقض† ††ة يف األف† ††راد‪ .‬ففي‬
‫الس† ††نوات األوىل من حي† ††اة الف† ††رد تلعب العائل† ††ة دورًا أساس† ††يا يف عملي† ††ة التنش† ††ئة االجتماعي† ††ة واألخالقي† ††ة‬
‫والوطنية الهنا املنظمة اليت حيتك هبا الفرد أكثر من بقية املنظم†ات االجتماعي†ة األخ†رى(‪ .)3‬وبع†د منوه خيرج‬
‫عن نط††اق عائلت††ه ويلتح††ق مبؤسس††ات أخ††رى ت††ؤمن حتقي††ق طموحات††ه وإش††باع حاجات††ه األساس††ية والثانوي††ة‬
‫كاملدرسة واجملتمع احمللي والعمل واحلزب السياسي والنادي الرياضي‪ ..‬اخل‪ .‬ولدى التحاقه هبذه املؤسسات‬
‫أو اجلماع† † ††ات املرجعي† † ††ة (‪ )Reference Groups‬يت† † ††أثر بتعاليمه† † ††ا وثقافاهتا وبراجمه† † ††ا االجتماعي † ††ة‬
‫واالقتص††ادية والسياس††ية والرتبوي††ة إىل أن تتكام††ل شخص††يته وتتبل††ور أفك††اره ومواقف††ه ويص††بح مس††تعدة على‬
‫اختاذ األحكام القيمية إزاء األم†ور والقض†ايا ال†يت يش†هدها(‪ .)4‬ولع†ل من املفي†د أن منيز بني ه†ذه املنظم†ات أو‬
‫اجلماعات املرجعية على أساس أن بعض†ها منظم†ات غ†ري سياس†ية والبعض اآلخ†ر منظم†ات سياس†ية أو ذات‬
‫طبيعة سياسية فالتنشئة السياسية اليت تقوم هبا املنظم†ات غ†ري السياس†ية كالعائل†ة أو املدرس†ة أو اجملتم†ع احمللي‬
‫أو الن††ادي الرياض††ي هي تنش††ئة كامن††ة(‪ )Potential Socialization ( )5‬أي تنش††ئة ال تتعل††ق باملس††ائل‬
‫السياس ††ية بص ††ورة مباش ††رة بينم ††ا التنش ††ئة السياس ††ية ال ††يت تتعه ††د هبا املنظم ††ات السياس ††ية كالدول ††ة واألح ††زاب‬
‫السياسية واجلماعات الضاغطة والسلطات السياسية هي تنشئة غرضية ( ‪ )Intentional‬أي تنشئة تتعلق‬
‫بتك††وين املواق††ف واالجتاه††ات السياس††ية عن††د األف††راد واجلماع††ات(‪ .)6‬ان التنش††ئة السياس††ية غ††ري املباش††رة ال††يت‬
‫تقوم هبا األسرة مثال تتجلى يف قيامها ب†زرع القيم واملث†ل واأله†داف العام†ة عن†د األف†راد ال†يت ق†د تظ†ل معهم‬
‫ط††وال حي††اهتم‪ .‬ف††القيم الوطني††ة والفكري††ة ال††يت ي††ؤمن هبا اآلب††اء س††رعان م††ا مترر إىل األبن††اء عن طري††ق التنش††ئة‬
‫االجتماعي † ††ة‪ .‬وميكن التأك † ††د من ص † ††حة ه † ††ذه النظري † ††ة بفحص الس † ††لوك االنتخ † ††ايب لألب † ††اء واألبن † ††اء‪ .‬ففي‬
‫االنتخابات الربيطانية العامة غالبا ما يص†وت اآلب†اء واألبن†اء لنفس احلزب السياس†ي وذل†ك لتش†ابه أفك†ارهم‬
‫ومواقفهم السياسية بسبب الظروف املادية واالجتماعية والثقافية املتجانسة اليت مروا هبا(‪.)7‬‬

‫‪222‬‬
‫لكن األحزاب السياسية يف معظم الدول النامية تلعب ال†دور القي†ادي واحلس†اس يف عملي†ة التنش†ئة السياس†ية‬
‫ويف خل ††ق وتغي ††ري الثقاف ††ة السياس ††ية ال ††يت حتتاجه ††ا ه ††ذه ال ††دول‪ .‬ان معظم ال ††دول النامي ††ة كم ††ا ه ††و مع ††روف‬
‫متخلف ††ة يف نظمه ††ا السياس ††ية وأجهزهتا اإلداري ††ة والبريوقراطي ††ة‪ .‬لكن األح ††زاب السياس ††ية فيه ††ا تلعب ال ††دور‬
‫القي† ††ادي يف متش† ††ية األم† ††ور السياس† ††ية وغ† ††ري السياس† ††ية‪ .‬ف† ††األحزاب ليس† ††ت هي أدوات انتخابي† ††ة ص† ††رفة أو‬
‫منظم ††ات تتك ††ون من طوائ ††ف معين ††ة من الن ††اس تعتق ††د مبب ††ادئ وقيم وأه ††داف خمتلف ††ة ومتناقض ††ة‪ ،‬وامنا هي‬
‫(‬
‫منظمات سياسية تقوم بوظائف خمتلفة ومتشبعة‪ .‬فهي الوسيط بني الدولة واجلماهري وبني القاعدة والقي††ادة‬
‫‪ .)8‬وهي ال††يت تس††تطيع ف††رض إرادهتا على الدول††ة وت††دفعها إىل القي††ام بأعم††ال ختدم املص††لحة اجلماعي††ة ألبن††اء‬
‫اجملتم††ع وهي ال††يت تس††تطيع الت††دخل يف إعط††اء العم††ل والثقاف††ة والرتبي††ة والتعليم إىل اجلم††اهري(‪ .)9‬وأخ††ريًا تق††وم‬
‫مبراقبة وحماسبة الس†لطة السياس†ية عن†د خروجه†ا عن اخلط املرس†وم هلا من قب†ل اجلم†اهري‪ .‬إض†افة إىل توفريه†ا‬
‫املعلوم††ات ألبن††اء الش††عب وقيامه††ا بتحقي††ق التكام††ل بني اجلماع††ات املختلف††ة واق††رتاح ال††ربامج القومي††ة ذات‬
‫األبع†اد التنموي†ة والتجديدي†ة‪ .‬التنش†ئة السياس†ية اذن هي عملي†ة مس†تمرة ودائم†ة فهي ال تتوق†ف عن†د مرحل†ة‬
‫الطفول ††ة أو املدرس ††ة أو العم ††ل واإلنت ††اج‪ .‬فالتج ††ارب واخلربات السياس ††ية ال ††يت يكتس ††بها األف ††راد من خالل‬
‫احتك††اكهم وتف††اعلهم م††ع الدول††ة أو احلزب أو الس††لطة أو اجلماع††ة الض††اغطة‪ ،‬وإدراك األف††راد ل††دور رج††ال‬
‫السياسة والقوة واحلكم هي عوامل أساسية تسهم مسامهة فعالة يف حتقيق التنشئة السياسية ‪.‬‬

‫قنوات التنشئة السياسية‬

‫ال ميكن لعملي†ة التنش†ئة السياس†ية أن تتم بص†ورة حتمي†ة وتلقائي†ة أذ إهنا حتت†اج إىل جمموع†ة قن†وات أو ممرات‬
‫ميكن من خالهلا زرع وترس††يخ وتنمي††ة املف††اهيم واألفك††ار واملمارس††ات السياس††ية عن††د األف††راد واجلماع††ات‪،‬‬
‫وه ††ذه القن ††وات أو املم ††رات املس ††ؤولة عن إيص ††ال املعلوم ††ات واحلق† ††ائق واألفك ††ار السياس ††ية إىل املواط ††نني‬
‫وترس ††يخها يف نفوس ††هم‪ ،‬حبيث تص ††بح ج ††زءا من شخص ††ياهتم ونظ ††امهم الفك ††ري واملب ††دئي‪ ،‬هي باحلقيق ††ة‬
‫منظمات أو أجهزة ثقافية وتربوي†ة يف أس†اليبها ول†و إهنا ختتل†ف الواح†دة عن األخ†رى يف أغراض†ها وقوانينه†ا‬
‫ووظائفه††ا وتراكيبه††ا(‪ .)10‬ان قن††وات التنش††ئة السياس††ية بأنواعه††ا املختلف††ة ال تتحم††ل فق††ط مس††ؤولية التلقني‬
‫والتعليم والتثقي††ف والته††ذيب السياس††ي للمواط††نني ب††ل تتحم††ل أيض††ا مهم††ة ف††رز وتش††خيص األفك††ار والقيم‬
‫واملواق††ف واملمارس††ات السياس††ية املطل††وب نش††رها وتكريس††ها يف اجملتم††ع‪ ،‬إض††افة إىل مس††ؤوليتها عن جماهبة‬

‫‪223‬‬
‫التح ††ديات الفكري ††ة والعقائدي ††ة ال ††يت تواج ††ه أبن ††اء األم ††ة والتص ††دي آلثاره ††ا اهلدام ††ة واملخرب ††ة‪ .‬لكن قن ††وات‬
‫التنش ††ئة السياس ††ية ال ††يت تتجس ††د يف املؤسس ††ات اجملتمعي ††ة ذات األغ ††راض التأنيس ††ية والرتبوي ††ة والتثقيفي ††ة ميكن‬
‫تصنيفها إىل أربعة أقسام أساسية هي ‪:‬‬

‫املؤسسات الثقافية والرتبوية ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫وسائل اإلعالم اجلماهريية ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫العائلة ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫املنظمات املهنية والشعبية ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫وجيب علينا هنا شرح أث†ر ك†ل من ه†ذه املؤسس†ات الفكري†ة والرتبوي†ة يف عملي†ة التنش†ئة السياس†ية ال†يت تق†وم‬
‫هبا يف اجملتم††ع وال††يت تس††تهدف نش††ر وترس††يخ القيم واملمارس††ات السياس††ية اإلجيابي††ة عن††د املواط††نني ويف نفس‬
‫الوقت مواجهة التحديات العقائدية اليت يواجهها أبناء اجملتمع والتصدي آلثارها السلبية واهلدامة ‪.‬‬

‫المؤسسات الثقافية والتربوية‬ ‫‪)1‬‬

‫ميكن أن تلعب املؤسسات الثقافية والرتبوية كاملدارس واملعاهد والكلي†ات واجلامع†ات واملكتب†ات واملت†احف‬
‫ومراكز البحث العلمي الدور الكبري واملؤثر يف انشر األفكار والقيم الوطنية والقومية واإلنسانية بني الناشئة‬
‫وترسيخها يف نفوسهم وحثهم على االلتزام هبا والتص†رف مبوجبه†ا(‪ .)11‬ويف نفس ال†وقت تس†تطيع التص†دي‬
‫للتح††ديات العقائدي††ة والفكري††ة ال††يت تواج††ه ال††وطن الع††ريب يف ه††ذه الف††رتة من ال††زمن وتق††وم ه††ذه املؤسس††ات‬
‫بواجباهتا ومهامه††ا اخلط††رية واحلساس††ة من خالل االل††تزام بقوانينه††ا وأحكامه††ا‪ ،‬نظمه††ا وممارس††اهتا‪ ،‬مبادئه††ا‬
‫وفلس††فتها‪ ،‬وس††ائلها وغاياهتا‪ .‬فعن††دما تك††ون فلس††فة واس††رتاتيجية الرتبي††ة والتعليم مش††تقة من مب††ادئ وتع††اليم‬
‫النظ ††ام االجتم ††اعي ومت ††أثرة باألفك ††ار واملمارس ††ات القومي ††ة والتقدمي ††ة وال ††يت تتبناه ††ا األم ††ة ف ††إن املؤسس ††ات‬
‫الثقافي ††ة والرتبوي ††ة يف اجملتم ††ع على اختالف مس ††توياهتا ودرجاهتا س ††تكون أدوات فعال ††ة وم ††ؤثرة يف إرس ††اء‬
‫دع ††ائم عملي ††ة التنش ††ئة السياس ††ية يف اجملتم ††ع ال ††يت تض ††من زرع ونش ††ر األفك ††ار والقيم املطلوب ††ة بني الناش ††ئة‬
‫والش ††باب وإش ††عاع الفك ††ر الق ††ومي واالش ††رتاكي يف ك ††ل مك ††ان والتص ††دي لألفك ††ار املض ††ادة على اختالف‬
‫أمناطها ومصادرها ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫إن فلسفة الرتبية والتعليم اليت تعتمد األصول الرتاثية واألخالقية لالم†ة العربي†ة وتتب†ىن املمارس†ات االش†رتاكية‬
‫واإلنس ††انية وتنتهج الط ††رق العلمي ††ة املنهجي ††ة يف كش ††فها للحق ††ائق وبنائه ††ا للفرض ††يات والنظري ††ات والق ††وانني‬
‫الكوني † ††ة الش † ††مولية املتعلق † ††ة باالختصاص † ††ات النظري † ††ة والتطبيقي † ††ة هي فلس † ††فة تتن † ††اقض م † ††ع ش † ††ىت األفك † ††ار‬
‫والطروحات اليت تلتزمها وتتبناها اجلهات واألوساط املعادي†ة لألم†ة العربي†ة(‪ .)12‬ف†املثقف الع†ريب ال†ذي حيم†ل‬
‫العلم واملعرف††ة املس††تندة على أس††س وأص ††ول قومي††ة وإنس††انية وتقدمي††ة ال ميكن أن يت††أثر باألفك††ار واملواق††ف‬
‫والقيم اإلمربيالية والصهيونية والرجعية أو ينح†از حنو املب†ادئ الش†عوبية والفوض†وية‪ .‬الن مجي†ع ه†ذه األفك†ار‬
‫واملب†ادئ الغريب†ة عن الواق†ع وال†رتاث الع††ريب تتن†اقض ك†ل التن†اقض م††ع اخللفي†ة الثقافي†ة والعلمي†ة ال†يت تیل†ورت‬
‫عن††د املثق††ف الع††ريب نتيج††ة دراس††ته وتفاعل††ه م††ع املؤسس††ات الثقافي††ة العربي††ة ذات الفلس††فة والفص††ول القومي††ة‬
‫والرتاثي†ة واإلنس†انية(‪ .)13‬من هن†ا يت†بني لن†ا ض†رورة رس†م وحتدي†د اس†رتاتيجية واض†حة وفلس†فة عميق†ة للرتبي†ة‬
‫والتعليم تعتم ††د عليه ††ا املؤسس ††ات‪ .‬وق ††د ب ††ادرت فعال القي ††ادة السياس ††ية يف الع ††راق بتحدي ††د اس ††رتاتيجيات‬
‫وفلسفات التعليم األساسي والتعليم العايل وبقية املؤسسات الثقافية والبحثية‪.‬‬

‫وجبانب تش ††خيص وبل ††ورة وتعزي ††ز اس ††رتاتيجية الرتبي ††ة والتعليم ال ††يت تكف ††ل نش ††ر ال ††وعي السياس ††ي وترس ††يخ‬
‫األفك††ار القومي††ة والرتاثي††ة والتقدمي††ة يف قطاع††ات اجملتم††ع كاف††ة وجلم التج††اوزات الفكري††ة املش††بوهة واملعادي††ة‬
‫فان املؤسسات الثقافي†ة والرتبوي†ة ينبغي ختطي†ط وتنظيم مواض†يعها ومناهجه†ا ومفرداهتا وكتبه†ا املق†ررة وف†ق‬
‫ص ††يغة تض ††من اكتس ††اب الط ††الب أو املثق ††ف أو املختص املعلوم ††ات واحلق ††ائق ال ††يت تتن ††اقض م ††ع االدع ††اءات‬
‫واملزاعم والفروض املبدئي†ة والس†لوكية ال†يت تعتم†دها األوس†اط املعادي†ة يف حمارب†ة القومي†ة العربي†ة‪ .‬كم†ا جيب‬
‫أن تك ††ون املواض ††يع واملن ††اهج واملف ††ردات والكتب املتعلق ††ة ب ††اجلوانب النظري ††ة والتطبيقي ††ة ومنبثق ††ة من واق ††ع‬
‫اجملتم††ع واحتياجات††ه‪ ،‬وختدم تط††وير وتنمي††ة اجلوانب النوعي††ة لإلنس††ان واجملتم††ع(‪ .)14‬إض††افة إىل ض††رورة كوهنا‬
‫متطورة ومنسجمة مع طبيعة العلم احلديث وروح العص†ر‪ ،‬فاملواض†يع ال†يت يدرس†ها الطلب†ة ابت†داء من مرحل†ة‬
‫الدراس ††ة االبتدائي ††ة وم ††رورا مبرحل ††ة الدراس ††ة الثانوي ††ة وانته ††اء باملرحل ††ة اجلامعي ††ة ينبغي أن تك ††ون مواض ††يع ال‬
‫تنمي وتوس†ع الق†درات وامللك†ات والقابلي†ات العلمي†ة واألدبي†ة والفني†ة عن†د الطلب†ة فق†د ب†ل جيب أن ت†زودهم‬
‫بالثقاف ††ة السياس ††ية والقومي ††ة وتط ††ور عن ††دهم الس ††مات األخالقي ††ة واالجتماعي ††ة الفاض ††لة ال ††يت يثمنه ††ا اجملتم ††ع‬
‫ويؤي ††دها ال ††رتاث‪ .‬وهن ††ا يك ††ون الط ††الب ق ††د ت ††زود باملعلوم ††ات واحلق ††ائق العلمي ††ة ويف نفس ال ††وقت اكتس ††ب‬

‫‪225‬‬
‫الثقافة السياسية الثورية اليت جتعله يرفض الثقافات واألفكار الربجوازية والرجعية والشعوبية والعنص††رية ال††يت‬
‫تتحدى جمتمعه وتتآمر على إض†عافه وبعثرت†ه وتش†تيت م†وارده الطبيعي†ة والبش†رية‪ .‬فالش†اب يف مجي†ع املراح†ل‬
‫الدراس ††ية جيب أن ي ††درس املواض ††يع العلمي ††ة والفني ††ة ويلم ب ††أهم العل ††وم االجتماعي ††ة والسياس ††ية ال ††يت توس ††ع‬
‫مدارك ††ه الذهني ††ة وتنمي عن ††ده القابلي ††ات التفكريي ††ة واإلبداعي ††ة‪ ،‬ومن املواض ††يع االجتماعي ††ة والسياس ††ية ال ††يت‬
‫ينبغي على الط ††الب دراس ††تها من ††ذ مرحل ††ة الدراس ††ة املتوس ††طة فص ††اعدا الثقاف ††ة القومي ††ة والوطني ††ة‪ ،‬االقتص ††اد‪،‬‬
‫العلوم السياسية‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬علم النفس‪ ،‬الرتبية الدينية واألخالقية والوطنية‪ ،‬الفلسفة‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫وجيب أن ال حتدد املواضيع الدراس†ية للطلب†ة فق†ط ب†ل جيب أن حتدد مفرداهتا ومناهجه†ا النظري†ة والتطبيقي†ة‪،‬‬
‫فاملفردات واملناهج جيب أن تدور حول ت†اریخ وظ†روف ومش†كالت الواق†ع الع†ريب وم†ا يتض†منه ه†ذا الواق†ع‬
‫من تناقض††ات وإجيابي††ات‪ .‬وأن تتعل††ق بتش††خيص األخط††ار الداخلي††ة واخلارجي††ة ال††يت هتدد كي††ان األم††ة العربي††ة‬
‫وان تتضمن األبعاد القومية واالشرتاكية واإلنسانية اليت جتسد ت†راث وأجماد األم†ة وت†دفع اجلي†ل الناش†ئ على‬
‫املش ††اركة الفعال ††ة واجلادة يف إع ††ادة بن ††اء ص ††رح األم ††ة العربي ††ة ودف ††ع عملي ††ات التح ††ول احلض ††اري والتق ††دم‬
‫االجتماعي إىل أمام‪ .‬وينبغي أن ترد املناهج واملف†ردات الدراس†ية على ال†دعايات املض†للة واألك†اذيب امللفق†ة‬
‫اليت تروجها األوساط املعادية واحلاقدة يف كتبها ومناهجها الدراسية ضد األمة العربية وتراثها اجملي†د‪ ،‬وال†رد‬
‫يك††ون هن††ا من خالل االستش††هاد باألدل††ة املادي††ة واملنطقي††ة ال††يت ت††دينها وتع††ري أكاذيبه††ا وافرتاءاهتا وتكش††ف‬
‫أساليب تزويره†ا للحق†ائق واملعلوم†ات ‪ .‬ويف نفس ال†وقت يوض†ح احلق†ائق الناص†عة عن ماض†ي األم†ة العربي†ة‬
‫وحاض ††رها ومس ††ريهتا حنو البن ††اء والتق ††دم النه ††وض‪ .‬الس ††يطرة على املواض ††يع واملف ††ردات واملن ††اهج والكتب‬
‫الدراس††ية وجعله††ا اك††ثر موض††وعية وعلمي††ة وانس††جاما م††ع أه††داف األم††ة العربي††ة هي عملي††ة غ††ري كافي††ة حبد‬
‫ذاهتا اذا مل تص††احبها عملي††ة مماثل††ة تتعل††ق بطبيع††ة ونوعي††ة ومس††توى املدرس††ني واألس††اتذة‪ .‬ونوعي††ة ومس††توى‬
‫املدرس††ني واألس††اتذة يعتم††د على م††ؤهالهتم العلمي††ة وخ††رباهتم الوظيفي††ة وتتبعهم الدراس††ي والعلمي ويعتم††د‬
‫أيضا على أفكارهم ومبادئهم وقيمهم السياسية واالجتماعية‪ .‬لذا ينبغي على السلطات العلمية والرتبوية يف‬
‫القط† ††ر اختي† ††ار املدرس† ††ني واألس ††اتذة من األش ††خاص ال† ††ذين حيمل† ††ون املؤهالت العلمي† ††ة واخلربات الوظيفي ††ة‬
‫ويهتم ††ون اهتمام †ًا كب ††ريًا ب ††التتبع الدراس ††ي والتحص ††يل العلمي‪ ،‬ويتم ††يزون بالنزاه ††ة والكرام ††ة واإلخالص يف‬
‫أداء العم ††ل وحيمل ††ون األفك ††ار الوطني ††ة والقومي ††ة واإلنس ††انية ال ††يت من ش ††أهنا أن تق ††ود إىل تط ††وير اإلنس ††ان‬

‫‪226‬‬
‫واجملتمع حنو األحسن واألفضل‪ .‬أما بالنسبة لطبيعة حماض††رات املدرس††ني اواألس††اتذة فإهنا جيب أن ال تقتص††ر‬
‫على اجلوانب العلمي ††ة والفني ††ة واملنهجي ††ة فق ††ط ب ††ل جيب أن تتط ††رق إىل القض ††ايا القومي ††ة واملص ††ريية ال ††يت هتم‬
‫مص ††احل وأم ††اين األم ††ة العربي ††ة وان ترتب ††ط ب ††اجلوانب املادي ††ة واحلض ††ارية املتعلق ††ة ب ††اجملتمع ومش ††كالته األتي ††ة‬
‫واملس † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††تقبلية(‪.)15‬‬
‫وعلى صعيد التعليم العايل ينبغي على األقسام الدراسية والكليات واجلامعات باالتفاق مع املنظم††ات املهني††ة‬
‫والش††عبية كاالحتاد الوط ††ين لطلب††ة الع ††راق واالحتاد الع ††ام لش††باب الع ††راق واالحتاد الع ††ام لنس††اء الع ††راق‪ ..‬اخل‪.‬‬
‫إقام††ة الن†دوات واحللق††ات الدراس†ية العلمي†ة منه††ا والثقافي†ة‪ .‬وميكن مش†اركة األس†اتذة والطلب†ة واملتخصص††ني‬
‫واخلرباء العرب واألجانب يف هذه الن†دوات واحللق†ات الدراس†ية‪ .‬أم†ا مواض†يع الن†دوات واحللق†ات الدراس†ية‬
‫فيجب أن تتناول األمور واملشكالت والتحديات السياسية واحلضارية واالقتصادية اليت تواجه األمة‪ .‬فكلي†ة‬
‫اآلداب من خالل قس† ††می علم االجتم† ††اع وعلم النفس تس† ††تطيع مثال إقام† ††ة حلق† ††ة دراس† ††ية عن األس† ††اليب‬
‫واملمارسات العنصرية الشوفينية للصهيونية أو إقامة ن†دوة علمي†ة عن اإلج†راءات االجتماعي†ة والنفس†ية ال†يت‬
‫ميكن اختاذه††ا لتخفي††ف الف††وارق الطبقي††ة بني األف††راد من اج††ل حتقي††ق اجملتم††ع الع††ريب االش††رتاكي املوح††د‪ ،‬أو‬
‫تستطيع كلية القانون والسياسة إقامة حلقة دراسية عن طبيعة الرتابط املص††لحي بني اإلمربيالي†ة والص†هيونية‪.‬‬
‫أو تس††تطيع كلي††ة اإلدارة واالقتص††اد إقام††ة حلق††ة دراس††ية عن املش††كالت االقتص††ادية ال††يت تواج††ه دول الع††امل‬
‫الث ††الث وكيفي ††ة عالجه ††ا أو تس ††تطيع كلي ††ة الرتبي ††ة عن طري ††ق قس ††م الت ††اريخ إقام ††ة ن ††دوة علمي ††ة عن اجلذور‬
‫التارخيية للحركة الفارسية الشعوبية العنصرية يف الوطن العريب ‪.‬‬

‫أن مث ††ل ه ††ذه الن ††دوات واحللق ††ات الدراس ††ية العلمي ††ة تزي ††د كمي ††ة املعلوم ††ات ال ††يت حيمله ††ا املش ††اركون عن‬
‫مواض ††يعها وتعطيهم اجملال بتب ††ادل املعلوم ††ات واخلرب والتج ††ارب‪ .‬وأخ ††ريا خترج الن ††دوة أو احللق ††ة الدراس ††ية‬
‫بنت††ائج ومقرتح††ات وتوص ††يات ميكن االس††تفادة منه ††ا يف ختطي††ط وتنمي††ة اجملتم††ع يف ش††ىت اجملاالت واحلق ††ول‪.‬‬
‫وجبانب الن†دوات واحللق††ات الدراس†ية هن†اك احملاض††رات العام††ة ال†يت يلقيه††ا األس†اتذة واملختص††ون على الطلب†ة‬
‫وأبن † ††اء الش † ††عب الراغ † ††بني باكتس † ††اب العلم واملعرف † ††ة ‪.‬ومواض † ††يع احملاض † ††رات العام † ††ة ق † ††د تتعل † ††ق بالقض † ††ايا‬
‫واملشكالت اليت يواجهها اجملتمع وبالرد على األك††اذيب ال†يت تروجه††ا اجله††ات احلاق†دة والعميل†ة واملش†بوهة‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫وفائ††دة ه††ذه احملاض††رات وم††ا ي††دور فيه††ا من مناقش††ات واستفس††ارات وتس††اؤالت تك††ون كب††رية وم††ؤثرة يف‬
‫مستوياهتم الثقافية والعلمية ويف آرائهم ومواقفهم واجتاهاهتم الفكرية والسياسية ‪.‬‬

‫وسائل اإلعالم الجماهيرية‬ ‫‪)2‬‬

‫يتأثر الرأي العام يف اجملتمع العصري احلديث بصورة مباشرة أو غري مباشرة بوسائل اإلعالم اجلماهريية ال††يت‬
‫تس † † ††يطر عليه † † ††ا أجه † † ††زة ومنظم † † ††ات الدول † † ††ة ك † † ††التلفزيون والرادي † † ††و واجلرائ † † ††د واجملالت والكتب واألفالم‬
‫والتمثيلي††ات ال††يت تع††رض من شاش††ات دور الس††ينما واملس††ارح‪ ،‬ووس††ائل اإلعالم اجلماهريي††ة تس††تطيع خالل‬
‫فرتة األمد البعيد املشاركة يف تغي†ري اآلراء واملواق†ف واملي†ول واالجتاه†ات االجتماعي†ة والسياس†ية ال†يت حيمله†ا‬
‫أبن ††اء اجملتم ††ع جتاه القض ††ايا واألم ††ور االقتص ††ادية واالجتماعي ††ة واالديولوجي ††ة ال ††يت هتمهم ش ††ريطة قي ††ام ه ††ذه‬
‫الوسائل بتكييف عروضها ومناهجها وفعالياهتا األدبية والفنية مع حاج†ات وطموح†ات اجلم†اهري‪ ،‬وش†ريطة‬
‫(‬
‫انسجام العروض واملن†اهج والفعالي†ات م†ع أفك†ار وممارس†ات وأه†داف املؤسس†ات البنيوي†ة للمجتم†ع الكب†ري‬
‫‪.)16‬‬

‫ووسائل اإلعالم اجلماهريية ال يكون مبقدورها فقط تغي†ري اآلراء واملواق†ف واملي†ول واالجتاه††ات ب†ل تس†تطيع‬
‫أيضًا دفع املواطنني بكاف†ة خلفي†اهتم االجتماعي†ة واملهني†ة على االعتق†اد ب†أراء ومواق†ف ومث†ل ج†ديرة تنس†جم‬
‫مع الواقع االجتماعي والسياسي(‪ .)17‬ويف نفس الوقت تستطيع الرد على التحديات واالستفزازات الفكري†ة‬
‫والقيمي ††ة ال ††يت تق ††وم هبا األوس ††اط احلاق ††دة واملوت ††ورة حيث تفن ††دها وت ††دحض أكاذيبه ††ا وافرتاءاهتا وجتم ††د‬
‫مؤامراهتا وخططها العدوانية والالإنسانية‪ .‬وتس†تطيع وس†ائل اإلعالم تب†ديل أفك†ار وقيم املواط††نني من أفك†ار‬
‫وقيم فردية ضيقة ومتخلف†ة إىل أفك†ار وقيم مجاعي†ة وقومي†ة متح†ررة اذا نس†قت أعماهلا وجهوده†ا ووح†دت‬
‫خططها وأساليبها وغاياهتا‪ ،‬كما تستطيع نشر وترسيخ القيم واملمارس†ات القومي†ة واالش†رتاكية كالش†جاعة‬
‫والتضحية يف سبيل اآلخرين ونكران الذات وحتمل املس†ؤولية واالع†تزاز مباض†ي وت†راث األم†ة العربي†ة اجملي†دة‬
‫وحب العمل اجلماعي والتعاون مع اآلخرين والتواضع والصدق واإلخالص يف العمل ‪.‬‬

‫إن قيم االس ††تعمار وأفك ††اره ومعتقدات ††ه تنتش ††ر بواس ††طة وس ††ائله اإلعالمي ††ة اجلماهريي ††ة ك ††التلفزيون والرادي ††و‬
‫والس††ينما واإلعالن‪ .‬وه††ذه القيم واألفك††ار واملعتق††دات موجه††ة أص††ال إىل دول الع††امل الث††الث بص††ورة عام††ة‬

‫‪228‬‬
‫وال ††وطن الع ††ريب بص ††ورة خاص ††ة‪ ،‬وان حماول ††ة تنظيم الض ††غوط الثقافي ††ة واإلعالمي ††ة العدواني ††ة املباش ††رة وغ ††ري‬
‫املباش ††رة م ††ا ت ††زال مس ††تمرة لفض ††ل وس ††ائل الت ††أثري يف ال ††رأي‪ .‬وفيم ††ا ع ††دا بعض األقط ††ار ال ††يت ختلص ††ت من‬
‫االس ††تعمار وال ††يت متل ††ك بعض ††ا من وس ††ائل اإلعالم ف ††إن رؤى االس ††تعمار وش ††رائعه يف اخلري واجلم ††ال وقيم ††ة‬
‫املض††ادة ت††نزل إىل الش††ارع يف بعض أقط††ار ال††وطن الع††ريب وتس††هم يف تفكي††ك الع††ادات والتقالي††د وهن††اك م††ع‬
‫ش ††ديد األس ††ف القطيع ††ة اجلذري ††ة م ††ع املاض ††ي ل ††دى الكث ††ري من املثقفني يف ال ††وطن الع ††ريب ال ††ذين وص ††لت هبم‬
‫الدعوة إىل حماربة كل م†ا ه†و وط†ين وق†ومي والوق†وف ض†د الت†اريخ وال†رتاث والتكلم بلغ†ة املس†تعمرين‪ .‬ومما‬
‫يزي††د يف ه††ذه املش††كلة تعقي††دا س††يطرة الغ††رب االقتص††ادية والتقني††ة والثقافي††ة على بعض أقط††ار ال††وطن الع††ريب‪.‬‬
‫وه††ذا الواق††ع املري††ر يفس††ر قي††ام الث††ورات العربي††ة التحرري††ة يف بعض أقط††ار ال††وطن الع††ريب‪ ،‬ه††ذه الث††ورات ال††يت‬
‫تس††تهدف فيم††ا تس††تهدف تأكي††د ال††ذات من جدي††د وإع††ادة خل††ق وبن††اء الشخص††ية واس††تعادة اهلوي††ة القومي††ة‪،‬‬
‫بي ††د أن الت ††أثري االس ††تعماري يبقى عميق† ††ا ويس ††تمر تقلي ††د املس ††تعمر وخاص† ††ة يف املي ††دان الثق† ††ايف ح ††ىت بع ††د‬
‫االس††تقالل‪ .‬كم††ا أن االس††تعمار الغ ††ريب والش††رقي يكبح ك††ل اجله††ود ال††يت تب††ذهلا ال††دول املتح††ررة الس††تعادة‬
‫هويتها الثقافية اخلالصة وبعث تراثها وأجمادها وقيمها احلضارية والقومية ‪.‬‬

‫هلذا جيب مواجه ††ة التح ††ديات الفكري ††ة االس ††تعمارية مواجه ††ة حقيقي ††ة ويف مجي ††ع املي ††ادين خصوص ††ا مي ††ادين‬
‫الثقاف† ††ة واإلعالم‪ .‬يش† ††ري التقري† ††ر السياس† ††ي الص† ††ادر عن املؤمتر القط† ††ري لق† ††د آن األوان ألن يك† ††ون للث† ††ورة‬
‫إعالمها وثقافتها املعربان عنها تعبري دقيقة وصادقة وخالقة وملهمة للجماهري وللطالئع املثقفة ال يف الع††راق‬
‫فحسب وإمنا يف الوطن العريب ‪.‬‬

‫واذا أرادت وس††ائل الثقاف††ة واإلعالم نش††ر وترس††يخ املب††ادئ والقيم واالجتاه††ات الفكري††ة والسياس††ية اإلجيابي††ة‬
‫عن†د األف†راد واجلماع††ات ومواجه††ة الدعاي†ة املض††ادة ال†يت تق††وم هبا اجله††ات االس†تعمارية والرجعي†ة والش†عوبية‬
‫فإهنا جيب تتبىن املهام التالية‪:‬‬

‫تنمي†ة وتط†وير اجلوانب الفكري†ة والرتبوي†ة واألخالقي†ة واإلنس†انية عن†د الف†رد وذل†ك ملا يتمت†ع ب†ه من‬ ‫‪.1‬‬
‫أمهية بالغة يف تكوين اجملتمع ورسم صفاته األساسية‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫تنمي ††ة الع ††ادات والتقالي ††د والقيم العربي ††ة األص ††يلة كالش ††جاعة واإليث ††ار وحتم ††ل املس ††ؤولية والتواض ††ع‬ ‫‪.2‬‬
‫واإلخالص يف العمل وحماربة العادات والتقاليد والقيم االجتماعية السلبية الضارة كاألناني††ة وحب‬
‫الذات‪ ،‬الطائفية واالقليمية‪ ،‬التحيز والتعصب جبمي†ع أش†كاله وص††وره‪ ،‬ض††عف الش†عور باملس†ؤولية‪،‬‬
‫والسلبية جتاه العمل االجتماعي ‪.‬‬
‫ترك † ††يز وس † ††ائل اإلعالم على حمارب † ††ة أس † ††باب الطبقي † ††ة والتم † ††ايز االجتم † ††اعي وتنمي † ††ة املمارس † ††ات‬ ‫‪.3‬‬
‫الدميقراطي ††ة يف اجملتم ††ع كنش ††ر ودعم الدميقراطي ††ة الش ††عبية ال ††يت تص ††ون حري ††ة العم ††ل النق ††ايب وامله ††ين‬
‫وحرية انتخاب اجملالس الوطنية والتشريعية والشعبية وحرية املرأة ‪.‬‬
‫قي ††ام وس ††ائل الثقاف ††ة واإلعالم بالتأكي ††د على أمهي ††ة ال ††ذات الوطني ††ة وإع ††ادة خل ††ق وبن ††اء الشخص ††ية‬ ‫‪.4‬‬
‫واس††تعادة اهلوي††ة القومي††ة وإع††ادة الثق††ة ب††النفس وع††دم االعتم††اد على األجن††يب يف متش††ية أم††ور الدول††ة‬
‫واجملتمع وتطوير أجهزهتا الفنية ومؤسساهتا الدنيوية ‪.‬‬
‫العائلة‬ ‫‪)3‬‬

‫تعت ††رب العائل ††ة من القن ††وات املهم ††ة واألساس ††ية للتوج ††ه الفك ††ري والعقائ ††دي ألبن ††اء اجملتم ††ع‪ ،‬وأمهيته ††ا الرتبوي ††ة‬
‫واالجتماعي † ††ة واخللقي † ††ة واألديولوجي † ††ة ال تق † ††ل عن أمهي † ††ة املؤسس † ††ات الثقافي † ††ة والرتبوي † ††ة ووس † ††ائل اإلعالم‬
‫اجلماهريية‪ .‬العائلة هي من أوىل املؤسسات البنيوية اليت ت†ؤثر يف أفك†ار ومواق†ف وس†لوكية وأخالقي†ة الف†رد‪.‬‬
‫فهي هتتم بتنشئة الطفل تنشئة أخالقية واجتماعية ووطنية اذ تزرع عنده منذ البداية اخلصائل األخالقية ال††يت‬
‫يقره†ا اجملتم†ع ويع†رتف هبا وتص†ب يف عروق†ه النظ†ام القيمي وال†ديين للمجتم†ع وتوج†ه س†لوكه وتص†رفاته يف‬
‫خ††ط معني يتماش††ى م††ع مث††ل ومق††اييس اجملتم††ع‪ .‬كم††ا اهنا تنمي مهارات††ه وخ††ربه وجتارب††ه وتدرب††ه على اش††غال‬
‫أدواره االجتماعي † ††ة وأداء مهامه † ††ا التزاماهتا بص † ††ورة متقن † ††ة وجي † ††دة(‪ .)20‬وهي تش † ††بع حاجات † ††ه العاطفي † ††ة‬
‫واالنفعالي††ة وتنظم عالقات††ه الداخلي††ة م††ع بقي††ة أف††راد األس††رة وحتاف††ظ علي††ه من األخط††ار اخلارجي††ة ال††يت تدامهه‪.‬‬
‫إض † ††افة إىل وظ † ††ائف العائل† ††ة املتعلق † ††ة باحلف † ††اظ على كمي† ††ة الس† ††كان وزيادهتا من خالل الزجيات ال† ††يت تنتج‬
‫بتكوين العوائل اجلديدة ‪.‬‬

‫هلذه الوظ††ائف اخلط††رية واحلساس††ة ال††يت تق††دمها العائل††ة للمجتم††ع ن††ری ب††ان السياس††ي (‪ )Politician‬يهتم‬
‫هبا ويرعاها ويق†دم هلا ش†ىت أن†واع اخلدمات واإلعان†ات ال†يت تكف†ل تطويره†ا ومنوه†ا ورف†ع نوعيته†ا‪ .‬من هن†ا‬

‫‪230‬‬
‫ت††ربز حقيق††ة اهتم††ام الدول††ة بالعائل††ة وت††ربز أمهي†ة أجه††زة ومؤسس††ات الدول††ة املختلف††ة ك††األجهزة واملؤسس††ات‬
‫االقتص ††ادية والثقافي ††ة الرتبوي ††ة والديني ††ة والص ††حية والس ††كنية واالجتماعي ††ة والرتفيهي ††ة يف مقابل ††ة احلاج ††ات‬
‫واملتطلب††ات املتفرع††ة للعائل††ة املعاص††رة(‪ .)21‬ان الغاي††ة من اخلدمات والواجب††ات الكث††رية واملتش††عبة ال††يت تق††دمها‬
‫الدوائر العائالت اجملتمع على اختالف احنداراهتا االجتماعية واملهنية تكمن يف مساعدة وإعانة ه††ذه العوائ††ل‬
‫على القيام مبهامها والتزاماهتا جتاه أبنائها وبالت†ايل ارتف†اع نوعيته†ا ومق†درهتا على بل†وغ الرفاهي†ة األجتماعي†ة‬
‫واحلضارية وحتقيق السيادة والطمأنينة ألبنائها ‪.‬‬

‫واذا ك † ††انت الع† † ††ائالت يف اجملتم † ††ع تتمت † ††ع مبس † ††تويات اقتص† † ††ادية واجتماعي † ††ة وثقافي † ††ة رفيع† † ††ة ف † ††ان وعيه † ††ا‬
‫األي†ديولوجي والسياس†ي ودرج†ة مس†ؤوليتها والتزاماهتا جتاه الدول†ة واجملتم†ع تك†ون ناض†جة ومتط†ورة‪ .‬وهن†ا‬
‫ال ميكن للق† ††وى والتي† ††ارات الفكري† ††ة املض† ††ادة كاإلمربيالي† ††ة والص† ††هيونية والش† ††عوبية أن تنف† ††ذ وتبث مسومها‬
‫وأحقاده††ا بني اجلم††اهري‪ ،‬ينم††ا اذا ك††انت ع††ائالت اجملتم††ع متخلف††ة اقتص††اديا واجتماعي††ا وثقافي††ا ف††ان وعيه††ا‬
‫األي ††ديولوجي والسياس ††ي يك ††ون مبع ††ثرا ومس ††توى مس ††ؤوليتها والتزاماهتا جتاه الدول ††ة واجملتم ††ع يك ††ون واطن ††ا‬
‫وض††حال‪ .‬وهن††ا تس††تطيع الق††وى والتي††ارات الفكري††ة املض††ادة االنتش††ار بس††هولة بني اجلم††اهري والس††يطرة على‬
‫أفكاره†ا ومواقفه†ا وبع†ثرة ص†فوفها ودفعه†ا على الوق†وف ض†د أمانيه†ا ومص†احلها وأه†دافها القريب†ة والبعي†دة‬
‫األم ††د‪ .‬من هن ††ا تتجس ††د أمهي ††ة العم ††ل اجلاد واملخلص على حتري ††ر الع ††ائالت من الفق ††ر واحلرم ††ان االقتص ††ادي‬
‫واملضي قدما حنو رفع مستوياهتا املادي†ة واملعاش†ية بتوف†ري العم†ل ألبنائه†ا وزي†ادة أج†ورهم ومرتب†اهتم الش†هرية‬
‫وهتيئة املستلزمات املادية للعيش الكرمي‪ .‬كما ينبغي تطوير املستويات االجتماعية للعائالت كتق††دمي الوص††ايا‬
‫واإلرشادات هلا حول األساليب الناجح†ة واملتط†ورة للتنش†ئة االجتماعي†ة وتق†دمي خ†دمات التقاع†د والض†مان‬
‫االجتم† ††اعي ال† ††يت تض† ††منها ض† ††د البطال† ††ة واملرض واهلرم واملوت‪ .‬إض† ††افة إىل تق† ††دميها اخلدمات االجتماعي† ††ة‬
‫األخرى كخ†دمات اإلرش†اد االجتم†اعي وخ†دمات األموم†ة والطفول†ة وخ†دمات مكافح†ة اجلن†وح واجلرمية‪.‬‬
‫وينبغي أيض††ا ختفي††ف الف††وارق الطبقي††ة االجتماعي††ة‪ ،‬حمارب††ة األم††راض االجتماعي††ة املوروث††ة كالعص††بية القبلي††ة‪،‬‬
‫االقليمي ††ة‪ ،‬الطائفي ††ة‪ ،‬الع ††ادات والتقالي ††د املتخلف ††ة‪ ..‬اخل‪ .‬أم ††ا اخلدمات الثقافي ††ة والرتبوي ††ة ال ††يت ميكن تق ††دميها‬
‫لع††ائالت اجملتم††ع فتاخ††ذ ع††دة ص††ور أمهه††ا فتح مراك††ز حمو األمي††ة واملدارس الش††عبية واملدارس النظامي††ة على‬
‫اختالف أنواعه ††ا ودرجاهتا‪ ،‬املعاه ††د والكلي ††ات واجلامع ††ات‪ .‬وش ††ن احلمالت اإلعالمي ††ة املكثف ††ة ال ††يت حتث‬

‫‪231‬‬
‫عائالت اجملتمع على إرسال أبنائها اليها الكتساب الثقافة والرتبي††ة والتعليم ومتابع††ة الدراس††ة والتخص††ص يف‬
‫احلق ††ول العلمي ††ة املختلف ††ة ال ††يت متكن أبن ††اء العوائ ††ل من اش ††غال املهن اإلداري ††ة والفني ††ة احلساس ††ة ال ††يت حيتاجه ††ا‬
‫اجملتمع العصري املتطور‪.‬‬

‫أن مثل هذه اخلدمات االقتصادية واالجتماعية والثقافية اليت تقدمها الدول اجملموع عائالت اجملتمع البد أن‬
‫تطوره ††ا وترف ††ع مس ††توياهتا وتق ††ود إىل رفاهيته ††ا وس ††عادهتا‪ ،‬وهن ††ا تلقن الع ††ائالت من خالل وس ††ائل اإلعالم‬
‫اجلماهريية‪ ،‬دوائر التوجيه السياسي‪ ،‬التنظيم احلزيب واملؤسسات الثقافية والرتبوية باألفك††ار والقيم السياس††ية‬
‫املطلوب††ة ال††يت ت††دفعها على العم††ل من اج††ل حتقي††ق األه††داف الك††ربى لالم††ة العربي††ة ويف نفس ال††وقت رفض‬
‫مجي††ع األفك††ار املمارس††ات الرجعي††ة والش††عوبية والفوض††وية والتص††دي هلا وحماربته††ا يف ك††ل مك††ان‪ .‬وحال††ة‬
‫كهذه البد من أن جتعل أعداء األمة العربية خيفقون يف حتقي†ق أه†دافهم الش†ريرة ومتري†ر م†ؤامراهتم اخلبيث†ة اال‬
‫وهي متزي††ق وبع††ثرة األم††ة العربي††ة هنب خرياهتا وس††لب حقوقه††ا املش††روعة وجعله††ا تابع††ة لق††وى االس††تغالل‬
‫والشر والعدوان ‪.‬‬

‫المنظمات المهنية والشعبية‬ ‫‪)4‬‬

‫تس ††اهم املنظم ††ات املهني ††ة والش ††عبية من خالل نش ††اطاهتا وأعماهلا الثقافي ††ة والرتبوي ††ة ب ††دور كب ††ري يف التوجي ††ه‬
‫الفكري والعقائدي ألبناء اجملتمع الذين ينتمون إليه††ا‪ .‬واملنظم†ات املهني†ة والش†عبية يف الع††راق كاالحتاد الع††ام‬
‫لشباب العراق‪ ،‬واالحتاد الوطين لطلبة الع†راق‪ ،‬واالحتاد الع†ام لنقاب†ات العم†ال‪ ،‬واالحتاد الع†ام النس†اء الع†راق‬
‫وبقي ††ة النقاب ††ات املهني ††ة األخ ††رى تق ††وم ب ††أداء ع ††دة مهم ††ات وواجب ††ات األعض ††ائها وللمجتم ††ع الكب ††ري ميكن‬
‫تلخيصها بالنقاط التالية‪:‬‬

‫الدفاع عن احلقوق واالمتيازات املهنية واالجتماعية واملادية ألعضائها‪.‬‬ ‫ا‪.‬‬


‫تقدمي األنشطة الرتوحيية والرتفيهية على اختالف أنواعها لألعضاء ‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫تق ††دمي تس††هيالت الض ††مان االجتم††اعي والص ††حي واالقتص ††ادي لألعض ††اء وقت تعرض ††هم لألزم ††ات‬ ‫ج‪.‬‬
‫والكوارث واملشكالت احلياتية ‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫تط† ††وير اجلوانب الفكري† ††ة والثقافي† ††ة والرتبوي† ††ة عن† ††د األعض† ††اء من خالل االجتماع† ††ات األس† ††بوعية‬ ‫د‪.‬‬
‫واملؤمترات والن††دوات واحللق††ات الدراس††ية وااليف††ادات واجملالت العلمي††ة واملطبوع††ات والكراس††ات‬
‫اليت توزعها على األعضاء بني فرتة وأخرى‪.‬‬
‫الدفاع عن الدولة ضد األخطار والتحديات اليت قد هتددها يف الداخل أو اخلارج‪.‬‬ ‫ه‪.‬‬
‫احملافظة على منجزات الدولة والعمل على تعميقها وترسيخها يف عقول اجلماهري‪.‬‬ ‫و‪.‬‬

‫أما طبيعة الواجبات التثقيفية والفكرية اليت تقوم هبا املنظمات املهنية والشعبية فتعتمد على سياستها الوطني†ة‬
‫وخططها التنظيمي†ة وأبعاده†ا احلض†ارية وأغراض†ها التعبوي†ة واجملتمعي†ة‪ .‬فاالحتاد الع†ام لش†باب الع†راق يتحم†ل‬
‫دورة أساسيًا يف التوجيه الفكري للش†باب باعتب†اره املنظم†ة اجلماهريي†ة هلذا القط†اع من جه†ة‪ ،‬وكون†ه اجله†ة‬
‫الوحي††دة ال††يت متتل††ك الص††يغ التنظيمي††ة التعبوي††ة لالتص††ال بالش††باب أو التفاع††ل معهم‪ ،‬وق††د أوىل االحتاد ه††ذا‬
‫املي ††دان اهتمام ††ا بالغ ††ا متث ††ل يف تش ††كيله مك ††اتب متخصص ††ة يف املكتب الثق ††ايف املرك ††زي‪ ،‬ومكتب اإلعالم‬
‫والنش††ر ومكتب البح††وث والدراس††ات‪ .‬أم††ا االحتاد الوط††ين لطلب††ة الع††راق فيق††وم باعم††ال ونش††اطات متع††ددة‬
‫ت ††دخل يف جمال التوجي ††ه الفك ††ري للش ††باب‪ ،‬منه ††ا الن ††دوات وال ††دورات واألس ††ابيع الثقافي ††ة واملع ††ارض الفني ††ة‬
‫والعلمي ††ة واملهرجان ††ات الفني ††ة والثقافي ††ة واألدبي ††ة كمهرجان ††ات الش ††عر واخلطاب ††ة والقص ††ة واملقال ††ة واألغني ††ة‬
‫السياس ††ية واملؤمترات العلمي ††ة‪ ،‬كم ††ا ال ب ††د من اإلش††ارة إىل معس ††كرات العم ††ل الش ††عيب بش ††كل خ ††اص وال ††يت‬
‫تعترب جتربة رائدة يف تعميق الوعي الوط†ين والق†ومي للش†باب وإش†اعة وتث†بيت القيم واملمارس†ات الدميقراطي†ة‬
‫واالش††رتاكية كحب ال††وطن والتض††حية والعم††ل اجلم††اعي واح††رتام العم††ل وال††زمن والتفك††ري املب††دع واخلالق‬
‫واملناقشة الواعية والنقد الذايت واحرتام القيادات وغريها من القيم الثورية والعربية األصيلة ‪.‬‬

‫واالحتاد الع††ام لنقاب††ات العم††ال يس††اهم بالتوجي††ه الفك††ري للعم††ال من خالل النش††اطات وال††ربامج والن††دوات‬
‫الثقافية والفنية وجمل†ة وعي العم†ال والنش†رات والكتب الثقافي†ة ‪ ,‬كم†ا يس†اهم املس†رح العم†ايل بإش†اعة القيم‬
‫واملمارس†ات الدميقراطي†ة واالش†رتاكية‪ .‬ام†ا االحتاد الع†ام لنس†اء الع†راق فيق†وم بنش†اطات خمتلف†ة ت†دخل ض†من‬
‫جمال التوجي ††ه الفك ††ري للش ††باب يف القط ††اع النس ††وي حيث تق ††وم مك ††اتب الثقاف ††ة والبح ††وث والدراس ††ات‬
‫بتنظيم املؤمترات والن††دوات الثقافي††ة والفني††ة املختلف††ة بالتع††اون م††ع اجله††ات األخ††رى ك††الوزارات واجلامع††ات‬
‫ومراك ††ز البح ††وث‪ ،‬ومن خالل الص ††يغ اإلعالمي ††ة املتع ††ددة ك ††الربامج والن ††دوات اإلذاعي ††ة والتلفزيوني ††ة وجمل ††ة‬

‫‪233‬‬
‫املرأة والنش† † ††رات والكتب حيث تق† † ††وم بإش† † ††اعة القيم االجتماعي† † ††ة اجلدي† † ††دة وإب† † ††راز دور املرأة يف اجملتم† † ††ع‬
‫االش† ††رتاكي‪ ،‬كم† ††ا تق† ††وم النقاب† ††ات األخ† ††رى بتوجي† ††ه منتس† ††بيها من خالل النش† ††اطات الثقافي† ††ة كالن† ††دوات‬
‫واملؤمترات والنشرات واجملالت اليت تصدرها النقابات كنقابة املعلمني واملهندسني واحملامني وغري ذلك‪ .‬وال‬
‫ب††د من اإلش††ارة هن††ا إىل اجلمعي††ات العلمي††ة كجمعي††ة االقتص††اديني ومجعي††ة االجتم††اعيني ومجعي††ة اجليولوج††يني‬
‫واجلغراف ††يني و غريه ††ا من اجلمعي ††ات ال ††يت تق ††وم بنش ††ر وإش ††اعة الفك ††ر الق ††ومي الش ††رتاكي ومناقش ††ة وحتلي ††ل‬
‫القضايا املتعلقة بالتنمية القومية والتخطيط االقتصادي واالجتماعي ‪.‬‬

‫من ه††ذا الش††رح املفص††ل نس††تنتج ب††ان من أهم الواجب††ات ال††يت تق††وم هبا املنظم††ات املهني††ة والش††عبية يف القط††ر‬
‫العراقي الواجبات الثقافية والرتبوي†ة ال†يت هتتم بنش†ر وترس†يخ األفك†ار والقيم واملمارس†ات والثقاف†ات القومي†ة‬
‫والتقدمي† † ††ة واإلنس† † ††انية وذل† † ††ك من خالل املناقش† † ††ات ال† † ††يت ت† † ††دور يف االجتماع† † ††ات األس† † ††بوعية واملؤمترات‬
‫والن† ††دوات واحللق† ††ات الدراس† ††ية واملطبوع† ††ات ال† ††يت ت† ††وزع على األعض† ††اء بني ف† ††رتة وأخ† ††رى‪ .‬وهتتم بتنمي† ††ة‬
‫اجلوانب الثقافية والعلمية لألعضاء اليت متكنهم من الوصول‬

‫الهوامش والمصادر‬

‫‪1.‬‬ ‫‪Dawson, R. and Prewist, K. Political Socialization, Boston,‬‬


‫‪1969, PP. 14-18,‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Himmel Weit, H. T.V. and the Child, London, 1963, P. 70.‬‬

‫‪234‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Al-Hassan, Ihsan. Social Structure and Family Change in Iraq‬‬
‫‪Under‬‬
‫‪Conditions of Industrialization, A. Ph.D. Thesis in Sociology,‬‬
‫‪Budapest, 1977, P, 56.‬‬
‫احلس ††ن‪ ،‬إحس ††ان حمم ††د (ال ††دكتور)‪ .‬العوام ††ل املؤثرة يف تك ††وين ال ††رأي الع ††ام حبث منش ††ور يف جمل ††ة‬ ‫‪.4‬‬
‫اإلعالم بتاریخ ‪.01/04/1980‬‬
‫‪5.‬‬ ‫‪Greenstein, T. and M. Sidney. The Study of French Political‬‬
‫‪Socialization, an Article Published in a World Politics " ,‬‬
‫‪XXII,1969, P. 51,‬‬
‫‪6.‬‬ ‫‪Ibid., P. 57.‬‬
‫‪7.‬‬ ‫‪Mackenzie, R. British Political Parties, London, 1959, PP. 23-‬‬
‫‪25.‬‬
‫الكت††اب الثق††ايف املرك††زي‪ ،‬اجلزء الث††اين‪ ،‬بغ††داد‪ ،۱۹۷۸ ،‬انظ††ر إىل موض††وع اخللي††ة احلزبي††ة ‪ :‬أمهيته††ا‬ ‫‪.8‬‬
‫ومهامها ‪.‬‬
‫‪9.‬‬ ‫‪Hyman, H. Political Socialization, New York, 1959, P. 103.‬‬
‫‪10. Rose, R. Politics in England Today, London, Faber and Faber,‬‬
‫‪1974, PP, 144 145,‬‬
‫‪11. Davis, K. Human Society, New York, 1967, PP. 208-209.‬‬
‫احلس††ن‪ ،‬إحس††ان حمم††د (ال††دكتور)‪ .‬التح††ول االجتم††اعي يف املؤسس††ات الثقافي††ة والرتبوي††ة يف الع††راق‪،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫حبث منشور يف جريدة اجلمهورية بتاريخ ‪.26/09/1978‬‬
‫فرح‪ ،‬الياس (الدكتور)‪ .‬الرتبية السياسية‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،1975 ،‬ص ‪.63‬‬ ‫‪.13‬‬
‫البس ††ام‪ ،‬عب ††د العزي ††ز (ال ††دكتور)‪ .‬االجتاه ††ات املعاص ††رة يف الرتبي ††ة‪ ،‬حبث منش ††ور يف كت ††اب ال ††دورة‬ ‫‪.14‬‬
‫التدريبية الثانية للعاملني يف وحدات التخطيط الرتبوي‪ ،‬وزارة الرتبية‪ ،‬ص ‪.84‬‬

‫‪235‬‬
‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.۸۸‬‬ ‫‪.15‬‬
‫‪16. Klapper, J. The Effects of Mass Communication, New York, P.‬‬
‫‪150.‬‬
‫‪17. Krech, D. and R. Crutchfield. Individual in Society, New‬‬
‫‪York, 1962. See the Ch. On Attitude Change.‬‬
‫الثورة الفلسطينية‪ ،‬اجمللد التاسع‪ ،‬العدد األول‪ ،۱۹۷۷ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪.18‬‬
‫التقرير السياسي‪ ،‬بغداد‪ ،۱۹۷۶ ،‬ص ‪. ۱۹۱‬‬ ‫‪.19‬‬
‫‪20. Al-Hassan, Ihsan. Social Structure and Family Change, Op.‬‬
‫‪Cit. P.55.‬‬
‫احلس††ن‪ ،‬إحس††ان حمم††د (ال††دكتور)‪ .‬أث††ر التنمي††ة االقتص††ادية يف تنمي††ة املواد البش††رية يف منطق††ة اخلليج‬ ‫‪.21‬‬
‫العريب‪ ،‬منشورات مركز دراسات اخلليج الع†ريب جبامع†ة البص†رة‪ ،‬اإلنس†ان واجملتم†ع يف اخلليج الع†ريب‪،‬‬
‫الكت † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † † ††اب األول‪،‬‬
‫‪ ،۱۹۷۹‬ص ‪.246‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع‪ :‬دراسة نظامية‪ ،‬بغداد‪ ،۱۹۷۹ ،‬ص ‪. ۱۸۷‬‬ ‫‪.22‬‬
‫‪23. Dreyer, D. Cultural Changes in Developing Countries,‬‬
‫‪Moscow,‬‬
‫‪1976, See the Introduction.‬‬

‫المصادر‬

‫مصادر الكتاب العربية‪:‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪. ۱۹۷۸ ،‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪236‬‬
‫البس††ام‪ ،‬عب††د العزي††ز (ال††دكتور)‪ .‬االجتاه††ات املعاص††رة يف الرتبي††ة‪ ،‬كت††اب ال††دورة التدريبي††ة الثاني††ة‬ ‫‪-2‬‬
‫للعاملني يف وحدات التخطيط الرتبوي‪ ،‬وزارة الرتبية ‪.1974‬‬
‫التقرير السياسي‪ ،‬بغداد‪. 1974 ،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫تیماش † ††یف‪ ،‬نيق † ††وال‪ .‬نظري † ††ة علم االجتم † ††اع‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حمم † ††ود ع † ††ودة وآخ † ††رون‪ ،‬الق † ††اهرة‪ ،‬دار‬ ‫‪-4‬‬
‫املعارف‪. ۱۹۷۰ ،‬‬
‫الث ††ورة العربي ††ة‪ ،‬القي ††ادة القومي ††ة‪ ،‬مكتب الثقاف ††ة واإلعالم‪ ،‬الع ††دد الس ††ابع‪ ،‬الس ††نة احلادي ††ة عش ††ر‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪۱۹۷۹‬‬
‫الثورة العربية‪ ،‬اجمللد التاسع‪ ،‬العدد األول‪. ۱۹۷۷ ،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫حج ††ار‪ ،‬ج ††ورج (ال ††دكتور)‪ .‬السياس ††ة االس ††تيطانية للكي ††ان الص ††هيوين‪ ،‬جمل ††د مرك ††ز الدراس ††ات‬ ‫‪-7‬‬
‫الفلسطينية‪ ،‬حزيران‪. ۱۹۷۸ ،‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬دراسات حتليلية يف اجملتمع املعاصر‪ ،‬بغداد‪. ۱۹۷۲ ،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬استعمال الطريقة اإلحصائية يف البح††وث االجتماعي††ة امليداني††ة‪،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫جملة املركز القومي للبحوث االجتماعية واجلنائية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،‬آذار‪.1974 ،‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع‪ :‬دراسة نظامية‪ ،‬بغداد‪.1975 ،‬‬ ‫‪-10‬‬
‫احلس†ن‪ ،‬إحس†ان حمم†د (ال†دكتور)‪ .‬طبيع†ة الس†لوك السياس†ي يف اجملتم†ع الث†وري‪ ،‬جري†دة اإلعالم‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬العدد العاشر‪ ،‬السنة الثالثة‪.۱۹۷۹ ،‬‬
‫احلس††ن‪ ،‬إحس††ان حمم††د (ال††دكتور)‪ .‬حماض††رات يف علم االجتم††اع السياس††ي‪ ،‬كلي††ة األمن الق††ومي‪،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫بغداد‪.۱۹۸۰ ،‬‬
‫احلس††ن‪ ،‬إحس††ان حمم††د (ال††دكتور)‪ .‬س††ايكولوجية الدعاي††ة واإلش††اعة‪ ،‬جمل††ة كلي††ة األمن الق ††ومي‪،‬‬ ‫‪-13‬‬
‫بغداد‪. ۱۹۸۰ ،‬‬
‫احلس††ن‪ ،‬إحس††ان حمم††د (ال††دكتور)‪ .‬عالق††ة البن††اء الطبقي بالتحص††يل العلمي لألطف††ال‪ ،‬جمل†ة العل††وم‬ ‫‪-14‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬العدد الرابع‪. ۱۹۸۰ ،‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد (الدكتور)‪ .‬العوامل املؤثرة يف تكوين الرأي العام‪ ،‬جملة اإلعالم‪.۱۹۸۰ ،‬‬ ‫‪-15‬‬

‫‪237‬‬
‫احلسن‪ ،‬إحسان حممد الدكتور)‪ .‬موسوعة علم االجتماع‪ ،‬بريوت‪.۱۹۹۹ ،‬‬ ‫‪-16‬‬
‫اخلشاب‪ ،‬مصطفى (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع ومدارسه‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬القاهرة‪.۱۹۹۰ ،‬‬ ‫‪-17‬‬
‫صدام حسني‪ .‬الثورة صراعات احلاضر واملس†تقبل‪ ،‬املؤسس†ة العربي†ة للدراس†ات والنش†ر‪ ،‬ب†ريوت‪،‬‬ ‫‪-18‬‬
‫‪.۱۹۷۰‬‬
‫صدام حسني‪ .‬الثورة والرتبية الوطنية‪ ،‬بغداد‪. ۱۹۷۷ ،‬‬ ‫‪-19‬‬
‫الفارايب‪ ،‬أهل املدينة الفاضلة‪ ،‬بريوت‪. 1959 ،‬‬ ‫‪-20‬‬
‫فرانوا شاتليه‪ ،‬هيجل‪ ،‬ترمجة جورج صدقي‪ ،‬دمشق‪. 1974 ،‬‬ ‫‪-21‬‬
‫ف††رح‪ ،‬الي††اس (ال††دكتور)‪ .‬تط††ور األديولوجي††ة العربي††ة الثوري††ة (الفك††ر الق††ومي)‪ ،‬املؤسس††ة العربي††ة‬ ‫‪-22‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪. ۱۹۷۹ ،‬‬
‫فرح‪ ،‬الياس (الدكتور)‪ ،‬تطور األديولوجي†ة العربي†ة الثوري†ة (الفك†ر االش†رتاكي)‪ ،‬املؤسس†ة العربي†ة‬ ‫‪-23‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪. ۱۹۷۹ ،‬‬
‫فرح‪ ،‬الياس (الدكتور)‪ .‬الرتبية والسياسة‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪.1975 ،‬‬ ‫‪-24‬‬
‫القوصي‪ ،‬عبد العزيز (الدكتور)‪ .‬علم النفس‪ :‬أسس†ه وتطبيقات†ه الرتبوي†ة‪ ،‬مكتب†ة النهض†ة املص†رية‪،‬‬ ‫‪-25‬‬
‫القاهرة‪.1957 ،‬‬
‫الكادر احلزبی‪ ،‬سلسلة الثقافة الرتبوية‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪.1974 ،‬‬ ‫‪-26‬‬
‫الكبيسي‪ ،‬محدان (الدكتور) وعبد الرمحن العاين (الدكتور)‪ .‬اجملتمع العريب‪ ،‬بغداد‪. 1975 ،‬‬ ‫‪-27‬‬
‫الكي††ايل‪ ،‬عب††د الوه††اب ال††دكتور)‪ .‬البعث والقض††ية الفلس††طينية‪ :‬آراء ومواق††ف‪ ،‬املؤسس††ة العربي††ة‬ ‫‪-28‬‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪۱۹۷۳ ،‬‬
‫حملات من ت† ††اريخ ح† ††زب البعث الع† ††ريب االش† ††رتاكي‪ ،‬القي† ††ادة القومي† ††ة‪ ،‬املكتب الثق† ††ايف‪ ،‬بغ† ††داد‪،‬‬ ‫‪-29‬‬
‫‪.1975‬‬
‫حمم ††د‪ ،‬علي حمم ††د (ال ††دكتور)‪ .‬دراس ††ات يف علم االجتم ††اع السياس ††ي‪ ،‬دار اجلامع ††ات املص ††رية‪،‬‬ ‫‪-30‬‬
‫القاهرة‪. ۱۹۷۸ ،‬‬
‫مفهوم احلزب‪ ،‬سلسلة الثقافة الثورية‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪.۱۹۷۰ ،‬‬ ‫‪-31‬‬

‫‪238‬‬
‫املنهاج الثقايف املركزي‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬بغداد‪.۱۹۷۹ ،‬‬ ‫‪-32‬‬
‫األسود‪ ،‬صادق (الدكتور)‪ .‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪. ۱۹۷۳ ،‬‬ ‫‪-33‬‬
‫العانی‪ ،‬حسان شفيق (الدكتور)‪ .‬األنظمة السياسية املقارنة‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة املعارف‪. ۱۹۸۰ ،‬‬ ‫‪-34‬‬
‫العاين‪ ،‬حسان شفيق (الدكتور)‪ .‬الدستور‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة جامعة بغداد ‪.۱۹۸۱ ،‬‬ ‫‪-35‬‬
‫محادي‪ ،‬مشران (الدكتور)‪ .‬األحزاب السياسية‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة دار السالم‪.۱۹۷۲ ،‬‬ ‫‪-36‬‬
‫مینو‪ ،‬جان واجلماعات الضاغطة‪ ،‬بريوت‪ ،‬منشورات عويدات ‪ ،‬ترمجة هبيج شعبان‪. ۱۹۷۱ ،‬‬ ‫‪-37‬‬

‫مصادر الكتب األجنبية ‪:‬‬

‫‪239‬‬
1- Adorno and et al. The Authoritarian Personality, New
York, 1951.
2- Al-Hassan, Ihsan. Collective Behaviour, Baghdad, 1974.
3- Al-Hassan, Ihsan. Social Structure and Family Change in
Iraq, A. Ph.D. Thesis in Sociology of the Hungarian
Academy of Sciences, Budapest, 1977.
4- Al-Hassan, Ihsan. The Beginnings and Rise of Sociology in
Iraq, Szociologia , Hungarian Academy of Sciences,
Budapest, No. 3, 1978.
5- Allport, E. Social Psychology, New York, 1924.
6- Alexeyev, S. and et al. A Short History of the U.S.S.R.,
Moscow, 1975.
7- Asch, S. Social Psychology, New York, 1959.
8- Barnard, C. Organization and Management, New York,
1954.
9- Barnard, C. The Functions of the Executive, New York,
1964.
10- Barnard, L. The Field of Political Sociology, Journal of
Social
Philosophy, No. 3, 1958, London.
11- Barker, E. Principles of Social and Political Theory,
London,
Oxford University Press, 1957.

240
12- Becker, I and Barnes, M. Social Thought From Lore to
Sciences,
Vol. I, New York, 1933.
13- Beer, S. Pressure Groups and Parties in Britain, American
Political
Review, March, 1956.
14- Benn, I. And R. Peters, Social Principles and Democratic
State, George Allen and Unwin, London, 1959.
15- Bendix, R. Max Weber, An Intellectual Potrait, New
York, 1960.
16- Blumer, H. Public Opinion and Public Opinion Polling ,
American Sociological Review 13 Oct., 1948.
17- Bottomore, T.B. Elites and Society, A Pelican Book,
Middlesesx, England, 1967.
18- Broom, L. and Selznick, P. Sociology, New York, 1968.
19- Biesans, M. Introduction to Sociology. (2nd Ed.), New
Jersey,
1973.
20- Blondell, J. Viters , Parties and Leaders, London, 1957.
21- Bonham, J. and F. Martin. Two Studies in Middle Class
Vote,
British Journal of Sociology, No. 3, Sept. 1952.

241
22- Bosanquet, F. The Philosophical Theory of the State,
London,
1952.
23- Brown, J.A. Techniques of Persuation, A Pelican Book ,
Middlesex, England, 1972.
24- Catlin, P. The Science and Methods of Politics , New
York, 1956.
25- Crosland, A. The Future of Socialism, London, 1956.
26- Davis, K. Human Society, New York, 1967.
27- Davis, K. and W. Moore. Some Principles of Stratification,
American Sociological Review, 1945.
28- Dawson, R. and Prewist, K. Political Socialization, Boston,
1969.
29- Dryer, O. Cultural Changes in Developing Countries,
Moscow, 1976.
30- Duverger, H. Political Parties, Methuen, 1954.
31- Eysenck, H. Sense and Nonsense in Psychology,
A Pelican Book, Middlesex, England, 1962.
32- Field, G. Political Theory, London, 1962.
33- Finer, S. The Theory and Practices of Modern
Government
London, 1967.

242
34- Firth, R. An Anthropologist's View of Observation, The
Sociological Review, 31, 1939.
35- Fletcher, R. Family and Industrialization in the Twentieth
Century, A Pelican Book, Middlesex , England, 1963
36- Freedman, H. Marx on Economics, A Pelican Book,
Middlesex, England, 1968
37- Fraser, L. Propaganda, London, Oxford University Press,
1970.
38- Garner, S. Political Science and Government, London,
1959.
39- Gerth, H. and C. Wright Mills. Character and Social
Structure, New York, 1957.
40- Ginsberg, M. Sociology, London, Oxford University Press,
1950.
41- Ginsberg, M. Essays in Sociology and Social Philosophy,
Vol.1, London Heinemann, 1956.
42- Gibb, C. The Principles and Traits of Leadership, New
York, 1956.
43- Green, T. H. Lectures on the Principles of Political
Obligation, London, Longmans, 1948.
44- Greenstein, T. and M. Sidney. The Study of French
Political
Socialization, World Politics, XXII. 1969.

243
45- Halloran, J. The Effects of Mass Communication with
Special
Reference to Television, Manchester, 1963.
46- Hegel, W.F. Phenomenology of the Spirit, London, 1961.
47- Hegel, W.F. Philosophy of Right, London, 1955.
48- Hismmelweit, H. T.V. and the Child, U.K., 1963.
49- Hinkle, R. The Development of Modern Sociology,
Random
House, New York, 1963.
50- Hebbes, T. Leviathan, London, 1931.
51- Hobhouse, L.T. Social Evolution and Political Theory,
New York, 1951.
52- Hobhouse, L.T. and et al. The Material Culture and Social
Institutions of Simpler Peoples, London, 1972.
53- Homans, G. The Small Warship, American Sociological
Reviews, XI., 1949.
54- Homans, G. The Human Group, London, Routledge and
Kegan Paul, 1959.
55- Hyman, H. Political Socialisation, New York, 1959.
56- Jacobson, N. and Lipman. An Outline of Political Science,
Barnes Nobles, London, 1951.

244
57- Jahoda, M. and et al. Research Methods in Social
Relations, Vol. 1, Basic Processes, The Dryden Press, New
York, 1951.
58- Johanson, H. Sociology : A Systematic Introduction,
London,
Routledge and Kegan Paul, 1961.
59- Jameson, H. An Outline of Psychology, London, 1957.
60- Klapper, J. The Effects of Mass Communication, New
York,
1961.
61- Krech, D. and Crutchfield, R. Individual in Society, New
York, 1962.
62- Kvasov, G. Sociology and Moral Progress , Social
Sciences , Vol. IX, No. 3, 1978.
63- Landis, J. Sociology : Concepts and Characteristics ,
Belmont,
California, 1971.
64- Laski, H. A. Grammar of Polities , London, 1951.
65- Laski, H. An Introduction to Politics , London, 1948.
66- Lasswell, H. and Kaplan, A. Power and Society , New
Haven, Yale University, 1950.
67- Lazarsfield, P. The Analysis of Political Behaviour,
London, Routledge and Kegan Paul, 1948.

245
68- Lenin, V.1. On Britain, Moscow, 1960.
69- Levi-Strauss, G. Social Structure in A.L. Kroeber (ed.),
Anthropology Today, Chicago, 1953.
70- Lewis, A. Economic Survey, 1919-1959, London, 1960.
71- Lipset, S. Political Sociology, Sociology Today: Problems
and
Prospects, New York, 1959.
72- Locke, J. Essay Concerning Toleration, London, 1942.
73- Maclver, R. and Page, C. Society, The Macmillan Co.,
London, 1962.
74- Maclver, R. The Web of Government, New York, 1947.
75- Maccoby, E. and et al. Readings in Social Psychology,
Holt, 1958.
76- Machiavelli, N. The Prince , Penguim Books, Middlesex,
England, 1970.
77- Mackenzie, J.S. Outlines of Social Philosophy, London,
George Allen and Unwin, 1961.
78- Mackenzie, R.T. British Political Parties, London, 1955.
79- Maclung, A. and K. Briant. The Fine Art Propaganda.
80- Mandic, N. The Marxist. School of Sociology in Marxism
and
Sociology, Edited by P. Berger, New York, 1969.

246
81- Madge, J. The Tools of Social Science, London, Longman,
1953.
82- Marx, K. Selected Writings in Sociology and Social
Philosophy, Edited by T.B. Bottomore and M. Rubel, A
Pelican Book, Middlesex, England, 1967.
83- Marx, K. and F. Engels. Selected Works, Moscow, 1975.
84- Marx, K. and F. Engels. The Socialist Revolution,
Moscow 1978.
85- Maus, S. A Short History of Sociology , New York, 1949.
86- Mill, J.S. The Scientific Method, London, 1949.
87- Mcdougall, W. Social Psychology, London, 1964.
88- Mitchell, R. Political Parties, New York, 1964.
89- Mitchel, D. A Dictionary of Sociology, London,
Routledge and Kegan Paul, 1973.
90- Milne, R. and H. Mackenzie. Straight Fight, London,
1954.
91- Money-Kyrele, R. Psychoanalysis and Politics, London,
1962.
92- Moser, C.A. Survey Methods in Social Investigation,
London,
Heinemann, 1967.
93- Munn, N.L. Psychology: The Fundamentals of Human
Adjustment, London, 1961.

247
94- New Comb, T. Social Psychology, New York, Dryden,
1950.
95- Pakard, Vance. The Hidden Persuaders, A Pelican Book ,
England 1963.
96- Parsons, T. and E. Shils. Toward A General Theory of
Action,
Cambridge, U.S.A., 1952.
97- Pareto, V. Mind and Society, Vol. 1, London, 1968.
98- Pizzorno, A. Political Sociology , Penguin Book,
Middlesex,
London, 1971.
99- Plato. The Republic , Translated by H. Lee, Penguin
Books,
Middlesex, England, 1963.
100- Ponsonby, A. Falsehood in Wartime , London, Allen and
Unwin, 1959.
101- Radcliffe-Brown, A. The Structure and Functions in
Primitive Society, London, 1952.
102- Schumpeter, J. Capitalism, Socialism, and Democracy,
New York, 1942.
103- Sherif, M. An Outline of Social Psychology, New York,
1948.

248
104- Simon, R. The Philosophy of Democratic Government,
Chicago, 1951.
105- Sorokin, P. Contemporary Sociological Theories, New
York, 1956.
106- Sprott, W. Sociology, London, Huchinson University
Library, London, 1969.
107- Stagdill, T. and Coons. Leader Behaviour, New York,
1948.
108- Strauss, L. What is Political Philosophy, The Free Press,
1959.
109- Swedner, H. Observation and Participant Observation,
The Unesco Seminar on Social Research Methodology,
Copenhagen, July, 1968.
110- W.G. Sumner. Folkways, New York, 1934.
111- Tannebsum, S. and Weschler. Leadership and
Organization, London, 1960.
112- Taylor, A. The Origins of the Second World War,
London, 1954.
113- Tomlin, E. The Great Philosophers of the Western World,
London, 1955.
114- Turner, R. and L. Killian Collective Behaviour, New
York, 1957.

249
115- Vernon, M.D. The Psychology of Perception, 2nd
Edition, Penguin Books, Middlesex, England, 1975.
116- Weber, Max. The Theory of Social and Economic
Organization, New York, 1947.
117- Weiner, N. Political Parties and Political Development,
Princeton, 1966.
118- White, R.J. Conservative Thought, London, 1950.

250
‫ترمجة املصطلحات املستعملة يف علم االجتماع السياسي من اللغة اإلنكليزية إىل اللغة العربية‬

‫‪Alliance‬‬ ‫اتفاق أو معاهدة‬

‫‪Anarchy‬‬ ‫فوضى واضطراب‬

‫‪Authority: Legitimation of‬‬ ‫سلطة‪ ،‬شرعية السلطة‬


‫‪Authority‬‬

‫‪Authoritarianism‬‬ ‫السلطوية‬

‫‪Separation of Authority‬‬ ‫فصل السلطة‬

‫‪Traditional Authority‬‬ ‫السلطة التقليدية‬

‫‪Legal-Rational Authority‬‬ ‫السلطة الشرعية العقلية‬

‫‪Charismatic Authority‬‬ ‫سلطة الكرزماتيكية‬

‫‪Apathy‬‬ ‫المباالة أو عدم اهتمام‬

‫‪Accommodation‬‬ ‫توفيق أو تكييف‬

‫‪Action : Political Action‬‬ ‫فعل أو حدث‪ ،‬حدث سياسي‬

‫‪Alienation‬‬ ‫اغرتاب‬

‫‪Anomie‬‬ ‫التفسخ االجتماعي‬

‫‪Avoidance‬‬ ‫جتنب‬

‫‪Barbarian‬‬ ‫بربري أو متوحش‬

‫‪251‬‬
Bourgeoisie ‫الربجوازية‬

Bureaucracy ‫البريوقراطية‬

Capitalism ‫الرأمسالية‬

Centralization ‫املركزية‬

Citizenship ‫املواطنة‬

Consensus ‫االتفاق اجلماعي‬

Common Good ‫الصاحل العام‬

Common Will ‫اإلرادة العامة‬

Constitution ‫دستور‬

Constitutional Law ‫القانون الدستوري‬

Constitutional Democracy ‫الدميقراطية الدستورية‬

Council ‫جملس‬

Congress ‫مؤمتر‬

Church ‫كنيسة‬

Communist ‫شيوعي‬

Communism ‫الشيوعية‬

Charisma ‫ اإلهلام‬،‫الكرزمة‬

Routanization Charisma ‫استمرار الكرزمة‬

252
Charismatic Leadership ‫القيادة الكرزماتيكية‬

Colonialization ‫االستيطان‬

Cordial Relation ‫العالقة احلميمة واجليدة‬

Civilization ‫مدنية‬

Class Consciousness ‫الوعي الطبقي‬

Collective Behaviour ‫السلوك اجلمعي‬

Collective Conscience ‫الضمري أو الوجدان اجلمعي‬

Colour Bar ‫حاجز اللون‬

Concept, Political Concept ‫ املفهوم السياسي‬،‫مفهوم‬

Conflict, Political Conflict ‫ صراع سياسي‬،‫صراع‬

Social Conflict ‫صراع اجتماعي‬

Conspicuous Consumption ‫االستهالك املظهري‬

Culture ‫حضارة أو ثقافة‬

Deviation, Social Deviation ‫ احنراف اجتماعي‬،‫احنراف‬

Decentralization ‫الالمركزية‬

Democracy ‫الدميقراطية‬

Despot, Despotism ‫الطغيان‬

Discrimination, Racial ‫ التمييز النظري‬،‫مییز‬


Discrimination

253
‫‪Division of Labour‬‬ ‫تقسيم العمل‬

‫‪Ecology, Social Ecology‬‬ ‫اإليكولوجيا‪ ،‬االيكولوجيا االجتماعية‬

‫‪Equalitarian, Equalitarianism‬‬ ‫مساوايت‪ ،‬املساواة بني البشر‬

‫‪Empire‬‬ ‫إمرباطورية‬

‫‪The Executive‬‬ ‫السلطة التنفيذية‬

‫‪Election‬‬ ‫انتخاب‬

‫‪Elector‬‬ ‫الناخب‬

‫‪Elective Affinity‬‬ ‫املصاهرة االنتخابية‬

‫‪Elite‬‬ ‫النخبة‪ ،‬الصفوة‬

‫‪Ruling Elite‬‬ ‫النخبة احلاكمة‬

‫‪Non-Ruling Elite‬‬ ‫النخبة غري احلاكمة‬

‫‪Equilibrium, Social Equilibrium‬‬ ‫التوازن‪ ،‬التوازن االجتماعي‬

‫‪Political Equilibrium‬‬ ‫التوازن السياسي‬

‫‪Ethnocentrism‬‬ ‫العرقية‪ ،‬التمركز حول العرق‬

‫‪Fabians‬‬ ‫الفابيون ( االشرتاكيون الربيطانيون )‬

‫‪Feudal, Feudalism‬‬ ‫إقطاعي‪ ،‬اإلقطاعية‬

‫‪Free Will‬‬ ‫اإلرادة احلرة‬

‫‪Freedom‬‬ ‫احلرية‬

‫‪Folk Ways‬‬ ‫األساليب الشعبية أو الطرق الشعبية‬

‫‪254‬‬
Function, Functional ‫ وظيفي‬،‫وظيفة‬

Functionalism ‫املدرسة الوظيفية يف علم االجتماع‬

Group, Social Group ‫ مجاعة اجتماعية‬،‫مجاعة‬

Pressure Group ‫مجاعة الضغط‬

Group Dynamic ‫داينميكية اجلماعة‬

General Will ‫اإلرادة العامة‬

General Good ‫الصاحل العام‬

Government ‫حكومة‬

Royal Government ‫حكومة ملكية‬

Republic Government ‫حكومة مجهورية‬

Aristocratic Government ‫حكومة ارستقراطية‬

Democratic Government ‫حكومة دميقراطية‬

Historicism ‫التارخيية‬

Historical Materialism ‫املادة التارخيية‬

Ideology ‫األديولوجية‬

Political Ideology ‫االديولوجية السياسية‬

Ideal Type ‫النموذج املثايل‬

Internationalism ‫الدولية‬

255
International Relation ‫العالقات الدولية‬

International Law ‫القانون الدويل‬

Independence ‫االستقالل‬

Imperialism ‫االستعمار‬

Instinct ‫غريزة‬

The Judiciary ‫السلطة القضائية‬

Marxism ‫املاركسية‬

Malthusian Theory ‫النظرية املالثوسية‬

Majority ‫األغلبية‬

Minority ‫األقلية‬

Monarch ‫العاهل أو امللك‬

Monarchy ‫امللكية‬

Military Aggression ‫العنوان العسكري‬

Modernization ‫التحديث‬

Mass Society ‫اجملتمع اجلماهريي‬

Mass Media Communication ‫وسائل االتصال اجلماهريية‬

Mass Observation ‫املشاهدة اجلماهريية‬

Mores ‫األعراف‬

Motive ‫الدافع‬

256
‫‪Myth, Political Myth‬‬ ‫األسطورة‪ ،‬األسطورة السياسية‬

‫‪Law of Nature‬‬ ‫قانون الطبيعة‬

‫‪Liberation‬‬ ‫التحریر‬

‫‪Legislation‬‬ ‫التشريع‬

‫‪Legislative Council‬‬ ‫اجمللس التشريعي‬

‫‪The Legislature‬‬ ‫السلطة التشريعية‬

‫‪Lobby‬‬ ‫اللويب أو مجاعة املصلحة‬

‫‪League of Nations‬‬ ‫عصبة األمم‬

‫‪Laissez-Faire Policy‬‬ ‫سياسة حرية التجارة أو سياسة عدم التدخل‬

‫‪Legitimacy‬‬ ‫الشرعية أو القانونية‬

‫‪Political Legitimacy‬‬ ‫الشرعية السياسية‬

‫‪Leadership, Leadership‬‬ ‫القيادة‪ ،‬القيادة السياسية‬

‫‪National‬‬ ‫قومی‬

‫‪National Character‬‬ ‫اخللق القومي‬

‫‪Nationalism‬‬ ‫القومية‬

‫‪National Independence‬‬ ‫االستقالل القومي‬

‫‪National Leaders‬‬ ‫القادة القوميني‬

‫‪Native‬‬ ‫مواطن‬

‫‪257‬‬
Nation ‫شعب أو أمة‬

National Unity ‫الوحدة القومية‬

National Security ‫األمن القومي‬

Non-alignment ‫عدم االحنياز‬

Non-aligned States ‫دول عدم االحنياز‬

Neutral ‫حمايد‬

Neutrality ‫احلياد‬

Positive Neutrality ‫احلياد اإلجيايب‬

Oligarchy ‫حكم األقلية‬

Iron Law of Oligarchy ‫القانون احلديدي احلكم األقلية‬

Opinion, Public Opinion ‫ راي عام‬،‫رأي‬

Opinion Poll ‫خمص اآلراء‬

Participant Observation ‫املشاهدة باملشاركة‬

Personality ‫شخصية‬

Political Personality ‫الشخصية السياسية‬

Plural Society ‫اجملتمع املختلط‬

Political Sociology ‫علم االجتماع السياسي‬

Referendum ‫االستفتاء‬

Protectionism ‫احلماية‬

258
Peace ‫سالم‬

Peaceful Coexistence ‫التعايش السلمي‬

Political Development ‫التنمية السياسية‬

Political Socialization ‫التنشئة السياسية‬

Political Participation ‫املشاركة السياسية‬

Political Attitudes ‫املواقف السياسية‬

Populist Regime ‫نظام احلكم الشعيب‬

Public Administration ‫اإلدارة العامة‬

Realism, Social Realism ‫ الواقعية االجتماعية‬،‫الواقعية‬

Reference Group ‫اجلماعة املرجعية‬

Residues ‫الرواسب‬

Role, Social Role ‫ دور اجتماعي‬،‫دور‬

Radical ‫ متطرف‬،‫راديكايل‬

Radicalism ‫ التطرف‬،‫الراديكالية‬

Regime ‫النظام السياسي‬

Rule ‫احلكم‬

Rule of Law ‫حكم القانون‬

Ruler ‫حاكم‬

259
‫‪Reform‬‬ ‫اصالح‬

‫‪Proletariat‬‬ ‫الربوليتارية ( الطبقة الربوليتارية )‬

‫‪Psephology‬‬ ‫علم التصويت االنتخايب‬

‫‪Questionnaire Format‬‬ ‫استمارة استبيانية‬

‫‪Rationality‬‬ ‫العقالنية‬

‫‪Pact‬‬ ‫حلف‬

‫‪Party‬‬ ‫حزب‬

‫‪Policy‬‬ ‫سياسة‬

‫‪External Policy‬‬ ‫السياسة اخلارجية‬

‫‪Internal Policy‬‬ ‫السياسة الداخلية‬

‫‪Politics‬‬ ‫سياسة‬

‫‪Politician‬‬ ‫سياسي‬

‫‪Political Theory‬‬ ‫النظرية السياسية‬

‫‪Political Thought‬‬ ‫الفكر السياسي‬

‫‪Political Science‬‬ ‫علم السياسة‬

‫‪Political Laws‬‬ ‫القوانني السياسية‬

‫‪Proxy‬‬ ‫الفوز بالتزكية‬

‫‪Pro‬‬ ‫الدعاية‬

‫‪Anti‬‬ ‫حممية‬

‫‪260‬‬
‫‪Propaganda‬‬ ‫االصطالح الديين والسياسي‬

‫‪Protectorate‬‬ ‫حممية‬

‫‪Religious and Political Reform‬‬ ‫االصطالح الديين والسياسي‬

‫‪Restoration‬‬ ‫الرجوع إىل الوضع السابق‬

‫‪Revolution, Social Revolution‬‬ ‫ثورة‪ ،‬ثورة اجتماعية‬

‫‪Rumour‬‬ ‫إشاعة‬

‫‪Secular‬‬ ‫دنيوي‬

‫‪Secularism‬‬ ‫الدنيوية‬

‫‪Social Movement‬‬ ‫احلركة االجتماعية‬

‫‪The State‬‬ ‫الدولة‬

‫‪Sovereign‬‬ ‫الدولة املستقلة‬

‫‪Sovereignty‬‬ ‫السيادة‬

‫‪Social Change‬‬ ‫التغري االجتماعي‬

‫‪Social Cohesion‬‬ ‫التماسك االجتماعي‬

‫‪Social Contract‬‬ ‫العقد االجتماعي‬

‫‪Social Control‬‬ ‫الضبط االجتماعي‬

‫‪Social Mobility‬‬ ‫االنتقال االجتماعي‬

‫‪Social Policy‬‬ ‫السياسة االجتماعية‬

‫‪261‬‬
Social States ‫املنزلة االجتماعية‬

Social Classes ‫الطبقات االجتماعية‬

Social Structure ‫البناء االجتماعي‬

Social System ‫النظام االجتماعي‬

Socialism ‫االشرتاكية‬

Societal Organizations ‫النظم األجتماعية‬

Social Static ‫السكون االجتماعي‬

Social Dynamic ‫التحول أو الداينميكية االجتماعية‬

Treaty ‫معاهدة أو حلف‬

Traditions, Traditional ‫ تقليدي‬،‫تقاليد‬

Tension, Political Tension ‫ توتر سياسي‬،‫توتر‬

International Tension ‫التوتر الدويل‬

Relaxation of Tension ‫اإلفراج‬

Totalitarianism ‫اخلضوع املطلق للدولة‬

International Relaxation of ‫اإلفراج الدويل‬


Tension

Totalitarian Society ‫اجملتمع اخلاضع للدولة‬

Tyranny ‫االستبداد أو اإلرهاب‬

Unity ‫الوحدة‬

262
‫‪United Nations‬‬ ‫األمم املتحدة‬

‫‪Utility‬‬ ‫املنفعة‬

‫‪Utopia‬‬ ‫الطوبائية أو املثالية‬

‫‪Vote‬‬ ‫الصوت االنتخايب‬

‫‪Voter‬‬ ‫املنتخب أو املصوت‬

‫‪Voting‬‬ ‫التصويت السياسي‬

‫‪Voting Behaviour‬‬ ‫السلوك االنتخايب‬

‫‪Political Behaviour‬‬ ‫السلوك السياسي‬

‫‪Political Values‬‬ ‫القيم السياسية‬

‫‪Political Zones‬‬ ‫مناطق النفوذ السياسي‬

‫‪263‬‬

You might also like