Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 23

‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫منهج الكتابة التارخيية عند ابن خلدون‬


‫أ‪ /‬عبد هللا زين‪ /‬قسم العلوم االجتماعية‪ /‬جامعة الشهيد محه ‪ /‬الوادي‪.‬‬
‫‪zine.ph12@gmail.com‬‬
‫امللخص‪:‬‬

‫يعترب ابن خلدون من أبرز املفكرين الذين خاضوا يف جمال التاريخ‪ ،‬يف احلضارة العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫واحلضارة اإلنسانية‪ ،‬إال أنه انفرد عن غريه من الباحثني يف جمال التاريخ‪ ،‬بنظرته املعمقة للتاريخ؛ واليت‬
‫تتجلى يف متييزه بني ظاهر التاريخ وابطنه‪ ،‬كما أنه ربط التاريخ ابلعمران؛ فاختذ من هذا األخري وسيلة‬
‫يف علم التاريخ؛ حبيث جعل من قوانني العمران معايري لتمييز الصدق من الكذب يف التاريخ ‪.‬‬

‫كما متيز ابن خلدون عن غريه من املهتمني ابلتاريخ‪ ،‬مبنهجه العلمي يف تناول أحداث التاريخ؛ حبيث‬
‫أسس الكتابة التارخيية على مجلة من القواعد واملعايري العلمية؛ واليت من أبرزها ‪ :‬الروح النقدية‪،‬‬
‫املوضوعية‪ ،‬الروح الوضعية‪ ،‬اإلميان مببدأ النسبية‪ ،‬اإلميان مببدأ احلتمية‪ .‬إضافة إىل ذلك اعتمد ابن‬
‫خلدون يف الكتابة التارخيية‪ ،‬على املشاهدة احلسية واالستقراء‪ ،‬واملقارنة أو املقابلة ) قيس الغائب على‬
‫الشاهد ( ‪.‬‬

‫وقد اتضح لنا من خالل ما سبق أن للمنهج اخللدوين يف الكتابة التارخيية والتاريخ‪ ،‬أمهية ابلغة؛‬
‫تتجلى يف إضفاء صفة العلمية على التاريخ‪ ،‬وإعطاء مصداقية لألحباث التارخيية‪ ،‬وتنقية التاريخ من‬
‫شوائب اخلرافة واألسطورة ‪ ،‬بعد أن كان التاريخ أبعد ما يكون عن العلم؛ حبيث كان جمرد عظات وعرب‬
‫ذات طابع أديب وأخالقي ‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪:‬‬

‫ابن خلدون‪ -‬منهج الكتابة التارخيية – التاريخ – علم العمران البشري ‪.‬‬

‫‪221‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

SUMMARY

Ibn Khaldoun is considered as one of the intellectuals who took


part in history, Arabic Islamic civilization as well as the human
one. Because of his deep look of history, he linked history with
social life so that to make laws to differ fake historic facts from
true ones.

In addition, he took part in history events, and established the


historic writing based on scientific rules like the critical spirit,
relativity belief. Moreover, he depended on the induction and
comparison in the historic writing.

Above all, it's clear that Ibn khaldoun's way of historic writing is
too important because he added scientific spirit to history so that
to protect history from myths and legends.

: ‫*مقدمة‬

‫متزق يف‬
ّ ‫ يدرك متام اإلدراك ما تعانيه من‬،‫إن املتأمل لواقع األمة العربية اإلسالمية‬
‫ اليت تتمتع ابلتقدم‬،‫ على خالف الكثري من األمم األخرى‬،‫الصفوف وضعف وسلبية‬
‫سر هذا‬
ّ ‫ ما هو‬:‫ لكن السؤال الذي نطرحه يف هذا السياق هو‬.‫والرقي احلضاريني‬
‫التخلّف وهذه السلبية اللذان تعانيهما أمتنا ؟‬

‫ لكن رمبا أبرزها؛ ختلي األمة العربية اإلسالمية عن‬،‫ال شك أن األسباب كثرية ومتعددة‬
‫يعرب‬
ّ ‫ وإمهاهلا لكل فكر‬،‫ثوابتها وأصالتها ورموزها خاصة يف جمال اإلبداع العلمي والثقايف‬

222 21 ‫العدد‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫عن موروثها الثقايف الرائد‪ .‬كما أن من أسباب مجود األمة العربية اإلسالمية‪ ،‬سيطرة‬
‫الفكر الالعلمي عليها مبختلف صوره وأشكاله‪ ،‬وأبرزها‪ :‬التفكري اخلرايف السحري‪،‬‬
‫والتفكري األسطوري ‪ .‬ومن امليادين اليت خضعت وما تزال ختضع هلذه األمناط من التفكري‬
‫(التاريخ )؛ فما زال الكثري منا يتناول أحداث التاريخ من منظور غري علمي‪ ،‬مبتعدا عن‬
‫النظرة العلمية يف معاجلة هذا النوع من القضااي‪ .‬ويف وضع كهذا يصبح التاريخ عرضة‬
‫للتزييف والتحريف والكذب ‪.‬‬

‫وهنا أييت احلديث عن ابن خلدون كأحد الرموز واملعامل اليت شهدها اتريخ احلضارة‬
‫العربية اإلسالمية‪ ،‬بل واحلضارة اإلنسانية عامة‪ .‬فحىت يتخلص التاريخ من التحريف‬
‫والكذب‪ ،‬البد من إخضاعه للمنهج العلمي وتناول قضاايه من منظور علمي موضوعي‪،‬‬
‫وهذا ما حاول ابن خلدون جتسيده يف حديثه عن التاريخ وحوادثه‪ .‬وابلنظر إىل أمهية‬
‫املنهج اخللدوين يف ختليص التاريخ من اخلرافة واألسطورة‪ ،‬وتناوله تناوال علميا‪ ،‬ارأتيت أن‬
‫أتناول منهج الكتابة التارخيية عند ابن خلدون‪ ،‬وحاولت من خالل هذا العمل أن أبرز‬
‫حقيقة وأمهية املنهج اخللدوين يف الكتابة التارخيية ‪.‬‬

‫يظهر جليّا لكل دراس البن خلدون وحماول اإلملام مبا كتب عنه‪ ،‬أنه عبقرية ف ّذة رمبا‬
‫معربة عن‬‫يصعب أن تتكرر‪ .‬وتظهر عبقرية هذا الرجل يف تقدميه رؤية حضارية متميزة ّ‬
‫ومتطلعا من خالهلا إىل مستقبل زاهر لألمة العربية اإلسالمية‪ .‬ومن أجل‬
‫ّ‬ ‫أصالة أمته‪،‬‬
‫ذلك حظي ابن خلدون ابهتمام كبري‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل الدراسات الكثرية هلذه‬
‫الشخصية؛ وقد أكد عبد الرمحان بدوي‪ -‬من خالل إحصائه للبحوث املختلفة اليت‬
‫تناولت ابن خلدون‪ -‬أن هناك أحبااث كثرية تناولت فكر ابن خلدون ابلدراسة والبحث‪،‬‬
‫ونذكر منها‪ :‬حتقيق مقدمة ابن خلدون من طرف د‪/‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬والعصبية‬

‫‪223‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫والدولة حملمد عابد اجلابري‪ ،‬ونصوص خمتارة من فلسفة ابن خلدون لـ‪ :‬عبد هللا شريط‪،‬‬
‫ودراسات عن مقدمة ابن خلدون لساطع احلصري‪ ،‬وغريها من الدراسات‪.‬‬

‫جتسد إبداع ابن خلدون يف ما تركه من مؤلفات وخاصة كتابه‪":‬العرب وديوان املبتدأ‬
‫ّ‬
‫واخلرب يف أايم العرب والعجم والرببر‪ ،‬ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكرب" والذي‬
‫استهلّه مبقدمة صارت تعرف "مبقدمة ابن خلدون"‪ ،‬واليت متثل كنزا ال ينضب نظرا ملا‬
‫حتتويه من أفكار وآراء متنوعة حول العمران والتاريخ والسياسة واالقتصاد والرتبية وغريها‬
‫من اجملاالت املعرفية ‪.‬‬

‫إنه ملن املؤسف حقا أن تنجب أمة مفكرا مثل ابن خلدون ‪ -،‬وهو من أروع املفكرين‬
‫يف اتريخ اإلنسانية ‪ ،-‬دون أن يرتك وراءه من أيخذ آبرائه وال أتباعا يواصلون طريقه‪ ،‬كما‬
‫هو احلال عند الكثري من املفكرين والفالسفة الغربيني‪ ،‬وهو ما دعا األستاذ دي بور‬
‫"‪"DE BOER‬إىل القول‪ <<:‬لقد سار أمل ابن خلدون من دون أن خيلفه من يتم‬
‫حبثه‪ ،‬ولكن وقع ذلك يف غري بالد اإلسالم‪ ،‬فكما أنه كان دون سلف‪ ،‬فكذلك بقي‬
‫دون خلف >>‪.1‬‬

‫من هذا املنطلق وقع اختياري على ابن خلدون‪ .‬وموضوع املقال يدور حول املنهج‬
‫اخللدوين يف الكتابة التارخيية‪ ،‬وميكن صياغة اإلشكال العام للموضوع كالتايل‪:‬‬

‫ما حقيقة منهج الكتابة التارخيية عند ابن خلدون ؟‬

‫ماهي القواعد املنهجية اليت اعتمدها ابن خلدون يف ممارسة الكتابة التارخيية ؟‬

‫ما أثر املنهج التارخيي اخللدوين على الكتابة التارخيية وعلم التاريخ ؟‬

‫‪224‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫انطالقا من األسئلة السالفة الذكر‪ ،‬فقد جاء ترتيب عناصر املقال كما يلي‪:‬‬

‫*مقدمة‬

‫‪-1‬تعريف اببن خلدون‬

‫‪-2‬التاريخ والعمران يف فكر ابن خلدون‬

‫‪-3‬قواعد الكتابة التارخيية عند ابن خلدون‬

‫‪-4‬أثر املنهج التارخيي اخللدوين على الكتابة التارخيية والتاريخ‬

‫*خامتة‬

‫‪-1‬تعريف اببن خلدون(‪732‬ه‪808-‬ه‪1332/‬م‪1406-‬م(‪:‬‬

‫أوال‪-‬نسبه‪:‬‬

‫هو عبد الرمحن أبو زيد ويل الدين ابن خلدون‪ ،‬امسه عبد الرمحن‪ ،‬وكنيته أبو زيد‪ ،‬ولقبه‬
‫‪2‬‬
‫ويل الدين‪ ،‬وشهرته ابن خلدون ‪.‬‬

‫ولد عبد الرمحن ابن خلدون بتونس يف غرة رمضان عام (‪732‬ه)‪ ،‬املوافق ل‪27 /‬‬
‫مايو سنة (‪1332‬م)‪ ،‬من أسرة ترجع إىل أصل مياين حضرمي ‪ ،‬وأن نسبها يف اإلسالم‬
‫يرجع إىل صحايب إمسه"" وائل ابن حجر" حسب ما ذكر العالمة "ابن حزم" يف كتابه "‬
‫مجهرة أنساب العرب "‪ ،‬يف سياق حديثه عن أجداد ابن خلدون‪ ،‬وقد ذكر ابن خلدون‬
‫يف" كتاب رحلة ابن خلدون"<< ونسبنا حضرموت‪ ،‬من عرب اليمن ‪ ،‬إىل وائل ابن‬
‫‪3‬‬
‫>> ‪.‬‬ ‫حجر‪ ،‬معروف وله صحبة‬

‫‪225‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫اثنيا‪-‬مؤلفات ابن خلدون‪:‬‬

‫إذا كانت البن خلدون مكانته العلمية املرموقة‪ ،‬فإن ذلك يتجلى من خالل ما تركه من‬
‫مؤلفات‪ ،‬وقد ذكرها "حاجي خليفة " يف كتابه "كشف الظنون"‪ ،529/5‬كالتايل‪:‬‬

‫أ‪ -‬تلخيص احملصل لفخر الدين الرازي‪.‬‬

‫ب‪ -‬رحلة‪.‬‬

‫ج‪ -‬شرح الرجز إلبن اخلطيب يف األصول‪.‬‬

‫د‪ -‬شرح قصيدة ابن عبدون‪.‬‬

‫ه‪ -‬شرح قصيدة الربدي‪.‬‬

‫و‪ -‬طبيعة العمران‪.‬‬

‫ي ‪ "-‬كتاب العرب و ديوان املبتدأ واخلرب يف أايم العرب والعجم والرببر " يف التاريخ‪ .‬ويف‬
‫آخر هذا الكتاب ‪ ،‬كتاب التعريف اببن خلدون ‪.4‬‬

‫اثلثا‪-‬عوامل بروز ابن خلدون‪:‬‬

‫قبل تناول موضوع التاريخ والعمران يف فكر ابن خلدون ‪ ،‬حناول الوقوف على أهم‬
‫العوامل اليت صنعت شخصية ابن خلدون وصقلت موهبته‪ ،‬وهي املمثلة يف مصادر‬
‫تكوين شخصية ابن خلدون‪ ،‬وإذا أردان أن نتتبع حياة ابن خلدون ونتأمل خمتلف جوانبها‬
‫ووجوهها ونتعرف على العناصر األساسية اليت سامهت يف صقل شخصيته ‪ ،‬استطعنا أن‬
‫نردها إىل ثالثة عوامل رئيسية وهي‪:‬‬

‫‪226‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫نشأته العربية االسالمية‪ ،‬حتصيله العلمي‪ ،‬جتاربه السياسية ‪.‬‬

‫أ‪-‬نشأته العربية االسالمية‪:‬‬

‫لقد كان عبد الرمحان بن خلدون ابن ثقافته اإلسالمية وابن بيئته العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫كما كان نبتة طبيعية للثوابت اإلسالمية‪ ،‬فلم يتجاوز ابن خلدون مثله يف ذلك مثل"أيب‬
‫حممد علي بن حزم األندلسي" أي منطلق تراثي‪ ،‬بل كان ابداعهما منبثقا من عمق‬
‫الثقافة العربية االسالمية‪ ،‬أي مستمدا من القرآن والسنة‪ ،‬اللذان يشكالن الطريق‬
‫الصحيح املوصل لإلبداع اإلجيايب‪ ،‬وعبثا من حاول أن يسلخ ابن خلدون وابداعاته عن‬
‫بيئته العربية االسالمية ويفصله عن موروثه الثقايف اإلسالمي مثل حماولة الدكتور"علي‬
‫أومليل"وغريه من املتعصبني من الغربيني‪.5‬‬

‫ب‪-‬حتصيله العلمي‪:‬‬

‫إذا كان ابن خلدون قد نشأ يف أسرة عريقة يف جمايل العلم والسياسة‪ ،‬فإن ذلك ساعده‬
‫على حمبته للعلم وإقباله عليه وكذا على سعة االطالع‪ ،‬فلم يرتكز اهتمام ابن خلدون على‬
‫جمال واحد فقط بل مشل اطالعه العديد من اجملاالت مثل‪ :‬القرآن على يد أستاذه" أيب‬
‫عبد هللا سعد حممد سعد ابن برال" ودرس العلوم اللسانية من لغة وحنو وصرف وبالغة‬
‫وأدب على أيدي بعض األساتذة مثل‪":‬أبو عبد هللا حممد بن العريب احلصايري" و "أبو‬
‫العباس أمحد بن القضار" و"أبو عبد هللا حممد بن حبر"وغريهم‪ .‬ودرس علوم احلديث على‬
‫يد" مشس الدين أيب عبد هللا الودايشي" ودرس الفقه على أيدي جمموعة من األساتذة‬
‫وأبرزهم‪":‬أبو عبد هللا حممد اجلياين" و"أبو القاسم حممد القصري" ‪ .‬كما درس العلوم‬
‫العقلية أو الفلسفية كاملنطق وما وراء الطبيعة والعلوم الطبيعية والرايضية والفلكية على يد"‬
‫أيب عبد هللا حممد بن ابراهيم اآلبلي" ‪ ،‬وجتدر اإلشارة هنا إىل أن ابن خلدون كان معجبا‬
‫‪227‬‬ ‫العدد ‪21‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫أميا إعجاب ابلعلوم الرايضية مبا مييزها من وضوح ودقة ويقني مثله يف ذلك مثل"‬
‫ديكارت" وابلتايل فقد اتبع املنهج الرايضي يف تناوله ملسائل العمران والتاريخ‪. 6‬‬

‫ج‪-‬جتاربه السياسية‪:‬‬

‫مر بنا يف التعريف اببن خلدون أنه احندر من أسرة عرفت بعراقتها يف العلم والسياسة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فقد كان لبين خلدون شأن كبري يف احلياة السياسية يف األندلس إذ سطع جنمهم يف عهد‬
‫األمري" عبد هللا بن حممد بن عبد الرمحان األموي "(‪300-274‬ه)‪ ،‬ويذكر التاريخ أن‬
‫بعض أجداد ابن خلدون مثل "كريب بن عثمان بن خلدون" وأخوه" خالد" توليا إمارة‬
‫اشبيلية مدة من الزمن‪ ،‬وقد أشار ابن خلدون إىل ذلك يف كتابه" التعريف" فقال‪<<:‬‬
‫وتوىل كرب ذلك كريب ابن خلدون‪ ،‬واستقل إبمارهتا>>؛ أي إمارة اشبيلية‪ .‬وهكذا‬
‫استم ر ابن خلدون على نفس النهج إذ عرف مبغامراته السياسية‪ ،‬فاملتتبع حلياة ابن‬
‫خلدون جيد أنه عاش حياة شهدت أجواء شديدة االضطراب كثرية العواصف‪ ،‬فرغم أن‬
‫استهل حياته بطلب العلم إال أنه ما كاد يبلغ العشرين من عمره حىت انقطع‬
‫ّ‬ ‫ابن خلدون‬
‫عن الدراسة وخاض غمار احلياة السياسية املضطربة‪ ،‬اليت كان يتميز هبا املغرب العريب يف‬
‫تلك الفرتة‪ ،‬أما عن األسباب اليت دفعته إىل ذلك‪ ،‬فهما سببان‪ :‬أوالمها الطاعون الذي‬
‫أتى على والديه ومعظم أساتذته والذي انتشر يف البالد سنة ‪749‬هـ‪ ،‬واثنيهما حب ابن‬
‫خلدون للمغامرات والتنقل بني البلدان‪.‬‬

‫يستطيع املتتبع حلياة ابن خلدون أن مييز أربعة أطوار يف حياة عبد الرمحن بن خلدون‬
‫وهي‪ :‬طور الدراسة الذي استمر حىت سن العشرين‪ ،‬وطور العمل السياسي والذي استمر‬
‫من سنة ‪752‬هـ إىل غاية سنة ‪776‬هـ‪ ،‬وطور التأمل والتفكري يف قلعة بين سالمة والذي‬

‫‪228‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫استمر مدة أربع سنوات؛ أي حىت هناية سنة ‪780‬هـ‪ ،‬أما الطور األخري فانصرف فيه ابن‬
‫خلدون إىل التدريس والقضاء ‪.‬‬

‫ما يهمنا يف هذا السياق هو طور العمل السياسي‪ ،‬والذي امتد حنو عشرين عاما‪،‬‬
‫والذي تقلّد ابن خلدون خالله عدة مناصب سياسية وخاض العديد من املغامرات‪ ،‬وقد‬
‫بدأت رحلة املغامرات السياسية بتونس حيث توىل أواخر سنة ‪751‬هـ كتابة العالمة يف‬
‫عهد" ابن اتفراكني"‪ ،‬وكانت هذه أول وظيفة تقلّدها ابن خلدون من وظائف الدولة‪،‬‬
‫لكن ابن خلدون ّفر إىل" بسكرة" ‪ -‬وهي بالد املغرب األوسط‪ -‬بعدما زحف أحد‬
‫األمراء احلفصيني على تونس‪ ،‬ويف سنة ‪756‬هـ تقرب ابن خلدون إىل" أيب عنان" الذي‬
‫حكم املغرب األقصى وزحف على املغرب األوسط واستوىل على عاصمته تلمسان‪،‬‬
‫وحينها أصبح ابن خلدون ضمن اجمللس العلمي" أليب عنان" حيث استعمله يف الكتابة‬
‫عنه‪ ،‬لكن ابن خلدون اهتم ابلتآمر ضد السلطان هناية سنة ‪757‬ه مما أدى إىل القبض‬
‫عليه و سجنه‪ ،‬ويف ذلك يقول ابن خلدون‪ <<:‬مث اعتلى السلطان آخر سبع‬
‫علي وامتحنين وحبسين وذلك‬
‫ومخسني‪...‬وكان فيما أمني إليه أين داخلته يف ذلك‪ ،‬فقبض ّ‬
‫يف اثمن عشر صفر سنة مثان ومخسني>>‪.7‬‬

‫لكن ملا تويف السلطان سنة ‪ 759‬ه أطلق سراح ابن خلدون وأعيد إىل وظيفته حيث‬
‫استمر يف مزاولتها لغاية سنة ‪764‬ه‪ ،‬وهي السنة اليت سافر فيها إىل األندلس وحتديدا‬
‫تقرب من سلطاهنا "أيب عبد هللا حممد بن يوسف بن امساعيل بن‬ ‫إىل" غرانطة" حيث ّ‬
‫األمحر" والذي اختاره سفريا بينه وبني ملك قشتاله‪ ،‬وقد جنح ابن خلدون يف أتدية هذه‬
‫املهمة حيث أصبح رجل سياسة من الدرجة األوىل‪ ،‬ويف سنة ‪766‬ه انتقل إىل" جباية"‬
‫وتوىل فيها منصب احلجابة‪ ،‬ويف الوقت نفسه اشتغل ابلتدريس جبامع القصبة‪ ،‬واستمر‬
‫ابن خلدون يف هذا املنصب‪ ،‬لكنه سرعان ما ّفر إىل" بسكرة" خوفا من سلطان قسنطينة‬
‫‪229‬‬ ‫العدد ‪21‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫الذي استوىل على جباية‪ ،‬معتمدا على صداقة تربطه بشيخها" أمحد بن يوسف بن مزين"‪،‬‬
‫فيقول يف كتابه التعريف‪ <<:‬وجاءين اخلرب بذلك‪ ،‬وأان مقيم بقصبة السلطان‪ ،‬فتفاديت‬
‫من ذلك‪ ،‬وخرجت إىل السلطان أيب العباس فأكرمين وحباين‪ ،‬وأمكنته من بلده‪ ،‬وأجرى‬
‫يف‪ ،‬والتحذير من مكاين‪ ،‬وشعرت بذلك‪،‬‬ ‫أحوايل كلها على معهودها‪ ،‬وكثرت السعاية ّ‬
‫فطلبت االذن يف االنصراف بعهد كان منه يف ذلك‪ ،‬فأذن يل بعد ألي‪...،‬وقصدت‬
‫بسكرة‪ ،‬لصحابة بيين وبني شيخها أمحد بن يوسف بن املزين >>‪.8‬‬

‫طاب اببن خلدون املقام "بـ‪ :‬بسكرة" فأستقر هبا حنو ست سنوات هو وعائلته وتعرف‬
‫خالل هذه الفرتة على بعض البوادي واملدن‪ ،‬كما احتك أبهل البوادي واألرايف وصار‬
‫خبريا يف شؤوهنم‪ ،‬وظهر ذلك جليا يف حديثه عن العمران البدوي والعمران احلضري‪ ،‬إذ‬
‫استفاد من رحالته اليت قام هبا بني مناطق بالد املغرب‪ ،‬كما أنه صاغ معرفته الواسعة‬
‫ابلبدو وبطبيعتهم ضمن نظريته عن العصبية وامللك(الدولة)‪.‬‬

‫غري‬
‫و بعد هذه الفرتة ّقرر االنتقال إىل تلمسان حيث السلطان" عبد العزيز"‪،‬إال أنه ّ‬
‫حتول إىل فاس وحدث ذلك سنة‬ ‫وجهته إىل" فاس" بعدما علم أن البالط قد ّ‬
‫‪776‬ه‪.‬وبعد مغامرات سياسية خاضها ابن خلدون ّقرر الرحيل إىل غرانطة لدى‬
‫السلطان" ابن األمحر" وكان ذلك سنة ‪776‬ه‪ ،‬لكنه عاد بعد ذلك إىل تلمسان مع‬
‫استقر هبا بعد أن أرهقته احلياة السياسية مبغامراهتا ودسائسها‪ ،‬لذلك اشتاق إىل‬
‫أسرته و ّ‬
‫حياة اهلدوء والتفكري والتأمل يف ما مر به من جتارب فقرر التفرغ للتأليف‪ ،‬ومن أجل‬
‫ذلك نزل عند أصدقائه بين عريف بقلعة بين سالمة حيث قضى مع أسرته أربع سنوات‬
‫ألف خالهلا كتاب" العرب" ‪ ،‬وظل ابن خلدون بقلعة بين سالمة إىل غاية سنة ‪780‬ه‪،‬‬
‫مث اجته بعد ذلك إىل تونس حيث عمل ابلتدريس‪ ،‬واشتغل مع السلطان" أيب العباس"‪،‬‬
‫إال أنه اهتم ابلتآمر ضد السلطان‪ ،‬مما دفعه إىل التوجه إىل القاهرة حبجة آداء فريضة احلج‬
‫‪230‬‬ ‫العدد ‪21‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫وكان ذلك سنة ‪784‬ه لكنه مل يؤد حينها فريضة احلج بل استقر ابلقاهرة إىل أن وافته‬
‫املنية هبا سنة ‪ 808‬هـ‪.9‬‬

‫وهكذا استفاد ابن خلدون من مصادر ثقافته السالفة الذكر يف تناوله ملسائل العمران‬
‫معربا عن ثقافته العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫والتاريخ‪ ،‬فجاء تفسريه للظواهر االجتماعية والتارخيية ّ‬
‫كما أنه استفاد من خمتلف العلوم اليت تلقاها يف صغره عند حتليله للظواهر اليت تناوهلا‬
‫ابلدراسة‪ ،‬ابإلضافة إىل ذلك استطاع أن يشارك يف احلياة السياسية وخيوض غمارها‬
‫ليتأملها وحيللها مث حيلق فوقها وجيعلها موضوعا للدراسة يتناوله بطريقة موضوعية‬
‫مستخلصا النواميس والقوانني اليت حتكم ظواهر االجتماع والتاريخ ‪.‬‬

‫‪-3‬التاريخ والعمران يف فكر ابن خلدون‪:‬‬

‫أ‪-‬التاريخ‪:‬‬

‫تناول ابن خلدون يف كتابه ( العرب ) موضوعني حموريني يف فكره‪ ،‬مها‪ :‬التاريخ والعمران‪،‬‬
‫وقبل توضيح العالقة بينهما يف الفكر اخللدوين‪ ،‬البد من توضيح معنييهما‪ ،‬وجتدر‬
‫اإلشارة إىل أن ابن خلدون أوضح ذلك يف مقدمة ( العرب ) ‪.‬‬

‫قبل احلديث عن عالقة التاريخ ابلعمران يف الفكر اخللدوين‪ ،‬حناول أن نلقي نظرة عن‬
‫تعريف التاريخ بشكل عام مث تعريفه عند املسلمني ومنهم ابن خلدون ‪.‬‬

‫يكاد جيمع كل الفالسفة على ارتباط مصطلح التاريخ ابإلنسان كوعي؛ ذلك ألن‬
‫االنسان وحده هو الذي ميلك اترخيا يصنعه بنفسه أو على األقل يشارك يف صنعه‪ ،‬يف‬
‫حني أن احليواانت واجلمادات ال اتريخ هلا‪ ،‬يتضح إذن أن التاريخ ميثل معطى من‬

‫‪231‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫معطيات الوجود اإلنساين ومن هنا ميكن أن نطرح جمموعة من األسئلة اليت تتعلق ابلتاريخ‬
‫وأبرزها‪: 10‬‬

‫‪ -‬ما املقصود ابلتاريخ يف أبسط تعريفاته ؟‬


‫‪ -‬ما مفهوم التاريخ عند ابن خلدون ؟‬
‫يعرف مجيل صليبا التاريخ فيقول‪ <<:‬التاريخ يف اللغة تعريف الوقت‪ ،‬واتريخ الشيء‬‫ّ‬
‫وقته وغايته‪ ،‬والتاريخ أيضا علم يبحث يف الوقائع واحلوادث املاضية(‪ )...‬وتطلق كلمة‬
‫اتريخ يف أايمنا هذه على العلم مبا تعاقب على الشيء يف املاضي من األحوال املختلفة‪،‬‬
‫سواء أكان ذلك الشيء ماداي أم معنواي كتاريخ الشعب‪ ،‬واتريخ األسرة‪ ،‬واتريخ‬
‫القضاء‪ ،‬واتريخ النوع الفالين من األحياء‪ ،‬واتريخ العلم‪ ،‬واتريخ الفلسفة‪ ،‬واتريخ‬
‫األدب‪ ،‬واتريخ اللغة اخل‪...‬وتطلق أيضا على األحوال املتعاقبة اليت مرت هبا البشرية‪،‬‬
‫فمنها ما يعرف ابألخبار والتقاليد واآلاثر كما يف علم التاريخ‪ ،‬ومنها ماال سبيل إىل‬
‫معرفته هبذه الوسائل‪ ،‬كما يف علم ما قبل التاريخ >>‪.11‬‬

‫إذا كان هناك اهتمام ابلتاريخ من قبل العرب املسلمني قبل ابن خلدون‪ ،‬إال أن‬
‫الكتابة التارخيية قبل ابن خلدون اتسمت بتغليب الرواية على الدراية؛ أي أهنا كانت‬
‫مقصورة على سرد الوقائع واألخبار دون اخضاعها للنقد والتمحيص‪ ،‬أما لدى ابن‬
‫خلدون فالتاريخ ليس جمرد سرد للحوادث‪ ،‬وإمنا هو تعليل هلا ويتجلى ذلك يف تعريفه‬
‫للتاريخ الذي ميز من خالله بني جانبني يف التاريخ مها‪ :‬الظاهر والباطن‪ .‬ويقول ابن‬
‫خلدون يف تعريفه للتاريخ‪ <<:‬إذ هو يف ظاهره ال يزيد على إخبار عن األايم والدول‪،‬‬
‫والسوابق من القرون األول‪ ،‬تنمو فيها األقوال وتضرب فيها األمثال‪ ،‬وتطرف هبا األندية‬
‫إذا غصها االحتفال‪ ،‬وتؤدي إلينا شأن اخلليقة كيف تقلبت هبا األحوال‪ ،‬واتسع للدول‬

‫‪232‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫فيها النطاق واجملال‪ .‬وعمروا األرض حىت اندى هبم االرحتال وحان منهم الزوال‪ .‬ويف‬
‫ابطنه نظر وحتقيق‪ ،‬وتعليل للكائنات ومباديها دقيق‪ ،‬وعلم بكيفيات الوقائع وأسباهبا‬
‫عميق‪ .‬فهو لذلك أصيل يف احلكمة عريق‪ ،‬وجدير أبن يع ّد يف علومها وخليق >>‪.12‬‬

‫يتضح من خالل تعريف ابن خلدون للتاريخ‪ ،‬أن هناك معنيني للتاريخ مها‪ :‬معىن ظاهر‬
‫عام‪ ،‬ومعىن ابطن خاص‪ ،‬األول يفيد أن التاريخ عبارة عن سرد روائي ينشغل به العوام و‬
‫يتكلم يف كل املواضيع دون ضوابط معلومة‪ ،‬غايته املتعة و جاذبه املبالغة لشد انتباه‬
‫املنصتني‪ ،‬أما الثاين فيفيد أن التاريخ نظر عقلي يف الوقائع ‪ ،‬و حبث يف أسباهبا املوضوعية‬
‫و كيفية حدوثها‪ .‬و أما حني نغوص الستشفاف القوانني اليت تتحكم فيها و تكمن‬
‫خلف األحداث‪ ،‬فنحن أمام جانب آخر يف التاريخ‪ ،‬فنحن أمام سنن التاريخ أو قوانينه‪،‬‬
‫و هو ما نسميه اليوم فلسفة التاريخ‪.‬‬

‫ب‪-‬العمران ‪:‬‬

‫يعترب ابن خلدون من املفكرين األوائل الذين كان هلم السبق يف تناول الظواهر‬
‫االجتماعية واليت يسميها ابن خلدون بواقعات العمران‪ ،‬والعلم الذي يدرس هذه الظواهر‬
‫يدعى بعلم العمران‪ ،‬لكن قبل تناول هذا العلم‪ ،‬حناول حتديد مصطلح العمران عند ابن‬
‫خلدون‪.‬‬

‫إن الرتمجة احلرفية الصطالح العمران هي"احلياة االجتماعية"‪ ،‬إال أن مفهوم احلياة‬
‫االجتماعية يف حد ذاته واسع ومتع ّدد املعاين والدالالت‪ ،‬لكن ابن خلدون يف املقدمة‬
‫شرح هذا املصطلح‪ ،‬إذ يقول عن العمران‪" :‬هو التساكن والتنازل يف مصر أو حلة‬
‫لألنس ابلعشري‪ ،‬و اقتضاء احلاجات‪ ،‬ملا يف طباعهم من التعاون على املعاش" ‪ .13‬وهنا‬
‫يتضح أن العمران عند ابن خلدون يعترب عمال مجاعيا حقيقيا للبشر‪ ،‬لكنه مشروط‬
‫‪233‬‬ ‫العدد ‪21‬‬
‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ابحتياجات مادية‪ ،‬كما أن العمران يشمل مجيع ظواهر اجملتمع من ملك وكسب وعلوم‬
‫وصنائع وغريها‪.‬‬

‫أما فيما خيص العلم الذي يدرس أحوال العمران فيسمى عند ابن خلدون بعلم العمران‪،‬‬
‫والذي يدل على البحوث اليت تدرس ظواهر االجتماع االنساين للكشف عن القوانني‬
‫املسرية هلا‪ ،‬وعلم العمران عند ابن خلدون يقرتب من علم االجتماع يف اصطالحنا اليوم‪.‬‬
‫ّ‬
‫إذا كان لكل علم موضوعه‪ ،‬فإن موضوع علم العمران لدى ابن خلدون يتمثل يف‬
‫الظاهرات االجتماعية أو كما مسّاها ابن خلدون يف املقدمة "واقعات العمران البشري"أو‬
‫"أحوال االجتماع اإلنساين" ويقول صاحب املقدمة‪-‬مبيّنا موضوع علم العمران يف املقدمة‬
‫‪ ": -‬وحنن اآلن نبني يف هذا الكتاب ما يعرض للبشر يف اجتماعهم من أحوال العمران‬
‫يف امللك والكسب والعلوم والصنائع" ‪.14‬‬

‫ج‪-‬عالقة التاريخ ابلعمران يف الفكر اخللدوين‪:‬‬

‫إن املتتبع للفكر اخللدوين جيد أنه يتّسم ابلشمولية؛ إذ تضمنت املقدمة العديد من‬
‫املسائل املتنوعة‪ ،‬لكن ما يهمنا يف هذا السياق العالقة بني التاريخ وعلم العمران‪،‬‬
‫وخبصوص ذلك جيب التأكيد على أن ابن خلدون مزج بني هذين اجملالني؛ إذ تداخل يف‬
‫فكر ابن خلدون علمه االجتماعي مع فلسفته يف التاريخ‪ ،‬وإذا كان املفكرون قد اختلفوا‬
‫حول ما إذا كان ابن خلدون عامل اجتماع أو فيلسوف اتريخ‪ ،‬فاحلقيقة أنه مجع بني‬
‫اجملالني؛ فاملقدمة تشمل‪-‬كما تشتمل مؤلفات "ماركس" على حد تعبري" رميون آرون"‪-‬‬
‫حبواث يف النظرية االجتماعية‪ ،‬وحبواث يف النظرية االقتصادية‪ ،‬وحبواث اترخيية‪.15‬‬

‫‪234‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫( قال هذا الكالم يف كتابه " مراحل الفكر االجتماعي ص‪ 145 :‬نقال عن زينب‬
‫حممود اخلضريي‪ /‬فلسفة التاريخ عند ابن خلدون ص‪) 77:‬‬

‫إذا كان ابن خلدون قد درس واقعات العمران أو ظواهر االجتماع اإلنساين‪ ،‬فإنه فعل‬
‫ذلك من أجل التاريخ؛ أو ابألحرى كان يهدف من وراء ذلك إىل فهم التاريخ فهما‬
‫علميا صحيحا‪ ،‬ويف هذا الصدد يقول الدكتور طه حسني‪ <<:‬إن ابن خلدون يدرس‬
‫ليفسر التاريخ >>‪.16‬‬
‫اجملتمع ّ‬
‫ومعىن ذلك أن ابن خلدون كان يسعى من خالل علم العمران إىل الكشف عن‬
‫فضل البعض‬
‫القوانني اليت ميكن استخدامها يف تفسري املاضي والتنبؤ ابملستقبل‪ ،‬وإذا ّ‬
‫تسمية علم العمران كما جاء به ابن خلدون بفلسفة التاريخ؛ فإن أبسط تعريف هلذه‬
‫األخرية هو النظر إىل الوقائع التارخيية بنظرة فلسفية‪ ،‬وحماولة معرفة العوامل األساسية اليت‬
‫تتحكم يف سري الوقائع التارخيية‪ ،‬والعمل على استنباط القوانني العامة الثابتة اليت مبوجبها‬
‫مر القرون واألجيال‪.17‬‬
‫تتطور األمم والدول على ّ‬
‫وهكذا تتضح لنا طبيعة العالقة بني علمي التاريخ والعمران البشري؛ إذ أتخذ شكل‬
‫العالقة بني الغاية والوسيلة؛ وكأن التاريخ هو الغاية وعلم العمران مبثابة الوسيلة أو األداة‬
‫اليت يتحقق هبا من صحة النظرايت التارخيية ‪ ،‬و تساعد على فهم وتفسري التاريخ بشكل‬
‫علمي صحيح ‪.‬‬

‫‪-3‬قواعد الكتابة التارخيية عند ابن خلدون‪:‬‬

‫ميكن توضيح قواعد الكتابة التارخيية عند ابن خلدون يف مجلة من النقاط هي‪:‬‬

‫‪235‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ -‬التمييز بني جانبني يف التاريخ ‪ :‬ظاهر وابطن‪ ،‬األول عبارة عن سرد للحوادث‬
‫التارخيية دون تعليل‪ ،‬أو علم ابلكيفيات‪ ،‬أما اجلانب الثاين‪ ،‬فهو تعمق يف األحداث‬
‫وفهمها وتعليلها‪ ،‬يقول ابن خلدون‪ << :‬إذ هو يف ظاهره ال يزيد على إخبار عن‬
‫األايم والدول‪ ،‬والسوابق من القرون األول‪ )...( ،‬ويف ابطنه نظر وحتقيق‪ ،‬وتعليل‬
‫للكائنات ومباديها دقيق‪ ،‬وعلم بكيفيات الوقائع وأسباهبا عميق‪ .‬فهو لذلك أصيل‬
‫يف احلكمة عريق‪ ،‬وجدير أبن يع ّد يف علومها وخليق >>‪. 18‬‬
‫‪ -‬ربط التاريخ ابلعمران وبعلوم أخرى؛ ذلك أن احلادثة التارخيية معقدة ومتداخلة مع‬
‫حوادث أخرى‪ ،‬ولذلك اشرتط على املؤرخ االطالع على فنون وعلوم خمتلفة‪ ،‬يقول‬
‫صاحب املقدمة ‪ <<: :‬فإذا حيتاج صاحب هذا الفن إىل العلم بقواعد السياسة‬
‫السري واألخالق والعوائد‬
‫وطبائع املوجودات واختالف األمم والبقاع و األعصار يف ّ‬
‫والنحل واملذاهب وسائر األحوال‪ ،‬واإلحاطة ابحلاضر من ذلك‪ ،‬ومماثلة ما بينه وبني‬
‫الغائب من الوفاق أو بون ما بينهما من اخلالف‪ ،‬وتعليل املتفق منها واملختلف‪،‬‬
‫والقيام على أصول الدول وامللل ومبادئ ظهورها‪ ،‬وأسباب حدوثها و دواعي كوهنا‪،‬‬
‫وأحوال القائمني هبا وأخبارهم‪ ،‬حىت يكون مستوعبا ألسباب كل حادث‪ ،‬واقفا‬
‫كل خرب‪ .‬وحينئذ يعرض خرب املنقول على ما عنده من القواعد‬ ‫على أصول ّ‬
‫واألصول‪ ،‬فإن وافقها وجرى على مقتضاها كان ‪ ،‬وإال زيّفه واستغىن عنه >>‪.19‬‬
‫‪ -‬حرص ابن خلدون على ضبط أسباب الغلط يف التاريخ‪ ،‬واحلث على جتنبها من‬
‫أجل جتنب تزييف التاريخ‪ ،‬يقول يف هذا السياق‪<< :‬وملا كان الكذب متطرقا‬
‫للخرب بطبيعته وله أسباب تقتضيه‪ ،‬فمنها التشيّعات لآلراء واملذاهب‪ ،‬فإن النفس‬
‫إذا كانت على حال االعتدال يف قبول اخلرب أعطته ح ّقه من التمحيص والنظر حىت‬
‫تتبني صدقه من كذبه‪ ،‬وإذا خامرها تشيع لرأي أو حنلة قبلت ما يوافقها من‬

‫‪236‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫األخبار ألول وهلة‪ ،‬وكان ذلك امليل والتشيّع غطاء على عني بصريهتا عن االنتقاد‬
‫والتمحيص‪ ،‬فتقع يف قبول الكذب ونقله >>‪.20‬‬
‫‪ -‬اعتماد ابن خلدون على مجلة من مقومات الروح العلمية؛ وأبرزها‪ :‬الروح النقدية‪،‬‬
‫املعقولية التارخيية‪ ،‬املوضوعية‪ ،‬السببية التارخيية‪ ،‬اإلميان مببدأ احلتمية‪.‬‬
‫*النزعة النقدية ‪:‬‬

‫قبل احلديث عن النزعة النقدية يف الفكر التارخيي عند ابن خلدون‪ ،‬حناول أن‬
‫نلقي الضوء على الدالالت اليت حيملها هذا املصطلح؛ إذ يعين امليل إىل ممارسة‬
‫النقد والتمحيص والشك املنهجي‪ ،‬وهذا أبرز ما يتميز به العلماء الباحثون عن‬
‫غريهم‪ ،‬فهم ال يقبلون أي شيء إال بعد إخضاعه للتمحيص والتحقق من صحته‪،‬‬
‫وهذا ما سعى ابن خلدون إىل حتقيقه يف اهتمامه ابلتاريخ ‪.‬‬
‫*املعقولية التارخيية‪:‬‬

‫<<املعقولية"‪ "LA RATIONALITE‬هي جمموع املبادئ والشروط اليت‬


‫توضع‪ ،‬داخل الثقافة االجتماعية‪ ،‬ألجل جعل فكرة ما أو فعل أو حدث شيئا قابال‬
‫للفهم والتعقل واإلدراك >>‪.21‬‬

‫جمرد مؤرخ‪ ،‬بل كان منظرا ومؤصال للفكر التارخيي داخل منظور‬
‫مل يكن ابن خلدون ّ‬
‫أراده أن يكون عقليا‪ .‬فقد نقل الفكر التارخيي من أتصيل مفهوم اخلرب يف ذاته إىل‬
‫مستوى هيكلة اخلرب داخل أطر مفاهيمية تتميّز نسبيا ابألصالة‪ .‬أي نقل الفكر التارخيي‬
‫إىل مستوى مفهمة ‪ ،-"CONCEPTUAL -ISATION"،‬املقاربة‬
‫التارخيية‪ ،‬ابالنفتاح على معطيات نظريته يف العمران البشري‪ .‬وبذلك تغريت لدى ابن‬

‫‪237‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫خلدون معايري صدقية اخلطاب التارخيي وبىن العقل التارخيي لذاته معقولية جديدة خمالفة‬
‫لنظام املعرفة الذي ساد لدى احملدثني‪[ .22‬يف عصره]‬

‫*املوضوعية‪:‬‬

‫قبل استعراض املوضوعية يف التاريخ عند ابن خلدون‪ ،‬حناول حتديد مفهوم هذا املصطلح‬
‫فيعرفها مجيل صليبايف معجمه بقوله‪:‬‬
‫كما ورد يف بعض املعاجم الفلسفية‪ّ ،‬‬
‫<< املوضوعية وصف ملا هو موضوعي‪ ،‬وهي بوجه خاص مسلك الذهن الذي يرى‬
‫األشياء على ما هي عليه‪ ،‬فال يشوهها بنظرة ضيقة‪ ،‬أو بتحيّز خاص >>‪ .23‬وهم‬
‫تقدمي ما جرى كما جرى‪ ،‬حسب ليوبولد فون رانكه ‪Leopold Von Ranke .‬‬

‫إذا كان ابن خلدون قد حاول تفسري التاريخ تفسريا علميا‪ ،‬فإن ذلك يستوجب منه حترير‬
‫التاريخ من الذاتية واخضاعه للموضوعية‪ ،‬وذلك ألن هذه األخرية تشكل مقوما أساسيا‬
‫يف العلم والبحث العلمي‪ ،‬وقد أشاد الكثري من الدارسني مبوضوعية الفكر اخللدوين‪ ،‬إذ‬
‫يقول عنه "عبد الرمحان مرحبا" أبنه كان يتمتع ابحلرية الفكرية والنزاهة العلمية؛ فكان‬
‫يسجل الوقائع مبوضوعية أخاذة ويبسط تعليله العقلي و نقده املنهجي لكل ما يتناوله من‬
‫ّ‬
‫القضااي‪ ،‬إضافة إىل أنه كان مفكرا متزان ال يصدر أحكاماجارفة وال جزافية وال مييل مع‬
‫يسجل استنتاجاته بناء على ما يشاهده من وقائع يف االجتماع‬
‫عاطفة أو هوى‪ ،‬بل كان ّ‬
‫اإلنساين‪ ( .24‬الكلمة املشار إليها مأخوذة من املرجع املشار إليه يف قائمة املراجع‬
‫واالقتباسات ) ‪.‬‬

‫*السببية التارخيية( التعليل التارخيي)‪:‬‬

‫‪238‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫قبل استعراض التعليل التارخيي عند ابن خلدون يف جمال التاريخ‪ ،‬حناول حتديد مفهوم هذا‬
‫املصطلح من خالل العودة إىل بعض املعاجم الفلسفية‪.‬‬

‫ويعرف‬
‫إن احلديث عن السببية التارخيية يقودان إىل احلديث عن السببية كمبدأ عقلي‪ّ ،‬‬
‫الدكتور مجيل صليبا السببية ( ‪ ) causalité‬بقوله‪ <<:‬هي العالقة بني السبب‬
‫ويعربون‬
‫واملسبب‪ ،‬ومبدأ السببية (‪ )principe de causalité‬أحد مبادئ العقل‪ّ ،‬‬
‫عنه بقوهلم‪ :‬لكل ظاهرة سبب أو علة‪.‬فما من شيء إال كان لوجوده سبب‪ ،‬أي مبدأ‪،‬‬
‫يفسر وجوده >>‪.25‬‬

‫يرى ابن خلدون أن الظواهر مرتبطة ببعضها ارتباط العلل ابملعلوالت‪ ،‬وينطبق ذلك‬
‫على كل الظواهر يف الكون مبا يف ذلك الوقائع االجتماعية واحلوادث التارخيية‪ ،‬ويف ذلك‬
‫يقول ابن خلدون‪ <<:‬إعلم أرشدان هللا وإايك‪ ،‬أ ّان نشاهد هذا العامل مبا فيه من‬
‫املخلوقات كلها على هيئة من الرتتيب واإلحكام‪ ،‬وربط األسباب ابملسببات‪ ،‬واتصال‬
‫األكوان ابألكوان‪ ،‬واستحالة بعض املوجودات إىل بعض‪ ،‬ال تنقضي عجائبه يف ذلك وال‬
‫تنتهي غاايته >>‪.26‬‬

‫*احلتمية التارخيية(ابملعىن النسيب)‪:‬‬

‫قبل تناول قوانني احلتمية يف الفكر التارخيي عند ابن خلدون‪ ،‬حناول حتديد مفهوم هذا‬
‫املصطلح كما ورد يف بعض املعاجم الفلسفية‪ ،‬ومنها املعجم الفلسفي ل "مجيل‬
‫عرف احلتمية بقوله ‪<<:‬احلتمية (‪ )déterminisme‬اصطالح‬ ‫صليبا"والذي ّ‬
‫يدل على معان عديدة أمهها‪:‬‬
‫فلسفي حديث ّ‬

‫‪239‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫املشخص هي القول بوجود عالقات ضرورية اثبتة يف الطبيعة توجب‬


‫‪ - 1‬احلتمية ابملعىن ّ‬
‫أن تكون كل ظاهرة من ظواهرها مشروطة مبا يتقدمها أو يصحبها من الظواهر األخرى‪.‬‬
‫اجملرد هي أن يكون للحوادث نظام معقول ترتتب فيه العناصر على‬
‫‪ - 2‬واحلتمية ابملعىن ّ‬
‫كل منها متعلّقا بغريه‪ ،‬حىت إذا عرف ارتباط كل عنصر بغريه من العناصر‬
‫صورة يكون ّ‬
‫أمكن التنبؤ به‪ ،‬أو إحداثه أو رفعه >>‪.27‬‬
‫إن القول بوجود حتمية حتكم الظواهر مبختلف أنواعها‪ ،‬يعين أن هناك نظاما اثبتا‬
‫حيكمها؛ وهذا ما يعرف ابلقوانني يف العلم‪ ،‬مع العلم أن القانون العلمي يستم ّد‬
‫قيمته من مسلّمة احلتمية ‪.‬‬
‫يتجلى استخدام ابن خلدون لفكرة القانون يف ربط التاريخ بعلم العمران‪ ،‬فقد أ ّكد‬
‫العالّمة ابن خلدون أن من أبرز أسباب الكذب يف التاريخ اجلهل بطبائع األحوال يف‬
‫العمران؛ ومعين ذلك أن واقعات العمران هلا قوانني حتكمها‪ ،‬ومعرفة تلك القوانني جتعل‬
‫املؤرخ أو الراوي يف مأمن من الوقوع يف املزالّت‪ ،‬ويف ذلك يقول صاحب املق ّدمة‪<<:‬‬
‫فالقانون يف متييز احلق من الباطل يف األخبار‪-‬ابإلمكان واالستحالة‪-‬أن ننظر يف‬
‫االجتماع البشري الذي هو العمران‪ ،‬ومنيّز ما يلحقه من األحوال لذاته ومبقتضى طبعه‪،‬‬
‫وما يكون عرضا ال يعت ّد به و ماال ميكن أن يعرض له‪ .‬وإذا فعلنا ذلك‪ ،‬كان ذلك لنا‬
‫قانوان يف متييز احلق من الباطل يف األخبار و الصدق من الكذب بوجه برهاين ال مدخل‬
‫للشك فيه >>‪.28‬‬
‫ّ‬
‫‪-4‬أثر املنهج التارخيي اخللدوين على الكتابة التارخيية والتاريخ‪:‬‬

‫ال شك وأن للمنهج التارخيي عند عبد الرمحان بن خلدون‪ ،‬أمهية ابلغة على الكتابة‬
‫التارخيية وعلم التاريخ؛ إذ نقل هذا املنهج الكتابة التارخيية من شكلها السردي األديب إىل‬

‫‪240‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫شكل جديد وهو الشكل العلمي‪ ،‬كما حول التاريخ من فن يدور حول العرب والعظات‬
‫األخالقية إىل علم قائم بذاته له‪ ،‬له موضوعه ومنهجه اخلاص به ‪.‬‬

‫كما يربز دور املنهج العلمي التارخيي اخللدوين يف إضفاء الطابع العقلي الفلسفي على‬
‫التاريخ‪ ،‬ويتجلى ذلك يف إدخال علم العمران على التاريخ‪ ،‬حىت أن من الباحثني من‬
‫يصنف مقدمة ( العرب ) على أهنا كتاب يف فلسفة التاريخ‪ ،‬وقد أشاد الكثري من الدارسني‬
‫سواء أكانوا عراب أن غربيني أبفكار ابن خلدون يف املقدمة‪ ،‬مثل آرنولد توينيب ‪.‬‬

‫رغم ما ق ّدمه ابن خلدون من مسامهة للفكر التارخيي‪ ،‬إال أنه قد أوخذ عليه أنه مل‬
‫يستطع تطبيق املنهج الذي رمسه للمؤرخني يف "املقدمة"‪ ،‬كما أنه مل يستخدم الطريق اليت‬
‫نصح هبا املؤرخني لتمييز صحيح األخبار من فاسدها‪ ،‬بل ثبت عن ابن خلدون أنه نقل‬
‫رواايت ضعيفة ليس هلا سند موثوق به‪ ،‬وهذا ما دعا املؤرخ اإلجنليزي "روبرت فلنت"إىل‬
‫القول أبن‪ <<:‬إذا نظران إىل ابن خلدون كمؤرخ وجدان من يتفوق عليه من كتّاب‬
‫العرب أنفسهم‪ ،‬وأما كواضع لنظرايت يف التاريخ‪ ،‬فإنه منقطع النظري يف كل زمان ومكان‬
‫>>‪ ( .29‬أنظر‪ :‬مجيل موسى النجار‪ ،‬علم التاريخ وفلسفته يف فكر ابن خلدون‬
‫منشورات الضفاف بريوت ‪،2013‬ط ‪ ،01‬ص ‪) 56‬‬

‫*قائمة املراجع واالقتبسات‪:‬‬

‫‪ -1‬نقال عن‪:‬الصغري ابن عمار‪ ،‬الفكر العلمي عند ابن خلدون‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪،‬اجلزائر‪،‬ط‪1981 ،3‬م‪،‬ص ‪.07‬‬
‫‪ -2‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬مقدمة املقدمة ‪ ،‬ج ‪ ،1‬دار هنضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪241‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ -3‬ابن خلدون‪ ،‬رحلة ابن خلدون‪ ،‬حتقيق حممد ابن اتويت الطاجني‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫سنة ‪2004‬م‪،‬ص ‪.27‬‬
‫‪-4‬ابن خلدون‪ ،‬رحلة ابن خلدون‪ ،‬حتقيق حممد بن اتويت الطاجني‪،‬ص ‪.04‬‬
‫‪ -5‬عبد احلليم عويس‪،‬كتاب األمة‪،‬العدد ‪،50‬وزارة األوقاف والشؤون االسالمية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬سنة‬
‫‪1996‬م‪،‬ص ‪38‬‬
‫‪-6‬زينب حممود اخلضريي ‪ ،‬فلسفة التاريخ عند ابن خلدون‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بريوت‪ ،2006 ،‬ط ؟‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ -7‬زينب حممود اخلضريي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -8‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪21‬‬
‫‪ -9‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21،22،23:‬‬
‫‪ -10‬عبد الرزاق قسوم‪ ،‬فلسفة التاريخ من منظور إسالمي‪ ،‬دار الكلمة‬
‫للنشروالتوزيع‪،‬املنصورة‪،‬مصر‪،‬ط‪1،2005‬م‪ ،‬ص‪.10:‬‬
‫‪ -11‬مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب اللبناين‪،‬بريوت‪،‬ط؟‪1982 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.227،228،229:‬‬
‫‪ -12‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقيق علي عبد الواحد وايف‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.282‬‬
‫‪ -13‬سفيتالانابتسييفا‪،‬ترمجة رضوان ابراهيم‪،‬العمران البشري يف مقدمة ابن خلدون‪،‬الدار العربية‬
‫للكتاب‪،‬ليبيا‪-‬تونس ‪ ،1978‬ص ‪.188،189‬‬
‫‪ -14‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.179،180‬‬
‫‪ - -15‬زينب حممود اخلضريي‪،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -16‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -17‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ -18‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقيق علي عبد الواحد وايف‪،‬ج‪ ،1‬ص‪282‬‬
‫‪ -19‬عبد الرمحان ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقيق علي عبد الواحد وايف‪،‬ج‪،1‬ص ‪.320‬‬
‫‪ -20‬عبد الرمحان بن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقيق علي عبد الواحد وايف‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.،329‬‬

‫‪242‬‬ ‫العدد ‪21‬‬


‫مجلة دورية دولية محكمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫‪ -21‬عبد احلق منصف‪ ،‬جملة عامل الفكر‪ ،‬العدد‪،1‬اجمللد ‪،37‬يوليو‪-‬سبتمرب‪،2008،‬اجمللس الوطين‬


‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬ص ‪69‬‬
‫‪ -22‬عبد احلق منصف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71،72‬‬
‫‪ -23‬مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪،‬ج‪ ،2‬ص ‪.450‬‬
‫‪ -24‬عبد الرمحان مرحبا‪ ،‬ي اتريخ العلوم عند العرب‪،‬منشوراتعويدات ‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1988 ،2‬ص‬
‫‪495‬‬
‫‪ -25‬مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.649‬‬
‫‪ -26‬نقال عن‪:‬حممود بن مجاعة‪ ،‬دار حممد علي للنشر‪،‬صفاقس‪ ،‬تونس‪ ،2006،‬ط‪ ،1‬ص ‪.51‬‬
‫‪ -27‬مجيل صليبا‪،‬املعجم الفلسفي‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.443‬‬
‫‪ - -28‬عبد الرمحان بن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقيق علي عبد الواحد وايف‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.332‬‬
‫‪ -29‬مجيل موسى النجار‪ ،‬علم التاريخ وفلسفته يف فكر ابن خلدون منشورات الضفاف‪ ،‬بريوت‬
‫‪ ،2013‬ط ‪ ،01‬ص ‪. 56‬‬

‫‪243‬‬ ‫العدد ‪21‬‬

You might also like