Professional Documents
Culture Documents
AJWE-Volume 2-Issue 2 - Page 21-74
AJWE-Volume 2-Issue 2 - Page 21-74
AJWE-Volume 2-Issue 2 - Page 21-74
البحر األحمر .وأن تعمل الدول العربية المطلة على البحر األحمر على إبعاد المنطقة
من االستقطاب الدولي واإلقليمي ،مهما كانت الظروف التي تدفعها لمثل هذا
االستقطاب ،والسعي للقضاء على أي أطماع دولية وإقليمية تهدد األمن القومي للدول
العربية المطلة على البحر األحمر.
المقدمة:
كان البحر األحمر وال زال أحد أهم طرق المواصالت البحرية في العالم حامال المواد
التجارية ما بين الشرق والغرب في العصور السابقة ،وحاليا التزال له الصدارة بين
أهم الممرات البحرية في العالم يحمل أهم السلع االستراتيجية بين أطراف المعمورة.
كما تحول أيضا من مجرد بحر داخلي إلى أهم شريان مائي ينقل البترول من مناطق
استخراجه في الخليج العربي وإيران وشبه الجزيرة العربية وأفريقيا إلى أوروبا
الصناعية والواليات المتحدة األمريكية والصين وآسيا وبقية دول العالم ،وبفضل
اكتشاف البترول في الخليج والجزيرة العربية وبعض دول أفريقيا المطلة على البحر
األحمر ،وبفعل االحتياج النفطي المتزايد في أوروبا وأمريكا وآسيا اصبح البحر
األحمر بمميزاته وخصائصه الجيوبوليتيكية أخطر محاور الصراع والتنافس الدولي،
ومن أهم نقاط التحكم االستراتيجية العالمية ،باعتباره طريق حيوي لنقل البترول،
ومعبر للتجارة العالمية ،وطريق مختصر لتدفق القوة العسكرية من البحر األبيض
المتوسط والبحر األسود والمحيط األطلنطي والمحيط الهندي والمحيط الهادي ،و بهذه
الميزات الجيوبوليتيكية ،ارتبط البحر األحمر بالقرن األفريقي جنوبا ،كما ارتبط بقناة
السويس شماال ارتباطا عضويا أمنيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا ،حتى أصبح محط
أنظار المخططين السياسيين والعسكريين اإلقليميين والدوليين ،ومركز اهتمام
واضعي القرار السياسي ،ومحور صراعات معقدة بين القوى الدولية المتنافسة على
النفوذ ،وكذلك القوى المحلية واإلقليمية المتصارعة حول الهيمنة والنفوذ في
المنطقة(.البرصان ،وآخرون2001 ،م .) 45 -43 :
وقد اكتسب البحر األحمر أهمية سياسية واستراتيجية و اقتصادية وعسكرية منذ
العصور التاريخية السحيقة ،حيث أن شعوب المناطق التي تسكن حوله ،عرفوا فيه
ميزة الربط بين الساحل اآلسيوي عند شبه الجزيرة العربية والساحل األفريقي عند
مصر ،ثم إلى شمال أفريقيا وعند السودان والصومال ،ومن ثم إلى قلب القارة
األفريقية ،وعرفوا فيه كذلك ميزة الربط بين المحيط الهندي جنوبا والبحر األبيض
المتوسط شماال ،كأقصر طريق للمالحة ومن ثم للتجارة ،وبالتالي نشر النفوذ
السياسي لهذه الشعوب من خالله ،والثابت وثائقيا وتاريخيا أن هذه األهمية
اإلستراتيجية والميزات السياسية واالقتصادية التي يتميز بها حوض البحر األحمر،
قد عرفت منذ أربعة آالف عام ،ولقد كانت الريادة في كشف أهمية اإلبحار عبر البحر
األحمر ترجع للعرب وللفراعنة ،التي كانت أساطيلهم البحرية تصل حتى القرن
22
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
االفريقي (الصومال وأرتيريا والسودان) ،كما أن فضل تحديد معالم المالحة في البحر
بشكل واضح يرجع للفينيقيين ،وهم المالحون المهرة في عصور ما قبل التاريخ،
خاصة خالل رحالتهم البحرية الستكشاف الشواطئ األفريقية الطويلة قبل الميالد
بأكثر من خمسمائة عام على األقل.
وخالل كل هذه المحاوالت سواء العربية أو الفرعونية أو الفينيقية لتحديد مسارات
المالحة في البحر األحمر ،فقد كان الهدف االقتصادي والسياسي واضح ومحدد عند
أولئك الذين قاموا بهذه الكشوفات لمد جسر التواصل االستراتيجي بين الشواطئ
الشرقية والجنوبية للقرن االفريقي ،ذلك التواصل الذي ما زال قائما حتى عصرنا
الحالي والذي يمثل أهمية جيوبوليتكية واستراتيجية عند صانعي القرار السياسي
ومخططي االستراتيجيات ومحركي الصراعات اإلقليمية والدولية ،ويكشف ذلك
الصراعات بين الشعوب القديمة في مصر والجزيرة العربية وسواحل أفريقيا ،وبين
دويالت العصور الوسطى ،أو بين إمبراطوريات االستعمار األوروبي في القرن
التاسع عشر ،المتمثلة في بريطانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا ،أو بين القوى العظمى
في عهد الحرب الباردة االتحاد السوفيتي (السابق) والواليات المتحدة األمريكية ،أو
في عهد األحادية القطبية الحالي في ظل صراعها مع القوى الصاعدة في عالمنا
المعاصر (.عبدالكريم1980 ،م.)158-3 :
إن البحر األحمر من مدخله الشمالي عند السويس إلى مدخله الجنوبي عند باب
المندب والقرن األفريقي ،كان والزال يلعب دورا مركزيا ومحوريا في الصراع في
هذه المنطقة الحيوية من العالم ،هذا الموقع المميز لمنطقة البحر األحمر جعلها تش ّكل
واسطة العقد والقلب النابض للعالم أجمع ،ما جعلها تجذب بصورة ملحوظة لم يسبق
لها مثيل ،اهتمام الدول الكبرى المتباينة المصالح واأليديولوجيات ،ما يرشحه ليكون
من أكثر مناطق الصراع المستقبلي المحتمل.
موضوع الدراسة وأهميته:
للبحر دور هام في حياة الشعوب والدول ،وله تأثيره على الخصائص الوطنية
للشعوب وتقرير سياساتها ،لذلك كان من الطبيعي أن تتجه إليه الدول ألسباب
اقتصادية واستراتيجية وسياسية وعلمية .وأنصب اهتمام الدول في البداية على المياه
القريب من أراضيها فأدعت مساحات أخضعتها ومواردها لسيادتها ،بينما أخضعت
فتكون في المياه القريبة من الدول ما أطلق
ّ مساحات أخرى الختصاصها ورقابتها،
عليه الجغرافيون باألقاليم السياسة للبحار والمحيطات (األعور1993 ،م.)2 :
ويبدو البحر األحمر ،بالمفهوم الجيوسياسي ،أكثر اتساعا منه بالمفهوم الجغرافي
للبحر نفسه .إذ ال يقتصر دوره على الوحدات السياسية ،التي تطل عليه مباشرة ،بل
يتعداها ليشمل الوحدات السياسية ،التي ترتبط به سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا أو
23
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
إستراتيجيا .وثمة َمن يرى أن منطقة القرن األفريقي ،تدخل ضمن نطاق المفهوم
الجيوسياسي للبحر األحمر .كما أن منطقة الخليج العربي ،يمكن أن تدخل في الحيز
الجيوسياسي لهذا البحر ،باعتبار أن معظم صادراتها النفطية تمر عبره.
وعلى هذا القياس ،يمكن القول أيضا ،إن دول أوروبا الصناعية لها عالقة جيوسياسية
بالبحر األحمر ،ألنها تعتمد على نفط الخليج اعتمادا رئيسا .وال تخرج الواليات
المتحدة األمريكية عن الحيز الجيوسياسي للبحر األحمر حيث يمر نفط الخليج ،الذي
تحتكر معظم إنتاجه وتجارته ونقله الشركات األمريكية.
ويتضح من ذلك أن النطاق الجيوسياسي للبحر األحمر متسع اتساعا ،يمكن أن يشمل
معظم الخريطة السياسية للعالم ،وذلك لعدة خصائص تميزه ،وتدفع به إلى الصدارة
من حيث األهمية الجيوستراتيجي .لهذا يُصبح من المؤكد أن أي حديث عن
إستراتيجية األمن في البحر األحمر ،يعني الحديث عن إستراتيجية كتلة جغرافية
واسعة ،تشمل البحر المتوسط والخليج العربي وبينهما البحر األحمر ،وبالتالي
يشكالن امتدادين للمحيط الهندي ،ويشكالن مع هذا المحيط حوضا أفروآسيوي
يفترض أن تعمل الدول المطلة عليه ،أن يصطبغ باستراتيجية موحدة ،مهما تباينت
أنظمتها واختلفت اتجاهاته ،تماما كما فعلت الدول األوروبية المطلة على المحيط
األطلسي الذي جعلته ركنا من أركان استراتيجياتها الغربية (األصبحي1996،م:
.)186
وللمفاهيم والعوامل الجيوسياسية دور مهم في تقييم البحر األحمر ،سواء من وجهة
نظر استراتيجيات الدول المطلة عليه ،أو من وجهة نظر القـوى اإلقليمية والعالميـة.
ويمثـل البحـر األحمـر ،بسبب كونـه محـور الربط بين قارات العالم القديم (آسيا،
وأفريقيا ،وأوروبا) والبحر األبيض المتوسط والخليج العربي والمحيط الهندي،
القطب الذ ي تتالقى فيه مصالح وأهداف هذه المجموعة الكبيرة من الدول المحلية
واإلقليمية والعالمية ،ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة ،وذات المصالح
المتقاطعة .ولهذا ،تعد مجموعة الدول المطلة على البحر األحمر قلب هذه الشبكة
المعقدة من التفاعالت .وتزداد هذه الشبكة تعقيدا ،إذا ما نظرنا إلى البحر األحمر من
ناحية ارتباط أمنه ارتباطا وثيقا بأمن البحر المتوسط والخليج العربي والمحيط
الهندي .ومن ث ّم فإن البحر األحمر ،بحكم موقعه الجيوستراتيجي ،يشكل عنصرا مهما
محط أنظار القوى الكبرى في ّ ومؤثرا في مسار تاريخ هذه المناطق ومستقبلها ،إذ إنه
العالم ،ومحور رئيس تتحرك حوله صراعاتها ،تحقيقا لمصالحها االقتصادية
والسياسية والعسكرية واإلستراتيجية بصفة عامة .كما تتالطم فيه النزاعات اإلقليمية
حول الحدود البحرية والمطالب القومية .وما زاد البحر األحمر أهمية تدفق الثروات
النفطية في منطقة الخليج العربي ،فأكسبت البحر األحمر قيمة استراتيجية كبيرة،
24
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
جعلته حلبة للتنافس بين كافة القوى المعنية بأمره (عبد الكريم1980 ،م-661 :
.)671
تُوجت األهمية الجيوستراتيجية للبحر األحمر ،باإلضافة إلى الدول المطلة عليه ،
بعملية عاصفة الحزم ،التي قادتها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع دول التحالف
العربي (قطر ،والبحرين ،والكويت ،واإلمارات ،ومصر ،واألردن ،والسودان،
والمغرب ،وباكستان ) ،من أجل تحرير الممرات المائية للبحر األحمر ومضيق باب
سوغ لهذه الحرب وأسَّس لشرعيتها من الطلب الذي المندب من النفوذ الحوثي مع ما َّ
تقدم به الرئيس عبد ربه منصور هادي ،لتدخل سعوي وعربي إلنقاذ اليمن من
االنقالب الحوثي ،باإلضافة أن عاصفة الحزم تعتبر خطوة أولية نحو وضع ح ٍّدّ
للتوسع اإليراني في المشرق العربي ،وليس حماية الشرعية اليمنية وحسب .وعلى
هذا تعبّر مشاركة خمس دول من أصل ثمان تطل على البحر األحمر ،تعبّر عن
األهمية الفائقة والحساسية العالية لهذه البقعة اإلستراتيجية.
مشكلة الدراسة:
كان البحر األحمر والزال أحد أهم النقاط الجيوستراتيجية المؤثرة على خريطة
األحداث السياسية واالقتصادية العالمية ،بدأ من عصر الفراعنة في األلف السابع قبل
الميالد ،مرورا بالعهد اإلسالمي الزاهر ،ووصوال إلى السيطرة البرتغالية ،وما تالها
من بزوغ نجم الحلفاء (بريطانيا ،فرنسا ،إيطاليا) ،وانتهاء بالتفرد األمريكي على
ممرات هذا البحر ومضائقه.
ويعد البحر األحمر كجزء من أقصر وأسرع طريق بحري بين الشرق والغرب قد
توافرت له المزايا والخصائص الجيوستراتيجية التي جعلته دائما محورا رئيسا
تتحرك حوله صراعات القوى الكبرى ومواجهاتها ومناوراتها تحقيقا لمصالحها
األيديولوجية واالقتصادية والسياسية والعسكرية ،لذا كان البحر األحمر اختزاال مثاليا
لتأريخ العالقا ت الدولية التي تقوم منذ القدم على توازن القوى بين الدول صاحبة
النفوذ (عبد الكريم1980،م.)711 :
وحين يعمد الجغرافي إلى تحليل القوة فأنه ال يغفل حقيقة مفادها أن الدولة جزء ال
يتجزأ من الخريطة السياسية للعالم ،وأن العالقات المكانية التي يمكن أن تنشأ بين
المواقع المتباعدة ،والمواضع المتباينة ،ال ينبغي أن تسقط من االعتبار أثناء عملية
تحليل القوة ،فقوة الدول ال تتوقف فقط على التفاعل الرأسي القائم بين السكان والحيّز
السياسي ،وإنما تستمد بعض أسباب قوتها أو ضعفها من التفاعل القائم بين الدول
بعضها البعض (محمود1403 ،ه.)3-2 :
من هنا نجد العناصر الجيوسياسية المتميزة للبحر األحمر أضفت عليه أبعادا
جيوستراتيجية ذات أهمية خاصة جعلت منه عامال مؤثرا في صياغة االستراتيجيات
25
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
اإلقليمية والدولية .لذا فأن دراسة هذه الظاهرة بغرض تفسير خارطة المنطقة
الجيوسياسية وابعادها الجيوستراتيجية تكتسب أهمية خاصة إذا ما أخذت في اعتبارها
التغيرات المحلية واإلقليمية والعالمية .وبما أن المفاهيم واأليديولوجيات
واالستراتيجيات واألحداث التي يصنعها اإلنسان في تغير مستمر ،كنتاج طبيعي
لتطوره ،فإن األبعاد الجيوسياسية للبحر األحمر وأهميته الجيوستراتيجية هي األخرى
في تغير مستمر.
ويعد إدراك أهمية البحر األحمر بأبعادها المختلفة ،أحد أهم األسس التي تمهد لبورة
إستراتيجية عربية تأخذ في االعتبار أمن منطقة البحر األحمر واستقرارها على كافة
األصعدة والمستويات .لكن أهمية البحر األحمر على الصعيدين اإلقليمي والعالمي،
وطبيعة وأهمية العالقات التي تربطه والدول المطلة عليه بوحدات إقليمية وعالمية
عديدة ،يحتّم أن نأخذ تلك العالقات وانعكاساتها على أمنه في االعتبار .ذلك أن نظرة
فاحصة لموقع البحر األحمر وأهميته االستراتيجية يمكن أن تؤدي إلى استنتاج أن
البحر األحمر تحيط به الدول العربية ،عدا إسرائيل المتناقضة مع الدول العربية
بهويتها ،وأرتيريا المختلفة عنها بسياساتها ،وأن أمن البحر األحمر واستقرار منطقته
يشكل ضرورة أمنية بالنسبة للدول العربية المطلة عليه .كما يرتبط عضويا بمنطقة
الخليج العربي المجاورة ،ويشكالن معا محورا إستراتيجيا ال يمكن فصل أمن أي
منهما عن اآلخر .كما يرتبط البحر أحمر قوميا بالمحيط العربي ،ويرتبط أمن كل
منهما مباشرة بأمن اآلخر ،بل إن الدول العربية المطلة عليه تعد من أكثر الدول
فاعلية في النظام العربي عامة .كما أن للدول العربية المطلة على البحر األحمر
ارتباطا جغرافيا بالدول األفريقية ،وارتباطا استراتيجيا بالدول الصناعية الكبرى
(قدورة1994 ،م.)32_12 :
أهداف الدراسة:
-2التتبع التاريخي للحضارات التي سيطرت على البحر األحمر أو جزء من أجزاءه.
-2دراسة سياسات القوى الدولية واإلقليمية تجاه البحر األحمر.
منهج الدراسة:
تتبع الدراسة المنهج التاريخي ،الذي يقوم على الوصف والتسجيل للوقائع واألحداث
أسس منهجيّة وعلميّة دقيقة،
ٍّ الماضية ،ويدرسها ويفسرها ،ث ّم يحللها استنادا إلى
الهدف منها الوصول لتعميمات وحقائق تساعد على فهم الحاضر بناء على أحداث
الماضي ،وللتنبؤ بالمستقبل.
الدراسات السابقة:
نظرا لما للبحر األحمر من أهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية على صعيد األحداث
المحلية واإلقليمية والعالمية ،وكونه أحد أهم طرق الربط البحري في العالم ،وبالتالي
26
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
تأثيره على خارطة التجارة واالقتصاد والسياسة العالمية ،مما جعله بذلك محطا
لالهتمام ،وموضوعا للبحث والتقصي والتحليل في العديد من الدراسات واألبحاث.
تتبع الس َماك (1989م) ،األوزان الجيوبوليتيكية لدول البحر األحمر العربية ،في
محاولة لتحديد المالمح المستقبلية لهذا اإلقليم ،وذلك من خالل التحليل المقارن للوضع
السياسي واإلسترتيجي بين دول هذه المنطقة ،ومناطق مشابهة لها في العالم النامي.
وقد أوضح الباحث أن المملكة العربية السعودية ومصر تشكالن نقطتي ارتكاز
متقابلتين في األمن اإلقليمي لدول البحر األحمر العربية ،فالسعودية هي مركز الثقل
المالي والنفطي ،ومصر مركز الثقل السكاني والزراعي .وقد أوصت الدراسة
بضرورة العمل على إيجاد تجمع عربي إقليمي لدول البحر األحمر بمستوى يتناسب
وأهداف األمن اإلقليمي وتعزيز األمن القومي ،باإلضافة إلى ضرورة اعتماد العمق
العربي عمقا جغرافيا للتخطيط الشامل ألمن دول البحر األحمر العربية ،وضرورة
إحداث تغيرات جوهرية في الوضع السكاني من خالل اعادة النظر في سياسات
توزيع السكان بما يكفل ضمان أمن العديد من الجزر المهجورة في البحر األحمر.
ودرس القحطاني (1419هـ) األهمية الجيوستراتيجية لمضيق باب المندب ،من خالل
الربط بين الواقع الجيوبوليتكي لمضيق باب المندب وما يدور فيه من تحوالت سياسية
باعتبار أن القيمة الجيوستراتيجية لهذا المضيق والدول المطلة عليه قد تأثرت بهذه
االحداث والتي هي نفسها بما يحيط بها من عوامل وظروف تشكل أبعاده
الجيوستراتيجية ،من خالل دراسة الخصائص المكانية لمنطقة المضيق ،مع تحليل أهم
التحوالت السياسية حول المضيق ،ودراسة التحليل الجيوستراتيجي من خالل دراسة
دول المضيق ودول البحر األحمر .وقد توصل الباحث الى أن الجمهورية العربية
اليمنية تحتل المرتبة األولى في الترتيب العام بين دول مضيق باب المندب من حيث
الوزن الجيوستراتيجي ،في حين حلّت اثيوبيا في المرتبة الثانية ،والصومال في
المرتبة الثالثة ،وارتيريا في المرتبة الرابعة ،وجاءت جيبوتي في آخر الترتيب.
وتناول القسومي (1420هـ) األهمية الجيوستراتيجية للملكة العربية السعودية بين
دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي لم تتم دراستها في السابق من الناحية
الجيوستراتيجية بصورة تفصيلية شاملة .وهدفت دراسته إلى إبراز الخصائص
الجيوستراتيجية للمملكة ،باإلضافة الى دراسة وتحليل المؤشرات الطبيعية والبشرية ،
ودور الوزن الجيوستراتيجي السياسي للمملكة في تحقيق االستقرار واألمن في
المنطقة ،من خالل تحليل المؤشرات المكونة لجيوستراتيجية هذه الدول ،وعددها 29
مؤشرا قسمت أثناء التحليل الى خمس مجموعات رئيسة وهي الطبيعية والبشرية
واالقتصادية والسياسية والنقل واالتصاالت ،حللت بواسطة بعض االساليب التحليلية
الكمية مثل :مفهوم البعد اإلقليدي ،ومقياس شكل حدود الدولة ،ومؤشر التركيز
27
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
28
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
29
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
في حين اقترحت مرشد (1985م) تشكيل مجلس عربي للدول المطلة على البحر
األحمر ،يمثل أعضاؤه خبراء في السياسة واالقتصاد والجغرافيا والشئون العسكرية،
يمكن من خالله وضع السياسات الكفيلة بتحقيق األمن القومي للدول المطلة على
البحر األحمر ،والعمل على تحقيق تلك السياسات الموضوعة فعليا وفق ما يتفق
وحاجات المنطقة ومتطلباتها األساسية .كما اقترحت أيضا تنسيق االتجاهات
والسياسات الموضوعة من قبل الدول المطلة على البحر األحمر مع بعضها البعض،
بحيث تشكل في مجموعها إستراتيجية عربية موحدة ترمى إلى هدف واحد وهو خدمة
عروبة البحر األحمر وأمنه ،وحرية المالحة فيه بما يتفق والقوانين الدولية .باإلضافة
إلى السعي مع جامعة الدول العربية في حل المشكالت السياسية والقضايا المتوترة
التي تعيشها منطقة البحر األحمر بمحاولة التقريب بين وجهات النظر المتباينة
واأليدولوجيات المتناقضة بصورة علمية ونافذة ،تجد فيها كافة االمكانات
والصالحيات التي تعمل على ح ّل تلك المشكالت السياسية.
وحلّل آل سعود (1990م) األهمية اإلستراتيجية لخليج العقبة بصفته أحد أهم
المضائق حساسية وخطورة ،من خالل التركيز على موقع وموضع خليج العقبة،
واألهمية اإلستراتيجية للخليج خالل الصراع األمريكي السوفيتي ،ثم األهمية
اإلستراتيجية لخليج العقبة من خالل الصراع العربي اإلسرائيلي ،وأخيرا ازدياد الثقل
اإلستراتيجي لخليج العقبة على ضوء المستجدات في الشرق األوسط .وقد توصل
الباحث إلى أن خليج العقبة كان وال يزال وسيظل بؤرة محتملة لتجدد الصراع العربي
اإلسرائيلي وتفجر الوضع في منطقة الشرق األوسط ،كما أن قضايا خليج العقبة لم
تعد مرتبطة فقط بقضية الشرق األوسط ،بل أنها أصبحت ذات طابع مستقل وغدت
لها ارتباطات مع قضايا إستراتيجية أخرى ،كما توصل أيضا إلى أن مؤشر األهمية
اإلستراتيجية لخليج العقبة يصعد بتفاعل الصراع ويهبط في فترات السلم.
وناقش الحمراني (1995م) ،التنافس الدولي في منطقة جنوب البحر األحمر،
والمتمثل في السيطرة العثمانية ،ثم دخول االستعمار البريطاني ،ثم المنافسة الفرنسية،
منتهيا بالسيطرة اإليطالية جنوب البحر األحمر .وذكر من نتائج الصراع االستعماري
لمنطقة جنوب البحر األحمر؛ حركة تهريب األسلحة والذخيرة األوروبية الحديثة
وازدهار تجارتها في المنطقة ،باإلضافة إلى حصول الدول المتنافسة على قواعد
بحرية أعطتها تسهيالت عسكرية في مواقع متقدمة للعمل في منطقة البحر األحمر،
وخليج عدن ،والمحيط الهندي ،وبحر العرب ،والخليج العربي ،ومكنتها من مراقبة
التحركات العسكرية في المنطقة ،وتعزيز مواقعها األمنية ،واالشتراك في االشراف
على حركة خطوط المالحة البحرية التي ال تستطيع أن تمر إال عبر مجال يخضع
جزء منه لسيطرتها ،وبذلك تكون خطوط االمدادات قصيرة وتصبح التعزيزات قريبة
المنال في أوقات الطوارئ .كما تطرق إلى إستراتيجيات إلدارة الصراع في منطقة
30
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
البحر األحمر ،من خالل عقلنة التفكير السياسي وما يتطلبه ذلك من توزيع لألدوار،
وحساب للخطوات ،وتغيير للتكتيك واألسلوب حسب ما تمليه الظروف ،بحيث تصبح
ممارسات السياسيات الخارجية أكثر فعالية وأشد ضراوة.
وعلّل األصبحي (1996م) الصراع اليمني األريتيري في المدخل الجنوبي للبحر
األحمر ،على أنه ضمن خطة الهيمنة اإلقليمية والدولية الرامية إلى استمرار الخلل في
ميزان القوى لصالح إسرائيل ،خصوصا بعد أن تمكنت على إثر أربعة حروب
عربية -اسرائيلية ،من ترويض المدخل الشمالي ،وأنه على الرغم من ظهور الحكومة
األريتيرية في واجهة النزاع مع اليمن ،إال أن حقيقة ما يجري ما هو إال استمرار
للصراع العربي اإلسرائيلي ،الذي تحرص إسرائيل على إدارته بالكيفية التي تخدم
مصالحها في مختلف الظروف وأحوال الحرب والسالم .وعلل هذا الصراع أيضا
بمحاولة القوى السياسية الكبرى إلى شدّ أطراف الوطن العربي ،كي تظل أقطاره في
حالة ضعف وانشغال يصدها عن همومها القومية الكبرى ،ويحد من حركتها في البناء
والتنمية ،وبالتالي قيام الدولة النموذجية.
قامت مسعد (1997م) ،بدراسة اإلستراتيجية اإلسرائيلية ألمن البحر األحمر من
منظور إسرائيلي ،وبينت أن هذه اإلستراتيجية موجهة أساسا لتحقيق مصالح إسرائيلية
عليا تصطدم بشكل أو بآخر كل من تلك اإلستراتيجيات أو األهداف مع نظائرها
العربية وتأتي في إطار الصراع العربي اإلسرائيلي .وهدفت الدراسة إلى تحديد أهمية
البحر االحمر بالنسبة إلى إسرائيل ،ومراحل اإلستراتيجية اإلسرائيلية في ذلك ،وآثار
الرؤية اإلسرائيلية على أمن البحر األحمر من منظور عربي ،والعوامل التي ساهمت
في هذه الرؤية ،ومستقبل الرؤية اإلسرائيلية للبحر األحمر ،واآلليات التي استخدمتها
إسرائيل لتحقيق أهدافها .وقد توصلت الباحثة إلى أن إسرائيل استطاعت تحقيق العديد
من المراحل حتى اآلن من إستراتيجيتها تجاه البحر األحمر ،وأن هذه اإلستراتيجية
تشكل بالفعل تهديدا خطيرا لألمن القومي العربي ككل وليس الدول المطلة على البحر
األحمر ،وبالتالي البد من إستراتيجية عربية مقابلة قادرة على مواجهة اإلستراتيجية
اإلسرائيلية واحباط أهدافها ،وتأمين حضور عربي فاعل.
أما الفقي (1418هـ) ،فقد تناول األبعاد الجيوستراتيجية لمحاوالت تقسيم مياه نهر
النيل ،وذلك من خالل تقديم صورة موجزة عن محاوالت القوى االستعمارية لتقسيم
مياه النيل ،ثم قام الباحث بتحليل األبعاد الجيوستراتيجية لتقسيم مياه النيل من خالل
أربعة أبعاد هي :األبعاد السياسية ،واألبعاد العسكرية ،واألبعاد االقتصادية ،وأخيرا
األبعاد السكانية .كما تطرق إلى المنظور الجيوستراتيجي لالتفاقيات الدولية ،والثنائية
الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل ،من خالل إيجاز القواعد القانونية التي تنظم استغالل
األنهار الدولية سواء في الفقه اإلسالمي أو في القوانين الدولية .وقد توصل إلى أن
31
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
الخالف بين دول المصب ودول المنبع ،حول االلتزام باالتفاقيات التي تم توقيعها أثناء
الحقبة االستعمارية ،أو بعد االستقالل ناتج بالدرجة األولى لصراعات سياسية وليس
بسبب قله المياه ،أو ازدياد الطلب على المياه لمواجهة خطط تنموية كما تدعى دول
المنبع .كما دعا الباحث إلى عقد اتفاقية جديدة لتقسيم مياه النيل ،باإلضافة إلى أخذ كل
من السودان ومصر بزمام المبادرة في عرض حاجة كل منهما من الموارد المائية،
وذلك من خالل تقديم مشروعات مدروسة لدول الحوض األخرى يتم من خاللها
مقايضة الماء بالطاقة الكهرومائية.
ورصد األغبري ( 1998م ) التفاعالت الدولية واإلقليمية في منطقة البحر األحمر،
وتأثيراتها على االستقرار في المنطقة ،وعلى خطوط المالحة البحرية ،وعلى عملية
تدفق النفط ،من خالل التعرف على أدوار القوى الدولية واالقليمية المختلفة الفاعلة في
المنطقة ،مع التركيز على الدور اليمني على اعتبار أن البعد الجغرافي لليمن بعد
الوحدة ،وإضافة البعد البشري ،والنمو النسبي في القوة اليمنية اقتصاديا وعسكريا،
كلها عوامل أهلت اليمن ألن تكون عمقا إستراتيجيا لدول مجلس التعاون الخليجي ،من
خالل مساهمة اليمن في حماية خطوط التدفق النفطي على مضيق باب المندب ،مما
عزز عالقة اليمن مع دول مجلس التعاون ،ودول حوض البحر األحمر انطالقا من
المصالح المشتركة بين اليمن وبين هذه الدول.
واستعرض حسن (1998م) ،دور البحر األحمر في الحرب العالمية األولى وأهميته
التاريخية في المالحة الدولية ودوره اإلستراتيجي في الحرب العالمية األولى
(1918 -1914م) ،وما ترتب على ذلك من انتصار الحلفاء – بريطانيا وفرنسا -على
ألمانيا وتركيا من نتائج كثيرة عالمية ومحلية بالنسبة للشعوب المطلة على البحر
األحمر ،ومن أهمها مصر والسودان ،اللتان استغلتهما بريطانيا في تحقيق أهدافها
اإلستراتيجية ،واستغالل ثرواتهما في أوقات السلم والحرب .وما تال ذلك من تغيرات
جيوسياسية في منطقة البحر األحمر نتيجة اندالع الحرب مثل الغاء السيطرة العثمانية
على مصر ،واغالق قناة السويس في وجه السفن المعادية وتحول البحر األحمر الى
بحيرة بريطانية.
وبحث ليفيبفير( )1998،Lefebvreاألبعاد العالمية واإلقليمية والوطنية الجيوسياسية
واالقتصادية للصراع بين إريتريا واليمن على جزر حنيش ،واآلثار المترتبة على هذا
الصراع على أمن منطقة البحر األحمر الجنوبية .حيث كان السبب الرئيس لهذا
النزاع هو السيطرة على الموارد البحرية ألسباب إستراتيجية واقتصادية ،وقد زاد
األمر تعقيدا تدخل القوى الخارجية في الصراع ،وكذلك دول شمال البحر األحمر،
وبالتالي تعقيد عملية التصعيد .بينما قدمت إريتريا واليمن هذا النزاع إلى التحكيم
الدولي ،وتم التوصل إلى ما يبدو أنه إجماع على أن تم ّكن فرنسا لتكون بمثابة "ولي
األمر" في المنطقة جنوب البحر األحمر.
32
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
كما قدّم الموعد ( 1999م ) ،عرضا شامال ألمن الممرات المائية العربية ،التي يأتي
من ضمنها البحر األحمر ونقاطه اإلستراتيجية المهمة ،مثل مضيق باب المندب،
ومضائق تيران ،وقناة السويس ،والقرن األفريقي ،وتحدث عن أن البحر األحمر يجب
أن يعتبر بحيرة عربية خالصة ،بحكم موقعه في قلب العالم العربي ،وقد استنتج أن
أمن الممرات المائية العربية جزء ال يتجزأ من أمن الدول العربية المطلة عليه بشكل
خاص ،والوطن العربي بشكل عام ،وقد أ ّكد أيضا أن الوقائع التاريخية للممرات
المائية كان مقدمة لتهديدات أكبر وأكثر شموال لمناطق أخرى في الوطن العربي .كما
أ ّكد على أن الدول العربية لن تستطيع منفردة الدفاع عن هذه الممرات ،سواء كانت
األسباب مرتبطة بالقوة البشرية ،أو باإلمكانات االقتصادية ،وأن األجواء الالتصالحية
السائدة بين بعض الدول العربية المطلة على الممرات المائية العربية ،سواء بسبب
خالفات الحدود ،أو ما شابه ذلك يجعل بعض هذه الدول تبحث عن دعم خارجي مما
يلبث أن يتحول إلى مصدر تهديد لهذه الممرات وأمنها .كما أقترح وضع خطة عربية
لتنمية الممرات المائية.
وأوضح قائد (2000م) ،أهم نقاط التقاطع وااللتقاء في توجهات القوى الخارجية
الرئيسة في منطقة جنوب البحر األحمر ،من خالل دراسة القوة العسكرية لكل من
الواليات المتحدة ،االتحاد السوفيتي ،فرنسا ،إسرائيل .كما أوضحت الدراسة أهم
التحوالت السياسية الرئيسة الحاصلة في منطقة جنوب البحر األحمر وانعكاساتها
على األمن القومي العربي ،من خالل دراسة متغيري انهيار االتحاد السوفيتي و بروز
الهيمنة األمريكية على الشأن الدولي ،أما على المستوى اإلقليمي فقد تم دراسة عدة
متغيرات كـحرب الخليج األولى عام 1991م ،وقيام الوحدة اليمنية عام 1990م،
وسقوط النظام العسكري في إثيوبيا 1990م ،واستقالل إريتريا عام 1993م ،وأخيرا
العدوان األريتيري على جزر أرخبيل حنيش عام 1995م ،في حين أكتفت على
المستوى المحلي بدراسة متغيري األزمة السياسية -األمنية في كل من الصومال
واليمن .وقد توصلت الدراسة إلى أن أهمية البحر األحمر اإلستراتيجية لم تكن غائبة
مطلقا عن إدراك صانعي القرار في الدول المعنية فالمبادرات في هذا المجال ابتدأت
في عام 1955م ،مرورا بميثاق جده (مصر والسعودية واليمن) في 1956م والذي
يضمن إقامة نظام أمن عربي مشترك في البحر األحمر فيما بينها .عالوة على
الدعوات التي أطلقتها دول عربية ،منها الدعوة المصرية لعقد مؤتمر عربي يهدف
إلى ضمان أمن منطقة البحر األحمر ،أثر عمليات التلغيم التي تعرضت لها المالحة
الدولية في البحر األحمر وخاصة في مداخله عام 1984م.
وشرح العنزي ( ) 2001،alanaziأن البحر األحمر كان و ال يزال ممر مائي
إستراتيجي مهم للغاية ،وبالتالي فإن األمن واالستقرار في هذه المنطقة من العالم
33
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
ينعكس على بقية دول العالم ،ويتطلب هذا من دول البحر األحمر العربية المطلة
عليه ،العتماد إستراتيجية جديدة .وهذه اإلستراتيجية لن تحقق أهدافها حتى تتغلب هذه
الدول على مشاكلها .وعدد خطوات معينة يأتي منها على سبيل المثال :الصراع
العربي اإلسرائيلي ال يزال لديه تأثير كبير على المنطقة ،حيث حاولت إسرائيل
مواجهة النفوذ العربي في البحر األحمر ومطالبتها وضع البحر األحمر تحت
اإلشراف الدولي .ولحل هذا اإلشكال اقترح العنزي إيجاد صيغة للسالم الدائم والعادل
حل بعض اإلشكاالت في البحر األحمر .كما اقترح إقامة بين الطرفين ،لكي يتم ّ
عالقات جيدة مع الدول االفريقية بشكل عام ،وتلك الدول الواقعة في القرن األفريقي
بشكل خاص.
وش ّخص البرصان ( 2001م ) األهمية اإلستراتيجية التي يمثلها البحر األحمر لألمن
القومي العربي ككل ،أو أمن الدول العربية المشاطئة للبحر األحمر على وجه
الخصوص ،وتوصل إلى رؤية متكاملة حول طبيعة االختراقات التي ت ّمت في نظرية
األمن القومي العربي في هذه المنطقة ،وحجم النجاح الذي حققته األطماع الدولية
والصهيونية في المنطقة ،وحاول رسم طبيعة تأثير البحر األحمر والعرب على
شواطئه على بنية و قواعد النظام الدولي إستراتيجيا ،وتوصل إلى مالمح رئيسة
لمشروع قومي عربي ألمن البحر األحمر ،من خالل تطوير عالقات الدول الواقعة
على طرفيه ،وتشكيل لجنة تنسيق دائمة عليا على مستوى الخبراء اإلستراتيجيين،
بحيث يكون أمن البحر األحمر ركنا أساسيا في أية إستراتيجية لتحقيق األمن القومي
العربي .وتنبأ الباحث في األجل القصير أنه من غير المتوقع أن يتوصل العرب إلى
إستراتيجية عربية لتحقيق األمن في البحر األحمر على ضوء األزمات المتتالية في
الوطن العربي ،لكنه شدد على ضرورة البدء بتنسيق توجهات السياسة الخارجية
للدول العربية المطلة على البحر األحمر ودول مجلس التعاون الخليجي إزاء القوى
الدولية ،أو حتى إزاء دول الجوار اإلقليمي.
وحلل أبو داود (2001م) ،السياسة البحرية السعودية في الخليج العربي والبحر
األحمر ،منذ تأسيسها عام 1932م ،نحو تأسيس ورسم سياسة بحرية ،من خالل
صياغة أنظمة ومراسيم وقرارات تنظم وتحكم الحدود ومناطق السيادة والوالية
البحرية السعودية ،وإبرام اتفاقات ومعاهدات ثنائية مع الدول الساحلية المجاورة ذات
العالقة .وقد خلصت دراسته ،إلى أن المملكة العربية السعودية خالل الخمسين عاما
األخيرة ،قد طورت سياسة بحرية قائمة على عدد من المعايير التي تشمل :المساواة،
والعدل ،والمصالح المشتركة .وقد نظمت هذه السياسة البحرية بهدف حماية وضمان
السيادة والمصالح األمنية واالقتصادية في مياه الخليج العربي والبحر األحمر ،وقد
كانت هذه السياسة ذات أثر ملموس في تحقيق األهداف السعودية البحرية المتمثلة في
فرض السيادة والحفاظ على المصالح االقتصادية.
34
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
كما حلل أبو داود(2003م) ،مسألة الحدود السعودية اليمنية ،تحليال موضوعيا
تاريخيا ،من خالل األسس السياسية واالقتصادية واأليديولوجية للنزاع ،والمعاهدات
الحدودية الموقعة بين البلدين ،والوسائل التي اتبعها الطرفان في إدارة نزاعهما .وقد
توصل الباحث إلى نتائج من أهمها ،تأثير حدود البلدين على المناطق المتاخمة ،وتأثر
النزاع الحدودي ببعض العوامل السياسية واأليديولوجية واالقتصادية ،واستخدام
الطرفين لوسائل مختلفة إلدارة نزاعهما ،وتكون هذه الحدود عبر مراحل تاريخية
متباينة .وخلصت الدراسة إلى أن المفاوضات المباشرة هي السبيل األمثل للوصول
مرض ونهائي ودائم بين الطرفين.
ٍّ إلى حل
وأشار الدوسري (2008م) ،لدور المملكة العربية السعودية الكبير في أمن البحر
األحمر ،مستعرضا الخصائص الجغرافية واإلستراتيجية للبحر األحمر ،والتعرف
على المتغيرات السياسية والصراعات التي حدثت في منطقة البحر األحمر والخليج
العربي ،والتي أثرت على أمنه ،كما ناقش الباحث بإسهاب الدور اإلسرائيلي في أمن
البحر األحمر ،والتعرف على جهود ودور المملكة العربية السعودية في أمن البحر
األحمر ،الذي يرتبط باألمن الوطني واألمن القومي العربي واألمن اإلقليمي وكذلك
الحال باألمن الدولي .وتوصل الباحث إلى أن البحر األحمر مع البحر المتوسط
والخليج العربي يشكلون كتلة إستراتيجية مهمة ،وهذا ما أدخله على مدى التاريخ في
إستراتيجية الدول الكبرى واإلستراتيجية األمريكية الحالية باعتبارها القوة المسيطرة
في الوقت الراهن على النظام العالمي والقائدة لعملية إعادة صياغته.
ويرى سالمة (2009م) أن أعمال القرصنة البحرية قبالة سواحل الصومال اتخذت
أبعادا متصاعدة منذ مطلع عام 2008م ،وباتت تهدد واحدة من أهم الطرق البحرية
في العالم ،ويرى أيضا أن ثمة أجندة خفية تقف وراء هؤالء القراصنة الذين ربما
أوجدوا بأعمالهم الخطيرة مبررا لتكثيف الوجود العسكري األجنبي ،رغم عدم وجود
أدلة مادية ملموسة لتورط دولة بعينها في أعمال القرصنة ،إال أن هذا ال ينفى وجود
أطراف وقوى تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من تلك الظاهرة ،يأتي على رأسها
الواليات المتحدة األمريكية ،وإسرائيل ،ثم أثيوبيا .ثم تطرق الباحث إلى موقف الدول
العربية المطلة على البحر األحمر وذكر أنه على الرغم من أن هذه الدول تعي أبعاد
هذا الخطر على أمنها القومي ومستقبلها االقتصادي ،إال أن التحركات العربية
لمواجهة ذلك لم ترق إلى مستوى هذا الحدث ،ورغم أن المصالح العربية في البحر
األحمر هي مصالح إستراتيجية تعد من أهم مقتضيات األمن القومي العربي ،إال أن
الدور تجاه أعمال القرصنة تلك ال يزال يتراوح بين الغياب والغيبوبة .وحذر من أن
أكثر الدول المشاطئة للبحر األحمر تضررا من الوجود العسكري األجنبي ،هما اليمن
والسودان.
35
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
قناة السويس والذي تمر به ناقلة كل 3دقائق ،وتستفيد مصر فائدة قصوى من عائدات
العبور لتلك البواخر التجارية وهكذا الدول األخرى مثل اليمن ،وقد أدى انتشار
ظاهرة القرصنة عند المدخل الجنوبي للبحر األحمر إلى دفع عدد من البواخر والسفن
إلى اللجوء إلى طرق أخرى عبر رأس الرجاء الصالح األمر الذي أثر سلبا على تلك
الدول المشاطئة للبحر األحمر وقد أوصى الباحث ببذل جهد إقليمي ودولي إلعادة
االستقرار للصومال ،وتسهيل المصالحة بين الفصائل الصومالية المتناحرة ،وتكوين
حكومة مركزية مستقرة تعمل على بسط األمن في الصومال حتى تتم معالجة الظاهرة
من جذورها.
في حين عدّد النصيان (1434هـ) أثر العوامل الجيوسياسية في ترسيم الحدود بين
المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية اليمنية خالل الفترة من عام 1411ه
إلى عام 1421ه ،ودورها في تسريع ترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية
والجمهورية العربية اليمنية .وقد ذكر الباحث أن أبرز هذه العوامل هي حرب الخليج
الثانية عام 1991م ،والوحدة اليمنية عام 1990م ،واكتشاف النفط والمياه الجوفية في
المنطقة الحدودية بين البلدين ،ورغبة الجمهورية اليمنية في االنضمام إلى مجلس
التعاون لدول الخليج العربية ،والتقارب السياسي بين البلدين في فترة رئاسة الرئيس
علي عبدهللا صالح ،كل هذه العوامل ساهمت في تغيير الوضع السياسي بين البلدين،
وتوجت بتوقيعهما معاهدة جدة عام 2000م.وخاصة الوضع الحدودي بينهماّ ،
من خالل استعراض الدراسات السابقة ،يتضح أن الدراسات التي تناولت البحر
األحمر أغلبها إن لم يكن كلها ،قامت بدراسة دولة من دول البحر األحمر ،أو حتى
تجمع لبعض الدول المشاطئة للبحر ،من نواحي جيوستراتيجية أو جيوسياسية ،على
خالف هذه الدراسة التي تشتمل على جميع الدول المطلة على البحر األحمر بال
استثناء وهي (المملكة العربية السعودية ،األردن ،إسرائيل ،مصر ،السودان ،إرتيريا،
جيبوتي ،اليمن) ،على عكس الدراسات السابقة التي تطرقت إلى دولة معينة من هذه
الدول ،أو تجمع لدول تجمعها مظلة إقليمية معينة .باإلضافة إلى أسلوب التعامل مع
المعطيات الجغرافية من جميع النواحي (الطبيعية ،والديموغرافية ،واالقتصادية،
والسياسية ،والعسكرية).
البحر األحمر عبر التاريخ:
منذ زمن بعيد ضارب في القدم ،جذبت البحار والمسطحات المائية اهتمام اإلنسان
كمصدر للرزق والثروات الحيّة منها وغير الحيّة ،باإلضافة إلى كونها وسيلة للنقل
والتجارة .وقد أنشئت من أجل ذلك األساطيل التجارية للتبادل التجاري ،والحربية
لحراسة السواحل ،ليتجه األمر رويدا رويدا إلى اتخاذ البحار وسيلة لبسط السيطرة
37
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
والنفوذ ،وأداة فاعلة لتنفيذ االستراتيجيات العسكرية ،واالستخدام السياسي للقوة (عبد
الوهاب1998 ،م.)29 :
البحر األحمر لم يكن استثناء من بين المسطحات المائية ،حيث احتلت منطقته أهمية
كبيرة في ساحة األحداث الدولية عبر التاريخ ،ألهميتها االستراتيجية ،والسياسية،
واالقتصادية .وبحكم كون البحر األحمر طريقا بحريا استراتيجيا ،فقد أصبح أحد بؤر
الصراع الدولي ،وجزئا هاما من االستراتيجية العالمية ،ما حفّز الدول الكبرى للسعي
إلحكام السيطرة عليه ،وإيجاد موطئ قدم فيه ،مما جعل لهذا الصراع والتدخل
األجنب ي في المنطقة وثقافتها وحضارتها األثر الكبير في حساسية هذه المنطقة منذ
األزل ،وستظل هذه األهمية االستراتيجية للبحر األحمر هي األساس كمحور للصراع
حوله .أضف إلى ذلك حالة الضعف والمشاكل اإلقليمية ،والمحلية ،والتخلف التي
تعيشها معظم الدول المشاطئة للبحر األحمر ،ما س ّهل كثيرا مهمة التدخل األجنبي في
المنطقة (محمد1993 ،م.)11 :
ويمكن للمرء أن يدرك مدى أهمية البحر األحمر بمجرد النظر إلى عدد القوى
األجنبية التي جاءت إلى المنطقة ثم غادرتها ،حيث سيطر عليه اإلغريق والرومان
والبيزنطيون والفرس والصليبيون والمغول والعثمانيون والبرتغاليون والبريطانيون
والفرنسيون واإليطاليون وأخيرا السوفييت واألمريكيون ،كل ذلك بسبب الخواص
االستراتيجية للبحر األحمر التي كانت مدعاة إلشعال المنافسة االقليمية والدولية عليه
(السلطان2000 ،م.)287 :
من المؤكد أن البعد التاريخي يعد جزءا هاما من أي دراسة علمية جادة تتناول
بالتحليل الجغرافي واقع أي ظاهرة سياسية .وبغير هذا العمق التاريخي تصبح
األحداث والوقائع المتعلقة بهذا الواقع القائم مجرد أحداث سياسية عابرة ال تخضع
للتحليل الجغرافي (محمود1403 ،ه .)49 :من هذا المنطلق كان لزاما استعراض
تاريخ الصراع الدولي للسيطرة على البحر األحمر ،والتأمل في الخلفية التاريخية لهذا
الصراع ،نظرا ألن األهمية الجيوستراتيجية التي يتمتع بها البحر األحمر لم يكتسبها
اليوم ،بل أنها ضاربة الجذور في أعماق التاريخ .باإلضافة إلى أن تناول الخلفية
التاريخية للبحر األحمر يهيئ الفرصة لتتبع أحداث المنطقة مرورا بمختلف المراحل،
ومختلف القوى األجنبية االستعمارية التي دأبت في السعي لوضع يدها على هذا
الشريان الحيوي الهام.
أحتل البحر األحمر مكانة كبيرة لدى الحضارات واألمم القديمة المجاورة له ،فقد
أطلق الفراعنة عليه أسم األخضر الهائل ،في حين ورد في كتاب العهد القديم تحت
أسم (يم سوف) ،حيث عنت كلمت (سوف) نبات البردي ،وهو ما جعل يرى أن البحر
األحمر إنما هو تحريف لكلمة ( Reed Seaبحيرة البردي) التي ورد ذكرها في
الوثائق المصرية القديمة التي ترجع إلى القرن الثالث قبل الميالد .بينما أسماه
38
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
39
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
وانتهى بانقسامها إلى شطرين :بيزنطة في الشرق ،وروما في الغرب .وقد ورثت
بيزنطة نفوذ اإلمبراطورية الرومانية في البحر األحمر ،ثم ما تاله من ظهور قوتان
جديدتان ظهرتا على مسرح األحداث حول البحر األحمر تمثلتا في اإلمبراطورية
الساسانية ،ومملكة أكسوم الحبشة المسيحية (حسن1983 ،م.)109_105 :
انتهت هذه الحقبة التاريخية بظهور اإلسالم الذي وضع حدا للتدخل األجنبي وأنتقل
مركز الثقل من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها ،حيث أحتل الحجاز الصدارة في
المرحلة األولى لإلسالم .وبعد أن دانت الجزيرة العربية لدولة المدينة المنورة،
خرجت جيوش المسلمين صوب الشرق والشمال والشمال الغربي ،وكسرت شوكة
فارس وبيزنطة ،فأصبح البحر األحمر بحيرة عربية بعد أن خضعت له كل البالد
الواقعة على سواحله الشرقية ومصر .وبما أن المسلمين األوائل لم يهتموا بركوب
البحر ،سيرا على السياسة الحذرة التي اختطها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب
(رضي هللا عنه) في التعامل معه ،فلم يهتموا بتسخيره لمصلحتهم .واستغل القراصنة
األحباش هذا الضعف فهاجموا ميناء جدة سنة 640م ،وردّ عليهم المسلمون
باالستيالء على ميناء عدول .وعندما آل األمر إلى الدولة األموية ،أمر الخليفة سليمان
بن عبدالملك بالسيطرة على أرخبيل دهلك ،لوضع حد لهجمات األحباش .ول ّما كرر
األحباش الهجمات على مدينة جدة سنة 768م ،تع ّقبهم الخليفة أبو جعفر المنصور
وقضى عليهم .من هنا نجد أن البحر األحمر أقتصر دوره خالل فترة حكم المصطفى
، وفترة الخلفاء الراشدين ،وأيضا خالل الدولة األموية على المناشط االقتصادية،
وحمل البريد ،ونقل الحجيج من الساحل اإلفريقي للبحر األحمر إلى شرقه.
ومع قيام الدولة العباسية انتقل مركز الثقل التجاري من البحر األحمر إلى الخليج
العربي والهالل الخصيب ،وبهذا استرد الطريق الشرقي أهميته بعد الركود الذي
أصابه أثر الحروب التي اجتاحت المنطقة بين الفرس والبيزنطيين والمسلمين،
وصارت بغداد حاضرة العالم اإلسالمي سياسيا وتجاريا ،وبذلك تقلص الدور الهام
الذي كان يلعبه البحر األحمر في تجارة الدولة اإلسالمية .وبعد سقوط الدولة العباسية،
انتقلت السيطرة على البحر األحمر إلى الدولة األيوبية ،التي وقع على كاهلها عبء
مكافحة الخطر الصليبي ،حيث أصبح البحر األحمر أحد جبهات ذلك الصراع ،والذي
أنتهى بسيطرة األيوبيين على البحر األحمر ،ثم إلى المماليك من بعدهم (سالم،
1993م.)13_12 :
وبعد ان ورث العثمانيون أمالك الدولة المملوكية ،تنبهوا إلى خطر البرتغاليين في
البحار الشرقية بوجه عام وفي البحر األحمر بوجه خاص .وقد زاد من خطورة
البرتغاليين في نظر العثمانيين تحالفهم مع الشيعة الصفويين في إيران ،والذين كانوا
على عداء مذهبي مع الدولة العثمانية .كما حرص العثمانيين على الدفاع عن األماكن
المقدسة في الحجاز من خالل السيطرة على البحر األحمر وجعله بحيرة إسالمية تدين
40
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
لهم .وقد تحقق لهم ذلك الهدف من خالل السيطرة على اليمن ،التي تعتبر منطقة دفاع
هامة عن حدود اإلمبراطورية العثمانية من ناحية الجنوب ،بحكم إشرافها على مضيق
باب المندب .واستطاعوا بذلك ضمان سالمة األماكن المقدسة في الحجاز ،وأن
يتحكموا في البحرين األحمر والعربي ،فضال عن موطئ صالح للوثوب على البحرية
البرتغالية في البحار الشرقية ،وتطويق اعدائهم الشيعة الصفويين في إيران من
الجنوب .وقد مدّت الدولة العثمانية سيطرتها على الموانئ الهامة على الساحل
األفريقي للبحر األحمر وهي سواكن ،وعقيق ،ومصوع ،وزيلع ،وعصب ،وذلك من
خالل تعاونها مع الممالك اإلسالمية المحيطة بهضبة الحبشة (أباظة1976 ،م.)49 :
وبذلك تحول البحر األحمر بشاطئية اآلسيوي واإلفريقي إلى بحيرة إسالمية عثمانية،
إلى أن تعرض إلى مطامع الدول األوروبية االستعمارية في خضم الصراع الدولي
للسيطرة على البحار الشرقية ،والمواقع الحساسة فيها بهدف تأمين مصالحهم
االقتصادية والعسكرية ،وتأمين اتصالهم بمستعمراتهم في الشرق.
البحر األحمر والقوى الدولية:
منذ أقدم العصور والبحر األحمر يعد شريانا حيويا للمواصالت ،ووسيلة للتبادل
التجاري والحضاري بين البلدان المطلة عليه من جانب ،وبين البلدان األخرى من
جانب آخر .ومع اتساع نطاق التبادل التجاري خارج النطاق المحيط به ،وبخاصة بين
الشرق والغرب ،ازدادت أهمية هذا البحر ،وتطلعت الدول التجارية للسيطرة عليه
كطريق حيوي لنشاطها التجاري الذي أصبح يمثل عصب حياتها االقتصادية.
وازدادت أهمية هذا الشريان البحري بعد فتح قناة السويس في السابع عشر من نوفمبر
سنة 1869م ،فاسترد البحر األحمر اهميته التاريخية كأقرب طريق يربط الشرق
بالغرب ،ما دعا إلى تسابق ساخن بين الدول األوروبية االستعمارية للحصول على
مراكز نفوذ لها في المناطق المطلة على البحر األحمر وذلك لكي تحمي مصالحها
السياسية والعسكرية واالقتصادية (بريك2001 ،م .)103 :وفيما يلي نستعرض أبرز
هذه المحاوالت االستعمارية:
البرتغال:
عمل البرتغاليون على تطوير سياستهم االستعمارية في أواخر القرن الخامس عشر
وأوائل القرن السادس عشر من خالل الكشوف الجغرافية فيما وراء البحار ،بقيادة
الرحالة فاسكو دا قاما الذي قام برحلته حول رأس الرجاء الصالح سنة 1497م ،ثم
إلى الهند رغبة في احتكار التجارة الشرقية ،والسيطرة على مصادرها األصلية،
وإقامة حكومة استعمارية في بالد المشرق .كما ف ّكر البرتغاليون في إغالق المنفذين
الرئيسيين للبالد العربية المتصلة بمياه المحيط الهندي في وجه التجار والمالحين
العرب والمسلمين ،وهما مضيق هرمز على مدخل الخليج العربي ،ومضيق باب
41
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
المندب على مدخل البحر األحمر ،كما ف ّكروا في اتخاذ مدينة عدن كقاعدة عسكرية
تمر من خالله التجارية األوروبية عبر السويسللدخول إلى البحر األحمر الذي كانت ّ
فالقاهرة واإلسكندرية وانهاء بأوروبا .وال شكل أن تفوق البرتغاليين العسكري كان
عامال أساسيا في تطور موقفهم السريع أثناء تلك الفترة ،حيث كانوا يمتلكون سفنا
حربية مزودة بالمدافع ،وهي أسلحة لم تكن معروفة ذلك الحين في الهند أو حتى في
البلدان المطلة على البحر األحمر .وقد أدى تحول التجارة العالمية إلى الطريق
البحري المباشر حول رأس الرجاء الصالح ،إلى حرمان الشعوب المطلة على البحر
األحمر من مصدر هام من مصادر ثروتهم مما أدى إلى انهيار اقتصادياتهم ونظمهم
السياسية التي كانت قائمة في ذلك الحين (أباضة1976 ،م.)37 :
الدافع االقتصادي لم يكن الدافع الوحيد لمحاولة البرتغاليين السيطرة على البحر
األحمر حيث كان الهتمام البرتغاليين بالبحر األحمر دافعا دينيا ،حيث أنه يطل على
األماكن اإلسالمية المقدسة في الحجاز ،ورغبتهم الشديدة في تدمير مدينتي مكة
المكرمة والمدينة المنورة ،وذلك لتحقيق اهداف صليبية من ناحية ،ولتثبيط المقاومة
التي يلقاها البرتغاليون من ناحية أخرى وقطع االتصال بين دولة المماليك غربا ،وبين
مسلمي الهند شرقا .وقد حقق البرتغاليون أرباحا طائلة من وراء تجارة الشرق ،حيث
وصلت هذه األرباح أحيانا إلى خمسة أضعاف تكاليف الحمالت التي كانوا يرسلونها،
وأدت هذه األرباح إلى قيام نشاط رأس مالي كبير في البرتغال وفي غرب أوروبا
(محمود1986 ،م.)137 :
وبتوالي استخدام البرتغاليين للطريق البحري إلى الهند ،تبين للبرتغاليين ضرورة
تجول بعض سفن االسطول البرتغالي أمام مدخل البحر األحمر ،وتدمير السفن ّ
العربية التي تحاول الخروج منه ،وكذلك السفن العربية التي تتجول في المحيط
الهندي .وقد كان للوجود البرتغالي في مياه المحيط الهندي أثرا ضاغطا على التجار
العرب في بحر العرب والموانئ الواقعة على ساحل الهند الغربي ،وازداد ذلك
الضغط بمضي الوقت ،وأصبح البرتغاليون من أخطر المنافسين في المنطقة ،خاصة
وأن هدفهم النهائي هو القضاء كليا على طرق التجارة العربية ،ولذلك حاولوا جهدهم
وبوضوح تام وقف سير التجارة الشرقية بين الهند والبحر األحمر .وكانت تلك
المحاوالت تتطلب وقفة صلبة من التجار العرب الذين سيطروا على تلك التجارة
الهامة فترة طويلة (عبدربه1981 ،م.)111 :
في هذه األثناء بدأ العثمانيون ينفذون جزءا من خطتهم العامة في البحر األحمر ،والتي
هدفت إلى مواجهة البرتغاليين هناك ،كما أنهم بدئوا يمدون نفوذهم المباشر إلى اليمن
وسواحله الجنوبية ،وعززوا ذلك بأرسال عدد من الحمالت البحرية عام 1526م،
ولكن كان من البديهي أن ال تقف جهود العثمانيين في البحر األحمر عند هذا الحدّ،
خاصة وأن النفوذ العثماني حين ذاك أمتد إلى سواحل الخليج العربي الشمالية،
42
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
فأصبحوا بذلك وجها لوجه أمام البرتغاليين ،وتطلب األمر من العثمانيين اتخاذ موقف
مماثل في المياه العربية الجنوبية ( محمود1986 ،م .) 144 :وعمل العثمانيون على
دعم قواتهم البحرية في البحر األحمر ،وأخذت وحدات األسطول العثماني تجوب
بصفة منتظمة جنوب البحر األحمر وباب المندب ،منعا ألي اتصال يتم بين
البرتغاليين في الهند واألحباش .وفي نفس الوقت عزز العثمانيين قواتهم في اليمن
لتشديد ق بضتهم على أرجاء اليمن وخاصة سواحلها .واتخذ العثمانيون من اليمن عامة
وعدن خاصة قاعدة عسكرية لضرب المراكز البرتغالية في شرقي الجزيرة العربية،
وللسيطرة على البحر األحمر (محمود1986 ،م.)149 :
أما من ناحية البرتغاليين فقد شعر هؤالء بخطورة اإلقدام على مثل هذا المشروع مرة
أخرى حتى ال يعرضوا أساطيلهم للدمار في داخل البحر األحمر ،الذي أصبح حينئذ
بمثابة بحيرة عثمانية ،ولذلك ر ّكز البرتغاليون جهودهم بعد ذلك في الحبشة توطئة
لعمل مشترك كبير في داخل البحر األحمر ولكن منيت جهودهم بالفشل بسبب خشية
ملك الحبشة أن يؤدي تحالفه مع البرتغاليين إلى مهاجمة القوات العثمانية لبالده ،أو
التدخل في تعيين رئيس أساقفة التي كانت كنيستها تتبع كنيسة اإلسكندرية وهو الذي
يعين رئيس أساقفة الحبشة .كما خشي ملك الحبشة أن يؤدي نشاط العثمانيين في
المنطقة إلى إثارة القالقل في الحبشة من ناحية االمارات الحبشية المسلمة .ولهذا فضّل
األحباش عدم عقد اتفاقيات محددة مع البرتغاليين ،بل إن األمر وصل بهم إلى درجة
التبرؤ من مبعوثهم الخاص في بالط ملك البرتغال (عبدربه.)120 :1981 ،
وهكذا فعلى الرغم من محاوالت البرتغاليين المتكررة االستيالء على مواقع
استراتيجية على سواحل البحر األحمر للقضاء على السيطرة اإلسالمية على مياهه،
والوصول إلى األماكن المقدسة اإلسالمية في الحجاز لتدميرها والقضاء على الدين
اإلسالمي ،فإنهم لم يستطيعوا الوصول إلى هدفهم بسبب الجهود التي بذلها المماليك
في البداية ،ثم خوف األحباش من التحالف مع البرتغاليين ،وفي النهاية ظهور األتراك
العثمانيين كقوة إسالمية كبيرة يُخشى خطرها في مياه البحر األحمر .وختام القول هنا
أن دولتا العثمانيين والبرتغاليين كنا هما المسيطرتان في منطقة البحر األحمر طيلة
القرن السادس عشر الميالدي ،بعد أن أسفر صراعهما الطويل عن هيمنة العثمانيين
كليا على البحر األحمر ،الذي أغلقوه في وجه كافة السفن غير اإلسالمية ،في حين
سيطر البرتغاليون على المحيط الهندي ومعظم الخليج العربي.
بريطانيا:
القرن السابع عشر الميالدي حمل إلى منطقة البحر األحمر تطورات عديدة ،كان
أظهرها وصول قوى أوروبية جديدة جاءت من أقصى الغرب األوروبي متتبعة آثار
البرتغاليين ،ومنافسة لهم في سيطرتهم على تجارة الشرق ،وكان أبزر هذه القوى
43
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
بريطانيا ،التي احتلت مدينة عدن عام 1839م ،ومصر عام 1882م ما جعلها تسيطر
على منفذي البحر األحمر من الشمال والجنوب .كما أن انفرادها بحكم السودان في
ظل اتفاقية الحكم الثنائي عام 1899م ،وسيطرتها على زيلع وبربرة قد مكنها من
السيطرة على الساحل الغربي للبحر األحمر تقريبا ،فيما عدا بقعة صغيرة جنوبي هذا
الساحل تطل منها مستعمرة إرتيريا اإليطالية على هذا البحر ،فيما كان الساحل
الشرقي للبحر األحمر يخضع لسيطرة الدولة العثمانية ،عدا مدينة عدن .ولم تكن
بريطانيا تخشى قوة الدولة العثمانية في هذا البحر ،بقدر خشيتها من قوة حليفتها
ألمانيا ،السيما بعد التقارب الكبير الذي تم بين المانيا والدولة العثمانية في السنوات
القالئل التي سبقت قيام الحرب العالمية األولى ،والتي قد تتخذ من ممتلكات األتراك
على سواحل البحر األحمر الشرقية مراكز تموين ألسطولها في طريقة إلى
المستعمرات األلمانية في شرق إفريقيا ،ونقط ارتكاز ووثوب على المصالح
البريطانية في البحر األحمر (عبد الكريم1890 ،م.)490 :
وفي مطلع القرن التاسع عشر لم تكن بريطانيا في وضع يمكنها من احتالل أجزاء
كبيرة في المناطق المحيطة بالبحر األحمر ،لخشيتها كما ذكرنا سلفا من استعداء
الدولة العثمانية من جهة ،وقصور وسائلها وإمكانياتها عن استيعاب مزيد من
المستعمرات من جهة ثانية ،باإلضافة إلى أن الثورة الصناعية وما واكبها من زيادة
الحاجة إلى المواد الخام وإيجاد األسواق لتصريف فوائض اإلنتاج لم تكن قد بلغت
أشدها بعد .لذلك اتجهت سياستهم في المناطق المحيطة بالبحر األحمر إلى السيطرة
على بعض النقاط االستراتيجية الهامة في المنطقة التخاذها مراكز انطالق وهيمنة
على باقي المناطق التي تريد السيطرة عليها ،وبدأوا ذلك باحتاللهم لجزيرة ميون
(بريم) في مضيق باب المندب ،للسيطرة على حركة العبور فيه وأتبعوها بوضع
حاميات لهم في كل من عدن ومسقط .وكان خروج الفرنسيين من مصر وانهزامهم
بعد ذلك في معركة واترلو ،مدعاة لتراخي الجهور البريطانية إليجاد مراكز ارتكاز
أخرى محصنة على طول شواطئ البحر األحمر ،غير أن ظهور محمد علي وما كان
يرمي إليه من إكمال سيطرته على كافة شواطئ الجزيرة العربية وإحياء الطريق
البحري القديم ،واجتذاب المالحة من رأس الرجاء الصالح إلى البحر األحمر ،كان
حافزا لتجديد النشاط البريطاني لتحقيق هدفهم السابق كي يكونوا في وضع يمكنهم من
الضغط على المصريين والحد من توسعهم .وكان لعودة الفرنسيين إلى ميدان
المنافسة ،ووجود جيوش مصر في الجزيرة العربية ،إضافة إلى أن بريطانيا كانت
تعتبر محمد علي ُمنفّذا للسياسة الفرنسية في المنطقة ،ما ش ّكل حافزا للبريطانيين
لمضاعفة جهودهم ودعم وجودهم في المناطق المحيطة بالبحر األحمر ،وتأمين قاعدة
رئيسية لهم فيها يتمكنون من خاللها من مراقبة وردع النشاطات المنافسة .وأخذوا
يقومون ببعض االتصاالت مع شيوخ القبائل والزعماء العرب المحليين على سواحل
44
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
البحر األحمر والجزيرة العربية تمهيدا لتحقيق غرضهم في إيجاد تلك القاعدة .وانتهت
تلك الجهود بالسيطرة على مدينة عدن عام 1839م (جردات1986 ،م-146 :
.)147
افتتاح قناة السويس عام 1869م ،كان نقطة تحول هامة في تاريخ البحر األحمر
السياسي واالقتصادي ،وتاريخ االستعمار .اذ م ّكنت القناة الدول األوربية االستعمارية
من إرسال حمالتها الحربية عن طريقها إلى آسيا وأفريقيا إلخضاع بالد الشرق ،بدال
من إرسالها عن طريق رأس الرجاء الصالح ،ذلك الطريق الطويل الذي يستغرق
جهدا ووقتا أطول بكثير مما تستغرقه قناة السويس .وهذا األمر أثار قلق بريطانيا بعد
تردد السفن األوروبية لميناء عدن ،الذي ساهمت قناة السويس في ازدهار الحركة
التجارية فيه بشكل ملحوظ .كما أثيرت تكهنات كثيرة حول أهداف ونوايا الدول
االستعمارية المختلفة في منطقة البحر األحمر ،بسبب وصول بعض السفن الحربية
إلى ميناء عدن ،من بينها سفن فرنسية ونمساوية وهولندية وإسبانية ،إلى جانب
الشكوك التي أثيرت حول تردد السفن المصرية إلى المنطقة ،ولذا أصدر المقيم
البريطاني في عدن عام 1870م تعليماته إلى قادة السفن البريطانية لمراقبة تحرك
السفن األوروبية العابرة في البحر األحمر وخليج عدن والمدخل الجنوبي للبحر
األحمر للتعرف على أهدافها الحقيقية .كما كان افتتاح قناة السويس نقطة تحول هامة
في تاريخ التجارة العالمية ،حيث زاد التبادل التجاري بين دول أوروبا والشرق
األقصى .كما أثّر كذلك على التوازن االقتصادي بين الدول األوروبية تأثيرا يمكن
مالحظته في المناطق المطلة على البحر األحمر ،فبالرغم من معارضة الحكومة
البريطانية إلنشاء القناة ،وبالرغم مما كان للدور الفرنسي في إنشاء القناة ،فإن
المالحة فيها كانت منذ افتتاحها بريطانية غالبا ،إذ مثلت المالحة التجارية البريطانية
في العقدين األولين من عمر القناة نحو ، %75ولم تقل النسبة بعد ذلك في أي عام
حتى نهاية القرن عن ، %70وقد كان من الطبيعي أن تكون السفن البريطانية أكثر
السفن العابرة لقناة السويس باعتبار أنها أكبر دولة استعمارية تضم أكبر أسطول
بحري تجاري آنذاك ( العيسى2001 ،م .) 486_485 :
واستمرت بريطانيا خالل فترة الحربين العالميتين األولى والثانية في بسط نفوذها
على جميع المناطق المحيطية بالبحر األحمر تحقيقا الستراتيجيتها وما تمليه عليه
مصالحها بإتباع السياسة التي أطلقت عليها (سياسة شرق السويس) ،والتي ارتكزت
على مبدأين رئيسيين هما إقامة نفوذ غير مباشر في المنطقة للمصالح الغربية،
وحماية تلك المصالح عسكريا دون الحاجة لالحتفاظ بقواعد عسكرية غربية في دول
المنطقة ووسط شعوبها الثائرة على الوجود األجنبي .وكانت بريطانيا تهدف من خالل
تنفيذها لتلك السياسة إلى االعتماد على نفسها في المحافظة على مصالحها التي كانت
45
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
تتعرض للمنافسة األمريكية منذ الحرب العالمية الثانية .واستمرت بريطانيا بعد
الحرب كما كانت قبلها ،الدولة ذات الوجود األقوى في منطقة البحر األحمر ،التي
تستطيع بواسطة قواعدها االستراتيجية المقامة على مداخله ،وأسطولها الذي يجوب
مياهه ،فرض هيمنتها عليه وتهديد أي قوة تقوم على سواحله ،وتومن من خالل ذلك
طريقها البحري والبري إلى مستعمراتها في الشرق .غير أن حقائق ما بعد عدوان
1956م وعلى رأسها عجز بريطانيا عن حماية مصالحها ومصالح الغرب
االستعماري أمام زحف روسيا والصين نحو الجنوب ،وكون أمريكا هي الدولة
الغربية الوحيدة القادرة على وقف أو مقاومة الزحف نحو البحر األحمر ،دفع
ببريطانيا إلى انتهاج سياسة جديدة في منطقة شرق السويس سمتها سياسة التكامل
العسكري مع الواليات المتحدة ،وتقوم على ضرورة قيام تعاون وثيق بين العسكرية
األمريكية والبريطانية للدفاع عن المصالح الغربية ،وذلك من خالل إشراك الواليات
المتحدة في إدارة واستعمال القواعد البريطانية في المنطقة .وسجلت السياسة آنفة
الذكر النهاية لبريطانيا كدولة ذات قوة ونفوذ فيما وراء البحار ،وأصبحت الواليات
المتحدة األمريكية وريثتها الشرعية في تلك المناطق لتتمكن من الوقوف في وجه
التوسع السوفييتي في منطقة المحيط الهندي ،والذي بدأ يشهد عنفوانه منذ نهاية العقد
السابع في القرن العشرين .وهكذا لم يعد لبريطانيا في منطقة البحر األحمر والمحيط
الهندي وجود عسكري اطالقا إال ذلك الوجود الرمزي المشارك للوجود األمريكي في
قاعدة دييجوجارسيا ،وتلك المعاهدة التي تربط بينها وبين حكومة دولة جنوب أفريقيا،
والتي تسمح ببعض التسهيالت للسفن البريطانية في موانئها ،بعد أن كانت مياه البحر
األحمر والمحيطين الهندي واألطلسي تمتلئ بالسفن البريطانية الحربية والتجارية،
التي كانت تحمل البضائع إلى الجزر البريطانية من مستعمراتها الشرقية ،بحيث كانت
توجد سفينة شحن ترفع علم بريطانيا عند كل 25ميال حول سواحل أفريقيا وحتى
الجزر البريطانية ( جرادات1986 ،م .) 225 :
46
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
شكل رقم ( )1-2خريطة االستعمار االوروبي في المناطق المطلة على البحر األحمر
المصدر من اعداد الباحث اعتمادا علىhttp://www.atlasofbritempire.com :
47
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
فرنسا:
ظلّت المناطق المطلة على البحر األحمر بمنأى عن االهتمام األوروبي ،حتى قدوم
الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م ،حيث لم يكن هناك ما يجذب األطماع
األوروبية منذ فَ َقدَ الطريق البري عبر الشرق األدنى أهميته ،بتحول طرق التجارة
األوروبية إلى الطريق البحري الجديد حول رأس الرجاء الصالح ،ولم تكن المصالح
األوربية التي تزايدت منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري ،الثامن عشر
الميالدي ،قد وصلت إلى حد التصادم بين القوى الكبرى السيما فرنسا وبريطانيا .وال
يلغى ذلك أن الصراع بين فرنسا وبريطانيا حول مستعمرات الشرق ،قد بدأ قبل فترة
الحملة الفرنسية على مصر ،وإنما لم يكن حول طريق البحر األحمر ،بل كان حول
طريق رأس الرجاء الصالح والمحيط الهندي ،وكذلك بعض المناطق الهامة في الخليج
العربي ،ولذا لم يكن الصراع بين هاتين الدولتين واضح المعالم في منطقة البحر
األحمر إلى الدرجة التي تدفع بها الحكومتين الفرنسية والبريطانية إلى اتخاذ التدابير
والسياسات الفاعلة لحماية مناطق نفوذها في مناطق الشرق عامة ،ومنطقة البحر
األحمر خاصة ،بل يمكن القول أن الصراع والتنافس بين فرنسا وبريطانيا ،ونظرة
كل منهما للبحر األحمر كطريق مؤدي إلى الهند والممتلكات الشرقية لم تكن واضحت
تماما حتى مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر( العيسى2001 ،م .) 41 :وقد بدت
نوايا فرنسا إزاء طريق البحر األحمر واضحة بجالء ،من خالل التصريحات التي
ادلى بها قنصلها في مصر ( ماجلون ) ،في الخامس من يونيو من سنة 1795م ،
والذي عبّر فيها عن أهمية البحر األحمر بالنسبة لفرنسا بقوله أنه إذا أصبح الفرنسيون
سادة البحر األحمر فأنهم يستطيعون أن يهددوا مصالح البريطانيين وأن يطردوهم من
الهند .فعن طريق السويس في الفترة المناسبة من العام ،يمكن إرسال عدد من القوات
الفرنسية إلى الهند ،بواسطة عدد قليل من البواخر ،وال يحتاج الجنود الفرنسيون في
هذا الطريق أن يبقوا في البحر أكثر من ستين يوما ،بدال من طريق رأس الرجاء
الصالح ،الذي يستغرق حوالي ستة شهور ،وعن طرق السويس لن يكون الفرنسيين
معرضين لخسارة أكثر من %1من رجالهم ،بينما خسائرهم في الطريق اآلخر لن
تقل عن %10بأي حال من األحوال (أباظة1976 ،م.)79 :
وعلى هذا اعتبرت الحملة الفرنسية على البحر األحمر ومصر ،أحد أهم المنعطفات
الحادة في تاريخ البحر األحمر ،إذ أنها قلبت الموازين الدولية االستراتيجية في
المنطقة ،ونبّهت الدول األوروبية إلى أهمية هذا البحر ،والتي فقد بعضا منها لفترة من
الزمن ،وصارت تلك الدول تنظر إليه بعين األهمية كمعبر هام بين الشرق والغرب
يمكن ألي قوة تستطيع السيطرة على بعض مراكزه ،أن تنشأ لها نفوذا ومصالح
واسعة حول البحر األحمر وخارجه ،أي أن الحملة الفرنسية أعادت ظهور منطقة
البحر األحمر كمنطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة للقوى العظمى ،بل يمكن القول أن
48
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
هذه الحملة قد ابتدأت حقبة من الصراع االستعماري بين فرنسا وبريطانيا في مصر
والبحر األحمر ،شجّعت كال الطرفين على تبني سياسات معينة إزاء تدعيم نفوذها في
المنطقة ،واستمرت هذه السياسات تقريبا طوال القرن الثالث عشر الهجري ،التاسع
عشر الميالدي ،مما كان له أوضح األثر في بقية مناطق الشرق ،ويمكن اعتبار
الحملة الفرنسية بداية االستعمار األوروبي الحديث في منطقة الشرق األوسط عموما،
والمناطق المحيطة للبحر األحمر خصوصا ،والمنعطف الذي تحولت بعده األطماع
األوروبية في المنطقة من أطماع نفعية تجارية ،إلى اطماع استعمارية استراتيجية
واضحة ( العيسى2001 ،م .) 41 :وعلى أثر المحاوالت الفرنسية تجاه البحر
األحمر ،قامت الحكومة البريطانية بسلسة من االحتياطات واالستعدادات ،لمواجهة
الزحف الفرنسي نحو الشرق ،فإلى جانب اتصاالتها بالدولة العثمانية وروسيا لتكوين
جبهة تحالف ضد ذلك الزحف ،فقد بعثت قوة عسكرية من أربعة آالف جندي إلى
الهند لتعزيز القوات البريطانية المرابطة هناك ،كما أرسلت دوريات استطالعية من
طلب من األسطول البريطاني فيما بين منطقتي الخليج العربي والبحر األحمر ،و ُ
حكومة الهند البريطانية االتصال بحكام الواليات الشمالية من الهند إلقناعهم بصد أي
هجوم قد يقوم به الفرنسيون على الهند .وكذلك كسب والي بغداد ،وتعيين ممثل
سياسي بريطاني فيها ،جاء في مقدمة قرار تعيينه التصدي للخطط الفرنسية في منطقة
الشرق األدنى بكل الوسائل المتاحة .وعالوة على كسب الوالي العثماني في بغداد إلى
الصف البريطاني ،وعقد اتفاق ناجح مع سلطان مسقط لمنع الفرنسيين من التسلل عبر
الخليج العربي ،قررت الحكومة البريطانية بعد وصول الحملة الفرنسية إلى مصر،
إرسال بعثة لتكون حلقة اتصال بين بريطانيا وشريف مكة ،كجزء من تلك اإلجراءات
البريطانية .كما استطاعت الحكومة البريطانية بعد هزيمة الفرنسيين في موقعة أبي
قير البحرية ،أن تستصدر من السلطان العثماني سنة 1798م قرارا يمنح السفن
البريطانية حرية المالحة في البحر األحمر ،وأصدر السلطان العثماني أوامره إلى
ح ّكام المناطق المطلة على البحر األحمر التي تقع تحت سيطرة العثمانيين ،لتقديم
المساعدة للقوات البريطانية التي ستزور تلك الموانئ .كما بادرت حكومة الهند
البريطانية بإرسال رسائل إلى ح ّكام تلك المناطق ،تحذرهم من قدوم الفرنسيين،
وخطر تواجدهم في بلدان البحر األحمر ،وطلبت منهم عدم تقديم أية تسهيالت لهم.
ومن هؤالء الح ّكام السلطان أحمد بن عبدالكريم الفضلي سلطان لحج وعدن ،والذي
ردّ على مراسالت حكومة الهند البريطانية ،بأن بالده تحت إمرة السلطان العثماني
ليدفع عن نفسه مسئولية القبض على الفرنسيين ،وتسليمهم للبريطانيين ،لكنه تعهد بأنه
لن يسمح للفرنسيين بالنزول في أراضيه ،وقد كان هذا اإلجراء الوقائي من قبل
49
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
سلطان لحج وعدن كافيا كحد أدنى بالنسبة للبريطانيين في ذلك الحين (العيسى،
2001م.)67 -66 :
ومع هذه االجراءات التي قامت بها بريطانيا للحد من النشاط االستعماري لفرنسا
خصوصا على سواحل البحر األحمر ،إال أنها لم تكن كافية إليقاف طموحات
الفرنسيين ،التي توجت بافتتاح قناة السويس سنة 1869م ،والتي كانت مشروعا
فرنسيا سعت من خالله منذ وصول حملتها إلى مصر إلى قطع المصالح البريطانية
في المناطق المحيطة بالبحر األحمر ،كما أن فرنسا أرادت أن تكون لها محطة بحرية
في منتصف هذا الطريق ،الذي أصبح أقصر طريق للمالحة يصل غرب أوروبا ببالد
الشرق بعد فتح قناة السويس ،وكانت فرنسا ترغب في أن تكون هذه المحطة ،قاعدة
بحرية قائمة بذاتها ،ومستقلة عن القاعدة البريطانية في عدن ،حتى ال تقع تحت
سيطرة بريطانيا ،أو تتعرض لتحكمها إذا تأزمت األمور بين الدولتين وأحتدم النزاع
بينهما .وقد كانت هذه القاعدة هي ميناء أوبوك في جيبوتي ،والذي يقع على الساحل
األفريقي المواجه لمدينة عدن اليمنية ،والذي يشرف على مضيق باب المندب عند
المدخل الجنوبي للبحر األحمر ،وكانت فرنسا تهدف نظريا باستيالئها على هذا
الميناء ،إلى االحتفاظ بإمكانية أخذ قرار في المستقبل بخصوص المنطقة المجاورة
لمدينتي عدن وبريم التي كان البريطانيون يسيطرون عليها في ذلك الحين .كما قام
الفرنسيون أيضا بشراء ميناء الشيخ سعيد ،والذي يطلع على مضيق باب المندب من
جهة الشرق ،بمبلغ أربعين ألف لاير فرنسي ،من الشيخ ثابت الحكمي ،وقد كان هدف
الفرنسيين من وراء السيطرة على هذا الموقع ،إقامة وكالة فرنسية في تلك المنطقة
ترعى المصالح الفرنسية في البحر األحمر ،على غرار ما فعله البريطانيون في عدن.
ولكن نوايا الفرنسيين لم تفلح في جعل ميناء الشيخ سعيد كنقطة ارتكاز لهم ،ويرجع
السبب في ذلك إلى الجهود التي بذلها البريطانيون وهم يرقبون األحداث في البحر
األحمر عن كثب من قاعدتهم في عدن للحيلولة دون نجاح الفرنسيين في تحقيق
غاياتهم .هذا فضال عن أن منطقة الشيخ سعيد لم تكن ترقى من ناحية ميزاتها الطبيعية
لمستوى صالحية ميناء عدن بأي حال من األحوال .بل أن تطلع الفرنسيين للسيطرة
على ميناء الشيخ سعيد ،قد أثار مسألة حقوق السيادة العثمانية على ذلك الميناء ،وهو
تذرع به البريطانيون وساندوه ليواجهوا المنافسة الفرنسية ،ويحبطوا تطلعاتها في
ما ّ
منطقة البحر األحمر في ذلك الحين ،وخاصة بعد افتتاح قناة السويس .وقد أدي ذلك
إلى زيادة تركيز الفرنسيين لجهودهم على الساحل للبحر األحمر ،واتخاذهم من مدينة
أوبوك نقطة انطالق لتحقيق تطلعاتهم االستعمارية ومنافسة النفوذ البريطاني في
منطقة البحر األحمر والمتمركز في مدينة عدن حينذاك (أباظة1976 ،م.)463 :
وخالصة القول هنا أن هناك حربا باردة قامت بين االمبراطوريتين االستعماريتين
فرنسا وبريطانيا خالل تلك الفترة حاول كل منهما ضرب مصالح األخرى ،فبريطانيا
50
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
درة التاج البريطاني ،وذلك بحماية الطرق تحاول إبعاد أي قوة منافسة لها عن الهندّ ،
المؤدية إليها ،وفي مقدمتها طريقي البحر األحمر والخليج العربي ،خط الدفاع األول
عن الهند ،بينما كانت فرنسا تحاول بكل إمكاناتها أن تنفذ إلى الهند ،وتضرب النفوذ
البريطاني هناك ،سواء عن طريق شن حملة عسكرية كبيرة ،أو عن طريق توثيق
عالقاتها السياسية والتجارية بالدول المطلة على البحر األحمر ،وكذلك الخليج العربي
والمحيط الهندي ،بعد أن تبين لها أن السيطرة على البحر األحمر يعني السيطرة على
طريق المحيط الهندي والوصول إلى الهند .كما أن هذا الصراع على البحر األحمر لم
يكن سياسيا وتجاريا فحسب ،بل كان له أبعاد دينية برزت في ثنايا األحداث ،حيث
حاولت كل منهما القيام بنشاط تنصيري واضح السيما في مناطق الساحل األفريقي
للبحر األحمر ،فضال عن محاوالت البريطانيين أن يكون لهم نفوذ في األماكن
المقدسة في الحجاز (العيسى2001 ،م.)495 -494 :
وهكذا خرجت فرنسا من جهودها االستعمارية في منطقة البحر األحمر ،بمستعمرة
جيبوتي الصغيرة ،الواقعة على الطرف الغربي لمضيق باب المندب ،حيث صدر
مرسوم سنة 1896م بتنظيمها ووضعها تحت إدارة خاصة ،عرفت باسم الصومال
الفرنسي ،وأصبحت جيبوتي مقرا للحاكم الفرنسي العام في شرق أفريقيا .وكان لموقع
جيبوتي االستراتيجي الهام على مدخل البحر األحمر الجنوبي ،وسيطرتها على ذلك
المدخل ،أثرا في تمسك فرنسا بها حتى بعد استقاللها في النصف الثاني من القرن
العشرين ،حيث التزال فرنسا تحتفظ ببعض القوات في تلك المنطقة التي تعرف اآلن.
كما التزال تتمسك حتى اآلن ببعض المستعمرات في منطقة المحيط الهندي ،ويعتبر
أسطولها ثالث األساطيل العالمية في المحيط الهندي الغربي من حيث الكفاءة
والتسليح ،وال زالت تحتفظ ببعض قواعدها البحرية في ذلك المحيط (جرادات،
1986م .)182:
إيطاليا:
لم تتخلف إيطاليا عن الركب األوروبي ،الطامح في إيجاد موطئ قدم على سواحل
البحر األحمر ،حيث بدأت هذا الطموح عن طريق رجال الدين المسيحي ،باإلضافة
إلى المكتشفين الجغرافيين الذين حاولوا حتى قبيل قيام الوحدة اإليطالية إغراء بالدهم
على الدخول في عالقات تجارية وسياسية مع البالد المطلة على هذا البحر .وقد
أصبحت أنظار اإليطاليين مسلطة عليه منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع
عشر ،وهو الوقت الذي شهد فيه اإليطاليون بداية الزحف االستعماري على إفريقيا
وسواحل البحر األحمر ،والذي أدى إلى تقسيم هذه القارة بين الدول األوربية .وكان
فتح قناة السويس من أهم العوامل التي أدت إلى إثارة اهتمام اإليطاليين لتنفيذ سياستهم
االستعمارية في المناطق المطلة البحر األحمر .وقد اتجهت إيطاليا إلى تنفيذ سياستها
51
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
االستعمارية في البحر األحمر ،باختيار قاعدة لها تتوسع منها في المناطق القريبة من
الساحل اإلفريقي لهذا البحر ،مثل ما فعلته بريطانيا على جانبه الشرقي في مدينة
عدن ،وما فعلته فرنسا على جانبه الغربي في مدينة اوبوك .وكانت هذه القاعدة هي
ميناء عصب اإلرتيري الواقع على الساحل الغربي للبحر األحمر على مقربه من
مدخله الجنوبي .وجدير بالذكر أن مسألة عصب كانت في بداية أمرها عبارة عن عمل
فردي بحت ،كما أعتبرها القائمون عليها خطوة أولى في سبيل وضع هذه المنطقة
تحت السيادة اإليطالية .وكان ت شركة روباتينو اإليطالية قد اعتبرت الزعماء المحليين
الذين باعوا لها هذه المنطقة سنة 1896م مستقلين ،وسعت إلى إعطاء حقوق ملكيتها
للدولة اإليطالية التي اهتمت بعد ذلك بهذا المشروع ،وخاصة أنه كان يتفق مع
تطلعاتها االستعمارية في منطقة البحر األحمر .وكان الموقف البريطاني من هذا
التوسع اإليطالي على سواحل البحر األحمر موقفا مساندا ومشجعا وفتح المجال
لتوسعها في تلك المناطق بالقدر الذي تحدده لها تبعا لمتطلبات المصالح البريطانية،
حتى تضمن وقوفها إلى جانبها ،كما يمكنها في الوقت نفسه من الحيلولة دون وقوع
هذه المناطق في يد عدوتها فرنسا ،التي كانت تعتبر المنافس األول للبريطانيين هناك.
وبعد أن اطمأنت الحكومة اإليطالية إلى موافقة بريطانيا على مشروعاتها التوسعية
على الساحل الغربي للبحر األحمر ،بدأت تسعى لخلق المبررات التي تسمح لها
باحتالل مصوع ،فانتهزت فرصة مقتل الرحلة اإليطالي جوستافو بيانكي لذلك رغم
االحتجاج المصري (أباظة1967 ،م .)464 :بدأت إيطاليا بعد ذلك في التوسع تجاه
الحبشة بدأت إيطاليا بعد ذلك في التوسع تجاه الحبشة انطالقا من مصوع ،فاحتلت
مناطق كثيرة في الداخل أحيانا بواسطة قوات مسلحة ،وأحيانا أخرى بما أسمته بعثات
علمية وتجارية ،وتم أيضا ضم ميناء زوال إلى ميناء مصوع لممتلكاتهم ،ثم أعلنت
الحكومة اإليطالية سنة 1890م تسمية هذا األقاليم باسم مستعمرة أرتيريا (اباظة،
1967م.)523 :
لكن الودّ بين القوتين الغازيتين للبحر األحمر إيطاليا وبريطانيا لم يدم طويال ،حيث
أسفر وصول الفاشيون إلى سدّة الحكم في إيطاليا في مطلع القرن العشرين ،عن
أطماعهم في بناء امبراطورية رومانية على سواحل البحر األحمر ،وربطها
بمستعمرتهم في ليبيا على ساحل البحر األبيض المتوسط ،إلحكام الحصار على
الوجود البريطاني في مصر والسودان ،خاصة أن مصر كانت قبل احتاللها من قبل
البريطانيين ،هدفا رئيسيا من أهداف االستعمار اإليطالي .وقد ركزت إيطاليا أطماعها
التوسعية في تلك الفترة على منطقة البحر األحمر ألسباب منها أن سواحل هذا البحر
كانت تشكل في معظمها جزءا من االمبراطورية الرومانية القديمة التي يحلم الفاشيون
بإعادة مجدها .كما أن هناك قواعد استعمارية إليطاليا في أرتيريا والصومال يمكن
اتخاذها قواعد ومنطلقا ألطماعهم التوسعية .باإلضافة إلى وجود فراغ استعماري في
52
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
منطقة السواحل الشرقية للبحر األحمر حيث السعودية واليمن ،وفي الساحل الغربي
حيث الحبشة ،مما شجّع إيطاليا وجعلها تتصور أن توسعها االستعماري لن يجابه
بمقاومة الدول األوروبية االستعمارية األخرى .وآخر هذه األسباب أن سيطرة إيطاليا
على قطاع كبير من سواحل البحر األحمر ،يعطيها وضعا استراتيجيا مميزا ،ويضع
يدها على مخنق من مخانق االمبراطورية البريطانية ،من خالل تهديدها لشريان
مواصالتها الحيوي مع الشرق ،مما يمنحها قوة سياسية وعسكرية معتبرة تمكنها من
فرض إرادتها ولعب دور أكبر في حياة أوروبا برمتها .وكانت اليمن والسعودية
والحبشة هي المسارح الرئيسية للنشاط اإليطالي في فترة ما بين الحربين .وبدأت
إيطاليا بتقديم بعض المساعدات االقتصادية والعسكرية لليمن م ّهدت بها لعقد اتفاق
صداقة وتجارة معه سنة 1926م وتزويده بالسالح والذخيرة ،وقامت بإرسال بعثة
طبية إلى العاصمة صنعاء كان معظم أعضائها من ذوي النشاطات السياسية .وأستمر
النشاط اإليطالي في اليمن وثيقا خالل العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين،
حيث تم تجديد االتفاقية بين الدولتين عام 1937م ،إلى أن توقف ذلك النشاط مع قيام
الحرب العالمية الثانية ،حيث اضطرت اليمن تحت الضغط البريطاني إلى قطع
تعاونها مع إيطاليا وطلبت سحب البعثة الطبية .وفي السعودية حاولت إيطاليا تكثيف
نشاطها وقدمت بعض المساعدات العسكرية من ضمنها بعض الطائرات وذلك خالل
الحرب اإليطالية الحبشية ،وأرسلت أيضا في ذلك الوقت بعثة عسكرية لتدريب
القوات السعودية تم سحبها بعد وقف العالقات السعودية اإليطالية عام 1939م .أما
الحبشة التي كانت الهدف الرئيسي للتوسع اإليطالي خالل هذه المرحلة ،لمركزها
االستراتيجي الهام الذي يمكن من خالله تهديد البريطانيين في مصر والتحكم في
مجرى النيل ،فقد حاولت إيطاليا التأثير عليها من خالل سيطرتها على نهايات طرقها
التجارية على البحر األحمر ،للثأر من عدوهم بريطانيا واحتالل الحبشة وإذاللها .وقد
م ّهدت إيطاليا ألطماعها في الحبشة بمحاولة مدّ خط حديدي بين أرتيريا والصومال
اإليطالي ،كجزء من خطة لتطويقها وتسهيل مهمة القوات اإليطالية في احتاللها.
وفر
وأستطاع اإليطاليون تحقيق مبتغاهم في الجبشة باحتاللها كاملة عام 1935مّ ،
امبراطورها هيالسالسي الجئا إلى بريطانيا وبقي الطليان يسيطرون على الحبشة
حتى تم اخراجهم منها خالل الحرب العالمية الثانية ،حيث عاد االمبراطور إلى عرشه
على رأس القوات الحليفة التي تقدمت من السودان (جرادات1986 ،م.)213 -212 :
الواليات المتحدة األمريكية:
من أهم النتائج التي أسفر عنها استقالل الواليات المتحدة األمريكية في أوائل الربع
األخير من القرن الثامن عشر ،ظهور التدخل األمريكي في أسواق التجارة الشرقية
في المحيط الهندي عامة ،والبحر األحمر على وجه الخصوص .تلك األسواق التي
53
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
أحتكرها األوربيون منذ مطلع الكشوف الجغرافية ،وكاد البريطانيون بصفة خاصة
ينفردون بالسيطرة عليها ،عندما بدأت الطالئع األولى للتدخل األمريكي هناك في
الظهور .إذ بدأ بعض المغامرين األمريكيين من والية ماساتشوستس في أوائل القرن
التاسع عشر يحومون حول البحر األحمر ويكتشفون موانئه ،لكن البريطانيين سيقفون
حائال في بداية األمر دون هذا التدخل األمريكي حول المستعمرات البريطانية وفي
طرق تجارتها (عبد الكريم.)1980 :357 ،
وقد قامت الواليات المتحدة األمريكية بالعمليات التجارية بنفسها كتعبير عن استقاللها
ومقدرتها على تحمل زمام المبادرة التجارية في األسواق الشرقية ،وعبرت سفنهم
التجارية طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا إلى مدغشقر وسواحل البحر
األحمر وشبه الجزيرة العربية ،حتى جرز الهند الشرقية وجنوبي المحيط الهادي.
ويمكن القول إن األمريكيين ظهروا كمنافسين للبريطانيين في تجارة البن في البحر
األحمر منذ عام 1785م ،وخاصة على السواحل اليمنية ،وعلى الرغم من بُعد القارة
أمريكا عن ميدان التجارة في البحر األحمر والمحيط الهندي ،إال أن تجّارها الذين
اشتهروا بالنشاط وروح المغامرة قد أسهموا بدور واضح في ازدها النشاط التجاري
في المناطق المحيطة بالبحر األحمر .ومنذ عام 1800م سيطر األمريكيون على
معظم تجارة البن اليمني ،وشكلوا بذلك خطرا على تجارة البريطانيين في محصول
البن ،وفي نقل هذه التجارة الشرقية إلى أمريكا ،كما شاركوا أيضا في نقل هذه التجارة
من السواحل المطلة على البحر األحمر إلى أوروبا ،منافسين في ذلك شركة الهند
الشرقية البريطانية ،التي كانت تحتكر نقل معظم التجارة الشرقية من الشرق األقصى
والهند وبالد العرب إلى أوروبا .كما أنها لم تستطع أن تنافس عروض أسعار التجار
األمريكيين التي كانت أرخص من عروض التجار البريطانيين ،بل وصل األمر إلى
أن تمكن التجار األمريكيون ألول مرة من فتح خط تجاري مباشر بين البحر األحمر
مرورا بشرق أفريقيا ووصوال إلى الواليات المتحدة األمريكية ،وكان ذلك قمة
المنافسة الخطيرة بالنسبة للتجارة البريطانية الشرقية .وقد تأكد لدى شركة الهند
الشرقية البريطانية في ذلك الوقت ،أن األمريكيين يعتبرون منافسين جادين لهم،
خاصة بعد أن حاولت الواليات المتحدة األمريكية إقامة عالقات سياسية واقتصادية
قوية مع الدولة العثمانية ومصر ،لكنها اصطدمت بمعارضة قوية من الدول األوروبية
وخاصة بريطانيا التي وجهت تهديدا للعثمانيين بقطع عالقاتها معهم ،وإعالن الحرب
عليهم إذا ُوقعت اتفاقية تشجع التعامل التجاري مع الواليات المتحدة .ومع ذلك فقد
واصل األمريكيون جهودهم نحو إقامة عالقات تجارية واسعة مع المناطق التابعة
للدولة العثمانية ،السيما والية مصر باعتبارها أهم المناطق المطلة على البحر األحمر
والبحر المتوسط ،واللذين تسعى الواليات المتحدة األمريكية على بناء عالقات سياسية
ومصالح تجارية بها (العيسى.)389 -388 :2001 ،
54
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
ومنذ أن تصدت الواليات المتحدة لزعامة العالم الرأسمالي ،بعد أن أصبحت الدولة
الرأسمالية األولى في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ،أصبحت االستراتيجية
األمريكية تهدف إلى تحقيق مصالح وأهداف الغرب عامة ،والواليات المتحدة
األمريكية خاصة في شتى بقاع العالم .وأستمر الوضع بداية الستينات الميالدية حيث
أصبح المحيط الهندي والبحر األحمر يشهد اهتماما خاصا من الواليات المتحدة
األمريكية ،التي بدأت تعيد النظر في سياساتها واستراتيجياتها البحرية عامة ،وفي
المحيط اله ندي والبحر األحمر بشكل خاص نتيجة للمعطيات الجديدة التي بدأت تبرز
في بداية هذه الفترة وأهمها زيادة اهتمامها بأفريقيا والشرق األوسط وجنوب آسيا
كنتيجة حتمية لضعف النفوذ والوجود البريطاني في تلك المناطق ومنح كثير من
المستعمرات البريطانية االستقالل ،مما جعل منطقة المحيط الهندي منطقة تخلخل
وفراغ سياسي وعسكري .باإلضافة إلى اندفاع الروس إلى المنطقة منذ بداية الستينات
في محاولة إلشغال الفراغ الناتج عن االنسحاب البريطاني مع ما واكب ذلك من تزايد
القدرات البحرية الروسية .ومن هذه المعطيات أيضا سياسة التكامل العسكري التي
أتبعتها بريطانيا مع أمريكا منذ الستينات نتيجة إلحساس األولى بعدم قدرتها على
االستمرار في دورها التقليدي كحامية للمصالح الغربية في منطقة البحر األحمر
والمحيط الهندي وما أعطته تلك السياسة من تسهيالت للواليات المتحدة األمريكية في
المنطقة .وآخر هذه المعطيات التطور التكنولوجي الهائل في ميدان األسلحة
والمواصالت واالتصاالت وما أحدثه ذلك من تغيير على المفاهيم االستراتيجية
العالمية من حيث تطور معطياتها وتوسيع مداها .وقد وضعت الواليات المتحدة
األمريكية استراتيجيتها الجديدة في المحيط الهندي والبحر األحمر والتي تقوم على
ضرورة زيادة الوجود البحري األمريكي في المنطقة وديمومته وتطوير وتحديث
أدائه على أسس التكنولوجيا الحديثة لجعله قادرا على الحد من الوجود البحري
السوفييتي المتزايد ،وإحراز التفوق عليه مع مراعاة الحقائق واالعتبارات الجغرافية
واالقتصادية والسياسية والعسكرية القديمة والمستجدة والتي يعد من أهمها بعد
المنطقة جغرافيا عن القارة األمريكية مما جعل مهمة التدخل فيها انطالقا من القواعد
األمريكية في النصف الغربي أمرا بالغ الصعوبة وقليل الجدوى .والحجم الهائل
للمصالح الغربية واألمريكية في المنطقة يأتي على رأسها النفط .باإلضافة إلى
تضاؤل القيمة االستراتيجية للقواعد والمراكز االستراتيجية التقليدية والمعزولة
استراتيجيا عن ظهيرها البري مما حتّم ضرورة الوجود الدائم لألساطيل لدعم تلك
القواعد وتأمينها مع ظهور أهمية الدعم الجوي للقوات البحرية وضرورة نقل الجهد
الجوي األمريكي م ن مواقعة البعيدة إلى المحيط الهندي كي يكون أقرب إلى مواطن
التوتر وأقدر على تقديم الدعم الالزم للقوات البحرية .وأخيرا زيادة النشاط البحري
55
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
السوفييتي في المحيط الهندي والبحر األحمر ابتداء من سنة 1962م واعتماد الروس
الستراتيجية بحرية حديثة تهدف إلى التوسع المستمر في التواجد البحري والوصول
إلى مناطق لم تكن البحرية الروسية تصل إليها من قبل مما شكل تهديدا خطيرا للتفوق
البحري األمريكي ،أزداد مع انتهاء فترة التفوق النووي األمريكي وتالشي جدوى
سياسة الردع النووي التي كانت تعتمدها الواليات المتحدة األمريكية لحماية مصالحها
ضد التهديد السوفييتي ،وثبوت سياسة الرعب النووي المتبادل التي تحد من فوائد
واحتماالت اللجوء إلى األسلحة الذرية لحماية المصالح (جرادات1986 ،م -236 :
.) 237
ولما كانت منطقة الشرق األوسط من أكثر مناطق العالم أهمية وحيوية كنتيجة حتمية
لتوسطها قلب العالم القديم واحتوائها على عقد مواصالته البرية والبحرية والجوية،
وعلى الجزء األكبر من احتياطاته النفطية ،باإلضافة إلى تالحمها الجغرافي مع
االتحاد السوفييتي ،فقد أخذت هذه المنطقة تحتل مكانة مرموقة في خارطة
االستراتيجية األمريكية وتزداد أهميتها تبعا لتزايد أهمية النفط من جهة ،وتزايد
األطماع السوفياتية في المنطقة من جهة أخرى .ومنطقة البحر األحمر بصفة عامة
جزء من الشرق األوسط تتميز بسيطرتها على منطقة الربط البحري بين البحر
األبيض المتوسط ذي األهمية االستراتيجية القديمة ،والمحيط الهندي ذي األهمية
االستراتيجية المتزايدة ،وكونها منطقة اقتراب نموذجية من الخليج العربي ومنابع
النفط فيه ،باإلضافة إلى كونها مفتاح أفريقيا الشرقية وآسيا الغربية .لذا فإن المناطق
المطلة على البحر األحمر تعتبر من المناطق المتميزة على خرائط االستراتيجيات
العالمية الغربية منها والشرقية (جرادات1986 ،م .)241 :وقد بنت الواليات المتحدة
األمريكية استراتيجيتها البحرية على ثالثة أنماط هي:
-1استراتيجية االحتواء ،Containment strategyوذلك عن طريق التحكم في
البحر األحمر والسيطرة على المنطقة التي تحيط به عن طريق وجود القوات
المسلحة وجودا حقيقيا ،سواء على السطح المائي من خالل حامالت الطائرات،
أو الدول الصديقة المشاطئة للبحر األحمر مثل المملكة العربية السعودية ومصر
والسودان والصومال وذلك عن طريق وجود القواعد العسكرية أو التسهيالت
البحرية لقواتها هناك ،وأيضا وجود قواتها في نقاط تحفّز مختارة تمكنها من
الوثوب على البحر األحمر أو اعتراض أي خطر يهدد أمنها أو مصالحها أو أمن
الدول الصديقة والحليفة لها .لكن بعد إعالن مبدأ نيكسون في عام 1969م تحولت
Regional استراتيجية االحتواء إلى استراتيجية المشاركة اإلقليمية
.Participation Strategyفمن أجل تأمين تدفق النفط الخليجي لها ولحلفائها
من الدول األوروبية ،أحاطت الواليات المتحدة األمريكية المنطقة بعدد من
القواعد العسكرية أهما قاعدة ديجوجارسيا التي تقع في أرخبيل تشاغوس في
56
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
المحيط الهندي ،والتي تمتاز بموقع وسيط حتى أن البعض أطلق عليها أسم قلب
األرض الجديد ) ،( New Heart Landوعلى ذلك سعت الواليات المتحدة إلى
إشراك حلفائها في الدفاع عن العالم الرأس مالي ،زيادة على تأمين تسهيالت
جديدة للقوات األمريكية العاملة في المنطقة العربية بحسبان أن البحر األحمر
والخليج العربي منطقة جيوبولتيكية واحدة.
-2استراتيجية التقرب غير المباشر ،Indirect Approachوهي استراتيجية
تسعى الواليات المتحدة األمريكية عبرها إلى تطويق منطقة االهتمام كنظام
األحزمة الذي برع فيه الروس ،وذلك بالتحكم في مداخل الخوانق في المضائق
والمنافذ البحرية ،والحرص على الوجود في الجزر ذات المواقع االستراتيجية
التي تتحكم في المالحة عبر البحر األحمر والتي تشرف على تلك الخوانق.
-3استراتيجية المالحظة ،Observation strategyوتلعب الدول المحيطة في
البحر األحمر والحليفة للواليات المتحدة األمريكية ،في تنفيذ هذه االستراتيجية ،إذ
دائما ما تكون المنطقة التي يطلق عليها منطقة االهتمام ،ويتم تصنيفها بواسطة
الدول صاحبة الشأن التي تسعى للحفاظ عليها .وعادة ما يتم ذلك عن طريق
السلوك القولي بالتصريح الواضح أو التلميح ،والقصد من ذلك إيصال اإلشارة
إلى الطرف اآلخر .أما السلوك الفعلي فيكون عن طريق العالقات الدبلوماسية
التي توطدها الواليات المتحدة األمريكية مع الدول المركزية على سواحل البحر
األحمر مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل ،وكل ذلك عبارة عن
تلويح للطرف اآلخر (روسيا) وتعبير عن اهتمام الواليات المتحدة األمريكية بهذه
المنطقة (عبد الوهاب1998 ،م.)32-31 :
االتحاد السوفييتي:
طالما كان االتحاد السوفييتي يحلم بالتوغل جنوبا تجاه المياه الدافئة ،عمال بوصية
القيصر بطرس األكبر المنشورة عام 1775م ،حين كتب إلى خليفته يشجعه على
التحرك جنوبا إلى القسطنطينية للسيطرة على مضيق البسفور ،والخليج العربي
والهند ،معلنا أن السيطرة على تلك المناطق يعني التحكم بالعالم (األصبحي1996 ،م:
. )85وعلى هذا بدأت اهتمامات االتحاد السوفييتي بالبحر األحمر منذ وقت مبكر إثر
استقرار الثورة البلشفية عام 1917م ،وخصوصا في الفترة التي تلت تأسيس قواتهم
البحرية ،وبروز االتحاد السوفييتي كقطب ثنائي بعد الحرب العالمية الثانية ،وبدأوا
يعولون كثيرا على األسطول البحري في أي حرب قادمة ،خاصة الضربات النووية ّ
الموجهة من الغواصات العائمة في أعماق المحيطات ،وذلك بعد دراستهم المحيط
العالمي دراسة ضافية ،إذ علموا جيدا أن البحر المتوسط كان ساحة قتال مرير بين
57
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
الدول البحرية الكبرى ابتداء من الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا ،وخصوصا بعد
حفر قناة السويس وإمكانية االتصال بالبحر األحمر ( عبدالوهاب1998 ،م.) 34 :
وتظهر أهمية البحر األحمر لالتحاد السوفييتي من خالل أنه يمثل الشريان المائي
المختصر الذي يصل بين الموانئ السوفييتية على البحر األسود ومنطقة المحيط
الهندي ،والتي تشكل منطقة تصادم دولي هام ،وميدان مناورة مع الواليات المتحدة
األمريكية ،فتستطيع من خالله مواجهة التهديد النووي األمريكي في المحيط وتأمين
سالمة االتحاد السوفييتي ،إلى جانب االقتراب من المواقع األمريكية في المحيط
الهندي ،حيث برز هذا المحيط كنموذج لتنافس القوتين في إطار صراعهما العالمي.
كما أن البحر األحمر يعتبر الشريان المائي السريع الذي يصل بين القواعد السوفيتية
على المحيط الهادي وقواعده على البحر األسود ،مما يجعله يحتل مكانا مميزا في
االستراتيجية السوفيتية كحلقة اتصال عسكري يخدم مصالحه القومية .باإلضافة إلى
أن تغلغل البحر األحمر ما بين الدول العربية ومنطقة الخليج العربي ،يجعله أداة
استراتيجية هامة يمكن استخدامها كوسيلة تمكنهم من احتواء شبه الجزيرة العربية
وبالتالي التحرك صوب الخليج العربي كوسيلة ضغط على الدول البترولية في منطقة
الخليج العربي من جهة ،والتهديد بالسيطرة على عصب الحياة االقتصادية للدول
الغربية المرتبطة ببترول الخليج وحرمانها منه من جهة أخرى ،وبالتالي تستطيع
تقويض القوة الغربية في المنطقة ،وفرض النظام االقتصادي والسياسي الموالي له
ومن ثم يتمكن من فرض قبول عربي به في منطقة البحر األحمر والخليج العربي
على حدّ سواء .وتظهر أيضا أهمية البحر األحمر للسوفييت من خالل تهديد النفوذ
الصيني في المحيط الهندي ،وذلك بمحاصرته والتضييق عليه خاصة عبر الممرات
المائية ،وهذا ما يفسر التواجد الصيني في منطقة المحيط الهندي والبحر األحمر من
خال ل التعاقدات الواسعة في مشاريع التجهيزات األساسية واالنشاءات الفنية كميناء
عدن وانشاء الطرق وغير ذلك من البنى التحتية حتى في الدول التي يزداد فيها
الوجود السوفييتي كما في اليمن الجنوبي وأثيوبيا .ولذا تعتبر المنطقة نطاق تصطدم
فيه المصالح الشيوعية االشتراكية من جهة ،والمصالح الشيوعية الرأسمالية من جهة
أخرى .وأخيرا يستطيع االتحاد السوفييتي من خالل وجوده في منطقة البحر األحمر
من تدعيم ومضاعفة نفوذة السياسي واالقتصادي والعسكري لمواجهة النفوذ األمريكي
المتزايد في المنطقة ،والتقليل من قيمة قوته البحرية ،وذلك بإبرام اتفاقيات مستمرة
تشمل على برامج عمل وتعاون مع الدول المطلة على البحر األحمر ،وخاصة مدخله
الجنوبي ،مستغال في ذلك الصراعات المحلية في المنطقة ،وحاجتها المستمرة إلى
تدعيم قوتها العسكرية ،بما يضمن لها تسهيالت مالحية وعسكرية تؤمن لها حرية
المالحة في البحر األحمر ،الذي يعتبر مفتاح تقدمه في المحيط الهندي وممراته المائية
ما يم ّكنه من تقويض القوة الغربية الرأسمالية في المنطقة ،وعلى رأسها الواليات
58
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
المتحدة األمريكية .ومن هنا سارت خطة االستراتيجية السوفيتية على خلق شبكة
سوفيتية متصلة من افغانستان إلى أثيوبيا مرورا بعدن ،لمواجهة االستراتيجية
األمريكية التي امتدت هي األخرى بتشكيل حزام أمني استراتيجي من الخليج العربي
إلى البحر األحمر بما في ذلك المحيط الهندي وحتى الصومال وجيبوتي حفاضا على
مصالحه الحيوية االستراتيجية في المنطقة (مرشد1985 ،م.)133-132 :
من هنا نجد أن ال مناطق المطلة على البحر األحمر كانت إحدى أهم المناطق الرئيسية
التي استهدفت للنفوذ السوفييتي ،حيث كانت مصر واليمن الشمالي ثم الجنوبي
والسودان والصومال وأخيرا اثيوبيا أمثلة على الدول التي نجح النفوذ السوفييتي فيها
بدرجة ملحوظة ،في حين كانت األردن والمملكة العربية السعودية أمثلة على الدول
التي لم ينجح فيها النفوذ السوفييتي نجاحا ملحوظا .وقد شهد نجاح النفوذ في تلك
الدول فترات مد وجزر خاصة في مصر واليمن الشمالي والسودان انتهت بعضها
بانحساره نهائيا عن بعض تلك الدول مثل مصر والسودان واليمن الشمالي ،كنتيجة
لتكشف األهداف التوسعية السوفيتية ومحاولتهم استغالل أوضاع بعض تلك الدول في
الوصول إلى أهدافهم الخاصة والمتعارضة مع مصالح تلك الدول وآمالها ،ولعل أبرز
سمات السياسة السوفيتية في منطقة البحر األحمر ،عدم قيامها على أسس ايديولوجية
واعتمادها االسلوب االنت هازي في محاولة الحصول على المكاسب بكافة السبل ولو
تعارضت مع مبادئها ونظرياتها األيديولوجية .ففي البداية حاول السوفييت استغالل
حركة القومية العربية التي كانت تمثل أقوى القوى في المنطقة ،وأظهروا تأييدهم
لنضالها ضد االستعمار بالرغم من تعارض ذلك مع األفكار الشيوعية التي ال تؤمن
بالقوميات ،ثم لم يلبثوا أن اصطدموا مع حركة القومية العربية عندما تصدت
لمحاوالتهم التوسعية في المنطقة العربية واعتبروها من الدّ أعدائهم ومن أكبر العوائق
في سبيل بسط نفوذهم (جرادات1986 ،م .)307 :وكانت سياسة االتحاد السوفييتي
وإجادته لعبة ا ألحزمة االستراتيجية وتطويق األنظمة الموالية ألمريكا والغرب ،سبب
ذلك الوجود الذي يسعى إليه من خالل المساعدات العسكرية بما في ذلك وجود
الخبراء العسكريين والمساعدات االقتصادية والمعاهدات التي تبرمها مع دول
المنطقة .إذ كان السوفييت يسعون إلى خلق موازنة مع الوجود األمريكي ،وذلك منذ
توجه مصر في عهد عبدالناصر لكسر طوق التسليح من الغرب ،بدأ بصفقة السالح
مع تشيكوسلوفاكيا قبل التقسيم ،وتشييد السد العالي ،وقد ازداد ذلك النفوذ بعد نكسة
1967م التي أدت إلى تعاظم الوجود السوفييتي والذي بلغ عشرين ألف خبير سوفييتي
في مصر ،إلى جانب القطع البحرية في الموانئ المصرية والسودانية واليمنية ،وقد
زاد من كل ذلك التحول الراديكالي الذي حدث في أثيوبيا بعد اإلطاحة باإلمبراطور
هيالسالسي ،وضلوع موسكو الكبير في الحرب األثيوبية الصومالية التي خطط لها
59
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
نائب قائد القوات البرية السوفيتية الجنرال بتروف وكان رأس الرمح في تلك الحرب
قوات مسلحة كوبية .باإلضافة إلى ذلك ر ّكز السوفييت وجودهم في اليمن وتحديد في
عدن والمحيط الهندي بأسطول يضم سفنا يغلب عليها الطابع الهجومي تمكنهم من
الوثوب في أي لحظة على البحر األحمر (عبد الوهاب1998 ،م .)35 :وكان االتحاد
السوفيتي يحتفظ بقاعدة ضخمة في عدن ،تضم قاعدة بين الجبلين الجوية وقاعدة
التواهي البحرية ،فضال عن قاعدة بحرية وجوية في المكال ،كما قاموا ببناء محطات
للمراقبة اإللكترونية ومركز لالتصاالت فوق جزيرة سوقطره (توفيق1403 ،ه:
.)301وكما أستطاع االتحاد السوفييتي أن يحقق نجاحا سياسيا واستراتيجيا ملموسا
في الساحل الغربي للبحر األحمر في الستينات الميالدية من القرن العشرين ،في كل
من مصر والسودان ،استطاع أيضا الحصول على تسهيالت بحرية وجوية بالغة
األهمية في الصومال حيث قاعدته في ميناء بربرة ،وتسهيالت بحرية في مقديشو
وذلك بموجب معاهدة صداقة وتعاون بين الطرفين في عام 1974م بعد أن أصبح
الصومال قطبا هاما في دائرة الفلك السوفييتي منذ عام 1962م .وبتغير الحكم في
أثيوبيا وجنوحه إلى اليسار أتيحت الفرصة لالتحاد السوفييتي للدخول الكامل إلى
المنطقة وبالتالي إثبات وجوده في المدخل الجنوبي للبحر األحمر ،باإلضافة إلى أن
السيطرة على عدن وأثيوبيا يعطيهم فرصة السيطرة الكاملة على مضيف باب المندب
استراتيجيا واقتصاديا بتهديد تجارة البترول إلى الغرب (مرشد1985 ،م .) 138 :
وبذلك يتشكل محور ارتكاز استراتيجي للسوفييت في هذه المنطقة (شكل )2 -2ما
دفع باألمريكيين لتشكيل محور ارتكاز استراتيجي مقابل في الطرف الشمالي من
البحر األحمر والمتمثل بمحور تل أبيب القاهرة .وهكذا أخذ تنافس القوتين العظميين
على النفوذ إلى البحر األحمر والدول المطلة عليه زمنا من التسابق ،تارة باالقتسام،
وتارة بتبادل المواقع بين التقابل والتجاور ،وتارة باإلزاحة ،حتى أضحى شمال البحر
األحمر قريبا من السياسة األمريكية ،وظل جنوبه قريبا من السياسة السوفيتية ،التي
تالشت ممتلكاتها فيما وراء البحار ومن ضمنها ممتلكاتها في البحر األحمر بانهيار
إمبراطورتيها العظمى وتفككها إلى دول متعددة عام 1991م.
60
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
61
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
المتداد نفوذها اإلقليمي إلى كافة مواقع التواجد الشيعي في المنطقة .وبالرغم من
تصاعد نفوذ القوى اإلقليمية غير العربية بالمنطقة ،وتزايد تأثير سياساتها على
القضايا العربية بحيث لم يعد ممكنا تحريك أية مشكلة خاصة بتلك القضايا ،سواء
بالنسبة لتشكيل حكومة أو تحقيق مصالحة أو دفع عملية سالم ،دون موافقتها على
تطويع التفاعالت داخل هذه القضايا في اتجاه تحقيق هذا الهدف .إال أن الواضح أن
العوامل التي تُمكن هذه القوى من القيام بدورها على الساحة تتوقف على طبيعة
العالقات المعقدة والمتنافسة والمتداخلة بينها ،وعلى روابط كل منها بدول المنطقة،
وأسلوب تعاملها مع األوراق التي تملكها ،وعلى عالقاتها بالدول الكبرى ومدى
رغبتها في خدمة سياستها ،أو سعيها لتبادل الخدمات والمصالح معها ،أو قدرتها على
عرقلة أهدافها (رفعت2009 ،م.)6-5 :
الكيان الصهيوني :
أكتسب البحر األحمر أهمية خاصة بالنسبة للكيان الصهيوني دون غيرها من الدول
المطلة على البحر األحمر ،وذلك باعتبارها الدولة الوحيدة المطلة على البحر األحمر
بمساحة محدودة جدا ومحاصرة من جميع الدول المحيطة بها .األمر الذي يجعل لهذا
الممر أهميته الخاصة من ناحية كونه نفقا هاما وضروريا لتنفسها خارج البيئة
الجغرافية المحيطة بها باتجاه الشرق والجنوب (البرصان2001 ،م .)163 :لكن إذا
ما أدركنا مدى الم زايا التي ستجنيها إسرائيل من هذا الممر ،سندرك مدى الخطورة
والجهود االستثنائية التي تبذلها إسرائيل من أجل أن تكون عضوا في الدول المطلة
على البحر األحمر ،فمن خالله يمكن تأمين المالحة اإلسرائيلية مع بلدان القارة
األفريقية وبلدان المحيط الهندي ثم االتجاه شرقا نحو دول شرق آسيا مع ما يرافق ذلك
من منافع سياسية واقتصادية وعسكرية للكيان الصهيوني .باإلضافة إلى تأمين
شحنات النفط إلى ميناء إيالت لسد حاجات إسرائيل النفطية ،وإلدامة خط أنابيب
عسقالن الذي ارادته بديال لقناة السويس كأداة لنقل النفط إلى أوروبا الغربية .وكذلك
توسيع العمق االستراتيجي البحري والجوي للكيان الصهيوني وإفشال أي جهد تنسيقي
عربي وتشتيت الجهود العسكرية في منطقة البحر األحمر ما يعوضها عن الحصار
العربي الخانق لها ،وتمكينها من التهديد الدائم للمواصالت البحرية العربية عبر البحر
األحمر والمحيط الهندي (جرادات1986 ،م .)347:
وراء هذه االعتبارات االقتصادية والسياسية والعسكرية ،تبدّت فكرة تهويد البحر
األحمر في كثير من المواقف العلنية والتصريحات اإلسرائيلية ،من بينها دعوة
صريحة لعضو الكنيست االسرائيلي (باتشيفا كاتزنلسون) يؤكد فيها على استخدام
القوة لتنفيذ هذه الفكرة .ولم تكن هذه الدعوة الصريحة لتهويد البحر األحمر تعبيرا عن
وجهة نظر كاتزنلسون وحسب ،بل كانت في الواقع منسجمة مع طروحات تيار واسع
63
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
64
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
بعد اآلخر من جراء إمكانية تحقيق إسرائيل لهدفها النهائي وهو السيطرة على البحر
األحمر والجزر االستراتيجية فيه.
إيران:
منذ قيام الثورة اإليرانية عام 1979م ،والموقف الرسمي العربي ينظر إلى إيران على
باعتبارها خطرا أساسيا يهدد دول المنطقة ،األمر الذي تراجع معه الخطر اإلسرائيلي
إلى خطر ثانوي ،خاصة بعد االتفاقيات الثنائية التي نجحت إسرائيل في إبرامها مع
مصر واألردن ،إال أن هذا الموقف الرسمي العربي كان دائما ما يواجه بمعارضة من
بعض النخب والقوى السياسية التي كانت ترى أن هذا الموقف العربي تجاه إيران
يتماهى مع الرؤية األمريكية التي ترى في إيران خطرا على مصالحها في الشرق
األوسط .ومن ثم كانت تلك النخب تقاوم وبشدة الموقف الرسمي العربي الذي يعتبر
إسرائيل عدوا ثانويا ،مقابل تصنيف إيران كعدو استراتيجي ،وكانت ترى إمكانية
توظيف الموقف والتفوق اإليراني كنقطة توازن نووي مع إسرائيل على األقل
مرحليا .إال أن المسلك اإليراني تجاه المنطقة خاصة بعد ما يسمى بثورات الربيع
العربي قد سلّط من جديد الضوء على طبيعة الدور اإليراني ،وتراجعت معه فكرة
توظيف الدور اإليراني إلحداث حالة من التوازن مع إسرائيل .وكانت إيران قد سعت
منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ،إلى لعب أدوار إقليمية مؤثرة ،والعمل على
ضمان جوار عربي في حالة من الضعف االستراتيجي ،عبر تدخلها السافر في
الشؤون العربية خاصة في الجوار المباشر كالعراق ثم سوريا ولبنان عبر ذراعها
الشيعي فيها والموسوم بحزب هللا .ومن ثم جاء اهتمام إيران بالمناطق المطلة على
البحر األحمر والقرن األفريقي على نحو خاص ،سواء العتبارات متعلقة بالوجود
العسكري الغربي بمنطقة الخليج العربي ،أو التنافس اإلقليمي مع المملكة العربية
السعودية ،ناهيك عن النفوذ اإليراني المتصاعد في اليمن صاحبة المدخل الجنوبي
للبحر األحمر ،والمتمثل في الدعم اإليراني لجماعة الحوثيين في اليمن ،والذي أسهم
في تقويض الدولة اليمينة ومنح إيران موطئ قدم في دولة مطلة على البحر األحمر
والسيطرة على مدخله الجنوبي من خالل السيطرة على خليج عدن ومضيق باب
المندب .وعلى هذا دخلت اليمن مع من سبقها من الدول المطلة على البحر األحمر
مثل السودان وجيبوتي وأرتيريا في ركب الدول ذات االهتمام االستراتيجي إليران،
حيث سعت منذ منتصف التسعينات إلى تدعيم عالقتها بالسودان ،وجعلها منطقة نفوذ
يمكن من خاللها االنطالق إلى أفريقيا .وقد أثمرت المساعي اإليرانية إلى إيجاد حالة
تفاهم مشترك تمثلت في توقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين السودان وإيران في
ديسمبر عام 1991م .من جانب آخر أولت إيران اهتماما خاصا بإرتيريا ،لما تتميز به
من موقع جيوستراتيجي هام بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر األحمر ،وبسبب
65
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
المشاكل االقتصادية التي تعاني منها أرتيريا ،والشح اإلسرائيلي في تعامله معها ،لجأ
الرئيس اإلرتيري أسياس أفورقي إلى إيران ،حيث شهدت العالقات اإليرانية
اإلريترية أقصى حاالت المد عام 2008م ،خاصة مع زيارة أفورقي إلى طهران
وإعالنه من هناك عن دعوة إيران إلى إقامة قواعد عسكرية في القرن األفريقي .وفي
سبتمبر من نفس العام تم في أسمرة توقيع اتفاق بمنح إيران حقا حصريا لإلشراف
على تطوير وصيانة وعمل شركة تكرير النفط اإلرتيرية والمعروفة باسم مصفاة
عصب ،وقد تطورت األمور بعد ذلك إلى تواجد قوات خاصة من الحرس الثوري في
ميناء عصب بحجة توفير الحماية لمصفاة النفط ،وسريعا تطور األمر لتتمكن إيران
من بناء قاعدة عسكرية بحرية على البحر األحمر قرب ميناء عصب اإلرتيري،
وسمحت إرتيريا إليران بنصب صواريخ أرض جو في هذه القاعدة وحولها بالذريعة
ذاتها ،وخالل أشهر قليلة تحول هذا الموقع االستراتيجي عند باب المندب وخليج عدن
إلى أكبر قاعدة بحرية إيرانية خارج مضيق هرمز .وعمدت إيران من خالها إلى
إرسال شحنات أسلحة وذخائر وأموال إيرانية إلى الحوثيين عند اندالع الحرب
السادسة بين الحوثيين والحكومة اليمينة .اما مع جيبوتي التي تتحكم بإحدى ضفتي
صرح بعدها قائد ّ باب المندب فقد شاركت إيران عام 2010م بمناورة بحرية،
البحرية اإليرانية ،أن قادة في سالح البحرية الجيبوتي زاروا المؤسسات التابعة
للبحرية اإليرانية ،وطالبوا بتعزيز عالقات بالدهم مع إيران خاصة تدريب الطالب
الجامعيين ،والتعاون في صناعة وإنتاج المعدات الدفاعية .وعلى ضوء ما سبق يمكن
القول أن بأن التواجد العسكري اإليراني في البحر األحمر يعكس استراتيجية إيرانية
طموحة ال تستهدف بعض الدول المطلة على البحر األحمر والقرن األفريقي وحسب،
بل توسيع نطاق تهديداتها إلى خارج منطقة الخليج ،ونقل الحرب من مضيق هرمز
والخليج العربي ،إلى جنوب البحر األحمر ،حيث خليج عدن وباب المندب الممر
االستراتيجي والحيوي لناقالت النفط إلى الدول المستوردة للطاقة في أوروبا
والواليات المتحدة ،والتأثير على حركة المالحة في السويس .من جانب آخر يبدو أن
إيران تسعى إلى إبقاء المناطق والممرات البحرية في الشرق األوسط في حالة من
التوتر الدائم ،حيث يؤدي ذلك إلى إعاقة حركة التجارة العالمية وعرقلة تدفق النفط،
وفي نفس الوقت تصبح الدول العربية في حالة هي أقرب إلى الحصار .وعلى هذا فإن
إي محاولة لفهم مغزى التواجد اإليراني في البحر األحمر ،تتطلب بالقطع قراءة
متأنية لجوهر االستراتيجية اإليرانية ،فاالستراتيجية اإليرانية تعكس طموحات
توسعية كبيرة ،وبينما أنشغل العالم بالبرنامج النووي اإليراني ،قررت إيران الوصول
إلى مكاسب على جبهات أخرى ،ومن ثم وضعت استراتيجية تهدف إلى نشر القوات
البحرية بكفاءة وسرعة قياسية على امتداد مثلث استراتيجي يمتد من مضيق هرمز
إلى البحر األحمر إلى مضيق ملقا ،وبدأ جليا أن االستراتيجية اإليرانية الجديدة ،تضع
66
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
قواتها البحرية كأحد أهم العناصر الفاعلة في أجندت السياسة الخارجية والطموح
اإليراني ( محمود2014 ،م .) 220 :إذن فإيران تعلم جيدا أن وجودها في البحر
األحمر يزيد من قوتها اإلقليمية ،ويضاف إلى ذلك أن التواجد اإليراني قرب باب
المندب يعزز فعالية تهديدها بإغالق مضيق هرمز ،وهو التهديد الذي طالما لوحت به
مع صدور كل قرار لمجلس األمن ،أو مع بوادر أي مواجهة محتملة بين إيران ودول
المنطقة .لكن هذه االستراتيجية اإليرانية نحو البحر األحمر لم تدم طويال ،إذ كان ثمة
حدث قرع أجراس الخطر في المملكة العربية السعودية ،اال وهو سيطرة الحوثيين
على معظم الشمال اليمني ،وزحفهم نحو الجنوب صوب عدن ومضيق باب المندب،
وفتحهم أبواب البالد على مصراعيها للنفوذ اإليراني .وجاء الرد السعودي في وقت
متأخر من مساء األربعاء الخامس والعشرين من مارس 2015م ،حيث بدأت أسراب
من طائرات سالح الجو السعودي والتحالف العربي ،قصف أهداف عسكرية محددة
في أنحاء اليمن .وأُعلن عن العملية التي أُطلق عليها اسم "عاصفة الحزم" ،بعد
انطالقها بساعات قليلة ،في بيان رسمي من الرياض وعبر مؤتمر صحفي عقده
السفير السعودي في واشنطن إليضاح األساس القانوني للعملية وأهدافها .أبدى
الشارع العربي ترحيبا واسعا بالعملية ،حتى قبل أن تبدأ الدول العربية المختلفة في
اإلعراب عن الترحيب ،والتأييد ،وتوكيد الرغبة في االلتحاق بالجهد العسكري ،أو
عن المعارضة والتحفظ .وربما لم تقا ِبل خطوة سعودية منذ سنوات طويلة مثل هذا
الترحيب والحماس الشعبي العربي ،هذا إضافة إلى التأييد الرسمي ،الذي انعكس في
قرارات قمة شرم الشيخ العربية في الثامن والعشرين من شهر مارس 2015م .خلف
هذا الترحيب والحماس ثمة شعور عربي متزايد بالضيق واإلهانة ،رسَّبته سياسات
التوسع اإليراني الالمبالي ،التي انتهزت فرصة القلق واالضطراب وفراغ القوة في
الجوار العربي ،المصاحب النطالق وتعثر حركة الثورة والتغيير .ما ضاعف من هذا
الشعور أن إيران اختارت الوقوف إلى جانب حركة الثورة المضادة ومحاولة إجهاض
أحالم التغيير واالنتقال الديمقراطي .وبدا في كل الحاالت تقريبا أن خطوات إيران في
الجوار العربي تنذر باندالع صراعات طائفية ،وحروب وانقسام داخليين (الجزيرة
للدراسات.)2 :2015 ،
النتائج:
-1احتلت المناطق المطلة على البحر األحمر أهمية كبيرة على الصعيد العالمي
واإلقليمي ،ألهميتها االستراتيجية ،والسياسية ،واالقتصادية .وبحكم كون البحر
األحمر طريقا بحريا استراتيجيا ،فقد أصبح أحد بؤر الصراع الدولي ،وجزئا
هاما من االستراتيجية العالمية ،ما حفّز الدول الكبرى للسعي إلحكام السيطرة
عليه ،وإيجاد موطئ قدم فيه ،مما جعل لهذا الصراع والتدخل األجنبي في
67
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
المنطقة وثقافتها وحضارتها األثر الكبير في حساسية هذه المنطقة منذ األزل،
وستظل هذه األهمية االستراتيجية للبحر األحمر هي األساس كمحور للصراع
حوله.
-2يعد تاريخ البحر األحمر اختزاال مثاليا لتاريخ العالقات الدولية ،التي تقوم منذ
القدم على توازن القوى يبن الدول صاحبة النفوذ ،وقد ترتب على ذلك مواقف
وسلوك انتهجته هذه الدول لتحقيق مطالبها بما في ذلك بسط سيطرتها ونفوذها
مما كان له أثره البالغ على المناطق المطلة على البحر األحمر.
التوصيات:
-1إيجاد منظمة إقليمية تجمع الدول العربية المطلة على البحر األحمر (على شاكلة
دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي) تحت إطار مبادئ الجامعة العربية،
للعمل في المجاالت السياسية واالقتصادية والثقافية والعسكرية ،بهدف التكامل
وتوحيد السياسات والرؤى بين الدول العربية المطلة على البحر األحمر.
-2أن تعمل الدول العربية المطلة على البحر األحمر على إبعاد المنطقة من
االستقطاب الدولي واإلقليمي ،مهما كانت الظروف التي تدفعها لمثل هذا
االستقطاب ،والسعي للقضاء على أي أطماع دولية وإقليمية تهدد األمن القومي
للدول العربية المطلة على البحر األحمر .وأن تقوم الدول العربية المطلة على
البحر األحمر ،بحماية أنفسها بشكل جماعي ،وليس بشكل فردي.
-3ضرورة إيجاد حد أدنى من التنسيق والتعاون العربي المشترك بين الدول المطلة
على البحر األحمر في حال عدم إيجاد منظمة إقليمية تجمع الدول العربية المطلة
على البحر األحمر ،ألن القواسم المشتركة بين الدول العربية أكثر بكثير من نقاط
الخالف.
-4على كل من المملكة العربية السعودية ،وجمهورية مصر العربية ،بحكم وزنهما
الجيوستراتيجي بين الدول المطلة على البحر األحمر ،مسؤولية كبيرة لتحقيق
التطلعات العربية في البحر األحمر ،لما لها من مصالح هامة فيه ،ولكي يصبح
وفاقها قاعدة لجمع وتقوية الدول العربية المطلة على البحر األحمر.
-5أن تقوم الدول العربية المطلة على البحر األحمر على إحداث تنسيق عسكري،
يتخذ من بعض جزر البحر األحمر قواعد متقدمة له للمراقبة وإظهار التضامن
العربي تجاه سالمة المالحة في مياه البحر األحمر .مع وضع آلية للتعاون
العسكري للتعاون بين تلك الدول في وقت السلم والحرب ،والعمل على تطوير
أساطيلها البحرية.
-6زيادة التعاون االقتصادي بين موانئ الدول العربية المطلة على البحر األحمر،
وذلك بقيام شركات المالحة العربية باستحداث خطوط مالحية بين تلك الموانئ،
لزيادة حركة التجارة والسياحة.
68
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
-7العمل على بناء التكامل االقتصادي بين الدول العربية المطلة على البحر األحمر،
في ظل وجود مصادر الثروات الموجودة في تلك البلدان سواء الطبيعية أو
البشرية ،مما يضع حجر قاعدة اقتصادية تكون أساسا لوضع إستراتيجية عربية
موحدة في جميع المجاالت األمنية والعسكرية واالجتماعية.
-8ثمة فجوة كبيرة في ميزان القوى بين إسرائيل وبين الدول العربية المطلة على
البحر األحمر ،بالنظر إلى التطور الكبير الذي أحدثته إسرائيل في مجال
الصناعات الحربية والتقنية ،إضافة إلى مشاريع التعاون االستراتيجي بينها وبين
الواليات المتحدة األمريكية ،والدعم الغربي عموما ،فإن تحقيق توازن قوى
عربي مع إسرائيل لم يعد واردا في المستقبل المنظور ،وأي محاولة للدخول في
سباق تسلح يعني إرهاق الميزانيات العربية المرهقة أصال ،واحداث المزيد من
االضطراب االجتماعي ،والحل يمكن في الضغط من أجل سالم عربي إسرائيلي
عادل ،بناء على المبادرة التي قدمها الملك عبدهللا بن عبدالعزيز لجامعة الدول
العربية.
69
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
المراجع والمصادر:
-أباظة ،فاروق عثمان1976( ،م) ،عدن والسياسة البريطانية في البحر األحمر،
الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،جمهورية مصر العربية.
-أبو داود ،عبد الرزاق بن سليمان2001( ،م) ،البحار السعودية مناطق السيادة
والموارد الطبيعية ،مجلة جامعة الملك عبد العزيز -اآلداب والعلوم اإلنسانية،
مجلد ،11ص ص .330-257
-أبو داود ،عبدالرزاق بن سليمان2003( ،م) ،الحدود السعودية اليمنية التطورات
والحل النهائي ،مجلة العلوم االجتماعية ،مجلد ،31عدد ،3ص ص .579-533
-أبو داود ،عبدالرزاق بن سليمان2003( ،م) ،نظرية الحدود الدولية وسياساتها في
شبه الجزيرة العربية ،مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية واالجتماعية
واالنسانية ،مجلد ،15عدد ،2ص ص .235-179
-أبو عيانة ،فتحي محمد1983( ،م) ،دراسات في الجغرافيا السياسية ،دار النهضة
العربية ،بيروت.
-أحمد ،يوسف1980( ،م) ،سياسات البحر األحمر والعالقات العربية االفريقية،
مجلة السياسة الدولية ،العدد ( ،)59مؤسسة األهرام ،القاهرة.
-األصبحي ،أحمد1996( ،م) ،إطاللة على البحر األحمر والنزاع اليمني
األريتيري ،دار البشير ،عمان ،األردن.
-األعور ،محمد1993( ،م) ،الجغرافيا السياسية للمحيطات ،مكتبة الفالح للنشر
والتوزيع ،الكويت.
-األغبري ،أكرم عبدالملك1998( ،م) ،أهمية البحر األحمر في عالقة الجمهورية
اليمنية بدول مجلس التعاون الخليجي ،دار الثوابت ،صنعاء ،الجمهورية العربية
اليمنية.
-آل سعود ،فهد بن سعود1990( ،م) ،األهمية االستراتيجية لخليج العقبة من
1948م إلى 1987م ،رسالة ماجستير غير منشورة ،قسم الجغرافيا ،جامعة الملك
سعود ،الرياض.
-البرصان ،أحمد ،وآخرون2001( ،م) ،األمن القومي العربي في منطقة البحر
األحمر ،مركز دراسات الشرق األوسط ،عمان ،األردن.
-بريك ،أحمد محمد2001( ،م) ،اليمن والتنافس الدولي في البحر األحمر -1869
1914م ،دار الثقافة العربية ،الشارقة ،اإلمارات العربية المتحدة.
-جرادات ،وليد محمد1986( ،م) ،األهمية االستراتيجية للبحر األحمر بين
الماضي والحاضر ،دار الثقافة ،الدوحة ،قطر.
70
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
الحريري ،محمد مرسي1993( ،م) ،دراسات الجغرافيا السياسية ،دار المعرفة -
الجامعية ،االسكندرية.
حسن ،إبراهيم محمد1998( ،م) ،البحر األحمر في الحرب العالمية األولى ،عين -
للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية ،القاهرة.
حسن ،يوسف فضل1983( ،م) ،الصراع حول البحر األحمر منذ أقدم العصور -
حتى القرن الثامن عشر ،مجلة دارة الملك عبدالعزيز ،العدد الثالث ،الرياض.
الحمراني ،أحمد بن غرم هللا1995( ،م) ،التنافس الدولي في منطقة جنوب البحر -
األحمر ،رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة الملك سعود ،الرياض.
خير ،صفوح1990( .م) ،البحث الجغرافي مناهجه وأساليبه ،دار المريخ للنشر، -
الرياض.
الدوسري ،تركي بن حمد2008( ،م) ،دور المملكة العربية السعودية في أمن -
البحر األحمر ،رسالة ماجستير غير منشورة ،كلية الدراسات العليا ،الجامعة
األردنية ،األردن.
الديب ،محمد محمود1989( ،م) ،الجغرافيا السياسية أسس وتطبيقات ،مكتبة -
األنجلو المصرية ،القاهرة.
رفعت ،سعيد2009( ،م) ،القوى اإلقليمية غير العربية وسياسات الهيمنة على -
المنطقة ،العدد ،140مجلة شؤون عربية ،مصر.
سالم ،السيّد عبدالعزيز1993( ،م) ،البحر األحمر في التاريخ اإلسالمي ،مؤسسة -
شباب الجامعة ،اإلسكندرية ،جمهورية مصر العربية.
سعدون ،شوكت2007( ،م) ،عناصر قوة الدولة اإلستراتيجي النظري والتطبيقي، -
دار ورد األردنية للنشر والتوزيع ،األردن.
سالمة ،جمال2009( ،م) ،األبعاد الدولية لمشكلة القرصنة وتأثيرها على أمن -
البحر األحمر ،مجلة دراسات شرق أوسطية ،العدد ( ،)48المؤسسة األردنية
للبحوث والمعلومات ،األردن.
السلطان ،عبدهللا بن عبدالمحسن2000( ،م) ،البحر األحمر والصراع العربي -
اإلسرائيلي التنافس بين استراتيجيتين ،رسالة دكتوراه منشورة ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،بيروت.
سلمى ،جالل2015( ،م) ،أهمية البحار والقوات البحرية التركية ،ترك برس، -
تركيا.
71
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي
الس ّماك ،محمد أزهر1989( ،م) ،الوزن الجيبوليتيكي لدول البحر األحمر -
العربية ،سلسلة رسائل جغرافية ،العدد ،121الجمعية الجغرافية الكويتية،
الكويت.
الس ّماك ،محمد أزهر1998( ،م) ،الجغرافيا السياسية المعاصرة ،دار األمل للنشر -
والتوزيع ،أربد ،األردن.
سيان ،سيروان عارب2013( ،م) ،االنعكاسات الجغرافية السياسية لمشكلة التبعية -
االقتصادية على األمن اإلقليمي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ،دار
صفاء للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن.
الشجاع ،أحمد1430( ،هـ) ،البحر األحمر في العقيدة والسياسة الصهيونية ،مجلة -
البيان ،العدد ( ،)267المنتدى اإلسالمي ،لندن.
الطحاوي ،حاتم2011( ،م) ،الجغرافيا التاريخية للبحر األحمر قبل اإلسالم ،مجلة -
التفاهم ،العدد ،33وزارة األوقاف والشؤون الدينية ،سلطنة عمان.
الطيار ،بسمة ،)1423( ،التحليل الجيوستراتيجي للدول المطلة على الخليج -
العربي ،رسالة ماجستير غير منشورة ،قسم الجغرافيا ،جامعة الملك سعود،
الرياض.
العبادي ،محمد أحمد2006( ،م) ،األهمية الجيوبوليتيكية الجيوستراتيجية للبحر -
األحمر ،عدد ،65مجلة آداب البصرة ،جامعة البصرة ،العراق.
عبد الكافي ،إسماعيل2012( ،م) ،أسس ومجاالت العلوم السياسية ،مركز -
االسكندرية للكتاب ،االسكندرية ،جمهورية مصر العربية.
عبدالكريم ،أحمد1980( ،م) ،البحر األحمر في التاريخ والسياسة الدولية -
المعاصرة ،سمنار الدراسات العليا ،جامعة عين شمس ،القاهرة.
عبدهللا ،آدم2012( ،م) ،القرصنة قبالة سواحل الصومال وانعكاساتها على -
المالحة في البحر األحمر ،كلية العلوم االستراتيجية ،جامعة نايف العربية للعلوم
األمنية ،الرياض.
عبدالوهاب ،معتصم1998( ،م) ،استراتيجية الدول الكبرى في البحر األحمر، -
مركز الدراسات االستراتيجية ،القاهرة.
عبدربه ،سعد زغلول1981( ،م) ،البرتغاليون والبحر األحمر ،العدد ،2مجلة -
دارة الملك عبدالعزيز ،الرياض.
العقيلي ،نعمان2001( ،م) ،المياه العربية وتحديات المستقبل ،العدد ،55مجلة -
كلية اآلداب ،جامعة بغداد ،العراق.
72
تـ ـــ
اجمللد الثاني -العدد ( ) 2أبريل 2019 اجمللة العربية ألخالقيات املياه
العلكيم ،حسن1995( ،م) ،أزمة المياه في الوطن العربي والحرب المحتملة، -
العدد ،3مجلة العلوم االجتماعية ،جامعة اإلمارات العربية المتحدة ،اإلمارات
العربية المتحدة.
عميدور ،يعقوب2010( ،م) ،إسرائيل ومواجهة الوجود العسكري اإليراني في -
البحر األحمر ،معهد أبحاث األمن القومي ،ترجمة مركز الناطور للدراسات
واالبحاث ،بيروت.
العيسى ،جميلة2001( ،م) ،الصراع البريطاني الفرنسي حول البحر األحمر -
،1869 -1798مكتبة العبيكان ،الرياض.
غنيم ،عبدالحميد1987( ،م) ،الجغرافيا السياسية والعالقات الدولية ،مكتبة األنجلو -
المصرية ،القاهرة.
الفقي ،إبراهيم محمد علي1418( ،هـ) ،جيوستراتيجية تقسيم مياه نهر النيل بين -
دول حوضه دراسة في الجغرافيا السياسية ،رسالة دكتوراه غير منشورة ،قسم
الجغرافيا ،جامعة الملك سعود ،الرياض.
الفقي ،ابراهيم1428( ،هـ) ،الجغرافيا السياسية ،مكتبة الرشد ،الرياض. -
قايد ،طارق عبدهللا2000( ،م) ،الجزر الجنوبية للبحر األحمر وانعكاساتها على -
مستقبل األمن القومي العربي ،رسالة ماجستير غير منشورة ،الجامعة
المستنصرية ،العراق.
القحطاني ،سلطان1419( ،هـ) ،األهمية الجيوستراتيجية لمضيق باب المندب، -
رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة الملك سعود ،الرياض.
قدورة ،عماد1994( ،م) ،نحو أمن عربي للبحر األحمر ،سلسلة دراسات -
استراتيجية ،العدد ،22مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية،
االمارات العربية المتحدة.
القرزوح ،سلطان1432( ،هـ) ،المقومات الجيوستراتيجية وأثرها في السياسة -
الخارجية للجمهورية العربية السورية ،رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة
الملك سعود ،الرياض.
القسومي ،صالح1420( ،هـ) ،األهمية الجيوستراتيجية للملكة العربية السعودية -
في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ،رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة
الملك سعود ،الرياض.
محمد ،آمال ابراهيم1993( ،م) ،الصراع الدولي حول البحر األحمر في النصف -
الثاني من القرن التاسع عشر ،مركز الدراسات والبحوث اليمني ،صنعاء.
73
3
Doi 10.12816/ajwe.2019.126139 زياد حسني النهدي