AJWE-Volume 2-Issue 2 - Page 21-74

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 54

‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫مياه البحر األمحر عرب العصور‬

‫‪Red Sea waters through the ages‬‬


‫إعـداد‬
‫زياد حسين النهدي‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬
‫قبول النشر‪2018 / 9 / 15 :‬‬ ‫استالم البحث ‪2018/ 10 / 10 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫المستخلص‪:‬‬
‫نظرا لما للبحر األحمر من أهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية على صعيد األحداث‬
‫المحلية واإلقليمية والعالمية‪ ،‬وكونه أحد أهم طرق الربط البحري في العالم‪ ،‬وبالتالي‬
‫تأثيره على خارطة التجارة واالقتصاد والسياسة العالمية‪ ،‬مما جعله بذلك محطا‬
‫لالهتمام‪ ،‬وموضوعا للبحث والتقصي والتحليل في العديد من الدراسات واألبحاث‪.‬‬
‫وعليه قامت هذه الدراسة بالتتبع التاريخي للحضارات التي سيطرت على البحر‬
‫األحمر أو جزء من أجزاءه‪ ،‬باإلضافة إلى دراسة سياسات القوى الدولية واإلقليمية‬
‫تجاه البحر األحمر‪ .‬توصلت الدراسة إلى أن المناطق المطلة على البحر األحمر‬
‫احتلت أهمية كبرى على الصعيد العالمي واإلقليمي‪ ،‬ألهميتها االستراتيجية‪،‬‬
‫والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ .‬وبحكم كون البحر األحمر طريقا بحريا استراتيجيا‪ ،‬فقد‬
‫أصبح أحد بؤر الصراع الدولي‪ ،‬وجزئا هاما من االستراتيجية العالمية‪ ،‬ما حفّز الدول‬
‫الكبرى للسعي إلحكام السيطرة عليه‪ ،‬وإيجاد موطئ قدم فيه‪ ،‬مما جعل لهذا الصراع‬
‫والتدخل األجنبي في المنطقة وثقافتها وحضارتها األثر الكبير في حساسية هذه‬
‫المنطقة منذ األزل‪ ،‬وستظل هذه األهمية االستراتيجية للبحر األحمر هي األساس‬
‫كمحور للصراع حوله‪ .‬كما توصلت إلى أن تاريخ البحر األحمر يعد اختزاال مثاليا‬
‫لتاريخ العالقات الدولية‪ ،‬التي تقوم منذ القدم على توازن القوى يبن الدول صاحبة‬
‫النفوذ‪ ،‬وقد ترتب على ذلك مواقف وسلوك انتهجته هذه الدول لتحقيق مطالبها بما في‬
‫ذلك بسط سيطرتها ونفوذها مما كان له أثره البالغ على المناطق المطلة على البحر‬
‫األحمر‪ .‬وأوصت الدراسة بإيجاد منظمة إقليمية تجمع الدول العربية المطلة على‬
‫البحر األحمر (على شاكلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي) تحت إطار‬
‫مبادئ الجامعة العربية‪ ،‬للعمل في المجاالت السياسية واالقتصادية والثقافية‬
‫والعسكرية‪ ،‬بهدف التكامل وتوحيد السياسات والرؤى بين الدول العربية المطلة على‬
‫‪21‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫البحر األحمر‪ .‬وأن تعمل الدول العربية المطلة على البحر األحمر على إبعاد المنطقة‬
‫من االستقطاب الدولي واإلقليمي‪ ،‬مهما كانت الظروف التي تدفعها لمثل هذا‬
‫االستقطاب‪ ،‬والسعي للقضاء على أي أطماع دولية وإقليمية تهدد األمن القومي للدول‬
‫العربية المطلة على البحر األحمر‪.‬‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫كان البحر األحمر وال زال أحد أهم طرق المواصالت البحرية في العالم حامال المواد‬
‫التجارية ما بين الشرق والغرب في العصور السابقة‪ ،‬وحاليا التزال له الصدارة بين‬
‫أهم الممرات البحرية في العالم يحمل أهم السلع االستراتيجية بين أطراف المعمورة‪.‬‬
‫كما تحول أيضا من مجرد بحر داخلي إلى أهم شريان مائي ينقل البترول من مناطق‬
‫استخراجه في الخليج العربي وإيران وشبه الجزيرة العربية وأفريقيا إلى أوروبا‬
‫الصناعية والواليات المتحدة األمريكية والصين وآسيا وبقية دول العالم‪ ،‬وبفضل‬
‫اكتشاف البترول في الخليج والجزيرة العربية وبعض دول أفريقيا المطلة على البحر‬
‫األحمر‪ ،‬وبفعل االحتياج النفطي المتزايد في أوروبا وأمريكا وآسيا اصبح البحر‬
‫األحمر بمميزاته وخصائصه الجيوبوليتيكية أخطر محاور الصراع والتنافس الدولي‪،‬‬
‫ومن أهم نقاط التحكم االستراتيجية العالمية‪ ،‬باعتباره طريق حيوي لنقل البترول‪،‬‬
‫ومعبر للتجارة العالمية‪ ،‬وطريق مختصر لتدفق القوة العسكرية من البحر األبيض‬
‫المتوسط والبحر األسود والمحيط األطلنطي والمحيط الهندي والمحيط الهادي‪ ،‬و بهذه‬
‫الميزات الجيوبوليتيكية‪ ،‬ارتبط البحر األحمر بالقرن األفريقي جنوبا‪ ،‬كما ارتبط بقناة‬
‫السويس شماال ارتباطا عضويا أمنيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا‪ ،‬حتى أصبح محط‬
‫أنظار المخططين السياسيين والعسكريين اإلقليميين والدوليين‪ ،‬ومركز اهتمام‬
‫واضعي القرار السياسي‪ ،‬ومحور صراعات معقدة بين القوى الدولية المتنافسة على‬
‫النفوذ‪ ،‬وكذلك القوى المحلية واإلقليمية المتصارعة حول الهيمنة والنفوذ في‬
‫المنطقة‪(.‬البرصان‪ ،‬وآخرون‪2001 ،‬م ‪.) 45 -43 :‬‬
‫وقد اكتسب البحر األحمر أهمية سياسية واستراتيجية و اقتصادية وعسكرية منذ‬
‫العصور التاريخية السحيقة‪ ،‬حيث أن شعوب المناطق التي تسكن حوله‪ ،‬عرفوا فيه‬
‫ميزة الربط بين الساحل اآلسيوي عند شبه الجزيرة العربية والساحل األفريقي عند‬
‫مصر‪ ،‬ثم إلى شمال أفريقيا وعند السودان والصومال‪ ،‬ومن ثم إلى قلب القارة‬
‫األفريقية‪ ،‬وعرفوا فيه كذلك ميزة الربط بين المحيط الهندي جنوبا والبحر األبيض‬
‫المتوسط شماال‪ ،‬كأقصر طريق للمالحة ومن ثم للتجارة‪ ،‬وبالتالي نشر النفوذ‬
‫السياسي لهذه الشعوب من خالله‪ ،‬والثابت وثائقيا وتاريخيا أن هذه األهمية‬
‫اإلستراتيجية والميزات السياسية واالقتصادية التي يتميز بها حوض البحر األحمر‪،‬‬
‫قد عرفت منذ أربعة آالف عام‪ ،‬ولقد كانت الريادة في كشف أهمية اإلبحار عبر البحر‬
‫األحمر ترجع للعرب وللفراعنة‪ ،‬التي كانت أساطيلهم البحرية تصل حتى القرن‬
‫‪22‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫االفريقي (الصومال وأرتيريا والسودان)‪ ،‬كما أن فضل تحديد معالم المالحة في البحر‬
‫بشكل واضح يرجع للفينيقيين‪ ،‬وهم المالحون المهرة في عصور ما قبل التاريخ‪،‬‬
‫خاصة خالل رحالتهم البحرية الستكشاف الشواطئ األفريقية الطويلة قبل الميالد‬
‫بأكثر من خمسمائة عام على األقل‪.‬‬
‫وخالل كل هذه المحاوالت سواء العربية أو الفرعونية أو الفينيقية لتحديد مسارات‬
‫المالحة في البحر األحمر‪ ،‬فقد كان الهدف االقتصادي والسياسي واضح ومحدد عند‬
‫أولئك الذين قاموا بهذه الكشوفات لمد جسر التواصل االستراتيجي بين الشواطئ‬
‫الشرقية والجنوبية للقرن االفريقي‪ ،‬ذلك التواصل الذي ما زال قائما حتى عصرنا‬
‫الحالي والذي يمثل أهمية جيوبوليتكية واستراتيجية عند صانعي القرار السياسي‬
‫ومخططي االستراتيجيات ومحركي الصراعات اإلقليمية والدولية‪ ،‬ويكشف ذلك‬
‫الصراعات بين الشعوب القديمة في مصر والجزيرة العربية وسواحل أفريقيا‪ ،‬وبين‬
‫دويالت العصور الوسطى‪ ،‬أو بين إمبراطوريات االستعمار األوروبي في القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬المتمثلة في بريطانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا‪ ،‬أو بين القوى العظمى‬
‫في عهد الحرب الباردة االتحاد السوفيتي (السابق) والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬أو‬
‫في عهد األحادية القطبية الحالي في ظل صراعها مع القوى الصاعدة في عالمنا‬
‫المعاصر‪ (.‬عبدالكريم‪1980 ،‬م‪.)158-3 :‬‬
‫إن البحر األحمر من مدخله الشمالي عند السويس إلى مدخله الجنوبي عند باب‬
‫المندب والقرن األفريقي‪ ،‬كان والزال يلعب دورا مركزيا ومحوريا في الصراع في‬
‫هذه المنطقة الحيوية من العالم‪ ،‬هذا الموقع المميز لمنطقة البحر األحمر جعلها تش ّكل‬
‫واسطة العقد والقلب النابض للعالم أجمع‪ ،‬ما جعلها تجذب بصورة ملحوظة لم يسبق‬
‫لها مثيل‪ ،‬اهتمام الدول الكبرى المتباينة المصالح واأليديولوجيات‪ ،‬ما يرشحه ليكون‬
‫من أكثر مناطق الصراع المستقبلي المحتمل‪.‬‬
‫موضوع الدراسة وأهميته‪:‬‬
‫للبحر دور هام في حياة الشعوب والدول‪ ،‬وله تأثيره على الخصائص الوطنية‬
‫للشعوب وتقرير سياساتها‪ ،‬لذلك كان من الطبيعي أن تتجه إليه الدول ألسباب‬
‫اقتصادية واستراتيجية وسياسية وعلمية‪ .‬وأنصب اهتمام الدول في البداية على المياه‬
‫القريب من أراضيها فأدعت مساحات أخضعتها ومواردها لسيادتها‪ ،‬بينما أخضعت‬
‫فتكون في المياه القريبة من الدول ما أطلق‬
‫ّ‬ ‫مساحات أخرى الختصاصها ورقابتها‪،‬‬
‫عليه الجغرافيون باألقاليم السياسة للبحار والمحيطات (األعور‪1993 ،‬م‪.)2 :‬‬
‫ويبدو البحر األحمر‪ ،‬بالمفهوم الجيوسياسي‪ ،‬أكثر اتساعا منه بالمفهوم الجغرافي‬
‫للبحر نفسه‪ .‬إذ ال يقتصر دوره على الوحدات السياسية‪ ،‬التي تطل عليه مباشرة‪ ،‬بل‬
‫يتعداها ليشمل الوحدات السياسية‪ ،‬التي ترتبط به سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا أو‬

‫‪23‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫إستراتيجيا‪ .‬وثمة َمن يرى أن منطقة القرن األفريقي‪ ،‬تدخل ضمن نطاق المفهوم‬
‫الجيوسياسي للبحر األحمر‪ .‬كما أن منطقة الخليج العربي‪ ،‬يمكن أن تدخل في الحيز‬
‫الجيوسياسي لهذا البحر‪ ،‬باعتبار أن معظم صادراتها النفطية تمر عبره‪.‬‬
‫وعلى هذا القياس‪ ،‬يمكن القول أيضا‪ ،‬إن دول أوروبا الصناعية لها عالقة جيوسياسية‬
‫بالبحر األحمر‪ ،‬ألنها تعتمد على نفط الخليج اعتمادا رئيسا‪ .‬وال تخرج الواليات‬
‫المتحدة األمريكية عن الحيز الجيوسياسي للبحر األحمر حيث يمر نفط الخليج‪ ،‬الذي‬
‫تحتكر معظم إنتاجه وتجارته ونقله الشركات األمريكية‪.‬‬
‫ويتضح من ذلك أن النطاق الجيوسياسي للبحر األحمر متسع اتساعا‪ ،‬يمكن أن يشمل‬
‫معظم الخريطة السياسية للعالم‪ ،‬وذلك لعدة خصائص تميزه‪ ،‬وتدفع به إلى الصدارة‬
‫من حيث األهمية الجيوستراتيجي‪ .‬لهذا يُصبح من المؤكد أن أي حديث عن‬
‫إستراتيجية األمن في البحر األحمر‪ ،‬يعني الحديث عن إستراتيجية كتلة جغرافية‬
‫واسعة‪ ،‬تشمل البحر المتوسط والخليج العربي وبينهما البحر األحمر‪ ،‬وبالتالي‬
‫يشكالن امتدادين للمحيط الهندي‪ ،‬ويشكالن مع هذا المحيط حوضا أفروآسيوي‬
‫يفترض أن تعمل الدول المطلة عليه‪ ،‬أن يصطبغ باستراتيجية موحدة‪ ،‬مهما تباينت‬
‫أنظمتها واختلفت اتجاهاته‪ ،‬تماما كما فعلت الدول األوروبية المطلة على المحيط‬
‫األطلسي الذي جعلته ركنا من أركان استراتيجياتها الغربية (األصبحي‪1996،‬م‪:‬‬
‫‪.)186‬‬
‫وللمفاهيم والعوامل الجيوسياسية دور مهم في تقييم البحر األحمر‪ ،‬سواء من وجهة‬
‫نظر استراتيجيات الدول المطلة عليه‪ ،‬أو من وجهة نظر القـوى اإلقليمية والعالميـة‪.‬‬
‫ويمثـل البحـر األحمـر‪ ،‬بسبب كونـه محـور الربط بين قارات العالم القديم (آسيا‪،‬‬
‫وأفريقيا‪ ،‬وأوروبا) والبحر األبيض المتوسط والخليج العربي والمحيط الهندي‪،‬‬
‫القطب الذ ي تتالقى فيه مصالح وأهداف هذه المجموعة الكبيرة من الدول المحلية‬
‫واإلقليمية والعالمية‪ ،‬ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة‪ ،‬وذات المصالح‬
‫المتقاطعة‪ .‬ولهذا‪ ،‬تعد مجموعة الدول المطلة على البحر األحمر قلب هذه الشبكة‬
‫المعقدة من التفاعالت‪ .‬وتزداد هذه الشبكة تعقيدا‪ ،‬إذا ما نظرنا إلى البحر األحمر من‬
‫ناحية ارتباط أمنه ارتباطا وثيقا بأمن البحر المتوسط والخليج العربي والمحيط‬
‫الهندي‪ .‬ومن ث ّم فإن البحر األحمر‪ ،‬بحكم موقعه الجيوستراتيجي‪ ،‬يشكل عنصرا مهما‬
‫محط أنظار القوى الكبرى في‬ ‫ّ‬ ‫ومؤثرا في مسار تاريخ هذه المناطق ومستقبلها‪ ،‬إذ إنه‬
‫العالم‪ ،‬ومحور رئيس تتحرك حوله صراعاتها‪ ،‬تحقيقا لمصالحها االقتصادية‬
‫والسياسية والعسكرية واإلستراتيجية بصفة عامة‪ .‬كما تتالطم فيه النزاعات اإلقليمية‬
‫حول الحدود البحرية والمطالب القومية‪ .‬وما زاد البحر األحمر أهمية تدفق الثروات‬
‫النفطية في منطقة الخليج العربي‪ ،‬فأكسبت البحر األحمر قيمة استراتيجية كبيرة‪،‬‬

‫‪24‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫جعلته حلبة للتنافس بين كافة القوى المعنية بأمره (عبد الكريم‪1980 ،‬م‪-661 :‬‬
‫‪.)671‬‬
‫تُوجت األهمية الجيوستراتيجية للبحر األحمر‪ ،‬باإلضافة إلى الدول المطلة عليه ‪،‬‬
‫بعملية عاصفة الحزم‪ ،‬التي قادتها المملكة العربية السعودية بالتعاون مع دول التحالف‬
‫العربي (قطر‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والكويت‪ ،‬واإلمارات‪ ،‬ومصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬والسودان‪،‬‬
‫والمغرب‪ ،‬وباكستان )‪ ،‬من أجل تحرير الممرات المائية للبحر األحمر ومضيق باب‬
‫سوغ لهذه الحرب وأسَّس لشرعيتها من الطلب الذي‬ ‫المندب من النفوذ الحوثي مع ما َّ‬
‫تقدم به الرئيس عبد ربه منصور هادي‪ ،‬لتدخل سعوي وعربي إلنقاذ اليمن من‬
‫االنقالب الحوثي‪ ،‬باإلضافة أن عاصفة الحزم تعتبر خطوة أولية نحو وضع ح ٍّدّ‬
‫للتوسع اإليراني في المشرق العربي‪ ،‬وليس حماية الشرعية اليمنية وحسب‪ .‬وعلى‬
‫هذا تعبّر مشاركة خمس دول من أصل ثمان تطل على البحر األحمر‪ ،‬تعبّر عن‬
‫األهمية الفائقة والحساسية العالية لهذه البقعة اإلستراتيجية‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫كان البحر األحمر والزال أحد أهم النقاط الجيوستراتيجية المؤثرة على خريطة‬
‫األحداث السياسية واالقتصادية العالمية‪ ،‬بدأ من عصر الفراعنة في األلف السابع قبل‬
‫الميالد‪ ،‬مرورا بالعهد اإلسالمي الزاهر‪ ،‬ووصوال إلى السيطرة البرتغالية‪ ،‬وما تالها‬
‫من بزوغ نجم الحلفاء (بريطانيا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬إيطاليا)‪ ،‬وانتهاء بالتفرد األمريكي على‬
‫ممرات هذا البحر ومضائقه‪.‬‬
‫ويعد البحر األحمر كجزء من أقصر وأسرع طريق بحري بين الشرق والغرب قد‬
‫توافرت له المزايا والخصائص الجيوستراتيجية التي جعلته دائما محورا رئيسا‬
‫تتحرك حوله صراعات القوى الكبرى ومواجهاتها ومناوراتها تحقيقا لمصالحها‬
‫األيديولوجية واالقتصادية والسياسية والعسكرية‪ ،‬لذا كان البحر األحمر اختزاال مثاليا‬
‫لتأريخ العالقا ت الدولية التي تقوم منذ القدم على توازن القوى بين الدول صاحبة‬
‫النفوذ (عبد الكريم‪1980،‬م‪.)711 :‬‬
‫وحين يعمد الجغرافي إلى تحليل القوة فأنه ال يغفل حقيقة مفادها أن الدولة جزء ال‬
‫يتجزأ من الخريطة السياسية للعالم‪ ،‬وأن العالقات المكانية التي يمكن أن تنشأ بين‬
‫المواقع المتباعدة‪ ،‬والمواضع المتباينة‪ ،‬ال ينبغي أن تسقط من االعتبار أثناء عملية‬
‫تحليل القوة‪ ،‬فقوة الدول ال تتوقف فقط على التفاعل الرأسي القائم بين السكان والحيّز‬
‫السياسي‪ ،‬وإنما تستمد بعض أسباب قوتها أو ضعفها من التفاعل القائم بين الدول‬
‫بعضها البعض (محمود‪1403 ،‬ه‪.)3-2 :‬‬
‫من هنا نجد العناصر الجيوسياسية المتميزة للبحر األحمر أضفت عليه أبعادا‬
‫جيوستراتيجية ذات أهمية خاصة جعلت منه عامال مؤثرا في صياغة االستراتيجيات‬

‫‪25‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫اإلقليمية والدولية‪ .‬لذا فأن دراسة هذه الظاهرة بغرض تفسير خارطة المنطقة‬
‫الجيوسياسية وابعادها الجيوستراتيجية تكتسب أهمية خاصة إذا ما أخذت في اعتبارها‬
‫التغيرات المحلية واإلقليمية والعالمية‪ .‬وبما أن المفاهيم واأليديولوجيات‬
‫واالستراتيجيات واألحداث التي يصنعها اإلنسان في تغير مستمر‪ ،‬كنتاج طبيعي‬
‫لتطوره‪ ،‬فإن األبعاد الجيوسياسية للبحر األحمر وأهميته الجيوستراتيجية هي األخرى‬
‫في تغير مستمر‪.‬‬
‫ويعد إدراك أهمية البحر األحمر بأبعادها المختلفة‪ ،‬أحد أهم األسس التي تمهد لبورة‬
‫إستراتيجية عربية تأخذ في االعتبار أمن منطقة البحر األحمر واستقرارها على كافة‬
‫األصعدة والمستويات‪ .‬لكن أهمية البحر األحمر على الصعيدين اإلقليمي والعالمي‪،‬‬
‫وطبيعة وأهمية العالقات التي تربطه والدول المطلة عليه بوحدات إقليمية وعالمية‬
‫عديدة‪ ،‬يحتّم أن نأخذ تلك العالقات وانعكاساتها على أمنه في االعتبار‪ .‬ذلك أن نظرة‬
‫فاحصة لموقع البحر األحمر وأهميته االستراتيجية يمكن أن تؤدي إلى استنتاج أن‬
‫البحر األحمر تحيط به الدول العربية‪ ،‬عدا إسرائيل المتناقضة مع الدول العربية‬
‫بهويتها‪ ،‬وأرتيريا المختلفة عنها بسياساتها‪ ،‬وأن أمن البحر األحمر واستقرار منطقته‬
‫يشكل ضرورة أمنية بالنسبة للدول العربية المطلة عليه‪ .‬كما يرتبط عضويا بمنطقة‬
‫الخليج العربي المجاورة‪ ،‬ويشكالن معا محورا إستراتيجيا ال يمكن فصل أمن أي‬
‫منهما عن اآلخر‪ .‬كما يرتبط البحر أحمر قوميا بالمحيط العربي‪ ،‬ويرتبط أمن كل‬
‫منهما مباشرة بأمن اآلخر‪ ،‬بل إن الدول العربية المطلة عليه تعد من أكثر الدول‬
‫فاعلية في النظام العربي عامة‪ .‬كما أن للدول العربية المطلة على البحر األحمر‬
‫ارتباطا جغرافيا بالدول األفريقية‪ ،‬وارتباطا استراتيجيا بالدول الصناعية الكبرى‬
‫(قدورة‪1994 ،‬م‪.)32_12 :‬‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫‪ -2‬التتبع التاريخي للحضارات التي سيطرت على البحر األحمر أو جزء من أجزاءه‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة سياسات القوى الدولية واإلقليمية تجاه البحر األحمر‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫تتبع الدراسة المنهج التاريخي‪ ،‬الذي يقوم على الوصف والتسجيل للوقائع واألحداث‬
‫أسس منهجيّة وعلميّة دقيقة‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫الماضية‪ ،‬ويدرسها ويفسرها‪ ،‬ث ّم يحللها استنادا إلى‬
‫الهدف منها الوصول لتعميمات وحقائق تساعد على فهم الحاضر بناء على أحداث‬
‫الماضي‪ ،‬وللتنبؤ بالمستقبل‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫نظرا لما للبحر األحمر من أهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية على صعيد األحداث‬
‫المحلية واإلقليمية والعالمية‪ ،‬وكونه أحد أهم طرق الربط البحري في العالم‪ ،‬وبالتالي‬

‫‪26‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫تأثيره على خارطة التجارة واالقتصاد والسياسة العالمية‪ ،‬مما جعله بذلك محطا‬
‫لالهتمام‪ ،‬وموضوعا للبحث والتقصي والتحليل في العديد من الدراسات واألبحاث‪.‬‬
‫تتبع الس َماك (‪1989‬م)‪ ،‬األوزان الجيوبوليتيكية لدول البحر األحمر العربية‪ ،‬في‬
‫محاولة لتحديد المالمح المستقبلية لهذا اإلقليم‪ ،‬وذلك من خالل التحليل المقارن للوضع‬
‫السياسي واإلسترتيجي بين دول هذه المنطقة‪ ،‬ومناطق مشابهة لها في العالم النامي‪.‬‬
‫وقد أوضح الباحث أن المملكة العربية السعودية ومصر تشكالن نقطتي ارتكاز‬
‫متقابلتين في األمن اإلقليمي لدول البحر األحمر العربية‪ ،‬فالسعودية هي مركز الثقل‬
‫المالي والنفطي‪ ،‬ومصر مركز الثقل السكاني والزراعي‪ .‬وقد أوصت الدراسة‬
‫بضرورة العمل على إيجاد تجمع عربي إقليمي لدول البحر األحمر بمستوى يتناسب‬
‫وأهداف األمن اإلقليمي وتعزيز األمن القومي‪ ،‬باإلضافة إلى ضرورة اعتماد العمق‬
‫العربي عمقا جغرافيا للتخطيط الشامل ألمن دول البحر األحمر العربية‪ ،‬وضرورة‬
‫إحداث تغيرات جوهرية في الوضع السكاني من خالل اعادة النظر في سياسات‬
‫توزيع السكان بما يكفل ضمان أمن العديد من الجزر المهجورة في البحر األحمر‪.‬‬
‫ودرس القحطاني (‪1419‬هـ) األهمية الجيوستراتيجية لمضيق باب المندب‪ ،‬من خالل‬
‫الربط بين الواقع الجيوبوليتكي لمضيق باب المندب وما يدور فيه من تحوالت سياسية‬
‫باعتبار أن القيمة الجيوستراتيجية لهذا المضيق والدول المطلة عليه قد تأثرت بهذه‬
‫االحداث والتي هي نفسها بما يحيط بها من عوامل وظروف تشكل أبعاده‬
‫الجيوستراتيجية‪ ،‬من خالل دراسة الخصائص المكانية لمنطقة المضيق‪ ،‬مع تحليل أهم‬
‫التحوالت السياسية حول المضيق‪ ،‬ودراسة التحليل الجيوستراتيجي من خالل دراسة‬
‫دول المضيق ودول البحر األحمر‪ .‬وقد توصل الباحث الى أن الجمهورية العربية‬
‫اليمنية تحتل المرتبة األولى في الترتيب العام بين دول مضيق باب المندب من حيث‬
‫الوزن الجيوستراتيجي‪ ،‬في حين حلّت اثيوبيا في المرتبة الثانية‪ ،‬والصومال في‬
‫المرتبة الثالثة‪ ،‬وارتيريا في المرتبة الرابعة‪ ،‬وجاءت جيبوتي في آخر الترتيب‪.‬‬
‫وتناول القسومي (‪1420‬هـ) األهمية الجيوستراتيجية للملكة العربية السعودية بين‬
‫دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي لم تتم دراستها في السابق من الناحية‬
‫الجيوستراتيجية بصورة تفصيلية شاملة‪ .‬وهدفت دراسته إلى إبراز الخصائص‬
‫الجيوستراتيجية للمملكة‪ ،‬باإلضافة الى دراسة وتحليل المؤشرات الطبيعية والبشرية ‪،‬‬
‫ودور الوزن الجيوستراتيجي السياسي للمملكة في تحقيق االستقرار واألمن في‬
‫المنطقة‪ ،‬من خالل تحليل المؤشرات المكونة لجيوستراتيجية هذه الدول‪ ،‬وعددها ‪29‬‬
‫مؤشرا قسمت أثناء التحليل الى خمس مجموعات رئيسة وهي الطبيعية والبشرية‬
‫واالقتصادية والسياسية والنقل واالتصاالت‪ ،‬حللت بواسطة بعض االساليب التحليلية‬
‫الكمية مثل‪ :‬مفهوم البعد اإلقليدي‪ ،‬ومقياس شكل حدود الدولة‪ ،‬ومؤشر التركيز‬

‫‪27‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫السلعي للصادرات‪ ،‬إليضاح األوزان الجيوستراتيجية لجميع دول المجلس مع التركيز‬


‫على المملكة‪ .‬توصل الباحث إلى أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة األولى‬
‫بين دول مجلس التعاون في جميع المؤشرات المكونة للجيوستراتجية التي أخضعت‬
‫لتحليل البعد اإلقليدي عدا معدل الوفيات الخام‪ ،‬تليها االمارات‪ ،‬فالكويت‪ ،‬ثم سلطنة‬
‫عمان‪ ،‬ثم قطر‪ ،‬وفي آخر القائمة تأتي البحرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبيّن السلطان (‪2000‬م)‪ ،‬أهمية البحر األحمر والصراع العربي اإلسرائيلي والتنافس‬
‫بين هذه اإلستراتيجيتين‪ ،‬بحيث كان أحد أهم القضايا التي ساهمت في الصراع‬
‫المتفاعل بين العرب وإسرائيل‪ ،‬فقد كانت قناة السويس‪ ،‬وشرم الشيخ‪ ،‬وخليج العقبة‪،‬‬
‫ومضائق صنافير وتيران‪ ،‬ومضيق باب المندب‪ ،‬بمثابة عوامل ساهمت مباشرة في‬
‫نشوب الحروب السابقة‪ .‬وكان البحر األحمر منطقة امتد إليها الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي منذ عام (‪1948‬م) وسيستمر في تشكيل المنافسات اإلستراتيجية بين‬
‫الطرفين في المستقبل‪ .‬وقد استخدم الباحث التحليل الكمي لقياس صراع التفاعالت‬
‫العربية اإلسرائيلية وربطها بالبحر األحمر بقصد تأييد وتعزيز نتائج التحليل‬
‫التاريخي‪ .‬وتوصل إلى أن درجة تكرار سلوك الصراع العربي اإلسرائيلي وشدّته‬
‫كانت على درجة عالية‪ .‬كما أن سلوكيات العرب واإلسرائيليين المضادة كانت تتوخى‬
‫تحقيق عدد معين من األهداف والرغبات المتصارعة‪ .‬وقد شمل هذا تعبئة الطرفين‬
‫لمواردهما الداخلية والخارجية وتعزيز قدراتهما العسكرية‪ .‬هذه العوامل قد تؤدي الى‬
‫الحرب مع تفاعل الصراع بين الطرفين في المستقبل‪.‬‬
‫في حين ناقشت الطيار (‪1423‬هـ) التحليل الجيوستراتيجي للدول المطلة على الخليج‬
‫العربي‪ ،‬بدراسة جوانب القوة والضعف في الدول الثماني المطلة على الخليج العربي‪،‬‬
‫والتعرف على وزنها الجيوستراتيجي‪ ،‬وهدفت الدراسة إلى إمكانية حشد عناصر القوة‬
‫في الدول الخليجية وتوجيهها لتحقيق قدر من التعاون بينها للتخفيف من السلبيات‪،‬‬
‫ومن ثم رفع قدراتها للتصدي بصورة جماعية للمخاطر التي تهددها خارجيا‪،‬‬
‫للوصول إلى أمن اقليمي شامل‪ .‬وقد اعتمدت على تحليل المؤشرات الجيوستراتيجية‬
‫لهذه الدول‪ ،‬وعددها ‪ 48‬مؤشرا قسمت أثناء التحليل إلى أربع مجموعات رئيسة وهي‬
‫الطبيعية والسكانية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬حللت بواسطة بعض االساليب التحليلية‬
‫الكمية مثل‪ :‬معامل االرتباط (‪)R‬ومفهوم البعد اإلقليدي‪ ،‬ومقياس االندماج‪ ،‬والتوجه‬
‫البحري‪ ،‬ومقياس التجانس االثنوجرافي‪ ،‬والقيمة الفعلية للمطر‪ .‬وقد توصلت الباحثة‬
‫إلى أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة األولى بين الدول المطلة على الخليج‬
‫العربي في وزنها الجيوستراتيجي الشامل لكل العناصر الطبيعية والبشرية‬
‫واإلقتصادية والسياسية‪ ،‬تبعتها إيران‪ ،‬ثم اإلمارات‪ ،‬فالكويت‪ ،‬ثم البحرين‪ ،‬ثم قطر‪،‬‬
‫عمان‪.‬‬
‫فالعراق‪ ،‬وأخيرا في القائمة دولة ُ‬

‫‪28‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫وأوضح القرزوح ( ‪1432‬ه )‪ ،‬المقومات الجيوستراتيجية وأثرها في السياسة‬


‫الخارجية للجمهورية العربية السورية‪ ،‬وحصر اإلشكالية في دراسته في تناسب‬
‫الوزن الجيوستراتيجي لسوريا مع ما تلعبه من أدوار على المستويين اإلقليمي‬
‫والدولي‪ ،‬باعتبارها وحده طبيعية وحضارية وسياسية‪ ،‬من خالل دراسة مقوماتها‬
‫ومراحل تطورها وسبب وجودها وذلك باالعتماد على عناصر البيئة الجغرافية في‬
‫تفسير هذه الوحدة‪ ،،‬ودراسة التفاعل بين المقومات الجيوستراتيجية والسياسة‬
‫الخارجية السورية‪ ،‬من خالل تحليل قوة الدولة‪ ،‬وقياس التفاعل بين مقوماتها الطبيعية‬
‫والبشرية‪ ،‬وقياس الوزن الجيوستراتيجي لها مقارنة بدول الدراسة االردن ولبنان‬
‫وتركيا واسرائيل‪ .‬وتم استخدام أساليب القيم الحسابية المطلقة مثل أسلوب الهدف‬
‫المثالي‪ ،‬وأسلوب الكثافة الحسابية‪ ،‬ومعامل التوجه البحري‪ ،‬ومعامل إحتكاك الحدود‪.‬‬
‫عدّد منهل (‪1980‬م) ثالثة نقاط تبرز فيها األهمية اإلستراتيجية للبحر األحمر‪ ،‬وهي‬
‫موقع مضيق باب المندب والجزر اليمنية‪ ،‬وكون البحر األحمر بمثابة ممر لتدفق نفط‬
‫الخليج العربي‪ ،‬وأخيرا الموقف المتفجر في القرن األفريقي‪ .‬كما تطرق الباحث إلى‬
‫دور الكيان الصهيوني الذي يلعبه في مشاكل البحر األحمر في إشعال الخالفات‪ ،‬ألن‬
‫تحقيق عروبة حقيقية للبحر األحمر سيقضي على آمال إسرائيل في االستفادة من عدة‬
‫نواحي عسكرية واقتصادية وسياسية‪.‬‬
‫وأورد أحمد (‪1980‬م) عدة أسباب في توتر العالقات العربية اإلفريقية في منطقة‬
‫البحر األحمر‪ ،‬ذكر منها مشكلة امتداد الظاهرة العربية داخل إفريقيا (الصومال‬
‫وجيبوتي) وما تثيره من مخاوف‪ ،‬وكذلك االنعكاسات التاريخية للتحيز الديني بين‬
‫إثيوبيا المسيحية وجاراتها المسلمات‪ ،‬واستمرار هذه االنعكاسات ولو جزئيا على‬
‫الصراع في القرن االفريقي‪ ،‬واالنقسام الحاد في التوجهات السياسية ما بين دول‬
‫ثورية ودول محافظة‪.‬‬
‫كما تطرق محمود (‪1403‬هـ)‪ ،‬لطبيعة العالقة المتبادلة بين اليابس والماء في المدخل‬
‫الجنوبي للبحر األحمر‪ ،‬من خالل التعرف على مدى تأثير هذا االختناق البحري‬
‫كظاهرة جغرافية طبيعية‪ ،‬على تشكيل نمط االستخدام السياسي لألرض الذي يدخل‬
‫في الحيّز الجغرافي‪ ،‬وبيان مدى تأثيره على قوة الدول التي تنتظم في اإلطار العام‬
‫للمدخل الجنوبي للبحر األحمر‪ .‬وقد تتبع لكيفية نمو الالند سكيب السياسي لمنطقة‬
‫المدخل‪ ،‬مع التركيز على دور االستعمار في تشكيل هذه المالمح‪ .‬كما تطرق إلى‬
‫الخصائص الجغرافية التي تميز منطقة مضيق باب المندب وتؤثر في طبيعة‬
‫االستخدام السياسي مثل الموقع والجزر والملوحة والحرارة والتيارات البحرية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى دراسة مطالب القوى الخارجية في منطقة المدخل الجنوبي‪ ،‬وأثره في‬
‫تشكيل السلوك السياسي إزاء هذه المنطقة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫في حين اقترحت مرشد (‪1985‬م) تشكيل مجلس عربي للدول المطلة على البحر‬
‫األحمر‪ ،‬يمثل أعضاؤه خبراء في السياسة واالقتصاد والجغرافيا والشئون العسكرية‪،‬‬
‫يمكن من خالله وضع السياسات الكفيلة بتحقيق األمن القومي للدول المطلة على‬
‫البحر األحمر‪ ،‬والعمل على تحقيق تلك السياسات الموضوعة فعليا وفق ما يتفق‬
‫وحاجات المنطقة ومتطلباتها األساسية‪ .‬كما اقترحت أيضا تنسيق االتجاهات‬
‫والسياسات الموضوعة من قبل الدول المطلة على البحر األحمر مع بعضها البعض‪،‬‬
‫بحيث تشكل في مجموعها إستراتيجية عربية موحدة ترمى إلى هدف واحد وهو خدمة‬
‫عروبة البحر األحمر وأمنه‪ ،‬وحرية المالحة فيه بما يتفق والقوانين الدولية‪ .‬باإلضافة‬
‫إلى السعي مع جامعة الدول العربية في حل المشكالت السياسية والقضايا المتوترة‬
‫التي تعيشها منطقة البحر األحمر بمحاولة التقريب بين وجهات النظر المتباينة‬
‫واأليدولوجيات المتناقضة بصورة علمية ونافذة‪ ،‬تجد فيها كافة االمكانات‬
‫والصالحيات التي تعمل على ح ّل تلك المشكالت السياسية‪.‬‬
‫وحلّل آل سعود (‪1990‬م) األهمية اإلستراتيجية لخليج العقبة بصفته أحد أهم‬
‫المضائق حساسية وخطورة‪ ،‬من خالل التركيز على موقع وموضع خليج العقبة‪،‬‬
‫واألهمية اإلستراتيجية للخليج خالل الصراع األمريكي السوفيتي‪ ،‬ثم األهمية‬
‫اإلستراتيجية لخليج العقبة من خالل الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬وأخيرا ازدياد الثقل‬
‫اإلستراتيجي لخليج العقبة على ضوء المستجدات في الشرق األوسط‪ .‬وقد توصل‬
‫الباحث إلى أن خليج العقبة كان وال يزال وسيظل بؤرة محتملة لتجدد الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي وتفجر الوضع في منطقة الشرق األوسط‪ ،‬كما أن قضايا خليج العقبة لم‬
‫تعد مرتبطة فقط بقضية الشرق األوسط‪ ،‬بل أنها أصبحت ذات طابع مستقل وغدت‬
‫لها ارتباطات مع قضايا إستراتيجية أخرى‪ ،‬كما توصل أيضا إلى أن مؤشر األهمية‬
‫اإلستراتيجية لخليج العقبة يصعد بتفاعل الصراع ويهبط في فترات السلم‪.‬‬
‫وناقش الحمراني (‪1995‬م)‪ ،‬التنافس الدولي في منطقة جنوب البحر األحمر‪،‬‬
‫والمتمثل في السيطرة العثمانية‪ ،‬ثم دخول االستعمار البريطاني‪ ،‬ثم المنافسة الفرنسية‪،‬‬
‫منتهيا بالسيطرة اإليطالية جنوب البحر األحمر‪ .‬وذكر من نتائج الصراع االستعماري‬
‫لمنطقة جنوب البحر األحمر؛ حركة تهريب األسلحة والذخيرة األوروبية الحديثة‬
‫وازدهار تجارتها في المنطقة‪ ،‬باإلضافة إلى حصول الدول المتنافسة على قواعد‬
‫بحرية أعطتها تسهيالت عسكرية في مواقع متقدمة للعمل في منطقة البحر األحمر‪،‬‬
‫وخليج عدن‪ ،‬والمحيط الهندي‪ ،‬وبحر العرب‪ ،‬والخليج العربي‪ ،‬ومكنتها من مراقبة‬
‫التحركات العسكرية في المنطقة‪ ،‬وتعزيز مواقعها األمنية‪ ،‬واالشتراك في االشراف‬
‫على حركة خطوط المالحة البحرية التي ال تستطيع أن تمر إال عبر مجال يخضع‬
‫جزء منه لسيطرتها‪ ،‬وبذلك تكون خطوط االمدادات قصيرة وتصبح التعزيزات قريبة‬
‫المنال في أوقات الطوارئ‪ .‬كما تطرق إلى إستراتيجيات إلدارة الصراع في منطقة‬
‫‪30‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫البحر األحمر‪ ،‬من خالل عقلنة التفكير السياسي وما يتطلبه ذلك من توزيع لألدوار‪،‬‬
‫وحساب للخطوات‪ ،‬وتغيير للتكتيك واألسلوب حسب ما تمليه الظروف‪ ،‬بحيث تصبح‬
‫ممارسات السياسيات الخارجية أكثر فعالية وأشد ضراوة‪.‬‬
‫وعلّل األصبحي (‪1996‬م) الصراع اليمني األريتيري في المدخل الجنوبي للبحر‬
‫األحمر‪ ،‬على أنه ضمن خطة الهيمنة اإلقليمية والدولية الرامية إلى استمرار الخلل في‬
‫ميزان القوى لصالح إسرائيل‪ ،‬خصوصا بعد أن تمكنت على إثر أربعة حروب‬
‫عربية‪ -‬اسرائيلية‪ ،‬من ترويض المدخل الشمالي‪ ،‬وأنه على الرغم من ظهور الحكومة‬
‫األريتيرية في واجهة النزاع مع اليمن‪ ،‬إال أن حقيقة ما يجري ما هو إال استمرار‬
‫للصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬الذي تحرص إسرائيل على إدارته بالكيفية التي تخدم‬
‫مصالحها في مختلف الظروف وأحوال الحرب والسالم‪ .‬وعلل هذا الصراع أيضا‬
‫بمحاولة القوى السياسية الكبرى إلى شدّ أطراف الوطن العربي‪ ،‬كي تظل أقطاره في‬
‫حالة ضعف وانشغال يصدها عن همومها القومية الكبرى‪ ،‬ويحد من حركتها في البناء‬
‫والتنمية‪ ،‬وبالتالي قيام الدولة النموذجية‪.‬‬
‫قامت مسعد (‪1997‬م)‪ ،‬بدراسة اإلستراتيجية اإلسرائيلية ألمن البحر األحمر من‬
‫منظور إسرائيلي‪ ،‬وبينت أن هذه اإلستراتيجية موجهة أساسا لتحقيق مصالح إسرائيلية‬
‫عليا تصطدم بشكل أو بآخر كل من تلك اإلستراتيجيات أو األهداف مع نظائرها‬
‫العربية وتأتي في إطار الصراع العربي اإلسرائيلي‪ .‬وهدفت الدراسة إلى تحديد أهمية‬
‫البحر االحمر بالنسبة إلى إسرائيل‪ ،‬ومراحل اإلستراتيجية اإلسرائيلية في ذلك‪ ،‬وآثار‬
‫الرؤية اإلسرائيلية على أمن البحر األحمر من منظور عربي‪ ،‬والعوامل التي ساهمت‬
‫في هذه الرؤية‪ ،‬ومستقبل الرؤية اإلسرائيلية للبحر األحمر‪ ،‬واآلليات التي استخدمتها‬
‫إسرائيل لتحقيق أهدافها‪ .‬وقد توصلت الباحثة إلى أن إسرائيل استطاعت تحقيق العديد‬
‫من المراحل حتى اآلن من إستراتيجيتها تجاه البحر األحمر‪ ،‬وأن هذه اإلستراتيجية‬
‫تشكل بالفعل تهديدا خطيرا لألمن القومي العربي ككل وليس الدول المطلة على البحر‬
‫األحمر‪ ،‬وبالتالي البد من إستراتيجية عربية مقابلة قادرة على مواجهة اإلستراتيجية‬
‫اإلسرائيلية واحباط أهدافها‪ ،‬وتأمين حضور عربي فاعل‪.‬‬
‫أما الفقي (‪1418‬هـ)‪ ،‬فقد تناول األبعاد الجيوستراتيجية لمحاوالت تقسيم مياه نهر‬
‫النيل‪ ،‬وذلك من خالل تقديم صورة موجزة عن محاوالت القوى االستعمارية لتقسيم‬
‫مياه النيل‪ ،‬ثم قام الباحث بتحليل األبعاد الجيوستراتيجية لتقسيم مياه النيل من خالل‬
‫أربعة أبعاد هي‪ :‬األبعاد السياسية‪ ،‬واألبعاد العسكرية‪ ،‬واألبعاد االقتصادية‪ ،‬وأخيرا‬
‫األبعاد السكانية‪ .‬كما تطرق إلى المنظور الجيوستراتيجي لالتفاقيات الدولية‪ ،‬والثنائية‬
‫الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل‪ ،‬من خالل إيجاز القواعد القانونية التي تنظم استغالل‬
‫األنهار الدولية سواء في الفقه اإلسالمي أو في القوانين الدولية‪ .‬وقد توصل إلى أن‬

‫‪31‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫الخالف بين دول المصب ودول المنبع‪ ،‬حول االلتزام باالتفاقيات التي تم توقيعها أثناء‬
‫الحقبة االستعمارية‪ ،‬أو بعد االستقالل ناتج بالدرجة األولى لصراعات سياسية وليس‬
‫بسبب قله المياه‪ ،‬أو ازدياد الطلب على المياه لمواجهة خطط تنموية كما تدعى دول‬
‫المنبع‪ .‬كما دعا الباحث إلى عقد اتفاقية جديدة لتقسيم مياه النيل‪ ،‬باإلضافة إلى أخذ كل‬
‫من السودان ومصر بزمام المبادرة في عرض حاجة كل منهما من الموارد المائية‪،‬‬
‫وذلك من خالل تقديم مشروعات مدروسة لدول الحوض األخرى يتم من خاللها‬
‫مقايضة الماء بالطاقة الكهرومائية‪.‬‬
‫ورصد األغبري ( ‪1998‬م ) التفاعالت الدولية واإلقليمية في منطقة البحر األحمر‪،‬‬
‫وتأثيراتها على االستقرار في المنطقة‪ ،‬وعلى خطوط المالحة البحرية‪ ،‬وعلى عملية‬
‫تدفق النفط‪ ،‬من خالل التعرف على أدوار القوى الدولية واالقليمية المختلفة الفاعلة في‬
‫المنطقة‪ ،‬مع التركيز على الدور اليمني على اعتبار أن البعد الجغرافي لليمن بعد‬
‫الوحدة‪ ،‬وإضافة البعد البشري‪ ،‬والنمو النسبي في القوة اليمنية اقتصاديا وعسكريا‪،‬‬
‫كلها عوامل أهلت اليمن ألن تكون عمقا إستراتيجيا لدول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬من‬
‫خالل مساهمة اليمن في حماية خطوط التدفق النفطي على مضيق باب المندب‪ ،‬مما‬
‫عزز عالقة اليمن مع دول مجلس التعاون‪ ،‬ودول حوض البحر األحمر انطالقا من‬
‫المصالح المشتركة بين اليمن وبين هذه الدول‪.‬‬
‫واستعرض حسن (‪1998‬م)‪ ،‬دور البحر األحمر في الحرب العالمية األولى وأهميته‬
‫التاريخية في المالحة الدولية ودوره اإلستراتيجي في الحرب العالمية األولى‬
‫(‪1918 -1914‬م)‪ ،‬وما ترتب على ذلك من انتصار الحلفاء – بريطانيا وفرنسا‪ -‬على‬
‫ألمانيا وتركيا من نتائج كثيرة عالمية ومحلية بالنسبة للشعوب المطلة على البحر‬
‫األحمر‪ ،‬ومن أهمها مصر والسودان‪ ،‬اللتان استغلتهما بريطانيا في تحقيق أهدافها‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬واستغالل ثرواتهما في أوقات السلم والحرب‪ .‬وما تال ذلك من تغيرات‬
‫جيوسياسية في منطقة البحر األحمر نتيجة اندالع الحرب مثل الغاء السيطرة العثمانية‬
‫على مصر‪ ،‬واغالق قناة السويس في وجه السفن المعادية وتحول البحر األحمر الى‬
‫بحيرة بريطانية‪.‬‬
‫وبحث ليفيبفير(‪ )1998،Lefebvre‬األبعاد العالمية واإلقليمية والوطنية الجيوسياسية‬
‫واالقتصادية للصراع بين إريتريا واليمن على جزر حنيش‪ ،‬واآلثار المترتبة على هذا‬
‫الصراع على أمن منطقة البحر األحمر الجنوبية‪ .‬حيث كان السبب الرئيس لهذا‬
‫النزاع هو السيطرة على الموارد البحرية ألسباب إستراتيجية واقتصادية‪ ،‬وقد زاد‬
‫األمر تعقيدا تدخل القوى الخارجية في الصراع‪ ،‬وكذلك دول شمال البحر األحمر‪،‬‬
‫وبالتالي تعقيد عملية التصعيد‪ .‬بينما قدمت إريتريا واليمن هذا النزاع إلى التحكيم‬
‫الدولي‪ ،‬وتم التوصل إلى ما يبدو أنه إجماع على أن تم ّكن فرنسا لتكون بمثابة "ولي‬
‫األمر" في المنطقة جنوب البحر األحمر‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫كما قدّم الموعد ( ‪1999‬م )‪ ،‬عرضا شامال ألمن الممرات المائية العربية‪ ،‬التي يأتي‬
‫من ضمنها البحر األحمر ونقاطه اإلستراتيجية المهمة‪ ،‬مثل مضيق باب المندب‪،‬‬
‫ومضائق تيران‪ ،‬وقناة السويس‪ ،‬والقرن األفريقي‪ ،‬وتحدث عن أن البحر األحمر يجب‬
‫أن يعتبر بحيرة عربية خالصة‪ ،‬بحكم موقعه في قلب العالم العربي‪ ،‬وقد استنتج أن‬
‫أمن الممرات المائية العربية جزء ال يتجزأ من أمن الدول العربية المطلة عليه بشكل‬
‫خاص‪ ،‬والوطن العربي بشكل عام‪ ،‬وقد أ ّكد أيضا أن الوقائع التاريخية للممرات‬
‫المائية كان مقدمة لتهديدات أكبر وأكثر شموال لمناطق أخرى في الوطن العربي‪ .‬كما‬
‫أ ّكد على أن الدول العربية لن تستطيع منفردة الدفاع عن هذه الممرات‪ ،‬سواء كانت‬
‫األسباب مرتبطة بالقوة البشرية‪ ،‬أو باإلمكانات االقتصادية‪ ،‬وأن األجواء الالتصالحية‬
‫السائدة بين بعض الدول العربية المطلة على الممرات المائية العربية‪ ،‬سواء بسبب‬
‫خالفات الحدود‪ ،‬أو ما شابه ذلك يجعل بعض هذه الدول تبحث عن دعم خارجي مما‬
‫يلبث أن يتحول إلى مصدر تهديد لهذه الممرات وأمنها‪ .‬كما أقترح وضع خطة عربية‬
‫لتنمية الممرات المائية‪.‬‬
‫وأوضح قائد (‪2000‬م)‪ ،‬أهم نقاط التقاطع وااللتقاء في توجهات القوى الخارجية‬
‫الرئيسة في منطقة جنوب البحر األحمر‪ ،‬من خالل دراسة القوة العسكرية لكل من‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬االتحاد السوفيتي‪ ،‬فرنسا‪ ،‬إسرائيل‪ .‬كما أوضحت الدراسة أهم‬
‫التحوالت السياسية الرئيسة الحاصلة في منطقة جنوب البحر األحمر وانعكاساتها‬
‫على األمن القومي العربي‪ ،‬من خالل دراسة متغيري انهيار االتحاد السوفيتي و بروز‬
‫الهيمنة األمريكية على الشأن الدولي‪ ،‬أما على المستوى اإلقليمي فقد تم دراسة عدة‬
‫متغيرات كـحرب الخليج األولى عام ‪1991‬م‪ ،‬وقيام الوحدة اليمنية عام ‪1990‬م‪،‬‬
‫وسقوط النظام العسكري في إثيوبيا ‪1990‬م‪ ،‬واستقالل إريتريا عام ‪1993‬م‪ ،‬وأخيرا‬
‫العدوان األريتيري على جزر أرخبيل حنيش عام ‪1995‬م‪ ،‬في حين أكتفت على‬
‫المستوى المحلي بدراسة متغيري األزمة السياسية‪ -‬األمنية في كل من الصومال‬
‫واليمن‪ .‬وقد توصلت الدراسة إلى أن أهمية البحر األحمر اإلستراتيجية لم تكن غائبة‬
‫مطلقا عن إدراك صانعي القرار في الدول المعنية فالمبادرات في هذا المجال ابتدأت‬
‫في عام ‪1955‬م‪ ،‬مرورا بميثاق جده (مصر والسعودية واليمن) في ‪1956‬م والذي‬
‫يضمن إقامة نظام أمن عربي مشترك في البحر األحمر فيما بينها‪ .‬عالوة على‬
‫الدعوات التي أطلقتها دول عربية‪ ،‬منها الدعوة المصرية لعقد مؤتمر عربي يهدف‬
‫إلى ضمان أمن منطقة البحر األحمر‪ ،‬أثر عمليات التلغيم التي تعرضت لها المالحة‬
‫الدولية في البحر األحمر وخاصة في مداخله عام ‪1984‬م‪.‬‬
‫وشرح العنزي (‪ ) 2001،alanazi‬أن البحر األحمر كان و ال يزال ممر مائي‬
‫إستراتيجي مهم للغاية‪ ،‬وبالتالي فإن األمن واالستقرار في هذه المنطقة من العالم‬

‫‪33‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫ينعكس على بقية دول العالم‪ ،‬ويتطلب هذا من دول البحر األحمر العربية المطلة‬
‫عليه‪ ،‬العتماد إستراتيجية جديدة‪ .‬وهذه اإلستراتيجية لن تحقق أهدافها حتى تتغلب هذه‬
‫الدول على مشاكلها‪ .‬وعدد خطوات معينة يأتي منها على سبيل المثال‪ :‬الصراع‬
‫العربي اإلسرائيلي ال يزال لديه تأثير كبير على المنطقة‪ ،‬حيث حاولت إسرائيل‬
‫مواجهة النفوذ العربي في البحر األحمر ومطالبتها وضع البحر األحمر تحت‬
‫اإلشراف الدولي‪ .‬ولحل هذا اإلشكال اقترح العنزي إيجاد صيغة للسالم الدائم والعادل‬
‫حل بعض اإلشكاالت في البحر األحمر‪ .‬كما اقترح إقامة‬ ‫بين الطرفين‪ ،‬لكي يتم ّ‬
‫عالقات جيدة مع الدول االفريقية بشكل عام‪ ،‬وتلك الدول الواقعة في القرن األفريقي‬
‫بشكل خاص‪.‬‬
‫وش ّخص البرصان ( ‪2001‬م ) األهمية اإلستراتيجية التي يمثلها البحر األحمر لألمن‬
‫القومي العربي ككل‪ ،‬أو أمن الدول العربية المشاطئة للبحر األحمر على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬وتوصل إلى رؤية متكاملة حول طبيعة االختراقات التي ت ّمت في نظرية‬
‫األمن القومي العربي في هذه المنطقة‪ ،‬وحجم النجاح الذي حققته األطماع الدولية‬
‫والصهيونية في المنطقة‪ ،‬وحاول رسم طبيعة تأثير البحر األحمر والعرب على‬
‫شواطئه على بنية و قواعد النظام الدولي إستراتيجيا‪ ،‬وتوصل إلى مالمح رئيسة‬
‫لمشروع قومي عربي ألمن البحر األحمر‪ ،‬من خالل تطوير عالقات الدول الواقعة‬
‫على طرفيه‪ ،‬وتشكيل لجنة تنسيق دائمة عليا على مستوى الخبراء اإلستراتيجيين‪،‬‬
‫بحيث يكون أمن البحر األحمر ركنا أساسيا في أية إستراتيجية لتحقيق األمن القومي‬
‫العربي‪ .‬وتنبأ الباحث في األجل القصير أنه من غير المتوقع أن يتوصل العرب إلى‬
‫إستراتيجية عربية لتحقيق األمن في البحر األحمر على ضوء األزمات المتتالية في‬
‫الوطن العربي‪ ،‬لكنه شدد على ضرورة البدء بتنسيق توجهات السياسة الخارجية‬
‫للدول العربية المطلة على البحر األحمر ودول مجلس التعاون الخليجي إزاء القوى‬
‫الدولية‪ ،‬أو حتى إزاء دول الجوار اإلقليمي‪.‬‬
‫وحلل أبو داود (‪2001‬م)‪ ،‬السياسة البحرية السعودية في الخليج العربي والبحر‬
‫األحمر‪ ،‬منذ تأسيسها عام ‪1932‬م‪ ،‬نحو تأسيس ورسم سياسة بحرية‪ ،‬من خالل‬
‫صياغة أنظمة ومراسيم وقرارات تنظم وتحكم الحدود ومناطق السيادة والوالية‬
‫البحرية السعودية‪ ،‬وإبرام اتفاقات ومعاهدات ثنائية مع الدول الساحلية المجاورة ذات‬
‫العالقة‪ .‬وقد خلصت دراسته‪ ،‬إلى أن المملكة العربية السعودية خالل الخمسين عاما‬
‫األخيرة‪ ،‬قد طورت سياسة بحرية قائمة على عدد من المعايير التي تشمل‪ :‬المساواة‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬والمصالح المشتركة‪ .‬وقد نظمت هذه السياسة البحرية بهدف حماية وضمان‬
‫السيادة والمصالح األمنية واالقتصادية في مياه الخليج العربي والبحر األحمر‪ ،‬وقد‬
‫كانت هذه السياسة ذات أثر ملموس في تحقيق األهداف السعودية البحرية المتمثلة في‬
‫فرض السيادة والحفاظ على المصالح االقتصادية‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫كما حلل أبو داود(‪2003‬م)‪ ،‬مسألة الحدود السعودية اليمنية‪ ،‬تحليال موضوعيا‬
‫تاريخيا‪ ،‬من خالل األسس السياسية واالقتصادية واأليديولوجية للنزاع‪ ،‬والمعاهدات‬
‫الحدودية الموقعة بين البلدين‪ ،‬والوسائل التي اتبعها الطرفان في إدارة نزاعهما‪ .‬وقد‬
‫توصل الباحث إلى نتائج من أهمها‪ ،‬تأثير حدود البلدين على المناطق المتاخمة‪ ،‬وتأثر‬
‫النزاع الحدودي ببعض العوامل السياسية واأليديولوجية واالقتصادية‪ ،‬واستخدام‬
‫الطرفين لوسائل مختلفة إلدارة نزاعهما‪ ،‬وتكون هذه الحدود عبر مراحل تاريخية‬
‫متباينة‪ .‬وخلصت الدراسة إلى أن المفاوضات المباشرة هي السبيل األمثل للوصول‬
‫مرض ونهائي ودائم بين الطرفين‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫إلى حل‬
‫وأشار الدوسري (‪2008‬م)‪ ،‬لدور المملكة العربية السعودية الكبير في أمن البحر‬
‫األحمر‪ ،‬مستعرضا الخصائص الجغرافية واإلستراتيجية للبحر األحمر‪ ،‬والتعرف‬
‫على المتغيرات السياسية والصراعات التي حدثت في منطقة البحر األحمر والخليج‬
‫العربي‪ ،‬والتي أثرت على أمنه‪ ،‬كما ناقش الباحث بإسهاب الدور اإلسرائيلي في أمن‬
‫البحر األحمر‪ ،‬والتعرف على جهود ودور المملكة العربية السعودية في أمن البحر‬
‫األحمر‪ ،‬الذي يرتبط باألمن الوطني واألمن القومي العربي واألمن اإلقليمي وكذلك‬
‫الحال باألمن الدولي‪ .‬وتوصل الباحث إلى أن البحر األحمر مع البحر المتوسط‬
‫والخليج العربي يشكلون كتلة إستراتيجية مهمة‪ ،‬وهذا ما أدخله على مدى التاريخ في‬
‫إستراتيجية الدول الكبرى واإلستراتيجية األمريكية الحالية باعتبارها القوة المسيطرة‬
‫في الوقت الراهن على النظام العالمي والقائدة لعملية إعادة صياغته‪.‬‬
‫ويرى سالمة (‪2009‬م) أن أعمال القرصنة البحرية قبالة سواحل الصومال اتخذت‬
‫أبعادا متصاعدة منذ مطلع عام ‪2008‬م‪ ،‬وباتت تهدد واحدة من أهم الطرق البحرية‬
‫في العالم‪ ،‬ويرى أيضا أن ثمة أجندة خفية تقف وراء هؤالء القراصنة الذين ربما‬
‫أوجدوا بأعمالهم الخطيرة مبررا لتكثيف الوجود العسكري األجنبي‪ ،‬رغم عدم وجود‬
‫أدلة مادية ملموسة لتورط دولة بعينها في أعمال القرصنة‪ ،‬إال أن هذا ال ينفى وجود‬
‫أطراف وقوى تستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر من تلك الظاهرة‪ ،‬يأتي على رأسها‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬ثم أثيوبيا‪ .‬ثم تطرق الباحث إلى موقف الدول‬
‫العربية المطلة على البحر األحمر وذكر أنه على الرغم من أن هذه الدول تعي أبعاد‬
‫هذا الخطر على أمنها القومي ومستقبلها االقتصادي‪ ،‬إال أن التحركات العربية‬
‫لمواجهة ذلك لم ترق إلى مستوى هذا الحدث‪ ،‬ورغم أن المصالح العربية في البحر‬
‫األحمر هي مصالح إستراتيجية تعد من أهم مقتضيات األمن القومي العربي‪ ،‬إال أن‬
‫الدور تجاه أعمال القرصنة تلك ال يزال يتراوح بين الغياب والغيبوبة‪ .‬وحذر من أن‬
‫أكثر الدول المشاطئة للبحر األحمر تضررا من الوجود العسكري األجنبي‪ ،‬هما اليمن‬
‫والسودان‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫وقارن عميدور (‪2010‬م) بين الوجود اإلسرائيلي في مواجهة الوجود العسكري‬


‫اإليراني في البحر األحمر‪ .‬وناقش األهمية الكبيرة للبحر األحمر التي تجعل إسرائيل‬
‫تعتبره جسرا يصلها بالبلدان اإلفريقية واآلسيوية سياسيا واقتصاديا وإستراتيجيا‪ .‬وهي‬
‫لهذا تتابع باهتمام بالغ تنامي الوجود اإليراني في شرق إفريقيا ولكن بشكل خاص في‬
‫إريتريا‪ .‬كما تحدّث عن تنامي عالقات التعاون العسكري بين إريتريا وإيران ومنح‬
‫قطع األسطول اإليراني تسهيالت في مينائي مصوع وعصب‪ ،‬ونصب صواريخ‬
‫بحرية قادرة على تهديد األسطول التجاري والحربي اإلسرائيلي واألساطيل الغربية‪،‬‬
‫وذكر أن هذا الوجود هدفه باألساس مواجهة الوجود البحري العسكري اإلسرائيلي‬
‫الذي يحشد في البحر األحمر وفي المحيط الهندي لمواجهة احتمال توجيه ضربة‬
‫عسكرية جوية وبحرية ضد إيران عن طريق خلق وجود مضاد أو تحدي مضاد‪ .‬مع‬
‫أن هذا الوجود سيهدد دوال عربية تقع على سواحل البحر األحمر كالسعودية واليمن‬
‫وحتى مصر والسودان‪.‬‬
‫وعزا الشجاع ( ‪1430‬هـ ) الحضور البارز إلسرائيل في النزاع األريتيري‬
‫واإلثيوبي لسببين هامين‪ ،‬األول منهما يتعلق بالرغبة في السيطرة على الجزر القريبة‬
‫من باب المندب‪ ،‬فعندما نظرت إسرائيل إلى هذه المنطقة بغرض السيطرة عليها كان‬
‫أمامها ثالثة خيارات‪ :‬إما الجزر اإلرتيرية أو الجزر اليمنية أو جزر جيبوتي‪ ،‬وبما أن‬
‫جيبوتي مستبعدة بسبب الوجود الفرنسي‪ ،‬وكذلك الجزر اليمنية مستبعدة بسبب‬
‫الموقف اليمني الرافض‪ ،‬فلم تجد إسرائيل أمامها إال الجزر اإلرتيرية؛ فاستغلت‬
‫الصراع اإلرتيري اإلثيوبي ودعم بعض األطراف لتحقيق ما تريده‪ .‬والسبب الثاني‬
‫الهتمام إسرائيل بهذه المنطقة‪ ،‬يتعلق بأطراف الصراع وتوجهاتها السياسية‪ ،‬فمنذ‬
‫أوائل خمسينيات القرن العشرين الميالدي‪ ،‬ساندت إسرائيل سيطرة إثيوبيا على‬
‫إريتريا حين أعلن (موشي ديان) وزير الدفاع اإلسرائيلي آنذاك أن أمن إثيوبيا‬
‫وسالمتها يشكالن ضمانة إلسرائيل‪ ،‬واستخدمت في سبيل ذلك الدعم العسكري‬
‫واالقتصادي‪ .‬كذلك وقفت في وجه الثورة اإلريترية المطالبة باالستقالل عن إثيوبيا‪.‬‬
‫قدّم عبدهللا (‪2012‬م) ورقة عمل في ملتقى قضايا المالحة البحرية‪ ،‬عن القرصنة‬
‫قبالة السواحل الصومالية وانعكاساتها على المالحة في البحر األحمر‪ ،‬والتي يمتد‬
‫تأثيرها أكثر من الدول المشاطئة للبحر األحمر‪ ،‬حيث تأثر على دول الخليج العربي‪،‬‬
‫والدول العظمى التي تستفيد من هذا الممر اإلستراتيجي‪ .‬تقف الورقة كذلك على‬
‫ظاهرة القرصنة في العصر الحديث‪ ،‬والتطور التكنولوجي الذي ساهم في الحد من‬
‫هذه الظاهرة بابتكار الوسائل الحديثة لحماية السفن‪ ،‬ومطاردة القراصنة‪ ،‬وسن‬
‫القوانين الدولية التي تجرم القرصنة وشرع العقوبات القاسية في مواجهة القراصنة‪.‬‬
‫وبحثت الورقة أيضا انعكاسات القرصنة قبال السواحل الصومالية على الدول‬
‫المشاطئة للبحر األحمر‪ ،‬فمصر مثال تتحكم على المدخل الشمالي للبحر األحمر عبر‬
‫‪36‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫قناة السويس والذي تمر به ناقلة كل‪ 3‬دقائق‪ ،‬وتستفيد مصر فائدة قصوى من عائدات‬
‫العبور لتلك البواخر التجارية وهكذا الدول األخرى مثل اليمن‪ ،‬وقد أدى انتشار‬
‫ظاهرة القرصنة عند المدخل الجنوبي للبحر األحمر إلى دفع عدد من البواخر والسفن‬
‫إلى اللجوء إلى طرق أخرى عبر رأس الرجاء الصالح األمر الذي أثر سلبا على تلك‬
‫الدول المشاطئة للبحر األحمر وقد أوصى الباحث ببذل جهد إقليمي ودولي إلعادة‬
‫االستقرار للصومال‪ ،‬وتسهيل المصالحة بين الفصائل الصومالية المتناحرة‪ ،‬وتكوين‬
‫حكومة مركزية مستقرة تعمل على بسط األمن في الصومال حتى تتم معالجة الظاهرة‬
‫من جذورها‪.‬‬
‫في حين عدّد النصيان (‪1434‬هـ) أثر العوامل الجيوسياسية في ترسيم الحدود بين‬
‫المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية اليمنية خالل الفترة من عام ‪1411‬ه‬
‫إلى عام ‪1421‬ه‪ ،‬ودورها في تسريع ترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية‬
‫والجمهورية العربية اليمنية‪ .‬وقد ذكر الباحث أن أبرز هذه العوامل هي حرب الخليج‬
‫الثانية عام ‪1991‬م‪ ،‬والوحدة اليمنية عام ‪1990‬م‪ ،‬واكتشاف النفط والمياه الجوفية في‬
‫المنطقة الحدودية بين البلدين‪ ،‬ورغبة الجمهورية اليمنية في االنضمام إلى مجلس‬
‫التعاون لدول الخليج العربية‪ ،‬والتقارب السياسي بين البلدين في فترة رئاسة الرئيس‬
‫علي عبدهللا صالح‪ ،‬كل هذه العوامل ساهمت في تغيير الوضع السياسي بين البلدين‪،‬‬
‫وتوجت بتوقيعهما معاهدة جدة عام ‪2000‬م‪.‬‬‫وخاصة الوضع الحدودي بينهما‪ّ ،‬‬
‫من خالل استعراض الدراسات السابقة‪ ،‬يتضح أن الدراسات التي تناولت البحر‬
‫األحمر أغلبها إن لم يكن كلها‪ ،‬قامت بدراسة دولة من دول البحر األحمر‪ ،‬أو حتى‬
‫تجمع لبعض الدول المشاطئة للبحر‪ ،‬من نواحي جيوستراتيجية أو جيوسياسية‪ ،‬على‬
‫خالف هذه الدراسة التي تشتمل على جميع الدول المطلة على البحر األحمر بال‬
‫استثناء وهي (المملكة العربية السعودية‪ ،‬األردن‪ ،‬إسرائيل‪ ،‬مصر‪ ،‬السودان‪ ،‬إرتيريا‪،‬‬
‫جيبوتي‪ ،‬اليمن)‪ ،‬على عكس الدراسات السابقة التي تطرقت إلى دولة معينة من هذه‬
‫الدول‪ ،‬أو تجمع لدول تجمعها مظلة إقليمية معينة‪ .‬باإلضافة إلى أسلوب التعامل مع‬
‫المعطيات الجغرافية من جميع النواحي (الطبيعية‪ ،‬والديموغرافية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫والسياسية‪ ،‬والعسكرية)‪.‬‬
‫البحر األحمر عبر التاريخ‪:‬‬
‫منذ زمن بعيد ضارب في القدم‪ ،‬جذبت البحار والمسطحات المائية اهتمام اإلنسان‬
‫كمصدر للرزق والثروات الحيّة منها وغير الحيّة‪ ،‬باإلضافة إلى كونها وسيلة للنقل‬
‫والتجارة‪ .‬وقد أنشئت من أجل ذلك األساطيل التجارية للتبادل التجاري‪ ،‬والحربية‬
‫لحراسة السواحل‪ ،‬ليتجه األمر رويدا رويدا إلى اتخاذ البحار وسيلة لبسط السيطرة‬

‫‪37‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫والنفوذ‪ ،‬وأداة فاعلة لتنفيذ االستراتيجيات العسكرية‪ ،‬واالستخدام السياسي للقوة (عبد‬
‫الوهاب‪1998 ،‬م‪.)29 :‬‬
‫البحر األحمر لم يكن استثناء من بين المسطحات المائية‪ ،‬حيث احتلت منطقته أهمية‬
‫كبيرة في ساحة األحداث الدولية عبر التاريخ‪ ،‬ألهميتها االستراتيجية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬
‫واالقتصادية‪ .‬وبحكم كون البحر األحمر طريقا بحريا استراتيجيا‪ ،‬فقد أصبح أحد بؤر‬
‫الصراع الدولي‪ ،‬وجزئا هاما من االستراتيجية العالمية‪ ،‬ما حفّز الدول الكبرى للسعي‬
‫إلحكام السيطرة عليه‪ ،‬وإيجاد موطئ قدم فيه‪ ،‬مما جعل لهذا الصراع والتدخل‬
‫األجنب ي في المنطقة وثقافتها وحضارتها األثر الكبير في حساسية هذه المنطقة منذ‬
‫األزل‪ ،‬وستظل هذه األهمية االستراتيجية للبحر األحمر هي األساس كمحور للصراع‬
‫حوله‪ .‬أضف إلى ذلك حالة الضعف والمشاكل اإلقليمية‪ ،‬والمحلية‪ ،‬والتخلف التي‬
‫تعيشها معظم الدول المشاطئة للبحر األحمر‪ ،‬ما س ّهل كثيرا مهمة التدخل األجنبي في‬
‫المنطقة (محمد‪1993 ،‬م‪.)11 :‬‬
‫ويمكن للمرء أن يدرك مدى أهمية البحر األحمر بمجرد النظر إلى عدد القوى‬
‫األجنبية التي جاءت إلى المنطقة ثم غادرتها‪ ،‬حيث سيطر عليه اإلغريق والرومان‬
‫والبيزنطيون والفرس والصليبيون والمغول والعثمانيون والبرتغاليون والبريطانيون‬
‫والفرنسيون واإليطاليون وأخيرا السوفييت واألمريكيون‪ ،‬كل ذلك بسبب الخواص‬
‫االستراتيجية للبحر األحمر التي كانت مدعاة إلشعال المنافسة االقليمية والدولية عليه‬
‫(السلطان‪2000 ،‬م‪.)287 :‬‬
‫من المؤكد أن البعد التاريخي يعد جزءا هاما من أي دراسة علمية جادة تتناول‬
‫بالتحليل الجغرافي واقع أي ظاهرة سياسية‪ .‬وبغير هذا العمق التاريخي تصبح‬
‫األحداث والوقائع المتعلقة بهذا الواقع القائم مجرد أحداث سياسية عابرة ال تخضع‬
‫للتحليل الجغرافي (محمود‪1403 ،‬ه‪ .)49 :‬من هذا المنطلق كان لزاما استعراض‬
‫تاريخ الصراع الدولي للسيطرة على البحر األحمر‪ ،‬والتأمل في الخلفية التاريخية لهذا‬
‫الصراع‪ ،‬نظرا ألن األهمية الجيوستراتيجية التي يتمتع بها البحر األحمر لم يكتسبها‬
‫اليوم‪ ،‬بل أنها ضاربة الجذور في أعماق التاريخ‪ .‬باإلضافة إلى أن تناول الخلفية‬
‫التاريخية للبحر األحمر يهيئ الفرصة لتتبع أحداث المنطقة مرورا بمختلف المراحل‪،‬‬
‫ومختلف القوى األجنبية االستعمارية التي دأبت في السعي لوضع يدها على هذا‬
‫الشريان الحيوي الهام‪.‬‬
‫أحتل البحر األحمر مكانة كبيرة لدى الحضارات واألمم القديمة المجاورة له‪ ،‬فقد‬
‫أطلق الفراعنة عليه أسم األخضر الهائل‪ ،‬في حين ورد في كتاب العهد القديم تحت‬
‫أسم (يم سوف)‪ ،‬حيث عنت كلمت (سوف) نبات البردي‪ ،‬وهو ما جعل يرى أن البحر‬
‫األحمر إنما هو تحريف لكلمة ‪( Reed Sea‬بحيرة البردي) التي ورد ذكرها في‬
‫الوثائق المصرية القديمة التي ترجع إلى القرن الثالث قبل الميالد‪ .‬بينما أسماه‬
‫‪38‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫اليونانيين والرومان البحر اإلرتيري ‪ Eritrean‬بسبب لون مياهه الحمراء بعيد‬


‫انعكاس أشعة الشمس عليها (الطحاوي‪2011 ،‬م‪.)312 :‬‬
‫بدأت أهمية البحر األحمر حين أستغله المصريين القدماء لبلوغ بالد البونت‬
‫(الصومال) لجلب العصور والبخور واألخشاب منذ عشرين قرنا قبل ميالد المسيح‬
‫عليه السالم‪ ،‬ثم اخترقه الفراعنة جنوبا حتى بلغوا بالد الهند بقصد التجارة في التوابل‬
‫والعطور وغيرها من منتجات الشرق األقصى في األلف السنة األولى قبل الميالد‪.‬‬
‫وبعد الغزو األفريقي لمصر سارت دولة البطالمة على نهج سياسة الفراعنة في البحر‬
‫األحمر‪ ،‬فأهتمت برعاية األساطيل التجارية التي كانت تمثل موردا اقتصاديا هاما‪.‬‬
‫ولم تقف جهود البطالمة على المناشط التجارية وتوسيع ممتلكات الدولة‪ ،‬بل أهتموا‬
‫بجمع بيانات دقيقة عن سواحل البحر األحمر وأجزاء من المحيط الهندي‪ .‬وكان ما‬
‫جمعوه من حقائق عن السواحل وسكانها وموارد ثرواتها يمثل ثروة علمية عظيمة‬
‫ساعدتهم على السيطرة على البحر األحمر‪ .‬كما قاموا بإنشاء موانئ جديدة على‬
‫الساحل الغربي للبحر األحمر جنوب مصوع مثل برنيس‪ ،‬ولوكوس‪ ،‬وارسينوي عند‬
‫مضيق باب المندب‪ .‬في حين لم تتحقق الزعامة البحرية للبطالمة على البحر األحمر‬
‫دون صراع شديد مع دولة سبأ اليمنية (‪ 750‬ق‪.‬م ‪ 115 /‬ق‪.‬م)‪ ،‬التي كانت تسيطر‬
‫على المدخل الجنوبي للبحر األحمر‪ ،‬كما أن غزارة األمطار وخصوبة األرض‬
‫جعلتها مصدرا هاما للعطور والبخور‪ ،‬كما كانت على صالت تجارية مع شرق‬
‫أفريقيا والهند‪ .‬وأتاح هذا الموقع المنيع للسبئيين السيطرة على جنوب البحر األحمر‪،‬‬
‫والساحل الجنوبي لشبة الجزيرة العربية‪ ،‬والساحل األفريقي المواجهة لبالدهم‪ .‬ولذلك‬
‫تسنى لهم احتكار تجارة التوابل والعطور‪ .‬وتجنبا لمخاطر البحر األحمر كان التجار‬
‫السبئيون ينقلون هذه السلع على قوافل برية تسير محاذية لساحل البحر األحمر‬
‫الشرقي عن طريق مكة إلى الشام ومصر‪ .‬وفي سنة ‪30‬ق‪.‬م‪ .‬استولت الدولة الرومانية‬
‫على دولة البطالمة‪ ،‬واتضحت سياستها الرامية إلى السيطرة على البحر األحمر‪.‬‬
‫وكان هدف اإلمبراطور اغسطس أن تنال روما تصيبها من الثراء الذي تحققه التجارة‬
‫الشرقية‪ ،‬فقرر كسر االحتكار اليمني لتلك التجارة وتحول مسارها للموانئ المصرية‬
‫للموانئ المصرية‪ ،‬وأهتم اغسطس بفرض السالم الروماني على البحر األحمر‬
‫وتطهيره من القراصنة الذين زاد خطرهم بتدهور دولة البطالمة‪ .‬كما قرر إحكام‬
‫قبضته على الدول الواقعة على البحر األحمر‪ ،‬وبخاصة ممالك حمير واألنباط‬
‫والحبشة وتقليم أظافرها الواحدة تلو األخرى بواسطة الحمالت العسكرية المتتابعة‬
‫لتحقيق هذا الهدف‪ .‬ونتيجة لهذه الحمالت العسكرية أصبح الرومان يسيطرون على‬
‫البحر األحمر‪ ،‬ويتمتعون بدخل اقتصادي كبير‪ ،‬إال أن السيادة الرومانية لم تدم طويال‪،‬‬
‫فخالل القرنين الثالث والرابع بدأ الضعف يدب في كيان اإلمبراطورية من الداخل‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫وانتهى بانقسامها إلى شطرين‪ :‬بيزنطة في الشرق‪ ،‬وروما في الغرب‪ .‬وقد ورثت‬
‫بيزنطة نفوذ اإلمبراطورية الرومانية في البحر األحمر‪ ،‬ثم ما تاله من ظهور قوتان‬
‫جديدتان ظهرتا على مسرح األحداث حول البحر األحمر تمثلتا في اإلمبراطورية‬
‫الساسانية‪ ،‬ومملكة أكسوم الحبشة المسيحية (حسن‪1983 ،‬م‪.)109_105 :‬‬
‫انتهت هذه الحقبة التاريخية بظهور اإلسالم الذي وضع حدا للتدخل األجنبي وأنتقل‬
‫مركز الثقل من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها‪ ،‬حيث أحتل الحجاز الصدارة في‬
‫المرحلة األولى لإلسالم‪ .‬وبعد أن دانت الجزيرة العربية لدولة المدينة المنورة‪،‬‬
‫خرجت جيوش المسلمين صوب الشرق والشمال والشمال الغربي‪ ،‬وكسرت شوكة‬
‫فارس وبيزنطة‪ ،‬فأصبح البحر األحمر بحيرة عربية بعد أن خضعت له كل البالد‬
‫الواقعة على سواحله الشرقية ومصر‪ .‬وبما أن المسلمين األوائل لم يهتموا بركوب‬
‫البحر‪ ،‬سيرا على السياسة الحذرة التي اختطها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب‬
‫(رضي هللا عنه) في التعامل معه‪ ،‬فلم يهتموا بتسخيره لمصلحتهم‪ .‬واستغل القراصنة‬
‫األحباش هذا الضعف فهاجموا ميناء جدة سنة ‪640‬م‪ ،‬وردّ عليهم المسلمون‬
‫باالستيالء على ميناء عدول‪ .‬وعندما آل األمر إلى الدولة األموية‪ ،‬أمر الخليفة سليمان‬
‫بن عبدالملك بالسيطرة على أرخبيل دهلك‪ ،‬لوضع حد لهجمات األحباش‪ .‬ول ّما كرر‬
‫األحباش الهجمات على مدينة جدة سنة ‪768‬م‪ ،‬تع ّقبهم الخليفة أبو جعفر المنصور‬
‫وقضى عليهم‪ .‬من هنا نجد أن البحر األحمر أقتصر دوره خالل فترة حكم المصطفى‬
‫‪ ، ‬وفترة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وأيضا خالل الدولة األموية على المناشط االقتصادية‪،‬‬
‫وحمل البريد‪ ،‬ونقل الحجيج من الساحل اإلفريقي للبحر األحمر إلى شرقه‪.‬‬
‫ومع قيام الدولة العباسية انتقل مركز الثقل التجاري من البحر األحمر إلى الخليج‬
‫العربي والهالل الخصيب‪ ،‬وبهذا استرد الطريق الشرقي أهميته بعد الركود الذي‬
‫أصابه أثر الحروب التي اجتاحت المنطقة بين الفرس والبيزنطيين والمسلمين‪،‬‬
‫وصارت بغداد حاضرة العالم اإلسالمي سياسيا وتجاريا‪ ،‬وبذلك تقلص الدور الهام‬
‫الذي كان يلعبه البحر األحمر في تجارة الدولة اإلسالمية‪ .‬وبعد سقوط الدولة العباسية‪،‬‬
‫انتقلت السيطرة على البحر األحمر إلى الدولة األيوبية‪ ،‬التي وقع على كاهلها عبء‬
‫مكافحة الخطر الصليبي‪ ،‬حيث أصبح البحر األحمر أحد جبهات ذلك الصراع‪ ،‬والذي‬
‫أنتهى بسيطرة األيوبيين على البحر األحمر‪ ،‬ثم إلى المماليك من بعدهم (سالم‪،‬‬
‫‪1993‬م‪.)13_12 :‬‬
‫وبعد ان ورث العثمانيون أمالك الدولة المملوكية‪ ،‬تنبهوا إلى خطر البرتغاليين في‬
‫البحار الشرقية بوجه عام وفي البحر األحمر بوجه خاص‪ .‬وقد زاد من خطورة‬
‫البرتغاليين في نظر العثمانيين تحالفهم مع الشيعة الصفويين في إيران‪ ،‬والذين كانوا‬
‫على عداء مذهبي مع الدولة العثمانية‪ .‬كما حرص العثمانيين على الدفاع عن األماكن‬
‫المقدسة في الحجاز من خالل السيطرة على البحر األحمر وجعله بحيرة إسالمية تدين‬
‫‪40‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫لهم‪ .‬وقد تحقق لهم ذلك الهدف من خالل السيطرة على اليمن‪ ،‬التي تعتبر منطقة دفاع‬
‫هامة عن حدود اإلمبراطورية العثمانية من ناحية الجنوب‪ ،‬بحكم إشرافها على مضيق‬
‫باب المندب‪ .‬واستطاعوا بذلك ضمان سالمة األماكن المقدسة في الحجاز‪ ،‬وأن‬
‫يتحكموا في البحرين األحمر والعربي‪ ،‬فضال عن موطئ صالح للوثوب على البحرية‬
‫البرتغالية في البحار الشرقية‪ ،‬وتطويق اعدائهم الشيعة الصفويين في إيران من‬
‫الجنوب‪ .‬وقد مدّت الدولة العثمانية سيطرتها على الموانئ الهامة على الساحل‬
‫األفريقي للبحر األحمر وهي سواكن‪ ،‬وعقيق‪ ،‬ومصوع‪ ،‬وزيلع‪ ،‬وعصب‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل تعاونها مع الممالك اإلسالمية المحيطة بهضبة الحبشة (أباظة‪1976 ،‬م‪.)49 :‬‬
‫وبذلك تحول البحر األحمر بشاطئية اآلسيوي واإلفريقي إلى بحيرة إسالمية عثمانية‪،‬‬
‫إلى أن تعرض إلى مطامع الدول األوروبية االستعمارية في خضم الصراع الدولي‬
‫للسيطرة على البحار الشرقية‪ ،‬والمواقع الحساسة فيها بهدف تأمين مصالحهم‬
‫االقتصادية والعسكرية‪ ،‬وتأمين اتصالهم بمستعمراتهم في الشرق‪.‬‬
‫البحر األحمر والقوى الدولية‪:‬‬
‫منذ أقدم العصور والبحر األحمر يعد شريانا حيويا للمواصالت‪ ،‬ووسيلة للتبادل‬
‫التجاري والحضاري بين البلدان المطلة عليه من جانب‪ ،‬وبين البلدان األخرى من‬
‫جانب آخر‪ .‬ومع اتساع نطاق التبادل التجاري خارج النطاق المحيط به‪ ،‬وبخاصة بين‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬ازدادت أهمية هذا البحر‪ ،‬وتطلعت الدول التجارية للسيطرة عليه‬
‫كطريق حيوي لنشاطها التجاري الذي أصبح يمثل عصب حياتها االقتصادية‪.‬‬
‫وازدادت أهمية هذا الشريان البحري بعد فتح قناة السويس في السابع عشر من نوفمبر‬
‫سنة ‪1869‬م‪ ،‬فاسترد البحر األحمر اهميته التاريخية كأقرب طريق يربط الشرق‬
‫بالغرب‪ ،‬ما دعا إلى تسابق ساخن بين الدول األوروبية االستعمارية للحصول على‬
‫مراكز نفوذ لها في المناطق المطلة على البحر األحمر وذلك لكي تحمي مصالحها‬
‫السياسية والعسكرية واالقتصادية (بريك‪2001 ،‬م‪ .)103 :‬وفيما يلي نستعرض أبرز‬
‫هذه المحاوالت االستعمارية‪:‬‬
‫البرتغال‪:‬‬
‫عمل البرتغاليون على تطوير سياستهم االستعمارية في أواخر القرن الخامس عشر‬
‫وأوائل القرن السادس عشر من خالل الكشوف الجغرافية فيما وراء البحار‪ ،‬بقيادة‬
‫الرحالة فاسكو دا قاما الذي قام برحلته حول رأس الرجاء الصالح سنة ‪1497‬م‪ ،‬ثم‬
‫إلى الهند رغبة في احتكار التجارة الشرقية‪ ،‬والسيطرة على مصادرها األصلية‪،‬‬
‫وإقامة حكومة استعمارية في بالد المشرق‪ .‬كما ف ّكر البرتغاليون في إغالق المنفذين‬
‫الرئيسيين للبالد العربية المتصلة بمياه المحيط الهندي في وجه التجار والمالحين‬
‫العرب والمسلمين‪ ،‬وهما مضيق هرمز على مدخل الخليج العربي‪ ،‬ومضيق باب‬

‫‪41‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫المندب على مدخل البحر األحمر‪ ،‬كما ف ّكروا في اتخاذ مدينة عدن كقاعدة عسكرية‬
‫تمر من خالله التجارية األوروبية عبر السويس‬‫للدخول إلى البحر األحمر الذي كانت ّ‬
‫فالقاهرة واإلسكندرية وانهاء بأوروبا‪ .‬وال شكل أن تفوق البرتغاليين العسكري كان‬
‫عامال أساسيا في تطور موقفهم السريع أثناء تلك الفترة‪ ،‬حيث كانوا يمتلكون سفنا‬
‫حربية مزودة بالمدافع‪ ،‬وهي أسلحة لم تكن معروفة ذلك الحين في الهند أو حتى في‬
‫البلدان المطلة على البحر األحمر‪ .‬وقد أدى تحول التجارة العالمية إلى الطريق‬
‫البحري المباشر حول رأس الرجاء الصالح‪ ،‬إلى حرمان الشعوب المطلة على البحر‬
‫األحمر من مصدر هام من مصادر ثروتهم مما أدى إلى انهيار اقتصادياتهم ونظمهم‬
‫السياسية التي كانت قائمة في ذلك الحين (أباضة‪1976 ،‬م‪.)37 :‬‬
‫الدافع االقتصادي لم يكن الدافع الوحيد لمحاولة البرتغاليين السيطرة على البحر‬
‫األحمر حيث كان الهتمام البرتغاليين بالبحر األحمر دافعا دينيا‪ ،‬حيث أنه يطل على‬
‫األماكن اإلسالمية المقدسة في الحجاز‪ ،‬ورغبتهم الشديدة في تدمير مدينتي مكة‬
‫المكرمة والمدينة المنورة‪ ،‬وذلك لتحقيق اهداف صليبية من ناحية‪ ،‬ولتثبيط المقاومة‬
‫التي يلقاها البرتغاليون من ناحية أخرى وقطع االتصال بين دولة المماليك غربا‪ ،‬وبين‬
‫مسلمي الهند شرقا‪ .‬وقد حقق البرتغاليون أرباحا طائلة من وراء تجارة الشرق‪ ،‬حيث‬
‫وصلت هذه األرباح أحيانا إلى خمسة أضعاف تكاليف الحمالت التي كانوا يرسلونها‪،‬‬
‫وأدت هذه األرباح إلى قيام نشاط رأس مالي كبير في البرتغال وفي غرب أوروبا‬
‫(محمود‪1986 ،‬م‪.)137 :‬‬
‫وبتوالي استخدام البرتغاليين للطريق البحري إلى الهند‪ ،‬تبين للبرتغاليين ضرورة‬
‫تجول بعض سفن االسطول البرتغالي أمام مدخل البحر األحمر‪ ،‬وتدمير السفن‬ ‫ّ‬
‫العربية التي تحاول الخروج منه‪ ،‬وكذلك السفن العربية التي تتجول في المحيط‬
‫الهندي‪ .‬وقد كان للوجود البرتغالي في مياه المحيط الهندي أثرا ضاغطا على التجار‬
‫العرب في بحر العرب والموانئ الواقعة على ساحل الهند الغربي‪ ،‬وازداد ذلك‬
‫الضغط بمضي الوقت‪ ،‬وأصبح البرتغاليون من أخطر المنافسين في المنطقة‪ ،‬خاصة‬
‫وأن هدفهم النهائي هو القضاء كليا على طرق التجارة العربية‪ ،‬ولذلك حاولوا جهدهم‬
‫وبوضوح تام وقف سير التجارة الشرقية بين الهند والبحر األحمر‪ .‬وكانت تلك‬
‫المحاوالت تتطلب وقفة صلبة من التجار العرب الذين سيطروا على تلك التجارة‬
‫الهامة فترة طويلة (عبدربه‪1981 ،‬م‪.)111 :‬‬
‫في هذه األثناء بدأ العثمانيون ينفذون جزءا من خطتهم العامة في البحر األحمر‪ ،‬والتي‬
‫هدفت إلى مواجهة البرتغاليين هناك‪ ،‬كما أنهم بدئوا يمدون نفوذهم المباشر إلى اليمن‬
‫وسواحله الجنوبية‪ ،‬وعززوا ذلك بأرسال عدد من الحمالت البحرية عام ‪1526‬م‪،‬‬
‫ولكن كان من البديهي أن ال تقف جهود العثمانيين في البحر األحمر عند هذا الحدّ‪،‬‬
‫خاصة وأن النفوذ العثماني حين ذاك أمتد إلى سواحل الخليج العربي الشمالية‪،‬‬
‫‪42‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫فأصبحوا بذلك وجها لوجه أمام البرتغاليين‪ ،‬وتطلب األمر من العثمانيين اتخاذ موقف‬
‫مماثل في المياه العربية الجنوبية ( محمود‪1986 ،‬م ‪ .) 144 :‬وعمل العثمانيون على‬
‫دعم قواتهم البحرية في البحر األحمر‪ ،‬وأخذت وحدات األسطول العثماني تجوب‬
‫بصفة منتظمة جنوب البحر األحمر وباب المندب‪ ،‬منعا ألي اتصال يتم بين‬
‫البرتغاليين في الهند واألحباش‪ .‬وفي نفس الوقت عزز العثمانيين قواتهم في اليمن‬
‫لتشديد ق بضتهم على أرجاء اليمن وخاصة سواحلها‪ .‬واتخذ العثمانيون من اليمن عامة‬
‫وعدن خاصة قاعدة عسكرية لضرب المراكز البرتغالية في شرقي الجزيرة العربية‪،‬‬
‫وللسيطرة على البحر األحمر (محمود‪1986 ،‬م‪.)149 :‬‬
‫أما من ناحية البرتغاليين فقد شعر هؤالء بخطورة اإلقدام على مثل هذا المشروع مرة‬
‫أخرى حتى ال يعرضوا أساطيلهم للدمار في داخل البحر األحمر‪ ،‬الذي أصبح حينئذ‬
‫بمثابة بحيرة عثمانية‪ ،‬ولذلك ر ّكز البرتغاليون جهودهم بعد ذلك في الحبشة توطئة‬
‫لعمل مشترك كبير في داخل البحر األحمر ولكن منيت جهودهم بالفشل بسبب خشية‬
‫ملك الحبشة أن يؤدي تحالفه مع البرتغاليين إلى مهاجمة القوات العثمانية لبالده‪ ،‬أو‬
‫التدخل في تعيين رئيس أساقفة التي كانت كنيستها تتبع كنيسة اإلسكندرية وهو الذي‬
‫يعين رئيس أساقفة الحبشة‪ .‬كما خشي ملك الحبشة أن يؤدي نشاط العثمانيين في‬
‫المنطقة إلى إثارة القالقل في الحبشة من ناحية االمارات الحبشية المسلمة‪ .‬ولهذا فضّل‬
‫األحباش عدم عقد اتفاقيات محددة مع البرتغاليين‪ ،‬بل إن األمر وصل بهم إلى درجة‬
‫التبرؤ من مبعوثهم الخاص في بالط ملك البرتغال (عبدربه‪.)120 :1981 ،‬‬
‫وهكذا فعلى الرغم من محاوالت البرتغاليين المتكررة االستيالء على مواقع‬
‫استراتيجية على سواحل البحر األحمر للقضاء على السيطرة اإلسالمية على مياهه‪،‬‬
‫والوصول إلى األماكن المقدسة اإلسالمية في الحجاز لتدميرها والقضاء على الدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فإنهم لم يستطيعوا الوصول إلى هدفهم بسبب الجهود التي بذلها المماليك‬
‫في البداية‪ ،‬ثم خوف األحباش من التحالف مع البرتغاليين‪ ،‬وفي النهاية ظهور األتراك‬
‫العثمانيين كقوة إسالمية كبيرة يُخشى خطرها في مياه البحر األحمر‪ .‬وختام القول هنا‬
‫أن دولتا العثمانيين والبرتغاليين كنا هما المسيطرتان في منطقة البحر األحمر طيلة‬
‫القرن السادس عشر الميالدي‪ ،‬بعد أن أسفر صراعهما الطويل عن هيمنة العثمانيين‬
‫كليا على البحر األحمر‪ ،‬الذي أغلقوه في وجه كافة السفن غير اإلسالمية‪ ،‬في حين‬
‫سيطر البرتغاليون على المحيط الهندي ومعظم الخليج العربي‪.‬‬
‫بريطانيا‪:‬‬
‫القرن السابع عشر الميالدي حمل إلى منطقة البحر األحمر تطورات عديدة‪ ،‬كان‬
‫أظهرها وصول قوى أوروبية جديدة جاءت من أقصى الغرب األوروبي متتبعة آثار‬
‫البرتغاليين‪ ،‬ومنافسة لهم في سيطرتهم على تجارة الشرق‪ ،‬وكان أبزر هذه القوى‬

‫‪43‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫بريطانيا‪ ،‬التي احتلت مدينة عدن عام ‪1839‬م‪ ،‬ومصر عام ‪1882‬م ما جعلها تسيطر‬
‫على منفذي البحر األحمر من الشمال والجنوب‪ .‬كما أن انفرادها بحكم السودان في‬
‫ظل اتفاقية الحكم الثنائي عام ‪1899‬م‪ ،‬وسيطرتها على زيلع وبربرة قد مكنها من‬
‫السيطرة على الساحل الغربي للبحر األحمر تقريبا‪ ،‬فيما عدا بقعة صغيرة جنوبي هذا‬
‫الساحل تطل منها مستعمرة إرتيريا اإليطالية على هذا البحر‪ ،‬فيما كان الساحل‬
‫الشرقي للبحر األحمر يخضع لسيطرة الدولة العثمانية‪ ،‬عدا مدينة عدن‪ .‬ولم تكن‬
‫بريطانيا تخشى قوة الدولة العثمانية في هذا البحر‪ ،‬بقدر خشيتها من قوة حليفتها‬
‫ألمانيا‪ ،‬السيما بعد التقارب الكبير الذي تم بين المانيا والدولة العثمانية في السنوات‬
‫القالئل التي سبقت قيام الحرب العالمية األولى‪ ،‬والتي قد تتخذ من ممتلكات األتراك‬
‫على سواحل البحر األحمر الشرقية مراكز تموين ألسطولها في طريقة إلى‬
‫المستعمرات األلمانية في شرق إفريقيا‪ ،‬ونقط ارتكاز ووثوب على المصالح‬
‫البريطانية في البحر األحمر (عبد الكريم‪1890 ،‬م‪.)490 :‬‬
‫وفي مطلع القرن التاسع عشر لم تكن بريطانيا في وضع يمكنها من احتالل أجزاء‬
‫كبيرة في المناطق المحيطة بالبحر األحمر‪ ،‬لخشيتها كما ذكرنا سلفا من استعداء‬
‫الدولة العثمانية من جهة‪ ،‬وقصور وسائلها وإمكانياتها عن استيعاب مزيد من‬
‫المستعمرات من جهة ثانية‪ ،‬باإلضافة إلى أن الثورة الصناعية وما واكبها من زيادة‬
‫الحاجة إلى المواد الخام وإيجاد األسواق لتصريف فوائض اإلنتاج لم تكن قد بلغت‬
‫أشدها بعد‪ .‬لذلك اتجهت سياستهم في المناطق المحيطة بالبحر األحمر إلى السيطرة‬
‫على بعض النقاط االستراتيجية الهامة في المنطقة التخاذها مراكز انطالق وهيمنة‬
‫على باقي المناطق التي تريد السيطرة عليها‪ ،‬وبدأوا ذلك باحتاللهم لجزيرة ميون‬
‫(بريم) في مضيق باب المندب‪ ،‬للسيطرة على حركة العبور فيه وأتبعوها بوضع‬
‫حاميات لهم في كل من عدن ومسقط‪ .‬وكان خروج الفرنسيين من مصر وانهزامهم‬
‫بعد ذلك في معركة واترلو‪ ،‬مدعاة لتراخي الجهور البريطانية إليجاد مراكز ارتكاز‬
‫أخرى محصنة على طول شواطئ البحر األحمر‪ ،‬غير أن ظهور محمد علي وما كان‬
‫يرمي إليه من إكمال سيطرته على كافة شواطئ الجزيرة العربية وإحياء الطريق‬
‫البحري القديم‪ ،‬واجتذاب المالحة من رأس الرجاء الصالح إلى البحر األحمر‪ ،‬كان‬
‫حافزا لتجديد النشاط البريطاني لتحقيق هدفهم السابق كي يكونوا في وضع يمكنهم من‬
‫الضغط على المصريين والحد من توسعهم‪ .‬وكان لعودة الفرنسيين إلى ميدان‬
‫المنافسة‪ ،‬ووجود جيوش مصر في الجزيرة العربية‪ ،‬إضافة إلى أن بريطانيا كانت‬
‫تعتبر محمد علي ُمنفّذا للسياسة الفرنسية في المنطقة‪ ،‬ما ش ّكل حافزا للبريطانيين‬
‫لمضاعفة جهودهم ودعم وجودهم في المناطق المحيطة بالبحر األحمر‪ ،‬وتأمين قاعدة‬
‫رئيسية لهم فيها يتمكنون من خاللها من مراقبة وردع النشاطات المنافسة‪ .‬وأخذوا‬
‫يقومون ببعض االتصاالت مع شيوخ القبائل والزعماء العرب المحليين على سواحل‬
‫‪44‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫البحر األحمر والجزيرة العربية تمهيدا لتحقيق غرضهم في إيجاد تلك القاعدة‪ .‬وانتهت‬
‫تلك الجهود بالسيطرة على مدينة عدن عام ‪1839‬م (جردات‪1986 ،‬م‪-146 :‬‬
‫‪.)147‬‬
‫افتتاح قناة السويس عام ‪1869‬م‪ ،‬كان نقطة تحول هامة في تاريخ البحر األحمر‬
‫السياسي واالقتصادي‪ ،‬وتاريخ االستعمار‪ .‬اذ م ّكنت القناة الدول األوربية االستعمارية‬
‫من إرسال حمالتها الحربية عن طريقها إلى آسيا وأفريقيا إلخضاع بالد الشرق‪ ،‬بدال‬
‫من إرسالها عن طريق رأس الرجاء الصالح‪ ،‬ذلك الطريق الطويل الذي يستغرق‬
‫جهدا ووقتا أطول بكثير مما تستغرقه قناة السويس‪ .‬وهذا األمر أثار قلق بريطانيا بعد‬
‫تردد السفن األوروبية لميناء عدن‪ ،‬الذي ساهمت قناة السويس في ازدهار الحركة‬
‫التجارية فيه بشكل ملحوظ‪ .‬كما أثيرت تكهنات كثيرة حول أهداف ونوايا الدول‬
‫االستعمارية المختلفة في منطقة البحر األحمر‪ ،‬بسبب وصول بعض السفن الحربية‬
‫إلى ميناء عدن‪ ،‬من بينها سفن فرنسية ونمساوية وهولندية وإسبانية‪ ،‬إلى جانب‬
‫الشكوك التي أثيرت حول تردد السفن المصرية إلى المنطقة‪ ،‬ولذا أصدر المقيم‬
‫البريطاني في عدن عام ‪1870‬م تعليماته إلى قادة السفن البريطانية لمراقبة تحرك‬
‫السفن األوروبية العابرة في البحر األحمر وخليج عدن والمدخل الجنوبي للبحر‬
‫األحمر للتعرف على أهدافها الحقيقية‪ .‬كما كان افتتاح قناة السويس نقطة تحول هامة‬
‫في تاريخ التجارة العالمية‪ ،‬حيث زاد التبادل التجاري بين دول أوروبا والشرق‬
‫األقصى‪ .‬كما أثّر كذلك على التوازن االقتصادي بين الدول األوروبية تأثيرا يمكن‬
‫مالحظته في المناطق المطلة على البحر األحمر‪ ،‬فبالرغم من معارضة الحكومة‬
‫البريطانية إلنشاء القناة‪ ،‬وبالرغم مما كان للدور الفرنسي في إنشاء القناة‪ ،‬فإن‬
‫المالحة فيها كانت منذ افتتاحها بريطانية غالبا‪ ،‬إذ مثلت المالحة التجارية البريطانية‬
‫في العقدين األولين من عمر القناة نحو ‪ ، %75‬ولم تقل النسبة بعد ذلك في أي عام‬
‫حتى نهاية القرن عن ‪ ، %70‬وقد كان من الطبيعي أن تكون السفن البريطانية أكثر‬
‫السفن العابرة لقناة السويس باعتبار أنها أكبر دولة استعمارية تضم أكبر أسطول‬
‫بحري تجاري آنذاك ( العيسى‪2001 ،‬م ‪.) 486_485 :‬‬
‫واستمرت بريطانيا خالل فترة الحربين العالميتين األولى والثانية في بسط نفوذها‬
‫على جميع المناطق المحيطية بالبحر األحمر تحقيقا الستراتيجيتها وما تمليه عليه‬
‫مصالحها بإتباع السياسة التي أطلقت عليها (سياسة شرق السويس)‪ ،‬والتي ارتكزت‬
‫على مبدأين رئيسيين هما إقامة نفوذ غير مباشر في المنطقة للمصالح الغربية‪،‬‬
‫وحماية تلك المصالح عسكريا دون الحاجة لالحتفاظ بقواعد عسكرية غربية في دول‬
‫المنطقة ووسط شعوبها الثائرة على الوجود األجنبي‪ .‬وكانت بريطانيا تهدف من خالل‬
‫تنفيذها لتلك السياسة إلى االعتماد على نفسها في المحافظة على مصالحها التي كانت‬

‫‪45‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫تتعرض للمنافسة األمريكية منذ الحرب العالمية الثانية‪ .‬واستمرت بريطانيا بعد‬
‫الحرب كما كانت قبلها‪ ،‬الدولة ذات الوجود األقوى في منطقة البحر األحمر‪ ،‬التي‬
‫تستطيع بواسطة قواعدها االستراتيجية المقامة على مداخله‪ ،‬وأسطولها الذي يجوب‬
‫مياهه‪ ،‬فرض هيمنتها عليه وتهديد أي قوة تقوم على سواحله‪ ،‬وتومن من خالل ذلك‬
‫طريقها البحري والبري إلى مستعمراتها في الشرق‪ .‬غير أن حقائق ما بعد عدوان‬
‫‪1956‬م وعلى رأسها عجز بريطانيا عن حماية مصالحها ومصالح الغرب‬
‫االستعماري أمام زحف روسيا والصين نحو الجنوب‪ ،‬وكون أمريكا هي الدولة‬
‫الغربية الوحيدة القادرة على وقف أو مقاومة الزحف نحو البحر األحمر‪ ،‬دفع‬
‫ببريطانيا إلى انتهاج سياسة جديدة في منطقة شرق السويس سمتها سياسة التكامل‬
‫العسكري مع الواليات المتحدة‪ ،‬وتقوم على ضرورة قيام تعاون وثيق بين العسكرية‬
‫األمريكية والبريطانية للدفاع عن المصالح الغربية‪ ،‬وذلك من خالل إشراك الواليات‬
‫المتحدة في إدارة واستعمال القواعد البريطانية في المنطقة‪ .‬وسجلت السياسة آنفة‬
‫الذكر النهاية لبريطانيا كدولة ذات قوة ونفوذ فيما وراء البحار‪ ،‬وأصبحت الواليات‬
‫المتحدة األمريكية وريثتها الشرعية في تلك المناطق لتتمكن من الوقوف في وجه‬
‫التوسع السوفييتي في منطقة المحيط الهندي‪ ،‬والذي بدأ يشهد عنفوانه منذ نهاية العقد‬
‫السابع في القرن العشرين‪ .‬وهكذا لم يعد لبريطانيا في منطقة البحر األحمر والمحيط‬
‫الهندي وجود عسكري اطالقا إال ذلك الوجود الرمزي المشارك للوجود األمريكي في‬
‫قاعدة دييجوجارسيا‪ ،‬وتلك المعاهدة التي تربط بينها وبين حكومة دولة جنوب أفريقيا‪،‬‬
‫والتي تسمح ببعض التسهيالت للسفن البريطانية في موانئها‪ ،‬بعد أن كانت مياه البحر‬
‫األحمر والمحيطين الهندي واألطلسي تمتلئ بالسفن البريطانية الحربية والتجارية‪،‬‬
‫التي كانت تحمل البضائع إلى الجزر البريطانية من مستعمراتها الشرقية‪ ،‬بحيث كانت‬
‫توجد سفينة شحن ترفع علم بريطانيا عند كل ‪ 25‬ميال حول سواحل أفريقيا وحتى‬
‫الجزر البريطانية ( جرادات‪1986 ،‬م ‪.) 225 :‬‬

‫‪46‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫شكل رقم (‪ )1-2‬خريطة االستعمار االوروبي في المناطق المطلة على البحر األحمر‬
‫المصدر من اعداد الباحث اعتمادا على‪http://www.atlasofbritempire.com :‬‬

‫‪47‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫فرنسا‪:‬‬
‫ظلّت المناطق المطلة على البحر األحمر بمنأى عن االهتمام األوروبي‪ ،‬حتى قدوم‬
‫الحملة الفرنسية على مصر عام ‪1798‬م‪ ،‬حيث لم يكن هناك ما يجذب األطماع‬
‫األوروبية منذ فَ َقدَ الطريق البري عبر الشرق األدنى أهميته‪ ،‬بتحول طرق التجارة‬
‫األوروبية إلى الطريق البحري الجديد حول رأس الرجاء الصالح‪ ،‬ولم تكن المصالح‬
‫األوربية التي تزايدت منذ النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري‪ ،‬الثامن عشر‬
‫الميالدي‪ ،‬قد وصلت إلى حد التصادم بين القوى الكبرى السيما فرنسا وبريطانيا‪ .‬وال‬
‫يلغى ذلك أن الصراع بين فرنسا وبريطانيا حول مستعمرات الشرق‪ ،‬قد بدأ قبل فترة‬
‫الحملة الفرنسية على مصر‪ ،‬وإنما لم يكن حول طريق البحر األحمر‪ ،‬بل كان حول‬
‫طريق رأس الرجاء الصالح والمحيط الهندي‪ ،‬وكذلك بعض المناطق الهامة في الخليج‬
‫العربي‪ ،‬ولذا لم يكن الصراع بين هاتين الدولتين واضح المعالم في منطقة البحر‬
‫األحمر إلى الدرجة التي تدفع بها الحكومتين الفرنسية والبريطانية إلى اتخاذ التدابير‬
‫والسياسات الفاعلة لحماية مناطق نفوذها في مناطق الشرق عامة‪ ،‬ومنطقة البحر‬
‫األحمر خاصة‪ ،‬بل يمكن القول أن الصراع والتنافس بين فرنسا وبريطانيا‪ ،‬ونظرة‬
‫كل منهما للبحر األحمر كطريق مؤدي إلى الهند والممتلكات الشرقية لم تكن واضحت‬
‫تماما حتى مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر( العيسى‪2001 ،‬م ‪ .) 41 :‬وقد بدت‬
‫نوايا فرنسا إزاء طريق البحر األحمر واضحة بجالء‪ ،‬من خالل التصريحات التي‬
‫ادلى بها قنصلها في مصر ( ماجلون )‪ ،‬في الخامس من يونيو من سنة ‪1795‬م ‪،‬‬
‫والذي عبّر فيها عن أهمية البحر األحمر بالنسبة لفرنسا بقوله أنه إذا أصبح الفرنسيون‬
‫سادة البحر األحمر فأنهم يستطيعون أن يهددوا مصالح البريطانيين وأن يطردوهم من‬
‫الهند‪ .‬فعن طريق السويس في الفترة المناسبة من العام‪ ،‬يمكن إرسال عدد من القوات‬
‫الفرنسية إلى الهند‪ ،‬بواسطة عدد قليل من البواخر‪ ،‬وال يحتاج الجنود الفرنسيون في‬
‫هذا الطريق أن يبقوا في البحر أكثر من ستين يوما‪ ،‬بدال من طريق رأس الرجاء‬
‫الصالح‪ ،‬الذي يستغرق حوالي ستة شهور‪ ،‬وعن طرق السويس لن يكون الفرنسيين‬
‫معرضين لخسارة أكثر من ‪ %1‬من رجالهم‪ ،‬بينما خسائرهم في الطريق اآلخر لن‬
‫تقل عن ‪ %10‬بأي حال من األحوال (أباظة‪1976 ،‬م‪.)79 :‬‬
‫وعلى هذا اعتبرت الحملة الفرنسية على البحر األحمر ومصر‪ ،‬أحد أهم المنعطفات‬
‫الحادة في تاريخ البحر األحمر‪ ،‬إذ أنها قلبت الموازين الدولية االستراتيجية في‬
‫المنطقة‪ ،‬ونبّهت الدول األوروبية إلى أهمية هذا البحر‪ ،‬والتي فقد بعضا منها لفترة من‬
‫الزمن ‪ ،‬وصارت تلك الدول تنظر إليه بعين األهمية كمعبر هام بين الشرق والغرب‬
‫يمكن ألي قوة تستطيع السيطرة على بعض مراكزه‪ ،‬أن تنشأ لها نفوذا ومصالح‬
‫واسعة حول البحر األحمر وخارجه‪ ،‬أي أن الحملة الفرنسية أعادت ظهور منطقة‬
‫البحر األحمر كمنطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة للقوى العظمى‪ ،‬بل يمكن القول أن‬
‫‪48‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫هذه الحملة قد ابتدأت حقبة من الصراع االستعماري بين فرنسا وبريطانيا في مصر‬
‫والبحر األحمر‪ ،‬شجّعت كال الطرفين على تبني سياسات معينة إزاء تدعيم نفوذها في‬
‫المنطقة‪ ،‬واستمرت هذه السياسات تقريبا طوال القرن الثالث عشر الهجري‪ ،‬التاسع‬
‫عشر الميالدي‪ ،‬مما كان له أوضح األثر في بقية مناطق الشرق‪ ،‬ويمكن اعتبار‬
‫الحملة الفرنسية بداية االستعمار األوروبي الحديث في منطقة الشرق األوسط عموما‪،‬‬
‫والمناطق المحيطة للبحر األحمر خصوصا‪ ،‬والمنعطف الذي تحولت بعده األطماع‬
‫األوروبية في المنطقة من أطماع نفعية تجارية‪ ،‬إلى اطماع استعمارية استراتيجية‬
‫واضحة ( العيسى‪2001 ،‬م ‪ .) 41 :‬وعلى أثر المحاوالت الفرنسية تجاه البحر‬
‫األحمر‪ ،‬قامت الحكومة البريطانية بسلسة من االحتياطات واالستعدادات‪ ،‬لمواجهة‬
‫الزحف الفرنسي نحو الشرق‪ ،‬فإلى جانب اتصاالتها بالدولة العثمانية وروسيا لتكوين‬
‫جبهة تحالف ضد ذلك الزحف‪ ،‬فقد بعثت قوة عسكرية من أربعة آالف جندي إلى‬
‫الهند لتعزيز القوات البريطانية المرابطة هناك‪ ،‬كما أرسلت دوريات استطالعية من‬
‫طلب من‬ ‫األسطول البريطاني فيما بين منطقتي الخليج العربي والبحر األحمر‪ ،‬و ُ‬
‫حكومة الهند البريطانية االتصال بحكام الواليات الشمالية من الهند إلقناعهم بصد أي‬
‫هجوم قد يقوم به الفرنسيون على الهند‪ .‬وكذلك كسب والي بغداد‪ ،‬وتعيين ممثل‬
‫سياسي بريطاني فيها‪ ،‬جاء في مقدمة قرار تعيينه التصدي للخطط الفرنسية في منطقة‬
‫الشرق األدنى بكل الوسائل المتاحة‪ .‬وعالوة على كسب الوالي العثماني في بغداد إلى‬
‫الصف البريطاني‪ ،‬وعقد اتفاق ناجح مع سلطان مسقط لمنع الفرنسيين من التسلل عبر‬
‫الخليج العربي‪ ،‬قررت الحكومة البريطانية بعد وصول الحملة الفرنسية إلى مصر‪،‬‬
‫إرسال بعثة لتكون حلقة اتصال بين بريطانيا وشريف مكة‪ ،‬كجزء من تلك اإلجراءات‬
‫البريطانية‪ .‬كما استطاعت الحكومة البريطانية بعد هزيمة الفرنسيين في موقعة أبي‬
‫قير البحرية‪ ،‬أن تستصدر من السلطان العثماني سنة ‪1798‬م قرارا يمنح السفن‬
‫البريطانية حرية المالحة في البحر األحمر‪ ،‬وأصدر السلطان العثماني أوامره إلى‬
‫ح ّكام المناطق المطلة على البحر األحمر التي تقع تحت سيطرة العثمانيين‪ ،‬لتقديم‬
‫المساعدة للقوات البريطانية التي ستزور تلك الموانئ‪ .‬كما بادرت حكومة الهند‬
‫البريطانية بإرسال رسائل إلى ح ّكام تلك المناطق‪ ،‬تحذرهم من قدوم الفرنسيين‪،‬‬
‫وخطر تواجدهم في بلدان البحر األحمر‪ ،‬وطلبت منهم عدم تقديم أية تسهيالت لهم‪.‬‬
‫ومن هؤالء الح ّكام السلطان أحمد بن عبدالكريم الفضلي سلطان لحج وعدن‪ ،‬والذي‬
‫ردّ على مراسالت حكومة الهند البريطانية‪ ،‬بأن بالده تحت إمرة السلطان العثماني‬
‫ليدفع عن نفسه مسئولية القبض على الفرنسيين‪ ،‬وتسليمهم للبريطانيين‪ ،‬لكنه تعهد بأنه‬
‫لن يسمح للفرنسيين بالنزول في أراضيه‪ ،‬وقد كان هذا اإلجراء الوقائي من قبل‬

‫‪49‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫سلطان لحج وعدن كافيا كحد أدنى بالنسبة للبريطانيين في ذلك الحين (العيسى‪،‬‬
‫‪2001‬م‪.)67 -66 :‬‬
‫ومع هذه االجراءات التي قامت بها بريطانيا للحد من النشاط االستعماري لفرنسا‬
‫خصوصا على سواحل البحر األحمر‪ ،‬إال أنها لم تكن كافية إليقاف طموحات‬
‫الفرنسيين‪ ،‬التي توجت بافتتاح قناة السويس سنة ‪1869‬م ‪ ،‬والتي كانت مشروعا‬
‫فرنسيا سعت من خالله منذ وصول حملتها إلى مصر إلى قطع المصالح البريطانية‬
‫في المناطق المحيطة بالبحر األحمر‪ ،‬كما أن فرنسا أرادت أن تكون لها محطة بحرية‬
‫في منتصف هذا الطريق‪ ،‬الذي أصبح أقصر طريق للمالحة يصل غرب أوروبا ببالد‬
‫الشرق بعد فتح قناة السويس‪ ،‬وكانت فرنسا ترغب في أن تكون هذه المحطة‪ ،‬قاعدة‬
‫بحرية قائمة بذاتها‪ ،‬ومستقلة عن القاعدة البريطانية في عدن‪ ،‬حتى ال تقع تحت‬
‫سيطرة بريطانيا‪ ،‬أو تتعرض لتحكمها إذا تأزمت األمور بين الدولتين وأحتدم النزاع‬
‫بينهما‪ .‬وقد كانت هذه القاعدة هي ميناء أوبوك في جيبوتي‪ ،‬والذي يقع على الساحل‬
‫األفريقي المواجه لمدينة عدن اليمنية‪ ،‬والذي يشرف على مضيق باب المندب عند‬
‫المدخل الجنوبي للبحر األحمر‪ ،‬وكانت فرنسا تهدف نظريا باستيالئها على هذا‬
‫الميناء‪ ،‬إلى االحتفاظ بإمكانية أخذ قرار في المستقبل بخصوص المنطقة المجاورة‬
‫لمدينتي عدن وبريم التي كان البريطانيون يسيطرون عليها في ذلك الحين‪ .‬كما قام‬
‫الفرنسيون أيضا بشراء ميناء الشيخ سعيد‪ ،‬والذي يطلع على مضيق باب المندب من‬
‫جهة الشرق‪ ،‬بمبلغ أربعين ألف لاير فرنسي‪ ،‬من الشيخ ثابت الحكمي‪ ،‬وقد كان هدف‬
‫الفرنسيين من وراء السيطرة على هذا الموقع‪ ،‬إقامة وكالة فرنسية في تلك المنطقة‬
‫ترعى المصالح الفرنسية في البحر األحمر‪ ،‬على غرار ما فعله البريطانيون في عدن‪.‬‬
‫ولكن نوايا الفرنسيين لم تفلح في جعل ميناء الشيخ سعيد كنقطة ارتكاز لهم‪ ،‬ويرجع‬
‫السبب في ذلك إلى الجهود التي بذلها البريطانيون وهم يرقبون األحداث في البحر‬
‫األحمر عن كثب من قاعدتهم في عدن للحيلولة دون نجاح الفرنسيين في تحقيق‬
‫غاياتهم‪ .‬هذا فضال عن أن منطقة الشيخ سعيد لم تكن ترقى من ناحية ميزاتها الطبيعية‬
‫لمستوى صالحية ميناء عدن بأي حال من األحوال‪ .‬بل أن تطلع الفرنسيين للسيطرة‬
‫على ميناء الشيخ سعيد‪ ،‬قد أثار مسألة حقوق السيادة العثمانية على ذلك الميناء‪ ،‬وهو‬
‫تذرع به البريطانيون وساندوه ليواجهوا المنافسة الفرنسية‪ ،‬ويحبطوا تطلعاتها في‬
‫ما ّ‬
‫منطقة البحر األحمر في ذلك الحين‪ ،‬وخاصة بعد افتتاح قناة السويس‪ .‬وقد أدي ذلك‬
‫إلى زيادة تركيز الفرنسيين لجهودهم على الساحل للبحر األحمر‪ ،‬واتخاذهم من مدينة‬
‫أوبوك نقطة انطالق لتحقيق تطلعاتهم االستعمارية ومنافسة النفوذ البريطاني في‬
‫منطقة البحر األحمر والمتمركز في مدينة عدن حينذاك (أباظة‪1976 ،‬م‪.)463 :‬‬
‫وخالصة القول هنا أن هناك حربا باردة قامت بين االمبراطوريتين االستعماريتين‬
‫فرنسا وبريطانيا خالل تلك الفترة حاول كل منهما ضرب مصالح األخرى‪ ،‬فبريطانيا‬
‫‪50‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫درة التاج البريطاني‪ ،‬وذلك بحماية الطرق‬ ‫تحاول إبعاد أي قوة منافسة لها عن الهند‪ّ ،‬‬
‫المؤدية إليها‪ ،‬وفي مقدمتها طريقي البحر األحمر والخليج العربي‪ ،‬خط الدفاع األول‬
‫عن الهند‪ ،‬بينما كانت فرنسا تحاول بكل إمكاناتها أن تنفذ إلى الهند‪ ،‬وتضرب النفوذ‬
‫البريطاني هناك‪ ،‬سواء عن طريق شن حملة عسكرية كبيرة‪ ،‬أو عن طريق توثيق‬
‫عالقاتها السياسية والتجارية بالدول المطلة على البحر األحمر‪ ،‬وكذلك الخليج العربي‬
‫والمحيط الهندي‪ ،‬بعد أن تبين لها أن السيطرة على البحر األحمر يعني السيطرة على‬
‫طريق المحيط الهندي والوصول إلى الهند‪ .‬كما أن هذا الصراع على البحر األحمر لم‬
‫يكن سياسيا وتجاريا فحسب‪ ،‬بل كان له أبعاد دينية برزت في ثنايا األحداث‪ ،‬حيث‬
‫حاولت كل منهما القيام بنشاط تنصيري واضح السيما في مناطق الساحل األفريقي‬
‫للبحر األحمر‪ ،‬فضال عن محاوالت البريطانيين أن يكون لهم نفوذ في األماكن‬
‫المقدسة في الحجاز (العيسى‪2001 ،‬م‪.)495 -494 :‬‬
‫وهكذا خرجت فرنسا من جهودها االستعمارية في منطقة البحر األحمر‪ ،‬بمستعمرة‬
‫جيبوتي الصغيرة‪ ،‬الواقعة على الطرف الغربي لمضيق باب المندب‪ ،‬حيث صدر‬
‫مرسوم سنة ‪1896‬م بتنظيمها ووضعها تحت إدارة خاصة‪ ،‬عرفت باسم الصومال‬
‫الفرنسي‪ ،‬وأصبحت جيبوتي مقرا للحاكم الفرنسي العام في شرق أفريقيا‪ .‬وكان لموقع‬
‫جيبوتي االستراتيجي الهام على مدخل البحر األحمر الجنوبي‪ ،‬وسيطرتها على ذلك‬
‫المدخل‪ ،‬أثرا في تمسك فرنسا بها حتى بعد استقاللها في النصف الثاني من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬حيث التزال فرنسا تحتفظ ببعض القوات في تلك المنطقة التي تعرف اآلن‪.‬‬
‫كما التزال تتمسك حتى اآلن ببعض المستعمرات في منطقة المحيط الهندي‪ ،‬ويعتبر‬
‫أسطولها ثالث األساطيل العالمية في المحيط الهندي الغربي من حيث الكفاءة‬
‫والتسليح‪ ،‬وال زالت تحتفظ ببعض قواعدها البحرية في ذلك المحيط (جرادات‪،‬‬
‫‪1986‬م ‪.)182:‬‬
‫إيطاليا‪:‬‬
‫لم تتخلف إيطاليا عن الركب األوروبي‪ ،‬الطامح في إيجاد موطئ قدم على سواحل‬
‫البحر األحمر‪ ،‬حيث بدأت هذا الطموح عن طريق رجال الدين المسيحي‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى المكتشفين الجغرافيين الذين حاولوا حتى قبيل قيام الوحدة اإليطالية إغراء بالدهم‬
‫على الدخول في عالقات تجارية وسياسية مع البالد المطلة على هذا البحر‪ .‬وقد‬
‫أصبحت أنظار اإليطاليين مسلطة عليه منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬وهو الوقت الذي شهد فيه اإليطاليون بداية الزحف االستعماري على إفريقيا‬
‫وسواحل البحر األحمر‪ ،‬والذي أدى إلى تقسيم هذه القارة بين الدول األوربية‪ .‬وكان‬
‫فتح قناة السويس من أهم العوامل التي أدت إلى إثارة اهتمام اإليطاليين لتنفيذ سياستهم‬
‫االستعمارية في المناطق المطلة البحر األحمر‪ .‬وقد اتجهت إيطاليا إلى تنفيذ سياستها‬

‫‪51‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫االستعمارية في البحر األحمر‪ ،‬باختيار قاعدة لها تتوسع منها في المناطق القريبة من‬
‫الساحل اإلفريقي لهذا البحر‪ ،‬مثل ما فعلته بريطانيا على جانبه الشرقي في مدينة‬
‫عدن‪ ،‬وما فعلته فرنسا على جانبه الغربي في مدينة اوبوك‪ .‬وكانت هذه القاعدة هي‬
‫ميناء عصب اإلرتيري الواقع على الساحل الغربي للبحر األحمر على مقربه من‬
‫مدخله الجنوبي‪ .‬وجدير بالذكر أن مسألة عصب كانت في بداية أمرها عبارة عن عمل‬
‫فردي بحت‪ ،‬كما أعتبرها القائمون عليها خطوة أولى في سبيل وضع هذه المنطقة‬
‫تحت السيادة اإليطالية‪ .‬وكان ت شركة روباتينو اإليطالية قد اعتبرت الزعماء المحليين‬
‫الذين باعوا لها هذه المنطقة سنة ‪1896‬م مستقلين‪ ،‬وسعت إلى إعطاء حقوق ملكيتها‬
‫للدولة اإليطالية التي اهتمت بعد ذلك بهذا المشروع‪ ،‬وخاصة أنه كان يتفق مع‬
‫تطلعاتها االستعمارية في منطقة البحر األحمر‪ .‬وكان الموقف البريطاني من هذا‬
‫التوسع اإليطالي على سواحل البحر األحمر موقفا مساندا ومشجعا وفتح المجال‬
‫لتوسعها في تلك المناطق بالقدر الذي تحدده لها تبعا لمتطلبات المصالح البريطانية‪،‬‬
‫حتى تضمن وقوفها إلى جانبها‪ ،‬كما يمكنها في الوقت نفسه من الحيلولة دون وقوع‬
‫هذه المناطق في يد عدوتها فرنسا‪ ،‬التي كانت تعتبر المنافس األول للبريطانيين هناك‪.‬‬
‫وبعد أن اطمأنت الحكومة اإليطالية إلى موافقة بريطانيا على مشروعاتها التوسعية‬
‫على الساحل الغربي للبحر األحمر‪ ،‬بدأت تسعى لخلق المبررات التي تسمح لها‬
‫باحتالل مصوع‪ ،‬فانتهزت فرصة مقتل الرحلة اإليطالي جوستافو بيانكي لذلك رغم‬
‫االحتجاج المصري (أباظة‪1967 ،‬م‪ .)464 :‬بدأت إيطاليا بعد ذلك في التوسع تجاه‬
‫الحبشة بدأت إيطاليا بعد ذلك في التوسع تجاه الحبشة انطالقا من مصوع‪ ،‬فاحتلت‬
‫مناطق كثيرة في الداخل أحيانا بواسطة قوات مسلحة‪ ،‬وأحيانا أخرى بما أسمته بعثات‬
‫علمية وتجارية‪ ،‬وتم أيضا ضم ميناء زوال إلى ميناء مصوع لممتلكاتهم‪ ،‬ثم أعلنت‬
‫الحكومة اإليطالية سنة ‪1890‬م تسمية هذا األقاليم باسم مستعمرة أرتيريا (اباظة‪،‬‬
‫‪1967‬م‪.)523 :‬‬
‫لكن الودّ بين القوتين الغازيتين للبحر األحمر إيطاليا وبريطانيا لم يدم طويال‪ ،‬حيث‬
‫أسفر وصول الفاشيون إلى سدّة الحكم في إيطاليا في مطلع القرن العشرين‪ ،‬عن‬
‫أطماعهم في بناء امبراطورية رومانية على سواحل البحر األحمر‪ ،‬وربطها‬
‫بمستعمرتهم في ليبيا على ساحل البحر األبيض المتوسط‪ ،‬إلحكام الحصار على‬
‫الوجود البريطاني في مصر والسودان‪ ،‬خاصة أن مصر كانت قبل احتاللها من قبل‬
‫البريطانيين‪ ،‬هدفا رئيسيا من أهداف االستعمار اإليطالي‪ .‬وقد ركزت إيطاليا أطماعها‬
‫التوسعية في تلك الفترة على منطقة البحر األحمر ألسباب منها أن سواحل هذا البحر‬
‫كانت تشكل في معظمها جزءا من االمبراطورية الرومانية القديمة التي يحلم الفاشيون‬
‫بإعادة مجدها‪ .‬كما أن هناك قواعد استعمارية إليطاليا في أرتيريا والصومال يمكن‬
‫اتخاذها قواعد ومنطلقا ألطماعهم التوسعية‪ .‬باإلضافة إلى وجود فراغ استعماري في‬
‫‪52‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫منطقة السواحل الشرقية للبحر األحمر حيث السعودية واليمن‪ ،‬وفي الساحل الغربي‬
‫حيث الحبشة‪ ،‬مما شجّع إيطاليا وجعلها تتصور أن توسعها االستعماري لن يجابه‬
‫بمقاومة الدول األوروبية االستعمارية األخرى‪ .‬وآخر هذه األسباب أن سيطرة إيطاليا‬
‫على قطاع كبير من سواحل البحر األحمر‪ ،‬يعطيها وضعا استراتيجيا مميزا‪ ،‬ويضع‬
‫يدها على مخنق من مخانق االمبراطورية البريطانية‪ ،‬من خالل تهديدها لشريان‬
‫مواصالتها الحيوي مع الشرق‪ ،‬مما يمنحها قوة سياسية وعسكرية معتبرة تمكنها من‬
‫فرض إرادتها ولعب دور أكبر في حياة أوروبا برمتها‪ .‬وكانت اليمن والسعودية‬
‫والحبشة هي المسارح الرئيسية للنشاط اإليطالي في فترة ما بين الحربين‪ .‬وبدأت‬
‫إيطاليا بتقديم بعض المساعدات االقتصادية والعسكرية لليمن م ّهدت بها لعقد اتفاق‬
‫صداقة وتجارة معه سنة ‪1926‬م وتزويده بالسالح والذخيرة‪ ،‬وقامت بإرسال بعثة‬
‫طبية إلى العاصمة صنعاء كان معظم أعضائها من ذوي النشاطات السياسية‪ .‬وأستمر‬
‫النشاط اإليطالي في اليمن وثيقا خالل العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين‪،‬‬
‫حيث تم تجديد االتفاقية بين الدولتين عام ‪1937‬م‪ ،‬إلى أن توقف ذلك النشاط مع قيام‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬حيث اضطرت اليمن تحت الضغط البريطاني إلى قطع‬
‫تعاونها مع إيطاليا وطلبت سحب البعثة الطبية‪ .‬وفي السعودية حاولت إيطاليا تكثيف‬
‫نشاطها وقدمت بعض المساعدات العسكرية من ضمنها بعض الطائرات وذلك خالل‬
‫الحرب اإليطالية الحبشية ‪ ،‬وأرسلت أيضا في ذلك الوقت بعثة عسكرية لتدريب‬
‫القوات السعودية تم سحبها بعد وقف العالقات السعودية اإليطالية عام ‪1939‬م‪ .‬أما‬
‫الحبشة التي كانت الهدف الرئيسي للتوسع اإليطالي خالل هذه المرحلة‪ ،‬لمركزها‬
‫االستراتيجي الهام الذي يمكن من خالله تهديد البريطانيين في مصر والتحكم في‬
‫مجرى النيل‪ ،‬فقد حاولت إيطاليا التأثير عليها من خالل سيطرتها على نهايات طرقها‬
‫التجارية على البحر األحمر‪ ،‬للثأر من عدوهم بريطانيا واحتالل الحبشة وإذاللها‪ .‬وقد‬
‫م ّهدت إيطاليا ألطماعها في الحبشة بمحاولة مدّ خط حديدي بين أرتيريا والصومال‬
‫اإليطالي‪ ،‬كجزء من خطة لتطويقها وتسهيل مهمة القوات اإليطالية في احتاللها‪.‬‬
‫وفر‬
‫وأستطاع اإليطاليون تحقيق مبتغاهم في الجبشة باحتاللها كاملة عام ‪1935‬م‪ّ ،‬‬
‫امبراطورها هيالسالسي الجئا إلى بريطانيا وبقي الطليان يسيطرون على الحبشة‬
‫حتى تم اخراجهم منها خالل الحرب العالمية الثانية‪ ،‬حيث عاد االمبراطور إلى عرشه‬
‫على رأس القوات الحليفة التي تقدمت من السودان (جرادات‪1986 ،‬م‪.)213 -212 :‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪:‬‬
‫من أهم النتائج التي أسفر عنها استقالل الواليات المتحدة األمريكية في أوائل الربع‬
‫األخير من القرن الثامن عشر‪ ،‬ظهور التدخل األمريكي في أسواق التجارة الشرقية‬
‫في المحيط الهندي عامة‪ ،‬والبحر األحمر على وجه الخصوص‪ .‬تلك األسواق التي‬

‫‪53‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫أحتكرها األوربيون منذ مطلع الكشوف الجغرافية‪ ،‬وكاد البريطانيون بصفة خاصة‬
‫ينفردون بالسيطرة عليها‪ ،‬عندما بدأت الطالئع األولى للتدخل األمريكي هناك في‬
‫الظهور‪ .‬إذ بدأ بعض المغامرين األمريكيين من والية ماساتشوستس في أوائل القرن‬
‫التاسع عشر يحومون حول البحر األحمر ويكتشفون موانئه‪ ،‬لكن البريطانيين سيقفون‬
‫حائال في بداية األمر دون هذا التدخل األمريكي حول المستعمرات البريطانية وفي‬
‫طرق تجارتها (عبد الكريم‪.)1980 :357 ،‬‬
‫وقد قامت الواليات المتحدة األمريكية بالعمليات التجارية بنفسها كتعبير عن استقاللها‬
‫ومقدرتها على تحمل زمام المبادرة التجارية في األسواق الشرقية‪ ،‬وعبرت سفنهم‬
‫التجارية طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا إلى مدغشقر وسواحل البحر‬
‫األحمر وشبه الجزيرة العربية‪ ،‬حتى جرز الهند الشرقية وجنوبي المحيط الهادي‪.‬‬
‫ويمكن القول إن األمريكيين ظهروا كمنافسين للبريطانيين في تجارة البن في البحر‬
‫األحمر منذ عام ‪1785‬م‪ ،‬وخاصة على السواحل اليمنية‪ ،‬وعلى الرغم من بُعد القارة‬
‫أمريكا عن ميدان التجارة في البحر األحمر والمحيط الهندي‪ ،‬إال أن تجّارها الذين‬
‫اشتهروا بالنشاط وروح المغامرة قد أسهموا بدور واضح في ازدها النشاط التجاري‬
‫في المناطق المحيطة بالبحر األحمر‪ .‬ومنذ عام ‪1800‬م سيطر األمريكيون على‬
‫معظم تجارة البن اليمني‪ ،‬وشكلوا بذلك خطرا على تجارة البريطانيين في محصول‬
‫البن‪ ،‬وفي نقل هذه التجارة الشرقية إلى أمريكا‪ ،‬كما شاركوا أيضا في نقل هذه التجارة‬
‫من السواحل المطلة على البحر األحمر إلى أوروبا‪ ،‬منافسين في ذلك شركة الهند‬
‫الشرقية البريطانية‪ ،‬التي كانت تحتكر نقل معظم التجارة الشرقية من الشرق األقصى‬
‫والهند وبالد العرب إلى أوروبا‪ .‬كما أنها لم تستطع أن تنافس عروض أسعار التجار‬
‫األمريكيين التي كانت أرخص من عروض التجار البريطانيين‪ ،‬بل وصل األمر إلى‬
‫أن تمكن التجار األمريكيون ألول مرة من فتح خط تجاري مباشر بين البحر األحمر‬
‫مرورا بشرق أفريقيا ووصوال إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وكان ذلك قمة‬
‫المنافسة الخطيرة بالنسبة للتجارة البريطانية الشرقية‪ .‬وقد تأكد لدى شركة الهند‬
‫الشرقية البريطانية في ذلك الوقت‪ ،‬أن األمريكيين يعتبرون منافسين جادين لهم‪،‬‬
‫خاصة بعد أن حاولت الواليات المتحدة األمريكية إقامة عالقات سياسية واقتصادية‬
‫قوية مع الدولة العثمانية ومصر‪ ،‬لكنها اصطدمت بمعارضة قوية من الدول األوروبية‬
‫وخاصة بريطانيا التي وجهت تهديدا للعثمانيين بقطع عالقاتها معهم‪ ،‬وإعالن الحرب‬
‫عليهم إذا ُوقعت اتفاقية تشجع التعامل التجاري مع الواليات المتحدة‪ .‬ومع ذلك فقد‬
‫واصل األمريكيون جهودهم نحو إقامة عالقات تجارية واسعة مع المناطق التابعة‬
‫للدولة العثمانية‪ ،‬السيما والية مصر باعتبارها أهم المناطق المطلة على البحر األحمر‬
‫والبحر المتوسط‪ ،‬واللذين تسعى الواليات المتحدة األمريكية على بناء عالقات سياسية‬
‫ومصالح تجارية بها (العيسى‪.)389 -388 :2001 ،‬‬
‫‪54‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫ومنذ أن تصدت الواليات المتحدة لزعامة العالم الرأسمالي‪ ،‬بعد أن أصبحت الدولة‬
‫الرأسمالية األولى في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬أصبحت االستراتيجية‬
‫األمريكية تهدف إلى تحقيق مصالح وأهداف الغرب عامة‪ ،‬والواليات المتحدة‬
‫األمريكية خاصة في شتى بقاع العالم‪ .‬وأستمر الوضع بداية الستينات الميالدية حيث‬
‫أصبح المحيط الهندي والبحر األحمر يشهد اهتماما خاصا من الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬التي بدأت تعيد النظر في سياساتها واستراتيجياتها البحرية عامة‪ ،‬وفي‬
‫المحيط اله ندي والبحر األحمر بشكل خاص نتيجة للمعطيات الجديدة التي بدأت تبرز‬
‫في بداية هذه الفترة وأهمها زيادة اهتمامها بأفريقيا والشرق األوسط وجنوب آسيا‬
‫كنتيجة حتمية لضعف النفوذ والوجود البريطاني في تلك المناطق ومنح كثير من‬
‫المستعمرات البريطانية االستقالل‪ ،‬مما جعل منطقة المحيط الهندي منطقة تخلخل‬
‫وفراغ سياسي وعسكري‪ .‬باإلضافة إلى اندفاع الروس إلى المنطقة منذ بداية الستينات‬
‫في محاولة إلشغال الفراغ الناتج عن االنسحاب البريطاني مع ما واكب ذلك من تزايد‬
‫القدرات البحرية الروسية‪ .‬ومن هذه المعطيات أيضا سياسة التكامل العسكري التي‬
‫أتبعتها بريطانيا مع أمريكا منذ الستينات نتيجة إلحساس األولى بعدم قدرتها على‬
‫االستمرار في دورها التقليدي كحامية للمصالح الغربية في منطقة البحر األحمر‬
‫والمحيط الهندي وما أعطته تلك السياسة من تسهيالت للواليات المتحدة األمريكية في‬
‫المنطقة‪ .‬وآخر هذه المعطيات التطور التكنولوجي الهائل في ميدان األسلحة‬
‫والمواصالت واالتصاالت وما أحدثه ذلك من تغيير على المفاهيم االستراتيجية‬
‫العالمية من حيث تطور معطياتها وتوسيع مداها‪ .‬وقد وضعت الواليات المتحدة‬
‫األمريكية استراتيجيتها الجديدة في المحيط الهندي والبحر األحمر والتي تقوم على‬
‫ضرورة زيادة الوجود البحري األمريكي في المنطقة وديمومته وتطوير وتحديث‬
‫أدائه على أسس التكنولوجيا الحديثة لجعله قادرا على الحد من الوجود البحري‬
‫السوفييتي المتزايد‪ ،‬وإحراز التفوق عليه مع مراعاة الحقائق واالعتبارات الجغرافية‬
‫واالقتصادية والسياسية والعسكرية القديمة والمستجدة والتي يعد من أهمها بعد‬
‫المنطقة جغرافيا عن القارة األمريكية مما جعل مهمة التدخل فيها انطالقا من القواعد‬
‫األمريكية في النصف الغربي أمرا بالغ الصعوبة وقليل الجدوى‪ .‬والحجم الهائل‬
‫للمصالح الغربية واألمريكية في المنطقة يأتي على رأسها النفط‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫تضاؤل القيمة االستراتيجية للقواعد والمراكز االستراتيجية التقليدية والمعزولة‬
‫استراتيجيا عن ظهيرها البري مما حتّم ضرورة الوجود الدائم لألساطيل لدعم تلك‬
‫القواعد وتأمينها مع ظهور أهمية الدعم الجوي للقوات البحرية وضرورة نقل الجهد‬
‫الجوي األمريكي م ن مواقعة البعيدة إلى المحيط الهندي كي يكون أقرب إلى مواطن‬
‫التوتر وأقدر على تقديم الدعم الالزم للقوات البحرية‪ .‬وأخيرا زيادة النشاط البحري‬

‫‪55‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫السوفييتي في المحيط الهندي والبحر األحمر ابتداء من سنة ‪1962‬م واعتماد الروس‬
‫الستراتيجية بحرية حديثة تهدف إلى التوسع المستمر في التواجد البحري والوصول‬
‫إلى مناطق لم تكن البحرية الروسية تصل إليها من قبل مما شكل تهديدا خطيرا للتفوق‬
‫البحري األمريكي‪ ،‬أزداد مع انتهاء فترة التفوق النووي األمريكي وتالشي جدوى‬
‫سياسة الردع النووي التي كانت تعتمدها الواليات المتحدة األمريكية لحماية مصالحها‬
‫ضد التهديد السوفييتي‪ ،‬وثبوت سياسة الرعب النووي المتبادل التي تحد من فوائد‬
‫واحتماالت اللجوء إلى األسلحة الذرية لحماية المصالح (جرادات‪1986 ،‬م ‪-236 :‬‬
‫‪.) 237‬‬
‫ولما كانت منطقة الشرق األوسط من أكثر مناطق العالم أهمية وحيوية كنتيجة حتمية‬
‫لتوسطها قلب العالم القديم واحتوائها على عقد مواصالته البرية والبحرية والجوية‪،‬‬
‫وعلى الجزء األكبر من احتياطاته النفطية‪ ،‬باإلضافة إلى تالحمها الجغرافي مع‬
‫االتحاد السوفييتي‪ ،‬فقد أخذت هذه المنطقة تحتل مكانة مرموقة في خارطة‬
‫االستراتيجية األمريكية وتزداد أهميتها تبعا لتزايد أهمية النفط من جهة‪ ،‬وتزايد‬
‫األطماع السوفياتية في المنطقة من جهة أخرى‪ .‬ومنطقة البحر األحمر بصفة عامة‬
‫جزء من الشرق األوسط تتميز بسيطرتها على منطقة الربط البحري بين البحر‬
‫األبيض المتوسط ذي األهمية االستراتيجية القديمة‪ ،‬والمحيط الهندي ذي األهمية‬
‫االستراتيجية المتزايدة‪ ،‬وكونها منطقة اقتراب نموذجية من الخليج العربي ومنابع‬
‫النفط فيه‪ ،‬باإلضافة إلى كونها مفتاح أفريقيا الشرقية وآسيا الغربية‪ .‬لذا فإن المناطق‬
‫المطلة على البحر األحمر تعتبر من المناطق المتميزة على خرائط االستراتيجيات‬
‫العالمية الغربية منها والشرقية (جرادات‪1986 ،‬م‪ .)241 :‬وقد بنت الواليات المتحدة‬
‫األمريكية استراتيجيتها البحرية على ثالثة أنماط هي‪:‬‬
‫‪ -1‬استراتيجية االحتواء ‪ ،Containment strategy‬وذلك عن طريق التحكم في‬
‫البحر األحمر والسيطرة على المنطقة التي تحيط به عن طريق وجود القوات‬
‫المسلحة وجودا حقيقيا‪ ،‬سواء على السطح المائي من خالل حامالت الطائرات‪،‬‬
‫أو الدول الصديقة المشاطئة للبحر األحمر مثل المملكة العربية السعودية ومصر‬
‫والسودان والصومال وذلك عن طريق وجود القواعد العسكرية أو التسهيالت‬
‫البحرية لقواتها هناك‪ ،‬وأيضا وجود قواتها في نقاط تحفّز مختارة تمكنها من‬
‫الوثوب على البحر األحمر أو اعتراض أي خطر يهدد أمنها أو مصالحها أو أمن‬
‫الدول الصديقة والحليفة لها‪ .‬لكن بعد إعالن مبدأ نيكسون في عام ‪1969‬م تحولت‬
‫‪Regional‬‬ ‫استراتيجية االحتواء إلى استراتيجية المشاركة اإلقليمية‬
‫‪ .Participation Strategy‬فمن أجل تأمين تدفق النفط الخليجي لها ولحلفائها‬
‫من الدول األوروبية‪ ،‬أحاطت الواليات المتحدة األمريكية المنطقة بعدد من‬
‫القواعد العسكرية أهما قاعدة ديجوجارسيا التي تقع في أرخبيل تشاغوس في‬
‫‪56‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫المحيط الهندي‪ ،‬والتي تمتاز بموقع وسيط حتى أن البعض أطلق عليها أسم قلب‬
‫األرض الجديد ) ‪ ،( New Heart Land‬وعلى ذلك سعت الواليات المتحدة إلى‬
‫إشراك حلفائها في الدفاع عن العالم الرأس مالي‪ ،‬زيادة على تأمين تسهيالت‬
‫جديدة للقوات األمريكية العاملة في المنطقة العربية بحسبان أن البحر األحمر‬
‫والخليج العربي منطقة جيوبولتيكية واحدة‪.‬‬
‫‪ -2‬استراتيجية التقرب غير المباشر ‪ ،Indirect Approach‬وهي استراتيجية‬
‫تسعى الواليات المتحدة األمريكية عبرها إلى تطويق منطقة االهتمام كنظام‬
‫األحزمة الذي برع فيه الروس‪ ،‬وذلك بالتحكم في مداخل الخوانق في المضائق‬
‫والمنافذ البحرية‪ ،‬والحرص على الوجود في الجزر ذات المواقع االستراتيجية‬
‫التي تتحكم في المالحة عبر البحر األحمر والتي تشرف على تلك الخوانق‪.‬‬
‫‪ -3‬استراتيجية المالحظة ‪ ،Observation strategy‬وتلعب الدول المحيطة في‬
‫البحر األحمر والحليفة للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬في تنفيذ هذه االستراتيجية‪ ،‬إذ‬
‫دائما ما تكون المنطقة التي يطلق عليها منطقة االهتمام‪ ،‬ويتم تصنيفها بواسطة‬
‫الدول صاحبة الشأن التي تسعى للحفاظ عليها‪ .‬وعادة ما يتم ذلك عن طريق‬
‫السلوك القولي بالتصريح الواضح أو التلميح‪ ،‬والقصد من ذلك إيصال اإلشارة‬
‫إلى الطرف اآلخر‪ .‬أما السلوك الفعلي فيكون عن طريق العالقات الدبلوماسية‬
‫التي توطدها الواليات المتحدة األمريكية مع الدول المركزية على سواحل البحر‬
‫األحمر مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل‪ ،‬وكل ذلك عبارة عن‬
‫تلويح للطرف اآلخر (روسيا) وتعبير عن اهتمام الواليات المتحدة األمريكية بهذه‬
‫المنطقة (عبد الوهاب‪1998 ،‬م‪.)32-31 :‬‬
‫االتحاد السوفييتي‪:‬‬
‫طالما كان االتحاد السوفييتي يحلم بالتوغل جنوبا تجاه المياه الدافئة‪ ،‬عمال بوصية‬
‫القيصر بطرس األكبر المنشورة عام ‪1775‬م‪ ،‬حين كتب إلى خليفته يشجعه على‬
‫التحرك جنوبا إلى القسطنطينية للسيطرة على مضيق البسفور‪ ،‬والخليج العربي‬
‫والهند‪ ،‬معلنا أن السيطرة على تلك المناطق يعني التحكم بالعالم (األصبحي‪1996 ،‬م‪:‬‬
‫‪ . )85‬وعلى هذا بدأت اهتمامات االتحاد السوفييتي بالبحر األحمر منذ وقت مبكر إثر‬
‫استقرار الثورة البلشفية عام ‪1917‬م‪ ،‬وخصوصا في الفترة التي تلت تأسيس قواتهم‬
‫البحرية‪ ،‬وبروز االتحاد السوفييتي كقطب ثنائي بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وبدأوا‬
‫يعولون كثيرا على األسطول البحري في أي حرب قادمة‪ ،‬خاصة الضربات النووية‬ ‫ّ‬
‫الموجهة من الغواصات العائمة في أعماق المحيطات‪ ،‬وذلك بعد دراستهم المحيط‬
‫العالمي دراسة ضافية‪ ،‬إذ علموا جيدا أن البحر المتوسط كان ساحة قتال مرير بين‬

‫‪57‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫الدول البحرية الكبرى ابتداء من الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا‪ ،‬وخصوصا بعد‬
‫حفر قناة السويس وإمكانية االتصال بالبحر األحمر ( عبدالوهاب‪1998 ،‬م‪.) 34 :‬‬
‫وتظهر أهمية البحر األحمر لالتحاد السوفييتي من خالل أنه يمثل الشريان المائي‬
‫المختصر الذي يصل بين الموانئ السوفييتية على البحر األسود ومنطقة المحيط‬
‫الهندي‪ ،‬والتي تشكل منطقة تصادم دولي هام‪ ،‬وميدان مناورة مع الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬فتستطيع من خالله مواجهة التهديد النووي األمريكي في المحيط وتأمين‬
‫سالمة االتحاد السوفييتي‪ ،‬إلى جانب االقتراب من المواقع األمريكية في المحيط‬
‫الهندي‪ ،‬حيث برز هذا المحيط كنموذج لتنافس القوتين في إطار صراعهما العالمي‪.‬‬
‫كما أن البحر األحمر يعتبر الشريان المائي السريع الذي يصل بين القواعد السوفيتية‬
‫على المحيط الهادي وقواعده على البحر األسود‪ ،‬مما يجعله يحتل مكانا مميزا في‬
‫االستراتيجية السوفيتية كحلقة اتصال عسكري يخدم مصالحه القومية‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫أن تغلغل البحر األحمر ما بين الدول العربية ومنطقة الخليج العربي‪ ،‬يجعله أداة‬
‫استراتيجية هامة يمكن استخدامها كوسيلة تمكنهم من احتواء شبه الجزيرة العربية‬
‫وبالتالي التحرك صوب الخليج العربي كوسيلة ضغط على الدول البترولية في منطقة‬
‫الخليج العربي من جهة‪ ،‬والتهديد بالسيطرة على عصب الحياة االقتصادية للدول‬
‫الغربية المرتبطة ببترول الخليج وحرمانها منه من جهة أخرى‪ ،‬وبالتالي تستطيع‬
‫تقويض القوة الغربية في المنطقة‪ ،‬وفرض النظام االقتصادي والسياسي الموالي له‬
‫ومن ثم يتمكن من فرض قبول عربي به في منطقة البحر األحمر والخليج العربي‬
‫على حدّ سواء‪ .‬وتظهر أيضا أهمية البحر األحمر للسوفييت من خالل تهديد النفوذ‬
‫الصيني في المحيط الهندي‪ ،‬وذلك بمحاصرته والتضييق عليه خاصة عبر الممرات‬
‫المائية‪ ،‬وهذا ما يفسر التواجد الصيني في منطقة المحيط الهندي والبحر األحمر من‬
‫خال ل التعاقدات الواسعة في مشاريع التجهيزات األساسية واالنشاءات الفنية كميناء‬
‫عدن وانشاء الطرق وغير ذلك من البنى التحتية حتى في الدول التي يزداد فيها‬
‫الوجود السوفييتي كما في اليمن الجنوبي وأثيوبيا‪ .‬ولذا تعتبر المنطقة نطاق تصطدم‬
‫فيه المصالح الشيوعية االشتراكية من جهة‪ ،‬والمصالح الشيوعية الرأسمالية من جهة‬
‫أخرى‪ .‬وأخيرا يستطيع االتحاد السوفييتي من خالل وجوده في منطقة البحر األحمر‬
‫من تدعيم ومضاعفة نفوذة السياسي واالقتصادي والعسكري لمواجهة النفوذ األمريكي‬
‫المتزايد في المنطقة‪ ،‬والتقليل من قيمة قوته البحرية‪ ،‬وذلك بإبرام اتفاقيات مستمرة‬
‫تشمل على برامج عمل وتعاون مع الدول المطلة على البحر األحمر‪ ،‬وخاصة مدخله‬
‫الجنوبي‪ ،‬مستغال في ذلك الصراعات المحلية في المنطقة‪ ،‬وحاجتها المستمرة إلى‬
‫تدعيم قوتها العسكرية‪ ،‬بما يضمن لها تسهيالت مالحية وعسكرية تؤمن لها حرية‬
‫المالحة في البحر األحمر‪ ،‬الذي يعتبر مفتاح تقدمه في المحيط الهندي وممراته المائية‬
‫ما يم ّكنه من تقويض القوة الغربية الرأسمالية في المنطقة‪ ،‬وعلى رأسها الواليات‬
‫‪58‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫المتحدة األمريكية ‪ .‬ومن هنا سارت خطة االستراتيجية السوفيتية على خلق شبكة‬
‫سوفيتية متصلة من افغانستان إلى أثيوبيا مرورا بعدن‪ ،‬لمواجهة االستراتيجية‬
‫األمريكية التي امتدت هي األخرى بتشكيل حزام أمني استراتيجي من الخليج العربي‬
‫إلى البحر األحمر بما في ذلك المحيط الهندي وحتى الصومال وجيبوتي حفاضا على‬
‫مصالحه الحيوية االستراتيجية في المنطقة (مرشد‪1985 ،‬م‪.)133-132 :‬‬
‫من هنا نجد أن ال مناطق المطلة على البحر األحمر كانت إحدى أهم المناطق الرئيسية‬
‫التي استهدفت للنفوذ السوفييتي‪ ،‬حيث كانت مصر واليمن الشمالي ثم الجنوبي‬
‫والسودان والصومال وأخيرا اثيوبيا أمثلة على الدول التي نجح النفوذ السوفييتي فيها‬
‫بدرجة ملحوظة‪ ،‬في حين كانت األردن والمملكة العربية السعودية أمثلة على الدول‬
‫التي لم ينجح فيها النفوذ السوفييتي نجاحا ملحوظا‪ .‬وقد شهد نجاح النفوذ في تلك‬
‫الدول فترات مد وجزر خاصة في مصر واليمن الشمالي والسودان انتهت بعضها‬
‫بانحساره نهائيا عن بعض تلك الدول مثل مصر والسودان واليمن الشمالي‪ ،‬كنتيجة‬
‫لتكشف األهداف التوسعية السوفيتية ومحاولتهم استغالل أوضاع بعض تلك الدول في‬
‫الوصول إلى أهدافهم الخاصة والمتعارضة مع مصالح تلك الدول وآمالها‪ ،‬ولعل أبرز‬
‫سمات السياسة السوفيتية في منطقة البحر األحمر‪ ،‬عدم قيامها على أسس ايديولوجية‬
‫واعتمادها االسلوب االنت هازي في محاولة الحصول على المكاسب بكافة السبل ولو‬
‫تعارضت مع مبادئها ونظرياتها األيديولوجية‪ .‬ففي البداية حاول السوفييت استغالل‬
‫حركة القومية العربية التي كانت تمثل أقوى القوى في المنطقة‪ ،‬وأظهروا تأييدهم‬
‫لنضالها ضد االستعمار بالرغم من تعارض ذلك مع األفكار الشيوعية التي ال تؤمن‬
‫بالقوميات‪ ،‬ثم لم يلبثوا أن اصطدموا مع حركة القومية العربية عندما تصدت‬
‫لمحاوالتهم التوسعية في المنطقة العربية واعتبروها من الدّ أعدائهم ومن أكبر العوائق‬
‫في سبيل بسط نفوذهم (جرادات‪1986 ،‬م‪ .)307 :‬وكانت سياسة االتحاد السوفييتي‬
‫وإجادته لعبة ا ألحزمة االستراتيجية وتطويق األنظمة الموالية ألمريكا والغرب‪ ،‬سبب‬
‫ذلك الوجود الذي يسعى إليه من خالل المساعدات العسكرية بما في ذلك وجود‬
‫الخبراء العسكريين والمساعدات االقتصادية والمعاهدات التي تبرمها مع دول‬
‫المنطقة‪ .‬إذ كان السوفييت يسعون إلى خلق موازنة مع الوجود األمريكي‪ ،‬وذلك منذ‬
‫توجه مصر في عهد عبدالناصر لكسر طوق التسليح من الغرب‪ ،‬بدأ بصفقة السالح‬
‫مع تشيكوسلوفاكيا قبل التقسيم‪ ،‬وتشييد السد العالي ‪ ،‬وقد ازداد ذلك النفوذ بعد نكسة‬
‫‪1967‬م التي أدت إلى تعاظم الوجود السوفييتي والذي بلغ عشرين ألف خبير سوفييتي‬
‫في مصر‪ ،‬إلى جانب القطع البحرية في الموانئ المصرية والسودانية واليمنية‪ ،‬وقد‬
‫زاد من كل ذلك التحول الراديكالي الذي حدث في أثيوبيا بعد اإلطاحة باإلمبراطور‬
‫هيالسالسي‪ ،‬وضلوع موسكو الكبير في الحرب األثيوبية الصومالية التي خطط لها‬

‫‪59‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫نائب قائد القوات البرية السوفيتية الجنرال بتروف وكان رأس الرمح في تلك الحرب‬
‫قوات مسلحة كوبية‪ .‬باإلضافة إلى ذلك ر ّكز السوفييت وجودهم في اليمن وتحديد في‬
‫عدن والمحيط الهندي بأسطول يضم سفنا يغلب عليها الطابع الهجومي تمكنهم من‬
‫الوثوب في أي لحظة على البحر األحمر (عبد الوهاب‪1998 ،‬م‪ .)35 :‬وكان االتحاد‬
‫السوفيتي يحتفظ بقاعدة ضخمة في عدن‪ ،‬تضم قاعدة بين الجبلين الجوية وقاعدة‬
‫التواهي البحرية‪ ،‬فضال عن قاعدة بحرية وجوية في المكال‪ ،‬كما قاموا ببناء محطات‬
‫للمراقبة اإللكترونية ومركز لالتصاالت فوق جزيرة سوقطره (توفيق‪1403 ،‬ه‪:‬‬
‫‪ .)301‬وكما أستطاع االتحاد السوفييتي أن يحقق نجاحا سياسيا واستراتيجيا ملموسا‬
‫في الساحل الغربي للبحر األحمر في الستينات الميالدية من القرن العشرين‪ ،‬في كل‬
‫من مصر والسودان‪ ،‬استطاع أيضا الحصول على تسهيالت بحرية وجوية بالغة‬
‫األهمية في الصومال حيث قاعدته في ميناء بربرة‪ ،‬وتسهيالت بحرية في مقديشو‬
‫وذلك بموجب معاهدة صداقة وتعاون بين الطرفين في عام ‪1974‬م بعد أن أصبح‬
‫الصومال قطبا هاما في دائرة الفلك السوفييتي منذ عام ‪1962‬م‪ .‬وبتغير الحكم في‬
‫أثيوبيا وجنوحه إلى اليسار أتيحت الفرصة لالتحاد السوفييتي للدخول الكامل إلى‬
‫المنطقة وبالتالي إثبات وجوده في المدخل الجنوبي للبحر األحمر‪ ،‬باإلضافة إلى أن‬
‫السيطرة على عدن وأثيوبيا يعطيهم فرصة السيطرة الكاملة على مضيف باب المندب‬
‫استراتيجيا واقتصاديا بتهديد تجارة البترول إلى الغرب (مرشد‪1985 ،‬م ‪.) 138 :‬‬
‫وبذلك يتشكل محور ارتكاز استراتيجي للسوفييت في هذه المنطقة (شكل ‪ )2 -2‬ما‬
‫دفع باألمريكيين لتشكيل محور ارتكاز استراتيجي مقابل في الطرف الشمالي من‬
‫البحر األحمر والمتمثل بمحور تل أبيب القاهرة‪ .‬وهكذا أخذ تنافس القوتين العظميين‬
‫على النفوذ إلى البحر األحمر والدول المطلة عليه زمنا من التسابق‪ ،‬تارة باالقتسام‪،‬‬
‫وتارة بتبادل المواقع بين التقابل والتجاور‪ ،‬وتارة باإلزاحة‪ ،‬حتى أضحى شمال البحر‬
‫األحمر قريبا من السياسة األمريكية‪ ،‬وظل جنوبه قريبا من السياسة السوفيتية‪ ،‬التي‬
‫تالشت ممتلكاتها فيما وراء البحار ومن ضمنها ممتلكاتها في البحر األحمر بانهيار‬
‫إمبراطورتيها العظمى وتفككها إلى دول متعددة عام ‪1991‬م‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫شكل (‪ )2‬محوري االرتكاز األمريكي والسوفييتي في البحر األحمر‬

‫المصدر‪ :‬األصبحي‪ ،‬أحمد‪1996( ،‬م)‪ ،‬إطاللة على البحر األحمر والنزاع‬


‫اليمني األريتيري‪ ،‬دار البشير‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫البحر األحمر والقوى اإلقليمية‪:‬‬


‫أدى الصراع العالمي على هذه البقعة الحساسة من العالم‪ ،‬إلى بروز قوي إقليمية غير‬
‫عربية تنشط حركتها‪ ،‬ويشتد نفوذها‪ ،‬ويتصاعد تأثيرها على الساحة العربية بالعموم‪،‬‬
‫والمناطق المطلة على البحر األحمر بالخصوص إلى حد يقارب الوصول إلى مرحلة‬
‫الهيمنة على سياساتها‪ ،‬و ال يرجع نجاحها فقط على نشاطها وديناميكيتها وتحركها‬
‫لتنفيذ أهداف إستراتيجية‪ ،‬وتحقيق طموحات تاريخية‪ ،‬واستثمار أوضاع جاهزة‬
‫للقطاف‪ ،‬أو إلى سلبية واستكانة وغياب السياسات في الدول المطلة على البحر‬
‫األحمر‪ ،‬واستعدادها للتخلي عن الساحة لصالح الدول الكبرى‪ ،‬والتحاقها بركبها أمال‬
‫في استقرار أوضاعها وحماية نظمها‪ ،‬وإنما تعود أيضا إلى تقدير هذه الدول نفسها‬
‫بصعوبة تحقيق أهدافها في المنطقة واحتواء مشاكلها في جوارها الجغرافي من حيث‬
‫استقرار األوضاع‪ ،‬والخروج من األزمات‪ .‬وبالرغم من أن هذه القوى اإلقليمية‬
‫تتحرك في المنطقة وفق أهداف متضاربة ومصالح متناقضة وسياسات متنافسة‪ ،‬إال‬
‫أن الشاهد أن مواقفها جميعا تنطلق من نفس الدوافع‪ ،‬وهي الرغبة أوال في ملء‬
‫الفراغ الناتج عن الغياب العربي في القضايا اإلستراتيجية والفضاء اإلقليمي‪،‬‬
‫واعتمادها في تصعيد أدوارها وتثبيت أوضاعها وانتشار نفوذها في المنطقة على‬
‫وسائل تتراوح بين الضغط العسكري‪ ،‬واالمتداد األيديولوجي‪ ،‬والتسويق السياسي‬
‫والمذهبي‪ .‬وثاني هذه الدوافع هو تحرك كل منها على الساحة وفق إستراتيجية‬
‫تستهدف الحصول على اعتراف بدور رئيسي لها في المنطقة باعتبارها قوى إقليمية‬
‫نافذة وطرفا أساسيا فاعال يجب أن تؤخذ مصالحه في االعتبار‪ ،‬ويشارك في اتخاذ‬
‫القرارات المصيرية على ساحتها‪ ،‬فضال عن تبني هذه القوى لسياسات تعتمد على‬
‫المبادرة والضغط والتأثير لفرض وجودها وتثبيت نفوذها هدفا إلقناع الدول الغربية‬
‫بأن تحقيق األهداف واستقرار األوضاع وضمان المصالح على الساحة اإلقليمية‬
‫مرهون باالعتراف بدورها بكافة متطلباته على هذه الساحة‪ ،‬والتعاون والتنسيق معها‬
‫على أساس من الندية واالحترام‪ .‬باإلضافة إلى توافق هذه القوى على نظرتها إلى‬
‫الدول المطلة على البحر األحمر من منظور يتسم بالتفوق واالستعالء‪ ،‬ويرجع ذلك‬
‫ألسباب يتعلق بعضها بعوامل تاريخية‪ ،‬ويتصل البعض اآلخر بإحساس التمايز لدى‬
‫هذه الدول بخصوصيتها الثقافية والحضارية‪ ،‬ويعود البعض الثالث إلى طغيان مشاعر‬
‫االعتزاز الوطني لديها بما حققته من إنجازات في المجاالت السياسية واالقتصادية‬
‫والتنموية والعسكرية في بالدها مقارنة باألوضاع الساكنة والمنقسمة والمتدهورة‬
‫أحيانا في العالم العربي‪ .‬وأخيرا أن هذه القوى تنتمي ألديان ومذاهب ومرجعيات‬
‫ثقافية تدعي كل منها تمثيلها أو تطمح إلى ذلك‪ .‬إذ تدعي إسرائيل تمثيلها ليهود العالم‬
‫في تبرير ادعاءاتها التاريخية وممارساتها االحتاللية في األراضي الفلسطينية‪،‬‬
‫وتدعى إيران تمثيلها للمجتمعات الشيعية وحركات المقاومة لتسويق سياساتها الرامية‬
‫‪62‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫المتداد نفوذها اإلقليمي إلى كافة مواقع التواجد الشيعي في المنطقة‪ .‬وبالرغم من‬
‫تصاعد نفوذ القوى اإلقليمية غير العربية بالمنطقة‪ ،‬وتزايد تأثير سياساتها على‬
‫القضايا العربية بحيث لم يعد ممكنا تحريك أية مشكلة خاصة بتلك القضايا‪ ،‬سواء‬
‫بالنسبة لتشكيل حكومة أو تحقيق مصالحة أو دفع عملية سالم‪ ،‬دون موافقتها على‬
‫تطويع التفاعالت داخل هذه القضايا في اتجاه تحقيق هذا الهدف‪ .‬إال أن الواضح أن‬
‫العوامل التي تُمكن هذه القوى من القيام بدورها على الساحة تتوقف على طبيعة‬
‫العالقات المعقدة والمتنافسة والمتداخلة بينها‪ ،‬وعلى روابط كل منها بدول المنطقة‪،‬‬
‫وأسلوب تعاملها مع األوراق التي تملكها‪ ،‬وعلى عالقاتها بالدول الكبرى ومدى‬
‫رغبتها في خدمة سياستها‪ ،‬أو سعيها لتبادل الخدمات والمصالح معها‪ ،‬أو قدرتها على‬
‫عرقلة أهدافها (رفعت‪2009 ،‬م‪.)6-5 :‬‬
‫الكيان الصهيوني ‪:‬‬
‫أكتسب البحر األحمر أهمية خاصة بالنسبة للكيان الصهيوني دون غيرها من الدول‬
‫المطلة على البحر األحمر‪ ،‬وذلك باعتبارها الدولة الوحيدة المطلة على البحر األحمر‬
‫بمساحة محدودة جدا ومحاصرة من جميع الدول المحيطة بها‪ .‬األمر الذي يجعل لهذا‬
‫الممر أهميته الخاصة من ناحية كونه نفقا هاما وضروريا لتنفسها خارج البيئة‬
‫الجغرافية المحيطة بها باتجاه الشرق والجنوب (البرصان‪2001 ،‬م‪ .)163 :‬لكن إذا‬
‫ما أدركنا مدى الم زايا التي ستجنيها إسرائيل من هذا الممر‪ ،‬سندرك مدى الخطورة‬
‫والجهود االستثنائية التي تبذلها إسرائيل من أجل أن تكون عضوا في الدول المطلة‬
‫على البحر األحمر‪ ،‬فمن خالله يمكن تأمين المالحة اإلسرائيلية مع بلدان القارة‬
‫األفريقية وبلدان المحيط الهندي ثم االتجاه شرقا نحو دول شرق آسيا مع ما يرافق ذلك‬
‫من منافع سياسية واقتصادية وعسكرية للكيان الصهيوني‪ .‬باإلضافة إلى تأمين‬
‫شحنات النفط إلى ميناء إيالت لسد حاجات إسرائيل النفطية‪ ،‬وإلدامة خط أنابيب‬
‫عسقالن الذي ارادته بديال لقناة السويس كأداة لنقل النفط إلى أوروبا الغربية‪ .‬وكذلك‬
‫توسيع العمق االستراتيجي البحري والجوي للكيان الصهيوني وإفشال أي جهد تنسيقي‬
‫عربي وتشتيت الجهود العسكرية في منطقة البحر األحمر ما يعوضها عن الحصار‬
‫العربي الخانق لها‪ ،‬وتمكينها من التهديد الدائم للمواصالت البحرية العربية عبر البحر‬
‫األحمر والمحيط الهندي (جرادات‪1986 ،‬م ‪.)347:‬‬
‫وراء هذه االعتبارات االقتصادية والسياسية والعسكرية‪ ،‬تبدّت فكرة تهويد البحر‬
‫األحمر في كثير من المواقف العلنية والتصريحات اإلسرائيلية‪ ،‬من بينها دعوة‬
‫صريحة لعضو الكنيست االسرائيلي (باتشيفا كاتزنلسون) يؤكد فيها على استخدام‬
‫القوة لتنفيذ هذه الفكرة‪ .‬ولم تكن هذه الدعوة الصريحة لتهويد البحر األحمر تعبيرا عن‬
‫وجهة نظر كاتزنلسون وحسب‪ ،‬بل كانت في الواقع منسجمة مع طروحات تيار واسع‬

‫‪63‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫في األحزاب الصهيونية‪ ،‬والتي أصبحت واقعا باحتالل أم الرشراش المصرية‬


‫وتحويلها إلى ميناء إيالت عام ‪1949‬م (عبد الكريم‪1980 ،‬م‪ .)70 :‬ومنذ فتح‬
‫مضائق تيران في وجه المالحة اإلسرائيلية في عام ‪1957‬م نتيجة العدوان الثالثي‬
‫ظلت التجارة اإلسرائيلية التي تتم عن طريق البحر األحمر‬ ‫على مصر عام ‪1956‬م‪ّ ،‬‬
‫في ازدياد‪ ،‬وازداد معه ميناء إيالت حجما وأهمية‪ ،‬كما تعززت عالقات إسرائيل‬
‫السياسية والعسكرية واالقتصادية مع الدول األفريقية واآلسيوية‪ .‬فبات البحر األحمر‬
‫طريقا استراتيجيا ليس في وسع إسرائيل أن تخسره‪ ،‬فمن خالله تصدر منتجاتها إلى‬
‫األسواق األفريقية واآلسيوية‪ ،‬وتستورد الموارد الطبيعية الالزمة للحفاظ على‬
‫اقتصادها وصناعاتها‪ ،‬وحتى عام ‪1979‬م كانت إسرائيل تستورد معظم نفطها من‬
‫إيران عن طريق البحر األحمر إلى ميناء إيالت‪ .‬وعندما تم إغالق مضيق باب‬
‫المندب في حرب أكتوبر ‪1973‬م من قبل القوات المصرية بالتعاون مع البحرية‬
‫اليمنية في وجه المالحة والتجارة اإلسرائيلية‪ ،‬وجدت إسرائيل نفسها محاصرة في هذا‬
‫البحر وخلجانه دون إمكانية للمناورة أو الدعم الخارجي‪ ،‬األمر الذي لفت نظر‬
‫إسرائيل والواليات المتحدة األمريكية المساندة لها‪ ،‬إلى خطورة السيطرة العربية على‬
‫البحر األحمر ومضائقه‪ .‬لذا كثّفت الواليات المتحدة وإسرائيل جهودهما من أجل‬
‫ضمان عدم تكرار فرض حصار بحري عند المدخل الجنوبي للبحر األحمر‪ ،‬وقد‬
‫كانت تلك إحدى نقاط اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل برعاية الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬والتي م ّهدت الحقا لتوقيع معاهدة كامب ديفيد عام ‪1978‬م‪ .‬كما‬
‫طرحت إسرائيل فكرة تدويل باب المندب ومجموعة الجزر العربية التي تتحكم فيه‪،‬‬
‫لضمان عدم تعرض مالحتها البحرية االستراتيجية عبر البحر األحمر للخطر‬
‫مستقبال‪ ،‬فيما اتخذت خطوات عملية بعد ذلك‪ ،‬فقامت باحتالل بعض الجزر الصغيرة‬
‫المتناثرة ذات الموقع االستراتيجي في الجزء الجنوبي من البحر األحمر مثل جزيرة‬
‫حالك وجزيرة دهلك‪ ،‬إما احتالال مباشرا أو باالستعارة واالستئجار من أثيوبيا‪ ،‬أو عن‬
‫طرق التعاون والتنسيق بينها وبين أثيوبيا والواليات المتحدة األمريكية‪ .‬ولم تقتصر‬
‫الجهود اإلسرائيلية على السيطرة على الجزر وحسب‪ ،‬بل تزامن ذلك مع رغبة‬
‫إسرائيل في العمل على ازدهار عالقاتها االقتصادية والعسكرية مع أثيوبيا ومن ثم مع‬
‫أرتيريا‪ ،‬والتي تمثلت في دخول العديد من الشركات اإلسرائيلية والمتعددة الجنسيات‬
‫للعمل والتدريب والتزود بالخبرة الفنية‪ .‬وبذلك أصبحت أرتيريا وأثيوبيا جسرا‬
‫إلسرائيل في القارة األفريقية‪ ،‬وموطئ قدم لتثبيت وضع عسكري استراتيجي في‬
‫مداخل البحر األحمر (قدورة‪1994 ،‬م‪.)23 :‬‬
‫ويبدو مما سبق أن إسرائيل قد نجحت في تحقيق كثير من األهداف التي وضعتها‬
‫ضمن استراتيجيتها إزاء البحر األحمر‪ ،‬في الوقت الذي يتعزز فيه القلق العربي يوما‬

‫‪64‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫بعد اآلخر من جراء إمكانية تحقيق إسرائيل لهدفها النهائي وهو السيطرة على البحر‬
‫األحمر والجزر االستراتيجية فيه‪.‬‬
‫إيران‪:‬‬
‫منذ قيام الثورة اإليرانية عام ‪1979‬م‪ ،‬والموقف الرسمي العربي ينظر إلى إيران على‬
‫باعتبارها خطرا أساسيا يهدد دول المنطقة‪ ،‬األمر الذي تراجع معه الخطر اإلسرائيلي‬
‫إلى خطر ثانوي‪ ،‬خاصة بعد االتفاقيات الثنائية التي نجحت إسرائيل في إبرامها مع‬
‫مصر واألردن‪ ،‬إال أن هذا الموقف الرسمي العربي كان دائما ما يواجه بمعارضة من‬
‫بعض النخب والقوى السياسية التي كانت ترى أن هذا الموقف العربي تجاه إيران‬
‫يتماهى مع الرؤية األمريكية التي ترى في إيران خطرا على مصالحها في الشرق‬
‫األوسط‪ .‬ومن ثم كانت تلك النخب تقاوم وبشدة الموقف الرسمي العربي الذي يعتبر‬
‫إسرائيل عدوا ثانويا‪ ،‬مقابل تصنيف إيران كعدو استراتيجي‪ ،‬وكانت ترى إمكانية‬
‫توظيف الموقف والتفوق اإليراني كنقطة توازن نووي مع إسرائيل على األقل‬
‫مرحليا‪ .‬إال أن المسلك اإليراني تجاه المنطقة خاصة بعد ما يسمى بثورات الربيع‬
‫العربي قد سلّط من جديد الضوء على طبيعة الدور اإليراني‪ ،‬وتراجعت معه فكرة‬
‫توظيف الدور اإليراني إلحداث حالة من التوازن مع إسرائيل‪ .‬وكانت إيران قد سعت‬
‫منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬إلى لعب أدوار إقليمية مؤثرة‪ ،‬والعمل على‬
‫ضمان جوار عربي في حالة من الضعف االستراتيجي‪ ،‬عبر تدخلها السافر في‬
‫الشؤون العربية خاصة في الجوار المباشر كالعراق ثم سوريا ولبنان عبر ذراعها‬
‫الشيعي فيها والموسوم بحزب هللا‪ .‬ومن ثم جاء اهتمام إيران بالمناطق المطلة على‬
‫البحر األحمر والقرن األفريقي على نحو خاص‪ ،‬سواء العتبارات متعلقة بالوجود‬
‫العسكري الغربي بمنطقة الخليج العربي‪ ،‬أو التنافس اإلقليمي مع المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ناهيك عن النفوذ اإليراني المتصاعد في اليمن صاحبة المدخل الجنوبي‬
‫للبحر األحمر‪ ،‬والمتمثل في الدعم اإليراني لجماعة الحوثيين في اليمن‪ ،‬والذي أسهم‬
‫في تقويض الدولة اليمينة ومنح إيران موطئ قدم في دولة مطلة على البحر األحمر‬
‫والسيطرة على مدخله الجنوبي من خالل السيطرة على خليج عدن ومضيق باب‬
‫المندب‪ .‬وعلى هذا دخلت اليمن مع من سبقها من الدول المطلة على البحر األحمر‬
‫مثل السودان وجيبوتي وأرتيريا في ركب الدول ذات االهتمام االستراتيجي إليران‪،‬‬
‫حيث سعت منذ منتصف التسعينات إلى تدعيم عالقتها بالسودان‪ ،‬وجعلها منطقة نفوذ‬
‫يمكن من خاللها االنطالق إلى أفريقيا‪ .‬وقد أثمرت المساعي اإليرانية إلى إيجاد حالة‬
‫تفاهم مشترك تمثلت في توقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين السودان وإيران في‬
‫ديسمبر عام ‪1991‬م‪ .‬من جانب آخر أولت إيران اهتماما خاصا بإرتيريا‪ ،‬لما تتميز به‬
‫من موقع جيوستراتيجي هام بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر األحمر‪ ،‬وبسبب‬

‫‪65‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫المشاكل االقتصادية التي تعاني منها أرتيريا‪ ،‬والشح اإلسرائيلي في تعامله معها‪ ،‬لجأ‬
‫الرئيس اإلرتيري أسياس أفورقي إلى إيران‪ ،‬حيث شهدت العالقات اإليرانية‬
‫اإلريترية أقصى حاالت المد عام ‪2008‬م‪ ،‬خاصة مع زيارة أفورقي إلى طهران‬
‫وإعالنه من هناك عن دعوة إيران إلى إقامة قواعد عسكرية في القرن األفريقي‪ .‬وفي‬
‫سبتمبر من نفس العام تم في أسمرة توقيع اتفاق بمنح إيران حقا حصريا لإلشراف‬
‫على تطوير وصيانة وعمل شركة تكرير النفط اإلرتيرية والمعروفة باسم مصفاة‬
‫عصب‪ ،‬وقد تطورت األمور بعد ذلك إلى تواجد قوات خاصة من الحرس الثوري في‬
‫ميناء عصب بحجة توفير الحماية لمصفاة النفط‪ ،‬وسريعا تطور األمر لتتمكن إيران‬
‫من بناء قاعدة عسكرية بحرية على البحر األحمر قرب ميناء عصب اإلرتيري‪،‬‬
‫وسمحت إرتيريا إليران بنصب صواريخ أرض جو في هذه القاعدة وحولها بالذريعة‬
‫ذاتها‪ ،‬وخالل أشهر قليلة تحول هذا الموقع االستراتيجي عند باب المندب وخليج عدن‬
‫إلى أكبر قاعدة بحرية إيرانية خارج مضيق هرمز‪ .‬وعمدت إيران من خالها إلى‬
‫إرسال شحنات أسلحة وذخائر وأموال إيرانية إلى الحوثيين عند اندالع الحرب‬
‫السادسة بين الحوثيين والحكومة اليمينة‪ .‬اما مع جيبوتي التي تتحكم بإحدى ضفتي‬
‫صرح بعدها قائد‬ ‫ّ‬ ‫باب المندب فقد شاركت إيران عام ‪2010‬م بمناورة بحرية‪،‬‬
‫البحرية اإليرانية‪ ،‬أن قادة في سالح البحرية الجيبوتي زاروا المؤسسات التابعة‬
‫للبحرية اإليرانية‪ ،‬وطالبوا بتعزيز عالقات بالدهم مع إيران خاصة تدريب الطالب‬
‫الجامعيين‪ ،‬والتعاون في صناعة وإنتاج المعدات الدفاعية‪ .‬وعلى ضوء ما سبق يمكن‬
‫القول أن بأن التواجد العسكري اإليراني في البحر األحمر يعكس استراتيجية إيرانية‬
‫طموحة ال تستهدف بعض الدول المطلة على البحر األحمر والقرن األفريقي وحسب‪،‬‬
‫بل توسيع نطاق تهديداتها إلى خارج منطقة الخليج‪ ،‬ونقل الحرب من مضيق هرمز‬
‫والخليج العربي‪ ،‬إلى جنوب البحر األحمر‪ ،‬حيث خليج عدن وباب المندب الممر‬
‫االستراتيجي والحيوي لناقالت النفط إلى الدول المستوردة للطاقة في أوروبا‬
‫والواليات المتحدة‪ ،‬والتأثير على حركة المالحة في السويس‪ .‬من جانب آخر يبدو أن‬
‫إيران تسعى إلى إبقاء المناطق والممرات البحرية في الشرق األوسط في حالة من‬
‫التوتر الدائم‪ ،‬حيث يؤدي ذلك إلى إعاقة حركة التجارة العالمية وعرقلة تدفق النفط‪،‬‬
‫وفي نفس الوقت تصبح الدول العربية في حالة هي أقرب إلى الحصار‪ .‬وعلى هذا فإن‬
‫إي محاولة لفهم مغزى التواجد اإليراني في البحر األحمر‪ ،‬تتطلب بالقطع قراءة‬
‫متأنية لجوهر االستراتيجية اإليرانية‪ ،‬فاالستراتيجية اإليرانية تعكس طموحات‬
‫توسعية كبيرة‪ ،‬وبينما أنشغل العالم بالبرنامج النووي اإليراني‪ ،‬قررت إيران الوصول‬
‫إلى مكاسب على جبهات أخرى‪ ،‬ومن ثم وضعت استراتيجية تهدف إلى نشر القوات‬
‫البحرية بكفاءة وسرعة قياسية على امتداد مثلث استراتيجي يمتد من مضيق هرمز‬
‫إلى البحر األحمر إلى مضيق ملقا‪ ،‬وبدأ جليا أن االستراتيجية اإليرانية الجديدة‪ ،‬تضع‬
‫‪66‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫قواتها البحرية كأحد أهم العناصر الفاعلة في أجندت السياسة الخارجية والطموح‬
‫اإليراني ( محمود‪2014 ،‬م ‪ .) 220 :‬إذن فإيران تعلم جيدا أن وجودها في البحر‬
‫األحمر يزيد من قوتها اإلقليمية‪ ،‬ويضاف إلى ذلك أن التواجد اإليراني قرب باب‬
‫المندب يعزز فعالية تهديدها بإغالق مضيق هرمز‪ ،‬وهو التهديد الذي طالما لوحت به‬
‫مع صدور كل قرار لمجلس األمن‪ ،‬أو مع بوادر أي مواجهة محتملة بين إيران ودول‬
‫المنطقة‪ .‬لكن هذه االستراتيجية اإليرانية نحو البحر األحمر لم تدم طويال‪ ،‬إذ كان ثمة‬
‫حدث قرع أجراس الخطر في المملكة العربية السعودية‪ ،‬اال وهو سيطرة الحوثيين‬
‫على معظم الشمال اليمني‪ ،‬وزحفهم نحو الجنوب صوب عدن ومضيق باب المندب‪،‬‬
‫وفتحهم أبواب البالد على مصراعيها للنفوذ اإليراني‪ .‬وجاء الرد السعودي في وقت‬
‫متأخر من مساء األربعاء الخامس والعشرين من مارس ‪2015‬م‪ ،‬حيث بدأت أسراب‬
‫من طائرات سالح الجو السعودي والتحالف العربي‪ ،‬قصف أهداف عسكرية محددة‬
‫في أنحاء اليمن‪ .‬وأُعلن عن العملية التي أُطلق عليها اسم "عاصفة الحزم"‪ ،‬بعد‬
‫انطالقها بساعات قليلة‪ ،‬في بيان رسمي من الرياض وعبر مؤتمر صحفي عقده‬
‫السفير السعودي في واشنطن إليضاح األساس القانوني للعملية وأهدافها‪ .‬أبدى‬
‫الشارع العربي ترحيبا واسعا بالعملية‪ ،‬حتى قبل أن تبدأ الدول العربية المختلفة في‬
‫اإلعراب عن الترحيب‪ ،‬والتأييد‪ ،‬وتوكيد الرغبة في االلتحاق بالجهد العسكري‪ ،‬أو‬
‫عن المعارضة والتحفظ‪ .‬وربما لم تقا ِبل خطوة سعودية منذ سنوات طويلة مثل هذا‬
‫الترحيب والحماس الشعبي العربي‪ ،‬هذا إضافة إلى التأييد الرسمي‪ ،‬الذي انعكس في‬
‫قرارات قمة شرم الشيخ العربية في الثامن والعشرين من شهر مارس ‪2015‬م‪ .‬خلف‬
‫هذا الترحيب والحماس ثمة شعور عربي متزايد بالضيق واإلهانة‪ ،‬رسَّبته سياسات‬
‫التوسع اإليراني الالمبالي‪ ،‬التي انتهزت فرصة القلق واالضطراب وفراغ القوة في‬
‫الجوار العربي‪ ،‬المصاحب النطالق وتعثر حركة الثورة والتغيير‪ .‬ما ضاعف من هذا‬
‫الشعور أن إيران اختارت الوقوف إلى جانب حركة الثورة المضادة ومحاولة إجهاض‬
‫أحالم التغيير واالنتقال الديمقراطي‪ .‬وبدا في كل الحاالت تقريبا أن خطوات إيران في‬
‫الجوار العربي تنذر باندالع صراعات طائفية‪ ،‬وحروب وانقسام داخليين (الجزيرة‬
‫للدراسات‪.)2 :2015 ،‬‬
‫النتائج‪:‬‬
‫‪ -1‬احتلت المناطق المطلة على البحر األحمر أهمية كبيرة على الصعيد العالمي‬
‫واإلقليمي‪ ،‬ألهميتها االستراتيجية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ .‬وبحكم كون البحر‬
‫األحمر طريقا بحريا استراتيجيا‪ ،‬فقد أصبح أحد بؤر الصراع الدولي‪ ،‬وجزئا‬
‫هاما من االستراتيجية العالمية‪ ،‬ما حفّز الدول الكبرى للسعي إلحكام السيطرة‬
‫عليه‪ ،‬وإيجاد موطئ قدم فيه‪ ،‬مما جعل لهذا الصراع والتدخل األجنبي في‬

‫‪67‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫المنطقة وثقافتها وحضارتها األثر الكبير في حساسية هذه المنطقة منذ األزل‪،‬‬
‫وستظل هذه األهمية االستراتيجية للبحر األحمر هي األساس كمحور للصراع‬
‫حوله‪.‬‬
‫‪ -2‬يعد تاريخ البحر األحمر اختزاال مثاليا لتاريخ العالقات الدولية‪ ،‬التي تقوم منذ‬
‫القدم على توازن القوى يبن الدول صاحبة النفوذ‪ ،‬وقد ترتب على ذلك مواقف‬
‫وسلوك انتهجته هذه الدول لتحقيق مطالبها بما في ذلك بسط سيطرتها ونفوذها‬
‫مما كان له أثره البالغ على المناطق المطلة على البحر األحمر‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫‪ -1‬إيجاد منظمة إقليمية تجمع الدول العربية المطلة على البحر األحمر (على شاكلة‬
‫دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي) تحت إطار مبادئ الجامعة العربية‪،‬‬
‫للعمل في المجاالت السياسية واالقتصادية والثقافية والعسكرية‪ ،‬بهدف التكامل‬
‫وتوحيد السياسات والرؤى بين الدول العربية المطلة على البحر األحمر‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تعمل الدول العربية المطلة على البحر األحمر على إبعاد المنطقة من‬
‫االستقطاب الدولي واإلقليمي‪ ،‬مهما كانت الظروف التي تدفعها لمثل هذا‬
‫االستقطاب‪ ،‬والسعي للقضاء على أي أطماع دولية وإقليمية تهدد األمن القومي‬
‫للدول العربية المطلة على البحر األحمر‪ .‬وأن تقوم الدول العربية المطلة على‬
‫البحر األحمر‪ ،‬بحماية أنفسها بشكل جماعي‪ ،‬وليس بشكل فردي‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة إيجاد حد أدنى من التنسيق والتعاون العربي المشترك بين الدول المطلة‬
‫على البحر األحمر في حال عدم إيجاد منظمة إقليمية تجمع الدول العربية المطلة‬
‫على البحر األحمر‪ ،‬ألن القواسم المشتركة بين الدول العربية أكثر بكثير من نقاط‬
‫الخالف‪.‬‬
‫‪ -4‬على كل من المملكة العربية السعودية‪ ،‬وجمهورية مصر العربية‪ ،‬بحكم وزنهما‬
‫الجيوستراتيجي بين الدول المطلة على البحر األحمر‪ ،‬مسؤولية كبيرة لتحقيق‬
‫التطلعات العربية في البحر األحمر‪ ،‬لما لها من مصالح هامة فيه‪ ،‬ولكي يصبح‬
‫وفاقها قاعدة لجمع وتقوية الدول العربية المطلة على البحر األحمر‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تقوم الدول العربية المطلة على البحر األحمر على إحداث تنسيق عسكري‪،‬‬
‫يتخذ من بعض جزر البحر األحمر قواعد متقدمة له للمراقبة وإظهار التضامن‬
‫العربي تجاه سالمة المالحة في مياه البحر األحمر‪ .‬مع وضع آلية للتعاون‬
‫العسكري للتعاون بين تلك الدول في وقت السلم والحرب‪ ،‬والعمل على تطوير‬
‫أساطيلها البحرية‪.‬‬
‫‪ -6‬زيادة التعاون االقتصادي بين موانئ الدول العربية المطلة على البحر األحمر‪،‬‬
‫وذلك بقيام شركات المالحة العربية باستحداث خطوط مالحية بين تلك الموانئ‪،‬‬
‫لزيادة حركة التجارة والسياحة‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫‪ -7‬العمل على بناء التكامل االقتصادي بين الدول العربية المطلة على البحر األحمر‪،‬‬
‫في ظل وجود مصادر الثروات الموجودة في تلك البلدان سواء الطبيعية أو‬
‫البشرية‪ ،‬مما يضع حجر قاعدة اقتصادية تكون أساسا لوضع إستراتيجية عربية‬
‫موحدة في جميع المجاالت األمنية والعسكرية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -8‬ثمة فجوة كبيرة في ميزان القوى بين إسرائيل وبين الدول العربية المطلة على‬
‫البحر األحمر‪ ،‬بالنظر إلى التطور الكبير الذي أحدثته إسرائيل في مجال‬
‫الصناعات الحربية والتقنية‪ ،‬إضافة إلى مشاريع التعاون االستراتيجي بينها وبين‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬والدعم الغربي عموما‪ ،‬فإن تحقيق توازن قوى‬
‫عربي مع إسرائيل لم يعد واردا في المستقبل المنظور‪ ،‬وأي محاولة للدخول في‬
‫سباق تسلح يعني إرهاق الميزانيات العربية المرهقة أصال‪ ،‬واحداث المزيد من‬
‫االضطراب االجتماعي‪ ،‬والحل يمكن في الضغط من أجل سالم عربي إسرائيلي‬
‫عادل‪ ،‬بناء على المبادرة التي قدمها الملك عبدهللا بن عبدالعزيز لجامعة الدول‬
‫العربية‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫المراجع والمصادر‪:‬‬
‫‪ -‬أباظة‪ ،‬فاروق عثمان‪1976( ،‬م)‪ ،‬عدن والسياسة البريطانية في البحر األحمر‪،‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬عبد الرزاق بن سليمان‪2001( ،‬م)‪ ،‬البحار السعودية مناطق السيادة‬
‫والموارد الطبيعية‪ ،‬مجلة جامعة الملك عبد العزيز‪ -‬اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫مجلد‪ ،11‬ص ص ‪.330-257‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬عبدالرزاق بن سليمان‪2003( ،‬م)‪ ،‬الحدود السعودية اليمنية التطورات‬
‫والحل النهائي‪ ،‬مجلة العلوم االجتماعية‪ ،‬مجلد‪ ،31‬عدد ‪ ،3‬ص ص ‪.579-533‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬عبدالرزاق بن سليمان‪2003( ،‬م)‪ ،‬نظرية الحدود الدولية وسياساتها في‬
‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية واالجتماعية‬
‫واالنسانية‪ ،‬مجلد‪ ،15‬عدد‪ ،2‬ص ص ‪.235-179‬‬
‫‪ -‬أبو عيانة‪ ،‬فتحي محمد‪1983( ،‬م)‪ ،‬دراسات في الجغرافيا السياسية‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد‪ ،‬يوسف‪1980( ،‬م)‪ ،‬سياسات البحر األحمر والعالقات العربية االفريقية‪،‬‬
‫مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد (‪ ،)59‬مؤسسة األهرام‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬األصبحي‪ ،‬أحمد‪1996( ،‬م)‪ ،‬إطاللة على البحر األحمر والنزاع اليمني‬
‫األريتيري‪ ،‬دار البشير‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬األعور‪ ،‬محمد‪1993( ،‬م)‪ ،‬الجغرافيا السياسية للمحيطات‪ ،‬مكتبة الفالح للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬األغبري‪ ،‬أكرم عبدالملك‪1998( ،‬م)‪ ،‬أهمية البحر األحمر في عالقة الجمهورية‬
‫اليمنية بدول مجلس التعاون الخليجي‪ ،‬دار الثوابت‪ ،‬صنعاء‪ ،‬الجمهورية العربية‬
‫اليمنية‪.‬‬
‫‪ -‬آل سعود‪ ،‬فهد بن سعود‪1990( ،‬م)‪ ،‬األهمية االستراتيجية لخليج العقبة من‬
‫‪1948‬م إلى ‪1987‬م‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬قسم الجغرافيا‪ ،‬جامعة الملك‬
‫سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬البرصان‪ ،‬أحمد‪ ،‬وآخرون‪2001( ،‬م)‪ ،‬األمن القومي العربي في منطقة البحر‬
‫األحمر‪ ،‬مركز دراسات الشرق األوسط‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -‬بريك‪ ،‬أحمد محمد‪2001( ،‬م)‪ ،‬اليمن والتنافس الدولي في البحر األحمر ‪-1869‬‬
‫‪1914‬م‪ ،‬دار الثقافة العربية‪ ،‬الشارقة‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫‪ -‬جرادات‪ ،‬وليد محمد‪1986( ،‬م)‪ ،‬األهمية االستراتيجية للبحر األحمر بين‬
‫الماضي والحاضر‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫الحريري‪ ،‬محمد مرسي‪1993( ،‬م)‪ ،‬دراسات الجغرافيا السياسية‪ ،‬دار المعرفة‬ ‫‪-‬‬
‫الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪.‬‬
‫حسن‪ ،‬إبراهيم محمد‪1998( ،‬م)‪ ،‬البحر األحمر في الحرب العالمية األولى‪ ،‬عين‬ ‫‪-‬‬
‫للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫حسن‪ ،‬يوسف فضل‪1983( ،‬م)‪ ،‬الصراع حول البحر األحمر منذ أقدم العصور‬ ‫‪-‬‬
‫حتى القرن الثامن عشر‪ ،‬مجلة دارة الملك عبدالعزيز‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫الحمراني‪ ،‬أحمد بن غرم هللا‪1995( ،‬م)‪ ،‬التنافس الدولي في منطقة جنوب البحر‬ ‫‪-‬‬
‫األحمر‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫خير‪ ،‬صفوح‪1990( .‬م)‪ ،‬البحث الجغرافي مناهجه وأساليبه‪ ،‬دار المريخ للنشر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫الدوسري‪ ،‬تركي بن حمد‪2008( ،‬م)‪ ،‬دور المملكة العربية السعودية في أمن‬ ‫‪-‬‬
‫البحر األحمر‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬الجامعة‬
‫األردنية‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫الديب‪ ،‬محمد محمود‪1989( ،‬م)‪ ،‬الجغرافيا السياسية أسس وتطبيقات‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪-‬‬
‫األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫رفعت‪ ،‬سعيد‪2009( ،‬م)‪ ،‬القوى اإلقليمية غير العربية وسياسات الهيمنة على‬ ‫‪-‬‬
‫المنطقة‪ ،‬العدد ‪ ،140‬مجلة شؤون عربية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫سالم‪ ،‬السيّد عبدالعزيز‪1993( ،‬م)‪ ،‬البحر األحمر في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-‬‬
‫شباب الجامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫سعدون‪ ،‬شوكت‪2007( ،‬م)‪ ،‬عناصر قوة الدولة اإلستراتيجي النظري والتطبيقي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫دار ورد األردنية للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫سالمة‪ ،‬جمال‪2009( ،‬م)‪ ،‬األبعاد الدولية لمشكلة القرصنة وتأثيرها على أمن‬ ‫‪-‬‬
‫البحر األحمر‪ ،‬مجلة دراسات شرق أوسطية‪ ،‬العدد (‪ ،)48‬المؤسسة األردنية‬
‫للبحوث والمعلومات‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫السلطان‪ ،‬عبدهللا بن عبدالمحسن‪2000( ،‬م)‪ ،‬البحر األحمر والصراع العربي‬ ‫‪-‬‬
‫اإلسرائيلي التنافس بين استراتيجيتين‪ ،‬رسالة دكتوراه منشورة‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫سلمى‪ ،‬جالل‪2015( ،‬م)‪ ،‬أهمية البحار والقوات البحرية التركية‪ ،‬ترك برس‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫تركيا‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫الس ّماك‪ ،‬محمد أزهر‪1989( ،‬م)‪ ،‬الوزن الجيبوليتيكي لدول البحر األحمر‬ ‫‪-‬‬
‫العربية‪ ،‬سلسلة رسائل جغرافية‪ ،‬العدد ‪ ،121‬الجمعية الجغرافية الكويتية‪،‬‬
‫الكويت‪.‬‬
‫الس ّماك‪ ،‬محمد أزهر‪1998( ،‬م)‪ ،‬الجغرافيا السياسية المعاصرة‪ ،‬دار األمل للنشر‬ ‫‪-‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬أربد‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫سيان‪ ،‬سيروان عارب‪2013( ،‬م)‪ ،‬االنعكاسات الجغرافية السياسية لمشكلة التبعية‬ ‫‪-‬‬
‫االقتصادية على األمن اإلقليمي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي‪ ،‬دار‬
‫صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫الشجاع‪ ،‬أحمد‪1430( ،‬هـ)‪ ،‬البحر األحمر في العقيدة والسياسة الصهيونية‪ ،‬مجلة‬ ‫‪-‬‬
‫البيان‪ ،‬العدد (‪ ،)267‬المنتدى اإلسالمي‪ ،‬لندن‪.‬‬
‫الطحاوي‪ ،‬حاتم‪2011( ،‬م)‪ ،‬الجغرافيا التاريخية للبحر األحمر قبل اإلسالم‪ ،‬مجلة‬ ‫‪-‬‬
‫التفاهم‪ ،‬العدد ‪ ،33‬وزارة األوقاف والشؤون الدينية‪ ،‬سلطنة عمان‪.‬‬
‫الطيار‪ ،‬بسمة‪ ،)1423( ،‬التحليل الجيوستراتيجي للدول المطلة على الخليج‬ ‫‪-‬‬
‫العربي‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬قسم الجغرافيا‪ ،‬جامعة الملك سعود‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫العبادي‪ ،‬محمد أحمد‪2006( ،‬م)‪ ،‬األهمية الجيوبوليتيكية الجيوستراتيجية للبحر‬ ‫‪-‬‬
‫األحمر‪ ،‬عدد‪ ،65‬مجلة آداب البصرة‪ ،‬جامعة البصرة‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫عبد الكافي‪ ،‬إسماعيل‪2012( ،‬م)‪ ،‬أسس ومجاالت العلوم السياسية‪ ،‬مركز‬ ‫‪-‬‬
‫االسكندرية للكتاب‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪.‬‬
‫عبدالكريم‪ ،‬أحمد‪1980( ،‬م)‪ ،‬البحر األحمر في التاريخ والسياسة الدولية‬ ‫‪-‬‬
‫المعاصرة‪ ،‬سمنار الدراسات العليا‪ ،‬جامعة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫عبدهللا‪ ،‬آدم‪2012( ،‬م)‪ ،‬القرصنة قبالة سواحل الصومال وانعكاساتها على‬ ‫‪-‬‬
‫المالحة في البحر األحمر‪ ،‬كلية العلوم االستراتيجية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم‬
‫األمنية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬معتصم‪1998( ،‬م)‪ ،‬استراتيجية الدول الكبرى في البحر األحمر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫مركز الدراسات االستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫عبدربه‪ ،‬سعد زغلول‪1981( ،‬م)‪ ،‬البرتغاليون والبحر األحمر‪ ،‬العدد‪ ،2‬مجلة‬ ‫‪-‬‬
‫دارة الملك عبدالعزيز‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫العقيلي‪ ،‬نعمان‪2001( ،‬م)‪ ،‬المياه العربية وتحديات المستقبل‪ ،‬العدد ‪ ،55‬مجلة‬ ‫‪-‬‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬العراق‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫تـ ـــ‬
‫اجمللد الثاني ‪ -‬العدد ( ‪ ) 2‬أبريل ‪2019‬‬ ‫اجمللة العربية ألخالقيات املياه‬

‫العلكيم‪ ،‬حسن‪1995( ،‬م)‪ ،‬أزمة المياه في الوطن العربي والحرب المحتملة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫العدد‪ ،3‬مجلة العلوم االجتماعية‪ ،‬جامعة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬اإلمارات‬
‫العربية المتحدة‪.‬‬
‫عميدور‪ ،‬يعقوب‪2010( ،‬م) ‪ ،‬إسرائيل ومواجهة الوجود العسكري اإليراني في‬ ‫‪-‬‬
‫البحر األحمر‪ ،‬معهد أبحاث األمن القومي‪ ،‬ترجمة مركز الناطور للدراسات‬
‫واالبحاث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫العيسى‪ ،‬جميلة‪2001( ،‬م)‪ ،‬الصراع البريطاني الفرنسي حول البحر األحمر‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ،1869 -1798‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫غنيم‪ ،‬عبدالحميد‪1987( ،‬م)‪ ،‬الجغرافيا السياسية والعالقات الدولية‪ ،‬مكتبة األنجلو‬ ‫‪-‬‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫الفقي‪ ،‬إبراهيم محمد علي‪1418( ،‬هـ)‪ ،‬جيوستراتيجية تقسيم مياه نهر النيل بين‬ ‫‪-‬‬
‫دول حوضه دراسة في الجغرافيا السياسية‪ ،‬رسالة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬قسم‬
‫الجغرافيا‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫الفقي‪ ،‬ابراهيم‪1428( ،‬هـ)‪ ،‬الجغرافيا السياسية‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قايد‪ ،‬طارق عبدهللا‪2000( ،‬م)‪ ،‬الجزر الجنوبية للبحر األحمر وانعكاساتها على‬ ‫‪-‬‬
‫مستقبل األمن القومي العربي‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬الجامعة‬
‫المستنصرية‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫القحطاني‪ ،‬سلطان‪1419( ،‬هـ)‪ ،‬األهمية الجيوستراتيجية لمضيق باب المندب‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫قدورة‪ ،‬عماد‪1994( ،‬م)‪ ،‬نحو أمن عربي للبحر األحمر‪ ،‬سلسلة دراسات‬ ‫‪-‬‬
‫استراتيجية‪ ،‬العدد‪ ،22‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪،‬‬
‫االمارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫القرزوح‪ ،‬سلطان‪1432( ،‬هـ)‪ ،‬المقومات الجيوستراتيجية وأثرها في السياسة‬ ‫‪-‬‬
‫الخارجية للجمهورية العربية السورية‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة‬
‫الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫القسومي‪ ،‬صالح‪1420( ،‬هـ)‪ ،‬األهمية الجيوستراتيجية للملكة العربية السعودية‬ ‫‪-‬‬
‫في مجلس التعاون لدول الخليج العربية‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة‬
‫الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫محمد‪ ،‬آمال ابراهيم‪1993( ،‬م)‪ ،‬الصراع الدولي حول البحر األحمر في النصف‬ ‫‪-‬‬
‫الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث اليمني‪ ،‬صنعاء‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Doi 10.12816/ajwe.2019.126139‬‬ ‫زياد حسني النهدي‬

‫‪ -‬محمود‪ ،‬توفيق‪1403( ،‬ه)‪ ،‬المدخل الجنوبي للبحر األحمر دراسة في الجغرافيا‬


‫السياسية والجيوبوليتكس‪ ،‬دار المريخ‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬محمود‪ ،‬صالح رمضان‪1986( ،‬م)‪ ،‬الصراع البرتغالي في اليمن ‪-1517‬‬
‫‪1538‬م‪ ،‬العدد ‪ ،47‬مجلة دراسات الخليج العربي والجزيرة العربية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -‬محمود‪ ،‬منى أحمد‪2014( ،‬م)‪ ،‬التواجد اإلسرائيلي واإليراني في البحر األحمر‬
‫وتأثيره على األمن العربي‪ ،‬العدد ‪ ،2‬مجلة البحوث اإلدارية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مرشد‪ ،‬عبلة عبدالجليل‪1985( ،‬م)‪ ،‬أهمية الموقع الجغرافي للبحر األحمر المدخل‬
‫الجنوبي‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬قسم الجغرافيا‪ ،‬كلية التربية للبنات‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫‪ -‬مركز الجزيرة للدراسات‪2015( ،‬م)‪ ،‬عاصفة الحزم إعادة ترتيب األوراق‬
‫اإلقليمية‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬قطر‪.‬‬
‫‪ -‬مسعد‪ ،‬نيفين‪1997( ،‬م)‪ ،‬االستراتيجية اإلسرائيلية تجاه البحر األحمر بين‬
‫االستمرارية والتغير‪ ،‬رسالة ماجستير منشورة‪ ،‬معهد البحوث والدراسات‬
‫العربية‪ ،‬جامعة الدول العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المعيني‪ ،‬خالد‪2009( ،‬م)‪ ،‬الصراع الدولي بعد الحرب الباردة‪ ،‬دار كيوان‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫‪ -‬منهل‪ ،‬علي عجيل‪1980( ،‬م)‪ ،‬البحر األحمر وجزره أهميته السياسية‬
‫واالقتصادية والعسكرية للوطن العربي‪ ،‬مركز دراسات الخليج العربي‪ ،‬جامعة‬
‫البصرة‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫‪ -‬الموعد‪ ،‬سعيد بن حمد‪1999( ،‬م)‪ ،‬أمن الممرات المائية العربية‪ ،‬اتحاد الكتاب‬
‫العرب‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬النصيان‪ ،‬عبدالرحمن بن سليمان‪1434( ،‬هـ)‪ ،‬أثر العوامل الجيوسياسية في‬
‫ترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية خالل الفترة من‬
‫عام ‪1411‬ه إلى عام ‪ 1421‬ه‪ ،‬رسالة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬جامعة اإلمام محمد‬
‫بن سعود اإلسالمية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -‬الهاللي‪ ،‬هالة‪2014( ،‬م)‪ ،‬محاضرات في الجغرافيا السياسية‪ ،‬جامعة ستة‬
‫أكتوبر‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬يسري‪ ،‬عبدالرحمن‪1995( ،‬م)‪ ،‬قضايا اقتصادية مصرية معاصرة‪ ،‬قسم‬
‫االقتصاد‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬جمهورية مصر‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪-Lefebvre، Jeffrey، (1998)، Red Sea Security and the‬‬
‫‪Geopolitical-Economy of the Hanish Islands Dispute، The‬‬
‫‪Middle East Journal، Vol. 52، No. 3.‬‬
‫‪74‬‬
‫تـ ـــ‬

You might also like