االفصل الأول المبحث الثاني المطلب الأول

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 7

‫المبحث الثاني ‪ :‬عوائق تطبيق الطرق العلمية الحديثة إلثبات النسب‬

‫رغم التكريس القانوني إلمكانية إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة وخاصة القانون ‪16/03‬‬
‫والخاصة بالبصمة الوراثية وشروط وكيفية استعماليها في الفصل الثاني من القانون السالف‬
‫الذكر فإن إعمال القضاء لتلك الضروف ال بحول دون وجود عقبات وعوائق قد تؤدي إلى عدم‬
‫تكريسها عمليا ومنها بالخصوص ‪ ،‬فإن تعاون الخصوم على إظهار الحقيقة لن يحدث في غالب‬
‫األحيان إن لم يكن بطريقة تلقائية ولذا فإنه من المتوقع أن يثير الخصم بعض العقبات التي‬
‫‪1.‬يحاول من خاللها اإلفالت من الحضور االختبارات الوراثة وال سيما عندما يكون سيء النية‬

‫وسنتناول من خالل هاذ المبحث وفق مطلبين أحدهما العوائق القانونية واألخر العوائق‬
‫‪ .‬المادية‬

‫المطلب األول‪ :‬العوائق القانونية‬


‫يقصد بها الثغرات القانونية التي يمكن أن يستغلها الخصم للتهرب من االختبارات الوراثية ‪،‬‬
‫فمن هذه العوائق حرمة الحياة الخاصة واحترام السالمة الجسدية وعدم إجبار الشخص على‬
‫‪ .‬تقديم دليل ضد نفسه‬

‫الفرع األول ‪ :‬عدم المساس بمبدأ حرمة الجسد‬


‫لقد تطورت نظرة المجتمعات والشعوب إذ أصبحت كرامة اإلنسان من إشغاالتها ألرئيسية‬
‫حيث انه بعد إلغاء نظام الرق وتجريم عقوبة األعمال الشاقة والتعذيب بمختلف أنواعه وتجريم‬
‫مثل هذه األعمال من السلوكيات ‪ ،‬ظهرت مبادرة جديدة لتعزيز كرامة اإلنسان ‪ ،‬منها إلغاء‬
‫عقوبة اإلعدام واستبدال إجراء الحبس االحتياطي بالمراقبة ألقضائية ‪ ،‬وتحسين ظروف اإلقامة‬
‫‪2‬في المؤسسات العقابية وتوفير وسائل التربية‪ .....‬إلخ‬

‫كما أصبحت الشعوب تعمل كذلك على صيانة كرامة اإلنسان من بعض المخاطر الناتجة عن‬
‫التقدم العلمي ‪ ،‬كعملية استبدال األنسجة واألجهزة البشرية وعملية االستنساخ وكل ما يمس‬
‫السالمة الجسدية ألشخاص وقد تجسدت هذه االنشغاالت في توفير الحماية القانونية الالزمة‬
‫بحيث أصبحت السالمة الجسدية للشخص حقا من حقوق اإلنسان العالمية‪.‬‬
‫لقد عبرت الجماعات الدولية الممثلة في األمم المتحدة ومؤتمراتها عن قلقها إزاء المنجزات‬
‫العلمية والتقنية الحديثة ‪ ،‬التي تولد مشاكل اجتماعية وتعرض للخطر الحقوق المدنية والسياسية‬
‫للفرد والجماعة وتتجاوز اعتبارات تتعلق بالكرامة اإلنسانية ‪ ،‬ولقد أوصت األمم المتحدة على‬
‫‪3.‬اتخاذ تدابير فعالة لكفالة استخدام التقدم العلمي والتكنولوجي في تأكيد حقوق اإلنسان وحرياته‬

‫‪1‬‬
‫بلحاج العربي ‪ ،‬الوجيز في شرح قانون األسرة وفق أخر التعديالت ومدعم بأحدث اجتهادات العليا ج ‪1‬‬
‫‪،1‬أحكام الزواج‪،‬ط‪، 4‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ 2010 ،‬ص ‪405‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد عبد الدايم ‪،‬أعضاء جسم اإلنسان ضمن التعامل القانوني ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،‬بيروت ‪2 ،‬‬
‫لبنان ‪ ،1999 ،‬ص‪52‬‬
‫‪3‬‬
‫إثبات النسب بالطرق العلمية البيولوجية الحديثة في القانون الجزائري ‪ ،‬القانون الشامل‪ ،‬بحث منشور على ‪1‬‬
‫الموقع ‪ ،‬دون ذكر اإلسم‪ ،‬البصمة الوراثية من المنظور اإلسالمي سنة ‪ 2003‬ص ‪56‬‬
‫لم يتخلف المشرع الجزائري عن مواكبة التطور الحاصل في المجتمع الدولي حيث كرس‬
‫الدستور حقوق اإلنسان ال سيما من خالل المادة ‪ 34‬التي نصت على انه ‪ " :‬يعاقب القانون‬
‫على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق والحريات وكل ما يمس بسالمة اإلنسان " ‪ . 1‬والمادة‬
‫‪ 37‬التي نصت على انه ‪ " :‬ال يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة ‪ ،‬وحرمة شرفه ‪،‬‬
‫ويحميها القانون"‪ .2‬وكذلك نص المادة الثالثة من ق رقم ( ‪ )16-03‬والتي نصت على ما يلي ‪:‬‬
‫" يتعين أثناء مختلف المراحل أخذ العينات البيولوجية واستعمال البصمة الوراثية ‪ ،‬احترام‬
‫كرامة األشخاص وحرمة حياتهم الخاصة وحماية معطياتهم الشخصية ‪ ،‬وفقا ألحكام هذا‬
‫‪3‬‬
‫القانون والتشريع الساري المفعول ‪".‬‬
‫من خالل ما تقدم يتضح أن هناك تعارض بين حقين أولهما يتمثل في حق المجتمع في الوصول‬
‫إلى الحقيقة والثاني هو حق اإلنسان في صيانة أسرار حياته الخاصة خاصة ‪ ،‬إذا كان األمر‬
‫يتعلق بتحليل فصائل الدم التي تتطلب عملية إجرائها نوع من التدخل على جسم اإلنساني عن‬
‫‪ .‬طريق سحب بعض من الدم المعني باستخدام أجهزة معينة‬

‫من هنا يطرح السؤال ‪ :‬إلى أي مدى ينحني مبدأ معصومية الجسد امام حماية قيمة أخرى ال‬
‫تقل أهمية وهي مسألة النسب ؟ او بعبارة أخرى إلى أي مدى يمكن للفحص أن يشكل تدخال في‬
‫الحياة الخاصة للفرد التي يميها الدستور؟‬

‫الشك أن اإلجبار على الخضوع للفحص الطبي يعد نوعا من االعتداء على مبدأ حرمة الجسد‬
‫والذي يمثل إحدى القيم العليا ألي مجتمع متحضر‪ .‬ولكن أال يتضمن رفض الخضوع لهذا‬
‫الفحص باسم مبدأ حرمة الجسد تعديا شديدا على حقوق ذات أهمية ال تقل على مبدأ حرمة‬
‫الجسد ؟‪ .‬فحق الطفل في النسب من أهم الحقوق التي كفلتها الشريعة اإلسالمية وأوجبت رعايتها‬
‫‪ .‬والحفاظ عليها‬

‫لذلك يجوز إجبار الشخص للخضوع للفحص الطبي من أجل إثبات النسب أو نفيه رغم أن‬
‫هذا مساس بحرمة الجسد وكرامة اإلنسان ‪ ،‬إلى أن هذا المساس يكون لغايات أسمى يسعى إليها‬
‫المشرع ‪،‬وهي حفظ األنساب ومنعها من االختالط ‪ ،‬وبهذا يرفع التعارض بين البصمة الوراثية‬
‫‪.‬ومبدأ معصومية الجسد‬

‫إذا كان هناك سيء من التعارض بين المصلحة العامة للمجتمع ‪ ،‬في أن يكون لكل طفل أب‬
‫يقوم على تربيته ‪ ،‬وبين المصلحة الشخصية وهيا صيانة معصومية الجسد فإن غالبية الفقه‬
‫القانوني يرجح المصلحة العامة على حساب حق اإلنسان على جسده ‪ ،‬وهذا الترجيح له‬
‫اعتبارات أشارت إليه محكمة ليل الفرنسية في حكمها الصادر ‪ ،1947‬بخصوص منازعة‬
‫زوجين حول إثبات بنوة ابن لهما ‪ ،‬حيث يستخلص من وقائع القضية أن زوج المدعى التمس‬
‫من المحكمة تعيين خبير لفحص عينة من دمه ودم االم والطفل قصد التحقق من نسب االبن ‪،‬‬
‫في حين أن الزوجة رفضت ذلك ‪،‬مرتكزة في دفاعها على مخافة اإلجراء المطلوب لمبدأ الحرية‬

‫‪1‬‬
‫دستور ‪ 28‬نوفمبر‪ 1996‬المعدل والمتمم لدستور‪ 23‬فبراير ‪ ،1989‬ج‪.‬ر‪ ،‬ع ‪ 94‬لسنة ‪1976‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‬
‫‪3‬‬
‫ق رقم ‪ 03-16‬مؤرخ في ‪ 14‬رمضان عام ‪ 1473‬الموافق ل ‪ 19‬يونيو سنة ‪ 2016‬يتعلق باستعمال ‪4‬‬
‫البصمة الوراثية في اإلجراءات القضائية والتعرف على األشخاص‬
‫الشخصية ومبدأ معصومية الجسد ‪،‬إال ان المحكمة أمرت بإخضاع المدعي عليها اإلجراء‬
‫‪1.‬الفحص الطبي‬

‫ومن بين االعتبارات التي ذكرتها المحكمة ‪ ،‬انه ال يمكن التذرع بمبدأ معصومية الجسد‬
‫للحيلولة دون إجراء تلك الفحوص ‪ ،‬كما أن للقضاء أن يستخدم الوسائل التي يعتقد انها مناسبة‬
‫‪ .‬إلظهار الحقيقة ‪ ،‬ومنها وسيلة للفحص العلمي‬

‫وهذا ‪ ،‬لقد رجحت بعض التشريعات حق الطفل في معرفة أصوله على حق الشخص في‬
‫سالمة الجسدية ‪،‬كالمشرع األلماني حيث تلزم المادة ‪ 37‬من قانون أصول المحاكمات‬
‫األلمانية ‪ ،‬كل شخص وليس فقط األطراف في الدعوى أن يقبل الخضوع ألي اختبار بيولوجي‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬‬

‫ويضيف دكتور زقاوي‪ .‬ان الحق في سالمة الجسدية انها مصلحة المجتمع أو الفرد التي‬
‫ينظمها الشارع ‪ ،‬ويحميها في أن تسير الوظائف الحيوية في الجسد على نحو طبيعي وفي ان‬
‫‪ .‬يحتفظ بتكامله وأن يتحرر من اآلالم البدنية‬

‫وعليه البد من الحصول على موافقة من يخضع للطرق العلمية إلثبات النسب ‪ ،‬ألن ذلك يمس‬
‫‪3.‬بحرمة الجسد البشري والحق في سالمة الجسدية‬

‫‪:‬فكان البد من احترام الشروط وضوابط عند اللجوء الستعمال الطرق العلمية منها‬

‫ــ ان تكون هناك ضرورة عند التقاضي يتطلب إجراء تحاليل علمية‬

‫ــ أال يشكل ذلك أي ضرر بجسد الخاضع له‬

‫ومنه يمكن الخروج على مبدأ المساس بسالمة الجسد عند موافقة السلطات المختصة من اجل‬
‫تحقيق المصلحة العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة تطبيقا لقاعدة تحمل الضرر الخاص‬
‫لدفع الضرر العام ‪ ،‬كما انه من باب أخر يحق لألطراف مطلق الحرية في رفض الخضوع‬
‫‪ .‬للفحص أو الطعن في نتائجه إما بالتزوير او الخطأ بطلب خبرة مضادة‬

‫وهذه الضمانات القانونية شرعت لغلق باب المشاكل الناجمة عند اللجوء إلى هذا الدليل العلمي‬
‫بغية إظهار الحقيقة البيولوجية في قضايا ومنازعات النسب المتعددة مما يسمح للقاضي عند‬
‫االقتضاء‪ ،‬أن يكره الشخص للخضوع لها من أجل مصلحة الشخص والطفل معا لمعرفة‬
‫‪ 4.‬اصوله البيولوجية ولمصلحة العادلة‬
‫‪1‬‬
‫محمد أبو زيد ‪ ،‬دور التقدم البيولوجي في إثبات النسب ‪،‬م الحقوق ‪ ،‬الكويت‪ ،‬ع‪ ، 1‬السنة ‪ ، 20‬مارس ‪1‬‬
‫‪ ،1996 .‬ص‪76‬‬
‫‪2‬‬
‫برزوق عالل أمال‪ 2015-2014 .‬أحكام النسب بين القانون الجزائري والقانون الفرنسي ‪ ،‬أطروحة لنيل ‪2‬‬
‫شهادة دكتوراه في القانون الخاص ‪ ،‬تلمسان ‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد ‪ ،‬ص‪390‬‬
‫حميد زقاوي عقد اثبات النسب بالبصمة الوراثية ‪ ،‬العدد الثالث مجلة الدراسات القانونية المقارنة ‪ ،‬سنة ‪3‬‬
‫‪، 2016‬ص‪99‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫شرفي نصيرة ‪ .‬اثبات النسب في القانون الجزائري ‪،‬مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في القانون ‪،‬تخصص ‪1‬‬
‫عقود ومسؤولية ‪ ،‬البويرة ‪ ،‬جامعة أكلي محند اولحاج ‪ ،‬ص‪47‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬عدم جواز اجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه‬
‫يعتبر مبدأ عدم جواز إلزام الشخص على تقديم دليل ضد نفسه ‪ ،‬من أهم المبادئ التي أخذ‬
‫بها المشرع الجزائري في اإلثبات ‪ ،‬ويقصد بهذا المبدأ أنه إذا كان لدى أحد طرفي الخصوم‬
‫دليل يفيد خصمه فال يجوز إجباره على تقديم هذا الدليل ‪ ،‬ألنه من حق كل خصم أن يحتفظ‬
‫‪.‬بأوراقه الخاصة ‪ ،‬وليس لخصمه أن يلزمه بتقديم دليل يملكه وال يريد تقديمه‬

‫هذا التصور يتماشى مع مبدأ حياد القاضي ‪ ،‬ذلك المبدأ الذي يجعل موقف القاضي سلبيا هو‬
‫االخر ‪ ،‬فال إلزام عليه بتكليف الخصوم بتقديم الدليل على دفاعهم ‪ ،‬أو لفت نظرهم إلى‬
‫مقتضيات هذا الدفاع ‪ ،‬فهو يتلقى أدلة اإلثبات والنفي كما يقدمها أصحاب الخصومة وفقا‬
‫‪ 1.‬إلجراءات التي يضعها القانون ‪ ،‬دون تدخل من جانبه‬

‫فكل التشريعات الدول تكرس المبدأ بعدم جواز إجبار الشخص على تقديم ضد نفسه ــ من‬
‫حيث األصل ــ مهما كان هذا الدليل قاطعا ومنتجا في الدعوى ‪ ،‬غير أنه في حالة إثبات النسب‬
‫يجوز التدخل على جسم المتهم مما قد يمثل اعتداء على الحرية الشخصية ‪ ،‬إذ يستطيع الشخص‬
‫الخاضع للفحص بالطرق العلمية الرفض واالمتثال لتحاليل البصمة الوراثية ‪ ،‬إذا ما كانت له‬
‫أسباب معقولة تبرر رفضه هذا ‪ .‬وقد يجبر المتهم على الخضوع لهذه االختبارات من أجل‬
‫الوصول إلى الحقيقة ‪ ،‬حتى ولو أكره المتهم عليها في حال رفضه ذلك طواعية ‪ ،‬ويكون‬
‫خضوعه من قبل طبيب مختص أو بناء على قرار من النيابة العامة أو قاضي التحقيق مع توافر‬
‫‪2.‬أدلة كافية الرتكابه جناية أو جنحة‬

‫إن األخذ بالطرق العلمية يعتبر انتهاكا لهذا المبدأ ‪ ،‬ذلك ألنها تقوم بإجبار األب أو األم على‬
‫الخضوع لفحص الحامض النووي أو أخذ بصمات معينة أو تحليل فصيلة الدم وغيرها ‪ ،‬وهاذ‬
‫‪ .‬يعد إجبارا وإلزاما للشخص على تقديم دليل ضد نفسه ‪ ،‬وهو ما يجعله دليال باطال‬

‫الواقع أن اتجاها حديثا يرفض التصور السابق ‪ ،‬ويرى أن على الخصوم التزاما بالمشاركة‬
‫‪ 3.‬وبالمعاونة في اإلثبات‬

‫إن نقطة البداية في هاذ االتجاه الحديث هي التمييز بين عبئ اإلثبات وعبئ إقامة الدليل ‪.‬‬
‫فبخصوص عبئ اإلثبات‪ ،‬فالمقصود به العبء السلبي لإلثبات بمعنى عبئ خطر أو تبعة اإلثبات‬
‫وهذا ما يتحمله طرف واحد فقط ‪،‬وهو المدعي بخالف الظاهر أصال أو عرضا او فرضا‬
‫والذي لم يستطع ان يثبت صحة ادعاءاته ‪ ،‬أما بخصوص عبء إقامة الدليل فيقصد به العبء‬
‫االيجابي لإلثبات ‪ ،‬بمعنى عبء تقديم األدلة التي تساعد في الكشف عن الحقيقة ‪ ،‬وهذا العبء‬

‫‪1‬‬
‫محمود عبد الدايم ‪ ،‬البصمة الوراثية ومدى حجيتها في اإلثبات دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي والقانون ‪2‬‬
‫الوضعي ‪ ،‬ديوان الوطني المطبوعات الجامعية ‪ ،2011‬الجزائر ص‪89‬‬
‫‪2‬‬
‫أمزيان راضية ‪ ،‬إثبات النسب بالطرق العلمية في القانون الجزائري وإشكاليته ‪ ،‬مجلة اإلنسان قسنطينة ‪3 ،‬‬
‫سنة ‪ ، 2018‬ص ‪305‬‬
‫عبد العالي حاجة ‪ ،‬رياض دنش ‪ ،‬ثبوت النسب بالطرق العلمية الحديثة ‪ ،‬م ‪،‬ق دورية تصدر عن قسم الكفاءة ‪4‬‬
‫المهنية للمحاماة ‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد خيذر بسكرة ‪ ،‬ص‪70‬‬
‫‪3‬‬
‫يتحمله الطرفان معا ‪ ،‬وبهذا يتضح أن إسناد مخطرة اإلثبات إلى الخصم الذي فشل في إثبات ما‬
‫‪.‬يدعيه ال يحول دون قيام خصمه الذي ال يقع عليه هذا العبء بالمعاونة في اإلثبات‬

‫كذلك فإن اليمين التي تعد وسيلة يلجأ إليها الخصم الذي يقع عليه عبء اإلثبات ‪ ،‬يلزم فيها‬
‫خصمه بأن يقول الحقيقة‪ ،1‬فهي مظهر من مظاهر واجب تعاون الخصوم في الكشف عن‬
‫الحقيقة ‪ ،‬باإلضافة أن قانون اإلجراءات الجزائية الذي يسمح للضبطية القضائية او وكيل‬
‫الجمهورية بتفتيش المتهم او منزله جبرا عنه ‪،‬إذا كان لذلك فائدة في إظهار الحقيقة التي يسعى‬
‫التشريع إلى تحقيقها ‪ ،‬ونفس الغاية التي يسعى إليها المشرع الجزائر يمن خالل إجازته للطرق‬
‫‪ .‬العلمية في مجال إثبات النسب‬

‫إذا ‪ ،‬فمن الواضح أنه ــ حفاظا على الولد من الضياع ــ على المشرع أن يعطي الخصم في أن‬
‫يجبر خصمه بتقديم ما تحت يده من أدلة تساعد على إظهار الحقيقة ‪ ،‬وهذا معناه أن نطاق األدلة‬
‫التي يجوز للخصم إجبار خصمه على تقديمها يمتد ليشمل المساس بجسم اإلنسان ‪ ،‬كما هو‬
‫الشأن الحصول على عينة أو خلية من الجسم لفحصها ‪ ،‬وهذا يؤدي بنا إلى مواجهة الصعوبة‬
‫‪ 2.‬أخرى تتمثل في مبدأ معصومية الجسد‬

‫كما أن المشرع الفرنسي كان قد أخل فيما سبق موقفا أكثر صراحة من غيره فقد جاءت المادة‬
‫‪ 10‬من القانون المدني والمعدلة في ‪ 5‬يوليو ‪ ،1972‬تكريس مبدأ عام بمقتضاه يخول القاضي‬
‫سلطة تقديرية في إجبار الخصوم والغير عن طريق الغرامة التهديدية بتقديم ما لديهم من‬
‫‪3.‬ألمستندات كما أن للبصمة الوراثية نصيب من ذلك‬

‫ويظهر مما سبق انه بالرغم من إمكانية التحجج بمبدأ عدم جواز إجبار الشخص على تقديم‬
‫دليل ضد نفسه بالنظر إلى المستجدات الطبية ‪ ،‬فإنه حتى يستجاب لهذه التطورات يجب أن‬
‫تشمل حركة التعديل عددا من القوانين ‪ ،‬وهي بدورها ستوفر حماية للطرفين المنكر للنسب الذي‬
‫‪ .‬يحتج بهذا المبدأ ‪ ،‬والطفل مجهول النسب‬

‫الفرع الثالث‪ :‬حرمة الحياة الخاصة‬


‫لكل فرد منا حياته الخاصة ‪ ،‬فال يجوز انتهاكها بأي شكل من األشكال ‪ ،‬كما أن المشرع‬
‫‪ 4.‬الجزائري اعتبرها حق دستوري تضمنه الدولة‬

‫فحسب المادة ‪ 34‬من دستور ‪ 1996‬فإن‪" :‬الدولة تضمن عدم انتهاك حرمة اإلنسان وتحظر‬
‫‪5.‬اي عنف بدني أو معنوي او أي مساس وبالكرامة‬

‫‪1‬‬
‫محمد أبو زيد ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪75‬‬
‫‪2‬‬
‫سليمان مرقص ‪ ،‬في شرح القانون المدني‪ ،‬أصول إثبات وأجراءاته ‪ ،‬في المواد المدنية ‪،‬المجلد ‪،1‬مطبوعة ‪2‬‬
‫السالم ‪ ،‬سنة ‪،1991‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪231‬‬
‫‪33‬‬
‫بلحاج العربي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪403‬‬
‫‪4‬‬
‫المادة ‪ 34‬من دستور ‪1996‬‬
‫‪5‬‬
‫دستور ‪1 1996‬‬
‫وعليه فحرمة الحياة الخاصة تشكل أحد العوائق أمام تطبيق الطرق العلمية في النسب ‪ ،‬ألن‬
‫فحص الحمض النووي يشكل تدخال في حياة الفرد ‪ ،‬فتفتح المجال للبحث عن خصائص وراثية‬
‫من خالل استعداد وراثي وقد يمد للغير بمعلومات خاصة بالزوج والزوجة تكون ذات طابع‬
‫‪1.‬شخصي خاص‬

‫إن حماية هذه المعلومات الوراثية باعتبارها حق من الحقوق اللصيقة وبالشخصية تعد‬
‫حماية قانونية من خالل المبدأ العام المتعلق بالحق في الحياة الخاصة ‪ ،‬وعدم إفشاء السر المهني‬
‫‪2.‬حسب المادة ‪ 37‬من المرسوم التنفيذي رقم ‪ 92 /27‬المتضمن مدونة أخالقيات الطب‬

‫يتضح مما سبق ذكره انه لكي تعتبر الطرق العلمية وسيلة فعالة في إثبات النسب ‪ ،‬ال بد أن‬
‫تخضع لضمانات قانونية لغلق باب المشاكل المتربة عن اللجوء إلى إحدى األدلة العلمية ‪ ،‬بغية‬
‫إظهار الحقيقة البيولوجية للطفل ‪ .‬فال بد من الحصول على الموافقة من يخضع للفحص ‪ ،‬إضافة‬
‫إلى حماية المعلومات الوراثية باعتبارها حق من الحقوق الشخصية والذين يشكل بدورهما‬
‫‪ .3‬ضمانة ثالثة ‪ ،‬هي عدم جواز إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه‬

‫إال ان هذه الضمانات القانونية إن وجدت فإنها ال تكفي لوجود عقبات أخرى تقف عائقا أمام‬
‫‪ 4.‬إبراز النسب الحقيقي للطفل‬

‫بالمرزوق عالل أمال نفس المرجع ص‪396 ،‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫أقورفة زوبيدة اإلكتشافات الطبية والبيولوجية وأثرها على النسب في القانون األسرة الجزائري ‪ ،‬اطروحة‪3‬‬
‫لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم اإلسالمية ‪ ،‬تخصص أصول الفقهسنة ‪ 2008‬ـ ‪ 2009‬جامعة الجزائر ص‬
‫‪256‬‬
‫‪3‬‬
‫اعائشة سلطان ابراهيم المرزوقي ‪ ،‬إثبات النسب في ضوء المعطيات العلمية المعاصرة رسالة لنيل درجة‪4‬‬
‫الدكتوراه ‪ ،‬جامعة القاهرة كلية دار العلوم ‪ ، 2002 /‬ص ‪323‬‬
‫‪4‬‬
‫اعائشة سلطان ابراهيم المرزوقي نفس المرجع ص‪365‬‬

You might also like