Professional Documents
Culture Documents
حكومة الرئيس بن بلة الأولى والخيار الاشتراكي لتسيير الدولة الجزائرية سبتمبر1962 سبتمبر1963
حكومة الرئيس بن بلة الأولى والخيار الاشتراكي لتسيير الدولة الجزائرية سبتمبر1962 سبتمبر1963
95 09 العدد
مجلة دورية دولية محكمة مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية
ىذه الوضعية الصعبة حزـ اغبكومة اعبزائرية اليت أهنكتها تراكمات أزمة صيف
1962وإفرازاهتا على النخبة الطالئعية اليت قادت البالد والعباد بإنشاء
مؤسسات وطنية قادرة على اؼببادرة إلقباح اؼبشروع االشًتاكي يف اعبزائر .فكاف
تأسيس اغبكومة األوىل بعد االستقالؿ رغم تأخرىا عن موعدىا احملدد ؽبا قبل
هناية الفًتة االنتقالية للثورة اعبزائرية بتاريخ .1962/09/20
اغبكومة ووزرائها ،ورغم الفوز الساحق ؽبا اختتم النائب آيت أضبد بالدور
اؼبطاط للجمعية الوطنية مستقبال إف استمرت على ىذا اؼبنواؿ يف فبارسة
مهامها (.)4
كما أشار الباحث يفصح عبد القادر إىل خطاب الرئيس أضبد بن بلة
قبل تنصيب حكومتو ،وإمتثالو لربنامج طرابلس وتنفيذه إىل غاية مؤسبر
(ج.ت.و) متعهدا يف الوقت نفسو بإعادة اإلعمار واإلسكاف ،والقضاء على
اؼبشاكل االجتماعية اعبمة اليت كانت صداع يف رأس أوؿ حكومة جزائرية،
وؿباولتها الستجابة لتطلعات الطبقات االجتماعية العريضة اليت تتطلب فريق
حكومي متجانس ،والرغبة اؼبلحة للرئيس لتحقيق االشًتاكية اعبزائرية كما عرج
على تنصيب اغبكومة يف ؾبلس اعبمعية ،واليت حبسبو ربصلت على ()159
صوتا و 1ضد و 19عضوا امتنعوا عن التصويت (.)5
إف ما ديكن التنبيو إليو أف الباحث الطاىر بن خرؼ اهلل قدـ إحصائيات
ؽبا فوارؽ مع اإلحصائيات اليت أوردىا كل من كوانت ،والتربيزي ،وأنيس
صاحل ،ويفصح إىل حد بعيد جدا فهو حيصى النتائج اآلتية )128( :صوتا
بالقبوؿ ،و 01صوت ضد و 19امتنعوا عن التصويت ،ويستطرد قائال أهنا
إحصائيات معتمدة من اعبريدة الرظبية العدد ،1962/3وىو ما يتناقض
وأعداد اعبريدة الرظبية اؼبتوفرة اليت يشَت فيها العدد الثالث إىل تاريخ انعقاد
اعبمعية التأسيسية واؼبؤرخة يف 1962/07/20والعدد عشروف إىل تاريخ
.)6(1962/09/25وردبا يقصد أعدادا أخرى لشهري أكتوبر ونوفمرب من
نفس السنة .واحملاجاة دبا صرح بو الرئيس بن بلة يف خطابو الوزاري األوؿ(، )7
وإعطاء سياقات لبعض األمثلة فبا قالو الرجل ،وتطبيقو العكسي للسلطة بعدما
سبكن من إضفاء الشرعية التأسيسية على حكومتو.
ففيما خيص الدستور وحسب قناعتو الظرفية من مهاـ اجمللس الذي يتوىل
السيادة الوطنية ،وعليو يقع وضع الدستور يستجيب ؼبصاحل الشعب اعبزائري،
وال دخل للحكومة يف وضعو بل وأضاؼ أهنا سوؼ تقف موقف اغبياد.
كما شكلت الثورة الدديقراطية الشعبية أىم األسس اليت تبٌت عليها جزائر
الصبغة االشًتاكية ،وتنفيذ ما جاء بو برنامج طرابلس لتحقيق االستقالؿ بالبناء
والتشييد ،واإلصالح الزراعي والصناعي وتوفَت األمن.
ومل خيف الرئيس بن بلة أضبد قواعد وأركاف دولتو .فاعبيش اؼبطالب
بتحقيق اؼبهاـ الشعبية واالقتصادية واإلدارية .مث إف التسليم دبا جاء يف خطاب
الرئيس ال ينزع إىل الزعم أنو طبق قدرا يسَتا فبا جاء من مفاىيم إشًتاكية
فبيعة .وسوؼ نرى فيما بعد مدى تدخالت اغبزب "اؼبكتب السياسي" يف
صالحيات اعبمعية التأسيسية ،ويتجلى ذلكفي اؼبناقشات غَت الدديقراطية
داخلها ،ومن جهة أخرى فإف واقع القوة اليت يتطلبها الفريق اغبكومي غَت
متجانس أيديولوجيا يصور تباين التأييد الذي القاه من الفئات الرئيسية داخل
القيادة السياسية يف ذلك الوقت.
وىكذا ربالفت قيادة اعبمعية الوطنية ظرفيا ،والرئيس بن بلة والعقيد
بومدين من أجل التحكم على النظاـ السياسي للجزائر اؼبستقلة .فكانت
اؼبناصب الوزارية كما يف غَتىا يف بلداف العامل الثالث بعد حركات التحرير
شكلت لديها آلية توزيع اؼبناصب نوعا من أشكاؿ رد اعبميل على التأييد
السياسي لقيادة اؼبكتب السياسي .خاصة أثناء صراعو مع اغبكومة اؼبؤقتة بعد
طرابلس إىل غاية ،1962/09/05فكانت التشكيلة اليت قادىا الرئيس
()8
اؼبسؤوؿ األوؿ أضبد بن بلة على اؼبوافقة على اؼبسودة األخَتة ؽبا
إف ما ديكن مالحظتو على توليفة أوؿ حكومة جزائرية ،وبعد اجتماع
التنصيب من طرؼ عباف اعبمعية الوطنية ليوـ ،1962/09/29واؼبتكونة من
السادة بن جلية عياش فبثل عبنة الشؤوف العامة وسبيحي ميسوـ فبثل اللجنة
اإلدارية ،وحاج سعيد شريفي فبثل الشؤوف اؼبالية ،ونظرا ؼبا جاء يف قرار
اعبمعية اػباص ليوـ 1962/09/26لتنصيب رئيس اغبكومة ،والقرار
التأسيسي ليوـ 1962/09/28الذي وافقت فيو اعبمعية باألغلبية على
تنصيب اغبكومة األوىل للجمهورية اعبزائرية (.)9
كما أشار العدد األوؿ من اعبريدة الرظبية اؼبؤرخ يف 1962/10/26
البند اػبامس منها ،مصادقة رئيس اغبكومة على تعيُت السادة وكالء اغبكومة
بتوقيع رئيس اغبكومة السيد أضبد بن بلة يوـ 1962/10/05على مدير
الديواف اغبكومة رحاؿ عبد اللطيف ورئيس الديواف ؿبمد اغباج إظباعُت،
ومستشارين تقنيُت لرئيس اغبكومة ومها ىَتيف بورج ،وبن زرفة ؾبدوب (.)10
إف اؼبالحظة األولية لتشكيلة أوؿ حكومة بعد اإلستقالؿ ىو وجود 17
وزيرا فعليا على رأس كل قطاع ،ونائب رئيس اغبكومة السيد رابح بيطاط،
ورئيس اغبكومة أضبد بن بلة ومها التارخيياف الوحيداف يف أوؿ حكومة للجزائر
األوؿ شارؾ يف أشغاؿ ؾبموعة ،22مث صباعة ( )5مث ؾبموعة ( )6فمجموعة
( ،)9وقائد الوالية الرابعة التارخيية ليلة انطالؽ أوؿ نوفمرب ،والثاين لو شرؼ
وجوده يف الوفد اػبارجي بالقاىرة مع خيضر وآيت أضبد حسُت ،وكذا عضو
يف ؾبموعة ( .)9باؼبقابل تواجد التارخيي اآلخر ؿبمد خيضر كأمُت عاـ
للحزب وعضو اؼبكتب السياسي فبا يوحي أف اغبكم والسلطة مل خيرج من
صباعة تلمساف دبشاركة اؼبؤيدين ؽبا واؼبقربُت من رئيس اغبكومة.
وعلى غرار الثوريُت مثل الليبَتاليُت أضبد بومنجل ،والدكتور أضبد
فرانسيس يف اغبكومة وفرحات عباس البياين اؼبعروؼ على رأس اعبمعية
الوطنية ،ومثل الشيوعيُت عمار أوزقاف .كما أف تواجد زميل وصديق الرئيس
أضبد بن بلة أالا وىو ؿبمد صغَت نقاش متوافقا يف تكوينو الفكري واألطروحة
األيديولوجية اؼباركسية الراديكالية للرئيس أضبد بن بلة ( .)11وؿبمد خبزي وزير
التجارة والتاجر الثري بالعاصمة ،والعقيد ؿبمدي السعيد الثوري وقائد الوالية
الثالثة التارخيية بعد مؤسبر الصوماـ أوت 1956إىل غاية جويلية 1957كوزير
لقدماء احملاربُت ،والراديكاليُت بومعزة وبن تومي ،ويالحظ أف تصنيف األخَتين
بالراديكاليُت ( ، )12ومها اللذين كانا معتدلُت إصالحيُت قبل تفجَت الثورة
وربت لواء اؼبركزين قد أوقع -إف صح القوؿ -الباحث والسفَت األمريكي
باعبزائر ولياـ كوانت يف ورطة التصنيفات العديدة ،ؿباوال إسقاطها على قيادة
الثورة بُت ،1968-1954واؼبثقفُت طبيسيت ،وبن ضبيدة ،وؿبمد اغباج
ضبو دوف انتماء حزيب ،ومثل العلماء (توفيق اؼبدين) وهبؤالء الًتكيبة أكد الرئيس
بن بلة سلطتو كقائد سياسي للبالد .ومثل العقيد بومدين القيادة العسكرية
للجيش الوطٍت الشعيب وكانت ألنصاره أماكن تواجدىم يف الوزرات السيادية:
الداخلية أضبد مدغري ،والرائد عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للشباب والرياضة،
واػبليفة لعروسي الصناعة والطاقة ،وموسى حساين وزيرا الربيد واؼبواصالت
(.)13
وقد شددت القيادة اعبديدة على إعادة تنظيم واسعة للقوى السياسية
والعسكرية بعد االستقالؿ ومل يبق من القيادة السياسية أثناء اغبرب التحريرية،
واؼبمثلُت للحكومة اؼبؤقتة للثورة اعبزائرية سوى عنصرين ومها توفيق اؼبدين وأضبد
فرانسيس.
ومن الوزراء السبعة عشرة حضي أحد عشر وزيرا خبربة وذبربة سابقة .
فأضبد فرانسيس وزيرا للمالية يف اغبكومة اؼبؤقتة السابقة ،وأضبد توفيق اؼبدين
وزيرا لألوقاؼ يف نفس اغبكومة ،وخليفة لعروسي اؼبهندس الزراعي ودوف
انتماء حزيب مديرا لديواف وزارة التسليح واؼبواصالت العامة أثناء الثورة التحريرية
،وؿبمد حاج ضبو احملامي ومستشارا بديواف وزارة اإلعالـ باغبكومة اؼبؤقتة،
وؿبمد طبيسيت الطالب بكلية الطب يف فرنسا ،والعضو الناشط يف حركة
انتصار اغبريات الدديقراطية سابقا وعضوا دبكتب (ج.ت.و) بفرنسا ،وأضبد
بومنجل احملامي والقيادي يف االرباد الدديقراطي للبياف اعبزائري ،وعضوا باجمللس
الوطٍت للثورة اعبزائرية والناطق الرظبي بإسم صباعة وجدة مث تلمساف أثناء أزمة
اعبيش الفرنسي مشاكل خطَتة أثناء فًتة الكفاح اؼبسلح فمسح وقنبلة شبانية
آالؼ بلدة وآالؼ القرى ،وحرؽ مئات اآلالؼ من اؽبكتارات من الغابات
ونقصاف عدد رؤوس اؼباشية اليت أصبح عدد الرؤوس فيها ال تتعدى ثالثة
ماليُت رأس بعد ما كانت أكثر من 7ماليُت عشية إنطالؽ الثورة ،يضاؼ
إليها ـبلفات وإنعكاسات خطي شاؿ وموريس ،واليت استمرت آثارىا السلبية
على األفراد واعبماعات ،ومكونات اجملتمع اعبزائري حىت بعد االستقالؿ(.)18
وديكن اإلشارة يف هناية ىذا اؼبدخل اؼبتعلق هبذا العنصر إىل األعماؿ
اإلجرامية اليت قامت هبا منظمة اعبيش السري الفرنسي يف اعبزائر أين ارتكبت
أعماؿ وحشية ضد اعبزائريُت والفرنسيُت على حد سواء .غَت أهنا كثفت
عملياهتا اإلرىابية عشية انطالؽ اؼبفاوضات اعبزائرية الفرنسية ،وبلغ عدد
ضحاياىا 100ألف قتيل حىت شهر جويلية ،1962ومل تتوقف عن نشاطها
اإلرىايب إالا يف 1962/06/17إثر اتفاؽ شوقي مصطفاي وجاؾ سيزيٍت
لتوقيف أعماؿ اؼبنظمة اإلرىابية الفرنسية (.)19
إف ما ديكن الوصوؿ إليو يف ىذا الصدد أف الوضعية االقتصادية
واالجتماعية للجزائريُت كانت قاسية جدا يضاؼ إليها تراكمات أزمة صيف
1962ونتائجها ،ووجود ىيئة قيادية مؤقتة جديدة ذات ظبة استعمارية
جديدة ،وربت لوائها قوة قوامها 50ألف رجل كلها عوامل سامهت يف خلق
سباؽ شاؽ لإلستيالء على السلطة السياسية بُت القيادة الثورية ،وبإسم
"الشرعية الثورية".
إف الذي يهمنا يف ىذا العنصر أف العماؿ عقدوا العزـ على خلق واقع
جديد ،وربت ضغط الصعوبات االقتصادية واالجتماعية استولوا على اؼبزارع
وشكلوا إدارات ذاتية للمزارع واؼبصانع وبالتزكية من األطراؼ العسكرية اليت
رأت ضرورة اؼببادرة العاجلة ألجل القضاء على ظاىرة الفقر غَت أهنا اصطدمت
بفعلها ىذا بالتنظيم العمايل النقايب اعبزائري وظاىرة الربجوازية الصغَت اليت
أصبحت تؤمن بقدراهتا يف إدارة مؤسساهتا ذاتيا (.)22
وىكذا توافقت رغبة العماؿ بإصدار اغبكومة اعبديدة ؼبرسوـ 02/62
يف 1962/10/22تتعلق مواده الثمانية بكيفية استغالؿ عباف اإلدارات
الذاتية اليت ال يتعدى أعضاؤىا عشرة عماؿ فاؼبواد األوىل والثانية ،والثالثة
متعلقة بتطبيق قرارات 1962/08/24اليت أصدرهتا اؽبيئة االنتقالية اليت أقرت
بشغور اؼبمتلكات اؼبهجورة مع كيفية إعادة إحياء تشغيلها إىل حُت عودة
مالكها ،أما اؼبواد اػبمسة الباقية تتعلق بكيفيات اؽبيئات اؼبخولة لتطبيقها
وعلى رأسها وزارة الفالحة واإلصالح الزراعي(.)23
أما اؼبرسوـ الثاين 03/62اؼبؤرخ يف ، 1962/10/23واؼبتعلق
بالتحويالت واؼببيعات واإلجيارات اػباصة باؼبمتلكات اؼبهجورة ،وحيتوي على
ستة مواد واليت أكدت يف ؾبملها ضباية العقارات واؼبمتلكات اؼبهجورة حىت
يفصل فيها التشريع القانوين .كما أبرزت اؼبادة 4منها – مثال ال حصرا-
مسؤولية الدولة يف تقدًن اؼبعونات واالقًتاحات الفنية واؼبالية ،وزبضع أصوؿ
الشركة إىل ربكم الدولة ويف حالة عودة اؼبالك اغبقيقي فالوزارات اآلتية ىي
عبنة التسيَت إال أنو ديكن عقد اجتماع استثنائي بطلب من ثلث األعضاء
(اؼبادة )13ويقوـ أيضا بقبوؿ ،أو رفض األعضاء اعبدد كما ينتخب ويراقب
عبنة التسيَت(.)33
أما عبنة التسيَت اليت جاء تفسَت سياقها ابتداء من (اؼبادة )15وتنتهي
(باؼبادة )19وتضم اللجنة ما بُت ثالث وأحد عشرة عضوا منتخبُت من طرؼ
ؾبلس العماؿ ،وتعُت رئيسا ؽبا كل سنة من بُت أعضائها كما جيرى ذبديدىا
كل سنة عند هناية اؼبدة االنتخابية (اؼبادة ،)15وتتوىل مهاـ التسيَت ورسم
ـبطط التنمية للمؤسسة ،وهتيئة الربامج السنوية للتجهيز واإلنتاج وترويج
التجارة ،وإعداد اؼبقررات اػباصة بالعماؿ لتوزيع اؼبسؤوليات (اؼبادة )16كما
يتوىل اؼبدير إدارة مناقشات عبنة التسيَت أثناء االجتماعات (اؼبادة .)34()19
أما اؼبواد ( )22( ،)21( ،)20كلها مواد متعلقة باؼبدير اؼبمثل الرئيسي
للدولة داخل اؼبؤسسة أو ؿبل االستثمار ويسهر على السَت اليومي ؽبا ،وينظر
يف حسابات اؼبؤسسة (اؼبادة )20ولو كل اغبقوؽ يف عبنة التسيَت إالا أف
صوتو استشاري (اؼبادة ،)21كما ال ديكن عزلو من وظيفتو كمدير إال عند
ارتكاب خطأ كبَت ،أو عدـ كفاءتو ،أو عندما يسحب اجمللس البلدي اػباص
بإنعاش التسيَت الذايت موافقتو منو (اؼبادة ،)22وىو الباب الفرعي اؼبتعلق
باؼبدير(.)35
إف الغموض النظري يف اؼبراسيم كانت ؽبا إنعكاسات حبكم أصولو
وجذوره .ومن حيث أنو وجو بالتحديد دور الربجوازية التجارية والزراعية
وذبميع العماؿ والفالحُت حوؿ سلطة اغبكم اعبديدة ،ومل تطبق حىت يف
صورهتا الناقصة فعدـ معرفة العماؿ والفالحُت للمراسيم( )36كانت تقريبا
بالشكل اؼبطلق نظرا ألهنا جاءت نصوصها باللغة األجنبية (الفرنسية) ،وحىت إذ
كانت باللغة العربية فاعبزائريوف حالتهم العامة بعد االستقالؿ كحالتهم
اإلجتماعية البائسة ،وبالتايل كانت معرفتهم للعربية يوازي إف مل نقل أدىن
مستوى من معرفتهم للفرنسية.
كما أف التسيَت الذايت الذي أوجدتو الدولة ،ورظبت لو حدود قباحو .
أو فشلو من خالؿ تركيز السلطة اإلدارية العامة للمؤسسة يف شخص اؼبدير
كما امر معنا يف اؼبواد ( ،)22( )21( )20وسلطتو اؼبطلقة وعالقتو باجمللس
البلدي اؼبخوؿ لو قانونا تعيُت رئيس اؼبؤسسة اؼبسَتة ذاتيا (اؼبادة ،)37( )24
وانعكس ذلك يف بروز ظاىرة البَتوقراطية ( . )38فبدؿ التوجيو واؼبراقبة وكيفية
اإلنتاج والتوزيع من أجل توعية الفالحُت أدت النقاشات النظرية إىل نقد
الربجوازية دوف تفسَت جهود الطبقات الكادحة ،بل كانت العملية عبارة عن
خطابات سياسية وقياس ؼبعيار مدى الوالء السياسي ػبيارات السلطة القائمة.
وردبا ليس يف ىذا الطرح أي وجو للغرابة إذا ما أكدنا أف الشروط
األساسية لعضوية العامل بقيت باىتة وغامضة ،فال فرؽ بُت العامل الدائم
والعامل اؼبوظبي ،كما أف الفروؽ بُت ملكية اؼبزارع التابعة للدولة أـ إف ملكيتها
تعود للعماؿ ! .واؼبؤكد أف ىذا الطرح األخَت غَت موجود أصال (.)39
يضاؼ إليها تدخالت اؼبدير اؼبوايل للوزارة اليت عينتو مباشرة ،مهمشا يف
ذلك دور اعبمعية العامة اليت ال سبتلك سلطة ازباذ القرار رغم أهنا اؽبيئة الرئيسية
للمؤسسة ،وأصبح الدور الذي رظبو اؼبرسوـ اؼبؤرخ يف 1963/03/25للمدير
أقوى من اعبمعية واليت نادرا ما تعقد صبعياهتا العامة السنوية( ،)40ويذىب أضبد
بعلبكي يف ربليلو أف ربالف الطبقة العامة والربجوازية الصغَتة داخل خيارات
الدولة اليت عقبت بناء الدولة بعد االستقالؿ قد عصفت باألسس اؼبشًتكة
النتقاؿ وربقيق االشًتاكية ،وضرب مرتكزات ىيمنة الربجوازية الرأظبالية فالصراع
البيٍت يف مؤسسات التسيَت الذايت كاف على أشده بُت ؿباربة الربجوازية وميالد
برجوازية الدولة "اؼبدير" كممثل للسلطة القائمة ،وىكذا برزت رأظبالية الدولة
كمرحلة ال بد منها لتنمية القدرات الذاتية واؼبوضوعية للطبقات ذات اؼبصلحة
لتحقيق االشًتاكية ،غَت أف ىذه النتيجة يف األخَت أدت إىل زيادة ضعف
الطبقة العاملة ،ولصاحل الدولة ومل ديس الربجوازية بشيء(.)41
بينما يرى السيد رئيس اغبكومة وصاحب القرارات ومراسيم مارس
1963بأف "البالد انفجرت أفراحا يف طوؿ البالد وعرضها ،...إف األرض
تعود للذين يكدحوف فيها ،واعبزائر سبشي خطوة حاظبة يف طريق
االشًتاكية ،...بفعل قرارات مارس اليت أصدرهتا حكوميت ،واليت أفبت اعبزء
األعظم من اؼبلكيات العقارية ،...مث كاف اػبطر الذي يؤرؽ رئيس اغبكومة ىو
حلوؿ مالؾ جزائريُت أكثر غٌت من أسالفهم الفرنسيُت ،وشكلوا برجوازية أىلية
أبقت اعبماىَت الكادحة غارقة يف بؤسها ،فبا اضطر حكومتو إىل تأميم
اؼبركزية كالتنظيم اإلداري والتحكم يف شؤوف التجهيز كل ىذا أدى إىل بروز
ظاىرة البَتوقراطية حىت على ىذه اؽبيئات،ويف عالقاهتا الداخلية واػبارجية،
وتسارعت التغَتات االقتصادية الشكلية بسيطرة التيار الشعبوي -اؼبهٍت داخل
الربجوازية الصغَتة ،واليت ربفزت بتدابَت التأميم دعما للتطلعات االشًتاكية ،ويف
أواسط الفالحُت والعماؿ فبا حذا بالرئيس بإقدامو وسلطتو التنفيذية على تأميم
الفنادؽ واؼبطاعم واؼبقاىي واؼبنازؿ اليت أصبحت استثمارات اقتصادية
للجزائريُت(.)46
وواجو التسيَت الصناعي نفس مشاكل التسيَت الزراعي ،واليت عمد أمر
سبويلها إىل البنك اؼبركزي اعبزائري ،والصندوؽ اعبزائري للتنمية وفقا للمرسوـ
رقم 64/176اؼبؤرخ يف جواف .1964فالبنك يقوـ بالتمويل عن طريق
القروض القصَتة األجل مع مراقبة اؼبشاريع ،واؼبشاركة يف وضع الربامج
واؼبخططات يف اؼبقابل يقوـ الصندوؽ دبنح القروض الطويلة األمد(.)47
إف السبب يف اختالؼ وجهات النظر بُت اللجاف التسيَت الذايت
الصناعي ،واليت أنشئت لتوىا والشروط التعجيزية للبنك الذي إزبذ من مسألة
ربقيق األرباح للجاف والتسيَت اإلداري ،واؼبطالبة بتقدًن تقريرا على وضعية
اؼبؤسسة ،واألرباح اليت حققتها خالؿ السنوات الثالث األوىل لتسيَتىا ،وىو ما
يًتصبو تصرحيات وزير االقتصاد بشَت بومعزة آنذاؾ حسب الباحث مونيك
الكس" :سوؼ كبدد عدد اللجاف اإلدارية اليت وفت بالتزاماهتا وكبدد على
األمواؿ اؼبختلفة اليت تتحصل عليها استنادا لقرارات مارس ونعطيها للمرة األوىل
حق اؼبشاركة يف األرباح" (.)48
ىذا التضارب اغباصل من خالؿ مطالبة مؤسسة تنطلق من العدـ بأرباح
أدت باللجاف التسيَت الذايت الصناعي إىل التخلي عنها فأفبت الغالبية منها بعد
سنة 1965مع ؾبيء سلطة حركة .1965/06/19
والحظ الفالحوف والعماؿ أف مراسيم مارس ،1963وإف كانت من
الناحية الثورية ىامة وتنطوي على التغَتات اعبذرية يف العالقات االجتماعية
القائمة على اإلنتاج ،ووقوفها حاجزا أماـ الربجوازية الصغَتة إالا أهنا مل تستطع
أف تقف يف وجو الربجوازية الكبَتة (اؼبالكة لرؤوس األمواؿ) اليت أصبحت
حائال دوف تطبيق تلك اؼبراسيم.
ومن جهة أخرى يرجع صعوبة فهم نصوصها إىل نقص الثقافة
االشًتاكية ،وعدـ االنتظاـ يف العمل اعبماعي التعاوين (قواعد اشًتاكية) ،وردبا
يعود ذلك على عدـ تغلغل تلك الثقافة يف األوساط الفالحية والعماؿ يف
وحدات والتسيَت الذايت.
ويذىب الباحث جولياف روشَتيو ( )49إىل أبعد من ىذا عندما يكشف
أف سياسة التسيَت الذايت ورغم ما توصلت إليها من نتائج ملموسة وفورية
لصاحل اجملتمع اعبزائري ،ومنها توظيف أكثر من 115ألف عامل معًتفا يف
الوقت نفسو أهنا سياسة مرذبلة وفشلت فشال ذريعا ،وكانت ؽبا انعكاسات
خطَتة ظهرت معها بوادرىا األوىل يف تدفق حركة اؽبجرة الريفية إىل اغبواضر
جنبا إىل جنب مع عملية ترؾ اؼبساحات الشاغرة اليت احتفل هبا الفالح غداة
قرارات مارس ،1963وإلبفاض اإلنتاج الزراعي أنذر دبشاكل خطَتة على بنية
الدولة اغبديثة ،وظهرت مشكلة البطالة كحلقة أخرى يضاؼ إىل سلسلة
الضغوطات على سوؽ العمل رغم ىجرة 450ألف جزائري إىل فرنسا ـبففُت
ولو بنسبة ضئيلة من الضغط اؼبفروض على اؼبدف اعبزائرية الكربى.
الخاتمة:
أدى تراجع القيادة الكالسيكية للحكومة اؼبؤقتة إثر أزمة صيف 1962
،وإنعكاس ذلك على إطاراهتا السياسية والعسكرية إىل تغَت جذري يف اػبريطة
السياسية للقيادة التنفيذية اعبديدة ،وأصبح جيل جديد (سياسيُت وعسكريُت)
وصلوا لتوىم إىل السلطة ،وديثلهم كل من (بوتفليقة وطبيسيت) ىذه الفئة
كأصغر وزراء اغبكومة األوىل لالستقالؿ ،وقد ترقى األوؿ بفضل عالقتو
بالعسكري العقيد ىواري بومدين ،وأكد الثاين شهرتو يف القيادة السياسية
اعبديدة الذي تلقى تزكية مطلقة من السياسي الرئيس بن بلة أضبد.
إف عدـ الوضوح يف خطوط اؼبهاـ والصالحيات بُت مؤسسات اغبكم
بعد اإلستقالؿ أدى إىل تداخل اؼبهاـ بُت اإلدارات الذاتية اليت عملت منذ
البداية على أهنا منفذة ومنقذة إلسًتاتيجية حكومة الرئيس أضبد بن بلة
فأخذت تستغل الوحدات والعماؿ والفالحُت كما لو أهنا ملكية خاصة من
جهة ،ومن جهة أخرى خلقت جهازا بَتوقراطيا على مستوى ىيئات التسيَت
والتنظيم اؼبايل ،والتسويق فبا أدى اىل ظهور مشاكل بُت العماؿ واؽبيئات
التسيَتية أثر بطريقة مباشرة على عملية اإلنتاج ،وإحتكار الدولة عن طريق
وكالئها "القطاع اػباص" وأدى ىذا التداخل إىل تراكمات إدارية -بَتوقراطية
بدؿ تطوير قوى اإلنتاج اليت من اؼبمكن لو مت ترشيدىا لكانت نتائجو إجيابية
على الدولة واجملتمع اعبزائريُت على األقل على عهد الرئيس أضبد بن بلة .
الهوامش واإلحاالت:
- 1علما أف اعبلسة األوىل للمجلس التأسيسي كانت يوـ 1962/09/25
ومت فيها انتخابات رئيس اجمللس التأسيسي ونوابو ،واعبلسة الثانية انعقدت يف
اليوـ اؼبوايل ،1962/09/26ومت فيها تنصيب رئيس اغبكومة السيد أضبد بن
بلة ،ومل تكن الدورة بتاتا يوـ 1962/09/20أي يف نفس اليوـ الذي
تأسس فيو اجمللس التأسيسي نفسو ،وانتخاب أعضائو ،ومل ينعقد اجمللس
التأسيسي يوـ 1962/09/27إلعطاء وقت لرئيس اغبكومة لتحديد قائمة
وزرائو ،وإف كانت األمور ؿبسومة لصاحل أنصار الرئيس بن بلة قبل ىذا اليوـ
باؼبوافقة على القائمة النهائية غبكومتو شكليا .إف ما نود اإلشارة إليو ىو
إيضاح ومقارنة ما ذىبت إليو بعض األدبيات التارخيية ومنها ما ذىب إليو رابح
لونيسي من أف تعيُت بن بلة كرئيس للحكومة كاف يف أوؿ اجتماع للمجلس
126 09 العدد