Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 19

‫رقمنة قطاع العدالة‬

‫حمزة مخلوف‬
‫باحث في ماستر العلوم الجنائية واألمنية بتطوان‬

‫تقديم‪:‬‬
‫إن التطور التكنولوجي الذي أصبح يعرفه العالم يحتم على الدول االنخراط في صلب هذا التطور‬
‫ملواكبته‪ ،‬فالعالم أصبح قرية صغيرة بفعل هذا التطور التكنولوجي الهائل وهو ما أصبح يعرف بعصر‬
‫الرقمنة‪ ،‬الشيئ الذي يحتم على جميع الدول السير على نهج تبني سياسة استراتيجية تعتمد على الرقمنة‪،‬‬
‫لتسير شؤونها على جميع املستويات السياسية واالقتصادية واالجتماعية ‪ ،...‬لكن ما يهمنا من خالل هذه‬
‫الدراسة هو التركيز على املستوى القضائي املتعلق بقطاع العدالة‪.‬‬

‫حيث نجد أن املغرب بدوره انخرط في هذه السياسة وذلك بإعالنه مشروعا لرقمنة اإلجراءات القضائية‪،‬‬
‫فكما جاء على لسان وزير العدل خالل ندوة نظمت بمدينة طنجة حول " األساس التشريعي لرقمنة‬
‫اإلجراءات القضائية "‪ .‬حيث أن الوزارة أعدت مسودة مشروع قانون ينظم " رقمنة اإلجراءات القضائية في‬
‫املجالين الجنائي واملدني "‪ .‬وأوضح في هذا السياق وزير العدل أن املشروع يهدف إلى تسهيل استعمال‬
‫األنظمة الرقمية في إجراءات التقاض ي املدنية إليداع مقاالت الدعاوى والطلبات والطعون وجميع اإلجراءات‬
‫القضائية إلكترونيا أمام مختلف محاكم اململكة‪ ،‬بما فيها التبليغ االلكتروني‪.‬‬

‫وأشار إلى أن النص يشير إلى اعتماد نظام األداء اإللكتروني كلما تعلق األمر بتأدية رسم قضائي أو إجراء‬
‫مالي‪ ،‬واعتماد الحسابات اإللكترونية املهنية‪ ،‬بالنسبة للمحامين واملفوضين القضائيين والخبراء للمساعدة‬
‫على التواصل مع املحاكم‪ ،‬وكذلك اعتماد التوقيع اإللكتروني‪ ،‬والعناوين اإللكترونية بالنسبة لإلدارات‬
‫العمومية وباقي األشخاص االعتبارية وتحديد األثر القانوني لإلجراءات‪.‬‬

‫وحسب وزير العدل فإن املشروع الجديد يهدف إلى استعمال الرقمنة في جميع مراحل الدعوى العمومية‬
‫( بنفس الضمانات املمنوحة لألطراف خالل املحاكمات ذات الحضور املادي وبترتيب األثر نفسه ) والسيما‬
‫مباشرة إجراءات البحث والتحري أو التحقيق وإمكانية عقد جلسات افتراضية‪ ،‬وإجراء املحاكمات عن بعد‬
‫عبر تقنية املناظرة املرئية بموافقة املتهم‪ ،‬وتنظيم االستماع عن بعد ألشخاص موجودين داخل املغرب أو‬
‫خارجه لهم عالقة بالخصومة‪ ،‬تفعيال ملضمون االتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية‪ ،‬كآليات للتعاون‬
‫القضائي في املادة املدنية واملادة الجنائية‪.‬‬

‫كما يضمن املشروع املعالجة املعلوماتية للمحاضر املنجزة في إطار إجراءات الدعوى املدنية والجنائية‬
‫وتذييلها بالتوقيع اإللكتروني من طرف من خول له القانون القيام بذلك‪ ،‬فضال على املعالجة املعلوماتية‬
‫لبطاقات السجل العدلي وتذييلها بتوقيع إلكتروني‪.‬‬

‫وقال وزير العدل إن املشروع " يجسد وبشكل فعال انخراط وزارة العدل في مجهودات الحكومة املغربية‪،‬‬
‫الرامية لوضع اآلليات التي ستحول اإلدارة التقليدية القائمة على العمليات الورقية إلى ادارة تعتمد آليات‬
‫تكنولوجيا املعلوميات " في مجال تصريف العدالة بمختلف محاكم اململكة‪ ،‬عبر نظم معلوماتية خاصة‬
‫بالقضايا املعروضة على املحاكم تعتمد رقمنة اإلجراءات املتعلقة بتجهيز امللفات وتبادل وثائق ومذكرات‬
‫األطراف وتبليغ الطلبات واالستدعاءات والشهادات اإلدارية والقضائية‪ ،‬واملقررات القضائية وتنظيم‬
‫املحاكمة عن بعد‪ ،‬لضمان تحسين جودة الخدمات املقدمة بالشكل الذي يحقق السرعة والدقة والشفافية‬
‫وتعزيز الثقة بين اإلدارة واملرتفق‪.‬‬

‫واعتبر وزير العدل أن تنظيم هذه الندوة الدولية من طرف وزارة العدل يأتي ملواكبة ورش اإلصالح املفتوح‬
‫من طرف الحكومة املغربية‪ ،‬لتنزيل مشروع " التحول الرقمي لإلدارة " من خالل توطيد أواصر التعاون‬
‫وتبادل التجارب واملمارسات الفضلى بين الدول في هذا املجال‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة‪ ،‬إن إرساء مقومات‬
‫عدالة رقمية يضمن تقوية البنية التحتية لألنظمة املعلوماتية للمحاكم‪ ،‬ويوفر برامج آمنة متعلقة بإدارة‬
‫املساطر واإلجراءات القضائية‪ ،‬ويرفع من نجاعة األداء القضائي باملحاكم‪ ،‬ويعتبر إحدى ركائز اإلصالح‬
‫الشامل والعميق ملنظومة العدالة‪.‬‬

‫وأوضح أن الرقمنة من شأنها أن تساهم في تعزيز قيم النزاهة والشفافية‪ ،‬وتحسين مناخ املال واألعمال‬
‫خاصة أن املعايير واملؤشرات العاملية املعتمدة تؤكد على أهمية التوفر على نظام رقمي لتدبير القضايا‬
‫والشكاوى‪ ،‬واالطالع على األحكام القضائية في هذا املجال كمدخل لتسريع وتيرة االستثمارات‪.‬‬

‫وانطلق مشروع رقمنة اإلدارة القضائية باملغرب منذ سنة ‪ 2000‬في إطار برنامج الدعم املالي‪ ،‬لكن لم يكن‬
‫مخططا إجرائيا واضحا‪ ،‬فقط كان هناك بعض التطبيقات املعلوماتية على مستوى املحاكم التجارية‪،‬‬
‫وانتقلت بعد ذلك هذه البرمجيات الى باقي املحاكم األخرى املشكلة للتنظيم القضائي املغربي‪ .‬ومع صدور‬
‫ميثاق إصالح منظومة العدالة سنة ‪ 2013‬بدأت مرحلة جديدة في عملية التحول الرقمي‪ ،‬الذي هدفت من‬
‫خالله وزارة العدل باملغرب الى الوصول للمحكمة الرقمية‪ ،‬ولتقديم خدمات قضائية ذات جودة عالية لها‬
‫تأثيرات مهمة على مرفق العدالة‪ ،‬تتمثل خصوصا في ترشيد الزمن القضائي وترسيخ مفهوم الشفافية‪،‬‬
‫وصوال الى سنة ‪ 2020‬سنة اإلعالن عن املخطط التوجيهي للتحول الرقمي بمرفق العدالة الذي يتضمن‬
‫أهداف استراتيحية محددة وتشخيصا دقيقا لواقع رقمنة منظومة العدالة‪.‬‬

‫كما يعتبر مخطط التحول الرقمي ملنظومة العدالة بمثابة إجراء كبير سيمكن من االندماج في الثورة‬
‫الرقمية القائمة على أحدث وسائل اإلعالم والتواصل من خالل اعتماد اربع مجاالت أساسية ‪ :‬تسهيل الولوج‬
‫إلى العدالة‪ ،‬ثم تبسيط اإلجراءات باإلضافة للتقاض ي عن بعد‪ ،‬ثم أخيرا نشر املعلومة القانونية والقضائية‪.‬‬

‫إذن هو ورش استراتيجي كبير يسعى لتحقيق عدالة ميسرة وفعالة ومتواصلة‪ ،‬ومرفق قضائي يكرس‬
‫الحقوق األساسية للمرتفقين‪ ،‬وكذا محكمة ذكية تستعمل التكنولوجيا الحديثة للرفع من جودة خدماتها‪،‬‬
‫فهو ورش يجسد انخراط وزارة العدل في مجهودات السياسة العامة للدولة الرامية لوضع اآلليات‬
‫الضرورية التي ستحول اإلدارة التقليدية القائمة على العمليات الورقية إلى إدارة تعتمد على آليات‬
‫تكنولوجية تساهم في تدبير التقاض ي بمختلف محاكم اململكة‪ ،‬وتقديم الخدمات القضائية للمرتفقين‬
‫بشكل مستمر وبعدة صور‪.‬‬

‫كما يضم املخطط ستة برامج تتكون من ‪ 22‬مشروعا‪ ،‬كلها تستهدف نزع الطابع املادي عن املساطر‬
‫واالجراءات سواء تعلق األمر باملسطرة املدنية أو املسطرة الجنائية‪ ،‬ووضع منظومة رقمية للمواطنين لتتبع‬
‫امللفات ولنشر املعلومة القانونية والقضائية‪.‬‬

‫ويتخذ املخطط من مرجعياته كل من الدستور والخطب امللكية السامية‪ ،‬باإلضافة الى االلتزامات‬
‫الحكومية التي تضمنها البرنامج الحكومي ‪ 2021 _ 2016‬فيما يتعلق بتحديث اإلدارة القضائية‪ ،‬والتوصيات‬
‫التي طرحها ميثاق إصالح منظومة العدالة‪ ،‬وكذا املقتضيات الواردة بالخطة الوطنية إلصالح اإلدارة ‪2018‬‬
‫_ ‪ 2021‬فيما يتعلق بتبسيط املساطر ورقمنتها وتجويد الخدمات العمومية‪.‬‬

‫فنتيجة للتحوالت التكنولوجية التي عرفها العالم نتج عن ذلك مجموعة من النتائج كان من أبرزها ظهور‬
‫" العدالة اإللكترونية " أو ما يسمى " بالعدالة الرقمية " بحيث أنه لم يكن مجال العدالة منعزال أبدا عن‬
‫التطورات التكنولوجية‪ ،‬إذ اتاحت هذه األخيرة للمؤسسات القضائية والقانونية االستفادة من هذه الطفرة‬
‫عبر تسخير الثورة الرقمية لخدمة العدالة والقانون‪ ،‬وفي هذا اإلطار تم تسطير مشروع املحكمة الرقمية‪،‬‬
‫حيث سيخول ويصبح بإمكان املحامين القيام بجميع اإلجراءات املتعلقة بتبادل الوثائق القضائية‪ ،‬وتسجيل‬
‫املقاوالت دونما حاجة الى التنقل الى املحاكم‪ ،‬وذلك بعد إحداث منصة رقمية لهذه الخاصية‪ ،‬على اعتبار‬
‫أن التطور التكنولوجي يدعو لرقمنة االجراءات القانونية والقضائية‪.‬‬

‫ومن خالل دراستنا لهذا املوضوع ارتأينا طرح اإلشكالية اآلتية ‪:‬‬

‫ما هو دور الرقمنة في تحقيق النجاعة القضائية ؟‬

‫ومن خالل اإلشكالية السالفة الذكر سنعالج في هذه الدراسة دور الرقمنة في املساهمة في تحقيق النجاعة‬
‫القضائية‪ ،‬بهدف تحقيق العدالة القضائية في ظل التطور التكنولوجي والثورة الرقمية التي يشهدها العالم‪.‬‬
‫وملعالجة هذا املوضوع سنجيب عن هذه اإلشكالية وفق التصميم اآلتي ‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬املحكمة الرقمية ودورها في تحقيق النجاعة القضائية‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬التحديات التي تواجه رقمنة اإلجراءات القانونية والقضائية‬

‫املطلب األول ‪:‬املحكمة الرقمية ودورها في تحقيق النجاعة القضائية‬


‫إن النهوض باإلدارة القضائية وتحديثها شكل والزال يشكل خيارا استراتيجيا في برنامج وزارة العدل‪ ،‬وذلك‬
‫استجابة ألوامر جاللة امللك الذي يولي أهمية كبيرة بقطاع العدل‪ ،‬بدءا من خطابه في افتتاح دورة املجلس‬
‫األعلى للقضاء بالرباط بفاتح مارس سنة ‪ ،2002‬حيث عبر عن إرادته في إصالح القضاء بقوله ‪ " :‬بإلزامية‬
‫التعبئة الكاملة والقوية للقضاة ولكل الفاعلين في مجال العدالة للمض ي قدما بإصالح القضاء نحو‬
‫وجهته الصحيحة‪ ،‬وانهاء زمن العرقلة والتخاذل والتردد واالنتظار "‪1.‬‬

‫ولم تقف إرادة إصالح القضاء عبر هذا الخطاب وإنما تعززت عبر العديد من الخطب امللكية فيما بعد‪،‬‬
‫فإرادة إصالح القضاء حظي بأولوية عبر مختلف املحطات الكبرى‪ ،‬وتتويجا لهذه اإلرادة فقد جاء امليثاق‬
‫بأهداف كبرى إلصالح هذا القطاع باملغرب‪.‬‬

‫ونجد من أبرز هذه األهداف هو تحديث القضاء والرفع من جودته‪ ،‬من أجل تحقيق املكانة الشاملة إلدارة‬
‫القضايا‪ ،‬وكان مقررا الوصول إلى غاية حددت كهدف سيتم بلوغه في سنة ‪ ،2021‬كان مقررا كأجل أقص ى‬

‫‪ 1‬مقتطف من خطاب امللك في افتتاح املجلس األعلى للقضاء بالرباط‪ ،‬فاتح مارس سنة ‪.2002‬‬
‫لتحقيق الالتجسيد املادي للمساطر واإلجراءات أمام املحاكم‪ ،‬والحد من استعمال السجالت الورقية‬
‫لتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي‪.‬‬

‫ونظرا ملا شهده العالم من تحوالت تكنولوجية نتج عن ذلك مجموعة من النتائج كان أبرزها ظهور "‬
‫العدالة االلكترونية " أو ما يسمى " بالعدالة الرقمية " بحيث أنه لم يكن مجال العدالة منعزال أبدا عن‬
‫التطورات التكنولوجية‪ ،‬إذ أتاحت هذه األخيرة للمؤسسات القضائية والقانونية االستفادة من هذه الطفرة‬
‫عبر تسخير الثورة الرقمية لخدمة العدالة والقانون‪2.‬‬

‫فالتطور التكنولوجي والثورة التكنولوجية التي أصبح يعرفها العالم‪ ،‬يدعو لقيام املحكمة الرقمية‪،‬‬
‫باعتبارها هيئة حديثة لتساهم في تحسين عملية التقاض ي من جهة‪ ،‬ولتحقيق النجاعة القضائية من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم املحكمة الرقمية‬


‫إن املحكمة الرقمية لها في تصور القانون املقارن تعريفان‪ ،‬األول وهو تعريف خاص يعتبر املحاكم الرقمية‬
‫محاكم نوعية تختص بالجرائم الرقمية ‪ digital crimes‬والتي األصل فيها هو الحاسب اآللي ( الكومبيوتر )‬
‫ثم شبكة اإلنترنت الدولية والشبكات األخرى‪ ،‬كما يشمل االختصاص نواتج األجهزة الرقمية ‪:‬‬

‫جرائم إلكترونية ضد األفراد ‪ :‬وهي الجرائم التي يتم الوصول فيها إلى الهوية اإللكترونية لألفراد بطرق غير‬
‫مشروعة‪.‬‬

‫جرائم إلكترونية ضد الحكومات ‪ :‬وهي جرائم تهاجم املواقع الرسمية للحكومات وأنظمة شبكاتها‪ ،‬وتركز‬
‫على تدمير البنى التحتية لهذه املواقع أو األنظمة الشبكية بشكل كامل‪.‬‬

‫اإلرهاب اإللكتروني ‪ :‬وهي اختراقات لألنظمة األمنية الحيوية على مواقع األنترنيت‪.‬‬

‫جرائم االبتزاز اإللكتروني ‪ :‬وهي أن يتعرض نظام حاسوبي أو موقع الكتروني لهجمات حرمان من خدمات‬
‫معينة‪ ،‬حيث يشن هذه الهجمات ويكررها قراصنة محترفون بهدف تحصيل مقابل مادي لوقف هذه‬
‫الهجمات‪.‬‬

‫جرائم التشهير‪ :‬وهي تلك الجرائم التي يكون هدفها تشويه سمعة األفراد‪.‬‬

‫‪ 2‬خلود العربيتي‪ ،‬دور التكنولوجية الحديثة في تحسين أداء املحاكم وجودة الخدمات القضائية‪ ،‬مقال منشور على مجلة مغرب القانون‪،‬‬
‫‪www.marocdroit.‬‬
‫باإلضافة إلى الوصول للمواقع املشفرة واملحجوبة‪ ،‬ثم جرائم السب والشتم‪ ،‬وكذلك املطاردة اإللكترونية‪.‬‬

‫وهناك تعريف عام يعتبر املحاكم الرقمية محاكم تفض منازعاتها في إطار جلسات يباشر خاللها القضاة‬
‫النظر في الدعاوى والفصل فيها‪ ،‬بواسطة مجموعة من التقنيات املعلوماتية ووفق تشريعات تخول لهم‬
‫ذلك‪.‬‬

‫أوال‪ :‬خصائص املحكمة الرقمية‬


‫استنادا إلى التعاريف السالفة الذكر‪ ،‬نجد أن املحكمة الرقمية تتسم بالخصائص اآلتية ‪:‬‬

‫محكمة بال أوراق ‪ :‬حيث أنها إدارة تعتمد على الحاسب اآللي بشكل أساس ي وال تعتمد على األوراق إال بشكل‬
‫ثانوي‪.‬‬

‫محكمة بال مكان ‪ :‬بحيث أنها تعتمد على وسائل االتصال الحديثة كاألنترنيت‪ ،‬فاملسؤول اإلداري يستطيع‬
‫أن يتخذ القرار من أي مكان في العالم‪ ،‬وليس مرهونا باملقر املرفق العام‪.‬‬

‫محكمة بال زمان ‪ :‬بحيث اإلدارة اإللكترونية ال تلزم بأوقات العمل الرسمي فهي تعمل ‪ 365‬يوما في السنة‪،‬‬
‫و ‪ 7‬أيام في األسبوع‪ ،‬و ‪ 24‬ساعة في اليوم‪.‬‬

‫محكمة بال تنظيمات جامدة ‪ :‬فبفضل اإلدارة اإللكترونية صار بإمكاننا الحديث عن تنظيمات ذكية‪ ،‬تتسم‬
‫باملرونة وقابلة ألن تواكب جميع التغيرات الطارئة‪3.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مقومات اإلدارة اإللكترونية‬


‫وتتجلى في العديد من األسس القانونية واملادية والبشرية أهمها ‪:‬‬

‫اإلطار التشريعي املنظم لها ‪ :‬ذلك أن الحديث عن اإلدارة اإللكترونية ال يستقيم دون توفر الدولة على‬
‫مجموعة من التشريعات التي تنظم مختلف العمليات املرتبطة باإلدارة اإللكترونية‪.‬‬

‫املوارد البشرية املؤهلة ‪ :‬ذلك أن ثورة املعلومات واالتصال والتوسع في استخدام الحاسب اآللي فرض على‬
‫املوظف أن يتوفر على حد أدنى من املعرفة في مجال املعلوميات لكي يكون فاعال في منظومة اإلدارة‬
‫اإللكترونية‪ ،‬لذلك فإن اإلدارة اإللكترونية تستوجب التوفر على موظفين متخصصين في هذا املجال‪.‬‬

‫‪ 3‬أيوب بلعبدي‪ ،‬املحكمة الرقمية ودورها في الرفع من جودة األحكام‪ ،‬مقال منشور على مجلة القانون واألعمال الدولية‪.‬‬
‫املجتمع املعلوماتي ‪ :‬تعتبر قدرة املجتمع على التفاعل مع الثورة املعلوماتية ومدى قدرته على استخدامها‬
‫بشكل سليم وأساس ي لنجاح مشروع اإلدارة اإللكترونية‪.‬‬

‫التوفرعلى بنية تحتية معلوماتية ‪ :‬إذ ال يمكن تصور اإلدارة اإللكترونية بدون بنية تحتية الزمة‪ ،‬ويدخل‬
‫هذا األمر في إطار توفر الوسائل املادية الالزمة الشتغال االدارة االلكترونية‪ ،‬وتتمثل هذه البنية في‬
‫الحواسيب والهواتف وشبكات االتصال واألقمار الصناعية ‪ ،...‬لتحقيق املكانة الشاملة إلدارة القضايا من‬
‫أجل تحديث القضاء والرفع من جودته‪ ،‬وتحقيق الالتجسيد املادي للمساطر ولإلجراءات أمام املحاكم‪،‬‬
‫والحد من استعمال السجالت الورقية‪ ،‬وتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي‪ ،‬كما توفر اإلدارة‬
‫اإللكترونية سرعة البت في الدعاوى من جهة وتوفير الجهد واملال على املتقاضين ومحاميهم من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫لتكريس العدالة في خدمة املواطن نجدها تقدم مجموعة من الخدمات االلكترونية سنذكر منها اآلتي ‪:‬‬

‫تندرج بوابة الخدمات اإلدارية والقضائية عبر الضبط ضمن الدعامات األساسية التي تعتمدها وزارة‬
‫العدل من أجل تفعيل استراتيجياتها املتعلقة بتحديث اإلدارة القضائية عبر الالتجسيد املادي للمساطر‬
‫واإلجراءات القضائية‪ ،‬وتمكن هذه البوابة من القيام بالطلبات عن بعد من أجل الحصول على مجموعة‬
‫من الوثائق املتعلقة بالدعاوى القضائية وامللفات الرائجة لدى جل محاكم اململكة‪.‬‬

‫تطبيق ‪ E _JUSTIC‬للهواتف الذكية ‪:‬‬

‫أعدت الوزارة تطبيقا خاصا بالخدمات القضائية االلكترونية ‪ e_justice Mobile‬كتصور جديد يروم‬
‫تقريب املعلومة القضائية من املواطنين واملرتفقين وتيسير الولوج إليها‪ ،‬ويوفر هذا التطبيق املعلوماتي‬
‫الجديد العديد من الوظائف التقنية واالمكانيات التي تتيح االستفادة من مجموعة من الخدمات القضائية‬
‫املتوفرة على مدار ‪ 24‬ساعة وطيلة أيام األسبوع‪ ،‬كما تمكن من الحصول على املعطيات بشكل آني ووفق‬
‫آخر التحيينات بمختلف األنظمة املعلوماتية لوزارة العدل‪.‬‬

‫الخدمات التي يوفرها التطبيق املعلوماتي ‪: e_justice Mobile‬‬

‫‪ 4‬أيوب بلعبدي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬


‫أوال ‪ :‬خدمة تتبع القضايا ‪ :‬حيث تمكن هذه الخدمة من االطالع على معلومات والئحة اإلجراءات املتخذة‬
‫في امللفات املدنية والزجرية على مستوى املحاكم االبتدائية ومحاكم االستئناف‪ ،‬وامللفات اإلدارية‪ ،‬ومحاكم‬
‫االستئناف اإلدارية‪ ،‬وامللفات التجارية على مستوى املحاكم التجارية ومحاكم االستئناف التجارية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬خدمة اإلطالع على مآل طلبات السجل العدلي ‪ :‬حيث تمكن هذه الخدمة من التتبع من أجل‬
‫معالجة طلبات السجل العدلي التي تم وضعها عبر األنترنيت‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬خدمة اإلطالع على الئحة االعالنات القضائية ‪ :‬حيث تمكن هذه الخدمة من تصفح مختلف‬
‫االعالنات الخاصة بالبيوع العقارية واملنقولة املعلن عنها بمختلف محاكم اململكة دون الحاجة الى التنقل‬
‫الى املحاكم‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬خدمة السجل التجاري ‪ :‬حيث توفر هذه الخدمة من جهة إمكانية معرفة الوثائق الالزمة إلنشاء‬
‫املقاوالت واملراجع القانونية املنظمة لذلك‪ ،‬ومن جهة ثانية توفر إمكانية البحث والتقص ي حول الوجود‬
‫القانوني للمقاوالت املسجلة بالسجل التجاري‪ ،‬سواء بأشخاص ذاتيين أو معنويين‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬خدمة الخريطة القضائية ‪ :‬حيث تمكن هذه الخدمة من معرفة املحكمة املختصة مكانيا للبت‬
‫في النزاع بحسب نوع القضية‪ ،‬انطالقا من مؤشر الجماعة املحلية‪ ،‬كما يوفر التطبيق معلومات االتصال‬
‫بمختلف محاكم اململكة‪ ،‬واحداثيات املوقع الجغرافي الخاص بها عبر نظام الخرائط الذكية‪.‬‬

‫بوابة املحاكم ‪ :‬استمرارا في مسار التجسيد الالمادي للمساطر واالجراءات القضائية‪ ،‬وتبسيط‬
‫االجراءات االدارية مع تمكين العموم من خدمات الكترونية عن بعد عبر الخط‪ ،‬كخيار استراتيجي لوزارة‬
‫العدل في تحديث االدارة القضائية تنضاف بوابة الخدمات االلكترونية للمحاكم املغربية تمكن هذه البوابة‬
‫من ‪:‬‬

‫االطالع على الخريطة القضائية ملحاكم اململكة مع خارطة جغرافية ملوقع املحكمة وروابط االتصال بها‪،‬‬
‫وتتبع امللفات والقضايا بالبحث عن ملف واالطالع على جداول الجلسات اليومية متضمنة مآل امللفات‪،‬‬
‫وكذا تحميل نماذج طلبات ومقاالت متنوعة‪ ،‬وكذلك البحث في االعالنات القانونية والقضائية واإلدارية‬
‫بمعايير متنوعة‪ ،‬باالضافة للشباك االلكتروني للسجل العدلي‪ ،‬هذه الخدمة تسمح بطلب السجل العدلي‬
‫عن طريق األنترنيت‪ ،‬وباإلضافة للسحل التجاري وهذه الخدمة تسمح بطلب وتتبع السجل التجاري‪ ،‬ثم‬
‫مركز تتبع وتحليل الشكايات‪5.‬‬

‫ونستشف مما سبق ذكره أن هذه التطبيقات تعتريها اجابيات وسلبيات عديدة‪ ،‬فمن أهم اإليجابيات‬
‫نجد ‪ :‬تجويد الخدمات القضائية و تسهيل الولوج للمعلومة القضائية ثم تسريع وحوسبة االجراءات‪ ،‬كما‬
‫أنها تساهم في توفير الجهد واملال واالستغناء عن السجالت الورقية التي كانت تعتمد أساليب تخزين وبحث‬
‫تقليدية تثقل كاهل املحكمة واملوظفين‪ ،‬كما أنها تساهم أيضا في املساهمة في املراقبة واملحاسبة والتدقيق‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالسلبيات فنجد ‪ :‬بطئ على مستوى التطوير والتجويد‪ ،‬كما أنها ال تدعم العمل عن بعد‬
‫للموظفين وال تغطي جميع اإلجراءات ‪...‬‬

‫ولعل من سبل تطويرها يمكن إشراك خاليا املعلوميات واملوظفين وتطوير تجويدها‪ ،‬ثم يمكن إضافة‬
‫األداء االلكتروني وطرق التبليغ االلكتروني ‪ ،‬إضافة إلى تبني التطبيقات املتطورة محليا من طرف املحاكم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التقاض ي االلكتروني عبراملحكمة الرقمية‬


‫انطالقا مما صاحب التحوالت التي شهدتها املنظومة القضائية ببالدنا التي أسفرت عن بروز املحكمة‬
‫الرقمية وعملية التقاض ي االلكتروني في تنفيذ مبدأ " القضاء في خدمة املواطن" الذي نودي به في افتتاح‬
‫الدورة األولى للبرملان بتاريخ ‪ 8‬اكتوبر ‪.2010‬‬

‫نجد أن اصالح القضاء حظي بأولوية شاملة‪ ،‬وذلك بغية تسهيل عملية التقاض ي انطالقا من تحقيق‬
‫الالتجسيد املادي للمساطر واالجراءات أمام املحاكم‪ ،‬والحد من استعمال السجالت الورقية ملا قد تسببه‬
‫من ضياع للقضايا وتجاوز مرحلة ازدواج العمل اليدوي‪ ،‬والتقاض ي االلكتروني يقوم على سلطة مجموعة‬
‫متخصصة من القضاة‪ ،‬ينظرون في الدعوى ويباشرون االجراءات القضائية بوسائل الكترونية مستحدثة‪،‬‬
‫ضمن نظام او أنظمة قضائية معلوماتية متكاملة لألطراف والوسائل‪ ،‬تعتمد منهج تقنية شبكة الربط‬
‫الدولية ( األنترنيت ) وبرامج امللفات االلكترونية‪ ،‬وبالنظر في الدعاوى والفصل فيها‪ ،‬وتنظيم األحكام بغية‬
‫ي‪6.‬‬ ‫الوصول لفصل سريع في الدعاوى وتسهيل عملية التقاض ي على املتقاض‬

‫‪ 5‬تطبيقات من البوابة الوطنية‪ Maroc.ma ،‬تطبيقات وخدمات توفرها وزارة العدل للمرتفقين لتسهيل توفير وتبسيط اإلجراءات والوثائق‬
‫اإلدارية للمواطنين‪ ،‬وكسياسة تنهجها وزارة العدل لتحديث اإلدارة القضائية عبر هاته التطبيقات والخدمات الحديثة التي توفرها للرقي‬
‫باإلدارة القضائية‪.‬‬
‫‪ 6‬التقاض ي اإللكتروني‪www.marocdroit.com ،‬‬
‫ومن خطوات التقاض ي االلكتروني عبر املحكمة الرقمية نجد ‪:‬‬

‫أول اجراءات التقاض ي التي تمر بها الدعوى القضائية هو التسجيل في السجالت الرسمية للمحكمة‬
‫املختصة بعد دفع الرسوم القضائية وتسجيل الدعوى القضائية االلكترونية‪ ،‬يكون من خالل موقع على‬
‫شبكة األنترنيت يحمل عنوان معين‪ ،‬يستطيعون من خالله املحامون والخصوم الدخول الى النظام‬
‫وتسجيل الدعاوى القضائية‪ ،‬وتسليم الوثائق واملستندات ودفع الرسوم القضائية‪ ،‬حيث يقوم كل من‬
‫املدعي بإعداد عريضة الدعوى‪ ،‬واملدعى عليه بإعداد الئحته الجوابية على الدعوى القضائية على قرصين‬
‫مدمجين ( ‪ ) CD‬يملكان السعة ذاتها‪ ،‬ثم تدخل بيانات هذين القرصين للبرنامج الحاسوبي‪ ،‬علما أن لوائح‬
‫الدعوى التي يتم إرسالها ليست لوائح مطبوعة أو ورقية وإنما لوائح عالية التقنية‪ ،‬ثم يقوم املدعي بتوكيل‬
‫محام للدفاع عنه بشكل الكتروني عن طريق الربط االلكتروني مع مديرية األحوال املدنية املختصة في نطاق‬
‫مشروع الحكومة االلكترونية‪ ،‬فيطلب منه ادخال رقمه ( الكود ) الذي يحصل عليه من نقابة املحامين‪،‬‬
‫وذلك من خالل تفعيل قانون التوقيع االلكتروني والحكومة االلكترونية‪ ،‬وبعدها يقوم الحاسوب الرقمي‬
‫بالتحقيق من صحة البيانات والتأكد من هوية املستخدم املوقع ويسمح له بالدخول‪ ،‬ويفتح له قائمة‬
‫الختيار املحكمة املختصة مدنية كانت أو زجرية‪.‬‬

‫ويرفق املحامي بعريضة الدعوى املوقعة االلكترونية بريده االلكتروني او رقم هاتفه املحمول ملراسلته‬
‫الكترونيا‪ ،‬وبعد التأكد من كافة املستندات والوثائق املرفقة‪ ،‬وتسديد رسوم الدعوى عن طريق النقود‬
‫االلكترونية أو وسائل السداد املعتمدة‪ ( ،‬ماستر كارد‪ ،‬أو فيزا كارد ) او تحويل بنكي يتم تحويله كمحرر‬
‫الكتروني باملحكمة املختصة‪.‬‬

‫هذا وأن خيارات الدفع االلكتروني للرسوم القضائية كثيرة ومتنوعة‪ ،‬واذا لم تدفع للرسوم او كانت‬
‫الرسوم ناقصة يشعر كل من يريد فتح ملف الدعوى بأن هناك خلال يتعلق بقيمة الرسم‪ ،‬وبعد اتمام‬
‫تسجيل عريضة الدعوى القضائية الكترونيا‪ ،‬ودفع الرسوم القضائية عنها‪ ،‬نصل إلى مرحلة إجراء‬
‫التبليغات القضائية‪ ،‬وتحتل هذه املرحلة أهمية بالغة الخطورة في العمل القضائي‪ ،‬ألنه اذا لم يتم التبليغ‬
‫بصورة صحيحة يتعذر إجراء املرافعة‪ ،‬مما يؤدي الى عدم حسم الدعوى‪ ،‬علما أن الطريقة التقليدية‬
‫للتبليغ هي األصل‪ .‬وهي أكثر الطرق انتشارا في األنظمة القضائية‪ ،‬إال أن بالتقاض ي عن بعد يتم التبليغ‬
‫بالطريقة االلكترونية وهي اعتماد وسائل جديدة وحديثة للتبليغ ( كالتبليغ بواسطة البريد االلكتروني ‪)...‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن التبليغ بهذه الوسائل ال يحل محل التبليغ بالطريقة التقليدية‪7 .‬‬

‫فالتقاض ي عن بعد يوفر مدخال ومستوعبا ورابطا شبكيا بينهما فاملدخل هو الصفحة الرئيسية ملوقع‬
‫النظام على األنترنيت‪ ،‬يستطيع الخصوم ووكالئهم وبقية األشخاص الدخول إليه وتحديد نوع الخدمة او‬
‫اإلجراء املراد تنفيذه‪.‬‬

‫واملستوعب هو وحدات من األجهزة اإلدارية والقضائية التي تستقبل املراجعين وبرامج حاسوبية تقوم‬
‫بعملية التوثيق التقني لكل اجراء والربط الشبكي بينهما‪ ،‬هو وسيلة التواصل والدخول من صفحات ضمن‬
‫موقع الكتروني على خط شبكي عاملي الى خط شبكي حاسوبي مقيد به له أنظمة حاسوبية معروفة‪ ،‬تعتبر‬
‫جدرانا مانعا من دخول القراصنة واملتطفلين لقواعد البيانات الداخلية الخاصة بالدعاوى‪ ،‬وعليه فال‬
‫يشترط الحضور الشخص ي للخصوم الى مكان املحكمة‪ ،‬بحيث يستطيع الخصوم الدخول للمحكمة‬
‫االلكترونية من أي مكان فيه جهاز حاسوب‪ ،‬متصل بشبكة األنترنيت بواسطة موقع التقاض ي عن بعد‪،‬‬
‫يستطيع املدعي الحصول على املعلومات املتعلقة بالنظام وبكيفية تسجيل الدعاوى وبالدخول الى املوقع‬
‫واالتصال باملوظفين والتحدث معهم‪ ،‬ملعرفة تفاصيل النظام‪ ،‬وكيفية إقامة الدعاوى القضائية واثبات ما‬
‫يدعيه املدعي‪ ،‬وبعدها يستطيع الحضور واملثول بواسطة املوقع بالدخول إلى صفحة القاض ي وقاعة‬
‫املحكمة‪ ،‬ليقوم بكتابة املواقع االلكترونية بالتأكيد من صفحته وادخاله لقاعة املحكمة ليتمكن القاض ي‬
‫من مباشرة اإلجراءات القضائية‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للمدعى عليه الحاضر‪ ،‬ويتم توثيق هذا الحضور‬
‫تقنيا‪8.‬‬

‫أما بالنسبة للوكالء بالخصومة أي املحامون فيستطيعون تمثيل الخصوم من مكاتبهم دون حاجة‬
‫للحضور الشخص ي الى املحكمة في مواعيد الجلسات‪ ،‬ويمكنهم تجهيز وتصميم ملفات الكترونية تتضمن‬
‫عريضة الدعوى والبيانات والوثائق املطلوبة‪ ،‬وإرسالها الى وحدة تسجيل الدعاوى القضائية‪ 9،‬وفي حالة‬
‫طلب أصل الوثائق واألدلة املقدمة في الدعوى‪ ،‬يستطيع املحامي تأمين ارسالها إما بالحضور الشخص ي الى‬

‫‪ 7‬محمد عصام الترساوي‪ ،‬تداول الدعوى القضائية أمام املحاكم اإللكترونية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،2013‬ص ‪.87‬‬
‫‪ 8‬أيوب بلعيدي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 9‬حازم محمد الشرعة‪ ،‬التقاض ي االلكتروني في املحاكم االلكترونية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ -‬األردن سنة ‪،2010‬‬
‫ص ‪.73-72‬‬
‫املحكمة أو إرسالها بواسطة بريد النظام الذي يعتبر جزءا من وحدة التبليغات االلكترونية ‪ .10‬فما هي إذن‬
‫أهم التحديات التي تواجه رقمنة اإلجراءات القانونية والقضائية ؟‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬التحديات التي تواجه رقمنة االجراءات القانونية والقضائية‬


‫من املعلوم أن اعتماد الرقمنة في العدالة أصبح أمرا ملحا ملا له من أثر بالغ على تحقيق الحكامة القضائية‬
‫لتلبية رغبة املتقاضين وتشجيع االستثمار‪ ،‬بحيث أصبح تقديم خدمة املرفق غير متوقف عند تلبية رغبة‬
‫املرافق فقط‪ ،‬بل الى مدى جودة الخدمة والسرعة املقدمة بها تلك الخدمة‪.‬‬

‫غير أن عملية االنتقال من االدارة التقليدية الى االدارة الرقمية ( القضائية ) أضحى مطلبا ضروريا‪ ،‬إن هي‬
‫أرادت أن تستجيب بفاعلية لحاجيات مجتمع اليوم والغد‪ ،‬فإن الظروف املحيطة بعملية االنتقال الى عدالة‬
‫رقمية غير مطمئن عليها لبلوغ األهداف املتوخاة‪ ،‬ألن عملية االنتقال ليس باألمر الهين‪ ،‬ملا يشوب ذلك من‬
‫معيقات بحيث يتطلب العديد من املراحل التي من شأنها أن تؤدي الى إدماج واشراك املجتمع بشكل كلي في‬
‫عملية التحول‪ ،‬بحيث يتأقلم معها ويتطور بتطورها‪ ،‬على عكس ما يحدث عند تطبيق نظام جديد دفعة‬
‫واحدة‪ ،‬مما يؤدي الى رفضه باملرة أو عدم استيعابه كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق نظام قضائي رقمي‪.‬‬

‫على الرغم من قيام وزارة العدل بمجموعة من املجهودات تنفيذا للخطابات امللكية التي ترمي إلى عصرنة‬
‫الجهاز القضائي‪ ،‬وجعله في صلب موضوع االستراتيجية الحكومية‪ ،‬إال أن هذه املجهودات لم تبلغ املستوى‬
‫املطلوب‪ ،‬أي لم تتجاوز مع متغيرات العالم بفعل مجموعة من املعيقات‪ 11‬األمر الذي يدفعنا إلى الحديث‬
‫من خالل هذا املطلب الى االكراهات الذاتية ( الفقرة األولى ) فين حين سنتحدث عن االكراهات املوضوعية‬
‫( الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬االكراهات الذاتية للرقمنة‬


‫من أهم هذه االكراهات الذاتية التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ مشاريع التحديث والتحول املرتكزة على‬
‫تحديث قطاع العدالة بوسائل التكنولوجية واإلعالم‪ ،‬تكمن في غياب استراتيحية واضحة على تبني الرقمنة‪،‬‬
‫وامليزانيات املرصودة لتنزيل املشروع‪ ،‬وفي األخير غياب مدونة كفيلة بالعمل‪ ،‬وتتجلى هذه االكراهات في‬

‫‪ 10‬محمد عصام الترساوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫‪ 11‬محمد حزالك‪ ،‬دور الرقمنة في تيسير الولوج إلى العدالة‪ ،‬نظرة استشرافية نحو املحكمة الرقمية‪ ،‬منشور على مجلة الباحث للدراسات‬
‫واألبحاث القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪ ،72‬ص ‪.34‬‬
‫ثالث‪ ،‬منها ما يتعلق باإلكراهات املرتبطة باالستراتيجية الرقمية‪ ،‬واكراهات مرتبطة بامليزانيات املرصودة‪،‬‬
‫واكراهات أخرى مرتبطة بالتشريع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االكراهات املرتبطة باالستراتيجية الرقمية‬


‫تعتبر استراتيجية تبني الرقمنة بمثابة الخيط الناظم من أجل البلوغ الى عدالة رقمية‪ ،‬فقبل ذلك‬
‫سنحاول الوقوف على استراتيجية الحكومة عامة‪ ،‬بحيث أن هذه األخيرة تبنت أول استراتيحية منذ بداية‬
‫القرن الواحد والعشرون وتتمثل في االستراتيجية الوطنية ‪ e_Maroc‬في صيغتها األولى سنة ‪ ،2001‬مرورا‬
‫باستراتيجية املغرب الرقمي ‪ 2013 _ 2009‬لسنة ‪ 2008‬وصوال الى استراتيجية املغرب الرقمي في ‪ 2020‬لسنة‬
‫‪ ،2016‬التي تلتها الخطة الوطنية إلصالح اإلدارة ‪ 2021 _ 2018‬بحيث يسعى هذا املخطط الى تسهيل عملية‬
‫التحول عبر اعتماد األدوات التكنولوجية الحديثة من أجل توفير خدمات عالية ومتعددة القنوات وتحسين‬
‫تطلعات املرتفقين‪12.‬‬

‫إن وزارة العدل اعتبرت أن تحديث اإلدارة القضائية خيارا استراتيجيا في برنامج الوزارة‪ ،‬من أجل تحقيق‬
‫املكننة الشاملة إلدارة القضايا‪ ،‬للوصول لغاية وهي كما كان مقررا تحديد سنة ‪ 2020‬كأجل اقص ى لتحقيق‬
‫التجسيد الالمادي للمساطر واإلجراءات أمام املحاكم‪ ،‬والحد من استعمال السجالت الورقية وتجاوز‬
‫مرحلة ازدواجية العمل اليدوي والعمل ‪ ،13‬بحيث تم التنصيص على ذلك في ميثاق إصالح منظومة العدالة‬
‫‪14‬بمقتض ى التوصيات رقم ‪ 187‬و ‪ 188‬و‪ 189‬و ‪ 190‬وحدد أجل تنفيذها ما بين ‪ 2013‬و ‪ ،2020‬الشيئ الذي‬
‫دفع الى التفكير بإصدار مخطط توجيهي للتحول الرقمي للعدالة في املغرب بتاريخ يونيو ‪ ،2020‬كمخطط‬
‫له أهداف واضحة املعالم من خالل قراءة أجزائه الذي حاول تشخيص واقع ظروف تبني الرقمنة في العدالة‪.‬‬

‫عموما إن تنزيل استراتيحية الرقمنة في العدالة ال تتوقف على التنظير فقط‪ ،‬وإنما التقعيد على مستوى‬
‫الواقع من خالل رصد ميزانية‪ ،‬والتي تعد الجزء األهم في انجاح أي استراتيجية كانت‪ ،‬وبالتالي فإن امليزانية‬
‫املرصودة لتقعيد املخطط تبقى هي األخرى من بين االكراهات التي تساهم في عدم انجاح مخطط الرقمنة‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫‪ 12‬أنظر الخطة الوطنية إلصالح اإلدارة‪ ،2021/2020 ،‬ص‪.3‬‬


‫‪ 13‬تقرير بأهم منجزات وزارة العدل والحريات‪ ،‬سنة ‪ ،2012‬ص‪.3‬‬
‫‪ 14‬حوار إصالح منظومة العدالة بتاريخ ‪ 30‬يوليوز ‪ 2013‬بمناسبة عيد العرش املجيد‪ ،‬الذي جاء فيه ما يلي‪ " :‬وفي هذا الصدد نسجل بارتياح‬
‫توصلنا إلى ميثاق إصالح املنظومة القضائية التي توافرت لها كل الظروف املالئمة‪ ،‬ومن هنا يجب علينا أن نتجند جميعا من أجل إيصال هذا‬
‫اإلصالح الهام إلى محطته النهائية "‪.‬‬
‫‪ 15‬محمد حزالك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫ثانيا‪ :‬االكراهات املرتبطة بامليزانية املرصودة‬

‫يعد توفير االستثمارات املالية من أحد أهم التحديات التي تواجه اإلدارة القضائية‪ ،‬إذا تعتمد هذه األخيرة‬
‫بجميع مكوناتها على توفير امليزانيات املطلوبة لتوفير املشاريع التي تساهم في إرساء التحول الرقمي‪16 .‬‬

‫بحيث يعتبر الجانب املالي من أهم االكراهات التي تحول دون اعتماد الوسائل التكنولوجية على صعيد‬
‫محاكم اململكة‪ ،‬لكن ومع ذلك تبقى هناك ميزانيات ومجهودات الوزارة املعنية بتخصيص ميزانيات مهمة‪،‬‬
‫إال أنها ال تكفي بحيث أن تعميم التكنولوجيا ال يكمن في اقتناء املعدات فقط‪ ،‬بل البد من تأسيس بنايات‬
‫تستوعب هذه التجهيزات‪.‬‬

‫عموما إن امليزانية املرصودة ال تشكل إال جزءا وإن كان مهم‪ ،‬وتعتبر من االكراهات التي تحول دون التنزيل‬
‫الشامل ملخطط الرقمنة‪ ،‬ونقصد هنا رقمنة العدالة‪ ،‬باإلضافة ملجموعة من اإلكراهات املرتبطة بالجانب‬
‫التشريعي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االكراهات املرتبطة بالتشريع‬

‫ويعتبر التشريع من اللبنات األساسية للعمل بالرقمنة‪ ،‬بحيث ال يمكن العمل بدون شرعنة األسلوب‪ ،‬ثم‬
‫في غياب نصوص جديدة تسهل العمل بالرقمنة لتجاوز التعقيدات وتشتت املساطر يبقى حائال بين‬
‫استخدام أساليب من شأنها أن تساهم في فشل تبني الرقمنة على مستوى التبليغ وأداء الرسوم القضائية‬
‫‪..‬إلخ‪.‬‬

‫إذ ما زالت املحاكم تعمل بظهائر ملكية تعود لسنة ‪ 1962‬املتعلق بمجموعة القانون الجنائي‪ ،‬وكذا لسنة‬
‫‪ 1974‬املتعلق بقانون املسطرة املدنية ‪ ،...‬بحيث ال يمكن العمل بالرقمنة في ظل هذا التشتت والتعقيد‪ ،‬غير‬
‫أن األمر قيد الدراسة بحيث تم ترميم وإصالح القوانين املنظمة للمحاكم‪ ،‬خصوصا القانون رقم ‪38.15‬‬
‫املتعلق بالتنظيم القضائي‪ ،‬وهو األمر كذلك بالنسبة للقوانين األخرى في انتظار خروجها حيز التنفيذ‪ ،‬من‬
‫أجل تجاوز مشكل التشتت على مستوى النصوص القانونية ملا فيه هدر للوقت والجهد في البحث عن‬
‫املسطرة من أجل سلوكها لرفع الدعوى والنصوص املعتمدة بشأنها‪.‬‬

‫‪ 16‬سعاد أغنايم‪ " ،‬اإلدارة القضائية وتحديات التحول الرقمي – التجربة املغربية نموذجا‪ ،‬مقال منشور على املنصة القانونية"‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫أما على املستوى األمني نجد أن اإلدارة القضائية تعمل من خالل قضايا املرتفقين بتدبير مجموعة من‬
‫املعطيات الشخصية املتعلقة بهم‪ ،‬كما هو منصوص عليه في مقتضيات املادة ‪ 23‬من القانون ‪09.08‬‬
‫ي‪17.‬‬ ‫املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص‬

‫وفي إطار الحماية الجنائية أصدر املشرع املغربي عدة قوانين منها القانون رقم ‪ 07.03‬املتعلق بالجرائم‬
‫املتعلقة بنظم املعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬ثم القانون الجديد املتعلق باألمن السبيراني رقم ‪ 05.20‬من أجل‬
‫حماية نظام األمن املعلوماتي‪18 .‬‬

‫وبناء عليه‪ ،‬فإن هاجس األمن املعلوماتي مزال هو اآلخر لم يصل للهدف املنشود لتبني الرقمنة‪ ،‬من أجل‬
‫تشجيع املتقاضين للتعامل مع النظم املعلوماتية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االكراهات املوضوعية للرقمنة‬


‫إن إنجاح مشروع رقمنة العدالة تتظافر من خالله مجموعة من العوامل‪ ،‬وبالتالي فإنه غير رهين بامليزانية‬
‫املرصودة القتناء التجهيزات املعلوماتية وكذا ادارته‪ ،‬فكثير من املشاريع تم تطويرها لكن لم يتم استغاللها‪،‬‬
‫وهذا يعود الى عدم وجود رغبة من قبل املستخدمين للتغيير التكنولوجي أو تخوفهم من عواقب هذا‬
‫االستخدام في ظل نقص على مستوى الضمانات القانونية لتبني الرقمنة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االكراهات املتعلقة باملوارد البشرية‬


‫تعد املوارد البشرية املؤهلة من أبرز العناصر التي تقود االدارة القضائية الى تحقيق التقدم والرقي في‬
‫مختلف املجاالت‪ ،‬فخلف كل صدارة متقدمة يقف اداريون ذوي بصر ثاقب وكفاءة عالية‪ ،‬ويشكل تأهيل‬
‫املوارد البشرية وتطور أساليب تدبيرها الصدارة في برامج اإلصالح االداري‪ ،‬ومن شأن تأهيلها توفير فرص‬
‫حقيقية لتحسين أداء املرافق العمومية‪ ،‬ومن تم فإن انجاز هذا البرامج ونجاحه يتوقفان الى حد كبير على‬
‫التعبئة الشاملة لكافة أطر الدولة واملوظفين وانخراطهم في مسلسل االصالح‪19 .‬‬

‫بحيث يعد العنصر البشري دعامة أساسية في االصالح وتحديث املحاكم‪ ،‬وبالتالي ال يمكن إنجاح املشروع‬
‫الرقمي للعدالة بالشكل املطلوب‪ ،‬بحيث إن تطبيق مشروع الرقمنة يجب أن يسهر عليها أطر متخصصة في‬

‫‪ 17‬أنظر املادة ‪ 23‬من القانون رقم ‪ 09.08‬املتعلق بحماية املعطيات ذات الطابع الشخص ي‪.‬‬
‫‪ 18‬سعاد أغنايم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 19‬محمد بن يحيى‪ " ،‬اإلصالح اإلداري باملغرب على ضوء التجارب األجنبية "‪ ،‬منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪،195‬‬
‫طبعة ‪ ،2008‬ص‪.85‬‬
‫هندسة املعلوميات‪ ،‬بحيث أن الواقع التكنولوجي واملعالجة املعلوماتية لإلجراءات داخل املحاكم في ظل‬
‫سياسة التحديث تقتض ي إملام القانونيين باستعمال التكنولوجيا الحديثة‪...‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االكراهات على املستوى اللوجستيكي‬


‫يشهد املجتمع تطور وتشعب العالقات واختالف أنواع القضايا املعروضة على العدالة وتعقدها‪ ،‬زيادة‬
‫على ارتفاع معدل السكن وما ينجم عنه من تزايد الطلب عن خدمات العدالة‪ ،‬لذلك كان البد من احداث‬
‫بنايات جديدة نظرا لهشاشة بناية بعض املحاكم القائمة وقدمها‪ ،‬الشيئ الذي ال يتناسب مع قيمة القضاء‬
‫ي متميز يجعل مرتديها يشعرون بهيبتها وبمكانتها‪20 .‬‬ ‫ودوره‪ ،‬فالبد أن تكون كل بناية بشكل هندس‬

‫وتعتبر هشاشة البنيات التحتية من االكراهات التي تواجه تبني الرقمنة في قطاع العدالة‪ ،‬أو تنزيل‬
‫املحكمة الرقمية حسب ما جاء في التوصية ‪ 187‬من ميثاق إصالح منظومة العدالة‪21 .‬‬

‫نجد أن وزارة العدل قامت بمجهودات جبارة وذلك ببناء مجموعة من املرافق‪ ،‬إال أنها لم تستجيب‬
‫بالشكل الكلي لتأهيل فضاءات تتالءم مع االنتقال الى تبني الرقمنة‪ ،‬حسب ما جاء في الهدف الفرعي الخامس‬
‫" الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم " من أجل تيسير ولوج املتقاضين على حد سواء من غير تفاوت‬
‫على مستوى الخريطة القضائية‪ ،‬وباإلضافة لذلك ال يعد توفير البنايات كافيا لوحده إلصالح املخطط‪.‬‬

‫والحقيقة أن مفهوم العدالة الرقمية يختلف تماما عن العدالة التقليدية التي يغلب عليها الطابع املادي‪،‬‬
‫بدءا من اللجوء للمحكمة مرورا بالحضور وصوال إلى التنفيذ ملا فيه هدر للوقت‪ ،‬وتفش ي جميع املمارسات‬
‫الألخالقية من قبيل الزبونية واملحسوبية والرشوة‪ ،‬مما يتطلب النهج الجديد من توفير كافة الوسائل‬
‫املساعدة على األداء الجيد مثل الكراس ي ومكاتيب أمامية وخلفية مهيئة بشكل يؤثر إيجابيا على اإلدارة‬
‫القضائية‪ ،‬وحواسب ذات جودة عالية معممة على جميع القضاة‪ ،‬وتعميم تجهيز قاعات املحاكم بالكاميرات‬
‫من أجل ضمان مبدأ الحضورية والتواجهية عبر تقنية ما يسمى في أدبيات النظم املعلوماتية " تقنية‬
‫املناظرة املرئية " التي من خاللها يتم استبدال املحاكمة الحضورية باالفتراضية‪22 .‬‬

‫‪ 20‬محمد حزالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪ 21‬الهيئة العليا للحوار الوطني‪ ،‬حول إصالح منظومة العدالة‪ ،‬ميثاق إصالح منظومة العدالة‪ ،‬يوليو ‪ ،2013‬ص‪.77‬‬
‫‪ 22‬محمد حزالق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫ثالثا ‪ :‬االكراهات املتعلقة باملتعاملين مع العدالة‬
‫نقصد باملتعاملين مع العدالة املساعدون غير املباشرون للقضاء ‪ 23‬وللمتقاضين‪ ،‬وتعدد الفاعلين في‬
‫العدالة يشكل اكراها في حد ذاته في رقمنة العدالة‪ ،‬بحيث أن املحامون ال يخضعون للتكوين بالشكل‬
‫املطلوب‪ ،‬نظرا لغياب معهد للتكوين‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للقضاة وكتاب الضبط‪ ،‬في انتظار تخصيص‬
‫معهد خاص باملحامين‪ ،‬كما أن أغلب مكاتيب املحامون غير مجهزة بأحدث الوسائل حتى يتسنى لهم الترافع‬
‫عن بعد‪ ،‬على الرغم من تخصيص منصات لكن لم ينخرط فيها إال عدد محدود لم يتجاوز ‪ 955‬محامي من‬
‫أصل ‪ 13150‬محامي كان هذا إلى غاية ‪ 23‬اكتوبر ‪ ،2020‬ونفس الش يء بالنسبة للعدول بحيث تم انخراط‬
‫‪ 2150‬عدل من أصل ‪ ،246455‬إذن نالحظ من خالل هذه اإلحصائيات ضعف االنخراط واإلقبال على هذه‬
‫املنصات حيث لم ينخرط إال عدد قليل في هذه التجربة‪ ،‬في انتظار تعميم املنصات على باقي الدوائر‬
‫القضائية ونفس األمر بالنسبة للمهن األخرى‪.‬‬

‫أما االكراه الثاني فيتعلق باملتقاض ي‪ ،‬ويكمن في االنتشار الواسع لألمية باملغرب عامة واألمية الرقمية‬
‫خاصة‪ ،‬التي تجعل رقمنة اإلدارة العمومية بشكل عام أمام تحد كبير‪ ،‬بحيث أظهر البحث املنجز سنة‬
‫‪ 2017‬أن معدل نفاذ األنترنيت الى البيوت باملغرب‪ ،‬ظل في تصاعد مستمر حيث انتقل من‪ 20 ٪‬سنة ‪2009‬‬
‫إلى ‪ 70 ٪‬سنة ‪ ،2017‬إال أن التفاعل مع الخدمات العمومية عبر األنترنيت يبقى محدودا إذ أن ‪ 11.1 ٪‬من‬
‫مستعملي الشبكة العنكبوتية لجؤا الى التفاعل مع االدارات العمومية‪25 .‬‬

‫‪ 23‬ونقصد هنا املحامون واملفوضون القضائيون واملوثقون والعدول والخبراء والتراجمة ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ 24‬الرجوع الى العرض الذي قدمه وزير العدل بمناسبة تقديم امليزانية الفرعية لوزارة العدل أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان‬
‫بمجلس النواب‪ ،‬سنة ‪ ،2021‬ص‪.66‬‬
‫‪ 25‬تقرير خاص باملجلس األعلى للحسابات‪ ،‬خالل سنتني ‪ 2017 – 2016‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫صفوة القول إن من مخرجات هذه الدراسة هي أن رقمنة العدالة أصبحت ضرورة ملحة فرضتها الثورة‬
‫الرقمية التي يعرفها العالم‪ ،‬وذلك لتصريف القضايا وتمكين املتقاضين من حقوقهم بالكيفية التي يرضونها‪.‬‬

‫فاالنتقال الى هذا األسلوب الجديد‪ ،‬أي تعميم البرامج املعلوماتية على جميع محاكم اململكة وتغطيتها‬
‫ملجمل املساطر القضائية وتقوية الخدمات القضائية املقدمة عن بعد‪ ،‬يعد رهانا قويا لتطوير القضاء بكل‬
‫مكوناته‪ ،‬وإنشاء نظام قضائي مستقل ومنتج وحديث وشفاف‪.‬‬

‫لكن وبالنظر للواقع‪ ،‬نجد أن واقع العدالة باملغرب لم يصل بعد إلى استعمال الرقمنة بشكل معمم‪ ،‬كما‬
‫تجدر املالحظة أن هناك نوع من التباين بين مؤسسات الجهاز القضائي‪ ،‬فعلى سبيل املثال نجد أن محكمة‬
‫النقض وبعض املحاكم األخرى املتخصصة وكذلك بعض املحاكم العادية‪ ،‬نجدها تتصدر القائمة بتوفرها‬
‫على العديد من الخدمات عبر وسائل تكنولوجية حديثة ومتطورة‪ ،‬عكس املحاكم األخرى وربما السبب‬
‫يعود الى ضعف البنية التحتية التي ال تستجيب إلدخال الرقمنة‪ ،‬ومع ذلك فهناك مجهودات كبيرة بذلتها‬
‫املغرب باملقارنة مع بعض دول املغرب العربي‪ ،‬لتحديث وتطوير قطاع العدالة بأجود الوسائل التكنولوجية‬
‫في حدود إمكانياتها‪ ،‬لكن وباملقارنة مع بعض الدول الرائدة في مجال العدالة نجدها عرفت تعميما شامال‬
‫للقضاء الرقمي في بلدها ونذكر منها على سبيل املثال الواليات املتحدة األمريكية وفرنسا‪.‬‬

‫فمن خالل هذه الدراسة وقفنا على أهمية تبني الرقمنة في مجال العدالة‪ ،‬واالنتقال من قضاء تقليدي الى‬
‫قضاء رقمي كمرحلة جديدة ملواجهة كل الصعاب املادية‪ ،‬حيث أن الولوج املادي فيه هدر للوقت والجهد‪،‬‬
‫وارتفاع تكلفة السفر في بعض األحيان‪ ،‬باالضافة الى االحتكاك باملوظفين قد ينتج عنه سلوكات منافية لسير‬
‫العدالة‪ .‬وكل هذا بهدف تحقيق الحكامة القضائية‪.‬‬

‫كما أننا ومن خالل هذه الدراسة نشير إلى أن هذا األسلوب الجديد ( اعتماد الرقمنة في قطاع العدالة )‬
‫ال يخلو من العديد من التحديات واالكراهات التي ذكرناها سلفا‪ ،‬باالضافة الى االصطدام بأمية املتقاض ي‪،‬‬
‫ثم املبادئ التي تقوم عليها املحاكمة الجنائية وغير الجنائية‪ ( ،‬كالصلح في بعض القضايا ) والتواجهية‬
‫والقناعة الوجدانية للقاض ي‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫فالرقمنة كما هو معلوم فرضتها ظروف استثنائية ( وباء كورونا )‪ ،‬لكن شريحة واسعة من املغاربة ال‬
‫تحسن التعامل مع الوسائل التكنولوجية لتتمكن من التفاعل مع اإلدارة واملحاكم‪ ،‬إذ ما زال هناك تخوف‬
‫من التعامل بهذه الوسائل التكنولوجية وخاصة مع القضاء‪ ،‬ملا تتضمن ملفات املتقاضين من أسرار تتعلق‬
‫باملعطيات الشخصية‪ ،‬رغم وجود نصوص تحمي املعطيات الشخصية‪ ،‬كما عملت وزارة العدل على إعداد‬
‫مخطط توجيهي للتحول الرقمي للعدالة‪ ،‬يهدف إلى إرساء محكمة رقمية بشكل متكامل‪ ،‬لكن هذه األخيرة‬
‫مازالت تواجه العديد من االكراهات والتحديات التي تواجه خروجها لحيز الوجود‪.‬‬

You might also like