Professional Documents
Culture Documents
الــدرس السابــع عـشــر 17
الــدرس السابــع عـشــر 17
مـــصـــــــــــادر االلـــتـــــــــــزام
أع ازئـي الطلبـة ،بعـدمـا تطرقـت فـي الـدرس السابـق إلـى بطـالن العـقـد وابطالـه ،بقـي لنـا أن
نشيـر فـي هـذا الـدرس السابـع عـشـر إلـى أنـه إذا ا كـان العـقـد فـي جـزء منـه باطـال وفـي
الجـزء اآلخـر منـه صحيحـا أو إذا كـان العـقـد باطـال أو قابـال لإلبطـال وتوفـرت فـيـه
شـروط وعـناصـر عـقـد آخـر .فـإن ذلـك سيـؤدي حتمـا إمـا إلـى انقـاص العـقـد ( أوال ) ،أو
إلـى تـحـول العـقـد ( ثانيـا ) .هـذا مـا سنوضحـه فـيمايلـي.
1
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
يقـصـد بإنقـاص العـقـد أو انتقـاص العـقـد ،استبعـاد الشق أو الجـزء الباطـل فـي
العـقـد ،واإلبقـاء علـى الشـق أو الجـزء الصحيـح فـيـه؛ أي بمعـنـى آخـر ،ال يمتـد أثـر هـذا
الشـق الباطـل إلـى الشـق الصحـيـح ،فـيستمـر العـقـد صحيحـا مولـدا لجميـع التزاماتـه دون
أن يتأثـر بذلـك.
إن نظريـة انقـاض العـقـد مهمـة جـدا ،لمـا لهـا مـن أهميـة فـي مجـال استقـرار
المعامـالت؛ فـبموجـب هـذه النظريـة يمكـن انقـاض العـقـد مـن الـزوال ،ومنـه ضمـان
استم ارريتـه وديمومتـه وبالتالـي المحافـظـة علـى استقـرار المعامـالت فـي المجتمـع ،لـذا نـجـد
أن المشـرع ،اهـتـم كـثيـ ار بنظريـة إنقـاص العـقـد ،والدليـل علـى ذلـك أنـه نضمهـا وبيـن
أحكامهـا بموجـب أحكـام المـادة 401مـن القانـون المدنـي ،التـي تنـص علـى مايلـي " :إذا
كـان العـقـد فـي شـق منـه باطـال أو قابـال لإلبطـال ،فهـذا الشـق وحـده هـو الـذي
2
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
يبطـل ،إالّ إذا تبيـن أن العـقـد مـا كـان ليتـم بغـيـر الشـق الـذي وقـع باطـال ،أو قابـال
لإلبطـال فيبطـل العـقـد كلـه ".
فمـن خـالل هـذا النـص يتضـح جـليـا ،أن المشـرع أجـاز األخـذ بنظريـة إنقـاص
العـقـد ،غـيـر أنـه وضـع شرطيـن أساسييـن ،يجـب م ارعـاتهمـا عـنـد األخـذ بهـذه النظريـة
وتطبيقهـا عـلـى العـقـود ،وهمـا:
- 4يجـب أن يكـون شـق أو جـزء واحـد فـقـط مـن هـذا العـقـد محـل التعاقـد هـو الباطـل،
أمـا الشـق أو الجـزء اآلخـر ،فـيجـب أن يكـون صحـيحـا ،ألنـه إذا كـان كـل العـقـد باطـال،
أي أن البطـالن يشمـل الشقـيـن أو الجزئييـن معـا ،فـإنـه فـي مـثـل هـذه الحالـة ال يمكـن وال
يجـوز تطبيـق نظريـة اإلنقـاص.
3
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
- 2يجـب أن يكـون العـقـد محـل اإلنقـاص ،قابـال للتجزئـة؛ أي بمعـنـى آخـر ،يمكـن
التخـلـي واالستغـنـاء عـن الشـق أو الجـزء الباطـل مـن دون أن يتأثـر هـذا العـقـد ،وذلـك ال
يكـون طبعـا إالّ إذا كـان هـذا الشـق أو الجـزء الباطـل ليـس محـل اعـتبـار فـي العـقـد،
بحـيـث يتـم هـذا األخـيـر مـن دونـه ،أي بمعـنـى آخـر لـم يكـن هـذا الشـق هـو الباعـث
الدافـع إلـى التعاقـد.
أمـا إذا كـان العـكـس ،أي أن هـذا الشـق أو الجـزء مـن العـقـد محـل اعـتبـار فـي
العـقـد ،وكـان هـو الباعـث الدافـع إلـى إبـرام هـذا العـقـد ،فإنـه ال يمكـن بـأي حـال مـن
األحـوال تطبيـق نظريـة اإلنقـاص.
وال بـأس مـن ضـرب بعـض األمثـلـة دأب الفـقـه علـى إعـطائهـا ،منهـا :أن شخـصـا
وهـب لزوجـتـه ،التـي طلقهـا ولـم ينجـب معهـا ولـد ،مـاال واشتـرط عـليهـا عـدم الـزواج بـعـد
طالقـه لهـا ،وتبيـن أن هـذه الهبـة هـي فـي حـقيقـة األمـر سـوى متعـة لتعـويضهـا عـن
طالقـه لهـا .ففي مثـل هـذه الحالـة ،يكون الشـرط باطـال والهبـة صحيحة،
4
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
أي بمعـنـى ،بطـالن شـرط عـدم الـزواج وصحـة الهـبـة .أمـا إذا كانـت الهبـة قـد منحـت
لهـذه المطلقـة سـوى ألن الواهـب يريـد منهـا فـي حقيقـة األمـر ،أال تتـزوج حـتـى تتفـرغ
لرعايــة ولـده أو أوالده منهـا فقـط ،فـفـي مثـل هـذه الحالـة يكـون شـرط عـدم الـزواج هـو
الباعـث الدافـع إلـى التعـاقـد ،ومنـه تبطــل الهبـة إذا مـا أخلـت هـذه المطلقـة بالشـرط
وتزوجـت ،أي بمعـنـى ،بطـالن كـل مـن الشـرط والهـبـة .كمـا يوجـد مثـال آخـر ،مفـاده :أنـه
إذا اشتـرى شخـص مـا عـدة أشيـاء وكـان البيـع باطـال فـي جـزء منهـا فـقـط ،فـإن هـذا البيـع
يكـون صحيحـا فـي الجـزء الباقـي ،إالّ إذا تبيـن أن المشتـري كـان فـي حـقـيقـة األمـر يريـد
كـل الصفـقـة؛ إذ فـي هـذه الحالـة األخـيـرة ،سيكـون حتمـا البطـالن هـو مصيـر هـذا البيـع.
يقـصـد بتحـول العـقـد ،ذلـك العـقـد الـذي يتحـول مـن العـقـد الباطـل أو العـقـد القابـل
لإلبطـال والـذي توفـرت فـيـه عـناصـر عـقـد آخـر إلـى هـذا العـقـد الـذي توافـرت فـيـه
عـناصـره؛ أي بمعـنـى آخـر ،ال يـزول هـذا العـقـد الباطـل أو القابـل لإلبطـال ،وانمـا
5
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
يتحـول إلـى عـقـد آخـر بـدل مـن زوالـه .فيستمـر هـذا األخـيـر صحـيحـا مولـدا لجميـع
التزاماتـه دون أن يتأثـر ببطـالن العـقـد األول أو إبطـالـه.
إن نظريـة تحـول العـقـد مهمـة جـدا هـي األخـرى ،لمـا لهـا مـن أهميـة فـي مجـال
استقـرار المعامـالت؛ فـبموجـب هـذه النظريـة يمكـن انقـاض العـقـد مـن الـزوال ،ومنـه
ضمـان استم ارريتـه وديمومتـه وبالتالـي المحافـظـة علـى استقـرار المعامـالت فـي المجتمـع،
لـذا نـجـد أن المشـرع ،اهـتـم كـثيـ ار أيضـا بنظريـة تحـول العـقـد كسابقـتهـا المتعـلقـة بإنقـاص
العـقـد ،والدليـل عـلـى ذلـك أن المشـرع نضمهـا وبيـن أحكامهـا بموجـب أحكـام المـادة 401
مـن القانـون المدنـي ،التـي تنـص علـى مـا يلـي " :إذا كـان العـقـد باطـال أو قابـال لإلبطـال
وتوفـرت فـيـه أركـان عـقـد آخـر فـإن العـقـد يكـون صحـيحـا باعـتبـاره العـقـد الـذي توفـرت
أركانـه ،إذا تبيـن أن نيـة المتعاقديـن كانـت تنصـرف إلـى إبـرام هـذا العـقـد ".
6
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
فمـن خـالل هـذا النـص يتضـح جـليـا ،أن المشـرع أجـاز األخـذ بنظريـة تحـول
العـقـد ،غـيـر أنـه وضـع ثالثـة شـروط أساسيـة ،يجـب م ارعـاتهـا عـنـد األخـذ بهـذه النظريـة
وتطبيقهـا عـلـى العـقـود ،وهـي:
- 4يجـب أن يكـون كـل أو كامـل العـقـد باطـال أو قابـال لإلبطـال وليـس باطـال فـي جـزء
أو شـق منـه فـقـط ،ألنـه فـي مـثـل هـذه الحالـة األخـيـرة ،ستطبـق عـليـه نظريـة انقـاص
العـقـد ال نظريـة تحـول العـقـد .كمـا أنـه غـنـي عـن البيـان أن العـقـد إذا كـان أصـال
صحـيحـا ،فإنـه ال يمكـن أبـدا أن يتحـول إلـى عـقـد آخـر ،كحالـة الهبـة الصحـيحـة ،إذ ال
يمكـن أبـدا أن تتحــول إلـى وصيـة.
- 2يجـب أن يكـون هـذا العـقـد الباطـل أو القابـل لإلبطـال ،يحـتـوي ويتضمـن أركـان
وعـناصـر عـقـد آخـر صحـيـح ،أي بمعـنـى آخـر ،كـل أركـان العـقـد الـذي سيتحـول إليـه
العـقـد الباطـل تكـون متوفـرة فـي هـذا األخـيـر دون إضافـة أي عـنصـر أو شـرط آخـر
دخـيـل عـن هـذا العـقـد محـل البطـالن أو اإلبطـال.
7
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
- 3يجـب أن تنصـرف إرادة ونيـة أطـراف العـالقـة التعاقديـة المحـتملـة إلـى هـذا العـقـد
اآلخـر الـذي يتحـول إليـه العـقـد الباطـل أو القابـل لإلبطـال؛ أي بمعـنـى آخـر ،أنـه إذا
كانـت إرادة المتعاقديـن المعـلنـة والظاهـرة قـد انصـرفـت إلـى العـقـد الباطـل ،فـإن إرادتهمـا
المحـتملـة كانـت تنصـرف إلـى العـقـد اآلخـر الصحـيـح الـذي يتحـول إليـه العـقد الباطـل،
بحـيـث لـو علمـا ببطـالن العـقـد الباطـل لكانـا أرادا ابـرام العـقـد الصحـيـح؛ أي كـانـا يقـبـالن
بهـذا العـقـد الجـديـد لـو أنهمـا يعلمـان ببطـالن العـقـد األول ،وهـذا مـا قـصـده المشـرع مـن
خـالل العـبـارة الـواردة ضمـن نـص المـادة 401مـن القانـون المدنـي ،والتي مفـادهـا " إذا
تبيـن أن نيـة المتعاقديـن كانـت تنصـرف إلى إبـرام هـذا العـقـد ".
ومـن األمثلة على ذلـك :أن يتعـاقـد شخـص مـع شخـص آخـر مـن أجـل أن يجعـلـه
مـن بيـن ورثتـه ،فهـذا العـقـد يعـتبـر عـقـد باطـل كـون أن القانـون هـو مـن يعـيـن ويحـدد مـن
هـم الورثـة وليـس المـورث هـو الـذي يقـوم بذلـك ،غـيـر أنـه فـي هـذه الحالـة يمكـن أن
يتحـول هـذا العـقـد الباطـل إلـى وصيـة صحـيحـة ،والتـي تكـون ناجـزة وتنفـذ فـي
8
دروس عــبــر الـخـــط
مـلـخــص مـحـاضــرات فـي مـــادة الـقـانــون الـمـدنــي
إطـار الضوابـط التـي حددهـا القانـون ،ومنـه يمكـن للموصـي الرجـوع عـن وصيتـه إذا رأى
ذلـك.
أع ازئـي الطلبـة ،بعـدمـا انهيـت د ارسـة أركـان العـقـد فـي الـدروس السابقـة ،والمتمثلـة
فـي الت ارضـي ،المحـل ،السبـب والشكليـة الرسميـة فـي العـقـود الشكليـة ،وبعـدمـا تعـرضـت
إلـى شـروط صحـة التـ ارضـي ،وخاصـة مـا تعـلـق منهـا بالعـيـوب التـي قـد تشـوب رضـا أحـد
المتعاقديـن والمتمثلـة فـي الغـلـط ،اإلكـراه ،التدليـس والغـبـن االستغاللـي .وبعـد مـا تطرقـت
إلـى بطـالن العـقـد وابطالـه .سأتطـرق فيمـايلـي إلـى آثــار العـقـد ،مـن خـالل الـدرس الثامـن
عـشـر.
9