Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 45

‫مادة مدخل للقانون الدولي‬

‫العام‬
‫محاضرات لفائدة طلبة السداسية الثانية‬

‫السنة الجامعية ‪2020- 2021‬‬

‫إعداد‪:‬دة‪ .‬بهيجة جمال‬


‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ -‬المحمديـة‬

‫‪1‬‬
‫التعريف بالقانون الدولي العام و مصادره‬
‫تمهيد‬

‫ترتبط فكرة القانون بقيام مجتمع إنساني‪ ،‬وما يرتبه من حاجة إلى نوع من القواعد التي‬
‫تحكم وتنظم العالقات التي تنشأ بين أفراده‪ ،‬فمنذ أن ظهرت المجتمعات اإلنسانية األولى‬
‫ولدت فكرة القانون‪ ،‬وفي غيبة تأصيل نظري وقانوني واضح لمفهوم المجتمع الدولي‬
‫استخدم اصطالح المجتمع الدولي من جانب المشتغلين بدراسة القانون الدولي بمفهوم بالغ‬
‫االتساع للتعبير عن المجال الحيوي لتطبيق قواعد القانون الدولي العام‪ ،‬أو عند البحث عن‬
‫أساس القوة اإللزامية لهذا القانون‪.‬‬

‫القانون كما تقدّم ضرورة اجتماعية‪ ،‬ووسيلة ال غنى عنها إلقرار النظام داخل المجتمع‬
‫والقانون الدولي كغيره من فروع القانون األخرى يهدف إلى هذه الغاية‪ .‬فالقانون الدولي منذ‬
‫نشأته يسعى إلى وقاية المجتمع الدولي من النزاعات والحروب المدمرة‪ ،‬لكنه في المرحلة‬
‫الحالية‪ ،‬وبعد أن تحقق حد أدنى من السالم في العالم‪ ،‬وابتعد شبح الحرب العالمية‪ ،‬ازداد‬
‫التواصل بين الدول‪ ،‬وارتبطت مصالح الدول‪ ،‬وظهرت عالقات متنوعة‪ ،‬سياسية‪ ،‬واقتصادية‪،‬‬
‫وثقافية‪ ،‬فأصبح هدف القانون الدولي هو تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب‪.‬‬

‫ومن خالل ما تقد م‪ ،‬يتبين لنا أن القانون الدولي العام يالمس موضوعات كثيرة ومتشعبة ‪.‬‬
‫ولكن ما يعنينا من تلك المواضيع هو ما سيحدد إطار هذا المطبوع‪ .‬حيث سنتطرق بالدراسة‬
‫والتحليل تحديد ماهية القانون الدولي العام ومصادره‪ ،‬وذلك من خالل البابي التاليين‪:‬‬

‫الفصل األول ‪:‬التعريف بالقانون الدولي العام‬


‫المبحث األول‪ :‬مفهوم القانون الدولي العام‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القانون الدولي العام‪ :‬النشأة ومراحل التطور‬
‫المبحث الثالث‪ :‬طبيعة قواعد القانون الدولي العام‬

‫الفصل الثاني ‪:‬مصادر القانون الدولي العام‬


‫المبـحث األول‪ :‬المعاهدات الدولية‬
‫المبـحث الثاني‪ :‬العرف الدولي‬
‫المبـحث الثالث‪ :‬األعمال االنفرادية (المصادر الجديدة للقانون الدولي)‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أشخاص القانون الدولي‪ :‬المنظمات الدولية‬


‫المبحث األول‪ :‬النشأة والمفهوم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منظمة األمم المتحدة‬

‫‪2‬‬
‫الفصل األول ‪:‬التعريف بالقانون الدولي العام‬
‫لكل مجتمع قانون يحكمه وينظمه‪ ،‬وينظم المجتمع الدولي القانون الدولي العام‪ ،‬وقواعد هذا‬
‫القانون ال تعد في حقيقة أمرها‪ ،‬إال أن تكون تجسيدا لواقع سياسي واجتماعي معين‪ ،‬وأن‬
‫التطور المسجل عليها يعد أمرا ضمنيا حتى تتمكن من االضطالع بوظيفتها في تنظيم سلوك‬
‫أعضاء المجتمع الدولي‪ ،‬كما أن القانون الدولي العام يهتم بتحديد حقوق األشخاص الدولية‬
‫من دول ومنظمات وكذا تحديد التزاماتها‪ ،‬والقواعد التي تحكم العالقات المتبادلة بين هذه‬
‫الوحدات زمن السلم والحرب‪ ،‬وعليه فإنه يخرج من تلك القواعد القانونية الناظمة للعالقات‬
‫كل من اإلفراد‪ ،‬والهيئات الخاصة التي محل اهتمام القانون الدولي الخاص‪.‬‬

‫ومما تقدم فإن دراسة ماهية القانون الدولي العام‪ ،‬تتطلب منا التطرق إلى مفهومه وتطوره‬
‫التاريخي‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم القانون الدولي العام‬


‫يقتضي التطرق إلى مفهوم القانون الدولي العام تناول أساس تسميته ثم تحديد ماهيته‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أساس تسمية القانون الدولي العام‬


‫إن دارس القانون الدولي العام البد من أن يقف حائرا أمام السيل العارم من التعريفات المض ّمنة في مؤلفات‬
‫هذا القانون‪ .‬والفقهاء في ذلك التباين يتأثرون بالمفاهيم الخاصة بالقانون الدولي العام‪ ،‬وتصورهم الشخصي‬
‫لمصدر الخالف الذي يشكل قواعده‪ 1.‬ولقد اختلف الفقهاء في تسمية هذا القانون كما اختلفوا في تعريفه‪،‬‬
‫وفيما يلي نعرض أل هم المحاوالت الني رمت إلى تسمية القانون الدولي العام‪ ،‬ثم نعرض بعدها أهم‬
‫التعاريف التي وضعت له‪.‬‬

‫لقد أطلق الرومان اصطالح قانون الشعوب على الفرع من المعرفة القانونية القائمة على ما يتصل بالشعوب‬
‫‪ ،‬لكن هذا المفهوم يتغير مع مرور الزمن إذ أطلق عليه الفقيه ‪ Grotius‬تسمية "قانون األمم" وهذه السمية‬
‫كانت تعكس واقعا خاصا لكون القانون الدولي يخضع لعوامل التطور بصفة مستمرة‪ .‬كما أطلق على هذا‬
‫القانون تسمية "قانون الدول"‪ ،‬أي القاعدة الحاكمة للعالقات فيما بين أعضاء الجماعة الدولية‪ 2.‬وكان أول‬
‫من استخدم مصطلح القانون الدولي هو الفقيه االنجليزي بنتام ‪ Bentham‬في كتابه "مقدمة في مبادئ‬
‫األخالق والتشريع" الذي ظهر عام ‪ 1780‬م ولم يكن الفقيه االنجليزي مبدعا في ذلك وإنما أخذه عن‬
‫التعبير الالتيني ‪،‬الذي يصنع القانون بين الدول وحوله إلى التعبير االنجليزي‪ ،‬ثم أخد بهذا المفهوم باقي‬
‫‪3‬‬
‫كتاب القانون الدولي‪ ،‬وبذلك أصبح شائع استخدام‪.‬‬

‫محمد طلعت الغنمي بعض االتجاهات الحديثة في القانون الدولي العام "اإلسكندرية منشأة المعارف ط‪.‬د‪.‬ت‪ ،1974 ،‬ص ‪.07‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬جمال عبد الناصر مانع القانون الدولي العام "المدخل والمصدر" "عنابة‪،‬دار العلوم للنشر والتوزيع د‪.‬ط سنة ‪ ،2005‬ص ‪. 12‬‬
‫‪ 3‬احمد سكندري‪ ،‬ومحمد ناصر بوغزالة‪،‬محاضرات في القانون الدولي العام" القاهرة‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع ‪،‬الطبعة األولى سنة ‪،1998‬‬
‫ص‪11.‬‬

‫‪3‬‬
‫كما أطلق على هذا القانون " قانون العالقات الدولية"‪ ،‬ألنه يعنى بتنظيم هذه العالقات على المستوى‬
‫الدولي‪ ،‬كما يسعى إلى تنظيم العالقات بين أعضاء الجماعة الدولية‪ .‬و أطلق على أيضا مصطلح "قانون‬
‫عبر الدول" أي القانون الذي يتعدى حدود الدولة‪ ،‬وينظم عالقاتها مع الدول األخرى‪.‬‬

‫وقد اختلفت التسميات التي ألحقت بهذا القانون‪ ،‬حيث ورد أيضا تحت مسمى "قانون السياسة الخارجية‬
‫" "وقانون الحرب والسلم" وغيرها‪ .‬غير أن التسمية الشائعة لهذا القانون هو القانون الدولي العام "بفتح‬
‫‪4‬‬
‫الدال" أي قانون أشخاص المجتمع الدولي وليس بضمها والذي معناه قانون الدول فقط‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف القانون الدولي العام‬


‫لما كان القانون الدولي يتطور بصورة مستمرة مع المجتمع الذي يحكم روابطه القانونية فان قواعد هذا‬
‫القانون اختلفت باختالف الزمان والمكان إلى جانب التطور الدائم في حياة المجتمع الدولي وفي كل الميادين‪.‬‬
‫وانعكس هذا االختالف على تعريفه حيث أصبح موضوع تعريف القانون الدولي العام ال يخلو من المشاكل‬
‫والصعاب رغم انه يظهر سهال في كثير التعريفات‪ .‬ويرى بعض فقهاء القانون الدولي العام بأن تعريف‬
‫هذا القانون يعتبر محل جدل الفقهاء‪ ،‬ويعود سبب ذلك إلى كونه ال يزال في مرحلة انتقالية بل ويستحيل‬
‫وضع تعريف مادي له‪.‬‬

‫وقد تبدو مهمة وضع تعريف للقانون الدولي العام أمرا بالغ الدقة إن وضعنا في الحسبان ذلك الكم الهائل‬
‫من التعريفات التي قال بها فقهاء هذا القانون والمشتغلون بدراسته‪ .‬ال نرى فائدة كبيرة لسرد تلك التعريفات‬
‫العديدة‪ .‬فإننا نكتفي بالتركيز على أهم االتجاهات التي ظهرت في سبيل محاولة تعريف القانون الدولي‬
‫العام ويأتي تفصيل ذلك على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬االتجاه الكالسيكي‬
‫يعـرف الفقيه " رينه جان دوبوي " "القانون الدولي العام" بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم‬
‫العالقات بين الدول"‪ .‬ومفاده أن هذا القانوني يعنى بتنظيم الحقوق والواجبات الدولية فقط ‪ ،‬وكذا المشاكل‬
‫التي تثار فيما بينها ‪،‬سواء ما تعلق منها باألقاليم أو االلتزامات الناشئة عن االتفاقات التي تبرمها الدول أو‬
‫بالحروب التي تقع فيما بينها‪ 5.‬ومرد ذلك‪ ،‬أن المجتمع الدولي آنذاك لم يكن يعرف سوى الدول كأعضـاء‬
‫للمجتمع الدولي‪ .‬وهو تقريبـا التعريف نفسه الذي قال به الفقيه الهولندي " جورسيوس " سنة ‪ 1625‬والذي‬
‫ظل متداوال ومواكبا لفترة االتجاه الكالسيكي ومعروفا ألكثر من ثالثة قرون ‪ .‬وحتى مطلع القرن ‪ 20‬لم‬
‫يبتعد الكالسيكيون عن مفهوم ذلك تعريف حيث عرفه الفقيه "أوبنهايم " بأنه مجموعة القواعد العرفية‬
‫‪6‬‬
‫واالتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في تصرفاتها المتبادلة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء الدولي المؤيد لرأي االتجاه الكالسيكي فهو يذهب إلى أن القانون الدولي العام هو قانون‬
‫"لتسير العالقات بين الدول" ‪،‬فقد نجد أن المحكمة العدل الدولية قد عرفت القانون الدولي العام في قضية‬
‫"اللوتيس" سنة ‪ ، 1927‬بأنه "القانون الذي يحكم العالقات ما بين الدول المستقلة"‪ ،‬وهي بذلك كما يقول‬
‫الدكتور صالح الدين عامر قد تمسكت بالتعريف التقليدي للقانون الـدولي العام‪ ،‬فهذا التعريف يعتبر تعريفا‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬جمال عبد الناصر المانع‪ ،‬القانون الدولي العام ‪:‬المدخل والمصدر‪ ،‬عنابة دار العلوم و النشر والتوزيع سنة ‪ ،2005 ،‬ص ‪. 13-12‬‬
‫محمد سعادي‪ ،‬مفهوم القانون الدولي لعام (الجزائر" دار الخلدونية للنشر واللتوزيع‪،‬الطبعة االولى سنة ‪ ،2008‬ص ‪055‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬اسكندري احمد محاضرات في القانون الدولي العام (المبادىء او المصادر) (الجزائر ‪:‬ديوان المطبوعات الجامعية سنة ‪ 1999‬ص ‪.04‬‬

‫‪4‬‬
‫تقليديا اختصر في القواعد التي كانت تسير العالقات الدولية بين الدول فقط ‪ .‬بل وتعتبره هذه التعريفات‬
‫الكالسيكية للقانون الدولي العام في نظر البعض قاصرة وال تواكب التطور الذي حدث في مجال العالقات‬
‫بين أشخاص القانون الدولي العام‪ .‬ولعل السبب في تعريف القانون الدولي العام على أنه القانون الذي يحكم‬
‫العالقات بين الدول فقط ‪ ،‬هو تشكل المجتمع الدولي آنذاك من دول أوربا القومية فقط بداية القرن ‪،19‬‬
‫‪7‬‬
‫حيث كانت الدولة هي الشخص الوحيد من أشخاص القانون الدولي العام‪.‬‬

‫أما إذا انتقلنا إلى الفقه العربي‪ ،‬فإننا نجد مؤلفات عديدة قد تضمنت تعريفات للقانون الدولي العام ومن هذه‬
‫التعريفات نذكر ما يلي‪":‬هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها‬
‫وواجباتها" ‪،‬وكما عرف أيضا بأنه ‪":‬القانون الذي ينظم عالقة الدولة بغيرها من الدول ويحكم تصرفاتها‬
‫‪8‬‬
‫في المحيط الخارجي أو الدولي"‪ ،‬ومن هنا أطلق عليه اسم القانون الدولي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االتجاه الموضوعي‬


‫بعكس االتجاه الكالسيكي‪ ،‬فإن االتجاه الموضوعي قد اعتبر الفرد هو الشخص الوحيد للقانون الدولي وهو‬
‫الشخص الذي يملك اإلرادة وأن الشخصية القانونية للدولة هي مجرد افتراض ليس لها حقيقة في الوجود‪،‬‬
‫ومن تم ليست شخصا من أشخاص القانون الدولي العام‪ .‬وحسب هذا االتجاه فإن الفرد هو المقصود عندما‬
‫تخاطب الدولة بعضها البعض‪ .‬وتأسيسا على ذلك فإن مخاطبة الدولة في عالقتها أنها تعني مخاطبة األفراد‬
‫الذين وحدهم يملكون اإلرادة‪.‬‬

‫إال أن هذا االتجاه لم يسلم من النقض بسبب إنكاره لمكانة الدولة وشخصيتها القانونية في المجتمع الدولي‪،‬‬
‫وأنه من الثابت أن الدولة هي شخص من أشخاص القانون الدولي المعاصر إن لم تكن الشخص الرئيسي‬
‫من أشخاصه‪ ،‬إلى جانب المنظمات الدولية العالمية واإلقليمية و الفاتيكان و الحركات التحررية و االتحادات‬
‫‪9‬‬
‫الدولية و غيرها من الوحدات الدولية األخرى‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االتجاه الحديث‬


‫يتميز االتجاه الحديث عن سابقيه بمساهمة فقهاء جمعوا في تعريفهم للقانون الدولي بين الدولة وأشخاص‬
‫القانون الدولي اآلخرين‪ .‬إذ أن القانون الدولي لم يعد فقط يقتصر على المواضيع التي يطرحها الفكر‬
‫الكالسيكي بل تعداها ليشمل فروعا جديدة ال يمكن حصرها‪ ،‬فضال عن أن القانون الدولي المعاصر لم يعد‬
‫ينظم عالقات الدول فيما بينها فحسب بل امتد إلى المنظمات الدولية ‪،‬الجماعات‪ ،‬الشعوب وحتى األفراد‬
‫العادية‬

‫بحيث نجد الفقيه الفرنسي " شتروب " يرى بأن القانون الدولي "هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة‬
‫التي تحكم العالقات بين األشخاص القانونية الدولية‪ -‬دوال ومنظمات دولية‪ ،‬فتبين مالها من حقوق وما‬
‫‪10‬‬
‫عليها من واجبات كما تحدد العالقات التي قد تنشا بين هؤالء األشخاص وبين اإلفراد‪.‬‬

‫‪ 7‬محمد سعادي‪ ،‬مفهوم القانون الدولي العام ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.5‬‬

‫جمال عبد الناصر المانع‪ ،‬القانون الدولي العام‪ :‬المدخل والمصدر" ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ 9‬جمال عبد الناصر المانع‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬صفحات ‪17-16‬‬


‫‪10‬‬
‫جمال عبد الناصر المانع‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪5‬‬
‫مالحظة‬
‫ما يثير الباحث في ماهية القانون الدولي العام هو اختالف الفقهاء في تسميتة وفي تعريفه كما أسلفنا‪ .‬غير‬
‫أنه وإن اختلفت وتعددت التعاريف‪ ،‬إال أنها جميعها اتفقت على العناصر األساسية التي تدخل في تعريفه‪،‬‬
‫أال وهي كون القانون الدولي العام هو "مجموعة القواعد القانونية التي تحكم وتنظم العالقات‬
‫المتبادلة بين أشخاص القانون العام"‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القانون الدولي العام‪ :‬النشأة ومراحل التطور‬


‫يشتمل التاريخ على أكثر من دليل على قيام عالقات دولية في العصور القديمة فيما بين ما كان يسمى قديما‬
‫بالمدنيات القديمة‪ .‬كما أن هناك دالئل كثيرة تؤرخ لوجود بعض القواعد التي كانت تخضع لها تلك العالقات‪.‬‬
‫لكن كان من المألوف أيضا أن نلحظ تركيزا على الطابع التاريخي لتلك القواعد وهو ما يدعو البعض أحيانا‬
‫إلى تجاوزها منصرفين إلى القانون الدولي المعاصر‪11 .‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القانون الدولي العام في العصور القديمة‬


‫أوال‪ :‬الحضارات القديمة‬

‫بدأت البشرية تتجمع في وحدات سياسية متميزة ومنفصلة منذ أقدم العصور‪ ،‬وأكبر مثال على ذلك نشأة‬
‫الدولة في مصر بعد أن تم توحيدها على يد األمير "مينانارمر" قبل الميالد بنحو ‪ 3200‬سنة‪ ،‬فقد قام‬
‫بإنشاء الوحدة بين الشمال والجنوب‪ ،‬كما ظهرت دول عديدة في بالد مابين النهرين(العراق) منها الدولة‬
‫السومرية في جنوب العراق عام ‪ 4000‬ق‪.‬م‪ ،‬والتي بلورت الكثير من األحكام الخاصة بالتعامل الدولي‬
‫والعالقات الدولية‪ ،‬حيث سجل المؤرخون بعض األمثلة لمعاهدات تحالف وصداقة عقدت آنذاك‪ ،‬وسجلوا‬
‫الكثير من معاهدات الصلح التي أنهت حروبا عديدة‪ ،‬ولعل أقدم هذه األحكام يظهر في المعاهدات التي‬
‫ابرمها فرعون مصر "رمسيس" مع "خاتوسيل" ملك الحيثيين عام ‪ 1278‬ق‪.‬م‪ ،‬والتي تم تحريرها‬
‫باللغة البابلية التي كانت آنذاك لغة دبلوماسية‪.‬‬

‫وقد تضمنت هذه المعاهدة تعهد الطرفين بتبادل المساعدات ضد األعداء الداخليين‪ ،‬والقيام بتسليم هؤالء‬
‫في حالة لجوئهم إلى بلد الطرف اآلخر شريطة عدم توقيع العقاب على األشخاص الذين جرى تسليمهم‪،‬‬
‫وتعتبر هذه المعاهدة أقدم مثال معروف في شان تسليم المجرمين السياسيين‪ ،‬والتي تشكل األصل التاريخي‬
‫لما هو سائد اليوم‪.‬‬

‫وفي الهند القديمة ظهرت الديانة البراهمية التي تعبر عنها مجموعة قوانين" مانو" التي جمعت عام ‪1000‬‬
‫ق م‪ ،‬وهو دستور الديانة اإلبراهيمية التي عرضت لبعض القواعد اإلنسانية المنظمة لشؤون الحرب‪،‬‬
‫فالمحارب الشريف ال يضرب عدوه النائم أو الذي يولي دبره أو الذي فقد درعه ‪ ،‬بينما تضمن الفكر‬

‫صالح الدين عامر المقدمة لدراسة القانون الدولي العام‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة جامعة القاهرة سنة ‪ 2007‬ص ‪. 10-9‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪6‬‬
‫البودي بدوره الدعوة إلى المساواة عندما أظهر بأن التمييز بين البشر يزول كما تزول أسماء األنهار عندما‬
‫تصب في البحار‪.‬‬

‫كما أن الفرس والفينيقيون بدورهم كانوا يخضعون عالقاتهم مع غيرهم من الشعوب لبعض األحكام‬
‫المتعلقة بقواعد الحرب ومعاهدات السلم وحماية ممثلي الشعوب وقواعد الضيافة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عهد اإلغريق‬

‫أوال‪ :‬عالقة المدن اإلغريقية فيما بينها‪ :‬وكانت مبنية على االستقرار وفكرة المصلحة المشتركة والتعاون‬
‫نظرا ً لوحدة الجنس والدين واللغة‪ ،‬لذلك كان يتم اللجوء للتحكيم في كل الخالفات فيما بينها‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫وجود قواعد تنظيمية يتم احترامها في عالقاتها السلمية والعدائية‪ ،‬كقواعد التمثيل الدبلوماسي وقواعد‬
‫شن الحرب‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬عالقة اإلغريق بغيرهم من الشعوب األخرى‪ :‬كان يسودها اعتقادهم بتميزهم عن سائر البشر‪،‬‬
‫وأنهم شعوب فوق كل الشعوب األخرى من حقهم إخضاعها والسيطرة عليها‪ .‬ومن هنا كانت عالقاتهم بهذه‬
‫الشعوب عالقات عدائية وحروبهم معها يشوبها الطابع العدائي وال تخضع ألي ضوابط أو قواعد قانونية‬
‫بل يحوطها كثير من القسوة وعدم مراعاة االعتبارات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ ‬ثالثا‪ :‬في عهد الرومان‬

‫أسهمت روما حينما كانت تسيطر على العالم القديم إسهاما ال يمكن إنكاره في تطور القانون الدولي‪ ،‬فقد‬
‫كانت روما أول من وضع مجموعة من القواعد الداخلية تحكم عالقاتها مع الدول األخرى‪ ،‬فكان هناك‬
‫مثال "قانون روماني للسالم والحرب"‪ ،‬وهذا القانون ذو صبغة دينية أساسا‪ ،‬إذ يعمد تطبيقه وتفسيره إلى‬
‫رجال الدين من الرهبان الذين هم في نفس الوقت سفراء روما‪ ،‬ويختص هؤالء بالبث في إخالل أي أمة‬
‫أجنبية بالتزاماتها اتجاه روما‪ ،‬واالعتراف لها في هذه الحالة بالحق في شن حرب عادلة عليها بعد القيام‬
‫بمجموعة من الطقوس الشكلية‪.‬‬

‫للمالحظة‪ .‬لم يكن القانون الروماني للسلم والحرب قانونا دوليا بالمعنى الدقيق وإنما هو قانون داخلي‬
‫تضعه روما من جانب واحد وتلزم نفسها به في مواجهة العالم الخارجي‪.‬‬

‫كما قامت عالقات دولية بين كل من روما والعالم الخارجي ‪ ،‬وكثيرا ما تضمنت معاهدات الصداقة‬
‫والضيافة والتحالف التي عقدتها بنودا لتسوية المنازعات عن طريق التحكيم ‪،‬وتبادلت اإلمبراطورية‬
‫الرومانية السفراء مع المماليك األخرى ‪،‬واعترفت بالحصانة للسفراء الموفدين إليها ‪،‬وأوجدت روما‬
‫مجموعة كبيرة من القواعد القانونية التي تحكم عالقات المواطنين الرومان‪.‬‬

‫يعد الرومان أول من أطلق تسمية " قانون الشعوب” وهي مجموعة من القواعد المنظمة لوضع األجانب‬
‫الذين تعقد دولهم معاهدات صداقة مع روما‪ .‬وهو قانون خاص بالمعاهدات بين الرعايا األجانب بعضهم‬
‫ببعض أو بينهم وبين المواطنين الرومان‪ ،‬ويقوم بموجبه مسؤول خاص هو وكيل األغراب بمهمة تعيين‬
‫قضاة لفض المنازعات فيما بينهم ‪ ،‬وبمعنى آخر هو مجموعة من القواعد القانونية الداخلية التي أوجدتها‬
‫روما بعد ازدهارا العالقات التجارية بينها وبين الشعوب األخرى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أما فيما يخص العالقات القائمة بين الرعايا الرومان فيما بينهم فنجد أنها تخضع لقانون يسمى "بالقانون‬
‫المدني”‬

‫خالصة القول‪ ،‬لقد أسهم القانون الروماني بشكل غير مباشر في تطور القانون الدولي‪ ،‬ويجد أساسه في‬
‫قواعد ومؤسسات القانون الروماني‪ ،‬وقد تأثر الفقهاء الرومان بالفلسفة الرواقية التي نادت منذ القرن الثالث‬
‫قبل الميالد باألخوة اإلنسانية والمواطنة العالمية‪ ،‬ولهذا يرى الفقيه الروماني "سيشرون" بوجود قانون‬
‫طبيعي ينطبق على جميع الناس وقواعد منطق مشتركة بين جميع البشر‪.‬‬

‫في ختام هذا المطلب نستخلص أن مسائل القانون الدولي العام لم تكن واضحة في المجتمعات القديمة‪،‬‬
‫وذلك النعدام فكرة المساواة بين الشعوب ولعدم وجود الدول المستقلة نظرا ً لتسلط شعب معين على باقي‬
‫الشعوب‪.‬‬

‫فمعظم قواعد القانون الدولي هي قواعد حول الحروب‪ ،‬كما أن معظم العالقات السائدة آنذاك كان يحكمها‬
‫القانون اإللهي بما ال يفيد وجود نظام قانوني دولي مستقر لحكم العالقات بين الجماعات اإلنسانية بطريقة‬
‫منتظمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القانون الدولي العام في العصور الوسطى‬


‫‪ -1‬الظروف السائدة‬

‫ظهر في هذا العصر تسلط الكنيسة وذلك نتيجة النتشار الدين المسيحي بين الدول األوربية من جهة وظهور‬
‫اإلسالم والخوف من انتشار نفوذه من جهة ثانية‪ .‬كما كان ثمة خوف من أن يؤدي انتشار اإلسالم إلى‬
‫انتزاع السيادة من المسيحية‪.‬‬

‫قواعد القانون الدولي في الفقه اإلسالمي (بدءا من القرن السابع الميالدي)‬

‫كانت عالقات المسلمين بغيرهم من الشعوب تخضع لقواعد منظمة مستمدة من أحكام القرآن الكريم‪ ،‬تسودها‬
‫روح العدالة والتسامح وحروبهم كانت تدافع عن العدالة والحرية وليس على قهر الشعوب‪ ،‬لقوله تعالى“‬
‫يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا“ صدق هللا العظيم‪.‬‬

‫عالقة دار اإلسالم مع دار الحرب كانت تعتمد على دفع العدوان على المسلمين لقوله تعالى“ فمن اعتدى‬
‫عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم“ صدق هللا العظيم‪.‬‬

‫أرست الشريعة اإلسالمية قواعد الحرب قبل أن تتطور بشكلها المعاصر في إطار القانون الدولي اإلنساني‪،‬‬
‫ومثل ذلك‪:‬‬

‫قاعدة‪ ،‬التفرقة بين المقاتل والمدني‪ ،‬ففي وصية الرسول صلى هللا عليه وسلم لقادة الجيش في كافة‬
‫صغيرا وال امرأة وال تغلوا‬
‫ً‬ ‫الغزوات قال (انطلقوا باسم هللا وعلى بركة رسوله ال تقتلوا شي ًخا وال طفالً وال‬
‫"أي ال تخونوا"‪ ،‬وأصلحوا وأحسنوا إن هللا يحب المحسنين)‪،‬‬

‫قاعدة التعامل مع أسرى الحرب‪ ،‬لقول النبي صلى هللا عليه وسلم( استوصوا باألسرى خيرا)‬

‫‪8‬‬
‫قاعدة الحفاظ على الصالح العام وحماية الفئات المستضعفة‪ ،‬قال أبو بكر الصديق في وصيته ألمير أول‬
‫صغيرا‬
‫ً‬ ‫بعثة حربية في عهده أسامة بن زيد ‪( :‬ال تخونوا وال تغلوا وال تغدورا وال تمثلوا وال تقتلوا طفالً‬
‫وال شي ًخا ً‬
‫كبيرا وال امرأة وال تقطعوا نخالً وال تحرقوه وال تقطعوا شجرة مثمرة وال تذبحوا شاة وال بقرة‬
‫فرغوا أنفسهم‬‫فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما َّ‬ ‫عيرا إال لمأكلة وسوف تمرون على قوم َّ‬‫وال ب ً‬
‫له)‪.‬‬

‫‪ -2‬النظام اإلقطاعي‬

‫عرف العصر الوسيط أيضا ظهور الممالك اإلقطاعية‪ ،‬حيث كان كل أمير إقطاعي يسعى للمحافظة على‬
‫إقطاعه‪ ،‬أو توسيعه مما أدى إلى قيام حروب متعاقبة بين األمراء اإلقطاعيين من جهة أخرى‪.‬‬

‫تولت الكنيسة مهمة العالقات بين اإلمارات اإلقطاعية‪ ،‬حيث كانت تضع القواعد المنظمة للشؤون الدولية‬
‫والسياسية الخارجية مثل حماية رجال الدين والرهبان ووضع قواعد الحرب‪ ،‬بما في ذلك قرار تحريم‬
‫الحرب في بعض أيام السنة‪.‬‬

‫‪-3‬وضعية القانون الدولي العام‬


‫ّ‬
‫إن تسلط الكنيسة والبابا يتنافى مع وجود الدولة المستقلة التي يمكنها تنظيم عالقاتها فيما بينها حسبما تقتضي‬
‫ظروفها‪ .‬وقد شكل ذلك عقبة في وجه تطور القانون الدولي العام‪ ،‬ألن إسناد العالقات الدولية إلى الروابط‬
‫الدينية دون غيرها كان من شأنه أن تقتصر هذه العالقات على الدول المسيحية وحدها دون سواها من‬
‫الدولة غير المسيحية‪ ،‬وقد ساعد على تخلص الدولة من سلطان البابا ظهور الحرية الفكرية العلمية المعروفة‬
‫بعصر النهضة‪ ،‬وما صاحب ذلك من حركة اإلصالح الديني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر‪،‬‬
‫وقد كان أهم أغراضها‪ :‬بيان ما يجب على الدول إتباعه بشأن العالقات المتبادلة بينهم مستوحية ذلك من‬
‫مبادئ الدين المسيحي‪ ،‬ومن زعماء حركة اإلصالح "فيتوريا" وجنتيليس "‪.‬‬

‫و في نفس السياق أدى اكتشاف القارة األمريكية في هذا العصر إلى إثارة مسائل دولية جديدة أهمها‬
‫االستعمار وحرية البحار مما أدى إلى تزايد االهتمام بتوجيه القانون الدولي بشأنها‪.‬‬

‫وقد ظهرت في هذه الفترة إسهامات قيمة لفقهاء ق د ع ومن أهمها كتاب ” البحر الحر“ للفقيه الهولندي‬
‫جروسيوس‪ ، GROTIUS‬الذي دعّم فيه حرية البحار وحرية التجارة مع البالد المكتشفة حديثا والذي‬
‫كان له أعظم األثر في توجيه القواعد الدولية في هذا الشأن إلى ما أصبحت عليه في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫الفقية جروسيو هو من سمى القانون الدولي بقانون ”الحرب والسلم“ نظرا للعالقات التي كانت بين الدول‬
‫والتي كانت تدور بين السلم تارة وبين الحرب تارة أخرى ومن هذا المنطلق اخذ الفقيه بهذه التسمية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تطور القانون الدولي العام في العصر الحديث‬


‫أوال‪ :‬معاهدة وستفاليا‬

‫بدأت التحوالت في تاريخ العالقات الدولية األوروبية بإبرام معاهدة وستفاليا عام ‪ ،1648‬والتي جاءت‬
‫بعد حرب دامت ‪ 30‬عام بين الدول األوروبية المسيحية‪ .‬ويرجع الفضل لهذه المعاهدة في إرساء أسس‬
‫‪9‬‬
‫القانون الدولي التقليدي والتي أرست مجموعة من المبادئ‪ .‬ويرجع الفضل لمعاهدة وستفاليا في كونها‬
‫ساهمت في‪:‬‬

‫‪ -1‬مبدأ التشاور لحل مشاكل فيما بين الدول على أساس المصلحة المشتركة؛‬

‫‪-2‬تأكيد مبدأ المساواة بين الدول المسيحية جميعا ً بغض النظر عن عقائدهم الدينية وزوال السلطة البابوية‪،‬‬
‫وثبتت بذلك فكرة سيادة الدولة وعدم وجود رئيس أعلى يسيطر عليها وهي الفكرة التي على أساسها بني‬
‫القانون الدولي التقليدي؛‬

‫‪ -3‬تطبيق مبدأ التوازن الدولي للمحافظة على السلم واألمن الدوليين‪ ،‬ومؤدى هذا المبدأ أنه إذا ما حاولت‬
‫دولة أن تنمو وتتوسع على حساب غيرها من الدول فإن هذه الدول تتكل لتحول دون هذا التوسع محافظة‬
‫على التوازن الدولي الذي هو أساس المحافظة على حالة السلم العام السائدة بين هذه الدول؛‬

‫‪-4‬مبدأ التشاور‪ ،‬ظهور فكرة المؤتمر األوربي الذي يتألف من مختلف الدول األوربية والذي ينعقد لبحث‬
‫مشاكلها وتنظيم شئونها؛‬

‫‪ -5‬نشوء نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم محل نظام السفارات المؤقتة مما أدى إلى قيام عالقات دائمة‬
‫ومنظمة بين الدول األوربية؛‬

‫‪-6‬االتجاه نحو تدوين القواعد القانونية الدولية التي اتفقت الدول عليها في تنظيم عالقاتها المتبادلة‪ ،‬فقد‬
‫قامت الدول بتسجيل هذه القواعد في معاهدات الصلح التالية مما أدى إلى تدعيم القانون الدولي وثبوتها‬
‫بين الدول ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المحطات التي تلت معاهدة وستفاليا‬

‫‪ 1‬مؤتمر فينا ‪1815‬‬

‫ساعدت معاهدة وستفاليا على توثيق الروابط بين الدول وتأكيد استمرارية التشاور والتفاهم فيما بينها في‬
‫المسائل الدولية‪ ،‬وتجسد ذلك في توالي انعقاد مؤتمرات للتداول في مشاكل القارة األوربية‪ ،‬ولعل أبرزها‬
‫مؤتمر فينا ‪( 1815‬عقب هزيمة نابليون) لتنظيم شؤون القارة األوربية وإعادة التوازن الدولي‪ .‬ونتج‬
‫عن هذا المؤتمر عدة نتائج لعل أهمها إقرار بعض القواعد الدولية الجديدة والخاصة بحرية المالحة في‬
‫األنهار الدولية وقواعد تنظيم عمل المبعوثين الدبلوماسيين وتحريم االتجار بالرقيق‪.‬‬

‫‪ 2‬التحالف المقدس‬

‫نشأ هذا التحالف بين الدول الكبرى المشتركة في مؤتمر فيينا‪ ،‬حيث كان الغرض من التحالف تطبيق مبادئ‬
‫الدين المسيحي في إدارة شئون الدول الداخلية والخارجية‪ ،‬ولكن الهدف الحقيقي كان الحفاظ على عروش‬
‫هذه الدولة الكبرى وقمع كل ثورة ضدها‪ ،‬وأكد ذلك معاهدة "إكس الشيل" سنة ‪ 1818‬بين انجلترا‬
‫وبروسيا والنمسا ثم فرنسا‪ ،‬حيث نصبت هذه الدول نفسها قيمة على شئون أوربا واتفقت على التدخل‬
‫المسلح لقمع أية حركة ثورية تهدد النظم الملكية في أوربا‪,‬‬

‫‪ -4‬تصريح مونرو‬

‫‪10‬‬
‫أصدر هذا التصريح الرئيس األمريكي عام ‪ 1823‬حيث تضمن أن الواليات المتحدة األمريكية ال تسمح‬
‫ألية دولة أوربية بالتدخل في شئون القارة األمريكية أو احتالل أي جزء منها وذلك ردا ً على تدخل الدول‬
‫األوربية لمساعدة إسبانيا السترداد مستعمراتها في القارة األمريكية‪.‬‬

‫ساهم تصريح مونرو في إرساء مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول وكان له أثره أيضا ً في توجيه‬
‫العالقات الدولية بين القارتين األمريكية واألوربية‪.‬‬

‫‪-5‬االتفاقيات الكبرى في القرن التاسع عشر‬

‫تميّز القرن التاسع عشر بانتشار مجموعة من المبادئ الحديثة مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها‬
‫واختيار نظام الحكم‪ ،‬ونظام المساواة بين الدول‪ ،‬ومبدأ حرية المالحة البحرية وعدم التدخل في شؤون‬
‫الدول الداخلية‪ .‬وقد تم فيه إبرام العديد من االتفاقيات التي أصبحت مصدرا من مصادر القانون الدولي‬
‫العام مثل‪:‬‬

‫‪ ‬معاهدة باريس عام ‪ 1856‬التي أقرت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية وغيرها من الدول؛‬

‫‪ ‬اتفاقية جنيف عام ‪ 1864‬الخاصة بمعاملة مرضى وجرحى الحرب؛‬

‫‪ ‬اتفاقيتي الهاي لعام ‪ 1899‬و ‪ ،1907‬التي نظمت القواعد الخاصة بالحرب والحياد؛‬

‫‪ ‬إنشاء أول هيئة قضائية دولية هي محكمة التحكيم الدولي الدائمة في الهاي والتي تعنى بتقديم‬
‫خدمات لتسوية النازعات المتعلقة بأمور مختلفة من الدول والكيانات الحكومية والمنظمات‬
‫الحكومية الدولية وأطراف من القطاع الخاص‪.‬‬

‫ملحوظـة‬

‫ساهمت المؤتمرات المعاهدات في تطوير العالقات الدولية وتطوير القانون الدولي بما يتفق ومصالح‬
‫الجماعة الدولية‪ .‬فقد اتجهت المؤتمرات إلى استحداث نظم ثابتة‪ ،‬وتم التوصل إلى أنشاء هيئات يمكن‬
‫للدول اللجوء إليها عند الحاجة لتسوية المنازعات التي قد تقع بين دولتين أو أكثر‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬القانون الدولي العام المعاصر‬


‫الفرع األول‪ :‬القانون الدولي في عصر التنظيم الدولي‬

‫لم يحقق مؤتمر الهاي السالم العالمي لتسابق الدول الكبرى الستعمار الدول الغنية بالثروات والمواد األولية‬
‫وذلك على إثر التقدم الصناعي مما أدى إلى قيام الحرب العالمية األولى عام ‪ 1914‬وبعد انتهاء الحرب‬
‫اجتمعت الدول في مؤتمر باريس عام ‪ 1919‬الذي انتهى بقيام خمس معاهدات صلح فرضت على الدول‬
‫المنهزمة في الحرب وهي ألمانيا والنمسا وبلغاريا والمجر وتركيا‪.‬‬

‫أ‪ -‬مرحلة عصبة األمم‬

‫‪11‬‬
‫‪ ‬أنشأت عصبة األمم عام ‪ ،1919‬وهي ّأول منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السالم‬
‫العالمي‪.‬‬

‫‪ ‬الوثيقة المؤسسة للعصبة تدعى ”عهد العصبة ” وتتألف من ديباجة أو مقدمة وست وعشرين‬
‫مادة‪.‬‬

‫‪ ‬أهداف العصبة‪:‬‬

‫تنظيم العالقات بين الدول بعضها البعض؛‬

‫‪ ‬تشجيع التعاون االيجابي بين الدول للنهوض بمستوى معيشة اإلنسان؛‬

‫‪ ‬ضمان تحقيق السالم؛‬

‫‪ ‬حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية؛‬

‫‪ ‬قيام العالقات الدولية على أساس قواعد القانون الدولي‪.‬‬

‫أخفقت عصبة األمم في تحقيق األهداف التي أنشأت من أجلها‪ ،‬وذلك بسبب نشوء حروب إقليمية عديدة‬
‫والتي أدت فيما بعد لنشوء حرب عالمية ثانية عام ‪ .1939‬واستمرت العصبة نحو ‪ 20‬سنة وقد عقدت‬
‫اخر اجتماعاتها فى شهر ابريل ‪ 1946‬حيث قررت تصفية العصبة وتسليم ممتلكاتها لهيئة األمم المتحدة‪.‬‬

‫ب‪ -‬منظمة األمم المتحدة‬

‫بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة المانيا‪ ،‬قررت الدول المنتصرة إنشاء هيئة األمم المتحدة وجهازها‬
‫التنفيذي مجلس األمن‪،‬‬

‫نص ميثاق المنظمة (‪ 111‬مادة)على حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية‪ ،‬وعدم اللجوء للحرب إال‬
‫للدفاع المشروع‪ ،‬وكل من يخالف ذلك يوقع عليه جزاء من طرف مجلس األمن‪.‬‬

‫أهم أهداف منظمة األمم المتحدة‪:‬‬

‫• الحفاظ على السالم واالمن الدوليين؛‬

‫• تنمية العالقات السلمية بين الدول االعضاء؛‬

‫• مناقشة األمور المشتركة والتنسيق والتعاون بين الدول االعضاء‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االتجاه المعاصر للقانون الدولي العام‬

‫يهدف القانون الدولي العام في الوقت الراهن إلى تحقيق أهداف اجتماعية وإنسانية‪.‬‬

‫‪ -1‬المضمون االجتماعي للقواعد الدولية‬

‫يهدف إلى تحقيق العدالة على صعيد المجتمع الدولي‪ ،‬وال يكون حكرا على الدول القوية التي تستحوذ‬
‫على العلم والتكنولوجيا والمال‪ .‬ويتجلى المضمون االجتماعي للقانون الدولي في‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ ‬قواعد القانون الدولي للتنمية‪ ،‬التي ال تتمسك بمبدأ المساواة بين الدول‪ ،‬حيث منحت الدول‬
‫الفقيرة أهمية اكبر من الدول الغنية لمساعدتها في تحقيق التقدم والنمو‬

‫‪ ‬القواعد التي منحت بعض االمتيازات للدول الحبيسة والمتضررة جغرافيا في القانون الدولي‬
‫للبحار‪،‬‬

‫‪ ‬كما أقرت أن المحيطات والبحار خارج المياه اإلقليمية هي حق مشترك للدول جميعا‪.‬‬

‫‪ -2‬المضمون اإلنساني للقانون الدولي المعاصر‬

‫يظهر ذلك بوضوح في االهتمام الكبير بحقوق اإلنسان في زمن السلم والحرب‪ ،‬حيث كان في القانون‬
‫التقليدي ال يهتم باإلنسان بل كان محور اهتمامه بالدول‪ .‬وقد افرد القانون الدولي المعاصر لإلنسان قانون‬
‫خاص به هو القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لالجئين‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬طبيعة قواعد القانون الدولي العام‬


‫المطلب األول‪ .‬تمييز القانون الدولي عن غيره من القوانين والمبادئ‬
‫الفرع األول القانون الدولي العام والقانون الدولي الخاص‬

‫ثمة مجموعة من نقط االشتراك واالختالف بين القانونين الدولي والخاص‪ .‬ويمكن تحديدها فيما يلي‪:‬‬

‫نقط االشتراك‪ :‬يشترك مع القانون الدولي العام في وجود الصفة الدولية بينهما‪.‬‬

‫نقط االختالف‪ :‬من حيث الموضوع الذي يتناوالنه‪ ،‬ومن حيث المكان الذي يطبقان فيه‪.‬‬

‫القانون الدولي العام يعنى بالدول واألشخاص الدوليين اآلخرين ومكان تطبيقه ينحصر دو ًما في النطاق‬
‫الدولي خارج حدود الدولة‪ .‬إال أن القانون الدولي الخاص يعنى بأفراد الدول المختلفة فيما يختص بحقوقهم‬
‫المدنية‪ ،‬كما أنه يتكون من مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العالقات المشوبة بعنصر أجنبي فيما‬
‫بين األفراد‪.‬‬

‫مجمال‪ ،‬يمكن القول بأن القانون الدولي الخاص هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العالقات فيما‬
‫بين األفراد ذات العنصر األجنبي وتحدد جنسيتهم‪.‬ومركزهم القانوني ومن ثم تبين القانون الواجب التطبيق‬
‫في حالة تنازع القوانين ومن ثم تحديد المحكمة المختصة في فصل النزاع‪.‬‬

‫‪ ‬نازلة‪:‬لو أن مكسيكي الجنسية يقيم في باريس وعقد صفقة تجارية وهو في سن ‪ 21‬سنة‪ ،‬إال أن‬
‫البائع لم يتبين له ان سن البلوغ في القانون المكسيكي هو ‪ 25‬سنة‪ ،‬ولدى مطالبة البائع باألقساط‬
‫المتبقية دفع المكسيكي ببطالن التزامه ألنه قاصر وفق أحكام القانون المكسيكي‪ .‬فتكييف هذا النزاع‬
‫القانوني وإسناد القاعدة القانونية لحله هي من المسائل التي يتناولها القانون الدولي الخاص‬
‫بالتنظيم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القانون الدولي العام وقواعد القانون الطبيعي والمجامالت واألخالق الدولية‬

‫أوال‪ -‬القانون الطبيعي‬

‫له عدة تعريفات ولكن يمكن تعريفه بأنه مجموعة القواعد الثابتة وغير المكتوبة والواجبة االنطباق على‬
‫كافة األفراد في كل المجتمعات نظرا ً ألنها تجد مصدرها في الطبيعة ذاتها ‪ .‬فهو نوع من األخالقيات‬
‫الواجبة االنطباق في كل مكان وزمان مثل أفكار العدالة و المساواة‪ .‬هذا النوع من القانون ليس من صنع‬
‫المشرع ‪ ،‬وإنما هو متأصل في الطبيعة البشرية‪.‬‬

‫في المجال الدولي‪ ،‬يحسن بالدول إتباع هذه القواعد وااللتزام بها تحقيقًا للعدالة باعتبارها الوضع الطبيعي‬
‫والمنطقي لما يتعين أن تكون عليه العالقات الدولية من مثل وقيم عليا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬قواعد المجامالت الدولية‬

‫هي تلك القواعد التي جرت الدول على إتباعها‪ ،‬رغبة منها في توثيق عالقاتها مع بعضها البعض‪ .‬وهي‬
‫قواعد غير ملزمة وليس لها أية عالقة بالمثل العليا ومن أهم أمثلتها مراسم استقبال رؤساء الدول والسفراء‬
‫والتحية البحرية‪.‬‬

‫‪ ‬ملحوظة‪:‬‬

‫قواعد المجامالت الدولية قد تتحول الى قواعد دولية وذلك عندما تكتسب وصف اإللزام القانوني من إحدى‬
‫مصادره كالعرف أو االتفاق أو القرار الصادر عن منظمة دولية في حدود اختصاصه‪ .‬وتعتبر القاعدة‬
‫القانونية لالمتيازات والحصانات الدبلوماسية خير دليل على ذلك‪.‬‬

‫كما قد تتحول القاعدة القانونية الدولية إلى قاعدة من قواعد المجامالت إذا ما فقدت وصف اإللزام القانوني‬
‫لها‪ ،‬وتعتبر القواعد المحددة لمراسم استقبال السفن البحرية في الموانئ األجنبية من أهم األمثلة لقواعد‬
‫القانون الدولي التي لحقها النسخ لتتحول إلى مجرد قاعدة من قواعد المجامالت‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قواعد األخالق الدولية‬

‫وهي مجموعة من المبادئ السامية التي يمليها الضمير العالمي ويقيد بها تصرفات الدول وفقًا لمعايير‬
‫األخالق الفاضلة والمروءة والشهامة‪ ،‬ال وفقًا العتبارات اإللزام القانوني‪ .‬ومن أمثلة هذه القواعد‪ ،‬تلك التي‬
‫تقضي باستعمال الرأفة في الحروب واالبتعاد عن الكذب والخداع في العالقات الدولية وتقديم العون والغوث‬
‫إلى الدول المنكوبة (زالزل‪ ،‬فيضانات‪ ،‬حروب)‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن بعض قواعد األخالق أصبحت مدونة وتحظى بنفس قوة القانون الدولي مثل‪،‬‬
‫كمعاملة األسرى في الحرب‪ ،‬ومساعدة جرحى الحرب وعدم اعتداء الدول على بعضها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العالقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي‬


‫الفرع األول‪ :‬مذهب الثنائية‪/‬ازدواجية القانون ‪Dualisme‬‬

‫‪14‬‬
‫يعد الفقيه األلماني تربيل والفقيه االيطالي انزيلوني من أنصار هذه النظرية‪ .‬وينطلق هؤالء من فكرة أن‬
‫القانون الدولي العام والقانون الداخلي متباينان ومستقالن‪ ،‬بحيث ينفصل احدهما عن األخر‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مضمون مذهب الثنائية‬


‫ويستند زعماء هذه النظرية على عدة مبررات الثبات وجهات نظرهم‪ ،‬ومن أهم هذه المبررات‪:‬‬

‫من حيث المصدر‬

‫اختالف مصدر كل من القانونين‪ :‬فمصدر القانون الداخلي هو إرادة الدولة( العرف‪/‬التشريع)‪ ،‬في حين‬
‫أن مصدر القانون الدولي العام هو اإلرادة المشتركة للدول (المعاهدات)‪.‬‬

‫من حيث الغاية والمخاطبين بأحكامه‬

‫‪ ‬القانون الدولي العام يستهدف تنظيم العالقات فيما بين الدول فيحدد مالها من حقوق وما عليها من‬
‫التزامات‪ ،‬ومن ثم فإن قواعده التخاطب إال الدول المستقلة فقط‪ ،‬فضال عن باقي أشخاص‬
‫القانون الدولي العام‪ ،‬وبالتالي فهي التصدر عن سلطة عليا تفوق سلطة الدول وانما تصدر عن‬
‫رضا الدول واتفاقها سواء كان هذا الرضا صري ًحا أم ضمنيًا‪.‬‬

‫‪ ‬أما القانون الداخلي فهو يستهدف تنظيم مصلحة وعالقة األفراد مع بعضهم البعض في داخل‬
‫حدود الدولة ‪.‬ومن ثم فان قواعده تخاطب األفراد فقط وبالتالي فهي تصدر عن سلطة المخاطبين‬
‫بأحكامه‪.‬‬

‫من حيث الجزاء‬

‫فهو يترتب على مخالفة أحكام القانون الداخلي ‪.‬بينما نجد أن مخالفة أحكام القانون الدولي العام‪ ،‬خاصة‬
‫تلك المنظمة لعالقات الدول‪ ،‬ال يترتب عنها سوى المسؤولية الدولية والتي ينحصر أثرها المباشر في‬
‫التعويض‪.‬‬

‫من حيث البناء القانوني‬

‫اختالف البناء األساسي والقانوني لكل من المجتمع الداخلي والدولي‪:‬‬

‫فالمجتمع الداخلي للدولة مكون من سلطات عامة ومنظمة‪ ،‬فهناك السلطة التشريعية التي تعمل علي سن‬
‫القواعد القانونية‪ ،‬والسلطة التنفيذية التي تعمل علي احترام القواعد المسطرة‪ ،‬والسلطة القضائية التي تفصل‬
‫في النزاعات وتوقع الجزاءات وفقا للمقتضيات الجاري العمل بها في الدول‪.‬‬

‫أما بناء المجتمع الدولي فانه يتصف بضعف أجهزته التنفيذية والقضائية وعدم تطبيق الجزاء في حالة‬
‫االخالل بقواعده وأحكامه إال في حاالت نادرة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬انتقادات النظرية الثنائية‬


‫وجهت ألنصار هذا المذهب انتقادات ‪:‬‬

‫من حيث المصدر‬


‫‪15‬‬
‫القول بالمصادر المختلفة للقانونين (العرف والتشريع) أمر مردود‪ ،‬إذ يالحظ بان المصدرين األساسيين‬
‫للقانون الداخلي هما التشريع والعرف وان المصدرين األساسيين للقانون الدولي العام هما المعاهدات‬
‫والعرف أيضا‪.‬‬

‫فالمعاهدات اتفاق صريح مبني في معظمه على قواعد عرفية‪ ،‬وهي ليست في حقيقة األمر سوى نوع من‬
‫التشريع‪ .‬وعليه‪ ،‬فهذه المالحظة توضح بأنه ليس هناك اختالف كبير في مصدر كل من القانونين‪.‬‬
‫من حيث المخاطبين‬

‫القول باختالف األشخاص المخاطبين بأحكام القانونين والتأكيد على أن الدولة والمنظمات الدولية هي‬
‫المخاطبة بالقانون الدولي العام هو قول مردود‪ ،‬ذلك ان الفرد – حسب االتجاه الحديث هو أيضا شخص‬
‫من أشخاص القانون الدولي العام‪.‬‬

‫ملحوظة‬

‫‪ ‬لو سلّمنا فرضا بازدواج كل من القانونين‪ ،‬فإنه أننا ال يمكن أن نذهب إلى ما يذهب إليه أنصار‬
‫مذهب االزدواج‪ ،‬من أنه ال توجد أي نقاط لالتصال بين القانونين‪.‬‬

‫‪ ‬فالمجتمع الدولي والمجتمع الداخلي على اتصال مستمر وتداخل في العالقات الرابطة بينهما ‪.‬لذلك‬
‫فالبد من وجود عالقة فيما بين القانونين الداخلي والدولي نتيجة لذلك التداخل والترابط في العالقات‬
‫ما بين المجتمعين ‪.‬‬

‫‪ ‬فالقانون الداخلي قد يسخر لتدعيم القانون الدولي العام‪ ،‬كما في حالة تنظيم اختصاصات السلطة‬
‫الوطنية إلبرام المعاهدات الدولية؛‬

‫‪ ‬كما أن القانون الداخلي قد يكون امتدادًا للقانون الدولي عندما يلجأ إلى تطبيق القاعدة القانونية‬
‫الدولية في إطار القانون الداخلي‪ ،‬وذلك بعد تحويلها إلى قاعدة قانونية وطنية‪ ،‬بأتباع سلسلة من‬
‫اإلجراءات الشكلية المتبعة في إصدار القوانين الداخلي؛‬

‫‪ ‬وأحيانا قد يحيل أحد القانونين على األخر أمر مسألة معينة للفصل فيها على اعتبار أن تلك المسألة‬
‫تدخل في دائرة اختصاص هذا القانون ويجب ان تعالج وفقًا ألحكامه ‪.‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما‬
‫يحدد القانون الدولي العام حقوق األجانب والتزاماتهم فانه يترك مسألة تعيين من يصدق عليه‬
‫وصف األجنبي داخل حدود الدولة إلى القانون الداخلي؛‬

‫‪ ‬فقد يعفي القانون الداخلي الممثلين الدبلوماسيين من الضرائب أو الخضوع للقوانين الداخلية‪ ،‬ويترك‬
‫مسألة تعيين من يصدق عليه وصف الممثل الدبلوماسي أو السياسي إلى القانون الدولي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مذهب الوحدة ‪/‬وحدة القانون ‪Monisme‬‬


‫أوال‪ :‬مضمون مذهب الوحدة‬

‫‪16‬‬
‫أنصار هذه النظرية وعلى رأسهم العالم النمساوي كلسن‪ ،‬وفقيهي المدرسة الموضوعية االجتماعية‬
‫"دوجي" و " جورج سيل " يجعلون من قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الداخلي كتلة قانونية‬
‫واحدة‪ .‬فالقانون ذو األصل الواحد يمكن أن يتفرع إلى فرعين أساسيين هما‪ :‬القانون الداخلي والقانون‬
‫الدولي العام‪ .‬وانطالقا من ذلك‪ ،‬ال يمكن القول باستقالل وانفصال بين هذين الفرعين للقانون ولكن التنازع‬
‫بين القواعد المنتمية إلي كل من هذين القانونين هو مسالة ممكنة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إشكالية السمو‬


‫يقر أنصار مذهب الوحدة بكون كل من القانون الدولي والقانون الداخلي كتلة قانونية واحدة‪ ،‬إال أنه يثار‬
‫تساؤل في حالة التنازع بينهما أي من القواعد القانونية لكل من القانونين تسمو؟‪.‬‬

‫لقد اختلف أنصار النظرية فيما بينهم حول وضع حل لهذه اإلشكالية المطروحة وانقسموا إلي اتجاهين‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬سمو القانون الداخلي على القانون الدولي العام‬

‫يدافع عن هذا االتجاه الفقيه األلماني ‪ ،BERGBOHM‬الذي يؤكد أن إرادة الدولة هي األساس للقانون‪.‬‬
‫فالدولة في نظره تسمو على الجماعة الدولية‪ ،‬وأنها سابقة في وجودها علي وجود هذه الجماعة‪ ،‬كما أن‬
‫الدولة هي الكيان الوحيد القادرة على خلق القواعد القانونية‪.‬‬

‫فقد خلص أنصار هذا االتجاه بان القانون الداخلي هو التعبير الوحيد عن إرادة الدولة‪ ،‬أما القانون الدولي‬
‫العام فهو مجرد اشتقاق من القانون الوطني‪ ،‬كما انه يستمد قوته الملزمة من هذا األخير (القانون الداخلي)‪.‬‬
‫فالدولة حسب أنصار هذه النظرية تستمد القدرة على إبرام االتفاقيات الدولية من وجود قاعدة قانونية‬
‫دستورية تمنحها السلطة على التصرف في الشؤون الدولية‪ .‬وبما أن الدستور هو قانون داخلي فان ذلك‬
‫يعني أن القانون الداخلي يسمو علي القانون الدولي العام‪.‬‬

‫* االنتقادات‬

‫‪ ‬الدولة هي الشخص الوحيد في القانون الدولي‪ ،‬كما أن المعاهدات المصدر الوحيد للقانون الدولي‬
‫العام؛‬
‫‪ ‬أساس االلتزام بالمعاهدات ال يرجع إلى وجود قاعدة دستورية في تشريعات مختلف الدول‪ ،‬بل‬
‫يرجع إلي قاعدة عرفية تقضي بان المتعاقد عبد تعاقده‪ ،‬وللدليل على ذلك أن إلغاء الدستور آو‬
‫تعديله ال يترتب عليه إلغاء أو تعديل المعاهدات الدولية‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬سمو القانون الدولي العام على القانون الداخلي‬


‫يرى أنصار هذا االتجاه أن القانون الدولي العام أسمى مرتبة من القانون الداخلي‪ ،‬ومن أهم أنصار هذا‬
‫االتجاه الفقيه اليوناني يوليتس‪ ،‬والفقيه البلجيكي بوركين‪ .‬وقد استند أنصار هذا االتجاه في إثبات موقفهم‬
‫علي ما يلي‪:‬‬

‫أن القانون الداخلي مشتق من القانون الدولي العام‪ ،‬كما أن إصداره راجع في أحيان كثيرة إلى قواعد قانونية‬
‫دولية‪.‬‬

‫فلما كان القانون الدولي العام هو الذي يحدد ويرسم الحدود اإلقليمية والشخصية للدولة‪ ،‬فانه بطريقة غير‬
‫مباشرة يفوض تلك الدولة في سن القوانين الداخلية التي تطبق في نطاق تلك الحدود‪ .‬وتبعا لذلك خلص‬
‫‪17‬‬
‫أنصار هذه النظرية أن القاعدة القانونية الدولية يمكنها تلقائيا أن تلغي أو تعدل قاعدة قانونية داخلية تتعارض‬
‫معها‪.‬‬

‫* االنتقادات‬

‫‪ ‬القول بان القانون الداخلي مشتق من القانون الدولي العام يتعارض مع الحقائق التاريخية التي تفيد‬
‫بان القانون الداخلي سابق في وجوده على القانون الدولي العام؛‬

‫‪ ‬كما إن القاعدة الداخلية ال تبطل أو تعدل تلقائيا ولمجرد تعارضها مع القاعدة الدولية‪ ،‬نظرا الن‬
‫إلغاء أو تعديل قاعدة قانونية داخلية ال يمكن أن يتم بنفس الطريقة اإلجرائية التي تشكلت بها‪ ،‬أي‬
‫بإصدار تشريع جديد يقرر إلغاء قاعدة قانونية أو يعدلها‪.‬‬

‫*‪ -‬أولوية القانون الدولي في التطبيق من خالل االجتهادات القضائية واالتفاقيات الدولية‬

‫‪ -1‬سمو القانون الدولي على القانون الداخلي في بعض األحكام القضائية‬

‫*قضية االباما ‪Alabama‬‬

‫ثارنزاع بين انجلترا والواليات المتحدة األمريكية أثناء حرب االنفصال‪ ،‬حيث اتهمت الواليات المتحدة‬
‫انجلترا بخرق قواعد الحياد لكونها تقدم المساعدة سرا لواليات الجنوب الثائرة علي واليات الشمال‪ ،‬وتسمح‬
‫ببناء السفن وتموينها في الموانئ االنجليزية ثم استعمالها بعد ذلك ضد واليات الشمال‪ .‬وكانت االباما إحدى‬
‫السفن التي تم بناؤها وتجهيزها إلغراق عدد من سفن الشمال‪ .‬وهنا احتج األمريكيون بان نقص القوانين‬
‫االنجليزية ال يعفي سلطات هذه األخيرة من االلتزام بإتباع العرف الدولي الثابت والخاص بواجبات‬
‫المحايدين‪ .‬وقد أخذت محكمة التحكيم الدولية التيانعقدت في جنيف ‪ 1871‬بهذا الرأي وأدانت انجلترا‪،‬‬
‫مؤكدة بذلك سمو القانون الدولي العرفي‪.‬‬

‫*قضية دانتزيج ‪Dantzig‬‬

‫دعمت محكمة العدل الدولية هذا االتجاه في رأيها االستشاري الصادر في ‪ 4‬فبراير ‪ 1932‬بخصوص‬
‫معاملة المواطنين البولونيين واألشخاص اآلخرين الذين هم من أصل بولوني او الذين يتكلمون لغة بولونيا‬
‫والذين يقيمون في ارض دانتزيج الحرة‪ .‬فقد أدى تطبيق دستور دانتزيج ‪ Dantzig‬إلى انتهاك االلتزامات‬
‫الدولية المفروضة على هذه المدينة الحرة في مواجهة بولونيا‪ .‬وقد ذهبت المحكمة إلى أن الدولة ال يمكنها‬
‫أن تحتج بنصوص دستورها لكي تتخلي عن االلتزامات المفروضة عليها في مواجهة دولة أخرى بمقتضى‬
‫قواعد القانون الدولي أو المعاهدات السارية‪.‬‬

‫* مبدأ األولوية في الممارسة االتفاقية‬

‫تنص المادة ‪ 27‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 1969‬حول قانون المعاهدات فيما بين الدول علي انه " ال يجوز‬
‫لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذه لهذه المعاهده”‬

‫تنص المادة ‪ 27‬من اتفاقية فيينا لعام ‪ 1986‬حول قانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية او‬
‫فيما بين المنظمات الدولية نصت علي انه " ‪ :1‬ال يجوز لدولة طرف في المعاهدة أن تحتج بأحكام‬

‫‪18‬‬
‫قانونها الداخلي لتبرير عدم تنفيذها المعاهدة‪ :2 .‬ال يجوز لمنظمة دولية طرف في معاهده أن تحتج‬
‫بقواعد المنظمة لتبرير عدم تنفيذها المعاهدة "‪.‬‬

‫* مبدأ األولوية في القانون المغربي‬

‫‪-‬دستور ‪ : 2011‬ينص في ديباجته على جعل االتفاقيات الدولية‪ ،‬كما صادق عليها المغرب وفي نطاق‬
‫أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة‪ ،‬تسمو‪ ،‬فور نشرها‪ ،‬على التشريعات‪ ،‬مع ما‬
‫تتطلبه تلك المصادقة‪...‬‬

‫‪ -‬ظهير تسليم المجرمين األجانب إلي حكومتهم نص في مادته األولى علي أن "التسليم والمسطرة المتبعة‬
‫في هذا الشأن تخضع للفصول التالية ما لم تكن هناك مقتضيات مخالفة ناجمة عن المعاهدات‪.‬‬

‫‪ -‬القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية ينص علي أولوية االتفاقيات الدولية علي القوانين الوطنية فيما يخص‬
‫التعاون القضائي مع الدولة األجنبية‪.‬‬

‫‪-‬القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة نص صراحة على هذا المبدأ من خالل منطوق المادة‬
‫‪ " : 68‬إن مقتضيات أي معاهدة دولية متعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والتي تكون المملكة‬
‫المغربية قد صادقت عليها‪ ،‬تعتبر قابلة للتطبيق على الحاالت المنصوص عليها في هذا القانون‪.‬في حالة‬
‫وجود تعارض بين مقتضيات هذا القانون ومقتضيات معاهدة دولية صادقت عليها المملكة المغربية‪ ،‬تطبق‬
‫مقتضيات المعاهدات الدولية"‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬إلزامية قواعد القانون الدولي‬


‫مالحظات أولية‬
‫إن إشكالية إلزامية القانون بصفة عامة أثارها المفكرون والفالسفة وحتى الموطنون العاديون منذ‬ ‫‪‬‬
‫وجود اإلنسان‪ .‬ومنذ التأكيد على رغبة اإلنسان في العيش داخل الجماعة‪ .‬وضرورة الخضوع‬
‫للضوابط المجتمعية‪.‬‬
‫نفي أو االعتراف بإلزامية القانون الدولي من قبل المفكرين مرتبط بالظروف التي عاصروها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القانون الدولي كغيره من القوانين األخرى يتعرض لخروقات وانتهاكات من قبل بعض األشخاص‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫احترام القانون وإشكالية العقاب أو الجزاء‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفرع األول‪ :‬إنكار إلزامية القانون الدولي‬


‫يعد كل من نيكولو ميكيافللي (‪ ،)1527-1464‬و توماس هوبس (‪ ،)1672-1588‬و فريدريك هيغل‬
‫(‪ )1770-1831‬وشارل روسو‪ ،‬ريمون آرون‪ ،‬هنري كيسنجرفي اآلونة األخيرة من الفقهاء الذين أجمعوا‬
‫على أن القانون الدولي غير ملزم‪ ،‬والدول ال تحترمه إال فيما يخدم مصالحها‪ .‬وبالتالي فال يمكن أن تتصف‬
‫قواعده بالصفة القانونية‪ .‬وأن هذه القواعد هي عبارة عن مبادئ أخالقية ال تلزم الدول‪.‬‬

‫وقد قدم هؤالء الفقهاء مجموعة من الحجج لدعم طرحهم‪ ،‬حيث أكدوا على أن‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫• الدول كائنات شريرة‪ ،‬وتاريخ اإلنسانية هو تاريخ الحروب‪.‬‬

‫• وجود اختالفات جوهرية بين المجتمع الدولي والمجتمع الوطني‪ .‬وأن المجتمع الدولي تحكمه القوة‬
‫والمصلحة‪ .‬وال وجود لنظام عام دولي على غرار النظام العام الوطني بسبب استقاللية الدول‪.‬‬

‫• من الصعب إيجاد عقد على غرار المجتمع الوطني بين الحاكمين والمحكومين‪.‬‬

‫• انعدام سلطة تشريعية فوق الدول (الدول هي المشرعة وهي المخاطبة بقواعد القانون‪ ،‬لها الحق‬
‫في التراجع عن احترامها متى شاءت)‪.‬‬

‫• إنعدام سلطة تنفيذية دولية مسؤولة عن تطبيق القانون‪ .‬ومراقبة تنفيذه‪.‬‬

‫• ال وجود لقضاء دولي ملزم للدول‪.‬‬

‫• صحيح أن هناك آليات على المستوى الدولي لكن قراراتها ليست ذات طبيعة إلزامية وإنما أخالقية‪،‬‬
‫أو أنها تخضع لمصالح الدول‪.‬‬

‫بالمقابل لقي أنصار االتجاه المنكر إللزامية قواعد القانون الدولي انتقادات مهمة من بينها‪:‬‬

‫• قواعد القانون الدولي ال تنشأ فقط عن عقود واتفاقيات وإنما هناك عدد كبير من القواعد الملزمة‬
‫بغض النظر عن مصدرها‪ ،‬مثل قواعد الشرائع السماوية واألعراف‪ ،‬وقواعد القانون الدبلوماسي‬
‫والقانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وقواعد حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫• المجتمع الدولي والمجتمع الوطني يمتازان بنفس الخصائص من الفوضى والتنظيم‪.‬‬

‫• وجود قضاء ملزم للدول واألفراد ونادرا ما ترفض الدول تطبيق األحكام الدولية‪ .‬مثل حالة المحكمة‬
‫األوربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬ومحكمة قانون البحار‪ .‬والمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫• الجزاء والعقاب ممكنان‪ :‬هناك أشكال عديدة من الجزاء على المستوى الدولي كقطع العالقات‬
‫الدبلوماسية أو فرض الحصار أو المقاطعة االقتصادية‪ ،‬أو المعاملة بالمثل‪ .‬أو الدفاع عن النفس‬
‫الفردي أو الجماعي‪ ،‬والفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة‪ .‬محاكمة مجرمي الحرب‪ .‬المسؤولية‬
‫المدنية للدولة عن األضرار‪......‬‬

‫• إنه من غير المنطقي الحديث عن كون الدول كائنات شريرة‪ ،‬فالدول يقودها أفراد‪ ،‬وهم المخاطبين‬
‫باحترام القانون سواء على المستوى الوطني أم الدولي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تأكيد إلزامية القانون الدولي‬

‫أجمع كل من غروسيوس (ق ‪ ،)17‬فاتيل وروسو (ق ‪ ،)18‬ومن القرن العشرين (تونكين‪ .‬روبيرتو آغو‪،‬‬
‫روجي بينتو‪ ،‬على التأكيد على إلزامية قواعد القانون الدولي‪ ،‬وصاغوا عدة نظريات من أجل ذلك منها ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نظرية اإلرادة‪ :‬وتفيد بأن إلزامية القواعد توجد في رغبة الدول في الخضوع لها واحترامها‪ .‬فليس‬
‫من الضروري أن تكون القواعد القانونية مفروضة من قبل سلطة عليا كي يتم تطبيقها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫وتنقسم نظرية اإلرادة إلى اتجاهين‪:‬‬

‫– اإلرادة المشتركة (القانون تعبير عن الرغبة العامة للجماعة في التنظيم)‪ .‬اتفاق‬


‫الدول‪/‬توافق إراداتها يشكل سببا رئيسيا لاللتزام (ليس اإلرادة المنفردة)‬

‫– القيد الذاتي‪ ،‬إن الدول تلتزم بالقواعد القانونية بمحض إرادتها المنفردة‪ ،‬وهي ترتبط‬
‫بالمواثيق بعد عدة إجراءات وخطوات‪ ،‬وهي تفعل ذلك بإرادتها المنفردة‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫ذلك نابع من رغبتها في االلتزام‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظرية القانون الموضوعي‬

‫يجب البحث عن أساس االلتزام خارج إرادة الدول‪ .‬فوجود عوامل موضوعية تبرر وجود القانون واحترامه‬
‫من قبل الدول‪ ،‬فاحترامه ناجم عن ضرورة التضامن االجتماعي وهي ضرورة اجتماعية ملحة كالرغبة‬
‫في األمن واالستقرار وتجنب النزاعات والحروب‪ ،‬والتوق الشديد إلى تحقيق المصالح والمنافع المختلفة‬
‫التي قد تجنى من العالقات المنظمة‪.‬‬

‫كما أن الدول‪ ،‬اليوم‪ ،‬غير قادرة على مواجهة كل الكوارث والمعضالت الكبرى كالكوارث البيئية والطبيعية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فالرغبة الشديدة في االستفادة من التضامن الدولي إليجاد حلول لهذه المعضالت‬
‫يفرض وجود القانون‪ .‬ويمكن أن نشير كذلك إلى ضرورة االعتماد المتبادل إلشباع الحاجات األساسية‬
‫للشعوب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬حجج المؤيدين إللزامية القانون الدولي‪.‬‬

‫أغلب قواعد القانون الدولي المعاصر تتكون من مبادئ وقواعد ساهمت فيها كل الشعوب واألمم‬ ‫•‬
‫والحضارات‪ ،‬وهي تشكل قيما مشتركة للمجتمع اإلنساني‪ ،‬ومن ثمة يجب احترامها‪.‬‬
‫عدم اعتراف الدول بخرق القانون عالنية والتذرع حتى بحجج قانونية واهية للدفاع عن موقفها‬ ‫•‬
‫مثل الدفاع عن النفس‪ ،‬أو مبدأ المعاملة بالمثل‪ ،‬يبرر اعتراف تلك الدول بوجود القانون حتى وإن‬
‫لم تحترمه؛‬
‫ال يمكن للدول التعاقد في أي موضوع تشاء‪ .‬وال يمكن لها أن تبرم اتفاقيات ومعاهدات حول بعض‬ ‫•‬
‫األمور المحرمة بموجب قواعد القانون الدولي‪ ،‬مثل ممارسة القرصنة‪ ،‬أو تجارة المخدرات‪ ،‬أو‬
‫تجارة الرقيق‪ ،‬أو ممارسة االستعمار‪ ،‬أو االتفاق على قتل األسرى‪ ،‬أو االتفاق على تمديد بحرها‬
‫اإلقليمي خالفا للقانون الدولي؛‬
‫كثير من قواعد القانون الدولي المعاصر‪ ،‬هي قواعد مؤسسية‪ ،‬تصدر اليوم عن مؤسسات وآليات‬ ‫•‬
‫دولية‪ ،‬ارتضت الدول االنضمام إليها‪ ،‬ووافقت على أن تتخذ تلك المؤسسات واآلليات تلك‬
‫الصالحيات نيابة عنها‪ .‬كما هو الشأن بالنسبة لمجلس األمن‪ ،‬أو مؤسسات االتحاد األوربي؛‬
‫احترام القانون الدولي تثبته الممارسة الدولية‪ .‬كل الدول اليوم منخرطة في عقد اآلالف من المواثيق‬ ‫•‬
‫واالتفاقيات والمعاهدات التي تهم مجاالت مختلفة‪ ،‬وتحضر في المؤتمرات الدولية‪ .‬فكثير من دول‬
‫العالم تحترم القوانين الدولية وتطبق القواعد المنضوية في االتفاقيات الدولية كميثاق األمم المتحدة‪،‬‬
‫اتفاقية قانون البحار وقانون المعاهدات والقانون الدبلوماسي وقانون البيئة والقانون اإلنساني‪،‬‬
‫وحقوق اإلنسان؛‬
‫وجود القانون الدولي تثبته الدساتير الوطنية للدول‪ ،‬التي تتحدث كلها على االلتزام بالقانون الدولي‪،‬‬ ‫•‬
‫وعادة ما تمنح للقواعد الدولية مرتبة أعلى من التشريعات الوطنية‪ ،‬وأن كثيرا من الدول عدلت‬
‫قوانينها لتتالءم مع التزامات دولية؛‬

‫‪21‬‬
‫• الدستور المغربي ينص في تصديره على‪ ":‬وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات‬
‫الدولية‪ ،‬فإن المملكة المغربية‪ ،‬العضو العامل النشيط في هذه المنظمات‪ ،‬تتعهد بالتزام بما تقتضيه‬
‫مواثيقها‪ ،‬من مبادئ وحقوق وواجبات‪ ...‬كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على‬
‫السالم واألمن في العالم‪ ...‬جعل االتفاقيات الدولية‪ ،‬كما صادق عليها المغرب‪ ،‬تسمو‪ ،‬على‬
‫التشريعات الوطنية‪ ،‬والعمل على مالئمة هذه التشريعات‪ ،‬مع ما تتطلبه تلك المصادقة‪”...‬‬
‫استنتاجات أخيرة‪.‬‬

‫• القانون موجود وهو يتعرض لعدة خروقات‪ ،‬وال بد من تدعيمه‪.‬‬

‫• إنه من مصلحة الدول والشعوب وجود قانون دولي ألن الفوضى ال تخدم الضعفاء‪.‬‬

‫• ال يمكن تصور العالم اليوم بدون قوانين‪ ،‬فالقانون الدولي اليوم أصبح يتجاوز إختصاص الدول‬
‫ليهم األفراد‪ ،‬والجمعيات الوطنية والمنظمات غير الحكومية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مصادر القانون الدولي العام‬

‫تنقسم مصادر القاعدة القانونية إلى قسمين‪:‬‬

‫• مصادر مادية‪ ،‬وهي مصادر غير مباشرة‪ ،‬تتمثل في االعتبارات والمقومات األخالقية والتاريخية‬
‫واإلنسانية التي تؤدي إلى انبثاق القاعدة القانونية‪ ،‬مثل اإلحساس بالتضامن والرغبة في العيش‬
‫داخل جماعة منظمة واإلحساس باالنتماء إلى الجماعة‪ ،‬والرغبة في توفير األمن واالستقرار‪،‬‬
‫والحاجة إلى االطمئنان على النفس والممتلكات‪ ،‬والرغبة في تالفي الصراع وتجنب العنف‬
‫والنزاع‪....‬‬

‫• مصادر شكلية‪ ،‬وهي مصادر مباشرة للقواعد القانونية‪ ،‬وتتمثل في الوسائل والطرق التي تنشأ‬
‫بواسطتها تلك القواعد‪ ،‬وعن طريقها يتم التعبير عن القواعد والضوابط القانونية‪.‬‬

‫وقد ورد ذكر مصادر القانون الدولي في المادة ‪ 38‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬والتي جاء‬
‫فيها‪ ”:‬وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي تُرفع إليها وفقا ً ألحكام القانون الدولي‪ ،‬وهي تطبق‬
‫في هذا الشأن‪:‬‬

‫‪ -‬االتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها من قبل الدول‪.‬‬

‫‪ -‬العادات الدولية المعتبرة بمثابة قانون د َّل عليه تواتر االستعمال‪.‬‬

‫أقرتها األمم المتمدنة‪.‬‬


‫‪ -‬المبادئ العامة للقانون التي َّ‬
‫‪ -‬أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف األمم‪ .‬ويُعتبر هذا أو ذاك مصدرا ً‬
‫احتياطيا ً لقواعد القانون‪.‬‬

‫وبناء على ما تقدّم‪ ،‬وجب التنبيه إلى أن المادة ‪ 38‬ميّزت بين نوعين من المصادر‪:‬‬

‫• مصادر أصلية‪ ،‬تتمثل في المعاهدات والعرف والمبادئ العامة للقانون؛‬

‫مصادر ثانوية‪ ،‬تتمثل في قضاء المحاكم وآراء الفقهاء‬ ‫•‬

‫سيتم في هذا الباب دراسة مصادر القانون الدولي مع التركيز تحديدا على المعاهدات الدولية والعرف‬
‫الدولي والمبادئ العامة للقانون‪ ،‬ثم األعمال القانونية االنفرادية الصادرة عن الدول والمنظمات الدولية على‬
‫اعتبار أنها مصدرا جديدا من مصادر القانون الدولي لم يرد ذكره في المادة ‪ 38‬من النظام األساسي‬
‫لمحكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫المبـحث األول‪ :‬المعاهدات الدولية‬


‫تعد المعاهدات الدولية المصدر المباشر واألساسي واألكثر غزارة لقواعد القانون الدولي‪ .‬فالمعاهدة أو‬
‫االتفاقية ممارسة قديمة جدا‪ ،‬وتطورت شيئا فشيئا لتصبح أهم مصدر للقانون‪ ( ،‬أمثلة من معاهات الصلح‬

‫‪23‬‬
‫التاريخية‪ ،‬وستفاليا ‪ ،1648‬و فيينا ‪ ،1815‬النصف الثاني للقرن ‪ 19‬عصر المؤتمرات والعشرات من‬
‫االتفاقيات الدولية الكبرى في مجاالت مختلفة كما ورد في الباب األول‪.‬‬

‫في الماضي‪ ،‬كانت حرية الدول في عقد المعاهدات مطلقة‪ ،‬فكانت تستطيع التعاقد في أي موضوع تشاء‬
‫وبأية طريقة تراها مناسبة‪ .‬باستثناء بعض المواضيع التي تم حظرها في القرن ‪ ،19‬مثل حظر القرصنة‪،‬‬
‫واالتجار في الرقيق‪ ،‬غير أن تطور الممارسة االتفاقية جعلت الدول تتنازل شيئا فشيئا عن أنانيتها‪ .‬إلى‬
‫أن جاءت هيئة األمم المتحدة حيث أصبح من الالزم الخضوع إلجراءات وتدابير قانونية في عقد المعاهدات‪.‬‬
‫وهذه اإلجراءات أصبحت تعرف بقانون المعاهدات‪ ،‬أي القواعد واإلجراءات القانونية التي يجب أن تعقد‬
‫وفقها المعاهدات الدولية حتى تصير مشروعة في العالقات الدولية‪.‬‬

‫• جاء قانون المعاهدات الدولية في وثيقتين دوليتين اثنتين‪:‬‬

‫– األولى هي اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لعام ‪ ،1969‬وقد وضعت قانونا لعقد‬
‫المعاهدات التي تبرمها الدول فيما بينها (معاهدة المعاهدات) ‪ .‬وكان قد بدأت المشاورات‬
‫بشأنها منذ عام ‪ .1950‬ودخلت حيز التنفيذ في ‪ ،1980‬وتتكون من ‪ 85‬مادة‪.‬‬

‫– أما الثانية فهي اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام ‪ 1986‬التي سنت قانونا لعقد المعاهدات‬
‫التي تبرمها الدول مع المنظمات الدولية أو المنظمات الدولية فيما بينها‪ .‬لم تدخل بعد حيز‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫سنتناول موضوع المعاهدات الدولية‪ ،‬طبقا التفاقية ‪ ،1969‬ضمن ثالثة محاور أساسية‪:‬‬

‫– المطلب األول‪ ،‬مفهوم المعاهدة الدولية‪.‬‬

‫– المطلب الثاني‪ ،‬إجراءات عقد المعاهدة الدولية‪.‬‬

‫– المطلب الثالث‪ ،‬تنفيذ المعاهدة الدولية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ ،‬مفهوم المعاهدة الدولية‬


‫الفرع األول‪ :‬تعريف المعاهدة الدولية‪.‬‬

‫لقد أعطيت عدة تعاريف أعطيت للمعاهدة ‪ .‬نذكر منها‪:‬‬

‫‪ ‬تعريف الفقيه بول روتر ‪ Paul Reuter‬المعاهدة الدولية هي‪ ” :‬عملية إبراز إلرادات متجانسة‬
‫لشخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي‪ ،‬بهدف إحداث آثار قانونية طبقا لقواعد القانون‬
‫الدولي“‪.‬‬
‫‪ ‬تعريف لجنة القانون الدولي‪ ” :‬االتفاقية الدولية‪ ،‬بغض النظر عن شكلها وتسميتها‪ ،‬هي االتفاق‬
‫الذي يأخذ شكال كتابيا ويكون محكوما بقواعد القانون الدولي‪ ،‬ومبرما بين دولتين أو أكثر أو بين‬
‫أشخاص القانون الدولي من غير الدول‪ ،‬الذين يتمتعون بأهلية إبرام المعاهدات‪ ،‬ويكون هذا االتفاق‬
‫مثبتا في وثيقة واحدة أو أكثر‪ ،‬يرتبط بعضها ببعض‪ ،‬بحيث تكون وحدة واحدة“‪.‬‬
‫‪ ‬تعريف المادة ‪ 2‬من اتفاقية فيينا ‪ ” :1969‬المعاهدة‪ ،‬اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة‪،‬‬
‫ويخضع للقانون سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر‪ ،‬وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه“‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عناصر تعريف المعاهدة‬

‫نستنتج من هذه التعاريف عدة عناصر مشتركة‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المعاهدة الدولية اتفاق مكتوب ومتعدد التسميات والتصنيفات‪.‬‬

‫‪ 1‬المعاهدة اتفاق مكتوب‪ ،‬تنص المادة ‪ 2‬من اتفاقية فيينا على أن المعاهدة الدولية تكون مكتوبة‪ .‬وتعتبر‬
‫الكتابة عنصر إثبات لالتفاقية‪ .‬غير أنه ليس هناك ما يمنع من وجود اتفاقات شفوية رغم أنها قد تكون‬
‫غامضة وغير محددة بدقة‪ ،‬وقد تؤدي إلى مشاكل في التفسير والتأويل‪ .‬وقد أكدت المادة ‪ 3‬من اتفاقية فيينا‬
‫على‪ ”:‬أن عدم سريان مفهوم المعاهدة على االتفاقات غير المكتوبة ال يؤثر على قوتها اإللزامية‪ .“...‬كما‬
‫أكدت محكمة العدل الدولية في عدة مناسبات على إمكانية العمل باالتفاق الشفوي‪.‬‬

‫‪ 2‬المعاهدة اتفاق متعدد التسميات‪.‬‬

‫تستعمل أسماء عديدة للداللة على المعاهدة ‪ ،traité/‬نذكر منها‪ :‬االتفاقية ‪ ،Convention/‬العهد‬
‫‪ . Pacte/‬الميثاق‪ .Charte/‬النظام األساسي‪ .Statut/‬النظام الداخلي‪.règlement intérieur/‬‬
‫البروتوكول أو الملحق‪ . protocole/‬التصريح أو البيان الختامي‪ .acte/‬اإلعالن ‪.déclaration/‬‬
‫االتفاق ‪ .arrangement/compromis/accord‬إنها أسماء متساوية من حيث المضمون‪ ،‬لكنها قد‬
‫تختلف من حيث الشكل والصياغة والطبيعة القانونية‪.‬‬

‫‪ :3‬المعاهدة اتفاق متعدد التصنيفات‪.‬‬

‫توجد عدة معايير لتصنيف المعاهدات الدولية‪:‬‬

‫*المعيار الشكلي ويتعلق بأطراف المعاهدة (معاهدات ثنائية أوجماعية)‬

‫*المعيار الجغرافي يميز بين المعاهدات العالمية والمعاهدات اإلقليمية‪.‬‬

‫*المعيار المادي يتعلق بمضمون المعاهدة الدولية‪ ،‬حيث نميز بين‪:‬‬

‫أ‪ -‬المعاهدات الشارعة (‪)traités lois‬‬

‫وهي المعا هدات التي تضم جميع الدول‪ ،‬أو غالبيتها‪ ،‬ويطلق عليها المعاهدات الجماعية‪ .‬فهي التي تضع‬
‫قواعد تشريعية عامة تلزم الدول جميعها حتى بالنسبة للدول التي لم تنضم إليها‪ ،‬ومن هذه المعاهدات ميثاق‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬فقد أوجب الميثاق على أن تعمل األمم المتحدة على أن تسير الدول األعضاء على هدى‬
‫مبادئها بقدر ما تقتضيه ضرورة حماية السلم واألمن الدولي‪.‬‬

‫ب‪-‬المعاهدات العقدية ‪(Traités contrats‬تبادل المصالح والمنافع‪ ،‬كالتبادل التجاري التقني والصيد‬
‫البحري‪ .)...‬كما نميز بين معاهدات معيارية ‪( Normatifs‬وهي اتفاقيات تنسيقية للعمل المشترك في‬
‫مجال السياسة الخارجية أو المجاالت االستراتيجية والعسكرية‪ ،)...‬ومعاهدات تأسيسية ‪constitutifs‬‬
‫(وضع آليات وأجهزة للعمل المشترك ولتنسيق مختلف السياسات المشتركة)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ثانيا‪ :‬المعاهدة اتفاق يعقد بين أشخاص القانون الدولي‬

‫*ال تكون لالتفاقية الصفة الدولية إال إذا عقدت بين أشخاص القانون الدولي األساسيين الذين يتمتعون‬
‫بالشخصية المعنوية‪ ،‬واألهلية القانونية‪.‬‬

‫* تعقد االتفاقية بين شخص دولي وآخر غير دولي مثل الشركات والجماعات المحلية أو المنظمات‬
‫والجمعيات الوطنية‪.‬‬

‫*لم تتعرض اتفاقية فيينا للمعاهدات التي تبرم بين الدول وحركات التحرر الوطني والكيانات غير المستقلة‬
‫كالسلطة الفلسطينية‪ ،‬لكن هناك عدة سوابق تثبت بأن هذا النوع من االتفاقيات هي عبارة عن معاهدات‬
‫دولية‪.‬‬

‫*ال تعتبر االتفاقات المبرمة بين اتحادات أو واليات داخل دولة فدرالية معاهدات دولية‪ ،‬إال إذا أجازها‬
‫الدستور الفدرالي‪ .‬فكثير من الدول الفدرالية تسمح للواليات بعقد اتفاقيات مع دول أجنبية في قضايا غير‬
‫سياسية وغير عسكرية‪ ،‬وتصبح نافذة بعد إجازتها من الحكومة الفدرالية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المعاهدة الدولية اتفاق يعقد طبقا لقواعد القانون الدولي ويرتب آثارا قانونية‪.‬‬

‫* تعقد االتفاقيات الدولية طبقا إلجراءات وتدابير قانونية معينة‪ .‬فلكي تكتسب المعاهدة الصفة الدولية عليها‬
‫أن تمر بشكليات محددة بدءا بالتفاوض والتوقيع والتصديق ودخول حيز التنفيذ‪...‬‬

‫*تهدف المعاهدة الدولية إلى ترتيب آثار قانونية بين أعضائها بمعنى أنها تنشئ قواعد للسلوك المشترك‬
‫للدول األعضاء وتضع معايير قانونية يلتزم األطراف باحترامها في عالقاتهم المتبادلة‪ .‬وفي هذا الموضوع‬
‫تختلف المعاهدات عن اإلعالنات عن التصريحات المشتركة والبيانات الختامية ‪ ...‬فلكل واحدة منها قيمة‬
‫قانونية وقوة إلزامية مختلفة‪ .‬غير أن الجدال الفقهي ينصب اليوم حول القيمة القانونية لبعض اإلعالنات‬
‫الصادرة عن مؤتمرات عالمية أو عن الجمعية العامة التي تمثل مختلف أمم األرض‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إجراءات عقد المعاهدة الدولية‪.‬‬


‫االتفاقيات الدولية هي عقود بين الدول‪ ،‬فهي مثل العقود المبرمة على المستوى الوطني‪ ،‬يجب أن تمر بعدة‬
‫مراحل قبل أن تدخل حيز التنفيذ‪ .‬فهي تبدأ باالقتراح والصياغة والتوقيع والتصديق‪ .‬والدخول حيز التنفيذ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المفاوضات ‪Négociations‬‬


‫هو إجراء تسبقه مشاورات غير رسمية عديدة‪ ،‬والمفاوضات تعني تبادل وجهات النظر وتبادل المقترحات‬
‫بين األطراف المعنية‪ ،‬بشكل رسمي‪ ،‬حول موضوع وشكل االتفاقية‪ ،‬ومناقشة كل التفاصيل المرتبطة بذلك‪.‬‬
‫وليس للمفاوضات شكل محدد رغم أن هدفها واحد‪.‬‬

‫مبدئيا التفاوض هو حق للدولة‪ ،‬وهي تقوم بالتفاوض من قبل ممثليها أو مندوبيها‪ ،‬ويكون هؤالء مرفقين‬
‫بعدد من الخبراء والفنيين حسب موضوع االتفاقية‪ .‬ويجب على ممثلي الدول أن يكونوا حاملين ألوراق أو‬
‫وثائق تفويض‪ ،‬تحدد صفاتهم وصالحياتهم والموضوع المراد التفاوض بشأنه‪ .‬وال تتحمل الدولة أية‬
‫مسؤولية عن تصرفات أشخاص ال يحملون وثائق التفويض‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يحدد القانون الوطني لكل دولة المقصود بتفويض الصالحيات وشكليات وثائق التفويض والجهة التي تصدر‬
‫هذه الوثائق‪ .‬غير أنه طبقا للمادة السابعة (فقرة ‪ )2‬من اتفاقية ‪ ،1969‬يعفى من وثائق التفويض‪ ،‬رئيس‬
‫الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية ورئيس البعثة الديبلوماسية المعتمدة لدى الدولة أو لدى المنظمة‬
‫الدولية‪.‬‬

‫قد تستمر المفاوضات لعدة سنوات قبل أن تسفر عن نتائج‪ ،‬خاصة في المعاهدات العالمية والمؤتمرات‬
‫الدولية الكبرى‪ .‬وقد تكون هناك عدة جوالت للتفاوض‪ .‬قد تكون للمفاوضات نتائج سلبية أو إيجابية‪ ،‬وإذا‬
‫كانت إيجابية‪ ،‬فإن ذلك يعني أن ممثلي الدول قد اتفقوا على بنود المعاهدة ونصوصها‪ ،‬آنذاك تبدأ إجراءات‬
‫قانونية أخرى لعقد المعاهدة الدولية‪.‬‬

‫‪ -1‬تحرير المعاهدة وشكلها‪.‬‬

‫أول ما يطرح قبل تحرير المعاهدة هو اختيار لغة الكتابة التي ستعتمد في التفسير‪.‬‬ ‫•‬

‫• ال يطرح أي مشكل بالنسبة للغة واحدة أما تعدد اللغات فيلجأ إلى عدة حلول‪:‬‬

‫– األول‪ ،‬الكتابة بلغتين أو أكثر على أن تعطى األفضلية إلحداها أثناء االختالف في التفسير‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار تنص الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 33‬من اتفاقية ‪ ”:1969‬إذا اعتمدت المعاهدة‬
‫بلغتين أو أكثر يكون لكل نص من نصوصها نفس الحجية‪ ،‬ما لم تنص المعاهدة أو يتفق‬
‫األطراف على أنه عند االختالف تكون الغلبة للغة معينة“‪ .‬وفي حالة االختالف بين الدول‬
‫حول هذا الموضوع يتم اللجوء إلى الوسائل السلمية لحل الخالفات الدولية‪.‬‬

‫– الثاني‪ ،‬الكتابة بلغات عالمية متعددة وهي اللغات الستة المستعملة في األمم المتحدة ولديها‬
‫نفس الحجية في التفسير‪.‬‬

‫بعد االتفاق على اللغة تبدأ صياغة المعاهدة‪ ،‬وهي عادة تصاغ في شكلية معروفة ومنصوص عنها في‬
‫اتفاقية ‪ .1969‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬اإلسم‬
‫قد تكون معاهدة تستعمل في القضايا المهمة كالسالم و تنظيم الحدود؛‬

‫قد تكون حلف تستعمل في القضايا العسكريةّ؛‬

‫قد تكون اتفاقية في القضايا التجارية والثقافية؛‬

‫قد تكون ميثاق في إنشاء المنظمات الدولية (كلها نفس المعنى وال فرق بينهم قانونا)‬

‫ب الديباجة ‪ ،préambule‬تتضمن عادة أسماء الدول األطراف‪ ،‬واألسباب التي أدت إلى عقد االتفاقية‬
‫واألهداف المرجوة‪ ،‬وذكر لنصوص سابقة إن وجدت‪ ،‬وذكر لتاريخ العالقات بين تلك الدول‪ ...‬أثيرت‬
‫نقاشات كثيرة حول القيمة القانونية الديباجة‪ ،‬غير أن أغلب الفقهاء ال يعتبرونها ملزمة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ج المتن ‪ ، dispositif‬هو صلب المعاهدة ويتكون من نصوص أو مواد أو فصول أو بنود‪ .‬وعادة ما‬
‫ينقسم إلى قسمين‪ :‬األول يتضمن األحكام الموضوعية المتعاقد بشأنها؛ والثاني يتضمن اإلجراءات الشكلية‬
‫أو الختامية الخاصة بالتوقيع والتصديق ودخول حيز التنفيذ واالنسحاب ومدة سريان االتفاقية‬

‫من الجدير بالذكر أن االتفاقية قد تضاف إليها بروتوكوالت أو ملحقات‪ :‬وقد تتضمن هذه الملحقات أمورا‬
‫كثيرة جدا‪ ،‬مثل ملحق بتفسير بعض المصطلحات‪ ،‬أو ملحق يتعلق بحل الخالفات بين األعضاء‪ ،‬أو ملحق‬
‫يتضمن التزامات إضافية‪ ،‬أو يتعلق بخلق آليات للمراقبة‪( ...‬اتفاقية قانون البحار ‪ 1982‬لديها ‪9‬‬
‫بروتوكوالت‪ ،‬االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان والحريات األساسية ‪ 14‬بروتوكوالت ‪.)...‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إقرار نص المعاهدة واعتماده‬


‫• اإلقرار ‪ ،ADOPTION‬بعد صياغة المعاهدة‪ ،‬يتم إقرارها من قبل المتفاوضين‪ .‬واإلقرار هو‬
‫موافقة مبدئية على نص المعاهدة‪ ،‬ويتم إما بالتصويت أو بالتوافق‪( Consensus/‬هو نوع من‬
‫اإلجماع الضمني المبدئي)‪ .‬وفي هذا الصدد تقول المادة ‪ 9‬من اتفاقية فيينا‪ ” :‬إن اإلقرار بنص‬
‫المعاهدة يتم برضا جميع الدول األطراف التي اشتركت في صياغته‪ .‬وإذا تعلق األمر بمؤتمر‬
‫دولي فيتم اإلقرار بأغلبية ثلثي األصوات الحاضرة‪ ،‬إال إذا قررت هذه األغلبية تطبيق قاعدة‬
‫مغايرة“‪.‬‬

‫• االعتماد ‪ ،Authentification‬وهو إبداء الدولة لرغبتها في قبول المعاهدة بالطريقة الرسمية‬


‫‪ ،‬وذلك يتم وفق مسطرة متفق عليها‪ ،‬وقد جرت العادة أن يتم ذلك بالتوقيع‪ :‬هناك عدة أشكال من‬
‫التوقيع‪ ،‬نذكر منها التوقيع باألحرف األولى‪ ،‬والتوقيع بشرط الرجوع‪ ،‬والتوقيع الكامل‪ .‬وهذا‬
‫األخير هو قبول نهائي لالتفاقية من قبل المفوضين‪ ،‬وذلك ما نصت عليه المادة ‪ 11‬من اتفاقية‬
‫فيينا حينما قالت‪” :‬قبول الدولة االرتباط بالمعاهدة يمكن التعبير عنه بالتوقيع“‪ .‬وهذه الحالة تنطبق‬
‫على االتفاقات ذات الشكل المبسط ‪ ،Accords en forme simplifié‬التي يجب أن تطبق‬
‫فور التوقيع عليها وهي األكثر استعماال بين الدول‪.‬‬

‫غير أن هناك اتفاقيات أخرى ال تحتاج إلى التوقيع فحسب لتدخل حيز التنفيذ‪ ،‬أي أنها تحتاج إلى التصديق‬
‫‪.ratification‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التصديق على المعاهدة ‪.ratification‬‬

‫هو إجراء رسمي من قبل الحكومة أو الجهة المعنية بالمصادقة داخل الدولة وهو يرتب التزامات قانونية‬
‫بتنفيذ المعاهدة‪ .‬وبذلك فهو إجراء جوهري ينقل المعاهدة من المشروع إلى التنفيذ‪ .‬وتعبر من خالله الدولية‬
‫عن إرادتها في االمتثال لما تتضمنه المعاهدة من أحكام وبنود‪ .‬ويستعمل التصديق عادة كآلية لقبول االرتباط‬
‫بالمعاهدة في االتفاقيات الدولية العالمية أو اإلقليمية‪ .‬والتي تفرض التزامات مهمة على عاتق الدول‬
‫األطراف‪.‬‬

‫مبدئيا يعتبر التصديق‪ ،‬سلطة تقديرية للدولة‪ ،‬وسلطة التصديق تختلف من دولة إلى أخرى حسب ما تنص‬
‫عليه دساتيرها‪ .‬واألسلوب السائد هو منح هذا الحق لرئيس الدولة بشرط موافقة الجهاز التشريعي‪ .‬تنص‬
‫المادة ‪ 55‬من الدستور المغربي ‪ 2011‬على أن الملك يوقع على المعاهدات ويصادق عليها‪ ،‬غير أنه ال‬
‫يصادق على معاهدات السلم أو االتحاد‪ ،‬أو التي تهم رسم الحدود‪ ،‬ومعاهدات التجارة‪ ،‬أو تلك التي تترتب‬

‫‪28‬‬
‫عنها تكاليف تلزم مالية الدولة‪ ،‬أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية‪ ،‬أو بحقوق وحريات المواطنات‬
‫والمواطنين‪ ،‬العامة أو الخاصة‪ ،‬إال بعد الموافقة عليها بقانون‪ .‬وللملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة‬
‫أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها‪.‬‬

‫التصديق عمل يثبت في وثيقة مكتوبة تسمى” وثيقة التصديق“‪ .‬في المعاهدات الثنائية يتم تبادل وثائق‬
‫التصديق‪ ،‬وفي المعاهدات المتعددة األطراف تودع التصديقات لدى منظمة دولية أو لدى دولة من الدول‪،‬‬
‫وتسمى الدولة الوديعة ‪ ،Etat dépositaire‬وتعتبر األمانة العامة لألمم المتحدة اليوم الجهة الوديعة‬
‫ألغلب االتفاقيات الدولية المهمة‪.‬‬

‫*االنضمام إلى المعاهدة ‪.Adhésion‬‬

‫هو إجراء بواسطته يمكن لدولة لم تشترك في المفاوضات الخاصة بإبرام المعاهدة‪ ،‬أن تصبح طرفا فيها‬
‫بإعالن يصدر من جانبها‪ ،‬وفقا ألحكام هذه المعاهدة‪ .‬فهو إذن تصرف قانوني من جانب واحد صادر عن‬
‫شخص دولي يعبر عن رغبته في االرتباط بقواعد قانونية موجودة مسبقا فيسري عليها ما يسري على‬
‫الدول األطراف األصلية في المعاهدة‪.‬‬

‫يجب أن يصدر االنضمام في وثيقة مكتوبة يتم إيداعها لدى جهة اإليداع التي تتولى تبليغ األطراف‬
‫اآلخرين بذلك‪ .‬ويجب التمييز بين المعاهدة المغلقة مثل ميثاق جامعة الدول العربية‪ ،‬وبين المعاهدات‬
‫المفتوحة مثل معاهدة منع االنتشار النووي التي يمكن أن تنضم إليها كل دول العالم‪.‬‬

‫*التحفّظ على بعض نصوص المعاهدة‬

‫هو إعالن من جانب الدولة لرضاها التام على اغلب نصوص االتفاقية باستثناء بعض النصوص‪ ،‬ويكون‬
‫عند التوقيع أو التصديق أو االنضمام‪( .‬المادة ‪ 20‬اتفاقية فيينا)‬

‫• ال يجوز التحفظ في الحاالت التالية‪:‬‬

‫• إذا منعت المعاهدة التحفظ عليها كليا‪ ،‬أو على بعض نصوصها؛‬

‫• إذا كان التحفظ منافي لموضوع المعاهدة؛‬

‫• إذا كانت المعاهدة ثنائية‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬تسجيل ونشر المعاهدة الدولية‬


‫قبل الحرب العالمية األولى أدت المعاهدات السرية إلى عدة حروب وصراعات‪ .‬وبمجيء عصبة األمم‬
‫فرضت على الدول األعضاء طبقا للمادة ‪ 18‬من عهدها ”ضرورة تسجيل المعاهدة لدى األمانة العامة‬
‫للعصبة‪ ،‬وضرورة نشره في أقرب وقت‪ ،‬ولن تكون أية معاهدة أو أي اتفاق ملزما ما لم يسجل“‪ .‬وقد‬
‫أثارت هذه المادة عدة جداالت فقهية‪.‬‬

‫أكد ميثاق األمم المتحدة في المادة ‪ -1 ”:102‬كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬يجب أن يس َّجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن‪ -2 .‬ليس ألي طرف في‬

‫‪29‬‬
‫معاهدة أو اتفاق دولي لم يس َّجل‪ ،‬وفقا ً للفقرة السابقة‪ ،‬أن يتمسك بتلك المعاهدة أمام أي فرع من فروع األمم‬
‫المتحدة“‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬نفاذ المعاهدة‬


‫ويعني نفاذ المعاهدة هو تاريخ تطبيقها‪ ،‬ويبدأ من‬

‫• التاريخ المحدد في المعاهدة‬

‫• من تاريخ االلتزام النهائي بها‪ ،‬فإذا نصت المعاهدة أن االلتزام يبدأ من تاريخ التصديق أو التوقيع‬
‫فإنها تلزم من تاريخ التصديق أو التوقيع‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تنفيذ المعاهدة الدولية‬


‫يعتبر التنفيذ أهم مرحلة من مراحل حياة المعاهدة‪ .‬فالتنفيذ يعني بداية إنتاج اآلثار القانونية المتفق عليها‬
‫وترتيب االلتزامات والحقوق المنصوص عنها‪.‬‬

‫تثير مسألة تنفيذ المعاهدة الدولية عدة إشكاليات‪ ،‬سيجري تناولها من خالل الفروع التالية‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المبادئ األساسية لتنفيذ المعاهدة‪.‬‬

‫وهي أربعة مبادئ يجب على كل الدول االلتزام بها بمجرد االرتباط بالمعاهدة‪.‬‬

‫الرضا الخالي من العيوب يلزم الدولة‪ .‬فالدولة التزمت برضاها وبحرية وعليها واجب تنفيذ‬ ‫‪‬‬
‫تعهداتها‪.‬‬
‫العقد شريعة المتعاقدين ‪ .pacta sunt servanda‬فالمعاهدة هي عقد وجب تنفيذه من قبل‬ ‫‪‬‬
‫أطرافه بحسن نية‪ .‬وتنص المادة ‪ 60‬من اتفاقية فيينا على أن الدولة الملتزمة عليها واجب التنفيذ‬
‫بحسن نية‪.‬‬
‫المعاهدة تلزم الدولة كيفما كانت السلطة أو الشخص الذي أبرمها‪ .‬فالدولة هي التي تتحمل مسؤولية‬ ‫‪‬‬
‫التنفيذ‪ ،‬وهي الملتزمة في االتفاقية وليس الشخص الذي وقع أو صادق على االتفاقية‪.‬‬
‫أولوية االلتزامات الدولية على مقتضيات القانون الوطني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نطاق تطبيق المعاهدة‪.‬‬

‫هناك أربعة مجاالت لتطبيق المعاهدة الدولية‪ :‬المجال الشخصي‪ ،‬والجمال الجغرافي‪ ،‬والمجال الزمني‪،‬‬
‫والمجال الموضوعي‪.‬‬

‫أ‪ -‬المجال الشخصي لتطبيق المعاهدة‪ .‬يحكم تطبيق المعاهدة الدولية مبدأ مشهور‪ ”:‬مبدأ نسبية آثار‬
‫المعاهدات“‪ .‬فإن الهدف من إبرام المعاهدة هو ترتيب حقوق والتزامات على عاتق الدول المتعاقدة وليس‬
‫الدول الغير‪ .‬وتنص المادة ‪ 26‬من اتفاقية ‪ 1969‬على أن كل معاهدة نافذة تكون ملزمة ألطرافها‪ .‬وفي‬
‫حالة عدم تطبيق طرف اللتزاماتها يحق لألطراف اآلخرين إثارة المسؤولية الدولية عن طريق تقديم دعوى‬
‫التعويض‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫غير أن هناك معاهدات ترتب آثارا على الدول غير المتعاقدة‪ ،‬فتضع عليها التزامات في مواجهة المجتمع‬
‫الدولي‪ .‬هي معاهدات تتضمن قواعد آمرة وموضوعية لديها حجية في مواجهة جميع الدول‪ .‬مثل اتفاقيات‬
‫جنيف لعام ‪ ،1949‬واتفاقية منع اإلبادة الجماعية لعام ‪ ،1948‬واتفاقية قانون البحار لعام ‪ ،1982‬واتفاقية‬
‫حظر إنتاج واستعمال األسلحة الكيماوية لعام ‪ ،1993‬واتفاقية حظر االنتشار النووي لعام ‪ .1968‬اتفاقية‬
‫قمع االتجار باألشخاص واستغالل بغاء الغير لعام ‪...1949‬‬

‫• كما أن هناك معاهدات تنشئ حقوقا للدول الغير‪ .‬وهي تتمثل في حالتين‪:‬‬

‫حالة االشتراط لمصلحة الغير‪ ،la stipulation pour autrui ،‬كأن تقرر دولتان إبرام اتفاق لمنح‬
‫مساعدات مادية أو لوجستيكية لدولة أخرى‪ .‬أو اتفاق مجموعة من الدول على التنازل عن ديونها‬
‫المترتبة على دولة أخرى‪.‬‬

‫حالة شرط الدولة األكثر رعاية أو الدولة األولى بالرعاية حيث تستفيد دولة (ج) المرتبطة بدولة (أ) باتفاق‬
‫سابق‪ ،‬من كل االمتيازات والحقوق الممنوحة لدولة (ب) من قبل الدولة (أ) بناء على اتفاق الحق‪ .‬ويحدث‬
‫هذا عادة في المجال التجاري واالقتصادي والجمركي‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬المعاهدة المنشئة لشركة النفط األنكلو‪-‬‬
‫ايرانين‪ ،‬حيث تشترط فيها بتمتع انكلترا بأية معاهدة أخرى تبرمها إيران وتتعلق بامتيازات نفطية أفضل‪.‬‬
‫لذلك فقط تمتعت بريطانيا بالحقوق الناشئة عن المعاهدة الثنائية مابين إيران والدنمرك رغم أنها لم تكن‬
‫طرفًا فيها‪.‬‬

‫ب‪ :‬المجال اإلقليمي لتطبيق المعاهدة‪ .‬تنص المادة ‪ 29‬من اتفاقية ‪ 1969‬على أن المعاهدة تكون ملزمة‬
‫لكل طرف فيها بالنسبة لكافة إقليمه‪ .‬فالمعاهدة تسري على كل اإلقليم الجوي والبري والبحري للدولة‬
‫المتعاقدة‪ .‬غير أن هناك معاهدات قد ال تطبق بالنسبة لكل إقليم الدولة خاصة إذا كانت دولة فيديرالية‬
‫(الشرط الفيديرالي)‪ .‬حيث يمكن للحكومة الفديرالية المتعاقدة أن تعين الواليات التي تسري عليها االتفاقية‪،‬‬
‫أو قد يقتصر تطبيق االتفاقية على والية واحدة‪...‬‬

‫ج‪ :‬المجال الزمني لتنفيذ المعاهدة‪ .‬تكمن أهمية التطبيق الزمني للمعاهدة في ضرورة احترام مبدأ عدم‬
‫رجعية القوانين‪ .‬فاالتفاقية ال تسري على الماضي وال تمتد آثارها إلى أحداث أو سلوكات سابقة على‬
‫سريانها‪ .‬ومن ثمة فإنه عادة ما تبدأ المعاهدة في التطبيق من تاريخ توقيعها أو المصادقة عليها‪ .‬غير أن‬
‫هناك حاالت يتفق فيها األطراف على سريان االتفاقية على وقائع أو تصرفات سابقة‪ ،‬كاالتفاق على تسليم‬
‫المجرمين خاصة في جرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية وجرائم اإلرهاب‪.‬‬

‫د‪ :‬المجال الموضوعي للمعاهدة الدولية‪ :‬ال يمكن للدول التعاقد في أي موضوع تشاء‪ ،‬فيجب أن يكون‬
‫موضوع المعاهدة مشروعا‪ .‬فال يجوز مثال االتفاق على االتجار في البشر‪ ،‬أو االتفاق على تجارة المخدرات‬
‫أو االتفاق على ممارسة االستعمار‪ .‬أو االتفاق على قتل األسرى‬

‫الفرع الثالث‪:‬تفسير المعاهدة‬


‫التفسير هو توضيح المعنى الحقيقي الذي أراده أطراف المعاهدة من النص الغامض‬

‫الجهة المختصة بالتفسير‬

‫‪31‬‬
‫التفسير الداخلي‪ :‬ينقسم إلى تفسير حكومي تقوم به السلطة التنفيذية ممثله بوزارة الخارجية‪ ،‬وتفسير قضائي‬
‫يفسره القاضي إذا لم تفسره وزارة الخارجية‬

‫التفسير الدولي‪ :‬ينقسم إلى تفسير اتفاقي يتفق بمقتضاه الدول األعضاء على تفسير النص الغامض‪،‬‬
‫وتفسير قضائي دولي‪ ،‬يلجأ إليه في حاله لم يتفق األطراف على التفسير السليم للنص الغامض مثل القضاء‬
‫الدولي‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬نهاية المعاهدة الدولية وانقضاء العمل بها‬

‫المعاهدة الدولية عقد بين الدول يتضمن قواعد قانونية ترتب حقوقا وتضع التزامات على أطرافها‪ ،‬فال بد‬
‫إذن أن تكون لها نهاية‪ .‬وتكون نهاية المعاهدة إما ألسباب اتفاقية‪ ،‬أو تكون ألسباب غير اتفاقية‪:‬‬

‫أ‪ :‬األسباب االتفاقية النقضاء المعاهدة‪ .‬ترتبط هذه األسباب بإرادة الدول المتعاقدة التي تستطيع وقف‬
‫العمل بالمعاهدة طبقا ألحكام المادتين ‪ 54‬و‪ 57‬من اتفاقية فيينا‪ .‬بطريقتين‪:‬‬

‫الطريقة األولى تتمثل في انقضاء المعاهدة طبقا ألحكامها‪ .‬وذلك يكون في عدة حاالت‪:‬‬

‫– التنفيذ الكلي لبنود المعاهدة‪ ،‬واستنفاذ الغرض من عقدها‪.‬‬

‫– حلول أجل أو تاريخ نهاية المعاهدة المنصوص عنه في صلبها‪.‬‬

‫– تحقق الشرط الفاسخ‪ ،‬وهو شرط منصوص عليه في االتفاقية إذا تحقق يبطل المعاهدة‪.‬‬
‫كالرفع من الرسوم الجمركية من جانب واحد‪ ،‬أو بيع نوع من األسلحة إلى دولة عدوة‪...‬‬

‫– االنسحاب من المعاهدة بناء على نص من نصوصها‪ .‬وفي انسحاب هذا الطرف إنسحاب‬
‫للطرف اآلخر‪.‬‬

‫الطريقة الثانية هي انقضاء المعاهدة بناء على اتفاق الحق ألطرافها‪ .‬فاإلرادة التي أنشأت االتفاقية تملك‬
‫حق تقرير إنهائها متى تشاء وبناء على اتفاق آخر‪ .‬مثل حالة االتفاق على استبدال المعاهدة بأخرى في‬
‫نفس الموضوع‪ .‬ومثال ذلك اتفاقيات جنيف للعام ‪ 1949‬التي ألغت االتفاقيات السابقة عنها‪.‬‬

‫ب‪ :‬األسباب غير االتفاقية النقضاء المعاهدة ‪.‬‬

‫تعود هذه األسباب لوقوع أحداث الحقة تؤدي إلى انتهاء المعاهدة‪ .‬وقد حاولت اتفاقية فيينا حصر هذه‬
‫األسباب فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬اإلخالل الجوهري بأحكام المعاهدة‪ .‬ال يحق ألي طرف أن يفسخ المعاهدة بإرادته المنفردة‪ ،‬ولكنه يحق‬
‫ألي طرف أن يتمسك بالفسخ إذا خالف الطرف اآلخر إحدى بنود االتفاق‪ .‬ويشترط طبقا للمادة ‪ 60‬أن‬
‫يكون اإلخالل جوهريا لتبرير الفسخ‪ .‬غير أنه ال توجد معايير محددة وصارمة لتحديد ما المقصود باإلخالل‬
‫الجوهري‪ ،‬وتبقى سلطة الدولة حرة في تحديد متى يكون اإلخالل جوهريا‪ ،‬وقد يتم اللجوء إلى القضاء‪.‬‬

‫غير أنه ال يجوز االنسحاب من بعض المعاهدات طبقا (ف ‪ 5‬من المادة ‪ )60‬بمجرد اإلخالل الجسيم ألحد‬
‫األطراف ببنودها‪ ،‬مثل اتفاقيات حقوق اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني‪...‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -2‬استحالة تنفيذ المعاهدة‪ .‬تنص المادة ‪ 61‬على أنه يحق لطرف في معاهدة أن يتمسك باستحالة التنفيذ‪.‬‬
‫وتكون االستحالة مادية أو قانونية‪ :‬واالستحالة المادية تكون في حالة موت أو زوال موضوع المعاهدة‪.‬‬
‫كاالتفاقيات المتعلقة بتصدير مواد أولية نفذت من الدولة المصدرة‪ ،‬أو المعاهدة المتعلقة بصيد نوع من‬
‫السمك أصبح منقرضا‪ ...‬أما االستحالة القانونية فتتمثل في كون موضوع المعاهدة أصبح غير مشروع‪،‬‬
‫كاالتفاقيات المتعلقة بتصدير األسلحة الكيماوية أو األلغام التي أبرمت قبل حظر استعمال هذه األسلحة‪ .‬أو‬
‫االتفاقيات المبرمة لتقسيم المستعمرات قبل ميثاق األمم المتحدة الذي حرم االستعمار‬

‫‪-3‬التغير الجوهري في الظروف‪( .‬نظرية شرط بقاء الوضع على حاله)‪ .‬طبقا للمادة ‪ 62‬من اتفاقية فيينا‬
‫قد تتغير ظروف عقد المعاهدة بشكل جوهري وغير متوقع‪ ،‬وهذا يجعل االستمرار في تنفيذ المعاهدة أمرا‬
‫غير ممكن‪ ،‬أو يشكل خطرا على المصالح الحيوية للدولة‪ ...‬كحالة الحرب‪...‬‬

‫وقد اشترطت المادة السابقة شرطين إلنهاء المعاهدة بناء على نظرية التغير الجوهري في الظروف‪ :‬األول‬
‫وهو أن تكون تلك الظروف قد شكلت سببا مباشرا ورئيسيا في عقد المعاهدة‪ .‬والثاني أن يكون التغير‬
‫جذريا بحيث يؤثر بشكل مباشر على االلتزامات والحقوق الواردة في االتفاقية‪.‬‬

‫إن التغير الجوهري في الظروف ال يسري على مجموعة من االتفاقيات ذات الطابع الحيوي لحماية السلم‬
‫واألمن الدوليين أو لحماية الشخص اإلنساني‬

‫‪ -4‬قطع العالقات الديبلوماسية‪ .‬هناك اتفاقيات ال يمكن أن تستمر في النفاذ إال بوجود العالقات الدبلوماسية‪،‬‬
‫مثل المعاهدات التجارية واإلستراتيجية والعسكرية‪ ...‬غير أن كثيرا من االتفاقيات الدولية العالمية ال يتوقف‬
‫سريانها في حالة توقف العالقات الدبلوماسية بين البلدان‪ .‬كاتفاقية حماية العمال المهاجرين وأسرهم‬
‫‪ ،2003 /1990‬أو اتفاقية حماية الالجئين ‪ .1951‬أو اتفاقيات جنيف األربع لعام ‪.1949‬‬

‫المبـحث الثــاني‪ :‬العرف الدولــــي‬


‫ظلللللل العلللللرف اللللللدولي حتلللللى عهلللللد قريلللللب المصلللللدر األول ملللللن مصلللللادر القلللللانون اللللللدولي حتلللللى‬
‫اشلللللتد علللللود حركلللللة تدوينللللله‪ ،‬وكثلللللر علللللدد المعاهلللللدات الجماعيلللللة الشلللللارعة التلللللي أنطلللللوى جانلللللب‬
‫كبيللللللر منهللللللا علللللللى تللللللدوين للقواعللللللد العرفيللللللة القائمللللللة‪ ،‬فبللللللدأ الضللللللوء ينحسللللللر عللللللن العللللللرف‬
‫الللللللللدولي‪ ،‬ليفسللللللللح المجللللللللال للمعاهللللللللدة‪ ،‬ولكنلللللللله بقللللللللي يحتللللللللل المكانللللللللة الثانيللللللللة‪ ،‬سلللللللليما وأن‬
‫التطللللللورات الدوليللللللة المعاصللللللرة قللللللد أدت إلللللللى إبللللللراز بعللللللض األوجلللللله الحديثللللللة لعمليللللللة نشللللللأة‬
‫العرف الدولي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم العرف الدولي‬


‫يمثل العرف الدولي مصدرا كافيا للقانون الدولي‪ ،‬ويختلف العرف في معناه القانوني على المعنى المادي‬
‫الذي يستعمل مرادفا للعادة‪ .‬وقد ظل العرف إلى وقت قريب يعتبر المصدر األساسي لقواعد القانون الدولي‪،‬‬
‫فمعظم قواعده عرفية ثم تقنينها في إطار حركة تقنين األعراف الدولية وإن اإلخفاق في إتباع قاعدة قانونية‬
‫عرفية ينطوي على مسؤولية دولية نحو دول أخرى‪.12‬‬

‫جمال عبد الناصر مانع‪ ،‬القانون الدولي المدخل والمصادر‪ ,‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.228‬‬ ‫)‬ ‫‪12‬‬

‫‪33‬‬
‫والعرف الدولي يتطلب ركنين لقيامه‪ :‬األول مادي والثاني معنوي‪ ،‬والعرف قد يكون محلي وقد يكون‬
‫عالمي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم العرف الدولي‬

‫يقصد بالعرف الدولي ذلك القانون غير المكتوب أو الممارسة المقبولة بمثابة قانون‪ ،‬فالقاعدة العرفية الدولية‬
‫هي قاعدة قانونية تنشأ عن طريق إتباع أشخاص القانون الدولي العام لسلوك معين مع توافر القناعة لدى‬
‫األشخاص بأن إتباع ذلك السلوك إنما يتم على وجه اإللزام بمعنى اقتناعها أن أي إحالل بهذا السلوك‬
‫يعرض صاحبه للجزاء أو تقرير مسؤوليته الدولية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عناصر العرف‬

‫يرى االتجاه الراجع في الفقه الدولي أن العرف يتألف من اجتماع عنصرين‪ :‬عنصر واقعي أو مادي‬
‫وعنصر نفسي أو شخص معنوي‪.‬‬

‫فيما يتعلق بالعنصر األول الواقعي البد هو أن تتوفر فيه شروط ليكون صالحا لتكوين العرف وهذه الشروط‬
‫هي‪:‬‬

‫أن يكون هناك سلوك معين؛‬

‫أن يكون السلوك ذو طابع دولي؛‬

‫أن يكون السلوك عاما؛‬

‫أن يكون السلوك مستمرا زمنيا؛‬

‫‪13‬‬ ‫أن يكون السلوك متواترا ومتكررا‪.‬‬

‫أما العنصر الثاني المعنوي ‪ :‬يمثل العنصر المعنوي في توافر االقتناع لدى الذين يمارسون سلوكا معينا‬
‫بأنهم يمارسون حقا أو ينفذون التزاما قانونيا‪.‬‬

‫إن العنصر النفسي في العرف يتمتع بأهمية كبرى نظرا ألنه هو الذي يسمح بتمييز القاعدة العرفية عن‬
‫العادات وقواعد األخالق والمجاالت الدولية‪ .‬ورغم كون هذا العنصر النفسي يتمتع بمكانة هامة فإنه لم‬
‫يكن محل اتفاق الفقه الدولي‪14.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أركان العرف الدولي‬

‫يرت كللللللز العللللللرف الللللللدولي علللللللى مقومللللللان أساسلللللليان وهمللللللا اللللللللذان يشللللللكالن أركانلللللله أوالهمللللللا‬
‫الركن المادي والركن المعنوي اللذان يضفيان على القاعدة العرفية طابع االلتزام‪.‬‬

‫‪ ) 13‬أحمد بلقاسم القانون الدولي العام المفهوم والمصادر‪ ،‬دار هومه للطباعة والنشر ‪ ،2006‬ص ‪146 154‬‬
‫‪ ) 14‬أحمد بلقاسم نفس المرجع‪. ،‬ص ‪.158‬‬

‫‪34‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الركن المادي‬
‫فيمللللا يخللللص الللللركن المللللادي فهللللو نللللاتج عللللن تكللللرار واقعيللللة معينللللة‪ ،‬وهللللذا التكللللرار يللللؤدي إلللللى‬
‫عللللللادات اجتماعيللللللة ودوليللللللة‪ ،‬وذلللللللك باعتيللللللاد الدولللللللة لمجموعللللللة مللللللن قواعللللللد السلللللللوك‪ ،‬إمللللللا‬
‫بطريقلللللة سللللللبية كامتناعهلللللا علللللن إتيلللللان سللللللوك محلللللدد‪ ،‬وإملللللا بطريقلللللة إيجابيلللللة كالقيلللللام بسللللللوك‬
‫معين‪ .‬وتتمثل عناصر الركن المادي فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬السابقة أو العادة‬

‫يسلللللتدل عليهللللللا مللللللن خللللللالل األعمللللللال القانونيلللللة الصللللللادرة عللللللن السلللللللطات الوطنيللللللة واألعمللللللال‬
‫القانونية الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية والمحاكم الدولية‪.‬‬

‫‪ -1‬األعملللللال القانونيلللللة الصلللللادرة علللللن السلللللللطات الوطنيلللللة ‪ :‬وتتكلللللون السلللللابقة المكونلللللة للعللللللرف‬
‫اللللللدولي ملللللن األعملللللال الصلللللادرة علللللن أجهلللللزة الدوللللللة والمتحدثلللللة باسلللللمها والممثللللللة لهلللللا‬
‫فلللللي العالقلللللات الخارجيلللللة وإبلللللرام المعاهلللللدات‪ ،‬وملللللن ذللللللك رئللللليس الدوللللللة‪ ،‬وزيلللللر الخارجيلللللة‬
‫والمبعلللللللوثين الدبلوماسللللللليين‪.‬كما يمكلللللللن لألحكلللللللام القضلللللللائية الداخليلللللللة المتعلقلللللللة بموضلللللللوعات‬
‫تملللللللس العالقلللللللات الدوليلللللللة أن تلللللللؤدي إللللللللى نشلللللللوء سلللللللوابق )‪ ،(Précédents‬التلللللللي تسلللللللاهم‬
‫في تكوين الركن المادي للقاعدة الدولية العرفية‪15.‬‬

‫‪-2‬األعمللللللال القانونيللللللة الدوليللللللة‪ :‬وتتمثللللللل هللللللذه األعمللللللال فللللللي الللللللدور الللللللذي تلعبلللللله‬
‫المعاهللللللدات الدوليللللللة واألحكللللللام الدوليللللللة وقللللللرارات المنظمللللللات الدوليللللللة فللللللي نطللللللاق‬
‫نشوء القواعد القانونية الدولية العرفية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬استمرارية التطبيق‬

‫يصلللللر معظلللللم الشلللللراح عللللللى ضلللللرورة تطبيلللللق العلللللادة فتلللللرة معينلللللة ملللللن اللللللزمن حتلللللى يتحقلللللق‬
‫التللللواتر المكللللون للللللركن المللللادي للعللللرف‪ .‬تجللللدر اإلشللللارة إليلللله فللللي هللللذا الصللللدد أنلللله ال يمكللللن‬
‫وضللللللع معيللللللار لتحديللللللد الفتللللللرة الواجللللللب توافرهللللللا مللللللن أجللللللل االعتللللللراف بتكللللللوين القاعلللللللدة‬
‫العرفية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬عمومية التطبيق‬

‫يتشللللللرط لكللللللي يكتمللللللل الللللللركن المللللللادي للقاعللللللدة العرفيللللللة‪ ،‬أن يكللللللون التصللللللرف المنشللللللئ لهللللللذا‬
‫اللللللركن قلللللد سللللللكته دوال عديلللللدة‪ ،‬وملللللن ثلللللم سللللللوك الدوللللللة الواحلللللدة مهملللللا تكلللللرر ومهملللللا طلللللال‬

‫‪ – )15‬راجع في هذا الشأن ‪:‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪WENGLER (W)¸ « Réflexions sur l’Application de Droit International Public par les‬‬
‫‪Tribunaux»¸R.G.D.I.P.¸ 1968¸pp. 921-990.‬‬

‫‪35‬‬
‫أمللللده ال يكفلللللي إلنشلللللاء القاعللللدة العرفيلللللة طالملللللا لللللك تسللللللك اللللللدول األخللللرى نفلللللس المسللللللك فلللللي‬
‫المناسللللللبات المماثلللللللة‪ .‬هللللللذه القاعللللللدة تنشللللللأ إذا قبلهللللللا المجتمللللللع الللللللدولي‪ ،‬ومللللللن ثللللللم فللللللإن عللللللدد‬
‫الدول المشتركة في التصرف يعتبر معيار لقبول القاعدة العرفية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬اتساق السلوك‬

‫يقصللللللد بلللللله أن تكللللللون تصللللللرفات الللللللدول المنشللللللئة للللللللركن المللللللادي للعللللللرف متماثلللللللة بحيللللللث ال‬
‫تكللللللون متعارضللللللة أو متناقضللللللة وهللللللذا مللللللا أكدتلللللله محكمللللللة العللللللدل الدوليللللللة فللللللي قضللللللية حللللللق‬
‫المرور‪ ،‬بأن الممارسة المستمرة والموحدة تنشئ القاعدة العرفية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الركن المعنوي‬


‫مقدددددددل‬ ‫ددددددد ل‬ ‫العتدددددددع م دددددددلرص ادددددددو ل ددددددد‬ ‫يقصددددددد بدددددددلمعنو ملعرددددددد م عدددددددع‬
‫ط ملدددددددلبق ملعتدددددددلم ا اددددددد ادددددددو مرل ددددددد‬ ‫مددددددد طمص عدددددددو بعيددددددد عتقدددددددلمعت بددددددد ملددددددد‬
‫م طم مععف ‪.‬‬ ‫عتع فهت بت فع عرصع إلم م م قلع مقل‬ ‫مقل‬

‫فهذا الركن المعنوي هو الذي يميز العرف عن العادة‪ ،‬والتي ال تعدوا أن تكون ممارسة لسلوك‬
‫غير ملزم‪ ،‬ومن تم فإن السلوك الدولي ال يرقى إلى مرتبة القاعدة القانونية الملزمة إذا صدر‬
‫بناء على اعتبارات المجامالت واألخالق الدولية وغيرها من أنواع السلوك غير ملزم‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫المبـحث الثالث‪ :‬األعمال االنفرادية (من المصادر الجديدة للقانون الدولي)‬


‫يعتبر العمل االنفرادي تعبيرا عن إرادة أحد أشخاص القانون الدولي‪ ،‬ويهدف إلى إحداث آثار‬
‫قانونية مثل‪ :‬االعتراف‪ ،‬التنازل‪ ،‬االنضمام‪ ،‬االنسحاب‪ ،‬الوعد‪ ،‬االحتجاج‪ .‬وتنامي هذه‬
‫األعمال أصبحت له عالقة بتعدد أشخاص القانون الدولي‪ .‬ففي البدء كانت تصدر عن الدول‬
‫فحسب باعتبار هذه األخيرة كانت تشكل أهم فاعل في العالقات الدولية‪ ،‬أما بعد تطور التنظيم‬
‫الدولي خالل القرن الماضي‪ ،‬فقد باتت هذه األعمال أيضا تصدرعن المنظمات الدولية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬األعمال االنفرادية الصادرة عن الدول‬


‫بالرغم من ان المادة ‪ 38‬من النظام األساس لمحكمة العدل الدولية لم تشر إلى هذه األعمال‪،‬‬
‫إال أن اعتماد الدول عليها كوسيلة للتعبير عن إرادتها وإحداثها آلثار قانونية أمر أقره القضاء‬
‫الدولي( حكم المحكمة الدائمة للعدل الدوليى في قضية الوضع القانوني لجزيرة جيرلندا‬
‫الشرقية)‪.17‬‬
‫وحتى يعتبر القرار عمال انفراديا صادرا عن الدولة ينبغي أن ينتسب إليها‪ ،‬أي أن يكون‬
‫صادرا عن السلطة التشريعية أو التنفيذية‪ ،‬وأكثر عالنية‪ .‬فمثال في جزيرة جيرلندا الشرقية‬

‫‪ ) 16‬جمال عبد الناصر مانع م‪.‬س‪.‬ص ‪.234 .232‬‬


‫‪17‬‬
‫د‪.‬المختار مطيع‪ ،‬المختصر في القانون الدولي العام‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشر‪ ،‬سنة ‪ ، 2000‬ص ‪.58‬‬

‫‪36‬‬
‫سبق للمحكمة الدائمة للعدل أن أكدت بأن "تصريحا شفويا صادرا عن وزير الخرجية‬
‫النرويجي موجها للسفير الدنماركي عام ‪ 1919‬قد ألزم دولة النرويج‪.‬‬
‫فهذا السلوك العلني لدولة النرويج يضفي عليه طابع قانونيا‪ .‬والبد من اإلشارة أيضا إلى أن‬
‫القرارات االنفرادية للدول تلعب دورا مهما في تشكيل وتطبيق القانون االتفاقي والعرفي مثل‬
‫االنضمام إلى معاهدة‪ ،‬أو االنسحاب منها‪ ،‬أو التحفظ عليها‪.‬‬
‫وبكيفية انفرادية يمكن للدول أن تتقيد بالتزامات تفرضها على نفسها أو أن تمارس حقوقا‪،‬‬
‫لكن وفق الحدود التي يقرها القانون الدولي والقاعدة أن األعمال االنفرادية النابعة عن الدولة‬
‫ال ترتب أثارا على الدول الغير‪ ،‬إال إذا قبلت هذه األخيرة ذلك‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪:‬األعمال االنفرادية الصادرة عن المنظمات الدولية‬
‫تحمل األعمال الصادرة عن المنظمات الدولية عدة معاني ويشار إليها بعدة اصطالحات‪.‬‬
‫وعلى العموم فإن هذه المنظمات الدولية إما تصدر قرارات ملزمة (‪ )Décisions‬أو توصيات‬
‫( ‪ )Recommandations‬وهي قرارات تتضمن الدعوة إلى اعتماد تصرف معين وتفتقد إلى‬
‫اإللزامية‪ .‬والمصطلح العام لهذه األعمال كلها يحمل أحيانا إسم (‪ ) Résolutions‬وهو‬
‫‪18‬‬
‫مصطلح يتعلق بكل عمل صادر عن هيئة لها أهلية التداول مع الهيئات الدولية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أشخاص القانون الدولي‪ :‬المنظمات الدولية‬
‫(منظمة األمم المتحدة نموذجا)‬

‫اتساقا مع أنصار االتجاه الفقهي الحديث‪ ،‬فإن قواعد القانون الدولي تشمل مجموعة القواعد القانونية الملزمة‬
‫التي تحكم العالقات بين األشخاص القانونية الدولية‪ -‬دوال ومنظمات دولية‪ ،‬فتبين مالها من حقوق وما‬
‫عليها من واجبات كما تحدد العالقات التي قد تنشا بين هؤالء األشخاص وبين اإلفراد‪.‬‬
‫مع ظهور عصر التنظيم‪ ،‬برزت المنظمات الدولية كشخص مخاطب بأحكام القانون الدولي‪ .‬حيث ظهرت‬
‫قواعد دولية جديدة تنظم عمل هذه المنظمات وتحكم تفاعالتها مع باقي الفاعليين الدوليين‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬النشأة والمفهوم‬


‫إليجاد سبل للتفاهم الودي وحلول مقبولة لما بينها من تنافس وصراع توفر عليها ويالت الحرب وتحفظ‬
‫بينها نوعا ً من التوازن المقبول‪ ،‬تبنت الدول األوروبية عدة سيناريوهات كانت وراء نشـأة المنظمات‬
‫الدولية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬النشأة والتطور‬
‫أوال‪ :‬اللجوء الى عقد المؤتمرات الدولية‬

‫‪18‬‬
‫‪Michel Virally, « La valeur juridique des recommandations des orga,isations internationales » in A.F.D.I.,‬‬
‫‪1956, PP : 69-96.‬‬

‫‪37‬‬
‫اتسع نطاق عقد هذه المؤتمرات بعد انتصار القوى العظمى (إنجلترا‪-‬بروسيا‪-‬النمسا‪-‬روسيا) على نابليون‬
‫عام ‪1815‬م‪ .‬حيث عقد مؤتمر وستفاليا سنة ‪ 1648‬ومؤتمر شاتيون سنة ‪ 1814‬ومؤتمر فينا سنة‬
‫‪ ،1815‬ومؤتمر صلح باريس سنة ‪ ،1856‬حيث اثبتت هذه المؤتمرات جدواها‪ ،‬االمر الذي أضفى عليها‬
‫خالل القرن التاسع عشر طابعا ً شبه دوري فيما يعرف بالوفاق االوربي‪(Concert European‬‬
‫ثانيا‪ :‬اللجان الدولية‬
‫يعد انشاء هذه اللجان خطوة مهمة في طريق انشاء المنظمات الدولية‪ ،‬ويذهب جانب من الفقه‪ ،‬الى ان هذه‬
‫اللجان لم تنشأ اال كوسيلة لتعزيز وضمان حرية المالحة في بعض االنهار‪ ،‬مثل لجنة الرون التي أنشأت‬
‫سنة ‪ ،1814‬ولجنة الدانوب التي أنشأت سنة ‪.1856‬‬
‫ونتيجة لنجاح اللجنتين المذكورتين في أداء المهام المسندة اليهما‪ ،‬فقد امتد نشاطها ليشمل ميادين أخرى‪،‬‬
‫كميدان الصحة‪ ،‬فقد انشئت لجان صحية في االقاليم المستعمرة‪ ،‬كلجنة قسطنطينية وبوخارست‪ ،‬كما أنشأت‬
‫لجان مالية مهمتها التوثيق والتقريب في وجهات نظر الدول الدائنة والمدينة‪ ،‬كوسيلة للوصول الى حل‬
‫وسط يرضي الطرفين‪ ،‬ومن بين هذه اللجان لجنة الدين المصري سنة ‪ ،1878‬ولجنة الدين اليوناني سنة‬
‫‪ ،1897‬ولجنة الدين العثماني سنة ‪.1898‬‬
‫ثالثا‪ :‬االتحادات الدولية االدارية‪:‬‬
‫ومن بين اهم االتحادات التي تم انشاؤها‪ ،‬اتحاد التلغراف العالمي الذي أنشئ بمقتضى اتفاقية باريس لسنة‬
‫‪ ،1865‬واتحاد البريد العالمي الذي أنشئ باتفاقية برلين لسنة ‪ ،1874‬واالتحاد الدولي للمقاييس والموازين‬
‫عام ‪ ،1875‬واتحاد حماية الملكية الصناعية عام ‪ ,1882‬واالتحاد الدولي لنشر التعريفة الجمركية لعام‬
‫‪ ،1890‬واتحاد حماية الملكية االدبية المنشئ بموجب اتفاقية برلين لسنة ‪.1886‬‬
‫المالحظ ان انشاء هذه االتحادات لم يكن اال وسيلة لتنظيم بعض المرافق ذات الصلة بالمصالح الدولية‬
‫المشتركة‪.‬‬
‫الواقع ان كل وسائل التعاون الدولي آنفة الذكر ال يمكن وصفها بالمنظمات الدولية‪ ،‬كونها ال تتخذ طابع‬
‫الديمومة واالستقرار في عملها كما ال يحكم نشاطها دستور نافذ في مواجهة الدول المنضمة إليها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف المنظمة الدولية‬
‫توجد تعريفات عديدة للمنظمة الدولية‪ ،‬وجميعها تدور حول مضمون واحد ‪ ،‬بحيث تعّرف‬
‫بأنها" ‪:‬‬
‫‪ ‬الكيان الدائم الذي تقوم الدول بإنشائه من اجل تحقيق اهداف مشتركة يلزم لبلوغها منح‬
‫هذا الكيان إرادة ذاتية مستقلة‪،‬‬
‫‪ ‬او هي وحدة قانونية تنشئها الدول لتحقيق غايات معينة وتكون لها إرادة مستقلة يتم‬
‫التعبير عنها عبر اجهزة خاصة بالمنظمة؛‬
‫‪ ‬كما تعّرف بأنها كائن قانوني دولي يتمتع بإرادة ذاتية يمارسها من خالل اجهزة او‬
‫فروع تابعة له ويهدف الى رعاية بعض المصالح المشتركة او تحقيق اهداف معينة‬
‫على الصعيد الدولي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عناصر تعريف المنظمة‬

‫‪38‬‬
‫كيان قانوني دولي مستمر‪ .‬تنشئه مجموعة من الدول‪ ،‬يجمع بينها مصالح مشتركة تسعى الى تحقيقها‪،‬‬
‫ويتمتع هذا الكيان بإرادة ذاتية مستقلة يتم التعبير عنها بأجهزة خاصة ينشئها ميثاق المنظمة‪ .‬ويشتمل‬
‫تعريف المنظمة على العناصر التالية‪:‬‬
‫الصفة الدولية؛‬ ‫‪‬‬
‫االرادة الذاتية (الشخصية القانونية الدولية)؛‬ ‫‪‬‬
‫االستمرار والديمومة؛‬ ‫‪‬‬
‫االهداف المشتركة؛‬ ‫‪‬‬
‫االتفاق الدولي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أ‪ :‬الصفة الدولية‬


‫يتم تأسيس المنظمة من قبل كيانات تتمتع بوصف الدولة كاملة السيادة‪ ،‬وتقوم حكومة كل دولة باختيار من‬
‫يمثلها في المنظمة‪.‬‬
‫فهي منظمة دولية حكومية ‪ ،‬وبالتالي يخرج عن هذا الوصف المنظمات التي يتم تأسيسها باتفاق االفراد‬
‫والهيئات والجماعات الخاصة‪ ،‬إذ يطلق على هذه الكيانات‪ ،‬المنظمات غير الحكومية‪ ،‬كمنظمة العفو الدولية‬
‫‪ ،‬وجمعيات حقوق االنسان ومنظمة أطباء بال حدود واتحاد المحامين العرب واالتحاد البرلماني الدولي‪.‬‬
‫ب‪ :‬اإلرادة الذاتية (الشخصية القانونية الدولية)‬
‫تتمثل الشخصية القانونية في تمتع المنظمة بإرادة ذاتية مستقلة عن إرادة الدول االعضاء‪ ،‬تلك االرادة‬
‫التي ت ّمكنها من اكتساب الحقوق وااللتزام بالواجبات وحق التقاضي على المستوى الدولي‪,‬‬
‫تم االعتراف للمنظمة باإلرادة الذاتية اول مرة في الرأي االستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في‬
‫‪ 11‬ابريل ‪ 1949‬بشأن التعويضات عن االضرار التي تلحق بموظفي االمم المتحدة‪.‬‬
‫عنصر االرادة الذاتية‪ ،‬هو ما يميز المنظمة الدولية عن المؤتمر الدولي‪ ،‬إذ ال يتمتع االخير بإرادة ذاتية‬
‫مستقلة عن إرادة الدول المشتركة فيه‪ ،‬وبالتالي فإن قرارات المؤتمر ال تلزم اال الدول التي وافقت عليها‪،‬‬
‫في حين تلزم القرارات الصادرة باألغلبية كافة الدول االعضاء في المنظمة اال اذا اشترط ميثاقها صدور‬
‫القرار باإلجماع‪.‬‬
‫يترتب على التمتع باإلرادة الذاتية ما يلي‪:‬‬
‫‪1-‬تنسب االعمال القانونية الصادرة عن المنظمة اليها ال الى الدول االعضاء فيها‪.‬‬
‫‪2-‬تتمتع المنظمة بذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للدول االعضاء فيها‪ ،‬من هنا قد تكون المنظمة دانئة‬
‫ومدينة للدول االعضاء فيها او للغير‪.‬‬
‫‪ 3-‬اهلية المنظمة الدولية للتقاضي‪ ،‬وبالتالي قد تكون المنظمة مدعية او مدعى عليها‪ ،‬فالمنظمة الدولية‬
‫مثال تتحمل المسؤولية عن اعمالها غير المشروعة‪ ،‬وبصفة عامة عن االعمال التي تستوجب المسؤولية‬
‫طبقا ألحكام القانون الدولي‪.‬‬
‫‪4-‬أهلية المنظمة الدولية إلبرام االتفاقيات الدولية‪ ،‬والمشاركة في انشاء قواعد القانون الدولي عن طريق‬
‫العرف او من خالل ما تصدره من قرارات ذات طابع تشريعي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪5-‬للمنظمة الحق في التعاقد مع من تحتاج اليهم من العاملين‪ ،‬ولها الحق في تنظيم مراكزهم القانونية‪.‬‬
‫ج‪ :‬االستمرار والديمومة‬
‫المنظمة تنشأ أصالً من التقاء ارادة مجموعة من الدول لتحقيق غايات مشتركة مستمرة‪ ،‬من هنا كان ال بد‬
‫من استمرار المنظمة واجهزتها‪.‬‬
‫صفة الدوام ال تستلزم االستمرار المادي بجميع اجهزة المنظمة‪ ،‬بل ان تكون هذه االجهزة في حالة تسمح‬
‫لها بااللتئام متى دعت الضرورة لذلك‪.‬‬
‫عنصر االستمرار ال يعني ان تظل المنظمة قائمة الى ما ال نهاية بل يعني أن يكون وجودها عرضا ً كما‬
‫في المؤتمرات الدولية‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬اذا كانت المؤتمرات الدولية تشبه في طريقة عملها أجهزة المنظمة الدولية من حيث االجراءات‬
‫المتبعة أو عملية اتخاذ القرارات اال انهما يختلفان من حيث ان المؤتمر الدولي ينعقد لبحث مسألة معينة‬
‫ينفض بعدها بغض النظر عن النتيجة التي يتوصل اليها‪ ،‬على عكس اجهزة المنظمة التي تتسم بالدوام‬
‫وتنعقد بصفة دورية محددة سلفا ً في الميثاق المنشأ لها‪.‬‬
‫د‪ :‬االهداف المشتركة‬
‫لكل منظمة دولية اهداف تسعى الى تحقيقها‪ ،‬فالمنظمة ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة لتحقيق غاية‪،‬‬
‫ويتم تحديد اهداف المنظمة عادة في ميثاق انشاؤها‪.‬‬
‫قد تكون هذه االهداف عامة شاملة (سياسية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬اجتماعية‪ )...‬كما في منظمة االمم المتحدة‬
‫او خاصة محددة على وجه الحصر كأن تكون اقتصادية مثالً‪ ،‬كما في منظمة التجارة العالمية‪ ،‬او ثقافية‬
‫كما في منظمة اليونسكو‪ ،‬او صحية كما في منظمة الصحة العالمية‪ ،‬أو اجتماعية كما في منظمة العمل‬
‫الدولية‪.‬‬
‫ه‪ :‬االتفاق الدولي‬
‫لكل عمل قانوني سند يثبت وجوده‪ ،‬وال تشذ عن ذلك المنظمات الدولية‪ ،‬وسند وجود المنظمة الدولية هو‬
‫ميثاق انشاؤها الذي يعبر عن التقاء ارادات الدول االعضاء فيها بغض النظر عن التسمية التي يتخذها هذا‬
‫السند‪ ،‬فقد يطلق عليه‪:‬‬
‫‪ ‬عهد )‪ (Covenant‬كما في وثيقة انشاء عصبة االمم؛‬
‫‪ ‬ميثاق )‪ (charter‬كما في وثيقة انشاء االمم المتحدة؛‬
‫‪ ‬دستور )‪ (constitution‬كما في وثيقة انشاء منظمة الصحة العالمية‪...‬الخ‬

‫األصل ان الدولة ذات السيادة هي التي لها حق ابرام اتفاقيات انشاء المنظمات الدولية‪ ،‬ويرد على هذا‬
‫األصل استثناء‪ ،‬اذ قد يتم انشاء المنظمة من قبل كيانات ال ينطبق عليها وصف الدولة‪ ،‬ولكن يقتصر هذ‬
‫االستثناء على انشاء المنظمات غير الحكومية ‪(Les Organisation internationles non‬‬
‫‪governmenales‬‬
‫ملحوظة‪ :‬ال بد من االشارة الى ان تعاونا ً يمكن ان يقوم بين المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية‪،‬‬
‫فقد أشارت المادة (‪ )71‬من ميثاق االمم المتحدة الى انه (للمجلس االقتصادي واالجتماعي ان يجري‬
‫الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصه)‬

‫‪40‬‬
‫ثانيا‪:‬أنواع المنظمات الدولية‬
‫يمكن تقسيم المنظمات الدولية بالنظر إلى‪:‬‬
‫‪ ‬معيار العضوية أو؛‬
‫‪ ‬معيار الهدف أو؛‬
‫‪ ‬معيار السلطات‪.‬‬

‫أ‪ :‬معيار العضوية‬


‫تنقسم المنظمات الدولية من حيث نطاق العضوية إلى منظمات عالمية ومنظمات إقليمية‪.‬‬
‫‪ ‬المنظمة عالمية ‪ :‬تكون عضويتها مفتوحة ألي دولة ‪ ،‬كاألمم المتحدة؛‬
‫‪ ‬المنظمة إقليمية إذا كانت العضوية قاصرة فيها على مجموعة من الدول يربطهم رابط جغرافي‬
‫كمنظمة الوحدة اإلفريقية أو رابط الدين كجامعة الدول العربية‪...‬‬
‫ملحوظة‪ :‬يرى بعض الفقهاء أن المقصود بالرابطة اإلقليمية هي الوحدة في المصالح ‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫المصالح سياسية أو عسكرية أو اقتصادية ‪ ،‬وليس الجوار في اإلقليم ‪ ،‬وهذا الرأي يساعد أي دول يجمعهم‬
‫مصالح معينة في إنشاء منظمة دولية ‪ ،‬ولو لم يكونوا في أقاليم متجاورة‬
‫ب‪ :‬معيار الهدف‬
‫تنقسم المنظمات الدولية على أساس معيار الهدف إلى منظمات‪:‬‬
‫‪ ‬عامة األهداف ‪ ،‬إذا كان مجال نشاطها يشمل العديد من مجاالت التعاون الدولي السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ‪ ،‬كمنظمة األمم المتحدة‬
‫‪ ‬ومنظمات متخصصة إذا كانت قد أنشأت لتحقيق هدف أو أهداف محددة ‪ ،‬كمنظمة الصحة العالمية‪،‬‬
‫ومنظمة الطيران المدني الدولية‪...‬‬

‫ج‪ :‬معيار السلطات‬


‫تنقسم المنظمات الدولية على أساس معيار السلطات التي تتمتع بها في مواجهة الدول األعضاء إلى ‪:‬‬
‫‪ ‬منظمات بين الدول أي ذات طابع تعاوني ‪ ،‬وهي تنسق التعاون بين الدول بإصدار قرارات‬
‫وتوصيات ال تنفذ إال برضاء الدول ‪ ،‬وهذا هو األصل في المنظمات الدولية ‪ ،‬فعادة تحرص الدول‬
‫عند إنشاء المنظمة على عدم المساس بسيادتها ‪ ،‬فتشترط مثال صدور القرارات باإلجماع ‪ ،‬كما‬
‫وأن القرارات الصادرة عن المنظمة ال يتم تنفيذها إال برضاء الدول؛‬
‫‪ ‬منظمات فوق الدول نشأت خاصة في المجال االقتصادية حيث يمكن لهذه المنظمة أن تصدر أي‬
‫قرار باألغلبية ‪ ،‬ويكون ملزما لباقي الدول ‪ ،‬وهنا تكون الدول قد تنازلت عن جزء من سيادتها‬
‫لصالح هذه المنظمة‪(.‬السوق األوروبية المشتركة ‪ ،‬منظمة النافتا لتسهيل التبادل التجاري لدول‬
‫أمريكا الشمالية وهي‪ :‬الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وكندا‪ ،‬والمكسيك‪)...‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬منظمة األمم المتحدة‬


‫تعتبر األمم المتحدة منظمة دولية انشأت في عام ‪ ،1945‬وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة‬
‫المانيا وحلفائها‪ ،‬حيث قررت الدول المنتصرة إنشاء هيئة األمم المتحدة وجهازها التنفيذي مجلس األمن ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وتتكون حتى اآلن من ‪ 193‬دولة عضو‪ .‬وتسترشد األمم المتحدة في مهمتها وعملها باألهداف والمقاصد‬
‫الواردة في ميثاق تأسيسها‪ .‬ونظرا للصالحيات المخولة في ميثاق المنظمة وما تتمتع به من طابع دولي‬
‫فريد‪ ،‬فإن بإمكان األمم المتحدة العمل على قضايا تواجه اإلنسانية في القرن الـ‪ ،21‬مثل قضايا السلم‬
‫واألمن وتغير المناخ والتنمية المستدامة وحقوق اإلنسان ونزع السالح واإلرهاب وحاالت الطوارئ‬
‫الصحية واإلنسانية والمساواة بين الجنسين و الحكامة وإنتاج الغذاء وغيرها كثير‪.19‬‬
‫وتتيح األمم المتحدة ألعضائها منتدى للتعبير عن وجهات نظرهم من خالل الجمعية العامة ومجلس األمن‬
‫والمجلس االقتصادي واالجتماعي وغيرها من األجهزة واللجان‪ .‬ومن خالل تيسير الحوار بين أعضائها‪،‬‬
‫واستضافة المفاوضات كذلك‪ ،‬أصبحت المنظمة آلية للحكومات إليجاد مجاالت االتفاق وحل مشاكلها مع‬
‫بعضها بعضا‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مقاصد وأهداف منظمة األمم المتحدة‬


‫وقع ميثاق األمم المتحدة في ‪ 26‬حزيران‪/‬يونيه ‪ 1945‬في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر األمم المتحدة‬
‫الخاص بنظام الهيئة الدولية وأصبح نافذا في ‪ 24‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ .1945‬ويعتبر النظام األساسي‬
‫لمحكمة العدل الدولية جزءا متمما للميثاق ‪.‬‬
‫وقد تض ّمن نص الميثاق (‪ 111‬مادة) مقاصد وأهداف المنظمة وكذا األجهزة التي من خالها تحقق المنظمة‬
‫أهدافها‪ .‬فقد ورد ذكر مقاصد الهيئة ومبادئها في الفصل األول من نص الميثاق‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مقاصد منظمة األمم المتحدة‬
‫نصت المادة األولى من الفصل االول من الميثاق على مقاصـد األمـم المتحدة والتي تتمثل في ‪:‬‬
‫‪1.‬حفظ السلم واألمن الدولي‪ ،‬وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع األسباب التي‬
‫تهدد السلم وإلزالتها‪ ،‬وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه اإلخالل بالسلم‪ ،‬وتتذرع بالوسائل السلمية‪،‬‬
‫وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي‪ ،‬لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى اإلخالل بالسلم أو لتسويتها ‪.‬‬
‫‪2.‬إنماء العالقات الودية بين األمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب‬
‫وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها‪ ،‬وكذلك اتخاذ التدابير األخرى المالئمة لتعزيز السلم العام ‪.‬‬
‫‪3.‬تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫واإلنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطالقا‬
‫بال تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وال تفريق بين الرجال والنساء ‪.‬‬
‫‪4.‬جعل هذه الهيئة مرجعا لتنسيق أعمال األمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة‬
‫ثانيا‪ :‬مبادئ منظمة األمم المتحدة‬
‫ّ‬
‫المنظمة تعمل في سعيها لتحقيق أهدافها وفقا‬ ‫أشارت المادة الثانية من الفصل االول من الميثاق على ّ‬
‫أن‬
‫للمبادئ اآلتية‪:‬‬
‫‪1.‬تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها‪.‬‬

‫‪ 19‬الموقع االلكتروني لمنظمة األمم المتحدة ‪www.un.org‬‬

‫‪42‬‬
‫‪2.‬لكي يكفل أعضاء الهيئة ألنفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن‬
‫نية بااللتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق ‪.‬‬
‫‪3.‬يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه ال يجعل السلم واألمن والعدل‬
‫الدولي عرضة للخطر ‪.‬‬
‫‪4.‬يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في عالقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سالمة‬
‫األراضي أو االستقالل السياسي ألية دولة أو على أي وجه آخر ال يتفق ومقاصد "األمم المتحدة ‪".‬‬
‫‪5.‬يقدم جميع األعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى "األمم المتحدة" في أي عمل تتخذه وفق هذا‬
‫الميثاق‪ ،‬كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ األمم المتحدة إزاءها عمال من أعمال المنع أو القمع ‪.‬‬
‫‪6.‬تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير األعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ‬
‫السلم واألمن الدولي‪.‬‬
‫‪7.‬ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "لألمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان‬
‫الداخلي لدولة ما‪ ،‬وليس فيه ما يقتضي األعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل ألن تحل بحكم هذا الميثاق‪،‬‬
‫على أن هذا المبدأ ال يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العضوية في منظمة األمم المتحدة‬
‫جاء في المادة ‪ 4‬من الفصل الثاني من الميثاق الخاص بالعضوية مجموعة الشروط التي من المفروض أن‬
‫تتوفر في الدول الراغبة في االنضمام لألمم المتحدة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن العضوية مفتوحة ألي دولة مستقلة باعتبارها اهم منظمة عالمية شاملة ويحق ألي دولة االنضمام اليها‬
‫شريطة االتي‪:‬‬
‫‪ ‬ان تكون مستقلة‪.‬‬
‫‪ ‬ان تكون محبة للسالم‪.‬‬
‫‪ ‬ان تقبل كل ما ورد فى ميثاق االمم المتحدة‪.‬‬
‫‪ ‬ان تكون قادرة على االلتزام بما جاء بالميثاق‪.‬‬
‫‪ ‬ان تقبل األمم المتحدة انضمامها اليها‪.‬‬
‫وتتم عملية االنضمام للمنظمة بعرض االمين العام طلب االنضمام على مجلس االمن وفى حالة موافقته‬
‫(بموافقة الدول الدائمة العضوية ‪ 4+‬اخرين) يعرض على الجمعية العامة التي توافق بأغلبية الثلثين وبعدها‬
‫تصبح الدول عضوا بالمنظمة)‪ .‬ويمكن للدولة ان تنسحب‪ ،‬كما يمكن كذلك فصل أي دولة بنفس اجراءات‬
‫قبول عضويتها‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أهم اجهزة األمم المتحدة‬
‫لتحقيق مقاصدها أنشأت األمم المتحدة العديد من األجهزة‪ ،‬منها أجهزة رئيسية وأخرى فرعية‪ ،‬وكذلك‬
‫وكاالت متخصصة‪,‬‬
‫أوال‪ ،‬األجهزة الرئيسية‬
‫‪1‬الجمعية العامة‪ :‬وهى الجهاز الرئيس لألمم المتحدة ويشارك فيه كل االعضاء ولكل دولة صوت واحد‬
‫وتصدر قراراتها بأغلبية الثلثين في المسائل الموضوعية اما االجرائية فبأغلبية االعضاء‪ .‬وتعقد الجمعية‬
‫العامة اجتماعا واحدا كل عام ويمكن أن تعقد اجتماعا طارئا بناء على دعوة األمين العام لألمم المتحدة‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪2‬مجلس األمن الدولي‪ :‬يتكون من ‪ 15‬عضوا منهم ‪ 5‬أعضاء يتمتعون بعضوية دائمة ولكل منهم حق‬
‫الفيتو وعشرة آخرون يتم انتخابهم لمدة عامين من قبل الجمعية العامة ومن بين أعضائها‪ .‬والخمسة الدائمين‬
‫هم‪ :‬الواليات المتحدة‪-‬روسيا‪-‬الصين‪-‬فرنسا‪-‬انجلترا‪.‬‬
‫االعضاء غير الدائمين‪ ،‬يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة كالتالي‪:‬‬
‫‪ 2‬من امريكا الالتينية (دولتان)‬
‫‪ 5‬من اسيا وافريقيا‬
‫‪3‬من اوروبا‬
‫ملحوظة‪ :‬وال يجوز إعادة انتخاب العضو غير الدائم فورا بعد انتهاء مدته إلعطاء الفرصة لتمثيل دول‬
‫اخرى‪.‬‬
‫وفيما يهم اختصاصات مجلس األمن فهي تتمثل أساسا في‪:‬‬
‫‪ ‬حفظ السالم واالمن الدوليين‪.‬‬
‫‪ ‬الزام الدول اطراف المنازعات بحل خالفاتهم بالطرق السلمية‪.‬‬
‫‪ ‬له سلطة اتخاذ تدابيرقمعية ضد الدول التى تقوم بأعمال تهدد االمن والسلم الدوليين(المقاطعة‬
‫االقتصادية‪ ،‬القيام بعمليات عسكرية محدودة)‬

‫‪ 3‬األمانة العامة‬
‫وهى بمثابة الجهاز اإلداري الدائم لألمم المتحدة ويشرف عليه االمين العام لألمم المتحدة‪ ،‬وهو يعين لمدة‬
‫خمس سنوات بعد موافقة مجلس االمن (قرارا موضوعيا) واغلبية ثلثي اعضاء الجمعية العامة ‪ ،‬ويجوز‬
‫التجديد له مرة واحدة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أجهزة أخرى‬
‫مجلس الوصاية(تم تجميده)‬ ‫‪‬‬
‫المجلس االقتصادي واالجتماعي‬ ‫‪‬‬
‫محكمة العدل الدولية‬ ‫‪‬‬
‫الوكاالت المتخصصة (وهي منظمات مستقلة تعمل مع األمم المتحدة‪ .‬خالل اتفاقات ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فبعضها كان موجودا قبل الحرب العالمية األولى‪ ،‬وبعضها كان متصال برابطة األمم‪،‬‬
‫في حين أن بعضها أنشأت نشوء متزامنا مع تأسيس األمم المتحدة أو أن األمم المتحدة‬
‫هي نفسها التي أنشأتها‪ .‬أما بعضها اآلخر فأنشأتها األمم المتحدة عند ظهور حاجات‬
‫تتطلب ذلك‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال البنك الدولي‪ ،‬منظمة الصحة العالمية‪ ،‬منظمة‬
‫العمل الدولية‪ ،‬منظمة األغذية والزراعة‪)...‬‬

‫‪44‬‬
45

You might also like