Professional Documents
Culture Documents
- محاضرات بهيجة جمال
- محاضرات بهيجة جمال
العام
محاضرات لفائدة طلبة السداسية الثانية
1
التعريف بالقانون الدولي العام و مصادره
تمهيد
ترتبط فكرة القانون بقيام مجتمع إنساني ،وما يرتبه من حاجة إلى نوع من القواعد التي
تحكم وتنظم العالقات التي تنشأ بين أفراده ،فمنذ أن ظهرت المجتمعات اإلنسانية األولى
ولدت فكرة القانون ،وفي غيبة تأصيل نظري وقانوني واضح لمفهوم المجتمع الدولي
استخدم اصطالح المجتمع الدولي من جانب المشتغلين بدراسة القانون الدولي بمفهوم بالغ
االتساع للتعبير عن المجال الحيوي لتطبيق قواعد القانون الدولي العام ،أو عند البحث عن
أساس القوة اإللزامية لهذا القانون.
القانون كما تقدّم ضرورة اجتماعية ،ووسيلة ال غنى عنها إلقرار النظام داخل المجتمع
والقانون الدولي كغيره من فروع القانون األخرى يهدف إلى هذه الغاية .فالقانون الدولي منذ
نشأته يسعى إلى وقاية المجتمع الدولي من النزاعات والحروب المدمرة ،لكنه في المرحلة
الحالية ،وبعد أن تحقق حد أدنى من السالم في العالم ،وابتعد شبح الحرب العالمية ،ازداد
التواصل بين الدول ،وارتبطت مصالح الدول ،وظهرت عالقات متنوعة ،سياسية ،واقتصادية،
وثقافية ،فأصبح هدف القانون الدولي هو تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب.
ومن خالل ما تقد م ،يتبين لنا أن القانون الدولي العام يالمس موضوعات كثيرة ومتشعبة .
ولكن ما يعنينا من تلك المواضيع هو ما سيحدد إطار هذا المطبوع .حيث سنتطرق بالدراسة
والتحليل تحديد ماهية القانون الدولي العام ومصادره ،وذلك من خالل البابي التاليين:
2
الفصل األول :التعريف بالقانون الدولي العام
لكل مجتمع قانون يحكمه وينظمه ،وينظم المجتمع الدولي القانون الدولي العام ،وقواعد هذا
القانون ال تعد في حقيقة أمرها ،إال أن تكون تجسيدا لواقع سياسي واجتماعي معين ،وأن
التطور المسجل عليها يعد أمرا ضمنيا حتى تتمكن من االضطالع بوظيفتها في تنظيم سلوك
أعضاء المجتمع الدولي ،كما أن القانون الدولي العام يهتم بتحديد حقوق األشخاص الدولية
من دول ومنظمات وكذا تحديد التزاماتها ،والقواعد التي تحكم العالقات المتبادلة بين هذه
الوحدات زمن السلم والحرب ،وعليه فإنه يخرج من تلك القواعد القانونية الناظمة للعالقات
كل من اإلفراد ،والهيئات الخاصة التي محل اهتمام القانون الدولي الخاص.
ومما تقدم فإن دراسة ماهية القانون الدولي العام ،تتطلب منا التطرق إلى مفهومه وتطوره
التاريخي.
لقد أطلق الرومان اصطالح قانون الشعوب على الفرع من المعرفة القانونية القائمة على ما يتصل بالشعوب
،لكن هذا المفهوم يتغير مع مرور الزمن إذ أطلق عليه الفقيه Grotiusتسمية "قانون األمم" وهذه السمية
كانت تعكس واقعا خاصا لكون القانون الدولي يخضع لعوامل التطور بصفة مستمرة .كما أطلق على هذا
القانون تسمية "قانون الدول" ،أي القاعدة الحاكمة للعالقات فيما بين أعضاء الجماعة الدولية 2.وكان أول
من استخدم مصطلح القانون الدولي هو الفقيه االنجليزي بنتام Benthamفي كتابه "مقدمة في مبادئ
األخالق والتشريع" الذي ظهر عام 1780م ولم يكن الفقيه االنجليزي مبدعا في ذلك وإنما أخذه عن
التعبير الالتيني ،الذي يصنع القانون بين الدول وحوله إلى التعبير االنجليزي ،ثم أخد بهذا المفهوم باقي
3
كتاب القانون الدولي ،وبذلك أصبح شائع استخدام.
محمد طلعت الغنمي بعض االتجاهات الحديثة في القانون الدولي العام "اإلسكندرية منشأة المعارف ط.د.ت ،1974 ،ص .07 1
2جمال عبد الناصر مانع القانون الدولي العام "المدخل والمصدر" "عنابة،دار العلوم للنشر والتوزيع د.ط سنة ،2005ص . 12
3احمد سكندري ،ومحمد ناصر بوغزالة،محاضرات في القانون الدولي العام" القاهرة ،دار الفجر للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى سنة ،1998
ص11.
3
كما أطلق على هذا القانون " قانون العالقات الدولية" ،ألنه يعنى بتنظيم هذه العالقات على المستوى
الدولي ،كما يسعى إلى تنظيم العالقات بين أعضاء الجماعة الدولية .و أطلق على أيضا مصطلح "قانون
عبر الدول" أي القانون الذي يتعدى حدود الدولة ،وينظم عالقاتها مع الدول األخرى.
وقد اختلفت التسميات التي ألحقت بهذا القانون ،حيث ورد أيضا تحت مسمى "قانون السياسة الخارجية
" "وقانون الحرب والسلم" وغيرها .غير أن التسمية الشائعة لهذا القانون هو القانون الدولي العام "بفتح
4
الدال" أي قانون أشخاص المجتمع الدولي وليس بضمها والذي معناه قانون الدول فقط.
وقد تبدو مهمة وضع تعريف للقانون الدولي العام أمرا بالغ الدقة إن وضعنا في الحسبان ذلك الكم الهائل
من التعريفات التي قال بها فقهاء هذا القانون والمشتغلون بدراسته .ال نرى فائدة كبيرة لسرد تلك التعريفات
العديدة .فإننا نكتفي بالتركيز على أهم االتجاهات التي ظهرت في سبيل محاولة تعريف القانون الدولي
العام ويأتي تفصيل ذلك على النحو اآلتي:
أوال :االتجاه الكالسيكي
يعـرف الفقيه " رينه جان دوبوي " "القانون الدولي العام" بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم
العالقات بين الدول" .ومفاده أن هذا القانوني يعنى بتنظيم الحقوق والواجبات الدولية فقط ،وكذا المشاكل
التي تثار فيما بينها ،سواء ما تعلق منها باألقاليم أو االلتزامات الناشئة عن االتفاقات التي تبرمها الدول أو
بالحروب التي تقع فيما بينها 5.ومرد ذلك ،أن المجتمع الدولي آنذاك لم يكن يعرف سوى الدول كأعضـاء
للمجتمع الدولي .وهو تقريبـا التعريف نفسه الذي قال به الفقيه الهولندي " جورسيوس " سنة 1625والذي
ظل متداوال ومواكبا لفترة االتجاه الكالسيكي ومعروفا ألكثر من ثالثة قرون .وحتى مطلع القرن 20لم
يبتعد الكالسيكيون عن مفهوم ذلك تعريف حيث عرفه الفقيه "أوبنهايم " بأنه مجموعة القواعد العرفية
6
واالتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في تصرفاتها المتبادلة.
أما بالنسبة للقضاء الدولي المؤيد لرأي االتجاه الكالسيكي فهو يذهب إلى أن القانون الدولي العام هو قانون
"لتسير العالقات بين الدول" ،فقد نجد أن المحكمة العدل الدولية قد عرفت القانون الدولي العام في قضية
"اللوتيس" سنة ، 1927بأنه "القانون الذي يحكم العالقات ما بين الدول المستقلة" ،وهي بذلك كما يقول
الدكتور صالح الدين عامر قد تمسكت بالتعريف التقليدي للقانون الـدولي العام ،فهذا التعريف يعتبر تعريفا
4
-جمال عبد الناصر المانع ،القانون الدولي العام :المدخل والمصدر ،عنابة دار العلوم و النشر والتوزيع سنة ،2005 ،ص . 13-12
محمد سعادي ،مفهوم القانون الدولي لعام (الجزائر" دار الخلدونية للنشر واللتوزيع،الطبعة االولى سنة ،2008ص 055
6
-اسكندري احمد محاضرات في القانون الدولي العام (المبادىء او المصادر) (الجزائر :ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1999ص .04
4
تقليديا اختصر في القواعد التي كانت تسير العالقات الدولية بين الدول فقط .بل وتعتبره هذه التعريفات
الكالسيكية للقانون الدولي العام في نظر البعض قاصرة وال تواكب التطور الذي حدث في مجال العالقات
بين أشخاص القانون الدولي العام .ولعل السبب في تعريف القانون الدولي العام على أنه القانون الذي يحكم
العالقات بين الدول فقط ،هو تشكل المجتمع الدولي آنذاك من دول أوربا القومية فقط بداية القرن ،19
7
حيث كانت الدولة هي الشخص الوحيد من أشخاص القانون الدولي العام.
أما إذا انتقلنا إلى الفقه العربي ،فإننا نجد مؤلفات عديدة قد تضمنت تعريفات للقانون الدولي العام ومن هذه
التعريفات نذكر ما يلي":هو مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها
وواجباتها" ،وكما عرف أيضا بأنه ":القانون الذي ينظم عالقة الدولة بغيرها من الدول ويحكم تصرفاتها
8
في المحيط الخارجي أو الدولي" ،ومن هنا أطلق عليه اسم القانون الدولي.
إال أن هذا االتجاه لم يسلم من النقض بسبب إنكاره لمكانة الدولة وشخصيتها القانونية في المجتمع الدولي،
وأنه من الثابت أن الدولة هي شخص من أشخاص القانون الدولي المعاصر إن لم تكن الشخص الرئيسي
من أشخاصه ،إلى جانب المنظمات الدولية العالمية واإلقليمية و الفاتيكان و الحركات التحررية و االتحادات
9
الدولية و غيرها من الوحدات الدولية األخرى.
بحيث نجد الفقيه الفرنسي " شتروب " يرى بأن القانون الدولي "هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة
التي تحكم العالقات بين األشخاص القانونية الدولية -دوال ومنظمات دولية ،فتبين مالها من حقوق وما
10
عليها من واجبات كما تحدد العالقات التي قد تنشا بين هؤالء األشخاص وبين اإلفراد.
جمال عبد الناصر المانع ،القانون الدولي العام :المدخل والمصدر" ،مرجع سابق ،ص .15 8
5
مالحظة
ما يثير الباحث في ماهية القانون الدولي العام هو اختالف الفقهاء في تسميتة وفي تعريفه كما أسلفنا .غير
أنه وإن اختلفت وتعددت التعاريف ،إال أنها جميعها اتفقت على العناصر األساسية التي تدخل في تعريفه،
أال وهي كون القانون الدولي العام هو "مجموعة القواعد القانونية التي تحكم وتنظم العالقات
المتبادلة بين أشخاص القانون العام"
بدأت البشرية تتجمع في وحدات سياسية متميزة ومنفصلة منذ أقدم العصور ،وأكبر مثال على ذلك نشأة
الدولة في مصر بعد أن تم توحيدها على يد األمير "مينانارمر" قبل الميالد بنحو 3200سنة ،فقد قام
بإنشاء الوحدة بين الشمال والجنوب ،كما ظهرت دول عديدة في بالد مابين النهرين(العراق) منها الدولة
السومرية في جنوب العراق عام 4000ق.م ،والتي بلورت الكثير من األحكام الخاصة بالتعامل الدولي
والعالقات الدولية ،حيث سجل المؤرخون بعض األمثلة لمعاهدات تحالف وصداقة عقدت آنذاك ،وسجلوا
الكثير من معاهدات الصلح التي أنهت حروبا عديدة ،ولعل أقدم هذه األحكام يظهر في المعاهدات التي
ابرمها فرعون مصر "رمسيس" مع "خاتوسيل" ملك الحيثيين عام 1278ق.م ،والتي تم تحريرها
باللغة البابلية التي كانت آنذاك لغة دبلوماسية.
وقد تضمنت هذه المعاهدة تعهد الطرفين بتبادل المساعدات ضد األعداء الداخليين ،والقيام بتسليم هؤالء
في حالة لجوئهم إلى بلد الطرف اآلخر شريطة عدم توقيع العقاب على األشخاص الذين جرى تسليمهم،
وتعتبر هذه المعاهدة أقدم مثال معروف في شان تسليم المجرمين السياسيين ،والتي تشكل األصل التاريخي
لما هو سائد اليوم.
وفي الهند القديمة ظهرت الديانة البراهمية التي تعبر عنها مجموعة قوانين" مانو" التي جمعت عام 1000
ق م ،وهو دستور الديانة اإلبراهيمية التي عرضت لبعض القواعد اإلنسانية المنظمة لشؤون الحرب،
فالمحارب الشريف ال يضرب عدوه النائم أو الذي يولي دبره أو الذي فقد درعه ،بينما تضمن الفكر
صالح الدين عامر المقدمة لدراسة القانون الدولي العام ،القاهرة :مطبعة جامعة القاهرة سنة 2007ص . 10-9 11
6
البودي بدوره الدعوة إلى المساواة عندما أظهر بأن التمييز بين البشر يزول كما تزول أسماء األنهار عندما
تصب في البحار.
كما أن الفرس والفينيقيون بدورهم كانوا يخضعون عالقاتهم مع غيرهم من الشعوب لبعض األحكام
المتعلقة بقواعد الحرب ومعاهدات السلم وحماية ممثلي الشعوب وقواعد الضيافة.
أوال :عالقة المدن اإلغريقية فيما بينها :وكانت مبنية على االستقرار وفكرة المصلحة المشتركة والتعاون
نظرا ً لوحدة الجنس والدين واللغة ،لذلك كان يتم اللجوء للتحكيم في كل الخالفات فيما بينها ،باإلضافة إلى
وجود قواعد تنظيمية يتم احترامها في عالقاتها السلمية والعدائية ،كقواعد التمثيل الدبلوماسي وقواعد
شن الحرب.
الثاني :عالقة اإلغريق بغيرهم من الشعوب األخرى :كان يسودها اعتقادهم بتميزهم عن سائر البشر،
وأنهم شعوب فوق كل الشعوب األخرى من حقهم إخضاعها والسيطرة عليها .ومن هنا كانت عالقاتهم بهذه
الشعوب عالقات عدائية وحروبهم معها يشوبها الطابع العدائي وال تخضع ألي ضوابط أو قواعد قانونية
بل يحوطها كثير من القسوة وعدم مراعاة االعتبارات اإلنسانية.
أسهمت روما حينما كانت تسيطر على العالم القديم إسهاما ال يمكن إنكاره في تطور القانون الدولي ،فقد
كانت روما أول من وضع مجموعة من القواعد الداخلية تحكم عالقاتها مع الدول األخرى ،فكان هناك
مثال "قانون روماني للسالم والحرب" ،وهذا القانون ذو صبغة دينية أساسا ،إذ يعمد تطبيقه وتفسيره إلى
رجال الدين من الرهبان الذين هم في نفس الوقت سفراء روما ،ويختص هؤالء بالبث في إخالل أي أمة
أجنبية بالتزاماتها اتجاه روما ،واالعتراف لها في هذه الحالة بالحق في شن حرب عادلة عليها بعد القيام
بمجموعة من الطقوس الشكلية.
للمالحظة .لم يكن القانون الروماني للسلم والحرب قانونا دوليا بالمعنى الدقيق وإنما هو قانون داخلي
تضعه روما من جانب واحد وتلزم نفسها به في مواجهة العالم الخارجي.
كما قامت عالقات دولية بين كل من روما والعالم الخارجي ،وكثيرا ما تضمنت معاهدات الصداقة
والضيافة والتحالف التي عقدتها بنودا لتسوية المنازعات عن طريق التحكيم ،وتبادلت اإلمبراطورية
الرومانية السفراء مع المماليك األخرى ،واعترفت بالحصانة للسفراء الموفدين إليها ،وأوجدت روما
مجموعة كبيرة من القواعد القانونية التي تحكم عالقات المواطنين الرومان.
يعد الرومان أول من أطلق تسمية " قانون الشعوب” وهي مجموعة من القواعد المنظمة لوضع األجانب
الذين تعقد دولهم معاهدات صداقة مع روما .وهو قانون خاص بالمعاهدات بين الرعايا األجانب بعضهم
ببعض أو بينهم وبين المواطنين الرومان ،ويقوم بموجبه مسؤول خاص هو وكيل األغراب بمهمة تعيين
قضاة لفض المنازعات فيما بينهم ،وبمعنى آخر هو مجموعة من القواعد القانونية الداخلية التي أوجدتها
روما بعد ازدهارا العالقات التجارية بينها وبين الشعوب األخرى.
7
أما فيما يخص العالقات القائمة بين الرعايا الرومان فيما بينهم فنجد أنها تخضع لقانون يسمى "بالقانون
المدني”
خالصة القول ،لقد أسهم القانون الروماني بشكل غير مباشر في تطور القانون الدولي ،ويجد أساسه في
قواعد ومؤسسات القانون الروماني ،وقد تأثر الفقهاء الرومان بالفلسفة الرواقية التي نادت منذ القرن الثالث
قبل الميالد باألخوة اإلنسانية والمواطنة العالمية ،ولهذا يرى الفقيه الروماني "سيشرون" بوجود قانون
طبيعي ينطبق على جميع الناس وقواعد منطق مشتركة بين جميع البشر.
في ختام هذا المطلب نستخلص أن مسائل القانون الدولي العام لم تكن واضحة في المجتمعات القديمة،
وذلك النعدام فكرة المساواة بين الشعوب ولعدم وجود الدول المستقلة نظرا ً لتسلط شعب معين على باقي
الشعوب.
فمعظم قواعد القانون الدولي هي قواعد حول الحروب ،كما أن معظم العالقات السائدة آنذاك كان يحكمها
القانون اإللهي بما ال يفيد وجود نظام قانوني دولي مستقر لحكم العالقات بين الجماعات اإلنسانية بطريقة
منتظمة.
ظهر في هذا العصر تسلط الكنيسة وذلك نتيجة النتشار الدين المسيحي بين الدول األوربية من جهة وظهور
اإلسالم والخوف من انتشار نفوذه من جهة ثانية .كما كان ثمة خوف من أن يؤدي انتشار اإلسالم إلى
انتزاع السيادة من المسيحية.
كانت عالقات المسلمين بغيرهم من الشعوب تخضع لقواعد منظمة مستمدة من أحكام القرآن الكريم ،تسودها
روح العدالة والتسامح وحروبهم كانت تدافع عن العدالة والحرية وليس على قهر الشعوب ،لقوله تعالى“
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا“ صدق هللا العظيم.
عالقة دار اإلسالم مع دار الحرب كانت تعتمد على دفع العدوان على المسلمين لقوله تعالى“ فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم“ صدق هللا العظيم.
أرست الشريعة اإلسالمية قواعد الحرب قبل أن تتطور بشكلها المعاصر في إطار القانون الدولي اإلنساني،
ومثل ذلك:
قاعدة ،التفرقة بين المقاتل والمدني ،ففي وصية الرسول صلى هللا عليه وسلم لقادة الجيش في كافة
صغيرا وال امرأة وال تغلوا
ً الغزوات قال (انطلقوا باسم هللا وعلى بركة رسوله ال تقتلوا شي ًخا وال طفالً وال
"أي ال تخونوا" ،وأصلحوا وأحسنوا إن هللا يحب المحسنين)،
قاعدة التعامل مع أسرى الحرب ،لقول النبي صلى هللا عليه وسلم( استوصوا باألسرى خيرا)
8
قاعدة الحفاظ على الصالح العام وحماية الفئات المستضعفة ،قال أبو بكر الصديق في وصيته ألمير أول
صغيرا
ً بعثة حربية في عهده أسامة بن زيد ( :ال تخونوا وال تغلوا وال تغدورا وال تمثلوا وال تقتلوا طفالً
وال شي ًخا ً
كبيرا وال امرأة وال تقطعوا نخالً وال تحرقوه وال تقطعوا شجرة مثمرة وال تذبحوا شاة وال بقرة
فرغوا أنفسهمفرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما َّ عيرا إال لمأكلة وسوف تمرون على قوم َّوال ب ً
له).
-2النظام اإلقطاعي
عرف العصر الوسيط أيضا ظهور الممالك اإلقطاعية ،حيث كان كل أمير إقطاعي يسعى للمحافظة على
إقطاعه ،أو توسيعه مما أدى إلى قيام حروب متعاقبة بين األمراء اإلقطاعيين من جهة أخرى.
تولت الكنيسة مهمة العالقات بين اإلمارات اإلقطاعية ،حيث كانت تضع القواعد المنظمة للشؤون الدولية
والسياسية الخارجية مثل حماية رجال الدين والرهبان ووضع قواعد الحرب ،بما في ذلك قرار تحريم
الحرب في بعض أيام السنة.
و في نفس السياق أدى اكتشاف القارة األمريكية في هذا العصر إلى إثارة مسائل دولية جديدة أهمها
االستعمار وحرية البحار مما أدى إلى تزايد االهتمام بتوجيه القانون الدولي بشأنها.
وقد ظهرت في هذه الفترة إسهامات قيمة لفقهاء ق د ع ومن أهمها كتاب ” البحر الحر“ للفقيه الهولندي
جروسيوس ، GROTIUSالذي دعّم فيه حرية البحار وحرية التجارة مع البالد المكتشفة حديثا والذي
كان له أعظم األثر في توجيه القواعد الدولية في هذا الشأن إلى ما أصبحت عليه في الوقت الحاضر.
الفقية جروسيو هو من سمى القانون الدولي بقانون ”الحرب والسلم“ نظرا للعالقات التي كانت بين الدول
والتي كانت تدور بين السلم تارة وبين الحرب تارة أخرى ومن هذا المنطلق اخذ الفقيه بهذه التسمية.
بدأت التحوالت في تاريخ العالقات الدولية األوروبية بإبرام معاهدة وستفاليا عام ،1648والتي جاءت
بعد حرب دامت 30عام بين الدول األوروبية المسيحية .ويرجع الفضل لهذه المعاهدة في إرساء أسس
9
القانون الدولي التقليدي والتي أرست مجموعة من المبادئ .ويرجع الفضل لمعاهدة وستفاليا في كونها
ساهمت في:
-1مبدأ التشاور لحل مشاكل فيما بين الدول على أساس المصلحة المشتركة؛
-2تأكيد مبدأ المساواة بين الدول المسيحية جميعا ً بغض النظر عن عقائدهم الدينية وزوال السلطة البابوية،
وثبتت بذلك فكرة سيادة الدولة وعدم وجود رئيس أعلى يسيطر عليها وهي الفكرة التي على أساسها بني
القانون الدولي التقليدي؛
-3تطبيق مبدأ التوازن الدولي للمحافظة على السلم واألمن الدوليين ،ومؤدى هذا المبدأ أنه إذا ما حاولت
دولة أن تنمو وتتوسع على حساب غيرها من الدول فإن هذه الدول تتكل لتحول دون هذا التوسع محافظة
على التوازن الدولي الذي هو أساس المحافظة على حالة السلم العام السائدة بين هذه الدول؛
-4مبدأ التشاور ،ظهور فكرة المؤتمر األوربي الذي يتألف من مختلف الدول األوربية والذي ينعقد لبحث
مشاكلها وتنظيم شئونها؛
-5نشوء نظام التمثيل الدبلوماسي الدائم محل نظام السفارات المؤقتة مما أدى إلى قيام عالقات دائمة
ومنظمة بين الدول األوربية؛
-6االتجاه نحو تدوين القواعد القانونية الدولية التي اتفقت الدول عليها في تنظيم عالقاتها المتبادلة ،فقد
قامت الدول بتسجيل هذه القواعد في معاهدات الصلح التالية مما أدى إلى تدعيم القانون الدولي وثبوتها
بين الدول .
ساعدت معاهدة وستفاليا على توثيق الروابط بين الدول وتأكيد استمرارية التشاور والتفاهم فيما بينها في
المسائل الدولية ،وتجسد ذلك في توالي انعقاد مؤتمرات للتداول في مشاكل القارة األوربية ،ولعل أبرزها
مؤتمر فينا ( 1815عقب هزيمة نابليون) لتنظيم شؤون القارة األوربية وإعادة التوازن الدولي .ونتج
عن هذا المؤتمر عدة نتائج لعل أهمها إقرار بعض القواعد الدولية الجديدة والخاصة بحرية المالحة في
األنهار الدولية وقواعد تنظيم عمل المبعوثين الدبلوماسيين وتحريم االتجار بالرقيق.
2التحالف المقدس
نشأ هذا التحالف بين الدول الكبرى المشتركة في مؤتمر فيينا ،حيث كان الغرض من التحالف تطبيق مبادئ
الدين المسيحي في إدارة شئون الدول الداخلية والخارجية ،ولكن الهدف الحقيقي كان الحفاظ على عروش
هذه الدولة الكبرى وقمع كل ثورة ضدها ،وأكد ذلك معاهدة "إكس الشيل" سنة 1818بين انجلترا
وبروسيا والنمسا ثم فرنسا ،حيث نصبت هذه الدول نفسها قيمة على شئون أوربا واتفقت على التدخل
المسلح لقمع أية حركة ثورية تهدد النظم الملكية في أوربا,
-4تصريح مونرو
10
أصدر هذا التصريح الرئيس األمريكي عام 1823حيث تضمن أن الواليات المتحدة األمريكية ال تسمح
ألية دولة أوربية بالتدخل في شئون القارة األمريكية أو احتالل أي جزء منها وذلك ردا ً على تدخل الدول
األوربية لمساعدة إسبانيا السترداد مستعمراتها في القارة األمريكية.
ساهم تصريح مونرو في إرساء مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول وكان له أثره أيضا ً في توجيه
العالقات الدولية بين القارتين األمريكية واألوربية.
تميّز القرن التاسع عشر بانتشار مجموعة من المبادئ الحديثة مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها
واختيار نظام الحكم ،ونظام المساواة بين الدول ،ومبدأ حرية المالحة البحرية وعدم التدخل في شؤون
الدول الداخلية .وقد تم فيه إبرام العديد من االتفاقيات التي أصبحت مصدرا من مصادر القانون الدولي
العام مثل:
معاهدة باريس عام 1856التي أقرت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية وغيرها من الدول؛
اتفاقيتي الهاي لعام 1899و ،1907التي نظمت القواعد الخاصة بالحرب والحياد؛
إنشاء أول هيئة قضائية دولية هي محكمة التحكيم الدولي الدائمة في الهاي والتي تعنى بتقديم
خدمات لتسوية النازعات المتعلقة بأمور مختلفة من الدول والكيانات الحكومية والمنظمات
الحكومية الدولية وأطراف من القطاع الخاص.
ملحوظـة
ساهمت المؤتمرات المعاهدات في تطوير العالقات الدولية وتطوير القانون الدولي بما يتفق ومصالح
الجماعة الدولية .فقد اتجهت المؤتمرات إلى استحداث نظم ثابتة ،وتم التوصل إلى أنشاء هيئات يمكن
للدول اللجوء إليها عند الحاجة لتسوية المنازعات التي قد تقع بين دولتين أو أكثر.
لم يحقق مؤتمر الهاي السالم العالمي لتسابق الدول الكبرى الستعمار الدول الغنية بالثروات والمواد األولية
وذلك على إثر التقدم الصناعي مما أدى إلى قيام الحرب العالمية األولى عام 1914وبعد انتهاء الحرب
اجتمعت الدول في مؤتمر باريس عام 1919الذي انتهى بقيام خمس معاهدات صلح فرضت على الدول
المنهزمة في الحرب وهي ألمانيا والنمسا وبلغاريا والمجر وتركيا.
11
أنشأت عصبة األمم عام ،1919وهي ّأول منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السالم
العالمي.
الوثيقة المؤسسة للعصبة تدعى ”عهد العصبة ” وتتألف من ديباجة أو مقدمة وست وعشرين
مادة.
أهداف العصبة:
أخفقت عصبة األمم في تحقيق األهداف التي أنشأت من أجلها ،وذلك بسبب نشوء حروب إقليمية عديدة
والتي أدت فيما بعد لنشوء حرب عالمية ثانية عام .1939واستمرت العصبة نحو 20سنة وقد عقدت
اخر اجتماعاتها فى شهر ابريل 1946حيث قررت تصفية العصبة وتسليم ممتلكاتها لهيئة األمم المتحدة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة المانيا ،قررت الدول المنتصرة إنشاء هيئة األمم المتحدة وجهازها
التنفيذي مجلس األمن،
نص ميثاق المنظمة ( 111مادة)على حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية ،وعدم اللجوء للحرب إال
للدفاع المشروع ،وكل من يخالف ذلك يوقع عليه جزاء من طرف مجلس األمن.
يهدف القانون الدولي العام في الوقت الراهن إلى تحقيق أهداف اجتماعية وإنسانية.
يهدف إلى تحقيق العدالة على صعيد المجتمع الدولي ،وال يكون حكرا على الدول القوية التي تستحوذ
على العلم والتكنولوجيا والمال .ويتجلى المضمون االجتماعي للقانون الدولي في:
12
قواعد القانون الدولي للتنمية ،التي ال تتمسك بمبدأ المساواة بين الدول ،حيث منحت الدول
الفقيرة أهمية اكبر من الدول الغنية لمساعدتها في تحقيق التقدم والنمو
القواعد التي منحت بعض االمتيازات للدول الحبيسة والمتضررة جغرافيا في القانون الدولي
للبحار،
كما أقرت أن المحيطات والبحار خارج المياه اإلقليمية هي حق مشترك للدول جميعا.
يظهر ذلك بوضوح في االهتمام الكبير بحقوق اإلنسان في زمن السلم والحرب ،حيث كان في القانون
التقليدي ال يهتم باإلنسان بل كان محور اهتمامه بالدول .وقد افرد القانون الدولي المعاصر لإلنسان قانون
خاص به هو القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لالجئين.
ثمة مجموعة من نقط االشتراك واالختالف بين القانونين الدولي والخاص .ويمكن تحديدها فيما يلي:
نقط االشتراك :يشترك مع القانون الدولي العام في وجود الصفة الدولية بينهما.
نقط االختالف :من حيث الموضوع الذي يتناوالنه ،ومن حيث المكان الذي يطبقان فيه.
القانون الدولي العام يعنى بالدول واألشخاص الدوليين اآلخرين ومكان تطبيقه ينحصر دو ًما في النطاق
الدولي خارج حدود الدولة .إال أن القانون الدولي الخاص يعنى بأفراد الدول المختلفة فيما يختص بحقوقهم
المدنية ،كما أنه يتكون من مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العالقات المشوبة بعنصر أجنبي فيما
بين األفراد.
مجمال ،يمكن القول بأن القانون الدولي الخاص هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العالقات فيما
بين األفراد ذات العنصر األجنبي وتحدد جنسيتهم.ومركزهم القانوني ومن ثم تبين القانون الواجب التطبيق
في حالة تنازع القوانين ومن ثم تحديد المحكمة المختصة في فصل النزاع.
نازلة:لو أن مكسيكي الجنسية يقيم في باريس وعقد صفقة تجارية وهو في سن 21سنة ،إال أن
البائع لم يتبين له ان سن البلوغ في القانون المكسيكي هو 25سنة ،ولدى مطالبة البائع باألقساط
المتبقية دفع المكسيكي ببطالن التزامه ألنه قاصر وفق أحكام القانون المكسيكي .فتكييف هذا النزاع
القانوني وإسناد القاعدة القانونية لحله هي من المسائل التي يتناولها القانون الدولي الخاص
بالتنظيم.
13
الفرع الثاني :القانون الدولي العام وقواعد القانون الطبيعي والمجامالت واألخالق الدولية
له عدة تعريفات ولكن يمكن تعريفه بأنه مجموعة القواعد الثابتة وغير المكتوبة والواجبة االنطباق على
كافة األفراد في كل المجتمعات نظرا ً ألنها تجد مصدرها في الطبيعة ذاتها .فهو نوع من األخالقيات
الواجبة االنطباق في كل مكان وزمان مثل أفكار العدالة و المساواة .هذا النوع من القانون ليس من صنع
المشرع ،وإنما هو متأصل في الطبيعة البشرية.
في المجال الدولي ،يحسن بالدول إتباع هذه القواعد وااللتزام بها تحقيقًا للعدالة باعتبارها الوضع الطبيعي
والمنطقي لما يتعين أن تكون عليه العالقات الدولية من مثل وقيم عليا.
هي تلك القواعد التي جرت الدول على إتباعها ،رغبة منها في توثيق عالقاتها مع بعضها البعض .وهي
قواعد غير ملزمة وليس لها أية عالقة بالمثل العليا ومن أهم أمثلتها مراسم استقبال رؤساء الدول والسفراء
والتحية البحرية.
ملحوظة:
قواعد المجامالت الدولية قد تتحول الى قواعد دولية وذلك عندما تكتسب وصف اإللزام القانوني من إحدى
مصادره كالعرف أو االتفاق أو القرار الصادر عن منظمة دولية في حدود اختصاصه .وتعتبر القاعدة
القانونية لالمتيازات والحصانات الدبلوماسية خير دليل على ذلك.
كما قد تتحول القاعدة القانونية الدولية إلى قاعدة من قواعد المجامالت إذا ما فقدت وصف اإللزام القانوني
لها ،وتعتبر القواعد المحددة لمراسم استقبال السفن البحرية في الموانئ األجنبية من أهم األمثلة لقواعد
القانون الدولي التي لحقها النسخ لتتحول إلى مجرد قاعدة من قواعد المجامالت.
وهي مجموعة من المبادئ السامية التي يمليها الضمير العالمي ويقيد بها تصرفات الدول وفقًا لمعايير
األخالق الفاضلة والمروءة والشهامة ،ال وفقًا العتبارات اإللزام القانوني .ومن أمثلة هذه القواعد ،تلك التي
تقضي باستعمال الرأفة في الحروب واالبتعاد عن الكذب والخداع في العالقات الدولية وتقديم العون والغوث
إلى الدول المنكوبة (زالزل ،فيضانات ،حروب).
وتجدر اإلشارة إلى أن بعض قواعد األخالق أصبحت مدونة وتحظى بنفس قوة القانون الدولي مثل،
كمعاملة األسرى في الحرب ،ومساعدة جرحى الحرب وعدم اعتداء الدول على بعضها.
14
يعد الفقيه األلماني تربيل والفقيه االيطالي انزيلوني من أنصار هذه النظرية .وينطلق هؤالء من فكرة أن
القانون الدولي العام والقانون الداخلي متباينان ومستقالن ،بحيث ينفصل احدهما عن األخر.
اختالف مصدر كل من القانونين :فمصدر القانون الداخلي هو إرادة الدولة( العرف/التشريع) ،في حين
أن مصدر القانون الدولي العام هو اإلرادة المشتركة للدول (المعاهدات).
القانون الدولي العام يستهدف تنظيم العالقات فيما بين الدول فيحدد مالها من حقوق وما عليها من
التزامات ،ومن ثم فإن قواعده التخاطب إال الدول المستقلة فقط ،فضال عن باقي أشخاص
القانون الدولي العام ،وبالتالي فهي التصدر عن سلطة عليا تفوق سلطة الدول وانما تصدر عن
رضا الدول واتفاقها سواء كان هذا الرضا صري ًحا أم ضمنيًا.
أما القانون الداخلي فهو يستهدف تنظيم مصلحة وعالقة األفراد مع بعضهم البعض في داخل
حدود الدولة .ومن ثم فان قواعده تخاطب األفراد فقط وبالتالي فهي تصدر عن سلطة المخاطبين
بأحكامه.
فهو يترتب على مخالفة أحكام القانون الداخلي .بينما نجد أن مخالفة أحكام القانون الدولي العام ،خاصة
تلك المنظمة لعالقات الدول ،ال يترتب عنها سوى المسؤولية الدولية والتي ينحصر أثرها المباشر في
التعويض.
فالمجتمع الداخلي للدولة مكون من سلطات عامة ومنظمة ،فهناك السلطة التشريعية التي تعمل علي سن
القواعد القانونية ،والسلطة التنفيذية التي تعمل علي احترام القواعد المسطرة ،والسلطة القضائية التي تفصل
في النزاعات وتوقع الجزاءات وفقا للمقتضيات الجاري العمل بها في الدول.
أما بناء المجتمع الدولي فانه يتصف بضعف أجهزته التنفيذية والقضائية وعدم تطبيق الجزاء في حالة
االخالل بقواعده وأحكامه إال في حاالت نادرة.
فالمعاهدات اتفاق صريح مبني في معظمه على قواعد عرفية ،وهي ليست في حقيقة األمر سوى نوع من
التشريع .وعليه ،فهذه المالحظة توضح بأنه ليس هناك اختالف كبير في مصدر كل من القانونين.
من حيث المخاطبين
القول باختالف األشخاص المخاطبين بأحكام القانونين والتأكيد على أن الدولة والمنظمات الدولية هي
المخاطبة بالقانون الدولي العام هو قول مردود ،ذلك ان الفرد – حسب االتجاه الحديث هو أيضا شخص
من أشخاص القانون الدولي العام.
ملحوظة
لو سلّمنا فرضا بازدواج كل من القانونين ،فإنه أننا ال يمكن أن نذهب إلى ما يذهب إليه أنصار
مذهب االزدواج ،من أنه ال توجد أي نقاط لالتصال بين القانونين.
فالمجتمع الدولي والمجتمع الداخلي على اتصال مستمر وتداخل في العالقات الرابطة بينهما .لذلك
فالبد من وجود عالقة فيما بين القانونين الداخلي والدولي نتيجة لذلك التداخل والترابط في العالقات
ما بين المجتمعين .
فالقانون الداخلي قد يسخر لتدعيم القانون الدولي العام ،كما في حالة تنظيم اختصاصات السلطة
الوطنية إلبرام المعاهدات الدولية؛
كما أن القانون الداخلي قد يكون امتدادًا للقانون الدولي عندما يلجأ إلى تطبيق القاعدة القانونية
الدولية في إطار القانون الداخلي ،وذلك بعد تحويلها إلى قاعدة قانونية وطنية ،بأتباع سلسلة من
اإلجراءات الشكلية المتبعة في إصدار القوانين الداخلي؛
وأحيانا قد يحيل أحد القانونين على األخر أمر مسألة معينة للفصل فيها على اعتبار أن تلك المسألة
تدخل في دائرة اختصاص هذا القانون ويجب ان تعالج وفقًا ألحكامه .فعلى سبيل المثال ،عندما
يحدد القانون الدولي العام حقوق األجانب والتزاماتهم فانه يترك مسألة تعيين من يصدق عليه
وصف األجنبي داخل حدود الدولة إلى القانون الداخلي؛
فقد يعفي القانون الداخلي الممثلين الدبلوماسيين من الضرائب أو الخضوع للقوانين الداخلية ،ويترك
مسألة تعيين من يصدق عليه وصف الممثل الدبلوماسي أو السياسي إلى القانون الدولي.
16
أنصار هذه النظرية وعلى رأسهم العالم النمساوي كلسن ،وفقيهي المدرسة الموضوعية االجتماعية
"دوجي" و " جورج سيل " يجعلون من قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الداخلي كتلة قانونية
واحدة .فالقانون ذو األصل الواحد يمكن أن يتفرع إلى فرعين أساسيين هما :القانون الداخلي والقانون
الدولي العام .وانطالقا من ذلك ،ال يمكن القول باستقالل وانفصال بين هذين الفرعين للقانون ولكن التنازع
بين القواعد المنتمية إلي كل من هذين القانونين هو مسالة ممكنة.
لقد اختلف أنصار النظرية فيما بينهم حول وضع حل لهذه اإلشكالية المطروحة وانقسموا إلي اتجاهين:
يدافع عن هذا االتجاه الفقيه األلماني ،BERGBOHMالذي يؤكد أن إرادة الدولة هي األساس للقانون.
فالدولة في نظره تسمو على الجماعة الدولية ،وأنها سابقة في وجودها علي وجود هذه الجماعة ،كما أن
الدولة هي الكيان الوحيد القادرة على خلق القواعد القانونية.
فقد خلص أنصار هذا االتجاه بان القانون الداخلي هو التعبير الوحيد عن إرادة الدولة ،أما القانون الدولي
العام فهو مجرد اشتقاق من القانون الوطني ،كما انه يستمد قوته الملزمة من هذا األخير (القانون الداخلي).
فالدولة حسب أنصار هذه النظرية تستمد القدرة على إبرام االتفاقيات الدولية من وجود قاعدة قانونية
دستورية تمنحها السلطة على التصرف في الشؤون الدولية .وبما أن الدستور هو قانون داخلي فان ذلك
يعني أن القانون الداخلي يسمو علي القانون الدولي العام.
* االنتقادات
الدولة هي الشخص الوحيد في القانون الدولي ،كما أن المعاهدات المصدر الوحيد للقانون الدولي
العام؛
أساس االلتزام بالمعاهدات ال يرجع إلى وجود قاعدة دستورية في تشريعات مختلف الدول ،بل
يرجع إلي قاعدة عرفية تقضي بان المتعاقد عبد تعاقده ،وللدليل على ذلك أن إلغاء الدستور آو
تعديله ال يترتب عليه إلغاء أو تعديل المعاهدات الدولية.
أن القانون الداخلي مشتق من القانون الدولي العام ،كما أن إصداره راجع في أحيان كثيرة إلى قواعد قانونية
دولية.
فلما كان القانون الدولي العام هو الذي يحدد ويرسم الحدود اإلقليمية والشخصية للدولة ،فانه بطريقة غير
مباشرة يفوض تلك الدولة في سن القوانين الداخلية التي تطبق في نطاق تلك الحدود .وتبعا لذلك خلص
17
أنصار هذه النظرية أن القاعدة القانونية الدولية يمكنها تلقائيا أن تلغي أو تعدل قاعدة قانونية داخلية تتعارض
معها.
* االنتقادات
القول بان القانون الداخلي مشتق من القانون الدولي العام يتعارض مع الحقائق التاريخية التي تفيد
بان القانون الداخلي سابق في وجوده على القانون الدولي العام؛
كما إن القاعدة الداخلية ال تبطل أو تعدل تلقائيا ولمجرد تعارضها مع القاعدة الدولية ،نظرا الن
إلغاء أو تعديل قاعدة قانونية داخلية ال يمكن أن يتم بنفس الطريقة اإلجرائية التي تشكلت بها ،أي
بإصدار تشريع جديد يقرر إلغاء قاعدة قانونية أو يعدلها.
* -أولوية القانون الدولي في التطبيق من خالل االجتهادات القضائية واالتفاقيات الدولية
ثارنزاع بين انجلترا والواليات المتحدة األمريكية أثناء حرب االنفصال ،حيث اتهمت الواليات المتحدة
انجلترا بخرق قواعد الحياد لكونها تقدم المساعدة سرا لواليات الجنوب الثائرة علي واليات الشمال ،وتسمح
ببناء السفن وتموينها في الموانئ االنجليزية ثم استعمالها بعد ذلك ضد واليات الشمال .وكانت االباما إحدى
السفن التي تم بناؤها وتجهيزها إلغراق عدد من سفن الشمال .وهنا احتج األمريكيون بان نقص القوانين
االنجليزية ال يعفي سلطات هذه األخيرة من االلتزام بإتباع العرف الدولي الثابت والخاص بواجبات
المحايدين .وقد أخذت محكمة التحكيم الدولية التيانعقدت في جنيف 1871بهذا الرأي وأدانت انجلترا،
مؤكدة بذلك سمو القانون الدولي العرفي.
دعمت محكمة العدل الدولية هذا االتجاه في رأيها االستشاري الصادر في 4فبراير 1932بخصوص
معاملة المواطنين البولونيين واألشخاص اآلخرين الذين هم من أصل بولوني او الذين يتكلمون لغة بولونيا
والذين يقيمون في ارض دانتزيج الحرة .فقد أدى تطبيق دستور دانتزيج Dantzigإلى انتهاك االلتزامات
الدولية المفروضة على هذه المدينة الحرة في مواجهة بولونيا .وقد ذهبت المحكمة إلى أن الدولة ال يمكنها
أن تحتج بنصوص دستورها لكي تتخلي عن االلتزامات المفروضة عليها في مواجهة دولة أخرى بمقتضى
قواعد القانون الدولي أو المعاهدات السارية.
تنص المادة 27من اتفاقية فيينا لعام 1969حول قانون المعاهدات فيما بين الدول علي انه " ال يجوز
لطرف في معاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم تنفيذه لهذه المعاهده”
تنص المادة 27من اتفاقية فيينا لعام 1986حول قانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية او
فيما بين المنظمات الدولية نصت علي انه " :1ال يجوز لدولة طرف في المعاهدة أن تحتج بأحكام
18
قانونها الداخلي لتبرير عدم تنفيذها المعاهدة :2 .ال يجوز لمنظمة دولية طرف في معاهده أن تحتج
بقواعد المنظمة لتبرير عدم تنفيذها المعاهدة ".
-دستور : 2011ينص في ديباجته على جعل االتفاقيات الدولية ،كما صادق عليها المغرب وفي نطاق
أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة ،تسمو ،فور نشرها ،على التشريعات ،مع ما
تتطلبه تلك المصادقة...
-ظهير تسليم المجرمين األجانب إلي حكومتهم نص في مادته األولى علي أن "التسليم والمسطرة المتبعة
في هذا الشأن تخضع للفصول التالية ما لم تكن هناك مقتضيات مخالفة ناجمة عن المعاهدات.
-القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية ينص علي أولوية االتفاقيات الدولية علي القوانين الوطنية فيما يخص
التعاون القضائي مع الدولة األجنبية.
-القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة نص صراحة على هذا المبدأ من خالل منطوق المادة
" : 68إن مقتضيات أي معاهدة دولية متعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والتي تكون المملكة
المغربية قد صادقت عليها ،تعتبر قابلة للتطبيق على الحاالت المنصوص عليها في هذا القانون.في حالة
وجود تعارض بين مقتضيات هذا القانون ومقتضيات معاهدة دولية صادقت عليها المملكة المغربية ،تطبق
مقتضيات المعاهدات الدولية".
وقد قدم هؤالء الفقهاء مجموعة من الحجج لدعم طرحهم ،حيث أكدوا على أن:
19
• الدول كائنات شريرة ،وتاريخ اإلنسانية هو تاريخ الحروب.
• وجود اختالفات جوهرية بين المجتمع الدولي والمجتمع الوطني .وأن المجتمع الدولي تحكمه القوة
والمصلحة .وال وجود لنظام عام دولي على غرار النظام العام الوطني بسبب استقاللية الدول.
• من الصعب إيجاد عقد على غرار المجتمع الوطني بين الحاكمين والمحكومين.
• انعدام سلطة تشريعية فوق الدول (الدول هي المشرعة وهي المخاطبة بقواعد القانون ،لها الحق
في التراجع عن احترامها متى شاءت).
• صحيح أن هناك آليات على المستوى الدولي لكن قراراتها ليست ذات طبيعة إلزامية وإنما أخالقية،
أو أنها تخضع لمصالح الدول.
بالمقابل لقي أنصار االتجاه المنكر إللزامية قواعد القانون الدولي انتقادات مهمة من بينها:
• قواعد القانون الدولي ال تنشأ فقط عن عقود واتفاقيات وإنما هناك عدد كبير من القواعد الملزمة
بغض النظر عن مصدرها ،مثل قواعد الشرائع السماوية واألعراف ،وقواعد القانون الدبلوماسي
والقانون الدولي اإلنساني ،وقواعد حقوق اإلنسان.
• وجود قضاء ملزم للدول واألفراد ونادرا ما ترفض الدول تطبيق األحكام الدولية .مثل حالة المحكمة
األوربية لحقوق اإلنسان ،ومحكمة قانون البحار .والمحكمة الجنائية الدولية.
• الجزاء والعقاب ممكنان :هناك أشكال عديدة من الجزاء على المستوى الدولي كقطع العالقات
الدبلوماسية أو فرض الحصار أو المقاطعة االقتصادية ،أو المعاملة بالمثل .أو الدفاع عن النفس
الفردي أو الجماعي ،والفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة .محاكمة مجرمي الحرب .المسؤولية
المدنية للدولة عن األضرار......
• إنه من غير المنطقي الحديث عن كون الدول كائنات شريرة ،فالدول يقودها أفراد ،وهم المخاطبين
باحترام القانون سواء على المستوى الوطني أم الدولي.
أجمع كل من غروسيوس (ق ،)17فاتيل وروسو (ق ،)18ومن القرن العشرين (تونكين .روبيرتو آغو،
روجي بينتو ،على التأكيد على إلزامية قواعد القانون الدولي ،وصاغوا عدة نظريات من أجل ذلك منها :
أوال :نظرية اإلرادة :وتفيد بأن إلزامية القواعد توجد في رغبة الدول في الخضوع لها واحترامها .فليس
من الضروري أن تكون القواعد القانونية مفروضة من قبل سلطة عليا كي يتم تطبيقها.
20
وتنقسم نظرية اإلرادة إلى اتجاهين:
– القيد الذاتي ،إن الدول تلتزم بالقواعد القانونية بمحض إرادتها المنفردة ،وهي ترتبط
بالمواثيق بعد عدة إجراءات وخطوات ،وهي تفعل ذلك بإرادتها المنفردة ،وبالتالي فإن
ذلك نابع من رغبتها في االلتزام.
يجب البحث عن أساس االلتزام خارج إرادة الدول .فوجود عوامل موضوعية تبرر وجود القانون واحترامه
من قبل الدول ،فاحترامه ناجم عن ضرورة التضامن االجتماعي وهي ضرورة اجتماعية ملحة كالرغبة
في األمن واالستقرار وتجنب النزاعات والحروب ،والتوق الشديد إلى تحقيق المصالح والمنافع المختلفة
التي قد تجنى من العالقات المنظمة.
كما أن الدول ،اليوم ،غير قادرة على مواجهة كل الكوارث والمعضالت الكبرى كالكوارث البيئية والطبيعية
واالقتصادية واالجتماعية ،فالرغبة الشديدة في االستفادة من التضامن الدولي إليجاد حلول لهذه المعضالت
يفرض وجود القانون .ويمكن أن نشير كذلك إلى ضرورة االعتماد المتبادل إلشباع الحاجات األساسية
للشعوب.
أغلب قواعد القانون الدولي المعاصر تتكون من مبادئ وقواعد ساهمت فيها كل الشعوب واألمم •
والحضارات ،وهي تشكل قيما مشتركة للمجتمع اإلنساني ،ومن ثمة يجب احترامها.
عدم اعتراف الدول بخرق القانون عالنية والتذرع حتى بحجج قانونية واهية للدفاع عن موقفها •
مثل الدفاع عن النفس ،أو مبدأ المعاملة بالمثل ،يبرر اعتراف تلك الدول بوجود القانون حتى وإن
لم تحترمه؛
ال يمكن للدول التعاقد في أي موضوع تشاء .وال يمكن لها أن تبرم اتفاقيات ومعاهدات حول بعض •
األمور المحرمة بموجب قواعد القانون الدولي ،مثل ممارسة القرصنة ،أو تجارة المخدرات ،أو
تجارة الرقيق ،أو ممارسة االستعمار ،أو االتفاق على قتل األسرى ،أو االتفاق على تمديد بحرها
اإلقليمي خالفا للقانون الدولي؛
كثير من قواعد القانون الدولي المعاصر ،هي قواعد مؤسسية ،تصدر اليوم عن مؤسسات وآليات •
دولية ،ارتضت الدول االنضمام إليها ،ووافقت على أن تتخذ تلك المؤسسات واآلليات تلك
الصالحيات نيابة عنها .كما هو الشأن بالنسبة لمجلس األمن ،أو مؤسسات االتحاد األوربي؛
احترام القانون الدولي تثبته الممارسة الدولية .كل الدول اليوم منخرطة في عقد اآلالف من المواثيق •
واالتفاقيات والمعاهدات التي تهم مجاالت مختلفة ،وتحضر في المؤتمرات الدولية .فكثير من دول
العالم تحترم القوانين الدولية وتطبق القواعد المنضوية في االتفاقيات الدولية كميثاق األمم المتحدة،
اتفاقية قانون البحار وقانون المعاهدات والقانون الدبلوماسي وقانون البيئة والقانون اإلنساني،
وحقوق اإلنسان؛
وجود القانون الدولي تثبته الدساتير الوطنية للدول ،التي تتحدث كلها على االلتزام بالقانون الدولي، •
وعادة ما تمنح للقواعد الدولية مرتبة أعلى من التشريعات الوطنية ،وأن كثيرا من الدول عدلت
قوانينها لتتالءم مع التزامات دولية؛
21
• الدستور المغربي ينص في تصديره على ":وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات
الدولية ،فإن المملكة المغربية ،العضو العامل النشيط في هذه المنظمات ،تتعهد بالتزام بما تقتضيه
مواثيقها ،من مبادئ وحقوق وواجبات ...كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على
السالم واألمن في العالم ...جعل االتفاقيات الدولية ،كما صادق عليها المغرب ،تسمو ،على
التشريعات الوطنية ،والعمل على مالئمة هذه التشريعات ،مع ما تتطلبه تلك المصادقة”...
استنتاجات أخيرة.
• إنه من مصلحة الدول والشعوب وجود قانون دولي ألن الفوضى ال تخدم الضعفاء.
• ال يمكن تصور العالم اليوم بدون قوانين ،فالقانون الدولي اليوم أصبح يتجاوز إختصاص الدول
ليهم األفراد ،والجمعيات الوطنية والمنظمات غير الحكومية.
22
الفصل الثاني :مصادر القانون الدولي العام
• مصادر مادية ،وهي مصادر غير مباشرة ،تتمثل في االعتبارات والمقومات األخالقية والتاريخية
واإلنسانية التي تؤدي إلى انبثاق القاعدة القانونية ،مثل اإلحساس بالتضامن والرغبة في العيش
داخل جماعة منظمة واإلحساس باالنتماء إلى الجماعة ،والرغبة في توفير األمن واالستقرار،
والحاجة إلى االطمئنان على النفس والممتلكات ،والرغبة في تالفي الصراع وتجنب العنف
والنزاع....
• مصادر شكلية ،وهي مصادر مباشرة للقواعد القانونية ،وتتمثل في الوسائل والطرق التي تنشأ
بواسطتها تلك القواعد ،وعن طريقها يتم التعبير عن القواعد والضوابط القانونية.
وقد ورد ذكر مصادر القانون الدولي في المادة 38من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ،والتي جاء
فيها ”:وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي تُرفع إليها وفقا ً ألحكام القانون الدولي ،وهي تطبق
في هذا الشأن:
-االتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها من قبل الدول.
وبناء على ما تقدّم ،وجب التنبيه إلى أن المادة 38ميّزت بين نوعين من المصادر:
سيتم في هذا الباب دراسة مصادر القانون الدولي مع التركيز تحديدا على المعاهدات الدولية والعرف
الدولي والمبادئ العامة للقانون ،ثم األعمال القانونية االنفرادية الصادرة عن الدول والمنظمات الدولية على
اعتبار أنها مصدرا جديدا من مصادر القانون الدولي لم يرد ذكره في المادة 38من النظام األساسي
لمحكمة العدل الدولية.
23
التاريخية ،وستفاليا ،1648و فيينا ،1815النصف الثاني للقرن 19عصر المؤتمرات والعشرات من
االتفاقيات الدولية الكبرى في مجاالت مختلفة كما ورد في الباب األول.
في الماضي ،كانت حرية الدول في عقد المعاهدات مطلقة ،فكانت تستطيع التعاقد في أي موضوع تشاء
وبأية طريقة تراها مناسبة .باستثناء بعض المواضيع التي تم حظرها في القرن ،19مثل حظر القرصنة،
واالتجار في الرقيق ،غير أن تطور الممارسة االتفاقية جعلت الدول تتنازل شيئا فشيئا عن أنانيتها .إلى
أن جاءت هيئة األمم المتحدة حيث أصبح من الالزم الخضوع إلجراءات وتدابير قانونية في عقد المعاهدات.
وهذه اإلجراءات أصبحت تعرف بقانون المعاهدات ،أي القواعد واإلجراءات القانونية التي يجب أن تعقد
وفقها المعاهدات الدولية حتى تصير مشروعة في العالقات الدولية.
– األولى هي اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لعام ،1969وقد وضعت قانونا لعقد
المعاهدات التي تبرمها الدول فيما بينها (معاهدة المعاهدات) .وكان قد بدأت المشاورات
بشأنها منذ عام .1950ودخلت حيز التنفيذ في ،1980وتتكون من 85مادة.
– أما الثانية فهي اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1986التي سنت قانونا لعقد المعاهدات
التي تبرمها الدول مع المنظمات الدولية أو المنظمات الدولية فيما بينها .لم تدخل بعد حيز
التنفيذ.
سنتناول موضوع المعاهدات الدولية ،طبقا التفاقية ،1969ضمن ثالثة محاور أساسية:
تعريف الفقيه بول روتر Paul Reuterالمعاهدة الدولية هي ” :عملية إبراز إلرادات متجانسة
لشخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي ،بهدف إحداث آثار قانونية طبقا لقواعد القانون
الدولي“.
تعريف لجنة القانون الدولي ” :االتفاقية الدولية ،بغض النظر عن شكلها وتسميتها ،هي االتفاق
الذي يأخذ شكال كتابيا ويكون محكوما بقواعد القانون الدولي ،ومبرما بين دولتين أو أكثر أو بين
أشخاص القانون الدولي من غير الدول ،الذين يتمتعون بأهلية إبرام المعاهدات ،ويكون هذا االتفاق
مثبتا في وثيقة واحدة أو أكثر ،يرتبط بعضها ببعض ،بحيث تكون وحدة واحدة“.
تعريف المادة 2من اتفاقية فيينا ” :1969المعاهدة ،اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة،
ويخضع للقانون سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر ،وأيا كانت التسمية التي تطلق عليه“.
24
الفرع الثاني :عناصر تعريف المعاهدة
1المعاهدة اتفاق مكتوب ،تنص المادة 2من اتفاقية فيينا على أن المعاهدة الدولية تكون مكتوبة .وتعتبر
الكتابة عنصر إثبات لالتفاقية .غير أنه ليس هناك ما يمنع من وجود اتفاقات شفوية رغم أنها قد تكون
غامضة وغير محددة بدقة ،وقد تؤدي إلى مشاكل في التفسير والتأويل .وقد أكدت المادة 3من اتفاقية فيينا
على ”:أن عدم سريان مفهوم المعاهدة على االتفاقات غير المكتوبة ال يؤثر على قوتها اإللزامية .“...كما
أكدت محكمة العدل الدولية في عدة مناسبات على إمكانية العمل باالتفاق الشفوي.
تستعمل أسماء عديدة للداللة على المعاهدة ،traité/نذكر منها :االتفاقية ،Convention/العهد
. Pacte/الميثاق .Charte/النظام األساسي .Statut/النظام الداخلي.règlement intérieur/
البروتوكول أو الملحق . protocole/التصريح أو البيان الختامي .acte/اإلعالن .déclaration/
االتفاق .arrangement/compromis/accordإنها أسماء متساوية من حيث المضمون ،لكنها قد
تختلف من حيث الشكل والصياغة والطبيعة القانونية.
وهي المعا هدات التي تضم جميع الدول ،أو غالبيتها ،ويطلق عليها المعاهدات الجماعية .فهي التي تضع
قواعد تشريعية عامة تلزم الدول جميعها حتى بالنسبة للدول التي لم تنضم إليها ،ومن هذه المعاهدات ميثاق
األمم المتحدة ،فقد أوجب الميثاق على أن تعمل األمم المتحدة على أن تسير الدول األعضاء على هدى
مبادئها بقدر ما تقتضيه ضرورة حماية السلم واألمن الدولي.
ب-المعاهدات العقدية (Traités contratsتبادل المصالح والمنافع ،كالتبادل التجاري التقني والصيد
البحري .)...كما نميز بين معاهدات معيارية ( Normatifsوهي اتفاقيات تنسيقية للعمل المشترك في
مجال السياسة الخارجية أو المجاالت االستراتيجية والعسكرية ،)...ومعاهدات تأسيسية constitutifs
(وضع آليات وأجهزة للعمل المشترك ولتنسيق مختلف السياسات المشتركة).
25
ثانيا :المعاهدة اتفاق يعقد بين أشخاص القانون الدولي
*ال تكون لالتفاقية الصفة الدولية إال إذا عقدت بين أشخاص القانون الدولي األساسيين الذين يتمتعون
بالشخصية المعنوية ،واألهلية القانونية.
* تعقد االتفاقية بين شخص دولي وآخر غير دولي مثل الشركات والجماعات المحلية أو المنظمات
والجمعيات الوطنية.
*لم تتعرض اتفاقية فيينا للمعاهدات التي تبرم بين الدول وحركات التحرر الوطني والكيانات غير المستقلة
كالسلطة الفلسطينية ،لكن هناك عدة سوابق تثبت بأن هذا النوع من االتفاقيات هي عبارة عن معاهدات
دولية.
*ال تعتبر االتفاقات المبرمة بين اتحادات أو واليات داخل دولة فدرالية معاهدات دولية ،إال إذا أجازها
الدستور الفدرالي .فكثير من الدول الفدرالية تسمح للواليات بعقد اتفاقيات مع دول أجنبية في قضايا غير
سياسية وغير عسكرية ،وتصبح نافذة بعد إجازتها من الحكومة الفدرالية.
ثالثا :المعاهدة الدولية اتفاق يعقد طبقا لقواعد القانون الدولي ويرتب آثارا قانونية.
* تعقد االتفاقيات الدولية طبقا إلجراءات وتدابير قانونية معينة .فلكي تكتسب المعاهدة الصفة الدولية عليها
أن تمر بشكليات محددة بدءا بالتفاوض والتوقيع والتصديق ودخول حيز التنفيذ...
*تهدف المعاهدة الدولية إلى ترتيب آثار قانونية بين أعضائها بمعنى أنها تنشئ قواعد للسلوك المشترك
للدول األعضاء وتضع معايير قانونية يلتزم األطراف باحترامها في عالقاتهم المتبادلة .وفي هذا الموضوع
تختلف المعاهدات عن اإلعالنات عن التصريحات المشتركة والبيانات الختامية ...فلكل واحدة منها قيمة
قانونية وقوة إلزامية مختلفة .غير أن الجدال الفقهي ينصب اليوم حول القيمة القانونية لبعض اإلعالنات
الصادرة عن مؤتمرات عالمية أو عن الجمعية العامة التي تمثل مختلف أمم األرض.
مبدئيا التفاوض هو حق للدولة ،وهي تقوم بالتفاوض من قبل ممثليها أو مندوبيها ،ويكون هؤالء مرفقين
بعدد من الخبراء والفنيين حسب موضوع االتفاقية .ويجب على ممثلي الدول أن يكونوا حاملين ألوراق أو
وثائق تفويض ،تحدد صفاتهم وصالحياتهم والموضوع المراد التفاوض بشأنه .وال تتحمل الدولة أية
مسؤولية عن تصرفات أشخاص ال يحملون وثائق التفويض.
26
يحدد القانون الوطني لكل دولة المقصود بتفويض الصالحيات وشكليات وثائق التفويض والجهة التي تصدر
هذه الوثائق .غير أنه طبقا للمادة السابعة (فقرة )2من اتفاقية ،1969يعفى من وثائق التفويض ،رئيس
الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية ورئيس البعثة الديبلوماسية المعتمدة لدى الدولة أو لدى المنظمة
الدولية.
قد تستمر المفاوضات لعدة سنوات قبل أن تسفر عن نتائج ،خاصة في المعاهدات العالمية والمؤتمرات
الدولية الكبرى .وقد تكون هناك عدة جوالت للتفاوض .قد تكون للمفاوضات نتائج سلبية أو إيجابية ،وإذا
كانت إيجابية ،فإن ذلك يعني أن ممثلي الدول قد اتفقوا على بنود المعاهدة ونصوصها ،آنذاك تبدأ إجراءات
قانونية أخرى لعقد المعاهدة الدولية.
أول ما يطرح قبل تحرير المعاهدة هو اختيار لغة الكتابة التي ستعتمد في التفسير. •
• ال يطرح أي مشكل بالنسبة للغة واحدة أما تعدد اللغات فيلجأ إلى عدة حلول:
– األول ،الكتابة بلغتين أو أكثر على أن تعطى األفضلية إلحداها أثناء االختالف في التفسير.
وفي هذا اإلطار تنص الفقرة 1من المادة 33من اتفاقية ”:1969إذا اعتمدت المعاهدة
بلغتين أو أكثر يكون لكل نص من نصوصها نفس الحجية ،ما لم تنص المعاهدة أو يتفق
األطراف على أنه عند االختالف تكون الغلبة للغة معينة“ .وفي حالة االختالف بين الدول
حول هذا الموضوع يتم اللجوء إلى الوسائل السلمية لحل الخالفات الدولية.
– الثاني ،الكتابة بلغات عالمية متعددة وهي اللغات الستة المستعملة في األمم المتحدة ولديها
نفس الحجية في التفسير.
بعد االتفاق على اللغة تبدأ صياغة المعاهدة ،وهي عادة تصاغ في شكلية معروفة ومنصوص عنها في
اتفاقية .1969وهي كالتالي:
أ -اإلسم
قد تكون معاهدة تستعمل في القضايا المهمة كالسالم و تنظيم الحدود؛
قد تكون ميثاق في إنشاء المنظمات الدولية (كلها نفس المعنى وال فرق بينهم قانونا)
ب الديباجة ،préambuleتتضمن عادة أسماء الدول األطراف ،واألسباب التي أدت إلى عقد االتفاقية
واألهداف المرجوة ،وذكر لنصوص سابقة إن وجدت ،وذكر لتاريخ العالقات بين تلك الدول ...أثيرت
نقاشات كثيرة حول القيمة القانونية الديباجة ،غير أن أغلب الفقهاء ال يعتبرونها ملزمة.
27
ج المتن ، dispositifهو صلب المعاهدة ويتكون من نصوص أو مواد أو فصول أو بنود .وعادة ما
ينقسم إلى قسمين :األول يتضمن األحكام الموضوعية المتعاقد بشأنها؛ والثاني يتضمن اإلجراءات الشكلية
أو الختامية الخاصة بالتوقيع والتصديق ودخول حيز التنفيذ واالنسحاب ومدة سريان االتفاقية
من الجدير بالذكر أن االتفاقية قد تضاف إليها بروتوكوالت أو ملحقات :وقد تتضمن هذه الملحقات أمورا
كثيرة جدا ،مثل ملحق بتفسير بعض المصطلحات ،أو ملحق يتعلق بحل الخالفات بين األعضاء ،أو ملحق
يتضمن التزامات إضافية ،أو يتعلق بخلق آليات للمراقبة( ...اتفاقية قانون البحار 1982لديها 9
بروتوكوالت ،االتفاقية األوربية لحقوق اإلنسان والحريات األساسية 14بروتوكوالت .)...
غير أن هناك اتفاقيات أخرى ال تحتاج إلى التوقيع فحسب لتدخل حيز التنفيذ ،أي أنها تحتاج إلى التصديق
.ratification
هو إجراء رسمي من قبل الحكومة أو الجهة المعنية بالمصادقة داخل الدولة وهو يرتب التزامات قانونية
بتنفيذ المعاهدة .وبذلك فهو إجراء جوهري ينقل المعاهدة من المشروع إلى التنفيذ .وتعبر من خالله الدولية
عن إرادتها في االمتثال لما تتضمنه المعاهدة من أحكام وبنود .ويستعمل التصديق عادة كآلية لقبول االرتباط
بالمعاهدة في االتفاقيات الدولية العالمية أو اإلقليمية .والتي تفرض التزامات مهمة على عاتق الدول
األطراف.
مبدئيا يعتبر التصديق ،سلطة تقديرية للدولة ،وسلطة التصديق تختلف من دولة إلى أخرى حسب ما تنص
عليه دساتيرها .واألسلوب السائد هو منح هذا الحق لرئيس الدولة بشرط موافقة الجهاز التشريعي .تنص
المادة 55من الدستور المغربي 2011على أن الملك يوقع على المعاهدات ويصادق عليها ،غير أنه ال
يصادق على معاهدات السلم أو االتحاد ،أو التي تهم رسم الحدود ،ومعاهدات التجارة ،أو تلك التي تترتب
28
عنها تكاليف تلزم مالية الدولة ،أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية ،أو بحقوق وحريات المواطنات
والمواطنين ،العامة أو الخاصة ،إال بعد الموافقة عليها بقانون .وللملك أن يعرض على البرلمان كل معاهدة
أو اتفاقية أخرى قبل المصادقة عليها.
التصديق عمل يثبت في وثيقة مكتوبة تسمى” وثيقة التصديق“ .في المعاهدات الثنائية يتم تبادل وثائق
التصديق ،وفي المعاهدات المتعددة األطراف تودع التصديقات لدى منظمة دولية أو لدى دولة من الدول،
وتسمى الدولة الوديعة ،Etat dépositaireوتعتبر األمانة العامة لألمم المتحدة اليوم الجهة الوديعة
ألغلب االتفاقيات الدولية المهمة.
هو إجراء بواسطته يمكن لدولة لم تشترك في المفاوضات الخاصة بإبرام المعاهدة ،أن تصبح طرفا فيها
بإعالن يصدر من جانبها ،وفقا ألحكام هذه المعاهدة .فهو إذن تصرف قانوني من جانب واحد صادر عن
شخص دولي يعبر عن رغبته في االرتباط بقواعد قانونية موجودة مسبقا فيسري عليها ما يسري على
الدول األطراف األصلية في المعاهدة.
يجب أن يصدر االنضمام في وثيقة مكتوبة يتم إيداعها لدى جهة اإليداع التي تتولى تبليغ األطراف
اآلخرين بذلك .ويجب التمييز بين المعاهدة المغلقة مثل ميثاق جامعة الدول العربية ،وبين المعاهدات
المفتوحة مثل معاهدة منع االنتشار النووي التي يمكن أن تنضم إليها كل دول العالم.
هو إعالن من جانب الدولة لرضاها التام على اغلب نصوص االتفاقية باستثناء بعض النصوص ،ويكون
عند التوقيع أو التصديق أو االنضمام( .المادة 20اتفاقية فيينا)
• إذا منعت المعاهدة التحفظ عليها كليا ،أو على بعض نصوصها؛
أكد ميثاق األمم المتحدة في المادة -1 ”:102كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء
األمم المتحدة ،يجب أن يس َّجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن -2 .ليس ألي طرف في
29
معاهدة أو اتفاق دولي لم يس َّجل ،وفقا ً للفقرة السابقة ،أن يتمسك بتلك المعاهدة أمام أي فرع من فروع األمم
المتحدة“.
• من تاريخ االلتزام النهائي بها ،فإذا نصت المعاهدة أن االلتزام يبدأ من تاريخ التصديق أو التوقيع
فإنها تلزم من تاريخ التصديق أو التوقيع.
تثير مسألة تنفيذ المعاهدة الدولية عدة إشكاليات ،سيجري تناولها من خالل الفروع التالية:
وهي أربعة مبادئ يجب على كل الدول االلتزام بها بمجرد االرتباط بالمعاهدة.
الرضا الخالي من العيوب يلزم الدولة .فالدولة التزمت برضاها وبحرية وعليها واجب تنفيذ
تعهداتها.
العقد شريعة المتعاقدين .pacta sunt servandaفالمعاهدة هي عقد وجب تنفيذه من قبل
أطرافه بحسن نية .وتنص المادة 60من اتفاقية فيينا على أن الدولة الملتزمة عليها واجب التنفيذ
بحسن نية.
المعاهدة تلزم الدولة كيفما كانت السلطة أو الشخص الذي أبرمها .فالدولة هي التي تتحمل مسؤولية
التنفيذ ،وهي الملتزمة في االتفاقية وليس الشخص الذي وقع أو صادق على االتفاقية.
أولوية االلتزامات الدولية على مقتضيات القانون الوطني.
هناك أربعة مجاالت لتطبيق المعاهدة الدولية :المجال الشخصي ،والجمال الجغرافي ،والمجال الزمني،
والمجال الموضوعي.
أ -المجال الشخصي لتطبيق المعاهدة .يحكم تطبيق المعاهدة الدولية مبدأ مشهور ”:مبدأ نسبية آثار
المعاهدات“ .فإن الهدف من إبرام المعاهدة هو ترتيب حقوق والتزامات على عاتق الدول المتعاقدة وليس
الدول الغير .وتنص المادة 26من اتفاقية 1969على أن كل معاهدة نافذة تكون ملزمة ألطرافها .وفي
حالة عدم تطبيق طرف اللتزاماتها يحق لألطراف اآلخرين إثارة المسؤولية الدولية عن طريق تقديم دعوى
التعويض.
30
غير أن هناك معاهدات ترتب آثارا على الدول غير المتعاقدة ،فتضع عليها التزامات في مواجهة المجتمع
الدولي .هي معاهدات تتضمن قواعد آمرة وموضوعية لديها حجية في مواجهة جميع الدول .مثل اتفاقيات
جنيف لعام ،1949واتفاقية منع اإلبادة الجماعية لعام ،1948واتفاقية قانون البحار لعام ،1982واتفاقية
حظر إنتاج واستعمال األسلحة الكيماوية لعام ،1993واتفاقية حظر االنتشار النووي لعام .1968اتفاقية
قمع االتجار باألشخاص واستغالل بغاء الغير لعام ...1949
• كما أن هناك معاهدات تنشئ حقوقا للدول الغير .وهي تتمثل في حالتين:
حالة االشتراط لمصلحة الغير ،la stipulation pour autrui ،كأن تقرر دولتان إبرام اتفاق لمنح
مساعدات مادية أو لوجستيكية لدولة أخرى .أو اتفاق مجموعة من الدول على التنازل عن ديونها
المترتبة على دولة أخرى.
حالة شرط الدولة األكثر رعاية أو الدولة األولى بالرعاية حيث تستفيد دولة (ج) المرتبطة بدولة (أ) باتفاق
سابق ،من كل االمتيازات والحقوق الممنوحة لدولة (ب) من قبل الدولة (أ) بناء على اتفاق الحق .ويحدث
هذا عادة في المجال التجاري واالقتصادي والجمركي .ومثال ذلك :المعاهدة المنشئة لشركة النفط األنكلو-
ايرانين ،حيث تشترط فيها بتمتع انكلترا بأية معاهدة أخرى تبرمها إيران وتتعلق بامتيازات نفطية أفضل.
لذلك فقط تمتعت بريطانيا بالحقوق الناشئة عن المعاهدة الثنائية مابين إيران والدنمرك رغم أنها لم تكن
طرفًا فيها.
ب :المجال اإلقليمي لتطبيق المعاهدة .تنص المادة 29من اتفاقية 1969على أن المعاهدة تكون ملزمة
لكل طرف فيها بالنسبة لكافة إقليمه .فالمعاهدة تسري على كل اإلقليم الجوي والبري والبحري للدولة
المتعاقدة .غير أن هناك معاهدات قد ال تطبق بالنسبة لكل إقليم الدولة خاصة إذا كانت دولة فيديرالية
(الشرط الفيديرالي) .حيث يمكن للحكومة الفديرالية المتعاقدة أن تعين الواليات التي تسري عليها االتفاقية،
أو قد يقتصر تطبيق االتفاقية على والية واحدة...
ج :المجال الزمني لتنفيذ المعاهدة .تكمن أهمية التطبيق الزمني للمعاهدة في ضرورة احترام مبدأ عدم
رجعية القوانين .فاالتفاقية ال تسري على الماضي وال تمتد آثارها إلى أحداث أو سلوكات سابقة على
سريانها .ومن ثمة فإنه عادة ما تبدأ المعاهدة في التطبيق من تاريخ توقيعها أو المصادقة عليها .غير أن
هناك حاالت يتفق فيها األطراف على سريان االتفاقية على وقائع أو تصرفات سابقة ،كاالتفاق على تسليم
المجرمين خاصة في جرائم الحرب والجرائم ضد اإلنسانية وجرائم اإلرهاب.
د :المجال الموضوعي للمعاهدة الدولية :ال يمكن للدول التعاقد في أي موضوع تشاء ،فيجب أن يكون
موضوع المعاهدة مشروعا .فال يجوز مثال االتفاق على االتجار في البشر ،أو االتفاق على تجارة المخدرات
أو االتفاق على ممارسة االستعمار .أو االتفاق على قتل األسرى
31
التفسير الداخلي :ينقسم إلى تفسير حكومي تقوم به السلطة التنفيذية ممثله بوزارة الخارجية ،وتفسير قضائي
يفسره القاضي إذا لم تفسره وزارة الخارجية
التفسير الدولي :ينقسم إلى تفسير اتفاقي يتفق بمقتضاه الدول األعضاء على تفسير النص الغامض،
وتفسير قضائي دولي ،يلجأ إليه في حاله لم يتفق األطراف على التفسير السليم للنص الغامض مثل القضاء
الدولي.
المعاهدة الدولية عقد بين الدول يتضمن قواعد قانونية ترتب حقوقا وتضع التزامات على أطرافها ،فال بد
إذن أن تكون لها نهاية .وتكون نهاية المعاهدة إما ألسباب اتفاقية ،أو تكون ألسباب غير اتفاقية:
أ :األسباب االتفاقية النقضاء المعاهدة .ترتبط هذه األسباب بإرادة الدول المتعاقدة التي تستطيع وقف
العمل بالمعاهدة طبقا ألحكام المادتين 54و 57من اتفاقية فيينا .بطريقتين:
الطريقة األولى تتمثل في انقضاء المعاهدة طبقا ألحكامها .وذلك يكون في عدة حاالت:
– تحقق الشرط الفاسخ ،وهو شرط منصوص عليه في االتفاقية إذا تحقق يبطل المعاهدة.
كالرفع من الرسوم الجمركية من جانب واحد ،أو بيع نوع من األسلحة إلى دولة عدوة...
– االنسحاب من المعاهدة بناء على نص من نصوصها .وفي انسحاب هذا الطرف إنسحاب
للطرف اآلخر.
الطريقة الثانية هي انقضاء المعاهدة بناء على اتفاق الحق ألطرافها .فاإلرادة التي أنشأت االتفاقية تملك
حق تقرير إنهائها متى تشاء وبناء على اتفاق آخر .مثل حالة االتفاق على استبدال المعاهدة بأخرى في
نفس الموضوع .ومثال ذلك اتفاقيات جنيف للعام 1949التي ألغت االتفاقيات السابقة عنها.
تعود هذه األسباب لوقوع أحداث الحقة تؤدي إلى انتهاء المعاهدة .وقد حاولت اتفاقية فيينا حصر هذه
األسباب فيما يلي:
-اإلخالل الجوهري بأحكام المعاهدة .ال يحق ألي طرف أن يفسخ المعاهدة بإرادته المنفردة ،ولكنه يحق
ألي طرف أن يتمسك بالفسخ إذا خالف الطرف اآلخر إحدى بنود االتفاق .ويشترط طبقا للمادة 60أن
يكون اإلخالل جوهريا لتبرير الفسخ .غير أنه ال توجد معايير محددة وصارمة لتحديد ما المقصود باإلخالل
الجوهري ،وتبقى سلطة الدولة حرة في تحديد متى يكون اإلخالل جوهريا ،وقد يتم اللجوء إلى القضاء.
غير أنه ال يجوز االنسحاب من بعض المعاهدات طبقا (ف 5من المادة )60بمجرد اإلخالل الجسيم ألحد
األطراف ببنودها ،مثل اتفاقيات حقوق اإلنسان والقانون الدولي اإلنساني...
32
-2استحالة تنفيذ المعاهدة .تنص المادة 61على أنه يحق لطرف في معاهدة أن يتمسك باستحالة التنفيذ.
وتكون االستحالة مادية أو قانونية :واالستحالة المادية تكون في حالة موت أو زوال موضوع المعاهدة.
كاالتفاقيات المتعلقة بتصدير مواد أولية نفذت من الدولة المصدرة ،أو المعاهدة المتعلقة بصيد نوع من
السمك أصبح منقرضا ...أما االستحالة القانونية فتتمثل في كون موضوع المعاهدة أصبح غير مشروع،
كاالتفاقيات المتعلقة بتصدير األسلحة الكيماوية أو األلغام التي أبرمت قبل حظر استعمال هذه األسلحة .أو
االتفاقيات المبرمة لتقسيم المستعمرات قبل ميثاق األمم المتحدة الذي حرم االستعمار
-3التغير الجوهري في الظروف( .نظرية شرط بقاء الوضع على حاله) .طبقا للمادة 62من اتفاقية فيينا
قد تتغير ظروف عقد المعاهدة بشكل جوهري وغير متوقع ،وهذا يجعل االستمرار في تنفيذ المعاهدة أمرا
غير ممكن ،أو يشكل خطرا على المصالح الحيوية للدولة ...كحالة الحرب...
وقد اشترطت المادة السابقة شرطين إلنهاء المعاهدة بناء على نظرية التغير الجوهري في الظروف :األول
وهو أن تكون تلك الظروف قد شكلت سببا مباشرا ورئيسيا في عقد المعاهدة .والثاني أن يكون التغير
جذريا بحيث يؤثر بشكل مباشر على االلتزامات والحقوق الواردة في االتفاقية.
إن التغير الجوهري في الظروف ال يسري على مجموعة من االتفاقيات ذات الطابع الحيوي لحماية السلم
واألمن الدوليين أو لحماية الشخص اإلنساني
-4قطع العالقات الديبلوماسية .هناك اتفاقيات ال يمكن أن تستمر في النفاذ إال بوجود العالقات الدبلوماسية،
مثل المعاهدات التجارية واإلستراتيجية والعسكرية ...غير أن كثيرا من االتفاقيات الدولية العالمية ال يتوقف
سريانها في حالة توقف العالقات الدبلوماسية بين البلدان .كاتفاقية حماية العمال المهاجرين وأسرهم
،2003 /1990أو اتفاقية حماية الالجئين .1951أو اتفاقيات جنيف األربع لعام .1949
جمال عبد الناصر مانع ،القانون الدولي المدخل والمصادر ,مرجع سابق ،ص .228 ) 12
33
والعرف الدولي يتطلب ركنين لقيامه :األول مادي والثاني معنوي ،والعرف قد يكون محلي وقد يكون
عالمي.
يقصد بالعرف الدولي ذلك القانون غير المكتوب أو الممارسة المقبولة بمثابة قانون ،فالقاعدة العرفية الدولية
هي قاعدة قانونية تنشأ عن طريق إتباع أشخاص القانون الدولي العام لسلوك معين مع توافر القناعة لدى
األشخاص بأن إتباع ذلك السلوك إنما يتم على وجه اإللزام بمعنى اقتناعها أن أي إحالل بهذا السلوك
يعرض صاحبه للجزاء أو تقرير مسؤوليته الدولية.
يرى االتجاه الراجع في الفقه الدولي أن العرف يتألف من اجتماع عنصرين :عنصر واقعي أو مادي
وعنصر نفسي أو شخص معنوي.
فيما يتعلق بالعنصر األول الواقعي البد هو أن تتوفر فيه شروط ليكون صالحا لتكوين العرف وهذه الشروط
هي:
أما العنصر الثاني المعنوي :يمثل العنصر المعنوي في توافر االقتناع لدى الذين يمارسون سلوكا معينا
بأنهم يمارسون حقا أو ينفذون التزاما قانونيا.
إن العنصر النفسي في العرف يتمتع بأهمية كبرى نظرا ألنه هو الذي يسمح بتمييز القاعدة العرفية عن
العادات وقواعد األخالق والمجاالت الدولية .ورغم كون هذا العنصر النفسي يتمتع بمكانة هامة فإنه لم
يكن محل اتفاق الفقه الدولي14.
يرت كللللللز العللللللرف الللللللدولي علللللللى مقومللللللان أساسلللللليان وهمللللللا اللللللللذان يشللللللكالن أركانلللللله أوالهمللللللا
الركن المادي والركن المعنوي اللذان يضفيان على القاعدة العرفية طابع االلتزام.
) 13أحمد بلقاسم القانون الدولي العام المفهوم والمصادر ،دار هومه للطباعة والنشر ،2006ص 146 154
) 14أحمد بلقاسم نفس المرجع. ،ص .158
34
الفرع األول :الركن المادي
فيمللللا يخللللص الللللركن المللللادي فهللللو نللللاتج عللللن تكللللرار واقعيللللة معينللللة ،وهللللذا التكللللرار يللللؤدي إلللللى
عللللللادات اجتماعيللللللة ودوليللللللة ،وذلللللللك باعتيللللللاد الدولللللللة لمجموعللللللة مللللللن قواعللللللد السلللللللوك ،إمللللللا
بطريقلللللة سللللللبية كامتناعهلللللا علللللن إتيلللللان سللللللوك محلللللدد ،وإملللللا بطريقلللللة إيجابيلللللة كالقيلللللام بسللللللوك
معين .وتتمثل عناصر الركن المادي فيما يلي:
يسلللللتدل عليهللللللا مللللللن خللللللالل األعمللللللال القانونيلللللة الصللللللادرة عللللللن السلللللللطات الوطنيللللللة واألعمللللللال
القانونية الدولية الصادرة عن المنظمات الدولية والمحاكم الدولية.
-1األعملللللال القانونيلللللة الصلللللادرة علللللن السلللللللطات الوطنيلللللة :وتتكلللللون السلللللابقة المكونلللللة للعللللللرف
اللللللدولي ملللللن األعملللللال الصلللللادرة علللللن أجهلللللزة الدوللللللة والمتحدثلللللة باسلللللمها والممثللللللة لهلللللا
فلللللي العالقلللللات الخارجيلللللة وإبلللللرام المعاهلللللدات ،وملللللن ذللللللك رئللللليس الدوللللللة ،وزيلللللر الخارجيلللللة
والمبعلللللللوثين الدبلوماسللللللليين.كما يمكلللللللن لألحكلللللللام القضلللللللائية الداخليلللللللة المتعلقلللللللة بموضلللللللوعات
تملللللللس العالقلللللللات الدوليلللللللة أن تلللللللؤدي إللللللللى نشلللللللوء سلللللللوابق ) ،(Précédentsالتلللللللي تسلللللللاهم
في تكوين الركن المادي للقاعدة الدولية العرفية15.
-2األعمللللللال القانونيللللللة الدوليللللللة :وتتمثللللللل هللللللذه األعمللللللال فللللللي الللللللدور الللللللذي تلعبلللللله
المعاهللللللدات الدوليللللللة واألحكللللللام الدوليللللللة وقللللللرارات المنظمللللللات الدوليللللللة فللللللي نطللللللاق
نشوء القواعد القانونية الدولية العرفية.
ثانيا :استمرارية التطبيق
يصلللللر معظلللللم الشلللللراح عللللللى ضلللللرورة تطبيلللللق العلللللادة فتلللللرة معينلللللة ملللللن اللللللزمن حتلللللى يتحقلللللق
التللللواتر المكللللون للللللركن المللللادي للعللللرف .تجللللدر اإلشللللارة إليلللله فللللي هللللذا الصللللدد أنلللله ال يمكللللن
وضللللللع معيللللللار لتحديللللللد الفتللللللرة الواجللللللب توافرهللللللا مللللللن أجللللللل االعتللللللراف بتكللللللوين القاعلللللللدة
العرفية.
ثالثا :عمومية التطبيق
يتشللللللرط لكللللللي يكتمللللللل الللللللركن المللللللادي للقاعللللللدة العرفيللللللة ،أن يكللللللون التصللللللرف المنشللللللئ لهللللللذا
اللللللركن قلللللد سللللللكته دوال عديلللللدة ،وملللللن ثلللللم سللللللوك الدوللللللة الواحلللللدة مهملللللا تكلللللرر ومهملللللا طلللللال
35
أمللللده ال يكفلللللي إلنشلللللاء القاعللللدة العرفيلللللة طالملللللا لللللك تسللللللك اللللللدول األخللللرى نفلللللس المسللللللك فلللللي
المناسللللللبات المماثلللللللة .هللللللذه القاعللللللدة تنشللللللأ إذا قبلهللللللا المجتمللللللع الللللللدولي ،ومللللللن ثللللللم فللللللإن عللللللدد
الدول المشتركة في التصرف يعتبر معيار لقبول القاعدة العرفية.
رابعا :اتساق السلوك
يقصللللللد بلللللله أن تكللللللون تصللللللرفات الللللللدول المنشللللللئة للللللللركن المللللللادي للعللللللرف متماثلللللللة بحيللللللث ال
تكللللللون متعارضللللللة أو متناقضللللللة وهللللللذا مللللللا أكدتلللللله محكمللللللة العللللللدل الدوليللللللة فللللللي قضللللللية حللللللق
المرور ،بأن الممارسة المستمرة والموحدة تنشئ القاعدة العرفية.
فهذا الركن المعنوي هو الذي يميز العرف عن العادة ،والتي ال تعدوا أن تكون ممارسة لسلوك
غير ملزم ،ومن تم فإن السلوك الدولي ال يرقى إلى مرتبة القاعدة القانونية الملزمة إذا صدر
بناء على اعتبارات المجامالت واألخالق الدولية وغيرها من أنواع السلوك غير ملزم.
16
36
سبق للمحكمة الدائمة للعدل أن أكدت بأن "تصريحا شفويا صادرا عن وزير الخرجية
النرويجي موجها للسفير الدنماركي عام 1919قد ألزم دولة النرويج.
فهذا السلوك العلني لدولة النرويج يضفي عليه طابع قانونيا .والبد من اإلشارة أيضا إلى أن
القرارات االنفرادية للدول تلعب دورا مهما في تشكيل وتطبيق القانون االتفاقي والعرفي مثل
االنضمام إلى معاهدة ،أو االنسحاب منها ،أو التحفظ عليها.
وبكيفية انفرادية يمكن للدول أن تتقيد بالتزامات تفرضها على نفسها أو أن تمارس حقوقا،
لكن وفق الحدود التي يقرها القانون الدولي والقاعدة أن األعمال االنفرادية النابعة عن الدولة
ال ترتب أثارا على الدول الغير ،إال إذا قبلت هذه األخيرة ذلك.
الفرع الثاني :األعمال االنفرادية الصادرة عن المنظمات الدولية
تحمل األعمال الصادرة عن المنظمات الدولية عدة معاني ويشار إليها بعدة اصطالحات.
وعلى العموم فإن هذه المنظمات الدولية إما تصدر قرارات ملزمة ( )Décisionsأو توصيات
( )Recommandationsوهي قرارات تتضمن الدعوة إلى اعتماد تصرف معين وتفتقد إلى
اإللزامية .والمصطلح العام لهذه األعمال كلها يحمل أحيانا إسم ( ) Résolutionsوهو
18
مصطلح يتعلق بكل عمل صادر عن هيئة لها أهلية التداول مع الهيئات الدولية.
الفصل الثالث :أشخاص القانون الدولي :المنظمات الدولية
(منظمة األمم المتحدة نموذجا)
اتساقا مع أنصار االتجاه الفقهي الحديث ،فإن قواعد القانون الدولي تشمل مجموعة القواعد القانونية الملزمة
التي تحكم العالقات بين األشخاص القانونية الدولية -دوال ومنظمات دولية ،فتبين مالها من حقوق وما
عليها من واجبات كما تحدد العالقات التي قد تنشا بين هؤالء األشخاص وبين اإلفراد.
مع ظهور عصر التنظيم ،برزت المنظمات الدولية كشخص مخاطب بأحكام القانون الدولي .حيث ظهرت
قواعد دولية جديدة تنظم عمل هذه المنظمات وتحكم تفاعالتها مع باقي الفاعليين الدوليين.
18
Michel Virally, « La valeur juridique des recommandations des orga,isations internationales » in A.F.D.I.,
1956, PP : 69-96.
37
اتسع نطاق عقد هذه المؤتمرات بعد انتصار القوى العظمى (إنجلترا-بروسيا-النمسا-روسيا) على نابليون
عام 1815م .حيث عقد مؤتمر وستفاليا سنة 1648ومؤتمر شاتيون سنة 1814ومؤتمر فينا سنة
،1815ومؤتمر صلح باريس سنة ،1856حيث اثبتت هذه المؤتمرات جدواها ،االمر الذي أضفى عليها
خالل القرن التاسع عشر طابعا ً شبه دوري فيما يعرف بالوفاق االوربي(Concert European
ثانيا :اللجان الدولية
يعد انشاء هذه اللجان خطوة مهمة في طريق انشاء المنظمات الدولية ،ويذهب جانب من الفقه ،الى ان هذه
اللجان لم تنشأ اال كوسيلة لتعزيز وضمان حرية المالحة في بعض االنهار ،مثل لجنة الرون التي أنشأت
سنة ،1814ولجنة الدانوب التي أنشأت سنة .1856
ونتيجة لنجاح اللجنتين المذكورتين في أداء المهام المسندة اليهما ،فقد امتد نشاطها ليشمل ميادين أخرى،
كميدان الصحة ،فقد انشئت لجان صحية في االقاليم المستعمرة ،كلجنة قسطنطينية وبوخارست ،كما أنشأت
لجان مالية مهمتها التوثيق والتقريب في وجهات نظر الدول الدائنة والمدينة ،كوسيلة للوصول الى حل
وسط يرضي الطرفين ،ومن بين هذه اللجان لجنة الدين المصري سنة ،1878ولجنة الدين اليوناني سنة
،1897ولجنة الدين العثماني سنة .1898
ثالثا :االتحادات الدولية االدارية:
ومن بين اهم االتحادات التي تم انشاؤها ،اتحاد التلغراف العالمي الذي أنشئ بمقتضى اتفاقية باريس لسنة
،1865واتحاد البريد العالمي الذي أنشئ باتفاقية برلين لسنة ،1874واالتحاد الدولي للمقاييس والموازين
عام ،1875واتحاد حماية الملكية الصناعية عام ,1882واالتحاد الدولي لنشر التعريفة الجمركية لعام
،1890واتحاد حماية الملكية االدبية المنشئ بموجب اتفاقية برلين لسنة .1886
المالحظ ان انشاء هذه االتحادات لم يكن اال وسيلة لتنظيم بعض المرافق ذات الصلة بالمصالح الدولية
المشتركة.
الواقع ان كل وسائل التعاون الدولي آنفة الذكر ال يمكن وصفها بالمنظمات الدولية ،كونها ال تتخذ طابع
الديمومة واالستقرار في عملها كما ال يحكم نشاطها دستور نافذ في مواجهة الدول المنضمة إليها.
المطلب الثاني :تعريف المنظمة الدولية
توجد تعريفات عديدة للمنظمة الدولية ،وجميعها تدور حول مضمون واحد ،بحيث تعّرف
بأنها" :
الكيان الدائم الذي تقوم الدول بإنشائه من اجل تحقيق اهداف مشتركة يلزم لبلوغها منح
هذا الكيان إرادة ذاتية مستقلة،
او هي وحدة قانونية تنشئها الدول لتحقيق غايات معينة وتكون لها إرادة مستقلة يتم
التعبير عنها عبر اجهزة خاصة بالمنظمة؛
كما تعّرف بأنها كائن قانوني دولي يتمتع بإرادة ذاتية يمارسها من خالل اجهزة او
فروع تابعة له ويهدف الى رعاية بعض المصالح المشتركة او تحقيق اهداف معينة
على الصعيد الدولي.
38
كيان قانوني دولي مستمر .تنشئه مجموعة من الدول ،يجمع بينها مصالح مشتركة تسعى الى تحقيقها،
ويتمتع هذا الكيان بإرادة ذاتية مستقلة يتم التعبير عنها بأجهزة خاصة ينشئها ميثاق المنظمة .ويشتمل
تعريف المنظمة على العناصر التالية:
الصفة الدولية؛
االرادة الذاتية (الشخصية القانونية الدولية)؛
االستمرار والديمومة؛
االهداف المشتركة؛
االتفاق الدولي.
39
5-للمنظمة الحق في التعاقد مع من تحتاج اليهم من العاملين ،ولها الحق في تنظيم مراكزهم القانونية.
ج :االستمرار والديمومة
المنظمة تنشأ أصالً من التقاء ارادة مجموعة من الدول لتحقيق غايات مشتركة مستمرة ،من هنا كان ال بد
من استمرار المنظمة واجهزتها.
صفة الدوام ال تستلزم االستمرار المادي بجميع اجهزة المنظمة ،بل ان تكون هذه االجهزة في حالة تسمح
لها بااللتئام متى دعت الضرورة لذلك.
عنصر االستمرار ال يعني ان تظل المنظمة قائمة الى ما ال نهاية بل يعني أن يكون وجودها عرضا ً كما
في المؤتمرات الدولية.
ملحوظة :اذا كانت المؤتمرات الدولية تشبه في طريقة عملها أجهزة المنظمة الدولية من حيث االجراءات
المتبعة أو عملية اتخاذ القرارات اال انهما يختلفان من حيث ان المؤتمر الدولي ينعقد لبحث مسألة معينة
ينفض بعدها بغض النظر عن النتيجة التي يتوصل اليها ،على عكس اجهزة المنظمة التي تتسم بالدوام
وتنعقد بصفة دورية محددة سلفا ً في الميثاق المنشأ لها.
د :االهداف المشتركة
لكل منظمة دولية اهداف تسعى الى تحقيقها ،فالمنظمة ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة لتحقيق غاية،
ويتم تحديد اهداف المنظمة عادة في ميثاق انشاؤها.
قد تكون هذه االهداف عامة شاملة (سياسية ،اقتصادية ،ثقافية ،اجتماعية )...كما في منظمة االمم المتحدة
او خاصة محددة على وجه الحصر كأن تكون اقتصادية مثالً ،كما في منظمة التجارة العالمية ،او ثقافية
كما في منظمة اليونسكو ،او صحية كما في منظمة الصحة العالمية ،أو اجتماعية كما في منظمة العمل
الدولية.
ه :االتفاق الدولي
لكل عمل قانوني سند يثبت وجوده ،وال تشذ عن ذلك المنظمات الدولية ،وسند وجود المنظمة الدولية هو
ميثاق انشاؤها الذي يعبر عن التقاء ارادات الدول االعضاء فيها بغض النظر عن التسمية التي يتخذها هذا
السند ،فقد يطلق عليه:
عهد ) (Covenantكما في وثيقة انشاء عصبة االمم؛
ميثاق ) (charterكما في وثيقة انشاء االمم المتحدة؛
دستور ) (constitutionكما في وثيقة انشاء منظمة الصحة العالمية...الخ
األصل ان الدولة ذات السيادة هي التي لها حق ابرام اتفاقيات انشاء المنظمات الدولية ،ويرد على هذا
األصل استثناء ،اذ قد يتم انشاء المنظمة من قبل كيانات ال ينطبق عليها وصف الدولة ،ولكن يقتصر هذ
االستثناء على انشاء المنظمات غير الحكومية (Les Organisation internationles non
governmenales
ملحوظة :ال بد من االشارة الى ان تعاونا ً يمكن ان يقوم بين المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية،
فقد أشارت المادة ( )71من ميثاق االمم المتحدة الى انه (للمجلس االقتصادي واالجتماعي ان يجري
الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصه)
40
ثانيا:أنواع المنظمات الدولية
يمكن تقسيم المنظمات الدولية بالنظر إلى:
معيار العضوية أو؛
معيار الهدف أو؛
معيار السلطات.
41
وتتكون حتى اآلن من 193دولة عضو .وتسترشد األمم المتحدة في مهمتها وعملها باألهداف والمقاصد
الواردة في ميثاق تأسيسها .ونظرا للصالحيات المخولة في ميثاق المنظمة وما تتمتع به من طابع دولي
فريد ،فإن بإمكان األمم المتحدة العمل على قضايا تواجه اإلنسانية في القرن الـ ،21مثل قضايا السلم
واألمن وتغير المناخ والتنمية المستدامة وحقوق اإلنسان ونزع السالح واإلرهاب وحاالت الطوارئ
الصحية واإلنسانية والمساواة بين الجنسين و الحكامة وإنتاج الغذاء وغيرها كثير.19
وتتيح األمم المتحدة ألعضائها منتدى للتعبير عن وجهات نظرهم من خالل الجمعية العامة ومجلس األمن
والمجلس االقتصادي واالجتماعي وغيرها من األجهزة واللجان .ومن خالل تيسير الحوار بين أعضائها،
واستضافة المفاوضات كذلك ،أصبحت المنظمة آلية للحكومات إليجاد مجاالت االتفاق وحل مشاكلها مع
بعضها بعضا.
42
2.لكي يكفل أعضاء الهيئة ألنفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن
نية بااللتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق .
3.يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه ال يجعل السلم واألمن والعدل
الدولي عرضة للخطر .
4.يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في عالقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سالمة
األراضي أو االستقالل السياسي ألية دولة أو على أي وجه آخر ال يتفق ومقاصد "األمم المتحدة ".
5.يقدم جميع األعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى "األمم المتحدة" في أي عمل تتخذه وفق هذا
الميثاق ،كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ األمم المتحدة إزاءها عمال من أعمال المنع أو القمع .
6.تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير األعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ
السلم واألمن الدولي.
7.ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "لألمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان
الداخلي لدولة ما ،وليس فيه ما يقتضي األعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل ألن تحل بحكم هذا الميثاق،
على أن هذا المبدأ ال يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.
المطلب الثاني :العضوية في منظمة األمم المتحدة
جاء في المادة 4من الفصل الثاني من الميثاق الخاص بالعضوية مجموعة الشروط التي من المفروض أن
تتوفر في الدول الراغبة في االنضمام لألمم المتحدة .
ّ
إن العضوية مفتوحة ألي دولة مستقلة باعتبارها اهم منظمة عالمية شاملة ويحق ألي دولة االنضمام اليها
شريطة االتي:
ان تكون مستقلة.
ان تكون محبة للسالم.
ان تقبل كل ما ورد فى ميثاق االمم المتحدة.
ان تكون قادرة على االلتزام بما جاء بالميثاق.
ان تقبل األمم المتحدة انضمامها اليها.
وتتم عملية االنضمام للمنظمة بعرض االمين العام طلب االنضمام على مجلس االمن وفى حالة موافقته
(بموافقة الدول الدائمة العضوية 4+اخرين) يعرض على الجمعية العامة التي توافق بأغلبية الثلثين وبعدها
تصبح الدول عضوا بالمنظمة) .ويمكن للدولة ان تنسحب ،كما يمكن كذلك فصل أي دولة بنفس اجراءات
قبول عضويتها.
المطلب الثالث :أهم اجهزة األمم المتحدة
لتحقيق مقاصدها أنشأت األمم المتحدة العديد من األجهزة ،منها أجهزة رئيسية وأخرى فرعية ،وكذلك
وكاالت متخصصة,
أوال ،األجهزة الرئيسية
1الجمعية العامة :وهى الجهاز الرئيس لألمم المتحدة ويشارك فيه كل االعضاء ولكل دولة صوت واحد
وتصدر قراراتها بأغلبية الثلثين في المسائل الموضوعية اما االجرائية فبأغلبية االعضاء .وتعقد الجمعية
العامة اجتماعا واحدا كل عام ويمكن أن تعقد اجتماعا طارئا بناء على دعوة األمين العام لألمم المتحدة.
43
2مجلس األمن الدولي :يتكون من 15عضوا منهم 5أعضاء يتمتعون بعضوية دائمة ولكل منهم حق
الفيتو وعشرة آخرون يتم انتخابهم لمدة عامين من قبل الجمعية العامة ومن بين أعضائها .والخمسة الدائمين
هم :الواليات المتحدة-روسيا-الصين-فرنسا-انجلترا.
االعضاء غير الدائمين ،يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة كالتالي:
2من امريكا الالتينية (دولتان)
5من اسيا وافريقيا
3من اوروبا
ملحوظة :وال يجوز إعادة انتخاب العضو غير الدائم فورا بعد انتهاء مدته إلعطاء الفرصة لتمثيل دول
اخرى.
وفيما يهم اختصاصات مجلس األمن فهي تتمثل أساسا في:
حفظ السالم واالمن الدوليين.
الزام الدول اطراف المنازعات بحل خالفاتهم بالطرق السلمية.
له سلطة اتخاذ تدابيرقمعية ضد الدول التى تقوم بأعمال تهدد االمن والسلم الدوليين(المقاطعة
االقتصادية ،القيام بعمليات عسكرية محدودة)
3األمانة العامة
وهى بمثابة الجهاز اإلداري الدائم لألمم المتحدة ويشرف عليه االمين العام لألمم المتحدة ،وهو يعين لمدة
خمس سنوات بعد موافقة مجلس االمن (قرارا موضوعيا) واغلبية ثلثي اعضاء الجمعية العامة ،ويجوز
التجديد له مرة واحدة.
ثانيا :أجهزة أخرى
مجلس الوصاية(تم تجميده)
المجلس االقتصادي واالجتماعي
محكمة العدل الدولية
الوكاالت المتخصصة (وهي منظمات مستقلة تعمل مع األمم المتحدة .خالل اتفاقات ،
فبعضها كان موجودا قبل الحرب العالمية األولى ،وبعضها كان متصال برابطة األمم،
في حين أن بعضها أنشأت نشوء متزامنا مع تأسيس األمم المتحدة أو أن األمم المتحدة
هي نفسها التي أنشأتها .أما بعضها اآلخر فأنشأتها األمم المتحدة عند ظهور حاجات
تتطلب ذلك ،ونذكر على سبيل المثال البنك الدولي ،منظمة الصحة العالمية ،منظمة
العمل الدولية ،منظمة األغذية والزراعة)...
44
45