Professional Documents
Culture Documents
قراءة في قانون التنظيم القضائي
قراءة في قانون التنظيم القضائي
1
أوال :قراءة فيما يخص استقالل السلطة القضائية.
يعتبر استقالل القضاء الهاجس األكبر من أجل إرساء أسس دولة الحق والقانون،
و بالتالي هذا ما دفع بالمشرع إلى تضمين مقتضيات عديدة في قانون التنظيم القضائي
الجديد والتي تصب في نفس المنحى ،ذلك خالفا لظهير التنظيم القضائي لسنة 1974
والذي كان محتشما في هذا اإلطار و لم ترد به أي مقتضيات صريحة تفيد استقالل
السلطة القضائية ،عليه و في إطار قراءتنا المتواضعة لمقتضيات قانون التنظيم القضائي
الجديد رقم 38.15البد من الوقوف على المادة 4من القانون رقم 38.15والتي تنص
على أنه "يقوم التنظيم القضائي على مبدأ استقالل السلطة القضائية عن السلطة
التشريعية و السلطة التنفيذية" ،هنا نجد أن المشرع قد أكد على أن التنظيم القضائي
للمملكة يتبنى مبدأ فصل السلط سيرا على خطى المشرع الدستوري الذي أكد بدوره في
الفصل 107من دستور المملكة لسنة 2011على مبدأ الفصل بين السلط.
و بالرجوع إلى الفقرة األولى من المادة 7من التنظيم القضائي الجديد والتي تنص على
ما يلي "تمارس المحاكم مهامها القضائية تحت سلطة المسؤولين القضائيين بها ،مع
مراعاة مقتضيات المادة 42من القانون التنظيمي رقم 106.13المتعلق بالنظام
األساسي للقضاة ،وتمارس مهامها اإلدارية والمالية تحت إشراف المسؤولين
القضائيين واإلداريين بها ،بما يؤمن انتظام واستمرارية الخدمات التي تقدمها"...
هذا بدوره فيه تكريس لمبدأ استقالل السلطة القضائية حيث إن المحاكم تمارس مهامها
القضائية تحت سلطة المسؤولين القضائيين بها وليس تحت سلطة السلطة التنفيذية كما
هو الحال لإلشراف اإلداري والمالي.
2
ثانيا :قراءة فيما يخص حياد و تجرد القاضي.
أوال البد من الرجوع للمادة 6من مدونة أخالقيات القضاء والتي عرفت الحياد
والتجرد بما يلي "يقصد بالحياد والتجرد أداء الوظائف القضائية طبقا للوقائع
المعروضة ووفقا للقانون ،دون أي تحيز أو تحامل أو محاباة اتجاه أي طرف من أطراف
الدعوى ،وعدم اتخاذ أي موقف من شأنه التشكيك في سير إجراءات الدعوى
ومصداقيتها ،والتحرر من القناعات اإليديولوجية أو الثقافية أو العقائدية أو الفلسفية
عند البت فيها".
و بالرجوع إلى قانون التنظيم القضائي الجديد نجد المادة 35تنص على أنه "يمارس
القضاة مهامهم باستقالل وتجرد ونزاهة واستقامة ضمانا لمساواة الجميع أمام القضاء
ويتولون حماية حقوق األشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،وتطبيق
القانون طبقا ألحكام الفصل 117من الدستور .يمارس موظفو كتابة الضبط مهامهم
بتجرد ونزاهة واستقامة ".من خالل هذه المادة نرى بوضوح تكريس المشرع لنزاهة
و تجرد القاضي من أجل ضمان المساواة لألطراف بل أبعد من ذلك نجد أن المشرع قد
نص حتى على ضرورة ممارسة كتابة الضبط لمهامهم بتجرد ونزاهة.
كذلك بالرجوع إلى المادة 39والتي تنص على أنه "تحدد حاالت تجريح القضاة طبقا
للمقتضيات المنصوص عليها في كل من قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة
الجنائية .تحدد حاالت مخاصمة القضاة طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في قانون
المسطرة المدنية .يمنع على القضاة النظر في أي قضية عند وجودهم في حالة تنازع
المصالح ".في هذا اإلطار نجد أن المشرع قد كرس و ألول مرة في إطار التنظيم
القضائي مسألة تجريح و مخاصمة القضاة ،نظرا لخطورة هذه المقتضيات وتكريسا
لضرورة السهر على التزام السادة القضاة بالحياد والتجرد.
3
عالقة بالسعي نحو تجرد القاضي وحياده نجد أن المشرع قد أدخل تعديالت على الفصل
24في إطار ظهير 1974و ذلك بمقتضى المادة 40من القانون رقم 38.15حيث
ينص الفصل 24على ما يلي "ال يمكن لألزواج واألقارب واألصهار إلى درجة العمومة
أو الخؤولة أو أبناء اإلخوة أن يكونوا بأية صفة كانت قضاة بنفس المحكمة عدا في
حالة ترخيص يمكن منحه بقرار للمجلس األعلى للقضاء ،عندما تشتمل المحكمة على
أكثر من غرفة واحدة أو إذا كانت المحكمة تعقد جلساتها بقاض منفرد ،وبشرط أن ال
يكون أحد األزواج واألقارب أو األصهار المشار إليهم أعاله رئيسا من رؤساء المحكمة.
ال يمكن في أي حال من األحوال ولو بعد الترخيص المذكور أن ينظر األزواج واألقارب
أو األصهار المشار إليهم بالمقطع السابق في قضية واحدة".
بينما الصيغة الجديدة التي أصبحت في إطار المادة 40التي تنص على أنه "ال يمكن
لألزواج واألقارب واألصهار إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء اإلخوة واألخوات
أن يكونوا بأي صفة قضاة للحكم أو قضاة للنيابة العامة بنفس الهيئة بالمحكمة".
بقراءة متمعنة في هاتين المادتين نجد أن المشرع كان في ما مضى يمنع على األزواج
واألقارب واألصهار ،...العمل بنفس المحكمة كقاعدة ويمكنهم ذلك استثناء بناء على
ترخيص يمنح بقرار للمجلس األعلى للسلطة القضائية ،مع اشتراط أال يكون أزواجهم أو
أقربائهم ،...رئيسا للمحكمة المراد العمل بها أي إذا كان رئيس المحكمة له زوج أو قريب
أو صهر ،..يريد العمل بنفس المحكمة ال يمكنه ذلك ولو بعد الترخيص أي ال يرد على
هذا المقتضى أي استثناء.
4
لكن مع الصيغة الجديدة التي أتت بها المادة 40من التنظيم القضائي الجديد نجدها قد
استغنت عن مسألتين:
الثانية :التنظيم القضائي الجديد استغنى عن قاعدة عدم إمكانية عمل أحد األزواج أو
األقرباء ،...أحدهما رئيسا للمحكمة واآلخر قاضي بنفس المحكمة ،أي أصبح لألزواج
واألقارب إمكانية العمل بنفس المحكمة ولو كان أحدهما رئيسا لها.
هنا أتساءل معكم عن هذه المادة هل تكرس لحياد وتجرد القاضي؟ أم أنها خطوة للوراء
من المشرع؟
حسب رأي المتواضع أرى بأن المشرع قد مس بمبدأ حياد و تجرد القاضي عندما منح
إمكانية أن يكون رئيس المحكمة زوج أو أخ أو صهر أحد القضاة في نفس المحكمة حيث
يمكنه أن يمارس ضغوط معينة على أخه أو صهره أو قريبه أو ابن أخه ،...من أجل أن
ينحاز لطرف معين أو يحابي طرف على آخر.
لكن من النقط التي تحسب للمشرع هو ما جاء به في إطار المادة 40من التنظيم القضائي
الجديد السالفة الذكر ،هو تأكيده على أن حتى قضاة النيابة العامة ال يمكنهم أن يكون أحد
أقربائهم أو زوجهم ،...بنفس الهيئة بالمحكمة.
5
ثالثا :قراءة فيما يتعلق بالتوجه القضائي للمملكة
البد أوال الوقوف على التطورات التاريخية التي شهدها التنظيم القضائي
المغربي ،بعد حصول المغرب على االستقالل كانت المحاكم االبتدائية هي
الوحدة الرئيسية وكانت هي صاحبة الوالية العامة لكن هذا األمر بدأ بالتراجع
بعد إحداث المحكمة المتخصصة في المجال اإلداري و إحداث المحاكم التجارية
هنا بدأت تطرح التساؤالت هل المغرب يتجه نحو ازدواجية القضاء خاصة
بعد إحداث محاكم االستئناف االدارية والتجارية ،هنا اعتبر تيار من الباحثين
أن المغرب اتجه فعليا نحو مبدأ ازدواجية القضاء وانه خطى خطواته األولى
في هذا المجال و أنشأ ازدواجية على مستوى القاعدة بإحداثه لمحاكم درجة
أولى و ثانية في المجالين اإلداري والتجاري ،وأن األمر يقتضي فقط التفرقة
على مستوى رأس الهرم حيث كانت محكمة النقض هي أعلى جهة قضائية
وهذا أمر ال يستقيم مع مبدأ االزدواجية ،حيث يجب فصل رأس الهرم بإحداث
جهة عليا متخصصة مثال في المجال اإلداري مثل مجلس الدولة الفرنسي،
هذا النقاش أثير عقب إنشاء المحاكم المتخصصة لكن اآلن مع صدور القانون
رقم 38.15المتعلق بالتنظيم القضائي زال هذا النقاش حيث نص المشرع
صراحة في المادة 5على أنه " يعتمد التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء
و تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية بالمملكة .يعتمد التنظيم القضائي
أيضا مبدأ القضاء المتخصص ،ال سيما بالنسبة للمحاكم واألقسام المتخصصة
6
.يراعي تخصص القضاة عند تعيينهم في المحاكم واألقسام المتخصصة .
تشكل المحكمة االبتدائية الوحدة الرئيسية في التنظيم القضائي ،وهي صاحبة
الوالية العامة في كل القضايا التي لم يسند االختصاص بشأنها صراحة إلى
جهة قضائية أخرى"
في هذا اإلطار نشير إلى أن المشرع المغربي وألول مرة في إطار قانون
التنظيم القضائي الجديد ينص صراحة على كون أن التنظيم القضائي للمملكة
يعتمد على مبدأ القضاء المتخصص ،وذلك من خالل المحاكم المتخصصة
واألقسام المتخصصة ،وأنه يجب مراعاة تخصص القضاة عند تعيينهم.
7
رابعا :قراءة فيما يتعلق بالمحاكم االبتدائية العادية.
يجب االشارة أوال إلى أن المشرع قد حافظ على نفس التأليف الذي كانت تتألف منه
المحكمة االبتدائية العادية في ضوء ظهير التنظيم القضائي ،لكن أغلب المستجدات جاءت
على مستوى هيكلة وتنظيم المحكمة االبتدائية.
حيث تم االستغناء عن قسم قضاء القرب وتم النزول به إلى مرتبة غرفة بالمحكمة
االبتدائية إلى جانب باقي الغرف ،حيث كان ينص التنظيم القضائي في الفصل 2على
أنه "...يمكن تقسيم هذه المحاكم بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى
أقسام قضاء األسرة و أقسام قضاء القرب"...
بينما في إطار التنظيم القضائي الجديد في المادة 45نجدها تنص على أنه "مع مراعاة
مقتضيات المادة 48أدناه ،تشتمل المحاكم االبتدائية ذات الوالية العامة على قسم قضاء
األسرة ،وغرف مدنية وزجرية وعقارية وتجارية واجتماعية وغرفة لقضاء القرب
حسب نوعية وحجم القضايا التي تختص بالنظر فيها".
هنا يتضح لنا جليا أن قسم قضاء القرب تم النزول به إلى مرتبة غرفة بالمحكمة االبتدائية.
باإلضافة إلى أنه تم االستغناء عن غرف االستناف بالمحاكم االبتدائية التي كان منصوص
عليها في الفقرة األخيرة من الفصل الثاني من ظهير التحفيظ العقاري والتي كانت تنص
على أنه " تحدث بالمحاكم االبتدائية ،بما فيها المصنفة غرف تسمى غرف االستنافات
تختص بالنظر في بعض االستئنافات المرفوعة ضد األحكام الصادرة عنها ابتدائيا" هذا
المقتضى تم االستغناء عنه في إطار قانون التنظيم القضائي الجديد ،وبالتالي سيتم تعطيل
الفصل 19من قانون المسطرة المدنية الذي كان ينظم اختصاصات هذه الغرف الملغاة
والتي كان يح فظ أمامها الحق في االستيناف في القضايا التي تبت فيها المحاكم االبتدائية
ابتدائيا والتي ال تتجاوز قيمتها 2000ألف درهم.
8
إضافة إلى ما سبق هناك مستجد آخر في غاية األهمية يتعلق بإنشاء أقسام متخصصة في
القضاء اإلداري و التجاري ،هذا المقتضى لم يكن له مثيل في ظل ظهير التنظيم القضائي
لسنة ،1974هو أمر مستحدث في إطار القانون رقم 38.15حيث نصت المادة 43
على أنه
المحاكم االبتدائية ذات الوالية العامة المشتملة على أقسام متخصصة في القضاء
التجاري وأقسام متخصصة في القضاء اإلداري .
المحاكم االبتدائية المصنفة التي يمكن إحداثها طبقا لمقتضيات المادة 48من هذا
القانون ".
كما نصت كذلك الفقرة األولى من المادة 44على أنه "تحدث األقسام المتخصصة في
القضاء التجاري واألقسام المتخصصة في القضاء اإلداري بالمحاكم االبتدائية المعنية
.وتحدد مقارها ودوائر اختصاصها المحلي بمرسوم ،بعد استطالع رأي المجلس
األعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والهيئات المهنية المعنية"...
من خالل هذه المقتضيات نجد أن المشرع المغربي قد أسس أقسام جديدة إلى جانب قسم
قضاء األسرة.
كما أن المشرع نجد قد منح لهذه األقسام المتخصصة نفس اختصاصات المحاكم االبتدائية
المتخصصة بل أبعد من ذلك رؤساء هذه األقسام يتمتعون بنفس اختصاصات رؤساء
المحاكم االبتدائية المتخصصة كل هذا بمقتضى المادة 55التي نصت على أنه "يختص
القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة االبتدائية دون غيره ،بالبت في
9
القضايا التجارية المسندة للمحاكم االبتدائية التجارية بمقتضى القانون .تطبق أمام
القسم المتخصص في القضاء التجاري نفس المسطرة المطبقة أمام المحاكم االبتدائية
التجارية .مع مراعاة االختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى الفقرة الثانية
من المادة 54أعاله ،يمارس رئيس القسم المتخصص القضاء التجاري أو من ينوب
عنه االختصاصات المخولة قانونا لرئيس المحكمة االبتدائية التجارية ،فيما له صلة
باختصاصات هذا القسم".
كذلك نصت المادة 56على أنه "يختص القسم المتخصص في القضاء اإلداري
بالمحكمة االبتدائية ،دون غيره ،بالبت في القضايا اإلدارية المسندة للمحاكم االبتدائية
اإلدارية بمقتضى القانون ،وفي القضايا اإلدارية األخرى التي تدخل في اختصاص
المحاكم االبتدائية .تطبق أمام القسم المتخصص في القضاء اإلداري نفس المسطرة
المطبقة أمام المحاكم االبتدائية اإلدارية .مع مراعاة االختصاصات المخولة لرئيس
المحكمة بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 54أعاله ،يمارس رئيس القسم المتخصص
في القضاء اإلداري أو من ينوب عنه االختصاصات المخولة قانونا لرئيس المحكمة
االبتدائية اإلدارية ،فيما له صلة باختصاصات هذا القسم".
من خال ل هذه المقتضيات يتضح لنا أن المشرع قد منح لهذه األقسام نفس اختصاصات
المحاكم االبتدائية المتخصصة ونفس اختصاصات رؤسائها ،وبالتالي هذه األقسام ما هي
إال صورة مصغرة للمحاكم المتخصصة.
من خالل ما سبق قد يترتب عن هذه المقتضيات بعض اإلشكاالت لعل أهم إشكال قد
يطرح يتعلق بتنازع االختصاص كيف ذلك.
أوال سنحدد المقصود بتنازع االختصاص بالرجوع إلى الفصل 300من قانون المسطرة
المدنية نجده ينص على أنه "يكون هناك مجال لتنازع االختصاص إذا أصدرت عدة
10
محاكم في نزاع واحد قرارات غير قابلة للطعن صرحت فيها باختصاصها أو عدم
اختصاصها فيه".
بالتالي تنازع االختصاص ينشأ عندما تقضي عدة محاكم باختصاصها أو عدم اختصاصها
في نزاع واحد ،و بالتالي مثال في حالة قيام نزاع بين شخصين تم رفع الدعوى أمام القسم
المتخصص في القضاء التجاري و قضى هذا القسم بعدم االختصاص ثم رفعت الدعوى
أمام المحكمة االبتدائية التجارية وقضت بدورها بعدم االختصاص هنا سوف نكون أمام
تنازع االختصاص بين القسم المتخصص في القضاء التجاري والمحكمة االبتدائية
التجارية ،السؤال المطروح هنا هو لمن سوف يؤول اختصاص البت في هذا التنازع؟
مع العلم أن الفصل 301من قانون المسطرة المدنية ينص على أنه " يقدم طلب الفصل
في تنازع االختصاص بمقال أمام المحكمة األعلى درجة المشتركة بين المحاكم التي
يطعن في أحكامها أمامها ،و أمام محكمة النقض إذا تعلق األمر بمحاكم ال تخضع ألية
محكمة أعلى مشتركة"
أي بمعنى أن االختصاص يؤول للمحكمة المشتركة بينهما واألعلى درجة ،و إال آل
االختصاص لمحكمة النقض في حالة عدم وجود محكمة مشتركة ،في المثال السالف
الذكر هل سوف نعتبر أن القسم المتخصص في القضاء التجاري والمحكمة االبتدائية
التجارية تجمعهما محكمة أعلى درجة مشتركة وهي محكمة االستئناف التجارية ،علما
أن القسم المتخصص والمحكمة االبتدائية التجارية لهما نفس االختصاصات ونفس البنية،
أو سوف يؤول االختصاص لمحكمة النقض على اعتبار أن القسم المتخصص في القضاء
التجاري هو جزء من المحكمة االبتدائية العادية و بالتالي فالتنازع في حقيقته يدور بين
المحكمة االبتدائية العادية و المحكمة االبتدائية التجارية ،و هما ال تجمعهما أي محكمة
أعلى درجة مشتركة بينهما و بالتالي سوف يؤول االختصاص لمحكمة النقض.
11
و حسب رأي المتواضع أنا أرى أن االختصاص يجب أن يؤول لمحكمة النقض على
اعتبار أن القسم المتخصص ما هو إال جزء من المحكمة االبتدائية العادية شأنه شأن قسم
قضاء األسرة و قسم قضاء القرب (سابقا).
إلى جانب اإلشكال السابق يطرح السؤال حول ما الهدف من إنشاء أقسام متخصصة في
المحاكم االبتدائية ،هل من أجل تقريب القضاء من المواطن؟ أنا ال اتفق مع هذا الطرح
لو كان المشرع يهدف إلى تقريب القضاء خاصة المتخصص من المواطن كان من
األحرى الزيادة في عدد المحاكم المتخصصة بشكل يضمن تقريب القضاء من المواطن،
قد يجيب البعض و يقول أن المشرع راعى الوضع المادي والتكاليف المالية وبالتالي
أحدث هذه األقسام المتخصصة و ضرب عصفورين بحجر واحد من خالل تقريب
القضاء من المواطن مع التقليل من التكاليف ،لكن أتساءل معكم هنا هل بالفعل إحداث
أقسام متخصصة بدال من إحداث محاكم متخصصة سوف يتطلب مصاريف أقل؟
علما أن األقسام المتخصصة تكون مستقلة عن بناية المحاكم االبتدائية وبالتالي سوف
يتطلب األمر مجموعة من المصاريف إلنشاء هذه األقسام ،بل إن هذه األقسام هي بمثابة
محاكم متخصصة لها نفس اختصاصات المحاكم المتخصصة رؤساء هذه األقسام لهم
نفس اختصاصات رؤساء المحاكم المتخصصة ،و هذه األقسام بدورها تتكون من غرف
متعددة و بالتالي فإن نفس التكاليف التي سوف يطلبها إنشاء محاكم متخصصة سوف
يطلبها إنشاء أقسام متخصصة مع فروقات بسيطة ،بل انه إذا تم إنشاء هذه األقسام في
دوائر جميع المحاكم االبتدائية فالمحاكم االبتدائية تقارب 83محكمة أي 83قسم
متخصص ،و بالتالي هل نحن بحاجة لهذا الكم الهائل الذي قد يكلف مصاريف أكثر من
لو قمنا بالزيادة في عدد المحاكم المتخصصة بشكل متوازن و معقول.
12
و بالتالي هنا سوف نجد سؤال يطرح نفسه إذا لم تكن الغاية األساسية من إنشاء أقسام
متخصصة تقريب القضاء من المواطن والتقليل من التكاليف ،إذا ماهي الغاية الحقيقة
إلنشاء هذه األقسام المتخصصة؟
حسب رأي المتواضع إن الغاية األساسية في رأي من إنشاء أقسام متخصصة هي مسايرة
التوجه القضائي للمملكة الذي يصبو نحو وحدة القضاء ،فالمشرع في إطار قانون
التنظيم القضائي الجديد أكد من خالل المادة 5على أن التنظيم القضائي يعتمد على وحدة
القضاء ،والمحكمة االبتدائية تشكل الوحدة الرئيسية في التنظيم القضائي،
وبالتالي فإن إحداث أقسام متخصصة ما هو إلى خطوة نحو وحدة القضاء.
بل إن إنشاء أقسام متخصصة في المحاكم االبتدائية من وجهة نظري أراه كأنه
استرجاع للمحكمة االبتدائية الختصاصاتها التي سلبت منها إثر إحداث المحاكم
المتخصصة ،و المحكمة االبتدائية بدأت تسترجع اختصاصاتها ،والشاهد على
قولي هو أنه عندما سوف يتم إحداث هذه األقسام في أرض الواقع سوف يكون
عددها أكبر من المحاكم المتخصصة الحالية ،وبالتالي سوف تنحسر أدوار هذه
المحاكم أمام هذه األقسام على اعتبار أن األقسام المتخصصة لها نفس
اختصاصات المحاكم المتخصصة وبالتالي إن القضايا التي كان يمكن رفعها
أمام المحاكم المتخصصة سوف يمكن رفعها أمام هذه األقسام ،و عليه سوف
تستحوذ هذه األقسام على حصة األسد ،و أنا أرى أن هذا التوجه الذي يسير فيه
التنظيم القضائي و إذا تم إنشاء هذه األقسام المتخصصة بكثافة مع مرور الزمن
سوف تنحسر أدوار المحاكم المتخصصة ليأتي وقت من األوقات و سوف يتم
فيه االستغناء النهائي عن هذه المحاكم واالعتماد الكلي على األقسام
المتخصصة في المحاكم االبتدائية و التطبيق الفعلي لما جاء في المادة 5التي
13
نصت في فقرتها الثانية على أنه " تشكل المحكمة االبتدائية الوحدة الرئيسية
في التنظيم القضائي."...
على العموم تعتبر هذه قراءة أولية و استباقية و نظرية في انتظار تطبيق
مقتضيات التنظيم القضائي الجديد على أرض الواقع لكي تأكد قراءتنا أو تنفيها،
وكذلك التطبيق العملي هو الذي يكشف عن االشكاالت الفعلية التي ال تظهر
عند فحص ظاهر النصوص.
وفي إطار المستجدات التي لحقت بالمحكمة االبتدائية نجد مستجد يخص
اختصاصات قضاء األسرة حيث تم منح اختصاص جديد لهذا القسم ففي إطار
ظهير التحفيظ القضائي كانت تنص الفقرة الثالثة من الفصل 2على أنه "...
تنظر أقسام قضاء األسرة في قضايا األحوال الشخصية والميراث والحالة
المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له عالقة برعاية وحماية
األسرة".
بينما في إطار التنظيم القضائي الجديد نصت المادة 57في فقرتها األولى على
أنه "ينظر قسم قضاء األسرة في قضايا األحوال الشخصية والميراث ،و كذا
قضايا الحالة المدنية والكفالة والجنسية ،و في كل القضايا التي لها عالقة
برعاية وحماية األسرة"
14
التي تبت في هذه القضايا ،هذا أمر محمود على اعتبار أن قضايا الجنسية لها
عالقة باألحوال الشخصية وبالتالي لها عالقة مع قسم قضاء األسرة.
بقراءة متأنية في المواد المنظمة لمحكمة االستناف العادية نجد أنه ليس هناك أي
مستجدات متعلق بتأليف المحكمة ،ولعل التعديل الجوهري الذي شمل محاكم االستناف
هو المتعلق بإحداث أقسام متخصصة في المحاكم االستنافية ،حيث نصت الفقرة األولى
والثانية من المادة 68على أنه " يمكن أن يحدث بمحكمة االستئناف :
المالحظ على هذه المادة أنها استعملت كلمة يمكن التي تفيد االختيار على عكس ما جاء
في إطار المحكمة االبتدائية التي استعمل فيها عبارة تحدث ،بالتالي المفهوم من هذه الكلمة
هي أن إحداث األقسام المتخصصة في المحاكم االستنافية لن يشمل جميع المحاكم بل إن
كلمة يمكن يفهم منها أنه من الممكن عدم إنشاء أقسام متخصصة في المحاكم االستنافية
15
مطلقا ألن المادة 68استعملت كلمة يمكن ،هنا أتساءل معكم هل بالفعل يمكن عدم إحداث
أقسام متخصصة في المحاكم االستنافية مطلقا؟
أوال يجب اإلشارة إلى أنه المقتضيات القانونية ال يجب أن تقرأ بشكل متجزأ ،وبالتالي
إذا ما قمنا بقراءة المادة 68مع الموازاة مع المادتين 74و 75سيتضح لنا األمر.
حيث تنص الفقرة األولى من المادة 74على أنه "يختص القسم المتخصص في القضاء
التجاري بمحكمة االستئناف ،دون غيره ،بالبت في استئناف أحكام األقسام المتخصصة
في القضاء التجاري بالمحاكم االبتدائية التابعة لمحكمة االستئناف ،وكذا األحكام
الصادرة في القضايا التجارية األخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم االبتدائية
المذكورة"..
من خالل هذه المقتضيات يتضح لنا الجواب عن السؤال الذي طرحناه سابقا وهو هل
يمكن عدم إحداث أقسام متخصصة في المحاكم االستنافية مطلقا؟
من خالل ما أشرنا له سابقا نقول أنه يجب إحداث أقسام متخصصة في المحاكم االستنافية
و إال سوف تضيع حقوق المتقاضين ،فالمادة 74و 75تنصان على اختصاص هذه
األقسام دون غيرها في البت في استئناف أحكام األقسام المتخصصة بالمحاكم االبتدائية
وعليه إذا لم نقم بإنشاء أقسام متخصصة بالمحاكم االستنافية ،لن يمكن لألطراف الطعن
في األحكام الصادرة عن األقسام المتخصصة في المحاكم االبتدائية وبالتالي سوف تضيع
حقوقهم ،و عليه يمكن القول أن رغم أن المشرع استعمل كلمة يمكن إحداث أقسام
متخصصة ،إال أنه من خالل قراءة جميع المقتضيات القانونية يتضح بأنه يجب إحداث
أقسام متخصصة في المحاكم االستنافية و إال سوف تضيع حقوق المتقاضين.
16
سادسا :قراءة فيما يتعلق بالمحاكم المتخصصة
أوال البد من اإلشارة إلى أنه أل ول مرة في ضل قانون التنظيم القضائي الجديد
تم الجمع في قانون واحد بين جميع الوحدات القضائية ،حيث في ظل ظهير التنظيم
القضائي القديم لم تكن هناك مقتضيات تخص المحاكم المتخصصة ولو بعد التعديالت
التي أدخلت على الظهير على مر السنين ،بل ظلت مقتضيات المحاكم المتخصصة
متضمنة فقط في القانون المحدث للمحاكم اإلدارية والقانون المحدث للمحاكم التجارية،
لكن مع قانون التنظيم القضائي الجديد الذي نسخ بعض المقتضيات من هذه القوانين حيث
نص في المادة 110على أنه "مع مراعاة مقتضيات المادة السابقة ،تنسخ ابتداء من
تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ أحكام :المواد 1و 2و 3و 4من القانون رقم
95.53يقضي بإحداث محاكم تجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 65.97.1
بتاريخ 4شوال 12(1417فبراير) 1997كما تم تغييره وتتميمه ؛ الفقرة األولى من
المادة األولى والمواد 2و 5و 7من القانون رقم 90.41المحدث بموجبه محاكم إدارية
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف ) 1993سبتمبر 1414 (10ألول ربيع من 22بتاريخ
1.91.225رقم كما تم تغييره وتتميمه ؛الفقرة األولى من المادة األولى والمواد 2و3
و 5من القانون رقم 03.80المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية الصادر بتنفيذه
17
الظهير الشريف رقم 07.06.1بتاريخ 15من محرم 14) 1427فبراير ) 2006كما
تم تغييره وتتميمه".
18