Professional Documents
Culture Documents
تطبيق المناهج
تطبيق المناهج
مقدمة
يعد موضوع مناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في مجال العلوم القانونية أحد أهم محاور مقياس
المنهجية القانونية ،ذات الطابع النظري أو الموضوعي والتط''بيقي أو اإلج''رائي في نفس ال''وقت نظ''را
القترانها بعملية إعداد أو إنج''از البح''وث والدراس''ات القانوني''ة ،فلق'د ك''ان موض''وع من''اهج البحث من
الموضوعات المهمة التي اعتنى بها الباحثون قديما و حديثا ,باعتب''ارهركيزة أساس''ية للتق''دم و التط''ور
العلمي ,و إقرار بأن الظ''واهر و الس''لوكيات االجتماعي''ة لم يع''د تفس''يرها و التعام''ل معه''ا يتم بص''ورة
عشوائية ,أو يخضع للتفسيرات الغيبية .كما أولت الدول المتقدمة أهمية فائقة للبحث العلمي و مناهجه و
أساليبه و أدواته باعتباره ركيزة أساسية للتق''دم و التط''ور ،حيث أن''ه ليس هن''اك أي تق''دم علمي إال عن
طريق البحث ,و تقدم البحث العلمي يعتمد على المنهج العلمي .
إن مناهج البحث العلمي تعلمالباحث كيف يفكر،كي''ف يبحث ،كي''ف يكتب ،و كي''ف يع''رض ،و
كيف يناقش ,و كيف يستخدم قدراته الفكرية كما تعلمه كيفية جمع المعلومات و تنظيمه''ا و التم''رس في
استعمالها بكيفية منظمة و عقالنية .و هذا ما يجعل المناهج ال غنى عنها في كل التخصصات العلمية.
ففي ميدان البحوث األكاديمية ،تكمن أهمي'ة االس'تفادة من من'اهج البحث العلمي كأح'د العوام'ل
الرئيسية التي تحدد جودة األبحاث وتوجيهها نحو تحقيق إسهامات فّعال''ة في مي''ادين المعرف''ة المختلف'ة.
إن هذه المناهج ليست مجرد مجموعة من الخطوات الرتيبة ،بل تشكل نهجًا فلس''فيًا ومنهجي'ًا يق''وم على
المنطق والدقة ،مما يوفر للباحثين هيكل قائم على األسس العلمي''ة الستكش''اف وفحص الظ''واهر بش''كل
أعمق.
حيث تقوم مناهج البحث بتوجيه الباحثين خالل مراحل تصميم وتنفيذ الدراسات األكاديمية ،مما
يع'زز الترك'يز على األس'ئلة البحثي'ة ذات األهمي'ة ويوج'ه اس'تخدام الط'رق واألدوات األمث'ل .إن ه'ذا
التركيز المستمر على التحليل الدقيق والمنهجية الصحيحة يسهم في تحقيق نتائج أكثر قوة وموثوقية.
تعتبر هذه المناهج أيضًا أداة رئيسية لتحقيق التميز األكاديمي ،حيث يمكنهامن توجي''ه األبح''اث
نحو المسارات التي تسهم في الفهم الشامل لمواضيع معينة .يعزز ه''ذا التوجي''ه العلمي ت''أثير البح''وث،
مسهًم ا في تطوير المعرفة ومواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية.
2
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
في هذا السياق ،يبرز الدور الحيوي للباحثين في تعلم وتطبيق ه'ذه المن'اهج بش'كل فّع ال .حيث
يتعين عليهم البحث عن التوازن بين اإلبداع واألساليب البحثية المناسبة ،مما يسهم في بناء أساس ق''وي
للبحوث األكاديمية و العلمية المستدامة والمؤثرة.
إن فهم جيد لمناهج البحث وتكاملها بشكل فّعال في البح''وث األكاديمي''ة و العلمي''ة يمث''ل تح''دًيا
مستمًر ا وفرصة للتحسين المستمر ،حيث ي''تيح ذل''ك للمجتم''ع األك''اديمي تحقي''ق تق''دم حقيقي في إث''راء
المعرفة وتفعيل دور البحث كمحرك للتقدم والتطور.
فإذا كان معيار تقدم الشعوب وازدهارها هو مدى تحكمها في القيام ب''البحوث العلمي''ة في ش''تى
المجاالت وإذا كان مصطلح المناهج العلمية لصيق ب''البحث العلمي ،فاإلش''كالية ال''تي يمكن طرحه''ا في
هذا الصددهي:
ما مدى إمكانيةتوظيف مناهج البحث العلمي لتعزيز جودة و أثر األبحاث في المجتمع األكاديمي ؟
3
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
تعت''بر من''اهج البحث العلمي رك''يزة أساس''ية في س''احة البحث األك''اديمي و العلمي ،حيث تلعب دورًا
حيويًا في توجيه وتوظيف جهود الباحثين .إن فهم دور هذه المناهج يسهم بشكل كب''ير في تعزي''ز ج''ودة
األبحاث وقوتها التأثيرية مما يقتضي أوال التعريف بعلم المناهج و تكوينه (الفق''رة االولى) قب''ل تس''ليط
الضوء على مساهمة المناهج في تحسين جودة البحث (الفقرة الثانية).
تهتم العلوم القانونية بدراسة الظواهر و المواقف االجتماعي''ة دراس''ة علمي''ة قانوني''ة من أج''ل اكتش''افها
وتفسريها والتنبؤ بها وضبطها وتنظيمها بواسطة قواعد وقوانين علمية قانوني''ة عام''ة ومن ثم ك''ان علم
القانون فرع من فروع العلوم االجتماعية ينطبق عليها مث''ل العل''وم االجتماعي''ة األخ''رى من''اهج البحث
العلمي مع نوع من التخصيص والتك''ييف والمالئم''ة بالق''در الالزم ل''دواعي ومتطلب''ات وخصوص''يات
طبيعة العلوم القانونية .لإلجاب''ة على إش''كاالت تط''بيق من''اهج البحث العلمي في العل''وم القانوني''ة وجب
علينا طرح بعض التساؤالت الفرعي''ة و اإلجاب''ة عليه''ا و هي كالت''الي :م''اذا نقص''د بعلم المن''اهج ؟ و
كيف جاء علم المناهج ؟
إن كلم''ة علم المنهجي''ة أو علم المن''اهج " "METHODOLOGIEاس''تخدمت ألول م''رة على ي''د
الفيلسوف كانت ،وذلك عندما قسم المنط''ق إلى قس''مني هم''ا :أ :م''ذهب المب''ادئ ،وه''و ال''ذي يبحث في
الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة .ب :علم المن''اهج ،ال''ذي يهتم بتحدي''د الش''كل الع''ام
لكل علم وبتحديد الطريقة التي يتشكل ويتكون بها أي علم من العلوم.
فعلم المناهج هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي والط'رق العلمي'ة ال'تي يكتش'فها ويس'تخدمها
العلماء والباحثون من اجل الوصول إلى الحقيقة .فإذا ك''انت من''اهج البحث العلمي هي الط''رق المؤدي''ة
إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم المختلفة بواسطة مجموع''ة من القواع''د والق''وانين العام''ة ال''تي تحكم
وتنظم سري العقل وتحدد عملياته حتى يص''ل إلى نت''ائج معلوم''ة ،ف''إن علم المن''اهج ه''و العلم الب''احث
والدارس لهذه المناهج العلمية.
4
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
ولقد نشأ وازدهر علم المناهج بعد عملية نضوج العق''ل اإلنس''انيفي الق''رن الس''ابع عش''ر ووال''دة العقلي''ة
العلمي''ة المنظم''ة على ي''د العدي''د من الفالس''فة والعلم''اء المتخصص''ين أمث''ال فرنس''يس بيك''ون ،ري''ني
1
ديكارت و ايمانويل كانت و هيجل...
المقصود بتكوين علم المناهج هذا هو بيان كيفية تك''وين المن''اهج العلمي''ة ،وم''ا نص''يب ك''ل من العام''ل
المتخصص في ميدان علمه ونص''يب الفيلس''وف المنطقي في تك''وين قواع''د ومب''ادئ وق''وانين المن''اهج
العلمية .وبمعنى آخر هل يتم تك''وين المن''اهج بواس''طة رج''ال المنط''ق والفالس''فة مس''بقا ويض''عونه في
صورة مبادئ وقواعد وقوانين علمية جيب على الباحث والعامل العلمي المتخصص أن يلتزم بها مقدما
ويسري على هديها خالل القيام ببحوثه العلمية في ميدان تخصصه ،أم إن القوانين والقواع''د والمب''ادئ
العلمية التي تك''ون من''اهج البحث العلمي هي من اخ''تراع واكتش''اف الب''احث والعام''ل المتخص''ص في
ميدان علمه ،مثل الطبيب العامل ،والعام'ل الرياض'ي والعام'ل االجتم'اعي والعام'ل الط'بيعي والعام'ل
الكيميائي...اخل .وأثار هذه المشكلة بصورة حاس''مة وواض''حة كل''ود بن''ار في مؤلف''ة"الم''دخل لدراس''ة
2
الطب التجريبي".
وقرر رأي كلود برنار بأن جيب على العامل والباحث المتخصص أال يتقيد بمنهج ومذهب فلسفي معني
أثناء القيام بأبحاثه ودراساته العلمية المتخصصة ألن المناهج اليمكن أن تدرس نظريا كقواعد وق''وانين
نظرية يسري على هديها العامل المتخصص الب''احث وان المن''اهج العلمي''ة تتك''ون داخ''ل المي''دان ،ألن
الميدان هو المعبد الحقيقي واألصيل للعلم حتى تك''ون ه''ذه المن''اهج علمي''ة وص''حيحة ومتش''بعة ب''روح
العامل المتخصص .فعملية تكوين مناهج البحث العلمي وعلم المناهج عملية يشترك فيها كل من العامل
المتخص'ص والفيلس'وف المنطقي بص'ورة تكام'ل وتع'اون وتس'اند .ويتم ذل'ك عن طري'ق قي'ام العام'ل
المتخصص في خطوة ومرحل''ة أولى وبي''ان المنهج ال''ذي اكتش''فه واتبع''ه في بحوث''ه ودراس''ته العلمي''ة
المتخصصة في نطاق علم من العلوم ،ويقدم تقريرا أو أطروحة أو مقال عن ذلك ،ثم يأتي عام''ل آخ''ر
1خنان أنور ،إشكالية تطبيق مناهج البحث العلمي في العلوم القانونية واإلدارية مجَّلة الواحات للبحوث و الدراسات المجلد 14العدد 2021)3
ص 520-507
2عوابدي عمار ،مناهج البحث العلمي و تطبيقاتها يف ميدان العلوم القانونية و اإلدارية ،ديوان المطبوعات الجامعية 2005 ،
5
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
واسع علما وافقا ذو عقلية تأملية شمولية وعامة ،ليقوم بعملية مالحظة ومراقب''ة وتنس''يق ب''ني التق''ارير
والنتائج التي توصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم المختلف''ة ،ويح''دد الخص''ائص
العامة للمناهج المختلفة ثم يأتي خطوة ومرحلة ثالثة الفيلسوف المنطقي ليحاول أن يرب''ط ه''ذه المن''اهج
والصفات الذاتية للعقل اإلنساني الق'ائم وص'ياغة النت'ائج في ص'ورة م'ذهب للعق'ل اإلنس'اني في مي'دان
البحث عن الحقيقة ،وخلق مبادئ وإرشادات وتوجيهات عامة تساعد كل عام''ل متخص''ص على البحث
في ميدان تخصصه.ومن ثم يتكامل ويتعاون ك'ل من دور العام'ل المتخص'ص والفيلس'وف المنطقي في
تكوين مناهج البحث العلمي وعلم المناهج.
كم'''ا أن كاف'''ة المن'''اهج العلمي'''ة ص'''الحة للبحث في كاف'''ة العل'''وم المختلف'''ة فليس هن'''اك تخص'''ص
وتخصيص'''المناهج ،بحيث أن لك'''ل منهج من من'''اهج البحث العلمي يص'''لح لك'''ل علم من العل'''وم ،
فالمنهج''التجريبي مث''ال يطب''ق في جم''ال العل''وم الرياض''ية والعل''وم الطبيعي''ة والعل''وم الطبي''ة والعل''وم
اإلنسانيةواالجتماعية ،وكذا كل من المنهجالتاريخيوالمنهج االستداللي والمنهجالج''دلي ،و انم''ا طريق''ة
وكيفية استخدام هذه المناهجتختلف من علم إلى آخر طبقا لخصوصيات طبيعة هذا العلم وروحه.
كما أنه يمكن استخدام كاف''ة المن'اهج العلمي'ة في بحث علمي واح'د و في نط'اق علم معين واح'د بش'كل
استخدام تكافل وتعاون وتساند كافة هذه المناهج في انجاز بحث علمي كامل وشامل ذو براه''ني ونت''ائج
وقوانين علمية يقينية وثابتة ومطلقة وتزداد الحاجة إلى استخدام أكثر من منهج واحد من من''اهج البحث
العلمية في نطاق العلوم اإلنسانية واالجتماعية من أجل الحصول على نتائج وحقائق أكثر ثبات''ا ويقين''ا ،
نظرا لشدة تعقد الروابط في الظواهر اإلنسانية واالجتماعية وص''عوبة حص''رها ومالحظته''ا وتجريبه''ا
واالستدالل فيها والقياس عليها .وقد طبق اميل دوركايم مناهج البحث العلمي في كتاب''ه " تقس''يم العم''ل
االجتماعي " La Division du travailالذي أصدره س''نة 1893واس''تخراج العدي''د من الق''وانين
والنتائج االجتماعية واالقتصادية والسياسية .وكذلك جند دوركايم قد طبق مناهج البحث العلمي المختلفة
في مؤلفة االنتحار " "Le Suicideال''ذي ص''در ع''ام 1887واس''تخرج العدي''د من النت''ائج والق''وانين
االجتماعية .
عموم''ا تبقى العل''وم االجتماعيةبش''كل ع''ام و العل''وم القانوني''ة بش''كل خ''اص مي''دانا أص''يال وأساس''يا
الستعمال وتطبيق مناهج البحث العلمي 3.فكيف تساهم المناهج في تحس''ين و تط''وير ج''ودة البحث
االكاديمي؟
3احميدوش مدني ،كتاب الوجيز في منهجية البحث القانوني 2015الطبعة الثالثة دار القلم الرباط ،صفحة 15-11
6
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
مناهج البحث العلمي تلعب دوًرا حيوًيا في تحسين جودة البحوث األكاديمي''ةحيث ت''وفر هيك''ل دقي''ق ،و
توجه الباحثين نحو أهداف محددة وتعزز الدقة والتفكير النقدي .بفضل هذه المناهج ،يمكن تحقيق ت''أثير
فّعال في النتائج ،مما يسهم في تطوير المعرفة العلمية.
عندما يقوم الباحث بتحديد منهج بحثي ،يجب أن يأخذ في اعتباره عدة عوامل مهمة .أح''د ه''ذه العوام''ل
هو طبيعة السؤال البحثي الذي يحاول الباحث اإلجابة عنه .على سبيل المث''ال ،إذا ك''ان اله''دف ه''و فهم
العالقات بين المتغيرات ،قد يكون المنهج الكمي هو األمث''ل .من جه''ة أخ''رى ،إذا ك''ان الب''احث يس''عى
لفهم السياق والتفاعالت بين العوامل ،فإن المنهج النوعي قد يكون الخيار األنس''ب .يجب أيًض ا مراع'اة
البيئة والسياق الثقافي ،وضمان أن المنهج يتناسب معها .باإلضافة إلى ذلك ،يجب على الباحث أن يأخذ
في اعتباره الموارد المتاحة ،حيث قد تتطلب بعض المناهج م''وارد كب''يرة من حيث ال''وقت والتك''اليف.
ففي النهاية ،تحديد منهج بحثي مناسب يساعد في تحقيق أه''داف البحث ولع''ل أن للبحث العلمي أه''داف
مختلفة تختلف بحسب الغرض من اجراء البحث ،و الجهة المس''تفيدة من''ه ،و يمكن اجم''ال أهمه''ا فيم''ا
يلي :
-1حل المشكالت :ان البحث العلمي يسعى وراء الحقيقة ،و يحاول التنقيب عنها و كشفها ،و التعرف
على الظواهر و األحداث ،و التعرف على أسبابها و دراسة ألية حدوثها ،بغرض فهمها بشكل علمي ،
للوصول الى نتائج علمية للمشكلة المدروسة .
-2اكتش''اف المجه''ول ،و التع''رف على مس''تجدات العل''وم و ذل''ك باس''تخدام أس''لوب الش''ك ،و حب
االطالع على المعارف القائمة في معالجة المشكالت ،التي تواجه المجتمع في كافة المجاالت.
-3تقييم و تقويم المعارف العلمية الحالية ،من خالل استخدامها المتكرر على مش''اكل مح''ددة ،وف''ق
ضوابط و إجراءات مدروسة .
-4مواجهة التحديات و المستجدات ،التي تواجه الفرد أو المنشأة أو المجتم''ع في الحي''اة ،ب''البحث عن
أسبابها و التعرف على طرق عالجها و تحديد أثارها ،و بالتالي إيجاد الحلول المالئمة لها وفق ما هو
متاح من بيانات و خبرة .
-5الرغبة في الحصول على ترقية علمية ،أو الحصول على جائزة علمية أو مالية.
7
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
ان هذه األهداف و ما يتفرع عنها من أهداف ثانوية ،يمكن أن يتحقق من خالل االتي :
-4و ضع معرفة علمية جديدة موضع التقييم و االختيار و ذلك ببناء نموذج جديد لمعالجة مشكل ما .4
يعتبر اختيار المنهج الصحيح خطوة أساسية تؤثر في جودة البحث وقوة استنتاجاته ،حيث يجسد المنهج
البحثي اإلطار ال''ذي يوج''ه تص''ميم وتنفي''ذ الدراس''ة ،وبالت''الي يلعب دوًرا حاس'ًم ا في تحقي''ق األه''داف
وتوفير أدلة موثوقة و صادقة،حيث يعد كل من الص''دق و الموثوقي''ة أح''د أهم أرك''ان البحث العلمي و
األكاديمي وذلك لقدرتهم على إنجاح البحث بصورة ملحوظة ،كم''ا يمت''از ك''ل من الص''دق و الموثوقي''ة
بقدرتهم على إضفاء طابع المصداقية على البحث ،مما يؤكد على ض''رورة اختي''ار الب''احث لألداة ال''تي
تناسب طبيعته للحصول على أفضل النتائج المرجوة 5.فمفهوم الصدق والموثوقي''ة يتعل''ق بم''دى دق''ة و
صدق البيانات و النتائج التي يتم جمعها و تحليلها فيمكن التعب''ير عن الص''دق و الموثوقي''ة في البح''وث
األكاديمية و العلمية من خالل عدة جوانب أهمها ما يلي:
-1صGGدقالبياناتو موثوقيتهGGا :في س''ياق البحث العلمي ،يتعل''ق ج''انب الص''دق في البيان''ات بض''رورة
ضمان دقة المعلومات التي يعتمد عليها الباحث .يتطلب ذلك دقة األدوات والطرق المستخدمة في جم''ع
البيانات ،مع التركيز على تحقيق موثوقية القياسات .باإلضافة إلى ذل'ك ،يت'وجب التأك'د من اس'تمرارية
النتائج ومصداقيتها داخل الدراس''ة نفس''ها ،م''ع التحق''ق من ص''دق المعلوم''ات في الس''جالت والتق''ارير
المستخدمة .يعزز التحكم في االنحرافات والتحقق من مصداقية المشاركين من نتائج أكثر دقة وص''دًقا،
مما يسهم في بناء أساس قوي للبحث وضمان مصداقيته.
-2صدق األسلوب البحثو موثوقيته :يمثل ركيزة أساسية في البحث العلمي ،حيث ينطوي على وضوح
ودقة الخطوات واألساليب المستخدمة في تصميم وتنفي''ذ الدراس''ة .يتعل''ق ذل''ك بش''فافية الوس''ائل ،حيث
يجب على الباحث شرح األساليب بطريقة مفص''لة وواض''حة ،ب''دًء ا من اختي''ار العين''ة وانته''اًء بتحلي''ل
البيانات .يكمن أيًض ا في دقة جمع البيانات ،حيث يتطلب األمر استخدام عملي''ات دقيق''ة وتحدي''د مع''ايير
صارمة للقياس .كما يتعلق بالتكرار والثبات ،حيث ُيشجع على تكرار الدراسة للتحقق من قابلي''ة تك''رار
8
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
النتائج .يتطلب األمر أيًض ا تفصيل اإلجراءات بشكل كامل ،مع التأكيد على تحليل البيانات بدق''ة .يس''هم
تحقق الموثوقية الداخلية في ضمان توازن واتساق جميع جوانب البحث داخل الدراسة نفس''ها .وأخ''يًرا،
يشمل صدق األسلوب أيًض ا التحقق من صدق المشاركين والمعلومات التي يقدمونها ،مما يع''زز ص''دق
وموثوقية البحث في السياق األكاديمي.
-3صدق و موثوقية التفسير :في عملية البحث العلمي ،يتطلب صدق التفسير وموثوقيته تق''ديم تحلي''ل
دقيق وم'دروس للنت'ائج المحقق'ة .يتمث'ل ص'دق التفس'ير في ق'درة الب'احث على توف'ير تفس'يرات دقيق'ة
وصادقة للبيانات .يجب عليه النظر بعمق في السياق الثقافي واالجتماعي للظواهر المدروسة ،وض''مان
ع''دم التس''رع في التفس''يرات أو التح''يزُ .يش''دد على أهمي''ة التحلي''ل ال''دقيق للبيان''ات باس''تخدام أس''اليب
منهجي''ة وتجنب االعتم''اد على تفس''يرات غ''ير مس''تندة إلى أدل''ة قوي''ة .يتطلب األم''ر أيًض ا تحق''ق
االستدالالت وضمان توجيهها بشكل صحيح نحو فهم دقيق للنتائجُ .يش''جع الب''احث على تق''ديم إش''ارات
للتحفظ ،موضًحا حدود تفس''يراته والقي''ود المحتمل''ة .كم''ا يت''وجب علي''ه تكام''ل تفس''يراته م''ع األبح''اث
السابقة واإلطار النظري للمجال لتعزيز مصداقية نتائجه وفهمها .يتحق''ق ص''دق وموثوقي''ة التفس''ير من
خالل هذه الخطوات ،مما يسهم في تعزيز جودة وفعالية البحث العلمي.6
-4صدق وموثوقية اآلليات اإلجرائية :يتعلق صدق اآلليات اإلجرائية بالدقة والصدق في تنفي''ذ جمي''ع
الخطوات والعمليات المتعلقة بالبحث .يجب أن تكون هذه اآلليات مصممة بشكل يضمن تجنب األخطاء
وضمان جمع البيانات بدقة .فيتطلب األمر وجود توجيهات واضحة لكل خطوة من خطوات البحث ،مع
التأكيد على استخدام أساليب معتمدة وموثوقة.
من ناحي''ة أخ''رى ،تتعل''ق موثوقي''ة اآللي''ات بق''درة تك''رار العملي''ات بش''كل متس''قُ .يحث الب''احث على
استخدام آليات يمكن تكرارها بنفس الدقة ،مم'ا يس'مح لآلخ'رين بإع'ادة تنفي'ذ الدراس'ة والحص'ول على
نتائج مماثلةُ .يعزز ذلك موثوقية البحث ويسهم في التأكد من صدق النتائج.
باختيار واستخدام آليات إجرائية صادقة وموثوقة ،يمكن للباحث ض''مان اس'تناد عمل'ه إلى أس'س قوي'ة،
مما يعزز جودة البحث ومصداقيته في المجتمع العلمي.
9
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
تعتمد الدول المتقدمة في ال'وقت ال'راهن على موض'وع الج'ودة في البح'وث والدراس'ات والتق'ارير في
كافة المجاالتمما ال شك فيه أن للتعليم العالي دورا أساسيا و فعاال في بناء و تكوين اإلنسان الذي يمث''ل
الركيزة األساسية في التقدم و التطور في مختلف التنمية الشاملة ،و بما أن اإلنسان ه''و حج''ر الزاوي''ة
في عملي''ة التنمي''ة ووس''يلتها أص''بح من الض''روري أن يس''عى التعليم الع''الي إلى تزوي''ده بالكف''اءات و
المهارات المناسبة حتى تمكنه من القيام بالدور المنوط به في ميادين الحياة المختلفة ,7فالدول''ة الحديث''ة
تسعى من خالل مؤسساتها و أجهزتها وعلى رأسها التعليم في بناء و تشييد المجتمع و تطويره ،في ظل
العولمة و التوجهات المحلية و اإلقليمية و قضايا العصر المتجددة إلى خل''ق ش''راكة بحثي''ة يق''وم عليه''ا
الباحثون في شتى الدول فان كان البحث و التط'وير يس'همان بش'كل فع'ال في إنت'اج المع'ارف و زي'ادة
مخزون المعرفة و استخدامه البتكار تطبيقات جديدة و تطوير المخرجات المعرفي''ة و بع''دها التط''بيقي
من جه''ة ,و زي''ادة ال''وعي المجتمعي ال''ذي ل''ه ت''أثيرات إيجابي''ة على مع''دالت التنمي''ة االقتص''ادية و
االجتماعي''ة المس''تدامة من جه''ة أخ''رى و يتم ذل''ك و ف''ق الخط''ط و االس''تراتيجيات للبحث العلمي و
التطوير على المستوى العالمي ,الذي يأخذ بمبدأ ال'دورة الكامل'ة للبحث و االبتك'ار ,و رب'ط المؤش'رات
التخطيطية و التحليلية المقاسة في هذا المجال بمراحل البحث و التطوير التي تبدأ من البحوث األساسية
و التطبيقية و تنتهي بأسلوب جديد في إطار األنشطة االبتكارية. 8
أما الشراكة البحثية في مجال البحث العلمي فتعرف بصورة عامة بأنها عملي'ة تن'درج في إط'ار عالق'ة
تنظيمية مؤسساتية تواصلية واضحة و محددة تمكن األطراف المعينة من التعاون في مجاالت البحث و
التطوير عن طريق مشاركة الجامعات التي لها تأثير مباشر في إجراء البحث من حيث ال''دعم و التنفي''ذ
مع تلك األطراف التي من المأمول أن تتأثر بمخرجات ه''ذه البح''وث معرفي''ا و فني''ا و اقتص''اديا .و يتم
ذل''ك بتض''افر الجه''ود المجتمعي''ة و البحثي''ة لتوف''ير م''دخالت عيني''ة أو غ''ير عيني''ة إلح''داث التحس''ين
المطلوب في الجودة العلمية البحثية .
إن دعم التع''اون بين الجامع''ات و المراك''ز البحثي''ة عن طري''ق الرب''ط بين البحث العلمي من ناحي''ة و
احتياجات السوق من ناحية أخرى يعد من العوامل المهمة التي تحقق غايات و أهدافا كثيرة مما ينعكس
بالنفع على كال الطرفين ،و يعود باإليجاب على االقتصاد الوطني ,باإلض''افة إلى تفعي''ل دور الجامع''ة
في اشتراك المؤسسات المجتمعية في المرحلة األولية لجمع المعلومات من أجل إع''داد البحث العلمي و
األكاديمي عن طريق تطبيق المناهج كال أو بعضا.
10
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
تتعدد المناهج المعتمدة في البحث العلمي ،لذلك فالكتابة في المجال القانوني غالبا ما تعتمد التكامLLل في
المناهج ،وعلى هذا األساس يجب االعتمLLاد على منLLاهج متعLLددة ،من قبيLLل :المنهج التLLاريخي والمنهج
المقارن (الفقرة األولى) ،وكل من المنهجين االستنباطي واالستقرائي (الفقرة الثانية).
يختلف المنهج التاريخي عن المنهج المقارن في طريقة توظيفه في البحث العلمي لذلك وجب التطLLرق
لكل واحد منهما على حدة.
ُيعرف المنهج التاريخي أو االستردادي على أنه" :إحدى الطرق التي ُتسهم في بل'وغ حقيق'ة معين'ة ،من
خالل جم''ع المعلوم''ات والبيان''ات التاريخي''ة عن ظ''اهرة أو موض''وع الدراس''ة ،والتع''رف على كيفي''ة
نشأتها ،وتطوره''ا ،والرب''ط بين ذل''ك والهيئ''ة الواقعي''ة في الف''ترة الحالي''ة ،ومن ثم التنب''ؤ بالمس''تقبل"،
ويظهر ذلك جلًّيا في الدراسات والمؤلفات السابقة التي يستعين بها الب''احثون عن''د تنفي''ذ أبح''اثهم ،وتل''ك
الطريق''ة تس''اهم في عالج كث''ير من المش''اكل االجتماعي''ة ،وبالمث''ل في بعض التخصص''ات العلمي''ة
األخرى ،وُيعد المنهج التاريخي من أهم مناهج البحث العلمي المستخدمة بكثرة ،ومن أهم العلماء ال''ذين
أَّص لوا للمنهج التاريخي كل من :كارل ماركس ،وكذلك ماكس فايبر ،وابن خلدون.
يهتم المنهج التLاريخي في دراسLة الماضLLي من أجLل فهمي الحاضLLر ومن أجLل التنبLؤ بالمسLتقبل ،من
خالل ذلك فإن الباحث في مجال علم التاريخ يقوم بتحليل وتفسير األحLLداث الماضLLية ،بهLLدف الوقLLوف
على مضامينها وتوسيعها وتفسيرها بصورة علمية تحدد تأثيرها على الواقع الحالي للمجتمعات .وهLLو
منهج عرف منذ القدم فقد عرفه " ابن خلدون" على أنه " :فن عزيز المذهب جم الفوائد شريفالغاية
إذا هو يوقفنا على أحوال الماض66يين من األمم في أخالقهم واألنبي66اء في س66يرهم والمل66وك في دولهم
وسياستهم حتى تتم فائدة االقتداء في ذلك لمن يرومه في أح66وال ال66دين وال66دنيا" .فالمنهج التLLاريخي
يعتمد على مادة علمية تاريخية صرفة تعود وقائعها وأحداثها إلى الماضي القريب أو البعيد وهي تتسم
بالثراء والتنوع إذ تشمل المصادر والمراجع التاريخية المرتبطة بموضوع البحث والكتب العلمية
11
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
واألدبيLLة،والسLLيرة الذاتيLLة ومختلLLف المقLLاالت الLLواردة في المجالت العامLLة والخاصLLة وغيرهLLا من
المصادر والمراجع.9
وحتى يتأتى دراسة الظاهرة دراسة تاريخية يتعين على الباحث إتباع الخطوات اآلتية:
ـ تحديد الظاهرة محل الدراسة والبحث جمع المعلومات والمصادر التاريخية بشأن الظاهرة
المدروسة؛
ومن األمثلLLة على هLLذا المنهج ،نجLLد البLLاحث في موضLLوع الوكالLLة الLLذي يبLLدأ بحثLLه بدراسLLة التطLLور
التاريخي لمؤسسة الوكالة في النظم القانونية القديمة إلى حين الوصول إلى التنظيم القانوني الحالي.
إن المنهج المقارن يعتبر من أبرز منLاهج البحث العلمي وتطبيقاتهLا في ميLدان العلLوم القانونيLة ،حيث
يعتمد عليه الباحث القانوني عندما يسعى في دراسLLته إلجLLراء المقارنLLات بين النظم القانونيLLة بين عLLدة
دول ،وتوضيح أوجه االختالف أو التشابه بين هLLذه النظم ،ولهLLذه المقارنLLات دور أساسLLي في تطLLوير
القوانين ومعالجة أي مشكلة أو خلل في هذه القوانين.
فالمنهج المقارن هو المنهج الذي يعتمده البLLاحث للمقارنLLة بين قانونLLه الوطLLني وقLLانون أوعLLدة قLLوانين
أجنبية أو أي نظام آخر كالشريعة اإلسالمية ،وذلك لبيان أوجه االختالف واالتفLLاق بينهمLLا فيمLLا يتعلLLق
في المسألة القانونية محل البحث بهدف التوصل إلى أفضل حل لها بحيث يصنف العLLالم االجتمLLاعي "
إميل دوركايم " بأنه نوع من التجريب الغير المباشر ،فالمنهج المقارن يدفعنا إلى توضيح معنى
المقارنة وقد تبوأ هذا المنهج أهميLLة خاصLLة في مجLLال الدراسLLات القانونيLLة .وظهLLر القLLانون المقLLارن
كميدان من ميادين البحث والدراسLLة وكعلم قLLائم بذاتLLه بLLل وأصLLبح موضLLوعا من مواضLLيع الدراسLLات
القانونية ويرتبط باستخدام هذا المنهج في دراسة وتفسLLير مختلLLف فLLروع القLLانون .11و يرتكLLز المنهج
المقارن عل عنصرين أساسين هما عنصر االشتراك وعنصر المقابلة التزامنية.
9ـ جودية خليل :المنهجية القانونية ،المطبعة والوراقة الوطنية ـ مراكش ،الطبعة الثانية ،2021الصفحة .34:
10ـ عمار عوابدي ،مناهج البحث العلمي وتطبيقاتها في ميدان العلوم القانونية واإلدارية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،جبعة ،1987الصفحة:
.261
11ـ حسن ملحم ،التفكير القانوني والمنهجية ،مطبعة حلب ،طبعة ،1993الصفحة .276
12
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
فعنصر االشتراك فمفاده أن يكون بين القضايا الخاضعة للمقارنة عناصر وقواسم مشLLتركة قويLLة على
مستوى المنهج والموضوع مثل مقارنة نظام التLLأمين بين القLLانون الفرنسLLي والقLLانون المغLLربي ،بينمLLا
عنصر التزامنية يقصد به مقارنة جزيئات الموضوع على حدة وليس بين األنظمة الكلية فحسب.12
ولدراسة المنهج المقارن يجب على الباحث في مجال العلوم القانونية إتباع الخطوات التالية:
وكمثال أيضا على هذا المنهج كأن يقوم الباحث بالمقارنة بين أكثر من نظامين كحالة دراسة موضوع
الحماية البيئية بين الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي.
يختلف المنهج االستنباطي عن المنهج االستقرائي بشكل كبير لذلك وجب التطرق لكل
واحد منهما على حدة.
أوال:المنهج االستنباطي
12ـ محمد البوشواري:منهجية البحث العلمي ،مطبعة قرطبة ـ أكادير ،الطبعة األولى ،2012الصفحة.24 :
13
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
يعتبر المنهج االستنباطي 13أحد أساليب االستدالل .واالستنباط يشير إلى أي استنتاج أو استدالل بوجLLه
عام .أما معناه االصLLطالحي فهLLو عبLLارة عن دليLLل يتخLLذ فيLLه التفكLLير طريقLLه من العLLام إلى الخLLاص،
ويتمثل في مجموعة عمليات ذهنية تدور جميعها في العقل بعيدة عن الواقع ،وتبLLدأ من فكLLرة عامLLة أو
مبدأ يعده الباحث من المسلمات ،واليحتاج إلى اختبار مع الواقع .وبالتالي فLLإن البLاحث في االسLLتنباط،
يحاول إثبات أن ما يصدق على الكل يصدق على الجزء .أيضا من خالل إثبات أن الجزء يقLLع ضLLمن
الكل .وال يتأتى ذلك إال بالربط بين األشياء وعللها على أساس المنطق والتأمل الذهني.14
وبالبناء عليه ،يبدأ المنهج االستنباطي البحث باالعتماد على فكLرة عامLة ،وهي مLا تسLمى بالمقLدمات.
وهي قد تكون فكرة مبرهن عليها أو بديهة أو غيرهما ،ثم نستنبط منها النتائج الجزئية الخاصLLة وذلLLك
وفق المنطق الشكلي.15
إن النتائج هي عبارة عن أفكار تنبثق منطقيا مما يسبقها .ومعنى ذلك أن نتائج االستنباط مسLLتنبطة من
المقدمات بطريقة التحليل المنطقي .وأهم طريقLة يسLLتخدمها المنطLLق الشLLكلي في االسLLتنباط مLLا يسLLمى
بالقياس ،وهي الصورة النموذجية للدليل االستنباطي .ومن تم ،يتألف القيLLاس كقاعLLدة عامLLة من ثالثLLة
أجزاء :مقدمتان كبرى وصغرى ونتيجة.
ومن األهميLLة بمكLLان اإلشLLارة إلى أن الفيلسLLوف "أفالطLLون" أول من اسLLتعمل المنهج االسLLتنباطي في
أبحاثه السياسة واالجتماعية ،ويظهر ذلك من خالل مؤلفه "الجمهورية" .وقد تغلغل هذا المنهج في كل
العلوم والمعارف اإلنسانية عند العرب والمسلمين ،وجعلوا فروضLLا خاصLLة في كLLل علم ،وهLLذه مسLLلم
بصوابها عند أهل هذا العلم ،وهي ال تحتاج إلى برهنة على صحتها.16
ويعرف المنهج االسLLتنباطي في الدراسLLات القانونيLLة بLLالمنهج التحليلي أو اسLLم القيLLاس ،ومن تطبيقLLات
المنهج االستنباطي أن يستند الباحث في مجال القانون الجنائي إلى قواعده العامة ليرى مدى إمكانية
تطبيقها على الظواهر اإلجرامية الحديثة مثل اإلرهاب ،وغسLLيل األمLLوال ،...أي االنتقLLال من القLLانون
الكلي إلى الجزئيات التي تقع تحته.17
13ـ واالستنباط كما عرفه ابن منظور هو :االستخراج .لسان العرب ،وقد ورد هذا المصطلح في قوله تعالى " :ولو ردوه إلى الرسول وإلى
أولي األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولوال فضل هللا عليكم ورحمته التبعتم الشيطان إال قليال " .سورة النساء ،اآلية .82
14ـ أحمد حافظ نجم وآخرون :دليل الباحث،دار المريخ ،1988الصفحة .13:أشار إليه محمد العروصي :المرشد في المنهجية القانونية،
مطبعة مرجان ـ مكناس ،الطبعة الثالثة ،2016الصفحة.40:
15ـ محمد العروصي :المرجع أعاله ،الصفحة.40:
16ـ موالي حفيظ علوي قاديري :البحث في العلوم القانونية واالجتماعية الوجيز في األساسيات والمناهج والتقنيات ،المطبعة والوراقة الوطنيةـ
مراكش ،الطبعة األولى ،2021الصفحة.37:
17ـ أحمد حمومي :المختصر في منهجية العلوم االجتماعية والقانونية ،مطبعة سجلماسة ـ مكناس ،الطبعة األولى ،2019الصفحة.56 :
14
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
وتقريبا لصورة المنهج االستنباطي ضمن الدراسLات القانونيLة يبLدأ البLاحث مثال في دراسLة السLلطات
الرئيسية في الدولة وهي :السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية .وانطالقا من دراسLLة
النظام السياسي للدولة وهي الظاهرة الكلية ،وصوال إلى دراسة كLLل سLLلطة على حLLدة أي وصLLوال إلى
الظاهرة الجزئية المتفرعة عن الظاهرة الكلية وهي :نظام الحكم السياسي المتبLع في الدولLة .وفي هLذا
المثال يالحظ أن دراسة السلطات المختلفة للدولة تفرض االنطالقة من دراسة نظام الحكم المتبع فيها.
وفي هذه الحالة نكون أمام استدالل تنازلي تنتقل فيLه من دراسLة الظLاهرة الكليLة إلى دراسLة الظLاهرة
الجزئية.18
وبذلك يظهر أن المنهج أو األسلوب االستنباطي ينشأ من وجود استفسار علمي ،ثم يعمل البLLاحث على
جمع البيانات والمعلومات وتحليلها إلثبات صحة االستفسار أو رفضLLه .فهLLو استفسLLار يLLدور كليLLة في
ذهن الباحث بعيدا عن الواقع المقصود خالفا للمنهج االستقرائي.19
االسLLتقراء هLLو عبLLارة عن اسLLتدالل تصLLاعدي حيث ينطلLLق البLLاحث من الجLLزء إلى الكLLل ،أي من
الظاهرة الجزئية إلى الظاهرة الكلية ،20إذن يتمثل المنهج االستقرائي في السير من الخاص إلى العام.
وبالتالي يعد المنهج االستقرائي أحد طرق االستدالل ،وتتأسس دراسته على عكس المنهج االسLLتنباطي
من الخاص إلى العLLام .كمLLا يشLLمل االسLLتقراء مختلLLف االسLLتنتاجات العلميLLة المسLLتندة على المالحظLLة
والتجريب .لذلك يسمى المنهج االستقرائي بالمنهج التأصيلي ،ألنه يقوم على استقراء األجزاء ليسLLتدل
منها على حقائق تعمم على الكل.21
ومن الناحيLLة التاريخيLLة ،يعتLLبر الفيلسLLوف "أرسLLطو" أول من اسLLتعمل المنهج االسLLتقرائي في أبحاثLLه
وتحليالت السياسة حول الدولة والحكومة وقد انتقد الفيلسوف "أرسطو" المنهج االستداللي االستنباطي
الذي استعمله الفيلسوف " أفالطون" ،ونتيجة هذه االنتقادات جاء المنهج االستقرائي.
18ـمنية بنلمليح :المدخل لدراسة مناهج العلوم القانونية واالجتماعية ،مطبعة سجلماسة ـ مكناس ،الطبعة الثانية ،2017الصفحة.37 :
19ـ سعاد العمراني المريني :البحث العلمي ـ مناهجه ،قواعده ،تقنيات كتابته ،مطبعة زالغ ـ فاس ،الطبعة األولى ،2008الصفحة.29 :
20ـ أحمد عبد الكريم سالمة ،األصول المنهجية إلعداد البحوث العلمية ،دار النهضة العربية ـ القاهرة ،الطبعة األولى ،1999الصفحة.34:
أشار إليه رشيد بنعياش :منهجية البحث في العلوم القانونية ،مطبعة شمس برينت ـ الرباط ،الطبعة الثانية ، 2018الصفحة .60:
21ـ محمد العروصي :مرجع سابق ،الصفحة.42:
15
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
إذن يتمثLLل المنهج االسLLتقرائي في السLLير من الخLLاص إلى العLLام ،حيث تLLدل على حركLLة العقLLل للقيLLام
بعمليات هدفها التوصل إلى قانون أو قاعدة كلية تحكم الفرعيات أو التفاصيل التي تم إدراكها من قبLLل
األفراد.
والفرق بين االستنباط واالستقراء يتمثل في أننا ننتقLLل في االسLLتقراء من الجزيئLLات إلى القLLانون الكلي
الذي يحكمها ،في حين أننا في عملية االستنباط ننتقل من القانون الكلي إلى الجزيئات الLLتي تقLLع تحتLLه.
أي أن هناك تداخل بين عملية االستقراء وعملية االسLLتنباط ،والخالف بينهمLLا ال يكLLون إال في االتجLLاه
العكسي من أسفل إلى أعلى بالنسبة لالستقراء ومن أعلى إلى أسفل بالنسبة إلى االستنباط.22
ومثالLLه :أن يقLLوم البLLاحث بدراسLLة عالقLLة جهLLاز القضLLاء بجهLLاز التنفيLLذ ،ثم عالقLLة القضLLاء بالجهLLاز
التشريعي ثم عالقة القضاء بالجهاز التشريعي ثم عالقة الجهاز التشريعي بالجهاز التنفيLLذي .من خالل
كل ذلك نصل إلى تقرير مبدأ الفصل بين السلطات كمبدأ ضروري لنظام الحكم في الدولة.
وفي هذا المثال نكون قد انتقلنا من دراسة الجزيئات المتمثلة في السلطات المختلفة إلى دراسة الكليLات
المتمثلة في مبدأ الفصل بين السلطات ،وبالتالي نكون قد استخدمنا المنهج االستقرائي في الدراسة.
والمثال الثاني ،أن يقوم الباحث بدراسة مكانة العرف في القLLانون المLLدني المغLLربي ،ثم مكانLLة العLLرف
في القانون التجاري المغLLربي ،ثم مكانLLة العLLرف في القLLانون البحLLري ،من خالل كLLل ذلLLك نصLLل إلى
تقرير مكانة العرف كمصدر مهم ورئيسي للقاعدة القانونية في النظام القانوني المغربي.23
وفي هذا المثال نكون قد انتقلنا من دراسة الجزئيات المتمثلة في القوانين المختلفة ،إلى دراسة الكليLLات
المتمثلLLة في مبLLدأ أهميLLة العLLرف في النظLLام القLLانوني المغLLربي ،وبالتLLالي نكLLون قLLد اسLLتخدمنا المنهج
االستقرائي في الدراسة.
16
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
خاتمة
تعتLLبر المنLLاهج البحثيLLة أهم الوسLLائل المعتمLLدة في دراسLLة األبحLLاث والدراسLLات العلميLLة من مختلLLف
المجاالت ومنها العلوم القانونيLLة واإلداريLLة ،وبالتLLالي فهي تسLLاهم بشLLكل مباشLLر بتطLLوير هLLذه العلLLوم
وإيجاد الحلول للمشكالت والظواهر المرتبطة بها .وهLذا مLا تتضLLح أهميتLه بشLمل رئيسLي في عالمنLا
الحالي الذي تطور بشكل كبير وخصوصًا من النواحي التكنولوجية ،وبات بحاجة إلى تطوير القLLوانين
والتشريعات المرتبطة بحياة األفراد وبالعالقLLات الLLتي تجمعهم مLLع بعضLLهم .وفي األخLLير يمكن القLLول
وبكل تأكيد على أن توظيف مناهج البحث العلمي في البحوث األكاديمية يلعب دورا محوريا وجوهريا
للرقي بالبحث العلمي بشLLكل عLام وفي الدراسLLات القانونيLLة على وجLLه الخصLLوص ،ذلLLك أن اسLLتعمال
منهج علمي أو عدة مناهج في أن واحد أضحى الزما والمنLLاص من اعتمLLاده من قبLLل رجLLال القLLانون
بغية الوصول إلى إنجاز بحث أكاديمي متكامل.
17
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
قائمة المراجع
محمد البوشواري:منهجية البحث العلمي ،مطبعة قرطبة ـ أكادير ،الطبعة األولى .2012
جودية خلي''ل :المنهجي''ة القانوني''ة ،المطبع''ة والوراق''ة الوطني''ة ـ م''راكش ،الطبع''ة الثاني''ة
.2021
عم''ار عواب''دي ،من''اهج البحث العلمي وتطبيقاته''ا في مي''دان العل''وم القانوني''ة واإلداري''ة،
ديوان المطبوعات الجامعية ،جبعة1987
مني'ة بنلمليح :الم'دخل لدراس'ة من'اهج العل'وم القانوني'ة واالجتماعي'ة ،مطبع'ة سجلماس'ة ـ
مكناس ،الطبعة الثانية 2017
سعاد العمراني المريني :البحث العلمي ـ مناهجه ،قواعده ،تقني''ات كتابت''ه ،مطبع''ة زالغ ـ
فاس ،الطبعة األولى .2008
أحمد عبد الكريم سالمة ،األصول المنهجية إلعداد البحوث العلمية ،دار النهضة العربي''ة ـ
القاهرة ،الطبعة األولى .1999
رشيد بنعياش :منهجية البحث في العلوم القانونية ،مطبعة شمس برينت ـ الرباط ،الطبع''ة
الثانية .2018
18
توظيف المناهج في األبحاث األكاديمية
م''والي حفي''ظ عل''وي ق''اديري :البحث في العل''وم القانوني''ة واالجتماعي''ة الوج''يز في
األساس''يات والمن''اهج والتقني''ات ،المطبع''ة والوراق''ة الوطنيةـ م''راكش ،الطبع''ة األولى
.2021
محمد العروصي :المرشد في المنهجية القانونية ،مطبعة مرجان ـ مكناس ،الطبع''ة الثالث''ة
.2016
خن''ان أن''ور ،إش''كالية تط''بيق من''اهج البحث العلمي في العل''وم القانوني''ة واإلداري''ة مجَّل ة
الواحات للبحوث و الدراسات المجلد 14العدد 2021)3ص 520-507
عوابدي عمار ،مناهج البحث العلمي و تطبيقاتها ي''ف مي''دان العل''وم القانوني''ة و اإلداري''ة،
ديوان المطبوعاتالجامعية 2005 ،
احميدوش مدني ،كتاب الوجيز في منهجية البحث القانوني 2015الطبعة الثالثة دار القلم
الرباط ،صفحة 15-11
منهجية البحث العلمي مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية 1437هجري 2017ميالدي.
الصدق و الثباث في البحث العلمي /https://www.maktabtk.com
مجلة دراسات في علوم االنسان والمجتمع – جامعة جيجل ،مجلد 03عدد 02يونيو
2020
المرشد إلى كتابة الرسائل الجامعية .الرياض :أكاديمية نايف للعلوم األمنيةالبداينة ،ذياب.
1999
االبتكار والتطوير في البحث العلمي 08 ،يوليو 2019أراء حول الخليج
19