Professional Documents
Culture Documents
الدعوات والتعويذات
الدعوات والتعويذات
الدعوات والتعويذات
ِ ِ َع ْن أَنَ ٍ
الَ :كا َن أَ ْكثـَُر ُد َعاء الن ِّ
َّب : س ،hقَ َ
سنَةً، (اللَّ ُه َّم َربـَّنَا آتِنَا ِف ُّ
الدنـْيَا َح َ
ِ ِ ِ
َوِف اآلخ َرة َح َ
ِ (((
اب النَّار)
سنَةًَ ،وقنَا َع َذ َ
التعليق:
هــذا دعــاء جامــع عظيــم جــاء يف كتــاب هللا تعــاىل وســنة نبيــه ،قــال تعــاىل عــن املؤمنــنَ } :وِمنـْ ُهـ ْـم َمـ ْـن يـَُقـ ُ
ـول
ِ ِ ِ َربـَّنَــا آتِنَــا ِف ُّ
اب النَّــا ِر{ ســنَةً َوِف ْالخـ َـرة َح َ
ســنَةً َوقنَــا َعـ َذ َ الدنـْيَــا َح َ
سنَةَ ِف ُّ ِ كل َخ ٍْي ِف ُّ ِ ِ
تشمل
ُ الدنـْيَا) وصرفت ُك َّل َشٍّر فَإ َّن (ا ْلَ َ الدنـْيَاَ ، ت َهذه الدعوةُ َّ قال ابن كثري َ :r
«جَ َع ْ
ـب َهـ ِـي ٍء، صالِـ ٍـح ،وَمرَكـ ٍ
َ ََ َ َ ْ ـلٍ ـ م عو ٍ،ع ــوب دنـيـ ِو ٍيِ ،مــن عافِيـ ٍـة ،ودا ٍر رحبـ ٍـة ،وزوجـ ٍـة حســن ٍة ،وِرزٍق و ِاسـعٍ ،و ِع ْلـ ٍم َنفِ
َ ُك َّل َمطْلُـ ُ َْ ّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ
ْ ٍ
الَنَّـ ِـة َوتـََوابِعُـ ُـه
ـول ْـك ُد ُخـ ُ الدنـيــا ،وأ ََّمــا (ا ْلســنةُ ِف ْال ِخــرِة) فَأَعلَــى َذلِ
ـ ُّ ف ِ ِ
ة ـن
ـ سال
ْ فِ ة
ٌ ـ جِ
ر د ن
ْ م ـا
ـه َّ
ل ك
ُ ـا
ـ ه ـ
َّ ن ِ
إَف .... ـاء َِ
ج ٍيل وثـنـ ٍ
َ َ ْ َ ََ َْ َ َ ََ َ
َ َ ُ َ َ ََ
ِ ِ ٍِ ِ ِ ِ السـ ِ ِ ِ ِ ِ
َّجــاةُ مـ َـن الصالــةَ ،وأ ََّمــا (الن َ ـك مـ ْـن أ ُُمــوِر ْالخـَـرِة َ ـاب َو َغـ ِْـر َذلـ َ ِ
العَرصــاتَ ،وتـَْيسـر ْ َ مـ َـن ْال َْمـ ِن مـ َـن الْ َفـَـزِع ْالَ ْكـ َِـر ِف َ
ِ ((( ِ ِ ِ
ـاب ال َْم َحــا ِرم َو ْال َثِم َوت ـَْـرك ُّ ِ
اجتنَـ ِ ِ ِ
َســبَابِه ِف ُّ ِ ِ
الـَ َـرام ، ،فــإذا أردت الشـبـََهات َو ْ الدنـْيَــا ،مـ َـن ْ النَّــارِ) فـَُهـ َـو يـَْقتَضــي تـَْيسـ َ
ـر أ ْ
علمــا ،أو عمـاً أو شــفاءً فعليــك هبــذه الدعـوات ال تفارقهــا يف مجيــع دعواتــك فنبيــك كان يكثــر رزقًــا أو عافيـةً ،أو ً
منهــا ،وأنــس hكان يضمنهــا كل دعــاء يدعــو بــه ،فــإ ِّن فيهــا اخلــر العميــم الــذي ترجــوه يف الدنيــا واآلخــرة ،وفيهــا
فــوق مــا تســأله بكلمــات تقوهلــا رمبــا تكــون قاصــرة عــن املـراد.
ـول اَ ،عـ َ
ـاد ـس ،hأ َّ
َن َر ُسـ َ يضــا هلــذا الدعــاء ،ففــي صحيــح مســلم مــن حديــث أَنـَ ٍ ولقــد أرشــد النــي مر ً
هللا : ـول ِ صـ َـار ِمثْـ َـل الْ َفـ ْـرِخ (أي صــار حنيـاً هزيـاً بســبب املــرض) ،فـََقـ َ
ـال لَــهُ َر ُسـ ُ ِِ ِ
ـت فَ َني قَـ ْد َخ َفـ َ َر ُجـ ًـا مـ َـن ال ُْم ْســلم َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
ـت ُم َعاقـِـي بــه ف ْالخـ َـرة ،فـََع ّج ْلــهُ اللهـ َّـم َمــا ُكْنـ َ
ـولُ : ـت أَقُـ ُ شـ ْـيء أ َْو تَ ْس ـأَلُهُ إ َّيهُ؟» قَـ َ
ـال :نـََعـ ْـمُ ،كْنـ ُ ـت تَ ْدعُــو ب َ ـل ُك ْنـ َ «هـ ْ
َ
ســنَةً َوِف ْال ِخـ َـرِة َ ح
َ ـاـَيْـ ن ُّ
الد فِ ـا
ـَناللهـ َّـم آتِ
ُ : ـت
َ ـلُْـ ق ـا
َ ـف
َ َ
أ ،ه
ُ يع
ُ ط ْ
هللا « :ســبحا َن ِ
هللا َل تَســتَ ِ
َ ْ ُ
ـول ِ ُ ـسُ ر
َ ـال
َ ـقََـ ف ـا،
ـَيْـ ن ُّ
الد ف ِ ِل
اب النَّــارِ» قَـ َ ِ
ســنَةًَ ،وقنَــا َعـ َذ َ َح َ
(((
ـال :فَ َد َعــا هللاَ لَــهُ ،فَ َشـ َفاهُ .
س إِ َذا أ ََر َاد أَ ْن يَ ْدعُ َو بِ َد ْع َوٍة َد َعا َبِا ،فَِإ َذا أ ََر َاد أَ ْن يَ ْدعُ َو بِ ُد َع ٍاء َد َعا َبِا فِ ِيه.
((( رواه البخاري ( )6389ومسلم ( ،)2690ويف رواية ملسلمَ :وَكا َن أَنَ ٌ
((( تفسري ابن كثري ()558 /1
((( رواه مسلم ()2688
ِ ِ
َّب ،أَنَّهُ َكا َن يـَُق ُ
ول: ِ ِ ِِ ٍ
َع ْن َعْبد هللا بْن م ْسعُود َ ،hعن الن ِّ
(((
اف َوال ِْغ َن)
ُك ا ْلَُدى َوالتـَُّقىَ ،وال َْع َف َ (الله َّم إِِّن أ ْ
َسأَل َ ُ
التعليق:
قال العالمة السعدي rعن هذا احلديث:
«هــذا الدعــاء مــن أمجــع األدعيــة وأنفعهــا ،وهــو يتضمــن سـؤال خــر الديــن وخــر الدنيــا؛ فــإن (اهلــدى) هــو العلــم
النافــع ،و(التقــى) العمــل الصــاحل ،وتــرك مــا هنــى هللا ورس ـوله عنــه .وبذلــك يصلــح الديــن .فــإن الديــن علــوم انفعــة،
ومعــارف صادقــة .فهــي اهلــدى ،وقيــام بطاعــة هللا ورسـوله :فهــو التقــى.
و(العفــاف والغــى) يتضمــن العفــاف عــن اخللــق ،وعــدم تعليــق القلــب هبــم ،والغــى ابهلل وبرزقــه ،والقناعــة مبــا فيــه،
وحصــول مــا يطمئــن بــه القلــب مــن الكفايــة ،وبذلــك تتــم ســعادة احليــاة الدنيــا ،والراحــة القلبيــة ،وهــي احليــاة الطيبــة.
فمــن رزق اهلــدى والتقــى ،والعفــاف والغــى ،انل الســعادتني ،وحصــل لــه كل مطلــوب .وجنــا مــن كل مرهــوب.
(((
وهللا أعلــم»
والعفــاف كمــا يعــي الكفــاف عمــا يف أيــدي النــاس ،فهــو يعــي العفــاف عــن الـزان والفواحــش ومــا يدعــو هلــا(((،
قــال شــيخنا ابــن عثيمــن rيف شــرح احلديــث( « :العفــاف) يعــي العفــاف عــن ال ـزان ،ويشــمل ال ـزان أبنواعــه :زان
النظــر ،زان اللمــس ،زان الفــرج ،زان االســتماع ،كل أن ـواع ال ـزان ،فتســأل هللا العفــاف عــن ال ـزان كلــه أبنواعــه وأقســامه؛
شـةً َو َســاءَ َسـبِ ًيل{ وهــو مفســد ألن الـزان والعيــاذ ابهلل مــن الفواحــش ،قــال هللا تعــاىل} :وَل تـ ْقربــوا الـ ِـزَن إِنَّــه َكا َن فَ ِ
اح َ َ َ َُ ّ ُ
(((
لألخــاق ومفســد لألنســاب ومفســد للقلــوب ومفســد لــأداين»
ِ
ـك ـزت َعــن كتابــي فأعـ ِّـي ،قـ َ
ـال :أال أعلّ ُمـ َ إن قــد َعجـ ُ ـالِّ : َعــن عل ـ ٍي َّ ،h
أن ُمكاتبًــا جــاءَهُ فقـ َ ّ
ـال :قُــل:
ـك ،قـ َ
اللُ َعنـ َ ٍ ِ
ـك مثـ ُـل َجبــل صـر دينًــا أدَّاهُ َّ
الل لــو كا َن َعليـ َ
ِـول َّ كلِمـ ٍ
ـات علَّ َمنيهـ َّـن رسـ ُ
سواك)
ك َعن َ ك عن حر ِام َ
ك ،وأغنِين بَِفضلِ َ هم اكفين ِباللِ َ
(اللَّ َّ
(((
التعليق:
الرجــل يطلــب مــن أمــر املؤمنــن علــي بــن أيب طالــب hاإلعانــة املاليَّــة؛ لوفــاء دينــه ،وإهنــاء مكاتبتــه، جــاء َّ
الدعــاء العظيــم -مــع أنــه ميكنــه أن يعطيــه والتَّخلُّــص مــن رقِّــه ،فعلَّمــه أمــر املؤمنــن علـ ُّـي بــن أيب طالــب hهــذا ُّ
مــن بيــت مــال املســلمني -ولكــن أراد أن يعلمــه مــا هــو أفضــل ،وذلــك أبن يبــدأ ابهلل يف الطلــب ويتــوكل عليــه يف الــرزق،
فهــو ســبحانه الغــي ومنــه الغِـ َـى ،وأرشــده إىل أن يطلــب احلــال مــن الــرزق.
تلميحــا أنــزل حاجتــه
وأن يرزقــه مــن فضلــه الواســع مــا يك ّفــه عــن سـؤال النــاس ،وكــم مــن ســائل للنــاس تصرحيًــا أو ً
ابلنــاس قبــل أن ينزهلــا ابهلل تعــاىل ذي الفضــل الواســع ،فــكان نصيبــه مــن اإلعانــة علــى قــدر َمــن أنــزل هبــم حاجتــه،
ولــو ســأل هللا تعــاىل مــن فضلــه الواســع لوســعت عليــه حالــه مــن حيــث ال حيتســب ،والســيما أنــت اي صاحــب َّ
الديــن،
والــذي أمهَّــك َديـْنُــك وأثقــل كاهلــك ،عليــك هبــذا الدعــاء الثمــن ردده كثـراً يف دعائــك إبحلــاح ويقــن .وســرى – إبذن
هللا -مــن فضــل هللا تعــاىل مــا يبهــج النفــس ،ويريــح البــال بقضــاء الديــن.
مجيعــا هلــذا الدعــاء الــذي يعــزز جانــب التــوكل يف قلوبنــا ،ويوصلنــا إىل احلــال مــن الــرزق ،الســيما
ومــا أحوجنــا ً
وحنــن يف زمــن كثــرت فيهــا مشــارب احلـرام وضعفــت النفــوس يف التــزود منــه!!
فاللهم اكفنا حباللك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
(الله َّم ا ْغ ِف ْر ِلَ ،و ْار َحْ ِنَ ،و َعافِ ِنَ ،و ْارُزق ِْن ،فَِإ َّن َه ُؤَل ِء َتْ َم ُع ل َ
َك ُ
ك) ِ
اك َوآخ َرتَ َ ُدنـْيَ َ
الصـ َـاةَُ ،ثَّ أ ََمـ َـرهُ أَ ْن يَ ْدعُـ َـو ِبـَ ُـؤَل ِء
ـي َّ الر ُجـ ُـل إِ َذا أ ْ
َس ـلَ َمَ ،علَّ َمــهُ النَّـ ِ ُّ ـالَ :كا َن َّ
ويف روايــة قَـ َ
ا لْ َكلِمـ ِ
ـات : َ
(((
(الله َّم ا ْغ ِف ْر ِلَ ،و ْار َحْ ِنَ ،و ْاه ِدِنَ ،و َعافِ ِن َو ْارُزق ِْن)
ُ
التعليق:
هــذا رجــل جــاء إىل النــي وهــو يريــد دعــاء يســأل بــه ربـَّـه وجيمــع لــه اخلــر ،فأرشــده النــي هلــذه الكلمــات
اليســرة الــي جتمــع لــه خــري الدنيــا واآلخــرة ،فمــاذا بعــد هــذا اخلــر مــن مطلــب؟!
وألمهية هذه الكلمات كان النيب يعلِّمها الرجل إذا أسلم ،وهي سنة ينبغي تعليمها َم ْن أسلم.
ومــن أتمــل هــذه الكلمــات وجدهــا تتضمــن كل مــا يبحــث عنــه اإلنســان مــن شــأن الدنيــا واآلخــرة ،فإنــه إذا غفــر
هللا للعبــد ورمحــه انل الفــوز العظيــم يف الدنيــا واآلخــرة ،وأقبــل علــى هللا تعــاىل يف اآلخــرة خفيــف احلمــل ابملغفــرة كثــر
العطــااي ابلرمحــة ،وكانــت اهلدايــة يف الدنيــا واآلخــرة نتيجــة ملغفــرة هللا تعــاىل ورمحتــه لــه ورفعــة لــه ابحلســنات وحتصيلهــا،
وإذا عافــاه اسـراح جســده وقلبــه مــن أمـراض األبــدان والقلــوب ،وإذا رزقــه مــن اخلــر يف مجيــع جوانــب احليــاة اسـراحت
متامــا للخــر الــذي يرجــوه.
نفســه مــن اهلــم يف حتصيــل الــرزق ،وكان ذلــك ً
قــال الشــيخ فيصــل آل مبــارك« :بــدأ ابملغفــرة لكوهنــا كالتخليــة ،ملــا فيهــا مــن التنزيــه مــن إقــذار املعاصــي ،وعقبهــا
ابلرمحــة لكوهنــا كالتحليــة ،وعطــف عليهــا اهلدايــة ،عطــف خــاص علــى عــام ،وبعــد متــام املطالــب ســأل هللا العافيــة ليقــدر
علــى الشــكر ،وطلــب الــرزق لتسـريح نفســه عــن اهلــم بتحصيلــه»(((.
((( رواه مسلم ()2697
((( انظر بتصرف يسري :تطريز رايض الصاحلني ص ( )808للشيخ فيصل آل مبارك رمحه هللا.
ـول ِ
هللا إِ َذا َكا َن ِعْنـ َـد ِك؟ ِ
ـاء رسـ ِ ِِ
ـت ألُِّم َس ـلَ َمةََ :ي أ َُّم ال ُْم ْؤمنـ َ
ـن َمــا َكا َن أَ ْكث ـَُـر ُد َعـ َ ُ ـال :قـُْلـ ُ
ـب ،قَـ َ َعـ ْـن َشـ ْـهر بْــن َحو َشـ ٍ
ُ ُ ْ
قَالَــتَ :كا َن أَ ْكث ــر دعائـِـهِ:
َُ ُ َ ْ
ت قـَلِْب َعلَى ِدينِ َ
وب ثـَبِّ ْ
ب ال ُقلُ ِ ِ
ك َي ُم َقلّ َ
ِ
ـت قـَْلـِـي َعلَــى دينِـ َ ـك ي م َقلِّــب الْ ُقلُـ ِ
ـوب ثـَبِّـ ْ
ِ قَالَــت :فـ ُق ْلــت :ي رسـ َ ِ
«ي أ َُّم َسـلَ َمةَ
ـالَ :
ـك؟ قَـ َ ـول هللا َمــا ألَ ْكثَـ ِر ُد َعائـ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ َُ
ِ ِ إِنـَّـه لَيــس ِ
غ» َصابِـ ِع هللا ،فَ َمـ ْـن َشــاءَ أَقَـ َ
ـامَ ،وَمـ ْـن َشــاءَ أ ََزا َ ُصبـَُعـ ْ ِ
ـن مـ ْـن أ َ آدمـ ٌّـي إِالَّ َوقـَْلبُــهُ ب ـَ ْ َ
ـن أ ْ
(((
ُ ْ َ َ
َصابِ ِع ول« :إِ َّن قـلُوب ب ِن آدم ُكلَّها بـي إِصبـع ِ ِ ول ِ
هللا ،يـَُق ُ اص ،أَنَّهُ َِس َع َر ُس َ وعن عب ِد ِ
هللا بْ ِن َع ْم ِرو بْ ِن ال َْع ِ
ي م ْن أ َُ َ َ َ َ َ َْ َ ْ ََ ْ َ ْ َْ
ِ
ول هللا : ِ ٍ ِ ٍ
ال َر ُس ُ
ث يَ َشاءُ» ُثَّ قَ َ ي ح ه ف
ُر
ُ َّ ُ َ ْ ُص ي ، د اح الر ْحَ ِنَ َ ،
و ب ل
ْ ق ك
َ َّ
اعتِ َ
ك) ص ِّر ْ
ف قـُلُوبـَنَا َعلَى طَ َ ف الْ ُقلُ ِ
وب َ ص ِّر َ
(الله َّم ُم َ
(((
ُ
التعليق:
تعــرض للمؤمــن يف هــذه احليــاة كثــر مــن األمــور الــي رمبــا تُزيــغ قلبــه إذا مل يعتصــم حببــل هللا تعــاىل ،ومــا ت ـراه يف واقعنــا مــن شــبهات زاغــت
هبــا العقــول ،وشــهوات أظلمــت هبــا القلــوب ،إال لضعــف تعلقهــا ابهلل تعــاىل ،وال أعظــم مــن التضــرع هلل تعــاىل بثبــات القلــب الســيما يف هــذا الزمــن.
وإذا كان األنبيــاء مــن دعائهــم سـؤال هللا تعــاىل أن يثبتهــم وأن يصــرف قلوهبــم علــى طاعتــه ،فمــن دوهنــم مــن ابب أوىل وأحــق ،كيــف وقــد كان
هــذا هــو أكثــر دعــاء النــي صلــى هللا عليــه وســلم!
التعليق:
هــذا الدعــاء وإن كان طوي ـاً إال أنــه مــن الســهل حفظــه ،وأوردتــه ألمهيتــه البالغــة وألفاظــه اجلامعــة لــكل خــر،
وهــو مــن أمجــع األدعيــة ،فــإن فيــه س ـؤال كل خــر ،واالســتعاذة مــن كل شــر ،مث س ـؤال هللا تعــاىل واســتعاذته أبفضــل
السـؤاالت واالســتعاذات ،وهــي مــا كان يدعــو هبــا صلــى هللا عليــه وســلم ،فيســأل العبـ ُـد ربـَّـه جـ َّـل وعــا كل خــر ســأله
النــي – ومــن ذلــك سـؤاالته اجلامعــة يف مجيــع األدعيــة – واالســتعاذة مــن كل شــر اســتعاذ منــه النــي – ومــن
ذلــك اســتعاذاته اجلامعــة يف مجيــع األدعيــة -مث س ـؤال هللا تعــاىل أفضــل اخلــر ،وهــو اجلنــة واألعمــال الصاحلــة ِّ
املقربــة
إليهــا ،واالســتعاذة مــن أعظــم الشــر ،وهــو النــار واملعاصــي املقربــة إليهــا ،وإذا حصــل للعبــد مــا يف هــذا الدعــاء فقــد
حصــل لــه أعظــم الفضــل ،فــا تغفــل عمــا فيــه مــن اخلــر العميــم ،فإنــه مــن أمجــع األدعيــة الشــاملة علــى الفضــل والنعيــم،
أجــع مــا ورد ِف الدُّعـ ِ
ـاء ...مث ذكــر هــذا الدعــاء» قــال املــا علــي قــاري« :و ْ َ ُ َ َ َ َ
(((
َ
وقــال املنــاوي« :قــال احلليمــي :هــذا مــن جوامــع الكلــم الــي اســتحب الشــارع الدعــاء هبــا ،ألنــه إذا دعــا هبــذا فقــد
ســأل هللا مــن كل خــر ،وتعــوذ بــه مــن كل شــر ،ولــو اقتصــر الداعــي علــى طلــب حســنة بعينهــا أو دفــع ســيئة بعينهــا
(((
صــر يف النظــر لنفســه»كان قــد قَ َّ
((( رواه أمحد ( ,)134/ 6وابن ماجه ( ,)1264 /2وصححه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري ()274 /1
((( مرقاة املفاتيح (:)1739
((( فيض القدير ()162 /2
التعليق:
كثـرا مــا متــر ابلعبــد كــروب ومضائــق حــى يظــن أن األمــر بلــغ بــه مبلغــه ،سـواء يف صحتــه أو أهلــه أو ولــده أو مالــه أو
عزيــز عليــه ،ويبلــغ بــه مــن اهلــم الشــيء العظيــم ،ويغفــل عــن هديــه يف الكــروب وغريهــا مــن االســتغاثة برمحــة هللا تعــاىل الــي
إن غشــيَته غشــاه كل خــر ،الســيما إذا صاحــب ذلــك إظهــار الضعــف ابالســتغناء عــن احلــول والقــوة يف النفــس إال ابهلل ،فــإن
إظهــار الضعــف وصــدق االلتجــاء هــي الــي كان ميتثلهــا األنبيــاء يف دعائهــم.
وأعظــم مطلــوب أن يســأل العبــد صــاح النفــس ،ألهنــا إذا صلحــت تتابــع عليهــا اخلــر والعمــل الصــاحل ،نســأل هللا
مــن فضلــه.
يث» ِف دفْـ ِع هـ َذا الــد ِ َســتَ ِغ ُ ِ ِِ
َّاء – أي اهلــم والكــرب والغــم َ َ ـك أ ْ ـوم ،بَِر ْحَتِـ َ«ي َحـ ُّـي َي قـَيُّـ ُ «وِف َتْثـ ِر قـَْولــهَ : قــال ابــن القيــمَ :
َعظَــم الَّـ ِـذي إِ َذا د ِعــي بِـ ِ ـال ،وِلـ َذا َكا َن اســم َِّ ِ ـاة متض ِمنَـةٌ ِل ِميـ ِع ِص َفـ ِ اليـ ِ ِ ِ ِ
ـاب، ـ
ُ َ َ ََج أ ـه ُ ْ الْ الل ُْ َْ َ َ ـع ـ فال
َ ْ ـات اســبَةٌ بَد َيعـةٌ ،فَـإ َّن ص ََ ُ َ ّ َ
َ ْ ة
َ ـ ف
َ ُ -منَ َ
النَّــةِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ـت َحيَــاةُ أ َْهـ ِـل َْ َسـ َقام َو ْالَلمَ ،ولـَ َذا لَ َّمــا َك ُملَـ ْ ـاد َجيـ َـع ْال ْ ضـ ُّ َّامـةُ تُ َ
الَيَــاةُ الت َّ الـَ ِّـي الْ َقيُّــومَ ،و ْ
اسـ ُـم ْ َوإِ َذا ُســئ َل بِــه أ َْعطَــىُ :هـ َـو ْ
وميَّـ ِـة
ـال الْ َقيُّ ِ ـال ،وتـنَـ ِـاف الْ َقيُّ ِ ِ ـات .ونـ ْقصــا ُن ْ ِ ِ ِ
وميَّـةَ ،فَ َك َمـ ُ ضـ ُّـر ِبْلَفـَْعـ َ ُ الَيَــاة تَ ُ َلْ يـَْل َح ْق ُهـ ْـم َهـ ٌّـم َوَل َغـ ٌّـم َوَل َحـ َـز ٌن َوَل َشـ ْـيءٌ مـ َـن ْالفَـ َ ُ َ
ـوم َل يـَتـََعـ َّـذ ُر َعلَْيـ ِـه فِ ْعـ ٌـل مُْ ِكـ ٌـن الْبـَتَّـةَ ،فَالتـََّو ُّسـ ُـل ُّ ْ و ، ة ـ ت
َّ ـ بْل ا ِ
الَيَــاة َ َُ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ َ ُ
ـي ق ل ا ـال ـم كَ ل
ْ ا ة ـ ف ِ
ص ـه
ـ تو ف ـ ت ل ـام ْ ِ الـَ ُّـي ال ُْمطْلَـ ُـق التَّـ ُّ اليـ ِ
ـاة ،فَ ْ ِ ِ
ل َك َمــال ََْ
ِ (((
ضـُّـر ِبْلَفـَْعــال» ي و ، ة ـا
ـ ي ال
ْ ـاد
ُّ ـض ي ـا
ـم ِ
ـة ـ
َل ا
ز ِ
إ ف ِ ـر ِ
ـ ْث
ت ـهـ
َل ـة
ـ ي القيومو ـاةـ ي احل ص َفـ ِـة
بِ ِ
ُ َ ٌ َ َ ُ َ ََ َ َ َ ُ
((( رواه النسائي يف السنن الكربى ( ،)212 /9وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري ()1013 /2
((( رواه الرتمذي ( ،)425 /5وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع الصغري ()868 /2
((( الطب النبوي البن القيم ص ()152
ال ِل َر ُس ُ
ول « :قُ ِل: َع ْن َعلِ ٍّي ،hقَ َ
ال :قَ َ
التعليق:
مهمــن يف حيــاة العبــد حيصــل هبمــا الفــاح والســعادة ،ومهــا :اهلدايــةهــذا الدعــاء املبــارك يتضمــن مطلبــن َّ
الل اهلـُ َـدى يوصلــك إىل معرفــة احلــق ،واتباعــه ظاه ـرا وابطنــا.
والســداد ،فس ـؤال َّ
الل الســداد وهــو االســتقامة يف مجيــع األمــور مبــا يكــون صـواابً علــى احلــق ،فــإن العبــد قــد يزيــغ يف هــذه وسـؤال َّ
احليــاة أبمــور يظنهــا ص ـو ًاب ،وإذا ســأل العبــد ربــه اهلدايــة والســداد حــاز صــاح األعمــال واســتقامة احلــال ،كمــا قــال
صلِـ ْـح لَ ُكـ ْـم أَ ْع َمالَ ُكـ ْـم َويـَغْ ِفـ ْـر لَ ُكـ ْـم ذُنُوبَ ُكـ ْـم﴾ ،فهو هبــذا انل ِ ِ
تعــاىلَ ﴿ :ي أَيـَُّهــا الَّذيـ َـن َ
آمنُـوا اتـَُّقـوا َّ
الل َوقُولُـوا ق ـَ ْـوًل َســدي ًدا * يُ ْ
فضيلتــن :صــاح األعمــال ،ومغفــرة الذنــوب والــي بعدهــا تســتقيم احلــال.
السـ ْـهم» فيه داللة على أمهية اســتحضار معاين ابلسـ َد ِاد َسـ َد َاد َّ
يقَ ،و َّ ويف قوله َ « :واذْ ُك ْر ِب ْلَُدى ِه َدايـَتَ َ
ك الطَّ ِر َ
الدعــاء ،وأنــه ينبغــي ملــن دعــا أن يتأمــل ألفاظــه حــال دعائــه ،ففــي هــذا الدعــاء مثــا يتذكــر بسـؤال اهلــدى هدايــة الطريــق
الصحيح القومي املوصل إىل عبادة هللا كما ينبغي ،وابلســداد ســداد الســهم إذا ُرمي به الغرض ،ال مييل مييناً وال مشاال،
كذلــك يف عباداتــك تكــون علــى ســداد الزيــغ فيهــا وال ميــل.
(((
قال القونوي« :اشرتط يف هذا احلديث صحة االستحضار لألمر املطلوب من احلق حال الطلب»
اللهم َّإن نسألك اهلداية والسداد لنا وألزواجنا وذرايتنا ،وللمسلمني واملسلمات.
ول: ول ِ
هللا ،يـَُق ُ َع ْن أَِب ُهَريـَْرَة ،hقَ َ
الَ :كا َن َر ُس ُ
اي الَِّت «الله َّم أَصلِح ِل ِد ِين الَّ ِذي هو ِعصمةُ أَم ِري ،وأ ِ
َصل ْح ِل ُدنـْيَ َ َُ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ْ
اج َع ِل ا ْلَيَاةَ ِزَي َدةً و ي، آخرِت الَِّت فِيها مع ِ
اد اشي ،وأَصلِح ِل ِ فِيها مع ِ
َ ْ َ ََ َ َ ْ ْ َ ََ
ٍ (((
احةً ِل ِم ْن ُك ِّل َش ّر»ر ت و ْم ل ا ِ
ل ع
ُ ّ َْ َ َْ َْ َ َ َاجو ، ٍ
ي خ ِ
ل ك فِ ل ِ
التعليق:
هــذا دعــاء أحــاط بصــاح كل شــيء مــن شــأنك :الديــن والدنيــا واآلخــرة ،فــإذا صلــح الديــن ثبــت العبــد علــى طاعــة
ربــه جــل وعــا ،وإذا صلحــت الدنيــا اراتح العبــد مــن هــم املعيشــة والكــدح يف طلبهــا ،وإذا صلحــت اآلخــرة حصــل لــه الفــاح
بدخــول اجلنــة ،ويف احلديــث إيــكال األمــر يف احليــاة واملمــات والــذي هــو حتــم علــى كل حــي إىل توفيــق هللا ابالزدايد مــن اخلــر
والراحــة مــن الشــر ،ومــن ذلــك فــن الشــبهات والشــهوات املقبلــة الــي قــد حتــرف العبــد وتُزيغــه عــن طريــق احلــق ،ويف صحيــح
هلل ِمــن ال ِْفـ َ ِ
ـنَ ،مــا ظَ َهـَـر ِمنـَْهــا َوَمــا بَطَـ َـن» ِ ِ
مســلم مــن حديــث زيــد بــن اثبــت قَــال « :تـََعـ َّـوذُوا ب َ
(((
قــال الشــيخ فيصــل آل مبــارك« :هــذا مــن األدعيــة اجلوامــع ،فــإن هللا تعــاىل إذا وفــق العبــد للقيــام آبداب الديــن ،ورزقــه
مــن احلــال كفافًــا ،ووفقــه لإلخــاص ،وحســن اخلامتــة ،وأطــال عمــره علــى طاعتــه ،ووقــاه مــن الفــن ،فقــد حصــل لــه ســعادة
(((
الدنيــا واآلخــرة»
ويف الدعــاء بــدأ ابلديــن الــذي هــو عصمــة للعبــد يف الدنيــا واآلخــرة ،أي حفــظ لــه يف الدنيــا مــن األعمــال واألخــاق
الســيئة ،وحفــظ لــه يف اآلخــرة أبن يُزحــزح عــن النــار ويدخــل اجلنــة.
قــال شــيخنا ابــن عثيمــن« :ومــن فوائــد احلديــث :أن الديــن أهــم شــيء علــى اإلنســان؛ ألن النــي بــدأ بــه ،وهلــذا
إذا أردت أن تدعــو هللا لشــخص بصالحــه قــل :أصلــح هللا لــك الديــن والدنيــا ،فابــدأ ابلديــن؛ ألنــه إذا صلــح الديــن صلحــت
الدنيــا ،دليــل ذلــك قولــه تعــاىل﴿ :مــن عمــل صاحلـاً مــن ذكـ ٍر أو أنثــى وهــو مؤمــن فلنحيينــه حيــاة طيبــة ولنجزينهــم أجرهــم
(((
أبحســن مــا كانـوا يعملــون﴾ ،فذكــر هللا لــه اجلزاءيــن ،جـزاء يف الدنيــا وجـزاء يف اآلخــرة»
ول فِ َيها؟ قَ َ
ال« :قُ ِول: َي لَيـْلَ ٍة لَيـْلَةُ ال َق ْد ِر َما أَقُ ُ
ت أ ُّ ِ
ت إِ ْن َعل ْم ُ
عن عائِشةَ ،iقَالَت :قـ ْلت :ي رس َ ِ
ول هللا أ ََرأَيْ َ ْ ُ ُ َ َُ َْ َ َ
(((
ف َع ِّن) ك عُ ُف ٌّو ُِت ُّ
ب ال َْع ْف َو فَا ْع ُ (اللَّ ُه َّم إِنَّ َ
التعليق:
تعتــر ليلــة القــدر أعظــم الليــايل ،وهــي مــن الليــايل الــي يُرجــى فيهــا إجابــة الدعــاء ،وإرشــاد النــي لعائشــة هبــذا
الدعــاء داللــة علــى مزيتــه العظيمــة ،وأمهيتــه ،وال يعــي هــذا ختصيصــه بتلــك الليلــة؛ ألن حاجــة العبــد لعفــو هللا تعــاىل
هللا تعــاىل يف ســائر حياتــه ،حيــث اختــار ابلغــة ،بــل تعليمــه يف تلــك الليلــة دليــل علــى أمهيــة نيـ ِـل العبـ ِـد عفــو ِ
َ
هــذا املعــى العظيــم يف هــذه الليلــة املباركــة ،قــال ابــن املل ِّقــن« :قــال البيهقــي :طلــب العفــو مــن هللا مســتحب يف مجيــع
(((
األوقــات ،وخاصــة يف هـ ِـذه الليلــة»
الل عــز وجــل التجــاوز عــن الذنــب ،وتــرك العقــاب عليــه ،يقــول القرطــي« :ال َْع ْفـ ُـوَ :ع ْفـ ُـو وال َْع ْفـ ُـو :هــو س ـؤال َّ
ف الْغُ ْفـَـر ِان فَِإنـَّـهُ َل يَ ُكــو ُن َم َعــهُ عُ ُقوبَـةٌ الْبـَتَّـةََ ،وُك ُّل َمـ ِنهللا عـَّـز وجـ َّـل عــن خ ْل ِقـ ِـه ،وقَـ ْد ي ُكــو ُن بـعـ َـد الْع ُقوبـ ِـة وقـبـلَهــاِِ ،بـ َـا ِ ِ
َْ ُ َ َ َ ْ َ َ ََ َْ َ َ َ
َّ ِ ((( ِ
اســتَ َح َّق عُ ُقوبَـةً فـَُِتَكـ ْ
ـت لَــهُ فـََقـ ْد عُفـ َـي َعْنــهُ فَال َْع ْفـ ُـوَْ :مـ ُـو الذنْــب» ْ
الل تعــاىل حيــب أمســاءه وصفاتــه ،وحيــب مــن عبيــده أن يتعبَّــدوه هبــا ،وأن يعمل ـوا قولــهُِ ( :تـ ُّ
ـب ال َْع ْفـ َـو) أي أن َّ
الل العفــو
مبقتضاهــا ومضامينهــا ،ومــن مضامينهــا أنــه ســبحانه حيــب العفـ َـو مــن عبــاده بعضهــم عــن بعــض فيمــا حيــب َّ
فيــه ،فينبغــي للعبــد أن يكــون عفـ َّـواً لعبــاد هللا تعــاىل ،وهــذا املطلــب يف غايــة األمهيــة.
ـت أ َْوَل ِبل َْع ْفـ ِو الْ َكثِـ ِر ،فـََهـ َذا ُد َعــاءٌ ِمـ ْـن َج َو ِامـ ِع الْ َكلِـ ِمَ ،ح َاز ِ ِ
ـف َعـ ِّـي) فَـِإِّن َكثــرُ التـَّْقصـ ِرَ ،وأَنْـ َ
قــال اهلــروي(« :فَا ْعـ ُ
الدنـْيَــا َو ْال ِخـَـرِة»((( ،اللهــم إنــك عفــو حتــب العفو فاعف عنا. َخي ـَْـر ِي ُّ
((( رواه الرتمذي ( )3513وقال :هذا حديث حسن صحيح ,ورواه ابن ماجه ( ,)3850وصححه األلباين يف مشكاة املصابيح ()2091
((( التوضيح لشرح اجلامع الصحيح ()600 /13
((( تفسري القرطيب ()397 /1
((( مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ()1442 /4
ول ِ
هللا : الَ :كا َن ِمن ُد َع ِاء رس ِ عن عب ِد ِ
هللا بْ ِن عُ َمَر ،قَ َ
َُ ْ َ ْ َْ
اء ِة
كَ ،وفُ َج َ ك ِم ْن َزَو ِال نِ ْع َمتِ َ
كَ ،وَتَُّوِل َعافِيَتِ َ (الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ
ُ
(((
ك) ِ
ط خ س ع
َ َ ََ َ َ َِ ي ِ
ج و ، ك ِ
ت م ق
ْ ِ
ن
التعليق:
إن أكثــر مــا حيزنــك يف احليــاة أن تصيبــك بلــوى تُفقــدك نعمــة تتقلــب فيهــا ،وأعظــم الفقــد فقــد نعمــة الديــن أو
االســتقامة ،أو ينــزل بــك مــرض حيـ ِّول عافيتــك إىل آالم تصارعهــا ،وجتــوب األرض ألجلهــا ،أو حيــل بــك ســخط هللا
تعــاىل ونقمتــه فجــأة وأنــت ال تشــعر ،ففــي احلديــث تعـ ُّـوذ مــن أربعــة أمــور جامعــة لكثــر مــن املعــاين.
(زَوال النِ ْع َمــة) وأعظــم النعمــة حفظًــا نعمــة اإلســام ويشــمل التعـ ّـوذ مــن زوال نعمــة القــرآن ّأوُلــا :التعـ ُّـوذ مــن َ
واالســتقامة والثبــات واألمــن والطعــام والشـراب واملــال والصحــة وســائر النِ َعــم الظاهــرة والباطنــة الدنيويـَّـة واألخرويــة ،واثنيهــا:
صحيحــا ،أرداهً العافِيــة) وهــو أعظــم مــا خيشــاه كثــر مــن النــاس ،فكــم مــن مريــض أُقعِــد بعدمــا كان (تَـ ُّـول َ التعـ ّـوذ مــن َ
يومــا،
ً ـا
ـ ه أهل ـن
ـ م كان ـي ـ لا ـة
ـ ي العاف ـن
ـ ع ـث ـ ح يب ـرب
ً ـ غو اق
ًر ـ ش األرض ـابـ جو ـة،
ـ ح الص ـالـ ح ـهـ ي عل ـو
ـ ه ـا
ـ مم ـرـ ث ك ـرك
املــرض إىل تـ
اء ِة النِ ْق َمة) فألن الصوارف ََ ج ف
ُ ( من ذالتعو
َّ أماو العافية، ل حتو
ّ كثرة يدرك آالم من فيها وما اليوم للمستشفيات والناظر
ك) وإن من السخط الذي جي ِع َس َخ ِط َبتعوذ جامع فقال( :و َِ
َ ِ
ّ الدعاء ختم مث احلياة، يف اأثرو
ً ً ا وجع األكثر هي املفاجئة
قد يلحق العبد هو سريه يف احملرمات والشهوات دون نذير له يف نفسه يردعه ،أو قلب يؤنِّبه ،ويشمل مجيع ما يُغضب
(((
هللا تعــاىل مــن األقـوال واألفعــال واألعمــال( ،وإذا انتفــت األســباب املقتضيــة للســخط حصلــت أضدادهــا وهــو الرضــا)
قــل يل بربــك ألســت تــرى أن كثـرا مــن النــاس إمنــا يتقلَّــب يف هــذه الدنيــا حبثًــا عــن النجــاة مــن هــذه النـوازل الــي
جــاءت يف هــذه التعــوذات! هــي كلمــات أربــع يسـرات جامعــة لكثــر مــن التعــوذات الــي خيافهــا النــاس اليــوم.
فاللهم إان نعوذ بك من زوال نعمتك وحت ِّول عافيك وفجاءة نقمتك ومجيع سخطك.
(األ ْد َو ِاء) عند الطرباين واحلاكم دون الرتمذي ,واحلديث صححه األلباين
((( رواه الرتمذي ( ,)3591والطرباين يف الكبري ( ,)36واحلاكم يف مستدركه ( ,)1949ولفظة َ
يف صحيح اجلامع ()278 /1
((( انظر :مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح للهروي ( ,)1712 /4وحتفة األحوذي للمباركفوي ()36/10
((( رواه أبوداود ( ,)1554والنسائي ( ,)5493وصححه األلباين يف صحيح اجلامع ()275 /1
ال: ِ ِ
َّب قَ َ ِ
َع ْن أَب ُهَريـَْرَة َ ،hعن الن ِّ
الش َق ِاء،
لل ِم ْن َج ْه ِد البَالَِءَ ،و َد َر ِك َّ(تـع َّوذُوا ِب َِّ
ََ
ض ِاءَ ،و َشَاتَ ِة األَ ْع َداء)
ِ (((
ق ال
َُ َ َ ِ
وء س و
التعليق:
هــذا دعــاء أمــر النــي أن نتعـ َّـوذ بــه وكان يتعـ َّـوذ وذلــك ألمهيتــه واشــتماله علــى مجــل عظيمــة ينبغــي للمســلم أال يفـ ِّـرط هبــا ،ففيــه
االســتعاذة مــن أربعــة أمــور:
ـك ِمـ ْـن َج ْهـ ِـد البَ ـاَِء) ،أي اللهــم أجــرين مــن شــدة البــاء ومشــقته ،ومــا ال طاقــة يل حبملــه وال دفعــه ،مــن
إن أَعُـ ْـوذُ بِـ َ
أوهلــا :قولــه( :اللَّهـ َّـم ِّ
ِ
ـب والشــت ِم والغيبــة وغريهــا ممــا يهتــم لــه العبــد وحيــزن ويســبب لــه األذى ،ويدخــل فيــه ســائر البــاء مــن
ســائر البــاء اجلســدي كاألمـراض ،واملعنــوي كالسـ ّ
الفــن واملصائــب الــي تنــزل ابلعبــد.
الش ـ َق ِاء) ،أي أجــرين مــن أن يدركــي مــا يشــقيين ويُهلكــي مــن أمــور الدنيــا واآلخــرة((( ،فــا جتعلــي مــن أهــل الشــقاء يف
(و َد َر ِك َّ
اثنيهــا :قولــهَ :
الدنيــا س ـواء يف النفــس أو األهــل والولــد أو قلــة املــال وضيــق العيــش ،ويف آخــريت مــن عقوبــة الذنــوب واآلاثم.
ضـ ِ
ـاء) ،أي مــا حيــزن العبــد ويوقعــه يف القضــاء املقــدَّر يف الديــن والدنيــا والنفــس والولــد واألهــل واملــال حــى يف اخلامتــة((( ،وســائر اثلثهــا( :وسـ ِ
ـوء ال َق َ َُ
ـرد هللا عنــك الســوء ،وال يقــول العبــد أن قضــاء هللا ُكتــب فكيــف حيــاة العبــد يف الدنيــا واآلخــرة ،وذلــك أبال يصيبــه شــيء مــن املكــروه ،فبالدعــاء قــد يـ ّ
(((
يعيــذين منــه؟ فــإن هللا تعــاىل قــد يقضــي للعبــد البــاء ويقضــي أنــه إذا دعــا ُكشــف عنــه البــاء
(و َشَاتَـ ِـة األَ ْع ـ َد ِاء) أي فــرح العــدو مبــا ينــزل بــك مــن مكــروه ،والعــدو هــو كل شــخص يســوءه مــا يفرحــك ،ويفرحــه مــا ســاءك ،فــإن
رابعهــاَ :
النــي أمــر ابالســتعاذة منــه ملــا يف مشاتتــه مــن اآلاثر الكبــرة علــى النفــس مــن احلــزن واهلــم واألســى ،والعــدواة واحلقــد واالنتقــام والتعــدي وغريهــا
مــن آاثر البغضــاء.
فهــذا دعــاء جليــل جامــع لالســتعاذة مــن مجيــع الشــرور يف الديــن والدنيــا ،فاعــن بــه يف ليلــك وهنــارك ،ويف ســفرك وحضــرك ،حــى تكــون
يف حفــظ َّ
الل وعصمتــه مــن مجيــع شــرور الدنيــا واآلخــرة.
ض ِاءَ ،و َشَاتَِة َاأل ْع َد ِاء" واحلديث رواه البخاري ( ,)6616ومسلم ِ الل صلَّى هللا علَي ِه وسلَّم يـتـع َّوذُ ِمن جه ِد الب َال ِء ،ودرِك َّ ِ
الش َقاءَ ،و ُسوء ال َق َ ول َّ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ
((( ويف لفظَ " :كا َن رس ُ ِ
َُ
()2707
((( انظر :شرح صحيح البخاري البن بطال ()323/10
((( انظر :الكاشف عن حقائق السنن للطييب ( ,)1912 /6وفتح الباري البن حجر ()149 /11
((( انظر :فتح الباري البن حجر ()149 /11
تنبيه :االســتعاذة من ســوء القضاء ال ينايف الرضا بقضاء هللا وقدره؛ ألن املراد بســوء القضاء ما يســوء اإلنســان ويوقعه يف املكروه ،ولفظ الســوء ينصرف إىل املقضي عليه،
وليــس قضــاء هللا تعــاىل الــذي هــو حكمــه وفعلــه ،فهــذا كلّــه خــر ال شـّـر فيــه أبــداً .كمــا قــال النــي صلــى هللا عليــه وســلم( :والشــر ليــس إليــك) رواه مســلم لكمالــه جـ ّـل
وعــا مــن كل الوجــوه ،فــا يدخــل الشـّـر يف صفاتــه وال يف أفعالــه ،وال يلحــق يف ذاتــه جـ ّـل وعــا .انظــر :الكاشــف عــن حقائــق الســنن للطيــي ( ،)1912 /6إرشــاد
الســاري لشــرح صحيــح البخــاري للقســطالين ( ،)200/9فتــح البــاري البــن حجــر (. )148/11
ول:
ولَ :كا َن يـَُق ُ ول ِ
هللا يـَُق ُ ول لَ ُك ْم إَِّل َك َما َكا َن َر ُس ُ َع ْن َزيْ ِد بْ ِن أ َْرقَ َم ،قَ َ
الَ :ل أَقُ ُ
بَ ،والْبُ ْخ ِلَ ،وا ْلََرِم،
ك ِم َن ال َْع ْج ِزَ ،والْ َكس ِلَ ،وا ْلُْ ِ
َ (الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ
ُ
اها، َّ
ك ز
َ ن م ر ـ ي خ ت ن
ْ َ
أ اه ِ
ك
ّ ز
َ و ا، اهو ق
ْ ـ ت ي ِ
س ف
ْ ـ ن ِ
آت م الله
ْ ُ َّ ِ
ب قَ ْ
ل ا ابِ َو َع َذ
َ َ َ َ َ َ َ ُْ َ ْ َ َ
ِ ِ
ك م ْن عل ٍْم َل يـَنـَْف ُعَ ،وم ْن قـَل ٍ
ْب ِ الله َّم إِِّن أَعُوذُ بِ َ ِ أَنْ َ
ت َوليـَُّها َوَم ْوَل َهاُ ،
اب َلَا) ٍ ِ ِ
ش ُعَ ،وم ْن نـَْف ٍ
س َل تَ ْشبَ ُعَ ،وم ْن َد ْع َوة َل يُ ْستَ َج ُ َل َيْ َ
(((
التعليق:
هذا دعاء اشتمل على عشر استعاذات مهمة يف حياة العبد الدنيوية واألخروية وهي كما يلي:
قولــه( :اللهـ َّـم إِِن أَعــوذُ بِـ َ ِ
ـك مـ َـن ال َْع ْجـ ِزَ ،والْك َ
َسـ ِـل) ،وذلــك ألن العجــز والكســل يفــوت هبمــا كثــر مــن مصــاحل العبــد يف الدنيــا واآلخــرة ،وأمههــا القيــام ُ ّ ُ
مبــا علــى العبــد مــن واجبــات ،ومــا تكاســل البعــض يف الصلـوات وســائر الطاعــات إال مــن هــذا الــداء( ،والعجــز والكســل قرينــان ،فالعجــز عــدم قــدرة ،والكســل عــدم
(الْـِ ْ
ـنَ ،والْبُ ْخـ ِـل) ،ألن إرادة ،والعجــز مثــرة للكســل فــا يـزال العبــد يكســل عــن الشــيء الــذي هــو قــادر عليــه حــى تضعــف عزميتــه فيصــل للعجــز)((( ،واســتعاذته مــن ُ
ب وهو نقيض الشــجاعة يؤدي إىل عدم الوفاء ابلواجبات كالقتال يف ســبيله ،والصدع ابحلق ،وخمالفة هوى النفس والشــيطان ،وألن البُ ْخ َل ســبب يف اإلمســاك اجلُْ َ
عــن الواجبــات كأداء الــزكاة وســائر احلقــوق ممــا جيــب عليــه اإلنفــاق فيــه كالنفقــة علــى األهــل ورفــع ضــرر ضيــق املعيشــة علــى املنكوبــن وســائر وجــوه اإلنفــاق ،واجلــن
والبخــل خلقــان ذميمــان ال ينبغــي أن يكــوان مــن صفــات املســلم( ،ومهــا قرينــان فاجلــن :تــرك اإلحســان ابلبــدن ،والبخــل :تــرك اإلحســان ابملــال)((( ،واســتعاذته مــن
(عـذ ِ ِ
َاب (ا ْلـََـرم) ،وهــو بلــوغ العمــر إىل سـ ٍّـن تضعــف فيــه احلـواس والقــوى ،ويضطــرب فيــه الفهــم والعقــل ،وهــو أرذل العمــر الــذي تعـ َّـوذ منــه النــي ،واســتعاذته مــن َ
ـر) ملــا يكــون يف الــرزخ مــن عــذاب الــروح والبــدن ملــن اســتحق ذلــك. الْ َقـ ِْ
ـت َولِيـ َُّهــا َوَم ْوَل َهــا) ،وكمــا أن هــذا يف الســنة فهــو يف القــرآن وعليــه
اهــا ،أَنْـ َـت َخيْـ ُـر َمـ ْـن َزَّك َ
آت نـف ِ
ْســي تـَق َْو َاهــاَ ،وَزّكِ َهــا أَنْـ َ َ
(اللهـ َّـم ِ
مث ســأل هللا تعــاىل فقــالُ :
ـاها ( ،{)10وإذا حتققــت التقــوى ـاب َمـ ْـن َد َّسـ َ
َّاهــا (َ )9وقَـ ْد َخـ َ }ونـَْفـ ٍ
ـس َوَمــا َسـ َّـو َاها ( )7فَأَ ْلََم َهــا فُ ُج َورَهــا َوتـَْق َو َاهــا ( )8قَـ ْد أَفـْلَـ َـح َمـ ْـن َزك َ مــدار فــاح العبــد ،قــال تعــاىلَ :
اهــا) أي طَ ِّهــر نفســي مــن كل خلــق ذميــم ،ومــن كل عيــب وذنــب, ـت َخيْـ ُـر َمـ ْـن َزَّك َ(وَزّكِ َهــا أَنْـ َيف النفــس كانــت أبعــد عــن متابعــة اهلــوى وارتــكاب الذنــوب ،وقولــه َ
ال حاكــم لنفســي ومدبــر لشــؤوهنا إال أنــت اي هللا.
اب َلـَـا) ،فالعلــم الــذي ٍ ِ شـ ُـعَ ،وِمـ ْـن نـَْفـ ٍ ـك ِمـ ْـن ِع ْلـ ٍـم َل يـَنـَْفـ ُـعَ ،وِمـ ْـن قـَْلـ ٍ
(اللهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ
ـس َل تَ ْشــبَ ُعَ ،ومـ ْـن َد ْعـ َـوة َل يُ ْســتَ َج ُ ـب َل يَْ َ مث تعـ َّـوذ مــن أربــعُ :
وحج ـةٌ علــى صاحبــه ،والقلــب الــذي ال خيشــع وينشــرح هلل تعــاىل يضعــف فيــه نــور اإلميــان ،وحتـ ُّـل فيــه القســوة الــي تصــدُّه عــن طاعــة هللا وذكــره، وابل َّ ال ينفــع ٌ
ـدو للمــرء ،وال أخســر صفقــة مــن دعــوة والنفــس الــي ال تشــبع تلهــث خلــف الدنيــا وال تـَْقنــع ،فتغفــل عــن اخلــر الــذي يُـراد هلــا ،فالنفــس الــي ال تشــبع أعــدى عـ ٍّ
ال تســتجاب ،وقــال بعــض أهــل العلــم أن عــدم اســتجابة الدعــاء دليــل علــى أن الداعــي مل ينتفــع بعلمــه وعملــه ،ومل خيشــع قلبــه ،ومل تشــبع نفســه((( ،ومــا جــاء يف
هــذا الدعــاء مــن كلمــات جامعــة ال توفيــه أســطر كمــا هــي ســائر الدعـوات اجلامعــة ،فاضطــررت لتســطري أهــم مــا حتويــه هــذه األلفــاظ الشــاملة للخــر العميــم ،الــذي
حيتاجــه العبــد يف دنيــاه وأخـراه.
التعليق:
تعوذٌ من مثانية أمور ،وهي كما يلي:
هذا دعاء فيه ُّ
ـك ِمـ َـن اهلـَ ِّـم َواحلـَ َـز ِن) فيــه االســتعاذة مــن اهلــم واحلــزن؛ ملــا فيهمــا مــن أمل القلــب وتشــتته
قولــه( :اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ
وانشــغاله عــن التعبــد هلل تعــاىل ،وتســلط الشــيطان علــى النفــس؛ ألن إاثرة احلــزن يف القلــب وت ـوارده هــي مــن مكائــد
الشــيطان وعملــه الــذي يُس ـلِّطه علــى املؤمنــن ،قــال تعــاىل﴿ :إمنــا النجــوى مــن الشــيطان ليحــزن الذيــن آمنــوا﴾،
واهلـ ُّـم متعلِّـ ٌـق مبــا حيصــل يف املســتقبل ،واحلـَ َـز ُن متعلِّــق مبــا حصــل يف املاضــي ،قــال ابــن القيــم« :اهلـَ ُّـم واحلـَ َـز ُن قرينــان،
يس ـتـَْقبل :فــاألول ُهـ َـو احلـَ َـز ُن، ِ
ينهمــا :أن ال َْم ْكـ ُـروه الْـ َـوارد علــى الْقلــب َّإمــا أن يكــون علــى َمــا مضــىْ ،أو ملــا ْ َوالْفــرق بَ َ
(((
َوالثَّـ ِـان ال ـ َـه ُّم»
الع ْجـ ِز َوال َكسـ ِـلَ ،والبُ ْخـ ِـل َواجلـُ ْ ِ
ـن) تقــدَّم يف الدعــاء الســابق الــكالم علــى هــذه األربــع ،وبيــان مــا تورثــه (و َوقولــهَ :
َ
هــذه األربــع مــن تقصــر العبــد فيمــا عليــه مــن الواجبــات وحقــوق الشــرع.
الديــن وشــدته الضلَــع هــو االعوجــاج ،واملـراد بــه هنــا :هــو ثقــل َّ ـال) ،أصــل َ ضلَـ ِع الدَّيْـنَِ ،وغَلَبَـ ِـة ِّ
الر َجـ ِ (و َ
وقولــهَ :
حــى مييــل صاحبــه عــن االســتواء((( وذلــك حــن ال جيــد وفــاءً لدينــه ،الســيما إذا طالبــه صاحــب احلــق ،وغَلَبــة الرجــال:
غلبتهــم بغــر حــق وتســلطهم وظلمهــم وعدواهنــم ،وهــذا ممــا يــورث احلــزن وضعــف القلــب فيمــن وقــع عليــه ذلــك ،قــال
ضلَـ َـع الدَّيْـ ِنَ ،والثَّـ ِـان :قـَْهـٌـر بباطــلَ ،وُهـ َـو َغلَبَـةُ ِ ابــن القيــم« :الْ َقهــر الَّـ ِـذي ينَــال العبــد نـوعـ ِ
ـان :أحدمهــا :قهــر بَــقَ ,وُهـ َـو َ َْ َْ َ ْ
ِ ِ ِ
ْمــة مــن ألفاظــه»
ـوز الْعلــم َواحلك َ الر َجــال ،فصلـوات هللا َو َسـ َـامه علــى مــن أويت َج َوامــع الْ َكلــم ،واقتُبِ َســت كنـ ُ ِّ
(((
التعليق:
هــذا احلديــث فيــه التعـ َّـوذ مــن اجل ـوارح الــي هــي منفــذ الشــهوات إىل قلــب العبــد ،فــإذا ُحفظــت هــذه اجل ـوارح وأعاذهــا هللا مــن كل
شـ ِّـر ينفــذ إليهــا ،أصبــح العبــد ســليم القلــب ،جوارحــه منقــادة إىل طاعــة هللا تعــاىل ،شــاهدة لــه ال عليــه ،قــال املنــاوي« :وخــص هــذه األشــياء
(((
ابالســتعاذة ألهنــا أصــل كل شــر وقاعدتــه ومنبعــه كمــا تقــرر»
ـك ِمـ ْـن َشـ ِّـر سَْ ِعــي) :أي أعــوذ بــك مــن كل مــا َّ
حرمــت علـ َّـي مساعــه ،وال ترضــاه :كالشــرك ،والغيبــة ،والكــذب، قولــه( :اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ
والزور ،والبهتان ،واملعازف ،ومساع كالم الدعاة للشهوات والشبهات((( ،وكل ما ال جيوز مساعه.
صـ ِري) :أي أعــوذ بــك مــن كل مــا َّ قولــهِ :
حرمــت علــي النظــر لــه ،مــن فتنــة الرجــل ابملـرأة ،أو املـرأة ابلرجــل ،ومــن شــر كل (ومـ ْـن َشـ ِّـر بَ َ
َ
(((
نظــر ال ترضــاه ،ومنــه النظــر للنــاس علــى وجــه االحتقــار ،والنظــر يف أعمــال الشــر ً
عمومــا.
سـ ِـان) :أي أعــوذ مــن كل مــا َّ ِ قولــهِ :
ـب ،والقــذف ،واللهــو
حرمــت علــي النطــق بــه ،كالكــذب ،والغيبــة ،والنميمــة ،والسـ ّ (ومـ ْـن َشـ ِّـر ل َ
َ
والباطــل ،وقــول املنكــر ،وصــد املعــروف ،والــكالم فيمــا ال يعــي املــرء ،وحنــوه مــن الــكالم املذمــوم ،وأكثــر اخلطــااي مــن آفــات اللســان.
(وِمـ ْـن َشـ ِّـر قـَْلـ ِـي) :أعــذين مــن ش ـٍّر الســيئات القلبيــة :كالنفــاق ،واحلســد ،واحلقــد ،وال ـرايء ،والكــر ،وســوء الظــن ،ومــن
قولــهَ :
ـب الدنيــا مــن الشــهوات والشــبهات. االعتقــادات الفاســدة ،ومــن ُحـ ّ
ِِ قولهِ :
(وم ْن َش ِّر َمنيّي) :أي من شِّر فرجي ،أبن أوقعه يف غري حملّه من الزان ومقدماته ،واللواط ،وغري ذلك من ّ
احملرمات. َ
اللهم إان نعوذ بك من ش ِّر أمساعنا ،ومن ش ِّر أبصاران ،ومن ش ِّر ألسنتنا ،ومن ش ِّر قلوبنا ،ومن ش ِّر منِيِّنا.
((( رواه أبو داود ( ،)1551والرتمذي ( ،)3492والنسائي ( ،)5456وصححه األلباين يف صحيح اجلامع ()811/2
((( فيض القدير ()135 /2
((( التنوير شرح اجلامع الصغري حملمد بن إمساعيل الصنعاين ()149 /3
((( انظر :دليل الفاحلني لطرق رايض الصاحلني حملمد علي بن حممد بن علّن الشافعي ()289 /7
اب النَّــا ِر) أي أعــوذ بــك مــن كل فتنــة تــؤدي إىل النــار((( ،وقيــل املـراد ابلفتنــة هــي سـؤال ـك ِمـ ْـن ِفتـْنَـ ِـة النَّــا ِر َوِمـ ْـن َعـ َذ ِ قولــه( :اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ بِـ َ
ـال َلـُ ْـم﴿وقَـ َ ـه:
ـ لو وق ﴾، ـر
ـ يذخزنــة النــار ألهلهــا علــى ســبيل التوبيــخ والتهكــم كمــا يف قولــه تعــاىلُ ﴿ :كلَّمــا أُل ِْقــي فِيهــا ف ــوج سـأَ َلم َخزنـتـهــا أََل يْتِ ُكــم نَ ِ
َ َ َ َ ْ ٌ َ ُ ْ َ َ َُ ْ َ ْ ٌ َ
ـاء يـَْوِم ُكـ ْـم َهـ َذا ،﴾...وأمــا عــذاب النــار فهــو اإلحـراق فيهــا بعــد فتنتهــا. ِ ِ َخ َزنـَتـَُهــا أََلْ يْتِ ُكــم ر ُســل ِم ْن ُكــم يـَتـْلُــو َن َعل َْي ُكــم ِ ِ
آيت َربّ ُكـ ْـم َويـُْنذ ُرونَ ُكـ ْـم ل َقـ َ ْ َ َ ُْ ٌ ْ
ـر) أي أعــوذ بــك مــن عــدم جتــاوز فتنــة القــر وهــي سـؤال امللكــن ،ومــن عــذاب اب ال َقـ ِْ ـك ِمـ ْـن َعـ َذ ِ ـرَ ،وأَعُــوذُ بِـ َ ـك ِمـ ْـن فِتـْنَـ ِـة ال َقـ ِْ
(وأَعُــوذُ بِـ َ وقولــهَ :
القــر وهــو مــا يكــون يف الــرزخ مــن العــذاب علــى الــروح والبــدن ملــن اســتحق ذلــك.
ـك ِمـ ْـن فِتـْنَـ ِـة ال َف ْقـ ِر) ،ألن الغــى قــد يكــون فتنــة علــى العبــد وذلــك إذا كان ســببًا يف الشـِّـر والبطــر، الغـ َـىَ ،وأَعُــوذُ بِـ َ ـك ِمــن فِتـنَـ ِـة ِ
(وأَعُــوذُ بِـ َ ْ ْ وقولــهَ :
(((
واإلسـراف ،واملفاخــرة ،وإنفــاق املــال يف احملرمــات ،والبخــل حبــق املــال مــن الــزكاة وحنوهــا مــن الواجبــات املاليــة .
وكــذا الفقــر يكــون فتنــة علــى العبــد إذا أدى إىل قلــة الصــر واجلــزع والتســخط ،والوقــوع يف احلـرام كالســرقة والنهــب ،والتكســب ابحلـرام وحنــوه مــن
وجــوه احلصــول علــى املــال بغــر املشــروع؛ ألن فقــره اضطــره لذلــك(((.
خريا ابعتبار آخر. واالستعاذة من الفقر والغىن يف حال كوهنما شر وفتنة ،ألن الفقر والغىن قد يكوان ً
ِ ِ ِ ـيح الد َّ ِ ـك ِمــن فِتـنَـ ِـة ِ
َّجــال) ،وهــي أعظــم فتنــة يف الدنيــا ،ففــي صحيــح مســلم مــن حديــث ه َشــام بْـ ِن َعامـ ٍر األَنْ َ
صــاري ،قــال: املَسـ ِ (وأَعُــوذُ بِـ َ ْ ْ قولــهَ :
ـال»(((. َّجـ ِ الد ـن ـ ِ
م ـر
ـ بك َأ ق ـ ل
ْ خ ِ
ة ـاعـ الس ِ
ـام ـ ي ِ
ق ل ِ
إ م آد ِ
ـق ـ ل
ْ خ ـن ـ ب ـا
ـ «م : ـول
ـق ـ ي ، ـول
ـت َر ُسـ َ ِ
َُ ُ َ َ َْ َ َ َ َ َّ َ َ ٌ ْ َ ُ َ َّ َ َس ْعـ ُ
ِ ِ
َّجــال هـ َـي َمــا يظْهــر علــى يَــده مــن ْال ُُمــور الَّـ ِـي يضــل هبـَـا مــن ضعــف إميَانــه َك َمــا ا ْشــتَ َملت علــى َذلــك ِ
«والْمـَـراد بفتنــة ال َْمســيح الد َّقــال الشــوكاينَ :
ْال ِ
َحاديــث ال ُْم ْشــتَملَة علــى ذكــره َوذكــر ُخ ُروجــه َوَمــا يظْهــر للنَّــاس مــن تِْلـ َ
(((
ـك ْال ُُمــور» َ
ـت يـَ ِـدي َعلَــى هللا لَيـْلَـةً ِمـ َـن الْ ِفـ َـر ِ
اش فَالْتَ َم ْســتُهُ فـََوقـََعـ ْ
ـول ِ ت َر ُسـ َـت :فـََقـ ْد ُ
ِ
َعـ ْـن َعائ َشـةَ ،iقَالَـ ْ
ـول: ِ ِ
بطْـ ِن قَ َدميـ ِـه وهــو ِف الْمســجد و ُهــا مْنصوبـتَـ ِ
ـان َوُهـ َـو يـَُقـ ُ َْ ََ َ ُ َ َْ َ ُ َ َ
كَ ،وأَعُوذُك ِم ْن عُ ُقوبَتِ َ كَ ،وِبَُعافَاتِ َ اك ِم ْن َس َخ ِط َ ضَ (الله َّم أَعُوذُ بِ ِر َ
ُ
ك) ِ
س ف ـ ن ى ل ع ت ي ـ ن ـ ثَأ امك ت نَ
أ ك ي ل ع اء ن ـ ث ي ِ
ص ُح ِ بِ َ
ََ ً َ َْ َ ْ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َْ َ ك َْ َ ْ
أ ل ك ن م
(((
التعليق:
هــذه اســتعاذة بصفــات هللا تعــاىل مث بذاتــه جـ َّـل وعــا ،مــع إظهــار الضعــف يف بلــوغ الثنــاء عليــه كمــا ينبغــي لــه ســبحانه وتعــاىل ،فجمعــت هــذه
ك) أي أعــوذ برضــاك مــن فعــل مــا ـاك ِمـ ْـن َس ـ َخ ِط َ
ضـ َ (اللهـ َّـم أَعُــوذُ بِ ِر َ
األلفــاظ التوســل واالفتقــار يف الطلــب ،وحســن الثنــاء عليــه جـ َّـل وعــا ،فقولــهُ :
ـك) وبعفــوك – وجــيء هبــا ابملغالبــة للمبالغــة – أي بعفــوك الكثــر مــن فعــل مــا يوجــب عقوبتــك((( ،وقيــل: ـك ِمـ ْـن عُ ُقوبَتِـ َ
(وِبَُعافَاتِـ َ
يُوجــب ســخطكَ ،
إن اســتعاذ مبعافاتــه ،بعــد اســتعاذته برضــاه؛ ألنــه حيتمــل أن يرضــى عنــه مــن جهــة حقوقــه ،ويعاقبــه علــى حقــوق غــره ،فاســتعاذ ابهلل تعــاىل أبن ييســر لــه
ـك ِم ْنـ َ
(وأَعُــوذُ بِـ َ
(((
ـك) ،قــال اخلطــايب« :يف هــذا الــكالم معــى مــن أســباب العفــو مــا يدفــع بــه العقوبــة الــي رمبــا تنــزل بســبب حقــوق اآلخريــن ،مث قــالَ :
لطيــف :وهــو أنــه قــد اســتعاذ ابهلل ،وســأله أن جيــره برضــاه مــن ســخطه ،ومبعافاتــه مــن عقوبتــه ،والرضــا والســخط ضــدان متقابــان ،وكذلــك املعافــاة
واملؤاخــذة ابلعقوبــة ،فلمــا صــار إىل ذكــر مــا ال ضـ َّـد لــه ،وهــو هللا ســبحانه ،اســتعاذ بــه منــه ال غــر ،ومعــى ذلــك االســتغفار مــن التقصــر يف بلــوغ
(((
الواجــب مــن حــق عبادتــه والثنــاء عليــه»
ـك) ،أي ال أســتطيع وال أطيــق الثنــاء عليــك كمــا ينبغــي لــك ،وإذا كان الرســول وهــو أعلــم اخللــق وأشــدهم عبــادة ُح ِ
صــي ثـَنَــاءً َعل َْيـ َ (ل أ ْ
قولــهَ :
ـك) أي ملــا عجـزان عــن الثنــاء عليــك مبــا ِ ـت َك َمــا أَثـْنـَْيـ َ
ـت َعلَــى نـَْفسـ َ
(((
ال يســتطيع بلــوغ الثنــاء علــى هللا تعــاىل كمــا ينبغــي ،فمــا دونــه مــن ابب أوىل ( ،أَنْـ َ
تســتحقه أوكلنــا ذلــك بقولنــا بقولنــا :أنــت كمــا أثنيــت علــى نفســك ،قــال املنــاوي« :وهــذا اعـراف ابلعجــز عــن التفصيــل ،وأنــه غــر مقــدور ،فوكلــه إليــه
(((
ســبحانه ،وكمــا أنــه ال هنايــة لصفاتــه ،ال هنايــة للثنــاء عليــه»
فهــذا دعــاء جامــع ملــا يرجــوه العبــد مــن حســن التجــاوز بطلــب الرضــا والعفــو والغفـران ،وجتنُّــب ســخط هللا تعــاىل وعقوبتــه ،والتوســل إليــه ســبحانه
بصفاتــه ،وإظهــار الفقــر والضعــف ،مث الثنــاء عليــه ،واالعـراف ابلتقصــر عــن عــدم بلــوغ مــا يســتحقه جـ َّـل وعــا مــن الثنــاء علــى مــا أنعــم بــه مــن نِعـ ٍم ال
يســتطيع العبــد إحصاءهــا فضـاً عــن شــكرها والثنــاء علــى هللا هبــا كمــا ينبغــي جلــال وجــه ســبحانه وتعــاىل.
فاللهم إان نعوذ برضاك من سخطك ومبعافاتك من عقوبتك ،وبك منك ال حنصي ثناء عليك.
التعليق:
جــاء يف هــذا احلديــث أعظــم شـ ٍّـر يســتعيذ منــه العبــد ابهلل تعــاىل وهــو الشــرك ،فــإن الشــرك أعظــم الظلــم واجلــرم،
شـ ْـر َك ـي َل تُ ْش ـ ِر ْك ِب َِّ
لل إِ َّن ال ِّ ـال لُْق َمــا ُن ِلبْنِـ ِـه َو ُهـ َـو يَ ِعظُــهُ َي ب ـُ ََّ
﴿وإِ ْذ قَـ َ
الل تعــاىل عــن لقمــان وهــو يعــظ ابنــهَ : قــال ًّ
اللَ َل يـَغْ ِفـ ُـرلَظُْلـ ٌـم َع ِظيـ ٌـم﴾ ،وهــو الذنــب الــذي ال يغفــره هللا تعــاىل لصاحبــه إن مــات عليــه ،حيــث قــال﴿ :إِ َّن َّ
شــاءُ﴾ ،وهــو الذنــب الــذي بُعثــت الرســاالت ،وأُنزلــت الكتــب ،وأرســل ـك لِ َمـ ْـن يَ َ أَ ْن يُ ْشـ َـر َك بِـ ِـه َويـَغْ ِفـ ُـر َمــا ُدو َن َذلِـ َ
ال ـو ـس
ُ ّ َّ َ ُ ً ر ٍ
ـةـ ُمأ لِ ك فِ ـاـ ن ث ع ـ ب د
َ ََ ْ ََ ْـ ق ل﴿و ـاىل: ـ ع ت ـال ـ ق ـاىل، ـ ع ت هللا ـدـ ي توح ـو
ـ هو ـده ـ ض ـق ـ ي وحتق الرســل ألجــل حتذيــر النــاس منــه، ُ
ـوت﴾ فالشــرك أعظــم ذنــب علــى وجــه األرض يســتعيذ منــه العبــد ابهلل تعــاىل ،وهــو اجتَنِبُــوا الطَّاغُـ َ َن ا ْعبُ ـ ُدوا َّ أِ
اللَ َو ْ
درجــات ،ومــن درجاتــه مــا خيفــى علــى العبــد فيتســلل إليــه أو يقــع فيــه ويف ســائر الذنــوب وهــو ال يشــعر ،ولــذا أمــر النــي
صلــى هللا عليــه وســلم أصحابــه – وهــم خــر القــرون -أن يســتعيذوا ممــا علمــوه ومــا مل يعلمــوه بقوهلــم( :اللَّ ُهـ َّـم إِِّن أَعُــوذُ
َسـتـَغْ ِف ُر َك لِ َمــا َل أَ ْعلَـ ُـم) ،قــال ابــن تيميــة يف تعليقــه علــى هــذا احلديــث« :فأمــره مــع ـك أَ ْن أُ ْشـ ِر َك بِـ َ
ـك َوأ ََن أَ ْعلَـ ُـمَ ,وأ ْ بِـ َ
االســتعاذة مــن الشــرك املعلــوم ابالســتغفار ،فــإن االســتغفار والتوحيــد هبمــا يكمــل الديــن» ،وقــال تلميــذه ابــن القيــم:
(((
«فمــا ُسـلِّط علــى العبــد َمـ ْـن يؤذيــه إال بذنــب يعلمــه ،أو ال يعلمــه ،ومــا ال يعلمــه العبــد مــن ذنوبــه أضعــاف مــا يعلمــه
منهــا ،ومــا ينســاه ممــا علمــه وعملــه أضعــاف مــا يذكــره ،ويف الدعــاء املشــهور «اللهــم إين أعــوذ بــك أن أشــرك بــك
وأان أعلــم وأســتغفرك مل ال أعلــم» فمــا حيتــاج العبــد إىل االســتغفار منــه ممــا ال يعلمــه أضعــاف أضعــاف مــا يعلمــه»(((،
عمومــا
ففــي هــذا الدعــاء داللــة ظاهــرة علــى أنــه ينبغــي للعبــد أن يهتــم ابالســتعاذة ابهلل تعــاىل ممــا يعلمــه مــن الذنــوب ً
وأعظمهــا الشــرك ،ومــا اليعلمــه منهــا ،فاللهــم إان نعــوذ بــك أن نشــرك بــك شــيئا وحنــن نعلمــه ,ونســتغفرك ملــا ال نعلمــه.
((( رواه البخاري يف األدب املفرد ( ،)716وصححه األلباين يف صحيح األدب املفرد ص ( ،)266وصحيح اجلامع الصغري ( ،)694/1وللحديث شاهد يف مسند اإلمام
أمحد ( )403/4من حديث أيب موسى األشعري رضي هللا عنه.
((( قاعدة يف احملبة ص ()100
((( بدائع الفوائد ()242 /2