Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 530

‫ممارسة العالج النفسي‬

‫األسس النظرية للتحليل النفسي‬


‫والعالج السلوكي‬

‫تأليف‬
‫‪Wolfgang Senf‬‬
‫‪Mechael Broda‬‬

‫ترمجة‬
‫أ‪.‬د‪ .‬سامر مجيل رضوان‬
‫متخصص يف علم النفس اإلكلينيكي‬
‫ممارسة العالج النفساني‬
‫األسس النظرية للتحليل النفساني والعالج السلوكي‬
‫هذه ترمجة عربية لكتاب‬
Praxis der Psychotherapie
Theoretische Gerundlagen von Psychoanalyse und Verhaltenstherapie
Herausgegeben von Wolfgang Senf und Michael Broda
Georg Thieme Verlag
Stutgart New York
‫ترمجة‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬سامر مجيل رضوان‬
‫أستاذ يف علم النفس اإلكلينيكي‬

‫الناشر‪ :‬املرتجم‬

‫طبعة منقحة‬
‫‪2019‬‬
‫احلقوق مجيعها حمفوظة للمرتجم‬
‫حقوق امللكية األدبية والفنية مجيعها حمفوظة للمرتجم‪ .‬وحيظر طبع‬
‫أو تصوير أو ترمجة أو إعادة تنضيد الكتاب كامال أو مُجز ًأ أو تسجيله‬
‫على أشرطة تسجيل أو إدخاله على الكمبيوتر أو برجمته على‬
‫أسطوانات ضوئية إال مبوافقة املرتجم خطياً‪.‬‬

‫© ‪Copyright‬‬
‫‪All rights reserved‬‬

‫‪2019‬‬

‫طبعة ثانية للمرتجم منقحة‬

‫مجع وتنفيذ وإخراج‪ :‬املرتجم‬


‫المحتـــويـات‬

‫الصفحة‬ ‫املوضـوع‬

‫المحتويات‬
‫‪21‬‬ ‫الفصل األول‬
‫‪21‬‬ ‫ما هو العالج النفساني‬
‫‪21‬‬ ‫‪ .1‬ما هو العالج النفساني؟‬
‫‪23‬‬ ‫تعريف معقول‬
‫‪29‬‬ ‫تعريف موسع‬
‫‪31‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪31‬‬ ‫األسس البيولوجية النفسية للسلوك‬
‫‪31‬‬ ‫مدخل‬
‫‪33‬‬ ‫األسس البيوكيماوية لالضطرابات النفسية‬
‫‪48‬‬ ‫األسس البيونفسية لإلدمان واأللم‬
‫األسس الفيزيونفسية للتدخالت الطبية السلوكية ‪psycho physiological‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪basics of behavior medical Interventions‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثالث‬
‫‪63‬‬ ‫صور األمراض‪ ،‬التصنيف‪ ،‬التوثيق‬
‫‪63‬‬ ‫مدخل‬
‫‪68‬‬ ‫مبادئ التصنيف اإلجرائية في اآلي سي دي ‪ ICD‬والدي أس أم ‪DSM‬‬
‫‪68‬‬ ‫المبادئ‬
‫‪69‬‬ ‫العواقب بالنسبة للتصنيف‬
‫‪74‬‬ ‫مبادئ متعددة المحاور مكملة ومتممة‬

‫‪5‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪78‬‬ ‫مبادئ مكملة متعددة المحاور و تصور‬


‫‪85‬‬ ‫التوثيق‬
‫‪88‬‬ ‫نقاش و استعراض‬
‫‪89‬‬ ‫أهمية األساليب اإلجرائية‬
‫‪90‬‬ ‫خالصة‬
‫‪93‬‬ ‫الفصل الرابع‬
‫‪93‬‬ ‫التشخيص التحليلي النفساني‬
‫‪93‬‬ ‫تطور التشخيص التحليلي النفساني‬
‫‪95‬‬ ‫األساليب التشخيصية التحليلية النفسية‬
‫‪101‬‬ ‫أساليب تشخيصية مهمة مستخدمة‬
‫المقابلة التحليل نفسية األولى ‪101 psychoanalytical First interview‬‬
‫‪103‬‬ ‫نصائح للتشخيص‬
‫‪105‬‬ ‫دراسة الحالة البيوغرافية من منظور علم نفس أعماقي‬
‫‪108‬‬ ‫التوثيق‬
‫‪113‬‬ ‫دراسة الحالة السيكوسوماتية‬
‫مسودة تشخيص تحليلي متعدد األبعاد شامل‪ :‬التشخيص السيكوديناميكي اإلجرائي‬
‫‪115‬‬ ‫‪(OPD) Operationalize psycho dynamical Diagnostic‬‬
‫‪116‬‬ ‫المحور‪ -I-‬من خبرة المرض وشروط العالج‬
‫‪119‬‬ ‫المحور ‪ II‬من ‪OPD‬‬
‫‪123‬‬ ‫المحور ‪III‬من ‪ :OPD‬الصراع‬
‫‪128‬‬ ‫المحور ‪ :IV‬البنية‬
‫‪132‬‬ ‫المقابلة التشخيصية في إطار التشخيص السيكوديناميكي اإلجرائي‬
‫‪139‬‬ ‫الفصل الخامس‬
‫‪139‬‬ ‫التشخيص العالجي السلوكي‬

‫‪6‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪139‬‬ ‫سمات التشخيص العالجي السلوكي‬


‫‪141‬‬ ‫العملية العالجية التشخيصية في العالج السلوكي‬
‫‪145‬‬ ‫تحليل المشكلة –جوهر العالج السلوكي‬
‫‪147‬‬ ‫التحليل الوظيفي‬
‫‪148‬‬ ‫تحليل شروط اإلطار (الظروف المحيطة)‬
‫‪149‬‬ ‫تحليل االستعرافات‬
‫‪150‬‬ ‫تحليل الدافعية‬
‫‪151‬‬ ‫تحليل العالقة‬
‫‪151‬‬ ‫تصورات أخرى‬
‫‪153‬‬ ‫أساليب الحصول على المعلومات (الطرق التشخيصية)‬
‫‪153‬‬ ‫السبر ‪Exploration‬‬
‫‪156‬‬ ‫مالحظة السلوك‬
‫‪160‬‬ ‫اختبار السلوك‬
‫‪162‬‬ ‫لعب األدوار‬
‫‪162‬‬ ‫االستبيانات‬
‫‪163‬‬ ‫الرسم البياني و المذكرات اليومية‬
‫‪164‬‬ ‫األساليب الفيزيونفسية‬
‫‪167‬‬ ‫التشخيص العالجي السلوكي من أجل ضبط العالج‬
‫‪167‬‬ ‫من منظور البحث‬
‫‪168‬‬ ‫من منظور الممارسة‬
‫‪168‬‬ ‫طرق ضبط العالج‬
‫‪170‬‬ ‫العالقة العالجية في العملية التشخيصية‬
‫‪173‬‬ ‫الفصل السادس‬
‫‪173‬‬ ‫التشخيص باالختبارات في العالج النفساني‬

‫‪7‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪173‬‬ ‫حول مفهوم االختبارات‬


‫‪178‬‬ ‫تصنيف األساليب االختبارية‬
‫‪185‬‬ ‫مجاالت تطبيق التشخيص باالختبارات في العالج النفساني‬
‫‪185‬‬ ‫مالحظات عامة‬
‫‪186‬‬ ‫تشخيص الفاعلية ‪indication diagnostic‬‬
‫‪188‬‬ ‫قياس التعديل‬
‫‪191‬‬ ‫استعراض لألساليب االختبارية باالستناد للعالج‬
‫‪191‬‬ ‫تعددية وسائل التشخيص المتمحور على العالج‬
‫‪207‬‬ ‫الباب الثالث‬
‫‪207‬‬ ‫الفصل السابع العالج النفساني بالتحليل النفسي‬
‫‪207‬‬ ‫أسس العالج النفساني بالتحليل النفسي‬
‫‪207‬‬ ‫المريض المعاني‪ :‬التصور األساسي لفهم الصراع و المرض في التحليل النفسي‬
‫‪210‬‬ ‫االتجاهات المدرسية التحليلية النفسية في تبسيطها النموذجي‬
‫‪218‬‬ ‫النقل‬
‫‪220‬‬ ‫النقل ليس إعادة مطابقة لحقيقة الماضي‬
‫‪228‬‬ ‫النقل الموضوعاني و نقل‪-‬موضوع الذات‬
‫‪230‬‬ ‫النقل المقدس و نقل المرآة‬
‫النقل الموضوعاني و نقل موضوع الذات بوصفه ظاهرة‪-‬الخلفية والصورة‬
‫‪objectal Transmittance and Self Object-Transmittance as‬‬
‫‪232‬‬ ‫‪Figure- background-Phenomena‬‬
‫‪234‬‬ ‫التصوير النفسي النمائي للنقل‬
‫‪236‬‬ ‫تصور لشتنبيرغ عن المنظومات الوظيفية الدافعية الخمسة‬
‫‪240‬‬ ‫تصورات مختلفة‪ ،‬حول الكيفية التي يدرك فيها المريض الموقف العالجي‬
‫‪242‬‬ ‫التعامل مع النقل‬

‫‪8‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪246‬‬ ‫العمل على النقل مقابل تحليل النقل خارج عالقة‪-‬هنا‪-‬و‪-‬اآلن‬


‫‪246‬‬ ‫األهمية المركزية لنقل التحليل‬
‫‪247‬‬ ‫تكثيف النقل و عصاب النقل‬
‫‪249‬‬ ‫المقاومة والنقل‬
‫‪251‬‬ ‫التقاط تلميحات (إشارات) النقل‬
‫‪252‬‬ ‫السماح والتمكن من تقبل النقل‬
‫بدالً من االمتناع الدفاعي ‪ defensive abstinence‬تجاه عروض النقل و األدوار‬
‫االستجابة على مستوى أعلى ‪(meta level‬تقشف ذاتي ‪subjective‬‬
‫‪253‬‬ ‫‪)abstinence‬‬
‫‪257‬‬ ‫عدم موثوقية الخبرات الباكرة فقط على أساس تحليل النقل (الداخلي)؟‬
‫‪260‬‬ ‫يمكن اختبار النقل أيضاً بالطرق المموضعة‬
‫‪261‬‬ ‫النقل المعاكس‬
‫‪261‬‬ ‫ما هو النقل المعاكس؟‬
‫من الوصم ‪ stigmatize‬إلى العالمة المميزة لالحترافية التحليل نفسية –‬
‫‪263‬‬ ‫تعديالت تصور مفهوم النقل المعاكس‬
‫‪264‬‬ ‫رؤى مختلفة حول النقل‬
‫النقل المعاكس ليس مجرد نقل تفاعلي ‪–reactive‬فهم جديد للبين ذاتية‬
‫‪272‬‬ ‫التحليلية‬
‫‪275‬‬ ‫االستبطان‪ ،‬تقبل األدوار و التماهي اإلسقاطي‬
‫‪283‬‬ ‫المقاومة‬
‫‪283‬‬ ‫المقاومة ليست ظواهر شعورية‬
‫‪286‬‬ ‫يمكن للمقاومة أن تتقنع بأشكال كثيرة‬
‫‪289‬‬ ‫التعرف على مقاومة النقل‬
‫‪292‬‬ ‫أيؤكد التحليل النفسي على المقاومة بشدة؟‬
‫‪295‬‬ ‫حول مقاومة المحلل‬

‫‪9‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪302‬‬ ‫الجلسة التحليلية النفسية األولى‬


‫‪303‬‬ ‫األبعاد المعرفية للمقابلة األولى‬
‫‪307‬‬ ‫عوامل التأثير التحليل نفسية‬
‫‪308‬‬ ‫استخدام المحلل النفسي كعامل تأثير‬
‫‪309‬‬ ‫خالفات راهنة‬
‫‪314‬‬ ‫التصورات التحليلية النفسية بالمقارنة‬
‫‪318‬‬ ‫الفصل الثامن‬
‫‪318‬‬ ‫أساليب العالج التحليلي النفساني‬
‫‪319‬‬ ‫منهجية أساليب العالج التحليلي النفساني‬
‫‪321‬‬ ‫تاريخ العالج التحليلي النفساني‬
‫‪324‬‬ ‫التحليل النفسي التقليدي‬
‫‪331‬‬ ‫الفاعلية و الشروط‬
‫‪333‬‬ ‫أساليب العالج المشتقة من التحليل النفسي‬
‫‪333‬‬ ‫أساليب العالج النفساني التحليلي‬
‫‪333‬‬ ‫العالج النفساني التحليلي طويل األمد‬
‫‪335‬‬ ‫العالج التحليلي النفساني قصير األمد‬
‫‪336‬‬ ‫الفاعلية ‪Indication‬‬
‫‪337‬‬ ‫العالج البؤري‬
‫أساليب العالج ذات التوجه التحليلي النفساني أو القائمة على أساس علم نفس األعماق‬
‫‪340‬‬
‫‪344‬‬ ‫الفاعلية‬
‫‪345‬‬ ‫العالج التحليلي لألطفال واليافعين‬
‫أساليب العالج التحليلي و القائمة على أساس علم نفس األعماق في المجموعة ‪346‬‬
‫‪348‬‬ ‫العالج النفساني التحليلي في المجموعة‬

‫‪10‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪350‬‬ ‫العالج الزوجي المتجه اتجاهاً تحليلياً نفسياً‬


‫‪352‬‬ ‫مجاالت استخدام العالج النفساني التحليلي‬
‫‪352‬‬ ‫العالج النفساني المركزي (الترقيدي)‬
‫‪355‬‬ ‫اإلرشاد‬
‫‪356‬‬ ‫أساليب العالج غير التحليلي النفساني غير اللفظية‬
‫‪358‬‬ ‫أساليب العالج التحليلي النفساني في الضمان الطبي‬
‫‪365‬‬ ‫الباب الربع‬
‫‪365‬‬ ‫العالج السلوكي‬
‫‪365‬‬ ‫أسس وتطور العالج السلوكي‬
‫‪365‬‬ ‫نبذة تاريخية ووصف العالج السلوكي‬
‫‪367‬‬ ‫فرضيات النموذج‪ :‬من المثير‪-‬االستجابة إلى نموذج النظام‬

‫‪373‬‬ ‫‪ .1‬متغيرات ‪ ‬و ‪ ‬و ‪‬‬

‫‪375‬‬ ‫‪ .2‬منظومة التنظيم الذاتي‬


‫‪376‬‬ ‫‪ .3‬الديناميكية‬
‫‪378‬‬ ‫أعمدة العالج السلوكي‬
‫الوظيفي‬ ‫‪.1‬التحليل‬
‫‪379‬‬
‫‪381‬‬ ‫‪ .2‬نظرية التعلم التقليدية و الحديثة‬
‫‪383‬‬ ‫‪ .3‬العالج السلوكي االستعرافي‬
‫‪384‬‬ ‫‪ .4‬الطب السلوكي‬
‫‪386‬‬ ‫‪ .5‬التقويم‬
‫‪387‬‬ ‫العالج كعملية تعديل‪-‬نموذج متدرج للعالج السلوكي‬
‫‪387‬‬ ‫نموذج من سبع مراحل للتعديل العالجي‬
‫‪388‬‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬تحقيق شروط انطالق مالئمة‬

‫‪11‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪389‬‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬بناء دوافع التعديل‬


‫‪390‬‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬تحليل السلوك‬
‫‪392‬‬ ‫المرحلة الرابعة‪ :‬االتفاق على األهداف العالجية‬
‫‪393‬‬ ‫المرحلة الخامسة‪ :‬تنفيذ العالج‬
‫‪394‬‬ ‫المرحلة السادسة‪ :‬تقويم التقدم‬
‫‪395‬‬ ‫المرحلة السابعة‪ :‬تقديس النجاح‪/‬التعميم‬
‫‪398‬‬ ‫تشخيص السلوك و تحليل السلوك‬
‫‪398‬‬ ‫التشخيص كتفسير‬
‫‪400‬‬ ‫التشخيص التقليدي و تشخيص السلوك‬
‫‪403‬‬ ‫سمات تشخيص السلوك‬
‫‪403‬‬ ‫التأصيل‬
‫‪404‬‬ ‫المقبولية ‪Plausibility‬‬
‫‪404‬‬ ‫األهمية العالجية‬
‫‪405‬‬ ‫المبدأ متعدد المستويات‬
‫‪408‬‬ ‫تحديد الهدف‪ ،‬تحليل السلوك‪ ،‬التخطيط للعالج‬
‫‪413‬‬ ‫خالصة‬
‫‪415‬‬ ‫طرق العالج السلوكي‬
‫‪418‬‬ ‫تقنيات ضبط المثير‪/‬و المواجهة و أساليب التغلب‬
‫‪430‬‬ ‫التدخالت المتناقضة ‪paradox Intervention‬‬
‫‪431‬‬ ‫مواجهة القلق‬
‫‪432‬‬ ‫عناصر التدريب لمواجهة القلق‬
‫‪434‬‬ ‫األساليب اإلجرائية (=طرق لضبط السلوك من خالل تعديل النتائج)‬
‫‪437‬‬ ‫أساليب لبناء السلوك والحفاظ عليه‬
‫‪441‬‬ ‫استراتيجيات إجرائية لتثبيت السلوك‬

‫‪12‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪443‬‬ ‫استراتيجيات إدارة االحتمالية‬


‫‪445‬‬ ‫خالصة‬
‫‪446‬‬ ‫التعلم وفق النموذج‬
‫‪449‬‬ ‫طرق ضبط الذات‬
‫‪450‬‬ ‫‪ .1‬مبادئ و توضيحات للمفاهيم‪ :‬إدارة الذات‪ ،‬تنظيم الذات‪ ،‬ضبط الذات‬
‫‪451‬‬ ‫توضيح المفاهيم‬
‫‪453‬‬ ‫‪ .1‬طرق ضبط الذات‬
‫‪454‬‬ ‫مالحظة الذات‬
‫‪455‬‬ ‫ضبط المثير‬
‫‪456‬‬ ‫ضبط االحتمالية‬
‫‪457‬‬ ‫‪ .2‬ميزات ومشكالت أساليب ضبط الذات‬
‫‪459‬‬ ‫طرق أساليب العالج االستعرافي‬
‫‪461‬‬ ‫‪ .1‬األساليب المغطاة‬
‫‪464‬‬ ‫خالصة‬
‫‪464‬‬ ‫طرق إعادة البناء االستعرافي‬
‫‪464‬‬ ‫بيك‪ :‬العالج االستعرافي ‪A. T. Beck: Cognitive Therapy‬‬
‫‪A.‬‬ ‫إيليز‪ :‬العالج االنفعالي المنطقي ‪Ellis: Rational-Emotive4-‬‬
‫‪468‬‬ ‫)‪Therapy (RET‬‬
‫‪470‬‬ ‫مايكنباوم‪ :‬الحوار الداخلي‬
‫‪478‬‬ ‫خالصة‬
‫‪479‬‬ ‫العالج السلوكي‪ :‬االستخدام والمنظور‬
‫‪480‬‬ ‫حول دور العالج السلوكي في الرعاية‬
‫‪484‬‬ ‫خالصة‬
‫‪484‬‬ ‫الفاعلية و التكاليف و الفوائد‬

‫‪13‬‬
‫المحتـويـات‬

‫‪485‬‬ ‫العالج السلوكي خارج المجال اإلكلينيكي‬


‫‪487‬‬ ‫العالج السلوكي‪ :‬على طريق عالج نفسي عام‬
‫‪495‬‬ ‫الباب الخامس‬
‫‪495‬‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬كيف يساعد العالج النفساني؟‬
‫‪495‬‬ ‫بحث العالج النفساني و الممارسة العالجية النفسي‬
‫‪496‬‬ ‫عرض‬
‫‪498‬‬ ‫األسس المنهجية و المفاهيمية لبحث العالج النفساني‬
‫‪499‬‬ ‫تصور الصناديق الخمسة للبيانات‬
‫‪501‬‬ ‫ميزات وسلبيات أهم استراتيجيات البحث‬
‫‪504‬‬ ‫التحليالت البعدية لتوليفات البحث بوصفها أفضل أساليب التقويم‬
‫‪511‬‬ ‫عوامل تأثير العالج النفساني‬
‫‪511‬‬ ‫نظريات ونماذج مستقلة عن المدارس‬
‫‪519‬‬ ‫عرض‪ :‬لعوامل التأثير العامة للعالج النفسي (بعض األمثلة)‬
‫‪521‬‬ ‫عوامل التأثير الخاصة بالمنهجية‬
‫‪522‬‬ ‫العالج النفساني التحليلي النفساني‬
‫‪522‬‬ ‫العالج السلوكي‬
‫‪523‬‬ ‫عرض لنموذج األطوار للعالج السلوكي‬
‫‪524‬‬ ‫العالج النفساني في المجموعة‬
‫‪527‬‬ ‫العالج النفساني المركزي‬

‫‪14‬‬
‫مقدمة املترجم‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫مر العالج النفساني منذ نشوئه وحتى اليوم مبجموعة كبرية من التطورات‬
‫والتغريات بفضل البحث العلمي واخلربات اإلكلينيكية اليت أدت إىل توسيع‬
‫معارفنا‪ ،‬وبشكل خاص فيما يتعلق بالعالج النفساني والعالج الدوائي‪ ،‬وإىل‬
‫مزيد من الفهم لألسس النفسية والبيولوجية لالضطرابات النفسية‪ ،‬وإىل حتسني‬
‫الوسائل التشخيصية النفسية والطبية النفسية‪ ،‬وحتديد أوضح للحدود‬
‫واإلمكانات‪ .‬وهذا ما يفتح الباب واسعاً على مصراعيه حنو الدعوة إىل التعاون‬
‫بني املدارس واالجتاهات بدالً من املواجهة‪ .‬وهذا ال يعين إزالة الفروق بني االجتاهات‬
‫املختلفة‪ ،‬فالفروق ستظل بني األساليب والطرق املختلفة موجودة وهي ليست‬
‫بالقليلة على اإلطالق‪.‬‬
‫وهو يف النهاية يسعى حنو تهديم اجلدار بني املدارس العالجية واجملموعات املهنية‪.‬‬
‫وهو بهذا يتطرق ألهم اجتاهات النقاش الراهنة يف العالج النفساني‪ ،‬ويهدف إىل‬
‫اإلسهام يف هذه االجتاهات يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫وهو ككتاب مرجعي يقدم إمكانية التعرف على أسس أهم اجتاهني رئيسيني‬
‫يف العالج النفساني بشكل منهجي ومؤسس وموضوعي ومتمركز حول املمارسة‬
‫يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫ومن هذا املنظور حياول الكتاب توضيح األسس النظرية للتحليل النفساني‬
‫والعالج السلوكي مبتدئا مبحاولة اإلجابة عن السؤال املتعلق مباهية العالج‬
‫النفساني‪ ،‬وهي إجابة ليست سهلة يف كل األحوال‪ ،‬وقد تتطلب قراءة الكتاب‬
‫كامالً قبل أن يستطيع اإلنسان الوصول إىل تصور عما ميكن أن تكون عليه‬
‫ماهية العالج النفساني‪ .‬ويعطي حملة عن األسس البيو‪-‬نفسية للسلوك للعالج‬
‫النفسي من أجل متكني املعاجل النفساني من فهم املعادِالت البيولوجية للسلوك‬
‫اإلنساني وفهم آلية تأثري األدوية النفسية بشكل أفضل وفيما يتعلق باألسس‬

‫‪15‬‬
‫مقدمة المترجم‬

‫الفيزيونفسية للتدخالت الطبية السلوكية‪.‬‬


‫وال يقتصر هذا الكتاب على عرض لألسس النظرية اليت يقوم عليها كل من‬
‫التحليل النفسي والعالج السلوكي‪ ،‬وإمنا يوضح أيضاً مسألة التشخيص‬
‫وأساليبها يف كال االجتاهني‪ ،‬مبيناً يف البداية أهمية التصنيف والتوثيق واألسس‬
‫اليت يقوم عليها التشخيص يف التحليل النفسي والعالج السلوكي والتشخيص‬
‫باالختبارات يف العالج النفساني عموماً واملركز الذي حيتله هذا التشخيص‬
‫بالنسبة للممارسة العالجية‪ .‬وينتقل بعد ذلك ملعاجلة أسس العالج النفساني‬
‫التحليلي باجتاهاته املختلفة وموضحاً أعمدة العالج التحليلي "النقل‪ ،‬والنقل‬
‫املعاكس واملقاومة" متتبعا إياها عرب االجتاهات التحليلية املختلفة واألهمية اليت‬
‫تعطى هلذه أو تلك من املتغريات‪ .‬ثم يناقش العالج السلوكي وأسسه ومفهومه‬
‫للعالج باعتباره عملية تعديل‪ ،‬وتشخيص السلوك وحتليله واستخداماته املختلفة‪.‬‬
‫ويف الفصل األخري من الكتاب حياول الكتاب اإلجابة عن السؤال عن الكيفية‬
‫اليت يؤثر فيها العالج النفساني ويناقش األسس املنهجية واملفاهيمية ألحباث العالج‬
‫النفساني‪ .‬وعوامل تأثري العالج النفساني‪ ،‬العامة منها واخلاصة‪.‬‬
‫أما الفئة اهلدف اليت يتوجه إليها هذا الكتاب فهي‪ :‬طالب وطالبات علم النفس والطب‬
‫الذين يهتمون بالعالج النفساني ويرغبون يف تأهيل وإعداد أنفسهم يف هذا امليدان‪.‬‬
‫واملتعلمني الذين حيتاجون إىل أساس لتأهيلهم وتدريبهم املستمر‪ .‬واملعلمني الذين‬
‫جيدون احملتويات األساسية معروضة بشكل واضح وشامل من خرباء معرتف بهم‪،‬‬
‫واملعاجلني النفسانيني احملرتفني الذين يتجرؤون على إلقاء نظرة خارج جدارهم‬
‫اخلاص‪ ،‬ناهيك عن اجلمهور املهتم الذي ميكنه من خالل هذا الكتاب احلصول على‬
‫انطباع موضوعي تفريقي‪.‬‬
‫يأتي هذا الكتاب ليسهم بإضافة مهمة إىل املكتبة العربية من جهة طريقة العرض‬
‫واحملتوى‪ ،‬معرباً يف الوقت نفسه عن التطورات احلديثة املتعلقة بالتشخيص‬
‫والتصنيف والتوثيق واألسس النظرية اليت تعطي القارئ املتخصص البعد املعمق‬

‫‪16‬‬
‫مقدمة المترجم‬

‫للممارسة التحليلية والسلوكية‪ ،‬وتتيح للقارئ الذي هو على طريق التخصص‬


‫إمكانية اختيار االجتاه الذي جيد نفسه فيه‪ .‬ولعلنا يف الوطن العربي بأمس احلاجة‬
‫إىل مثل هذا النوع من الكتب اليت تسعى إىل ترسيخ وتعميق مبادئ املمارسة‬
‫النفسية العالجية بأشكاهلا املختلفة من أجل مزيد من التأصيل وكي تصبح‬
‫املمارسة النفسية يف وعي اجلمهور (واملتخصصني) عملية علمية تقوم على أسس‬
‫نظرية عميقة اجلذور ومؤصلة علمياً‪.‬‬
‫عندما يصدر الكتاب يكون املؤلف قد قدم ما أمكنه تقدميه وانسحب تارك ًا‬
‫اجملال للقارئ ليقدر مدى اجلهد الذي ميكن أن يكون قد بذله قبل أن يظهر‬
‫الكتاب إىل النور‪ ،‬ويف النهاية قد يقرر حمتوى الكتاب أو اهتمامات القارئ مثل هذا‬
‫األمر‪ .‬وكذلك يكون حال املرتجم الذي ال يتحمل مسؤولية اختيار وانتقاء احملتوى‬
‫فحسب بل حياول تطويع اللغة والفكرة لتصل لقارئ حتكمه أطر ثقافية‬
‫ومرجعية خمتلفة‪ ،‬وهي مهمة ليست سهلة يأمل املرتجم أن يكون قد وفق فيها إىل‬
‫حد ما‪ ،‬وإن ظهر تقصري فمرده إىل وحدي أحتمل مسؤوليته‪ ،‬وحسيب أني عملت‪ ،‬ومن‬
‫يعمل خيطئ ومن ال يعمل ال خيطئ‪ .‬أرجو أن يكون هذا الكتاب قد حقق‬
‫األهداف اليت سعيت إليها من خالل تقدميي إياه للقارئ العربي‪ ،‬وأن يسهم يف حتسني‬
‫وتعميق جذور املمارسة العالجية النفسانية العلمية يف الوطن العربي‪ ،‬وأن‬
‫ينعكس ذلك على العينة اهلدف اليت يسعى العالج النفساني بالدرجة األوىل إىل‬
‫تقديم خدماته هلا‪ ،‬ومساعدتها على مواجهة متطلبات حياتها بشكل أفضل‪.‬‬

‫واهلل املوفق‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬سامر مجيل رضوان‬

‫‪17‬‬
‫مقدمة المترجم‬

‫‪18‬‬
‫مقدمة المترجم‬

‫الباب األول‬
‫ما هو العالج النفساين‬

‫‪19‬‬
‫مقدمة المترجم‬

‫‪20‬‬
‫الفصل األول‬

‫ما هو العالج النفساني‬

‫‪W. Senf & M. Broda‬‬

‫‪ .1‬ما هو العالج النفساني؟‬


‫يشهد ميدان العالج النفساين يف الوقت الراهن الكثري من التحوالت الواسعة والعميقة‪.‬‬
‫ال يمكن أن يوضح الصورة حول ماهية العالج النفساين‪.‬‬ ‫ولعل حمتوى الكتاب كام ً‬
‫وهناك كم كبري من تعاريف العالج النفساين‪ .‬فكل متخصص له تعريفه اخلاص‪ ،‬ويركز‬
‫عىل مظاهر حمددة يف تعريفه متيز قناعاته املدرسية األساسية وخرباته الشخصية‪.‬‬
‫وسنحاول يف هذا الفصل اإلجابة عن السؤال حول ماهية العالج النفساين‪.‬‬
‫فام هو العالج النفساين؟‪ :‬هل هو عالج فرويد الناطق ‪ Talking Cure‬من خالل‬
‫قوة الكلامت السحرية أم أنه كام عرب عنه رايمي (‪ Raimy )1950‬بعد مخسني سنة من‬
‫فرويد بشكل هتكمي ‪ sarcastic‬عىل أنه تقنية غري حمددة يف حاالت غري خاصة مع نتيجة‬
‫غري قابلة للتنبؤ؟ أم أن العالج النفساين ما يراه تسايغ ‪ Zeig‬الذي مجع يف هناية عام ‪1994‬‬
‫يف "مؤمتر "تطور العالج النفساين ‪"Evolution of Psychotherapy‬قادة علم النفس‬
‫كلهم يف العامل تقريب ًا بأنه استخدام التواصل من أجل متكني املتعاجلني‪" ،‬بتنفيذ ما يمكن‬
‫حتقيقه بالنسبة له‪ ،‬ما يمكن أن يكون قد نواه‪ ،‬ولكنه مل يتمكن من حتقيقه بعد‪ ،‬ألنه ال‬
‫يعتقد بأنه بالفعل ممكن له"‪ ،‬وأن "املعاجلني النفسانيني هنا جيعلون غري املمكن ممكن ًا أو‬
‫ال للتحقيق؟‬ ‫قاب ً‬
‫‪communicative and‬‬ ‫هل العالج النفساين هو عملية مشكلة تواصلية واجتامعية‬
‫‪ social problem process‬يستخدم تفاعل املعالج‪-‬املتعالج يف إطارها كوسيلة مساعدة‬
‫لتوسيع اخلربات‪ ،‬يفرتض فيه أن يتم إيصال املتعالج من نقطة انطالق غري مرغوبة إىل‬

‫‪21‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫حالة هدف مرغوب )‪(Kanfer, Reinecker & Schmelzer, 1990‬؟‬

‫في أحد أعمال فرويد الباكرة في عام ‪ :1905‬بعنوان "المعالجة النفسية‬


‫‪ "Psychological cure‬كتب "سيكو ‪ Psycho‬كلمة التينية وتعني‬
‫ووفقاً لهذا فإن المعالجة النفسية‬ ‫مترجمة إلى األلمانية النفس‪( 1‬الروح)‪.‬‬
‫ويمكننا من هذا القول‪ :‬إن المعالجة النفسية هي معالجة‬ ‫معالجة الروح‪.‬‬
‫غير أن هذا ليس هو معنى‬ ‫الظواهر المرضية للحياة النفسية (الروحية)‪.‬‬
‫هذه الكلمة‪ .‬فالعالج النفساني يؤكد على العالج انطالقاً من النفس (الروح)‪.‬‬
‫أي عالج االضطرابات –النفسية والجسمية‪ -‬بالوسائل التي تؤثر بشكل مباشر‬
‫والكلمات هي‬ ‫وهذه الوسائل هي الكلمة بشكل خاص‪.‬‬ ‫على نفسية اإلنسان‪.‬‬
‫وقد يصعب على الجمهور إدراك أن‬ ‫األدوات األساسية لعالج النفس‪.‬‬
‫االضطرابات المرضية للنفس والبدن تعالج "بمجرد" كلمات الطبيب‪ .‬وسوف‬
‫يظن أن اإلنسان يريد إقناعه باالعتقاد بالسحر‪ .‬إنه بهذا ليس على خطأ كلية؛‬
‫فكلمات أحاديثنا اليومية ليست أكثر من سحر منفوث‪ .‬إال أنه من الضروري‬
‫سلوك طريق آخر من أجل توضيح كيف يعمل العلم من أجل استرجاع ولو‬
‫جزء على األقل من القوة السحرية الباكرة للكلمات‪.‬‬

‫هل العالج النفساين هو املساعدة العلم نفسية املتخصصة للمتعاجلني يف مواجهة‬


‫اضطراباهتم النفسية أو املظاهر النفسية لالضطرابات اجلسدية من خالل العمل اهلادف‬

‫النفس‪ :‬الروح يف قوله تعاىل‪{ :‬أخرجوا أنفسكم} <األنعام‪ >93/‬قال‪{ :‬واعلموا أن اهلل يعلم ما يف أنفسكم‬ ‫‪1‬‬

‫فاحذروه} <البقرة‪ ،>235/‬وقوله‪{ :‬تعلم ما يف نفيس وال أعلم ما يف نفسك} <املائدة‪ ،>116/‬وقوله‪:‬‬
‫{وحيذركم اهلل نفسه} <آل عمران‪ >30/‬فنفسه‪ :‬ذاته‪ ،‬وهذا ‪ -‬وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف‬
‫ومضاف إليه يقتيض املغايرة‪ ،‬وإثبات شيئني من حيث العبارة ‪ -‬فال يشء من حيث املعنى سواه تعاىل عن االثنوية‬
‫من كل وجه‪ .‬وقال بعض الناس‪ :‬إن إضافة النفس إليه تعاىل إضافة امللك‪ ،‬ويعني بنفسه نفوسنا األمارة بالسوء‪،‬‬
‫وأضاف إليه عىل سبيل امللك‪ .‬مفردات غريب القرآن لألصفهاين)‪( .‬املرتجم)‬

‫‪22‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪(Bastine,‬‬ ‫واملربر علمي ًا للمعالج النفساين بنوع خاص من العالقة البني شخصية؟‬
‫)‪ 1982‬؟‬
‫أم أن العالج النفساين بوصفه مهنة غري معقولة هو أقرب للفن منه إىل العلم؟ أم‬
‫أن العالج النفساين هو ببساطة كل ما يفعله معالج نفيس حمرتف؟‬
‫وعىل ما يبدو فإن إجياد إجابة واضحة وحمددة عن السؤال حول ماهية العالج‬
‫النفساين ليس باألمر اليسري‪ .‬فاملراجع ال تساعد كثري ًا عىل إجياد تعريف واضح‪ ،‬فهناك‬
‫نجد تعاريف صعبة أو ال نجد عىل اإلطالق‪ .‬أو أننا نجد أنه قد تم حتت مفهوم العالج‬
‫النفساين جتميع جمموعة من أساليب العالج النفسانية أو التقنيات العالجية تشرتك‬
‫مجيعها يف أهنا تزعم أهنا تتناول األعراض الباثولوجية بالطرق النفسية‪ ،‬مع العلم أن‬
‫‪1‬‬

‫االختيار يتم حسب املوقع التخصيص أو التوجه املدريس‪ .‬وحتى اجلمهور غري‬
‫املتخصص (املرىض ومسؤولو الصحة وصناديق الضامن الصحي‪ ...‬الخ)‪ ،‬فإهنم غالب ًا‬
‫جيهلون ذلك‪ .‬والواضح هو أنه البد وأن يكون العالج النفساين عبارة عن تنوع ملون‬
‫تصعب اإلحاطة به ومن ثم فهو غامض‪ ،‬وأن هناك عارضون شديدو االختالف‬
‫يتنافسون‪ ،‬بل أهنم غالب ًا عىل ملء صوهتم يف وسائل اإلعالم‪ .‬وعىل أية حال فقد مجع‬
‫هرينك يف عام ‪ Hernik 1980‬أكثر من ‪ 250‬طريقة من طرق العالج‪.‬‬

‫تعريف معقول‬
‫من بني كثري من حماوالت تعريف العالج النفساين يوجد تعريف مازال حتى اليوم‬
‫أفضل تعريف مناسب‪ ،‬وذلك يف سبيل حتقيق التنظيم واملنهجية يف هذا التنوع‪ .‬ويقصد‬
‫هبذا التعريف الذي وضعه سرتوتسكا يف عام ‪ Strotska 1975‬يف كتابه الذي مازال حتى‬
‫اليوم جدير ًا بالقراءة وحديث ًا بعنوان‪" :‬العالج النفساين‪ :‬األسس واألساليب‬
‫والفاعلية"‪ ،‬وباملناسبة فهو أول كتاب تكاميل حول العالج النفساين‪.‬‬

‫ِ‬
‫وأعراضها)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(أسباهبا‬ ‫‪ 1‬الباثولوجيا؛ ِعلم األمراض‬

‫‪23‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وطبقاً لذلك فإن العالج النفساني‪:‬‬


‫عملية تفاعلية هادفة ومخططة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫للتأثير باضطرابات السلوك وحاالت المعاناة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫تتم ممارسته باتفاق (قدر اإلمكان بين المريض والمعالج واألطر‬ ‫‪‬‬
‫المرجعية) لمحتاجي المعالجة‪،‬‬
‫بالوسائل العلم نفسية (من خالل التواصل)‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫غالباً لفظياً‪ ،‬ولكن بشكل غير لفظي أيضاً‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫باتجاه هدف محدد‪ ،‬مبني بصورة مشتركة حسب اإلمكانية (تخفيض‬ ‫‪‬‬
‫العرض أو تغيير بنية الشخصية أو كالهما)‪،‬‬
‫بواسطة تقنيات قابلة للتعلم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫على أساس السلوك الطبيعي والمرضي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫في العادة يكون وجود ارتباط انفعالي مثمر ضروري‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وعىل الرغم من أنه قد متت صياغة هذا التعريف يف عام ‪ 1975‬بشكل ذرائعي‬
‫(عميل) واستند إىل ما ينبغي للعالج النفيس أن يكون عليه فإنه هناك القليل إلضافته له‬
‫من املنظور الراهن‪ .‬إنه تعريف شامل وصائب ومقبول من غالبية املعاجلني النفسانيني‪.‬‬
‫ونرغب هنا بإكامله وتدقيقه من خالل املبادئ واألفكار واملالحظات التالية‪.‬‬

‫العالج النفساني هو عالج المرضى في األمراض واألوجاع والشكاوى‬


‫واالضطرابات ذات المصدر النفسي وفق قوانين الهيئة الصحية العامة وفي‬
‫إطارها‪.‬‬

‫وينبغي ملفهوم العالج النفساين أن يقع يف جمال العالج املنهجي للمرىض يف الرعاية‬
‫الطبية من خالل اخلدمات العالجية النفسانية‪ ،‬وينبغي أن تتم معاملته يف املستقبل طبق ًا‬

‫‪24‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫لذلك‪ .‬العالج النفساين عبارة عن اإلجراء العالجي املتخصص املربهن علمي ًا واملخترب‬
‫إمبرييقي ًا‪ ،‬يتم القيام به بالوسائل والطرق العلم نفسية يف اخلربة والسلوك هبدف عالج‬
‫األمراض ذات املنبع النفيس أو الوقاية منها )‪.(Huber,1992‬‬
‫ويتوجه العالج النفساين بوصفه مهنة معاجلة إىل األمراض النفسانية أو األمراض‬
‫اجلسمية ذات املنبع النفساين‪ .‬وتعرف األمراض النفسية عىل أهنا االضطرابات املرضية‬
‫يف اإلدراك ومتثل اخلربة والعالقات االجتامعية ووظائف اجلسد‪ ،‬مع العلم أن الطبيعة‬
‫املرضية هلذه االضطرابات تتجىل بالدرجة األوىل من خالل أهنا ال تعود خاضعة للتوجيه‬
‫اإلرادي للمريض أو أهنا تكون خاضعة للضبط بشكل جزئي؛ وتصبح ملموسة من‬
‫خالل أعراض نفسانية أو جسمية ويف أنامط السلوك املرضية‪ ،‬والتي يمكن أن تكمن‬
‫خلفها األزمات الراهنة للحدث النفيس‪ ،‬وكذلك البنى والوظائف النفسية واجلسمية‬
‫املرضية‪ .‬ويقصد بالبنى النفسية أسس احلدث النفيس االستعدادية فطري ًا واملكتسبة‬
‫حياتي ًا‪ ،‬القابل للمالحظة (أي احلدث النفيس) املبارشة ولالستنتاج غري املبارش‪ .‬وضمن‬
‫هذا املفهوم املريض تقع كل العصابات واألمراض النفسية واضطرابات الشخصية‪.‬‬
‫أما جماالت تطبيق العالج النفساين خارج جمال عالج األمراض فيكمن يف الوقاية‬
‫وإعادة التأهيل‪.‬‬
‫‪life wisdom‬‬ ‫وينبغي فصل العالج النفساين عن العناية بواسطة حكمة احلياة‬
‫التطبيقية يف إطار الرعاية االجتامعية النفسانية واإلرشاد اللذان عىل الرغم من أهنام يمكن‬
‫أن يستخدما التدخالت النفسية اإلكلينيكية أو تقنيات عالجية نفسية منفردة‪ ،‬ولكن ال‬
‫يمكن تسميتها بالعالج النفساين‪.‬‬
‫ملزمة بالنسبة ملامرسة مهنة العالج عىل كل‬
‫حيدث العالج النفساين يف داخل أطر ِّ‬
‫معالج نفيس االلتزام هبا‪ .‬ويفرتض أن تكون األسس املتعلقة بالسياسة الصحية‬
‫واالقتصادية والقانونية واألخالقية ومتويل العالج النفساين ووسائله حمددة ومنظمة‬
‫بدقة يف اهليئة الصحية‪ .‬ومن الناحية القانونية فإن كل معالج نفساين يرتبط مع متعاجليه‬

‫‪25‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بعالقة عمل ال تتحدد من خالهلا العالقة العالجية فحسب والتي ينبغي أن تتحدد‬
‫بوضوح عن العالقة الشخصية‪ ،‬وإنام التي يتم احلث فيها عىل أن يتم تقديم أفضل‬
‫مساعدة ممكنة للمتعالج تتناسب مع املستوى الراهن للتطور‪.‬‬

‫يستند العالج النفساني على النظريات المؤسسة نظرياً والمختبرة‬


‫إمبيريقياً حول نشوء وشفاء ومعالجة األمراض واالضطرابات ذات المنبع‬
‫النفسي ويتم باستخدام أساليب عالجية نفسية مبرهنة علمياً‪.‬‬

‫ويفرتض أن يكون من البدهيي أن كل شكل من العالج النفساين يقوم عىل نظرية‬


‫للشخصية واضطراهبا وعىل نظرية علمية حول تعديل االضطرابات النفسية وأن كل‬
‫شكل من العالج النفساين يستخدم تقنية تعديل جمربة وخمتربة إمبرييقي ًا‪ .‬وهذه الرشوط‬
‫ال تتحقق يف كثري من األساليب العالجية النفسانية املوجودة يف السوق أو تشوهبا‬
‫العيوب‪ .‬ولكن هذا ال يعني أن تقنيات التدخل العالجية النفسانية املنبثقة من مثل هذه‬
‫األساليب ال يمكن أن تكون غري ذات فائدة عالجية‪ .‬إال أنه من حيث املبدأ املطلوب‬
‫من كل أسلوب عالجي نفساين وكل تقنية عالجية نفسانية االختبار اإلمبرييقي والتأكيد‬
‫أو اإلثبات يف دراسات مضبوطة‪.‬‬
‫ومن حسن احلظ فقد حققت أبحاث العالج النفساين يف العقدين األخريين من‬
‫القرن العرشين تقدم ًا كبري ًا وحتى بالنسبة للمامرسة العالجية النفسانية‪ ،‬وهو ما جتىل يف‬
‫كتاب "العالج النفساين و التعديل السلوكي ‪Handbook of Psychotherapy and‬‬
‫‪ "Behavioral Change‬لغارفيلد وبريغاين (‪ ( Garfield and Bergin )1994‬ويف‬
‫جمالت مثل‪Psychotherapy research; Journal of Psychotherapy Integration; :‬‬
‫‪Psychosomatische‬‬ ‫‪Medizin‬‬ ‫‪und‬‬ ‫;‪Psychoanalyse‬‬ ‫‪Psychotherapy,‬‬
‫‪Psychosomatik,‬‬ ‫‪Medizinische‬‬ ‫;‪Psychologie‬‬ ‫;‪Psychotherapeut‬‬
‫وتوجد اليوم نظريات تصورات ممتدة عرب النظرية وعرب‬ ‫‪.)Verhaltenstherapie‬‬

‫‪26‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املدرسية وأدلة عالج مفصلة‪ .‬وتعد املبادئ العالجية النفسانية التكاملية من املؤرشات‬
‫املستقبلية للتطور احلديث للعالج النفساين‪.‬‬

‫يتم إجراء العالج النفساني باستخدام تشخيص وتشخيص‬


‫تفريقي مؤهلين باستخدام كل األساليب والطرق المتوفرة‬
‫واالستفادة منها‪ ،‬ومن خالل أهداف عالجية مصاغة مسبقاً‬
‫‪ priori‬ومقومة بعدياً ‪.posterior‬‬
‫وما هو مفيد يمكنه أن يكون ضار ًا أيض ًا‪ .‬وتنطبق هذه احلكمة القديمة عىل العالج‬
‫النفساين أيض ًا‪ .‬وقد شبه فرويد العالج النفساين بالعملية اجلراحية‪ ،‬من أجل استثارة‬
‫التفكري من خالل هذه املطابقة بأن "التدخل" العالجي النفيس يقود إىل تغريات نفسية‬
‫داخلية ذات عواقب ممكنة واسعة ويمكنه أن يعدل البنى النفسية الداخلية بشكل مفيد‪،‬‬
‫ولكنه يمكن أن يلحق األذى هبا‪ .‬وهلذا السبب البد من استخدام العالج النفساين فقط‬
‫يف األمراض واالضطرابات ذات األمهية املرضية ‪ clinical significance‬ويف املعاناة التي‬
‫حتتاج للعالج باملعنى اإلكلينيكي‪ .‬أما املشكالت احلياتية العامة أو املشكالت املهنية أو‬
‫املشكالت الرتبوية أو اضطرابات العالقة فال تقع ضمن فئة األمراض النفسية ومن ثم‬
‫فهي ال تقع ضمن جمال استطباب ‪ Indication‬العالج النفساين‪.‬‬
‫البد وأن يكون من البدهيي أن كل تدخل عالجي نفساين قد سبقه تشخيص‬
‫وتشخيص تفريقي موثقني استناد ًا إىل اإلجراءات الواعدة بالنجاح عىل األغلب‪.‬‬
‫كذلك البد من أن يكون أمر ًا بدهيي ًا بالنسبة لكل معالج نفيس أن يقوم باختبار نتيجة‬
‫عالجه بعد العالج واختبار مدى حتقيق األهداف العالجية التي متت صياغتها قبل‬
‫العالج‪ .‬ويبدو هذا مه ًام بالنسبة لنا من أجل جتنب العشوائية يف التفسريات السببية‪post-‬‬

‫‪27‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بالنسبة للعمليات احلاصلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪hoc interpretation‬‬

‫وكام أنه ال جيوز القيام بأي إجراء عالجي طبي دون اختبار مدى نجاحه‪ ،‬فإن‬
‫األساليب العالجية النفسانية خاضعة كذلك لالختبار العام‪.‬‬

‫جيرى العالج النفساين من معاجلني نفسانيني متخصصني (حمرتفني)‬ ‫‪‬‬


‫ال مهني ًا خمترب ًا وكافي ًا ضمن حتقيق إجراءات ضامنة للجودة‬
‫حيملون تأهي ً‬
‫وضمن إطار املقدرة االقتصادية واحلفاظ عىل املعايري املبادئ األخالقية‬
‫األساسية‪.‬‬

‫‪doctoral‬‬ ‫يتم إجراء العالج النفساين يف العادة من املعاجلني النفسانيني األطباء‬


‫‪ Psychotherapist‬واملعاجلني النفسانيني من متخصيص علم النفس ‪psychological‬‬
‫‪ Psychotherapist.‬وممارسة العالج النفساين نشاط شديد املسؤولية يشرتط سنوات‬
‫طويلة وشديدة املطالب من التأهيل املهني املعرتف به‪ .‬مع رضورة التأهيل اإلكلينيكي‬
‫"عىل املرىض" شبه امليداين وأن يمر املعالج املستقبيل حتت اإلرشاف بخربات عملية كافية‬
‫مع صور األمراض واالضطرابات النفسية التي عليه يف املستقبل أن يعاجلها بشكل‬
‫مستقل‪ .‬التأهيل يف العالج النفساين يمتد ألبعد من تعلم النظرية‪ ،‬إىل "التعلم بالعمل‬
‫‪ "learning by doing‬حتت إرشاف ‪ supervision‬وخربات ذاتية كافية‪ .‬والبد أن ختضع‬
‫عروض التأهيل واملدربني إىل ضامن صارم للجودة‪ .‬والعروض التأهيلية والتدريبية‬
‫الشائعة يف السوق حتت مسميات عدة‪ ،‬وخصوص ًا تلك التي تتم يف هناية األسبوع ال‬
‫تكفي وعفا عنها الزمن‪obsolete.‬‬

‫ويرتبط إجراء العالج النفساين بدرجة عالية من املطالب األخالقية واألمر ال حيتاج‬

‫ٍ‬
‫بسبب منه ‪ )2( ،‬مغالطة منطقية‪.‬‬ ‫‪ )1(1‬بعد هذا‪ ،‬وإذن‬

‫‪28‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يف الواقع إىل تذكري‪ ،‬أن العالقة العالجية هي بوضوح وبشكل قطعي تستبعد حدوث‬
‫أية عالقة شخصية أو عالقة صداقة أو عالقة محيمة أو عالقة جنسية‪.‬‬

‫تعريف موسع‬
‫عىل خلفية ما قيل يمكن أن يتم توسيع التعريف السابق لسرت وتسكا ‪ Strotzka‬عىل‬
‫النحو اآليت‪:‬‬

‫العالج النفساني هو‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫عالج للمرضى الذين يعانون من أمراض‪ ،‬أوجاع‪ ،‬شكاوى‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫اضطرابات‪ ،‬ذات منبع نفسي‬
‫في إطار الهيئة الصحية العامة وضمن قوانينها الناظمة‬ ‫‪-‬‬
‫بواسطة طرق وأساليب مختبرة إمبيريقياً وراسخة علمياً‬ ‫‪-‬‬
‫باالستناد إلى نظريات راسخة علمياً ومختبرة إمبيريقياً‬ ‫‪-‬‬
‫حول األمراض والشفاء والعالج‬
‫يجرى وفق تشخيص وتشخيص تفريقي مدرب باستخدام‬ ‫‪-‬‬
‫واستغالل كل الطرق واألساليب المتاحة؛‬
‫بأهداف عالجية مصاغة مسبقاً ومقومة الحقاً‬ ‫‪-‬‬
‫يجرى من معالجين نفسيين محترفين (متخصصين)‬ ‫‪-‬‬
‫يحملون تأهيالً مهنياً موثقاً‬
‫مع تحقيق إجراءات ضامنة للجودة تحت واجب االقتصادية‬ ‫‪-‬‬
‫مع الحفاظ على المعايير المبادئ األساسية األخالقية‬ ‫‪-‬‬

‫وينبغي أن تكون هذه املعلومات ملزمة للعالج النفساين اليوم‪ .‬فمن خالهلا يمكن‬
‫اختبار نوعية العمل العالجي املعروض‪ .‬والشكل العالجي الذي يراعي بعض هذه‬

‫‪29‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املطالب‪ ،‬لن يؤخذ بعني االعتبار‪ ،‬وهذا هيدف إىل أن يعيد مروجو هذا األسلوب‬
‫التفكري‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الفصل الثاني‬

‫األسس البيولوجية النفسية للسلوك‬

‫‪Th. Koehler & B. Dahme‬‬

‫مدخل‬
‫"ولكن ما هيمنا هنا هو العالج من حيث أنه يعمل فقط بالوسائل النفسانية‪ ،‬يف‬
‫الوقت احلايل ال نملك وسيلة أخرى‪ .‬قد يعلمنا املستقبل التأثري بواسطة مواد كياموية‬
‫خاصة بشكل مبارش عىل كميات الطاقة وتوزيعاهتا يف اجلهاز النفيس‪ .‬وربام تظهر‬
‫إمكانات أخرى من العالج ال عهد لنا هبا من قبل؛ أما يف الوقت الراهن فليس لدينا‬
‫عروض أفضل من تقنيات التحليل النفيس وهلذا السبب عىل املرء أال يقلل من أمهيته‬
‫عىل الرغم من حدوده"‪(Freud, 1940, P. 108) .‬‬

‫تصف هذه الكلامت املشهورة لفرويد والكثرية االقتباس من املوجز يف التحليل‬


‫النفيس وضع العالج النفساين بدقة‪ ،‬يف ذلك الوقت واليوم أيض ًا‪ :‬إذ أنه من الواضح أن‬
‫كل تدخل عالجي نفيس يستند عىل عمليات جسدية يف النهاية وأن طريقة تأثريه ال‬
‫يمكن أن يتم فهمها إال إذا أمكن وصف التغريات املتأثرة هبا (املحدثة بفعلها)‬
‫بمصطلحات بيولوجية‪ .‬ومن جهة أخرى فإن املرء يف الوقت الراهن بعيد جد ًا عن‬
‫معرفة األسس اجلسدية لالضطرابات املعاجلة نفساني ًا‪ ،‬ويمتلك كذلك تصور ًا غامض ًا‬
‫حول الكيفية التي يمكن فيها أن تؤثر من خالهلا تدخالت دوائية معينة‪ ،‬وال يمتلك أية‬
‫نامذج حول ماهية الطرق التي متارس فيها األساليب العاملة بالوسائل النفسانية تأثريها‬
‫هناك‪ .‬ومن هنا ينبغي أن يتم تقويم فاعلية العالج النفساين عىل املستويات النفسية فقط؛‬

‫‪31‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫إذ ال يمكن هلذا الفصل إال وأن يظل –مرغ ًام‪ -‬غري باعث عىل الرضا‪ .‬ومن املثري لالهتامم‬
‫فإن املقال الشامل –بشكل عام‪ -‬لشفارتس ‪ Schwarz‬الذي يرجع للعام ‪ 1978‬بعنوان‬
‫"األسس البيولوجية للعالج النفساين وتعديل السلوك ‪Psychobiological‬‬
‫"‪ foundation of Psychotherapy and behavior change‬قد تم إلغاؤه من الطبعة الثانية‬
‫لغارفيلد وبريغن )‪ ،Garfield & Bergin (1978‬بدون تعويض يف الطبعة الرابعة لبريغن‬
‫وغارفيلد )‪ .Bergin & Garfield (1994‬ومن املؤكد فإن هذا يعد مؤرش ًا عىل مدى قلة‬
‫ما يتوفر من املُ رربهن واملهم عملي ًا يف هذا امليدان‪ .‬وما يمكن أن حيدث هنا هو وصف‬
‫موجز للقليل مما هو معروف حول األسس البيولوجية لألمراض النفسية وهبذا تقديم‬
‫أساس يمكن من خالله عىل األقل يف يوم من األيام بناء نموذج بيولوجي نفيس‬
‫للتدخالت‪.‬‬
‫وقد كان االختيار هنا من بني كم كبري من املواد صعب ًا جد ًا‪ ،‬وخصوص ًا أن اإلطار‬
‫املتاح يف هذا املقام ال يتسع‪ .‬وسوف نقوم يف البداية بعرض النظريات البيوكياموية‬
‫لالضطرابات النفسية (الفصام‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬أعراض القلق‪ ،‬اضطرابات التوتر التالية‬
‫للصدمة‪ ،‬مدعمني هنا بعدد كبري من الدراسات اجليدة منهجيا والقوية تنبؤي ًا ويف بعض‬
‫األحيان املصاغة بدقة بحق‪ .‬وحيتمل أن تكون معارف هذه األسس مهمة لكل واحد‬
‫يعالج مرىض هبذه الصور املرضية؛ ومن جهة أخرى يقدم الفصل أساس مهم من املعرفة‬
‫للمعاجلني النفسانيني من غري األطباء ‪non-medical Psychotherapists‬حول العالج‬
‫الدوائي الذي يتم يف الوقت نفسه دائ ًام تقريب ًا وأسلوب تأثريه املفرتض‪ .‬كام يبدو كذلك‬
‫أن األسس البيونفسية لإلدمان واألمل تستحق العرض الدقيق هنا‪ ،‬ذلك أن مرىض‬
‫اإلدمان واألمل يشكلون جزء ًا ال يستهان به من حميط األشخاص الذين يعاجلون عالج ًا‬
‫نفسي ًا‪ ،‬وال يمكن للتدخالت املالئمة أن حتدث من دون أخذ املعرفة األساسية‬
‫البيولوجية املتوفرة بعني االعتبار‪ .‬باملقابل قررنا بعد تفكري كاف التطرق إىل األسس‬
‫العضوية للتأثريات الطبية السلوكية‪ .‬أما العروض حول آليات التأثري النوعية وغري‬
‫النوعية لإلرجاع احليوي و االسرتخاء أو املسائل اخلاصة بأبحاث االستنباه‬

‫‪32‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباطني ‪interception researches‬فتبدو لنا مفيدة فقط يف إطار مناقشة مفصلة لصور‬ ‫‪1‬‬

‫االضطرابات منفردة و عالجها‪ .‬هلذا سنكتفي هنا ببعض املالحظات املقتضبة‪ ،‬املرتبطة‬
‫باإلشارة إىل القليل من املراجع‪.‬‬

‫األسس البيوكيماوية لالضطرابات النفسية‬


‫ال – وهو ما يفرتض له أن يكون‬ ‫يف البداية البد وضمن تبسيط عام كثري ًا أو قلي ً‬
‫مربرا يف هذا العرض املخترص يف كتاب تعليمي موجه بالدرجة األوىل للمعاجلني‬
‫النفسانيني‪ -‬من التقديم ببعض املالحظات األساسية حول نقل التنبيهات للعصبونات ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ففي احلالة النموذجية تنترش استثارات جدار اخلاليا داخل العصبونات من خالل‬
‫األلياف العصبية (املحور العصبي ‪ ،)axon‬وهو ما حيدث بطرق كهربائية بواسطة‬
‫تغريات قصرية األمد يف توزع األيونات‪ .‬وينقسم املحور العصبي يف هنايته إىل تفرعات‬
‫عدة تتصل بام يسمى بالعقد النهائية مع جدار خاليا عصبية أخرى‪ .‬ويف هذه األماكن‬
‫من االتصال املشرتك لعصبونني‪ ،‬والذي يسمى املشبك العصبي ‪ synapse‬يتابع النقل‬
‫العصبي لالستثارة طريقه بطريقة كيميائية‪ :‬فعند هنايات العقد العصبية للخاليا قبل‬
‫املشبكيه ‪ pre-synapses‬يتم حترير مواد ناقلة (نواقل‪ ،‬مرسالت ‪ )Transmitter‬فتنترش يف‬
‫الشق املشبكي وترتاكم بكمية حمددة يف أماكن استقبال حمددة‪ ،‬تسمى املستقبالت‬
‫‪ .Receptors‬ويوجد عدد كبري من النواقل العصبية املختلفة يف اجلهاز العصبي‪ ،‬يمكن‬
‫هنا ذكر األستيل كولني ‪ Acetylcholine‬و السريوتونني ‪ ،Serotonin‬والدوبامني‬
‫‪ ،Dopamine‬واألدرينالني ‪Adrenaline‬و النورادرينالني ‪ .Noradrenalin‬ولكن يف كل‬
‫مشبك عصبي يتم طرح نوع واحد من النواقل العصبية فقط‪ ،‬فيستجيب له املستقبل‬

‫باطني‪ :‬متعلق باملس رتنْ ربهات الباطنية ‪interoceptors‬أو باملن ِّبهات املؤثرة فيها أو بمفاعيله‪ .‬يقابلها‬
‫ّ‬ ‫استنباهي‬
‫ّ‬ ‫‪1‬‬

‫ّ‬
‫استنباهي خارجي‪ :‬متعلق باملستن ربهات اخلارجية ‪exteroceptors‬أو باملن ِّبهات املؤثرة فيها أو‬
‫ّ‬ ‫‪exteroceptive‬‬
‫بمفاعيلها‬
‫‪ 2‬اخلاليا العصبية ‪Neurons‬‬

‫‪33‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املتموضع هناك لوحده‪ .‬وحسب نوع املستقبل فإنه يمكن لإلشغال بالناقل املناسب أن‬
‫يقود إما إىل إزالة استقطاب ‪ depolarization‬الغشاء اخللوي بعد املشبكي‬
‫‪postsynaptic Cell membrane‬األمر الذي يسهل تشكل االستثارة واالنتشار أو إنتاج‬
‫فرط استقطاب ‪Hyper polarization‬؛ وهذا يضعف عندئذ االستثارات املنطلقة من‬
‫املشابك األخرى أو يكرسها كلية‪ .‬فإذا كانت التغريات يف األغشية بعد املشبكية من‬
‫خالل إزالة االستقطاب املتكرر أو من خالل إزالة االستقطاب الظاهر يف الوقت نفسه‬
‫يف أماكن كثرية كبرية كفاية حيصل تشكل احتاملية ترصف ‪action potential‬؛ فينترش هذا‬
‫كهربائي ًا عىل طول املحور العصبي إىل العقد القاعدية ويقود هناك من جهته إىل حترير‬
‫مواد النقل العصبي‪ ،‬التي تصل إىل أغشية األعصاب األخرى أو العضالت أو األعضاء‬
‫أيض ًا‪.‬‬
‫ويف هذا املقام ال بد من اإلشارة ببعض العبارات إىل تنظيم طرح النوافل العصبية‬
‫وتثبيطها‪ ،‬وهو ما ال غنى عنه لفهم طريقة تأثري أدوية نفسية معينة‪ :‬إن النوافل املطروحة‬
‫ال تستطيع الرتاكم يف املستقبالت بعد املشبكية فحسب‪ ،‬وإنام ترتاكم كذلك فيام يسمى‬
‫باملستقبالت الذاتية قبل املشبكية ‪ ،pre synaptic Auto receptors‬التي يقدم امتالؤها‬
‫(إشغاهلا) معلومات حول تركيز الناقل العصبي املوجود يف اللحظة الراهنة يف الشق‬
‫ِ‬
‫املشبكي‪ ،‬وينظم اإلنتاج يف اخللية قبل املشبكية‪ .‬واجلزيئات املُرسلة ‪Transmitter‬‬
‫ال املستقبالت ‪ ،Receptors‬ومتارس التأثري‬ ‫‪molecule‬املحررة تشغل (متالً) كثري ًا أو قلي ً‬
‫املوصوف أعاله‪ ،‬و ترقد بعد ذلك ثانية بشكل حر يف الشق‪ ،‬حيث يمكنها من هناك‬
‫التمركز (أو الرتسب) من جديد يف مستقبل أو يتم تثبيطها‪ .‬ففي األمينات األحادية‬
‫املهمة‪ ،‬وبشكل خاص الدوبامني والنورأدرينالني والسريوتونني حيدث هذا األخري من‬
‫خالل إعادة القبض يف العقد القاعدية )‪(Re-up-take‬؛ وهنا إما أن يتم –وذلك حسب‬
‫الرتكيز املوجود واملرغوب يف اللحظة الراهنة‪ -‬حتطيمها من خالل اإلنزيم أوكسيد‬
‫األميني األحادي ‪( monoamine oxidize‬مثبط األنزيم املؤكسد) ‪ MOA‬أو يتحرر من‬
‫جديد بنتيجة النبضات الكهربائية الواردة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وكمكافئ بيوكيميائي أو أساس بيوكيميائي – استخدام التعبري "السبب" غري‬


‫مالئم هنا" – لألعراض الفصامية يفرتض املرء يف الوقت الراهن وجود فرط نشاط يف‬
‫املسارات اللمبية الوسطى والقرشية الوسطى املولدة للدوبامني ‪dopamine gene‬‬
‫‪( mesolimbic and mesocortical‬ما يسمى بفرضية الدوبامني يف الفصام)‪ .‬وهذه‬
‫بعض التوضيحات حول ذلك‪ :‬ويف املسارات املذكورة يتعلق األمر بألياف عصبية متتد‬
‫من الدماغ األوسط إىل اجلهاز اللمبي وإىل اللحاء اجلديد ‪ ،New cortex‬وبشكل خاص‬
‫جماالته اجلبهية والتي يتم فيها النقل بواسطة الناقل الدوبامني‪ .‬وما زلنا غري قادرين عىل‬
‫تصور الكيفية التي حيدث فيها فرط نشاط مولدات الدوبامني بدقة –بوصفه حترير متزايد‬
‫من العقد القاعدية أو تكاثر املستقبالت أو ارتفاع قابليتها لالستجابة للنواقل أو كليهام‪-‬‬
‫؛ فالفرضية األوىل بعيدة االحتامل إىل حد ما‪ .‬عدا عن أن فرط االستثارة هذه أو التكاثر‬
‫ال متس إال نوع ًا فرعي ًا من املستقبالت بعد املشبكية‪ ،‬ما يسمى بمستقبالت‪-‬د‪D2- 2‬‬
‫‪Receptors‬؛ أما تلك من النمط د‪ D1 1‬فيبدو سلوكها لدى الفصاميني شبيه ًا بام هو لدى‬
‫األصحاء‪ .‬يضاف إىل ذلك أنه حيتمل أال يتعلق األمر كثري ًا بفرط نشاط مطلق ملولدات‬
‫الدوبامني بل أكثر بغلبة التناسب يف نشاط منظومات أخرى من النواقل‪.‬‬
‫وقد قدمت الدالئل عىل صالحية فرضية الدوبامني هذه من عدد كبري من‬

‫‪35‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املالحظات‪ ،‬التي سوف نشري هنا إىل أمهها‪ :‬فقد تم استنتاج أن األمفيتامينات‬
‫‪ ،Amphetamine‬وهي جمموعة من املنشطات النفسية‪ ،‬التي يعتقد أن تأثريها يقوم عىل‬
‫حترير متزايد للدوبامني يف املشابك يمكنها أن تثري األعراض الذهانية من نحو هذيان‬
‫املالحقة أو األهالس السمعية عىل سبيل املثال‪ .‬كام متت مالحظة أعراض مشاهبة يف‬
‫بعض األحيان لدى مرىض الباركنسون‪ ،‬الذين يتم إعطائهم عقار أل‪-‬دوبا ‪L-Dopa‬‬

‫للعالج‪ ،‬وهو مادة أولية من الدوبامني‪ .‬إال أن أهم دليل يكمن يف تأثري امل ُع ِّقالت‬
‫(املثبطات ‪ )Neuroleptica‬املستخدمة عالجي ًا يف الفصامات والفاعلة أيض ًا إىل درجة‬
‫معينة‪ .‬ومن هذه امل ُع ِّقالت نعرف بتأكيد مطلق إىل حد ما أهنا تشغل (حتتل) مستقبالت‬
‫الدوبامني دون أن تسبب التغريات املحرضة ‪ induce‬من الدوبامني (حصار‬
‫‪)Blockade‬؛ وعىل ما يبدو فإن الفاعلية العالجية للم ُع ِّقالت املختلفة تتمثل يف وظيفة‬
‫كفاءهتا‪ ،‬أي يف االرتباط بمقادير خمتلفة بمستقبالت‪-‬د‪.D2-Receptors 2‬‬
‫وبام أن احلصار يف العادة ال يطال‪-‬كام هو مرغوب بحد ذاته‪ -‬املشابك زائدة‬
‫النشاط فقط‪ ،‬يف املسارات اللمبية الوسطى و القرشية الوسطى‪ ،‬وإنام كذلك مسارات‬

‫‪36‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪1‬‬
‫أخرى‪ ،‬أي املنظومات املولدة للدوبامني املسؤولة عن احلركة (وبشكل خاص مسارات‬
‫‪( ،)Nigrostriatal‬انظر الشكل) فإنه يمكن تفسري الظهور املنتظم لعرس احلركة الذي‬
‫يظهر عند إعطاء امل ُع ِّقالت بعد بداية العالج بوقت قريب عىل شكل متالزمة باركنسون‬
‫‪(Parkinson-Syndrome‬تصلب العضالت‪ ،‬ارتعاش و فقر احلركة)؛ وبام أن هذه‬
‫األعراض تالحظ يف مرض باركنسون‪ ،‬الذي يقوم عىل تلف العصبونات املولدة‬
‫للدوبامني يف املادة السوداء ‪ Substianta nigra‬للدماغ األوسط‪ ،‬فإنه يغلب الظن أن‬
‫‪2‬‬

‫اضطرابات احلركة التي تولدها امل ُع ِّقالت بتأثريات مشاهبة ترجع إىل املنظومة مولدة‬
‫الدوبامني املطابقة‪ .‬بل أن الوضع من الناحية التارخيية متثل يف أن األعراض الباركنسونية‬
‫املالحظة عىل أهنا تأثريات جانبية قد بررت الفرضية القائلة إن تأثري امل ُع ِّقالت يقوم عىل‬
‫ختفيض نشاط املشابك العصبية املولدة للدوبامني‪ .‬وقد تم توريد الدليل األول حلصار‬
‫املستقبل ‪ Receptor blockade‬بداية عىل أساس هذه الفرضية‪ .‬أما عرس احلركة املتأخر‬

‫‪ 1‬هناك مخسة مسارات مهمة تنتقل عربها الدوبامني يف الدماغ‪ :‬األول هو املسار امليزوليمبي ‪ -‬املسخدقي‪ ،‬الذي ينطلق‬
‫من املادة السوداء إىل اجلهاز احلويف والقرشة املخية احلديثة ‪ ،‬ويشرتك يف نظام املكافأة ويتورط يف اإلدمان‪ .‬والثاين‬
‫هو مسار ‪ ، nigrostriatal‬الذي ينطلق من املادة السوداء إىل املخطط املخطط هلا ويوصف أعاله‪ .‬واملسار الثالث‬
‫هو نظام الدرنات احلديدي الذي ينتج فيه النواة يف الوطاء الدوبامني وتطلقه يف الدورة البدارية للغدة النخامية‬
‫لتثبيط إفراز التمدّ د من الغدة النخامية األمامية‪ .‬النظام الدوباميني الرابع هو املسار النخاعي حول البطني ‪،‬‬
‫والذي يتكون من اخلاليا العصبية يف اجلزء احلركي من العصب املبهم‪ .‬يشتبه يف هذا املسار يف سلوك تناول‬
‫دورا الذي يلعب دورا يف النرحلة االستباقية للتفاعل‬
‫الطعام‪ .‬املسار اخلامس هو املسار اخلامل‪ ،‬الذي قد يلعب ً‬
‫اجلنيس‪ .‬عن ‪https://ar.sweet-life.club/37391-what-is-striatal-dopamine.html‬‬
‫‪ 2‬املادة السوداء (بالالتينية‪ )Substantia Nigra :‬هي بنية من الدماغ املتوسط مسؤولة عن املكافأة واحلركة بشكل‬
‫أسايس‪ .‬يعكس االسم "املادة السوداء" حقيقة أن بعض أجزائها تكون أغمق من األجزاء املجاورة نتيجة وجود‬
‫الفعل‪ .‬تم اكتشافها يف عام ‪ 1784‬بواسطة ‪Félix‬‬ ‫نسب مرتفعة من النيوروميالنني يف اخلاليا العصبية دوبامينينة ِ‬
‫‪ ،Vicq-d'Azyr‬وقد أملح اليها صموئل توماس فون يف عام ‪ .1791‬يتميز داء باركنسون بموت اخلاليا العصبية‬
‫الدوبامينية يف اجلزء املكتنز من املادة السوداء‪ .‬عىل الرغم من ظهور املادة السوداء كطبقة واحدة متصلة يف مقاطع‬
‫الدماغ‪ ،‬فقد وجدت الدراسات الترشجيية أهنا تتكون يف احلقيقة من جزئني خيتلفان كلي ًا رَ يف الوظيفة واالتصاالت‪،‬‬
‫اجلزء املكتنز (بالالتينية‪ )pars compacta :‬واجلزء الشبكي (بالالتينية‪ .)pars reticulata :‬وقد تم تقديم هذا‬
‫التصنيف ألول مرة بواسطة سانو عام ‪ .1910‬يعمل اجلزء املكتنز يف األساس كمدخل للدارات العصبية املرتبطة‬
‫العقد القاعدية‪ُ ،‬ممِد را اجلسم املخطط بالدوبامني‪ .‬أما اجلزء الشبكي فيعمل كمخرج‪ ،‬حيث ينقل اإلشارات من‬
‫العقد القاعدية ألماكن عديدة يف الدماغ‪( .‬املوسوعة)‬

‫‪37‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املالحظ أحيان ًا بعد سنوات كثرية وبشكل خاص بعد التوقف عن تناول امل ُع ِّقالت عىل‬
‫شكل فرط احلركة‪ ،‬وتقليص عضالت الوجه غري املسيطر عليه إىل حد ما فتعزى إىل‬
‫عمليات التنظيم املعاكس لتعويض حصار الدوبامني‪.‬‬
‫وما زال هناك عدد كبري من املسائل املعلقة وعدم االتفاق يف فرضية الدوبامني هذه‪.‬‬
‫إال أن أهم نقطة تقول باختصار‪ :‬إن العالج بامل ُع ِّقالت يؤثر بشكل خاص عىل األعراض‬
‫اإلجيابية ‪ productive Symptomatic‬للفصام‪ ،‬أي عىل سبيل املثال اهلذيان واهللوسة؛ أما‬
‫األعراض السلبية ‪ minus Symptomatic‬من نحو اضطرابات التفكري أو االنسحاب‬
‫االجتامعي أو فقر االنفعاالت (سطحية االنفعاالت) فال تتأثر كثري ًا أو قد ال تتأثر عىل‬
‫اإلطالق‪ ،‬بحيث أنه البد لنا من افرتاض إمكانية وجود أساس بيولوجي آخر هلا‪ .‬أما‬
‫الفرضية القائلة إنه يكمن خلف األعراض السلبية ترضر بنيوي ‪morphological‬‬
‫مربهن‪ ،‬يستجر معه يف الوقت نفسه فرط نسبي يف الدوبامني من خالل تأثري عصبونات‬
‫أخرى‪ ،‬فيمكنها أن تفرس مالحظة التأثري الدوائي االنتقائي وتكمل فرضية الدوبامني‬
‫بشكل مفيد؛ إال أن الدالئل اإلمبرييقية يف الوقت الراهن هلذه الفرضية املهمة مازالت‬
‫غري كافية كثري ًا‪ .‬وعىل الرغم من هذه الصعوبات تظل فرضية الدوبامني يف الوقت‬
‫الراهن أفضل نموذج بيوكيميائي للفصام؛ فهي عىل الرغم من أهنا ستحظى يف الوقت‬
‫القريب العاجل ببعض التعديالت إال أنه لن يتم التخيل عنها كلية‪ .‬وكام أرشنا أعاله‬
‫فإنه من الطبيعي أال يكون قد قيل الكثري حول منشأ الفصام؛ فالتغري املفرتض يف نشاط‬
‫الدوبامني حيتاج من جهته ثانية إىل تفسري‪ ،‬يمكن أن تقدمه النامذج النفسية من حيث‬
‫املبدأ‪ .‬ولكن يف كل األحوال فإنه باملقابل لن تكون هناك نظرية نفسية مقبولة بشكل‬
‫كامل حول األعراض الفصامية إذا ما مل تستطع إلقاء الضوء عىل العمليات البيوكياموية‬
‫املفرتضة‪.‬‬
‫ويتم أيض ًا افرتاض وجود اضطراب يف وظائف النواقل –ومن املمكن إىل جانب‬
‫ذلك اضطرابات يف منظومة اهلرمونات يف اهليبوتاالموس ‪-hypothalamus‬الغدة‬
‫النخامية ‪-hypophysis‬حلاء الكظر ‪ – suprarenal gland‬يف اهلوس ‪Melancholia‬‬

‫‪38‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫واالكتئاب "داخيل املنشأ" (وفق التعبري االصطالحي الراهن الطور االكتئايب يف إطار‬
‫االضطرابات أحادية أو ثنائية القطب ‪:)uni-and bipolar effective Disorders‬‬
‫ففرضية األمني األحادي لالكتئاب ‪ Monoamine hypotheses of Depression1‬تنطلق‬
‫من انخفاض نشاط املشابك املولدة للنورادرينالني و السريوتونني‪ ،‬مع العلم أنه ال يوجد‬
‫هنا الكثري من الدالئل حول البنى الدماغية التي يمكن أن تكون مصابة هنا بشكل‬
‫خاص‪ .‬كام أنه مرة أخرى يصعب الفصل بوضوح فيام إذا كان هذا النشاط املنخفض‬
‫للمشابك ناجم عن انخفاض حترير النواقل أو عن تغري املستقبالت‪ ،‬يف صورة انخفاض‬
‫عددي أو قابلية منخفضة لالستجابة‪.‬‬
‫وهناك جمموعة من الرباهني التي جتعل من هذه الرؤية ممكنة‪ ،‬بداية الربهان املتمثل‬
‫يف أن الرزربني ‪ Reserpine‬املستخدم يف عالج فرط التوتر ‪ ،hypertonic‬ويسبب إفقار‬
‫النورادرينالني يف اخلاليا قبل املشبكية‪ ،‬غالب ًا ما يقود إىل أعراض اكتئابية؛ وثاني ًا اكتشاف‬
‫وجود انخفاض يف تركيز ‪-5‬محض هيدروكسيل األندول ‪5-hydroxyindoleactic acid‬‬
‫(ويرمز له اختصار ًا ‪ ،)5-HIAA‬وهو منتج لتحطيم السريوتونني‪ ،‬لدى مرىض االكتئاب‬
‫وبشكل خاص لدى املرىض االنتحاريني‪ ،‬األمر الذي يشري إىل انخفاض يف االستقالب‬
‫الدماغي هلذه املادة‪ .‬وبشكل خاص هنا فإن األمر يشبه ثانية احلال يف الفصام‪ ،‬إذ كانت‬
‫املعرفة عن آليات تأثري األدوية املستخدمة للعالج هي التي قادت إىل ختمني التغريات‬
‫البيوكياموية لدى املرىض‪ .‬فاكتشاف التأثريات املنرية للمزاج و الرافعة للدافع لكابحات‬
‫األمني األحادي ‪ MAO-inhibitor‬التي ختفض من خالل احلصار الواسع ألنزيم‬
‫األوكسيد األميني األحادي ‪ Mono amino oxidase2‬هتديم (تفكيك) األمني األحادي‬
‫وهبذا ترفع من تركيزها املشبكي‪ ،‬قد وجه األنظار إىل الناقل النورادرينالني‬
‫و السريوتونني والدوبامني‪ .‬كام أن نتائج أخرى انبثقت عن التبرص يف آليات تأثري‬

‫حمل هيدروجني النشادر‪.‬‬ ‫األمني‪ :‬مركَّب ينتج من إحالل جمموعة أو أكثر من جمموعات ِ‬
‫األريل ّ‬ ‫ْ‬ ‫‪.amine 1‬‬
‫‪ Monoamine oxidase 2‬مثبط األمني املؤكسد‪ .‬و األكسيداز هيخمرية من جمموعة مخائر مؤك ِْسدة ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫مضادات االكتئاب ثالثية احللقة (من نحو اإلميربامني ‪ ،Imipramine‬واألميرتيبتيلني‬


‫‪ Amitriptyline‬عىل سبيل املثال) التي تكبح إعادة القبض قبل املشبكية )‪(Re-up-take‬‬
‫لألمني األحادي وهبذا متنع هتدمه (تفككه)‪ .‬وبام أن التأثري املضاد لالكتئاب للمواد‬
‫املستخدمة عالجي ًا ال يرتبط عىل ما يبدو مع قدرهتا عىل كبح‪-‬قبض‪-‬وحترير الدوبامني‬
‫‪ ،Re-up-take-inhibition‬باإلضافة إىل أن حا َّثات الدوبامني (حمرضات الدوبامني‬
‫‪ )Dopamine agonists‬كاألمفيتامينات املذكورة ال متارس أي تأثري عىل األعراض‬
‫االكتئابية‪ ،‬فإن بناء النظرية يركز بشكل خاص عىل النورادرينالني والسريوتونني‪ .‬إال‬
‫أنه حتى اآلن مل يتم التمكن بشكل مقنع من الربط بني القصور الكبري يف هذا أو ذاك‬
‫الناقل وبني صفات حمددة للمرض (من نحو االكتئاب اهلائج مقابل االكتئاب املكفوف‬
‫‪ .)agitate versus inhibitive Depression‬وبام أن اإلنسان يف الوقت الراهن حيقق‬
‫النجاح املتزايد يف تطوير كابحات قبض وحترير ‪ Re-up-take-Inhibitors‬النورادرينالني‬
‫و السريوتونني‪ ،‬فقد تتوفر لنا يف القريب العاجل معارف حول العالقة بني الصورة‬
‫املرضية وكيميائيات ‪ chemisms‬حمددة‪ .‬يضاف إىل ذلك يف هذا السياق أن كبح القبض‬
‫‪1‬‬

‫والتحرير ‪ Re-up-take-inhibition‬ملواد منطلقة (مضادات االكتئاب الثالثية والرباعية‬


‫)‪ Tricyclic and tetracyclic antidepressants (TCAs‬و بعض جمموعات املواد‬
‫األخرى املختلفة كياموي ًا عن بعضها) حتقق تأثريها يف الوقت نفسه من خالل احلصار‬
‫القوي إىل حد قليل أو كبري للمستقبالت الذاتية ‪ ،auto receptors‬بحيث أن الرتكيز‬
‫املتزايد للناقل يف الشق ال يقود إىل تنظيم معاكس يف العصبون القبل مشبكي‪.‬‬
‫وتنبثق إحدى أهم الصعوبات اجلوهرية يف فهم تأثري مضادات االكتئاب من أن‬
‫إعطاء كابحات احلمض األميني األحادي ‪ MAO-inhibitors‬يرفع مثلها مثل كابحات‬
‫القبض والتحرير تركيز الناقل يف املشابك العصبية برسعة كبرية جد ًا ‪Re-up-take-‬‬
‫‪ ،inhibitors‬يف حني أنه حسب اخلربة يستغرق األمر يف الغالب بضع أسابيع حتى ظهور‬

‫‪ 1‬النشاط الكيميائي أو األلفة الكيميائية‬

‫‪40‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫التأثري اإلكلينيكي‪ .‬ومن هنا فقد طرحت الفرضية القائلة إنه ينبغي البحث عن التأثري‬
‫العالجي الفعيل بداية يف انخفاض حساسية املستقبالت‪ ،‬وبشكل خاص بالنسبة‬
‫للنورادرينالني‪ ،‬كنتيجة الرتفاع تركيز األمني األحادي‪ .‬أما كيف يمكن التوفيق بني‬
‫هذه الفرضية مع أطروحة انخفاض نشاط النواقل‪ ،‬فهذا ما يصعب تصوره‪.‬‬
‫بشكل عام هناك انطباع أن فرضية األمني األحادي لالكتئاب مازالت غري كاملة يف‬
‫نقاط جوهرية أو أهنا حتتاج إىل تعديالت كبرية؛ فعىل أية حال هناك كثري من الدالئل التي‬
‫تؤيد فرضية‪ :‬أنه ينبغي البحث عن املكافئ البيوكياموي ثانية يف جمال تنظيم النواقل و ما‬
‫أرشنا إليه سابق ًا عند نقاش فرضية الدوبامني يف الفصام ينطبق هنا كذلك‪ :‬فربهان‬
‫العمليات الكياموية الكامنة خلف االكتئاب ال يستبعد بأي شكل من األشكال صالحية‬
‫التصورات النفسية املقابلة‪ :‬إال أنه عليها (أي التصورات النفسية) أن تتمكن من تفسري‬
‫التغريات املستنتجة أو املفرتضة يف النواقل مثل نامذج النشوء اجلسدية‪ ،‬كنامذج النشوء‬
‫الوراثية أو السمية ‪ toxic‬عىل سبيل املثال‪ .‬وتظهر الدراسات التي أجريت عىل سبيل‬
‫املثال يف جمال نموذج قلة احليلة املتعلمة والتي متكنت من مالحظة وجود انخفاض يف‬
‫مستوى النورادرينالني لدى احليوانات "اليائسة"‪ ،‬كيف يمكن أن حيدث الربط بني‬
‫تصورات النامذج النفسية والفرضيات البيوكياموية األساسية‪ .‬وكذلك لن يصبح‬
‫التدخل العالجي النفيس يف االكتئابات داخلية املنشأ مفهوم ًا بشكل أكثر دقة إال عندما‬
‫تستطيع يف الوقت نفسه إثبات وجود تغريات بيوكياموية وتستطيع تفسري هذا التغري‬
‫بنموذج تأثريها‪ .‬غري أنه نظر ًا ملعارفنا حول األساس اجلسدي لألعراض االكتئابية التي‬
‫مازالت شديدة الغموض فمن املؤكد أهنا حتتاج إىل مراجعات عديدة يفرتض هلدف‬
‫الربهان البيوكياموي للعالج النفيس أن يكون بعيد ًا جد ًا‪.‬‬
‫وهناك القليل من املعارف حول األسس العضوية للهوس (الزهو)‪ ،‬القطب املقابل‬
‫لالكتئاب؛ واملراجع الرائجة التي تتطرق يف العادة بدقة كبرية للنظريات البيولوجية ال‬
‫تشري بشكل مثري لالستغراب وال مرة إىل هذه الثغرة امللفتة للنظر‪ .‬ويفرتض البعض –‬
‫وهبذا عىل ما يبدو ليس عىل أساس إمبرييقي معرتف به‪ -‬وجود فرط يف نشاط‬

‫‪41‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫النورادرينالني لدى مثل هؤالء املرىض؛ يف حني يشري آخرون هنا بشكل متحفظ جد ًا‬
‫ويناقشون فرط نشاط الدوبامني والسريوتونني أيض ًا‪ .‬ومن هنا فإن تأثري املُعقالت‪ ،‬التي‬
‫تستخدم يف العادة بنجاح لعالج املتالزمات ذات الشكل اهلويس‪ ،‬قد ال يكمن عندئذ يف‬
‫حصار الدوبامني‪ ،‬وإنام كذلك يف مستقبالت النورادرينالني و السريوتونني؛ وقد تم‬
‫إثبات وجود هذه القرابة ‪ affinity1‬بني أنواع خمتلفة من املستقبالت بالنسبة لكثري من‬
‫‪2‬‬
‫املعقالت ‪ Neurpleptica‬الرائجة‪ .‬ومازالت يف الوقت الراهن آلية تأثري ملح الليثيوم‬
‫‪ Lithium‬املستخدم كذلك يف عالج األطوار اهلوسية و للوقاية من الدفعات اهلوسية‬
‫واالكتئابية غري واضحة يف الوقت الراهن‪ .‬والفرضية القائلة بأن هذه األيونات ‪Ions‬‬
‫تؤثر بشكل موازن عىل املستقبالت‪ ،‬متثل واحدة من عدة حماوالت تفسري مصاغة بشكل‬
‫متحفظ‪.‬‬
‫كام بحث املرء أيض ًا يف بعض صور األعراض العصابية عن مكافئات بيوكياموية‪،‬‬
‫أكثفها كان يف اضطرابات القلق‪ ،‬وخصوص ًا تلك األشكال من نوبات اهللع‬
‫واالضطرابات القهرية‪ .‬ومما يدعم هذه الرؤية ‪-‬البيولوجية يف جوهرها‪ ،-‬والتي تستند‬
‫عىل األسباب ‪ Etiology‬أيض ًا وبشكل خمتلف عام يتم التأكيد عليه يف الفصام واالكتئاب‪،‬‬
‫هو املركبات الوراثية لالضطرابات واالستجابة لألدوية النفسية‪ .‬ولكن ال يمكن يف‬
‫هذا املقام مناقشة إىل أي مدى هذه الرؤية األحادية مربرة؛ إال أنه من اجلدير باالهتامم‬
‫هناك جمموعة من مبادئ التفسري النفيس املصاغة‪ .‬وكام أرشنا أعاله فإنه ينبغي عدم فهم‬
‫برهان التغريات البيوكياموية الكامنة خلف هذه االضطرابات كدحض لنامذج املنشأ‬
‫النفيس‪.‬‬
‫تظهر نوبات اهللع حسب كارلسون )‪ ، (Carlson,1994, P. 570‬الذي نتبعه هنا يف‬
‫العرض الالحق‪ ،‬بشكل أرسي متكرر و يمكن أن تكون حمددة يف مسارها الوراثي يف‬

‫ٍ‬
‫أصل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحدة‬ ‫‪ 1‬القرابة (مج)‪ :‬صلة بني الطوائف البيولوجية تنطوي عىل شبه يف البِنْ رية العامة ّ‬
‫وتدل عىل‬
‫فيض البياض‬
‫فلزي ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬الليثيوم‪ :‬عنرص‬

‫‪42‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جني وحيد‪ .‬عدا عن ذلك يالحظ بأنه يمكن استثارة نوبات اهللع من خالل حقن ملح‬
‫حامض اللبن (اللكتات ‪ )lactate‬ومن خالل استنشاق كمية كبرية من اهلواء املحمل‬
‫بثاين أوكسيد الكربون ‪ Co2‬فاالستجابة ملثل هذه اإلجراءات التحريضية نجدها تتكرر‬
‫؛‬

‫أرسي ًا بشكل كبري‪ .‬وحسب مستوى املعرفة الراهن فإن األساس العضوي حلاالت‬
‫القلق الطبيعي أم املريض عىل حد سواء يتمثل يف نشاط عصبوين مرتفع يف التلفيف‬
‫الصدغي ‪ temporal lappet‬و(كاستجابة توقعية ‪ )anticipatory reaction‬يف أجزاء من‬
‫اجلهاز اللمبي‪ .‬إال أنه من املؤكد أنه من املضلل االستنتاج من هذه النتائج وجود تأذي‬
‫يف هذه البنى الدماغية لدى مرىض اهللع بغض النظر عن منشأ وطبيعة هذه التأذيات‬
‫(أنظر أدناه حول نظرية غري يف القلق)‪.‬‬
‫مل يكن اهتامم البحث النفيس بأمراض القلق متمركز ًا كثري ًا عىل تلك املحاوالت‬
‫التموضعية ‪ ،Localizatorical‬التي قلام تتضمن أية فائدة عالجية مبارشة‪ ،‬بل متحور‬
‫أكثر حول ناقل عصبي‪ ،‬يسمى محض الزبد األميني‪-‬غاما ‪Gamma amino-butyric‬‬
‫‪1‬‬

‫‪( ،acid‬ويرمز له اختصار ًا غابا ‪ .)GABA‬وغابا يدخل كعنرص نقل يف عدد كبري جد ًا‬
‫من املناطق يف اجلهاز العصبي وينحرص تأثريه يف الكف فقط‪ ،‬أي خيفض من حساسية‬
‫اخلاليا العصبية للنبضات املثرية من اخلاليا العصبية األخرى‪ .‬ويؤيد بعض الباحثني‬
‫الفرضية القائلة إن نوبات الرصع عبارة عن نتيجة للكف العابر املضطرب ملولد غابا‪.‬‬
‫‪Gamma‬‬ ‫ومن املالحظ أنه يمكن تقوية كف مولدات محض الزبد األميني‪-‬غاما‬
‫‪2‬‬

‫‪ (GABAgen-Inhibition) amino-butyric acid‬من خالل جمموعة من املواد‪ ،‬من بينها‬


‫البنزوديازيبني ‪ ،Benzodiazepine‬كالديازيبام ‪( Diazepam‬االسم التجاري فاليوم‬
‫‪ Valium‬أو ديازيبام راتيوفارم ‪ )Diazepam Retiopharm‬عىل سبيل املثال‪ .‬وعىل ما‬
‫يبدو فإنه يوجد يف اجلرية املكانية والوظيفية ملستقبالت غابا أيض ًا مستقبالت هلذه املواد‬

‫بدي (ك)‪ :‬سائل عديم اللون كريه الرائحة يتشكّل يف الزبدر ة الفاسدة‪.‬‬
‫‪ 1‬احلامض الزّ ّ‬
‫بدي (ك)‪ :‬سائل عديم اللون كريه الرائحة يتشكّل يف الزبدر ة الفاسدة‪.‬‬
‫‪ 2‬احلامض الزّ ّ‬

‫‪43‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الرافعة للتأثري‪ .‬وقد أطلق عليها املرء تسمية مستقبالت البنزوديازيبني‬


‫‪ ،Benzodiazepine receptors‬عىل الرغم من أنه ال بد من االفرتاض بشكل مؤكد‪ ،‬أنه‬
‫يمكن استثارة هذه املواد من خالل مواد ُمنترجة يف العضوية نفسها‪ .‬وبام أن‬
‫البنزوديازيبني‪ ،‬غالب ًا وبالتوليف مع اإلجراءات العالجية النفسانية‪ ،‬قد أثبت فاعليته يف‬
‫عالج املخاوف‪ ،‬فقد تم االفرتاض أن أساسها يرجع إىل وجود اضطراب يف مستقبالت‬
‫البنزوديازيبني مع انخفاض ناجم يف كف مولدات غابا ‪ .‬وقد قدمت جتارب احليوان‬
‫كتجارب مارتشينسكي وأوربانسيك ()‪( Marczyski & Urbancic,1988‬مقتبس عن‬
‫كارلسون ‪ )Carlson,1994,P. 572‬نوع من الربهان هلذه الفرضية‪ :‬فعندما تم إعطاء‬
‫القطط يف أثناء فرتة احلمل ديازيبام –وهو ما يفرتض له أن يقود عىل شكل تنظيم معاكس‬
‫لتقليل احلساسية هلذه املادة عىل مستوى املستقبالت‪ -‬كان أوالدها أكثر توتر ًا وأكثر‬
‫خواف ًا؛ كام تم إثبات وجود انخفاض يف مستقبالت البنزوديازيبني يف أقسام خمتلفة من‬
‫الدماغ لدى هذه احليوانات‪ .‬إال أنه ال يمكن يف الوقت الراهن اجلزم يف أن نظرية العدد‬
‫املنخفض أو تفاعل ‪ reactivity‬مستقبالت البنزوديازيبني مع التقييد الناجم عن ذلك‬
‫آلليات كف مولدات غابا تفرس بشكل باعث عىل الرضا تشكّل استجابات القلق‪ .‬وعىل‬
‫أية حال فقد تقدم لنا هذه الفرضية نامذج ًا حول ماهية الطرق التي يمكن من خالهلا‬
‫حتقيق التأثري العالجي النفساين ملتالزمات حمددة من القلق‪.‬‬
‫كام يوجد منطلق آخر قد يكون خمتلف ًا كلية متتلكه كذلك حمارصات مستقبالت بيتا‬
‫املستخدمة يف عالج القلق‪ .‬ووفق مستوى املعرفة الراهن فإن تأثري هذه املواد ليس‬
‫مركزي ًا بشكل أسايس‪ ،‬وإنام من خالل إضعاف استجابة القلق املحيطية ‪،peripheral‬‬
‫أي إضعاف خفقان القلب ‪ tachycardia‬املرافق‪ ،‬وهبذا فهي تكرس احللقة املفرغة‬
‫‪ circulus vitiosus‬إلدراك أعراض القلق‪ .‬وهنا ال بد من نقاش إىل أي حد يمكن فيه‬
‫صياغة تأثريات بعض التدخالت النفسية (من نحو اإلرجاع احليوي أو االسرتخاء‬
‫العضيل املتصاعد) يف أعراض القلق يف نموذج تأثري مشابه‪.‬‬
‫والبد يف سياق األسس البيولوجية للقلق اإلشارة بشكل خمترص لنموذج غري يف‬

‫‪44‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫القلق ‪ ،Gray-Anxiety-Symptomatic‬الذي ال يعزو هذه االنفعاالت كثري ًا إىل مستوى‬


‫املشابك العصبية و منظومات النواقل‪ ،‬وإنام إىل بنى الدماغ القابلة للتمييز ترشحيي ًا‪-‬‬
‫بشكل ملموس (ماكروسكوبي ًا ) ‪ macroscopic-anatomic‬عن البنى الدماغية األشمل‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وحتتل مركز نظرية غري ‪ Gray‬يف القلق فرضية "منظومة الكف السلوكي‬
‫‪ ،"behavioral inhibition system‬التي يفرتض هلا أن تكون قادرة عىل مقارنة املثريات‬
‫احلادثة مع املثريات املعاشة باكر ًا وتوقع املخارج املمكنة للموقف من اخلربات املعمولة‪.‬‬
‫فإذا ما أحدث مثري ما توقع خمرج غري مرغوب‪ ،‬تقوم هذه املنظومة عندئذ بحصار أنامط‬
‫السلوك املتيرسة وتقود إىل استعداد متزايد للترصف وارتفاع يف االنتباه ملثريات املحيط‪.‬‬
‫وبشكل مبسط يتعلق تشكيل هذه املنظومة بالعوامل الوراثية من جهة وبمعطيات‬
‫املحيط من ناحية أخرى‪ ،‬وذلك من خالل قيام خربات التعلم بتقديم املعلومات الالزمة‬
‫للمقارنات القائمة‪ .‬ويفرتض غري ‪ Gray‬أن متوضع هذه املنظومة الفرضية هو يف البنى‬
‫التابعة للجهاز اللمبي‪ ،‬وبشكل خاص اجلدار الفاصل ‪ septum‬ومنطقة تلفيف حصان‬
‫البحر (قرن آمون ‪)hippocampus‬؛ كام تلعب بنى دماغية أخرى دور ًا مه ًام –كام أشار‬
‫سرتانغه )‪ (Strange,1992‬عىل سبيل املثال إكامالً لغري‪ ،-‬املرتبطة ترشحيي ًا ووظيفي ًا‬
‫بشكل وثيق مع البنية املذكورة‪ ،‬من نحو تلفيقة نظري تلفيف حصان البحر (نظري قرن‬
‫آمون )‪ ،Gyrus Para hippocampalis‬أجزاء من اللحاء الصدغي ‪temporal cortex‬‬
‫واللوزة ‪ .amygdale‬وكذلك يبدو أن ما يسمى املادة الرمادية‪peri aqua ductule 2‬‬
‫‪( Gray‬خاليا عصبونية بالقرب من معرب االرتباط من التجويف الثالث إىل التجويف‬
‫الرابع ‪ from III. To IV. Ventricle‬يف الدماغ األوسط‪ -‬وتسمى كذلك ‪central‬‬

‫‪ )gray‬يمتلك نوع من األمهية بالنسبة لنشوء القلق‪ .‬ويأخذ املرء الدالئل عىل هذه‬

‫املجردة‬ ‫‪ِ ِ 1‬‬


‫ياين‪ُ :‬يرى بالعني َّ‬
‫ع ّ‬
‫‪ 2‬املادة الرمادية (باإلنجليزية‪ )Grey matter :‬هي أحد العنارص األساسية يف اجلهاز العصبي املركزي تتكون من أجسام‬
‫خاليا عصبية و إسفنجات العصبونات (باإلنجليزية‪( )neuropil :‬تغصنات وحماور عصبية ميالينية وحماور‬
‫عصبية عديمة امليالني) وخاليا دبقية وشعريات دموية‪(.‬املوسوعة)‬

‫‪45‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الفرضية من حماوالت االستثارات أو التحفيزات الكهربائية ألجزاء دماغية‪ ،‬حيث‬


‫حرضت فيها استثارة البنى املذكورة استجابات قلق‪ ،‬ومن خالل برهان تزايد الرتوية‬
‫الدماغية أو تنشيط االستقالب يف إطار حاالت القلق‪.‬‬
‫فأمراض القلق ترجع حسب غري ‪ Gray‬إىل فرط نشاط منظومة الكف السلوكي؛‬
‫ويمكن أن تساعد استجابات فيزيولوجية ما‪ ،‬ظاهرة اآلن ومدركة من الفرد‪ ،‬كمثريات‬
‫مبارشة حلالة القلق‪.‬‬
‫وقد قام باحثون مؤخر ًا بعزو نمو األعراض العصابية القهرية بشكل متزايد إىل‬
‫حمددات وراثية ‪ genetically Determinants‬أو ألرضار دماغية خارجية املنشأ‬
‫‪ ،exogene‬كنتيجة لألمراض االلتهابية أو الصدمات (قارن )‪.)Carlson, 1994, P. 575‬‬
‫فالبنى التي يتم تنشيطها يف مثل هذه األعراض أو التي تلعب دور ًا يف نشوئها‪ ،‬ليست‬
‫األجزاء املذكورة أعاله من اجلهاز اللمبي بل أكثر هي أقسام اللحاء اجلبهي ‪frontal‬‬
‫‪ Cortex‬و العقد القاعدية ‪ basal ganglion‬؛ وكذلك جتيز االستجابة السيئة ألعراض‬
‫‪1‬‬

‫القهر عىل مضادات القلق (حاالّت القلق ‪ )anxiolytica‬من نوع البنزوديازيبانات‬


‫االفرتاض بأنه للقلق يف إطار نوبات اهللع آليات أخرى خمتلفة عىل ما يبدو عن اآلليات‬
‫الكامنة خلف القلق يف سياق االضطرابات القهرية‪ .‬والعالج يف سياق االضطرابات‬
‫القهرية حيدث بطرق عالجية نفسية خمتلفة األنواع‪ ،‬وغالب ًا بالتوليف مع استخدام أدوية‪،‬‬
‫ومرار ًا أيض ًا باألدوية النفسية لوحدها‪ ،‬عىل األغلب مضادات االكتئاب‪ .‬ويبدو بشكل‬
‫خاص أن كابحات إعادة قبض السريوتونني‪ ،‬من نحو الكلوميربامني ‪clomipramine‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬فاعلة هنا‪ .‬وبناء عىل هذه النتائج تم طرح الفرضية القائلة إن‬
‫السريوتونني يمنع التشكل املتطرف للسلوك املتجاوز من الناحية التطورية واملميز‬
‫للنوع ‪ kind typical, evolutionary‬بحد ذاته‪ ،‬الذي يفرتض له أن حيدد أساس‬
‫الترصفات القهرية‪ .‬ويقدم غري ‪Gray‬تفسري مكم ً‬
‫ال آخر يف إطار نظريته املشار إليها‬

‫‪ 1‬عُقدة أو كتلة عصبية‬

‫‪46‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أعاله حول القلق‪ :‬إذ يرى أن األعراض القهرية ترجع إىل التنشيط القوي ملنظومة الكف‬
‫السلوكية وتطابق تأمين ًا مفرط ًا ضد األخطار املطابقة‪ .‬ويبدو أنه من غري املفيد كثري ًا يف‬
‫إطار هذا العرض املخترص مناقشة الفرضيتان املعروضتان أعاله‪ ،‬اللتان مازالتا حتى‬
‫اآلن غري مدعمتني إمبرييقي ًا واللتان تبدوان غري ناضجتني بيولوجي ًا بعد‪ .‬وإذا كان البد‬
‫من صحتهام فهام ال تنطبقان إال عىل الترصفات القهرية فقط ولكن ليس عىل التصورات‬
‫القهرية‪ ،‬وعالوة عىل ذلك يالحظ أن األفعال التصويرية البدائية ‪primitive Schema‬‬
‫‪ ،action‬التي ال متثل األعراض القهرية إال جزء ًا منها‪ ،‬تكون غنية املحتوى‪.‬‬
‫‪Post-traumatic stress disorder‬‬ ‫تتصف اضطرابات الضغوط التالية للصدمة‬
‫ويرمز هلا اختصار ًا ‪ PTSD‬والتي يمكن أن تظهر نتيجة للصدمات النفسية الشديدة‪،‬‬
‫بفرط نشاط ودي ‪ sympathetic‬والعودة املستمرة للصدمة (عىل شكل ذكريات تصويرية‬
‫أو كوابيس)‪ ،‬وانسحاب من األنشطة املعتادة واألعراض االكتئابية‪ .‬وقد احتلت هذه‬
‫الصورة املرضية مؤخر ًا يف املحيط األنجلو أمريكي بشكل خاص مركز االهتامم العلمي؛‬
‫وهنا أيض ًا رسعان ما ركز املرء عىل املظاهر العضوية‪ ،‬مسرتشد ًا بنتائج فرط النشاط‬
‫اإلعايش ‪ vegetative‬وكذلك حقيقة أن كثري من املرىض قد حاولوا التخفيف منها‬
‫بواسطة استهالك العقاقري‪ .‬و يتفق الباحثون عىل أن فرط االستثارة الودية مع ارتفاع‬
‫تركيز الكاتيكوالمني ‪ -catecholamine concentrate‬ومن املمكن أيض ًا يف الوقت نفسه‬
‫نشاط منخفض يف اهليبوتاالموس ‪ -hypothalamus‬هو صفة مهمة لصورة‬
‫‪1‬‬

‫االضطراب‪ .‬وينظر إيفرييل )‪ (Everly,1993‬إىل أن اضطرابات الضغوط التالية للصدمة‬


‫‪ Post-traumatic stress disorder‬هي عبارة عن اضطراب منتظم ملستوى االستثارة‬
‫‪ disorder of arousal‬ويفرتض وجود أساس ترشحيي فيزيولوجي لفرط النشاط يف‬
‫اجلهاز اللمبي‪ .‬وكذلك تم ختمني وجود عجز يف تنظيم األفيون داخيل املنشأ ‪endogen‬‬
‫‪ Opiate regulation‬لدى هؤالء املرىض‪ ،‬والذي مل تظهر بعد أمهيته النشوئية املرضية‬

‫‪ 1‬اهلايبوتالموس‪ :‬ما حتت الرسير ال رب ررص ّي‪ ،‬أو ما حتت املهاد‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بشكل كامل‪ .‬واملهم هو فكرة أن التكرار القهري للخربات الصادمة يف الذكريات لدى‬
‫هؤالء املرىض يقود إىل إنتاج متزايد لإلندورفني ‪ ،Endorphin‬وهبذا يوازن القصور‬
‫املفرتض‪ ،‬الذي حياول "التثبيت عىل الصدمة ‪ "Fixation of Trauma‬من خالله التأثري‬
‫بشكل معاكس عىل نقص األفيون املستثار من خالل اخلربة نفسها‪ .‬وتركز املساعي‬
‫العالجية عىل ختفيض نشاط اجلهاز الودي وذلك من خالل أشكال خمتلفة من طرق‬
‫االسرتخاء من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى عىل التغلب عىل الذكريات املتكررة بشكل قهري‬
‫للصدمة؛ ومن غري الواضح يف الوقت الراهن فيام إذا كانت مضادات االكتئاب ثالثية‬
‫احللقة وكابحات األمني األحادي ‪ MAO-inhibitor‬متتلك تأثري ًا نوعي ًا عىل اضطرابات‬
‫الضغوط التالية للصدمة ‪ PTSD‬أم تؤثر عىل األعراض االكتئابية املرافقة‪.‬‬

‫األسس البيونفسية لإلدمان واألمل‬


‫من املعروف أننا نتحدث عن التعلق اجلسدي (اإلدمان ‪) addiction‬عندما يظهر‬
‫ازدياد يف عتبة التحمل وأعراض السحب اجلسدي عند التوقف عن تناول املادة‬
‫)‪ .(Davison & Neale,1994, P. 286‬و يصف التحمل ‪ Tolerance‬حقيقة أنه بعد‬
‫التناول الطويل نسبي ًا من املادة يصبح من الالزم رفع اجلرعة من أجل حتقيق التأثري نفسه‪.‬‬
‫والسبب اجلسدي للتحمل ‪ Tolerance‬يكمن عىل األغلب يف االستجابة الضعيفة‬
‫لألعضاء اهلدف (التحمل الوظيفي ‪ ،)functional tolerance‬من خالل ختفيض عدد‬
‫املستقبالت املمكنة أو قابليتها املنخفضة لالستجابة أو كليهام‪ .‬ومن اجلدير باملالحظة‬
‫أن التحمل ال يظهر عىل الغالب إال بالنسبة لتأثريات قليلة للامدة املؤثرة بشكل كثري‬
‫الوجوه يف بعض األحيان وأنه عىل ما يبدو أن مثل هذا التحمل خاص باملوقف بشكل‬
‫‪ situation specific‬كبري‪ .‬وهكذا فإن التأثري القاتل للجرعات العالية من العقار يف‬
‫االستعامل يف حميط جديد يمكن تفسريه من خالل احتامل أنه قد يكون قد تم بشكل‬
‫نوعي تطوير آليات تنظيم معاكس عىل االستثارات احلاصلة يف سياق االستعامل‪ ،‬والتي‬
‫(اآلليات) ال تعود فاعلة حتت رشوط أخرى‪ .‬وعىل ما يبدو فإن أعراض السحب نتيجة‬
‫تلك التغريات التي قادت أيض ًا للتحمل؛ تنتج عن آليات التنظيم املعاكس التي ال يعود‬

‫‪48‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫باإلمكان تعويض تأثرياهتا عند غياب املادة‪.‬‬


‫وتتجىل هذه احلقائق بشكل جيد يف األفيونات ‪ Opiates‬بشكل خاص؛ ومن هنا‬
‫فإن إدمان األفيون يفيد بوصفه أهم نموذج لإلدمان‪ .‬فاألفيونات‪ ،‬كاملورفني‬
‫‪ Morphine‬املستخلص من األفيون النقي ‪ pure opium‬أو دياسيتيل املورفني‬
‫‪( Diacetylmorphine‬اهلريوين ‪ )Heroin‬السهل االستخالص من خالل أسرتة املورفني‬
‫أو األفيون الرتكيبي ‪ synthetically Opiate‬من نحو لـ ‪-‬بوالميدون ‪L-Polamidon‬‬
‫(امليثادون ‪ )Methadone‬عىل سبيل املثال متتلك نوعي ًا تأثريات متشاهبة جد ًا مع وجود‬
‫اختالفات كبرية يف درجة التأثري‪ :‬فإىل جانب التأثريات عىل مركز التنفس وجهاز اهلضم‬
‫توجد بشكل خاص تأثريات مسكنة ‪ analgesic‬ومسببة للشعور باحليوية‬
‫‪ .euphorically.‬ومن خالل استنتاج تأثري مضادات األفيون ‪( opiate antagonist‬من‬
‫نحو النالوكسون ‪ Naloxon‬عىل سبيل املثال) من بني أمور أخرى‪ ،‬التي تزيل تأثري‬
‫األفيون وتسبب أعراض السحب عند االستخدام الطويل‪ ،‬فقد توصل املرء إىل فرضية‬
‫املستقبالت النوعية لألفيون‪ ،‬التي يفرتض أن تتمركز عليها املواد من أجل حتقيق التأثري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وقد لفت هذا النظر إىل وجود األفيونات داخلية املنشأ (اإلندروفينات و اإلنكيفالينات‬
‫‪1‬‬

‫‪ 1‬اإلندورفني باإلنجليزية ‪ ، Endorphin‬وهو هرمون يتكون من سلسلة عديد الببتيد‪ .‬وهو مادة موجودة يف اجلهاز‬
‫العصبي للبرش واحليوانات‪ .‬ويشكل اإلندورفني وبعض املواد الكيميائية املامثلة هلا أو القريبة منها والتي تدعى‬
‫"باإلنسفالني" جزء ًا من جمموعة كبرية من مركَّبات شبيهة باملورفني وتسمى "أوبيويدات"‪ .‬وتساعد‬
‫األوبيويدات عىل ختفيف اآلالم وتعطي شعور ًا بالراحة والتحسن‪ .‬ويعتقد العلامء أن اإلندورفني واإلنسفالني‬
‫يتحكامن يف قدرة الدماغ عىل االستقبال واالستجابة واإلحساس باألمل أو اإلجهاد‪ .‬ويمكن أن تشكل جزء ًا من‬
‫نظام تسكني األمل يف اجلسم‪ .‬وقد اكتشف العلامء أصناف ًا متعددة من اإلندورفني واإلنسفالني معظمها مكونة من‬
‫الببتيدات‪ ،‬وهي سالسل من احلموض األمينية‪ .‬ويعترب "إندورفني ـ بيتا" من أكثر األوبيويدات التي متت‬
‫دراستها بتوسع‪ .‬ويوجد مثل هذا النوع من اإلندورفني يف الدماغ ويف الغدة النخامية‪ ،‬وهي غدة صغرية توجد‬
‫أسفل قاعدة الدماغ‪ ،‬حيث يمكن أن تعمل بمثابة هورمون‪ .‬ويوجد إندورفني ـ بيتا وهورمون آخر وهو اهلرمون‬
‫اختصارا بـ ‪ ACTH‬يف جزيئات أكرب يف الغدة النخامية حيث تُفرز هذه اهلورمونات‬ ‫ً‬ ‫املوجه لقرش الكظر ويعرف‬
‫كرد فعل أو كاستجابة منسقة من اجلسم عند تعرضه لألمل أو اإلجهاد‪.‬‬
‫‪ 2‬نكيفالني (باإلنجليزية‪ )enkephalin :‬هو مخايس الببتيد تشارك يف تنظيم حس األمل يف اجلسم من خالل تأثريه يف رفع‬
‫أل رمل وترسكينه‪ ،‬وينتج يف الدماغ وهو من ال رلجائِن (ال رلجني جزيء يلتحم بجزيء آخر) الدر ِ‬
‫اخلِ ّية‬ ‫ربي ل ر‬
‫ْ‬ ‫املُ ْستروى ال رعت ّ‬

‫‪49‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ )Endorphins & Enkephalins‬التي أصبح اآلن باإلمكان برهان وجودها بشكل‬


‫مبارش‪ .‬ويعتقد أن قبض ‪ take up‬مستقبالت األفيون يف حميط املادة السنجابية‬
‫‪ ،periaqueductal gray‬املسؤولة عن املستقبالت يف الدماغ األوسط عن التأثري بالغبطة‪،‬‬
‫هو املسؤول عن التسكني )‪ .(Carlson,1994, P. 585‬ويفرس حتمل األفيون من خالل‬
‫تقليص ‪ reduction‬عدد مستقبالت األفيون وانخفاض حساسيتها‪ .‬عندئذ تكون‬
‫أعراض السحب‪ ،‬كالتعرق الشديد واالرجتاف والتشنجات‪ ،‬وأعراض البطن واألمعاء‪،‬‬
‫نامجة عن آليات التأثري املعاكس التعويضية لألفيون وليس عن تأثري األفيون نفسه‪ ،‬وإىل‬
‫جانب احتامل غياب األفيونات داخلية املنشأ أيض ًا‪.‬‬
‫وعىل الرغم من البحث املكثف فامزال هناك القليل من الوضوح حول األسس‬
‫الكيميائية للكحولية ‪ .Alcoholism‬ويفرتض للجرعات القليلة من الكحول أن تقوي‬
‫اجلرعات املنخفضة من كابحات غاما ‪( GAMA-inhibitors‬محض الزبد األميني‪-‬غاما‬
‫‪ )Gamma amino-butyric acid‬يف مشابك معينة‪ ،‬األمر الذي يفرس التأثري املخفف‬
‫للقلق ‪ .anxiolytic‬ومن املمكن أن يكون حترير الدوبامني وبشكل خاص يف بنى اجلهاز‬
‫اللمبي والدماغ األوسط هو املسؤول عن التأثري "املريح" املُ ِّ‬
‫عزز بشكل إجيايب مبارش‬
‫(أنظر أيض ًا أدناه األسس البيولوجية للتعزيز)‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن التعلق اجلسدي مع حماولة التأثري املعاكس عىل أعراض السحب من‬
‫خالل التجديد املستمر لالستهالك يلعب دور ًا كبري ًا يف استمرار إدمان العقار‬
‫‪ ،dipsomania‬إال أنه ال يستطيع تفسري منشأه وبشكل خاص االنتكاس بعد السحب‬
‫الناجح‪ .‬ومن هنا تركز النظريات املكملة عىل التأثري املريح للعقاقري وحتاول بحث‬
‫أسسه النفسية‪ .‬وقد قادت ظاهرة االستثارة الذاتية التفاعلية ‪phenomenon of‬‬
‫‪ interactional self-stimulation‬عند احليوانات التي أمكن استثارهتا كهربائي ًا بواسطة‬

‫باإلنْدُ ورفِينات‪ ،‬كوهنا د ِ‬


‫اخلِ ّية املرن رْشأ وترتبط بمستقبالت اجلسم األفيونية‪ ،‬ويف عام‬ ‫ر‬ ‫املرن رْشأ‪ ،‬أو عىل وجه التحديد ِ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ 1975‬تم اكتشاف اثنني منها‪ ،‬واحد حيتوي عىل اللوسني(لو‪-‬إنكيفالني) واألخر حيتوي عىل املثيونني (ميت‪-‬‬
‫إنكِيفالِني)‪ ،‬كالمها من نتاج جني اإلنكِيفالِني ال رطليعي‪( .‬املوسوعة)‬

‫‪50‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أقطاب كهربائية مزروعة يف باحات دماغية منفردة من خالل الضغط عىل مفتاح‪ ،‬إىل‬
‫معارف قد تكون مفيدة يف هذا املجال‪ .‬فام يسمى بمنظومة دوبامني اللب الدماغي‬
‫االنتهائي ‪ ،mesotelencephalon Dopamine System‬التي متتد أليافها من الدماغ‬
‫األوسط (املادة السوداء ‪ substantia nigra‬ومقاطع الغشاء ‪ )tegmentum‬داخل الدماغ‬
‫االنتهائي إىل مناطق القرشة ‪ cortex‬ومناطق اجلهاز اللمبي والعقد القاعدية ‪Basal‬‬
‫‪( ganglion‬حزمة الدماغ األمامي الوسطي ‪ medial Frontal brain‬الذي يستشهد به‬
‫كثري ًا يف هذا السياق‪ ،‬هو جزء مهم من هذه املنظومة‪ ،‬يبدو أهنا تلعب هنا دور "مركز‬
‫الثواب"‪ .‬وعىل ما يبدو تصبح نسبة االستثارة الذاتية مرتفعة عندما يتم غرس األقطاب‬
‫الكهربائية يف أجزاء هذه املنظومة‪ .‬ومن املمكن أن يبدأ تأثري بعض العقاقري عىل األقل‬
‫هناك‪ ،‬كاألمفيتامينات املنشطة نفسي ًا والكوكايني‪ ،‬التي تعمل بوصفها مضادات‬
‫الدوبامني ‪ :Dopamine antagonists‬إن تدمري بنى معينة ملنظومة دوبامني اللب الدماغي‬
‫االنتهائي ‪ mesotelencephalon Dopamine System‬يقود إىل أن تقوم حيوانات‬
‫التجارب بإعطاء نفسها كمية أقل من هذه املواد يف حالة قيامها بحقن نفسها وريدي ًا‬
‫‪ intravenous Self application.‬وكذلك يمكن توصيل التأثري "املريح" لألفيون من‬
‫خالل هذه املنظومة‪ .‬وعىل ما يبدو فإن اجلرعات العالية من مضادات الدوبامني تزيل‬
‫هذا التأثري؛ عالوة عىل ذلك تطلب الفئران ألنفسها األفيون بشكل ضمن‬
‫قحفي‪ intracranial‬مرار ًا بشكل خاص عندما تصل هذه احلقنة إىل أجزاء من منظومة‬
‫اللب الدماغي االنتهائي‪.‬‬
‫إن أمهية منظومات مولدات الدوبامني وبشكل خاص اللب الدماغي االنتهائي‬
‫‪ mesotelencephalon‬ال تقترص بأي شكل من األشكال كام يبدو عىل توصيل تأثري العقار‬
‫و االستثارة الذاتية الضمن قحفية ‪intra cranial‬؛ إذا يبدو أهنا تلعب بشكل عام دور ًا‬
‫أساسي ًا بالنسبة للتأثريات املقواة للمثريات أو –من أجل صياغة العبارة بشكل خمتلف‬
‫عن عبارات نظرية التعلم‪ -‬بالنسبة حلصول األحاسيس املفعمة باملتعة‪ .‬وعليه فقد وجد‬
‫رولز وآخرين ‪ Rolls et. al,1974‬مقتبس عن كارلسون ‪)Carlson, 1994, P. 468 ff‬‬

‫‪51‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أنه لدى الفئران التي حصلت عىل املعقالت (املقلدات العصبية ‪ ،)Neuroleptikum‬أي‬
‫حمارصات مستقبالت الدوبامني‪ ،‬فإن املعززات املعتادة كتقديم الطعام أو السوائل مل‬
‫ترفع كاملعتاد من احتاملية ظهور السلوك‪ .‬وباجتاه مشابه تشري جتارب التفضيل املرشوط‬
‫للمكان ‪ Conditioned place preference:‬فاحليوانات تلجأ عموم ًا وبشكل تفضييل‬
‫للمكان الذي تم فيه يف السابق تقديم معززات هلا عىل شكل طعام؛ ولكن هذا مل يكن‬
‫احلال عندما كان يتم إعطائها كابحات الدوبامني ‪Dopamine antagonistic‬قبل تقديم‬
‫الطعام هلا ‪(Spyraki, Fibiger & Phillips 1982,‬مقتبس عن ‪.)Carlson, 1994, P. 468‬‬
‫وهنا التهمت احليوانات ما قدم هلا من طعام؛ إال أن التأثري املعزز أو املمتع ظل مفقود ًا‪.‬‬
‫وهنا بعض املالحظات املخترصة حول األسس البيولوجية لنشوء األمل وعالجه‪.‬‬
‫كأساس ألحاسيس األمل الطبيعي يفرتض املرء استثارة مستقبالت معينة يف النهايات‬
‫العصبية احلرة املوجودة يف أماكن كثرية من اجلسد وبشكل خاص يف اجللد وبعض‬
‫األعضاء الداخلية أو حميطها‪ .‬املثري املكافئ هو االحتكاك باملواد التي يعطي وجودها‬
‫إشارة عىل ترضر أو أذى ‪ noxious‬يف اجلسم؛ ومن هنا فإن استخدام تعبري املؤذيات‬
‫(املوجعات ‪ )nociceptors‬وهي التسمية الشائعة املستخدمة يف املراجع ملستقبالت األمل‬
‫من حيث أن أحاسيس األمل ليس هلا أن تتطابق بأي شكل من األشكال مع حالة تنشيط‬
‫املؤذيات أكثر من أحاسيس األمل‪ ،‬عالوة عىل كوهنا تتعلق بمجموعة من العوامل‬
‫األخرى (أنظر أدناه)‪.‬‬
‫) يف‬ ‫‪1‬‬
‫‪prostaglandins‬‬ ‫وحيتمل هنا أن تلعب غدة الربوستا (الربوستاغالندينات‬

‫ل‪Prostaglandin‬لح ثلأنلتس ًحثلفون‬ ‫ل‪PG‬لوهيلتخمصببً ل لسر سوسببمًين‬ ‫‪ Prostaglandins 1‬س ب التسمي ب‬


‫لس لأنلس لأ تلسل رصب ب بًلل‬ ‫بوالر تسيب ب باأل للتامب ب ب ل ً ل‪1937‬لتكمش ب ببرلتس سوس ب ببمًين نلايلتسي ب ببًي لتس أاللهلوأ‬
‫لهل‬ ‫سعضببر لتسسح لظلوًأًلل أ لأنلهاتلتس سمال ص ب الي ولتس سوسببمً ل‪Prostate Gland‬لساسكلد ًالبًس سوسببمًين‬
‫جلأ ي ب ببة لتسةيب ب ب ل ل ح ل‬ ‫ل مات لايل‬ ‫لأ أتلأنلتس سوس ب ببمًين‬ ‫سك لتس حاثلتسميلأرتلتكمش ب ببً لتس سوس ب ببمًين‬
‫م ب ب ب ب حً ه‪.‬لل‪.‬لل)‪.‬لللأ للأ تلسل ث تلسلسحسلتاس ل‪Algogenic‬لوأث سلحسلتاس لتسش ب ب ب ب لوحسلتسحس ل أ لح أ ًلايل‬

‫‪52‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العمليات الكياموية األساسية دور ًا كبري ًا؛ إهنا ترفع حساسية هنايات األعصاب من بينها‬
‫احلساسية للهيستامني ‪ Histamine‬و الرباديكينني ‪ ، Bradykinin‬وهي مواد تظهر باطراد‬
‫‪1‬‬

‫متزايد كنتيجة لترضر اخلاليا‪ .‬ويقوم التأثري املسكن ملادة محض ملح األستيل‬
‫‪( acetylsalicylic acid‬األسربين ‪ ،)Aspirin‬أشهر مسكن لألمل‪ ،‬عىل كبح اصطناع‬
‫الربوستاغالندينات ‪ ،prostaglandins synthesis‬أي يؤثر يف النهايات العصبية‬
‫‪ .periphery‬ويمكن تقسيم املؤذيات (املوجعات ‪ )nociceptors‬املنطلقة من األلياف‬
‫العصبية إىل نوعني‪ ،‬حيث تكون املحاور العصبية املوصلة برسعة مسؤولة عىل ما يبدو‬
‫عن التحويل لألمل "اخلفيف" (الوامض) واملحاور العصبية املوصلة ببطء مسؤولة عن‬
‫التحويل لألمل "العميق" (املقبض) املتأخر‪ .‬يتم حتويل األلياف العصبية إىل عصبونات‬
‫القرن اخللفي يف النخاع الشوكي للمرة األوىل‪ ،‬حيث يكون ملا تسمى باملادة ‪ P‬وظيفة‬
‫ناقل مهمة‪ .‬وهناك أسباب وجيهة الفرتاض أن مكان هذا االرتباط املشبكي يتم تعديله‬
‫انطالق ًا من بنى أعىل (نظرية‪-‬ضبط‪-‬املدخل & ‪Gate-control-theory;Melzack‬‬
‫‪ .)Wall,1965‬ومن املمكن أن تكون األلياف الصاعدة من بنى جذع الدماغ‪ ،‬من نواة‬
‫االلتحام ‪ nucleus raphe‬تقريب ًا‪ ،‬إىل عصبونات القرن اخللفي وتغري من خصائصها‬
‫الغشائية ‪membrane‬باستمرار هي املسؤولة عن هذا‪ .‬ويف هذا املكان حيدث بشكل‬
‫مبارش تأثري األفيون داخيل املنشأ الذي يتم حتريره يف الدماغ بنتيجة األمل‪ ،‬ويقبض بشكل‬
‫خاص يف ‪peri aqua ductule Gray‬املذكورة يف القطع السابق والتي تظهر كثافة عالية‬
‫بشكل خاص من مستقبالت األفيون‪ .‬وحتول األلياف املنطلقة من هناك االستثارات‬
‫احلاثة لألفيون إىل ما يسمى نواة االلتحام ‪ nucleus raphe‬ومن هناك إىل عصبونات‬

‫لوتسمعس ل‬ ‫لتسم‬ ‫تسش ب ب ب ب تس لأولتس سألماتنلأول أ لتخ يب ب ب ببًنلدتخ لتاد ل‪.‬للماسكلا يلأيب ب ب ببًه لايل ح تثلحًس لتسص ب ب ب ب‬
‫لتسعس لتسعصب ب لوس أللتااً يل‬ ‫سرضب ب اللتس يً ي لوتسم ً ن لتهسم ًأ لتسأيب ب ة لوتسم ًالتس ًمب ب لتسأ سسب ب لوتسا‬
‫وتسحش تس ‪.‬للل‬

‫‪ 1‬موسع وعائي ومقلص عضيل‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫القرن اخللفي‪ .‬عندئذ سوف يقود إنتاج األفيونات داخلية املنشأ أو إعطاء األفيونات‬
‫خارجية املنشأ وفق نظرية‪-‬ضبط‪-‬املدخل ‪ Gate-control-theory‬إىل استمرارية تشكيل‬
‫االستثارة عىل املستوى الشوكي ‪ .(Carlson, 1994;P. 208ff) spinal‬ومن املمكن أن‬
‫تكون الوظيفة البيولوجية هلذا التخدير األفيوين ‪ opiate analgesia‬هي ختفيض األمل يف‬
‫املواقف التي ال يكون فيها اهلرب كاستجابة عىل مثريات األمل مفيد ًا‪ ،‬يف القتال أو يف‬
‫السلوك التزاوجي عىل سبيل املثال‪ ،‬حيث يفرتض ختفيض احلساسية لألمل ولكن ليس‬
‫األحاسيس اللمسية‪ .‬ويمكن كذلك تفسري التأثري املعروف للبالسيبو من خالل تأثري‬
‫األفيونات داخلية املنشأ التي تتحرر عند تنشيط مراكز قرشية حمددة‪ ،‬التي تظهر‬
‫ارتباطات مع املادة الرمادية ‪ .peri aqua ductule Gray‬ويمكن اعتبار النتائج القائلة‬
‫إن تأثري البالسيبو ال يظهر بعد إعطاء النالوكسون املضاد لألفيون ‪Opiate antagonist‬‬
‫‪ Naloxan‬دع ًام هلذه الفرضية‪.‬‬
‫وتنعطف األلياف العصبية الصاعدة ‪ ascending‬من القرن اخللفي إىل اجلهة املقابلة‬
‫مبارشة وتسري عىل خط املقدمة نحو التاالموس ‪ ،Thalamus‬الذي يمثل حمطة وسطى‬
‫مهمة عىل الطريق نحو املراكز احلسية اجلسدية ملحيط القرشة الدماغية‪ .‬ويف حني أنه من‬
‫املتوقع أن يكون التمثل االستعرايف ملثري األمل مرتبط ًا بعمليات يف هذه املنطقة الدماغية‪،‬‬
‫فإنه يعتقد أن املركبات االنفعالية هي املكافئ للحوادث يف بنى حمددة من اجلهاز اللمبي‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وتدعم العمليات اجلراحية التي كانت شائعة بشكل خاص حتى عقود قليلة خلت‬
‫ملرىض يعانون من أمل غري قابل للتخفيف هذه الفرضية‪ .‬فعىل الرغم من أن ختريب‬
‫األجزاء املرتبطة باجلهاز اللمبي من التاالموس ‪ Thalamus‬يقود إىل إمكانية استمرارية‬

‫إدراك األمل إال أنه ال يعود يشعر به عىل أنه مؤذ‪.‬‬

‫وال يقود حتريض املؤذيات (املوجعات ‪ )nociceptors‬إىل أحاسيس أمل شديدة إىل‬
‫حد قليل أو كبري فحسب وإنام إىل استجابات إعاشية مرافقة‪ ،‬من نحو تغريات ضغط‬

‫‪55‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الدم أو هجامت التعرق‪ ،‬ويثري باإلضافة إىل ذلك استجابات حركية عىل مستوى النخاع‬
‫الشوكي املذكور أعاله‪ ،‬كمنعكسات اهلرب أو التوتر االنعكايس عىل سبيل املثال ألجزاء‬
‫منفردة من العضالت‪ .‬وحسب رؤية كثري من الباحثني يمكن هلذا االرتفاع للتوتر‬
‫العضيل أن يقود ثانية من خالل نقص تروية العضالت وحترير ما يسمى الكينني‬
‫‪( Quinine‬وهي مادة قابضة) لتحريض مؤذيات (مؤملات ‪ )nociceptors‬أخرى وبالتايل‬
‫لنمو حلقة مفرغة‪ .‬ويمكن للخصوصية الفيزيونفسية لدى بعض األشخاص يف‬
‫االستجابة للمرهقات ‪ stressors‬من خمتلف األنواع بالتوتر العضيل بشكل خاص أن‬
‫تؤثر هنا بشكل مزيد للسوء‪ .‬وعىل هذا املستوى من األمل "العضيل املنشأ ‪"myogenic‬‬
‫بالتحديد حتاول األساليب الفيزيونفسية يف عالج األمل العمل‪ ،‬كاالسرتخاء العضيل‬
‫التصاعدي (مع أو بدون تغذية حيوية راجعة)‪.‬‬
‫ويستنتج مما قيل أعاله بشكل مبارشة بأن استثارة املؤملِات من خالل ترضر اخلاليا‬
‫األصيل وأحاسيس األمل املرافقة ال ترتبط بأفضل األحوال إال بعالقة غامضة جد ًا‪.‬‬
‫فتعديل توجيه املثري ومتثله من خالل املراكز األعىل واالستجابات املحيطية ‪peripheral‬‬
‫مع تأذيات أخرى ممكنة جتعل مثل هذا التصنيف البسيط غري ممكن عىل اإلطالق‪ .‬والبد‬
‫من النظر لنامذج إزمانية األمل ‪[ chronification of Pain‬أن يصبح األمل مزمن ًا]‪ ،‬بالشكل‬
‫الذي نوقشت فيه عىل سبيل املثال من قبل بروم وديسميدت & ‪Bromm‬‬
‫‪ Desmedt,1995‬ومبادئ التدخل خمتلفة األنواع‪ ،‬من منظور االرتباطات املركبة والتي‬
‫تم عرضها هنا بشكل مبسط جد ًا‪.‬‬

‫األسس الفيزيونفسية للتدخالت الطبية السلوكية ‪psycho physiological basics of‬‬


‫‪behavior medical Interventions‬‬

‫كام أرشنا يف املدخل سوف نتناول هذه الفقرة بشكل خمترص ذلك أن العرض الدقيق‬
‫يتطلب التعرض لصور األمراض النوعية‪ .‬هلذا سنكتفي ببعض اإلشارات والتنويه‬
‫لبعض املراجع‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حتدث التأثريات الطبية السلوكية يف جزء منها عىل املستوى االستعرايف و يف جزء‬
‫آخر منها عىل مستوى السلوك‪ ،‬كتحسني املطاوعة ‪ Compliance1‬عىل سبيل املثال‪ ،‬وإىل‬
‫جانب ذلك أيض ًا وبشكل أكرب عىل مستوى االستجابات اإلعاشية ‪vegetative‬‬
‫ونشري هنا بشكل خاص إىل أساليب التغذية الراجعة احليوية‬ ‫‪.Reaction‬‬
‫‪ ،Biofeedback‬التي حتاول إحداث تعديل يف املتغريات الفيزيونفسية بالطرق االستثابية‬
‫(اإلجرائية) ‪ .operant Ways‬لقد أثبتت جتارب احليوان مليللر ‪ Miller‬و مساعديه منذ‬
‫عام ‪ 1978‬أنه يمكن تعديل املتغريات اإلعاشية من خالل إجراءات التعزيز‪ ،‬ولكن فيام‬
‫إذا كانت التعديالت الفيزيولوجية املستثارة من خالل التغذية احليوية الراجعة لدى‬
‫اإلنسان نامجة بالفعل عن أن إرجاع التعديالت الناجحة قد أثر بوصفه تعزيزا إجيابي ًا‬
‫وبالتايل فهو يثبت االستجابة املالئمة‪ ،‬كام افرتض لفرتة طويلة كنموذج تأثري‪ ،‬فإن األمر‬
‫حيتاج إىل نقاش‪ .‬كذلك تبدو الفرضية القائلة إنه يتم يف مواقف التغذية احليوية الراجعة‬
‫تنمية االسرتخاء بالدرجة األوىل الذي يؤثر يف املتغريات اإلعاشية املختلفة من بينها‬
‫املتغريات التي يسعى إىل تعديلها‪ ،‬معقولة‪ .‬ويؤيد هذه الفرضية أن األساليب‬
‫االسرتخائية العامة‪ ،‬من نحو االسرتخاء العضيل التصاعدي عىل سبيل املثال توازي يف‬
‫تأثريها فيام يتعلق هبذا األمر عىل األقل العالج بالتغذية الراجعة احليوية‪ .‬وعىل أية حال‬
‫فإن نجاحات دراسات التغذية احليوية الراجعة املكلفة جد ًا ال تربر عىل اإلطالق‬
‫التحمس الزائد ‪ euphoria‬الذي حظيت به هذه الطريقة يف البداية (راجع حول هذه‬
‫األمر ‪ Koehler,1995‬صفحة ‪ 92‬وما بعد حول فاعلية مثل هذه األساليب يف عالج‬
‫ارتفاع ضغط الدم)‪ .‬ويف السياق الطبي السلوكي يبدو أن أهم من تأثريها املبارش هو‬
‫حتسني قياس بعض املعطيات اجلسدية‪ ،‬وبشكل خاص أعراض املرض‪ ،‬من أجل‬
‫التمكن من عالجها بشكل فاعل ويف وقت مبكر‪ .‬ومل يكن حترك مسألة االستنباه‬
‫الباطني ‪ ،interoception‬أي إدراك احلاالت واحلوادث اجلسدية الداخلية‪ ،‬بشكل مطرد‬

‫‪ 1‬إتباع املريض للتعليامت الطبية‬

‫‪57‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫نحو مركز االهتامم البحثي يف السنوات األخرية بال سبب‪ .‬وبام أنه مهم جد ًا بالنسبة‬
‫لبناء النظرية السيكوسوماتية يف الوقت الراهن فإننا سوف نتعرض باختصار لتصور‬
‫االستجابات النوعية الفردية‪ .‬ويستند هذا النموذج عىل عدد كبري من االستجابات‬
‫الفيزيونفسية املمكنة وتنوعها عرب األفراد واملثريات‪ .‬إنه يتضمن الفرضية القائلة إن‬
‫األشخاص –وبشكل مستقل نسبي ًا عن نوع التنشيط املعني‪ ،‬من خالل اختبارات‬
‫اإلنجاز عىل سبيل املثال‪ ،‬املواقف املرهقة انفعالي ًا‪ ،‬مثريات األمل‪ -‬يستجيبون بنمط حمدد‪،‬‬
‫هبرم مميز من درجات وضوح املتغريات املنفردة‪ .‬وعليه يمكن عىل سبيل املثال لشخص‬
‫أن ُيظهر بتنوع موقفي واسع أشد التغريات املرتبطة باالستثارة ‪ stimulus contingent‬يف‬
‫متغريات ضغط الدم‪ ،‬وأقل يف مؤرشات النشاط اجللدي الكهربائي وأصغرها يف نشاط‬
‫العضالت‪.‬‬
‫وبناء عىل عدد كبري نتائج الدراسات يمكن االفرتاض بشكل موثوق أن‬
‫االستجابات الفردية النوعية تالحظ بالفعل بمقدار يستحق الذكر‪ ،‬وذلك لدى ثلث‬
‫أشخاص التجربة تقريب ًا‪ .‬وتعد الفرضية النامجة عن ذلك مهمة وحمفزة بشكل كبري‬
‫للبحث السيكوسوماتيكي والقائلة إن األشخاص بمثل هذا النمط من االستجابات‬
‫النمطية الثابتة ‪ invariant‬قد طوروا بدرجة عالية من االحتامل اضطراب ًا يف منظومة‬
‫التنشيط األقىص‪ .‬وعليه يفرتض –عىل سبيل الذكر للفرضية الرائجة واألكثر دراسة مع‬
‫بعض التحفظ‪ -‬أن مفرطي التوتر ‪ hypertonic‬قد كانوا يستجيبون منذ البداية عىل‬
‫املثريات املقيتة بتغريات واضحة بضغط الدم _وربام مستمرة لفرتة طويلة)‪ ،‬بحيث أنه‬
‫من خالل انزياح القيم الواجبة يف منظومة التنظيم القلبي الوعائي ومن خالل تغريات‬
‫أساسية قد تشكل أخري ًا ارتفاع ثابت يف ضغط الدم‪ .‬إال أن الربهان اإلمبرييقي هلذه‬
‫الفرضية أصعب مما توحي به جمموعة من املراجعات املتفائلة‪ .‬وبشكل خاص فإن عدد‬
‫كبري من الدراسات –التي باملناسبة مل تقد إىل نتائج موحدة‪ -‬قد تم تصميمها بشكل عام‬
‫عرضي ًا بأنه قد متت مقارنة األشخاص مفرطي التوتر مع أشخاص غري مفرطي التوتر‪.‬‬
‫ولكن الدراسات الطولية وحدها املتزايدة العدد حلسن احلظ هي وحدها القادرة عىل‬

‫‪58‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫االستنتاج أن ارتفاع ضغط الدم املرتبط باملوقف يسبق ارتفاع ضغط الدم الدائم ولكنه‬
‫ليس عاقبته‪ .‬وال يمكن استنتاج أهنا بالفعل متتلك أمهية مرضية ‪ pathologic‬وليس‬
‫عبارة عن عرض باكر لعملية مرضية نامجة عن أسباب مازالت غري معروفة إال من خالل‬
‫دراسات تدخلية مع تعديالت أبكر الرتفاع ضغط الدم املرتبط باالستثارة‪.‬‬
‫ومع كل هذه االختالفات وعدم اليقني فإن املسألة يف تصور االستجابات النوعية‬
‫الفردية للفروق الفيزيونفسية وحصول التغريات اجلسدية بمسامهة تأثري العوامل‬
‫النفسية هي نظرية جديرة باملتابعة‪ .‬وهي مهمة هنا أيض ًا من حيث أهنا يمكن أن تظهر‬
‫إمكانات التدخل النفيس يف الشكاوى املطابقة (من نحو اسرتاتيجيات مواجهة الضغوط‬
‫أو أساليب االسرتخاء عىل سبيل املثال) من جهة ومن جهة أخرى أيض ًا قد تفرس‬
‫التأثريات اجلسدية (التفريقية) لألساليب العالجية املتفرقة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪60‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب الثاين‬
‫التشخيص‬

‫‪61‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪62‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الفصل الثالث‬

‫صور األمراض‪ ،‬التصنيف‪ ،‬التوثيق‬

‫‪H. J. Freyberger & R. -D. Stieglitz‬‬

‫مدخل‬
‫حظي التوثيق والتشخيص يف السنوات العرشين األخرية يف الطب العلم نفيس‬
‫‪Psychological Medicine‬بأمهية مطردة وبشكل خاص من خالل إدخال منظومات‬
‫التشخيص اإلجرائية‪ .‬لقد تطور تصور هذا التشخيص القائم عىل السامت النفسية‬
‫املرضية الوصفية بشكل خاص للمجرى والزمن عىل خلفية "أزمة التشخيص الطبي‬
‫النفيس ‪ "Crises of psychiatrically Diagnostic‬يف ستينيات وسبعينيات القرن‬
‫العرشين‪ ،‬التي نشأت من خالل النقد املضموين‪-‬املفاهيمي و من خالل النقد‬
‫اإلمبرييقي‪ .‬وقد تصدرت االجتاهات اآلتية املواجهة‪:‬‬
‫‪ .1‬ما يسمى بالنقد "املضاد للطب النفيس ‪ ،anti psychiatrically Critic‬الذي مثله‬
‫زاس )‪ Szasz (1962,1976‬ولينغ )‪ Laing (1960-1961‬والحق ًا تم تبنيه من‬
‫أجزاء من الطب النفيس االجتامعي‪ .‬وهؤالء شككوا بالتشخيص‪ ،‬واعتربوه‬
‫عبارة عن تلقيب للسلوك املنحرف‪ ،‬وهو ما يعترب آلية من الضبط االجتامعي يف‬
‫سياق جمتمعي ما‪.‬‬
‫‪ .2‬النقد التحلييل النفساين ‪ ،‬حيث أظهر أن التشخيص (الطبي النفيس) غري‬
‫اجتاها‬
‫مناسب‪ ،‬ألنه ال يقيس السامت البنيوية ذات العالقة بشكل كاف‪ ،‬ويتجه ً‬
‫"مادي ًا سطحي ًا" أعراضي ًا ‪ ،symptomatological‬وال يربهن بالنسبة للعملية‬

‫‪63‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪(Menninger,‬‬ ‫‪1984;Schneider‬‬ ‫&‬ ‫العالجية عىل أمهية كبرية‬


‫)‪.Freyberger,1990,1994‬‬
‫‪ .3‬النقد الطبي النفيس حيث اجته –عىل امتداد النقاش حول التصورات البيولوجية‬
‫واألساليب العالجية‪ -‬باطراد نحو رضورة طرح املؤرشات (الفاعلية) القائمة‬
‫عىل التشخيص وبشكل خاص بالنسبة ملبادئ العالج الدوائي النفيس ‪(Emrich‬‬
‫)‪.& Hippius,1984, Kendell,1978‬‬
‫ومن خالل جمموعة من الدراسات التشخيصية املتعددة املراكز التي أجريت بشكل‬
‫خاص يف املحيط األنجلو أمريكي (من بينها ‪Cooper et al. , 1972; Wing et al.‬‬
‫‪ ),1967‬تطورت يف هذه السنوات أيض ًا خالفات إمبرييقة مطردة‪ ،‬جتلت يف جماالت‬
‫أخرى بمقدار منخفض بشكل مرعب من االتفاق التشخييص بني املستشفيات التي تقوم‬
‫بالتشخيص بشكل مستقل عن بعضها البعض‪ .‬وهنا أصبح تطابق الفاحصني‬
‫)‪ (interrater-Reliability‬يعد يف البداية رشط ًا أساسي ًا‪ ،‬وبشكل خاص معيار للصدق‬
‫سهل االختبار‪.‬‬
‫وقد عزا كل من سبترس وفاليس )‪ (Spitzer & Fleiss,1974‬يف حتليل يف جمال‬
‫االضطرابات العصابية واضطرابات الشخصية بشكل خاص قيم التطابق غري الكافية‬
‫إىل املصادر املختلفة للمتغريات‪ ،‬التي تنطبق سواء عىل العملية التشخيصية أم عىل سامت‬
‫املشخص عىل حد سواء )‪:(Stieglitz & Fryberger,1996‬‬
‫‪ .1‬تباين املوضوع ‪ ،Subject variance‬أي فحص املريض يف وقتني خمتلفني كان‬
‫املريض فيهام يف حاالت خمتلفة من املرض‪.‬‬
‫‪ .2‬تباين املوقف ‪ ،Situation variance‬أي فحص املريض يف موعدين خمتلفني‬
‫يكون فيهام طورين أو مرحلتني خمتلفتني من االضطراب‪،‬‬
‫‪ .3‬تباين املعلومات ‪ ،Information variance‬أي توفر معلومات خمتلفة حول‬
‫املريض ومرضه للفاحصني املختلفني‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .4‬تباين املالحظة ‪ ،Observation variance‬أي يصل الفاحصون املختلفون إىل‬


‫أحكام وتقويامت خمتلفة حول وجود وأمهية األعراض القائمة‪.‬‬
‫‪ .5‬تباين املعايري ‪ ،Criterions variance‬أي يستخدم الفاحصون املختلفون حمكات‬
‫تشخيص خمتلفة لتشخيص االضطراب نفسه‪.‬‬
‫ويف حني يرتبط املصدران األول والثاين من التباين بتباين جمرى االضطرابات‬
‫النفسية وبالتايل ال يمكن ضبطهام بشكل كاف‪ ،‬فإن ختفيض مصادر التباين األخرى‬
‫كانت موضوع ًا لنشاطات بحثية أخرى‪ .‬وقد تم أخذ رؤية سبترس وفاليس & ‪Spizer‬‬
‫)‪ Fleiss (1974‬اللذان اعتربا تباين املحكات وبمقدار أضيق تباين املالحظة السبب‬
‫األسايس للموثوقية غري الكافية للتشخيصات ‪ ،Diagnostics reliability‬بعني االعتبار‬
‫من خالل إدخال منظومات أو بنى التشخيص اإلجرائية‪ .‬وحتى تاريخ نرش الطبعات‬
‫املختلفة من اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬كانت منظومة الدي أس أم ‪ ،DSM‬بام يف‬
‫ذلك سابقه املبارش (ما يسمى حمكات سانت لويس ‪St. -Louis-Criteria‬؛ قارن جدول‬
‫‪ )1‬األوسع انتشار ًا و عىل األقل األكثر قبوالً يف العلم (قارن ‪ .)Wittchen, 1994‬ويف‬
‫حني اتبع الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬هذه التقاليد األمريكية تقريب ًا ويعترب أكثر‬
‫منظوم ة متمحورة حول املحكات‪ ،‬فإن منظمة الصحة العاملية قد اتبعت يف تطوير اآلي‬
‫يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬اسرتاتيجية خمتلفة‪ .‬فقد كان اهتامم منظمة الصحة العاملية‬
‫منصب ًا نحو تطوير مفاهيم وأدلة تشخيصية تفريقية ملجاالت خمتلفة من الرعاية واملناطق‬
‫اجلغرافية‪ .‬وعليه فقد تم تطوير املخترص املدمج يف اآلي يس دي ‪ ICD‬الكيل للمجال‬
‫احلكومي ‪ administrative‬وتم ختصيص املوجهات التشخيصية‪-‬اإلكلينيكية بوصفها‬
‫الصيغة األوسع تفصي ً‬
‫ال للفصل اخلامس للمجال العيادي‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)1‬عرض لتطوير منظومات التشخيص‬


‫املؤلفني‬ ‫املنظومة‬
‫‪Feiger et al. ,1972‬‬ ‫‪St. -Louis-Criteria‬‬
‫‪Spizer et al. , 1975‬‬ ‫‪Research Diagnostic Criteria‬‬
‫‪American‬‬ ‫‪Psychiatric‬‬ ‫‪DSM-III‬‬
‫‪Association,1980‬‬
‫‪American‬‬ ‫‪Psychiatric‬‬ ‫‪DSM-III-R‬‬
‫‪Association,1984‬‬
‫‪World Health Organization‬‬ ‫‪ICD-10‬‬
‫‪WHO,1992a‬‬ ‫‪ -‬خمترص‬
‫‪WHO,1992b‬‬ ‫‪ -‬موجهات إكلينيكية تشخيصية‬
‫‪WHO,1993a‬‬ ‫‪ -‬معايري البحث‬
‫‪Dilling et al. ,1994‬‬
‫‪WHO,1993b‬‬ ‫‪primary‬‬ ‫‪Health‬‬ ‫‪Care -‬‬
‫‪Classification‬‬
‫‪WHO,1994‬‬ ‫‪-multiaxial System‬‬
‫‪American‬‬ ‫‪Psychiatric‬‬ ‫‪DSM-IV‬‬
‫‪Association,1994‬‬

‫وتعد ما يسمى بمعايري البحث عىل سبيل املقارنة من خالل حتديداهتا اإلجرائية‬
‫الصارمة ‪ operationalization‬لالضطرابات حتت أولوية جتانس العينات أقرب األدلة‬
‫قابلية للمقارنة مع الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬وتفيد التشخيص يف الدراسات‬
‫العلمية‪ .‬وبالنسبة ملجال الرعاية الصحية األولية تم تطوير دليل بحث يتضمن‬
‫إرشادات عالجية حمددة إىل جانب أهم أربع وعرشين جمموعة من االضطراب‪.‬‬
‫وبالتوازي مع هذه املنظومات التشخيصية تم تطوير أدوات القياس املوافقة هلا‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

Interview-and Checklists ‫والتي يمكن تقسيمها إىل قوائم مقابلة وقوائم أعراض‬
‫ وقد أمكن من خالل أساليب املقابلة بشكل خاص التي تم فيها‬.)2 ‫(قارن جدول‬
‫ وهنا‬.‫إعطاء أسئلة حمددة لكل عرض أو حمك انخفاض تباين املالحظة بشكل كبري‬
‫تتوفر مقابالت معريه إىل مدى كبري وبدرجات خمتلفة بالنسبة ملجال االضطرابات‬
‫ وبالنسبة ملجموعات خمتارة من االضطرابات‬SCAN ‫و‬CIDI ‫النفسية ككل من نحو‬
.IPDE‫ و‬SIDAM ‫النفسية من نحو‬

)‫ عرض لتطوير األدوات التشخيصية (أمثلة‬:)2( ‫جدول‬


Structured or Standardized Interview ‫املقابالت املعرية و املبنية‬
- Structured Clinical Interview for DSM-III (SCID) (Spitzer et al.
,1988)
- Composite international Diagnostic interview (CIDI) (WHO,1991;
Wittchen & Semler,1991)
- Diagnostische Interview bei Psychischer Stoerungen (DIPS)
(Maragraf et al., 1991)
- International Personality Disorder Examination (IPDE) (WHO,1991)
- Standardized Assessment of Personality (SAP) (Pilgrim &
Mauer,1990)
- Structuiertes Interview fuer die Diagnose von Demenzen (SIDAM)
(Zaudig et al., 1995).
‫قوائم األعراض‬Symptom checklists
- Internationale Diagnosechecklisten fuer ICD-10 & DSM-III-R
(IDCL) (Hiller et al. ,1995)
- ICD-10-Merkmaksliste (ICDML) (Dittmann et al. ,1992)
- Achener Merkmallsliste fuer Persoenlichekeisstoerungen (AMPS)
(Sass et al., 1992).

‫ إال أن هذه‬،‫كام توجد كذلك سامت تشخيصية عىل شكل قوائم أعراض بسيطة‬
‫ ويف‬.‫األساليب تتطلب برامج تدريب واسعة بالنسبة للمشخص الذي يريد استخدامها‬
‫ بعد اجللسة األوىل‬symptom checklists ‫حني أنه يمكن تعبئة وتقويم قوائم األعراض‬

67
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أو مقابالت تشخيصية أو املراحل العالجية‪ ،‬يتم تصميم اجللسة التشخيصية من خالل‬
‫أساليب املقابلة عىل املستوى األعرايض بشكل صارم‪.‬‬
‫وقد قاد هذا التطوير إىل جمموعة من النتائج املفاهيمية بالنسبة لتصنيف‬
‫االضطرابات النفسية هذا‪ ،‬أسهمت يف تطوير منظومات التوثيق املطابقة‪.‬‬

‫مبادئ التصنيف اإلجرائية يف اآلي سي دي ‪ ICD‬والدي أس أم ‪DSM‬‬

‫املبادئ‬
‫اتبع التشخيص اإلجرائي املحقق يف اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬والدي أس‬
‫أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬يف تصميمه مخسة مبادئ‪:‬‬
‫‪ .1‬فيام يتعلق باملطلب الوصفي متت حماولة حتقيق "مبدأ ال نظري ‪،a theoretical‬‬
‫مقرون بالتخيل واسع املدى عن التمييز التقليدي بني العصابات والذهانات‪،‬‬
‫بني حذف التصور العصابات وتصور داخيل املنشأ ‪Neuroses- and‬‬
‫‪.Endogenity- Concept‬‬
‫‪ .2‬تم بناء تعريفات االضطرابات وفق مبدأ متمركز عىل املعايري‪ ،‬يسرتشد ببساطة‬
‫بسامت املجرى والزمن التي ينبغي مالحظتها والقابلة للتحديد‪ .‬وتم إمهال‬
‫السامت املركبة أو مظاهر اخلربة التي تتطلب درجة أعىل من التجريد النظري أو‬
‫التفسريي‪ .‬التوليفات املحددة من املعايري النامجة عن ذلك تم تشكيلها بإتباع‬
‫قواعد ارتباط بتشخيصات منفردة‪ .‬كذلك أصبحت التقسيامت حسب‬
‫درجات الشدة جزء ًا أساسي ًا من هذا املبدأ من نحو الفئات التشخيصية الباقية‬
‫التي يفرتض هلا أن تشكل تشخيصي ًا فئات من املرىض يف منظومة هرمية‬
‫متدرجة‪ ،‬التي ال يمكن تصنيفها ضمن اضطراب حمددة‪.‬‬
‫‪ .3‬ينبغي يف هذه املنظومات عىل األقل حتقيق مطلب أخذ تلك الفئات التشخيصية‬
‫بعني االعتبار فقط‪ ،‬والتي حتقق أقل حد من مطلب املوثوقية ‪reliability‬‬

‫‪68‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫(الصدق ‪ .)validity‬ومن أجل هذا تم إجراء دراسات واسعة لصدق‬


‫املحكمني سواء بالنسبة لآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬أم بالنسبة للدي أس‬
‫أم‪-‬الرابع ‪.DSM-IV‬‬
‫‪ .4‬تم إدخال مبدأ االختالطية ‪ ،co morbidity principle‬الذي يفرتض وجود‬
‫اضطرابات عدة قابلة لتحديد وصفي ًا مستقلة عن بعضها‪ .‬فبالنسبة للمريض‬
‫الفرد يفرتض أن يتم إجراء تشخيصات بمقدار ما يكون رضوري ًا من أجل‬
‫التحديد الكامل لكل األعراض‪ .‬وتشدد ًا يف إتباع وجهات النظر الوصفية تم‬
‫التخيل عن مجع أعراض متنوعة حتت تشخيص مركب وحيد‪ .‬التشخيص‬
‫األسايس هنا هو التشخيص الذي حيمل أكرب أمهية إكلينيكية راهنة‪.‬‬
‫‪ .5‬وعىل أساس من رضورة شمولية مظاهر غري أعراضية ‪ symptomatic‬تم‬
‫تأسيس مبدأ التشخيص متعدد املحاور‪ .‬ووفق ًا لذلك فقد تم عىل حماور‬
‫تشخيصية منفصلة بناء مظاهر عىل األغلب ذات أمهية بالنسبة لألسباب واملنشأ‬
‫املريض والعالج واملجرى والتنبؤ‪.‬‬

‫العواقب بالنسبة للتصنيف‬


‫كانت العاقبة األساسية بالنسبة لتصنيف االضطرابات النفسية هي التمييز بني‬
‫الفئات التشخيصية التقليدية أو تفتيتها وفق ًا لألعراض األساسية‪ .‬وكمثال عىل‬
‫التصورات املختلفة إىل حد ما لآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬والدي أس أم‪-‬الرابع‬
‫‪ DSM-IV‬سنناقش التغريات يف بعض الفئات العصابية لآلي يس دي‪-‬التاسع ‪.ICD-9‬‬
‫كام يظهر من جدول (‪ )3‬تم استبدال الفئة الرئيسية اضطرابات قلق أخرى يف اآلي‬
‫يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬بعصابات القلق يف اآلي يس دي‪-‬التاسع ‪ .ICD-9‬وقد تم‬
‫هنا التمييز بشكل أسايس بني اضطرابات اهللع (القلق الظاهر بشكل دوري‪ ،‬والقلق‬
‫املفاجئ ‪ )paroxysmal‬وبني اضطرابات اهللع املعمم‪ ،‬التي تشمل متالزمات القلق‬
‫املستمر‪ .‬وضمن الوظيفية التفريعية ألفكار االختالطية نجد يف اآلي يس دي‪-‬العارش‬

‫‪69‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ ICD-10‬فئتان مما يسمى بالفئات املختلطة فقط‪ ،‬التي يفرتض هلا أن تعكس اضطرابات‬
‫يظهر فيها القلق بالتوازي مع أعراض مرافقة أخرى ويكون موجود ًا بنفس الوزن‬
‫األعرايض وبدون أن حتقق حمكات اضطراب القلق الباقية‪ .‬واهلدف من هذا هو أن يتم‬
‫حتديد صور من الشكاوى شبه اإلكلينيكية ‪ sub clinical‬التي يفرتض هلا أن تلعب دور ًا‬
‫يف الرعاية الصحية األويل‪.‬‬
‫‪ICD-10‬‬ ‫وكام يظهر تقسيم الرهابات ‪ Phobias‬فقد تم يف اآلي يس دي‪-‬العارش‬
‫منح أولوية تشخيصية لرهابات األماكن العامة واضطرابات القلق األخرى األوسع من‬
‫الناحية املفاهيمية مقابل التصور التقليدي‪ ،‬عىل اضطرابات اهللع‪ ،‬التي أخضعت ملؤرش‬
‫الشدة وينبغي أال يتم تشخيصها إال يف غياب األعراض الرهابية‪ .‬باملقابل فإن الدي أس‬
‫أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬قد اعترب اضطرابات اهللع ‪ panic disorders‬أولية ‪ Primary‬وصنف‬
‫ضمنها اضطرابا ت القلق األخرى‪.‬‬
‫وهناك فرق جوهري يكمن يف متايز العصاب اهلستريي‪ .‬ففي حني أن اآلي يس‬
‫دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬قد صنف هذه الفئة بشكل أسايس يف جمموعة االضطرابات‬
‫التفككية ‪ ،dissociate Disorders‬فإن الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬قد وضع‬
‫االضطرابات العصبية الكاذبة ‪ pseudo neurological Disorders‬هلذه الفئة يف جمموعة‬
‫االضطرابات من الشكل اجلسدي ‪ .somatoform Disorders‬و يف كلتا املنظومتني تم‬
‫إضافة إىل ذلك جتميع اضطرابات التجسيد ‪ ،Somatization Disorders‬واضطرابات‬
‫املرقية (توهم املرض ‪ )Hypochondriac Disorders‬و االضطرابات الوظيفية‬
‫‪ ،Functional Disorders‬بحيث أنه قد تم يف هاتني املنظومتني إعطاء النمط التفككي و‬
‫النمط متعدد األعراض ‪ poly symptomatically‬من العصاب اهلستريي وزن ًا خمتلف ًا من‬
‫منظور مفاهيمي‪.‬‬
‫وكذلك اتبعت كلتا املنظومتان تصورات خمتلفة يف مراجعتها لالكتئاب العصايب‪.‬‬
‫ففي حني أن الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬قد متسك باالكتئاب األسايس ‪Major‬‬
‫‪ Depression‬و زاد مثل اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬عرس املزاج ‪ ،Dysthymia‬فقد‬

‫‪70‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ميز اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬بني األطوار االكتئابية (املنفردة)‪ ،‬واالضطرابات‬


‫االكتئابية املستمرة و االنتكاسية ‪ ،recidivate‬فتم القيام يف الطور االكتئايب واالضطراب‬
‫االنتكايس بإجراء تقسيم إضايف حسب درجة الشدة يقوم عىل عدد األعراض املوجودة‪.‬‬
‫‪psychological‬‬ ‫وهناك جتديدات تصنيفية أخرى مهمة بالنسبة للطب العلم نفيس‬
‫‪Medicine‬و العالج النفساين ‪ Psychotherapy‬تقوم بشكل خاص عىل تقويم‬
‫اضطرابات الشخصية املتضمنة يف املنظومات اإلجرائية‪ .‬فمن خالل حمكات التشخيص‬
‫البدئية األقل تقييد ًا يتم هنا حتديد الشذوذات السلوكية اجلوهرية الثابتة‪ ،‬تلك التي حتتل‬
‫يف هذه األثناء أمهية مركزية يف أبحاث املجرى‪ .‬فعىل األقل يف البحث الطبي النفيس‬
‫بشكل خاص تعطى اضطرابات الشخصية يف سياق مبدأ االختالطية أمهية‪ ،‬ذلك أنه‬
‫هناك غالب ًا ما تتم معاجلة مرىض باضطرابات خمتلطة يف الشخصية‪.‬‬
‫وتقود هذه التجزئة للفئات التشخيصية التقليدية إىل عدد كبري من التشخيصات‬
‫املحددة بشكل أعرايض‪ Syndromal‬حسب ما تظهره دراسات التطبيق وباالرتباط مع‬
‫مبدأ االختالطية ارتفاع العدد املطروح من التشخيصات اإلكلينيكية بشكل ملحوظ‪.‬‬
‫ومن الزاوية الوصفية يتم السعي هنا إىل حتديد حصص االضطرابات بشكل تفريقي من‬
‫أجل بناء مظاهر ذات أمهية عالجية وتنبؤيه مع التقديرات التشخيصية بشكل أقوى مما‬
‫هو األمر حتى اآلن‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جدول (‪ )3‬تغريات يف تصنيف بعض الفئات التشخيصية املختارة من ‪ICD-9‬‬


‫‪DSM-IV‬‬

‫‪ICD-10‬‬ ‫‪ICD-9‬‬

‫اضطرابات قلق أخرى‬ ‫‪F41‬‬ ‫عصاب القلق‬


‫اضطرابات هلع (قلق نويب مفاجئ‬ ‫‪F41. 0‬‬ ‫(‪)0 .300‬‬
‫‪)episodic paroxysmal Anxiety‬‬
‫اضطراب قلق معمم‬ ‫‪F41. 1‬‬

‫اضطراب قلق واكتئاب خمتلط‬ ‫‪F41. 2‬‬

‫اضطرابات قلق خمتلطة أخرى‬ ‫‪F41. 3‬‬

‫اضطرابات تفككية‬ ‫‪F44‬‬ ‫اهلستريي‬ ‫العصاب‬


‫فجوة ذاكروية ‪ amnesia‬تفككية‬ ‫‪F44. 0‬‬
‫(‪)1 .300‬‬

‫‪dissociative Fugue‬‬ ‫رشود تفككي‬ ‫‪F44. 1‬‬

‫سبات تفككي ‪stupor‬‬ ‫‪F44. 2‬‬

‫‪trance and‬‬ ‫حاالت استحواذ و غشوة‬ ‫‪F44. 3‬‬


‫‪obsession states‬‬

‫اضطرابات حركة تفككية‬ ‫‪F44. 4‬‬

‫نوبات تشنج تفككية‬ ‫‪F44. 5‬‬

‫اضطرابات إحساس وحساسية تفككية‬ ‫‪F44. 6‬‬

‫(اضطرابات حتويلية) تفككية خمتلطة‬ ‫‪F44. 7‬‬

‫‪72‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اضطراب رهايب‬ ‫‪F40‬‬ ‫الرهاب‬


‫اضطراب األماكن العامة‬ ‫‪F40. 0‬‬ ‫(‪)2 .300‬‬
‫بدون نوبات هلع‬ ‫‪F40. 00‬‬

‫مع نوبات هلع‬ ‫‪F40. 01‬‬

‫رهابات اجتامعية‬ ‫‪F40. 1‬‬

‫رهابات نوعية (منعزلة)‬ ‫‪F40. 2‬‬

‫اضطراب القهر‬ ‫‪F42‬‬ ‫عصاب القهر‬


‫أفكار قرسية غالبة أو قرس التأمل‬ ‫‪F42. 0‬‬ ‫(‪)3 .300‬‬
‫(التقليب)‬
‫ترصفات قرسية غالبة‬ ‫‪F42. 1‬‬

‫أفكار قهرية و ترصفات قرسية خمتلطة‬ ‫‪F42. 2‬‬

‫طور اكتئايب‬ ‫‪F32‬‬ ‫االكتئاب العصايب‬


‫خفيف يف الوقت الراهن‬ ‫‪F32. 0‬‬ ‫(‪)4 .300‬‬
‫متوسط الشدة يف الوقت الراهن‬ ‫‪F32. 1‬‬

‫شديد يف الوقت الراهن‬ ‫‪F32. 2‬‬

‫اضطراب اكتئايب انتكايس‬ ‫‪F33‬‬

‫اضطراب اكتئايب مستمر‬ ‫‪F34‬‬

‫عرس املزاج ‪Dysthymia‬‬ ‫‪F34. 1‬‬

‫‪73‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Neurasthenia‬‬ ‫نويروستانيا‬ ‫‪F48. 0‬‬ ‫النويراستانيا‬


‫(‪)5 .300‬‬
‫متالزمة االغرتاب األنا‪/‬متالزمة اغرتاب‬ ‫‪F48. 1‬‬ ‫االغرتاب‬ ‫متالزمة‬
‫الواقع‬ ‫العصابية‬
‫‪Depersonalization/Derealization‬‬ ‫(‪)6 .300‬‬
‫‪Syndrome‬‬

‫اجلسدي‬ ‫الشكل‬ ‫من‬ ‫اضطرابات‬ ‫‪F45‬‬ ‫املراقي‬ ‫العصاب‬


‫‪somatoform Disorders‬‬ ‫(اهليبوكوندريا)‬
‫جتسيد ‪Somatization‬‬ ‫اضطرابات‬ ‫‪F45. 0‬‬ ‫(‪)7 .300‬‬
‫‪Disorders‬‬

‫اضطرابات جتسيد غري متاميزة‬ ‫‪F45. 1‬‬

‫اضطراب مراقي‬ ‫‪F45. 2‬‬

‫اضطراب وظيفي مستقل من الشكل‬ ‫‪F45. 3‬‬


‫اجلسدي‬
‫اضطراب أألم من الشكل اجلسدي‬ ‫‪F45. 4‬‬
‫‪somatoform Pain Disorder‬‬

‫مبادئ متعددة احملاور مكملة ومتممة‬

‫مبادئ متعددة المحاور لآلي سي دي‪-‬العاشر ‪ ICD-10‬و الدي أس أم‪-‬‬


‫الرابع ‪DSM-IV‬‬

‫بالنظر هلذا التقليص ملستويات الرؤى التشخيصية إىل املستوى األعرايض‬

‫‪74‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ syndromatological‬فقد قررت منظمة الصحة العاملية استناد ًاَر إىل التصورات املطابقة‬
‫للدي أس أم‪-‬الثالث ‪ ، DSM-III‬و الدي أس أم‪-‬الثالث املعدل‪DSM-III-R‬تطوير‬
‫منظومتها اخلاصة متعددة املحاور لآلي يس دي‪-‬العارش ‪ .ICD-10‬فعىل املحاور )‪ (Ia‬و‬
‫)‪ (Ib‬من هذه املنظومة تم وضع األمراض النفسية (الفصل اخلامس) واألمراض اجلسدية‬
‫(طبق ًا للفصول األخرى من اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ )DIMDI ،ICD-10‬قارن جدول‬
‫(‪ .)4‬ومن أجل قياس تقييدات الوظائف االجتامعية النفسية باملطابقة مع التقييم العاملي‬
‫لألداء ‪( global Assessment functioning‬اختصار ‪ )GAF‬ملقياس منظومة الدي أس أم‬
‫‪ DSM‬فقد قامت منظمة الصحة العاملية بتطوير مقياس تشخيص اإلعاقة ‪Disability‬‬
‫‪ Diagnostic Scale‬بالنسبة للمحور الثاين من اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ،ICD-10‬يمكن‬
‫من خالله تقدير أبعاد خمتلفة من كفاءات الوظائف‪ .‬واستناد ًا إىل تصورات أبحاث‬
‫أحداث احلياة ‪ Life-Event-Researches‬يفرتض للمحور الثالث أن يشمل‬
‫مشكالت‪/‬تأثريات إدارة احلياة املتعلقة باملحيط و باملواقف‪ ،‬املرتبطة يف سياق‬
‫واستمرارية األعراض‪ .‬وقد تم تشكيل هذه املشكالت‪/‬التأثريات من الفصل احلادي‬
‫عرش )‪ XXI (Z‬من اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬وعنوانه "العوامل املؤثرة عىل احلالة‬
‫الصحية و التي تقود إىل اللجوء للخدمات الصحية"‪.‬‬
‫يف الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ DSM-IV‬تم بناء حماور مطابقة‪ .‬فاملحور الثاين من اآلي‬
‫يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬كان يتطابق مع املحور املوجود يف الدي أس أم‪-‬الثالث‬
‫والثالث املعدل‪ DSM-III and III-R‬كام أرشنا أعاله‪ ،‬إال أنه اآلن يتطابق مع التقييم‬
‫العاملي لألداء ‪ .global Assessment functioning‬واملحور الثالث يف اآلي يس دي‪-‬‬
‫العارش ‪ ICD-10‬يتطابق مع تصويرة الرتميز ‪ coding Schema‬للمشكالت االجتامعية‬
‫النفسية واملرتبطة باملحيط يف الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ .DSM-IV‬ويف ملحق الدي أس أم‪-‬‬
‫الرابع ‪ DSM-IV‬تم نرش حماور بشكل إضايف تتعلق بتشخيصات ال تتوفر حوهلا نتائج‬
‫إمبرييقية واضحة يف الوقت الراهن (مقياس وظائف الدفاع ‪Defense Functioning‬‬
‫‪Scale‬؛ القياس العاملي للوظيفة العالئقية ‪Global Assessment of Relational‬‬

‫‪75‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ ،Functioning‬مقياس تقييم الوظائف االجتامعية واملهنية)‪.‬‬


‫و الفرق املهم عىل ما يبدو بني كلتا املنظومتني يكمن يف أن الدي أس أم‪-‬الرابع‬
‫‪ DSM-IV‬مثله مثل سابقيه الدي أس أم‪-‬الثالث و الثالث املعدل‪DSM-III and III-R‬‬
‫قد أقر بمحور واحد الضطرابات الشخصية‪ ،‬يف حني يشكل هذا االضطراب يف اآلي‬
‫يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬حمور ًا مشرتك ًا مع االضطرابات النفسية األخرى‪.‬‬

‫جدول ‪ :4‬املنظومات متعددة املحاور يف اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬و الدي‬


‫أس أم‪-‬الرابع ‪DSM-IV‬‬

‫‪ICD-10‬‬

‫تشخيص االضطرابات النفسية وفق اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ICD-‬‬ ‫املحور ‪Ia‬‬


‫‪ 10‬الفصل اخلامس )‪(V‬‬

‫تشخيص جسدي وفق اآلي يس دي‪-‬العارش ‪( ICD-10‬فصول‬ ‫املحور ‪Ib‬‬


‫أخرى)‬
‫مقدار التقييدات االجتامعية النفسية (الترضرات النفسية‬ ‫املحور ‪II‬‬
‫االجتامعية) طبق ًا ملقياس منظمة الصحة العاملية ‪Disability‬‬
‫)‪Diagnostic Scale(WHO-DDS;WHO 1993c‬‬

‫العناية بالذات و مواجهة مطالب احلياة اليومية‬


‫كفاءة الوظيفة املهنية‬
‫كفاءة الوظيفة األرسية‬
‫أدوار وأنشطة اجتامعية أخرى‬
‫عوامل املحيط االجتامعي و املواجهة الفردية للحياة طبق ًا للفصل‬ ‫املحور‪III‬‬

‫‪76‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫احلادي عرش (زد) )‪" XXI(Z‬العوامل التي تؤثر عىل احلالة‬


‫الصحية و تقود للجوء للخدمات الصحية" يف اآلي يس دي‪-‬‬
‫العارش ‪.ICD-10‬‬
‫خربات طفولية سلبية و مشكالت يف الرتبية‪.‬‬
‫مشكالت باالرتباط مع التعليم والتأهيل‪.‬‬
‫يف أشخاص املحيط املرجعي األساسيني‪ ،‬بام يف ذلك الظروف‬
‫األرسية‪.‬‬
‫مشكالت باالرتباط مع املحيط االجتامعي‪.‬‬
‫مشكالت يف ظروف السكن و الظروف املادية‪.‬‬
‫مشكالت مرتبطة بالنشاط املهني و العطالة عن العمل‪.‬‬
‫مشكالت يف سياق ضغوطات البيئة‪.‬‬
‫مشكالت يف مواقف اجتامعية نفسية حمددة أو قانونية‪.‬‬
‫مشكالت مع األمراض أو اإلعاقات يف تاريخ األرسة‪.‬‬
‫مشكالت إدارة احلياة‪.‬‬
‫مشكالت يف مواجهة احلياة‪.‬‬
‫‪DSM-IV‬‬

‫اضطرابات اجتامعية نفسية‪ ،‬صور أخرى ذات أمهية إكلينيكية‪.‬‬ ‫املحور‪I‬‬

‫اضطرابات الشخصية‪ ،‬انخفاض الذكاء‪،‬‬ ‫املحور‪II‬‬

‫اضطرابات جسدية‪،‬‬ ‫املحور‪III‬‬

‫مشكالت اجتامعية نفسية و مشكالت مرتبطة باملحيط (مع‬ ‫املحور‪IV‬‬

‫‪77‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جمموعة اإلطار املرجعي األساسية‪ ،‬يف املحيط االجتامعي‪ ،‬الرتبية‪،‬‬


‫املهنة‪ ،‬الوضع السكني‪ ،‬املايل‪ ،‬اليرس الصحي (القدرة عىل‬
‫االستفادة من اخلدمات الصحية)‪ ،‬مشكالت قانونية‪ ،‬أخرى)‪.‬‬
‫‪global‬‬ ‫‪Assessment‬‬ ‫العاملي‬ ‫الوظيفي‬ ‫التقييم‬ ‫املحور‪V‬‬
‫)‪functioning(GAF-Scale‬‬

‫مقياس لقياس مستوى الدفاع‪.‬‬ ‫اختياري‬


‫‪Global Assessment‬‬ ‫مقياس القياس العاملي للوظيفة العالئقية‬ ‫‪optional‬‬

‫‪.(GARF-Scale) of Relational Functioning Scale‬‬


‫‪Social and‬‬ ‫مقياس تقييم الوظائف االجتامعية واملهنية)‬
‫‪.(SOFAS) ،Occupational Functioning Assessment Scale‬‬

‫مبادئ مكملة متعددة احملاور و تصور‬

‫مجموعة عمل "التشخيص السيكودينامي اإلجرائي"‬


‫إىل جانب املبادئ متعددة املحاور لآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬و الدي أس أم‪-‬‬
‫الرابع ‪ DSM-IV‬تم نرش العديد من التصورات األخرى‪ .‬فقد اقرتح شلورس وآخرين‬
‫)‪ Schluesser et al. (1990‬منظومة تستمل عىل سبعة حماور (قارن جدول ‪ ،)5‬متمحورة‬
‫بشكل أقوى حول البناءات السيكودينامية ‪ .psycho dynamical Constructs‬ويشري‬
‫شتيغلتز و شلورس )‪ Stieglitz & Schluesser (1995‬و ميتسش وشمولكه ‪Mezzich‬‬
‫)‪ & Schmolke (1995‬إىل جمموعة من األساليب األخرى ذات توجه سيكوديناميكي‬
‫ال يف فصل التشخيص السيكوديناميكي‪.‬‬ ‫قوي والتي سيتم التطرق هلا بشكل أكثر تفصي ً‬
‫ومن أجل التعبري عن اخلصوصيات اخلاصة بالثقافة قام كل من ميتسش و غوود‬
‫‪ Mezzich & Good‬بتطوير منظومة ذات مخس حماور‪ ،‬تتيح إجراء تقدير متعدد املحاور‬

‫‪78‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫قابل للمقارنة عاملي ًا‪( .‬قارن جدول ‪.)5‬‬


‫جدول ‪ 5‬مبادئ متعددة املحاور مكملة‬
‫املحاور‬ ‫الباحثني‬
‫االضطرابات النفسية‪.‬‬ ‫املحور ‪I‬‬ ‫‪Schluesser‬‬ ‫‪et‬‬
‫اضطرابات وسامت الشخصية‪.‬‬ ‫املحور ‪II‬‬ ‫‪al. ,1990‬‬
‫األمراض اجلسدية‪.‬‬ ‫املحور ‪III‬‬
‫االجتامعية‬ ‫املرهقات‬ ‫شدة‬ ‫املحور ‪IV‬‬
‫النفسية‪.‬‬
‫الكفاءة الوظيفية املهنية‪.‬‬ ‫املحور ‪V‬‬
‫االتصاالت االجتامعية‪.‬‬ ‫املحور ‪VI‬‬
‫درجات عالقة املوضوع وفق‬ ‫املحور ‪VII‬‬
‫كبنبريغ ‪Kernberg‬‬
‫اهلوية الثقافية للمريض‬ ‫املحور ‪I‬‬ ‫‪Mezzich‬‬ ‫&‬
‫نمط تفسري االضطراب املتعلق‬ ‫املحور ‪II‬‬ ‫‪Good,1998‬‬
‫بالثقافة‪.‬‬
‫العوامل الثقافية املهمة بالنسبة‬ ‫املحور ‪III‬‬
‫للمحيط االجتامعي النفيس و‬
‫كفاءات الوظائف‪.‬‬
‫ثقافية‬ ‫اخلصوصيات البني‬ ‫املحور ‪IV‬‬
‫لعالقة الطبيب‪-‬املريض‪.‬‬
‫التقدير الكيل‪.‬‬ ‫املحور ‪V‬‬

‫‪Quality of Life‬‬ ‫واقرتحت جمموعة من الباحثني مبادئ لتقدير نوعية احلياة‬

‫‪79‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫;‪ ،(Bech,1990‬والتي متت مراعاهتا كذلك يف املبادئ‬ ‫)‪Cooper,1990;Kastrup,1990‬‬


‫متعددة املحاور‪.‬‬
‫يف املحيط الناطق باألملانية ترسخت جمموعة العمل "التشخيص السيكودينامي‬
‫اإلجرائي"‪ Operationalize Psychodynamic Diagnostic‬التي يرمز هلا اختصار ًا ‪OPD‬‬
‫وتعمل حالي ًا عىل منظومة متعددة املحاور (قارن جدول ‪ .)6‬وسوف يتم عرض‬
‫ومناقشة املحاور السيكودينامية باملعنى الضيق‪ :‬العالقات (املحور الثاين) ‪ ،‬الرصاع‬
‫(املحور الثالث) و البنية (املحور الرابع)‪.‬‬
‫أما املحور األول فقد تم حتديد األبعاد املختلفة خلربة املرض و رشوط العالج عىل‬
‫مقياس رباعي (من الصفر=غري موجود‪ ،‬إىل ‪ 3‬مرتفع)‪ ،‬الذي يعترب ذا أمهية بالنسبة‬
‫لطرح االستطباب التفريقي ‪ differential Indication‬للعالج النفيس‪ .‬و قد تم تعريف‬
‫األبعاد املنفردة يف دليل خاص وحتديد تقويامت الشدة مع أمثلة‪ .‬وقد تم التفريق هنا بني‬
‫املتغريات التي يمكن تصنيفها ضمن درجة شدة املرض املوجود و بني ضغط املعاناة و‬
‫خربة األمل و املوارد االجتامعية النفسية‪.‬‬

‫جدول ‪ :6‬المنظومة متعددة المحاور لمجموعة العمل "التشخيص السيكودينامي‬


‫اإلجرائي"‬
‫خبرة المرض و شروط المعالجة‬ ‫المحور‬
‫‪ ‬درجة شدة الفحص النفسي أم الجسمي‪ ،‬ضغط المعاناة أو خبرة‬ ‫‪I‬‬
‫الشكاوى‪:‬‬
‫‪ -‬تضرر خبرة الذات‬
‫‪ -‬تضرر الجسد‬
‫‪ -‬المكسب المرضي الثانوي‬
‫‪ -‬مقبولية (مناسبة أو تناسب)التضرر الذاتي‬

‫‪80‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬التوقعات العالجية و االستعداد لالستفادة من الخدمات الطبية‬


‫‪ -‬كفاءة االستبصار للسياقات (العالقات) الديناميكية النفسية أو‬
‫النفسية الجسدية‬
‫‪ -‬تقدير شكل العالج المالئم (عالج نفسي‪ ،‬عالج جسمي)‬
‫‪ -‬الدافعية للعالج‬
‫‪ -‬الدافعية للعالج الجسدي‬
‫‪ -‬المطاوعة ‪Compliance‬‬
‫‪ ‬الموارد‪:‬‬
‫‪ -‬االندماج االجتماعي النفسي‬
‫‪ -‬الموارد الشخصية (القابلية لإلرهاق)‬
‫‪ -‬الدعم االجتماعي‬
‫العالقات‬ ‫المحور‬
‫‪II‬‬
‫الصراع‬ ‫المحور‬
‫‪III‬‬
‫البنية‬ ‫المحور‬
‫‪IV‬‬
‫التشخيص األعراضي حسب اآلي سي دي‪-‬العاشر ‪ICD-10‬‬ ‫المحور‬
‫‪V‬‬
‫‪ -‬االضطرابات النفسية (الفصل الخامس ‪)ICD-10‬‬ ‫المحور‬
‫‪ -‬اضطرابات الشخصية (الفئات ‪ F60‬و ‪ F61‬من ‪)ICD-10‬‬ ‫‪Va‬‬
‫‪ -‬األمراض الجسدية (فصول أخرى من ‪)ICD-10‬‬
‫المحور‬
‫‪Vb‬‬

‫‪81‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫المحور‬
‫‪Vc‬‬

‫و باملحور اخلامس تم حتديد التشخيص اإلجرائي يف املنظومة وفق اآلي يس دي‪-‬‬


‫العارش ‪ .ICD-10‬وهنا تم من أجل ضامن حتقيق التوافقية مع الدي أس أم‪-‬الرابع‬
‫‪ DSM-IV‬تصوير االضطرابات النفسية عىل املحور اخلامس (أ) )‪ (Va‬و اضطرابات‬
‫الشخصية عىل املحور اخلامس (ب) )‪ .(Vb‬و تم بالنسبة لالضطرابات النفسية اجلسدية‬
‫باملعنى الضيق تطوير مفتاح تشخيص مكمل بالنسبة لآلي يس دي‪-‬العارش ‪،ICD-10‬‬
‫الفئة ‪( F54‬عوامل نفسية و تأثريات سلوكية يف أمراض مصنفة يف مكان آخر)‪ ،‬اشتملت‬
‫عىل مظاهر أعراضية و بيانات ذات أمهية بالنسبة للمجرى (قارن جدول ‪ .)7‬وهبذا‬
‫يكون قد تم األخذ بعني االعتبار أن العدد األكرب من االضطرابات النفسية اجلسدية قد‬
‫تم تصنيفه يف الفصول األخرى من اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬و أنه داخل الفصل‬
‫اخلامس يتم العمل فقط مع الفئات التي مل يتم حتديدها يف هذه الفئات‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جدول ‪:7‬فئات فرعية لـ ‪ ICD-10‬الفئة ‪ F45‬التأثريات النفسية والسلوكية يف‬


‫أمراض مصنفة يف مكان آخر (اضطرابات نفسية جسدية) عىل التشخيص‬
‫السيكودينامي اإلجرائي"‪ OPD‬املحور ‪V‬‬
‫االستخدام‬
‫ينبغي استخدام هذه الفئة ‪ F54‬من أجل حتديد التأثريات النفسية و السلوكية التي‬
‫تلعب دور ًا جوهري ًا يف نشوء (أو يف جمرى) األمراض اجلسدية‪ ،‬واملصنفة يف فصول‬
‫أخرى من ‪ .ICD-10‬وغالب ًا ما تكون هذه االضطرابات النفسية غري نوعية و مستمرة‬
‫منذ زمن بعيد (كاهلم‪ ،‬الرصاعات االنفعالية‪ ،‬التوقعات القلقية‪ ...‬الخ)‪ ،‬وال تربر‬
‫التصنيف يف واحدة من االضطرابات األخرى يف الفصل اخلامس‪ .‬و ينبغي استخدام‬
‫ترميز إضايف لوصف االضطراب اجلسدي‪( .‬يف احلاالت النادرة‪ ،‬التي يعتقد أن‬
‫االضطرابات النفسية متثل فيها سبب ًا الضطراب جسدي‪ ،‬البد من إعطاء ترميز ثان‬
‫إضايف لالضطراب النفيس‪.‬‬
‫أمثلة الستخدام هذه الفئة‬
‫السمنة )‪adiposities(F54. xx and E66‬‬ ‫‪-‬‬
‫الربو الشعبي )‪asthma bronchial(F54. xx and J45‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪(F54. xx and‬‬ ‫التهاب اجللد ‪ dermatitis‬واحلساسية ‪L23- Eczema‬‬ ‫‪-‬‬
‫)‪L25‬‬
‫جلدي ذو بثور حكّاكة ‪(F54. xx and L50) )urticaria‬‬
‫ّ‬ ‫الرشى ( َط ْفح‬
‫رَ‬ ‫‪-‬‬
‫القرحة املعدية )‪ulcerous ventriculus (F54. xx and K25‬‬ ‫‪-‬‬
‫قرحة االثني عرشي ‪(F54. xx and K26) ulcerous duodenum‬‬ ‫‪-‬‬
‫قرحة هضمية )‪ulcerous pepticum (F54. xx and K27‬‬ ‫‪-‬‬
‫التهاب غشاء املعدة ‪ gastritis‬و االثني عرشي )‪(F54. xx and K29‬‬ ‫‪-‬‬
‫التهاب غشاء القولون املخاطي‪(F54. xx and K58) colitis mucosa‬‬ ‫‪-‬‬
‫تقرح القولون ‪(F54. xx and K51) colitis ulcerous‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪83‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫هتيج القولون ‪(F54. xx and K58) colon irritable‬‬ ‫‪-‬‬


‫فرط التوتر األسايس )‪essentially hypertonic(F54. xx and H10‬‬ ‫‪-‬‬
‫نقص التوتر )‪hypotonic(F54. xx and I95‬‬ ‫‪-‬‬
‫اإلغامء ‪ syncope‬و االهنيار ‪(F54. xx and R55) collapse‬‬ ‫‪-‬‬
‫الص َعر(داء يف الرقبة ر‬
‫يتعذر معه االلتفات) ‪(F54. xx torticollis spastic‬‬ ‫ر‬ ‫‪-‬‬
‫)‪and G24. 3‬‬
‫التصلب املتعدد )‪multiple scleroses(F54. xx and G35‬‬ ‫‪-‬‬
‫الشقيقة ‪(F54. xx and G43. x) migraine‬‬ ‫‪-‬‬
‫صداعات أخرى )‪(F54. xx and G44. x‬‬ ‫‪-‬‬
‫آالم الظهر )‪(F54. xx and M45‬‬ ‫‪-‬‬
‫طنني األذن ‪(F54. xx and H93. 1) tinnitus‬‬ ‫‪-‬‬
‫املتالزمة قبل الطمثية )‪(F54. xx and N94. 3‬‬ ‫‪-‬‬
‫عرس الطمث األسايس و الثانوي ‪(F54. xx and N94. dysmenorrheal‬‬ ‫‪-‬‬
‫)‪4 or N94. 5‬‬
‫اضطرابات يف سياق سن املرحلة احلرجة‪(F54. xx and menopause 1‬‬ ‫‪-‬‬
‫)‪N95. 1‬‬

‫التمييز‬
‫باملرتبة الرابعة يتم متييز األعراض النفسية‬
‫أعراض غالبة من القلق‬ ‫‪F54. 0x‬‬
‫أعراض غالبة من االكتئاب‬ ‫‪F54. 1x‬‬
‫خماوف مراقية غالبة (توهم املرض) ‪/‬أعراض‬ ‫‪F54. 2x‬‬

‫‪ 1‬ما يسمى خطأ بسن اليأس‬

‫‪84‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫متمحورة حول اجلسد‬


‫أعراض نفسية متعددة‬ ‫‪F54. 3x‬‬
‫أعراض ما قبل ذهانية أو شبيهة بالنفسية‬ ‫‪F54. 4x‬‬
‫ال توجد أعراض نفسية قابلة للتحديد‬ ‫‪F54. 5x‬‬
‫أخرى‬ ‫‪F54. 8x‬‬
‫غري حمددة بدقة‬ ‫‪F54. 9x‬‬
‫باملرتبة اخلامسة يتم متييز نوع التأثري النفيس اجلسدي املتبادل‬
‫عوامل نفسية جسدية تؤثر سببياً‬ ‫‪F54. x0‬‬
‫عوامل نفسية جسدية تؤثر بشكل مثبت للمجرى‬ ‫‪F54. x1‬‬
‫عوامل نفسية جسدية هي نتيجة للمرض‬ ‫‪F54. x2‬‬
‫عوامل نفسية جسدية تؤثر سببي ًا ومثبت ًا للمجرى‬ ‫‪F54. x3‬‬
‫عوامل نفسية جسدية تؤثر سببياً وتعترب نتيجة‬ ‫‪F54. x4‬‬
‫للمرض‬
‫عوامل نفسية جسدية تؤثر بشكل مثبت للمجرى‬ ‫‪F54. x5‬‬
‫وتعترب نتيجة للمرض‬
‫كل مركبات التأثري ترتبط ببعضها‬ ‫‪F54. x6‬‬

‫التوثيق‬
‫سوف تنبثق رضورة التوثيق يف السنوات القادمة بشكل خاص يف سياق النقاش‬
‫حول ضامن اجلودة وخصوص ًا بالنظر إىل نوعية العملية و النتيجة‪ .‬وهذا ينطبق أيض ًا‬
‫عىل كثافة التأهيل يف العالجي النفيس والزمن‪.‬‬
‫وبالنسبة لتوثيق النتائج التشخيصية تتوفر عىل مستوى منظومات التصنيف‬

‫‪85‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫اإلجرائية إىل جانب األدوات املختلفة املذكورة برامج كمبيوتر وباألخص بالنسبة‬
‫ألساليب املقابلة‪ ،‬يمكن بمساعدهتا إجراء تشخيص أعرايض حموسب‪ .‬ومن خالل‬
‫دليل جمموعة العمل "التشخيص السيكودينامي اإلجرائي" يتم باإلضافة إىل ذلك توفري‬
‫مبدأ توثيق تكاميل للمحاور املختلفة مع منحنيات التوثيق املالئمة بالنسبة للمامرسة‬
‫اإلكلينيكية و التصميامت البحثية‪ .‬و بالنسبة لتحديد بيانات أخرى يف إطار التوثيق‬
‫األسايس ‪ basic Documentation‬تم يف السنوات السابقة تقديم جمموعة من املقرتحات‬
‫سواء بالنسبة للمجال العيادي اخلارجي أم الداخيل‪ .‬وسوف يتم التعرض يف فصول‬
‫الحقة إىل التقويم الذايت وتقويم اآلخر املهمني بالنسبة لقياس العملية والنجاح‪.‬‬
‫وبعد أن تم يف العالج النفساين ذي التوجه العالجي السلوكي تطوير منظومة توثيق‬
‫شاملة وتقويمها )‪ ،(Zilke,1993‬قدمت جمموعة عمل الكوليجيوم األملاين للطب‬
‫‪1‬‬

‫النفيس اجلسدي مبدأ تكاملي ًا مع مرسد ‪ glossary‬تفصييل‪ ،‬والذي سيتم التطرق له‬
‫باختصار يف هذا السياق (أنظر جدول ‪ .)8‬فإىل جانب جمموعة من املتغريات‬
‫الديموغرافية االجتامعية تم توثيق بيانات تارخيحياتية منتقاة‪ ،‬وتشخيصات وفق اآلي‬ ‫‪2‬‬

‫يس دي‪-‬التاسع ‪ ،ICD- 9‬و بعض مؤرشات العالج و نتائج املعاجلة‪ .‬ويف مؤرشات‬
‫العالج تم حتديد دافعية املريض عىل مقياس تقويم خارجي (تقويم اآلخر) رباعي بسيط‬
‫و حتديد أحجار البناء العالجية املجراة بالتفصيل‪ .‬وتم توثيق نتيجة العالج من خالل‬
‫مقياس تقويم خارجي (تقويم اآلخر) مخايس‪.‬‬

‫جملس يتمتع كل عضو من أعضائه بسلطة مساوية تقريب ًا لسلطة األعضاء اآلخرين‬
‫‪ 1‬الكوليجيوم ‪ٌ :collegiums‬‬
‫‪ Demography 2‬الديموغرافيا‪ :‬الدراسة اإلحصائية للسكان من حيث املواليد والوفيات والصحة والزواج الخ‬

‫‪86‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)8‬متغيرات التوثيق األساس لمجموعة عمل الكوليجيوم‪ 1‬األلماني‬


‫للطب النفسي الجسدي‬
‫‪1‬متحمل التكاليف‬
‫اجتماعية ‪ 1-2‬جنس المريض‬ ‫متغيرات‬
‫‪ 2-2‬السن‬ ‫ديمغرافية‬
‫‪ 3-2‬الجنسية‬
‫‪ 1-4-2‬الحالة االجتماعية‬
‫‪ 2-4-2‬الوضع المعيشي‬
‫‪ 3-4-2‬الدخل‬
‫‪ 5-2‬أعلى درجة تعليمية‬
‫‪ 6-2‬أعلى تأهيل مهني‬
‫‪ 1-7-2‬المهنة الحالية‪/‬آخر مهنة كان يمارسها‬
‫‪ 2-7-2‬القدرة على العمل‬
‫‪ 8-2‬المصدر الرئيس للدخل‬
‫‪ 1-3‬عدم القدرة على العمل عند اللجوء‬
‫للمركز‬
‫‪ 2-3‬عدم القدرة على العمل في األشهر ‪12‬‬
‫األخيرة‬
‫‪ 3-3‬تقاعد مبكر‬
‫‪1-4‬التاريخ المرضي (مدة الشكاوى استناداً إلى‬ ‫تاريخ الحالة‬
‫التشخيص الرئيسي)‬
‫‪2-4‬العالجات السابقة (اإلقامة في المستشفى في‬
‫األشهر ‪ 12‬األخيرة)‬
‫‪3-4‬العالج النفساني السابق‬
‫‪4-4‬بيانات تاريخ الحالة (إدمان‪ ،‬محاوالت‬
‫انتحار)‬
‫‪ 1-5‬التشخيصات النفسية‪/‬الطبية النفسية‬ ‫التشخيصات‬
‫)‪(ICD-9‬‬
‫‪ 2-5‬التشخيصات الجسدية )‪(ICD-9‬‬

‫جملس يتمتع كل عضو من أعضائه بسلطة مساوية تقريب ًا لسلطة األعضاء اآلخرين‬
‫‪ 1‬الكوليجيوم ‪ٌ :collegiums‬‬

‫‪87‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ 6‬الدافعية نحو العالج المتوقع‬ ‫مؤشرات العالج‬


‫‪ 1-7‬مدة العالج‬
‫‪ 2-7‬نوع إنهاء العالج‬
‫‪ 1-8‬جلسات فردية مع معالجين‬
‫‪ 2-8‬جلسات عيادة ‪visit‬‬
‫‪ 3-8‬ممرضات وممرضين (اتصاالت جلسات)‬
‫‪ 4-8‬برنامج عالجي خاص‬
‫‪ 5-8‬إجراءات فيزيائية‪-‬استحمامية) ‪balneal‬‬
‫(حمامات مياه معدنية)‬
‫‪ 6-8‬تناول األدوية‪/‬التخريج من المستشفى‬
‫‪ 1-9‬نتائج العالج الجسدي‬ ‫نتيجة العالج‬
‫‪ 2-9‬نتائج العالج النفساني‬
‫‪ 3-9‬عدم القدرة على العمل عند التسريح من‬
‫المستشفى‬
‫‪ 10‬مالحظات‬

‫نقاش و استعراض‬
‫قاد تطوير منظومات التصنيف املعرية إجرائي ًا إىل إقصاء تصور املنشأ العصايب‬
‫التحلييل النفساين و الطبي النفيس يف الدالئل التشخيصية لكل من الدي أس أم‪-‬الثالث‬
‫‪ DSM-III‬والثالث املعدل ‪ DSM-III-R‬و الرابع ‪ DSM-IV‬و اآلي يس دي‪-‬العارش‬
‫‪ ICD-10‬وتم إحالل رؤى وصفية لالضطرابات النفسية‪ .‬ومما ال شك فيه فإن فوائد‬
‫املبدأ الوصفي تكمن يف األسس املنهجية املحسنة للتشخيص‪ ،‬أي يف حتسني املوثوقية‬
‫‪ Reliability‬والقابلية للتواصل يف املجاالت املختلفة للطب العلم نفيس واإلمكانات‬
‫األكثر مالئمة ملقارنة عينات من أبحاث خمتلفة مع بعضها‪ .‬أما السلبيات فتكمن يف‬
‫التخيل عن التصورات الراسخة تقليدي ًا ذات القيمة الكبرية من الناحية اإلكلينيكية‬
‫والعلمية والتي عىل ما يبدو ال يمكن إعادة دجمها يف الفكر التشخييص إال عن طريق‬

‫‪88‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مبادئ التصنيف متعددة املحاور‪.‬‬


‫وتعد مبادئ التصنيف اإلجرائية مقبولة اليوم إىل مدى واسع يف العامل العلمي‪،‬‬
‫وتعترب من رشوط نرش األعامل يف عدد كبري من املجالت العلمية أو يف قبول مشاريع‬
‫البحث‪ .‬ومع ذلك فهي مل تتمكن بعد من إثبات نفسها يف امليدان اإلكلينيكي‪ .‬ويتم يف‬
‫كثري من األماكن تضمينها يف التشخيص اإلجرائي بشكل ضمني ‪ ،implicit‬وال يتم‬
‫استخدام األعراض واملتالزمات املهمة بشكل مقبول بالنسبة لالستطباب ‪indication‬‬
‫وإجراء العالج‪ .‬ويف هذا السياق نبه فيتشن ‪Wittchen‬بالنسبة للعالج السلوكي إىل أن‬
‫املفاهيم التشخيصية اجلديدة تفيد بالدرجة األوىل يف الوصف التقريبي لشذوذات‬
‫املريض‪ ،‬يف حني أنه ينبغي االستعانة بتصورات أخرى يف ختطيط العالج وتنفيذه‪ .‬ويبدو‬
‫أن هذا ينطبق بالطريقة نفسها عىل العالج النفساين ذو التوجه التحلييل النفساين ‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك فإن التشخيص الوصفي املرتبط بشدة بالنامذج البيولوجية‪-‬الطبية‬
‫النفسية ‪ biological-psychiatrically Paradigms‬مرتبط بمخاطر حمددة بالنسبة للعملية‬
‫التشخيصية العالجية‪ ،‬والتي تعد ذات أمهية كبرية بالنسبة للعالجات النفسية‬
‫السيكودينامية‪ .‬وقد تم باستمرار مناقشة املبالغة باألعراض الواردة فيها عىل هذه اخللفية‬
‫عىل حساب املتغريات التشخيصية األخرى من نحو الدفاع وتنظيم الشخصية‬
‫واخلصائص البنيوية األخرى‪ .‬وقد كانت منذ سبعينيات القرن العرشين موضوع ًا‬
‫خلالفات شديدة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك يتم التحذير يف جمال الطب النفيس من العواقب‬
‫املمكنة بالنسبة للتأهيل‪ ،‬التي يمكن أن تكون مرتبطة باملبالغة يف تقدير املبدأ اإلجرائي‬
‫من أجل تصنيف ‪"Nosology‬متحرر من القيمة"‪.‬‬

‫أهمية األساليب اإلجرائية‬


‫ومع ذلك فقد أظهرت عملية تطوير منظومات التصنيف اإلجرائية بأن‬
‫األسس املنهجية للطب العلمنفيس قد أمهلت خالل بعض العقود من السنني‬

‫‪89‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بشكل منهجي‪ ،‬بحيث تنبثق اآلن رضورة كبرية يف استدراك تطوير واستخدام‬
‫األساليب اإلجرائية‪ .‬وبالنسبة للتصنيف و التوثيق يف العالج النفساين يرتبط‬
‫هذا عىل خلفية النقاش اجلاري حالي ًا و نوعية العملية و النتيجة ببعض‬
‫العواقب‪ .‬وبرأينا حيتاج الطب العلمنفيس ولعالج النفساين إىل تشخيص‬
‫متعدد املستويات ينبغي له أن يكون مرتبط ًا بالرشوط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬حتديد املظاهر املرضية األعراضية ملريض ما بمساعدة مبادئ‬
‫التصنيف اإلجرائية باعتبارها حمور ًا تشخيصي ًا جوهري ًا‪.‬‬
‫‪Documentation‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪minimal‬‬ ‫‪ .2‬توثيق فهرس أدنى‬
‫‪catalog‬للسامت الديموغرافية االجتامعية و ذات األمهية العالجية و والتنبؤية‬
‫عىل سبيل املثال عىل أساس مقرتح التوثيق األساس ملجموعة عمل‬
‫الكوليجيوم األملاين للطب النفيس اجلسدي‪.‬‬
‫‪ .3‬حتديد املتغريات ذات األمهية العالجية والتنبؤية املحددة إجرائي ًا‬
‫كام هو يف تصور املحاور من واحد إىل مخسة يف املنظومة متعددة املحاور‬
‫ملجموعة عمل التشخيص السيكودينامي اإلجرائي‪.‬‬
‫‪ .4‬إجراء تقويم ترقيمي عىل األقل (عىل شكل نقاط) للعمليات‬
‫واملجريات العالجية من خالل مقاييس تقويامت الذات واآلخر [الطرف‬
‫الثالث]‪ ،‬مع تضمني أبعاد األعراض‪ ،‬وتقييدات الوظائف االجتامعية النفسية‬
‫أو االندماج االجتامعي النفيس و الدافعية للعالج و الكفاءات البني شخصية‬
‫و الوظائف‪.‬‬

‫خالصة‬
‫‪ ‬هدفت املسامهة احلالية إىل حتقيق هدفني‪ .‬األول تقديم عرض خمترص‬
‫يف أســس التشــخيص باالختبارات‪ ،‬بمقدار أمهيتها للمامرســـة النفســية‬

‫‪90‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العالجية‪ .‬وقد قدمنا هذا يف القســمني األول والثاين من هذا الفصــل حول‬
‫مفهوم االختبار و التصــنيف‪ .‬إال أنه وكام أرشنا ســابق ًا فإنه ليس من املمكن‬
‫تقديم عرض شــامل يف هذا اإلطار املحدود حول كل املظاهر األســاســية‬
‫للتشــخيص باالختبارات النفســية‪ .‬ويف اجلزء الثالث حاولنا تقديم عرض‬
‫خمترصــ مل جالني مهمني من جماالت اســتخدام التشــخيص باالختبارات يف‬
‫العالج النفيس‪ ،‬أي يف جمال تشخيص التأثري ‪ Indication diagnostic‬و قياس‬
‫التعديل‪.‬‬
‫واهلدف الثاين املهم كان تقديم عرض منهجي للمامرس املعالج النفيســ‬
‫حول أساليب االختبارات العالجية النفسية املهمة وتسهيل اختاذ القرار عليه‬
‫باختيار االختبار املناســب‪ .‬وهذا ما التزمنا به عند عرض أســاليب تقدير‬
‫الذات واآلخر [الطرف الثالث]‪ .‬ونأمل أن تكون مســامهتنا قد أســهمت‬
‫بتو ضيح أمهية الت شخيص باالختبارات النف سية بالن سبة للمامر سة العالجية‬
‫‪‬‬ ‫النفسية واالستمرار بتحسني تقبلها يف هذا املجال من التطبيق‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪92‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الفصل الرابع‬

‫التشخيص التحليلي النفساني‬

‫‪G. Schluesser‬‬

‫تطور التشخيص التحليلي النفساني‬


‫"دجاجة جمنونة‪ .‬ثالثة أشهر"‪ ،‬هبذا االستنتاج البالغ الدقة قام سيجموند فرويد‬
‫بتحويل أحد املرىض إىل أحد تالميذه للتحليل النفساين )‪.(Roazan,1971‬‬
‫وعىل الرغم من أن فرويد الذي امتلك مهارات تشخيصية جيدة جد ًا قد اعترب‬
‫التشخيص رضوري ًا إال أنه كان مدرك ًا حلدود اإلمكانات التشخيصية‪ .‬وكانت جلساته‬
‫األوىل قصرية و مكثفة‪ ،‬بدون متهيد طويل و شكليات استطبابية ‪.indication formality‬‬
‫و من أجل استغالل "احلامس األويل" كان يدخل دائ ًام يف املوضوع مبارشة و كان يريد‬
‫أن يعرف بشكل خاص فيام إذا كان‪:‬‬
‫‪ -‬من املمكن حتقيق يشء ما بالتحليل النفيس‪،‬‬
‫‪ -‬ضغط املعاناة موجود ًا‪،‬‬
‫‪ -‬يتعلق األمر بطبيعة مثرية لالنتباه‪،‬‬
‫‪ -‬املريض مؤدب ًا ومهذب ًا‪،‬‬
‫ال وموثوق ًا‪،‬‬
‫‪ -‬املريض عاق ً‬

‫‪93‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬املريض لطيف ًا‪.‬‬


‫فإذا ما حتققت هذه املؤرشات بشكل إجيايب كان يتم االتفاق عىل عالج جتريبي ملدة‬
‫أسبوعني‪ ،‬بعدئذ لكليهام احلق يف التخيل عن مواصلة العالج‪.‬‬

‫"كثري ًا جد ًا ما يتم تشخيصنا يف وقت الحق‪ ،‬إنه نوع من اختبار السحرة‬ ‫‪‬‬
‫عند ملك اسكتلندا ‪( ،‬الذي) كان يدعي أنه يمتلك طريقة ال ختطئ يف‬
‫التعرف عىل الساحرة‪ .‬فقد كان يضعها يف كيس ويسقطها يف وعاء من‬
‫املاء الذي يغيل‪ ،‬ثم يتذوق احلساء‪ .‬وبعد ذلك يمكنه احلكم قائالً‪ :‬هذه‬
‫كانت ساحرة‪ ...،‬أو هذه مل تكن‪ .‬ما يشبه ذلك يوجد لدينا‪ ،‬إال أن‬
‫املترضر هو نحن فقط‪ .‬نحن ال نستطيع احلكم عىل املريض الذي يأيت‬
‫إلينا للعالج‪ ،‬أو املرشح الذي يأيت للتدريب‪ ،‬قبل أن نكون قد درسناه‬
‫حتليلي ًا عرب عدة أسابيع أو أشهر‪ .‬إننا نشرتي القطة يف الكيس بالفعل‬
‫)‪. (Freud, Bd. 8,S. 167‬‬
‫ومن فرويد نفسه ال توجد نظرية باملعنى احلقيقي للجلسة التشخيصية األوىل‪،‬‬
‫وحتى يف مرحلة ما بعد فرويد مل يصدر إال القليل من املسامهات حول التشخيص‪ .‬لقد‬
‫طرح التشخيص الطبي النفيس دائ ًام حتديد ووصف األعراض يف مركز الصدارةـ‪ ،‬حيث‬
‫كان يطمح نحو تسمية الصورة املرضية‪ .‬وجاء فرويد ليؤسس رؤية جديدة‪ :‬تشخيص‬
‫عالقة املريض‪-‬الطبيب‪ .‬فكثري ًا ما تم (ويتم) من املحللني النفسيني تبني رؤية أن األمر‬
‫يتعلق هنا بحدث فريد يمتنع عن أي مدخل تشخييص‪ .‬وقد تم تبني هذا املوقف‬
‫املتطرف للتفكري التحلييل النفساين من قبل ميننغر )‪ Menninger (1984‬عىل سبيل املثال‬
‫الذي أنكر أي نوع من التشخيص بالنسبة لعملية اختاذ القرار العالجي‪ .‬ومن املؤكد‬
‫فإن التسجيل اخلاص لألعراض كام حيدث يف التشخيص املتمحور بشكل خالص حول‬
‫األعراض وفق اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ ICD-10‬و الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ ،DSM-IV‬لن‬

‫‪94‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يكون مفيد ًا الختاذ القرار العالجي النفيس‪ .‬إال أن التشخيص التحلييل النفساين يمتلك‬
‫اليوم خالل التحديد التفريقي للنقل‪/‬النقل املضاد‪ ،‬وسامت الرصاع والبنية أدوات‬
‫واسعة تتيح إجراء تشخيص فردي شامل؛ وهو تشخيص أثبت صالحيته من الناحية‬
‫اإلكلينيكية يف العقود األخرية و جيد كذلك باطراد الدعم اإلمبرييقي ‪.‬‬

‫األساليب التشخيصية التحليلية النفسية‬


‫بداية يف اخلمسينيات من القرن العرشين تم يف الطب النفيس يف الواليات املتحدة‬
‫األمريكية بتأثري من التحليل النفيس القيام بتطوير طرائقي لتصورات حول املقابلة األوىل‬
‫ذات توجه ديناميكي نفيس‪" :‬املقابلة الطبية النفسية" لسوليفان )‪ Sullivan (1953‬و‬
‫"املقابلة الديناميكية" لغيل ونيومان وريدليش )‪.Gill,Newman & Redlich (1954‬‬
‫وكانت "املقابلة التشخيصية" لكل من بالينت وبالينت ‪M. Balint & E. Balint‬‬
‫)‪ (1962‬حاسمة ومثمرة بالنسبة للتطور الالحق اللذان صمام يف إطار أبحاثهام حول‬
‫"التقنيات العالجية النفسانية يف الطب" تصويرة مقابلة تفاعلية ‪interactional‬‬
‫‪ .Interview Schema‬وقدم آرغالندر )‪ Arglander (1967 & 1970‬تعليامت حمددة‬
‫إلجراء الفحص األول التحلييل النفساين ‪ ،‬كام نرش دورسن )‪Duehrssen (1972 &1981‬‬
‫ما يشبه ذلك حتت تسمية "دراسة احلالة البيوغرافية من منظور علم نفس أعامقي"‪ .‬يف‬
‫األعوام ‪1977‬و‪ 1981‬و ‪ 1984‬طور كرينبريغ ‪ "Kernberg‬املقابلة املبنية" من أجل‬
‫تأسيس التشخيص احلدودي ‪ Borderline-Diagnostic‬بني تشخيص العصابات‬
‫وتشخيص الذهانات‪ .‬ومن خالل "طريقة موضوع رصاع العالقة املركزي ‪Method‬‬
‫‪ "of central Relationships' conflict theme‬للوبورسكي )‪ Luborsky (1984‬ظهرت‬
‫أخري ًا الطرق الرسمية ‪ formalize‬للمقابالت التحليلية النفسية‪ .‬و يشكل "التشخيص‬
‫الدينامي النفيس اإلجرائي ‪ "Operationalize Psychodynamic Diagnostic‬حماولة‬
‫أوسع للتشخيص السيكودينامي الذي تم تطويره من قبل جمموعة العمل التي تطلق عىل‬
‫نفسها تسمية جمموعة "التشخيص السيكودينامي اإلجرائي" ‪Operationalize‬‬
‫‪( "Psychodynamic Diagnostic‬جدول ‪)4‬‬

‫‪95‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪INTERVIEW CONCEPTS‬‬ ‫جدول (‪ :)4‬تصورات املقابالت‬


‫املقابلة الطبية النفسية )‪Sulivan,1953‬‬

‫تقنية مقابلة مبنية بدرجة كبرية‪ ،‬تسرتشد‬ ‫التعريف‬


‫بالتنوع الكبري لألمراض الطبية النفسية‪.‬‬
‫‪interpersonal‬‬ ‫طبيعة عملية بني شخصية‬ ‫اهلدف‬
‫‪Process Character‬للجلسة‪ .‬دور الطبيب النفيس‬
‫كمالحظ مشارك‪ .‬مالحظة توقعات املريض من‬
‫‪reciprocity‬‬ ‫اجللسة‪ ،‬إدراك االنفعاالت التبادلية‬
‫عند الطبيب واملريض‪.‬‬
‫بعد طور من التحمية ‪(Warming-Up‬البداية‬ ‫التقنية‬
‫‪ )formal‬يتم الرتكيز عىل‬ ‫‪inception‬‬ ‫الرسمية‬
‫الكيفية التي يعيش فيها املريض ذاتي ًا ظروف حياته‬
‫(استطالع ‪ ،)Reconnaissance‬وذلك بالربط وفق‬
‫استقصاء تفصييل بني الشكاوى واملخاوف مع‬
‫ظروف احلياة و العامل الداخيل للمريض‪ .‬ويف بيان‬
‫خيرب الفاحص املريض‬ ‫‪final statement‬‬ ‫ختامي‬
‫بتصوراته وأهدافه‪.‬‬
‫املقابلة الديناميكية ‪(Gill,1954) Dynamical Interview‬‬

‫‪96‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الوضع االجتامعي النفيس املنفصل عن املعاجلة‬ ‫التعريف‬


‫الفعلية‪.‬‬
‫الفاحص بوصفه مشارك مشرتك ‪،involved‬‬ ‫اهلدف‬
‫العالقة بني املعالج و املريض كموضوع مركزي‪.‬‬
‫استخدام العنارص العالجية‪ ،‬دعم املريض عىل‬
‫طريق العالج‪.‬‬
‫بناء العالقة‪ ،‬املريض يقود املقابلة‪.‬‬ ‫التقنية‬
‫‪Diagnostically Interview (M.‬‬ ‫‪& E.‬‬ ‫املقابلة التشخيصية‬
‫)‪Balint,1962‬‬
‫الفصل الدقيق عن االستقصاء الطبي النفيس‪،‬‬ ‫التعريف‬
‫حيتل مظهر العالقة بني الفاحص واملريض مركز‬
‫الصدارة كلية‪.‬‬
‫تشخيص العالقة من خالل فحص التأثري‬ ‫اهلدف‬
‫املتبادل بني الطبيب و املريض‪.‬‬
‫توضيح أهداف اجللسة األوىل‪ ،‬بناء و املحافظة‬ ‫التقنية‬
‫عىل عالقة مثمرة‪.‬‬
‫‪psychosomatically‬‬ ‫السيكوسوماتية‬ ‫احلالة‬ ‫دراسة‬
‫)‪Anamneses(Morgen & Engel,1977, Adler & Hemmler,1989‬‬
‫توسيع دراسة احلالة السيكودينامية إىل‬ ‫التعريف‬

‫‪97‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫األمراض النفسية اجلسمية‪ ،‬مراعاة النموذج‬


‫التشخيص‬ ‫و‬ ‫االجتامعي‪-‬النفيس‪-‬البيولوجي‬
‫متعدد املستويات السيكوسوماتية النامجة عن ذلك‪.‬‬
‫حتديد فردي قدر اإلمكان لألسباب‬ ‫اهلدف‬
‫و‬ ‫للمرض‬ ‫االجتامعية‪-‬النفسية‪-‬البيولوجية‬
‫العواقب مع مراعاة املظاهر السيكودينامية‪.‬‬
‫حيتل مركز الصدارة املعاناة الذاتية النفسية‬ ‫التقنية‬
‫واجلسمية للمريض‪ .‬مع بناء عالقة مساعدة تتحول‬
‫اجللسة إىل البيوغرافيا الشخصية‪ ،‬و النمو والوضع‬
‫االجتامعي‪.‬‬
‫املقابلة التحليلية النفسية )‪(Argelander,1967,1970‬‬

‫اجللسة األوىل بوصفها "موقف حتلييل نفساين‬ ‫التعريف‬


‫" مع مطلب تشخييص وعالجي‪.‬‬
‫إخراج ‪ direction‬الرصاعات النفسية الداخلية‬ ‫اهلدف‬
‫يف "موقف جلسة غري مألوف"‬
‫االستفادة من املعلومات املوضوعية والذاتية‬ ‫التقنية‬
‫وبشكل خاص التمثيلية ‪scenic‬‬

‫‪biographical‬‬ ‫‪anamneses(Duehrssen,‬‬ ‫ودراسة احلالة البيوغرافية‬


‫)‪1972,1981‬‬

‫‪98‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املقابلة السيكودينامية بوظيفة تشخيصية‬ ‫التعريف‬


‫غالبة‪.‬‬
‫حتديد العوامل االجتامعية النفسية و النفسية‬ ‫اهلدف‬
‫النامئية املهمة من حياة املريض الباكرة والراهنة ‪.‬‬
‫يعترب املعالج كمالحظ عىل األغلب‪ ،‬إال أنه ال‬ ‫التقنية‬
‫يستغل املعلومات املوضوعية فحسب بل الشخصية‬
‫‪subjective‬أيض ًا ‪.‬‬
‫املقابلة املبنية )‪(Kernberg, 1981‬‬

‫املقصود بنيوي ًا مقابلة تتمحور حول البنية‬ ‫التعريف‬


‫الشخصية للمفحوص‪ ،‬تسعى إىل دمج التشخيص‬
‫التحلييل النفساين والطبي النفيس‪.‬‬
‫حتديد األنامط الرئيسية لتنظيم الشخصية(نمط‬ ‫اهلدف‬
‫عصايب ونمط حدودي ونمط ذهاين)‪.‬‬
‫موجه‬
‫مقابلة غري مبنية عىل طول خط مقابلة ِّ‬ ‫التقنية‬
‫(مرشد مقابلة) مع تبادل مطابق بني االستقصاء و‬
‫احلرية‪ ،‬الرتكيز عىل األعراض و الرصاعات و‬
‫الصعوبات‪ ،‬عرض يف هنا واآلن يف التفاعل مع‬
‫املقا َبل‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫رصاع العالقة املركزي )‪(luborsky,1984‬‬

‫‪formalize‬‬ ‫تشخيص سيكودينامي رسمي‬ ‫التعريف‬


‫كطريقة مستقلة عن املوقف العالجي‪.‬‬
‫حتديد نمط تفاعل شخص ‪ Subject‬مكون من‬ ‫اهلدف‬
‫رغبته واستجابة املوضوع واستجابة الشخص‬
‫املنبثقة عن ذلك‪.‬‬
‫مقابلة معرية يتم فيها ذكر أطوار العالقة املهمة‬ ‫التقنية‬
‫شخصي ًا عرب التفاعالت املعاشة بالفعل و تقويمها‬
‫عىل طول احلالة الفردية أو من خالل فئات‪.‬‬
‫املقابلة التشخيصية يف إلطار التشخيص السيكودينامي اإلجرائي العمل‬
‫اإلجرائي" ‪Operationalize Psychodynamic‬‬ ‫"التشخيص السيكودينامي‬
‫‪(OPD,1996)"Diagnostic‬‬
‫مقابلة سيكودينامية غري مبنية‪ .‬حياول املرء من‬ ‫التعريف‬
‫خالل دليل مقابلة حتديد املحور املهم عيادي ًا‬
‫"التشخيص السيكودينامي اإلجرائي"‪.‬‬
‫حتديد خربة املرض ومستويات العالقة و‬ ‫اهلدف‬
‫مراعاة‬ ‫الرصاع املمتد زمني ًا و البنية النفسية‪.‬‬
‫تشخيص اآلي يس دي‪-‬العارش ‪.ICD-10‬‬
‫استغالل املعلومات املوضوعية والشخصية‬ ‫التقنية‬

‫‪100‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مع مراعاة النقل و النقل املعاكس و ينبغي حتديد‬


‫"البيانات القاسية" الالزمة‪.‬‬

‫أساليب تشخيصية مهمة مستخدمة‬


‫من بني األساليب املذكورة أعاله تستخدم اليوم األساليب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬املقابلة التشخيصية األوىل‬
‫‪ -‬دراسة البيوغرافية للحالة من وجهات نظر علم نفس األعامق‬
‫‪ -‬الدراسة السيكوسوماتية للحالة‪.‬‬

‫املقابلة التحليل نفسية األوىل ‪psychoanalytical First interview‬‬

‫وضع آرغالندر ‪ Arglander‬عىل األساس النظري ملقابلة بالنت ‪ Balint‬تقنية مقابلة‬


‫حتليلية نفسية خاصة و وصفها بتفصيل يف كتابة اجلدير بالقراءة "املقابلة األوىل يف العالج‬
‫النفساين" يف عام ‪ .1970‬وقد اعترب اجللسة األوىل مع املريض يف إطار زمني يبلغ ‪60‬‬
‫دقيقة عىل أهنا "موقف حتلييل نفساين " بمظاهر عالجية و تشخيصية يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫فإىل جانب رضورة توضيح تشخييص يدور األمر حول إنجاز اقرتاح عالجي ملموس‬
‫و التحفيز والتحضري للعالج‪ .‬وهنا تتم مراعاة الواقع الذايت الداخيل للمريض‪ .‬أما‬
‫أهداف هذه املقابلة األوىل فهي‪:‬‬
‫‪ -‬تقيص ارتباط معنى األعراض بالرصاعات الكامنة خلف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬إجياد إجابات عن السؤال‪ :‬يف أي بنية من بنى الشخصية جتذر احلدث املريض‪.‬‬
‫‪ -‬التعرف عىل القدرات (الكفاءات) التي يمتلكها املريض‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬استنتاج ماهية السامت البنيوية التي يعتقد أهنا ستقود إىل املقاومة يف العالج‪.‬‬
‫ويرى آرغالندر ‪ Arglander‬املقابلة التشخيصية األوىل بأهنا "موقف جلسة غري‬
‫مألوف" حيصل من خالل استخدام املشاهد املبارشة و املوقف التفاعيل ورسائل املريض‬
‫الالشعورية املعروضة فيها‪.‬‬
‫"يكمن جوهر األمراض النفسية يف العمليات النفسية الداخلية الالشعورية‪،‬‬
‫يمكن استخالصها من املشاهد الراهنة مع رشيك اجللسة" )‪. (Arglander,1970‬‬
‫وتأيت اإلجابات عن األسئلة التشخيصية من ثالثة مصادر خمتلفة‪ ،‬هلا الوزن نفسه‬
‫من األمهية‪.‬‬
‫‪ .1‬املعلومات املوضوعية ‪ :objective Information‬وهي بيانات حول األعراض‬
‫و أنامط السلوك واخلصائص الشخصية و الوقائع الطبية و البيوغرافية‬
‫واالجتامعية‪ .‬ويقوم املشخص بناء عىل ذلك ببناء فرضيات عىل أرضية خلفيته‬
‫النظرية وخرباته اإلكلينيكية و استنتاجاته املنطقية‪ .‬أما حمك حمتوى احلقيقة‬
‫النسبي للمعلومات فهي الدالئل املنطقية ‪ logical evidence‬و التوافق مع‬
‫الفرضيات املنبثقة من النظرية واخلربة‪.‬‬
‫‪ .2‬املعلومات الذاتية ‪ :subjective Information‬وهي األمهية الذاتية (الشخصية)‬
‫التي يعطيها املريض لشكاواه ووضعه احليايت و توقعاته من العالج‪ .‬ومن أجل‬
‫التمكن من احلصول عىل هذه املعلومات فإن التعاون مع املريض رضوري‪.‬‬
‫وهذا بدوره يشرتط وجود جو من الثقة و األمان واالهتامم الطيب‪ .‬أما املحك‬
‫بالنسبة لدقة ملدى موثوقية املعلومات فهي الدالئل املوقفية ‪situative‬‬
‫‪.evidence‬‬
‫‪ .3‬املعلومات املشهدية (االستعراضية ‪ )scenically Information‬ويدور األمر هنا‬
‫حول العرض التصويري ملوقف اجللسة‪ ،‬أي مراقبة التفاعل بني املريض‬
‫واملعالج مع كل العنارص واملجريات اللفظية‪ ،‬واإليامئية‪-‬التعبريية واالنفعالية و‬

‫‪102‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اجلسمية‪ .‬ومتثل اخلربة الذاتية ملجري املقابلة ‪ interviewer‬أداة إدراك وتقويم‬


‫املعلومات املشهدية‪ .‬إنه يدرك املعلومات بوساطة "انتباه ذي متاوج متساو" يف‬
‫حقل العالقة الالشعوري‪ .‬أما املحك بالنسبة ملوثوقية هذه املعلومات فهو‬
‫الدالئل الذاتية للمشخص ‪.subjective evidence‬‬

‫يوضح آرغالندر ‪ Arglander‬املعلومات املشهدية من خالل مثال‪" :‬يتحدث‬ ‫‪‬‬


‫مريض طوال ‪ 50‬دقيقة حول بياناته الشخصية‪ .‬يشعر املقابل‬
‫‪ Interviewer‬باإلحباط‪ ،‬يشعر بأنه مل يفهم شيئ ًا و حيس فجأة بحاجة كبرية‬
‫للتدخني‪ .‬فيقدم سيجارة للمريض و يدخنان كالمها‪ .‬يصمت املريض‬
‫لفرتة وبدأ بشكل عفوي باحلديث عن ذكرى عىل عالقة بالتدخني‪ .‬وكان‬
‫معنى مقولته يتضمن‪ :‬احلاجة للتدخني يف موقف ما تتناسب مع عدم‬
‫طمأنينته الداخلية‪ ،‬باإلضافة إىل أنه يمثل انتهاك ًا‪ .‬يف هذه اللحظة تم بناء‬
‫اتصال انفعايل‪ .‬يستطيع املريض أن ُيفهم الفاحص بأنه عليه أن يقدم بيانات‬
‫ألنه خياف من إشباع احلاجات‪ ،‬التي تفضح عدم اطمئنانه الشخيص؛ ومن‬
‫خالل ذلك فقد أحبط املحلل بشدة‪ ،‬بحيث إىل درجة وجب عليه العمل‬
‫عىل حتقيق عىل إشباعه اخلاص (التدخني)‪ .‬يشعر املريض بالتفوق و يعرب‬
‫عنه أيض ًا‪(Arglander,1967,P. 430) " ... ...‬‬

‫نصائح للتشخيص‬
‫من أجل بناء "موقف اجللسة غري املألوف" هذا يسرتشد آرغالندر بنصائح بالينت‬
‫حول التشخيص‪ .‬وهو يميز‪:‬‬
‫‪ .1‬تقنية املقدمة (اجلبهة) ‪" :Technique of Fronts‬نحن نحرتم تعقد اجلبهة‪ ،‬نرتك‬

‫‪103‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫للمريض النشاط‪ ،‬ال نلح عليه بيشء و نستجيب لرغباته و مطالبه وحاجاته‬
‫بمقدار ما يسمح لنا الواقع بذلك"‪ .‬وهذا ينطبق عىل سبيل املثال عىل حتديد‬
‫موعد املقابلة و اختيار املقابل ‪ Interviewer‬و املظاهر األخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬حتضري املقابلة‪ :‬يتم بشكل منهجي إعداد الرشوط املوقفية للمقابلة‪ ،‬فيام يتعلق‬
‫بأسئلة السعة الزمنية‪ ،‬تصميم اإلطار (عدم اإلزعاج‪ ،‬اجلو املحيط)‪ ،‬من أجل‬
‫بناء احلميمية ومن ثم االنفتاح عند املريض‪.‬‬
‫‪ .3‬اجتاه ا ُملقابِل (الذي جيري املقابلة) ‪" :Interviewer's attitude‬لالجتاه الذي‬
‫يتجىل يف نمط اإلجابة اهلادئة من السلوك و االهتامم‪ ،‬تأثري حاسم‪ . . ...‬اجلانب‬
‫املعاكس هلذا السلوك الداعم هو اإلحباط‪ ،‬الذي يلهب املوقف الدفاعي و‬
‫الصمت املتأمل و العفوية املضبوطة (أو املراقبة) و أخري ًا يف اخليبة من غياب‬
‫النصائح املبارشة‪.‬‬
‫ومتثل املقابلة التحليلية النفسية وفق آرغالندر ‪ Arglander‬مقابلة حتليلية نفسية‬
‫نموذجية مثالية‪ ،‬حيث ال يمكن اليوم تطبيقها هبذا الشكل إال يف العيادات التحليلية‬
‫النفسية‪ .‬ومل يضع آرغالندر أي منهجية للتفصيل اخلطي وبناء الفرضية‪ ،‬بحيث تظل‬
‫الكيفية التي يمكن فيها أن تقود االنطباعات والبيانات املكتسبة من هذا إىل فرضية‬
‫ديناميكية نفسية‪ ،‬وهي الفرضية الالزمة للعالج القائم خلفها‪ .‬وعلينا أال نقلل من خطر‬
‫اإلدراك واالستطباب "الشخيص ‪ ،"subjective‬املنبثق من التوكيد املشهدي‬
‫‪ .scenically‬فهذه املقابلة تشرتط وجود الكثري جد ًا من اخلربة واملقدرة‪ ،‬كي ال حتدث‬
‫"هوامات خصبة و تأمالت ‪ speculation‬مبالغ هبا" )‪.(Arglander,1970‬‬
‫ومن إحدى أهم نقاط االنتقاد اجلوهرية ملبدأ آرغالندر تتمثل فيام إذا كان مثل هذا‬
‫الشكل من إدارة املقابلة يمكن أن يقود عموم ًا إىل طرح تفريقي لالستطباب (الفاعلية)‪.‬‬
‫هل من املمكن اإلجابة عن السؤال فيام إذا كان باإلمكان إجراء حتليل طويل األمد أم‬
‫قصري األمد أم يف املجموعة؟ فبمجرد انبثاق رضورة اإلجابة عن مسائل طرح‬

‫‪104‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫االستطباب التفريقي –كام هو بدهيي يف العيادة ‪ -‬أو رضورة متابعة مسائل بحثية‪ ،‬فالبد‬
‫عندئذ من مجع معلومات تشخيصية أكثر وتوثيقها‪.‬‬

‫دراسة احلالة البيوغرافية من منظور علم نفس أعماقي‬


‫يرجع اإلنجاز املفصل و الشامل هلذه املقابلة العلم نفس أعامقية إىل دورسن‬
‫)‪ .Duehrsen (1981‬ويتمحور هذا املبدأ حول ربط هنا واآلن مع هناك ويف ذاك الوقت‬
‫‪ .connect between Here and Now and There and in That time‬وبالطبع فإنه من‬
‫خالل احلصول عىل كم من املعلومات البيوغرافية هناك خطر أن يتحول مجع املعلومات‬
‫إىل جوهر املقابلة‪ .‬إال أن املعلومات تظل بال قيمة‪" ،‬إذا ما تم جتاهل املظهر التواصيل‬
‫بني الطبيب واملريض" )‪ .Duehrsen (1981,P. 16‬فباإلضافة إىل التقارير الواقعية فإن‬
‫"اإلصغاء باألذن الثالثة"‪ ،‬أي أن إدراك موقف اجللسة وموقف التفاعل ككل عىل درجة‬
‫كبرية من األمهية‪.‬‬
‫وتسعى املقابلة إىل احلصول عىل صورة شاملة قدر اإلمكان لتطور إنسان ما وصوالً‬
‫حتى الرصاعات الراهنة‪ .‬وتبدأ اجللسة بالشكاوى والرصاعات الراهنة‪ .‬وبام أنه ال‬
‫توجد أنامط سلوك وخربة يستخلصها اإلنسان بحد ذاهتا‪ ،‬بحيث تكون تعبري ًا‬
‫الضطراب أو متثل عصايب‪ ،‬فال بد من توضيح فيام إذا كان األمر يتعلق بأنامط سلوك أم‬
‫أنامط خربة أم أنامط استجابات‪" ،‬غري قابلة للتحريك" بحيث أهنا تعرب عن نفسها يف‬
‫املواقف التي ال تكون مفيدة فيها أو حتى مرضة أو غري مقبولة")‪.(Duehrsen,1981‬‬
‫و يتم استخالص تقومي أمناط السلوك العصابية من خالل‪:‬‬
‫اخلربة املشوهة واملحرفة للعامل املحيط؛‬ ‫‪-‬‬
‫نمط االستجابة العصابية التي تعرب عن نفسها عىل حساب املريض يف‬ ‫‪-‬‬
‫املواقف التي ال تكون فيها مفيدة؛‬
‫اسرتاتيجيات املواجهة الناقصة؛‬ ‫‪-‬‬

‫‪105‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املجاالت احلياتية املهمة‪ ،‬اليت تتجلى فيها الصراعات املثرية للمرض هي‪:‬‬
‫‪ -1‬اختيار الرشيك و سلوك االرتباط؛‬
‫‪ -2‬األرسة املنبت؛‬
‫‪ -3‬جمال املهنة؛‬
‫‪ -4‬ظروف امللكية؛‬
‫‪ -5‬اإلطار االجتامعي الثقايف املحيط مع االنتامء للمجموعات‪.‬‬
‫وحيتل ما يسمى باملواقف املثرية (مواقف املحاولة والفشل) أمهية كبرية‪ .‬ففي علم‬
‫نفس األعامق التقليدي يتم االنطالق من أنه يتم حشد مطلب الدافع املصدود بشكل‬
‫ثابت نسبي ًا حتى اآلن بقوة (حماولة)‪ ،‬ولكنه ال بد من أن يتم صده عىل أساس املعطيات‬
‫الرصاعية (الفشل)‪ ،‬وال يكفي الدفاع املستخدم حتى اآلن من أجل ذلك‪ .‬وبالطبع فإنه‬
‫يمكن لكل نائبات الدهر والكوارث الوخيمة يف حياة شخص ما أن تقود إىل أزمات‬
‫واضطرابات نفسية‪ ،‬أي أهنا تثريها‪ .‬إال أن املقصود باملوقف النفيس العصايب املثري هو‬
‫"احلاجز الشخيص احلساس" الذي غالب ًا ما تكون أبسط األحداث كافية له كي يثري‬
‫أعراض ًا وخيمة‪ ،‬كزيادة الراتب ملوظف حمسود بالرس عىل خلفية التاريخ الشخيص‬
‫السابق "بكون املرء قد هضمت حقوقه باستمرار" عىل سبيل املثال‪ .‬فهنا غالب ًا ما ال‬
‫يدرك الشخص املعني الضغط الذي ظهر ضمنه االضطراب‪ُ ( ،‬يك ربت)‪ .‬وهبذا فإن‬
‫السؤال املبارش عن املوقف املثري ال يقدم لنا أية معلومة مفيدة ("ال توجد مشكالت")‪،‬‬
‫وغالب ًا ما يربهن استمرار "التنقيب" العنيد عن الظروف يف وقف نشوء األعراض عىل‬
‫أنه قليل الفائدة‪ ،‬ذلك أنه غالب ًا ما نصل إىل إجابات ملتوية‪ .‬واألكثر فائدة من هذا هو‬
‫السؤال عن املعطيات العامة يف وقت نشوء العرض حيث يفرتض أن يتم االستناد إىل‬
‫البيانات األهم ونمو العرض‪ .‬وهنا البد من وصف املعطيات املوقفية ("كنت يف هذه‬
‫اللحظة مع زوجتي يف السيارة مسافرين إىل محايت")‪ /‬وكذلك الظروف املحيطية‬
‫(رشوط اإلطار) ("محلت زوجتي للمرة األوىل بعد ‪ 12‬سنة زواج")‪ .‬وغالب ًا ما تكون‬

‫‪106‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بني املوقف املثري و الالمعاوضة ‪ decompensation‬إطار ًا زمني ًا فاصالً‪ ،‬فرتة يمكن أن‬
‫متتد حتى السنة‪ :‬يف البداية ال يتم صد ومواجهة الرصاعات بعد‪ ،‬إىل أن تقود الضغوط‬
‫املستمرة إىل المعاوضة هنائية‪ .‬وباإلضافة إىل اإلجابة املبارشة عن السؤال عن املعطيات‬
‫يتم يف جمرى املقابلة غالب ًا وصف املعطيات التي ظهرت بالتوازي زمني ًا مع نشوء‬
‫األعراض وتغرياهتا‪ .‬و عليه ال يعطي مريض ما أية بيانات عن السؤال اهلادف عن‬
‫املوقف املثري‪ ،‬ولكن عندما يسري املرء معه يف طريق حياته بشكل بيوغرايف‪-‬زمني و يعرف‬
‫تواريخ وفاة الوالدين فسوف يتضح السياق الزمني بني موت الوالدين وبداية‬
‫األعراض‪ .‬وتعد ما تسمى باملواقف احلدودية ‪ swell situations1‬من نحو االلتحاق‬
‫بدور احلضانة‪ ،‬االلتحاق باملدرسة‪ ،‬املراهقة‪ ،‬االلتحاق باملهنة‪ ،‬الزواج‪ ،‬والدة األوالد‪،‬‬
‫وسط احلياة‪ ،‬السن احلرجة ‪ ، climacterium‬التقاعد‪ ،‬موت أحد املقربني‪ ...‬الخ عىل‬
‫‪2‬‬

‫سبيل املثال من املواقف التي غالب ًا ما تثري األعراض‪.‬‬


‫ولكن هنا ينبغي دائ ًام مراعاة السؤال فيام إذا كانت األحداث املغرية للحياة املستقلة‬
‫عن أنامط الشخصية العصابية الكامنة خلفها يمكن أن تؤثر بوصفها ضغط ًا مستق ً‬
‫ال و‬
‫يمكن أن تقود إىل اضطرابات نفسية!‪ .‬فتشخيص اضطراب عصايب يكون موثوق ًا عندما‬
‫يكون قد تم التوصل يف إطار تاريخ احلالة البيوغرايف إىل ارتباط قطعي بني "صورة‬
‫الطبع ‪ Character image‬العصابية املوجودة ووضع احلياة املثري التابع لذلك و عالمات‬
‫املرض املوجودة" )‪ .(Duehrssen,1981‬وال يمكن من التفاعل املشهدي ‪scenically‬‬
‫‪ Interaction‬أو من صورة الشكاوى أو من الربوفيل البيوغرايف كل عىل حدة طرح‬
‫تشخيص موثوق! والفضل الكبرية للسرية الذاتية البيوغرافية هي هذا املسمى‬
‫ال للتفاعل بني جمريات‬ ‫"التشخيص اإلجيايب للعصاب"‪ :‬يتطلب التشخيص تفه ًام شام ً‬
‫اخلربة الداخلية و تشكيلة املصري ‪ fate‬اخلارجي ملريض ما‪.‬‬

‫‪ 1‬املواقف البارزة يف حياة إنسان ما‪.‬‬


‫‪ 2‬ما يسمى خطأ بسن اليأس‬

‫‪107‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫التوثيق‬
‫تشكل الدراسة البيوغرافية للحالة أساس تقديم طلب للعالج النفيس بالنسبة‬
‫للعالج القائم عىل أساس علم نفس األعامق و التحليل النفيس عند الراشدين‪ .‬والبد‬
‫هلذا الطلب أن يشتمل عىل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬البيانات التلقائية للمريض‪ :‬وصف شكاوى املريض و األعراض‪ ،‬باقتباسات‬
‫حرفية قدر اإلمكان‪ .‬واملهم هو تسجيل مجيع شكاوى املتعالج بام يف ذلك‬
‫الطريقة التي يعيشها فيها‪ .‬أما األسئلة املوجهة فهي‪:‬‬
‫متى بدأت الشكاوى (األعراض)؟‬ ‫‪-‬‬
‫كيف تطورت بعد ذلك (ازدادت شدة‪ ،‬انخفضت)؟‬ ‫‪-‬‬
‫كيف كان جمراها الزمني؟‬ ‫‪-‬‬
‫ما هي الشكاوى ‪-‬إىل جانب تلك املذكورة‪ -‬التي يمكن حتديدها من‬ ‫‪-‬‬
‫خالل استفسار هادف؟‬
‫ما هي املعلومات املتوفرة حول نتائج فحوصات نفسية وجسمية؟‬ ‫‪-‬‬
‫ما هي الفحوصات التي أجريت؟ متى وأين؟‬ ‫‪-‬‬
‫ما هي العالجات السابقة التي أجريت؟ من أجراها وأين؟‬ ‫‪-‬‬
‫ملاذا يأيت املريض يف هذا الوقت بالتحديد؟ من دفعه لذلك؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ .2‬عرض خمترص للنمو التاريخ حيايت (للسرية احلياتية) مع التاريخ األرسي والنمو‬
‫اجلسمي النفيس و االجتامعي مع مراعاة خاصة للوضع األرسي واملهني و‬
‫املجرى الدرايس و األزمات يف املواقف احلدودية املميزة لألطوار االنتقالية‪.‬‬
‫ومن أجل التمكن من العثور املواقف املثرية و أزمات احلياة‪ ،‬فإنه من املفيد‬
‫تسجيل البيانات الفردية التي تم احلصول عليها يف املقابلة و بيانات أشخاص‬

‫‪108‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اإلطار املرجعي املهمني يف جدول توضيحي‪ .‬إال أن هذا اجلدول التوضيحي‬


‫ال يعوض عن وصف جمرى حياة املريض من خالل االنطباع املوضوعي‬
‫والذايت‪ .‬وبشكل عام ال حيتوي عرض تاريخ احلياة البيانات املوضوعية‬
‫فحسب‪ ،‬بل أن الرتكيز يتمحور حول اخلربات الذاتية و تقويامت املريض‪.‬‬
‫كام يتم عرض الوضع االجتامعي النفيس التي كانت فيها أرسة املريض قبل الوالدة‬
‫وبعدها‪ ،‬واالجتاهات املخمنة فيام يتعلق بوالدة املريض و التغريات التي حدثت بسبب‬
‫ذلك‪ .‬أما النمو الطفويل الباكر (الرضاعة‪ ،‬وتعلم امليش والكالم والنظافة‪ ...‬الخ) فيتم‬
‫وصفها استناد ًا إىل الشذوذات واالنحرافات‪:‬‬
‫يتم السؤال عن أشخاص اإلطار املرجعي األهم (يف دراسة احلالة املفصلة‬ ‫‪-‬‬
‫بدء ًا من اجلدين) و العالقات بينهام وبني املريض‪ .‬وهنا يتم كذلك ذكر‬
‫البيانات االجتامعية (السن‪ ،‬املهنة‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫وحيتل وصف زواج الوالدين و العالقة باألخوة مع مراعاة النمو حتى‬ ‫‪-‬‬
‫الوقت الراهن أمهية خاصة‪.‬‬
‫ويمكن يف الدراسة البيوغرافية املفصلة للحالة أن تصبح املراحل املتفرقة‬ ‫‪-‬‬
‫للحياة حية بالنسبة للفاحص ("صف يل كيف كان حالك يف الروضة‪...‬‬
‫كيف كانت االتصاالت يف ذلك الوقت؟ بأي يشء كنت حتب أن تشغل‬
‫نفسك"؟‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫وينبغي بشكل عام أن يتضح كيف بنى املريض االتصاالت يف حياته‬ ‫‪-‬‬
‫(العالقة باملوضوع)‪ ،‬كيف شعر هو نفسه (مظهر الذات ‪)self-aspect‬‬
‫وكيف سار نموه املدريس‪/‬املهني و اجلنيس‪.‬‬
‫وتنتهي الدراسة البيوغرافية للحالة مع الوضع احليايت الراهن‪ .‬واهلدف‬ ‫‪-‬‬
‫هو إعادة رسم الصورة الشاملة واحلية قدر اإلمكان حلياة املريض الراهنة‬
‫و لعالقاته و نشاطاته ووضعه االجتامعي‪ .‬وهنا يتضح فيام إذا كان املريض‬

‫‪109‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يف وضع رصاعي أو أزمايت و ما هي املوارد التي يمتلكها هو فردي ًا و‬


‫عالقاته‪.‬‬
‫‪ .3‬التاريخ الطبي‪ :‬يتم حتديد األمراض اجلوهرية و املعاجلات الطبية‪ .‬كام حتتوي‬
‫دراسة التاريخ الطبي بيانات حول األمراض األساسية يف األرسة و بشكل‬
‫خاص حول األمراض النفسية‪.‬‬
‫‪ .4‬النتائج النفسية حتى وقت الفحص‪ :‬فباإلضافة إىل التحديد التشخييص‬
‫التفريقي البد من طرح أسئلة عن احلالة املزاجية والقلق‪ ،‬والتصورات القهرية‬
‫والدوافع و اضطرابات اإلدراك والذاكرة‪:‬‬
‫أ) االتصال االنفعايل والذكاء و تفاصيل الشخصية والقدرة عىل‬
‫االستبصار‪ ،‬و استبصار املرض و دافعية املريض للعالج النفيس‪.‬‬
‫ب) آليات الدفاع املفضلة‪ ،‬بنية الشخصية‪.‬‬
‫ت) النتائج السيكوباثية‪.‬‬
‫ويتم وصف مظهر املريض و خصوصيات دخوله (احلضور) و سلوكه ومالبسه و‬
‫اإليامءات‪ .‬وباإلضافة إىل االنطباع األويل ال بد من تصوير ديناميكية الفحص ككل‪،‬‬
‫وبشكل خاص استجابات النقل والنقل املعاكس‪ ،‬التي يالحظها الفاحص‪" .‬ماهي‬
‫املشاعر و أية انطباعات" يوقظها املريض عند الفاحص؟ كيف يبدأ احلديث‪ ،‬ما هي أوىل‬
‫اجلمل؟ كيف يدير االتصال فيام بعد؟ هل يوجد يف جمرى اجللسة تطور فيام يتعلق‬
‫بالسلوك‪ ،‬التعبري إدارة االتصال؟ وكذلك يمكن هنا تصوير خربة املريض لذاته‪ :‬كيف‬
‫يرى املريض ذاته؟ كيف يستجيب عموم ًا عىل هذا السؤال؟ كيف يعيش اضطرابه؟ هل‬
‫هو قادر عىل االستبصار بالتسبيب النفيس املنشأ (أو بالعوامل املُ ِ‬
‫سامهة) ألعراضه أم أنه‬
‫يصد و ينكر هذا؟‬
‫وينبغي من ضمن املقابلة التحليلية النفسية التقليدية أيض ًا السؤال عن األحالم‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫عن آخر حلم قبل اجللسة التشخيصية‪ ،‬وعن حلم متكرر باستمرار و حلم من الطفولة‪.‬‬
‫ومن املألوف أيض ًا طرح "السؤال االختباري" ‪" :‬ما هي أوىل الذكريات؟ ما هي احلكاية‬
‫املفضلة؟ ما هو احليوان املحبوب؟"‪.‬‬
‫‪ .5‬الديناميكية النفسية للمرض العصايب‪ :‬عرض التطور العصايب و الرصاع‬
‫العصايب البني نفيس مع تشكيل العرض الناجم عن ذلك‪ :‬يف هذه النقطة يتم‬
‫إعطاء تفسري خمترص للصورة املرضية أو لشخصية املريض‪ .‬وينبغي هلذا‬
‫التلخيص أن يوضح أين يكمن الرصاع الرئييس للمريض‪.‬‬

‫يمكن أن يبدأ التقويم العام بتلخيص مقتضب‪" :‬املريض البالغ من العمر‬


‫‪ 35‬سنة حرض بأعراض قائمة منذ ثامن سنوات من قرس الغسيل"‪ .‬وبعدئذ يتم‬
‫عرض الرصاع الرئييس من خالل ثالثة أبعاد‪:‬‬
‫موقف الضغط اخلارجي‪" :‬ظهر قهر الغسيل بعد أن أنجبت الزوجة‬
‫الطفل الثالث بوقت قصري‪ ،‬وكان هو الولد األول‪.‬‬
‫البعد البني نفيس‪ :‬يتم عرض ماهي الرصاعات البني نفسية التي تم‬
‫إحيائها و التي ال يمكن مواجهتها‪.‬‬
‫"قادت والدة الولد األول إىل انرصاف مفاجئ معاش للزوجة‪ ،‬األمر‬
‫الذي قاد إىل إعادة إحياء موقف الرصاع األوديبي‪ .‬فجأة كان عليه أن يتعامل‬
‫مع منافس برشي و يتحمل الدونية‪ ،‬التي أضافها االبن املولود إليه يف العالقة‬
‫بزوجته"‪.‬‬
‫البعد التاريخ حيايت‪ :‬هنا يتم استخالص تلك البيانات من البيوغرافيا‬
‫(السرية الذاتية) التي جتعل من إعادة إحياء رصاع متكرر بحد ذاته يف احلياة‬
‫باستمرار مفهوم ًا‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫"وبعد أن شعر املريض حتى سن اخلامسة من العمر‪ ،‬يف أثناء وجود والده‬
‫يف األرس‪ ،‬بأنه هو املالك الوحيد ألمه‪ ،‬مل يستطع أن يتحمل الصد من خالل‬
‫عودة والده‪ .‬وارتباط ًا بالشدة التي كانت األم متارسها تربوي ًا (كانت تريد أن‬
‫تكون األب واألم يف الوقت نفسه)‪ ،‬حدث دفاع نكويص مع نمو اضطراب‬
‫شخصية عصابية قرسية واضحة"‪.‬‬
‫من الصعب يف العادة قرص اضطراب ما عىل أساس رصاع وحيد‪ .‬إىل أن‬
‫املهم هو تقويم ما هي املجاالت احلاسمة من الرصاع‪ ،‬كي ال ينشأ االنطباع‬
‫"بمنشأ عام ‪."Global pathology‬‬

‫‪ .6‬التشخيص النفيس العصايب‪ :‬عرض التشخيص عىل املستوى العريض والبنيوي‬


‫مع مراعاة االعتبارات التشخيصية التفريقية‪ .‬ويسرتشد التشخيص الوصفي‬
‫(العيادي) باألعراض (من نحو عصاب القهر‪ ،‬فقدان الشهية العصبي‪ ...‬عىل‬
‫سبيل املثال)‪ .‬ويميز (تشخيص البنية) السيكودينامي بني فيام إذا كانت املسألة‬
‫متعلقة باضطراب عصايب مع إعادة إحياء نمط رصاعي مكرر لذاته أم‬
‫باضطراب يف بنية األنا ‪(Ego-structural Disorder‬اضطراب بنيوي)‪.‬‬
‫‪ .7‬خطة املعاجلة ‪Treatment plan‬و هدف العالج (االستطباب ‪.)Indication‬‬
‫‪ .8‬التنبؤ بالعالج‪ :‬يف البداية البد من اإلجابة عن السؤال إىل أي مدى يمكن‬
‫التفكري باألساليب العلم نفس أعامقية (سيكودينامية أو حتليلية نفسية) و فيام إذا‬
‫كان البد من استخدام العالج الفردي أم العالج يف املجموعة‪ .‬وكذلك ينبغي‬
‫حتديد اخلطة الزمنية للعالج (البداية‪ ،‬التكرار و املدة)‪ .‬كام البد إعطاء تربير‬
‫دقيق قدر اإلمكان (الدافعية‪ ،‬االستبطان‪ ،‬املرونة الداخلية واخلارجية)‪ .‬وال بد‬
‫من تقدير ما الذي من املتوقع حتقيقه وما الذي يتوقع عدم حتقيقه (األهداف‬
‫اجلزئية النتيجة املتوقعة)‪ .‬فالتنبؤ البد أن يكون مستند ًا دائ ًام عىل نوع خاص من‬

‫‪112‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العالج و البد من بحث االستطبابات التفريقية‪.‬‬

‫دراسة احلالة السيكوسوماتية‬


‫أسس ج‪ .‬ل‪ .‬إنجل ‪ G. L. Engel‬بوصفه طبيب باطنية و حملل نفيس يف‬
‫مخسينيات القرن العرشين يف روشترس‪ Rochester‬بالواليات املتحدة األمريكية أول‬
‫خدمة ارتباط نفسية جسدية ‪ .psychosomatically Liaison‬فمن خالل التعاون الوثيق‬
‫مع التخصصات اجلسمية انبثقت رضورة موائمة املقابلة التحليلية النفسية التقليدية مع‬
‫الرضورات واألوضاع اخلاصة للمرىض جسمي ًا‪ .‬ويتبع نموذج املقابلة التكاملية و‬
‫املفتوحة الذي تم عرضه ملورغان و إنجل )‪ Morgan and Engel (1977‬توضيح الوضع‬
‫اجلسدي والنفيس االجتامعي للمريض وحياول فهم هذا الوضع االجتامعي النفيس عىل‬
‫خلفية النمو احليايت حتى اآلن‪ .‬ويقوم أساسه عىل السعي إىل بناء عالقة مقبولة باملريض‪،‬‬
‫عالقة مثمرة بني الطبيب واملريض‪ .‬ويقدم جدول (‪ )2‬عرض ًا تلخيصي ًا للمجرى‬
‫التخطيطي لدراسة احلالة السيكوسوماتية‪.‬‬
‫اليمكن بناء عالقة مثمرة باملرىض بأمراض واضطرابات جسمية إال من خالل‬
‫تقبل املرىض بمعاناهتم اجلسمية و بأن يشعروا أهنم مفهومني‪" .‬فخريطة األعراض"‬
‫حتتل أمهية كبرية‪ .‬ويؤكد كل من آدلر وهاملر )‪ (Adler and Hammeler,1989‬عىل أنه‬
‫من طريقة وصف املريض لشكاواه يمكن اشتقاق دالالت عىل سامت شخصيته‪ .‬وعليه‬
‫يمكن من احلديث حول التفاصيل التي ال تنتهي استنتاج وجود نمط شخصية قرسية‪.‬‬
‫والتقرير بالنقاط وفواصل وإغراق الفاحص يمكن أن جيعلنا نخمن بأنه يكمن خلف‬
‫عاصفة الرواية شيئ ًا جوهري ًا‪ .‬وإدراك مثل هذا النوع من جمريات احلديث يساعد‬
‫الفاحص للوصول إىل فرضيات تشخيصية مهمة ويساعده من ناحية أخرى عىل تصميم‬
‫اجللسة‪.‬‬
‫فمن خالل التحديد الدقيق للشكاوى يتم أخذ أمهية الشكاوى اجلسدية بعني‬

‫‪113‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االعتبار‪:‬‬
‫أين‪ :‬التموضع واالنتشار؟ كيف‪ :‬النوع (وخز‪ ،‬سحب‪ ،‬حرق)؟‬
‫ما القوة‪ :‬الشدة؟‬
‫متى‪ :‬املجرى الزمني‪ ،‬عواقب الشكاوى؟‬
‫يف أي من الظروف تصبح الشكاوى واضحة (عند املجهود اجلسدي‪ ،‬مساء قبل‬
‫النوم‪ ...‬الخ)؟‬
‫من خالل أي أمر تصبح الشكاوى أخف أو أشد؟؟‬
‫وتسرتشد إدارة اجللسة باملقابلة التحليلية التقليدية‪ ،‬أي يطرح الفاحص أسئلة‬
‫مفتوحة ويرتك للمفحوص املجال الفردي الالزم للتعبري عن نفسه بكلامته‪ .‬فمن خالل‬
‫هذا تتضح كذلك التصورات الذاتية للمرض و خماوف ورغبات املريض‪ .‬ويف النهاية‬
‫يتم تلخيص اجللسة ومناقشة اإلجراء العالجي التايل‪ .‬وتقوي املعلومات الواضحة‬
‫(بقدر اإلمكان) حول اخلطوات التالية للتوضيح والعالج من جهتها عالقة الطبيب‬
‫باملريض وهتدئ املريض‪.‬‬

‫جدول ‪ :4‬دراسة احلالة السيكوسوماتية حسب إنجل‬


‫التقديم‪ ،‬التحية ‪‬االنطباع األول‬ ‫‪I‬‬
‫حتقيق موقف مالئم‬ ‫‪II‬‬
‫خريطة الشكاوى ‪ ‬إدراك الواقع الفردي‪ ،‬حتديد األعراض‬ ‫‪III‬‬
‫املعاناة الراهنة (املجرى الزمني‪ ،‬النوعية‪ ،‬الشدة‪ ،‬التموضع و‬ ‫‪IV‬‬
‫االمتداد‪ ،‬العالمات املرافقة‪ ،‬العوامل املك ِّثفة‪/‬املخففة‪ ،‬الظروف) ‪‬‬
‫الفرضية األوىل‪ ،‬تثبيت رابطة العمل‪.‬‬
‫التاريخ الشخيص (البيوغرافيا)‬ ‫‪V‬‬

‫‪114‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫تاريخ األرسة‬ ‫‪VI‬‬


‫النمو النفيس‬ ‫‪VII‬‬
‫الوضع االجتامعي‬ ‫‪VIII‬‬
‫إكامالت دراسة حالة املنظومة ‪‬التشخيص االجتامعي النفيس‬ ‫‪IX‬‬
‫البيولوجي املتمم ‪integrate biopsychosocial Diagnosis‬‬
‫أسئلة‪/‬برامج العالج ‪ ‬توقعات املريض‪ ،‬اخلطوات العالجية‬ ‫‪X‬‬
‫األوىل‬

‫مسودة تشخيص حتليلي متعدد األبعاد شامل‪ :‬التشخيص السيكوديناميكي اإلجرائي‬


‫‪(OPD) Operationalize psycho dynamical Diagnostic‬‬

‫يقف التحليل النفيس كعلم وأسلوب للعالج النفيس أمام حتديات كبرية‪ .‬فمن جهة‬
‫البد من استخدام النتائج اإلمبرييقية للفروع العلمية األخرى من نحو علم النفس‬
‫االستعرايف أو أبحاث الرضع من أجل اختبار النظريات واإلجراءات التحليلية القائمة‬
‫حتى اآلن ومن جهة أخرى جعل النشاط التشخييص والعالجي منهجي ًا ‪systematize‬‬
‫من الناحية اإلكلينيكية واختباره‪ .‬ويعد التشخيص السيكوديناميكي اإلجرائي حتى‬
‫اآلن أشمل حماولة ملوائمة الرصح املعريف والنظري مع الرضورات واملعارف الراهنة‬
‫وجتميع املربهن‪ .‬وقد تم حتديد مخسة حماور بالنسبة للتشخيص التحلييل متعدد األبعاد‬
‫الشامل ‪ Operationalize psycho dynamical Diagnostic‬والذي يرمز له اختصار ًا‬
‫)‪:(OPD‬‬
‫‪Experience of Diseases and‬‬ ‫املحور ‪ :I‬خربة املرض والتوقعات العالجية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪Treatment‘s expectation‬‬

‫‪Relationship‬‬ ‫املحور ‪ :II‬العالقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪115‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Conflict‬‬ ‫املحور ‪ :III‬الرصاع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪Structure‬‬ ‫املحور‪ :IV‬البنية‬ ‫‪‬‬

‫ملجال‬ ‫املحور ‪ :V‬حمور املتالزمة ‪(Syndrome aches‬بالنسبة‬ ‫‪‬‬


‫السيكوسوماتيك‪/‬العالج النفساين نسخة معدلة من ‪.ICD-10‬‬
‫وقد تم إعداد املحاور من عدة جمموعات عمل خمتلفة‪ ،‬بلغ عدد أعضائها حوايل‬
‫‪ 40‬فرد ًا‪ .‬ويعد ‪ OPD‬مسودة مضادة للتشخيص املتجه اجتاه ًا أعراضي ًا خالص ًا لآلي‬
‫يس دي‪-‬العارش ‪ICD-10‬و الدي أس أم‪-‬الرابع ‪ .DSM-IV‬إنه حماولة هتدف إىل أبعد‬
‫من جمرد الوصف اإلجرائي وذي التوجه األعرايض لتحديد املعرفة التحليلية النفسية‬
‫بشكل أوضح واستخدامها بشكل أوسع‪.‬‬

‫احملور‪ -I-‬من خربة املرض وشروط العالج‬


‫تشمل خربة املرض العمليات االنفعالية واالستعرافية كاملة املوجهة نحو املرض‬
‫ومواجهته‪ .‬وهنا البد من مراعاة‪ :‬نوع وشدة املرض املوجود‪ ،‬املحيط االجتامعي‪،‬‬
‫سامت املريض التشخيصية ودافعيته للعالج‪ .‬ويتم التعبري عن خربة املرض و رشوط‬
‫العالج يف إطار ‪OPD‬من خالل ‪ 18‬بعد ًا يتم تقويمها حسب درجتها إما منخفضة أو‬
‫متوسطة أو مرتفعة‪.‬‬
‫مثال‪" :‬القدرة عىل االستبصار بالنسبة لالرتباط اجلسدي‪-‬النفيس‬
‫‪:somato-psychical Correlation relation‬‬
‫يتعلق األمر هنا فيام إذا كان املريض قادر ًا عىل إدراك أن األعراض‬
‫النفسية نتيجة ملرض جسدي‪ ،‬وما هو مدى هذا اإلدراك‪ .‬فاملريض ذوي‬
‫االستبصار املرتفع يدرك مثل هذه العالقات وقد يشري إليها من تلقاء نفسه‬
‫أيض ًا‪ .‬أما املريض منخفض االستبصار فلن يدرك هذا االرتباط وربام ينكره‬

‫‪116‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أيض ًا‪.‬‬

‫القدرة على االستبصار بالنسبة للعالقات الجسمية النفسية‪:‬‬


‫غري موجودة(صفر)‬ ‫‪-‬‬
‫منخفضة (‪)1‬‬ ‫‪-‬‬
‫متوسطة (‪)2‬‬ ‫‪-‬‬
‫مرتفعة (‪)3‬‬ ‫‪-‬‬
‫غري قابلة للتقويم (‪.)9‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويتم حتديد األبعاد التالية و خربة املرض و شروط العالج يف ‪:OPD‬‬
‫مقدار اإلعاقة اجلسمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تقويم درجة شدة املرض اجلسدي أو النفيس أو كليهام‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ضغط املعاناة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مناسبة الترضرات الذاتية إىل مقدار املرض‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تأذي خربة الذات‬ ‫‪-‬‬
‫املكسب املريض الثانوي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫السيكو‪-‬دينامية‪psycho-‬‬ ‫القدرة عىل االستبصار بالنسبة للعالقات‬ ‫‪-‬‬
‫‪.dynamic correlates‬‬

‫‪117‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االستبصار بالنسبة للعالقات النفسية‪-‬اجلسمية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫تقدير شكل العالج املالئم (عالج نفيس)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تقدير شكل العالج املناسب (معاجلة جسدية)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الدافعية للعالج النفيس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الدافعية للعالج اجلسمي واملطاوعة ‪Compliance‬‬ ‫‪-‬‬
‫تقديم العرض‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫االندماج االجتامعي النفيس‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫املوارد الشخصية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الدعم االجتامعي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ويؤثر نوع وشدة املرض املوجود عىل خربة املرض‪ ،‬عىل سبيل املثال األعراض‬
‫واإلعاقات اجلسمية والنفسية‪ ،‬الرضورات العالجية الالزمة‪ ،‬العواقب االجتامعية ‪...‬‬
‫الخ‪ .‬غري أنه ليس بني شدة مرض ما و ضغط املعاناة الشخيص أية عالقة خطية‪ ،‬واملهم‬
‫هنا هو التمثل والتقويم الشخيص للمرض (وبشكل خاص الالشعوري)‪ .‬وحتتل‬
‫األوضاع االجتامعية واملؤسساتية للنظام الصحي هنا أمهية خاصة‪ ،‬مع ما يرتبط بذلك‬
‫من اجتاهات متعلقة باملرض والصحة‪ .‬ويف حني أن هذه األوضاع تؤثر عىل املريض‬
‫مبارشة عرب عالقة املريض‪-‬املعالج ‪ ،‬فإن نظام الرعاية الصحية املتمحورة بشكل غالب‬
‫عىل هنج جسدي للمرض يقود املريض إىل هنج أقرب "للنموذج اجلسدي للمرض"‪.‬‬
‫فيتخذ املريض دور ًا أقرب إىل دور املتلقي السلبي‪ .‬كام أن املحيط االجتامعي النفيس‬
‫ككل (األرسة‪ ،‬األقارب‪ ،‬املعارف‪ ،‬األصدقاء‪ ...‬الخ) يمكن أن يامرس تأثري ًا واسع ًا عىل‬
‫تاريخ معاناة املريض و سلوكه يف تلقي املساعدة‪ .‬وتنبثق الدافعية للعالج من القناعات‬
‫الشخصية املعروضة‪ .‬ويمكن للتوقعات العالجية أن تشمل من حيث املبدأ كل أشكال‬
‫العالج الطبي وشبه الطبي و العالجي النفيس‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫احملور ‪ II‬من ‪OPD‬‬

‫يعد السلوك البني شخيص ‪ interpersonal‬يف كل املدارس العالجية النفسانية عام ً‬


‫ال‬
‫جوهري ًا يف نشوء واستمرارية االضطرابات النفسية‪ .‬ويسعى عدد كبري من الباحثني‬
‫والعياديني منذ سبعينيات القرن العرشين إىل وصف وتصوير نمط العالقة بشكل‬
‫منهجي‪ .‬ومن بينها عىل سبيل الذكر‪ :‬التحليل البنيوي للسلوك االجتامعي ‪Structure‬‬
‫‪ Analyses of Social Behavior‬لبينيامني ‪ Benjam,1974‬وتشخيص اخلطة ‪Plan‬‬
‫‪ Diagnosis‬لوايس و سامبسون ‪.Weiss & Sampson, 1986‬‬
‫وتشرتك غالبية النامذج بتقسيم السلوك البني شخيص ‪ interpersonal‬إىل بعدين‬
‫ثنائيي القطب‪ .‬الضبط (مسيطر‪-‬ضابط مقابل مهدم ‪-subversive‬خاضع) واالتصال‬
‫‪( affiliation‬مهتم‪-‬ودود مقابل عدائي‪-‬متباعد)‪ .‬ويمكن لكالنية العالقات البني‬ ‫‪1‬‬

‫شخصية أن تتحدد من خالل اخلليط من كال هذين البعدين األساسيني‪ .‬وينبغي هنا‬
‫ختفيض العدد الالهنائي من التفاعالت البني إنسانية هنا إىل فئات أساسية جوهرية‬
‫(القابلة لالستخالص بشكل صادق وموثوق)‪.‬‬
‫وترى مدارس التحليل النفيس أن سلوك العالقات هو نتيجة لرغبات العالقات‬
‫الالشعورية‪ .‬ويرتبط هبذا خماوف وريبة تصبح فاعلة نفسي ًا (ضمني ًا) ‪intra psychical‬‬
‫فيام يتعلق باستجابات املوضوع (األخر) هلذه الرغبات‪ .‬وهبذا فإنه يمكن استخالص‬
‫الرصاعات الضمنية ‪ intra psychical‬من التشكيل الفردي للعالقة‪ .‬ويتجه هذا‬
‫املستوى التشخييص بشكل خاص عىل السلوك االعتيادي للمريض‪ ،‬أي عىل االجتاهات‬
‫البني شخصية ‪Intrapersonal‬التي تبدو للخارج سائدة و فاعلة بيرس كثري ًا أو قلي ً‬
‫ال لدى‬
‫املريض‪ .‬ويف اجللسة التشخيصية حيصل اإلنسان عىل معلومات حول سلوك العالقة‬
‫لدى املريض سواء من روايته حول وقائع العالقة مع اآلخرين أم من خالل اخلربة الذاتية‬

‫‪(affilation):‬الطموح نحو بناء أو استمرارية أو إعادة إلقامة اتصاالت الصداقة باألشخاص اآلخرين‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪119‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫للفاحص يف أثناء اجللسة (النقل)‪ .‬ومن خالل االستجابات واملشاعر املالحظة يف‬
‫الذات يستطيع املعالج استخالص استنتاجات حول الكيفية التي من املمكن أن يشعر‬
‫فيها اآلخرون أنفسهم ويترصفون يف العالقة باملريض‪ .‬وهبذا تتحول خربة النقل إىل‬
‫وسيلة للتشخيص البني شخيص ‪.interpersonal Diagnostic‬‬
‫ويشمل سلوك العالقة المعتاد دائماً بعدين‪:‬‬
‫كيف يعيش املريض نفسه؟‬ ‫‪-‬‬
‫كيف يعيش اآلخرون أنفسهم جتاه املريض؟‬ ‫‪-‬‬
‫رشط تقدير بناء العالقة املركزية هو اجللسة التشخيصية اجلارية‪ ،‬التي تصب فيها‬
‫كمصدر للمعلومات خربات العالقة وسلوك العالقة التي يصفها املريض يف اجللسة‪ .‬و‬
‫سلوك العالقة يف اجللسة األوىل سهل عىل املالحظة املبارشة‪ ،‬إال أنه يمكن هنا كذلك‬
‫االستفادة من االستجابات الذاتية للمشخص (النقل املقابل) من أجل هذا‪ .‬و سوف‬
‫نشري إىل انتقاء لبعض الفئات األساسية من أصل ‪ 30‬فئة تقريب ًا متوفرة لالختيار‪:‬‬
‫يعيش المريض مراراً أنه‪:‬‬
‫‪ .1‬معجب باآلخرين بشكل خاص و يقدسهم (يقدسهم)‪.‬‬
‫‪) . ...( .2‬‬
‫‪) . ...( .3‬‬
‫‪ .4‬يعلم اآلخرين ويامرس الوصاية عليهم‪.‬‬
‫‪) . ...( .5‬‬
‫‪) . ...( .6‬‬
‫‪) . ...( .7‬‬
‫‪ .8‬يتهم اآلخرين ويشكوهم‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪) . ...( .9‬‬


‫‪) . ...( .10‬‬
‫‪) . ...( .11‬‬
‫‪ .12‬يصد اآلخرين‪.‬‬
‫‪) . ...( .13‬‬
‫‪) . ...( .14‬‬
‫‪) . ...( .15‬‬
‫‪ .16‬عنيد و معارض‪.‬‬
‫‪) . ...( .17‬‬
‫‪) . ...( .18‬‬
‫‪) . ...( .19‬‬
‫‪ .20‬يثق بنفسه بشكل خاص ويعتمد عىل نفسه‪.‬‬
‫‪) . ...( .21‬‬
‫‪) . ...( .22‬‬
‫‪) . ...( .23‬‬
‫‪ .24‬يائس ومستسلم‪.‬‬
‫‪) . ...( .25‬‬
‫‪) . ...( .26‬‬
‫‪) . ...( .27‬‬

‫‪121‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪) . ...( .28‬‬


‫‪ .29‬يلجأ للهروب‪.‬‬
‫ويتم تصنيف استجابة رشيك التفاعل طبق ًا لذلك‪.‬‬
‫يعيش اآلخرون أنفسهم والمريض مراراً بأنهم‪:‬‬
‫‪ .1‬معجبون به بشكل خاص و يقدسونه (يقدسونه)‪.‬‬
‫‪) . ...( .2‬‬
‫‪) . ...( .3‬‬
‫‪ .4‬يعلمونه و يامرسون الوصاية عليه‪.‬‬
‫‪) . ...( .5‬‬
‫‪) . ...( .6‬‬
‫‪) . ...( .7‬‬
‫‪ .8‬يتهمونه ويشكون‪.‬‬
‫‪) . ...( .9‬‬
‫‪) . ...( .10‬‬
‫‪) . ...( .11‬‬
‫‪ .12‬يصدونه‪.‬‬
‫‪) . ...( .13‬‬
‫‪) . ...( .14‬‬
‫‪) . ...( .15‬‬

‫‪122‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .16‬يعارضونه ويعاندونه‪.‬‬
‫‪) . ...( .17‬‬
‫‪) . ...( .18‬‬
‫‪) . ...( .19‬‬
‫‪ .20‬يثقون فيه و يعتمدون عليه‪.‬‬
‫‪) . ...( .21‬‬
‫‪) . ...( .22‬‬
‫‪) . ...( .23‬‬
‫‪ .24‬يستسلمون بيأس‬
‫‪) . ...( .25‬‬
‫‪) . ...( .26‬‬
‫‪) . ...( .27‬‬
‫‪ .28‬هيربون منه‪.‬‬

‫احملور ‪III‬من ‪ :OPD‬الصراع‬


‫يعني الرصاع ‪( Conflict‬يف الالتينية‪ :‬صدام) بمعناه العام التقاء جمموعة من‬
‫الوضعيات املختلفة داخل شخص ما (نزاع الدوافع والرغبات و القيم والتصورات) أو‬
‫بني عدة أشخاص‪ .‬و الرصاعات عبارة عن ظاهرة عامة‪ .‬و التحليل النفيس يف جوهره‬
‫هو علم نفس الرصاع‪ .‬ومنذ فرويد يتم يف التفكري السيكودينامي منح هذا الرصاع‬
‫الداخيل عند إنسان ما أمهية مركزية‪ .‬و الرصاعات السيكودينامية عبارة عن رصاعات‬
‫داخلية الشعورية وينبغي حتديدها أو فصلها عن الضغوط اخلارجية أو الضغوط‬

‫‪123‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املشحونة بالرصاع‪ .‬وقلام يتم اليوم التشكيك بأمهية الرصاعات النفسية الداخلية‬
‫الالشعورية بالنسبة لنشوء االضطرابات النفسية والنفسية اجلسدية‪ .‬ولكن حتى‬
‫الرصاعات الشعورية اخلارجية والداخلية يمكنها‪ ،‬إذا استمرت لفرتة طويلة كافية و‬
‫كانت كثيفة بالدرجة املناسبة‪ ،‬أن تقود لالضطرابات وتعمل هبذا املعنى عمل الشحنة‬
‫الرصاعية‪ .‬والرصاعات النفسية الداخلية الالشعورية هي صدامات نفسية داخلية‬
‫ملجموعة من الدوافع املوجهة ضد بعضها‪ ،‬من نحو الرغبة بالعناية أو االهتامم والرغبة‬
‫بأن يترصف املرء باستقاللية‪" .‬لو أين تركت نفيس كلية مع شخص ما‪ ،‬فسوف خييب‬
‫أميل خالل فرتة قد تطول أو تقرص‪ ،‬ولن أستطع عندئذ حتمل قلق االنفصال أو أمل‬
‫االنفصال الناجم عن هذا؛ هلذا السبب طورت إمكانية دفاع‪ ،‬بأال أترك العالقة بأي‬
‫شخص تتقوى أبد ًا بحيث يمكن أن ينشأ تعلق هبذه العالقة" )‪.(Mertens,1992;P. 113‬‬
‫ال زمني ًا التثبيت عىل‬
‫وتصف هذه الرصاعات "العصابية" الالشعورية املستمرة طوي ً‬
‫إما‪/‬أو غري صارم و قابل للحل‪ ،‬دون أن يتمكن املرء من الوصول إىل حل أو قرار‪.‬‬
‫باملقابل فإن الضغوط اخلارجية و الداخلية املشحونة بالرصاع الشعورية ومن حيث املبدأ‬
‫يسرية عىل التمثل واحلل‪ .‬ومن مثل هذا النوع من الرصاعات عىل سبيل الذكر‬
‫التناقضات التي تعد غري قابلة للحل ألسباب خارجية لرغبة سيدة ما للزواج و األرسة‬
‫و الرغبة املقابلة بالنجاح املهني‪ .‬وباملقابل تتصف الرصاعات السيكودينامية املستمرة‬
‫زمني ًا بنمط ثابت من خربة اإلنسان‪ .‬هذا اإلنسان يستجيب يف املواقف املطابقة دائ ًام‬
‫بنمط متشابه من السلوك‪ .‬ويرتبط وجود الرصاع الالشعوري املستمر زمني ًا برشوط‬
‫حمددة من بنية األنا‪ ،‬التي بدوهنا ال تكون مثل هذه العملية الرصاعية و عملية التمثل‬
‫ممكنة‪ .‬فإذا ما مل تكن هناك اضطرابات ينيوية واضحة لألنا ‪،ego-structural Disorders‬‬
‫فإن مثل هذا النوع من الرصاعات الشعورية ‪ conscious‬املستمرة زمني ًا ال يتجىل‪ .‬وعادة‬
‫ما تكفي أبسط الضغوط من أجل أن يقود األمر إىل صور االضطراب‪ .‬فالرصاع والبنية‬
‫يمثالن إذ ًا سلسلة إكامل‪.‬‬
‫تنمو الرصاعات عىل خلفية خربات عالقة مشحونة بالتوتر واخلالفات‪ ،‬أي دائ ًام‬

‫‪124‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫عىل خلفية أوضاع العالقات ‪ relationship modi‬املتكررة [األسلوب التي تتشكل فيها‬
‫طبيعة العالقة]‪ ،‬التي يمكن أن تصل إىل أوضاع مؤذية (انصدام‪ . )traumatize‬غري أنه‬
‫يبدو أنه ال يمكن برهان عواقب األذيات (االنصدامات ‪ )traumata‬عىل النمو إال عىل‬
‫شكل عجز بنيوي ‪ .structural Deficits‬وهبذا الشكل من الفهم يمثل الرصاع والبنية‬
‫قطب سلسلة إكامل إكلينيكية‪.‬‬
‫‪inductive‬‬ ‫وحيتاج التعرف عىل الرصاعات السيكودينامية إىل أسلوب استقرائي‬
‫واستنتاجي (استداليل ‪ .)deductive‬ويقصد باالستقراء هنا انطالق ًا من الظاهرة القابلة‬
‫للمقارنة ‪ ،‬انطالق ًا من سامت اخلربة و السلوك املتكررة‪ ،‬والتي يمكن تتبعها من خالل‬
‫جمرى مرض املريض و تارخيه الشخيص‪ .‬أما الستنتاج (االستدالل) فيقصد به هنا‬
‫الرجوع إىل املعرفة النظرية واإلمبرييقية التي تم حتقيقها حتى اآلن يف التحليل النفيس‪.‬‬
‫وتعريفات الرصاع التي تم عملها يف ‪ OPD‬ال تستند عىل الفرضيات التحليلية النفسية‬
‫النامئية النفسية التقليدية‪.‬‬
‫تقول إحدى الفرضيات األساسية للنظرية التحليلية النفسية التقليدية بأنه يف‬
‫املراحل احلساسة من النمو تتبلور تشكيالت حمددة من السلوك والطبع (جدول ‪.)3‬‬
‫وقد تم تصنيف مواضيع الرصاع التقليدية‪ ،‬من نحو الرصاع (الكفاح) من أجل‬
‫القرب والبعد‪ ،‬األمان و الرعاية أو السيطرة مقابل اخلضوع‪ .‬و كذلك موضوع الرصاع‬
‫األوديبي ضمن أطوار حمددة من النمو‪ .‬ويفرتض لتأثريات (تثبيتات ‪ )Fixations‬أطوار‬
‫النمو أن تتجىل يف بنية طبع مطابقة أو يف اضطراب مطابق‪ .‬إال أن البحث مل يتمكن حتى‬
‫اآلن من إجياد برهان عىل أنه توجد "مرحلة" يتم فيها تبلور تشكيالت حمددة من السلوك‬
‫والطبع‪ .‬ومن هنا ينبغي أن يتم التخيل عن "نموذج –التثبيت‪-‬النكوص ‪Fixation -‬‬
‫‪ "Regression-Model‬ليحل حمله نموذج النمو املستمر ‪(Schluesser & Bertl-‬‬
‫)‪ .Schluesser,1992‬و كانت آنا فرويد ‪ Anna Freud‬قد طرحت مثل هذا النموذج من‬
‫خالل فرضية النمو املستمر املرهق حتت تأثري مراحل النضج املحدودة زمني ًا بشكل‬
‫خاص‪" .‬وهبذا فإنه ال يمكن فهم نشوء املرض النفيس ‪ Psychopathology‬إال من‬

‫‪125‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪pathological Interaction musters‬‬ ‫خالل تراكم ‪ acculturation‬أنامط التفاعل املرضية‬


‫‪ ،‬التي يأخذ فيها املرء سلسلة التأثريات املتفاعلة بعني االعتبار" )‪.(Kaechele,1089‬‬
‫وقد تم جتنب استخدام املصطلحات التحليلية النفسية بقدر اإلمكان (من نحو‬
‫رصاع فمي أو رشجي عىل سبيل املثال) بسبب التخيل عن الفرضيات النفسية النامئية‬
‫والغموض اخلاص باملدارس‪ .‬ونموذج الرصاع الذي يستخدمه ‪ OPD‬كحجر أساس‬
‫له هو نموذج خربات التفاعل املشحونة بالرصاع إلنسان ما‪ ،‬ويمكن استخالص هذه‬
‫اخلربات بدء ًا من الظاهر (فينومينولوجيا ‪( )phenomenology1‬السطح) وانتها ًء بمعناها‬
‫الالشعوري‪.‬‬
‫ويتم توضيح عواقب الرصاعات املستمرة زمني ًا من الناحية اإلكلينيكية ‪:‬‬
‫‪1-1‬التعلق مقابل االستقالل‪.‬‬
‫‪2-1‬اخلضوع مقابل السيطرة‪.‬‬
‫‪3-1‬الرعاية مقابل االكتفاء الذايت ‪autarky‬‬

‫‪ 4-1‬رصاعات قيمة الذات (مفهوم الذات) (رصاع نرجيس‪ ،‬قيمة الذات مقابل قيمة‬
‫املوضوع)‬
‫‪5-1‬رصاعات األنا األعىل والذنب (ميول أنانية مقابل امليول االجتامعي ‪)prosocial‬‬
‫‪6-1‬رصاعات أوديبية‪-‬جنسية‬
‫‪7-1‬رصاعات اهلوية (اهلوية ‪ identity‬مقابل عدم االنسجام ‪.)dissonance‬‬
‫‪8-1‬غياب إدراك الرصاع واملشاعر‪.‬‬

‫‪ 1‬الفينومينولوجيا؛ علم الظاهرات‪« :‬أ» فرع من العلم يبحث يف وصف الظواهر وتصنيفها‪« .‬ب» الدراسة الفلسفية‬
‫لتطور العقل‪« .‬ج» الوصف العلمي للظاهرات الواقعية مع اجتناب كل تأويل أو رشح أو تقييم‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ويتم استخالص الرصاعات من الوصوفات اإلكلينيكية ألنامط اخلربة والسلوك‬


‫موجهة (مثال‪ :‬الغضب يف‬ ‫القابل لإلدراك‪ .‬وغالب ًا ما ترتبط الرصاعات مع انفعاالت ِّ‬
‫االعتالل النرجيس)‪ ،‬وغالب ًا ما ينبثق مبارشية الرصاع من خالل فهم النقل والنقل‬
‫املعاكس‪ .‬فالرصاعات تتجىل يف املجاالت احلياتية املهمة إلنسان ما‪ .‬ومن بني هذه‬
‫املجاالت اختيار الرشيك‪ ،‬وسلوك االرتباط واحلياة األرسية‪ ،‬جمال األرسة املصدر‪،‬‬
‫وجمال العمل و املهنة كله‪ ،‬وسلوك العالقة واملجال الثقايف االجتامعي املحيط وخربة‬
‫املرض‪ .‬ويمكن بناء فرضية الرصاع يف جلسة دراسة احلالة من خالل املادة البيوغرافية‬
‫ومن خالل املشهد (التصوير) ‪ ،scenic‬ومن خالل النقل والنقل املعاكس‪ .‬ويساعد‬
‫االسرتشاد باألنامط املتكررة من الرصاعات و السؤال عن مفهوم الذات (أي إنسان‬
‫أنت‪ ،‬فأنت تعرف نفسك منذ زمن؟)‪ .‬وتعد تلك الرصاعات التي متتلك أولوية بالنسبة‬
‫للمعاجلة العالجية ‪ therapeutically Treatment‬ذات أمهية عالجية‪.‬‬
‫وتكملة هلذه الرصاعات املستمرة زمني ًا تنشأ عىل خلفية الضغوط العنيفة املغرية‬
‫للحياة "ضغوطات احلياة اخلارجية املشحونة بالرصاع"‪ .‬وترتافق هذه الرصاعات‬
‫بعمليات متثل داخلية‪ ،‬غالب ًا ما تثري تنازع للمشاعر و تصورات وخربات –ولكن من‬
‫دون أن يتوفر رصاع الشعوري مستمر زمني ًا‪.‬‬

‫جدول (‪ :)3‬التصويرة النظرية ألطوار النمو والرصاعات و صور األمراض و بنى‬


‫الطبع التحليل نفسية‬
‫بنية الطبع‬ ‫صورة الرصاع‬ ‫جمال الرصاع‬ ‫طور النمو‬
‫فصاماين‬ ‫اضطراب بنيوي‬ ‫القرب‬ ‫الطور‬
‫‪Schizoid‬‬ ‫القصدي‬
‫‪intentional‬‬
‫‪Phases‬‬

‫‪127‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫(األشهر‬
‫األوىل)‬
‫مكتئب‬ ‫االكتئاب‬ ‫األمان و الرعاية‬ ‫الطور‬
‫الفمي‬
‫(الصفر‪-‬‬
‫‪ 18‬شهر)‬
‫قرسي‬ ‫السلطة‪ ،‬عصاب القهر‬ ‫النظام‪،‬‬ ‫الطور‬
‫الضبط‬ ‫الرشجي‬
‫(‪-1,5‬‬
‫‪2,5‬سنة)‬
‫هسترييا‬ ‫(التسليم) عصاب التحويل‬ ‫االندماج‬ ‫الطور‬
‫تنافسية‬ ‫اجلنيس‪،‬‬ ‫األوديبي‬
‫‪Rivality‬‬ ‫(‪ 3,5‬سنة‬
‫‪6-‬‬
‫سنوات)‬

‫احملور ‪ :IV‬البنية‬
‫تطلق تسمية البنية النفسية عىل ما يتميز به الفرد يف خربته وسلوكه‪ .‬وليس بالرضورة‬
‫أن تسرتشد عملية تقدير البنية باالضطرابات و إنام باالستعداد الكامن يف اإلنسان‬
‫لإلحساس والتفكري والترصف بطريقته اخلاصة‪ .‬وتدل البنية عىل األسلوب الشخيص‬
‫املستمر زمني ًا‪ ،‬إال أهنا ليست جامدة وغري قابلة للتعديل‪ ،‬وإنام تستمر عمليات النمو‬
‫طوال احلياة‪ .‬ومع ذلك فهناك ثبات مرتفع ‪ ،constancy‬بحيث يوجد تداخالت بينها‬

‫‪128‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وبني املفاهيم األخرى من نحو اهلوية ‪ identity‬والطبع ‪ Character‬و الشخصية‪ .‬ويف‬


‫التحليل النفيس ال يمكننا إجياد مفهوم موحد للبنية‪ .‬ففرويد استخدم نموذج ًا وصفي ًا‬
‫للبنية ‪( Topographical Structure Model‬تفاعل األنا و اهلو األنا األعىل)‪ .‬ويف البنية‬
‫العصابية تم حتديد بعض أبعاد الشخصية العصابية بشكل وصفي‪ :‬البنية الفصامانية‬
‫‪ schizoid‬أو االكتئابية أو القهرية أو اهلستريية‪ .‬ويمثل أساس هذا التقسيم نموذج‬
‫دافعي ًا‪-‬نظري ًا‪ ،‬يصف الظواهر املميزة لعواقب حوادث حمددة من الدافع و صد الدافع‪.‬‬
‫و هنا يوجد تداخل واسع مع الرصاعات الفصامانية أو القهرية أو اهلستريية أو االكتئابية‬
‫املعروضة أعاله‪.‬‬
‫إن تصور الرصاع الديناميكي و األذى النامئي البنيوي عبارة عن تصورات مكملة‬
‫لبعضها‪ .‬فكالمها وجهان لعملة واحدة‪ ،‬حلدث نامئي مركب‪ .‬فمن الناحية اإلكلينيكية‬
‫يتصف املرىض بعجز بنيوي نامئي و بالذات من خالل قصور يف جمال وظائف األنا‪،‬‬
‫وبشكل خاص حتمل القلق و ضبط الدافع ‪ ...‬الخ‪ .‬و قد كان وصف ما يسمى وظائف‬
‫األنا ‪ Ego-Functions‬حجر ًا مه ًام يف فهم طريقة وظيفة الشخص (جدول ‪.)4‬‬
‫ووظائف األنا هذه هي أساس لتوجيه الذات ومتثل الرصاع لدى مجيع الناس‪ .‬أما‬
‫عمليات الدفاع فهي عبارة عن إجراءات مواجهة الشعورية وحتقق الرشوط للمواجهة‬
‫مع الرصاعات الداخلية واخلارجية‪ .‬وبالتايل فإن آليات الدفاع عموم ًا ليست آليات غري‬
‫مالئمة‪ .‬بل أن االستخدام املرن آلليات الدفاع أمر مالئم‪ .‬وعىل عكس نموذج الرصاع‬
‫النامئي (القائل‪ :‬إن األعراض هي نتيجة للرصاع املتجدد) فإن العطب النامئي ينشأ نتيجة‬
‫للرشوط النامئية‪ ،‬التي مل متكن إنسان ما من خربة النضج الكايف وبناء عالقة موضوع‬
‫مستقرة‪ .‬ونقصد بعالقة املوضوع الكيفية التي يقيم فيها اإلنسان عالقة بمحيطه ونفسه‬
‫و بالناس اآلخرين (املوضوع ‪ =Object‬الرشيك املرجعي)‪ .‬وهبذا فإن املقصود كالنية‬
‫العالقة املتخيلة و املتجلية يف السلوك إلنسان ما‪ .‬أساسها منذ البداية هي حاجة إنسان‬
‫ما للعالقات املثمرة بني إنساني ًا‪ .‬وتتجىل اضطرابات هذا النمو يف إعطاب وظائف األنا‬
‫ومنظومات الذات ‪ .Ego-Functions and Self-Systems‬ويمكن تقسيم منظومة‬

‫‪129‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪sense of Self-esteem‬‬ ‫الذات يف تنظيمه إىل تقدير الذات (نرجسية تقدير الذات‬
‫‪ ) narcissism‬و منظومة هوية الذات ‪ .Self-Identity System‬وترتبط األوضاع اخلالية‬
‫من األعراض باإلحساس بالراحة و مشاعر األمان‪ .‬ويعد امتالك الثقة بالنفس ‪self-‬‬
‫‪ confidence‬واالعتامد عليها ‪ self-assurance‬والصورة املستقرة ‪ constant Image‬عن‬
‫املايض الشخيص الرشوط األساسية للصحة النفسية‪.‬‬
‫ويتبع التحديد (القياس) املحقق يف ‪ OPD‬للبنية مبدأ ديناميكي ًا نفسي ًا تكاملي ًا‪ ،‬إال‬
‫أنه يتخىل عن استخدام املفاهيم التحليلية النفسية املوروثة (وذات املعاين املتعددة عىل‬
‫األغلب) كام هو األمر يف جمال الرصاع‪ ،‬من أجل جعل قياس سلوك وخربة املريض‬
‫واملعالج يف املوقف التشخييص أقرب للمالحظة قدر اإلمكان‪ .‬ويتم اعتبار البنية‬
‫النفسية هنا عىل أهنا بنية الذات يف العالقة ‪.Structure of Ego in Relationship‬‬

‫جدول (‪ :)4‬وظائف خمتارة لألنا‬

‫القدرة عىل تقويم املثريات الداخلية واخلارجية بشكل مناسب‪.‬‬ ‫اختبار‬


‫الواقع‬
‫(اإلدراك)‬
‫اخلربة الداخلية املطابقة للعامل اخلارجي‪/‬الداخيل مع احلفاظ عىل حدود‬ ‫وعي‬
‫األنا‪.‬‬ ‫الواقع‬
‫(العامل‬
‫والذات)‬
‫القدرة عىل توجيه املشاعر والدوافع‪.‬‬ ‫ضبط‬
‫الدوافع‬

‫‪130‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫القدرة عىل إقامة االتصاالت‪ ،‬و احلفاظ عىل العالقات و بنائها بشكل‬ ‫القدرة‬
‫عىل عالقة متبادل‪.‬‬
‫املوضوع‬
‫االستخدام املالئم آلليات الدفاع‪.‬‬ ‫وظائف‬
‫دفاعية‬

‫ومن خالل الوظ ائف الستة األساسية املالحظة يمكن متييز أو حتديد البنية الكامنة‬
‫خلفها‪:‬‬
‫‪ .1‬القدرة عىل إدراك الذات‪.‬‬
‫‪ .2‬القدرة عىل توجيه الذات‪.‬‬
‫‪ .3‬القدرة عىل الدفاع‪.‬‬
‫‪ .4‬القدرة عىل إدراك املوضوع‪.‬‬
‫‪ .5‬القدرة عىل التواصل‪.‬‬
‫‪ .6‬القدرة عىل االرتباط‪.‬‬
‫ويتيح مقدار ونوعية القدرات أو االضطرابات الكامنة خلفها التمييز بني‬
‫مستويات خمتلفة من التكامل للبنية‪ :‬متكاملة بشكل جيد‪ ،‬ومتوسطة و ضئيلة و غري‬
‫متكاملة‪ .‬وهبذا فإنه من املمكن وصف متصل يتحرك بني األقطاب املتطرفة للبنية‬
‫الناضجة‪ ،‬السليمة حتى البنية الذهانية (جدول ‪.)5‬‬

‫‪131‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)5‬مستويات خمتلفة من تكامل البنية‬


‫الوظائف األساسية املنظمة لذات مستقلة‪ ،‬احلياة الداخلية‬ ‫بنية متكاملة بشكل جيد‬
‫منظمة (مبنية بشكل جيد) (الرصاعات ممكنة)‪.‬‬
‫اهلوية غري أكيدة و االمتالك للوظائف املنظمة منخفض‬ ‫بنية متكاملة بشكل معتدل‬
‫(انفجارات الدافع‪ ،‬دفاع صارم‪ ،‬تواصل مضطرب‪ ،‬صور‬
‫موضوع داخلية قليلة الثبات)‪.‬‬
‫هوية مشتتة ‪ Identity diffusion‬مع وظائف تنظيمية مقيدة‬ ‫بنية متكاملة بشكل ضئيل‬
‫بشدة‪/‬مفقودة‪.‬‬
‫ذوبان حدود الذات‪-‬املوضوع‬ ‫بنية غري متكاملة (ذهانية)‬

‫املقابلة التشخيصية يف إطار التشخيص السيكوديناميكي اإلجرائي‬

‫ال يمكن االستغناء عن املقابلة التشخيصية التفصيلية من أجل تقدير املحاور‬


‫اخلامسية املختلفة‪ .‬ويعد تقبل املدخل التحلييل النفساين و اخلربات يف تقنيات املقابلة‬
‫السيكودينامية األوىل و خربات كافية يف العالج والعالج الذايت رشوط ًا إلجراء مثل هذه‬
‫املقابلة‪ .‬ويقوم التشخيص عىل املادة املشهدية و اإلخبار اللفظي القابل للمالحظة‪.‬‬
‫وهكذا يتم اجلمع بني عنارص املقابلة التحليلية النفسية األوىل و دراسة احلالة العلم نفس‬
‫أعامقية البيوغرافية‪ .‬أما اخلط املوجه فهو حمدد عىل نحو املقابلة شبه املقننة‪ ،‬إذ ينبغي يف‬
‫البداية أن جتري اجللسة بشكل حر إىل مدى بعيد و يف أثناء املجرى التايل يمكن أن تنبثق‬
‫رضورة االطراد يف البنائية‪.‬‬

‫‪ .1‬المرحلة األولى (االفتتاح)‪:‬‬


‫هدف اجللسة واإلطار الزمني‪.‬‬
‫عرض الشكاوى‪.‬‬
‫األسئلة املفتوحة تعطي املريض احلرية‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫"مل نتحدث بعد عن اجلنسية" ‪.‬‬


‫ويمكن احلصول عىل اإلشارات األوىل حول خربة املرض و رشوط العالج‪.‬‬
‫وكذلك يتم هنا حتديد شدة درجة املرض السيكوسومايت وضغط املعاناة عند املريض‪.‬‬

‫‪ .2‬المرحلة الثانية (عروض العالقة)‬


‫يتم قياس (حتديد) العالقة باملقابل (الذي جيري املقابلة) يف عرضها املشهدي (طور‬
‫عالقة املعالج‪-‬املريض)‪ .‬ويلجأ القائم باملقابلة إىل الوصوفات الالحقة للعالقة األوىل‬
‫كدالالت و يسأل عن مواقف العالقة النمطية (األطوار ‪:)Episodes‬‬
‫"مل أفهم عالقتك بأمك بعد بشكل جيد‪ ،‬ربام يمكنك إعطائي مثال من مؤخر ًا"‪.‬‬

‫‪ .3‬المرحلة الثالثة (خبرة الذات و المجاالت المهمة من الحياة)‪:‬‬


‫كيف يرى املريض نفسه وسلوكه يف احلارض واملايض‪" .‬كيف ترى نفسك اليوم؟‬
‫كيف كنت يف السابق؟"‪.‬‬
‫وهنا ال يتم توضيح الفهم الراهن للنفس فحسب وإنام الرصاعات يف التعامل مع‬
‫اآلخرين و اهلوية الذاتية للفرد‪.‬‬

‫‪ .4‬المرحلة الرابعة (خبرة الموضوع و إدارة الحياة)‪:‬‬


‫هنا يتعلق األمر بالسؤال كيف يرى ويقدِّ ر املريض الناس اآلخرين يف هنا و اآلن و‬
‫هناك و يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪ .5‬المرحلة الخامسة (الدافعية للعالج و شروط المعالجة و القدرة‬


‫على االستبصار)‪:‬‬
‫يف هذا الطور البد من حتديد املشكلة الرئيسية للمريض وتنفيذ األفكار األوىل‬
‫املشرتكة مع املريض‪ .‬البد أن حيصل املريض عىل توجيه حول اإلجراءات الالحقة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫سنوضح هذا التشخيص متعدد املستويات لـ ‪ODP‬من خالل مثال‬


‫عيادي‪ .‬حرضت السيدة هناء لالستشارة العالجية النفسانية‪ .‬فهي تعاين منذ‬
‫سنوات كثرية بشكل يومي من إسهال و أوجاع بطن‪ .‬وقد بدأت األوجاع‬
‫منذ ازدياد الصعوبات الزوجية حدة‪ :‬لقد خاهنا زوجها مع نساء أخريات و‬
‫كان يشتمها باستمرار‪" :‬أنت حقرية سوف أحطمك"‪ .‬مل ترد إدراك مغامراته‬
‫النسائية‪ ،‬إال أهنا عانت بشدة من الشتائم‪ .‬وعندما تفاقم الوضع باطراد‪ ،‬إىل‬
‫درجة أن زوجها قذفها بأشياء‪ ،‬مل تعد قادرة عىل إنكار املوضوع وقامت‬
‫بسحب كفالة كبرية لرشكته‪ .‬ومنذ ذلك احلني أغرقها بسيل من الكره‪،‬‬
‫وانفصل عنها يف النهاية‪ .‬وبدأ وقت من املعاناة الرهيبة بالنسبة هلا‪ .‬ومل جتد‬
‫الشجاعة عىل تقديم طلب انفصال وطالق إال يف وقت الحق‪ .‬الزوج‬
‫ال حر ًا‪ .‬وقد قامت برتتيب كل األمور املالية له‪.‬‬
‫مهندس ناجح جد ًا يعمل عم ً‬
‫ترك االبن األكرب السكن منذ سنوات عدة و ال يستطيع تفهم ترصفات والده‬
‫أبد ًا‪ .‬تعرفت املريضة عىل زوجها أثناء فرتة دراسته‪ .‬كان يف نفس عمرها‪،‬‬
‫وتقدم خلطبتها ومنذ ذلك احلني نشأت "عالقة رعاية"‪ :‬إهنا هتتم به‪ ،‬مولته‬
‫مادي ًا أثناء الدراسة و كانت مستعدة دائ ًام لكل يشء‪ .‬وترصفت دائ ًام بشكل‬
‫متالئم وضحت بكل يشء يف سبيل األرسة و كانت أقرب لالنسحاب عند‬
‫وجود نزاعات أرسية‪ ،‬يف حني ازدادت عدوانية واندفاعية زوجها اطراد ًا‪ .‬مل‬
‫يشارك أبد ًا يف تربية األوالد و شعر أن ابنه منافس له يف الرعاية احلامية‪ .‬فهو‬

‫‪134‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الذي حيتاج للرعاية واالهتامم‪ ،‬وهي كانت املتربعة يف ذلك‪.‬‬

‫ويف أثناء اجللسة قدمت املريضة العالقة بني الشكاوى ووضعها احليايت‪،‬‬
‫إال أهنا حاولت يف الوقت نفسه التشكيك مرار ًا متسائلة فيام إذا كان هذا الدواء‬
‫أو تلك احلمية قد تفيد أو فيام إذا كان من املفرتض هلا أن جتري فحوصات طبية‬
‫أخرى‪ .‬لقد بدت غري واثقة‪ ،‬ومشحونة بالذنب‪ ،‬وصوالً حتى اهتام الذات‬
‫(أليس الذنب ذنبي يف فشل زواجي؟) و أثارت يف املقابلة مشاعر مثل "عىل‬
‫اإلنسان أن يتعامل معها برعاية‪ ،‬أن خيفف عنها الذنب"‪ .‬واملريضة تتحكم‬
‫بوضعها االجتامعي الراهن‪ ،‬ومن هنا فهو ال يشكل مشكلة‪.‬‬
‫وظهر من تاريخ احلالة ‪-‬كنمط تكراري ‪ -repetitive‬الطموح املستمر‬
‫لرعاية اآلخرين‪ ،‬من أجل احلفاظ عىل عالقة وثيقة‪ .‬ولكن من ناحية أخرى‬
‫توجد خماوف من عدم تلبية هذا السعي بالشكل األمثل‪ ،‬ومتيل إىل إحلاق‬
‫الذنب لذاهتا و الفشل‪ .‬بنيوي ًا أظهرت املريضة بنية جيدة التكامل‪ ،‬وأتاح‬
‫التشخيص اإلكلينيكي حسب اآلي يس دي‪-‬العارش ‪ICD-10‬بوضوح‬
‫تشخيص اضطراب وظيفي مستقل من الشكل اجلسدي للجهاز املعدي‬
‫‪ .gastrointestinal‬يمكن تصنيف طريقة العالقة‬ ‫)‪TractF(45. 32‬‬ ‫معوي‬
‫‪relationship‬عىل النحو التايل‪ :‬تشهد املريضة مرار ًا أهنا تساعد‬ ‫‪modus‬‬

‫اآلخرين بشكل خاص‪ ،‬ترعاهم و حتميهم‪ ،‬وتنسحب أو تقلل من تقديرها‬


‫لنفسها‪ ،‬ويشعر اآلخرون (اآلخر يف هذه احلالة هو زوجها) أن املريضة تطرح‬

‫‪135‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫مطالب وحاجات‪.‬‬
‫فإذا ما تتبعنا جذور نمط العالقة هذا و الرصاعات يف البيوغرافيا‪ ،‬فسوف‬
‫تتضح الصورة‪:‬‬
‫ولدت املريضة وترعرعت يف قرية صغرية‪ .‬عاد األب مكسور ًا ومريض ًا‬
‫من احلرب‪ .‬وكانت األم سيدة قوية حمبة للحياة‪ .‬أرادت طوال حياهتا أن‬
‫حتقق شيئ ًا‪ ،‬وكان عليها أن تعمل باستمرار‪ ،‬كي ترعى أرسهتا‪ .‬كانت املريضة‬
‫يف طفولتها أغلب الوقت مع جدهتا‪ .‬وتعتقد أن أمها التي كانت تدير حمالً‬
‫صغري ًا مل تكن متلك الوقت هلا و أهنا مل تكن ترغب برعاية ابنتها أص ً‬
‫ال ‪ .‬كانت‬
‫اجلدة مكتئبة بشدة‪ ،‬وتبكي كثري ًا ‪ .‬ولكنها كطفل مل تعرف أبد ًا ما "األمر"‪.‬‬
‫ال حمرتم ًا ومعترب ًا يف القرية‪ .‬وتم اعتقاله‬
‫كان اجلد من ناحية األم رشطي ًا‪ ،‬رج ً‬
‫من األمريكيني بعد احلرب‪ ،‬وكان عىل األرسة أن ختيل البيت التابع للرشطة‪.‬‬
‫عانت اجلدة من هذا املرض بشدة ‪ .‬وكان عىل املريضة أن تنام مع جدهتا يف‬
‫غرفتها ملدة سنة "لتدير باهلا" عليها‪ .‬كانت اجلدة تبكي كل ليلة تقريب ًا و‬
‫حاولت االنتحار مرار ًا‪ .‬وتم حث املريضة ثانية من اجلميع عىل االنتباه أكثر‬
‫عىل جدهتا‪ .‬ويف يوم من األيام علقت اجلدة نفسها يف خشب السقف‪ ،‬وكل‬
‫من يف القرية واسى األم‪ ،‬ولكن وال أي واحد منهم أحس كم عانت املريضة‬
‫من مشاعر الذنب بأهنا فشلت‪ .‬وجتدد هذا الذنب باستمرار عرب سنوات‬
‫طويلة يف إطار الزوجية‪ :‬تساءلت املريضة فيام إذا كانت قد تسببت بفشل‬
‫زواجها بسبب "قلة عطائها"‪ ،‬وما الذي كان عليها أن تفعله بشكل خمتلف‬

‫‪136‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫لتنقذ زواجها‪.‬‬
‫الرصاعات الحمددة للحياة ظهرت يف‪ :‬مشاعر ذنب األنا العليا‪ ،‬واجتاه‬
‫غريي ‪ altruistic‬عاشت فيه السيدة هناء نفسها بأهنا متربعة بالرعاية و حاملة‬
‫املسؤولية جتاه األرسة‪ .‬وكان شعار احلياة عندها‪ :‬أنا أفعل كل يشء لآلخرين‬
‫كي ال جيد أي واحد شيئ ًا ما يتهمني به‪ .‬ومل تستطع حتمل االنفصال الذي قام‬
‫به زوجها‪" ،‬ألنني أريد أن يكون اآلخرون حمتاجني يل"‪.‬‬
‫إشكالية الذنب تتجذر يف التاريخ املأساوي لألرسة‪ ،‬تم حتميلها فيه فوق‬
‫طاقتها كفتاة نامية وعاشت فيه انتحار اجلدة بأنه فشلها اخلاص‪ .‬وكل خرق‪،‬‬
‫كل خمالفة ضد امليول االجتامعية أثارت لدهيا مشاعر الذنب‪ .‬كام أهنا عاشت‬
‫فشل العالقة يف تأمالهتا دائ ًام عىل أنه فشلها الذايت وتكاد ال ترى اجلراح‬
‫الشديدة التي سببتها هلا األرسة‪ .‬يف إطار العالج القصري األمد تم حتديد كال‬
‫هذين املجالني من الرصاع و نمط العالقة البني شخصية كبؤرة عالجية‪ .‬و‬
‫تم حتقيق حتفيز إلعادة التوجه ومعاجلة النمط املشحون بالرصاع عىل خلفية‬
‫عالقة عالجية نفسية ثابتة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪138‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الفصل اخلامس‬

‫التشخيص العالجي السلوكي‬

‫‪St. Fliegel‬‬

‫مسات التشخيص العالجي السلوكي‬


‫يرتبط التشخيص والعالج يف األسلوب العالجي السلوكي مع بعضهام ارتباط ًا‬
‫وثيق ًا‪ .‬فمجرى العالج ال سلوكي هو عبارة عن عملية يتم فيها إثبات أو تصحيح بل‬
‫حتى دحض الفرضية املطروحة أثناء التشخيص‪.‬‬
‫وحيتل حتليل املشكلة مركز الصدارة يف العالج السلوكي‪ ،‬حيث يتم من خالله يف‬
‫البداية وصف العالقة بني رشوط املشكلة النفسية عىل شكل فرضيات‪ .‬ومن حتليل‬
‫املشكلة هذا يتم اشتقاق األهداف واخلطة العالجية‪.‬‬
‫‪Behavioral‬‬ ‫الحق ًا يتم تقويم التشخيص ذي التوجه العالجي السلوكي‬
‫‪therapeutic oriented Diagnostic‬فيام إذا كان يقدم معلومات رضورية قابلة‬
‫لالستخدام بالنسبة للقيام بتحليل للمشكلة والحق ًا الختيار وإجراء األساليب العالجية‬
‫السلوكية‪.‬‬
‫ومن أجل فهم التشخيص العالجي السلوكي البد من القيام بتوضيح املوقف مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫فوفق ًا للتصور العالجي السلوكي يتحدد السلوك اإلنساين من خالل تاريخ التعلم‬
‫الشخيص (وبشكل خاص االجتامعي) املايض و من خالل الرشوط املوقفية الراهنة و‬

‫‪139‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من خالل عواقب السلوك املعني‪ .‬والبد من حتديد تفاعل السلوك القابل للمالحظة‬
‫واالستعرافات و الدوافع و األطر االجتامعية بالنسبة لالستجابات اإلنسانية و احلكم يف‬
‫إطار التحليل العالجي السلوكي للمشكلة بداية عىل أساس السؤال حول ماهية‬
‫العوامل يف الوقت الراهن الكامنة خلف املشكلة و التي حتافظ عىل استمراريتها‪.‬‬
‫ومن وجهة النظر العالجية السلوكية فإن الشخصية اإلنسانية تعني "القدرة الكامنة‬
‫عىل االستجابة" ‪ ،potential Reaction ability‬أي االحتاملية التي يبدي فيها شخص ما‬
‫نزوعات سلوكية واستجابية ‪ .Behavioral-and Reaction Tendency‬وهذا يتعلق‬
‫بدرجة كبرية بطبيعة املوقف‪ .‬ومن هنا فإن التشخيص العالجي السلوكي يطمح من‬
‫خالل إجراءاته إىل املالحظة والتحديد املبارشين ألنامط االستجابات‪.‬‬
‫يتم تصنيف املبادئ العالجية السلوكية يف العادة بشكل أقرب ملبدأ العينات (عىل‬
‫عكس املبدأ العنقودي أو التجميعي)‪ .‬وهنا يفرتض أن أنامط السلوك التي يتم حتديدها‬
‫متثل عينة من سلوك الشخص‪ .‬وتتم بالنسبة للمشكلة املعنية حماولة حتديد أنامط‬
‫السلوك املميزة للشخص (من نحو أنامط السلوك اخلوافة يف املواقف املختلفة‪،‬‬
‫الترصفات القهرية‪ ،‬استجابات اهلرب من املواقف اجلنسية الضاغطة عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫ومن البدهيي أنه ليس بإمكان املعالج السلوكي حتديد كل استجابات القلق أو‬
‫االستجابات القهرية أو اجلنسية لشخص ما‪ .‬هلذا تتم حماولة تصميم املوقف التشخييص‬
‫بحيث يقدم املرىض هنا عينة من سلوكهم بشكل مثايل‪.‬‬
‫ففي املبدأ العالجي السلوكي إذ ًا يتم النظر الستجابات وأنامط سلوك املرىض عىل‬
‫أهنا جزء من الذخرية السلوكية وذخرية االستجابات ‪Behavior-and Reaction‬‬
‫‪repertoire‬وليس عىل أهنا دليل عىل االضطراب الكامن خلفها‪ .‬ومهمة املعالج هنا‬
‫تكمن يف التحديد الدقيق قدر اإلمكان لعينات من السلوك املشكل‪.‬‬
‫ويف حني تبحث األساليب التشخيصية ذات التوجه العلم نفس أعامقي البنى‬
‫الفرضية للشخصية‪ ،‬التي تفيد من جهتها يف التنبؤ بالسلوك الفعيل‪ ،‬فإن املبدأ التشخييص‬

‫‪140‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫السلوكي يتبع املالحظة املبارشة قدر اإلمكان ألنامط السلوك املعنية نفسها‪ .‬وهبذا ترتفع‬
‫موثوقية نوعية التنبؤ بالسلوك اإلنساين‪ ،‬فهنا ال يوجد إال القليل جد ًا من التفسري‪.‬‬

‫‪‬إال أنه البد من مالحظة أن الفروق بني التشخيص التقليدي‬


‫والتشخيص النظري السلوكي مل يعد واضح ًا و حمدد ًا بالشكل الذي كان فيه يف‬
‫ثامنينيات القرن العرشين‪ .‬فالتغريات يف املامرسة العالجية السلوكية قد قادت‬
‫إىل تغريات يف التشخيص العالجي السلوكي‪ .‬ومل تعد بعض الفروق األصلية‬
‫واضحة ذلك أن التشخيص القائم عىل أساس النظرية السلوكية مل يعد متجانس ًا‬
‫بشكل عام‪ ،‬ويستخدم أساليب من التشخيص "التقليدي"‪‬‬

‫العملية العالجية التشخيصية يف العالج السلوكي‬


‫يسري اإلجراء التشخييص يف العالج السلوكي بشكل أسايس وفق حتليل‬
‫األسباب‪/‬العوامل‪ ،‬املسامهة حالي ًا يف نشوء و استمرارية املشكالت السلوكية‪.‬‬
‫ويسرتشد العالج هنا بالتدخل العالجي‪-‬العميل ‪.practical-therapeutically Act‬‬
‫ويؤثر البحث عن املظاهر املهمة يف البيئة و السلوك و األفكار و اخلربة لدى املرىض يف‬
‫املجرى الالحق للعالج تأثري ًا مبارش ًا عىل اختيار الطرق واإلجراءات املناسبة التي يتم‬
‫اختيارها لتعديل الرشوط اإلشكالية املحافظة عىل استمرارية االضطراب‪.‬‬
‫ويمكن فهم اإلجراء التشخييص‪-‬العالجي بمعنى مبدأ حل املشكالت عىل النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫‪ .1‬وصف املشكلة‪ :‬ما هي املشكلة (اسم املشكلة)؟‬
‫‪ .2‬حتليل املشكلة‪ :‬ما هي األسباب الراهنة املحافظة عىل استمرارية املشكلة؟‬
‫‪ .3‬حتليل األهداف التي ينبغي حتقيقها‪ :‬ما الذي يفرتض إحداثه‪/‬حتقيقه من خالل‬
‫العالج؟‬

‫‪141‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ .4‬ختطيط األساليب العالجية التي ينبغي استخدامها من أجل حتقيق اهلدف‬


‫العالجي‪ :‬ما هي األساليب العالجية السلوكية التي ستستخدم عالجي ًا و بأي‬
‫تسلسل من أجل حتقيق األهداف العالجية؟‪.‬‬
‫‪ .5‬تنفيذ التدخالت العالجية‪.‬‬
‫‪ .6‬جتريب و تقويم اخلطوات املنجزة‪.‬‬
‫إال أن التشخيص العالجي السلوكي يتم بشكل خاص يف النقاط (‪ )1‬و (‪ )2‬و (‪)3‬‬
‫و (‪.)6‬‬
‫ففي طور وصف املشكلة يتم حتديد جماالت املشكلة ذات الصلة بالنسبة للتعديل‬
‫العالجي‪ .‬وتشكل البيانات التي يعطيها املريض أو شخص مرجعي أساس وصف‬
‫املشكلة‪ ،‬التي تسبب للمريض نفسه أو ملحيطه ضغط ًا باملعاناة‪ .‬ويتم حتديد ما هي‬
‫املشكالت التي تتطلب التعديل فيام يتعلق بتكرار ظهورها و شدهتا و مدهتا والظروف‬
‫التي تظهر ضمنها‪.‬‬
‫ويف حتليل املشكلة يتم وبناء عىل املعلومات املتوفرة صياغة فرضيات حول الظروف‬
‫االستعرافية والوظيفية و الدافعية و املنظومية ‪ ...‬الخ ذات األمهية بالنسبة الستمرارية‬
‫املشكلة ونشوئها املبكر‪.‬‬
‫ويعد الوصف الواضح للهدف (حتليل األهداف العالجية) رشط ًا رضوري ًا جد ًا‬
‫بالنسبة لالستخدام الفاعل للتدخالت العالجية‪ .‬وهنا البد من االنتباه بشكل خاص‬
‫إىل وجود تطابق بني أهداف املعالج واملريض‪ .‬فبعد فحص مشرتك لقابلية األهداف‬
‫للتحقيق يتبنى املعالج يف العادة أهداف املريض‪.‬‬
‫ويف ختطيط التعديالت يفرتض أن يتم من خالل التشخيص العالجي السلوكي‬
‫توضيح ما هي أكثر الوسائل العملية من أجل حتقيق التعديالت‪/‬األهداف املرغوبة لدى‬
‫وطبق ًا لتعريف املشكلة (حتليل املشكلة) و حتديد‬ ‫هذا املريض بالتحديد‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫األهداف(حتليل األهداف) البد من الوصول إىل حتديد أين يمكن استخدام التدخالت‬
‫العالجية و ما هي النقاط األساسية التي متتلك أكرب احتامل للنجاح فيام يتعلق باألهداف‬
‫العالجية‪.‬‬
‫وهنا يمكن للتدخالت عىل سبيل املثال أن تكون‪:‬‬
‫‪ -‬تعديالت يف الظروف املحيطية‪،‬‬
‫‪ -‬تعديالت ملستوى واحد أو عدة مستويات من السلوك املشكل (املستوى‬
‫االستعرايف‪ ،‬السلوكي‪ ،‬االنفعايل‪ ،‬احلركي‪ ،‬الفيزيولوجي)‪،‬‬
‫‪ -‬تعديالت للمواقف أو املعززات‪،‬‬
‫‪ -‬تعديالت توجيه الذات عند املريض (إدارة املريض لذاته)‪،‬‬
‫‪ -‬تغريات فيام يتعلق بأهداف األفعال‪ ،‬الربامج‪ ،‬التوقعات‪ ،‬التقويامت‪.‬‬
‫يف أثناء العالج السلوكي يعد الضبط (الفحص) املستمر للعالقة بني احلالة البدئية‬
‫و احلالة الراهنة مه ًام (قياس التعديل و تقويم التعديل)‪ .‬وتشكل نتائج هذا التشخيص‬
‫املرافق للعالج (أنظر مالحظة السلوك) أساس القرار فيام إذا كان يمكن إهناء العالج أم‬
‫سيستمر وفق اخلطة أم فيام إذا كان البد من إجراء تعديالت يف العملية‪ .‬فإذا مل تظهر يف‬
‫العملية العالجية السلوكية التأثريات املرغوبة فال بد من فحص مالئمة املجاالت اجلزئية‬
‫التالية باستخدام الطرق التشخيصية وتعديلها يف مقتىض احلال‪:‬‬
‫‪ -‬اختيار واستخدام طرق التأثري‪،‬‬
‫‪ -‬حتليل األهداف العالجية‪،‬‬
‫‪ -‬حتديد املشكلة و حتليها‪.‬‬
‫ويتضح من ذلك أنه يمكن اعتبار العملية التشخيصية العالجية كلها يف العالج‬
‫السلوكي عملية فحص و تغذية راجعة مستمرة‪ ،‬خيضع فيها اختيار املشكلة والفرضيات‬

‫‪143‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املبنية حول ظروف املشكلة و أهداف التعديل املحددة و طرق التدخل املنبثقة عن ذلك‬
‫للفحص والتعديل املستمرين‪.‬‬
‫كام تشكل إمكانات التعديل يف عملية التغذية الراجعة املذكورة مظهر ًا مه ًام للعالقة‬
‫العالجية‪ .‬فاملعالج يأخذ املرىض عىل حممل اجلد يف كل حلظة من العالج وذلك بالنظر‬
‫لقدراهتم و حالة إحساسهم الراهن‪ .‬إنه "يتم إحضارهم" من املكان "املوجودين فيه‬
‫اآلن" ‪ .‬فإذا ما كان هناك أجزاء حمددة من املشكلة أو رشوط حمافظة عليها أو رغبات‬
‫ألهداف أخرى مل تزل (بعد) غري معروفة للمريض‪ ،‬ألن املريض مل يفصح عنها بعد أو‬
‫يشعر بالثقة بعد فيمكن للمعالج أن يطمئن إىل أن املريض سوف خيرب أو يستشعر هذا‬
‫يف جمرى العالج بقدر كاف من الكفاءة املهنية واحلساسية‪ .‬وحسب التفكري السلوكي‬
‫العالجي ينبغي عدم النظر "لالضطرابات" يف جمرى العالج عىل أهنا "فشل" أو أخطاء‬
‫يف التخطيط أو مشكالت عالقة‪ ،‬وإنام كفرصة لإلكامل أو للتعديل بمعنى يف صورة‬
‫عملية عالجية تشخيصية‪ .‬وعىل شكل منحنى إرجاعي يمكن عندئذ (إعادة)‬
‫استحضار طور آخر يف نموذج العملية‪ .‬وأخري ًا تقود مثل هذه املنحنيات اإلرجاعية‬
‫التي يمكن أن تظهر مرار ًا يف جمرى العالج إىل رؤية وتعديل شاملني للمشكلة التي‬
‫أحرضها املريض أو حميطه أو لظروف املشكلة املصاغة‪.‬‬

‫‪‬ومن أجل توضيح التشخيص العالجي السلوكي سوف نقوم فيام ييل‬
‫بعرض أوسع لتحليل املشكلة بوصفه جوهر العالج السلوكي و األساليب‬
‫املستخدمة للحصول عىل املعلومات و التشخيص من أجل ضبط العالج‪.‬‬
‫وسيعقب ذلك عرض ملظاهر العالقة العالجية يف الطور التشخييص‪ .‬‬

‫‪144‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حتليل املشكلة –جوهر العالج السلوكي‬


‫يتعلق نشوء واستمرار مشكلة ما أو غياب أو منع السلوك املرغوب برشوط‬
‫(ظروف) حمددة‪ ،‬ينبغي حتليلها يف الطور التشخييص‪.‬‬
‫وحتليل املشكلة هو عبارة عن النتيجة النامجة عن استخدام الطرق التشخيصية‬
‫املختلفة (أنظر أدناه)‪ .‬ففي حتليل املشكلة يتم بداية وصف املشكلة النفسية و تقسيمها‬
‫يف مقتىض احلال إىل جماالت فرعية من املشكالت (‪ )1‬و ختام ًا يتم صياغة فرضيات حول‬
‫ماهية األسباب الراهنة املسؤولة عن وجود أو استمرارية املشكالت الراهنة (‪.)2‬‬
‫‪ .1‬ما هي املجاالت املهمة (ذات الصلة) من املشكالت بالنسبة للتعديل‬
‫العالجي؟‪ ،‬ما هي املشكالت التي يعاين منها املريض أو حميطه؟ ما هي‬
‫ال نظر ًا لتكرارها أو شدهتا أو مدهتا و الظروف التي‬
‫املشكالت التي تتطلب تعدي ً‬
‫تنشأ ضمنها؟‪.‬‬
‫‪ .2‬ما هي األسباب ذات الصلة اليوم للحفاظ عىل استمرارية املشكلة النفسية‪ ،‬ما‬
‫هي األسباب الكامنة خلف النشوء املبكر للمشكلة؟‬
‫وبام أنه يتم اشتقاق املكون املركزي للعالج السلوكي و أهداف العالج و اخلطة‬
‫العالجية و أساليب التعديل من حتليل املشكلة‪ ،‬فيفرتض للمعالج واملريض أن يأخذا‬
‫الوقت الكايف يف هذا اجلزء‪ .‬فكلام كان املريض أكثر قدرة عىل وصف مشكلته يف التفكري‬
‫العالجي السلوكي و أكثر قدرة عىل التعرف بشكل مستقل وباملساعدة العالجية عىل‬
‫العوامل املسؤولة عن وجود املشكلة وصياغتها‪ ،‬أمكن توقع حدوث استبصار أكرب‬
‫ودافعية أكثر بالنسبة للمجرى العالجي الالحق من جانب املريض‪.‬‬
‫يف التعاون العالجي عادة ما يتم القيام باإلجراء التايل عند القيام بتحليل املشكلة‪:‬‬
‫‪ -‬يتم تقسيم املشكلة الكلية ( من نحو اضطرابات العمل عىل سبيل املثال) إىل‬
‫مشكالت فرعية (عىل سبيل املثال‪ :‬االنخفاض يف الرتكيز‪ ،‬القلق من الفشل‪،‬‬

‫‪145‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫صعوبات الدخول يف النوم‪ ...‬الخ)‪.‬‬


‫‪ -‬بعد ذلك يتم فحص فيام إذا كانت ظروف حياة املريض تسمح بالتعديل و فيام‬
‫إذا كانت األهداف املرغوبة للمريض قابلة للتحقيق بناء عىل املعطيات‬
‫(الوقائع) اخلارجية أم صعبة التحقيق أو غري قابلة للتحقيق‪.‬‬

‫‪ ‬مثال‪ :‬يمكن للسلوك العدواين عند الطفل أن ينشأ نتيجة‬


‫فقدانه مشاعر األمان األرسي‪ .‬وحيتمل أال يتم التمكن من تعديل‬
‫السلوك العدواين هلذا الطفل دون وجود األمان‪ .‬أو يمكن للسلوك‬
‫االكتئايب لدى امرأة ما أن يكون استجابة مناسبة إىل مدى بعيد عىل‬
‫الوضع االقتصادي الصعب و احلالة االجتامعية امليؤوس منها‪.‬‬

‫‪ -‬يتم فحص األرضار اجلسدية والدماغية املمكنة ‪-‬حتى تلك التي ليست عىل‬
‫عالقة مبارشة باملشكالت النفسية‪ ،-‬والتي قد متنع أو تعيق حتقيق األهداف‬
‫العالجية (من نحو اضطرابات النوم املرتبطة عضوي ًا‪ ،‬أرضار الدماغ‪،‬‬
‫االستهالك املفرط للعقاقري‪ ،‬عواقب العمليات اجلراحية)‪.‬‬
‫‪ -‬من هنا يتم وصف املشكلة النفسية املنتظر تعديلها بشكل ملموس‪ :‬إذ يمكن‬
‫للمشكالت أن تظهر عىل شكل أنامط سلوك غري مناسبة (من نحو اإلفراط يف‬
‫تناول الكحول‪ ،‬استجابات القلق‪ ،‬اللجلجة‪ ،‬البكاء بمزاج اكتئايب)‪ .‬أم تظهر‬
‫املشكالت ألنه مل يظهر سلوك مهم مقبول ورضوري أو ال يمكن إظهاره أو ألنه‬
‫حمارص (مصدود) (من نحو إقامة اتصال‪ ،‬احلديث مع الرشيك حول‬
‫املشكالت‪ ،‬حفظ النصوص‪ ،‬حدوث انتصاب‪ ،‬الظهور بثقة)‪.‬‬
‫‪ -‬يتم وصف تطور املشكالت النفسية (املنشأ ‪ )Geneses‬واملساعي املتخذة حتى‬

‫‪146‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪Self-‬‬ ‫اآلن من أجل مواجهة املشكلة نفسها (إدارة الذات‪/‬ضبط الذات‬


‫‪.)management /Self control‬‬
‫‪ -‬بعد ذلك يتم فحص الظروف املحافظة عىل استمرارية املشكلة‪ ،‬عالوة عىل ذلك‬
‫يتم –وذلك حسب نوع املشكلة و كفاءة املعالج‪ -‬إجراء مداخل خمتلفة لتحليل‬
‫املشكلة‪ :‬التحليل الوظيفي ‪ ،‬التحليل االستعرايف‪ ،‬حتليل الدوافع‪ ،‬حتليل‬
‫التفاعل‪ ...‬الخ‪ .‬وسوف نقوم فيام ييل بوصف هذه األشكال من التحليل‬
‫بشكل خمترص‪.‬‬

‫التحليل الوظيفي‬
‫يشكل التحليل الوظيفي ‪ Functional Analyses‬أساس العالج السلوكي‬
‫التقليدي‪ .‬وهو يقوم عىل نظريات التعلم و يبحث العالقات بني تلك املتغريات القابلة‬
‫للقياس والتعديل املبارشين والتي هي عىل عالقة مبارشة بالسلوك املشكل‪.‬‬
‫والنقاط التالية تشكل أساس إنجاز التحليل الوظيفي للرشوط‪:‬‬
‫‪ -‬وصف السلوك األعرايض )‪،Symptomatically Behavior(R‬‬
‫‪ -‬حتديد الظروف املثرية السابقة والتالية )‪،(S and C‬‬
‫‪ -‬حتديد متغريات العضوية املهمة )‪ (O‬و إمكانات الضبط الذايت بالنسبة للسلوك‬
‫املشكل من خالل املريض )‪.(SC‬‬
‫فإذا ما تم اعتبار املشكلة عىل أهنا رد فعل استجايب ‪ ،respondent Reaction‬فال بد‬
‫من أن يكون قد حدثت عملية تعلم عىل شكل إرشاط تقليدي‪ .‬وهذا يعني أن احتامل‬
‫ظهور سلوك مشكل حمدد قد ازداد أو انخفض من خالل استجابات املحيط أو رشوط‬
‫التعزيز الذايت التي تعقب هذا السلوك (العواقب ‪)Consequences‬‬
‫‪symptomatic conditional model‬‬ ‫وبعد طرح النموذج اإلرشاط لألعراض‬
‫املتضمن الرشوط املحافظة عىل االستمرارية بالنسبة لالستجابة‪ ،‬يتم احلصول عىل‬

‫‪147‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫معلومات أخرى من أجل فهم اإلشكالية الراهنة من خالل وصف املنشأ العريض‬
‫‪ Symptom geneses‬والعالقة بني املجاالت املختلفة من األعراض‪.‬‬
‫‪Functional‬‬ ‫أما هدف التحليل الوظيفي فهو إجياد ماهي "النوعية الوظيفية‬
‫‪ "Quality‬التي حتتلها االستجابة )‪ ،(R‬إما يف سلوك استجايب ‪respondent Behavior‬‬
‫كمثريات منبهة )‪ producing Stimulus (S‬أو يف السلوك اإلجرائي كتعزيز إجيايب أو‬
‫سلبي )‪ ، (C‬أي أنه يتم طرح فرضية ‪ S-O-R-S-C-C‬مناسبة بالنسبة هلذا املريض‪ ،‬وطبق ًا‬
‫لذلك يتم التخطيط إلجراء تعديالت يف املثري ‪ S‬أو النتيجة ‪ ،C‬التي يكون تأثريها موجه ًا‬
‫عىل حتليل هدف تعديل تكرار ‪.R‬‬

‫‪ ‬طرح عدد من الباحثني يف السنوات األخرية جمموعة من النامذج‬


‫املوسعة لتحليل املشكلة‪ ،‬تأخذ بعني االعتبار التطورات والتوسيعات‬
‫املفاهيمية للعالج السلوكي يف السنوات اخلمسة عرشة األخرية‪ .‬ويتم الرتكيز‬
‫هنا عىل حتليل رشوط اإلطار و حتليل االستعرافات و حتليل الدافعية و أهداف‬
‫الترصف و حتليل العالقة‪ .‬‬

‫وتقدم التحليالت يف مقتىض احلال معلومات حول الظروف (املحافظة عىل‬


‫االستمرارية) للمشكلة (تشخيص الظروف)‪ ،‬و التي تتوفر طرق أو اسرتاتيجيات‬
‫عالجية من أجل تعديلها و التأثري عليها‪ .‬وهبذا فإن املشكلة التي يمكن عزوها إىل مثل‬
‫هذه الظروف تكون قابلة للحل من حيث املبدأ‪.‬‬

‫حتليل شروط اإلطار (الظروف احمليطة)‬

‫اهلدف هو حتديد كل الظروف اخلارجية املؤثرة عىل تكرار أو شدة أو مدة‬


‫املشكالت‪ .‬وهنا ليس املقصود حتديد الظروف التي "توجه" الظهور الراهن لسلوك‬

‫‪148‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املشكلة وقتي ًا و وظيفي ًا‪ ،‬وإنام املقصود الظروف املحيطية الدائمة التي يمكن أن تؤثر عىل‬
‫فرص نجاح العالج‪ .‬ومن بينها عىل سبيل املثال األمراض اجلسمية‪ ،‬الظروف املحيطية‬
‫املحفزة للضغوط و املرهقة‪.‬‬

‫حتليل االستعرافات‬
‫أسهم حتليل االستعرافات ‪ Cognition analyses‬يف تطور العالج السلوكي باجتاه‬
‫"العالج السلوكي االستعرايف"‪ .‬ويف هذا اإلجراء يتم حتليل األفكار و التصورات‬
‫(باملعنى األقرب للبنائي) التي حتفز املشكلة و حتافظ عىل استمراريتها‪.‬‬
‫‪ -‬االستعرافات املختلة الوظيفة‬
‫‪ -‬األفكار الالعقالنية‪.‬‬
‫‪ -‬غياب استعرافات املواجهة‪.‬‬
‫‪ -‬نقص املعلومات‪.‬‬
‫وعليه يمكن لألفكار حول املشكلة أن تكون خطأ أو مفرطة يف املبالغة أو أحادية‬
‫اجلانب (ضيقة الرؤية) و تستثري مشاعر غري مرغوبة و تص ِّعب السلوك املرغوب‪،‬‬
‫ويمكن أن لألفكار حول مواجهة املشكلة أن تغيب‪ ،‬أو يمكن أن توجد معارف خطأ أو‬
‫ثغرات يف املعارف املتعلقة باملواضيع و العالقات والتسبيبات‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫مثال‪" :‬لن أستطع إنجاز ذلك؛ فسوف يعود اخلوف ثانية"‪" ،‬كل ذلك‬ ‫‪‬‬
‫حيدث ألين لست نافع ًا"‪" ،‬ولدت ألرتكب األخطاء فقط"‪" ،‬يقود مثل‬
‫هذا النوع من ترسع القلب إىل الذبحة الصدرية"‪.‬‬
‫مثال حول وجود استعرافات املواجهة‪" :‬حتى عندما أشعر باخلوف فلن‬
‫أدع ذلك يثبطني‪ .‬لن حيدث يل يشء سأستمر‪ .‬‬

‫‪149‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫حتليل الدافعية‬
‫يف حتليل الدافعية يتم القياس التشخييص ألهداف الترصف و منظومات التقويم‬
‫عند املرىض‪ .‬وهنا يتم فحص إىل أي مدى األعراض رضورية من أجل الوصول إىل‬
‫حل للرصاع أو لدعم صورة الذات الراهنة أو للحامية من الضغوط األخرى الصعبة أو‬
‫املواجهات مع اآلخرين‪ .‬ويمكن القول بلهجة عامية بأن املريض "حيتاج" لألعراض‪،‬‬
‫حيتاج الكتساب املرض‪ .‬ويف بعض احلاالت الفردية قد يصيب "املكسب" (من أجل‬
‫التقاعد املبكر عىل سبيل املثال أو للحصول عىل تعويضات عن رضر ما)‪ .‬إال أننا عادة‬
‫ما نعيش احلامية من رصاعات األهداف ومن املواجهة مع الرصاعات و من فرط املطالب‬
‫أو احلامية من جتديد لصدمة ما ‪ traumatize‬بوصفها أكثر دافع متكرر للحفاظ عىل‬
‫استمرارية اإلشكالية‪ .‬ومن هنا يفرتض جتنب التعامل الساذج مع مفهوم "املكسب"‬
‫املريض‪.‬‬
‫ومن الدوافع املمكنة يمكن اإلشارة إىل‪:‬‬
‫‪ -‬إدراك غري واقعي للذات‪ ،‬املبالغة بالتقدير أو التهوين من الكفاءات السلوكية‬
‫الذاتية أو عواقب السلوك‪.‬‬
‫‪ -‬مطالب غري واقعية من السلوك الذايت‪ ،‬أهداف غري واقعية‪ ،‬ضخمة‪ ،‬مفرطة‬
‫التعميم‪ ،‬قناعات غري منطقية‪.‬‬
‫‪ -‬رصاعات األهداف‪.‬‬
‫‪ -‬جتنب الرصاع‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مثال‪ :‬يمكن للخوف من الركوب بالسيارة أن حيميه من "وساوس‬


‫حتطيم" زواجه‪.‬‬
‫يمكن لنوبات اهللع أن تتضمن إىل جانب احلفاظ عىل االستمرارية من‬
‫خالل التجنب و االستعرافات اإلشكالية احلامية من فرط املطالب النامجة عن‬
‫الضغوط املضاعفة يف احلياة اليومية و املهنة‬
‫يمكن لالكتئاب الذي يقود إىل أخذ إجازة مرضية أن حيمي من العدوانية‬
‫من خالل الزمالء‪.‬‬
‫االضطراب اجلنيس حيمي من املواجهة ومن جتدد معايشة االستغالل‬
‫اجلنيس (املكبوت اليوم)‪‬‬

‫حتليل العالقة‬
‫يف حتليل العالقة يمكن وكرشوط حمتملة للمشكالت النفسية استخالص‪:‬‬
‫‪ -‬القناعات االجتامعية خمتلة الوظيفة (املعطوبة) ‪ :Dysfunctional‬معايري اجلامعة‬
‫أو قواعدها‪ ،‬التي يمكن اعتبارها ال منطقية‪.‬‬
‫‪ -‬حمددات مجاعية غري ثابتة‪ :‬رصاعات مصالح وسلطة يف اجلامعات االجتامعية‬
‫املهمة‪.‬‬
‫‪ -‬غياب التواصل أو تواصالت مضطربة‪.‬‬

‫تصورات أخرى‬
‫ينظر حتليل املشكلة يف العملية العالجية لإلنسان عىل أنه موضوع مندمج يف حميطه‬
‫االجتامعي واملادي‪ .‬إنه قادر عىل متثل املعلومات و التفكري بترصفاته وتفسريها والتأثري‬
‫عليها بالشكل املناسب‪ .‬ويشمل مفهوم "السلوك ‪ "Behavior‬املستخدم يف هذا الشكل‬
‫من التحليل إىل جانب املظاهر االستعرافية واالنفعالية قواعد ‪ rules‬وبرامج ‪plan‬‬

‫‪151‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫اإلنسان و قواعد املنظومة االجتامعية التي يعيش فيها املريض‪.‬‬


‫ويقسم حتليل املشكلة املتمحور حول عملية حل املشكلة إىل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حتديد املشكلة‪،‬‬
‫‪ -‬حتليل وضع املشكلة مع مستوى السلوك يف املواقف‪ ،‬ومستوى القواعد‬
‫والربامج ومستوى قواعد املنظومة واالستنتاجات بالنسبة لتحليل اهلدف‬
‫وبرنامج التعديل‪.‬‬
‫‪ -‬حتليل اهلدف‪.‬‬
‫‪ -‬البحث عن بدائل احلل وتقييمها وتقويمها‪.‬‬
‫‪ -‬جتريب و تقويم مراحل التعديل‪.‬‬
‫وهيدف حتليل املشكلة الذي طوره غراوه و كاسرب )‪ (Grawe & Caspar‬إىل الربط‬
‫بني " مظهر الكفاءة من جهة‪ ،‬ومظاهر اهلدف أو احلاجة أو الدافعية من ناحية أخرى يف‬
‫نموذج موحد‪ .‬وتستند الفرضية اجلوهرية عىل أنه يمكن اعتبار مظاهر السلوك املتكررة‬
‫بانتظام وببعض االحتاملية وسيلة تستخدم أداتي ًا من أجل حتقيق أهداف بني إنسانية‬
‫مهمة"‬
‫وإىل جانب مصادر املعلومات املوصوفة يف الفصل الرابع بالنسبة للقيام بتحليل‬
‫املشكلة يمكن عند استخالص الربامج يف الطور التشخييص االستفادة من استجابات‬
‫اآلخرين عىل سلوك املريض أوالتقارير اللفظية للمريض أو تقارير اآلخرين حول‬
‫سلوكه خارج املوقف العالجي‪ .‬مهمة كذلك هي املشاعر و امليول السلوكية التي‬
‫يستثريها املريض يف املعالج‪.‬‬
‫وبمساعدة املعلومات املكتسبة يتم بداية طرح فرضية حول‪ :‬بأي وسيلة ومن أجل‬
‫أي غرض قد يكون السلوك املشكل‪ .‬وعىل خلفية بنية الربنامج يمكن‪:‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للتدخل العالجي‪ :‬مناقشة السؤال فيام إذا كانت املشكالت تنشأ ألن‬

‫‪152‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الوسيلة املستخدمة لتحقيق "أهداف واقعية للربنامج" غري مالئمة‪.‬‬


‫‪ -‬بالنسبة للطور البدئي من العالج‪ :‬يمكن ملعرفة برامج التفاعل عند املريض أن‬
‫تكون مفيدة لتنمية عالقة عالجية بناءة و مشحونة بالثقة‪.‬‬

‫أساليب احلصول على املعلومات (الطرق التشخيصية)‬


‫من بني الطرق التشخيصية اإلشارة إىل السرب ‪( Exploration‬املحادثة التشخيصية‬
‫أو اجللسة التشخيصية أو املقابلة التشخيصية [تسميات خمتلفة يف اللغة العربية])‬
‫واملالحظة و لعب األدوار و اختبار السلوك و الرسوم البيانية ‪ diagrams‬و دفاتر‬
‫املذكرات واالستبيانات و أساليب التشخيص الفيزيونفسية‪ .‬وتكمن وظيفة طرق‬
‫احلصول عىل املعلومات يف احلصول عىل املعلومات التي يمكن اعتبارها عينات ممثلة‬
‫للسلوك املشكل الكيل و ظروفه املحافظة عىل استمراريته‪.‬‬
‫وعادة ما يتم اختيار "إجراء متعدد الطرق ‪ ،"multi methodical procedures‬من‬
‫أجل حتقيق الصدق فيام يتعلق بالسلوك املشكل احلقيقي و ظروفه املحافظة عىل‬
‫استمراريته‪.‬‬
‫وسوف نقوم فيام ييل بوصف طرق تشخيصية خمتلفة للحصول عىل املعلومات‪.‬‬

‫‪Exploration‬‬ ‫السرب‬
‫يعد السرب أو االستقصاء أهم أسلوب تشخييص يف العالج السلوكي‪ ،‬وبشكل‬
‫خاص يف العمل مع املرىض الراشدين‪ :‬حيث يصف املريض مشكالته و اضطراباته‬
‫وحياول املعالج تنظيم هذه الوصوفات بحيث يمكن احلصول من هذه املعلومات حتلي ً‬
‫ال‬
‫للمشكلة‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ ‬يتم سرب مشكلة نفسية حمددة بشكل مبني ‪ structured‬من منظور‬


‫التحليل الذي ينبغي إنجازه للمشكلة و انتقاء أساليب عالج حمددة‪ .‬‬

‫ويتوفر للمعالج من خالل مضامني و حتليل املشكلة مواضيع و جماالت أسئلة‪ ،‬متثل‬
‫أساس جلسة السرب‪ .‬وحسب نوع اإلشكالية و الظروف الظاهرة املحافظة عىل‬
‫االستمرارية يتم تصميم اجللسة باجتاه واحد أو أكثر من إمكانات التحليل‪.‬‬

‫‪‬فاملسألة تتعلق يف السرب إذ ًا بجمع أكرب قدر من املعلومات ممكن حول‬


‫أكرب قدر من املجاالت احلياتية املمكنة للمريض‪ .‬واهلدف هنا هو التعرف‬
‫بشكل هادف و مبكر عىل الظروف املحافظة عىل االستمرارية ومغزى‬
‫اإلشكالية‪ .‬‬

‫وتستند املعلومات النامجة عن السرب يف جزء كبري منها عىل احلارض‪ ،‬أي عىل الوضع‬
‫احليايت الراهن أو عىل الظروف املحافظة عىل استمرارية املشكلة‪ .‬وتفيد املعلومات من‬
‫املنشأ ‪ ،genesis‬أي من تاريخ النمو عىل األغلب يف تأكيد اإلجابات الراهنة لتحليل‬
‫املشكلة‪ .‬كام يمكن أن تكون ذات أمهية من أجل إعطاء املريض صورة جديدة حول‬
‫إشكاليته وتطورها و الظروف املحافظة عىل استمراريتها‪ .‬ويف العالج النفساين‬
‫اخلارجي [دون اإلقامة] يستمر السرب الذي يفرتض ملضامينه أن تقود إلنجاز حتليل‬
‫املشكلة وأول حتليل للهدف‪ ،‬بني اجللسة الواحدة إىل الثالث جلسات عالجية حسب‬
‫نوع اإلشكالية‪.‬‬
‫وإىل جانب الوظائف التشخيصية املوصوفة أعاله يمتلك السرب وظيفة عالجية‬
‫وحتفيزية‪.‬‬
‫وتكمن هذه الوظيفة التحفيزية للسرب بشكل خاص يف‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬الشفافية‪ ،‬أي يف وضوح اإلجراء‪،‬‬


‫‪ -‬يف االستعداد الدائم للمعالج ملناقشة اإلجراء مع املريض وتركه يطرح األسئلة‪،‬‬
‫‪ -‬و يف توضيح الوجوه العالجية و املنهجية للعالج السلوكي للمريض‪.‬‬
‫ومن خالل هذا األسلوب يرتفع أمان املريض يف التعامل مع املعالج و املوقف‬
‫العالجي و اإلجراءات‪ .‬كام تصبح هنا الوظيفة العالجية للسرب فاعلة‪ :‬فالسرب قد جيعل‬
‫املريض ضمن ظروف معينة يرى مشكلته يف سياق خمتلف عام ألفه حتى اآلن وهبذا‬
‫يتمكن من اإلسهام يف التويل املبكر قدر اإلمكان ملسؤولية تعديل مشكلته وضبط الذات‪.‬‬
‫ويمكن هلذه الرؤية اجلديدة للمشكلة أن متثل بالنسبة للمريض خربة مهمة حافزة و ممهدة‬
‫للتعديل‪ ،‬إذا ما مل يعد يشعر بأنه مذنب شخصي ًا عىل سبيل املثال أو يشعر بأنه يتحمل‬
‫وحده املسؤولية عن مشكلته‪.‬‬

‫‪ ‬خالصة القول يمكن حتديد السامت التالية للسرب العالجي السلوكي‪:‬‬

‫‪ -‬إنه يسرتشد باهلدف ‪ goal oriented‬ومبني من منظور حتليل املشكلة املفرتض‬


‫إنجازه و اختيار أساليب معاجلة حمددة‪.‬‬
‫‪ -‬توجهه الفرضية‪ ،‬أي أنه يقوم بطرح فرضيات حول سياقات ظروف املشكلة‬
‫املمكنة‪.‬‬
‫‪ -‬يتم إجراؤه بشكل نصف معري‪ :‬يمثل فحص الفرضيات حول سياقات الظروف‬
‫املمكنة لالضطرابات النفسية األساس للجلسة‪.‬‬
‫‪ -‬يتم احلصول عىل املشكالت بشكل ملموس و مفصل‪.‬‬
‫‪ -‬يتم جتميع املعلومات يف صورة كلية متجانسة‪ ،‬حيث تصف نموذج ًا فرضي ًا‬
‫لالستمرارية الراهنة للمشكلة‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬يتم احلصول عىل املعلومات استناد ًا للحارض‪ .‬وتفيد املعلومات من تاريخ‬


‫الشخص واملشكلة عىل األغلب يف تأكيد النموذج الراهن لتحليل املشكلة‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك تعطي أقوال املريض غري اللفظية يف أثناء جلسة السرب دالئل تشخيصية‬
‫مهمة‪.‬‬
‫‪ -‬عادة ما يتم يف بداية جلسة السرب طرح أسئلة أقرب للمفتوحة ("أيمكنك‬
‫وصف مشاعرك االكتئابية بشكل أكثر دقة"؟)‪ .‬ويتم طرح أسئلة مغلقة عندما‬
‫يتعلق األمر بتوضيح ملسائل تفصيلية وعندما يعاين املريض من صعوبة مع‬
‫األسئلة املفتوحة أو عندما يبتعد كثري ًا عن املوضوع ("كم يكون عدد‬
‫األشخاص املوجودين يف الغرفة عندما تشعر باخلوف‪ ،‬عندما ال تعود قادر ًا عىل‬
‫نطق أي حرف"؟)‪.‬‬
‫‪ -‬يتم ختطيط السرب بدقة بمساعدة املعلومات املسبقة املتوفرة‪ .‬ويمكن للسرب‬
‫الواجب إجراءه يف البداية بشكل خاص أن يكون خط ًا موجه ًا إلعطاء داللة‬
‫عىل املجاالت التي يفرتض توضيحها‪.‬‬
‫يف العالج السلوكي يتم العمل عىل اخلربة الراهنة للمشكلة والترصف الراهن هلا‪.‬‬
‫وضمن الظروف املالئمة‪ ،‬جعل املشكلة التي ينبغي تشخيصها‪ ،‬قابلة للمالحظة والسرب‬
‫املبارشين‪ .‬وتسري اجللسة هنا بني السرب ألجزاء املشكلة املوصوفة من خالل الذكريات‬
‫و سرب ومالحظة وتقويم املشكالت أو تشكيالت املشكالت الراهنة التي تظهر أثناء‬
‫اجللسة بالتبادل‪ .‬وهذه تتجىل يف املشاعر واألفكار واالستجابات اجلسدية و السلوك‬
‫احلركي التي يستطيع املعالج مالحظتها أو استقصائها‪.‬‬
‫كام أنه من املفيد للمعالج أن يستثري رحلة ختيلية من أجل جعل املريض يعيش‬
‫موقف العالج الراهن‪ .‬ويف أثناء رحلة اخليال يستقيص املعالج استجابات ومشاعر‬
‫وأفكار املريض أو استجابات الناس اآلخرين يف مقتىض احلال‪.‬‬

‫مالحظة السلوك‬

‫‪156‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫"يعد مطلب التحديد الواضح قدر اإلمكان و املبارش للسلوك مطلب ًا أساسي ًا‬
‫للعالج السلوكي‪ .‬واهلدف ‪ . ...‬يكمن يف تعديل أنامط السلوك امللموسة‪ . ...‬أما‬
‫الطريقة التي تالئم هذا املطلب عىل الوجه األكمل فهي املالحظة املبارشة للسلوك‪ .‬إذ‬
‫حتى جمرد املالحظة احلرة غري املنهجية غالب ًا ما تقدم لنا يف العيادة معلومات يف غاية‬
‫األمهية قلام نستطيع احلصول عليها باألدوات التشخيصية األخرى" & ‪(Schulte‬‬
‫)‪.Kemmler‬‬
‫فاملالحظة املبارشة و املنهجية للسلوك هي الطريق املبارش للحصول عىل معلومات‬
‫مهمة يف عملية العالج النفساين‪.‬‬

‫‪( ‬للتذكري‪ :‬يف السرب حيصل املعالج عىل معلومات مهمة يتم اكتساهبا‬
‫من خالل املريض يف تقارير اسرتجاعية أو من خالل التقارير االسرتجاعية‬
‫لآلخرين [الطرف الثالث]‪ .‬‬

‫وتعد املالحظة املبارشة للمريض و أشخاصه املرجعيني يف املواقف اإلشكالية‬


‫املهمة إمكانية مهمة للحصول عىل املعلومات‪ .‬ويمكن هلذه املالحظة أن تتم يف مواقف‬
‫مصممة (كلعب األدوار عىل سبيل املثال) أو يف املحيط الطبيعي يف احلياة اليومية‪.‬‬
‫ويف حني تقدم املالحظة املبارشة يف البداية معلومات حول األحداث املتفرقة (من‬
‫نحو سامت خارجية حمددة للموقف‪ ،‬تفاعالت معينة‪ ،‬أنامط سلوك حمددة عىل سبيل‬
‫املثال) فإن املعالج حيصل من خالل املالحظة املنهجية للسلوك عىل معلومات ملموسة‬
‫حول مسائل أو ارتباطات فرضية (من نحو حول العواقب املحافظة عىل االستمرارية‪،‬‬
‫أو املواقف املثرية للمشكلة‪ ،‬أو حول تكرار مشكلة ما عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫ويشكل فهرسة أو تصميم جمرى املثري‪-‬االستجابة إىل وحدات منفردة املعرب من‬
‫ِ‬
‫املالحظ‬ ‫املالحظة احلرة للسلوك إىل املالحظة املنهجية‪ ،‬التي يتم حتديدها من الشخص‬
‫(املعالج) بشكل ملموس و تسجيلها بشكل ملموس قدر اإلمكان‪ .‬وكلام كان موضوع‬

‫‪157‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ذلك لعضو من أفراد‬ ‫املالحظة (املوقف‪ ،‬االستجابة‪ ،‬االستجابة التي تعقب‬


‫األرسة‪ ...‬الخ) حمدد ًا بشكل ملموس بدرجة كبرية كانت املالحظة أكثر موثوقية وأقل‬
‫أخطاء‪.‬‬

‫‪ ‬مثال‪ :‬قد يتم تفسري حتديد موضوع املالحظة "القلق" من أشخاص‬


‫قائمني باملالحظة خمتلفني بشكل خمتلف‪ ،‬وطبق ًا لذلك قد يتم تفسري أنامط‬
‫خمتلفة للمريض‪ .‬ومن هنا فإن أنامط السلوك التي ينبغي مالحظتها بشكل أكثر‬
‫حتديد ًا قد تكون‪ :‬اهلروب الرسيع‪ ،‬البقاء واقف ًا (يف مكانه)‪،‬نوبة تعرق االمحرار‪.‬‬
‫وقد تكون وحدات املالحظة هذه أكثر وضوح ًا وأكثر حتديد ًا (ملموسة بشكل‬
‫أكرب)‪ .‬ومن هنا فإنه من الرضوري عدم تسمية مظاهر عامة جد ًا متأثرة‬
‫بفرضيات وافرتاضات نظرية بوصفها وحدات مالحظة (من نحو سلوك‬
‫عدواين‪ ،‬اضطرابات الكالم‪ ،‬الشتم‪ ...‬الخ)‪ .‬‬

‫وهناك أساليب خمتلفة ملالحظات السلوك املنظومية‪ :‬ففي العينات‪-‬الزمنية ‪time-‬‬


‫‪ Sampling‬يتم يف جمرى فرتة مالحظة طويلة حتديد وحدات زمنية يتم فيها القيام‬
‫بمالحظة منهجية حلدث حمدد (من نحو األم ترصخ يف وجه الطفل عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫ويف عينة احلدث ‪ Event-Sampling‬يتم تسجيل املالحظة من خالل حدث حمدد‬
‫ِ‬
‫املالحظ إال إذا‬ ‫مضموني ًا (من نحو ينتف املريض شعره عىل سبيل املثال)‪ .‬ال يتحرك‬
‫ظهر احلدث املحدد ويسجل عندئذ املوقف املثري السابق أو السلوك الالحق لألشخاص‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫وإىل جانب تقنيات املالحظة املوصوفة أعاله البد من التمييز يف مالحظة السلوك‬
‫ِ‬
‫املالحظ (القائم باملالحظة) مشارك ًا (موجود ًا يف‬ ‫كذلك استناد ًا إىل حقيقة فيام إذا كان‬
‫داخل املوقف الذي تتم مالحظته)‪ ،‬أم فيام إذا كان يقوم بمالحظة بدون مشاركة (خلف‬
‫مرآة أحادية االجتاه عىل سبيل املثال)‪ .‬كام أنه البد من حتديد نوع الطرق التي سيتم فيها‬

‫‪158‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حتديد أو ترميز حمتويات املالحظة‪.‬‬


‫ولدى األطفال و بشكل خاص يف التفاعل ومع والدهيم أو لدى األطفال الذين‬
‫يعانون من أمراض طبية نفسية (يف العالج الرتقيدي عىل سبيل املثال) غالب ًا ما تكون‬
‫جلسة السرب قليلة الفاعلية بل غري قابلة للتنفيذ‪ .‬ومع هذه املجموعة اهلدف بالتحديد‬
‫أثبت العالج السلوكي فاعليته بشكل خاص يف إزالة العجز السلوكي أو يف تشكيل‬
‫السلوك يف احلياة اليومية االجتامعية واملهنية‪ .‬وبالتحديد يف مشكالت هذه املجموعة‬
‫اهلدف يمكن من خالل املالحظة املبارشة للسلوك احلصول عىل معلومات جيدة حول‬
‫أنامط السلوك املفرتض تعديلها أو تعزيزها أو بنائها‪.‬‬
‫يف املالحظة الذاتية‪ ،‬أي أن املريض يكون املترصف‪/‬املعايش واملالحظ يف شخص‬
‫واحد‪ ،‬يقوم املريض بتسجيل سامت املوقف و األجزاء السلوكية و االستجابات‬
‫االستعرافية واالنفعاالت و االستجابات الفيزيولوجية أو السلوك الالحق لألشخاص‬
‫اآلخرين ويقوم بعد املالحظة مبارشة قدر اإلمكان بتسجيل مالحظات‪ .‬وهذا عادة ما‬
‫يعطيه املعالج للمريض "كواجب منزيل" حيمله املريض معه من اجللسة العالجية‪.‬‬
‫وتتصف املالحظة الذاتية مقارنة بالتقارير الذاتية بأن املريض يقوم يف العادة يف أثناء‬
‫السرب يف التقارير الذاتية باحلديث عن أنامط السلوك و املواقف التي ترجع يف الغالب‬
‫لوقت أطول مىض أما يف املالحظة الذاتية فيتم الطلب من املرىض تسجيل مالحظتهم‬
‫مبارشة‪ .‬ومن خالل التسجيل املبارش عىل شكل خمططات أو مذكرات يومية (أنظر‬
‫أدناه) يتم التقليل من التشوهيات النامجة عن التفسريات الذاتية التالية للحدث‪.‬‬
‫وللمالحظة الذاتية ميزة أنه يمكن تنفيذها مبارشة عندما يظهر السلوك املشكل‪ .‬و‬
‫كذلك بشكل خاص يف املواقف التي يصعب مالحظتها من اآلخرين من نحو‬
‫التفاعالت اجلنسية عىل سبيل املثال‪ .‬ومن هنا فإن املالحظة الذاتية متثل أسلوب ًا‬
‫تشخيصي ًا فاعالً‪.‬‬
‫كام حتظى املالحظة الذاتية يف العالج السلوكي بأمهية كبرية من خالل املراعاة‬

‫‪159‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الشديدة للوجوه االستعرافية‪ .‬فاألفكار و التعابري الذاتية ‪ ...‬الخ –غالب ًا ما تكون‬


‫مظاهر مهمة بالنسبة الستمرارية االضطرابات النفسية‪ -‬ال يمكن مالحظتها وحتديدها‬
‫إال من املريض نفسه‪.‬‬
‫وحتظى كل من املالحظة الذاتية و التسجيالت الذاتية يف العالج السلوكي‬
‫باعتبارمها مصادر مهمة للمعلومات بأمهية يف العمل العالجي مع الراشدين أكرب من‬
‫املالحظة اخلارجية‪ .‬فإذا ما كان املرىض قادرين عىل املالحظة الذاتية فإنه يتم استخدامها‬
‫يف كل عالج سلوكي تقريب ًا‪.‬‬

‫اختبار السلوك‬
‫فيام يسمى باختبار السلوك تتم مالحظة السلوك املشكل مبارشة بأن يلجأ املريض‬
‫(بمرافقة املعالج أم بدونه) يف احلقيقة أو يف اخليال إىل املوقف املشكل أو احلرج الذي‬
‫يظهر فيه يف العادة سلوكه املشكل‪ .‬ويمكن هلذا املوقف أن يكون موقف ًا من مواقف‬
‫احلياة اليومية الواقعية أو عبارة عن موقف اجتامعي مصمم (لعب األدوار) وهو أمر‬
‫مالئم يف املشكالت االجتامعية‪ .‬ويمكن للمعالج أن يسأل املريض مبارشة يف مثل هذا‬
‫املوقف أو بعده عن الكيفية التي يظهر فيها السلوك املشكل يف املوقف املعطى و يستطيع‬
‫أن يسأل املريض بشكل هادف عن الوجوه الفكرية واملشاعرية و اجلسمية و احلركية‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك تتوفر للمعالج إمكانية مالحظة املريض يف املوقف املعني بشكل‬
‫مبارش‪.‬‬
‫وهبذا يتكامل اختبار السلوك مع السرب ومالحظة السلوك مع بعضها‪.‬‬
‫ويسا عد العمل التشخييص بالتصور أو التخيل إذا ما كان من الصعب يف العيادة‬
‫حتديد موقف حمدد وتنفيذه‪.‬‬
‫وحيتل ما يسمى امتحان التجنب مركز ًا مه ًام يف أساليب املالحظة العالجية‬
‫السلوكية وامتحانات السلوك‪ .‬وهنا تتم بشكل خاص مالحظة خماوف نوعية أو اقرتاب‬
‫املريض من مثريات ومواقف قلق حمددة‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ ‬مثال‪ :‬مثل هذه املواقف يمكن أن تكون‪ :‬اإلقامة مع أناس كثر يف غرفة‬
‫واحدة‪ ،‬التكلم مع الغرباء‪ ،‬االبتعاد عن سور اجلرس‪ ،‬قيادة السيارة يف شارع‬
‫مزدحم‪ ،‬الصعود إىل برج ما‪ ،‬االبتعاد عن منزل آمن‪.‬‬
‫كام يمكن أن يدفع املريض إىل تنفيذ تصورات قرسية حمددة (من نحو‬
‫طقوس الغسيل أو التدقيق عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫ويمكن المتحانات السلوك كمواقف لعب أدوار أن تكون‪ :‬يمثل‬
‫املريض مواقف اجتامعية مرهقة يف االمتحان‪ ،‬يف مكان العمل‪ ،‬يف التسوق‪ ،‬يف‬
‫إجراء االتصال‪ .‬و جيري هذا يف موقف آمن مع املعالج‪.‬‬
‫وهبذا يمكن جتديد مواقف و أنامط سلوك وتصبح قابلة للمالحظة‬
‫والوصف‪ .‬‬

‫وتكمن الطبيعة التشخيصية الختبارات السلوك هذه يف أن املريض يلجأ إىل‬


‫املواقف متوسطة اإلشكالية عىل أقىص تقدير و ال يترصف يف هذا غري ما يترصف يف‬
‫العادة‪ .‬ولكن بام أن املريض غالب ًا ما كان بتجنب بشدة مثل هذه املواقف املشكلة فإن‬
‫اختبارات السلوك هذه غالب ًا ما متتلك طبيعة عالجية تعديلية‪.‬‬
‫ويصعب بناء كثري من املواقف بشكل اصطناعي بسبب تعقيدها‪ .‬وكثري ًا ما توجد‬
‫قيود لألمهية نامجة عن أنه ليس بالرضورة لسلوك املريض يف املواقف "املصطنعة" أن‬
‫ال للسلوك املشكل حتت الرشوط الطبيعية‪ .‬كام أن وجود املعالج يدعم هذه‬ ‫يكون ممث ً‬
‫االصطناعية‪.‬‬
‫ومع ذلك فإنه ملا يسمى باختبارات السلوك أمهية كبرية يف التشخيص السلوكي‬
‫العالجي مع العلم أنه من النادر جد ًا أن يتم تنفيذها من املعالج واملريض مع بعضهام‬

‫‪161‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بسبب االستهالك الزمني و التنظيمي‪ .‬وكثري ًا ما يتم تنفيذ امتحانات السلوك هذه‬
‫"كواجبات منزلية" باالرتباط مع املالحظة الذاتية و وصف الذات‪.‬‬

‫لعب األدوار‬
‫يصعب يف كثري من احلاالت يف العيادة حتديد موقف معزول من أجل العملية‬
‫التشخيصية و من ثم حتقيق أن تصبح استجابة إشكالية ما مطابقة قابلة للتحديد‪ .‬وقد‬
‫أثبت القيام بلعب األدوار فاعليته‪ ،‬إىل جانب العمل مع التخيالت‪ ،‬أي بناء عينة‪-‬مشكلة‬
‫يف التخيل‪.‬‬
‫وبعد لعب األدوار من الطرق املعيارية يف العالج السلوكي وهو مفيد إذا ما أردنا‬
‫أن نجدد املواقف وأنامط السلوك و جعلها قابلة للمالحظة و الوصف‪.‬‬
‫وكام هو احلال يف متارين التخيل يمكن تنفيذ لعب األدوار يف أثناء جلسة السرب‪.‬‬
‫يف لعب األدوار يمكن للمريض أن يمثل شخصه هو أو دور شخص آخر يف حميطه‬
‫االجتامعي‪ .‬ويقوم املريض بإرشاد املعالج أو األشخاص اآلخرين إىل أدوارهم و‬
‫يلعبون اجلزء املعني اخلاص هبم‪.‬‬

‫االستبيانات‬
‫يمكن لالستبيانات املسرتشدة بالتصور العالجي السلوكي أن تقدم معلومات‬
‫إضافية من أجل إنجاز حتليل املشكلة (وظيفة استكشافية ‪.)Explorative Function‬‬
‫وغالب ًا ما يتم استخدام االستبيانات لضبط التأثريات العالجية (وظيفة ضابطة للعالج‬
‫أنظر أدناه)‪.‬‬

‫‪ ‬قلام يتيح التصور النظري ‪theoretical Conception‬لالستبيانات‪ ،‬التي‬


‫تقيس سامت الشخصية ترمجة إىل اللغة النظرية للعالج السلوكي‪ .‬إذا أن هدف‬
‫الدراسات التشخيصية يف العالج السلوكي ليس فهم سامت الشخصية الكامنة‬

‫‪162‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫خلفها وإنام التحديد‪/‬القياس املبارش للسلوك يف املواقف املختلفة أو املواقف‬


‫نفسها ‪ .‬‬

‫وتكمن الوظيفة االستكشافية لالستبيانات يف مجع املعلومات وتنظيمها ووضعها‬


‫يف سياق‪ ،‬ومن هذه الناحية فإنه من املمكن لتطوير املقاييس املالئمة أن يكون مفيد ًا يف‬
‫العالج السلوكي‪ .‬وهتدف األسئلة والبيانات يف االستبيانات العالجية السلوكية إىل‬
‫قياس املعلومات ذات الصلة بالنسبة لتحليل املشكلة و ختطيط العالج‪ .‬وعليه ليس‬
‫بالرضورة عىل سبيل املثال أن يتم السؤال يف اجللسة االستكشافية عن كل مواقف القلق‬
‫و التجنب‪ .‬فهنا يمكن لالستبيانات أن تتضمن جمموعة من املواقف تشمل عىل ظهور‬
‫القلق و شدته‪.‬‬
‫وقد تم تطوير عدد كبري من االستبيانات لقياس معلومات إضافية يف جماالت نوعية‬
‫من االضطراب‪ ،‬وبشكل خاص لقياس املخاوف (املخاوف االجتامعية واضطرابات‬
‫اهللع)‪ ،‬واالكتئابات واالضطرابات اجلنسية واملشكالت الزوجية واضطرابات القهر و‬
‫أفكار القهر‪.‬‬

‫الرسم البياني و املذكرات اليومية‬


‫عادة ما يتم استخدام هذه األساليب التشخيصية باعتبارها إمكانات مالحظة بني‬
‫اجللسات العالجية‪ .‬وهبذا يتعلم املرىض مالحظة سلوك (املشكلة) و املواقف‬
‫اإلشكالية و تكرار ظهور املشكالت و احلاالت املرافقة‪ .‬حيث يتم جعل الوقت بني‬
‫اجللسات‪ ،‬أي احلياة اليومية للمرىض‪ ،‬الذي تظهر فيه املشكالت يف العادة‪ ،‬مفيد ًا‪ .‬ومن‬
‫خالل هذا الواجب يتم إرشاد املرىض يف الوقت نفسه للسلوك الضابط للذات‪.‬‬
‫وغالب ًا ما يتم عمل الرسم التخطيطي عىل شكل منظومة إحداثية (عىل سبيل املثال‬
‫حمور‪ :‬للمحتويات‪ ،‬وحمور‪ :‬للتكرار)‪ ،‬و لكن هناك أيض ًا تصميامت أخرى‪ ،‬جوهرها هو‬

‫‪163‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫رسم التوزيعات التكرارية لعرض من األعراض خالل فرتة زمنية حمددة‪.‬‬


‫ويفرتض أن يتم رسم التخطيطات البيانية بشكل غري معقد و عىل املريض أن يعرف‬
‫بدقة ما هي األنامط السلوكية أو الظروف املوقفية التي عليه مالحظتها و كيف يرسمها‪.‬‬
‫كام يمكن يف أثناء العالج رسم ختطيط متواصل للتغريات واألحداث التي مل يكن‬
‫باستطاعة املعالج معرفتها بدون السؤال عنها (من نحو عدم فاعلية التعزيزات عىل سبيل‬
‫املثال)‪ .‬وبناء عىل مثل هذه املعلومات يمكن إعادة صياغة الفرضيات من جديد و إعادة‬
‫حتديد أهداف العالج وخطواته يف مقتىض احلال‪.‬‬
‫ومن خالل التقدم امللحوظ من خالل التخطيط يمكن رفع دافعية املريض‪.‬‬
‫ويمكن لوضع خطوط أو مالحظات أخرى عىل املخطط أن تكتسب نوعية معززات‬
‫ثانوية‪ ،‬متتلك ميزة املبارشية‪ .‬ومن هنا فإنه من املهم يف الرسم البياين إبراز املظاهر‬
‫اإلجيابية لتعديل السلوك‪.‬‬

‫‪‬مثال‪ :‬يمكن ملريض يعاين من خماوف متعددة أن يرسم خمطط ًا بيانيا‬


‫حول املواقف املقلقة و معززات القلق الظاهر هنا‪.‬‬
‫يمكن ملريض باضطرابات الطعام أن يسجل يف رسمه البياين موعد‬
‫الطعام ومدته و كميته‪.‬‬
‫يمكن تسجيل مواعيد ومدة تنفيذ متارين رياضية خاصة باملرىض‪ .‬ويف‬
‫جمرى العالج يمكن أن يتم تعليم تنفيذ الوقت املتفق عليه بوجوه ضاحكة‪،‬‬
‫وكل مخسة وجوه عىل سبيل املثال يمكن استبداهلا بالذهاب للسينام‪ .‬‬

‫األساليب الفيزيونفسية‬

‫‪164‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫تشكل األساليب الفيزيونفسية مستوى من ذخرية السلوك اإلنساين املعقدة‪.‬‬


‫وبشكل خاص عندما يتعلق األمر بأنامط سلوك أعراضية ذات شدة انفعالية عالية‪ ،‬من‬
‫نحو املخاوف الرهابية والقهر‪ ،‬فإنه يمكن استخدام القياسات الفيزيولوجية لتحديد‬
‫األعراض‪.‬‬
‫و للنتائج الفيزيولوجية ميزة أهنا تقدم معلومات موثوقة و قابلة للتسجيل املبارش‪،‬‬
‫والتي يمكن احلصول عليها باستمرار وتقويمها حول املجرى الكيل للعالج‪.‬‬
‫وتتطلب القياسات الفيزيولوجية تكاليف ًا أدواتية وتنظيمية مرتفعة إىل حد ما‪ ،‬إال‬
‫أهنا حتظى يف العالج السلوكي من خالل جماالت االستخدام يف االضطرابات النفسية‬
‫اجلسدية و املزمنة و العضوية أمهية مطردة‪ .‬وربام يمكن تفسري التحفظ عند قياس نصيب‬
‫االستجابات الفيزيولوجية من خالل االبتعاد العالجي النفيس عن املستويات‬
‫البيولوجية النفسية أيض ًا‪ .‬وتعد القياسات الفيزيولوجية يف مجيع الطرق التشخيصية‬
‫العالجية بأهنا مكلفة جد ًا‪ .‬ولألسف فإن استبعادها يمنع من احلصول عىل طريقة جتيل‬
‫مهمة لالستجابات اإلنسانية‪ .‬إال أنه البد من مراعاة أن تعزيز املالحظة و تسجيل‬
‫املظاهر الفيزيولوجية جيعل العالج النفساين بالنسبة للمرىض وللجمهور أكثر ارتباط ًا‬
‫باملجال الطبي‪.‬‬

‫‪ ‬يمكن بشكل مبارش حتديد أو استدالل اإلشارات الكهربائية باعتبارها‬


‫تغريات يف اجلهد يف خاليا عضالت القلب ‪ ،ECG1‬وتغريات يف اجلهد يف‬
‫العضالت ‪ ،EMG‬ونشاط اخلاليا العصبية ‪ EEG‬و مقاومة للجلد ‪ SRR‬أو‬
‫قابلية اجللد للتوصيل ‪.SCR‬‬

‫)‪،(EEG= Electroencephalogram) ،(EMG= Electromyogram) (ECG=Electrocardiogram‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪(SCR=Skin conditioned response) ،(SRR=Skin Reaction resistance‬‬

‫‪165‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫والتحوالت البيولوجية الزمة إذا ما كان علينا تسجيل التغريات‬


‫امليكانيكية‪ .‬ويتم حتويل الطاقة امليكانيكية إىل إشارات كهربائية‪ ،‬كام هو احلال‬
‫يف قياس إيقاع التنفس‪ ،‬ضغط الدم‪ ،‬حركات البطن‪ ،‬حركات العني‪ ،‬حرارة‬
‫اجللد‪ ،‬إيقاع النبض‪ ...‬الخ‪ .‬‬

‫ويعد إيقاع القلب و النبض و مقاومة اجللد‪/‬القابلية للتوصيل من أكثر املتغريات‬


‫الفيزيولوجية املقاسة‪ .‬فهي قابلة للتفسري املبارش‪ .‬وللتغريات احلاصلة يف القيم‬
‫الفيزيولوجية عند ظهور املوقف املشكل بشكل خاص أمهية تشخيصية‪ .‬إال أن‬
‫استخدام القياسات الفيزيولوجية يفرتض أن يتعلق يف كل األحوال بمدى الفائدة التي‬
‫حتققها للمريض (أو ربام للمسائل البحثية) و يف جمرى العالج‪.‬‬

‫‪ ‬مثال‪ :‬لتحديد التغريات يف الشقيقة يمكن أن يكون من املفيد قياس‬


‫حرارة اليد أو اجلبني‪.‬‬
‫يف الصداع التوتري يمكن لقياس اجلهد العضيل‪/‬االسرتخاء العضيل‬
‫املقاس من خالل خمططة اجلهد العضيل ‪ ،Electromyogram‬أن يكون حمك ًا‬
‫مه ًام‪.‬‬
‫يمكن أن يتم تسجيل التغريات يف ضغط الدم أو إيقاع القلب وكذلك‬
‫التغريات اهلرمونية كنواتج ممكنة للضغوط ‪ Stress‬‬

‫ولكن املهم هو أن نراعي أن املسألة ال تتعلق يف كل املتغريات الفيزيولوجية تقريب ًا‬


‫باستجابات نوعية وبأنه ال يمكن تصنيف تغرياهتا ضمن موقف نوعي أو حمك نوعي‪.‬‬
‫ومن هنا فإن قياس تغريات االستجابات الفيزيولوجية يسبب صعوبات كبرية عند‬
‫التفسري أثناء القيام بعمل حتليل للمشكلة‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫التشخيص العالجي السلوكي من أجل ضبط العالج‬


‫يعد الضبط املستمر لتأثريات تدخالت تشخيصية وعالجية حمددة عىل سلوك‬
‫املريض و حميطه خاصية مهمة يف العملية العالجية السلوكية‪ .‬ويمكن النظر لضبط‬
‫التغريات املحدثة من خالل العالج من خالل منظورين اثنني‪ :‬األول من منظور الباحثني‬
‫اإلمبرييقيني و الثاين من منظور املامرس العالجي‪.‬‬

‫من منظور البحث‬


‫من املهم بالنسبة للبحث حتديد فيام إذا كان باإلمكان عزو التعديل احلاصل يف‬
‫السلوك لدى مريض ما إىل تدخل عالجي حمدد‪ ،‬واملدى الذي حيدث فيه ذلك‪ .‬إال أن‬
‫هذا الربهان –لو أخذنا هذا برصامة‪ -‬ال يمكن حتقيقه‪ ،‬ذلك أن جتربة مصممة و منفذة‬
‫بدقة كبريتني ال جتيز لنا ألسباب منهجية سوى استبعاد إمكانات حمددة بديلة والتي نشك‬
‫يف أن تكون سبب ًا للتعديل العالجي‪.‬‬
‫وهبذا فإن أبحاث العالج واقعة يف مأزق رغبتها يف تصوير احلدث العالجي بدقة‬
‫كبرية قدر اإلمكان وشامل‪ ،‬إال أن العالج هو موقف معقد بعدد كبري من قيم التأثري‬
‫(املتغريات) الفاعلة املمكنة‪ ،‬بحيث أنه ال يمكن حتقيق استنتاج ما إال ضمن رشوط‬
‫مضبوطة بشكل كبري (تقييد املتغريات)‪ .‬ولكن بام أنه ال يمكن عىل اإلطالق حتديد كل‬
‫الوجوه عىل اإلطالق (من نحو سامت املريض‪ ،‬املعالج‪ ،‬االضطرابات النفسية‪ ،‬اإلجراء‬
‫العالجي‪ ،‬األطر‪ ،‬التغريات)‪ ،‬فإنه ال يمكن إطالق حكم هنائي عىل فاعلية عالج كامل‬
‫وخصائصه املؤثرة‪.‬‬
‫ومن أجل التمكن من التقدير طويل املدى لقابلية تدخل عالجي ما للتعميم‬
‫واستمراريته استناد ًا إىل االستجابات واملواقف‪ ...‬الخ فإنه البد من إجراء تشخيص‬
‫متعدد وحتى بعد هناية العالج‪ .‬و ينطبق هذا بشكل خاص عىل ما يسمى باألساليب‬
‫املعيارية لتعديل السلوك و املشكلة‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من منظور املمارسة‬


‫من النادر أن يتم يف املامرسة العملية اليومية استخدام األساليب املكلفة للحصول‬
‫عىل البيانات و الربهان اإلحصائي‪ .‬فالرتكيز يف املامرسة امليدانية يكمن يف االستخدام‬
‫اهلادف للتدخالت التي برهنت فاعليتها العالجية مع املرىض‪.‬‬
‫ومن هنا فإن النجاح أو ضبط العالج يف العملية التشخيصية العالجية ُيعنري‬
‫بالدرجة‪ ،‬أي بالتقدير‪/‬بالقياس املستمر للتعديالت السلوكية و تعديالت املشكلة عند‬
‫املريض باعتبارها استجابات عىل التدخالت العالجية‪.‬‬
‫ويفيد الفحص اإلحصائي‪ ،‬يف صورة ضبط املجرى واملعاجلني كمساعدة يف اختاذ‬
‫القرار يف التخطيط للخطوات العالجية التالية وتنفيذها ويعطي املريض إمكانية متابعة‬
‫(إرجاع) مقاربة سلوكه اخلاص مع األهداف العالجية الشخصية املرجوة‪.‬‬
‫وعىل أساس هذا التشخيص املرافق للعالج (ضبط املجرى) يقرر املعالج عىل سبيل‬
‫املثال‪:‬‬
‫‪ -‬كيف يبدو املستوى الراهن لإلشكالية‪،‬‬
‫‪ -‬ما هي املجاالت‪/‬املواقف التي تظهر فيها التعديالت‪.‬‬
‫‪ -‬كم مدى وضوح التعديالت‪.‬‬
‫وفيام خيص ضبط النجاح الذي يتكون يف العادة من قياس قبيل وقياس بعدي‬
‫وقياس الحق ثان يف مقتىض احلال (تتبع بعد سنة عىل سبيل املثال‪ ،)Follow-up‬يمكن‬
‫للمعالج واملريض فحص نجاح جمرى العالج ككل بعد مرور فرتة زمنية مناسبة‪.‬‬

‫طرق ضبط العالج‬


‫يتطلب قياس التغريات يف العادة فحصني للبيانات عىل األقل يف البداية وبعد إهناء‬
‫العالج (قياس النجاح)‪ .‬ويمكن للقياسات البينية أن تفيد يف احلصول عىل معلومات‬

‫‪168‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حول الكيفية التي سارت هبا العملية العالجية حتى اآلن و أين املستوى يف اللحظة‬
‫الراهنة بالنظر للهدف املتوقع الوصول إليه (قياس العملية أو املجرى ‪Process-‬‬
‫‪.)measurement or Progress-measurement-progress‬‬
‫ويف ضبط العالج البد من اختاذ قرارات حول موعد احلصول عىل املعلومات‬
‫وشكل احلصول ومصادر املعلومات‪.‬‬
‫وقد تم وصف ونقاش مصادر املعلومات وفائدهتا عند مناقشة األساليب‬
‫التشخيصية‪ ،‬ونشري إليها هنا مرة أخرى باختصار من منظور ضبط العالج وفق را ألمهيتها‬
‫التخصصية‪:‬‬
‫االستبيانات‪ :‬يمكن استخدامها للمظاهر املنفردة للتغريات متعددة األبعاد املمكنة‬
‫(من نحو املعايشة الذاتية‪ ،‬البنى االستعرافية‪ ،‬رشوط السلوك عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫املخططات البيانية‪ :‬ويتم بمساعدهتا الضبط النوعي الدقيق للتغريات املهمة يف‬
‫سلوك املشكلة أو يف السلوك البديل املرغوب أو يف تكرار مواقف املشكلة‪.‬‬
‫مالحظة السلوك‪ ،‬جتريب السلوك‪ ،‬امتحان السلوك‪ :‬يف مالحظة السلوك تتم‬
‫مالحظة السلوك املشكل بشكل مبارش‪ ،‬حيث تتم يف العادة مالحظة منهجية ملجال‬
‫مشكلة حمددة‪ ،‬قبل ويف أثناء وبعد العالج‪ .‬وتعد امتحانات السلوك بالنسبة للمعاجلني‬
‫ِ‬
‫مساعدات مهمة يف اختاذ القرار بالنسبة للتخطيطات الالحقة للعالج و للمرىض بالنسبة‬
‫للتغذية الراجعة حول خطوات التعلم و الصعوبات التي ماتزال قائمة‪.‬‬
‫السرب‪ :‬يعد السرب ‪ exploration‬يف املامرسة العملية الشكل األكثر استخدام ًا لضبط‬
‫العالج‪ .‬فسؤال املريض يعطي معلومة حول التغريات املسجلة لسلوك املشكلة‬
‫‪problem behavior‬و حول االنطباعات الشخصية لنجاح العالج‪ .‬ويستطيع املعالج‬
‫مقارنة تقديراته الشخصية حول التغريات العالجية مع تلك التي للمريض‪.‬‬
‫ويتطلب الضبط املستمر و املؤسس جيد ًا للعالج من املريض مقدار ًا عالي ًا من‬

‫‪169‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫التعاون و من املعالج وقت ًا مالئ ًام من أجل توثيق وتقويم املعلومات املكتسبة‪ .‬إال أنه ال‬
‫يمكن حتقيق التربير بالنسبة للترصف العالجي إال من خالل شكل شفاف من التوثيق‪.‬‬
‫وحيتل ضبط فاعلية العالج يف العالج السلوكي يف العادة مركز ًا أكرب وأكثر أمهية‬
‫مما هو األمر يف األشكال العالجية األخرى‪ .‬ويكمن سبب هذا يف بنيوية ‪structuralism‬‬
‫العالج السلوكي من جهة ومن جهة أخرى يف مطلب العمل بشكل مضبوط منهجي ًا و‬
‫علمي ًا‪.‬‬

‫العالقة العالجية يف العملية التشخيصية‬


‫يكمن هدف العالج منذ البداية وحتى هنايته يف مزيد من االستقاللية و تويل‬
‫املسؤولية و املساعدة الذاتية للمريض‪.‬‬
‫وتعد بداية العالج‪ ،‬التي يتم يف أثنائها تصميم األدوار و بناء العالقة العالجية‪ ،‬أهم‬
‫مرحلة بالنسبة للمجرى الالحق من العالج‪ .‬وهنا فإن بناء العالقة املشحونة بالثقة‬
‫املتحررة من القلق هو أمر جوهري‪ .‬ويف الوقت نفسه ال بد االتفاق عىل قبول عالقة‬
‫العمل‪.‬‬
‫و حتتل القدرة عىل بناء العالقة الدرجة نفسها من األمهية مع كفاءة التمكن من‬
‫استخدام الطرق التشخيصية لعمل حتليل املشكلة‪.‬‬
‫وتعد الشفافية جزء من العالقة العالجية "الطيبة" يف الطور األول من العالج‪.‬‬
‫فكلام أصبحت العملية العالجية شفافة بالنسبة للمريض يف وقت أبكر‪ ،‬كان توفر‬
‫التصور املشرتك لوضع املشكلة و األهداف املقبولة بشكل مشرتك أرسع و كان املرىض‬
‫أكثر استعداد ًا لتقبل اسرتاتيجيات عالجية ملموسة و التعاون بشكل فاعل‪ .‬ويمكن‬
‫وصف دور املعالج املهم بالنسبة للعالقة يف املرحلة البدئية بأنه فاعل ومشارك و خمفض‬
‫للقلق و مشجع بشفافية و مزيل لسوء الفهم و منمي للكفاءات واملهارات اإلجيابية‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪‬حسب كانفر وغريم ‪ ،Kanfer & Grimm‬تتجىل يف الطور األول من‬


‫العالج األهداف التالية‪ ،‬التي ترتبط بالتزام وثيق مع بناء العالقة العالجية‪.‬‬
‫الطور ‪ :1‬تصميم األدوار وبناء العالقة‪.‬‬
‫األهداف‪ :‬تسهيل تبني دور املريض؛ بناء عالقة عمل؛ تسهيل الدافعية‬
‫للعمل مع املعالج‪.‬‬
‫الطور ‪ :2‬تنمية التزام ذايت للتعديل‪.‬‬
‫األهداف‪ :‬حفز املريض عىل التفكري بالعواقب اإلجيابية للتعديل؛ تنشيط‬
‫املريض لتعديل الوضع الراهن ‪status quo‬؛ هتديم اإلرباك أو التشويش‬
‫‪.demoralize‬‬
‫الطور ‪ :3‬حتليل املشكلة‬
‫األهداف‪ :‬إعادة تصميم رؤية املشكلة عند املريض؛ حتديد الظروف التي‬
‫حتافظ عىل استمرارية املشكلة؛ حفز املريض نحو أهداف تعديل نوعية‪ .‬‬

‫‪171‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪172‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الفصل السادس‬

‫التشخيص باالختبارات يف العالج النفساني‬

‫‪J. Schumancher & E. Braehler‬‬

‫حول مفهوم االختبارات‬


‫أصبح مفهوم "االختبار ‪ "Test‬اليوم من أكثر الكلامت املحببة االستخدام يف احلياة‬
‫اليومية‪ .‬فهذا منتج جديد يف السوق يتم اختباره‪ ،‬و هذه رشكة للسيارات ختترب سياراهتا‬
‫يف ظروف االصطدام‪ ،‬ويف الرياضة يتم إجراء مباراة ودية كاختبار للتصفيات النهاية‪...‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫أما يف علم النفس فيتم استخدام مفهوم االختبار بشكل خاص يف معان ثالثة‪:‬‬
‫‪ .1‬بمعنى دراسة حتمل خصائص العينة‪.‬‬
‫‪ .2‬بمعنى أساليب االختبار الريايض اإلحصائي‪.‬‬
‫‪ .3‬بمعنى أساليب االختبار التشخييص النفيس املعري‪.‬‬
‫وفيام ييل سوف نعالج بشكل أقرب موضوع االختبار يف معناه كأسلوب اختبار‬
‫تشخييص نفيس معري‪ .‬وحسب التصور املصمم يف هذا الكتاب يفرتض هنا أن حيتل‬
‫استخدام التشخيص باالختبارات يف إطار العالج النفساين حمور هذا الفصل‪ .‬وبناء عىل‬
‫املساحة املحدودة و تصنيفه ضمن كتاب ذو توجه عميل فسوف تتعرض مسامهتنا‬
‫ملجاالت املواضيع اجلوهرية و الوجوه اجلزئية بشكل خاص بصورة مركزة‪ ،‬وأحيان ًا مع‬
‫التحويل إىل املراجع املعنية التي يمكننا اإلشارة إليها‪.‬‬
‫فام الذي نفهمه حتت االختبار النفيس؟ فوفق ًا ألحد التعاريف كثرية االقتباس فإن‬

‫‪173‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االختبار‪" . ...‬إجراء روتيني علمي لفحص سمة أو سامت عديدة قابلة للتحديد بشكل‬
‫إمبرييقي للشخصية هبدف استنتاج بيانات كمية قدر اإلمكان حول الدرجة النسبية‬
‫لوضوح السمة الفردية" )‪ .(Lienert & Raatz, 1994, P. 1‬وانطالق ُا من هذا التعريف‬
‫يمكن وصف أساليب االختبارات النفسية وبالتايل أيض ًا السامت التالية بشكل أقرب‪:‬‬
‫‪ .1‬االختبار عبارة عن إجراء علمي‪ ،‬ألنه يتم تصميمه واختباره وفق قواعد حمددة‪،‬‬
‫تنبثق من نظرية االختبارات الكامنة خلفه‪ .‬و العدد األكرب من االختبارات‬
‫املوجودة يف الوقت احلارض تم تطويرها عىل أساس "نظرية االختبار التقليدية‬
‫‪ ."Classical Test Theory‬ويرتبط هبا نظام ريايض ‪ algorithm‬يف تصميم‬
‫االختبار‪:‬‬
‫‪ -‬حتديد جمال املوضوع و البعد الذي يفرتض قياسه‪.‬‬
‫‪ -‬صياغة و جتميع املهام (البنود)‪.‬‬
‫‪ -‬احلصول عىل عينة حتليل‪.‬‬
‫‪ -‬تصميم املقياس بوساطة التحليل العاميل و حتليل البنود (حتديد املقاييس‬
‫وتشكيلتها بناء عىل العوامل والتشبع أو فحص املقاييس بوساطة الصعوبة أو حدة‬
‫الفصل أو االتساق ‪ consistency‬أو كلها مع ًا‪.‬‬
‫‪ -‬حساب املعايري (أنظر أدناه)‬
‫إجراء دراسات صدق ‪validity‬‬ ‫‪-‬‬

‫وهناك نموذج اختبارات ريايض‪-‬إحصائي موسع ‪ elaborate‬آخر‪ ،‬يعترب نفسه‬


‫بدي ً‬
‫ال لنظرية االختبارات التقليدية الكثرية االنتقاد‪ ،‬إال أنه ال يمتلك حتى اآلن سوى‬
‫أمهية عملية ضئيلة‪ ،‬ومتثله "نظرية االختبارات االحتاملية ‪probabilistic Test‬‬
‫‪( "Theory‬وبشكل خاص ما يسمى بنموذج راش ‪.)Rash-Model‬‬

‫‪174‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪Criterion oriented Measurement‬‬ ‫أما يف "القياس املتمحور حول املحكات‬


‫"فال يتعلق األمر بنظرية جديدة يف القياس إىل جانب النظرية الكالسيكية ونظرية‬
‫االختبارات االحتاملية إال أنه أثبت نفسه بالنظر إىل استخدام التشخيص باالختبارات يف‬
‫العالج النفساين عىل أنه مبدأ مهم‪ ،‬إذا ما أردنا فحص فيام إذا قد حقق متعالج ما‬
‫األهداف التي كان قد وضعها مسبق ًا بواسطة اختبارات مسرتشدة باألهداف العالجية‬
‫‪ therapy goals oriented Tests‬عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫ويتم إثبات علمية اختبار ما من خالل برهان معايري الصالحية األساسية‬
‫‪("fundamental 1Quality Criteria‬املوضوعية ‪ ،Objectivity‬واملوثوقية (أو‬
‫الثبات) ‪ Reliability‬و الصدق ‪" .Validity‬ومعايري الصالحية الثانوية ‪secondary‬‬
‫‪( "Quality Criteria‬املنفعة أو الفائدة ‪ utility‬واالقتصادية ‪ economic‬و التعيري‬
‫‪ .)Normalize‬ويعرض جدول (‪ )1‬قائمة شاملة و مفصلة ملحكات تقويم االختبارات‬
‫التي وضعت يف عام ‪ 1986‬من قبل "أمانة رس االختبارات للجنة روابط املتخصصني‬
‫النفسانيني األملان"‪ .‬وهذا البيان ‪ catalogue‬يتضمن إىل جانب املحكات األكثر مناقشة‬
‫(من نحو الثبات ‪/‬املوثوقية‪ Reliability /‬عىل سبيل املثال) تلك الرشوط بالنسبة‬
‫لالستخدام العريض لألساليب االختبارية حتى خارج البحث (من نحو املعقولية‬
‫‪ reasonableness‬والوضوح وسعة املجال والقبول ‪ .)acceptance‬وحبذا لو أنه متت‬
‫مراعاة هذه املحكات املهمة عند تطوير االختبارات من أجل االستخدام العميل أكثر مما‬
‫هو األمر حتى اآلن‪.‬‬
‫‪ .2‬البد أن تكون املقاييس صاحلة لالستخدام الروتيني‪ .‬هلذا فإن االختبار يكون‬
‫معري ًا فيام يتعلق بتطبيقه و تقويمه و تفسريه‪ ،‬أي يتم إعطاء القواعد املتعلقة‬
‫بتطبيق وتقويم وتفسري النتيجة يف االختبار نفسه‪.‬‬

‫‪ 1‬التقنني‬

‫‪175‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ .3‬من خالل االختبار يتم حتديد أو قياس –حم َّفز من خالل مطالب و أسئلة حمددة‬
‫(البنود ‪ -)Items‬سامت خربة و سلوك لألشخاص (استقصاء عينة من اخلربة‬
‫والسلوك)‪ ،‬تفيد كمؤرشات ‪ Indicators‬لصفات أو حاالت أو عالقات‪.‬‬
‫ومن هذا املنظور فإن التوجه العام "للتشخيص التقليدي باالختبارات" نحو‬
‫سامت الشخص عىل شكل سامت ثابتة زمني ًا و متغرية موقفي ًا ‪Traits‬يعد تقييد ًا‬
‫غري مناسب‪ ،‬ذلك أنه يمكن كذلك قياس احلاالت الراهنة املستقلة عن املوقف‬
‫‪ ،states‬امليول السلوكية ‪ ،behavior tendency‬باالختبارات بدون االستناد إىل‬
‫اخلصائص والعالقات بني األشخاص‪ ،‬من نحو يف العالقة الزوجية أو العالقة‬
‫العالجية الثنائية أو يف اجلامعة عىل سبيل املثال‬
‫‪ .4‬يف االختبار يتم السعي لقياس ‪( measurement‬تكميم ‪)Quantification‬‬
‫السامت التي تم استقصائها‪ .‬وبعض الباحثني ينتقد اقتصار التوجه عىل أساليب‬
‫القياس لوحدها‪ ،‬حتى وإن كانت هذه باعتبارها اختبارات سيكوميرتية متثل‬
‫أهم فئة يف أساليب االختبارات‪ .‬وعليه يمكن تسمية حتى تلك األساليب التي‬
‫ال تقيس‪ ،‬ولكن املعرية يف التعليامت و التقديم "باالختبارات" أيض ًا‬
‫(كاألساليب اإلسقاطية")‬
‫‪ .5‬عند استخدام األساليب االختبارية يتم السعي عىل األغلب نحو تصنيف‬
‫وتعيري نتائج االختبار عىل أساس عينة تعيري من الناس (عينة مرجعية‬
‫‪ .)Reference Population‬ولكن إىل جانب ذلك هناك إمكانية تصنيف وتعيري‬
‫االختبارات وفق أهداف التعلم‪ ،‬أو أهداف التدريب أو أهداف العالج (قياس‬
‫معياري‪/‬عينايت مقابل القياس املرجع إىل حمك)‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)1‬حمكات تقويم االختبارات (حمكات أمانة رس االختبارات للجنة‬


‫روابط املتخصصني النفسانيني األملان ‪)1986‬‬
‫‪ .1‬أساس االختبار‬
‫حتديد اهلدف التشخييص‬ ‫‪1.1‬‬
‫األساس النظري‬ ‫‪1.2‬‬
‫قابلية تصميم االختبار للفهم (بيانات مفصلة خلطوات التصميم‬ ‫‪1.3‬‬
‫املنفردة)‬
‫‪ .2‬تطبيق االختبار‬
‫موضوعية التطبيق‬ ‫‪2.1‬‬
‫الشفافية (بالنسبة للمستخدم)‬ ‫‪2.2‬‬
‫املعقولية بالنسبة للمشخر ص (الذي يتم تشخيصه) (التكلفة االقتصادية‬ ‫‪2.3‬‬
‫و النفسية بالنسبة للفائدة)‪.‬‬
‫مقدار القابلية للتزوير‪.‬‬ ‫‪2.4‬‬
‫القابلية للتشويش‪ ،‬أي حساسية اختبارات السامت مقابل احلاالت‬ ‫‪2.5‬‬
‫الراهنة للشخص و احلاالت املوقفية‬
‫‪ .3‬تقويم االختبار‬
‫موضوعية التقويم‬ ‫‪3.1‬‬
‫‪reliability‬‬ ‫املوثوقية (الثبات)‬ ‫‪3.2‬‬
‫الصدق ‪Validity‬‬ ‫‪3.3‬‬
‫‪Normalization‬‬ ‫التعيري‬ ‫‪3.4‬‬

‫‪177‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫سعة املجال‪ ،‬أي مقدار املسائل املطروحة‪.‬‬ ‫‪3.5‬‬


‫سعة املعلومات‪ ،‬أي املؤرشات املمكن استخالصها من االختبار باملقارنة‬ ‫‪3.6‬‬
‫مع املعلومات البدئية‪.‬‬
‫حساسية التعديل‬ ‫‪3.7‬‬
‫‪ .4‬تقويم االختبار‬
‫االقتصاد‬ ‫‪4.1‬‬
‫‪systematical‬‬ ‫العدالة أو اإلنصاف‪ ،‬أي مقدار التمييز املنهجي‬ ‫‪4.2‬‬
‫‪Discrimination‬جلامعات من األشخاص بناء عىل سامت اجتامعية‬
‫ديموغرافية نوعية بالنظر إىل قيم املحك‪.‬‬
‫التقبل من خالل املستخدم (مدير االختبار‪ ،‬املفحوص‪ ،‬املريض)‬ ‫‪4.3‬‬
‫واملجتمع‪.‬‬
‫القابلية للمقارنة‪ ،‬أي العالقة باالختبارات القابلة للمقارنة (اجلدة‬ ‫‪4.4‬‬
‫‪)novelty‬‬
‫برهان الصالحية‪ ،‬أي املوازنة من التطبيق‬ ‫‪4.5‬‬
‫‪ .5‬التصميم اخلارجي لالختبار‬
‫(من بينها‪ ،‬سهولة املفهومية‪ ،‬تصميم صديق للمفحوصني واملرىض)‬

‫تصنيف األساليب االختبارية‬

‫قبل أن نستعرض إمكانات تصنيف االختبارات بشكل أقرب ال بد من اإلشارة‬


‫بداية إىل متييز كان كاتل ‪ Cattell‬قد أورده يف عام ‪1965‬بني أنامط البيانات املختلفة‪.‬‬
‫فوفق ًا لذلك يمكن التمييز ضمن التشخيص النفيس بني بيانات (احلياة) ‪L-(Life-‬‬

‫‪178‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫)‪ ،Data‬و بيانات االستخبار ‪ Q-(Questionnaire-)Data‬و بيانات االختبار ‪T-(Test-‬‬


‫‪biographical characteristic‬‬ ‫‪ .)Data‬ويقصد ببيانات احلياة السامت البيوغرافية‬
‫(السرية الذاتية) و تقويامت اآلخر‪ .‬و يقصد ببيانات االستخبار املعلومات التي يعطيها‬
‫اإلنسان عن ذاته املنبثقة عن األسئلة‪ ،‬والتي يتم احلصول عليها بوساطة استبيانات‬
‫الشخصية‪ ،‬هلذا تطلق عىل استبيانات الشخصية تسمية االختبارات الذاتية للشخصية‬
‫‪ .subjective Personality Tests‬أما بيانات االختبارات ‪ Tests Data‬فيتم احلصول‬
‫عليها من خالل االختبارات املوضوعية للشخصية ‪.objective Personality Tests‬‬
‫وختتلف االختبارات املوضوعية للشخصية عن "الذاتية" بأهنا ال تقوم يف العادة عىل‬
‫املعلومات التي يعطيها الفرد عن ذاته وإنام بشكل مبارش عن القياس املستند للموقف‬
‫لسمة من سامت الشخصية‪ .‬وحتى لو بدا األمر من الزاوية اللغوية مربك ًا فإننا لن هنتم‬
‫ببيانات االختبار ‪ Tests Data‬بمعنى كاتيل ‪ ، Cattell‬بل سنهتم أكثر ببيانات‬
‫االستخبارات و احلياة‪ ،‬حيث أثبتت أدوات التقدير الذايت وتقدير اآلخر [التقدير من‬
‫طرف ثالث] بشكل خاص عىل شكل االستبيانات و مقاييس التقدير ‪Rating Scale‬‬
‫أمهيتها بالنسبة للتشخيص باالختبارات املتمحور حول العالج النفساين‪.‬‬
‫يصف باولك ‪ Pawlik‬أبعادا و أهداف ًا خمتلفة للتشخيص النفيس (قارن جدول ‪)2‬‬
‫تعد ذات أمهية من وجهات نظر تصنيفية‪.‬‬

‫جدول (‪ :)2‬أبعاد وأهداف التشخيص النفيس وفق باولك ‪PAWLIK‬‬

‫اهلدف التشخييص‬ ‫البعد ‪Dimension‬‬

‫‪ ‬قياس احلالة القائمة‬ ‫تشخيص احلالة‬


‫مقابل‬ ‫مقابل‬
‫‪ ‬قياس التغري‬ ‫تشخيص العملية‬

‫‪179‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ ‬الفروق البني فردية‬ ‫التشخيص املرجع إىل معيار‬


‫مقابل‬ ‫مقابل‬
‫‪ ‬املوضع الفردي بالنسبة إىل حمك سلوكي‬ ‫التشخيص املرجع إىل حمك‬
‫‪ ‬حتديد قيم اخلاصية بناء عىل عينة من السلوك‬ ‫اختبار ‪test‬‬
‫واخلربة‬ ‫مقابل‬
‫مقابل‬ ‫‪inventoried‬‬ ‫مراجعة (جرد)‬
‫‪ ‬حتديد جمال سلوكي‬

‫‪ ‬تقدير قيم اخلاصية التي يتم منها اشتقاق عالجية‬ ‫التشخيص كقياس‬
‫مقابل‬ ‫مقابل‬
‫التشخيص كمعلومات حول ‪ ‬حتسني القرار والعالج من خالل مجع املعلومات‬
‫العالج‬

‫واستناد ًا إىل املنهجية التي أدخلها باولك ‪ Pawlik‬يميز كل من باومان و ستيغلتز‬


‫‪ Baumann & Stieglitz‬بني مبادئ تشخيصية نفسية خمتلفة لقياس الشخصية‪:‬‬
‫املبدأ ‪:1‬‬
‫‪ -‬تشخيص الوضع أو احلالة ‪( status Diagnostic‬اهلدف‪ :‬الوضع الراهن)‬
‫‪ -‬التوجه املعياري ‪( Norm Orientation‬اهلدف‪ :‬فروق بني فردية)‬
‫‪ -‬قياس (اهلدف‪ :‬تقدير قيم البناء)‬
‫املبدأ ‪:2‬‬

‫‪180‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬تشخيص العملية (اهلدف‪ :‬قياس التعديل)‬


‫‪ -‬التوجه نحو املحك (اهلدف‪ :‬املوقع الفردي بالنسبة للمحك)‬
‫‪ -‬املراجعة (اجلرد) ‪( inventoried‬اهلدف‪ :‬ذخرية السلوك ‪) repertory‬‬
‫‪optimize of decision and‬‬ ‫‪ -‬معلومات العالج (اهلدف‪ :‬حتسني القرار و العالج‬
‫‪.)Treatment‬‬
‫وغالب ًا ما تطلق عىل املبدأ األول تسمية تشخيص الصفات‪ ،‬وإىل حد ما التشخيص‬
‫"التقليدي"‪ .‬ويمكن تصنيف التشخيص باالختبارات يف فهمه التقليدي املتجه نحو‬
‫الصفات و يف ارتباطه بام يسمى بنظرية االختبارات التقليدية ضمن هذا النهج‪ .‬وقد‬
‫حظي تشخيص الصفات يف املجال العيادي و بشكل خاص يف جماالت البحث املتعلقة‬
‫بالوصف والتصنيف والتفسري والتنبؤ والتقويم بانتشار واسع‪ .‬باملقابل فإن هلذا املبدأ‬
‫أمهية ضئيلة فيام يتعلق التدخل يف احلالة الفردية‪ .‬فهنا غالب ًا ما يتم اللجوء إىل املبدأ الثاين‪،‬‬
‫الذي يوصف بأنه تشخيص السلوك أيض ًا‪ .‬وبام أنه قد تم وصف تشخيص السلوك يف‬
‫إطار هذا الكتاب بشكل مفصل فسوف ال نتطرق لذلك مرة أخرى‪.‬‬
‫إن املقارنة التي غالب ًا ما نجدها لتشخيص الصفات وتشخيص السلوك برهنت‬
‫نفسها عىل أساس التطورات اجلديدة داخل أبحاث الشخصية و التشخيص النفساين‬
‫عىل أهنا مل تعد مربرة‪ .‬وعليه يؤكد علم نفس الشخصية األحدث عىل أن التقسيم الثنائي‬
‫‪ dichotomy‬ملبدأ الصفات مقابل املوقفية ‪( Situationism‬املبدأ النظري التعلمي) يزول‬
‫يف التفاعلية ‪ .Interactionism‬باإلضافة إىل ذلك يوجد يف هذه األثناء ضمن التشخيص‬
‫النفيس جمموعة من األساليب االختبارية التي تقيس الدرجات املختلفة املتعلقة باملوقف‬
‫لسامت السلوك واخلربة‪ .‬وكمثال هنا نشري إىل قائمة القلق كحالة وكسمة لسبيلبريغر‪.‬‬
‫(النسخة األملانية الوكس وسبيلربغر وآخرين ‪ ) .Laux, Spielberger et al.‬الذي يقيس‬
‫إىل جانب امليل للقلق (القلقية) بوصفه خاصية شخصية مستمرة زمني ًا و وعابرة‬
‫للموقف ثابتة و حالة القلق املتعلقة باملوقف‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وبعد أن قمنا بتنظيم التشخيص باالختبارات ضمن األبعاد واألهداف املختلفة‬


‫للتشخيص النفيس‪ ،‬سوف نتعرض لتصنيف ‪classification of Test procedure‬‬
‫األساليب االختبارية باملعنى الضيق‪ .‬وسنسرتشد هنا بشكل خاص بالوجوه املضمونية‪.‬‬
‫ويقدم جدول (‪ )3‬عرض ًا تلخيصي ًا‪ .‬ولن نتعرض لألساليب االختبارية لتشخيص‬
‫اإلنجاز‪ ،‬ذلك أن اختبارات اإلنجاز ال تلعب دور ًا أساسي ًا يف سياق العالج النفساين‪.‬‬
‫كام لن نتطرق هنا لالختبارات اإلسقاطية بشكل تفصييل عىل الرغم من أهنا عىل عالقة‬
‫(نظرية) وثيقة إىل حد ما وبشكل خاص بالتحليل النفيس و املبادئ العالجية‬
‫السيكودينامية‪ ،‬ولكن جدول (‪ )4‬يتضمن عرض ًا ألهم االختبارات اإلسقاطية‪.‬‬
‫وسوف نركز أكثر عىل اختبارات الشخصية السيكومرتية‪ .‬فهي حتتل من دون شك‬
‫األمهية األكرب من جهة التشخيص باالختبارات يف سياق التشخيص املستند إىل العالج‪.‬‬

‫جدول (‪ )3‬تصنيف أساليب االختبارات من املنظور املضموين (املحتوى)‬


‫‪ .1‬اختبارات اإلنجاز‬
‫‪ -‬اختبارات الذكاء‬
‫‪ -‬اختبارات اإلنجاز العامة‪.‬‬
‫‪ -‬اختبارات النمو‬
‫‪ -‬اختبارات التحصيل املدريس و اختبارات القدرات املدرسية‪.‬‬
‫‪ -‬اختبارات الوظائف والكفاءات اخلاصة‪.‬‬
‫‪ .2‬اختبارات الشخصية‬
‫‪ 1 .2‬االختبارات السيكومرتية‬
‫‪ -‬اختبارات بنية الشخصية‬

‫‪182‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬اختبارات إكلينيكية‬
‫‪ -‬اختبارات امليول واالجتاهات‬
‫‪ 2 .2‬االختبارات اإلسقاطية‬
‫‪ -‬أساليب تفسري الشكل‬
‫‪thematically‬‬ ‫‪ -‬أساليب تفهم املوضوع (إدراك املواضيع عن طريق الرتابط)‬
‫‪apperception procedure‬‬

‫أساليب تداعي الكلامت و األساليب اإلكاملية‪.‬‬


‫أساليب التشكيل الرسومية و اللعبية‬

‫‪183‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)4‬بعض األساليب اإلسقاطية املنتقاة للراشدين‬


‫املؤلف‬ ‫االختصار‬ ‫االختبار‬
‫)‪Murray (1943‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪TAT‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -‬اختبار تفهم املوضوع (إدراك‬
‫‪thematically‬‬ ‫املوضوع)‬
‫‪Apperception Test‬‬

‫‪ -‬اختبار رورشاخ (بقع احلرب)‬


‫)‪Rorschach(1941‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪RO-T‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Rorschach-Test‬‬

‫‪Holzman et al.‬‬ ‫‪,‬‬ ‫‪HIT‬‬ ‫تقنية بقعة احلرب هلولتزمان‬


‫)‪(1961‬‬ ‫‪Holzman-Inkblot-Technique‬‬

‫)‪Rosenzweig (1945‬‬ ‫‪PFI‬‬ ‫املصور‬ ‫اإلحباط‬ ‫اختبار‬


‫‪Picture-Frustrations-Test‬‬

‫فإذا ما تتبعنا املنهجية املتبعة يف جدول (‪ )3‬فإن اختبارات بنية الشخصية و بشكل‬
‫خاص االختبارات اإلكلينيكية حتتل هنا األمهية األكرب بالنسبة للعالج النفساين‪ .‬و‬
‫سوف نتطرق الحق ًا ألهم أساليب التقويم الذاتية و تقدير اآلخر [الطرف الثالث]‪.‬‬
‫وسنقترص هنا عىل عرض األساليب بالنسبة ملجال الراشدين‪ .‬إال أننا يف البداية سنتطرق‬
‫بشكل أقرب ضمن هذا املجال املحدود إىل حقول التطبيق اجلوهرية للتشخيص‬
‫باالختبارات يف العالج النفساين‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جماالت تطبيق التشخيص باالختبارات يف العالج النفساني‬

‫مالحظات عامة‬
‫حظي التشخيص القائم عىل العالج (التشخيص املرجع إىل العالج) يف السنوات‬
‫األخرية بأمهية مطردة بوصفه مظهر ًا جوهري ًا من العملية التشخيصية‪ .‬ويؤيد هذا العدد‬
‫املتزايد من الكتب و املسامهات املتفرقة املنشورة حول هذا املجال من املواضيع‪ .‬ومن‬
‫األسباب املهمة لالهتامم املتزايد باملسائل التشخيصية يف إطار العالج النفساين يمكن‬
‫اإلشارة بشكل خاص إىل التطويرات احلديثة واملستمرة لألساليب العالجية النفسانية و‬
‫متايزها املتقدم ‪ advancing differentiation‬والتصنيف املحسن لالضطرابات النفسية‪.‬‬
‫‪ .1‬ففي إطار العالج النفساين فإنه ال يمكن االستغناء عن التشخيص النفيس يف‬
‫حتديد احلالة األولية للمريض (الوصف‪ ،‬التصنيف‪ ،‬حتديد املشكلة‬
‫‪ )Description, Classification, Problem definition‬و حالة اهلدف‬
‫(التعديالت‪ ،‬أبعاد اهلدف)؛‬
‫‪ .2‬عند الفصل (اختاذ القرار) حول أساليب العالج املالئمة (طرح الفاعلية‪،‬‬
‫ومضادات الفاعلية ‪)Indication and Contraindication‬؛‬
‫‪ .3‬و عند اختبار جمرى و فاعلية طرق التدخل املستخدمة (ضبط العالج‪ ،‬جماالت‬
‫التأثري‪ ،‬عمليات التغيري)‪.‬‬

‫‪ ‬وبالتايل يقصد بالتشخيص باالختبارات القائم عىل العالج تلك‬


‫األساليب االختبارية و ما يرتبط هبا من عمليات اختاذ القرار التي يتم‬
‫استخدامها قبل و يف جمرى العالج من أجل‪:‬‬

‫‪185‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ selective‬واملعدلة ‪adaptive1‬‬ ‫الفاعلية ‪ Indication‬االنتقائية‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫لقياس التعديالت و تقويم نجاح العالج‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫و سوف نقوم فيام ييل بتناول كال املجالني املذكورين يف التعريف للتشخيص‬
‫باالختبارات القائم عىل العالج‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تشخيص الفاعلية ‪indication diagnostic‬‬

‫مل تلعب مسألة الفاعلية يف سنوات التأسيس األوىل للعالج النفيس أي دور يذكر‪.‬‬
‫فقد أشار فرويد يف عام ‪ ،1904‬ص‪ ،116‬إىل أن التحليل النفيس فاعل يف عالج "‪. ...‬‬
‫األشكال املزمنة من اهلسترييا مع أعراض متبقية و ملجال كبري من حاالت القهر وضعف‬
‫اإلرادة ‪ abulia‬وما يشبه ذلك"‪ .‬ويف هذه األثناء تطور العالج النفساين برسعة كبرية‪.‬‬
‫ونشأت إىل جانب التحليل النفيس طرق عالج نفسية عديدة وجديدة وهو ما يعكسه‬
‫هذا الكتاب أيض ًا‪.‬‬

‫‪ ‬يمكن صياغة مسألة الفاعلية يف هذا السياق عىل النحو التايل‪:‬‬


‫‪ -‬أي نوع من اإلجراءات العالجية أو من خالل أي تتايل لعنارص‬
‫عالجية‪sequence‬‬

‫‪ -‬ومن خالل أي معالج‬


‫‪ -‬وألي هدف تكون هذه مقبولة وفاعلة مع‬
‫أي نوع من املتعاجلني )‪(Seidenstuecker,1992‬‬ ‫‪-‬‬

‫معني‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بغرض َّ‬ ‫‪ 1‬أي تلك التي ُك ّيفت أو عُدِّ لت لِتفي‬
‫‪Indication 2‬مربرات استخدام أسلوب عالجي ما أو طريقة من الطرق‬

‫‪186‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬وأي نوع من املشكالت؟‪ .‬ويف هذا السؤال تكمن الرشوط اجلوهرية‬


‫املؤطرة للفاعلية العالجية النفسانية‪ .‬‬

‫ووفق ًا لفيتشني ‪ Wittchen‬يمكن للمرء التمييز بني نوعني من التشخيص القائم عىل‬
‫العالج‪ ،‬املرتبطان من ناحيتهام بمسألتني خمتلفتني للفاعلية‪:‬‬
‫‪selective, prognostic oriented‬‬ ‫‪ -‬فاعلية (تشخيص) انتقائي ذو توجه تنبؤي‬
‫)‪،Indication(Diagnostic‬‬
‫‪adaptive, based on‬‬ ‫‪ -‬فاعلية (تشخيص) معدلة‪ ،‬قائمة عىل املجرى والنجاح‬
‫)‪.progress and success Indication(Diagnostic‬‬
‫يف الفاعلية االنتقائية ‪ selective Indication‬يتعلق األمر باختاذ القرار بني عدة‬
‫إمكانات للمعاجلة العالجية ‪ therapeutically Treatment‬هبدف الفرز املثايل للمتعالج‬
‫و املعالج و طريقة العالج‪ .‬وبام أنه توجد طرق وبرامج وتقنيات متزايدة باستمرار وإىل‬
‫حد ما خمتلفة جد ًا لعالج االضطرابات النفسية والنفسية اجلسدية‪ ،‬فإنه يرتبط هبذا األمر‬
‫السؤال املتمثل يف‪ :‬ما هي الطريقة العالجية األكثر فاعلية لعالج االضطراب القائم‬
‫(الفاعلية التنبؤية ‪ .)prognostic Indication‬أما الفاعلية االنتقائية فينبغي تقريرها قبل‬
‫بداية العالج وأن تقوم عىل املعلومات التشخيصية حول املتعالج وعىل أساس املعرفة‬
‫اخلرباتية بمواصفات ‪ Specifica‬وإمكانات طرق العالج النفساين‪.‬‬
‫ويف املامرسة العملية غالب ًا ما يتم باختاذ قرار بفاعلية انتقائية ذرائعية (عملية)‬
‫‪ ،Pragmatic Selective Indication‬التي يتم فيها صياغة خطة عالجية قابلة للتحقيق‬
‫حتت مراعاة العرض العالجي ‪ therapeutically Tender‬املتوفر والقابل للتحقيق و‬
‫هدف وأولويات التعديل عند املتعالج و الوقت املتوفر لذلك‪ .‬ويف سياق مسألة الفاعلية‬
‫ال بد أيض ًا من مراعاة االنتقاء الذايت ‪ self-selection‬عند املتعاجلني الذي غالب ًا ما يقوم‬

‫‪187‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عىل النظريات الذاتية (النظريات الشعبية) حول أسباب مشكلته اخلاصة وقابليتها‬
‫للعالج و التنبؤ هبا وكذلك عىل املعرفة واالجتاهات حول العالج النفساين املحرتف‪.‬‬
‫يف الفاعلية املعدلة ‪( adaptive Indication‬التي تسمى كذلك الفاعلية اإلجرائية‬
‫‪processual‬أو املتجهة نحو املجرى) يتعلق األمر باختاذ القرار حول نوع و حجم تعديل‬
‫عوامل العملية العالجية النفسانية‪ .‬فاستناد ًا إىل تشخيص تعديالت سلوك املريض يتم‬
‫تقديس جمرى العالج من خالل هذه التعديالت استناد ًا إىل أهداف حمددة‪ .‬فاهلدف‬
‫النهائي هنا هو مالئمة اإلجراء العالجي عىل احلالة الفردية‪ .‬و حيتل تشخيص العملية‬
‫و قياس التعديل املرافق للعالج أمهية مركزية هنا‪ .‬ويرتبط ضبط املامرسة ‪Praxis‬‬
‫‪Control‬بمسألة الفاعلية بشكل وثيق هنا الذي يذهب من أنه يفرتض توثيق التأثري‬
‫العالجي يف احلالة الفردية من منظور طرح الفاعلية و جمرى العالج وتقويم اخلربة‪.‬‬

‫‪ ‬خالصة القول يمكن االستنتاج بأنه ال يمكن التمكن من اختاذ‬


‫قرارات الفاعلية يف إطار العالج النفساين بدون اإلجراءات التشخيصية‬
‫النفسية‪ ،‬حيث يلعب التشخيص باالختبارات هنا دور ًا أساسي ًا‪ .‬ويرى‬
‫زايدنشتوكر ‪ Seidenstuecker‬هنا األساليب املفضلة التي يمكن من خالهلا‪:‬‬
‫‪ .1‬اختاذ قرارات الفاعلية االنتقائية بني املدارس العالجية؛‬
‫‪ .2‬تربير قرارات الفاعلية االنتقائية داخل املدارس العالجية؛‬
‫‪ .3‬إجياد قرارات الفاعلية املعدلة يف تصميم أو تطوير طرق التدخل‪.‬‬

‫قياس التعديل‬

‫يلعب قياس التعديالت يف علم النفس العيادي و السيكوسوماتيك والطب النفيس‬


‫تقليدي ًا دور ًا مركزي ًا‪ .‬ويتم فحص التغريات هنا من خالل القياس املطابق ملا يسمى‬

‫‪188‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بقياس التغريات‪ .‬ويستند هذا القياس عىل حتديد التغريات الكمية والكيفية‪ ،‬التي‬
‫حصلت خالل فرتة زمنية حمددة‪ .‬ينبثق أحد املداخل املهمة لقياس التعديل من خالل‬
‫تشخيص احلالة الفردية‪ .‬وال يمكن يف هذا املقام التطرق إىل املشكالت املنهجية النوعية‬
‫ملبدأ تشخيص احلالة الفردية وطرق التشخيص اإلحصائي املهمة يف هذا املجال (من‬
‫نحو حتليل التعاقب الزمني)‪.‬‬
‫وكام متت اإلشارة يف الفصل السابق يرتبط قياس التعديل يف سياق العالج النفساين‬
‫بشكل وثيق مع اختاذ القرار بالفاعلية‪ .‬ويكثر استخدام األساليب االختبارية‬
‫التشخيصية عند حتديد التغريات يف جمرى العالج ويف تقويم نجاح العالج‪ .‬وتدعي‬
‫غالبية أساليب تقويم الذات واآلخر [الطرف الثالث] (أنظر فيام بعد) قياس التغريات‪.‬‬
‫إال أنه انطالق ًا من حقيقة أنه قد تم تصميم العدد األكرب من هذه األساليب عىل أساس‬
‫النظرية التقليدية لالختبارات تنجم بالنسبة للتشخيص باالختبارات سلسة من‬
‫املشكالت املتعلقة بنظرية القياس‪ ،‬التي لن نتطرق هلا يف هذا املقام‪.‬‬
‫ونريد بدالً من ذلك اإلشارة إىل املبادئ البديلة لقياس التعديل التي يتم اختيارها‬
‫بناء عىل الصعوبات يف قياس التغريات يف إطار النظرية التقليدية و بشكل خاص يف‬
‫أساليب التقويم الذايت‪:‬‬
‫‪ -‬التشخيص غري املبارش للتعديل‪.‬‬
‫‪ -‬التشخيص املبارش للتعديل‪.‬‬
‫‪ -‬تقويم حتقيق أهداف العالج‪.‬‬
‫‪ -‬تقويم الوضع (السيكوباثولوجي) بعد انتهاء العالج‪.‬‬

‫وغالب ًا ما يتم احلصول عىل املعلومات غري املبارشة للتعديل خالل عمل متايز بني‬
‫قياسات الوضع‪ .‬و لتطوير االختبارات املوازية ‪(Parallel Tests‬االختبارات املكافئة)‬

‫‪189‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫فوائد مجة هنا‪ ،‬من نحو استبعاد تأثريات الذاكرة و الذكريات عند تكرار القياس‪ ،‬إال أنه‬
‫ال يتوفر يف الوقت الراهن سوى القليل جد ًا من اختبارات التقدير الذايت املوازية يف‬
‫امليدان العيادي‪ .‬ومن بني هذه االستثناءات القليلة نذكر قوائم األعراض ‪Checklists‬‬
‫ومقياس احلالة لزيرسني )‪ .(V. Zerssen,1976 a B‬ويف تصور حساسية التعديل‬
‫‪ alteration sensitivity‬تتم يف إجراء اختباري حماولة اختيار تلك البنود التي تتغري عىل‬
‫سبيل املثال قيمها اإلحصائية االختبارية بناء عىل التدخالت العالجية و التي يفرتض‬
‫من خالهلا أهنا بالتايل حساسة للتعبري عن التعديالت‪ .‬وبسبب املشكالت املنهجية‬
‫واملضمونية النامجة عن ذلك إىل حد ما فلم جيد هذه املبدأ انتشار ًا واسع ًا‪ .‬وقد اختار‬
‫ال شبيه ًا حصل فيه عىل أبعاد للحالة االنفعالية بوساطة التحليل‬ ‫بيكر ‪ Becker‬مدخ ً‬
‫العاميل املوازي لألشخاص ‪ Parallel -Factor analyses‬لدى أشخاص منفردين‪.‬‬
‫ويرى ستيغليتز ‪ Stieglitz‬أن التشخيص املبارش للتعديل يمثل أهم مبدأ جديد‪.‬‬
‫فهنا يتم تدريج التعديل احلاصل عند شخص ما بشكل مبارش‪ ،‬حيث يتم تثبيت األقوال‬
‫لوصف التعديل املعاش ذاتي ًا يف شكل مقارن ‪( comparative‬من نحو أحسن‪ ،‬أسوأ عىل‬
‫سبيل املثال)‪ .‬وتتوفر لقياس التعديل بعض األساليب االختبارية املعروضة يف جدول‬
‫(‪ .)5‬وتؤكد الدراسات ذات التوجه املنهجية املتوفرة مالئمة املبدأ للتعبري عن‬
‫التعديالت‪.‬‬
‫ويف حتقيق أهداف العالج يتم استخدام أساليب تتم من خالهلا حماولة عكس‬
‫التعديالت انطالق ًا من حالة االنطالق (بداية العالج) وصوالً إىل حالة اهلدف (هناية‬
‫العالج)‪ ،‬مع العلم أنه يتم هنا عىل األغلب استخدام طرق متمركزة حول الفرد وحتليل‬
‫احلالة الفردية‪ .‬ويعد تدريج حتقيق اهلدف ‪ Goal Attainment Scaling‬الذي يرمز له‬
‫اختصار ًا ‪ GAS‬من إحدى الطرق األشهر لتقويم اإلجراءات العالجية النفسانية وقياس‬
‫النجاح املتمحور حول اهلدف وكذلك التصميم الذي يرجع إىل شابريو من عام ‪1961‬‬
‫املسمى استبيان الشخصية‪.‬‬
‫وأخري ًا عند تقويم احلالة (السيكوباثولوجية) بعد هناية العالج يتم فحص إىل أي‬

‫‪190‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مدى تقع التعديالت املتعلقة بالتدخل داخل أو خارج جمال معياري حمدد‪ .‬ويعد هذا‬
‫اإلجراء ذو أمهية عملية وخصوص ًا عندما تتوفر بالنسبة الختبار ما قيم معيارية من‬
‫عينات من أشخاص أصحاء‪ ،‬يمكن مقارنتها بعد انتهاء العالج مع القيم التي تم‬
‫احلصول عليها ملريض أو متعالج ما‪.‬‬

‫جدول (‪ :)5‬اختبارات تقويم ذايت للتشخيص املبارش للتعديل‬


‫املؤلف‬ ‫االختبار‬
‫‪Krampen & von Delius,1981‬‬ ‫مقياس التغريات الصحية املعاشة‬
‫‪Eckert et al. ,1983‬‬ ‫استبيان قياس الصحة النفسية‬
‫‪Zielke & Kopf-Mehnert,1978‬‬ ‫استبيان تغريات والسلوك‬
‫‪Grawe,1982‬‬ ‫استبيان عملية التغيري‬

‫استعراض لألساليب االختبارية باالستناد للعالج‬

‫تعددية وسائل التشخيص املتمحور على العالج‬


‫يشكل مبدأ تعددية الوسائل ‪ Multimodality‬فرضية أساسية للتشخيص النفيس‪-‬‬
‫اإلكلينيكي ومن ثم كذلك للتشخيص املتمحور حول العالج‪ .‬وتعني تعددية الوسائل‬
‫(ويسمى أيض ًا تعددية املنهجية ‪ )Multi-methodical‬اختيار املدخل املركب بدالً من‬
‫املدخل املحدد بشكل ضيق‪ ،‬أي اختيار اإلجراء متعدد املتغريات ‪ .multivariate‬وهنا‬
‫يتم داخل التنويع داخل الفئات منفردة‪ ،‬مع العلم أنه يتم التفريق بني الفئات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬مستوى البيانات‪ :‬مستوى بيولوجي‪ ،‬اجتامعي‪ ،‬نفيس‪ ،‬تبيؤي‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬مصدر البيانات‪ :‬معطي املعلومات من نحو هو نفسه أو أشخاص آخرين (األطر‬


‫املرجعية‪ ،‬مقومون ُمدر رربون‪ ،‬املعالج‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫‪ -‬جماالت الوظائف‪/‬البناءات ‪ :Constructs‬فئات الوظائف النفسية (من نحو‬
‫اإلدراك االجتامعي) و فئات االستجابة (من نحو السلوك الواثق) والبناءات‬
‫املستخدمة من أجل التفسري‪.‬‬
‫يف إطار التشخيص االختباري املتمحور حول العالج وفيام يتعلق بمستويات‬
‫البيانات فإن املستويات النفسية و كذلك االجتامعية إىل حد ما مهمة بشكل خاص‪.‬‬
‫وفيام يتعلق بمصدر البيانات يتم استخدام معلومات املريض نفسه واملعالج عىل حد‬
‫سواء‪ .‬وطبق ًا لذلك غالب ًا ما يتم استخدام أساليب تقويم الذات و اآلخر‪ .‬ويمثل تقويم‬
‫الذات وبشكل خاص من خالل االستبيانات طريقة الفحص التشخيصية الشائعة يف‬
‫البحث العالجي النفيس بشكل عام‪ .‬هلذا سنتطرق يف الفقرة التالية إىل هذه املجموعة‬
‫من األساليب بشكل أقرب‪ .‬وبعد ذلك سوف نتطرق ألساليب تقدير اآلخر (الطرف‬
‫الثالث) ‪ .‬إال أننا نؤكد يف هذا املكان عىل أن الفصل بني أساليب تقويم الذات واآلخر‬
‫ال مطلق ًا يف النهاية ذلك أن كل أساليب تقدير اآلخر (الطرف‬ ‫[الطرف الثالث] ليس فص ً‬
‫الثالث) تتضمن أيض ًا بنود ًا تقوم إىل حد ما أو ال تقوم إال عىل البيانات الذاتية‪.‬‬

‫أساليب التقدير الذاتي‬


‫تم يف العرشين سنة األخرية بشكل خاص تصميم كم كبري جديد يصعب حرصه‬
‫من أساليب التقدير الذايت يف جماالت خمتلفة جد ًا أو تطويرها‪ .‬وتكمن أسباب هذا‬
‫التطور من جهة يف االهتامم املتنامي بشكل كبري للبحث العلم نفيس و الطبي النفيس‬
‫بأدوات قياس موثوقة و صادقة من أجل الضبط اإلجرائي للموضوع جمال االهتامم‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى تكمن األسباب أيض ًا يف األمهية املركزية هلذه املظاهر بالنسبة للمامرسة‬
‫اإلكلينيكية‪ ،‬وبشكل خاص بالنسبة لتقويم التدخل العالجي‪.‬‬
‫تقوم أساليب التقدير الذايت كام يشري اسمها عىل القدرة عىل االستبصار الذايت‬

‫‪192‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪( Self- reflexion‬مالحظة الذات‪ ،‬االستبطان)؛ وهي تقدم وصف ًا للذات و تقارير عن‬
‫املرىض أو املتعاجلني أو املراجعني أو العينات‪ .‬ومن ثم فهي تصنف ضمن اختبارات‬
‫الشخصية الذاتية [الشخصية] ‪ .subjective Personality Tests‬ويبدو أنه من املفيد‬
‫فصلها عن املجموعات األخرى من األساليب االختبارية (االختبارات املوضوعية‬
‫للشخصية‪ ،‬االختبارات اإلسقاطية)‪ ،‬وكذلك عن جمموعات اختباربة تشخيصية نفسية‬
‫ذات الصلة بعلم النفس اإلكلينيكي‪ ،‬والطب النفيس‪ ،‬والسيكوسوماتيك و العالج‬
‫النفساين‪ ،‬من نحو طرق املقابلة أو مالحظات السلوك‪ .‬ولكننا لن نناقش هذا األمر يف‬
‫هذا املقام‪.‬‬
‫ويربهن استخدام أساليب التقدير الذايت أمهيته بشكل خاص إذا ما كان األمر‬
‫يتعلق بقياس سامت يسهل احلصول عليها بواسطة تقدير الذات أو ال يمكن احلصول‬
‫عليها إال بأساليب تقويم الذات (من نحو الشكاوى‪ ،‬احلالة)‪ .‬ومن ناحية أخرى تكمن‬
‫قيمة تلك األساليب يف ذلك املجال من السامت التي يمكن قياسها كذلك من خالل‬
‫مالحظة اآلخر‪ .‬فكام هو احلال عىل سبيل املثال يف تشخيص القلق و االكتئاب فإنه غالب ًا‬
‫ما حتتل املقارنة بني تقويامت الذات و التقويامت من اآلخر مركز الصدارة‪.‬‬
‫يف االستخدام العميل ألساليب التقدير الذايت ينبغي أخذ جمموعة من مصادر اخلطأ‬
‫بعني االعتبار و مراعاهتا طبق ًا لذلك عند تفسري النتيجة‪:‬‬
‫‪ -‬مصادر اخلطأ املرتبطة بتصميم االختبار (من نحو غموض الصياغة عىل سبيل‬
‫املثال)‪.‬‬
‫‪ -‬أخطاء اجلهل (أو عدم املعرفة) املرتبطة بأخطاء التذكر و التعبري عن الذات (من‬
‫نحو عيوب الذاكرة‪ ،‬وهم الذات‪ ...‬الخ عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫‪ -‬التزويرات املقصودة (من نحو التزييف ‪ simulation‬والتهوين ‪ bagatelisation‬عىل‬
‫سبيل املثال)‪.‬‬
‫‪response Sets‬‬ ‫‪ -‬ميول أو اجتاهات اإلجابة ‪( Answers Tendency‬اجتاهات اإلجابة‬

‫‪193‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫) (كاملرغوبية االجتامعية ‪ social desirable‬عىل سبيل املثال)‪.‬‬


‫ويمكن وصف و تصنيف أساليب التقدير الذايت وفق الوجوه املضمونية واملنهجية‪.‬‬
‫فمن وجهة النظر املنهجية يمكن التمييز بني األساليب املنفردة وفق طرق التدريج‬
‫املختلفة (من نحو اللفظي ‪ ،verbal‬الرقمي ‪ ،numerical‬التخطيطي ‪ graphic‬عىل سبيل‬
‫املثال) أو حسب النظرية الكامنة خلفها (التقليدية أو نموذج االختبار االحتاميل‬
‫‪ .)probabilistically Test Model‬ومن وجهة النظر املضمونية يمكن تقسيم أساليب‬
‫التقدير الذايت وفق الثبات الزمني و العابر للموقف ‪timed or trans situative Stability‬‬
‫فيام يتعلق بالسامت املقاسة (قياس متغريات احلالة أو السمة أو كليهام ‪trait- and/or‬‬
‫‪ ،)State-Variable‬ووفق أبعادها (متجانسة‪/‬أحادية البعد مقابل غري متجانسة‪/‬متعددة‬
‫األبعاد ‪ )homogeny/uni-dimensional versus heterogenic/multidimensional‬أو‬
‫بناء عىل املجموعة التشخيصية اهلدف (من نحو أصحاء‪-‬مرىض عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫ويقدم جدول (‪ )6‬عرض ًا ألهم اختبارات الشخصية متعددة األبعاد (استخبارات‬
‫الشخصية) املطورة أو املعدلة يف املحيط الناطق باألملانية‪ .‬ويتعلق األمر هنا بأساليب‬
‫يمكن استخدامها يف املجالني النفيس‪-‬السوي و املجال العيادي‪-‬العالجي والتي تدعي‬
‫بتحديدها للشخصية بشكل شامل قدر اإلمكان‪ ،‬وهتدف إىل قياس سامت الشخصية‬
‫الثابتة زمني ًا (من نحو االنبساطية‪/‬االنطوائية‪ ،‬العصابية يف استخبار آيزنك للشخصية‬
‫عىل سبيل املثال)‪ .‬وإىل جانب ذلك يتم يف بعض االختبارات مجع معلومات بيوغرافية‬
‫(كالقائمة البيوغرافية لتشخيص اضطرابات السلوك ‪biographical Inventory for‬‬
‫‪ Diagnoses of Behavior Disorders‬عىل سبيل املثال)‪ ،‬والعالقات البيئية (كاختبار‬
‫غيسن ‪ .)Giessen Test‬ويف غالبية االختبارات املعروضة تم تصميم مقاييس االختبار‬
‫(األبعاد) بوساطة التحليل العاميل (من نحو قائمة فرايبوغ للشخصية‪ ،‬اختبار العوامل‬
‫الستة عرشة)‪ ،‬باملقابل فإن تصميم "أصل ‪"Classicar‬كل اختبارات الشخصية املعروف‬
‫حتت اسم اختبار مينسوتا املتعدد األوجه للشخصية ‪ ،MMPI‬عىل أساس املعايري‬
‫(املحكات ‪.)criterion‬‬

‫‪194‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

)‫مقاييس شخصية متعددة األبعاد (اختيار‬:)6( ‫جدول‬


‫الباحثون‬ ‫االختصار‬ ‫االختبار‬
Jaeger et al. , BIB ‫البيوغرافية‬ ‫القائمة‬
‫اضطرابات‬ ‫لتشخيص‬
Biographical ‫السلوك‬
Inventory for Diagnoses
of Behavior Disorders

Eysenck (Egert,1983- EPQ ‫استخبار آيزينك للشخصية‬


Germany) Eysenck-Personality
Quaternary

.Fahrenberg et al FPI ‫مقياس فريبورغ للشخصية‬


Freiburger Personality
Inventory

Hathaway & McKinley, 1963 MMPI ‫اختبار منسوتا املتعدد‬


‫للشخصية‬ ‫األوجه‬
Minnesota Multiphasic
Personality Inventory

.Beckmann et al GT Giessen- ‫اختبار غيسن‬


Test

Becker, 1989 TPF ‫مقياس ترير للشخصية‬


Trierer Personality Scale

195
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Schneewindet al,‬‬ ‫‪16 PF‬‬ ‫اختبار العوامل الستة عرش‬


‫للشخصية ‪16-Peronality‬‬
‫‪Factors-Test‬‬

‫‪Costa and McCrae (Borkenau‬‬ ‫‪NEO-FFI‬‬ ‫مقياس العوامل اخلمسة‬


‫)‪& Ostendorf,1993-Germany‬‬ ‫الكربى اجلديد‬
‫‪NEO-Five‬‬ ‫‪Factors‬‬
‫‪Inventory‬‬

‫فإذا عدنا الختبارات التقدير الذايت اإلكلينيكية فسوف نجد هنا أن التقسيم يتم وفق‬
‫جمال السامت املقاسة باعتبارها حمكات تصنيف شائعة‪ .‬وختضع ملثل هذا التقسيم كذلك‬
‫األساليب االختبارية املعروضة يف جدول (‪ .)7‬واستناد ًا إىل شتيغلتز ‪ Stieglitz‬قمنا‬
‫أيض ًا بتقسيم األساليب االختبارية مرة أخرى إىل اختبارات عابرة ملجموعات‬
‫االضطرابات و اختبارات متمحورة حول جمموعات من االضطرابات‪ .‬وإىل جانب‬
‫املجاالت "التقليدية" واملركزية أيض ًا بالنسبة للمامرسة النفسانية العالجية كالقلق‬
‫واالكتئاب تم كذلك عرض جماالت "جديدة" عىل سبيل املقارنة "كالدعم االجتامعي"‬
‫و "الغضب"‪ .‬ومن املؤكد أن أمهية املجاالت األخرى من السامت من نحو‬
‫"املشكالت البينشخصية" عىل سبيل املثال ليست جديدة بالنسبة للعالج النفساين‪ ،‬إال‬
‫أنه مل تتوفر بالنسبة للمجال الناطق باألملانية يف هذا املجال أدوات تقويم ذايت خمتربة إال‬
‫منذ وقت قصري‪.‬‬
‫ومع أن اضطرابات الشخصية مازالت متثل بالنسبة للمبادئ العالجية السلوكية‪-‬‬
‫االستعرافية جمال ممارسة جديد عىل سبيل املقارنة‪ ،‬فإن لالهتامم هبذه الصور من‬
‫االضطرابات داخل التحليل النفيس تقليد طويل راسخ‪ .‬إال أن هذا املجال من‬

‫‪196‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ال جانب التشخيص االختباري ومل يلق إال‬ ‫اضطرابات الشخصية ظل لفرتة طويلة مهم ً‬
‫القليل من االهتامم‪ .‬غري أنه منذ إدخال الدي أس أم الثالث املعدل ‪ DSMIII-R‬تم تطوير‬
‫الكثري من أدوات الفحص لقياس اضطرابات الشخصية‪ .‬وهنا تسود عىل األغلب‬
‫املقابالت املعرية‪ .‬وال تتوفر أساليب التقدير الذايت حتى اآلن إال يف املحيط األنجلو‬
‫أمريكي بشكل أسايس‪.‬‬
‫‪Anorexia and‬‬ ‫وبالنسبة ملجال اضطرابات الطعام (فرط الشهية وفقداهنا‬
‫‪ )Bulimia‬فإن هذا املجال حيظى بأمهية مطردة يف العالج النفساين‪ .‬وتتوفر بالنسبة هلذا‬
‫املجال من االضطرابات جمموعة من مقاييس التقدير الذايت‪ .‬وقد تم عرض مثالني منها‬
‫يف جدول (‪.)7‬‬
‫ويف ختام هذا العرض املخترص حول أدوات التقدير الذايت ذات األمهية العالجية‬
‫و اإلكلينيكية البد من اإلشارة إىل أن هذه املجموعة من األساليب حتظى بأمهية كبرية‬
‫خارج جمال استخدامها األسايس أيض ًا‪ .‬و نشري هنا كمثال ملجاالت البحث و املامرسة‬
‫إىل جمال مواجهة املرض‪ .‬ومن بني أهم مقاييس التقدير الذايت املطورة هلذا املجال بشكل‬
‫خاص نشري إىل مقياس فرايبورغ لتمثل املرض ملوثني ‪ Muthny‬الذي يتوفر أيض ًا عىل‬
‫شكل تقدير اآلخر‪ ،‬وكذلك مقاييس ترير ملواجهة املرض لكالور وفيليب & ‪Klauer‬‬
‫‪.Filipp‬‬

‫جدول (‪ :)7‬أساليب تقدير ذايت (انتقاء)‬


‫الباحثون‬ ‫االختصار‬ ‫األسلوب‬ ‫املجاالت‬
‫عابر ملجموعة االضطراب‬
‫‪Derogatis‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪al.‬‬ ‫‪SCL-90 Self-‬‬ ‫السيكوباثولوجيا التقرير الذايت‬
‫‪,1976‬‬ ‫‪Report‬‬ ‫ككل‬

‫‪197‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Franke,1995‬‬ ‫‪SCL-90-R‬‬ ‫األعراض‬ ‫قائمة‬


‫‪Symptom‬‬
‫‪inventory‬‬

‫‪Zerssen -‬‬ ‫‪BF-S‬‬ ‫مقياس احلالة‬ ‫‪state‬‬ ‫احلالة‬


‫‪Becker‬‬ ‫‪BF‬‬ ‫استبيان احلالة‬ ‫(اإلحساس‬
‫الراهن)‬
‫‪Janke & Debus‬‬ ‫‪EVL‬‬ ‫قائمة كلامت الصفات‬
‫‪Braehler & Scheer‬‬ ‫‪GBB‬‬ ‫قائمة شكاوى غيسن‬ ‫شكاوى‬
‫‪Von Zerssen‬‬ ‫‪B-L‬‬ ‫قائمة الشكاوى‬
‫‪Fahrenberg‬‬ ‫‪FBL‬‬ ‫فرايبورغ‬ ‫قائمة‬
‫للشكاوى‬
‫‪Braehler et al‬‬ ‫‪FLZ‬‬ ‫مقياس الرضا عن‬ ‫الرضا عن احلياة‬
‫احلياة‬
‫‪Sommer‬‬ ‫&‬ ‫‪F-SOZU‬‬ ‫الدعم‬ ‫الدعم االجتامعي استبيان‬
‫‪Fydrich‬‬ ‫االجتامعي‬
‫‪.Horowitz et al‬‬ ‫‪IIP-D‬‬ ‫لقياس‬ ‫املشكالت البني قائمة‬
‫املشكالت‬ ‫شخصية‬
‫البينشخصية‬
‫متمحور حول جمموعة االضطراب‬

‫‪.Laux et al‬‬ ‫‪STAI‬‬ ‫قائمة القلق كحالة‬ ‫القلق‬


‫وكسمة‬

‫‪198‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪.Chambless et al‬‬ ‫‪ACQ‬‬ ‫حول‬ ‫استبيان‬


‫االستعرافات املسببة‬
‫للقلق‬
‫‪Beck, et al‬‬ ‫‪BAI‬‬ ‫قائمة بيك للقلق‬
‫‪Beck, et al‬‬ ‫‪BDI‬‬ ‫قائمة بيك لالكتئاب‬ ‫االكتئاب‬
‫‪.Hautzinger , et al‬‬ ‫‪ADS‬‬ ‫العام‬ ‫املقياس‬
‫لالكتئاب‬
‫‪Schwenkmezeger‬‬ ‫‪STAXI‬‬ ‫قائمة التعبري عن‬ ‫الغضب‬
‫‪.et al‬‬ ‫كحالة‬ ‫الغضب‬
‫وكسمة‬
‫‪.Zaworka, et al‬‬ ‫‪HZI‬‬ ‫قائمة هامبورغ للقرس‬ ‫القهر‬
‫طويلة‬ ‫(صيغة‬
‫وخمترصة)‬
‫‪Denke‬‬ ‫&‬ ‫‪NI‬‬ ‫قائمة النرجسية‬ ‫اضطرابات‬
‫‪Hilgensstick‬‬ ‫الشخصية‬
‫‪Thiel & Paul‬‬ ‫‪EDI‬‬ ‫اضطرابات‬ ‫قائمة‬ ‫اضطرابات‬
‫‪Eating‬‬ ‫الطعام‬ ‫الطعام‬
‫‪Disorder Inventory‬‬

‫‪Pudel‬‬ ‫&‬ ‫‪FEV‬‬ ‫استبيان لسلوك الطعام‬


‫‪Westenhoefer‬‬

‫‪Rudolf‬‬ ‫‪PSKB-Se‬‬ ‫الفحص النفيس و‬ ‫العصابات‬

‫‪199‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫التواصيل االجتامعي‬ ‫(ككل)‬


‫‪Haengen‬‬ ‫‪BNVD‬‬ ‫الربليني‬ ‫املقياس‬
‫لتشخيص العصاب‬

‫أساليب تقدير الطرف الثالث‬


‫تشكل أساليب تقدير الطرف الثالث مقاييس التقدير أو التصنيف ‪)Rating Scale‬‬
‫من أجل وصف املجرى و احلالة‪ ،‬إىل جانب أساليب التقدير الذايت أكرب جمموعة من‬
‫حيث العدد من األساليب داخل التشخيص االختباري اإلكلينيكي والقائم عىل العالج‪.‬‬
‫و ألساليب تقدير الطرف الثالث من حيث املبدأ جماالت استخدام شبيهة بمقاييس‬
‫التقدير الذايت‪ ،‬إال أنه توجد جماالت مهمة إكلينيكي ًا التي ال يمكن حتقيقها إال من خالل‬
‫تقديرات أو مالحظة اآلخر بشكل عام أو يف جزء كبري منها‪ .‬ومن بني هذه املجاالت‪،‬‬
‫التي تعد ذات أمهية بشكل خاص يف سياق االضطرابات الذهانية‪ ،‬هناك عىل سبيل املثال‬
‫اضطرابات التفكري و ظواهر اهلذيان أو األعراض الفصامية السلبية‪.‬‬
‫وكام هو احلال يف أدوات تقدير الذات فإن استخدام مقاييس تقدير الطرف الثالث‬
‫قد يتضمن مصادر خطأ‪ .‬ومن بني مصادر اخلطأ هنا اجتاهات اإلجابة ‪response sets‬‬
‫املقوم (من نحو امليل نحو اإلجابات املتطرفة) و كذلك أخطاء التقويم املنهجية‬
‫عند ِّ‬
‫(أخطاء من خالل االستنتاجات اخلطأ‪ ،‬من نحو تأثري اهلالة ‪.)Halo-Effect‬‬
‫ويمكن تقسيم أساليب تقدير اآلخر بناء عىل حمكات خمتلفة‪ .‬إذ يمكن تصنيفها‬
‫بناء عىل مصادر البيانات املستخدمة (طبيب‪/‬متخصص نفيس‪ ،‬ممرضني‪ ،‬أقارب‪...‬‬
‫الخ)‪ .‬ويف الدراسات العالجية بشكل خاص غالب ًا ما تتم املناداة باستخدام مصادر‬
‫متنوعة من البيانات من أجل التقويم‪ .‬وهذا يالئم مبدأ تعددية األبعاد الذي تطرقنا له‬
‫سابق ًا‪ .‬وكام هو األمر يف أساليب التقدير الذايت فإن التقسيم الشائع ألساليب تقدير‬
‫الطرف الثالث يتم حسب جمال السامت‪ .‬وقد اتبعنا هذا األساس يف التقسيم يف عرضنا‬

‫‪200‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ملقاييس تقدير الطرف الثالث الشائعة يف املحيط الناطق باألملانية يف جدول (‪.)8‬‬
‫ويعد كل من القلق واالكتئاب من بني جماالت السامت التي تتوفر حوهلا أساليب‬
‫تقدير من الطرف الثالث‪ .‬ومن بني األدوات ذات االنتشار والشهرة األوسع مقياس‬
‫هاملتون لالكتئاب )‪ .Hamilton Depression scale(HAMD‬وهناك كذلك مقياس‬
‫هاملتون للقلق‪ .‬أما بالنسبة للظواهر األخرى كاضطرابات القهر عىل سبيل املثال فال‬
‫توجد حتى أآلن إال القليل من مقاييس التقدير‪ .‬هلذا وضعنا يف عرضنا يف اجلدول‬
‫مقياس يال براون لألفعال القهرية ‪(Y- Yale Brown Obsessive compulsive scale‬‬
‫)‪BOCS‬باعتباره واحد من األدوات القليلة املتوفرة يف املحيط الناطق باألملانية‪ .‬وإىل‬
‫جانب املقابالت املعرية و أساليب التقدير الذايت يتم يف تشخيص اضطرابات الشخصية‬
‫استخدام قوائم حمكات أو قوائم ‪ ،Criterion and Checklists‬تفيد بشكل خاص‬
‫التشخيص التصنيفي وفق الدي أس أم الثالث املعدل أم اآلي يس دي العارش‪ .‬ومن‬
‫وجهة النظر املنهجية الشكلية فإنه مثل هذه القوائم تصنف ضمن أساليب تقدير اآلخر‪،‬‬
‫وهو ما دعا إىل عرض نموذجني ناطقني باألملانية‪ .‬ومتثل الشيخوخة ‪geriatric‬جمال‬
‫تطبيق للتشخيص باالختبارات‪ ،‬حيظى بأمهية متزايدة من وجهة النظر النفسية العالجية‪.‬‬
‫و يعد مقياس التقدير العيادي للشيخوخة لساندوز ‪Sandoz Clinical Assessment‬‬
‫)‪ Geriatric Scale(SCAG‬املعروض يف اجلدول من أكثر األساليب املستخدمة يف هذا‬
‫املجال‪ ،‬وباملقابل وعىل سبيل املقارنة فإن مقياس مالحظة املمرضني للمرىض كبار‬
‫السن‪ (NOSGER) Nurses Observation Scale for Geriatric Patients‬مازال مقياس ًا‬
‫جديد ًا‪.‬‬
‫وأخري ًا نريد التطرق للعالقة بني مقاييس التقدير الذايت ومقاييس تقدير اآلخر‬
‫بشكل أقرب‪ .‬وكام أرشنا سابق ًا فقد انصب االهتامم بشكل كبري يف أبحاث القلق‬
‫واالكتئاب عىل العالقة بني تقديرات الذات واآلخر [الطرف الثالث]‪.‬‬
‫و من أهم النتائج اإلمبرييقية للمقارنة بني تقويامت الذات واآلخر [الطرف‬
‫الثالث] يمكن اإلشارة إىل‪:‬‬

‫‪201‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬ال يظهر االرتباط بني تقديرات الذات واآلخر [الطرف الثالث] كبري ًا و هذا يشري‬
‫إىل بناء ظواهر خمتلفة‪.‬‬
‫تكون االرتباطات أعىل إذا ما تم االقتصار عىل مواضيع يمكن احلصول عليها من‬
‫خالل التقارير اللفظية‪.‬‬
‫االرتباطات يف بداية العالج‪ ،‬يف بداية الطور احلاد للمرض أقل‪ ،‬وتصبح بعدئذ‬
‫أكرب‪.‬‬
‫تعطي مقاييس التقدير الذايت صورة أعم للحالة من أساليب تقدير اآلخر‪.‬‬

‫جدول (‪ :)8‬أساليب تقدير اآلخر(انتقاء)‬


‫الباحثون‬ ‫االختصار‬ ‫األسلوب‬ ‫املجاالت‬
‫‪AMDP‬‬ ‫‪AMDP‬‬ ‫منظومة ‪AMDP‬‬ ‫الباثوسيكولوجيا‬
‫‪Overall‬‬ ‫&‬ ‫‪BPRS‬‬ ‫موجز مقياس التقدير الطبي‬ ‫ككل‬
‫‪Gorham‬‬ ‫النفيس ‪Brief Psychiatric‬‬
‫‪Rating Scale‬‬

‫‪Hamilton‬‬ ‫‪HAMA‬‬ ‫مقياس هاملتون للقلق‬ ‫القلق‬


‫‪Zung‬‬ ‫‪ASI Anxiety‬‬ ‫قائمة حالة القلق‬
‫‪Status Inventory‬‬

‫‪Bandelow‬‬ ‫‪P&A‬‬ ‫ورهاب‬ ‫مقياس اهللع‪،‬‬


‫األماكن العامة‬
‫‪Hamilton‬‬ ‫‪HAMD‬‬ ‫مقياس هاملتون لالكتئاب‬ ‫االكتئاب‬

‫‪202‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪Zung‬‬ ‫‪DSI‬‬ ‫االكتئاب‬ ‫حالة‬ ‫قائمة‬


‫‪Depression‬‬ ‫‪Status‬‬
‫‪Inventory‬‬

‫‪Hautzinger and‬‬ ‫‪IDS‬‬ ‫قائمة أعراض االكتئاب‬


‫‪Bailer‬‬

‫‪Buettner-‬‬ ‫)‪(Y-BOCS‬‬ ‫مقياس يال براون لألفعال‬ ‫القهر‬


‫‪Westphal‬‬ ‫القهرية ‪Yale Brown‬‬
‫‪Obsessive‬‬ ‫‪compulsive‬‬
‫‪scale‬‬

‫‪Sass & Mende‬‬ ‫‪AMPS‬‬ ‫قائمة سامت آخن لقياس‬ ‫اضطرابات‬


‫اضطرابات الشخصية‬ ‫الشخصية‬
‫‪Bronisch,‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪MDCL-P‬‬ ‫قائمة ميونخ التشخيصية‬
‫‪al‬‬ ‫‪.‬‬ ‫الضطرابات الشخصية‬
‫‪Rudolf‬‬ ‫‪PSKB‬‬ ‫العصابات ككل الفحص النفيس و التواصيل‬
‫االجتامعي‬
‫‪Shader, et al‬‬ ‫‪.‬‬ ‫)‪(SCAG‬‬ ‫مقياس التقدير العيادي‬ ‫الشيخوخة‬
‫لساندوز‬ ‫للشيخوخة‬
‫‪Sandoz‬‬ ‫‪Clinical‬‬
‫‪Assessment‬‬ ‫‪Geriatric‬‬
‫‪Scale‬‬

‫‪Brunner‬‬ ‫)‪& (NOSGER‬‬ ‫مقياس مالحظة املمرضني‬


‫‪Spiegel‬‬ ‫للمرىض كبار السن ‪Nurses‬‬

‫‪203‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Observation Scale for‬‬


‫‪Geriatric Patients‬‬

‫خالصة‬
‫‪ ‬هدفت املسامهة احلالية إىل حتقيق هدفني‪ .‬األول تقديم عرض خمترص‬
‫يف أسس التشخيص باالختبارات‪ ،‬بمقدار أمهيتها للمامرسة النفسية العالجية‪.‬‬
‫وقد قدمنا هذا يف القسمني األول والثاين من هذا الفصل حول مفهوم االختبار‬
‫و التصنيف‪ .‬إال أنه وكام أرشنا سابق ًا فإنه ليس من املمكن تقديم عرض شامل‬
‫يف هذا اإلطار املحدود حول كل املظاهر األساسية للتشخيص باالختبارات‬
‫النفسية‪ .‬ويف اجلزء الثالث حاولنا تقديم عرض خمترص ملجالني مهمني من‬
‫جماالت استخدام التشخيص باالختبارات يف العالج النفساين‪ ،‬أي يف جمال‬
‫تشخيص التأثري ‪ Indication diagnostic‬و قياس التعديل‪.‬‬
‫واهلدف الثاين املهم كان تقديم عرض منهجي للمامرس املعالج النفساين‬
‫حول أساليب االختبارات العالجية النفسانية املهمة وتسهيل اختاذ القرار عليه‬
‫باختيار االختبار املناسب‪ .‬وهذا ما التزمنا به عند عرض أساليب تقدير الذات‬
‫واآلخر [الطرف الثالث]‪ .‬ونأمل أن تكون مسامهتنا قد أسهمت بتوضيح‬
‫أمهية التشخيص باالختبارات النفسية بالنسبة للمامرسة العالجية النفسانية‬
‫واالستمرار بتحسني تقبلها يف هذا املجال من التطبيق‪ .‬‬

‫‪204‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب الثالث‬

‫العالج النفساين بالتحليل النفسي‬

‫‪205‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪206‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب الثالث‬
‫الفصل السابع‬

‫العالج النفساني بالتحليل النفسي‬

‫‪ .7‬أسس العالج النفساني بالتحليل النفسي‬


‫‪W. Mertens‬‬

‫املريض املعاني‪ :‬التصور األساسي لفهم الصراع و املرض يف‬


‫التحليل النفسي‬
‫ال يعاين املرىض الذين يلجئون هذه األيام ملحلل نفساين من أعراض ومشكالت‬
‫حمددة فحسب وإنام يعانون بصورة أشمل من أنفسهم ذاهتا ومن حياهتم‪ .‬وحاالت‬
‫معاناهتم عبارة عن نتيجة للرصاعات الالشعورية وعاقبة خلربات الطفولة الصادمة‪ .‬بل‬
‫أنه غالب ًا ما تطورت تشكيالت اخلربة إىل اضطراب واسع إىل حد كبري أو قليل يف‬
‫الشخصية‪ ،‬يمتد ليشمل تقريب ًا كل جماالت اخلربة والتفكري و األحاسيس اجلسدية‬
‫والكفاءات االجتامعية وإدراك الذات واآلخر [الطرف الثالث]‪ .‬ويف عالج حتلييل‬
‫نفساين تتغري حصص اضطرابات الشخصية التي كانت مسؤولة عن استمرارية أزمات‬
‫و صعوبات املريض‪ .‬ولكن يفرتض كذلك أنه بعد عالج حتلييل نفساين موفق أن يصبح‬
‫املرىض الذين يعانون من تقييدات يف خمططات حياهتم ويف آماهلم و فرص عالقاهتم‬

‫‪207‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫قادرين عىل إجياد طريقهم –ال يوجد أي حملل وال أي عالج قادر عىل إبطال خربات‬
‫طفولية صادمة ومرهقة حمددة وتأثرياهتا‪ .‬وهبذا حتى لو أن التحليل ال يمكنه أن يكون‬
‫واعد ًا بالشفاء‪ ،‬إال أن التعامل مع خربات احلياة املرهقة وما ينجم عن ذلك من عواقب‬
‫عصابية يتغري بشكل كبري جد ًا‪.‬‬
‫تنطلق تقنية العالج التحليلية النفسية من أن األعراض والرصاعات التي تقود‬
‫مريض ما إىل املحلل النفيس مل تنشأ من خالل الظروف و األحوال الراهنة املقيتة للحياة‪.‬‬
‫ويفرتض أن األعراض و الرصاعات ترجع إىل خربات الطفولة الباكرة‪ .‬ويف املراجع‬
‫حول التحليل النفيس ينظر إليها عىل أهنا رصاعات الشعورية و هوامات الشعورية‪،‬‬
‫وقناعات مرضية و صدمات (انصدامات ‪ )Traumatization‬و قصور يف النمو و كوابح‬
‫و تقييدات للكفاءات املهمة و اضطرابات يف تقدير لذات‪.‬‬
‫ويقدم جدول (‪ )1‬ملحة حول أهم التصورات التي تم وصفها من املحللني‬
‫النفسيني و قاربوها ‪.approach‬‬

‫جدول (‪ )1‬أحجار البناء األساسية لتصور التحليل النفيس للمرض‬


‫صراع ال شعوري‬
‫إنه ذلك الرصاع الذي ينشأ عىل أساس عدم االتفاق بني النزوعات والرغبات‬
‫ودمج أو تكامل األفعال ‪ Act integrations‬الطفولية واملطالب الوالدية ويقود عىل‬
‫األغلب إىل حتقيق حلول وسطى تأخذ طبيعة أعراضية‪ .‬أساس الرصاع الالشعوري‬
‫هو رصاع شعوري يف احلارض‪( .‬مثال‪ :‬رصاع شعوري‪" :‬هل أبدل عميل؟ إنسان‬
‫ضائع بني هذا وذاك؟ رصاع الشعوري‪ :‬أحيق يل االستقالل عن والدي أم أين سأتسبب‬
‫هلام باحلزن؟)‪.‬‬
‫هوام الشعوري‬

‫‪208‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وتنشأ كمحاولة حل طفولية لرصاع الشعوري (مثال‪ :‬عندما يتم تفضيل أخي‬
‫عيل بشكل غري مربر ومع هذا عيل أن أختىل عن التعبري عن غضبي‪ ،‬وإال سوف أفقد‬
‫كل حب والدي‪ ،‬فسوف أرسم يف خيايل عىل األقل كيف يمكنني عقاب اآلخرين")‬
‫قناعات مرضية‬
‫وهي تنشأ كاستجابة معاشة عىل الترصفات واالجتاهات الوالدية فيام يتعلق‬
‫بترصفات الطفل ("إذا ما جترأت عىل أبسط انتقاد لوالدي فسوف أعاقب بشدة")‪.‬‬
‫أنصدامات‬
‫إهنا اخلربة الذاتية لألحداث املرهقة التي تتجاوز قدرة اإلنسان عىل املواجهة و‬
‫الدفاع‪ .‬ويمكن التمييز بني تأثريات ‘ انصدام وحيد (صدمة مرعبة) وانصدامات‬
‫متكررة أو مستمرة ‪( permanent‬صدمة مرتاكمة ‪ .)cumulative Trauma‬ويمكن‬
‫لالنصدامات املستمرة أن تظهر كذلك من خالل ما يسمى بصدمة النمو‪ ،‬التي ال‬
‫يستطيع فيها الوالدين التأقلم بشكل جيد مع احلاجات املتناسبة مع السن لطفلهم‪.‬‬
‫كوابح منائية ‪developmental inhibition‬‬

‫تقود الرصاعات الالشعورية واالنصدامات و اهلوامات الالشعورية و القناعات‬


‫املرضية إىل كوابح نامئية يف خطوط وجماالت نامئية حمددة (وهبذا الشكل ال جيرؤ عىل‬
‫سبيل املثال طفل فضويل يتم إرعابه منذ البداية إن يظل فضولي ًا ويتوقف عن‬
‫استكشاف عامله الطفويل بفضول و هبجة)‪.‬‬
‫قصور منائي‪developmental deficit‬‬

‫يمكن للرصاعات الالشعورية واالنصدامات واهلوامات الالشعورية والقناعات‬


‫املرضية التي تستجر كوابح نامئية أن تقود إىل قصور نامئي‪ .‬وحيدث هذا دائ ًام عندما‬
‫تظل الكفاءات النامئية غري املستثمرة عاجزة بسبب النقص يف التدريب‪ .‬إال أنه ينبغي‬

‫‪209‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عدم تشخيص قصور النمو بسبب دالالهتا التبخيسية ‪ pejorative connotation‬إال‬


‫فيام ندر؛ وبشكل خاص ألن كثري مما يسمى بالقصور يظهر بعد الفحص الدقيق عىل‬
‫أنه ليس أكثر من كبح مرتبط بالرصاع للنمو‪.‬‬
‫اضطرابات يف قيمة الذات‬
‫وهي التخفيض و الترضر يف مشاعر القيمة الذاتية النامجني عن الرصاعات‬
‫الالشعورية واالنصدامات و اهلوامات الالشعورية و القناعات املرضية وكبح النمو؛‬
‫ويف احلالة املتطرفة تتشكل كنتيجة إلجراءات مضادة منظمة لقيمة الذات اضطرابات‬
‫نرجسية للشخصية؛ ويف احلالة املتطرفة تتكون خربة مضطربة لقيمة الذات‪ ،‬وهو ما‬
‫نجده يف كثري من الرصاعات العصابية واضطرابات الشخصية‪.‬‬
‫اضطرابات الشخصية‬
‫تقود التقييدات و الكف إلمكانات النمو السليمة النامجة عن الرصاعات‬
‫الالشعورية واالنصدامات و اهلوامات الالشعورية و القناعات املرضية الرصاعات‬
‫واالنصدامات و التكوين اهلوامي ‪phantasy Formation‬و التسوية والتنظيم‬
‫املضطرب لقيمة الذات‪ ،‬تقود لدى األشخاص العصابيني إىل تشكل رضوب حمددة‬
‫من بنى الشخصية (من نحو التشكيك‪ ،‬اللجاجة ‪ ، obstinacy‬العناد ‪،obduracy‬‬
‫طموح مفرط نحو االعرتاف (الظهور) و املنافسة ‪ )revalization‬وتكوين املثل األعىل‬
‫العصايب (من نحو الدماثة املفرطة ‪ ،excessive courteous‬نمط احلياة التصويف أو‬
‫التزهدي ‪ ascetical‬عىل سبيل املثال) و إىل أشكال عصابية حمددة من التفكري و اخلربة‬
‫(من نحو الرتكيز الشديد عىل املوضوعي والفكري)‪ .‬ويمكن بشكل عام اعتبار هذا‬
‫االجتاه و الوضعية اضطراب يف الشخصية‪.‬‬

‫االجتاهات املدرسية التحليلية النفسية يف تبسيطها النموذجي‬


‫لن يمر إسهام بأسس العالج النفساين بالتحليل النفساين من دون الصعوبة املتمثلة‬

‫‪210‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يف أن التحليل النفيس أو العالج بالتحليل النفيس مل يعد موجود ًا منذ زمن بعيد جد ًا‪.‬‬
‫وإنام يوجد عدد كبري جد ًا من الرؤى املختلفة والتقاليد‪ ،‬والتي يمكن تسميتها أيض ًا‬
‫باالجتاهات املدرسية‪ ،‬استناد ًا إىل املكونات األساسية للنظرية والطرق العالجية‬
‫التحليلية النفسية‪.‬‬
‫إال أن املقاربة ‪ approach‬األكثر دقة دائ ًام وتطويرات الفرضيات األساسية الجتاه‬
‫مدريس حتلييل نفساين حمدد (من نحو علم نفس‪-‬األنا ‪ ،Ego-Psychological‬علم نفس‬
‫نمت لدى كثري من املامرسني‬ ‫الذات ‪ ،Self-Psychological‬الكالينية ‪ )Kleinianical1‬قد ّ‬
‫احلاجة إىل التعرف إىل نقاط التشابه واالختالف بني األساليب املختلفة‪ .‬إهنم اليريدون‬
‫النظر لظواهرية و ديناميكية و منشأ رصاعات وانصدامات الشخص الذي يتم حتليله من‬
‫زاوية حتليلية نفسانية وحيدة فحسب وإنام يريدون النظر إليها من منظور عابر للمدارس‪.‬‬
‫إذ أنه مما الشك فيه أن النهج التكاميل‪ ،‬املعدل وفق املريض الفرد منذ قديم الزمان هو‬
‫الشكل الرائج لدى بعض املعاجلني املامرسني‪ .‬إال أنه يبدو أنه من الرضوري تقديم‬
‫عرض حول الفرضيات األساسية الكامنة وراء املنظور التحلييل النفساين املعني‪ ،‬وذلك‬
‫بالنظر إىل صورة اإلنسان وفهم الرصاع و التفاعل مع املحيط و االجتاه التحلييل و فهم‬
‫النقل و النقل املعاكس و املقاومة و عوامل التأثري‪ ...‬الخ عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫وتتوفر يف الوقت الراهن العديد من األعامل يف مراجع البحث األحدث تم فيها‬
‫القيام بمثل هذا العمل التوضيحي من خالل مناقشة حاالت ملموسة مقارنة‬
‫‪ .comparative‬فقد قام ميللر وبوست )‪ (Miller & Post,1980‬عىل سبيل املثال‬
‫بالتسجيل احلريف ‪ verbatim‬جللسة عالج ملعالج نفيس بطريقة علم نفس الذات ‪Self-‬‬
‫‪ ،Psychologist‬و منظر دافعي وبنيوي و متخصص نفساين نامئي ‪developmental‬‬
‫‪ Psychologist‬وحملل نفساين بينشخيص ‪ interpersonal psychoanalyst‬وكاليني‬
‫‪ Kleinianist‬ومن ِّظر بريطاين بعالقة املوضوع‪ ،‬و حملل نفساين ذو توجه بيولوجي عصبي‬

‫‪ 1‬نسبة إىل ميالين كالين‬

‫‪211‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بينتخصيص والكاين ‪Lacanianist‬؛ كام اتبع بولفر )‪ (Pulver,1987‬و هونرت‬


‫‪1‬‬

‫)‪ (Hunter,1994‬أسلوب ًا مشاهب ًا‪ .‬أما فاين وفاين )‪ (Fine & Fine,1990‬فقد قاما بتوثيق‬
‫النموذج األصيل ‪ prototype‬ملعالج كاليني و الكوهوتياين ‪ Kohutianist‬وحملل نفسياين‬
‫‪2‬‬

‫تقليدي و حملل كرينبريغي ‪ Kernbergist‬ووجدا فروق ًا دالة يف أشكال التفسري املختلفة‪.‬‬


‫وتتضمن اجلداول املعروضة يف الفقرات املنفردة يف هذه املسامهة حول تقنيات‬
‫العالج التحلييل النفساين ثالثة نامذج‪ :‬نموذج رصاع الدافع‪ ،‬ونموذج العجز (القصور)‬
‫يف بينة األنا و الذات النامئي النفيس الذي يسمى اختصار ًا بنموذج النمو‪-‬القصور‬
‫‪Development-Deficit-Model.‬‬

‫ويمكن وصف نموذج رصاع الدافع بأنه التحليل النفيس التقليدي‪ ،‬الذي تتم‬
‫ممارسته حتى اليوم و الذي يعتمد بشكل قوي عىل تصورات فرويد‪ ،‬إال أنه يتضمن‬
‫التطويرات الالحقة يف علم نفس البنية و علم نفس األنا وحيافظ إىل حد ما عىل ما هو‬
‫مهدد بالضياع من خالل القليل من مساعي التحديث‪ :‬أي بنية االنفعال و الدافع‬
‫املتجذرة يف البنية اجلسمية لإلنسان‪ ،‬واألشكال املتنوعة خلداعه لذاته واالنحباس‬
‫التنشئوي ‪ socialisatory‬يف اإليديولوجية االجتامعية املعنية‪.‬‬
‫ويتبنى نموذج قصور بنية الذات و األنا النفيس النامئي (الذي خيترص بنموذج‬
‫القصور النامئي) أفكار علم نفس األنا األمريكية لسنوات الستينيات والسبعينيات من‬
‫القرن العرشين‪ ،‬ويتضمن عنارص من نظرية عالقات املوضوع عىل سبيل املثال من‬
‫وينكوت ‪ Winnicott‬و تصورات كوهوت ‪ Kohut‬وتالمذته‪ ،‬الذين مازالوا حتى الوقت‬
‫الراهن يعملون عىل تطوير أفكار كوهوت األصلية (من نحو آتوود ‪ Atwood‬وباسال‬
‫‪ Basal‬وستولورو ‪ Stolorow‬وخلامن ‪ Lachman‬عىل سبيل املثال)‪ .‬وعىل خالف نموذج‬
‫رصاع الدافع يركز هذا النموذج بشدة عىل تأثري االجتاهات والترصفات الوالدية املرضية‬

‫‪ 1‬نسبة إىل الكان‬


‫‪ 2‬نسبة إىل كوهوت ‪Kohot‬‬

‫‪212‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫عىل الطفل النامي وهلذا السبب فهو ينزلق لدى معظم الباحثني يف خطر املبالغة بالتبسيط‬
‫الشديد يف بعض األحيان لدور املحيط‪.‬‬
‫ويرجع نموذج رصاع العالقة إىل أفكار سوليفان وسريلس ‪Sullivan & Searles‬‬
‫وتتم ممارسته يف الوقت احلارض عىل سبيل املثال من املحليني النفسيني أمثال غيل ‪ Gill‬و‬
‫هوفامن ‪ ،Hofman‬وميتشيل ‪ ،Mitchel‬ومع بعض التقييد أيض ًا أ‪ .‬م‪ .‬ساندلر ‪A. M.‬‬
‫‪ Sandler‬و ج‪ .‬ساندلر ‪ ،J. Sandler‬ويف أملانيا عىل سبيل املثال باوريدل ‪Bauriedel‬‬
‫وإيرمان ‪ Ermann‬ورومتان ‪ .Rotmann‬ويتم الرتكيز‪-‬متأثر هنا أيض ًا باملبادئ املنظومية‬
‫و الدينامية األرسية‪ -‬عىل الطبيعة البني شخصية والتبادلية ‪ reciprocal‬للعالقات البني‬
‫إنسانية‪ ،‬مع العلم أنه يركز وعىل خالف الرؤية النفسانية االجتامعية واملنظومية عىل تقوية‬
‫البني شخصية والبني نفسانية (الضمنية) ‪Intrapsychological and Intrapersonal‬‬
‫(وبشكل خاص يف صريورته البيوغرافية)‪ .‬ويمنع التفاعل بني املحيط والدافع أو األم‬
‫املنشئة اجتامعي ًا (التي تقوم بالتنشئة االجتامعية) و فطرة الدافع الطفيل منذ بداية احلياة‬
‫اهنيار اجلانبني بشكل غري منطقي ومن البدهيي أن يكون هلذه الرؤية ‪-‬كام هو احلال يف‬
‫النموذجني اآلخرين– نتائج مهمة بالنسبة لفهم الوضع واالجتاه التحلييل النفساين ‪.‬‬
‫وانطالق ًا من هذا فإنه ينبغي عدم إساءة فهم اجلداول املعروضة يف هذا الفصل بأن‬
‫العمود األول والثاين املتضمنان نموذج رصاع الدوافع و نموذج القصور يف النمو قد تم‬
‫جتاوزمها وهلذا السبب مل يعودا يالئامن األسلوب التحلييل النفساين العرصي‪ .‬فالرؤية‬
‫التقليدية عىل سبيل املثال قد تكون مهمة جد ًا من أكثر من وجه (عند التأكيد عىل القيمة‬
‫املركزية للهوامات الالشعورية عىل سبيل املثال)‪ ،‬إال أنه من وجوه أخرى ال يمكن قبوهلا‬
‫إال بتقييدات ( من نحو ما يتعلق بتحليل النقل التقليدي عىل سبيل املثال)‪ .‬وتتضمن‬
‫النامذج الثالثة خيارات مهمة يتم مزجها بأشكال خمتلفة من قبل كثري من املحللني‬
‫النفسني العاملني يف الوقت الراهن حسب الفاعلية لدى مريض حمدد‪ .‬وهبذا فإن ما‬
‫يسمى بالتعلم من عدة معلمني ‪ ،Learning from many Masters‬و هو ما يتطلبه باحثو‬
‫العالج النفساين الراهنون فيام يتعلق بتحقيق العالج النفساين العام‪ ،‬قد بدأ يف النظرية‬

‫‪213‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫التحليلية النفسية واملامرسة منذ أبد بعيد جد ًا‪.‬‬


‫ويف هذا الفصل يبدأ العرض املقسم وفق االجتاهات املدرسية منفردة بتدقيق‬
‫الفرضيات املعنية حول مفاهيم النمو و الصدمات والرصاع (جدول ‪ )2‬و تلك الصورة‬
‫لإلنسان (جدول ‪.)3‬‬

‫جدول ‪ :2‬النمو والصدمة والرصاع‬


‫نموذج رصاع‬ ‫نموذج القصور‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫العالقة‬ ‫النامئي‬
‫النمو‬ ‫حيدث‬ ‫ينجم االضطراب‬ ‫نزوعات دافعية عدوانية‬
‫اإلنساين يف رحم‬ ‫ألنه ال يتم إشباع‬ ‫و ليبدوية تبحث باستمرار‬
‫عالقة‪ ،‬حتدد يف الوقت‬ ‫األساسية‬ ‫احلاجات‬ ‫عن إرضاء الدافع‪ :‬و بناء عىل‬
‫نفسه النمو الالحق‬ ‫التامسك الذايت ‪Self-‬‬ ‫اإلحباط احلتمي (االمتناع عن‬
‫الذات‬ ‫لتنظيم‬ ‫‪ coherence‬من الوالدين‬ ‫إعطاء الثدي) واالنصدامات‬
‫واالرتباطات بالناس‬ ‫أو األطر املرجعية األخرى‬ ‫(والدة أخ عىل سبيل املثال) و‬
‫اآلخرين و نمط‬ ‫وبناء عىل‬ ‫املهمة‪.‬‬ ‫املعايري االجتامعية (الرتبية‬
‫التفاعل‪.‬‬ ‫قصورمها الذايت كان‬ ‫عىل النظافة) حيدث قمع‬
‫الناس‬ ‫وينظم‬ ‫الوالدان غري قادرين أن‬ ‫وكبت للنزوعات الدافعية‪.‬‬
‫بفاعلية‬ ‫يمثال ألوالدمها وظائف نموهم‬ ‫األصيل‬ ‫النموذج‬
‫مواضيع ذات ‪ self-‬ويولفون‬ ‫‪ Prototype‬للرصاع هو ذلك‬
‫‪ object-Function‬جيدة‪constellation .‬‬ ‫الرصاع بني اهلو و األنا‬
‫أشكال‬ ‫يف احلياة الالحقة باستمرار‬ ‫األعىل‪ ،‬بني فطرة الدافع‬
‫املختلفة‪.‬‬ ‫اإلنساين و مطالب املجتمع‪ .‬يبحث اإلنسان املتأذي يف العالقات‬

‫‪214‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ويفضلون هنا بشكل‬ ‫بنيته الذاتية عن االعرتاف‬ ‫إال أن كبت نزوعات‬


‫الشعوري ذلك النمط‬ ‫املنتظم و‪/‬أو عن‬ ‫الدافع الطفولية ‪infantile‬‬
‫من العالقة املعروفة‬ ‫يستطيع‬ ‫أشخاص‬ ‫تستمر يف السعي نحو‬
‫بالنسبة هلم من تاريخ‬ ‫[مثلنتهم‬ ‫تقديسهم‬ ‫اإلشباع؛ و يف العرض‬
‫حياهتم‪ .‬وبمساعدة‬ ‫‪ .]Idealize‬ويف حميطه‬ ‫العصايب جتد نزوعات الدافع‬
‫التواصل‬ ‫إشارات‬ ‫الذي تظل فيه أيض ًا‬ ‫حال‬ ‫نواجته‬ ‫أو‬
‫املطابقة يقودون اآلخر‬ ‫نحو‬ ‫احلاجات‬ ‫وسط ًا‪ compromise‬ومع‬
‫ليترصف وفق نمط‬ ‫نامء‪Vitalization‬الذات‬ ‫ذلك فهو مشبع‪.‬‬
‫العالقة‬ ‫خربات‬ ‫بدون استجابة‪ ،‬يستجيب‬
‫القديمة‪.‬‬ ‫الشخص بتنمية ذات خطأ‬
‫تقود إعادة تنشيط‬ ‫ختتفي خلفها الذات‬
‫احلاجة‪ ،‬التشكيالت‬ ‫احلقيقية‪ .‬تنمية (تنشيط‪،‬‬
‫‪ constellation‬املوثوقة‬ ‫يتممن‬ ‫إحياء)الذات‬
‫مع مشاعر العالقة‬ ‫خالل العقاقري والكحول‬
‫التابعة لذلك إىل‬ ‫والرياضة املتطرفة و‬
‫رصاعات و تكون‬ ‫العمل املفرط أو إدمان‬
‫أقوى كلام كان رحم‬ ‫اخلربة‪.‬‬
‫العالقة عند املعني أكثر‬
‫انغالق ًا‪.‬‬

‫جدول ‪ :3‬صورة اإلنسان‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫الشديد‬ ‫التوطيد‬ ‫التأكيد الشديد عىل‬ ‫تركيز قوي عىل اخلربة‬

‫‪215‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫النفسية‬ ‫تأثري املحيط فيام يتعلق عىل الرؤية‬ ‫امل َحدِّ دة للديناميكية الذاتية‬
‫والبني‬ ‫بالنمو السوي أم االجتامعية‬ ‫التي تتجىل بشكل خاص يف‬
‫يسهم شخصية‬ ‫املضطرب‪.‬‬ ‫احلالة العصابية بقرس التكرار‬
‫ال‬ ‫الوالدان إىل مدى بعيد ‪Interpersonal‬؛‬ ‫وإىل تكرار اليشء نفسه‬
‫عن يصبح اإلنسان إنسان ًا إال‬ ‫باملسؤولية‬ ‫باستمرار‪ .‬التفاؤل السلوكي‬
‫الصدمات والعصابات‪ .‬من خالل العالقة؛ إنه‬ ‫فيام يتعلق بقدرة اإلنسان هي‬
‫حيتل كل من الذات يتطور يف العالقات و‬ ‫ضبط وتصعيد قوة "صوت‬
‫وقيمة الذات املحور؛ يشكل عالقات جديدة‬ ‫عقله" واندفاعيته‪.‬‬
‫اندفاعات الدافع هي وفق النموذج القديم‪ .‬ال‬ ‫اإلنسان مسؤول عن‬
‫أقرب للثانوية وهي ال يتخلص اإلنسان من‬ ‫ذاته ولكنه يمكن أن يصبح‬
‫حتتل مركز الصدارة خربات العالقة القديمة‪،‬‬ ‫مذنب ًا إذا ما مل يسعى نحو‬
‫بصورة قوية إال يف حالة ومع ذلك فاإلنسان‬ ‫التعبري عن ذاته (إظهار ذاته)‬
‫النمو املضطرب بشكل يطمح باستمرار خلربات‬ ‫و التنور والتصعيد‪ .‬وحتى يف‬
‫خاص؛ تفيد التجنسية و جديدة‪ .‬يتم التوكيد‬ ‫النمو املوفق يظل دائ ًام واجب‬
‫عىل نشاطه‪ ،‬إنه ليس‬ ‫التعدونية‬ ‫بالرصاعية‬ ‫االعرتاف‬
‫‪ Sexualization‬جمرد ضحية سلبية‬ ‫‪and‬‬ ‫اإلنسانية و الشقاء اإلنساين‪.‬‬
‫القارصة‬ ‫‪ Aggressivation‬إلمالء للظروف‬
‫وهبذا فإن الرصاعات‬
‫النقص الشديد يف اخلارجية‪ ،‬إنه ناشط يف‬
‫أمر حتمي و واالنصدامات‬
‫إعادة البناء واحلفاظ‬ ‫الذات‪.‬‬ ‫كالنية الوجود ‪.ubiquitous1‬‬
‫عىل‬ ‫الالشعوريني‬
‫بسبب تقليص عزم‬ ‫حياة بال رصاع هي عبارة عن‬
‫استمرارية تشكيالت‬
‫الدافع يصبح التوجيه‬ ‫حمض أحالم طفولية بريئة‪.‬‬
‫العالقات القديمة التي‬
‫لإلنسان‬ ‫اخلارجي‬

‫‪ 1‬وجود اليشء يف ّ‬
‫كل مكان يف مجيع األوقات‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫تقوم بتجديد املخاوف‬ ‫يكون دائ ًام‬ ‫شديد ًا‪.‬‬


‫والضيق‬ ‫واآلالم‬ ‫متعلق ًا باالعرتاف و‬
‫املألوف‪ .‬فإذا ما أعطى‬ ‫املديح و اإلعجاب‪.‬‬
‫الناس قيمة أكرب إلدراك‬ ‫ترصف‬ ‫فلو‬
‫وفهم ومساومة عالقاهتم‬ ‫الوالدان بشكل أكثر‬
‫البني إنسانية‪ ،‬فلسوف‬ ‫حساسية وأكثر اعرتاف ًا‬
‫سيكونون أقل أرس ًا من‬ ‫واهتامم ًا جتاه بعضيهام‬
‫قبل خربات عالقاهتم‬ ‫وأوالدمها‪ ،‬لكان سيوجد‬
‫القديمة ويستطيعون أن‬ ‫أناس أكثر يتصفون‬
‫يتأقلموا‬ ‫بالتنظيم الذايت‪.‬‬
‫(يتعدلوا)بشكل أكثر‬
‫إبداعية مع خربات‬
‫عالقاهتم اجلديدة‪ ،‬وهو‬
‫أمر يمكن أن يوفر عليهم‬
‫الكثري من املعاناة‪.‬‬
‫املخاطر‬ ‫املخاطر‬ ‫املخاطر‬
‫‪ -‬التوكيد الشديد‬ ‫‪ -‬إنكار املسؤولية‬ ‫‪ -‬التأكيد الشديد جد ًا عىل‬
‫عىل اللحظة البينية‬ ‫الذاتية وصوالً إىل‬ ‫التقييد من خالل طابع‬
‫النفسية ‪interpsychic‬‬ ‫الرثاء للنفس‪.‬‬ ‫الدافع اإلنساين‪.‬‬
‫‪ Moment‬عىل حساب‬ ‫‪" -‬حلظة التمرد"‬ ‫‪ -‬إمهال تأثريات البيئة‪.‬‬
‫الدينامية الذاتية ‪Intra‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫لدى‬
‫‪psychic‬‬ ‫وراء‬ ‫ختتفي‬
‫التوجيه اخلارجي‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫النقل‬
‫يعيش املتعالج حملله النفساين يف اجللسة األوىل شخص ًا ملحاح ًا وغري واضح (غري‬
‫متاميز ‪)indiscrete‬؛ ويتولد االنطباع لدى متعالج آخر بعد عدة جلسات من التحليل بأن‬
‫حملله كفء بشكل غري معقول و بأنه اآلن قد بدأ يستنتج وجود االستبصار لديه‬
‫وحدوث تعديالت؛ وهناك ثالث يعتقد بأن حملله ال يمدحه إال عندما يتحدث عن‬
‫النجاحات فقط‪.‬‬
‫املسألة لدى هؤالء األشخاص وفق رؤية التحليل النفساين التقليدية هي يف تكرار‬
‫خربات ورغبات الطفولة املبكرة‪ ،‬التي تصبغ بشكل ال شعوري التعامل الراهن مع‬
‫األطر املرجعية املهمة‪ .‬إدراك وخربة املريض مها تعبري عن خرباته احلياتية التي مر هبا‬
‫حتى اآلن‪ ،‬التي يمكن أن تكون قد تكاثفت إىل بنية شخصية عصابية‪ .‬وهذا هو أساس‬
‫إشكالية معاناته‪ .‬هلذا فإن نظرة املحلل ال تتوجه أساس ًا إىل األعراض املمكنة للمريض‪،‬‬
‫وإنام إىل األجزاء من بنية الشخصية الكامنة خلفها‪ ،‬التي تشوه خربة إنسان ما عن نفسه‬
‫وعن اآلخرين طبق ًا للرصاعات الالشعورية‪ .‬وهلذا السبب ترتبط الصحة النفسية مع‬
‫اإلدراك املالئم لإلنسان لشخصيته وشخصيات الناس اآلخرين‪ .‬فاإلنسان البارانوئي‬
‫الذي يدرك اآلخر غري املؤذي عىل أنه خطر عليه يكون مقيد ًا يف قدرته عىل املعايشة و‬
‫الترصف مثله مثل الشخص ذي األجزاء االكتئابية من الشخصية الذي يعيش اآلخرين‬
‫دائ ًام عىل أهنم حاسدين و ملحاحني‪.‬‬
‫ويعيق خداع الذات املمتد لسنوات طويلة‪ ،‬بل حتى لعقود والذي يتجىل من خالل‬
‫اإلدراك املشوه و اخلربة غري املالئمة حول الذات و اآلخرين‪ ،‬حصول خربات جديدة‬
‫للعالقة بسبب التكرار الدائم خلربات العالقة نفسها‪ .‬وبداية عندما يتم يف جمرى العالج‬
‫التحلييل التعرف عىل نمط النقل القائم‪ ،‬الذي يتم ضمنه تصنيف ‪ subsume‬كل جديد‪،‬‬
‫وتعديله (أي لنمط النقل القائم) يمكن أن يتشكل فهم جديد للنفس و تعامل معدل مع‬
‫الناس اآلخرين‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫هلذا تعد الدراية بحوادث النقل و العمل عىل النقل من أهم عنارص يف العالج‬
‫التحلييل النفساين ‪.‬‬
‫"يظهر النقل بشكل عفوي يف كل العالقات اإلنسانية ويف عالقة املريض بالطبيب‪،‬‬
‫وهو حيثام وجد فإنه يشكل احلامل الفعيل للتأثري العالجي و ؤثر بشكل أقوى كلام قل‬
‫إحساس املرء بوجوده‪ .‬وعليه فالتحليل النفيس ال يزيله وإنام يقوم بتغطيته بالشعور‬
‫ويستحوذ عىل تأثريه من أجل توجيه احلوادث النفسية نحو اهلدف املرغوب"‬
‫)‪.(Freud,1910, P. 55‬‬
‫وبعد حوايل ‪ 100‬سنة الحق ًا ال يوجد أي شك بأن خربات العالقة الراهنة تتحدد‬
‫بمقادير خمتلفة من خالل "هناك ويف ذلك الوقت" من اخلربات املاضية‪ .‬وبالتايل فإن‬
‫معرفة فرويد هذه مل تثبت نفسها فحسبها بل أصبحت عالمة مميزة ألساليب العالج ذات‬
‫التوجه الديناميكي والتحلييل النفساين ‪ .‬وكذلك تذهب املبادئ السلوكية االستعرافية‬
‫يف هذه األثناء من حتليل رجعي زمني للسلوك ‪ diachronic‬وتوجه اهتاممها كذلك عىل‬
‫الصريورة البيوغرافية‪ .‬إال أنه توجد رؤى خمتلفة حول ماهية الطريقة التي تتأثر فيها‬
‫اإلدراكات املتمحورة حول احلارض بتاريخ احلياة‪ ،‬والكيفية التي عىل املعالج النفساين‬
‫أن يفرسها فيها و يوضحها‪.‬‬
‫وال يسعنا هنا سوى اإلشارة باختصار إىل الكيفية التي توصل فيها فرويد إىل النقل‬
‫الذي يعد بالنسبة للتحليل النفساين اليوم كام كان يف السابق تصور ًا أساسي ًا‪ .‬ومن املؤكد‬
‫أنه قد كان هنا لفشل الطب املفهوم واملامرس عىل أساس الفهم العلمطبيعي حرص ًا دور ًا‪.‬‬
‫وقد توصل فرويد إىل تصوره حول "الربط اخلطأ" نتيجة لرغبته يف تقرير فرضية‬
‫اإلحيائية ‪ suggestionism‬للعالج التنويمي ودحض االهتام بوجود هذيان تكافيل‬
‫مشهون هيسرتيائي‬ ‫َّ‬ ‫‪( symbiotically delusion‬ذهان االثنني ‪) folie a` deux‬‬
‫‪1‬‬

‫‪1‬ذهان االثنني أو الذهان التكافيل‪ :‬اال ضطراب الذهاين امل شرتك‪ ،‬أو ما ي سمى كذلك اال ضطراب اهلذياين م ستثار أو ‪Folie à‬‬

‫‪219‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ hysteroiden and erotized‬بني املعالج واملريض و تأييد الفصل العلمطبيعي بني‬


‫موضوع البحث وذات البحث ‪ ،research subject and research object‬األمر الذي‬
‫قاده ضمن أمور أخرى إىل االستعارة املجازية اجلراح‪-‬املرآة‪ -‬املعروفة ‪ .‬ويف "سريته‬
‫‪1‬‬

‫الذاتية" يتطرق فرويد (‪ 1925‬ص‪ )68‬إىل أنه يمكن لإلنسان أن يتعرف فيه عىل‬
‫املنومون القابلية لإلحياء‪ ،‬الذي هو حامل‬
‫"العامل الديناميكي نفسه"‪" ،‬الذي أطلق عليه ِّ‬
‫الصلة التنويمية"‪.‬‬
‫متت اإلشارة إىل النقل بوصفه ظاهرة ملحوظة يف العالج ألول مرة يف دراسات‬
‫فرويد حول اهلسترييا وتم تفصيله بدقة يف قصة دورا املنشورة يف عام ‪ .1905‬ويف السبع‬
‫وعرشين حمارضة حول املدخل إىل التحليل النفيس بني عامي ‪ 1917-1916‬عالج‬
‫فرويد النقل بتفصيل‪ ،‬وقد خصص مقالتني أخرتني "حول ديناميكية النقل" ‪ 1912‬و‬
‫"مالحظات حول تفضيل النقل" يف عام ‪.1915‬‬

‫النقل ليس إعادة مطابقة حلقيقة املاضي‬


‫يوجد منذ بداية التحليل النفيس تفسريين ملفهوم النقل‪:‬‬

‫‪ -‬األول وهو تفسري واسع االنتشار يف الوعي العام للجمهور يرى أن النقل هو‬

‫‪ deux‬هو عبارة عن عدوى بمرض ذهانيلشخص سوي من الناحية العقلية‪ ،‬إال أنه مزعزع و غري مستقر من الناحية النفسية‬

‫غالب ًا يتعلق األمر بأقارب أو رشيك احلياة يف حميط اجتامعي معزول أو حميط م ضطرب‪ ،‬يت شارك نفس اهلذيان أو منظومة اهلذيان و‬

‫يتجذر يف جمرى الوقت يف هذه القناعة بصورة غري قابلة للتصحيح‪.‬‬

‫وهنا يوجد فرق مميز بني الرشيك الفاعل املثري للهذيان و الرشيك السلبي‪.‬‬

‫‪ 1‬وصف فرويد املحلل النفيس املثايل‪ ،‬مثل أن يعمل بتأن عامل اآلثار‪ ،‬حيادي مثل اجلراج‪ ،‬وبارد كاملرآة‬

‫‪220‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫إعادة بناء مسببة الشعوري ًا لعالقة مبكرة‪ ،‬نشأت من الطفولة عىل األغلب‪.‬‬
‫فيتم إدراك واقع العالقة الراهن بشكل مشوه وتفسريه بصورة خطأ يف ضوء‬
‫خربات الطفولة‪.‬‬
‫‪ -‬يف الرؤية الثانية ال يذهب النقل من اإلعادة الالشعورية لشكل عالقة أولية‬
‫باكرة فحسب‪ .‬فعندما يعيش مريض ما حملله عىل أنه قاس‪ ،‬فإن هذا يمكن‬
‫أن يمثل إسقاط ًا أو جتسيد ًا ‪ externalization‬ألحد جانبي رصاع داخيل‪ :‬ألن‬
‫املريض يعيش نفسه بأنه فاقد للدافع و كسول‪ ،‬وينتقد نفسه بشدة و بال رمحة‬
‫فيجسد هذا املظهر من نقده لذاته عىل حملله‪ .‬و هنا ال يفرتض بأي شكل‬
‫من األشكال أن يعكس نقد الذات انتقادا ألم صارمة أو أب معا ِّقب‪ ،‬وإنام‬
‫هو تعبري عن الديناميكية النفسية ملطالب تعزى يف املفهومية النظرية البنائية‬
‫‪ constructionism‬التقليدية إىل األنا األعىل و مثال األنا ‪superego and‬‬
‫‪ .Ego-Ideal‬وبالتايل فإن هذا التفسري الثاين يوجه اهتاممه بشكل أقوى نحو‬
‫الرغبات والتوقعات و خصائص الطبع الراهنة (من نحو االجتاه شديد النقد‬
‫للذات عىل سبيل املثال) و ال يعزو النقل بشكل خطي ومبسط خلربات‬
‫الطفولة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫يف بداية التحليل غالب ًا ما حيتل التفسري الثاين مركز الصدارة؛ و بداية مع املدة‬
‫املتزايدة حتتل اخلربات البيوغرافية الباكرة مركز الصدارة باعتبارها نقل ويمكن حتديدها‬
‫وإعادة تنظيمها ‪ reconstruct‬بوصفها كذلك عموم ًا‪ .‬ولكن حتى عندئذ فإنه ال ينظر‬
‫للنقل عىل أنه يمثل إعادة مطابقة لواقع املايض‪ .‬إذ أنه حتى خربات العالقة الصادمة‬
‫تكون قد تم متثلها من الطفل يف شبكة اهلوامات املرضية‪ ،‬بحيث أنه ال ينظر للنقل‬
‫احلاصل باحلارض عند مريض ما عىل أنه التعبري املبارش للتوقعات احلقيقية وأنامط سلوك‬

‫‪221‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫والديه أو أطر مرجعية أخرى إال يف احلاالت النادرة فقط‪ .‬إال أن النقل هو تعبري عن‬
‫العامل الداخيل‪ ،‬الواقع النفيس خلربات العالقة بالشكل الذي عاشه فيه الطفل أو اليافع‬
‫يف جمرى نموه مع الكفاءات االستعرافية املختلفة‪ .‬فالطفل البالغ من العمر سنتني‬
‫سيدرك ويتمثل خربات االنفصال الصادمة بشكل خمتلف عن أخيه البالغ من العمر ثامين‬
‫سنوات أو عن مراهق‪.‬‬

‫‪ ‬يسلك مريض عىل سبيل املثال سلوك ًا مفرط الدقة ومضبوط ًا‪ ،‬إنه يتقدم‬
‫يف العالقات املهنية واخلاصة‪ ،‬إال أنه يشعر مع كل نجاحاته بأنه ال يستطيع أبد ًا‬
‫أن يفعل شيئ ًا كامالً‪ ،‬هلذا تظل هناك مشاعر ذنب‪ .‬كانت األم دائ ًام صارمة‪،‬‬
‫وكانت متتلك تصورات صارمة عن النظافة‪ .‬وهنا يغلب الظن باالستنتاج‬
‫النشوئي برسعة واملتمثل يف أن املريض ينقل إىل املعالج تلك اخلربات من‬
‫العالقة التي يعرفها من أمه‪ .‬فهو عندما يكون دقيق ًا و مضبوط ًا‪ ،‬ويعرب عن‬
‫تداعياته بال انقطاع‪ ،‬فإنه خيمن أيض ًا يف املحلل أم ًا صارمة‪ ،‬عليه أن يواجهها‬
‫بخضوع‪ .‬ولكن إذا ما ترصف املعالج بشكل خمتلف‪ ،‬بحب وبقليل من الضبط‬
‫و يؤمن الكثري من احلرية قدر اإلمكان‪ ،‬عندئذ –هكذا يأمل بعض املعاجلني‪-‬‬
‫رسعان ما سيزول هذا النقل‪ .‬ولكن ماذا لو كان السلوك املتالئم املشحون‬
‫بمشاعر الذنب تعبري ًا عن انفعاالت عدوانية مصدودة و هوامات سادية؟ هلذا‬
‫البد من أن يضاف إىل وجهة النظر النشوئية التفكري البنيوي و الدينامي‪.‬‬
‫فاهلوام املتمثل يف أن الناس اآلخرين أرشار جتاه الشخص وحمبني لالنتقام منه‪،‬‬
‫ال يمكن للمرء إشباع مطالبهم إال بأن جياري توقعاهتم بال مقاومة‪ ،‬يمكن أن‬
‫يكون إسقاط لغضبه الذايت املكبوت غري الشعوري‪ .‬إن التفسري للنقل الذي ال‬
‫يأخذ بعني االعتبار إال وجهة النظر النشوئية‪ ،‬هو تفسري مترسع هذا إذا ما مل‬
‫يكن خطأ عموم ًا من ناحية وال يراعي‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬املعرفة األساسية‬

‫‪222‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املنبثقة عن الرؤية التأملية‪ .metapsychology 1‬إذ أن كل سلوك ليس جمرد‬


‫تعبري عن إرشاط تارخيي حيايت‪ ،‬وإنام أيض ًا تعبري عن القوى (كنزوعات الدافع‬
‫واالنفعاالت وحتى املثل كذلك عىل سبيل املثال)‪ ،‬التي تبدي ديناميكية نفسية‬
‫معقدة‪ ،‬التي ال يمكن إزالة أو إعادة إرشاطها ببساطة‪ .‬وهذا التفكري‬
‫السيكوديناميكي يتضمن اجتاه بحث وفق الدوافع املؤثرة ديناميكي ًا التي جتعل‬
‫املعني يتمسك بذلك السلوك واخلربة‪ .‬وعليه يمكن للفرضية املتمثلة يف أن‬
‫الناس اآلخرين يمتلكون توقعات صارمة ‪ ،rigorous‬أن تكون أيض ًا تعبري ًا عن‬
‫مشاعر الذنب الالشعورية‪ ،‬التي حتركت بسبب اهلوامات العدوانية لدى‬
‫الطفل و اليافع‪ .‬ويشري التفكري البنيوي يف التحليل النفيس إىل املوضوع املتمثل‬
‫يف أن مشاعر الذنب قد تكاثفت إىل أنا أعىل صارم يعمل عىل أن كثري من‬
‫االنفعاالت العدوانية املوجهة باألصل للوالدين أو األخوة يتم توجيهها نحو‬
‫ذات الشخص‪ .‬إن سلوك املعالج املشحون باحلب الذي يأمل منه هذا املعالج‬
‫حدوث خربة تصحيحية انفعالية ملريضه‪ ،‬تصعب عليه (عىل املريض) التعرف‬
‫عىل هواماته السادية ووعيها يف كل جذورها‪.‬‬

‫وكام أن النقل ال يمثل كثري ًا إحياء للاميض مطابق ًا حلقيقة الواقع‪ ،‬فإن فهم خربة‬
‫ال إال إذا أسندها اإلنسان للاميض وهنا قد يتم جتاهل أنه يقوم‬ ‫املريض ال يكون كام ً‬
‫بإخراج‪ producing‬رصاعاته وما ينجم عن ذلك من اجتاهات يف الشخصية يف عالقته‬
‫بمحلله‪ ،‬حيث يقولب يف توليفته املرسحية ‪ dramaturgy‬عىل شخصيته الالشعورية‪.‬‬
‫وهبذا فإن أهم مبدأ للتحليل النفساين املعارص هو التشابك اجلديل بني حدث الرصاع‬
‫الداخيل [البني نفيس] ‪ Intrapsychic‬والبني شخيص ‪ .Interpersonal‬وبتعبري آخر البد‬

‫التبرصي‪ :‬علم النفس الذي هيدف إىل إكامل حقائق السيكولوجيا (ونواميسها املبنية عىل املالحظة‬ ‫‪ 1‬علم النفس التأ ّميل أو ّ‬
‫واالختبار) بالتأ ّمل يف العالقة بني العمليات العقلية والعمليات اجلسامن ّية أو يف‬

‫‪223‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من النظر لكل تعبري للمريض ليس من منظور الفهم السببي التاريخ حيايت (وجهة النظر‬
‫النشوئية لعلم النفس التأميل ‪ )genetically viewpoint of Metapsychology‬فحسب‪،‬‬
‫بل البد من النظر إليها كذلك من منظور الفهم الدائري املنظومي ‪systemic circularly‬‬
‫(وجهة النظر التفاعلية‪-‬التكيفية ‪. )adaptive-interactional viewpoint‬‬
‫وبمساعدة مثال مقتبس عن كوبري ‪ 1969‬يمكن توضيح أن الرؤية النشوئية‬
‫األحادية التي تستثني الرؤية التفاعلية‪-‬التكيفية لعالقة النقل الراهنة قد متثل إجرا ًء‬
‫حتليلي ًا غري كامل‪.‬‬

‫‪" ‬مرت سيدة يظهر عليها بوضوح معاناهتا من مرض‪ ،‬أطلق عليه‬
‫فرويد تسمية املازوخية املعنوية ‪ morale Masochism‬بخربة مهينة جد ًا‪،‬‬
‫ورسعان ما ظهر أهنا نفسها قد ‘عملت عىل هذه النتيجة‘ عىل حسب تعبريها‬
‫احلريف‪ .‬وهي مل تكن خمطئة هبذا‪ ،‬فتوقعاهتا املشؤومة تقع يف خانة ‘النبوءة‬
‫املحققة لذاهتا ‘‪‘ ،‘self-fulfilling prophecies‬كنت جمبورة عىل معاقبة نفسك‪،‬‬
‫كام كانت أمك تعاقبك يف املايض‘ أو ‘يمكننا أن نرى ثانية‪ ،‬بأنك قد شحنت‬
‫بنفسك هذه املعاناة الكبرية التي تعيشينها‘‪- ،‬كال هذين التعبريين يتضمنان‬
‫تفسريات ممكنة‪ ،‬ليست ضارة يف بداية التحليل‪ .‬وباملقابل فإن مثل هذه‬
‫التفسريات يف حتليل حصل فيه عصاب نقل غالب ًا ما تكون غري كاملة‪ .‬إذ البد‬
‫أن يتم جعل الديناميكية يف هنا واآلن شعورية‪ .‬ليس بالرضورة للمريضة أن‬
‫ِ‬
‫املعاقب لألم بشكل‬ ‫‘تعاقب نفسها بشكل عام‘‪ ،‬وأال تكرر نفسها جتاه املوقف‬
‫مطلق‪ .‬إهنا تعاقب نفسها بسبب اندفاع حمدد جتاه معاجلها‪ .‬لقد ظهر أن‬
‫املريضة قد أملت لو أن حمللها مل حيصل عىل ذكرى من الذكريات‪ ،‬التي كان‬
‫يتوقعها حسب رأهيا‪ :‬كان عليها أن تعاقب نفسها عىل هذا املجرى من التفكري‪.‬‬
‫إهنا تتذكر أن زميلة هلا كادت أن تدفعها يف أيام املدرسة إىل االرتباك من خالل‬
‫النكايات‪ ،‬وأوصلتها بال رمحة حلالة من البكاء‪ ،‬وظهر أهنا يف ذلك الوقت قد‬

‫‪224‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اضطرت لقمع شعورها بالنرص‪ ،‬وذلك عندما سمعت بأن والدها الذي كان‬
‫يدرس يف املدرسة نفسها مل يستطع وال أي مرة أن يكبح مجاح طالب صفه؛‬
‫وأضافت ‘إال أنه كان حمبوب ًا جد ًا ألنه كان يعامل الطالبات بلطف‘‪ .‬فهي كانت‬
‫إذ ًا غيورة عىل والدها‪ ،‬مشاعر الشعورية‪ ،‬الثأر و التهكم‪ ،‬يغذيان حاجاهتا‬
‫للعقاب‪ .‬لقد تركت نفسها تتعاقب‪ ،‬بأن تركت زميلتها تتهكم عليها‬
‫مستسلمة‪ .‬واآلن يف التحليل متتلك ثانية هوامات مرتفعة وتعاقب نفسها عىل‬
‫ذلك من خالل دخوهلا يف مواقف مهينة‪ .‬وحتى اآلن كانت إرادهتا يف إهانة‬
‫املحلل متجذرة يف غريهتا‪ .‬ويتيح هذا التفسري الذي يراعي الديناميكية و املنشأ‬
‫سواء للشخص الذي يتم حتليله الوصول إىل االستبصار يف ذاته بحيث أنه‬
‫حيظى بإمكانية التعامل مع ذاته بطريقة مفيدة"‪ .‬‬

‫من دون مراعاة عصاب النقل يف هنا واآلن يظل فهم الديناميكية النفسية للمريض‬
‫غري كامل‪ ،‬مع النتيجة بأن التحليل قد يأخذ حينئذ جمرى غري باعث عىل الرضا‪ :‬وعىل‬
‫عكس األحكام املنترشة بشكل واسع جتاه التحليل النفيس والتي مفادها أن التحليل‬
‫النفيس ال هيتم إال بذكريات الطفولة فإن أغلب وقت اجللسة التحليلية يدور حول‬
‫األحداث التي يعيشها املريض عىل أهنا صعبة يف حياته احلارضة‪ ،‬وبشكل خاص‪ ،‬ولكن‬
‫بالطبع ليس فقط‪ ،‬عن مشاعر وخربات العالقة الدقيقة ‪subtle‬التي تنشأ بينه وبني حملله‪.‬‬

‫النقل بوصفه إعادة للاميض أم نتاج تفاعل؟‬


‫يف السنوات الثالثني حتى األربعني املاضية تزايد االنتقاد للواقعية الساذجة لتصور‬
‫ما يشبه علم النفس التجريبي أو للتصور الالاجتامعي ‪ a-social‬لعالقة املح ِّلل‪-‬املُ رح َّلل‪:‬‬
‫ففي الفهم التقليدي يستجيب الشخص الذي يتم حتليله بناء عىل الغفلية ‪anonymity‬‬
‫املذعنة واالمتناع ‪ Abstinence‬واحليادية ‪ Neutrality‬فقط بخربات العالقة الباكرة عىل‬
‫شخص املح ِّلل‪ .‬وبام أنه هنا ال يمكن التعرف عىل وجود إسهام يف مشاركة واقعية‬

‫‪225‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بالعالقة للمح ِّلل (القائم بالتحليل)‪ ،‬فهو ال يقوم سوى بتفسري النقل عند املريض‪ ،‬فإنه‬
‫ال يمكن ألي إدراك للشخص الذي يتم حتليله غري املريح (أي اإلدراك) أو غري املألوف‬
‫ملفهوم ذات املح ِّلل‪ ،‬إال وأن يكون نقالً‪.‬‬
‫ويف السنوات األخرية حتول السؤال فيام إذا كانت املسألة يف النقل تتعلق بإعادة‬
‫للاميض مطابقة للخربة (ربام من سنوات الطفولة األوىل)‪ ،‬أي تتعلق ببنية ثابتة ‪invariant‬‬
‫‪ Structure‬أم بنتاج تفاعيل ‪ interaction product‬للمح ِّلل واملُ رح َّلل‪ ،‬ومن ثم بمتغرية‬
‫تفاعلية تبادلية (إجرائية) ‪ ،processual‬يف املراجع التحليلية النفسية إىل موضوع للجدل‬
‫املكثف‪ .‬فإذا ما صح املوقف األول أعاله‪ ،‬بأن خربات العالقة العصابية تربهن عىل‬
‫ديناميك ية ثابتة إىل حد كبري‪ ،‬تتجىل بغض النظر عن السياق املعني‪ ،‬فإن املوقف التباديل‬
‫(اإلجرائي) ‪ Process Position‬يربهن بأن العالقة بني املحلل واملريض هي بشكل‬
‫حتمي عالقة تبادلية ‪ ،reciprocal‬ومن البدهيي أن تكون كذلك خصوص ًا عندما يعتقد‬
‫املحلل بأنه يترصف أو ترصف وفق نموذج‪-‬سطح املرآة شبه التجريبي ‪experimental‬‬
‫‪ .analogue‬وبالتايل فإن العالقة ال تستقبل طبق ًا هلذا الفهم العرصي تأثريات من‬
‫الديناميكية العصابية هلناك ويف ذلك الوقت‪ ،‬وإنام كذلك مما ينطلق من املحلل بشكل‬
‫ضمني أو حتى متخف نسبي ًا عىل شكل إشارات وحمفزات توجيه حاذقة ‪ subtitle‬إىل حد‬
‫كبري أو قليل‪ .‬إال أنه يندر أن يتم إيصال هذه التلميحات (إشارات) بشكل إحيائي إال‬
‫يف احلاالت النادرة؛ بل أهنا حتصل بناء عىل ديناميكية العالقة الالشعورية وغري املقصودة‬
‫بني كال املتفاعلني بصيغة لفظية وغري لفظية‪.‬‬
‫وعند هذه التخوم ‪( Rubicon‬الظاهرية) تفرتق األفكار‪ :‬فجهة تعتقد أهنا إذا ما‬
‫أخذت بعني االعتبار سياق العالقة فإهنا ستكون قد ختلت عن املواقف اجلوهرية‬
‫لفرويد‪ ،‬ولن تعود قادرة عىل إجراء حتليل حمرتف‪ ،‬وإنام كذلك جيرون صورة "مهجية"‬
‫من االنطباعات البني شخصية‪ ،‬وهو ما يمكن تشبيهه بطرق التغذية الراجعة النفسية‬
‫االجتامعية؛ وبالنتيجة فهي تتهم اجلهة األخرى أيض ًا بأهنا تقلل بشدة من أمهية نصيب‬
‫املايض و متنح التأثريات املنبثقة من عالقات احلارض وزن ًا كبري ًا وهلذا أيض ًا تصب حمددات‬

‫‪226‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النقل احلقيقية فوق االنطباعات البني شخصية من هنا واآلن‪ .‬أما ممثلو وجهة النظر‬
‫التفاعلية احلديثة و البنائية ‪ constructivism‬فتأخذ عىل اجلهة األخرى باملقابل أهنا من‬
‫خالل إشارهتا إىل الديناميكية الذاتية للنقل تنطلق من تصور متقادم لعلم نفس اجلسم‬
‫الواحد ‪ ،one-body-Psychology‬أي تصور علم نفس اجتامعي فردي بدالً من تصور‬
‫علم نفس اجتامعي حتمي ‪ ،unavoidable‬وبأهنا تبدو ساذجة من ناحية النظرية املعرفية‪،‬‬
‫ألهنا يف النهاية متثل موقف ًا لواقعية تم جتاوزها منذ أمد بعيد (هناك معارف حول املوضوع‬
‫املفرتض معرفته‪ ،‬كام هو بالفعل من دون أي تأثري للعارف)‪ ،‬وبأهنا غامضة من الزاوية‬
‫التحليلية النفسية ألهنا تنظر للمحلل وكأنه حكم متفوق يشارك يف احلدث التحلييل‬
‫بوظيفة مالحظ خارجي فقط و بأهنا غري فاعلة بشكل خاص يف العالج‪ ،‬ألهنا ال تنمي‬
‫بصورة خاصة وضعية الدور املسيطر لوعي الذات عند املريض‪ ،‬بل حتى تكون ضارة‬
‫يف بعض األحيان‪ ،‬إذا ما تم صد إدراكاته بمساعدة تفسريات النقل التقليدية عىل أهنا‬
‫خطأ ومشوهة‪.‬‬
‫إال أن كال الوجهتني املتطرفتني تتجاهالن أن عالقة املح ِّلل‪-‬املح َّلل (الذي يتم‬
‫حتليله) تضمنان عدة حمددات‪ ،‬منها ما ينشأ عن التفاعل يف هنا واآلن‪ ،‬وتلك التي تنبثق‬
‫عن الطبقات املختلفة للاميض‪ .‬و ما يميز العالقة العالجية عن عالقات احلياة اليومية‬
‫ال من الشخص الذي يتم حتليله يف إدراك‬ ‫هي حقيقة أن املحلل يف العادة هو أفضل تأهي ً‬
‫اآلخر و متايز تأثريات العالقة املختلفة؛ غري أن هذا السبق يف الكفاءة ال يستبعد انطالق‬
‫تأثريات غري ملحوظة من املحلل يمكن أن تؤثر يف عالقته بالشخص الذي يتم حتليله‪.‬‬
‫فام يسمى بالنقل إذ ًا ليس جمرد تركيب مزجي ‪ ،mixtum copositum‬تم فيه تأصيل‬
‫مفهوم عالقة النقل‪ ،‬من أجل التفسري من خالله أن إدراك املحلل من جانب الشخص‬
‫الذي يتم حتليله عبارة عن خليط من األجزاء املتبدلة موقفي ًا من هناك ويف ذلك الوقت‬
‫خلربات العالقة املاضية مع هنا واآلن لتأثريات العالقة الراهنة‪ .‬هلذا فإن عزو إدراك‬
‫املريض لواقعه النفيس الداخيل فقط عبارة اختزالية غري مرشوعة وإمهال تأثري التوقعات‬
‫والقناعات وحتى تأثريات الرصاعات و االجتاهات العصابية للمحلل‪ .‬ولكن هناك‬

‫‪227‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بالطبع تفاعالت‪-‬حملل‪-‬مريض حتدد فيها الديناميكية اخلاصة للمريض يف جزء كبري‬


‫منها شكل العالقة‪ .‬إال أنه ال جيوز هلذه اإلمكانية أن جتعلنا نتجاهل كيف أنه حتدث‬
‫تأثريات متبادلة شديدة عىل الرغم من التنظيم التحلييل النفساين العبقري للجلسة‪ ،‬التي‬
‫يتحول فيها املحلل النفيس إىل مالحظ مشارك للنتاجات اللفظية وغري اللفظية ملريضه‪.‬‬
‫وحتى عندما يقوم املرء برفض نموذج املرآة بوصفه قد تم جتاوزه ويرى يف االجتاه‬
‫التقليدي تقشف ًا ‪ abstinence‬دفاعي ًا‪ ،‬فيمكنه دائ ًام أن ينسى مضامني الرؤية احلديثة‪.‬‬
‫عندئذ يمكن عىل سبيل املثال للمحلل و املريض أن يتفقا ‪" ...‬عىل نظام تكمن خلفه‬
‫أنامط وقواعد من التواصل تقوم عىل تفاعل واضح‪ ،‬بشكل ال يعرض التوازن‬
‫‪ homeostasis‬الداخيل أو التوازن النرجيس لكليهام للخطر" )‪.(Bettighofer,1994‬‬

‫النقل املوضوعاني و نقل‪-‬موضوع الذات‬


‫‪Objectal Transmittance and Self Object-Transmittance‬‬

‫حاول املرء حتديد الفرق بني املرىض العصابيني عىل مستوى أعىل من تنظيم الذات‬
‫و املرىض املضطربني باكر ًا بقصور بنيوي يف األنا من خالل أن املرىض العصابيني غالب ًا‬
‫ما يستجيبون بخربات‪-‬نقل رصاعية من الطيف الليبدوي والعدواين‪ ،‬يف حني أن األفراد‬
‫املنصدمني يف تاريخ حياهتم املبكر يعربون بنقل نرجيس أو بنقل موضوع الذات ‪self-‬‬
‫‪ .Object‬باإلضافة إىل أنه يف الغالب يتم تنشيط النقل العصايب من خالل الرغبات‬
‫األوديبية وتتجه نحو األشخاص الذين يعاشون بوصفهم حمددين بوضوح عن الذات‬
‫اخلاصة‪ .‬إهنا تتضمن رغبات يف املعاملة باملثل‪ ،‬من نحو كيفية احلصول عىل طفل من‬
‫األب‪ ،‬ولكن أيض ًا إهداءه طفل عىل سبيل املثال‪ .‬ويقود ختييب هذا إىل الغضب و كذلك‬
‫إىل التوق املتزايد‪ .‬و تقوم املخاوف التي تستثار بسبب هذه الرغبات عىل خطر اإلخصاء‬
‫أو فقدان احلب أو فقدان الشخص املحبوب‪ .‬وعىل الرغم من أن املريض العصايب قد‬
‫يقدس ‪ idealize‬حملله أيض ًا إال أن هذه الرغبة للتقديس ليست ذات أمهية أساسية بالنسبة‬
‫للنقل‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ويف املرىض املضطربني يف وقت باكر إىل حد ما‪ ،‬الذين عادة من تظهر لدهيم أرضار‬
‫شديدة يف مشاعر تقدير الذات‪ ،‬يتم إثارة النقل من خالل التوق نحو موضوع الذات‪.‬‬
‫وهنا ال حتتل الرغبة نحو املعاملة باملثل مركز الصدارة وإنام التوق أو التطلعات اخلفية‬
‫‪ mystic‬اللطيفة و الشبيهة باالنصهار نحو شخص قابل للتقديس إىل ما الهناية‪ ،‬يمكن‬
‫للمرء االعتامد عليه بإجالل‪ ،‬أو التي حيب املرء أن حيصل منه عىل االعرتاف و التقدير‪.‬‬
‫وبداية عندما حيصل موضوع الذات املقدَّ ر (الواجب) عىل التعلق بالشخص املقدس أو‬
‫االعرتاف والدعم‪ ،‬يستجيب هؤالء املرىض بخيبة و غضب شديدين‪ ،‬إذا ما مل يتم إشباع‬
‫حاجاهتم من املحلل بتعاطف ومل يتم حتفيزهم ‪ prompt‬بشكل ُمريض كفاية‪.‬‬
‫يف تقنية عالج كوهوت ‪ Kohut‬فإن جوهر اإلجراء العالجي يتشكل يف إفساح‬
‫املجال للنشوء التدرجيي ألشكال النقل النرجيس (أسامها كوهوت يف عام ‪ 1973‬يف‬
‫البداية "النقل النرجيس"‪ ،‬ويف عام ‪"1979‬نقل‪-‬موضوع الذات")‪ ،‬الذي صنفه بداية‬
‫عىل أنه النقل املقدس و نقل املرآة‪ .‬ويعد فسح املجال مه ًام ألنه يمكن أن حيصل يف طور‬
‫البداية بشكل خاص صد شديد لرغبات النقل النرجسية للمريض‪ ،‬حيميه من خيبة‬
‫جديدة حلاجاته النرجسية‪ .‬ويوجد طيف واسع جد ًا ومتنوع لألسباب حول أنه من‬
‫الصعب يف الشخصيات الفصامية بناء توازن يف النقل النرجيس من خالل إعادة إحياء‬
‫الذات‪-‬الكربى و صورة الوالدين املقدسة‪ .‬ومتتد هذه األسباب من مقاومة طفيفة‬
‫للنقل تكون موجودة منذ اجللسة األوىل (عىل شكل صد للنقل) وصوالً إىل االستجابات‬
‫املتباعدة ‪ distanced‬أو الشكاكة أو العدوانية‪.‬‬
‫وقد صنف موديل يف )‪ (Modell,1975‬نمط الصد لدى األفراد املضطربني نرجسي ًا‬
‫عىل أنه "وهم قناعة الذات ‪ "Illusion of Self-contentment‬وميز بدقة بني الدفاع جتاه‬
‫ارتباط انفعايل و بني نوع عازل لالنفعاالت لفرد قهري‪ ،‬لديه اعتامد عىل املحلل عىل‬
‫الرغم من صد املشاعر العميقة‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ ‬كان عىل هؤالء املرىض الذين وصفهم موديل أن يدافعوا عن أنفسهم‬


‫ضد أم ملحاحة عندما كانوا أطفاالً‪ ،‬األمر الذي قاد لدهيم إىل شعور نام و لكن‬
‫قابل لالنجراح من الضيق (املحدودية) لذاهتم (حيث ال بد من محاية هشاشة‬
‫االستقاللية من خالل هوامات متكلفة (تتصف باملبالغة احلمقاء) حول‬
‫القناعة الذاتية‪ .‬وينمو لدى هؤالء الناس الحق ًا االجتاه بأهنم ال حيتاجون‬
‫اآلخرين ويدعم الغياب الفعيل للمشاعر أوهامهم‪ ،‬بأهنم ال حيتاجون أي يشء‬
‫من الناس اآلخرين‪ .‬وهنا يمتلكون إدراك ًا دقيق ًا لعالقاهتم باملحيط‪ .‬إهنم‬
‫يصفون ذاهتم وكأهنم حمصورون يف زجاجة أو كالرشنقة و يشعرون أهنم ليسوا‬
‫يف هذا العامل بالفعل‪ .‬‬

‫النقل املقدس و نقل املرآة‬


‫يف النقل املقدس يلعب تقديس املحلل دور ًا حاس ًام‪ ،‬إذ حيصل هنا إعادة إحياء‬
‫صورة الوالدين أو موضوع الذات اجلبار املتكلفة املعاشة بشكل تكلفي‪grandiose‬‬
‫وبشكل قدرة كالنية ‪( omnipotence‬ويشري مفهوم موضوع الذات اجلبار –من املنظور‬
‫النامئي النفيس‪ -‬إىل االنفصال غري الكاف بني الذات و متثيالت املوضوع)‪ .‬والنقل‬
‫املقدس هو الطبعة اجلديدة ملرحلة نامئية حياول فيها الطفل احلفاظ عىل الكامل النرجيس‬
‫املعاش يف صورة عالقة أم‪-‬طفل ثنائية إجيابية من خالل عزو هذا الشعور بالكالنية‬
‫ملوضوع ذات قديم ‪ ،archaic‬لصورة الوالدين ويستطيع أن يشعر يف هذا اإلحساس‬
‫باالنصهار و االرتباط مع هذه الصور‪-‬للوالدين بشكل ثمني وآمن وجيد‪ .‬ومن بني‬
‫هذه اخلربات املقدسة للقدرة الكالنية هناك بشكل خاص تلك األنشطة التي تشبع فيها‬
‫األم احلاجات النرجسية والدافعية‪ ،‬والدفء اجلسدي و املشاعري‪ ،‬وتقدم املواساة‬
‫والتهدئة‪ .‬يف حني أنه يف املجرى غري املضطرب من النمو حيصل متثل تدرجيي هلذه‬
‫الوظائف األرسية (بحيث أن الطفل ال يعود بحاجة لوجود الوالدين املقدسني ومن‬

‫‪230‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أجل أن يتمكن من خربة نفسه بأنه ذو قيمة وجيد)‪ ،‬فإن اخليبات غري املتالئمة مع‬
‫اهلوامات أو غري املمكن مواجهتها لدى الطفل التقود من جانب صورة‪-‬الوالدين‬
‫املقدسني إىل التذوت ‪internalization‬املالئم وبدالً من ذلك يظل الطفل يف املجرى‬ ‫‪1‬‬

‫الالحق للنمو مثبت ًا عىل مواضيع مهجورة ‪ archaic‬للذات إىل حد قليل أو كبري‪ ،‬عليها‬
‫االستمرار بمامرسة هذه الوظائف املهمة‪.‬‬
‫وعليه فإنه يف النقل املقدس يقوم املريض باضطراب الشخصية النرجسية‬
‫باالنصهار مع املحلل املقدس‪ .‬ويتم تكرار بعض مظاهر العالقة الباكرة املعاشة بشكل‬
‫انصدامي بموضوع الذات (األمومي)‪ ،‬إال أنه يف اجلزء األكرب حتصل خربات عالقة مع‬
‫املحلل‪ ،‬يقوم فيها املحلل وبشكل خمتلف عن األطر املرجعية الباكرة للطفل بتقديم‬
‫تعاطفه املؤهل مهني ًا وتناسقه االنفعايل‪.‬‬
‫يف نقل املرآة (التي متثل يف الوقت نفسه اجلانب اآلخر خلربة‪-‬موضوع الذات ‪self-‬‬
‫‪ )object-experience‬يرغب املريض أن ينعكس يف ذاته املحبوبة بشكل مبالغ فيه‬
‫‪ grandiose‬و حيظى بالتايل عىل توكيد حلجمه الطفويل الباكر و جربوته الذي مل يكن قادر ًا‬
‫عىل حتويله إىل شكل أنضج متناسب مع العمر إىل شعور موزون بالذات وطموح وذلك‬
‫بسبب فشل تنشئته االجتامعية‪.‬‬
‫وبناء عىل رؤية نفسية نامئية لالضطرابات يف عالقة الوالدين‪-‬الطفل يميز كوهوت‬
‫‪ Kohot‬بني ثالثة أشكال من نقل املرآة‪:‬‬
‫‪ .1‬النقل املهجور [القديم] للمرآة ‪ :archaic mirror transmittance‬وهنا يتم‬
‫إدراك املحلل بوصفه توسيع للذات‪-‬الضخمة‪ .‬إال أن األمر هنا و خالف ًا للنقل‬
‫املقدس ال يتعلق بانصهار مع موضوع ذات مقدس‪ ،‬وإنام يتم دمج املحلل يف‬
‫الذات الضخمة و يتم إطفاء وجوده املستقل‪.‬‬

‫‪ 1‬إضفاء الصفة الذاتية عىل موضوع ما بحيث يصبح صف ًة ذاتي ًة‪ ،‬أو دجمه يف النفس بحيث يصبح مبدء ًا هادي ًا‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ .2‬نقل األنا األقدم أو نقل التوأم ‪ :older-Ego-or twin transmittance‬يف هذا‬


‫الشكل األقل هجر ًا [قدم ًا] من إعادة إحياء للذات الضخمة يعاش املحلل‬
‫بوصفه مساوي ًا للذات الضخمة أو شبيه ًا جد ًا هبا‪" .‬يتصف النكوص املميز‬
‫‪ pathognomonic1 Regression‬بأن املريض يفرتض بأن املحلل إما مثله أو شبيه‬
‫جد ًا به أو أن تركيبته النفسية ‪ psychological constitution‬مثل تركيبة املحلل‬
‫أو شبيهة جد ًا"‪.‬‬
‫‪ .3‬نقل املرآة باملعنى الضيق‪ :‬وهنا يعاش املحلل بشكل كبري الوضوح عىل أنه إنسان‬
‫آخر‪ ،‬كشخص بكامل حقوقه‪ .‬إال أنه بالنسبة للمريض غري مهم إال بمقدار ما‬
‫يعكس بحساسية احلاجات التي تم إيقاظها من خالل إعادة إحياء الذات‪-‬‬
‫الضخمة‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم النقل استناد ًا إىل تصورات علم نفس الذات إىل‪:‬‬
‫‪ -‬ذلك النقل الذي يعيق استمرارية نمو الشخص‪ ،‬ألن القناعات املرضية القديمة‬
‫واهلوامات جترب عىل احللول العصابية للرصاع؛‬
‫‪ -‬وذلك النقل الذي يتيح النمو املستمر‪ ،‬بأن يعاش املحلل باعتباره موضوع ذات‬
‫ُحميى (منشط) ‪=( vitalize‬نقل موضوع الذات لدى كوهوت أو كخربة منشطة‬
‫‪ vitalize‬ملوضوع الذات لدى ليشتنبريغ وخلامن و فوسشاغ ‪Lichtinberg,‬‬
‫‪.)Lachmann & Fosshage‬‬

‫النقل املوضوعاني و نقل موضوع الذات بوصفه ظاهرة‪-‬اخللفية والصورة‬

‫معني‬ ‫ٍ‬
‫ملرض ّ‬ ‫‪ 1‬مم ِّيزٌ‬

‫‪232‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪objectal Transmittance and Self Object-Transmittance as Figure-‬‬


‫‪background-Phenomena‬‬

‫ال بد من تعديل الرؤية املتمثلة يف أن النقل املوضوعاين ال يوجد إال لدى مرىض‬
‫ذوي بنية عالية و نقل موضوع الذات ال يوجد إال لدى شخصيات مضطربة نرجسي ًا‪.‬‬
‫وطبق ًا لذلك يمثل كذلك تقسيم ‪ dichotomize‬النقل العصايب إىل إجراءات ُم رف ِّرسة‬
‫("تفسري") و خربات موضوع الذات إىل إجراءات جاهزة ("عالقة") تقسي ًام خطأ‪.‬‬
‫ويعد تصور نموذج الصورة و اخللفية أكثر مالئمة‪:‬‬
‫"االرتباط النرجيس و نقل موضوع الذات عبارة عن ظواهر خلفية‪ ،‬متهد الوعاء‬
‫ملجال حتلييل‪ ،‬يستطيع املريض فيه أن جيرب نامئي ًا ونكوصي ًا مع ظواهر الصورة من نحو‬
‫عصاب نقل‪-‬موضوع الدافع عىل سبيل املثال‪ .‬ويتم توسيع وصيانة هذا املجال من‬
‫خالل االجتاه التعاطفي واحلامي و الداعم للمحل‪ ،‬بأن يقدم للمريض األمان الكايف‬
‫والبهجة" )‪.(Treurniet, 1986;P. 38‬‬
‫كام يتيح هذا الوصف كذلك‪ ،‬أن نقل‪ -‬موضوع الذات يصبح يف املقدمة‬
‫(الصورة)‪ ،‬عىل سبيل املثال لدى املرىض الذين حيتاجون هذا النقل للدفاع عرب فرتة زمنية‬
‫طويلة‪ ،‬ألن املواجهة مع املحلل بوصفه شخص مستقل له نوايا و اندفاعات دافعية و‬
‫انفعاالت ما زالت خجولة جد ًا ومشحونة باخلوف‪ .‬إال أهنا (أي املواجهة)يمكنها أيض ًا‬
‫أن تأخذ أولوية فكرية‪ ،thematically Priority‬إذا ما ظهرت لدى املحلل تقلبات شديدة‬
‫يف التعاطف أو نقص فيه‪ ،‬وعىل املريض أن يتأكد ثانية باإلطار احلامي لنقل‪-‬موضوع‬
‫الذات‪ ،‬وكأن املريض يقول لنفسه‪" :‬عندما أكون أوالً متأكد ًا ‪ %100‬تقريب ًا بأنه يمكنني‬
‫االتكال عليك يف كل يشء‪ ،‬عندما أعرف بأنك موثوق‪ ،‬عندئذ يمكنني التجرؤ عىل أن‬
‫أجعل رغبايت وحاجايت و انفعااليت الدافعية تظهر ثانية"‪ .‬ومن املؤكد يمثل بالنسبة‬
‫للمرىض املضطربني نرجسي ًا املزعزعني واهلشني جد ًا يف مشاعر قيمتهم الذاتية‪ ،‬نقل‬
‫موضوع الذات لفرتة زمنية طويلة تقريب ًا الشكل الوحيد من العالقة و بالتايل الصورة‪.‬‬
‫ويمكن التعبري عن تشكيلة اخللفية الصورة بصورة مثالية يف الشكل رقم ‪.1‬‬

‫‪233‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يرافق‬ ‫عندما‬
‫املحلل النفيس عىل‬
‫سبيل املثال رواية‬
‫مريض ما بشكل‬
‫حساس‪ ،‬و عندما ال‬
‫يتم إدراك تفسرياته عىل‬
‫أهنا جبارة (ال تقاوم)‬
‫أو متكربة أو تعليمية أو تلقينيه أو خميفة أو مهددة‪ ،‬وإنام متوافقة مع فهم املريض لذاته‪،‬‬
‫عندئذ يمكنه أن جيرؤ عىل االنشغال بالصورة‪ ،‬أي أن املريض هيتم بالكيفية التي يعيش‬
‫فيها املحلل‪ ،‬و بالكيفية التي يعتقد أن املحلل يراه فيها و ما هي الرغبات األخرى التي‬
‫يرغبها منه (غري الرغبات النرجسية املُ رع ِّززة)‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫إال أنه إذا فشل املحلل إما يف وظيفته التعاطفية واملنسجمة مع املشاعر أو حتول إىل‬
‫باحات نقل ملواضيع الذات املعاشة بشكل ناقص (يف احلاالت التي يظهر فيها املريض‬
‫اضطراب ًا نرجسي ًا باملعنى الضيق)عندئذ تصبح اخللفية النرجسية املانحة للدعم موضوع ًا‬
‫ذو أولوية‪ ،‬تصبح صورة للتحليل‪ .‬إال أن االنتباه ملشاعر اخلجل ليس مه ًام لدى املرىض‬
‫املضطربني باكر ًا فحسب وإنام لدى املرىض برصاعات عصابية كذلك‪ .‬إذ أن كل موقف‬
‫رصاع عصايب يؤذي خربة قيمة الذات و يقود ملخاوف اإلخجال‪ .‬وهلذا السبب أيض ًا‬
‫فإن نقل موضوع الذات ال يعد مميز ًا للمرىض باضطرابات شخصية نرجسية فحسب‬
‫وإنام يوجد لدى مجيع الناس بدرجات خمتلفة من الوضوح‪.‬‬

‫التصوير النفسي النمائي للنقل‬


‫يف تصوير نفيس نامئي للنقل يتم االفرتاض أن املريض يقوم بإنشاء ظفريه من‬

‫‪234‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫رغبات العالقة وخماوفها و رصاعاهتا مع حملله‪ ،‬تتالءم مع مستوى نموه النفيس‪ .‬وتستند‬
‫اهلوامات الالشعورية و القناعات املرضية التي نشأت عىل أساس الرصاعات‬
‫واالنصدامات بإعاقته عن التعبري املالئم و املتناسب مع النمو لرغبات عالقته‪ ،‬التي تسري‬
‫وفق دوافعه األساسية‪.‬‬
‫فاملريض عىل سبيل املثال الذي يعيش حملله يف اجللسة األوىل بأنه ملحاح و غري‬
‫متحفظ‪ ،‬فإنه فحسب مل يتعلم بشكل كاف‪ ،‬التمكن من تنظيم حاجاته بنفسه‪ .‬هلذا فهو‬
‫خياف يف التفاعالت البني إنسانية‪ ،‬من أن إنسان آخر قد جيربه عىل أمر ما ال يستطيع أن‬
‫يدافع عن نفسه ضد ذلك‪ .‬وألنه قد ظل يف بعض املجاالت متعلق ًا بشدة بالتنظيم‬
‫اخلارجي من جانب الناس اآلخرين‪ ،‬فإنه يعيش هذا أيض ًا بأنه جبار (عات) و ملحاح‪.‬‬
‫وبالنتيجة يفرتض عليه أن يتعلم أن يتمكن من تنظيم حاجاته املختلفة بنفسه بشكل‬
‫أفضل‪ .‬واملريض الذي يتشكل لديه االنطباع بعد عدة جلسات من التحليل بأن حملله‬
‫كفء بشكل كبري وبأنه يف هذا الوقت بالذات اكتسب استبصار ًا مه ًام و اكتشف لديه‬
‫مكبوتات‪ ،‬فإنه ربام يكون مكبوح ًا و مترضر ًا يف قدرته عىل التعبري املتحرر من القلق‬
‫والذنب عن حاجات‪ ،‬يف أن يتمكن من حتديد نفسه بشكل نقدي جتاه الوالدين –‬
‫وبشكل خاص يف املراهقة‪ -‬وبالتايل نزع صفة املثالية عنهام أيض ًا‪ .‬فعليه إذ ًا أن يتعلم‬
‫بأنه من حقه أن يعيش ذاته جتاه األشخاص املهمني بالنسبة له بشكل أكثر استقالالً‪ ،‬من‬
‫دون أن يفقد الشعور بالوئام مع هؤالء‪.‬‬
‫وذلك املريض الذي يعتقد أن حملله ال حيبه إال إذا أخربه باستمرار عن حدوث تقدم‬
‫يف التحليل‪ ،‬عليه أن يتعلم بأنه من حقه أيض ًا أن يعيش لنفسه رغبة العمل ‪Function‬‬
‫‪ ، lust‬والفضول‪ ،‬والرغبة احلسية‪ ،‬واخلربة اجلنسية‪ ،‬وكأهنا نابعة من حافز داخيل ومن‬
‫أجل املتعة فقط ‪ just for fun‬وليس من منظور سحب احلب واالعرتاف املهددين‪ .‬ومن‬
‫بني ذلك يف هناية األمر أيض ًا إعادة تفتح كفاءة االعرتاف واالستقاللية‪ ،‬من دون االبتالء‬
‫ثانية بمشاعر الذنب واملخاوف القديمة ‪.archaic‬‬
‫واحد ًا من أوائل املحللني النفسيني الذين لفتوا‬ ‫)‪(Kohut,1973‬‬ ‫كان كوهوت‬

‫‪235‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االنتباه من خالل تصوره حول نقل‪-‬موضوع الذات إىل أنه ينبغي النظر للنقل من‬
‫منظور العالمات النامئية النفسية‪ .‬ويمثل كل من نقل املرآة والنقل املقدس أشكال من‬
‫العالقات يستأنف فيها املريض احلاجات النامئية الصادمة أو املقطوعة يف وقت أبكر‪ .‬إال‬
‫أن التوق نحو موضوع ذات عاكس أو قابل للتقديس ال يتطابق مع احلاجات العامة‪،‬‬
‫التي يعيشها الطفل‪ .‬وهلذا السبب قام لشتنبريغ ‪ Lichtenberg‬انطالق ًا من خمططه حول‬
‫املنظومات الوظيفية الدافعية بطرح األفكار اآلتية‪:‬‬

‫تصور لشتنبريغ عن املنظومات الوظيفية الدافعية اخلمسة‬

‫‪Psychoanalysis and Motivation‬‬ ‫‪ ‬يف التحليل النفيس والدوافع‬


‫(‪ )1989‬يميز لشتنبريغ ‪ Lichtenberg‬بني مخسة منظومات من الدوافع‪ .‬كل‬
‫واحدة من هذه املنظومات هتدف إىل تنظيم احلاجات األساسية أو إشباعها‪.‬‬
‫وتتكون هذه املنظومات اخلمسة من‪:‬‬
‫‪ -‬رضورة إشباع احلاجات الفيزيولوجية‪،‬‬
‫‪ -‬احلاجة لالرتباط واإلخالص‪،‬‬
‫‪ -‬احلاجة لالستكشاف وتوكيد الذات‪،‬‬
‫‪ -‬احلاجة لالستجابة بنفور من خالل االحتجاج أو االنسحاب أو كليهام‪،‬‬
‫‪ -‬احلاجة للمتعة احلسية و االستثارة اجلنسية‪.‬‬
‫ووفق ًا للشتنبريغ يفرتض أن يتم تعديل نظرية الدافع الثنائية التقليدية‪،‬‬
‫التي انطلقت من حمرك أول ضمن عضوي ‪intra organismically first‬‬
‫‪ :mover‬فحتى املعطيات اخلارجية جتعل منظومات الدوافع تتحرك‪ .‬فعندما‬
‫يتم تقديم شخشخة لطفل شارد عىل سبيل املثال فإنه من املتوقع أن إرادته‬
‫إلمساكها والنظر إليها وسامعها وتناوهلا يف فمه سيوقظ دافع ًا استقصائي ًا موكد ًا‬

‫‪236‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫للذات قوي ًا‪ .‬وتوسع االنفعاالت الظاهرة هنا خربات الدافع وتشكل أهداف ًا‬
‫جديدة للدوافع‪ .‬و كل منظومة من منظومات الدوافع وفق لشتنبريغ باملعنى‬
‫الدقيق هي منظومة دافعية وظيفية‪ :‬الدوافع تثري وظائف أداتية‪ ،‬يتم توجيهها‬
‫من االنفعاالت‪ .‬ومن ناحيتها تستدعي إمكانات الترصف الوظيفية مع‬
‫التوسيع االنفعايل دوافع ًا إىل امليدان‪ .‬إن الدوافع حتدث "يف" منظومات‪ ،‬وهو‬
‫ما يعني أنه ال جيب اعتبارها بنى‪ ،‬وإنام عمليات جارية باستمرار‪ .‬كام يتضمن‬
‫تصور املنظومة فكرة الفاعلية ‪ Activity‬من نحو فاعلية التنظيم و املبادرة و‬
‫االندماج‪ ،‬وبالتايل فهو (التصور) منسجم مع رؤية عرصية للطفل الذي مل يعد‬
‫يمكن النظر إليه عىل أنه جمرد متلق سلبي ملطالب الدافع وتأثريات املحيط‪،‬‬
‫وإنام يصمم خرباته عن نفسه و حميطه بصورة فاعلة‪ .‬‬

‫يعد لشتنربغ النقل نمط ًا من الدوافع ‪ ،motivation muster‬تبلور يف النمو الطفويل‬


‫ويلح الحق ًا يف احلياة عىل التكرار‪ .‬ويف العالقة التحليلية يمكن التعرف عىل هذه األنامط‬
‫حتى من خالل سياقها املوقفي أيض ًا و حالتها االنفعالية بمساعدة التعاطف‬
‫واالستبطان‪ .‬ومتيل أنامط الدوافع إىل التكرار بشكل خاص عندما ال يكون قد استجيب‬
‫لالنفعاالت املتضمنة يف النمط بشكل كاف يف احلياة الباكرة‪ .‬فرتتبط مع نمط الدافع‬
‫الراهن يف موقف‪-‬هنا واآلن ‪.Here-and-Now-Situation‬‬
‫وحسب لشتنبريغ فإن النقد يساعد طاقة نمو الذات يف إعادة تنظيم تصحيحية‬
‫لنمط الدافع‪.‬‬
‫ويقوم تنظيم احلاجات الفيزيولوجية عىل تنظيم الطعام و اإلخراج و النوم والتنفس‬
‫وحرارة اجلسم وما يشبه ذلك‪ ،‬التي تعد يف التحليل النفيس التقليدي كونا للدافع‬
‫اجلنيس‪ ،‬ولكن من لشتنبريغ تم تصورها بوصفها منظومة دافعية مستقلة‪ .‬ويتطلب‬
‫النقل القائم عىل هذه املنظومة من الدوافع من املحلل الرتكيز عىل اسرتداد‬
‫كامل‪optimize‬مثل هذا النوع من عمليات التنظيم‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫و يتضمن النقل الذي يقوم عىل احلاجة لالرتباط واإلخالص عمليات املساومة‬
‫الفاشلة عىل القرب و التعلقية بشكل خاص‪ .‬باإلضافة إىل أنه يالحظ يف هذا النقل‬
‫التوق نحو االنسجام االنفعايل و الصدى التعاطفي ونحو أجزاء من رؤى القيم‬
‫والقناعات‪.‬‬

‫‪ ‬وهكذا متكنت عىل سبيل املثال مريضة بعد ساعات طويلة من التحليل‬
‫أن تقر بأهنا استطاعت التعرف بأنه كان لدهيا رغبة قوية يف أهنا كانت تريد أن‬
‫تكون حتى يف هناية األسبوع بالقرب من العيادة العالجية للمحلل؛ إال أنه مل‬
‫يكن هنا الدافع األسايس الكامن خلف ذلك الفضول (األوديبي) أو الرغبة‬
‫اجلنسية‪ ،‬وإنام شعور قوي باالرتباط‪ .‬فقد أمكنها تذكر بأهنا عندما كانت طفلة‬
‫قد متنت بشدة لو سمح هلا بالبقاء إىل جانب والدها العامل يف احلديقة الكبريةـ‬
‫الذي أعادها بخشونة ألمها داخل البيت‪ ،‬ألنه عىل ما يبدو مل يكن قادر ًا عىل‬
‫حتمل تعلقية ابنته الصغرية به‪ .‬‬

‫ويتضمن النقل الذي يقوم عىل احلاجة لالستكشاف و توكيد الذات يف الغالب‬
‫خربات فاشلة يف التمكن من السامح بخربة النفس بوصفها كفء أو من التمكن من‬
‫استكشاف يشء ما بفضول‪ .‬ووفق ًا هلذه الرؤية فإن اخلوف من النجاح أو اإلحباط‬
‫املتجدد باستمرار خلربات النجاح قبل حتقيق اهلدف بوقت قصري ليسا بأي شكل من‬
‫األشكال جمرد بقايا أوديبية فحسب وإنام يمكن أن تكون قد نشأت يف وقت مبكر جد ًا‬
‫يف حياة الطفل‪.‬‬
‫ويمكن التعرف عىل النقل الذي يتصف باحلاجة لالستجابة بالتناقض أو‬
‫االنسحاب من خالل أن املريض املعني يعرب عن القلق من قوال ال ومن حتديد نفسه ومن‬
‫صد رغبة له ومن حتمل املعارضة و التعبري عن موقفهم بقوة و أمور أخرى كثرية‪.‬‬
‫أما النقل الذي يقوم عىل احلاجة نحو االستمتاع احليس فريتبط بالصعوبات عىل‬

‫‪238‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الرتفيه احليس للذات و السامح للذات باالستمتاع و االسرتخاء‪.‬‬

‫‪ ‬فعىل سبيل املثال اعتقد مريض بأن حملله قد يطلب منه بأن يكون فاع ً‬
‫ال‬
‫بال توقف‪ ،‬يطلق تداعياته كاآللة‪ .‬وقد عاش كل انقطاع قصري األمد خلواطره‬
‫بمشاعر ذنب شديدة‪ .‬كان االسرتخاء بالنسبة له مرتبط ًا بالتعطل (الركود)‬
‫واملتعة مع التبذير حيث يقدم املرء املال الذي حصل عليه بشق النفس للبائع‬
‫ويعني االستمتاع احليس بالنسبة هلذا املريض رفاهية فائضة‪ .‬فلو كان عليه أن‬
‫يدفع من نفسه "لرفاهية" العالج‪ ،‬فسيكون ذلك مستحي ً‬
‫ال له‪ ،‬عىل الرغم من‬
‫أنه يمتلك أمواالً ضخمة‪ .‬ويغلب الظن أننا نجد هنا التعبري الرشجي‬
‫االحتبايس ‪ anal retentive‬الندفاعات دافع ليبيدوي و سادي‪ ،‬ولكن حسب‬
‫لشتنبريغ يتثبت يف هذا النقل خربة فاشلة من الصدى احليوي ‪vitalized‬‬
‫‪ resonance‬فيام يتعلق باخلربة االستمتاعية احلسية يف الطفولة‪.‬‬
‫ويف النقل الذي يقوم عىل احلاجة نحو االستثارة اجلنسية وصوالً إىل النشوة يتجىل‬
‫الكف الذي اكتسبه األطفال و اليافعني بناء عىل خربات رصاعية‪ .‬و لكن بام أن الطموح‬
‫نحو املتعة احلسية يمثل دافع ًا أقوى إىل مدى بعيد مما قد عرف حتى اآلن‪ ،‬وألن الطموح‬
‫باإلضافة إىل ذلك نحو االستثارة اجلنسية أقرب ألن يكون متكررا ‪ periodic‬و عرضيا‬
‫‪ ،episodically‬فإن النقل يلعب يف سياق االستثارة اجلنسية وفق لشتنربغ دور ًا أقرب‬
‫للثانوي‪( .‬وبالطبع ليس يف كل تلك احلاالت التي تصبح فيها االستثارة اجلنسية يف غري‬
‫موضعها عىل شكل جتنسية ‪ ،Sexualization‬مع العلم أنه لدى التأمل التاميزي نجد أن‬
‫املسألة تتعلق يف العادة بسرت (أو نبذ ‪ )cashier‬منظومات الدوافع األخرى)‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ ‬تم إغراق مريض يف خربته بضغط قوي متكرر باالستعراض‬


‫‪ exhibition‬أمام حمللته‪ ،‬و يستثري إعجاهبا بقضيبه الضخم والنوم معها يف‬
‫النهاية‪ .‬ويف يوم من األيام عندما مل يعد هناك توتر رقلِق لدى املريض يف‬
‫االتصال تطرقت املحللة إىل هذه اخلربة حيث متكن من التعبري عن هواماته‪.‬‬
‫إال أنه رسعان ما اتضح بأن األمر هنا ال يتعلق بتعبري مكشوف الندفاعات‬
‫دافع أوديبي غشيان حمارمي ‪ incestuous‬وإنام بتعبري جمنَّس ‪sexualization‬‬
‫لرغبات االرتباط و التعلق‪ ،‬التي مل يتم التمكن عىل اإلطالق من التعبري عنها‬
‫يف جو األرسة الفصامي التي ترعرع فيها املريض‪ .‬كان من املمكن لصد هذا‬
‫النقل أن خيجل املريض بشكل مفرط‪ ،‬يف حني أنه سيتمكن من الشعور يف‬
‫هواماته اجلنسية بوصفه املسيطر الفحل ‪ potent‬و الذي يستحق اإلعجاب‬
‫ملحللته‪-‬أمه‪ .‬‬

‫تصورات خمتلفة‪ ،‬حول الكيفية اليت يدرك فيها املريض املوقف العالجي‬
‫ما الذي يبحث عنه املريض يف العالقة التحليلية؟ يبدو أن اإلجابة قد تكون تافهة‪:‬‬
‫فهو بالطبع يبحث شعوري ًا عن التحرر من أعراضه و حاالت معاناته‪ .‬ولكن بام أن‬
‫املحلل النفيس يرى يف العرض تعبري ًا عن حدث رصاع ديناميكي نفيس كامن يف األعامق‪،‬‬
‫فإن هذه اإلجابة ال تبعث عىل الرضا‪ .‬ففي نموذج رصاع الدافع التقليدي يتم االفرتاض‬
‫بأن املريض يطمح نحو إشباع واسع للدافع ؛ فاملريض غري املشبع جنسي ًا وشهواني ًا عىل‬
‫سبيل املثال يبحث يف حملله عن أم راعية يمكنه يف الوقت نفسه ممارسة جنس مثري معها‪.‬‬
‫و يف نموذج القصور النامئي يبحث املريض عن حتسني خربة الذات و يف نموذج رصاع‬
‫العالقة يرغب املريض من جهة يف إعادة بناء نمط العالقة القديمة املوثوقة (العصابية‬
‫واالنصدامية)‪ ،‬إال أنه يبحث من جهة أخرى عن خربات جديدة جتعله يعيش عالقة مع‬
‫شعور كبري بالكفاءة‪ ،‬مع إشباع أكثر وقلق أقل ومشاعر خجل (جدول ‪.)4‬‬

‫‪240‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫فإذا تأملنا هذه العملية من البحث مرة أخرى من منظور النقل‪ ،‬فسوف تظهر لدينا‬
‫الصورة املعروضة يف جدول ‪.5‬‬

‫جدول (‪ :)4‬اإلدراك الالشعوري للموقف العالجي‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫النامئي‬
‫يبحث املريض يف املعالج‬ ‫يبحث املريض يف حملله‬ ‫يدرك املريض حملله بشكل‬
‫عىل رشيك يعزز له رؤية‬ ‫عن إنسان يؤمن له‬ ‫الشعوري كموضوع دافع‪،‬‬
‫عالقته العصابية؛ إال أنه‬ ‫وظيفة موضوع ذات‪،‬‬ ‫يمكنه بمساعدته إشباع‬
‫يبحث أيض ًا عن إنسان‬ ‫كي حيسن من اتساقه‬ ‫اندفاعات دوافعه املكبوتة‬
‫بمكنه أن يصنع معه خربات‬ ‫املضطرب‬ ‫الذايت‬ ‫وكذلك ليست أقل منها‬
‫عالقة جديدة‪.‬‬ ‫ويتمكن من مواصلة‬ ‫املتزامحة و الومهية‪.‬‬
‫نموه املنقطع يف وجوه‬
‫كثرية‪.‬‬

‫جدول (‪ :)5‬تصورات النقل‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫انطباعات املريض عن‬ ‫ينظر للنقل بشكل‬ ‫النقل عبارة عن تشويه يف‬
‫معاجله ليست تشوهيات‬ ‫خاص من منظور ما‬ ‫غالبيته‪ ،‬ألن املحلل عبارة‬
‫وإنام هي مصدر مهم‬ ‫حيتاجه املريض من‬ ‫عن مظلة إسقاط بناء عىل‬
‫للمعلومات –بالنسبة له‬ ‫حملله‪ ،‬عىل سبيل املثال‬ ‫موقفه الغفيل ‪anonym‬‬
‫الشعوري‪ -‬حول كيف‬ ‫كموضوع ذات بمعنى‬ ‫واحليادي‪ ،‬وبالتايل ليس له‬
‫يعيش ويشكل هذا األخري‬ ‫االنعكاس‬ ‫تأثريات خاصة أبد ًا أو ال‬

‫‪241‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وتشكل‬ ‫العالقة‪.‬‬ ‫‪mirroring‬التمكن من‬ ‫توجد إال بصورة ضئيلة يف‬


‫اإلرشادية‬ ‫املحرضات‬ ‫التقديس‪ .‬النقل عبارة‬ ‫التفاعل العالجي‪ .‬والبد‬
‫املتنوعة التي تنطلق من‬ ‫عن تعبري حلاجات‬ ‫من جعل هذا التشويه الذي‬
‫املحلل بشكل لفظي وغري‬ ‫اخلائبة‬ ‫النمو‬ ‫نشأ عىل أساس خليط‬
‫لفظي نقطة االرتباط‬ ‫ومنظومات الدافع‬ ‫مركب من املعاش و‬
‫إلدراكات املريض‪ .‬وبام أن‬ ‫التي يفرتض أن تصل‬ ‫اهلوامات الالشعورية و‬
‫املحلل يعيش املريض‬ ‫إىل هناية سعيدة يف‬ ‫شعوريا‬ ‫اإلسقاطات‬
‫كمشارك ورشيك يف حدث‬ ‫احلارض‪ .‬فوق ذلك‬ ‫ومعاجلته ‪ ،treatment‬وهو‬
‫العالقة فال يتم كافرتاض ‪a‬‬ ‫البد من إجياد النقاط‬ ‫ما حيدث من بني أمور‬
‫انطباعات‬ ‫‪priori‬تشويه‬ ‫التي حدثت فيها‬ ‫أخرى من خالل أن يري‬
‫املريض كام هو األمر يف‬ ‫االنكسارات التعاطفية‬ ‫املحلل للمريض الفرق بني‬
‫نموذج رصاع الدافع ‪ ،‬وإنام‬ ‫يف فهم حاجات النمو‬ ‫اإلدراك الذايت و الواقع يف‬
‫ينظر إليها بوصفها تستحق‬ ‫ويعد‬ ‫للمريض‪.‬‬ ‫هنا واآلن‪.‬‬
‫االختبار‪ .‬فهي يمكنها أن‬ ‫النقص احلاصل يف‬
‫تتضمن استنتاجات مهمة‬ ‫التعاطف عند املعالج‬
‫حول واقع العالقة البني‬ ‫نقطة االرتباط بالنسبة‬
‫ذاتية ‪.intersubjective‬‬ ‫هلذا النوع من النقل‪.‬‬

‫التعامل مع النقل‬
‫"يقوم املحلل بجعل املريض يدرك النقل ‪ ،‬ويتم حله‪ ،‬بأن يقنعه املرء بأنه يف سلوك‬
‫النقل لديه إنام يقوم بإعادة إحياء واقع مشاعره‪ ،‬املنبثق من عالقات موضوعه املبكرة‬
‫ومن املراحل املكبوتة لطفولته‪ .‬ومن خالل مثل هذا التحويل يتحول النقل من أقوى‬
‫أسلحة املقاومة إىل أفضل أدوات االستشفاء التحلييل‪ .‬ويف كل األحول يظل استخدامه‬
‫اجلزء األصعب و األهم باملقدار نفسه للتقنية التحليلية" )‪.(Freud, 1925d, P. 68f‬‬

‫‪242‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مل تكن ترصحيات فرويد حول التعامل مع النقل كثرية و طبق ًا لذلك يمكن‬
‫تلخيصها بشكل خمترص‪ .‬وهذا ما يثري العجب إذ أن حتليل النقل يعد بشكل عام ميزة‬
‫التحليل النفيس و يعد استخدامه الصحيح اجلزء األصعب‪ .‬من التحليل‪ .‬ففي سنة‬
‫‪ 1926‬استنتج فرويد البالغ من العمر سبعني سنة يف ذلك الوقت‪ . ..." :‬كل يشء‬
‫يتوقف اآلن عىل حتقيقه‪ ،‬و املهارة الكاملة يف استخدام "النقل" تقع من ضمن ذلك‪.‬‬
‫إنكم ترون أن أعىل املطالب املطلوبة من التقنية التحليلية تصل قمتها هنا‪ .‬فهنا يمكن‬
‫للمرء أن يرتكب أشد األخطاء أو يضمن أفضل النجاحات‪ .‬ومن السخف حماولة‬
‫التملص من الصعوبات من خالل قيام املرء بقمع النقل أو إمهاله؛ فمهام كان ما يفعله‬
‫فهو ال يستحق اسم التحليل‪ .‬وطرد املريض بمجرد ظهور منغصات عصاب نقله أمر‬
‫ليس معقوالً كام أنه يعد جبن ًا؛ فهذا يشبه وكأن املرء استحرض األرواح و بمجرد أن‬
‫حرضت هرب منها‪ . ...‬املخرج الوحيد املمكن من موقف النقل هو العودة ملايض‬
‫املريض‪ ،‬كيف خربه بالفعل أو كيف شكله من خالل نشاطات هواماته املحققة للرغبة‪.‬‬
‫وهذا يتطلب لدى املحلل الكثري من املهارة والصرب و اهلدوء و إنكار الذات" ‪(1926,P.‬‬
‫)‪259‬‬

‫وقد فصل فرويد في نظرية تقنيات العالج نموذجين‪:‬‬


‫‪ -‬النموذج األول تم النظر فيه للنقل عىل أنه بالدرجة األوىل مقاومة ضد إعادة إحياء‬
‫(نبش) الذكريات‪ ،‬و ينبثق املكسب العالجي عن ذلك إىل مدى بعيد‪.‬‬
‫‪ -‬يف النموذج الثاين ينجم النقل بشكل أسايس من جهود املريض لتحقيق رغباته‪.‬‬
‫وينبثق املكسب العالجي بشكل أسايس من إعادة خربة (حتديث) هذه الرغبات‬
‫يف النقل بأن يعيش املريض بأن أمر ما قديم يتجىل فيه إال أنه يمكنه يف الوقت نفسه‬
‫بناء خربة عالقة جديدة بمحلله تتجه إليها اآلن هذه الرغبات‪.‬‬

‫يف النموذج األول يتجه اجتاه البحث بوضوح نحو املادة البيوغرافية‪ .‬فحتى يف‬

‫‪243‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أحدى مقاالته األخرية بعنوان "األبنية يف التحليل ‪"Constructions in the Analysis‬‬


‫يتبنى فرويد هذا التصور‪ ،‬عىل الرغم من أن خرباته اإلكلينيكية مل تؤيده‪" :‬كثري ًا ما ال‬
‫ينجح املرء يف جعل املريض يتذكر املكبوت" )‪.(1937, P. 53‬‬
‫وفيام يتعلق بتصورات النموذج اآلخر فقد عرب فرويد يف "التذكر واإلعادة‬
‫واملعاجلة ‪ "remember, repetition and treatment‬بأن الذكريات املاضية تعود بسهولة‬ ‫‪1‬‬

‫إذا ما متكن املحلل التعامل مع املقاومة بشكل مناسب‪ .‬ويف "حمارضة حول املدخل إىل‬
‫التحليل النفيس" أشار فرويد (‪ )1917-1916‬أن العمل مع الذكريات املاضية يرتاجع‬
‫إىل مدى بعيد عندما يكون النقل قد نام بشكل صحيح‪ .‬عندئذ يتحول النقل إىل "ساحة‬
‫املعركة" التي ينبغي أن ترتكز عليها كل القوى‪ .‬فإذا ما ألقى املعالج كل ثقله عىل إعادة‬
‫بناء الذكريات املاضية (املعالج‪" :‬وهنا أمهلتك أمك بشدة!"‪-‬هنا كانت أمك غري‬
‫متعاطفة معك أبد ًا") فإن اخلطر يكمن يف أنه سيتم عدم رؤية أو عىل األقل تنايس إعادة‬
‫إخراج الرغبات واهلوامات الالشعورية يف العالقة الراهنة‪ .‬غري أن تأكيد فرويد بأن‬ ‫‪2‬‬

‫النقل نفسه يمكن أن يتحول إىل مقاومة عارمة ضد التذكر تغطي حقيقة أن النقل يتجىل‬
‫دائ ًام عىل هيئة إعادة يف شكل إخراج الشعورية‪ .‬ومن ثم فإن النقل ال يتم إنتاجه و‬
‫‪3‬‬

‫حتليله كغاية بحد ذاته (كام يتهم بعض منتقدي التحليل النفيس أيض ًا)‪ ،‬بل أن النقل هو‬
‫العصاب‪ .‬وكلام نجحت معاجلة ‪ treatment‬وحل النقل‪ ،‬ازدادت اخلربة العصابية‬
‫اضمحالالً‪ .‬ومل يكن أحد يرى أقل من فرويد نفسه أنه بمقدار ما يقرتب املرء من هذا‬
‫اهلدف ‪ ideal‬يكون العالج ‪ therapy‬أكثر توفيق ًا‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك وصف فرويد نموذجني لتحليل بادئ (يف البداية)‪.‬‬
‫‪ -‬يف النموذج األول ال تتم يف البداية مالحظة وجود أية مقاومة جتاه العمل التحلييل‪.‬‬

‫‪Erinnern,Wiederholen und Durcharbeiten 1‬‬


‫‪ 2‬إعادة كتابة سيناريو املايض‬
‫‪Inszenierung 3‬‬

‫‪244‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫إذ يمكن للمريض عىل ما يبدو أن يتبع بدون أية صعوبة أسس التداعي احلر‪،‬‬
‫وينمي ارتباط ًا بمحلله‪ ،‬وال يرغب بتفويت أية جلسة عالجية‪ ،‬ويتقبل كذلك‬
‫تفسريات املحلل بحرية ويبدو أنه حيقق خطوات ممتازة‪ .‬وترتاجع أعراضه أو‬
‫ختتفي كلية‪ .‬إال أن "شهر العسل التحلييل" هذا البد وأن ينتهي إن عاج ً‬
‫ال أم‬
‫آجالً‪ ،‬وتصل العملية التحليلية للركود‪ .‬وينمي املريض مقاومة مسمطة جتاه‬
‫املعاجلة التحليلية التي تعرب عن نفسها من خالل االمتناع عن الكالم أو من خالل‬
‫الكف الذي يتم اإلحساس به عىل شكل عدم القدرة عىل التحدث‪ ،‬والتي يمكن‬
‫تفسريها عىل أهنا ٍ‬
‫جتل ‪ manifestation‬للتطلعات واملشاعر العدوانية أو الشهوانية‬
‫‪ erotic‬املكبوتة‪.‬‬
‫‪ -‬يف النموذج الثاين الذي وصفه فرويد توجد مقاومة املريض منذ بداية العالج‪.‬‬
‫وعىل ما يبدو فإن فرويد قد افرتض أن النقل يف التحليل مل يتحول بعد إىل مقاومة‪،‬‬
‫طاملا يروي املريض شيئ ًا ما (غالب ًا حول مواضيع خارج العالج أو فرضيات تاريخ‬
‫حياتية) وهلذا كذلك ال يوجد أي سبب لتفسري النقل طاملا تنساب أخبار املريض و‬
‫أفكاره عىل ما يبدو بشكل عفوي‪ ،‬أي أهنا حتدث من دون أية إعاقة‪.‬‬
‫إال أن غايل و مسالين )‪ Gill & Muslin (1976‬قد أشارا إىل أنه حتى عندما يتداعى‬
‫املريض بشكل حر فقد تكون هناك مقاومة‪-‬نقل موجودة ينبغي توضيحها يف وقت‬
‫مبكر‪ .‬إذ أن الدالئل عىل النقل بوصفه جتليات ‪ Manifestations‬للمقاومة جتاه أن يصبح‬
‫النقل شعوري ًا ترافق التحليل منذ البداية‪ .‬وحتى فرينتزي )‪ Ferenze (1923‬قد مخن يف‬
‫ذلك الوقت بأنه يمكن للنقل اإلجيايب الشديد يف بداية حتليل ما أن يكون تعبري ًا عن‬
‫املقاومة‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫العمل على النقل مقابل حتليل النقل خارج عالقة‪-‬هنا‪-‬و‪-‬اآلن‬

‫‪ ‬يروي مريض متزوج بأنه يف حفلة مع زمالء العمل قد رقص بمرح مع‬
‫زميلة له يف العمل؛ ويف هناية هذه الليلة أوحت هذه املرأة له بأهنا تريد أن تنام‬
‫معه‪ .‬بداية خطرت عىل باله بعض األفكار حول حالته الصحية الراهنة‪ ،‬بعد‬
‫ال قد حلم بكابوس متكرر باستمرار‪.‬‬ ‫ذلك خطر عىل باله بأنه عندما كان طف ً‬
‫يف هذا الكابوس كان هناك ذئب مستلق مقابل رسيره فكان يستلق يف رسيره‬
‫ال من العرق منتظر ًا نور الفجر‪ .‬واليوم صباح ًا عندما حيا مديره تولد لديه‬‫مبت ً‬
‫انطباع بأنه مديره قد رمقه بنظرة صارمة‪.‬‬
‫سألته املحللة فيام إذا كان الذئب جيسد والده‪ ،‬الذي كان مرعوب ًا منه‬
‫بسبب استثاراته األوديبية‪ ،‬وأنه قد أدرك مديره اآلن وكأنه األب الصارم‪.‬‬
‫أجاب املريض "نعم‪ ،‬إهنا لفكرة مهمة"‪ ،‬ولكن من دون أن يظهر عليه أن األمر‬
‫قد مسه‪.‬‬
‫"واآلن أنت خائف من أن أحكم عليك‪ ،‬ألنك انزلقت يف غواية هذه‬
‫الزميلة؟" قد تشكل باملقابل تفسري ًا للنقل‪ ،‬يمس املريض انفعالي ًا بشدة أكرب‬
‫ويمثل فرصة لربط املشهد ‪scene‬املعاش يف الوقت الراهن مع حالة وجدانية‬
‫باكرة‪ .‬إذ أنه إذا ما أراد املرء أن يعدل من التصويرة ‪ Schema‬بشكل مبكر فإنه‬
‫لن ينجح إال عندما جيد من خالل تنشيط وجدان مشابه يف هنا واآلن معرب ًا‬
‫نحو هناك ويف ذلك الوقت‪ .‬‬

‫األهمية املركزية لنقل التحليل‬

‫‪Morton‬‬ ‫يف عدد من املنشورات قام املحلل النفيس األمريكي مورتون م‪ .‬غيل‬
‫‪ M. Gill‬منذ سبعينيات القرن العرشين بالدعوة من أجل أخذ حتليل النقل الذي كان‬

‫‪246‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يعد دائ ًام –وإن كان األمر بأشكال خمتلفة‪ -‬جوهر ممارسة التحليل النفيس‪ ،‬بعني اجلد‪.‬‬
‫فمن أجل أال يتحول التحليل النفيس إىل نوع من اجللسات العالجية ذات التوجه العلم‬
‫نفس أعامقي‪ ،‬فإنه من املهم جعل عالقة النقل يف هنا واآلن حمور ومركز اإلجراء التحلييل‬
‫للنقل‪ .‬مع العلم أن فرويد كان قد أشار إىل أنه يفرتض أن يتم حل كل الرصاعات يف‬
‫"نار النقل"‪ ،‬وأن غالبية املحللني النفسيني يتبنون هذه الرؤية بشكل مربمج أيض ًا‪ ،‬إال أن‬
‫حتليل النقل ال يتم إال فيام ندر و بشكل قليل املنهجية و افرتاضات ‪ premise‬خطأ يف‬
‫أجزاء كثرية منه‪.‬‬
‫إن عالقة النقل املحددة بشكل مشحون باالنفعال هي املادة التي يصنع منها العالج‬
‫التحلييل؛ فبداية عىل شفافية (صفحة ‪ )folio‬حتليل عالقة النقل هذا يمكن أن ينمو‬
‫استبصار حقيقي موسوم باملشاعر‪ .‬و تتجنب التفسريات النشوئية التي غالب ًا ما يتم‬
‫إعطائها بشكل مبالغ فيه أو تفسريات املادة خارج التحليلية التطرق لعالقة النقل بني‬
‫املحلل ومريضه و ال تقود وفق وجهة نظر غيل إال إىل تفهم منطقي خالص‪ ،‬بل حتى‬
‫الذي قد يساء استغالله بوصفه مقاومة جتاه التغيري‪.‬‬
‫وتبدو رؤية غيل ‪ Gill‬نوع من التجديد العام لرؤية فرويد باألصل التي أصبحت‬
‫قديمة جد ًا جلوهر العالج التحلييل ‪ ،essentials of psychoanalytical therapy‬والتي‬
‫بالطبع مل يراعها هو نفسه‪.‬‬

‫تكثيف النقل و عصاب النقل‬

‫قد يكمن أحد أسباب التمسك الضمني بنظرية التنفيس من العرص ما قبل‬
‫التحلييل‪ ،‬كام خيمن غيل )‪ (Gill,1982‬أن املحلل يترصف بتحفظ يف تفسري النقل‪ .‬وكان‬
‫البد للتوتر االنفعايل الذي يرتافق مع االستجابات الكامنة املختلفة للنقل‪ ،‬أن يكون قد‬
‫وصل أوالً إىل نقطة مكثقة إىل درجة أنه يتم التعبري عنه من تلقاء نفسه إىل حد ما وبشكل‬
‫عفوي‪ .‬وتتقاطع هذه الرؤية مع رؤية أخرى تنطلق من أن التدخالت املتكررة وبشكل‬
‫خاص املبكرة جد ًا بواسطة تفسري النقل قد تسبب اضطراب املجرى العفوي لعصاب‬

‫‪247‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫النقل (أنظر أدناه)‪ .‬ويذكِّر غيل ‪ Gill‬بـأنه يمكن بال أية مشكلة تربير االجتاه املتحفظ‬
‫للمحلل بوصفه إجراء مناسب لتقنية العالج‪.‬‬
‫فلدى كثري من حمليل الوقت الراهن النفسانيني تسود معارضة ضد التفسري املبكر‬
‫للنقل‪( ،‬أي خالل اجللسات األربعني إىل اخلمسني األوىل وأكثر)‪ .‬ويتم تربير األجراء‬
‫الراهن الواسع االنتشار لإلجراء التقني العالجي الذي يتصف باالنتظار احلذر –غالب ًا‬
‫مع اإلشارة إىل أنه البد بداية من ترسيخ رابطة العمل‪ -‬من كثري من املحللني النفسيني‬
‫باإلشارة إىل أن املس املبكر للنقل جيعله غري واضح ومشوه‪ .‬غري أن هذه الشكوك ليست‬
‫غري حمقة كلية كام سنفصل أدناه‪.‬‬
‫ال يقصد بالتفسريات املبكرة للنقل تفسريات النقل العميقة لألسلوب الكاليني‬
‫(التقليدي)‪ ،‬حيث يتم برسعة كبرية جد ًا حتت اإلمهال الواسع للتفاصيل امللموسة من‬
‫العالقة الراهنة تقديم تفسريات معيارية تلقينيه ذات صبغة فصامية‪ ،‬من خالل‬
‫االندفاعات السادية الفمية عىل سبيل املثال‪ ،‬وإنام يقصد أن التفسريات املبكرة للمقاومة‬
‫جتاه النقل تنطلق من سطح العالقة يف هنا واآلن بني املعالج واملريض‪.‬‬
‫وقد يكمن أحد األسباب األخرى املمكنة لسوء الفهم يف أنه ال يوجد وضوح حول‬
‫ما هو معنى تفسري النقل يف الواقع‪ .‬فغالب ًا ما يتم االنطالق بشكل خطأ من أنه البد‬
‫لتفسري النقل من أن يربط بالرضورة إعادة تصميم املايض مع تفسري اخلربة الراهنة‬
‫والسلوك‪ .‬وعليه فإذا ما كان من املفرتض القيام بتفسري للنقل منذ اجللسات األوىل‬
‫للتحليل‪ ،‬فإن املحلل عندئذ ووفق ًا هلذه الرؤية مل يمتلك بعد املعرفة التارخيية من أجل‬
‫التمكن من التوضيح الكايف للجذور النشوئية للنقل‪ .‬وعليه إذا ما كان املرء يتبنى وجهة‬
‫النظر املتمثلة يف رغبته يف تقديم إعادة تصميم نشوئية كاملة‪ ،‬فإنه سوف يشعر عىل‬
‫األغلب بنفور شديد من التفسري املبكر للنقل‪.‬‬
‫فام هي العواقب حسب جيل )‪ (Gill,1982‬إذا ما تم إمهال تفسري النقل يف وقت‬
‫مبكر؟ إحدى العواقب يمكن أن تكون أن عصاب النقل لن ينمو بالشكل املقبول عىل‬

‫‪248‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اإلطالق‪ .‬وعىل الرغم من أنه قد يكون هناك بني احلني واآلخر حتليل مقبول ال ينمو‬
‫فيه عصاب نقل يبدو أن بعض الباحثني يتجاهلون إمكانية أنه يمكن أن تتم عرقلة‬
‫عصاب النقل عن النمو املناسب ألنه مل يتم تفسري النقل بشكل كاف و مبكر و مكثف‬
‫وحازم‪.‬‬
‫باملقابل فإنه يف حني أنه يتم مناقشة أن التفسري املبكر جد ًا و املتكرر يشوه النمو‬
‫العفوي للنقل‪ ،‬يرى غيل أنه من املحتمل أكثر أن التخيل عن التفسري سوف يقود إىل‬
‫تشويه النقل‪ .‬فاملحلل الذي ال يقدم أبد ًا أو يقدم بصورة زهيدة تفسريات للنقل سوف‬
‫يضفي دائ ًام –سواء كان قدوة أم مكروه ًا‪ -‬أية صفات و اجتاهات متومهة‪ .‬فإذا ما تم‬
‫تضمني استجابات النقل هذه عرب فرتة زمنية طويلة و ظلت دون تطرق‪ ،‬فإهنا سوف‬
‫تقود –يف احلالة املثىل حتى قبل هناية التحليل‪ -‬إىل استجابات نقل مكثفة و قلام يصعب‬
‫التحكم هبا‪ ،‬والتي يعدها بعض املحللني النفسيني عندئذ التجيل األول للنقل‪ .‬وهو ما‬
‫يمكن تشبيهه يف احلياة اليومية عىل سبيل املثال باحلب املكتوم لفرتة طويلة جد ًا و الذي‬
‫مل يتم أبد ًا احلديث عنه فقد يقود إىل سوء فهم مأساوي‪.‬‬
‫حيطم حتليل النقل االعتقاد بأن يفقد املرء األعراض التي ترتبط أساس ًا بديناميكية‬
‫نفسية كبرية دون تغيري نمط النقل‪ .‬فالتمسك باألمل املتمثل يف حتقيق الشفاء املرغوب‬
‫من خالل تعديل الظروف اخلارجية يعيق التآلف مع نمط العالقة املتمثل (املستدمج)‪.‬‬
‫كان بعض املرىض قد تساءلوا‪" :‬إذا كانت الظروف اخلارجية قابلة للتعديل‪ ،‬عىل سبيل‬
‫املثال إذا ما وجدت رشيك ًا جديد ًا حمبوب ًا وجذاب ًا كفاية أو حتى إذا ما أمكنني أن أكسب‬
‫حمليل صديق ًا يل‪ ،‬فلامذا عيل أن أتغري؟"‪ .‬ولكن اإلنسان ال يستطيع أن يتخلص من‬
‫ماضيه اخلاص و إنام يستطيع أن يتغري ويغري حياته إذا ما أدرك نفسه يف صريورته‪.‬‬

‫املقاومة والنقل‬
‫كل مقاو مة تعرب عن نفسها كمقاومة ضد النقل‪ .‬وهنا يمكن التمييز بني ثالثة‬
‫أشكال‪:‬‬

‫‪249‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ .1‬املقاومة ضد الغرق يف النقل‪ :‬غالب ًا ما نجد هذا الشكل لدى املرىض الذين‬
‫يريدون أن يظلوا مكتفني ذاتي ًا بشكل متطرف‪ ،‬الذين متثل خربة أنفسهم متعلقني‬
‫بأية صورة من الصور ضيق ًا نرجسي ًا شديد ًا هلم‪ ،‬والذين بنو رشنقة حول‬
‫أنفسهم من أجل محاية ذاهتم القابلة لالنجراح [احلساسة]‪ ،‬الذين حيتاجون‬
‫ملتاريس مكتفية ذاتي ًا ‪ autarky‬من الدفاع حول أنفسهم‪.‬‬
‫‪ .2‬املقاومة ضد أن يصبح النقل شعوري ًا‪ :‬هذا الشكل من النقل هو ذلك النقل الذي‬
‫يظهر منذ البداية (باستثناء املرىض الذين يناورون بام هو وارد يف النقطة ‪.1‬‬
‫بسبب شدة إمراضيتهم)‪ ،‬والذي ينبغي تفسريه منذ البداية بشكل منهجي‬
‫وحيتاج عىل األقل النصف حتى الثلثني من مدة العالج التحلييل‪.‬‬
‫‪ .3‬املقاومة ضد حل النقل‪ :‬ويعد هذه الشكل عىل درجة من األمهية بشكل خاص‬
‫يف مرحلة املعاجلة ‪ .treatment‬فقد يكون املريض قد تعرف إىل أن إدراكه من‬
‫املحلل و شكل العالقة الناجم عن ذلك هو أحادي اجلانب و أن شيئ ًا ما له‬
‫عالقة بامضيه‪ ،‬ومع ذلك فإنه يصعب عليه بني احلني واآلخر أن جيعل األفعال‬
‫تعقب هذه املعرفة‪ .‬فاملعرفة سابقة عىل التحقيق إذا جاز القول‪ ،‬وال يمكن‬
‫التغلب عىل الكوابح االنفعالية املتنوعة إال بالتدريج‪ ،‬شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬يف جمرى‬
‫املعاجلة املستمرة ‪ .permanent treatment‬فاملريضة عىل سبيل املثال ما زالت‬
‫غري قادرة بعد –بعد أن أصبحت املقاومة ضد إدراك النقل واضحة كفاية‪-‬من‬
‫التعبري دون ارتباك أمام معاجلها‪ .‬وعىل الرغم من أهنا تعرف يف هذه األثناء بأنه‬
‫لن خيجلها مثل أبوها يف طفولتها‪ ،‬ولكنها عىل الرغم من ذلك مازال اخلوف‬
‫موجود ًا‪ .‬فقط من خالل اإلحلاح اللطيف للمعالج بتكرار التعرض هلذا‬
‫املوقف وخربة الفرق بني ذلك الوقت و اليوم و إعادة التعلم هبذه الطريقة حيدث‬
‫تعديل بالتدريج‪ .‬وعليه ال يكفي إذا ما قالت املريضة لنفسها‪" :‬ها أنا أعرف‬
‫أخري ًا بأنه مل يستجب مثل أيب ولكن هذا يكفيني اآلن؛ وسوف أجتنب كل‬
‫املواضيع التي تستند منذ اآلن عىل هذا املوضوع‪ ،‬كي ال أعيش املشاعر التي‬

‫‪250‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ستكرر ظهورها هنا"‪ .‬بل عليها أن تواجه هذا الشك يف تشكيالت خمتلفة من‬
‫العالقة‪ ،‬و أن ختاطر بأن يتم ختجيلها‪ ،‬إىل أن حتل اخلربات االنفعالية اجليدة حمل‬
‫نمط املشاعر القديم أو تعيد تشكيلها‪.‬‬
‫وهبذا تتحول املقاومة ضد النقل إىل املحور املركزي لتحليل النقل (أنظر بتفصيل‬
‫فقرة املقاومة ليست ظاهرة شعورية) و هبذا للتحليل عموم ًا‪.‬‬
‫إال أنه ينبغي عدم إساءة فهم هذا التأكيد عىل حتليل النقل فيام يتعلق بإدراك و حل‬
‫النقل بوصفه مطالبة بتحليل عدواين ملح للنقل‪ .‬املهم هو عىل أية حال أيض ًا‬
‫االحتفاظبتأثريات حتليل النقل عىل املريض نصب العني‪ .‬إذ أن املحلل الذي حياول‬
‫بالنتيجة أن يتطرق لكل التلميحات (اإلشارات) حول شخصه وحول العالقة‬
‫التحليلية‪ ،‬يمكن أن يدركه املريض عىل أنه شخص متفوق جد ًا‪ ،‬يعترب نفسه مهم جد ًا‪،‬‬
‫متطفل‪ ،‬مالحق‪ ،‬ملح بشكل جنيس مثيل‪ ،‬تكافيل‪-‬اكتئايب ‪ .depressive-symbiosis‬هلذا‬
‫فإنه من املحتم بالنسبة للمحلل أن يعكس مرار ًا تأثريات و إرجاعات تفسريات النقل‬
‫عىل إدراك عالقة النقل‪ .‬وبدون شك فإن األمر حيتاج أيض ًا إىل الكثري من اخلربات و‬
‫احلساسية و الرهافة‪.‬‬

‫التقاط تلميحات (إشارات) النقل‬


‫تكمن الوسيلة األساسية من أجل حث تكثيف و توسيع استجابات النقل‬
‫وعصاب النقل يف أن يلتقط املحلل بشكل هادف وحازم ‪ consequent‬تلميحات أو‬
‫إشارات النقل يف السلوك اللفظي وغري واللفظي للمريض‪.‬‬
‫تظهر تلميحات العالقة بشكل أسايس يف شكلني‪:‬‬
‫‪ -‬األول الشكل املعروف عموم ًا وهو اإلزاحة ‪.displacement‬‬
‫ففي الوصف‪ ،‬عىل سبيل املثال وصف املادة خارج التحليل‪ ،‬من نحو وصف مدير‬
‫مكابر‪ ،‬يمكن ملح تلميح عىل العالقة باملحلل‪ ،‬مع العلم أنه علينا أن نحذر دائ ًام من‬

‫‪251‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املساواة أو املعادلة احلاصلة آليا‪ .‬فالتأمل الدقيق يف تلميحات العالقة ينبغي أن يقود إىل‬
‫كشف دقيق للمثري –طبق ًا لبقايا اليوم يف حتليل احللم‪ -‬يف هنا واآلن العالقة ‪Here-and-‬‬
‫‪ Now of Relationship‬وال ينبغي أن يعزى مبارشة إىل جزء النقل األصيل املخمن‪،‬‬
‫بالشكل الذي يدرس فيه املرء أيض ًا يف تفسري للحلم جمرى وفق األصول ‪Lege‬‬
‫‪""Artis‬خواطر الواقع"‪ ،‬التي تقوم عىل بقايا اليوم‪ ،‬و يعد ما يسمى بخواطر التفسري (أو‬
‫تداعيات التفسري) بأهنا أقرب إىل إجراء دفاعي‪.‬‬
‫‪ -‬الشكل الثاين الذي يمكن أن تظهر فليه تلميحات عىل عالقة النقل هو التامهي (أو‬
‫التهوي ‪. )Identification‬‬
‫إذا يعرب املريض عىل سبيل املثال دائ ًام يف عدة جلسات متتالية عن االنطباع بأنه يشعر‬
‫بأن ال يشء خيطر عىل باله وأنه فاقد للمبادأة التي حيتاجها يف عمله بشدة‪ .‬فاملريض هنا‬
‫وبشكل شعوري أو ال شعوري قد متاهي بشكل مؤقت مع سلوك وخربة املعالج‪.‬‬
‫ومريضة أخرى تشكو من النقص يف محاسها ‪ enthusiasm‬الذي حتسه منذ فرتة طويلة‬
‫جد ًا يف مجيع عالقاهتا ‪ .‬ويقود تفسري هذه التعابري التامهوية عىل أهنا تلميحات للعالقة‬
‫إىل املعرفة املتمثلة يف أن املريضة عاشت حمللها مؤخر ًا كشخص مل يتمكن بحامس كبري‬
‫عىل ما يبدو من التعبري عن التقدم خارج التحليل‪.‬‬
‫وهذا الشكل من التلميحات عىل عالقة النقل هو أصعب بكثري من األول عىل‬
‫االكتشاف وهلذا فغالب ًا ما يتم جتاهله أو التعامي عنه‪.‬‬

‫السماح والتمكن من تقبل النقل‬


‫يكمن املبدأ األهم لتحليل النقل من وجهة النظر الراهنة يف أن يندمج املحلل يف‬
‫النقل من أجل أن يصبح بداية مشارك ًا هادف ًا باملشهد التاريخ حيايت للمريض‬
‫الالشعوري يف البداية‪ ،‬والذي يمكن هبذه الطريقة اعتباره مشهد تفاعل يف هنا واآلن‬
‫ويف خطوة تالية سحبه عىل اخلربات النشوئية‪ .‬ويعني االندماج يف البداية تقبل إما‬
‫اإلحساس بالرسائل غري اللفظية‪ ،‬عىل سبيل املثال جو الشهوة املصدودة بخجل أو‬

‫‪252‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الرسائل اللفظية ("أجدك اليوم صارم ًا و صاد ًا)‪ ،‬بدالً من صدها باستغراب أو إنكار‬
‫دعوات الترصف املغطاة ("أال جتد بأين أبدو غبي ًا؟") بطريقة مواسية‪ ،‬بل تركها تؤثر عىل‬
‫النفس أوالً‪ .‬وهنا البد من أال تنظر هلذه اإلدراكات و التقديرات و الدعوات نحو‬
‫سلوك دور حمدد بأنك أنت املعني هبا كشخص حقيقي‪ ،‬إذ أن املضامني السلبية قد جتعل‬
‫املعالج ينشغل بشدة باملشاعر املزعجة ويف حال وجود تقديس إجيابية يمكن لشعور‬
‫التغرير بالذات أن يعمي املعالج عن مظاهر أخرى‪.‬‬

‫بدالً من االمتناع الدفاعي ‪ defensive abstinence‬جتاه عروض النقل و األدوار االستجابة‬


‫على مستوى أعلى ‪(meta level‬تقشف ذاتي ‪)subjective abstinence‬‬
‫من الرضوري يف الغالب احلفاظ عىل هذا النقل معلق ًا‪ ،‬واستقصاء نصيبه النشوئي‬
‫الراهن املمكن بدقة‪ ،‬ولكن من دون التامهي كلية مع هذا التقدير أو حتى االستجابة بناء‬
‫عىل العزو احلادث مع تقدير مضاد ("تشعر أين صارم و صاد؛ عىل ما يبدو أنك ختلط‬
‫بيني وبني زوجتك")‪ .‬و بدالً عىل سبيل املثال من االستجابة لعروض املريض املشهدية‬
‫بطريقة رافضة أو توضيحية أو تربوية أو أخالقية‪ ،‬حياول املحلل فهمها‪ .‬وتطلق عىل‬
‫عدم االستجابة هذا يف التحليل النفيس تسمية االمتناع ‪ .abstinence‬فاملحلل ال‬
‫يستجيب بالشكل الذي يتوقعه املريض‪ ،‬سواء أكانت استجابات متخوفة أم مفرحة‪،‬‬
‫بالشكل الذي يفعله املرء يف حوارات احلياة اليومية‪ .‬و يصبح عدم االستجابة أو‬
‫االستجابة بشكل خمتلف مناسبة للمريض الختبار إدراكاته و توقعاته‪.‬‬

‫‪ ‬حياول مريض عىل سبيل املثال أن يتهجم عىل حتفظ حملله يف موضوع‬
‫االهتامم اجلسدي‪" .‬أتعتقد بالفعل أنك الشكل الصحيح لشفائي؟‪ .‬منذ أن‬
‫قرأت كتب تيلامن مورس ‪ ، Tilman Moser‬تزايد شكي بفائدة احلديث هنا"‪.‬‬
‫ويف حوار غري حتلييل قد جييبه املرء بأن كل إنسان يشفي نفسه بنفسه‪ ،‬أن املبادئ‬
‫مهمة‪ ،‬أن األمر ليس له عالقة بالشفاء‪ ...‬الخ‪ .‬‬

‫‪253‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ال يف االمتناع التحلييل النفساين ‪ ،‬فقد يقوم بتربير نفسه‬ ‫فإذا مل يكن املعالج مؤه ً‬
‫وذلك بأن يقوم عىل سبيل املثال باإلشارة إىل أنه البد للكالم وأن يقود إىل يشء ما وبأن‬
‫الكالم عادة ما يرتبط باملشاعر وأن الكالم ال يكون منعزالً عن أي حيوية إال لدى‬
‫املجانني أو الفصاميني ‪ ...‬الخ‪ .‬كام يمكن له أن ينسحب منزعج ًا إىل الصمت أو قد‬
‫يفرتسه الغضب ملمح ًا للمريض بأنه يمكنه إهناء العالج وأمور أخرى مشاهبة‪ .‬وهبذا‬
‫فسيكون قد صعد إىل عرض النقل و ترشبك مع مريضه يف األنامط القديمة للمواجهة‪.‬‬
‫(إذ ييل النقد التربير أو االنسحاب أو التهديد –وهي األشكال املألوفة لعالقة السلطة أو‬
‫السيطرة)‪ .‬وبدالً من املرور بخربات جديدة للعالقة‪ ،‬سيواجه املريض دائ ًام باألنامط‬
‫نفسها‪ ،‬التي يواجهها كل واحد منا يف مواقف احلياة اليومية‪.‬‬
‫غري أن امتناع ا ُمل رح ِّلل يمنع العودة الالهنائية لألمور نفسها‪ .‬وبدالً من االستجابة‬
‫بسلوك التربير السهل (ليس االمتناع) يمكن للمحلل أن يشجع مريضه عىل سبيل املثال‬
‫عىل مواصلة انتقاده وهو ما يمكن له أن يفاجئه (أي للمريض) كلية‪ ،‬ألنه مل خيرب مثل‬
‫هذا األمر سابق ًا أبد ًا‪ .‬ولكن يمكنه أن يطلب منه أيض ًا مواصلة التعبري عن هوامات‬
‫رغبات االهتامم اجلسدي لديه‪ .‬فربام يتضح عندئذ أن خربة املريض املستثارة اكتئابي ًا‬
‫ترجع إىل قلة االتصال بمحلله حيث جتىل ذلك برغبة اتصال جسدي كحجة‪ .‬هلذا يمكن‬
‫لكل تدخل ال يتطرق إىل عرض دور وجوب‪-‬تربير‪-‬الذات‪ ،‬أن هيدي هذا االتصال‬
‫بحذر إىل طريقه‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪‬وعليه يمكن للتدخل التايل أن يكون ممكن ًا‪:‬‬


‫"أنت تتوقع مني اآلن أن أقدم تربير ًا‪ .‬فلو فعلت هذا فربام ستأيت بحجة‬
‫جديدة‪ .‬وهبذا سينشأ تباعد بيننا‪ .‬فإذا مل أقم بتربير نفيس اآلن فستنشأ إمكانية‬
‫التقارب بيننا‪ .‬إنك تتمنى هذا إال أنك ختاف من هذا عىل ما يبدو"‪.‬‬
‫فلو ركز املرء عىل أن املريض البد وأن يعرض نفسه لضغط مستمر بسبب‬
‫حاجة لعقاب الذات‪ ،‬التي يرغب بتجسيدها عىل املعالج‪ ،‬فسيكون التدخل‬
‫التايل ممكن ًا‪:‬‬
‫"أنك حتاول حتريكي ألضطر لتربير نفيس؛ ربام أنت مضطر مرارا لتربير‬
‫ترصفاتك أمام نفسك‪ .‬فإذا ماكنت مضطر ًا لتربير نفيس أمامك فسيكون‬
‫كالنا يف نفس القارب بدالً من أن نحاول أن نفهم مع بعضنا البعض عام‬
‫يدفعك لالضطراب إىل تربير نفسك باستمرار"‪ .‬‬

‫غالب ًا ما يساء فهم االمتناع من املالحظ اخلارجي بأنه عدم االستجابة عىل مستوى‬
‫السلوك‪ .‬غري أن االمتناع عبارة عن اجتاه للمعالج ال يمكن االستغناء عنه يف فلسفة‬
‫العالج التحلييل النفساين ‪ ،‬بعدم التطرق ملطلب الدور العصايب للمريض‪ ،‬املتمثل يف أنه‬
‫عسى أن يستجيب املقابل بالشكل األقرب ملا يتطابق مع تصويرته ‪Schema‬الداخلية‬
‫(عالقات املوضوع)‪ .‬وبالطبع يستجيب املحلل إال أنه يفعل ذلك عىل مستوى أعىل‬
‫‪ .Meta level‬ويظل الطلب املنبثق من املريض بال إجابة‪ ،‬بأن ال يتم جدل الدور‬
‫بالطريقة املألوفة للمريض من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى يستجيب املعالج ملريضه جد ًا بأن‬
‫يفتح له إمكانية جديدة من احلوار‪ .‬وهذه الرؤية احلديثة لالمتناع (اخلاص) جيعل أيضا‬
‫التطبيق التقليدي لغفلية ‪ Anonymity‬املحلل مطلقة مبدئي ًا أو تتطلب عىل األقل إعادة‬
‫التفكري هبذا املنظور‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وحتى بالنسبة للمحلل فإن التعامل مع نقل مريضه يمثل خربة خاصة‪ :‬فهو عىل‬
‫الرغم من أنه يسمح له‪ ،‬ويتامهي معه (أي للنقل) عىل سبيل التجريب ويفكر من خالل‬
‫أية مظاهر سلوكية أو حتى هوامات داخلية يمكن أن يكون قد أثر هو كمثري هلذه‬
‫التصويرات‪ ،‬غري أنه أن يمكنه أن يمتنع عن رضورة أنه البد له من االستجابة عىل‬
‫الطريقة املألوفة بشكل دور تكاميل (عىل مريض متربم عىل سبيل املثال ال حيتاج‬
‫لالستجابة بالزجر)‪ .‬وال يشعر املريض بالصد يف إدركاته وعدم الظهور غري املتوقع‬
‫الستجابة يعتقد بأهنا بدهيية حيرك عملية التفكري (التأمل) لديه‪ .‬فال يعود عىل سبيل‬
‫املثال جيعل الناس اآلخرين مسؤولني عن فشل الكثري من نواياه؛ بل سوف يبدأ بالتفكري‬
‫من أين نشأت حاجاته التربيرية و ما هي الصعوبات التي يسببها هو لنفسه يف التعامل‬
‫مع اآلخرين‪ ،‬إذا ما ظل يتهمهم باستمرار بأهنم ال يساعدونه كفاية أو عندما يصد‬
‫باستمرار أولئك الذين يريدون مساعدته ألن االتصال يوقظ الكثري من التطلعات التي‬
‫خيجل منها (جدول ‪.)7‬‬

‫جدول (‪ :)6‬التعامل مع النقل‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫البحث عن مثريات النقل‪،‬‬ ‫طبق ًا لسيطرة رؤية يف أعامل علم نفس الذات‬
‫املتعلقة باستجابات و‬ ‫علم نفس فردية فإن ‪self-‬‬
‫تدخالت املحلل‪ ،‬هي البؤرة‬ ‫احلوادث يف املريض ‪psychological‬القديمة فإن‬
‫املركزية لألجراء؛ وطبق ًا‬ ‫هي بؤرة تفسري فهم تعابري املتعالج تظل عىل‬
‫لذلك فإنه يرسي‪ :‬التحري‬ ‫النقل‪ .‬هلذا يتم إسناد السطح الظاهر إىل مدى‬
‫عن تلميحات النقل (تلك‬ ‫تفسريات النقل (عىل واسع‪ .‬باإلضافة إىل ذلك ال‬
‫غري املخرب عنها لفظي ًا)‬ ‫عكس نصائح فرويد) حيتل كثري ًا مركز الصدارة ما‬
‫وإعطاء األولوية لتحليل‬ ‫برسعة كبرية إىل يعرضه املريض بشكل ال‬

‫‪256‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النقل يف هنا واآلن‪ .‬وحتتل‬ ‫شعوري من اخلربات‬ ‫(بيانات‬ ‫املايض‬


‫االرتباطات مع اخلربات‬ ‫املاضية املشحونة بالرصاع‪،‬‬ ‫تارخيية)؛ و تظل يف‬
‫التارخيية املمكنة مرتبة ثانوية‪،‬‬ ‫وإنام ما الذي حيتاجه بالنسبة‬ ‫جزء كبري منها‬
‫ولكنها بالطبع ليست غري‬ ‫لنموه (خربات موضوع‬ ‫مقترصة عىل حتليل‬
‫مهمة أو ال معنى هلا‪ .‬مركز‬ ‫‪self-object‬‬ ‫الذات‬ ‫النقل اخلارجي‪.‬‬
‫االهتامم حتتله الكيفية التي‬ ‫‪.)experiences‬‬
‫يتشكل فيها التواصل‬ ‫ولدى وجود تعاطف كاف‬
‫الشعوري والالشعوري عىل‬ ‫ال يتم تنشيط اخلربات‬
‫أساس العوامل البني‬ ‫القديمة املشحونة بالرصاع‬
‫شخصية واملوقفية‪.‬‬ ‫يف العالقة باملحلل وإنام فقط‬
‫خارج اإلطار التحلييل‪ ،‬من‬
‫دون أن يمثل ذلك نشاط‪.‬‬

‫عدم موثوقية اخلربات الباكرة فقط على أساس حتليل النقل (الداخلي)؟‬
‫عندما يتحدث املريض عن عالقات خارج اإلطار التحلييل‪ ،‬يمكن أن يكمن يف‬
‫هذا تلميح خفي للمحلل؛ إال أن امليل إىل استخالص تلميح للنقل يف كل واقعة "خارج‬
‫حتليل نفسية" يمكن أن يقود إىل صورة كاريكاتورية للتحليل النفساين ‪ .‬فعىل الرغم من‬
‫أن كل مقولة للمريض تتضمن تلميح ًا للنقل؛ إال أن هذه األمهية ال حتتاج أن تستند إىل‬
‫املحتوى وإنام إىل جمرى احلديث‪ .‬فإذا ما حتدث مريض عن خربة مهينة جد ًا له من قبل‬
‫مديره عىل سبيل املثال فإنه ال جيوز بشكل آيل استخالص النتيجة املتمثلة يف أنه يرغب ال‬
‫يلمح مضموني ًا إىل حملله هبذا أنه يريد أيض ًا أن يعيشه ب وصفه مهين ًا؛‬
‫شعوريا يف أن َّ‬
‫وإنام يستطيع أن يتحدث عن هذا ألنه يستطيع الثقة بمحلله‪ ،‬وهو ما ينبغي أن نرى النقل‬
‫فيه‪ .‬وعىل الرغم من أن تأكيد غايل ‪ Gill‬لتحليل النقل يف هنا واآلن مهم جد ًا إال أنه‬

‫‪257‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫البد هنا من التفريق بني املضمون والعملية‪ .‬فمحتوى التعبري الظاهر للمريض ال يستند‬
‫دائ ًام بأي شكل من األشكال شعوري ًا أو ال شعوري ًا عىل املعالج‪ ،‬ولكن بالطبع حيدث كل‬
‫يشء‪ ،‬أي كل ما يقوله املريض أو خيفيه‪ ،‬يف العالقة بمعاجله‪ .‬باإلضافة إىل ذلك البد من‬
‫األخذ بعني االعتبار أن املحللني ال يستطيعون دائ ًام بشخصيتهم استثارة مثل ذلك النوع‬
‫من اخلربات‪ ،‬التي حيتاجها املريض إلخراج (مرسحة) نقله‪.‬‬
‫فإذا ما عاش حملل ما مريضه عىل أنه متعاطف ومنسجم معه انفعالي ًا بشكل مثايل‬
‫فهل ال حتتاج اخلربات املشحونة بالرصاع و االنصدامية عىل اإلطالق ألن تتجدد يف‬
‫العالقة باملحلل(حتليل النقل –الداخيل ‪ )Inner-Transfer analyses‬وهل حتتاج ألن تتم‬
‫معاجلتها؟ أيكفي عندئذ ألن تصبح قابلة للخربة يف تشكيالت النقل ‪Transfer-‬‬
‫‪ Formation‬خارج التحليل (حتليل النقل اخلارجي ‪)exterior Transfer Analyses‬؟‬
‫هناك رؤية يف االجتاه السائد يف التحليل النفيس‪ ،‬ربام تتحدث يف هذه احلالة عن حتليل‬
‫غري كامل أو حتى عن عمل نقل‪ .‬وعليه فقد أخرجت مريضة عىل سبيل املثال بشكل‬
‫مستمر رصاعات مع زوجها و زمالء العمل‪ ،‬إال أن العالقة التحليلية خالية من‬
‫الرصاعات و تشعر املريضة بأهنا مفهومة بشكل مثايل من معاجلها‪ .‬أينبغي جعل‬
‫الرصاعات الالشعورية أيض راًَ غري صاحلة يف خربات العالقة اجلديدة واألخرى داخل‬
‫املوقف العالجي‪ ،‬أم تقود طرق عدة للمعاجلة و أخري ًا إلزالة القناعات والرصاعات‬
‫املرضية؟ تؤيد اخلربات أنه حتى املحتويات الباكرة للذاكرة بانفعاالت سلبية يمكن أن‬
‫تتعدل إذا ما حدث هذا خارج العالقة باملحلل‪ .‬هناك أسباب عدة لعدم إعطاء حتليل‬
‫النقل الداخيل األولوية املطلقة‪ .‬فهو يمكن أن يكون غري مناسب عندما‪:‬‬
‫‪ -‬ال يرى املحلل (حتى عند االختبار العميق جد ًا لعالقة النقل أو ملثريات مؤرشات‬
‫العالقة املنطلقة منه) مناسبة بإسناد التفاعل خارج التحليل عىل نفسه ومريضه‪.‬‬
‫‪ -‬نشوء خربة عالقة إجيابية جديدة من خالل التطرق للتصورات السلبية للعالقة‬
‫(هل حيتمل أنك تعيشيني عىل صورة مست ِرغل مثل مديرك؟") سوف خيل يف هذا‬
‫املكان بالعملية التحليلية بشكل حساس‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬حتتل أشكال نقل‪-‬موضوع الذات مع وظائفها احليوية‪ vitalize‬والبانية لتقدير‬


‫الذات مركز الصدارة بوضوح وهي حيتاجها املريض بالرضورة لنموه‪.‬‬
‫‪ -‬قد يتولد لدى املريض من خالل حتليل النقل الداخيل االنطباع بأن حملله يسند كل‬
‫يشء إىل نفسه‪ ،‬ويقحم نفسه باستمرار يف مركز الصدارة ويريد أن يكون أهم‬
‫شخص يف حياة مريضه (األمر الذي يمكن أن يضاهي إعادة االنصدامية يف املجال‬
‫النرجيس)‪ .‬باإلضافة إىل أن املبالغة بتقويم شخص املحلل قد خيطف من املريض‬
‫كل ديناميكياته الذاتية الدافعية و تقرير مصريه‪ ،‬التي تشكل استقالليته‪ ،‬التي هي‬
‫من دون يشء متأزمة وذلك طبق ًا ملقدار االنصدامية‪.‬‬

‫ولكن أال يتم من خالل املنع املؤقت ‪ suspendization‬لتحليل النقل جتميد اجلدل‬
‫احلاصل بني البني نفيس [الضمني] و البني شخيص ‪،intra psychic and interpersonal‬‬
‫من خالل إرجاع مشكالت املريض من خالل رؤية مبسطة إىل املايض التاريخ حيايت‬
‫لوحده؟ هل يمكن لتحليل نفيس مفهوم وفق األصول ‪ Lege Artis‬أن جيري بالفعل من‬
‫دون مراعاة اإلخراج (مرسحة) الشعوري للرصاع يف هنا واآلن ؟‪ .‬إن اإلجابة عن ذلك‬
‫ال يمكن أن تكون غري‪ :‬إنه عىل الرغم من أنه يف حتليل نفيس لوجهة النظر التفاعلية‪-‬‬
‫التكييفية يقوم املحلل دائ ًام بالتعبري إال أنه ال حيتاج بالرضورة إىل التطرق‪ .‬فمراعاته‬
‫املستمرة هي التي تعطي املحلل التوجه عموم ًا‪ ،‬حول ما هي النقاط التاريخ حياتية‬
‫املمكنة املمسوسة يف اللحظة الراهنة‪ ،‬مع العلم أنه ليس بالرضورة هلذا أن حيتاج ألن‬
‫يكون متطابق ًا كلية مع املشاهد يف موضوع النقل اخلارجي‪.‬‬
‫األمر الفاصل بالنسبة الختاذ القرار هو فيام إذا كان ينبغي سحب رواية املريض عىل‬
‫التفاعل مع املحلل أيض ًا أم ال‪ ،‬وهو أمر البد أن تتوفر فيه إىل جانب معايري املقبولية‬
‫واملفهومية الكافية بالنسبة للمريض بالدرجة األوىل ‪ ،‬مسألة فيام إذا كانت هذه رضورية‬
‫بالنسبة ملطلب النمو عند املريض أم ال‪ .‬ويمكن للحل املوفق لرصاع قديم يف النقل مع‬

‫‪259‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املحلل أن يكون رضوري ًا للنمو بشكل واضح‪ ،‬ولكن حتى هذا يمكن أن حيقق تناغ ًام‬
‫انفعالي ًا مثالي ًا ‪ ،optimal affect attunement‬يؤثر بشكل حيوي وينمي القدرة عىل تنظيم‬
‫الذات‪ ،‬من دون أن حيتاج األمر هنا للتطرق العالقة هنا واآلن يف مظاهرها الرصاعية و‬
‫املتناقضة‪ .‬وهلذا السبب ال يمكن هنا أيض ًا النصح بقاعدة صارمة؛ األمر الفاصل بالنسبة‬
‫لإلجراء املعني هو التفكري بام هي التدخالت أو االجتاهات األفضل ملريض معني يف‬
‫حلظة معينة بالنسبة لنموه‪ .‬ولو تأملنا هذا واقعي ًا فإنه أص ً‬
‫ال يوجد بالنسبة جلزء كبري من‬
‫اجللسة التحليلية رشط مقبول وكأنه أمر بدهيي يقول أن املحلل موجود ببساطة ملريضه‬
‫ال شخص‬ ‫بغض النظر عام إذا كان هذا حيمل اضطراب ًا نرجسي ًا أم ال‪ ،‬بحيث ال يدخل أص ً‬
‫املحلل إىل مركز الصدارة بشكل منافس إال بني احلني واآلخر‪.‬‬
‫"هذا األساس (للعالقة التحليلية) هو يف جوهره ثقة املريض بأنه يستطيع استغالل‬
‫املحلل‪ ،‬إذا ما احتاج لذلك‪ ،‬كوظيفة‪ ،‬كيشء كامل ‪ unperson‬من دون أن يلفت املحلل‬
‫نظره إىل أمهيته أو وجوده كشخص" )‪.(Treurniet,1958, P. 925‬‬
‫‪Mount Zion‬‬ ‫كام أن نتائج أبحاث جمموعة أبحاث ماونت زيون العالجنفسية‬
‫‪ Psychotherapy Research Group‬برئاسة وايس و سامبسون ‪Weiss & Sampson‬‬
‫تؤكد الرؤية أن املرىض يستطيعون تعديل قناعاهتم املرضية من دون أن يكون املعالج قد‬
‫قام بتفسريات النقل‪ .‬بل أن اجلو اآلمن و "التدخالت املدروسة ‪ "pro plan‬رضورية‪،‬‬
‫حيث تقود إىل تفريد ‪ Individualization‬القناعات املرضية‪ .‬إال أن إتاحة جو من األمان‬
‫ومن خفض احلياء يشرتطان أن يعرب (يعكس) املحلل باستمرار عن الكيفية التي تؤثر‬
‫فيها تدخالته عىل املريض حتى وإن مل يكن بالرضورة جعلها موضوع ًا رصحي ًا للحديث‪.‬‬

‫ميكن اختبار النقل أيض ًا بالطرق املموضعة‬

‫(التي يتم جعلها موضوعية ‪)objectification‬‬


‫كل أولئك الذين ما زالوا يشككون بالطريقة التحليلية النفسية (أبحاث عىل اخلط‬
‫‪ ،)on-line Researches‬ربام ألهنم مازالوا ال يمتلكون خربات كبرية وربام ألهنم‬

‫‪260‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حيتاجون املوضوعية ‪ objectivation‬كضامنة‪ ،‬ولكن من املؤكد أنه يمكن اختبار‬


‫التصورات املعروضة ملطلب الدور يف النقل ويف كفاءة االمتناع إمبرييقي ًا (مقطوع اخلط‬
‫‪.)Off-line‬‬
‫يف حتليل املخطط الالشعوري ‪ Plan analyses‬ملجموعة بحث وايس وسامبسون‬
‫)‪ (Wess & Sampson,1986‬تم عىل سبيل املثال االنطالق من أن املرىض منذ بداية‬
‫العالج –أي أيض ًا حتى يف اجللسة التحليلية األوىل‪ -‬حياولون بشكل الشعوري جتديد‬
‫ال أو كثري ًا تقدير سلوك املحلل‬‫نمط التوقع التاريخ حيايت و حياولون بشكل شعوري قلي ً‬
‫بناء عىل إىل أي مدى هو يتطابق أو ال يتطابق مع التوقعات املرضية ‪Pathogen‬‬
‫‪( anticipation‬من نحو إذا ما قلت رأيي‪-‬ال شعوريا‪ :‬إذا ما عربت عن نقدي لسلوك‬
‫والدي‪ ،-‬يعقبها تعبري صاد أو مزعج عىل سبيل املثال؛ أم إذا ما كنت لطيف ًا (حباب ًا)‪ ،‬من‬
‫ِّ‬
‫نحو إذا ما حاولت إغراء حمليل‪ ،-‬فهل يستجيب هلذا)‪ .‬فإذا ما أعقب ذلك تأكيد‬
‫للتوقعات املرضية التي هي بالطبع دائ ًام ذات طبيعة خصوصية‪( idiosyncrasy‬فاهلدية‬
‫يمكن عىل سبيل املثال أن متثل حماولة أغراء‪ ،‬وأن متثل كذلك تقرب ًا خجوالً ملريض‬
‫مضطرب يف تواصله؛ ففي احلالة األخرية ربام يكون تقبل اهلدية مالئ ًام يف كل األحوال)‪،‬‬
‫فسيشعر املريض بأنه معزز يف حلقته العصابية أو حتى مشجع ًا عىل أن يتبع تعابريه وأنامط‬
‫سلوكه بأفعال أخرى‪.‬‬

‫النقل املعاكس‬

‫ما هو النقل املعاكس؟‬


‫يف حني يتحدث مريض ما حول ظروفه الصعبة مع مديره‪ ،‬ظهرت لدى حمللته‬
‫النفسية املشاعر والتصورات و األفكار التالية‪ :‬إهنا ترغب باحتضانه وأن هتدهده‪ ،‬وكأهنا‬
‫يمكنها أن حترره من خالل ذلك من كل منافساته التي ال تنتهي مع الرجال‪ .‬فهل‬
‫أحست هبذا بام الذي رغبه املريض من والده بشكل ال شعوري‪ ،‬ولكنه مل يتجرأ عىل‬
‫قوله؟ هل هي رغبتها هي من الطفولة واليفوع‪ ،‬بأن تشعر من أبيها باحلامية واالعرتاف؟‬

‫‪261‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫هل تدرك حتديد األدوار املنطلقة من املريض بشكل ال شعوري‪ ،‬املتمثلة يف أنه ربام حتميه‬
‫األم من مشاعر الكره جتاه والده؟ أم أن املعاجلة حتمي نفسها يف دور نقلها كمديرة من‬
‫االندفاعات العدوانية غري املرغوبة للمريض‪ ،‬بأن ترغب بتغطية هذا يف صورة تكوين‬
‫عكيس مع ميول ترصف مشحونة باحلب؟‬
‫تدرك معاجلة أخرى كيف أن مريضها الذي متكن قبل قليل من عرض روايته‬
‫بشكل مشحون باملشاعر‪ ،‬قد أصبح منذ بضع دقائق يف كلامته غري حمسوس‪ ،‬وأهنا تشعر‬
‫بأهنا أصبحت بعد وقت قصري تال مستحيلة‪ ،‬وكأن مريضها قد أغراها من أجل صدها‬
‫بعدئذ‪ .‬لقد عاشت هذا األمر مرار ًا معه‪ .‬فهل هذه حساسيتها‪ ،‬ألن تشعر برسعة‬
‫بالرفض أم أهنا من املمكن أن تكون قدر أدركت شيئ ًا ما صحيح ًا‪ ،‬مما أخرجه مريضها‬
‫معها –بالطبع بشكل ال شعوري بالنسبة له‪-‬؟‬
‫إن الكيفية التي ينبغي فيها تصنيف هذا بالضبط ينبع من التصورات واهلوامات‬
‫املرتافقة باألحاسيس عند املعالج وليس مكتوب ًا عىل اجلبني‪ .‬ولكنها يف كل حال مصدر‬
‫معرفة مهم جد ًا و مركز العملية التحليلية‪ .‬هلذا يعد حتليل النقل والتعامل معه مكون ًا‬
‫أساسي ًا ال يمكن االستغناء عنه للكفاءة التحليلية النفسية‪.‬‬
‫ويف التحليل االستبطاين‪introspective‬للنقل املعاكس البد من اإلجابة عن األسئلة‬
‫التالية‪ :‬إىل أي مدى يتعلق األمر يف املشاعر و اهلوامات‪:‬‬
‫بتامهيات منسجمة ومتكاملة‪concordant and complimentary Identification‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬بتامهيات إسقاطية واستعدادات لألدوار‬
‫‪ -‬بنقل ذايت‬
‫ناجم عن كل هذه احلوادث التفاعلية ‪ interactive‬والبني نفسية ‪intra psychic‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجلارية ؟‬

‫‪262‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫من الوصم ‪ stigmatize‬إىل العالمة املميزة لالحرتافية التحليل نفسية –‬


‫تعديالت تصور مفهوم النقل املعاكس‬
‫يف بدايات التحليل النفيس اعترب النقل املعاكس للمحلل –أي التصورات‬
‫املشحونة بشدة باالنفعاالت التي ال ترتبط بأي عالقة معروفة للوهلة األوىل بروايات‬
‫املتعالج‪ -‬تلويث ملوضوعية التعرف؛ وهلذا السبب عىل املعالج أن جيعل ظهور النقل‬
‫املعاكس املحتمل مدرك ًا‪ ،‬من أجل التمكن من قمعه مسبق ًا يف بداية ظهوره و كبته من‬
‫اخلربة‪ .‬ويف هذه الرؤية يشبه النقل املعاكس تصور احلكم املسبق‪ ،‬تصور تأثري مدير‬
‫التجربة و حتيز العامل‪.‬‬
‫لقد استنتج فرويد يف مؤمتر للتحليل النفساين يف عام ‪"1910‬‬
‫"أصبحنا مهتمني ‘بالنقل املعاكس‘‪ ،‬الذي يظهر لدى الطبيب من خالل تأثري‬
‫املريض عىل اإلحساس الالشعوري للطبيب‪ ،‬ولسنا بعيدين كثري ًا عن املناداة بأنه عىل‬
‫الطبيب أن يتعرف يف ذاته عىل هذا النقل املعاكس ويواجهه‪ .‬لقد‪ . ...‬الحظنا أن كل‬
‫حملل نفيس لن يتقدم أكثر مما تسمح به عقده اخلاصة ومقاوماته الداخلية‪ ،‬ومن هنا‬
‫نطالب بأن يبدأ عمله بالتحليل الذايت وأن يفعل هذا يف أثناء خرباته مع املرىض ويعمقها‬
‫باستمرار" )‪.(1910e,P. 108‬‬
‫و بعد سنتني صاغ فرويد كنقيض للقاعدة التحليلية النفسية األساسية الفرضية‬
‫التالية‪:‬‬
‫"كام أنه عىل املتعالج أن خيرب بكل ما يلتقطه يف مالحظته لذاته‪ . ...‬ينبغي للطبيب‬
‫أن جيعل نفسه يف حالة أن كل ما يتم إخباره به البد من االستفادة منه بغرض التفسري‪،‬‬
‫بغرض التعرف عىل الالشعور الكامن‪ ،‬من دون استبدال الرقابة الذاتية باالنتقاء الذي‬
‫ختىل عنه املريض‪ ،‬بكلامت أخرى‪ :‬عليه أن يستخدم الشعوره الذايت كعضو استقبال‬
‫لالّشعور املُعطي للمريض‪ ،‬أن يتكيف مع املتعالج‪ ،‬كام تكون سامعة اهلاتف معرية عىل‬
‫القرص‪ . . ...‬هكذا هو الشعور الطبيب قادر من الطالئع املخرب هبا لالشعور إعادة‬

‫‪263‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪.(1912g.‬‬ ‫الالشعور" )‪P. 382‬‬ ‫بناء هذا‪. . ...‬‬


‫وعىل الرغم من تأكيد فرويد عىل خصوبة املطابقة مع قرص اهلاتف فقد ظل هذا‬
‫بداية يف خلفية النقاش‪ .‬و يف املسلامت الرسمية للتحليل النفساين يف ذلك الوقت سادت‬
‫بداية الرؤية املتمثلة يف أن النقل املعاكس يمثل معوق ًا ومتغرية دخيلة‪.‬‬
‫وتتم اإلشارة يف املراجع عادة إىل فيني كوت ‪ Winnicott,1949‬و هامان‬
‫‪ Hemann,1950‬و ليتل ‪ Little,1951‬و اكر ‪ ،Racker,1953‬الذين ظلوا لفرتة طويلة‬
‫يتكلمون عن الرؤية السائدة‪ ،‬املتمثلة يف أهنم يعتربون النقل املعاكس عبارة عن ذاتية‬
‫دخيلة للمحل‪ ،‬عبارة عن دفاع املحلل ضد االنغامس العميق يف تفاعله مع مريضه‪ .‬أما‬
‫اكر )‪ (Racker,1957‬فقد كان يرى أن موضوع النقل الذي مل يعالج حتى ذلك الوقت‬
‫بشكل كبري علمي ًا يشري إىل بقايا رصاعات غري حملولة لدى املحلل‪.‬‬

‫رؤى خمتلفة حول النقل‬


‫وهكذا تبدو أيض ًا الرؤى املوصوفة "بالتقليدية" و "الكالنية" أو "اجلمعية" للنقل‬
‫املعاكس بأهنا مواقف ملراحل زمنية خمتلفة من مساعي التفكري‪.‬‬

‫‪"Classical" Vision‬‬ ‫‪ )1‬الرؤية "التقليدية"‬


‫تذهب هذه الرؤية من أن النقل املعاكس للمحلل يمثل االستجابة الالشعورية عىل‬
‫نقل املريض‪ .‬وهي رؤية متأثرة بشدة برؤية فرويد لعام ‪ ،1912‬الذي حذر زمالءه‬
‫التحليل نفسيني بالتغلب عىل النقل املعاكس الذي ترجع جذوره ‪-‬مرار ًا ولكن ليس‬
‫دائ ًام‪ -‬إىل أساليب اخلربة العصابية الذاتية‪.‬‬
‫الرؤية "الكالنية" ‪" totally" Vision‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪Little‬‬‫يمثل الرؤية الكالنية كل من هامان )‪ Hermann (1950u. ,1960‬و ليتل‬
‫)‪ (1951‬ور وكر )‪ Rocker (1953u. ,1957‬وكرينبريغ )‪ Kernberg (1965‬وآخرين‪ .‬وقد‬

‫‪264‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫متسك هاينامن بأن تصور النقل املعاكس يفرتض أن يشتمل عىل كل املشاعر التي يشعر‬
‫هبا املحلل جتاه املريض‪ .‬وعىل عكس الرؤية التي كانت منترشة جد ًا يف ذلك الوقت بأن‬
‫املشاعر واالنفعاالت الشديدة جتاه مريض ما مع التصور املثايل ‪ ideal‬بإرادة اخلري ال‬
‫يمكن التوفيق بينها وبني دناءة املشاعر العنيفة للمحلل‪ ،‬فقد ذهبت رؤيته من أن‬
‫تصورات النموذج هذا لواقع العالقة التحليلية غري مناسب ويمثل كذلك فه ًام ناقص ًا‬
‫الستعارة فرويد حول اجلراحة واملرآة‪.‬‬
‫تكون العالقة العالجية مصممة بشكل خطأ إذا ما انطلق اإلنسان من أن املحلل‬
‫هو آلة تفسري حتليلية وأن املريض فقط هو الذي تعتمل فيه املشاعر العميقة‪ .‬عىل العكس‬
‫إذ متثل االستجابة املشحونة باملشاعر للمحلل أهم مصدر للمعرفة حول االستجابات‬
‫الالشعورية للمريض‪ .‬وهنا ال يمكننا للوهلة األوىل اعتبار االستجابة األوىل للمحلل‬
‫بالضبط عىل أهنا اجلزء املعاكس للنقل عند مريض ما‪ .‬هلذا من املفيد واملناسب أخذ أي‬
‫استجابة انفعالية‪ ،‬تظهر يف اجللسة حتى وإن كان للوهلة األوىل ال يمكن التعرف عىل‬
‫وجود أي ارتباط بنقل املريض‪.‬‬
‫وكذلك ذهبت مارغريت ليتل )‪ Margaret Little (1951‬من تعريف كالين للنقل‪.‬‬
‫ويمكن وصف األبعاد األربعة التي حددهتا عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬النقل املعاكس باعتباره اجتاه ال شعوري جتاه املريض‪.‬‬
‫‪ -‬عنارص نقل عصابية‪ ،‬التي أن تقود إىل أن يعيش املحلل املريض كأحد والديه (أو‬
‫أخوته)‪.‬‬
‫‪ -‬االستجابة غري العصابية للمحلل عىل النقل عند مريضه (ما يسمى "النقل املعاكس‬
‫الطبيعي")‪.‬‬
‫‪ -‬كل اجتاهات املحلل جتاه مريضه‪.‬‬
‫‪Annie Reich‬‬ ‫ويشري نقاد الرؤية الكالنية للنقل املعاكس من نحو آين رايش‬

‫‪265‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫)‪ (1959u. ,1960‬إىل أن تصنيف كل االستجابات الظاهرة يف التفاعل مع مريض ما (من‬


‫نحو املشاعر و اهلوامات والتصورات‪ . .‬الخ عىل سبيل املثال) حتتل ضمن تصور النقل‬
‫املعاكس‪ ،‬املفهوم بصورة كالنية‪ ،‬تلك األمهية اخلاصة وهلذا فهي قد تقود بصورة خاصة‬
‫إىل استخدام مشتت للمفاهيم‪ .‬ومن خالل االستدالل باالستنتاج القايض‪" :‬أشعره‬
‫اآلن يف نقيل املعاكس" يتم القفز فوق اخلطوات املنهكة لعمليات املعرفة التأويلية‬
‫‪ hermeneutic‬العميقة بشكل عبقري عىل ما يبدو؛ فام يسمى باالنفعالية يتم املبالغة‬
‫بتقويمها مقابل عمليات املعرفة االستعرافية و يتم مرارا التخيل عن االستجابات الذاتية‪.‬‬
‫وتكفي العبارة‪" :‬استثار املريض هذا يف" الستخالص العملية التأويلية العميقة‬
‫والتوقف عن التعب بالتفكري بأي مقدار تتيح االستجابات العصابية الذاتية و النقل‬
‫املعاكس املناسبة (الفرصة) هلذه اخلربة‪.‬‬
‫وبشكل خاص رؤيتها املتبناة بحزم القائلة أن "خربة النقل" مل متثل بعد النقطة‬
‫اخلتامية لعملية املعرفة التحليل نفسية املركبة‪ ،‬وإنام تقتيض من جهة كمية من املعرفة‬
‫النظرية و من ناحية أخرى تأمل صارم باالنطباعات االنفعالية‪ .‬هذه الرؤية متثل معرفة‬
‫مهمة‪.‬‬

‫‪ )3‬النقل املعاكس بوصفه نقل املحلل‬


‫يرى هذا املوقف الذي تبناه بشكل أسايس غرينسون )‪(Greenson,1982‬يف النقل‬
‫املعاكس مفصل ‪ pendant‬النقل عند املريض الناجم عن الرصاعات غري املتمثلة‬
‫للمحلل‪.‬‬
‫‪ -‬كاجتاه عام عىل سبيل املثال كاجتاه ذو تأثري متعجرف قلي ً‬
‫ال و ال مبال‪ ،‬يساعد عىل‬
‫عدم الطمأنينة يف التواصالت البني إنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬كاستجابة نوعية تظهر فقط لدى أشخاص حمددين الذين عىل سبيل املثال يبثون‬
‫نوع من عدم األمان للمواجهني هلم‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫إال أنه من املفيد عدم تسمية هذه االستجابات بالنقل املعاكس‪ ،‬وإنام اعتبارها ما‬
‫هي عليه‪ ،‬أي نقل املحلل‪ .‬هذه األطروحة املتمثلة يف أن املريض قد استثار يف اآلخر‬
‫شيئ ًا‪ ،‬ليس له عالقة كبرية مع الذات‪ ،‬ال يمكن أن تكون حجة مرحية لعدم مراعاة النقل‬
‫الذايت‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك البد أيض ُا من أن نأخذ بعني االعتبار ما أشار إليه كرينبريغ يف‬
‫عام ‪ ،1985‬بأن استجابة النقل املعاكس التي ترجع إىل رصاعات غري حملولة و‬
‫مشكالت يف الطبع عند املحلل‪ ،‬مرتبطة بطريقة عميقة مع التفاعل التحلييل حتديد ًا مع‬
‫مريض معني (وهو ما يربر من جهته الرؤية الكالنية)‪ .‬إن املرافقة النكوصية من أجل‬
‫التمكن من فهم رصاعات املريض يمكن أن ينشط رصاعات شبيهة من املايض لدى‬
‫املحلل و كذلك مقاومات طبائعية‪ ،‬تكاد ال تلعب إي دور يف التحليل مع مريض آخر‬
‫أو يف حياة املحلل ‪ .‬ويف فهم ضيق جد ًا للنقل املعاكس ينزلق املرء يف إغراء اعتبار كل‬
‫االستجابة عىل أهنا فقط مشكلة طبع لدى املحلل و ينسى يف هذا بأية طريقة استثار فيها‬
‫املريض هذه االستجابة عند املحلل‪ .‬كام أوضح كرينبريغ كذلك يف عام ‪ 1965‬أنه‬
‫لدى املرىض‪-‬احلدوديون أو املرىض الناكصون بشدة فإن االنفعاالت املستثارة يف‬
‫املحلل‪ ،‬عىل األقل املكثفة جد ًا‪ ،‬ترتبط بشدة بعالقة‪-‬جزء‪-‬املوضوع للمريض و ال‬
‫ترتبط كثري ًا باملشكالت النوعية للمحلل؛ لسوف تشعر غالبية املحللني باستجابة مشاهبة‬
‫يف ذواهتم بالنسبة للمريض‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ويمكننا مع موللر )‪ Moeller (1977‬التمييز بني ثالث استخدامات مفاهيمية‬


‫أساسية حسب املعايري طبيعي مقابل عصايب‪ ،‬تفاعيل مقابل عام عىل النحو املعروض يف‬
‫(الشكل ‪:)2‬‬
‫السلوك الكيل (الرؤية الكالنية) (=‪)1،2،3،4‬؛‬
‫‪ .1‬السلوك التفاعيل‪ ،‬يمكن أن يكون سواء الطبيعي أم العصايب (الرؤية‬
‫التقليدية) (=‪)3،4‬؛‬
‫‪ .2‬السلوك العصايب‪ ،‬يمكن أن يكون سواء عام أم تفاعيل أيض ًا (عالّقة‬
‫‪ Pendant .3‬لنقل املريض)(=‪.)1،3‬‬
‫إال أنه يتم االنطالق يف حماولة التفريق هذه بأن املعايري الوصفية ‪:topical Criteria‬‬
‫الشعور‪ ،‬ما قبل الشعور‪ ،‬الالشعور ال تلعب يف املراجع حتى اآلن أي دور كبري‪.‬‬
‫إال أنه لدى التأمل بشكل تدقيقي البد من مراعاة أن النقل املعاكس‪-‬عىل األقل‬
‫لفرتة طويلة‪ -‬هو الشعوري يف جزء كبري منه وأهنا ال يمكن أن تصبح شعورية للمحلل‬

‫‪268‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫إال بمساعدة الطالئع الشعورية و ما قبل الشعورية‪.‬‬


‫وطبق ًا لذلك البد من‬
‫توسيع املخطط أعاله طبق ًا‬
‫للمعايري الوصفية (شكل‬
‫‪.)3‬‬
‫وبالطبع فإنه ال يمكن‬
‫فصل األبعاد الوصفية‬
‫بشكل صاف‪ ،‬إال أن‬
‫قابليتها للتمييز عن بعضها‬
‫من حيث املبدأ هي أمر ال‬
‫غنى عنه بالنسبة للعملية‬

‫العالجية التي يفرتض هلا أال تنتهي بتشابك مشرتك‪ .‬ولكن عىل الرغم من أن‬
‫الرؤية التفاعلية للتحليل النفساين احلديث تقر كلية بالتصور الكالين للنقل املعاكس‬
‫وبشكل خاص يف بعدها الالشعوري ‪ ،‬إال أهنا تشري يف الوقت نفسه إىل أن رضورة التعبري‬
‫عن النقل الذايت العصايب عىل املريض و تأثري اجتاهات الشخصية و االنفعاالت الذاتية‬
‫األخرى و االستجابات السلوكية‪ ،‬هو أكثر إحلاح ًا مما هو األمر يف الرؤية التقليدية‪ .‬إذ‬
‫أن هذه تنظر لظاهرة النقل املعاكس بوصفه "خطأ" مرتبط تفاعلي ًا‪reactive‬كثري ًا أو قلي ً‬
‫ال‬
‫و قابل للعزل‪ ،‬يمكنه أن يؤذي التعاطف بني احلني واآلخر فقط‪.‬‬
‫وقد قادت املعرفة التي برهنت نفسها يف العقود األخرية بشكل مطرد القوة واملتمثلة‬
‫يف أن انقسام‪-‬موضوع‪-‬ذات وضعي ‪ Positivist‬شبه جتريبي ‪experimental‬‬
‫‪analogue‬ال يمكن تبنيها أيض ًا حتى جزئي ًا‪ ،‬إىل مساعي أكثر كثافة‪ ،‬نحو التحديد‬
‫املفاهيمي للنقل املعاكس بشكل أفضل و أكثر دقة‪ ،‬من أجل التمكن من التعامل معه‬

‫‪269‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بشكل أكثر وضوح ًا يف امليدان العميل‪ .‬وهبذا تتقدم ذاتية ‪ subjectivity‬املحلل إىل بؤرة‬
‫مساعدة توجه داخيل ال يمكن‬ ‫ِ‬ ‫مركز االهتامم بشكل أقوى‪ .‬وهبذا فهي تعد اليوم‬
‫االستغناء عنها‪ .‬من أجل الفهم األفضل أو بشكل عام من أجل الفهم عموم ًا وبشكل‬
‫خاص لالهتامات الالشعورية للذات و لسيناريوهات وهلوامات و لرصاعات املريض‪.‬‬
‫يفهم التحليل النفيس احلديث املوقف التحلييل النفساين بوصفه تفاعل بني‬
‫شخصني عليهام أن يفهام بعضيهام يف ذاتيتهام‪ .‬وبمجرد أن يقررا إجراء حتليل فإن كليهام‬
‫يغرقان يف دراما مشرتكة‪ .‬وحل هذه الدراما يقود إىل أن واحد منهام –وعادة ما يكون‬
‫املريض هنا‪ -‬يعرف نفسه بشكل أفضل‪ .‬إذ أنه بشكل خاص يف بدايات هذه الدراما‬
‫تسيطر خداعات شديدة للذات‪ :‬املريض خيدع نفسه يف كثري من دوافع مقاصده ورغباته؛‬
‫كام أن املحلل ينزلق بشكل ال مفر منه يف موقف يكون فيه مهدد ًا بفقدان رؤيته الواضحة‬
‫يف العادة‪ .‬إن جدلية املوقف التحلييل النفساين تكمن يف أن املريض ال يستطيع يف النهاية‬
‫التقدم إال باملقدار الذي يفهم فيه املحلل حركة هذه الدراما‪ .‬ومن أجل هذا عليه أن‬
‫يتعرض للضياع الذي يستثريه فيه اآلخر وتاريخ حياته‪ .‬وبوساطة استبطاناته‬
‫‪ introspection‬املدرب عليها حياول املحلل إدراك عن تصورات ومشاعر موثوقة وغريبة‬
‫وحياول فهمها كإجابة عن اإلخراج الشعوري والالشعوري ملريضه‪ .‬وهذا االجتاه‬
‫املعريف‪epistemological‬للتحليل النفساين هو ما يميزه عن أي تقنية نفسية عالجية‬
‫أخرى يستخدمها املرء‪ ،‬من دون يعتمد عىل اآلخر بالفعل و من دون التخيل يف فيها عن‬
‫الثالثية املنهجية‪ ،‬املالحظة و التعاطف‪ ،‬و االستبطان إىل مدى بعيد‪.‬‬
‫وبشكل أشد مما هو األمر يف النصف األول من القرن العرشين يمكن للمرء أن يقر‬
‫اليوم هبذه الذاتية يف عملية املعرفة‪ ،‬من دون اعتبارها ال عقالنية أو مبهمة‪ mystic‬أو غري‬
‫علمية‪ .‬وقد قادت االكتشافات األساسية يف الفيزياء و تغريات فلسفة العلم والرجوع‬
‫عن الرؤية القاضية بمساواة املعرفة العلمية من خالل العقالنية (املنطق‪)rationality‬‬
‫فقط عىل سبيل املثال و احلركة الثقافية إىل الرفع من شأن الذاتية يف عملية املعرفة‪ .‬و‬
‫السامح بمعرفة تقوم عىل اإلحساس الذايت هو الذي قاد إىل تفهم أفضل للبني ذاتية ‪inter‬‬

‫‪270‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ subjectivity‬وليس املوضوعية الرضورية‪ .‬التي ترى مثلها األعىل يف القابلية للقياس‬


‫املنعزلة عن االنفعالية‪ .‬وبالطبع فإن املعرفة االنفعالية (اإلحساس) حتتاج إىل نقطة‬
‫ارتكاز خارجية‪ .‬وهذه النقطة مضمونة من خالل–إىل جانب إدراك األقوال غري‬
‫اللفظية واللفظية من جانب املريض‪ -‬التفسري التقريبي ‪approximatively explication‬‬
‫القابل لإلجراء يف كل حلظة للخربة البني ذاتية؛ ولكن كذلك من خالل االستفادة من‬
‫معارف احلياة اليومية و مكونات النظرية التحليلية النفسية‪ .‬إذ أن التعاطف و‬
‫االستبطان و حتليل النقل و النقل املعاكس حتدث دائ ًام بشكل شبه دقيق من نظريات ‪-‬‬
‫(احلياة اليومية)‪.‬‬
‫وينبغي عدم فهم معاناة مريض ما كأعراض مستقلة نشأت بناء عىل تعلم خطأ حلل‬
‫أو عدم تعلمه عىل اإلطالق‪ ،‬وإنام هي تعبري عن شخصية تطورت يف سياق بني ذايت يف‬
‫جمرى النمو و التنشئة االجتامعية‪ .‬فإذا ما غمر حملل ما بمساعدة إدراك نقله املعاكس‬
‫الذايت يف السياق البني شخيص‪ ،‬الذي يتجىل يف هنا واآلن للموقف التحلييل‪ ،‬و أصبح‬
‫ال يف دراما متفتحة شيئ ًا فشيئ ًا‪ ،‬تشبه هذه يف مشاهدها املختلفة يف كثري‬
‫العب ًا مشارك ًا فاع ً‬
‫من الوجوه مواقف احلياة االنصدامية والرصاعية للمريض‪ ،‬إال أهنا تبدي الكثري من‬
‫اخلربات اجلديدة‪ ،‬التي يمر هبا مع حملله‪ ،‬الذي يستجيب بشكل خمتلف عن األطر‬
‫املرجعية الباكرة‪.‬‬
‫وهبذا يصبح التعامل البارع مع النقل املعاكس هو الذي يقرر أيض ًا‪:‬‬
‫‪ -‬فيام إذا كانت االنصدامات واخلربات الرصاعية القديمة قد حظيت عموم ًا بإعادة‬
‫إخراج جديدة‪،‬‬
‫‪ -‬فيام إذا كانت هذه تقود إىل إعادة انصدام و تثبيت للرصاعات‪،‬‬
‫‪ -‬فيام إذا كان باإلمكان الوصول إىل معاجلة تفاعلية للخربات القديمة‪،‬‬
‫‪ -‬فيام إذا حدثت خربات جديدة بعد معاجلة االنصدامات السابقة و الرصاعات‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وإذا ما كان عىل املرء أن حيقق مطلب ًا علمي ًا اجتامعي ًا‪ ،‬فإن تفسري خمططات احلياة‬
‫الدراماتية عىل طريق فهم وإدراك النقل املعاكس ال حيتاج فقط إىل نظرية إكلينيكية ونامئية‬
‫نفسية‪ ،‬تتيح لنا فهم التداخل بني االنصدامات و الرصاعات و الدفاع واهلوامات وبناء‬
‫الشخصية يف تعاقب تارخيي نامئي‪ ،‬وإنام حيتاج أيض ًا إىل نظرية ثقافية واجتامعية‪ .‬إذ أنه‬
‫من دون معرفة الظروف التارخيية واالقتصادية و الثقافية التي نام املرىض ضمنها و التي‬
‫يتحركون يف نطاقها اآلن يقوم خطر إساءة فهم جتليات حياهتم بشكل "ممنفس"‬
‫‪.psychologized‬‬

‫النقل املعاكس ليس جمرد نقل تفاعلي ‪–reactive‬فهم جديد للبني ذاتية‬
‫التحليلية‬
‫إذا‪ ،‬كام أرشنا يف فقرة النقل‪ ،‬مل تنشأ حمتويات الكالم املعرب عنها لوحدها عىل أساس‬
‫الديناميكية البني نفسية للمريض‪ ،‬وإنام استندت يف مدى خمتلف احلجم أيض ًا عىل‬
‫مستثريات توجيه جزئية‪ ،‬وأحيان ًا واضحة أيض ًا عىل جانب التدخالت املقصودة شعوري ًا‬
‫للمحلل‪ ،‬عندئذ تصبح رؤيا ذاتية ‪ subjectivity‬املحلل مهمة جد ًا لسبب آخر‪ :‬استجابة‬
‫املحلل التي جتري يف كل حلظة من التفاعل التحلييل (بغض النظر عام إذا كان يتدخل أم‬
‫ال‪ ،‬أكان يتحرك عىل كرسيه أم ال)‪ ،‬تصبح مثريات مهمة للمريض‪ ،‬ملتى و بأية طريقة‬
‫حياول أن هيتم بمواضيع رصاع حمددة و يعاجلها‪ .‬وهبذا يطلب من املحلل النفيس‬
‫احلديث إال يكون قادر ًا عىل التعرف فحسب عىل بعض رصاعاته الداخلية الذاتية وهبذا‬
‫كذلك عىل البقع املظلمة املمكنة متابعتها يف تاريخ حياته‪ ،‬وإنام كذلك أن ينمي تصور ًا‬
‫حول الكيفية التي يستجيب فيها هو للمريض وعىل توقعات الدور والرغبات‪ .‬إذ أنه‬
‫يتم اكتساب هذه االستجابات الظاهرة بطرق متنوعة ‪-‬ولكن ليس فقط كتفسري عىل‬
‫اإلطالق‪ -‬لتصبح جزء ًا أساسي ًا من اإلخراج املنطلق من املريض؛ ومن هنا تتجىل لنا‬
‫أيض ًا أمهية التكوين الراهن ‪actual geneses‬النطباعات العالقة يف عالقة النقل‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وهبذا فقد أصبح واضح ًا بأن ما يسمى "النسخة الكالنية للنقل املعاكس" هي‬
‫الرؤية الوحيدة املقبولة‪ .‬إذ أن املحلل ال يستجيب عىل نقل املريض بطريقة متجزئة وإنام‬
‫يستجيب عىل كل شخص املريض و عىل أسلوب وطريقة روايته و عىل أشخاص حمددين‬
‫تدور حوهلم الرواية و أشياء كثرية أخرى‪ .‬كام أنه ال يستجيب فقط بمشاعر متممة أو‬
‫منسجمة‪ ،‬طبق ًا لتمثيالت عالقة مريضه ‪ ،‬وإنام يستطيع أيض ًا أن يستجيب بمشاعر نقله‬
‫املعاكس العصايب‪ ،‬بإسقاط أجزاء من ذاته بل حتى أيض ًا بتامهياته اإلسقاطية الذاتية عىل‬
‫الشخص و عىل ما خيربه به مريضه‪.‬‬
‫وغالب ًا ما تطفو مثل هذه األسئلة والتي ال حترك فقط أولئك الذين هيتمون للمرة‬
‫األوىل مع األحاييل النظرية حلوار العمل التحلييل النفساين ‪:‬‬
‫‪ -‬كيف يمكن مع مثل هذا النوع من التأثري الذايت الكبري اعتبار أن "موضوعية"‬
‫عملية املعرفة التأويلية‪ hermeneutic‬العميقة حمققة ؟‬
‫‪ -‬أليست تفسريات املحلل ملوثة دائ ًام تقريب ًا بذاتيته اخلاصة؟‬
‫‪ -‬أي حمتوى للحقيقة يمكن أن يكون عندئذ مطابق ًا لتفسريات املحلل؟‬
‫ولكن كام عىل كل متخصص نفيس جتريبي جيد أن يتعلم حرفته أو عىل كل باحث‬
‫أن يتعلم تقدير مدى مالئمة طريقته بالنسبة ملجال بحثه املدروس‪ ،‬يمكن كذلك‬
‫للتدريبات و النمو املطرد للخربة أن تقود إىل كفاءة أفضل للمحلل‪ .‬وال نحتاج هنا إىل‬
‫التأكيد إىل أنه هنا كام هو احلال يف أي إنجاز أو عمل إنساين هناك حدود للقدرات‬
‫اإلنسانية‪ .‬ولكن مع ذلك تزداد الكفاءة التحليلية النفسية‪ ،‬غالب ًا مقارنة مع املهارات‬
‫الفنية‪ ،‬من خالل التدريب واخلربة والتعلم الذايت و االستعداد للتعبري عن الذات وأمور‬
‫أخرى كثرية يف جمرى السنني باطراد‪ .‬فالعمل مع "النقل املعاكس" ليس عبارة عن خربة‬
‫ذوبان وامهة مصبوغة تكافلي ًا‪ ،‬ال تعرف عملية فهم وتفسري تأملية (فكرية) –كام يتهم‬
‫نقاد التحليل النفيس غالب ًا‪ ،-‬وإنام هو عبارة عن إجراء تفريقي واضح وجيل يمكن‬
‫الوصول فيها إىل االحرتافية‪ ،‬وبالطبع ليس برسعة أو من خالل دورات أسبوعية‪ .‬وإىل‬

‫‪273‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جانب التحليل الذايت واإلرشاف الذايت و نمو اخلربة فإن التفسري املنهجي للحوادث‬
‫اجلوهرية املسامهة عند إدراك وحتليل النقل املعاكس يمثل رشط ًا‪ .‬باإلضافة إىل أنه ال‬
‫جيوز أن نتجاهل عند املقارنة مع ما يسمى بالطرق املوضوعية يف علم النفس اإلكلينيكي‬
‫أنه تتسلل وبشكل غري ملحوظ إىل هذه الطرق عند تفسري النتائج خاصة عنارص ذاتية‪،‬‬
‫بحيث ال يمكن أن يكون حمتوى احلقيقة هنا مطلق ًا أيض ًا (اجلدول ‪.)7‬‬

‫جدول (‪ :)7‬التعامل مع النقل‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫ال يكمن املثل املعريف‬ ‫ينطلق اهلدف من‬ ‫عىل الرغم من‬
‫‪epistemology‬يف‬ ‫‪Ideal‬‬ ‫خالل رؤية حمملة بالرغبة‬ ‫بالتصور‬ ‫االعرتاف‬
‫موضوعية نظيفة‪ ،‬وإنام طبق ًا‬ ‫بالدخول يف عامل املريض‬ ‫الكالين للنقل املعاكس‬
‫لرؤى نظرية معرفية يتم‬ ‫من خالل الكثري من‬ ‫(مع املعرفة بأن النقل‬
‫االنطالق منذ البداية من أن‬ ‫التعاطف‪ ،‬تتمثل يف أن‬ ‫الذايت للمحلل يمكنه‬
‫املحلل يسبح يف سياق بني‬ ‫املحلل يف النهاية يظل‬ ‫يرض‬ ‫أن‬ ‫أيضا‬
‫ذايت‪ ،‬ينبثق يف هنا واآلن‬ ‫أسري ًا ملثال مرآة أو وعاء‬ ‫باإلدراكات‬
‫للموقف التحلييل وهبذا فهو‬ ‫حيادي‪ .‬ال يستجيب‬ ‫والتدخالت) إال أن املثل‬
‫مشارك ملتزم بدراما تتفتح‬ ‫املحلل بأجزائه اخلاصة‬ ‫األعىل يتألف يف أنه يمثل‬
‫بالتدريج‪ .‬وحتى عندما‬ ‫إال عندما يفشل تعاطفه‬ ‫للمريض‬ ‫بالنسبة‬
‫يترصف املحلل بسبب موقفه‬ ‫بسبب رصاعاته الذاتية‬ ‫صاف"‬ ‫"موضوع‬
‫االمتناعي اإلجرائي بشكل‬ ‫غري املحلولة‪.‬‬ ‫وهلذا السبب البد أيض ًا‬
‫خملف عن أشخاص األطر‬ ‫كام أن التصور‪،‬‬ ‫من محاية غفلية املحلل‪،‬‬
‫املرجعية السابقني للمريض‪،‬‬ ‫كي يتاح املجال املتمثل يف وجوب‬
‫ال يسعه إال وأن ينمو يف الدور‬ ‫للمريض –طبق ًا هلذه التعرف عىل احلاجات‬
‫الذي حيمله و املشاركة‪ .‬إال‬ ‫الرؤية‪ -‬بعدم البقاء عىل النامئية غري املحققة بشكل‬

‫‪274‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أن مفتاح عملية تنوير و شفاء‬ ‫اإلدراكات كاف مع املريض‪ ،‬و‬ ‫سطح‬
‫املريض يكمن يف التعرف عىل‬ ‫املسرتشدة بالواقع‪ ،‬وإنام معاجلة الكوابح وتنشيط‬
‫(املشاهد)‬ ‫اإلخراجات‬ ‫ليتمكن من التحرك يف طاقات النمو تقوم عىل‬
‫املشرتكة ومعاجلتها‪.‬‬ ‫القناعة بأن هذه تعمل‬ ‫جمال‬
‫ترشباته ‪ introjections‬بالشكل األمثل إذا ما كان‬
‫ال قدر‬ ‫املحلل مغف ً‬ ‫اهلوامية‪.‬‬
‫اإلمكان و حيادياً و‬
‫ممتنع ًا‪.‬‬

‫االستبطان‪ ،‬تقبل األدوار و التماهي اإلسقاطي‬


‫تتضمن الصيغة التي تبدو جمردة املتمثلة يف العمل مع النقل و النقل املعاكس من‬
‫وجهة النظر الراهنة عدد من احلوادث البني نفسية والبني شخصية و اخلطوات املنهجية‬
‫التي سوف نعرض ألمهها‪.‬‬
‫‪ )1‬تقبل الدور و حوار الدور‬
‫ال حيتاج النقل للتجيل كخربة بني نفسية ‪--intra psychic‬إذا جاز التعبري كتقدير‬
‫ال أو كثري ًا‪ -‬لدى املريض فحسب وإنام يمكنه أن يرتافق مع مركبات‬‫ومهي لآلخر قلي ً‬
‫ترصف‪ .‬عندئذ حياول املريض حسب ساندلر ‪ Sandler, 1876‬حتريك املحلل إىل سلوك‬
‫دور حمدد‪ ،‬إىل أم مطلقة لألحكام جتاه ‪ vis-à-vis‬طفل معاند و مشاكس عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫إن سلوك الدور احلقيقي‪ ،‬سواء تم التعبري عنه كنمط سلوكي أم أدرك بشكل عابر‬
‫كتصور مشحون باالنفعال و اجتاه سلوكي‪ ،‬يمثل يف كثري من احلاالت تشكيل وسط بني‬
‫طبيعة مطلب املريض واألسلوب الذي يكون فيه حملل ما مستعد ًا لالستجابة إىل مثل‬
‫هذا النوع من لعب األدوار‪ .‬إال أن املهم يف كل األحوال هو قدرة املحل واستعداده‬

‫‪275‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫لالستجابة هلذا الدور املنطلق من مريضه وأن يكون مستقب ً‬


‫ال لذلك‪.‬‬
‫هلذا افرتض ساندلر ‪ Sandler, 1976‬أنه إىل جانب اجتاه االنتباه املستمر عىل نفس‬
‫املستوى وجود اجتاه االستعداد‪ -‬لتقبل الدور املستمر عىل نفس املستوى أيض ًا‪ .‬فنحن‬
‫نستجيب عىل إشارات التواصل االي يبثها اآلخر‪ ،‬ليس يف العالقة التحليلية فحسب‬
‫وإنام يف كل تفاعل ‪ ،‬بغض النظر عام إذا كانت هذه مدركة بالنسبة لنا وعام إذا كانت‬
‫مقصودة من اآلخر بشكل شعوري أو إذا كانت تسري من دون وعيه‪ .‬فاملرىض‬
‫ي=جيسدون بتكرار وشدة خمتلفني عالقات دور مرغوبة وغري مرغوبة‪.‬‬
‫"الرغبات الالشعورية‪ . ...‬للمريض‪ ،‬التي نتعامل معها يف عملنا‪ ،‬جتد من الناحية‬
‫البني نفسية التعبري عنها يف الصور و اهلوامات الالشعورية (وصفي ًا)‪ ،‬تتمثل فيها الذات‬
‫و املوضوع‪ ،‬التي (الصور واهلوامات) تتفاعل مع بعضها البعض‪ ،‬بأدوار خاصة يف كل‬
‫مرة‪ .‬وبمعنى أدق حياول املريض يف النقل (يف إطار و داخل حدود املوقف التحلييل)‬
‫جتديد هذه األدوار يف شكل مسترت" )‪.(Sandler,1976, P. 300‬‬
‫وبدالً من التعرف عىل رغباته الطفولية التي هي ليست جمرد رغبات دافعية فقط‪،‬‬
‫و احلديث عنها أو إخراجها‪ ،‬والتمكن من نبذها أو تعديلها شعوري ًا‪ ،‬حياول املريض‬
‫تطبيقها يف الواقع بوصفها عالقة دور‪.‬‬

‫‪ ‬عرض ساندلر ‪ Sandler‬االستعداد لتبني الدور من خالل مثال عىل‬


‫مريض كان يتحدث أمام ساندلر أكثر بكثري مما يفعل يف الواقع‪ .‬ومفكر ًا هبذا‬
‫الحظ بأنه شعر باملخاوف من أال يعود املريض حيرض وأن الكالم يفيد يف جتنب‬
‫الطموحات العدوانية للمريض‪ .‬وبعد هذه االكتشاف انتبه إىل أن مريضه‪،‬‬
‫جعل وقع كل مجله تبدو كالسؤال وذلك من خالل تغيري بسيط يف صوته‪.‬‬
‫وبعد أن لفت نظره هلذا السلوك الذي مل يكن مدرك ًا أبد ًا من املريض‪ ،‬تذكر‬
‫ال كيف ورط والده العائد للبيت و بوصفه أب خميف جد ًا يف‬ ‫عندما كان طف ً‬

‫‪276‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مناقشة و كان عليه أن يطرح عليه أسئلة كثرية من أجل التأكد بأن والده ليس‬
‫غاضب ًا منه‪ .‬أصبحت صياغة األسئلة بعد ذلك وكأهنا جزء من طبيعيته و‬
‫جتلت يف املواقف التي كان يستشعر فيها باخلطر والتي حيتاج فيها إىل التهدئة‬
‫من األشخاص السلطويني )‪ .(Sandler,1976, P. 301f‬‬

‫وكمحلل ربام قد يستجيب املرء مرار ًا من دون أن يعرف عىل مطلب الترصف وفق‬
‫دور حمدد‪ ،‬من نحو أال يستجيب باالستنكار بالنظر لسلوك خطأ يذكر له‪ ،‬وإنام أقرب‬
‫بمالحظة تشجيعية عىل سبيل املثال‪ .‬وكثري ًا ما ال يكون املحلل يف هذا احلادث التواصيل‬
‫التفاعيل مدرك ًا بأنه يستجيب طبق ًا للدور املرسوم املرسل من املريض‪ ،‬من نحو بطريقة‬
‫غري لفظية أو ما وراء لفظية ‪Para verbal‬عىل سبيل املثال‪ ،‬فإذا جعل سلوكه مدرك ًا له‪،‬‬
‫فقد تنشأ لدية الرؤية املتمثلة يف أن هذا غري متأثر باملريض‪ .‬ويف الواقع فإن األمر غالب ًا‬
‫ما يتعلق بحل وسط بني طلب املريض و أسلوبه املعتاد يف االستجابة ملثل هذه الرسائل‪.‬‬
‫ويمكن هلذا أن يصبح لديه مدرك ًا بشكل خاص من خالل استعداد ترصيف‪ ،‬ال ينتمي إىل‬
‫أساليبه املعتادة يف املتوسط‪ ،‬التي تبدو له غريبة إىل حد ما‪ ،‬وظاهري ًا خيجل منها بعد ذلك‬
‫أو حتى يغضب منها (مثال‪" :‬ملاذا قمت وعىل غري عاديت برتك نفيس تندفع لنطق كلامت‬
‫مواسية سطحية‪ ،‬بدالً من التطرق بشكل أكثر دقة خلربة املريض؟")‪ .‬وبالطبع فإنه ال‬
‫تستثار كل استجابات النقل املعاكس للمحلل من خالل طلبات الدور ملريض ما‪.‬‬
‫وحتى يف فهم حديث لتصور التامهي اإلسقاطي يتعلق األمر بحوادث بني شخصية‬
‫‪interpersonal‬حتدث يف التفاعل و التواصل الواقعيني بني املريض و املحلل‪.‬‬
‫‪ )2‬التامهي اإلسقاطي‬
‫يناسب تصور التامهي اإلسقاطي املوصوف يف السنوات األخرية بوصفه شكل من‬
‫التواصل و أسلوب ‪ Modus‬للعالقات البني شخصية بشكل أسايس لفهم عمليات‬
‫التبادل غري اللفظية بشكل خاص بني املحلل واملريض ولتحديد ‪conceptualization‬‬

‫‪277‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عمليات التمثل املركبة يف املحلل‪ ،‬التي يفرتض أن تعطى أمهية أكرب بكثري مما أعطيت‬
‫حتى اآلن‪.‬‬
‫ظل تصور التامهي اإلسقاطي ‪ ،projective Identification‬الذي أدخل باألصل‬
‫إىل التحليل النفيس من قبل ميالين كالين ‪ ،M. Klein,1946‬لفرتة طويلة "آلية غامضة‬
‫و غري مفهومة" )‪ .(Zwiebel,1985,P. 456‬ويف بداية حتى أواسط السبعينيات من‬
‫القرن العرشين حظيت عملية التامهي اإلسقاطي حتى خارج االجتاه الكاليني‪ ،‬يف االجتاه‬
‫التحلييل باالهتامم املتزايد‪ .‬فمن خالل املعرفة التي أثبتت نفسها املتمثلة يف أن العالقة‬
‫التحليلية النفسية ليست عالقة متسقة ‪ asymmetric‬وإنام متثل عالقة تفاعل متبادل من‬
‫حيث االجتاه‪ ،‬فقد أخذ هذا املفهوم يصبح مطرد األمهية و ال يمكن االستغناء عنه يف‬
‫التحليل النفيس احلديث‪.‬‬
‫وبشكل خاص تعد املعرفة حول طريقة عمل التامهي اإلسقاطي مهمة جد ًا بالنسبة‬
‫حلادث التعرف عىل النقل املعاكس‪ .‬باإلضافة إىل ذلك فإن إمكانات التعامل مع اخلربة‬
‫املستثارة من املريض يف املعالج (الذي عليه أن يعمل بلغة بيون ‪" Bion,1959‬كحاوية")‬
‫مهمة جد ًا بطريقة حاسمة‪ .‬إذ أن "استقالب ‪ "metabolization‬االنفعاالت املستثارة‬
‫من املريض يف املعالج‪ ،‬وعىل األغلب االنفعاالت القديمة[البدائية] ‪ ،archaic‬كالغضب‬
‫و اليأس والضياع الشديد وكذلك احلب الطفويل املكثف تقرر حول النجاح الالحق‬
‫للعملية العالجية‪.‬‬
‫ففي أثناء الطور األول من النمو لتصور التامهي اإلسقاطي قامت عمليات‬
‫اإلسقاط والتامهي عىل حوادث التعديل داخل التمثيالت النفسية (يف اإلسقاط تتم‬
‫إزاحة مظاهر متثيل الذات نحو متثيل املوضوع‪ ،‬يف حني أنه يف التامهي يتم أخذ أجزاء من‬
‫متثيل املوضوع يف متثيل الذات) و رشيك التفاعل الفعيل غري معني هبذا‪ ،‬فقد تم يف الطور‬
‫الثاين عىل سبيل املثال من خالل بحث راكر ‪ Racker,1946‬و غرينبريغ ‪Grinberg,1958‬‬
‫‪ & 1962‬بناء جرس مفاهيمي بني اهلوامات البني نفسية يف املريض واستجابات النقل‬
‫املعاكس يف املحلل‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يف التحديدات االصطالحية لراكر ‪ Racker‬يتامهى املحلل ‪ concordant‬إما بشكل‬


‫متسق مع متثيالت الذات ‪ self-representation‬عند املريض أو بشكل تكاميل مع متثيالت‬
‫املوضوع يف هوامات النقل عند املريض‪.‬‬
‫وقد ظهر بشكل أسايس من خالل أعامل بيون ‪ Bion,1962 & 1963‬وتصوره‬
‫"احلاوي‪-‬املحتوى ‪ "container-contained‬توسيع مهم للرؤية املتعلقة بالتامهي‬
‫اإلسقاطي‪ .‬وقد تم وصفه‪ ،‬وكأن جتسيد أجزاء الذات ‪ externalization of self‬أو‬
‫أجزاء املوضوع تتم عن طريق التفاعل يف رشيك التفاعل‪.‬‬
‫و حيدث هذا احلادث بشكل خاص لدى املرىض املضطربني باكر ًا‪ ،‬الذين غالب ًا ما‬
‫ال يمكنهم توصيل أزمتهم الباكرة و احتياجاهتم إال بشكل غري لفظي فقط‪ ،‬وبسبب‬
‫التاميز القارص بني الذات نفسها واآلخر فإهنم حيتاجون املقابل هلم (اآلخر) ليتمكنوا من‬
‫أن يودعوا بطريقة موضوع ذاتية ‪ self objective‬أو متمركزة حول الذات بشكل طفويل‪،‬‬
‫ولكنها رضورية بشكل وجودي بالنسبة خلربة الطفل‪ ،‬انفعاالهتم امللحاحة جد ًا يف‬
‫املحلل‪ ،‬كي يأخذها هذا و"هيضمها" و حيوهلا و يعيدها إىل املريض يف شكل "منزوع‬
‫عنها السموم "املحملة فيها من املكونات القديمة (البدائية) (وهو ما يالءم متثل‬
‫"املحتوى ‪ )"contained‬كام يوجد هذا احلادث من التامهي اإلسقاطي بشكل جزئي لدى‬
‫املرىض األقل اضطراب ًا يف وقت باكر أيض ًا‪ ،‬و من هنا فإن التعاطف واملشاركة يف احلمل‬
‫لالنفعاالت التي يشعها املريض بدرجة كبرية أو قليلة من حيث املبدأ هو عملية مهمة‬
‫(جدول ‪.)8‬‬
‫‪ .1‬الطور اإلسقاطي‪ :‬يف نموذج األطوار الثالثة للتامهي اإلسقاطي ألوغدون‬
‫‪ Ogdon,1979‬يعد الطور األول من اإلسقاط بني نفيس فقط‪ .‬يرغب املعني يف‬
‫التخلص من جزء من ذاته اخلاص (عىل شكل مظاهر شخصية أكثر شموالً أو‬
‫متثيالت الذات‪-‬متثيالت موضوع الذات)‪ ،‬ألن هذا هيدده من الداخل (كرهه‬

‫‪279‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ألجمية األم ‪ ،Mother Imago‬التي مل يعد الطفل قادر ًا عىل التحكم هبا بشكل‬ ‫‪1‬‬

‫موضوع ذايت) أو ألنه يريد أن يؤمن عىل مظاهر الذات اخلاصة من مظاهر‬
‫الذات األخرى(املفرتضة أهنا رشيرة أو مدمرة)‪.‬‬
‫‪ .2‬طور احلث ‪ Induction phases‬أو التأثري التفاعيل ‪ :‬تكمن خصوصية التامهي‬
‫سقط بأي شكل الوصول‬ ‫اإلسقاطي بشكل خاص يف هذا املظهر‪ .‬يرغب املُ ِ‬
‫إىل أن يترصف املقابل له متام ًا بالشكل الذي يتطابق مع هواماته اإلسقاطية‬
‫الداخلية‪ .‬ومن أجل هذا الغرض ال جيوز للهوامات أن تظل بني نفسية‪ ،‬وإنام‬
‫عىل املُ ِ‬
‫سقط أن يامرس ضغط ًا سلوكي ًا و تفاعلي ًا عىل املستقبل‪ .‬ويقود هذا‬
‫ال أو كثري ًا إىل حل وسط‪ :‬من جهة فقد حرر املريض نفسه‬ ‫التأثري الشديد قلي ً‬
‫من مظهر الذات الذي ال يطاق‪ ،‬ومن ناحية أخرى يظل هذا املظهر حمفوظ ًا يف‬
‫اآلخر‪ ،‬وهو ما يعاش عىل أنه توكيد بأن املرء قد خلص نفسه من مظهره هو و‬
‫يستطيع ضبط هذه اخلربة الذاتية يف اآلخر‪ .‬وهبذا يمكن أيض ًا حتقيق مظاهر‬
‫ومهية‪-‬سحرية ‪ magic-illusionary‬من عدم االنفصال عن اآلخر و األمان‬
‫والتوجه‪.‬‬
‫‪ .3‬طور الترشب ‪ introjections‬أو طور التامهي‪ :‬يف هذه املرحلة الثالثة يتامهى‬
‫املستقبل مع اإلسقاطات املستثارة تفاعلي ًا (من األفضل احلديث عن الترشب‬
‫ألن األمر هنا ال يتعلق بتامه انتقائي عىل خلفية متايز املوضوع‪-‬الذات)‪ .‬إنه‬
‫ال أو كثري ًا عىل أال‬
‫جيرب بال مناص من خالل الضغط البني شخيص املامرس قلي ً‬
‫يتمكن من أن يتباعد برسعة عن أجزاء الذات املامثلة املنشطة عن طريق التامهي‬
‫العابر‪ ،‬بحيث أنه تصبح قدراته التباعدية املتوفرة له من خالل التعاطف‬
‫الطبيعي مهددة بالفقدان عىل األقل لفرتة عابرة‪ .‬بتعبري آخر‪ :‬ال يسمح املريض‬
‫للمحلل أن يتامهى بشكل عابر وإنام جيربه عىل أن يظل يف هذا التامهي‪.‬‬

‫ال وعن النفس أحيان ًا‪.‬‬


‫‪ Imago 1‬أجمية صورة ذهنية متميزة بالتقديس واإلعجاب عن شخص ما كاألم مث ً‬

‫‪280‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫من خالل اهلوامات املنشطة املشحونة باالنفعال لفرتة زمنية طويلة –كام هو احلال‬
‫يف التعاطف املعتاد‪ -‬يف املحلل يعيش عىل سبيل املثال بعض مشاعر الغضب يف ذاته‪،‬‬
‫بعدم القدرة عىل التمكن من ضبط موضوع الذات‪ .‬هذه املشاعر املنشطة يف ذاته هي‬
‫بالطبع ليست متطابقة مع مظاهر الذات عند املريض بشكل كامل‪ ،‬وإنام متثل خليط ًا‬
‫مركب ًا من فهم الروح األخرى و اخلربات الذاتية‪ .‬وطبق ًا لذلك يمتلك املحلل يف العادة‬
‫أيض ًا اسرتاتيجية دفاع و متثل أخرى أكثر نضجا‪ ،‬يستطيع من خالهلا جتنب حاالت‬
‫االنفعال املستثارة فيه‪.‬‬
‫واألخطار التي يمكن أن تظهر هنا هي عىل سبيل املثال "التامهي اإلسقاطي‬
‫املعاكس" الذي وصفه غرينبريغ ‪ :Grunberg, 1985‬يتامهى املحلل بشدة ولفرتة طويلة‬
‫مع مظاهر الذات املستثارة فيه من خالل اإلسقاط (عىل سبيل املثال غاضب ًا أو بال‬
‫تعاطف)‪ ،‬ال يعيش نفسه لفرتة عابرة هكذا فحسب‪ ،‬وإنام يترصف لفرتة طويلة طبق ًا‬
‫لذلك‪ ،‬مع العلم أنه ال يستطيع أن حيقق بأن هذه املظاهر من الذات وأنامط اخلربة ليست‬
‫مستثارة من املريض‪ .‬وألهنا ال تتطابق مع صورته عن ذاته فالبد للمحلل من إنكارها‬
‫من ذاته‪ .‬ويضيع التباعد عن هوامات النقل‪ ،‬ويمكن أن تكون العاقبة عىل سبيل املثال‬
‫إجراء عىل شكل تفسري مترسع موضوعاين للنقل أو تفسري دفاعي نشوئي ("لقد كانت‬
‫أمك بالفعل مرار ًا غري متعاطفة معك‪ ،‬أليس كذلك")‪ .‬كام أن إيرمان ‪Erman,1988,‬‬
‫‪ P. 78‬قد لفت النظر إىل "الترصف الدفاعي" الذي يدافع فيه املحلل ضد حالة‪-‬األنا‬
‫"السيئة" أو ضد أجزاء من الذات‪" ،‬بأن يربهن بشكل دائم أنه أحسن بكثري مما يبدو أن‬
‫املريض يعتقده‪ ،‬األمر الذي يمكن أن يتحول لدى بعض املعاجلني إىل عقيدة عالجية‪.‬‬
‫‪ .4‬احلفاظ والتامسك‪ :‬مع أن املحلل يشعر بأنه واقع حتت الضغط بوضوح وأنه‬
‫يشعر بأنه يعيش أمر ًا ما ال يريد أن يعيشه يف هذه اللحظة (نحو مشاعر النقل‬
‫املعاكس‪" :‬لن أكون جمرب ًا"‪" ،‬مرة أخرى عيل أن أكون كام يريدين املريض"‪،‬‬
‫"عيل أن أجرب ثانية عىل أن أكون كام يريدين املريض")‪ ،‬فإنه من املهم يف حادث‬
‫التامهي اإلسقاطي‪ ،‬عدم إرادة التحرر املبارش من هذا الضغط –طاملا قد أصبح‬

‫‪281‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫هذا احلادث مدرك ًا‪(-‬من نحو عىل شكل تفسري ملا يفعله املريض معه)‪ .‬ويشري‬
‫تسفيبل ‪ Zwiebel, 1988b,P. 266‬إىل أن التمكن من االحتفاظ يتعلق بالقدرة‬
‫عىل احتامل القلق والتوتر عند املحلل‪ ،‬ولكن أيض ًا بحجم التامهي اإلسقاطي‬
‫‪.Massively of projective Identification‬‬
‫واليشء املميز حسب هذا الباحث هلذه املرحلة بداية خربة عدم الفهم احلقيقي ملا‬
‫يدور‪ ،‬إىل جانب الشعور باخليبة وامللل و االستسالم‪ .‬وحسب إيرمان ‪Ermann,‬‬
‫‪ 1988,P. 77‬فإنه من املهم جد ًا بالنسبة هلذه املرحلة عدم إرادة التهرب من "استخدام‬
‫ال موضوعاني ًا للنقل‪.‬‬
‫املوضوع النرجيس"‪ ،‬بأن يامرس املرء عىل سبيل املثال حتلي ً‬
‫ويف احلالة املثىل حيصل متثل حلاالت االنفعال املستثارة عىل شكل‬
‫"استقالب ‪ "metabolize‬أو "احتواء ‪ ،(Bion,1959 & 1977) "containing‬أي‬
‫التامسك أو الضبط‪ ،‬حيث يعمل املحلل هنا "كحاوية ‪" "Container‬للمحتوى‬
‫‪ ."Contained‬وهذا التحول املسمى أيض ًا "بنزع التسميم" أو "اهلضم" هو يف جوهره‬
‫حادث بني نفيس يف املحلل‪ ،‬يمكن أن يوصله للمريض من دون كلامت أيض ًا (بمساعدة‬
‫نموذج شبه لفظي و فوق لفظي ‪.)meta verbal‬‬
‫‪ .5‬يف طور إعادة التذوت ‪ re internalization‬حيصل أخري ًا تكامل بني مظاهر‬
‫الذات والعالقة املتحولة لدى املريض التي تم "نزع تسممها" من املحلل‪.‬‬

‫جدول(‪ :)8‬األطوار املختلفة للتامهي اإلسقاطي (عن أودغون‬


‫‪ODGON,1989‬و تسفيبل ‪)ZWIEBEL,1988 A &B‬‬
‫مظاهر الذات و‬ ‫الطور‬
‫اإلسقاطي متثيالت الذات‪-‬‬
‫موضوع الذات‬

‫‪282‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪manipulation‬‬ ‫التأثري‬ ‫طور‬


‫وممارسة الضغط‬ ‫التجنيد‬
‫متاهي عابر مع‬ ‫طور‬
‫أجزاء الذات‬ ‫الترشيب‬
‫املسقطة‬
‫واملستثارة‬
‫وحاالت‪-‬األنا‬
‫للمريض‪.‬‬
‫من‬ ‫التمكن‬ ‫طور‬
‫احلفاظ‬ ‫التمكن‬
‫من‬
‫احلفاظ‬
‫طور إعادة دمج أجزاء الذات‬
‫التذويت وعالقات موضوع‬
‫الذات يف شكل‬
‫"منزوع السموم"‬

‫وتشري األطوار املوصوفة إىل معاجلة نظرية يف التواصل والتفاعل لظواهر بني‬
‫إنسانية مركبة‪ ،‬تتصف بشكل خاص بتوصيل غري لفظي إلشارات انفعالية‪.‬‬

‫املقاومة‬

‫املقاومة ليست ظواهر شعورية‬


‫عندما يكون املعالج قد تعرف عىل مكمن أسباب االضطراب‪ ،‬فإنه خيرب املتعالج‬

‫‪283‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫هبذا (مثل‪ :‬لديك مستوى عال من املطالب؛ إذا ما أصبحت تتوقع أقل من نفسك فسوف‬
‫تكون راضي ًا بنتيجة عملك‪ .‬توقعاتك العالية يف اإلنجاز نامجة عن والدك الذي توقع‬
‫منك أن حتقق إنجاز ًا هائ ً‬
‫ال عىل سبيل املثال)‪ .‬وبناء عىل ذلك يمكن للمريض أن يغري‬
‫من سلوكه ومن خربته‪ ،‬وسوف ختتفي اضطرابات عمله املعذبة‪ .‬هبذا الشكل يتصور‬
‫اجلمهور يف العادة عملية التعلم التحليلية النفسانية‪ .‬فاملعالج حيدد للمريض‬
‫االرتباطات السببية بني السلوك اخلطأ الراهن وبني خربة من املايض‪ ،‬عىل األغلب من‬
‫الطفولة‪ ،‬مما يقود لالستبصار لدى املريض وبناء عىل ذلك حيدث تعديل آيل يف السلوك‪.‬‬
‫لقد أدرك فرويد يف وقت مبكر بأن جمرد التحديد لألسباب التاريخ حياتية املمكنة‬
‫لدى مرضاه يكاد ال يقود إىل أية نتيجة‪ ،‬بحيث أن اإلخبار باملحتويات النفسية املكبوتة‬
‫ال يكفي من أجل إحداث تغيري‪ .‬فالتحليل النفساين ليس تفسري ًا استعرافي ًا ينجم عنه‬
‫تعديالت سلوكية‪ ،‬وإنام هو مواجهة مؤثرة انفعالي ًا لكال املشاركني حول حيوية العالقة‬
‫و خرباهتا‪ .‬يرافق املحلل ما يرويه املريض بتعاطف‪ ،‬ويريه يف الوقت نفسه أين خيدع‬
‫نفسه حول نفسه واآلخرين ويظل هو نفسه متخفي ًا‪ ،‬وهذا ليس فحسب بالنظر لعالقاته‬
‫مع األشخاص اآلخرين‪ ،‬وإنام أيض ًا يف التفاعل والتواصل مع املحلل‪( .‬عىل سبيل املثال‬
‫يصعب عليك صد رغبة ما لزوجتك‪ .‬وأحيان ًا أالحظ بيننا مدى رضاك يف التجاوب‬
‫مع ما أقوله")‪ .‬إنه ليس من السهل تقبل مثل هذه اخلربات‪ ،‬جتديد مضامني التعامل‬
‫حتى اآلن مع هذه املشكالت‪ ،‬وإتباع املعرفة واخلربة باألفعال بل حتى القيام بمواجهة‬
‫حول ذلك مع أهم شخص يف تلك اللحظة‪ :‬مع حملله‪ .‬وضد كل هذا حيمي املريض‬
‫نفسه بام يسمى املقاومة‪ ،‬من أجل أال يتوجب عليه أن يواجه نفسه بشدة باخلربات املخيفة‬
‫واملخجلة واملولدة واملزعزعة لتقديره لذاته‪ .‬وعىل أقىص تقدير منذ فرويد يف مقالته‬
‫العائدة لعام ‪ 1909‬حول راتنامن ‪ Rattenmann‬التي أشار فيها إىل أنه يف املعاجلة التحليلية‬
‫البد من توقع "املقاومات املستمرة"‪ ،‬يتم السعي يف التحليل النفساين إىل الوعي‬
‫التدرجيي بالتجليات املختلفة للمقاومة و التخيل املتدرج عنها‪ .‬بل إن املراعاة املستمرة‬
‫للمقاومة هي السمة اجلوهرية التي متيز التحليل النفيس عن األساليب العالجية‬

‫‪284‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النفسانية األخرى‪ .‬وهنا ال يتم السعي نحو التغلب عىل املقاومة بوساطة التحذيرات‬
‫الرتبوية أو من خالل ممارسة الضغط وإنام من خالل التفهم الصبور واملتعاطف لتلك‬
‫للدوافع الناشئة تاريخ حياتي ًا‪ ،‬التي جتعل املريض يرتدد خائف ًا وحذر ًا‪ ،‬متحفظ ًا بخجل‬
‫أو بعناد‪ .‬ولفرتة طويلة أحيان ًا يتقبل املحلل بداية متسك املريض باحللول التقليدية‬
‫املألوفة للرصاع‪ ،‬ألنه يعرف مدى صعوبة تعديل اجتاه ما بطريقة جذرية‪ .‬وبام أن‬
‫املحللني يف العادة ال يعملون حتت ضغط الوقت وهلذا كذلك فهم ال حيتاجون إىل إعادة‬
‫حلظات التكوينات العصابية ‪ neurotogeneses‬أو االنصدامية من التنشئة االجتامعية‬
‫األولية (وكذلك التنشئة االجتامعية املدرسية)‪ ،‬فإنه يمكنهم ترك الوقت للمريض‬
‫للتعرف عىل مقاوماته ومعاجلتها‪ .‬وال متثل هذه املعاجلة اكتساب استبصار رسيع و‬
‫عقالين يف الغالب وإنام هو عملية تعلم شاقة و أحيان ًا طويلة‪ .‬فعندما يقرر مريض ما‬
‫عىل سبيل املثال إجراء نقاش نقدي مع مديره وأدرك كم من اخلوف من العقوبة الوالدية‬
‫ينقله إىل مديره‪ ،‬فال بد من املرور بالكثري من اخلطوات الصغرية‪ .‬وهنا يكون املحلل‬
‫مرافق ًا متعاطف ًا ويقظ ًا‪ ،‬يسأل دائ ًام عن املشاعر والتصورات املخيفة؛ ولكن ليس من‬
‫النادر أن حتتل عالقته بمريضه مركز الصدارة‪" :‬أليس من املمكن أنك ال تريد أن تقول‬
‫يل شيئ ًا ما انتقادي ًا –مع كل ما تكنه يل من مودة ‪ ،-‬ولكنك تعود لتكبته؟ وهنا يظهر أن‬
‫اللغة املبارشة والرصحية حول اخلربات االنفعالية –املمكن أن تكون عىل سبيل املثال من‬
‫نوع نقدي أو ودي‪ -‬مع اإلنسان القريب جد ًا مثل حال الوالدين يف الطفولة ‪ ،‬غالب ًا تكون‬
‫أصعب مما هو احلال لو تكلم املرء خارج املوقف التحلييل مع أشخاص آخرين‪ .‬يضاف‬
‫إىل ذلك أيض ًا بأنه عادة مايتم تقديسه ‪ Idealization‬بشدة –وبشكل خاص ألنه أكثر‬
‫تعاطف ًا من الوالدين‪ .-‬ولكن كيف يمكن لإلنسان أن يقف موقف ًا نقدي ًا من الشخص‬
‫الذي يقدسه وأن يعرب عن حتفظاته أو أن يفكر فيه بمشاعر حب تعلقية؟ إن جتريب‬
‫خطوات تعلم جديدة يف هنا واآلن يمكن أن حيدث تأثري ًا واضح ًا و ال يعود تعميم‬
‫اخلربات خارج العالقة العالجية صعب ًا يف العادة‪ ،‬حتى لو كان هنا البد من مراعاة‬
‫ظروف موقفية أخرى‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ميكن للمقاومة أن تتقنع بأشكال كثرية‬


‫يف حني أن فرويد قد اعترب املقاومة يف البداية ظواهر شعورية يدافع من خالهلا‬
‫املريض ضد ظهور الذكريات الصادمة وحدد هذه الظاهرة داخل نموذجه الوصفي‬
‫(الطبوغرايف‪ )topography‬بوصفها تعبري عن دافع احلفاظ عىل الذات و عن الرقابة عىل‬
‫متصل من الشعور‪-‬إىل ما قبل الشعور‪ ،‬فقد اتضح له أكثر فأكثر الحق ًا بأن املقاومات‬
‫تعمل يف جزء كبري منها بشكل الشعوري‪ ،‬وهو ما قاد إىل استبدال النموذج البنيوي‬
‫بالنموذج الوصفي‪ .‬وهذا العمل الالشعوري ال يسهل عىل املحلل التعرف عىل‬
‫املقاومات بإشار ة واحدة‪ .‬عىل الرغم من إمكانية حتديد جتليات متعددة ملفتة للنظر‬
‫يمكنها أن تشري إىل املقاومة‪ .‬وهكذا فقد وصف غرينسون ‪Greenson, 1973, P. 72‬‬
‫‪ ff.‬صمت املريض و عدم الرغبة بالكالم و عدم مناسبة أو مالئمة املشاعر و وضعية‬
‫اجلسد و التمسك بفرتة زمنية حمددة (من نحو الطفولة أو الوقت الراهن عىل سبيل‬
‫املثال)و رواية أحاديث تافهة و جتنب مواضيع حمدد و التأخر عن اجللسة و اختفاء‬
‫األحالم و امللل و اهلرب إىل الصحة‪ ...‬الخ عىل أهنا ظواهر مقاومة‪ .‬ففي النهاية يمكن‬
‫أن يمثل أي نمط سلوكي املقاومة‪.‬‬
‫كام يمكن لرابطة العمل اجليدة أن تتضمن مقاومة رسية‪ .‬وعليه هناك عىل سبيل‬
‫املثال مرىض يدفعون استبطاني ًا ‪ introspective‬حتليلهم لذاهتم و خيشون من مواضيع‬
‫تستثري القلق ومشاعر الذنب‪ .‬إال أنه عند التعرف األقرب عىل ديناميكيتهم النفسية‬
‫غالب ًا ما يظهر بأهنم يفعلون مثل هذا النوع بشكل مصطنع كي ال يزعجهم حمللهم عندما‬
‫يقوم بإعطائهم تفسريات غري متوقعه وغري مطلوبة منهم أنفسهم حول االرتباطات‪.‬‬
‫فإذا مل يتعرف املحلل عىل هذا الشكل عىل أنه مقاومة يظل املريض مسترت ًا‪ ،‬وكأنه عليه‬
‫أن حيمي نفسه بأنشطته من أن يتعرف املحلل عىل يشء عنه مل يعرفه بعد‪ .‬ويمكن هلذا‬
‫اخلوف أن يرتبط بتشكيالت ديناميكية نفسية خمتلفة من نحو عىل سبيل املثال مع اخلوف‬
‫من أن يكون سلبي ًا كرجل وهبذا اخلوف من رغبات جنسية مثلية والشهوة املثلية‪ ،‬ولكن‬
‫أيض ًا خوف من أم ملحاحة ينبغي محاية حدود األنا املتأزمة منها‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ولكن وال أي ظاهرة من الظواهر أعاله التي ذكرها غرينسون متثل بحد ذاهتا ‪per‬‬
‫ال غالب ًا من جتيل‬
‫‪ se‬مقاومة‪ .‬فعىل الرغم من أن الصمت عىل سبيل املثال يعد شك ً‬
‫املقاومة‪ ،‬إال أنه لدى مرىض حمددين الذين عليهم أن يرووا كل خرباهتم ألم تكافلية‪-‬‬
‫تطفلية ‪ ،symbiotically- parasitic‬فإن الصمت هو اخلطوة األوىل باجتاه التفرد و بداية‬
‫مرحلة للتحرر من نقل‪-‬األم أو التغلب عىل خماوف مرضية يف التحليل‪ .‬أو حتى أيض ًا‬
‫رواية األحالم يمكن أن تشكل مقاومة بمعنى أن املريض يريد اإلفهام بأنه يروي‬
‫للمحلل "جمرد حلم" غري هذا ال يشء أبد ًا‪.‬‬
‫يتعلق ما تطلق عليه تسمية املقاومة بالزاوية التي ننظر فيها هلذا‪ .‬فاملحلل ينطلق‬
‫من أن املريض الذي يأيت إليه بسبب معاناته العصابية لديه يف النهاية حاجة لتعديل نفسه‬
‫وجعل اخلربات النفسية الالشعورية شعورية و التخيل عن احللول العصابية للرصاع‪.‬‬
‫وبمقدار ما يستطيع املريض أن يتامهى إىل حد ما يف رابطة العمل مع الوظائف‬
‫التحليلية للمحلل‪ ،‬فقد يتمكن من مشاركته برؤيته‪ :‬املقاومة هي أي خربة وسلوك‬
‫يعارض هذه األهداف‪.‬‬
‫ومن منظور العمليات الالشعورية وكذلك من منظور وظائف األنا الرتكيبية‬
‫‪ synthetic‬وفهم النفس عند املريض يعني االحتفاظ بأعراضه الراهنة و اجتاه طبعه‬
‫احلفاظ عىل الوضع الراهن‪ status quo‬وجتنب االنفعاالت والتوترات املقيتة و جتنب‬
‫الرصاعات األخرى ومواقف اخلطر و مواصلة إمكانات اإلشباع الطفويل و استخدام‬
‫احلزن و اخلجل و اخليبات‪.‬‬

‫"ملاذا عيل أنا"‪ ،‬هكذا يمكن ملريض أن يتساءل‪ ،‬عندما يستطيع التعبري عن غالبية‬
‫املواضيع الالشعورية بشكل شعوري‪" ،‬أن أختىل عن عظمتي الطفولية ‪ ،‬التي أصبحت‬
‫يل أناي الثانية‪ ،‬ومشاعر اتزاين األخالقي جتاه والدي ومعاجلي‪ ،‬حتى وإن اعترب حميطي‬
‫هذه تبجح ًا وجلاج ًا؟ يطيب ملشاعر قيمتي الذاتية عندما أستطيع الشعور بالتفوق عىل‬

‫‪287‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من حويل‪ .‬ملاذا عيل أن أحقق أن يترصف اآلخرين أخالقي ًا وأن يكونوا أنداد ًا يل؟ ملاذا‬
‫عيل أن أختىل عن املتعة التي أشعر هبا عندما أستطيع أن أشري بسبابتي بانتقام إىل ضعف‬
‫اآلخرين؟ ماذا سيحصل لو أن بعض ًا من عالقات صداقتي قد اهنارت بسبب حاجتي‬
‫الصارمة ‪ rigid‬للضبط؟"‪.‬‬
‫فمن منظور املريض هذا فإن للمقاومة وظيفة مفيدة‪ .‬مع أن املريض يستطيع أن‬
‫يرى منطقي ًا (عقلي ًا) بأن مقاوماته (بمقدار ما متوفرة له شعوري ًا) هلا تأثريات مرضة جتاه‬
‫التغيريات‪ ،‬إال أنه يستمر بالتمسك باحللول الطفولية لرصاعاته وهواماته التعويضية‪.‬‬
‫فاملقاومات حتمي من جهة املظاهر الالشعورية من الشخصية من أن تصبح شعورية‪،‬‬
‫ولكنها أيض ًا حتمي من الوظائف الرتكيبية لألنا جتاه االقتحام املمكن املعاش بأنه عارم‬
‫هلوامات الطفولة الالشعورية‪ .‬وطبق ًا لذلك يمكن للمقاومة أن تنطلق سواء من األنا‬
‫املنطقي للمريض الراشد أم من اهلوامات الطفولية‪ .‬الطموح األهم لكل مريض فرد‬
‫يتجه نحو احلفاظ عىل التحام(متاسك) ‪ coherence‬شخصيته‪ ،‬مهام كانت هذه عصابية‪،‬‬
‫و مشاعر قيمته الذاتية الصحيحة والباطلة‪ .‬وهلذا الغرض يريد أن يتجنب أيض ًا أن تطفو‬
‫رصاعاته الطفولية العميقة يف العالقة البني إنسانية اجلديدة مع حملله وأن تبعث فيها‬
‫احلياة‪.‬‬
‫ويوضح منظور املرىض هذا من جهة أنه يف املواجهة التحليلية البد من األخذ بعني‬
‫االعتبار مقاومة املريض يف كل روحة وغدوة‪ ،‬مهام بدا هذا يف سلوكه ودود ًا‪ ،‬مستبطن ًا‪،‬‬
‫متعاون ًا‪ ،‬حساس ًا‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن املقاومات ال تعرب عن أمر غري مراد يسء‪ ،‬عىل‬
‫"نعمة االستشفاء التحلييل" أن تتقبله عن طيب خاطر وإنام متثل مظهر ًا مه ًام جد ًا كي‬
‫تعمل الوظيفة النفسية و لتنظيم مشاعر الذات ولفهم منسجم للذات‪ ،‬الذي يعد احلفاظ‬
‫عليها رضورة حلياة املريض‪( .‬جدول ‪)9‬‬

‫‪288‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)9‬التعامل مع النقل‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫هنا من الواقعي أن نذهب من‬ ‫إذا ما كان املعالج متعاطف ًا‬ ‫من أجل جتنب القلق و‬
‫أنه ال يوجد أي حملل يكون‬ ‫ويسرتشد‬ ‫كفاية‬ ‫اخلجل و الذنب‬
‫دائ ًام متعاطف ًا فحسب‬ ‫باحلاجات النامئية ملريضه‬ ‫واالكتئاب و املشاعر‬
‫وباإلضافة إىل ذلك نادر ًا ما‬ ‫فإن مقاومة املريض‬ ‫األخرى املقيتة جد ًا‪،‬‬
‫يكون دائ ًام غارق ًا يف عروض‬ ‫ستكون يف حدها األدنى‪.‬‬ ‫يدافع املريض عن‬
‫أدوار مريضه‪ ،‬هلذا البد من‬ ‫ولكن عند نقص تعاطف‬ ‫نفسه ضد إعادة إحياء‬
‫االنطالق من وجود مقاومة‬ ‫املعالج يمتنع املريض و ال‬ ‫خربات العالقة الباكرة‬
‫مستمرة عند املريض و التي ال‬ ‫يعود يتقاسم مع معاجلة‬ ‫يف هنا واآلن للعالقة‬
‫يمكن منعها من خالل‬ ‫وهواماته‬ ‫تصوراته‬ ‫بمحلله‪ .‬هلذا البد‬
‫االهتامم املتعاطف‪ .‬إال أن‬ ‫املشحونة باخلجل و‬ ‫باستمرار من توقع‬
‫مدى شدة مقاومة املريض ضد‬ ‫الذنب‪ .‬تظهر املقاومات‬ ‫املقاومة‪.‬‬
‫التعرف عىل و السامح و‬ ‫بناء عىل هذه الرؤية بدرجة‬
‫معاجلة املقاومة تتعلق بشكل‬ ‫قليلة جد ًا و هي تستثار من‬
‫حاسم بكفاءة املحلل‪.‬‬ ‫املحلل نفسه‪.‬‬

‫التعرف على مقاومة النقل‬


‫يستخلص مما قيل أعاله أن مقاومة النقل بشكل خاص يف التحليل النفيس حتتل‬
‫مكان ًا مه ًام‪ .‬إذ منذ عام ‪ 1912‬اهتم فرويد بشكل مسهب بمقاومة النقل‪ ،‬حيث اعتربها‬
‫يف البداية عقبة بالنسبة لالستشفاء التحلييل‪ .‬ففي ذلك الوقت كان من الثابت لفرويد‬
‫بأن الفاعلية العالجية ال ترجع إىل اسرتداد الذكريات املنسية وإنام ترجع فقط للتغلب‬

‫‪289‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عىل مقاومات (النقل) لوحدها‪.‬‬


‫ولكن كان هناك باإلضافة إىل ذلك لدى فرويد نموذجان متناقضان حول االرتباط‬
‫بني النقل و املقاومة‪:‬‬
‫‪ -‬يعد النقل مقاومة التذكر؛ فاملريض ال يتذكر عىل سبيل املثال بأنه كان شكاك ًا جتاه‬
‫والده‪ ،‬ولكنه يترصف بشك جتاه حملله من دون أن يعرف أي اجتاه يكرر هبذا أو‬
‫ينقل‪.‬‬
‫‪ -‬يعد النقل حقل حسم يسري عليها العمل التحلييل‪ :‬تعد املقاومة يف هذا النموذج‬
‫الثاين عىل أهنا انبثاق ًا عن النقل‪ .‬و هكذا تشعر مريضة عىل سبيل املثال بأهنا تشعر‬
‫بحاجة شديدة ألن يتم مدحها من قبل حمللتها فيام يتعلق بكفاءهتا املهنية؛ إال أهنا‬
‫تكبت خائفة و مليئة بمشاعر اخلجل هذه الرغبة ‪ .‬هي ذاهتا ليست مدركة ختشى‬
‫أن تصدها حمللتها بوصفها حمبة للظهور‪.‬‬
‫ويعد النموذج األول لفرويد من وجهة النظر الراهنة جزء ًا من جماز‪-‬تارخيي عفا‬
‫عليه الزمن‪ .‬إذ يتم التذكر بوصفه قدرة معزولة للمريض‪ ،‬ينجم بشكل مستقل عن كل‬
‫حقل عالقة مع النوعيات االنفعالية واملزاجية املطابقة‪ .‬إال أن التذكر مرتبط بالسياق‬
‫دائ ًام وال يمكن اسرتجاعه بشكل إرادي وبشكل خاص يف حالة املحتويات املكبوتة من‬
‫الذاكرة‪.‬‬
‫أما النموذج الثاين لفرويد فقد أثبت صالحيته يف التحليل النفيس‪ ،‬حتى وإن مازال‬
‫حتى اآلن هناك خالف حول املقدار الذي ينبغي أن يسري فيه حتليل مقاومة النقل‪ ،‬وهو‬
‫أمر يعزى إىل الغموض املفاهيمي إىل حد ما‪.‬‬
‫ويمكن التمييز مع جل ‪ Gill,1979,1993‬الذي يعترب ممث ً‬
‫ال لنموذج رصاع العالقة‬
‫والذي يعد نفسه أكثر شخص حياسب النموذج الثاين لفرويد حول مقاومة النقل عىل‬
‫كلامته بني ثالثة متغريات ملقاومات النقل‪:‬‬

‫‪290‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬مقاومة االستجابة عموم ًا بمشاعر نقل عىل شخص املحلل‪( .‬املريض‪ :‬أنا ال‬
‫أستطيع فهم ملاذا يعني املحلل للمرىض اآلخرين كثري ًا وهم عىل سبيل املثال‬
‫حيزنون يف أوقات اإلجازة ألهنم لن يعودوا يروا حمللهم –أمر مثل هذا ال يمكن‬
‫أن حيدث يل!")‪.‬‬
‫يالحظ املرء هذا الشكل من املقاومة غالب ًا لدى املرىض الذين يريدون بشكل‬
‫متطرف أن يكونوا مكتفني ذاتي ًا‪ .‬وجمرد شعورهم بنوع من التعلق بشخص ما سيسبب‬
‫هلم ضيق ًا شديد ًا‪ .‬أما لدى املحلل بالنتيجة فال يمكن إال وأن يظهر الشعور بأنه ال لزوم‬
‫له‪.‬‬
‫‪ -‬املقاومة ضد جعل النقل شعوري ًا‪( :‬املحلل‪" :‬أيمكن أن يكون أنك قد أحسست‬
‫بأين ناقد جد ًا‪ ،‬بام يشبه ما عشته من أمك يف املايض؟" –املريض‪" :‬ال‪ ،‬فأنا ال أشعر‬
‫بأنك ناقد"‪- .‬املحلل‪" :‬ولكن وقع صوتك كأنك غاضب‪ ،‬وكأنك شعرت بأين‬
‫انتقدك"‪– .‬املريض‪" :‬هذا مل يكن واضح ًا يل")‪.‬‬
‫ويمثل هذا الشكل من املقاومة اجلزء األكرب من معاجلة املقاومة ومن ثم كذلك‬
‫بداية اجلزء األوسط من التحليل‪.‬‬
‫‪ -‬املقاومة ضد حل النقل‪( :‬املريض‪" :‬أعرف أنك مل تعد موثوق ًا‪ ،‬مثل أمي‪ ،‬ولكني‬
‫دائ ًام أضبط نفيس يف فكرة أنك ربام قد نسيتني بالفعل و أنا ال أعني لك شيئ ًا")‬
‫هذا الشكل من املقاومة مهم جد ًا وبشكل خاص يف طور املعاجلة –يف طور الوسط‬
‫والنهائي‪ .‬إذ يمكن للمريض أن يكون قد تعرف عىل أن إدراكاته عن املحلل أحادية‬
‫اجلانب و هناك يشء له عالقة بامضيه و إسقاطاته‪ ،‬وباإلضافة إىل ذلك يصعب عليه مرار ًا‬
‫أن يستتبع هذه املعرفة قناعات انفعالية‪ .‬حيتاج تعديل االجتاهات القديمة الراسخة‬
‫ال خيتلف من شخص آلخر‪ :‬مرة بعد أخرى عىل املريض أن يتمكن من‬ ‫انفعالي ًا وقت ًا طوي ً‬
‫عمل اخلربات اجلديدة بتشكيالت خمتلفة من اخلربة و أن يقارهنا مع تصويرته حتى اآلن‪.‬‬
‫بالنسبة لكوت ‪ Koht,1971‬توجد املقاومة ضد نقل موضوع الذات لسببني بشكل‬

‫‪291‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أسايس‪:‬‬
‫‪ -‬يمكن للمريض أن يكون خائف ًا من أن يتم ختييب رغبات تأثريه ومثلنته‬
‫‪ idealization‬من جديد بطريقة صادمة ويمكن أن تقود إعادة االنصدامية عىل‬
‫غضب وسوء اندماج قديم للذات‪.‬‬
‫‪ -‬قد خياف من أنه قد تدمر رغبات ذوبانه بموضوع ذات متلهف له بشدة خربة‬
‫التامهي املعرضة بشدة للخطر‪.‬‬
‫إال أنه ال جيوز أن ينظر هلذه املقاومة وفق كوت عىل أهنا حادث بني نفيس مستقل‬
‫عن عالقة املريض‪-‬املحلل؛ بل أنه دائ ًام مرتبط بدرجة من الدرجات باجتاه املحلل الذي‬
‫(أي االجتاه) يعيشه املريض عىل أنه قليل االنسجام؛ ما يسمى بمقاومته هو عندئذ إجراء‬
‫حلامية الذات‪ ،‬من تصديمها من جديد من معالج غري متعاطف كثري ًا‪.‬‬

‫أيؤكد التحليل النفسي على املقاومة بشدة؟‬


‫حتى لو ألقى التحليل النفيس أمهية كبرية عىل معاجلة املقاومات ألن حقيقته املركزية‬
‫مازالت دائ ًام تشري إىل أن الناس يضللون أنفسهم بأنفسهم ال تعني اجتاه ًا مستنكر ًا جتاه‬
‫املريض‪ .‬إن أحد االعرتاضات املتكررة جتاه التحليل النفيس يقول بأنه يقف موقف ًا سلبي ًا‬
‫جتاه الطاقة اإلنسانية الكامنة يف الرغبة يف التغري بل أن التحديدات االصطالحية للدفاع‬
‫واملقاومة تشري إىل أنه هناك تشكيك بالطموح اإلنساين حتقيق الذات‪.‬‬
‫وبالفعل فإن التحليل النفيس ينطلق من أن املرىض يتعلمون منذ طفولتهم قمع‬
‫ترصفات حمددة و اندفاعات و انفعاالت و يف النهاية يلغوهنا كلية من شعورهم‪ ،‬ألن‬
‫حتقيق هذه الطموحات قد يستثري قلق ًا كبري ًا‪ .‬وما حيدث يف البداية بشكل شعوري حيدث‬
‫منذ اآلن بناء عىل التمثل الالشعوري للمعلومات‪ .‬ويف العادة ال يعرف الشخص أي‬
‫يشء عىل اإلطالق عام يسمى آليات الدفاع وأنامط السلوك املنبثقة عن آلياهتم الدفاعية‬
‫غالب ًا ما يقومون بعقلنتها (تربيرها) بنجاح‪ .‬وحتى عن املقاومة التي يعتربها املرء وضعية‬
‫دفاعية بني شخصية يف املوقف التحلييل ال يعرف املريض عنها شيئ ًا يف البداية و لفرتة‬

‫‪292‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫طويلة‪ .‬هلذا فهو ال يعرف ملاذا يتأخر عن اجللسة‪ ،‬و نيس موضوع اجللسة األخرية‪ ،‬وال‬
‫يستطيع تذكر أحالمه و يتحدث بال انقطاع أو يتعب فجأة‪ .‬ال جيوز لألسباب احلقيقية‬
‫لكل أشكال هذه السلوك أن تكون شعورية له‪ .‬مقاومته للتعرف عىل كل هذه األسباب‬
‫يف عالقته باملحلل حتمي مشاعر اهلوية املعرضة للخطر‪ .‬وشيئ ًا فشيئ ًا فقط يتحقق أن‬
‫يتمكن املريض من التخيل عن مقاومة النقل ويعاجلها‪ .‬كام أن التعرف عىل مقاومات‬
‫النقل والنقل املعاكس مهم بالنسبة للمحلل وإن كان األمر بدرجة ضئيلة‪ .‬وعليه يرسي‬
‫أيض ًا أن عليه أن يوضح مقاوماته من خالل استجاباته اخلاصة هو واستجابات مريضه‬
‫‪ ،‬و أن يضعها يف عالقة معه عموم ًا و التعرف عىل نقله املعاكس وحله‪ .‬وربام ال يصبح‬
‫له الكثري من هذه مدرك ًا إال يف اإلرشاف الذايت أو بمناسبة التفكري املعمق بمريضه‪.‬‬
‫وهبذا فإن املحلل النفيس حيمي نفسه من التشكيك بام يقوله اآلخرون وبشكل‬
‫خاص املرىض‪ .‬إذ أن هؤالء وبسبب انصدام اهتم الطفولية مغرتبون عن أنفسهم جد ًا‪،‬‬
‫وخيدعون أنفسهم جد ًا يف جماالت كثرية من جماالت احلياة وال يرون "اجلمل يف أعينهم"‬
‫كثري ًا‪ .‬وال يرون إال القليل أيض ًا حول كيف يمكن "لالشعوري املنتج اجتامعي ًا"‬
‫)‪ (Erdheim 1982‬قرس السلوك الراهن أن يتحد مع املكبوتات الطفولية‪ .‬ولكن أحيان ًا‬
‫برشهم املزعوم وهيونون بعدئذ بمبالغة‬ ‫فإن الناس العصابيني يكونوا مقتنعني جد ًا ِّ‬
‫مقدس ة من التقدير من الرش عند الناس اآلخرين‪ .‬بعدئذ يميلون إىل غض البرص عن‬
‫الدوافع املصلحية الذاتية يف اآلخر وينظرون إليه بعني الرضا‪ .‬ينطلق التحليل النفيس‬
‫بناء عىل املعرفة األساسية من حوادث الدفاع بأن الغريية ‪ altruism‬املبالغ فيها يف العادة‬
‫متثل تشكيل دفاعي ضد الدوافع السادية غري املعرتف هبا‪ ،‬واألخالق مبالغ هبا يمكن أن‬
‫تكون دفاع ضد الشهوات اجلنسية والعدوانية العنيفة‪ ،‬والطموح املبالغ به لالستقاللية‬
‫هيدف إىل إشغال رغبات التعلق مفرطة الشدة املنكرة‪ ،‬و البحث باسم العلم يمكن‬
‫اشتقاقه من دافع شديد للسلطة‪ ،‬و اإلبداعية تستخدم ضد اخلواء الداخيل و اليأس‬
‫وأمور أخرى كثرية‪.‬‬
‫البحث التحلييل النفساين عن احلقيقة هو وفق فرويد الطريق الذي ال يرحم الذي‬

‫‪293‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عىل كل إنسان أن يميض فيه للوصول للحقيقة‪ .‬وكل جمتمع جيرب عىل قمع تعابري حمددة‬
‫من االنفعال ونزوعات دفاعية معينة‪ ،‬إىل درجة أنه ال يظل أي إنسان مستثنى من رضورة‬
‫مواجهة تاريخ قمعه يوما ما‪ .‬وكل إنسان حيمل يف ذاته إمكانية حترير نفسه من تشابكاته‬
‫الالشعورية وحتقيق تكامل كبري ورؤية احلقيقة بشجاعة بعينيه‪.‬‬
‫وما يبعث عىل الراحة هو احلقيقة املتمثلة أن احلقيقة يمكن أن تكون حسب احلياة‬
‫اخلاصة املعاشة وحسب املجتمع املوجود فيه اإلنسان مقبضة أيض ًا وال تعني بأي شكل‬
‫خري ًا‪.‬‬
‫ويذكرنا شعار فرويد التنويري بكانط الذي أراد أن يضع سيادة العقل عىل املشاعر‪،‬‬
‫ألنه اعترب املشاعر ظواهر ال اجتامعية ينبغي التغلب عليها أو جتاوزها‪ .‬فالتغلب عىل‬
‫الرغبات يقود للحرية وإىل التأمل العلمي للعامل‪ .‬إىل أي مدى يمكن هلذا التصور‬
‫الذهني للفهم العلمي اخلايل من االنفعاالت أن ينتج بحد ذاته ثانية أسطورة(خطرية)‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال السيطرة العلمية عىل العامل‪ ،‬فهذا اليوم أكثر من جمرد واضح‪.‬‬
‫إال أنه ال يمكن اعتبار اهتامم فرويد هو نفسه التقليد التنويري الكانطي بال حتفظ‪.‬‬
‫فقد جتذر فرويد يف تقليدين اثنني‪ :‬فلسفة التنوير الكانطي و الرومانتيكية التي بدأت مع‬
‫روسو )‪ .(Strenger,1989‬وألن فرويد عىل الرغم من كل مطلب التنوير قد عرف حول‬
‫التعلق الذي ال يمكن إزالته ملنطقيتنا بانفعاليتنا و نزوعاتنا الدافعية‪ ،‬فإنه يعد تنويري‬
‫نقدي‪ ،‬يستطيع أن يقدر حدود العقل اإلنساين بشكل واقعي‪.‬‬
‫هلذا فإن إن األسلوب الظواهري يف التعامل مع املرىض‪ ،‬حياسبهم عىل كلامهتم يعد‬
‫ساذج ًا من ناحية التحليل النفيس؛ فهو عىل الرغم من أنه يذهب من املعرفة املتوفرة‬
‫واإلدراك الذايت للمريض و يتبع تفسريه العقيل للعامل‪ ،‬إال أنه ال يستطيع التشكيك بخداع‬
‫الذات عند املريض‪ .‬وهلذا السبب فإن العمل مع املقاومة يعد مطلب ًا حتليلي ًا نفسي ًا‬
‫مركزي ًا‪.‬‬
‫إال أن املهم يظل هو فهم مقاومة املريض بشكل متفهم خطوة فخطوة بالتعاون معه‬

‫‪294‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بدالً من إرادة إزالة خداع الذات لديه بشكل غري صبور‪ ،‬وذلك من خالل الترسع يف‬
‫اإلشارة إىل الدوافع احلقيقية لترصف ما‪ .‬هلذا ينبغي أن يسري اإلجراء الفينومينولوجي‬
‫و التأويل العميق التحليل نفيس يد ًا بيد‪ .‬بغض النظر عن أن اإلنسان كمحلل نفيس‬
‫يمكنه أن يفشل أيض ًا عند التفسري املترسع للمصدود‪ ،‬يشعر املريض يف العادة إما بأنه‬
‫مأخوذ عىل حني غرة هبذا أو يستجيب بتقوية مقاومته لفهم نفسه أو أنه ينمي قلق ًا يمكنه‬
‫أن يقود إىل نكوص مؤذ‪ .‬ويف احلاالت التي يمكن للمريض أنه يبدو فيها ظاهري ًا‬
‫التفسري املتخذ برسعة للدافع املصدود – أو ملحتوى االنفعال‪ ،‬فإنه ليس من النادر أن‬
‫يكون األمر متعلق ًا هنا بخضوع أو متاه مع املعتد (غري املتعاطف)‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك تقوي مثل هذه التفسريات حاجات التعلق املازوخية بشكل‬
‫سلبي وهلذا فهي ال تقود كذلك إىل أي استبصار لدى املريض‪ .‬هلذا فإن الفن الذي من‬
‫ضمنه املهارة العالية و اخلربات يكمن يف جعل املريض منتبه ًا بتعاطف للتناقضات يف‬
‫عرض أفكاره وحثه بالضغط الناعم عىل املالحظة الذاتية النقدية والتعبري الذايت النقدي‬
‫ملربرات ترصفاته وجعله يف هذا مدرك ًا باستمرار مدى معقولية مشاعر خوفه وخجله و‬
‫ذنبه من خالل االستبطان ‪ introspection‬بالنيابة )‪ .(Gry,1986,1990‬إن االجتاه املكون‬
‫من القلق من عدم الرغبة و اخلجل املمكن الذي ال يتيح للمريض إال القليل جد ًا من‬
‫معرفة الذات –وهلذا يبد وللوهلة األوىل عىل األقل أنه يميل املحللون النفسيون يف علم‬
‫نفس الذات‪ -‬ويمكن أن يقود إىل معاجلات مملة و إىل تثبيت خداع الذات و الشفقة عليها‬
‫و معاجلة غري كافية ملقاومات الطبع النرجسية‪.‬‬

‫حول مقاومة احمللل‬


‫حتتل مقاومة املحلل –املسامة غالب ًا مقاومة النقل املعاكس‪ -‬يف التحليل النفيس‬
‫الراهن دور ًا أكرب بكثري مما كان عليه األمر يف بدايات القرن العرشين‪ .‬تتطلب الطبيعة‬
‫البني شخصية للمقاومة‪ ،‬والتعزيز التفاعيل للمقاومة من جانب املريض و املحلل قدرة‬
‫جديدة عىل الفعل متحدية قدرة املحلل النفيس بشكل واضح‪ .‬وحسب بتغهوفر‬

‫‪295‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫)‪ Bettighofer (1994‬يميل تفاعل املحلل واملريض إىل االتفاق عىل "منظومة ثابتة من‬
‫نمط وقواعد التواصل الذي يكمن خلفه تفاعل واضح ‪ ،‬والذي ال يعرض االتزان‬
‫الداخيل أو التوازن النرجيس لكليهام للخطر" (ص‪ .)125 .‬إن االستنتاج القائل ‪ :‬إن‬
‫مريض ما يمتلك مقاومة ال يستطيع التخيل عنها أو ال يريد يطرح يف الوقت نفسه السؤال‬
‫باستمرار‪ :‬إىل أي مدى يفرتض أن يظل دور املحلل بوصفه مشارك بالفعل ومضايق‬
‫وهلذا أيض ًا مشارك متورط يف التفاعل املقاوم متخفي ًا خلف املوضوعية (املوضعة‬
‫‪ .)objectivation‬وهنا بالطبع فإنه ليست كل مقاومة للمريض ترتبط باملحلل‬
‫بالرضورة‪ ،‬وهي رؤية غالب ًا ما يميل إليها املرىض املكابرون بشكل نرجيس؛ ولكن كمبدأ‬
‫مساعد يمكن للمحللني النفسيني بني احلني واآلخر أن يطرحوا السؤال فيام إذا مل يكونوا‬
‫مع مرضاهم مشتبكون يف التفاعل الذي وصلت فيه مشاعر القلق واخلجل والذنب إىل‬
‫درجة كبرية‪ .‬ويمكن للمرء أن يستخلص من ذلك االستنتاج املتمثل يف أنه بشكل‬
‫خاص يف مرحلة البداية ملعاجلة حتليلية ينبغي أن حيدث إرشاف داخيل مكثف‪ ،‬يفرتض‬
‫له أن يظهر مسامهة ليست بالقليلة يف التحليل الذايت‪.‬‬
‫‪ -‬مقاومة النقل املعاكس‬
‫مثلام يمكن للمريض أن يقاوم ضد أن يصبح نقله شعوري ًا وضد زوال النقل‪ ،‬توجد‬
‫لدى املحلل أيض ًا مقاومة ضد أن يصبح النقل املعاكس لديه شعوري ًا وضل حل النقل‬
‫املعاكس‪.‬‬
‫ففي حني أن املحلل يف احلالة األوىل يدافع ضد أن تصبح مشاعر حمددة وانفعاالت‬
‫وهوامات مدركة ال يتمكن يف احلالة الثانية التعامل بشكل مناسب مع املشاعر املستثارة‬
‫بشكل كبري‪ .‬عىل الرغم من أنه عىل سبيل املثال قادر عىل إدراك حنقه و عىل الرغم من‬
‫أنه يعرف مع أية مشكلة خاصة ترتبط هذه االنفعاالت (من نحو تنافسه مع أخوته عىل‬
‫سبيل املثال)‪ ،‬إال أنه ال يتمكن من التحرر من هذه االنفعاالت القوية؛ وهلذا فسوف تؤثر‬
‫بشكل ال مفر منه عىل تفاعله مع املريض‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النقل املعاكس ال يمكن جتنبه؛ وال أي حتليل تعليمي و ال أي حتليل ذايت يمكنه منع‬
‫ال عىل شخص املريض و‬ ‫املحلل من أال يستجيب بمشاعر و هوامات قوية كثري ًا أو قلي ً‬
‫أقواله ونقله‪ .‬وبالطبع فإن النقل املعاكس بحد ذاته ليس وسيلة تشخيص ذات قيمة‪،‬‬
‫وإنام بداية النقل املعاكس املؤثر و واملتشكل يف الوقت الراهن واملستنري إىل حد ما هو‬
‫الذي يعطي املحلل ضمن ظروف معينة دالئل عىل تشكيالت اهلوامات غري املجعولة‬
‫حتى اآلن شعورية عند مريضه‪ .‬إال أنه دائ ًام هناك خطر أن يتحالف املحلل مع دفاع‬
‫ومقاومة مريضه و ينشط معه وينجم عن هذا الفعل إشباع النقل (عىل سبيل املثال "نحن‬
‫متفقان بأال ننتقد والدينا‪ ،‬وإنام من األفضل أن نكون مطيعني ومؤدبني‪ ،‬ولكن مقابل أن‬
‫يتم تقبلنا من أنانا األعىل"‪ ،‬أو "لن أتطرق حلسدك عندئذ أوفر عيل وعليك الكثري من‬
‫الغضب واخليبة"‪ ،‬أو "نحن نتحدث مع بعضنا متوترين من أجل أال نحتاج لنجعل‬
‫رغباتنا الشهوانية املثلية التي نخاف منها شعورية”‪ ...‬الخ)‪ .‬حيادية املحلل يف خطر‪،‬‬
‫ليس فيام قد يرى املرء مبسط ًا ألسباب القابلية لإلغواء الشهواين لوحدها و إنام ألسباب‬
‫أخرى ليست أقل أمهية‪.‬‬
‫وكم يغري لعب دور املوايس؛ وكم هو لطيف بالنسبة ملشاعر تقدير الذات‪ ،‬أخذ‬
‫وظيفة أحد الوالدين املتفهم دائ ًام؛ وكم هو مفيد و حسن استبعاد النزوعات اجلنسية‬
‫والعدوانية من احلوار ؛ كم هو أفضل "وأحب" لكليهام عدم احلديث حول عالقاهتام‬
‫الشخصية ‪ ...‬الخ‪ .‬هناك الكثري من األسباب من التورط يف النقل املعاكس و التخيل‬
‫عن التحليل‪ .‬ولكن بالطبع فإن املريض سيظل لفرتة طويلة شاكر ًا ومرتاح ًا بأن تظل‬
‫مقاوماته غري ممسوسة و بأنه بشكل خاص بني احلني اآلخر يفهم كيف حيرف املحلل عن‬
‫واجبه األسايس‪ .‬وعندما قال فرويد حول املريض بأنه يمتلك ميالً عصابي ًا‪ ،‬بدالً من أن‬
‫يتذكر و أن يتحدث عن ذكرياته يف التداعي‪ ،‬يفضل أن يفعل هذه يف النقل‪ ،‬وهكذا يمكن‬
‫طبق ًا لذلك أن يقال من املحلل بأنه غالب ًا بدالً من التعاطف التحلييل و التدخالت التي‬
‫تقوم عىل ذلك من األفضل أن تنشط طموحات ال شعورية ذاتية مشحونة بالنقل‬
‫املعاكس‪ .‬وليس من النادر للمرىض أال يدعموا هذا االجتاه؛ إهنم حيتاجون قدراهتم‬

‫‪297‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫التعاطفية واحلدسية من أجل اإلحساس بعالمات الرصاعات العصابية يف حمللهم‪ .‬إهنم‬


‫ال يف املواقع يستطيعون فيها امتالك املحلل‪ ،‬وأين يصبح مكابر ًا‪،‬‬
‫يالحظون عاجال أم آج ً‬
‫ال بفضول و كثري غريها‪ .‬ويصل‬ ‫موجه ًا تربوي ًا و مشجع ًا‪ ،‬مواسي ًا ومغطي ًا‪ ،‬متسائ ً‬
‫التحليل للسكون‪ ،‬ولكن املريض حيصل عىل إشباع نقل‪ ،‬إذ أهنم قد نجحوا يف احلصول‬
‫عىل استجابة مناسبة حلاجاهتم العصابية‪ ،‬املألوفة هلم منذ زمن باكر و ظلت دفاعاهتم‬
‫ومقاومة نقلهم غري ممسوسة (مع العلم أن النتيجة ستكون عىل املدى البعيد غري‬
‫مرضية)‪.‬‬
‫‪ -‬عصاب النقل املعاكس‬
‫تم وصف هذا التصور ألول مرة بشكل مفصل من راكر )‪ (Racker,1953‬بشكل‬
‫خاص‪ .‬وعصاب النقل املعاكس هو عصاب نقل املحلل‪ ،‬إذ أنه ينبغي االنطالق من‬
‫املوضوع التايل‪:‬‬
‫"وكام تتأرجح شخصية املريض يف عالقته باملحلل‪ :‬جزؤه العصايب وجزؤه السليم‪،‬‬
‫احلارض واملايض‪ ،‬الواقع وعامل اخليال‪ ،‬كذلك تتأرجح شخصية املحلل كلها يف عالقته‬
‫باملريض‪ . ... ،‬وحتى املحلل ليس حر ًا من العصاب‪ . ...‬جزء من رصاعه يظل غري‬
‫حملول و يسعى نحو حل من خالل العالقات باملواضيع اخلارجية‪ .‬وحتى املهنة وما‬
‫يرتبط بذلك من مركز اجتامعي واقتصادي هي عبارة عن أوضاع داخلية مركزية منقولة‪.‬‬
‫وأخري ًا يتم نقل العالقة املبارشة باملريض ذلك أن اختيار مهنة املحلل النفيس –مثلها مثل‬
‫أي اختيار آخر‪-‬تنطلق من عالقات املوضوع يف الطفولة )‪.(Racker, 1953,P. 123\126‬‬
‫وقد أشار راكر أنه عىل الرغم من أن كل حملل "يعرف" أن يميل إىل النقل العصايب‬
‫عىل املريض إال أنه يمتلك مقاومته بالضبط مثل املريض ضد اجلعل الشعوري للذات و‬
‫بشكل خاص ضد املعاجلة والتغلب عىل نقله‪ .‬النقل العصايب الذي وصفه بشكل‬
‫أسايس راكر هو بالدرجة األوىل تشكيلة اوديبية‪ .‬وبشكل مبسط فقد انطلق راكر من أن‬
‫كل مريض يمكن أن جيسد بالنسبة للمحلل األب‪ ،‬وكل مريضة يمكن أن جتسد األم‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ ‬وهكذا يمكن ملحلل ذكر أن ينطلق جتاه ‪ vis-à-vis‬مريضة يف رغباته‬


‫الالشعورية بأنه عىل املريضة أن تعشق فيه عضوه‪ .‬و يمكن أن تكون نتيجة‬
‫ذلك أن يتم كبت النقل السلبي‪ ،‬وأن تدفع املريضة بشكل الشعوري إىل عدم‬
‫إقامة أية عالقة حب جديدة خارج النقل أو عدم تركها تشفى‪ .‬السلوك‬
‫املستثار للمريضة من نحو عىل سبيل املثال التبديل املتكرر للعالقات الغرامية‪،‬‬
‫من أجل االنتقام من األب‪-‬املحلل الصاد‪ ،‬يمكن أن يوقظ االنتقام و مشاعر‬
‫الكره يف املحلل ألنه عاش هذا بشكل الشعوري وكأنه متجددة من اإلبعاد‬
‫من املشهد األسايس لوالديه‪ .‬و هذا يمكن أن يتجىل عىل سبيل املثال عىل‬
‫شكل انسحاب أو نقص االهتامم و االلتزام بمريضته‪ ،‬و هو ما تستجيب له من‬
‫ناحيتها بمقاومة ضد الوعي الشعوري و اإلخبار بالنقل‪ .‬هذا املحلل سوف‬
‫يقرر أمام نفسه أو يف اإلرشاف الذايت بان مريضته موجودة يف النقل منذ األزل‪،‬‬
‫بل ربام هتدد بالتوقف دون أن يدري ملاذا‪.‬‬
‫تشكيلة أخرى توجد عىل سبيل املثال عندما ينصح املحلل مريضته‬
‫املتزوجة بشكل من األشكال بخيانة زوجها مع صديقه‪ ،‬و تفرغ عدوانيتها‬
‫األوديبية جتاه األب‪-‬الزوج أو بناء عىل التكوين العكيس يمكن أال يمس‬
‫بخوف اهلوامات املطابقة ملريضته أو حتى حياول أن يقمعها لدهيا‪.‬‬
‫جتاه مريض ذكر يمكن للمحلل الذكر كذلك أن يشعر بالرغبة بأن يكون‬
‫حمبوب ًا منه‪ ،‬وهو ما يتجىل يف تعاونه‪ .‬فإذا مل يتعاون املريض باملقابل بشكل جيد‬
‫ال يتم إشباع االستثارات الشهوانية املثلية السلبية واإلجيابية للمحلل‪ ،‬ويبدأ‬
‫بكره مريضه األب ألن هذا يستسلم ألمه و يشبع ذاته جنسي ًا معها‪.‬‬

‫وبالطبع يمكن لكثري من املحتويات األخرى لعصاب النقل أن تظهر عند املحلل‬

‫‪299‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وتقود يف نوع من التحالف العصايب ‪ neurotically Collusion‬أو "تآمر رسي"‬


‫)‪ (Langs,1987‬أيض ًا إىل منع الرصاعات اجلوهرية للمريض من أن تصبح موضوع ًا‬
‫للحديث‪ .‬ويف احلارض فإن التشكيالت التالية غالبة املالحظة‪ :‬يصنف املريض عىل أنه‬
‫مضطرب نرجسي ًا باكر ًا‪ ،‬كشخص عاش عجز شديد يف االهتامم الطفويل الباكر‪.‬‬
‫العواقب العالجية التقنية هي تأثري مستمر مشحون باحلب‪ ،‬حيث يكون املحلل متامهي ًا‬
‫بشكل منسجم بشكل غالب مع خربة الذات عند مريضه‪ .‬ومن اخلوف من عدوانيات‬
‫املنافسة ‪Rivality Aggression‬ومن احلسد األوديبي عند املريض‪ ،‬ولكن أيض ًا بسبب‬
‫إسقاط أجزاء االضطراب املبكرة اخلاصة عىل املريض يتم حتويل املريض إىل رضيع‬
‫مضطرب باكر ًا و إسكاته بالتدليل املشحون باحلب‪ .‬وبالطبع حيدث احلال املعاكس‬
‫أيض ًا‪ ،‬بأن املحلل يمس بتفضيل الرصاعات األوديبية من أجل إبقاء االنفعاالت‬
‫االكتئابية و اجلشع واحلسد الطفوليني و اليأس و االستسالم بعيدة عن خربته‪.‬‬
‫وبني املحللة األنثى و النساء املتحررات بشكل واضح يمكن أن حيدث "حتالف‬
‫أنثوي"‪ ،‬قامت راينئكه )‪ Reinecke (1987‬بوصفه‪ .‬فأولئك املريضات غاب ًا ما يكن نساء‬
‫عرصيات و متحررات ويلجأن بسبب اخلوف من امليول املحتقرة للمرأة عند املحللني‬
‫النفسيني الذكور إىل امرأة‪ ،‬يقدسنها ‪ idealization‬برسعة كبرية و لكن بطريقة جامدة‬
‫جد ًا‪ ،‬ويريدن مشاركتها يف "توهجها"‪ .‬يف العالقة باملحللة يمتلكن الرغبة الالشعورية‬
‫بإعادة يشء ما‪ ،‬غالب راًَ ما يعرفنه من عالقتهن بأمهن‪" :‬اإلنكار املشرتك ملشاعر فقدان‬
‫القيمة الذاتية العميقة بنوع من التحالف األنثوي‪ ،‬الذي يبدو أنه ال حيتاج إىل رجال "‬
‫)‪ .(Reinke,1987, P. 210‬و جتد الباحثة يف هذا إنكار الرغبة بأب أوديبي و صد‬
‫الرغبات السلبية ‪ .passive‬قد يكمن عصاب النقل املعاكس للمحللة يف حتمل هذا‬
‫التحالف و عدم التمكن يف أسوأ احلاالت يف أثناء مدة العالج ككل من التعبري عنه‬
‫(إظهاره) و حله (جدول ‪.)10‬‬

‫‪300‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جدول (‪ :)10‬التعامل مع النقل‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫التأثريات التي يمتلكها‬ ‫املقاومة تقمص متاعب‪،‬‬‫مقاومة‪ ،‬إدراك وخربة‬
‫الشخص نفسه‪ ،‬نمط‬ ‫وخماوف و حرية املريض‪،‬‬
‫وهوامات‬ ‫مشاعر‬
‫التفضيالت‬ ‫الشخصية‪،‬‬ ‫ولكن أيض ًا هواماته‬ ‫املعاكس‬ ‫النقل‬
‫واهلوامات‬ ‫النظرية‬ ‫الكبرية و التصورات‬ ‫املنسجمة و\أواملتكاملة‬
‫املصبوغة‬ ‫الالشعورية‬ ‫املبالغة من املريض نفسه‬
‫التي تستثري النقل عند‬
‫بالرصاعات الذاتية للمحلل‬ ‫عن ذاته وعن حياته‬ ‫املريض يف املحلل‪.‬‬
‫عىل مريض حمدد‪ ،‬ال يتم‬ ‫وتقمص‬ ‫املستقبلية‪،‬‬
‫ويمكن هلذه املقاومة أن‬
‫إدراكها و إظهارها‪ .‬ال يتم‬ ‫التقديس (املبالغ هبا)‬
‫تكون مرتبطة بالبقع‬
‫التعرف عىل ما هو الدور‬ ‫للناس اآلخرين‪.‬‬
‫العمياء و الرصاعات‬
‫الداخل فيه الشخص دائ ًام بناء‬ ‫الالشعورية و يمكن املقاومة‪ ،‬وضع النفس‬
‫عىل اجلدل الالشعوري‬ ‫إزالتها من خالل حتت ترصف املريض‬
‫للدور‪ .‬ومن خالل ذلك‬ ‫ذات‬ ‫كموضوع‬ ‫إظهارها‪.‬‬
‫يغيب بعد للقرار حلوار حتلييل‬ ‫واإلعجاب واالعرتاف‬
‫نفساين موفق‪ ،‬الذي يفرتض‬ ‫وتقديسه بشكل مفرط‪.‬‬
‫أن يدور فيه األمر حول الفهم‬
‫املقاومة إرادة رعاية‬
‫و التواصل والتفاعل‬
‫احلاجات النامئية املكفوفة‪.‬‬
‫املصبوغني ال شعوريا –‬
‫للمساومة الالشعورية عىل‬
‫الدور‪-‬‬

‫‪301‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫اجللسة التحليلية النفسية األوىل‬


‫يروي مريض يعاين من اضطرابات عمل شديدة وصعوبات جنسية ملحلله يف‬
‫اجللسة األوىل مشكالته و خرباته احلياتية‪ ،‬ليصل وبشكل عارض يف هناية اجللسة األوىل‪،‬‬
‫بأنه قد بدأ اجللسة مع املعالج وهو ما زال يف غرفة االنتظار‪ ،‬بأن ختيل حل ًام هناري ًا حيلمه‬
‫مرار ًا بأنه قد دخل مغارة ليصل يف أسفلها إىل نبع ما يرتوي فيه‪" .‬غريب" يفكر املعالج‬
‫بينه وبني نفسه‪" ،‬ففي أماكن متعددة من اجللسة كنت أضن أن املريض يستبعدين من‬
‫مشاعر مهمة‪ ،‬عىل الرغم من أنه قد حاول إيقاظ االنطباع باالستعداد للكالم‪ ،‬وها هو‬
‫يف هناية اجللسة خيرب بشكل جانبي عىل ما يبدو بأنه قد بدأ اجللسة مع نفسه قبل أن تبدأ‬
‫بالفعل‪ .‬فهل ينبغي يف هذه املالحظة التي تبدو ال قيمة هلا‪ ،‬باالشرتاك مع الشعور‬
‫الواضح باالستبعاد الذي شعرت‪ ،‬أن يكمن مفتاحا مه ًام للفهم معاناة الرجل؟"‪.‬‬
‫هناك حمللون نفسيون ال يريدون الرضا بمثل هذا النوع من االنطباعات املشهدية‬
‫ويسعون بام يشبه االستقصاء الطبي النفيس إىل جانب حتديد األعراض و خربة املرض و‬
‫رشوط العالج‪ ،‬القصور البنيوي لألنا‪ ،‬ومستوى تنظيم الشخصية وسلوك العالقات‬
‫املختل وظيفي ًا إىل احلصول عىل سرية حياتية كاملة تقريب ًا من منظور علم نفس أعامقي‪.‬‬
‫مهنة ومركز الوالدين‪ ،‬ووجود اجلدين و أشخاص مرجعيني آخرين يف أثناء التنشئة‬
‫االجتامعية األوىل‪ ،‬واالضطرابات النفسية السابقة يف أرس الوالدين وظروف الوالدة‬
‫ومضاعفاهتا‪ ،‬وترتيب الطفل بني األخوة ووقت الفطام ورصامة الرتبية عىل النظافة‪،‬‬
‫والدخول إىل املستشفى وانفصال الوالدين واحلضانة والدخول يف املدرسة واإلنجاز‬
‫املدريس‪ ،‬وامللفتات للنظر يف التنشئة االجتامعية املدرسية واالنفصال عن منزل األرسة‬
‫والصداقات باجلنس نفسه وباجلنس اآلخر و االلتزام (االنخراط ‪)engagement‬‬
‫االجتامعي واهلوايات و اختيار املهنة وظروف الزواج والعالقة باألوالد و أسئلة كثرية‬
‫هتدف إىل إعطاء صورة متكاملة قدر اإلمكان حول البناءات والتشكيالت الديناميكية‬
‫النفسية املذكورة‪ .‬وبالطبع فإن املحللني النفسيني أيض ًا الذين يسرتشدون باالنطباعات‬
‫املشهدية و يوجهون جل اهتاممهم بالصور واالستظرافات التي استثارها فيهم املريض‪،‬‬

‫‪302‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫واملهتمون باالنطباعات واالستنتاجات التشخيصية و البيوغرافية‪ ،‬الرضورية أيض ًا من‬


‫أجل كتابة فاتورة صندوق التأمني‪ .‬إال أنه أقوى من هؤالء الذين يميلون لإلجرائية‬
‫واملوضوعية ‪ ،‬هم أولئك الذين ينتبهون بشكل خاص النطباعاهتم املشهدية‪.scenic‬‬

‫األبعاد املعرفية للمقابلة األوىل‬


‫عىل الرغم من أن املقابلة التحليلية النفسية األوىل ال متثل بحث ًا موضوعي ًا للمنشأ‬
‫و التطور التاريخ حيايت‪ ،‬الذي يريد أن يستنتج أبعاد التسبيب القابلة للتعميم لألمراض‬
‫النفسية‪ ،‬وعىل الرغم من أنه بالدرجة األوىل ال يريد أيض ًا احلصول عىل معلومات‬
‫موضوعية حول األعراض وتارخيها‪ ،‬إال أنه ال يمكن االستغناء عام يسمى باملعلومات‬
‫املوضوعية بالنسبة للمقابلة التحليلية النفسية األوىل‪ .‬إال أن األهم من ذلك ما يسمى‬
‫باملعلومات الذاتية أو الشخصية ‪- ،Subjective Information‬ما هي األمهية الذاتية‬
‫التي يعطيها مريض ما عىل سبيل املثال ملوت والده؛ أيروي ذلك وهو ممسوس باألمر‬
‫بصورة واضحة أم يرويه وكأن األمر ال يعنيه؟‪ -‬و املعلومات املشهدية ‪scenically‬‬
‫‪ ،Information‬التي يتم احلصول عليها بمساعدة إدراك حدث العالقة الشعوري‬
‫والالشعوري‪ .‬وهذه املعلومات املشهدية تسرتشد باألسئلة املوجهة التالية‪:‬‬

‫‪- ‬كيف يصور املريض نفسه يف عالقاته؟‬


‫كيف يؤثر هذا التفهم عيل أنا عندما أقارن املريض مع انطباعي؟‬
‫وعليه يصف مريض نفسه عىل سبيل املثال بأنه رائع و دافئ يف عالقاته‬
‫البني إنسانية و يشكو يف النهاية من أن هذه السمة ال تلقى من الناس اآلخرين‬
‫أي تقدير؛ باملقابل فقد تولد‬
‫االنطباع لدى املحلل بأن األمر يتعلق لدى هذا املريض بإنسان متمركز‬
‫حول الذات أكثر من إنسان يشع بالدفء‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬ما املشاعر و الصور واخلواطر التي يستثريها املريض يف داخيل؟‬


‫‪ -‬ما هي التوقعات التي تنطلق بشكل خفي من هذا املريض؟‬
‫‪ -‬كيف أستجيب هلذه التوقعات؟‬
‫يصف مريض نفسه كضحية ملديره غري احلساس و اجلهات الرسمية‬
‫السادية و األقارب الطامعني‪ .‬ويف أثناء طرحه املثال وراء اآلخر‪ ،‬حول إحلاق‬
‫األذى به شعر املحلل بشدة مطردة كيف ينطلق من هذا املريض ضغط توقع‪،‬‬
‫بأن حيصل عىل الكثري جد ًا من املساعدة و برسعة كبرية‪ .‬إال أن هذه التوقعات‬
‫مل تستثر اإلعجاب و املتعة وإنام أقرب الغضب املتنامي‪ ،‬بالتخلص من هذا‬
‫املريض الطامع واملتطلب بأرسع وقت ممكن‪.‬‬
‫‪ -‬ما هي التوقعات التي أمتلكها من هذا املريض؟‬
‫‪ -‬كيف يستجيب املريض عىل توقعايت املكتومة؟‪.‬‬
‫توقظ مريضة جذابة تشكو من الزواج الفاشل بزوج غائب غالب ًا بسبب‬
‫رحالت العمل‪ ،‬يف املعالج رغبة عارمة والكثري من التفهم واالهتامم هلذه املرأة‪.‬‬
‫وعندما يفكر يف هذا فيام إذا كان هذا بالتحديد لدى هذه املرأة يبدو مه ًام له إىل‬
‫هذه الدرجة ألنه يعتربها جذابة و يريد أن حيظى باالعرتاف منها بأنه الرجل‬
‫األفضل‪ ،‬فسيتمكن من أن يتعرف كيف عىل املرأة أن تقاطع باستمرار حماوالته‬
‫يف أن يفهمها بشكل جيد‪ ،‬وذلك بأن تبدأ بالتباعد عام قيل قبل ذلك و تقحم‬
‫يف وصفها "غري أين ال أعرف‪ ،‬فيام إذا كان هذا هكذا بالفعل"‪ .‬فهل أدركت‬
‫بشكل ال شعوري بأن معاجلها يرغب باحلصول عىل إشباع حلاجاته اخلاصة و‬
‫تستيجب بشكل خاص بشكل حساس عىل ذلك؟ أم أنه عليها أن حتمي نفسها‬
‫من القرب الشهواين القائم بينهام؟ ‪‬‬

‫عادة ما ال يصعب عىل املحلل النفيس اخلبري‪ ،‬ربط املعلومات املشهدية يف اجللسة‬

‫‪304‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫األوىل‪ ،‬التي تنبثق غالب ًا بناء عىل االنطباعات احلسية األوىل والتعابري اجلسدية عند‬
‫الدخول إىل الغرفة ويف أوىل مجل املريض‪ ،‬مع املعلومات املوضوعية و الذاتية‪ ،‬والوصول‬
‫أحيان ًا حتى بعد دقائق عدة إىل الفرضية األوىل حول اخللفية السيكودينامية الالشعورية‪.‬‬
‫ومن البدهيي أن هذه االنطباعات التجريبية األوىل حتتاج إىل تأكيد الحق و البد أن تظل‬
‫معلقة طبق ًا لتصور اجتاه معريف مفتوح من أجل إفساح املجال يف أي وقت لبناء فرضيات‬
‫بديلة‪.‬‬

‫‪ ‬ملخص‪ :‬مرة أخرى أساسيات اجللسة األوىل التحليل نفسية (جدول‬


‫‪.)11‬‬
‫‪ -‬االستغناء بعيد املدى عن الطرق املوضوعية‪ :‬ليس بالرضورة أن يتم حتديد‬
‫ما يسمى "بأحداث احلياة" بشكل موضوعي ألهنا ال متثل سبب ًا نشوئي ًا‬
‫لألمراض العصابية‪ ،‬إال أهنا يمكن أن متثل نقاط ربط مهمة لعمل اهلوام‬
‫الالشعوري‪.‬‬
‫‪ -‬إىل جانب أخذ املعلومات املوضوعية الرتكيز عىل الواقع النفيس للمريض و‬
‫عىل الكيفية التي خرب فيها هذا األحداث املختلفة حلياته ذاتي ًا‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء مساحة كبرية قدر اإلمكان للتشكيل الفاعل الالشعوري للجلسة‬
‫األوىل من خالل التخيل عن األسئلة و تصميمها بصورة أخرى‪ ،‬من نحو‬
‫بالنظر إىل اختيار املواضيع و التسلسل الذي يعرض فيه املريض مواضيع‬
‫حمددة عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫‪ -‬الرتكيز عىل االنطباعات املشهدية املنبعثة من املريض و التي تعطي املحلل‬
‫استخالصات حول سامت واجتاهات الشخصية الراهنة للمريض‪،‬‬
‫املسؤولة عن استمرارية الصعوبات الراهنة‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬اإلدراك الشعوري للمقدار الذي يكون فيه املحلل بوصفه مراقب مشارك‬
‫دائ ًام مصمم نزوعي ‪"tendency‬للبيانات"‪ .‬‬

‫جدول (‪ :)11‬التعامل مع النقل‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫إظهار و تشخيص ما يستثريه‬ ‫لقصور‬ ‫التشخيص‬ ‫تشخيص‬
‫املريض يف املحلل من‬ ‫الضطرابات و بنى األنا‬ ‫سيكوديناميكية‬
‫هوامات ذاتية و رصاعات‪ ،‬و‬ ‫من خالل مقاييس‬ ‫رصاعات‪-‬الدافع‪-‬‬
‫كيف يستجيب هذا داخلياً‪،‬‬ ‫تشخيص ذات توجه علم‬ ‫الدفاع و الطالئع‬
‫وفق مبدأ‪" :‬هل سأمتكن من‬ ‫نفس نامئي و مقاييس‬ ‫املنبثقة عن ذلك (من‬
‫االستجابة ملطالب دور‬ ‫تقدير معرية من خالل‬ ‫اهلوامات‬ ‫نحو‬
‫املريض بشكل كاف وجيد –‬ ‫التشخيص‬ ‫دليل‬ ‫الضخمة وهوامات‬
‫بناء عىل رصاعايت اخلاصة‪-‬‬ ‫السيكودينامي املصمم‬ ‫االنتقام و اإلغواء) يف‬
‫"؟‪ .‬كيف تؤثر هوامايت‬ ‫إجرائي ًا؛ تشخيص نقل‬ ‫اجتاه أقرب لالسرتشاد‬
‫اخلاصة وميول ترصيف‬ ‫موضوع الذات وفق مبدأ‪:‬‬ ‫بعلم النفس الفردي‬
‫وحاجايت الدافعية التي‬ ‫"يف أي مناطق و بأي مدى‬ ‫‪(one-body-‬‬
‫عىل‬ ‫خبيثة‬ ‫أصبحت‬ ‫حيتاجني املريض للبناء‬ ‫)‪Psychology‬؛‬
‫والتفاعالت‬ ‫التواصالت‬ ‫ولتدعيم تنظيمه لذاته؟"‬ ‫تشخيص نقل املريض‪،‬‬

‫‪306‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بشكل‬ ‫بداية‬ ‫اجلارية‬ ‫يف أي أماكن وكم مرة عىل‬ ‫وفق مبدأ‪" :‬إىل أي‬
‫الشعوري ملسافة بعيدة مع‬ ‫يشعر‬ ‫أن‬ ‫املريض‬ ‫مدى يدركني املريض‬
‫هذا املريض‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫باالعرتاف و الفهم أو‬ ‫مشوه ًا و ما عالقة هذه‬
‫املفتاح التشخييص الذي‬ ‫إعطاءه الفرصة لإلعجاب‬ ‫اإلدراكات مع أجزاء‬
‫حيصل عليه عىل حمور األنا أو‬ ‫املقدس من املحلل؟‪.‬‬ ‫ذاته (إسقاط) و‬
‫يف الدي أس أم ‪DSM-‬‬ ‫عالقاته‬ ‫أشخاص‬
‫الباكرين و خرباته؟"‪.‬‬

‫عوامل التأثري التحليل نفسية‬


‫ما هي عوامل التأثري بالنظر إىل التغيري املرجو التي يمتلكها املحلل النفيس؟ ما هي‬
‫عمليات التأثري و التعلم التي جتري يف املريض التي تقود لديه إىل التعديل؟‬
‫هل حتصل التعديالت يف التحليل النفيس من خالل حصول املريض عىل‬
‫االستبصار يف رصاعاته التي كانت حتى اآلن ال شعورية‪ ،‬بأن يتضح له عىل سبيل املثال‬
‫كيف قاد هو نفسه األشخاص املحيطون به للتعامل بطريقة معينة أو أنه دائ ًام يصطدم‬
‫بأناس متشاهبني يمكنه معهم إخراج رصاعاته‪ ،‬يف حني أنه جتنب اآلخرين؟ أم أن هذا‬
‫التعبري املوجه باالستبطان عن الذات يرجع بشكل أقرب للخربة املبارشة لشخص‬
‫املعالج الذي يبغي اخلري‪ ،‬وغري املقيم و املتقبل للمشاعر و املتحمل لألمل و الغضب‬
‫و اهلم؟ أم هي اخلربات مع هيئة والد رمزية جديدة ومساعدة ومتعاطفة عابرة للحدود‪،‬‬
‫تقود للتامهي مع أنامط السلوك هذه و االجتاهات و نوعية املشاعر؟ أم أن هذه األسئلة‬
‫خطأ من أساسها‪ ،‬ألن العالقة (بام يف ذلك التامهي) و التفسري ال يستثنيان بعضهام و إنام‬
‫يرتافقان دائ ًام مع ًا‪ ،‬مع العلم أن التفسري يمكن أن يمثل مرة املقدمة و مركبات العالقة‬
‫متثل بشكل غري ملفت للنظر اخللفية ومرة أخرى تزحف العالقة للمقدمة؟‬
‫و‪ :‬هل علينا أن ننظر للمبدأ البني نفيس املتداول املتمثل يف أن التعديل حيدث من‬

‫‪307‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫تلقاء نفسه يف املريض بالنظر إىل الرؤيا التفاعلية عىل أنه قديم؟ أال يتعلق األمر أكثر بأن‬
‫عىل كليهام‪-‬املحلل واملريض‪ -‬أن يتعلام املساومة عىل حاجات العالقة يف هنا واآلن عرب‬
‫كل مقاومات النقل والنقل املعاكس‪ ،‬حيث أنه عىل املحلل أن يكون متقدم ًا عىل قوة‬
‫خرباته‪.‬‬
‫بني احلني واآلخر يسجل النقاد أن التحليل النفيس حيدث فيه استبصار عقيل يظل‬
‫من دون نتائج بالنسبة للتغلب عىل الرصاع واملشكلة الفعليني‪ .‬وبغض النظر عن أن‬
‫االستبصار باملعنى التحلييل النفساين يعني تكوين خربة مرتافقة معه الكثري من املشاعر‬
‫قدر اإلمكان‪ ،‬والتحليل النفيس يرى يف العقلنة ‪ intellectualize‬املنعزلة عن املشاعر‬
‫تشكيل دفاعي يفرتض التغلب عليه –هلذا أيض ًا التأكيد عىل تفسريات النقل يف هنا‬
‫واآلن‪ ،-‬فإن املقارنة بني التفسري والعالقة أو بني االستبصار والتغلب عىل املشكلة من‬
‫املنظور التحلييل النفساين خطأ منذ البداية‪.‬‬
‫فحتى منذ مخسينيات و ستينيات القرن العرشين أزحيت نقاط الثقل من الدور‬
‫التفسريي للمحلل إىل االهتامم بتفاعل‪-‬املريض‪-‬املعالج‪ .‬فميالين كالين (‪ )1952‬عىل‬
‫سبيل املثال رأت يف عالقة‪-‬الطفل‪-‬األم جوهر كل نقل و غيتيلسون )‪(Gitelson, 1962‬‬
‫و شبيتس )‪ (Spitz,1965‬و آخرين أشاروا إىل مدى أمهية االجتاه األمومي احلاث للنمو‬
‫جتاه املريض‪.‬‬
‫إال أنه مل يتضح إال الحق ًا أنه من اخلطأ اجلسيم االعتقاد أن عوامل العالقة‬
‫"األمومية" و التفسري ليس هلام عالقة ببعضهام‪ .‬إن األسلوب الذي يتدخل فيه املحلل‬
‫وما يفرسه يف حل ظة معينة تعرب عن مشاعره و تعاطفه و براعته التحليلية وإظهاره لنقله‬
‫املعاكس‪ .‬التفسريات ال تعطي املريض االستبصار يف العمليات الشعورية والالشعورية‬
‫فحسب وإنام تقربه من الكيفية التي يمكن فيها للمحلل أن يتعامل مع رغبات وتوقعات‬
‫النقل‪.‬‬

‫استخدام احمللل النفسي كعامل تأثري‬

‫‪308‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫لقد ظهر أنه من املفيد حتليل حادث التأثري املعقد إىل مركبات خمتلفة‪ ،‬ولكن من‬
‫دون التخيل عن أن احلوادث بالتحديد يف الفهم التحلييل النفساين يف املحلل و تلك التي‬
‫يف املريض مرتبطة ببعضها بشكل وثيق فحادث التعديل التحلييل النفساين هو عبارة عن‬
‫عملية تعلم تفاعلية حيتل فيه التعامل مع عالقة النقل والنقل املعاكس أمهية كربى‪.‬‬
‫واالنطالق من أن املريض وحده هو الذي عليه أن يتعلم بأنه هو وحده الذي عليه أن‬
‫يتغري‪ ،‬أمر غري منصف بالنسبة لفلسفة العالج يف التحليل النفيس‪.‬‬
‫فمن جانب املحلل حتدث احلوادث التحليلية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬التعرف عىل النقل املعاكس و التعامل معه‪،‬‬
‫‪ -‬القدرة عىل اإلصغاء‪،‬‬
‫‪ -‬التعاطف‪،‬‬
‫املشاركة ‪Holding‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Containing‬‬ ‫‪ -‬االحتواء‬
‫‪ -‬تفسريات النقل‪،‬‬
‫‪ -‬التفسريات النشوئية‪ ،‬إعادة التصميم و تفسري النقل اخلارجي‪.‬‬

‫خالفات راهنة‬
‫أكد علامء نفس الذات ‪ self-psychologists‬دائ ًام بأن التعامل التفسريي العلم نفس‬
‫ذايت مع النقل والسامح بالنشوء لعصاب النقل و معاجلة وحل النقل أو عصاب النقل ال‬
‫خيتلف عن اإلجراء التحلييل النفساين املعروف‪ ،‬بغض النظر عن أن النقل هو نقل‬
‫موضوع الذات‪ .‬وقد كانت هذه بالتأكيد ردة فعل عىل التهمه املتمثلة يف أن علم نفس‬
‫الذات قد تطور إىل شكل عالجي تعوييض ‪ reparative‬و داعم‪ ،‬اعترب لفرتة طويلة يف‬
‫التحليل النفيس عىل أنه مستنكر‪ ،‬ألنه ال يقود إىل تغريات بنيوية حقيقية‪ .‬غري أن أهم‬

‫‪309‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫إجراء للمحلل بالنسبة لكوهوت ‪ Kohut‬يتكون يف املراقبة املستمرة لعالقة‪-‬موضوع‬


‫الذات‪-‬الذات ‪ self-self-object-Relationship‬بني املريض وحملله ومن ثم أقل يف‬
‫التعامل التفسريي مع نقل موضوع الذات‪ .‬ينبغي أن يتم فهم وتقبل حاجات‪ -‬موضوع‬
‫الذات القديم ‪archaic‬؛ ومن ذلك أيض ًا آليات الدفاع التي يوجهها املرىض املعتزون‬
‫اخلجولون و اخلوافون من العالقة ضد ظهور حاجات‪-‬موضوع الذات‪.‬‬
‫ويف سياق العملية التحليلية يتمثل املريض بخطوات صغرية –من خالل ما يسمى‬
‫بالتمثل املتحول‪ -‬وظائف املحلل (عىل سبيل املثال اإلحساس بنفسه‪ ،‬و فهمه وتقبلها و‬
‫إظهارها و هتدئتها وحتريرها من الوهم ‪disillusion‬وموازنتها ودجمها وتوليفها وأمور‬
‫أخرى أكثر) و حيقق ارتباطات‪-‬موضوع الذات املنمي لالنسجام اخلربة االنفعالية‬
‫التصحيحية التي هي جوهر حادث الشفاء من وجهة النظر العلم نفس ذاتية‪ .‬فإذا ما‬
‫سادت يف بدايات علم نفس الذات الرؤية املتمثلة يف أن‪" :‬مبدأ اإلحباط األمثل" هو‬
‫الذي حيقق املستثري للتمثل‪ ،‬فقد سادت يف الوقت الراهن بشكل مطرد الرؤية املتمثلة يف‬
‫أن اخلربة املتكررة للصدى األمثل من جانب املحلل يقود إىل متثل هذه اخلربة البني‬
‫إنسانية‪ .‬و قطع هذا الصدى أمر ال يمكن جتنبه عىل كل حال و ال يفرتض أن يتم‬
‫استحداثه بشكل هادف‪ ،‬إذ أنه ال يوجد وال أي حملل قادر عىل أن يكون دائ ًام متجاوب ًا‬
‫بشكل أمثل بحيث أنه ال تظهر بني احلني واآلخر انكسارات خميبة و سوء فهم يف العالقة‪.‬‬
‫و لكن مساعيه املتجددة باستمرار نحو فهم مريضه بانتباه متعاطف واستبطانات بالنيابة‪،‬‬
‫و التعبري عن خطوات الفهم هذه تعاش من املريض عىل أهنا توفر وظائف موضوع‬
‫الذات‪ .‬إن اإلحساس باملريض يعيشه املريض وكأنه عملية إضفاء املعنى‪ ،‬الذي تقوم‬
‫به أم مع طفلها عندما تفرس له بال انقطاع العامل الداخيل واخلارجي و تسميه‪ .‬ويسهم‬
‫تنظيم املعرفة الذي ينشأ هبذه الطريقة لدى الطفل (معرفة داللية ‪semantically‬وإجرائية‬
‫يتم ربطها بالبنى ال رع ررضية ‪ episodic‬إذ أن اكتساب املعرفة ينشأ بشكل خاص يف بداية‬
‫احلياة بشكل غالب عىل أساس التفاعل مع األم املشحونة باحلب‪ ،‬تفرس للطفل العامل‪-‬‬
‫وبالطبع فإن اآلباء غري مستثنون من ذلك)‪ ،‬بمشاعر الكفاءة لطفلها و من ثم أيض ًا‬

‫‪310‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫للمريض املستقبيل‪.‬‬
‫وقد انتقد املحللون النفسيون يف املدخل التعاطفي لعلم نفس الذات‪ ،‬أنه هنا يتم‬
‫إعادة صياغة ‪ paraphrase‬تعابري املريض الشعورية (وهذا املطلب يشرتك فيه علم نفس‬
‫الذات مع العالج النفساين املتمركز حول املتعالج) وإنه يتم التخيل عن املطلب التحلييل‬
‫النفساين الفعيل‪ ،‬يف فك شيفرة الالشعور‪ .‬إال أنه يف هذا االعرتاض يتم جتاهل بأن‬
‫اإلحساس املستمر يف املريض حيث مع الزمن إعادة ظهور احلاجات النامئية املصدودة و‬
‫حاالت الشعور القديمة [البدائية] و مشاعر االرتباط و امليل الطفولية‪ .‬ففي خربة بني‬
‫ذاتية ‪inter subjective‬لألمان و اإلحساس بالفهم يمكن عندئذ أيض ًا للحاالت‬
‫االنفعالية املنكرة أو التي تم إنكارها أن تصبح شعورية ثانية‪ .‬وعىل عكس علم نفس‬
‫الدافع التقليدي بخطره الضمني يف التفسري املترسع (والفصامي) لالشعوري‪ ،‬الذي‬
‫يمكن أن يقود إىل إضعاف الحق ملشاعر الذات‪ ،‬يتيح التعاطف املستخدم بشكل مقبول‬
‫الظهور التدرجيي حلاالت اخلربة الالشعورية‪.‬‬
‫وعليه يمكن أن يتم عالج املرىض الصعبون املضطربون باكر ًا بشكل ناجح بالعالج‬
‫النفساين التحلييل‪ ،‬إذا ما متكن املحلل من التكيف عىل املستويات املختلفة خلربات‬
‫العالقة املتجددة يف كل مرة أو املطلوبة بشكل مهني و حساس‪ .‬اإلصغاء التعاطفي عرب‬
‫فرتات طويلة من التحليل (بدون تفسري الالشعوري) ‪ ،‬و التهدئة والتشجيع و نزع‬
‫الوهم التدرجيي األمثل ("لقد تصورت أنك قادر عىل إنجاز املهمة برفع األصبع‪ ،‬و ها‬
‫أنت تشعر بمرارة أنه البد من القيام بخطوات كثرية صغرية")‪ ،‬وربط و توحيد أهداف‬
‫الترصف املتعارضة و املتناقضة وأمور أخرى كثرية يمكن أن متثل مثل هذا النوع من‬
‫التدخالت‪ ،‬التي تنطلق مجيعها من فهم حتلييل ملستوى النمو املعني و عالقة النقل و النقل‬
‫املعاكس‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك وبالنسبة لناقد للرؤية العلم نفس ذاتية فإن نقل موضوع الذات‬
‫و معاجلتها مازال غري كاف كلية لعملية شفاء‪ .‬فعىل الرغم من أن وظائف املشاركة‬
‫‪ Holding‬واالحتواء و الصدى حتقق الرشط الكايف ألن تصبح التفسريات اللفظية‬

‫‪311‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫لالشعور متيرسة عموم ًا‪ ،‬من دون أن يشعر املريض بأنه قد اعتدي عليه و أنه مغلوب‬
‫عىل أمره و أنه قد عومل بظلم أو باستحواذ‪ .‬ولكن من دون التفسري للمظاهر‬
‫الالشعورية للخربة والسلوك ("أيمكن أن تكون حاجاتك القوية لالعرتاف هي التي‬
‫جتعل زمالءك يستاؤون منك؟") فإنه قلام يمكن االنطالق من عملية تنوير و شفاء‬
‫باملعنى التحلييل النفساين ‪ .‬وطبق ًا لذلك فإن نمو و تقوية الذات ال يكفيان وحدمها‪.‬‬
‫أحيان ًا يشبه املرىض الذين يعاجلون بعلم نفس الذات فقط –وهنا أيض ًا مقارنة مع مرىض‬
‫املبادئ العالجية اإلنسانية‪ -‬مراهق ذو املظهر القوي و الواعي بذاته‪ ،‬الذي عىل الرغم‬
‫من أنه يؤكد نفسه عىل حساب املحيطني به بدون صعوبات ويعتز باحلفاظ اآلمر عىل‬
‫احلاجات املهمة بالنسبة له‪ ،‬ويطالب عىل األغلب هنا بوضع نرجيس استثنائي لنفسه‪ ،‬إال‬
‫أنه يظل يف كثري من الوجوه مسترت ًا وهلذا يعاش من قبل املحيطني به عىل أنه متمحور‬
‫حول ذاته و راثي ًا لذاته‪.‬‬
‫ويقع األمر عىل عاتق القدرة العالجية يف التفريق متى استقر مريض ما يف سياق‬
‫نقل موضوع الذات مع اهلوامات و اخلربات التابعة إىل ذلك لالنصهار املقدس و‬
‫االعتبار واالعرتاف بشكل كاف‪ ،‬من أجل أن يتمكن من أن خيطو إىل خربات عالقة‬
‫أخرى‪ ،‬أكثر تعقيد ًا يف سياق ثالثي‪ ،‬و عندئذ يستطيع بشكل خاص حتمل مشاعر القلق‬
‫واخلجل من دون أن ينزلق يف هلع أو السقوط يف غضب شديد بسبب اخلجل‪ .‬إذ أن‬
‫العمل يف جمال نقل موضوع الذات يتصل يف العادة باخلربة الشعورية للمريض‪ ،‬و بداية‬
‫تفسري املظاهر الالشعورية يوسع فهمه لذاته حتى اآلن و إنسانيته (جدول ‪.)12‬‬

‫جدول (‪ )12‬تصورات اهلدف‬


‫نموذج القصور النامئي نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬

‫‪312‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫نشاطات املحلل‪:‬‬ ‫نشاطات املحلل‪:‬‬ ‫نشاطات املحلل‪:‬‬


‫خربات جديدة للعالقة‬ ‫التعاطف‬ ‫تفسريات النقل‬
‫إبطال القناعات املرضية‬ ‫التقبل‬ ‫تفسريات نشوئية‬
‫القديمة‬ ‫الصدى‬ ‫إعادة التصميم‬
‫اهلوامات‬ ‫تعطيل‬ ‫مبدأ اإلجابة‬
‫الالشعورية‬
‫املشاركة ‪Holding‬‬

‫االحتواء‬
‫بشكل خاص توفري‬ ‫بشكل خاص الصدى‬ ‫بشكل خاص التعرف و‬
‫خربات عالقة جديدة‪،‬‬ ‫التعاطفي يمنح املريض‬ ‫التحسس التأوييل العميق‬
‫التي ال تصبح ممكنة إال‬ ‫باالرتياح‬ ‫الشعور‬ ‫لالشعور وتفسريات النقل‬
‫عىل أساس إظهار عمل‬ ‫والصالحية املثل‪ ،‬و هو‬ ‫املنبثقة عن ذلك ‪ ،‬ربط املايض‬
‫(االمتناع‬ ‫الدور‬ ‫ما يمكن اعتباره وكأنه‬ ‫مع احلارض‪ ،‬منح املريض‬
‫اإلجرائي)‪ ،‬حتقق خمرج ًا‬ ‫لوح قفز لبداية جديدة‪.‬‬ ‫الشعور معنى ترصفه‬
‫من فهم األدوار اجلامد‬ ‫يمكن للميول التي‬ ‫واالتساق التاريخ حيايت‪.‬‬
‫يف التفاعالت حتى‬ ‫كبتت حتى اآلن أن يتم‬
‫اآلن؛ وتتسع ذخرية‬ ‫التعبري عنها حتت محاية‬
‫ترصف األدوار بشكل‬ ‫هذا التفهم التعاطفي‬
‫هائل وتصبح خربات‬ ‫للمرة األوىل بشكل‬
‫جديدة للكينونة ممكنة‪.‬‬ ‫حذر و أن يتم جتريبها‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫احلوادث النفسية يف احلوادث النفسية يف‬ ‫احلوادث النفسية يف املريض‬


‫املريض‬ ‫املريض‬
‫حترك عمليات النمو حوادث تعلم ضمني‬ ‫االستبصار‬
‫وعي خربات الطفولة التي بقيت عالقة‪ ،‬من ‪ ،Tacit Learning‬إعادة‬
‫الصادمة (النموذج البدائي نحو عىل سبيل املثال‪ :‬تصميم‪‘ ،‬عادة تقويم‪،‬‬
‫وكذلك حوادث تعلم‬ ‫تنظيم الذات‪،‬‬ ‫‪)archaeological‬‬
‫شعورية و اختاذ‬
‫التعرف عىل اهلوامات القدرة عىل التعاطف‪،‬‬
‫القرارات عىل سبيل‬
‫املسؤولية‪،‬‬ ‫الالشعورية ومعاجلتها‪.‬‬
‫املثال حول‪:‬‬
‫األدوار‬ ‫تشكيالت‬ ‫االعرتاف باحلدود الذاتية و حتمل االنفعال‬
‫حدود األجيال (حتريم غشيان‬
‫القائمة حتى اآلن‬ ‫متايز االنفعال‬
‫املحارم)‬
‫استجابات‬ ‫إحداث‬ ‫حتمل التناقض‬
‫التصالح مع احلسد والغضب‬
‫أدوار حمددة لدى املقابل‬
‫التاميز االستعرايف‪.‬‬ ‫و الثأر‪.‬‬
‫استجابات‬
‫لالستجابات‬
‫املستثارة‪ ...‬الخ‬

‫التصورات التحليلية النفسية باملقارنة‬


‫وأخري ًا يمكن اإلشارة إىل تصورات األهداف التي حظيت كل منها عىل أفضلية‬
‫بناء عىل االجتاهات املدرسية التحليلية النفسية‪.‬‬
‫يأيت املرىض للمعاجلني (التحليليني) يف العادة من أجل التخلص من أعراضهم‪،‬‬

‫‪314‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ومن أجل التمكن من فهم رصاعاهتم املتنوعة بشكل أفضل و مواجهتها‪ .‬يف العالج‬
‫التحلييل النفساين وبشكل خاص يريد املرىض أن يعرفوا أكثر حول أنفسهم وحول‬
‫خلفية رصاعاهتم الراهنة‪ .‬إذ أن بعض ترصفاهتم غري مفهومة هلم وغريبة عنهم؛ و‬
‫إمكانات اختيارهم تبدو حمدودة إىل مدى بعيد؛ ويشعرون أهنم جمربون عىل ترصفات‬
‫تسبب هلم اخلجل أو جتعلهم غري سعداء‪ .‬ال يبدو ألعراضهم سبب واضح؛ إذ مل تقد‬
‫التفسريات السببية حتى اآلن إىل أي تغري يف معاناهتم‪ .‬وبقصد فهم احلدث غري القابل‬
‫لإلدراك يف ذاهتم يلجئون إىل املحلل النفيس‪ ،‬يدفعهم يف ذلك األمل بأن سلوكهم‬
‫الغامض و الالمنطقي يمكن أن يرجع ألمر ما‪ ،‬يمثل السبب األسايس بام يشبه األساس‬
‫لكل اضطراباهتم الراهنة‪ .‬إال أن املرىض ال يطمحون إىل التفسري و مواجهة الرصاع و‬
‫النمو فقط‪ ،‬وإنام يرغبون بدرجات خمتلفة بأن يبقى كل يشء كام هو؛ عندئذ يرون يف‬
‫حمللهم بشكل ال شعوري موضوع دافع يتمكنون بمساعدته من إشباع نزوعاهتم‬
‫الدافعية املكبوتة ولكن امللحاحة‪ .‬أو أهنم يبحثون يف معاجلهم عن رشيك يؤكد هلم‬
‫رؤيتهم العصابية للعامل و يعلقون فيه قناعاهتم العصابية‪ .‬و عىل أساس هذه اهلوامات‬
‫ال حيتاجون بشكل أسايس حمللهم ليعيشوه مساعد ًا و متعاون ًا؛ بل تلح يف ذاهتم كثري ًا أو‬
‫ال هوامات بأن معاجلهم –حسب تصوراهتم اخلاصة‪ -‬سيكون إنسان ًا عملي ًا يعاقبهم‬ ‫قلي ً‬
‫بشدة وسريتبط هبم لألبد ويستغلهم و يغوهيم جنسي ًا ويفعل معهم أمور أخرى كثرية ‪.‬‬
‫ال و من املؤكد‬ ‫املنطق و اهلوامات املشحونة بالدوافع يمكن أن تتصارع مع بعضها طوي ً‬
‫أن هذا يربر بدرجة كبرية و جود املقاومات‪ .‬ويتضح مما قيل أعاله ملاذا حيتل البحث عن‬
‫احلقيقة األولوية وبشكل خاص يف نموذج رصاع الدوافع‪ ،‬قبل كل التخفيفات‬
‫األعراضية املمكنة‪ ،‬التي غالب ًا ما ينبغي فهمها عىل أهنا هروب إىل الصحة‪ .‬و يتضح‬
‫أيض ًا‪ ،‬إذا ما نظرنا للجانب الذي يسعى فيه املريض حتت حشد مجيع قواه املنطقية‬
‫والعقالنية‪ ،‬ملاذا يدعم التحليل النفيس هذا الطريق املستقيم للمريض نحو النامء و‬
‫التطور عىل الرغم من تأكيداته كلها عىل صورة دافعية انفعالية لإلنسان يف اجلوهر‪.‬‬
‫ونأمل أنه عىل أساس هذا العرض حول أسس العالج النفساين التحلييل النفساين‬

‫‪315‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أن يكون قد اتضح (جدول ‪ ،)12‬بأن التحليل النفيس ال يمكن حرصه بشكل من العالج‬
‫"اإلنساين" الذي هيتم بالدرجة األوىل "بتحقيق الذات" و "التقدم" ‪ ،Progress‬وليس‬
‫كذلك يف مواجهة استعرافية للمشكلة‪ ،‬ألن صورة اإلنسان الكامنة خلف هذه األشكال‬
‫العالجية تبدو أحادية اجلانب تؤكد عىل ما يمكن فعله منطقي ًا‪.‬‬

‫جدول (‪ :)13‬تصورات األهداف‬


‫نموذج رصاع العالقة‬ ‫نموذج القصور النامئي‬ ‫نموذج رصاع الدافع‬
‫األرس و التقيد يف تكليفات‬ ‫يمكن يف عملية التحليل‬ ‫"احلقيقة وحدها حترر‬
‫أدوار أرسية بقيت الشعورية‪،‬‬ ‫النفيس موازنة القصور يف‬ ‫اإلنسان" وطبق ًا هلذا‬
‫مع العلم أن هذه األدوار مل‬ ‫التنشئة االجتامعية‪ ،‬و‬ ‫الدافع يرسي هتديم‬
‫تقم عىل أساس عزو فعيل بل‬ ‫مواصلة العمليات النامئية‬ ‫أوهام الذات‪ ،‬إدراك‬
‫هوامي‪ ،‬ينبغي هلا أن تصبح‬ ‫املقطوعة أو املوءودة‪ .‬و‬ ‫بني‬ ‫التشابك‬
‫شعورية يف أفعال أدوار‬ ‫هبذا يمكن حتقيق موارد‬ ‫اإليديولوجيات‬
‫ناشطة و عمليات مساومة و‬ ‫شخص ما بشكل أمثل‪،‬‬ ‫االجتامعية والعصاب‪.‬‬
‫تعديلها‪ .‬ويتيح هذا التعديل‬ ‫وأن يصبح ما هو دائ ًام‬ ‫التخيل عن هوامات‬
‫درجات جديدة من احلرية‬ ‫عليه‪ :‬إنسان مهتم‬ ‫األمهية و القابلية‬
‫للسلوك‪ ،‬و املعرفة إىل أي‬ ‫بمحيطه ناشط‪ ،‬أكثر‬ ‫للتنفيذ و اخللود و‬
‫مدى اإلنسان مسؤول من‬ ‫استعداد ًا لالرتباط‪ ،‬متجه‬ ‫االنتقام والتدمري و‬
‫جهته عام إذا كان سيكرر‬ ‫نحو تنمية الذات و‬ ‫التمكن من احلزن من‬
‫تقاليد أدوار مرضية أو أنه‬ ‫معايش للخربات‪.‬‬ ‫أجل التحول إىل إنسان‬
‫يستخدم أشكال عالقات‬ ‫متزن و مسؤول إىل حد‬
‫خالقة مسؤولة‪.‬‬ ‫ما طبق ًا لإلمكانات‬
‫االجتامعية والفردية‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪317‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الفصل الثامن‬

‫أساليب العالج التحليلي النفساني‬

‫‪U. Streeck‬‬

‫"سوف يستيقظ يف يوم من األيام ضمري املجتمع وسوف ينتبه إىل أن الفقري يمتلك‬
‫احلق يف احلصول عىل املساعدة النفسية مثلها مثل حقه اآلن يف احلصول عىل التدخل‬
‫اجلراحي املنقذ للحياة‪ . . ...‬عندئذ سوف يتم تأسيس مصحات أو معاهد يوظف فيها‬
‫أطباء مؤهلون يف التحليل النفيس من أجل جعل الرجال الذين قد يدمنون عىل‬
‫املسكرات و النساء املهددات باالهنيار حتت ثقل عزلتهن‪ ،‬واألطفال الذين ينتظرهم إما‬
‫خيار اإلمهال أو العصاب‪ ،‬قادرين عىل املقاومة و اإلنجاز من خالل التحليل‪ .‬وسوف‬
‫تكون هذه املعاجلات باملجان‪ .‬وقد يستغرق األمر فرتة زمنية طويلة إىل أن تشعر الدولة‬
‫أن هذه الواجبات رضورية‪ . ...‬عندئذ سوف تقتيض واجباتنا تطويع تقنياتنا وفق‬
‫الظروف اجلديدة‪ ...‬و من املحتمل جد ًا أننا سوف نكون مضطرين‪ ،‬يف االستخدام‬
‫اجلامهريي لعالجنا أن نمزج ذهب التحليل الصايف بشكل كاف مع نحاس اإلحياء‬
‫املبارش‪ ،‬ويمكن للتأثري التنويمي أن جيد مكانه هناك كام هو احلال يف معاجلة عصابيي‬
‫احلرب‪ .‬ولكن مهام سيكون شكل هذا العالج النفساين بالنسبة للشعب‪ ،‬ومهام كانت‬
‫العنارص التي يمكن أن تتكون منها‪ ،‬فمن املؤكد أن مكوناهتا األكثر فاعلية و األهم‬
‫ستظل تلك املستقاة من التحليل النفيس الصارم غري املنحاز" ) ‪(Freud,1919,P192ff.‬‬
‫‪.‬‬
‫واليوم وبعد ‪ 100‬سنة من كتابة فرويد هلذه الرؤية املستقبلية يوجد طيف واسع‬
‫من األساليب العالجية لألمراض واالضطرابات النفسية والنفسية اجلسدية التي تم‬

‫‪318‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اشتقاقها من "التحليل النفيس الصارم و غري املنحاز"‪ ،‬من األسلوب التحلييل النفساين‬
‫املعياري‪ .‬فمقابل العالج التقليدي تتصف هذه األساليب بتعديالت بسيطة أو عميقة‪.‬‬
‫و قد انبثقت إىل حد ما أساليب عالجية نفسية مستقلة ‪ .‬كام أصبحت كذلك معارف‬
‫التحليل النفيس متيرسة للمرىض الذين بسبب نوع مرضهم و بسبب ظروفهم النفسية‬
‫واالجتامعية و االستعرافية ال يالئمهم العالج النفساين التحلييل املعياري‪.‬‬

‫منهجية أساليب العالج التحليلي النفساني‬

‫يمكن أن يتم تصنيف أساليب العالج التي تقوم –إىل جانب التحليل النفيس‬
‫التقليدي‪ -‬عىل علم األمراض وتقنيات العالج التحلييل النفساين أو املشتقة منها إىل‬
‫جمموعتني‪:‬‬
‫‪ -‬العالج النفساين التحلييل‪،‬‬
‫‪ -‬العالج النفساين الذي يقوم عىل أساس علم نفس األعامق‪.‬‬
‫والعالج النفساين لألطفال واليافعني هو أسلوب مستقل معدل وفق رشوط النمو‬
‫اخلاصة عند األطفال واليافعني‪.‬‬
‫و العالج النفساين التحلييل و العالج النفساين القائم عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫عبارة عن تسميتان لعدد كبري من األساليب العالجية ختتلف عن بعضها باملدة وتكرار‬
‫اجللسات و نوع األطر العالجية و أهداف العالج و سامت التقنيات العالجية‪ .‬وبام أن‬
‫الفروق ضئيلة فإن األساليب املختلفة تتشابه فيام بينها يف كثري من الوجوه‪.‬‬
‫وال يمكن تصنيف أي واحدة من الطرق املذكورة يف إحدى املجموعتني بوضوح‪.‬‬
‫فبعض الطرق مل تنبثق مبارشة من التحليل النفيس التقليدي إال أهنا تأخذ املعارف‬
‫واخلربات التحليلية النفسية بعني االعتبار‪ ،‬من نحو العالج اجلشطلطي ذو التوجه‬
‫التحلييل عىل سبيل املثال‪ ،‬هلذا تم ذكره هنا‪ .‬ويف أساليب أخرى من نحو يف اإلرشاد ال‬

‫‪319‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يتم بالرضورة فهم مشكالت املراجعني و اإلجراءات املنهجية من وجهات نظر نفسية‬
‫ديناميكية و حتليلية نفسية؛ هلذا ال يمكننا احلديث عن أساليب ذات توجه حتلييل نفساين‬
‫إال إذا كانت هذه األساليب تسرتشد بمعارف ومبادئ التحليل النفيس‪( .‬جدول ‪.)1‬‬

‫جدول (‪ :)1‬منظومة األساليب العالجية التحليل نفسية و العاملة عىل أساس حتلييل‬
‫نفساين‬
‫األساليب املعيارية التحلييل نفساين ة (التحليل النفيس التقليدي)‬
‫العالج النفساين التحلييل‪:‬‬
‫العالج النفساين التحلييل طويل األمد‬
‫العالج النفساين التحلييل قصري األمد‬
‫العالج البؤري التحلييل النفساين‬
‫العالج باملجموعة التحلييل النفساين ‪.‬‬
‫العالج النفساين القائم عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫العالج النفساين الفردي‬
‫العالج النفساين قصري األمد القائم عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫العالج النفساين يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫العالج الزوجي واألرسي‬
‫العالج النفساين لألطفال واليافعني‬
‫العالج النفساين املركزي (الرتقيدي)‬
‫اإلرشاد‬

‫‪320‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫األساليب ذات التوجه التحلييل النفساين غري اللفظية‬


‫العالج اجلشطلطي‬
‫األساليب العالجية اجلسدية‬
‫العالج باملوسيقى‬

‫تاريخ العالج التحليلي النفساني‬


‫يف الوقت الذي تعرف فيه سيجموند فرويد يف العام ‪ 1882‬يف فينا عىل طبيب‬
‫األعصاب جوزيف بروير كانت اهلسترييا تعد يف الطب مرض هتدمي للجهاز العصبي‪.‬‬
‫فقد عالج بروير منذ أمد بعيد مريضة كان تشخيصها "اهلسترييا"‪ .‬ويف جمرى عالج هذه‬
‫السيدة الشابة التي انجذب إليها فرويد –يف "دراسات يف اهلسترييا" )‪(Freud,1895‬‬
‫أطلق عىل املريضة اسم ‪ pseudonym‬آنا ‪ - . Anna. O‬حصل اكتشاف أن أعراضها‬
‫قد تراجعت باطراد عندما كانت تتمكن من احلديث عن أحداث وخربات معينة و‪...‬‬
‫"عندما كان يتم التمكن من استثارة ذكريات احلادث املسبب‪ ،‬وبعث االنفعاالت املرافقة‬
‫لذلك أيض ًا وعندما يقوم املريض بوصف احلادث بطريقة مفصلة قدر اإلمكان و أعطى‬
‫لالنفعاالت الكلمة" )‪ .(Freud 1895, S. 85‬حتدثت آنا‪ .Anna. O . ،‬يف سياق‬
‫عالجها عند بروير عن "عالج ناطق ‪ "talking Cure‬وعربت هبذا عن خربة أن الكالم‬
‫أو احلديث كان هو الشايف يف العالج الذي أجراه معها طبيبها ‪ .‬وبعد أن أقام فرويد عند‬
‫شاركو ‪ Charcot‬يف مشفى السالبيتريي يف باريس‪ Salpetriere in Paris‬استخدم يف‬
‫عيادته يف فينا التنويم يف البداية‪ ،‬من أجل استثارة ذكريات احلوادث املسببة لدى مرضاه‪،‬‬
‫التي قادت إىل االضطرابات العصابية‪ .‬إال أنه رسعان ما عرف أنه ال يمكن تنويم كثري‬
‫من املرىض؛ ولدى آخرين رسعان ما عادت أعراض املرض ثانية‪ ،‬بعد أن استيقظوا من‬
‫احلالة التنويمية‪ .‬هلذا ختىل فرويد عن التنويم و استبدهلا بأسلوب كان يطرح فيه األسئلة‬

‫‪321‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عىل مرضاه من أجل استقصاء ظروف أعراضهم‪ ،‬وكان يدعم إجابات مرضاه‪ ،‬بأن كان‬
‫يضع يده عىل جبينهم أو يضع رأسهم بني يديه‪.‬‬
‫أضع يدي عىل جبني املرىض أو آخذ رأسهم بني يدي وأقول‪ ،:‬سوف تتذكر اآلن‬
‫حتت ضغط يدي‪ .‬و يف اللحظات التي أتوقف فيها عن الضغط سوف ترى شيئ ًا ما عن‬
‫نفسك أو سوف خيطر عىل بالك يشء ما‪ ،‬وهذا ما عليك التقاطه" ‪(Freud 1905, P.‬‬
‫)‪.168‬‬
‫يف التنويم كان الشعور الصاحي مغلق ًا؛ كان املريض مرتوك ًا كلية وبشكل سلبي‬
‫حتت تأثري الطبيب‪ .‬ويف األسلوب التنفييس الذي انتقل إليه فرويد فيام بعد‪ ،‬مارس من‬
‫خالل الضغط عىل اجلبني كذلك التأثري عىل املريض باملعنى احلريف للكلمة وبشكل‬
‫فاعل‪ .‬إال أن سعيه كان متجه ًا إىل جعل التأثري اإلحيائي عىل املريض من خالل الطبيب‬
‫يف أقل درجة ممكنة‪ ،‬من أجل عدم تزوير ذكريات املريض حول احلدث املسبب‪ .‬هلذا‬
‫ختىل فرويد الحق ًا عن كل املؤرشات اإلحيائية أو التالعبية‪ .‬و أخري ًا انسحب يف أثناء‬
‫العالج من جمال الرؤية عند املريض وذلك بأن جعله يستلقي عىل أريكة يف حني كان‬
‫جيلس هو خارج جمال الرؤية‪ .‬وطلب من املرىض الرتكيز عىل أنفسهم بشدة وقول كل‬
‫ال أو غري مهم‪.‬‬‫يشء خيطر عىل باهلم بشكل عفوي مهام بدا هلم ذلك بال معنى أو خمج ً‬
‫وعىل الرغم من أنه جتنب هبذا التأثري الفاعل للطبيب عىل املريض بأكرب مقدار ممكن إال‬
‫أنه رسعان ما اكتشف بأن شخص الطبيب ظل يمثل هيئة مهمة بالنسبة للمريض‪:‬‬
‫فاملرىض قد ربطوا اخلربات التي متتد بعيد ًا يف حياهتم مع شخص الطبيب و أبرزوه وكأنه‬
‫هيئة ارتبطت معها اخلربات الباكرة املشحونة بالرصاع‪ .‬وهكذا جتدد مايض املريض يف‬
‫عالقته بالطبيب ثانية‪ .‬يف البداية بدا هذا النقل لفرويد معيق ًا يصعب جتنبه لعمله‬
‫التحلييل‪ ،‬ألنه كان يص ِّعب عىل املريض التعبري عن ذكرياته و خواطره بشكل حر ومن‬
‫دون موانع‪ .‬ولكنه رسعان ما استنتج بأن النقل ال يعيق العملية العالجية و إنام عىل‬
‫العكس كان رشط ًا رضوريا من أجل التمكن من إعادة إحياء رصاعات املريض التي كان‬
‫مرضه يف النهاية يعزى إليها يف حارض عالقة الطبيب‪-‬املريض وبالتايل حلها‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫من خالل التخيل عن التأثري اإلحيائي الفاعل متكن فرويد من اكتشاف ظواهر النقل‬
‫و األمهية االنفعالية املهمة للطبيب كهيئة نقل‪ .‬عىل الطبيب –هكذا تقول نصيحة فرويد‬
‫بالنسبة الجتاه املحلل اآلن‪ -‬اإلصغاء ملا يقوله املريض من دون انفعاالت مثل اجلراح‬
‫أثناء عمله‪:‬‬
‫"ال يسعني إال وأن أنصح الزمالء برضورة اخذ اجلراح يف أثناء العالج التحلييل‬
‫ال أعىل هلم‪ ،‬الذي يضع كل انفعاالته وحتى معاناته اإلنسانية جانب ًا و يوجه‬
‫النفساين مث ً‬
‫قواه العقلية إىل هدف وحيد‪ :‬نحو إنجاز العملية وفق األصول قدر اإلمكان"‬
‫)‪.(Freud,1912, P. 380f‬‬
‫فإذا ما ظهرت وعىل عكس نصائح فرويد يف اإلجابة عىل نقل املريض عىل الرغم‬
‫من ذلك انفعاالت مكثفة لدى الطبيب‪ ،‬بدا هذا النقل املعاكس مزعج ًا وينبغي كبته بأكرب‬
‫رسعة ممكنة لصالح موقف الطبيب اخلايل من االنفعاالت‪ ،‬إال أنه بدا معيق ًا للطبيب يف‬
‫فهم املريض بشكل كاف‪.‬‬
‫"أصبحنا مهتمني ‘بالنقل املعاكس‘ الذي يظهر لدى الطبيب بتأثري املريض عىل‬
‫اإلحساس الالشعوري للطبيب‪ ...‬ومنذ أن بدأ يتمرن عدد أكرب من الناس عىل التحليل‬
‫النفيس و يتبادلون خرباهتم الحظنا أن كل حملل نفيس ال يصل إىل أبعد مما تسمح له عقده‬
‫الذاتية و مقاوماته الداخلية ومن هنا نطلب بأن يبدأ نشاطه من خالل التحليل الذايت و‬
‫يقوم بتعميق هذا يف أثناء مجعه خرباته مع مرضاه" )‪.(Freud 1910, P. 108‬‬
‫وكام حتول النقل بالنسبة لفرويد من معيق‪ ،‬يص ِّعب عىل املريض ‪ ،‬ربط الذكريات‬
‫املشحونة بالرصاع باألحداث املثرية‪ ،‬إىل طريق ال يمكن االستغناء عنه لفهم الرصاعات‬
‫الالشعورية ملرضاه‪ ،‬تغري كذلك احلال يف تطور التحليل النفيس وفق فرويد بالنسبة لفهم‬
‫النقل املعاكس‪ :‬ففي حني أن االستجابات االنفعالية للطبيب عىل نقل املريض متنع يف‬
‫البداية فهم املريض‪ ،‬أصبح شيئ ًا فشيئ ًا واضح ًا بأن النقل املعاكس مهم من أجل فهم‬
‫العالقة الالشعورية ‪ ،‬القائمة بني املحلل النفيس واملريض بشكل أشمل‪ .‬و هكذا فإن‬

‫‪323‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫نقل املريض عىل املحلل و النقل املعاكس للمحلل متشابكان مع بعضهام البعض بشكل‬
‫وثيق‪.‬‬
‫وبالرتافق مع ذلك تغري كذلك فهم املوقف العالجي يف التحليل النفيس‪ :‬ففي‬
‫بدايات التحليل النفيس كانت القناعة السائدة بأن املحلل ال يؤثر عىل العمليات النفسية‬
‫الالشعورية للمريض و من ثم فهو يظهر بصورة صافية‪ ،‬بمقدار ما يترصف بسلبية و‬
‫امتناع‪ .‬غري أن هذه الرؤية قد انحرفت بالتدريج نحو الفهم التفاعيل للعملية العالجية‪.‬‬
‫ويف التحليل النفيس احلديث هناك اتفاق بعيد املدى بأن احلدث يف املوقف العالجي ال‬
‫يتسم بالعمليات النفسية للمريض فحسب وإنام بشكل ال مفر منه باملحلل النفيس أيض ًا‪.‬‬
‫هلذا ومن أجل فهم العمليات النفسية الديناميكية للمريض فإنه من الرضوري فهم و‬
‫دراسة خربة و سلوك املريض دائ ًام من منظور الكيفية التي كان قد ترصف هبا املحلل‬
‫النفيس يف املوقف العالجي بالفعل‪.‬‬
‫وعىل الرغم من أنه تم تطوير هذه العنارص األساسية لألسلوب املعياري التحلييل‬
‫النفساين يف جمرى السنني إال أن مبادئه األساسية ظلت كام هي دون تعديل‪.‬‬
‫ومن أجل التمكن من فهم أساليب العالج التحلييل النفساين و الطرق املسرتشدة‬
‫بالتحليل النفيس واستخدامها‪ ،‬نجد أنه البد من التعرف عىل السامت األساسية‬
‫لألسلوب املعياري‪.‬‬

‫التحليل النفسي التقليدي‬


‫يسعى العالج النفساين التحلييل‪ ،‬واملسمى أيض ًا التحليل النفيس الكبري‪ ،‬إىل‬
‫االستقصاء الشامل للشخصية الالشعورية‪ ،‬ورصاعاهتا و متثلها التاريخ حيايت و جعل‬
‫األنا الشعورية حتت ترصف املريض‪ .‬وهبذا فإن أهداف التحليل النفيس التقليدي ال‬
‫تقترص عىل التغلب عىل األعراض العصابية و سامت الطبع املرضية املنفردة؛ بل متتد‬

‫‪324‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ألبعد من هذا إىل حتقيق إعادة بناء الشخصية‪.‬‬


‫يف املوقف التحلييل النفساين يقوم املريض بإخراج ‪ produce‬خربات العالقة‬
‫‪1‬‬

‫الباكرة املشحونة بالرصاع‪ ،‬التي أصبحت ال شعورية يف العالقة العالجية الراهنة‬


‫باملحلل‪ .‬وال تتكون العملية التحليلية النفسية من أن املريض ال يتحدث إال عن نفسه‬
‫للمحلل وعن خرباته الباكرة والراهنة‪ .‬فمن خالل دخول املريض واملحلل مع بعضهام‬
‫يف عالقة حية وانفعالية و بالرضورة أيض ًا مشحونة بالرصاع‪ ،‬فإهنام يتمكنان من‬
‫اإلحساس بآثار املايض و الشعور املريض‪ ،‬وكشفه وحله بتفهم‪ .‬وكلام كانت عالقة‬
‫املريض باملحلل مصبوغة بشكل أوضح بخربات العالقة الباكرة املشحونة بالرصاع‪ ،‬كان‬
‫أقرب للممكن أن يفهم املريض يف جمرى العملية التحليلية كيف حتدد الرصاعات‬
‫النفسية الصادمة التي أصبحت ال شعورية ومتثالت الرصاع خربته الراهنة‪.‬‬
‫وهبذا يأخذ الواقع النفيس الداخيل للمريض هيئة عالقة بني شخصية خاصة‪ ،‬عالقة‬
‫النقل والنقل املعاكس‪" .‬العصاب اخلبيث" للمريض )‪ (Freud,1914‬يتحول إىل‬
‫عصاب نقل‪ .‬فإذا ما أمكن حله فإن القوى النفسية التي كانت مرتبطة بالرصاعات‬
‫واألعراض العصابية تصبح حتت ترصف املريض يف سبيل طرق أكثر نضج ًا و مرونة من‬
‫النمو ومواجهة الرصاع و للتعامل مع واقعه الداخيل واخلارجي‪ .‬وهذا يقود إىل تغريات‬
‫نفسية بنيوية و دائمة لشخصية املريض‪.‬‬
‫يف إطار العالج التقليدي يستلقي املريض مسرتخي ًا قدر اإلمكان عىل أريكة من دون‬
‫أن تشوش انتباهه املثريات واإلدراكات اخلارجية‪ .‬ويفرتض هلذا أن يساعده عىل تركيز‬
‫انتباهه و إدراكاته عىل خربته النفسية اخلاصة‪ .‬ويطلب من املريض االسرتشاد بام يسمى‬
‫القواعد التحليلية النفسية األساسية‪ ،‬و التي تقول بأن عليه أن يتحدث عن كل ما خيطر‬
‫عىل باله و إدراكاته و أفكاره العفوية ومشاعره وتصوراته وهواماته و حتى إدراكاته‬

‫‪ 1‬اإلخراج هنا بمعنى اإلخراج املرسحي أو القصيص‬

‫‪325‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وأفكاره اجلسدية دون أية رقابة (ما يسمى بالتداعي احلر ‪.)Free Association‬‬
‫يأخذ املحلل النفيس من ناحيته وضعية االنتباه املستمر عىل نفس املستوى‪ .‬و يف‬
‫هذه الوضعية يسعى نحو أخذ كل ما يقوله املريض عىل نفس الدرجة من األمهية و التأمل‬
‫فيه باملستوى نفسه من الرتكيز من دون تقويمه ووزنه وتصنيفه منطقي ًا‪ .‬وتصبح هذه‬
‫الوضعية من االنتباه املستمر عىل املستوى نفسه سهلة عىل املحلل من خالل انسحابه أثناء‬
‫العالج خارج حقل رؤية املريض‪ ،‬بحيث ال ينرصف انتباهه من خالل التأثريات‬
‫امللحوظة لسلوك اآلخر‪ ،‬كام حيصل يف التواصل وجه ًا لوجه بشكل ال يمكن جتنبه‪:‬‬
‫"هذه التقنية بسيطة جد ًا‪ .‬إهنا ترفض كل وسائل املساعدة‪ ،‬حول الكيفية التي‬
‫سنصغي هبا‪ ،‬حتى الكتابة و هي تتألف ببساطة من عدم الرغبة يف الرتكيز عىل أي يشء‬
‫خاص و كل ما يسمعه املرء عليه أن يوليه دائ ًام ‪‘ ...‬االنتباه نفسه‘‪ ...‬فام أن يشحذ املرء‬
‫انتباهه بشكل مقصود إىل درجة حمددة يبدأ أيض ًا باالختيار من املادة املعروضة؛ فيثبت‬
‫املرء مقطع ًا بشكل خاص‪ ،‬ويقيص هلذا مقطع آخر‪ ،‬ويتبع يف هذا االختيار توقعاته أو‬
‫ميوله‪ .‬وهذا بالتحديد ما ال جيوز له فعله؛ فإذا ما اتبع يف االختيار توقعاته فسيكون‬
‫معرض ًا خلطر أال جيد شيئ ًا آخر غري ما يعرفه سابق ًا؛ وإذا ما اتبع ميوله فمن املؤكد أنه‬
‫سيزور إدركاته بشكل مقصود‪ .(Freud 1912, P. 318)" . ...‬و‪" :‬عليه استخدام ال‬
‫شعوره اخلاص كعضو استقبال لالشعور املانح للمريض‪ ،‬أن يربمج نفسه عىل املريض‬
‫كام هو مستقبل اهلاتف مربمج القرص" )‪.(Freud,1912, P. 381‬‬
‫جمال املعرب و الرشوط والقواعد‪ :‬من أجل أن يتمكن املريض يف العالج من احلديث‬
‫حول اخلواطر واالستثارات املخيفة‪ ،‬أو التي يعتقد أهنا جمنونة أو املخجلة أو الشاذة أو‬
‫غري املرحية بشكل من األشكال من دون أن خيشى من العواقب الواقعية فإنه حيتاج إىل‬
‫إطار ثابت يوحي بالدعم بالنسبة للموقف التحلييل‪ .‬واإلطار حيدده املجال العالجي‬
‫(غرفة العالج) الذي يعزل املوقف العالجي بشكل آمن جتاه تأثريات الواقع اخلارجي ‪،‬‬
‫ولكن الذي تؤخذ به أحاديث املريض عىل حممل اجلد بوصفها حقيقة و ال يتم التعامل‬
‫معها عىل أهنا جمرد تصورات هوامية‪ .‬وقد حتدث وينيكوت )‪ Winnicott (1987‬عن‬

‫‪326‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫جمال املعرب وقصد هبذا جمال رمزي للخربة‪ ،‬يكون ما حيدث فيه و كأنه لعبة و يف الوقت‬
‫نفسه جدية وغري جدية‪ .‬و كي يستطيع املريض استخدام هذا املجال العالجي للتحليل‬
‫فإنه حيتاج إىل جانب عالقة عالجية طيبة كفاية و داعمة إىل ارتباط ثابت أيض ًا‪ .‬ومن‬
‫ضمنه أوقات معاجلة ثابتة؛ فيتم االتفاق عىل أوقات اإلجازة؛ يقوم املعالج بضامن أنه‬
‫سيضع كل اهتاممه غري املقيد حتت ترصف املريض‪ ،‬عىل سبيل املثال أيض ًا من خالل أنه‬
‫يف أثناء اجللسة العالجية ال يقوم باالتصال اهلاتفي؛ وال جيوز للمعالج أن يرغب بإشباع‬
‫أية حاجات نفسية خاصة به يف املريض وال جيوز له أن يتعامل يف عالقته باملريض مثل‬
‫أية عالقة أخرى واقعية؛ فإذا ما جعل مريضه رشيك تفاعل "حقيقي" بأن خيربه عىل‬
‫سبيل املثال عن خرباته احلياتية الشخصية أو يقوم بتقديم النصح له أو االقرتاحات‬
‫فسيكون هنا قد جتاوز حدوده ومن ثم يكون قد أرض باملجال التحلييل‬
‫)‪.(Trimborn,1994‬‬
‫يسرتشد املحلل بقاعدة االمتناع ‪ .Abstinence‬إنه ال يشبع أية رغبات خاصة يف‬
‫مريضه و ال يتبع أية أهداف تربوية خاصة‪ :‬البد من إجراء استشفاء (معاجلة) يف‬
‫االمتناع‪ :‬وال أقصد هبذا االستغناء اجلسدي‪ ،‬وليس عن كل ما يتوق إليه املرء‪ ...‬وإنام‬
‫أريد أن أحدد املبدأ األسايس بأنه عىل املرء أن يرتك احلاجات و التطلعات بوصفها قوى‬
‫دافعة للعمل و التعديل لدى املريض تنشأ و عليه أن حيمي نفسه من اليشء نفسه‬
‫الع روض‪ .(Freud, 1915; P. 313) )surrogate‬إنه يظل‬ ‫بإضعافها من خالل اإلنابة (أو ِ‬
‫ال بالنسبة للمريض ضمن حدود معينة من دون أن يكون جمرب راًَ عىل أن يترصف يف‬ ‫مغف ً‬
‫هذا األمر بشكل صاد أو غري طبيعي أو بشكل مصطنع‪ .‬باإلضافة إىل ذلك إنه ال يتخذ‬
‫أي موقف وبالتايل يصون احليادية التحليلية‪ ،‬بأن يتجنب امليل إىل أية جوانب رصاع يف‬
‫املريض‪ .‬و عىل هذا الطريق يضع نفسه بال حدود قدر اإلمكان حتت ترصف املريض‬
‫بالنسبة لواقعه النفيس الفردي و خماوفه وحاجاته ورغباته‪ ،‬التي كان عليه يف املايض أن‬
‫يفصلها عن خربته الشعورية‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫العالقة‪ :‬تنمو بني املريض و املحلل يف جمرى التحليل عالقة انفعالية كثيفة‪ .‬ويظل‬
‫االتصال الواقعي خارج اإلطار التحلييل ‪ ،‬حيث يلتقي املحلل واملريض وجه ًا لوجه مع‬
‫بعضيهام يف عالقة حمدود ًا‪ .‬وهذا حيدث كي ال يسرتشد املريض كثري ًا بام قد يتوقعه‬
‫املحلل‪ .‬فلو جلس كل من املريض واملحلل وجه ًا لوجه فسوف يتم تنظيم عالقتيهام‬
‫ببعضهام بشكل ال مفر منه من خالل تبادل اإلشارات اإليامئية والتعبريية أيض ًا‬
‫)‪ .(Krause,1990, Stressck,1994‬وستكون عاقبة ذلك بأن يصبح املريض أكثر من‬
‫مالئم للعملية العالجية‪ ،‬وسوف يعرف حول اجتاهات و تقويامت و توقعات املحلل‪.‬‬
‫أما عندما يستلقي عىل األريكة وجيلس املحلل خارج جمال الرؤية‪ ،‬أي ال يعود يملك‬
‫الواقع املرئي للمحلل أمام عينيه‪ ،‬سيكون من السهل عليه اكتشاف واقعه الداخيل و‬
‫تصوراته وهواماته‪ .‬وعىل أية حال فإنه حتت رشوط تنظيم‪-‬األريكة‪-‬املقعد ‪Couch-‬‬
‫‪ Seat-Arrangement‬ال يمكن جتنب أن يعرف املريض بعض اليشء حول كيف هو‬
‫املحلل‪ -‬من الطريقة التي يتدخل فيها‪ ،‬عىل ماذا يتطرق أكثر‪ ،‬إىل ماذا يتطرق أقل‪ ،‬كيف‬
‫ينجز طقوس احلياة اليومية الصغرية يف التحية والتوديع‪ ،‬كيف صمم غرفة العالج‪...‬‬
‫الخ‪ .‬هلذا فإن العالقة العالجية تتحدد يف جزء منها دائ ًام يف كيف هو املحلل النفيس‬
‫واقعي ًا وكيف يترصف‪ .‬هذا اجلزء الواقعي للعالقة العالجية يرتبط بشكل ال يمكن‬
‫فصله مع خربات املريض مع العالقات الباكرة‪ ،‬التي يعيش عىل خلفيتها عالقته الراهنة‬
‫باملحلل و التي ينقلها عىل عالقته باملحلل‪ .‬يف النقل يشكل املريض ماضيه يف العالقة‬
‫العالجية الراهنة‪ .‬و النقل هو "جوهر" )‪ (Freud‬املعاجلة التحليلية النفسية؛ ففيه يتم‬
‫التعرف عىل جوانب املايض املشحونة بالرصاع التي أصبحت ال شعورية يف حارض‬
‫عالقة‪-‬املريض‪-‬املحلل‪ ،‬و فهمها وحلها‪ .‬وهنا فإن عالقة النقل ليست جمرد إعادة نسخ‬
‫صافية خلربات العالقة املبكرة للمريض‪ ،‬وإنام تعكس سعي املريض يف عالقته باملحلل‬
‫نحو إعادة إجياد طرق وإمكانات جديدة‪ ،‬من أجل مواجهة رصاعاته غري املحلولة بشكل‬
‫أفضل )‪ .(Weiss & Sampson,1986‬ومن أجل جعل الرصاعات الالشعورية‬
‫للمريض‪ ،‬التي يتم حتويلها يف العملية العالجية إىل عالقة املحلل‪-‬املريض‪ ،‬شعورية‪ ،‬ال‬

‫‪328‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بد للمحلل بالتعاون مع حتليل نقل املريض أن يتمكن أيض ًا من فهم نقله املعاكس أيض ًا‪.‬‬
‫عندئذ يمكن أوالً أن نتحدث عن أنه يمكن يف العملية العالجية معاجلة العالقة‬
‫الالشعورية‪.‬‬
‫خربات العالقة عند املريض التي أصبحت الشعورية هي غالب ًا عبارة عن خربات‬
‫مشحونة بالرصاع أو خربات صادمة‪ .‬ومن خالل قيامه بفصل هذه اخلربات عن خربته‬
‫الشعورية و عن ذكرياته الشعورية‪ ،‬حيمي املريض نفسه من أن يصبح منها مكروب ًا و‬
‫مرصوع ًا‪-‬ولكن مع نتيجة مفادها ظهور األعراض وأنه قد أصبح مريض ًا‪ .‬ويف العملية‬
‫العالجية يستخدم املريض مقاومات خمتلفة ضد أن يتذكر ويعيش هذه اخلربات أو ضد‬
‫إعادة إحيائها‪ .‬وبعض املرىض يستخدمون املقاومة عموم ًا ضد نشوء عالقة مهمة‬
‫انفعالي ًا باملحلل؛ إهنم حياولون عىل سبيل املثال تصميم التحليل النفيس عىل مرشوع‬
‫عقيل‪ ،‬أو خيفضون أو خيترصون املحلل النفيس إىل وظيفة واحدة؛ وهبذه الطريقة ال‬
‫يمنحونه كشخص أية أمهية عىل اإلطالق‪ .‬ويوجه مرىض آخرون املقاومة ضد إدراك‬
‫النقل القائم ‪ ،‬عىل سبيل املثال ألهنم جيدون األمر خمجالً أن يمتلكوا مشاعر أو رغبات‬
‫حمددة جتاه املحلل‪ .‬واملقاومات يمكن أيض ًا أن تكون موجهة نحو حل النقل‪ ،‬عىل سبيل‬
‫املثال عندما ال يريد املريض التخيل عن رغبات أو مطالب ال شعورية حمددة‬
‫)‪ .(Gill,1993‬املقاومات هي عبارة عن –بتعبري جمازي‪ -metaphoric‬قوى حمافظة‪،‬‬
‫يستخدمها املريض يف العملية العالجية من أجل احلفاظ عىل الوضع كام هو‪-status qu‬‬
‫حتى وإن كان هذا الوضع الراهن مرتافق ًا مع أعراض ومرض نفيس‪ .‬هلذا حيتل حتليل‬
‫هذه املقاومات مكان ًا أساسي ًا يف العالج التحلييل النفساين ‪.‬‬
‫حصلت حماوالت يف التحليل النفيس نحو تفريق املقاومات املختلفة عن بعضها‬
‫وتصنيفها‪ ،‬عىل سبيل املثال وفق االجتاه الذي تتجه ضده‪ ،‬أو وفق مصدرها أو حسب‬
‫الوسائل التي يوجه فيها املريض مقاوماته‪ .‬ولكن من حيث املبدأ يمكن لكل الوسائل‬
‫التي تظهر يف العملية العالجية أن تستخدم أيض ًا كمقاومات ضد أن تصبح الرصاعات‬
‫الالشعورية شعورية‪ .‬وحتى ما يسمى باملحرض ‪( agitation‬الفعل) يعد مقاومة‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ويقصد به تلك األنامط السلوكية التي يعرب فيها املريض عن بقايا الذكريات و اخلربات‬
‫الالشعورية املشحونة بالرصاعات القائمة عىل النقل يف سلوك واضح ولكن من دون أن‬
‫يعرف هو نفسه أن سلوكه مصبوغ بمثل هذه اخلربات الرصاعية‪ .‬ومن خالل قيام‬
‫املريض بالتعبري عن رصاعاته ترصفي ًا‪ ،‬يفعل ‪ ،agitate‬فإنه حيفظ نفسه من أن تتذكر يف‬
‫العملية العالجية‪ .‬وكام هو احلال يف التصورات التحليلية النفسية األخرى –عىل سبيل‬
‫املثال النقل والنقل واملعاكس‪ -‬فإن رؤية الفعل ‪ Agitation‬قد تغريت يف التحليل النفيس‬
‫الراهن بالتدريج‪ :‬فمن معيق يف العملية العالجية أصبح وسيلة مهمة للمعرفة‪ .‬ويعترب‬
‫الفعل ‪Agitation‬اليوم ليس جمرد سلوك للمريض موجه ضد عدم املعرفة فحسب وإنام‬
‫عبارة عن حدث تواصيل وتفاعيل‪ ،‬يتم فيه التعبري عن خربات املريض التي ال يستطيع‬
‫اإلخبار عنها بطرق وبوسائل أخرى )‪.(Kluewer, 1995‬‬
‫وإىل جانب اخلواطر يف التداعي احلر للمحلل تعد األحالم مصدر مه ًام من أجل‬
‫فهم الرصاعات الالشعورية للمريض و حتليلها‪ .‬ففي السابق اعتربت األحالم الطريق‬
‫امللكي إىل الدراسة التحليلية النفسية لالشعور‪ .‬وما زالت حتى اليوم حتتل مركز ًا مه ًام‬
‫يف التحليل النفيس؛ إال أن وظيفتها الكبرية بوصفها "الطريق امللكي ‪"Via regia‬إىل‬
‫شعور املريض أصبحت نسبية‪.‬‬

‫‪‬مع العالج النفساين التحلييل يعيش املريض عالقة غري مألوفة‪ ،‬يتمكن‬
‫فيها من الشعور بأنه مفهوم ومأخوذ عىل حممل اجلد (نقل ليبدوي خفيف)‬
‫والتي يستطيع أن يعرب فيها أيض ًا عن مشاعر و رغبات وتصورات وأفكار نفسية‬
‫مستنكرة و صعبة التحمل و أن يستودعها املحلل‪ .‬ما كان حتى اآلن‪ ،‬ال‬
‫شعوري ًا بالنسبة له‪-‬وكأنه قد جرى من وراء ظهره و حدد دائ ًام سلوكه وخربته‪،‬‬
‫وهبذا كانت هناك دائ ًام مناسبة إلعادة اليشء نفسه‪ ،‬أصبح اآلن شعوري ًا وقاب ً‬
‫ال‬
‫للفهم و يمكن أن يصبح جزء ًا من سلوكه القابل للتوجيه‪ .‬‬

‫‪330‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫التقى فرويد مع مرضاه ستة أيام يف األسبوع؛ وعالجه استمر بني الستة أشهر‬
‫والسنة يف الغالب؛ أما اليوم فيحدث العالج النفساين التحلييل بفواصل بني الثالث إىل‬
‫األربع جلسات يف األسبوع‪ ،‬ويندر أن تبلغ مخس جلسات وبالنظر إىل أن العملية‬
‫العالجية متتد إىل الرصاعات الطفلية الالشعورية فإهنا تبلغ عدة مئات من الساعات‪ ،‬أي‬
‫بني السنتني حتى األربع سنوات‪ ،‬وأحيان ًا أطول‪ .‬وقد حصل يف تاريخ التحليل النفيس‬
‫حم اوالت عدة الختصار هذه العملية العالجية أو ترسيعها‪ .‬إال أن عمليات التعديل‬
‫والنمو النفيس تسري وفق قواعدها اخلاصة هبا ‪-‬حتى من الناحية الزمنية‪ :-‬وال يمكن‬
‫ترسيعها سواء من خالل إجراءات تقنية أو من خالل مؤثرات أخرى‪ .‬التغريات البنيوية‬
‫للشخصية التي تطورت غالب ًا عرب عقود من السنني حتتاج إىل عملية حتليلية طويلة كافية‪.‬‬

‫الفاعلية و الشروط‬
‫العالج التحلييل النفساين فاعل لدى املرىض الذين يعانون من اضطرابات عصابية‬
‫و بشكل خاص ما يسمى بعصاب العرض ‪ ،‬والذين يمكن أن نتوقع لدهيم بأنه يمكنهم‬
‫أن حيققوا تغريات بنيوية دائمة من خالل عملية عالجية نكوصية ‪ regressive‬وكذلك‬
‫يفيد العالج بالتحليل النفيس املرىض باضطرابات الشخصية‪ .‬فإذا ما تعلق األمر‬
‫باضطرابات شديدة يف الشخصية و بمرىض ممن يميلون بسبب اضطراب يف الشخصية‬
‫إىل إحلاق األذى اجلسدي أو االجتامعي أو االقتصادي بأنفسهم أو باآلخرين فال بد وأن‬
‫حيدث العالج غالب ًا حتت الرشوط املركزية‪ ،‬أو عىل األقل أن يبدأ هناك‪ .‬وسيتطلب األمر‬
‫خربات إكلينيكية واسعة من أجل التمكن من احلكم يف أي من احلاالت يمكن للعالج‬
‫بالتحليل النفيس التقليدي أن يكون مفيد ًا‪ ،‬ومتى يكون غري فاعل أو غري رضوري‬
‫وضمن أية ظروف يمكن كذلك أن يكون ضار ًا‪ ،‬تتهدد فيه أن يستقر العالج يف عملية‬
‫عالجية ال هنائية‪.‬‬
‫ويف كل حال فإن العملية العالجية للتحليل النفساين طويلة األمد و ليس من النادر‬
‫أن ترتبط باستبصار مؤمل‪ .‬عىل املريض أن يودع خداع الذات واألوهام‪ .‬وعىل الرغم‬

‫‪331‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من أنه يمكن للعالج أن يفتح إمكانات النمو و يعد بالصحة النفسية الدائمة‪ ،‬فإنه ليس‬
‫كل املرىض يتساحمون مع التخيل عن التشوهيات العصابية لصالح إدراك حقيقي للواقع‪،‬‬
‫غالب ًا ما يكون كذلك موقظ ًا‪.‬‬

‫‪ ‬من بني الرشوط للتحليل النفساين أن يكون املريض‪:‬‬


‫قادر ًا عىل جعل نفسه و خرباته النفسية الداخلية بالتعاون مع املحلل‬
‫موضوع ًا لالهتامم أو االنتباه‪،‬‬
‫أن يكون قادر ًا عىل املدى البعيد عىل التخيل عن اإلشباع املبارش حلاجاته‬
‫العصابية وأن حيوهلا إىل أفعال (ينشط أو حيرض ‪)Agitation‬‬
‫أن يكون قادر ًا عىل حتمل الدخول بعملية تواصل خاصة حلوار حتلييل‬
‫نفساين ؛ وخيتلف هذا احلوار التحلييل النفساين عن التواصالت األخرى‬
‫املألوفة يف حالة التفاعل وجه ًا لوجه بدرجة كبرية إىل حد ما‪ .‬من بينها أنه عىل‬
‫املريض أن يكون قادر ًا عىل حتمل عىل املدى البعيد بأن "رشيكه يف احلديث"‪،‬‬
‫أي املحلل ال يتطرق مبارشة ألسئلته و تعابريه و توقعاته وإشاراته‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وكذلك عليه أن يكون قادر ًا عىل التخيل عن ضبط اآلخر املقابل له يف احلديث‬
‫أو أنه يريد استخالص تأثريات سلوكه عىل اآلخر من خالل مالحظته له‪ .‬‬

‫عوامل أخرى من نحو ذكاء املريض أو قدرته عىل التفكري املجرد (الرمزي)‬
‫ال أو كثري ًا‪ .‬إال إن مسألة‬
‫بخالف التفكري امللموس جتعله مالئ ًام للتحليل النفساين قلي ً‬
‫الفاعلية أو مضادات الفاعلية(االستطباب أو مضادات االستطباب) )‪ (Heigel,1987‬ال‬
‫يمكن اإلجابة عنها عىل أساس عوامل املريض لوحدها وليس عىل أساس تشخيص‬
‫مرض املريض أيض ًا‪ .‬فال يمكن الوصول إىل طروحات تنبؤيه بشكل موثوق أكثر إال‬

‫‪332‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫من خالل مراعاتنا إىل جانب متغريات املريض العوامل التي متس املعالج و "التالؤم‬
‫الثنائي" بني املريض واملعالج‪ .(Rudolf et al. ,1988) .‬ففرويد نفسه أمل بإجياد حل‬
‫هلذه املشكلة يف معاجلة جتريبية قصرية‪ .‬غري أنه ال يمكن االستفادة من هذه اإلمكانية–‬
‫حتى ألسباب اقتصادية‪ -‬إال نادر ًا‪.‬‬

‫أساليب العالج املشتقة من التحليل النفسي‬


‫ال خيتلف األسلوب املعياري التحلييل النفساين و العالج النفساين طويل األمد‬
‫فقط إال يف الدرجة‪ .‬هلذا فهناك خالف فيام إذا كان من املفيد احلديث عن أسلوبني‬
‫مستقلني من العالج‪ .‬باملقابل فإن أساليب العالج ذات التوجه التحلييل أو القائمة عىل‬
‫أساس علم نفس األعامق ختتلف بشكل واضح عن التحليل النفيس التقليدي و العالج‬
‫النفساين التحلييل‪.‬‬

‫أساليب العالج النفساني التحليلي‬


‫يستخدم العالج النفساين التحلييل كعالج طويل األمد و يف شكل عالج فردي‪،‬‬
‫إضافة إىل ذلك وكعالج ضمن املجموعة وكعالج قصري األمد وعالج متبوئر (جدول‬
‫‪.)2‬‬
‫يف بعض التصميامت ألساليب العالج النفساين التحلييل التي تم اشتقاقها من‬
‫التحليل النفيس التقليدي‪ ،‬دخلت أيض ًا مبادئ من العلوم اجلارة‪ .‬وبالدرجة األوىل علم‬
‫النفس االجتامعي وعلم االجتامع‪ .‬وعليه فقد متت عىل سبيل املثال يف العالج التحلييل‬
‫ضمن املجموعة مراعاة املعارف االجتامعية النفسية حول ديناميكيات املجموعة‪ .‬وما‬
‫يشبه ذلك ينطبق أيض ًا بالنسبة ألساليب العالج ذات التوجه علم نفس األعامق‪.‬‬
‫لألساليب جماالت استخدام خمتلفة و ختتلف عن بعضها يف مداها العالجي‪.‬‬

‫العالج النفساني التحليلي طويل األمد‬


‫التقاليد واألطر العالجية يف العالج النفساين التحلييل طويل األمد هي نفس تلك‬

‫‪333‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫التي للتحليل النفساين التقليدي‪ .‬إال أن تكرار اجللسات يف العالج التحلييل يبلغ بني‬
‫اجللستني إىل الثالثة يف األسبوع‪ ،‬وهي غالب ًا أقل مما هو األمر يف العالج التقليدي‪ ،‬واملدة‬
‫الكلية للعالج غالب ًا ما تكون حمددة حتى الثالث سنوات؛ إال أنه قد تكون أطول أحيان ًا‪.‬‬
‫وبالنظر ملثل هذا التقييد فإن نكوص املريض سيكون أقل إىل مدى بعيد وال سيام أن عدد‬
‫الساعات األسبوعية حمدد بصورة أقل و قبل كل يشء مدة العالج املحدودة‪ .،‬ولكن‬
‫هذا ال ينطبق بالرضورة بشكل عام وال عىل أي حال؛ فمن املمكن حتى مع عدد أقل من‬
‫تكرار اجللسات و مدة حمددة للعالج أن يظهر نكوص واسع و أنه باملقابل يمكن أن‬
‫تزداد يف عدد أكرب من اجللسات األسبوعية مقاومات مضادة للنكوص‪.‬‬

‫جدول (‪ :)2‬أساليب العالج النفساين التحلييل‬


‫العالج النفساين طويل األمد (عالج فردي)‬
‫العالج النفساين قصري األمد‬
‫العالج البؤري‬
‫العالج التحلييل يف املجموعة‬

‫‪334‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫األهداف‪ :‬يتم يف العالج التحلييل طويل األمد يتم الرتكيز عىل متابعة أهداف‬
‫عالجية‪ :‬فمن خالل التغريات البنيوية ينبغي أن يتم حل الرصاعات املرضية و حتقيق‬
‫حلول ناضجة للرصاعات و من ثم حتقيق الصحة‪ .‬وال يقترص التحليل النفيس التقليدي‬
‫عىل أهداف عالجية أو ال تطمح عموم ًا لتحقيق أهداف عامة‪ :‬إذ ينبغي حتليل الشخصية‬
‫و تاريخ حياهتا الذي أصبح ال شعوري ًا بشكل شامل‪ .‬هلذا يركز العالج النفساين‬
‫التحلييل مبدئيا عىل متثل الرصاعات الالشعورية وعىل طالئع الرصاع بشكل أقوى من‬
‫التحليل النفيس املعياري من الرتكيز عىل الرصاعات الطفولية نفسها‪ .‬جتليات النقل هي‬
‫أقرب "لألنضج" و نشأت من أطوار نمو حياتية الحقة‪ .‬ولكن حتى هذا الفرق فهو‬
‫حسب االجتاه و ال يمكن برهانه يف كل املعاجلات؛ ففي العالج النفساين التحلييل أيض ًا‬
‫يمكن أن حيصل كشف و معاجلة الرصاعات العميقة الالشعورية (جدول ‪.)3‬‬

‫العالج التحليلي النفساني قصري األمد‬


‫األهداف‪ :‬يف العالج التحلييل النفساين قصري األمد حتتل الرصاعات النفسية‬
‫الالشعورية الراهنة و املحددة للمريض مركز الصدارة‪ .‬ويتم يف العالج حتليل جتليات‬
‫النقل و النقل املعاكس‪ ،‬املتمركزة يف هذه الرصاعات أو التي ترتبط بعالقة مع هذه‬
‫الرصاعات‪ .‬وطبق ًا لذلك تكون أهداف العالج حمددة‪ .‬ويتم االتفاق عليها يف بداية‬
‫العالج‪ .‬وبالنظر ألهداف العالج املحددة واملدة العالجية املحدودة زمني ًا فإن نكوص‬
‫املريض يف العملية العالجية أقل إىل مدى بعيد و أقل شموالً من العالج طويل األمد‪.‬‬
‫ومن واجب املعالج عدم السري وراء امليول النكوصية الالحقة املمكنة للمريض والتأثري‬
‫فيها بشكل معاكس يف حال كان األمر رضوري ًا‪ .‬ويتم دعم حتديد النكوص من خالل‬
‫اإلطار العالجي‪ ،‬بأن حيدث العالج يف اجللوس وجه ًا لوجه‪ .‬وهذا يسهم أيض ًا يف أن‬
‫التواصل حيدث بشكل مشابه ملا حيدث يف احلياة اليومية‪ ،‬يف حني أن التواصل يف التحليل‬
‫التقليدي باملقارنة هبذا حيدث بشكل غري مألوف )‪ .(Streeck,1994‬وتظل الوظائف‬
‫النفسية للمريض أقرب عىل مستوى عملية ثانوية مما هو األمر يف ترتيب األريكة‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫كام ختتلف طريقة العمل العالجي للمحلل عن تقنيات العالج يف العالج التحلييل‬
‫النفساين طويل األمد‪ .‬وعىل الرغم من أن املحلل يقوم بتفسري أقوال املريض يف معناها‬
‫الالشعوري؛ إال أن تفسرياته تركز عىل الرصاع الراهن‪ ،‬الذي حيتل مركز الصدارة يف‬
‫العالج قصري األمد‪ .‬ويتم جتنب التفسريات الواسعة لرصاعات أخرى‪ ،‬وبشكل خاص‬
‫الرصاعات الطفولية الالشعورية العميقة أو يتم إبالغها للمريض يف احلاالت االستثنائية‬
‫عند الرضورة‪.‬‬
‫ويندر أن تتجاوز مدة العالج القصري ‪ 50-40‬جلسة؛ وأحيان ًا يمكن للعالج أن‬
‫يستغرق وقت ًا أقل مع نتيجة باعثة عىل الرضا‪ .‬وعادة ما حيدث العالج بتكرار أقل مما هو‬
‫احلال يف العالج طويل األمد‪.‬‬

‫‪Indication‬‬ ‫الفاعلية‬
‫العالج النفساين التحلييل قصري األمد فاعل لدى مرىض يوجد لدهيم حدث مريض‬
‫حاد‪ ،‬ناجم عن رصاع نفيس الشعوري حمدد‪ .‬و ينبغي يف الفحوصات التشخيصية أن‬
‫يكون واضح ًا قدر اإلمكان‪ ،‬بأنه من املحتمل أن يتم حل هذا الرصاع املريض املحدد‬
‫بمساعدة إجراء عالجي تفسريي‪ ،‬أو عىل األقل يمكن التأثري فيه بشكل مناسب‪ ،‬من‬
‫دون أن حيتاج األمر إىل عملي ة حتليلية نكوصية شاملة‪ .‬غري أنه من الصعب يف كثري من‬
‫احلاالت التنبؤ هبذا أو احلكم مسبق ًا‪ ،‬بحيث أن العالج قصري األمد يف بعض األحيان‬
‫يتحول إىل عالج طويل األمد‪ .‬ويمكن أن يتم حشد مثل هذه الرصاعات الالشعورية‬
‫املحددة عىل سبيل املثال يف مواقف االنفصال التي تقود إىل جتديد خربات االنفصال‬
‫الصادمة الباكرة و أن تقود إىل متثالت اكتئابية؛ وكذلك التغريات البيولوجية‪ ،‬من نحو‬
‫لدى املرأة يف التأقلم مع انقطاع الدورة الشهرية‪ ،‬يمكن أن تستجر متثالت رصاعية‬
‫نرجسية عصابية حمددة عىل سبيل املثال‪ .‬ومن جانب املريض يتطلب العالج التحلييل‬
‫قصري األمد ضمن أمور أخرى بنية شخصية أكثر استقرار ًا مع وظائف أنضج لألنا مما‬
‫هو األمر يف العالج التحلييل طويل األمد‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العالج البؤري‬
‫العالج البؤري هو شكل خاص من العالج التحلييل قصري األمد‪ .‬ويتم هنا توجيه‬
‫العالج عىل بؤرة حمددة‪ .‬وعىل البؤرة أن تستند إىل رصاع مريض ال شعوري و عليها أن‬
‫تتضمن يف الوقت نفسه تفسري ًا أو توضيح ًا تفسريي ًا هلذا الرصاع )‪.(Kluewr,1995‬‬
‫عندئذ يتضمن التفسري البؤري فرضية إكلينيكية حول املعنى الالشعوري ألعراض‬
‫املريض‪ ،‬عىل سبيل املثال عندما حتتوي البؤرة بالنسبة ملعاجلة مريضة قطعت عدة أنواع‬
‫من التأهيل و يتم متويلها مادي ًا من والدها‪ ،‬أن املريضة تريد منع االنفصال عن والدها‬
‫الذي حتبه يف رسها‪ .‬يف احلالة املثىل يمكن أن يتم إخبار هذا التفسري البؤري يف اجللسات‬
‫األخرية من العالج للمريضة بوصفة تدخل تفسريي لرصاع الشعوري‪ ،‬بحيث أن‬
‫املريضة تستطيع اآلن فهم خلفية اضطراهبا‪ .‬ومن أجل التمكن من حتديد البؤرة حيتاج‬
‫األمر إىل تشخيص ديناميكي نفيس حلدث الرصاع‪ ،‬الكامن خلف االضطراب الراهن‬
‫للمريض‪.‬‬
‫يف العالج البؤري يلتقط املحلل أقوال املريض بشكل هادف استناد ًا إىل البؤرة‪.‬‬
‫باملقابل يتم بشكل انتقائي إمهال املظاهر السيكوديناميكية لالضطراب وتعابري املريض‬
‫التي ال ترتبط بموضوع البؤرة الراهن‪ .‬بل حتى أن املحلل يسهم يف أال يبتعد املريض و‬
‫العمل العالجي العام مع املريض كثري ًا عن الرصاع الذي متت صياغته يف البؤرة‪.‬‬
‫ويتطلب اإلجراء العالجي البؤري التحلييل النفساين خربات وكفاءات إكلينيكية‬
‫حتليلية نفسية واسعة‪ .‬و املطلوب من املحلل النفيس أن يعزو أو يسند كل اخلواطر‬
‫وأقوال املريض إىل ديناميكية ال شعورية للرصاع البؤري و التطرق هلا يف مقتىض احلال‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك ال بد له أن يتعامل مع املهمة التقنية‪-‬العالجية الصعبة‪ ،‬ويف الوقت‬
‫نفسه االحتفاظ بانتباه مستمر عىل املستوى نفسه ناهيك عن االلتقاط االنتقائي مما يقوله‬
‫املريض فقط لتلك التعابري و اإلشارات التي تستند إىل الرصاع البؤري القائم‪ .‬إن تسمية‬
‫العالج البؤري تطلق كذلك عىل العالج قصري األمد التي عىل الرغم من أن العمل‬
‫العالجي فيها يكون موجه ًا إىل رصاع واحد أو عدة رصاعات‪ ،‬إال أن البؤرة ال تتضمن‬

‫‪337‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أي تفسري حلدث الرصاع الالشعوري )‪.(Lauchner,1992‬‬


‫يف بعض احلاالت يكفي عدد قليل منن الساعات من أجل معاجلة الرصاع البؤري‬
‫عالجي ًا بشكل كاف‪ .‬ويندر أن يمتد العالج البؤري لفرتة ‪ 30‬حتى ‪ 40‬جلسة‪.‬‬
‫والعالجات األطول هي غالب ًا ليست عالج بؤري باملعنى الفعيل‪ ،‬وإنام عالجات قصرية‪،‬‬
‫يتم يف جمراها حتديد عدة رصاعات بؤرية و معاجلتها‪.‬‬

‫جدول (‪ :)8‬أساليب التحليل النفيس املعياري‪ ،‬العالج النفساين التحلييل طويل‬


‫األمد و العالج النفساين الفردي القائم عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫العالج التحلييل‬ ‫العالج النفساين‬ ‫التحليل النفيس‬
‫النفساين‬ ‫التحلييل‬ ‫املعياري‬
‫الفردي القائم‬
‫عىل أساس علم‬
‫نفس األعامق‬
‫يف‬ ‫‪2- 1‬‬ ‫‪ 3-2‬يف األسبوع‬ ‫‪ )5( 4-3‬يف األسبوع‬ ‫التكرار‬
‫األسبوع‬
‫‪ -200‬حوايل ‪-50‬‬ ‫حوايل‬ ‫غري حمددة‬ ‫طول املعاجلة‬
‫‪200\150‬‬ ‫‪ 300‬ساعة‬
‫ساعة‬
‫لوجه‬ ‫وجه ًا‬ ‫نظام‪-‬األريكة‪-‬‬ ‫نظام‪-‬األريكة‪-‬املقعد‬ ‫اإلطار‬
‫‪Face to Face‬‬ ‫‪Couch-‬‬ ‫املقعد‬ ‫‪Couch-Seat-‬‬
‫‪Seat-‬‬ ‫‪Arrangement‬‬
‫‪،Arrangement‬‬

‫‪338‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حاالت‬ ‫ويف‬
‫استثنائية وجهاً‬
‫لوجه ‪Face to‬‬
‫‪Face‬‬

‫‪ 3-1‬سنة‬ ‫حوايل السنتني حتى ‪ 3-2‬سنوات‬ ‫مدة املعاجلة‬


‫الثالثة‪ ،‬وأحيان ًا مخسة‬
‫فأكثر‬
‫يتم تنمية النكوص النكوص أقرب حمدد‬ ‫النكوص‬
‫للمحدد‪ ،‬ولكن‬ ‫ملدى بعيد‬
‫الفرق يف الدرجة‬
‫باألسلوب‬
‫املعياري‬
‫للرصاعات أقرب للطالئع متثل‬ ‫أقرب‬ ‫الرصاعات‬
‫األنضج و متثل الرصاعات‪،‬‬ ‫العميقة الالشعورية‬
‫جتليات‬ ‫الرصاعات‬
‫اضطرابات‬ ‫الطفولية‬
‫النمو‬
‫مراعاة‬ ‫نقل تتم‬ ‫معاجلة نقل املوضوع‪ ،‬معاجلة‬ ‫النقل‬
‫ونقل جزء املوضوع املوضوع ونقل النقل‪ ،‬إال أنه ال‬
‫الطفويل الالشعوري جزء املوضوع يقع يف مركز‬
‫(عصاب النقل) العمل العالجي‬
‫أنضج‬ ‫متثل‬ ‫تعديالت بنيوية‬ ‫إعادة بناء الشخصية‬ ‫األهداف‬
‫وجتليات‬

‫‪339‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الرصاعات‬
‫الالشعورية يف‬
‫ظروف احلياة‬
‫الراهنة‪ ،‬وبشكل‬
‫يف‬ ‫خاص‬
‫العالقات‬
‫الراهنة البني‬
‫شخصية‪.‬‬
‫وأشياء أخرى‪.‬‬

‫أساليب العالج ذات التوجه التحليلي النفساني أو القائمة على أساس علم نفس األعماق‬

‫حتت مفهوم أساليب العالج ذات التوجه التحلييل النفساين أو القائمة عىل أساس‬
‫علم نفس األعامق –غالب ًا ما يتم استخدام التسميتان بشكل مرتادف‪ -‬جتتمع عدة‬
‫أساليب عالجية (جدول ‪.)4‬‬

‫جدول (‪ :)4‬أساليب العالج ذات التوجه التحلييل النفساين أو القائمة عىل أساس‬
‫علم نفس األعامق‬
‫العالج الفردي القائم عىل أساس علم نفس األعامق ذو املدة املتوسطة‪.‬‬
‫‪ -‬العالج قصري األمد‪/‬العالج البؤري‬
‫العالج النفساين الداعم‬
‫العالج يف املجموعة التفاعيل التحلييل النفساين و القائم عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫أساليب أخرى (فروق طفيفة فيام بينها)‬

‫‪340‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اإلجراء املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا نفسي ًا يمكن أن يكون مفيد ًا مع مرىض بصور‬
‫اضطرابات خمتلفة كاألمراض العصابية و السيكوسوماتية‪ ،‬والسوماسيكولوجية‬
‫والذهانية؛ فتشخيص املرض لوحده ليس حمك ًا كافي ًا لالختيار من عدمه بالنسبة هلذا‬
‫األسلوب‪ .‬هلذا فإنه من األهم‪ ،‬استخدام مبادئ العالج املتجه حتليلي ًا بشكل مرن‬
‫والتمكن من تعيري اإلجراء العالجي بام يف ذلك املدة و التكرار و التقنية العالجية بشكل‬
‫فردي حسب احلالة ونوعية اضطرابه‪ ،‬بدالً من حتديد أساليب العالج املتفرقة عن بعضها‬
‫ال أو كثري ًا بشكل معري وطرائقي‪ .‬وهكذا يمكن أن يكون من املفيد لدى بعض‬ ‫و قلي ً‬
‫املرىض معاجلة البعد الالشعوري لتمثل رصاع الشعوري راهن‪ ،‬يعزى إليه االضطراب‬
‫بشكل كاشف وتفسريي‪ .‬فإذا ما عزي التقييد إىل توفر الوظائف النفسية عموم ًا‪ ،‬كام‬
‫هو األمر يف الغالب لدى مرىض باضطرابات شخصية بنيوية ال تعويضية‬
‫‪ ،decompensation‬فيفرتض أن يتم إجراء العالج بشكل أقوى دع ًام مع هدف دعم أو‬
‫تقوية الوظائف النفسية غري املتوفرة راهن ًا و تنمية هذا النمو‪ .‬وبالنسبة ملرىض آخرين‬
‫فإنه من املالئم إذا ما بدأ العالج بتكرار منخفض‪ ،‬و لكن ملدة أطول عىل سبيل املقارنة‪،‬‬
‫يف حني أن مرىض آخرين عىل سبيل املثال الذين ال يستطيعون كتعبري عن نقص يف ثبات‬
‫املوضوع ‪ object constancy‬حتمل احلفاظ عىل العالقة إال طوال ما يكون اآلخر موجود ًا‬
‫جسدي ًا‪ ،‬سيحتاجون االتصال باملعالج النفساين بفواصل زمنية أضيق‪ ،‬ألهنم ينزلقون‬
‫بسهولة بحاالت نكوصية غري قابلة للسيطرة‪ .‬ومن املفيد لدى بعض املرىض استخدام‬
‫طريقة عالجية فاعلة‪ ،‬يف حني يكون باملقابل من املفيد بالنسبة ملرىض آخرين عندما‬
‫يترصف املعالج منتظر ًا و يرتك للمريض إىل مدى بعيد تشكيل السريورة العالجية‪.‬‬
‫ولدى املرىض باضطرابات شخصية شديدة الذين يعانون من صعوبات يف أن يالءموا‬
‫أنفسهم اجتامعي ًا بشكل كاف البد للعالج النفيس ذو التوجه األعامقي أن يدعمهم أحيان ًا‬
‫بشكل هادف يف مواجهة متطلبات الواقع اخلارجي‪ ،‬يف حني يستفيد مرىض آخرين أكثر‬
‫إذا ما توجه املعالج أكثر إىل واقعهم النفيس الداخيل‪ ،‬من نحو اإلدراكات املترضرة‬

‫‪341‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫للمشاعر و النزوعات عىل سبيل املثال‪.‬‬


‫وكام هو احلال يف أساليب العالج النفساين التحلييل فإن املبادئ العالجية ألساليب‬
‫العالج ذات التوجه العلم نفس أعامقي مشتقة أيض ًا من املامرسة العالجية للتحليل‬
‫النفساين إىل مدى بعيد‪ .‬إال أنه ال جيعل من العمليات السيكودينامية الالشعورية‬
‫للمريض و املقاومة و ظواهر النقل و النقل املعاكس موضوع ًا للعمل العالجي بشكل‬
‫واضح؛ إهنا تؤخذ بعني االعتبار و تتم مراعاهتا يف اإلجراء العالجي ولكن ال تشكل‬
‫نقطة أساسية واضحة للعالج‪.‬‬
‫يف العادة تقترص التدخالت العالجية و التفسري يف العالج النفساين القائم عىل‬
‫أساس علم نفس األعامق عىل معاجلة الرصاعات النامجة و –يف حال ما يسمى‬
‫باالضطرابات البنيوية‪ -‬جتليات اضطرابات النمو التي تظهر يف حارض املريض يف حميط‬
‫حياته اليومي الراهن‪ ،‬وبشكل خاص يف عالقاته البني شخصية‪ .‬وهبذا فهي ال هتدف‬
‫إىل كشف اخلربات التي أصبحت ال شعورية من تاريخ احلياة‪ ،‬وبشكل خاص أيض ًا‬
‫تاريخ احلياة الطفيل للمريض و إعادة تصميمها‪ ،‬الكامنة خلف رصاعاته املرضية‪ .‬وبام‬
‫يشبه ما هو يف العالج النفساين التحلييل قصري األمد جيري العمل العالجي يف العالج‬
‫النفساين القائم عىل علم نفس األعامق بشكل بؤري‪ .‬وبشكل خمتلف عام هو األمر عليه‬
‫يف العالج البؤري فإن البؤرة هنا حتدد نقطة اهتامم مشرتكة و نقطة عمل للمريض و‬
‫املعالج‪ .‬وطبق ًا لذلك فإنه من املهم أن يتفق كل من املعالج واملريض عىل أهداف ونقاط‬
‫عملهام املشرتك قبل بداية العالج‪.‬‬
‫يف املعاجلات التي جتري عىل أساس علم نفس األعامق جيلس كل من املعالج‬
‫واملتعالج مقابل بعضهام‪ .‬ويف هذا األسلوب كذلك يتم جتنب النكوص الواسع‬
‫للمريض‪ ،‬املرتبط مع التقليد العالجي بطريقة االستلقاء واملستثار من خالل "إفراغ"‬
‫حميط اإلدراك اخلارجي‪ .‬وجيري العالج سواء بشكل فردي أو يف املجموعة‪ .‬العالج‬
‫الفردي غالب ًا ما يبلغ مداه بني ‪ 200-50‬جلسة وبتكرار أسبوعي يصل إىل ساعتني يف‬
‫األسبوع‪ .‬و يمكن للمدة و التكرار أن تتغريا حسب الظروف اخلاصة للحالة الفردية‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يمكن للعالج النفيس القائم عىل أساس علم نفس األعامق‪ ،‬إذا ما أجري بتكرار‬
‫منخفض‪ ،‬أحيان ًا أن يمتد عرب فرتة زمنية لعدة سنوات وأطول‪ .‬ولدى عدد غري قليل‬
‫من املرىض‪ ،‬وبشكل خاص عندما يكون املرض موسوم ًا بام يسمى باألجزاء املضطربة‬
‫البنيوية‪ ،‬فإن العالج الطويل غالب ًا ما يكون مه ًام لنجاح العالج أكثر من العدد الكبري من‬
‫تكرار اجللسات‪.‬‬
‫واحلدود بني أساليب العالج القائمة عىل أساس علم نفس األعامق املنفردة مطاطة‪.‬‬
‫ففي الواليات املتحدة األمريكية تم تطوير األساليب العالجية النفسانية عىل أرضية‬
‫التحليل النفيس‪ ،‬والتي ال متثل يف أملانيا أساليب مستقلة‪ ،‬من نحو العالج النفساين‬
‫التعبريي ‪(Kernberg,1981) expressive Psychotherapy‬أو العالج النفساين التحلييل‬
‫للوبورسكي )‪ .(Luborsky,1981‬إال أهنا من حيث املبدأ شبيهة بالعالج النفساين‬
‫التحلييل أو العالج النفساين ذو التوجه التحلييل يف كثري من الوجوه‪ ،‬من نحو العالج‬
‫النفساين التحلييل للوبورسكي )‪ (Luborsky,1988‬الذي يظهر كام يرى كونج‬
‫)‪ (Koenig,1993‬تشاهب ًا مع العالج النفس الديناميكي لدورسن )‪،(Duehrssen,1988‬‬
‫وخيتلف عنه من ناحية أن العالج النفساين الديناميكي يقوم عىل نظرية نفسية اجتامعية‬
‫ذات رؤية تقوم عىل التكيف مل تعد اليوم منترشة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك يعمل العالج‬
‫النفس الديناميكي أقل مع النقل‪ :‬يف حني أن النظرية التحليلية للوبورسكي تؤكد باملقابل‬
‫عىل اخلربات والرغبات يف العالقات البني شخصية وتستند هبذا بشكل واضح عىل‬
‫التحليل النفيس لعالقات املوضوع و التعامل العالجي مع النقل‪ .‬وكذلك يف العالج‬
‫النفساين فإن التفريق الذي يتم غالب ًا بني أساليب العالج ذات التوجه الداعم‪-‬املساند‬
‫مقابل أساليب العالج النفساين التي تعمل عىل أساس علم نفس األعامق بطريقة‬
‫تفسريية‪-‬كاشفة ال يصف سوى فرق واحد نسبي‪ .‬فالعالج النفساين الكاشف غالب ًا ما‬
‫يتضمن أيضا عنارص داعمة ومساندة وبالعكس فإن العالج الداعم واملساند يتضمن‬
‫دائ ًام عنارص كاشفة )‪.(Wallerstein,1990‬‬

‫‪343‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الفاعلية‬
‫العالجات النفسية القائمة عىل أساس علم نفس األعامق هي من أكثر العالجات‬
‫ممارسة‪ .‬وهي مفيدة مع املرىض الذين ليس بالرضورة لدهيم إعادة بناء الشخصية من‬
‫أجل حتقيق عالج فاعل أو الذين من غري املمكن إحداث إعادة البناء‪ .‬وكذلك املرىض‬
‫الذين عىل الرغم من أنه عىل أساس من نوع مرضهم من املفيد هلم إجراء عالج هيدف‬
‫إىل إجراء تعديل بنيوي كاشف يف الشخصية إال أن الرشوط الرضورية لذلك غري‬
‫متوفرة‪ ،‬يمكن معهم حتقيق نتيجة باعثة عىل الرضا بالعالج النفساين القائم عىل أساس‬
‫علم نفس األعامق؛ ويف هذه احلاالت يتم السعي يف العالج نحو حتقيق أهداف أكثر‬
‫حتديد ًا من التعديل البيني للشخصية‪ .‬وكذلك لدى مرىض يعانون من اضطرابات‬
‫شديدة يف الشخصية و ترضرات عصابية مزمنة يمكن للعالج النفيس القائم عىل أسا س‬
‫علم نفس األعامق أن يكون مفيد ًا مع أهداف عالجية حمدودة‪ .‬فمثل هؤالء املرىض‬
‫يمكنهم أن يظلوا لفرتة زمنية طويلة بال شكاوى و يعيشون بشكل متالئم مع حميطهم‪.‬‬
‫إال أنه إذا ما تغريت الظروف الداخلية أو اخلارجية ‪-‬من نحو بناء عىل ظروف العمر‪ ،‬أو‬
‫العمليات البيولوجية‪ ،‬إعادة التكيف يف عامل العمل أو تغريات يف العالقة بالرشيك‪-‬‬
‫فيضطرب التوازن التالؤمي النسبي‪ ،‬والالمعاوضة ‪ decompensation‬ويظهر عندئذ‬
‫اضطراب يف الشخصية أو عصاب مزمن‪ ،‬كان حتى اآلن معوض ًا ‪.compensation‬‬
‫وعندئذ فإنه يف كثري من احلاالت فإنه ال يعود باإلمكان‪ -‬و من املفيد‪ -‬معاجلة اضطراب‬
‫الشخصية األسايس أو العصاب بشكل حتلييل نفساين كاشف‪ ،‬وليس من النادر أن تتم‬
‫مساعدة املريض بشكل كاف من خالل املدخل العالجي املتجه اجتاه ًا علم نفس أعامقي‪.‬‬
‫وجيد املريض إمكانات جديدة للتالؤم مع ظروف حياته املتبدلة و تعويض أذياته‬
‫العصابية أو البنيوية عىل مستوى متغري ومن خالل وسائل جديدة‪.‬‬
‫وإذا حتققت من خالل املعاجلات النفسية القائمة عىل أساس علم نفس األعامق‬
‫تعديالت واسعة أقل مما هو األمر يف العالج النفساين التحلييل و غالب ًا ما ال يتحقق سوى‬
‫حتسن أعرايض أو تالؤم ثابت ومرن مع ظروف احلياة اخلارجية فهذا ال يعني أبد ًا أهنا‬

‫‪344‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ذات قيمة عالجية أقل‪.‬‬

‫العالج التحليلي لألطفال واليافعني‬


‫منذ بدايات التحليل النفيس اهتم حمللون نفسيون متفرقون برشوط النمو‬
‫و رصاعات النمو يف الطفولة ليس من خالل مرضاهم الراشدين فحسب ‪ ،‬وإنام درسوا‬
‫وعاجلوا بأنفسهم أطفاالً باضطرابات وأعراض نفسية‪ .‬وفرويد نفسه قد تعامل يف‬
‫عيادته مع مريض يافع‪ ،‬هانس الصغري )‪ .(Freud,1909‬وقد تم عالج اليافع الذي كان‬
‫يعاين من رهاب األحصنة بطريقة أن فرويد قام بإجراء جلسات مع والده‪ .‬وهكذا فقد‬
‫كان عالج هانس الصغري أول حالة إرشاد تربوي قائم عىل أساس التحليل النفيس‪ .‬ويف‬
‫ال بعنوان "حول علم نفس اخلوف‬ ‫عام ‪ 1913‬افتتح كارل إبراهام ‪ Karl Abraham‬عم ً‬
‫من الشوارع يف سن الطفولة"‪ .‬ويف السنة نفسها قام كارل غوستاف يونغ بتأهيل مربيات‬
‫و مربيات رياض أطفال ليصبحن معاجلات أطفال‪ .‬أما التطور الالحق للعالج النفيس‬
‫لألطفال واليافعني فقد ارتبط بشكل خاص بآنا فرويد ‪ Anna Freud‬ابنة سيجموند‬
‫فرويد و بميالين كالين ‪ .Melanie Klein‬أما اليوم فإن العالج النفساين لألطفال‬
‫واليافعني قد أصبح ميدان ختصص مستقل ترتبط ممارسته بتأهيل خاص و يتطلب عدة‬
‫سنوات من التأهيل‪.‬‬
‫يعمل العالج النفساين التحلييل لألطفال اليافعني بالتقاليد العالجية و تقنيات‬
‫العالج املعرية عىل الرشوط النامئية والعمرية اخلاصة للمرىض الصغار‪ .‬ال يستطيع‬
‫األطفال التعبري بالكلامت عن إحساسهم النفيس ورغباهتم وتصوراهتم‪ .‬بل يعرب العامل‬
‫النفيس للطفل عن نفسه –حسب عمره‪ -‬من بني أمور أخرى من خالل اللعب ونتاجاته‬
‫اهلوامية؛ ففي اللعب يتواصل الطفل مع حميطه و يواجه أشخاص إطاره املرجعي‬
‫املهمني‪ .‬وكلام كان املرىض أصغر سن ًا كانوا أقل قدرة عىل التعبري عن أنفسهم لغوي ًا‬
‫وكانت الوسائل غري اللغوية أهم‪ ،‬من أجل التعبري عن عامل خرباهتم الداخلية وعامل‬
‫خربهتم و للتعامل مع حميطهم‪ .‬وبالعكس فكلام كان املرىض اليافعني أكرب يمكن إجراء‬

‫‪345‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫العالج معهم عىل شكل حوار لغوي‪ .‬ويف هذه احلال يفرتض لعالج األطفال واليافعني‬
‫أن يأخذ بعني االعتبار الرشوط املتعلقة بالنمو والسن‪ ،‬ولدى اليافعني بشكل خاص‬
‫رشوط املراهقة املرتافقة برصاعات انفصاهلم و رصاعات اهلوية‪ .‬هلذا حتتل يف العالج‬
‫ذو التوجه التحلييل النفساين لألطفال واليافعني إىل جانب معاجلة الرصاعات العصابية‬
‫معاجلة التثبيتات والقصور املتعلقة بالنمو مركز ًا مه ًام )‪.(Streeck-Fischer,1994‬‬
‫ويتم تكييف أهداف العالج واألسلوب الذي يتم فيه التعامل عالجي ًا مع‬
‫العمليات النكوصية وجتليات النقل والنقل املعاكس‪ ،‬حسب الوضع اخلاص للطفل‬
‫الفرد أو اليافع مع وضع النمو والرصاع الراهن اخلاص يف كل مرة‪ .‬يف العادة فإن‬
‫األطفال وغالب ًا اليافعني أيض ًا مرىض "شاطرين" (ماهرين) فهم ال ينظرون ألنفسهم‬
‫عىل أهنم مرىض وال يعانون من سلوكهم أو حالتهم ونادر ًا ما يتحدثون حول أنفسهم أو‬
‫حول مشكالهتم و رصاعاهتم من تلقاء أنفسهم‪ .‬هلذا من الرضوري حتقيق الرشوط‬
‫التي متكنهم و التي تدعوهم للتعرف عىل عاملهم اخلاص و فتحه‪.‬‬
‫و ال يتم يف العالج القائم عىل علم نفس األعامق و العالج النفساين التحلييل‬
‫لألطفال اليافعني التفريق بني أساليب خمتلفة كام هو األمر يف أساليب العالج التحليلية‬
‫لدى الكبار‪.‬‬

‫أساليب العالج التحليلي و القائمة على أساس علم نفس األعماق يف اجملموعة‬
‫يف هناية العرشينيات من القرن العرشين كانت هناك حماوالت استخدام خربات‬
‫ومبادئ التحليل النفيس عىل عالج املرىض يف املجموعة‪ .‬وعىل الرغم من أن فرويد‬
‫نفسه مل هيتم بالتحديد بتحليل املجموعات‪ ،‬إال أنه قام بإسناد معارفه حول العمليات‬
‫النفسية الالشعورية إىل ظواهر مجعية واجتامعية (مثال ‪ .)Freud,1921‬وبعد احلرب‬
‫العاملية الثانية تم عىل أساس التحليل النفساين وباستخدام املعارف النفسية االجتامعية‬
‫و االجتامعية حول املجموعات تطوير عدة تصورات عالجية مجعية أو حتليل نفسية‬
‫مجعية‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يف سياق املجموعة تتجىل يف الوقت نفسه رصاعات واضطرابات نمو ال شعورية‬
‫فردية بني نفسية و يف العالقات البني شخصية‪ .‬وهلذا تتيح األساليب العالجية النفسانية‬
‫اجلمعية التي تعمل عىل أسس حتليلية نفسانية فرصة التعرف يف الوقت نفسه عىل‬
‫التجليات البني نفسية والبني شخصية لالضطرابات النفسانية و النفسانية اجلسدية يف‬
‫عالقاهتا املتبادلة و لفحصها و التأثري عليها عالجي ًا‪ .‬وعند استخدام التحليل النفيس يف‬
‫املجموعات تتم إضافة املعارف التحليلية النفسية عن العمليات الفردية واجلمعية‬
‫الالشعورية مع املعارف العلم نفس اجتامعية للعمليات االجتامعية و البني شخصية و‬
‫إدخاهلا يف تصورات العمل العالجي للمجموعات‪.‬‬
‫يتم استخدام األساليب العالجية النفسانية اجلمعية عىل األغلب يف املجال‬
‫اإلكلينيكي لعالج املرىض‪ .‬إال أنه يمكن أن حتقق خدمات جيدة لألغراض التعليمية‪،‬‬
‫و لإلرشاف الذايت عىل الفريق ويف إرشاد املؤسسات و املنظامت‪ .‬كام أهنا مناسبة بشكل‬
‫حمدود للمسامهة فيفهم العمليات غري الشعورية للتحول االجتامعي و الثقايف‪.‬‬
‫ويوجد كعالج ضمن املجموعة عالج حتلييل نفساين و عالج قائم عىل علم نفس‬
‫األعامق‪ .‬وكذلك يمكن عالج األطفال واليافعني يف العالج ضمن املجموعة؛ إال أنه‬
‫من النادر استخدام العالج ضمن املجموعة يف العيادات اخلارجية ملستشفيات األطفال‬
‫واليافعني‪ .‬أما يف الرعاية العالجية النفسانية للمرىض كبار السن فيتم استخدام العالج‬
‫التحلييل النفساين ضمن املجموعة يف العالج املركزي أكثر من العالج اخلارجي عىل‬
‫الرغم من العالج النفساين ضمن املجموعة املؤهل هو أسلوب عالجي فاعل واقتصادي‬
‫باملقارنة‪.‬‬
‫وهناك عدة تصورات تفريقية للعالج التحلييل النفساين ضمن املجموعة والعالج‬
‫القائم عىل أساس علم نفس األعامق‪ .‬ومن أجل التمكن من ممارسة هذه األساليب‬
‫العالجية يشرتط أن يتم اكتساب اخلربات الالزمة لذلك والكفاءات يف تدريب‪-‬عالجي‬
‫نفيس يف املجموعة‪ .‬ومن األساليب اخلاصة للعالج التحلييل يف املجموعة األكثر انتشار ًا‬
‫يف املامرسة العملية هناك طرق العالج النفساين التحلييل يف املجموعة أو حتليل‬

‫‪347‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املجموعات و العالج النفساين يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق و‬
‫العالج النفساين ذو التوجه التحلييل و العالج النفساين يف املجموعة التحلييل النفساين ‪-‬‬
‫التفاعيل‪ .‬و ال تلعب األساليب األخرى من نحو طريقة التفاعل املتمحور حول‬
‫املوضوع )‪ (Cohen,1875‬يف إمداد املرىض إال دور ًا ثانوي ًا‪.‬‬

‫العالج النفساني التحليلي يف اجملموعة‬


‫يف العالج النفساين التحلييل يف املجموعة ‪ analytical Group Psychotherapy‬تتم‬
‫معاجلة الرصاعات املرضية الالشعورية للمرىض ضمن املجموعة من خالل عمليات‬
‫النقل و النقل املعاكس‪ ،‬التي ال تتمركز يف املجموعة عىل حملل املجموعة‪ .‬بل يتجه النقل‬
‫خارج حملل املجموعة سواء للمجموعة ككل أو عىل املجموعات الفرعية و أفراد من‬
‫املجموعة‪ .‬وتتم تنمية العمليات النكوصية للمرىض يف املجموعة‪ ،‬كي تصبح‬
‫الرصاعات الالشعورية و متثالت الرصاعات يف املجموعة واضحة و كي يتم التمكن‬
‫من معاجلتها‪ .‬ويتم تفسري أشكال املقاومة و الدفاع اخلاصة باملجموعة‪ ،‬التي تظهر من‬
‫ضمن أمور أخرى يف معايري املجموعة و تكوينات احللول الوسط االجتامعية النفسية‪،‬‬
‫من حملل املجموعة بناء عىل معناها الالشعوري‪.‬‬
‫وختتلف التصورات املختلفة من العالج النفساين التحلييل يف املجموعة بشكل‬
‫خاص باملدى الذي تأخذ فيه بعني االعتبار وجهات نظر نفسية اجتامعية حول‬
‫ديناميكيات املجموعة )‪(Haubl & Lambot,1994, Koenig & Linder, 1991‬‬

‫‪ -‬العالج النفساني في المجموعة القائم على أساس علم نفس‬


‫األعماق‬
‫عىل خالف العالج النفساين التحلييل يف املجموعة فإنه يتم يف العالج النفساين يف‬
‫املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق جتنب النكوص الكبري قدر اإلمكان‪.‬‬
‫ويتمركز العمل العالجي عىل عمق متوسط من النكوص‪ ،‬الذي يظهر عليه نمط الرصاع‬
‫االجتامعي النفيس (ما يمسى بالرصاعات املشتقة) و أشكال الدفاع االجتامعي النفيس‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وتظهر الرصاعات املشتقة يف أنامط العالقة بني املشاركني يف املجموعة‪ .‬وتشبه أنامط‬
‫العالقة هذه غالب ًا العالقات واألدوار املألوفة أو االعتيادية‪ ،‬التي يأخذها املرىض يف‬
‫حياهتم االجتامعية اليومية و التي يتورطون فيها بسهولة‪ .‬يف احلياة اليومية غالب ًا ما ال‬
‫يتعرف املرىض عىل كيف حيصل ذلك و كيف هم أنفسهم مشاركون بذلك‪ ،‬وكيف‬
‫ينزلقون مرار ًا يف تشكيالت رصاعية بني شخصية و كيف يأخذون دائ ًام أدوار ًا مشاهبة‪.‬‬
‫هلذا فإن العالج النفساين يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق مفيد‬
‫للمرىض الذين تظهر اضطراباهتم يف حياهتم اليومية بشكل أسايس يف مثل هذه‬
‫الرصاعات العالئقية ورصاعات األدوار املعتادة؛ ويمكنهم أن يتعلموا فحص هذه‬
‫العمليات و مشاركتهم اخلاصة يف ذلك يف املجموعة العالجية و فهمها‪.‬‬
‫ويف املامرسة اإلكلينيكية ال خيتلف العالج النفساين التحلييل يف املجموعة والعالج‬
‫النفساين يف املجموعة املتجه حتليلي ًا كثري ًا؛ فالفروق املوجودة بني كال الشكلني ليست‬
‫نوعية‪ .‬هلذا فإنه هناك خالف فيام إذا كان من املفيد احلديث عن أسلوبني خمتلفني من‬
‫العالج‪ ،‬أم أن األمر هنا يتعلق بفروق يف الدرجة داخل األساليب العالجية ضمن‬
‫املجموعة‪.‬‬
‫ويظهر العالج النفساين يف املجموعة التحليلية النفسانية التفاعلية‬
‫‪ Psychoanalytical-interactional Group Psychotherapy‬فروق ًا أوضح عن العالج‬
‫النفساين التحلييل يف املجموعة‪ .‬فقد تم تطويره للمرىض الذين يعانون مما يسمى‬
‫اضطرابات بنيوية )‪ ،(Heigl-Evers et la. ,1993‬أي للمرىض الذين غالب ًا ما ال يكون‬
‫لدهيم العالج املنمي للنكوص‪ ،‬الكاشف للرصاع الذي يتم فيه تفسري عالقة النقل‬
‫الالشعورية‪ ،‬غري مفيد أو غري قابل لإلجراء‪ .‬والبد لدى هؤالء املرىض أن ينصب‬
‫االهتامم عىل األسلوب العالجي املقوي لألنا‪.‬‬
‫ويركز العمل العالجي يف العالج النفساين يف املجموعة التحلييل النفساين التفاعيل‬
‫عىل جتليات األرضار البنيوية لألنا للمريض الفرد و عىل العالقات البني شخصية يف‬
‫املجموعة و التنظيم املعياري املشرتك الذي يظهر فيه أمراضياهتم النفسية‪ .‬و عىل الرغم‬

‫‪349‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من أ‪ ،‬املعالج النفساين يستخدم املعارف التحليلية النفسية من أجل فحص الباثولوجية‬
‫النفسية الفردية لكل مريض يف املجموعة و عمليات املجموعة اجلمعية ما قبل الشعورية‬
‫و فهمها؛ إال أنه ال يعمل بتقنية عالج تفسريية أو ال يستخدم تفسريات واضحة للظواهر‬
‫الالشعورية إال يف احلاالت االستثنائية‪ .‬وبدالً من ذلك يستخدم معالج املجموعة ما‬
‫يسمى التدخالت املجيبة‪ ،‬التي يتم فيها تقوية الوظائف النفسية للمريض الفرد ودعم‬
‫املهارات املنمية للتالؤم و النمو ‪ .‬ومن خالل مثل هذه التدخالت "املجيبة" خيرب معالج‬
‫املجموعة بشكل انتقائي بعض املشاعر‪ ،‬التي تظهر يف اإلجابة عىل العمليات يف‬
‫املجموعة و عىل املرىض األفراد‪ .‬إال أن هذا ال حيدث إال بمقدار ما يكون إخبار املشاعر‬
‫منمي ًا لتحديث الوظائف النفسية للمريض‪ ،‬ويساعد عىل جتنب العمليات النكوصية‬
‫وجيعل خطوات النمو النامئية (التقدمية) ممكنة‪.‬‬
‫يستخدم العالج النفساين يف املجموعة التحلييل النفساين التفاعيل ملعاجلة مرىض‬
‫باضطرابات شخصية نرجسية و اضطرابات شخصية حدودية‪ ،‬وأشخاص باضطرابات‬
‫ما قبل نفسية‪ ،‬واألمراض النفسية اجلسدية و أمراض اإلدمان والتعلق و كذلك ملرىض‬
‫بسلوك ال اجتامعي و جانح‪ .‬كام تؤيد اخلربات مع مرىض بأمراض ذهانية أن هذه‬
‫األساليب اجلمعية يمكن أن تدعم عالجهم الطبي النفيس‪.‬‬

‫العالج الزوجي املتجه اجتاهاً حتليلي ًا نفسياً‬


‫يشبه العالج املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا لألزواج عالج املرىض يف املجموعات‪ ،‬من ناحية‬
‫أنه يف العالج الزوجي حتدث يف الوقت نفسه عمليات بني نفسية وبني شخصية –‬
‫رصاعات فردية ال شعورية نفسية داخلية لدى كل رشيك وعالقة بني شخصية تفاعلية‬
‫لدى الزوجني مع بعضهام اللذان مها موضوع العمل العالجي‪ .‬غري أنه يف حني يستطيع‬
‫معالج املجموعة يف العالج النفساين يف املجموعة متابعة كيف ينشأ يف التفاعل بني مرىض‬
‫املجموعة التالؤم النفيس االجتامعي و تشكيالت الدفاع‪ ،‬حيرض الرشكاء وعىل عكس ما‬
‫هو األمر يف املجموعات تنظيمهم الدفاعي االجتامعي النفيس معهام‪ .‬إذ يمكن لسلوك‬

‫‪350‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الرشيكني يف العالج الزوجي أن يكون عىل درجة عالية من التنميط و التطقيس و يمتلك‬
‫عندئذ تالؤم نسبي حامي و وظيفة حمققة لألمان‪.‬‬
‫يف العالج الزوجي ذو االجتاه التحلييل النفساين يتم كشف سلوك العالقة املشحون‬
‫بالرصاع بام يف ذلك احلتمية الالشعورية وفحصه‪ ،‬من أجل أن يتم التعرف عليه من‬
‫الرشيكني بشكل مبكر و فهمه‪ ،‬كي يتم التمكن من إجياد حل باعث عىل الرضا‪ .‬ويف‬
‫جمرى العمل العالجي مع الزوجني يظهر يف كثري من احلاالت أن التعامل املعتاد املشحون‬
‫بالرصاع حيقق التالؤم ليس مع أحدمها وإنام لكال الرشيكني‪ .‬ومن خالل أسلوب‬
‫تعاملهام النمطي مع بعضهام يكون الرشيكان قد اتفقا مع بعضهام بشكل ال شعوري عىل‬
‫ترتيبة دفاع اجتامعي نفيس؛ وقد أطلق فيليل )‪ Willi (1975‬عىل هذه الرتتيبة تسمية‬
‫التواطؤ ‪ .Collusion‬إذ يمكن أن يكون عىل سبيل املثال أن يسقط الرشيكني عىل بعضهام‬
‫بشكل متبادل صفات‪ ،‬ال يتعرفون عليها يف أنفسهم‪ ،‬ألهنام ال يستطيعان تقبل نفسيهام‬
‫هبا‪ .‬كالمها يشكو من اآلخر بشكل متبادل و يكافح يف اآلخر ما ال يستطيع أن يدركه‬
‫يف نفسه‪ .‬ومن أجل أال يكون عىل أحدمها أن يرى اجلانب الذي يكافحه يف اآلخر‪ ،‬عىل‬
‫الرشيك أن يترصف قدر اإلمكان بحيث "يصلح" مظاهر الذات املستنكرة للدفاع‪ .‬هلذا‬
‫يامرس كال الرشيكني بشكل ال شعوري التأثري عىل بعضهام‪ ،‬ألن يترصف اآلخر بالفعل‬
‫املقاوم فيه‪ .‬ولدى رشكاء آخرين‬ ‫ر‬ ‫عىل نحو الصفات املسقطة عليه وبام يطابق السلوك‬
‫تشتعل الرصاعات يف األدوار املعتادة التي يأخذاها يف سبيل بعضيهام؛ عىل سبيل املثال‬
‫يمكن للرشيك أن يمتلك دور ًا مسيطر ًا بوضوح‪ ،‬و اآلخر دور تابع‪ ،‬بحيث تظهر‬
‫الرصاعات املتكررة بشكل أسايس يف أن املتعلق يشكو دائ ًام من أنه يشعر بالقمع يف حني‬
‫أن الرشيك املسيطر بوضوح يشعر بالتقييد من خالل عدم استقاللية اآلخر‪ .‬و عندما‬
‫حياول الرشيكني التعرف عىل رصاعات عالقتهام املعتادة و تعديلها غالب ًا ما يتجىل عندئذ‬
‫–مع الدعم العالجي‪-‬إىل أي مدى مها بحاجة لدور اآلخر الذي اشتكى منه كالمها‬
‫بشكل أسايس و الذي مل جيلب هلام عند التأمل السطحي إال املعاناة ألسباب دفاعية‪.‬‬
‫فاجلزء املسيطر ربام يكون قد احتاج لتعلق رشيكه لصد خوفه من الوحدة و تعلقيته‬

‫‪351‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫اخلاصة‪ ،‬يف حني أن اجلزء "املقموع" حيتاج الرشيك املسيطر من أجل صد خوفه من‬
‫االستقاللية عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫وكام هو احلال يف العالج األرسي ال يكمن التأثري العالجي عىل العمليات النفسية‬
‫للرشيك الفرد فحسب‪ .‬فهنا يتم يف الوقت نفسه معاجلة شكل مؤسسايت للحياة‪،‬‬
‫وبالتحديد شكل حياة عالقة الرشيكني التي حيققها الرشيكان يف حياهتام اليومية مع‬
‫بعضيهام‪.‬‬
‫غالب ًا ما تظهر الرصاعات الزوجية و رصاعات الرشكاء بالرتافق مع االضطرابات‬
‫العصابية و اضطرابات الشخصية أيض ًا‪ .‬ويتم إجراء العالج النفساين املتجه اجتاه ًا‬
‫حتليلي ًا نفسي ًا يف أطر خمتلفة‪ .‬وأكثر شكل يتم فيه معاجلة الزوجني من معالج واحد‪ .‬أما‬
‫معاجلة الزوجني من زوج معاجلني فال يتم إال يف أألطر املؤسساتية‪ ،‬وأحيان ًا يف عيادة‬
‫مشرتكة‪ .‬كام يتم إجراء العالج الزوجي كعالج زوجي حتلييل يف املجموعة تصل إىل‬
‫مخسة أزواج‪ .‬وغالب ًا ما يكون العالج الزوجي عالج قصري األمد ليس أكثر من ‪10‬‬
‫حتى ‪ 15‬جلسة‪ .‬و يف حني أن املرىض العاملني يف جمموعة عالجية مع بعضها ال يرون‬
‫بعضهم غالب ًا بني اجللسات‪ ،‬تسم الرصاعات التي يتم معاجلتها يف عالج زوجي غالب ًا‬
‫احلياة اليومية للرشيكني مع بعضهام‪ .‬هلذا ينصح غالب ًا بالنسبة للعالج الزوجي تقصري‬
‫تكرار اجللسات جللسة واحدة كل أسبوعني أو أربعة أسابيع‪ .‬ويف حال وجود تكرار‬
‫أكرب يمكن أن يتم حتميل الزوجني فوق طاقتيهام‪.‬‬

‫جماالت استخدام العالج النفساني التحليلي‬

‫العالج النفساني املركزي (الرتقيدي)‬


‫كام هو احلال يف األمراض األخرى فإن االضطرابات العصابية و النفسية اجلسدية‬
‫واجلسدية النفسية و اضطرابات الشخصية تكون يف بعض األحيان شديدة و مليئة‬
‫باملضاعفات بحيث أنه البد من العالج يف املستشفى (الرتقيد يف املستشفى)‪ .‬فاملرىض‬
‫الذين ينزلقون يف حميطهم اليومي باستمرار يف صعوبات و حتت ظروف أزمات مهددة‬

‫‪352‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫للحياة‪ ،‬ويصبحون انتحاريون مزمنني أو حادين‪ ،‬ويلحقون بأنفسهم األذى الشديد‬


‫ومهددون بالمعاوضة ذهانية وسيكوسوماتية و يقهمون (ينحفون) بشكل خطري‬
‫ويكونوا مهددين بفقدان السيطرة عىل اندفاعاهتم أو يمتلكون اضطرابات مزمنة شديدة‬
‫الدرجة ال يمكن يف كثري من احلاالت معاجلتهم عالج ًا نفسي ًا إال حتت رشوط املستشفى‬
‫وبوسائل خاصة‪ .‬ويف العالج النفساين املركزي (الرتقيدي) املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا نفسيا‬
‫يتم جتميع جمموعة من األساليب يف تنظيم عالجي مركز مع العلم أنه يتم استخدام احلقل‬
‫الكيل للمستشفى كحقل عالج‪.‬‬
‫ومن خالل الدخول إىل املستشفى يستبدل املريض لوقت حمدود حميطه اليومي مع‬
‫املحيط االجتامعي للمستشفى‪ .‬ويف املواقف و العالقات البني شخصية املتنوعة تتجىل‬
‫رصاعاته و اضطرابات نموه التي تقوم عليها اضطراباته النفسية الداخلية و ترضراته‬
‫السلوكية‪ ،‬بام يشبه ما هو عليه احلال يف حياته اليومية املنزلية‪ .‬احلدث االجتامعي يف‬
‫املستشفى يستخدم كحقل إلعادة وإخراج رصاعاته الالشعورية وترضراته النامئية التي‬
‫حتدد اضطراباته السلوكية و النفسية‪ .‬و بالنسبة للعالج فإن امليزة األكرب أنه ال يتم‬
‫استخالص االضطرابات و معناها الالشعوري يف بعدها النفيس الداخيل من ما يقوله‬
‫املريض فحسب وإنام تتم يف الوقت نفسه مالحظتها ودراستها أو فحصها يف جتلياهتا البني‬
‫شخصية و التفاعلية‪ .‬باإلضافة إىل ذلك يمكن للمريض يف احلقل االجتامعي‬
‫للمستشفى جتريب يف جمرى عالجه إمكانات خربة وسلوك جديدة‪ .‬ومن أجل ذلك‬
‫فإن رشوط اإلطار يف املستشفى مهمة‪ ،‬التي حتدد جماالً رمزي ًا للواقع اخلارجي وتشكله‬
‫كمجال عالجي‪ .‬وهلذا املجال الرمزي وظيفة جمال نقل)‪ .(Winnicott,1984‬وفيه ال‬
‫ترسي –كام هو األمر يف اللعب‪ -‬رشوط الواقع اخلارجي و ال يملك فيه الواقع النفيس‬
‫صالحيته‪ .‬وهبذا فام حيدث داخل هذا املجال ال خيضع للرشوط اجلدية للواقع‬
‫االجتامعي اخلارجي‪ ،‬و لكنه يف الوقت نفسه ليس غري جدي‪.‬‬
‫ويتم استخدام األساليب العالجية حسب االضطراب النوعي وحسب الرشوط‬
‫الفردية لكل مريض فرد بشكل متكافئ و باالنسجام مع بعضها يف العالج‪ ،‬ويتم جتميعها‬

‫‪353‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يف تنظيم عالجي مركب‪ .‬ومن أجل جتنب االستخدام املجرد لألساليب العالجية إىل‬
‫جانب بعضها البعض البد لألساليب العالجية املستخدمة يف العالج أن تتمحور حول‬
‫بؤرة عالجية مشرتكة)‪ .(Streeck,1991‬عىل العاملني املشاركني يف معاجلة كل مريض أن‬
‫يتعاونوا مع بعضهم و أن يتشاركو مالحظتهم وخرباهتم مع بعضهم )‪،(Janssen, 1987‬‬
‫وعليهم بشكل خاص أن يتعرفوا كيف يمكن ربط املالحظات واخلربات املجموعة يف‬
‫القطاعات املختلفة مع بعضها‪ .‬عندئذ فقط يستطيعون دمج املظاهر املختلفة الضطراب‬
‫املريض و املظاهر املختلفة لنقله التي تتجدد يف تفاعالته املختلفة للحياة اليومية العالجية‬
‫والبني شخصية يف املستشفى‪ ،‬وفهمها يف عالقاهتا ببعضها البعض‪.‬‬
‫ومن بني األساليب العالجية التي يتم استخدامها يف عالج املرىض املتجه اجتاه ًا‬
‫حتليلي ًا نفسي ًا هناك إىل جانب أساليب العالج اجلمعية ذات التوجه التحلييل النفساين‬
‫العالج الزوجي واألرسي‪ ،‬واألساليب التي تعمل بوسائل غري لفظية كاألنشطة‬
‫العالجية اجلشطلطية واألساليب العالجية اجلسدية كاالسرتخاء الوظيفي و العالج‬
‫الرتكيزي احلركي وما يشبه ذلك‪ ،‬واالسرتخاء الذايت و العالج باملوسيقى و األساليب‬
‫املؤثرة عىل السلوك و املدربة للسلوك كتدريب السلوك‪ ،‬و كذلك أنشطة عالجية‬
‫اجتامعية التي يكون عامل اخلدمة االجتامعية مسؤوالً عنها‪ .‬وتتنوع نقاط تركيز‬
‫األساليب العالجية األخرى املستخدمة حسب تكليف الرعاية و نوع املؤسسة أو‬
‫القسم‪ .‬و يف بعض األحيان ينبغي عالج املرىض املضطربني بشدة لفرتة مؤقتة أو دائمة‬
‫باألدوية‪ .‬وعندئذ ال تتم دراسة تأثريات األدوية وتناوهلا من منظور صيدالين نفيس‬
‫وإنام دائ ًام يف سياق اخلربة الالشعورية للمريض ورصاعاته‪ .‬وأخري ًا ال بد وأن تكون‬
‫البيئة ‪ milieu‬بمعنى عالج بيئي مطبق بشكل حتلييل نفساين و نفيس دينامي جزء ًا من‬
‫تنظيم العالج‪ .‬والعالج البيئي ‪ milieu therapy‬يعني أن رشوط احلياة اليومية‬
‫للمستشفى املؤسسية واملجالية و االجتامعية موضوعة من وجهات نظر عالجية و‬
‫تشكيلها عالجي ًا بشكل هادف‪.‬‬
‫وكذلك تلك الرشوط والنشاطات التي ال حتقق أغراض ًا عالجية بشكل مبارش‪،‬‬

‫‪354‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يفرتض أن يتم التمكن من إظهارها يف املستشفى النفيس العالجي يف مضامينها‬


‫السيكودينامية و فهمها‪ .‬أما نقاط الرتكيز النفسية العالجية و اإلمكانات التي يقدمها‬
‫املستشفى املتخصص فيتعلق من بني أشياء أخرى برشوط اإلطار املؤسساتية‪ .‬األقسام‬
‫اإلكلينيكية األصغر بعدد قليل من األرسة تعمل عىل الغالب من خالل تنظيم عالجي‬
‫حمدد؛ فيتم استخدام نفس األسلوب العالجي مع كل مريض‪ .‬يف األقسام العالجية‬
‫األكرب باملقابل فإنه من املمكن تعيري التنظيم العالجي فردي ًا حسب املريض الفرد‬
‫واضطرابه النوعي‪.‬‬
‫جيرى العالج النفساين املركزي (الرتقيدي) يف األقسام املختصة يف املستشفيات‬
‫العامة و املستشفيات اجلامعية ويف املستشفيات العالجية النفسانية املختصة‪ .‬باإلضافة‬
‫إىل ذلك يتم تقديم معاجلات نفسية عالجية ونفسية جسدية يف كثري من مستشفيات إعادة‬
‫التأهيل كإجراء وقائي و إعادة تأهييل‪ .‬وال بد للعالج النفيس الرتقيدي الذي جيري يف‬
‫مستشفيات الطب النفيس أن يتالءم مع املطالب اخلاصة‪ ،‬املطلوبة من العالج النفساين‬
‫للمرىض نفسي ًا يف إطار العناية باملرىض‪ .‬ويتطلب العالج النفساين املركزي (الرتقيدي)‬
‫لألطفال واليافعني تنظي ًام عالجي ًا خاص ًا‪ ،‬يأخذ بعني االعتبار الرشوط املتعلقة بالسن‬
‫والنمو للمريض اليافع )‪ .(Streeck-Fiscger,1995‬وال حيتاج األطفال واليافعني‬
‫املضطربني نفسي ًا وجسدي ًا أكثر من املرىض الراشدين يف العالج املركزي (الرتقيدي) إىل‬
‫جمال عالج مصمم بشكل عالجي نفيس فحسب وإنام يف الوقت نفسه جمال حركة‬
‫وخربات اجتامعية "واقعي"‪ ،‬جيمعون فيه خربات اجتامعية متناسبة مع سنهم ونموهم‬
‫و يستطيعون أن خيتربوا أنفسهم فيه‪.‬‬

‫اإلرشاد‬
‫يتم تقديم اإلرشاد املصمم بشكل حتلييل نفساين يف العيادات العالجية ويف‬
‫املؤسسات اإلكلينيكية‪ ،‬باإلضافة إىل املؤسسات املتخصصة التي حتتوي عىل موظفني‬
‫مؤهلني بشكل مناسب‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يتطلب تقديم اإلرشاد عىل أساس حتلييل نفساين أو علم نفس أعامقي خربات‬
‫إكلينيكية واسعة‪ .‬وهذا ينطبق عىل األقل إذا ما فهمنا اإلرشاد ليس جمرد جلسة أو حمادثة‬
‫يقدم فيها املرشد معلومات ملستشرييه‪ ،‬إنام تتم فيها مراعاة املظاهر النفسية الديناميكية‬
‫للمشكلة التي يلجأ املسرتشد بسببها لإلرشاد ومراعاة كذلك عالقة املرشد باملسرتشد‪.‬‬
‫ويف مثل هذه احلال البد أن يكون املرشد قادر ًا عىل التعرف خالل وقت قصري و عىل‬
‫أساس املعلومات الضئيلة عىل املحددات املتعلقة بالرصاع ملوضوع اإلرشاد‪ .‬ويف‬
‫الوقت نفسه عليه أن يقاوم إغراء أن يورط املسرتشد الباحث عن املساعدة يف عملية‬
‫نكوصية التي قد تكون مفيدة لعملية عالجية ولكنها ليست مفيدة لإلرشاد‪ ،‬طاملا ال‬
‫تتوفر رشوط اإلطار املالئمة لذلك‪.‬‬
‫ومن النادر أن تتم املسائل النظرية و العملية لإلرشاد املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا مشكل‬
‫خاص من التدخل من منظور ختصيص‪ .‬وعىل الرغم من أن اإلرشاد عىل أساس حتلييل‬
‫نفساين هو جمال تطبيق صعب و مهم فإنه ال يتم تقديره كثري ًا ال مادي ًا و معنوي ًا‪ ،‬وربام‬
‫يكون هذا السبب هو الذي جيعل هذا املوضوع يف الدوائر املتخصصة ال يلقى الكثري من‬
‫االهتامم‪.‬‬

‫أساليب العالج غري التحليلي النفساني غري اللفظية‬


‫غالب ًا ما يتم استخدام أساليب العالج ذات التوجه التحلييل النفساين التي تعمل‬
‫بشكل أسايس بوسائل غري لفظية يف إطار العالج النفساين املركزي (الرتقيدي) واجلزئي‪،‬‬
‫كجزء من تنظيم العالج املامرس هناك‪ .‬وغالبية األقسام املركزية تستخدم أساليب‬
‫عالجية جشطلطية وما يسمى عالجية جسمية يف مبادئها العالجية متعددة األبعاد‪،‬‬
‫وكذلك العالج باملوسيقى‪ .‬وهناك طرق أخرى غري لفظية أقل انتشار ًا و تعكس أحيان ًا‬
‫قناعات خاصة سائدة يف املؤسسة‪ ،‬وأحيان ًا إيديولوجيات‪.‬‬
‫والعالج اجلشطلطي املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا نفسي ًا هو عبارة عن أسلوب يعمل بوسائل‬
‫تصويرية جشطلطية )‪ .(Schrode,1995‬يف اجلشطلط (التشكيل) العفوي احلديس‬

‫‪356‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يمكن للمريض أن ينكص بشكل مضبوط و حمدود‪ .‬يف التشكيل يتم التعبري عن خربات‬
‫وهوامات ومشاعر غري شعورية ومصدودة يتم التقاطها من املعالج و مناقشتها بالتعاون‬
‫مع املريض يف حوار ختامي‪ .‬وبالنسبة للمرىض الذين ال يستطيعون إما عىل أساس‬
‫النوع اخلاص ملرضهم أو عىل أساس سن نموهم أو مشاعرهم أو رغباهتم أو هواماهتم‬
‫التعبري لفظي ًا‪-‬رمزي ًا بشكل كاف )‪ (Boenner,1991‬فإن إمكانية التمكن من التمثيل أو‬
‫العرض بوسائل غري لفظية مهمة بشكل خاص‪ .‬ويستخدم العالج اجلشطلطي كجزء‬
‫من تنظيم عالج مركزي سواء كعالج فردي أو ضمن املجموعة‪ .‬يف املجموعة يستطيع‬
‫املريض الفرد مقارنة طريقته باخلربة و بمساعدة استجابات و إجابات املرىض اآلخرين‬
‫الوصول إىل خربات انفعالية تصحيحية‪.‬‬
‫كذلك ما يسمى باألساليب العالجية اجلسمية فإهنا غالب ًا ما تستخدم يف إطار‬
‫العالجات النفسية العالجية املركزية‪ .‬وتستخدم تسمية "العالج اجلسدي" ملجموعة‬
‫من األساليب غري املتجانسة‪ ،‬التي ال حتقق إال جزئي ًا املعايري التخصصية‪ .‬و بمقدار ما‬
‫يتعلق األمر بأساليب كفؤة فإنه يتم استخدامها يف العالج النفساين املركزي (الرتقيدي)‬
‫مع أساليب أخرى بعد موائمتها عىل املرىض‪ .‬عندئذ يصبح األسلوب جزء ًا مه ًام و ال‬
‫يمكن االستغناء عنه ملعاجلة املرىض نفسي ًا و نفسي ًا جسدي ًا‪ .‬وتشبه بعض األساليب‬
‫العالجية اجلسدية بعضها يف أهنا توجه إدراكات و انتباه املريض عىل جسده وتعلمه‬
‫حتسس اخلربات املخزنة بوصفها بقايا جسدية يف وضعية جسده وحركاته‬
‫)‪ .(Braehler,1986‬ولدى بعض املرىض عىل سبيل بمرض نفيس جسدي شديد فإنه‬
‫من غري املمكن يف بعض األحيان العمل بأساليب عالجية لفظية‪ ،‬يف حني أنه يمكن من‬
‫خالل األساليب العالجية اجلسدية فتح مدخل نفيس عالجي إليهم‪ .‬ومن بني أغلب‬
‫املعاجلات املركزية ذات االجتاه التحلييل النفساين املستخدمة عىل سبيل املثال العالج‬
‫الرتكيزي باحلركة‪ ،‬واالسرتخاء الوظيفي وطريقة فيلدنكرايس ‪ ،Feldenkrais‬وطريقة‬
‫التنشيط اللطيف ‪ ،Eutonie‬و رياضة التنفس‪ . .‬الخ‪.‬‬
‫يف العالج باملوسيقى فإن الوسيلة و األشكال هي املوسيقى‪ ،‬حيث يتم استخدامها‬

‫‪357‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عالجي ًا كوسيط للتعبري غري اللفظي والتواصل غري اللفظي ما قبل الرمزي‬
‫)‪ . (Smeijsters, 1993‬وحسب شكل استخدام العالج باملوسيقى يترصف املريض‬
‫بشكل متلق للوسيط املوسيقى أو يعرب بشكل فاعل عن نفسه من خالل إنتاجه‬
‫للموسيقى‪ .‬ويف الشكل االستقبايل للعالج باملوسيقى يتم استخدام االسرتخاء النفيس‬
‫واجلسد ي الذي يمكن أن يرتافق باإلنصات للموسيقى‪ .‬وهنا يمكن أن حيتل التأثري‬
‫اجلسدي مركز الصدارة أو يتم إقامة ارتباط بالعالج الكاشف للرصاع‪ ،‬من خالل‬
‫استخدام اخلربات االستقبالية للموسيقى يف احلوار اللفظي احلاصل بعد ذلك‪ .‬باملقابل‬
‫حيتل يف الشكل اإلنتاجي للعالج باملوسيقى التعبري التواصيل بمساعدة الوسائل‬
‫املوسيقية مركز الصدارة‪ .‬وهنا تصبح املوسيقى من خالل إمكاناهتا الصوتية و اإليقاعية‬
‫وسيط تواصيل –يف العالج الفردي بني املريض و املعالج ويف العالج باملجموعة بني كل‬
‫أفراد املجموعة‪ ،‬املشاركني يف تشكيل العملية املوسيقية‪.‬‬

‫أساليب العالج التحليلي النفساني يف الضمان الطيب‬


‫تطورت أساليب العالج التحلييل النفساين و األساليب العالجية املشتقة منها قسم‬
‫خارج الطب وجزء عىل هامش الطب‪ .‬وبالنسبة للطب كان دائ ًام ال يمكن تصور املرض‬
‫إال بوصفه عبارة عن تغريات جسدية‪ ،‬نشأ –إذا مل يكن يعترب مرض ًا والدي ًا‪ ،‬إما عىل‬
‫أساس تطورات سمية أو رضية أو عدوى‪ .‬ومن كان يعالج املرىض بالوسائل النفسية‬
‫كان ينظر إليه بأنه إما يتعامل مع برش غري مرىض بالفعل أو أنه يستخدم يف عالجهم‬
‫وسائل من دون أي تأثري عالجي‪ .‬و عندما تم برهان بأن املرىض بأمراض عصابية‬
‫ونفسية جسدية‪ ،‬الذين خضعوا ملعاجلة متخصصة كفؤة بالعالج النفساين التحلييل‪ ،‬قد‬
‫أصبحوا أقل مرض ًا من الناحية اجلسدية و بالتايل انخفضت تكاليف مراجعة األطباء و‬
‫األدوية و اإلقامة يف املستشفيات تم إدخال العالج النفساين ضمن التأمني الطبي‪ .‬و من‬
‫ضمن طيف اخلدمات العالجية النفسانية املشمول بالضامن الصحي يعد اليوم العالج‬

‫‪358‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النفساين التحلييل و العالج النفساين القائم عىل أساس علم نفس األعامق للراشدين و‬
‫لألطفال واليافعني إىل جانب العالج السلوكي و اخلدمات العالجية النفسانية التي‬
‫يقدمها األطباء يف إطار الرعاية النفسية اجلسدية األساسية‪.‬‬
‫ليست كل أساليب العالج التحليلية النفسية واردة يف دليل خدمات الضامن الطبي‬
‫القانوين‪ .‬وهكذا فلم يتم إدخال التحليل النفيس التقليدي ذي التكرار العايل غري‬
‫املحدود يف مدته مسبق ًا من صناديق الضامن الصحي‪ .‬وكذلك أساليب العالج الزوجي‬
‫واألرسي أو اإلرشاد ال يمكن احتساهبا عىل الضامن الصحي إال يف احلاالت االستثنائية‪.‬‬
‫وقد تم تنظيم دليل اخلدمات العالجية النفسانية للضامن الصحي القانوين فيام‬
‫يسمى بتعليامت‪-‬العالج النفساين ويشمل أساليب العالج التحلييل النفساين املذكورة‬
‫يف جدول (‪.)5‬‬

‫جدول (‪ :)5‬أساليب العالج التحليلية النفسية يف الضامن الصحي القانوين (طبق ًا‬
‫لتعليامت العالج النفساين‬
‫العالج التحلييل النفساين‬ ‫‪‬‬

‫املعاجلات النفسية القائمة عىل أساس علم نفس األعامق بأشكاهلا اخلاصة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -‬العالج النفساين قصري األمد‪،‬‬


‫‪ -‬العالج البؤري‪،‬‬
‫‪ -‬العالج النفساين الديناميكي‬
‫‪ -‬العالج منخفض التكرار يف مدة طويلة‪ ،‬للحفاظ عىل العالقة العالجية(خربة‬
‫الصورة بالتخيل ‪)Katathymus Image experience‬‬

‫‪359‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ويمكن أن يتم إجراء هذه األساليب العالجية يف إطار الضامن الصحي لدى‬
‫الراشدين و األطفال واليافعني سواء يف صيغة عالج فردي أم يف العالج باملجموعة‪.‬‬
‫وعىل الرغم أنه مل يتم يف تعليامت العالج النفساين ذكر كل األشكال العالجية‪ ،‬فإنه يمكن‬
‫للعالج النفيس التحلييل أن جيرى كعالج قصري األمد و عالج بؤري‪.‬‬
‫أما مدة اخلدمات املحددة من صناديق الضامن الصحي القانوين فهي حمدودة يف كل‬
‫األساليب (جدول ‪.)6‬‬
‫غري أنه يف التحديد املنظم بشكل صارم للخدمات بالنسبة للعالج التحلييل النفساين‬
‫تنعكس بقايا التحفظات يف الطب جتاه هذا التخصص‪ ،‬إذ ال توجد يف أي جمال يف الطب‬
‫قواعد مشاهبة ملا هو عليه األمر هنا‪.‬‬

‫جدول (‪ :)6‬مدة اخلدمات املقبولة يف الضامن الصحي القانوين ألساليب العالج‬


‫النفساين التحلييل‬
‫‪ 25‬ساعة (يف اجللسة لنصف ساعة ‪ 50‬ساعة)‬ ‫العالج النفساين قصري األمد‪:‬‬
‫‪ 160‬ساعة‪ ،‬ويف حاالت خاصة حتى ‪ 240‬ساعة‪،‬‬ ‫العالج النفساين التحلييل‪:‬‬
‫أقىص حد ‪.300‬‬
‫العالج النفساين التحلييل يف ‪ 80‬ساعة مزدوجة‪ ،‬يف حاالت خاصة ‪ ،120‬احلد‬
‫األعىل ‪ 150‬ساعة مزدوجة‪.‬‬ ‫املجموعة‪.‬‬
‫التحلييل ‪ 50‬ساعة (اليافعني ‪ 60‬ساعة)‪ ،‬ويف حاالت‬ ‫العالج النفساين‬
‫خاصة حتى ‪ 90‬ساعة (اليافعني حتى ‪120‬‬ ‫لألطفال واليافعني‬
‫ساعة)‪ ،‬احلد األعىل ‪ 150‬ساعة (اليافعني ‪180‬‬
‫ساعة)‪.‬‬
‫‪-‬كعالج ضمن املجموعة‬

‫‪360‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ 40‬ساعة مزدوجة (اليافعني ‪ 40‬ساعة مزدوجة)‪،‬‬


‫يف حاالت خاصة حتى ‪ 60‬ساعة مزدوجة‬
‫(اليافعني حتى ‪ 60‬ساعة مزدوجة)‪ ،‬احلد األعىل‬
‫‪ 90‬ساعة مزدوجة (اليافعني ‪ 90‬ساعة مزدوجة)‪.‬‬

‫العالج الفردي القائم عىل ‪ 50‬ساعة‪ ،‬يف حاالت خاصة حتى ‪ 80‬ساعة‪ ،‬احلد‬
‫األعىل ‪ 100‬ساعة‪.‬‬ ‫أساس علم نفس األعامق‬
‫‪ -‬كعالج ضمن املجموعة‬
‫‪ 40‬ساعة مزدوجة‪ ،‬ويف حاالت خاصة حتى ‪60‬‬
‫ساعة مزدوجة‪ ،‬احلد األعىل ‪ 80‬ساعة مزدوجة‪.‬‬

‫وينبغي تقديم طلب قبل بدء العالج يتضمن تربيرات مفصلة للعالجات النفسية‬
‫التحليلية و العلم نفس أعامقية لدى صندوق الضامن الصحي يف املعاجلات التي سيتم‬
‫متويلها من الضامن الصحي القانوين؛ ويتم اختبار الطلب املغفل من قبل الرابطة االحتادية‬
‫ألطباء صناديق الضامن الصحي‪ ،‬ويتخذ القرار فيام إذا كان العالج "رضوري ًا‪ ،‬ومفيد ًا و‬
‫اقتصادي ًا"‪ .‬ومن بني أساليب العالج القائمة عىل أساس علم نفس األعامق تم يف‬
‫تعليامت العالج النفساين باإلضافة إىل ذلك إدراج العالج منخفض التكرار يف عالج‬
‫طويل األمد للحفاظ عىل العالقة العالجية‪ ،‬والعالج الديناميكي حسب دورسن‬
‫‪ Duehrssen‬و –فقط يف حاالت فردية خاصة وبشكل خاص التي جيب تربيرها و فقط‬
‫القابلة لالستخدام إلكامل أساليب العالج اللفظي‪ -‬خربة الصورة بالتخيل‬
‫‪ .Katathymus Image experience‬ويتصف العالج النفساين الديناميكي ضمن أمور‬
‫أخرى من خالل التكرار املتنوع جد ًا و املتالئم يف كل مرة مع احلالة الفردية و يأخذ بعني‬

‫‪361‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االعتبار االستقرار االجتامعي و تالؤم املريض مع ظروفه اخلارجية‪.‬‬


‫ويتم إجراء العالج منخفض التكرار بشكل متنوع كذلك وضمن ظروف بتكرار‬
‫منخفض (حتى اجللسة يف الشهر)؛ ويمكن تنصيف مدة اجللسة الواحدة كام هو احلال‬
‫يف العالج النفساين قصري األمد هبدف إطالة مدة العالج الكيل و تتم إطالة العالج طبق ًا‬
‫لذلك‪ .‬و اإلجراء مفيد بشكل خاص لدى مرىض بصور مرضية مزمنة وباضطرابات‬
‫بنيوية شديدة ويمكن استخدامه هبدف إعادة الدمج االجتامعي للمريض‪.‬‬
‫خربة الصورة بالتخيل ‪ ،(Launer,1985) Katathymus Image experience‬هي‬
‫عبارة عن ما يسمى باألساليب التصويرية ‪Imaginative‬و يمكن استخدامها كإكامل‬
‫للعالج اللفظي ولكن ليس كأسلوب مستقل‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب الرابع‬
‫العالج السلوكي‬

‫‪363‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪364‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب الربع‬
‫الفصل التاسع‬

‫العالج السلوكي‬

‫‪Hans Reinecker‬‬

‫أسس وتطور العالج السلوكي‬


‫يمكن اعتبار العالج السلوكي ختصص ًا علمي ًا شاب ًا؛ ويمكننا احلديث عن تطور‬
‫مستمر له منذ حوايل هناية اخلمسينيات‪ .‬أما أوىل املبادئ فيمكن أن نجدها منذ بداية‬
‫القرن العرشين‪ ،‬ويمكن تتبع وجود مبادئ متفرقة وقصصية إىل زمن بعيد جد ًا‪.‬‬

‫نبذة تارخيية ووصف العالج السلوكي‬

‫بدأ التأسيس املستمر املشار إليه يف إنكلرتا و جنوب أفريقيا و الواليات املتحدة‬
‫األمريكية يف الوقت نفسه‪ .‬ففي إنجلرتا كان هناك بداية آيزينك & ‪Eysenck (1959‬‬
‫)‪ ،1960‬الذي استخلص املبادئ والتعديالت النظرية التعلمية لالضطرابات النفسية‪.‬‬
‫وبفضله أصبح العالج السلوكي يف مستشفى ماودسيل ‪ Maudsley‬يف لندن واسع التأثري‪.‬‬
‫وإىل جانب ذلك ال بد من ذكر شابريو )‪ M. B. Shapiro (1961, 1963‬الذي اعترب أن‬
‫العالج السلوكي ليسفي استخدام أو تطبيق لنظريات اخلاصة وإنام اعتربه بمرتبة املدخل‬
‫النفيس و يف تطبيق هذه املعرفة عىل احلالة الفردية‪ .‬ويف جنوب أفريقيا استخدم ولبي‬
‫)‪ Wolpe (1958‬مبادئ اإلرشاط (وبشكل خاص استناد ًا إىل إيفان بافلوف ‪I. P.‬‬
‫‪ Pawlow‬أو هل ‪ C. Hull‬يف عالج اضطرابات املخاوف املرضية؛ وأصبحت طريقة‬

‫‪365‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Lazarus‬‬ ‫خفض احلساسية املنتظم التي طورها هو أو العاملني معه (الزاروس ورامخان‬
‫‪ & Rachman‬وآخرين) أنموذج ًا للطريقة العالجية السلوكية ولإلجراء املبدئي‬
‫(بالتدريج) و املعري حسب الظروف الفردية يف كل العالج السلوكي‪.‬‬
‫ويف الواليات املتحدة األمريكية فإنه عىل الرغم من أن تطور التحليل السلوكي قد‬
‫انطلق من أعامل سكنر )‪ Skiner (1953‬حول التعلم اإلجرائي؛ فإن مبدأ التحليل‬
‫الوظيفي للسلوك اإلنساين الذي يرجع إىل سكنر‪ ،‬قد أصبح بالنسبة لتحليل السلوك‬
‫الذي سمي الحق ًا (تشخيص السلوك) مه ًام جد ًا )‪ .(Kanfer & Saslow, 1965‬إال أنه‬
‫بالتحديد هنا يصعب احلديث عن تطور موحد‪ .‬فهناك كتابان‪ ،‬أحدمها ألوملان و الثاين‬
‫لكراسنر ‪ ،Ullmann & Krasner‬بعنوان "دراسة حاالت يف تعديل السلوك ‪Case‬‬
‫‪ )1965( Studies in Behavior Modification‬أو "مقاربة نفسية يف السلوك الشاذ"‬
‫"‪ "A Psychological Approach to Abnormal Behavior‬يف عام ‪ 1969‬يعدان مميزان‬
‫للمدخل العلم نفيس اإلكلينيكي‪ .‬كام تم يف عام ‪ 1966‬تأسيس اجلمعية األمريكية‬
‫للعالج السلوكي‪ American Association for Behavior Therapy‬التي يرمز هلا‬
‫اختصار ًا ‪ ،AABT‬ويف عام ‪ 1978‬حدث توصيف للعالج السلوكي من خالل فرانكس‬
‫و ويلسون ‪" :Franks & Wilsn‬يتضمن العالج السلوكي بشكل أسايس استخدام‬
‫املبادئ‪ ،‬التي تم تطويرها يف أبحاث علم النفس التجريبي و االجتامعي؛ وهيدف إىل‬
‫ختفيض املعاناة والتقييدات اإلنسانية لقدرات الترصف اإلنسانية‪ .‬ويلقي العالج‬
‫السلوكي أمهية عىل التقويم املنهجي لفاعلية وتطبيق مثل هذه املبادئ‪ .‬ويتضمن العالج‬
‫السلوكي تعديالت املحيط و التفاعل االجتامعي وأقل تعديل العمليات اجلسدية من‬
‫خالل احلوادث البيولوجية‪ .‬واهلدف هو بشكل أسايس تدريب وتنمية القدرات‪ .‬وتتيح‬
‫التقنيات حتك ًام أفضل بالذات )‪ . (Franks & Wilsn,1978,P. 11‬وهذا الوصف و‬
‫التحديد لوجهات نظر فردية تعد حتى اليوم ملزمة‪ ،‬حتى وإن نجمت مضموني ًا بعض‬
‫وجهات النظر املختلفة (أنظر )‪ .)Schmelzer, 1985‬والبد من رؤية هذه بالدرجة‬
‫األوىل ضمن سياق تطور ملنظومات التحليل األساسية للسلوك اإلنساين وما يرتبط‬

‫‪366‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بذلك من تصورات حول الصحة واملرض‪.‬‬

‫فرضيات النموذج‪ :‬من املثري‪-‬االستجابة إىل منوذج النظام‬


‫حتدد الفرضيات النظرية للنموذج حول السلوك اإلنساين و رشوطها نوع حتليلنا‬
‫ملجرى السلوك؛ إذ يعد املبدأ القائل‪ :‬أنه البد من استخدام مبادئ جماالت العلوم املختلفة‬
‫من أجل النظر يف السلوك اإلنساين مبدأ مميز ًا جد ًا للتحليل العالجي للسلوك‪ .‬إال أن‬
‫هذه املبادئ متتلك صالحيتها كذلك بالنسبة للسلوك "السوي" كام هي بالنسبة للسلوك‬
‫"املريض" (فرضية االستمرارية ‪ .)Continuity‬أما التحديد متى يمكن اعتبار سلوك‬
‫ما عىل أنه "مضطرب" أو "باثولوجي" "أو مريض" فيتعلق بالسامت التي ال متس‬
‫السلوك وحده وإنام تتعلق بمظاهر تقويم الشخص نفسه أو بتقديرات األشخاص‬
‫اآلخرين ومن ثم يتعلق بوجهات النظر املعيارية‪.‬‬
‫فإذا ما نظرنا لتطور النظرية السلوكية و العالج السلوكي‪ ،‬فسنجد نامذج حتليل‬
‫ال أو أساس ًا‬
‫خمتلفة؛ وهنا البد من مراعاة أنه وال أي نموذج يدعي بأنه يقدم وصف ًا كام ً‬
‫ال لتفسري السلوك اإلنساين و اضطرابات السلوك اإلنساين‪ .‬وعلينا أن ننطلق من‬ ‫كام ً‬
‫"تيار السلوك اإلنساين" )‪ .(James,1990‬فنامذج التحليل الوظيفي تنظر أو تتفحص‬
‫ألسباب ذرائعية مقطع واحد خاص‪ .‬وبالنسبة لبافلوف ‪ 1927‬كان الربط بني املثري‬
‫واالستجابة‪( S-R‬أي رشوط املثري و االستجابة التالية لذلك) هو األمر احلاسم‪ ،‬أما‬
‫سكنر ‪ 1953‬فقد حلل بشكل خاص رشوط االستجابة‪-‬املثري ‪ ،R-S‬أي انطلق من‬
‫سامت السلوك وعواقبه؛ فكل تصويرة ‪Schema‬من التحليل حتاول حتديد السامت‬
‫األساسية للسلوك وتفصيلها ألغراض التحليل إىل أجزاء منفردة‪ .‬إال أنه علينا أال ننسى‬
‫هنا أنه البد من تصور السلوك اإلنساين عىل أنه عبارة عن جمرى مستمر ودينامي‪ .‬أما‬
‫التطور من التصورات البسيطة للنموذج حتى الفهم الراهن فيمكن عرضه بشكل خمترص‬
‫عىل النحو التايل‪.‬‬
‫يف الفهم األسايس لإلرشاط التقليدي )‪ ،(Pawlow, 1027‬و إىل حد ما لدى وولبي‬

‫‪367‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫)‪ (Wolpe,1958‬أيض ًا كان نموذج تعلم املثري‪-‬االستجابة يمثل اخللفية (شكل ‪)1‬‬
‫كرشوط أو ظروف موقفية‪ ،‬وقد اعتربت املثريات هي املحددات الفاصلة للسلوك؛‬
‫فاجتهت مساعي البحث بالدرجة األوىل نحو سامت املثري ‪ Stimuli‬واالرتباط مع سلوك‬
‫العضويات (عىل سبيل املثال التمييز‪ ،‬التعميم‪ ...‬الخ)؛ ورسعان ما تم افرتاض متغريات‬
‫العضوية بمعنى الرشوط اخلاصة بالنوع و الفرد‪ ،‬بحيث أنه تم توسيع النموذج إىل مثري‪-‬‬
‫عضوية‪-‬استجابة ‪( S-O-R‬أنظر شكل ‪.)2‬‬
‫‪Stimuli-‬‬ ‫والسمة األساسية هلذين النموذجني تكمن يف مبدأ املثري‪-‬البديل‬
‫‪Substitution‬‬

‫ويقصد هبذا حقيقة أنه ليس املثري غري اإلرشاطي األسايس ‪ UCS‬هو القادر عىل‬
‫استثارة استجابة خاصة‪ ،‬وإنام يمكن أن يعقب ارتباط ‪ association‬بني املواقف املرتبطة‬
‫زمنيا ومكاني ًا‪ .‬ويمكننا استخدام هذا املبدأ األسايس إىل حد ما حتى اليوم لتفسري نشوء‬
‫استجابة القلق املريض (عىل سبيل املثال عندما تتوىل يف موقف مرهق مثريات حيادية‬
‫باألصل وظيفة مثري للقلق‪ ،‬من نحو يف إطار نشوء واستمرار رهاب املدرسة عىل سبيل‬
‫املثال)‪ .‬وحسب هذا النموذج فإن وظيفة العالج تكمن يف إضعاف و فك ارتباط ترابط‬
‫متعلم(عىل سبيل املثال من خالل بناء طاقة كبح يف خفض احلساسية املنتظمة)‪.‬‬
‫مدخل خمتلف كلية لفهم السلوك اإلنساين تم من خالل املنظرين الذين يمكن‬
‫تصنيفهم يف جمال اإلرشاط اإلجرائي (أو التعلم األدايت ‪.)Instrumental Learning‬‬
‫فحسب سكنر عىل سبيل املثال (‪ 1938‬و ‪ )1953‬الذي استند إىل األعامل األقدم‬
‫لثوريندايك ‪ ،)(Thorndike, 1898‬جيعلنا نفهم ذخرية سلوكنا كتعاقب أو تسلسل‬
‫الستجابات‪ ،‬متتلك تأثري ًا عىل املحيط (شكل ‪.)3‬‬
‫وتعد العالقة‪ ،‬بني سلوك العضوية و رشوط النتيجة فاصلة بالنسبة للسلوك‬
‫والتعلم اإلنساين‪ .‬وعىل الرغم من أن سكنر (‪ )1953‬يرى كذلك أن الرشوط املوقفية‬
‫تسبق السلوك‪ ،‬إال أهنا متتلك فقط وظيفة مثري تنبيه تفريقي‪ S ‬أو ‪ ، S ‬أي أن هلا‬
‫‪‬‬ ‫‪D‬‬

‫‪368‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وظيفة إظهار أو تبيان أية عواقب ستحدث بالنظر للرشوط اخلاصة للمثري‪ .‬وهذا املبدأ‬
‫األسايس املعروض يف الشكل ‪ 3‬أصبح عملي ًا أساس كل طرق التعلم اإلجرائي(تم‬
‫عرض إمكانات التوليف بني عواقب السلوك و التعديالت النامجة عن ذلك عند عرض‬
‫طرق العالج السلوكي‪ ،‬شكل ‪.)16‬‬
‫ومنذ ثالثينيات القرن العرشين حدث نقاش واسع حول أولوية واحد من مبدأي‬
‫التعلم املناقشني‪ .‬ورسعان ما اتضح بالنسبة للميدان العميل للعالج السلوكي بأنه ليس‬
‫من املمكن عملي ًا العمل مع نموذج واحد فقط‪ ،‬بحيث حدث توليف تقاريب ‪(Kanfer‬‬
‫)‪(& Phillips, 1970, Hearst, 1975‬الشكل ‪.)4‬‬
‫ووفق هذا النموذج تم النظر للسلوك اإلنساين عىل أنه مغروس يف رشوط مثري )‪،(S‬‬
‫متارس تأثريها عىل السلوك اإلنساين من خالل متغرية )‪ ،(O-variable‬ويف الوقت نفسه‬
‫يتم توجيه السلوك من خالل عواقبه‪ ،‬مع العلم أن العاقبة حتدث من خالل عالقة‬
‫احتاملية خاصة أو من خالل جدول تعزيز‪ .‬وقد لعب هذا النموذج اخلطي‪-‬التقليدي‬
‫دور ًا بارز ًا لتطوير العالج السلوكي؛ وكنموذج مميز نشري هنا إىل نموذج العاملني ملاورير‬
‫)‪ :(Mawrer,1947‬وطبق ًا هلذا النموذج يمكن تفسري نشوء القلق (كاستجابة انفعالية‬
‫مرشوطة‪ conditional Emotional Reaction‬ويرمز هلا ‪ )CER‬من خالل اإلرشاط‬
‫التقليدي (االرتباط بني املثري اإلرشاطي‪ CS‬و املثري غري اإلرشاطي ‪ ،)UCS‬إال أن‬
‫استمرارية استجابة القلق فيتم تفسريها من خالل تعلم التجنب اإلجرائي (يتم تعزيز‬
‫الفرد بشكل سلبي باستمرار يف استجابته التجنبية [‪ ]R‬من خالل غياب النتيجة املتوقعة‬
‫‪.) ‬‬
‫ويمكن عرض نظرية العاملني عىل النحو املعروض يف اشكل (‪.)5‬‬
‫ويمكن اعتبار نموذج نظرية العاملني يف بنيته األساسية عىل أنه مازال حتى اليوم‬
‫ذو أمهية‪ :‬فهو مالئم بشكل خاص لتفسري نشوء و استمرارية املخاوف و بشكل خاص‬
‫لتوضيح ثبات سلوك التجنب (يف الرهابات أو اضطرابات القهر عىل سبيل املثال)‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وتتيح البنية األساسية إكامالت نظرية خمتلفة أيض ًا‪.‬‬


‫ومن أهم التطويرات الالحقة أو اإلكامالت هلذا النموذج حصلت يف النقاط اآلتية‬
‫من ضمن أمور أخرى‪:‬‬
‫فمن جهة تم حتديد مستويات خمتلفة للسلوك اإلنساين مقابل بعضها‪ ،‬أي أنه حصل‬
‫داخل مركب االستجابة ‪R-Component‬التفريق بني‪:‬‬
‫‪ -‬أمهية السلوك القابل للمالحظة‪،‬‬
‫‪ -‬االستجابات الفيزيولوجية (=املستوى املستقل) و‬
‫‪ -‬جمال العمليات االستعرافية‬

‫‪370‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪371‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وهذا الفصل إىل مستويات التحليل املختلفة برهن فائدته وقابليته لالستخدام العالجي‪.‬‬
‫كام حصل تطور آخر يف مظهر الديناميكية‪ ،‬أي إرجاع املستويات املختلفة(ـنظر‬
‫)‪ :Kanfer, 1971P Kanfer & Karoly,1972‬هنا تلعب بشكل خاص وجهات نظر‬
‫تنظيم الذات (أي مالحظات السلوك الذايت‪ ،‬حتديد أو وضع معيار داخيل‪ ...‬الخ) دور ًا‬
‫خمتلف ًا‪ .‬كام تم توسيع منظومة التنظيم الذايت ملظاهر متثل املعلومات عىل خلفية بيولوجية‬
‫و فردية (إيديوغرافية‪ .)idiographic‬و هبذا حتل حمل فرضية العضوية الساكنة و العاملة‬
‫بشكل خطي‪.‬‬
‫وباإلضافة إىل ذل كالبد من النظر لسمة التنظيم املتعدد كمجال مهم‪ :‬املكونات‬
‫املفردة تتشابك مع بعضها بحيث ينجم أيض ًا من حمددات السلوك إمكانات تأثري خمتلفة؛‬
‫وقد اقرتح كانفر (‪ 1971‬و ‪ )1977‬أو كانفر و شيفت (‪ )1987‬مصطلحات ضبط‬
‫‪ .     ‬ويقصد بـ ‪ ‬الرشوط اخلارجية أو رشوط املحي‪ ،‬ويقصدبـ ‪ ‬املثريات‬
‫املنتجة ذاتي ًا و بـ ‪ ‬املحددات البيولوجية أو الفيزيولوجية‪ .‬وعىل خلفية هذه األفكار‬

‫‪372‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النظرية والتجريبية واإلكلينيكية فإننا نذهب اليوم من املنظومة التالية لتحليل السلوك‬
‫اإلنساين (شكل ‪.)6‬‬
‫ويف هذا النموذج رسعان ما نتعرف عىل مسامهة تارخيية و منهجية لسكنر من جهة‬
‫وبافلوف من جهة أخرى‪ :‬و التاميز حصل يف جماالت ثالثة‪:‬‬
‫و ‪‬؛‬ ‫‪‬‬ ‫‪ .1‬فصل يف متغريات ‪ ‬و‬

‫‪ .2‬أمهية منظومة التنظيم الذايت‬


‫‪ .3‬و الرؤية الديناميكية كام تم توضيحها يف املجرى من خالل سهم التفاعل وسهم‬
‫اإلرجاع ‪.‬‬

‫‪ .1‬متغريات ‪ ‬و ‪ ‬و ‪‬‬

‫ليس بالرضورة هلذه املتغريات أن تكون متطابقة مع املستويات املوضحة قبل ذلك‪،‬‬

‫‪373‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫إال أنه هناك جمموعة من النقاط املشرتكة و التقاطعات‪ .‬و الفرق الفاصل بتحليل‬
‫املستوى يكمن يف احلال املتمثل يف أن األمر يتعلق هنا بمحددات ‪Determinants‬‬
‫السلوك اإلنساين ("‪ ... ...‬مصادر التأثري‪.)"sources of influence ... ...‬‬
‫متغريات‪ :  -‬الرشوط املوقفية اخلارجية‪ ،‬ولكن أيض ًا السامت القابلة للمالحظة‬
‫للسلوك‪ ،‬عندما متثل هي حمددات متغريات أخرى (تابعة إىل حد ما)‪.‬‬
‫مثال‪ :‬مثريات املحيط‪ ،‬وكذلك أيض ًا بعض االستجابات الغريبة التي متثل من‬
‫الناحية الوظيفية رشوط السلوك اإلنساين‪.‬‬
‫متغريات ‪ : ‬وتشمل العمليات الفكرية املخفية و التي يمكن اعتبارها كذلك‬
‫مثريات أو سامت أو عواقب (أي ثانية حمددات) جمرى السلوك اإلنساين ‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أفكار القهر كمثريات للسلوك الطقيس؛ األفكار االكتئابية‪-‬املقللة من القيمة‬
‫كسمة و كعرض مرافق ألنامط السلوك االكتئابية؛ التوقعات اإلجيابية كوسائط‬
‫‪moderators‬لالستجابات املستقبلية‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫متغريات ‪ : ‬واملقصود هبذا سواء العتاد الفيزيولوجي والبيولوجي املستمر‬
‫لإلنسان (من نحو السن‪ ،‬اجلنس‪ ،‬الرشوط اهلرمونية‪ ) ...‬أم التأثريات اجلسدية الراهنة‪،‬‬
‫من نحو األدوية‪ ،‬الكحول‪ ...‬الخ‪ .‬وهذه املتغريات تشكل كذلك حمددات هامة‪، ،‬إن‬
‫مل تكن الوحيدة للسلوك اإلنساين يف املجرى املستمر‪.‬‬
‫تكمن وظيفتنا عند حتليل االضطرابات النفسية يف البحث يف حالة مستمرة عن‬
‫رشوط املجاالت الثالثة للمحددات‪ ،‬وهنا ينبغي أن يكون من الواضح مبارشة أن حمدد ًا‬
‫وحيد ًا (املستوى البيولوجي عىل سبيل املثال) يكاد ال تكفي وحده من أجل فهم جمريات‬
‫السلوك اإلنساين املركبة‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪‬مثال‪ :‬كمحددات للنوم املضطرب فإنه البد من األخذ سواء رشوط‬


‫عىل املستوى اخلارجي ( ‪ : ‬الضجيج‪ ،‬حميط النوم‪ ،‬ضغوطات العمل‪،) ...‬‬
‫وعىل املستوى الفكري ( ‪ ‬التوقعات‪ ،‬األفكار‪ ،‬التفكري) وعىل املستوى‬
‫اجلسدي البيولوجي( ‪ : ‬عىل سبيل املثال السن‪ ،‬سلوك الطعام‪ ،‬الكحولية‪،‬‬
‫استهالك األدوية‪ ...‬الخ) بعني االعتبار‪ .‬‬

‫‪ .2‬منظومة التنظيم الذاتي‬


‫و تتضمن هذه املنظومة تفصي ً‬
‫ال ملتغرية‪ O-‬التي حددها سكنر (‪ )1953‬إىل حد ما؛‬
‫فالرشوط املوقفية تستثري السلوك (أي االستجابة ‪ )R‬ليس بشكل مبارش‪ ،‬وإنام بشكل‬
‫"وسيط" إىل حد ما‪.‬‬

‫‪‬مثال‪ :‬من املمكن أن تستثري قطعة خبز أو حتى قائمة الطعام لدى‬
‫شخص جائع أو شبعان (متغرية ‪ O‬؛ يف االصطالح املذكور أعاله متغرية‬
‫‪ ) ‬استجابات خمتلفة سواء عىل املستوى الفكري أم عىل مستوى السلوك‬
‫أم عىل املستوى اجلسمي‪ .‬‬

‫‪‬‬ ‫إذ ًا يف حني أن مراعاة الرشوط اجلسمية (متغريات ‪ ) ‬قد تبدو أمر ًا بدهيي ًا‪ ،‬فإن‬
‫كأجزاء من منظومة تنظيم الذات مل تتم مراعاهتا إال مؤخر ًا و ذلك بشكل خاص كنتيجة‬
‫لألعامل األساس لعلم النفس املعريف‪.‬‬
‫و متغريات ‪ ‬يف جمال منظومة تنظيم الذات هي متغريات تاريخ احلياة (كمتغريات‬
‫شخصية كامنة) وكذلك الرشوط االستعرافية الراهنة ‪ .‬فالعمليات الفكرية الراهنة و‬
‫التوقعات و املخاوف‪ . ...‬الخ توجه سلوكنا بدرجة كبرية‪ .‬وكمثال يمكن لإلنسان يف‬

‫‪375‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جمال احلياة اليومية أن يشري إىل ألعاب احلظ‪ ،‬ويف جمال علم النفس املريض يمكن اإلشارة‬
‫إىل املجال الواسع الضطرابات القلق‪ :‬فاملرىض يتجنبون املواقف املختلفة (التسوق‪،‬‬
‫داخل املدينة‪ ...‬الخ‪ ،‬ليس كثري ًا بسبب أهنم قد خربوا ترضر ًا حقيقي ًا (مستوى ‪،) ‬‬
‫وإنام ألهنم يتوقعون مثل هذا الترضر‪.‬‬

‫‪ .3‬الديناميكية‬
‫وتبدو هذه السمة سمة مركزية للنموذج املنظومي ألنه قد متت مراعاهتا من قبل‬
‫النامذج اخلطية األقدم (عىل سبيل املثال ‪ .)S-O-R-Contingency connection-C‬فحتى‬
‫داخل املتغريات (عىل سبيل املثال ‪ ‬و ‪ ‬و ‪ ) ‬ال بد من االنطالق من تفاعل ديناميكي‬
‫للمحددات املنفردة؛ فحتى املوقف البسيط (عىل سبيل املثال تناول الطعام) يتضمن‬
‫عنارص فيزيائية و فكرية وبيولوجية‪-‬فيزيولوجية‪ .‬و التشبيك (إىل حد ما الذي يسري‬
‫برسعة كبرية) للمحددات املنفردة هو الذي يقود أوالً إىل استجابات أخرى‪ .‬وعلينا أن‬
‫نتصور نفس الرتكيبة الديناميكية يف كل العنارص األخرى لنموذج املنظومة‪.‬‬
‫وكذلك البد من االنطالق من عمليات التفاعل واإلرجاع بني املتغريات املنفردة‬
‫األخرى‪ ،‬وهو ما يربر أوالً التسمية كنموذج منظومي‪ .‬فنحن نبني عىل سبيل املثال‬
‫توقعات استباقية فيام يتعلق بالعواقب املحتملة للمواقف و أنامط السلوك (قارن‬
‫‪)Bandora,1977‬؛ فعواقب السلوك الراهن تشكل إرجاع ًا تصحيحي ًا سواء عىل سلوكنا‬
‫أم عىل معايرينا و توقعاتنا‪.‬‬
‫وهنا تبدو أخري ًا اإلشارة مهمة إىل أنه مل يتم إدخال العنارص املنفردة من أجل توسيع‬
‫التعقيد؛ بل هي تفيد كرضيبة ملراعاة النتائج من جمال علم النفس ككل‪ .‬باإلضافة إىل‬
‫ذلك البد من التأكيد عىل أنه يف احلالة امللموسة من املمكن بل وجيب القول أنه من خالل‬
‫تبسيط ختفيض التعقيد فإن نموذج املنظومة يفيد كنوع من النموذج البعدي ‪Meta-‬‬
‫‪ ،model‬كخلفية للترصف امللموس وإىل حد ما لتشبيك الترصف العالجي املنتظر يف‬
‫مواقف حمددة‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ويمكن هلذه النموذج أن يستخدم لتحليل السلوك (الباثولوجي)‪ ،‬حيث ينبغي‬


‫فهمه عىل أنه مستقر التحليل (أنظر أيض ًا فقرة‪ :‬حتليل السلوك)‪ .‬ومن أجل التوضيح تم‬
‫ذكر مثال حول مريضة تعاين منذ سنوات من شكاوى رهاب األماكن العامة و التي‬
‫جلأت إلينا من أجل العالج (الشكل ‪.)7‬‬

‫‪ ‬مل يتم تطوير نموذج املنظومة من أجل رفع تعقيد العرض‪ -‬بالعكس‪:‬‬
‫النامذج البسيطة تبدو مثالية لتحليل املوضوع املعقد‪ .‬وتطوير النموذج يتم‬
‫بشكل خاص بسبب‪:‬‬
‫‪ .1‬الرضورات اإلكلينيكية و التجريبية و النظرية‪ ،‬ومن أجل أخذ تعقيد‬
‫السلوك اإلنساين بعني االعتبار‪،‬‬
‫‪ .2‬ومن أجل حتقيق التبسيط‪ ،‬من أجل أن يظل النموذج قاب ً‬
‫ال لالستخدام‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك ال بد من التأكيد عىل أنه يف هذا النموذج يتعلق األمر‬
‫أيض ًا بنموذج مرن و واضح يف حتليل السلوك‪ ،‬يظل مفتوح ًا من أجل‬
‫التطوير والتوسيع (حول مفهوم املنظومة ‪ System‬أنظر ‪G. E.‬‬
‫‪ .)Schwarz,1982‬‬

‫‪377‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫أعمدة العالج السلوكي‬


‫يشكل العالج السلوكي اليوم جماالً واسع ًا من جماالت علم النفس اإلكلينيكي؛‬
‫وهذا ينطبق عىل أسس أبحاث العالج و كذلك عىل جمال الرعاية العالجية النفسانية‪.‬‬
‫وحيمل هذا االنتشار الواسع يف طياته ما مفاده أن العالج السلوكي قد تفتت إىل فروع‬
‫ختصصية إىل درجة أنه يوجد متخصصني لكل جمال من املجاالت املنفردة وبأنه من‬
‫الصعب عىل الفرد أن حييط بكامل جمال العالج السلوكي ككل‪ .‬واستناد ًا إىل الوصف‬
‫أعاله للعالج السلوكي سوف نذكر فقط وجهات نظر مركزية‪ ،‬و التي يمكن تسميتها‬
‫استناد ًا إىل ويلسون وفرانكس ‪" Wilson & Franks,1982‬أعمدة العالج السلوكي"‪.‬‬
‫وهي هنا‪:‬‬

‫‪378‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .1‬مظهر التحليل الوظيفي‪،‬‬


‫‪ .2‬جمال نظريات التعلم التقليدية واحلديثة‪،‬‬
‫‪ .3‬جمال العالج السلوكي االستعرايف‪،‬‬
‫‪ .4‬جماالت استخدام العالج السلوكي يف جمال االضطرابات السيكوسوماتية‪ ،‬كام‬
‫يظهر هذا يف تصور "الطب السلوكي" واضح ًا‪،‬‬
‫‪ .5‬جمال املنهجية والذي سوف نشري إليه هنا باختصار‪.‬‬

‫التحليل الوظيفي‬ ‫‪.1‬‬


‫يمكن وصف التحليل الوظيفي بأنه حماولة لوصف شكاوى شخص ما من وجهة‬
‫النظر النفسية بوصفها "مشكلة"؛ ويتم هذا الوصف عىل مستويات عدة‪ .‬وعىل عكس‬
‫النموذج الطبي لالضطرابات النفسية ال تتم حماولة حتديد ما يسمى بأسباب املشكلة‪،‬‬
‫ألن أسباب املشكلة النفسية غالب ًا ما تكون واقعة بعيد ًا يف املايض منذ فرتة طويلة و‬
‫ألسباب علمية قلام نستطيع استعادهتا بصورة مناسبة‪.‬‬
‫ويشبه التصور املتبنى للتحليل الوظيفي يف العالج السلوكي فهم "األسباب" وهو‬
‫يقصد بذلك الرشوط السابقة و املرافقة و التالية‪ ،‬التي يقود تعديلها إىل تعديل املشكلة‪.‬‬
‫وسنقوم بتوضيح ذلك من خالل عرض املشكلة التالية (الشكل ‪.)8‬‬
‫و هيدف شكل (‪ )8‬إىل توضيح مبدأ التحليل الوظيفي عىل اعتبار أن األمر يتعلق‬
‫بشكل خاص بتحديد الرشوط املركزية التي يمكن أن تتحول يف السياق العالجي إىل‬
‫نقاط ارتكاز التعديل‪ .‬وبالطبع فإن حتليل السلوك مل حيدد أسباب مشكلة الكحولية‬
‫لشخص ما؛ إال أننا حددنا جمموعة من الرشوط (من نحو الضغوط يف العمل؛ مواقف‬
‫الضغط األرسي‪ ...‬عىل سبيل املثال)‪ ،‬التي يمكن لتعديلها أن يقود إىل تعديل املشكلة‪.‬‬
‫وبسبب تعقيد اإلحاطة الوظيفية باملشكلة و بسبب حقيقة أن التأثري غالب ًا ماال‬
‫يكون تأثري ًا خطي ًا فعلينا أال نتصور التعديالت العالجية بسهولة‪ .‬إال أنه من خالل املبدأ‬

‫‪379‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املعروض واملثال البد وأن يتضح بشكل كبري بأن العالج السلوكي ال يعني بأي شكل‬
‫من األشكال تعديل مشكلة ما بشكل "مبارش"(كام يسمى غالب ًا "عالج األعراض")‪:‬‬
‫فمن وجهة النظر العالجية السلوكية فإنه ال يمكن عىل اإلطالق معاجلة مشكلة ما بشكل‬
‫"مبارش" (أو حتى "التغلب عليها"‪ -‬فالعالج السلوكي يتضمن يف جوهره تعديل لتلك‬
‫الرشوط التي حتافظ عىل استمرارية املشكلة؛ وهذه من املمكن أن تكون رشوط ًا خمتلفة‬
‫كلية عن تلك املسؤولة عن منشأ املشكلة‪.‬‬
‫ويظهر التحليل الوظيفي الناتج بشكل واضح كلية ما هي النقاط املمكن فيها‬
‫التعديل و ما هي النقاط التي يصطدم فيها التعديل بحدوده‪ ،‬وهذه احلدود قد تكون‬
‫واقعة خارج إمكانات تأثري الفرد (من نحو الرشوط اخلاصة بالعمل؛ حقيقة االنتشار‬
‫الثقايف للكحول‪ ...‬الخ عىل سبيل املثال)‪ .‬وتكمن قيمة التحليل الوظيفي بشكل خاص‬
‫يف أنه يعطينا أيض ًا مستويات التدخل الالزم عىل األقل مبدئي ًا‪ :‬وهذه املستويات من‬
‫املمكن أن تكون كامنة يف املجال النفيس‪ ،‬إال أن هذا ليس بالرضورة –بل عىل العكس‪:‬‬
‫ففي كثري من احلاالت نصطدم مع التأثريات النفسية هناك عىل احلدود التي ال تكون فيها‬
‫التعديالت النفسية الزمة بل التغريات السياسية و القانونية واالجتامعية واالقتصادية‪.‬‬
‫وبالنتيجة فإن املرء يف العالج السلوكي يتجاوز جمال املبادئ النفسية بوصفها مبادئ علم‬
‫نفس اجلامعات أو علم النفس االجتامعي أو املبادئ السياسية أو الوقائية إىل املجاالت‬
‫األساسية إلجراء بني ختصيص ‪.interdisciplinary‬‬
‫وبالطبع فإنه يفرتض أن يكون داخل الرؤية الوظيفية (أو التحليل التطبيقي‬
‫للسلوك ‪ Sidman,1969;Baer,1882 [ABA] ) Applied Behavior Analysis‬ممكن ًا أن‬
‫يؤخذ بعني االعتبار بالنسبة لتحليل وتعديل مشكلة نوعية يف العادة الرشوط املختلفة‪-‬‬
‫ومن ثم وجوب تعديلها‪ .‬وهذا يتطابق أيض ًا مع الرؤية متعددة األبعاد املتبناة يف نموذج‬
‫املنظومة لشفارتس)‪(Schwarz,1982‬للمشكلة النفسية و رشوطها (أنظر أيض ًا الطب‬
‫السلوكي)‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .2‬نظرية التعلم التقليدية و احلديثة‬


‫يتصف السلوك اإلنساين من بني ما يتصف به بأنه ليس حمدد ًا وراثي ًا أو غريزي ًا فقط‪،‬‬
‫وإنام هو مرن بدرجة كبرية جتاه التغريات يف املحيط‪ .‬وهذه املرونة للسلوك تطلق عليها‬
‫عموم ًا تسمية القدرة عىل التعلم‪ .‬وعىل نظريات العالج بالتحديد أن تأخذ هذه املرونة‬
‫يف السلوك اإلنساين بعني االعتبار‪ .‬والعالج السلوكي اسرتشد منذ البداية بالنامذج‬
‫املختلفة للتعلم‪ .‬و من وجهة النظر الراهنة يبدو واضح ًا أنه عىل اإلنسان أن يأخذ بعني‬
‫االعتبار بالنسبة للتعلم اإلنساين مستويات خمتلفة؛ فبالنسبة لنشوء االضطرابات النفسية‬
‫و كذلك بالنسبة للعالج تلعب عمليات التعلم دور ًا‪ ،‬يمكن تصنيفها حسب املجاالت‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪381‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬النامذج النظرية للرتابط (الربطية) ‪(association theoretical Models‬بافلوف‪،‬‬


‫‪ ،1927‬غيثري‪ .)Guthrie 1935‬و تفيد هذه النامذج يف تفسري بديل االستثارة‬
‫‪ ،Stimulus Substitution‬عىل سبيل املثال يف تفسري نشوء اضطرابات القلق و‬
‫لكن أيض ًا لتفسري عمليات التعلم االستنباهية ‪ ...interceptive‬الخ‪.‬‬
‫‪ -‬نامذج التعلم من خالل العواقب (سكنر‪ .)1953،1969 ،1983 ،‬يتم توجيه‬
‫السلوك بدرجة كبرية من خالل تلك العواقب التي تعقب السلوك بشكل مبارش‬
‫يف املحيط؛ و متتلك رشوط التعلم اإلجرائي\الوسييل عىل سبيل املثال فيام يسمى‬
‫بالسلوك املريض أمهية خاصة )‪.(Broda & Muthny,1990‬‬
‫‪ -‬عمليات التعلم بالنموذج )‪ .(Bandora, 1969; Rosenthal,1982‬من خالل‬
‫املالحظة يمكن لعمليات التعلم‪-‬وبشكل خاص يف أنامط السلوك املركبة‪-‬أن‬
‫تسري بشكل رسيع وفاعل‪ .‬املثال النموذجي يف السياق العالجي هو الفائدة‬
‫النامجة عن تأثريات النموذج يف(مترين الثقة بالنفس) يف املجموعة العالجية‬
‫)‪ .(Grawe,1980, Fielder,1995‬ويف هذا النموذج البد من اإلشارة أيض ًا إىل‬
‫ما يسمى بنظرية التعلم االجتامعي )‪.(Bandora,1977‬‬
‫‪ -‬نظرية التعلم املعريف )‪ .(Tolman, 1932, Rescorla,1988‬وتصف هذه‬
‫النظريات عمليات التعلم‪ ،‬التي تعترب بالنسبة للتعلم اإلنساين خاصة ومميزة‬
‫كلية؛ عمليات التوقع وبناء الرموز و الذاكرة و بناء القواعد تلعب هنا دور ًا‬
‫مميز ًا‪ .‬ومن بني ذلك كذلك التعلم من خالل جتهيز وتوصيل املعلومات‬
‫)‪.(Rachman,1990‬‬
‫تقوم النامذج املنفردة للتعلم عىل بعضها و يفرتض أال يتم فصلها عن بعضها بصورة‬
‫صارمة‪ .‬إن تطور نامذج التعلم قد وصل يف هذا الوقت إىل درجة عالية من التاميز و‬
‫التعقيد‪ ،‬تصعب فيها اإلحاطة به‪ .‬ومن املنظور الراهن يفرتض أن يكون من غري‬
‫املسموح به احلديث عن "نظرية بسيطة يف التعلم"‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .3‬العالج السلوكي االستعرايف‬


‫يصف العالج السلوكي االستعرايف ذلك امليدان من العالج األساليب العالجية‬
‫التي تلعب فيها وجهات نظر متثل املعلومات و الذاكرة ‪ ...‬الخ دور ًا حاس ًام‬
‫‪(Meichenbaum & Cameron,1982, Dobson, 1990, Hawton. , Salkovskis,Kirk‬‬
‫)‪ .& Clark,1989‬ويستند العالج السلوكي االستعرايف يف أسسه عىل جمالني اثنني‪:‬‬
‫‪ -‬اجلانب األول هو جانب نظرية التعلم املعرفية‪ ،‬بالشكل الذي تطرقنا له يف‬
‫النقطة السابقة‪ .‬وما يميز املبادئ العالجية هو وجهة النظر القائلة‪ :‬إنه بالنسبة‬
‫ملظاهر التعلم البد لنا إال وأن نراعي دائ ًام السامت االستعرافية (من نحو التوقع)‬
‫أيض ًا‪ .‬ويبدو أن هذا قد حتقق اليوم يف العالج السلوكي بشكل كبري جد ًا‪.‬‬
‫‪ -‬املجال الثاين نشري إىل سلسلة من الطرق العالجية التي تطلق عىل نفسها‬
‫"العالج االستعرايف" )‪.(Meichenbaum,1977, Beck 1979, Ellis,1973‬‬
‫وقد تم التعرض هلذه األساليب منفردة يف فقرة طرق تدخل العالج السلوكي‪.‬‬
‫ومن وجهة النظر الراهنة يبدو أن الفصل الصارم بني العالج السلوكي التقليدي‬
‫من جهة والعالج االستعرايف من جهة أخرى مل يعد مفيد‪ ،‬وهلذا فإن التسمية العالج‬
‫السلوكي االستعرايف –كعمود مهم للعالج السلوكي‪ -‬هو أمر بدهيي‪ .‬فمنذ عدد من‬
‫السنني كان قد ترسخ هذا التشبيك بني املظاهر السلوكية واالستعرافية‪ :‬فباندورا‬
‫(‪ )1977‬عىل سبيل املثال قد أكد عىل أن طرق التعديل تسري بشكل مثايل عىل املستوى‬
‫السلوكي‪ ،‬يف حني أن عمليات التعديل تتضمن مظاهر استعرافية مركزية (عىل سبيل‬
‫املثال تعديل التقويامت و االجتاهات و التوقعات‪ . .‬الخ‪ .)Mahoney,1990 ،‬واألمر‬
‫نفسه عرب عنه كل من ماهوين و كازدين )‪ ، (Mahoney & Kazdin,1979‬اللذان منحا‬
‫الطرق ذات التوجه السلوكي كفاءة خاصة لتنشيط وتعديل العمليات االستعرافية‪.‬‬
‫يف بناء العالج السلوكي "التقليدي" يمكن يف "العالج السلوكي االستعرايف" أن‬
‫نرى تطور الحق مهم من حيث أنه يلقي قيمة خاصة يف العملية العالجية عىل مظاهر‬

‫‪383‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫شفافية اإلجراء (نموذج املعقولية ‪ )Plausible Model‬وعىل وجهات نظر حل املشكالت‬


‫الفاعل والديناميكي مع هدف السعي نحو حتقيق تعديالت مرغوبة للمريض‪ .‬ويتيح‬
‫العالج إمكانية لتعلم جديد يف إطار رابطة عمل تعاونية بني املريض واملعالج‪ :‬وبالتايل‬
‫فإن القرب من العالج "كإدارة ذاتية" ممكن ‪(Kanfer, Reinecker & Schmelzer,‬‬
‫)‪.1996‬‬

‫‪‬مثال‪ :‬من الصعب إحداث التغريات الالزمة يف نمط التمثل االستعرايف‬


‫يف إطار عالج االكتئاب (اإلدراك االنتقائي‪ ،‬عمليات العزو‪ ...‬الخ من خالل‬
‫العمل بالطرق االستعرافية لوحدها‪ .‬وقد برهن مظهر التمرين و التجريب و‬
‫اخلربة اجلديدة للعواقب الواقعية للسلوك اجلديد فاعليته يف تعديل العمليات‬
‫املعرفية‪ .‬ومن جهة أخرى ومن أجل استقرارا التعديالت فإن تشكيل نمط‬
‫تعلم استعرايف ثابت أمر حاسم‪ ،‬يتضح من خالله بشكل خاص تشبيك لكال‬
‫املظهرين‪ .‬وسوف نكتفي هنا باإلشارة فقط إىل الدرجة العالية من التأصيل‬
‫واإلثبات للطرق االستعرافية‪-‬العالجية السلوكية ملعاجلة طيف واسع من‬
‫تشكيالت املشكالت املختلفة‪ .‬‬

‫‪ .4‬الطب السلوكي‬
‫تم تطبيق املبادئ العالجية السلوكية باألصل لعالج االضطرابات النفسية فقط؛‬
‫إال أن هذا قد تغري بشكل كبري منذ حوايل أواسط السبعينيات من القرن العرشين؛ أما‬
‫األسباب املؤدية لذلك فقد كانت األسباب التالية من ضمن أسباب أخرى‪:‬‬
‫أ‪ -‬يأخذ الطب السلوكي بعني االعتبار الفهم املتغري للصحة واملرض من‬
‫حيث أن الصحة واملرض ال يمثالن حالتان قابلتان لالنفصال؛ ففي‬
‫إطار نموذج اجتامعي نفيس بيولوجي تلعب العوامل النفسية أو املظاهر‬
‫السلوكية دور ًا مه ًام يف كل األمراض‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ب‪ -‬مل تربهن املبادئ العالجية السلوكية فاعليتها يف االضطرابات النفسية‬


‫باملعنى الضيق فحسب‪ ،‬وإنام كذلك يف األمراض اجلسمية بوصفها‬
‫مؤثرة جد ًا لتعديل املؤرشات املرتبطة بشكل وثيق مع املرض (عىل‬
‫سبيل املثال سلوك املرض؛ املطاوعة ‪Compliance‬؛ مواجهة املرض)‪.‬‬
‫ت‪ -‬فيام يسمى باالضطرابات واألمراض السيكوسوماتية يعد املدخل‬
‫العالجي النفيس منذ أمد بعيد مفيد؛ فداخل منظور الطب السلوكي ال‬
‫يتعلق األمر كثري ًا بديناميكية الرصاع النفسية الداخلية يف األمراض‬
‫السيكوسوماتية التقليدية (الربو الشعبي‪ ...‬الخ)‪ ،‬وإنام يتعلق األمر‬
‫أكثر بفهم مناسب (تفسري) و تعديل ممكن لتلك الرشوط الوظيفية التي‬
‫البد من اعتبارها املحددات احلاسمة لالضطراب أو املرض (أنظر‬
‫أعاله التحليل الوظيفي)‪.‬‬
‫ث‪ -‬تنبثق نقطة تركيز خاصة جد ًا للطب السلوكي يف األمراض املزمنة؛‬
‫فهذه تكتسب يف إطار تعديل طيف األمراض دائ ًام أمهية متزايدة‬
‫االطراد‪ .‬وبالتحديد يف األمراض املزمنة (عىل سبيل املثال مرض‬
‫السكري‪ ،‬األمل املزمن ‪ ...‬الخ) ال يكمن ً هدف العالج اجلسدي‬
‫بالتحديد بالشفاء و إنام يف املواجهة‪ ،‬يف التعامل املقبول من أجل نوعية‬
‫حياتية مستقبلية مع املرض‪ .‬وهنا تلعب مبادئ علم النفس دور ًا مطرد‬
‫األمهية‪.‬‬
‫ج‪ -‬إن الرعاية الصحية ذات التوجه اجلسدي اخلالص ال تتالءم مع الرؤية‬
‫الراهنة للصحة واملرض و ال مع حاجات املعنيني‪ .‬يضاف إىل ذلك أن‬
‫النظام الصحي يصطدم بحدود إمكانات التمويل‪ .‬هلذا ينبغي‬
‫للنشاطات الذاتية‪ ،‬و املسؤولية الذاتية و مظاهر الوقاية أن تتقدم لتحتل‬
‫مركز الصدارة‪ .‬وهذه هي مظاهر خاصة حتظى بالتحديد يف املدخل‬
‫الطبي السلوكي بمراعاة خاصة‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يستند الطب السلوكي بدرجة عالية عىل وجهة نظر البني ختصصية‬
‫‪Interdisciplinary‬واملبدأ املنظومي؛ وهذا يتجىل أيض ًا يف تعريف الطب السلوكي‬
‫)‪: (Schwarz & Weiss 1978‬‬
‫"يقصد بالطب السلوكي املبدأ البني ختصيص‪ ،‬يسعى فيه اإلنساين لتطوير ودمج‬
‫املعرفة واألساليب‪ ،‬املهمة من جانب العلوم الطبية السلوكية والطبية البيولوجية ملشكلة‬
‫الصحة و املرض‪ .‬ويتم استخدام هذه املعرفة وهذه األساليب للوقاية و للتشخيص‬
‫واملعاجلة و إعادة التأهيل" (ص‪.)50‬‬
‫ومن الواضح أن اإلقرار بالبني ختصصية و بنموذج اجتامعي‪-‬نفيس‪-‬بيولوجي مل‬
‫جيعل أسئلة التطبيق حتل من تلقاء نفسها‪ ،‬إال أنه علينا أن ننظر ملراعاة املظاهر النفسية‬
‫وبشكل خاص املظاهر السلوكية يف البحث والرعاية الصحية بوصفه تقدم ًا واضح ًا‬
‫باالرتباط مع مشكالت الصحة واملرض‪.‬‬

‫‪ .5‬التقويم‬
‫يعني العالج السلوكي إجراء ًا مستمر ًا؛ فمن أجل ضامن نوعية اإلجراء العالجي‬
‫يمكن ذكر جمموعة كاملة من االسرتاتيجيات التي متتلك تقاليد راسخة يف طرق البحث‬
‫بشكل عام ويف تقويم األساليب العالجية السلوكية بشكل خاص )‪.(Kazdin,1994‬‬
‫وبالتحديد بالنسبة للمامرسة العالجية السلوكية تبدو مبادئ حتليل احلالة الفردية و‬
‫اإلجراء التحلييل الفردي ذات أمهية كبرية‪ .‬فاملعاجلون يتعاملون يف العادة مع احلالة‬
‫الفردية التي يمكن توثيقها بمعنى املامرسة املضبوطة و يمكن معاجلتها بوصفها أساس‬
‫للتقويم املنهجي‪.‬‬
‫ويقصد بالتقويم احلكم الذي هو أبعد من جمرد التحديد أو القياس للفاعلية‬
‫العالجية فيام يتعلق باملعايري املركزية؛ فاملقصود هبذا بشكل خاص املحكات من منظور‬
‫املريض (عىل سبيل املثال أمهية تعديل ما واستمراريته) و وجهات النظر فيام يتعلق‬
‫التكاليف و الفائدة و التوليف بينهام يف احلكم عىل أسلوب عالجي‪ .‬وتعد هذه املظاهر‬

‫‪386‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يف النظام الصحي –وبشكل خاص حتت كلمة الرس "ضامن اجلودة"‪ -‬أساسية و هلذا‬
‫البد من جعلها األساس الكامن خلف التقويم لألساليب العالجية السلوكية‪ .‬ومن‬
‫أجل العرض التوضيحي راجع الفصل العارش من هذا الكتاب)‪.‬‬

‫العالج كعملية تعديل‪-‬منوذج متدرج للعالج السلوكي‬


‫يف املقدمة تم النظر للعالج السلوكي بأنه العملية التدرجيية حلل املشكلة‪ ،‬يفرتض‬
‫للمريض\املتعالج أن يكون مشارك ًا فيها منذ البداية بفاعلية‪ .‬وما يميز العالج السلوكي‬
‫بشكل خاص هو اإلجراء التدرجيي أو الذي يسري عىل مراحل املتالئم مع إمكانات نمو‬
‫املريض املعني‪ .‬ويمثل النموذج الذي طوره كل من كانفر و غريم ‪Kanfer & Grimm‬‬
‫)‪ (1981‬أو كانفر و شيفت )‪ Kanfer & Schefft (1987,1988‬املكون من سبعة مراحل‬
‫للعملية العالجية نموذج اسرتشاد عام جد ًا وبالتايل فهو مرن جد ًا‪ .‬وقد تم تعديل هذا‬
‫النموذج بالنسبة للمحيط الناطق باألملانية & ‪(Kanfer, Reinecker‬‬
‫)‪Schmelzer,1996‬وسوف نعرض له فيام ييل؛ وقد ركزنا هنا عىل املرحلة األوىل وعىل‬
‫اخلطوات يف العملية العالجية‪ ،‬ألنه قد ظهر بأن هذه مهمة بشكل خاص لنجاح التدخل‬
‫العالجي‪.‬‬

‫منوذج من سبع مراحل للتعديل العالجي‬


‫يتضمن هذا النموذج تسلسل خلطوات منفردة حتظى بأمهية مركزية يف جمرى‬
‫التدخل؛ وبشكل مثايل يتم املرور باخلطوات املنفردة بالتسلسل املوصوف‪ .‬إال أن‬
‫اخلطوات منفردة ليس بالرضورة هلا أن تتطابق مع اجللسة العالجية كام أن املراحل‬
‫منفردة تتوافق مع نموذج اسرتشادي أكثر مما تتوافق مع املامرسة امللموسة‪.‬‬
‫ويفرتض أن يتضح مبارشة من النموذج بأن استخدام الطرق العالجية اخلاصة‪،‬‬
‫التي يتامهى معها العالج السلوكي‪ ،‬يتفق مع مرحلة واحدة(أال وهي املرحلة اخلامسة)‬
‫ويف احلالة املثالية يفرتض املرور يف العملية العالجية بكل املراحل ومعاجلتها‪ .‬وقد تم‬

‫‪387‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يف الشكل (‪ )9‬عرض النموذج ختطيطي ًا‪ .‬وكنقاط أساسية تم يف األطوار األساسية‬
‫معاجلة املواضيع التالية (بالنسبة لألطوار أو املراحل منفردة فقد تم التعرض للمظاهر‬
‫اجلوهرية)‪.‬‬

‫املرحلة األوىل‪ :‬حتقيق شروط انطالق مالئمة‬


‫إىل جانب توضيح املسائل التنظيمية اخلالصة يتعلق األمر يف املرحلة األوىل بإنجاز‬
‫عالقة معالج‪-‬متعالج تعاونية؛ وهنا يتم توضيح توقعات املتعالج و يقدم هنا املعالج‬
‫عرض ًا للمساعدة املتخصصة‪ .‬و يف االتصال األول تقريب ًا حياول املعالج توضيح املسائل‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ ‬ثالثة أسئلة أساسية لالتصال األول‬


‫‪ .1‬ملاذا يأيت شخص ما يف هذا الوقت إىل العالج؟ (ما الذي قاد بالتحديد‬
‫اآلن؟ ملاذا مل يأيت قبل أو بعد؟)‪.‬‬
‫‪ .2‬ملاذا يأيت الشخص يل؟ (من نصحه؟ كيف عرف عني أو عن املؤسسة؟)‬
‫‪ .3‬ألي سبب يأيت للعالج؟ (ما هي "األعراض املمثلة"؟ ما هي األسباب‬
‫الظاهرية والضمنية املوجودة بالنسبة لبداية العالج؟ كيف ينبغي صنع‬
‫املوقف كي ال يعود العالج رضوري ًا‪ ...‬؟)‪ .‬‬

‫فحتى يف املرحلة األوىل حيدث توضيح أويل لشكاوى املريض التي حتتل مركز‬
‫الصدارة (بمعنى الغربلة ‪ .)screening‬أما التحليل املعمق والتفصييل للشكاوى –أي‬
‫حتليل الشكاوى بوصفها مشكلة نفسية‪ -‬فيتم يف اخلطوات التالية من العملية العالجية‪.‬‬
‫وتتضمن املرحلة األوىل بناء الثقة التي البد للمتعالج أن يمتلكها باملعالج؛ و يف هناية هذه‬
‫املرحلة تقريب ًا يفرتض للمريض أن ينظر للتعاون املستقبيل مع املعالج كمرشوع يستحق‬

‫‪388‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العمل عليه‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬بناء دوافع التعديل‬


‫‪(Schneider, 1991,‬‬ ‫تعد املتغريات الدافعية من العوامل املهمة للتعديل العالجي‬
‫)‪ .Meichenbaum & Turk,1994‬ويقصد بالدوافع االستعداد امللموس للمريض‬
‫للتعديل؛ و يشرتط العالج توضيحها و تنميتها يف االتصال العالجي (عىل سبيل املثال‬
‫من خالل بناء املنظور؛ هتديم اليأس‪ ...‬الخ) لتفسري أو توضيح دافعية املريض والختيار‬
‫جمال التعديالت البد من توضيح املسائل الدافعية التالية مع املريض‪:‬‬

‫‪ ‬مخسة أسئلة دافعية أساسية للمتعالج‬


‫‪ .1‬كيف ستكون حيايت إذا ما تغريت؟‬
‫‪ .2‬كيف سأكون أفضل إذا ما تغريت حيايت؟‬
‫‪ .3‬أأستطيع حتقيق ذلك؟‬
‫‪ .4‬ما الذي عيل أن أستثمره من أجل التعديل؟ ("أيستحق" األمر؟)‬
‫‪ .5‬هل أستطيع االعتامد عىل دعم هذا املعالج (وهذه املؤسسة)؟‬
‫‪‬‬

‫املهم بالنسبة لبناء دوافع تعديل هو أال يظل هذا مقترص ًا عىل املجال اللفظي (بمعنى‬
‫اإلقرار باملقاصد)؛ بل عىل املريض أن يعيش بشكل ملموس كلية (من خالل أمثلة‬
‫بسيطة‪ ،‬اخلطوات األوىل لسلوك جديد)‪ ،‬الطريقة التي يمكنه فيها أن يسهم نفسه‬
‫بالتعديل‪ .‬ومن أجل توضيح الدافعية ينبغي معرفة أي جمال من جماالت املشكلة ممكن‬
‫تعديله أو يف أي جمال من املمكن أن يتعلم املريض تقبلها‪ .‬و من بني ذلك يقع أيض ًا‬

‫‪389‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫توضيح املجاالت غري املشكلة و اجلوانب القوية املوجودة و الكفاءات يف ذخرية‬


‫املريض‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة‪ :‬حتليل السلوك‬


‫وحيدث هنا وصف دقيق للشكاوى الذاتية املوصوفة يف البدء للمريض عىل‬
‫املستويات املختلفة؛ يضاف إىل ذلك التحليل الوظيفي‪ ،‬أي حماولة وضع مشكالت‬
‫املريض يف عالقة بالرشوط املطابقة‪ .‬وحيصل حتليل السلوك يف العادة عىل املستويات‬
‫املختلفة‪ ،‬أي من حتليل صغري ‪(Microanalysis‬بمعنى السامت النفسية الفردية) وصوالً‬
‫إىل التحليل الكبري أو الواسع ‪ ،Macro analysis‬أي حتليل االرتباطات يف املجال‬
‫الزوجي و األرسي و االجتامعي‪.‬‬
‫جوهر حتليل السلوك هو بناء نموذج رشوط فريض‪ ،‬أي فرضيات وختمينات حول‬
‫الرشوط املحافظة عيل استمرارية مشكلة ما‪ .‬و من أجل التوضيح يالئم عىل األغلب‬
‫املجال اجلزئي لنموذج املنظومة املعروض يف شكل (‪.)10‬‬
‫إن إنشاء نموذج املنظومة ‪system model‬يساعد املعالج عىل وضع املشكلة‬
‫املوجودة لدى املريض يف سياق الرشوط املمكنة (التحليل الوظيفي)‪ .‬و يف الصورة‬
‫املثالية يقدم نموذج الرشوط إرشادات ملموسة إىل تلك املتغريات يمكن أن تكون‬
‫موصلة لتعديل املشكلة‪ .‬أما اختيار نقاط االستناد العالجية فتنبثق عن الطور التايل‬
‫(حتليل اهلدف)‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪391‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املرحلة الرابعة‪ :‬االتفاق على األهداف العالجية‬

‫‪S‬‬ ‫منظومة‬ ‫‪Consequenc‬‬


‫‪R‬‬
‫التنظيم الذايت‬ ‫‪e‬‬
‫رشوط موقفية‬

‫املشكلة عىل‬
‫املستويات‬
‫املختلفة‬

‫شكل (‪ :)10‬عرض للنقاط املركزية لنموذج املنظومة‬

‫وهنا حيصل بني املعالج و املتعالج اتفاق عىل األهداف التي ينبغي السعي نحوها؛‬
‫و ينبثق هذا االختيار من حتليل السلوك (املرحلة الثالثة) هلذا وضع األهداف يتضمن‬
‫دائ ًام مظاهر معيارية بشكل جزئي‪.‬‬
‫وغالب ًا ما تكون األهداف املصاغة يف البداية من املريض أقل حتديد ًا عدا عن أهنا‬
‫عادة ما تكون مصاغة بصورة سلبية ("‪ . ...‬أريد أن أعود كام كنت يف السابق‪. ...‬‬
‫"‪ . ..."،‬ينبغي أن يزول االكتئاب‪ .)" ...‬ويشرتط االتفاق عىل األهداف يف كثري من‬
‫احلاالت توضيحها؛ ومن ضمن هذا تدريج األهداف العالجية اجلزئية و كذلك توضيح‬
‫عالقة األهداف العالجية بتصورات القيم واملعايري عند املريض (بمعنى أهداف احلياة)‪.‬‬
‫وكإمكانية لتوضيح اهلدف و القيمة توجد يف العملية العالجية جمموعة من‬
‫االسرتاتيجيات‪ .‬وسنشري إىل أمثلة عنها هنا‪:‬‬
‫‪ -‬استعارة حقيبة الظهر‪ :‬حيمل املتعالج حقيبة ظهر مملوءة بمشكالته؛ ومع تقدم‬

‫‪392‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫التجوال يرمي مشكلة تلو األخرى‪.‬‬


‫‪ -‬كعكة احلياة‪ :‬هنا عىل املرىض أن يعرضوا أو يرسموا قيمة أو أمهية مشكلتهم يف‬
‫سياق املجاالت احلياتية األخرى عىل شكل "ختطيط الكعكة" (من نحو‬
‫الرشاكة‪ ،‬وقت الفراغ‪ ،‬العمل‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫‪ -‬الساحر اجليد‪ :‬هنا تعطى للمتعالج مهمة أن يتصور أن مشكالته قد "اختفت‬
‫بشكل سحري"؛ إال أنه من املهم بالنسبة للساحر أن يعطي صياغات أهداف‬
‫مصاغة بصورة جديدة جد ًا وملموسة و إجيابية التي عىل املريض أن حيققها‬
‫عندئذ‪.‬‬
‫هذه اإلمكانية و كثري غريها تساعد املتعالج عىل تصور تطورات إجيابية بالنسبة له‬
‫واالبتعاد عن "سجن" مشكالته و تويل مساعي التعديل العالجي عىل عاتقه‪ .‬وبعد‬
‫االتفاق عىل األهداف العالجية ينبغي دون تباطؤ االنتقال إىل اخلطوات األوىل للتعديل‪.‬‬

‫املرحلة اخلامسة‪ :‬تنفيذ العالج‬


‫من الصعب فصل هذه املرحلة عن املراحل األخرى ألن اخلطوات األوىل من‬
‫التعديل قد حصلت يف االتصال األول (عىل سبيل املثال مجع املعلومات‪ ،‬الواجبات‬
‫البيتية‪ .) ...‬ويف احلالة املثالية يتعلق األمر يف هذه املرحلة بتخطيط واستخدام األساليب‬
‫العالجية امللموسة‪ .‬إن اختيار اسرتاتيجية تعديل مبدئية تتم عىل خلفية مشكلة املريض‬
‫مع االستناد إىل أهداف املريض‪ .‬وهنا حتتاج طريقة العالج اخلاصة(عىل سبيل املثال بناء‬
‫السلوك الواثق يف متارين الثقة بالنفس) التالؤم امللموس واملفصل مع ظروف احلياة‬
‫الفردية‪ .‬وبالنسبة الختيار االسرتاتيجيات العالجية توجد جمموعة من القواعد املمكنة‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬مبدأ التدخل األدنى؛ وهذا املبدأ يتضمن اختيار الطرق ذات التكاليف األقل و‬
‫استغالل إمكانات املساعد\ة الذاتية للمريض‪... ...‬‬

‫‪393‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬مبدأ اخلطوات الصغرية‪ :‬مالئمة اخلطوات مع اإلمكانات الفردية و الرشوط‬


‫الدافعية من جانب املريض‪، ...‬‬
‫‪ -‬مراعاة تقبل تدخل ما من خالل املريض‪ :‬املقصود هنا بشكل خاص التوصيل‬
‫الشفاف لإلجراء (نموذج املعقولية ‪)Plausible Model‬؛ يضاف إىل ذلك حفز‬
‫املريض لتحمل اخلطوات املرهقة لعملية التعديل‪.‬‬
‫عند اختيار االسرتاتيجيات العالجية يمكن يف هذه األثناء اإلشارة إىل بحر واسع‬
‫من املراجع املهمة؛ وهذه املراجع مصممة إما عىل أساس صور االضطراب أو عىل‬
‫الطرق العالجية (_أنظر جدول ‪.)14‬‬

‫املرحلة السادسة‪ :‬تقويم التقدم‬


‫مع تطبيق أسلوب عالجي ينبغي أن خيضع هذا األسلوب إىل التقويم املستمر‪.‬‬
‫وحتى العالجات الناجحة من حيث املبدأ حتتاج إىل هذا االختبار أيض ًا يف احلالة الفردية‪.‬‬
‫و يتم حتقيق التقويم يف احلالة املثالية من خالل التوليف بني اسرتاتيجيتني‪:‬‬
‫‪ -‬من خالل تقويم قبيل‪-‬وبعدي‪ ،‬أي من خالل مقارنة بني حالة املريض قبل و‬
‫بعد التدخل‪ ،‬و؛‬
‫‪ -‬من خالل قياس عالجي للمتغريات احلرجة؛ وتعترب هذه ذات أمهية عالية جد ًا‬
‫بشكل خاص بالنسبة للتوجيه الدقيق لإلجراء العالجي و للحكم عىل أحجار‬
‫البناء العالجية الفاعلة‪.‬‬
‫إال أن التقويم ال يعني فقط عرض (أو رسم) للتعديل وإنام من خالل التقويم فيام‬
‫يتعلق بمحكات التعديل‪ .‬كام ينطبق عىل التقويم أن هذه املرحلة ينبغي أن ينظر إليها‬
‫عىل أهنا شاملة‪ ،-‬أي متس عدة خطوات للعملية العالجية‪.-‬‬
‫وبالنسبة للمامرسة العملية هناك إمكانات التقويم يف تصويرة ختطيطية بسيطة‪ ،‬و‬
‫كذلك تناسب تسجيالت املريض حول جمرى تعديل ما بالنسبة للتوجيه الدقيق وكذلك‬

‫‪394‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫بالنسبة للتقويم؛ فمن أجل املقارنة العالجية الواسعة يتم استخدام اإلمكانات املختلفة‬
‫لقياس حتقيق اهلدف ‪.(Kiresuk & Sherman,1968) Goal -Attainment –Scaling‬‬
‫وهنا يتم تقويم إىل أي مدى يتقدم التعديل باجتاه هدف ما‪.‬‬

‫املرحلة السابعة‪ :‬تقديس النجاح‪/‬التعميم‬


‫يف هذه املرحلة اخلتامية يتعلق األمر بطرح أسئلة مفتوحة للتفسري و ربام حل‬
‫املشكالت املتبقية‪ .‬إىل جانب ذلك يفرتض ضامن تطبيق املظاهر املتعلمة إىل املامرسة‬
‫العالجية (أي إىل احلياة امللموسة للمريض)‪ .‬وحتتل كفاءة حل املشكلة أو كفاءة اإلدارة‬
‫الذاتية للمريض أمهية خاصة هنا‪.‬‬
‫وترتبط هناية العالج بالنسبة للمريض مع نوع من اخلطر ("ما الذي سيحدث لو‬
‫عاودتني حاالت القلق ثانية؟")‪ .‬هلذا حيتاج هذا اإلهناء ختطيط ًا دقيق ًا وحتضري للمريض‬
‫عىل الوقت ملا بعد العالج‪ .‬و كإمكانية خاصة هلذا يفيد هنا أيض ًا املعرب السرتاتيجية‬
‫ضبط الذات و اإلدارة الذاتية‪ ،‬وكذلك التخفيض التدرجيي للجلسات العالجية (كل‬
‫أسبوعني‪ ...‬ثم كل شهر‪) ...‬أو توصيل اسرتاتيجيات مرنة حلل املشكلة يف توقع‬
‫صعوبات جديدة ظاهرة‪.‬‬
‫واستناد ًا إىل غولدشتاين و كانفر)‪ Goldstein & Kanfer (1969‬و راينكر و‬
‫شميلترس)‪ ،Reinecker & Schmelzer (1996‬يمكن حتقيق االسرتاتيجيات التالية عند‬
‫التعميم‪:‬‬
‫‪ :1‬استخدام مبادئ التعلم حول التعميم (عىل سبيل املثال التدريب عىل ضبط‬
‫الذات)‪،‬‬
‫التمرن عىل أنامط جديدة من السلوك يف البيئة الطبيعية (عىل سبيل املثال التمرن يف‬
‫الواقع؛ واجبات منزلية بني اجللسات‪) ...‬‬
‫استخدام املنظومة االجتامعية للمريض (الرشيك‪ ،‬األرسة‪ ،‬العمل‪) ...‬‬

‫‪395‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫تعلم قواعد أو مهارات حل املشكلة و اإلدارة الذاتية (بمعنى تعامل استعرايف مرن‬
‫مع اسرتاتيجيات عالجية متعلمة؛ توقع الصعوبات‪.) ...‬‬
‫ومن أجل التعميم و تقديس النجاح هناك أيض ًا ختطيط دراسات بعدية ‪Follow-‬‬
‫‪up‬؛ وهنا يظهر فيام إذا بقيت التأثريات العالجية بعد انتهاء العالج ثابتة‪ .‬ويتعلق اختيار‬
‫زمن املتابعة بطبيعة املشكلة و حسب اإلمكانات امللموسة للمريض و املعالج (يف العادة‬
‫بني السنة والنصف حتى السنتني)‪.‬‬
‫ويف اخلتام ينبغي يف نموذج العملية اإلشارة إىل أن األمر يتعلق بنموذج مثايل‪ ،‬إال‬
‫أنه أثبت نفسه عىل أنه مفيد جد ًا من أجل تصميم العملية العالجية‪.‬‬

‫عرض‪ :‬حول دور العالقة العالجية يف العالج السلوكي‬


‫‪‬حتى الرجوع إىل املراجع التقليدية يف العالج السلوكي (ولبي‪،‬‬
‫الزاروس‪ ،1966 ،‬ولبي‪ ) 1969 ،‬يظهر أنه قد تم منح بناء العالقة العالجية‬
‫أمهية كبرية‪ .‬ويف دراسات املقارنة العالجية للتحليل النفساين والعالج‬
‫السلوكي ظهر أن املعاجلني السلوكيني كانوا متفوقني يف متغريات بناء العالقة‬
‫العالجية (مقاسة بمقياس العالج النفساين املتمركز حول املتعالج) عىل‬
‫معاجلي التحليل النفيس‪.‬‬
‫وقد تم النظر باستمرار لنوعية العالقة العالجية يف العالج السلوكي عىل‬
‫أهنا مهمة‪ ،‬ولكن عىل األغلب متغرية خلفية "غري نوعية" ألن املرء مل يبذل لفرتة‬
‫طويلة جهده يف تفحص املتغريات املهمة للعالقة العالجية و توضيحها نظري ًا؛‬
‫إال أهنا كمتغريات خلفية ضمنية كانت دائ ًام مهمة‪ .‬وقد تغري األمر يف السنوات‬
‫الثالثني األخرية‪ :‬إذ يتم دراسة وحتليل متغريات العالقة العالجية كمتغريات‬
‫واضحة‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫فقد توصل شيندلر ‪ Schindler,1991‬عىل سبيل املثال يف حتليل تفاعيل‬


‫مفصل و مكلف للعملية العالجية إىل املظاهر التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حيدث بناء العالقة العالجية برسعة كبرية –يف العادة قبل أن يمكن أن‬
‫تصبح الطرق العالجية النوعية فاعلة‪.‬‬
‫‪ -‬كمظهر أسايس للعالقة العالجية ينبغي أن يظهر من جانب املعالج الدعم‬
‫والتوضيح العالجي‪ ،‬ومن جانب املريض املبادئ األوىل للتعديالت‪ ،‬أي‬
‫بشكل خاص املتغريات الدافعية و مظاهر التوقع‪.‬‬
‫‪ -‬مظاهر العالقة هي مظاهر أساسية للنجاح العالجي؛ إذ يتعلق نجاح‬
‫التدخل العالجي بدرجة كبرية بإنجاز متغريات عالقة مالئمة‪.‬‬
‫وقد تم إعادة تأكيد هذه النتائج أكثر من مرة‪ .‬ففي دراسة االكتئاب لدي‬
‫يونغ وآخرين )‪ (De Jung et al. ,1992‬ظهرت أوىل التغريات امللموسة منذ‬
‫اجللسة األوىل لعملية التفاعل العالجية‪ .‬وهنا مل تكن الطرق العالجية قد‬
‫طبقت بعد‪ ،‬بحيث أنه ينبغي النظر ملظاهر العالقة وتوقعات التعديل‪ ...‬الخ‬
‫بأهنا حاسمة‪.‬‬
‫وكذلك يف نموذج املراحل املذكور أعاله للتعديالت العالجية (شكل‬
‫‪ ،)9‬حيتل بناء العالقة العالجية املثالية يف اخلطوات األوىل أمهية كربى؛ إال أن‬
‫العالج السلوكي ال يظل واقف ًا عند بناء العالقة فحسب بل أنه يصعب بشدة‬
‫فصل البناء املثايل للعالقة عن استخدام الطرق العالجية‪ :‬إذ أن توقعات‬
‫املريض و الثقة باملعالج و التوضيح والدعم من خالل املعالج يف اجللسات‬
‫األوىل حتتاج إىل حتويل إىل عمليات تعديل ملموسة‪ .‬وينبغي حل التوقع‬
‫والثقة‪ ،‬وحيتاج دعم املعالج و توضيحه إىل تطبيق واقعي يف خربة ملموسة‬
‫للمريض‪ .‬و هبذا الشكل ال تظهر نوعية العالقة العالجية إال يف التطبيق يف‬
‫أثناء العمل العالجي‪ ،‬عىل سبيل املثال يف إطار جمرى عالجي شاق ومرهق عىل‬

‫‪397‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫األغلب‪ .‬ويبدو من البدهيي أن يصبح التدريب يف بناء العالقة العالجية (عىل‬


‫سبيل املثال من خالل املظاهر اخلاصة إلدارة اجللسة‪ ،‬من خالل اللجوء إىل‬
‫املظاهر االجتامعية النفسية للتفاعل)‪ ،‬جزء ًا أساسي ًا من تأهيل املعاجلني‬
‫املستقبليني‪.‬‬

‫تشخيص السلوك و حتليل السلوك‬


‫للتشخيص يف العالج السلوكي تقاليد طويلة؛ فمن املنظور التارخيي ترتبط القيمة‬
‫العالية للتشخيص بشكل خاص مع تطور علم نفس االختبارات (القياس النفيس) و‬
‫أساليب التشخيص التفريقي داخل علم النفس اإلكلينيكي‪ .‬ويمكن رؤية اجلانب‬
‫اآلخر هلذا التطور بأن علم النفس اإلكلينيكي –وبشكل خاص املؤسسات الطبية‬
‫النفسية‪ ،‬وكذلك التوجيه الرتبوي يف علم النفس املدريس ‪ ...‬الخ‪ -‬قد اقترص عىل هذا‬
‫النشاط (الذي قد يكون مه ًام)‪ .‬ويف امليدان العميل مازال هذا يتجىل يف أن املتخصصني‬
‫النفسيني يقومون بإعداد تقارير تشخيصية تفصيلية ومؤسسة وشاملة حول املشكلة‪،‬‬
‫التي قلام تستتبع يف العادة نتائج عملية‪.‬‬
‫وقد تغري هذا املوقف من خالل ظهور وتأصيل األساليب العالجية السلوكية يف‬
‫إطار الرعاية الصحية (العالج النفساين املتمركز عىل املتعالج الذي تم تأسيسه يف‬
‫أربعينيات القرن العرشين ختىل ضمني ًا عن األساليب التشخيصية)‪ .‬و هنا ظهر برسعة‬
‫أن العودة إىل االختبارات أو ما يسمى بالتشخيص التقليدي مل يكن ممكن ًا‪ :‬فمضامني‬
‫التشخيص التقليدي وأسسه ختتلف بشكل كبري عن التشخيص السلوكي وهذا ما ينبغي‬
‫توضيحه‪.‬‬

‫التشخيص كتفسري‬
‫;‪(westmeyer,1975‬‬ ‫التشخيص أساس ًا هو حماولة لتفسري موضوع خاص‬
‫)‪ :Shulte,1976‬إذ يتم البحث عن القانونيات النفسية و الرشوط اهلامشية التي يمكن أن‬

‫‪398‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫تقدم لنا تفسري ًا حلدث حمدد‪ .‬ويمكن توضيح بنية مثل هذا التفسري من خالل مثال‬
‫مقتبس عن شتيغموللر ‪:Stiegmueller,1974‬‬
‫ق‪ 1‬ق (قانونيات علم النفس‪ ) ...‬عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫ن‬ ‫‪...‬‬

‫‪ -‬النامذج النظرية من الضغط و أحداث احلياة احلرجة‪.‬‬


‫‪ -‬النامذج النامئية النفسية حول األطوار النوعية لالستعداد (القابلية لإلصابة‬
‫‪ )vulnerability‬و مواجهة األزمات‪.‬‬
‫‪ -‬النامذج النفسية‪-‬اإلكلينيكية حول نشوء اضطرابات الضغوط التالية للصدمة‪.‬‬
‫ش (الرشوط السابقة‪ ،،antecedence condition‬التي حتدد رشوط‬ ‫ن‬ ‫ش‪1‬‬
‫‪. . ... ...‬‬

‫املنطلق األساسية يف حلظة حمددة ‪) ...‬عىل سبيل املثال‪:‬‬


‫‪ -‬تراكم األحداث احلياتية احلرجة لدى الشخص (ش) يف حلظة حمددة‪.‬‬
‫‪ -‬بيانات حول مسألة القابلية لإلرهاق و إمكانات املواجهة عند الشخص‪.‬‬
‫‪ -‬إشارات أو دالالت حول انعدام املخرج من موقف حمدد التي يمكن أن تقود‬
‫إىل اضطرابات الضغوط ما بعد الصدمة‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪‬مثال‪" :‬الشخص (ش) يعاين منذ أربعة سنوات من اضطرابات‬
‫قلق شديدة يمكن وصفها باضطرابات الشدة التالية للصدمة"‪ .‬‬

‫وتوضح البنية املذكورة أعاله للتفسري العلمي إىل حد ما تصور‪ ideal‬اإلجراء‬


‫التشخييص؛ وهنا يتضح مبارشة بأن التفسري يف علم النفس ال يستطيع إال وأن يقارب‬
‫هذا التصور‪ :ideal‬ويتعلق هذا بالرشوط املناسبة للتفسري العلمي من جهة ومن جهة‬
‫أخرى مع مشكلة النظريات والوصوفات العلمية يف علم النفس‪ .‬والنامذج النظرية‬
‫عبارة عن نامذج مؤقتة ونامذج احتاملية؛ فالوصوفات تتم دائ ًام يف ضوء الفرضيات‬

‫‪399‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫النظرية‪ ،‬بحيث أن التفسريات ال يمكن أن تتم إال من خالل وصوفات خاصة مصبوغة‬
‫نظري ًا‪ .‬هلذا يقترص املرء يف علم النفس و العالج السلوكي عىل التفسريات اجلزئية أو‬
‫غري املكتملة‬

‫التشخيص التقليدي و تشخيص السلوك‬


‫ينطبق النموذج املذكور للتشخيص كتفسري عىل تشخيص السلوك والتشخيص‬
‫التقليدي بالطريقة نفسها؛ ولكن هناك فرق مضموين (ولكن ليس بنيوي ًا) يكمن يف أن‬
‫كال املبدأين يرجعان إىل نظريات من مصادر خمتلفة‪ .‬وهذا يشري إىل فرق حاسم جد ًا بني‬
‫التشخيص التقليدي و تشخيص السلوك‪ ،‬قام كانفر وساسلو‪Kanfer & Saslaow‬‬
‫بتوضيحه يف سنوات الستينيات من القرن العرشين و بصيغة رائعة جد ًا من غولدفريد‬
‫وكينت ‪:Goldfried & Kent, 1972‬‬
‫ففي التشخيص التقليدي يتم (بتبسيط) النظر للطر وحات و االستجابات‬
‫املالحظة ‪ ...‬الخ يف موقف اختبار كداللة عىل بنية شخصية شاملة؛ ومن أجل هذا‬
‫يتطلب األمر فرضية نظرية‪ ،‬حول الطريقة التي ترتبط فيها استجابات االختبار النوعية‬
‫مع بناء ما (يف العادة يتعلق األمر بنظرية للشخصية كامنة خلف ذلك)‪.‬‬

‫‪‬مثال‪ :‬إجابة االختبار "حوض إنساين" عىل اللوحة ‪V‬من اختبار‬


‫رورشاخ يتم تفسريها عىل أهنا داللة عىل جنسية مثلية (كامنة)‬
‫للمفحوص‪ .‬وكنموذج خلفي نظري يفيد النموذج النفيس الدينامي‬
‫حول اجلنسية املثلية‪ ،‬حول إدراك مثريات نوعية يف موقف اختبا رحول‬
‫احتاملية تعبري ما للمفحوص‪ .‬‬

‫وبالنسبة للتشخيص التقليدي يتم بالرضورة احلديث عن مبدأ الدالالت‬

‫‪400‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫)‪ :(Goodenough,1994‬فاألقوال و أنامط السلوك ‪ ...‬الخ املقاسة يف موقف تشخييص‬


‫يمكن أن تعد كدالالت لسمة شخصية كامنة خلفها (أو اضطراباهتا)‪ .‬و يفرتض أن‬
‫تكون مسائل الصالحية ‪Reliability‬و الصدق ‪Validity‬املرتبطة باألساليب التشخيصية‬
‫التقليدية معروفة وهلذا لن يتم التطرق إليها هنا‪.‬‬
‫يف تشخيص السلوك يتم اعتبار طروحات واستجابات ‪ . .‬الخ شخص ما عىل أهنا‬
‫مقاطع نوعية للمجال الذي هنتم به؛ و من أجل هذا ال يتطلب األمر ختمينات حول‬
‫بناءات الشخصية‪ ،‬وإنام فرضية بأن اإلجابة أو نمط السلوك املظهر يف اختبار أو يف موقف‬
‫مالحظة له عالقة ما باملقطع املقصود أو املراد‪ .‬ويف احلالة املثالية يفرتض للسلوك يف‬
‫موقف مالحظة أن يمثل عينة من املجال الذي هنتم به‪ .‬وعىل عكس التشخيص‬
‫التقليدي يتحدث املرء هلذا عن "مبدأ العينة"‬

‫‪‬مثال‪ :‬الطروحات حول التكدر وحول فقدان املعنى‪ ...‬الخ وأنامط‬


‫سلوك عدم الفاعلية واالنسحاب االجتامعي‪ ...‬الخ تعد عينة ملجال املحك‬
‫"تعكر املزاج االكتئايب"‪ .‬‬

‫‪401‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫تشخيص السلوك‬ ‫التشخيص‬


‫التقليدي‬
‫بناء الشخصية (غير‬
‫أنامط سلوك قابلة‬ ‫سلوك املحك‬
‫قابل للمالحظة)‬
‫للمالحظة‪ ،‬بيانات‪. .‬‬
‫الخ‪ ،‬هي عينة للمجال‬
‫الذي هنتم به‬

‫بيان (ترصيح) ‪ ،‬سلوك‬


‫قابل للمالحظة‬

‫شكل (‪ )1‬خمطط للتفريق بني الفرضيات األساسية للتشخيص التقليدي و تشخيص السلوك‬

‫ويمكن توضيح الفرق اجلوهري بني التشخيص التقليدي و تشخيص السلوك من‬
‫خالل املوجز التايل (شكل ‪:)11‬‬
‫تكمن املسألة الرئيسية يف مبدأ العينة فيام إذا كان باإلمكان اعتبار السامت املقاسة يف‬
‫موقف حمدد ممثلة للمجال الذي هنتم به و إىل أي مدى يمكننا ذلك‪ .‬وطبق ًا ألسس‬
‫العالج السلوكي حياول املرء بشكل حتمي كلية مالحظة سلوك شخص ما يف املوقف‬
‫املطابق (املوقفية أو التفاعلية ‪ )Situationism or Interactionism‬وطبق ًا لذلك من‬
‫املحتمل أن يكون قياس الشكاوى يف العيادة لشخص ما يف موقف مقابلة قياس ًا‬
‫معلوماتي ًا‪ .‬إال أنه من املمكن هلذه املعلومات أال تعطي إال عينة جزئية و إىل حد ما‬
‫مشوهة جد ًا لسلوك املحك‪ .‬هلذا فإنه تتم املالحظة يف طرق القياس يف املواقف الطبيعية‬

‫‪402‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫التي تسمى يف تشخيص السلوك ‪.Via regia‬‬


‫و يقصد بالصدق ‪Validity‬بالنسبة لتشخيص السلوك إىل أي مدى تم النجاح‬
‫بانتقاء عينة ممثلة لسلوك املحك ‪ .criterion Behavior‬و هذه الرؤية‪ :‬الصدق بوصفة‬
‫متثيلية‪ representatively‬تعد بالنسبة لتشخيص السلوك مركزية‪ -‬ولكن ليست بال‬
‫مشكالت بأي شكل من األشكال‪ .‬فاختيار عينة سلوك املحك متتلك داخل حتليل‬
‫السلوك أمهية كربى‪.‬‬

‫مسات تشخيص السلوك‬


‫يف تشخيص السلوك انفصل املرء إىل حد ما عن فرضيات و أساليب التشخيص‬
‫التقليدي؛ و كان من نتيجة ذلك أن تطوير االسرتاتيجيات التشخيصية أصبح يعرج‬
‫خلف األساليب العالجية‪ .‬وتشخيص السلوك ال يمتلك طبيعة معرفية‪ ،‬وإنام يتبع‬
‫أهداف ًا خمتلفة‪ ،‬و التي سنناقشها فيام ييل باختصار‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫التأصيل ‪foundation‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪/Plausibility‬الشفافية ‪Transparence‬‬ ‫‪ -‬املقبولية‬
‫‪Relevance for Therapy Planning‬‬ ‫‪ -‬األمهية بالنسبة لتخطيط العالج‬

‫التأصيل‬
‫بام أن املرء بالنسبة لتشخيص السلوك أيض ًا يبقي عىل مطلب التفسريات فإن هذا‬
‫يتطلب حتقيق نوعية املطلب للمكونات املنفردة لنموذج التفسري‪ .‬وعىل مستوى التفسري‬
‫‪ Explanandums‬وصف ًا دقيق ًا قدر اإلمكان عىل مستويات عدة (أنظر فقرة مبدأ‬
‫املستويات املتعددة و مبدأ املنظومة الحق ًا)‪ .‬وهذا الوصف يكون أكثر دقة وموضوعية‬
‫كلام ظل أكثر قرب ًا من سلوك (عىل عدة مستويات) الشخص و كان تأثري التفسريات‬
‫والتقويامت الذاتية أقل‪ .‬وما يشبه ذلك يرسي عىل الرشوط السابقة ‪Antecedence‬‬
‫‪ ،Conditions‬التي عىل الرغم من أنه يمكن قياسها بدقة بالنسبة جلزء الرشوط املحافظة‬

‫‪403‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عىل االستمرارية ولكن ليس بالنسبة ملجال عوامل النشوء‪ .‬وفيام يتعلق برشوط القانون‬
‫يقصد بالتأصيل نوعية النامذج النظرية التي يمكن استخدامها للتفسري‪ .‬يف كل‬
‫التوصيفات للعالج السلوكي يتم االستناد إىل كامل جمال علم النفس و الفروع‬
‫التخصصية اجلارة بحيث يمكن للمرء أن يتبنى أفضل الفرضيات النظرية‪.‬‬
‫أما مسألة اختيار النامذج النظرية النوعية فتشري من جهة إىل نوع من التفضيل و‬
‫الذاتية‪ ،‬الذي من املمكن أن يكون مرغوب ًا يف الواقع بمعنى التعددية النظرية ‪theoretical‬‬
‫‪ pluralism‬وفق مبدأ (‪" ...‬كل الطرق تقود إىل روما‪.)" ...‬‬

‫املقبولية ‪Plausibility‬‬

‫يرتبط مطلب املقبولية مع مبدأ التأصيل؛ ويقصد مقبولية تشخيص السلوك بأن‬
‫نامذج تشخيص السلوك ينبغي أن تكون مصاغة بوضوح وشفافية بحيث يمكن فهمها‬
‫من املريض أو املتعالج وأن يتم جعلها مفيدة‪ .‬هلذا تعد املقبولية إىل جانب التأصيل‬
‫النظري سمة أساسية‪ ،‬ألن النامذج النظرية لعلم النفس تظهر إىل حد ما درجة من التعقيد‬
‫الذي قد يصعب فهمه من املريض‪ .‬وهذا جيب أال يفهم بأنه دفاع عن التبسيطية‪:‬‬
‫فشفافية اإلجراء العالجي ليست جمرد مطلب مهم (بمعنى حفز املريض‪ ...‬الخ‪ ،) ،‬وإنام‬
‫مقبولية التفسريات تتناسب أيض ًا مع حاجة مهمة للمريض نحو تفسري شكاواهم (العزو‬
‫السببي)‪ .‬باإلضافة إىل هذا يظهر باستمرار أن مقبولية ووضوح اإلجراء متثل سمة‬
‫عملية ‪process Trait‬مهمة جد ًا للعالج‪.‬‬

‫األهمية العالجية‬
‫ال يقوم املعالج باحلصول عىل املعلومات التشخيصية كهدف بحد ذاته و ليس من‬
‫أجل التوضيح للمريض (نموذج املقبولية)؛ بل أهنا تفيد كأساس مركزي لإلجراء‬
‫العالجي‪ .‬ويف كثري من التوصيفات للعالج السلوكي يتم وصف هذا عىل أنه نوع من‬
‫املعرب غري املتصل للتشخيص والعالج‪ .‬واملقصود هبذا أن مجع املعلومات يتم من منظور‬
‫تعديل ما‪ ،‬وأن مجع املعلومات ذاته (املالحظة الذاتية عىل سبيل املثال) تربهن تأثريات‬

‫‪404‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫عالجية‪ .‬ويقدم كل من التحليل الوظيفي و نموذج الرشوط الفريض (أنظر أدناه)‬


‫دالالت ملموسة عىل تشبيك السلوك اإلنساين مع الرشوط املوقفية واألرسية‬
‫واالجتامعية (وربام الفيزيائية)‪.‬‬
‫العالج السلوكي ال يعني كام يتم االدعاء خطأ يف بعض األحيان‪ ،‬مبدأ مبارش عىل‬
‫مستوى املشكلة؛ بل أن العالج يتضمن تعديل تلك الرشوط التي تسهم بشكل حاسم‬
‫يف استمرارية املشكلة (وهكذا ال يتم عالج مشكلة السلس اللييل عىل سبيل املثال بشكل‬
‫مبارش‪ ،‬وإنام من خالل تعديل رشوط هذه املشكلة)‪ .‬هلذا يتطلب هذا عىل مستوى‬
‫تشخيص السلوك حتليل الرشوط التي يمكن أن تتغري عندئذ يف خطوة عالجية (ما هي‬
‫هذه‪ ،‬فهي ضمن أمور أخرى مسألة حتديد اهلدف)‪ .‬ولكن هبذا يتضح أيض ًا أن تشخيص‬
‫السلوك و التخطيط للعالج وإجراء العالج تتداخل مع بعضها البعض يف املامرسة‬
‫العملية‪.‬‬

‫املبدأ متعدد املستويات‬


‫يف حتليل املشكالت اإلنسانية يركز املرء يف العالج السلوكي ‪-‬طبق ًا ألسسه‪ -‬بشكل‬
‫أسايس عىل سامت السلوك ‪Trait of Behavior‬؛ وال يقصد هبذا عىل اإلطالق املستوى‬
‫احل ركي القابل للمالحظة فقط (كام هو احلال إىل حد ما يف السلوكية املتطرفة‪ ،‬كام يراها‬
‫سكنر‪1974 ،‬عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫و تبع ًا القرتاح يستحق االهتامم كثري ًا والشائع جد ًا يف هذه األثناء قدمه النغ‬
‫)‪ (Lang,1971‬فإنه ال بد من مراعاة املستويات التالية عند التحليل‪.‬‬
‫‪Level of motoric-observable‬‬ ‫‪ .1‬مستوى السلوك القابل للمالحظة حركي ًا‬
‫‪Behavior‬‬

‫يقصد هبذا يف السياق العيادي كل أنامط السلوك القابلة للمالحظة التي تشكل أو‬
‫متثل جزء ًا من املشكلة‪ ،‬عىل سبيل املثال سلوك الطعام‪ ،‬اإليامءات‪ ،‬و اإلشارات‪،‬‬
‫استجابات اهلروب والتجنب‪ ...‬الخ‪ .‬وتكمن وظيفة املشخص يف مالحظة املظاهر‬

‫‪405‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املهمة بشكل مبارش و مستقل (دون تأثري أو تأثر) قدر اإلمكان وتسجيلها‪.‬‬
‫‪Level of subjective-Cognitive‬‬ ‫‪ .2‬مستوى العمليات االستعرافية‪-‬الذاتية‬
‫‪Processes‬‬

‫املقصود هنا حمتوى الشكاوى التي يعرب عنها عىل األغلب بشكل لفظي (عىل سبيل‬
‫املثال‪" ...‬أشعر بأين خائر القوى‪ ،‬متحطم‪ ..." . ...‬أشعر بنفيس طوال اليوم بعدم‬
‫اهلدوء و القلق‪ ... " ...‬الخ)‪ .‬إن حتديد و االهتامم هبذا املستوى االستعرايف هو نتيجة‬
‫حتمية من بني أمور أخرى للحالة املتمثلة يف أن آليات التمثل االستعرافية (األفكار‪،‬‬
‫التوقعات‪ ) . ...‬متثل عىل ما يبدو وسائط مهمة لالضطرابات اإلنسانية‪ .‬بل أن هذه‬
‫السامت االستعرافية تعديف كثري من احلاالت جماالً مركزي ًا لالضطراب النفيس (عىل‬
‫سبيل املثال أفكار قلق التوقع‪ ،‬األفكار القهرية‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫‪ .3‬مستوى احلدث الفيزيولوجي النفيس‪-‬اجلسدي‬
‫يشكل هذا املستوى الذي غالب ًا ما يعيشه املريض عىل أنه منترش ‪ diffuse‬يف كثري من‬
‫حاالت املشكالت اإلنسانية سبب ًا للقلق الشديد للمريض؛ فلنفكر باألعراض اجلسدية‬
‫املرافقة الستجابات الضغط أو بإدراك التغريات اجلسدية (إيقاع التنفس‪ ،‬رضبات‬
‫القلب‪ ) ...‬أو بالتقلبات الفيزيولوجية‪-‬اهلرمونية‪ .‬و يعد حتديد هذه املستويات النفسية‬
‫البيولوجية يف هذه األثناء من معايري اجلهود التشخيصية السلوكية‪.‬‬
‫وبمقدار ما يبدو تقسيم السلوك اإلنساين إىل هذه املستويات الثالثة املذكورة‬
‫واضح ًا و يف هذه األثناء بدهيي راًَ‪ ،‬إال أن ذلك مرتبط بسلسلة من الصعوبات & ‪(Eifer‬‬
‫)‪ .Wilson,1991‬فمن جهة أوىل نشري إىل املشكلة العملية بأن املعاجلني املتدربني بشكل‬
‫خاص يواجهون صعوبات يف أي جمال من املجاالت سيموضعون املشكلة و أي من‬
‫البيانات عليهم احلصول عليها (ما الذي ينبغي عيل سؤاله للمريض؟‪ ،‬ما الذي ينبغي‬
‫عيل مالحظته؟)‪ .‬وهذه األسئلة حمقة و مفهومة؛ فمن واجب التأهيل الالحق واملستمر‬
‫النفيس العيادي للمعاجلني املتدربني تسهيل املدخل للمشكالت النفسية‪ .‬فاملعرفة حول‬

‫‪406‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫سامت صور االضطرابات النوعية من جهة و توصيل تصويرات التحليل من جهة ثانية‬
‫تشكل عنارص مهمة للتأهيل الالحق واملستمر‪.‬‬
‫وهناك مشكلة أساسية أخرى لتحليل املشكالت اإلنسانية عىل املستويات املختلفة‪:‬‬
‫فعىل الرغم من أن املستويات املختلفة تشري إىل ارتباط ما‪ ،‬إال أنه علينا أن نأخذ بعني‬
‫االعتبار عدم التزامن أو التساوق‪ .asynchronization‬واملقصود هبذا أن املستويات‬
‫املختلفة للسلوك اإلنساين و االضطرابات اإلنسانية ال تظهر و تسري بأي شكل من‬
‫األشكال بشكل متجانس‪ .‬ففي كل االضطرابات تقريب ًا تظهر مستويات منفردة بقوة أو‬
‫ترتاجع )‪ .(Eifert & Wuilson,1991‬وقد تكون النتيجة النامجة عن هذا الوضع هي أنه‬
‫ال جيوز لنا االقتصار عىل حتديد مستوى واحد ونخلص منه إىل املستوى اآلخر‬
‫(االختزالية ‪ .)Reductionism‬بل أن تشخيص السلوك والتحليل عىل املستويات‬
‫املختلفة يتضمن االعرتاف بحقيقة أن السلوك اإلنساين يشمل عىل مستويات خمتلفة و‬
‫هو حمدد برشوط خمتلفة (التنظيم املتعدد ‪ .)Multiple Regulation‬فإذا قام املرء بتحديد‬
‫(قياس) املستويات الثالثة بدرجاهتا‪ ،‬فلن يعود أي معنى للسؤال القائل أي من‬
‫املستويات هو األسايس أو املركزي أو املهم بشكل خاص‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وكمظهر أخري نشري إىل أنه ينبغي النظر ملستويات السلوك اإلنساين عىل أهنا‬
‫مستويات مركزية وذلك ألسباب طرائقية (وليس ألسباب مضمونية)‪ :‬فاختبار ترسيخ‬
‫سواء الطروحات الفرضية أم أيض ًا البيانات املستخلصة (عىل سبيل املثال حول‬
‫العمليات االستعرافية‪ ،‬التوقعات‪ ...‬الخ‪ ،‬التي هي ليست قابلة للمالحظة بشكل مبارش‬
‫من حيث املبدأ) ال يمكن أن يتم إال من خالل حمكات تكون قابلة للموضعة وقابلة‬
‫لالختبار بني ذاتي ًا ‪ .intersubjective‬وهذا ينطوي عىل إقرار بالسلوكية املنهجية‬
‫‪ methodological Behaviorism‬الذي ال يتضمن شيئ ًا آخر غري املعلومة البدهيية بأنه‬
‫علينا أن نخترب الفرضيات و أن هذا االختبار ال يمكن أن يتم يف النهاية إال عرب سامت‬
‫السلوك‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫حتديد اهلدف‪ ،‬حتليل السلوك‪ ،‬التخطيط للعالج‬


‫منذ كانفر و ساسلو ‪ Kanfer & Saslow,1965‬تم حتديد اخلطوات الثالثة املكونة‬
‫من حتديد اهلدف و حتليل السلوك و التخطيط للعالج بالنسبة لتشخيص السلوك‬
‫كخطوات حاسمة؛ فعىل الرغم من أن املكونات حتظى يف تصويرات خمتلفة لتشخيص‬
‫السلوك بتامير خمتلف‪ ،‬إال أنه ما زال توضيح املسائل املطابقة هو الساري بوصفه خطوة‬
‫حاسمة يف تشخيص السلوك‪.‬‬
‫حتديد اهلدف‪ :‬من املثري لالهتامم أن تتصدر مسألة حتديد اهلدف يف مقدمة أفكار‬
‫كانفر و ساسلو‪ .‬وهنا يتعلق األمر بمسألة ما هي جماالت السلوك املشكل التي حتتاج‬
‫للتعديل‪ .‬وهذا يتضمن السؤال عن نقاط االستناد العالجية )‪ ،(Target‬التي تتعلق فيها‬
‫اخلطوات التالية لتحليل السلوك و ختطيط العالج وبالطبع تنفيذ العالج القائم عىل‬
‫ذلك‪ .‬ويف العالج السلوكي ينبغي أن يتم حتديد األهداف العالجية بشكل ملموس قدر‬
‫اإلمكان؛ فاهلدف "أن أصبح أقل خوف ًا" حيتاج إىل نوع من التحديد‪ ،‬كالبحث عن‬
‫املواقف املرهقة عىل سبيل املثال‪ ،‬أو إجراء اتصال بالعيون أو املشاركة يف النقاش‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وعىل الرغم من أنه يبدو من البدهيي إال أنه ال بد من التأكيد‪ :‬إن حتديد اهلدف البد وأن‬
‫يتم دائ ًام بناء عىل اتفاق بيم املعالج واملريض‪.‬‬
‫وبالنسبة لتفسري و حتديد أهداف مريض ما فإن تصورات اهلدف الفردية مهمة جد ًا‬
‫مثلها مثل املتغريات الدافعية ومظاهر املحيط االجتامعي والثقايف‪ .‬و التأكيد عىل هذه‬
‫النقطة مهم ألن حتديد األهداف ال ينجم إال عىل أساس الطروحات املعيارية؛ ولو أن‬
‫املرء أراد من التحليل الوصفي ملشكلة ما (كتبليل الفراش لدى طفل يبلغ من العمر‬
‫أربعة سنوات ونصف السنة عىل سبيل املثال ) اشتقاق حتديد للهدف (من نحو زيادة‬
‫عدد مرات بقاء الرسير جاف ًا و من ثم القضاء عىل تبليل الفراش عىل سبيل املثال )‬

‫‪408‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫فسيكون هذا قرص نظر و يشبه ما يسمى "باالستنتاج اخلطأ الطبيعوي ‪..."naturalistic‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ .‬فتحديد اهلدف يصبو نحو التحديدات املعيارية التي يفرتض أن ينظر إليها عىل خلفية‬
‫معيارية؛ فمن مهمة التشخيص جعل هذه الوظيفة واضحة و شفافة‪.‬‬
‫حتليل السلوك‪ :‬يف هذا السؤال املنطقي تتم حماولة وصف السلوك املشكل بدقة قدر‬
‫اإلمكان؛ إن مطلب التحليل الوظيفي يتكون من حتليل رشوط السلوك‪ .‬وهنا يفرتض‬
‫للرشوط أن تكون شاملة للمنشأ وللرشوط املحافظة عىل االستمرارية؛ والبد أن نأخذ‬
‫بعني االعتبار أن رشوط أو عوامل النشوء لسلوك مشكلة ما إنام يتم حتديده بشكل‬
‫اسرتجاعي و من ثم افرتايض‪ .‬إال أنه بالنسبة لفهم املشكلة و بشكل خاص بالنسبة‬
‫لتحليل التطور و بالنظر للقيمة الراهنة للباثولوجيا (أنظر نموذج املقبولية) فإن هذا يبدو‬
‫ال فإنه يمكن يف الوقت الراهن حتديد رشوط مشكلة ما؛ و‬ ‫مه ًام‪ .‬بشكل أكثر دقة وتأصي ً‬
‫يقصد بالرشوط –بمعنى الفهم املتواضع "لألسباب" –تلك املتغريات ‪(Reason‬‬
‫)‪ (=RV) variables‬التي يسهم تعديلها يف تعديل املشكلة )‪(adjustment Variables‬‬
‫)‪ .(=AV‬وإىل حد ما فإن جوهر حتليل السلوك يكمن يف "نموذج الرشوط االفرتايض"‪:‬‬
‫وهنا يتم عرض تلك املتغريات –عىل األغلب عىل شكل عرض ختطيطي‪ -‬التي يفرتض‬
‫املرء بشكل مربهن أهنا تسهم يف استمرارية املشكلة‪ .‬و يف العادة يفيد النموذج كأساس‬
‫لتخطيط العالج ز إجراءه(أنظر املثال أدناه)‪ .‬و يبدو أنه من الرضوري من أجل التحليل‬
‫الوظيفي البد من التحديد الفردي للمتغريات؛ فولبي‪ 1986 ،‬يتحدث يف هذه السياق‬
‫عن "قاعدة مطلقة للعالج السلوكي ‪categorical Imperative of Behavior‬‬
‫‪"Therapy‬وهذا يعني أن أنامط السلوك التي تبدو متامثلة لدى أشخاص خمتلفني يمكن‬
‫أن تكون قد استثارهتا رشوط خمتلفة كلية‪.‬‬
‫التخطيط للعالج‪ :‬تتضمن اخلطوة الثالثة لتشخيص السلوك التخطيط للعالج قائم‬
‫عىل أساس حتليل السلوك و حتديد اهلدف؛ وهنا ال يتم فقط حتديد الكيفية التي ستتألف‬

‫‪ 1‬ذو عالقة باملذهب الطبيعي‬

‫‪409‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫منها اإلجراءات العالجية منفردة وإنام يتم هنا –مع مراعاة الرشوط الفردية و املظاهر‬
‫الذرائعية‪ -‬اختاذ قرارات‪ ،‬والتي يقصد هبا يف املحيط الناطق باألملانية "الفاعلية أو التأثري‬
‫‪ .(Seidenstuecker,1984) "Indications‬وعىل املرء أن يتصور التخطيط العميل للعالج‬
‫بشكل ديناميكي وسريوري (عمليايت)‪ :‬فمنذ االتصال األول يتخذ املعالج (يف العادة‬
‫بالتعاون مع املريض) قرارات حول الطريقة التي عىل املريض أن يشارك فيها يف‬
‫التعديالت العالجية‪ .‬ومن بني ذلك التسجيالت الذاتية و التقارير حول املجرى بني‬
‫اجللسات و كذلك كيف ستكون اخلطوات األوىل يف ختطيط التعديالت امللموسة (عىل‬
‫سبيل املثال التمرين عىل املواجهة مع املواقف املرهقة‪ ،‬وما يشبه ذلك)‪ .‬و بالتحديد ال‬
‫يمكن من منظور اإلدارة الذاتية التأكيد كفاية عىل املسؤولية الذاتية و املشاركة الذاتية‬
‫للمريض‪ .‬واملعاجلني املتدربني بشكل خاص غالب ًا ما يكونوا واقعني بصعوبة أهنم غري‬
‫متأكدين أي من األسئلة عليهم أن يطرحوا عىل مريض ما؛ هلذا نقرتح إىل حد ما كنموذج‬
‫أوىل‪ Met model‬نوع من "عملية القمع ‪( "funnel Process‬شكل ‪ ،)12‬نسعى يف جمراه‬
‫بداية يف نوع من الغربلة إىل حتديد احلالة القائمة العامة‪ .‬و يتكون القمع عندئذ من أنه‬
‫عند التقدم يف تدقيق املشكلة يمكن باستمرار طرح أسئلة أكثر تفصيالً‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫"الشكاوى"‬
‫‪.....‬‬ ‫‪ Target‬نقاط االستناد‬

‫المرحلة األولى من "عملية القُمع"‬

‫جمع واستعراض الشكاوى‬

‫شكل (‪ )12‬عرض لعملية القمع عند استعراض الشكاوى الذاتية أو حتليل الرشوط‬

‫ومن أجل توضيح اخلطوات منفردة يوجد جمموعة من املخططات والتصويرات‬


‫ترجع من حيث املبدأ لكانفر وساسلو‪ ،‬والتي حظيت يف هذه اإلثناء بنوع من التفصيل‬
‫)‪ .(Reinecker,1994‬ويف إطار تقديم طلب صناديق الضامن الصحي يطلب اختاذ القرار‬
‫بالنسبة لتسلسل كامل من النقاط‪ .‬وقد قام شولتز )‪ (Schulz,1992‬بمعاجلة هذه‬
‫املنظومة بشكل تفصييل ألغراض تعليمية‪ .‬ولن نتطرق هلذه التصويرة هنا (راجع‬
‫مسامهة ‪ S. Fliegel‬يف هذا الكتاب)وبدالً من ذلك سوف نعرض مثاالً للمكون‬
‫الرئييس للتحليل الوظيفي‪ ،‬أي نموذج الرشوط االفرتايض (شكل ‪.)13‬‬
‫ويمثل نموذج الرشوط االفرتايض تلخيص ًا للبيانات من حتليل السلوك؛ إنه دائ ًام‬
‫مؤقت و مفتوح عىل التعديالت‪ ،‬إال أنه يقدم أساس ًا لتحديد اهلدف و ختطيط العالج و‬
‫إجراءه‪ .‬وهو ال يمكن االستغناء عنه ليس ألغراض التدريب الالحق والتدريب‬

‫‪411‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املستمر فقط وإنام أيض ًا ألغراض املامرسة العالجية‪ ،‬ألنه هبذا فقط يمكن حتديد املكونات‬
‫األساسية و تصحيحها يف مقتىض احلال‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫خالصة‬

‫‪ ‬من أجل صحة نموذج رشوط افرتايض أو بامذا يساعدنا هذا النموذج‬
‫لبناء النظرية؟‬
‫إن بناء نموذج رشوط افرتاضية اعترب أعاله جوهر حتليل السلوك؛ فمع‬
‫تزايد اخلربات العالجية يكتسب املرء نوع من التدريب عىل بناء مثل هذا‬
‫النامذج التي تغري عندئذ كثري ًا من خالل نوع من الوضوح و األناقة‪ .‬و من‬
‫منظور ذرائعي يرى املرء –واستناد ًا إىل كانفر و فيليبس & ‪Kanfer‬‬
‫‪ ،Phillips,1970‬أو شولته ‪ -Schulte. 1974‬نموذج الرشوط كعضو رابط‬
‫بني نظرية السلوك و العالج السلوكي بمعنى أن صحة‪ ،‬أي نجاح العالج يعد‬
‫ال عىل صحة النظرية الكامنة خلفه‪ .‬وهذه احلجة ال تنطبق يف هذا الشكل‬‫دلي ً‬
‫عىل ما كان قد أشار له بوستامن ‪Postman,1947‬؛ فوستامير‬
‫‪Westmeyer,1975‬أوضح حتت حجج منطقية‪-‬شكلية ‪formal-logical‬‬
‫‪ ،Argumentation‬بأنه ال يمكن أن ينظر للعالج عىل اإلطالق "كمبدأ‬
‫إثبات" لنظرية السلوك‪ .‬بكالم مبسط البد من اإلقرار هبذه مبارشة‪ ،‬ألنه بني‬
‫النظرية ونموذج الرشوط و العالج ال يوجد عالقة اشتقاق منطقية‪-‬شكلية‪.‬‬
‫وبالتايل ال يستطيع املرء طبق ًا لذلك احلديث عن "استخدام" النظرية يف‬
‫العالج‪.‬‬
‫ومن دون عرض كل احلجج هنا يمكننا أن نشري إىل نقاط خمتلفة‪ ،‬متتلك‬
‫أمهية كبرية سواء بالنسبة للعلامء أم بالنسبة للمامرسني‪.‬‬
‫إن صحة نموذج الرشوط االفرتايض ال يمكن إثباهتا عىل اإلطالق –‬
‫وهذا أصالً ليس هو املقصود أص ً‬
‫ال يف العادة‪ .‬بل األهم من هذا كله أنه وإىل‬
‫أي مدى يمتلك نموذج األسباب من الناحية االسرتشادية بالنسبة لتخطيط‬

‫‪413‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫العالج و إلجراء العالج أمهية توجيهية ‪ .heuristic Relevance‬ومن هذه‬


‫الزاوية فإن النموذج من املمكن أن يمتلك وضعية نظرية علمية من "الضالل‬
‫املفيد"‪.‬‬
‫إن صحة نظرية السلوك كذلك ال يمكن برهاهنا من خالل النجاحات‬
‫العالجية‪ ،‬ألنه ال يوجد عالقة اشتقاق مبارشة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك فإن‬
‫النظرية ال متتلك صفة احلقيقة‪ ،‬وإنام هي طروحات مؤقتة‪ ،‬هي فرضيات‬
‫توجه ترصفاتنا )‪.(Popper,1969;Stiegmueller,1974‬‬
‫من املؤكد أن نجاح (صحة) العالج من منظور املريض و املعالج هي‬
‫املحك األهم‪ .‬فنموذج الرشوط يمتلك بالنسبة لتخطيط العالج و تنفيذه‬
‫قيمة ذرائعية موجهة‪ ، heuristic‬ومن املمكن أن يكون مفيد ًا البحث عن‬
‫األخطاء يف نموذج الرشوط يف حال الفشل يف العالج (وكذلك يف جماالت‬
‫أخرى!)‪ .‬وهبذا فإنه من واجبنا طرح نموذج الرشوط بدقة وبشكل ملموس‬
‫و مؤصل‪ ،‬بمقدار ما يكون ذلك ممكن ًا؛ إال أننا يف كل األحوال علينا أال نتوقع‬
‫ضامنة لصحته أو لنجاح العالج القائم بناء عىل ذلك‪ .‬‬

‫‪414‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫طرق العالج السلوكي‬


‫ليس من النادر أن يتم النظر للعالج السلوكي عىل أنه جتميع للطرق أو للتقنيات‬
‫الناجحة؛ و ينطبق هذا بشكل خاص عىل توقعات املريض و كذلك لدى مرشحي‬
‫التدريب املستمر‪ :‬فكل املرشحني تقريب ًا يكونوا قد تعرفوا تأسيسي ًا عىل أساليب عالجية‬
‫أخرى بدرجات خمتلفة‪ .‬و يف إحدى التوضيحات الدافعية للتأهيل الالحق يف العالج‬
‫السلوكي عرب مجيع املشاركني تقريب ًا عن الرغبة بأن يتعرفوا عىل طرق "قوية" أو تقنية‬
‫"فاعلة" وأن يستخدموها‪ .‬ولن نناقش يف هذا اإلطار مرشوعية هذه القوالب‬
‫املتباينة ‪(Hetero stereotype‬أو ربام حتى اآللية ‪ .)auto stereotype‬فمع تأكيدهم عىل‬
‫الفاعلية و التقويم و االستخدام الشفاف لألساليب العالجية من أجل تعديل أنامط‬
‫السلوك املشكلة (أنظر حول هذا سامت العالج السلوكي يف بداية هذا الفصل) فإنه من‬
‫املؤكد أن يكون ممثيل العالج السلوكي املشهورين قد أسهموا يف هذا النمط من التوقع‪.‬‬
‫وخيضع عرض الطرق العالجية إلمكانيتني‪ ،‬من أجل جعل املامرسة العالجية‬
‫السلوكية شفافة و ممكنة التعلم ‪(Goldstein & Foa,19890, Kanfer & Fhillips,1970,‬‬
‫‪Rimm & Masters, 1979,Kanfer & Goldstein,1986, Bellack, Hersen & Kazdin,‬‬
‫‪ 1990, Dobson,1990, Linden & Hautzinger, 1993 Fliegel et al.‬وانظر‬ ‫‪,19810‬‬

‫كذلك الشكل ‪.)14‬‬


‫وهناك بديل لذلك يكمن يف وصف صور االضطرابات النفسية و يف العرض من‬

‫‪415‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫& ‪(Tunrner & Calhoun,1992, Reinecker,1994, Bellack‬‬ ‫منظور اإلشكالية املعنية‬


‫‪ .Hersen, 1990, Hautzinger, 1994, Ammerman &Hersen,1993-‬وكم من السهل‬
‫أن نرى أن كال املدخلني يمثالن حالة مثالية‪ :‬فصور احلاالت اإلكلينيكية (من نحو‬
‫اضطرابات اهللع عىل سبيل املثال) هي عبارة عن جتريد مثلها مثل طرق العالج (أساليب‬
‫املواجهة) ‪ .‬إن تطبيق األساليب العالجية يف املامرسة العملية حيتاج مراعاة الظروف‬
‫امللموس ة و وضع املشكلة الفردية ‪ ...‬الخ؛ وهلذا السبب يفرتض أال يتم اخللط بني‬
‫عرض الطرق مع مستوى املامرسة العالجية‪ .‬إال أن وصف الطرق العالجية يقدم إطار‬
‫ترصف مفاهيمي؛ فمن املؤكد أنه ال يمكن تعلم العالج السلوكي من الكتب فقط‬
‫(وبوضوح ليس من الوصوفات التالية للطرق)‪ ،‬إال أن الوصف ذو التوجه نحو املامرسة‬
‫و امللموس قدر اإلمكان ينبغي له أن يقدم حماولة للمساعدة يف تعلم اإلجراء العالجي‬
‫(أنظر ‪ ) Reinecker & Schindler,1996‬وعليه باإلضافة إىل ذلك أن يقدم للقارئ املهتم‬
‫نظرة ملموسة قدر اإلمكان يف حدث الترصف العالجي السلوكي‪.‬‬
‫وقد أرشنا سابق ًا عند احلديث عن نموذج العملية للعالج السلوكي إىل أن استخدام‬
‫الطرق عبارة عن مرحلة يف املجرى العالجي؛ فكطرق باملعنى الواسع فإنه من املؤكد أنه‬
‫ينبغي النظر لكل االسرتاتيجيات التحضريية‪ :‬اسرتاتيجيات إدارة اجللسة‪ ،‬توضيح‬
‫الدافع وتوضيح اهلدف‪ ...‬الخ‪ .‬وهذه أيض ًا ال يمكن فهمها بشكل مستقل أو منفصل‬
‫عن املظاهر التقنية‪ :‬فالتقنيات العالجية ال تكتسب أمهيتها إال يف سياق اإلجراءات‬
‫التحضريية عىل املستوى التحلييل السلوكي و والدافعي‪ .‬و غالب ًا ما يتم وصف املظاهر‬
‫الدافعية بشكل خاص ومسائل بناء العالقة العالجية‪ ...‬الخ عىل أهنا اسرتاتيجيات "غري‬
‫نوعية"‪ ،‬وهذا حيتاج إىل تدقيق من ناحية أن التفريق عىل املستوى التكنولوجي من املمكن‬
‫أن يعطي معنى‪ .‬وعىل مستوى املامرسة العملية ال يمكن فصل عوامل التأثري النوعية‬
‫وغري النوعية ببساطة‪ :‬إذ أن بناء عالقة عالجية و بناء دوافع التغيري ‪ ...‬الخ حيدث‬
‫استناد ًا إىل تعديل حاصل من خالل استخدام الطرق العالجية؛ وبالتحديد يف‬
‫االضطرابات النفسية الوخيمة تكمن املشكلة األساسية يف حفز املريض عىل أن جيعل‬

‫‪416‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫نفسه تتغري (أي عىل استخدام أسلوب ما)‪ .‬و هنا يتداخل بناء العالقة و التحضري‬
‫للعالج و تطبيقها العميل مع بعضها العض بشكل كامل تقريب ًا؛ فبدون توصيل نموذج‬
‫معقول ملشكلته و من دون تفسري معقول ملبدأ التأثري العالجي لن يرتك املتعالج نفسه‬
‫تتعالج إال بصعوبة‪ .‬وهلذا فإن الفصل عىل املستوى العميل إىل عوامل تأثري نوعية وغري‬
‫نوعية هو أمر متوسط إىل عديم الفائدة‪ :‬فحتى بناء العالقة العالجية ليس هدف ًا بحد ذاته‬
‫و إنام يتم من منظور التعديالت العالجية‪.‬‬
‫و من وجهة نظر علمية يعني وصف الطرق النظرية عرض ًا عىل مستوى‬
‫التكنولوجيا‪ :‬فالتقنيات هي عبارة عن إجراءات من أجل حتقيق أهداف حمددة بشكل‬
‫فاعل قدر اإلمكان‪ .‬هلذا فإن حمك التقويم احلاسم أيض ًا ليس احلقيقة (كام هو األمر يف‬
‫النظرية)‪ ،‬وإنام الفاعلية و الكفاءة‪ .‬ففي العادة تقوم التكنولوجيات عىل نامذج نظرية‪،‬‬
‫سميت بالنسبة للعالج السلوكي يف الوصف أعاله العلوم اجلارة (أو التخصصات‬
‫اجلارة)‪ .‬الطرق التكنولوجية تقدم خلفية للترصف العميل‪ ،‬وينبغي عدم اخللط بني كال‬
‫املستويني‪.‬‬
‫ومن أجل عرض طرق العالج السلوكي توجد جمموعة من اقرتاحات التقسيم‬
‫املختلفة‪ .‬وهنا سيتم التوجه بناء عىل جدول مأخوذة عن راينئكر ‪ Reinecker‬بشكل‬
‫معدل قلي ً‬
‫ال (اجلدول ‪.)1‬‬

‫اجلدول (‪ )1‬عرض منهجي للطرق العالجية يف العالج السلوكي‪.‬‬


‫األساليب العالجية‬ ‫املبدأ العالجي‬
‫أساليب املواجهة‪:‬‬
‫تقنيات ضبط املثري‪/‬مواجهة خفض احلساسية املنتظم‪ ،‬املواجهة املتدرجة‪،‬‬
‫االسرتاتيجيات املتناقضة‪،‬‬ ‫القلق‬

‫مواجهة القلق‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫تقنيات التعزيز‪،‬‬
‫تقنيات ضبط السلوك من خالل اإلطفاء‪،‬‬
‫تعديل العواقب (األساليب أساليب العقاب (قطع الوقت؛ تكاليف التبعة‬
‫‪response Cost‬؛ طرق التنفري)‪.‬‬ ‫اإلجرائية)‬

‫بناء السلوك‪ ،‬تسهيل السلوك‪ ،‬تعلم التمييز‪.‬‬ ‫تقنيات التعلم وفق النموذج‬
‫ضبط‬ ‫مالحظة الذات‪ ،‬تعزيز الذات‪،‬‬ ‫اسرتاتيجيات ضبط الذات‬
‫االحتامالت‪ ،‬إدارة االتفاقات‪ ،‬ضبط املثري)‬
‫التكييف‪-‬املغطى‪،‬‬
‫العالج االستعرايف (بيك ‪ ،)Beck‬العالج‬
‫األساليب العالجية االستعرافية االنفعايل املنطقي (إيليس ‪ .)Ellis‬تدريبات‬
‫تعليامت الذات‪ ،‬مترين حل املشكالت‪ ،‬مترين‬
‫العزو‪.‬‬

‫تقنيات ضبط املثري‪/‬و املواجهة و أساليب التغلب‬


‫تنطلق هذه املجموعة من األساليب العالجية السلوكية (باملعنى األوسع) من املبدأ‬
‫القائل أنه من أجل تعديل أنامط السلوك املختلة وظيفي ًا فإنه ال بد من املواجهة مع املوقف‬
‫الذي يعد إشكالي ًا (هلذا سميت بضبط املثري)‪ .‬مثال ذلك تشكله املجموعة الكبرية من‬
‫اضطرابات القلق‪ ،‬و التعلق و اضطرابات الطعام و استجابات احلزن‪ ...‬الخ‪ .‬ويتكرر‬
‫يف املراجع بكثرة االستخدام عىل مراحل هلذه الطرق‪ ،‬ومن أمثلة ذلك اخلوف من‬
‫املرتفعات و معاجلتها الذاتية لدى غوته ‪ Goethe‬وكذلك إشارة فرويد يف العام ‪1917‬‬
‫حول أنه ال يتم التغلب عىل اخلوف إال من خالل املواجهة مع املوقف املشكل‪ .‬لقد‬

‫‪418‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫و التأصيل النظري و االستخدام املنهجي منذ تأسيس‬ ‫‪systematize‬‬‫حدث التنظيم‬


‫العالج السلوكي‪.‬‬
‫ويف هذه املجموعة من الطرق العالجية البد من التفريق ألسباب تارخيية وتعليمية‬
‫التمييز بني أربعة فصول‪ ،‬وهي‬
‫‪ -‬خفض احلساسية املنتظم‬
‫‪ -‬املواجهة و منع االستجابة‬
‫‪ -‬تنويعات وتطويرات أخرى‬
‫‪ -‬التدريب عىل مواجهة القلق‪.‬‬

‫‪ .1‬خفض احلساسية املنتظم‬


‫‪Systematical‬‬ ‫تم تطوير أسلوب خفض احلساسية املنتظم‬
‫‪Desensibilization‬الذي خيترص )‪ (SD‬من قبل ولبي ‪Wolpe,1958‬؛ فقد استند هنا عىل‬
‫بعض الدراسات التجريبية (بشكل غالب مع القطط) وعىل الصورة اإلكلينيكية ليونس‬
‫‪ M. C. Jones, 1924‬و من املنظور النظري عىل نظرية بافلوف ‪ Pawliw,1927‬و هل‬
‫‪ .Hull,1943‬ففي دراساته النظرية متكن ولبي يف عام ‪ 1952‬من الربهان أنه قد تم‬
‫ختفيض القلق و استجابات التجنب عالجي ًا لدى حيوانات التجربة؛ وقد استخدم هلذا‬
‫مبدأ ضبط املثري‪ ،‬من ناحية أنه قد خفف بدرجة قليلة جد ًا استجابة التجنب للقطط من‬
‫خالل قفص قليل الشبه مع املوقف الصادم‪ .‬ويف جمرى العالج اقرتب ولبي بالتدريج‬
‫من خصائص مثري قفص املوقف املرهق باألصل‪ .‬و قد وصف كمبدأ تأثري النموذج‬
‫الذي استند عليه هليل ‪Hull,1943‬الكف (املرشوط) للقلق‪ :‬ومن خالل إطعام القطط يف‬
‫موقف جديد‪ ،‬قليل االستثارة للقلق (القفص) يتم تشكيل الكف من القلق‪ ،‬الذي استقر‬
‫من خالل التكرار املالئم (الكف املرشوط)‪ .‬لدى البرش يمثل االسرتخاء بشكل خاص‬

‫‪419‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫استجابة مضادة للقلق (قارن ‪ .)Jacobson,1938‬و يمكن تعلم هذا االسرتخاء بسهولة‬
‫واستخدامها لكف مقدار ضئيل ومتزايد بالتدريج من القلق‪.‬‬
‫ويتكون خفض احلساسية املنتظم وفق ولبي من ثالثة عنارص أساسية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬بناء هرم فردي من املواقف املثرية للقلق‪.‬‬
‫‪ -‬التمرن عىل أسلوب مضاد للقلق‪ ،‬وبشكل خاص االسرتخاء العضيل؛‬
‫‪ -‬التقديم التدرجيي (يف الواقع أو بالتخيل) للمواقف املثرية للقلق‪.‬‬
‫أصبح خفض احلساسية املنتظم أول أسلوب عالجي مشهور للعالج السلوكي –‬
‫حتى أنه كان يعد حتى ستينيات القرن العرشين مساوي ًا للعالج السلوكي إىل حد ما‪.‬‬
‫وبالفعل علينا القول بأنه قلام يوجد داخل العالج النفساين أي أسلوب عالجي منفرد‪،‬‬
‫تم فحصه وتقويمه بشكل مفصل وواسع مثل خفض احلساسية املنتظم‪ .‬ومع أنه ما زال‬
‫هناك حتى اليوم اتفاق واسع حول الفاعلية إال أنه رسعان ما وجهت انتقادات إىل‬
‫األسس النظرية لألسلوب؛ فتوجه هذا النقد بالدرجة األوىل إىل تنويعات منفردة (إىل‬
‫حد ما التجريبية) لألسلوب‪.‬‬
‫ومل يكن التباين ‪ Variation‬فيام يتعلق بالعرض الواقعي مقابل املتخيل إشكالي ًا بعد‪،‬‬
‫وتم نرشه من ولبي بني عامي ‪ 1958‬و ‪ .1969‬إال أنه تم تفنيد خفض احلساسية املنتظم‬
‫وبشكل خاص يف أواخر الستينيات من القرن العرشين بال رمحة (أنظر ‪:)Yates,1975‬‬
‫وعىل سبيل الذكر نشري هنا بشكل خاص إىل استخدام هرميات أو تسلسالت معيارية‬
‫‪ standard hierarchies‬و التخيل عن االسرتخاء‪ ،‬و معاجلة الفقرات بتسلسل عشوائي‬
‫أو متصاعد (أي البدء بفقرة القمة)‪.‬‬
‫و مل يمس هذا التباين التقني التعليامت املعطاة من ولبي؛ فقد ظهر أنه يمكن للمرء‬
‫أن خيرق كل القواعد التقنية تقريب ًا‪ ،‬دون أن يمس بفاعلية األسلوب‪ .‬و كل هذا قاد إىل‬
‫نقاش متطرف جد ًا لألسس النظرية خلفض احلساسية املنتظم‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ومن وجهة النظر الراهنة يمكن تقديم جمموعة من التفسريات املختلفة (و ذلك إىل‬
‫جانب بعضها البعض عملي ًا) لتفسري تأثري خفض احلساسية املنتظم‪:‬‬
‫‪ -‬الكف التباديل ‪ ،reciprocal Inhibition‬كام وضحه ولبي‬
‫)‪ (Wolpe,1958‬عىل أساس نظرية هل )‪(Hull,1943‬؛ فمن خالل‬
‫االسرتخاء يتم كف القلق إىل حد ما وهتديمه بشكل مستمر‪.‬‬
‫‪Lader‬‬ ‫‪ -‬التعود ‪Habituation‬وقد تم إدخاله من قبل ليدر ووينغ‬
‫)‪ ،&Wing (1966‬أو ليدر وماثيوس )‪Lader & Mathews (1968‬‬
‫كتفسري؛ فقد أشار بريباومر )‪ Birbaumer (1977‬إىل أنه يمكن عىل‬
‫املستويات الفيزيولوجية أن حتدث عمليات اعتياد يف جمرى خفض‬
‫احلساسية املنتظم‪.‬‬
‫‪ -‬عمليات إطفاء اإلثارة (القلق)‪ :‬وقد تم تقديمه بشكل خاص من جمال‬
‫أساليب املواجهة )‪ .(Rimm & Masters,1979; Marks,1987‬وطبق ًا‬
‫لذلك يعيش الفرد عملية اإلطفاء التقليدي‪ ،‬ألنه يتم إضعاف الربط‬
‫بني املثري الرشطي واملثري غري الرشطي ويتم كرسه يف النهاية‪.‬‬
‫‪ -‬عمليات التعزيز االجتامعي و التشكيل التدرجيي ألساليب البديلة‬
‫اخلالية من القلق‪ ،‬وقد تم إدخال هذه األساليب بشكل خاص من‬
‫يف خفض‬ ‫منظري التعلم )‪.(Bandora,197;Rosenthal,1982‬‬
‫احلساسية املنتظم يتم تعلم اسرتاتيجيات جديدة فاعلة للمواجهة‪ ،‬غري‬
‫القابلة للتوليف (متعارضة ‪ )incompatible‬مع سلوك القلق‪.‬‬
‫‪ -‬جمموعة كبرية و غري متجانسة يف هذه األثناء إلمكانات التأثري تدور‬
‫حول النامذج االستعرافية‪ :‬وهنا يتم التأكيد أن تعديالت العمليات‬
‫ال حاس ًام لتعديل التوقعات ‪ ...‬الخ يف العالج‪ .‬فإذا‬
‫الفكرية‪ ،‬تعد عام ً‬
‫ما افرتض املرء وجود متصل من عمليات التعلم فإنه من املؤكد أنه‬

‫‪421‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫علينا أن نسجل أن عمليات التعلم االستعرافية تلعب دور ًا حاس ًام يف‬
‫عالج القلق (قارن ‪.)Rachman,1990‬‬
‫وبالنسبة للعالج السلوكي يفيد خفض احلساسية املنتظم وبشكل خاص يف الواقع‬
‫‪ :in vivo‬فهنا يتجنب املرء الصعوبات املرتبطة باالستخدام "املغطى"(التصور)و كذلك‬
‫مسألة التعميم عىل سياق احلياة الواقعي‪ .‬وعند تنفيذ خفض احلساسية املنتظم يف الواقع‬
‫يتم تقسيم املواقف الصعبة إىل مراحل حمددة ويتعلم املريض االقرتاب التدرجيي أو‬
‫املواجهة للفقرات أو اخلطوات املتدرجة املبنية بشكل هرمي‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن خفض احلساسية املنتظم مل يعد اليوم يلعب دور ًا بارز ًا يف الرعاية‬
‫الصحية ضمن طيف الطرق العالجية السلوكية‪ ،‬كام كان األمر قبل حوايل ‪ 30‬سنة؛ و‬
‫ال يكمن السبب األسايس كثري ًا يف أن خفض احلساسية املنتظم قد فقد فاعليته أو تأصيله‬
‫النظري (ياتس ‪Yates,1975‬يتحدث بالنظر للتطور عن "الوالدة واحلياة واملوت"‬
‫خلفض احلساسية املنتظم)‪ ،‬بل أن األمر احلاسم يكمن أكثر يف أنه يوجد يف هذه األثناء‬
‫بدائل‪ ،‬عىل نفس الدرجة من الفاعلية من الناحية العالجية(بل وأكثر فاعلية إىل حد ما)‬
‫و يمكن استخدامها بشكل جيد يف املامرسة‪ .‬عدا عن أن هذه األساليب تتضمن تأصي ً‬
‫ال‬
‫نظري ًا‪ ،‬وهو أمر ال يستطيع املرء االدعاء به يف خفض احلساسية املنتظم‪.‬‬
‫‪ .2‬املواجهة ومنع االستجابة‬
‫يمكن اعتبار املواجهة ومنع االستجابة ‪Exposure/Reaction Prevention‬بأهنا‬
‫تطوير خلفض احلساسية املنتظم؛ إال أنه تم تطوير األسس و املبادئ و التنفيذ قد تم بشكل‬
‫مستقل إىل مدى بعيد‪ .‬ويقصد باملواجهة تقديم أو اللجوء إىل موقف خيافه املريض؛‬
‫فمن خالل املرشوطية ‪ modality‬و التوزيع الزمني‪ . .‬الخ ال يتضح شيئ ًا بعد‪ .‬فإذا ما‬
‫متت مواجهة املريض بموقف مثري للخوف فإن هذا سوف يثري استجابة خوف شديدة و‬
‫بشكل خاص آليات التجنب (عىل املستوى السلوكي)‪ .‬وهذا التجنب و ما يرتبط هبذا‬
‫من تعزيزات سلبية –وفق ًا لنظرية العاملني ملاورير ‪ -Mowrer, 1947‬هو املسؤول بدرجة‬

‫‪422‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حاسمة عن تثبيت استجابة‬


‫القلق ‪ .‬وبالذات هنا يتم‬
‫استخدام املركب الثاين‬
‫لألسلوب العالجي‪ ،‬أي‬
‫منع االستجابة‪ :‬وهذا‬
‫يتضمن أنه يتم منع‬
‫استجابة التجنب يف‬
‫املواجهة‪ .‬ويمكن تنويع‬
‫هذا املنع بأشكال خمتلفة‪،‬‬
‫بدء ًا من املطالب اخلارجية‬
‫للمعالج وصوالً إىل ضبط‬
‫الذات واإلدارة الذاتية‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك يمكن تصميم املواجهة (عىل سبيل املثال يف املواجهة املتدرجة أنظر‬
‫أدناه)‪ ،‬بحيث تتم استثارة طالئع ضئيلة من ميول التجنب‪ .‬و املواجهة ومنع االستجابة‬
‫تنتميان لبعضهام كوجهني لعملة واحدة‪ :‬فمن خالل املواجهة يصل الشخص (املريض)‬
‫إىل اتصال مع املوقف املرهق ومن خالل منع االستجابة يعيش املريض أن التوقعات التي‬
‫خيشاها مل تظهر‪ .‬ومن الناحية النظرية السلوكية يتعلق األمر باإلطفاء القلق؛ ويمكن‬
‫إيراد عدد من التفسريات النظرية هلذا املبدأ الذي يمتلك من بينها نموذج التوقع الدرجة‬
‫األكرب من الوضوح و املنطقية‪ .‬ويمكن توضيح املواجهة ومنع االستجابة و مبدأ‬
‫اإلطفاء للقلق و عدم اهلدوء من خالل الشكل التايل (شكل ‪.)15‬‬

‫‪423‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يف بداية املواجهة يرتفع القلق و عدم االستقرار و ميول التجنب و األفكار‬
‫اخلوافة‪ ...‬الخ بدرجة كبرية؛ وهذا حيدث يف العادة إىل احلد الذي ال يعود فيه املريض‬
‫يتحمل –و يتجنب يف التوقع خربة مقيتة للغاية‪ .‬ومن خالل اهلرب أو التجنب يتناقص‬
‫القلق مبارشة بوضوح‪ .‬ومن خالل مبدأ التعزيز السلبي هذا يستقر من جهة سلوك‬
‫التجنب‪ ،‬ومن جهة أخرى ال يمكن أن حيدث اختبار لتوقعات املريض (أنظر أعاله‬
‫نموذج العاملني)‪.‬‬
‫ويتم منع االستجابة يف هذا الشكل (شكل ‪ )15‬بأن املريض يتخىل عن سلوك‬
‫التجنب‪ -‬وهبذا فإن ما يتم منعه هو سلوك التجنب عند املريض؛ وهبذا فقط يمكنه أن‬
‫حيصل عىل خربة ملموسة بحيث أن املوقف الذي خيشاه بشدة ال يظهر‪ .‬وهذه اخلربة‬
‫امللموسة‪ ،‬أي خربة املريض يف موقف ملموس متثل عىل ما يبدو مبدأ مركزي ًا يف مواجهة‬
‫القلق؛ إذ عىل الرغم من أن املظاهر االستعرافية ليست غري مهمة إال أهنا تكون يف اخللفية‬
‫من ناحية أن املريض يعرف يف سياق نقاش منطقي عدم خطورة املوقف و ال منطقية‬
‫ترصفاته‪.‬‬

‫عادة ما يذكر املرىض بام معناه‪" ...‬أنا أعرف أنه ال يمكن أن حيدث يل يف‬
‫مكان التسوق‪ ،‬يف الباص‪ ،‬يف الشارع‪ . ...‬؛ أعرف أن هذا األمر غري منطقي‪.‬‬
‫‪ ،‬أال أذهب إىل هناك وأال أجتنبه‪ ،‬وهذا يقيد يل حيايت باطراد متزايد! ولكن من‬
‫جهة أخرى ‪ ...‬فأنا ال أستطيع‪ ،‬لن أنجح أن أظل يف املوقف‪"! ...‬‬

‫وتكمن أهم قاعدة تقنية يف تنفيذ املواجهة و منع االستجابة يف رؤية أنه عىل املريض‬
‫أن يظل يف موقف مرهق إىل أن يظهر انخفاض واضح للقلق وعدم اهلدوء؛ و من‬
‫الصعب حتديد وقت دقيق‪ ،‬وينبغي التخطيط لفرتة تقع بني ‪ 120-100‬دقيقة لتمرين‬

‫‪424‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املواجهة‪ .‬إن ترك املوقف يف وقت مبكر خطري ألن املريض ال يستطيع تشكيل خربة أنه‬
‫قد واجه املوقف حتى انخفض القلق‪ .‬وينصح من منظور املعالج يف اجللسات األوىل‬
‫أن تكون هناك مرافقة يف العادة (من نحو مساعد املعالج عىل سبيل املثال)‪ .‬ويتطلب‬
‫تنفيذ املواجهة وختفيض القلق إىل جانب املظاهر التقنية مرونة زمنية أيض ًا من جانب‬
‫املعالج‪ .‬وسواء من أجل املواجهة أم من أجل منع االستجابة (يتحدث هاند‬
‫‪ Hand,1990 & 1992‬يف هذه األثناء عن إدارة االستجابة‪ ،‬للتأكيد عىل مظهر بناء البدائل‬
‫السلوكية) توجد إمكانات خمتلفة للتحقيق؛ و سوف نشري إليها فقط‪:‬‬
‫‪ -‬التصور مقابل الواقع‬
‫‪ -‬التنفيذ الفردي مقابل اجلامعي‬
‫‪ -‬مرتافق باملعالج أم مراقب من قبل الذات‪ ...‬الخ‬

‫يف السياق اإلكلينيكي يبدو أنه من املهم التطرق بدقة لذلك املوقف الصعب بالنسبة‬
‫للمريض واملثري للقلق‪ :‬ويطلق ماركس )‪ (Marks,1978‬عليه تسمية "املوقف املثري‬
‫‪ "eliciting Situation‬و يرمز له اختصار ًا )‪ ،(ES‬ويروج يف "نموذجه اإلكلينيكي للقلق"‬
‫الذرائعي جد ًا للمواجهة بالتحديد مع هذا املوقف‪ .‬فاملوقف يستثري استجابة القلق‬
‫املطابقة ‪Exposure reaction‬اختصار ًا )‪ (ER‬والتي ينبغي وقفها من خالل منع االستجابة‬
‫كي حيصل إطفاء للقلق و بناء البدائل والسلوك غري املتوافق مع القلق‪ .‬وعادة ما يتم‬
‫ضبط منع االستجابة خارجي ًا باحلد األدنى (أي من قبل املعالج)؛ فمن خالل توضيح‬
‫اهلدف و مبدأ الرشوط الطبيعية و التوضيح الدقيق لإلجراء العالجي يفرتض أن يكون‬
‫املريض نفسه مستعد ًا ملواجهة املوقف الصعب بالنسبة له‪ ،‬كي حيدث تغلب عىل القلق‬
‫(معاجلة انفعالية ‪.)Foa & Kazak ،emotional processing‬‬
‫ويفرتض أن تكون فاعلية املواجهة و خفض االستجابة باعثة عىل الرضا الكبري؛‬
‫فضمن الرشوط املناسبة يستفيد بشكل واضح من العالج حوايل ‪ %85-80‬من املرىض‬

‫‪425‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املترضرين بشدة‪ .‬و يعد ثبات الفاعلية يف اضطرابات القلق بشكل عام مرتفع ًا‪ ،‬وأقل‬
‫رض ًا يف اضطرابات القهر‪ ،‬ولكن كذلك يف اضطرابات التعلق‪ .‬ومن املهم جد ًا‪-‬‬
‫وبشكل خاص بالنسبة للفاعلية طويلة األمد‪ -‬بناء مستمر للبدائل‪ :‬و هنا يتعلق األمر‬
‫بتسخري القدرات و املوارد املوجودة لدى املريض و دعمها‪ .‬فمن دون بناء بدائل حيصل‬
‫بمساعدهتا عىل استقاللية مطابقة و إمكانات توجيه ملحيطه (االجتامعي) و تشكل‬
‫بالنسبة له مصدر ًا مالئ ًام للتعزيز‪ ،‬فسيبدو االنتكاس إىل أنامط السلوك الباثولوجية وارد ًا‪.‬‬
‫والبد هنا أن نؤكد بشكل واضح عىل أن ضبط الذات لدى املريض هبدف اإلدارة الفاعلة‬
‫للذات حتتل األمهية الكربى‪.‬‬
‫‪ .3‬التنويع و تطويرات أخرى‬
‫من الصعب وضع احلدود بني اإلمكانات املنفردة ألساليب املواجهة؛ فحتى خفض‬
‫احلساسية املنتظم يف الواقع ‪ In Vivo‬يتطلب (كام هو احلال يف املواجهة ومنع االستجابة)‬
‫مواجهة مبارشة بموقف إشكايل‪ .‬إال أن هذا حيدث بشكل تدرجيي و باستخدام استجابة‬
‫مضادة للقلق (كابحة)‪ .‬وقد حيض مبدأ املواجهة باستخدامات خمتلفة و تطويرات‬
‫الحقة سوف نتعرض ألمهها‪:‬‬
‫‪Flooding‬‬ ‫اإلفاضة‬
‫يقصد باإلفاضة ("اإلغراق باملثري") مواجهة رسيعة مع تنفيذ أقىص للموقف (البند‬
‫األعىل) يفرتض للمريض أن يعيش القلق بدرجة قصوى و أن يتحمله‪ .‬وغالب ًا ما تتم‬
‫اإل فاضة يف الواقع و تتطلب من املريض يف درجة كبرية من الدافعية و القابلية لتحمل‬
‫الضغط‪ .‬فإذا ما دخل املريض يف موقف صعب النسبة له و عاش يف هذا بأن العواقب‬
‫التي خيشاها (اإلغامء‪ ،‬املوت‪ ...‬الخ) مل تظهر‪ ،‬فإنه هبذا يكون قد حصل اخرتاق مهم‬
‫للقلق يف عالج القلق‪ .‬و تصبح الفقرات أو البنود التي خيشاها املريض بشكل أقل‬
‫عندئذ أسهل عىل املواجهة؛ ويرى ممثلو هذا االجتاه (من نحو فيغينباوم‬
‫‪ )Fiegebbaum,1986 &1988‬بأنه يف هذا الشكل من املواجهة املحشودة تتهيأ الظروف‬

‫‪426‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املالئمة للوقاية من االنتكاس‪ :‬فاملريض يتعلم يف جمرى األسلوب مواجهة املواقف‬


‫احلرجة و الصعبة يف املستقبل وعدم جتنبها بأي شكل من األشكال‪ .‬وينعكس هذا‬
‫كذلك بيانات يف املتابعة املالئمة باملقارنة مع املواجهة املتدرجة‪.‬‬
‫ويتم تنفيذ اإلفاضة يف العادة يف الواقع؛ ويف احلاالت االستثنائية (عىل سبيل املثال‬
‫إذا ما مل يكن باإلمكان اللجوء للموقف ألسباب خمتلفة) تبدو املواجهة بالتخيل مفيدة‪.‬‬
‫ويكمن مبدأ التفسري املركزي يف اإلفاضة يف نموذج االعتياد ‪ :Habituation‬فمن خالل‬
‫وقت العرض الطويل حيصل تزايد بطيء ولكن متصاعد لالستثارة الفيزيولوجية‬
‫واالستعرافية‪ .‬وبالنسبة لتثبيت هذه العملية من التعلم ال تكفي يف العادة مواجهة‬
‫واحدة‪ ،‬وإنام حيتاج األمر إىل عدة إعادات‪ ،‬حتى يمكن أن يتم اعتبار املوقف املشكل قد‬
‫متت مواجهته‪.‬‬
‫التفجري الضمني ‪implosion‬‬

‫التفجري الضمني هو أسلوب مواجهة تم تطويره يف ستينيات القرن العرشين‬


‫)‪ .(Stampf & Levis,1967 & 1973, Levis & Hare,1977‬وبالنسبة هلذا األسلوب‬
‫تعد التفريقات التالية عن خفض احلساسية املنتظم واملواجهة ومنع االستجابة و اإلفاضة‬
‫عنارص أساسية‪:‬‬
‫أ) املواجهة تتم يف التصور فقط‪،‬‬
‫ب) تتم املبالغة باملوقف بشكل متطرف إىل حد ما‪،‬‬
‫ت) تعد تصورات النموذج السيكودينامية أساسية سواء بالنسبة للمستوى‬
‫النظري أم التقني‪.‬‬
‫وتنعكس النقطة األخرية (ت) يف املامرسة العملية من خالل بأنه عىل املرىض أال‬
‫يواجهوا املشهد الذي يقدمونه هم أنفسهم فقط‪ ،‬وإنام يتم عرض مشاهد عليهم‪ ،‬يعتقد‬
‫املرء أهنا ذات أمهية مناسبة بالنسبة للمريض بناء عىل األفكار النظرية (عىل سبيل املثال‬

‫‪427‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫مواضيع العدوانية‪ ،‬الفمية‪ ،‬الرشجية اجلنسية‪ ...‬الخ)‬


‫ويف البداية كان االهتامم هبذه الطريقة كبري ًا‪ ،‬إال أن أمهيتها قد تراجعت إىل اخللفية؛‬
‫أما األسباب فتكمن بالدرجة األوىل بعدم دقة الوصوفات و مشكالت التنفيذ و بشكل‬
‫حاسم جد ًا تطوير البدائل‪ .‬ومن هذه الناحية تعد طريقة التفجري الضمني ذات أمهية‬
‫تارخيية فحسب‪.‬‬
‫اإلطفاء‬
‫اإلطفاء املتدرج هو عبارة عن أسلوب ذو توجه ذرائعي كبري‪ ،‬تم استخدامه ملواجهة‬
‫استجابات القلق املهم عيادي ًا و استجابات التجنب )‪.(Rimm & Master,1979‬‬
‫وكام حتدثنا يف التعريف يستند املرء من املنظور النظري عىل مبدأ إطفاء استجابات‬
‫القلق و التجنب )‪ .(Kimbel,1961‬و يف سبيل ذلك فإن التغريات عىل مستوى أنامط‬
‫السلوك مهمة كذلك مثل إعادة تصميم التوقعات و بناء البدائل‪.‬‬
‫وعل املستوى التقني تعد املظاهر التالية أساسية بالنسبة لإلطفاء املتدرج (للتفريق‬
‫عن أساليب املواجهة األخرى)‪:‬‬
‫‪ -‬ال يتضمن أي مدخل لالستجابة املضادة للقلق‪.‬‬
‫‪ -‬يتم تدريج ملواقف القلق‪ ،‬التي (يف املعتاد) يتم عرضها يف الواقع بحيث‬
‫أهنا ال تستثري أي استجابة جتنب‪.‬‬
‫‪ -‬يلقي أمهية واضحة عىل تشكيل السلوك البديل اخلايل من القلق‪ :‬يتم‬
‫دعم أوىل البدايات من جانب املريض ويتم بواسطة األساليب‬
‫اإلجرائية (أنظر أدناه) تشكيل مثل هذه البدائل بشكل ملموس‪.‬‬
‫اإلطفاء املتدرج كام قلنا هو ذرائعي جد ًا؛ غري أن هذا يتضمن يف حتليل السلوك‬
‫حتديد دقيق لتلك املواقف التي تثري استجابات القلق والتجنب‪ .‬وهنا ليس بالرضورة‬
‫أن يتم طرح فرضيات خاصة حوا النشوء (عىل سبيل املثال باجتاه نموذج إرشاط)‪:‬‬

‫‪428‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫فاملواجهة –بطريقة متدرجة و بطريقة حمددة من قبل املريض‪-‬ينبغي أن تتم جتاه تلك‬
‫املواقف التي تستثري القلق بالنسبة له‪ .‬ويف هذا السياق يتحدث ماركس )‪(Marks,1978‬‬
‫عن "نموذج إكلينيكي للقلق ‪ "clinical Anxiety Model‬و استخدم كمبدأ التوليف بني‬
‫األحرف ‪ . ES  ER‬و يتضمن ‪ ES‬املوقف املثري للقلق‪ ،‬و ‪ ER‬استجابة القلق التي‬
‫حتتاج عندئذ لإلطفاء‪.‬‬
‫وكام هو األمر يف كثري من أساليب العالج ذات التوجه الذرائعي الشديد فإن‬
‫الربهان الرصيح للفاعلية صعب‪ ،‬ألن جمموعة كاملة من املركبات تدخل أو تصب يف‬
‫اإلجراء املركب لإلطفاء التدرجيي؛ ففي حني أن هذا مرتبط بالنسبة لالختبار التجريبي‬
‫مع الصعوبات املعروفة‪ ،‬فإن اإلطفاء التدرجيي يتضمن بالذات تلك املركبات التي يرتبط‬
‫هبا يف تعقيد موقف العالج‪ .‬ومل يعد يقترص استخدام األساليب املختلفة يف هذه األثناء‬
‫عىل اضطرابات القلق (عىل الرغم من أن القلق يمثل جماالً واسع ًا) ‪ .‬فتوسيعات املبدأ‬
‫نجدها يف املجاالت التي يتعلق فيها األمر بالتمثل االنفعايل )‪(Foa & Kozak,1986‬‬
‫للمواقف املرهقة والصعبة‪ .‬و نجد أمثلة حول ذلك يف استجابات احلزن املزمنة‬
‫)‪ ،(Ramsey,1979‬وكذلك يف املواجهة مع املواقف املثرية املطابقة لدى مرىض‬
‫بمشكالت الكحول و التعلق بالعقاقري و يف إدمان اللعب واضطرابات الطعام‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وتشرتك هذه املشكالت يف أن املرىض يواجهون مواقف مرهقة (من نحو الثالجة املمتلئة‬
‫بالطعام عىل سبيل املثال)؛ فاخلطوة احلاسمة يف العالج تتضمن تناقص _إطفاء) القلق‬
‫وعدم اهلدوء و االستثارة يف هذا املوقف املرهق يف العادة‪ ،‬حيث يتم توصيل و تشكيل‬
‫استجابات املواجهة التدرجيية املطابقة‪ .‬وسواء من الوجهة النظرية أم عىل املستوى‬
‫العميل فإنه يمكن االستفادة من حالة أن املشكلة يف احلالة املثالية ينبغي معاجلتها يف‬
‫املوقف الذي تظهر فيه‪.‬‬

‫‪429‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪1‬‬
‫‪paradox Intervention‬‬ ‫التدخالت املتناقضة‬
‫ال تعود جذور االسرتاتيجيات املتناقضة بأي شكل من األشكال إىل السياق‬
‫النظري التعلمي أو النظري السلوكي )‪ ،(Frankl,1067‬ومن ثم فهو يمتلك تقليد ًا‬
‫ال طويالً‪ .‬و يكمن مبدأ التدخل املتناقض (املوهم للتناقض) بدفع املريض من‬ ‫مستق ً‬
‫خالل اسرتاتيجية عالجية ذكية للقيام بأنامط تفكري وأنامط سلوكية مناقضة لسلوكه‬
‫الباثولوجي بشكل قطري ‪ .diametric‬و قد متت العودة يف هذا الوقت لألساليب‬
‫املتناقضة ثانية و تم جعلها مفيدة بالنسبة لالستخدام العالجي (وبشكل خاص آرش‬
‫‪ .)Ascher,1989‬وبالنسبة ألساليب املواجهة فإن التناقض يكمن يف أن املريض يدخل‬
‫يف تلك املواقف التي يتهرب منها أو يتجنبها بشكل خاص؛ فقد نشأت التطبيقات‬
‫املعروفة للتقنيات املتناقضة من جماالت االضطرابات اجلنسية (منع االتصال اجلنيس) أو‬
‫م ن جمال اضطرابات الكالم (كاللجلجة املقصودة عىل سبيل املثال) ‪ .‬ويتضمن املنطق‬
‫الكامن خلف هذا املبدأ الفرضية بأن من خالل التخيل عن التجنب أو من خالل التعامل‬
‫املختلف مع املوقف يتم بالتحديد تعطيل تلك الكوابح و احلصارات و املحددات التي‬
‫متثل الرشوط األساسية لالضطراب (من نحو القلق االستباقي أو التوقعي عىل سبيل‬
‫املثال)‪ .‬ومن املنظور النظري السلوكي البد للمرء إىل جانب هذه اآللية املهمة أن يشري‬
‫إىل مبدأ هتديم القلق من خالل املواجهة؛ هلذا فإنه ال بد من رؤية مظهر حاسم للتدخالت‬
‫املتناقضة يف مقدمة التدخالت العالجية املهمة جد ًا‪ :‬إذ أن مشكلة املواجهة ال تكمن عىل‬
‫ال و إنام يف مسألة فيام إذا كان املريض مستعد ًا و إىل أي مدى‬
‫األغلب يف أن املبدأ ليس فاع ً‬
‫هو قادر عىل الدخول يف املوقف املرهق بالنسبة له‪ .‬وبالتحديد هنا‪ ،‬يف سياق الدوافع و‬
‫التحفيز للمريض حتتل التدخالت املتناقضة أمهيتها النوعية‪ .‬ومن هذه الزاوية تكمن‬
‫آليات تأثري التناقضات يف توصيل رؤية أخرى خمتلفة كلية عن باثولوجية املريض‪ ،‬تتيح‬

‫‪ 1‬األفضل تسميته املوهم للتناقض‪ Paradox :‬تعمي يشء مناقض للعقل أو متناقض ظاهري ًا ومع ذلك قد يكون‬
‫صحيح ًا‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫له فرصة للمواجهة و التغلب عىل املشكالت التي كانت تعترب حتى اآلن غري قابلة‬
‫للحل‪.‬‬
‫ومن املؤكد أنه ينبغي النظر ملشكلة حمددة يف االستخدام غري الدقيق و إىل حد ما‬
‫مبتذل‪-‬دائري ملفهوم التناقض‪ :‬فمن البدهيي أن كل اإلجراءات العالجية باجتاه اهلدف‬
‫تعني بالنسبة للمريض (باالستناد إىل املوقف املشكل) التخيل عن نمط السلوك وحل‬
‫املشكلة املرضيني (مع العلم أن نمط حل املشكلة هذا يشوه احلل الفاعل!)‪ .‬وحيتاج‬
‫األمر عىل األقل إىل توضيح مفاهيمي ونظري دقيقني حول فيام إذا كان هذا "متناقض ًا"‬
‫وإىل أي مدى هو كذلك‪.‬‬

‫مواجهة القلق‬
‫‪(Marks,1987; Rachman,1990,‬‬ ‫يعد القلق انفعاالً إنساني ًا رضوري ًا ومركزي ًا‬
‫)‪ .Reinecker,1993‬واملقصود هبذا أن شعور القلق حيتل أمهية كبرية بالنسبة لبقاء النوع‬
‫و الفرد و كذلك بالنسبة لتنظيم ترصفاتنا اليومية‪" .‬وإزالة" اخلوف قد متتلك عواقب‬
‫وخيمة و ال يمكن التفكري به كهدف عام‪ .‬و ما يشبه ذلك يوجد يف جمموعة كاملة من‬
‫استجابات اضطرابات القلق‪ ،‬التي ال يمكن فيها أبد راًَ –وإىل حد ما ألسباب أخرى‪-‬‬
‫"القضاء" عىل اخلوف‪ .‬فلنفكر بالقلق املعمم و اضطرابات اهللع و املواقف املرتبطة‬
‫بمواقف يف اضطرابات الضغوط التالية للصدمة‪ ...‬الخ‪ .‬هنا (بسبب غياب مثريات‬
‫الداللة التفريقية) ليس من املمكن عىل اإلطالق جتنب املوقف‪ .‬إال أن كل هذا ال يعني‬
‫أننا مجيعنا كأشخاص أو كمرىض واقعني حتت رمحة القلق مستسلمني‪ .‬و يعني مصطلح‬
‫املواجهة ‪Coping‬القادم من أبحاث الضغط أنه يمكننا أن نتعلم التعامل مع املواقف‬
‫واالنفعاالت املرهقة‪ .‬وهنا وعىل الرغم من أن إشكالية مفهوم املواجهة املستخدم‬
‫بشكل متضخم معروفة إال أننا هنا لن نناقش هذه املشكلة‪.‬‬
‫ويتظاهر عنوان الفقرة "مواجهة القلق" بوجود وحدة ووضوح يف األساليب‬
‫العالجية‪ ،‬غري املوجودة أص ً‬
‫ال يف الواقع؛ بل أن األمر يتعلق بكمية غري متجانسة من‬

‫‪431‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االسرتاتيجيات العالجية التي ينبغي وضع جمموعة كبرية منها خارج جمال التقاليد‬
‫العالجية السلوكية (من نحو أساليب التأمل عىل سبيل املثال)‪ .‬مع ًا تبدو املساعي حول‬
‫مواجهة القلق رؤية لالنفعاالت اإلنسانية تعزو للمركبات االستعرافية دور ًا مه ًام‪ .‬وهذه‬
‫املستويات االستعرافية (عىل األغلب املقاسة لفظي ًا) تتضمن األفكار والترصحيات‬
‫‪ Statement‬القصرية و اجلمل والتقويامت‪ ...‬الخ التي متتلك طبيعة افرتاضية‬
‫‪ propositional‬بشكل عام و التي تبدي فيام بينها درجة عالية من التشابك‪ .‬وهذه‬
‫العمليات التفكريية حتدد تلوين االنفعاالت اإلنسانية بدرجة عالية؛ فعىل الرغم من أنه‬
‫ال يمكن استبداهلا ببساطة ("‪ ...‬عيل أن أفكر بشكل خمتلف‪ ،)" ...‬إال أنه لدى توفر‬
‫إدارة مناسبة للجلسة من املمكن أن تكون قابلة للتغيري‪ .‬إال أن التدريب عىل مواجهة‬
‫القلق ال يظل مقترص ًا عىل املستوى االستعرايف‪ ،‬وإنام يتطلب عودة إىل مظهر التمرين‬
‫العالجي السلوكي‪-‬التقليدي‪.‬‬

‫عناصر التدريب ملواجهة القلق‬

‫‪ ‬تدريب التمييز‪ :‬ويقصد هبذا التعرف املبكر عىل استجابات القلق‬


‫الذاتية و وكذلك متايز هذه االستجابات [التفريق بينها وتقدير درجتها]‪.‬‬
‫فاملرىض يكبتون و يتجنبون وهيملون العالمات األوىل خلوفهم واستثارهتم‬
‫الذاتية لتوقع ‪ anticipation‬اخلطر –ويستجيبون باهللع‪ ،‬عندما يغمرهم اخلطر‪.‬‬
‫ويساعد التعرف املبكر للمريض عىل متييز العالمات األوىل للقلق و استخدام‬
‫اسرتاتيجيات مواجهة فاعلة بشكل مبكر (تغيري التنفس عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫يقوم املرىض قلقهم غالب ًا عىل أنه‬
‫وتذهب إجراءات التمييز باجتاه مشابه‪ِّ :‬‬
‫"هلع"‪ ،‬عىل أنه مرعب‪ ،‬عىل أنه ال يمكن حتمله أكثر‪ ...‬الخ؛ ويساعد التمييز‬
‫عىل مقياس تقدير ذايت (من الصفر إىل ‪ )100‬املريض عىل حتقيق تفريق و تعلم‬
‫أن القلق ليس بالدرجة نفسها دائ ًام‪ . .‬الخ‪ .‬ويساعد التعرف املبكر والتاميز‬

‫‪432‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املريض هنا عىل الوصول إىل الشعور الذايت األول للسيطرة عىل القلق (من دون‬
‫أن يزيله بشكل مبارش)‪.‬‬
‫اسرتاتيجيات ملواجهة القلق‪ :‬وتتضمن هذه مظهر أن املريض يتوقف عن‬
‫حماولة جتنب قلقه‪ ،‬وإنام حيرك البدايات األوىل للمواجهة‪ .‬وهذا يشرتط لدى‬
‫املريض االستعداد املبدئي لضبط الذات (حتمل املواقف املقيتة قصرية األمد) و‬
‫القدرة الستخدام اسرتاتيجيات التعلم املوجودة أو التي يفرتض تعلمها من‬
‫جديد‪ .‬و حتتاج اسرتاتيجيات املواجهة املوجودة التأكيد اخلاص‪ ،‬التي‬
‫يستخدمها املريض بشكل فاعل يف مواقف إرهاق أخرى والتي تشرتط فقط‬
‫النقل إىل مواقف القلق؛ فكثري من املرىض يستخدمون اسرتاتيجيات منفردة‬
‫أيض ًا‪ ،‬ال حتتاج إال إىل نوع من التصحيح أو التقديس‪ .‬ويف احلاالت النادرة ال‬
‫تكون مثل هذه اإلمكانات موجودة عىل اإلطالق؛ وحتى هنا توجد إمكانية‬
‫توصيل اسرتاتيجيات املواجهة؛ و هنا البد من املراعاة اخلاصة للخربات‬
‫السابقة واألولويات‪ preference‬لدى املريض (عىل سبيل املثال مع أو ضد‬
‫األساليب التخيلية‪ ...‬الخ)‪ .‬و من منظور استعرايف‪-‬عالجي سلوكي توجد‬
‫إمكانات مواجهة مواقف الضغط (تدريب التلقيح ضد الضغط) بشكل‬
‫خاص)‪( .Meichenbaum,1977; Suinn & Richardson,1971‬أنظر حول‬
‫هذا أدناه "أساليب العالج االستعرافية")‪.‬‬
‫التمرين يف األطر العالجية هبدف النقل التدرجيي عىل املواقف الطبيعية‪:‬‬
‫فعىل الرغم من أن التمرن عىل مواجهة القلق يكون غري مريح بالنسبة للمريض‬
‫يف البداية‪ ،‬إال أنه ال يمكن االستغناء عنه من أجل التطبيق يف املواقف الطبيعية‪.‬‬
‫وكمعالج يمكنه أن يرافق املريض و يعطيه توجيهات ملواجهة موقف قلق‬
‫واستجابة قلق ملموسني‪ .‬وحتتل االستثارة املقصودة للقلق أمهية خاصة (من‬
‫خالل فرط التنفس عىل سبيل املثال)‪ .‬فهنا يطلب من املريض استحداث‬
‫استجابة قلق مقصودة من أجل التمرن عىل اسرتاتيجيات مواجهة مطابقة من‬

‫‪433‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫خالل هذه املواقف‪ .‬و يمكننا فهم هذا عىل أنه جزء من التدخل املتناقض‪ ،‬إذ‬
‫أنه يف العادة حياول املريض جتنب أي ظهور ولو ضئيل للقلق‪ .‬و متتلك‬
‫استجابة القلق املقصودة و املوجهة من قبل املريض نفسه مظهر ًا مه ًام جد ًا‪،‬‬
‫يتمثل يف أن املريض يعيش الضبط‪ :‬فالقلق ال يتضمن باثولوجيا مستقلة عنه‪،‬‬
‫وإنام حيظى املتعالج بالقدرة عىل حل القلق بنفسه‪ ،‬و يستطيع أن يتعلم التعامل‬
‫مع هذا القلق بنفسه‪ .‬وهبذا نكون قد تطرقنا لعنارص مهمة ملواجهة القلق أو‬
‫اإلدارة الذاتية‪.‬‬

‫وأخري ًا ال بد من التأكيد بشكل عام عىل أن املواجهة أيض ًا ليست هي احلل لكل‬
‫املشكالت املرتبطة بالقلق (واالنفعاالت املقيتة)؛ فالكثري من االنفعاالت متتلك وظيفة‬
‫مهمة يف حياتنا‪ .‬غري أن مواجهة القلق تشكل إمكانية للتعامل مع مواقف و استجابات‬
‫القلق املزعجة والقيتة بالنسبة للمريض‪ .‬و تعتمد مواجهة القلق بدرجة كبرية عىل‬
‫اسرتاتيجيات ضبط الذات و املساعدة الذاتية للشخص و جتعل الشخص هبذا مستقالً‬
‫عن السياق العالجي‪.‬‬

‫األساليب اإلجرائية (=طرق لضبط السلوك من خالل تعديل النتائج)‬


‫متت معاجلة أساليب ضبط املثري و النتائج هنا بشكل منفصل ألسباب تعليمية‬
‫ومنهجية؛ ففي املامرسة العملية تتشابك األساليب مع بعضها (عىل سبيل املثال دعم تقدم‬
‫املريض يف أساليب املواجهة)‪ .‬وحتى يف املجال النظري والتجريبي فإنه يصعب فصل‬
‫كلتا العمليتني عن بعضهام؛ و ينطبق هذا أكثر عىل جمال املامرسة العالجية‪ .‬إذ غالب ًا ما‬
‫يتضح يف سياق التحليل الوظيفي فيام إذا كان السلوك واقع ًا حتت سيطرة رشوط املثري أم‬
‫رشوط النتيجة؛ إال أن نقطة االرتكاز امللموسة تنبثق عن التوضيح الدقيق للهدف‬
‫ولتحديد اهلدف من املعالج واملريض‪ .‬عندئذ تفيد أساليب ضبط النتائج بشكل خاص‬
‫كاسرتاتيجية عالجية‪ ،‬إذا ما كانت مشكلة املريض بسبب تكرارها حتتاج إىل تعديل‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ومن منظور التقنية توجد هنا اإلمكانات التالية‪( .‬الشكل ‪.)16‬‬

‫الشكل (‪ )16‬تصويرة ‪ SCHEMA‬االسرتاتيجيات األساسية لضبط النتائج‬


‫استبعاد‬ ‫عرض‬
‫عقوبة‪/‬إطفاء‬ ‫تعزيز إجيايب‬ ‫مثري إجيايب ‪positive Stimuli‬‬

‫العاقبة‪R :‬‬ ‫العاقبة‪R :‬‬ ‫)‪(S1 =C+‬‬

‫تعزيز سلبي‬ ‫عقاب‬ ‫مثري مقيت ‪aversive Stimuli‬‬

‫العاقبة‪R :‬‬ ‫العاقبة‪R :‬‬ ‫)‪(S1 =C-‬‬

‫‪ :R‬تعني يف هذه التصويرة أنه حسب قانون األثر يتوقع ازدياد احتاملية‬
‫الظهور‪.‬‬
‫‪ :R‬تعني أنه ازدياد احتامل الظهور هو نتيجة العملية املطابقة‪.‬‬

‫ويتضح من هذا الشكل أن التعزيز السلبي و اإلجيايب يقود إىل تزايد‪ ،‬باملقابل فإن‬
‫العقاب واإلطفاء إىل تناقص السلوك من نفس الطبقة اإلجرائية؛ و بالتحديد ال يمكن‬
‫تعزيز السلوك فقد ظهر هذه السلوك و يمتلك احتاملية ظهور=‪ !1‬تعزيزه يمكن أن يتم‬
‫من خالل عرض نتيجة سلوكية‪ ،‬أي احتاملية سلوك من نفس الطبقة اإلجرائية‬
‫)‪ . (Skinner,1953 &1969‬والبد لنا من اإلشارة هنا فقط إىل أن هذا حيمل يف طياته‬
‫مشكالت مطابقة عند حتديد "الطبقة اإلجرائية" أو الصعوبات التالية يف مفهوم التمييز‬
‫و التعميم‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫األساليب اإلجرائية هي جزء أسايس من حياتنا اليومية –والتي ال نالحظها عىل‬


‫اإلطالق‪( -‬عىل سبيل املثال الضبط اإلجيايب واملقيت يف سياق العالقة الزوجية واألرسة‬
‫‪ ...‬الخ)‪ .‬ويستفيد العالج السلوكي من استخدام هذه االسرتاتيجية وحياول االستفادة‬
‫منها بشكل هادف حسب خصائص العالج السلوكي‪ .‬و ال يمكن حتديد فاعلية املعزز‬
‫إال بشكل جتريبي‪ ،‬أي أنه عىل الرغم من أن معطيات الشخص حول املثريات اإلجيابية‬
‫والسلبية نوع من الداللة بأن فاعلية تقديم مثري ما كعاقبة لسلوك مم تتحدد من خالل‬
‫تعديل نسبة السلوك‪.‬‬
‫وال ينبغي النظر إىل مفهوم التعزيز واستخدامه عىل أنه تصور ثابت‪ .‬وقد أوضح‬
‫سكنر بأن مبادئ التعلم متثل جتريدات و تبسيطات حلدث معقد‪ .‬وينبغي النظر إىل‬
‫السلوك وعواقبه عىل أهنا جمريات ديناميكية (يف احلالة األبسط كتشبيك أو تربيط)؛‬
‫فالسلوك اإلجرائي يعرف من خالل أن يمتلك تأثري عىل املحيط و بأن املحيط يامرس‬
‫الضبط عىل هذا السلوك‪ ...‬الخ‪ .‬و التبسيطات تساعدنا عىل الرغم من تعقيدات جمرى‬
‫السلوك عىل إجياد الطريق وعىل حتديد البناءات املركزية املطابقة‪ .‬ومن هذه الناحية ال‬
‫يمكننا أن ننظر لألساليب املناقشة هنا عىل أهنا جمرد "استخدامات" النظريات اإلجرائية‪.‬‬
‫فالنامذج النظرية متتلك خلفية موجهة أو مساعدة تقدم لنا يف سياق تربير ترصفاتنا جمال‬
‫تدخل مهم جد ًا‪.‬‬
‫فإذا ما تأملنا األساليب اإلجرائية فيمكننا التمييز بني ثالثة جمموعات كبرية‪:‬‬
‫‪ .1‬أساليب بناء السلوك‬
‫‪ .2‬اسرتاتيجيات تثبيت السلوك واحلفاظ عىل استمراريته‪،‬‬
‫‪Contingency management‬‬ ‫‪ .3‬اسرتاتيجيات عليا إلدارة االحتاملية‬
‫وسوف نعالج املجاالت الثالثة بشكل خمترص فيام ييل‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أساليب لبناء السلوك واحلفاظ عليه‬


‫كإمكانات مهمة لبناء السلوك (أي لرفع احتاملية الظهور املستقبلية) ال بد من‬
‫إدخال تعزيز إجيايب‪ .‬واألمر احلاسم للفاعلية هو االحتامل ‪ Contingency‬بني السلوك‬
‫من جهة وبني النتيجة من جهة أخرى؛ و تعني االحتاملية ‪ Contingency‬نسبة السلوك‬
‫إىل نتيجة منتمية هلذا السلوك‪ .‬وهذا مهم ألن السلوك يف العادة واقع حتت ضبط متعدد‬
‫لالحتاملية ‪– multiple Contingency Control‬من الصعب التفكري بسلوك ما من دون‬
‫عواقب‪ .‬و من جمموعة كاملة من نتائج السلوك املمكنة سوف تؤثر تلك النتيجة‪/‬املعزز‬
‫التي متتلكك بالنسبة للمثريات األخرى نوع من القوة ‪ .pregnancy‬ومن أجل توضيح‬
‫نسبة االحتاملية ‪ contingency relation‬فإنه من املهم تقديم نتائج السلوك بشكل غري‬
‫مبارش‪ ،‬كي يتم التمكن من عرض هذه النسبة بشكل سهل‪ .‬فإذا ما تم عرض املثري‬
‫بتباعد زمني كبري عن السلوك (تعزيز متأخر)‪ ،‬فإنه يتم تصعيب التعرف عىل نسبة‬
‫االحتاملية عىل الفرد(الشكل ‪.)17‬‬

‫فقد أشار كل من غارسيا وآخرون ‪ Garcia et. al,,1972‬إىل ما يسمى باالرتباط‬


‫بني السلوك )‪ (R‬و املعزز )‪(C+‬؛ فمن سلسلة السلوك ال تصبح تلك النتائج للسلوك‬

‫‪437‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫فاعلة بوصفها معززات‪ ،‬املوجودة عىل قرب مكاين وزماين من السلوك‪ ،‬وإنام يبحث‬
‫الفرد إىل حد ما عن حميطه حسب املثريات التابعة‪ .‬وهذا املبدأ لنظرية التعلم احلديثة‬
‫)‪ (Rescola,1988‬يمكن برهانه يف املجال حتت اإلنساين‪ .‬وهذا يشري أيض ًا إىل التشبيك‬
‫البيولوجي‪-‬التطوري لعمليات التعلم )‪ ،(Seligman,1970, McNally,1987‬وكذلك‬
‫إىل الرؤية القائلة أن التعلم هو عبارة عن عملية فاعلة وتسري عىل مستويات عدة للتطور‬
‫اإلنساين‪.‬‬
‫وبالنسبة للمامرسة العملية التي يتعلق فيها األمر ببناء السلوك من خالل تعزيزات‬
‫إجيابية تعد اإلرشادات التالية مهمة‪:‬‬
‫‪ -‬قبل استخدام املعزز اإلجيايب حيتاج األمر إىل حتليل وظيفي و حتديد‬
‫للمعزز املهم (يف العادة من خالل املالحظة)‪.‬‬
‫‪ -‬كمعززات إجيابية ال تالءم املعززات األولية والثانوية فحسب وإنام‬
‫أيض ًا أنامط سلوك الفرد نفسه‪(Premack,1965) .‬‬

‫‪ -‬ينبغي تقديم املعززات اإلجيابية مبارشة بعد ظهور السلوك اهلدف‪.‬‬


‫‪ -‬البد أن تكون العالقة واضحة بالنسبة للفرد بني السلوك املرغوب‬
‫وتقديم املعزز‪.‬‬
‫‪ -‬من أجل جتنب تأثري اإلشباع ال بدأن يتم تقديم املعززات بشكل متنوع‬
‫قدر اإلمكان (تنويع املعززات اإلجيابية)‪.‬‬
‫‪ -‬من أجل بناء السلوك ينبغي أن يتم التعزيز اإلجيايب يف البداية بشكل‬
‫مستمر‪ ،‬ومن أجل تثبيت (أنظر أدناه) السلوك ينبغي العبور نحو‬
‫التعزيز املتقطع )‪.(Frester & Skiner,1957, Holand & Skiner,1971‬‬
‫‪ -‬عند اختيار السلوك اهلدف ينبغي االنتباه بأن يصبح هذا معزز ًا ذاتي ًا أو‬
‫حيظى بتشبيك يف املحيط الطبيعي؛ باإلضافة إىل ذلك ينبغي للشخص‬

‫‪438‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أن يصبح بالتدريج قادر ًا عىل تنفيذ املعززات بنفسه (أنظر ضبط الذات‬
‫الحق ًا)‪.‬‬

‫ويبدو أن هناك خالف حول الفاعلية املبدئية السرتاتيجية التعزيز اإلجيايب؛ فبالنسبة‬
‫لالستخدام يف السياق العالجي يستطيع املرء اإلشارة إىل تطور السلوك قبل االجتامعي‬
‫‪ prosocial‬لدى األطفال العدوانيني و عىل تطور سلوك الكالم ‪ . .‬الخ وكذلك عىل‬
‫توصيل املهارات املعقدة لدى مرىض الطب النفيس؛ ففي جمال االضطرابات االكتئابية‬
‫متتلك األساليب اإلجرائية يف بناء السلوك الفاعل دور ًا كبري ًا كام هو األمر يف تطور أنامط‬
‫السلوك اجلديدة يف الرهابات االجتامعية ويف إطار تنمية أنامط السلوك "الصحي" يف‬
‫الطب السلوكي (كاملطاوعة ‪ Compliance‬و سلوك الطعام‪ ،‬سلوك احلركة عىل سبيل‬
‫املثال)‪.‬‬
‫كثري من اسرتاتيجيات التعزيز اإلجيايب هي جزء من الذخرية العالجية بحيث أننا‬
‫قلام نذكرها بشكل رصيح؛ ومن بينها الدعم غري اللفظي للمريض من خالل االهتامم‬
‫و من خالل إيامءة الرأس‪ ،‬ومن خالل الدعم اللفظي املبارش بالنسبة لتحقيق األهداف‬
‫اجلزئية العالجية‪ .‬و يتم استخدام التعزيز اإلجيايب بالتوليف مع أساليب أخرى عىل‬
‫األغلب‪ ،‬يف إطار تعلم التمييز يف تشكيل السلوك اللغوي أو بالتوليف مع اسرتاتيجيات‬
‫اإلطفاء يف جمموعات األطفال العالجية لبناء السلوك قبل االجتامعي عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫وكإمكانيات خاصة للتعزيز اإلجيايب ال بد من اإلشارة إىل بعض األساليب التي‬
‫تفيد بشكل خاص عندما يتعلق األمر بتشكيل السلوك ألول مرة (عندما عىل سبيل املثال‬
‫ال تكون أنامط السلوك اهلدف موجودة يف ذخرية املريض بعد عىل اإلطالق)‪:‬‬
‫التشكيل‪ :Shaping‬ويقصد به التشكيل التدرجيي للسلوك‪ ،‬حيث يتم بداية تعزيز‬
‫العنارص ونقاط االستناد األوىل للسلوك اهلدف (عىل سبيل املثال أول مقطع لفظي عند‬
‫تشكيل اللغة اإلنسانية)‪ .‬ويتطلب أسلوب التشكيل حتليل للسلوك اهلدف إىل تلك‬

‫‪439‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االستجابات األساسية التي يمكن اعتبارها أوىل املقاربات وتعزيزها‪ .‬يف إطار التقدم‬
‫يتم تعزيز التقارب بالتدريج بشكل تفريقي أكثر فقط‪ ،‬أي عندما تظهر دائ ًام تشاهب ًا أفضل‬
‫مع السلوك اهلدف‪.‬‬
‫التسلسل ‪ :chaining‬ويتضمن بناء نمط سلوك مركب؛ وهنا يتم تعزيز العنرص‬
‫األخري يف السلسلة كأول عنرص‪ ،‬و تشكيل سلسلة السلوك إىل حد ما "من اخللف"‪.‬‬
‫ويف التسلسل يستفيد املرء من حالة أنه يف سلسلة مركبة من السلوك يتم يف العادة أوالُ‬
‫تعزيز العنرص األخري أي النهاية‪ .‬ومن خالل مبدأ التوصيل (أو الربط) تكتسب‬
‫العنارص منفردة من السلسلة بالتدريج طبيعة تعزيز (ثانوية) كذلك‪.‬‬
‫الدفع (التلقني) ‪ :prompting‬ويقصد بذلك تقديم املساعدة اللفظية أو السلوكية؛‬
‫فمن خالل التعليامت واملسك باليد والتوجيه‪ ...‬الخ يفرتض أن يتم توجيه الطفل‬
‫عموم ًا للسلوك املرغوب‪ .‬وهبذا يشكل الدفع اسرتاتيجية أولية جد ًا كي يتمكن التعزيز‬
‫اإلجيايب من التأثري‪.‬‬
‫التاليش أو اإلهبات ‪ :fading‬ويعني التخفيف التدرجيي ملثري املساعدة؛ فمن أجل‬
‫تعلم سلوك مركب يمكن يف البداية تقديم مساعدة تصويرية أو سلوكية (عىل سبيل املثال‬
‫إمساك اليد أثناء الكتابة‪ ) ...‬و من خالل التقدم العالجي يتم التخفيف من هذه املثريات‬
‫املساعدة ويتم تعزيز املبادرات املستقلة إىل أن يتم الوصول إىل السلوك اهلدف يف النهاية‬
‫حتت سيطرة النتائج الطبيعية‪.‬‬

‫االسرتاتيجيات املذكورة غالب ًا ما تكون مشبوكة كذلك يف برنامج عالجي مركب؛‬


‫مثال ذلك تعلم السلوك الواثق بالذات‪ ،‬و بناء املهارات احلركية‪ ...‬الخ‪ .‬وما يميز‬
‫األساليب اإلجرائية يبدو بشكل خاص اإلجراء التدرجيي و حتليل نمط السلوك املركب‬
‫إىل خطوات صغرية فأصغر و الدعم املستمر للشخص يف تنفيذ هذه اخلطوات وصوالً‬
‫إىل السلوك اهلدف املركب‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ومن خالل تشكيل أو بناء أنامط السلوك املرغوبة ال يكون العالج قد انتهى بعد يف‬
‫العادة؛ فاهلدف األهم يكمن يف اإلسهام يف تثبيت السلوك (التعميم) فيام يتعلق‬
‫باملحددات املوقفية والزمنية‪ .‬و تشكل األساليب السائدة موضوع العرض الالحق‪.‬‬

‫اسرتاتيجيات إجرائية لتثبيت السلوك‬


‫ال يمكن النظر هلدف املساعي العالجية يف العادة بأنه قد حتقق عندما حيقق املريض‬
‫األهداف العالجية املتفق عليها يف إطار السياق العالجي‪ .‬فالعالج بشكل عام جد ًا‬
‫مرتبط أيض ًا برشوط مثريات نوعية بحيث أن نمط السلوك املتعلم حديث ًا البد وأن يقع‬
‫حتت سيطرة الظروف إىل حد ما‪ .‬و غياب هذه الظروف يتضمن عودة إىل تلك‬
‫الضغوط احلاسمة عىل األقل يف نشوء واستمرارية الباثولوجيا‪ .‬ويالحظ هذا بطريقة‬
‫خاصة يف تنفيذ العالج السلوكي ضمن األطر املركزية (العالج الرتقيدي)‪ .‬و من منظور‬
‫االسرتاتيجيات اإلجرائية توجد إمكانات خمتلفة يمكنها أن تدعم التثبيت أو االستقرار‬
‫للذخرية السلوكية التي تم تعلمها يف العالج‪.‬‬
‫ومن بينها بالدرجة األوىل النقل التدرجيي من السياق العالجي إىل رشوط السياق‬
‫الطبيعي؛ و يتضمن ذلك االنتقال من التعزيز املستمر إىل ما يسمى التعزيز املتقطع؛ ألن‬
‫السلوك من خالل ذلك يكتسب مقاومة خاصة لإلطفاء‪ .‬يف املامرسة العالجية يمكن‬
‫حتقيق العبور التدرجيي من خالل أن يتم تطويل الفواصل بني اجللسات العالجية (إىل‬
‫‪ 14‬يوم‪ ...‬إىل أربعة أسابيع‪ .) . . ...‬ويف املجال املركزي (الرتقيدي) يمكن التفكري‬
‫يف هناية األسبوع باملجال املنزيل و حتى بعبور تدرجيي و جتريبي لرشوط العمل‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫وكمظهر ثان نشري إىل أنه يمكن االهتامم مسبق ًا داخل السياق العالجي بالتثبيت؛‬
‫إذ ينبغي اختيار األهداف العالجية بحيث أنه ال يتم احلفاظ عليها من خالل التعزيز من‬
‫جانب املعالج فقط وإنام يف النهاية من خالل ما يسمى باالحتامالت "الطبيعية" '‪"natural‬‬
‫‪ .Contingency‬وتشكل أنامط سلوك االستقاللية الذاتية و الثقة بالذات‪ ...‬الخ أمثلة‬
‫يتم تشكيلها بداية باملساعدة العالجية و أخري ًا يتم تعزيزها واحلفاظ عىل استمراريتها‬

‫‪441‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫حتت الرشوط الطبيعية (اجلامعة املرجعية‪ ،‬األرسة)‪ .‬وبشكل عام ينبغي لألهداف‬
‫العالجية واالسرتاتيجيات العالجية أن تكون موجهة نحو تسهيل عودة املريض إىل‬
‫السياق الطبيعي‪ .‬ووجهة النظر هذه غالب ًا ما حتتاج إىل إجراءات مالزمة يمكن النظر‬
‫ال ويف‬ ‫إليها إىل حد ما عىل أهنا اسرتاتيجيات مستقلة‪ :‬فالعالج السلوكي يتضمن حتلي ً‬
‫ال لتلك الرشوط التي تعد حمددات االضطراب‪ .‬ويتطلب التحليل‬ ‫مقتىض احلال تعدي ً‬
‫ال لرشوط املحيط االجتامعي؛ فالتدخل يف املحيط الطبيعي للمريض كثري ًا‬
‫الوظيفي تعدي ً‬
‫ما يصطدم بحدود القابلية للتحقيق‪ .‬ويف العالج السلوكي تتم عىل وجه حق مناقشة‬
‫فيام إذا كانت هذه احلدود موجودة مع العبور من النشاط العالجي إىل النشاط السيايس‪.‬‬
‫فإذا ما وضع املرء النشاط السيايس والعالجي عىل متصل؛ فإنه ال بد من التأكيد عىل أنه‬
‫حتى ما يسمى النشاط العالجي الصايف يتضمن أبعاد ًا ومضامني سياسية‪.‬‬
‫وبشكل خاص من أجل الوقاية من االنتكاس و التعامل مع الرشوط املرهقة‬
‫يفرتض للعالج أال يركز فقط عىل تقديم املساعدة يف صعوبة ملموسة؛ ويف احلالة املثالية‬
‫يفرتض للعالج أن يوصل نوع ًا من منظور حل املشكلة‪ .‬ويمكن أن يتم طرح حتليل‬
‫املشكلة وحتديد اهلدف والتخطيط للعالج يف العالج السلوكي بشكل رصيح و شفاف‪،‬‬
‫بحيث أن اإلجراء العام يمثل نوع ًا من النمط املرن للصعوبات املستقبلية و الضغوط‬
‫و املشكالت‪ .‬ففي الشكل األبسط عىل سبيل املثال يتضمن مثل هذا املنظور‪ ،‬أن ينظر‬
‫مريض ما إىل مشكلة متكررة الظهور عىل أهنا مشكلة من جديد و يلجأ للعالج النفيس‬
‫بناء عىل خرباته السابقة‪ .‬ويف احلالة املثالية يمكن للمريض أن يقوم بنقل واستخدام‬
‫اسرتاتيجيات حل املشكلة املتعلمة يف العالج عىل موقف املشكلة‪.‬‬
‫يف كثري من احلاالت ال يمكن التأثري عىل الرشوط املحيطية أو تعديلها أبد ًا أو‬
‫بصعوبة جد ًا (البنى األرسية الثابتة عىل سبيل املثال لدى مرىض باضطرابات الطعام؛‬
‫و الرشوط البنيوية يف مكان العمل لدى مريض يعاين من مشكلة الكحولية ‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫وهنا تفيد اسرتاتيجيات ضبط الذات بدرجة كبرية‪ .‬ويتضمن ضبط الذات بشكل عام‬
‫جد ًا بأن يتعلم املريض حتقيق احتاملية سلوكه و توجيه سلوكه بناء عىل ذلك‪ .‬وهذا ال‬

‫‪442‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يعني أن يرتك املرء األمر للمريض نفسه‪ .‬بل أن ضبط الذات يتضمن جمموعة من‬
‫االسرتاتيجيات القابلة للتعلم و القابلة للتوصيل‪ .‬وهبذا ال تكون قد حتققت املساعدة‬
‫لتثبيت السلوك ألبعد من السياق العالجي ضيق فحسب؛ بل يتضمن ضبط الذات أيض ًا‬
‫استقاللية املريض عن الرشوط العالجية باجتاه تقرير املصري و إدارة الذات‪ .‬وقد تم‬
‫تفصيل وجهة النظر يف اإلدارة الذاتية هذه من قبل كارويل وكانفر ‪Karoly & Kanfer‬‬
‫)‪ (1982‬أوكانفر وراينكر و شميلترس )‪.Kanfer & Reinecker & Schmelzer (1996‬‬

‫اسرتاتيجيات إدارة االحتمالية‬


‫يقصد بإدارة االحتاملية ‪ strategy of Contingence management‬االستخدام‬
‫املنهجي لالسرتاتيجيات اإلجرائية –ارتباط ًا باألهداف لبناء أنامط السلوك امللموسة‪ .‬و‬
‫من األمثلة النمطية يف هذا النظام الرمزي ‪ ،token Economies‬وإدارة العقود ‪contract‬‬
‫‪ management‬و تطبيق إدارة االحتاملية يف الواقع الطبيعي‪.‬‬
‫واملقصود بالتنظيم الرمزي ‪ token Economies‬التقديم املنهجي ملعززات إرشاطية‬
‫تعميمية كنتيجة للسلوك املرغوب؛ فالرموز (أو ما يسمى بالنقود الرمزية) هي مواضيع‬
‫ذات قيمة تبادلية (كالنقود عىل سبيل املثال)‪ ،‬يمكن أن يتم استخدامها إىل مدى بعيد‬
‫بشكل مستقل عن احلالة الدافعية الراهنة للشخص‪ .‬وقد تم استخدام التنظيم الرمزي‬
‫باألصل فيام يسمى باألقسام املغلقة (من نحو املستشفيات الطبية عىل سبيل املثال)‪ ،‬من‬
‫أجل حفز املرىض للقيام بنشاطات تسهل عليهم وجودهم اإلنساين داخل وخارج‬
‫املستشفى (من نحو ارتداء املالبس‪ ،‬النظافة الشخصية عىل سبيل املثال)‪ .‬و بالذات‬
‫يشرتط االستخدام يف األقسام املغلقة (وكذلك يف املدارس و مالجئ اليافعني‪ ...‬الخ)‬
‫منطق مؤصل و مربرات مطابقة لتصورات اهلدف العالجية؛ فقط من خالل هذا يمكن‬
‫منع سوء استخدام التطبيق لنظام التعزيز الرمزي (من نحو من أجل التالؤم مع املعايري‬
‫السائدة عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫اتفاقات عقدية –يف العادة بني‬ ‫‪contract management‬‬ ‫وتتضمن إدارة العقود‬

‫‪443‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املعالج واملتعالج؛ و هنا يتم االتفاق عىل أنامط سلوكية كهدف و عىل املعززات التي ينبغي‬
‫تقديمها هنا‪ .‬وقد تم استخدام إدارة العقود (عقود االحتاملية) يف جماالت خمتلفة‪ ،‬من‬
‫نحو املشكالت الزوجية والكحولية و لضبط الوزن‪ ...‬الخ‪ .‬العنرص املهم يف إدارة‬
‫العقود هو التحديد الدقيق ألنامط السلوك اهلدف و االحتاملية ‪ contingence‬التي تتم‬
‫بالنسبة للظهور أو عدم الظهور‪ .‬ومن الواضح هنا أنه يمكن إجراء العقود ليس بني‬
‫املعالج واملريض فحسب وإنام يبدو من املهم هي تلك العقود التي جيرهيا الشخص بينه‬
‫وبني نفسه كام حيدث يف إطار ضبط الذات‪.‬‬
‫وتستفيد استخدام إدارة االحتاملية يف املحيط الطبيعي من الوضع املتمثل بأنه يف‬
‫العادة يمتلك أشخاص املحيط الطبيعي للمريض املعززات احلاسمة وليس املعالج‪.‬‬
‫ويتم تدريب أشخاص املحيط الطبيعي هؤالء يف إطار إدارة االحتاملية عىل تقديم‬
‫املعززات بشكل هادف بالنسبة للسلوك اهلدف املرغوب‪ .‬ويتضمن التصور الذي طوره‬
‫تارب و وتسل ‪ Tharp & Wetzel,1975‬تعدي ً‬
‫ال لعالقة املعالج‪-‬املتعالج باجتاه نموذج‬

‫ثالثي (الشكل ‪)18‬‬

‫‪444‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫من اإلجراء الذي أصبح معروف ًا حتت اسم "نموذج الوسائط ‪"Mediators Model‬‬
‫تعزى فيه ملا يسمى باملعاجلني املبارشين الدور املركزي ًيف تعديل السلوك املركزي‬
‫لشخص هدف‪ :‬وبام أهنم يمتلكون املعززات األهم حيتاج األمر يف التدخل املحرتف‬
‫بشكل خاص إىل تدقيق األهداف و سامت ملموسة ألنامط السلوك غري املرغوبة؛‬
‫وكنتيجة ملثل هذا النمط من السلوك (كالسلوك التعاوين لدى طفل عدواين يف جمموعة‬
‫الروضة عىل سبيل املثال) يقوم املعاجلون املبارشون (الوالدين‪ ،‬املعلمون‪ ،‬مدير التجربة‬
‫عىل سبيل املثال‪ ) ...‬بتقديم النتائج املتفق عليها‪ .‬ويمكن احلصول عىل أمثلة حول‬
‫االستخدام ومن بينها تدريب الوالدين لدى برييز و مينسل وفايمر & ‪Perrez, Minsel‬‬
‫)‪ ،Wimmer,1985‬وكذلك يمكن استخدام مبادئ علم نفس البلديات كتطويرات‬
‫الحقة للمبادئ اإلجرائية يف جمال األطر الطبيعية‪.‬‬

‫خالصة‬

‫‪ ‬ال يمكن تقدير أمهية األساليب اإلجرائية بالنسبة للعالج السلوكي‬


‫كفاية؛ و هذا ال ينطبق من املنظور التارخيي فحسب‪ :‬فعىل الرغم من تطور‬
‫التصورات االستعرافية (أنظر أدناه) فإن التقنيات اإلجرائية تنتمي للمجاالت‬
‫التقليدية و املربهنة داخل العالج السلوكي‪.‬‬
‫كام متتلك التقنيات اإلجرائية خارج املجال النفيس اإلكلينيكي الضيق‬
‫أمهية كبرية‪ :‬نذكر منها عىل سبيل املثال االسرتاتيجيات يف جمال املدرسة و‬
‫اإلدارة و إدارة املوارد البرشية و جمال تأمني الطاقة و محاية البيئة‪ ...‬الخ‪ .‬وهنا‬
‫يتعلق األمر بشكل عام جد ًا بتوجيه السلوك اهلدف املطابق من خالل ختطيط‬
‫االحتاملية (كاستخدام وسائط النقل العامة؛ شفافية استهالك الطاقة عىل سبيل‬
‫املثال)‪ .‬ويمكن رؤية جماالت استخدام أخرى للتقنيات اإلجرائية يف جمال‬
‫الطب السلوكي‪ ،‬وبشكل خاص يف ميدان الوقاية من عوامل اخلطر التي ترتبط‬

‫‪445‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بأنامط سلوكنا ارتباط ًا وثيق ًا (كالتدخني والتغذية و احلركة‪ ...‬الخ عىل سبيل‬
‫املثال)‪ .‬و هنا ال بد لنا من االنطالق‪-‬كام هو احلال عموم ًا يف توجيه سلوكنا‪-‬‬
‫من ضبط متعدد‪ .‬غري أنه يف تناغم الرشوط املطابقة فقد يكون إمهال دور‬
‫العوامل اإلجرائية شديد اإلشكالية‪ .‬‬

‫التعلم وفق النموذج‬


‫ترتبط طرق التعلم وفق النموذج بدرجة كبرية باسم باندورا ‪(A. Bandora‬عىل‬
‫سبيل املثال ‪ .)Bandora,1969,1977 & 1986‬ويتضمن التعلم وفق النموذج احلقيقة‬

‫القابلة للمالحظة املتمثلة يف أن الناس (وكذلك أيض ًا املخلوقات مادون البرشية عىل ما‬
‫يبدو) قادرون بطريقة رسيعة وفاعلة إىل حد ما عىل مالحظة السلوك املعقد لألشخاص‬
‫اآلخرين وتقليده و تثبيته يف ذخرية السلوك اخلاصة‪.‬‬
‫و البد من النظر للتعلم وفق النموذج بأنه واقع يف سياق نظرية التعلم االجتامعية‬
‫و يقصد به بأن عمليات التعلم تتأثر بدرجة كبرية باملحددات االجتامعية و البني‬
‫شخصية؛ و هبذا فإن طرق التعلم وفق النموذج حتتل يف املتصل املمتد من الطرق‬
‫التعليمية النظرية التقليدية وصوالً إىل الطرق االستعرافية مركز ًا وسطي ًا (الشكل ‪.)19‬‬

‫‪446‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وكأساس للتعلم االجتامعي يتم التأكيد من باندورا باستمرار عىل أمهية العمليات‬
‫التالية و التي ينبغي أن نعدها إىل حد ما رشوط للتعلم وفق النموذج‪:‬‬
‫عمليات االنتباه‪ :‬وتتضمن اإلدراك و التصفية االنتقائية للمعلومات من خالل‬
‫مالحظ؛ وهذا االنتباه للمالحظ يتم توجيهه عىل ما يبدو من خالل سامت النموذج ومن‬
‫خالل الرشوط الدافعية واالنفعالية للمالحظ‪.‬‬
‫عمليات التخزين للمعلومات‪ :‬بام أن التقليد غالب ًا ما ال حيدث بشكل مبارش‪ ،‬فال‬
‫بد لدى املالحظ من افرتاض وجود عملية ختزين؛ و علينا أن نتصور هذا التخزين عىل‬
‫أنه حادث فاعل يف منظومة التمثيل اللفظية والتصويرية (و ليس بأي شكل من األشكال‬
‫عىل شكل من الصورة السلبية) وعىل ما يبدو فإن الفرد يقوم بتخزين تلك املظاهر من‬
‫احلادث املركب املهمة يف سياق احلاجات اخلاصة‪.‬‬
‫‪reproduction‬‬ ‫عمليات االسرتجاع‪ :‬تتضمن فرضية عمليات االسرتجاع‬
‫‪ process‬املعرفية واللفظية و احلركية‪ ،‬رشط ًا –عىل الرغم من أنه تافه‪ -‬إال أنه مهم جد ًا‪.‬‬
‫وهذه تتضمن الرشوط العقلية والفيزيائية غري القابلة لالسرتجاع من دون النمط‬
‫املالحظ‪ .‬وبالتحديد عىل مستوى عمليات االسرتجاع يبدو أنه تكمن أيض ًا إىل حد ما‬
‫احلدود الوثيقة للتعلم وفق النموذج‪ :‬فعىل ما يبدو نحن نستطيع متابعة أنامط سلوك‬
‫معقدة بانتباه شديد و ختزينها؛ فاالسرتجاع يتم ضمن بذل جهد كبري من التمرين (عند‬
‫تعلم لغة أجنبية أو نشاط ريايض معقد عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫العمليات الدافعية‪ :‬تشكل العمليات الدافعية ‪ motivational Processes‬بالنسبة‬
‫للتعلم رشط أسايس عام‪ ،‬وبشكل خاص تلعب يف التعلم وفق النموذج دور ًا حاس ًام‪ .‬و‬
‫يتضح هذا بشكل كبري من خالل التمييز الذي نجده بالتحديد يف نظرية التعلم‬
‫االجتامعي‪-‬االستعرايف‪" .‬فالتعلم ‪ "Learning‬يعني تبني حمتويات التعلم‪ ،‬من دون أن‬
‫يتم إظهار هذه املحتويات بالرضورة (وطبق ًا لذلك فإنه يفرتض بأن الذخرية موجودة‬
‫بنيوي ًا)‪ .‬ويقصد "باألداء ‪ "performance‬بأنه يتم إظهار السلوك‪ ،‬يتم التعبري عنه؛ فهذا‬

‫‪447‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يشرتط رشوط استثارة موقفية وحمددات حركية بمعنى نتائج ماضية متوقعة (تعزيز)‬
‫للسلوك‪.‬‬
‫يمكن استغالل التعلم وفق النموذج من أجل توصيل أنامط السلوك غري املوجودة‬
‫حتى اآلن يف ذخرية ‪Repertoire‬املريض‪ .‬ويف حني أن الطرق اإلجرائية يف العادة متثل‬
‫طريق ًا فاعالً‪ ،‬ولكنه شاق جد ًا للتوصيل‪ ،‬فإنه يمكن اختصار هذه العمليات من خالل‬
‫التعلم وفق النموذج‪ .‬و يمكن للمهارات اللغوية يف السياق البني شخيص أن تشكل‬
‫مثاالً عىل ذلك (التي يمكن توصيلها يف جمموعة عالجية عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫الحظ (املريض) تعزيز أو إضعاف‬ ‫من خالل التعلم وفق النموذج يمكن لدى امل ِ‬
‫أنامط سلوك يف تكرار ظهورها؛ فهنا يستفيد اإلنسان مما يسمى بالتأثري الكابح أو املزيل‬
‫ِ‬
‫املالحظ‪ .-‬مثال للتأثريات املزيلة للكبح‬ ‫للكبح لشخص نموذج –يف تأثريه عىل سلوك‬
‫يمكن رؤيته يف جمال السلوك قبل االجتامعي أو الواثق؛ التأثريات الكابحة عىل امليول‬
‫السلوكية العدوانية تكون موجودة من خالل مالحظة السلوك التعاوين للشخص‬
‫النموذج‪.‬‬
‫ومن خالل نموذج التعلم يتم تسهيل عمليات تعلم التفريق بدرجة خاصة‪ :‬فام‬
‫يقوم بتقديمه الشخص النموذج يتم حتت رشوط استثارة نوعية تتم مراقبتها من املريض‬
‫و يتبناها لسلوكه هو‪ .‬وعند تعلم أنامط السلوك الواثق غالب ًا ما يتعلق األمر بتعلم أي‬
‫سلوك ويف أي موقف يعترب مناسب ًا‪ .‬و هنا ينبغي أن يتم متييز رشوط املثري املعقدة‬
‫وتقويمها اجتامعي ًا (يف جمال طرح املطالب‪ ،‬عند الرفض عىل سبيل املثال الخ)‪.‬‬
‫ويف كل هذه اإلمكانات البد من مراعاة أن التعلم وفق النموذج يمكن أن يتم أيض ًا‬
‫بشكل مستقل عن العرض امللموس؛ فمن املمكن أن يكون الوصف اللفظي‪-‬الرمزي‬
‫كافي ًا كأساس للتعلم وفق النموذج‪ .‬هنا فإن احلدود مع األساليب االستعرافية مطاطة‪.‬‬
‫و من أجل التفسري النظري لعمليات التعلم وفق النموذج يستند املرء بالدرجة‬
‫األوىل عىل النامذج االستعرافية‪-‬االجتامعية‪ .‬و ينبغي كذلك ذكر املبادئ القديمة التي‬

‫‪448‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫توضح بأنه علينا فهم التعلم وفق النموذج عىل أنه عملية معقدة عىل عدة مستويات‪ .‬يف‬
‫تفسري التأثريات الكابحة أو النازعة للكبح من املمكن للمرء أن يرجع إىل النموذج‬
‫النظري للغرائز‪ ،‬التي توضح جتذر السلوك اإلنساين يف السياق التطوري‪ .‬و من املؤكد‬
‫أن النامذج النظرية الرتابطية تلعب دور ًا (عىل سبيل املثال فيام يتعلق بالتشابه بني النامذج‬
‫و الشخص املق ِّلد)؛ وهذه املبادئ تشري إىل أن السلوك الذايت مرتبط بقرب زماين ومكاين‬
‫(متاس ‪ )Contiguinity‬مع سلوك الشخص النموذج‪ ،‬و هو ما يسهل تبني السلوك‪ .‬و‬
‫قد متت سابق ًا اإلشارة إىل دور عمليات التعزيز يف الرشوط الدافعية؛ و هذه متت‬
‫توضيحها من قبل دوالرد وميللر يف عام ‪ 1941‬بشكل تفصييل و بالطبع أكد عليها‬
‫سكنر يف عام ‪ .1953‬و مع التفريق بني السلوك املوجه من االحتاملية و السلوك املشكل‬
‫من خالل القوانني يؤكد سكنر يف عام ‪ 1969‬عىل أمهية أنامط التعلم التي حتتل بالذات‬
‫بالنسبة لنموذج التعلم دور ًا مه ًام‪.‬‬

‫‪ ‬يف اخلتام ال بد و أن نضيف حول التعلم وفق النموذج أنه علينا أال‬
‫نقلل من قيمة دور املعالج يف وظيفته كشخص نموذج؛ فاملرىض ال يتبنون من‬
‫املعالج أنامط السلوك امللموسة فقط (يف التدريب عىل التفسري ‪exposition‬‬
‫‪ training‬يف إطار معاجلة القلق عىل سبيل املثال)‪ ،‬وإنام يف اجتاهات وقيم‬
‫ومعايري املعالج‪ .‬وهنا ال بد من اإلشارة إىل أن لذلك عواقب شديدة عىل‬
‫تأهيل املعاجلني وبشكل خاص بالنسبة لتفاعل املريض واملعالج‪ .‬‬

‫طرق ضبط الذات‬

‫متت اإلشارة إىل تصورات ضبط الذات عند معاجلة نظرية التعلم التقليدية‬
‫)‪(Skiner,1953 & 1969‬؛ إال أنه قصدنا بضبط الذات هناك حقيقة أن شخص ما قادر‬
‫بنفسه عىل توجيه سلوكه من خالل إدخال استجابة ضابطة إىل ذخرية سلوكه‪ .‬ومن‬

‫‪449‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫هذه الناحية يظل تصور (وطرق) ضبط الذات مرتبط ًا بمبادئ التوجيه اخلارجي للسلوك‬
‫اإلنساين‪ .‬املسائل النظرية املعرفية والفلسفية من سياق توجيه السلوك اإلنساين من‬
‫خالل الشخص نفسه تظل يف هذا السياق غري حملولة إىل مدى بعيد؛ ويمكن باإلضافة‬
‫إىل ذلك اإلشارة إىل توضيحات املفاهيم املنفردة التي تساعد يف سياق طرق العالج‬
‫السلوكي‪.‬‬

‫‪ .1‬مبادئ و توضيحات للمفاهيم‪ :‬إدارة الذات‪ ،‬تنظيم الذات‪ ،‬ضبط الذات‬


‫تتضح مبادئ ضبط الذات أكثر عندما يراعي املرء عند تنظيم السلوك اإلنساين‬
‫حمددات خمتلفة؛ وهذا التحليل يتبع بشكل خاص رشوحات كانفر ‪F. H. Kanfer‬‬
‫و أعامله البحثية يف هذا املجال من دون املبالغة و التي ينبغي النظر إليها كموجه‬
‫)‪.(Kanfer,1970 & 1977, Kanfer & Karoly, 1972‬‬
‫املحددات املختلفة لضبط السلوك اإلنساين التي حددها كانفر هي (أنظر سابق ًا)‬
‫متغريات ‪ : ‬وهذه تتضمن التأثري املتعدد لسلوكنا من خالل االحتاملية اخلارجية‬
‫(الربودة‪ ،‬احلرارة‪ ،‬الرشوط االجتامعية و املوقفية اخلاصة عىل سبيل املثال‪.) ...‬‬
‫متغريات‪ :  -‬وهذه هي املثريات املنتجة لذاهتا‪ ،‬يفرتض اعتبارها رشوط مهمة‬
‫للسلوك اإلنساين بمعنى استقبال املعلومات و متثلها‪( .‬عمليات التقويم‪ ،‬التوقعات‪،‬‬
‫التفكري‪ ،‬حل املشكالت عىل سبيل املثال‪) . ...‬‬
‫متغريات‪ :  -‬ينبغي النظر للرشوط البيولوجية اجلسدية عند توجيه السلوك‬
‫اإلنساين عىل أهنا رشوط حميطية مهمة جد ًا‪ ،‬ومتغريات خلفية و يف كثري من احلاالت أيض ًا‬
‫عوامل تأثري مركزية (رشوط فيزيولوجية‪-‬جسمية؛ رشوط هرمونية؛ عمليات تقادم يف‬
‫السن عىل سبيل املثال‪ ...‬الخ)‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫السلوك اإلنساين هو نتيجة للتفاعل املركب هلذه املتغريات؛ و هنا علينا االنتباه إىل‬
‫أنه وال أي واحد من املتغريات يمكن أن يصبح بال معنى كلية‪ ،‬إال أن وزن املتغريات‬
‫املنفردة يمكن أن خيتلف بشدة يف توجيه السلوك‪.‬‬
‫‪ ‬مثال‪ :‬يف اجلوع املتطرف الشديد (متغريات ‪ ) ‬قلام تلعب األفكار األخالقية‬
‫(متغريات ‪ ) ‬حول الرسقة دور ًا؛ فالشخص سوف لن جيعل الرشوط املوقفية متنعه‬
‫(متغريات ‪ ،) ‬من أجل احلصول عىل الطعام بالطرق األكثر مبارشية‪ .‬‬

‫وبالتايل فعندما نتحدث عن ضبط الذات فإننا نقصد متصل‪ ،‬متارس فيه مرة متغريات‬
‫‪( ‬الضبط اخلارجي) و يف حالة أخرى متارس متغريات ‪( ‬ضبط الذات) تأثري ًا أكرب‪.‬‬
‫ويفرتض هلذا أن يكون قد اتضح من خالل نموذج منظومة تنظيم السلوك اإلنساين ‪،‬‬
‫الذي تم عرضه يف شكل (‪ .)6‬وتنبثق األمهية الكبرية ملتغريات ‪ ‬بالنسبة لضبط‬
‫السلوك اإلنساين و تفسري السلوك اإلنساين من أسس نموذج تفاعيل بشكل خاص‪.‬‬
‫)‪ : (Mischel, 1973 &1986‬فعىل الرغم من أنه ينبغي النظر للسلوك اإلنساين عىل أنه‬
‫نتيجة للمواقف اخلارجية‪ ،‬إال أنه من جانب آخر يتغري السلوك اإلنساين أيض ًا يف املواقف‬
‫اخلارجية (وبشكل كبري عىل سبيل املثال يف جمال التغري حميطنا من خالل قيادة السيارة‪. .‬‬
‫الخ)‪ .‬ويقدم الشكل (‪ )20‬توضيح ًا هلذا التأثري التفاعيل‪.‬‬

‫توضيح املفاهيم‬

‫‪451‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫إدارة الذات ‪ self-management‬و تطلق عىل القدرة العامة لإلنسان‪ ،‬لتوجيه‬


‫سلوكه اخلاص باالستخدام الرصيح واملضمر السرتاتيجيات خاصة أو تعديلها (قارن‬
‫‪ .)Karoly 7 Kanfer,1982, Kanfer, Reinecker & Schmelzer,1996‬ويقصد‬
‫باإلدارة الذاتية نوع من النموذج الفوقي للعملية العالجية ‪Meta model of therapy‬‬
‫‪ ،(Hecht,1984,P. 403) "Process‬حتتل فيه متغريات ‪ ‬للتوجيه عىل األقل لفرتات‬
‫مركز الصدارة‪.‬‬
‫تنظيم الذات ‪ Self-regulation‬ويشمل وصف وتفسري نظري لتلك العمليات‬
‫التي جتري عند توجيه السلوك اإلنساين‪ .‬ويميز كانفر ‪ Kanfer,1977‬هنا مراحل‬
‫مالحظة الذات و تقويمها و وتعزيزها‪ :‬و يمكن هلذه ان جتري برسعة كبرية و بشكل آيل‬
‫إىل حد ما؛ إال أنه يف كثري من احلاالت عىل سبيل املثال عند تعلم نشاط معقد من نحو‬
‫قيادة الدراجة جتري اخلطوات املنفردة بشكل واضح ‪ explicit‬وببطء )‪.(Karoly,1993‬‬
‫ضبط الذات ‪ :Self-control‬ويقصد به حالة خاصة من تنظيم الذات من ناحية أن‬
‫يتم قطع جمرى السلوك املؤمتت بالنظر إىل موقف مشكلة أو رصاع‪ .‬ونتحدث عن ضبط‬
‫الذات بالتحديد عندما حيرك الشخص أنامط السلوك غري املتوقعة من حيث املبدأ‪ .‬ويف‬
‫هذا السياق غالب ًا ما يتم احلديث عن "تناقضات ضبط الذات ‪Paradoxes if Self‬‬
‫‪ .(Hartig,1973, Reinecker,1978) "Control‬وهنا يمكن التفريق بني نوعني من‬
‫الرصاعات (جدول ‪[ ، 21‬أ] و [ب])‪:‬‬
‫‪" -‬مقاومة إغراء ما"‪ .‬ال يقوم الشخص بترصف ما عىل الرغم من وجود‬
‫احتاملية ظهور قائمة بالنسبة هلذا الترصف (عىل سبيل املثال عدم طلب‬
‫قطعة حلوى يف حمل للحلويات)‪.‬‬
‫‪" -‬السلوك البطويل"‪ :‬يقوم الشخص بسلوك عىل الرغم من أن هذا‬
‫السلوك واقع حتت السيطرة املقيتة لفرتة قصرية ومن ثم يمتلك عىل‬
‫املدى القصري احتاملية ظهور منخفضة (عىل سبيل املثال مراجعة طبيب‬

‫‪452‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫أسنان عىل الرغم من عدم وجود أمل يف هذا الوقت)‪.‬‬

‫ومن الصعب جد ًا توضيح سلوك ضبط الذات بشكل نظري خالص؛ فمن حيث املبدأ‬
‫البد للشخص أن خيتار يف موقف ذلك السلوك الواقع حتت السيطرة قصرية األمد‪.‬‬
‫وعىل ما يبدو فإن الناس قادرون عىل التخيل عن املعززات قصرية األمد أو حتمل املواقف‬
‫املقيتة عىل املدى القصري لصالح الفوائد طويلة األمد أيض ًا‪ .‬و قد أوضح هارتيج‬
‫‪ Hartig,1973‬بأن ضبط الذات ال يمكن توضيحه إذا ما افرتض املرء قبل تنفيذ سلوك‬
‫ضبط الذات وجود عملية استعرافية دافعية‪ .‬وهذه العملية –عىل مستوى متغريات ‪‬‬
‫‪ -‬مشاركة بشكل حاسم عىل ما يبدو جلعل أمهية املتغريات ‪ ‬اخلارجية أو املتغريات ‪‬‬

‫الفيزيولوجية اجلسمية يف اخللفية و لتوجيه السلوك من خالل االحتاملية االستعرافية‬


‫املعروضة‪ .‬و بالتحديد هذا التوجيه من خالل االحتاملية االستعرافية (متغريات ‪) ‬‬
‫يظهر تأثريه يف الطرق التي سنناقشها لضبط الذات‪.‬‬

‫‪ .1‬طرق ضبط الذات‬

‫‪453‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫كطريقة لضبط الذات سيتم هنا ذكر الطرق التي تلعب بمعنى توضيح املفاهيم –‬
‫عىل أساس موقف رصاع‪-‬دور ًا مركزي ًا‪ .‬و سيستثنى (وتم تناوهلا بشكل مستقل) من‬
‫ذلك تقنيات التدخل االستعرافية‪ ،‬التي ترجع بالطبع باملقدار نفسه إىل سيطرة ‪. ‬‬
‫و كطرق عالجية مهمة لضبط الذات سنشري‪:‬‬
‫‪ -‬مالحظة الذات‬
‫ضبط املثري‬
‫ضبط االحتاملية‪.‬‬

‫مالحظة الذات‬
‫ويتم استخدامها يف كثري من املبادئ العالجية السلوكية كطريقة جلمع البيانات؛ و‬
‫هنا ظهر أنه ينجم تعديل يف السلوك اهلدف كنتيجة ملالحظة الذات و وصف الذات‪.‬‬
‫وهذا يربر استخدام مالحظة الذات كطريقة مستقلة لضبط الذات‪.‬‬
‫ويكمن هدف هذا األسلوب يف أنه يتم توجيه املريض نحو مالحظة السامت املهمة‬
‫لسلوكه أو للرشوط املوقفية للسلوك و تسجيلها؛ وهذا يتطلب يف الغالب من خالل‬
‫مالحظات خمترصة أو من خالل قوائم شطب أو من خالل تسجيالت يف تصويرة‬
‫مالئمة‪ .‬و يبدو أن املهم يف هذا بأن حتديد ينبغي أن يتم بشكل بسيط قدر اإلمكان‪ ،‬ألن‬
‫احلالة األخرى ال حتقق الدقة يف التحديد‪ .‬و تالءم أساليب املالحظة الذاتية بشكل‬
‫خاص ملالحظة السلوك و ملالحظة املواقف اخلاصة يف املحيط الطبيعي للمريض‬
‫وملالحظة العمليات التي يصعب حتديدها إىل مدى بعيد (املجريات الفكرية؛ التعبري عن‬
‫الذات‪ ...‬الخ عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫وما يقيد طريقة مالحظة الذات يمكن اإلشارة إىل أن التأثريات العالجية ملالحظة‬
‫الذات عادة ما تكون قصرية األمد‪ ،‬بحيث أن املالحظة الذاتية تكون مالئمة بشكل‬
‫خاص بالنسبة لبداية برامج التعديل العالجية‪ .‬وألسباب ذرائعية ال بد أن تتم مالحظة‬

‫‪454‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫لسلوك املشكل قبل ظهوره و لكن أنامط السلوك اهلدف بعد ظهورها‪ ،‬من أجل‬
‫االستفادة من التعديالت العالجية بشكل خاص‪ .‬وهنا تتم االستفادة بشكل خاص‬
‫من التأثريات الرجعية ‪ reactive‬ملالحظة الذات أي حقيقة أن السلوك يتغري عىل األغلب‬
‫بناء عىل املالحظة باجتاه اهلدف العالجي‪ .‬و كميزة خاصة ملالحظة الذات نشري يف النهاية‬
‫إىل أن املريض من خالل املالحظة الذاتية –عىل األغلب يف املرحلة املبكرة جد ًا من‬
‫العملية العالجية‪ -‬يشارك بفاعلية و بشكل مستقل يف نوايا التعديل (اهلدف‪ :‬اإلدارة‬
‫الذاتية)‪.‬‬

‫ضبط املثري‬
‫يتضمن مبدأ ضبط املثري تعديل لتلك الرشوط من السلوك التي يمكن اعتبارها‬
‫حمددات هامة (املثري)؛ و هنا يغري املريض املحددات االجتامعية أو الفيزيائية للمحيط‪،‬‬
‫بحيث أن السلوك اهلدف يصبح أكثر احتامالً (أو ينخفض السلوك املشكل يف احتاملية‬
‫ظهوره)‪.‬‬
‫وينبغي أن يتم التنظيم‪ arrangement‬األمثل لرشوط املثري يف املوقف الذي مل يظهر‬
‫فيه بعد السلوك املشكل (عىل سبيل املثال الكحولية) أو الذي مل يظهر فيه بعد السلوك‬
‫املرغوب (العمل املركز يف الكتابة)‪ .‬يف كلتا احلالتني يتم تنظيم املحيط بحيث يتم يف‬
‫املوقف احلرج قطع سلسلة السلوك املؤمتت إىل مدى بعيد و يصبح السلوك املرغوب‬
‫أكثر احتاملية‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ضبط املثري نشري إىل التخيل عن زيارة مطعم أو تنظيف صحون‬
‫السجائر‪ ،‬التخيل عن رشاء السجائر‪ ...‬الخ؛ يف احلالة األخرى ترتيب املكتب‪ ،‬إتباع‬
‫دورة تدريب‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ومن خالل التحقيق املبكر للرشوط اخلارجية يتم تشكيل املوقف بحيث تستثري‬
‫مثريات التنبيه التمييزية السلوك اهلدف؛ و يمكن كذلك النظر للسلوك الذايت عىل أنه‬
‫مثري تنبيه تفريقي (عىل سبيل املثال التخيل عن حفلة يف العمل‪ ،‬التي يتم فيها استهالك‬

‫‪455‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫الكحول‪ ...‬الخ)‪ .‬وتشكل العمليات االستعرافية جمال واسع جد ًا و مهم لرشوط املثري‪،‬‬
‫تلك العمليات التي يمكن أن يتم استخدامها من خالل اسرتاتيجيات ضبط الذات يف‬
‫بداية سلسلة سلوك؛ فلنفكر بالتعليامت الذاتية و التعابري الذاتية أو بشكل عام باملثريات‬
‫املستثارة ذاتي را‪ .‬و سوف نتناول ذلك عند مناقشتنا لألساليب االستعرافية‪ .‬إال أنه ال بد‬
‫لنا من اإلشارة إىل أن أساليب ضبط املثري مرتبطة يف العادة بأساليب أخرى لضبط الذات‬
‫واآلخر [الطرف الثالث]‪ .‬و هذا يؤكد عىل أنضبط‪  -‬يف العادة ال يتم استخدامه‬
‫لوحده لتوجيه السلوك املشكل‪.‬‬

‫ضبط االحتمالية‬
‫متتلك األساليب لضبط السلوك اإلنساين من خالل االستخدام اهلادف لالحتاملية‬
‫اخلارجية يف العالج النفساين –وليس هنا فقط‪ ،‬لنفكر بالضبط الطبيعي من خالل‬
‫احتامليات املحيط‪ -‬أمهية كربى‪ .‬و يمكن أن يتم استخدام هذه األساليب من الشخص‬
‫نفسه (أنظر فقرة األساليب اإلجرائية) ‪ .‬و الفرق األهم بني التعزيز الذايت وتعزيز اآلخر‬
‫يكمن يف أن الشخص نفسه يقرر حول منح احتاملية سلوك ‪Behavior‬‬
‫‪contingence‬معطاة ذاتي ًا‪.‬‬
‫والسؤال إىل أي مدى يتم استخدام التعزيز الذايت‪ ،‬فإنه يتعلق عىل ما يبدو بعاداتنا‬
‫واخللفية الثقافية و االجتاهات الراسخة (املديح الذايت له رائحة كرهية)‪ .‬وهنا يظهر أن‬
‫أساليب التوجيه املستقل لالحتاملية هلا بالنسبة للسلوك الذايت تأثريات مشاهبة ألساليب‬
‫التعزيز اخلارجي‪ .‬باإلضافة إىل أن أساليب التعزيز الذايت متتلك ميزة كبرية بأهنا جتعل‬
‫املريض غري متعلق بمقدار كبري بالضبط اخلارجي‪ ،‬وبأن هذا الشخص يغري اجتاهه من‬
‫نفسه بطريقة مهمة‪ .‬ويمكن لتوجيه السلوك من خالل االستخدام املراقب ذاتي ًا‬
‫لالحتاملية اخلارجية أن يتم يف احلالة املثىل من خالل إجراء االتفاقات؛ ومثل هذا االتفاق‬
‫حيدد بذاته منذ البداية ما العواقب التي ينبغي حتقيقها وحتت أي رشوط‪ .‬ويف االتفاقات‬
‫ينبغي أال يتعلق األمر بام يسمى "وعود رأس السنة"‪ ،‬ألن إعطاء الوعد هنا يكون‬

‫‪456‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫خاضع ًا الحتاملية خمتلفة كلية عن احلفاظ عىل االتفاق‪ .‬و يف هذا السياق ال بد من‬
‫اإلشارة إىل الوظيفة الدافعية لالتفاق بشكل خاص‪ :‬وبشكل خاص تشكل األهداف‬
‫املوضوعة ذاتي ًا و املعايري مصدر ًا مه ًام للدوافع الداخلية التي يمكن استثامرها يف إطار‬
‫اسرتاتيجيات ضبط الذات‪.‬‬

‫‪ .2‬ميزات ومشكالت أساليب ضبط الذات‬


‫ال تشكل أساليب ضبط الذات من الناحية التقنية و ال من الناحية األخالقية ح ً‬
‫ال‬
‫لكثري من املسائل و املشكالت املفتوحة داخل اسرتاتيجيات العالج السلوكي‪ .‬غري أهنا‬
‫تشكل إكامالً مه ًام لطيف التدخالت‪ .‬و كمشكلة جدية جد ًا ال بد من اإلشارة إىل أن‬
‫املسائل النظرية حول موضوع "الذات ‪ "Self‬و حول مسألة "الضبط" و حول دور‬
‫اسرتاتيجيات التدخل االستعرافية يمكن اعتبارها مسائل مازالت مفتوحة‪ .‬و عىل‬
‫خلفية هذه األحجية النظرية ال يفاجئنا‪ ،‬إذا ما كانت املسائل اإلمبرييقية يف جمال أبحاث‬
‫العالج ما زالت كام كانت حتتاج إىل معاجلة أو حلول حاسمة‪.‬‬
‫وعىل الرغم من هذه املشكالت الظاهرة ال بد من اإلشارة إىل جمموعة من ميزات‬
‫وحسنات أساليب ضبط الذات؛ وهذه السامت جتعل من اسرتاتيجيات الضبط جذابة‬
‫بشكل خاص بالنسبة للمامرسة و العالج‪.‬‬
‫وأول هذه امليزات هو أن ضبط الذات (إىل جانب املظهر التقني) يمثل أيض ًا هدف ًا‬
‫عام ًا للتدخالت العالجية؛ فأهداف العالج تكمن يف ضبط الذات‪ ،‬أي التوجيه الذايت‬
‫من خالل املريض نفسه‪ ،‬ويف رفع التوجيه من خالل متغريات ‪ . ‬وهذا يعد بشكل‬
‫عام حافز ًا (األهداف املوضوعة من الشخص نفسه تعد مصدر ًا للدوافع)‪ .‬ومن هذه‬
‫الناحية يمكن لضبط الذات أن يعد هدف ًا عام ًا للتدخالت العالجية؛ يف االصطالحات‬
‫األحدث تم استخدام مصطلح إدارة الذات‪.‬‬
‫ميزة كبرية أخرى تكمن يف التخفيض النسبي للضبط العالجي‪ :‬يف أساليب ضبط‬
‫الذات يتم تويل توجيه أنامط السلوك املهمة نسبي ًا (بالتأكيد ليس كلها)من قبل املريض‬

‫‪457‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫نفسه إىل مدى بعيد‪ .‬ونتحدث عن التخفيض النسبي ألنه بالطبع يتم توصيل حتى طرق‬
‫ضبط الذات داخل األطر العالجية و ما يرتبط بذلك من مفاهيمية و ضبط‪.‬‬
‫وبمساعدة أساليب ضبط الذات يكون قد حتقق املعرب نحو املساعدة الذاتية من‬
‫ناحية أنه يمكن أن يتم ختفيض ممارسة التأثري العالجي‪ .‬و بالتحديد وبالنظر لإلمكانات‬
‫املحدودة لإلمداد العالجي حتتل اسرتاتيجيات املساعدة الذاتية من خالل ضبط الذات‬
‫وتوضح دراسات خمتلفة (من نحو ;‪Meyer et al. ,1991‬‬ ‫أمهية خاصة‪.‬‬
‫‪ Maraggraf,1995‬عىل سبيل املثال) أن جزء ًا ضئي ً‬
‫ال فقط من املعنيني و الناس املحتاجني‬
‫للمساعدة يمتلك فرصة للحصول عىل املساعدة العالجية املحرتفة والفاعلة‪ .‬وهبذا‬
‫يمكن جعل طرق ضبط الذات املتعلقة باسرتاتيجيات حل املشكلة‪ ،‬التي يستطيع‬
‫املريض استخدامها بشكل مستقل واالستفادة منها ملواجهة املشكالت النوعية‪ ،‬ذات‬
‫فائدة‪.‬‬
‫طرق ضبط الذات تتيح فرصة رابعة خاصة لضبط الرشوط بني اجللسات‬
‫العالجية‪ :‬و هنا يمكن أن تأيت الرشوط اإلشكالية حتت تأثري املريض بحيث يمكن أن‬
‫يتم تصميم التعميم‪ ،‬أي نقل التأثري العالجي عىل األطر الطبيعية‪ ،‬بشكل مناسب‪.‬‬
‫وبالذات يف إهناء التأثري العالجي يفيد هذا كإمكانية للنقل إىل اإلطار الطبيعي‪.‬‬
‫وامليزة اخلامسة هي أن اسرتاتيجيات ضبط‪  -‬حتظى بأمهية خاصة عندما تصطدم‬
‫إمكانات تعديل الرشوط اإلشكالية عند حد ما‪ :‬أمثلة عىل هذا املوجودة مع الرشوط‬
‫املرضية واإلشكالية يف العمل و يف األرسة و يف املحيط الطبيعي عندما ينبغي اعتبار هذه‬
‫–بغض النظر عن األسباب‪ -‬غري قابلة للتعديل‪ .‬فهنا تقدم أساليب ضبط الذات‪،‬‬
‫وبشكل خاص إمكانات الضبط اللفظي والفكري واالنفعايل فرصة ملواجهة الرشوط‬
‫اإلشكالية‪.‬‬
‫واحلجة األخرية بشكل خاص تؤيد يف القرارات العالجية إيالء أساليب الضبط‬
‫الذايت أمهية كبرية؛ وهنا علينا أن نراعي بأن طرق ضبط الذات يف العادة متجذرة يف‬

‫‪458‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫تصور كيل عالجي وهلذا قلام نجدها تستخدم كطريقة عالجية هادفة لوحدها‪.‬‬

‫طرق أساليب العالج االستعرايف‬


‫هتدف أساليب الضبط االستعرايف إىل التعديل املبارش قدر اإلمكان لتلك‬
‫العمليات‪ ،‬التي صنفت أعاله حتت متغريات‪ :(Kanfer,1977)  -‬و يتعلق األمر هنا‬
‫بتعديل عمليات التفكري و التقويم و التصور و التوقعات‪ ...‬الخ‪ ،‬ألن هذه العمليات‬
‫متارس تأثري ًا كبري ًا عىل اخلربة و السلوك اإلنسانيني‪ .‬و وجهات النظر املختلفة للعالج‬
‫السلوكي التقليدي و العالج االستعرايف و العالج السلوكي االستعرايف يمكن‬

‫‪459‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫توضيحها من خالل الشكل (‪)22‬‬


‫ويف البداية ال بد من اإلشارة إىل أنه من الصعب حتقيق التعديالت املبارشة‬
‫املطروحة للعمليات االستعرافية من دون مراعاة العمليات القابلة للمالحظة‬
‫للسلوك(الترصف)‪ .‬ولكن من جهة أخرى فإن تعديل السلوك جيري أيض ًا يف العادة‬
‫من خالل التمرين بشكل شعوري‪ ،‬أي باستخدام مظاهر التفكري و متثل املعلومات‪...‬‬
‫الخ‪ .‬ويتضح هذا بشكل خاص من خالل أمهية النامذج املعقولة كمرحلة قبلية‬
‫للتعديالت العالجية‪.‬‬

‫‪ ‬مثال‪ :‬يف ختطيط أسلوب مواجهة يف اهللع والقلق يتم رشح‬


‫اإلجراء وتوضيحه للمريض ‪ ،‬وهذا التدخل االستعرايف يشكل رشطا‬
‫لشفافية اإلجراء و للمطاوعة ‪ Compliance‬و إدارة الذات عند‬
‫املريض‪ .‬التوضيح املعقول ال يكفي يف العادة لوحده من أجل‬
‫التعديل‪ ،‬وإنام حيتاج إىل خربة ملموسة للتمرن يف املوقف‪ .‬ومن هذا‬
‫التمرين يتعلم املريض و يعيد تصميم توقعاته‪ ...‬الخ؛ وعن ذلك‬
‫ينجم ثانية استعداد للتعديل‪ ،‬يضاف إىل ذلك القبول بالدخول يف‬
‫مترين جديد و تعديالت‪ .‬‬

‫ومن أجل تثبيت التعديالت العالجية فإنه من املؤكد أنه من املفيد أن تكون قد‬
‫تعدلت اجتاهات و توقعات وأنامط تفكري املريض‪ . .‬الخ‪ ،‬إال أن التعديل "املبارش"‬
‫لوحده للتوقعات صعب التحقيق‪ ،‬وتعديل التوقعات حيدث يف احلالة املثالية من خالل‬
‫اخلربة امللموسة للمريض‪ .‬وعرض أمهية التفاعل املتبادل بني سامت العمليات‬
‫االستعرافية من جهة وبني عمليات السلوك البناء من جهة أخرى ال يشكل رأي الكاتب‬
‫فقط؛ بل أهنا مربهنة من خالل أعامل إمبرييقية و مدعومة من خالل حتليل العمليات‬
‫العالجية‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫هلذا البد من النظر لإلجراء العالجي السلوكي عىل أنه دائ ًام إجراء عالجي‬
‫سلوكي‪-‬استعرايف‪ ،‬وكذلك يمتلك العالج االستعرايف باستمرار مبادئ عالجية‬
‫سلوكية (أنظر أدناه مبدأ بيك)‪ .‬ويبدو كذلك بأنه من املربر ألسباب منهجية وتعليمية‬
‫معاجلة "أساليب العالج االستعرافية" بشكل منفصل‪ ،‬ألن هذه املبادئ متثل يف أسسها‬
‫موقف ًا نوعي ًا آخر‪ ،‬خيتلف عام هو احلال يف العالج السلوكي التقليدي‪ .‬إال أن التطبيق يف‬
‫املامرسة و اإلجراء العالجي امللموس يستندان يف كل األحوال إىل سامت التمرين واخلربة‬
‫امللموسة‪ .‬وهذا يربر احلديث عن ‪ .‬أساليب العالج السلوكي االستعرايف"‪.‬‬
‫و سوف يتم من املجال الواسع لألساليب االستعرافية اختيار املبادئ األساسية؛‬
‫ويتعلق ا ألمر هنا باألساليب املغطاة غري الكاشفة‪ ،‬و طرق إعادة البناء االستعرايف‬
‫ومبادئ حل املشكلة بوصفها أساليب تدخل استعرافية‪.‬‬

‫‪ .1‬األساليب املغطاة‬
‫‪J.‬‬ ‫يرتبط تطوير و تفصيل ما يسمى باألساليب املغطاة بدرجة كبرية باسم كاوتيال‬
‫)‪R. Cautela (1973‬؛ إال أن األسس والفرضيات حول ذلك نشأت من تقاليد سكنر‬
‫وتم ترسيخها من قبل هوم )‪ L. Homme (1965‬فيام يسمى "بفرضية االستمرارية"‪.‬‬
‫وتقول هذه الفرضية بأن مبادئ نظرية التعلم السلوكية تطبق عىل األحداث االستعرافية‬
‫(األفكار‪ ،‬الصور‪ ،‬الذكريات‪ ،‬التوقعات‪ ،) ...‬متام ًا كام ينطبق األمر عىل املثري القابل‬
‫للمالحظة واالستجابة‪ .‬وعىل الرغم من أن األحداث االستعرافية غري قابلة‬
‫للمالحظة‪ ،‬وهلذا سميت "باملغطاة"‪ ،‬إال أهنا تشكل متام ًا عنارص لسلسلة سلوك كام هو‬
‫األمر بالنسبة لألحداث القابلة للمالحظة‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪‬مثال‪ :‬تستثري نظرة جمموعة من الناس لدى مريض يعاين من رهاب‬


‫األماكن العامة استعرافات مطابقة و استجابات فيزيولوجية عىل مستوى‬
‫السلوك امللموس (األفكار بالكارثة‪ ،‬ارتفاع عدد رضبات القلب‪ ،‬سلوك‬
‫التجنب‪ ...‬الخ عىل سبيل املثال)‪ .‬استجابات شبيهة يمكن استثارهتا‬
‫لدى الشخص نفسه من خالل التصورات املجردة لكمية من الناس‪.‬‬

‫وال نجد دالالت عىل أمهية العمليات االستعرافية كمثريات لالستجابات‬


‫الفيزيولوجية و سلوك التجنب يف املالحظات اإلكلينيكية فحسب‪ ،‬و إنام نجدها يف‬
‫النتائج التجريبية لربيدجر وماندل )‪ .Bridger & Mandel (1965‬وكذلك نجد أمهية‬
‫العمليات االستعرافية (العمليات املغطاة) يف التحليل الوظيفي للسلوك‪ :‬فعىل الرغم من‬
‫أن التمثيل الداخيل ملثري خارجي غري قابل للمالحظة‪ ،‬إال أنه يمكن من استجابات‬
‫الشخص القابلة للمالحظة (و بشكل واضح من خالل أقواله) احلصول عىل‬
‫استنتاجات حول النوعية اخلاصة للعمليات الداخلية‪.‬‬
‫وبالنسبة لكل األساليب التقليدية تقريب ًا للعالج السلوكي قام كاوتيال‬
‫‪Cautela‬بتطوير نسخ "مغطاة"؛ و تكمن ميزة هذه املتغرية يف أن التنفيذ ال حيتاج يف‬
‫البداية إىل جهد كبري‪ ،‬ألن التدخل جيري إىل حد ما يف رأس املريض‪ .‬ومن هذه الناحية‬
‫يمكن يف الغالب استخدام األساليب املغطاة كمراحل سابقة و كإكامل ألساليب‬
‫التدخالت املبارشة عىل مستوى السلوك‪ .‬و قد تم هنا التعرض لألساليب املنفردة‬
‫ووصفها بشكل خمترص‪ ،‬ومن أجل احلصول عىل تفاصيل أكثر يمكن الرجوع إىل كاوتيال‬
‫أو للمراجعة التي قام هبا ماهوين )‪.Mahony (1977‬‬
‫اإلرشاط املعاكس املغطى ‪ :covered Contra condition‬وهذا يتضمن كبح‬
‫استجابات التجنب من خالل التصورات اإلجيابية املرغوبة )‪ .(Cautela,1971‬ويشبه‬
‫املبدأ من حيث املبدأ أسلوب خفض احلساسية املنتظم‪ ،‬إال أنه يقوم عىل أساس نظري‬

‫‪462‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫& ‪Lazarus‬‬ ‫خمتلف‪ .‬و نجد مثاالً مبكر ًا لالستخدام لدى الزاروس وأبراموفيتس‬
‫)‪ :Abraovitz (1962‬ففي هذا األسلوب –واملسمى أيض ًا األسلوب " التصويري‬
‫االنفعايل ‪-"emotive imagery‬تم التغلب عىل اخلوف من الظالم لدى طفل من خالل‬
‫التصورات اإلجيابية (طفل يف العارشة من عمره‪ ،‬دخل يف دور بطل هزيل حمبوب)‬

‫احلساسية املغطاة ‪ :covered Sinsibilization‬وهنا يتم الربط بني السلوك املشكل‬


‫(كالكحولية‪ ،‬العنف ضد األطفال‪ ...‬الخ عىل سبيل املثال) مع تصور مشاهد مقيتة (عىل‬
‫سبيل املثال القرف‪ ،‬العواقب القانونية املبارشة‪ .) . .‬وبالنسبة لكاوتيل فإنه من املمكن‬
‫هلذا األسلوب أن يمثل بدي ً‬
‫ال لتقنيات التنفري اإلشكالية‪ .‬ومن املؤكد أنه إىل جانب مظهر‬
‫االرتباط (=عملية التعلم التقليدية)البد من اإلشارة أيض ًا إىل وجهة نظر قطع سلسلة‬
‫السلوك و للتطور الرضوري للبدائل السلوكية‪.‬‬

‫التعزيز املغطى‪ :‬ويف هذا األسلوب يتم ربط تصور السلوك (املرغوب) مع تصور‬
‫حمبوب بالنسبة للمريض‪ .‬وإىل جانب املظهر املبارش لالرتباط من املؤكد أيض ًا أن عملية‬
‫التقارب التدرجيي (املتصورة يف البداية) للهدف املرغوب مهمة (عىل سبيل املثال‬
‫السلوك الواثق بالنفس يف املجموعة‪ .) ...‬ويتضمن التعزيز املغطى كذلك تعديل‬
‫اجتاهات املريض حول نفسه هو و تعديل ما أطلق عليه مايكينباوم ‪Meichenbaum‬‬
‫)‪" (1977‬احلوار الداخيل" (أنظر أدناه)‪ .‬و تنبثق أمهية األسلوب بدرجة كبرية بوصفه‬
‫مرحلة قبلية للتعزيز اخلارجي و بمعنى إعادة بناء استعرايف (التعزيز الذايت بمعنى باندورا‬
‫)‪ .Bandura,1977,Kanfer,1977‬ومن هذه الناحية تلعب إجراءات التعلم "املغطى"‬
‫دور ًا ضمني ًا عىل األغلب يف أساليب العالج السلوكي التقليدي أيض ًا (أي أيض ًا يف‬
‫التعزيز اخلارجي‪ ،‬واإلرشاط املضاد و اإلطفاء و التعلم وفق النموذج‪ ...‬الخ)‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫خالصة‬

‫‪ ‬يف حني أنه قلام نجد اليوم خالف حول فرضية االستمرارية بأي شكل‬
‫من األشكال‪ ،‬فإن األمهية العملية لألساليب املغطاة واقعة اآلن خارج جمال‬
‫التشكيك؛ و ينطبق هذا بشكل خاص عىل اسرتاتيجيات املواجهة االستعرافية‬
‫)‪ (Lazarus & Folkman,1984‬أو بالنسبة لالقرتاب الفكري أو اللفظي من‬
‫املوقف املخيف‪ .‬كام هناك دالئل مؤكدة عىل الفائدة من علم النفس الريايض‪،‬‬
‫الذي يتم فيه التمرن االستعرايف بداية عىل التامرين املختلفة املعقدة‪ .‬‬

‫طرق إعادة البناء االستعرايف‬


‫ال يمكن القيام بفصل صارم بني الطرق السلوكية من ناحية و األساليب‬
‫االستعرافية من ناحية أخرى ال ألسباب نظرية وال ألسباب عملية‪ :‬ففي املجال النظري‬
‫ال بد من اإلشارة إىل أن ينبغي بالنسبة لعمليات التعلم أن تتم التغريات دائ ًام عىل عدة‬
‫مستويات‪ .‬ويف املامرسة العملية ال يمكن تطبيق األساليب التقليدية‪-‬العالجية‬
‫السلوكية من دون إعادة البناء االستعرايف و من دون توصيل املعلومات ‪ ...‬الخ‪ .‬و من‬
‫ناحية أخرى يظهر أن املبادئ العالجية االستعرافية بالتحديد تلقي أمهية كبرية عىل‬
‫مظاهر التجريب والتحويل إىل سلوك ملموس‪ .‬و من هذا املنظور ينبغي النظر لنامذج‬
‫العالج االستعرافية‪ ،‬أي ملبادئ العالج االستعرايف لبيك ‪ A. T. Beck‬والعالج‬
‫االنفعايل املنطقي إليليز ‪ A. Ellis‬ومبدأ مايكنباوم ‪.D. Meichenbaum‬‬

‫‪A. T. Beck: Cognitive Therapy‬‬ ‫بيك‪ :‬العالج االستعرايف‬


‫حظي مبدأ العالج االستعرايف يف املحيط الناطق باألملانية باالنتشار الكبري‪ .‬ويتعلق‬
‫هذا ضمن أمور أخرى بدراسات الفاعلية الكثرية اجليدة‪ .‬و يرجع التطور إىل املساعي‬

‫‪464‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫يف عالج االكتئاب من خالل بيك يف ستينيات القرن العرشين‪ : .‬فقد ظهر هنا أنه يف‬
‫االكتئابات بشكل خاص يتعلق األمر بتعديل االستعرافات و التصويرات ‪Schema‬‬
‫املفرتض وجودها خلف هذه االستعرافات‪ .‬و حسب بيك ‪ Beck,1967‬أو بيك‬
‫وغرينبريغ ‪ Beck & Greenberg, 1979‬وبيك وآخرين‪ Beck, et al. ,1992‬فإن‬
‫األشخاص املكتئبون يتصفون بنمط حمدد من التفكري (أي سامت استعرافية)‪ ،‬أال وهي‬
‫(‪ )1‬نالظرة السلبية للذات‪ )2( ،‬النظرة السلبية للمحيط و (‪ )3‬النظرة السلبية‬
‫للمستقبل‪ .‬و قد أطلق بيك ‪ Beck,1967‬عىل هذه الثالثية تسمية "الثالثوث االستعرايف‬
‫‪ ."cognitive Triad‬وطبق ًا ألسباب‪ Etiology‬نموذج االضطرابات االكتئابية يتم‬
‫النظر هلذه الوظائف االستعرافية املختلة ‪ cognitive Dysfunction‬عىل أهنا أساسية‪،‬‬
‫عزى إليها السامت األخرى لالضطراب (االنسحاب االجتامعي‪ ،‬عدم الفاعلية‪،‬‬
‫االضطرابات االنفعالية والدافعية‪ ،‬املظاهر اجلسدية‪ .) ...‬وبالنتيجة فإن األمر يتعلق‬
‫يف عالج االكتئاب حسب بيك ليس كثري ًا بتعديل سامت السلوك (كام هو احلال عىل‬
‫سبيل املثال لدى ليفينسون ‪ ،Lewinson,1975‬أو لدى سيلغامن ‪ )Seligman,1979‬وإنام‬
‫بتعديل أخطاء التفكري و التصويرات املختلة الكامنة خلفها‪. .‬‬
‫ومن أجل تصحيح هذه األخطاء يف التفكري (عىل سبيل املثال اإلدراك االنتقائي‪،‬‬
‫واالستنتاج العشوائي‪ ،‬وفرط التعميم‪ ،‬و التفكري املتشعب (أو املنقسم‪ )dichotomy‬قام‬
‫بيك و العاملني معه بتطوير الطرق التالية من التدخالت االستعرافية (وقد تم هنا عرض‬
‫بعض التقنيات األساسية فقط‪ ،‬ويمكن الرجوع إىل بيك و آخرين (‪)1992‬أو هاوتسنغر‬
‫‪.)Hautzinger, 1994‬‬

‫‪ -1‬مواجهة املهام املتدرجة و التخطيط لألنشطة‪ :‬هنا يفرتض للمريض‬


‫أن يعيش النجاحات التدرجيية من خالل إنجازه لوظائف أو مهامت‬
‫صغرية (ارتداء املالبس ‪ ،‬التسوق ‪ . .‬عىل سبيل املثال) وينبغي أن‬
‫يتم جعل مرىض االكتئاب –من املمكن أن يكون ذلك بشكل‬

‫‪465‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫توجيهي مبارش‪ -‬يقوموا بالتخطيط لنشاطات خاصة يف جمرى اليوم‬


‫واألسبوع ‪ .‬ومثل هذه األنشطة حتقق نوع من البنية إىل حد ما وفرصة‬
‫مبدئية للتعزيز اخلارجي‪.‬‬
‫‪ -2‬تقنيات السيطرة و البهجة ‪:Mastery-and Pleasure-Technique‬‬
‫عىل املرىض أن يتعلموا التمييز ما هي النشاطات التي يستطيعون‬
‫تطبيقها )‪ (M‬أو ما هي التي تبهجهم إىل حد ما )‪ .(P‬وهذا حيقق نوع‬
‫من التاميز يف تقويم ذخرية السلوك اخلاص‪.‬‬
‫‪ -3‬تسجيل األفكار اآللية‪ :‬األفكار اآللية هي عىل األغلب عبارة عن‬
‫تعابري ذاتية تسري بشكل رسيع؛ ووفق نظرية االكتئاب تشكل حمدد ًا‬
‫هام ًا لالضطراب (عىل سبيل املثال "لن أنجح يف يشء"‪) ...‬وتكمن‬
‫وظيفة املريض يف أن يف جتميع هذه األفكار و تسجيلها من أجل أن‬
‫جيعلها قابلة للنقاش املنطقي و احلجج ومن ثم التعديل‪.‬‬
‫‪ -4‬مواجهة األفكار‪ :‬هنا عىل املريض أن حياول إجياد ردود منطقية عىل‬
‫أفكاره اآللية؛ فهذه التقنية (التي تسمى غالب ًا تقنية العمودين) حتقق‬
‫عىل األقل أحد أول التباعدات عن األفكار اآللية املختلفة وظيفي ًا‪.‬‬
‫ويمكن توسيع التقنية بحيث أن املريض اليرسخ فقط الرد املنطقي و‬
‫إنام بأن حياول إجراء إعادة تفسري لفرضياته اخلاصة حول نفسه و‬
‫حميطه و مستقبله‪.‬‬
‫‪ -5‬حتديد و اختبار االستعرافات‪ :‬هنا عىل املريض أن يتعلم اختبار‬
‫استعرافاته يف الواقع؛ و يعد هذا مهم من ناحية أنه حيقق متايز ًا بني‬
‫تصوراته و الوقائع‪ .‬وبام أن املريض يرى احلقائق دائ ًام يف ضوء‬
‫فرضياته فإن هذا حيتاج إىل إجراء موجه بشكل موضوعي من قبل‬
‫املعالج‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -6‬نزع التفكري الكارثي و إعادة العزو و تطوير البدائل‪ :‬هنا عىل املريض‬
‫أن يتعلم –من بينها عن طريق النقاش املنطقي‪ -‬املواجهة الواقعية مع‬
‫األفكار و أحداث البيئة (عىل سبيل املثال "ما الذي حيدث‪ ،‬لو أن‬
‫صديقك ختىل عنك‪ ...‬؟)‪ .‬فغالب ًا ما يتجنب املرىض املواجهة و‬
‫يصفون احلدث ببساطة عىل أنه "كارثة" و ال يرون أية إمكانية لتقويم‬
‫آخر (إعادة العزو)‪ .‬ومن خالل املواجهة مع املوقف يتم توفري فرصة‬
‫لتطوير البدائل‪.‬‬
‫‪ -7‬بناء التوقعات الواقعية‪ :‬املرىض املكتئبون يشوهون ألنفسهم‬
‫إمكانات التطور اإلجيابية‪ ،‬وذلك من خالل عدم نظرهتم للمستقبل‬
‫إال نظرة متشائمة‪ .‬و ألجل هذا حيتاج األمر من املنظور العالجي إىل‬
‫تصحيح البعد الزمني (أي إذا ما سار أمر ما بشكل يسء‪ ،‬فال يعني‬
‫هذا أن األمر سيكون هكذا يف املستقبل‪ .‬؛ كام حيتاج مظهر التعميم و‬
‫اليقني فيام يتعلق بالتوقعات السلبية إىل التصحيح من خالل‬
‫التوقعات اإلجيابية و الواقعية‪.‬‬

‫ويعد العالج االستعرايف وفق بيك إجراء توجيهي مبني بشدة‪ .‬و يفرتض للوصف‬
‫املخترص للخطوات املنفصلة لإلجراء العالجي أن توضح أن اإلجراءات االستعرافية‬
‫وذات التوجه السلوكي مرتبطة يبعضها البعض بشدة بحيث أن تسمية "العالج‬
‫االستعرايف" ال تربر سوى االسم التجاري‪ .‬ويف حني أن املقاصد األصلية لألسلوب‬
‫كانت مقترصة عىل االضطرابات االكتئابية و ينبغي تقويمه هنا عىل أنه شديد الفاعلية و‬
‫مهم‪ ،‬فإن هذا النموذج قد حظي يف هذه األثناء بتوسعيات عىل صور االضطرابات‬
‫اإلكلينيكية األخرى‪ .‬و من بينها عىل سبيل املثال اضطرابات القلق و اضطرابات‬
‫الشخصية‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪A.‬‬ ‫‪Ellis: Rational-Emotive4-Therapy‬‬ ‫إيليز‪ :‬العالج االنفعالي املنطقي‬


‫)‪(RET‬‬

‫منطلق األفكار النظرية والعالجية عند إيليز كانت (كام هو احلال لدى بيك)‬
‫التقاليد التحليلية النفسية‪ .‬كام يمكن اإلشارة كخلفية فلسفية إىل املدرسة الرواقية‬
‫‪Stoicism‬و نوع من االجتاه الذرائعي األمريكي‪ .‬فإذا ما أراد املرء وصف املظهر‬
‫األسايس للعالج االنفعايل املنطقي إليليز فإنه ينبغي النظر لذلك من خالل النقاط‬
‫التالية‪ :‬ليست هي األشياء التي تقلقنا بل آرائنا وتقويامتنا لألشياء هي التي تسبب لنا‬
‫املشكالت‪ .‬وطبق ًا لذلك فإن االضطرابات النفسية كالقلق و االكتئاب والغضب و‬
‫احلزن ‪ ...‬الخ‪ ،‬ليست مربرة بوصفها ترجع إىل إدراك مشوه و تفسريات خطأ و فرضيات‬
‫غري منطقية حول احلدث‪.‬‬

‫و تقوم التدخالت عند إيليز عىل نظريته املسامة نظرية ‪( .A,B,C‬الشكل ‪.)23‬‬

‫‪468‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ومهمة العالج تكمن يف تعديل مظاهر "منظومة االعتقاد ‪ (B) belief system‬التي‬
‫وصفها "بالالمنطقية" ‪ .irrational‬ويقصد "بالالمنطقية" بأن األمر يتعلق بفرضيات‬
‫تقود إىل مشكالت واضطرابات نفسية‪ .‬والتدخالت العالجية وفق إيليز ال تكمن يف‬
‫التعديل ألحداث )‪(A‬؛ فتعديل العواقب (االنفعالية) املرضية )‪ (C‬ال يمكن أن يكون‬
‫مستمر ًا إال إذا تم حتديد القناعات الالمنطقية و استبداهلا من خالل فرضيات "منطقية‬
‫‪."rationale‬‬
‫لقد استخدم إيليز (‪ )1977‬من حيث املبدأ طيف كامل من األساليب العالجية‬
‫(من بينها أيض ًا من ذخرية السلوك العالجي التقليدي)؛ األمهية أألساسية ترجع للطرق‬
‫االستعرافية‪.‬‬
‫ففي البداية يتعلق األمر بتوصيل النموذج األسايس للعالج االنفعايل‬
‫املنطقي(نظرية ‪ A-B-C-‬حول االضطرابات النفسية)‪ .‬باإلضافة إىل حتديد أنامط التفكري‬
‫والفرضيات الالمنطقية وأخري ًا استبدال فرضيات فلسفة حياتية منطقية بالفرضيات‬
‫الالمنطقية‪ .‬وتلعب طرق احلوار السقراطي دور ًا مركزي ًا يف العبور من الفرضيات‬
‫الالمنطقية إىل الفرضيات املنطقية‪ :‬فاستناد ًا إىل "فن التوليد" حياول املعالج حتديد‬
‫الفرضيات واجلمل الالمنطقية للمتعالج؛ و يتم التطرق بعدئذ هلذه اجلمل خطوة‬
‫فخطوة‪ ،‬ومناقشتها و زعزعتها وتعديلها‪ .‬ويتوىل املعالج هنا يف البداية دور ًا فاع ً‬
‫ال‬
‫وتوجيهي ًا وحياول أن يري املعالج الفرضيات الالمنطقية‪ .‬و يف جمرى املناقشات‬
‫‪ Disputation‬يفرتض أن يبتعد املريض عن قناعاته الالمنطقية و إحالل مكاهنا فلسفة‬
‫احلياة املنطقية املذكورة‪.‬‬
‫ويف جمرى العملية العالجية يلجأ املعالج بالعالج االنفعايل املنطقي بشكل خاص‬
‫إىل اإلجراءات العالجية السلوكية‪ ،‬من نحو التامرين بني اجللسات‪ ،‬و الواجبات‬
‫والتسجيالت و جتارب السلوك‪ . .‬الخ‪ .‬يف هذه التامرين يف املواقف الطبيعية يفرتض‬
‫للمريض (وينبغي أن يكون قادر ًا) جتريب تلك التعديالت و تثبيتها التي اكتسبها أثناء‬
‫اجللسة العالجية‪.‬‬

‫‪469‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫و تشكل طرق االستثارة االنفعالية ‪emotive-evocative1‬عمود ًا آخر ًا مه ًام للعالج‬


‫املنطقي االنفعايل‪ :‬ومن بينها التمرين يف خربة املشاعر وتعابري املشاعر املبارشة‪ ،‬التي‬
‫يواجهها املعالج بشكل متقبل إىل درجة كبرية‪ .‬ويف إطار حممي لإلطار العالجي (عىل‬
‫سبيل املثال يف العالج ضمن املجموعة أيض ًا) يمكن للمريض أن يتعلم السامح ببعض‬
‫االنفعاالت و متييزها و ربام تعديلها؛ إال أن األمهية الكبرية داخل العالج املنطقي‬
‫االنفعايل حتتلها حماولة حتديد املظاهر الالمنطقية يف املشاعر و إحالل حملها تصورات‬
‫منطقية (أنظر فلسفة احلياة)‪.‬‬
‫وبسبب طبيعته الرصحية و الدرجة العالية من الشفافية فغالب ًا ما تم اختبار أسلوب‬
‫العالج املنطقي االنفعايل إمبرييقي ًا أيض ًا‪ .‬ويمكن اعتبار درجة الرضا عن التأصيل‬
‫اإلمبرييقي هنا جيدة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك فقد درس إيليز مظهر ًا عام ًا للمشكالت‬
‫النفسية‪ ،‬الذي غالب ًا ما يسمى "باإلشكالية الثانوية"" فاملرىض ال يعانون من اضطراهبم‬
‫(القلق‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬الشقيقة) فحسب وإنام جيدون أنه من البؤس الشديد أهنم يعانون من‬
‫هذا‪ .‬وليس من النادر هلذه اإلشكالية الثانوية أن تشوه املدخل العالجي؛ فالتأمل‬
‫املوضوعي‪-‬املنطقي بالذات ومواجهة سقراطية مع الباثولوجيا الثانوية (ما السيئ يف‬
‫هذا بأنك تعاين من هذه املشكلة‪ ...‬؟‪ ) . .‬حتقق نوع من املدخل نحو املواجهة اهلادفة‬
‫مع املشكلة األساسية ومن املمكن أن تقود إىل معاجلة هادفة‪.‬‬

‫مايكنباوم‪ :‬احلوار الداخلي‬


‫يؤكد دونالد مايكنباوم ‪Donald Meichenbaum‬يف نموذجه العالجي السلوكي‪-‬‬
‫االستعرايف عىل أمهية ما يسمى باللغة املتمثلة (املجتافة) من اإلنسان لنفسه؛ و يستند هنا‬
‫إىل النامذج العلم نفس نامئية للوريا ‪ Lurai, 1961‬أو فيجوتسكي ‪،Vygotsky,1962‬‬
‫حيث يريان أن اللغة حتتل يف البداية وظيفة توجيه أوتوماتيكية خارجية و بالتدريج‬

‫‪ 1‬استثارة للذكريات والعواطف‬

‫‪470‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫تصبح داخلية بالنسبة للترصف اإلنساين‪ .‬و قد أطلقت عىل هذا تسمية "احلوار‬
‫الداخيل"؛ وقد صاغ مايكنباوم مبدأين هلذا‪ ،‬حظيت يف العالج االستعرايف بأمهية كبرية‪،‬‬
‫وبشكل خاص يف التدريب عىل التوجيهات الذاتية و التلقيح ضد الضغط‪.‬‬

‫تدريب التوجيهات الذاتية ‪self-instruction training‬‬


‫لقد تم تطوير هذا التدريب بشكل خاص للتدخل لدى األطفال االندفاعيني؛‬
‫فحسب مايكنباوم و غودمان )‪Meichenbaum & Goodman (1969 & 1971‬تتصف‬
‫االندفاعية لدى األطفال بالتحديد من خالل أن التعليامت اللغوية (اخلارجية أم‬
‫الداخلية) ال متتلك إال سيطرة ضئيلة عىل السلوك‪( .‬الترصف من دون التفكري‪) ...‬‬
‫وتوصيل تعليامت ذاتية هادفة يتم يف البداية باالستناد الوثيق لآلراء العلم نفس نامئية؛‬
‫ففي البداية يتم إعطاء التعليامت خارجي ًا و ينبغي استدخاهلا (متثلها) أو أمتتتها بالتدريج‪.‬‬
‫و يصف مايكنباوم ‪Meichenbaum,1975‬اإلجراء عىل النحو التايل‪:‬‬
‫التوجيه اخلارجي من خالل راشد (نموذج)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يقوم الطفل بحل واجب‪ ،‬يف حني يتم نطق التعليامت بصوت عال‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يقول الطفل التعليامت لنفسه بصوت عال يف أثناء قيامه بحل الواجب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تنفيذ الواجب‪ ،‬يصبح نطق التعليامت بصوت أخفض (مهس ًا) (توقف‬ ‫‪‬‬
‫املساعدة)‪.‬‬
‫تنفيذ الواجب بأن تعطى التعليامت للذات بدون صوت (استدخال)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وقد تم استخدام تدريبات تعليامت الذات يف اضطرابات السلوك الطفلية‪ ،‬عىل‬


‫سبيل املثال لدى األطفال العدوانيني‪ ،‬واملسامة إىل حد ما "تقنية السلحفاة" ‪(Schneider‬‬
‫‪& Robin,1975; Schlottke,1980‬؛ ولدى األطفال االندفاعيني؛ و ضبط االنتباه‪.‬‬
‫ولدى املرىض الراشدين يلعب تدريب التعليامت الذاتية عىل األغلب دور مركب العالج‬
‫يف برنامج مركب (عىل سبيل املثال يف قلق االمتحان‪ ،‬يف مواجهة املهام املعقدة‪ ...‬الخ)‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ومن اجلدير بالذكر يف هذا السياق تعديالت التعابري الذاتية خارج املجال العالجي‬
‫أيض ًا‪ ،‬عىل سبيل املثال يف تدريب رياضيي القمة الذين يمكن يف تدريبهم توصيل تعابري‬
‫ذاتية مهمة جد ًا فيام يتعلق بالترصف و استخدام جمريات حركة هادفة (عىل سبيل املثال‬
‫‪.)Suinn,1989‬‬

‫تدريب التحصين ضد الضغط‬


‫يشكل تدريب التحصني ضد الضغط الذي طوره مايكنباوم يف عام ‪ 1985‬تقنية‬
‫تدخل استعرافية‪ ،‬هيدف ملواجهة مواقف الضغط واإلجهاد بشكل عام‪ .‬و بشكل خاص‬
‫حتت مظهر املواجهة هذا حظي التدريب التقبل واالنتشار‪ .‬واملبدأ األسايس لتدريب‬
‫التحصني ضد الضغط يكمن يف فرضية أن اإلجهاد وما يرتبط بذلك من إرهاقات يتم‬
‫توصيله بدرجة كبرية من خالل املظاهر االستعرافية‪ .‬وهذه املظاهر االستعرافية يتم‬
‫حتليلها يف تدريب التحصني ضد الضغط وتعديلها بشكل هادف‪ .‬ويتضمن التدريب‬
‫نفسه ثالثة خطوات‪ ،‬أي طور تعليم و طور تدريب و مرحلة تطبيق التمرين‪.‬‬
‫يف طور التعليم يتم جعل املريض يفهم استجابته لإلرهاق‪ .‬و هنا تتم حماولة حتليل‬
‫الكالم املغطى للشخص و حتديد الوظائف اإلشكالية للتعبري عن الذات‪ .‬وكنموذج‬
‫ملجرى الضغط يمكن لإلنسان أن يستند إىل النموذج االنفعايل‪-‬النفيس‪-‬الفيزيولوجي‬
‫لالنفعاالت لشاخرت سنجر ‪ ،Schachter & Singer,1962‬الذي يتضمن أن التفسريات‬
‫االستعرافية الستثارة فيزيولوجية تشكل حمدد ًا جوهري ًا لالنفعال‪ .‬و املهم يف هذه‬
‫املرحلة كذلك هو أن املريض نفسه يعرف بشكل مبكر املحددات املوقفية و سامت سلوك‬
‫استجابة الضغط‪ ،‬كي يتمكن من حتقيق استجابة مواجهة مطابقة‪.‬‬
‫ويتضمن طور التدريب توصيل اسرتاتيجيات معرفية يف التعامل مع الضغط؛ و هنا‬
‫يتم االعتامد بدرجة كبرية عىل اسرتاتيجيات املواجهة املتوفرة لدى املريض‪ .‬وبالتعاون‬
‫مع املريض يتم بناء التعليامت الذاتية اهلادفة بالنسبة لألطوار منفردة‪:‬‬
‫‪ -‬التحضري عىل املرهقات‪" :‬ما اخلطوة التالية املفرتض القيام هبا"‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬املواجهة مع املرهقات‪"" :‬أنا مستعد للتحديات"‪.‬‬


‫‪ -‬طور التعزيز الذايت‪" :‬أنجزت!"‬
‫وال يتم إعطاء التعابري الذاتية املنفردة بشكل معري‪ ،‬وإنام يتم عملها بالتعاون مع‬
‫املريض؛ ففي البداية يكون من املفيد جد ًا تسجيل اجلمل كي يتم تعلمها و استخدامها‬
‫يف مواقف الضغط املطابقة(عىل سبيل املثال ورقة يف حقيبة اليد أو يف اجليب)‪.‬‬
‫ويف طور التطبيق يفرتض للمريض –بدعم توجيهات املعالج‪ -‬أن يقوم بتجريب‬
‫التعابري الذاتية يف مواقف الضغط امللموسة (عىل سبيل املثال يف لعب األدوار يف موقف‬
‫رصاع شخيص)‪ .‬وبشكل خاص وعىل طور التطبيق هذا يقوم أيض ًا التأثري املناعي‬
‫املفرتض ملايكنباوم (‪ )1977‬الستجابة املواجهة‪ :‬عندما يتم توقع مواقف إرهاق (و ال‬
‫يتم جتنبها) ‪ ،‬عندما تتوفر استعرافات مالئمة متمحورة حول املواجهة ملوقف الضغط‪،‬‬
‫فلن تعود لإلرهاقات الواقعية و امللموسة –بام يشبه تشكيل األجسام املضادة يف‬
‫التلقيح‪ -‬تأثريات سلبية وخيمة‪.‬‬

‫‪ ‬يتم استخدام تدريب التحصني ضد الضغط ملواجهة استجابات القلق‬


‫و األمل‪ .‬و كمثال عىل االستخدام النموذجي لربنامج التلقيح ضد الضغط‬
‫سوف نذكر كمركب لربنامج مركب ملواجهة القلق‪:‬‬
‫يف التمرين عىل املواجهة ‪confrontation‬للتغلب ‪coping‬عىل اضطرابات‬
‫القلق واهللع )‪ (Maragraf & Schneider,1990, Reinecker,1987‬تشكل‬
‫املواجهة ‪Confrontation‬مع املثريات الداخلية (يف اهللع) أو اخلارجية (يف‬
‫الرهاب) للقلق عىل األغلب مرحلة صعبة‪ .‬وكتسهيل للمريض من جهة و‬
‫كاسرتاتيجية مواجهة استعرافية ‪cognitive Coping strategy‬ملموسة من جهة‬

‫‪473‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ثانية يمكن مع املريض النظر ملوقف املواجهة هذا وكأنه موقف إرهاق‪.‬‬
‫وتتضمن املواجهة ‪confrontation‬طور تعليم ("ما الذي قد حيدث"‪،) ...‬‬
‫وطور التمرين(مع املراحل املذكورة أعاله‪ ) ...‬وطور التطبيق (يف البداية‬
‫بتوجيه من املعالج‪ ،‬وبناء عىل ذلك بالتدريج اإلدارة الذاتية للمريض)‪ .‬و‬
‫يشكل تدريب التحصني ضد الضغط يف هذا السياق أحد مركبات‬
‫‪component‬ألسلوب عالج مركب ‪ complex‬أكثر من كونه طريقة عالج‬
‫مستقلة‪ .‬‬

‫التدرب على حل المشكالت‬


‫يمتلك التدريب عىل حل املشكالت يف علم النفس أمهية كبرية؛ وهنا مل يعد منذ‬
‫زمن بعيد اختصار تدريب حل املشكالت يف املواقف األكاديمية املبسطة (عىل سبيل‬
‫املثال ‪ .)Newell & Simon 1972‬إذ يمكن داخل العالج السلوكي والعالج السلوكي‪-‬‬
‫االستعرايف التمييز بني تلك املستويات خمتلفة التي يمكن أن نطلق عليها تسمية حل‬
‫املشكالت‪:‬‬

‫‪474‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ -‬اعترب مظهر حل املشكلة يف بداية السبعينيات من القرن العرشين كسمة‬


‫عامة جدا ألساليب عالجية نفسية خمتلفة؛ و هنا يتم استخالص‬
‫املظاهر من نامذج نظرية و عالجية خمتلفة‪ ،‬وحتى الطرق العالجية‬
‫منفردة (من تفسري األحالم إىل بناء العالقة أو حتى متارين املواجهة‪...‬‬
‫) تستخدم كطرق للوصول من وضع االنطالق املشكل إىل حالة اهلدف‬
‫املرغوب‪ .‬ويوضح الشكل (‪ )24‬هذا املبدأ من حل املشكلة بوصفه‬
‫نموذج بعدي للعالج ‪.Meta Model of Therapy‬‬
‫‪ -‬يعد حل املشكالت تقنية تدخل استعرافية خاصة‪ .‬منطلق هذه األفكار‬
‫تشكلها مالحظة أن املريض بمشكالت نفسية يمتلك مهارات قارصة‬
‫يف حل املشكالت بشكل عام‪ .‬ويساعد توصيل منظور حل املشكلة –‬
‫بالنظر ملشكلة نفسية موجودة‪ -‬املريض عىل تصميم إشكاليته و تطوير‬

‫‪475‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫حل هادف بمساعدة املعالج النفساين ‪ .‬وسوف نقوم بتوضيح هذا‬


‫املظهر حلل املشكلة باملعنى الضيق‪.‬‬
‫‪ -‬إمكانية ثالثة للرؤية تنبثق من أنه عندما يصطدم املعالج يف جمرى العملية‬
‫العالجية بحاالت تشويش خاصة & ‪(Kanfer, Reinecker‬‬
‫)‪ :Schmelzer,1996‬يف حال تم قطع املجرى العالجي املخطط‪ ،‬يفيد‬
‫هنا التحليل من منظور حل املشكلة –هنا بالنسبة للمعالج‪.‬‬
‫حل املشكلة كاستراتيجية تدخل استعرافية‬
‫يفرق املرء يف املواقف املشكلة بشكل عام حالة انطالق (غري مرغوبة عىل األغلب)‪،‬‬
‫وحالة هدف (مرغوبة)‪ ،‬وكذلك كمية هنائية من التحويالت‪ ،‬املالئمة من أجل نقل حالة‬
‫البداية إىل حالة هدف مرغوبة‪ .‬يف النقل عىل املواقف اإلكلينيكية يمكن للمشكلة أن‬
‫تكون موجودة من خالل االضطراب يف كل مرحلة (و كذلك توليف بينها) (الشكل‬
‫‪.)24‬‬
‫‪ -‬يف كثري من احلاالت فإنه من الصعب حتديد السامت املركزية ملشكلة‬
‫نفسية بشكل دقيق (حالة انطالق)‪.‬‬
‫‪ -‬غالب ًا ما يمتلك املرىض تصورات هشة عن اهلدف (وغالب ًا سلبية)‬
‫("القلق سيظل مدى احلياة"!)؛ وبالنسبة حلل املشكلة فإن هذا قلام‬
‫يكون كافي ًا‪ ،‬ألن إعطاء بيانات دقيقة مطابقة حول حالة اهلدف‬
‫رضورية بالطبع‪.‬‬
‫‪ -‬حتى وإن كان املريض يستطيع صياغة موقف االنطالق املشكل اخلاص‬
‫به و حالة هدفه بشكل واضح‪ ،‬فقد تكمن املشكلة بالنسبة له يف أنه ال‬
‫يمتلك الوسائل املناسبة للتحويل (هنا طرق العالج)‪ ،‬من أجل اختبار‬
‫حالة املنطلق يف حالة اهلدف‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ويرتبط توصيل اسرتاتيجيات حل املشكلة داخل العالج االستعرايف كام هو األمر‬


‫دائ ًام بشكل وثيق بتصورات نموذج حل املشكالت من علم النفس العام واملعريف (مثل‬
‫)‪ .Doerner,1979‬وطبق ًا لذلك تعد اخلطوات التالية مهمة حلل املشكلة‪:‬‬
‫‪ -1‬توجه عام‪ :‬حتديد موقف ما كمشكلة‪ ،‬متييز املشكالت من جهة و‬
‫احلقائق من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬وصف املشكلة‪ :‬حتديد وجهات النظر املختلفة؛ التاميز األول إىل مظاهر‬
‫أساسية ومظاهر ثانوية للمشكلة‪.‬‬
‫‪ -3‬البدائل‪ :‬طرح احللول‪ ،‬عىل األغلب عن طريق "عصف الدماغ"‪. ...‬‬
‫‪ -4‬اختاذ القرار‪ :‬اختيار من البدائل من منظور قصري األمد وبعيد األمد‪.‬‬
‫‪ -5‬اختبار بدائل منتقاة‪ ،‬اختبار فيام إذ تم حتقيق اهلدف‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫غالب ًا ما متت مناقشة حدود السامت النفسية العامة حلل املشكلة اإلكلينيكية‪ .‬و هنا‬
‫تبدو الديناميكية املستخدمة للمشكالت اإلكلينيكية ليست هي السامت التفريقية‬
‫احلاسمة (ألنه من املمكن أن يتم النظر ملشكالت التخطيط املركبة بشكل دينامي)‪ .‬إال‬
‫أن املميز بشكل خاص بالنسبة ملواقف املشكالت اإلكلينيكية هو درجة املعاناة الشخصية‬
‫و ما يرتبط بذلك من جتذر انفعايل ملوقف املشكلة‪ .‬و من املؤكد أن هذا يشكل حدود‬
‫(إذا مل تكن مطلقة) بالنسبة لرؤية االضطرابات النفسية من منظور املشكالت‪ .‬باإلضافة‬
‫إىل ذلك ينبغي لفهم االضطرابات النفسية كمشكلة‪ ،‬وبشكل خاص أيض ًا أمهية النتائج‬
‫العلم نفسية العامة و العلم نفس استعرافية للمامرسة اإلكلينيكية و العالجية‪ ،‬أن يقوم‬
‫عىل أنه شديد األمهية و مهم‪.‬‬
‫تنبثق التطبيقات بشكل خاص عندما يلعب حل املشكلة غري املناسب دور ًا مركزي ًا‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال لدى اليافعني اجلانحني وما قبل اجلانحني‪ ،‬أو يف املهارات االجتامعية‬

‫‪477‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫القارصة‪ .‬أمثلة أخرى لتطبيق اسرتاتيجيات حل املشكلة تنبثق من جمال مواجهة‬


‫الغضب و العدوان و ضبط العنف (عىل سبيل املثال يف الغبن اجلنيس)‪.‬‬

‫خالصة‬

‫‪ ‬يبدو اخلالف حول أولوية النامذج النظرية السلوكية مقابل النامذج‬


‫االستعرافية غري مالئم ألسباب كثرية‪ :‬فعىل مستوى األسس يتم اليوم االعتامد‬
‫عىل جمال واسع جد ًا –أي عىل أسس علم النفس والعلوم اجلارة‪ .-‬ويف جمال‬
‫املامرسة فإنه منذ أمد بعيد قد اتضح أن العمل عىل املستويات منفردة لتعقيد‬
‫املشكالت القائمة ال يمكن تربيره‪ .‬و يف مفهوم "العالج السلوكي‬
‫االستعرايف" حياول املرء أخذ هذا الوضع بعني االعتبار‪ .‬‬

‫‪478‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العالج السلوكي‪ :‬االستخدام واملنظور‬


‫حقق العالج السلوكي يف هذه األثناء درجة عالية من التاميز‪ ،‬ال يمكن اإلحاطة هبا‬
‫كلها من قبل شخص واحد؛ ومل متس هذه التطورات املجاالت اجلوهرية التي ذكرناها‬
‫سابق ًا‪ :‬وحتى املجاالت اجلانبية خضعت لتطويرات و تعديالت‪ .‬وعىل سبيل الذكر‬
‫فقط نشري إىل التطبيقات عىل جمموعات نوعية من االضطرابات‪ ،‬عىل سبيل املثال‬
‫االضطرابات ذات الشكل اجلسدي )‪ ،(Rife & Hiller,1992‬و يف جماالت خاصة من‬
‫الطب السلوكي و مقاربات العالج السلوكي لطرق العالج‪ ،‬التي ظلت لفرتة طويلة‬
‫خارج طيف النشاط اخلاص (كالتنويم عىل سبيل املثال)‪ .‬كام يمكن رؤية جمال آخر‬
‫للتطور يف جمال تطبيقات املبادئ العالجية السلوكية خارج املجال اإلكلينيكي (عىل‬
‫سبيل املثال يف املنظامت أو يف علم النفس الرتبوي أو يف مواجهة املشكالت الوخيمة‬
‫للسلوك البيئي‪) ...‬وسوف نتعرض لبعض هذه املظاهر‪.‬‬
‫فإذا ما تأملنا بعض سامت ”العالج السلوكي" التي ذكرناها يف البداية فسوف يتضح‬
‫بأن العالج السلوكي قد أصبح يف هذه األثناء يغطي يف البحث و اإلمداد جزء ًا كبري ًا‪،‬‬
‫وهو ما يسمى "بالعالج السلوكي (الشكل ‪.)25‬‬

‫‪479‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جمال بحث ونشاط علم النفس اإلكلينيكي هو أشمل‪ :‬جماالت التشخيص و‬


‫التصنيف و اجلائحة و إىل حد ما أيض ًا أبحاث التصنيف املريض ‪ Nosology‬تعد من‬
‫ضمن املجاالت األصيلة لعلم النفس اإلكلينيكي‪.‬‬
‫وعلينا أال نحمل الشكل أكثر مما يتحمل‪ :‬إذ البد من أن يكون واضح ًا بأن جماالت‬
‫التقاطع قد أصبحت يف هذه األثناء كبرية؛ كام أن إزاحة جمال موضوع وطرق علم النفس‬
‫اإلكلينيكي باجتاه العالج السلوكي قد أصبح صفة مميزة لفهم خاص جد ًا للعلم عىل‬
‫شكل سلوكية طرائقية ‪.methodical Behaviorism‬‬
‫ويف هذا الفصل اخلتامي سوف نتطرق لبعض املناظري املستقبلية –وبشكل خاص‬
‫من وجهة نظر التطبيق واملامرسة‪:‬‬
‫‪ -‬دور العالج السلوكي يف اإلمداد‪،‬‬
‫‪ -‬مظاهر التكاليف و الفوائد‪ ...‬الخ‪،‬‬
‫‪ -‬استخدام العالج السلوكي خارج جمال علم النفس اإلكلينيكي‪ ،‬وأخري ًا‬
‫‪(Grawe et al.‬‬ ‫‪ -‬مسألة عبور علم النفس السلوكي إىل "علم نفس عام"‬
‫)‪.,1994‬‬

‫حول دور العالج السلوكي يف الرعاية‬


‫فهم العالج السلوكي نفسه منذ بداية تطوره كمحاولة للتخفيف من املعاناة‬
‫اإلنسانية‪ .‬وقد حاول املرء جتنب مفهوم املرض ألسباب موضوعية يف جزء منها‬
‫وألسباب إيديولوجية يف جزئها اآلخر‪ :‬فالعالج السلوكي مل يرد أن ينظر إليه من منظور‬
‫تصورات النموذج الطبية‪ ،‬وإنام كمساعدة عىل املساعدة الذاتية (أنظر & ‪Ullmann‬‬
‫‪ .)"Krasner,1969:Apsychological Approach to abnormal behavior‬فمن‬
‫املعروف أن املعاجلني السلوكيني يبتعدون بشكل صارم عن تصور األدوار املعروف يف‬

‫‪480‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النموذج الطبي حول الطبيب من جهة و املريض من جهة أخرى؛ فاألشخاص الذين‬
‫عانوا من اضطرابات نفسية عليهم أن يسامهوا بشكل فاعل يف إزالة تلك الرشوط التي‬
‫تعد حمددات االضطراب‪.‬‬
‫يف هذه األثناء ترسخ فهم واقعي ملفهوم املرض أو االضطراب‪ :‬وعىل الرغم من أن‬
‫العالج السلوكي ال ينضوي حتت النموذج الطبي‪ ،‬إال أن العالج السلوكي قد أظهر منذ‬
‫زمن بعيد بأنه قادر عىل عالج وتعديل االضطرابات ذات القيمة املرضية‪ .‬أما مسألة‬
‫متى يوجد اضطراب نفيس ذو قيمة مرضية فهي تتعلق باإلضافة إىل ذلك بأبعاد قانونية‬
‫و متويلية و سياسية‪ .‬فلنفكر عىل سبيل املثال بالكحولية التي مل يتم االعرتاف هبا إال يف‬
‫عام ‪ 1968‬عىل أهنا مرض‪ ،‬ومتويلها من قبل صناديق الضامن الصحي‪ .‬مشاركة العالج‬
‫السلوكي يف رعاية األمراض –بغض النظر عن كون األمر عن طريق التحويل أو عن‬
‫طريق إجراءات املوافقة عىل دفع التكاليف‪ -‬أصبح واقع ًا يف هذا األثناء‪ .‬و علينا كذلك‬
‫أن نضيف بأن اعتبار االضطرابات النفسية عىل أهنا أمراض قد حيمل يف طياته مظاهر‬
‫إجيابية أيض ًا‪ :‬منها عىل سبيل الذكر حترير املريض و أرسته من األحكام األخالقية‪،‬‬
‫باإلضافة إىل إمكانات تباعد املريض و أخري ًا املظهر الذي تطرقنا له سابق ًا الرعاية‬
‫والتمويل‪.‬‬
‫فأي دور يلعبه العالج السلوكي يف الرعاية؟‬
‫يتوىل العالج السلوكي من بني أمور أخرى مطلب الرعاية االجتامعية النفيس‬
‫القريب من املجتمع؛ و هذا املطلب لعلم النفس املحيل يتضمن النقاط األساسية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ينبغي للتأثريات أن تطبق يف املكان الذي تنشأ فيه املشكالت‪ ،‬أي يف‬
‫احلياة اليومية للشخص‪ .‬وهذا يتضمن تأسيس مراكز قريبة من‬
‫املجتمع املحيل‪ ،‬من أجل جتنب ما يسمى "بمشكلة التضخم"‪ .‬ومن‬
‫املؤكد أنه سيكون مثالي ًا لو تم التخيل عن "بنية‪-‬احلضور" للمؤسسات‬
‫االجتامعية النفسية‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -‬تفضل التدخالت االجتامعية النفسية تقديم املساعدة يف العيادات‬


‫اخلارجية عىل تقديم املساعدة املركزية؛ عىل املريض أن يظل ضمن‬
‫سياقه الطبيعي و أن يتم متكينه من التغلب عىل املشكالت القائمة يف‬
‫املوقع‪.‬‬
‫‪ -‬يقول "مبدأ التدخالت األدنى" ضمن التوجه العلم نفس حميل بأنه عىل‬
‫املساعدة املحرتفة أن تتدخل يف حياة شخص ما باملقدار الذي يبدو فيه‬
‫هذا رضوري‪ .‬ينبغي للمساعدة املتخصصة أن تسهم يف دعم وتنشيط‬
‫كفاءات املساعدة الذاتية؛ و املطلوب هو تنمية املساعدة غري املحرتفة‪،‬‬
‫وتنشيط الوسائط لدعم املريض\املتعالج‪.‬‬
‫‪ -‬علم النفس املحيل يعني أنه عىل املساعدة أن تتوجه وفق حاجات‬
‫املعنيني‪ :‬وطبق ًا لذلك فإنه يفرتض أال ينظر ملشكالت األشخاص‬
‫املعنيني من خالل "نظارة نفسية"‪ .‬وهذا يتضمن املطلب لتقديم‬
‫املساعدة عىل مستويات خمتلفة –آخرها يف إطار العمل البني ختصيص‪.‬‬
‫‪ -‬علم النفس املحيل يتضمن توجه ًا وقائي ًا‪ :‬وهذا يعني أنه ينبغي أن يتم‬
‫تقديم املسامهات النوعية و العامة ملنع االضطرابات النفسية‪ .‬وتتضمن‬
‫الوقاية كذلك االنتقال من رؤية فردية إىل رؤية اجتامعية لنشوء‬
‫واستمرارية االضطرابات النفسية‪ .‬وبالذات يصطدم العمل العالجي‬
‫بحدود يف مظهر الوقاية‪ ،‬ألن الرشوط يمكن أن تكمن أيض ًا خارج‬
‫جمال العوامل النفسية (عىل سبيل املثال البنية األرسية‪ ،‬املوقف القانوين‪،‬‬
‫واملادي؛ الوضع السكني و املهني‪ ...‬الخ)‪.‬‬
‫ووفق املستوى الراهن لإلمداد‪ -‬وبشكل خاص يف أملانيا‪ -‬و مع التوجه نحو نظام‬
‫الرعاية الطبية اخلارجية ال يمكن حتقيق مبادئ علم النفس املحيل إال بشكل جزئي‪ .‬و‬
‫األهم من ذلك التأكيد عىل أنه باإلضافة إىل املساعدة الفردية (عىل سبيل املثال حساب‬

‫‪482‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اخلدمة الفردية) فإن أقسام املراكز العلم نفس حملية متثل مطلب ًا رضوري ًا من وجهة النظر‬
‫العالجية السلوكية‪.‬‬
‫فإذا ما تأملنا مظهر الرعاية (أيض ًا من منظور فاعلية التدخل العالجي النفيس)‪،‬‬
‫فعلينا أيض ًا أن ننظر لنسب فاعلية العالج السلوكي املثرية لالنطباع بشكل تفريقي‪:‬‬
‫فحسب ماركس (‪ 1987‬و ‪ )1993‬أو ماير و آخرين (‪ )1991‬فإن عدد ضئيل فقط من‬
‫املرىض الذين من املمكن أن يكون العالج النفساين مفيد ًا لدهيم حيرض للعالج النفيس‪.‬‬
‫و يف هذا السياق فإن األمل بالتحسن العفوي جمرد سخرية‪ .‬وقد أوضح غراوه‬
‫‪Grawe,1992‬بأن التحسن العفوي ال حيدث إال بمقدار ضئيل جد ًا (دراسة التعديالت‬
‫ملجموعات ضابطة من دراسات عالج نفيس)‪ .‬ويبدو أنه من البدهيي بأن طموحنا نحو‬
‫تقديس التدخالت العالجية السلوكية جيب أن يستمر؛ من املنظور الكمي –من منظور‬
‫الرعاية‪ ،‬الذي يستحق هذا االسم‪ -‬فإنه ال يمكن االستغناء عن تسهيل املدخل إىل‬
‫العالج النفساين‪ .‬ومن ضمن ذلك إجراءات حتسني املعرفة حول االضطرابات النفسية‬
‫و إمكانات املساعدة العالجية السلوكية للمعنيني األقارب و يف نظام الرعاية الطبي؛ كام‬
‫أن إجراءات حتسني بنية الرعاية يف املناطق دون مستوى الرعاية رضوري‪ .‬و علينا أخري ًا‬
‫أال نقلل من أمهية الوضع املتمثل يف أنه عىل املعاجلني النفسني أن يسرتشدوا بنتائج‬
‫أبحاث العالج النفساين‪ .‬إذ يبدو أنه من غري األخالقي منع املعنيني من احلصول عىل‬
‫ذلك األسلوب العالجي الذي برهن فاعليته فقط لكون املعالج ليس عىل استعداد لتعلم‬
‫هذه األساليب تطبيقها )‪.(Grawe,1992‬‬
‫املشكلة الكربى و املانع األكرب يف الرعاية النفيس االجتامعي ال تكمن يف الفاعلية‬
‫املحدودة للطرق العالجية النفسانية و العالجية السلوكية أو يف العدد الضئيل للمعاجلني‬
‫النفسيني‪ ،‬بل أن األسوأ هو نقص املعلومات يف املعرفة حول العالج السلوكي‬
‫والصعوبات يف الوصول للعالج النفيس و تطبيق اسرتاتيجيات فاعلة من خالل معاجلني‬
‫مدربني بشكل مرن‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫خالصة‬

‫‪ ‬إذا ما خلصنا مشكالت دور العالج النفساين يف الرعاية‪ ،‬فإن األمر‬


‫بالدرجة األوىل يتعلق –بالذات من نتائج أبحاث العالج النفساين الشائعة‪-‬‬
‫بإتاحة الفرصة للمعنيني من الوصول إىل للمساعدة الفاعلة‪ .‬وهنا ينبغي أن‬
‫يوىل اهتامم لتحضري املعلومات املفهومة‪ ،‬ألنه عن هذا الطريق يمكن خفض‬
‫التضخم عىل طريق احلصول عىل املساعدة املحرتفة‪ .‬ومن خالل توفري‬
‫األساليب الفاعلة ال يكون هدف مساعينا قد حتقق بعد‪ ،‬فهذه األساليب جيب‬
‫أن تكون متيرسة للمعنيني أيض ًا‪.‬‬

‫الفاعلية و التكاليف و الفوائد‬


‫حقق البحث العالجي درجة من اإلتقان والتاميز املثري لالنطباع الشديد و بالتحديد يف‬
‫جمال العالج السلوكي‪ .‬ومن املؤكد أن هذا يرتبط بأن العالج السلوكي من البداية قد‬
‫بدأ بربنامج للتقويم املنهجي للتعديالت‪ .‬وهذا املطلب ليس جمرد مبدأ لعلميتنا فحسب‬
‫وإنام اجتاهنا اإلنساين‪-‬األخالقي‪ :‬إذ يبدو من املثري للشك حتقيق إجراءات يف العالج‬
‫النفساين مل يتم اختبار فاعليتها (وآثارها اجلانبية) عىل حالة املريض‪.‬‬
‫ومن أجل دراسة فاعلية العالج السلوكي يوجد يف هذه األثناء طيف واسع من‬
‫املداخل و األساليب؛ و قد تم عرض هذه يف مكان آخر من هذا الكتاب (أنظر الفصل‬
‫السادس)‪ .‬كام تم هناك عرض فوائد وتكاليف (أو نسبتها إىل بعضها) بتفصيل‪.‬‬
‫و عىل الرغم من أن العالج السلوكي هو من حيث املبدأ عبارة عن مبدأ للعالج‬
‫قصري األمد‪ ،‬غري مشكوك بفاعليته؛ غري أنه من املؤكد أنه يف حالة خاصة منتقاة و يف‬
‫مشكالت نوعية تنبثق رضورة العالج طويل األمد‪ ،‬وهنا علينا أن ننظر للمعايري بشكل‬
‫خمتلف‪ ،‬عىل سبيل املثال يف املجال الشخيص و ملنع االنتكاس و كذلك لتحسني نوعية‬

‫‪484‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫احلياة (يف جمال اإلرشاف غىل األمراض املزمنة عىل سبيل املثال)‪.‬‬
‫وحتت الكلمة املفتاحية "الفاعلية" ينبغي اإلشارة إىل أنه ينبغي عدم النظر للعالج‬
‫السلوكي عىل أنه مبدأ للتغلب عىل مجيع املشكالت هنائي ًا‪ ،‬وإنام كمحاولة للمساعدة‬
‫الذاتية (الكلمة املفتاحية‪ :‬عالج إدارة الذات")‪ .‬و كذلك علينا أال نفرتض أنه‪ :‬بعد‬
‫إجراء تدخل عالجي سلوكي لن تعود املشكالت إىل الظهور ثانية أو ال جيوز هلا أن تظهر‬
‫ثانية‪ ،‬بل عىل املرىض أن يتعلموا يف إطار العالج السلوكي كيف يمكنهم التعامل مع هذا‬
‫و أن املساعدة من جديد قد تكون ممكنة‪.‬‬

‫العالج السلوكي خارج اجملال اإلكلينيكي‬


‫تعد نظرية العالج السلوكي نظرية عامة للسلوك اإلنساين و رشوطه‪ .‬ومن املؤكد‬
‫أن املظاهر املهمة عيادي ًا التي ناقشناها يف هذا الفصل ال تشكل إال جزء من كل إمكانات‬
‫االستخدام‪ .‬و كام يمثل التعديل الرتبوي للسلوك مثاالً لتطبيقات العالج السلوكي‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال يف جمال تدريب الوالدين و املعلمني وتدريب السلوك و يف مواجهة سوء‬
‫استغالل األطفال‪ ،‬ويف الوقاية من احلمل و األيدز ومنع الترسب املدريس و العالج‬
‫السلوكي يف اإلرشاد‪ .‬يضاف إىل ذلك مبادئ العالج السلوكي و تعديل السلوك يف‬
‫املنظامت وبشكل خاص مراعاة مظاهر التنمية لظروف العمل اإلنسانية يف أماكن العمل‬
‫وإدارة السلوك‪ ،‬ويف جمال العمل؛ علم النفس التنظيمي‪ .‬كام توجد إمكانات تطبيق‬
‫جديدة ومهمة يف جمال االستغالل املسؤول للبيئة و يف جمال استهالك الطاقة و املاء‪ ،‬ويف‬
‫وسائط النقل العامة واخلاصة‪ ،‬وبشكل عام يف جمال البيئة‪ .‬باإلضافة إىل وجود جماالت‬
‫تطبيق تقع بقرب املجال اإلكلينيكي‪ ،‬عىل سبيل املثال يف جمال تطبيق املبادئ العالجية‬
‫السلوكية يف جمال اإلعاقات العقلية أو العالج السلوكي يف جمال الشيخوخة‪ .‬وينبغي‬
‫النظر للحدود بني جماالت التطبيق اإلكلينيكية وخارج اإلكلينيكية بشكل مطاط‪ .‬ومن‬
‫أجل عرض بعض إمكانات التطبيق يقدم جدول (‪ )2‬عرض ًا خمترص ًا‪.‬‬
‫للسلوك ‪Journal of Applied Behavior‬‬ ‫وتشكل جملة التحليل التطبيقي‬

‫‪485‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪Analysis‬وجمالت أخرى (من نحو تعديل السلوك ‪ Behavior Modification‬أو‬


‫مراجعة علم النفس اإلكلينيكي ‪ )Clinical Psychology Review‬مصدر ًا خاص ًا‬
‫للتطبيقات العملية للمبادئ العالجية السلوكية (وبشكل خاص من املنظور‬
‫"اإلجرائي") و كذلك تقدم سلسلة منشورات (التقدم يف تعديل السلوك ‪Progress in‬‬
‫‪ )Behavior Modification‬إىل حد ما عرض ًا ممتاز ًا ملجاالت التطبيق اإلكلينيكي وخارج‬
‫اإلكلينيكي للعالج السلوكي‪.‬‬

‫جدول (‪ )2‬بعض جماالت التطبيق خارج اإلكلينيكي‬


‫إرشاد للمراجع‬ ‫جماالت التطبيق‬
‫‪O‘Dell,1985‬‬ ‫التعديل الرتبوي للسلوك (عىل سبيل‬
‫املثال تدريب الوالدين)‬
‫‪Gambrill,1983‬‬ ‫مواجهة سوء استغالل األطفال‬
‫‪Schinle,1984‬‬ ‫الوقاية من احلمل (بشكل خاص لدى‬
‫املراهقات)‬
‫‪Southern & Campra,1984‬‬ ‫العالج السلوكي يف اإلرشاد‬
‫‪Lawrence & Kelly,1989‬‬ ‫الوقاية من اإليدز‬
‫;‪Kazdin,1977‬‬ ‫;‪Twardosz,1984‬‬ ‫علم نفس البيئة‪ ،‬استهالك الطاقة‪ ،‬البيئة‬
‫‪Martens & Witt,1988‬‬

‫‪Thyer & Geller,1990‬‬ ‫الرتبية عىل وسائط النقل‪/‬استخدام حزام‬


‫األمان‬
‫‪Frederikson‬‬ ‫&‬ ‫;‪Johnson,1981‬‬ ‫علم النفس التنظيمي‪ ،‬إدارة السلوك‬

‫‪486‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪Andrasik,‬‬ ‫‪Heimberg‬‬ ‫&‬


‫‪McNamara,1981‬‬

‫‪Klesges & Cigrang,1988‬‬ ‫سلوك التدخني يف مكان العمل‬


‫‪Wiscki,1984;Patterson‬‬ ‫&‬ ‫علم نفس الشيخوخة ‪ ،‬طب الشيخوخة‬
‫‪Jackson,1980;Hussian,1984‬‬

‫العالج السلوكي‪ :‬على طريق عالج نفسي عام‬


‫يبدو العالج النفساين للمراقب غري املتخصص أن العالج النفساين حقل غري‬
‫متجانس عىل اإلطالق ملدارس خمتلفة‪ ،‬بل حتى متناقضة فيام بينها‪ .‬و حتى لو نظرنا‬
‫للقائمة التي أعدها هرياينك )‪ Herink (1980‬التي حتتوي عىل أكثر من ‪" 250‬مبدأ‬
‫عالجي ًا" عىل أهنا مبالغة (ألنه تم هنا مجع أسامء وألقاب [إتيكيتات])‪ ،‬تظل النامذج‬
‫اجلدية صورة غري متحدة‪ .‬و تتصف املبادئ منفردة بالفرضيات املختلفة حول صورة‬
‫اإلنسان و فرضيات النموذج حول تطور و استمرارية االضطرابات النفسية ويف‬
‫إمكانات تعديلها و بشكل فيام يتعلق بمحكات تعديل ما (عىل سبيل املثال متى يمكننا‬
‫التحدث عن حتسن\شفاء)‪ .‬وينعكس التقسيم إىل مدارس خمتلفة يف مسارات التأهيل‬
‫والتأهيل املستمر املختلفة‪ ،‬حيث قلام يبدو هناك إمكانية ختطي للفروق املختلفة‪ .‬ويتم‬
‫تسهيل التوجه نحو املدارس املختلفة عىل األغلب من خالل صور املؤسسني الكاريزمية‬
‫(فرويد‪ ،‬آدلر‪ ،‬يونغ‪ ،‬روجرز‪ ،‬ولبي‪ ...‬وآخرين)‪.‬‬
‫وال يوجد نقص يف املحاوالت املختلفة للتوحيد(قارن‬
‫)‪.Garfield,1980,Lazarus,1976, Mahoneey,1990, Stricker & Gold,1993‬‬
‫وتنطلق مثل هذه املحاوالت إما باجتاه االنتقائية ‪( Eclectism‬أي أهنا ذات توجه تقني مع‬
‫جتفاف ‪abstinence‬و تقتري نظريني‪ ) . .‬أو أهنا باجتاه االندماج ‪(Integration‬أي‬
‫بمحاولة جتسري نظري للمبادئ املنهجية املختلفة)‪ .‬وبمقدار ما كانت نوايا املبادئ‬

‫‪487‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املنفردة بمقدار ما مل تالقي جاذبية كبرية حتى اليوم‪ :‬فالتسمية "انتقائية" تعد اليوم وكأهنا‬
‫حتديد أو انفصال‪ ،‬ألن املرء يتهم املمثل بأنه (أهنا) مل يسرتشد بالنامذج النظرية (مع العلم‬
‫أن مفاهيم املالحظة ‪"observation terminology‬مشبعة بالنظرية" أنظر ‪)Bungs,1967‬؛‬
‫و مبدأ "التكامل" يبدو اليوم مطلب ًا مثالي ًا‪ ،‬ألنه ينبغي أن يتم تطوير"السطح" النظري‬
‫وجتميع طرق العالج املنفردة (التي حتمل يف طياهتا أسس خاصة) حتت هذا السقف‪.‬‬
‫فإذا ما تأملنا الوضع الراهن بعني الرضا‪ ،‬فإنه يمكننا أن نرى ما هو موجود إىل‬
‫جانب بعضه ضمن ظروف معينة بمعنى التعددية ‪ pluralism‬النظرية (ومن ثم أيض ًا‬
‫التقنية)‪ :‬هلذا تقف املبادئ املختلفة بدرجات خمتلفة إىل جانب بعضها البعض ألنه يمكن‬
‫فهم موضوع املالحظات (االضطرابات النفسية) بشكل خمتلف باألصل‪ .‬وتظهر هذه‬
‫التعددية يف املامرسة ‪ Praxis‬والرعاية اإلكلينيكي‪( :‬أ) كرصاع توزيع‪ ،‬و (ب) كإمكانية‬
‫لطرح تفريقي للفاعلية ‪ .indication‬وينبغي اليوم رؤية املبادئ العالجية املنفردة (بام يف‬
‫ذلك العالج السلوكي) بمعنى هذه التعددية‪.‬‬
‫و ما يظهر للمالحظ اخلارجي عىل أنه نوع من الفوىض و بالنسبة للمتخصص عىل‬
‫أنه تعددية يعد بالنسبة للمعنيني غري مقبول عىل اإلطالق‪ :‬فاملرىض ال يتاميزون‬
‫(ينقسمون) حسب فئات املتخصصني‪ ،‬وجلزء ضئيل جد ًا من املعنيني فقط يكون التاميز‬
‫(التقسيم) إىل مبادئ عالجية خمتلفة معروف ًا بالنسبة هلم & ‪(Preuss,1986, Reinecker‬‬
‫)‪ .Krauss,1994‬وما يطلق عليه املتخصصون تسمية "الفاعلية ‪ "indication‬يعد بالنسبة‬
‫للمرىض "حظ" أو "سوء حظ"‪-‬أي التمكن من الوصول إىل معالج أو إىل مستشفى‬
‫قادر عىل التعامل بشكل مناسب مع املشكلة القائمة (التحويالت و ما يشبهها قلام تتم‬
‫بسبب رصاع التوزيع املذكور)‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن املشكلة املعروضة ليست سهلة احلل‪-‬فهي مل يتم وال مرة وصفها‬
‫بشكل تفريقي يف أبعادها كلها وتشعباهتا‪ .‬وتذهب مبادئ احللول باجتاه بناء تأصييل‬
‫لعلم النفيس (وفروعه)‪ ،‬وباجتاه بناء تأصييل كذلك و تفريقي لعلم النفس اإلكلينيكي‬
‫(معارف حول املبادئ النظرية‪ ،‬صور االضطراب‪ ...‬الخ) وباجتاه تأهيل مستمر يف‬

‫‪488‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العالج النفساين‪ .‬وكان برييز )‪ Perrez (1982‬قد اقرتح منذ بعض الوقت لنظر للعالج‬
‫النفيس بوصفه "علم نفس إكلينيكي تطبيقي"‪ .‬ويف حتليل دقيق ‪applied clinical‬‬
‫‪ .psychology‬ويف حتليل دقيق جد ًا للنامذج العالجية الثالثة اجلدية (التحليل النفيس‪،‬‬
‫العالج السلوكي‪ ،‬املبادئ اإلنسانية) حاول غراوة & ‪(Grawe, Donati‬‬
‫)‪ ،Bernauer,1994‬حتديد آليات التأثري العامة هلذه املبادئ العالجية النفسانية‪ .‬و قد‬
‫انصب اهتامم غراوه بشدة عىل املجال النظري آلليات التأثري (املخمنة)‪ ،‬أي تلك العوامل‬
‫التي نعتقد أهنا تسبب تأثريات (بغض النظر عام يتم حتقيقه هنا تقني ًا)‪.‬‬
‫واملناظري التي متت مناقشتها من غراوة و دونايت و بريناور (‪( )1994‬أنظر مستقبل‬
‫العالج النفساين (‪ )1999‬ترمجة سامر مجيل رضوان‪:‬‬
‫‪ -‬منظور مواجهة املشكالت‪،‬‬
‫‪ -‬منظور التفسري‪،‬‬
‫‪ -‬و منظور العالقة‪.‬‬
‫وقد ختىل غراوه يف هذه املناظري‪ ،‬التي أطلق عليها برصاحة تسمية "أسس عالج‬
‫نفيس عام" (‪ ،)1994‬بشكل يبعث عىل الرسور التفكري يف املنظومات املدرسية‪ :‬وقد‬
‫ركز عىل ذلك املستوى الذي يمتلك بالنسبة للعالج‪ ،‬أي بالنسبة للتعديل الذي يمتلك‬
‫أمهية بالنسبة للمريض‪ .‬وطبق ًا لذلك يفرتض أن تكون املبادئ العالجية قابلة للقياس‬
‫من خالل املدى الذي هي فيه قادرة أيض ًا عىل حتقيق املناظري املنفردة –باالسرتشاد‬
‫بتصورات اهلدف و حاجات املتعاجلني و املرىض‪.-‬‬
‫ويتيح العالج النفساين لتحقيق هذه املناظري إطار ًا مثالي ًا‪ :‬كان منظور مواجهة‬
‫املشكلة دائ ًام من اختصاص العالج السلوكي (وحتى العالج السلوكي التقليدي)‪:‬‬
‫فمواجهة املظهر التقني للتمرين والتعلم و املواقف بطرق بديلة‪ ،‬ومواجهة املواقف‬
‫الصعبة تشكل سمة جوهرية لإلجراء العالجي السلوكي‪ .‬وقد اعترب غراوه أن منظور‬
‫املواجهة يشكل أقوى سمة متجذرة يف العالج السلوكي‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫ويلعب يف العالج السلوكي مظهر التفسري‪-‬ربام يف املامرسة أكثر من التصورات‬


‫النظرية املطابقة‪ -‬دور ًا مه ًام جد ًا (غراوه نفسه يتحدث بالنسبة ملنظور املواجهة و التفسري‬
‫بأهنام عىل عالقة تبادلية)‪ :‬فاملرىض ال حيرضون بداية للعالج ملجرد أهنم يريدون تعديل‬
‫أمور معينة أو مواجهة مشكالت حمددة أو ألهنم يريدون حلها؛ بل حيتل لدهيم تفسري‬
‫األعراض مركز الصدارة (عىل سبيل املثال ملاذا أعاين من مثل هذه املخاوف أو االكتئاب‬
‫أو األمل؟‪ ...‬لقد عشت حتى أربع سنوات خلت كامرأة سليمة وطبيعية‪ ،‬ملاذا مل يعد هذا‬
‫كام كان يف السابق؟ عىل سبيل املثال)‪ .‬ويف لب هذه املسائل تكمن الرغبة يف تفسري هذه‬
‫اآلالم يف تنظيمها املفيد يف سياق احلياة‪ .‬والفئات املتوفرة للمريض و حميطه تكون قد‬
‫وصلت هنا حدها‪ ،‬وإال ملا كان قد حرض الشخص كمريض إىل العالج‪ .‬و املهمة‬
‫املطروحة يف إطار منظور التفسري تكمن يف التوصيل للمريض تفهم معقول لصعوباته؛‬
‫ومن أجل هذا الغرض البد للمعالج من الربط بني جمالني‪ :‬معرفته النظرية اخللفية يف‬
‫علم النفس العام و علم النفس اإلكلينيكي من جهة املوقف والوضع الفردي‬
‫وخصوصيات حالة مريض ما من جهة أخرى‪ .‬توصيل هذا النموذج املعقول (بمعنى‬
‫إعادة بناء معريف‪ ،‬تعديل للتصويرة‪ ) ...‬حيدث يف جمرى العملية العالجية‪ .‬وتؤثر‬
‫املواجهة و منظور التعديل مع بعضهام من ناحية أن املريض بالتعاون مع املعالج حيصل‬
‫عىل فهم معقول إلشكاليته و حيقق يف الوقت نفسه عىل تعديالت ملموسة (بمعنى‬
‫التمرين)‪ ،‬املنسجمة مع املعلومات و التفسري و املنظور االستعرايف املمكن‪.‬‬
‫ال خيضع املريض إىل موقف خيشاه (جتمعات الناس‪ ،‬إدراك‬ ‫ففي العالج باملواجهة مث ً‬
‫املثريات الداخلية (كخفقان القلب‪ ) ...‬عىل سبيل املثال)‪ .‬ويف جمرى هذه املواجهة‬
‫حتدث مواجهة مع االنفعاالت املرهقة بمعنى متثل انفعايل وإعادة ترميم و مواجهة‪ .‬و‬
‫هنا ال بد من االنطالق من التعديل عىل املستوى نفسه للسامت االستعرافية املركزية‪ ،‬أي‬
‫التوقعات و تقديرات إمكانات املواجهة‪.‬‬
‫ويكمن العنرص الثالث الذي ال يمكن االستغناء عنه لعالج نفيس عام يف منظور‬
‫العالقة‪ :‬ففي هذه األثناء تم برهان أمهية هذا املنظور‪ .‬ويف العالج السلوكي تم النظر‬

‫‪490‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫ألمهية العالقة العالجية منذ البداية عىل أهنا مهمة و جوهرية‪( .‬قارن ولبي و‬
‫الزاروس)‪ .‬ومع ذلك فقد حظيت العالقة العالجية لفرتة طويلة بصفة "متغرية غري‬
‫نوعية" وبداية يف وقت متأخر نظر للعالقة العالجية عىل أهنا عامل تأثري مهم‪ ،‬ال يمكن‬
‫للطريقة العالجية أن تتطور إال عىل أساسها‪ .‬ويف حتليل التفاعل الرائج تم برهان أمهية‬
‫منظور العالقة بشكل قاطع‪ .‬إذ يؤكد شيندلر ‪ Schindler,1991‬عىل سبيل املثال للدور‬
‫اخلاص للتفسري و الدعم من جانب املعالج وتقارير التعديل و املظاهر الدافعية من‬
‫جانب املريض بوصفها حمددات حاسمة للعملية العالجية‪ .‬و تظهر الدراسات املقارنة‬
‫لسلوان وآخرين )‪Sloane et al. , (1975‬أن مظاهر العالقة يف املامرسة العالجية‬
‫السلوكية قد حتققت دائ ًام‪ :‬فبغض النظر عن النسب تم تدريج املعاجلني النفسانيني‬
‫املسامهني يف هذه الدراسة (باملقارنة مع املحللني النفسيني) عىل مقاييس عالج العالج‬
‫املتمركز حول املتعالج فيام يتعلق بتحقيق متغريات العالقة عىل أهنم متفوقون بوضوح‪.‬‬
‫عدا عن ذلك يبدو وبالتحديد من املنظور العالجي السلوكي النظر ملنظور العالقة بشكل‬
‫منفصل عن سامت حل املشكلة أو السامت التقنية بأنه إشكايل‪ :‬إذ يتم استخدام العالقة‬
‫عملي ًا يف حتقيق اسرتاتيجية عالجية‪-‬وبالعكس ال يمكن حتقيق اسرتاتيجية عالجية إال‬
‫إذا قامت عالقة عالجية (التفهم‪ ،‬و الثقة والدعم)‪.‬‬
‫وبام أن العالج السلوكي منذ نشوئه قد نظر وينظر لنفسه دائ ًام عرب األطوار املختلفة‬
‫لتطوره عىل أنه تطبيق املبادئ النفسية يف السياق العالجي‪ ،‬فإنه يمتلك عالقة قريبة‬
‫خاصة "بالعالج النفساين العام"‪ .‬ومن املؤكد أنه يتم يف سياق اإلجراء العالجي‬
‫امللموس حتقيق السامت املنفردة بطرق خمتلفة‪ ،‬إال أن هذا يتالءم مع اإلجراء التفريقي‪-‬‬
‫االسرتشاد بحاجات و أهداف املريض‪ .‬و هنا ال جيوز االدعاء بأي شكل من األشكال‬
‫أن العالج النفساين كله و عليه أن يتطور باجتاه العالج السلوكي أو منظور عالج نفيس‬
‫عام‪ :‬فالفرضيات النظرية و التقنية تبدو خمتلفة جد ًا وكذلك سامت صورة اإلنسان يف‬
‫األساليب اإلنسانية و التحليل النفيس و العالج السلوكي‪ .‬باإلضافة إىل ذلك من‬
‫املمكن أنه قد يكون قد تم حتقيق املظاهر املطروقة من غراوه وآخرين‪ 1994 ،‬للعالقة و‬

‫‪491‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫حل املشكلة والتفسري من هذه االجتاهات العالجية بطريقة خمتلفة‪ .‬وسوف يبدو األمر‬
‫وكأنه نوزع من اإلفقار للطيف العالجي املمكن إذا ما حاول املرء ختفيض هذه‬
‫اإلمكانات أو إقصائها‪.‬‬
‫كام يفرتض للتعددية النظرية املطروقة أعاله أن يكون هلا مكان يف اإلطار العالجي‬
‫أيض ًا‪ :‬فاملشكالت السلوكية واالضطرابات النفسية‪ ...‬الخ يمكنها أن تكون مصممة‬
‫مفاهيمي بشكل خمتلف و ربام أيض ًا يتم حلها بشكل خمتلف (وهنا جيوز لنا وعىل سبيل‬
‫االستثناء املقارنة مع الطب‪ ،‬حيث توجد مداخل خمتلفة للمرض)‪ .‬إال أنه للتعددية‬
‫هناك حدودها الواضحة‪ ،‬حيث ال يمكن مبدئي ًا وصف و تفسري تصورات اضطراب‬
‫بشكل نفيس‪ ،‬وحيث تتجاهل املبادئ العالجية الضبط املبدئي للفاعلية‪.‬‬
‫و علينا أال ننظر للعالج السلوكي والعالج النفساين العام عىل أهنام متطابقان؛ فمن‬
‫املؤكد أن العالج السلوكي ال يقدم احلل لكل الثغرات النظرية للعالج النفيس‪ ،‬وال‬
‫يمكن اعتباره الوسيلة الشافية لكل النظام الصحي‪ .‬إال أن العالج النفساين يلعب دور ًا‬
‫مه ًام يف جمال البحث و الرعاية الصحية يف االضطرابات النفسية‪ .‬هلذا البد وأن يعد‬
‫العالج النفساين عىل أنه برنامج مفتوح‪ ،‬مفتوح عىل النقد‪ ،‬مفتوح عىل التعديل وللتطوير‬
‫عىل طريق علم النفس العام‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب اخلامس‬

‫كيف يساعد العالج النفساين‬

‫‪493‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪494‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫الباب اخلامس‬
‫الفصل العاشر‬

‫كيف يساعد العالج النفساني؟‬

‫‪B. Strauss and W. w. Wittmann‬‬

‫"سيكون السمك آخر واحد‬


‫يكتشف املاء‪ .‬ولكن من يعرف‬
‫أحسن من السمك كيف يعيش يف‬
‫املحيط ‪Greenberg,1994‬‬

‫حبث العالج النفساني و املمارسة العالجية النفسي‬

‫‪"‬سوف تقود اإلمبرييقية املتضخمة من دون األسس الثابتة للبنى‬


‫النظرية إىل تنوع يف مشاريع البحث‪ ،‬املتشتتة نتائجها‪ ،‬والقليلة فاعليتها‪.‬‬
‫وباملقابل سوف تسهم املناقشات النظرية من دون أسس النتائج العلمية إىل‬
‫تفلسف بيزنطي ذو فوائد عملية ضئيلة‪ .‬رضورة تكامل بني البحث و املامرسة‬
‫اإلكلينيكية هي رضورة واضحة‪ .‬أما الكيفية التي قد يبدو فيها هذا التكامل‬
‫فمن النادر أن يتم الترصيح هبا!" ‪ .Kernberg & Clarkin,1994‬‬

‫الفصل بني العيادة و البحث يف العالج النفساين‪ ،‬وبشكل خاص يف العالج‬

‫‪495‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫النفساين التحلييل هو أمر واضح بالفعل منذ زمن بعيد‪ .‬و ربام تكون أسباب ذلك‬
‫متنوعة‪ ،‬بغض النظر عن أنه جتري بني احلني واآلخر حماوالت للتغلب عىل اهلوة بني‬
‫البحث و املامرسة‪ .‬و هنا يتم التأكيد عىل التعاون املنادى به يف االقتباس أعاله و عىل‬
‫الفائدة املمكنة الستغالل نتائج البحث يف تأهيل املعاجلني النفسانيني‪ ،‬ولكن عىل رشط‬
‫أن يتقبل اإلكلينيكيون نتائج البحث و يأخذوها بعني االعتبار‪.‬‬
‫و البحث العالجي النفيس جيعل من الرضوري وجود نوع من الشفافية للمامرسة‬
‫العالجية النفسانية‪ ،‬وغالب ًا ما يتيح رؤية أمور قد تكون خمفية عىل املعاجلني النفسانيني‪.‬‬
‫وهذا من جهته سوف يقود بالتأكيد إىل التعرف عىل أمور ال يستطيع املالحظ من اخلارج‬
‫إدراكها‪ .‬وهذا يؤيد أيض ًا النظر للمامرسة العالجية النفسانية من زوايا خمتلفة و من ثم‬
‫املسامهة بتفهم حقيقي للتعديالت من خالل العالج النفساين‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن أبحاث العالج النفساين التي تتبع هذا املطلب هي نفسها قديمة قدم‬
‫العالج النفساين نفسه‪ ،‬وهو ما سيتضح من العرض الالحق‪ .‬ويف الواقع فقد بدأت‬
‫الدراسات اإلمبرييقية املنهجية حول العالج النفساين منذ أواخر أربعينيات القرن‬
‫العرشين وبداية اخلمسينيات‪ ،‬حيث وجب هنا تطوير تقنيات وطرائق بحثية‪ .‬و من‬
‫حيث املوضوع يتضح من العرض الذي قدمه ماير ‪ Meyer,1990‬بأن السؤال "كيف‬
‫يساعد العالج النفساين"؟ حتتاج إىل ختصيص يف السؤال "بأي مقدار يساعد العالج‬
‫النفساين‪ ،‬و إىل أي مدى يقود إىل تعديالت ويف أي جماالت؟" و يف السؤال "من خالل‬
‫أي يشء يساعد العالج النفساين‪ ،‬أي ما هي اآلليات و العوامل التي تسهل أو تكبح هذه‬
‫التعديالت؟" ‪ .‬و سوف نقوم يف الفقرات التالية بتلخيص هذا الكم الكبري من النتائج‬
‫املوثوقة‪ ،‬التي تبيح لنا اإلجابة عن هذه األسئلة –وإن كانت ليست كلها‪-‬‬

‫عرض‬
‫"تصنيف بحث العالج النفساين ‪.Taxonomy of Psychotherapy Researches‬‬
‫(عن ماير‪)1990 ،‬‬

‫‪496‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .1‬املرحلة التقليدية‪ :‬بداية مع نرش "دراسات يف اهلسترييا من فرويد وبروير‬


‫(‪ )1895‬وكانت الطريقة الرئيسية هي املقارنة القبلية‪-‬البعدية الفردية‪.‬‬
‫وانتهت هذه املرحلة عندما قام آيزينك يف عام ‪ 1952‬للمرة األوىل بانتقاد‬
‫الطريقة و االدعاء املستفز بأن فاعلية العالج النفساين (التحلييل النفساين ) ال‬
‫ختتلف بشكل جوهري عن الشفاء العفوي لالضطرابات النفسية‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة التربير‪ :‬وبالنتيجة قامت حماوالت لربهان فاعلية العالج النفساين بشكل‬
‫مقنع (من خالل جمموعات ضابطة من قوائم املنتظرين للعالج أو من خالل‬
‫دراسات األدوية اخلادعة [البالسيبو]) و من خالل الدراسات املقارنة لألشكال‬
‫املختلفة للعالج النفيس‪ .‬وما زالت هذه املرحلة مستمرة‪ ،‬عىل الرغم من أنه مل‬
‫يعد هناك من شك بفاعلية العالج النفساين و عدم صحة أطروحة آيزينك‪.‬‬
‫وهذا يمكن استخالصه من "مراجعات بينية" حتليلية بعدية ألبحاث العالج‬
‫(أنظر فقرة التحلييل البعدي و توليفات البحث كأساليب تقويم مناسبة)‪ .‬أما‬
‫الفرضية القائلة أن كل العالجات التقليدية فاعلة باملقارنة (وفق مبدأ اجلميع‬
‫ربح واجلميع يستحق اجلائزة ‪Everybody has been won and all must have‬‬
‫‪ "Prizes‬فإهنا من املؤكد مل تعد هبذا الشكل صاحلة و أصبحت بوصفها‬
‫"تناقضات مكافئة‪ "equivalent paradoxes‬منذ أمد بعيد موضوع مستقل‬
‫للبحث‪.‬‬
‫‪differential Psychotherapy-‬‬ ‫‪ .3‬بحث الفاعلية‪-‬العالجية النفسانية التفريقي‬
‫‪(Efficiency research‬بحث العالج النفساين التفريقي)‪:‬وهيتم هذا االجتاه من‬
‫بحث العالج النفساين (املامرس منذ سبعينيات القرن العرشين بشكل مكثف)‬
‫بالسؤال املركزي‪" :‬أية إجراءات عالجية‪ ،‬ومن خالل من‪ ،‬تقود لدى هذا الفرد‬
‫هبذا االضطراب النوعي و حتت أية رشوط إىل أية نتيجة ويف أي وقت"؟‪.‬‬
‫وحتى لو أنه مل تتم بعد اإلجابة عن هذا السؤال فإنه يتوفر اليوم كم كبري من‬
‫النتائج التفصيلية التي تم تلخيصها يف فقرة عوامل تأثري العالج النفساين وما‬

‫‪497‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بعد‪.‬‬

‫األسس املنهجية و املفاهيمية لبحث العالج النفساني‬


‫كيف يساعد العالج النفساين؟ ال يمكن اإلجابة عن هذا السؤال حول الفاعلية إال‬
‫من خالل البحث املطابق‪ .‬ويعد برهان التأثري املربر سببي ًا رشط ًا رضوري ًا لتفسري‬
‫"كيف"‪ .‬فهل البحث املطابق ليس إال جمرد بحث األسس فقط أم هو البحث التطبيقي‬
‫لإلمداد العالجي النفيس الواقعي؟‬
‫لكل واحدة من االسرتاتيجيتني البحثيتني حسناهتا وعيوهبا‪ .‬وتتم مناقشتهام‬
‫بصورة متعارضة‪ .‬ويتعلق برهان التأثري بصورة أساسية‪:‬‬
‫‪ -‬بنوعية البحث ‪،quality of Research‬‬
‫‪ -‬و نوعية العالج ‪.quality of Therapy‬‬
‫وتعد نوعية البحث وظيفة (أو دالة)‪:‬‬
‫‪ -‬ملناسبة خمططات التجربة‪،‬‬
‫‪ -‬للنوعية‪ ،‬فيام يتعلق باحلساسية و الصدق البنيوي ألساليب التشخيص‬
‫والقياس‪،‬‬
‫‪ -‬و مناسبة أساليب التقويم‪.‬‬
‫‪ -‬أما نوعية العالج فتتعلق‪:‬‬
‫‪ -‬بتحقيق جرعة نوعية كافية من العالج‪ ،‬من أجل حتقيق فرصة للتأثري عموم راًَ‪،‬‬
‫‪ -‬نوعية شكل العالج املتجذر يف السؤال املركب‪" :‬املريض املناسب يف الوقت‬
‫املناسب يف العالج املناسب"‪.‬‬
‫وتعد مشكلة الدواء اخلادع (البالسيبو) حجر عثرة مهم عىل طريق تفسري الفاعلية‬
‫العالجية النفسانية النوعية‪ .‬فالدواء اخلادع يفرتض له أال يتضمن عوامل التأثري‬

‫‪498‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫املخمنة؟‪ .‬ولكن أيمكن أن يتم االدعاء بالفعل بام حيققه البالسيبو يف أبحاث الفاعلية‬
‫العالجية النفسانية؟ فالبالسيبو يف أبحاث العقاقري الصيدالنية مقبول كمتغرية عالجية‬
‫ويتم إعطاؤه ألشخاص التجربة كبديل عالج مضمون‪ ،‬من أجل التمكن من فصل تأثري‬
‫فاعلية العالج النفساين عن عوامل التأثري النفسية‪ .‬ومثل هذه العوامل النفسية يمكن‬
‫أن تكون األمل يف نجاح العالج و هتديم الفوىض أو التشويش و الفاعلية الذاتية‬
‫و االعتقاد و قابلية عرض مريض معالج للتأثري‪ .‬إال أن هذه العوامل بالتحديد من‬
‫ناحيتها هي عوامل تأثري خممنة حاسمة للعالج النفيس‪ .‬وعليه يمكن االفرتاض بأنه‬
‫حتى يف العالجات بالبالسيبو التي تتصف بدرجة عالية من التصديق تتضمن كذلك‬
‫عوامل تأثري حاسمة من العالج النفساين‪ .‬هلذا يمكن لعالج البالسيبو أال يكون مناسباً‬
‫كمجموعات ضبط ومقارنة يف أبحاث العالج النفساين عىل عكس "التجارب الطبية‬
‫العشوائية ‪ "randomized clinical trials‬ألبحاث األسس الطبية اجلسمية‪ .‬هلذا فإن‬
‫البديل السائد يف أبحاث الفاعلية يف العالج النفساين هي جمموعات الضبط املنتظرة‬
‫(املرىض الذين ينتظرون دورهم يف العالج) أو جمموعات ضبط الذين مل يتم لدهيم سوى‬
‫حتقيق درجة ضعيفة من املعاجلة النفسية‪ .‬فإذا ما أراد املرء اختبار عوامل التأثري النوعية‬
‫فإنه ي ستطيع استخدام أشكال عالجية خمتلفة كمقارنة‪ .‬إال أنه ال يمكن عزل عوامل‬
‫التأثري املشرتكة بني كل أشكال العالج‪.‬‬

‫تصور الصناديق اخلمسة للبيانات‬

‫من أجل توضيح مشكالت و اسرتاتيجيات أبحاث التأثري‪ ،‬طرحنا تصور‬


‫الصناديق اخلمسة للبيانات (الشكل ‪ .)1‬ونميز هنا بني املجاالت املختلفة (صناديق‬
‫البيانات)‪ ،‬التي ينبغي احلصول حوهلا عىل املعلومات املستقلة التي يفرتض أنيتم وضعها‬
‫عىل عالقة مع بعضها مع مراعاة التعاقب الزمني‪ .‬ينبغي عىل لكل بحث للفاعلية يف‬
‫البداية أن يكون واضح ًا له ما هي املحكات التي سيقرأ من خالهلا تأثري تدخل ما‪ .‬وهنا‬
‫سوف خيتلف أصحاب املصلحة عن بعضهم البعض بشكل كبري إىل حد ما‪ .‬و ينبغي‬
‫أن يتم قياس هذا املحك اهلدف الذي يعد مه ًام يف صندوق التقويم ‪Evaluation Box‬‬

‫‪499‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫)‪ .(EV-Box‬ويعد القياس املمثل ألصحاب املصلحة هؤالء (املعاجلون‪ ،‬املرىض أو‬
‫املتعاجلني‪ ،‬أصحاب األقسام العالجية‪ ،‬املؤسسات املمولة و صناديق الضامن الصحي و‬
‫صناديق تأمني املتقاعدين و اجلمهور) أساس ال يمكن االستغناء عنه للتقويامت العادلة‪،‬‬
‫بالشكل الذي يفرتض أن جيرى فيه يف أبحاث الرعاية التطبيقية‪ ،‬أي أبحاث التقويم و‬
‫تقويم الربامج‪ .‬يف أبحاث األسس ال تطرح هذه املشكلة نفسها‪ ،‬فهي هتتم ببؤرة أخرى‪.‬‬
‫فأبحاث األسس سوف تشتق حمك اهلدف من النظرية العالجية املستخدمة لوحدها و‬
‫سوف تقوم كذلك بقياس بعض حمكات اهلدف يف حالة الرضورة‪ ،‬التي ال يتوقع منها‬
‫أوالً أية تأثريات وثاني ًا تلك التي خيشى من تأثرياهتا السلبية من أجل الضبط‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫متثيل موضوع اهلدف ليس هو املطلب األسايس ألبحاث األساس‪ ،‬هلذا يمكن‬
‫ألبحاث األساس و أبحاث الرعاية التطبيقية يف اختيار املحكات‪ ،‬التي ينبغي تصنيفها‬
‫مفاهيمي ًا يف صندوق املحكات ‪ KR-Box‬أن ختتلف عن بعضها بشدة‪ .‬كال صندوقني‬
‫البيانات يف جمال التدخالت مها عبارة عن صندوقي معاجلة جتريبية ‪Experimental‬‬
‫)‪ Treatment box(ETR-Box‬و صندوق معاجلة غري جتريبية ‪Not-experimental‬‬
‫)‪ .Treatment box(NTR-Box‬و هذين الصندوقني من البيانات يمثالن برناجمي‬
‫التجربة املختلفني السرتاتيجيات االختبار والتقويم العشوائية‪ ،‬التجريبية و الطبيعية‪-‬‬
‫الرتابطية ‪ .randomize, experimental and correlative-naturalistic‬والسهم‬
‫بني صندوق ‪ ETR‬وصندوق ‪ NTR‬يشري إىل املعابر املطاطة و األشكال املختلطة يف‬
‫متغريات خمطط التجربة‪ ،‬بالشكل الذي تم طرحها يف الربامج شبه التجريبية عند كوك و‬
‫كامبيل ‪ .Cool & Kampell,1979‬و يف صندوق املتنبئات ‪ (PR-Box) predictor‬تم‬
‫حتديد متغريات قبل التأثري بوصفها متغريات املخرج (اخلط الرئييس ‪.)base line‬‬
‫ويمكن هلذه املتغريات أن تكون متطابقة مع متغريات املحكات )‪ ،(KR-Box‬من أجل‬
‫استغالل إمكانات برامج العينات الضابطة القبلية والبعدية‪ ،‬ولكنه أيض ًا يتضمن‬
‫متغريات لضبط التباين املشرتك من نحو شدة درجة االضطراب و املتغريات االجتامعية‬
‫الديموغرافية‪ ...‬الخ من أجل رفع قوة اختبار برنامج التجربة‪ .‬لقد تم حتليل ومناقشة‬
‫كل التقويامت لفاعلية العالج النفساين و للطروحات من نحو "العالج النفساين ينفع"‬
‫بشكل نقدي دائ ًام عىل خلفية قوة وضعف الربامج التجريبية و اسرتاتيجيات البحث‬
‫هذه‪.‬‬

‫ميزات وسلبيات أهم اسرتاتيجيات البحث‬

‫تكمن حسنات االسرتاتيجيات التجريبية يف الربهان املمكن للسببية‪ .‬و هذا املظهر‬
‫النوعي يتم جتميعه حتت املفهوم العام الصدق الداخيل ‪ interne Validity‬لربنامج جتربة‬
‫ما‪ .‬و يعرض الشكل ‪ 2‬من خالل ختطيط دائري هذه امليزة‪ .‬إن توزيع املرىض بشكل‬

‫‪501‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫عشوائي يف املجموعات العالجية النفسانية و املجموعات الضابطة تسبب أال ترتبط‬


‫باقي متغريات صندوق ‪PR-Box-Variables‬مع عوامل تأثري معاجلة ما ‪ ،Treatment‬أي‬
‫ال تتقاطع معها‪ .‬ويمكن للباحث عندئذ أن يكون متأكد ًا من أن تأثري ما يف صندوق‬
‫‪KR-Box‬ال يرجع إال إىل املعاجلة فقط‪.‬‬
‫‪not-experimental‬‬ ‫يف االسرتاتيجيات غري التجريبية‪ ،‬الطبيعية‪-‬الرتابطية‬
‫‪correlative-naturalistic‬ال يتم حتقيق العشوائية‪ ،‬ومن خالل ذلك هناك دائ ًام خطر أن‬
‫تتقاطع متغريات املخرج (صندوق ‪ )PR‬مع متغريات العالج ‪NTR-Variables‬أو ترتبط‬
‫هبا‪ .‬وهذه املشكلة تواجه البحث يف العالج النفساين العميل بشكل خاص‪ .‬وهكذا‬
‫يمكن منذ البدء تفضيل مرىض يمتلكون دافعية جيدة أو خفيفو االضطراب أو معاجلتهم‬
‫بشكل مكثف‪ ،‬وهو ما استقر باهتام العالج بام يسمى مرىض ‪ ،YAVIS‬أي أولئك األقرب‬
‫ألن يكونوا شبان و جذابون و قادرون عىل التعبري وأذكياء ولبقون (ناجحون) اجتامعي ًا‬

‫‪502‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫‪ .young, attractive, Verbalize, Intelligent and social‬وتدافع املامرسة الرعايةية‬


‫العالجية النفسانية بشدة ضد هذه التهمة من خالل اإلشارة إىل أن درجة الشدة ومدة‬
‫االضطراب أو املرض يف العادة يف املامرسة العملية أقوى و أطول إىل مدى بعيد مما هي‬
‫عليه لدى األشخاص الذين يتم اختيارهم ألغراض البحث العلمية األساسية‪ .‬ويظهر‬
‫الشكل (‪[ 2‬ب]) إشكالية برهان التأثري بالنسبة حلالة تقاطع متغريات ‪PR‬و متغريات‬
‫‪.NTR‬‬
‫و تظهر املساحة املظللة تأثري ًا مل يعد من الواضح فيه فيام إذا كان ناشئ ًا من خالل‬
‫متغرية التنبؤ‪(Predicators variable‬حالة املخرج قبل العالج) أم من العالج نفسه أم من‬
‫خالل التأثري املتبادل للمخرج و العالج مع ًا‪ .‬ويتناسب حجم املساحة املظللة مع حجم‬
‫شدة التأثري لعامل تأثري ما‪ .‬نسبة التفسري (التباين املفرس) يف الشكل (‪[ 10‬ب]) أكرب‬
‫بشكل عام من النسبة يف شكل (‪[10‬أ])‪ ،‬عىل الرغم من التداخل بني عوامل ‪ PR‬و‬
‫عوامل ‪ .NTR‬ويفرتض له أن يصور أمل املامرسني بأنه يف املامرسة الواقعية من خالل‬
‫اجلرعة العالية من العالج النفساين ومن خالل اختاذ قرارات الفاعلية يتم حتقيق تأثريات‬
‫أعىل مما هو األمر يف أبحاث األسس‪ .‬من الناحية البحثية املنهجية يتم هنا طرح حجة‬
‫وجود صدق خارجي أكرب لبحث الرعاية العميل‪ .‬إال أنه البد هنا من برهان هذا األمل‬
‫من خالل بحث التقويم املنهجي‪ ،‬وهو ما ال يتم حتقيقه إال فيام ندر لألسف‪ .‬ومن ناحية‬
‫أخرى يمكن من منظور أبحاث األساس التشكيك فيام إذا كان بالرضورة أن يتحقق يف‬
‫املامرسة‪ ،‬حتقيق تأثريات عالية‪ ،‬ذلك أنه غالب ًا ما يمكن مالحظة أن العوامل املعروفة بأهنا‬
‫فاعلة يصعب تطبيقها وتنفيذها يف املامرسة‪ .‬و يمكن هلذا أن يكمن هذا يف التأهيل‬
‫اليسء للمعاجلني أو عدم كفاءهتم يف املامرسة أو يف عدم قابلية الرشوط العشوائية‬
‫املشوشة للضبط أو عدم قابليتها للتعديل يف املامرسة العالجية العملية‪ .‬وهذه املشكلة‬
‫يف التطبيق التكنولوجي للمعارف العلمية األساسية (ألبحاث العلوم األساس) يف كثري‬
‫من جماالت احلياة معروفة عىل أهنا مشكلة درجة التأثري‪ ،‬مع العلم أن التقنيني غالب ًا ما‬
‫يكونوا راضني كلية بمعامل درجة تأثري من ‪ 30‬حتى ‪ %40‬استناد ًا إىل احلد األعىل املمكن‬

‫‪503‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫نظري ًا‪.‬‬

‫التحليالت البعدية لتوليفات البحث بوصفها أفضل أساليب التقويم‬


‫يوجد اليوم اتفاق واسع حول أنه من أجل اختبار فاعلية تدخل ما أو فاعلية ومدى‬
‫تنبؤ وتفسري ما ال تكفي دراسة وحيدة وحتى لو كانت ممتازة من الناحية النوعية‪ ،‬وإنام‬
‫توليف من كثري من أعامل البحث املجراة واملستقلة عن بعضها‪ .‬و البد لألعامل البحثية‬
‫أن حتقق احلد األدنى من معايري نوعية البحث‪ .‬وقد أصبحت هذه التوليفات أو‬
‫الرتكيبات معروفة حتت اسم التحليل البعدي ‪(Meta-analysis‬ما وراء التحليل) أو‬
‫مبادئ الصدق ‪ .Validity Generalization‬وقد قدم شكل (‪ )1‬اإلمكانات املختلفة‬
‫للتوليف من خالل العالقة بني صناديق البيانات املنفردة‪ .‬و تطلق عىل االرتباطات‬
‫تسمية مقدار شدة التأثري‪ .‬وقد استخدمنا معامل االرتباط‪ ،‬ذلك أن كل مقادير شدة‬
‫التأثري املستخدمة يف املراجع يمكن حتويلها بدون مشكالت إىل معامل ارتباط‪ .‬شدة‬
‫التأثري يف التجارب العشوائية تم تقسيمها باعتبارها فرق يف املتوسط بني املجموعات‬
‫التجريبية والضابطة من خالل االنحراف املعياري داخل املجموعات التجريبية‬
‫والضابطة (مقدار ‪ )Cohen d-mass‬أو من خالل االنحراف املعياري ملقدار حمك العينة‬
‫الضابطة ‪ (d-mass variant‬حسب غالس ‪ .)Glass‬ومقدار ‪ dETR,KR‬يمكن حسابه من‬
‫خالل الصيغة التالية يف معامل ارتباط ثنائي‬
‫‪rERT , KR  d ETR, KR 4  d ETR, KR‬‬

‫و تقوم التحليالت البعدية بحساب شدات التأثري بمقدار العدد الذي أجريت فيه‬
‫مقارنات العالج مرضوبا بعدد مقادير املحك املستخدمة لذلك رضب عدد القياسات‬
‫بعد التدخل العالجي‪ .‬بعدئذ يتم حتويل شدة التأثريات املنفردة التي تم احلصول عليها‪،‬‬
‫موزونة حسب عدد أفراد العينة إىل شدة تأثري كلية‪ .‬وإىل جانب شدة التأثري الكلية هذه‬
‫يتم تشكيل جتميعات جزئية فقط بالنسبة ألوقات القياسات أو نوع فئة املعاجلة أو نمط‬
‫أداة القياس أو بالنسبة ألوقات القياس املنفردة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك يتم فحص تباين‬

‫‪504‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫شدات التأثري كوظيفة للمتغريات الوسيطة من النوع االجتامعي الديموغرايف‪ ،‬أو‬


‫مقاييس نوعية تصميم البحث‪ .‬و غالب ًا ما يتم فحص أو دراسة شدات التأثري منفردة‬
‫حسب الطريقة ‪artifact‬و يف مقتىض احلال يتم تصحيح النقص وفق املوثوقية‬
‫‪ Reliability‬وتصحيح تأثري التقسيم ‪ dichotomization‬وانخفاض التشتت و الصدق‬
‫القل يل لبناء املتنبئات و املحكات‪ .‬وقد قدم هونرت و شميدت ‪Hunter & Schmidt‬‬
‫)‪(1990‬قائمة مكونة من إحدى عرش طريقة ‪artifact‬شائعة‪ ،‬تقود يف غالبيتها إىل التقليل‬
‫من قيمة األثر احلقيقي‪ .‬وشدة التأثريات احلقيقية هذه جتسد تقدير فاعلية العالج‬
‫النفساين ضمن رشوط عشوائية مثالية بأفضل نوعية من البحث‪ .‬فقط هي متثل األساس‬
‫األفضل الختبار وتقويم نظرية عالجية‪ .‬و إحدى أكرب مشكالت نوعية البحث تتمثل‬
‫يف ضعف قوة اختبار اسرتاتيجية بحث ما‪ .‬فقد متكن كل من كوهني )‪Chohen (1962‬‬
‫و سيديلامير غايغرينرس )‪ Sedlmaier & Gigerenzer (1989‬من برهان مدى حجم هذه‬
‫املشكلة يف أبحاث العالج النفساين‪ .‬قوة االختبار هي دالة خلطأ‪ ،  -‬والتي تقول مدى‬
‫حجم احتامل اكتشاف أثر حقيقي‪ .‬و قد ظهرت هنا النتيجة املحبطة بأن قوة االختبار‬
‫املتوسطة(‪ )  -1‬لدى كوهني ‪ Cohen,1962‬كانت (‪ )48 .0‬فقط‪ .‬بكلامت أخرى‪:‬‬
‫يمكن أن يغطي فحص الفاعلية تأثري ًا حقيقي ًا متوسط القوة يف ‪ 100‬دراسة فقط ‪ 48‬مرة‪،‬‬
‫إذا ما كان يفرتض له أن يكون موجود ًا‪ .‬وتستند هذه النتيجة عىل ملخص البحث الذي‬
‫نرش يف جملة علم نفس الشواذ وعلم النفس االجتامعي ‪Journal of Abnormal and‬‬
‫)‪ .Social Psychology (1960‬ومل يتحسن هذا الوضع بعد عرشين سنة كام أظهره‬
‫سيدملاير و غايغرينرس)‪ .Sedlmaier & Gigerenzer (1989‬وقد أظهرت مراجعتهام‬
‫ملجلة علم نفس الشواذ يف عام ‪1984‬أن كذلك بافرتاض وجود تأثري‬
‫متوسط)‪ (dETR,KR=0. 50‬فقد انخفضت قوة االختبار املتوسطة إىل ‪ .25 .0‬ومثل هذه‬
‫النتيجة املحبطة النخفاض نوعية البحث متثل السامد لقاد أبحاث األسس التجريبية‪ ،‬إال‬
‫أنه تربز مشكالت مثرية لالنطباع للقابلية للتعميم ملثل هذه النتائج من األبحاث‪.‬‬
‫وللتحليالت البعدية ميزة حاسمة تتمثل يف حل إشكالية قوة االختبار هذه من‬

‫‪505‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫خالل جتميع ‪ aggregation‬لكثري من الدراسات‪ .‬ففي الدراسات البعدية يمكن‬


‫اكتشاف التأثريات الصغرية ألن خطأ‪  -‬يصبح أصغر بوضوح من خالل احلجم‬
‫الكبري للعينة‪.‬‬
‫هلذا يفرتض بالنسبة للتقويم املالئم ملسائل الفاعلية استخدام بالدرجة األوىل‬
‫التحليالت البعدية و توليفات البحث و بالدرجة الثانية الدراسات املنفردة‪ .‬و استناد ًا‬
‫إىل اقرتاح التخطيط للصناديق اخلمسة توجد ثالثة مشاريع بحث يمكن اعتبارها خطوة‬
‫يف أبحاث العالج النفساين‪ .‬و هذه الربامج تم تنفيذها يف جمموعات بحث غني فون‬
‫غالس )‪ ،Gene V. Glass(Smith et al. , 1980‬و كينيث هوارد ‪(Howard et al.‬‬
‫)‪ ,1986‬و كالوس غراوة ‪.(Grawe et al. ,1994) Klaus Grawe‬‬
‫و الرتكيز عىل جمموعة واحدة ال يعني التقليل من املجموعات األخرى‪ .‬و برامج‬
‫البحث هلذه املجموعات الثالثة تالءم بصورة جيدة لتوضيح املسائل املختلفة لطور‬
‫التربير و مشكالت مناسبة التقويم‪ .‬و يستند تلخيصنا "فيام إذا كان العالج النفساين‬
‫فاعالً‪ ،‬وكيف" عىل نتائج هذه املجموعات الثالثة بقوة‪ .‬و بالنسبة لإلجابة الدقيقة عن‬
‫كيف" ينبغي أيض ًا استخدام جمموعة من الدراسات الفردية‪ ،‬ألن التحليل البعدي و‬
‫توليفات البحث غري متاميزة فيام يتعلق بمسائل أبحاث الفاعلية العالجية النفسانية‬
‫باستثناء جمموعة بحث كالوس غراوه بناء عىل مستوى التجميع‪.‬‬
‫التحليل البعدي األول الشامل الكثري النقاش لسميث و زمالءه‪ 1980 ،‬استخدم‬
‫يف التوليف والتحليل برامج عينات ضابطة جتريبية فقط‪ .‬و قد سارت عىل خط ‪PR-‬‬
‫‪ ETR-KR-Box‬يف الشكل (‪ .)1‬العدد الوحيد األهم هو شدة التأثري الكيل ‪dETR,KR=0.‬‬
‫‪ .85‬ومضموني ًا يمكن أن تتم ترمجة هذا العدد أن األشخاص املعاجلني بالعالج النفساين‬
‫بمتوسط كل املحكات املستخدمة واقع يف ‪ %80‬لتوزيع حمك العينة الضابطة‪ .‬وتتطابق‬
‫قوة التأثري العام تطابق مع ارتباط يبلغ ‪rERT,KR=0. 39‬أو ‪ %30 .15‬من تباين حجم‬
‫املحك العام كام يوضحه شكل (‪[ 2‬أ])‪ ،‬يعزى فقط إىل العالج النفساين‪ .‬ويمكن اعتبار‬
‫مثل شدة التأثري هذه عىل أهنا التأثري األكرب‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫وحتى اآلن قلام تم إجراء التحليل البعدي للدراسات غري التجريبية التي حددت‬
‫عىل خط ‪ ،PR-NTR-KR‬بشكل منهجي إال أنه يمكن إدراج أعامل هاورد وزمالءه‪،‬‬
‫‪ 1986‬أو ماك نايليل و هاورد‪ McNeilly & Howard,1991 ،‬ضمن اسرتاتيجية التقويم‬
‫هذه‪ .‬ففي هذه األعامل يتم عرض االرتباط بني اجلرعة املأخوذة من العالج النفساين‬
‫(صندوق ‪ )NTR‬و النسبة املئوية لنسبة التحسن‪ .‬وقد تم التحديد اإلجرائي للجرعة‬
‫عىل أهنا عدد اجللسات خالل حمور الوقت (أسابيع)‪ .‬إال أن التوليف يقوم عىل أعامل‬
‫البحث التي مل تعد حتقق مطالب العشوائية للتصميم التجريبي باملعنى الضيق‪ .‬ومل يتم‬
‫توزيع مرىض هذه الدراسة حسب مستوى اجلرعة الفردية ليس عن طريق الصدفة وإنام‬
‫حصلوا عىل جرعات خمتلفة بناء عىل قرارات الفاعلية العالجية واستعداد املرىض لتقبل‬
‫االتفاق العالجي لوقت حمدد‪ .‬ومن خالل ذلك يكمن من جديد خطر أن عوامل ‪PR‬‬
‫ترتبط مع جرعة العالج واملشكلة‪ ،‬التي تم رسمها يف شكل (‪[ 10‬ب])ـ التي تظهر فيها‬
‫تفسريات تأثري العالج‪ .‬ولضبط دالة تأثري‪-‬اجلرعة ‪ doses-Effect function‬قام ماك‬
‫نايليل و هاوارد باستخدام جمموعات مقارنة من املرىض غري املعاجلني‪ ،‬الذين تم لدهيم‬
‫كذلك استخدام نسب التحسن عرب الزمن مع مقاييس الزمن نفسه (أسابيع)‪ .‬و من غري‬
‫املعروف ما هي اجلرعة من عوامل التأثري حصلت عليها جمموعة الضبط هذه عرب الزمن‪.‬‬
‫وال يمكن استبعاد بأن هذه املجموعة‪ ،‬عىل سبيل املثال من خالل املبادرة الذاتية و‬
‫استغالل الشبكة االجتامعية اخلاصة أو من خالل املوارد خارج العالج قد حصلت‬
‫كذلك عىل جرعة حمددة من عوامل التأثري العالجية النفسانية‪ .‬إال أنه يفرتض هلذه‬
‫اجلرعة‪ ،‬وبشكل خاص استناد ًا إىل عوامل التأثري اخلاصة بالعالج‪ ،‬أن تكون أقل‬
‫بوضوح وبالتايل ينبغي أيض ًا أن تكون نسب التحسن أقل بوضوح‪ .‬وتغطي نتائج ماك‬
‫نايليل و هاورد هذه الفرضية بشكل كبري‪ .‬فنسب التحسن ملجموعات الضبط غري‬
‫املعاجلة تظهر ارتفاع ًا خطياً متقارب ًا عرب الوقت‪ .‬فبعد ‪ 52‬أسبوع كانت نسبة التحسن‬
‫حوايل ‪ .%45‬ويظهر جمرى نسب التحسن للمرىض املعاجلني بالعالج النفساين بروفيل‬
‫خمتلف كلية‪ .‬فقد ارتفعت نسب التحسن يف األسابيع األوىل بوضوح أكرب مما هو األمر‬

‫‪507‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫يف جمموعات املقارنة‪ ،‬منحنى املجرى هو ما يمسى دالة متسارعة سلبا‪ .‬ومثل منحنيات‬
‫املجرى هذه معروفة كلية يف جماالت أخرى غري أبحاث التأثري‪-‬العالجية النفسانية‪ .‬و‬
‫تطلق عليها عىل سبيل املثال يف االقتصاد وظائف الفائدة احلدية و متثل املوضوع القائل‬
‫أن االستثامرات تقرتب من قيمة حدود الفائدة‪ .‬ويعني هذا معم ًام عىل أبحاث العالج‬
‫النفساين أن استثامر اجلرعة العالجية‪ ،‬عىل سبيل املثال أربعة أسابيع‪ ،‬يف وقت الحق يف‬
‫جمرى العالج ال تنعكس يف تأثري الفائدة نفسه (نسب التحسن املمكنة)‪ ،‬كام هو األمر يف‬
‫األطوار املبكرة ملجرى العالج‪ .‬وبالنسبة لتقويم فاعلية العالج النفساين من التوليفات‬
‫البحثية هلاورد وآخرين ظهرت النتائج التالية‪ :‬عىل الرغم من املشكالت املذكورة‬
‫للصدق الداخيل بمعنى الشكل (‪[2‬ب])تؤكد اتساق جمريات التأثري بالنظريات املعروفة‬
‫و النتائج من املجاالت األخرى لفاعلية توظيف العالج النفساين و تثبت مقبولية أن‬
‫اجلرعة العالية من العالج النفساين تؤثر بشكل أفضل من اجلرعة املنخفضة‪.‬‬
‫وتعد توليفة جمموعة بحث غراوه من أفضل توليفات البحث حول فاعلية العالج‬
‫النفساين‪ .‬وتشمل دراسات جتريبية و شبه جتريبية و ارتباطية‪ .‬وقد بدأت الدراسات‬
‫عندما مل تكن حسابات شدة التأثري بالشكل الذي اقرتحه وطورهغالس ‪ ،Glass‬من‬
‫ضمن املعايري املقبولة ألبحاث الفاعلية‪ .‬وقد سادت تقويامت تم فيها أخذ الدالالت‬
‫بعني االعتبار‪ .‬وهذا النوع من التقويم يمكن اعتباره اليوم أكرب نقطة ضعف يف هذه‬
‫األبحاث‪ ،‬ذلك أن الدالالت تعد دالة جوهرية لقوة االختبار لربنامج التجربة‬
‫املستخدم‪ .‬ويف عرض تفريقي جد ًا حسب أشكال العالج و جماالت املعايري املستخدمة‬
‫تم دائ ًام حساب عدد التأثريات اإلجيابية والسلبية بالنسبة للمقارنات العالجية املجراة‪.‬‬
‫وقد تعلق األمر يف اسرتاتيجية التقويم بطريقة فرز األصوات– "‪Vote-Counting‬‬
‫‪ ،Method‬غري املصنفة بشكل جيد يف تصور أساليب التوليفات البحثية‪ .‬فالطريقة ال‬
‫تراعي التأثري احلقيقي لشدة التأثري‪ .‬فالقيم الصغرية تصبح يف العينات الكبرية دالة و يف‬
‫العينات األصغر يمكن كذلك حتقيق تأثريات كبرية يف كل األحوال أيض ًا‪ .‬وامليزة‬
‫الفعلية للتحليل البعدي بمعنى سميث و آخرين (‪ )1980‬املتمثلة يف الوصول إىل قوة‬

‫‪508‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اختبار مرتفعة‪ ،‬ال يتم حتقيقها يف طريقة فرز األصوات ‪.Vote-Counting" –Method‬‬
‫والدراسات التي تقيس حمكات كثرية اخلالية إىل حد ما من النظرية باستخدام عينات‬
‫أكرب‪ ،‬يمكنها هنا أن تكتشف تأثريات قليلة و يمكنها أن تتالءم مع اسرتاتيجيات تقويم‬
‫غراوة‪ ،‬عىل الرغم من أنه عند استخدام التحليل البعدي باستخدام شدة التأثري فإن‬
‫الفئات العالجية قد ال تقود إال إىل شدات تأثري متوسطة صغرية فقط‪ ،‬ومن ثم يفرتض‬
‫أال يتم تقويم هذه الفئة من العالج عىل أهنا فاعلة كفاية‪ .‬ويف تعريف نوعية برامج‬
‫التجربة يعطى غنى حمتوى القياس قيمة إجيابية‪ .‬ولكن يفرتض أن يتم تقويم غنى‬
‫املحتوى بشكل إجيايب عندما يكون غنى املحتوى هذا يتطابق مع التفصيل املطابق لنظرية‬
‫العالج‪ .‬وإال سيكون هناك اهتام بالنقص يف الصدق الداخيل‪ ،‬أي "تصيد الدالالت"‬
‫الذي يصبح مه ًام‪ ،‬كلام تم استخدام كل مقاييس املحكات بشكل أكثر خلو ًا من النظرية‪.‬‬
‫و قد متكنت دراسات أبحاث الفاعلية العالجية األملانية من إظهار أن هلذه املشكلة‬
‫أساس نظري فهناك تم حساب كل مقاييس املحكات التي ذكرت يف برنامج التجربة‪،‬‬
‫والتي مل يذكر هلا أية نتائج‪ ،‬بشكل بناء كتأثريات صفرية‪ .‬ومل يكن عدد مثل مقاييس‬
‫املحكات هذه كبري ًا‪ ،‬األمر الذي قاد إىل شدة تأثري كلية منخفضة‪ .‬و عندما مل يتم‬
‫استخدام هذه املقادير يف التجميع متكن العالج النفساين الناطق باألملانية من حتقيق‬
‫تأثريات قابلة للمقارنة مع الدراسات األنجلو أمريكية‪ .‬إال أن دراسة غراوة قد أدركت‬
‫نقاط ضعف طريقة ‪ ،Vote-Counting" –Method‬وبدأت باستبعاد هذا القصور من‬
‫خالل إعادة التحليل‪ .‬وهكذا فقد تم تقديم حتليالت شدة تأثري ملجموعات ضابطة‬
‫غري معاجلة‪ ،‬يمكن ملتوسطاهتا و توزيعاهتا أن تفند حجة البالسيبو‪ .‬فمتوسط جمموعة‬
‫الضبط هذه )‪ (d=0. 10‬ال خيتلف بدرجة كبرية عن التأثري الصفري ويظهر وجود تشتت‪.‬‬
‫وتفند هذه النتائج احلجة املقتبسة عن آيزينك بأن العالج النفساين ليس أفضل من الشفاء‬
‫العفوي لدى جمموعات ضابطة غري معاجلة أو جمموعات بالسيبو‪ ،‬بشكل أوضح مما قد‬
‫اتضح من التحليل البعدي لسميث و آخرين (‪.)1980‬‬
‫كلتا االسرتاتيجيتني من البحث حول خط )‪ (PR-ETR-KR‬و اخلط غري التجريبي‬

‫‪509‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫)‪ (PR-NTR-KR‬تربهنان أن العالج النفساين بشكل عام فاعل جد ًا‪ .‬وعىل الرغم من أن‬
‫هذه املقولة العامة حتل مشكلة التربير‪ ،‬إال أهنا ال تعطي إجابة باعثة عىل الرضا عن‬
‫السؤال‪ ،‬أي نوع من العالج النفساين و كيف يؤثر‪ .‬وعىل الرغم من أن سميث و آخرين‬
‫(‪ )1980‬يشريون عن شدات تأثري خمتلفة للفئات العالجية املختلفة؛ فإن العالجات‬
‫االستعرافية هي األفضل‪ .‬إال أنه إذا ما أخذنا بعني االعتبار التفاعلية املختلفة لقيم‬
‫املحكات املستخدمة فإنه ال تعود تظهر فروق للفئات العالجية‪ .‬فإذا ما مل يقبل املرء‬
‫تعريف التفاعلية ‪Reactivity‬لسميث وآخرين فسوف يصل املرء لتقويامت خمتلفة‪.‬‬
‫فالتفاعلية ينبغي أال تفهم عىل أهنا التباين اخلطأ ملقادير املحك‪ .‬و حسب رؤيتنا فإن‬
‫احلساسية و التباين اخلطأ لدى سميث وآخرين متداخلة مع بعضها‪ .‬فاالجتاهات‬
‫العالجية املستندة عىل نظريتها والتي تستخدم بشكل خاص مقادير حمكات حساسة‬
‫تتميز جتاه االجتاهات األخرى بنوعية أفضل من أساليب القياس‪ .‬وينبغي عدم اعتبار‬
‫مثل هذا التباين عىل أنه تباين خطأ منهجي‪ ،‬وعىل املرء عندئذ أن يعزو للعالج االستعرايف‬
‫الفاعلية األفضل‪ .‬كام يشري غراوة وآخرين (‪ )1994‬حول املقارنات بني الفئات‬
‫العالجية األربع‪ ،‬التحليل النفيس‪ ،‬والعالج االستعرايف السلوكي و العالج النفساين‬
‫املتمركز حول املتعالج و العالج األرسي‪ ،‬ولكن عىل أساس شدة التأثري‪ ،‬مع العلم أن‬
‫فئة العالج السلوكي االستعرايف كانت هي األفضل يف كل املقارنات املبارشة‪ .‬إال أن‬
‫املشكلة احلقيقية "لكيف" مل حتل بعد هبذا التفريق بشكل باعث عىل الرضا‪ .‬وتكمن‬
‫السلبية األكرب لالسرتاتيجيات التجريبية يف تلخيص كل عوامل التأثري إىل متغرية وحيدة‪،‬‬
‫التي ال تعرف سوى الدرجة صفر وواحد‪ ،‬ما يسمى باملتغرية الصامتة‪ .‬وهبذا تتجمع‬
‫وتتقسم بقيه األنواع من عوامل التأثري و فروق جرعتها بني املجموعات الضابطة و‬
‫التجريبية‪ .‬وال يعود إبراز عوامل التأثري املختلفة عندئذ ممكن ًا‪ .‬وعىل الرغم من أنه‬
‫يمكن ملثل هذه التجارب أن جتيب بشكل جيد عن السؤال فيام إذا كان العالج النفساين‬
‫يفيد‪ ،‬إال أنه ال يمكن استخالص يشء تفريقي حول "كيف"‪ .‬وقد أخذ باحثو العالج‬
‫النفساين هذه اإلشكالية بعني االعتبار بالتأكيد عىل بحث العملية‪ .‬ففي السنوات‬

‫‪510‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫األخرية يتم بشكل قوي قياس ما الذي حيدث يف العالج النفساين‪ ،‬وحياول املرء بالنتيجة‬
‫تشكيل املتغريات املهمة يف العملية العالجية و حتديدها إجرائي ًا‪ .‬ونتائج التحليالت‬
‫البعدية العامة و توليفات البحث و كذلك الدالئل حول أية سامت للعملية ترتبط‬
‫بمحكات النتيجة‪ ،‬يتم إجرائها منذ سنوات كثرية يف "النموذج العام للعالج النفيس‬
‫‪ "Generic model of Psychotherapy‬هلوارد و أورلنسكي ‪Howard & Orlinsky‬‬
‫وتم عرضها يف الكتاب التعليمي للعالج النفيس ‪Handbook of Psychotherapy‬‬
‫")‪ .(Bergin & Garfild,1994‬و تصنيف هذا النموذج العام للعالج النفيس يف جمال‬
‫املدخل (صندوق ‪ ،)PR‬و العملية صندوق ‪ ETR‬زائد صندوق ‪ )NTR‬و املخرج‬
‫(صندوق ‪ )KR‬يمكن أن يرتبط بشكل جيد مع تصورنا حول صندوق البيانات‪ .‬هلذا‬
‫سوف يسرتشد تلخيصنا التايل لعوامل التأثري هبذا النموذج بشكل خاص‪.‬‬

‫عوامل تأثري العالج النفساني‬

‫نظريات ومناذج مستقلة عن املدارس‬


‫للنامذج حول التأثري النوعي ملركبات العالج النفساين تقاليد عريقة و تشكل‬
‫األساس لنظرية االجتاهات العالجية النفسانية النوعية‪ .‬لقد تبنى البحث العالجي منذ‬
‫أمد بعيد مسألة أي من سامت العملية ترتافق مع أية نتيجة و قد تراكمت يف العقود‬
‫األخرية النتائج حول هذا األمر بشكل كبري‪ .‬و الكتاب الصادر عىل فرتات منتظمة‬
‫بعنوان "‪ "Handbook of Psychotherapy and Behavior Change‬لنارشه ‪A. E.‬‬
‫‪ Bergine & S. L. Garfield‬اشتمل منذ البداية عىل فصل عرضت فيها نتائج حول‬
‫ارتباطات‪-‬العملية‪-‬النتيجة لألشكال العالجية املختلفة (وبشكل خاص من قبل هاورد‬
‫وأورلنسكي)‪ .‬وقد استندت طبعة عام ‪ 1994‬عىل نتائج ‪ 2343‬نتيجة مفردة نرشت‬
‫يف املحيط املتحدث باإلنجليزية واألملانية‪.‬‬
‫وهذا العرض يسرتشد بشكل أسايس بنموذج إطار مفاهيمي‪ ،‬طوره كل من هاورد‬

‫‪511‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫وأورلنسكي يف عام ‪ 1987‬عىل أساس ملخصات سابقة لدراسات‪-‬العملية‪-‬النتيجة‪،‬‬


‫و أطلقا عليه "النموذج العام للعالج النفيس" لإلشارة إىل صالحيته العامة‪ .‬قارن شكل‬
‫(‪ .)3‬والنموذج يدمج املتغريات الكثرية املختلفة‪ ،‬درس تأثريها عىل نتيجة العالج حتى‬
‫اآلن و يفرق هنا بني ثالث جمموعات كبرية‪:‬‬
‫‪ -‬متغريات املدخل كتسمية لسامت خمرج العالج‪ ،‬أي منظومة الرعاية و السياق‬
‫االجتامعي و إطار العالج و سامت املرىض و املعاجلني‪.‬‬
‫‪ -‬متغريات العملية‪ ،‬التي تصف الصيغ املختلفة و املظاهر التقنية و البني شخصية‬
‫و البني فردية واإلكلينيكية والزمنية "للعالج بحد ذاته"‪،‬‬
‫‪ -‬متغريات املخرج ‪ ،output variables‬كتسمية للنتائج قصرية األمد وبعيدة‬
‫األمد للعالج‪ ،‬التي ترتبط يف عالقة متبادلة مع مظاهر املوقف الداخيل‬
‫واخلارجي للمريض‪.‬‬

‫ومن املؤكد أن العملية العالجية النفسانية هي مهمة جد ًا يف السؤال عن عوامل‬


‫تأثري العالج النفساين‪ .‬ويف النموذج يتم التمييز بني ستة مظاهر سنلخصها يف العرض‬
‫التايل‪:‬‬
‫عرض‪:‬‬
‫مظاهر العملية العالجية النفسانية يف النموذج العام للعالج النفيس‬
‫‪Orlinsky,1994‬‬

‫‪ -1‬املظهر الشكيل‪ :‬العقد العالجي‪ .‬حتديد املوقف العالجي و الدور املتبادل بني‬
‫املريض واملعالج (بام يف ذلك املشاركني اآلخرين) و االتفاق عىل وسيلة‬
‫‪Modality‬العالج و نوع العالج (فردي أم يف املجموعة‪ ...‬الخ)‪ ،‬واخلطة‬
‫العالجية و األجر املادي‪ ،‬وموعد اجللسات‪ ...‬الخ‪( .‬االتفاق العالجي)‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫مناقشة "اتفاق العمل ‪ "working Consensus‬فيام يتعلق باألهداف و التوقعات‬


‫و تطبيق األدوار املتبادلة يف األطوار املختلفة للعالج (تنفيذ االتفاق)‪.‬‬
‫‪ -2‬املظهر التقني‪ :‬اإلجراءات العالجية‪ .‬استخدام املعرفة التخصصية املالئمة‬
‫للمعالج‪:‬‬
‫‪ -‬من أجل التعرف عىل الشكاوى الذاتية للمريض و النمط العالجي النفيس يف‬
‫التفكري و اإلحساس و الترصف (عرض مشكلة املريض)؛‬
‫‪ -‬من أجل فهم الصورة اإلكلينيكية املعنية للمريض من خالل نموذج عالج مهم‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال من خالل تقويم تشخييص أو تقويم مؤقت للحالة (استنتاجات‬
‫عالجية)؛‬
‫‪ -‬من أجل اختيار أشكال التدخل املالئمة عىل أساس نموذج العالج؛‬
‫‪ -‬من أجل حفز املريض للتعاون الفاعل (تعاون املريض)‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫‪ -3‬املظهر البني شخيص ‪ :interpersonal Aspect‬العالقة العالجية‪ .‬املشاركة‬


‫البني إنسانية أو الرابطة بني املريض واملعالج [املرىض واملعاجلني] تصف تأثري‬
‫سلوك عالقتهام املتبادل عىل النوعية العامة و "جو" العملية الثنائية (أو عملية‬
‫املجموعة) الناشئة بينهام (بينهم)‪ .‬ويتصف ذلك بشكل خاص بالشدة املختلفة‬

‫‪514‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫"للتعاون العالجي"(التطبيق الفردي) لألدوار املطابقة‪ ،‬تكييف‬


‫التفاعل)"والعالقة الفردية"(االتصال املتبادل‪ ،‬املشاركة االنفعالية املتبادلة)‪.‬‬
‫‪ -4‬املظهر البني فردي ‪ :intrapersonal Aspect‬املشاركة الذاتية الداخلية‪ .‬خربة‬
‫الذات يف العالقة عند املشاركني يف دورها املعني (املشاركة الذاتية عند املريض‬
‫واملعالج)‪ ،‬وتشمل ضمن أمور أخرى وعي الذات و ضبط الذات و احرتام‬
‫الذات عند املعنيني‪ ،‬التي تتجىل بدرجة خمتلفة من "االنفتاح" مقابل "الدفاع"‪.‬‬
‫‪ -5‬املظهر اإلكلينيكي‪ :‬التأثريات املبارشة للجلسة العالجية‪ .‬التأثريات اإلجيابية‬
‫والسلبية للتفاعل العالجي عىل املشاركني يف أثناء اجللسة‪ ،‬وبشكل خاص‬
‫التأثريات لدى املريض‪ ،‬كاالستبصار و فهم الذات و التنفيس و التشجيع و نمو‬
‫الكفاءة‪ ...‬الخ ("التحقق ‪realization‬العالجي" لدى املريض) و التأثريات يف‬
‫الوقت نفسه عند املعالج من نحو خربة الكفاءة الذاتية أو القرب االنفعايل‬
‫("اخلربة يف أثناء العالج" لدى املعالج)‪.‬‬
‫‪ -6‬املظهر الزمني‪ :‬العملية اجلارية بشكل متتابع‪ .‬تعاقب التفاعل‪ ،‬الذي ينشأ خالل‬
‫الوقت داخل اجللسات (جمرى جلسة ما) و األحداث املميزة لفرتة العالج ككل‬
‫(جمرى العالج)‪.‬‬
‫و "النموذج العام للعالج النفيس" ليس نظرية إكلينيكية بل هو نظرية بحث‪ ،‬تفيد‬
‫كأساس لتصنيف النتائج منفردة و عالقتها ببعضها وكأرضية لرتمجة األسئلة اإلكلينيكية‬
‫إىل أسئلة بحث‪ .‬و العرض األحدث لألورلينسكي و آخرين حول عالقات العملية‪-‬‬
‫النتيجة يف العالج النفساين يسرتشد هبذا النموذج‪ ،‬حيث تم تصنيف النتائج منفردة‬
‫بشكل منفصل حسب املنظور‪ ،‬الذي تم احلصول فيه عىل النتائج (املريض‪ ،‬املعالج‪،‬‬
‫مقوم خارجي‪ ،‬مقاييس موضوعية عىل سبيل املثال )‪ .‬ومن املؤكد أن هذا مهم حتى‬
‫بالنسبة لالستنتاجات بالنسبة للمامرسة العالجية النفسانية‪ .‬وعىل أساس العرض يمكن‬
‫عزل سامت العملية للمظاهر املختلفة للعملية‪ ،‬و برهان أمهيتها بالنسبة لنتيجة إجيابية‬

‫‪515‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫للعالج النفيس حتى اآلن ببعض التأكيد‪.‬‬


‫أما فيام يتعلق باالتفاق العالجي فيتم يف النموذج التفريق بني االتفاق العقدي و‬
‫تنفيذ العقد‪ .‬ووفق ًا للمستوى حتى اآلن فإن السامت ترتبط مع نتيجة العالج األوىل غري‬
‫املتسقة‪ ،‬أي أن نتيجة العالج عىل سبيل املثال ليست متعلقة باألطر العالجية (عالج‬
‫فردي مقابل عالج يف املجموعة أو العالج األرسي) أو بتعاقب اجللسات‪ .‬إال أنه هنا‬
‫البد من اإلشارة إىل أن عرض أورلنسكي وآخرين تقوم عىل التأثريات العامة و ال يتيح‬
‫سوى استنتاجات متعلقة بذلك فقط‪ ،‬وهو ما ال يعني بأنه ال توجد جمموعات حمددة من‬
‫املرىض أو مرىض معينني تكون أطر عالجية معينة أو تعاقب حمدد للجلسات غري مالئم‬
‫بالنسبة هلم ضمن ظروف حمددة أكثر من اآلخرين‪.‬‬
‫و النتائج فيام يتعلق بمظهر تنفيذ االتفاق أكثر وضوح ًا‪" .‬فمالئمة" مريض ما‬
‫لشكل معني من العالج‪ ،‬ومهارة املعالج النفساين و املقدار العايل من النشاط اللفظي‬
‫من جانب املريض و الثبات املضمون لالتفاقات العالجية و املالئمة والوضوح فيام‬
‫يتعلق بأهداف العالج و "حتضري" املريض عىل العالج بمعنى أن يعرف املرىض يف بداية‬
‫العالج إىل حد ما بالضبط ما الذي ينتظرهم‪ ،‬برهنت نفسها عىل أهنا مؤرشات (متنبئات)‬
‫مالئمة بالنسبة لنتيجة العالج‪ .‬وهبذا يمكن القول بالنسبة هلذا املظهر أن مظاهر من نحو‬
‫املهارة العالجية أو اتفاق املريض أو ثبات اإلطار قد برهنت نفسها عىل أهنا أهم بكثري‬
‫من الشكليات يف بنية العالج‪(Orlinsky,1994b) .‬‬

‫ويف صورة املشكلة ‪ Problem presentation‬عند املريض كجزء من املظهر التقني‬


‫برهن بشكل خاص الرتكيز عىل املشكلة الفعلية (بعكس "هنا" و "اآلن") وعىل‬
‫العالقات اجلوهرية بالنسبة للمريض و الوظائف املتشكلة بشكل جيد نسبي ًا لألنا عىل‬
‫أنه إجيايب فيام يتعلق بنتيجة العالج‪ .‬فالرتكيز عىل املشكالت حسب أورلنسكي هي‬
‫السمة التقنية من جانب املعالج‪ ،‬األوضح ارتباط ًا بالنتيجة اإلجيابية للعالج‪ ،‬يف حني أن‬
‫الرتكيز عىل سبيل املثال عىل "هنا" و "اآلن" أو عىل النقل ال يفرس إال القليل من التباين‪.‬‬
‫ومن اجلدير باالهتامم أن تربهن "التدخالت املتناقضة" و "املواجهة املسرتشدة باخلربة"‬

‫‪516‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫(كتقنية الكريس عىل سبيل املثال يف العالج اجلشطلطي) من بني التدخالت العالجية‬
‫ذات العالقة األقوى بنجاح العالج‪ .‬و أقل "مالئمة" إىل حد ما ظهر التفسري‪ ،‬يف حني‬
‫أنه مل يتم التمكن بشكل عام من إثبات التأثري اإلجيايب للدعم والنصائح و انفتاح املعالج‬
‫و السرب‪ .‬وأخري ًا فيام يتعلق بتعاون املريض فإنه من املفيد كام يتوقع إذا ما أظهر املريض‬
‫االستعداد الواضح (وعىل عكس املقاومة) و متكن يف جمرى العالج من إظهار انفعاالت‬
‫إجيابية غالبة‪.‬‬
‫وتتجىل األمهية املفرتضة للعالقة العالجية بشكل صاف وواضح يف نتائج البحث‪:‬‬
‫‪The mass of Data must be taken as strongly evidence for the importance of‬‬
‫"‪ ...the therapeutic bond‬كمية البيانات جيب أن تؤخذ كإثبات ألمهية الرابطة‬
‫العالجية‪ .‬هبذه العبارة يلخص أورلنسكي النتيجة التي ارتبط وفقها حوايل ‪%60‬‬
‫ارتباط ًا إجيابي ًا بالعالقة العالجية تم استخالصها من ‪ 1025‬نتيجة منفردة مع ‪ 18‬تعيري‬
‫إجرائي خمتلف للعالقة العالجية‪ .‬وقد ظهر أن االلتزام الشخيص من جانب املريض و‬
‫املعالج (عىل عكس التحفظ العالجي) و مصداقية املعالج و تعاون املعالج (عىل عكس‬
‫التساهل ‪permissively‬واملبارشية ‪ )directivity‬واملريض و االنسجام التباديل احلقيقي‬
‫يف التواصل و يف توكيد ‪affirmation‬املشاعر (اإلجيابية) مهمة بشكل خاص حسب‬
‫النتائج الراهنة حتى اآلن‪.‬‬
‫وعىل الرغم من أنه يمكن اعتبار "األمهية املركزية للعالقات البني إنسانية للمعالج‬
‫واملريض بالنسبة لنجاح العالج‪ . ...‬أفضل أطروحة مربهنة إمبرييقي ًا يف أبحاث العالج‬
‫النفساين" فإن املفهوم مل يقس حتى اآلن بدقة أو فقط بمعنى عالقة معاشة بشكل باعث‬
‫عىل الرضا‪ .‬ويقول أحد التعريفات الدقيقة التي اقرتحها بوردان‪Bordine‬أن الرابطة‬
‫العالجية تشري إىل مكونات خمتلفة‪ ،‬إىل اخلطوات أو املهام امللموسة ‪ tasks‬يف العالج‪،‬‬
‫التي ينبغي أن يتوالها املشاركون بكامل املسؤولية و يتقبلوهنا‪ ،‬و إىل أهداف ‪goals‬‬
‫العالج‪ ،‬بمعنى أن املعالج واملريض يتفقان عىل األهداف الواجب حتقيقها بشكل واقعي‪،‬‬
‫و أخري ًا إىل الروابط ‪bonds‬التي توصف من خالهلا كل املظاهر اإلجيابية املكتسبة للعالقة‬

‫‪517‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫بني املعالج واملريض‪ .‬وهناك بعض الدالئل بالفعل عىل أن التوافق بني املريض واملعالج‬
‫فيام يتعلق بأهداف العالج و فيام يتعلق كذلك بالتوقعات و االستعداد لتقبل تصورات‬
‫عالجية حمددة مالئمة بالنسبة لنجاح العالج‪.‬‬
‫و ضمن املظاهر البني فردية للعملية العالجية أثبت االنفتاح (عىل عكس الدفاع)‬
‫عىل املشاعر والتعبري عنها من جانب املريض‪ ،‬و من جانب املعالج (أقل وضوح ًا) تقبل‬
‫الذات واألصالة‪ ،‬فاعليته باعتباره مؤرشات جيدة لنجاح العالج‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن‬
‫النتيجة األخرية املذكورة بشكل خاص تشري إىل أمهية اخلربة الذاتية العالجية‪.‬‬
‫و تلك السامت املذكورة حتت املظهر اخلامس (التأثريات املبارشة جللسة العالج) ‪،‬‬
‫أي "التحقق ‪ "realizations‬العالجي و خربة الكفاءة الذاتية و القرب االنفعايل عند‬
‫املعالج تعد حسب العرض الشامل ملستوى البحث من سامت العملية املالئمة جد ًا‬
‫لنجاح العالج‪.‬‬
‫وأخري ًا تظهر املراجع عالقة واضحة بني مدة العالج" والنتيجة‪ ،‬مع اإلشارة إىل أنه‬
‫ال بد من مراعاة أن كثري من الدراسات التي استخدمت يف املراجعة كان متوسط مدة‬
‫العالج فيها ستة أسابيع‪ .‬ومن هنا فإنه ال يمكن القول بمطلق احلال بأنه "كلام كان‬
‫العالج أطول كانت النتيجة أفضل"‪ .‬والدراسات حول عالقة اجلرعة باألثر يف العالج‬
‫النفساين تظهر دائ ًام بأن العالقة بني فائدة عالج ما واملدة تتمثل بمنحنى متسارع بشكل‬
‫سلبي‪ .‬وبشكل عام فإن أمهية الوقت يف العالج النفساين عىل الرغم من النتيجة املذكورة‬
‫املؤكدة ما زالت غري واضحة‪.‬‬
‫العرض القائم عىل "النموذج العام للعالج النفيس" ألورلنسكي وآخرين الذي تم‬
‫تلخيصه هنا يتيح لنا استنتاجات حول األمهية املمكنة للعوامل النوعية للعملية‪ ،‬مع‬
‫اإلشارة إىل أنه ينبغي مراعاة منظور التقويم باملعنى الدقيق‪" :‬من منظور املعالج فإن‬
‫املؤرشات األقوى بالنسبة لنتائج العالج فإن مالئمة املريض بالنسبة لشكل العالج‬
‫وااللتزام الشخيص و التعاون (مقابل املقاومة) و االنفتاح (مقابل الدفاع) و املشاعر‬

‫‪518‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫اإلجيابية هي مسامهة يف العالقة العالجية‪ .‬ومن املنظور اخلارجي للمرشف الذي يصغي‬
‫إىل تسجيل للجلسة عىل رشيط تسجيل فإن املهارة العالجية و الثقة و املصداقية عند‬
‫املعالج و استخدام التفسريات و التمركز حول مشكلة املريض وااللتزام يف العالقة‬
‫املتسمة بالتفاهم املتبادل تعد مالئمة بشكل خاص‪ .‬يضاف إىل ذلك سامت املرىض‬
‫كاملالئمة للشكل اخلاص من العالج و التعاون واالنفتاح و املسامهة اإلجيابية بالعالقة‬
‫العالجية و خربة التحقق العالجي ‪therapeutically Realization‬يف أثناء اجللسة"‬
‫)‪Orlinsky,1994,P. 120‬‬

‫ومنذ مدة طويلة جتري حماوالت عزو تأثري العالج النفساين إىل عوامل أكثر‬
‫عمومية‪ ،‬مما هي عليه يف "النموذج العامل للعالج النفيس" ويف هذا السياق يتحدث املرء‬
‫بإن العوامل العامة هي كذلك عنارص متضمنة يف "كل" عالج نفس‪ .‬وقد حاول‬
‫باحثون خمتلفون صياغة مثل هذه العوامل‪ ،‬وهو ما سنعرضه فيام ييل‪.‬‬

‫عرض‪ :‬لعوامل التأثري العامة للعالج النفسي (بعض األمثلة)‬


‫‪ -‬روزينتسفايغ )‪ :(Rosenzweig,1936‬شخصية املعالج‪ ،‬تقنية تفسري املعالج‪،‬‬
‫شخصية املريض‪.‬‬
‫‪ -‬باندورا )‪ :(Bandora,1977‬تأثري الكفاءة الذاتية ‪ "self-efficacy‬للمريض‪.‬‬
‫‪ -‬فرانك )‪ :Frank (1982‬االلتزام االنفعايل (االرتباط االنفعايل)‪ ،‬العالقة‬
‫املشحونة بالثقة‪ ،‬الرشوط العالجية املحيطية‪ ،‬ميثولوجيات املرض (تصورات‬
‫التفسري ملشكلة املريض)‪.‬‬
‫‪ :Karasu‬اخلربة االنفعالية‪ ،‬السيطرة االستعرافية‪ ،‬تنظيم‬ ‫)‪(1986‬‬ ‫‪ -‬كاراسو‬
‫السلوك‪.‬‬
‫‪ -‬ماير )‪:Meyer (1990‬عرض عالقة مساعدة (غري ذات مصلحة)‪ ،‬حماولة تفسري‬

‫‪519‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫املشكلة‪ ،‬تعريفها‪ ،‬و إعادة تعريفها‪ .‬البحث عن حلول بناءة للمشكلة‪ ،‬نفسنة‬
‫‪psychologization‬املشكلة "الغريبة عن الشخصية"‪.‬‬
‫وبناء عىل املراجعة الشاملة ألبحاث العالج النفساين من خالل غراوه وآخرين‬
‫(‪ )1993‬تم القيام بأحدث حماولة لصياغة عوامل التأثري الصاحلة بشكل عام يف العالج‬
‫النفساين ومن ثم لطرح "عالج نفيس عام" كنظرية عالج نفيس أو نظرية تعديل من‬
‫"اجليل الثاين"‪ .‬ويف هذه النظرية تم افرتاض أربعة عوامل تأثري مركزية (قارن غراوه‪،‬‬
‫‪ ،)1999‬أال وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تنشيط املوارد ‪(Recourses activation‬أي الربط باإلمكانات اإلجيابية و‬
‫بطبيعة وقدرات و دافعية املريض بام يف ذلك سلوك العالقة)‪.‬‬
‫‪ -‬حتديث املشكلة أو "مبدأ اخلربات الواقعية" _أي التعديل من خالل "اخلربة‬
‫الواقعية للتعديالت املهمة يف العملية العالجية"‪.‬‬
‫‪ -‬املساعدة الفاعلة ملواجهة املشكلة‪( :‬أي الدعم الفاعل للمريض‪ ،‬من أجل‬
‫مواجهة املشكالت بشكل أفضل)‪.‬‬
‫‪ -‬توضيح الدافعية (أي توضيح أمهية خربة املريض وسلوكه استناد ًا إىل األهداف‬
‫الشعورية والالشعورية و القيم و تنمية االستبصار)‪.‬‬

‫‪ ‬خيتلف املعاجلون من اجتاهات خمتلفة عن بعضهم‪ ،‬إال أهنم يتشاهبون‬


‫مع بعضهم بدرجة كبرية أكثر مما يردون هم أنفسهم االعتقاد و أكثر مما توحي‬
‫هبم كتبهم التعليمية" )‪(Czogalik,1990,P. 11‬‬

‫وحتى يف هذا العرض التلخييص حول عوامل التأثري الشاملة للعالج النفيس فإنه‬
‫قد ثبت ما كان كثري من الباحثني قد عرب عنه‪ .‬وحماولة عزل عوامل تأثري عامة للعالج‬

‫‪520‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫النفيس ال يسعى يف النهاية إىل التخيل عن احلدود القائمة عىل املدارس من أجل استغالل‬
‫إمكانات الذخرية العالجية السلوكية‪.‬‬

‫عوامل التأثري اخلاصة باملنهجية‬


‫ومهام كانت املبادئ العامة املذكورة مفيدة بالنسبة للمامرسة العالجية‪ ،‬إال أهنا ختفي‬
‫يف طياهتا باإلضافة إىل ذلك أنه من املمكن أن ختتلف الطرق العالجية املختلفة عن‬
‫بعضها يف عوامل تأثريها (وبالطبع يف فاعليتها)‪ .‬وقد تم برهان هذا من خالل دراسات‬
‫دقيقة للعالج النفيس تم فيها أيض ًا فحص عملية العالج بدقة‪ ،‬وأعطت مؤرشات عىل‬
‫مؤرشات تفريقية‪ .‬ومن األمثلة عىل ذلك من املحيط الناطق باألملانية الدراسات املقارنة‬
‫للعالج السلوكي والعالج املتمركز حول املعالج من خالل بلوغ )‪ Plog (1976‬وغراوة‬
‫)‪ ،Grawe (1976‬وما يسمى بمرشوع العالج النفساين قصري األمد )‪،(Meyer,1981‬‬
‫الذي متت فيه مقارنة العالج النفساين ذو التوجه التحلييل و العالج البؤري املتمركز‬
‫حول املتعالج أو دراسة برين املقارنة للعالج النفيس لغراوه )‪ Grawe (1990‬التي درست‬
‫أربعة رشوط عالج خمتلفة _العالج السلوكي واسع الطيف‪ ،‬و العالج التفاعيل الفردي‬
‫ويف املجموعة و العالج النفساين املتمركز حول املتعالج)‪.‬‬
‫وقد أظهرت الدراسات املذكورة عىل سبيل املثال أن الطرق العالجية املختلفة‬
‫ترعى "نامذج تعديل" خمتلفة أيض ًا (عىل سبيل املثال "تربوي" يف العالج السلوكي‪،‬‬
‫"نموذج مواجهة" يف العالج النفساين املتمحور حول املتعالج)‪ ،‬وبأنه عىل الرغم من أن‬
‫املعاجلني يترصفون "وفق النظرية" إال أن هذا يتجىل بشكل أسايس يف التكرارات‬
‫املختلفة لتدخالت حمددة‪ ،‬ولكن ليس يف األسلوب األسايس‪ .‬و بشكل عام يمكن‬
‫استنتاج وجود نقاط مشرتكة أكثر من النقاط املختلفة يف سامت العملية ألشكال حمددة‬
‫من العالج النفساين‪ .‬باإلضافة إىل ذلك هناك مبادئ لربهان آليات تأثري‪ ،‬بالشكل الذي‬
‫"تتطلبه" النظرية‪ ،‬يف سياق طرق عالج منفردة‪ .‬و من املؤكد أن أغنى مادة هنا نشأت‬

‫‪521‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫من جمال العالج النفساين ذو التوجه التحلييل‪.‬‬

‫العالج النفساني التحليلي النفساني‬


‫قام ميللر و آخرون )‪ Miller et al. ,(1993‬بتلخيص نتائج أبحاث العالج النفساين‬
‫ذات التوجه السيكودينامي و أظهر كيف يمكن برهان العنارص اجلوهرية لنظرية التعديل‬
‫التحلييل النفساين من نحو عىل سبيل املثال مفهوم االستبصار أو النقل أو النقل املعاكس‬
‫أو الدفاع والنكوص‪ .‬بشكل إمبرييقي و كذلك برهان تأثريها النظري املفرتض عىل‬
‫العالج‪.‬‬
‫و قد توصل لوبورسكي و آخرون )‪ Luborsky et al. ,(1993‬يف تلخيصهم للنتيجة‬
‫أن هناك ستة عوامل تأثري أساسية للعالج السيكودينامي مربهنة بشكل جيد أال وهي‪:‬‬
‫مقدار الصحة النفسية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫نوعية العالقة العالجية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫صياغة عالقة النقل‬ ‫‪‬‬

‫متركز هذه العالقة يف تفسري املعالج (أي حتديد رصاع العالقة األسايس)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫نمو االستبصار و فهم الذات‬ ‫‪‬‬

‫متثل اخلطوات التي تم حتقيقها يف العالج‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العالج السلوكي‬

‫عىل عكس العالج النفساين التحلييل و أساليب العالج املتمحورة حول اخلربة‬
‫كالعالج النفساين املتمركز حول املتعالج مل هيتم املرء كثري ًا حتى اآلن يف العالج السلوكي‬
‫بعوامل التأثري النوعية‪ ،‬عدا عن التقنيات القائمة عىل النامذج التعليمية النظرية‪ .‬وهكذا‬
‫فلم يوىل اهتامم ًا كبري ًا للعالقة العالجية –كام أظهر شيندلر ‪ .Schindler,1991‬و وهناك‬

‫‪522‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫حماوالت جديدة لصياغة نموذج عمليات للعالج السلوكي يذهب ألبعد من املظهر‬
‫التقني يسرتشد بشكل غالب بنظريات علم النفس االجتامعي حول التأثري االجتامعي‪.‬‬
‫وهذه النظريات تندمج عىل سبيل املثال يف نموذج األطوار املصاغ يف العالج السلوكي‬
‫لكانفر وآخرين ‪ ،Kanfer, et al. ,1990‬والذي مازال برهانه اإلمبرييقي غري موجود‪.‬‬
‫ويف هذه النموذج تم طرح فرضيات حول التأثري االجتامعي (عىل شكل طرح مهامت‬
‫مفرتضة من جانب املعالج) مقابل التصميم النموذجي ملجرى العالج يف العالج‬
‫السلوكي‪.‬‬

‫عرض لنموذج األطوار للعالج السلوكي‬


‫–األطوار العالجية وأمثلة حول االستراتيجية العالجية‬
‫الطور األول‪ :‬تصميم األدوار و بناء جمموعة عمل‪.‬‬
‫االسرتاتيجية‪ :‬تقبل التصورات و عوامل خربة املتعالج‪ ،‬جتنب االنفتاح الذايت‬
‫(الرصاحة) املبالغ به‪ ،‬تنمية املسؤولية الذاتية من جانب املتعالج‪ ،‬اإلرشاد و التعزيز بدالً‬
‫من التفسري واملواجهة والنقد‪.‬‬
‫الطور الثاين‪" :‬التعهد ‪ "commitment‬و الدافعية واالتفاق فيام يتعلق‬
‫بالتعديالت‪.‬‬
‫االسرتاتيجية‪ :‬اجلمع الدقيق للمعلومات‪ ،‬استحداث نموذج تفسري للسلوك‬
‫املشكل؛ يتحرك املعالج مبتعد ًا ببطء عن اإلطار املرجعي للمتعالج‪ ،‬ويدخل نموذج‬
‫تفسريه اخلاص؛ أمهية السرب و التعبري و الدعم و التوضيح أو التفسري‪.‬‬

‫الطور الثالث االتفاق عىل حمتويات العالج‪.‬‬


‫االسرتاتيجية‪ :‬طرح نموذج رشوط فردي (مؤقت) لتفسري نشوء واستمرارية‬
‫اإلشكالية؛ اشتقاق األهداف و اإلجراءات العالجية؛ استيالد التنافر‪dissonance‬‬

‫‪523‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫االستعرايف‪ ،‬احلافزة للتعديل‪.‬‬

‫الطور الرابع‪ :‬تنفيذ العالج و احلفاظ عىل استمرارية الدوافع‪.‬‬


‫االسرتاتيجية‪ :‬إدخال اقرتاحات وتقنيات تعديل متوالية؛ توصيل املعرفة حول‬
‫األساليب و التخطيط خلطوات العالج الصحيحة (أي ليست كبرية كثري ًا)‪ ،‬إرشادات و‬
‫توجيهات؛ تراجع التعابري املتعاطفة؛ مراعاة املقاومة‪.‬‬

‫الطور اخلامس‪ :‬تسجيل و تقويم اخلطوات‪.‬‬


‫االسرتاتيجية‪ :‬تشخيص مرافق و إرجاع؛ االستخدام اهلادف للمواجهة والنقد‪.‬‬

‫الطورالسادس‪ :‬تعميم و إهناء العالج‪.‬‬


‫االسرتاتيجية‪ :‬ختفيض الضبط اخلارجي من خالل املعالج؛ تناقص التوجيه‪ ،‬تزايد‬
‫الدعم‪ ،‬تعزيز مهارات املساعدة الذاتية‪.‬‬

‫العالج النفساني يف اجملموعة‬

‫عىل ما يبدو فإن عوامل التأثري للعالج النفيس يف املجموعة قد درست بشكل جيد‪،‬‬
‫و هناك تقاليد طويلة تعود لألعامل النظرية ليالوم )‪ Yalom (1985‬أو بلوخوكروش‬
‫)‪ .Bloch & Crouch (1985‬و قد وصف الباحثون عوامل التأثري النوعية بالنسبة‬
‫للعالج ضمن املجموعة‪ ،‬التي نلخصها يف جدول (‪.)1‬‬
‫وعىل الرغم من الدراسات الواسعة التي تقوم عىل نظرية عوامل التأثري فإنه حتى‬
‫اآلن مل يتم التمكن من برهان األمهية النسبية لعوامل التأثري الفردية يف األنواع املختلفة‬
‫للعالج يف املجموعة بشكل يبعث عىل الريض‪ .‬وحسب املراجعة التي قام هبا ماك كينزي‬

‫‪524‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫)‪ Mackenzie (1987‬كانت أكثر العوامل التي قومها مرىض العالج ضمن املجموعة عىل‬
‫أهنا مفيدة هي التنفيس و التامسك ‪ cohesion‬و االستبصار و التعلم البني شخيص‬
‫(التغذية الراجعة) و يبدو التقويم هذا مستقل عن االجتاه النظري للعالج ضمن‬
‫املجموعة أو عن اإلطار (العالج املركزي مقابل العالج اخلارجي)‪ .‬و كانت عوامل‬
‫عمومية املعاناة و بعث األمل و العوامل الوجودية و الغريية و تعديالت السلوك‬
‫(خمرج‪-‬التعلم البني شخيص) من العوامل التي قومت عىل أهنا مساعدة‪ .‬باملقابل كانت‬
‫عوامل التوجيهات و التامهي وإعادة ‪ recapitulation‬اخلربات األرسية أقل فائدة‪ .‬و هنا‬
‫علينا أن نالحظ بأن التامهي و إعادة اخلربات األرسية عىل سبيل املثال أقرب ألن متثل‬
‫عمليات جارية بشكل ال شعوري هلذا فإن أمهيتها يف العالج ضمن املجموعة ربام ينبغي‬
‫تقويمها بشكل أعىل‪ .‬فدراسات العملية الدقيقة للمعاجلات املركزية (يف املستشفى)‬
‫تؤيد هذا يف كل األحوال‪ .‬وتشري دراسات جديدة قارنت األساليب العالجية املختلفة‬
‫مع بعضها البعض إىل أن عوامل التأثري املتعلقة باملجموعة هي عوامل أقرب ألن تكون‬
‫غري نوعية بالفعل‪ ،‬يف حني عوامل التأثري املتعلقة بالعالج أقرب ألن تكون خاصة من‬
‫أجل متييز التصورات العالجية يف املجموعة‪ .‬فقد ظهر عىل سبيل املثال بأن التوضيح‬
‫من خالل املعالج أقرب ألن يكون مميز ًا للعالج يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس‬
‫األعامق أو ذو التوجه التحلييل النفساين يف حني أن احلضور االنفعايل أو االنفتاح الذايت‬
‫للمعالج يميز العالج يف املجموعة التحلييل النفساين ‪-‬التفاعيل أو ذو االجتاه الديناميكي‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫جدول (‪ )1‬عوامل تأثري العالج النفساين يف املجموعة‬


‫مثال‬ ‫العامل‬
‫خربة االنتامء للمجموعة‪ ،‬التقبل‬ ‫التقبل و التامسك‬
‫احرتام الذات من خالل املساعدة من اآلخرين‬ ‫الغريية‬
‫نصائح ملموسة من خالل املعالج أو أفراد املجموعة‪.‬‬ ‫اإلرشاد‬
‫تقبل اجلوانب املنكرة حتى اآلن‪.‬‬ ‫االستبصار‬
‫خربة التقدم لدى اآلخرين‬ ‫بعث األمل‬
‫تعرف املسؤولية الذاتية‪ ،‬احلدود الذاتية‬ ‫عوامل وجودية‬
‫وفق إجياد املثل األعىل يف املجموعة‬ ‫التامهي‪/‬التعلم‬
‫النموذج‬
‫مدخل التعلم البني تغذية راجعة حول السلوك من املجموعة‬
‫شخيص\التغذية‬
‫الراجعة‬
‫البني جتريب أنامط سلوكية حمددة‬ ‫خمرج‪-‬التعلم‬
‫شخيص‬
‫التعبري عن املشاعر‪ ،‬التعبري عن النقد‪.‬‬ ‫التنفيس‬
‫خربة إمكانات االنفتاح عىل الذات‬ ‫االنفتاح الذايت‬
‫معرفة "مجيعنا يف قارب واحد"‪.‬‬ ‫عمومية املعاناة‬
‫إعادة إحياء خربات نقل الوالدين‪-‬أو األخوة إىل األفراد اآلخرين يف‬

‫‪526‬‬
‫ممارسة العالج النفسي‬

‫العالقة األرسية (أو املجموعة‪.‬‬


‫األخرى)‬

‫العالج النفساني املركزي‬


‫بام أنه للعالج املركزي (الرتقيدي) يف املحيط الناطق باألملانية أمهية خاصة جد ًا‬
‫داخل نظام الرعاية فسوف تتناول أخري ًا مسألة عوامل التأثري هلذا الشكل اخلاص من‬
‫العالج النفساين‪ .‬و يعرف العالج املركزي (الرتقيدي) عىل أنه عبارة عن توليف من‬
‫"تقنيات التدخل النفسية املحددة املتنوعة"‪ .‬ويفرق يانسن ‪ Jansen‬بني املستويات‬
‫املختلفة للعالج‪ ،‬أال وهي العالج النفساين "التفسريي‪ ،‬القائم عىل املواجهة"‬
‫و"املستوى فوق اللفظي‪-‬اإلبداعي" (من نحو األساليب ذات التوجه اجلسدي أو‬
‫احلركي‪ ،‬والعالج اجلشطلطيل و العالج باملوسيقى) و املجال الطبي‪-‬الراعي‪ ،‬احلامل‪.‬‬
‫وقد برهنت الدراسات حول عوامل التأثري باستمرار‪ ،‬أن التقنيات غري اللفظية بالتحديد‬
‫متثل إكامالً مه ًام ويتم تقويمها بشكل عال و بشكل خاص لدى املرىض املضطربني بشدة‬
‫أو املرىض الذين يميلون للتجسيد حيث تتيح هلم املدخل لالنفعاالت‪ ،‬التي يصعب‬
‫التعبري عنها لفظي ًا‪ .‬وهبذا ربام يمكن اعتبار النتائج حول التأثري املمكن للتوليف بني‬
‫التقنيات اللفظية و غري اللفظية عىل أنه نموذج صالح يف العالج يف املستشفى للمرىض‬
‫املترضرين بشدة‪.‬‬
‫اليشء اجلوهري يف تأثري العالج النفساين املركزي يبدو اإلمكانية بالنسبة للمرىض‪،‬‬
‫حسب سامهتم و حسب تفضيلهم "الفردي" أن خيتاروا هذه أو تلكمن الكم الكبري‬
‫لعروض العالج‪ ،‬التي تتوافق بشكل جيد مع فهمه للمرض‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه تعد اجلامعة العالجية عامل تأثري جوهري ممكن للعالج املركزي‪،‬‬
‫إىل جانب ابتعاد املريض خالل العالج عن حميطه املألوف‪ .‬وهذه املجموعة مصممة‬
‫حسب الطريقة املنظم من خالهلا القسم العالجي ومن خالل مدة اإلقامة (يف األقسام‬
‫املركزية لفرتة طويلة جد ًا عىل األغلب) و برنامج العالج نفسه‪ .‬وكل هذه العوامل تتيح‬

‫‪527‬‬
‫األسس النظرية للعالج النفسي‬

‫للمريض بنية موثوقة و يف الوقت نفسه إمكانية إخراج(عرض) صعوباهتم يف بعض‬


‫األحيان‪ .‬وتعرب الدراسات اإلمبرييقية حول العالج النفساين املركزي (الرتقيدي) عن‬
‫أمهية اجلامعة العالجية يف التقدير اإلجيايب اجلامعي من خالل املريض‪ .‬ومن وجهة‬
‫املريض فإن احلياة املشرتكة مع اآلخرين وحالة القسم ذات أمهية مشاهبة لإلجراءات‬
‫العالجية امللموسة‪ .‬وتتيح احلياة اليومية يف القسم الذي تتاح فيه للمقيمني عدد كبري‬
‫من اخلربات بني شخصية سواء يف العالقة باملرىض اآلخرين أم بأفراد الفريق‪ ،‬مع العلم‬
‫أن هذه اخلربات أكثر كثافة مما هو احلال عليه يف العالج اخلارجي‪.‬‬
‫ويف دراسة حول العالج املركزي (الرتقيدي) يف املجموعة ظهر أن العدد األكرب من‬
‫املشكالت والرصاعات التي يتم نقاشها يف املجموعة‪ ،‬تكون شبه مستلهمة من خالل‬
‫الصعوبات يف التعامل مع بعضهم يف القسم مع العلم أن هذه الصعوبات غالب ًا ما تكون‬
‫تكرار ًا ملشكالهتم البني شخصية املعروفة لدى املرىض من عالقاهتم بأفراد األرسة أو‬
‫األطر املرجعية املهمة األخرى‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫لقد أدرك فرويد يف وقت مبكر بأن جمرد التحديد لألسباب التاريخ حياتية املمكنة لدى مرضاه يكاد ال‬

‫يقود إىل أية نتيجة‪ ،‬حبيث أن اإلخبار باملحتويات النفسية املكبوتة ال يكفي من أجل إحداث تغيري‪.‬‬

‫فالتحليل النفساين ليس تفسريًا استعرافيا ينجم عنه تعديالت سلوكية‪ ،‬وإمنا هو مواجهة مؤثرة انفعاليا‬

‫لكال املشاركني حول حيوية العالقة و خرباهتا‪.‬‬

‫حىت الرجوع إىل املراجع التقليدية يف العالج السلوكي يظهر أنه قد مت منح بناء العالقة العالجية‬

‫ويف دراسات املقارنة العالجية للتحليل النفسي والعالج السلوكي ظهر أن املعاجلني‬ ‫أمهية كبرية‪.‬‬

‫السلوكيني كانوا متفوقني يف متغريات بناء العالقة العالجية (مقاسة مبقياس العالج النفساين املتمركز‬

‫حول املتعاجل) على معاجلي التحليل النفسي‪.‬‬

‫وقد مت النظر باستمرار لنوعية العالقة العالجية يف العالج السلوكي على أهنا مهمة‪ ،‬ولكن على األغلب‬

‫متغرية خلفية "غري نوعية" ألن املرء مل يبذل لفترة طويلة جهده يف تفحص املتغريات املهمة للعالقة‬

‫العالجية و توضيحها نظريًا؛ إال أهنا كمتغريات خلفية ضمنية كانت دائمًا مهمة‪ .‬وقد تغري األمر يف‬

‫السنوات الثالثني األخرية‪ :‬إذ يتم دراسة وحتليل متغريات العالقة العالجية كمتغريات واضحة‪.‬‬

You might also like