Professional Documents
Culture Documents
ممارسة العلاج النفسي
ممارسة العلاج النفسي
تأليف
Wolfgang Senf
Mechael Broda
ترمجة
أ.د .سامر مجيل رضوان
متخصص يف علم النفس اإلكلينيكي
ممارسة العالج النفساني
األسس النظرية للتحليل النفساني والعالج السلوكي
هذه ترمجة عربية لكتاب
Praxis der Psychotherapie
Theoretische Gerundlagen von Psychoanalyse und Verhaltenstherapie
Herausgegeben von Wolfgang Senf und Michael Broda
Georg Thieme Verlag
Stutgart New York
ترمجة
أ .د .سامر مجيل رضوان
أستاذ يف علم النفس اإلكلينيكي
الناشر :املرتجم
طبعة منقحة
2019
احلقوق مجيعها حمفوظة للمرتجم
حقوق امللكية األدبية والفنية مجيعها حمفوظة للمرتجم .وحيظر طبع
أو تصوير أو ترمجة أو إعادة تنضيد الكتاب كامال أو مُجز ًأ أو تسجيله
على أشرطة تسجيل أو إدخاله على الكمبيوتر أو برجمته على
أسطوانات ضوئية إال مبوافقة املرتجم خطياً.
© Copyright
All rights reserved
2019
الصفحة املوضـوع
المحتويات
21 الفصل األول
21 ما هو العالج النفساني
21 .1ما هو العالج النفساني؟
23 تعريف معقول
29 تعريف موسع
31 الفصل الثاني
31 األسس البيولوجية النفسية للسلوك
31 مدخل
33 األسس البيوكيماوية لالضطرابات النفسية
48 األسس البيونفسية لإلدمان واأللم
األسس الفيزيونفسية للتدخالت الطبية السلوكية psycho physiological
56 basics of behavior medical Interventions
63 الفصل الثالث
63 صور األمراض ،التصنيف ،التوثيق
63 مدخل
68 مبادئ التصنيف اإلجرائية في اآلي سي دي ICDوالدي أس أم DSM
68 المبادئ
69 العواقب بالنسبة للتصنيف
74 مبادئ متعددة المحاور مكملة ومتممة
5
المحتـويـات
6
المحتـويـات
7
المحتـويـات
8
المحتـويـات
9
المحتـويـات
10
المحتـويـات
11
المحتـويـات
12
المحتـويـات
13
المحتـويـات
14
مقدمة املترجم
بسم اهلل الرمحن الرحيم
مر العالج النفساني منذ نشوئه وحتى اليوم مبجموعة كبرية من التطورات
والتغريات بفضل البحث العلمي واخلربات اإلكلينيكية اليت أدت إىل توسيع
معارفنا ،وبشكل خاص فيما يتعلق بالعالج النفساني والعالج الدوائي ،وإىل
مزيد من الفهم لألسس النفسية والبيولوجية لالضطرابات النفسية ،وإىل حتسني
الوسائل التشخيصية النفسية والطبية النفسية ،وحتديد أوضح للحدود
واإلمكانات .وهذا ما يفتح الباب واسعاً على مصراعيه حنو الدعوة إىل التعاون
بني املدارس واالجتاهات بدالً من املواجهة .وهذا ال يعين إزالة الفروق بني االجتاهات
املختلفة ،فالفروق ستظل بني األساليب والطرق املختلفة موجودة وهي ليست
بالقليلة على اإلطالق.
وهو يف النهاية يسعى حنو تهديم اجلدار بني املدارس العالجية واجملموعات املهنية.
وهو بهذا يتطرق ألهم اجتاهات النقاش الراهنة يف العالج النفساني ،ويهدف إىل
اإلسهام يف هذه االجتاهات يف الوقت نفسه.
وهو ككتاب مرجعي يقدم إمكانية التعرف على أسس أهم اجتاهني رئيسيني
يف العالج النفساني بشكل منهجي ومؤسس وموضوعي ومتمركز حول املمارسة
يف الوقت نفسه.
ومن هذا املنظور حياول الكتاب توضيح األسس النظرية للتحليل النفساني
والعالج السلوكي مبتدئا مبحاولة اإلجابة عن السؤال املتعلق مباهية العالج
النفساني ،وهي إجابة ليست سهلة يف كل األحوال ،وقد تتطلب قراءة الكتاب
كامالً قبل أن يستطيع اإلنسان الوصول إىل تصور عما ميكن أن تكون عليه
ماهية العالج النفساني .ويعطي حملة عن األسس البيو-نفسية للسلوك للعالج
النفسي من أجل متكني املعاجل النفساني من فهم املعادِالت البيولوجية للسلوك
اإلنساني وفهم آلية تأثري األدوية النفسية بشكل أفضل وفيما يتعلق باألسس
15
مقدمة المترجم
16
مقدمة المترجم
واهلل املوفق
أ .د .سامر مجيل رضوان
17
مقدمة المترجم
18
مقدمة المترجم
الباب األول
ما هو العالج النفساين
19
مقدمة المترجم
20
الفصل األول
21
األسس النظرية للعالج النفسي
النفس :الروح يف قوله تعاىل{ :أخرجوا أنفسكم} <األنعام >93/قال{ :واعلموا أن اهلل يعلم ما يف أنفسكم 1
فاحذروه} <البقرة ،>235/وقوله{ :تعلم ما يف نفيس وال أعلم ما يف نفسك} <املائدة ،>116/وقوله:
{وحيذركم اهلل نفسه} <آل عمران >30/فنفسه :ذاته ،وهذا -وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف
ومضاف إليه يقتيض املغايرة ،وإثبات شيئني من حيث العبارة -فال يشء من حيث املعنى سواه تعاىل عن االثنوية
من كل وجه .وقال بعض الناس :إن إضافة النفس إليه تعاىل إضافة امللك ،ويعني بنفسه نفوسنا األمارة بالسوء،
وأضاف إليه عىل سبيل امللك .مفردات غريب القرآن لألصفهاين)( .املرتجم)
22
ممارسة العالج النفسي
(Bastine, واملربر علمي ًا للمعالج النفساين بنوع خاص من العالقة البني شخصية؟
) 1982؟
أم أن العالج النفساين بوصفه مهنة غري معقولة هو أقرب للفن منه إىل العلم؟ أم
أن العالج النفساين هو ببساطة كل ما يفعله معالج نفيس حمرتف؟
وعىل ما يبدو فإن إجياد إجابة واضحة وحمددة عن السؤال حول ماهية العالج
النفساين ليس باألمر اليسري .فاملراجع ال تساعد كثري ًا عىل إجياد تعريف واضح ،فهناك
نجد تعاريف صعبة أو ال نجد عىل اإلطالق .أو أننا نجد أنه قد تم حتت مفهوم العالج
النفساين جتميع جمموعة من أساليب العالج النفسانية أو التقنيات العالجية تشرتك
مجيعها يف أهنا تزعم أهنا تتناول األعراض الباثولوجية بالطرق النفسية ،مع العلم أن
1
االختيار يتم حسب املوقع التخصيص أو التوجه املدريس .وحتى اجلمهور غري
املتخصص (املرىض ومسؤولو الصحة وصناديق الضامن الصحي ...الخ) ،فإهنم غالب ًا
جيهلون ذلك .والواضح هو أنه البد وأن يكون العالج النفساين عبارة عن تنوع ملون
تصعب اإلحاطة به ومن ثم فهو غامض ،وأن هناك عارضون شديدو االختالف
يتنافسون ،بل أهنم غالب ًا عىل ملء صوهتم يف وسائل اإلعالم .وعىل أية حال فقد مجع
هرينك يف عام Hernik 1980أكثر من 250طريقة من طرق العالج.
تعريف معقول
من بني كثري من حماوالت تعريف العالج النفساين يوجد تعريف مازال حتى اليوم
أفضل تعريف مناسب ،وذلك يف سبيل حتقيق التنظيم واملنهجية يف هذا التنوع .ويقصد
هبذا التعريف الذي وضعه سرتوتسكا يف عام Strotska 1975يف كتابه الذي مازال حتى
اليوم جدير ًا بالقراءة وحديث ًا بعنوان" :العالج النفساين :األسس واألساليب
والفاعلية" ،وباملناسبة فهو أول كتاب تكاميل حول العالج النفساين.
ِ
وأعراضها). ِ
(أسباهبا 1الباثولوجيا؛ ِعلم األمراض
23
األسس النظرية للعالج النفسي
وعىل الرغم من أنه قد متت صياغة هذا التعريف يف عام 1975بشكل ذرائعي
(عميل) واستند إىل ما ينبغي للعالج النفيس أن يكون عليه فإنه هناك القليل إلضافته له
من املنظور الراهن .إنه تعريف شامل وصائب ومقبول من غالبية املعاجلني النفسانيني.
ونرغب هنا بإكامله وتدقيقه من خالل املبادئ واألفكار واملالحظات التالية.
وينبغي ملفهوم العالج النفساين أن يقع يف جمال العالج املنهجي للمرىض يف الرعاية
الطبية من خالل اخلدمات العالجية النفسانية ،وينبغي أن تتم معاملته يف املستقبل طبق ًا
24
ممارسة العالج النفسي
لذلك .العالج النفساين عبارة عن اإلجراء العالجي املتخصص املربهن علمي ًا واملخترب
إمبرييقي ًا ،يتم القيام به بالوسائل والطرق العلم نفسية يف اخلربة والسلوك هبدف عالج
األمراض ذات املنبع النفيس أو الوقاية منها ).(Huber,1992
ويتوجه العالج النفساين بوصفه مهنة معاجلة إىل األمراض النفسانية أو األمراض
اجلسمية ذات املنبع النفساين .وتعرف األمراض النفسية عىل أهنا االضطرابات املرضية
يف اإلدراك ومتثل اخلربة والعالقات االجتامعية ووظائف اجلسد ،مع العلم أن الطبيعة
املرضية هلذه االضطرابات تتجىل بالدرجة األوىل من خالل أهنا ال تعود خاضعة للتوجيه
اإلرادي للمريض أو أهنا تكون خاضعة للضبط بشكل جزئي؛ وتصبح ملموسة من
خالل أعراض نفسانية أو جسمية ويف أنامط السلوك املرضية ،والتي يمكن أن تكمن
خلفها األزمات الراهنة للحدث النفيس ،وكذلك البنى والوظائف النفسية واجلسمية
املرضية .ويقصد بالبنى النفسية أسس احلدث النفيس االستعدادية فطري ًا واملكتسبة
حياتي ًا ،القابل للمالحظة (أي احلدث النفيس) املبارشة ولالستنتاج غري املبارش .وضمن
هذا املفهوم املريض تقع كل العصابات واألمراض النفسية واضطرابات الشخصية.
أما جماالت تطبيق العالج النفساين خارج جمال عالج األمراض فيكمن يف الوقاية
وإعادة التأهيل.
life wisdom وينبغي فصل العالج النفساين عن العناية بواسطة حكمة احلياة
التطبيقية يف إطار الرعاية االجتامعية النفسانية واإلرشاد اللذان عىل الرغم من أهنام يمكن
أن يستخدما التدخالت النفسية اإلكلينيكية أو تقنيات عالجية نفسية منفردة ،ولكن ال
يمكن تسميتها بالعالج النفساين.
ملزمة بالنسبة ملامرسة مهنة العالج عىل كل
حيدث العالج النفساين يف داخل أطر ِّ
معالج نفيس االلتزام هبا .ويفرتض أن تكون األسس املتعلقة بالسياسة الصحية
واالقتصادية والقانونية واألخالقية ومتويل العالج النفساين ووسائله حمددة ومنظمة
بدقة يف اهليئة الصحية .ومن الناحية القانونية فإن كل معالج نفساين يرتبط مع متعاجليه
25
األسس النظرية للعالج النفسي
بعالقة عمل ال تتحدد من خالهلا العالقة العالجية فحسب والتي ينبغي أن تتحدد
بوضوح عن العالقة الشخصية ،وإنام التي يتم احلث فيها عىل أن يتم تقديم أفضل
مساعدة ممكنة للمتعالج تتناسب مع املستوى الراهن للتطور.
26
ممارسة العالج النفسي
املدرسية وأدلة عالج مفصلة .وتعد املبادئ العالجية النفسانية التكاملية من املؤرشات
املستقبلية للتطور احلديث للعالج النفساين.
27
األسس النظرية للعالج النفسي
وكام أنه ال جيوز القيام بأي إجراء عالجي طبي دون اختبار مدى نجاحه ،فإن
األساليب العالجية النفسانية خاضعة كذلك لالختبار العام.
ويرتبط إجراء العالج النفساين بدرجة عالية من املطالب األخالقية واألمر ال حيتاج
ٍ
بسبب منه )2( ،مغالطة منطقية. )1(1بعد هذا ،وإذن
28
ممارسة العالج النفسي
يف الواقع إىل تذكري ،أن العالقة العالجية هي بوضوح وبشكل قطعي تستبعد حدوث
أية عالقة شخصية أو عالقة صداقة أو عالقة محيمة أو عالقة جنسية.
تعريف موسع
عىل خلفية ما قيل يمكن أن يتم توسيع التعريف السابق لسرت وتسكا Strotzkaعىل
النحو اآليت:
وينبغي أن تكون هذه املعلومات ملزمة للعالج النفساين اليوم .فمن خالهلا يمكن
اختبار نوعية العمل العالجي املعروض .والشكل العالجي الذي يراعي بعض هذه
29
األسس النظرية للعالج النفسي
املطالب ،لن يؤخذ بعني االعتبار ،وهذا هيدف إىل أن يعيد مروجو هذا األسلوب
التفكري.
30
ممارسة العالج النفسي
الفصل الثاني
مدخل
"ولكن ما هيمنا هنا هو العالج من حيث أنه يعمل فقط بالوسائل النفسانية ،يف
الوقت احلايل ال نملك وسيلة أخرى .قد يعلمنا املستقبل التأثري بواسطة مواد كياموية
خاصة بشكل مبارش عىل كميات الطاقة وتوزيعاهتا يف اجلهاز النفيس .وربام تظهر
إمكانات أخرى من العالج ال عهد لنا هبا من قبل؛ أما يف الوقت الراهن فليس لدينا
عروض أفضل من تقنيات التحليل النفيس وهلذا السبب عىل املرء أال يقلل من أمهيته
عىل الرغم من حدوده"(Freud, 1940, P. 108) .
31
األسس النظرية للعالج النفسي
إذ ال يمكن هلذا الفصل إال وأن يظل –مرغ ًام -غري باعث عىل الرضا .ومن املثري لالهتامم
فإن املقال الشامل –بشكل عام -لشفارتس Schwarzالذي يرجع للعام 1978بعنوان
"األسس البيولوجية للعالج النفساين وتعديل السلوك Psychobiological
" foundation of Psychotherapy and behavior changeقد تم إلغاؤه من الطبعة الثانية
لغارفيلد وبريغن ) ،Garfield & Bergin (1978بدون تعويض يف الطبعة الرابعة لبريغن
وغارفيلد ) .Bergin & Garfield (1994ومن املؤكد فإن هذا يعد مؤرش ًا عىل مدى قلة
ما يتوفر من املُ رربهن واملهم عملي ًا يف هذا امليدان .وما يمكن أن حيدث هنا هو وصف
موجز للقليل مما هو معروف حول األسس البيولوجية لألمراض النفسية وهبذا تقديم
أساس يمكن من خالله عىل األقل يف يوم من األيام بناء نموذج بيولوجي نفيس
للتدخالت.
وقد كان االختيار هنا من بني كم كبري من املواد صعب ًا جد ًا ،وخصوص ًا أن اإلطار
املتاح يف هذا املقام ال يتسع .وسوف نقوم يف البداية بعرض النظريات البيوكياموية
لالضطرابات النفسية (الفصام ،االكتئاب ،أعراض القلق ،اضطرابات التوتر التالية
للصدمة ،مدعمني هنا بعدد كبري من الدراسات اجليدة منهجيا والقوية تنبؤي ًا ويف بعض
األحيان املصاغة بدقة بحق .وحيتمل أن تكون معارف هذه األسس مهمة لكل واحد
يعالج مرىض هبذه الصور املرضية؛ ومن جهة أخرى يقدم الفصل أساس مهم من املعرفة
للمعاجلني النفسانيني من غري األطباء non-medical Psychotherapistsحول العالج
الدوائي الذي يتم يف الوقت نفسه دائ ًام تقريب ًا وأسلوب تأثريه املفرتض .كام يبدو كذلك
أن األسس البيونفسية لإلدمان واألمل تستحق العرض الدقيق هنا ،ذلك أن مرىض
اإلدمان واألمل يشكلون جزء ًا ال يستهان به من حميط األشخاص الذين يعاجلون عالج ًا
نفسي ًا ،وال يمكن للتدخالت املالئمة أن حتدث من دون أخذ املعرفة األساسية
البيولوجية املتوفرة بعني االعتبار .باملقابل قررنا بعد تفكري كاف التطرق إىل األسس
العضوية للتأثريات الطبية السلوكية .أما العروض حول آليات التأثري النوعية وغري
النوعية لإلرجاع احليوي و االسرتخاء أو املسائل اخلاصة بأبحاث االستنباه
32
ممارسة العالج النفسي
الباطني interception researchesفتبدو لنا مفيدة فقط يف إطار مناقشة مفصلة لصور 1
االضطرابات منفردة و عالجها .هلذا سنكتفي هنا ببعض املالحظات املقتضبة ،املرتبطة
باإلشارة إىل القليل من املراجع.
ففي احلالة النموذجية تنترش استثارات جدار اخلاليا داخل العصبونات من خالل
األلياف العصبية (املحور العصبي ،)axonوهو ما حيدث بطرق كهربائية بواسطة
تغريات قصرية األمد يف توزع األيونات .وينقسم املحور العصبي يف هنايته إىل تفرعات
عدة تتصل بام يسمى بالعقد النهائية مع جدار خاليا عصبية أخرى .ويف هذه األماكن
من االتصال املشرتك لعصبونني ،والذي يسمى املشبك العصبي synapseيتابع النقل
العصبي لالستثارة طريقه بطريقة كيميائية :فعند هنايات العقد العصبية للخاليا قبل
املشبكيه pre-synapsesيتم حترير مواد ناقلة (نواقل ،مرسالت )Transmitterفتنترش يف
الشق املشبكي وترتاكم بكمية حمددة يف أماكن استقبال حمددة ،تسمى املستقبالت
.Receptorsويوجد عدد كبري من النواقل العصبية املختلفة يف اجلهاز العصبي ،يمكن
هنا ذكر األستيل كولني Acetylcholineو السريوتونني ،Serotoninوالدوبامني
،Dopamineواألدرينالني Adrenalineو النورادرينالني .Noradrenalinولكن يف كل
مشبك عصبي يتم طرح نوع واحد من النواقل العصبية فقط ،فيستجيب له املستقبل
باطني :متعلق باملس رتنْ ربهات الباطنية interoceptorsأو باملن ِّبهات املؤثرة فيها أو بمفاعيله .يقابلها
ّ استنباهي
ّ 1
ّ
استنباهي خارجي :متعلق باملستن ربهات اخلارجية exteroceptorsأو باملن ِّبهات املؤثرة فيها أو
ّ exteroceptive
بمفاعيلها
2اخلاليا العصبية Neurons
33
األسس النظرية للعالج النفسي
املتموضع هناك لوحده .وحسب نوع املستقبل فإنه يمكن لإلشغال بالناقل املناسب أن
يقود إما إىل إزالة استقطاب depolarizationالغشاء اخللوي بعد املشبكي
postsynaptic Cell membraneاألمر الذي يسهل تشكل االستثارة واالنتشار أو إنتاج
فرط استقطاب Hyper polarization؛ وهذا يضعف عندئذ االستثارات املنطلقة من
املشابك األخرى أو يكرسها كلية .فإذا كانت التغريات يف األغشية بعد املشبكية من
خالل إزالة االستقطاب املتكرر أو من خالل إزالة االستقطاب الظاهر يف الوقت نفسه
يف أماكن كثرية كبرية كفاية حيصل تشكل احتاملية ترصف action potential؛ فينترش هذا
كهربائي ًا عىل طول املحور العصبي إىل العقد القاعدية ويقود هناك من جهته إىل حترير
مواد النقل العصبي ،التي تصل إىل أغشية األعصاب األخرى أو العضالت أو األعضاء
أيض ًا.
ويف هذا املقام ال بد من اإلشارة ببعض العبارات إىل تنظيم طرح النوافل العصبية
وتثبيطها ،وهو ما ال غنى عنه لفهم طريقة تأثري أدوية نفسية معينة :إن النوافل املطروحة
ال تستطيع الرتاكم يف املستقبالت بعد املشبكية فحسب ،وإنام ترتاكم كذلك فيام يسمى
باملستقبالت الذاتية قبل املشبكية ،pre synaptic Auto receptorsالتي يقدم امتالؤها
(إشغاهلا) معلومات حول تركيز الناقل العصبي املوجود يف اللحظة الراهنة يف الشق
ِ
املشبكي ،وينظم اإلنتاج يف اخللية قبل املشبكية .واجلزيئات املُرسلة Transmitter
ال املستقبالت ،Receptorsومتارس التأثري moleculeاملحررة تشغل (متالً) كثري ًا أو قلي ً
املوصوف أعاله ،و ترقد بعد ذلك ثانية بشكل حر يف الشق ،حيث يمكنها من هناك
التمركز (أو الرتسب) من جديد يف مستقبل أو يتم تثبيطها .ففي األمينات األحادية
املهمة ،وبشكل خاص الدوبامني والنورأدرينالني والسريوتونني حيدث هذا األخري من
خالل إعادة القبض يف العقد القاعدية )(Re-up-take؛ وهنا إما أن يتم –وذلك حسب
الرتكيز املوجود واملرغوب يف اللحظة الراهنة -حتطيمها من خالل اإلنزيم أوكسيد
األميني األحادي ( monoamine oxidizeمثبط األنزيم املؤكسد) MOAأو يتحرر من
جديد بنتيجة النبضات الكهربائية الواردة.
34
ممارسة العالج النفسي
35
األسس النظرية للعالج النفسي
املالحظات ،التي سوف نشري هنا إىل أمهها :فقد تم استنتاج أن األمفيتامينات
،Amphetamineوهي جمموعة من املنشطات النفسية ،التي يعتقد أن تأثريها يقوم عىل
حترير متزايد للدوبامني يف املشابك يمكنها أن تثري األعراض الذهانية من نحو هذيان
املالحقة أو األهالس السمعية عىل سبيل املثال .كام متت مالحظة أعراض مشاهبة يف
بعض األحيان لدى مرىض الباركنسون ،الذين يتم إعطائهم عقار أل-دوبا L-Dopa
للعالج ،وهو مادة أولية من الدوبامني .إال أن أهم دليل يكمن يف تأثري امل ُع ِّقالت
(املثبطات )Neurolepticaاملستخدمة عالجي ًا يف الفصامات والفاعلة أيض ًا إىل درجة
معينة .ومن هذه امل ُع ِّقالت نعرف بتأكيد مطلق إىل حد ما أهنا تشغل (حتتل) مستقبالت
الدوبامني دون أن تسبب التغريات املحرضة induceمن الدوبامني (حصار
)Blockade؛ وعىل ما يبدو فإن الفاعلية العالجية للم ُع ِّقالت املختلفة تتمثل يف وظيفة
كفاءهتا ،أي يف االرتباط بمقادير خمتلفة بمستقبالت-د.D2-Receptors 2
وبام أن احلصار يف العادة ال يطال-كام هو مرغوب بحد ذاته -املشابك زائدة
النشاط فقط ،يف املسارات اللمبية الوسطى و القرشية الوسطى ،وإنام كذلك مسارات
36
ممارسة العالج النفسي
1
أخرى ،أي املنظومات املولدة للدوبامني املسؤولة عن احلركة (وبشكل خاص مسارات
( ،)Nigrostriatalانظر الشكل) فإنه يمكن تفسري الظهور املنتظم لعرس احلركة الذي
يظهر عند إعطاء امل ُع ِّقالت بعد بداية العالج بوقت قريب عىل شكل متالزمة باركنسون
(Parkinson-Syndromeتصلب العضالت ،ارتعاش و فقر احلركة)؛ وبام أن هذه
األعراض تالحظ يف مرض باركنسون ،الذي يقوم عىل تلف العصبونات املولدة
للدوبامني يف املادة السوداء Substianta nigraللدماغ األوسط ،فإنه يغلب الظن أن
2
اضطرابات احلركة التي تولدها امل ُع ِّقالت بتأثريات مشاهبة ترجع إىل املنظومة مولدة
الدوبامني املطابقة .بل أن الوضع من الناحية التارخيية متثل يف أن األعراض الباركنسونية
املالحظة عىل أهنا تأثريات جانبية قد بررت الفرضية القائلة إن تأثري امل ُع ِّقالت يقوم عىل
ختفيض نشاط املشابك العصبية املولدة للدوبامني .وقد تم توريد الدليل األول حلصار
املستقبل Receptor blockadeبداية عىل أساس هذه الفرضية .أما عرس احلركة املتأخر
1هناك مخسة مسارات مهمة تنتقل عربها الدوبامني يف الدماغ :األول هو املسار امليزوليمبي -املسخدقي ،الذي ينطلق
من املادة السوداء إىل اجلهاز احلويف والقرشة املخية احلديثة ،ويشرتك يف نظام املكافأة ويتورط يف اإلدمان .والثاين
هو مسار ، nigrostriatalالذي ينطلق من املادة السوداء إىل املخطط املخطط هلا ويوصف أعاله .واملسار الثالث
هو نظام الدرنات احلديدي الذي ينتج فيه النواة يف الوطاء الدوبامني وتطلقه يف الدورة البدارية للغدة النخامية
لتثبيط إفراز التمدّ د من الغدة النخامية األمامية .النظام الدوباميني الرابع هو املسار النخاعي حول البطني ،
والذي يتكون من اخلاليا العصبية يف اجلزء احلركي من العصب املبهم .يشتبه يف هذا املسار يف سلوك تناول
دورا الذي يلعب دورا يف النرحلة االستباقية للتفاعل
الطعام .املسار اخلامس هو املسار اخلامل ،الذي قد يلعب ً
اجلنيس .عن https://ar.sweet-life.club/37391-what-is-striatal-dopamine.html
2املادة السوداء (بالالتينية )Substantia Nigra :هي بنية من الدماغ املتوسط مسؤولة عن املكافأة واحلركة بشكل
أسايس .يعكس االسم "املادة السوداء" حقيقة أن بعض أجزائها تكون أغمق من األجزاء املجاورة نتيجة وجود
الفعل .تم اكتشافها يف عام 1784بواسطة Félix نسب مرتفعة من النيوروميالنني يف اخلاليا العصبية دوبامينينة ِ
،Vicq-d'Azyrوقد أملح اليها صموئل توماس فون يف عام .1791يتميز داء باركنسون بموت اخلاليا العصبية
الدوبامينية يف اجلزء املكتنز من املادة السوداء .عىل الرغم من ظهور املادة السوداء كطبقة واحدة متصلة يف مقاطع
الدماغ ،فقد وجدت الدراسات الترشجيية أهنا تتكون يف احلقيقة من جزئني خيتلفان كلي ًا رَ يف الوظيفة واالتصاالت،
اجلزء املكتنز (بالالتينية )pars compacta :واجلزء الشبكي (بالالتينية .)pars reticulata :وقد تم تقديم هذا
التصنيف ألول مرة بواسطة سانو عام .1910يعمل اجلزء املكتنز يف األساس كمدخل للدارات العصبية املرتبطة
العقد القاعديةُ ،ممِد را اجلسم املخطط بالدوبامني .أما اجلزء الشبكي فيعمل كمخرج ،حيث ينقل اإلشارات من
العقد القاعدية ألماكن عديدة يف الدماغ( .املوسوعة)
37
األسس النظرية للعالج النفسي
املالحظ أحيان ًا بعد سنوات كثرية وبشكل خاص بعد التوقف عن تناول امل ُع ِّقالت عىل
شكل فرط احلركة ،وتقليص عضالت الوجه غري املسيطر عليه إىل حد ما فتعزى إىل
عمليات التنظيم املعاكس لتعويض حصار الدوبامني.
وما زال هناك عدد كبري من املسائل املعلقة وعدم االتفاق يف فرضية الدوبامني هذه.
إال أن أهم نقطة تقول باختصار :إن العالج بامل ُع ِّقالت يؤثر بشكل خاص عىل األعراض
اإلجيابية productive Symptomaticللفصام ،أي عىل سبيل املثال اهلذيان واهللوسة؛ أما
األعراض السلبية minus Symptomaticمن نحو اضطرابات التفكري أو االنسحاب
االجتامعي أو فقر االنفعاالت (سطحية االنفعاالت) فال تتأثر كثري ًا أو قد ال تتأثر عىل
اإلطالق ،بحيث أنه البد لنا من افرتاض إمكانية وجود أساس بيولوجي آخر هلا .أما
الفرضية القائلة إنه يكمن خلف األعراض السلبية ترضر بنيوي morphological
مربهن ،يستجر معه يف الوقت نفسه فرط نسبي يف الدوبامني من خالل تأثري عصبونات
أخرى ،فيمكنها أن تفرس مالحظة التأثري الدوائي االنتقائي وتكمل فرضية الدوبامني
بشكل مفيد؛ إال أن الدالئل اإلمبرييقية يف الوقت الراهن هلذه الفرضية املهمة مازالت
غري كافية كثري ًا .وعىل الرغم من هذه الصعوبات تظل فرضية الدوبامني يف الوقت
الراهن أفضل نموذج بيوكيميائي للفصام؛ فهي عىل الرغم من أهنا ستحظى يف الوقت
القريب العاجل ببعض التعديالت إال أنه لن يتم التخيل عنها كلية .وكام أرشنا أعاله
فإنه من الطبيعي أال يكون قد قيل الكثري حول منشأ الفصام؛ فالتغري املفرتض يف نشاط
الدوبامني حيتاج من جهته ثانية إىل تفسري ،يمكن أن تقدمه النامذج النفسية من حيث
املبدأ .ولكن يف كل األحوال فإنه باملقابل لن تكون هناك نظرية نفسية مقبولة بشكل
كامل حول األعراض الفصامية إذا ما مل تستطع إلقاء الضوء عىل العمليات البيوكياموية
املفرتضة.
ويتم أيض ًا افرتاض وجود اضطراب يف وظائف النواقل –ومن املمكن إىل جانب
ذلك اضطرابات يف منظومة اهلرمونات يف اهليبوتاالموس -hypothalamusالغدة
النخامية -hypophysisحلاء الكظر – suprarenal glandيف اهلوس Melancholia
38
ممارسة العالج النفسي
واالكتئاب "داخيل املنشأ" (وفق التعبري االصطالحي الراهن الطور االكتئايب يف إطار
االضطرابات أحادية أو ثنائية القطب :)uni-and bipolar effective Disorders
ففرضية األمني األحادي لالكتئاب Monoamine hypotheses of Depression1تنطلق
من انخفاض نشاط املشابك املولدة للنورادرينالني و السريوتونني ،مع العلم أنه ال يوجد
هنا الكثري من الدالئل حول البنى الدماغية التي يمكن أن تكون مصابة هنا بشكل
خاص .كام أنه مرة أخرى يصعب الفصل بوضوح فيام إذا كان هذا النشاط املنخفض
للمشابك ناجم عن انخفاض حترير النواقل أو عن تغري املستقبالت ،يف صورة انخفاض
عددي أو قابلية منخفضة لالستجابة.
وهناك جمموعة من الرباهني التي جتعل من هذه الرؤية ممكنة ،بداية الربهان املتمثل
يف أن الرزربني Reserpineاملستخدم يف عالج فرط التوتر ،hypertonicويسبب إفقار
النورادرينالني يف اخلاليا قبل املشبكية ،غالب ًا ما يقود إىل أعراض اكتئابية؛ وثاني ًا اكتشاف
وجود انخفاض يف تركيز -5محض هيدروكسيل األندول 5-hydroxyindoleactic acid
(ويرمز له اختصار ًا ،)5-HIAAوهو منتج لتحطيم السريوتونني ،لدى مرىض االكتئاب
وبشكل خاص لدى املرىض االنتحاريني ،األمر الذي يشري إىل انخفاض يف االستقالب
الدماغي هلذه املادة .وبشكل خاص هنا فإن األمر يشبه ثانية احلال يف الفصام ،إذ كانت
املعرفة عن آليات تأثري األدوية املستخدمة للعالج هي التي قادت إىل ختمني التغريات
البيوكياموية لدى املرىض .فاكتشاف التأثريات املنرية للمزاج و الرافعة للدافع لكابحات
األمني األحادي MAO-inhibitorالتي ختفض من خالل احلصار الواسع ألنزيم
األوكسيد األميني األحادي Mono amino oxidase2هتديم (تفكيك) األمني األحادي
وهبذا ترفع من تركيزها املشبكي ،قد وجه األنظار إىل الناقل النورادرينالني
و السريوتونني والدوبامني .كام أن نتائج أخرى انبثقت عن التبرص يف آليات تأثري
حمل هيدروجني النشادر. األمني :مركَّب ينتج من إحالل جمموعة أو أكثر من جمموعات ِ
األريل ّ ْ .amine 1
Monoamine oxidase 2مثبط األمني املؤكسد .و األكسيداز هيخمرية من جمموعة مخائر مؤك ِْسدة .
39
األسس النظرية للعالج النفسي
40
ممارسة العالج النفسي
التأثري اإلكلينيكي .ومن هنا فقد طرحت الفرضية القائلة إنه ينبغي البحث عن التأثري
العالجي الفعيل بداية يف انخفاض حساسية املستقبالت ،وبشكل خاص بالنسبة
للنورادرينالني ،كنتيجة الرتفاع تركيز األمني األحادي .أما كيف يمكن التوفيق بني
هذه الفرضية مع أطروحة انخفاض نشاط النواقل ،فهذا ما يصعب تصوره.
بشكل عام هناك انطباع أن فرضية األمني األحادي لالكتئاب مازالت غري كاملة يف
نقاط جوهرية أو أهنا حتتاج إىل تعديالت كبرية؛ فعىل أية حال هناك كثري من الدالئل التي
تؤيد فرضية :أنه ينبغي البحث عن املكافئ البيوكياموي ثانية يف جمال تنظيم النواقل و ما
أرشنا إليه سابق ًا عند نقاش فرضية الدوبامني يف الفصام ينطبق هنا كذلك :فربهان
العمليات الكياموية الكامنة خلف االكتئاب ال يستبعد بأي شكل من األشكال صالحية
التصورات النفسية املقابلة :إال أنه عليها (أي التصورات النفسية) أن تتمكن من تفسري
التغريات املستنتجة أو املفرتضة يف النواقل مثل نامذج النشوء اجلسدية ،كنامذج النشوء
الوراثية أو السمية toxicعىل سبيل املثال .وتظهر الدراسات التي أجريت عىل سبيل
املثال يف جمال نموذج قلة احليلة املتعلمة والتي متكنت من مالحظة وجود انخفاض يف
مستوى النورادرينالني لدى احليوانات "اليائسة" ،كيف يمكن أن حيدث الربط بني
تصورات النامذج النفسية والفرضيات البيوكياموية األساسية .وكذلك لن يصبح
التدخل العالجي النفيس يف االكتئابات داخلية املنشأ مفهوم ًا بشكل أكثر دقة إال عندما
تستطيع يف الوقت نفسه إثبات وجود تغريات بيوكياموية وتستطيع تفسري هذا التغري
بنموذج تأثريها .غري أنه نظر ًا ملعارفنا حول األساس اجلسدي لألعراض االكتئابية التي
مازالت شديدة الغموض فمن املؤكد أهنا حتتاج إىل مراجعات عديدة يفرتض هلدف
الربهان البيوكياموي للعالج النفيس أن يكون بعيد ًا جد ًا.
وهناك القليل من املعارف حول األسس العضوية للهوس (الزهو) ،القطب املقابل
لالكتئاب؛ واملراجع الرائجة التي تتطرق يف العادة بدقة كبرية للنظريات البيولوجية ال
تشري بشكل مثري لالستغراب وال مرة إىل هذه الثغرة امللفتة للنظر .ويفرتض البعض –
وهبذا عىل ما يبدو ليس عىل أساس إمبرييقي معرتف به -وجود فرط يف نشاط
41
األسس النظرية للعالج النفسي
النورادرينالني لدى مثل هؤالء املرىض؛ يف حني يشري آخرون هنا بشكل متحفظ جد ًا
ويناقشون فرط نشاط الدوبامني والسريوتونني أيض ًا .ومن هنا فإن تأثري املُعقالت ،التي
تستخدم يف العادة بنجاح لعالج املتالزمات ذات الشكل اهلويس ،قد ال يكمن عندئذ يف
حصار الدوبامني ،وإنام كذلك يف مستقبالت النورادرينالني و السريوتونني؛ وقد تم
إثبات وجود هذه القرابة affinity1بني أنواع خمتلفة من املستقبالت بالنسبة لكثري من
2
املعقالت Neurplepticaالرائجة .ومازالت يف الوقت الراهن آلية تأثري ملح الليثيوم
Lithiumاملستخدم كذلك يف عالج األطوار اهلوسية و للوقاية من الدفعات اهلوسية
واالكتئابية غري واضحة يف الوقت الراهن .والفرضية القائلة بأن هذه األيونات Ions
تؤثر بشكل موازن عىل املستقبالت ،متثل واحدة من عدة حماوالت تفسري مصاغة بشكل
متحفظ.
كام بحث املرء أيض ًا يف بعض صور األعراض العصابية عن مكافئات بيوكياموية،
أكثفها كان يف اضطرابات القلق ،وخصوص ًا تلك األشكال من نوبات اهللع
واالضطرابات القهرية .ومما يدعم هذه الرؤية -البيولوجية يف جوهرها ،-والتي تستند
عىل األسباب Etiologyأيض ًا وبشكل خمتلف عام يتم التأكيد عليه يف الفصام واالكتئاب،
هو املركبات الوراثية لالضطرابات واالستجابة لألدوية النفسية .ولكن ال يمكن يف
هذا املقام مناقشة إىل أي مدى هذه الرؤية األحادية مربرة؛ إال أنه من اجلدير باالهتامم
هناك جمموعة من مبادئ التفسري النفيس املصاغة .وكام أرشنا أعاله فإنه ينبغي عدم فهم
برهان التغريات البيوكياموية الكامنة خلف هذه االضطرابات كدحض لنامذج املنشأ
النفيس.
تظهر نوبات اهللع حسب كارلسون ) ، (Carlson,1994, P. 570الذي نتبعه هنا يف
العرض الالحق ،بشكل أرسي متكرر و يمكن أن تكون حمددة يف مسارها الوراثي يف
ٍ
أصل. ِ
وحدة 1القرابة (مج) :صلة بني الطوائف البيولوجية تنطوي عىل شبه يف البِنْ رية العامة ّ
وتدل عىل
فيض البياض
فلزي ّ
ّ 2الليثيوم :عنرص
42
ممارسة العالج النفسي
جني وحيد .عدا عن ذلك يالحظ بأنه يمكن استثارة نوبات اهللع من خالل حقن ملح
حامض اللبن (اللكتات )lactateومن خالل استنشاق كمية كبرية من اهلواء املحمل
بثاين أوكسيد الكربون Co2فاالستجابة ملثل هذه اإلجراءات التحريضية نجدها تتكرر
؛
أرسي ًا بشكل كبري .وحسب مستوى املعرفة الراهن فإن األساس العضوي حلاالت
القلق الطبيعي أم املريض عىل حد سواء يتمثل يف نشاط عصبوين مرتفع يف التلفيف
الصدغي temporal lappetو(كاستجابة توقعية )anticipatory reactionيف أجزاء من
اجلهاز اللمبي .إال أنه من املؤكد أنه من املضلل االستنتاج من هذه النتائج وجود تأذي
يف هذه البنى الدماغية لدى مرىض اهللع بغض النظر عن منشأ وطبيعة هذه التأذيات
(أنظر أدناه حول نظرية غري يف القلق).
مل يكن اهتامم البحث النفيس بأمراض القلق متمركز ًا كثري ًا عىل تلك املحاوالت
التموضعية ،Localizatoricalالتي قلام تتضمن أية فائدة عالجية مبارشة ،بل متحور
أكثر حول ناقل عصبي ،يسمى محض الزبد األميني-غاما Gamma amino-butyric
1
( ،acidويرمز له اختصار ًا غابا .)GABAوغابا يدخل كعنرص نقل يف عدد كبري جد ًا
من املناطق يف اجلهاز العصبي وينحرص تأثريه يف الكف فقط ،أي خيفض من حساسية
اخلاليا العصبية للنبضات املثرية من اخلاليا العصبية األخرى .ويؤيد بعض الباحثني
الفرضية القائلة إن نوبات الرصع عبارة عن نتيجة للكف العابر املضطرب ملولد غابا.
Gamma ومن املالحظ أنه يمكن تقوية كف مولدات محض الزبد األميني-غاما
2
بدي (ك) :سائل عديم اللون كريه الرائحة يتشكّل يف الزبدر ة الفاسدة.
1احلامض الزّ ّ
بدي (ك) :سائل عديم اللون كريه الرائحة يتشكّل يف الزبدر ة الفاسدة.
2احلامض الزّ ّ
43
األسس النظرية للعالج النفسي
44
ممارسة العالج النفسي
وحتتل مركز نظرية غري Grayيف القلق فرضية "منظومة الكف السلوكي
،"behavioral inhibition systemالتي يفرتض هلا أن تكون قادرة عىل مقارنة املثريات
احلادثة مع املثريات املعاشة باكر ًا وتوقع املخارج املمكنة للموقف من اخلربات املعمولة.
فإذا ما أحدث مثري ما توقع خمرج غري مرغوب ،تقوم هذه املنظومة عندئذ بحصار أنامط
السلوك املتيرسة وتقود إىل استعداد متزايد للترصف وارتفاع يف االنتباه ملثريات املحيط.
وبشكل مبسط يتعلق تشكيل هذه املنظومة بالعوامل الوراثية من جهة وبمعطيات
املحيط من ناحية أخرى ،وذلك من خالل قيام خربات التعلم بتقديم املعلومات الالزمة
للمقارنات القائمة .ويفرتض غري Grayأن متوضع هذه املنظومة الفرضية هو يف البنى
التابعة للجهاز اللمبي ،وبشكل خاص اجلدار الفاصل septumومنطقة تلفيف حصان
البحر (قرن آمون )hippocampus؛ كام تلعب بنى دماغية أخرى دور ًا مه ًام –كام أشار
سرتانغه ) (Strange,1992عىل سبيل املثال إكامالً لغري ،-املرتبطة ترشحيي ًا ووظيفي ًا
بشكل وثيق مع البنية املذكورة ،من نحو تلفيقة نظري تلفيف حصان البحر (نظري قرن
آمون ) ،Gyrus Para hippocampalisأجزاء من اللحاء الصدغي temporal cortex
واللوزة .amygdaleوكذلك يبدو أن ما يسمى املادة الرماديةperi aqua ductule 2
( Grayخاليا عصبونية بالقرب من معرب االرتباط من التجويف الثالث إىل التجويف
الرابع from III. To IV. Ventricleيف الدماغ األوسط -وتسمى كذلك central
)grayيمتلك نوع من األمهية بالنسبة لنشوء القلق .ويأخذ املرء الدالئل عىل هذه
45
األسس النظرية للعالج النفسي
46
ممارسة العالج النفسي
أعاله حول القلق :إذ يرى أن األعراض القهرية ترجع إىل التنشيط القوي ملنظومة الكف
السلوكية وتطابق تأمين ًا مفرط ًا ضد األخطار املطابقة .ويبدو أنه من غري املفيد كثري ًا يف
إطار هذا العرض املخترص مناقشة الفرضيتان املعروضتان أعاله ،اللتان مازالتا حتى
اآلن غري مدعمتني إمبرييقي ًا واللتان تبدوان غري ناضجتني بيولوجي ًا بعد .وإذا كان البد
من صحتهام فهام ال تنطبقان إال عىل الترصفات القهرية فقط ولكن ليس عىل التصورات
القهرية ،وعالوة عىل ذلك يالحظ أن األفعال التصويرية البدائية primitive Schema
،actionالتي ال متثل األعراض القهرية إال جزء ًا منها ،تكون غنية املحتوى.
Post-traumatic stress disorder تتصف اضطرابات الضغوط التالية للصدمة
ويرمز هلا اختصار ًا PTSDوالتي يمكن أن تظهر نتيجة للصدمات النفسية الشديدة،
بفرط نشاط ودي sympatheticوالعودة املستمرة للصدمة (عىل شكل ذكريات تصويرية
أو كوابيس) ،وانسحاب من األنشطة املعتادة واألعراض االكتئابية .وقد احتلت هذه
الصورة املرضية مؤخر ًا يف املحيط األنجلو أمريكي بشكل خاص مركز االهتامم العلمي؛
وهنا أيض ًا رسعان ما ركز املرء عىل املظاهر العضوية ،مسرتشد ًا بنتائج فرط النشاط
اإلعايش vegetativeوكذلك حقيقة أن كثري من املرىض قد حاولوا التخفيف منها
بواسطة استهالك العقاقري .و يتفق الباحثون عىل أن فرط االستثارة الودية مع ارتفاع
تركيز الكاتيكوالمني -catecholamine concentrateومن املمكن أيض ًا يف الوقت نفسه
نشاط منخفض يف اهليبوتاالموس -hypothalamusهو صفة مهمة لصورة
1
47
األسس النظرية للعالج النفسي
بشكل كامل .واملهم هو فكرة أن التكرار القهري للخربات الصادمة يف الذكريات لدى
هؤالء املرىض يقود إىل إنتاج متزايد لإلندورفني ،Endorphinوهبذا يوازن القصور
املفرتض ،الذي حياول "التثبيت عىل الصدمة "Fixation of Traumaمن خالله التأثري
بشكل معاكس عىل نقص األفيون املستثار من خالل اخلربة نفسها .وتركز املساعي
العالجية عىل ختفيض نشاط اجلهاز الودي وذلك من خالل أشكال خمتلفة من طرق
االسرتخاء من جهة ،ومن جهة أخرى عىل التغلب عىل الذكريات املتكررة بشكل قهري
للصدمة؛ ومن غري الواضح يف الوقت الراهن فيام إذا كانت مضادات االكتئاب ثالثية
احللقة وكابحات األمني األحادي MAO-inhibitorمتتلك تأثري ًا نوعي ًا عىل اضطرابات
الضغوط التالية للصدمة PTSDأم تؤثر عىل األعراض االكتئابية املرافقة.
48
ممارسة العالج النفسي
1اإلندورفني باإلنجليزية ، Endorphinوهو هرمون يتكون من سلسلة عديد الببتيد .وهو مادة موجودة يف اجلهاز
العصبي للبرش واحليوانات .ويشكل اإلندورفني وبعض املواد الكيميائية املامثلة هلا أو القريبة منها والتي تدعى
"باإلنسفالني" جزء ًا من جمموعة كبرية من مركَّبات شبيهة باملورفني وتسمى "أوبيويدات" .وتساعد
األوبيويدات عىل ختفيف اآلالم وتعطي شعور ًا بالراحة والتحسن .ويعتقد العلامء أن اإلندورفني واإلنسفالني
يتحكامن يف قدرة الدماغ عىل االستقبال واالستجابة واإلحساس باألمل أو اإلجهاد .ويمكن أن تشكل جزء ًا من
نظام تسكني األمل يف اجلسم .وقد اكتشف العلامء أصناف ًا متعددة من اإلندورفني واإلنسفالني معظمها مكونة من
الببتيدات ،وهي سالسل من احلموض األمينية .ويعترب "إندورفني ـ بيتا" من أكثر األوبيويدات التي متت
دراستها بتوسع .ويوجد مثل هذا النوع من اإلندورفني يف الدماغ ويف الغدة النخامية ،وهي غدة صغرية توجد
أسفل قاعدة الدماغ ،حيث يمكن أن تعمل بمثابة هورمون .ويوجد إندورفني ـ بيتا وهورمون آخر وهو اهلرمون
اختصارا بـ ACTHيف جزيئات أكرب يف الغدة النخامية حيث تُفرز هذه اهلورمونات ً املوجه لقرش الكظر ويعرف
كرد فعل أو كاستجابة منسقة من اجلسم عند تعرضه لألمل أو اإلجهاد.
2نكيفالني (باإلنجليزية )enkephalin :هو مخايس الببتيد تشارك يف تنظيم حس األمل يف اجلسم من خالل تأثريه يف رفع
أل رمل وترسكينه ،وينتج يف الدماغ وهو من ال رلجائِن (ال رلجني جزيء يلتحم بجزيء آخر) الدر ِ
اخلِ ّية ربي ل ر
ْ املُ ْستروى ال رعت ّ
49
األسس النظرية للعالج النفسي
50
ممارسة العالج النفسي
أقطاب كهربائية مزروعة يف باحات دماغية منفردة من خالل الضغط عىل مفتاح ،إىل
معارف قد تكون مفيدة يف هذا املجال .فام يسمى بمنظومة دوبامني اللب الدماغي
االنتهائي ،mesotelencephalon Dopamine Systemالتي متتد أليافها من الدماغ
األوسط (املادة السوداء substantia nigraومقاطع الغشاء )tegmentumداخل الدماغ
االنتهائي إىل مناطق القرشة cortexومناطق اجلهاز اللمبي والعقد القاعدية Basal
( ganglionحزمة الدماغ األمامي الوسطي medial Frontal brainالذي يستشهد به
كثري ًا يف هذا السياق ،هو جزء مهم من هذه املنظومة ،يبدو أهنا تلعب هنا دور "مركز
الثواب" .وعىل ما يبدو تصبح نسبة االستثارة الذاتية مرتفعة عندما يتم غرس األقطاب
الكهربائية يف أجزاء هذه املنظومة .ومن املمكن أن يبدأ تأثري بعض العقاقري عىل األقل
هناك ،كاألمفيتامينات املنشطة نفسي ًا والكوكايني ،التي تعمل بوصفها مضادات
الدوبامني :Dopamine antagonistsإن تدمري بنى معينة ملنظومة دوبامني اللب الدماغي
االنتهائي mesotelencephalon Dopamine Systemيقود إىل أن تقوم حيوانات
التجارب بإعطاء نفسها كمية أقل من هذه املواد يف حالة قيامها بحقن نفسها وريدي ًا
intravenous Self application.وكذلك يمكن توصيل التأثري "املريح" لألفيون من
خالل هذه املنظومة .وعىل ما يبدو فإن اجلرعات العالية من مضادات الدوبامني تزيل
هذا التأثري؛ عالوة عىل ذلك تطلب الفئران ألنفسها األفيون بشكل ضمن
قحفي intracranialمرار ًا بشكل خاص عندما تصل هذه احلقنة إىل أجزاء من منظومة
اللب الدماغي االنتهائي.
إن أمهية منظومات مولدات الدوبامني وبشكل خاص اللب الدماغي االنتهائي
mesotelencephalonال تقترص بأي شكل من األشكال كام يبدو عىل توصيل تأثري العقار
و االستثارة الذاتية الضمن قحفية intra cranial؛ إذا يبدو أهنا تلعب بشكل عام دور ًا
أساسي ًا بالنسبة للتأثريات املقواة للمثريات أو –من أجل صياغة العبارة بشكل خمتلف
عن عبارات نظرية التعلم -بالنسبة حلصول األحاسيس املفعمة باملتعة .وعليه فقد وجد
رولز وآخرين Rolls et. al,1974مقتبس عن كارلسون )Carlson, 1994, P. 468 ff
51
األسس النظرية للعالج النفسي
أنه لدى الفئران التي حصلت عىل املعقالت (املقلدات العصبية ،)Neuroleptikumأي
حمارصات مستقبالت الدوبامني ،فإن املعززات املعتادة كتقديم الطعام أو السوائل مل
ترفع كاملعتاد من احتاملية ظهور السلوك .وباجتاه مشابه تشري جتارب التفضيل املرشوط
للمكان Conditioned place preference:فاحليوانات تلجأ عموم ًا وبشكل تفضييل
للمكان الذي تم فيه يف السابق تقديم معززات هلا عىل شكل طعام؛ ولكن هذا مل يكن
احلال عندما كان يتم إعطائها كابحات الدوبامني Dopamine antagonisticقبل تقديم
الطعام هلا (Spyraki, Fibiger & Phillips 1982,مقتبس عن .)Carlson, 1994, P. 468
وهنا التهمت احليوانات ما قدم هلا من طعام؛ إال أن التأثري املعزز أو املمتع ظل مفقود ًا.
وهنا بعض املالحظات املخترصة حول األسس البيولوجية لنشوء األمل وعالجه.
كأساس ألحاسيس األمل الطبيعي يفرتض املرء استثارة مستقبالت معينة يف النهايات
العصبية احلرة املوجودة يف أماكن كثرية من اجلسد وبشكل خاص يف اجللد وبعض
األعضاء الداخلية أو حميطها .املثري املكافئ هو االحتكاك باملواد التي يعطي وجودها
إشارة عىل ترضر أو أذى noxiousيف اجلسم؛ ومن هنا فإن استخدام تعبري املؤذيات
(املوجعات )nociceptorsوهي التسمية الشائعة املستخدمة يف املراجع ملستقبالت األمل
من حيث أن أحاسيس األمل ليس هلا أن تتطابق بأي شكل من األشكال مع حالة تنشيط
املؤذيات أكثر من أحاسيس األمل ،عالوة عىل كوهنا تتعلق بمجموعة من العوامل
األخرى (أنظر أدناه).
) يف 1
prostaglandins وحيتمل هنا أن تلعب غدة الربوستا (الربوستاغالندينات
52
ممارسة العالج النفسي
العمليات الكياموية األساسية دور ًا كبري ًا؛ إهنا ترفع حساسية هنايات األعصاب من بينها
احلساسية للهيستامني Histamineو الرباديكينني ، Bradykininوهي مواد تظهر باطراد
1
متزايد كنتيجة لترضر اخلاليا .ويقوم التأثري املسكن ملادة محض ملح األستيل
( acetylsalicylic acidاألسربين ،)Aspirinأشهر مسكن لألمل ،عىل كبح اصطناع
الربوستاغالندينات ،prostaglandins synthesisأي يؤثر يف النهايات العصبية
.peripheryويمكن تقسيم املؤذيات (املوجعات )nociceptorsاملنطلقة من األلياف
العصبية إىل نوعني ،حيث تكون املحاور العصبية املوصلة برسعة مسؤولة عىل ما يبدو
عن التحويل لألمل "اخلفيف" (الوامض) واملحاور العصبية املوصلة ببطء مسؤولة عن
التحويل لألمل "العميق" (املقبض) املتأخر .يتم حتويل األلياف العصبية إىل عصبونات
القرن اخللفي يف النخاع الشوكي للمرة األوىل ،حيث يكون ملا تسمى باملادة Pوظيفة
ناقل مهمة .وهناك أسباب وجيهة الفرتاض أن مكان هذا االرتباط املشبكي يتم تعديله
انطالق ًا من بنى أعىل (نظرية-ضبط-املدخل & Gate-control-theory;Melzack
.)Wall,1965ومن املمكن أن تكون األلياف الصاعدة من بنى جذع الدماغ ،من نواة
االلتحام nucleus rapheتقريب ًا ،إىل عصبونات القرن اخللفي وتغري من خصائصها
الغشائية membraneباستمرار هي املسؤولة عن هذا .ويف هذا املكان حيدث بشكل
مبارش تأثري األفيون داخيل املنشأ الذي يتم حتريره يف الدماغ بنتيجة األمل ،ويقبض بشكل
خاص يف peri aqua ductule Grayاملذكورة يف القطع السابق والتي تظهر كثافة عالية
بشكل خاص من مستقبالت األفيون .وحتول األلياف املنطلقة من هناك االستثارات
احلاثة لألفيون إىل ما يسمى نواة االلتحام nucleus rapheومن هناك إىل عصبونات
لوتسمعس ل لتسم تسش ب ب ب ب تس لأولتس سألماتنلأول أ لتخ يب ب ب ببًنلدتخ لتاد ل.للماسكلا يلأيب ب ب ببًه لايل ح تثلحًس لتسص ب ب ب ب
لتسعس لتسعصب ب لوس أللتااً يل سرضب ب اللتس يً ي لوتسم ً ن لتهسم ًأ لتسأيب ب ة لوتسم ًالتس ًمب ب لتسأ سسب ب لوتسا
وتسحش تس .للل
53
األسس النظرية للعالج النفسي
القرن اخللفي .عندئذ سوف يقود إنتاج األفيونات داخلية املنشأ أو إعطاء األفيونات
خارجية املنشأ وفق نظرية-ضبط-املدخل Gate-control-theoryإىل استمرارية تشكيل
االستثارة عىل املستوى الشوكي .(Carlson, 1994;P. 208ff) spinalومن املمكن أن
تكون الوظيفة البيولوجية هلذا التخدير األفيوين opiate analgesiaهي ختفيض األمل يف
املواقف التي ال يكون فيها اهلرب كاستجابة عىل مثريات األمل مفيد ًا ،يف القتال أو يف
السلوك التزاوجي عىل سبيل املثال ،حيث يفرتض ختفيض احلساسية لألمل ولكن ليس
األحاسيس اللمسية .ويمكن كذلك تفسري التأثري املعروف للبالسيبو من خالل تأثري
األفيونات داخلية املنشأ التي تتحرر عند تنشيط مراكز قرشية حمددة ،التي تظهر
ارتباطات مع املادة الرمادية .peri aqua ductule Grayويمكن اعتبار النتائج القائلة
إن تأثري البالسيبو ال يظهر بعد إعطاء النالوكسون املضاد لألفيون Opiate antagonist
Naloxanدع ًام هلذه الفرضية.
وتنعطف األلياف العصبية الصاعدة ascendingمن القرن اخللفي إىل اجلهة املقابلة
مبارشة وتسري عىل خط املقدمة نحو التاالموس ،Thalamusالذي يمثل حمطة وسطى
مهمة عىل الطريق نحو املراكز احلسية اجلسدية ملحيط القرشة الدماغية .ويف حني أنه من
املتوقع أن يكون التمثل االستعرايف ملثري األمل مرتبط ًا بعمليات يف هذه املنطقة الدماغية،
فإنه يعتقد أن املركبات االنفعالية هي املكافئ للحوادث يف بنى حمددة من اجلهاز اللمبي.
54
ممارسة العالج النفسي
وتدعم العمليات اجلراحية التي كانت شائعة بشكل خاص حتى عقود قليلة خلت
ملرىض يعانون من أمل غري قابل للتخفيف هذه الفرضية .فعىل الرغم من أن ختريب
األجزاء املرتبطة باجلهاز اللمبي من التاالموس Thalamusيقود إىل إمكانية استمرارية
وال يقود حتريض املؤذيات (املوجعات )nociceptorsإىل أحاسيس أمل شديدة إىل
حد قليل أو كبري فحسب وإنام إىل استجابات إعاشية مرافقة ،من نحو تغريات ضغط
55
األسس النظرية للعالج النفسي
الدم أو هجامت التعرق ،ويثري باإلضافة إىل ذلك استجابات حركية عىل مستوى النخاع
الشوكي املذكور أعاله ،كمنعكسات اهلرب أو التوتر االنعكايس عىل سبيل املثال ألجزاء
منفردة من العضالت .وحسب رؤية كثري من الباحثني يمكن هلذا االرتفاع للتوتر
العضيل أن يقود ثانية من خالل نقص تروية العضالت وحترير ما يسمى الكينني
( Quinineوهي مادة قابضة) لتحريض مؤذيات (مؤملات )nociceptorsأخرى وبالتايل
لنمو حلقة مفرغة .ويمكن للخصوصية الفيزيونفسية لدى بعض األشخاص يف
االستجابة للمرهقات stressorsمن خمتلف األنواع بالتوتر العضيل بشكل خاص أن
تؤثر هنا بشكل مزيد للسوء .وعىل هذا املستوى من األمل "العضيل املنشأ "myogenic
بالتحديد حتاول األساليب الفيزيونفسية يف عالج األمل العمل ،كاالسرتخاء العضيل
التصاعدي (مع أو بدون تغذية حيوية راجعة).
ويستنتج مما قيل أعاله بشكل مبارشة بأن استثارة املؤملِات من خالل ترضر اخلاليا
األصيل وأحاسيس األمل املرافقة ال ترتبط بأفضل األحوال إال بعالقة غامضة جد ًا.
فتعديل توجيه املثري ومتثله من خالل املراكز األعىل واالستجابات املحيطية peripheral
مع تأذيات أخرى ممكنة جتعل مثل هذا التصنيف البسيط غري ممكن عىل اإلطالق .والبد
من النظر لنامذج إزمانية األمل [ chronification of Painأن يصبح األمل مزمن ًا] ،بالشكل
الذي نوقشت فيه عىل سبيل املثال من قبل بروم وديسميدت & Bromm
Desmedt,1995ومبادئ التدخل خمتلفة األنواع ،من منظور االرتباطات املركبة والتي
تم عرضها هنا بشكل مبسط جد ًا.
كام أرشنا يف املدخل سوف نتناول هذه الفقرة بشكل خمترص ذلك أن العرض الدقيق
يتطلب التعرض لصور األمراض النوعية .هلذا سنكتفي ببعض اإلشارات والتنويه
لبعض املراجع.
56
ممارسة العالج النفسي
حتدث التأثريات الطبية السلوكية يف جزء منها عىل املستوى االستعرايف و يف جزء
آخر منها عىل مستوى السلوك ،كتحسني املطاوعة Compliance1عىل سبيل املثال ،وإىل
جانب ذلك أيض ًا وبشكل أكرب عىل مستوى االستجابات اإلعاشية vegetative
ونشري هنا بشكل خاص إىل أساليب التغذية الراجعة احليوية .Reaction
،Biofeedbackالتي حتاول إحداث تعديل يف املتغريات الفيزيونفسية بالطرق االستثابية
(اإلجرائية) .operant Waysلقد أثبتت جتارب احليوان مليللر Millerو مساعديه منذ
عام 1978أنه يمكن تعديل املتغريات اإلعاشية من خالل إجراءات التعزيز ،ولكن فيام
إذا كانت التعديالت الفيزيولوجية املستثارة من خالل التغذية احليوية الراجعة لدى
اإلنسان نامجة بالفعل عن أن إرجاع التعديالت الناجحة قد أثر بوصفه تعزيزا إجيابي ًا
وبالتايل فهو يثبت االستجابة املالئمة ،كام افرتض لفرتة طويلة كنموذج تأثري ،فإن األمر
حيتاج إىل نقاش .كذلك تبدو الفرضية القائلة إنه يتم يف مواقف التغذية احليوية الراجعة
تنمية االسرتخاء بالدرجة األوىل الذي يؤثر يف املتغريات اإلعاشية املختلفة من بينها
املتغريات التي يسعى إىل تعديلها ،معقولة .ويؤيد هذه الفرضية أن األساليب
االسرتخائية العامة ،من نحو االسرتخاء العضيل التصاعدي عىل سبيل املثال توازي يف
تأثريها فيام يتعلق هبذا األمر عىل األقل العالج بالتغذية الراجعة احليوية .وعىل أية حال
فإن نجاحات دراسات التغذية احليوية الراجعة املكلفة جد ًا ال تربر عىل اإلطالق
التحمس الزائد euphoriaالذي حظيت به هذه الطريقة يف البداية (راجع حول هذه
األمر Koehler,1995صفحة 92وما بعد حول فاعلية مثل هذه األساليب يف عالج
ارتفاع ضغط الدم) .ويف السياق الطبي السلوكي يبدو أن أهم من تأثريها املبارش هو
حتسني قياس بعض املعطيات اجلسدية ،وبشكل خاص أعراض املرض ،من أجل
التمكن من عالجها بشكل فاعل ويف وقت مبكر .ومل يكن حترك مسألة االستنباه
الباطني ،interoceptionأي إدراك احلاالت واحلوادث اجلسدية الداخلية ،بشكل مطرد
57
األسس النظرية للعالج النفسي
نحو مركز االهتامم البحثي يف السنوات األخرية بال سبب .وبام أنه مهم جد ًا بالنسبة
لبناء النظرية السيكوسوماتية يف الوقت الراهن فإننا سوف نتعرض باختصار لتصور
االستجابات النوعية الفردية .ويستند هذا النموذج عىل عدد كبري من االستجابات
الفيزيونفسية املمكنة وتنوعها عرب األفراد واملثريات .إنه يتضمن الفرضية القائلة إن
األشخاص –وبشكل مستقل نسبي ًا عن نوع التنشيط املعني ،من خالل اختبارات
اإلنجاز عىل سبيل املثال ،املواقف املرهقة انفعالي ًا ،مثريات األمل -يستجيبون بنمط حمدد،
هبرم مميز من درجات وضوح املتغريات املنفردة .وعليه يمكن عىل سبيل املثال لشخص
أن ُيظهر بتنوع موقفي واسع أشد التغريات املرتبطة باالستثارة stimulus contingentيف
متغريات ضغط الدم ،وأقل يف مؤرشات النشاط اجللدي الكهربائي وأصغرها يف نشاط
العضالت.
وبناء عىل عدد كبري نتائج الدراسات يمكن االفرتاض بشكل موثوق أن
االستجابات الفردية النوعية تالحظ بالفعل بمقدار يستحق الذكر ،وذلك لدى ثلث
أشخاص التجربة تقريب ًا .وتعد الفرضية النامجة عن ذلك مهمة وحمفزة بشكل كبري
للبحث السيكوسوماتيكي والقائلة إن األشخاص بمثل هذا النمط من االستجابات
النمطية الثابتة invariantقد طوروا بدرجة عالية من االحتامل اضطراب ًا يف منظومة
التنشيط األقىص .وعليه يفرتض –عىل سبيل الذكر للفرضية الرائجة واألكثر دراسة مع
بعض التحفظ -أن مفرطي التوتر hypertonicقد كانوا يستجيبون منذ البداية عىل
املثريات املقيتة بتغريات واضحة بضغط الدم _وربام مستمرة لفرتة طويلة) ،بحيث أنه
من خالل انزياح القيم الواجبة يف منظومة التنظيم القلبي الوعائي ومن خالل تغريات
أساسية قد تشكل أخري ًا ارتفاع ثابت يف ضغط الدم .إال أن الربهان اإلمبرييقي هلذه
الفرضية أصعب مما توحي به جمموعة من املراجعات املتفائلة .وبشكل خاص فإن عدد
كبري من الدراسات –التي باملناسبة مل تقد إىل نتائج موحدة -قد تم تصميمها بشكل عام
عرضي ًا بأنه قد متت مقارنة األشخاص مفرطي التوتر مع أشخاص غري مفرطي التوتر.
ولكن الدراسات الطولية وحدها املتزايدة العدد حلسن احلظ هي وحدها القادرة عىل
58
ممارسة العالج النفسي
االستنتاج أن ارتفاع ضغط الدم املرتبط باملوقف يسبق ارتفاع ضغط الدم الدائم ولكنه
ليس عاقبته .وال يمكن استنتاج أهنا بالفعل متتلك أمهية مرضية pathologicوليس
عبارة عن عرض باكر لعملية مرضية نامجة عن أسباب مازالت غري معروفة إال من خالل
دراسات تدخلية مع تعديالت أبكر الرتفاع ضغط الدم املرتبط باالستثارة.
ومع كل هذه االختالفات وعدم اليقني فإن املسألة يف تصور االستجابات النوعية
الفردية للفروق الفيزيونفسية وحصول التغريات اجلسدية بمسامهة تأثري العوامل
النفسية هي نظرية جديرة باملتابعة .وهي مهمة هنا أيض ًا من حيث أهنا يمكن أن تظهر
إمكانات التدخل النفيس يف الشكاوى املطابقة (من نحو اسرتاتيجيات مواجهة الضغوط
أو أساليب االسرتخاء عىل سبيل املثال) من جهة ومن جهة أخرى أيض ًا قد تفرس
التأثريات اجلسدية (التفريقية) لألساليب العالجية املتفرقة.
59
األسس النظرية للعالج النفسي
60
ممارسة العالج النفسي
الباب الثاين
التشخيص
61
األسس النظرية للعالج النفسي
62
ممارسة العالج النفسي
الفصل الثالث
مدخل
حظي التوثيق والتشخيص يف السنوات العرشين األخرية يف الطب العلم نفيس
Psychological Medicineبأمهية مطردة وبشكل خاص من خالل إدخال منظومات
التشخيص اإلجرائية .لقد تطور تصور هذا التشخيص القائم عىل السامت النفسية
املرضية الوصفية بشكل خاص للمجرى والزمن عىل خلفية "أزمة التشخيص الطبي
النفيس "Crises of psychiatrically Diagnosticيف ستينيات وسبعينيات القرن
العرشين ،التي نشأت من خالل النقد املضموين-املفاهيمي و من خالل النقد
اإلمبرييقي .وقد تصدرت االجتاهات اآلتية املواجهة:
.1ما يسمى بالنقد "املضاد للطب النفيس ،anti psychiatrically Criticالذي مثله
زاس ) Szasz (1962,1976ولينغ ) Laing (1960-1961والحق ًا تم تبنيه من
أجزاء من الطب النفيس االجتامعي .وهؤالء شككوا بالتشخيص ،واعتربوه
عبارة عن تلقيب للسلوك املنحرف ،وهو ما يعترب آلية من الضبط االجتامعي يف
سياق جمتمعي ما.
.2النقد التحلييل النفساين ،حيث أظهر أن التشخيص (الطبي النفيس) غري
اجتاها
مناسب ،ألنه ال يقيس السامت البنيوية ذات العالقة بشكل كاف ،ويتجه ً
"مادي ًا سطحي ًا" أعراضي ًا ،symptomatologicalوال يربهن بالنسبة للعملية
63
األسس النظرية للعالج النفسي
64
ممارسة العالج النفسي
65
األسس النظرية للعالج النفسي
وتعد ما يسمى بمعايري البحث عىل سبيل املقارنة من خالل حتديداهتا اإلجرائية
الصارمة operationalizationلالضطرابات حتت أولوية جتانس العينات أقرب األدلة
قابلية للمقارنة مع الدي أس أم-الرابع DSM-IVوتفيد التشخيص يف الدراسات
العلمية .وبالنسبة ملجال الرعاية الصحية األولية تم تطوير دليل بحث يتضمن
إرشادات عالجية حمددة إىل جانب أهم أربع وعرشين جمموعة من االضطراب.
وبالتوازي مع هذه املنظومات التشخيصية تم تطوير أدوات القياس املوافقة هلا،
66
ممارسة العالج النفسي
Interview-and Checklists والتي يمكن تقسيمها إىل قوائم مقابلة وقوائم أعراض
وقد أمكن من خالل أساليب املقابلة بشكل خاص التي تم فيها.)2 (قارن جدول
وهنا.إعطاء أسئلة حمددة لكل عرض أو حمك انخفاض تباين املالحظة بشكل كبري
تتوفر مقابالت معريه إىل مدى كبري وبدرجات خمتلفة بالنسبة ملجال االضطرابات
وبالنسبة ملجموعات خمتارة من االضطراباتSCAN وCIDI النفسية ككل من نحو
.IPDE وSIDAM النفسية من نحو
إال أن هذه،كام توجد كذلك سامت تشخيصية عىل شكل قوائم أعراض بسيطة
ويف.األساليب تتطلب برامج تدريب واسعة بالنسبة للمشخص الذي يريد استخدامها
بعد اجللسة األوىلsymptom checklists حني أنه يمكن تعبئة وتقويم قوائم األعراض
67
األسس النظرية للعالج النفسي
أو مقابالت تشخيصية أو املراحل العالجية ،يتم تصميم اجللسة التشخيصية من خالل
أساليب املقابلة عىل املستوى األعرايض بشكل صارم.
وقد قاد هذا التطوير إىل جمموعة من النتائج املفاهيمية بالنسبة لتصنيف
االضطرابات النفسية هذا ،أسهمت يف تطوير منظومات التوثيق املطابقة.
املبادئ
اتبع التشخيص اإلجرائي املحقق يف اآلي يس دي-العارش ICD-10والدي أس
أم-الرابع DSM-IVيف تصميمه مخسة مبادئ:
.1فيام يتعلق باملطلب الوصفي متت حماولة حتقيق "مبدأ ال نظري ،a theoretical
مقرون بالتخيل واسع املدى عن التمييز التقليدي بني العصابات والذهانات،
بني حذف التصور العصابات وتصور داخيل املنشأ Neuroses- and
.Endogenity- Concept
.2تم بناء تعريفات االضطرابات وفق مبدأ متمركز عىل املعايري ،يسرتشد ببساطة
بسامت املجرى والزمن التي ينبغي مالحظتها والقابلة للتحديد .وتم إمهال
السامت املركبة أو مظاهر اخلربة التي تتطلب درجة أعىل من التجريد النظري أو
التفسريي .التوليفات املحددة من املعايري النامجة عن ذلك تم تشكيلها بإتباع
قواعد ارتباط بتشخيصات منفردة .كذلك أصبحت التقسيامت حسب
درجات الشدة جزء ًا أساسي ًا من هذا املبدأ من نحو الفئات التشخيصية الباقية
التي يفرتض هلا أن تشكل تشخيصي ًا فئات من املرىض يف منظومة هرمية
متدرجة ،التي ال يمكن تصنيفها ضمن اضطراب حمددة.
.3ينبغي يف هذه املنظومات عىل األقل حتقيق مطلب أخذ تلك الفئات التشخيصية
بعني االعتبار فقط ،والتي حتقق أقل حد من مطلب املوثوقية reliability
68
ممارسة العالج النفسي
69
األسس النظرية للعالج النفسي
ICD-10فئتان مما يسمى بالفئات املختلطة فقط ،التي يفرتض هلا أن تعكس اضطرابات
يظهر فيها القلق بالتوازي مع أعراض مرافقة أخرى ويكون موجود ًا بنفس الوزن
األعرايض وبدون أن حتقق حمكات اضطراب القلق الباقية .واهلدف من هذا هو أن يتم
حتديد صور من الشكاوى شبه اإلكلينيكية sub clinicalالتي يفرتض هلا أن تلعب دور ًا
يف الرعاية الصحية األويل.
ICD-10 وكام يظهر تقسيم الرهابات Phobiasفقد تم يف اآلي يس دي-العارش
منح أولوية تشخيصية لرهابات األماكن العامة واضطرابات القلق األخرى األوسع من
الناحية املفاهيمية مقابل التصور التقليدي ،عىل اضطرابات اهللع ،التي أخضعت ملؤرش
الشدة وينبغي أال يتم تشخيصها إال يف غياب األعراض الرهابية .باملقابل فإن الدي أس
أم-الرابع DSM-IVقد اعترب اضطرابات اهللع panic disordersأولية Primaryوصنف
ضمنها اضطرابا ت القلق األخرى.
وهناك فرق جوهري يكمن يف متايز العصاب اهلستريي .ففي حني أن اآلي يس
دي-العارش ICD-10قد صنف هذه الفئة بشكل أسايس يف جمموعة االضطرابات
التفككية ،dissociate Disordersفإن الدي أس أم-الرابع DSM-IVقد وضع
االضطرابات العصبية الكاذبة pseudo neurological Disordersهلذه الفئة يف جمموعة
االضطرابات من الشكل اجلسدي .somatoform Disordersو يف كلتا املنظومتني تم
إضافة إىل ذلك جتميع اضطرابات التجسيد ،Somatization Disordersواضطرابات
املرقية (توهم املرض )Hypochondriac Disordersو االضطرابات الوظيفية
،Functional Disordersبحيث أنه قد تم يف هاتني املنظومتني إعطاء النمط التفككي و
النمط متعدد األعراض poly symptomaticallyمن العصاب اهلستريي وزن ًا خمتلف ًا من
منظور مفاهيمي.
وكذلك اتبعت كلتا املنظومتان تصورات خمتلفة يف مراجعتها لالكتئاب العصايب.
ففي حني أن الدي أس أم-الرابع DSM-IVقد متسك باالكتئاب األسايس Major
Depressionو زاد مثل اآلي يس دي-العارش ICD-10عرس املزاج ،Dysthymiaفقد
70
ممارسة العالج النفسي
71
األسس النظرية للعالج النفسي
ICD-10 ICD-9
72
ممارسة العالج النفسي
73
األسس النظرية للعالج النفسي
74
ممارسة العالج النفسي
syndromatologicalفقد قررت منظمة الصحة العاملية استناد ًاَر إىل التصورات املطابقة
للدي أس أم-الثالث ، DSM-IIIو الدي أس أم-الثالث املعدلDSM-III-Rتطوير
منظومتها اخلاصة متعددة املحاور لآلي يس دي-العارش .ICD-10فعىل املحاور ) (Iaو
) (Ibمن هذه املنظومة تم وضع األمراض النفسية (الفصل اخلامس) واألمراض اجلسدية
(طبق ًا للفصول األخرى من اآلي يس دي-العارش )DIMDI ،ICD-10قارن جدول
( .)4ومن أجل قياس تقييدات الوظائف االجتامعية النفسية باملطابقة مع التقييم العاملي
لألداء ( global Assessment functioningاختصار )GAFملقياس منظومة الدي أس أم
DSMفقد قامت منظمة الصحة العاملية بتطوير مقياس تشخيص اإلعاقة Disability
Diagnostic Scaleبالنسبة للمحور الثاين من اآلي يس دي-العارش ،ICD-10يمكن
من خالله تقدير أبعاد خمتلفة من كفاءات الوظائف .واستناد ًا إىل تصورات أبحاث
أحداث احلياة Life-Event-Researchesيفرتض للمحور الثالث أن يشمل
مشكالت/تأثريات إدارة احلياة املتعلقة باملحيط و باملواقف ،املرتبطة يف سياق
واستمرارية األعراض .وقد تم تشكيل هذه املشكالت/التأثريات من الفصل احلادي
عرش ) XXI (Zمن اآلي يس دي-العارش ICD-10وعنوانه "العوامل املؤثرة عىل احلالة
الصحية و التي تقود إىل اللجوء للخدمات الصحية".
يف الدي أس أم-الرابع DSM-IVتم بناء حماور مطابقة .فاملحور الثاين من اآلي
يس دي-العارش ICD-10كان يتطابق مع املحور املوجود يف الدي أس أم-الثالث
والثالث املعدل DSM-III and III-Rكام أرشنا أعاله ،إال أنه اآلن يتطابق مع التقييم
العاملي لألداء .global Assessment functioningواملحور الثالث يف اآلي يس دي-
العارش ICD-10يتطابق مع تصويرة الرتميز coding Schemaللمشكالت االجتامعية
النفسية واملرتبطة باملحيط يف الدي أس أم-الرابع .DSM-IVويف ملحق الدي أس أم-
الرابع DSM-IVتم نرش حماور بشكل إضايف تتعلق بتشخيصات ال تتوفر حوهلا نتائج
إمبرييقية واضحة يف الوقت الراهن (مقياس وظائف الدفاع Defense Functioning
Scale؛ القياس العاملي للوظيفة العالئقية Global Assessment of Relational
75
األسس النظرية للعالج النفسي
ICD-10
76
ممارسة العالج النفسي
77
األسس النظرية للعالج النفسي
78
ممارسة العالج النفسي
79
األسس النظرية للعالج النفسي
80
ممارسة العالج النفسي
81
األسس النظرية للعالج النفسي
المحور
Vc
82
ممارسة العالج النفسي
83
األسس النظرية للعالج النفسي
التمييز
باملرتبة الرابعة يتم متييز األعراض النفسية
أعراض غالبة من القلق F54. 0x
أعراض غالبة من االكتئاب F54. 1x
خماوف مراقية غالبة (توهم املرض) /أعراض F54. 2x
84
ممارسة العالج النفسي
التوثيق
سوف تنبثق رضورة التوثيق يف السنوات القادمة بشكل خاص يف سياق النقاش
حول ضامن اجلودة وخصوص ًا بالنظر إىل نوعية العملية و النتيجة .وهذا ينطبق أيض ًا
عىل كثافة التأهيل يف العالجي النفيس والزمن.
وبالنسبة لتوثيق النتائج التشخيصية تتوفر عىل مستوى منظومات التصنيف
85
األسس النظرية للعالج النفسي
اإلجرائية إىل جانب األدوات املختلفة املذكورة برامج كمبيوتر وباألخص بالنسبة
ألساليب املقابلة ،يمكن بمساعدهتا إجراء تشخيص أعرايض حموسب .ومن خالل
دليل جمموعة العمل "التشخيص السيكودينامي اإلجرائي" يتم باإلضافة إىل ذلك توفري
مبدأ توثيق تكاميل للمحاور املختلفة مع منحنيات التوثيق املالئمة بالنسبة للمامرسة
اإلكلينيكية و التصميامت البحثية .و بالنسبة لتحديد بيانات أخرى يف إطار التوثيق
األسايس basic Documentationتم يف السنوات السابقة تقديم جمموعة من املقرتحات
سواء بالنسبة للمجال العيادي اخلارجي أم الداخيل .وسوف يتم التعرض يف فصول
الحقة إىل التقويم الذايت وتقويم اآلخر املهمني بالنسبة لقياس العملية والنجاح.
وبعد أن تم يف العالج النفساين ذي التوجه العالجي السلوكي تطوير منظومة توثيق
شاملة وتقويمها ) ،(Zilke,1993قدمت جمموعة عمل الكوليجيوم األملاين للطب
1
النفيس اجلسدي مبدأ تكاملي ًا مع مرسد glossaryتفصييل ،والذي سيتم التطرق له
باختصار يف هذا السياق (أنظر جدول .)8فإىل جانب جمموعة من املتغريات
الديموغرافية االجتامعية تم توثيق بيانات تارخيحياتية منتقاة ،وتشخيصات وفق اآلي 2
يس دي-التاسع ،ICD- 9و بعض مؤرشات العالج و نتائج املعاجلة .ويف مؤرشات
العالج تم حتديد دافعية املريض عىل مقياس تقويم خارجي (تقويم اآلخر) رباعي بسيط
و حتديد أحجار البناء العالجية املجراة بالتفصيل .وتم توثيق نتيجة العالج من خالل
مقياس تقويم خارجي (تقويم اآلخر) مخايس.
جملس يتمتع كل عضو من أعضائه بسلطة مساوية تقريب ًا لسلطة األعضاء اآلخرين
1الكوليجيوم ٌ :collegiums
Demography 2الديموغرافيا :الدراسة اإلحصائية للسكان من حيث املواليد والوفيات والصحة والزواج الخ
86
ممارسة العالج النفسي
جملس يتمتع كل عضو من أعضائه بسلطة مساوية تقريب ًا لسلطة األعضاء اآلخرين
1الكوليجيوم ٌ :collegiums
87
األسس النظرية للعالج النفسي
نقاش و استعراض
قاد تطوير منظومات التصنيف املعرية إجرائي ًا إىل إقصاء تصور املنشأ العصايب
التحلييل النفساين و الطبي النفيس يف الدالئل التشخيصية لكل من الدي أس أم-الثالث
DSM-IIIوالثالث املعدل DSM-III-Rو الرابع DSM-IVو اآلي يس دي-العارش
ICD-10وتم إحالل رؤى وصفية لالضطرابات النفسية .ومما ال شك فيه فإن فوائد
املبدأ الوصفي تكمن يف األسس املنهجية املحسنة للتشخيص ،أي يف حتسني املوثوقية
Reliabilityوالقابلية للتواصل يف املجاالت املختلفة للطب العلم نفيس واإلمكانات
األكثر مالئمة ملقارنة عينات من أبحاث خمتلفة مع بعضها .أما السلبيات فتكمن يف
التخيل عن التصورات الراسخة تقليدي ًا ذات القيمة الكبرية من الناحية اإلكلينيكية
والعلمية والتي عىل ما يبدو ال يمكن إعادة دجمها يف الفكر التشخييص إال عن طريق
88
ممارسة العالج النفسي
89
األسس النظرية للعالج النفسي
بشكل منهجي ،بحيث تنبثق اآلن رضورة كبرية يف استدراك تطوير واستخدام
األساليب اإلجرائية .وبالنسبة للتصنيف و التوثيق يف العالج النفساين يرتبط
هذا عىل خلفية النقاش اجلاري حالي ًا و نوعية العملية و النتيجة ببعض
العواقب .وبرأينا حيتاج الطب العلمنفيس ولعالج النفساين إىل تشخيص
متعدد املستويات ينبغي له أن يكون مرتبط ًا بالرشوط التالية:
.1حتديد املظاهر املرضية األعراضية ملريض ما بمساعدة مبادئ
التصنيف اإلجرائية باعتبارها حمور ًا تشخيصي ًا جوهري ًا.
Documentation of minimal .2توثيق فهرس أدنى
catalogللسامت الديموغرافية االجتامعية و ذات األمهية العالجية و والتنبؤية
عىل سبيل املثال عىل أساس مقرتح التوثيق األساس ملجموعة عمل
الكوليجيوم األملاين للطب النفيس اجلسدي.
.3حتديد املتغريات ذات األمهية العالجية والتنبؤية املحددة إجرائي ًا
كام هو يف تصور املحاور من واحد إىل مخسة يف املنظومة متعددة املحاور
ملجموعة عمل التشخيص السيكودينامي اإلجرائي.
.4إجراء تقويم ترقيمي عىل األقل (عىل شكل نقاط) للعمليات
واملجريات العالجية من خالل مقاييس تقويامت الذات واآلخر [الطرف
الثالث] ،مع تضمني أبعاد األعراض ،وتقييدات الوظائف االجتامعية النفسية
أو االندماج االجتامعي النفيس و الدافعية للعالج و الكفاءات البني شخصية
و الوظائف.
خالصة
هدفت املسامهة احلالية إىل حتقيق هدفني .األول تقديم عرض خمترص
يف أســس التشــخيص باالختبارات ،بمقدار أمهيتها للمامرســـة النفســية
90
ممارسة العالج النفسي
العالجية .وقد قدمنا هذا يف القســمني األول والثاين من هذا الفصــل حول
مفهوم االختبار و التصــنيف .إال أنه وكام أرشنا ســابق ًا فإنه ليس من املمكن
تقديم عرض شــامل يف هذا اإلطار املحدود حول كل املظاهر األســاســية
للتشــخيص باالختبارات النفســية .ويف اجلزء الثالث حاولنا تقديم عرض
خمترصــ مل جالني مهمني من جماالت اســتخدام التشــخيص باالختبارات يف
العالج النفيس ،أي يف جمال تشخيص التأثري Indication diagnosticو قياس
التعديل.
واهلدف الثاين املهم كان تقديم عرض منهجي للمامرس املعالج النفيســ
حول أساليب االختبارات العالجية النفسية املهمة وتسهيل اختاذ القرار عليه
باختيار االختبار املناســب .وهذا ما التزمنا به عند عرض أســاليب تقدير
الذات واآلخر [الطرف الثالث] .ونأمل أن تكون مســامهتنا قد أســهمت
بتو ضيح أمهية الت شخيص باالختبارات النف سية بالن سبة للمامر سة العالجية
النفسية واالستمرار بتحسني تقبلها يف هذا املجال من التطبيق.
91
األسس النظرية للعالج النفسي
92
ممارسة العالج النفسي
الفصل الرابع
G. Schluesser
93
األسس النظرية للعالج النفسي
"كثري ًا جد ًا ما يتم تشخيصنا يف وقت الحق ،إنه نوع من اختبار السحرة
عند ملك اسكتلندا ( ،الذي) كان يدعي أنه يمتلك طريقة ال ختطئ يف
التعرف عىل الساحرة .فقد كان يضعها يف كيس ويسقطها يف وعاء من
املاء الذي يغيل ،ثم يتذوق احلساء .وبعد ذلك يمكنه احلكم قائالً :هذه
كانت ساحرة ...،أو هذه مل تكن .ما يشبه ذلك يوجد لدينا ،إال أن
املترضر هو نحن فقط .نحن ال نستطيع احلكم عىل املريض الذي يأيت
إلينا للعالج ،أو املرشح الذي يأيت للتدريب ،قبل أن نكون قد درسناه
حتليلي ًا عرب عدة أسابيع أو أشهر .إننا نشرتي القطة يف الكيس بالفعل
). (Freud, Bd. 8,S. 167
ومن فرويد نفسه ال توجد نظرية باملعنى احلقيقي للجلسة التشخيصية األوىل،
وحتى يف مرحلة ما بعد فرويد مل يصدر إال القليل من املسامهات حول التشخيص .لقد
طرح التشخيص الطبي النفيس دائ ًام حتديد ووصف األعراض يف مركز الصدارةـ ،حيث
كان يطمح نحو تسمية الصورة املرضية .وجاء فرويد ليؤسس رؤية جديدة :تشخيص
عالقة املريض-الطبيب .فكثري ًا ما تم (ويتم) من املحللني النفسيني تبني رؤية أن األمر
يتعلق هنا بحدث فريد يمتنع عن أي مدخل تشخييص .وقد تم تبني هذا املوقف
املتطرف للتفكري التحلييل النفساين من قبل ميننغر ) Menninger (1984عىل سبيل املثال
الذي أنكر أي نوع من التشخيص بالنسبة لعملية اختاذ القرار العالجي .ومن املؤكد
فإن التسجيل اخلاص لألعراض كام حيدث يف التشخيص املتمحور بشكل خالص حول
األعراض وفق اآلي يس دي-العارش ICD-10و الدي أس أم-الرابع ،DSM-IVلن
94
ممارسة العالج النفسي
يكون مفيد ًا الختاذ القرار العالجي النفيس .إال أن التشخيص التحلييل النفساين يمتلك
اليوم خالل التحديد التفريقي للنقل/النقل املضاد ،وسامت الرصاع والبنية أدوات
واسعة تتيح إجراء تشخيص فردي شامل؛ وهو تشخيص أثبت صالحيته من الناحية
اإلكلينيكية يف العقود األخرية و جيد كذلك باطراد الدعم اإلمبرييقي .
95
األسس النظرية للعالج النفسي
96
ممارسة العالج النفسي
97
األسس النظرية للعالج النفسي
98
ممارسة العالج النفسي
99
األسس النظرية للعالج النفسي
100
ممارسة العالج النفسي
101
األسس النظرية للعالج النفسي
-استنتاج ماهية السامت البنيوية التي يعتقد أهنا ستقود إىل املقاومة يف العالج.
ويرى آرغالندر Arglanderاملقابلة التشخيصية األوىل بأهنا "موقف جلسة غري
مألوف" حيصل من خالل استخدام املشاهد املبارشة و املوقف التفاعيل ورسائل املريض
الالشعورية املعروضة فيها.
"يكمن جوهر األمراض النفسية يف العمليات النفسية الداخلية الالشعورية،
يمكن استخالصها من املشاهد الراهنة مع رشيك اجللسة" ). (Arglander,1970
وتأيت اإلجابات عن األسئلة التشخيصية من ثالثة مصادر خمتلفة ،هلا الوزن نفسه
من األمهية.
.1املعلومات املوضوعية :objective Informationوهي بيانات حول األعراض
و أنامط السلوك واخلصائص الشخصية و الوقائع الطبية و البيوغرافية
واالجتامعية .ويقوم املشخص بناء عىل ذلك ببناء فرضيات عىل أرضية خلفيته
النظرية وخرباته اإلكلينيكية و استنتاجاته املنطقية .أما حمك حمتوى احلقيقة
النسبي للمعلومات فهي الدالئل املنطقية logical evidenceو التوافق مع
الفرضيات املنبثقة من النظرية واخلربة.
.2املعلومات الذاتية :subjective Informationوهي األمهية الذاتية (الشخصية)
التي يعطيها املريض لشكاواه ووضعه احليايت و توقعاته من العالج .ومن أجل
التمكن من احلصول عىل هذه املعلومات فإن التعاون مع املريض رضوري.
وهذا بدوره يشرتط وجود جو من الثقة و األمان واالهتامم الطيب .أما املحك
بالنسبة لدقة ملدى موثوقية املعلومات فهي الدالئل املوقفية situative
.evidence
.3املعلومات املشهدية (االستعراضية )scenically Informationويدور األمر هنا
حول العرض التصويري ملوقف اجللسة ،أي مراقبة التفاعل بني املريض
واملعالج مع كل العنارص واملجريات اللفظية ،واإليامئية-التعبريية واالنفعالية و
102
ممارسة العالج النفسي
نصائح للتشخيص
من أجل بناء "موقف اجللسة غري املألوف" هذا يسرتشد آرغالندر بنصائح بالينت
حول التشخيص .وهو يميز:
.1تقنية املقدمة (اجلبهة) " :Technique of Frontsنحن نحرتم تعقد اجلبهة ،نرتك
103
األسس النظرية للعالج النفسي
للمريض النشاط ،ال نلح عليه بيشء و نستجيب لرغباته و مطالبه وحاجاته
بمقدار ما يسمح لنا الواقع بذلك" .وهذا ينطبق عىل سبيل املثال عىل حتديد
موعد املقابلة و اختيار املقابل Interviewerو املظاهر األخرى.
.2حتضري املقابلة :يتم بشكل منهجي إعداد الرشوط املوقفية للمقابلة ،فيام يتعلق
بأسئلة السعة الزمنية ،تصميم اإلطار (عدم اإلزعاج ،اجلو املحيط) ،من أجل
بناء احلميمية ومن ثم االنفتاح عند املريض.
.3اجتاه ا ُملقابِل (الذي جيري املقابلة) " :Interviewer's attitudeلالجتاه الذي
يتجىل يف نمط اإلجابة اهلادئة من السلوك و االهتامم ،تأثري حاسم . . ...اجلانب
املعاكس هلذا السلوك الداعم هو اإلحباط ،الذي يلهب املوقف الدفاعي و
الصمت املتأمل و العفوية املضبوطة (أو املراقبة) و أخري ًا يف اخليبة من غياب
النصائح املبارشة.
ومتثل املقابلة التحليلية النفسية وفق آرغالندر Arglanderمقابلة حتليلية نفسية
نموذجية مثالية ،حيث ال يمكن اليوم تطبيقها هبذا الشكل إال يف العيادات التحليلية
النفسية .ومل يضع آرغالندر أي منهجية للتفصيل اخلطي وبناء الفرضية ،بحيث تظل
الكيفية التي يمكن فيها أن تقود االنطباعات والبيانات املكتسبة من هذا إىل فرضية
ديناميكية نفسية ،وهي الفرضية الالزمة للعالج القائم خلفها .وعلينا أال نقلل من خطر
اإلدراك واالستطباب "الشخيص ،"subjectiveاملنبثق من التوكيد املشهدي
.scenicallyفهذه املقابلة تشرتط وجود الكثري جد ًا من اخلربة واملقدرة ،كي ال حتدث
"هوامات خصبة و تأمالت speculationمبالغ هبا" ).(Arglander,1970
ومن إحدى أهم نقاط االنتقاد اجلوهرية ملبدأ آرغالندر تتمثل فيام إذا كان مثل هذا
الشكل من إدارة املقابلة يمكن أن يقود عموم ًا إىل طرح تفريقي لالستطباب (الفاعلية).
هل من املمكن اإلجابة عن السؤال فيام إذا كان باإلمكان إجراء حتليل طويل األمد أم
قصري األمد أم يف املجموعة؟ فبمجرد انبثاق رضورة اإلجابة عن مسائل طرح
104
ممارسة العالج النفسي
االستطباب التفريقي –كام هو بدهيي يف العيادة -أو رضورة متابعة مسائل بحثية ،فالبد
عندئذ من مجع معلومات تشخيصية أكثر وتوثيقها.
105
األسس النظرية للعالج النفسي
املجاالت احلياتية املهمة ،اليت تتجلى فيها الصراعات املثرية للمرض هي:
-1اختيار الرشيك و سلوك االرتباط؛
-2األرسة املنبت؛
-3جمال املهنة؛
-4ظروف امللكية؛
-5اإلطار االجتامعي الثقايف املحيط مع االنتامء للمجموعات.
وحيتل ما يسمى باملواقف املثرية (مواقف املحاولة والفشل) أمهية كبرية .ففي علم
نفس األعامق التقليدي يتم االنطالق من أنه يتم حشد مطلب الدافع املصدود بشكل
ثابت نسبي ًا حتى اآلن بقوة (حماولة) ،ولكنه ال بد من أن يتم صده عىل أساس املعطيات
الرصاعية (الفشل) ،وال يكفي الدفاع املستخدم حتى اآلن من أجل ذلك .وبالطبع فإنه
يمكن لكل نائبات الدهر والكوارث الوخيمة يف حياة شخص ما أن تقود إىل أزمات
واضطرابات نفسية ،أي أهنا تثريها .إال أن املقصود باملوقف النفيس العصايب املثري هو
"احلاجز الشخيص احلساس" الذي غالب ًا ما تكون أبسط األحداث كافية له كي يثري
أعراض ًا وخيمة ،كزيادة الراتب ملوظف حمسود بالرس عىل خلفية التاريخ الشخيص
السابق "بكون املرء قد هضمت حقوقه باستمرار" عىل سبيل املثال .فهنا غالب ًا ما ال
يدرك الشخص املعني الضغط الذي ظهر ضمنه االضطرابُ ( ،يك ربت) .وهبذا فإن
السؤال املبارش عن املوقف املثري ال يقدم لنا أية معلومة مفيدة ("ال توجد مشكالت")،
وغالب ًا ما يربهن استمرار "التنقيب" العنيد عن الظروف يف وقف نشوء األعراض عىل
أنه قليل الفائدة ،ذلك أنه غالب ًا ما نصل إىل إجابات ملتوية .واألكثر فائدة من هذا هو
السؤال عن املعطيات العامة يف وقت نشوء العرض حيث يفرتض أن يتم االستناد إىل
البيانات األهم ونمو العرض .وهنا البد من وصف املعطيات املوقفية ("كنت يف هذه
اللحظة مع زوجتي يف السيارة مسافرين إىل محايت") /وكذلك الظروف املحيطية
(رشوط اإلطار) ("محلت زوجتي للمرة األوىل بعد 12سنة زواج") .وغالب ًا ما تكون
106
ممارسة العالج النفسي
بني املوقف املثري و الالمعاوضة decompensationإطار ًا زمني ًا فاصالً ،فرتة يمكن أن
متتد حتى السنة :يف البداية ال يتم صد ومواجهة الرصاعات بعد ،إىل أن تقود الضغوط
املستمرة إىل المعاوضة هنائية .وباإلضافة إىل اإلجابة املبارشة عن السؤال عن املعطيات
يتم يف جمرى املقابلة غالب ًا وصف املعطيات التي ظهرت بالتوازي زمني ًا مع نشوء
األعراض وتغرياهتا .و عليه ال يعطي مريض ما أية بيانات عن السؤال اهلادف عن
املوقف املثري ،ولكن عندما يسري املرء معه يف طريق حياته بشكل بيوغرايف-زمني و يعرف
تواريخ وفاة الوالدين فسوف يتضح السياق الزمني بني موت الوالدين وبداية
األعراض .وتعد ما تسمى باملواقف احلدودية swell situations1من نحو االلتحاق
بدور احلضانة ،االلتحاق باملدرسة ،املراهقة ،االلتحاق باملهنة ،الزواج ،والدة األوالد،
وسط احلياة ،السن احلرجة ، climacteriumالتقاعد ،موت أحد املقربني ...الخ عىل
2
107
األسس النظرية للعالج النفسي
التوثيق
تشكل الدراسة البيوغرافية للحالة أساس تقديم طلب للعالج النفيس بالنسبة
للعالج القائم عىل أساس علم نفس األعامق و التحليل النفيس عند الراشدين .والبد
هلذا الطلب أن يشتمل عىل النقاط التالية:
.1البيانات التلقائية للمريض :وصف شكاوى املريض و األعراض ،باقتباسات
حرفية قدر اإلمكان .واملهم هو تسجيل مجيع شكاوى املتعالج بام يف ذلك
الطريقة التي يعيشها فيها .أما األسئلة املوجهة فهي:
متى بدأت الشكاوى (األعراض)؟ -
كيف تطورت بعد ذلك (ازدادت شدة ،انخفضت)؟ -
كيف كان جمراها الزمني؟ -
ما هي الشكاوى -إىل جانب تلك املذكورة -التي يمكن حتديدها من -
خالل استفسار هادف؟
ما هي املعلومات املتوفرة حول نتائج فحوصات نفسية وجسمية؟ -
ما هي الفحوصات التي أجريت؟ متى وأين؟ -
ما هي العالجات السابقة التي أجريت؟ من أجراها وأين؟ -
ملاذا يأيت املريض يف هذا الوقت بالتحديد؟ من دفعه لذلك؟ -
.2عرض خمترص للنمو التاريخ حيايت (للسرية احلياتية) مع التاريخ األرسي والنمو
اجلسمي النفيس و االجتامعي مع مراعاة خاصة للوضع األرسي واملهني و
املجرى الدرايس و األزمات يف املواقف احلدودية املميزة لألطوار االنتقالية.
ومن أجل التمكن من العثور املواقف املثرية و أزمات احلياة ،فإنه من املفيد
تسجيل البيانات الفردية التي تم احلصول عليها يف املقابلة و بيانات أشخاص
108
ممارسة العالج النفسي
109
األسس النظرية للعالج النفسي
110
ممارسة العالج النفسي
عن آخر حلم قبل اجللسة التشخيصية ،وعن حلم متكرر باستمرار و حلم من الطفولة.
ومن املألوف أيض ًا طرح "السؤال االختباري" " :ما هي أوىل الذكريات؟ ما هي احلكاية
املفضلة؟ ما هو احليوان املحبوب؟".
.5الديناميكية النفسية للمرض العصايب :عرض التطور العصايب و الرصاع
العصايب البني نفيس مع تشكيل العرض الناجم عن ذلك :يف هذه النقطة يتم
إعطاء تفسري خمترص للصورة املرضية أو لشخصية املريض .وينبغي هلذا
التلخيص أن يوضح أين يكمن الرصاع الرئييس للمريض.
111
األسس النظرية للعالج النفسي
"وبعد أن شعر املريض حتى سن اخلامسة من العمر ،يف أثناء وجود والده
يف األرس ،بأنه هو املالك الوحيد ألمه ،مل يستطع أن يتحمل الصد من خالل
عودة والده .وارتباط ًا بالشدة التي كانت األم متارسها تربوي ًا (كانت تريد أن
تكون األب واألم يف الوقت نفسه) ،حدث دفاع نكويص مع نمو اضطراب
شخصية عصابية قرسية واضحة".
من الصعب يف العادة قرص اضطراب ما عىل أساس رصاع وحيد .إىل أن
املهم هو تقويم ما هي املجاالت احلاسمة من الرصاع ،كي ال ينشأ االنطباع
"بمنشأ عام ."Global pathology
112
ممارسة العالج النفسي
113
األسس النظرية للعالج النفسي
االعتبار:
أين :التموضع واالنتشار؟ كيف :النوع (وخز ،سحب ،حرق)؟
ما القوة :الشدة؟
متى :املجرى الزمني ،عواقب الشكاوى؟
يف أي من الظروف تصبح الشكاوى واضحة (عند املجهود اجلسدي ،مساء قبل
النوم ...الخ)؟
من خالل أي أمر تصبح الشكاوى أخف أو أشد؟؟
وتسرتشد إدارة اجللسة باملقابلة التحليلية التقليدية ،أي يطرح الفاحص أسئلة
مفتوحة ويرتك للمفحوص املجال الفردي الالزم للتعبري عن نفسه بكلامته .فمن خالل
هذا تتضح كذلك التصورات الذاتية للمرض و خماوف ورغبات املريض .ويف النهاية
يتم تلخيص اجللسة ومناقشة اإلجراء العالجي التايل .وتقوي املعلومات الواضحة
(بقدر اإلمكان) حول اخلطوات التالية للتوضيح والعالج من جهتها عالقة الطبيب
باملريض وهتدئ املريض.
114
ممارسة العالج النفسي
يقف التحليل النفيس كعلم وأسلوب للعالج النفيس أمام حتديات كبرية .فمن جهة
البد من استخدام النتائج اإلمبرييقية للفروع العلمية األخرى من نحو علم النفس
االستعرايف أو أبحاث الرضع من أجل اختبار النظريات واإلجراءات التحليلية القائمة
حتى اآلن ومن جهة أخرى جعل النشاط التشخييص والعالجي منهجي ًا systematize
من الناحية اإلكلينيكية واختباره .ويعد التشخيص السيكوديناميكي اإلجرائي حتى
اآلن أشمل حماولة ملوائمة الرصح املعريف والنظري مع الرضورات واملعارف الراهنة
وجتميع املربهن .وقد تم حتديد مخسة حماور بالنسبة للتشخيص التحلييل متعدد األبعاد
الشامل Operationalize psycho dynamical Diagnosticوالذي يرمز له اختصار ًا
):(OPD
Experience of Diseases and املحور :Iخربة املرض والتوقعات العالجية.
Treatment‘s expectation
115
األسس النظرية للعالج النفسي
116
ممارسة العالج النفسي
أيض ًا.
117
األسس النظرية للعالج النفسي
118
ممارسة العالج النفسي
شخصية أن تتحدد من خالل اخلليط من كال هذين البعدين األساسيني .وينبغي هنا
ختفيض العدد الالهنائي من التفاعالت البني إنسانية هنا إىل فئات أساسية جوهرية
(القابلة لالستخالص بشكل صادق وموثوق).
وترى مدارس التحليل النفيس أن سلوك العالقات هو نتيجة لرغبات العالقات
الالشعورية .ويرتبط هبذا خماوف وريبة تصبح فاعلة نفسي ًا (ضمني ًا) intra psychical
فيام يتعلق باستجابات املوضوع (األخر) هلذه الرغبات .وهبذا فإنه يمكن استخالص
الرصاعات الضمنية intra psychicalمن التشكيل الفردي للعالقة .ويتجه هذا
املستوى التشخييص بشكل خاص عىل السلوك االعتيادي للمريض ،أي عىل االجتاهات
البني شخصية Intrapersonalالتي تبدو للخارج سائدة و فاعلة بيرس كثري ًا أو قلي ً
ال لدى
املريض .ويف اجللسة التشخيصية حيصل اإلنسان عىل معلومات حول سلوك العالقة
لدى املريض سواء من روايته حول وقائع العالقة مع اآلخرين أم من خالل اخلربة الذاتية
(affilation):الطموح نحو بناء أو استمرارية أو إعادة إلقامة اتصاالت الصداقة باألشخاص اآلخرين. 11
119
األسس النظرية للعالج النفسي
للفاحص يف أثناء اجللسة (النقل) .ومن خالل االستجابات واملشاعر املالحظة يف
الذات يستطيع املعالج استخالص استنتاجات حول الكيفية التي من املمكن أن يشعر
فيها اآلخرون أنفسهم ويترصفون يف العالقة باملريض .وهبذا تتحول خربة النقل إىل
وسيلة للتشخيص البني شخيص .interpersonal Diagnostic
ويشمل سلوك العالقة المعتاد دائماً بعدين:
كيف يعيش املريض نفسه؟ -
كيف يعيش اآلخرون أنفسهم جتاه املريض؟ -
رشط تقدير بناء العالقة املركزية هو اجللسة التشخيصية اجلارية ،التي تصب فيها
كمصدر للمعلومات خربات العالقة وسلوك العالقة التي يصفها املريض يف اجللسة .و
سلوك العالقة يف اجللسة األوىل سهل عىل املالحظة املبارشة ،إال أنه يمكن هنا كذلك
االستفادة من االستجابات الذاتية للمشخص (النقل املقابل) من أجل هذا .و سوف
نشري إىل انتقاء لبعض الفئات األساسية من أصل 30فئة تقريب ًا متوفرة لالختيار:
يعيش المريض مراراً أنه:
.1معجب باآلخرين بشكل خاص و يقدسهم (يقدسهم).
) . ...( .2
) . ...( .3
.4يعلم اآلخرين ويامرس الوصاية عليهم.
) . ...( .5
) . ...( .6
) . ...( .7
.8يتهم اآلخرين ويشكوهم.
120
ممارسة العالج النفسي
121
األسس النظرية للعالج النفسي
122
ممارسة العالج النفسي
.16يعارضونه ويعاندونه.
) . ...( .17
) . ...( .18
) . ...( .19
.20يثقون فيه و يعتمدون عليه.
) . ...( .21
) . ...( .22
) . ...( .23
.24يستسلمون بيأس
) . ...( .25
) . ...( .26
) . ...( .27
.28هيربون منه.
123
األسس النظرية للعالج النفسي
املشحونة بالرصاع .وقلام يتم اليوم التشكيك بأمهية الرصاعات النفسية الداخلية
الالشعورية بالنسبة لنشوء االضطرابات النفسية والنفسية اجلسدية .ولكن حتى
الرصاعات الشعورية اخلارجية والداخلية يمكنها ،إذا استمرت لفرتة طويلة كافية و
كانت كثيفة بالدرجة املناسبة ،أن تقود لالضطرابات وتعمل هبذا املعنى عمل الشحنة
الرصاعية .والرصاعات النفسية الداخلية الالشعورية هي صدامات نفسية داخلية
ملجموعة من الدوافع املوجهة ضد بعضها ،من نحو الرغبة بالعناية أو االهتامم والرغبة
بأن يترصف املرء باستقاللية" .لو أين تركت نفيس كلية مع شخص ما ،فسوف خييب
أميل خالل فرتة قد تطول أو تقرص ،ولن أستطع عندئذ حتمل قلق االنفصال أو أمل
االنفصال الناجم عن هذا؛ هلذا السبب طورت إمكانية دفاع ،بأال أترك العالقة بأي
شخص تتقوى أبد ًا بحيث يمكن أن ينشأ تعلق هبذه العالقة" ).(Mertens,1992;P. 113
ال زمني ًا التثبيت عىل
وتصف هذه الرصاعات "العصابية" الالشعورية املستمرة طوي ً
إما/أو غري صارم و قابل للحل ،دون أن يتمكن املرء من الوصول إىل حل أو قرار.
باملقابل فإن الضغوط اخلارجية و الداخلية املشحونة بالرصاع الشعورية ومن حيث املبدأ
يسرية عىل التمثل واحلل .ومن مثل هذا النوع من الرصاعات عىل سبيل الذكر
التناقضات التي تعد غري قابلة للحل ألسباب خارجية لرغبة سيدة ما للزواج و األرسة
و الرغبة املقابلة بالنجاح املهني .وباملقابل تتصف الرصاعات السيكودينامية املستمرة
زمني ًا بنمط ثابت من خربة اإلنسان .هذا اإلنسان يستجيب يف املواقف املطابقة دائ ًام
بنمط متشابه من السلوك .ويرتبط وجود الرصاع الالشعوري املستمر زمني ًا برشوط
حمددة من بنية األنا ،التي بدوهنا ال تكون مثل هذه العملية الرصاعية و عملية التمثل
ممكنة .فإذا ما مل تكن هناك اضطرابات ينيوية واضحة لألنا ،ego-structural Disorders
فإن مثل هذا النوع من الرصاعات الشعورية consciousاملستمرة زمني ًا ال يتجىل .وعادة
ما تكفي أبسط الضغوط من أجل أن يقود األمر إىل صور االضطراب .فالرصاع والبنية
يمثالن إذ ًا سلسلة إكامل.
تنمو الرصاعات عىل خلفية خربات عالقة مشحونة بالتوتر واخلالفات ،أي دائ ًام
124
ممارسة العالج النفسي
عىل خلفية أوضاع العالقات relationship modiاملتكررة [األسلوب التي تتشكل فيها
طبيعة العالقة] ،التي يمكن أن تصل إىل أوضاع مؤذية (انصدام . )traumatizeغري أنه
يبدو أنه ال يمكن برهان عواقب األذيات (االنصدامات )traumataعىل النمو إال عىل
شكل عجز بنيوي .structural Deficitsوهبذا الشكل من الفهم يمثل الرصاع والبنية
قطب سلسلة إكامل إكلينيكية.
inductive وحيتاج التعرف عىل الرصاعات السيكودينامية إىل أسلوب استقرائي
واستنتاجي (استداليل .)deductiveويقصد باالستقراء هنا انطالق ًا من الظاهرة القابلة
للمقارنة ،انطالق ًا من سامت اخلربة و السلوك املتكررة ،والتي يمكن تتبعها من خالل
جمرى مرض املريض و تارخيه الشخيص .أما الستنتاج (االستدالل) فيقصد به هنا
الرجوع إىل املعرفة النظرية واإلمبرييقية التي تم حتقيقها حتى اآلن يف التحليل النفيس.
وتعريفات الرصاع التي تم عملها يف OPDال تستند عىل الفرضيات التحليلية النفسية
النامئية النفسية التقليدية.
تقول إحدى الفرضيات األساسية للنظرية التحليلية النفسية التقليدية بأنه يف
املراحل احلساسة من النمو تتبلور تشكيالت حمددة من السلوك والطبع (جدول .)3
وقد تم تصنيف مواضيع الرصاع التقليدية ،من نحو الرصاع (الكفاح) من أجل
القرب والبعد ،األمان و الرعاية أو السيطرة مقابل اخلضوع .و كذلك موضوع الرصاع
األوديبي ضمن أطوار حمددة من النمو .ويفرتض لتأثريات (تثبيتات )Fixationsأطوار
النمو أن تتجىل يف بنية طبع مطابقة أو يف اضطراب مطابق .إال أن البحث مل يتمكن حتى
اآلن من إجياد برهان عىل أنه توجد "مرحلة" يتم فيها تبلور تشكيالت حمددة من السلوك
والطبع .ومن هنا ينبغي أن يتم التخيل عن "نموذج –التثبيت-النكوص Fixation -
"Regression-Modelليحل حمله نموذج النمو املستمر (Schluesser & Bertl-
) .Schluesser,1992و كانت آنا فرويد Anna Freudقد طرحت مثل هذا النموذج من
خالل فرضية النمو املستمر املرهق حتت تأثري مراحل النضج املحدودة زمني ًا بشكل
خاص" .وهبذا فإنه ال يمكن فهم نشوء املرض النفيس Psychopathologyإال من
125
األسس النظرية للعالج النفسي
4-1رصاعات قيمة الذات (مفهوم الذات) (رصاع نرجيس ،قيمة الذات مقابل قيمة
املوضوع)
5-1رصاعات األنا األعىل والذنب (ميول أنانية مقابل امليول االجتامعي )prosocial
6-1رصاعات أوديبية-جنسية
7-1رصاعات اهلوية (اهلوية identityمقابل عدم االنسجام .)dissonance
8-1غياب إدراك الرصاع واملشاعر.
1الفينومينولوجيا؛ علم الظاهرات« :أ» فرع من العلم يبحث يف وصف الظواهر وتصنيفها« .ب» الدراسة الفلسفية
لتطور العقل« .ج» الوصف العلمي للظاهرات الواقعية مع اجتناب كل تأويل أو رشح أو تقييم.
126
ممارسة العالج النفسي
127
األسس النظرية للعالج النفسي
(األشهر
األوىل)
مكتئب االكتئاب األمان و الرعاية الطور
الفمي
(الصفر-
18شهر)
قرسي السلطة ،عصاب القهر النظام، الطور
الضبط الرشجي
(-1,5
2,5سنة)
هسترييا (التسليم) عصاب التحويل االندماج الطور
تنافسية اجلنيس، األوديبي
Rivality ( 3,5سنة
6-
سنوات)
احملور :IVالبنية
تطلق تسمية البنية النفسية عىل ما يتميز به الفرد يف خربته وسلوكه .وليس بالرضورة
أن تسرتشد عملية تقدير البنية باالضطرابات و إنام باالستعداد الكامن يف اإلنسان
لإلحساس والتفكري والترصف بطريقته اخلاصة .وتدل البنية عىل األسلوب الشخيص
املستمر زمني ًا ،إال أهنا ليست جامدة وغري قابلة للتعديل ،وإنام تستمر عمليات النمو
طوال احلياة .ومع ذلك فهناك ثبات مرتفع ،constancyبحيث يوجد تداخالت بينها
128
ممارسة العالج النفسي
129
األسس النظرية للعالج النفسي
sense of Self-esteem الذات يف تنظيمه إىل تقدير الذات (نرجسية تقدير الذات
) narcissismو منظومة هوية الذات .Self-Identity Systemوترتبط األوضاع اخلالية
من األعراض باإلحساس بالراحة و مشاعر األمان .ويعد امتالك الثقة بالنفس self-
confidenceواالعتامد عليها self-assuranceوالصورة املستقرة constant Imageعن
املايض الشخيص الرشوط األساسية للصحة النفسية.
ويتبع التحديد (القياس) املحقق يف OPDللبنية مبدأ ديناميكي ًا نفسي ًا تكاملي ًا ،إال
أنه يتخىل عن استخدام املفاهيم التحليلية النفسية املوروثة (وذات املعاين املتعددة عىل
األغلب) كام هو األمر يف جمال الرصاع ،من أجل جعل قياس سلوك وخربة املريض
واملعالج يف املوقف التشخييص أقرب للمالحظة قدر اإلمكان .ويتم اعتبار البنية
النفسية هنا عىل أهنا بنية الذات يف العالقة .Structure of Ego in Relationship
130
ممارسة العالج النفسي
القدرة عىل إقامة االتصاالت ،و احلفاظ عىل العالقات و بنائها بشكل القدرة
عىل عالقة متبادل.
املوضوع
االستخدام املالئم آلليات الدفاع. وظائف
دفاعية
ومن خالل الوظ ائف الستة األساسية املالحظة يمكن متييز أو حتديد البنية الكامنة
خلفها:
.1القدرة عىل إدراك الذات.
.2القدرة عىل توجيه الذات.
.3القدرة عىل الدفاع.
.4القدرة عىل إدراك املوضوع.
.5القدرة عىل التواصل.
.6القدرة عىل االرتباط.
ويتيح مقدار ونوعية القدرات أو االضطرابات الكامنة خلفها التمييز بني
مستويات خمتلفة من التكامل للبنية :متكاملة بشكل جيد ،ومتوسطة و ضئيلة و غري
متكاملة .وهبذا فإنه من املمكن وصف متصل يتحرك بني األقطاب املتطرفة للبنية
الناضجة ،السليمة حتى البنية الذهانية (جدول .)5
131
األسس النظرية للعالج النفسي
132
ممارسة العالج النفسي
133
األسس النظرية للعالج النفسي
134
ممارسة العالج النفسي
ويف أثناء اجللسة قدمت املريضة العالقة بني الشكاوى ووضعها احليايت،
إال أهنا حاولت يف الوقت نفسه التشكيك مرار ًا متسائلة فيام إذا كان هذا الدواء
أو تلك احلمية قد تفيد أو فيام إذا كان من املفرتض هلا أن جتري فحوصات طبية
أخرى .لقد بدت غري واثقة ،ومشحونة بالذنب ،وصوالً حتى اهتام الذات
(أليس الذنب ذنبي يف فشل زواجي؟) و أثارت يف املقابلة مشاعر مثل "عىل
اإلنسان أن يتعامل معها برعاية ،أن خيفف عنها الذنب" .واملريضة تتحكم
بوضعها االجتامعي الراهن ،ومن هنا فهو ال يشكل مشكلة.
وظهر من تاريخ احلالة -كنمط تكراري -repetitiveالطموح املستمر
لرعاية اآلخرين ،من أجل احلفاظ عىل عالقة وثيقة .ولكن من ناحية أخرى
توجد خماوف من عدم تلبية هذا السعي بالشكل األمثل ،ومتيل إىل إحلاق
الذنب لذاهتا و الفشل .بنيوي ًا أظهرت املريضة بنية جيدة التكامل ،وأتاح
التشخيص اإلكلينيكي حسب اآلي يس دي-العارش ICD-10بوضوح
تشخيص اضطراب وظيفي مستقل من الشكل اجلسدي للجهاز املعدي
.gastrointestinalيمكن تصنيف طريقة العالقة )TractF(45. 32 معوي
relationshipعىل النحو التايل :تشهد املريضة مرار ًا أهنا تساعد modus
135
األسس النظرية للعالج النفسي
مطالب وحاجات.
فإذا ما تتبعنا جذور نمط العالقة هذا و الرصاعات يف البيوغرافيا ،فسوف
تتضح الصورة:
ولدت املريضة وترعرعت يف قرية صغرية .عاد األب مكسور ًا ومريض ًا
من احلرب .وكانت األم سيدة قوية حمبة للحياة .أرادت طوال حياهتا أن
حتقق شيئ ًا ،وكان عليها أن تعمل باستمرار ،كي ترعى أرسهتا .كانت املريضة
يف طفولتها أغلب الوقت مع جدهتا .وتعتقد أن أمها التي كانت تدير حمالً
صغري ًا مل تكن متلك الوقت هلا و أهنا مل تكن ترغب برعاية ابنتها أص ً
ال .كانت
اجلدة مكتئبة بشدة ،وتبكي كثري ًا .ولكنها كطفل مل تعرف أبد ًا ما "األمر".
ال حمرتم ًا ومعترب ًا يف القرية .وتم اعتقاله
كان اجلد من ناحية األم رشطي ًا ،رج ً
من األمريكيني بعد احلرب ،وكان عىل األرسة أن ختيل البيت التابع للرشطة.
عانت اجلدة من هذا املرض بشدة .وكان عىل املريضة أن تنام مع جدهتا يف
غرفتها ملدة سنة "لتدير باهلا" عليها .كانت اجلدة تبكي كل ليلة تقريب ًا و
حاولت االنتحار مرار ًا .وتم حث املريضة ثانية من اجلميع عىل االنتباه أكثر
عىل جدهتا .ويف يوم من األيام علقت اجلدة نفسها يف خشب السقف ،وكل
من يف القرية واسى األم ،ولكن وال أي واحد منهم أحس كم عانت املريضة
من مشاعر الذنب بأهنا فشلت .وجتدد هذا الذنب باستمرار عرب سنوات
طويلة يف إطار الزوجية :تساءلت املريضة فيام إذا كانت قد تسببت بفشل
زواجها بسبب "قلة عطائها" ،وما الذي كان عليها أن تفعله بشكل خمتلف
136
ممارسة العالج النفسي
لتنقذ زواجها.
الرصاعات الحمددة للحياة ظهرت يف :مشاعر ذنب األنا العليا ،واجتاه
غريي altruisticعاشت فيه السيدة هناء نفسها بأهنا متربعة بالرعاية و حاملة
املسؤولية جتاه األرسة .وكان شعار احلياة عندها :أنا أفعل كل يشء لآلخرين
كي ال جيد أي واحد شيئ ًا ما يتهمني به .ومل تستطع حتمل االنفصال الذي قام
به زوجها" ،ألنني أريد أن يكون اآلخرون حمتاجني يل".
إشكالية الذنب تتجذر يف التاريخ املأساوي لألرسة ،تم حتميلها فيه فوق
طاقتها كفتاة نامية وعاشت فيه انتحار اجلدة بأنه فشلها اخلاص .وكل خرق،
كل خمالفة ضد امليول االجتامعية أثارت لدهيا مشاعر الذنب .كام أهنا عاشت
فشل العالقة يف تأمالهتا دائ ًام عىل أنه فشلها الذايت وتكاد ال ترى اجلراح
الشديدة التي سببتها هلا األرسة .يف إطار العالج القصري األمد تم حتديد كال
هذين املجالني من الرصاع و نمط العالقة البني شخصية كبؤرة عالجية .و
تم حتقيق حتفيز إلعادة التوجه ومعاجلة النمط املشحون بالرصاع عىل خلفية
عالقة عالجية نفسية ثابتة.
137
األسس النظرية للعالج النفسي
138
ممارسة العالج النفسي
الفصل اخلامس
St. Fliegel
139
األسس النظرية للعالج النفسي
من خالل عواقب السلوك املعني .والبد من حتديد تفاعل السلوك القابل للمالحظة
واالستعرافات و الدوافع و األطر االجتامعية بالنسبة لالستجابات اإلنسانية و احلكم يف
إطار التحليل العالجي السلوكي للمشكلة بداية عىل أساس السؤال حول ماهية
العوامل يف الوقت الراهن الكامنة خلف املشكلة و التي حتافظ عىل استمراريتها.
ومن وجهة النظر العالجية السلوكية فإن الشخصية اإلنسانية تعني "القدرة الكامنة
عىل االستجابة" ،potential Reaction abilityأي االحتاملية التي يبدي فيها شخص ما
نزوعات سلوكية واستجابية .Behavioral-and Reaction Tendencyوهذا يتعلق
بدرجة كبرية بطبيعة املوقف .ومن هنا فإن التشخيص العالجي السلوكي يطمح من
خالل إجراءاته إىل املالحظة والتحديد املبارشين ألنامط االستجابات.
يتم تصنيف املبادئ العالجية السلوكية يف العادة بشكل أقرب ملبدأ العينات (عىل
عكس املبدأ العنقودي أو التجميعي) .وهنا يفرتض أن أنامط السلوك التي يتم حتديدها
متثل عينة من سلوك الشخص .وتتم بالنسبة للمشكلة املعنية حماولة حتديد أنامط
السلوك املميزة للشخص (من نحو أنامط السلوك اخلوافة يف املواقف املختلفة،
الترصفات القهرية ،استجابات اهلرب من املواقف اجلنسية الضاغطة عىل سبيل املثال).
ومن البدهيي أنه ليس بإمكان املعالج السلوكي حتديد كل استجابات القلق أو
االستجابات القهرية أو اجلنسية لشخص ما .هلذا تتم حماولة تصميم املوقف التشخييص
بحيث يقدم املرىض هنا عينة من سلوكهم بشكل مثايل.
ففي املبدأ العالجي السلوكي إذ ًا يتم النظر الستجابات وأنامط سلوك املرىض عىل
أهنا جزء من الذخرية السلوكية وذخرية االستجابات Behavior-and Reaction
repertoireوليس عىل أهنا دليل عىل االضطراب الكامن خلفها .ومهمة املعالج هنا
تكمن يف التحديد الدقيق قدر اإلمكان لعينات من السلوك املشكل.
ويف حني تبحث األساليب التشخيصية ذات التوجه العلم نفس أعامقي البنى
الفرضية للشخصية ،التي تفيد من جهتها يف التنبؤ بالسلوك الفعيل ،فإن املبدأ التشخييص
140
ممارسة العالج النفسي
السلوكي يتبع املالحظة املبارشة قدر اإلمكان ألنامط السلوك املعنية نفسها .وهبذا ترتفع
موثوقية نوعية التنبؤ بالسلوك اإلنساين ،فهنا ال يوجد إال القليل جد ًا من التفسري.
141
األسس النظرية للعالج النفسي
142
ممارسة العالج النفسي
األهداف(حتليل األهداف) البد من الوصول إىل حتديد أين يمكن استخدام التدخالت
العالجية و ما هي النقاط األساسية التي متتلك أكرب احتامل للنجاح فيام يتعلق باألهداف
العالجية.
وهنا يمكن للتدخالت عىل سبيل املثال أن تكون:
-تعديالت يف الظروف املحيطية،
-تعديالت ملستوى واحد أو عدة مستويات من السلوك املشكل (املستوى
االستعرايف ،السلوكي ،االنفعايل ،احلركي ،الفيزيولوجي)،
-تعديالت للمواقف أو املعززات،
-تعديالت توجيه الذات عند املريض (إدارة املريض لذاته)،
-تغريات فيام يتعلق بأهداف األفعال ،الربامج ،التوقعات ،التقويامت.
يف أثناء العالج السلوكي يعد الضبط (الفحص) املستمر للعالقة بني احلالة البدئية
و احلالة الراهنة مه ًام (قياس التعديل و تقويم التعديل) .وتشكل نتائج هذا التشخيص
املرافق للعالج (أنظر مالحظة السلوك) أساس القرار فيام إذا كان يمكن إهناء العالج أم
سيستمر وفق اخلطة أم فيام إذا كان البد من إجراء تعديالت يف العملية .فإذا مل تظهر يف
العملية العالجية السلوكية التأثريات املرغوبة فال بد من فحص مالئمة املجاالت اجلزئية
التالية باستخدام الطرق التشخيصية وتعديلها يف مقتىض احلال:
-اختيار واستخدام طرق التأثري،
-حتليل األهداف العالجية،
-حتديد املشكلة و حتليها.
ويتضح من ذلك أنه يمكن اعتبار العملية التشخيصية العالجية كلها يف العالج
السلوكي عملية فحص و تغذية راجعة مستمرة ،خيضع فيها اختيار املشكلة والفرضيات
143
األسس النظرية للعالج النفسي
املبنية حول ظروف املشكلة و أهداف التعديل املحددة و طرق التدخل املنبثقة عن ذلك
للفحص والتعديل املستمرين.
كام تشكل إمكانات التعديل يف عملية التغذية الراجعة املذكورة مظهر ًا مه ًام للعالقة
العالجية .فاملعالج يأخذ املرىض عىل حممل اجلد يف كل حلظة من العالج وذلك بالنظر
لقدراهتم و حالة إحساسهم الراهن .إنه "يتم إحضارهم" من املكان "املوجودين فيه
اآلن" .فإذا ما كان هناك أجزاء حمددة من املشكلة أو رشوط حمافظة عليها أو رغبات
ألهداف أخرى مل تزل (بعد) غري معروفة للمريض ،ألن املريض مل يفصح عنها بعد أو
يشعر بالثقة بعد فيمكن للمعالج أن يطمئن إىل أن املريض سوف خيرب أو يستشعر هذا
يف جمرى العالج بقدر كاف من الكفاءة املهنية واحلساسية .وحسب التفكري السلوكي
العالجي ينبغي عدم النظر "لالضطرابات" يف جمرى العالج عىل أهنا "فشل" أو أخطاء
يف التخطيط أو مشكالت عالقة ،وإنام كفرصة لإلكامل أو للتعديل بمعنى يف صورة
عملية عالجية تشخيصية .وعىل شكل منحنى إرجاعي يمكن عندئذ (إعادة)
استحضار طور آخر يف نموذج العملية .وأخري ًا تقود مثل هذه املنحنيات اإلرجاعية
التي يمكن أن تظهر مرار ًا يف جمرى العالج إىل رؤية وتعديل شاملني للمشكلة التي
أحرضها املريض أو حميطه أو لظروف املشكلة املصاغة.
ومن أجل توضيح التشخيص العالجي السلوكي سوف نقوم فيام ييل
بعرض أوسع لتحليل املشكلة بوصفه جوهر العالج السلوكي و األساليب
املستخدمة للحصول عىل املعلومات و التشخيص من أجل ضبط العالج.
وسيعقب ذلك عرض ملظاهر العالقة العالجية يف الطور التشخييص .
144
ممارسة العالج النفسي
145
األسس النظرية للعالج النفسي
-يتم فحص األرضار اجلسدية والدماغية املمكنة -حتى تلك التي ليست عىل
عالقة مبارشة باملشكالت النفسية ،-والتي قد متنع أو تعيق حتقيق األهداف
العالجية (من نحو اضطرابات النوم املرتبطة عضوي ًا ،أرضار الدماغ،
االستهالك املفرط للعقاقري ،عواقب العمليات اجلراحية).
-من هنا يتم وصف املشكلة النفسية املنتظر تعديلها بشكل ملموس :إذ يمكن
للمشكالت أن تظهر عىل شكل أنامط سلوك غري مناسبة (من نحو اإلفراط يف
تناول الكحول ،استجابات القلق ،اللجلجة ،البكاء بمزاج اكتئايب) .أم تظهر
املشكالت ألنه مل يظهر سلوك مهم مقبول ورضوري أو ال يمكن إظهاره أو ألنه
حمارص (مصدود) (من نحو إقامة اتصال ،احلديث مع الرشيك حول
املشكالت ،حفظ النصوص ،حدوث انتصاب ،الظهور بثقة).
-يتم وصف تطور املشكالت النفسية (املنشأ )Genesesواملساعي املتخذة حتى
146
ممارسة العالج النفسي
التحليل الوظيفي
يشكل التحليل الوظيفي Functional Analysesأساس العالج السلوكي
التقليدي .وهو يقوم عىل نظريات التعلم و يبحث العالقات بني تلك املتغريات القابلة
للقياس والتعديل املبارشين والتي هي عىل عالقة مبارشة بالسلوك املشكل.
والنقاط التالية تشكل أساس إنجاز التحليل الوظيفي للرشوط:
-وصف السلوك األعرايض )،Symptomatically Behavior(R
-حتديد الظروف املثرية السابقة والتالية )،(S and C
-حتديد متغريات العضوية املهمة ) (Oو إمكانات الضبط الذايت بالنسبة للسلوك
املشكل من خالل املريض ).(SC
فإذا ما تم اعتبار املشكلة عىل أهنا رد فعل استجايب ،respondent Reactionفال بد
من أن يكون قد حدثت عملية تعلم عىل شكل إرشاط تقليدي .وهذا يعني أن احتامل
ظهور سلوك مشكل حمدد قد ازداد أو انخفض من خالل استجابات املحيط أو رشوط
التعزيز الذايت التي تعقب هذا السلوك (العواقب )Consequences
symptomatic conditional model وبعد طرح النموذج اإلرشاط لألعراض
املتضمن الرشوط املحافظة عىل االستمرارية بالنسبة لالستجابة ،يتم احلصول عىل
147
األسس النظرية للعالج النفسي
معلومات أخرى من أجل فهم اإلشكالية الراهنة من خالل وصف املنشأ العريض
Symptom genesesوالعالقة بني املجاالت املختلفة من األعراض.
Functional أما هدف التحليل الوظيفي فهو إجياد ماهي "النوعية الوظيفية
"Qualityالتي حتتلها االستجابة ) ،(Rإما يف سلوك استجايب respondent Behavior
كمثريات منبهة ) producing Stimulus (Sأو يف السلوك اإلجرائي كتعزيز إجيايب أو
سلبي ) ، (Cأي أنه يتم طرح فرضية S-O-R-S-C-Cمناسبة بالنسبة هلذا املريض ،وطبق ًا
لذلك يتم التخطيط إلجراء تعديالت يف املثري Sأو النتيجة ،Cالتي يكون تأثريها موجه ًا
عىل حتليل هدف تعديل تكرار .R
148
ممارسة العالج النفسي
املشكلة وقتي ًا و وظيفي ًا ،وإنام املقصود الظروف املحيطية الدائمة التي يمكن أن تؤثر عىل
فرص نجاح العالج .ومن بينها عىل سبيل املثال األمراض اجلسمية ،الظروف املحيطية
املحفزة للضغوط و املرهقة.
حتليل االستعرافات
أسهم حتليل االستعرافات Cognition analysesيف تطور العالج السلوكي باجتاه
"العالج السلوكي االستعرايف" .ويف هذا اإلجراء يتم حتليل األفكار و التصورات
(باملعنى األقرب للبنائي) التي حتفز املشكلة و حتافظ عىل استمراريتها.
-االستعرافات املختلة الوظيفة
-األفكار الالعقالنية.
-غياب استعرافات املواجهة.
-نقص املعلومات.
وعليه يمكن لألفكار حول املشكلة أن تكون خطأ أو مفرطة يف املبالغة أو أحادية
اجلانب (ضيقة الرؤية) و تستثري مشاعر غري مرغوبة و تص ِّعب السلوك املرغوب،
ويمكن أن لألفكار حول مواجهة املشكلة أن تغيب ،أو يمكن أن توجد معارف خطأ أو
ثغرات يف املعارف املتعلقة باملواضيع و العالقات والتسبيبات.
.
مثال" :لن أستطع إنجاز ذلك؛ فسوف يعود اخلوف ثانية"" ،كل ذلك
حيدث ألين لست نافع ًا"" ،ولدت ألرتكب األخطاء فقط"" ،يقود مثل
هذا النوع من ترسع القلب إىل الذبحة الصدرية".
مثال حول وجود استعرافات املواجهة" :حتى عندما أشعر باخلوف فلن
أدع ذلك يثبطني .لن حيدث يل يشء سأستمر .
149
األسس النظرية للعالج النفسي
حتليل الدافعية
يف حتليل الدافعية يتم القياس التشخييص ألهداف الترصف و منظومات التقويم
عند املرىض .وهنا يتم فحص إىل أي مدى األعراض رضورية من أجل الوصول إىل
حل للرصاع أو لدعم صورة الذات الراهنة أو للحامية من الضغوط األخرى الصعبة أو
املواجهات مع اآلخرين .ويمكن القول بلهجة عامية بأن املريض "حيتاج" لألعراض،
حيتاج الكتساب املرض .ويف بعض احلاالت الفردية قد يصيب "املكسب" (من أجل
التقاعد املبكر عىل سبيل املثال أو للحصول عىل تعويضات عن رضر ما) .إال أننا عادة
ما نعيش احلامية من رصاعات األهداف ومن املواجهة مع الرصاعات و من فرط املطالب
أو احلامية من جتديد لصدمة ما traumatizeبوصفها أكثر دافع متكرر للحفاظ عىل
استمرارية اإلشكالية .ومن هنا يفرتض جتنب التعامل الساذج مع مفهوم "املكسب"
املريض.
ومن الدوافع املمكنة يمكن اإلشارة إىل:
-إدراك غري واقعي للذات ،املبالغة بالتقدير أو التهوين من الكفاءات السلوكية
الذاتية أو عواقب السلوك.
-مطالب غري واقعية من السلوك الذايت ،أهداف غري واقعية ،ضخمة ،مفرطة
التعميم ،قناعات غري منطقية.
-رصاعات األهداف.
-جتنب الرصاع.
150
ممارسة العالج النفسي
حتليل العالقة
يف حتليل العالقة يمكن وكرشوط حمتملة للمشكالت النفسية استخالص:
-القناعات االجتامعية خمتلة الوظيفة (املعطوبة) :Dysfunctionalمعايري اجلامعة
أو قواعدها ،التي يمكن اعتبارها ال منطقية.
-حمددات مجاعية غري ثابتة :رصاعات مصالح وسلطة يف اجلامعات االجتامعية
املهمة.
-غياب التواصل أو تواصالت مضطربة.
تصورات أخرى
ينظر حتليل املشكلة يف العملية العالجية لإلنسان عىل أنه موضوع مندمج يف حميطه
االجتامعي واملادي .إنه قادر عىل متثل املعلومات و التفكري بترصفاته وتفسريها والتأثري
عليها بالشكل املناسب .ويشمل مفهوم "السلوك "Behaviorاملستخدم يف هذا الشكل
من التحليل إىل جانب املظاهر االستعرافية واالنفعالية قواعد rulesوبرامج plan
151
األسس النظرية للعالج النفسي
152
ممارسة العالج النفسي
Exploration السرب
يعد السرب أو االستقصاء أهم أسلوب تشخييص يف العالج السلوكي ،وبشكل
خاص يف العمل مع املرىض الراشدين :حيث يصف املريض مشكالته و اضطراباته
وحياول املعالج تنظيم هذه الوصوفات بحيث يمكن احلصول من هذه املعلومات حتلي ً
ال
للمشكلة.
153
األسس النظرية للعالج النفسي
ويتوفر للمعالج من خالل مضامني و حتليل املشكلة مواضيع و جماالت أسئلة ،متثل
أساس جلسة السرب .وحسب نوع اإلشكالية و الظروف الظاهرة املحافظة عىل
االستمرارية يتم تصميم اجللسة باجتاه واحد أو أكثر من إمكانات التحليل.
وتستند املعلومات النامجة عن السرب يف جزء كبري منها عىل احلارض ،أي عىل الوضع
احليايت الراهن أو عىل الظروف املحافظة عىل استمرارية املشكلة .وتفيد املعلومات من
املنشأ ،genesisأي من تاريخ النمو عىل األغلب يف تأكيد اإلجابات الراهنة لتحليل
املشكلة .كام يمكن أن تكون ذات أمهية من أجل إعطاء املريض صورة جديدة حول
إشكاليته وتطورها و الظروف املحافظة عىل استمراريتها .ويف العالج النفساين
اخلارجي [دون اإلقامة] يستمر السرب الذي يفرتض ملضامينه أن تقود إلنجاز حتليل
املشكلة وأول حتليل للهدف ،بني اجللسة الواحدة إىل الثالث جلسات عالجية حسب
نوع اإلشكالية.
وإىل جانب الوظائف التشخيصية املوصوفة أعاله يمتلك السرب وظيفة عالجية
وحتفيزية.
وتكمن هذه الوظيفة التحفيزية للسرب بشكل خاص يف:
154
ممارسة العالج النفسي
155
األسس النظرية للعالج النفسي
مالحظة السلوك
156
ممارسة العالج النفسي
"يعد مطلب التحديد الواضح قدر اإلمكان و املبارش للسلوك مطلب ًا أساسي ًا
للعالج السلوكي .واهلدف . ...يكمن يف تعديل أنامط السلوك امللموسة . ...أما
الطريقة التي تالئم هذا املطلب عىل الوجه األكمل فهي املالحظة املبارشة للسلوك .إذ
حتى جمرد املالحظة احلرة غري املنهجية غالب ًا ما تقدم لنا يف العيادة معلومات يف غاية
األمهية قلام نستطيع احلصول عليها باألدوات التشخيصية األخرى" & (Schulte
).Kemmler
فاملالحظة املبارشة و املنهجية للسلوك هي الطريق املبارش للحصول عىل معلومات
مهمة يف عملية العالج النفساين.
( للتذكري :يف السرب حيصل املعالج عىل معلومات مهمة يتم اكتساهبا
من خالل املريض يف تقارير اسرتجاعية أو من خالل التقارير االسرتجاعية
لآلخرين [الطرف الثالث] .
157
األسس النظرية للعالج النفسي
158
ممارسة العالج النفسي
159
األسس النظرية للعالج النفسي
اختبار السلوك
فيام يسمى باختبار السلوك تتم مالحظة السلوك املشكل مبارشة بأن يلجأ املريض
(بمرافقة املعالج أم بدونه) يف احلقيقة أو يف اخليال إىل املوقف املشكل أو احلرج الذي
يظهر فيه يف العادة سلوكه املشكل .ويمكن هلذا املوقف أن يكون موقف ًا من مواقف
احلياة اليومية الواقعية أو عبارة عن موقف اجتامعي مصمم (لعب األدوار) وهو أمر
مالئم يف املشكالت االجتامعية .ويمكن للمعالج أن يسأل املريض مبارشة يف مثل هذا
املوقف أو بعده عن الكيفية التي يظهر فيها السلوك املشكل يف املوقف املعطى و يستطيع
أن يسأل املريض بشكل هادف عن الوجوه الفكرية واملشاعرية و اجلسمية و احلركية.
باإلضافة إىل ذلك تتوفر للمعالج إمكانية مالحظة املريض يف املوقف املعني بشكل
مبارش.
وهبذا يتكامل اختبار السلوك مع السرب ومالحظة السلوك مع بعضها.
ويسا عد العمل التشخييص بالتصور أو التخيل إذا ما كان من الصعب يف العيادة
حتديد موقف حمدد وتنفيذه.
وحيتل ما يسمى امتحان التجنب مركز ًا مه ًام يف أساليب املالحظة العالجية
السلوكية وامتحانات السلوك .وهنا تتم بشكل خاص مالحظة خماوف نوعية أو اقرتاب
املريض من مثريات ومواقف قلق حمددة.
160
ممارسة العالج النفسي
مثال :مثل هذه املواقف يمكن أن تكون :اإلقامة مع أناس كثر يف غرفة
واحدة ،التكلم مع الغرباء ،االبتعاد عن سور اجلرس ،قيادة السيارة يف شارع
مزدحم ،الصعود إىل برج ما ،االبتعاد عن منزل آمن.
كام يمكن أن يدفع املريض إىل تنفيذ تصورات قرسية حمددة (من نحو
طقوس الغسيل أو التدقيق عىل سبيل املثال).
ويمكن المتحانات السلوك كمواقف لعب أدوار أن تكون :يمثل
املريض مواقف اجتامعية مرهقة يف االمتحان ،يف مكان العمل ،يف التسوق ،يف
إجراء االتصال .و جيري هذا يف موقف آمن مع املعالج.
وهبذا يمكن جتديد مواقف و أنامط سلوك وتصبح قابلة للمالحظة
والوصف .
161
األسس النظرية للعالج النفسي
بسبب االستهالك الزمني و التنظيمي .وكثري ًا ما يتم تنفيذ امتحانات السلوك هذه
"كواجبات منزلية" باالرتباط مع املالحظة الذاتية و وصف الذات.
لعب األدوار
يصعب يف كثري من احلاالت يف العيادة حتديد موقف معزول من أجل العملية
التشخيصية و من ثم حتقيق أن تصبح استجابة إشكالية ما مطابقة قابلة للتحديد .وقد
أثبت القيام بلعب األدوار فاعليته ،إىل جانب العمل مع التخيالت ،أي بناء عينة-مشكلة
يف التخيل.
وبعد لعب األدوار من الطرق املعيارية يف العالج السلوكي وهو مفيد إذا ما أردنا
أن نجدد املواقف وأنامط السلوك و جعلها قابلة للمالحظة و الوصف.
وكام هو احلال يف متارين التخيل يمكن تنفيذ لعب األدوار يف أثناء جلسة السرب.
يف لعب األدوار يمكن للمريض أن يمثل شخصه هو أو دور شخص آخر يف حميطه
االجتامعي .ويقوم املريض بإرشاد املعالج أو األشخاص اآلخرين إىل أدوارهم و
يلعبون اجلزء املعني اخلاص هبم.
االستبيانات
يمكن لالستبيانات املسرتشدة بالتصور العالجي السلوكي أن تقدم معلومات
إضافية من أجل إنجاز حتليل املشكلة (وظيفة استكشافية .)Explorative Function
وغالب ًا ما يتم استخدام االستبيانات لضبط التأثريات العالجية (وظيفة ضابطة للعالج
أنظر أدناه).
162
ممارسة العالج النفسي
163
األسس النظرية للعالج النفسي
األساليب الفيزيونفسية
164
ممارسة العالج النفسي
165
األسس النظرية للعالج النفسي
166
ممارسة العالج النفسي
167
األسس النظرية للعالج النفسي
168
ممارسة العالج النفسي
حول الكيفية التي سارت هبا العملية العالجية حتى اآلن و أين املستوى يف اللحظة
الراهنة بالنظر للهدف املتوقع الوصول إليه (قياس العملية أو املجرى Process-
.)measurement or Progress-measurement-progress
ويف ضبط العالج البد من اختاذ قرارات حول موعد احلصول عىل املعلومات
وشكل احلصول ومصادر املعلومات.
وقد تم وصف ونقاش مصادر املعلومات وفائدهتا عند مناقشة األساليب
التشخيصية ،ونشري إليها هنا مرة أخرى باختصار من منظور ضبط العالج وفق را ألمهيتها
التخصصية:
االستبيانات :يمكن استخدامها للمظاهر املنفردة للتغريات متعددة األبعاد املمكنة
(من نحو املعايشة الذاتية ،البنى االستعرافية ،رشوط السلوك عىل سبيل املثال).
املخططات البيانية :ويتم بمساعدهتا الضبط النوعي الدقيق للتغريات املهمة يف
سلوك املشكلة أو يف السلوك البديل املرغوب أو يف تكرار مواقف املشكلة.
مالحظة السلوك ،جتريب السلوك ،امتحان السلوك :يف مالحظة السلوك تتم
مالحظة السلوك املشكل بشكل مبارش ،حيث تتم يف العادة مالحظة منهجية ملجال
مشكلة حمددة ،قبل ويف أثناء وبعد العالج .وتعد امتحانات السلوك بالنسبة للمعاجلني
ِ
مساعدات مهمة يف اختاذ القرار بالنسبة للتخطيطات الالحقة للعالج و للمرىض بالنسبة
للتغذية الراجعة حول خطوات التعلم و الصعوبات التي ماتزال قائمة.
السرب :يعد السرب explorationيف املامرسة العملية الشكل األكثر استخدام ًا لضبط
العالج .فسؤال املريض يعطي معلومة حول التغريات املسجلة لسلوك املشكلة
problem behaviorو حول االنطباعات الشخصية لنجاح العالج .ويستطيع املعالج
مقارنة تقديراته الشخصية حول التغريات العالجية مع تلك التي للمريض.
ويتطلب الضبط املستمر و املؤسس جيد ًا للعالج من املريض مقدار ًا عالي ًا من
169
األسس النظرية للعالج النفسي
التعاون و من املعالج وقت ًا مالئ ًام من أجل توثيق وتقويم املعلومات املكتسبة .إال أنه ال
يمكن حتقيق التربير بالنسبة للترصف العالجي إال من خالل شكل شفاف من التوثيق.
وحيتل ضبط فاعلية العالج يف العالج السلوكي يف العادة مركز ًا أكرب وأكثر أمهية
مما هو األمر يف األشكال العالجية األخرى .ويكمن سبب هذا يف بنيوية structuralism
العالج السلوكي من جهة ومن جهة أخرى يف مطلب العمل بشكل مضبوط منهجي ًا و
علمي ًا.
170
ممارسة العالج النفسي
171
األسس النظرية للعالج النفسي
172
ممارسة العالج النفسي
الفصل السادس
173
األسس النظرية للعالج النفسي
االختبار" . ...إجراء روتيني علمي لفحص سمة أو سامت عديدة قابلة للتحديد بشكل
إمبرييقي للشخصية هبدف استنتاج بيانات كمية قدر اإلمكان حول الدرجة النسبية
لوضوح السمة الفردية" ) .(Lienert & Raatz, 1994, P. 1وانطالق ُا من هذا التعريف
يمكن وصف أساليب االختبارات النفسية وبالتايل أيض ًا السامت التالية بشكل أقرب:
.1االختبار عبارة عن إجراء علمي ،ألنه يتم تصميمه واختباره وفق قواعد حمددة،
تنبثق من نظرية االختبارات الكامنة خلفه .و العدد األكرب من االختبارات
املوجودة يف الوقت احلارض تم تطويرها عىل أساس "نظرية االختبار التقليدية
."Classical Test Theoryويرتبط هبا نظام ريايض algorithmيف تصميم
االختبار:
-حتديد جمال املوضوع و البعد الذي يفرتض قياسه.
-صياغة و جتميع املهام (البنود).
-احلصول عىل عينة حتليل.
-تصميم املقياس بوساطة التحليل العاميل و حتليل البنود (حتديد املقاييس
وتشكيلتها بناء عىل العوامل والتشبع أو فحص املقاييس بوساطة الصعوبة أو حدة
الفصل أو االتساق consistencyأو كلها مع ًا.
-حساب املعايري (أنظر أدناه)
إجراء دراسات صدق validity -
174
ممارسة العالج النفسي
1التقنني
175
األسس النظرية للعالج النفسي
.3من خالل االختبار يتم حتديد أو قياس –حم َّفز من خالل مطالب و أسئلة حمددة
(البنود -)Itemsسامت خربة و سلوك لألشخاص (استقصاء عينة من اخلربة
والسلوك) ،تفيد كمؤرشات Indicatorsلصفات أو حاالت أو عالقات.
ومن هذا املنظور فإن التوجه العام "للتشخيص التقليدي باالختبارات" نحو
سامت الشخص عىل شكل سامت ثابتة زمني ًا و متغرية موقفي ًا Traitsيعد تقييد ًا
غري مناسب ،ذلك أنه يمكن كذلك قياس احلاالت الراهنة املستقلة عن املوقف
،statesامليول السلوكية ،behavior tendencyباالختبارات بدون االستناد إىل
اخلصائص والعالقات بني األشخاص ،من نحو يف العالقة الزوجية أو العالقة
العالجية الثنائية أو يف اجلامعة عىل سبيل املثال
.4يف االختبار يتم السعي لقياس ( measurementتكميم )Quantification
السامت التي تم استقصائها .وبعض الباحثني ينتقد اقتصار التوجه عىل أساليب
القياس لوحدها ،حتى وإن كانت هذه باعتبارها اختبارات سيكوميرتية متثل
أهم فئة يف أساليب االختبارات .وعليه يمكن تسمية حتى تلك األساليب التي
ال تقيس ،ولكن املعرية يف التعليامت و التقديم "باالختبارات" أيض ًا
(كاألساليب اإلسقاطية")
.5عند استخدام األساليب االختبارية يتم السعي عىل األغلب نحو تصنيف
وتعيري نتائج االختبار عىل أساس عينة تعيري من الناس (عينة مرجعية
.)Reference Populationولكن إىل جانب ذلك هناك إمكانية تصنيف وتعيري
االختبارات وفق أهداف التعلم ،أو أهداف التدريب أو أهداف العالج (قياس
معياري/عينايت مقابل القياس املرجع إىل حمك).
176
ممارسة العالج النفسي
177
األسس النظرية للعالج النفسي
178
ممارسة العالج النفسي
179
األسس النظرية للعالج النفسي
تقدير قيم اخلاصية التي يتم منها اشتقاق عالجية التشخيص كقياس
مقابل مقابل
التشخيص كمعلومات حول حتسني القرار والعالج من خالل مجع املعلومات
العالج
180
ممارسة العالج النفسي
181
األسس النظرية للعالج النفسي
182
ممارسة العالج النفسي
-اختبارات إكلينيكية
-اختبارات امليول واالجتاهات
2 .2االختبارات اإلسقاطية
-أساليب تفسري الشكل
thematically -أساليب تفهم املوضوع (إدراك املواضيع عن طريق الرتابط)
apperception procedure
183
األسس النظرية للعالج النفسي
فإذا ما تتبعنا املنهجية املتبعة يف جدول ( )3فإن اختبارات بنية الشخصية و بشكل
خاص االختبارات اإلكلينيكية حتتل هنا األمهية األكرب بالنسبة للعالج النفساين .و
سوف نتطرق الحق ًا ألهم أساليب التقويم الذاتية و تقدير اآلخر [الطرف الثالث].
وسنقترص هنا عىل عرض األساليب بالنسبة ملجال الراشدين .إال أننا يف البداية سنتطرق
بشكل أقرب ضمن هذا املجال املحدود إىل حقول التطبيق اجلوهرية للتشخيص
باالختبارات يف العالج النفساين.
184
ممارسة العالج النفسي
مالحظات عامة
حظي التشخيص القائم عىل العالج (التشخيص املرجع إىل العالج) يف السنوات
األخرية بأمهية مطردة بوصفه مظهر ًا جوهري ًا من العملية التشخيصية .ويؤيد هذا العدد
املتزايد من الكتب و املسامهات املتفرقة املنشورة حول هذا املجال من املواضيع .ومن
األسباب املهمة لالهتامم املتزايد باملسائل التشخيصية يف إطار العالج النفساين يمكن
اإلشارة بشكل خاص إىل التطويرات احلديثة واملستمرة لألساليب العالجية النفسانية و
متايزها املتقدم advancing differentiationوالتصنيف املحسن لالضطرابات النفسية.
.1ففي إطار العالج النفساين فإنه ال يمكن االستغناء عن التشخيص النفيس يف
حتديد احلالة األولية للمريض (الوصف ،التصنيف ،حتديد املشكلة
)Description, Classification, Problem definitionو حالة اهلدف
(التعديالت ،أبعاد اهلدف)؛
.2عند الفصل (اختاذ القرار) حول أساليب العالج املالئمة (طرح الفاعلية،
ومضادات الفاعلية )Indication and Contraindication؛
.3و عند اختبار جمرى و فاعلية طرق التدخل املستخدمة (ضبط العالج ،جماالت
التأثري ،عمليات التغيري).
185
األسس النظرية للعالج النفسي
و سوف نقوم فيام ييل بتناول كال املجالني املذكورين يف التعريف للتشخيص
باالختبارات القائم عىل العالج.
2
تشخيص الفاعلية indication diagnostic
مل تلعب مسألة الفاعلية يف سنوات التأسيس األوىل للعالج النفيس أي دور يذكر.
فقد أشار فرويد يف عام ،1904ص ،116إىل أن التحليل النفيس فاعل يف عالج ". ...
األشكال املزمنة من اهلسترييا مع أعراض متبقية و ملجال كبري من حاالت القهر وضعف
اإلرادة abuliaوما يشبه ذلك" .ويف هذه األثناء تطور العالج النفساين برسعة كبرية.
ونشأت إىل جانب التحليل النفيس طرق عالج نفسية عديدة وجديدة وهو ما يعكسه
هذا الكتاب أيض ًا.
معني. ٍ
بغرض َّ 1أي تلك التي ُك ّيفت أو عُدِّ لت لِتفي
Indication 2مربرات استخدام أسلوب عالجي ما أو طريقة من الطرق
186
ممارسة العالج النفسي
ووفق ًا لفيتشني Wittchenيمكن للمرء التمييز بني نوعني من التشخيص القائم عىل
العالج ،املرتبطان من ناحيتهام بمسألتني خمتلفتني للفاعلية:
selective, prognostic oriented -فاعلية (تشخيص) انتقائي ذو توجه تنبؤي
)،Indication(Diagnostic
adaptive, based on -فاعلية (تشخيص) معدلة ،قائمة عىل املجرى والنجاح
).progress and success Indication(Diagnostic
يف الفاعلية االنتقائية selective Indicationيتعلق األمر باختاذ القرار بني عدة
إمكانات للمعاجلة العالجية therapeutically Treatmentهبدف الفرز املثايل للمتعالج
و املعالج و طريقة العالج .وبام أنه توجد طرق وبرامج وتقنيات متزايدة باستمرار وإىل
حد ما خمتلفة جد ًا لعالج االضطرابات النفسية والنفسية اجلسدية ،فإنه يرتبط هبذا األمر
السؤال املتمثل يف :ما هي الطريقة العالجية األكثر فاعلية لعالج االضطراب القائم
(الفاعلية التنبؤية .)prognostic Indicationأما الفاعلية االنتقائية فينبغي تقريرها قبل
بداية العالج وأن تقوم عىل املعلومات التشخيصية حول املتعالج وعىل أساس املعرفة
اخلرباتية بمواصفات Specificaوإمكانات طرق العالج النفساين.
ويف املامرسة العملية غالب ًا ما يتم باختاذ قرار بفاعلية انتقائية ذرائعية (عملية)
،Pragmatic Selective Indicationالتي يتم فيها صياغة خطة عالجية قابلة للتحقيق
حتت مراعاة العرض العالجي therapeutically Tenderاملتوفر والقابل للتحقيق و
هدف وأولويات التعديل عند املتعالج و الوقت املتوفر لذلك .ويف سياق مسألة الفاعلية
ال بد أيض ًا من مراعاة االنتقاء الذايت self-selectionعند املتعاجلني الذي غالب ًا ما يقوم
187
األسس النظرية للعالج النفسي
عىل النظريات الذاتية (النظريات الشعبية) حول أسباب مشكلته اخلاصة وقابليتها
للعالج و التنبؤ هبا وكذلك عىل املعرفة واالجتاهات حول العالج النفساين املحرتف.
يف الفاعلية املعدلة ( adaptive Indicationالتي تسمى كذلك الفاعلية اإلجرائية
processualأو املتجهة نحو املجرى) يتعلق األمر باختاذ القرار حول نوع و حجم تعديل
عوامل العملية العالجية النفسانية .فاستناد ًا إىل تشخيص تعديالت سلوك املريض يتم
تقديس جمرى العالج من خالل هذه التعديالت استناد ًا إىل أهداف حمددة .فاهلدف
النهائي هنا هو مالئمة اإلجراء العالجي عىل احلالة الفردية .و حيتل تشخيص العملية
و قياس التعديل املرافق للعالج أمهية مركزية هنا .ويرتبط ضبط املامرسة Praxis
Controlبمسألة الفاعلية بشكل وثيق هنا الذي يذهب من أنه يفرتض توثيق التأثري
العالجي يف احلالة الفردية من منظور طرح الفاعلية و جمرى العالج وتقويم اخلربة.
قياس التعديل
188
ممارسة العالج النفسي
بقياس التغريات .ويستند هذا القياس عىل حتديد التغريات الكمية والكيفية ،التي
حصلت خالل فرتة زمنية حمددة .ينبثق أحد املداخل املهمة لقياس التعديل من خالل
تشخيص احلالة الفردية .وال يمكن يف هذا املقام التطرق إىل املشكالت املنهجية النوعية
ملبدأ تشخيص احلالة الفردية وطرق التشخيص اإلحصائي املهمة يف هذا املجال (من
نحو حتليل التعاقب الزمني).
وكام متت اإلشارة يف الفصل السابق يرتبط قياس التعديل يف سياق العالج النفساين
بشكل وثيق مع اختاذ القرار بالفاعلية .ويكثر استخدام األساليب االختبارية
التشخيصية عند حتديد التغريات يف جمرى العالج ويف تقويم نجاح العالج .وتدعي
غالبية أساليب تقويم الذات واآلخر [الطرف الثالث] (أنظر فيام بعد) قياس التغريات.
إال أنه انطالق ًا من حقيقة أنه قد تم تصميم العدد األكرب من هذه األساليب عىل أساس
النظرية التقليدية لالختبارات تنجم بالنسبة للتشخيص باالختبارات سلسة من
املشكالت املتعلقة بنظرية القياس ،التي لن نتطرق هلا يف هذا املقام.
ونريد بدالً من ذلك اإلشارة إىل املبادئ البديلة لقياس التعديل التي يتم اختيارها
بناء عىل الصعوبات يف قياس التغريات يف إطار النظرية التقليدية و بشكل خاص يف
أساليب التقويم الذايت:
-التشخيص غري املبارش للتعديل.
-التشخيص املبارش للتعديل.
-تقويم حتقيق أهداف العالج.
-تقويم الوضع (السيكوباثولوجي) بعد انتهاء العالج.
وغالب ًا ما يتم احلصول عىل املعلومات غري املبارشة للتعديل خالل عمل متايز بني
قياسات الوضع .و لتطوير االختبارات املوازية (Parallel Testsاالختبارات املكافئة)
189
األسس النظرية للعالج النفسي
فوائد مجة هنا ،من نحو استبعاد تأثريات الذاكرة و الذكريات عند تكرار القياس ،إال أنه
ال يتوفر يف الوقت الراهن سوى القليل جد ًا من اختبارات التقدير الذايت املوازية يف
امليدان العيادي .ومن بني هذه االستثناءات القليلة نذكر قوائم األعراض Checklists
ومقياس احلالة لزيرسني ) .(V. Zerssen,1976 a Bويف تصور حساسية التعديل
alteration sensitivityتتم يف إجراء اختباري حماولة اختيار تلك البنود التي تتغري عىل
سبيل املثال قيمها اإلحصائية االختبارية بناء عىل التدخالت العالجية و التي يفرتض
من خالهلا أهنا بالتايل حساسة للتعبري عن التعديالت .وبسبب املشكالت املنهجية
واملضمونية النامجة عن ذلك إىل حد ما فلم جيد هذه املبدأ انتشار ًا واسع ًا .وقد اختار
ال شبيه ًا حصل فيه عىل أبعاد للحالة االنفعالية بوساطة التحليل بيكر Beckerمدخ ً
العاميل املوازي لألشخاص Parallel -Factor analysesلدى أشخاص منفردين.
ويرى ستيغليتز Stieglitzأن التشخيص املبارش للتعديل يمثل أهم مبدأ جديد.
فهنا يتم تدريج التعديل احلاصل عند شخص ما بشكل مبارش ،حيث يتم تثبيت األقوال
لوصف التعديل املعاش ذاتي ًا يف شكل مقارن ( comparativeمن نحو أحسن ،أسوأ عىل
سبيل املثال) .وتتوفر لقياس التعديل بعض األساليب االختبارية املعروضة يف جدول
( .)5وتؤكد الدراسات ذات التوجه املنهجية املتوفرة مالئمة املبدأ للتعبري عن
التعديالت.
ويف حتقيق أهداف العالج يتم استخدام أساليب تتم من خالهلا حماولة عكس
التعديالت انطالق ًا من حالة االنطالق (بداية العالج) وصوالً إىل حالة اهلدف (هناية
العالج) ،مع العلم أنه يتم هنا عىل األغلب استخدام طرق متمركزة حول الفرد وحتليل
احلالة الفردية .ويعد تدريج حتقيق اهلدف Goal Attainment Scalingالذي يرمز له
اختصار ًا GASمن إحدى الطرق األشهر لتقويم اإلجراءات العالجية النفسانية وقياس
النجاح املتمحور حول اهلدف وكذلك التصميم الذي يرجع إىل شابريو من عام 1961
املسمى استبيان الشخصية.
وأخري ًا عند تقويم احلالة (السيكوباثولوجية) بعد هناية العالج يتم فحص إىل أي
190
ممارسة العالج النفسي
مدى تقع التعديالت املتعلقة بالتدخل داخل أو خارج جمال معياري حمدد .ويعد هذا
اإلجراء ذو أمهية عملية وخصوص ًا عندما تتوفر بالنسبة الختبار ما قيم معيارية من
عينات من أشخاص أصحاء ،يمكن مقارنتها بعد انتهاء العالج مع القيم التي تم
احلصول عليها ملريض أو متعالج ما.
191
األسس النظرية للعالج النفسي
192
ممارسة العالج النفسي
( Self- reflexionمالحظة الذات ،االستبطان)؛ وهي تقدم وصف ًا للذات و تقارير عن
املرىض أو املتعاجلني أو املراجعني أو العينات .ومن ثم فهي تصنف ضمن اختبارات
الشخصية الذاتية [الشخصية] .subjective Personality Testsويبدو أنه من املفيد
فصلها عن املجموعات األخرى من األساليب االختبارية (االختبارات املوضوعية
للشخصية ،االختبارات اإلسقاطية) ،وكذلك عن جمموعات اختباربة تشخيصية نفسية
ذات الصلة بعلم النفس اإلكلينيكي ،والطب النفيس ،والسيكوسوماتيك و العالج
النفساين ،من نحو طرق املقابلة أو مالحظات السلوك .ولكننا لن نناقش هذا األمر يف
هذا املقام.
ويربهن استخدام أساليب التقدير الذايت أمهيته بشكل خاص إذا ما كان األمر
يتعلق بقياس سامت يسهل احلصول عليها بواسطة تقدير الذات أو ال يمكن احلصول
عليها إال بأساليب تقويم الذات (من نحو الشكاوى ،احلالة) .ومن ناحية أخرى تكمن
قيمة تلك األساليب يف ذلك املجال من السامت التي يمكن قياسها كذلك من خالل
مالحظة اآلخر .فكام هو احلال عىل سبيل املثال يف تشخيص القلق و االكتئاب فإنه غالب ًا
ما حتتل املقارنة بني تقويامت الذات و التقويامت من اآلخر مركز الصدارة.
يف االستخدام العميل ألساليب التقدير الذايت ينبغي أخذ جمموعة من مصادر اخلطأ
بعني االعتبار و مراعاهتا طبق ًا لذلك عند تفسري النتيجة:
-مصادر اخلطأ املرتبطة بتصميم االختبار (من نحو غموض الصياغة عىل سبيل
املثال).
-أخطاء اجلهل (أو عدم املعرفة) املرتبطة بأخطاء التذكر و التعبري عن الذات (من
نحو عيوب الذاكرة ،وهم الذات ...الخ عىل سبيل املثال).
-التزويرات املقصودة (من نحو التزييف simulationوالتهوين bagatelisationعىل
سبيل املثال).
response Sets -ميول أو اجتاهات اإلجابة ( Answers Tendencyاجتاهات اإلجابة
193
األسس النظرية للعالج النفسي
194
ممارسة العالج النفسي
195
األسس النظرية للعالج النفسي
فإذا عدنا الختبارات التقدير الذايت اإلكلينيكية فسوف نجد هنا أن التقسيم يتم وفق
جمال السامت املقاسة باعتبارها حمكات تصنيف شائعة .وختضع ملثل هذا التقسيم كذلك
األساليب االختبارية املعروضة يف جدول ( .)7واستناد ًا إىل شتيغلتز Stieglitzقمنا
أيض ًا بتقسيم األساليب االختبارية مرة أخرى إىل اختبارات عابرة ملجموعات
االضطرابات و اختبارات متمحورة حول جمموعات من االضطرابات .وإىل جانب
املجاالت "التقليدية" واملركزية أيض ًا بالنسبة للمامرسة النفسانية العالجية كالقلق
واالكتئاب تم كذلك عرض جماالت "جديدة" عىل سبيل املقارنة "كالدعم االجتامعي"
و "الغضب" .ومن املؤكد أن أمهية املجاالت األخرى من السامت من نحو
"املشكالت البينشخصية" عىل سبيل املثال ليست جديدة بالنسبة للعالج النفساين ،إال
أنه مل تتوفر بالنسبة للمجال الناطق باألملانية يف هذا املجال أدوات تقويم ذايت خمتربة إال
منذ وقت قصري.
ومع أن اضطرابات الشخصية مازالت متثل بالنسبة للمبادئ العالجية السلوكية-
االستعرافية جمال ممارسة جديد عىل سبيل املقارنة ،فإن لالهتامم هبذه الصور من
االضطرابات داخل التحليل النفيس تقليد طويل راسخ .إال أن هذا املجال من
196
ممارسة العالج النفسي
ال جانب التشخيص االختباري ومل يلق إال اضطرابات الشخصية ظل لفرتة طويلة مهم ً
القليل من االهتامم .غري أنه منذ إدخال الدي أس أم الثالث املعدل DSMIII-Rتم تطوير
الكثري من أدوات الفحص لقياس اضطرابات الشخصية .وهنا تسود عىل األغلب
املقابالت املعرية .وال تتوفر أساليب التقدير الذايت حتى اآلن إال يف املحيط األنجلو
أمريكي بشكل أسايس.
Anorexia and وبالنسبة ملجال اضطرابات الطعام (فرط الشهية وفقداهنا
)Bulimiaفإن هذا املجال حيظى بأمهية مطردة يف العالج النفساين .وتتوفر بالنسبة هلذا
املجال من االضطرابات جمموعة من مقاييس التقدير الذايت .وقد تم عرض مثالني منها
يف جدول (.)7
ويف ختام هذا العرض املخترص حول أدوات التقدير الذايت ذات األمهية العالجية
و اإلكلينيكية البد من اإلشارة إىل أن هذه املجموعة من األساليب حتظى بأمهية كبرية
خارج جمال استخدامها األسايس أيض ًا .و نشري هنا كمثال ملجاالت البحث و املامرسة
إىل جمال مواجهة املرض .ومن بني أهم مقاييس التقدير الذايت املطورة هلذا املجال بشكل
خاص نشري إىل مقياس فرايبورغ لتمثل املرض ملوثني Muthnyالذي يتوفر أيض ًا عىل
شكل تقدير اآلخر ،وكذلك مقاييس ترير ملواجهة املرض لكالور وفيليب & Klauer
.Filipp
197
األسس النظرية للعالج النفسي
198
ممارسة العالج النفسي
199
األسس النظرية للعالج النفسي
200
ممارسة العالج النفسي
ملقاييس تقدير الطرف الثالث الشائعة يف املحيط الناطق باألملانية يف جدول (.)8
ويعد كل من القلق واالكتئاب من بني جماالت السامت التي تتوفر حوهلا أساليب
تقدير من الطرف الثالث .ومن بني األدوات ذات االنتشار والشهرة األوسع مقياس
هاملتون لالكتئاب ) .Hamilton Depression scale(HAMDوهناك كذلك مقياس
هاملتون للقلق .أما بالنسبة للظواهر األخرى كاضطرابات القهر عىل سبيل املثال فال
توجد حتى أآلن إال القليل من مقاييس التقدير .هلذا وضعنا يف عرضنا يف اجلدول
مقياس يال براون لألفعال القهرية (Y- Yale Brown Obsessive compulsive scale
)BOCSباعتباره واحد من األدوات القليلة املتوفرة يف املحيط الناطق باألملانية .وإىل
جانب املقابالت املعرية و أساليب التقدير الذايت يتم يف تشخيص اضطرابات الشخصية
استخدام قوائم حمكات أو قوائم ،Criterion and Checklistsتفيد بشكل خاص
التشخيص التصنيفي وفق الدي أس أم الثالث املعدل أم اآلي يس دي العارش .ومن
وجهة النظر املنهجية الشكلية فإنه مثل هذه القوائم تصنف ضمن أساليب تقدير اآلخر،
وهو ما دعا إىل عرض نموذجني ناطقني باألملانية .ومتثل الشيخوخة geriatricجمال
تطبيق للتشخيص باالختبارات ،حيظى بأمهية متزايدة من وجهة النظر النفسية العالجية.
و يعد مقياس التقدير العيادي للشيخوخة لساندوز Sandoz Clinical Assessment
) Geriatric Scale(SCAGاملعروض يف اجلدول من أكثر األساليب املستخدمة يف هذا
املجال ،وباملقابل وعىل سبيل املقارنة فإن مقياس مالحظة املمرضني للمرىض كبار
السن (NOSGER) Nurses Observation Scale for Geriatric Patientsمازال مقياس ًا
جديد ًا.
وأخري ًا نريد التطرق للعالقة بني مقاييس التقدير الذايت ومقاييس تقدير اآلخر
بشكل أقرب .وكام أرشنا سابق ًا فقد انصب االهتامم بشكل كبري يف أبحاث القلق
واالكتئاب عىل العالقة بني تقديرات الذات واآلخر [الطرف الثالث].
و من أهم النتائج اإلمبرييقية للمقارنة بني تقويامت الذات واآلخر [الطرف
الثالث] يمكن اإلشارة إىل:
201
األسس النظرية للعالج النفسي
-ال يظهر االرتباط بني تقديرات الذات واآلخر [الطرف الثالث] كبري ًا و هذا يشري
إىل بناء ظواهر خمتلفة.
تكون االرتباطات أعىل إذا ما تم االقتصار عىل مواضيع يمكن احلصول عليها من
خالل التقارير اللفظية.
االرتباطات يف بداية العالج ،يف بداية الطور احلاد للمرض أقل ،وتصبح بعدئذ
أكرب.
تعطي مقاييس التقدير الذايت صورة أعم للحالة من أساليب تقدير اآلخر.
202
ممارسة العالج النفسي
203
األسس النظرية للعالج النفسي
خالصة
هدفت املسامهة احلالية إىل حتقيق هدفني .األول تقديم عرض خمترص
يف أسس التشخيص باالختبارات ،بمقدار أمهيتها للمامرسة النفسية العالجية.
وقد قدمنا هذا يف القسمني األول والثاين من هذا الفصل حول مفهوم االختبار
و التصنيف .إال أنه وكام أرشنا سابق ًا فإنه ليس من املمكن تقديم عرض شامل
يف هذا اإلطار املحدود حول كل املظاهر األساسية للتشخيص باالختبارات
النفسية .ويف اجلزء الثالث حاولنا تقديم عرض خمترص ملجالني مهمني من
جماالت استخدام التشخيص باالختبارات يف العالج النفساين ،أي يف جمال
تشخيص التأثري Indication diagnosticو قياس التعديل.
واهلدف الثاين املهم كان تقديم عرض منهجي للمامرس املعالج النفساين
حول أساليب االختبارات العالجية النفسانية املهمة وتسهيل اختاذ القرار عليه
باختيار االختبار املناسب .وهذا ما التزمنا به عند عرض أساليب تقدير الذات
واآلخر [الطرف الثالث] .ونأمل أن تكون مسامهتنا قد أسهمت بتوضيح
أمهية التشخيص باالختبارات النفسية بالنسبة للمامرسة العالجية النفسانية
واالستمرار بتحسني تقبلها يف هذا املجال من التطبيق .
204
ممارسة العالج النفسي
الباب الثالث
205
األسس النظرية للعالج النفسي
206
ممارسة العالج النفسي
الباب الثالث
الفصل السابع
207
األسس النظرية للعالج النفسي
قادرين عىل إجياد طريقهم –ال يوجد أي حملل وال أي عالج قادر عىل إبطال خربات
طفولية صادمة ومرهقة حمددة وتأثرياهتا .وهبذا حتى لو أن التحليل ال يمكنه أن يكون
واعد ًا بالشفاء ،إال أن التعامل مع خربات احلياة املرهقة وما ينجم عن ذلك من عواقب
عصابية يتغري بشكل كبري جد ًا.
تنطلق تقنية العالج التحليلية النفسية من أن األعراض والرصاعات التي تقود
مريض ما إىل املحلل النفيس مل تنشأ من خالل الظروف و األحوال الراهنة املقيتة للحياة.
ويفرتض أن األعراض و الرصاعات ترجع إىل خربات الطفولة الباكرة .ويف املراجع
حول التحليل النفيس ينظر إليها عىل أهنا رصاعات الشعورية و هوامات الشعورية،
وقناعات مرضية و صدمات (انصدامات )Traumatizationو قصور يف النمو و كوابح
و تقييدات للكفاءات املهمة و اضطرابات يف تقدير لذات.
ويقدم جدول ( )1ملحة حول أهم التصورات التي تم وصفها من املحللني
النفسيني و قاربوها .approach
208
ممارسة العالج النفسي
وتنشأ كمحاولة حل طفولية لرصاع الشعوري (مثال :عندما يتم تفضيل أخي
عيل بشكل غري مربر ومع هذا عيل أن أختىل عن التعبري عن غضبي ،وإال سوف أفقد
كل حب والدي ،فسوف أرسم يف خيايل عىل األقل كيف يمكنني عقاب اآلخرين")
قناعات مرضية
وهي تنشأ كاستجابة معاشة عىل الترصفات واالجتاهات الوالدية فيام يتعلق
بترصفات الطفل ("إذا ما جترأت عىل أبسط انتقاد لوالدي فسوف أعاقب بشدة").
أنصدامات
إهنا اخلربة الذاتية لألحداث املرهقة التي تتجاوز قدرة اإلنسان عىل املواجهة و
الدفاع .ويمكن التمييز بني تأثريات ‘ انصدام وحيد (صدمة مرعبة) وانصدامات
متكررة أو مستمرة ( permanentصدمة مرتاكمة .)cumulative Traumaويمكن
لالنصدامات املستمرة أن تظهر كذلك من خالل ما يسمى بصدمة النمو ،التي ال
يستطيع فيها الوالدين التأقلم بشكل جيد مع احلاجات املتناسبة مع السن لطفلهم.
كوابح منائية developmental inhibition
209
األسس النظرية للعالج النفسي
210
ممارسة العالج النفسي
يف أن التحليل النفيس أو العالج بالتحليل النفيس مل يعد موجود ًا منذ زمن بعيد جد ًا.
وإنام يوجد عدد كبري جد ًا من الرؤى املختلفة والتقاليد ،والتي يمكن تسميتها أيض ًا
باالجتاهات املدرسية ،استناد ًا إىل املكونات األساسية للنظرية والطرق العالجية
التحليلية النفسية.
إال أن املقاربة approachاألكثر دقة دائ ًام وتطويرات الفرضيات األساسية الجتاه
مدريس حتلييل نفساين حمدد (من نحو علم نفس-األنا ،Ego-Psychologicalعلم نفس
نمت لدى كثري من املامرسني الذات ،Self-Psychologicalالكالينية )Kleinianical1قد ّ
احلاجة إىل التعرف إىل نقاط التشابه واالختالف بني األساليب املختلفة .إهنم اليريدون
النظر لظواهرية و ديناميكية و منشأ رصاعات وانصدامات الشخص الذي يتم حتليله من
زاوية حتليلية نفسانية وحيدة فحسب وإنام يريدون النظر إليها من منظور عابر للمدارس.
إذ أنه مما الشك فيه أن النهج التكاميل ،املعدل وفق املريض الفرد منذ قديم الزمان هو
الشكل الرائج لدى بعض املعاجلني املامرسني .إال أنه يبدو أنه من الرضوري تقديم
عرض حول الفرضيات األساسية الكامنة وراء املنظور التحلييل النفساين املعني ،وذلك
بالنظر إىل صورة اإلنسان وفهم الرصاع و التفاعل مع املحيط و االجتاه التحلييل و فهم
النقل و النقل املعاكس و املقاومة و عوامل التأثري ...الخ عىل سبيل املثال.
وتتوفر يف الوقت الراهن العديد من األعامل يف مراجع البحث األحدث تم فيها
القيام بمثل هذا العمل التوضيحي من خالل مناقشة حاالت ملموسة مقارنة
.comparativeفقد قام ميللر وبوست ) (Miller & Post,1980عىل سبيل املثال
بالتسجيل احلريف verbatimجللسة عالج ملعالج نفيس بطريقة علم نفس الذات Self-
،Psychologistو منظر دافعي وبنيوي و متخصص نفساين نامئي developmental
Psychologistوحملل نفساين بينشخيص interpersonal psychoanalystوكاليني
Kleinianistومن ِّظر بريطاين بعالقة املوضوع ،و حملل نفساين ذو توجه بيولوجي عصبي
211
األسس النظرية للعالج النفسي
) (Hunter,1994أسلوب ًا مشاهب ًا .أما فاين وفاين ) (Fine & Fine,1990فقد قاما بتوثيق
النموذج األصيل prototypeملعالج كاليني و الكوهوتياين Kohutianistوحملل نفسياين
2
ويمكن وصف نموذج رصاع الدافع بأنه التحليل النفيس التقليدي ،الذي تتم
ممارسته حتى اليوم و الذي يعتمد بشكل قوي عىل تصورات فرويد ،إال أنه يتضمن
التطويرات الالحقة يف علم نفس البنية و علم نفس األنا وحيافظ إىل حد ما عىل ما هو
مهدد بالضياع من خالل القليل من مساعي التحديث :أي بنية االنفعال و الدافع
املتجذرة يف البنية اجلسمية لإلنسان ،واألشكال املتنوعة خلداعه لذاته واالنحباس
التنشئوي socialisatoryيف اإليديولوجية االجتامعية املعنية.
ويتبنى نموذج قصور بنية الذات و األنا النفيس النامئي (الذي خيترص بنموذج
القصور النامئي) أفكار علم نفس األنا األمريكية لسنوات الستينيات والسبعينيات من
القرن العرشين ،ويتضمن عنارص من نظرية عالقات املوضوع عىل سبيل املثال من
وينكوت Winnicottو تصورات كوهوت Kohutوتالمذته ،الذين مازالوا حتى الوقت
الراهن يعملون عىل تطوير أفكار كوهوت األصلية (من نحو آتوود Atwoodوباسال
Basalوستولورو Stolorowوخلامن Lachmanعىل سبيل املثال) .وعىل خالف نموذج
رصاع الدافع يركز هذا النموذج بشدة عىل تأثري االجتاهات والترصفات الوالدية املرضية
212
ممارسة العالج النفسي
عىل الطفل النامي وهلذا السبب فهو ينزلق لدى معظم الباحثني يف خطر املبالغة بالتبسيط
الشديد يف بعض األحيان لدور املحيط.
ويرجع نموذج رصاع العالقة إىل أفكار سوليفان وسريلس Sullivan & Searles
وتتم ممارسته يف الوقت احلارض عىل سبيل املثال من املحليني النفسيني أمثال غيل Gillو
هوفامن ،Hofmanوميتشيل ،Mitchelومع بعض التقييد أيض ًا أ .م .ساندلر A. M.
Sandlerو ج .ساندلر ،J. Sandlerويف أملانيا عىل سبيل املثال باوريدل Bauriedel
وإيرمان Ermannورومتان .Rotmannويتم الرتكيز-متأثر هنا أيض ًا باملبادئ املنظومية
و الدينامية األرسية -عىل الطبيعة البني شخصية والتبادلية reciprocalللعالقات البني
إنسانية ،مع العلم أنه يركز وعىل خالف الرؤية النفسانية االجتامعية واملنظومية عىل تقوية
البني شخصية والبني نفسانية (الضمنية) Intrapsychological and Intrapersonal
(وبشكل خاص يف صريورته البيوغرافية) .ويمنع التفاعل بني املحيط والدافع أو األم
املنشئة اجتامعي ًا (التي تقوم بالتنشئة االجتامعية) و فطرة الدافع الطفيل منذ بداية احلياة
اهنيار اجلانبني بشكل غري منطقي ومن البدهيي أن يكون هلذه الرؤية -كام هو احلال يف
النموذجني اآلخرين– نتائج مهمة بالنسبة لفهم الوضع واالجتاه التحلييل النفساين .
وانطالق ًا من هذا فإنه ينبغي عدم إساءة فهم اجلداول املعروضة يف هذا الفصل بأن
العمود األول والثاين املتضمنان نموذج رصاع الدوافع و نموذج القصور يف النمو قد تم
جتاوزمها وهلذا السبب مل يعودا يالئامن األسلوب التحلييل النفساين العرصي .فالرؤية
التقليدية عىل سبيل املثال قد تكون مهمة جد ًا من أكثر من وجه (عند التأكيد عىل القيمة
املركزية للهوامات الالشعورية عىل سبيل املثال) ،إال أنه من وجوه أخرى ال يمكن قبوهلا
إال بتقييدات ( من نحو ما يتعلق بتحليل النقل التقليدي عىل سبيل املثال) .وتتضمن
النامذج الثالثة خيارات مهمة يتم مزجها بأشكال خمتلفة من قبل كثري من املحللني
النفسني العاملني يف الوقت الراهن حسب الفاعلية لدى مريض حمدد .وهبذا فإن ما
يسمى بالتعلم من عدة معلمني ،Learning from many Mastersو هو ما يتطلبه باحثو
العالج النفساين الراهنون فيام يتعلق بتحقيق العالج النفساين العام ،قد بدأ يف النظرية
213
األسس النظرية للعالج النفسي
214
ممارسة العالج النفسي
215
األسس النظرية للعالج النفسي
النفسية تأثري املحيط فيام يتعلق عىل الرؤية امل َحدِّ دة للديناميكية الذاتية
والبني بالنمو السوي أم االجتامعية التي تتجىل بشكل خاص يف
يسهم شخصية املضطرب. احلالة العصابية بقرس التكرار
ال الوالدان إىل مدى بعيد Interpersonal؛ وإىل تكرار اليشء نفسه
عن يصبح اإلنسان إنسان ًا إال باملسؤولية باستمرار .التفاؤل السلوكي
الصدمات والعصابات .من خالل العالقة؛ إنه فيام يتعلق بقدرة اإلنسان هي
حيتل كل من الذات يتطور يف العالقات و ضبط وتصعيد قوة "صوت
وقيمة الذات املحور؛ يشكل عالقات جديدة عقله" واندفاعيته.
اندفاعات الدافع هي وفق النموذج القديم .ال اإلنسان مسؤول عن
أقرب للثانوية وهي ال يتخلص اإلنسان من ذاته ولكنه يمكن أن يصبح
حتتل مركز الصدارة خربات العالقة القديمة، مذنب ًا إذا ما مل يسعى نحو
بصورة قوية إال يف حالة ومع ذلك فاإلنسان التعبري عن ذاته (إظهار ذاته)
النمو املضطرب بشكل يطمح باستمرار خلربات و التنور والتصعيد .وحتى يف
خاص؛ تفيد التجنسية و جديدة .يتم التوكيد النمو املوفق يظل دائ ًام واجب
عىل نشاطه ،إنه ليس التعدونية بالرصاعية االعرتاف
Sexualizationجمرد ضحية سلبية and اإلنسانية و الشقاء اإلنساين.
القارصة Aggressivationإلمالء للظروف
وهبذا فإن الرصاعات
النقص الشديد يف اخلارجية ،إنه ناشط يف
أمر حتمي و واالنصدامات
إعادة البناء واحلفاظ الذات. كالنية الوجود .ubiquitous1
عىل الالشعوريني
بسبب تقليص عزم حياة بال رصاع هي عبارة عن
استمرارية تشكيالت
الدافع يصبح التوجيه حمض أحالم طفولية بريئة.
العالقات القديمة التي
لإلنسان اخلارجي
1وجود اليشء يف ّ
كل مكان يف مجيع األوقات.
216
ممارسة العالج النفسي
217
األسس النظرية للعالج النفسي
النقل
يعيش املتعالج حملله النفساين يف اجللسة األوىل شخص ًا ملحاح ًا وغري واضح (غري
متاميز )indiscrete؛ ويتولد االنطباع لدى متعالج آخر بعد عدة جلسات من التحليل بأن
حملله كفء بشكل غري معقول و بأنه اآلن قد بدأ يستنتج وجود االستبصار لديه
وحدوث تعديالت؛ وهناك ثالث يعتقد بأن حملله ال يمدحه إال عندما يتحدث عن
النجاحات فقط.
املسألة لدى هؤالء األشخاص وفق رؤية التحليل النفساين التقليدية هي يف تكرار
خربات ورغبات الطفولة املبكرة ،التي تصبغ بشكل ال شعوري التعامل الراهن مع
األطر املرجعية املهمة .إدراك وخربة املريض مها تعبري عن خرباته احلياتية التي مر هبا
حتى اآلن ،التي يمكن أن تكون قد تكاثفت إىل بنية شخصية عصابية .وهذا هو أساس
إشكالية معاناته .هلذا فإن نظرة املحلل ال تتوجه أساس ًا إىل األعراض املمكنة للمريض،
وإنام إىل األجزاء من بنية الشخصية الكامنة خلفها ،التي تشوه خربة إنسان ما عن نفسه
وعن اآلخرين طبق ًا للرصاعات الالشعورية .وهلذا السبب ترتبط الصحة النفسية مع
اإلدراك املالئم لإلنسان لشخصيته وشخصيات الناس اآلخرين .فاإلنسان البارانوئي
الذي يدرك اآلخر غري املؤذي عىل أنه خطر عليه يكون مقيد ًا يف قدرته عىل املعايشة و
الترصف مثله مثل الشخص ذي األجزاء االكتئابية من الشخصية الذي يعيش اآلخرين
دائ ًام عىل أهنم حاسدين و ملحاحني.
ويعيق خداع الذات املمتد لسنوات طويلة ،بل حتى لعقود والذي يتجىل من خالل
اإلدراك املشوه و اخلربة غري املالئمة حول الذات و اآلخرين ،حصول خربات جديدة
للعالقة بسبب التكرار الدائم خلربات العالقة نفسها .وبداية عندما يتم يف جمرى العالج
التحلييل التعرف عىل نمط النقل القائم ،الذي يتم ضمنه تصنيف subsumeكل جديد،
وتعديله (أي لنمط النقل القائم) يمكن أن يتشكل فهم جديد للنفس و تعامل معدل مع
الناس اآلخرين.
218
ممارسة العالج النفسي
هلذا تعد الدراية بحوادث النقل و العمل عىل النقل من أهم عنارص يف العالج
التحلييل النفساين .
"يظهر النقل بشكل عفوي يف كل العالقات اإلنسانية ويف عالقة املريض بالطبيب،
وهو حيثام وجد فإنه يشكل احلامل الفعيل للتأثري العالجي و ؤثر بشكل أقوى كلام قل
إحساس املرء بوجوده .وعليه فالتحليل النفيس ال يزيله وإنام يقوم بتغطيته بالشعور
ويستحوذ عىل تأثريه من أجل توجيه احلوادث النفسية نحو اهلدف املرغوب"
).(Freud,1910, P. 55
وبعد حوايل 100سنة الحق ًا ال يوجد أي شك بأن خربات العالقة الراهنة تتحدد
بمقادير خمتلفة من خالل "هناك ويف ذلك الوقت" من اخلربات املاضية .وبالتايل فإن
معرفة فرويد هذه مل تثبت نفسها فحسبها بل أصبحت عالمة مميزة ألساليب العالج ذات
التوجه الديناميكي والتحلييل النفساين .وكذلك تذهب املبادئ السلوكية االستعرافية
يف هذه األثناء من حتليل رجعي زمني للسلوك diachronicوتوجه اهتاممها كذلك عىل
الصريورة البيوغرافية .إال أنه توجد رؤى خمتلفة حول ماهية الطريقة التي تتأثر فيها
اإلدراكات املتمحورة حول احلارض بتاريخ احلياة ،والكيفية التي عىل املعالج النفساين
أن يفرسها فيها و يوضحها.
وال يسعنا هنا سوى اإلشارة باختصار إىل الكيفية التي توصل فيها فرويد إىل النقل
الذي يعد بالنسبة للتحليل النفساين اليوم كام كان يف السابق تصور ًا أساسي ًا .ومن املؤكد
أنه قد كان هنا لفشل الطب املفهوم واملامرس عىل أساس الفهم العلمطبيعي حرص ًا دور ًا.
وقد توصل فرويد إىل تصوره حول "الربط اخلطأ" نتيجة لرغبته يف تقرير فرضية
اإلحيائية suggestionismللعالج التنويمي ودحض االهتام بوجود هذيان تكافيل
مشهون هيسرتيائي َّ ( symbiotically delusionذهان االثنني ) folie a` deux
1
1ذهان االثنني أو الذهان التكافيل :اال ضطراب الذهاين امل شرتك ،أو ما ي سمى كذلك اال ضطراب اهلذياين م ستثار أو Folie à
219
األسس النظرية للعالج النفسي
الذاتية" يتطرق فرويد ( 1925ص )68إىل أنه يمكن لإلنسان أن يتعرف فيه عىل
املنومون القابلية لإلحياء ،الذي هو حامل
"العامل الديناميكي نفسه"" ،الذي أطلق عليه ِّ
الصلة التنويمية".
متت اإلشارة إىل النقل بوصفه ظاهرة ملحوظة يف العالج ألول مرة يف دراسات
فرويد حول اهلسترييا وتم تفصيله بدقة يف قصة دورا املنشورة يف عام .1905ويف السبع
وعرشين حمارضة حول املدخل إىل التحليل النفيس بني عامي 1917-1916عالج
فرويد النقل بتفصيل ،وقد خصص مقالتني أخرتني "حول ديناميكية النقل" 1912و
"مالحظات حول تفضيل النقل" يف عام .1915
-األول وهو تفسري واسع االنتشار يف الوعي العام للجمهور يرى أن النقل هو
deuxهو عبارة عن عدوى بمرض ذهانيلشخص سوي من الناحية العقلية ،إال أنه مزعزع و غري مستقر من الناحية النفسية
غالب ًا يتعلق األمر بأقارب أو رشيك احلياة يف حميط اجتامعي معزول أو حميط م ضطرب ،يت شارك نفس اهلذيان أو منظومة اهلذيان و
وهنا يوجد فرق مميز بني الرشيك الفاعل املثري للهذيان و الرشيك السلبي.
1وصف فرويد املحلل النفيس املثايل ،مثل أن يعمل بتأن عامل اآلثار ،حيادي مثل اجلراج ،وبارد كاملرآة
220
ممارسة العالج النفسي
إعادة بناء مسببة الشعوري ًا لعالقة مبكرة ،نشأت من الطفولة عىل األغلب.
فيتم إدراك واقع العالقة الراهن بشكل مشوه وتفسريه بصورة خطأ يف ضوء
خربات الطفولة.
-يف الرؤية الثانية ال يذهب النقل من اإلعادة الالشعورية لشكل عالقة أولية
باكرة فحسب .فعندما يعيش مريض ما حملله عىل أنه قاس ،فإن هذا يمكن
أن يمثل إسقاط ًا أو جتسيد ًا externalizationألحد جانبي رصاع داخيل :ألن
املريض يعيش نفسه بأنه فاقد للدافع و كسول ،وينتقد نفسه بشدة و بال رمحة
فيجسد هذا املظهر من نقده لذاته عىل حملله .و هنا ال يفرتض بأي شكل
من األشكال أن يعكس نقد الذات انتقادا ألم صارمة أو أب معا ِّقب ،وإنام
هو تعبري عن الديناميكية النفسية ملطالب تعزى يف املفهومية النظرية البنائية
constructionismالتقليدية إىل األنا األعىل و مثال األنا superego and
.Ego-Idealوبالتايل فإن هذا التفسري الثاين يوجه اهتاممه بشكل أقوى نحو
الرغبات والتوقعات و خصائص الطبع الراهنة (من نحو االجتاه شديد النقد
للذات عىل سبيل املثال) و ال يعزو النقل بشكل خطي ومبسط خلربات
الطفولة.
يف بداية التحليل غالب ًا ما حيتل التفسري الثاين مركز الصدارة؛ و بداية مع املدة
املتزايدة حتتل اخلربات البيوغرافية الباكرة مركز الصدارة باعتبارها نقل ويمكن حتديدها
وإعادة تنظيمها reconstructبوصفها كذلك عموم ًا .ولكن حتى عندئذ فإنه ال ينظر
للنقل عىل أنه يمثل إعادة مطابقة لواقع املايض .إذ أنه حتى خربات العالقة الصادمة
تكون قد تم متثلها من الطفل يف شبكة اهلوامات املرضية ،بحيث أنه ال ينظر للنقل
احلاصل باحلارض عند مريض ما عىل أنه التعبري املبارش للتوقعات احلقيقية وأنامط سلوك
221
األسس النظرية للعالج النفسي
والديه أو أطر مرجعية أخرى إال يف احلاالت النادرة فقط .إال أن النقل هو تعبري عن
العامل الداخيل ،الواقع النفيس خلربات العالقة بالشكل الذي عاشه فيه الطفل أو اليافع
يف جمرى نموه مع الكفاءات االستعرافية املختلفة .فالطفل البالغ من العمر سنتني
سيدرك ويتمثل خربات االنفصال الصادمة بشكل خمتلف عن أخيه البالغ من العمر ثامين
سنوات أو عن مراهق.
يسلك مريض عىل سبيل املثال سلوك ًا مفرط الدقة ومضبوط ًا ،إنه يتقدم
يف العالقات املهنية واخلاصة ،إال أنه يشعر مع كل نجاحاته بأنه ال يستطيع أبد ًا
أن يفعل شيئ ًا كامالً ،هلذا تظل هناك مشاعر ذنب .كانت األم دائ ًام صارمة،
وكانت متتلك تصورات صارمة عن النظافة .وهنا يغلب الظن باالستنتاج
النشوئي برسعة واملتمثل يف أن املريض ينقل إىل املعالج تلك اخلربات من
العالقة التي يعرفها من أمه .فهو عندما يكون دقيق ًا و مضبوط ًا ،ويعرب عن
تداعياته بال انقطاع ،فإنه خيمن أيض ًا يف املحلل أم ًا صارمة ،عليه أن يواجهها
بخضوع .ولكن إذا ما ترصف املعالج بشكل خمتلف ،بحب وبقليل من الضبط
و يؤمن الكثري من احلرية قدر اإلمكان ،عندئذ –هكذا يأمل بعض املعاجلني-
رسعان ما سيزول هذا النقل .ولكن ماذا لو كان السلوك املتالئم املشحون
بمشاعر الذنب تعبري ًا عن انفعاالت عدوانية مصدودة و هوامات سادية؟ هلذا
البد من أن يضاف إىل وجهة النظر النشوئية التفكري البنيوي و الدينامي.
فاهلوام املتمثل يف أن الناس اآلخرين أرشار جتاه الشخص وحمبني لالنتقام منه،
ال يمكن للمرء إشباع مطالبهم إال بأن جياري توقعاهتم بال مقاومة ،يمكن أن
يكون إسقاط لغضبه الذايت املكبوت غري الشعوري .إن التفسري للنقل الذي ال
يأخذ بعني االعتبار إال وجهة النظر النشوئية ،هو تفسري مترسع هذا إذا ما مل
يكن خطأ عموم ًا من ناحية وال يراعي ،من ناحية أخرى ،املعرفة األساسية
222
ممارسة العالج النفسي
وكام أن النقل ال يمثل كثري ًا إحياء للاميض مطابق ًا حلقيقة الواقع ،فإن فهم خربة
ال إال إذا أسندها اإلنسان للاميض وهنا قد يتم جتاهل أنه يقوم املريض ال يكون كام ً
بإخراج producingرصاعاته وما ينجم عن ذلك من اجتاهات يف الشخصية يف عالقته
بمحلله ،حيث يقولب يف توليفته املرسحية dramaturgyعىل شخصيته الالشعورية.
وهبذا فإن أهم مبدأ للتحليل النفساين املعارص هو التشابك اجلديل بني حدث الرصاع
الداخيل [البني نفيس] Intrapsychicوالبني شخيص .Interpersonalوبتعبري آخر البد
التبرصي :علم النفس الذي هيدف إىل إكامل حقائق السيكولوجيا (ونواميسها املبنية عىل املالحظة 1علم النفس التأ ّميل أو ّ
واالختبار) بالتأ ّمل يف العالقة بني العمليات العقلية والعمليات اجلسامن ّية أو يف
223
األسس النظرية للعالج النفسي
من النظر لكل تعبري للمريض ليس من منظور الفهم السببي التاريخ حيايت (وجهة النظر
النشوئية لعلم النفس التأميل )genetically viewpoint of Metapsychologyفحسب،
بل البد من النظر إليها كذلك من منظور الفهم الدائري املنظومي systemic circularly
(وجهة النظر التفاعلية-التكيفية . )adaptive-interactional viewpoint
وبمساعدة مثال مقتبس عن كوبري 1969يمكن توضيح أن الرؤية النشوئية
األحادية التي تستثني الرؤية التفاعلية-التكيفية لعالقة النقل الراهنة قد متثل إجرا ًء
حتليلي ًا غري كامل.
" مرت سيدة يظهر عليها بوضوح معاناهتا من مرض ،أطلق عليه
فرويد تسمية املازوخية املعنوية morale Masochismبخربة مهينة جد ًا،
ورسعان ما ظهر أهنا نفسها قد ‘عملت عىل هذه النتيجة‘ عىل حسب تعبريها
احلريف .وهي مل تكن خمطئة هبذا ،فتوقعاهتا املشؤومة تقع يف خانة ‘النبوءة
املحققة لذاهتا ‘‘ ،‘self-fulfilling propheciesكنت جمبورة عىل معاقبة نفسك،
كام كانت أمك تعاقبك يف املايض‘ أو ‘يمكننا أن نرى ثانية ،بأنك قد شحنت
بنفسك هذه املعاناة الكبرية التي تعيشينها‘- ،كال هذين التعبريين يتضمنان
تفسريات ممكنة ،ليست ضارة يف بداية التحليل .وباملقابل فإن مثل هذه
التفسريات يف حتليل حصل فيه عصاب نقل غالب ًا ما تكون غري كاملة .إذ البد
أن يتم جعل الديناميكية يف هنا واآلن شعورية .ليس بالرضورة للمريضة أن
ِ
املعاقب لألم بشكل ‘تعاقب نفسها بشكل عام‘ ،وأال تكرر نفسها جتاه املوقف
مطلق .إهنا تعاقب نفسها بسبب اندفاع حمدد جتاه معاجلها .لقد ظهر أن
املريضة قد أملت لو أن حمللها مل حيصل عىل ذكرى من الذكريات ،التي كان
يتوقعها حسب رأهيا :كان عليها أن تعاقب نفسها عىل هذا املجرى من التفكري.
إهنا تتذكر أن زميلة هلا كادت أن تدفعها يف أيام املدرسة إىل االرتباك من خالل
النكايات ،وأوصلتها بال رمحة حلالة من البكاء ،وظهر أهنا يف ذلك الوقت قد
224
ممارسة العالج النفسي
اضطرت لقمع شعورها بالنرص ،وذلك عندما سمعت بأن والدها الذي كان
يدرس يف املدرسة نفسها مل يستطع وال أي مرة أن يكبح مجاح طالب صفه؛
وأضافت ‘إال أنه كان حمبوب ًا جد ًا ألنه كان يعامل الطالبات بلطف‘ .فهي كانت
إذ ًا غيورة عىل والدها ،مشاعر الشعورية ،الثأر و التهكم ،يغذيان حاجاهتا
للعقاب .لقد تركت نفسها تتعاقب ،بأن تركت زميلتها تتهكم عليها
مستسلمة .واآلن يف التحليل متتلك ثانية هوامات مرتفعة وتعاقب نفسها عىل
ذلك من خالل دخوهلا يف مواقف مهينة .وحتى اآلن كانت إرادهتا يف إهانة
املحلل متجذرة يف غريهتا .ويتيح هذا التفسري الذي يراعي الديناميكية و املنشأ
سواء للشخص الذي يتم حتليله الوصول إىل االستبصار يف ذاته بحيث أنه
حيظى بإمكانية التعامل مع ذاته بطريقة مفيدة" .
من دون مراعاة عصاب النقل يف هنا واآلن يظل فهم الديناميكية النفسية للمريض
غري كامل ،مع النتيجة بأن التحليل قد يأخذ حينئذ جمرى غري باعث عىل الرضا :وعىل
عكس األحكام املنترشة بشكل واسع جتاه التحليل النفيس والتي مفادها أن التحليل
النفيس ال هيتم إال بذكريات الطفولة فإن أغلب وقت اجللسة التحليلية يدور حول
األحداث التي يعيشها املريض عىل أهنا صعبة يف حياته احلارضة ،وبشكل خاص ،ولكن
بالطبع ليس فقط ،عن مشاعر وخربات العالقة الدقيقة subtleالتي تنشأ بينه وبني حملله.
225
األسس النظرية للعالج النفسي
بالعالقة للمح ِّلل (القائم بالتحليل) ،فهو ال يقوم سوى بتفسري النقل عند املريض ،فإنه
ال يمكن ألي إدراك للشخص الذي يتم حتليله غري املريح (أي اإلدراك) أو غري املألوف
ملفهوم ذات املح ِّلل ،إال وأن يكون نقالً.
ويف السنوات األخرية حتول السؤال فيام إذا كانت املسألة يف النقل تتعلق بإعادة
للاميض مطابقة للخربة (ربام من سنوات الطفولة األوىل) ،أي تتعلق ببنية ثابتة invariant
Structureأم بنتاج تفاعيل interaction productللمح ِّلل واملُ رح َّلل ،ومن ثم بمتغرية
تفاعلية تبادلية (إجرائية) ،processualيف املراجع التحليلية النفسية إىل موضوع للجدل
املكثف .فإذا ما صح املوقف األول أعاله ،بأن خربات العالقة العصابية تربهن عىل
ديناميك ية ثابتة إىل حد كبري ،تتجىل بغض النظر عن السياق املعني ،فإن املوقف التباديل
(اإلجرائي) Process Positionيربهن بأن العالقة بني املحلل واملريض هي بشكل
حتمي عالقة تبادلية ،reciprocalومن البدهيي أن تكون كذلك خصوص ًا عندما يعتقد
املحلل بأنه يترصف أو ترصف وفق نموذج-سطح املرآة شبه التجريبي experimental
.analogueوبالتايل فإن العالقة ال تستقبل طبق ًا هلذا الفهم العرصي تأثريات من
الديناميكية العصابية هلناك ويف ذلك الوقت ،وإنام كذلك مما ينطلق من املحلل بشكل
ضمني أو حتى متخف نسبي ًا عىل شكل إشارات وحمفزات توجيه حاذقة subtitleإىل حد
كبري أو قليل .إال أنه يندر أن يتم إيصال هذه التلميحات (إشارات) بشكل إحيائي إال
يف احلاالت النادرة؛ بل أهنا حتصل بناء عىل ديناميكية العالقة الالشعورية وغري املقصودة
بني كال املتفاعلني بصيغة لفظية وغري لفظية.
وعند هذه التخوم ( Rubiconالظاهرية) تفرتق األفكار :فجهة تعتقد أهنا إذا ما
أخذت بعني االعتبار سياق العالقة فإهنا ستكون قد ختلت عن املواقف اجلوهرية
لفرويد ،ولن تعود قادرة عىل إجراء حتليل حمرتف ،وإنام كذلك جيرون صورة "مهجية"
من االنطباعات البني شخصية ،وهو ما يمكن تشبيهه بطرق التغذية الراجعة النفسية
االجتامعية؛ وبالنتيجة فهي تتهم اجلهة األخرى أيض ًا بأهنا تقلل بشدة من أمهية نصيب
املايض و متنح التأثريات املنبثقة من عالقات احلارض وزن ًا كبري ًا وهلذا أيض ًا تصب حمددات
226
ممارسة العالج النفسي
النقل احلقيقية فوق االنطباعات البني شخصية من هنا واآلن .أما ممثلو وجهة النظر
التفاعلية احلديثة و البنائية constructivismفتأخذ عىل اجلهة األخرى باملقابل أهنا من
خالل إشارهتا إىل الديناميكية الذاتية للنقل تنطلق من تصور متقادم لعلم نفس اجلسم
الواحد ،one-body-Psychologyأي تصور علم نفس اجتامعي فردي بدالً من تصور
علم نفس اجتامعي حتمي ،unavoidableوبأهنا تبدو ساذجة من ناحية النظرية املعرفية،
ألهنا يف النهاية متثل موقف ًا لواقعية تم جتاوزها منذ أمد بعيد (هناك معارف حول املوضوع
املفرتض معرفته ،كام هو بالفعل من دون أي تأثري للعارف) ،وبأهنا غامضة من الزاوية
التحليلية النفسية ألهنا تنظر للمحلل وكأنه حكم متفوق يشارك يف احلدث التحلييل
بوظيفة مالحظ خارجي فقط و بأهنا غري فاعلة بشكل خاص يف العالج ،ألهنا ال تنمي
بصورة خاصة وضعية الدور املسيطر لوعي الذات عند املريض ،بل حتى تكون ضارة
يف بعض األحيان ،إذا ما تم صد إدراكاته بمساعدة تفسريات النقل التقليدية عىل أهنا
خطأ ومشوهة.
إال أن كال الوجهتني املتطرفتني تتجاهالن أن عالقة املح ِّلل-املح َّلل (الذي يتم
حتليله) تضمنان عدة حمددات ،منها ما ينشأ عن التفاعل يف هنا واآلن ،وتلك التي تنبثق
عن الطبقات املختلفة للاميض .و ما يميز العالقة العالجية عن عالقات احلياة اليومية
ال من الشخص الذي يتم حتليله يف إدراك هي حقيقة أن املحلل يف العادة هو أفضل تأهي ً
اآلخر و متايز تأثريات العالقة املختلفة؛ غري أن هذا السبق يف الكفاءة ال يستبعد انطالق
تأثريات غري ملحوظة من املحلل يمكن أن تؤثر يف عالقته بالشخص الذي يتم حتليله.
فام يسمى بالنقل إذ ًا ليس جمرد تركيب مزجي ،mixtum copositumتم فيه تأصيل
مفهوم عالقة النقل ،من أجل التفسري من خالله أن إدراك املحلل من جانب الشخص
الذي يتم حتليله عبارة عن خليط من األجزاء املتبدلة موقفي ًا من هناك ويف ذلك الوقت
خلربات العالقة املاضية مع هنا واآلن لتأثريات العالقة الراهنة .هلذا فإن عزو إدراك
املريض لواقعه النفيس الداخيل فقط عبارة اختزالية غري مرشوعة وإمهال تأثري التوقعات
والقناعات وحتى تأثريات الرصاعات و االجتاهات العصابية للمحلل .ولكن هناك
227
األسس النظرية للعالج النفسي
حاول املرء حتديد الفرق بني املرىض العصابيني عىل مستوى أعىل من تنظيم الذات
و املرىض املضطربني باكر ًا بقصور بنيوي يف األنا من خالل أن املرىض العصابيني غالب ًا
ما يستجيبون بخربات-نقل رصاعية من الطيف الليبدوي والعدواين ،يف حني أن األفراد
املنصدمني يف تاريخ حياهتم املبكر يعربون بنقل نرجيس أو بنقل موضوع الذات self-
.Objectباإلضافة إىل أنه يف الغالب يتم تنشيط النقل العصايب من خالل الرغبات
األوديبية وتتجه نحو األشخاص الذين يعاشون بوصفهم حمددين بوضوح عن الذات
اخلاصة .إهنا تتضمن رغبات يف املعاملة باملثل ،من نحو كيفية احلصول عىل طفل من
األب ،ولكن أيض ًا إهداءه طفل عىل سبيل املثال .ويقود ختييب هذا إىل الغضب و كذلك
إىل التوق املتزايد .و تقوم املخاوف التي تستثار بسبب هذه الرغبات عىل خطر اإلخصاء
أو فقدان احلب أو فقدان الشخص املحبوب .وعىل الرغم من أن املريض العصايب قد
يقدس idealizeحملله أيض ًا إال أن هذه الرغبة للتقديس ليست ذات أمهية أساسية بالنسبة
للنقل.
228
ممارسة العالج النفسي
ويف املرىض املضطربني يف وقت باكر إىل حد ما ،الذين عادة من تظهر لدهيم أرضار
شديدة يف مشاعر تقدير الذات ،يتم إثارة النقل من خالل التوق نحو موضوع الذات.
وهنا ال حتتل الرغبة نحو املعاملة باملثل مركز الصدارة وإنام التوق أو التطلعات اخلفية
mysticاللطيفة و الشبيهة باالنصهار نحو شخص قابل للتقديس إىل ما الهناية ،يمكن
للمرء االعتامد عليه بإجالل ،أو التي حيب املرء أن حيصل منه عىل االعرتاف و التقدير.
وبداية عندما حيصل موضوع الذات املقدَّ ر (الواجب) عىل التعلق بالشخص املقدس أو
االعرتاف والدعم ،يستجيب هؤالء املرىض بخيبة و غضب شديدين ،إذا ما مل يتم إشباع
حاجاهتم من املحلل بتعاطف ومل يتم حتفيزهم promptبشكل ُمريض كفاية.
يف تقنية عالج كوهوت Kohutفإن جوهر اإلجراء العالجي يتشكل يف إفساح
املجال للنشوء التدرجيي ألشكال النقل النرجيس (أسامها كوهوت يف عام 1973يف
البداية "النقل النرجيس" ،ويف عام "1979نقل-موضوع الذات") ،الذي صنفه بداية
عىل أنه النقل املقدس و نقل املرآة .ويعد فسح املجال مه ًام ألنه يمكن أن حيصل يف طور
البداية بشكل خاص صد شديد لرغبات النقل النرجسية للمريض ،حيميه من خيبة
جديدة حلاجاته النرجسية .ويوجد طيف واسع جد ًا ومتنوع لألسباب حول أنه من
الصعب يف الشخصيات الفصامية بناء توازن يف النقل النرجيس من خالل إعادة إحياء
الذات-الكربى و صورة الوالدين املقدسة .ومتتد هذه األسباب من مقاومة طفيفة
للنقل تكون موجودة منذ اجللسة األوىل (عىل شكل صد للنقل) وصوالً إىل االستجابات
املتباعدة distancedأو الشكاكة أو العدوانية.
وقد صنف موديل يف ) (Modell,1975نمط الصد لدى األفراد املضطربني نرجسي ًا
عىل أنه "وهم قناعة الذات "Illusion of Self-contentmentوميز بدقة بني الدفاع جتاه
ارتباط انفعايل و بني نوع عازل لالنفعاالت لفرد قهري ،لديه اعتامد عىل املحلل عىل
الرغم من صد املشاعر العميقة.
229
األسس النظرية للعالج النفسي
230
ممارسة العالج النفسي
أجل أن يتمكن من خربة نفسه بأنه ذو قيمة وجيد) ،فإن اخليبات غري املتالئمة مع
اهلوامات أو غري املمكن مواجهتها لدى الطفل التقود من جانب صورة-الوالدين
املقدسني إىل التذوت internalizationاملالئم وبدالً من ذلك يظل الطفل يف املجرى 1
الالحق للنمو مثبت ًا عىل مواضيع مهجورة archaicللذات إىل حد قليل أو كبري ،عليها
االستمرار بمامرسة هذه الوظائف املهمة.
وعليه فإنه يف النقل املقدس يقوم املريض باضطراب الشخصية النرجسية
باالنصهار مع املحلل املقدس .ويتم تكرار بعض مظاهر العالقة الباكرة املعاشة بشكل
انصدامي بموضوع الذات (األمومي) ،إال أنه يف اجلزء األكرب حتصل خربات عالقة مع
املحلل ،يقوم فيها املحلل وبشكل خمتلف عن األطر املرجعية الباكرة للطفل بتقديم
تعاطفه املؤهل مهني ًا وتناسقه االنفعايل.
يف نقل املرآة (التي متثل يف الوقت نفسه اجلانب اآلخر خلربة-موضوع الذات self-
)object-experienceيرغب املريض أن ينعكس يف ذاته املحبوبة بشكل مبالغ فيه
grandioseو حيظى بالتايل عىل توكيد حلجمه الطفويل الباكر و جربوته الذي مل يكن قادر ًا
عىل حتويله إىل شكل أنضج متناسب مع العمر إىل شعور موزون بالذات وطموح وذلك
بسبب فشل تنشئته االجتامعية.
وبناء عىل رؤية نفسية نامئية لالضطرابات يف عالقة الوالدين-الطفل يميز كوهوت
Kohotبني ثالثة أشكال من نقل املرآة:
.1النقل املهجور [القديم] للمرآة :archaic mirror transmittanceوهنا يتم
إدراك املحلل بوصفه توسيع للذات-الضخمة .إال أن األمر هنا و خالف ًا للنقل
املقدس ال يتعلق بانصهار مع موضوع ذات مقدس ،وإنام يتم دمج املحلل يف
الذات الضخمة و يتم إطفاء وجوده املستقل.
1إضفاء الصفة الذاتية عىل موضوع ما بحيث يصبح صف ًة ذاتي ًة ،أو دجمه يف النفس بحيث يصبح مبدء ًا هادي ًا.
231
األسس النظرية للعالج النفسي
معني ٍ
ملرض ّ 1مم ِّيزٌ
232
ممارسة العالج النفسي
ال بد من تعديل الرؤية املتمثلة يف أن النقل املوضوعاين ال يوجد إال لدى مرىض
ذوي بنية عالية و نقل موضوع الذات ال يوجد إال لدى شخصيات مضطربة نرجسي ًا.
وطبق ًا لذلك يمثل كذلك تقسيم dichotomizeالنقل العصايب إىل إجراءات ُم رف ِّرسة
("تفسري") و خربات موضوع الذات إىل إجراءات جاهزة ("عالقة") تقسي ًام خطأ.
ويعد تصور نموذج الصورة و اخللفية أكثر مالئمة:
"االرتباط النرجيس و نقل موضوع الذات عبارة عن ظواهر خلفية ،متهد الوعاء
ملجال حتلييل ،يستطيع املريض فيه أن جيرب نامئي ًا ونكوصي ًا مع ظواهر الصورة من نحو
عصاب نقل-موضوع الدافع عىل سبيل املثال .ويتم توسيع وصيانة هذا املجال من
خالل االجتاه التعاطفي واحلامي و الداعم للمحل ،بأن يقدم للمريض األمان الكايف
والبهجة" ).(Treurniet, 1986;P. 38
كام يتيح هذا الوصف كذلك ،أن نقل -موضوع الذات يصبح يف املقدمة
(الصورة) ،عىل سبيل املثال لدى املرىض الذين حيتاجون هذا النقل للدفاع عرب فرتة زمنية
طويلة ،ألن املواجهة مع املحلل بوصفه شخص مستقل له نوايا و اندفاعات دافعية و
انفعاالت ما زالت خجولة جد ًا ومشحونة باخلوف .إال أهنا (أي املواجهة)يمكنها أيض ًا
أن تأخذ أولوية فكرية ،thematically Priorityإذا ما ظهرت لدى املحلل تقلبات شديدة
يف التعاطف أو نقص فيه ،وعىل املريض أن يتأكد ثانية باإلطار احلامي لنقل-موضوع
الذات ،وكأن املريض يقول لنفسه" :عندما أكون أوالً متأكد ًا %100تقريب ًا بأنه يمكنني
االتكال عليك يف كل يشء ،عندما أعرف بأنك موثوق ،عندئذ يمكنني التجرؤ عىل أن
أجعل رغبايت وحاجايت و انفعااليت الدافعية تظهر ثانية" .ومن املؤكد يمثل بالنسبة
للمرىض املضطربني نرجسي ًا املزعزعني واهلشني جد ًا يف مشاعر قيمتهم الذاتية ،نقل
موضوع الذات لفرتة زمنية طويلة تقريب ًا الشكل الوحيد من العالقة و بالتايل الصورة.
ويمكن التعبري عن تشكيلة اخللفية الصورة بصورة مثالية يف الشكل رقم .1
233
األسس النظرية للعالج النفسي
يرافق عندما
املحلل النفيس عىل
سبيل املثال رواية
مريض ما بشكل
حساس ،و عندما ال
يتم إدراك تفسرياته عىل
أهنا جبارة (ال تقاوم)
أو متكربة أو تعليمية أو تلقينيه أو خميفة أو مهددة ،وإنام متوافقة مع فهم املريض لذاته،
عندئذ يمكنه أن جيرؤ عىل االنشغال بالصورة ،أي أن املريض هيتم بالكيفية التي يعيش
فيها املحلل ،و بالكيفية التي يعتقد أن املحلل يراه فيها و ما هي الرغبات األخرى التي
يرغبها منه (غري الرغبات النرجسية املُ رع ِّززة) ...الخ.
إال أنه إذا فشل املحلل إما يف وظيفته التعاطفية واملنسجمة مع املشاعر أو حتول إىل
باحات نقل ملواضيع الذات املعاشة بشكل ناقص (يف احلاالت التي يظهر فيها املريض
اضطراب ًا نرجسي ًا باملعنى الضيق)عندئذ تصبح اخللفية النرجسية املانحة للدعم موضوع ًا
ذو أولوية ،تصبح صورة للتحليل .إال أن االنتباه ملشاعر اخلجل ليس مه ًام لدى املرىض
املضطربني باكر ًا فحسب وإنام لدى املرىض برصاعات عصابية كذلك .إذ أن كل موقف
رصاع عصايب يؤذي خربة قيمة الذات و يقود ملخاوف اإلخجال .وهلذا السبب أيض ًا
فإن نقل موضوع الذات ال يعد مميز ًا للمرىض باضطرابات شخصية نرجسية فحسب
وإنام يوجد لدى مجيع الناس بدرجات خمتلفة من الوضوح.
234
ممارسة العالج النفسي
رغبات العالقة وخماوفها و رصاعاهتا مع حملله ،تتالءم مع مستوى نموه النفيس .وتستند
اهلوامات الالشعورية و القناعات املرضية التي نشأت عىل أساس الرصاعات
واالنصدامات بإعاقته عن التعبري املالئم و املتناسب مع النمو لرغبات عالقته ،التي تسري
وفق دوافعه األساسية.
فاملريض عىل سبيل املثال الذي يعيش حملله يف اجللسة األوىل بأنه ملحاح و غري
متحفظ ،فإنه فحسب مل يتعلم بشكل كاف ،التمكن من تنظيم حاجاته بنفسه .هلذا فهو
خياف يف التفاعالت البني إنسانية ،من أن إنسان آخر قد جيربه عىل أمر ما ال يستطيع أن
يدافع عن نفسه ضد ذلك .وألنه قد ظل يف بعض املجاالت متعلق ًا بشدة بالتنظيم
اخلارجي من جانب الناس اآلخرين ،فإنه يعيش هذا أيض ًا بأنه جبار (عات) و ملحاح.
وبالنتيجة يفرتض عليه أن يتعلم أن يتمكن من تنظيم حاجاته املختلفة بنفسه بشكل
أفضل .واملريض الذي يتشكل لديه االنطباع بعد عدة جلسات من التحليل بأن حملله
كفء بشكل كبري وبأنه يف هذا الوقت بالذات اكتسب استبصار ًا مه ًام و اكتشف لديه
مكبوتات ،فإنه ربام يكون مكبوح ًا و مترضر ًا يف قدرته عىل التعبري املتحرر من القلق
والذنب عن حاجات ،يف أن يتمكن من حتديد نفسه بشكل نقدي جتاه الوالدين –
وبشكل خاص يف املراهقة -وبالتايل نزع صفة املثالية عنهام أيض ًا .فعليه إذ ًا أن يتعلم
بأنه من حقه أن يعيش ذاته جتاه األشخاص املهمني بالنسبة له بشكل أكثر استقالالً ،من
دون أن يفقد الشعور بالوئام مع هؤالء.
وذلك املريض الذي يعتقد أن حملله ال حيبه إال إذا أخربه باستمرار عن حدوث تقدم
يف التحليل ،عليه أن يتعلم بأنه من حقه أيض ًا أن يعيش لنفسه رغبة العمل Function
، lustوالفضول ،والرغبة احلسية ،واخلربة اجلنسية ،وكأهنا نابعة من حافز داخيل ومن
أجل املتعة فقط just for funوليس من منظور سحب احلب واالعرتاف املهددين .ومن
بني ذلك يف هناية األمر أيض ًا إعادة تفتح كفاءة االعرتاف واالستقاللية ،من دون االبتالء
ثانية بمشاعر الذنب واملخاوف القديمة .archaic
واحد ًا من أوائل املحللني النفسيني الذين لفتوا )(Kohut,1973 كان كوهوت
235
األسس النظرية للعالج النفسي
االنتباه من خالل تصوره حول نقل-موضوع الذات إىل أنه ينبغي النظر للنقل من
منظور العالمات النامئية النفسية .ويمثل كل من نقل املرآة والنقل املقدس أشكال من
العالقات يستأنف فيها املريض احلاجات النامئية الصادمة أو املقطوعة يف وقت أبكر .إال
أن التوق نحو موضوع ذات عاكس أو قابل للتقديس ال يتطابق مع احلاجات العامة،
التي يعيشها الطفل .وهلذا السبب قام لشتنبريغ Lichtenbergانطالق ًا من خمططه حول
املنظومات الوظيفية الدافعية بطرح األفكار اآلتية:
236
ممارسة العالج النفسي
للذات قوي ًا .وتوسع االنفعاالت الظاهرة هنا خربات الدافع وتشكل أهداف ًا
جديدة للدوافع .و كل منظومة من منظومات الدوافع وفق لشتنبريغ باملعنى
الدقيق هي منظومة دافعية وظيفية :الدوافع تثري وظائف أداتية ،يتم توجيهها
من االنفعاالت .ومن ناحيتها تستدعي إمكانات الترصف الوظيفية مع
التوسيع االنفعايل دوافع ًا إىل امليدان .إن الدوافع حتدث "يف" منظومات ،وهو
ما يعني أنه ال جيب اعتبارها بنى ،وإنام عمليات جارية باستمرار .كام يتضمن
تصور املنظومة فكرة الفاعلية Activityمن نحو فاعلية التنظيم و املبادرة و
االندماج ،وبالتايل فهو (التصور) منسجم مع رؤية عرصية للطفل الذي مل يعد
يمكن النظر إليه عىل أنه جمرد متلق سلبي ملطالب الدافع وتأثريات املحيط،
وإنام يصمم خرباته عن نفسه و حميطه بصورة فاعلة .
237
األسس النظرية للعالج النفسي
و يتضمن النقل الذي يقوم عىل احلاجة لالرتباط واإلخالص عمليات املساومة
الفاشلة عىل القرب و التعلقية بشكل خاص .باإلضافة إىل أنه يالحظ يف هذا النقل
التوق نحو االنسجام االنفعايل و الصدى التعاطفي ونحو أجزاء من رؤى القيم
والقناعات.
وهكذا متكنت عىل سبيل املثال مريضة بعد ساعات طويلة من التحليل
أن تقر بأهنا استطاعت التعرف بأنه كان لدهيا رغبة قوية يف أهنا كانت تريد أن
تكون حتى يف هناية األسبوع بالقرب من العيادة العالجية للمحلل؛ إال أنه مل
يكن هنا الدافع األسايس الكامن خلف ذلك الفضول (األوديبي) أو الرغبة
اجلنسية ،وإنام شعور قوي باالرتباط .فقد أمكنها تذكر بأهنا عندما كانت طفلة
قد متنت بشدة لو سمح هلا بالبقاء إىل جانب والدها العامل يف احلديقة الكبريةـ
الذي أعادها بخشونة ألمها داخل البيت ،ألنه عىل ما يبدو مل يكن قادر ًا عىل
حتمل تعلقية ابنته الصغرية به .
ويتضمن النقل الذي يقوم عىل احلاجة لالستكشاف و توكيد الذات يف الغالب
خربات فاشلة يف التمكن من السامح بخربة النفس بوصفها كفء أو من التمكن من
استكشاف يشء ما بفضول .ووفق ًا هلذه الرؤية فإن اخلوف من النجاح أو اإلحباط
املتجدد باستمرار خلربات النجاح قبل حتقيق اهلدف بوقت قصري ليسا بأي شكل من
األشكال جمرد بقايا أوديبية فحسب وإنام يمكن أن تكون قد نشأت يف وقت مبكر جد ًا
يف حياة الطفل.
ويمكن التعرف عىل النقل الذي يتصف باحلاجة لالستجابة بالتناقض أو
االنسحاب من خالل أن املريض املعني يعرب عن القلق من قوال ال ومن حتديد نفسه ومن
صد رغبة له ومن حتمل املعارضة و التعبري عن موقفهم بقوة و أمور أخرى كثرية.
أما النقل الذي يقوم عىل احلاجة نحو االستمتاع احليس فريتبط بالصعوبات عىل
238
ممارسة العالج النفسي
فعىل سبيل املثال اعتقد مريض بأن حملله قد يطلب منه بأن يكون فاع ً
ال
بال توقف ،يطلق تداعياته كاآللة .وقد عاش كل انقطاع قصري األمد خلواطره
بمشاعر ذنب شديدة .كان االسرتخاء بالنسبة له مرتبط ًا بالتعطل (الركود)
واملتعة مع التبذير حيث يقدم املرء املال الذي حصل عليه بشق النفس للبائع
ويعني االستمتاع احليس بالنسبة هلذا املريض رفاهية فائضة .فلو كان عليه أن
يدفع من نفسه "لرفاهية" العالج ،فسيكون ذلك مستحي ً
ال له ،عىل الرغم من
أنه يمتلك أمواالً ضخمة .ويغلب الظن أننا نجد هنا التعبري الرشجي
االحتبايس anal retentiveالندفاعات دافع ليبيدوي و سادي ،ولكن حسب
لشتنبريغ يتثبت يف هذا النقل خربة فاشلة من الصدى احليوي vitalized
resonanceفيام يتعلق باخلربة االستمتاعية احلسية يف الطفولة.
ويف النقل الذي يقوم عىل احلاجة نحو االستثارة اجلنسية وصوالً إىل النشوة يتجىل
الكف الذي اكتسبه األطفال و اليافعني بناء عىل خربات رصاعية .و لكن بام أن الطموح
نحو املتعة احلسية يمثل دافع ًا أقوى إىل مدى بعيد مما قد عرف حتى اآلن ،وألن الطموح
باإلضافة إىل ذلك نحو االستثارة اجلنسية أقرب ألن يكون متكررا periodicو عرضيا
،episodicallyفإن النقل يلعب يف سياق االستثارة اجلنسية وفق لشتنربغ دور ًا أقرب
للثانوي( .وبالطبع ليس يف كل تلك احلاالت التي تصبح فيها االستثارة اجلنسية يف غري
موضعها عىل شكل جتنسية ،Sexualizationمع العلم أنه لدى التأمل التاميزي نجد أن
املسألة تتعلق يف العادة بسرت (أو نبذ )cashierمنظومات الدوافع األخرى).
239
األسس النظرية للعالج النفسي
تصورات خمتلفة ،حول الكيفية اليت يدرك فيها املريض املوقف العالجي
ما الذي يبحث عنه املريض يف العالقة التحليلية؟ يبدو أن اإلجابة قد تكون تافهة:
فهو بالطبع يبحث شعوري ًا عن التحرر من أعراضه و حاالت معاناته .ولكن بام أن
املحلل النفيس يرى يف العرض تعبري ًا عن حدث رصاع ديناميكي نفيس كامن يف األعامق،
فإن هذه اإلجابة ال تبعث عىل الرضا .ففي نموذج رصاع الدافع التقليدي يتم االفرتاض
بأن املريض يطمح نحو إشباع واسع للدافع ؛ فاملريض غري املشبع جنسي ًا وشهواني ًا عىل
سبيل املثال يبحث يف حملله عن أم راعية يمكنه يف الوقت نفسه ممارسة جنس مثري معها.
و يف نموذج القصور النامئي يبحث املريض عن حتسني خربة الذات و يف نموذج رصاع
العالقة يرغب املريض من جهة يف إعادة بناء نمط العالقة القديمة املوثوقة (العصابية
واالنصدامية) ،إال أنه يبحث من جهة أخرى عن خربات جديدة جتعله يعيش عالقة مع
شعور كبري بالكفاءة ،مع إشباع أكثر وقلق أقل ومشاعر خجل (جدول .)4
240
ممارسة العالج النفسي
فإذا تأملنا هذه العملية من البحث مرة أخرى من منظور النقل ،فسوف تظهر لدينا
الصورة املعروضة يف جدول .5
241
األسس النظرية للعالج النفسي
التعامل مع النقل
"يقوم املحلل بجعل املريض يدرك النقل ،ويتم حله ،بأن يقنعه املرء بأنه يف سلوك
النقل لديه إنام يقوم بإعادة إحياء واقع مشاعره ،املنبثق من عالقات موضوعه املبكرة
ومن املراحل املكبوتة لطفولته .ومن خالل مثل هذا التحويل يتحول النقل من أقوى
أسلحة املقاومة إىل أفضل أدوات االستشفاء التحلييل .ويف كل األحول يظل استخدامه
اجلزء األصعب و األهم باملقدار نفسه للتقنية التحليلية" ).(Freud, 1925d, P. 68f
242
ممارسة العالج النفسي
مل تكن ترصحيات فرويد حول التعامل مع النقل كثرية و طبق ًا لذلك يمكن
تلخيصها بشكل خمترص .وهذا ما يثري العجب إذ أن حتليل النقل يعد بشكل عام ميزة
التحليل النفيس و يعد استخدامه الصحيح اجلزء األصعب .من التحليل .ففي سنة
1926استنتج فرويد البالغ من العمر سبعني سنة يف ذلك الوقت . ..." :كل يشء
يتوقف اآلن عىل حتقيقه ،و املهارة الكاملة يف استخدام "النقل" تقع من ضمن ذلك.
إنكم ترون أن أعىل املطالب املطلوبة من التقنية التحليلية تصل قمتها هنا .فهنا يمكن
للمرء أن يرتكب أشد األخطاء أو يضمن أفضل النجاحات .ومن السخف حماولة
التملص من الصعوبات من خالل قيام املرء بقمع النقل أو إمهاله؛ فمهام كان ما يفعله
فهو ال يستحق اسم التحليل .وطرد املريض بمجرد ظهور منغصات عصاب نقله أمر
ليس معقوالً كام أنه يعد جبن ًا؛ فهذا يشبه وكأن املرء استحرض األرواح و بمجرد أن
حرضت هرب منها . ...املخرج الوحيد املمكن من موقف النقل هو العودة ملايض
املريض ،كيف خربه بالفعل أو كيف شكله من خالل نشاطات هواماته املحققة للرغبة.
وهذا يتطلب لدى املحلل الكثري من املهارة والصرب و اهلدوء و إنكار الذات" (1926,P.
)259
يف النموذج األول يتجه اجتاه البحث بوضوح نحو املادة البيوغرافية .فحتى يف
243
األسس النظرية للعالج النفسي
إذا ما متكن املحلل التعامل مع املقاومة بشكل مناسب .ويف "حمارضة حول املدخل إىل
التحليل النفيس" أشار فرويد ( )1917-1916أن العمل مع الذكريات املاضية يرتاجع
إىل مدى بعيد عندما يكون النقل قد نام بشكل صحيح .عندئذ يتحول النقل إىل "ساحة
املعركة" التي ينبغي أن ترتكز عليها كل القوى .فإذا ما ألقى املعالج كل ثقله عىل إعادة
بناء الذكريات املاضية (املعالج" :وهنا أمهلتك أمك بشدة!"-هنا كانت أمك غري
متعاطفة معك أبد ًا") فإن اخلطر يكمن يف أنه سيتم عدم رؤية أو عىل األقل تنايس إعادة
إخراج الرغبات واهلوامات الالشعورية يف العالقة الراهنة .غري أن تأكيد فرويد بأن 2
النقل نفسه يمكن أن يتحول إىل مقاومة عارمة ضد التذكر تغطي حقيقة أن النقل يتجىل
دائ ًام عىل هيئة إعادة يف شكل إخراج الشعورية .ومن ثم فإن النقل ال يتم إنتاجه و
3
حتليله كغاية بحد ذاته (كام يتهم بعض منتقدي التحليل النفيس أيض ًا) ،بل أن النقل هو
العصاب .وكلام نجحت معاجلة treatmentوحل النقل ،ازدادت اخلربة العصابية
اضمحالالً .ومل يكن أحد يرى أقل من فرويد نفسه أنه بمقدار ما يقرتب املرء من هذا
اهلدف idealيكون العالج therapyأكثر توفيق ًا.
باإلضافة إىل ذلك وصف فرويد نموذجني لتحليل بادئ (يف البداية).
-يف النموذج األول ال تتم يف البداية مالحظة وجود أية مقاومة جتاه العمل التحلييل.
244
ممارسة العالج النفسي
إذ يمكن للمريض عىل ما يبدو أن يتبع بدون أية صعوبة أسس التداعي احلر،
وينمي ارتباط ًا بمحلله ،وال يرغب بتفويت أية جلسة عالجية ،ويتقبل كذلك
تفسريات املحلل بحرية ويبدو أنه حيقق خطوات ممتازة .وترتاجع أعراضه أو
ختتفي كلية .إال أن "شهر العسل التحلييل" هذا البد وأن ينتهي إن عاج ً
ال أم
آجالً ،وتصل العملية التحليلية للركود .وينمي املريض مقاومة مسمطة جتاه
املعاجلة التحليلية التي تعرب عن نفسها من خالل االمتناع عن الكالم أو من خالل
الكف الذي يتم اإلحساس به عىل شكل عدم القدرة عىل التحدث ،والتي يمكن
تفسريها عىل أهنا ٍ
جتل manifestationللتطلعات واملشاعر العدوانية أو الشهوانية
eroticاملكبوتة.
-يف النموذج الثاين الذي وصفه فرويد توجد مقاومة املريض منذ بداية العالج.
وعىل ما يبدو فإن فرويد قد افرتض أن النقل يف التحليل مل يتحول بعد إىل مقاومة،
طاملا يروي املريض شيئ ًا ما (غالب ًا حول مواضيع خارج العالج أو فرضيات تاريخ
حياتية) وهلذا كذلك ال يوجد أي سبب لتفسري النقل طاملا تنساب أخبار املريض و
أفكاره عىل ما يبدو بشكل عفوي ،أي أهنا حتدث من دون أية إعاقة.
إال أن غايل و مسالين ) Gill & Muslin (1976قد أشارا إىل أنه حتى عندما يتداعى
املريض بشكل حر فقد تكون هناك مقاومة-نقل موجودة ينبغي توضيحها يف وقت
مبكر .إذ أن الدالئل عىل النقل بوصفه جتليات Manifestationsللمقاومة جتاه أن يصبح
النقل شعوري ًا ترافق التحليل منذ البداية .وحتى فرينتزي ) Ferenze (1923قد مخن يف
ذلك الوقت بأنه يمكن للنقل اإلجيايب الشديد يف بداية حتليل ما أن يكون تعبري ًا عن
املقاومة.
245
األسس النظرية للعالج النفسي
يروي مريض متزوج بأنه يف حفلة مع زمالء العمل قد رقص بمرح مع
زميلة له يف العمل؛ ويف هناية هذه الليلة أوحت هذه املرأة له بأهنا تريد أن تنام
معه .بداية خطرت عىل باله بعض األفكار حول حالته الصحية الراهنة ،بعد
ال قد حلم بكابوس متكرر باستمرار. ذلك خطر عىل باله بأنه عندما كان طف ً
يف هذا الكابوس كان هناك ذئب مستلق مقابل رسيره فكان يستلق يف رسيره
ال من العرق منتظر ًا نور الفجر .واليوم صباح ًا عندما حيا مديره تولد لديهمبت ً
انطباع بأنه مديره قد رمقه بنظرة صارمة.
سألته املحللة فيام إذا كان الذئب جيسد والده ،الذي كان مرعوب ًا منه
بسبب استثاراته األوديبية ،وأنه قد أدرك مديره اآلن وكأنه األب الصارم.
أجاب املريض "نعم ،إهنا لفكرة مهمة" ،ولكن من دون أن يظهر عليه أن األمر
قد مسه.
"واآلن أنت خائف من أن أحكم عليك ،ألنك انزلقت يف غواية هذه
الزميلة؟" قد تشكل باملقابل تفسري ًا للنقل ،يمس املريض انفعالي ًا بشدة أكرب
ويمثل فرصة لربط املشهد sceneاملعاش يف الوقت الراهن مع حالة وجدانية
باكرة .إذ أنه إذا ما أراد املرء أن يعدل من التصويرة Schemaبشكل مبكر فإنه
لن ينجح إال عندما جيد من خالل تنشيط وجدان مشابه يف هنا واآلن معرب ًا
نحو هناك ويف ذلك الوقت .
Morton يف عدد من املنشورات قام املحلل النفيس األمريكي مورتون م .غيل
M. Gillمنذ سبعينيات القرن العرشين بالدعوة من أجل أخذ حتليل النقل الذي كان
246
ممارسة العالج النفسي
يعد دائ ًام –وإن كان األمر بأشكال خمتلفة -جوهر ممارسة التحليل النفيس ،بعني اجلد.
فمن أجل أال يتحول التحليل النفيس إىل نوع من اجللسات العالجية ذات التوجه العلم
نفس أعامقي ،فإنه من املهم جعل عالقة النقل يف هنا واآلن حمور ومركز اإلجراء التحلييل
للنقل .مع العلم أن فرويد كان قد أشار إىل أنه يفرتض أن يتم حل كل الرصاعات يف
"نار النقل" ،وأن غالبية املحللني النفسيني يتبنون هذه الرؤية بشكل مربمج أيض ًا ،إال أن
حتليل النقل ال يتم إال فيام ندر و بشكل قليل املنهجية و افرتاضات premiseخطأ يف
أجزاء كثرية منه.
إن عالقة النقل املحددة بشكل مشحون باالنفعال هي املادة التي يصنع منها العالج
التحلييل؛ فبداية عىل شفافية (صفحة )folioحتليل عالقة النقل هذا يمكن أن ينمو
استبصار حقيقي موسوم باملشاعر .و تتجنب التفسريات النشوئية التي غالب ًا ما يتم
إعطائها بشكل مبالغ فيه أو تفسريات املادة خارج التحليلية التطرق لعالقة النقل بني
املحلل ومريضه و ال تقود وفق وجهة نظر غيل إال إىل تفهم منطقي خالص ،بل حتى
الذي قد يساء استغالله بوصفه مقاومة جتاه التغيري.
وتبدو رؤية غيل Gillنوع من التجديد العام لرؤية فرويد باألصل التي أصبحت
قديمة جد ًا جلوهر العالج التحلييل ،essentials of psychoanalytical therapyوالتي
بالطبع مل يراعها هو نفسه.
قد يكمن أحد أسباب التمسك الضمني بنظرية التنفيس من العرص ما قبل
التحلييل ،كام خيمن غيل ) (Gill,1982أن املحلل يترصف بتحفظ يف تفسري النقل .وكان
البد للتوتر االنفعايل الذي يرتافق مع االستجابات الكامنة املختلفة للنقل ،أن يكون قد
وصل أوالً إىل نقطة مكثقة إىل درجة أنه يتم التعبري عنه من تلقاء نفسه إىل حد ما وبشكل
عفوي .وتتقاطع هذه الرؤية مع رؤية أخرى تنطلق من أن التدخالت املتكررة وبشكل
خاص املبكرة جد ًا بواسطة تفسري النقل قد تسبب اضطراب املجرى العفوي لعصاب
247
األسس النظرية للعالج النفسي
النقل (أنظر أدناه) .ويذكِّر غيل Gillبـأنه يمكن بال أية مشكلة تربير االجتاه املتحفظ
للمحلل بوصفه إجراء مناسب لتقنية العالج.
فلدى كثري من حمليل الوقت الراهن النفسانيني تسود معارضة ضد التفسري املبكر
للنقل( ،أي خالل اجللسات األربعني إىل اخلمسني األوىل وأكثر) .ويتم تربير األجراء
الراهن الواسع االنتشار لإلجراء التقني العالجي الذي يتصف باالنتظار احلذر –غالب ًا
مع اإلشارة إىل أنه البد بداية من ترسيخ رابطة العمل -من كثري من املحللني النفسيني
باإلشارة إىل أن املس املبكر للنقل جيعله غري واضح ومشوه .غري أن هذه الشكوك ليست
غري حمقة كلية كام سنفصل أدناه.
ال يقصد بالتفسريات املبكرة للنقل تفسريات النقل العميقة لألسلوب الكاليني
(التقليدي) ،حيث يتم برسعة كبرية جد ًا حتت اإلمهال الواسع للتفاصيل امللموسة من
العالقة الراهنة تقديم تفسريات معيارية تلقينيه ذات صبغة فصامية ،من خالل
االندفاعات السادية الفمية عىل سبيل املثال ،وإنام يقصد أن التفسريات املبكرة للمقاومة
جتاه النقل تنطلق من سطح العالقة يف هنا واآلن بني املعالج واملريض.
وقد يكمن أحد األسباب األخرى املمكنة لسوء الفهم يف أنه ال يوجد وضوح حول
ما هو معنى تفسري النقل يف الواقع .فغالب ًا ما يتم االنطالق بشكل خطأ من أنه البد
لتفسري النقل من أن يربط بالرضورة إعادة تصميم املايض مع تفسري اخلربة الراهنة
والسلوك .وعليه فإذا ما كان من املفرتض القيام بتفسري للنقل منذ اجللسات األوىل
للتحليل ،فإن املحلل عندئذ ووفق ًا هلذه الرؤية مل يمتلك بعد املعرفة التارخيية من أجل
التمكن من التوضيح الكايف للجذور النشوئية للنقل .وعليه إذا ما كان املرء يتبنى وجهة
النظر املتمثلة يف رغبته يف تقديم إعادة تصميم نشوئية كاملة ،فإنه سوف يشعر عىل
األغلب بنفور شديد من التفسري املبكر للنقل.
فام هي العواقب حسب جيل ) (Gill,1982إذا ما تم إمهال تفسري النقل يف وقت
مبكر؟ إحدى العواقب يمكن أن تكون أن عصاب النقل لن ينمو بالشكل املقبول عىل
248
ممارسة العالج النفسي
اإلطالق .وعىل الرغم من أنه قد يكون هناك بني احلني واآلخر حتليل مقبول ال ينمو
فيه عصاب نقل يبدو أن بعض الباحثني يتجاهلون إمكانية أنه يمكن أن تتم عرقلة
عصاب النقل عن النمو املناسب ألنه مل يتم تفسري النقل بشكل كاف و مبكر و مكثف
وحازم.
باملقابل فإنه يف حني أنه يتم مناقشة أن التفسري املبكر جد ًا و املتكرر يشوه النمو
العفوي للنقل ،يرى غيل أنه من املحتمل أكثر أن التخيل عن التفسري سوف يقود إىل
تشويه النقل .فاملحلل الذي ال يقدم أبد ًا أو يقدم بصورة زهيدة تفسريات للنقل سوف
يضفي دائ ًام –سواء كان قدوة أم مكروه ًا -أية صفات و اجتاهات متومهة .فإذا ما تم
تضمني استجابات النقل هذه عرب فرتة زمنية طويلة و ظلت دون تطرق ،فإهنا سوف
تقود –يف احلالة املثىل حتى قبل هناية التحليل -إىل استجابات نقل مكثفة و قلام يصعب
التحكم هبا ،والتي يعدها بعض املحللني النفسيني عندئذ التجيل األول للنقل .وهو ما
يمكن تشبيهه يف احلياة اليومية عىل سبيل املثال باحلب املكتوم لفرتة طويلة جد ًا و الذي
مل يتم أبد ًا احلديث عنه فقد يقود إىل سوء فهم مأساوي.
حيطم حتليل النقل االعتقاد بأن يفقد املرء األعراض التي ترتبط أساس ًا بديناميكية
نفسية كبرية دون تغيري نمط النقل .فالتمسك باألمل املتمثل يف حتقيق الشفاء املرغوب
من خالل تعديل الظروف اخلارجية يعيق التآلف مع نمط العالقة املتمثل (املستدمج).
كان بعض املرىض قد تساءلوا" :إذا كانت الظروف اخلارجية قابلة للتعديل ،عىل سبيل
املثال إذا ما وجدت رشيك ًا جديد ًا حمبوب ًا وجذاب ًا كفاية أو حتى إذا ما أمكنني أن أكسب
حمليل صديق ًا يل ،فلامذا عيل أن أتغري؟" .ولكن اإلنسان ال يستطيع أن يتخلص من
ماضيه اخلاص و إنام يستطيع أن يتغري ويغري حياته إذا ما أدرك نفسه يف صريورته.
املقاومة والنقل
كل مقاو مة تعرب عن نفسها كمقاومة ضد النقل .وهنا يمكن التمييز بني ثالثة
أشكال:
249
األسس النظرية للعالج النفسي
.1املقاومة ضد الغرق يف النقل :غالب ًا ما نجد هذا الشكل لدى املرىض الذين
يريدون أن يظلوا مكتفني ذاتي ًا بشكل متطرف ،الذين متثل خربة أنفسهم متعلقني
بأية صورة من الصور ضيق ًا نرجسي ًا شديد ًا هلم ،والذين بنو رشنقة حول
أنفسهم من أجل محاية ذاهتم القابلة لالنجراح [احلساسة] ،الذين حيتاجون
ملتاريس مكتفية ذاتي ًا autarkyمن الدفاع حول أنفسهم.
.2املقاومة ضد أن يصبح النقل شعوري ًا :هذا الشكل من النقل هو ذلك النقل الذي
يظهر منذ البداية (باستثناء املرىض الذين يناورون بام هو وارد يف النقطة .1
بسبب شدة إمراضيتهم) ،والذي ينبغي تفسريه منذ البداية بشكل منهجي
وحيتاج عىل األقل النصف حتى الثلثني من مدة العالج التحلييل.
.3املقاومة ضد حل النقل :ويعد هذه الشكل عىل درجة من األمهية بشكل خاص
يف مرحلة املعاجلة .treatmentفقد يكون املريض قد تعرف إىل أن إدراكه من
املحلل و شكل العالقة الناجم عن ذلك هو أحادي اجلانب و أن شيئ ًا ما له
عالقة بامضيه ،ومع ذلك فإنه يصعب عليه بني احلني واآلخر أن جيعل األفعال
تعقب هذه املعرفة .فاملعرفة سابقة عىل التحقيق إذا جاز القول ،وال يمكن
التغلب عىل الكوابح االنفعالية املتنوعة إال بالتدريج ،شيئ ًا فشيئ ًا ،يف جمرى
املعاجلة املستمرة .permanent treatmentفاملريضة عىل سبيل املثال ما زالت
غري قادرة بعد –بعد أن أصبحت املقاومة ضد إدراك النقل واضحة كفاية-من
التعبري دون ارتباك أمام معاجلها .وعىل الرغم من أهنا تعرف يف هذه األثناء بأنه
لن خيجلها مثل أبوها يف طفولتها ،ولكنها عىل الرغم من ذلك مازال اخلوف
موجود ًا .فقط من خالل اإلحلاح اللطيف للمعالج بتكرار التعرض هلذا
املوقف وخربة الفرق بني ذلك الوقت و اليوم و إعادة التعلم هبذه الطريقة حيدث
تعديل بالتدريج .وعليه ال يكفي إذا ما قالت املريضة لنفسها" :ها أنا أعرف
أخري ًا بأنه مل يستجب مثل أيب ولكن هذا يكفيني اآلن؛ وسوف أجتنب كل
املواضيع التي تستند منذ اآلن عىل هذا املوضوع ،كي ال أعيش املشاعر التي
250
ممارسة العالج النفسي
ستكرر ظهورها هنا" .بل عليها أن تواجه هذا الشك يف تشكيالت خمتلفة من
العالقة ،و أن ختاطر بأن يتم ختجيلها ،إىل أن حتل اخلربات االنفعالية اجليدة حمل
نمط املشاعر القديم أو تعيد تشكيلها.
وهبذا تتحول املقاومة ضد النقل إىل املحور املركزي لتحليل النقل (أنظر بتفصيل
فقرة املقاومة ليست ظاهرة شعورية) و هبذا للتحليل عموم ًا.
إال أنه ينبغي عدم إساءة فهم هذا التأكيد عىل حتليل النقل فيام يتعلق بإدراك و حل
النقل بوصفه مطالبة بتحليل عدواين ملح للنقل .املهم هو عىل أية حال أيض ًا
االحتفاظبتأثريات حتليل النقل عىل املريض نصب العني .إذ أن املحلل الذي حياول
بالنتيجة أن يتطرق لكل التلميحات (اإلشارات) حول شخصه وحول العالقة
التحليلية ،يمكن أن يدركه املريض عىل أنه شخص متفوق جد ًا ،يعترب نفسه مهم جد ًا،
متطفل ،مالحق ،ملح بشكل جنيس مثيل ،تكافيل-اكتئايب .depressive-symbiosisهلذا
فإنه من املحتم بالنسبة للمحلل أن يعكس مرار ًا تأثريات و إرجاعات تفسريات النقل
عىل إدراك عالقة النقل .وبدون شك فإن األمر حيتاج أيض ًا إىل الكثري من اخلربات و
احلساسية و الرهافة.
251
األسس النظرية للعالج النفسي
املساواة أو املعادلة احلاصلة آليا .فالتأمل الدقيق يف تلميحات العالقة ينبغي أن يقود إىل
كشف دقيق للمثري –طبق ًا لبقايا اليوم يف حتليل احللم -يف هنا واآلن العالقة Here-and-
Now of Relationshipوال ينبغي أن يعزى مبارشة إىل جزء النقل األصيل املخمن،
بالشكل الذي يدرس فيه املرء أيض ًا يف تفسري للحلم جمرى وفق األصول Lege
""Artisخواطر الواقع" ،التي تقوم عىل بقايا اليوم ،و يعد ما يسمى بخواطر التفسري (أو
تداعيات التفسري) بأهنا أقرب إىل إجراء دفاعي.
-الشكل الثاين الذي يمكن أن تظهر فليه تلميحات عىل عالقة النقل هو التامهي (أو
التهوي . )Identification
إذا يعرب املريض عىل سبيل املثال دائ ًام يف عدة جلسات متتالية عن االنطباع بأنه يشعر
بأن ال يشء خيطر عىل باله وأنه فاقد للمبادأة التي حيتاجها يف عمله بشدة .فاملريض هنا
وبشكل شعوري أو ال شعوري قد متاهي بشكل مؤقت مع سلوك وخربة املعالج.
ومريضة أخرى تشكو من النقص يف محاسها enthusiasmالذي حتسه منذ فرتة طويلة
جد ًا يف مجيع عالقاهتا .ويقود تفسري هذه التعابري التامهوية عىل أهنا تلميحات للعالقة
إىل املعرفة املتمثلة يف أن املريضة عاشت حمللها مؤخر ًا كشخص مل يتمكن بحامس كبري
عىل ما يبدو من التعبري عن التقدم خارج التحليل.
وهذا الشكل من التلميحات عىل عالقة النقل هو أصعب بكثري من األول عىل
االكتشاف وهلذا فغالب ًا ما يتم جتاهله أو التعامي عنه.
252
ممارسة العالج النفسي
الرسائل اللفظية ("أجدك اليوم صارم ًا و صاد ًا) ،بدالً من صدها باستغراب أو إنكار
دعوات الترصف املغطاة ("أال جتد بأين أبدو غبي ًا؟") بطريقة مواسية ،بل تركها تؤثر عىل
النفس أوالً .وهنا البد من أال تنظر هلذه اإلدراكات و التقديرات و الدعوات نحو
سلوك دور حمدد بأنك أنت املعني هبا كشخص حقيقي ،إذ أن املضامني السلبية قد جتعل
املعالج ينشغل بشدة باملشاعر املزعجة ويف حال وجود تقديس إجيابية يمكن لشعور
التغرير بالذات أن يعمي املعالج عن مظاهر أخرى.
حياول مريض عىل سبيل املثال أن يتهجم عىل حتفظ حملله يف موضوع
االهتامم اجلسدي" .أتعتقد بالفعل أنك الشكل الصحيح لشفائي؟ .منذ أن
قرأت كتب تيلامن مورس ، Tilman Moserتزايد شكي بفائدة احلديث هنا".
ويف حوار غري حتلييل قد جييبه املرء بأن كل إنسان يشفي نفسه بنفسه ،أن املبادئ
مهمة ،أن األمر ليس له عالقة بالشفاء ...الخ .
253
األسس النظرية للعالج النفسي
ال يف االمتناع التحلييل النفساين ،فقد يقوم بتربير نفسه فإذا مل يكن املعالج مؤه ً
وذلك بأن يقوم عىل سبيل املثال باإلشارة إىل أنه البد للكالم وأن يقود إىل يشء ما وبأن
الكالم عادة ما يرتبط باملشاعر وأن الكالم ال يكون منعزالً عن أي حيوية إال لدى
املجانني أو الفصاميني ...الخ .كام يمكن له أن ينسحب منزعج ًا إىل الصمت أو قد
يفرتسه الغضب ملمح ًا للمريض بأنه يمكنه إهناء العالج وأمور أخرى مشاهبة .وهبذا
فسيكون قد صعد إىل عرض النقل و ترشبك مع مريضه يف األنامط القديمة للمواجهة.
(إذ ييل النقد التربير أو االنسحاب أو التهديد –وهي األشكال املألوفة لعالقة السلطة أو
السيطرة) .وبدالً من املرور بخربات جديدة للعالقة ،سيواجه املريض دائ ًام باألنامط
نفسها ،التي يواجهها كل واحد منا يف مواقف احلياة اليومية.
غري أن امتناع ا ُمل رح ِّلل يمنع العودة الالهنائية لألمور نفسها .وبدالً من االستجابة
بسلوك التربير السهل (ليس االمتناع) يمكن للمحلل أن يشجع مريضه عىل سبيل املثال
عىل مواصلة انتقاده وهو ما يمكن له أن يفاجئه (أي للمريض) كلية ،ألنه مل خيرب مثل
هذا األمر سابق ًا أبد ًا .ولكن يمكنه أن يطلب منه أيض ًا مواصلة التعبري عن هوامات
رغبات االهتامم اجلسدي لديه .فربام يتضح عندئذ أن خربة املريض املستثارة اكتئابي ًا
ترجع إىل قلة االتصال بمحلله حيث جتىل ذلك برغبة اتصال جسدي كحجة .هلذا يمكن
لكل تدخل ال يتطرق إىل عرض دور وجوب-تربير-الذات ،أن هيدي هذا االتصال
بحذر إىل طريقه.
254
ممارسة العالج النفسي
غالب ًا ما يساء فهم االمتناع من املالحظ اخلارجي بأنه عدم االستجابة عىل مستوى
السلوك .غري أن االمتناع عبارة عن اجتاه للمعالج ال يمكن االستغناء عنه يف فلسفة
العالج التحلييل النفساين ،بعدم التطرق ملطلب الدور العصايب للمريض ،املتمثل يف أنه
عسى أن يستجيب املقابل بالشكل األقرب ملا يتطابق مع تصويرته Schemaالداخلية
(عالقات املوضوع) .وبالطبع يستجيب املحلل إال أنه يفعل ذلك عىل مستوى أعىل
.Meta levelويظل الطلب املنبثق من املريض بال إجابة ،بأن ال يتم جدل الدور
بالطريقة املألوفة للمريض من جهة ،ومن جهة أخرى يستجيب املعالج ملريضه جد ًا بأن
يفتح له إمكانية جديدة من احلوار .وهذه الرؤية احلديثة لالمتناع (اخلاص) جيعل أيضا
التطبيق التقليدي لغفلية Anonymityاملحلل مطلقة مبدئي ًا أو تتطلب عىل األقل إعادة
التفكري هبذا املنظور.
255
األسس النظرية للعالج النفسي
وحتى بالنسبة للمحلل فإن التعامل مع نقل مريضه يمثل خربة خاصة :فهو عىل
الرغم من أنه يسمح له ،ويتامهي معه (أي للنقل) عىل سبيل التجريب ويفكر من خالل
أية مظاهر سلوكية أو حتى هوامات داخلية يمكن أن يكون قد أثر هو كمثري هلذه
التصويرات ،غري أنه أن يمكنه أن يمتنع عن رضورة أنه البد له من االستجابة عىل
الطريقة املألوفة بشكل دور تكاميل (عىل مريض متربم عىل سبيل املثال ال حيتاج
لالستجابة بالزجر) .وال يشعر املريض بالصد يف إدركاته وعدم الظهور غري املتوقع
الستجابة يعتقد بأهنا بدهيية حيرك عملية التفكري (التأمل) لديه .فال يعود عىل سبيل
املثال جيعل الناس اآلخرين مسؤولني عن فشل الكثري من نواياه؛ بل سوف يبدأ بالتفكري
من أين نشأت حاجاته التربيرية و ما هي الصعوبات التي يسببها هو لنفسه يف التعامل
مع اآلخرين ،إذا ما ظل يتهمهم باستمرار بأهنم ال يساعدونه كفاية أو عندما يصد
باستمرار أولئك الذين يريدون مساعدته ألن االتصال يوقظ الكثري من التطلعات التي
خيجل منها (جدول .)7
256
ممارسة العالج النفسي
عدم موثوقية اخلربات الباكرة فقط على أساس حتليل النقل (الداخلي)؟
عندما يتحدث املريض عن عالقات خارج اإلطار التحلييل ،يمكن أن يكمن يف
هذا تلميح خفي للمحلل؛ إال أن امليل إىل استخالص تلميح للنقل يف كل واقعة "خارج
حتليل نفسية" يمكن أن يقود إىل صورة كاريكاتورية للتحليل النفساين .فعىل الرغم من
أن كل مقولة للمريض تتضمن تلميح ًا للنقل؛ إال أن هذه األمهية ال حتتاج أن تستند إىل
املحتوى وإنام إىل جمرى احلديث .فإذا ما حتدث مريض عن خربة مهينة جد ًا له من قبل
مديره عىل سبيل املثال فإنه ال جيوز بشكل آيل استخالص النتيجة املتمثلة يف أنه يرغب ال
يلمح مضموني ًا إىل حملله هبذا أنه يريد أيض ًا أن يعيشه ب وصفه مهين ًا؛
شعوريا يف أن َّ
وإنام يستطيع أن يتحدث عن هذا ألنه يستطيع الثقة بمحلله ،وهو ما ينبغي أن نرى النقل
فيه .وعىل الرغم من أن تأكيد غايل Gillلتحليل النقل يف هنا واآلن مهم جد ًا إال أنه
257
األسس النظرية للعالج النفسي
البد هنا من التفريق بني املضمون والعملية .فمحتوى التعبري الظاهر للمريض ال يستند
دائ ًام بأي شكل من األشكال شعوري ًا أو ال شعوري ًا عىل املعالج ،ولكن بالطبع حيدث كل
يشء ،أي كل ما يقوله املريض أو خيفيه ،يف العالقة بمعاجله .باإلضافة إىل ذلك البد من
األخذ بعني االعتبار أن املحللني ال يستطيعون دائ ًام بشخصيتهم استثارة مثل ذلك النوع
من اخلربات ،التي حيتاجها املريض إلخراج (مرسحة) نقله.
فإذا ما عاش حملل ما مريضه عىل أنه متعاطف ومنسجم معه انفعالي ًا بشكل مثايل
فهل ال حتتاج اخلربات املشحونة بالرصاع و االنصدامية عىل اإلطالق ألن تتجدد يف
العالقة باملحلل(حتليل النقل –الداخيل )Inner-Transfer analysesوهل حتتاج ألن تتم
معاجلتها؟ أيكفي عندئذ ألن تصبح قابلة للخربة يف تشكيالت النقل Transfer-
Formationخارج التحليل (حتليل النقل اخلارجي )exterior Transfer Analyses؟
هناك رؤية يف االجتاه السائد يف التحليل النفيس ،ربام تتحدث يف هذه احلالة عن حتليل
غري كامل أو حتى عن عمل نقل .وعليه فقد أخرجت مريضة عىل سبيل املثال بشكل
مستمر رصاعات مع زوجها و زمالء العمل ،إال أن العالقة التحليلية خالية من
الرصاعات و تشعر املريضة بأهنا مفهومة بشكل مثايل من معاجلها .أينبغي جعل
الرصاعات الالشعورية أيض راًَ غري صاحلة يف خربات العالقة اجلديدة واألخرى داخل
املوقف العالجي ،أم تقود طرق عدة للمعاجلة و أخري ًا إلزالة القناعات والرصاعات
املرضية؟ تؤيد اخلربات أنه حتى املحتويات الباكرة للذاكرة بانفعاالت سلبية يمكن أن
تتعدل إذا ما حدث هذا خارج العالقة باملحلل .هناك أسباب عدة لعدم إعطاء حتليل
النقل الداخيل األولوية املطلقة .فهو يمكن أن يكون غري مناسب عندما:
-ال يرى املحلل (حتى عند االختبار العميق جد ًا لعالقة النقل أو ملثريات مؤرشات
العالقة املنطلقة منه) مناسبة بإسناد التفاعل خارج التحليل عىل نفسه ومريضه.
-نشوء خربة عالقة إجيابية جديدة من خالل التطرق للتصورات السلبية للعالقة
(هل حيتمل أنك تعيشيني عىل صورة مست ِرغل مثل مديرك؟") سوف خيل يف هذا
املكان بالعملية التحليلية بشكل حساس.
258
ممارسة العالج النفسي
ولكن أال يتم من خالل املنع املؤقت suspendizationلتحليل النقل جتميد اجلدل
احلاصل بني البني نفيس [الضمني] و البني شخيص ،intra psychic and interpersonal
من خالل إرجاع مشكالت املريض من خالل رؤية مبسطة إىل املايض التاريخ حيايت
لوحده؟ هل يمكن لتحليل نفيس مفهوم وفق األصول Lege Artisأن جيري بالفعل من
دون مراعاة اإلخراج (مرسحة) الشعوري للرصاع يف هنا واآلن ؟ .إن اإلجابة عن ذلك
ال يمكن أن تكون غري :إنه عىل الرغم من أنه يف حتليل نفيس لوجهة النظر التفاعلية-
التكييفية يقوم املحلل دائ ًام بالتعبري إال أنه ال حيتاج بالرضورة إىل التطرق .فمراعاته
املستمرة هي التي تعطي املحلل التوجه عموم ًا ،حول ما هي النقاط التاريخ حياتية
املمكنة املمسوسة يف اللحظة الراهنة ،مع العلم أنه ليس بالرضورة هلذا أن حيتاج ألن
يكون متطابق ًا كلية مع املشاهد يف موضوع النقل اخلارجي.
األمر الفاصل بالنسبة الختاذ القرار هو فيام إذا كان ينبغي سحب رواية املريض عىل
التفاعل مع املحلل أيض ًا أم ال ،وهو أمر البد أن تتوفر فيه إىل جانب معايري املقبولية
واملفهومية الكافية بالنسبة للمريض بالدرجة األوىل ،مسألة فيام إذا كانت هذه رضورية
بالنسبة ملطلب النمو عند املريض أم ال .ويمكن للحل املوفق لرصاع قديم يف النقل مع
259
األسس النظرية للعالج النفسي
املحلل أن يكون رضوري ًا للنمو بشكل واضح ،ولكن حتى هذا يمكن أن حيقق تناغ ًام
انفعالي ًا مثالي ًا ،optimal affect attunementيؤثر بشكل حيوي وينمي القدرة عىل تنظيم
الذات ،من دون أن حيتاج األمر هنا للتطرق العالقة هنا واآلن يف مظاهرها الرصاعية و
املتناقضة .وهلذا السبب ال يمكن هنا أيض ًا النصح بقاعدة صارمة؛ األمر الفاصل بالنسبة
لإلجراء املعني هو التفكري بام هي التدخالت أو االجتاهات األفضل ملريض معني يف
حلظة معينة بالنسبة لنموه .ولو تأملنا هذا واقعي ًا فإنه أص ً
ال يوجد بالنسبة جلزء كبري من
اجللسة التحليلية رشط مقبول وكأنه أمر بدهيي يقول أن املحلل موجود ببساطة ملريضه
ال شخص بغض النظر عام إذا كان هذا حيمل اضطراب ًا نرجسي ًا أم ال ،بحيث ال يدخل أص ً
املحلل إىل مركز الصدارة بشكل منافس إال بني احلني واآلخر.
"هذا األساس (للعالقة التحليلية) هو يف جوهره ثقة املريض بأنه يستطيع استغالل
املحلل ،إذا ما احتاج لذلك ،كوظيفة ،كيشء كامل unpersonمن دون أن يلفت املحلل
نظره إىل أمهيته أو وجوده كشخص" ).(Treurniet,1958, P. 925
Mount Zion كام أن نتائج أبحاث جمموعة أبحاث ماونت زيون العالجنفسية
Psychotherapy Research Groupبرئاسة وايس و سامبسون Weiss & Sampson
تؤكد الرؤية أن املرىض يستطيعون تعديل قناعاهتم املرضية من دون أن يكون املعالج قد
قام بتفسريات النقل .بل أن اجلو اآلمن و "التدخالت املدروسة "pro planرضورية،
حيث تقود إىل تفريد Individualizationالقناعات املرضية .إال أن إتاحة جو من األمان
ومن خفض احلياء يشرتطان أن يعرب (يعكس) املحلل باستمرار عن الكيفية التي تؤثر
فيها تدخالته عىل املريض حتى وإن مل يكن بالرضورة جعلها موضوع ًا رصحي ًا للحديث.
260
ممارسة العالج النفسي
النقل املعاكس
261
األسس النظرية للعالج النفسي
هل تدرك حتديد األدوار املنطلقة من املريض بشكل ال شعوري ،املتمثلة يف أنه ربام حتميه
األم من مشاعر الكره جتاه والده؟ أم أن املعاجلة حتمي نفسها يف دور نقلها كمديرة من
االندفاعات العدوانية غري املرغوبة للمريض ،بأن ترغب بتغطية هذا يف صورة تكوين
عكيس مع ميول ترصف مشحونة باحلب؟
تدرك معاجلة أخرى كيف أن مريضها الذي متكن قبل قليل من عرض روايته
بشكل مشحون باملشاعر ،قد أصبح منذ بضع دقائق يف كلامته غري حمسوس ،وأهنا تشعر
بأهنا أصبحت بعد وقت قصري تال مستحيلة ،وكأن مريضها قد أغراها من أجل صدها
بعدئذ .لقد عاشت هذا األمر مرار ًا معه .فهل هذه حساسيتها ،ألن تشعر برسعة
بالرفض أم أهنا من املمكن أن تكون قدر أدركت شيئ ًا ما صحيح ًا ،مما أخرجه مريضها
معها –بالطبع بشكل ال شعوري بالنسبة له-؟
إن الكيفية التي ينبغي فيها تصنيف هذا بالضبط ينبع من التصورات واهلوامات
املرتافقة باألحاسيس عند املعالج وليس مكتوب ًا عىل اجلبني .ولكنها يف كل حال مصدر
معرفة مهم جد ًا و مركز العملية التحليلية .هلذا يعد حتليل النقل والتعامل معه مكون ًا
أساسي ًا ال يمكن االستغناء عنه للكفاءة التحليلية النفسية.
ويف التحليل االستبطاينintrospectiveللنقل املعاكس البد من اإلجابة عن األسئلة
التالية :إىل أي مدى يتعلق األمر يف املشاعر و اهلوامات:
بتامهيات منسجمة ومتكاملةconcordant and complimentary Identification -
-بتامهيات إسقاطية واستعدادات لألدوار
-بنقل ذايت
ناجم عن كل هذه احلوادث التفاعلية interactiveوالبني نفسية intra psychic -
اجلارية ؟
262
ممارسة العالج النفسي
263
األسس النظرية للعالج النفسي
264
ممارسة العالج النفسي
متسك هاينامن بأن تصور النقل املعاكس يفرتض أن يشتمل عىل كل املشاعر التي يشعر
هبا املحلل جتاه املريض .وعىل عكس الرؤية التي كانت منترشة جد ًا يف ذلك الوقت بأن
املشاعر واالنفعاالت الشديدة جتاه مريض ما مع التصور املثايل idealبإرادة اخلري ال
يمكن التوفيق بينها وبني دناءة املشاعر العنيفة للمحلل ،فقد ذهبت رؤيته من أن
تصورات النموذج هذا لواقع العالقة التحليلية غري مناسب ويمثل كذلك فه ًام ناقص ًا
الستعارة فرويد حول اجلراحة واملرآة.
تكون العالقة العالجية مصممة بشكل خطأ إذا ما انطلق اإلنسان من أن املحلل
هو آلة تفسري حتليلية وأن املريض فقط هو الذي تعتمل فيه املشاعر العميقة .عىل العكس
إذ متثل االستجابة املشحونة باملشاعر للمحلل أهم مصدر للمعرفة حول االستجابات
الالشعورية للمريض .وهنا ال يمكننا للوهلة األوىل اعتبار االستجابة األوىل للمحلل
بالضبط عىل أهنا اجلزء املعاكس للنقل عند مريض ما .هلذا من املفيد واملناسب أخذ أي
استجابة انفعالية ،تظهر يف اجللسة حتى وإن كان للوهلة األوىل ال يمكن التعرف عىل
وجود أي ارتباط بنقل املريض.
وكذلك ذهبت مارغريت ليتل ) Margaret Little (1951من تعريف كالين للنقل.
ويمكن وصف األبعاد األربعة التي حددهتا عىل النحو التايل:
-النقل املعاكس باعتباره اجتاه ال شعوري جتاه املريض.
-عنارص نقل عصابية ،التي أن تقود إىل أن يعيش املحلل املريض كأحد والديه (أو
أخوته).
-االستجابة غري العصابية للمحلل عىل النقل عند مريضه (ما يسمى "النقل املعاكس
الطبيعي").
-كل اجتاهات املحلل جتاه مريضه.
Annie Reich ويشري نقاد الرؤية الكالنية للنقل املعاكس من نحو آين رايش
265
األسس النظرية للعالج النفسي
266
ممارسة العالج النفسي
إال أنه من املفيد عدم تسمية هذه االستجابات بالنقل املعاكس ،وإنام اعتبارها ما
هي عليه ،أي نقل املحلل .هذه األطروحة املتمثلة يف أن املريض قد استثار يف اآلخر
شيئ ًا ،ليس له عالقة كبرية مع الذات ،ال يمكن أن تكون حجة مرحية لعدم مراعاة النقل
الذايت.
باإلضافة إىل ذلك البد أيض ُا من أن نأخذ بعني االعتبار ما أشار إليه كرينبريغ يف
عام ،1985بأن استجابة النقل املعاكس التي ترجع إىل رصاعات غري حملولة و
مشكالت يف الطبع عند املحلل ،مرتبطة بطريقة عميقة مع التفاعل التحلييل حتديد ًا مع
مريض معني (وهو ما يربر من جهته الرؤية الكالنية) .إن املرافقة النكوصية من أجل
التمكن من فهم رصاعات املريض يمكن أن ينشط رصاعات شبيهة من املايض لدى
املحلل و كذلك مقاومات طبائعية ،تكاد ال تلعب إي دور يف التحليل مع مريض آخر
أو يف حياة املحلل .ويف فهم ضيق جد ًا للنقل املعاكس ينزلق املرء يف إغراء اعتبار كل
االستجابة عىل أهنا فقط مشكلة طبع لدى املحلل و ينسى يف هذا بأية طريقة استثار فيها
املريض هذه االستجابة عند املحلل .كام أوضح كرينبريغ كذلك يف عام 1965أنه
لدى املرىض-احلدوديون أو املرىض الناكصون بشدة فإن االنفعاالت املستثارة يف
املحلل ،عىل األقل املكثفة جد ًا ،ترتبط بشدة بعالقة-جزء-املوضوع للمريض و ال
ترتبط كثري ًا باملشكالت النوعية للمحلل؛ لسوف تشعر غالبية املحللني باستجابة مشاهبة
يف ذواهتم بالنسبة للمريض.
267
األسس النظرية للعالج النفسي
268
ممارسة العالج النفسي
العالجية التي يفرتض هلا أال تنتهي بتشابك مشرتك .ولكن عىل الرغم من أن
الرؤية التفاعلية للتحليل النفساين احلديث تقر كلية بالتصور الكالين للنقل املعاكس
وبشكل خاص يف بعدها الالشعوري ،إال أهنا تشري يف الوقت نفسه إىل أن رضورة التعبري
عن النقل الذايت العصايب عىل املريض و تأثري اجتاهات الشخصية و االنفعاالت الذاتية
األخرى و االستجابات السلوكية ،هو أكثر إحلاح ًا مما هو األمر يف الرؤية التقليدية .إذ
أن هذه تنظر لظاهرة النقل املعاكس بوصفه "خطأ" مرتبط تفاعلي ًاreactiveكثري ًا أو قلي ً
ال
و قابل للعزل ،يمكنه أن يؤذي التعاطف بني احلني واآلخر فقط.
وقد قادت املعرفة التي برهنت نفسها يف العقود األخرية بشكل مطرد القوة واملتمثلة
يف أن انقسام-موضوع-ذات وضعي Positivistشبه جتريبي experimental
analogueال يمكن تبنيها أيض ًا حتى جزئي ًا ،إىل مساعي أكثر كثافة ،نحو التحديد
املفاهيمي للنقل املعاكس بشكل أفضل و أكثر دقة ،من أجل التمكن من التعامل معه
269
األسس النظرية للعالج النفسي
بشكل أكثر وضوح ًا يف امليدان العميل .وهبذا تتقدم ذاتية subjectivityاملحلل إىل بؤرة
مساعدة توجه داخيل ال يمكن ِ مركز االهتامم بشكل أقوى .وهبذا فهي تعد اليوم
االستغناء عنها .من أجل الفهم األفضل أو بشكل عام من أجل الفهم عموم ًا وبشكل
خاص لالهتامات الالشعورية للذات و لسيناريوهات وهلوامات و لرصاعات املريض.
يفهم التحليل النفيس احلديث املوقف التحلييل النفساين بوصفه تفاعل بني
شخصني عليهام أن يفهام بعضيهام يف ذاتيتهام .وبمجرد أن يقررا إجراء حتليل فإن كليهام
يغرقان يف دراما مشرتكة .وحل هذه الدراما يقود إىل أن واحد منهام –وعادة ما يكون
املريض هنا -يعرف نفسه بشكل أفضل .إذ أنه بشكل خاص يف بدايات هذه الدراما
تسيطر خداعات شديدة للذات :املريض خيدع نفسه يف كثري من دوافع مقاصده ورغباته؛
كام أن املحلل ينزلق بشكل ال مفر منه يف موقف يكون فيه مهدد ًا بفقدان رؤيته الواضحة
يف العادة .إن جدلية املوقف التحلييل النفساين تكمن يف أن املريض ال يستطيع يف النهاية
التقدم إال باملقدار الذي يفهم فيه املحلل حركة هذه الدراما .ومن أجل هذا عليه أن
يتعرض للضياع الذي يستثريه فيه اآلخر وتاريخ حياته .وبوساطة استبطاناته
introspectionاملدرب عليها حياول املحلل إدراك عن تصورات ومشاعر موثوقة وغريبة
وحياول فهمها كإجابة عن اإلخراج الشعوري والالشعوري ملريضه .وهذا االجتاه
املعريفepistemologicalللتحليل النفساين هو ما يميزه عن أي تقنية نفسية عالجية
أخرى يستخدمها املرء ،من دون يعتمد عىل اآلخر بالفعل و من دون التخيل يف فيها عن
الثالثية املنهجية ،املالحظة و التعاطف ،و االستبطان إىل مدى بعيد.
وبشكل أشد مما هو األمر يف النصف األول من القرن العرشين يمكن للمرء أن يقر
اليوم هبذه الذاتية يف عملية املعرفة ،من دون اعتبارها ال عقالنية أو مبهمة mysticأو غري
علمية .وقد قادت االكتشافات األساسية يف الفيزياء و تغريات فلسفة العلم والرجوع
عن الرؤية القاضية بمساواة املعرفة العلمية من خالل العقالنية (املنطق)rationality
فقط عىل سبيل املثال و احلركة الثقافية إىل الرفع من شأن الذاتية يف عملية املعرفة .و
السامح بمعرفة تقوم عىل اإلحساس الذايت هو الذي قاد إىل تفهم أفضل للبني ذاتية inter
270
ممارسة العالج النفسي
271
األسس النظرية للعالج النفسي
وإذا ما كان عىل املرء أن حيقق مطلب ًا علمي ًا اجتامعي ًا ،فإن تفسري خمططات احلياة
الدراماتية عىل طريق فهم وإدراك النقل املعاكس ال حيتاج فقط إىل نظرية إكلينيكية ونامئية
نفسية ،تتيح لنا فهم التداخل بني االنصدامات و الرصاعات و الدفاع واهلوامات وبناء
الشخصية يف تعاقب تارخيي نامئي ،وإنام حيتاج أيض ًا إىل نظرية ثقافية واجتامعية .إذ أنه
من دون معرفة الظروف التارخيية واالقتصادية و الثقافية التي نام املرىض ضمنها و التي
يتحركون يف نطاقها اآلن يقوم خطر إساءة فهم جتليات حياهتم بشكل "ممنفس"
.psychologized
النقل املعاكس ليس جمرد نقل تفاعلي –reactiveفهم جديد للبني ذاتية
التحليلية
إذا ،كام أرشنا يف فقرة النقل ،مل تنشأ حمتويات الكالم املعرب عنها لوحدها عىل أساس
الديناميكية البني نفسية للمريض ،وإنام استندت يف مدى خمتلف احلجم أيض ًا عىل
مستثريات توجيه جزئية ،وأحيان ًا واضحة أيض ًا عىل جانب التدخالت املقصودة شعوري ًا
للمحلل ،عندئذ تصبح رؤيا ذاتية subjectivityاملحلل مهمة جد ًا لسبب آخر :استجابة
املحلل التي جتري يف كل حلظة من التفاعل التحلييل (بغض النظر عام إذا كان يتدخل أم
ال ،أكان يتحرك عىل كرسيه أم ال) ،تصبح مثريات مهمة للمريض ،ملتى و بأية طريقة
حياول أن هيتم بمواضيع رصاع حمددة و يعاجلها .وهبذا يطلب من املحلل النفيس
احلديث إال يكون قادر ًا عىل التعرف فحسب عىل بعض رصاعاته الداخلية الذاتية وهبذا
كذلك عىل البقع املظلمة املمكنة متابعتها يف تاريخ حياته ،وإنام كذلك أن ينمي تصور ًا
حول الكيفية التي يستجيب فيها هو للمريض وعىل توقعات الدور والرغبات .إذ أنه
يتم اكتساب هذه االستجابات الظاهرة بطرق متنوعة -ولكن ليس فقط كتفسري عىل
اإلطالق -لتصبح جزء ًا أساسي ًا من اإلخراج املنطلق من املريض؛ ومن هنا تتجىل لنا
أيض ًا أمهية التكوين الراهن actual genesesالنطباعات العالقة يف عالقة النقل.
272
ممارسة العالج النفسي
وهبذا فقد أصبح واضح ًا بأن ما يسمى "النسخة الكالنية للنقل املعاكس" هي
الرؤية الوحيدة املقبولة .إذ أن املحلل ال يستجيب عىل نقل املريض بطريقة متجزئة وإنام
يستجيب عىل كل شخص املريض و عىل أسلوب وطريقة روايته و عىل أشخاص حمددين
تدور حوهلم الرواية و أشياء كثرية أخرى .كام أنه ال يستجيب فقط بمشاعر متممة أو
منسجمة ،طبق ًا لتمثيالت عالقة مريضه ،وإنام يستطيع أيض ًا أن يستجيب بمشاعر نقله
املعاكس العصايب ،بإسقاط أجزاء من ذاته بل حتى أيض ًا بتامهياته اإلسقاطية الذاتية عىل
الشخص و عىل ما خيربه به مريضه.
وغالب ًا ما تطفو مثل هذه األسئلة والتي ال حترك فقط أولئك الذين هيتمون للمرة
األوىل مع األحاييل النظرية حلوار العمل التحلييل النفساين :
-كيف يمكن مع مثل هذا النوع من التأثري الذايت الكبري اعتبار أن "موضوعية"
عملية املعرفة التأويلية hermeneuticالعميقة حمققة ؟
-أليست تفسريات املحلل ملوثة دائ ًام تقريب ًا بذاتيته اخلاصة؟
-أي حمتوى للحقيقة يمكن أن يكون عندئذ مطابق ًا لتفسريات املحلل؟
ولكن كام عىل كل متخصص نفيس جتريبي جيد أن يتعلم حرفته أو عىل كل باحث
أن يتعلم تقدير مدى مالئمة طريقته بالنسبة ملجال بحثه املدروس ،يمكن كذلك
للتدريبات و النمو املطرد للخربة أن تقود إىل كفاءة أفضل للمحلل .وال نحتاج هنا إىل
التأكيد إىل أنه هنا كام هو احلال يف أي إنجاز أو عمل إنساين هناك حدود للقدرات
اإلنسانية .ولكن مع ذلك تزداد الكفاءة التحليلية النفسية ،غالب ًا مقارنة مع املهارات
الفنية ،من خالل التدريب واخلربة والتعلم الذايت و االستعداد للتعبري عن الذات وأمور
أخرى كثرية يف جمرى السنني باطراد .فالعمل مع "النقل املعاكس" ليس عبارة عن خربة
ذوبان وامهة مصبوغة تكافلي ًا ،ال تعرف عملية فهم وتفسري تأملية (فكرية) –كام يتهم
نقاد التحليل النفيس غالب ًا ،-وإنام هو عبارة عن إجراء تفريقي واضح وجيل يمكن
الوصول فيها إىل االحرتافية ،وبالطبع ليس برسعة أو من خالل دورات أسبوعية .وإىل
273
األسس النظرية للعالج النفسي
جانب التحليل الذايت واإلرشاف الذايت و نمو اخلربة فإن التفسري املنهجي للحوادث
اجلوهرية املسامهة عند إدراك وحتليل النقل املعاكس يمثل رشط ًا .باإلضافة إىل أنه ال
جيوز أن نتجاهل عند املقارنة مع ما يسمى بالطرق املوضوعية يف علم النفس اإلكلينيكي
أنه تتسلل وبشكل غري ملحوظ إىل هذه الطرق عند تفسري النتائج خاصة عنارص ذاتية،
بحيث ال يمكن أن يكون حمتوى احلقيقة هنا مطلق ًا أيض ًا (اجلدول .)7
274
ممارسة العالج النفسي
أن مفتاح عملية تنوير و شفاء اإلدراكات كاف مع املريض ،و سطح
املريض يكمن يف التعرف عىل املسرتشدة بالواقع ،وإنام معاجلة الكوابح وتنشيط
(املشاهد) اإلخراجات ليتمكن من التحرك يف طاقات النمو تقوم عىل
املشرتكة ومعاجلتها. القناعة بأن هذه تعمل جمال
ترشباته introjectionsبالشكل األمثل إذا ما كان
ال قدر املحلل مغف ً اهلوامية.
اإلمكان و حيادياً و
ممتنع ًا.
275
األسس النظرية للعالج النفسي
276
ممارسة العالج النفسي
مناقشة و كان عليه أن يطرح عليه أسئلة كثرية من أجل التأكد بأن والده ليس
غاضب ًا منه .أصبحت صياغة األسئلة بعد ذلك وكأهنا جزء من طبيعيته و
جتلت يف املواقف التي كان يستشعر فيها باخلطر والتي حيتاج فيها إىل التهدئة
من األشخاص السلطويني ) .(Sandler,1976, P. 301f
وكمحلل ربام قد يستجيب املرء مرار ًا من دون أن يعرف عىل مطلب الترصف وفق
دور حمدد ،من نحو أال يستجيب باالستنكار بالنظر لسلوك خطأ يذكر له ،وإنام أقرب
بمالحظة تشجيعية عىل سبيل املثال .وكثري ًا ما ال يكون املحلل يف هذا احلادث التواصيل
التفاعيل مدرك ًا بأنه يستجيب طبق ًا للدور املرسوم املرسل من املريض ،من نحو بطريقة
غري لفظية أو ما وراء لفظية Para verbalعىل سبيل املثال ،فإذا جعل سلوكه مدرك ًا له،
فقد تنشأ لدية الرؤية املتمثلة يف أن هذا غري متأثر باملريض .ويف الواقع فإن األمر غالب ًا
ما يتعلق بحل وسط بني طلب املريض و أسلوبه املعتاد يف االستجابة ملثل هذه الرسائل.
ويمكن هلذا أن يصبح لديه مدرك ًا بشكل خاص من خالل استعداد ترصيف ،ال ينتمي إىل
أساليبه املعتادة يف املتوسط ،التي تبدو له غريبة إىل حد ما ،وظاهري ًا خيجل منها بعد ذلك
أو حتى يغضب منها (مثال" :ملاذا قمت وعىل غري عاديت برتك نفيس تندفع لنطق كلامت
مواسية سطحية ،بدالً من التطرق بشكل أكثر دقة خلربة املريض؟") .وبالطبع فإنه ال
تستثار كل استجابات النقل املعاكس للمحلل من خالل طلبات الدور ملريض ما.
وحتى يف فهم حديث لتصور التامهي اإلسقاطي يتعلق األمر بحوادث بني شخصية
interpersonalحتدث يف التفاعل و التواصل الواقعيني بني املريض و املحلل.
)2التامهي اإلسقاطي
يناسب تصور التامهي اإلسقاطي املوصوف يف السنوات األخرية بوصفه شكل من
التواصل و أسلوب Modusللعالقات البني شخصية بشكل أسايس لفهم عمليات
التبادل غري اللفظية بشكل خاص بني املحلل واملريض ولتحديد conceptualization
277
األسس النظرية للعالج النفسي
عمليات التمثل املركبة يف املحلل ،التي يفرتض أن تعطى أمهية أكرب بكثري مما أعطيت
حتى اآلن.
ظل تصور التامهي اإلسقاطي ،projective Identificationالذي أدخل باألصل
إىل التحليل النفيس من قبل ميالين كالين ،M. Klein,1946لفرتة طويلة "آلية غامضة
و غري مفهومة" ) .(Zwiebel,1985,P. 456ويف بداية حتى أواسط السبعينيات من
القرن العرشين حظيت عملية التامهي اإلسقاطي حتى خارج االجتاه الكاليني ،يف االجتاه
التحلييل باالهتامم املتزايد .فمن خالل املعرفة التي أثبتت نفسها املتمثلة يف أن العالقة
التحليلية النفسية ليست عالقة متسقة asymmetricوإنام متثل عالقة تفاعل متبادل من
حيث االجتاه ،فقد أخذ هذا املفهوم يصبح مطرد األمهية و ال يمكن االستغناء عنه يف
التحليل النفيس احلديث.
وبشكل خاص تعد املعرفة حول طريقة عمل التامهي اإلسقاطي مهمة جد ًا بالنسبة
حلادث التعرف عىل النقل املعاكس .باإلضافة إىل ذلك فإن إمكانات التعامل مع اخلربة
املستثارة من املريض يف املعالج (الذي عليه أن يعمل بلغة بيون " Bion,1959كحاوية")
مهمة جد ًا بطريقة حاسمة .إذ أن "استقالب "metabolizationاالنفعاالت املستثارة
من املريض يف املعالج ،وعىل األغلب االنفعاالت القديمة[البدائية] ،archaicكالغضب
و اليأس والضياع الشديد وكذلك احلب الطفويل املكثف تقرر حول النجاح الالحق
للعملية العالجية.
ففي أثناء الطور األول من النمو لتصور التامهي اإلسقاطي قامت عمليات
اإلسقاط والتامهي عىل حوادث التعديل داخل التمثيالت النفسية (يف اإلسقاط تتم
إزاحة مظاهر متثيل الذات نحو متثيل املوضوع ،يف حني أنه يف التامهي يتم أخذ أجزاء من
متثيل املوضوع يف متثيل الذات) و رشيك التفاعل الفعيل غري معني هبذا ،فقد تم يف الطور
الثاين عىل سبيل املثال من خالل بحث راكر Racker,1946و غرينبريغ Grinberg,1958
& 1962بناء جرس مفاهيمي بني اهلوامات البني نفسية يف املريض واستجابات النقل
املعاكس يف املحلل.
278
ممارسة العالج النفسي
279
األسس النظرية للعالج النفسي
ألجمية األم ،Mother Imagoالتي مل يعد الطفل قادر ًا عىل التحكم هبا بشكل 1
موضوع ذايت) أو ألنه يريد أن يؤمن عىل مظاهر الذات اخلاصة من مظاهر
الذات األخرى(املفرتضة أهنا رشيرة أو مدمرة).
.2طور احلث Induction phasesأو التأثري التفاعيل :تكمن خصوصية التامهي
سقط بأي شكل الوصول اإلسقاطي بشكل خاص يف هذا املظهر .يرغب املُ ِ
إىل أن يترصف املقابل له متام ًا بالشكل الذي يتطابق مع هواماته اإلسقاطية
الداخلية .ومن أجل هذا الغرض ال جيوز للهوامات أن تظل بني نفسية ،وإنام
عىل املُ ِ
سقط أن يامرس ضغط ًا سلوكي ًا و تفاعلي ًا عىل املستقبل .ويقود هذا
ال أو كثري ًا إىل حل وسط :من جهة فقد حرر املريض نفسه التأثري الشديد قلي ً
من مظهر الذات الذي ال يطاق ،ومن ناحية أخرى يظل هذا املظهر حمفوظ ًا يف
اآلخر ،وهو ما يعاش عىل أنه توكيد بأن املرء قد خلص نفسه من مظهره هو و
يستطيع ضبط هذه اخلربة الذاتية يف اآلخر .وهبذا يمكن أيض ًا حتقيق مظاهر
ومهية-سحرية magic-illusionaryمن عدم االنفصال عن اآلخر و األمان
والتوجه.
.3طور الترشب introjectionsأو طور التامهي :يف هذه املرحلة الثالثة يتامهى
املستقبل مع اإلسقاطات املستثارة تفاعلي ًا (من األفضل احلديث عن الترشب
ألن األمر هنا ال يتعلق بتامه انتقائي عىل خلفية متايز املوضوع-الذات) .إنه
ال أو كثري ًا عىل أال
جيرب بال مناص من خالل الضغط البني شخيص املامرس قلي ً
يتمكن من أن يتباعد برسعة عن أجزاء الذات املامثلة املنشطة عن طريق التامهي
العابر ،بحيث أنه تصبح قدراته التباعدية املتوفرة له من خالل التعاطف
الطبيعي مهددة بالفقدان عىل األقل لفرتة عابرة .بتعبري آخر :ال يسمح املريض
للمحلل أن يتامهى بشكل عابر وإنام جيربه عىل أن يظل يف هذا التامهي.
280
ممارسة العالج النفسي
من خالل اهلوامات املنشطة املشحونة باالنفعال لفرتة زمنية طويلة –كام هو احلال
يف التعاطف املعتاد -يف املحلل يعيش عىل سبيل املثال بعض مشاعر الغضب يف ذاته،
بعدم القدرة عىل التمكن من ضبط موضوع الذات .هذه املشاعر املنشطة يف ذاته هي
بالطبع ليست متطابقة مع مظاهر الذات عند املريض بشكل كامل ،وإنام متثل خليط ًا
مركب ًا من فهم الروح األخرى و اخلربات الذاتية .وطبق ًا لذلك يمتلك املحلل يف العادة
أيض ًا اسرتاتيجية دفاع و متثل أخرى أكثر نضجا ،يستطيع من خالهلا جتنب حاالت
االنفعال املستثارة فيه.
واألخطار التي يمكن أن تظهر هنا هي عىل سبيل املثال "التامهي اإلسقاطي
املعاكس" الذي وصفه غرينبريغ :Grunberg, 1985يتامهى املحلل بشدة ولفرتة طويلة
مع مظاهر الذات املستثارة فيه من خالل اإلسقاط (عىل سبيل املثال غاضب ًا أو بال
تعاطف) ،ال يعيش نفسه لفرتة عابرة هكذا فحسب ،وإنام يترصف لفرتة طويلة طبق ًا
لذلك ،مع العلم أنه ال يستطيع أن حيقق بأن هذه املظاهر من الذات وأنامط اخلربة ليست
مستثارة من املريض .وألهنا ال تتطابق مع صورته عن ذاته فالبد للمحلل من إنكارها
من ذاته .ويضيع التباعد عن هوامات النقل ،ويمكن أن تكون العاقبة عىل سبيل املثال
إجراء عىل شكل تفسري مترسع موضوعاين للنقل أو تفسري دفاعي نشوئي ("لقد كانت
أمك بالفعل مرار ًا غري متعاطفة معك ،أليس كذلك") .كام أن إيرمان Erman,1988,
P. 78قد لفت النظر إىل "الترصف الدفاعي" الذي يدافع فيه املحلل ضد حالة-األنا
"السيئة" أو ضد أجزاء من الذات" ،بأن يربهن بشكل دائم أنه أحسن بكثري مما يبدو أن
املريض يعتقده ،األمر الذي يمكن أن يتحول لدى بعض املعاجلني إىل عقيدة عالجية.
.4احلفاظ والتامسك :مع أن املحلل يشعر بأنه واقع حتت الضغط بوضوح وأنه
يشعر بأنه يعيش أمر ًا ما ال يريد أن يعيشه يف هذه اللحظة (نحو مشاعر النقل
املعاكس" :لن أكون جمرب ًا"" ،مرة أخرى عيل أن أكون كام يريدين املريض"،
"عيل أن أجرب ثانية عىل أن أكون كام يريدين املريض") ،فإنه من املهم يف حادث
التامهي اإلسقاطي ،عدم إرادة التحرر املبارش من هذا الضغط –طاملا قد أصبح
281
األسس النظرية للعالج النفسي
هذا احلادث مدرك ًا(-من نحو عىل شكل تفسري ملا يفعله املريض معه) .ويشري
تسفيبل Zwiebel, 1988b,P. 266إىل أن التمكن من االحتفاظ يتعلق بالقدرة
عىل احتامل القلق والتوتر عند املحلل ،ولكن أيض ًا بحجم التامهي اإلسقاطي
.Massively of projective Identification
واليشء املميز حسب هذا الباحث هلذه املرحلة بداية خربة عدم الفهم احلقيقي ملا
يدور ،إىل جانب الشعور باخليبة وامللل و االستسالم .وحسب إيرمان Ermann,
1988,P. 77فإنه من املهم جد ًا بالنسبة هلذه املرحلة عدم إرادة التهرب من "استخدام
ال موضوعاني ًا للنقل.
املوضوع النرجيس" ،بأن يامرس املرء عىل سبيل املثال حتلي ً
ويف احلالة املثىل حيصل متثل حلاالت االنفعال املستثارة عىل شكل
"استقالب "metabolizeأو "احتواء ،(Bion,1959 & 1977) "containingأي
التامسك أو الضبط ،حيث يعمل املحلل هنا "كحاوية " "Containerللمحتوى
."Containedوهذا التحول املسمى أيض ًا "بنزع التسميم" أو "اهلضم" هو يف جوهره
حادث بني نفيس يف املحلل ،يمكن أن يوصله للمريض من دون كلامت أيض ًا (بمساعدة
نموذج شبه لفظي و فوق لفظي .)meta verbal
.5يف طور إعادة التذوت re internalizationحيصل أخري ًا تكامل بني مظاهر
الذات والعالقة املتحولة لدى املريض التي تم "نزع تسممها" من املحلل.
282
ممارسة العالج النفسي
وتشري األطوار املوصوفة إىل معاجلة نظرية يف التواصل والتفاعل لظواهر بني
إنسانية مركبة ،تتصف بشكل خاص بتوصيل غري لفظي إلشارات انفعالية.
املقاومة
283
األسس النظرية للعالج النفسي
هبذا (مثل :لديك مستوى عال من املطالب؛ إذا ما أصبحت تتوقع أقل من نفسك فسوف
تكون راضي ًا بنتيجة عملك .توقعاتك العالية يف اإلنجاز نامجة عن والدك الذي توقع
منك أن حتقق إنجاز ًا هائ ً
ال عىل سبيل املثال) .وبناء عىل ذلك يمكن للمريض أن يغري
من سلوكه ومن خربته ،وسوف ختتفي اضطرابات عمله املعذبة .هبذا الشكل يتصور
اجلمهور يف العادة عملية التعلم التحليلية النفسانية .فاملعالج حيدد للمريض
االرتباطات السببية بني السلوك اخلطأ الراهن وبني خربة من املايض ،عىل األغلب من
الطفولة ،مما يقود لالستبصار لدى املريض وبناء عىل ذلك حيدث تعديل آيل يف السلوك.
لقد أدرك فرويد يف وقت مبكر بأن جمرد التحديد لألسباب التاريخ حياتية املمكنة
لدى مرضاه يكاد ال يقود إىل أية نتيجة ،بحيث أن اإلخبار باملحتويات النفسية املكبوتة
ال يكفي من أجل إحداث تغيري .فالتحليل النفساين ليس تفسري ًا استعرافي ًا ينجم عنه
تعديالت سلوكية ،وإنام هو مواجهة مؤثرة انفعالي ًا لكال املشاركني حول حيوية العالقة
و خرباهتا .يرافق املحلل ما يرويه املريض بتعاطف ،ويريه يف الوقت نفسه أين خيدع
نفسه حول نفسه واآلخرين ويظل هو نفسه متخفي ًا ،وهذا ليس فحسب بالنظر لعالقاته
مع األشخاص اآلخرين ،وإنام أيض ًا يف التفاعل والتواصل مع املحلل( .عىل سبيل املثال
يصعب عليك صد رغبة ما لزوجتك .وأحيان ًا أالحظ بيننا مدى رضاك يف التجاوب
مع ما أقوله") .إنه ليس من السهل تقبل مثل هذه اخلربات ،جتديد مضامني التعامل
حتى اآلن مع هذه املشكالت ،وإتباع املعرفة واخلربة باألفعال بل حتى القيام بمواجهة
حول ذلك مع أهم شخص يف تلك اللحظة :مع حملله .وضد كل هذا حيمي املريض
نفسه بام يسمى املقاومة ،من أجل أال يتوجب عليه أن يواجه نفسه بشدة باخلربات املخيفة
واملخجلة واملولدة واملزعزعة لتقديره لذاته .وعىل أقىص تقدير منذ فرويد يف مقالته
العائدة لعام 1909حول راتنامن Rattenmannالتي أشار فيها إىل أنه يف املعاجلة التحليلية
البد من توقع "املقاومات املستمرة" ،يتم السعي يف التحليل النفساين إىل الوعي
التدرجيي بالتجليات املختلفة للمقاومة و التخيل املتدرج عنها .بل إن املراعاة املستمرة
للمقاومة هي السمة اجلوهرية التي متيز التحليل النفيس عن األساليب العالجية
284
ممارسة العالج النفسي
النفسانية األخرى .وهنا ال يتم السعي نحو التغلب عىل املقاومة بوساطة التحذيرات
الرتبوية أو من خالل ممارسة الضغط وإنام من خالل التفهم الصبور واملتعاطف لتلك
للدوافع الناشئة تاريخ حياتي ًا ،التي جتعل املريض يرتدد خائف ًا وحذر ًا ،متحفظ ًا بخجل
أو بعناد .ولفرتة طويلة أحيان ًا يتقبل املحلل بداية متسك املريض باحللول التقليدية
املألوفة للرصاع ،ألنه يعرف مدى صعوبة تعديل اجتاه ما بطريقة جذرية .وبام أن
املحللني يف العادة ال يعملون حتت ضغط الوقت وهلذا كذلك فهم ال حيتاجون إىل إعادة
حلظات التكوينات العصابية neurotogenesesأو االنصدامية من التنشئة االجتامعية
األولية (وكذلك التنشئة االجتامعية املدرسية) ،فإنه يمكنهم ترك الوقت للمريض
للتعرف عىل مقاوماته ومعاجلتها .وال متثل هذه املعاجلة اكتساب استبصار رسيع و
عقالين يف الغالب وإنام هو عملية تعلم شاقة و أحيان ًا طويلة .فعندما يقرر مريض ما
عىل سبيل املثال إجراء نقاش نقدي مع مديره وأدرك كم من اخلوف من العقوبة الوالدية
ينقله إىل مديره ،فال بد من املرور بالكثري من اخلطوات الصغرية .وهنا يكون املحلل
مرافق ًا متعاطف ًا ويقظ ًا ،يسأل دائ ًام عن املشاعر والتصورات املخيفة؛ ولكن ليس من
النادر أن حتتل عالقته بمريضه مركز الصدارة" :أليس من املمكن أنك ال تريد أن تقول
يل شيئ ًا ما انتقادي ًا –مع كل ما تكنه يل من مودة ،-ولكنك تعود لتكبته؟ وهنا يظهر أن
اللغة املبارشة والرصحية حول اخلربات االنفعالية –املمكن أن تكون عىل سبيل املثال من
نوع نقدي أو ودي -مع اإلنسان القريب جد ًا مثل حال الوالدين يف الطفولة ،غالب ًا تكون
أصعب مما هو احلال لو تكلم املرء خارج املوقف التحلييل مع أشخاص آخرين .يضاف
إىل ذلك أيض ًا بأنه عادة مايتم تقديسه Idealizationبشدة –وبشكل خاص ألنه أكثر
تعاطف ًا من الوالدين .-ولكن كيف يمكن لإلنسان أن يقف موقف ًا نقدي ًا من الشخص
الذي يقدسه وأن يعرب عن حتفظاته أو أن يفكر فيه بمشاعر حب تعلقية؟ إن جتريب
خطوات تعلم جديدة يف هنا واآلن يمكن أن حيدث تأثري ًا واضح ًا و ال يعود تعميم
اخلربات خارج العالقة العالجية صعب ًا يف العادة ،حتى لو كان هنا البد من مراعاة
ظروف موقفية أخرى.
285
األسس النظرية للعالج النفسي
286
ممارسة العالج النفسي
ولكن وال أي ظاهرة من الظواهر أعاله التي ذكرها غرينسون متثل بحد ذاهتا per
ال غالب ًا من جتيل
seمقاومة .فعىل الرغم من أن الصمت عىل سبيل املثال يعد شك ً
املقاومة ،إال أنه لدى مرىض حمددين الذين عليهم أن يرووا كل خرباهتم ألم تكافلية-
تطفلية ،symbiotically- parasiticفإن الصمت هو اخلطوة األوىل باجتاه التفرد و بداية
مرحلة للتحرر من نقل-األم أو التغلب عىل خماوف مرضية يف التحليل .أو حتى أيض ًا
رواية األحالم يمكن أن تشكل مقاومة بمعنى أن املريض يريد اإلفهام بأنه يروي
للمحلل "جمرد حلم" غري هذا ال يشء أبد ًا.
يتعلق ما تطلق عليه تسمية املقاومة بالزاوية التي ننظر فيها هلذا .فاملحلل ينطلق
من أن املريض الذي يأيت إليه بسبب معاناته العصابية لديه يف النهاية حاجة لتعديل نفسه
وجعل اخلربات النفسية الالشعورية شعورية و التخيل عن احللول العصابية للرصاع.
وبمقدار ما يستطيع املريض أن يتامهى إىل حد ما يف رابطة العمل مع الوظائف
التحليلية للمحلل ،فقد يتمكن من مشاركته برؤيته :املقاومة هي أي خربة وسلوك
يعارض هذه األهداف.
ومن منظور العمليات الالشعورية وكذلك من منظور وظائف األنا الرتكيبية
syntheticوفهم النفس عند املريض يعني االحتفاظ بأعراضه الراهنة و اجتاه طبعه
احلفاظ عىل الوضع الراهن status quoوجتنب االنفعاالت والتوترات املقيتة و جتنب
الرصاعات األخرى ومواقف اخلطر و مواصلة إمكانات اإلشباع الطفويل و استخدام
احلزن و اخلجل و اخليبات.
"ملاذا عيل أنا" ،هكذا يمكن ملريض أن يتساءل ،عندما يستطيع التعبري عن غالبية
املواضيع الالشعورية بشكل شعوري" ،أن أختىل عن عظمتي الطفولية ،التي أصبحت
يل أناي الثانية ،ومشاعر اتزاين األخالقي جتاه والدي ومعاجلي ،حتى وإن اعترب حميطي
هذه تبجح ًا وجلاج ًا؟ يطيب ملشاعر قيمتي الذاتية عندما أستطيع الشعور بالتفوق عىل
287
األسس النظرية للعالج النفسي
من حويل .ملاذا عيل أن أحقق أن يترصف اآلخرين أخالقي ًا وأن يكونوا أنداد ًا يل؟ ملاذا
عيل أن أختىل عن املتعة التي أشعر هبا عندما أستطيع أن أشري بسبابتي بانتقام إىل ضعف
اآلخرين؟ ماذا سيحصل لو أن بعض ًا من عالقات صداقتي قد اهنارت بسبب حاجتي
الصارمة rigidللضبط؟".
فمن منظور املريض هذا فإن للمقاومة وظيفة مفيدة .مع أن املريض يستطيع أن
يرى منطقي ًا (عقلي ًا) بأن مقاوماته (بمقدار ما متوفرة له شعوري ًا) هلا تأثريات مرضة جتاه
التغيريات ،إال أنه يستمر بالتمسك باحللول الطفولية لرصاعاته وهواماته التعويضية.
فاملقاومات حتمي من جهة املظاهر الالشعورية من الشخصية من أن تصبح شعورية،
ولكنها أيض ًا حتمي من الوظائف الرتكيبية لألنا جتاه االقتحام املمكن املعاش بأنه عارم
هلوامات الطفولة الالشعورية .وطبق ًا لذلك يمكن للمقاومة أن تنطلق سواء من األنا
املنطقي للمريض الراشد أم من اهلوامات الطفولية .الطموح األهم لكل مريض فرد
يتجه نحو احلفاظ عىل التحام(متاسك) coherenceشخصيته ،مهام كانت هذه عصابية،
و مشاعر قيمته الذاتية الصحيحة والباطلة .وهلذا الغرض يريد أن يتجنب أيض ًا أن تطفو
رصاعاته الطفولية العميقة يف العالقة البني إنسانية اجلديدة مع حملله وأن تبعث فيها
احلياة.
ويوضح منظور املرىض هذا من جهة أنه يف املواجهة التحليلية البد من األخذ بعني
االعتبار مقاومة املريض يف كل روحة وغدوة ،مهام بدا هذا يف سلوكه ودود ًا ،مستبطن ًا،
متعاون ًا ،حساس ًا ،ومن جهة أخرى فإن املقاومات ال تعرب عن أمر غري مراد يسء ،عىل
"نعمة االستشفاء التحلييل" أن تتقبله عن طيب خاطر وإنام متثل مظهر ًا مه ًام جد ًا كي
تعمل الوظيفة النفسية و لتنظيم مشاعر الذات ولفهم منسجم للذات ،الذي يعد احلفاظ
عليها رضورة حلياة املريض( .جدول )9
288
ممارسة العالج النفسي
289
األسس النظرية للعالج النفسي
290
ممارسة العالج النفسي
-مقاومة االستجابة عموم ًا بمشاعر نقل عىل شخص املحلل( .املريض :أنا ال
أستطيع فهم ملاذا يعني املحلل للمرىض اآلخرين كثري ًا وهم عىل سبيل املثال
حيزنون يف أوقات اإلجازة ألهنم لن يعودوا يروا حمللهم –أمر مثل هذا ال يمكن
أن حيدث يل!").
يالحظ املرء هذا الشكل من املقاومة غالب ًا لدى املرىض الذين يريدون بشكل
متطرف أن يكونوا مكتفني ذاتي ًا .وجمرد شعورهم بنوع من التعلق بشخص ما سيسبب
هلم ضيق ًا شديد ًا .أما لدى املحلل بالنتيجة فال يمكن إال وأن يظهر الشعور بأنه ال لزوم
له.
-املقاومة ضد جعل النقل شعوري ًا( :املحلل" :أيمكن أن يكون أنك قد أحسست
بأين ناقد جد ًا ،بام يشبه ما عشته من أمك يف املايض؟" –املريض" :ال ،فأنا ال أشعر
بأنك ناقد"- .املحلل" :ولكن وقع صوتك كأنك غاضب ،وكأنك شعرت بأين
انتقدك"– .املريض" :هذا مل يكن واضح ًا يل").
ويمثل هذا الشكل من املقاومة اجلزء األكرب من معاجلة املقاومة ومن ثم كذلك
بداية اجلزء األوسط من التحليل.
-املقاومة ضد حل النقل( :املريض" :أعرف أنك مل تعد موثوق ًا ،مثل أمي ،ولكني
دائ ًام أضبط نفيس يف فكرة أنك ربام قد نسيتني بالفعل و أنا ال أعني لك شيئ ًا")
هذا الشكل من املقاومة مهم جد ًا وبشكل خاص يف طور املعاجلة –يف طور الوسط
والنهائي .إذ يمكن للمريض أن يكون قد تعرف عىل أن إدراكاته عن املحلل أحادية
اجلانب و هناك يشء له عالقة بامضيه و إسقاطاته ،وباإلضافة إىل ذلك يصعب عليه مرار ًا
أن يستتبع هذه املعرفة قناعات انفعالية .حيتاج تعديل االجتاهات القديمة الراسخة
ال خيتلف من شخص آلخر :مرة بعد أخرى عىل املريض أن يتمكن من انفعالي ًا وقت ًا طوي ً
عمل اخلربات اجلديدة بتشكيالت خمتلفة من اخلربة و أن يقارهنا مع تصويرته حتى اآلن.
بالنسبة لكوت Koht,1971توجد املقاومة ضد نقل موضوع الذات لسببني بشكل
291
األسس النظرية للعالج النفسي
أسايس:
-يمكن للمريض أن يكون خائف ًا من أن يتم ختييب رغبات تأثريه ومثلنته
idealizationمن جديد بطريقة صادمة ويمكن أن تقود إعادة االنصدامية عىل
غضب وسوء اندماج قديم للذات.
-قد خياف من أنه قد تدمر رغبات ذوبانه بموضوع ذات متلهف له بشدة خربة
التامهي املعرضة بشدة للخطر.
إال أنه ال جيوز أن ينظر هلذه املقاومة وفق كوت عىل أهنا حادث بني نفيس مستقل
عن عالقة املريض-املحلل؛ بل أنه دائ ًام مرتبط بدرجة من الدرجات باجتاه املحلل الذي
(أي االجتاه) يعيشه املريض عىل أنه قليل االنسجام؛ ما يسمى بمقاومته هو عندئذ إجراء
حلامية الذات ،من تصديمها من جديد من معالج غري متعاطف كثري ًا.
292
ممارسة العالج النفسي
طويلة .هلذا فهو ال يعرف ملاذا يتأخر عن اجللسة ،و نيس موضوع اجللسة األخرية ،وال
يستطيع تذكر أحالمه و يتحدث بال انقطاع أو يتعب فجأة .ال جيوز لألسباب احلقيقية
لكل أشكال هذه السلوك أن تكون شعورية له .مقاومته للتعرف عىل كل هذه األسباب
يف عالقته باملحلل حتمي مشاعر اهلوية املعرضة للخطر .وشيئ ًا فشيئ ًا فقط يتحقق أن
يتمكن املريض من التخيل عن مقاومة النقل ويعاجلها .كام أن التعرف عىل مقاومات
النقل والنقل املعاكس مهم بالنسبة للمحلل وإن كان األمر بدرجة ضئيلة .وعليه يرسي
أيض ًا أن عليه أن يوضح مقاوماته من خالل استجاباته اخلاصة هو واستجابات مريضه
،و أن يضعها يف عالقة معه عموم ًا و التعرف عىل نقله املعاكس وحله .وربام ال يصبح
له الكثري من هذه مدرك ًا إال يف اإلرشاف الذايت أو بمناسبة التفكري املعمق بمريضه.
وهبذا فإن املحلل النفيس حيمي نفسه من التشكيك بام يقوله اآلخرون وبشكل
خاص املرىض .إذ أن هؤالء وبسبب انصدام اهتم الطفولية مغرتبون عن أنفسهم جد ًا،
وخيدعون أنفسهم جد ًا يف جماالت كثرية من جماالت احلياة وال يرون "اجلمل يف أعينهم"
كثري ًا .وال يرون إال القليل أيض ًا حول كيف يمكن "لالشعوري املنتج اجتامعي ًا"
) (Erdheim 1982قرس السلوك الراهن أن يتحد مع املكبوتات الطفولية .ولكن أحيان ًا
برشهم املزعوم وهيونون بعدئذ بمبالغة فإن الناس العصابيني يكونوا مقتنعني جد ًا ِّ
مقدس ة من التقدير من الرش عند الناس اآلخرين .بعدئذ يميلون إىل غض البرص عن
الدوافع املصلحية الذاتية يف اآلخر وينظرون إليه بعني الرضا .ينطلق التحليل النفيس
بناء عىل املعرفة األساسية من حوادث الدفاع بأن الغريية altruismاملبالغ فيها يف العادة
متثل تشكيل دفاعي ضد الدوافع السادية غري املعرتف هبا ،واألخالق مبالغ هبا يمكن أن
تكون دفاع ضد الشهوات اجلنسية والعدوانية العنيفة ،والطموح املبالغ به لالستقاللية
هيدف إىل إشغال رغبات التعلق مفرطة الشدة املنكرة ،و البحث باسم العلم يمكن
اشتقاقه من دافع شديد للسلطة ،و اإلبداعية تستخدم ضد اخلواء الداخيل و اليأس
وأمور أخرى كثرية.
البحث التحلييل النفساين عن احلقيقة هو وفق فرويد الطريق الذي ال يرحم الذي
293
األسس النظرية للعالج النفسي
عىل كل إنسان أن يميض فيه للوصول للحقيقة .وكل جمتمع جيرب عىل قمع تعابري حمددة
من االنفعال ونزوعات دفاعية معينة ،إىل درجة أنه ال يظل أي إنسان مستثنى من رضورة
مواجهة تاريخ قمعه يوما ما .وكل إنسان حيمل يف ذاته إمكانية حترير نفسه من تشابكاته
الالشعورية وحتقيق تكامل كبري ورؤية احلقيقة بشجاعة بعينيه.
وما يبعث عىل الراحة هو احلقيقة املتمثلة أن احلقيقة يمكن أن تكون حسب احلياة
اخلاصة املعاشة وحسب املجتمع املوجود فيه اإلنسان مقبضة أيض ًا وال تعني بأي شكل
خري ًا.
ويذكرنا شعار فرويد التنويري بكانط الذي أراد أن يضع سيادة العقل عىل املشاعر،
ألنه اعترب املشاعر ظواهر ال اجتامعية ينبغي التغلب عليها أو جتاوزها .فالتغلب عىل
الرغبات يقود للحرية وإىل التأمل العلمي للعامل .إىل أي مدى يمكن هلذا التصور
الذهني للفهم العلمي اخلايل من االنفعاالت أن ينتج بحد ذاته ثانية أسطورة(خطرية)،
عىل سبيل املثال السيطرة العلمية عىل العامل ،فهذا اليوم أكثر من جمرد واضح.
إال أنه ال يمكن اعتبار اهتامم فرويد هو نفسه التقليد التنويري الكانطي بال حتفظ.
فقد جتذر فرويد يف تقليدين اثنني :فلسفة التنوير الكانطي و الرومانتيكية التي بدأت مع
روسو ) .(Strenger,1989وألن فرويد عىل الرغم من كل مطلب التنوير قد عرف حول
التعلق الذي ال يمكن إزالته ملنطقيتنا بانفعاليتنا و نزوعاتنا الدافعية ،فإنه يعد تنويري
نقدي ،يستطيع أن يقدر حدود العقل اإلنساين بشكل واقعي.
هلذا فإن إن األسلوب الظواهري يف التعامل مع املرىض ،حياسبهم عىل كلامهتم يعد
ساذج ًا من ناحية التحليل النفيس؛ فهو عىل الرغم من أنه يذهب من املعرفة املتوفرة
واإلدراك الذايت للمريض و يتبع تفسريه العقيل للعامل ،إال أنه ال يستطيع التشكيك بخداع
الذات عند املريض .وهلذا السبب فإن العمل مع املقاومة يعد مطلب ًا حتليلي ًا نفسي ًا
مركزي ًا.
إال أن املهم يظل هو فهم مقاومة املريض بشكل متفهم خطوة فخطوة بالتعاون معه
294
ممارسة العالج النفسي
بدالً من إرادة إزالة خداع الذات لديه بشكل غري صبور ،وذلك من خالل الترسع يف
اإلشارة إىل الدوافع احلقيقية لترصف ما .هلذا ينبغي أن يسري اإلجراء الفينومينولوجي
و التأويل العميق التحليل نفيس يد ًا بيد .بغض النظر عن أن اإلنسان كمحلل نفيس
يمكنه أن يفشل أيض ًا عند التفسري املترسع للمصدود ،يشعر املريض يف العادة إما بأنه
مأخوذ عىل حني غرة هبذا أو يستجيب بتقوية مقاومته لفهم نفسه أو أنه ينمي قلق ًا يمكنه
أن يقود إىل نكوص مؤذ .ويف احلاالت التي يمكن للمريض أنه يبدو فيها ظاهري ًا
التفسري املتخذ برسعة للدافع املصدود – أو ملحتوى االنفعال ،فإنه ليس من النادر أن
يكون األمر متعلق ًا هنا بخضوع أو متاه مع املعتد (غري املتعاطف).
باإلضافة إىل ذلك تقوي مثل هذه التفسريات حاجات التعلق املازوخية بشكل
سلبي وهلذا فهي ال تقود كذلك إىل أي استبصار لدى املريض .هلذا فإن الفن الذي من
ضمنه املهارة العالية و اخلربات يكمن يف جعل املريض منتبه ًا بتعاطف للتناقضات يف
عرض أفكاره وحثه بالضغط الناعم عىل املالحظة الذاتية النقدية والتعبري الذايت النقدي
ملربرات ترصفاته وجعله يف هذا مدرك ًا باستمرار مدى معقولية مشاعر خوفه وخجله و
ذنبه من خالل االستبطان introspectionبالنيابة ) .(Gry,1986,1990إن االجتاه املكون
من القلق من عدم الرغبة و اخلجل املمكن الذي ال يتيح للمريض إال القليل جد ًا من
معرفة الذات –وهلذا يبد وللوهلة األوىل عىل األقل أنه يميل املحللون النفسيون يف علم
نفس الذات -ويمكن أن يقود إىل معاجلات مملة و إىل تثبيت خداع الذات و الشفقة عليها
و معاجلة غري كافية ملقاومات الطبع النرجسية.
295
األسس النظرية للعالج النفسي
) Bettighofer (1994يميل تفاعل املحلل واملريض إىل االتفاق عىل "منظومة ثابتة من
نمط وقواعد التواصل الذي يكمن خلفه تفاعل واضح ،والذي ال يعرض االتزان
الداخيل أو التوازن النرجيس لكليهام للخطر" (ص .)125 .إن االستنتاج القائل :إن
مريض ما يمتلك مقاومة ال يستطيع التخيل عنها أو ال يريد يطرح يف الوقت نفسه السؤال
باستمرار :إىل أي مدى يفرتض أن يظل دور املحلل بوصفه مشارك بالفعل ومضايق
وهلذا أيض ًا مشارك متورط يف التفاعل املقاوم متخفي ًا خلف املوضوعية (املوضعة
.)objectivationوهنا بالطبع فإنه ليست كل مقاومة للمريض ترتبط باملحلل
بالرضورة ،وهي رؤية غالب ًا ما يميل إليها املرىض املكابرون بشكل نرجيس؛ ولكن كمبدأ
مساعد يمكن للمحللني النفسيني بني احلني واآلخر أن يطرحوا السؤال فيام إذا مل يكونوا
مع مرضاهم مشتبكون يف التفاعل الذي وصلت فيه مشاعر القلق واخلجل والذنب إىل
درجة كبرية .ويمكن للمرء أن يستخلص من ذلك االستنتاج املتمثل يف أنه بشكل
خاص يف مرحلة البداية ملعاجلة حتليلية ينبغي أن حيدث إرشاف داخيل مكثف ،يفرتض
له أن يظهر مسامهة ليست بالقليلة يف التحليل الذايت.
-مقاومة النقل املعاكس
مثلام يمكن للمريض أن يقاوم ضد أن يصبح نقله شعوري ًا وضد زوال النقل ،توجد
لدى املحلل أيض ًا مقاومة ضد أن يصبح النقل املعاكس لديه شعوري ًا وضل حل النقل
املعاكس.
ففي حني أن املحلل يف احلالة األوىل يدافع ضد أن تصبح مشاعر حمددة وانفعاالت
وهوامات مدركة ال يتمكن يف احلالة الثانية التعامل بشكل مناسب مع املشاعر املستثارة
بشكل كبري .عىل الرغم من أنه عىل سبيل املثال قادر عىل إدراك حنقه و عىل الرغم من
أنه يعرف مع أية مشكلة خاصة ترتبط هذه االنفعاالت (من نحو تنافسه مع أخوته عىل
سبيل املثال) ،إال أنه ال يتمكن من التحرر من هذه االنفعاالت القوية؛ وهلذا فسوف تؤثر
بشكل ال مفر منه عىل تفاعله مع املريض.
296
ممارسة العالج النفسي
النقل املعاكس ال يمكن جتنبه؛ وال أي حتليل تعليمي و ال أي حتليل ذايت يمكنه منع
ال عىل شخص املريض و املحلل من أال يستجيب بمشاعر و هوامات قوية كثري ًا أو قلي ً
أقواله ونقله .وبالطبع فإن النقل املعاكس بحد ذاته ليس وسيلة تشخيص ذات قيمة،
وإنام بداية النقل املعاكس املؤثر و واملتشكل يف الوقت الراهن واملستنري إىل حد ما هو
الذي يعطي املحلل ضمن ظروف معينة دالئل عىل تشكيالت اهلوامات غري املجعولة
حتى اآلن شعورية عند مريضه .إال أنه دائ ًام هناك خطر أن يتحالف املحلل مع دفاع
ومقاومة مريضه و ينشط معه وينجم عن هذا الفعل إشباع النقل (عىل سبيل املثال "نحن
متفقان بأال ننتقد والدينا ،وإنام من األفضل أن نكون مطيعني ومؤدبني ،ولكن مقابل أن
يتم تقبلنا من أنانا األعىل" ،أو "لن أتطرق حلسدك عندئذ أوفر عيل وعليك الكثري من
الغضب واخليبة" ،أو "نحن نتحدث مع بعضنا متوترين من أجل أال نحتاج لنجعل
رغباتنا الشهوانية املثلية التي نخاف منها شعورية” ...الخ) .حيادية املحلل يف خطر،
ليس فيام قد يرى املرء مبسط ًا ألسباب القابلية لإلغواء الشهواين لوحدها و إنام ألسباب
أخرى ليست أقل أمهية.
وكم يغري لعب دور املوايس؛ وكم هو لطيف بالنسبة ملشاعر تقدير الذات ،أخذ
وظيفة أحد الوالدين املتفهم دائ ًام؛ وكم هو مفيد و حسن استبعاد النزوعات اجلنسية
والعدوانية من احلوار ؛ كم هو أفضل "وأحب" لكليهام عدم احلديث حول عالقاهتام
الشخصية ...الخ .هناك الكثري من األسباب من التورط يف النقل املعاكس و التخيل
عن التحليل .ولكن بالطبع فإن املريض سيظل لفرتة طويلة شاكر ًا ومرتاح ًا بأن تظل
مقاوماته غري ممسوسة و بأنه بشكل خاص بني احلني اآلخر يفهم كيف حيرف املحلل عن
واجبه األسايس .وعندما قال فرويد حول املريض بأنه يمتلك ميالً عصابي ًا ،بدالً من أن
يتذكر و أن يتحدث عن ذكرياته يف التداعي ،يفضل أن يفعل هذه يف النقل ،وهكذا يمكن
طبق ًا لذلك أن يقال من املحلل بأنه غالب ًا بدالً من التعاطف التحلييل و التدخالت التي
تقوم عىل ذلك من األفضل أن تنشط طموحات ال شعورية ذاتية مشحونة بالنقل
املعاكس .وليس من النادر للمرىض أال يدعموا هذا االجتاه؛ إهنم حيتاجون قدراهتم
297
األسس النظرية للعالج النفسي
298
ممارسة العالج النفسي
وبالطبع يمكن لكثري من املحتويات األخرى لعصاب النقل أن تظهر عند املحلل
299
األسس النظرية للعالج النفسي
300
ممارسة العالج النفسي
301
األسس النظرية للعالج النفسي
302
ممارسة العالج النفسي
303
األسس النظرية للعالج النفسي
عادة ما ال يصعب عىل املحلل النفيس اخلبري ،ربط املعلومات املشهدية يف اجللسة
304
ممارسة العالج النفسي
األوىل ،التي تنبثق غالب ًا بناء عىل االنطباعات احلسية األوىل والتعابري اجلسدية عند
الدخول إىل الغرفة ويف أوىل مجل املريض ،مع املعلومات املوضوعية و الذاتية ،والوصول
أحيان ًا حتى بعد دقائق عدة إىل الفرضية األوىل حول اخللفية السيكودينامية الالشعورية.
ومن البدهيي أن هذه االنطباعات التجريبية األوىل حتتاج إىل تأكيد الحق و البد أن تظل
معلقة طبق ًا لتصور اجتاه معريف مفتوح من أجل إفساح املجال يف أي وقت لبناء فرضيات
بديلة.
305
األسس النظرية للعالج النفسي
-اإلدراك الشعوري للمقدار الذي يكون فيه املحلل بوصفه مراقب مشارك
دائ ًام مصمم نزوعي "tendencyللبيانات" .
306
ممارسة العالج النفسي
بشكل بداية اجلارية يف أي أماكن وكم مرة عىل وفق مبدأ" :إىل أي
الشعوري ملسافة بعيدة مع يشعر أن املريض مدى يدركني املريض
هذا املريض ،بغض النظر عن باالعرتاف و الفهم أو مشوه ًا و ما عالقة هذه
املفتاح التشخييص الذي إعطاءه الفرصة لإلعجاب اإلدراكات مع أجزاء
حيصل عليه عىل حمور األنا أو املقدس من املحلل؟. ذاته (إسقاط) و
يف الدي أس أم DSM- عالقاته أشخاص
الباكرين و خرباته؟".
307
األسس النظرية للعالج النفسي
تلقاء نفسه يف املريض بالنظر إىل الرؤيا التفاعلية عىل أنه قديم؟ أال يتعلق األمر أكثر بأن
عىل كليهام-املحلل واملريض -أن يتعلام املساومة عىل حاجات العالقة يف هنا واآلن عرب
كل مقاومات النقل والنقل املعاكس ،حيث أنه عىل املحلل أن يكون متقدم ًا عىل قوة
خرباته.
بني احلني واآلخر يسجل النقاد أن التحليل النفيس حيدث فيه استبصار عقيل يظل
من دون نتائج بالنسبة للتغلب عىل الرصاع واملشكلة الفعليني .وبغض النظر عن أن
االستبصار باملعنى التحلييل النفساين يعني تكوين خربة مرتافقة معه الكثري من املشاعر
قدر اإلمكان ،والتحليل النفيس يرى يف العقلنة intellectualizeاملنعزلة عن املشاعر
تشكيل دفاعي يفرتض التغلب عليه –هلذا أيض ًا التأكيد عىل تفسريات النقل يف هنا
واآلن ،-فإن املقارنة بني التفسري والعالقة أو بني االستبصار والتغلب عىل املشكلة من
املنظور التحلييل النفساين خطأ منذ البداية.
فحتى منذ مخسينيات و ستينيات القرن العرشين أزحيت نقاط الثقل من الدور
التفسريي للمحلل إىل االهتامم بتفاعل-املريض-املعالج .فميالين كالين ( )1952عىل
سبيل املثال رأت يف عالقة-الطفل-األم جوهر كل نقل و غيتيلسون )(Gitelson, 1962
و شبيتس ) (Spitz,1965و آخرين أشاروا إىل مدى أمهية االجتاه األمومي احلاث للنمو
جتاه املريض.
إال أنه مل يتضح إال الحق ًا أنه من اخلطأ اجلسيم االعتقاد أن عوامل العالقة
"األمومية" و التفسري ليس هلام عالقة ببعضهام .إن األسلوب الذي يتدخل فيه املحلل
وما يفرسه يف حل ظة معينة تعرب عن مشاعره و تعاطفه و براعته التحليلية وإظهاره لنقله
املعاكس .التفسريات ال تعطي املريض االستبصار يف العمليات الشعورية والالشعورية
فحسب وإنام تقربه من الكيفية التي يمكن فيها للمحلل أن يتعامل مع رغبات وتوقعات
النقل.
308
ممارسة العالج النفسي
لقد ظهر أنه من املفيد حتليل حادث التأثري املعقد إىل مركبات خمتلفة ،ولكن من
دون التخيل عن أن احلوادث بالتحديد يف الفهم التحلييل النفساين يف املحلل و تلك التي
يف املريض مرتبطة ببعضها بشكل وثيق فحادث التعديل التحلييل النفساين هو عبارة عن
عملية تعلم تفاعلية حيتل فيه التعامل مع عالقة النقل والنقل املعاكس أمهية كربى.
واالنطالق من أن املريض وحده هو الذي عليه أن يتعلم بأنه هو وحده الذي عليه أن
يتغري ،أمر غري منصف بالنسبة لفلسفة العالج يف التحليل النفيس.
فمن جانب املحلل حتدث احلوادث التحليلية التالية:
-التعرف عىل النقل املعاكس و التعامل معه،
-القدرة عىل اإلصغاء،
-التعاطف،
املشاركة Holding -
Containing -االحتواء
-تفسريات النقل،
-التفسريات النشوئية ،إعادة التصميم و تفسري النقل اخلارجي.
خالفات راهنة
أكد علامء نفس الذات self-psychologistsدائ ًام بأن التعامل التفسريي العلم نفس
ذايت مع النقل والسامح بالنشوء لعصاب النقل و معاجلة وحل النقل أو عصاب النقل ال
خيتلف عن اإلجراء التحلييل النفساين املعروف ،بغض النظر عن أن النقل هو نقل
موضوع الذات .وقد كانت هذه بالتأكيد ردة فعل عىل التهمه املتمثلة يف أن علم نفس
الذات قد تطور إىل شكل عالجي تعوييض reparativeو داعم ،اعترب لفرتة طويلة يف
التحليل النفيس عىل أنه مستنكر ،ألنه ال يقود إىل تغريات بنيوية حقيقية .غري أن أهم
309
األسس النظرية للعالج النفسي
310
ممارسة العالج النفسي
للمريض املستقبيل.
وقد انتقد املحللون النفسيون يف املدخل التعاطفي لعلم نفس الذات ،أنه هنا يتم
إعادة صياغة paraphraseتعابري املريض الشعورية (وهذا املطلب يشرتك فيه علم نفس
الذات مع العالج النفساين املتمركز حول املتعالج) وإنه يتم التخيل عن املطلب التحلييل
النفساين الفعيل ،يف فك شيفرة الالشعور .إال أنه يف هذا االعرتاض يتم جتاهل بأن
اإلحساس املستمر يف املريض حيث مع الزمن إعادة ظهور احلاجات النامئية املصدودة و
حاالت الشعور القديمة [البدائية] و مشاعر االرتباط و امليل الطفولية .ففي خربة بني
ذاتية inter subjectiveلألمان و اإلحساس بالفهم يمكن عندئذ أيض ًا للحاالت
االنفعالية املنكرة أو التي تم إنكارها أن تصبح شعورية ثانية .وعىل عكس علم نفس
الدافع التقليدي بخطره الضمني يف التفسري املترسع (والفصامي) لالشعوري ،الذي
يمكن أن يقود إىل إضعاف الحق ملشاعر الذات ،يتيح التعاطف املستخدم بشكل مقبول
الظهور التدرجيي حلاالت اخلربة الالشعورية.
وعليه يمكن أن يتم عالج املرىض الصعبون املضطربون باكر ًا بشكل ناجح بالعالج
النفساين التحلييل ،إذا ما متكن املحلل من التكيف عىل املستويات املختلفة خلربات
العالقة املتجددة يف كل مرة أو املطلوبة بشكل مهني و حساس .اإلصغاء التعاطفي عرب
فرتات طويلة من التحليل (بدون تفسري الالشعوري) ،و التهدئة والتشجيع و نزع
الوهم التدرجيي األمثل ("لقد تصورت أنك قادر عىل إنجاز املهمة برفع األصبع ،و ها
أنت تشعر بمرارة أنه البد من القيام بخطوات كثرية صغرية") ،وربط و توحيد أهداف
الترصف املتعارضة و املتناقضة وأمور أخرى كثرية يمكن أن متثل مثل هذا النوع من
التدخالت ،التي تنطلق مجيعها من فهم حتلييل ملستوى النمو املعني و عالقة النقل و النقل
املعاكس.
باإلضافة إىل ذلك وبالنسبة لناقد للرؤية العلم نفس ذاتية فإن نقل موضوع الذات
و معاجلتها مازال غري كاف كلية لعملية شفاء .فعىل الرغم من أن وظائف املشاركة
Holdingواالحتواء و الصدى حتقق الرشط الكايف ألن تصبح التفسريات اللفظية
311
األسس النظرية للعالج النفسي
لالشعور متيرسة عموم ًا ،من دون أن يشعر املريض بأنه قد اعتدي عليه و أنه مغلوب
عىل أمره و أنه قد عومل بظلم أو باستحواذ .ولكن من دون التفسري للمظاهر
الالشعورية للخربة والسلوك ("أيمكن أن تكون حاجاتك القوية لالعرتاف هي التي
جتعل زمالءك يستاؤون منك؟") فإنه قلام يمكن االنطالق من عملية تنوير و شفاء
باملعنى التحلييل النفساين .وطبق ًا لذلك فإن نمو و تقوية الذات ال يكفيان وحدمها.
أحيان ًا يشبه املرىض الذين يعاجلون بعلم نفس الذات فقط –وهنا أيض ًا مقارنة مع مرىض
املبادئ العالجية اإلنسانية -مراهق ذو املظهر القوي و الواعي بذاته ،الذي عىل الرغم
من أنه يؤكد نفسه عىل حساب املحيطني به بدون صعوبات ويعتز باحلفاظ اآلمر عىل
احلاجات املهمة بالنسبة له ،ويطالب عىل األغلب هنا بوضع نرجيس استثنائي لنفسه ،إال
أنه يظل يف كثري من الوجوه مسترت ًا وهلذا يعاش من قبل املحيطني به عىل أنه متمحور
حول ذاته و راثي ًا لذاته.
ويقع األمر عىل عاتق القدرة العالجية يف التفريق متى استقر مريض ما يف سياق
نقل موضوع الذات مع اهلوامات و اخلربات التابعة إىل ذلك لالنصهار املقدس و
االعتبار واالعرتاف بشكل كاف ،من أجل أن يتمكن من أن خيطو إىل خربات عالقة
أخرى ،أكثر تعقيد ًا يف سياق ثالثي ،و عندئذ يستطيع بشكل خاص حتمل مشاعر القلق
واخلجل من دون أن ينزلق يف هلع أو السقوط يف غضب شديد بسبب اخلجل .إذ أن
العمل يف جمال نقل موضوع الذات يتصل يف العادة باخلربة الشعورية للمريض ،و بداية
تفسري املظاهر الالشعورية يوسع فهمه لذاته حتى اآلن و إنسانيته (جدول .)12
312
ممارسة العالج النفسي
االحتواء
بشكل خاص توفري بشكل خاص الصدى بشكل خاص التعرف و
خربات عالقة جديدة، التعاطفي يمنح املريض التحسس التأوييل العميق
التي ال تصبح ممكنة إال باالرتياح الشعور لالشعور وتفسريات النقل
عىل أساس إظهار عمل والصالحية املثل ،و هو املنبثقة عن ذلك ،ربط املايض
(االمتناع الدور ما يمكن اعتباره وكأنه مع احلارض ،منح املريض
اإلجرائي) ،حتقق خمرج ًا لوح قفز لبداية جديدة. الشعور معنى ترصفه
من فهم األدوار اجلامد يمكن للميول التي واالتساق التاريخ حيايت.
يف التفاعالت حتى كبتت حتى اآلن أن يتم
اآلن؛ وتتسع ذخرية التعبري عنها حتت محاية
ترصف األدوار بشكل هذا التفهم التعاطفي
هائل وتصبح خربات للمرة األوىل بشكل
جديدة للكينونة ممكنة. حذر و أن يتم جتريبها.
313
األسس النظرية للعالج النفسي
314
ممارسة العالج النفسي
ومن أجل التمكن من فهم رصاعاهتم املتنوعة بشكل أفضل و مواجهتها .يف العالج
التحلييل النفساين وبشكل خاص يريد املرىض أن يعرفوا أكثر حول أنفسهم وحول
خلفية رصاعاهتم الراهنة .إذ أن بعض ترصفاهتم غري مفهومة هلم وغريبة عنهم؛ و
إمكانات اختيارهم تبدو حمدودة إىل مدى بعيد؛ ويشعرون أهنم جمربون عىل ترصفات
تسبب هلم اخلجل أو جتعلهم غري سعداء .ال يبدو ألعراضهم سبب واضح؛ إذ مل تقد
التفسريات السببية حتى اآلن إىل أي تغري يف معاناهتم .وبقصد فهم احلدث غري القابل
لإلدراك يف ذاهتم يلجئون إىل املحلل النفيس ،يدفعهم يف ذلك األمل بأن سلوكهم
الغامض و الالمنطقي يمكن أن يرجع ألمر ما ،يمثل السبب األسايس بام يشبه األساس
لكل اضطراباهتم الراهنة .إال أن املرىض ال يطمحون إىل التفسري و مواجهة الرصاع و
النمو فقط ،وإنام يرغبون بدرجات خمتلفة بأن يبقى كل يشء كام هو؛ عندئذ يرون يف
حمللهم بشكل ال شعوري موضوع دافع يتمكنون بمساعدته من إشباع نزوعاهتم
الدافعية املكبوتة ولكن امللحاحة .أو أهنم يبحثون يف معاجلهم عن رشيك يؤكد هلم
رؤيتهم العصابية للعامل و يعلقون فيه قناعاهتم العصابية .و عىل أساس هذه اهلوامات
ال حيتاجون بشكل أسايس حمللهم ليعيشوه مساعد ًا و متعاون ًا؛ بل تلح يف ذاهتم كثري ًا أو
ال هوامات بأن معاجلهم –حسب تصوراهتم اخلاصة -سيكون إنسان ًا عملي ًا يعاقبهم قلي ً
بشدة وسريتبط هبم لألبد ويستغلهم و يغوهيم جنسي ًا ويفعل معهم أمور أخرى كثرية .
ال و من املؤكد املنطق و اهلوامات املشحونة بالدوافع يمكن أن تتصارع مع بعضها طوي ً
أن هذا يربر بدرجة كبرية و جود املقاومات .ويتضح مما قيل أعاله ملاذا حيتل البحث عن
احلقيقة األولوية وبشكل خاص يف نموذج رصاع الدوافع ،قبل كل التخفيفات
األعراضية املمكنة ،التي غالب ًا ما ينبغي فهمها عىل أهنا هروب إىل الصحة .و يتضح
أيض ًا ،إذا ما نظرنا للجانب الذي يسعى فيه املريض حتت حشد مجيع قواه املنطقية
والعقالنية ،ملاذا يدعم التحليل النفيس هذا الطريق املستقيم للمريض نحو النامء و
التطور عىل الرغم من تأكيداته كلها عىل صورة دافعية انفعالية لإلنسان يف اجلوهر.
ونأمل أنه عىل أساس هذا العرض حول أسس العالج النفساين التحلييل النفساين
315
األسس النظرية للعالج النفسي
أن يكون قد اتضح (جدول ،)12بأن التحليل النفيس ال يمكن حرصه بشكل من العالج
"اإلنساين" الذي هيتم بالدرجة األوىل "بتحقيق الذات" و "التقدم" ،Progressوليس
كذلك يف مواجهة استعرافية للمشكلة ،ألن صورة اإلنسان الكامنة خلف هذه األشكال
العالجية تبدو أحادية اجلانب تؤكد عىل ما يمكن فعله منطقي ًا.
316
ممارسة العالج النفسي
317
األسس النظرية للعالج النفسي
الفصل الثامن
U. Streeck
"سوف يستيقظ يف يوم من األيام ضمري املجتمع وسوف ينتبه إىل أن الفقري يمتلك
احلق يف احلصول عىل املساعدة النفسية مثلها مثل حقه اآلن يف احلصول عىل التدخل
اجلراحي املنقذ للحياة . . ...عندئذ سوف يتم تأسيس مصحات أو معاهد يوظف فيها
أطباء مؤهلون يف التحليل النفيس من أجل جعل الرجال الذين قد يدمنون عىل
املسكرات و النساء املهددات باالهنيار حتت ثقل عزلتهن ،واألطفال الذين ينتظرهم إما
خيار اإلمهال أو العصاب ،قادرين عىل املقاومة و اإلنجاز من خالل التحليل .وسوف
تكون هذه املعاجلات باملجان .وقد يستغرق األمر فرتة زمنية طويلة إىل أن تشعر الدولة
أن هذه الواجبات رضورية . ...عندئذ سوف تقتيض واجباتنا تطويع تقنياتنا وفق
الظروف اجلديدة ...و من املحتمل جد ًا أننا سوف نكون مضطرين ،يف االستخدام
اجلامهريي لعالجنا أن نمزج ذهب التحليل الصايف بشكل كاف مع نحاس اإلحياء
املبارش ،ويمكن للتأثري التنويمي أن جيد مكانه هناك كام هو احلال يف معاجلة عصابيي
احلرب .ولكن مهام سيكون شكل هذا العالج النفساين بالنسبة للشعب ،ومهام كانت
العنارص التي يمكن أن تتكون منها ،فمن املؤكد أن مكوناهتا األكثر فاعلية و األهم
ستظل تلك املستقاة من التحليل النفيس الصارم غري املنحاز" ) (Freud,1919,P192ff.
.
واليوم وبعد 100سنة من كتابة فرويد هلذه الرؤية املستقبلية يوجد طيف واسع
من األساليب العالجية لألمراض واالضطرابات النفسية والنفسية اجلسدية التي تم
318
ممارسة العالج النفسي
اشتقاقها من "التحليل النفيس الصارم و غري املنحاز" ،من األسلوب التحلييل النفساين
املعياري .فمقابل العالج التقليدي تتصف هذه األساليب بتعديالت بسيطة أو عميقة.
و قد انبثقت إىل حد ما أساليب عالجية نفسية مستقلة .كام أصبحت كذلك معارف
التحليل النفيس متيرسة للمرىض الذين بسبب نوع مرضهم و بسبب ظروفهم النفسية
واالجتامعية و االستعرافية ال يالئمهم العالج النفساين التحلييل املعياري.
يمكن أن يتم تصنيف أساليب العالج التي تقوم –إىل جانب التحليل النفيس
التقليدي -عىل علم األمراض وتقنيات العالج التحلييل النفساين أو املشتقة منها إىل
جمموعتني:
-العالج النفساين التحلييل،
-العالج النفساين الذي يقوم عىل أساس علم نفس األعامق.
والعالج النفساين لألطفال واليافعني هو أسلوب مستقل معدل وفق رشوط النمو
اخلاصة عند األطفال واليافعني.
و العالج النفساين التحلييل و العالج النفساين القائم عىل أساس علم نفس األعامق
عبارة عن تسميتان لعدد كبري من األساليب العالجية ختتلف عن بعضها باملدة وتكرار
اجللسات و نوع األطر العالجية و أهداف العالج و سامت التقنيات العالجية .وبام أن
الفروق ضئيلة فإن األساليب املختلفة تتشابه فيام بينها يف كثري من الوجوه.
وال يمكن تصنيف أي واحدة من الطرق املذكورة يف إحدى املجموعتني بوضوح.
فبعض الطرق مل تنبثق مبارشة من التحليل النفيس التقليدي إال أهنا تأخذ املعارف
واخلربات التحليلية النفسية بعني االعتبار ،من نحو العالج اجلشطلطي ذو التوجه
التحلييل عىل سبيل املثال ،هلذا تم ذكره هنا .ويف أساليب أخرى من نحو يف اإلرشاد ال
319
األسس النظرية للعالج النفسي
يتم بالرضورة فهم مشكالت املراجعني و اإلجراءات املنهجية من وجهات نظر نفسية
ديناميكية و حتليلية نفسية؛ هلذا ال يمكننا احلديث عن أساليب ذات توجه حتلييل نفساين
إال إذا كانت هذه األساليب تسرتشد بمعارف ومبادئ التحليل النفيس( .جدول .)1
جدول ( :)1منظومة األساليب العالجية التحليل نفسية و العاملة عىل أساس حتلييل
نفساين
األساليب املعيارية التحلييل نفساين ة (التحليل النفيس التقليدي)
العالج النفساين التحلييل:
العالج النفساين التحلييل طويل األمد
العالج النفساين التحلييل قصري األمد
العالج البؤري التحلييل النفساين
العالج باملجموعة التحلييل النفساين .
العالج النفساين القائم عىل أساس علم نفس األعامق
العالج النفساين الفردي
العالج النفساين قصري األمد القائم عىل أساس علم نفس األعامق
العالج النفساين يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق
العالج الزوجي واألرسي
العالج النفساين لألطفال واليافعني
العالج النفساين املركزي (الرتقيدي)
اإلرشاد
320
ممارسة العالج النفسي
321
األسس النظرية للعالج النفسي
عىل مرضاه من أجل استقصاء ظروف أعراضهم ،وكان يدعم إجابات مرضاه ،بأن كان
يضع يده عىل جبينهم أو يضع رأسهم بني يديه.
أضع يدي عىل جبني املرىض أو آخذ رأسهم بني يدي وأقول ،:سوف تتذكر اآلن
حتت ضغط يدي .و يف اللحظات التي أتوقف فيها عن الضغط سوف ترى شيئ ًا ما عن
نفسك أو سوف خيطر عىل بالك يشء ما ،وهذا ما عليك التقاطه" (Freud 1905, P.
).168
يف التنويم كان الشعور الصاحي مغلق ًا؛ كان املريض مرتوك ًا كلية وبشكل سلبي
حتت تأثري الطبيب .ويف األسلوب التنفييس الذي انتقل إليه فرويد فيام بعد ،مارس من
خالل الضغط عىل اجلبني كذلك التأثري عىل املريض باملعنى احلريف للكلمة وبشكل
فاعل .إال أن سعيه كان متجه ًا إىل جعل التأثري اإلحيائي عىل املريض من خالل الطبيب
يف أقل درجة ممكنة ،من أجل عدم تزوير ذكريات املريض حول احلدث املسبب .هلذا
ختىل فرويد الحق ًا عن كل املؤرشات اإلحيائية أو التالعبية .و أخري ًا انسحب يف أثناء
العالج من جمال الرؤية عند املريض وذلك بأن جعله يستلقي عىل أريكة يف حني كان
جيلس هو خارج جمال الرؤية .وطلب من املرىض الرتكيز عىل أنفسهم بشدة وقول كل
ال أو غري مهم.يشء خيطر عىل باهلم بشكل عفوي مهام بدا هلم ذلك بال معنى أو خمج ً
وعىل الرغم من أنه جتنب هبذا التأثري الفاعل للطبيب عىل املريض بأكرب مقدار ممكن إال
أنه رسعان ما اكتشف بأن شخص الطبيب ظل يمثل هيئة مهمة بالنسبة للمريض:
فاملرىض قد ربطوا اخلربات التي متتد بعيد ًا يف حياهتم مع شخص الطبيب و أبرزوه وكأنه
هيئة ارتبطت معها اخلربات الباكرة املشحونة بالرصاع .وهكذا جتدد مايض املريض يف
عالقته بالطبيب ثانية .يف البداية بدا هذا النقل لفرويد معيق ًا يصعب جتنبه لعمله
التحلييل ،ألنه كان يص ِّعب عىل املريض التعبري عن ذكرياته و خواطره بشكل حر ومن
دون موانع .ولكنه رسعان ما استنتج بأن النقل ال يعيق العملية العالجية و إنام عىل
العكس كان رشط ًا رضوريا من أجل التمكن من إعادة إحياء رصاعات املريض التي كان
مرضه يف النهاية يعزى إليها يف حارض عالقة الطبيب-املريض وبالتايل حلها.
322
ممارسة العالج النفسي
من خالل التخيل عن التأثري اإلحيائي الفاعل متكن فرويد من اكتشاف ظواهر النقل
و األمهية االنفعالية املهمة للطبيب كهيئة نقل .عىل الطبيب –هكذا تقول نصيحة فرويد
بالنسبة الجتاه املحلل اآلن -اإلصغاء ملا يقوله املريض من دون انفعاالت مثل اجلراح
أثناء عمله:
"ال يسعني إال وأن أنصح الزمالء برضورة اخذ اجلراح يف أثناء العالج التحلييل
ال أعىل هلم ،الذي يضع كل انفعاالته وحتى معاناته اإلنسانية جانب ًا و يوجه
النفساين مث ً
قواه العقلية إىل هدف وحيد :نحو إنجاز العملية وفق األصول قدر اإلمكان"
).(Freud,1912, P. 380f
فإذا ما ظهرت وعىل عكس نصائح فرويد يف اإلجابة عىل نقل املريض عىل الرغم
من ذلك انفعاالت مكثفة لدى الطبيب ،بدا هذا النقل املعاكس مزعج ًا وينبغي كبته بأكرب
رسعة ممكنة لصالح موقف الطبيب اخلايل من االنفعاالت ،إال أنه بدا معيق ًا للطبيب يف
فهم املريض بشكل كاف.
"أصبحنا مهتمني ‘بالنقل املعاكس‘ الذي يظهر لدى الطبيب بتأثري املريض عىل
اإلحساس الالشعوري للطبيب ...ومنذ أن بدأ يتمرن عدد أكرب من الناس عىل التحليل
النفيس و يتبادلون خرباهتم الحظنا أن كل حملل نفيس ال يصل إىل أبعد مما تسمح له عقده
الذاتية و مقاوماته الداخلية ومن هنا نطلب بأن يبدأ نشاطه من خالل التحليل الذايت و
يقوم بتعميق هذا يف أثناء مجعه خرباته مع مرضاه" ).(Freud 1910, P. 108
وكام حتول النقل بالنسبة لفرويد من معيق ،يص ِّعب عىل املريض ،ربط الذكريات
املشحونة بالرصاع باألحداث املثرية ،إىل طريق ال يمكن االستغناء عنه لفهم الرصاعات
الالشعورية ملرضاه ،تغري كذلك احلال يف تطور التحليل النفيس وفق فرويد بالنسبة لفهم
النقل املعاكس :ففي حني أن االستجابات االنفعالية للطبيب عىل نقل املريض متنع يف
البداية فهم املريض ،أصبح شيئ ًا فشيئ ًا واضح ًا بأن النقل املعاكس مهم من أجل فهم
العالقة الالشعورية ،القائمة بني املحلل النفيس واملريض بشكل أشمل .و هكذا فإن
323
األسس النظرية للعالج النفسي
نقل املريض عىل املحلل و النقل املعاكس للمحلل متشابكان مع بعضهام البعض بشكل
وثيق.
وبالرتافق مع ذلك تغري كذلك فهم املوقف العالجي يف التحليل النفيس :ففي
بدايات التحليل النفيس كانت القناعة السائدة بأن املحلل ال يؤثر عىل العمليات النفسية
الالشعورية للمريض و من ثم فهو يظهر بصورة صافية ،بمقدار ما يترصف بسلبية و
امتناع .غري أن هذه الرؤية قد انحرفت بالتدريج نحو الفهم التفاعيل للعملية العالجية.
ويف التحليل النفيس احلديث هناك اتفاق بعيد املدى بأن احلدث يف املوقف العالجي ال
يتسم بالعمليات النفسية للمريض فحسب وإنام بشكل ال مفر منه باملحلل النفيس أيض ًا.
هلذا ومن أجل فهم العمليات النفسية الديناميكية للمريض فإنه من الرضوري فهم و
دراسة خربة و سلوك املريض دائ ًام من منظور الكيفية التي كان قد ترصف هبا املحلل
النفيس يف املوقف العالجي بالفعل.
وعىل الرغم من أنه تم تطوير هذه العنارص األساسية لألسلوب املعياري التحلييل
النفساين يف جمرى السنني إال أن مبادئه األساسية ظلت كام هي دون تعديل.
ومن أجل التمكن من فهم أساليب العالج التحلييل النفساين و الطرق املسرتشدة
بالتحليل النفيس واستخدامها ،نجد أنه البد من التعرف عىل السامت األساسية
لألسلوب املعياري.
324
ممارسة العالج النفسي
325
األسس النظرية للعالج النفسي
وأفكاره اجلسدية دون أية رقابة (ما يسمى بالتداعي احلر .)Free Association
يأخذ املحلل النفيس من ناحيته وضعية االنتباه املستمر عىل نفس املستوى .و يف
هذه الوضعية يسعى نحو أخذ كل ما يقوله املريض عىل نفس الدرجة من األمهية و التأمل
فيه باملستوى نفسه من الرتكيز من دون تقويمه ووزنه وتصنيفه منطقي ًا .وتصبح هذه
الوضعية من االنتباه املستمر عىل املستوى نفسه سهلة عىل املحلل من خالل انسحابه أثناء
العالج خارج حقل رؤية املريض ،بحيث ال ينرصف انتباهه من خالل التأثريات
امللحوظة لسلوك اآلخر ،كام حيصل يف التواصل وجه ًا لوجه بشكل ال يمكن جتنبه:
"هذه التقنية بسيطة جد ًا .إهنا ترفض كل وسائل املساعدة ،حول الكيفية التي
سنصغي هبا ،حتى الكتابة و هي تتألف ببساطة من عدم الرغبة يف الرتكيز عىل أي يشء
خاص و كل ما يسمعه املرء عليه أن يوليه دائ ًام ‘ ...االنتباه نفسه‘ ...فام أن يشحذ املرء
انتباهه بشكل مقصود إىل درجة حمددة يبدأ أيض ًا باالختيار من املادة املعروضة؛ فيثبت
املرء مقطع ًا بشكل خاص ،ويقيص هلذا مقطع آخر ،ويتبع يف هذا االختيار توقعاته أو
ميوله .وهذا بالتحديد ما ال جيوز له فعله؛ فإذا ما اتبع يف االختيار توقعاته فسيكون
معرض ًا خلطر أال جيد شيئ ًا آخر غري ما يعرفه سابق ًا؛ وإذا ما اتبع ميوله فمن املؤكد أنه
سيزور إدركاته بشكل مقصود .(Freud 1912, P. 318)" . ...و" :عليه استخدام ال
شعوره اخلاص كعضو استقبال لالشعور املانح للمريض ،أن يربمج نفسه عىل املريض
كام هو مستقبل اهلاتف مربمج القرص" ).(Freud,1912, P. 381
جمال املعرب و الرشوط والقواعد :من أجل أن يتمكن املريض يف العالج من احلديث
حول اخلواطر واالستثارات املخيفة ،أو التي يعتقد أهنا جمنونة أو املخجلة أو الشاذة أو
غري املرحية بشكل من األشكال من دون أن خيشى من العواقب الواقعية فإنه حيتاج إىل
إطار ثابت يوحي بالدعم بالنسبة للموقف التحلييل .واإلطار حيدده املجال العالجي
(غرفة العالج) الذي يعزل املوقف العالجي بشكل آمن جتاه تأثريات الواقع اخلارجي ،
ولكن الذي تؤخذ به أحاديث املريض عىل حممل اجلد بوصفها حقيقة و ال يتم التعامل
معها عىل أهنا جمرد تصورات هوامية .وقد حتدث وينيكوت ) Winnicott (1987عن
326
ممارسة العالج النفسي
جمال املعرب وقصد هبذا جمال رمزي للخربة ،يكون ما حيدث فيه و كأنه لعبة و يف الوقت
نفسه جدية وغري جدية .و كي يستطيع املريض استخدام هذا املجال العالجي للتحليل
فإنه حيتاج إىل جانب عالقة عالجية طيبة كفاية و داعمة إىل ارتباط ثابت أيض ًا .ومن
ضمنه أوقات معاجلة ثابتة؛ فيتم االتفاق عىل أوقات اإلجازة؛ يقوم املعالج بضامن أنه
سيضع كل اهتاممه غري املقيد حتت ترصف املريض ،عىل سبيل املثال أيض ًا من خالل أنه
يف أثناء اجللسة العالجية ال يقوم باالتصال اهلاتفي؛ وال جيوز للمعالج أن يرغب بإشباع
أية حاجات نفسية خاصة به يف املريض وال جيوز له أن يتعامل يف عالقته باملريض مثل
أية عالقة أخرى واقعية؛ فإذا ما جعل مريضه رشيك تفاعل "حقيقي" بأن خيربه عىل
سبيل املثال عن خرباته احلياتية الشخصية أو يقوم بتقديم النصح له أو االقرتاحات
فسيكون هنا قد جتاوز حدوده ومن ثم يكون قد أرض باملجال التحلييل
).(Trimborn,1994
يسرتشد املحلل بقاعدة االمتناع .Abstinenceإنه ال يشبع أية رغبات خاصة يف
مريضه و ال يتبع أية أهداف تربوية خاصة :البد من إجراء استشفاء (معاجلة) يف
االمتناع :وال أقصد هبذا االستغناء اجلسدي ،وليس عن كل ما يتوق إليه املرء ...وإنام
أريد أن أحدد املبدأ األسايس بأنه عىل املرء أن يرتك احلاجات و التطلعات بوصفها قوى
دافعة للعمل و التعديل لدى املريض تنشأ و عليه أن حيمي نفسه من اليشء نفسه
الع روض .(Freud, 1915; P. 313) )surrogateإنه يظل بإضعافها من خالل اإلنابة (أو ِ
ال بالنسبة للمريض ضمن حدود معينة من دون أن يكون جمرب راًَ عىل أن يترصف يف مغف ً
هذا األمر بشكل صاد أو غري طبيعي أو بشكل مصطنع .باإلضافة إىل ذلك إنه ال يتخذ
أي موقف وبالتايل يصون احليادية التحليلية ،بأن يتجنب امليل إىل أية جوانب رصاع يف
املريض .و عىل هذا الطريق يضع نفسه بال حدود قدر اإلمكان حتت ترصف املريض
بالنسبة لواقعه النفيس الفردي و خماوفه وحاجاته ورغباته ،التي كان عليه يف املايض أن
يفصلها عن خربته الشعورية.
327
األسس النظرية للعالج النفسي
العالقة :تنمو بني املريض و املحلل يف جمرى التحليل عالقة انفعالية كثيفة .ويظل
االتصال الواقعي خارج اإلطار التحلييل ،حيث يلتقي املحلل واملريض وجه ًا لوجه مع
بعضيهام يف عالقة حمدود ًا .وهذا حيدث كي ال يسرتشد املريض كثري ًا بام قد يتوقعه
املحلل .فلو جلس كل من املريض واملحلل وجه ًا لوجه فسوف يتم تنظيم عالقتيهام
ببعضهام بشكل ال مفر منه من خالل تبادل اإلشارات اإليامئية والتعبريية أيض ًا
) .(Krause,1990, Stressck,1994وستكون عاقبة ذلك بأن يصبح املريض أكثر من
مالئم للعملية العالجية ،وسوف يعرف حول اجتاهات و تقويامت و توقعات املحلل.
أما عندما يستلقي عىل األريكة وجيلس املحلل خارج جمال الرؤية ،أي ال يعود يملك
الواقع املرئي للمحلل أمام عينيه ،سيكون من السهل عليه اكتشاف واقعه الداخيل و
تصوراته وهواماته .وعىل أية حال فإنه حتت رشوط تنظيم-األريكة-املقعد Couch-
Seat-Arrangementال يمكن جتنب أن يعرف املريض بعض اليشء حول كيف هو
املحلل -من الطريقة التي يتدخل فيها ،عىل ماذا يتطرق أكثر ،إىل ماذا يتطرق أقل ،كيف
ينجز طقوس احلياة اليومية الصغرية يف التحية والتوديع ،كيف صمم غرفة العالج...
الخ .هلذا فإن العالقة العالجية تتحدد يف جزء منها دائ ًام يف كيف هو املحلل النفيس
واقعي ًا وكيف يترصف .هذا اجلزء الواقعي للعالقة العالجية يرتبط بشكل ال يمكن
فصله مع خربات املريض مع العالقات الباكرة ،التي يعيش عىل خلفيتها عالقته الراهنة
باملحلل و التي ينقلها عىل عالقته باملحلل .يف النقل يشكل املريض ماضيه يف العالقة
العالجية الراهنة .و النقل هو "جوهر" ) (Freudاملعاجلة التحليلية النفسية؛ ففيه يتم
التعرف عىل جوانب املايض املشحونة بالرصاع التي أصبحت ال شعورية يف حارض
عالقة-املريض-املحلل ،و فهمها وحلها .وهنا فإن عالقة النقل ليست جمرد إعادة نسخ
صافية خلربات العالقة املبكرة للمريض ،وإنام تعكس سعي املريض يف عالقته باملحلل
نحو إعادة إجياد طرق وإمكانات جديدة ،من أجل مواجهة رصاعاته غري املحلولة بشكل
أفضل ) .(Weiss & Sampson,1986ومن أجل جعل الرصاعات الالشعورية
للمريض ،التي يتم حتويلها يف العملية العالجية إىل عالقة املحلل-املريض ،شعورية ،ال
328
ممارسة العالج النفسي
بد للمحلل بالتعاون مع حتليل نقل املريض أن يتمكن أيض ًا من فهم نقله املعاكس أيض ًا.
عندئذ يمكن أوالً أن نتحدث عن أنه يمكن يف العملية العالجية معاجلة العالقة
الالشعورية.
خربات العالقة عند املريض التي أصبحت الشعورية هي غالب ًا عبارة عن خربات
مشحونة بالرصاع أو خربات صادمة .ومن خالل قيامه بفصل هذه اخلربات عن خربته
الشعورية و عن ذكرياته الشعورية ،حيمي املريض نفسه من أن يصبح منها مكروب ًا و
مرصوع ًا-ولكن مع نتيجة مفادها ظهور األعراض وأنه قد أصبح مريض ًا .ويف العملية
العالجية يستخدم املريض مقاومات خمتلفة ضد أن يتذكر ويعيش هذه اخلربات أو ضد
إعادة إحيائها .وبعض املرىض يستخدمون املقاومة عموم ًا ضد نشوء عالقة مهمة
انفعالي ًا باملحلل؛ إهنم حياولون عىل سبيل املثال تصميم التحليل النفيس عىل مرشوع
عقيل ،أو خيفضون أو خيترصون املحلل النفيس إىل وظيفة واحدة؛ وهبذه الطريقة ال
يمنحونه كشخص أية أمهية عىل اإلطالق .ويوجه مرىض آخرون املقاومة ضد إدراك
النقل القائم ،عىل سبيل املثال ألهنم جيدون األمر خمجالً أن يمتلكوا مشاعر أو رغبات
حمددة جتاه املحلل .واملقاومات يمكن أيض ًا أن تكون موجهة نحو حل النقل ،عىل سبيل
املثال عندما ال يريد املريض التخيل عن رغبات أو مطالب ال شعورية حمددة
) .(Gill,1993املقاومات هي عبارة عن –بتعبري جمازي -metaphoricقوى حمافظة،
يستخدمها املريض يف العملية العالجية من أجل احلفاظ عىل الوضع كام هو-status qu
حتى وإن كان هذا الوضع الراهن مرتافق ًا مع أعراض ومرض نفيس .هلذا حيتل حتليل
هذه املقاومات مكان ًا أساسي ًا يف العالج التحلييل النفساين .
حصلت حماوالت يف التحليل النفيس نحو تفريق املقاومات املختلفة عن بعضها
وتصنيفها ،عىل سبيل املثال وفق االجتاه الذي تتجه ضده ،أو وفق مصدرها أو حسب
الوسائل التي يوجه فيها املريض مقاوماته .ولكن من حيث املبدأ يمكن لكل الوسائل
التي تظهر يف العملية العالجية أن تستخدم أيض ًا كمقاومات ضد أن تصبح الرصاعات
الالشعورية شعورية .وحتى ما يسمى باملحرض ( agitationالفعل) يعد مقاومة.
329
األسس النظرية للعالج النفسي
ويقصد به تلك األنامط السلوكية التي يعرب فيها املريض عن بقايا الذكريات و اخلربات
الالشعورية املشحونة بالرصاعات القائمة عىل النقل يف سلوك واضح ولكن من دون أن
يعرف هو نفسه أن سلوكه مصبوغ بمثل هذه اخلربات الرصاعية .ومن خالل قيام
املريض بالتعبري عن رصاعاته ترصفي ًا ،يفعل ،agitateفإنه حيفظ نفسه من أن تتذكر يف
العملية العالجية .وكام هو احلال يف التصورات التحليلية النفسية األخرى –عىل سبيل
املثال النقل والنقل واملعاكس -فإن رؤية الفعل Agitationقد تغريت يف التحليل النفيس
الراهن بالتدريج :فمن معيق يف العملية العالجية أصبح وسيلة مهمة للمعرفة .ويعترب
الفعل Agitationاليوم ليس جمرد سلوك للمريض موجه ضد عدم املعرفة فحسب وإنام
عبارة عن حدث تواصيل وتفاعيل ،يتم فيه التعبري عن خربات املريض التي ال يستطيع
اإلخبار عنها بطرق وبوسائل أخرى ).(Kluewer, 1995
وإىل جانب اخلواطر يف التداعي احلر للمحلل تعد األحالم مصدر مه ًام من أجل
فهم الرصاعات الالشعورية للمريض و حتليلها .ففي السابق اعتربت األحالم الطريق
امللكي إىل الدراسة التحليلية النفسية لالشعور .وما زالت حتى اليوم حتتل مركز ًا مه ًام
يف التحليل النفيس؛ إال أن وظيفتها الكبرية بوصفها "الطريق امللكي "Via regiaإىل
شعور املريض أصبحت نسبية.
مع العالج النفساين التحلييل يعيش املريض عالقة غري مألوفة ،يتمكن
فيها من الشعور بأنه مفهوم ومأخوذ عىل حممل اجلد (نقل ليبدوي خفيف)
والتي يستطيع أن يعرب فيها أيض ًا عن مشاعر و رغبات وتصورات وأفكار نفسية
مستنكرة و صعبة التحمل و أن يستودعها املحلل .ما كان حتى اآلن ،ال
شعوري ًا بالنسبة له-وكأنه قد جرى من وراء ظهره و حدد دائ ًام سلوكه وخربته،
وهبذا كانت هناك دائ ًام مناسبة إلعادة اليشء نفسه ،أصبح اآلن شعوري ًا وقاب ً
ال
للفهم و يمكن أن يصبح جزء ًا من سلوكه القابل للتوجيه .
330
ممارسة العالج النفسي
التقى فرويد مع مرضاه ستة أيام يف األسبوع؛ وعالجه استمر بني الستة أشهر
والسنة يف الغالب؛ أما اليوم فيحدث العالج النفساين التحلييل بفواصل بني الثالث إىل
األربع جلسات يف األسبوع ،ويندر أن تبلغ مخس جلسات وبالنظر إىل أن العملية
العالجية متتد إىل الرصاعات الطفلية الالشعورية فإهنا تبلغ عدة مئات من الساعات ،أي
بني السنتني حتى األربع سنوات ،وأحيان ًا أطول .وقد حصل يف تاريخ التحليل النفيس
حم اوالت عدة الختصار هذه العملية العالجية أو ترسيعها .إال أن عمليات التعديل
والنمو النفيس تسري وفق قواعدها اخلاصة هبا -حتى من الناحية الزمنية :-وال يمكن
ترسيعها سواء من خالل إجراءات تقنية أو من خالل مؤثرات أخرى .التغريات البنيوية
للشخصية التي تطورت غالب ًا عرب عقود من السنني حتتاج إىل عملية حتليلية طويلة كافية.
الفاعلية و الشروط
العالج التحلييل النفساين فاعل لدى املرىض الذين يعانون من اضطرابات عصابية
و بشكل خاص ما يسمى بعصاب العرض ،والذين يمكن أن نتوقع لدهيم بأنه يمكنهم
أن حيققوا تغريات بنيوية دائمة من خالل عملية عالجية نكوصية regressiveوكذلك
يفيد العالج بالتحليل النفيس املرىض باضطرابات الشخصية .فإذا ما تعلق األمر
باضطرابات شديدة يف الشخصية و بمرىض ممن يميلون بسبب اضطراب يف الشخصية
إىل إحلاق األذى اجلسدي أو االجتامعي أو االقتصادي بأنفسهم أو باآلخرين فال بد وأن
حيدث العالج غالب ًا حتت الرشوط املركزية ،أو عىل األقل أن يبدأ هناك .وسيتطلب األمر
خربات إكلينيكية واسعة من أجل التمكن من احلكم يف أي من احلاالت يمكن للعالج
بالتحليل النفيس التقليدي أن يكون مفيد ًا ،ومتى يكون غري فاعل أو غري رضوري
وضمن أية ظروف يمكن كذلك أن يكون ضار ًا ،تتهدد فيه أن يستقر العالج يف عملية
عالجية ال هنائية.
ويف كل حال فإن العملية العالجية للتحليل النفساين طويلة األمد و ليس من النادر
أن ترتبط باستبصار مؤمل .عىل املريض أن يودع خداع الذات واألوهام .وعىل الرغم
331
األسس النظرية للعالج النفسي
من أنه يمكن للعالج أن يفتح إمكانات النمو و يعد بالصحة النفسية الدائمة ،فإنه ليس
كل املرىض يتساحمون مع التخيل عن التشوهيات العصابية لصالح إدراك حقيقي للواقع،
غالب ًا ما يكون كذلك موقظ ًا.
عوامل أخرى من نحو ذكاء املريض أو قدرته عىل التفكري املجرد (الرمزي)
ال أو كثري ًا .إال إن مسألة
بخالف التفكري امللموس جتعله مالئ ًام للتحليل النفساين قلي ً
الفاعلية أو مضادات الفاعلية(االستطباب أو مضادات االستطباب) ) (Heigel,1987ال
يمكن اإلجابة عنها عىل أساس عوامل املريض لوحدها وليس عىل أساس تشخيص
مرض املريض أيض ًا .فال يمكن الوصول إىل طروحات تنبؤيه بشكل موثوق أكثر إال
332
ممارسة العالج النفسي
من خالل مراعاتنا إىل جانب متغريات املريض العوامل التي متس املعالج و "التالؤم
الثنائي" بني املريض واملعالج .(Rudolf et al. ,1988) .ففرويد نفسه أمل بإجياد حل
هلذه املشكلة يف معاجلة جتريبية قصرية .غري أنه ال يمكن االستفادة من هذه اإلمكانية–
حتى ألسباب اقتصادية -إال نادر ًا.
333
األسس النظرية للعالج النفسي
التي للتحليل النفساين التقليدي .إال أن تكرار اجللسات يف العالج التحلييل يبلغ بني
اجللستني إىل الثالثة يف األسبوع ،وهي غالب ًا أقل مما هو األمر يف العالج التقليدي ،واملدة
الكلية للعالج غالب ًا ما تكون حمددة حتى الثالث سنوات؛ إال أنه قد تكون أطول أحيان ًا.
وبالنظر ملثل هذا التقييد فإن نكوص املريض سيكون أقل إىل مدى بعيد وال سيام أن عدد
الساعات األسبوعية حمدد بصورة أقل و قبل كل يشء مدة العالج املحدودة .،ولكن
هذا ال ينطبق بالرضورة بشكل عام وال عىل أي حال؛ فمن املمكن حتى مع عدد أقل من
تكرار اجللسات و مدة حمددة للعالج أن يظهر نكوص واسع و أنه باملقابل يمكن أن
تزداد يف عدد أكرب من اجللسات األسبوعية مقاومات مضادة للنكوص.
334
ممارسة العالج النفسي
األهداف :يتم يف العالج التحلييل طويل األمد يتم الرتكيز عىل متابعة أهداف
عالجية :فمن خالل التغريات البنيوية ينبغي أن يتم حل الرصاعات املرضية و حتقيق
حلول ناضجة للرصاعات و من ثم حتقيق الصحة .وال يقترص التحليل النفيس التقليدي
عىل أهداف عالجية أو ال تطمح عموم ًا لتحقيق أهداف عامة :إذ ينبغي حتليل الشخصية
و تاريخ حياهتا الذي أصبح ال شعوري ًا بشكل شامل .هلذا يركز العالج النفساين
التحلييل مبدئيا عىل متثل الرصاعات الالشعورية وعىل طالئع الرصاع بشكل أقوى من
التحليل النفيس املعياري من الرتكيز عىل الرصاعات الطفولية نفسها .جتليات النقل هي
أقرب "لألنضج" و نشأت من أطوار نمو حياتية الحقة .ولكن حتى هذا الفرق فهو
حسب االجتاه و ال يمكن برهانه يف كل املعاجلات؛ ففي العالج النفساين التحلييل أيض ًا
يمكن أن حيصل كشف و معاجلة الرصاعات العميقة الالشعورية (جدول .)3
335
األسس النظرية للعالج النفسي
كام ختتلف طريقة العمل العالجي للمحلل عن تقنيات العالج يف العالج التحلييل
النفساين طويل األمد .وعىل الرغم من أن املحلل يقوم بتفسري أقوال املريض يف معناها
الالشعوري؛ إال أن تفسرياته تركز عىل الرصاع الراهن ،الذي حيتل مركز الصدارة يف
العالج قصري األمد .ويتم جتنب التفسريات الواسعة لرصاعات أخرى ،وبشكل خاص
الرصاعات الطفولية الالشعورية العميقة أو يتم إبالغها للمريض يف احلاالت االستثنائية
عند الرضورة.
ويندر أن تتجاوز مدة العالج القصري 50-40جلسة؛ وأحيان ًا يمكن للعالج أن
يستغرق وقت ًا أقل مع نتيجة باعثة عىل الرضا .وعادة ما حيدث العالج بتكرار أقل مما هو
احلال يف العالج طويل األمد.
Indication الفاعلية
العالج النفساين التحلييل قصري األمد فاعل لدى مرىض يوجد لدهيم حدث مريض
حاد ،ناجم عن رصاع نفيس الشعوري حمدد .و ينبغي يف الفحوصات التشخيصية أن
يكون واضح ًا قدر اإلمكان ،بأنه من املحتمل أن يتم حل هذا الرصاع املريض املحدد
بمساعدة إجراء عالجي تفسريي ،أو عىل األقل يمكن التأثري فيه بشكل مناسب ،من
دون أن حيتاج األمر إىل عملي ة حتليلية نكوصية شاملة .غري أنه من الصعب يف كثري من
احلاالت التنبؤ هبذا أو احلكم مسبق ًا ،بحيث أن العالج قصري األمد يف بعض األحيان
يتحول إىل عالج طويل األمد .ويمكن أن يتم حشد مثل هذه الرصاعات الالشعورية
املحددة عىل سبيل املثال يف مواقف االنفصال التي تقود إىل جتديد خربات االنفصال
الصادمة الباكرة و أن تقود إىل متثالت اكتئابية؛ وكذلك التغريات البيولوجية ،من نحو
لدى املرأة يف التأقلم مع انقطاع الدورة الشهرية ،يمكن أن تستجر متثالت رصاعية
نرجسية عصابية حمددة عىل سبيل املثال .ومن جانب املريض يتطلب العالج التحلييل
قصري األمد ضمن أمور أخرى بنية شخصية أكثر استقرار ًا مع وظائف أنضج لألنا مما
هو األمر يف العالج التحلييل طويل األمد.
336
ممارسة العالج النفسي
العالج البؤري
العالج البؤري هو شكل خاص من العالج التحلييل قصري األمد .ويتم هنا توجيه
العالج عىل بؤرة حمددة .وعىل البؤرة أن تستند إىل رصاع مريض ال شعوري و عليها أن
تتضمن يف الوقت نفسه تفسري ًا أو توضيح ًا تفسريي ًا هلذا الرصاع ).(Kluewr,1995
عندئذ يتضمن التفسري البؤري فرضية إكلينيكية حول املعنى الالشعوري ألعراض
املريض ،عىل سبيل املثال عندما حتتوي البؤرة بالنسبة ملعاجلة مريضة قطعت عدة أنواع
من التأهيل و يتم متويلها مادي ًا من والدها ،أن املريضة تريد منع االنفصال عن والدها
الذي حتبه يف رسها .يف احلالة املثىل يمكن أن يتم إخبار هذا التفسري البؤري يف اجللسات
األخرية من العالج للمريضة بوصفة تدخل تفسريي لرصاع الشعوري ،بحيث أن
املريضة تستطيع اآلن فهم خلفية اضطراهبا .ومن أجل التمكن من حتديد البؤرة حيتاج
األمر إىل تشخيص ديناميكي نفيس حلدث الرصاع ،الكامن خلف االضطراب الراهن
للمريض.
يف العالج البؤري يلتقط املحلل أقوال املريض بشكل هادف استناد ًا إىل البؤرة.
باملقابل يتم بشكل انتقائي إمهال املظاهر السيكوديناميكية لالضطراب وتعابري املريض
التي ال ترتبط بموضوع البؤرة الراهن .بل حتى أن املحلل يسهم يف أال يبتعد املريض و
العمل العالجي العام مع املريض كثري ًا عن الرصاع الذي متت صياغته يف البؤرة.
ويتطلب اإلجراء العالجي البؤري التحلييل النفساين خربات وكفاءات إكلينيكية
حتليلية نفسية واسعة .و املطلوب من املحلل النفيس أن يعزو أو يسند كل اخلواطر
وأقوال املريض إىل ديناميكية ال شعورية للرصاع البؤري و التطرق هلا يف مقتىض احلال.
باإلضافة إىل ذلك ال بد له أن يتعامل مع املهمة التقنية-العالجية الصعبة ،ويف الوقت
نفسه االحتفاظ بانتباه مستمر عىل املستوى نفسه ناهيك عن االلتقاط االنتقائي مما يقوله
املريض فقط لتلك التعابري و اإلشارات التي تستند إىل الرصاع البؤري القائم .إن تسمية
العالج البؤري تطلق كذلك عىل العالج قصري األمد التي عىل الرغم من أن العمل
العالجي فيها يكون موجه ًا إىل رصاع واحد أو عدة رصاعات ،إال أن البؤرة ال تتضمن
337
األسس النظرية للعالج النفسي
338
ممارسة العالج النفسي
حاالت ويف
استثنائية وجهاً
لوجه Face to
Face
339
األسس النظرية للعالج النفسي
الرصاعات
الالشعورية يف
ظروف احلياة
الراهنة ،وبشكل
يف خاص
العالقات
الراهنة البني
شخصية.
وأشياء أخرى.
أساليب العالج ذات التوجه التحليلي النفساني أو القائمة على أساس علم نفس األعماق
حتت مفهوم أساليب العالج ذات التوجه التحلييل النفساين أو القائمة عىل أساس
علم نفس األعامق –غالب ًا ما يتم استخدام التسميتان بشكل مرتادف -جتتمع عدة
أساليب عالجية (جدول .)4
جدول ( :)4أساليب العالج ذات التوجه التحلييل النفساين أو القائمة عىل أساس
علم نفس األعامق
العالج الفردي القائم عىل أساس علم نفس األعامق ذو املدة املتوسطة.
-العالج قصري األمد/العالج البؤري
العالج النفساين الداعم
العالج يف املجموعة التفاعيل التحلييل النفساين و القائم عىل أساس علم نفس األعامق
أساليب أخرى (فروق طفيفة فيام بينها)
340
ممارسة العالج النفسي
اإلجراء املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا نفسي ًا يمكن أن يكون مفيد ًا مع مرىض بصور
اضطرابات خمتلفة كاألمراض العصابية و السيكوسوماتية ،والسوماسيكولوجية
والذهانية؛ فتشخيص املرض لوحده ليس حمك ًا كافي ًا لالختيار من عدمه بالنسبة هلذا
األسلوب .هلذا فإنه من األهم ،استخدام مبادئ العالج املتجه حتليلي ًا بشكل مرن
والتمكن من تعيري اإلجراء العالجي بام يف ذلك املدة و التكرار و التقنية العالجية بشكل
فردي حسب احلالة ونوعية اضطرابه ،بدالً من حتديد أساليب العالج املتفرقة عن بعضها
ال أو كثري ًا بشكل معري وطرائقي .وهكذا يمكن أن يكون من املفيد لدى بعض و قلي ً
املرىض معاجلة البعد الالشعوري لتمثل رصاع الشعوري راهن ،يعزى إليه االضطراب
بشكل كاشف وتفسريي .فإذا ما عزي التقييد إىل توفر الوظائف النفسية عموم ًا ،كام
هو األمر يف الغالب لدى مرىض باضطرابات شخصية بنيوية ال تعويضية
،decompensationفيفرتض أن يتم إجراء العالج بشكل أقوى دع ًام مع هدف دعم أو
تقوية الوظائف النفسية غري املتوفرة راهن ًا و تنمية هذا النمو .وبالنسبة ملرىض آخرين
فإنه من املالئم إذا ما بدأ العالج بتكرار منخفض ،و لكن ملدة أطول عىل سبيل املقارنة،
يف حني أن مرىض آخرين عىل سبيل املثال الذين ال يستطيعون كتعبري عن نقص يف ثبات
املوضوع object constancyحتمل احلفاظ عىل العالقة إال طوال ما يكون اآلخر موجود ًا
جسدي ًا ،سيحتاجون االتصال باملعالج النفساين بفواصل زمنية أضيق ،ألهنم ينزلقون
بسهولة بحاالت نكوصية غري قابلة للسيطرة .ومن املفيد لدى بعض املرىض استخدام
طريقة عالجية فاعلة ،يف حني يكون باملقابل من املفيد بالنسبة ملرىض آخرين عندما
يترصف املعالج منتظر ًا و يرتك للمريض إىل مدى بعيد تشكيل السريورة العالجية.
ولدى املرىض باضطرابات شخصية شديدة الذين يعانون من صعوبات يف أن يالءموا
أنفسهم اجتامعي ًا بشكل كاف البد للعالج النفيس ذو التوجه األعامقي أن يدعمهم أحيان ًا
بشكل هادف يف مواجهة متطلبات الواقع اخلارجي ،يف حني يستفيد مرىض آخرين أكثر
إذا ما توجه املعالج أكثر إىل واقعهم النفيس الداخيل ،من نحو اإلدراكات املترضرة
341
األسس النظرية للعالج النفسي
342
ممارسة العالج النفسي
يمكن للعالج النفيس القائم عىل أساس علم نفس األعامق ،إذا ما أجري بتكرار
منخفض ،أحيان ًا أن يمتد عرب فرتة زمنية لعدة سنوات وأطول .ولدى عدد غري قليل
من املرىض ،وبشكل خاص عندما يكون املرض موسوم ًا بام يسمى باألجزاء املضطربة
البنيوية ،فإن العالج الطويل غالب ًا ما يكون مه ًام لنجاح العالج أكثر من العدد الكبري من
تكرار اجللسات.
واحلدود بني أساليب العالج القائمة عىل أساس علم نفس األعامق املنفردة مطاطة.
ففي الواليات املتحدة األمريكية تم تطوير األساليب العالجية النفسانية عىل أرضية
التحليل النفيس ،والتي ال متثل يف أملانيا أساليب مستقلة ،من نحو العالج النفساين
التعبريي (Kernberg,1981) expressive Psychotherapyأو العالج النفساين التحلييل
للوبورسكي ) .(Luborsky,1981إال أهنا من حيث املبدأ شبيهة بالعالج النفساين
التحلييل أو العالج النفساين ذو التوجه التحلييل يف كثري من الوجوه ،من نحو العالج
النفساين التحلييل للوبورسكي ) (Luborsky,1988الذي يظهر كام يرى كونج
) (Koenig,1993تشاهب ًا مع العالج النفس الديناميكي لدورسن )،(Duehrssen,1988
وخيتلف عنه من ناحية أن العالج النفساين الديناميكي يقوم عىل نظرية نفسية اجتامعية
ذات رؤية تقوم عىل التكيف مل تعد اليوم منترشة .باإلضافة إىل ذلك يعمل العالج
النفس الديناميكي أقل مع النقل :يف حني أن النظرية التحليلية للوبورسكي تؤكد باملقابل
عىل اخلربات والرغبات يف العالقات البني شخصية وتستند هبذا بشكل واضح عىل
التحليل النفيس لعالقات املوضوع و التعامل العالجي مع النقل .وكذلك يف العالج
النفساين فإن التفريق الذي يتم غالب ًا بني أساليب العالج ذات التوجه الداعم-املساند
مقابل أساليب العالج النفساين التي تعمل عىل أساس علم نفس األعامق بطريقة
تفسريية-كاشفة ال يصف سوى فرق واحد نسبي .فالعالج النفساين الكاشف غالب ًا ما
يتضمن أيضا عنارص داعمة ومساندة وبالعكس فإن العالج الداعم واملساند يتضمن
دائ ًام عنارص كاشفة ).(Wallerstein,1990
343
األسس النظرية للعالج النفسي
الفاعلية
العالجات النفسية القائمة عىل أساس علم نفس األعامق هي من أكثر العالجات
ممارسة .وهي مفيدة مع املرىض الذين ليس بالرضورة لدهيم إعادة بناء الشخصية من
أجل حتقيق عالج فاعل أو الذين من غري املمكن إحداث إعادة البناء .وكذلك املرىض
الذين عىل الرغم من أنه عىل أساس من نوع مرضهم من املفيد هلم إجراء عالج هيدف
إىل إجراء تعديل بنيوي كاشف يف الشخصية إال أن الرشوط الرضورية لذلك غري
متوفرة ،يمكن معهم حتقيق نتيجة باعثة عىل الرضا بالعالج النفساين القائم عىل أساس
علم نفس األعامق؛ ويف هذه احلاالت يتم السعي يف العالج نحو حتقيق أهداف أكثر
حتديد ًا من التعديل البيني للشخصية .وكذلك لدى مرىض يعانون من اضطرابات
شديدة يف الشخصية و ترضرات عصابية مزمنة يمكن للعالج النفيس القائم عىل أسا س
علم نفس األعامق أن يكون مفيد ًا مع أهداف عالجية حمدودة .فمثل هؤالء املرىض
يمكنهم أن يظلوا لفرتة زمنية طويلة بال شكاوى و يعيشون بشكل متالئم مع حميطهم.
إال أنه إذا ما تغريت الظروف الداخلية أو اخلارجية -من نحو بناء عىل ظروف العمر ،أو
العمليات البيولوجية ،إعادة التكيف يف عامل العمل أو تغريات يف العالقة بالرشيك-
فيضطرب التوازن التالؤمي النسبي ،والالمعاوضة decompensationويظهر عندئذ
اضطراب يف الشخصية أو عصاب مزمن ،كان حتى اآلن معوض ًا .compensation
وعندئذ فإنه يف كثري من احلاالت فإنه ال يعود باإلمكان -و من املفيد -معاجلة اضطراب
الشخصية األسايس أو العصاب بشكل حتلييل نفساين كاشف ،وليس من النادر أن تتم
مساعدة املريض بشكل كاف من خالل املدخل العالجي املتجه اجتاه ًا علم نفس أعامقي.
وجيد املريض إمكانات جديدة للتالؤم مع ظروف حياته املتبدلة و تعويض أذياته
العصابية أو البنيوية عىل مستوى متغري ومن خالل وسائل جديدة.
وإذا حتققت من خالل املعاجلات النفسية القائمة عىل أساس علم نفس األعامق
تعديالت واسعة أقل مما هو األمر يف العالج النفساين التحلييل و غالب ًا ما ال يتحقق سوى
حتسن أعرايض أو تالؤم ثابت ومرن مع ظروف احلياة اخلارجية فهذا ال يعني أبد ًا أهنا
344
ممارسة العالج النفسي
345
األسس النظرية للعالج النفسي
العالج معهم عىل شكل حوار لغوي .ويف هذه احلال يفرتض لعالج األطفال واليافعني
أن يأخذ بعني االعتبار الرشوط املتعلقة بالنمو والسن ،ولدى اليافعني بشكل خاص
رشوط املراهقة املرتافقة برصاعات انفصاهلم و رصاعات اهلوية .هلذا حتتل يف العالج
ذو التوجه التحلييل النفساين لألطفال واليافعني إىل جانب معاجلة الرصاعات العصابية
معاجلة التثبيتات والقصور املتعلقة بالنمو مركز ًا مه ًام ).(Streeck-Fischer,1994
ويتم تكييف أهداف العالج واألسلوب الذي يتم فيه التعامل عالجي ًا مع
العمليات النكوصية وجتليات النقل والنقل املعاكس ،حسب الوضع اخلاص للطفل
الفرد أو اليافع مع وضع النمو والرصاع الراهن اخلاص يف كل مرة .يف العادة فإن
األطفال وغالب ًا اليافعني أيض ًا مرىض "شاطرين" (ماهرين) فهم ال ينظرون ألنفسهم
عىل أهنم مرىض وال يعانون من سلوكهم أو حالتهم ونادر ًا ما يتحدثون حول أنفسهم أو
حول مشكالهتم و رصاعاهتم من تلقاء أنفسهم .هلذا من الرضوري حتقيق الرشوط
التي متكنهم و التي تدعوهم للتعرف عىل عاملهم اخلاص و فتحه.
و ال يتم يف العالج القائم عىل علم نفس األعامق و العالج النفساين التحلييل
لألطفال اليافعني التفريق بني أساليب خمتلفة كام هو األمر يف أساليب العالج التحليلية
لدى الكبار.
أساليب العالج التحليلي و القائمة على أساس علم نفس األعماق يف اجملموعة
يف هناية العرشينيات من القرن العرشين كانت هناك حماوالت استخدام خربات
ومبادئ التحليل النفيس عىل عالج املرىض يف املجموعة .وعىل الرغم من أن فرويد
نفسه مل هيتم بالتحديد بتحليل املجموعات ،إال أنه قام بإسناد معارفه حول العمليات
النفسية الالشعورية إىل ظواهر مجعية واجتامعية (مثال .)Freud,1921وبعد احلرب
العاملية الثانية تم عىل أساس التحليل النفساين وباستخدام املعارف النفسية االجتامعية
و االجتامعية حول املجموعات تطوير عدة تصورات عالجية مجعية أو حتليل نفسية
مجعية.
346
ممارسة العالج النفسي
يف سياق املجموعة تتجىل يف الوقت نفسه رصاعات واضطرابات نمو ال شعورية
فردية بني نفسية و يف العالقات البني شخصية .وهلذا تتيح األساليب العالجية النفسانية
اجلمعية التي تعمل عىل أسس حتليلية نفسانية فرصة التعرف يف الوقت نفسه عىل
التجليات البني نفسية والبني شخصية لالضطرابات النفسانية و النفسانية اجلسدية يف
عالقاهتا املتبادلة و لفحصها و التأثري عليها عالجي ًا .وعند استخدام التحليل النفيس يف
املجموعات تتم إضافة املعارف التحليلية النفسية عن العمليات الفردية واجلمعية
الالشعورية مع املعارف العلم نفس اجتامعية للعمليات االجتامعية و البني شخصية و
إدخاهلا يف تصورات العمل العالجي للمجموعات.
يتم استخدام األساليب العالجية النفسانية اجلمعية عىل األغلب يف املجال
اإلكلينيكي لعالج املرىض .إال أنه يمكن أن حتقق خدمات جيدة لألغراض التعليمية،
و لإلرشاف الذايت عىل الفريق ويف إرشاد املؤسسات و املنظامت .كام أهنا مناسبة بشكل
حمدود للمسامهة فيفهم العمليات غري الشعورية للتحول االجتامعي و الثقايف.
ويوجد كعالج ضمن املجموعة عالج حتلييل نفساين و عالج قائم عىل علم نفس
األعامق .وكذلك يمكن عالج األطفال واليافعني يف العالج ضمن املجموعة؛ إال أنه
من النادر استخدام العالج ضمن املجموعة يف العيادات اخلارجية ملستشفيات األطفال
واليافعني .أما يف الرعاية العالجية النفسانية للمرىض كبار السن فيتم استخدام العالج
التحلييل النفساين ضمن املجموعة يف العالج املركزي أكثر من العالج اخلارجي عىل
الرغم من العالج النفساين ضمن املجموعة املؤهل هو أسلوب عالجي فاعل واقتصادي
باملقارنة.
وهناك عدة تصورات تفريقية للعالج التحلييل النفساين ضمن املجموعة والعالج
القائم عىل أساس علم نفس األعامق .ومن أجل التمكن من ممارسة هذه األساليب
العالجية يشرتط أن يتم اكتساب اخلربات الالزمة لذلك والكفاءات يف تدريب-عالجي
نفيس يف املجموعة .ومن األساليب اخلاصة للعالج التحلييل يف املجموعة األكثر انتشار ًا
يف املامرسة العملية هناك طرق العالج النفساين التحلييل يف املجموعة أو حتليل
347
األسس النظرية للعالج النفسي
املجموعات و العالج النفساين يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق و
العالج النفساين ذو التوجه التحلييل و العالج النفساين يف املجموعة التحلييل النفساين -
التفاعيل .و ال تلعب األساليب األخرى من نحو طريقة التفاعل املتمحور حول
املوضوع ) (Cohen,1875يف إمداد املرىض إال دور ًا ثانوي ًا.
348
ممارسة العالج النفسي
وتظهر الرصاعات املشتقة يف أنامط العالقة بني املشاركني يف املجموعة .وتشبه أنامط
العالقة هذه غالب ًا العالقات واألدوار املألوفة أو االعتيادية ،التي يأخذها املرىض يف
حياهتم االجتامعية اليومية و التي يتورطون فيها بسهولة .يف احلياة اليومية غالب ًا ما ال
يتعرف املرىض عىل كيف حيصل ذلك و كيف هم أنفسهم مشاركون بذلك ،وكيف
ينزلقون مرار ًا يف تشكيالت رصاعية بني شخصية و كيف يأخذون دائ ًام أدوار ًا مشاهبة.
هلذا فإن العالج النفساين يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس األعامق مفيد
للمرىض الذين تظهر اضطراباهتم يف حياهتم اليومية بشكل أسايس يف مثل هذه
الرصاعات العالئقية ورصاعات األدوار املعتادة؛ ويمكنهم أن يتعلموا فحص هذه
العمليات و مشاركتهم اخلاصة يف ذلك يف املجموعة العالجية و فهمها.
ويف املامرسة اإلكلينيكية ال خيتلف العالج النفساين التحلييل يف املجموعة والعالج
النفساين يف املجموعة املتجه حتليلي ًا كثري ًا؛ فالفروق املوجودة بني كال الشكلني ليست
نوعية .هلذا فإنه هناك خالف فيام إذا كان من املفيد احلديث عن أسلوبني خمتلفني من
العالج ،أم أن األمر هنا يتعلق بفروق يف الدرجة داخل األساليب العالجية ضمن
املجموعة.
ويظهر العالج النفساين يف املجموعة التحليلية النفسانية التفاعلية
Psychoanalytical-interactional Group Psychotherapyفروق ًا أوضح عن العالج
النفساين التحلييل يف املجموعة .فقد تم تطويره للمرىض الذين يعانون مما يسمى
اضطرابات بنيوية ) ،(Heigl-Evers et la. ,1993أي للمرىض الذين غالب ًا ما ال يكون
لدهيم العالج املنمي للنكوص ،الكاشف للرصاع الذي يتم فيه تفسري عالقة النقل
الالشعورية ،غري مفيد أو غري قابل لإلجراء .والبد لدى هؤالء املرىض أن ينصب
االهتامم عىل األسلوب العالجي املقوي لألنا.
ويركز العمل العالجي يف العالج النفساين يف املجموعة التحلييل النفساين التفاعيل
عىل جتليات األرضار البنيوية لألنا للمريض الفرد و عىل العالقات البني شخصية يف
املجموعة و التنظيم املعياري املشرتك الذي يظهر فيه أمراضياهتم النفسية .و عىل الرغم
349
األسس النظرية للعالج النفسي
من أ ،املعالج النفساين يستخدم املعارف التحليلية النفسية من أجل فحص الباثولوجية
النفسية الفردية لكل مريض يف املجموعة و عمليات املجموعة اجلمعية ما قبل الشعورية
و فهمها؛ إال أنه ال يعمل بتقنية عالج تفسريية أو ال يستخدم تفسريات واضحة للظواهر
الالشعورية إال يف احلاالت االستثنائية .وبدالً من ذلك يستخدم معالج املجموعة ما
يسمى التدخالت املجيبة ،التي يتم فيها تقوية الوظائف النفسية للمريض الفرد ودعم
املهارات املنمية للتالؤم و النمو .ومن خالل مثل هذه التدخالت "املجيبة" خيرب معالج
املجموعة بشكل انتقائي بعض املشاعر ،التي تظهر يف اإلجابة عىل العمليات يف
املجموعة و عىل املرىض األفراد .إال أن هذا ال حيدث إال بمقدار ما يكون إخبار املشاعر
منمي ًا لتحديث الوظائف النفسية للمريض ،ويساعد عىل جتنب العمليات النكوصية
وجيعل خطوات النمو النامئية (التقدمية) ممكنة.
يستخدم العالج النفساين يف املجموعة التحلييل النفساين التفاعيل ملعاجلة مرىض
باضطرابات شخصية نرجسية و اضطرابات شخصية حدودية ،وأشخاص باضطرابات
ما قبل نفسية ،واألمراض النفسية اجلسدية و أمراض اإلدمان والتعلق و كذلك ملرىض
بسلوك ال اجتامعي و جانح .كام تؤيد اخلربات مع مرىض بأمراض ذهانية أن هذه
األساليب اجلمعية يمكن أن تدعم عالجهم الطبي النفيس.
350
ممارسة العالج النفسي
الرشيكني يف العالج الزوجي أن يكون عىل درجة عالية من التنميط و التطقيس و يمتلك
عندئذ تالؤم نسبي حامي و وظيفة حمققة لألمان.
يف العالج الزوجي ذو االجتاه التحلييل النفساين يتم كشف سلوك العالقة املشحون
بالرصاع بام يف ذلك احلتمية الالشعورية وفحصه ،من أجل أن يتم التعرف عليه من
الرشيكني بشكل مبكر و فهمه ،كي يتم التمكن من إجياد حل باعث عىل الرضا .ويف
جمرى العمل العالجي مع الزوجني يظهر يف كثري من احلاالت أن التعامل املعتاد املشحون
بالرصاع حيقق التالؤم ليس مع أحدمها وإنام لكال الرشيكني .ومن خالل أسلوب
تعاملهام النمطي مع بعضهام يكون الرشيكان قد اتفقا مع بعضهام بشكل ال شعوري عىل
ترتيبة دفاع اجتامعي نفيس؛ وقد أطلق فيليل ) Willi (1975عىل هذه الرتتيبة تسمية
التواطؤ .Collusionإذ يمكن أن يكون عىل سبيل املثال أن يسقط الرشيكني عىل بعضهام
بشكل متبادل صفات ،ال يتعرفون عليها يف أنفسهم ،ألهنام ال يستطيعان تقبل نفسيهام
هبا .كالمها يشكو من اآلخر بشكل متبادل و يكافح يف اآلخر ما ال يستطيع أن يدركه
يف نفسه .ومن أجل أال يكون عىل أحدمها أن يرى اجلانب الذي يكافحه يف اآلخر ،عىل
الرشيك أن يترصف قدر اإلمكان بحيث "يصلح" مظاهر الذات املستنكرة للدفاع .هلذا
يامرس كال الرشيكني بشكل ال شعوري التأثري عىل بعضهام ،ألن يترصف اآلخر بالفعل
املقاوم فيه .ولدى رشكاء آخرين ر عىل نحو الصفات املسقطة عليه وبام يطابق السلوك
تشتعل الرصاعات يف األدوار املعتادة التي يأخذاها يف سبيل بعضيهام؛ عىل سبيل املثال
يمكن للرشيك أن يمتلك دور ًا مسيطر ًا بوضوح ،و اآلخر دور تابع ،بحيث تظهر
الرصاعات املتكررة بشكل أسايس يف أن املتعلق يشكو دائ ًام من أنه يشعر بالقمع يف حني
أن الرشيك املسيطر بوضوح يشعر بالتقييد من خالل عدم استقاللية اآلخر .و عندما
حياول الرشيكني التعرف عىل رصاعات عالقتهام املعتادة و تعديلها غالب ًا ما يتجىل عندئذ
–مع الدعم العالجي-إىل أي مدى مها بحاجة لدور اآلخر الذي اشتكى منه كالمها
بشكل أسايس و الذي مل جيلب هلام عند التأمل السطحي إال املعاناة ألسباب دفاعية.
فاجلزء املسيطر ربام يكون قد احتاج لتعلق رشيكه لصد خوفه من الوحدة و تعلقيته
351
األسس النظرية للعالج النفسي
اخلاصة ،يف حني أن اجلزء "املقموع" حيتاج الرشيك املسيطر من أجل صد خوفه من
االستقاللية عىل سبيل املثال.
وكام هو احلال يف العالج األرسي ال يكمن التأثري العالجي عىل العمليات النفسية
للرشيك الفرد فحسب .فهنا يتم يف الوقت نفسه معاجلة شكل مؤسسايت للحياة،
وبالتحديد شكل حياة عالقة الرشيكني التي حيققها الرشيكان يف حياهتام اليومية مع
بعضيهام.
غالب ًا ما تظهر الرصاعات الزوجية و رصاعات الرشكاء بالرتافق مع االضطرابات
العصابية و اضطرابات الشخصية أيض ًا .ويتم إجراء العالج النفساين املتجه اجتاه ًا
حتليلي ًا نفسي ًا يف أطر خمتلفة .وأكثر شكل يتم فيه معاجلة الزوجني من معالج واحد .أما
معاجلة الزوجني من زوج معاجلني فال يتم إال يف أألطر املؤسساتية ،وأحيان ًا يف عيادة
مشرتكة .كام يتم إجراء العالج الزوجي كعالج زوجي حتلييل يف املجموعة تصل إىل
مخسة أزواج .وغالب ًا ما يكون العالج الزوجي عالج قصري األمد ليس أكثر من 10
حتى 15جلسة .و يف حني أن املرىض العاملني يف جمموعة عالجية مع بعضها ال يرون
بعضهم غالب ًا بني اجللسات ،تسم الرصاعات التي يتم معاجلتها يف عالج زوجي غالب ًا
احلياة اليومية للرشيكني مع بعضهام .هلذا ينصح غالب ًا بالنسبة للعالج الزوجي تقصري
تكرار اجللسات جللسة واحدة كل أسبوعني أو أربعة أسابيع .ويف حال وجود تكرار
أكرب يمكن أن يتم حتميل الزوجني فوق طاقتيهام.
352
ممارسة العالج النفسي
353
األسس النظرية للعالج النفسي
يف تنظيم عالجي مركب .ومن أجل جتنب االستخدام املجرد لألساليب العالجية إىل
جانب بعضها البعض البد لألساليب العالجية املستخدمة يف العالج أن تتمحور حول
بؤرة عالجية مشرتكة) .(Streeck,1991عىل العاملني املشاركني يف معاجلة كل مريض أن
يتعاونوا مع بعضهم و أن يتشاركو مالحظتهم وخرباهتم مع بعضهم )،(Janssen, 1987
وعليهم بشكل خاص أن يتعرفوا كيف يمكن ربط املالحظات واخلربات املجموعة يف
القطاعات املختلفة مع بعضها .عندئذ فقط يستطيعون دمج املظاهر املختلفة الضطراب
املريض و املظاهر املختلفة لنقله التي تتجدد يف تفاعالته املختلفة للحياة اليومية العالجية
والبني شخصية يف املستشفى ،وفهمها يف عالقاهتا ببعضها البعض.
ومن بني األساليب العالجية التي يتم استخدامها يف عالج املرىض املتجه اجتاه ًا
حتليلي ًا نفسي ًا هناك إىل جانب أساليب العالج اجلمعية ذات التوجه التحلييل النفساين
العالج الزوجي واألرسي ،واألساليب التي تعمل بوسائل غري لفظية كاألنشطة
العالجية اجلشطلطية واألساليب العالجية اجلسدية كاالسرتخاء الوظيفي و العالج
الرتكيزي احلركي وما يشبه ذلك ،واالسرتخاء الذايت و العالج باملوسيقى و األساليب
املؤثرة عىل السلوك و املدربة للسلوك كتدريب السلوك ،و كذلك أنشطة عالجية
اجتامعية التي يكون عامل اخلدمة االجتامعية مسؤوالً عنها .وتتنوع نقاط تركيز
األساليب العالجية األخرى املستخدمة حسب تكليف الرعاية و نوع املؤسسة أو
القسم .و يف بعض األحيان ينبغي عالج املرىض املضطربني بشدة لفرتة مؤقتة أو دائمة
باألدوية .وعندئذ ال تتم دراسة تأثريات األدوية وتناوهلا من منظور صيدالين نفيس
وإنام دائ ًام يف سياق اخلربة الالشعورية للمريض ورصاعاته .وأخري ًا ال بد وأن تكون
البيئة milieuبمعنى عالج بيئي مطبق بشكل حتلييل نفساين و نفيس دينامي جزء ًا من
تنظيم العالج .والعالج البيئي milieu therapyيعني أن رشوط احلياة اليومية
للمستشفى املؤسسية واملجالية و االجتامعية موضوعة من وجهات نظر عالجية و
تشكيلها عالجي ًا بشكل هادف.
وكذلك تلك الرشوط والنشاطات التي ال حتقق أغراض ًا عالجية بشكل مبارش،
354
ممارسة العالج النفسي
اإلرشاد
يتم تقديم اإلرشاد املصمم بشكل حتلييل نفساين يف العيادات العالجية ويف
املؤسسات اإلكلينيكية ،باإلضافة إىل املؤسسات املتخصصة التي حتتوي عىل موظفني
مؤهلني بشكل مناسب.
355
األسس النظرية للعالج النفسي
يتطلب تقديم اإلرشاد عىل أساس حتلييل نفساين أو علم نفس أعامقي خربات
إكلينيكية واسعة .وهذا ينطبق عىل األقل إذا ما فهمنا اإلرشاد ليس جمرد جلسة أو حمادثة
يقدم فيها املرشد معلومات ملستشرييه ،إنام تتم فيها مراعاة املظاهر النفسية الديناميكية
للمشكلة التي يلجأ املسرتشد بسببها لإلرشاد ومراعاة كذلك عالقة املرشد باملسرتشد.
ويف مثل هذه احلال البد أن يكون املرشد قادر ًا عىل التعرف خالل وقت قصري و عىل
أساس املعلومات الضئيلة عىل املحددات املتعلقة بالرصاع ملوضوع اإلرشاد .ويف
الوقت نفسه عليه أن يقاوم إغراء أن يورط املسرتشد الباحث عن املساعدة يف عملية
نكوصية التي قد تكون مفيدة لعملية عالجية ولكنها ليست مفيدة لإلرشاد ،طاملا ال
تتوفر رشوط اإلطار املالئمة لذلك.
ومن النادر أن تتم املسائل النظرية و العملية لإلرشاد املتجه اجتاه ًا حتليلي ًا مشكل
خاص من التدخل من منظور ختصيص .وعىل الرغم من أن اإلرشاد عىل أساس حتلييل
نفساين هو جمال تطبيق صعب و مهم فإنه ال يتم تقديره كثري ًا ال مادي ًا و معنوي ًا ،وربام
يكون هذا السبب هو الذي جيعل هذا املوضوع يف الدوائر املتخصصة ال يلقى الكثري من
االهتامم.
356
ممارسة العالج النفسي
يمكن للمريض أن ينكص بشكل مضبوط و حمدود .يف التشكيل يتم التعبري عن خربات
وهوامات ومشاعر غري شعورية ومصدودة يتم التقاطها من املعالج و مناقشتها بالتعاون
مع املريض يف حوار ختامي .وبالنسبة للمرىض الذين ال يستطيعون إما عىل أساس
النوع اخلاص ملرضهم أو عىل أساس سن نموهم أو مشاعرهم أو رغباهتم أو هواماهتم
التعبري لفظي ًا-رمزي ًا بشكل كاف ) (Boenner,1991فإن إمكانية التمكن من التمثيل أو
العرض بوسائل غري لفظية مهمة بشكل خاص .ويستخدم العالج اجلشطلطي كجزء
من تنظيم عالج مركزي سواء كعالج فردي أو ضمن املجموعة .يف املجموعة يستطيع
املريض الفرد مقارنة طريقته باخلربة و بمساعدة استجابات و إجابات املرىض اآلخرين
الوصول إىل خربات انفعالية تصحيحية.
كذلك ما يسمى باألساليب العالجية اجلسمية فإهنا غالب ًا ما تستخدم يف إطار
العالجات النفسية العالجية املركزية .وتستخدم تسمية "العالج اجلسدي" ملجموعة
من األساليب غري املتجانسة ،التي ال حتقق إال جزئي ًا املعايري التخصصية .و بمقدار ما
يتعلق األمر بأساليب كفؤة فإنه يتم استخدامها يف العالج النفساين املركزي (الرتقيدي)
مع أساليب أخرى بعد موائمتها عىل املرىض .عندئذ يصبح األسلوب جزء ًا مه ًام و ال
يمكن االستغناء عنه ملعاجلة املرىض نفسي ًا و نفسي ًا جسدي ًا .وتشبه بعض األساليب
العالجية اجلسدية بعضها يف أهنا توجه إدراكات و انتباه املريض عىل جسده وتعلمه
حتسس اخلربات املخزنة بوصفها بقايا جسدية يف وضعية جسده وحركاته
) .(Braehler,1986ولدى بعض املرىض عىل سبيل بمرض نفيس جسدي شديد فإنه
من غري املمكن يف بعض األحيان العمل بأساليب عالجية لفظية ،يف حني أنه يمكن من
خالل األساليب العالجية اجلسدية فتح مدخل نفيس عالجي إليهم .ومن بني أغلب
املعاجلات املركزية ذات االجتاه التحلييل النفساين املستخدمة عىل سبيل املثال العالج
الرتكيزي باحلركة ،واالسرتخاء الوظيفي وطريقة فيلدنكرايس ،Feldenkraisوطريقة
التنشيط اللطيف ،Eutonieو رياضة التنفس . .الخ.
يف العالج باملوسيقى فإن الوسيلة و األشكال هي املوسيقى ،حيث يتم استخدامها
357
األسس النظرية للعالج النفسي
عالجي ًا كوسيط للتعبري غري اللفظي والتواصل غري اللفظي ما قبل الرمزي
) . (Smeijsters, 1993وحسب شكل استخدام العالج باملوسيقى يترصف املريض
بشكل متلق للوسيط املوسيقى أو يعرب بشكل فاعل عن نفسه من خالل إنتاجه
للموسيقى .ويف الشكل االستقبايل للعالج باملوسيقى يتم استخدام االسرتخاء النفيس
واجلسد ي الذي يمكن أن يرتافق باإلنصات للموسيقى .وهنا يمكن أن حيتل التأثري
اجلسدي مركز الصدارة أو يتم إقامة ارتباط بالعالج الكاشف للرصاع ،من خالل
استخدام اخلربات االستقبالية للموسيقى يف احلوار اللفظي احلاصل بعد ذلك .باملقابل
حيتل يف الشكل اإلنتاجي للعالج باملوسيقى التعبري التواصيل بمساعدة الوسائل
املوسيقية مركز الصدارة .وهنا تصبح املوسيقى من خالل إمكاناهتا الصوتية و اإليقاعية
وسيط تواصيل –يف العالج الفردي بني املريض و املعالج ويف العالج باملجموعة بني كل
أفراد املجموعة ،املشاركني يف تشكيل العملية املوسيقية.
358
ممارسة العالج النفسي
النفساين التحلييل و العالج النفساين القائم عىل أساس علم نفس األعامق للراشدين و
لألطفال واليافعني إىل جانب العالج السلوكي و اخلدمات العالجية النفسانية التي
يقدمها األطباء يف إطار الرعاية النفسية اجلسدية األساسية.
ليست كل أساليب العالج التحليلية النفسية واردة يف دليل خدمات الضامن الطبي
القانوين .وهكذا فلم يتم إدخال التحليل النفيس التقليدي ذي التكرار العايل غري
املحدود يف مدته مسبق ًا من صناديق الضامن الصحي .وكذلك أساليب العالج الزوجي
واألرسي أو اإلرشاد ال يمكن احتساهبا عىل الضامن الصحي إال يف احلاالت االستثنائية.
وقد تم تنظيم دليل اخلدمات العالجية النفسانية للضامن الصحي القانوين فيام
يسمى بتعليامت-العالج النفساين ويشمل أساليب العالج التحلييل النفساين املذكورة
يف جدول (.)5
جدول ( :)5أساليب العالج التحليلية النفسية يف الضامن الصحي القانوين (طبق ًا
لتعليامت العالج النفساين
العالج التحلييل النفساين
املعاجلات النفسية القائمة عىل أساس علم نفس األعامق بأشكاهلا اخلاصة:
359
األسس النظرية للعالج النفسي
ويمكن أن يتم إجراء هذه األساليب العالجية يف إطار الضامن الصحي لدى
الراشدين و األطفال واليافعني سواء يف صيغة عالج فردي أم يف العالج باملجموعة.
وعىل الرغم أنه مل يتم يف تعليامت العالج النفساين ذكر كل األشكال العالجية ،فإنه يمكن
للعالج النفيس التحلييل أن جيرى كعالج قصري األمد و عالج بؤري.
أما مدة اخلدمات املحددة من صناديق الضامن الصحي القانوين فهي حمدودة يف كل
األساليب (جدول .)6
غري أنه يف التحديد املنظم بشكل صارم للخدمات بالنسبة للعالج التحلييل النفساين
تنعكس بقايا التحفظات يف الطب جتاه هذا التخصص ،إذ ال توجد يف أي جمال يف الطب
قواعد مشاهبة ملا هو عليه األمر هنا.
360
ممارسة العالج النفسي
العالج الفردي القائم عىل 50ساعة ،يف حاالت خاصة حتى 80ساعة ،احلد
األعىل 100ساعة. أساس علم نفس األعامق
-كعالج ضمن املجموعة
40ساعة مزدوجة ،ويف حاالت خاصة حتى 60
ساعة مزدوجة ،احلد األعىل 80ساعة مزدوجة.
وينبغي تقديم طلب قبل بدء العالج يتضمن تربيرات مفصلة للعالجات النفسية
التحليلية و العلم نفس أعامقية لدى صندوق الضامن الصحي يف املعاجلات التي سيتم
متويلها من الضامن الصحي القانوين؛ ويتم اختبار الطلب املغفل من قبل الرابطة االحتادية
ألطباء صناديق الضامن الصحي ،ويتخذ القرار فيام إذا كان العالج "رضوري ًا ،ومفيد ًا و
اقتصادي ًا" .ومن بني أساليب العالج القائمة عىل أساس علم نفس األعامق تم يف
تعليامت العالج النفساين باإلضافة إىل ذلك إدراج العالج منخفض التكرار يف عالج
طويل األمد للحفاظ عىل العالقة العالجية ،والعالج الديناميكي حسب دورسن
Duehrssenو –فقط يف حاالت فردية خاصة وبشكل خاص التي جيب تربيرها و فقط
القابلة لالستخدام إلكامل أساليب العالج اللفظي -خربة الصورة بالتخيل
.Katathymus Image experienceويتصف العالج النفساين الديناميكي ضمن أمور
أخرى من خالل التكرار املتنوع جد ًا و املتالئم يف كل مرة مع احلالة الفردية و يأخذ بعني
361
األسس النظرية للعالج النفسي
362
ممارسة العالج النفسي
الباب الرابع
العالج السلوكي
363
األسس النظرية للعالج النفسي
364
ممارسة العالج النفسي
الباب الربع
الفصل التاسع
العالج السلوكي
Hans Reinecker
بدأ التأسيس املستمر املشار إليه يف إنكلرتا و جنوب أفريقيا و الواليات املتحدة
األمريكية يف الوقت نفسه .ففي إنجلرتا كان هناك بداية آيزينك & Eysenck (1959
) ،1960الذي استخلص املبادئ والتعديالت النظرية التعلمية لالضطرابات النفسية.
وبفضله أصبح العالج السلوكي يف مستشفى ماودسيل Maudsleyيف لندن واسع التأثري.
وإىل جانب ذلك ال بد من ذكر شابريو ) M. B. Shapiro (1961, 1963الذي اعترب أن
العالج السلوكي ليسفي استخدام أو تطبيق لنظريات اخلاصة وإنام اعتربه بمرتبة املدخل
النفيس و يف تطبيق هذه املعرفة عىل احلالة الفردية .ويف جنوب أفريقيا استخدم ولبي
) Wolpe (1958مبادئ اإلرشاط (وبشكل خاص استناد ًا إىل إيفان بافلوف I. P.
Pawlowأو هل C. Hullيف عالج اضطرابات املخاوف املرضية؛ وأصبحت طريقة
365
األسس النظرية للعالج النفسي
Lazarus خفض احلساسية املنتظم التي طورها هو أو العاملني معه (الزاروس ورامخان
& Rachmanوآخرين) أنموذج ًا للطريقة العالجية السلوكية ولإلجراء املبدئي
(بالتدريج) و املعري حسب الظروف الفردية يف كل العالج السلوكي.
ويف الواليات املتحدة األمريكية فإنه عىل الرغم من أن تطور التحليل السلوكي قد
انطلق من أعامل سكنر ) Skiner (1953حول التعلم اإلجرائي؛ فإن مبدأ التحليل
الوظيفي للسلوك اإلنساين الذي يرجع إىل سكنر ،قد أصبح بالنسبة لتحليل السلوك
الذي سمي الحق ًا (تشخيص السلوك) مه ًام جد ًا ) .(Kanfer & Saslow, 1965إال أنه
بالتحديد هنا يصعب احلديث عن تطور موحد .فهناك كتابان ،أحدمها ألوملان و الثاين
لكراسنر ،Ullmann & Krasnerبعنوان "دراسة حاالت يف تعديل السلوك Case
)1965( Studies in Behavior Modificationأو "مقاربة نفسية يف السلوك الشاذ"
" "A Psychological Approach to Abnormal Behaviorيف عام 1969يعدان مميزان
للمدخل العلم نفيس اإلكلينيكي .كام تم يف عام 1966تأسيس اجلمعية األمريكية
للعالج السلوكي American Association for Behavior Therapyالتي يرمز هلا
اختصار ًا ،AABTويف عام 1978حدث توصيف للعالج السلوكي من خالل فرانكس
و ويلسون " :Franks & Wilsnيتضمن العالج السلوكي بشكل أسايس استخدام
املبادئ ،التي تم تطويرها يف أبحاث علم النفس التجريبي و االجتامعي؛ وهيدف إىل
ختفيض املعاناة والتقييدات اإلنسانية لقدرات الترصف اإلنسانية .ويلقي العالج
السلوكي أمهية عىل التقويم املنهجي لفاعلية وتطبيق مثل هذه املبادئ .ويتضمن العالج
السلوكي تعديالت املحيط و التفاعل االجتامعي وأقل تعديل العمليات اجلسدية من
خالل احلوادث البيولوجية .واهلدف هو بشكل أسايس تدريب وتنمية القدرات .وتتيح
التقنيات حتك ًام أفضل بالذات ) . (Franks & Wilsn,1978,P. 11وهذا الوصف و
التحديد لوجهات نظر فردية تعد حتى اليوم ملزمة ،حتى وإن نجمت مضموني ًا بعض
وجهات النظر املختلفة (أنظر ) .)Schmelzer, 1985والبد من رؤية هذه بالدرجة
األوىل ضمن سياق تطور ملنظومات التحليل األساسية للسلوك اإلنساين وما يرتبط
366
ممارسة العالج النفسي
367
األسس النظرية للعالج النفسي
) (Wolpe,1958أيض ًا كان نموذج تعلم املثري-االستجابة يمثل اخللفية (شكل )1
كرشوط أو ظروف موقفية ،وقد اعتربت املثريات هي املحددات الفاصلة للسلوك؛
فاجتهت مساعي البحث بالدرجة األوىل نحو سامت املثري Stimuliواالرتباط مع سلوك
العضويات (عىل سبيل املثال التمييز ،التعميم ...الخ)؛ ورسعان ما تم افرتاض متغريات
العضوية بمعنى الرشوط اخلاصة بالنوع و الفرد ،بحيث أنه تم توسيع النموذج إىل مثري-
عضوية-استجابة ( S-O-Rأنظر شكل .)2
Stimuli- والسمة األساسية هلذين النموذجني تكمن يف مبدأ املثري-البديل
Substitution
ويقصد هبذا حقيقة أنه ليس املثري غري اإلرشاطي األسايس UCSهو القادر عىل
استثارة استجابة خاصة ،وإنام يمكن أن يعقب ارتباط associationبني املواقف املرتبطة
زمنيا ومكاني ًا .ويمكننا استخدام هذا املبدأ األسايس إىل حد ما حتى اليوم لتفسري نشوء
استجابة القلق املريض (عىل سبيل املثال عندما تتوىل يف موقف مرهق مثريات حيادية
باألصل وظيفة مثري للقلق ،من نحو يف إطار نشوء واستمرار رهاب املدرسة عىل سبيل
املثال) .وحسب هذا النموذج فإن وظيفة العالج تكمن يف إضعاف و فك ارتباط ترابط
متعلم(عىل سبيل املثال من خالل بناء طاقة كبح يف خفض احلساسية املنتظمة).
مدخل خمتلف كلية لفهم السلوك اإلنساين تم من خالل املنظرين الذين يمكن
تصنيفهم يف جمال اإلرشاط اإلجرائي (أو التعلم األدايت .)Instrumental Learning
فحسب سكنر عىل سبيل املثال ( 1938و )1953الذي استند إىل األعامل األقدم
لثوريندايك ،)(Thorndike, 1898جيعلنا نفهم ذخرية سلوكنا كتعاقب أو تسلسل
الستجابات ،متتلك تأثري ًا عىل املحيط (شكل .)3
وتعد العالقة ،بني سلوك العضوية و رشوط النتيجة فاصلة بالنسبة للسلوك
والتعلم اإلنساين .وعىل الرغم من أن سكنر ( )1953يرى كذلك أن الرشوط املوقفية
تسبق السلوك ،إال أهنا متتلك فقط وظيفة مثري تنبيه تفريقي S أو ، S أي أن هلا
D
368
ممارسة العالج النفسي
وظيفة إظهار أو تبيان أية عواقب ستحدث بالنظر للرشوط اخلاصة للمثري .وهذا املبدأ
األسايس املعروض يف الشكل 3أصبح عملي ًا أساس كل طرق التعلم اإلجرائي(تم
عرض إمكانات التوليف بني عواقب السلوك و التعديالت النامجة عن ذلك عند عرض
طرق العالج السلوكي ،شكل .)16
ومنذ ثالثينيات القرن العرشين حدث نقاش واسع حول أولوية واحد من مبدأي
التعلم املناقشني .ورسعان ما اتضح بالنسبة للميدان العميل للعالج السلوكي بأنه ليس
من املمكن عملي ًا العمل مع نموذج واحد فقط ،بحيث حدث توليف تقاريب (Kanfer
)(& Phillips, 1970, Hearst, 1975الشكل .)4
ووفق هذا النموذج تم النظر للسلوك اإلنساين عىل أنه مغروس يف رشوط مثري )،(S
متارس تأثريها عىل السلوك اإلنساين من خالل متغرية ) ،(O-variableويف الوقت نفسه
يتم توجيه السلوك من خالل عواقبه ،مع العلم أن العاقبة حتدث من خالل عالقة
احتاملية خاصة أو من خالل جدول تعزيز .وقد لعب هذا النموذج اخلطي-التقليدي
دور ًا بارز ًا لتطوير العالج السلوكي؛ وكنموذج مميز نشري هنا إىل نموذج العاملني ملاورير
) :(Mawrer,1947وطبق ًا هلذا النموذج يمكن تفسري نشوء القلق (كاستجابة انفعالية
مرشوطة conditional Emotional Reactionويرمز هلا )CERمن خالل اإلرشاط
التقليدي (االرتباط بني املثري اإلرشاطي CSو املثري غري اإلرشاطي ،)UCSإال أن
استمرارية استجابة القلق فيتم تفسريها من خالل تعلم التجنب اإلجرائي (يتم تعزيز
الفرد بشكل سلبي باستمرار يف استجابته التجنبية [ ]Rمن خالل غياب النتيجة املتوقعة
.)
ويمكن عرض نظرية العاملني عىل النحو املعروض يف اشكل (.)5
ويمكن اعتبار نموذج نظرية العاملني يف بنيته األساسية عىل أنه مازال حتى اليوم
ذو أمهية :فهو مالئم بشكل خاص لتفسري نشوء و استمرارية املخاوف و بشكل خاص
لتوضيح ثبات سلوك التجنب (يف الرهابات أو اضطرابات القهر عىل سبيل املثال).
369
األسس النظرية للعالج النفسي
370
ممارسة العالج النفسي
371
األسس النظرية للعالج النفسي
وهذا الفصل إىل مستويات التحليل املختلفة برهن فائدته وقابليته لالستخدام العالجي.
كام حصل تطور آخر يف مظهر الديناميكية ،أي إرجاع املستويات املختلفة(ـنظر
) :Kanfer, 1971P Kanfer & Karoly,1972هنا تلعب بشكل خاص وجهات نظر
تنظيم الذات (أي مالحظات السلوك الذايت ،حتديد أو وضع معيار داخيل ...الخ) دور ًا
خمتلف ًا .كام تم توسيع منظومة التنظيم الذايت ملظاهر متثل املعلومات عىل خلفية بيولوجية
و فردية (إيديوغرافية .)idiographicو هبذا حتل حمل فرضية العضوية الساكنة و العاملة
بشكل خطي.
وباإلضافة إىل ذل كالبد من النظر لسمة التنظيم املتعدد كمجال مهم :املكونات
املفردة تتشابك مع بعضها بحيث ينجم أيض ًا من حمددات السلوك إمكانات تأثري خمتلفة؛
وقد اقرتح كانفر ( 1971و )1977أو كانفر و شيفت ( )1987مصطلحات ضبط
. ويقصد بـ الرشوط اخلارجية أو رشوط املحي ،ويقصدبـ املثريات
املنتجة ذاتي ًا و بـ املحددات البيولوجية أو الفيزيولوجية .وعىل خلفية هذه األفكار
372
ممارسة العالج النفسي
النظرية والتجريبية واإلكلينيكية فإننا نذهب اليوم من املنظومة التالية لتحليل السلوك
اإلنساين (شكل .)6
ويف هذا النموذج رسعان ما نتعرف عىل مسامهة تارخيية و منهجية لسكنر من جهة
وبافلوف من جهة أخرى :و التاميز حصل يف جماالت ثالثة:
و ؛ .1فصل يف متغريات و
ليس بالرضورة هلذه املتغريات أن تكون متطابقة مع املستويات املوضحة قبل ذلك،
373
األسس النظرية للعالج النفسي
إال أنه هناك جمموعة من النقاط املشرتكة و التقاطعات .و الفرق الفاصل بتحليل
املستوى يكمن يف احلال املتمثل يف أن األمر يتعلق هنا بمحددات Determinants
السلوك اإلنساين (" ... ...مصادر التأثري.)"sources of influence ... ...
متغريات : -الرشوط املوقفية اخلارجية ،ولكن أيض ًا السامت القابلة للمالحظة
للسلوك ،عندما متثل هي حمددات متغريات أخرى (تابعة إىل حد ما).
مثال :مثريات املحيط ،وكذلك أيض ًا بعض االستجابات الغريبة التي متثل من
الناحية الوظيفية رشوط السلوك اإلنساين.
متغريات : وتشمل العمليات الفكرية املخفية و التي يمكن اعتبارها كذلك
مثريات أو سامت أو عواقب (أي ثانية حمددات) جمرى السلوك اإلنساين .
مثال :أفكار القهر كمثريات للسلوك الطقيس؛ األفكار االكتئابية-املقللة من القيمة
كسمة و كعرض مرافق ألنامط السلوك االكتئابية؛ التوقعات اإلجيابية كوسائط
moderatorsلالستجابات املستقبلية ...الخ.
متغريات : واملقصود هبذا سواء العتاد الفيزيولوجي والبيولوجي املستمر
لإلنسان (من نحو السن ،اجلنس ،الرشوط اهلرمونية ) ...أم التأثريات اجلسدية الراهنة،
من نحو األدوية ،الكحول ...الخ .وهذه املتغريات تشكل كذلك حمددات هامة، ،إن
مل تكن الوحيدة للسلوك اإلنساين يف املجرى املستمر.
تكمن وظيفتنا عند حتليل االضطرابات النفسية يف البحث يف حالة مستمرة عن
رشوط املجاالت الثالثة للمحددات ،وهنا ينبغي أن يكون من الواضح مبارشة أن حمدد ًا
وحيد ًا (املستوى البيولوجي عىل سبيل املثال) يكاد ال تكفي وحده من أجل فهم جمريات
السلوك اإلنساين املركبة.
374
ممارسة العالج النفسي
مثال :من املمكن أن تستثري قطعة خبز أو حتى قائمة الطعام لدى
شخص جائع أو شبعان (متغرية O؛ يف االصطالح املذكور أعاله متغرية
) استجابات خمتلفة سواء عىل املستوى الفكري أم عىل مستوى السلوك
أم عىل املستوى اجلسمي .
إذ ًا يف حني أن مراعاة الرشوط اجلسمية (متغريات ) قد تبدو أمر ًا بدهيي ًا ،فإن
كأجزاء من منظومة تنظيم الذات مل تتم مراعاهتا إال مؤخر ًا و ذلك بشكل خاص كنتيجة
لألعامل األساس لعلم النفس املعريف.
و متغريات يف جمال منظومة تنظيم الذات هي متغريات تاريخ احلياة (كمتغريات
شخصية كامنة) وكذلك الرشوط االستعرافية الراهنة .فالعمليات الفكرية الراهنة و
التوقعات و املخاوف . ...الخ توجه سلوكنا بدرجة كبرية .وكمثال يمكن لإلنسان يف
375
األسس النظرية للعالج النفسي
جمال احلياة اليومية أن يشري إىل ألعاب احلظ ،ويف جمال علم النفس املريض يمكن اإلشارة
إىل املجال الواسع الضطرابات القلق :فاملرىض يتجنبون املواقف املختلفة (التسوق،
داخل املدينة ...الخ ،ليس كثري ًا بسبب أهنم قد خربوا ترضر ًا حقيقي ًا (مستوى ،)
وإنام ألهنم يتوقعون مثل هذا الترضر.
.3الديناميكية
وتبدو هذه السمة سمة مركزية للنموذج املنظومي ألنه قد متت مراعاهتا من قبل
النامذج اخلطية األقدم (عىل سبيل املثال .)S-O-R-Contingency connection-Cفحتى
داخل املتغريات (عىل سبيل املثال و و ) ال بد من االنطالق من تفاعل ديناميكي
للمحددات املنفردة؛ فحتى املوقف البسيط (عىل سبيل املثال تناول الطعام) يتضمن
عنارص فيزيائية و فكرية وبيولوجية-فيزيولوجية .و التشبيك (إىل حد ما الذي يسري
برسعة كبرية) للمحددات املنفردة هو الذي يقود أوالً إىل استجابات أخرى .وعلينا أن
نتصور نفس الرتكيبة الديناميكية يف كل العنارص األخرى لنموذج املنظومة.
وكذلك البد من االنطالق من عمليات التفاعل واإلرجاع بني املتغريات املنفردة
األخرى ،وهو ما يربر أوالً التسمية كنموذج منظومي .فنحن نبني عىل سبيل املثال
توقعات استباقية فيام يتعلق بالعواقب املحتملة للمواقف و أنامط السلوك (قارن
)Bandora,1977؛ فعواقب السلوك الراهن تشكل إرجاع ًا تصحيحي ًا سواء عىل سلوكنا
أم عىل معايرينا و توقعاتنا.
وهنا تبدو أخري ًا اإلشارة مهمة إىل أنه مل يتم إدخال العنارص املنفردة من أجل توسيع
التعقيد؛ بل هي تفيد كرضيبة ملراعاة النتائج من جمال علم النفس ككل .باإلضافة إىل
ذلك البد من التأكيد عىل أنه يف احلالة امللموسة من املمكن بل وجيب القول أنه من خالل
تبسيط ختفيض التعقيد فإن نموذج املنظومة يفيد كنوع من النموذج البعدي Meta-
،modelكخلفية للترصف امللموس وإىل حد ما لتشبيك الترصف العالجي املنتظر يف
مواقف حمددة.
376
ممارسة العالج النفسي
مل يتم تطوير نموذج املنظومة من أجل رفع تعقيد العرض -بالعكس:
النامذج البسيطة تبدو مثالية لتحليل املوضوع املعقد .وتطوير النموذج يتم
بشكل خاص بسبب:
.1الرضورات اإلكلينيكية و التجريبية و النظرية ،ومن أجل أخذ تعقيد
السلوك اإلنساين بعني االعتبار،
.2ومن أجل حتقيق التبسيط ،من أجل أن يظل النموذج قاب ً
ال لالستخدام.
باإلضافة إىل ذلك ال بد من التأكيد عىل أنه يف هذا النموذج يتعلق األمر
أيض ًا بنموذج مرن و واضح يف حتليل السلوك ،يظل مفتوح ًا من أجل
التطوير والتوسيع (حول مفهوم املنظومة Systemأنظر G. E.
.)Schwarz,1982
377
األسس النظرية للعالج النفسي
378
ممارسة العالج النفسي
379
األسس النظرية للعالج النفسي
املعروض واملثال البد وأن يتضح بشكل كبري بأن العالج السلوكي ال يعني بأي شكل
من األشكال تعديل مشكلة ما بشكل "مبارش"(كام يسمى غالب ًا "عالج األعراض"):
فمن وجهة النظر العالجية السلوكية فإنه ال يمكن عىل اإلطالق معاجلة مشكلة ما بشكل
"مبارش" (أو حتى "التغلب عليها" -فالعالج السلوكي يتضمن يف جوهره تعديل لتلك
الرشوط التي حتافظ عىل استمرارية املشكلة؛ وهذه من املمكن أن تكون رشوط ًا خمتلفة
كلية عن تلك املسؤولة عن منشأ املشكلة.
ويظهر التحليل الوظيفي الناتج بشكل واضح كلية ما هي النقاط املمكن فيها
التعديل و ما هي النقاط التي يصطدم فيها التعديل بحدوده ،وهذه احلدود قد تكون
واقعة خارج إمكانات تأثري الفرد (من نحو الرشوط اخلاصة بالعمل؛ حقيقة االنتشار
الثقايف للكحول ...الخ عىل سبيل املثال) .وتكمن قيمة التحليل الوظيفي بشكل خاص
يف أنه يعطينا أيض ًا مستويات التدخل الالزم عىل األقل مبدئي ًا :وهذه املستويات من
املمكن أن تكون كامنة يف املجال النفيس ،إال أن هذا ليس بالرضورة –بل عىل العكس:
ففي كثري من احلاالت نصطدم مع التأثريات النفسية هناك عىل احلدود التي ال تكون فيها
التعديالت النفسية الزمة بل التغريات السياسية و القانونية واالجتامعية واالقتصادية.
وبالنتيجة فإن املرء يف العالج السلوكي يتجاوز جمال املبادئ النفسية بوصفها مبادئ علم
نفس اجلامعات أو علم النفس االجتامعي أو املبادئ السياسية أو الوقائية إىل املجاالت
األساسية إلجراء بني ختصيص .interdisciplinary
وبالطبع فإنه يفرتض أن يكون داخل الرؤية الوظيفية (أو التحليل التطبيقي
للسلوك Sidman,1969;Baer,1882 [ABA] ) Applied Behavior Analysisممكن ًا أن
يؤخذ بعني االعتبار بالنسبة لتحليل وتعديل مشكلة نوعية يف العادة الرشوط املختلفة-
ومن ثم وجوب تعديلها .وهذا يتطابق أيض ًا مع الرؤية متعددة األبعاد املتبناة يف نموذج
املنظومة لشفارتس)(Schwarz,1982للمشكلة النفسية و رشوطها (أنظر أيض ًا الطب
السلوكي).
380
ممارسة العالج النفسي
381
األسس النظرية للعالج النفسي
382
ممارسة العالج النفسي
383
األسس النظرية للعالج النفسي
.4الطب السلوكي
تم تطبيق املبادئ العالجية السلوكية باألصل لعالج االضطرابات النفسية فقط؛
إال أن هذا قد تغري بشكل كبري منذ حوايل أواسط السبعينيات من القرن العرشين؛ أما
األسباب املؤدية لذلك فقد كانت األسباب التالية من ضمن أسباب أخرى:
أ -يأخذ الطب السلوكي بعني االعتبار الفهم املتغري للصحة واملرض من
حيث أن الصحة واملرض ال يمثالن حالتان قابلتان لالنفصال؛ ففي
إطار نموذج اجتامعي نفيس بيولوجي تلعب العوامل النفسية أو املظاهر
السلوكية دور ًا مه ًام يف كل األمراض.
384
ممارسة العالج النفسي
385
األسس النظرية للعالج النفسي
يستند الطب السلوكي بدرجة عالية عىل وجهة نظر البني ختصصية
Interdisciplinaryواملبدأ املنظومي؛ وهذا يتجىل أيض ًا يف تعريف الطب السلوكي
): (Schwarz & Weiss 1978
"يقصد بالطب السلوكي املبدأ البني ختصيص ،يسعى فيه اإلنساين لتطوير ودمج
املعرفة واألساليب ،املهمة من جانب العلوم الطبية السلوكية والطبية البيولوجية ملشكلة
الصحة و املرض .ويتم استخدام هذه املعرفة وهذه األساليب للوقاية و للتشخيص
واملعاجلة و إعادة التأهيل" (ص.)50
ومن الواضح أن اإلقرار بالبني ختصصية و بنموذج اجتامعي-نفيس-بيولوجي مل
جيعل أسئلة التطبيق حتل من تلقاء نفسها ،إال أنه علينا أن ننظر ملراعاة املظاهر النفسية
وبشكل خاص املظاهر السلوكية يف البحث والرعاية الصحية بوصفه تقدم ًا واضح ًا
باالرتباط مع مشكالت الصحة واملرض.
.5التقويم
يعني العالج السلوكي إجراء ًا مستمر ًا؛ فمن أجل ضامن نوعية اإلجراء العالجي
يمكن ذكر جمموعة كاملة من االسرتاتيجيات التي متتلك تقاليد راسخة يف طرق البحث
بشكل عام ويف تقويم األساليب العالجية السلوكية بشكل خاص ).(Kazdin,1994
وبالتحديد بالنسبة للمامرسة العالجية السلوكية تبدو مبادئ حتليل احلالة الفردية و
اإلجراء التحلييل الفردي ذات أمهية كبرية .فاملعاجلون يتعاملون يف العادة مع احلالة
الفردية التي يمكن توثيقها بمعنى املامرسة املضبوطة و يمكن معاجلتها بوصفها أساس
للتقويم املنهجي.
ويقصد بالتقويم احلكم الذي هو أبعد من جمرد التحديد أو القياس للفاعلية
العالجية فيام يتعلق باملعايري املركزية؛ فاملقصود هبذا بشكل خاص املحكات من منظور
املريض (عىل سبيل املثال أمهية تعديل ما واستمراريته) و وجهات النظر فيام يتعلق
التكاليف و الفائدة و التوليف بينهام يف احلكم عىل أسلوب عالجي .وتعد هذه املظاهر
386
ممارسة العالج النفسي
يف النظام الصحي –وبشكل خاص حتت كلمة الرس "ضامن اجلودة" -أساسية و هلذا
البد من جعلها األساس الكامن خلف التقويم لألساليب العالجية السلوكية .ومن
أجل العرض التوضيحي راجع الفصل العارش من هذا الكتاب).
387
األسس النظرية للعالج النفسي
يف الشكل ( )9عرض النموذج ختطيطي ًا .وكنقاط أساسية تم يف األطوار األساسية
معاجلة املواضيع التالية (بالنسبة لألطوار أو املراحل منفردة فقد تم التعرض للمظاهر
اجلوهرية).
فحتى يف املرحلة األوىل حيدث توضيح أويل لشكاوى املريض التي حتتل مركز
الصدارة (بمعنى الغربلة .)screeningأما التحليل املعمق والتفصييل للشكاوى –أي
حتليل الشكاوى بوصفها مشكلة نفسية -فيتم يف اخلطوات التالية من العملية العالجية.
وتتضمن املرحلة األوىل بناء الثقة التي البد للمتعالج أن يمتلكها باملعالج؛ و يف هناية هذه
املرحلة تقريب ًا يفرتض للمريض أن ينظر للتعاون املستقبيل مع املعالج كمرشوع يستحق
388
ممارسة العالج النفسي
العمل عليه.
املهم بالنسبة لبناء دوافع تعديل هو أال يظل هذا مقترص ًا عىل املجال اللفظي (بمعنى
اإلقرار باملقاصد)؛ بل عىل املريض أن يعيش بشكل ملموس كلية (من خالل أمثلة
بسيطة ،اخلطوات األوىل لسلوك جديد) ،الطريقة التي يمكنه فيها أن يسهم نفسه
بالتعديل .ومن أجل توضيح الدافعية ينبغي معرفة أي جمال من جماالت املشكلة ممكن
تعديله أو يف أي جمال من املمكن أن يتعلم املريض تقبلها .و من بني ذلك يقع أيض ًا
389
األسس النظرية للعالج النفسي
390
ممارسة العالج النفسي
391
األسس النظرية للعالج النفسي
املشكلة عىل
املستويات
املختلفة
وهنا حيصل بني املعالج و املتعالج اتفاق عىل األهداف التي ينبغي السعي نحوها؛
و ينبثق هذا االختيار من حتليل السلوك (املرحلة الثالثة) هلذا وضع األهداف يتضمن
دائ ًام مظاهر معيارية بشكل جزئي.
وغالب ًا ما تكون األهداف املصاغة يف البداية من املريض أقل حتديد ًا عدا عن أهنا
عادة ما تكون مصاغة بصورة سلبية (" . ...أريد أن أعود كام كنت يف السابق. ...
" . ..."،ينبغي أن يزول االكتئاب .)" ...ويشرتط االتفاق عىل األهداف يف كثري من
احلاالت توضيحها؛ ومن ضمن هذا تدريج األهداف العالجية اجلزئية و كذلك توضيح
عالقة األهداف العالجية بتصورات القيم واملعايري عند املريض (بمعنى أهداف احلياة).
وكإمكانية لتوضيح اهلدف و القيمة توجد يف العملية العالجية جمموعة من
االسرتاتيجيات .وسنشري إىل أمثلة عنها هنا:
-استعارة حقيبة الظهر :حيمل املتعالج حقيبة ظهر مملوءة بمشكالته؛ ومع تقدم
392
ممارسة العالج النفسي
393
األسس النظرية للعالج النفسي
394
ممارسة العالج النفسي
بالنسبة للتقويم؛ فمن أجل املقارنة العالجية الواسعة يتم استخدام اإلمكانات املختلفة
لقياس حتقيق اهلدف .(Kiresuk & Sherman,1968) Goal -Attainment –Scaling
وهنا يتم تقويم إىل أي مدى يتقدم التعديل باجتاه هدف ما.
395
األسس النظرية للعالج النفسي
تعلم قواعد أو مهارات حل املشكلة و اإلدارة الذاتية (بمعنى تعامل استعرايف مرن
مع اسرتاتيجيات عالجية متعلمة؛ توقع الصعوبات.) ...
ومن أجل التعميم و تقديس النجاح هناك أيض ًا ختطيط دراسات بعدية Follow-
up؛ وهنا يظهر فيام إذا بقيت التأثريات العالجية بعد انتهاء العالج ثابتة .ويتعلق اختيار
زمن املتابعة بطبيعة املشكلة و حسب اإلمكانات امللموسة للمريض و املعالج (يف العادة
بني السنة والنصف حتى السنتني).
ويف اخلتام ينبغي يف نموذج العملية اإلشارة إىل أن األمر يتعلق بنموذج مثايل ،إال
أنه أثبت نفسه عىل أنه مفيد جد ًا من أجل تصميم العملية العالجية.
396
ممارسة العالج النفسي
397
األسس النظرية للعالج النفسي
التشخيص كتفسري
;(westmeyer,1975 التشخيص أساس ًا هو حماولة لتفسري موضوع خاص
) :Shulte,1976إذ يتم البحث عن القانونيات النفسية و الرشوط اهلامشية التي يمكن أن
398
ممارسة العالج النفسي
تقدم لنا تفسري ًا حلدث حمدد .ويمكن توضيح بنية مثل هذا التفسري من خالل مثال
مقتبس عن شتيغموللر :Stiegmueller,1974
ق 1ق (قانونيات علم النفس ) ...عىل سبيل املثال:
ن ...
399
األسس النظرية للعالج النفسي
النظرية ،بحيث أن التفسريات ال يمكن أن تتم إال من خالل وصوفات خاصة مصبوغة
نظري ًا .هلذا يقترص املرء يف علم النفس و العالج السلوكي عىل التفسريات اجلزئية أو
غري املكتملة
400
ممارسة العالج النفسي
401
األسس النظرية للعالج النفسي
شكل ( )1خمطط للتفريق بني الفرضيات األساسية للتشخيص التقليدي و تشخيص السلوك
ويمكن توضيح الفرق اجلوهري بني التشخيص التقليدي و تشخيص السلوك من
خالل املوجز التايل (شكل :)11
تكمن املسألة الرئيسية يف مبدأ العينة فيام إذا كان باإلمكان اعتبار السامت املقاسة يف
موقف حمدد ممثلة للمجال الذي هنتم به و إىل أي مدى يمكننا ذلك .وطبق ًا ألسس
العالج السلوكي حياول املرء بشكل حتمي كلية مالحظة سلوك شخص ما يف املوقف
املطابق (املوقفية أو التفاعلية )Situationism or Interactionismوطبق ًا لذلك من
املحتمل أن يكون قياس الشكاوى يف العيادة لشخص ما يف موقف مقابلة قياس ًا
معلوماتي ًا .إال أنه من املمكن هلذه املعلومات أال تعطي إال عينة جزئية و إىل حد ما
مشوهة جد ًا لسلوك املحك .هلذا فإنه تتم املالحظة يف طرق القياس يف املواقف الطبيعية
402
ممارسة العالج النفسي
التأصيل
بام أن املرء بالنسبة لتشخيص السلوك أيض ًا يبقي عىل مطلب التفسريات فإن هذا
يتطلب حتقيق نوعية املطلب للمكونات املنفردة لنموذج التفسري .وعىل مستوى التفسري
Explanandumsوصف ًا دقيق ًا قدر اإلمكان عىل مستويات عدة (أنظر فقرة مبدأ
املستويات املتعددة و مبدأ املنظومة الحق ًا) .وهذا الوصف يكون أكثر دقة وموضوعية
كلام ظل أكثر قرب ًا من سلوك (عىل عدة مستويات) الشخص و كان تأثري التفسريات
والتقويامت الذاتية أقل .وما يشبه ذلك يرسي عىل الرشوط السابقة Antecedence
،Conditionsالتي عىل الرغم من أنه يمكن قياسها بدقة بالنسبة جلزء الرشوط املحافظة
403
األسس النظرية للعالج النفسي
عىل االستمرارية ولكن ليس بالنسبة ملجال عوامل النشوء .وفيام يتعلق برشوط القانون
يقصد بالتأصيل نوعية النامذج النظرية التي يمكن استخدامها للتفسري .يف كل
التوصيفات للعالج السلوكي يتم االستناد إىل كامل جمال علم النفس و الفروع
التخصصية اجلارة بحيث يمكن للمرء أن يتبنى أفضل الفرضيات النظرية.
أما مسألة اختيار النامذج النظرية النوعية فتشري من جهة إىل نوع من التفضيل و
الذاتية ،الذي من املمكن أن يكون مرغوب ًا يف الواقع بمعنى التعددية النظرية theoretical
pluralismوفق مبدأ (" ...كل الطرق تقود إىل روما.)" ...
املقبولية Plausibility
يرتبط مطلب املقبولية مع مبدأ التأصيل؛ ويقصد مقبولية تشخيص السلوك بأن
نامذج تشخيص السلوك ينبغي أن تكون مصاغة بوضوح وشفافية بحيث يمكن فهمها
من املريض أو املتعالج وأن يتم جعلها مفيدة .هلذا تعد املقبولية إىل جانب التأصيل
النظري سمة أساسية ،ألن النامذج النظرية لعلم النفس تظهر إىل حد ما درجة من التعقيد
الذي قد يصعب فهمه من املريض .وهذا جيب أال يفهم بأنه دفاع عن التبسيطية:
فشفافية اإلجراء العالجي ليست جمرد مطلب مهم (بمعنى حفز املريض ...الخ ،) ،وإنام
مقبولية التفسريات تتناسب أيض ًا مع حاجة مهمة للمريض نحو تفسري شكاواهم (العزو
السببي) .باإلضافة إىل هذا يظهر باستمرار أن مقبولية ووضوح اإلجراء متثل سمة
عملية process Traitمهمة جد ًا للعالج.
األهمية العالجية
ال يقوم املعالج باحلصول عىل املعلومات التشخيصية كهدف بحد ذاته و ليس من
أجل التوضيح للمريض (نموذج املقبولية)؛ بل أهنا تفيد كأساس مركزي لإلجراء
العالجي .ويف كثري من التوصيفات للعالج السلوكي يتم وصف هذا عىل أنه نوع من
املعرب غري املتصل للتشخيص والعالج .واملقصود هبذا أن مجع املعلومات يتم من منظور
تعديل ما ،وأن مجع املعلومات ذاته (املالحظة الذاتية عىل سبيل املثال) تربهن تأثريات
404
ممارسة العالج النفسي
يقصد هبذا يف السياق العيادي كل أنامط السلوك القابلة للمالحظة التي تشكل أو
متثل جزء ًا من املشكلة ،عىل سبيل املثال سلوك الطعام ،اإليامءات ،و اإلشارات،
استجابات اهلروب والتجنب ...الخ .وتكمن وظيفة املشخص يف مالحظة املظاهر
405
األسس النظرية للعالج النفسي
املهمة بشكل مبارش و مستقل (دون تأثري أو تأثر) قدر اإلمكان وتسجيلها.
Level of subjective-Cognitive .2مستوى العمليات االستعرافية-الذاتية
Processes
املقصود هنا حمتوى الشكاوى التي يعرب عنها عىل األغلب بشكل لفظي (عىل سبيل
املثال" ...أشعر بأين خائر القوى ،متحطم ..." . ...أشعر بنفيس طوال اليوم بعدم
اهلدوء و القلق ... " ...الخ) .إن حتديد و االهتامم هبذا املستوى االستعرايف هو نتيجة
حتمية من بني أمور أخرى للحالة املتمثلة يف أن آليات التمثل االستعرافية (األفكار،
التوقعات ) . ...متثل عىل ما يبدو وسائط مهمة لالضطرابات اإلنسانية .بل أن هذه
السامت االستعرافية تعديف كثري من احلاالت جماالً مركزي ًا لالضطراب النفيس (عىل
سبيل املثال أفكار قلق التوقع ،األفكار القهرية ...الخ).
.3مستوى احلدث الفيزيولوجي النفيس-اجلسدي
يشكل هذا املستوى الذي غالب ًا ما يعيشه املريض عىل أنه منترش diffuseيف كثري من
حاالت املشكالت اإلنسانية سبب ًا للقلق الشديد للمريض؛ فلنفكر باألعراض اجلسدية
املرافقة الستجابات الضغط أو بإدراك التغريات اجلسدية (إيقاع التنفس ،رضبات
القلب ) ...أو بالتقلبات الفيزيولوجية-اهلرمونية .و يعد حتديد هذه املستويات النفسية
البيولوجية يف هذه األثناء من معايري اجلهود التشخيصية السلوكية.
وبمقدار ما يبدو تقسيم السلوك اإلنساين إىل هذه املستويات الثالثة املذكورة
واضح ًا و يف هذه األثناء بدهيي راًَ ،إال أن ذلك مرتبط بسلسلة من الصعوبات & (Eifer
) .Wilson,1991فمن جهة أوىل نشري إىل املشكلة العملية بأن املعاجلني املتدربني بشكل
خاص يواجهون صعوبات يف أي جمال من املجاالت سيموضعون املشكلة و أي من
البيانات عليهم احلصول عليها (ما الذي ينبغي عيل سؤاله للمريض؟ ،ما الذي ينبغي
عيل مالحظته؟) .وهذه األسئلة حمقة و مفهومة؛ فمن واجب التأهيل الالحق واملستمر
النفيس العيادي للمعاجلني املتدربني تسهيل املدخل للمشكالت النفسية .فاملعرفة حول
406
ممارسة العالج النفسي
سامت صور االضطرابات النوعية من جهة و توصيل تصويرات التحليل من جهة ثانية
تشكل عنارص مهمة للتأهيل الالحق واملستمر.
وهناك مشكلة أساسية أخرى لتحليل املشكالت اإلنسانية عىل املستويات املختلفة:
فعىل الرغم من أن املستويات املختلفة تشري إىل ارتباط ما ،إال أنه علينا أن نأخذ بعني
االعتبار عدم التزامن أو التساوق .asynchronizationواملقصود هبذا أن املستويات
املختلفة للسلوك اإلنساين و االضطرابات اإلنسانية ال تظهر و تسري بأي شكل من
األشكال بشكل متجانس .ففي كل االضطرابات تقريب ًا تظهر مستويات منفردة بقوة أو
ترتاجع ) .(Eifert & Wuilson,1991وقد تكون النتيجة النامجة عن هذا الوضع هي أنه
ال جيوز لنا االقتصار عىل حتديد مستوى واحد ونخلص منه إىل املستوى اآلخر
(االختزالية .)Reductionismبل أن تشخيص السلوك والتحليل عىل املستويات
املختلفة يتضمن االعرتاف بحقيقة أن السلوك اإلنساين يشمل عىل مستويات خمتلفة و
هو حمدد برشوط خمتلفة (التنظيم املتعدد .)Multiple Regulationفإذا قام املرء بتحديد
(قياس) املستويات الثالثة بدرجاهتا ،فلن يعود أي معنى للسؤال القائل أي من
املستويات هو األسايس أو املركزي أو املهم بشكل خاص ...الخ.
وكمظهر أخري نشري إىل أنه ينبغي النظر ملستويات السلوك اإلنساين عىل أهنا
مستويات مركزية وذلك ألسباب طرائقية (وليس ألسباب مضمونية) :فاختبار ترسيخ
سواء الطروحات الفرضية أم أيض ًا البيانات املستخلصة (عىل سبيل املثال حول
العمليات االستعرافية ،التوقعات ...الخ ،التي هي ليست قابلة للمالحظة بشكل مبارش
من حيث املبدأ) ال يمكن أن يتم إال من خالل حمكات تكون قابلة للموضعة وقابلة
لالختبار بني ذاتي ًا .intersubjectiveوهذا ينطوي عىل إقرار بالسلوكية املنهجية
methodological Behaviorismالذي ال يتضمن شيئ ًا آخر غري املعلومة البدهيية بأنه
علينا أن نخترب الفرضيات و أن هذا االختبار ال يمكن أن يتم يف النهاية إال عرب سامت
السلوك.
407
األسس النظرية للعالج النفسي
408
ممارسة العالج النفسي
فسيكون هذا قرص نظر و يشبه ما يسمى "باالستنتاج اخلطأ الطبيعوي ..."naturalistic
1
.فتحديد اهلدف يصبو نحو التحديدات املعيارية التي يفرتض أن ينظر إليها عىل خلفية
معيارية؛ فمن مهمة التشخيص جعل هذه الوظيفة واضحة و شفافة.
حتليل السلوك :يف هذا السؤال املنطقي تتم حماولة وصف السلوك املشكل بدقة قدر
اإلمكان؛ إن مطلب التحليل الوظيفي يتكون من حتليل رشوط السلوك .وهنا يفرتض
للرشوط أن تكون شاملة للمنشأ وللرشوط املحافظة عىل االستمرارية؛ والبد أن نأخذ
بعني االعتبار أن رشوط أو عوامل النشوء لسلوك مشكلة ما إنام يتم حتديده بشكل
اسرتجاعي و من ثم افرتايض .إال أنه بالنسبة لفهم املشكلة و بشكل خاص بالنسبة
لتحليل التطور و بالنظر للقيمة الراهنة للباثولوجيا (أنظر نموذج املقبولية) فإن هذا يبدو
ال فإنه يمكن يف الوقت الراهن حتديد رشوط مشكلة ما؛ و مه ًام .بشكل أكثر دقة وتأصي ً
يقصد بالرشوط –بمعنى الفهم املتواضع "لألسباب" –تلك املتغريات (Reason
) (=RV) variablesالتي يسهم تعديلها يف تعديل املشكلة )(adjustment Variables
) .(=AVوإىل حد ما فإن جوهر حتليل السلوك يكمن يف "نموذج الرشوط االفرتايض":
وهنا يتم عرض تلك املتغريات –عىل األغلب عىل شكل عرض ختطيطي -التي يفرتض
املرء بشكل مربهن أهنا تسهم يف استمرارية املشكلة .و يف العادة يفيد النموذج كأساس
لتخطيط العالج ز إجراءه(أنظر املثال أدناه) .و يبدو أنه من الرضوري من أجل التحليل
الوظيفي البد من التحديد الفردي للمتغريات؛ فولبي 1986 ،يتحدث يف هذه السياق
عن "قاعدة مطلقة للعالج السلوكي categorical Imperative of Behavior
"Therapyوهذا يعني أن أنامط السلوك التي تبدو متامثلة لدى أشخاص خمتلفني يمكن
أن تكون قد استثارهتا رشوط خمتلفة كلية.
التخطيط للعالج :تتضمن اخلطوة الثالثة لتشخيص السلوك التخطيط للعالج قائم
عىل أساس حتليل السلوك و حتديد اهلدف؛ وهنا ال يتم فقط حتديد الكيفية التي ستتألف
409
األسس النظرية للعالج النفسي
منها اإلجراءات العالجية منفردة وإنام يتم هنا –مع مراعاة الرشوط الفردية و املظاهر
الذرائعية -اختاذ قرارات ،والتي يقصد هبا يف املحيط الناطق باألملانية "الفاعلية أو التأثري
.(Seidenstuecker,1984) "Indicationsوعىل املرء أن يتصور التخطيط العميل للعالج
بشكل ديناميكي وسريوري (عمليايت) :فمنذ االتصال األول يتخذ املعالج (يف العادة
بالتعاون مع املريض) قرارات حول الطريقة التي عىل املريض أن يشارك فيها يف
التعديالت العالجية .ومن بني ذلك التسجيالت الذاتية و التقارير حول املجرى بني
اجللسات و كذلك كيف ستكون اخلطوات األوىل يف ختطيط التعديالت امللموسة (عىل
سبيل املثال التمرين عىل املواجهة مع املواقف املرهقة ،وما يشبه ذلك) .و بالتحديد ال
يمكن من منظور اإلدارة الذاتية التأكيد كفاية عىل املسؤولية الذاتية و املشاركة الذاتية
للمريض .واملعاجلني املتدربني بشكل خاص غالب ًا ما يكونوا واقعني بصعوبة أهنم غري
متأكدين أي من األسئلة عليهم أن يطرحوا عىل مريض ما؛ هلذا نقرتح إىل حد ما كنموذج
أوىل Met modelنوع من "عملية القمع ( "funnel Processشكل ،)12نسعى يف جمراه
بداية يف نوع من الغربلة إىل حتديد احلالة القائمة العامة .و يتكون القمع عندئذ من أنه
عند التقدم يف تدقيق املشكلة يمكن باستمرار طرح أسئلة أكثر تفصيالً.
410
ممارسة العالج النفسي
"الشكاوى"
..... Targetنقاط االستناد
شكل ( )12عرض لعملية القمع عند استعراض الشكاوى الذاتية أو حتليل الرشوط
411
األسس النظرية للعالج النفسي
املستمر فقط وإنام أيض ًا ألغراض املامرسة العالجية ،ألنه هبذا فقط يمكن حتديد املكونات
األساسية و تصحيحها يف مقتىض احلال.
412
ممارسة العالج النفسي
خالصة
من أجل صحة نموذج رشوط افرتايض أو بامذا يساعدنا هذا النموذج
لبناء النظرية؟
إن بناء نموذج رشوط افرتاضية اعترب أعاله جوهر حتليل السلوك؛ فمع
تزايد اخلربات العالجية يكتسب املرء نوع من التدريب عىل بناء مثل هذا
النامذج التي تغري عندئذ كثري ًا من خالل نوع من الوضوح و األناقة .و من
منظور ذرائعي يرى املرء –واستناد ًا إىل كانفر و فيليبس & Kanfer
،Phillips,1970أو شولته -Schulte. 1974نموذج الرشوط كعضو رابط
بني نظرية السلوك و العالج السلوكي بمعنى أن صحة ،أي نجاح العالج يعد
ال عىل صحة النظرية الكامنة خلفه .وهذه احلجة ال تنطبق يف هذا الشكلدلي ً
عىل ما كان قد أشار له بوستامن Postman,1947؛ فوستامير
Westmeyer,1975أوضح حتت حجج منطقية-شكلية formal-logical
،Argumentationبأنه ال يمكن أن ينظر للعالج عىل اإلطالق "كمبدأ
إثبات" لنظرية السلوك .بكالم مبسط البد من اإلقرار هبذه مبارشة ،ألنه بني
النظرية ونموذج الرشوط و العالج ال يوجد عالقة اشتقاق منطقية-شكلية.
وبالتايل ال يستطيع املرء طبق ًا لذلك احلديث عن "استخدام" النظرية يف
العالج.
ومن دون عرض كل احلجج هنا يمكننا أن نشري إىل نقاط خمتلفة ،متتلك
أمهية كبرية سواء بالنسبة للعلامء أم بالنسبة للمامرسني.
إن صحة نموذج الرشوط االفرتايض ال يمكن إثباهتا عىل اإلطالق –
وهذا أصالً ليس هو املقصود أص ً
ال يف العادة .بل األهم من هذا كله أنه وإىل
أي مدى يمتلك نموذج األسباب من الناحية االسرتشادية بالنسبة لتخطيط
413
األسس النظرية للعالج النفسي
414
ممارسة العالج النفسي
415
األسس النظرية للعالج النفسي
416
ممارسة العالج النفسي
نفسه تتغري (أي عىل استخدام أسلوب ما) .و هنا يتداخل بناء العالقة و التحضري
للعالج و تطبيقها العميل مع بعضها العض بشكل كامل تقريب ًا؛ فبدون توصيل نموذج
معقول ملشكلته و من دون تفسري معقول ملبدأ التأثري العالجي لن يرتك املتعالج نفسه
تتعالج إال بصعوبة .وهلذا فإن الفصل عىل املستوى العميل إىل عوامل تأثري نوعية وغري
نوعية هو أمر متوسط إىل عديم الفائدة :فحتى بناء العالقة العالجية ليس هدف ًا بحد ذاته
و إنام يتم من منظور التعديالت العالجية.
و من وجهة نظر علمية يعني وصف الطرق النظرية عرض ًا عىل مستوى
التكنولوجيا :فالتقنيات هي عبارة عن إجراءات من أجل حتقيق أهداف حمددة بشكل
فاعل قدر اإلمكان .هلذا فإن حمك التقويم احلاسم أيض ًا ليس احلقيقة (كام هو األمر يف
النظرية) ،وإنام الفاعلية و الكفاءة .ففي العادة تقوم التكنولوجيات عىل نامذج نظرية،
سميت بالنسبة للعالج السلوكي يف الوصف أعاله العلوم اجلارة (أو التخصصات
اجلارة) .الطرق التكنولوجية تقدم خلفية للترصف العميل ،وينبغي عدم اخللط بني كال
املستويني.
ومن أجل عرض طرق العالج السلوكي توجد جمموعة من اقرتاحات التقسيم
املختلفة .وهنا سيتم التوجه بناء عىل جدول مأخوذة عن راينئكر Reineckerبشكل
معدل قلي ً
ال (اجلدول .)1
مواجهة القلق.
417
األسس النظرية للعالج النفسي
تقنيات التعزيز،
تقنيات ضبط السلوك من خالل اإلطفاء،
تعديل العواقب (األساليب أساليب العقاب (قطع الوقت؛ تكاليف التبعة
response Cost؛ طرق التنفري). اإلجرائية)
بناء السلوك ،تسهيل السلوك ،تعلم التمييز. تقنيات التعلم وفق النموذج
ضبط مالحظة الذات ،تعزيز الذات، اسرتاتيجيات ضبط الذات
االحتامالت ،إدارة االتفاقات ،ضبط املثري)
التكييف-املغطى،
العالج االستعرايف (بيك ،)Beckالعالج
األساليب العالجية االستعرافية االنفعايل املنطقي (إيليس .)Ellisتدريبات
تعليامت الذات ،مترين حل املشكالت ،مترين
العزو.
418
ممارسة العالج النفسي
419
األسس النظرية للعالج النفسي
استجابة مضادة للقلق (قارن .)Jacobson,1938و يمكن تعلم هذا االسرتخاء بسهولة
واستخدامها لكف مقدار ضئيل ومتزايد بالتدريج من القلق.
ويتكون خفض احلساسية املنتظم وفق ولبي من ثالثة عنارص أساسية ،وهي:
-بناء هرم فردي من املواقف املثرية للقلق.
-التمرن عىل أسلوب مضاد للقلق ،وبشكل خاص االسرتخاء العضيل؛
-التقديم التدرجيي (يف الواقع أو بالتخيل) للمواقف املثرية للقلق.
أصبح خفض احلساسية املنتظم أول أسلوب عالجي مشهور للعالج السلوكي –
حتى أنه كان يعد حتى ستينيات القرن العرشين مساوي ًا للعالج السلوكي إىل حد ما.
وبالفعل علينا القول بأنه قلام يوجد داخل العالج النفساين أي أسلوب عالجي منفرد،
تم فحصه وتقويمه بشكل مفصل وواسع مثل خفض احلساسية املنتظم .ومع أنه ما زال
هناك حتى اليوم اتفاق واسع حول الفاعلية إال أنه رسعان ما وجهت انتقادات إىل
األسس النظرية لألسلوب؛ فتوجه هذا النقد بالدرجة األوىل إىل تنويعات منفردة (إىل
حد ما التجريبية) لألسلوب.
ومل يكن التباين Variationفيام يتعلق بالعرض الواقعي مقابل املتخيل إشكالي ًا بعد،
وتم نرشه من ولبي بني عامي 1958و .1969إال أنه تم تفنيد خفض احلساسية املنتظم
وبشكل خاص يف أواخر الستينيات من القرن العرشين بال رمحة (أنظر :)Yates,1975
وعىل سبيل الذكر نشري هنا بشكل خاص إىل استخدام هرميات أو تسلسالت معيارية
standard hierarchiesو التخيل عن االسرتخاء ،و معاجلة الفقرات بتسلسل عشوائي
أو متصاعد (أي البدء بفقرة القمة).
و مل يمس هذا التباين التقني التعليامت املعطاة من ولبي؛ فقد ظهر أنه يمكن للمرء
أن خيرق كل القواعد التقنية تقريب ًا ،دون أن يمس بفاعلية األسلوب .و كل هذا قاد إىل
نقاش متطرف جد ًا لألسس النظرية خلفض احلساسية املنتظم.
420
ممارسة العالج النفسي
ومن وجهة النظر الراهنة يمكن تقديم جمموعة من التفسريات املختلفة (و ذلك إىل
جانب بعضها البعض عملي ًا) لتفسري تأثري خفض احلساسية املنتظم:
-الكف التباديل ،reciprocal Inhibitionكام وضحه ولبي
) (Wolpe,1958عىل أساس نظرية هل )(Hull,1943؛ فمن خالل
االسرتخاء يتم كف القلق إىل حد ما وهتديمه بشكل مستمر.
Lader -التعود Habituationوقد تم إدخاله من قبل ليدر ووينغ
) ،&Wing (1966أو ليدر وماثيوس )Lader & Mathews (1968
كتفسري؛ فقد أشار بريباومر ) Birbaumer (1977إىل أنه يمكن عىل
املستويات الفيزيولوجية أن حتدث عمليات اعتياد يف جمرى خفض
احلساسية املنتظم.
-عمليات إطفاء اإلثارة (القلق) :وقد تم تقديمه بشكل خاص من جمال
أساليب املواجهة ) .(Rimm & Masters,1979; Marks,1987وطبق ًا
لذلك يعيش الفرد عملية اإلطفاء التقليدي ،ألنه يتم إضعاف الربط
بني املثري الرشطي واملثري غري الرشطي ويتم كرسه يف النهاية.
-عمليات التعزيز االجتامعي و التشكيل التدرجيي ألساليب البديلة
اخلالية من القلق ،وقد تم إدخال هذه األساليب بشكل خاص من
يف خفض منظري التعلم ).(Bandora,197;Rosenthal,1982
احلساسية املنتظم يتم تعلم اسرتاتيجيات جديدة فاعلة للمواجهة ،غري
القابلة للتوليف (متعارضة )incompatibleمع سلوك القلق.
-جمموعة كبرية و غري متجانسة يف هذه األثناء إلمكانات التأثري تدور
حول النامذج االستعرافية :وهنا يتم التأكيد أن تعديالت العمليات
ال حاس ًام لتعديل التوقعات ...الخ يف العالج .فإذا
الفكرية ،تعد عام ً
ما افرتض املرء وجود متصل من عمليات التعلم فإنه من املؤكد أنه
421
األسس النظرية للعالج النفسي
علينا أن نسجل أن عمليات التعلم االستعرافية تلعب دور ًا حاس ًام يف
عالج القلق (قارن .)Rachman,1990
وبالنسبة للعالج السلوكي يفيد خفض احلساسية املنتظم وبشكل خاص يف الواقع
:in vivoفهنا يتجنب املرء الصعوبات املرتبطة باالستخدام "املغطى"(التصور)و كذلك
مسألة التعميم عىل سياق احلياة الواقعي .وعند تنفيذ خفض احلساسية املنتظم يف الواقع
يتم تقسيم املواقف الصعبة إىل مراحل حمددة ويتعلم املريض االقرتاب التدرجيي أو
املواجهة للفقرات أو اخلطوات املتدرجة املبنية بشكل هرمي.
ومن املؤكد أن خفض احلساسية املنتظم مل يعد اليوم يلعب دور ًا بارز ًا يف الرعاية
الصحية ضمن طيف الطرق العالجية السلوكية ،كام كان األمر قبل حوايل 30سنة؛ و
ال يكمن السبب األسايس كثري ًا يف أن خفض احلساسية املنتظم قد فقد فاعليته أو تأصيله
النظري (ياتس Yates,1975يتحدث بالنظر للتطور عن "الوالدة واحلياة واملوت"
خلفض احلساسية املنتظم) ،بل أن األمر احلاسم يكمن أكثر يف أنه يوجد يف هذه األثناء
بدائل ،عىل نفس الدرجة من الفاعلية من الناحية العالجية(بل وأكثر فاعلية إىل حد ما)
و يمكن استخدامها بشكل جيد يف املامرسة .عدا عن أن هذه األساليب تتضمن تأصي ً
ال
نظري ًا ،وهو أمر ال يستطيع املرء االدعاء به يف خفض احلساسية املنتظم.
.2املواجهة ومنع االستجابة
يمكن اعتبار املواجهة ومنع االستجابة Exposure/Reaction Preventionبأهنا
تطوير خلفض احلساسية املنتظم؛ إال أنه تم تطوير األسس و املبادئ و التنفيذ قد تم بشكل
مستقل إىل مدى بعيد .ويقصد باملواجهة تقديم أو اللجوء إىل موقف خيافه املريض؛
فمن خالل املرشوطية modalityو التوزيع الزمني . .الخ ال يتضح شيئ ًا بعد .فإذا ما
متت مواجهة املريض بموقف مثري للخوف فإن هذا سوف يثري استجابة خوف شديدة و
بشكل خاص آليات التجنب (عىل املستوى السلوكي) .وهذا التجنب و ما يرتبط هبذا
من تعزيزات سلبية –وفق ًا لنظرية العاملني ملاورير -Mowrer, 1947هو املسؤول بدرجة
422
ممارسة العالج النفسي
423
األسس النظرية للعالج النفسي
يف بداية املواجهة يرتفع القلق و عدم االستقرار و ميول التجنب و األفكار
اخلوافة ...الخ بدرجة كبرية؛ وهذا حيدث يف العادة إىل احلد الذي ال يعود فيه املريض
يتحمل –و يتجنب يف التوقع خربة مقيتة للغاية .ومن خالل اهلرب أو التجنب يتناقص
القلق مبارشة بوضوح .ومن خالل مبدأ التعزيز السلبي هذا يستقر من جهة سلوك
التجنب ،ومن جهة أخرى ال يمكن أن حيدث اختبار لتوقعات املريض (أنظر أعاله
نموذج العاملني).
ويتم منع االستجابة يف هذا الشكل (شكل )15بأن املريض يتخىل عن سلوك
التجنب -وهبذا فإن ما يتم منعه هو سلوك التجنب عند املريض؛ وهبذا فقط يمكنه أن
حيصل عىل خربة ملموسة بحيث أن املوقف الذي خيشاه بشدة ال يظهر .وهذه اخلربة
امللموسة ،أي خربة املريض يف موقف ملموس متثل عىل ما يبدو مبدأ مركزي ًا يف مواجهة
القلق؛ إذ عىل الرغم من أن املظاهر االستعرافية ليست غري مهمة إال أهنا تكون يف اخللفية
من ناحية أن املريض يعرف يف سياق نقاش منطقي عدم خطورة املوقف و ال منطقية
ترصفاته.
عادة ما يذكر املرىض بام معناه" ...أنا أعرف أنه ال يمكن أن حيدث يل يف
مكان التسوق ،يف الباص ،يف الشارع . ...؛ أعرف أن هذا األمر غري منطقي.
،أال أذهب إىل هناك وأال أجتنبه ،وهذا يقيد يل حيايت باطراد متزايد! ولكن من
جهة أخرى ...فأنا ال أستطيع ،لن أنجح أن أظل يف املوقف"! ...
وتكمن أهم قاعدة تقنية يف تنفيذ املواجهة و منع االستجابة يف رؤية أنه عىل املريض
أن يظل يف موقف مرهق إىل أن يظهر انخفاض واضح للقلق وعدم اهلدوء؛ و من
الصعب حتديد وقت دقيق ،وينبغي التخطيط لفرتة تقع بني 120-100دقيقة لتمرين
424
ممارسة العالج النفسي
املواجهة .إن ترك املوقف يف وقت مبكر خطري ألن املريض ال يستطيع تشكيل خربة أنه
قد واجه املوقف حتى انخفض القلق .وينصح من منظور املعالج يف اجللسات األوىل
أن تكون هناك مرافقة يف العادة (من نحو مساعد املعالج عىل سبيل املثال) .ويتطلب
تنفيذ املواجهة وختفيض القلق إىل جانب املظاهر التقنية مرونة زمنية أيض ًا من جانب
املعالج .وسواء من أجل املواجهة أم من أجل منع االستجابة (يتحدث هاند
Hand,1990 & 1992يف هذه األثناء عن إدارة االستجابة ،للتأكيد عىل مظهر بناء البدائل
السلوكية) توجد إمكانات خمتلفة للتحقيق؛ و سوف نشري إليها فقط:
-التصور مقابل الواقع
-التنفيذ الفردي مقابل اجلامعي
-مرتافق باملعالج أم مراقب من قبل الذات ...الخ
يف السياق اإلكلينيكي يبدو أنه من املهم التطرق بدقة لذلك املوقف الصعب بالنسبة
للمريض واملثري للقلق :ويطلق ماركس ) (Marks,1978عليه تسمية "املوقف املثري
"eliciting Situationو يرمز له اختصار ًا ) ،(ESويروج يف "نموذجه اإلكلينيكي للقلق"
الذرائعي جد ًا للمواجهة بالتحديد مع هذا املوقف .فاملوقف يستثري استجابة القلق
املطابقة Exposure reactionاختصار ًا ) (ERوالتي ينبغي وقفها من خالل منع االستجابة
كي حيصل إطفاء للقلق و بناء البدائل والسلوك غري املتوافق مع القلق .وعادة ما يتم
ضبط منع االستجابة خارجي ًا باحلد األدنى (أي من قبل املعالج)؛ فمن خالل توضيح
اهلدف و مبدأ الرشوط الطبيعية و التوضيح الدقيق لإلجراء العالجي يفرتض أن يكون
املريض نفسه مستعد ًا ملواجهة املوقف الصعب بالنسبة له ،كي حيدث تغلب عىل القلق
(معاجلة انفعالية .)Foa & Kazak ،emotional processing
ويفرتض أن تكون فاعلية املواجهة و خفض االستجابة باعثة عىل الرضا الكبري؛
فضمن الرشوط املناسبة يستفيد بشكل واضح من العالج حوايل %85-80من املرىض
425
األسس النظرية للعالج النفسي
املترضرين بشدة .و يعد ثبات الفاعلية يف اضطرابات القلق بشكل عام مرتفع ًا ،وأقل
رض ًا يف اضطرابات القهر ،ولكن كذلك يف اضطرابات التعلق .ومن املهم جد ًا-
وبشكل خاص بالنسبة للفاعلية طويلة األمد -بناء مستمر للبدائل :و هنا يتعلق األمر
بتسخري القدرات و املوارد املوجودة لدى املريض و دعمها .فمن دون بناء بدائل حيصل
بمساعدهتا عىل استقاللية مطابقة و إمكانات توجيه ملحيطه (االجتامعي) و تشكل
بالنسبة له مصدر ًا مالئ ًام للتعزيز ،فسيبدو االنتكاس إىل أنامط السلوك الباثولوجية وارد ًا.
والبد هنا أن نؤكد بشكل واضح عىل أن ضبط الذات لدى املريض هبدف اإلدارة الفاعلة
للذات حتتل األمهية الكربى.
.3التنويع و تطويرات أخرى
من الصعب وضع احلدود بني اإلمكانات املنفردة ألساليب املواجهة؛ فحتى خفض
احلساسية املنتظم يف الواقع In Vivoيتطلب (كام هو احلال يف املواجهة ومنع االستجابة)
مواجهة مبارشة بموقف إشكايل .إال أن هذا حيدث بشكل تدرجيي و باستخدام استجابة
مضادة للقلق (كابحة) .وقد حيض مبدأ املواجهة باستخدامات خمتلفة و تطويرات
الحقة سوف نتعرض ألمهها:
Flooding اإلفاضة
يقصد باإلفاضة ("اإلغراق باملثري") مواجهة رسيعة مع تنفيذ أقىص للموقف (البند
األعىل) يفرتض للمريض أن يعيش القلق بدرجة قصوى و أن يتحمله .وغالب ًا ما تتم
اإل فاضة يف الواقع و تتطلب من املريض يف درجة كبرية من الدافعية و القابلية لتحمل
الضغط .فإذا ما دخل املريض يف موقف صعب النسبة له و عاش يف هذا بأن العواقب
التي خيشاها (اإلغامء ،املوت ...الخ) مل تظهر ،فإنه هبذا يكون قد حصل اخرتاق مهم
للقلق يف عالج القلق .و تصبح الفقرات أو البنود التي خيشاها املريض بشكل أقل
عندئذ أسهل عىل املواجهة؛ ويرى ممثلو هذا االجتاه (من نحو فيغينباوم
)Fiegebbaum,1986 &1988بأنه يف هذا الشكل من املواجهة املحشودة تتهيأ الظروف
426
ممارسة العالج النفسي
427
األسس النظرية للعالج النفسي
428
ممارسة العالج النفسي
فاملواجهة –بطريقة متدرجة و بطريقة حمددة من قبل املريض-ينبغي أن تتم جتاه تلك
املواقف التي تستثري القلق بالنسبة له .ويف هذا السياق يتحدث ماركس )(Marks,1978
عن "نموذج إكلينيكي للقلق "clinical Anxiety Modelو استخدم كمبدأ التوليف بني
األحرف . ES ERو يتضمن ESاملوقف املثري للقلق ،و ERاستجابة القلق التي
حتتاج عندئذ لإلطفاء.
وكام هو األمر يف كثري من أساليب العالج ذات التوجه الذرائعي الشديد فإن
الربهان الرصيح للفاعلية صعب ،ألن جمموعة كاملة من املركبات تدخل أو تصب يف
اإلجراء املركب لإلطفاء التدرجيي؛ ففي حني أن هذا مرتبط بالنسبة لالختبار التجريبي
مع الصعوبات املعروفة ،فإن اإلطفاء التدرجيي يتضمن بالذات تلك املركبات التي يرتبط
هبا يف تعقيد موقف العالج .ومل يعد يقترص استخدام األساليب املختلفة يف هذه األثناء
عىل اضطرابات القلق (عىل الرغم من أن القلق يمثل جماالً واسع ًا) .فتوسيعات املبدأ
نجدها يف املجاالت التي يتعلق فيها األمر بالتمثل االنفعايل )(Foa & Kozak,1986
للمواقف املرهقة والصعبة .و نجد أمثلة حول ذلك يف استجابات احلزن املزمنة
) ،(Ramsey,1979وكذلك يف املواجهة مع املواقف املثرية املطابقة لدى مرىض
بمشكالت الكحول و التعلق بالعقاقري و يف إدمان اللعب واضطرابات الطعام ...الخ.
وتشرتك هذه املشكالت يف أن املرىض يواجهون مواقف مرهقة (من نحو الثالجة املمتلئة
بالطعام عىل سبيل املثال)؛ فاخلطوة احلاسمة يف العالج تتضمن تناقص _إطفاء) القلق
وعدم اهلدوء و االستثارة يف هذا املوقف املرهق يف العادة ،حيث يتم توصيل و تشكيل
استجابات املواجهة التدرجيية املطابقة .وسواء من الوجهة النظرية أم عىل املستوى
العميل فإنه يمكن االستفادة من حالة أن املشكلة يف احلالة املثالية ينبغي معاجلتها يف
املوقف الذي تظهر فيه.
429
األسس النظرية للعالج النفسي
1
paradox Intervention التدخالت املتناقضة
ال تعود جذور االسرتاتيجيات املتناقضة بأي شكل من األشكال إىل السياق
النظري التعلمي أو النظري السلوكي ) ،(Frankl,1067ومن ثم فهو يمتلك تقليد ًا
ال طويالً .و يكمن مبدأ التدخل املتناقض (املوهم للتناقض) بدفع املريض من مستق ً
خالل اسرتاتيجية عالجية ذكية للقيام بأنامط تفكري وأنامط سلوكية مناقضة لسلوكه
الباثولوجي بشكل قطري .diametricو قد متت العودة يف هذا الوقت لألساليب
املتناقضة ثانية و تم جعلها مفيدة بالنسبة لالستخدام العالجي (وبشكل خاص آرش
.)Ascher,1989وبالنسبة ألساليب املواجهة فإن التناقض يكمن يف أن املريض يدخل
يف تلك املواقف التي يتهرب منها أو يتجنبها بشكل خاص؛ فقد نشأت التطبيقات
املعروفة للتقنيات املتناقضة من جماالت االضطرابات اجلنسية (منع االتصال اجلنيس) أو
م ن جمال اضطرابات الكالم (كاللجلجة املقصودة عىل سبيل املثال) .ويتضمن املنطق
الكامن خلف هذا املبدأ الفرضية بأن من خالل التخيل عن التجنب أو من خالل التعامل
املختلف مع املوقف يتم بالتحديد تعطيل تلك الكوابح و احلصارات و املحددات التي
متثل الرشوط األساسية لالضطراب (من نحو القلق االستباقي أو التوقعي عىل سبيل
املثال) .ومن املنظور النظري السلوكي البد للمرء إىل جانب هذه اآللية املهمة أن يشري
إىل مبدأ هتديم القلق من خالل املواجهة؛ هلذا فإنه ال بد من رؤية مظهر حاسم للتدخالت
املتناقضة يف مقدمة التدخالت العالجية املهمة جد ًا :إذ أن مشكلة املواجهة ال تكمن عىل
ال و إنام يف مسألة فيام إذا كان املريض مستعد ًا و إىل أي مدى
األغلب يف أن املبدأ ليس فاع ً
هو قادر عىل الدخول يف املوقف املرهق بالنسبة له .وبالتحديد هنا ،يف سياق الدوافع و
التحفيز للمريض حتتل التدخالت املتناقضة أمهيتها النوعية .ومن هذه الزاوية تكمن
آليات تأثري التناقضات يف توصيل رؤية أخرى خمتلفة كلية عن باثولوجية املريض ،تتيح
1األفضل تسميته املوهم للتناقض Paradox :تعمي يشء مناقض للعقل أو متناقض ظاهري ًا ومع ذلك قد يكون
صحيح ًا.
430
ممارسة العالج النفسي
له فرصة للمواجهة و التغلب عىل املشكالت التي كانت تعترب حتى اآلن غري قابلة
للحل.
ومن املؤكد أنه ينبغي النظر ملشكلة حمددة يف االستخدام غري الدقيق و إىل حد ما
مبتذل-دائري ملفهوم التناقض :فمن البدهيي أن كل اإلجراءات العالجية باجتاه اهلدف
تعني بالنسبة للمريض (باالستناد إىل املوقف املشكل) التخيل عن نمط السلوك وحل
املشكلة املرضيني (مع العلم أن نمط حل املشكلة هذا يشوه احلل الفاعل!) .وحيتاج
األمر عىل األقل إىل توضيح مفاهيمي ونظري دقيقني حول فيام إذا كان هذا "متناقض ًا"
وإىل أي مدى هو كذلك.
مواجهة القلق
(Marks,1987; Rachman,1990, يعد القلق انفعاالً إنساني ًا رضوري ًا ومركزي ًا
) .Reinecker,1993واملقصود هبذا أن شعور القلق حيتل أمهية كبرية بالنسبة لبقاء النوع
و الفرد و كذلك بالنسبة لتنظيم ترصفاتنا اليومية" .وإزالة" اخلوف قد متتلك عواقب
وخيمة و ال يمكن التفكري به كهدف عام .و ما يشبه ذلك يوجد يف جمموعة كاملة من
استجابات اضطرابات القلق ،التي ال يمكن فيها أبد راًَ –وإىل حد ما ألسباب أخرى-
"القضاء" عىل اخلوف .فلنفكر بالقلق املعمم و اضطرابات اهللع و املواقف املرتبطة
بمواقف يف اضطرابات الضغوط التالية للصدمة ...الخ .هنا (بسبب غياب مثريات
الداللة التفريقية) ليس من املمكن عىل اإلطالق جتنب املوقف .إال أن كل هذا ال يعني
أننا مجيعنا كأشخاص أو كمرىض واقعني حتت رمحة القلق مستسلمني .و يعني مصطلح
املواجهة Copingالقادم من أبحاث الضغط أنه يمكننا أن نتعلم التعامل مع املواقف
واالنفعاالت املرهقة .وهنا وعىل الرغم من أن إشكالية مفهوم املواجهة املستخدم
بشكل متضخم معروفة إال أننا هنا لن نناقش هذه املشكلة.
ويتظاهر عنوان الفقرة "مواجهة القلق" بوجود وحدة ووضوح يف األساليب
العالجية ،غري املوجودة أص ً
ال يف الواقع؛ بل أن األمر يتعلق بكمية غري متجانسة من
431
األسس النظرية للعالج النفسي
االسرتاتيجيات العالجية التي ينبغي وضع جمموعة كبرية منها خارج جمال التقاليد
العالجية السلوكية (من نحو أساليب التأمل عىل سبيل املثال) .مع ًا تبدو املساعي حول
مواجهة القلق رؤية لالنفعاالت اإلنسانية تعزو للمركبات االستعرافية دور ًا مه ًام .وهذه
املستويات االستعرافية (عىل األغلب املقاسة لفظي ًا) تتضمن األفكار والترصحيات
Statementالقصرية و اجلمل والتقويامت ...الخ التي متتلك طبيعة افرتاضية
propositionalبشكل عام و التي تبدي فيام بينها درجة عالية من التشابك .وهذه
العمليات التفكريية حتدد تلوين االنفعاالت اإلنسانية بدرجة عالية؛ فعىل الرغم من أنه
ال يمكن استبداهلا ببساطة (" ...عيل أن أفكر بشكل خمتلف ،)" ...إال أنه لدى توفر
إدارة مناسبة للجلسة من املمكن أن تكون قابلة للتغيري .إال أن التدريب عىل مواجهة
القلق ال يظل مقترص ًا عىل املستوى االستعرايف ،وإنام يتطلب عودة إىل مظهر التمرين
العالجي السلوكي-التقليدي.
432
ممارسة العالج النفسي
املريض هنا عىل الوصول إىل الشعور الذايت األول للسيطرة عىل القلق (من دون
أن يزيله بشكل مبارش).
اسرتاتيجيات ملواجهة القلق :وتتضمن هذه مظهر أن املريض يتوقف عن
حماولة جتنب قلقه ،وإنام حيرك البدايات األوىل للمواجهة .وهذا يشرتط لدى
املريض االستعداد املبدئي لضبط الذات (حتمل املواقف املقيتة قصرية األمد) و
القدرة الستخدام اسرتاتيجيات التعلم املوجودة أو التي يفرتض تعلمها من
جديد .و حتتاج اسرتاتيجيات املواجهة املوجودة التأكيد اخلاص ،التي
يستخدمها املريض بشكل فاعل يف مواقف إرهاق أخرى والتي تشرتط فقط
النقل إىل مواقف القلق؛ فكثري من املرىض يستخدمون اسرتاتيجيات منفردة
أيض ًا ،ال حتتاج إال إىل نوع من التصحيح أو التقديس .ويف احلاالت النادرة ال
تكون مثل هذه اإلمكانات موجودة عىل اإلطالق؛ وحتى هنا توجد إمكانية
توصيل اسرتاتيجيات املواجهة؛ و هنا البد من املراعاة اخلاصة للخربات
السابقة واألولويات preferenceلدى املريض (عىل سبيل املثال مع أو ضد
األساليب التخيلية ...الخ) .و من منظور استعرايف-عالجي سلوكي توجد
إمكانات مواجهة مواقف الضغط (تدريب التلقيح ضد الضغط) بشكل
خاص)( .Meichenbaum,1977; Suinn & Richardson,1971أنظر حول
هذا أدناه "أساليب العالج االستعرافية").
التمرين يف األطر العالجية هبدف النقل التدرجيي عىل املواقف الطبيعية:
فعىل الرغم من أن التمرن عىل مواجهة القلق يكون غري مريح بالنسبة للمريض
يف البداية ،إال أنه ال يمكن االستغناء عنه من أجل التطبيق يف املواقف الطبيعية.
وكمعالج يمكنه أن يرافق املريض و يعطيه توجيهات ملواجهة موقف قلق
واستجابة قلق ملموسني .وحتتل االستثارة املقصودة للقلق أمهية خاصة (من
خالل فرط التنفس عىل سبيل املثال) .فهنا يطلب من املريض استحداث
استجابة قلق مقصودة من أجل التمرن عىل اسرتاتيجيات مواجهة مطابقة من
433
األسس النظرية للعالج النفسي
خالل هذه املواقف .و يمكننا فهم هذا عىل أنه جزء من التدخل املتناقض ،إذ
أنه يف العادة حياول املريض جتنب أي ظهور ولو ضئيل للقلق .و متتلك
استجابة القلق املقصودة و املوجهة من قبل املريض نفسه مظهر ًا مه ًام جد ًا،
يتمثل يف أن املريض يعيش الضبط :فالقلق ال يتضمن باثولوجيا مستقلة عنه،
وإنام حيظى املتعالج بالقدرة عىل حل القلق بنفسه ،و يستطيع أن يتعلم التعامل
مع هذا القلق بنفسه .وهبذا نكون قد تطرقنا لعنارص مهمة ملواجهة القلق أو
اإلدارة الذاتية.
وأخري ًا ال بد من التأكيد بشكل عام عىل أن املواجهة أيض ًا ليست هي احلل لكل
املشكالت املرتبطة بالقلق (واالنفعاالت املقيتة)؛ فالكثري من االنفعاالت متتلك وظيفة
مهمة يف حياتنا .غري أن مواجهة القلق تشكل إمكانية للتعامل مع مواقف و استجابات
القلق املزعجة والقيتة بالنسبة للمريض .و تعتمد مواجهة القلق بدرجة كبرية عىل
اسرتاتيجيات ضبط الذات و املساعدة الذاتية للشخص و جتعل الشخص هبذا مستقالً
عن السياق العالجي.
434
ممارسة العالج النفسي
:Rتعني يف هذه التصويرة أنه حسب قانون األثر يتوقع ازدياد احتاملية
الظهور.
:Rتعني أنه ازدياد احتامل الظهور هو نتيجة العملية املطابقة.
ويتضح من هذا الشكل أن التعزيز السلبي و اإلجيايب يقود إىل تزايد ،باملقابل فإن
العقاب واإلطفاء إىل تناقص السلوك من نفس الطبقة اإلجرائية؛ و بالتحديد ال يمكن
تعزيز السلوك فقد ظهر هذه السلوك و يمتلك احتاملية ظهور= !1تعزيزه يمكن أن يتم
من خالل عرض نتيجة سلوكية ،أي احتاملية سلوك من نفس الطبقة اإلجرائية
) . (Skinner,1953 &1969والبد لنا من اإلشارة هنا فقط إىل أن هذا حيمل يف طياته
مشكالت مطابقة عند حتديد "الطبقة اإلجرائية" أو الصعوبات التالية يف مفهوم التمييز
و التعميم.
435
األسس النظرية للعالج النفسي
436
ممارسة العالج النفسي
437
األسس النظرية للعالج النفسي
فاعلة بوصفها معززات ،املوجودة عىل قرب مكاين وزماين من السلوك ،وإنام يبحث
الفرد إىل حد ما عن حميطه حسب املثريات التابعة .وهذا املبدأ لنظرية التعلم احلديثة
) (Rescola,1988يمكن برهانه يف املجال حتت اإلنساين .وهذا يشري أيض ًا إىل التشبيك
البيولوجي-التطوري لعمليات التعلم ) ،(Seligman,1970, McNally,1987وكذلك
إىل الرؤية القائلة أن التعلم هو عبارة عن عملية فاعلة وتسري عىل مستويات عدة للتطور
اإلنساين.
وبالنسبة للمامرسة العملية التي يتعلق فيها األمر ببناء السلوك من خالل تعزيزات
إجيابية تعد اإلرشادات التالية مهمة:
-قبل استخدام املعزز اإلجيايب حيتاج األمر إىل حتليل وظيفي و حتديد
للمعزز املهم (يف العادة من خالل املالحظة).
-كمعززات إجيابية ال تالءم املعززات األولية والثانوية فحسب وإنام
أيض ًا أنامط سلوك الفرد نفسه(Premack,1965) .
438
ممارسة العالج النفسي
أن يصبح بالتدريج قادر ًا عىل تنفيذ املعززات بنفسه (أنظر ضبط الذات
الحق ًا).
ويبدو أن هناك خالف حول الفاعلية املبدئية السرتاتيجية التعزيز اإلجيايب؛ فبالنسبة
لالستخدام يف السياق العالجي يستطيع املرء اإلشارة إىل تطور السلوك قبل االجتامعي
prosocialلدى األطفال العدوانيني و عىل تطور سلوك الكالم . .الخ وكذلك عىل
توصيل املهارات املعقدة لدى مرىض الطب النفيس؛ ففي جمال االضطرابات االكتئابية
متتلك األساليب اإلجرائية يف بناء السلوك الفاعل دور ًا كبري ًا كام هو األمر يف تطور أنامط
السلوك اجلديدة يف الرهابات االجتامعية ويف إطار تنمية أنامط السلوك "الصحي" يف
الطب السلوكي (كاملطاوعة Complianceو سلوك الطعام ،سلوك احلركة عىل سبيل
املثال).
كثري من اسرتاتيجيات التعزيز اإلجيايب هي جزء من الذخرية العالجية بحيث أننا
قلام نذكرها بشكل رصيح؛ ومن بينها الدعم غري اللفظي للمريض من خالل االهتامم
و من خالل إيامءة الرأس ،ومن خالل الدعم اللفظي املبارش بالنسبة لتحقيق األهداف
اجلزئية العالجية .و يتم استخدام التعزيز اإلجيايب بالتوليف مع أساليب أخرى عىل
األغلب ،يف إطار تعلم التمييز يف تشكيل السلوك اللغوي أو بالتوليف مع اسرتاتيجيات
اإلطفاء يف جمموعات األطفال العالجية لبناء السلوك قبل االجتامعي عىل سبيل املثال.
وكإمكانيات خاصة للتعزيز اإلجيايب ال بد من اإلشارة إىل بعض األساليب التي
تفيد بشكل خاص عندما يتعلق األمر بتشكيل السلوك ألول مرة (عندما عىل سبيل املثال
ال تكون أنامط السلوك اهلدف موجودة يف ذخرية املريض بعد عىل اإلطالق):
التشكيل :Shapingويقصد به التشكيل التدرجيي للسلوك ،حيث يتم بداية تعزيز
العنارص ونقاط االستناد األوىل للسلوك اهلدف (عىل سبيل املثال أول مقطع لفظي عند
تشكيل اللغة اإلنسانية) .ويتطلب أسلوب التشكيل حتليل للسلوك اهلدف إىل تلك
439
األسس النظرية للعالج النفسي
االستجابات األساسية التي يمكن اعتبارها أوىل املقاربات وتعزيزها .يف إطار التقدم
يتم تعزيز التقارب بالتدريج بشكل تفريقي أكثر فقط ،أي عندما تظهر دائ ًام تشاهب ًا أفضل
مع السلوك اهلدف.
التسلسل :chainingويتضمن بناء نمط سلوك مركب؛ وهنا يتم تعزيز العنرص
األخري يف السلسلة كأول عنرص ،و تشكيل سلسلة السلوك إىل حد ما "من اخللف".
ويف التسلسل يستفيد املرء من حالة أنه يف سلسلة مركبة من السلوك يتم يف العادة أوالُ
تعزيز العنرص األخري أي النهاية .ومن خالل مبدأ التوصيل (أو الربط) تكتسب
العنارص منفردة من السلسلة بالتدريج طبيعة تعزيز (ثانوية) كذلك.
الدفع (التلقني) :promptingويقصد بذلك تقديم املساعدة اللفظية أو السلوكية؛
فمن خالل التعليامت واملسك باليد والتوجيه ...الخ يفرتض أن يتم توجيه الطفل
عموم ًا للسلوك املرغوب .وهبذا يشكل الدفع اسرتاتيجية أولية جد ًا كي يتمكن التعزيز
اإلجيايب من التأثري.
التاليش أو اإلهبات :fadingويعني التخفيف التدرجيي ملثري املساعدة؛ فمن أجل
تعلم سلوك مركب يمكن يف البداية تقديم مساعدة تصويرية أو سلوكية (عىل سبيل املثال
إمساك اليد أثناء الكتابة ) ...و من خالل التقدم العالجي يتم التخفيف من هذه املثريات
املساعدة ويتم تعزيز املبادرات املستقلة إىل أن يتم الوصول إىل السلوك اهلدف يف النهاية
حتت سيطرة النتائج الطبيعية.
440
ممارسة العالج النفسي
ومن خالل تشكيل أو بناء أنامط السلوك املرغوبة ال يكون العالج قد انتهى بعد يف
العادة؛ فاهلدف األهم يكمن يف اإلسهام يف تثبيت السلوك (التعميم) فيام يتعلق
باملحددات املوقفية والزمنية .و تشكل األساليب السائدة موضوع العرض الالحق.
441
األسس النظرية للعالج النفسي
حتت الرشوط الطبيعية (اجلامعة املرجعية ،األرسة) .وبشكل عام ينبغي لألهداف
العالجية واالسرتاتيجيات العالجية أن تكون موجهة نحو تسهيل عودة املريض إىل
السياق الطبيعي .ووجهة النظر هذه غالب ًا ما حتتاج إىل إجراءات مالزمة يمكن النظر
ال ويف إليها إىل حد ما عىل أهنا اسرتاتيجيات مستقلة :فالعالج السلوكي يتضمن حتلي ً
ال لتلك الرشوط التي تعد حمددات االضطراب .ويتطلب التحليل مقتىض احلال تعدي ً
ال لرشوط املحيط االجتامعي؛ فالتدخل يف املحيط الطبيعي للمريض كثري ًا
الوظيفي تعدي ً
ما يصطدم بحدود القابلية للتحقيق .ويف العالج السلوكي تتم عىل وجه حق مناقشة
فيام إذا كانت هذه احلدود موجودة مع العبور من النشاط العالجي إىل النشاط السيايس.
فإذا ما وضع املرء النشاط السيايس والعالجي عىل متصل؛ فإنه ال بد من التأكيد عىل أنه
حتى ما يسمى النشاط العالجي الصايف يتضمن أبعاد ًا ومضامني سياسية.
وبشكل خاص من أجل الوقاية من االنتكاس و التعامل مع الرشوط املرهقة
يفرتض للعالج أال يركز فقط عىل تقديم املساعدة يف صعوبة ملموسة؛ ويف احلالة املثالية
يفرتض للعالج أن يوصل نوع ًا من منظور حل املشكلة .ويمكن أن يتم طرح حتليل
املشكلة وحتديد اهلدف والتخطيط للعالج يف العالج السلوكي بشكل رصيح و شفاف،
بحيث أن اإلجراء العام يمثل نوع ًا من النمط املرن للصعوبات املستقبلية و الضغوط
و املشكالت .ففي الشكل األبسط عىل سبيل املثال يتضمن مثل هذا املنظور ،أن ينظر
مريض ما إىل مشكلة متكررة الظهور عىل أهنا مشكلة من جديد و يلجأ للعالج النفيس
بناء عىل خرباته السابقة .ويف احلالة املثالية يمكن للمريض أن يقوم بنقل واستخدام
اسرتاتيجيات حل املشكلة املتعلمة يف العالج عىل موقف املشكلة.
يف كثري من احلاالت ال يمكن التأثري عىل الرشوط املحيطية أو تعديلها أبد ًا أو
بصعوبة جد ًا (البنى األرسية الثابتة عىل سبيل املثال لدى مرىض باضطرابات الطعام؛
و الرشوط البنيوية يف مكان العمل لدى مريض يعاين من مشكلة الكحولية ...الخ).
وهنا تفيد اسرتاتيجيات ضبط الذات بدرجة كبرية .ويتضمن ضبط الذات بشكل عام
جد ًا بأن يتعلم املريض حتقيق احتاملية سلوكه و توجيه سلوكه بناء عىل ذلك .وهذا ال
442
ممارسة العالج النفسي
يعني أن يرتك املرء األمر للمريض نفسه .بل أن ضبط الذات يتضمن جمموعة من
االسرتاتيجيات القابلة للتعلم و القابلة للتوصيل .وهبذا ال تكون قد حتققت املساعدة
لتثبيت السلوك ألبعد من السياق العالجي ضيق فحسب؛ بل يتضمن ضبط الذات أيض ًا
استقاللية املريض عن الرشوط العالجية باجتاه تقرير املصري و إدارة الذات .وقد تم
تفصيل وجهة النظر يف اإلدارة الذاتية هذه من قبل كارويل وكانفر Karoly & Kanfer
) (1982أوكانفر وراينكر و شميلترس ).Kanfer & Reinecker & Schmelzer (1996
443
األسس النظرية للعالج النفسي
املعالج واملتعالج؛ و هنا يتم االتفاق عىل أنامط سلوكية كهدف و عىل املعززات التي ينبغي
تقديمها هنا .وقد تم استخدام إدارة العقود (عقود االحتاملية) يف جماالت خمتلفة ،من
نحو املشكالت الزوجية والكحولية و لضبط الوزن ...الخ .العنرص املهم يف إدارة
العقود هو التحديد الدقيق ألنامط السلوك اهلدف و االحتاملية contingenceالتي تتم
بالنسبة للظهور أو عدم الظهور .ومن الواضح هنا أنه يمكن إجراء العقود ليس بني
املعالج واملريض فحسب وإنام يبدو من املهم هي تلك العقود التي جيرهيا الشخص بينه
وبني نفسه كام حيدث يف إطار ضبط الذات.
وتستفيد استخدام إدارة االحتاملية يف املحيط الطبيعي من الوضع املتمثل بأنه يف
العادة يمتلك أشخاص املحيط الطبيعي للمريض املعززات احلاسمة وليس املعالج.
ويتم تدريب أشخاص املحيط الطبيعي هؤالء يف إطار إدارة االحتاملية عىل تقديم
املعززات بشكل هادف بالنسبة للسلوك اهلدف املرغوب .ويتضمن التصور الذي طوره
تارب و وتسل Tharp & Wetzel,1975تعدي ً
ال لعالقة املعالج-املتعالج باجتاه نموذج
444
ممارسة العالج النفسي
من اإلجراء الذي أصبح معروف ًا حتت اسم "نموذج الوسائط "Mediators Model
تعزى فيه ملا يسمى باملعاجلني املبارشين الدور املركزي ًيف تعديل السلوك املركزي
لشخص هدف :وبام أهنم يمتلكون املعززات األهم حيتاج األمر يف التدخل املحرتف
بشكل خاص إىل تدقيق األهداف و سامت ملموسة ألنامط السلوك غري املرغوبة؛
وكنتيجة ملثل هذا النمط من السلوك (كالسلوك التعاوين لدى طفل عدواين يف جمموعة
الروضة عىل سبيل املثال) يقوم املعاجلون املبارشون (الوالدين ،املعلمون ،مدير التجربة
عىل سبيل املثال ) ...بتقديم النتائج املتفق عليها .ويمكن احلصول عىل أمثلة حول
االستخدام ومن بينها تدريب الوالدين لدى برييز و مينسل وفايمر & Perrez, Minsel
) ،Wimmer,1985وكذلك يمكن استخدام مبادئ علم نفس البلديات كتطويرات
الحقة للمبادئ اإلجرائية يف جمال األطر الطبيعية.
خالصة
445
األسس النظرية للعالج النفسي
بأنامط سلوكنا ارتباط ًا وثيق ًا (كالتدخني والتغذية و احلركة ...الخ عىل سبيل
املثال) .و هنا ال بد لنا من االنطالق-كام هو احلال عموم ًا يف توجيه سلوكنا-
من ضبط متعدد .غري أنه يف تناغم الرشوط املطابقة فقد يكون إمهال دور
العوامل اإلجرائية شديد اإلشكالية .
القابلة للمالحظة املتمثلة يف أن الناس (وكذلك أيض ًا املخلوقات مادون البرشية عىل ما
يبدو) قادرون بطريقة رسيعة وفاعلة إىل حد ما عىل مالحظة السلوك املعقد لألشخاص
اآلخرين وتقليده و تثبيته يف ذخرية السلوك اخلاصة.
و البد من النظر للتعلم وفق النموذج بأنه واقع يف سياق نظرية التعلم االجتامعية
و يقصد به بأن عمليات التعلم تتأثر بدرجة كبرية باملحددات االجتامعية و البني
شخصية؛ و هبذا فإن طرق التعلم وفق النموذج حتتل يف املتصل املمتد من الطرق
التعليمية النظرية التقليدية وصوالً إىل الطرق االستعرافية مركز ًا وسطي ًا (الشكل .)19
446
ممارسة العالج النفسي
وكأساس للتعلم االجتامعي يتم التأكيد من باندورا باستمرار عىل أمهية العمليات
التالية و التي ينبغي أن نعدها إىل حد ما رشوط للتعلم وفق النموذج:
عمليات االنتباه :وتتضمن اإلدراك و التصفية االنتقائية للمعلومات من خالل
مالحظ؛ وهذا االنتباه للمالحظ يتم توجيهه عىل ما يبدو من خالل سامت النموذج ومن
خالل الرشوط الدافعية واالنفعالية للمالحظ.
عمليات التخزين للمعلومات :بام أن التقليد غالب ًا ما ال حيدث بشكل مبارش ،فال
بد لدى املالحظ من افرتاض وجود عملية ختزين؛ و علينا أن نتصور هذا التخزين عىل
أنه حادث فاعل يف منظومة التمثيل اللفظية والتصويرية (و ليس بأي شكل من األشكال
عىل شكل من الصورة السلبية) وعىل ما يبدو فإن الفرد يقوم بتخزين تلك املظاهر من
احلادث املركب املهمة يف سياق احلاجات اخلاصة.
reproduction عمليات االسرتجاع :تتضمن فرضية عمليات االسرتجاع
processاملعرفية واللفظية و احلركية ،رشط ًا –عىل الرغم من أنه تافه -إال أنه مهم جد ًا.
وهذه تتضمن الرشوط العقلية والفيزيائية غري القابلة لالسرتجاع من دون النمط
املالحظ .وبالتحديد عىل مستوى عمليات االسرتجاع يبدو أنه تكمن أيض ًا إىل حد ما
احلدود الوثيقة للتعلم وفق النموذج :فعىل ما يبدو نحن نستطيع متابعة أنامط سلوك
معقدة بانتباه شديد و ختزينها؛ فاالسرتجاع يتم ضمن بذل جهد كبري من التمرين (عند
تعلم لغة أجنبية أو نشاط ريايض معقد عىل سبيل املثال).
العمليات الدافعية :تشكل العمليات الدافعية motivational Processesبالنسبة
للتعلم رشط أسايس عام ،وبشكل خاص تلعب يف التعلم وفق النموذج دور ًا حاس ًام .و
يتضح هذا بشكل كبري من خالل التمييز الذي نجده بالتحديد يف نظرية التعلم
االجتامعي-االستعرايف" .فالتعلم "Learningيعني تبني حمتويات التعلم ،من دون أن
يتم إظهار هذه املحتويات بالرضورة (وطبق ًا لذلك فإنه يفرتض بأن الذخرية موجودة
بنيوي ًا) .ويقصد "باألداء "performanceبأنه يتم إظهار السلوك ،يتم التعبري عنه؛ فهذا
447
األسس النظرية للعالج النفسي
يشرتط رشوط استثارة موقفية وحمددات حركية بمعنى نتائج ماضية متوقعة (تعزيز)
للسلوك.
يمكن استغالل التعلم وفق النموذج من أجل توصيل أنامط السلوك غري املوجودة
حتى اآلن يف ذخرية Repertoireاملريض .ويف حني أن الطرق اإلجرائية يف العادة متثل
طريق ًا فاعالً ،ولكنه شاق جد ًا للتوصيل ،فإنه يمكن اختصار هذه العمليات من خالل
التعلم وفق النموذج .و يمكن للمهارات اللغوية يف السياق البني شخيص أن تشكل
مثاالً عىل ذلك (التي يمكن توصيلها يف جمموعة عالجية عىل سبيل املثال).
الحظ (املريض) تعزيز أو إضعاف من خالل التعلم وفق النموذج يمكن لدى امل ِ
أنامط سلوك يف تكرار ظهورها؛ فهنا يستفيد اإلنسان مما يسمى بالتأثري الكابح أو املزيل
ِ
املالحظ .-مثال للتأثريات املزيلة للكبح للكبح لشخص نموذج –يف تأثريه عىل سلوك
يمكن رؤيته يف جمال السلوك قبل االجتامعي أو الواثق؛ التأثريات الكابحة عىل امليول
السلوكية العدوانية تكون موجودة من خالل مالحظة السلوك التعاوين للشخص
النموذج.
ومن خالل نموذج التعلم يتم تسهيل عمليات تعلم التفريق بدرجة خاصة :فام
يقوم بتقديمه الشخص النموذج يتم حتت رشوط استثارة نوعية تتم مراقبتها من املريض
و يتبناها لسلوكه هو .وعند تعلم أنامط السلوك الواثق غالب ًا ما يتعلق األمر بتعلم أي
سلوك ويف أي موقف يعترب مناسب ًا .و هنا ينبغي أن يتم متييز رشوط املثري املعقدة
وتقويمها اجتامعي ًا (يف جمال طرح املطالب ،عند الرفض عىل سبيل املثال الخ).
ويف كل هذه اإلمكانات البد من مراعاة أن التعلم وفق النموذج يمكن أن يتم أيض ًا
بشكل مستقل عن العرض امللموس؛ فمن املمكن أن يكون الوصف اللفظي-الرمزي
كافي ًا كأساس للتعلم وفق النموذج .هنا فإن احلدود مع األساليب االستعرافية مطاطة.
و من أجل التفسري النظري لعمليات التعلم وفق النموذج يستند املرء بالدرجة
األوىل عىل النامذج االستعرافية-االجتامعية .و ينبغي كذلك ذكر املبادئ القديمة التي
448
ممارسة العالج النفسي
توضح بأنه علينا فهم التعلم وفق النموذج عىل أنه عملية معقدة عىل عدة مستويات .يف
تفسري التأثريات الكابحة أو النازعة للكبح من املمكن للمرء أن يرجع إىل النموذج
النظري للغرائز ،التي توضح جتذر السلوك اإلنساين يف السياق التطوري .و من املؤكد
أن النامذج النظرية الرتابطية تلعب دور ًا (عىل سبيل املثال فيام يتعلق بالتشابه بني النامذج
و الشخص املق ِّلد)؛ وهذه املبادئ تشري إىل أن السلوك الذايت مرتبط بقرب زماين ومكاين
(متاس )Contiguinityمع سلوك الشخص النموذج ،و هو ما يسهل تبني السلوك .و
قد متت سابق ًا اإلشارة إىل دور عمليات التعزيز يف الرشوط الدافعية؛ و هذه متت
توضيحها من قبل دوالرد وميللر يف عام 1941بشكل تفصييل و بالطبع أكد عليها
سكنر يف عام .1953و مع التفريق بني السلوك املوجه من االحتاملية و السلوك املشكل
من خالل القوانني يؤكد سكنر يف عام 1969عىل أمهية أنامط التعلم التي حتتل بالذات
بالنسبة لنموذج التعلم دور ًا مه ًام.
يف اخلتام ال بد و أن نضيف حول التعلم وفق النموذج أنه علينا أال
نقلل من قيمة دور املعالج يف وظيفته كشخص نموذج؛ فاملرىض ال يتبنون من
املعالج أنامط السلوك امللموسة فقط (يف التدريب عىل التفسري exposition
trainingيف إطار معاجلة القلق عىل سبيل املثال) ،وإنام يف اجتاهات وقيم
ومعايري املعالج .وهنا ال بد من اإلشارة إىل أن لذلك عواقب شديدة عىل
تأهيل املعاجلني وبشكل خاص بالنسبة لتفاعل املريض واملعالج .
متت اإلشارة إىل تصورات ضبط الذات عند معاجلة نظرية التعلم التقليدية
)(Skiner,1953 & 1969؛ إال أنه قصدنا بضبط الذات هناك حقيقة أن شخص ما قادر
بنفسه عىل توجيه سلوكه من خالل إدخال استجابة ضابطة إىل ذخرية سلوكه .ومن
449
األسس النظرية للعالج النفسي
هذه الناحية يظل تصور (وطرق) ضبط الذات مرتبط ًا بمبادئ التوجيه اخلارجي للسلوك
اإلنساين .املسائل النظرية املعرفية والفلسفية من سياق توجيه السلوك اإلنساين من
خالل الشخص نفسه تظل يف هذا السياق غري حملولة إىل مدى بعيد؛ ويمكن باإلضافة
إىل ذلك اإلشارة إىل توضيحات املفاهيم املنفردة التي تساعد يف سياق طرق العالج
السلوكي.
450
ممارسة العالج النفسي
السلوك اإلنساين هو نتيجة للتفاعل املركب هلذه املتغريات؛ و هنا علينا االنتباه إىل
أنه وال أي واحد من املتغريات يمكن أن يصبح بال معنى كلية ،إال أن وزن املتغريات
املنفردة يمكن أن خيتلف بشدة يف توجيه السلوك.
مثال :يف اجلوع املتطرف الشديد (متغريات ) قلام تلعب األفكار األخالقية
(متغريات ) حول الرسقة دور ًا؛ فالشخص سوف لن جيعل الرشوط املوقفية متنعه
(متغريات ،) من أجل احلصول عىل الطعام بالطرق األكثر مبارشية .
وبالتايل فعندما نتحدث عن ضبط الذات فإننا نقصد متصل ،متارس فيه مرة متغريات
( الضبط اخلارجي) و يف حالة أخرى متارس متغريات ( ضبط الذات) تأثري ًا أكرب.
ويفرتض هلذا أن يكون قد اتضح من خالل نموذج منظومة تنظيم السلوك اإلنساين ،
الذي تم عرضه يف شكل ( .)6وتنبثق األمهية الكبرية ملتغريات بالنسبة لضبط
السلوك اإلنساين و تفسري السلوك اإلنساين من أسس نموذج تفاعيل بشكل خاص.
) : (Mischel, 1973 &1986فعىل الرغم من أنه ينبغي النظر للسلوك اإلنساين عىل أنه
نتيجة للمواقف اخلارجية ،إال أنه من جانب آخر يتغري السلوك اإلنساين أيض ًا يف املواقف
اخلارجية (وبشكل كبري عىل سبيل املثال يف جمال التغري حميطنا من خالل قيادة السيارة. .
الخ) .ويقدم الشكل ( )20توضيح ًا هلذا التأثري التفاعيل.
توضيح املفاهيم
451
األسس النظرية للعالج النفسي
452
ممارسة العالج النفسي
ومن الصعب جد ًا توضيح سلوك ضبط الذات بشكل نظري خالص؛ فمن حيث املبدأ
البد للشخص أن خيتار يف موقف ذلك السلوك الواقع حتت السيطرة قصرية األمد.
وعىل ما يبدو فإن الناس قادرون عىل التخيل عن املعززات قصرية األمد أو حتمل املواقف
املقيتة عىل املدى القصري لصالح الفوائد طويلة األمد أيض ًا .و قد أوضح هارتيج
Hartig,1973بأن ضبط الذات ال يمكن توضيحه إذا ما افرتض املرء قبل تنفيذ سلوك
ضبط الذات وجود عملية استعرافية دافعية .وهذه العملية –عىل مستوى متغريات
-مشاركة بشكل حاسم عىل ما يبدو جلعل أمهية املتغريات اخلارجية أو املتغريات
453
األسس النظرية للعالج النفسي
كطريقة لضبط الذات سيتم هنا ذكر الطرق التي تلعب بمعنى توضيح املفاهيم –
عىل أساس موقف رصاع-دور ًا مركزي ًا .و سيستثنى (وتم تناوهلا بشكل مستقل) من
ذلك تقنيات التدخل االستعرافية ،التي ترجع بالطبع باملقدار نفسه إىل سيطرة .
و كطرق عالجية مهمة لضبط الذات سنشري:
-مالحظة الذات
ضبط املثري
ضبط االحتاملية.
مالحظة الذات
ويتم استخدامها يف كثري من املبادئ العالجية السلوكية كطريقة جلمع البيانات؛ و
هنا ظهر أنه ينجم تعديل يف السلوك اهلدف كنتيجة ملالحظة الذات و وصف الذات.
وهذا يربر استخدام مالحظة الذات كطريقة مستقلة لضبط الذات.
ويكمن هدف هذا األسلوب يف أنه يتم توجيه املريض نحو مالحظة السامت املهمة
لسلوكه أو للرشوط املوقفية للسلوك و تسجيلها؛ وهذا يتطلب يف الغالب من خالل
مالحظات خمترصة أو من خالل قوائم شطب أو من خالل تسجيالت يف تصويرة
مالئمة .و يبدو أن املهم يف هذا بأن حتديد ينبغي أن يتم بشكل بسيط قدر اإلمكان ،ألن
احلالة األخرى ال حتقق الدقة يف التحديد .و تالءم أساليب املالحظة الذاتية بشكل
خاص ملالحظة السلوك و ملالحظة املواقف اخلاصة يف املحيط الطبيعي للمريض
وملالحظة العمليات التي يصعب حتديدها إىل مدى بعيد (املجريات الفكرية؛ التعبري عن
الذات ...الخ عىل سبيل املثال).
وما يقيد طريقة مالحظة الذات يمكن اإلشارة إىل أن التأثريات العالجية ملالحظة
الذات عادة ما تكون قصرية األمد ،بحيث أن املالحظة الذاتية تكون مالئمة بشكل
خاص بالنسبة لبداية برامج التعديل العالجية .وألسباب ذرائعية ال بد أن تتم مالحظة
454
ممارسة العالج النفسي
لسلوك املشكل قبل ظهوره و لكن أنامط السلوك اهلدف بعد ظهورها ،من أجل
االستفادة من التعديالت العالجية بشكل خاص .وهنا تتم االستفادة بشكل خاص
من التأثريات الرجعية reactiveملالحظة الذات أي حقيقة أن السلوك يتغري عىل األغلب
بناء عىل املالحظة باجتاه اهلدف العالجي .و كميزة خاصة ملالحظة الذات نشري يف النهاية
إىل أن املريض من خالل املالحظة الذاتية –عىل األغلب يف املرحلة املبكرة جد ًا من
العملية العالجية -يشارك بفاعلية و بشكل مستقل يف نوايا التعديل (اهلدف :اإلدارة
الذاتية).
ضبط املثري
يتضمن مبدأ ضبط املثري تعديل لتلك الرشوط من السلوك التي يمكن اعتبارها
حمددات هامة (املثري)؛ و هنا يغري املريض املحددات االجتامعية أو الفيزيائية للمحيط،
بحيث أن السلوك اهلدف يصبح أكثر احتامالً (أو ينخفض السلوك املشكل يف احتاملية
ظهوره).
وينبغي أن يتم التنظيم arrangementاألمثل لرشوط املثري يف املوقف الذي مل يظهر
فيه بعد السلوك املشكل (عىل سبيل املثال الكحولية) أو الذي مل يظهر فيه بعد السلوك
املرغوب (العمل املركز يف الكتابة) .يف كلتا احلالتني يتم تنظيم املحيط بحيث يتم يف
املوقف احلرج قطع سلسلة السلوك املؤمتت إىل مدى بعيد و يصبح السلوك املرغوب
أكثر احتاملية.
ومن األمثلة عىل ضبط املثري نشري إىل التخيل عن زيارة مطعم أو تنظيف صحون
السجائر ،التخيل عن رشاء السجائر ...الخ؛ يف احلالة األخرى ترتيب املكتب ،إتباع
دورة تدريب ...الخ.
ومن خالل التحقيق املبكر للرشوط اخلارجية يتم تشكيل املوقف بحيث تستثري
مثريات التنبيه التمييزية السلوك اهلدف؛ و يمكن كذلك النظر للسلوك الذايت عىل أنه
مثري تنبيه تفريقي (عىل سبيل املثال التخيل عن حفلة يف العمل ،التي يتم فيها استهالك
455
األسس النظرية للعالج النفسي
الكحول ...الخ) .وتشكل العمليات االستعرافية جمال واسع جد ًا و مهم لرشوط املثري،
تلك العمليات التي يمكن أن يتم استخدامها من خالل اسرتاتيجيات ضبط الذات يف
بداية سلسلة سلوك؛ فلنفكر بالتعليامت الذاتية و التعابري الذاتية أو بشكل عام باملثريات
املستثارة ذاتي را .و سوف نتناول ذلك عند مناقشتنا لألساليب االستعرافية .إال أنه ال بد
لنا من اإلشارة إىل أن أساليب ضبط املثري مرتبطة يف العادة بأساليب أخرى لضبط الذات
واآلخر [الطرف الثالث] .و هذا يؤكد عىل أنضبط -يف العادة ال يتم استخدامه
لوحده لتوجيه السلوك املشكل.
ضبط االحتمالية
متتلك األساليب لضبط السلوك اإلنساين من خالل االستخدام اهلادف لالحتاملية
اخلارجية يف العالج النفساين –وليس هنا فقط ،لنفكر بالضبط الطبيعي من خالل
احتامليات املحيط -أمهية كربى .و يمكن أن يتم استخدام هذه األساليب من الشخص
نفسه (أنظر فقرة األساليب اإلجرائية) .و الفرق األهم بني التعزيز الذايت وتعزيز اآلخر
يكمن يف أن الشخص نفسه يقرر حول منح احتاملية سلوك Behavior
contingenceمعطاة ذاتي ًا.
والسؤال إىل أي مدى يتم استخدام التعزيز الذايت ،فإنه يتعلق عىل ما يبدو بعاداتنا
واخللفية الثقافية و االجتاهات الراسخة (املديح الذايت له رائحة كرهية) .وهنا يظهر أن
أساليب التوجيه املستقل لالحتاملية هلا بالنسبة للسلوك الذايت تأثريات مشاهبة ألساليب
التعزيز اخلارجي .باإلضافة إىل أن أساليب التعزيز الذايت متتلك ميزة كبرية بأهنا جتعل
املريض غري متعلق بمقدار كبري بالضبط اخلارجي ،وبأن هذا الشخص يغري اجتاهه من
نفسه بطريقة مهمة .ويمكن لتوجيه السلوك من خالل االستخدام املراقب ذاتي ًا
لالحتاملية اخلارجية أن يتم يف احلالة املثىل من خالل إجراء االتفاقات؛ ومثل هذا االتفاق
حيدد بذاته منذ البداية ما العواقب التي ينبغي حتقيقها وحتت أي رشوط .ويف االتفاقات
ينبغي أال يتعلق األمر بام يسمى "وعود رأس السنة" ،ألن إعطاء الوعد هنا يكون
456
ممارسة العالج النفسي
خاضع ًا الحتاملية خمتلفة كلية عن احلفاظ عىل االتفاق .و يف هذا السياق ال بد من
اإلشارة إىل الوظيفة الدافعية لالتفاق بشكل خاص :وبشكل خاص تشكل األهداف
املوضوعة ذاتي ًا و املعايري مصدر ًا مه ًام للدوافع الداخلية التي يمكن استثامرها يف إطار
اسرتاتيجيات ضبط الذات.
457
األسس النظرية للعالج النفسي
نفسه إىل مدى بعيد .ونتحدث عن التخفيض النسبي ألنه بالطبع يتم توصيل حتى طرق
ضبط الذات داخل األطر العالجية و ما يرتبط بذلك من مفاهيمية و ضبط.
وبمساعدة أساليب ضبط الذات يكون قد حتقق املعرب نحو املساعدة الذاتية من
ناحية أنه يمكن أن يتم ختفيض ممارسة التأثري العالجي .و بالتحديد وبالنظر لإلمكانات
املحدودة لإلمداد العالجي حتتل اسرتاتيجيات املساعدة الذاتية من خالل ضبط الذات
وتوضح دراسات خمتلفة (من نحو ;Meyer et al. ,1991 أمهية خاصة.
Maraggraf,1995عىل سبيل املثال) أن جزء ًا ضئي ً
ال فقط من املعنيني و الناس املحتاجني
للمساعدة يمتلك فرصة للحصول عىل املساعدة العالجية املحرتفة والفاعلة .وهبذا
يمكن جعل طرق ضبط الذات املتعلقة باسرتاتيجيات حل املشكلة ،التي يستطيع
املريض استخدامها بشكل مستقل واالستفادة منها ملواجهة املشكالت النوعية ،ذات
فائدة.
طرق ضبط الذات تتيح فرصة رابعة خاصة لضبط الرشوط بني اجللسات
العالجية :و هنا يمكن أن تأيت الرشوط اإلشكالية حتت تأثري املريض بحيث يمكن أن
يتم تصميم التعميم ،أي نقل التأثري العالجي عىل األطر الطبيعية ،بشكل مناسب.
وبالذات يف إهناء التأثري العالجي يفيد هذا كإمكانية للنقل إىل اإلطار الطبيعي.
وامليزة اخلامسة هي أن اسرتاتيجيات ضبط -حتظى بأمهية خاصة عندما تصطدم
إمكانات تعديل الرشوط اإلشكالية عند حد ما :أمثلة عىل هذا املوجودة مع الرشوط
املرضية واإلشكالية يف العمل و يف األرسة و يف املحيط الطبيعي عندما ينبغي اعتبار هذه
–بغض النظر عن األسباب -غري قابلة للتعديل .فهنا تقدم أساليب ضبط الذات،
وبشكل خاص إمكانات الضبط اللفظي والفكري واالنفعايل فرصة ملواجهة الرشوط
اإلشكالية.
واحلجة األخرية بشكل خاص تؤيد يف القرارات العالجية إيالء أساليب الضبط
الذايت أمهية كبرية؛ وهنا علينا أن نراعي بأن طرق ضبط الذات يف العادة متجذرة يف
458
ممارسة العالج النفسي
تصور كيل عالجي وهلذا قلام نجدها تستخدم كطريقة عالجية هادفة لوحدها.
459
األسس النظرية للعالج النفسي
ومن أجل تثبيت التعديالت العالجية فإنه من املؤكد أنه من املفيد أن تكون قد
تعدلت اجتاهات و توقعات وأنامط تفكري املريض . .الخ ،إال أن التعديل "املبارش"
لوحده للتوقعات صعب التحقيق ،وتعديل التوقعات حيدث يف احلالة املثالية من خالل
اخلربة امللموسة للمريض .وعرض أمهية التفاعل املتبادل بني سامت العمليات
االستعرافية من جهة وبني عمليات السلوك البناء من جهة أخرى ال يشكل رأي الكاتب
فقط؛ بل أهنا مربهنة من خالل أعامل إمبرييقية و مدعومة من خالل حتليل العمليات
العالجية.
460
ممارسة العالج النفسي
هلذا البد من النظر لإلجراء العالجي السلوكي عىل أنه دائ ًام إجراء عالجي
سلوكي-استعرايف ،وكذلك يمتلك العالج االستعرايف باستمرار مبادئ عالجية
سلوكية (أنظر أدناه مبدأ بيك) .ويبدو كذلك بأنه من املربر ألسباب منهجية وتعليمية
معاجلة "أساليب العالج االستعرافية" بشكل منفصل ،ألن هذه املبادئ متثل يف أسسها
موقف ًا نوعي ًا آخر ،خيتلف عام هو احلال يف العالج السلوكي التقليدي .إال أن التطبيق يف
املامرسة و اإلجراء العالجي امللموس يستندان يف كل األحوال إىل سامت التمرين واخلربة
امللموسة .وهذا يربر احلديث عن .أساليب العالج السلوكي االستعرايف".
و سوف يتم من املجال الواسع لألساليب االستعرافية اختيار املبادئ األساسية؛
ويتعلق ا ألمر هنا باألساليب املغطاة غري الكاشفة ،و طرق إعادة البناء االستعرايف
ومبادئ حل املشكلة بوصفها أساليب تدخل استعرافية.
.1األساليب املغطاة
J. يرتبط تطوير و تفصيل ما يسمى باألساليب املغطاة بدرجة كبرية باسم كاوتيال
)R. Cautela (1973؛ إال أن األسس والفرضيات حول ذلك نشأت من تقاليد سكنر
وتم ترسيخها من قبل هوم ) L. Homme (1965فيام يسمى "بفرضية االستمرارية".
وتقول هذه الفرضية بأن مبادئ نظرية التعلم السلوكية تطبق عىل األحداث االستعرافية
(األفكار ،الصور ،الذكريات ،التوقعات ،) ...متام ًا كام ينطبق األمر عىل املثري القابل
للمالحظة واالستجابة .وعىل الرغم من أن األحداث االستعرافية غري قابلة
للمالحظة ،وهلذا سميت "باملغطاة" ،إال أهنا تشكل متام ًا عنارص لسلسلة سلوك كام هو
األمر بالنسبة لألحداث القابلة للمالحظة.
461
األسس النظرية للعالج النفسي
462
ممارسة العالج النفسي
& Lazarus خمتلف .و نجد مثاالً مبكر ًا لالستخدام لدى الزاروس وأبراموفيتس
) :Abraovitz (1962ففي هذا األسلوب –واملسمى أيض ًا األسلوب " التصويري
االنفعايل -"emotive imageryتم التغلب عىل اخلوف من الظالم لدى طفل من خالل
التصورات اإلجيابية (طفل يف العارشة من عمره ،دخل يف دور بطل هزيل حمبوب)
التعزيز املغطى :ويف هذا األسلوب يتم ربط تصور السلوك (املرغوب) مع تصور
حمبوب بالنسبة للمريض .وإىل جانب املظهر املبارش لالرتباط من املؤكد أيض ًا أن عملية
التقارب التدرجيي (املتصورة يف البداية) للهدف املرغوب مهمة (عىل سبيل املثال
السلوك الواثق بالنفس يف املجموعة .) ...ويتضمن التعزيز املغطى كذلك تعديل
اجتاهات املريض حول نفسه هو و تعديل ما أطلق عليه مايكينباوم Meichenbaum
)" (1977احلوار الداخيل" (أنظر أدناه) .و تنبثق أمهية األسلوب بدرجة كبرية بوصفه
مرحلة قبلية للتعزيز اخلارجي و بمعنى إعادة بناء استعرايف (التعزيز الذايت بمعنى باندورا
) .Bandura,1977,Kanfer,1977ومن هذه الناحية تلعب إجراءات التعلم "املغطى"
دور ًا ضمني ًا عىل األغلب يف أساليب العالج السلوكي التقليدي أيض ًا (أي أيض ًا يف
التعزيز اخلارجي ،واإلرشاط املضاد و اإلطفاء و التعلم وفق النموذج ...الخ).
463
األسس النظرية للعالج النفسي
خالصة
يف حني أنه قلام نجد اليوم خالف حول فرضية االستمرارية بأي شكل
من األشكال ،فإن األمهية العملية لألساليب املغطاة واقعة اآلن خارج جمال
التشكيك؛ و ينطبق هذا بشكل خاص عىل اسرتاتيجيات املواجهة االستعرافية
) (Lazarus & Folkman,1984أو بالنسبة لالقرتاب الفكري أو اللفظي من
املوقف املخيف .كام هناك دالئل مؤكدة عىل الفائدة من علم النفس الريايض،
الذي يتم فيه التمرن االستعرايف بداية عىل التامرين املختلفة املعقدة .
464
ممارسة العالج النفسي
يف عالج االكتئاب من خالل بيك يف ستينيات القرن العرشين : .فقد ظهر هنا أنه يف
االكتئابات بشكل خاص يتعلق األمر بتعديل االستعرافات و التصويرات Schema
املفرتض وجودها خلف هذه االستعرافات .و حسب بيك Beck,1967أو بيك
وغرينبريغ Beck & Greenberg, 1979وبيك وآخرين Beck, et al. ,1992فإن
األشخاص املكتئبون يتصفون بنمط حمدد من التفكري (أي سامت استعرافية) ،أال وهي
( )1نالظرة السلبية للذات )2( ،النظرة السلبية للمحيط و ( )3النظرة السلبية
للمستقبل .و قد أطلق بيك Beck,1967عىل هذه الثالثية تسمية "الثالثوث االستعرايف
."cognitive Triadوطبق ًا ألسباب Etiologyنموذج االضطرابات االكتئابية يتم
النظر هلذه الوظائف االستعرافية املختلة cognitive Dysfunctionعىل أهنا أساسية،
عزى إليها السامت األخرى لالضطراب (االنسحاب االجتامعي ،عدم الفاعلية،
االضطرابات االنفعالية والدافعية ،املظاهر اجلسدية .) ...وبالنتيجة فإن األمر يتعلق
يف عالج االكتئاب حسب بيك ليس كثري ًا بتعديل سامت السلوك (كام هو احلال عىل
سبيل املثال لدى ليفينسون ،Lewinson,1975أو لدى سيلغامن )Seligman,1979وإنام
بتعديل أخطاء التفكري و التصويرات املختلة الكامنة خلفها. .
ومن أجل تصحيح هذه األخطاء يف التفكري (عىل سبيل املثال اإلدراك االنتقائي،
واالستنتاج العشوائي ،وفرط التعميم ،و التفكري املتشعب (أو املنقسم )dichotomyقام
بيك و العاملني معه بتطوير الطرق التالية من التدخالت االستعرافية (وقد تم هنا عرض
بعض التقنيات األساسية فقط ،ويمكن الرجوع إىل بيك و آخرين ()1992أو هاوتسنغر
.)Hautzinger, 1994
465
األسس النظرية للعالج النفسي
466
ممارسة العالج النفسي
-6نزع التفكري الكارثي و إعادة العزو و تطوير البدائل :هنا عىل املريض
أن يتعلم –من بينها عن طريق النقاش املنطقي -املواجهة الواقعية مع
األفكار و أحداث البيئة (عىل سبيل املثال "ما الذي حيدث ،لو أن
صديقك ختىل عنك ...؟) .فغالب ًا ما يتجنب املرىض املواجهة و
يصفون احلدث ببساطة عىل أنه "كارثة" و ال يرون أية إمكانية لتقويم
آخر (إعادة العزو) .ومن خالل املواجهة مع املوقف يتم توفري فرصة
لتطوير البدائل.
-7بناء التوقعات الواقعية :املرىض املكتئبون يشوهون ألنفسهم
إمكانات التطور اإلجيابية ،وذلك من خالل عدم نظرهتم للمستقبل
إال نظرة متشائمة .و ألجل هذا حيتاج األمر من املنظور العالجي إىل
تصحيح البعد الزمني (أي إذا ما سار أمر ما بشكل يسء ،فال يعني
هذا أن األمر سيكون هكذا يف املستقبل .؛ كام حيتاج مظهر التعميم و
اليقني فيام يتعلق بالتوقعات السلبية إىل التصحيح من خالل
التوقعات اإلجيابية و الواقعية.
ويعد العالج االستعرايف وفق بيك إجراء توجيهي مبني بشدة .و يفرتض للوصف
املخترص للخطوات املنفصلة لإلجراء العالجي أن توضح أن اإلجراءات االستعرافية
وذات التوجه السلوكي مرتبطة يبعضها البعض بشدة بحيث أن تسمية "العالج
االستعرايف" ال تربر سوى االسم التجاري .ويف حني أن املقاصد األصلية لألسلوب
كانت مقترصة عىل االضطرابات االكتئابية و ينبغي تقويمه هنا عىل أنه شديد الفاعلية و
مهم ،فإن هذا النموذج قد حظي يف هذه األثناء بتوسعيات عىل صور االضطرابات
اإلكلينيكية األخرى .و من بينها عىل سبيل املثال اضطرابات القلق و اضطرابات
الشخصية.
467
األسس النظرية للعالج النفسي
منطلق األفكار النظرية والعالجية عند إيليز كانت (كام هو احلال لدى بيك)
التقاليد التحليلية النفسية .كام يمكن اإلشارة كخلفية فلسفية إىل املدرسة الرواقية
Stoicismو نوع من االجتاه الذرائعي األمريكي .فإذا ما أراد املرء وصف املظهر
األسايس للعالج االنفعايل املنطقي إليليز فإنه ينبغي النظر لذلك من خالل النقاط
التالية :ليست هي األشياء التي تقلقنا بل آرائنا وتقويامتنا لألشياء هي التي تسبب لنا
املشكالت .وطبق ًا لذلك فإن االضطرابات النفسية كالقلق و االكتئاب والغضب و
احلزن ...الخ ،ليست مربرة بوصفها ترجع إىل إدراك مشوه و تفسريات خطأ و فرضيات
غري منطقية حول احلدث.
و تقوم التدخالت عند إيليز عىل نظريته املسامة نظرية ( .A,B,Cالشكل .)23
468
ممارسة العالج النفسي
ومهمة العالج تكمن يف تعديل مظاهر "منظومة االعتقاد (B) belief systemالتي
وصفها "بالالمنطقية" .irrationalويقصد "بالالمنطقية" بأن األمر يتعلق بفرضيات
تقود إىل مشكالت واضطرابات نفسية .والتدخالت العالجية وفق إيليز ال تكمن يف
التعديل ألحداث )(A؛ فتعديل العواقب (االنفعالية) املرضية ) (Cال يمكن أن يكون
مستمر ًا إال إذا تم حتديد القناعات الالمنطقية و استبداهلا من خالل فرضيات "منطقية
."rationale
لقد استخدم إيليز ( )1977من حيث املبدأ طيف كامل من األساليب العالجية
(من بينها أيض ًا من ذخرية السلوك العالجي التقليدي)؛ األمهية أألساسية ترجع للطرق
االستعرافية.
ففي البداية يتعلق األمر بتوصيل النموذج األسايس للعالج االنفعايل
املنطقي(نظرية A-B-C-حول االضطرابات النفسية) .باإلضافة إىل حتديد أنامط التفكري
والفرضيات الالمنطقية وأخري ًا استبدال فرضيات فلسفة حياتية منطقية بالفرضيات
الالمنطقية .وتلعب طرق احلوار السقراطي دور ًا مركزي ًا يف العبور من الفرضيات
الالمنطقية إىل الفرضيات املنطقية :فاستناد ًا إىل "فن التوليد" حياول املعالج حتديد
الفرضيات واجلمل الالمنطقية للمتعالج؛ و يتم التطرق بعدئذ هلذه اجلمل خطوة
فخطوة ،ومناقشتها و زعزعتها وتعديلها .ويتوىل املعالج هنا يف البداية دور ًا فاع ً
ال
وتوجيهي ًا وحياول أن يري املعالج الفرضيات الالمنطقية .و يف جمرى املناقشات
Disputationيفرتض أن يبتعد املريض عن قناعاته الالمنطقية و إحالل مكاهنا فلسفة
احلياة املنطقية املذكورة.
ويف جمرى العملية العالجية يلجأ املعالج بالعالج االنفعايل املنطقي بشكل خاص
إىل اإلجراءات العالجية السلوكية ،من نحو التامرين بني اجللسات ،و الواجبات
والتسجيالت و جتارب السلوك . .الخ .يف هذه التامرين يف املواقف الطبيعية يفرتض
للمريض (وينبغي أن يكون قادر ًا) جتريب تلك التعديالت و تثبيتها التي اكتسبها أثناء
اجللسة العالجية.
469
األسس النظرية للعالج النفسي
470
ممارسة العالج النفسي
تصبح داخلية بالنسبة للترصف اإلنساين .و قد أطلقت عىل هذا تسمية "احلوار
الداخيل"؛ وقد صاغ مايكنباوم مبدأين هلذا ،حظيت يف العالج االستعرايف بأمهية كبرية،
وبشكل خاص يف التدريب عىل التوجيهات الذاتية و التلقيح ضد الضغط.
يقوم الطفل بحل واجب ،يف حني يتم نطق التعليامت بصوت عال.
يقول الطفل التعليامت لنفسه بصوت عال يف أثناء قيامه بحل الواجب.
تنفيذ الواجب ،يصبح نطق التعليامت بصوت أخفض (مهس ًا) (توقف
املساعدة).
تنفيذ الواجب بأن تعطى التعليامت للذات بدون صوت (استدخال).
471
األسس النظرية للعالج النفسي
ومن اجلدير بالذكر يف هذا السياق تعديالت التعابري الذاتية خارج املجال العالجي
أيض ًا ،عىل سبيل املثال يف تدريب رياضيي القمة الذين يمكن يف تدريبهم توصيل تعابري
ذاتية مهمة جد ًا فيام يتعلق بالترصف و استخدام جمريات حركة هادفة (عىل سبيل املثال
.)Suinn,1989
472
ممارسة العالج النفسي
473
األسس النظرية للعالج النفسي
ثانية يمكن مع املريض النظر ملوقف املواجهة هذا وكأنه موقف إرهاق.
وتتضمن املواجهة confrontationطور تعليم ("ما الذي قد حيدث"،) ...
وطور التمرين(مع املراحل املذكورة أعاله ) ...وطور التطبيق (يف البداية
بتوجيه من املعالج ،وبناء عىل ذلك بالتدريج اإلدارة الذاتية للمريض) .و
يشكل تدريب التحصني ضد الضغط يف هذا السياق أحد مركبات
componentألسلوب عالج مركب complexأكثر من كونه طريقة عالج
مستقلة .
474
ممارسة العالج النفسي
475
األسس النظرية للعالج النفسي
476
ممارسة العالج النفسي
477
األسس النظرية للعالج النفسي
خالصة
478
ممارسة العالج النفسي
479
األسس النظرية للعالج النفسي
480
ممارسة العالج النفسي
النموذج الطبي حول الطبيب من جهة و املريض من جهة أخرى؛ فاألشخاص الذين
عانوا من اضطرابات نفسية عليهم أن يسامهوا بشكل فاعل يف إزالة تلك الرشوط التي
تعد حمددات االضطراب.
يف هذه األثناء ترسخ فهم واقعي ملفهوم املرض أو االضطراب :وعىل الرغم من أن
العالج السلوكي ال ينضوي حتت النموذج الطبي ،إال أن العالج السلوكي قد أظهر منذ
زمن بعيد بأنه قادر عىل عالج وتعديل االضطرابات ذات القيمة املرضية .أما مسألة
متى يوجد اضطراب نفيس ذو قيمة مرضية فهي تتعلق باإلضافة إىل ذلك بأبعاد قانونية
و متويلية و سياسية .فلنفكر عىل سبيل املثال بالكحولية التي مل يتم االعرتاف هبا إال يف
عام 1968عىل أهنا مرض ،ومتويلها من قبل صناديق الضامن الصحي .مشاركة العالج
السلوكي يف رعاية األمراض –بغض النظر عن كون األمر عن طريق التحويل أو عن
طريق إجراءات املوافقة عىل دفع التكاليف -أصبح واقع ًا يف هذا األثناء .و علينا كذلك
أن نضيف بأن اعتبار االضطرابات النفسية عىل أهنا أمراض قد حيمل يف طياته مظاهر
إجيابية أيض ًا :منها عىل سبيل الذكر حترير املريض و أرسته من األحكام األخالقية،
باإلضافة إىل إمكانات تباعد املريض و أخري ًا املظهر الذي تطرقنا له سابق ًا الرعاية
والتمويل.
فأي دور يلعبه العالج السلوكي يف الرعاية؟
يتوىل العالج السلوكي من بني أمور أخرى مطلب الرعاية االجتامعية النفيس
القريب من املجتمع؛ و هذا املطلب لعلم النفس املحيل يتضمن النقاط األساسية التالية:
-ينبغي للتأثريات أن تطبق يف املكان الذي تنشأ فيه املشكالت ،أي يف
احلياة اليومية للشخص .وهذا يتضمن تأسيس مراكز قريبة من
املجتمع املحيل ،من أجل جتنب ما يسمى "بمشكلة التضخم" .ومن
املؤكد أنه سيكون مثالي ًا لو تم التخيل عن "بنية-احلضور" للمؤسسات
االجتامعية النفسية.
481
األسس النظرية للعالج النفسي
482
ممارسة العالج النفسي
اخلدمة الفردية) فإن أقسام املراكز العلم نفس حملية متثل مطلب ًا رضوري ًا من وجهة النظر
العالجية السلوكية.
فإذا ما تأملنا مظهر الرعاية (أيض ًا من منظور فاعلية التدخل العالجي النفيس)،
فعلينا أيض ًا أن ننظر لنسب فاعلية العالج السلوكي املثرية لالنطباع بشكل تفريقي:
فحسب ماركس ( 1987و )1993أو ماير و آخرين ( )1991فإن عدد ضئيل فقط من
املرىض الذين من املمكن أن يكون العالج النفساين مفيد ًا لدهيم حيرض للعالج النفيس.
و يف هذا السياق فإن األمل بالتحسن العفوي جمرد سخرية .وقد أوضح غراوه
Grawe,1992بأن التحسن العفوي ال حيدث إال بمقدار ضئيل جد ًا (دراسة التعديالت
ملجموعات ضابطة من دراسات عالج نفيس) .ويبدو أنه من البدهيي بأن طموحنا نحو
تقديس التدخالت العالجية السلوكية جيب أن يستمر؛ من املنظور الكمي –من منظور
الرعاية ،الذي يستحق هذا االسم -فإنه ال يمكن االستغناء عن تسهيل املدخل إىل
العالج النفساين .ومن ضمن ذلك إجراءات حتسني املعرفة حول االضطرابات النفسية
و إمكانات املساعدة العالجية السلوكية للمعنيني األقارب و يف نظام الرعاية الطبي؛ كام
أن إجراءات حتسني بنية الرعاية يف املناطق دون مستوى الرعاية رضوري .و علينا أخري ًا
أال نقلل من أمهية الوضع املتمثل يف أنه عىل املعاجلني النفسني أن يسرتشدوا بنتائج
أبحاث العالج النفساين .إذ يبدو أنه من غري األخالقي منع املعنيني من احلصول عىل
ذلك األسلوب العالجي الذي برهن فاعليته فقط لكون املعالج ليس عىل استعداد لتعلم
هذه األساليب تطبيقها ).(Grawe,1992
املشكلة الكربى و املانع األكرب يف الرعاية النفيس االجتامعي ال تكمن يف الفاعلية
املحدودة للطرق العالجية النفسانية و العالجية السلوكية أو يف العدد الضئيل للمعاجلني
النفسيني ،بل أن األسوأ هو نقص املعلومات يف املعرفة حول العالج السلوكي
والصعوبات يف الوصول للعالج النفيس و تطبيق اسرتاتيجيات فاعلة من خالل معاجلني
مدربني بشكل مرن.
483
األسس النظرية للعالج النفسي
خالصة
484
ممارسة العالج النفسي
احلياة (يف جمال اإلرشاف غىل األمراض املزمنة عىل سبيل املثال).
وحتت الكلمة املفتاحية "الفاعلية" ينبغي اإلشارة إىل أنه ينبغي عدم النظر للعالج
السلوكي عىل أنه مبدأ للتغلب عىل مجيع املشكالت هنائي ًا ،وإنام كمحاولة للمساعدة
الذاتية (الكلمة املفتاحية :عالج إدارة الذات") .و كذلك علينا أال نفرتض أنه :بعد
إجراء تدخل عالجي سلوكي لن تعود املشكالت إىل الظهور ثانية أو ال جيوز هلا أن تظهر
ثانية ،بل عىل املرىض أن يتعلموا يف إطار العالج السلوكي كيف يمكنهم التعامل مع هذا
و أن املساعدة من جديد قد تكون ممكنة.
485
األسس النظرية للعالج النفسي
486
ممارسة العالج النفسي
487
األسس النظرية للعالج النفسي
املنفردة بمقدار ما مل تالقي جاذبية كبرية حتى اليوم :فالتسمية "انتقائية" تعد اليوم وكأهنا
حتديد أو انفصال ،ألن املرء يتهم املمثل بأنه (أهنا) مل يسرتشد بالنامذج النظرية (مع العلم
أن مفاهيم املالحظة "observation terminologyمشبعة بالنظرية" أنظر )Bungs,1967؛
و مبدأ "التكامل" يبدو اليوم مطلب ًا مثالي ًا ،ألنه ينبغي أن يتم تطوير"السطح" النظري
وجتميع طرق العالج املنفردة (التي حتمل يف طياهتا أسس خاصة) حتت هذا السقف.
فإذا ما تأملنا الوضع الراهن بعني الرضا ،فإنه يمكننا أن نرى ما هو موجود إىل
جانب بعضه ضمن ظروف معينة بمعنى التعددية pluralismالنظرية (ومن ثم أيض ًا
التقنية) :هلذا تقف املبادئ املختلفة بدرجات خمتلفة إىل جانب بعضها البعض ألنه يمكن
فهم موضوع املالحظات (االضطرابات النفسية) بشكل خمتلف باألصل .وتظهر هذه
التعددية يف املامرسة Praxisوالرعاية اإلكلينيكي( :أ) كرصاع توزيع ،و (ب) كإمكانية
لطرح تفريقي للفاعلية .indicationوينبغي اليوم رؤية املبادئ العالجية املنفردة (بام يف
ذلك العالج السلوكي) بمعنى هذه التعددية.
و ما يظهر للمالحظ اخلارجي عىل أنه نوع من الفوىض و بالنسبة للمتخصص عىل
أنه تعددية يعد بالنسبة للمعنيني غري مقبول عىل اإلطالق :فاملرىض ال يتاميزون
(ينقسمون) حسب فئات املتخصصني ،وجلزء ضئيل جد ًا من املعنيني فقط يكون التاميز
(التقسيم) إىل مبادئ عالجية خمتلفة معروف ًا بالنسبة هلم & (Preuss,1986, Reinecker
) .Krauss,1994وما يطلق عليه املتخصصون تسمية "الفاعلية "indicationيعد بالنسبة
للمرىض "حظ" أو "سوء حظ"-أي التمكن من الوصول إىل معالج أو إىل مستشفى
قادر عىل التعامل بشكل مناسب مع املشكلة القائمة (التحويالت و ما يشبهها قلام تتم
بسبب رصاع التوزيع املذكور).
ومن املؤكد أن املشكلة املعروضة ليست سهلة احلل-فهي مل يتم وال مرة وصفها
بشكل تفريقي يف أبعادها كلها وتشعباهتا .وتذهب مبادئ احللول باجتاه بناء تأصييل
لعلم النفيس (وفروعه) ،وباجتاه بناء تأصييل كذلك و تفريقي لعلم النفس اإلكلينيكي
(معارف حول املبادئ النظرية ،صور االضطراب ...الخ) وباجتاه تأهيل مستمر يف
488
ممارسة العالج النفسي
العالج النفساين .وكان برييز ) Perrez (1982قد اقرتح منذ بعض الوقت لنظر للعالج
النفيس بوصفه "علم نفس إكلينيكي تطبيقي" .ويف حتليل دقيق applied clinical
.psychologyويف حتليل دقيق جد ًا للنامذج العالجية الثالثة اجلدية (التحليل النفيس،
العالج السلوكي ،املبادئ اإلنسانية) حاول غراوة & (Grawe, Donati
) ،Bernauer,1994حتديد آليات التأثري العامة هلذه املبادئ العالجية النفسانية .و قد
انصب اهتامم غراوه بشدة عىل املجال النظري آلليات التأثري (املخمنة) ،أي تلك العوامل
التي نعتقد أهنا تسبب تأثريات (بغض النظر عام يتم حتقيقه هنا تقني ًا).
واملناظري التي متت مناقشتها من غراوة و دونايت و بريناور (( )1994أنظر مستقبل
العالج النفساين ( )1999ترمجة سامر مجيل رضوان:
-منظور مواجهة املشكالت،
-منظور التفسري،
-و منظور العالقة.
وقد ختىل غراوه يف هذه املناظري ،التي أطلق عليها برصاحة تسمية "أسس عالج
نفيس عام" ( ،)1994بشكل يبعث عىل الرسور التفكري يف املنظومات املدرسية :وقد
ركز عىل ذلك املستوى الذي يمتلك بالنسبة للعالج ،أي بالنسبة للتعديل الذي يمتلك
أمهية بالنسبة للمريض .وطبق ًا لذلك يفرتض أن تكون املبادئ العالجية قابلة للقياس
من خالل املدى الذي هي فيه قادرة أيض ًا عىل حتقيق املناظري املنفردة –باالسرتشاد
بتصورات اهلدف و حاجات املتعاجلني و املرىض.-
ويتيح العالج النفساين لتحقيق هذه املناظري إطار ًا مثالي ًا :كان منظور مواجهة
املشكلة دائ ًام من اختصاص العالج السلوكي (وحتى العالج السلوكي التقليدي):
فمواجهة املظهر التقني للتمرين والتعلم و املواقف بطرق بديلة ،ومواجهة املواقف
الصعبة تشكل سمة جوهرية لإلجراء العالجي السلوكي .وقد اعترب غراوه أن منظور
املواجهة يشكل أقوى سمة متجذرة يف العالج السلوكي.
489
األسس النظرية للعالج النفسي
490
ممارسة العالج النفسي
ألمهية العالقة العالجية منذ البداية عىل أهنا مهمة و جوهرية( .قارن ولبي و
الزاروس) .ومع ذلك فقد حظيت العالقة العالجية لفرتة طويلة بصفة "متغرية غري
نوعية" وبداية يف وقت متأخر نظر للعالقة العالجية عىل أهنا عامل تأثري مهم ،ال يمكن
للطريقة العالجية أن تتطور إال عىل أساسها .ويف حتليل التفاعل الرائج تم برهان أمهية
منظور العالقة بشكل قاطع .إذ يؤكد شيندلر Schindler,1991عىل سبيل املثال للدور
اخلاص للتفسري و الدعم من جانب املعالج وتقارير التعديل و املظاهر الدافعية من
جانب املريض بوصفها حمددات حاسمة للعملية العالجية .و تظهر الدراسات املقارنة
لسلوان وآخرين )Sloane et al. , (1975أن مظاهر العالقة يف املامرسة العالجية
السلوكية قد حتققت دائ ًام :فبغض النظر عن النسب تم تدريج املعاجلني النفسانيني
املسامهني يف هذه الدراسة (باملقارنة مع املحللني النفسيني) عىل مقاييس عالج العالج
املتمركز حول املتعالج فيام يتعلق بتحقيق متغريات العالقة عىل أهنم متفوقون بوضوح.
عدا عن ذلك يبدو وبالتحديد من املنظور العالجي السلوكي النظر ملنظور العالقة بشكل
منفصل عن سامت حل املشكلة أو السامت التقنية بأنه إشكايل :إذ يتم استخدام العالقة
عملي ًا يف حتقيق اسرتاتيجية عالجية-وبالعكس ال يمكن حتقيق اسرتاتيجية عالجية إال
إذا قامت عالقة عالجية (التفهم ،و الثقة والدعم).
وبام أن العالج السلوكي منذ نشوئه قد نظر وينظر لنفسه دائ ًام عرب األطوار املختلفة
لتطوره عىل أنه تطبيق املبادئ النفسية يف السياق العالجي ،فإنه يمتلك عالقة قريبة
خاصة "بالعالج النفساين العام" .ومن املؤكد أنه يتم يف سياق اإلجراء العالجي
امللموس حتقيق السامت املنفردة بطرق خمتلفة ،إال أن هذا يتالءم مع اإلجراء التفريقي-
االسرتشاد بحاجات و أهداف املريض .و هنا ال جيوز االدعاء بأي شكل من األشكال
أن العالج النفساين كله و عليه أن يتطور باجتاه العالج السلوكي أو منظور عالج نفيس
عام :فالفرضيات النظرية و التقنية تبدو خمتلفة جد ًا وكذلك سامت صورة اإلنسان يف
األساليب اإلنسانية و التحليل النفيس و العالج السلوكي .باإلضافة إىل ذلك من
املمكن أنه قد يكون قد تم حتقيق املظاهر املطروقة من غراوه وآخرين 1994 ،للعالقة و
491
األسس النظرية للعالج النفسي
حل املشكلة والتفسري من هذه االجتاهات العالجية بطريقة خمتلفة .وسوف يبدو األمر
وكأنه نوزع من اإلفقار للطيف العالجي املمكن إذا ما حاول املرء ختفيض هذه
اإلمكانات أو إقصائها.
كام يفرتض للتعددية النظرية املطروقة أعاله أن يكون هلا مكان يف اإلطار العالجي
أيض ًا :فاملشكالت السلوكية واالضطرابات النفسية ...الخ يمكنها أن تكون مصممة
مفاهيمي بشكل خمتلف و ربام أيض ًا يتم حلها بشكل خمتلف (وهنا جيوز لنا وعىل سبيل
االستثناء املقارنة مع الطب ،حيث توجد مداخل خمتلفة للمرض) .إال أنه للتعددية
هناك حدودها الواضحة ،حيث ال يمكن مبدئي ًا وصف و تفسري تصورات اضطراب
بشكل نفيس ،وحيث تتجاهل املبادئ العالجية الضبط املبدئي للفاعلية.
و علينا أال ننظر للعالج السلوكي والعالج النفساين العام عىل أهنام متطابقان؛ فمن
املؤكد أن العالج السلوكي ال يقدم احلل لكل الثغرات النظرية للعالج النفيس ،وال
يمكن اعتباره الوسيلة الشافية لكل النظام الصحي .إال أن العالج النفساين يلعب دور ًا
مه ًام يف جمال البحث و الرعاية الصحية يف االضطرابات النفسية .هلذا البد وأن يعد
العالج النفساين عىل أنه برنامج مفتوح ،مفتوح عىل النقد ،مفتوح عىل التعديل وللتطوير
عىل طريق علم النفس العام.
492
ممارسة العالج النفسي
الباب اخلامس
493
األسس النظرية للعالج النفسي
494
ممارسة العالج النفسي
الباب اخلامس
الفصل العاشر
495
األسس النظرية للعالج النفسي
النفساين التحلييل هو أمر واضح بالفعل منذ زمن بعيد .و ربام تكون أسباب ذلك
متنوعة ،بغض النظر عن أنه جتري بني احلني واآلخر حماوالت للتغلب عىل اهلوة بني
البحث و املامرسة .و هنا يتم التأكيد عىل التعاون املنادى به يف االقتباس أعاله و عىل
الفائدة املمكنة الستغالل نتائج البحث يف تأهيل املعاجلني النفسانيني ،ولكن عىل رشط
أن يتقبل اإلكلينيكيون نتائج البحث و يأخذوها بعني االعتبار.
و البحث العالجي النفيس جيعل من الرضوري وجود نوع من الشفافية للمامرسة
العالجية النفسانية ،وغالب ًا ما يتيح رؤية أمور قد تكون خمفية عىل املعاجلني النفسانيني.
وهذا من جهته سوف يقود بالتأكيد إىل التعرف عىل أمور ال يستطيع املالحظ من اخلارج
إدراكها .وهذا يؤيد أيض ًا النظر للمامرسة العالجية النفسانية من زوايا خمتلفة و من ثم
املسامهة بتفهم حقيقي للتعديالت من خالل العالج النفساين.
ومن املؤكد أن أبحاث العالج النفساين التي تتبع هذا املطلب هي نفسها قديمة قدم
العالج النفساين نفسه ،وهو ما سيتضح من العرض الالحق .ويف الواقع فقد بدأت
الدراسات اإلمبرييقية املنهجية حول العالج النفساين منذ أواخر أربعينيات القرن
العرشين وبداية اخلمسينيات ،حيث وجب هنا تطوير تقنيات وطرائق بحثية .و من
حيث املوضوع يتضح من العرض الذي قدمه ماير Meyer,1990بأن السؤال "كيف
يساعد العالج النفساين"؟ حتتاج إىل ختصيص يف السؤال "بأي مقدار يساعد العالج
النفساين ،و إىل أي مدى يقود إىل تعديالت ويف أي جماالت؟" و يف السؤال "من خالل
أي يشء يساعد العالج النفساين ،أي ما هي اآلليات و العوامل التي تسهل أو تكبح هذه
التعديالت؟" .و سوف نقوم يف الفقرات التالية بتلخيص هذا الكم الكبري من النتائج
املوثوقة ،التي تبيح لنا اإلجابة عن هذه األسئلة –وإن كانت ليست كلها-
عرض
"تصنيف بحث العالج النفساين .Taxonomy of Psychotherapy Researches
(عن ماير)1990 ،
496
ممارسة العالج النفسي
497
األسس النظرية للعالج النفسي
بعد.
498
ممارسة العالج النفسي
املخمنة؟ .ولكن أيمكن أن يتم االدعاء بالفعل بام حيققه البالسيبو يف أبحاث الفاعلية
العالجية النفسانية؟ فالبالسيبو يف أبحاث العقاقري الصيدالنية مقبول كمتغرية عالجية
ويتم إعطاؤه ألشخاص التجربة كبديل عالج مضمون ،من أجل التمكن من فصل تأثري
فاعلية العالج النفساين عن عوامل التأثري النفسية .ومثل هذه العوامل النفسية يمكن
أن تكون األمل يف نجاح العالج و هتديم الفوىض أو التشويش و الفاعلية الذاتية
و االعتقاد و قابلية عرض مريض معالج للتأثري .إال أن هذه العوامل بالتحديد من
ناحيتها هي عوامل تأثري خممنة حاسمة للعالج النفيس .وعليه يمكن االفرتاض بأنه
حتى يف العالجات بالبالسيبو التي تتصف بدرجة عالية من التصديق تتضمن كذلك
عوامل تأثري حاسمة من العالج النفساين .هلذا يمكن لعالج البالسيبو أال يكون مناسباً
كمجموعات ضبط ومقارنة يف أبحاث العالج النفساين عىل عكس "التجارب الطبية
العشوائية "randomized clinical trialsألبحاث األسس الطبية اجلسمية .هلذا فإن
البديل السائد يف أبحاث الفاعلية يف العالج النفساين هي جمموعات الضبط املنتظرة
(املرىض الذين ينتظرون دورهم يف العالج) أو جمموعات ضبط الذين مل يتم لدهيم سوى
حتقيق درجة ضعيفة من املعاجلة النفسية .فإذا ما أراد املرء اختبار عوامل التأثري النوعية
فإنه ي ستطيع استخدام أشكال عالجية خمتلفة كمقارنة .إال أنه ال يمكن عزل عوامل
التأثري املشرتكة بني كل أشكال العالج.
499
األسس النظرية للعالج النفسي
) .(EV-Boxويعد القياس املمثل ألصحاب املصلحة هؤالء (املعاجلون ،املرىض أو
املتعاجلني ،أصحاب األقسام العالجية ،املؤسسات املمولة و صناديق الضامن الصحي و
صناديق تأمني املتقاعدين و اجلمهور) أساس ال يمكن االستغناء عنه للتقويامت العادلة،
بالشكل الذي يفرتض أن جيرى فيه يف أبحاث الرعاية التطبيقية ،أي أبحاث التقويم و
تقويم الربامج .يف أبحاث األسس ال تطرح هذه املشكلة نفسها ،فهي هتتم ببؤرة أخرى.
فأبحاث األسس سوف تشتق حمك اهلدف من النظرية العالجية املستخدمة لوحدها و
سوف تقوم كذلك بقياس بعض حمكات اهلدف يف حالة الرضورة ،التي ال يتوقع منها
أوالً أية تأثريات وثاني ًا تلك التي خيشى من تأثرياهتا السلبية من أجل الضبط.
500
ممارسة العالج النفسي
متثيل موضوع اهلدف ليس هو املطلب األسايس ألبحاث األساس ،هلذا يمكن
ألبحاث األساس و أبحاث الرعاية التطبيقية يف اختيار املحكات ،التي ينبغي تصنيفها
مفاهيمي ًا يف صندوق املحكات KR-Boxأن ختتلف عن بعضها بشدة .كال صندوقني
البيانات يف جمال التدخالت مها عبارة عن صندوقي معاجلة جتريبية Experimental
) Treatment box(ETR-Boxو صندوق معاجلة غري جتريبية Not-experimental
) .Treatment box(NTR-Boxو هذين الصندوقني من البيانات يمثالن برناجمي
التجربة املختلفني السرتاتيجيات االختبار والتقويم العشوائية ،التجريبية و الطبيعية-
الرتابطية .randomize, experimental and correlative-naturalisticوالسهم
بني صندوق ETRوصندوق NTRيشري إىل املعابر املطاطة و األشكال املختلطة يف
متغريات خمطط التجربة ،بالشكل الذي تم طرحها يف الربامج شبه التجريبية عند كوك و
كامبيل .Cool & Kampell,1979و يف صندوق املتنبئات (PR-Box) predictorتم
حتديد متغريات قبل التأثري بوصفها متغريات املخرج (اخلط الرئييس .)base line
ويمكن هلذه املتغريات أن تكون متطابقة مع متغريات املحكات ) ،(KR-Boxمن أجل
استغالل إمكانات برامج العينات الضابطة القبلية والبعدية ،ولكنه أيض ًا يتضمن
متغريات لضبط التباين املشرتك من نحو شدة درجة االضطراب و املتغريات االجتامعية
الديموغرافية ...الخ من أجل رفع قوة اختبار برنامج التجربة .لقد تم حتليل ومناقشة
كل التقويامت لفاعلية العالج النفساين و للطروحات من نحو "العالج النفساين ينفع"
بشكل نقدي دائ ًام عىل خلفية قوة وضعف الربامج التجريبية و اسرتاتيجيات البحث
هذه.
تكمن حسنات االسرتاتيجيات التجريبية يف الربهان املمكن للسببية .و هذا املظهر
النوعي يتم جتميعه حتت املفهوم العام الصدق الداخيل interne Validityلربنامج جتربة
ما .و يعرض الشكل 2من خالل ختطيط دائري هذه امليزة .إن توزيع املرىض بشكل
501
األسس النظرية للعالج النفسي
502
ممارسة العالج النفسي
503
األسس النظرية للعالج النفسي
نظري ًا.
و تقوم التحليالت البعدية بحساب شدات التأثري بمقدار العدد الذي أجريت فيه
مقارنات العالج مرضوبا بعدد مقادير املحك املستخدمة لذلك رضب عدد القياسات
بعد التدخل العالجي .بعدئذ يتم حتويل شدة التأثريات املنفردة التي تم احلصول عليها،
موزونة حسب عدد أفراد العينة إىل شدة تأثري كلية .وإىل جانب شدة التأثري الكلية هذه
يتم تشكيل جتميعات جزئية فقط بالنسبة ألوقات القياسات أو نوع فئة املعاجلة أو نمط
أداة القياس أو بالنسبة ألوقات القياس املنفردة .باإلضافة إىل ذلك يتم فحص تباين
504
ممارسة العالج النفسي
505
األسس النظرية للعالج النفسي
506
ممارسة العالج النفسي
وحتى اآلن قلام تم إجراء التحليل البعدي للدراسات غري التجريبية التي حددت
عىل خط ،PR-NTR-KRبشكل منهجي إال أنه يمكن إدراج أعامل هاورد وزمالءه،
1986أو ماك نايليل و هاورد McNeilly & Howard,1991 ،ضمن اسرتاتيجية التقويم
هذه .ففي هذه األعامل يتم عرض االرتباط بني اجلرعة املأخوذة من العالج النفساين
(صندوق )NTRو النسبة املئوية لنسبة التحسن .وقد تم التحديد اإلجرائي للجرعة
عىل أهنا عدد اجللسات خالل حمور الوقت (أسابيع) .إال أن التوليف يقوم عىل أعامل
البحث التي مل تعد حتقق مطالب العشوائية للتصميم التجريبي باملعنى الضيق .ومل يتم
توزيع مرىض هذه الدراسة حسب مستوى اجلرعة الفردية ليس عن طريق الصدفة وإنام
حصلوا عىل جرعات خمتلفة بناء عىل قرارات الفاعلية العالجية واستعداد املرىض لتقبل
االتفاق العالجي لوقت حمدد .ومن خالل ذلك يكمن من جديد خطر أن عوامل PR
ترتبط مع جرعة العالج واملشكلة ،التي تم رسمها يف شكل ([ 10ب])ـ التي تظهر فيها
تفسريات تأثري العالج .ولضبط دالة تأثري-اجلرعة doses-Effect functionقام ماك
نايليل و هاوارد باستخدام جمموعات مقارنة من املرىض غري املعاجلني ،الذين تم لدهيم
كذلك استخدام نسب التحسن عرب الزمن مع مقاييس الزمن نفسه (أسابيع) .و من غري
املعروف ما هي اجلرعة من عوامل التأثري حصلت عليها جمموعة الضبط هذه عرب الزمن.
وال يمكن استبعاد بأن هذه املجموعة ،عىل سبيل املثال من خالل املبادرة الذاتية و
استغالل الشبكة االجتامعية اخلاصة أو من خالل املوارد خارج العالج قد حصلت
كذلك عىل جرعة حمددة من عوامل التأثري العالجية النفسانية .إال أنه يفرتض هلذه
اجلرعة ،وبشكل خاص استناد ًا إىل عوامل التأثري اخلاصة بالعالج ،أن تكون أقل
بوضوح وبالتايل ينبغي أيض ًا أن تكون نسب التحسن أقل بوضوح .وتغطي نتائج ماك
نايليل و هاورد هذه الفرضية بشكل كبري .فنسب التحسن ملجموعات الضبط غري
املعاجلة تظهر ارتفاع ًا خطياً متقارب ًا عرب الوقت .فبعد 52أسبوع كانت نسبة التحسن
حوايل .%45ويظهر جمرى نسب التحسن للمرىض املعاجلني بالعالج النفساين بروفيل
خمتلف كلية .فقد ارتفعت نسب التحسن يف األسابيع األوىل بوضوح أكرب مما هو األمر
507
األسس النظرية للعالج النفسي
يف جمموعات املقارنة ،منحنى املجرى هو ما يمسى دالة متسارعة سلبا .ومثل منحنيات
املجرى هذه معروفة كلية يف جماالت أخرى غري أبحاث التأثري-العالجية النفسانية .و
تطلق عليها عىل سبيل املثال يف االقتصاد وظائف الفائدة احلدية و متثل املوضوع القائل
أن االستثامرات تقرتب من قيمة حدود الفائدة .ويعني هذا معم ًام عىل أبحاث العالج
النفساين أن استثامر اجلرعة العالجية ،عىل سبيل املثال أربعة أسابيع ،يف وقت الحق يف
جمرى العالج ال تنعكس يف تأثري الفائدة نفسه (نسب التحسن املمكنة) ،كام هو األمر يف
األطوار املبكرة ملجرى العالج .وبالنسبة لتقويم فاعلية العالج النفساين من التوليفات
البحثية هلاورد وآخرين ظهرت النتائج التالية :عىل الرغم من املشكالت املذكورة
للصدق الداخيل بمعنى الشكل ([2ب])تؤكد اتساق جمريات التأثري بالنظريات املعروفة
و النتائج من املجاالت األخرى لفاعلية توظيف العالج النفساين و تثبت مقبولية أن
اجلرعة العالية من العالج النفساين تؤثر بشكل أفضل من اجلرعة املنخفضة.
وتعد توليفة جمموعة بحث غراوه من أفضل توليفات البحث حول فاعلية العالج
النفساين .وتشمل دراسات جتريبية و شبه جتريبية و ارتباطية .وقد بدأت الدراسات
عندما مل تكن حسابات شدة التأثري بالشكل الذي اقرتحه وطورهغالس ،Glassمن
ضمن املعايري املقبولة ألبحاث الفاعلية .وقد سادت تقويامت تم فيها أخذ الدالالت
بعني االعتبار .وهذا النوع من التقويم يمكن اعتباره اليوم أكرب نقطة ضعف يف هذه
األبحاث ،ذلك أن الدالالت تعد دالة جوهرية لقوة االختبار لربنامج التجربة
املستخدم .ويف عرض تفريقي جد ًا حسب أشكال العالج و جماالت املعايري املستخدمة
تم دائ ًام حساب عدد التأثريات اإلجيابية والسلبية بالنسبة للمقارنات العالجية املجراة.
وقد تعلق األمر يف اسرتاتيجية التقويم بطريقة فرز األصوات– "Vote-Counting
،Methodغري املصنفة بشكل جيد يف تصور أساليب التوليفات البحثية .فالطريقة ال
تراعي التأثري احلقيقي لشدة التأثري .فالقيم الصغرية تصبح يف العينات الكبرية دالة و يف
العينات األصغر يمكن كذلك حتقيق تأثريات كبرية يف كل األحوال أيض ًا .وامليزة
الفعلية للتحليل البعدي بمعنى سميث و آخرين ( )1980املتمثلة يف الوصول إىل قوة
508
ممارسة العالج النفسي
اختبار مرتفعة ،ال يتم حتقيقها يف طريقة فرز األصوات .Vote-Counting" –Method
والدراسات التي تقيس حمكات كثرية اخلالية إىل حد ما من النظرية باستخدام عينات
أكرب ،يمكنها هنا أن تكتشف تأثريات قليلة و يمكنها أن تتالءم مع اسرتاتيجيات تقويم
غراوة ،عىل الرغم من أنه عند استخدام التحليل البعدي باستخدام شدة التأثري فإن
الفئات العالجية قد ال تقود إال إىل شدات تأثري متوسطة صغرية فقط ،ومن ثم يفرتض
أال يتم تقويم هذه الفئة من العالج عىل أهنا فاعلة كفاية .ويف تعريف نوعية برامج
التجربة يعطى غنى حمتوى القياس قيمة إجيابية .ولكن يفرتض أن يتم تقويم غنى
املحتوى بشكل إجيايب عندما يكون غنى املحتوى هذا يتطابق مع التفصيل املطابق لنظرية
العالج .وإال سيكون هناك اهتام بالنقص يف الصدق الداخيل ،أي "تصيد الدالالت"
الذي يصبح مه ًام ،كلام تم استخدام كل مقاييس املحكات بشكل أكثر خلو ًا من النظرية.
و قد متكنت دراسات أبحاث الفاعلية العالجية األملانية من إظهار أن هلذه املشكلة
أساس نظري فهناك تم حساب كل مقاييس املحكات التي ذكرت يف برنامج التجربة،
والتي مل يذكر هلا أية نتائج ،بشكل بناء كتأثريات صفرية .ومل يكن عدد مثل مقاييس
املحكات هذه كبري ًا ،األمر الذي قاد إىل شدة تأثري كلية منخفضة .و عندما مل يتم
استخدام هذه املقادير يف التجميع متكن العالج النفساين الناطق باألملانية من حتقيق
تأثريات قابلة للمقارنة مع الدراسات األنجلو أمريكية .إال أن دراسة غراوة قد أدركت
نقاط ضعف طريقة ،Vote-Counting" –Methodوبدأت باستبعاد هذا القصور من
خالل إعادة التحليل .وهكذا فقد تم تقديم حتليالت شدة تأثري ملجموعات ضابطة
غري معاجلة ،يمكن ملتوسطاهتا و توزيعاهتا أن تفند حجة البالسيبو .فمتوسط جمموعة
الضبط هذه ) (d=0. 10ال خيتلف بدرجة كبرية عن التأثري الصفري ويظهر وجود تشتت.
وتفند هذه النتائج احلجة املقتبسة عن آيزينك بأن العالج النفساين ليس أفضل من الشفاء
العفوي لدى جمموعات ضابطة غري معاجلة أو جمموعات بالسيبو ،بشكل أوضح مما قد
اتضح من التحليل البعدي لسميث و آخرين (.)1980
كلتا االسرتاتيجيتني من البحث حول خط ) (PR-ETR-KRو اخلط غري التجريبي
509
األسس النظرية للعالج النفسي
) (PR-NTR-KRتربهنان أن العالج النفساين بشكل عام فاعل جد ًا .وعىل الرغم من أن
هذه املقولة العامة حتل مشكلة التربير ،إال أهنا ال تعطي إجابة باعثة عىل الرضا عن
السؤال ،أي نوع من العالج النفساين و كيف يؤثر .وعىل الرغم من أن سميث و آخرين
( )1980يشريون عن شدات تأثري خمتلفة للفئات العالجية املختلفة؛ فإن العالجات
االستعرافية هي األفضل .إال أنه إذا ما أخذنا بعني االعتبار التفاعلية املختلفة لقيم
املحكات املستخدمة فإنه ال تعود تظهر فروق للفئات العالجية .فإذا ما مل يقبل املرء
تعريف التفاعلية Reactivityلسميث وآخرين فسوف يصل املرء لتقويامت خمتلفة.
فالتفاعلية ينبغي أال تفهم عىل أهنا التباين اخلطأ ملقادير املحك .و حسب رؤيتنا فإن
احلساسية و التباين اخلطأ لدى سميث وآخرين متداخلة مع بعضها .فاالجتاهات
العالجية املستندة عىل نظريتها والتي تستخدم بشكل خاص مقادير حمكات حساسة
تتميز جتاه االجتاهات األخرى بنوعية أفضل من أساليب القياس .وينبغي عدم اعتبار
مثل هذا التباين عىل أنه تباين خطأ منهجي ،وعىل املرء عندئذ أن يعزو للعالج االستعرايف
الفاعلية األفضل .كام يشري غراوة وآخرين ( )1994حول املقارنات بني الفئات
العالجية األربع ،التحليل النفيس ،والعالج االستعرايف السلوكي و العالج النفساين
املتمركز حول املتعالج و العالج األرسي ،ولكن عىل أساس شدة التأثري ،مع العلم أن
فئة العالج السلوكي االستعرايف كانت هي األفضل يف كل املقارنات املبارشة .إال أن
املشكلة احلقيقية "لكيف" مل حتل بعد هبذا التفريق بشكل باعث عىل الرضا .وتكمن
السلبية األكرب لالسرتاتيجيات التجريبية يف تلخيص كل عوامل التأثري إىل متغرية وحيدة،
التي ال تعرف سوى الدرجة صفر وواحد ،ما يسمى باملتغرية الصامتة .وهبذا تتجمع
وتتقسم بقيه األنواع من عوامل التأثري و فروق جرعتها بني املجموعات الضابطة و
التجريبية .وال يعود إبراز عوامل التأثري املختلفة عندئذ ممكن ًا .وعىل الرغم من أنه
يمكن ملثل هذه التجارب أن جتيب بشكل جيد عن السؤال فيام إذا كان العالج النفساين
يفيد ،إال أنه ال يمكن استخالص يشء تفريقي حول "كيف" .وقد أخذ باحثو العالج
النفساين هذه اإلشكالية بعني االعتبار بالتأكيد عىل بحث العملية .ففي السنوات
510
ممارسة العالج النفسي
األخرية يتم بشكل قوي قياس ما الذي حيدث يف العالج النفساين ،وحياول املرء بالنتيجة
تشكيل املتغريات املهمة يف العملية العالجية و حتديدها إجرائي ًا .ونتائج التحليالت
البعدية العامة و توليفات البحث و كذلك الدالئل حول أية سامت للعملية ترتبط
بمحكات النتيجة ،يتم إجرائها منذ سنوات كثرية يف "النموذج العام للعالج النفيس
"Generic model of Psychotherapyهلوارد و أورلنسكي Howard & Orlinsky
وتم عرضها يف الكتاب التعليمي للعالج النفيس Handbook of Psychotherapy
") .(Bergin & Garfild,1994و تصنيف هذا النموذج العام للعالج النفيس يف جمال
املدخل (صندوق ،)PRو العملية صندوق ETRزائد صندوق )NTRو املخرج
(صندوق )KRيمكن أن يرتبط بشكل جيد مع تصورنا حول صندوق البيانات .هلذا
سوف يسرتشد تلخيصنا التايل لعوامل التأثري هبذا النموذج بشكل خاص.
511
األسس النظرية للعالج النفسي
-1املظهر الشكيل :العقد العالجي .حتديد املوقف العالجي و الدور املتبادل بني
املريض واملعالج (بام يف ذلك املشاركني اآلخرين) و االتفاق عىل وسيلة
Modalityالعالج و نوع العالج (فردي أم يف املجموعة ...الخ) ،واخلطة
العالجية و األجر املادي ،وموعد اجللسات ...الخ( .االتفاق العالجي).
512
ممارسة العالج النفسي
513
األسس النظرية للعالج النفسي
514
ممارسة العالج النفسي
515
األسس النظرية للعالج النفسي
516
ممارسة العالج النفسي
(كتقنية الكريس عىل سبيل املثال يف العالج اجلشطلطي) من بني التدخالت العالجية
ذات العالقة األقوى بنجاح العالج .و أقل "مالئمة" إىل حد ما ظهر التفسري ،يف حني
أنه مل يتم التمكن بشكل عام من إثبات التأثري اإلجيايب للدعم والنصائح و انفتاح املعالج
و السرب .وأخري ًا فيام يتعلق بتعاون املريض فإنه من املفيد كام يتوقع إذا ما أظهر املريض
االستعداد الواضح (وعىل عكس املقاومة) و متكن يف جمرى العالج من إظهار انفعاالت
إجيابية غالبة.
وتتجىل األمهية املفرتضة للعالقة العالجية بشكل صاف وواضح يف نتائج البحث:
The mass of Data must be taken as strongly evidence for the importance of
" ...the therapeutic bondكمية البيانات جيب أن تؤخذ كإثبات ألمهية الرابطة
العالجية .هبذه العبارة يلخص أورلنسكي النتيجة التي ارتبط وفقها حوايل %60
ارتباط ًا إجيابي ًا بالعالقة العالجية تم استخالصها من 1025نتيجة منفردة مع 18تعيري
إجرائي خمتلف للعالقة العالجية .وقد ظهر أن االلتزام الشخيص من جانب املريض و
املعالج (عىل عكس التحفظ العالجي) و مصداقية املعالج و تعاون املعالج (عىل عكس
التساهل permissivelyواملبارشية )directivityواملريض و االنسجام التباديل احلقيقي
يف التواصل و يف توكيد affirmationاملشاعر (اإلجيابية) مهمة بشكل خاص حسب
النتائج الراهنة حتى اآلن.
وعىل الرغم من أنه يمكن اعتبار "األمهية املركزية للعالقات البني إنسانية للمعالج
واملريض بالنسبة لنجاح العالج . ...أفضل أطروحة مربهنة إمبرييقي ًا يف أبحاث العالج
النفساين" فإن املفهوم مل يقس حتى اآلن بدقة أو فقط بمعنى عالقة معاشة بشكل باعث
عىل الرضا .ويقول أحد التعريفات الدقيقة التي اقرتحها بوردانBordineأن الرابطة
العالجية تشري إىل مكونات خمتلفة ،إىل اخلطوات أو املهام امللموسة tasksيف العالج،
التي ينبغي أن يتوالها املشاركون بكامل املسؤولية و يتقبلوهنا ،و إىل أهداف goals
العالج ،بمعنى أن املعالج واملريض يتفقان عىل األهداف الواجب حتقيقها بشكل واقعي،
و أخري ًا إىل الروابط bondsالتي توصف من خالهلا كل املظاهر اإلجيابية املكتسبة للعالقة
517
األسس النظرية للعالج النفسي
بني املعالج واملريض .وهناك بعض الدالئل بالفعل عىل أن التوافق بني املريض واملعالج
فيام يتعلق بأهداف العالج و فيام يتعلق كذلك بالتوقعات و االستعداد لتقبل تصورات
عالجية حمددة مالئمة بالنسبة لنجاح العالج.
و ضمن املظاهر البني فردية للعملية العالجية أثبت االنفتاح (عىل عكس الدفاع)
عىل املشاعر والتعبري عنها من جانب املريض ،و من جانب املعالج (أقل وضوح ًا) تقبل
الذات واألصالة ،فاعليته باعتباره مؤرشات جيدة لنجاح العالج ،مع اإلشارة إىل أن
النتيجة األخرية املذكورة بشكل خاص تشري إىل أمهية اخلربة الذاتية العالجية.
و تلك السامت املذكورة حتت املظهر اخلامس (التأثريات املبارشة جللسة العالج) ،
أي "التحقق "realizationsالعالجي و خربة الكفاءة الذاتية و القرب االنفعايل عند
املعالج تعد حسب العرض الشامل ملستوى البحث من سامت العملية املالئمة جد ًا
لنجاح العالج.
وأخري ًا تظهر املراجع عالقة واضحة بني مدة العالج" والنتيجة ،مع اإلشارة إىل أنه
ال بد من مراعاة أن كثري من الدراسات التي استخدمت يف املراجعة كان متوسط مدة
العالج فيها ستة أسابيع .ومن هنا فإنه ال يمكن القول بمطلق احلال بأنه "كلام كان
العالج أطول كانت النتيجة أفضل" .والدراسات حول عالقة اجلرعة باألثر يف العالج
النفساين تظهر دائ ًام بأن العالقة بني فائدة عالج ما واملدة تتمثل بمنحنى متسارع بشكل
سلبي .وبشكل عام فإن أمهية الوقت يف العالج النفساين عىل الرغم من النتيجة املذكورة
املؤكدة ما زالت غري واضحة.
العرض القائم عىل "النموذج العام للعالج النفيس" ألورلنسكي وآخرين الذي تم
تلخيصه هنا يتيح لنا استنتاجات حول األمهية املمكنة للعوامل النوعية للعملية ،مع
اإلشارة إىل أنه ينبغي مراعاة منظور التقويم باملعنى الدقيق" :من منظور املعالج فإن
املؤرشات األقوى بالنسبة لنتائج العالج فإن مالئمة املريض بالنسبة لشكل العالج
وااللتزام الشخيص و التعاون (مقابل املقاومة) و االنفتاح (مقابل الدفاع) و املشاعر
518
ممارسة العالج النفسي
اإلجيابية هي مسامهة يف العالقة العالجية .ومن املنظور اخلارجي للمرشف الذي يصغي
إىل تسجيل للجلسة عىل رشيط تسجيل فإن املهارة العالجية و الثقة و املصداقية عند
املعالج و استخدام التفسريات و التمركز حول مشكلة املريض وااللتزام يف العالقة
املتسمة بالتفاهم املتبادل تعد مالئمة بشكل خاص .يضاف إىل ذلك سامت املرىض
كاملالئمة للشكل اخلاص من العالج و التعاون واالنفتاح و املسامهة اإلجيابية بالعالقة
العالجية و خربة التحقق العالجي therapeutically Realizationيف أثناء اجللسة"
)Orlinsky,1994,P. 120
ومنذ مدة طويلة جتري حماوالت عزو تأثري العالج النفساين إىل عوامل أكثر
عمومية ،مما هي عليه يف "النموذج العامل للعالج النفيس" ويف هذا السياق يتحدث املرء
بإن العوامل العامة هي كذلك عنارص متضمنة يف "كل" عالج نفس .وقد حاول
باحثون خمتلفون صياغة مثل هذه العوامل ،وهو ما سنعرضه فيام ييل.
519
األسس النظرية للعالج النفسي
املشكلة ،تعريفها ،و إعادة تعريفها .البحث عن حلول بناءة للمشكلة ،نفسنة
psychologizationاملشكلة "الغريبة عن الشخصية".
وبناء عىل املراجعة الشاملة ألبحاث العالج النفساين من خالل غراوه وآخرين
( )1993تم القيام بأحدث حماولة لصياغة عوامل التأثري الصاحلة بشكل عام يف العالج
النفساين ومن ثم لطرح "عالج نفيس عام" كنظرية عالج نفيس أو نظرية تعديل من
"اجليل الثاين" .ويف هذه النظرية تم افرتاض أربعة عوامل تأثري مركزية (قارن غراوه،
،)1999أال وهي:
-تنشيط املوارد (Recourses activationأي الربط باإلمكانات اإلجيابية و
بطبيعة وقدرات و دافعية املريض بام يف ذلك سلوك العالقة).
-حتديث املشكلة أو "مبدأ اخلربات الواقعية" _أي التعديل من خالل "اخلربة
الواقعية للتعديالت املهمة يف العملية العالجية".
-املساعدة الفاعلة ملواجهة املشكلة( :أي الدعم الفاعل للمريض ،من أجل
مواجهة املشكالت بشكل أفضل).
-توضيح الدافعية (أي توضيح أمهية خربة املريض وسلوكه استناد ًا إىل األهداف
الشعورية والالشعورية و القيم و تنمية االستبصار).
وحتى يف هذا العرض التلخييص حول عوامل التأثري الشاملة للعالج النفيس فإنه
قد ثبت ما كان كثري من الباحثني قد عرب عنه .وحماولة عزل عوامل تأثري عامة للعالج
520
ممارسة العالج النفسي
النفيس ال يسعى يف النهاية إىل التخيل عن احلدود القائمة عىل املدارس من أجل استغالل
إمكانات الذخرية العالجية السلوكية.
521
األسس النظرية للعالج النفسي
متركز هذه العالقة يف تفسري املعالج (أي حتديد رصاع العالقة األسايس).
العالج السلوكي
عىل عكس العالج النفساين التحلييل و أساليب العالج املتمحورة حول اخلربة
كالعالج النفساين املتمركز حول املتعالج مل هيتم املرء كثري ًا حتى اآلن يف العالج السلوكي
بعوامل التأثري النوعية ،عدا عن التقنيات القائمة عىل النامذج التعليمية النظرية .وهكذا
فلم يوىل اهتامم ًا كبري ًا للعالقة العالجية –كام أظهر شيندلر .Schindler,1991و وهناك
522
ممارسة العالج النفسي
حماوالت جديدة لصياغة نموذج عمليات للعالج السلوكي يذهب ألبعد من املظهر
التقني يسرتشد بشكل غالب بنظريات علم النفس االجتامعي حول التأثري االجتامعي.
وهذه النظريات تندمج عىل سبيل املثال يف نموذج األطوار املصاغ يف العالج السلوكي
لكانفر وآخرين ،Kanfer, et al. ,1990والذي مازال برهانه اإلمبرييقي غري موجود.
ويف هذه النموذج تم طرح فرضيات حول التأثري االجتامعي (عىل شكل طرح مهامت
مفرتضة من جانب املعالج) مقابل التصميم النموذجي ملجرى العالج يف العالج
السلوكي.
523
األسس النظرية للعالج النفسي
عىل ما يبدو فإن عوامل التأثري للعالج النفيس يف املجموعة قد درست بشكل جيد،
و هناك تقاليد طويلة تعود لألعامل النظرية ليالوم ) Yalom (1985أو بلوخوكروش
) .Bloch & Crouch (1985و قد وصف الباحثون عوامل التأثري النوعية بالنسبة
للعالج ضمن املجموعة ،التي نلخصها يف جدول (.)1
وعىل الرغم من الدراسات الواسعة التي تقوم عىل نظرية عوامل التأثري فإنه حتى
اآلن مل يتم التمكن من برهان األمهية النسبية لعوامل التأثري الفردية يف األنواع املختلفة
للعالج يف املجموعة بشكل يبعث عىل الريض .وحسب املراجعة التي قام هبا ماك كينزي
524
ممارسة العالج النفسي
) Mackenzie (1987كانت أكثر العوامل التي قومها مرىض العالج ضمن املجموعة عىل
أهنا مفيدة هي التنفيس و التامسك cohesionو االستبصار و التعلم البني شخيص
(التغذية الراجعة) و يبدو التقويم هذا مستقل عن االجتاه النظري للعالج ضمن
املجموعة أو عن اإلطار (العالج املركزي مقابل العالج اخلارجي) .و كانت عوامل
عمومية املعاناة و بعث األمل و العوامل الوجودية و الغريية و تعديالت السلوك
(خمرج-التعلم البني شخيص) من العوامل التي قومت عىل أهنا مساعدة .باملقابل كانت
عوامل التوجيهات و التامهي وإعادة recapitulationاخلربات األرسية أقل فائدة .و هنا
علينا أن نالحظ بأن التامهي و إعادة اخلربات األرسية عىل سبيل املثال أقرب ألن متثل
عمليات جارية بشكل ال شعوري هلذا فإن أمهيتها يف العالج ضمن املجموعة ربام ينبغي
تقويمها بشكل أعىل .فدراسات العملية الدقيقة للمعاجلات املركزية (يف املستشفى)
تؤيد هذا يف كل األحوال .وتشري دراسات جديدة قارنت األساليب العالجية املختلفة
مع بعضها البعض إىل أن عوامل التأثري املتعلقة باملجموعة هي عوامل أقرب ألن تكون
غري نوعية بالفعل ،يف حني عوامل التأثري املتعلقة بالعالج أقرب ألن تكون خاصة من
أجل متييز التصورات العالجية يف املجموعة .فقد ظهر عىل سبيل املثال بأن التوضيح
من خالل املعالج أقرب ألن يكون مميز ًا للعالج يف املجموعة القائم عىل أساس علم نفس
األعامق أو ذو التوجه التحلييل النفساين يف حني أن احلضور االنفعايل أو االنفتاح الذايت
للمعالج يميز العالج يف املجموعة التحلييل النفساين -التفاعيل أو ذو االجتاه الديناميكي.
525
األسس النظرية للعالج النفسي
526
ممارسة العالج النفسي
527
األسس النظرية للعالج النفسي
528
لقد أدرك فرويد يف وقت مبكر بأن جمرد التحديد لألسباب التاريخ حياتية املمكنة لدى مرضاه يكاد ال
يقود إىل أية نتيجة ،حبيث أن اإلخبار باملحتويات النفسية املكبوتة ال يكفي من أجل إحداث تغيري.
فالتحليل النفساين ليس تفسريًا استعرافيا ينجم عنه تعديالت سلوكية ،وإمنا هو مواجهة مؤثرة انفعاليا
حىت الرجوع إىل املراجع التقليدية يف العالج السلوكي يظهر أنه قد مت منح بناء العالقة العالجية
ويف دراسات املقارنة العالجية للتحليل النفسي والعالج السلوكي ظهر أن املعاجلني أمهية كبرية.
السلوكيني كانوا متفوقني يف متغريات بناء العالقة العالجية (مقاسة مبقياس العالج النفساين املتمركز
وقد مت النظر باستمرار لنوعية العالقة العالجية يف العالج السلوكي على أهنا مهمة ،ولكن على األغلب
متغرية خلفية "غري نوعية" ألن املرء مل يبذل لفترة طويلة جهده يف تفحص املتغريات املهمة للعالقة
العالجية و توضيحها نظريًا؛ إال أهنا كمتغريات خلفية ضمنية كانت دائمًا مهمة .وقد تغري األمر يف
السنوات الثالثني األخرية :إذ يتم دراسة وحتليل متغريات العالقة العالجية كمتغريات واضحة.