Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫موضوع الحق في الصمت‬

‫ذة ‪:‬التيالي سعاد‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫تعتبر العدالة الجنائية هي الغاية المثلى والهاجس األسمى التي تسعى كل التشريعات‬
‫إلى تحقيقه من خالل وضع مجموعة من القواعد اإلجرائية الجنائية التي تكفل مصلحة‬
‫المجتمع في الوصول إلى كل مجرم وتوقيع الجزاء عليه‪ ،‬لكن مع حماية واحترام حقوق دفاع‬
‫هذا األخير‪.‬‬
‫وتجد هذه الحقوق أساسها في قرينة ال براءة المنصوص عليها في المادة األولى من‬
‫قانون المسطرة الجنائية ‪ ،01.22‬والتي جاء فيها بأن "كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب‬
‫جريمة‪ ،‬يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء‬
‫على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية يفسر الشك لمصلحة المتهم"‪.‬‬
‫ويترتب عن هذه القرينة نتيجتان حتميتان هما إلقاء عبء اإلثبات على عاتق النيابة‬
‫العامة أو على جهة االتهام عموما ثم تفسير أي شك لمصلحة المتهم‪.‬‬
‫ويعتبر الحق في الصمت من بين الحقوق المخولة للمشتبه فيه وللمتهم في جميع‬
‫مراحل الخصومة الجنائية‪ ،‬سواء استنادا إلى قرينة البراءة أو استنادا إلى المادة ‪ 134‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫والحق في الصمت هو عدم اإلدالء بأي تصريح انطالقا من كونه شخص بريء‬
‫وغير ملزم باإلدالء بأي تصريح يثبت براءته وعلى من وجه له االتهام إثبات ذلك‪.‬‬
‫والحق في الصمت له جذور تاريخية‪ ،‬فبالرجوع إلى العصور البدائية‪ ،‬كان الحق في‬
‫الصمت غير معترف به‪ ،‬فالمتهم عليه إبداء أقواله والخضوع للتجارب المميتة وعلى اآللهة‬
‫إنقاذ األبرياء‪ ،‬أما في العصور أو في المجتمعات األكثر تحض ار أو تنظيما خاصة المجتمع‬
‫الروماني ومصر الفرعونية والمجتمع العبري‪ ،‬فنجد أن إجبار الظنين على الكالم هو من‬
‫األمور الجائزة قانونا باستعمال العنف والتعذيب‪ ،‬وأحيانا يعد صمته اعترافا بارتكاب جريمة‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫واستمر الوضع على هذا الحال إلى غاية القرن الثامن عشر‪ ،1‬حيث بدأ الحق في الصمت‬
‫وحقوق اإلنسان بصفة عامة تجد لها آذان صاغية‪.‬‬
‫وبخصوص الشريعة اإلسالمية فالحق في الصمت خصوصا وحقوق اإلنسان على‬
‫وجه العموم‪ ،‬تجد لها مستقر من خالل كتاب هللا عز وجل وسنة رسولنا الكريم (ص)‪،‬‬
‫فبخصوص كتاب هللا عز وجل فقد جاء في سورة اإلسراء‪" 2‬ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم‬
‫في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقن تفضيال"‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى في سورة األحزاب‪" 3‬والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا‬
‫بهتانا وإثما مبينا"‪ ،‬وقوله (ص) "إن هللا يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا"‪.‬‬
‫أما بخصوص االتفاقيات الدولية فقد شهد هذا الحق إشعاعا على مستوى هذه‬
‫االتفاقيات فانطالقا من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر سنة ‪ ،1948‬والذي لم‬
‫ينص صراحة على الحق في الصمت وإنما يستشف ذلك من روح هذا اإلعالن انطالقا من‬
‫التأكيد على احترام كرامة اإلنسان وعدم تعريضه للتعذيب الذي ينتج عنه عدم إجباره على‬
‫قول ما ال يريد قوله‪ ،‬ثم االتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والتي نصت في المادة‬
‫‪ 3/14‬على عدم إلزام الفرد بالشهادة على نفسه‪ ،‬وبالتالي فال يلزم باإلجابة على األسئلة‬
‫الموجهة له‪ ،‬كذلك األمر بالنسبة لالتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتي صادق عليها‬
‫المغرب وأخرج إلى حيز الوجود قانون رقم ‪ 04.43‬المتعلق بمناهضة التعذيب‪.4‬‬
‫كذلك قد تم تقرير هذا الحق في العديد من المؤتمرات الدولية كمؤتمر "برن" المنعقد‬
‫سنة ‪ 1939‬ومؤتمر "أثينا" المنعقد سنة ‪ 1955‬ومؤتمر "هامبورج " المنعقد سنة ‪1979‬‬

‫‪ - 1‬العروصي (محمد)‪" ،‬حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬مجلة الملف‪ ،‬العدد ‪ ،15‬نونبر ‪ ،2009‬ص ‪-33‬‬
‫‪.34‬‬
‫‪ - 2‬سورة اإلسراء‪ ،‬الجزء ‪ ،15‬الحزب ‪ ،29‬اآلية ‪.70‬‬
‫‪ - 3‬سورة األحزاب‪ ،‬الحزب ‪ ،43‬اآلية ‪.58‬‬
‫‪ - 4‬بازي (محمد)‪ ،‬االعتراف الجنائي في القانون المغربي – دراسة مقارنة‪ ،-‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬نوقشت بجامعة الحسن الثاني‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عين الشق‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪ ،2005-2006-‬ص ‪.331‬‬

‫‪2‬‬
‫والذين أكدوا على حق المتهم أو المشتبه فيه في الحق في الصمت وعدم اعتباره قرينة‬
‫ضده‪.1‬‬
‫وتعود األهمية من هذا الموضوع إلى المكانة التي يحتلها هذا الحق ال على الصعيد‬
‫الوطني وال على الصعيد الدولي في جميع مراحل الخصومة الجنائية‪ ،‬بين من يؤيده ومن‬
‫يعارضه ويعتبره بأنه مجرد حق زائد إذ ال يمكن إجبار أحد على الكالم‪ ،‬ومن يعتبره مجرد‬
‫عرقلة للسير الطبيعي إلجراءات البحث‪.‬‬
‫ولعل اإلشكال من هذا الموضوع يكمن في "إلى أي حد وفق المشرع المغربي في‬
‫تقرير الحق في الصمت" ويتفرع عن هذا اإلشكال مجموعة من األسئلة‪ ،‬ما هو األساس‬
‫القانوني للحق في الصمت؟ وما هي صور اإلخالل به؟ وما هو جزاء اإلخالل به؟‬
‫لإلجابة عن هذه األسئلة سنعتمد التصميم التالي‪:‬‬

‫التصميم المعتمد‪:‬‬

‫‪ - 1‬بازي (محمد)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.333-332‬‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬األساس القانوني للحق في الصمت‬
‫المطلب األول ‪ :‬األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المغربي‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬الحق في الصمت أمام الجهات غير قضائية‬
‫(الشرطة القضائية و النيابة العامة)‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الحق في الصمت أمام الجهات القضائية‬
‫(قاضي التحقيق و قاضي الحكم)‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المقارن‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬الحق في الصمت في بعض التشريعات العربية‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الحق في الصمت في بعض التشريعات الغربية‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلخالل بالحق في الصمت‬
‫المطلب األول ‪ :‬صور اإلخالل بالحق في الصمت‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬الطرق التقليدية لإلخالل بالحق في الصمت‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬الطرق الحديثة لإلخالل بالحق في الصمت‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬جزاء ومسؤولية المخل بالحق في الصمت‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬جزاء اإلخالل بالحق في الصمت‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬مسؤولية المخل بالحق في الصمت‬
‫الخاتمة ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األساس القانوني للحق في الصمت‬
‫المطلب األول‪ :‬األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المغربي‬
‫لقد اختلفت اآلراء الفقهية حول أساس الحق في الصمت فمنها من أرجعته إلى قرينة‬
‫البراءة‪ ،‬ومنها من أرجعته إلى كونه حق طبيعي ولد مع اإلنسان ومنها من اعتبرته حقا من‬
‫حقوق الدفاع‪.1‬‬
‫فبالنسبة لقرينة البراءة‪ :‬فالمشتبه فيه أو المتهم غير ملزم بتقديم دليل على براءته‪،‬‬
‫لكون أن األصل فيه هو البراءة وذلك بمقتضى المادة األولى من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬والتي يترتب عنها‬
‫أمران إلقاء عبء اإلثبات على عاتق النيابة العامة‪ ،‬ثم تفسير الشك لمصلحة المتهم‪.‬‬
‫أما بالنسبة لكون الحق في الصمت حقا طبيعيا‪ :‬فهو حق فطري مستمد من طبيعة‬
‫اإلنسان وأن تضمينه في القانون الوضعي ليس سوى اعتراف إلزامي به‪.‬‬
‫وأما بالنسبة العتباره حقا من حقوق الدفاع‪ :‬فيعني كون القانون قد كفله للمتهم أو‬
‫المشتبه فيه في جميع مراحل الخصومة الجنائية‪ ،‬وهو ما سوف نتطرق له في هذا المطلب‬
‫مميزين بين الحق في الصمت أمام الجهات الغير القضائية (الشرطة القضائية والنيابة‬
‫العامة) في فقرة أولى‪ ،‬ثم الحق في الصمت أمام الجهات القضائية (قاضي التحقيق وقاضي‬
‫الحكم) في فقرة ثانية‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الحق في الصمت أمام الجهات الغير القضائية (الشرطة القضائية‬
‫والنيابة العامة)‬

‫‪ - 1‬العروصي (محمد)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪5‬‬
‫في هذه المرحلة بالذات وبالخصوص أمام هذين الجهازين (الشرطة القضائية والنيابة‬
‫العامة)‪ ،‬فإن الحق في الصمت مستمد من قرينة البراءة‪ ،‬فالمشتبه فيه أو المتهم في هذه‬
‫المرحلة له كامل الحرية في اختيار طريقة دفاعه‪ ،‬فله أن يقدم أدلة لتفنيد أدلة االتهام‬
‫الموجهة إليه‪ ،‬ول ه أن يعترف بما نسب إليه‪ ،‬كما له وإن شاء كامل الحرية بأال يجيب على‬
‫األسئلة الموجهة إليه ويلتزم الصمت‪ ،1‬فهو غير ملزم باإلدالء بأي تصريح يثبت براءته‪،2‬‬
‫كون أن األصل فيه هو البراءة‪ ،‬وعلى النيابة العامة باعتبارها جهة االتهام أن تثبت الجرم‬
‫المنسوب له‪ ،‬وهذه النقطة تحسب لمشرعنا المغربي لكون عبء اإلثبات تتحمله جهة االتهام‪.‬‬
‫ويجب استبعاد الفرض بأن المتهم ال يصمت إال عندما يجد أن كل وسائل الدفاع‬
‫عنه مستحيلة‪ ،‬ألن الصمت قد يكون وليد أسباب عديدة‪ ،‬فقد يكون إما راجعا لعوامل نفسية‬
‫ناتجة عن وجود الشخص في موقع إتهام‪ ،‬وإما تعب ي ار عن رغبته في عدم اإلدالء أو إبداء‬
‫أي أقوال في غير حضور المدافع عنه‪ ،‬وإما إلخفاء جريمة أشد من الجريمة المنسوبة إليه‪،‬‬
‫أو رغبته في إنقاذ شخص عزيز عليه كصمت االبن عندما توجد إليه تهمة ارتكبها والده‪.3‬‬
‫وإذا كانت بعض التشريعات قد نصت على هذا الحق في شكل صريح في قوانينها‬
‫كالتشريع األلماني في المادة ‪ 4136‬والبريطاني‪ 5‬في هذه المرحلة‪ ،‬فإنه والعكس من ذلك‬
‫فإن التشريع المغربي لم يتضمن ألي إشارة لهذا الحق في المرحلة‪ ،‬فبالرجوع إلى قانون‬
‫المسطرة الجنائية فال يوجد بها أي نص يلزم ضابط الشرطة القضائية وال ممثل النيابة العامة‬
‫على إشعار المتهم بأن له الحق في عدم اإلدالء بأي تصريح‪.‬‬
‫بل و على األكثر من ذلك فيمكن ربط عدم السماح للمشتبه فيه باالستعانة بمحامي‬
‫أثناء البحث التمهيدي إال ابتداء من الساعات األولى من تمديد الوضع تحت الحراسة‬

‫‪ - 1‬بازي (محمد)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.328‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- EL IDRISSI (Abdelaziz), « Comment interpréter le droit au silence ? », revue de droit‬‬
‫‪marocain, n°15, Janvier 2010, p 47.‬‬
‫‪ - 3‬فودة (عبد الحكم)‪ ،‬أدلة اإلثبات والنفي في الدعوى الجنائية‪ ،‬منشأة المعارف باالسكندرية‪ ،2007 ،‬ص ‪.419‬‬
‫‪ - 4‬نصت على واجب الشرطة تنبيه المتهم إلى حقه في التزام الصمت‪ ،‬أوردها بازي (محمد)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.335‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- AYAT (Mohammed)," « De grâce ne me faites pas dire ce que je n’ai pas dit » le droit au‬‬
‫‪silence devant les juridiction pénales ", la GAZETE des Tribunaux du Maroc, n°77-78,‬‬
‫‪Janvier- Février 1997, Mars -Avril 1997, p 59.‬‬

‫‪6‬‬
‫النظرية م ‪ 66‬و‪ 80‬من ق‪.‬م‪.‬ج حتى ال يقوم هذا األخير بنصح موكله بالتزام الصمت‪،1‬‬
‫وبالتالي عرقلة عملية البحث وجعل مسألة الحصول على الدليل من أقوال المبحوث معه‬
‫مستحيلة‪ ،‬إال أنه و على العكس من ذلك فإن حضور المحامي في هذه المرحلة من شأنه‬
‫بت الطمأنينة في نفس المشتبه فيه ومساعدته على شرح موقفه في هدوء تام‪ ،‬وبالتالي مزيدا‬
‫من اإلقرار واحترام حقوق الدفاع‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الحق في الصمت أمام الجهات القضائية (قاضي التحقيق وقاضي‬
‫الحكم)‬
‫لقد نص المشرع المغربي في هذه المرحلة على الحق في الصمت بكيفية صريحة في‬
‫المادة ‪ 134‬في فقرتها الرابعة‪ ،‬أمام السيد قاضي التحقيق والتي جاء فيها "يبين قاضي‬
‫التحقيق للمتهم األفعال المنسوبة إليه‪ ،‬ويشعره بأنه حر في عدم اإلدالء بأي تصريح‪ ،‬ويشار‬
‫إلى ذلك في المحضر"‪.‬‬
‫فالمشرع المغربي بعد أن ألزم قاضي التحقيق أثناء المثول األولي للمتهم أمامه بتبيان‬
‫األفعال المنسوبة إليه‪ ،‬أوجب عليه كذلك إشعاره بحقه في الصمت مع اإلشارة إلى ذلك في‬
‫المحضر‪.‬‬
‫ثم جاء المشرع المغربي بالمادة ‪ 135‬ق‪.‬م‪.‬ج كاستثناء عن األصل في إشعار المتهم‬
‫بحقه في الصمت في حاالت ثالث‪:‬‬
‫‪ -1‬وهي من البداهة‪ ،‬وتتمثل في رغبة المتهم التي تأتي طوعا وبدون أي إكراه في‬
‫اإلدالء بتصريحاته حيث يكون على قاضي التحقيق سوى تلقيها ويثبتها كاتب الضبط في‬
‫المحضر‪.‬‬
‫‪ -2‬وتتمثل في وضعية االستعجال التي تستدعي إجراء االستنطاق فو ار كحالة وجود‬
‫شاهد في خطر الموت أو وجود إمارات على وشك االندثار‪ ،‬إال أنه ما يعاب على هذه‬
‫الحالة هو عدم تحديد المشرع المغربي في المادة ‪ 135‬ق‪.‬م‪.‬ج المقصود بحالة االستعجال‬

‫‪ - 1‬شومي (شادية)‪ ،‬حقوق الدفاع خالل مرحلة ما قبل المحاكمة في النظام الجنائي المغربي‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬نوقشت بجامعة الحسن الثاني‪ ،‬بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬عين الشق‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2003-2002‬ص ‪.351‬‬

‫‪7‬‬
‫الذي يبقى مصطلح فضفاض ويمكن تفسيره على نطاق واسع مما قد يشكل هد ار لحقوق‬
‫الدفاع‪.‬‬
‫‪ -3‬الحالة التي تلتمس فيها النيابة العامة عمال بالمادة ‪ 75‬من ق‪.‬م‪.‬ج من قاضي‬
‫التحقيق (عندما يتصادف حضورهما معا لمكان الجريمة المتلبس بها) إجراء تحقيق إعدادي‬
‫بشأنها حيث يكون لقاضي التحقيق صالحية استنطاق المتهم تفصيليا وبدون أي إمهال‪.1‬‬
‫ويبقى السؤال المطروح هل يجبر قاضي التحقيق على أن يذكر المتهم خالل كل‬
‫استجواب بحقه في الصمت؟ الجواب هو ال لكون أن إشعار المتهم بالصمت خالل أول‬
‫لقاء بقاضي التحقيق يكون دون مؤازرته بمحامي‪ ،‬وحتى ال يصرح بأي قول يكون في غير‬
‫صالحه‪ ،‬أما أثناء االستنطاق التفصيلي فلمحاميه التدخل لنصحه بالصمت أو بالكالم‪.2‬‬
‫أيضا يطرح التساؤل حول ما هي الضمانة أو الحجة المثبتة للتنبيه بهذا الحق؟‬
‫الجواب هو أن الحجة هي اإلشارة إلى ذلك في المحضر لكن تبقى هذه الحجة محل شك‬
‫لكون المتابعين الغير المؤازرين من قبل المحامي يتنازلون عن هذا الحق‪ ،‬وال نعلم ما إذا‬
‫كان هناك تنازل بالفعل أم مجرد تشطيب على هذا الحق‪.3‬‬
‫إذن هذا على مستوى قاضي التحقيق أما أمام قاضي الحكم‪ ،‬فبالرجوع إلى قانون‬
‫المسطرة الجنائية فال نجد أي نص يكفل حق المتهم في الصمت أمام هيئة الحكم‪ ،‬لذلك‬
‫يمكن القول بأنه مستمد من قرينة البراءة المنصوص عليها في المادة األولى من ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫شأنه في ذلك شأن الحق في الصمت أمام ضباط الشرطة القضائية وأمام جهاز النيابة‬
‫العامة‪ ،‬والعلة في ذلك ربما وكما يقول بعض القضاة هو أنه حق زائد ال فائدة من تقريره‬
‫طالما أنه موجود في الواقع‪ ،‬إذ ال أحد يستطيع إرغام شخص على الكالم‪.4‬‬

‫‪ - 1‬العلمي (عبد الواحد)‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2009 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 2‬سرحان (جمال)‪ ،‬ضمانات المتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي‪ ،‬مطبعة صناعة الكتاب‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،2009 ،‬ص ‪.270-269‬‬
‫‪ - 3‬العروصي (محمد)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ - 4‬شومي (شادية)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.350‬‬

‫‪8‬‬
‫ويبقى التساؤل األهم هو ما هو األثر المترتب عن االلتزام بالصمت إزاء التهمة‬
‫المنسوبة إليه وما إذا كان يعتبر قرينة ضده أم لصالحه؟‬
‫إن اإلجماع منعقد على مستوى الفقه‪ 1‬وال على مستوى القضاء على عدم جواز‬
‫استخالص الدليل من صمت المتهم‪ ،‬واتخاذه سلوكه هذا قرينة ضده‪ ،‬هذا فضال عن القاعدة‬
‫األصولية التي تقول بأنه ال ينسب لساكت قول‪.2‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المقارن‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الحق في الصمت في التشريعات العربية‪:‬‬
‫من خالل نصوص قانون اإلجراءات الجنائية المصري‪ .‬ال يوجد نص صريح يعطي‬
‫للمشتبه فيه أو المتهم الحق في الصمت وعدم التكلم‪ .‬وذلك في جميع مراحل البحت‬
‫والتحقيق‪ .‬إال أن هناك بعض النصوص التي يمكن أن يستفاد منها هذا الحق ضمنيا‪ .‬فقد‬
‫جاء في المادة ‪ 2/201‬على ''يكون الحكم على الشاهد الذي يمتنع عن الحضور أمام‬
‫النيابة العامة‪ .‬والذي يحضر ويمتنع عن اإلجابة من القاضي في الجهة التي طلب حضور‬
‫الشاهد فيها ح سب األحوال المعتادة''‪ .‬كما نص صراحة وبمقتضى المادة ‪ 274‬على حق‬
‫المتهم في مرحلة المحاكمة في الصمت واالمتناع عن التكلم بقوله‪'' .‬ال يجوز استجواب‬
‫المتهم إال إذا قبل ذلك''‪ 3.‬ومن خالل هذه النماذج يمكن استنتاج اعتراف المشرع المصري‬
‫ضمنيا بحق الصمت‪ .‬ويعزز الفقه هذا الرأي (سامي صادق المال) بقوله ''أن للمتهم الحرية‬
‫في اختيار الوسيلة المالئمة لدفاعه‪ ،‬فإذا رأى أن الصمت هو خير وسيلة لدفاعه‪ .‬فال يجوز‬
‫أن يحرم منه''‪ .4‬ونفس التوجه أفره القضاء المصري في قرار لها في ‪ 1973/3/18‬حيث‬

‫‪ - 1‬الشواربي (عبد الحميد)‪ ،‬اإلثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه – النظرية والتطبيق‪ ،-‬منشأة المعارف باالسكندرية‪،‬‬
‫غير مشار إلى الطبعة وسنة النشر‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ -‬الشواربي (عبد الحميد)‪ ،‬ضمانات المتهم في م رحلة التحقيق الجنائي‪ ،‬منشأة المعارف باالسكندرية‪ ،‬غير مشار إلى‬
‫الطبعة وسنة النشر‪ ،‬ص ‪.408‬‬
‫‪ -‬سليمان (عبد المنعم)‪ ،‬بطالن اإلجراء الجنائي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر باالسكندرية‪ ،1999 ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪ - 2‬سرحان (جمال)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫‪ - 3‬أسامة عبد هللا قايد –حقوق وضمانات المشتبه فيه في مرحلة االستدالل‪ -‬ص ‪ .164‬الطبعة الثالثة ‪ .1994‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ - 4‬محمد بازي –المرجع السابق‪ -‬ص ‪.339‬‬

‫‪9‬‬
‫جاء فيه‪'' .‬للمتهم إذا شاء أن يمتنع عن اإلجابة أو االستمرار في اإلجابة‪ ،‬وال بعد هذا‬
‫االمتناع قرينة ضده‪ .‬فإذا تكلم فإنما ليبدي دفاعه‪ .‬ومن حقه دون غيره أن يختار الوقت‬
‫والطريقة التي يبدي فيها هذا الدفاع‪ .‬فال يصح أن يتخذ الحكم من امتناع المتهم عن اإلجابة‬
‫قرينة على ثبوت التهمة''‪.‬‬
‫هذا فيما يخص المشرع المصري‪ .‬أما المشرع العراقي‪ .‬فقد نص على الحق في‬
‫الصمت صراحة ولم يكتف بذلك‪ ،‬بل وأكد على عدم اعتبار السكوت قرينة‪ .‬وذلك بمقتضى‬
‫المادة ‪ 2/180‬من قانون المحاكمات الجزائية لينة ‪'' 1971‬ال يجوز إجبار المتهم على‬
‫الكالم أثناء التحقيق‪ ،‬وال على اإلجابة على األسئلة الموجهة إليه‪ .‬وفي حالة رفضه اإلجابة‬
‫أو إعطاء إجابات كاذبة‪ .‬ال توقع عليه أي عقوبة‪ ،‬وال يعتبر على الرفض اعترافا ضمنيا‬
‫باالتهامات الموجهة إليه‪ .‬وذلك استنادا إلى حقه في الصمت‪ .''1‬ونفس األمر أقره المشرع‬
‫الكويتي في المادة ‪ 158‬من قانون اإلجراءات الكويتية''‪ .‬ال يجوز تحليف المتهم اليمين وال‬
‫إكراها وال إغرائه على اإلجابة‪ ...‬ويفسر سكوت المتهم وامتناعه عن اإلجابة على السآل‬
‫بأنه إقرار شخصي وال يصلح مآخدته على ذلك''‪ .‬ونفس األمر لدى المشرع الجزائري في‬
‫المادة ‪ 100‬من قانون اإلجراءات لسنة ‪'' .1966‬يتحقق قاضي التحقيق حين يمثل المتهم‬
‫لدي ه ألول مرة عن هويته ويحيطه علما وصراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه‪.‬‬
‫وينبهه بأنه حر في عدم اإلدالء بأي إقرار‪''...‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحق في الصمت في بعض الدول الغربية‪:‬‬


‫في فرنسا لم يكن المشرع يعترف بهذا الحق‪ .‬بل كان يلزم الشخص بقول الحقيقة‬
‫ويلزمه بأداء اليمين‪ ،‬وكان يعاقب إذا تبت كدبه‪ .2‬بل وتدخل بعض القضات بالقول أن حق‬

‫‪ - 1‬محمد بازي –المرجع السابق‪ -‬ص ‪.334‬‬


‫‪ - 2‬أسامة عبد هللا قايد‪ .‬حقوق وضمانات المتسببة فيه في مرحلة االستدالل‪ .‬الطبعة الثالثة ص ‪ ،268‬دار النهضة العربية‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫ص ‪.167‬‬

‫‪10‬‬
‫الصمت حق زائد إلفائدة من تقريره طالما أنه موجود في الواقع‪ .‬وال أحد يستطيع إرغام‬
‫اآلخر على الكالم‪ .‬خصوصا عند حضور المحامي‪ .1‬وبعد صدور قانون ‪ .1993‬لم‬
‫يعترف هو اآلخر بحق الصمت‪ .‬ولكن بالمقابل أقر حق االستعانة بمحامي‪ .‬وبعد صدور‬
‫قانون ‪ 15‬يونيو ‪ 2000‬الذي قوى حقوق الدفاع‪ .‬اعترف المشرع فيه بالحق في الصمت‪،‬‬
‫ولم يقف عند هذا الحد‪ .‬وهذا ما يعجبني حقيقتا في المشرع الفرنسي‪ .‬بل أقر بالموازات مع‬
‫هذا الحق‪ .‬حق االتصال بمحامي عند بداية الحراسة النظرية‪ .2‬وأكد في المادة ‪ 114‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية أن قاضي التحقيق ملزم بإعالم المتهم بأنه حر في عدم اإلدالء‬
‫بأي تصريح مع ضرورة تتبين لك في المحضر‪ 3.‬وفي انجلترا‪ ،‬عرف هذا الحق مند القدم‪.‬‬
‫وحديثا أكد القانون الصادر سنة ‪ 1986‬والخاص بتنظيم العالقة بين سلطة البوليس وحقوق‬
‫المشتبه فيه ''على حق الفرد المطلق في الصمت واالحتفاظ بسكوته‪ .‬وال يجبر على الكالم‬
‫أو الرد‪ ،‬كما ال يحق استنتاج أي نتائج عن هذا الصمت‪.4‬‬
‫وقبيل ذلك وفي سنة ‪ ،1912‬حددت المحكمة العليا مجموعة من القواعد تلتزم الشرطة‬
‫بإتباعها‪ .‬ومنها ضرورة سؤاله هل يردد قول شيء ما‪ .‬وأنه غير ملزم بقول أي شيء ما لم‬
‫يرغب في ذلك‪ .‬وأن كل ما سيقول سيقدم كإثبات‪ .‬وفي نقس السياق قضت المحكمة العليا‬
‫في حكم لها ''أن للمتهم عذر قانوني في رفض اإلجابة على أسئلة الشرطة‪ .‬ولو أن عليه‬
‫واجبا أدبيا واجتماعيا في مساعدة الشرطة‪5''...‬وفي أمريكا حق الصمت حق دستوري‪،‬‬
‫فالتعديل الخامس للدستور يقضي بعدم جواز إلزام الشخص على أن يشهد ضد نفسه‬
‫وتطبيقا لذلك قضت المحكمة العليا سنة ‪ 1966‬في قضية » ‪'' « Miranda‬أن‬
‫التعديل الدستوري يلزم رجال الشرطة بإشعار المتهم بأنه غير ملزم باإلدالء بأي تصريح‪''...‬‬
‫ونفس الحق أقره الدستور الكندي لسنة ‪ 1982‬في مادته ‪ .30‬وفي ألمانيا نص المشرع في‬

‫ص ‪.350‬‬ ‫‪ - 1‬شادية تومي‪.‬‬


‫‪ - 2‬محمد بازي‪ ،‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪.335‬‬
‫‪ - 3‬أسامة عبد هللا قايد‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.172‬‬
‫‪ - 4‬محمد بازي‪ ،‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪.337‬‬
‫‪ - 5‬أسامة عبد هللا قايد‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.175‬‬

‫‪11‬‬
‫المادة ‪ 136‬من القانون الصادر في ‪ 18‬دحنبر ‪ ''1964‬على حق المشتبه فيه في الصمت‬
‫وترك الحرية الكاملة له في الرد على أسئلة الشرطة''‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اإلخالل بالحق في الصمت‬


‫المطلب األول‪ :‬صور اإلخالل بحق الصمت‬
‫يمكن أن يتم اإلخالل بحق الصمت من لدن ضباط الشرطة القضائية وقضاة التحقيق‬
‫بعدة طرق ووسائل‪ ،‬منها المؤثرة على المستنطق أو المستوجب ماديا‪ .‬كاإليذاء المادي الذي‬
‫يخلف اآلثار المادية في جسم الشخص‪ .‬ومنها المعنوية كاإليذاء والتعذيب المعنوي‪ .‬واإلك اره‬
‫على التكلم واإلغراء بمحاسن النطق واالعتراف والتحدث‪ ،‬وقد ظهرت طرق حديثة لإلخالل‬
‫بهذا الحق منها إعطاء الشخص عقاقير مخدرة أو تنويمه مغناطيسيا‪ 1.‬وسنحاول التطرق‬
‫لكل صورة من خالل فقرتين‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الطرق التقليدية لإلخالل بالحق في الصمت‬
‫حينما يمتنع المستنطق عن الكالم‪ .‬وال يجد بعض المستنطقين ذوي الضمير الميت‪،‬‬
‫والشخصية الضعيفة أي وسيلة إثبات‪ ،‬فإنهم يقومون بمحاولة إلزام المستنطق باالعتراف‬
‫واإلدالء بأي معلومات‪ .‬عن طريق التعذيب هذا التعذيب الذي يتم عن طريق الضرب والجلد‬
‫واستخدام العنف بشتى أشكاله‪ .‬رغم أن القانون يؤكد على بطالن أي اعتراف صادر عن‬
‫طريق التعذيب‪ .‬وقد يتم انتزاع هذا االعتراف وإلزام المستنطق بالتكلم بطريقة ال تترك أدا‬
‫ماديا وجسمانيا‪ .‬ولكن تترك أدى معنويا‪ .‬وذلك عن طريق لجوء المستنطق إلى سب وقذف‬
‫المستنطق‪ .‬أو عن طريق وضعه في زنزانة أو مكان يصعب استعماله من أجل التكلم‪ .‬وقد‬
‫يتم إلزامه بالتكلم حتى عن طريق التهديد‪ .‬كالتهديد بتمديد مدة االعتقال االحتياطي‪ ،‬أو‬
‫التهديد بالوضع في الزنزانة مع مجموعة صعبة من المعتقلين أو المجرمين‪ ،‬أو التهديد بأن‬
‫سكوته سيضر به‪ .‬وسيعتبر دليل إثبات ضده‪ .‬أو بالتهديد بأنه سيخترع معلومات معينة‬
‫كاذبة ويحررها في محضر االستنطاق‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد العروسي ''حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية '' مجلة الملف عدد ‪ 15‬نونبر ‪ .2009‬ص ‪ 45‬و‪.46‬‬

‫‪12‬‬
‫وقد يلجأ المستنطق إلى عملية إغراء الشخص الماثل أمامه من أجل إرغامه على‬
‫التكلم واالعتراف‪ .‬والمقصود باإلغراء هنا كل وعد من شأنه بعت األمل لدى الضنين‬
‫بتحسين ظروفه‪ ،‬ويكون له أثر لدفعه إلى اإلدالء باعترافاته‪ ،‬وبالتالي يتنازل عن حقه في‬
‫الصمت‪ 1.‬ومثال ذلك إعالمه أنت اعترافه سيفيد موقفه في القضية‪ .‬وأن تكلمه سيجذبه‬
‫إطالة القضية وسلبياتها‪ .‬وأنه إذا أدلى بمعلومات مفيدة سيعتبر شاهدا فقط‪ .‬أو أنه إذا تكلم‬
‫واعترف ستنقص العقوبة التي سيحكم عليه بها‪ .‬أو أنه سيستفيد من ضرورة التخفيف‪...‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الطرق الحديثة لإلخالل بالحق في الصمت‬
‫وقد يتم خرق حق الصمت بطرق حديثة‪ .‬كإعطاء المستنطق عقاقير مخدرة من أجل‬
‫تعطيل إدارته حتى يبوح بما تختزنه ذاكرته ويمس بحق الصمت الذي يعتبر حقا له‪ .‬وفي‬
‫هذا اإلطار حرمن بعض التشريعات صراحنا هذا األسلوب ‪ .‬كالمشرع األلماني في المادة‬
‫‪ 232‬من قانون اإلجراءات‪ .‬وحتى القضاء حرم ذلك‪ ،‬حيث قضت محكمة النقض اإليطالية‬
‫أن ''استخدام العقاقير وسيلة غير مشروعة وتعتبر جريمة إكراه‪ 2''.‬ومن طرق اإلخالل بحق‬
‫الصمت أيضا هناك طريقة ''التنويم المغناطيسي'' حيث يتم تنويم الشخص بطريقة خاصة‪.‬‬
‫ويقوم بطريقة ال شعورية باإلجابة عن األسئلة التي تطرح عليه‪ .‬بل ويتم باإلدالء بمعلومات‬
‫ما كان ليدلي بها لو لم يتم تنويمه مغناطيسيا‪ .‬ويعتبر هذا إكراها واعتداءا على حياة وسالمة‬
‫جسم الشخص ومساسا بحقه بعدم اإلدالء بأي تصريح‪ .‬ومن خالل كل هذه الصور‪ .‬يتبين‬
‫دور وضمانة حضور المحامي للوقوف على كل التجاوزات التي من الممكن أن تمس‬
‫حقوقه‪.‬هذا لو كان حضور المحامي إلزاميا في جميع القضايا طبعا‪ .‬كما يتبين هنا ما‬
‫لضمير وشخصية المستنطق من أهمية في الحفاظ على حقوق الماثل أمامه‪ .‬إال أن اإلشكال‬
‫يكمل في صعوبة إتيان صور خرق هذه الحقوق أوال‪ ،‬وعدم وجود نصوص قانونية صريحة‬
‫لدى مشرعنا تحرم اللجوء لهذه الوسائل خصوصا الوسائل الحديثة إلكراه الشخص على‬
‫التكلم‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جزاء اإلخالل ومسؤولية المخل بالحق في الصمت‬

‫‪ - 1‬محمد العروصي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.46‬‬


‫‪ - 2‬محمد العروصي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.47‬‬

‫‪13‬‬
‫فتحصينا لحقول الدفاع وخاصة الحق في الصمت فقد نص المشرع المغربي في‬
‫قانون المسطرة الجنائية على جزاء عند اإلخالل به (فقرة أولى) ورتب على اإلخالل به‬
‫إمكانية إثارة مسؤولية المخل (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬جزاء اإلخالل بالحق في الصمت‬
‫نص المشرع المغربي في المادة ‪ 210‬من ق‪.‬م‪.‬ج على أنه" يجب مراعاة مقتضيات‬
‫المادتين ‪ 134‬و ‪ 135‬من هذا القانون المنظمتين للحضور األول لالستنطاق‪ ...‬وذلك تحت‬
‫طائلة بطالن اإلجراء المعيب واإلجراءات الموالية له مع مراعاة تقدير هذا البطالن وفقا لما‬
‫هو منصوص عليه في الفقرة األخيرة من المادة ‪."211‬‬
‫وهكذا وانطالقا من مقتضيات المادة أعاله نجد أن المشرع المغربي قد رتب بشكل‬
‫صريح على خرق مقتضيات المادة ‪ 134‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬جزاء البطالن‪ ،‬ثم بطالن اإلجراءات‬
‫الموالية له مع ترك تقدير ذلك للغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف‪.‬‬
‫وما يالحظ على هذه المادة أن المشرع المغربي قد أعطى حصانة لحقوق الدفاع مقيدا‬
‫بذلك قاضي التحقيق بأن يحترم الحقوق المنصوص عليها خاصة في المادة ‪ 134‬التي‬
‫تهمنا‪ ،‬لكنه ومن جهة ثانية ترك الباب مفتوحا أمام الغرفة الجنحية لتقدير مدى البطالن‬
‫الالحق باإلجراءات الموالية لإلجراء الباطل وبالتالي إمكانية االعتماد أو األخذ بأدلة ناتجة‬
‫على إجراء باطل والحال أن ما بني على باطل فهو باطل‪.‬‬
‫لكن يبقى السؤال من له الحق في طلب البطالن؟ وما هو وقت الدفع بالبطالن؟ ومن‬
‫يقرر البطالن؟ بخصوص من له الحق في طلب البطالن‪ ،‬فبالرجوع إلى المادة ‪ 211‬من‬
‫ق‪.‬م‪.‬ج نجدها تخول هذا الحق إلى كل من قاضي التحقيق والنيابة العامة والمتهم والمطالب‬
‫بالحق المدني‪.‬‬
‫وإذا كان منطقيا الدفع بالبطالن لكل من النيابة العامة باعتباره تمارس الرقابة على‬
‫أعمال قاضي التحقيق وبالنسبة للمتهم الذي هضم حقه في الصمت وكذلك األمر بالنسبة‬
‫للمطالب بالحق المدني‪ ،‬فإنه من غير المستساغ أن يخول هذا الحق كذلك لقاضي التحقيق‬
‫ألنه ال يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بإجراء يعلم أنه باطل ويطلب من الغرفة الجنحية‬
‫إبطاله !‬

‫‪14‬‬
‫أما بخصوص وقت الدفع بالبطالن‪ ،‬فبالرجوع إلى ذات المادة (‪ )211‬نجد أن المشرع‬
‫المغربي قد ترك الباب مفتوحا لقاضي التحقيق دون تقيده بأي وقت‪ ،‬أما النيابة العامة‬
‫والمتهم والمطالب بالحق المدني فخول لهم الدفع بالبطالن داخل أجل ‪ 5‬أيام من اكتشافه‬
‫أو ظهوره‪.‬‬
‫وأما بخصوص من يقرر البطالن فبالرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ 231‬من ق‪.‬م‪.‬ج‬
‫نجد أن المشرع المغربي قد خول للغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف النظر في ‪ 4‬أمور من‬
‫بينها النظر في طلبات بطالن التحقيق اإلعدادي المنصوص عليها في المواد من ‪210‬‬
‫إلى ‪.1 213‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يمكن كذلك لهيئة الحكم تقرير بطالن إجراءات التحقيق طبقا‬
‫للمادة ‪ 324‬من ق‪.‬م‪.‬ج شرط احترام أمرين‪ ،‬أولهما إثارته من األطراف دفعة واحدة وقبل‬
‫استنطاق المتهم في موضوع الدعوى وذلك تحت طائلة سقوط الحق في تقديمه‪ ،‬وثانيهما‬
‫أنه إذا صدر قرار إحالة القضية من قبل الغرفة الجنحية على هيئة الحكم‪ ،‬امتنع نهائيا إثارة‬
‫أي دفع يتعلق ببطالن أي إجراء من إجراءات التحقيق (م ‪ 227‬ق‪.‬م‪.‬ج)‪.2‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مسؤولية المخل بالحق في الصمت‬
‫بالرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ 213‬من ق‪.‬م‪.‬ج نجد أن المشرع المغربي قد أعطى‬
‫حماية أكثر لحقوق الدفاع وذلك من خال ل "سحب من ملف التحقيق وثائق اإلجراءات التي‬
‫أبطلت وتحفظ في كتابة الضبط بمحكمة االستئناف‪ ،‬ويمنع الرجوع إليها الستخالص أدلة‬
‫ضد األطراف في الدعوى‪ ،‬تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين"‪ ،‬وهكذا‬
‫فالمشرع من خالل هذه المادة قد رتب المسؤولية التأديبية في حالة االعتماد على أدلة وقع‬
‫إبطالها‪ ،‬هذا باإلضافة إلى إمكانية إثارة المسؤولية الجنائية في حالة ارتكاب العنف ضد‬
‫المتهم قصد الحصول على اعتراف منه‪ ،‬حيث يمكن بمتابعتهم أي كل من ضباط الشرطة‬

‫‪ - 1‬أزوكار (عمر)‪" ،‬بطالن إجراءات التحقيق في ضوء قانون المسطرة الجنائية"‪ ،‬رسالة المحاماة‪ ،‬العدد ‪ ،25‬غشت‬
‫‪ ،2005‬ص ‪.38‬‬
‫‪ - 2‬العلمي (عبد الواحد)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.148‬‬

‫‪15‬‬
‫القضائية وممثلي جهاز النيابة العامة وقضاة التحقيق بجريمة الشطط في استعمال السلطة‪،‬‬
‫وإن كان المشرع المغربي قد حصر الحق في الصمت في االستنطاق األولي‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫وهكذا فالحق في الصمت وسيلتين لحماية‪ ،‬وسيلة وقائية تكمن في إشعار المتهم أو‬
‫المشتبه فيه في حقه في الصمت حتى ال يهدر عندما ال يكون عالما به‪ ،‬ثم وسيلة جزائية‬
‫وتكمن في تجريم وعق اب على االعتداء على هذا الحق خاصة باستعمال الوسائل العلمية‬
‫الحديثة (الغير مشروعة) كالتنويم المغناطيسي‪ ،‬جهاز كشف الكذب‪ ،‬ومصل الحقيقة أو‬
‫الحبوب أو العقاقير المخدرة‪.1‬‬

‫الئحة المراجع‬
‫الكتب ‪:‬‬
‫الشواربي )عبد الحميد (‪ ،‬اإلثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه‪-‬النظرية‬
‫والتطبيق‪، -‬منشاة المعارف باإلسكندرية ‪،‬غير مشار إلى الطبعة وسنة النشر‪.‬‬
‫الشواربي )عبد الحميد(‪،‬اإلخالل بحق الدفاع في ضوء القضاء والفقه‪ ،‬منشاة‬
‫المعارف باإلسكندرية‪،‬غير مشار إلى الطبعة والسنة‪.‬‬
‫الشواربي )عبد الحميد( ‪،‬ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي‪،‬منشأة المعارف‬
‫باإلسكندرية‪ ،‬غير مشار إلى الطبعة والسنة‪.‬‬
‫العلمي )عبد الواحد(‪ ،‬شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية‪،‬‬
‫الجزء‬

‫‪ - 1‬الشواربي (عبد الحميد)‪ ،‬اإلخالل بحق الدفاع في ضوء الفقه والقضاء‪ ،‬منشأة باالسكندرية‪ ،‬غير مشار إلى الطبعة‬
‫والسنة‪ ،‬ص ‪.120-119‬‬

‫‪16‬‬
‫الثاني‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪،‬دار البيضاء‪،‬الطبعة األولى‪.2009،‬‬

‫سرحان )جمال (‪ ،‬ضمانات المتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي‬
‫مطبعة صناعة الكتاب بالدار البيضاء‪2009 ،‬‬
‫سليمان) عبد المنعم(‪ ،‬بطالن اإلجراء الجنائي‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‬
‫باإلسكندرية‪1999 ،‬‬
‫فودة )عبد الحكم( ‪،‬أدلة اإلثبات والنفي في الدعوى الجنائية‪ ،‬منشاة المعارف‬
‫باإلسكندرية‪2007،‬‬
‫قايد )عبد هللا اسامة( ‪،‬حقوق وضمانات المشتبه فيه في مرحلة االستدالل‪،‬دار النهضة‬
‫العربية القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1994 ،‬‬

‫الرسائل و األطروحات‪:‬‬
‫بازي )محمد(‪،‬االعتراف الجنائي في القانون المغربي‪-‬دراسة مقارنة ‪،-‬أطروحة لنيل‬
‫دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪،‬نوقشت بجامعة الحسن الثاني‪،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية و االجتماعية عين الشق الدار البيضاء‪،‬السنة الجامعية ‪2006/2005‬‬
‫شومي )شادية( ‪،‬حقوق الدفاع في مرحلة ما قبل المحاكمة في النظام الجنائي‬
‫المغربي أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص‪ ،‬نوقشت بجامعة الحسن‬
‫الثاني‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية الدار البيضاء‪،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪2003/2002‬‬

‫المقاالت ‪:‬‬
‫العروصي )محمد( ‪ »،‬حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية» ‪،‬مجلة الملف‬
‫‪،‬عدد ‪ ، 15‬نونبر‪2009‬‬
‫ازوكار )عمر(‪ »،‬بطالن إجراءات التحقيق في ضوء قانون المسطرة‬
‫الجنائية» ‪،‬رسالة‬
‫المحاماة‪ ،‬عدد‪ ، 25‬غشت ‪2005‬‬
‫‪AYAT (Mohammed) ,» De grâce ne me faites pas dire ce‬‬
‫‪que je n'ai pas dit , le droit ou silence devant les juridiction‬‬

‫‪17‬‬
pénale, la gazette des tribunaux du Maroc ». n°
77.78,janvier/février 1997,mars /avril 1997.
ELIDRISSI(Abdelaziz) » Comment interprète le droit ou
silence? » Revue de droit Marocain ,n°15,Janvier 2010.

18

You might also like