Professional Documents
Culture Documents
الحق في الصمت
الحق في الصمت
الحق في الصمت
1
واستمر الوضع على هذا الحال إلى غاية القرن الثامن عشر ،1حيث بدأ الحق في الصمت
وحقوق اإلنسان بصفة عامة تجد لها آذان صاغية.
وبخصوص الشريعة اإلسالمية فالحق في الصمت خصوصا وحقوق اإلنسان على
وجه العموم ،تجد لها مستقر من خالل كتاب هللا عز وجل وسنة رسولنا الكريم (ص)،
فبخصوص كتاب هللا عز وجل فقد جاء في سورة اإلسراء" 2ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم
في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقن تفضيال" ،وقوله
تعالى في سورة األحزاب" 3والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا
بهتانا وإثما مبينا" ،وقوله (ص) "إن هللا يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا".
أما بخصوص االتفاقيات الدولية فقد شهد هذا الحق إشعاعا على مستوى هذه
االتفاقيات فانطالقا من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر سنة ،1948والذي لم
ينص صراحة على الحق في الصمت وإنما يستشف ذلك من روح هذا اإلعالن انطالقا من
التأكيد على احترام كرامة اإلنسان وعدم تعريضه للتعذيب الذي ينتج عنه عدم إجباره على
قول ما ال يريد قوله ،ثم االتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والتي نصت في المادة
3/14على عدم إلزام الفرد بالشهادة على نفسه ،وبالتالي فال يلزم باإلجابة على األسئلة
الموجهة له ،كذلك األمر بالنسبة لالتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والتي صادق عليها
المغرب وأخرج إلى حيز الوجود قانون رقم 04.43المتعلق بمناهضة التعذيب.4
كذلك قد تم تقرير هذا الحق في العديد من المؤتمرات الدولية كمؤتمر "برن" المنعقد
سنة 1939ومؤتمر "أثينا" المنعقد سنة 1955ومؤتمر "هامبورج " المنعقد سنة 1979
- 1العروصي (محمد)" ،حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية" ،مجلة الملف ،العدد ،15نونبر ،2009ص -33
.34
- 2سورة اإلسراء ،الجزء ،15الحزب ،29اآلية .70
- 3سورة األحزاب ،الحزب ،43اآلية .58
- 4بازي (محمد) ،االعتراف الجنائي في القانون المغربي – دراسة مقارنة ،-أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون
الخاص ،نوقشت بجامعة الحسن الثاني ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،عين الشق ،الدار البيضاء،
السنة الجامعية ،2005-2006-ص .331
2
والذين أكدوا على حق المتهم أو المشتبه فيه في الحق في الصمت وعدم اعتباره قرينة
ضده.1
وتعود األهمية من هذا الموضوع إلى المكانة التي يحتلها هذا الحق ال على الصعيد
الوطني وال على الصعيد الدولي في جميع مراحل الخصومة الجنائية ،بين من يؤيده ومن
يعارضه ويعتبره بأنه مجرد حق زائد إذ ال يمكن إجبار أحد على الكالم ،ومن يعتبره مجرد
عرقلة للسير الطبيعي إلجراءات البحث.
ولعل اإلشكال من هذا الموضوع يكمن في "إلى أي حد وفق المشرع المغربي في
تقرير الحق في الصمت" ويتفرع عن هذا اإلشكال مجموعة من األسئلة ،ما هو األساس
القانوني للحق في الصمت؟ وما هي صور اإلخالل به؟ وما هو جزاء اإلخالل به؟
لإلجابة عن هذه األسئلة سنعتمد التصميم التالي:
التصميم المعتمد:
3
المقدمة :
المبحث األول :األساس القانوني للحق في الصمت
المطلب األول :األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المغربي
الفقرة األولى :الحق في الصمت أمام الجهات غير قضائية
(الشرطة القضائية و النيابة العامة)
الفقرة الثانية :الحق في الصمت أمام الجهات القضائية
(قاضي التحقيق و قاضي الحكم)
المطلب الثاني :األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المقارن
الفقرة األولى :الحق في الصمت في بعض التشريعات العربية
الفقرة الثانية :الحق في الصمت في بعض التشريعات الغربية
المبحث الثاني :اإلخالل بالحق في الصمت
المطلب األول :صور اإلخالل بالحق في الصمت
الفقرة األولى :الطرق التقليدية لإلخالل بالحق في الصمت
الفقرة الثانية :الطرق الحديثة لإلخالل بالحق في الصمت
المطلب الثاني :جزاء ومسؤولية المخل بالحق في الصمت
الفقرة األولى :جزاء اإلخالل بالحق في الصمت
الفقرة الثانية :مسؤولية المخل بالحق في الصمت
الخاتمة :
4
المبحث األول :األساس القانوني للحق في الصمت
المطلب األول :األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المغربي
لقد اختلفت اآلراء الفقهية حول أساس الحق في الصمت فمنها من أرجعته إلى قرينة
البراءة ،ومنها من أرجعته إلى كونه حق طبيعي ولد مع اإلنسان ومنها من اعتبرته حقا من
حقوق الدفاع.1
فبالنسبة لقرينة البراءة :فالمشتبه فيه أو المتهم غير ملزم بتقديم دليل على براءته،
لكون أن األصل فيه هو البراءة وذلك بمقتضى المادة األولى من ق.م.ج ،والتي يترتب عنها
أمران إلقاء عبء اإلثبات على عاتق النيابة العامة ،ثم تفسير الشك لمصلحة المتهم.
أما بالنسبة لكون الحق في الصمت حقا طبيعيا :فهو حق فطري مستمد من طبيعة
اإلنسان وأن تضمينه في القانون الوضعي ليس سوى اعتراف إلزامي به.
وأما بالنسبة العتباره حقا من حقوق الدفاع :فيعني كون القانون قد كفله للمتهم أو
المشتبه فيه في جميع مراحل الخصومة الجنائية ،وهو ما سوف نتطرق له في هذا المطلب
مميزين بين الحق في الصمت أمام الجهات الغير القضائية (الشرطة القضائية والنيابة
العامة) في فقرة أولى ،ثم الحق في الصمت أمام الجهات القضائية (قاضي التحقيق وقاضي
الحكم) في فقرة ثانية.
الفقرة األولى :الحق في الصمت أمام الجهات الغير القضائية (الشرطة القضائية
والنيابة العامة)
5
في هذه المرحلة بالذات وبالخصوص أمام هذين الجهازين (الشرطة القضائية والنيابة
العامة) ،فإن الحق في الصمت مستمد من قرينة البراءة ،فالمشتبه فيه أو المتهم في هذه
المرحلة له كامل الحرية في اختيار طريقة دفاعه ،فله أن يقدم أدلة لتفنيد أدلة االتهام
الموجهة إليه ،ول ه أن يعترف بما نسب إليه ،كما له وإن شاء كامل الحرية بأال يجيب على
األسئلة الموجهة إليه ويلتزم الصمت ،1فهو غير ملزم باإلدالء بأي تصريح يثبت براءته،2
كون أن األصل فيه هو البراءة ،وعلى النيابة العامة باعتبارها جهة االتهام أن تثبت الجرم
المنسوب له ،وهذه النقطة تحسب لمشرعنا المغربي لكون عبء اإلثبات تتحمله جهة االتهام.
ويجب استبعاد الفرض بأن المتهم ال يصمت إال عندما يجد أن كل وسائل الدفاع
عنه مستحيلة ،ألن الصمت قد يكون وليد أسباب عديدة ،فقد يكون إما راجعا لعوامل نفسية
ناتجة عن وجود الشخص في موقع إتهام ،وإما تعب ي ار عن رغبته في عدم اإلدالء أو إبداء
أي أقوال في غير حضور المدافع عنه ،وإما إلخفاء جريمة أشد من الجريمة المنسوبة إليه،
أو رغبته في إنقاذ شخص عزيز عليه كصمت االبن عندما توجد إليه تهمة ارتكبها والده.3
وإذا كانت بعض التشريعات قد نصت على هذا الحق في شكل صريح في قوانينها
كالتشريع األلماني في المادة 4136والبريطاني 5في هذه المرحلة ،فإنه والعكس من ذلك
فإن التشريع المغربي لم يتضمن ألي إشارة لهذا الحق في المرحلة ،فبالرجوع إلى قانون
المسطرة الجنائية فال يوجد بها أي نص يلزم ضابط الشرطة القضائية وال ممثل النيابة العامة
على إشعار المتهم بأن له الحق في عدم اإلدالء بأي تصريح.
بل و على األكثر من ذلك فيمكن ربط عدم السماح للمشتبه فيه باالستعانة بمحامي
أثناء البحث التمهيدي إال ابتداء من الساعات األولى من تمديد الوضع تحت الحراسة
6
النظرية م 66و 80من ق.م.ج حتى ال يقوم هذا األخير بنصح موكله بالتزام الصمت،1
وبالتالي عرقلة عملية البحث وجعل مسألة الحصول على الدليل من أقوال المبحوث معه
مستحيلة ،إال أنه و على العكس من ذلك فإن حضور المحامي في هذه المرحلة من شأنه
بت الطمأنينة في نفس المشتبه فيه ومساعدته على شرح موقفه في هدوء تام ،وبالتالي مزيدا
من اإلقرار واحترام حقوق الدفاع.
الفقرة الثانية :الحق في الصمت أمام الجهات القضائية (قاضي التحقيق وقاضي
الحكم)
لقد نص المشرع المغربي في هذه المرحلة على الحق في الصمت بكيفية صريحة في
المادة 134في فقرتها الرابعة ،أمام السيد قاضي التحقيق والتي جاء فيها "يبين قاضي
التحقيق للمتهم األفعال المنسوبة إليه ،ويشعره بأنه حر في عدم اإلدالء بأي تصريح ،ويشار
إلى ذلك في المحضر".
فالمشرع المغربي بعد أن ألزم قاضي التحقيق أثناء المثول األولي للمتهم أمامه بتبيان
األفعال المنسوبة إليه ،أوجب عليه كذلك إشعاره بحقه في الصمت مع اإلشارة إلى ذلك في
المحضر.
ثم جاء المشرع المغربي بالمادة 135ق.م.ج كاستثناء عن األصل في إشعار المتهم
بحقه في الصمت في حاالت ثالث:
-1وهي من البداهة ،وتتمثل في رغبة المتهم التي تأتي طوعا وبدون أي إكراه في
اإلدالء بتصريحاته حيث يكون على قاضي التحقيق سوى تلقيها ويثبتها كاتب الضبط في
المحضر.
-2وتتمثل في وضعية االستعجال التي تستدعي إجراء االستنطاق فو ار كحالة وجود
شاهد في خطر الموت أو وجود إمارات على وشك االندثار ،إال أنه ما يعاب على هذه
الحالة هو عدم تحديد المشرع المغربي في المادة 135ق.م.ج المقصود بحالة االستعجال
- 1شومي (شادية) ،حقوق الدفاع خالل مرحلة ما قبل المحاكمة في النظام الجنائي المغربي ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة
في القانون الخاص ،نوقشت بجامعة الحسن الثاني ،بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،عين الشق ،الدار
البيضاء ،الجزء الثاني ،السنة الجامعية ،2003-2002ص .351
7
الذي يبقى مصطلح فضفاض ويمكن تفسيره على نطاق واسع مما قد يشكل هد ار لحقوق
الدفاع.
-3الحالة التي تلتمس فيها النيابة العامة عمال بالمادة 75من ق.م.ج من قاضي
التحقيق (عندما يتصادف حضورهما معا لمكان الجريمة المتلبس بها) إجراء تحقيق إعدادي
بشأنها حيث يكون لقاضي التحقيق صالحية استنطاق المتهم تفصيليا وبدون أي إمهال.1
ويبقى السؤال المطروح هل يجبر قاضي التحقيق على أن يذكر المتهم خالل كل
استجواب بحقه في الصمت؟ الجواب هو ال لكون أن إشعار المتهم بالصمت خالل أول
لقاء بقاضي التحقيق يكون دون مؤازرته بمحامي ،وحتى ال يصرح بأي قول يكون في غير
صالحه ،أما أثناء االستنطاق التفصيلي فلمحاميه التدخل لنصحه بالصمت أو بالكالم.2
أيضا يطرح التساؤل حول ما هي الضمانة أو الحجة المثبتة للتنبيه بهذا الحق؟
الجواب هو أن الحجة هي اإلشارة إلى ذلك في المحضر لكن تبقى هذه الحجة محل شك
لكون المتابعين الغير المؤازرين من قبل المحامي يتنازلون عن هذا الحق ،وال نعلم ما إذا
كان هناك تنازل بالفعل أم مجرد تشطيب على هذا الحق.3
إذن هذا على مستوى قاضي التحقيق أما أمام قاضي الحكم ،فبالرجوع إلى قانون
المسطرة الجنائية فال نجد أي نص يكفل حق المتهم في الصمت أمام هيئة الحكم ،لذلك
يمكن القول بأنه مستمد من قرينة البراءة المنصوص عليها في المادة األولى من ق.م.ج
شأنه في ذلك شأن الحق في الصمت أمام ضباط الشرطة القضائية وأمام جهاز النيابة
العامة ،والعلة في ذلك ربما وكما يقول بعض القضاة هو أنه حق زائد ال فائدة من تقريره
طالما أنه موجود في الواقع ،إذ ال أحد يستطيع إرغام شخص على الكالم.4
- 1العلمي (عبد الواحد) ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية ،الجزء الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،2009 ،ص .41
- 2سرحان (جمال) ،ضمانات المتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي ،مطبعة صناعة الكتاب ،الدار
البيضاء ،2009 ،ص .270-269
- 3العروصي (محمد) ،مرجع سابق ،ص .44
- 4شومي (شادية) ،مرجع سابق ،ص .350
8
ويبقى التساؤل األهم هو ما هو األثر المترتب عن االلتزام بالصمت إزاء التهمة
المنسوبة إليه وما إذا كان يعتبر قرينة ضده أم لصالحه؟
إن اإلجماع منعقد على مستوى الفقه 1وال على مستوى القضاء على عدم جواز
استخالص الدليل من صمت المتهم ،واتخاذه سلوكه هذا قرينة ضده ،هذا فضال عن القاعدة
األصولية التي تقول بأنه ال ينسب لساكت قول.2
المطلب الثاني :األساس القانوني للحق في الصمت في القانون المقارن
الفقرة األولى :الحق في الصمت في التشريعات العربية:
من خالل نصوص قانون اإلجراءات الجنائية المصري .ال يوجد نص صريح يعطي
للمشتبه فيه أو المتهم الحق في الصمت وعدم التكلم .وذلك في جميع مراحل البحت
والتحقيق .إال أن هناك بعض النصوص التي يمكن أن يستفاد منها هذا الحق ضمنيا .فقد
جاء في المادة 2/201على ''يكون الحكم على الشاهد الذي يمتنع عن الحضور أمام
النيابة العامة .والذي يحضر ويمتنع عن اإلجابة من القاضي في الجهة التي طلب حضور
الشاهد فيها ح سب األحوال المعتادة'' .كما نص صراحة وبمقتضى المادة 274على حق
المتهم في مرحلة المحاكمة في الصمت واالمتناع عن التكلم بقوله'' .ال يجوز استجواب
المتهم إال إذا قبل ذلك'' 3.ومن خالل هذه النماذج يمكن استنتاج اعتراف المشرع المصري
ضمنيا بحق الصمت .ويعزز الفقه هذا الرأي (سامي صادق المال) بقوله ''أن للمتهم الحرية
في اختيار الوسيلة المالئمة لدفاعه ،فإذا رأى أن الصمت هو خير وسيلة لدفاعه .فال يجوز
أن يحرم منه'' .4ونفس التوجه أفره القضاء المصري في قرار لها في 1973/3/18حيث
- 1الشواربي (عبد الحميد) ،اإلثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه – النظرية والتطبيق ،-منشأة المعارف باالسكندرية،
غير مشار إلى الطبعة وسنة النشر ،ص .25
-الشواربي (عبد الحميد) ،ضمانات المتهم في م رحلة التحقيق الجنائي ،منشأة المعارف باالسكندرية ،غير مشار إلى
الطبعة وسنة النشر ،ص .408
-سليمان (عبد المنعم) ،بطالن اإلجراء الجنائي ،دار الجامعة الجديدة للنشر باالسكندرية ،1999 ،ص .169
- 2سرحان (جمال) ،مرجع سابق ،ص .270
- 3أسامة عبد هللا قايد –حقوق وضمانات المشتبه فيه في مرحلة االستدالل -ص .164الطبعة الثالثة .1994دار النهضة العربية.
- 4محمد بازي –المرجع السابق -ص .339
9
جاء فيه'' .للمتهم إذا شاء أن يمتنع عن اإلجابة أو االستمرار في اإلجابة ،وال بعد هذا
االمتناع قرينة ضده .فإذا تكلم فإنما ليبدي دفاعه .ومن حقه دون غيره أن يختار الوقت
والطريقة التي يبدي فيها هذا الدفاع .فال يصح أن يتخذ الحكم من امتناع المتهم عن اإلجابة
قرينة على ثبوت التهمة''.
هذا فيما يخص المشرع المصري .أما المشرع العراقي .فقد نص على الحق في
الصمت صراحة ولم يكتف بذلك ،بل وأكد على عدم اعتبار السكوت قرينة .وذلك بمقتضى
المادة 2/180من قانون المحاكمات الجزائية لينة '' 1971ال يجوز إجبار المتهم على
الكالم أثناء التحقيق ،وال على اإلجابة على األسئلة الموجهة إليه .وفي حالة رفضه اإلجابة
أو إعطاء إجابات كاذبة .ال توقع عليه أي عقوبة ،وال يعتبر على الرفض اعترافا ضمنيا
باالتهامات الموجهة إليه .وذلك استنادا إلى حقه في الصمت .''1ونفس األمر أقره المشرع
الكويتي في المادة 158من قانون اإلجراءات الكويتية'' .ال يجوز تحليف المتهم اليمين وال
إكراها وال إغرائه على اإلجابة ...ويفسر سكوت المتهم وامتناعه عن اإلجابة على السآل
بأنه إقرار شخصي وال يصلح مآخدته على ذلك'' .ونفس األمر لدى المشرع الجزائري في
المادة 100من قانون اإلجراءات لسنة '' .1966يتحقق قاضي التحقيق حين يمثل المتهم
لدي ه ألول مرة عن هويته ويحيطه علما وصراحة بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه.
وينبهه بأنه حر في عدم اإلدالء بأي إقرار''...
10
الصمت حق زائد إلفائدة من تقريره طالما أنه موجود في الواقع .وال أحد يستطيع إرغام
اآلخر على الكالم .خصوصا عند حضور المحامي .1وبعد صدور قانون .1993لم
يعترف هو اآلخر بحق الصمت .ولكن بالمقابل أقر حق االستعانة بمحامي .وبعد صدور
قانون 15يونيو 2000الذي قوى حقوق الدفاع .اعترف المشرع فيه بالحق في الصمت،
ولم يقف عند هذا الحد .وهذا ما يعجبني حقيقتا في المشرع الفرنسي .بل أقر بالموازات مع
هذا الحق .حق االتصال بمحامي عند بداية الحراسة النظرية .2وأكد في المادة 114من
قانون المسطرة الجنائية أن قاضي التحقيق ملزم بإعالم المتهم بأنه حر في عدم اإلدالء
بأي تصريح مع ضرورة تتبين لك في المحضر 3.وفي انجلترا ،عرف هذا الحق مند القدم.
وحديثا أكد القانون الصادر سنة 1986والخاص بتنظيم العالقة بين سلطة البوليس وحقوق
المشتبه فيه ''على حق الفرد المطلق في الصمت واالحتفاظ بسكوته .وال يجبر على الكالم
أو الرد ،كما ال يحق استنتاج أي نتائج عن هذا الصمت.4
وقبيل ذلك وفي سنة ،1912حددت المحكمة العليا مجموعة من القواعد تلتزم الشرطة
بإتباعها .ومنها ضرورة سؤاله هل يردد قول شيء ما .وأنه غير ملزم بقول أي شيء ما لم
يرغب في ذلك .وأن كل ما سيقول سيقدم كإثبات .وفي نقس السياق قضت المحكمة العليا
في حكم لها ''أن للمتهم عذر قانوني في رفض اإلجابة على أسئلة الشرطة .ولو أن عليه
واجبا أدبيا واجتماعيا في مساعدة الشرطة5''...وفي أمريكا حق الصمت حق دستوري،
فالتعديل الخامس للدستور يقضي بعدم جواز إلزام الشخص على أن يشهد ضد نفسه
وتطبيقا لذلك قضت المحكمة العليا سنة 1966في قضية » '' « Mirandaأن
التعديل الدستوري يلزم رجال الشرطة بإشعار المتهم بأنه غير ملزم باإلدالء بأي تصريح''...
ونفس الحق أقره الدستور الكندي لسنة 1982في مادته .30وفي ألمانيا نص المشرع في
11
المادة 136من القانون الصادر في 18دحنبر ''1964على حق المشتبه فيه في الصمت
وترك الحرية الكاملة له في الرد على أسئلة الشرطة''.
- 1محمد العروسي ''حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية '' مجلة الملف عدد 15نونبر .2009ص 45و.46
12
وقد يلجأ المستنطق إلى عملية إغراء الشخص الماثل أمامه من أجل إرغامه على
التكلم واالعتراف .والمقصود باإلغراء هنا كل وعد من شأنه بعت األمل لدى الضنين
بتحسين ظروفه ،ويكون له أثر لدفعه إلى اإلدالء باعترافاته ،وبالتالي يتنازل عن حقه في
الصمت 1.ومثال ذلك إعالمه أنت اعترافه سيفيد موقفه في القضية .وأن تكلمه سيجذبه
إطالة القضية وسلبياتها .وأنه إذا أدلى بمعلومات مفيدة سيعتبر شاهدا فقط .أو أنه إذا تكلم
واعترف ستنقص العقوبة التي سيحكم عليه بها .أو أنه سيستفيد من ضرورة التخفيف...
الفقرة الثانية :الطرق الحديثة لإلخالل بالحق في الصمت
وقد يتم خرق حق الصمت بطرق حديثة .كإعطاء المستنطق عقاقير مخدرة من أجل
تعطيل إدارته حتى يبوح بما تختزنه ذاكرته ويمس بحق الصمت الذي يعتبر حقا له .وفي
هذا اإلطار حرمن بعض التشريعات صراحنا هذا األسلوب .كالمشرع األلماني في المادة
232من قانون اإلجراءات .وحتى القضاء حرم ذلك ،حيث قضت محكمة النقض اإليطالية
أن ''استخدام العقاقير وسيلة غير مشروعة وتعتبر جريمة إكراه 2''.ومن طرق اإلخالل بحق
الصمت أيضا هناك طريقة ''التنويم المغناطيسي'' حيث يتم تنويم الشخص بطريقة خاصة.
ويقوم بطريقة ال شعورية باإلجابة عن األسئلة التي تطرح عليه .بل ويتم باإلدالء بمعلومات
ما كان ليدلي بها لو لم يتم تنويمه مغناطيسيا .ويعتبر هذا إكراها واعتداءا على حياة وسالمة
جسم الشخص ومساسا بحقه بعدم اإلدالء بأي تصريح .ومن خالل كل هذه الصور .يتبين
دور وضمانة حضور المحامي للوقوف على كل التجاوزات التي من الممكن أن تمس
حقوقه.هذا لو كان حضور المحامي إلزاميا في جميع القضايا طبعا .كما يتبين هنا ما
لضمير وشخصية المستنطق من أهمية في الحفاظ على حقوق الماثل أمامه .إال أن اإلشكال
يكمل في صعوبة إتيان صور خرق هذه الحقوق أوال ،وعدم وجود نصوص قانونية صريحة
لدى مشرعنا تحرم اللجوء لهذه الوسائل خصوصا الوسائل الحديثة إلكراه الشخص على
التكلم.
المطلب الثاني :جزاء اإلخالل ومسؤولية المخل بالحق في الصمت
13
فتحصينا لحقول الدفاع وخاصة الحق في الصمت فقد نص المشرع المغربي في
قانون المسطرة الجنائية على جزاء عند اإلخالل به (فقرة أولى) ورتب على اإلخالل به
إمكانية إثارة مسؤولية المخل (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :جزاء اإلخالل بالحق في الصمت
نص المشرع المغربي في المادة 210من ق.م.ج على أنه" يجب مراعاة مقتضيات
المادتين 134و 135من هذا القانون المنظمتين للحضور األول لالستنطاق ...وذلك تحت
طائلة بطالن اإلجراء المعيب واإلجراءات الموالية له مع مراعاة تقدير هذا البطالن وفقا لما
هو منصوص عليه في الفقرة األخيرة من المادة ."211
وهكذا وانطالقا من مقتضيات المادة أعاله نجد أن المشرع المغربي قد رتب بشكل
صريح على خرق مقتضيات المادة 134من ق.م.ج ،جزاء البطالن ،ثم بطالن اإلجراءات
الموالية له مع ترك تقدير ذلك للغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف.
وما يالحظ على هذه المادة أن المشرع المغربي قد أعطى حصانة لحقوق الدفاع مقيدا
بذلك قاضي التحقيق بأن يحترم الحقوق المنصوص عليها خاصة في المادة 134التي
تهمنا ،لكنه ومن جهة ثانية ترك الباب مفتوحا أمام الغرفة الجنحية لتقدير مدى البطالن
الالحق باإلجراءات الموالية لإلجراء الباطل وبالتالي إمكانية االعتماد أو األخذ بأدلة ناتجة
على إجراء باطل والحال أن ما بني على باطل فهو باطل.
لكن يبقى السؤال من له الحق في طلب البطالن؟ وما هو وقت الدفع بالبطالن؟ ومن
يقرر البطالن؟ بخصوص من له الحق في طلب البطالن ،فبالرجوع إلى المادة 211من
ق.م.ج نجدها تخول هذا الحق إلى كل من قاضي التحقيق والنيابة العامة والمتهم والمطالب
بالحق المدني.
وإذا كان منطقيا الدفع بالبطالن لكل من النيابة العامة باعتباره تمارس الرقابة على
أعمال قاضي التحقيق وبالنسبة للمتهم الذي هضم حقه في الصمت وكذلك األمر بالنسبة
للمطالب بالحق المدني ،فإنه من غير المستساغ أن يخول هذا الحق كذلك لقاضي التحقيق
ألنه ال يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بإجراء يعلم أنه باطل ويطلب من الغرفة الجنحية
إبطاله !
14
أما بخصوص وقت الدفع بالبطالن ،فبالرجوع إلى ذات المادة ( )211نجد أن المشرع
المغربي قد ترك الباب مفتوحا لقاضي التحقيق دون تقيده بأي وقت ،أما النيابة العامة
والمتهم والمطالب بالحق المدني فخول لهم الدفع بالبطالن داخل أجل 5أيام من اكتشافه
أو ظهوره.
وأما بخصوص من يقرر البطالن فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 231من ق.م.ج
نجد أن المشرع المغربي قد خول للغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف النظر في 4أمور من
بينها النظر في طلبات بطالن التحقيق اإلعدادي المنصوص عليها في المواد من 210
إلى .1 213
وتجدر اإلشارة إلى أنه يمكن كذلك لهيئة الحكم تقرير بطالن إجراءات التحقيق طبقا
للمادة 324من ق.م.ج شرط احترام أمرين ،أولهما إثارته من األطراف دفعة واحدة وقبل
استنطاق المتهم في موضوع الدعوى وذلك تحت طائلة سقوط الحق في تقديمه ،وثانيهما
أنه إذا صدر قرار إحالة القضية من قبل الغرفة الجنحية على هيئة الحكم ،امتنع نهائيا إثارة
أي دفع يتعلق ببطالن أي إجراء من إجراءات التحقيق (م 227ق.م.ج).2
الفقرة الثانية :مسؤولية المخل بالحق في الصمت
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 213من ق.م.ج نجد أن المشرع المغربي قد أعطى
حماية أكثر لحقوق الدفاع وذلك من خال ل "سحب من ملف التحقيق وثائق اإلجراءات التي
أبطلت وتحفظ في كتابة الضبط بمحكمة االستئناف ،ويمنع الرجوع إليها الستخالص أدلة
ضد األطراف في الدعوى ،تحت طائلة متابعات تأديبية في حق القضاة والمحامين" ،وهكذا
فالمشرع من خالل هذه المادة قد رتب المسؤولية التأديبية في حالة االعتماد على أدلة وقع
إبطالها ،هذا باإلضافة إلى إمكانية إثارة المسؤولية الجنائية في حالة ارتكاب العنف ضد
المتهم قصد الحصول على اعتراف منه ،حيث يمكن بمتابعتهم أي كل من ضباط الشرطة
- 1أزوكار (عمر)" ،بطالن إجراءات التحقيق في ضوء قانون المسطرة الجنائية" ،رسالة المحاماة ،العدد ،25غشت
،2005ص .38
- 2العلمي (عبد الواحد) ،مرجع سابق ،ص .148
15
القضائية وممثلي جهاز النيابة العامة وقضاة التحقيق بجريمة الشطط في استعمال السلطة،
وإن كان المشرع المغربي قد حصر الحق في الصمت في االستنطاق األولي.
خاتمة:
وهكذا فالحق في الصمت وسيلتين لحماية ،وسيلة وقائية تكمن في إشعار المتهم أو
المشتبه فيه في حقه في الصمت حتى ال يهدر عندما ال يكون عالما به ،ثم وسيلة جزائية
وتكمن في تجريم وعق اب على االعتداء على هذا الحق خاصة باستعمال الوسائل العلمية
الحديثة (الغير مشروعة) كالتنويم المغناطيسي ،جهاز كشف الكذب ،ومصل الحقيقة أو
الحبوب أو العقاقير المخدرة.1
الئحة المراجع
الكتب :
الشواربي )عبد الحميد ( ،اإلثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه-النظرية
والتطبيق، -منشاة المعارف باإلسكندرية ،غير مشار إلى الطبعة وسنة النشر.
الشواربي )عبد الحميد(،اإلخالل بحق الدفاع في ضوء القضاء والفقه ،منشاة
المعارف باإلسكندرية،غير مشار إلى الطبعة والسنة.
الشواربي )عبد الحميد( ،ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق الجنائي،منشأة المعارف
باإلسكندرية ،غير مشار إلى الطبعة والسنة.
العلمي )عبد الواحد( ،شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية،
الجزء
- 1الشواربي (عبد الحميد) ،اإلخالل بحق الدفاع في ضوء الفقه والقضاء ،منشأة باالسكندرية ،غير مشار إلى الطبعة
والسنة ،ص .120-119
16
الثاني ،مطبعة النجاح الجديدة ،دار البيضاء،الطبعة األولى.2009،
سرحان )جمال ( ،ضمانات المتهم وحقوق الدفاع خالل مرحلة التحقيق اإلعدادي
مطبعة صناعة الكتاب بالدار البيضاء2009 ،
سليمان) عبد المنعم( ،بطالن اإلجراء الجنائي ،دار الجامعة الجديدة للنشر
باإلسكندرية1999 ،
فودة )عبد الحكم( ،أدلة اإلثبات والنفي في الدعوى الجنائية ،منشاة المعارف
باإلسكندرية2007،
قايد )عبد هللا اسامة( ،حقوق وضمانات المشتبه فيه في مرحلة االستدالل،دار النهضة
العربية القاهرة ،الطبعة الثالثة1994 ،
الرسائل و األطروحات:
بازي )محمد(،االعتراف الجنائي في القانون المغربي-دراسة مقارنة ،-أطروحة لنيل
دكتوراه الدولة في القانون الخاص،نوقشت بجامعة الحسن الثاني،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية و االجتماعية عين الشق الدار البيضاء،السنة الجامعية 2006/2005
شومي )شادية( ،حقوق الدفاع في مرحلة ما قبل المحاكمة في النظام الجنائي
المغربي أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص ،نوقشت بجامعة الحسن
الثاني ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية الدار البيضاء،الجزء الثاني،
السنة الجامعية 2003/2002
المقاالت :
العروصي )محمد( »،حق الصمت في قانون المسطرة الجنائية» ،مجلة الملف
،عدد ، 15نونبر2009
ازوكار )عمر( »،بطالن إجراءات التحقيق في ضوء قانون المسطرة
الجنائية» ،رسالة
المحاماة ،عدد ، 25غشت 2005
AYAT (Mohammed) ,» De grâce ne me faites pas dire ce
que je n'ai pas dit , le droit ou silence devant les juridiction
17
pénale, la gazette des tribunaux du Maroc ». n°
77.78,janvier/février 1997,mars /avril 1997.
ELIDRISSI(Abdelaziz) » Comment interprète le droit ou
silence? » Revue de droit Marocain ,n°15,Janvier 2010.
18