Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫أثر ابن عباس " كفر دون كفر"‬

‫الصنهاجي‬
‫أبو جندل ّ‬
‫رب العزة واجلربوت‪,‬الذي انزل الكتاب ابحلق ليقوم الناس ابلقسط ‪,‬فمن تبعه فهو السعيد‬
‫احلمد هلل ّ‬
‫‪,‬ومن اعرض عنه فهو الشقي التعيس‪,‬وانزل احلديد فيه ابس شديد ‪,‬وانزل الرسل رمحة للعاملني‬
‫‪, .‬والصالة والسالم على سيد خلق هللا ‪,‬حممد رسول هللا ‪,‬املصطفى االمني‬

‫ال شك ان احلكم مبا انزل هللا من اهم العبادات اليت يتقرب العبد هبا اىل هللا ‪,‬والتحاكم اىل غري شرعه‬
‫‪,‬من اكرب الشرك الذي ينايف التوحيد قال هللا تعاىل‬
‫فااليتان "واعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت"وقال هللا تعاىل " والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها"‬
‫تدالن ان عبادة الطاغوت تتمثل يف التحاكم اىل شرعه ‪,‬الن فيه اعرتاف صريح بشرعية تلك االحكام‬
‫فالعدل ال يطلب اال من شرع جبار السماوات ‪.‬الوضعية ‪,‬وفيه طلب العدل من غري شرع هللا‬
‫فالذي ال جيتنب الطاغوت يكون ال حمالة عابدا هلا ‪,‬خاضعا ذليال ‪.‬واالرض ‪,‬من العزيز احلكيم‬
‫فال فرق "وال يشرك يف حكمه احدا"لسلطاهنا‪,‬وهو الشرك الذي على العباد اجتنابه ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫بني من يسجد لالصنام واالواثن ‪,‬ويتقرب اليها ابلدعاء والذبح ‪,‬وبني من خيضع ويتلقى نظام حياته‬
‫وهذا شرك يف بعض صفات وخصائص ‪,‬من غري هللا ‪,‬ذلك شرك يف بعض صفات وخصائص الرب‬
‫اجل العبادات ‪,‬فمن العجب‬ ‫الرب ‪,‬ال فرق بينهما البتة‪ ,‬بل ان احلكم والتحاكم اىل شرع هللا هو من ّ‬
‫ونعرض عن ‪,‬ان نفرد هللا ابلعبادة ابلصالة والزكاة واحلج وغري ذلك من الشعائر التعبدية ‪,‬وننحيه‬
‫سلطانه يف ابقي مناحي احلياة ‪,‬وهذا هو الشرك الذي جاءت الرسل لتصحيحه وتقومي الناس اليه‬
‫‪, .‬حىت يكون هللا هو املعبود سواء يف الصالة والزكاة او يف التلقي واحلكم‬

‫ال اعلم قولة ظلمت كما ظلمت قولة "قال االستاذ حممد قطب يف كتابه مفاهيم ينبغي ان تصحح‬
‫وحقا فهذه القولة متسك هبا بعض طوائف البدع ‪,‬وردوا النصوص " ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫الشرعية الكثرية اليت تشري اىل كفر من يتحاكم اىل شرع غري شرع هللا ‪,‬او الذين يعرضون عن حكم هللا‬
‫‪,‬وحيكمون بقوانني وضعية اتفهة ‪,‬مهجية بربرية ‪,‬اقل ما يقال عنها اهنا متخلفة ‪,‬وان النجس والننت‬
‫تفوح من جوانبها ‪,‬اعرضوا عن حكم هللا ومتسكوا بقولة ابن عباس رضي هللا عنهما ‪,‬وجعلوا قول هللا‬
‫وقول ابن عباس من احملكم ‪,‬وهذا من محاقاهتم وتناقضاهتم العجيبة اليت يعجب منها ‪,‬من املتشابه‬
‫‪ .‬حىت الطغاة اجلامثني على انفاس املوحدين‬
‫ومن العجيب ان يتمسك هبذه القولة املنسوبة اىل ابن عباس ‪,‬بعض من العلماء الذين يشار اليهم‬
‫ابلبنان ‪,‬ويقام هلم ويقعد ‪,‬فاصلوا وقعدوا اتصيالت وتقعيدات ‪,‬خالفوا فيها السلف واخللف ‪,‬وردوا هبا‬
‫عشرات النصوص القطعية احملكمة بناءا على هذا االثر املنسوب اىل ابن عباس ‪,‬فلك ان تعجب اخي‬
‫املوحد من هؤالء العلماء ‪,‬ولك ان تعجب كيف يذوذون عن حياض احلكام املشرعني من دون هللا‬
‫‪, .‬هبذه القولة املنسوبة اىل ابن عباس رضي هللا عنهما‬

‫ويف هذا البحث املتواضع سنتطرق اىل سند هذه القولة ‪,‬واىل صحتها من جهة رواهتا ‪,‬واىل شرعية‬
‫انزاهلا يف غري موضعها اليت قيلت فيها‪ ,‬واىل حجية قول الصحايب ‪,‬وهل ترد به النصوص الشرعية ؟‬

‫سند االثر ‪1‬‬

‫وردت مقولة‬
‫املنسوبة حلرب االمة‪,‬ابن عباس رضي هللا عنهما بلفظني ‪,‬اول هذين اللفظني هو "كفر دون كفر"‬
‫وهذا اللفظ ليس من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما "ليس كمن كفر ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله"‬
‫وامنا هي ُمدرجة‪ ,‬اي زائدة على اصل املنت ‪,‬هي يف التحقيق من كالم ابن طاووس‪ .‬ويظهر ذلك‬
‫مما يؤكد ان مقولة ‪,‬جليا ابلنظر اىل جمموع الرواايت ‪,‬واليت تفردت هبا هذه الزايدة يف رواية واحدة‬
‫هي ليست من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما " ليس كمن كفر ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله"‬
‫‪,.‬والراجح اهنا تفسري لالية من ابن طاووس اخذها عن ابيه‬

‫قال ابن جرير الطربي رمحه هللا يف اجمللد السادس ‪,‬صفحة ‪, 256‬رواية من طريق سفيان بن عيينة‬
‫‪,‬سئل ابن عباس رضي هللا عنهما "‬ ‫عن سفيان بن عيينة عن معمر بن راشد عن طاووس عن ابيه ُ‬
‫عن تفسريه لقول هللا تعاىل ~ومن مل حيكم مبا انزل هللا فاوالئك هم الكافرون ~ قال هي به كفر‬
‫بعد ان ذكر ابن جرير الطربي رمحه هللا هذه الرواية ‪,‬ذكر ‪, ".‬وليس كفرا ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫رواية اخرى من طريق عبد الرزاق ‪,‬ويف هذه الرواية تظهر الزايدة مدرجة ‪,‬هي من كالم ابن طاووس‬
‫‪ .‬وليست من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما‪,‬‬

‫‪,‬سئل ابن "قال ابن جرير الطربي رمحه هللا‬


‫عن عبد الرزاق عن معمر بن راشد عن طاووس عن ابيه ُ‬
‫عباس عن تفسري قوله تعاىل ~ومن مل حيكم مبا انزل هللا فاوالئك هم الكافرون ~ قال هي به كفر‬
‫ابلنظر اىل الروايتني يظهر ان عبد ‪, .‬قال طاووس ‪,‬وليس كمن كفر ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫نص ان هذه الزايدة هي من كالم طاووس ‪,‬وليست من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما ‪,‬‬ ‫الزراق ّ‬
‫‪ .‬ويظهر ذلك ايضا كون هذه الزايدة مل تظهر اال يف رواية واحدة وهي اليت عن طريق سفيان بن عيينة‬

‫وقد اعرض عن رواية سفيان بن عيينة كثري من املفسرين ‪,‬كابن كثري ‪,‬والذي ذكر رواية عبد الرزاق‬
‫ينص على ذلك‬
‫تنص على املدرج يف الرواية ‪,‬خالفا لسفيان بن عيينة الذي مل ّ‬
‫‪ .‬ابعتبارها ّ‬

‫واللفظة الثانية اليت نسبت حلرب االمة ابن عباس رضي هللا عنهما قوله‬
‫ليس ابلكفر الذي يذهبون اليه ‪,‬انه ليس كفرا "ويف رواية اخرى " ليس ابلكفر الذي تذهبون اليه"‬
‫عن ‪,‬وهذه القولة موجودة يف تفسري ابن كثري ‪,‬من ابن ايب حامت واحلاكم يف املستدرك "ينقل عن امللّة‬
‫قال احلاكم ‪,‬صحيح ‪,‬طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجري عن ابن طاووس عن ابن عبّاس‬
‫على شرطي الشيخني ومل خيرجاه ‪.‬وكل االحاديث اليت اخرجها احلاكم يف مستدركه ‪,‬هي جمموع‬
‫االحاديث اليت ظن اهنا توافق شروط الشيخني يف التخريج ومل خيرجوهم ‪,‬فكان اجتهاده هذا استدراكا‬
‫منه على ما اخرجاه الشيخني‪.‬االّ انه مل يتقيد بضوابط وشروط وقيود الشيخني البخاري ومسلم يف‬
‫ختريج االحاديث‪,‬فكان يتساهل يف تصحيح احاديث مبجرد ان بعض رواته موجودين يف الصحيحني‬
‫‪,‬وغفل ان ما يرويه البخاري ومسلم عن بعض الرواة يكون متابعة هلم ‪,‬وليس انفرادا هلم ‪,‬فال تصح‬
‫ان وجد من يتابعهم من الذين توفرت فيهم شروط ‪,‬روايتهم لالحتجاج ‪,‬بل تكون صاحلة لالعتبار‬
‫وغريمها من شروط الشيخني‪ .‬ومن الذين رموا احلاكم ابلتساهل ‪,‬ابن ‪,‬الرواية من عدل وضبط‬
‫‪ .‬الصالح وهو علم من اعالم علم احلديث‬

‫وعلّة هذا احلديث هو وجود هشام بن حجري من الرواة ‪,‬وهو على ورعه وتقواه وزهده وعبادته ‪,‬فهو‬
‫ضعيف يف الرواية لسهوه وضعف ذاكرته يف احلفظ ‪,‬وقد ضعّفه جهابذة علم احلديث كامام اهل‬
‫وعلي ابن املديين ‪,‬وسعيد بن حيىي القطّان ‪,‬وابن حجر ‪,‬السنة امحد بن حنبل وحيىي بن معني‬
‫‪,.‬والذهيب ‪,‬وعبد الرمحان املهدي ‪,‬وم ّكي‬

‫ابلقوي"قال االمام امحد بن حنبل يف شان هشام بن حجري‬


‫ضعيف "وقال م ّكي " هشام ليس ّ‬
‫وضرب على احاديثه ‪,‬وقال الذهيب " ضعيف احلديث"وقال سعيد بن حيىي القطان "احلديث‬
‫حبجة"‬
‫ومل يروي له البخاري االّ ‪" .‬ضعيف ج ّدا"وقال حيىي بن معني "هشام بن حجري ليس ّ‬
‫حديث واحد متابعة وليس منفردا ‪,‬لكون حديثه ال يصلح لالحتجاج به االّ متابعة وليس منفردا‬
‫‪ ,‬متابعة ايضا وليس منفردا ‪,‬لكثرة اوهامة ‪,‬وقلة حفظه‪,‬بذاته‪ ,‬ومل يروي له مسلم حديثني‬

‫وهذا يعين ان رواية سفيان عن هشام " مل انخذ منه االّ ما مل جنده عند غريه"قال سفيان بن عيينة‬
‫‪ .‬هي من تفردات هشام بن حجري ‪,‬ليس هلا متابع او شاهد يعتمد عليه‬

‫‪ .‬ومل يروي هلشام بن حجري االّ املتساهلني ‪,‬كابن حبّان ‪,‬والعجلي ‪,‬واحلاكم‬

‫تبني ‪,‬فهذا احلديث ضعيف من انحية السند‪,‬لوجود هشام بن حجري الذي ضعّفه كبار علماء‬ ‫كما ّ‬
‫قوي على ضعف احلديث‬
‫احلديث وجهابذته ‪,‬وال حيتج به اال متابعة ‪,‬وهو دليل ّ‬

‫‪,‬يردون هبا كالم هللا ورسوله‬


‫فانظر اخي املوحد املنصف ‪,‬بضاعة القوم ‪,‬كلّها ضعيفة ومتكلم فيها ّ‬
‫‪, .‬وجيعلون هذه البضاعة الكاسدة املزجاة من القطعي احملكم وكالم هللا من املتشابه‬

‫الصحايب ‪2‬‬
‫حجية قول ّ‬
‫ّ‬
‫على افرتاض ان مقولة ابن عبّاس صحيحة ‪,‬وليست منسوبة اليه ‪ ,‬وا ّهنا قيلت كتفسري لقوله‬
‫تعاىل‬
‫وا ّهنا قيلت يف من ب ّدل شرع هللا بشرائع الكفر " ومن مل حيكم مبا انزل هللا فاوالئك هم الكافرون"‬
‫شرع من دون هللا‬
‫واختذ نفسه ن ّدا هلل يف التشريع واالمر والنهي ‪,‬والتحليل ‪,‬والطغيان ‪,‬ويف من ّ‬
‫والتحرمي وهي خصائص ال جيوز االعرتاف هبا لغري هللا ‪ ,‬الن االعرتاف هبا لغري هللا ‪,‬هو اتليه لذلك‬
‫الغري ‪,‬وهو الشرك الذي جاء االسالم الزالته واقامة دولة يكون السلطان فيها هلل وحده قال هللا تعاىل‬
‫نفرتض كل هذا ‪ ,‬وحاشا ان يصدر هذا القول ‪" .‬وال يشرك يف حكمه احدا"يف كتابه الكرمي‬
‫ترد‬
‫ترد كالم رسول هللا ‪,‬او ّ‬‫الساقط من حرب االمة ‪,‬هل تصلح هذه املقولة ان تنسخ كالم هللا ‪,‬او ّ‬
‫ترد القياس؟ هل صارت هذه املقولة قراان يفصل يف مسائل النزاع؟ ‪,‬االمجاع‬ ‫وابي دليل ‪,‬او حىت ّ‬
‫ّ‬
‫تركت "يكون كالم غري هللا ورسوله حجة شرعية يف دين هللا ؟‪ .‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم‬
‫الرسول الكرمي يؤكد ان التمسك ‪".‬فيكم ما ان متسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب هللا وسنيت‬
‫ابلكتاب والسنة هي العاصم من الضالل والزيغ ‪,‬ومل يذكر او حيث على مصادر اخرى ‪,‬غري الكتاب‬
‫‪.‬والسنة‬
‫ارأيت اقاويل اصحاب رسول هللا اذا "قال االمام الشافعي رمحه يف كتابه الرسالة الصفحة ‪596‬‬
‫تفرقوا فيها ‪,‬فقلت نصري منها اىل ما وافق الكتاب او السنّة او االمجاع‬
‫وهو ما يؤكد ان قول " ّ‬
‫الصحايب ليس حجة على قول صحايب اخر ‪ ,‬وال على من اتى بعدهم‪ ,‬وا ّمنا منهم خمطئ ومصيب‬
‫‪, .‬فريجح كالم هللا ورسوله على اقواهلم ان خالفوا ظاهر النص‬

‫واشار ابصبعه اىل قرب " كلنا يؤخذ من قوله ويرد اىل صاحب هذا القرب"قال االمام مالك رمحه هللا‬
‫رسول هللا ‪,‬فجعل كالم رسول هللا هو الذي ال يرد وان مل يذكر الصحابة ‪,‬فهو يف استثنائه التلقي من‬
‫رسول هللا وحده ‪,‬داللة على عدم حجية غريه ‪,‬ان خالف الكتاب والسنّة‬

‫اين اخذ بكتاب هللا اذا وجدته ‪,‬فما مل اجده فيه اخذت بسنة رسول "قال االمام ابو حنيفة رمحه هللا‬
‫هللا واالاثر الصحاح عنه اليت فشت يف ايدي الثقات عن الثقات ‪,‬فاذا مل اجد يف كتاب هللا وال سنة‬
‫رسول هللا ‪,‬اخذت ابقوال اصحابه من شئت وادع قول من شئت ‪,‬مث ال اخرج عن قوهلم اىل قول‬
‫" غريهم‬

‫وقال االمام امحد رمحه هللا‬


‫"ليس احد االّ اخذ برايه واترك ما خلى النيب صلى هللا عليه وسلّم"‬

‫فقول هؤالء االئمة يتفق مع قواعد واصول اهل السنّة واجلماعة يف مسالة االحتجاج بقول الصحايب‬
‫‪,‬وهو اهنم ايخذون من اقواهلم اذا مل جيدوا يف كتاب هللا وسنّة رسوله‪.‬لكون الصحايب ليس معصوما‬
‫‪,‬وقد يصدر منه اخلطأ‪ ,‬وقد يغفل عن اشياء من السنّة ‪,‬وقد ينسى ‪,‬وقد يسهى ‪,‬اىل غري ذلك ممّا قد‬
‫يتعرض له غري االنبياء والرسل ‪,‬يف مسائل التبليغ عن العقيدة ‪.‬قال هللا تعاىل يف كتابه العزيز‬
‫ويكون خمالفتهم للكتاب والسنة احياان صادرا عن اجتهاد ‪ ".‬ربّنا ال تؤاخذان ان نسينا او أاخطئنا"‬
‫‪,‬من غري قصد املخالفة ‪,‬كأن خيصص الصحايب عموما بظنه ‪,‬او أيخذ بعموم ويرتك اخلاص ‪ ,‬او‬
‫يتأول يف اخلرب غري ظاهره بغري برهان بعلّة ظنها ‪.‬ومن االمثلة على ذلك خبصوص ابن عباس رضي هللا‬
‫عنهما ‪,‬كان يقول جبواز راب الفضل ‪,‬ومل يكن يرى من الراب حرام سوى راب النسيئة ‪,‬وهذا خطأ ظاهر‬
‫رد عليه الصحابة رضي هللا عنهم ‪,‬واهل العلم‬
‫‪,‬فال فرق يف التحرمي بني راب الفضل وراب النسيئة ‪,‬وقد ّ‬
‫وخيطئ ! مث‬‫‪.‬وهل يُعقل ان يعلّق ال ّشارع الكرمي دينه ‪,‬مبن ينسى ويسهى ويغفل عن بعض امور ال ّدين ُ‬
‫فمين ومن "اليس من الصحابة الكرام من تبث عنه انّه قال‬
‫إن أصبت فمن هللا وان اخطأت ّ‬
‫" الشيطان‬

‫الصحايب ا ّن ان عبّاس رضي هللا عنهما كان يرى ان احلامل اذا مات‬
‫ومن االمثلة على جواز خطأ ّ‬
‫لقوله تعاىل ‪,‬عنها زوجها ان تعت ّد ابطول االجلني ‪,‬وهو خالف االية‬
‫محلهن"‬
‫ّ‬ ‫اجلهن ان يضعن‬
‫ّ‬ ‫وقد خالفه يف ذلك الصحابة رضي هللا عنهما ومجهور "واوالت االمحال‬
‫اهل العلم‬

‫وكان رضي هللا عنهما يرى إبابحة زواج املتعة وكذلك حلم اكل حلم احلمر االهلية ‪,‬وقد انكر عليه‬
‫حرم ذلك‬
‫علي بن ايب طالب ذلك ‪,‬وذكر له ا ّن رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم ّ‬
‫ّ‬

‫وكان يرى ابن عبّاس رضي هللا عنهما ان قاتل النفس املتعمد ال توبة له ‪,‬وهو ما خالف به الكتاب‬
‫ا ّن هللا ال يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون "والسنّة وامجاع الصحابة رضي هللا عنهم ‪ ,‬قال هللا تعاىل‬
‫وصدر ذلك منه اجتهادا وأتويال من غري قصد املخالفة "ذلك ملن يشاء‬

‫وكان يرى ابن عبّاس ايضا ا ّن رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو حمرم ‪,‬وهو غري‬
‫احل من عمرته‬
‫صرحت اهنا تزوجت رسول هللا وقد ّ‬
‫صحيح ‪,‬فقد تبث ان ميمونة رضي هللا عنها ّ‬

‫وكان عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنه ينهى عن متعة النّساء يف العمرة واحلج ‪,‬وهو خالف لالية‬
‫يدل ان عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنها كان خمطئا يف "فمن متتّع ابلعمرة اىل احلج"الكرمية‬
‫وهو ما ّ‬
‫قوله بذلك‬

‫ومن قال من " قال شيخ االسالم بن تيمية رمحه هللا يف جمموع الفتاوى اجمللد االول الصفحة ‪283‬‬
‫نص خيالفه ‪,‬و ّاما‬‫العلماء ان قول الصحايب حجة فإمنا قاله اذا مل خيالفه غريه من الصحابة وال عرف ّ‬
‫فكالم ابن تيمية صريح يف ا ّن قول الصحايب ال يكون " اذا عرف انّه خيالفه فليس حبجة ابالتفاق‬
‫النص ‪,‬االّ بقرينة‬
‫حجة على قول صحايب اخر ‪,‬وانّه ال يؤخذ كالم الصحايب ان خالف به ظاهر ّ‬
‫شرعية من كتاب هللا او سنّة رسوله‬

‫اي ان " تفسري الصحايب لالية ال تقوم به حجة ال سيما مع اختالفه"قال االمام الشوكاين رمحه هللا‬
‫النص ال تقوم به حجة شرعية يف دين هللا‬
‫تفسري الصحايب ان خالف به ظاهر ّ‬

‫وابجلملة فال جيوز " قال ابن القيم رمحه هللا يف كتابه اعالم املوقعني ‪,‬اجمللد الرابع ‪,‬الصفحة ‪211‬‬
‫العمل واالفتاء يف دين هللا ابلتشهي والتخري موافقة للغرض ‪,‬فيأخذ القول الذي يوافق غرضه ‪ ...‬وهذا‬
‫" من اكرب الكبائر‬

‫النص وهو الذي يقول حمذرا من‬


‫حجة شرعية يف دين هللا ‪,‬ان خالف به ّ‬ ‫كيف يكون قول ابن عبّاس ّ‬
‫اتباع الصحابة الكبار يف ما خيالف ظواهر النصوص ‪,‬من غري قرينة شرعية‬
‫السماء ‪,‬اقول قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلم ‪,‬وتقولون "‬
‫يوشك ان تنزل عليكم حجارة من ّ‬
‫يرد كالم من هو خري منه ‪,‬ان " قال ابو بكر وعمر‬‫اليس هذا كالم ابن عبّاس رضي هللا عنهما ّ‬
‫يردون كالم هللا ورسوله مبن هو دون ابو بكر وعمر !‬
‫خالف كالم هللا وكالم رسوله ! فما ابل اقوام ّ‬
‫اليس هذا تطاول واستدراك على كالم هللا ورسوله ؟‬

‫اليس هذا اهتام صريح لكالم هللا بعدم الوضوح والبيان؟ اليس هذا اهتام صريح لكالم هللا ابلتدليس‬
‫والتلبيس ؟ الستعماله الفاظ تصلح الكثر من معىن ؟كيف يكون كالم هللا على غري ظاهره وهو أيمر‬
‫وما اختلفتم فيه من شيئ فحكمه "عباده ابلرجوع اىل كالمه للفصل يف امور النزاع ؟ قال هللا تعاىل‬
‫فردوه اىل هللا والرسول ان كنتم تؤمنون ابهلل واليوم االخر"وقال تعاىل " اىل هللا‬
‫"فان تنازعتم يف شيئ ّ‬
‫ال تق ّدموا اهوائهم وارائكم ومصاحلكم ‪,‬على كالم هللا " ال تق ّدموا بني يدي هللا ورسله"وقال تعاىل‬
‫ورسوله ‪,‬وهذا ما يدل ان ظواهر النصوص مرادة‪ ,‬وان خالفها او اتويلها حيتاج اىل قرينة شرعية تصرفه‬
‫عن ظاهره‪ ,‬وهو ما يقودان اىل التساؤل‪ ,‬هل حنتاج حقا اىل مثل قولة ابن عبّاس رضي هللا عنهما‬
‫وشرع من دون هللا ؟ من غري قرينة شرعية من‬ ‫لنؤول ظاهر النص الصريح القطعي يف كفر من ب ّدل ّ‬
‫كتاب هللا او سنّة رسوله ؟‬

‫قال " فليحذر الذين خيالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم"قال هللا تعاىل‬
‫‪,‬فرد‬
‫العلماء الفتنة الشرك ‪,‬وقد يقع فيها املرء ان استحسن كالم غري هللا وقدمه على كالم هللا ّ‬
‫النصوص الشرعية القطعية ‪,‬بكالم غريه ممّن هو غري معصوم ‪,‬ولو كان ابو بكر وعمر ‪,‬فما ابلك‬
‫‪.‬ابلذين هم ادىن ادىن منهما‬

‫وقد اتفق "قال شيخ االسالم ابن تيمية رمحه هللا يف جمموع الفتاوى ‪,‬اجمللد ‪ 11‬الصفحة ‪208‬‬
‫"سلف االمة وائمتها على ان كل احد يؤخذ من كالمه ويرتك االّ رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم‬
‫يرد كالم هللا ورسوله ‪,‬بقول احد ولو كان‬‫يفهم من كالم شيخ االسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪,‬انّه ال ّ‬
‫النص‬
‫‪.‬صحابيا ان خالف ظاهر ّ‬

‫الصحابة ان خالفوا به ظاهر النّص ‪,‬فكيف‬


‫لرد كالم ّ‬ ‫األمة ان القياس وحده كاف ّ‬
‫وقد اتّفق علماء ّ‬
‫الصحايب‬
‫حجة شرعية يف دين هللا ‪,‬ان خالف كالم هللا ورسوله واالمجاع ؟! ‪.‬وا ّمنا يكون قول ّ‬
‫يكون ّ‬
‫حجة شرعية يف‬
‫الصحابة ‪,‬وهو إمجاع منهم ‪,‬واإلمجاع ّ‬
‫حجة شرعية يف دين هللا ‪,‬ان وافق ابقي اقوال ّ‬
‫حجة شرعية على قول ‪,‬ديننا‬
‫ّاما اذا خالف قول صحايب قول صحايب اخر ‪ ,‬ال يكون قول احدمها ّ‬
‫‪.‬اما اذا عرف قول صحايب ومل يعرف من‬
‫االخر ‪,‬ال سيما اذا عرف من خيالف قوله بقول او فعل ّ‬
‫حجة شرعية ‪,‬وهو ما يسمى‬
‫نص من كتاب هللا او سنّة رسوله ‪,‬فهو ّ‬
‫خيالفه يف ذلك ‪,‬ومل خيالف ّ‬
‫‪ .‬ابالمجاع السكويت‬

‫‪,‬اما يف قضيتنا هذه ‪,‬فاألمر ليس كذلك ‪,‬فقد خالف ابن عبّاس رضي هللا عنهما‬ ‫النّص واالمجاع ّ‬
‫ورد لإلمجاع املتفق عليه ‪,‬وهذا‬
‫رد لكالم هللا ورسوله ّ‬
‫والقياس ‪,‬وال يؤخذ بقوله ‪,‬ال ّن االخذ بقوله فيه ّ‬
‫رد كالم هللا ورسوله بقول صحايب ‪,‬ولوكان ابو بكر وعمر‬ ‫‪ .‬ال يليق ‪,‬ان يُ ّ‬

‫تبني هلم الصواب‬


‫الصحابة عن اقواهلم ‪,‬بعدما ّ‬
‫كما رجع ابن عبّاس ‪,‬وقد ُعلم عن رجوع كثري من ّ‬
‫رضي هللا عنهما ‪,‬عن القول جبواز راب الفضل ‪,‬وعن اابحة زواج املتعة ‪,‬بعدما ّبني له علي بن ايب‬
‫‪ .‬طالب عدم صوابه يف ذلك‬

‫وتقدمي اقواهلم واهوائهم ‪,‬وقد لعب الشيطان بعقول بعض من ينتسب الهل العلم ‪,‬بتغيري معاين القران‬
‫‪,‬حرف الكالم عن معناه ‪,,‬واقوال شيوخهم على ما يظهر من كالم هللا‬
‫بتأويل فاسد ّ‬

‫فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوهبم قاسية حيرفون الكلم عن "قال هللا تعاىل يف كتابه العزيز‬
‫هذه خصلة من خصال اليهود الكفرة الفجرة ‪,‬عمدوا اىل اتويل ‪,‬سورة املائدة االية ‪ " 14‬مواضعه‬
‫وقال هللا تعاىل ‪,‬االايت وحتريف معانيها ‪,‬مبا فسرته عقوهلم اهلابطة ‪,‬واهوائهم الباردة وارائهم الفاسدة‬
‫وا ّن منهم لفريقا يلوون السنتهم ابلكذب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو "‬
‫ومن انواع التحريف ‪,‬سورة ال عمران االية ‪ " 78‬من عند هللا ويقولون على هللا الكذب وهم يعلمون‬
‫تغيري معاين القران وصرفها عن طاهرها ‪ ,‬من غري دليل شرعي يبني مراد الشارع ‪,‬وهو حمض الكذب‬
‫‪ .‬والتقول واالفرتاء على هللا‬

‫يفسرون القرآن من القرآن نفسه ‪,‬فأفضل طريقة ملعرفة مراد كالم هللا ‪,‬هو من‬
‫فأهل السنّة واجلماعة ّ‬
‫جل‪,‬فما أطلق يف موضع ‪,‬قُيّد يف موضع آخر ‪,‬وما كان عاما يف موضع ‪,‬جتده‬
‫عز و ّ‬‫نفس كالمه ّ‬
‫جل من نفسه الكرمية‬
‫عز و ّ‬‫مفصال يف موضع آخر ‪,‬فال يوجد أحد أعلم من مراد هللا ّ‬
‫‪.‬مفسرا ّ‬
‫ّ‬

‫املناط الذي قيلت فيه هذه القولة ‪3‬‬

‫على افرتاض أ ّن هذا األثر املنسوب إىل ابن عبّاس صحيحا ‪,‬وأنّه فعال قال هذا القول ‪,‬فهل قاله يف‬
‫الساقطة دينا جيب اتّباعه ‪,‬وأجربوا النّاس للخضوع ألهوائهم و‬
‫املشرعني الذين اختذوا من تشريعاهتم ّ‬
‫ّ‬
‫كل خري‬
‫حثالة نظمهم القذرة ؟ هل قال ابن عبّاس هذا القول يف من ب ّدل شرع هللا ‪,‬املشتمل على ّ‬
‫الصحايب اجلليل الذي ‪,‬‬
‫األمة مثل هذا القول وهو ّ‬ ‫يصح أن يصدر من حرب ّ‬ ‫كل شر؟ هل ّ‬ ‫الناهي عن ّ‬
‫حيفظ هلل قدره ‪,‬ويعلم أ ّن التّحاكم إىل غري شرع هللا كفر ‪,‬و أ ّن مسألة احلكم هي من صميم العقيدة ؟‬
‫ال يعقل أن يقصد ابن عبّاس هذا‬

‫رده على اخلوارج الذين كانوا يك ّفرون النّاس ابملعاصي والذنوب‬


‫قال ابن عبّاس ما قاله وهو يف سياق ّ‬
‫صحة اإلميان‬
‫كل األعمال شرط يف ّ‬ ‫والكبائر ‪,‬بناءا على فساد عقيدهتم يف اإلميان والكفر ‪,‬فريون ّ‬
‫يفرقون بني النواقض العملية وبني الذنوب الغرياملك ّفرة ‪,‬وكانوا يدخلون املعاصي حتت إسم‬
‫‪,‬حبيث ال ّ‬
‫احلكم مبا أنزل هللا ‪,‬ومن هنا دخلت عليهم ال ّشبهة‪,‬فكل من أتى كبرية فقد حكم بغري ما أنزل هللا‬
‫‪,‬فيجب أن يكفر‪,‬مصداقا لقوله تعاىل‬
‫فكانوا يستدلّون على كل من عصى هللا هبذه " ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك هم الكافرون"‬
‫‪,‬تبني حقيقة مذهبهم يف الكفر واإلميان ‪,‬و‬‫اآلية الكرمية ‪,‬وأثناء مناظرهتم البن عبّاس رضي هللا عنهما ّ‬
‫فرد عليهم ابن عبّاس رضي هللا عنهم ‪,‬بقولته‬
‫كل املعاصي هي حكم بغري ما أنزل هللا ‪ّ ,‬‬
‫أ ّن القوم يرون ّ‬
‫الرجال ‪,‬إشارة إىل ‪" ,‬كفر دون كفر"‬ ‫خالل مناظرهتم هلم ‪ ,‬بعد أن رفعوا املصاحف وقالوا ح ّكمتم ّ‬
‫علي رضي هللا‬
‫قضيّة التّحكيم املشهورة ‪,‬حقنا لدماء املسلمني خالل احلرب واخلالف الّذي وقع بني ّ‬
‫وكان احلاكمان مها ‪,‬أبو موسى األشعري من طرف ‪,‬عنه ‪,‬وبني معاوية بن أيب سفيان رضي هللا عنه‬
‫علي رضي هللا عنه ‪,‬وعمروا بن العاص من طرف ‪,‬معاوية بن أيب سفيان ‪,‬فكانت تلك القولة منه‬
‫ّ‬
‫الذين ‪,‬يف معرض نقاشه هلم حول مسألة احلكم مبا أنزل هللا ‪,‬وأ ّن املعاصي والكبائر ‪,‬رضي هللا عنه‬
‫الرواية املذكورة ‪",‬كفر دون كفر"أدخلها اخلوارج يف معىن اآلية ‪,‬هو كفر ال ينقل عن امللّة ‪,‬إ ّمنا هو‬
‫وّ‬
‫موجها لفئة معيّنة ‪,‬وليس تفسريا لآلية الكرمية‬
‫ليس "يف مستدرك احلاكم تشري أب ّن الكالم كان ّ‬
‫"إنّه كفر ال ينقل عن امللّة‪,‬ابلكفر الذي يذهبون إليه‬

‫هذا هو فهم اخلوارج لآلية الكرمية ‪,‬والذين يريدون تنزيل مقولة ابن عبّاس رضي هللا عنهما ‪,‬الّيت كانت‬
‫السقيم للخوارج ملسألة احلكم مبا أنزل هللا ‪,‬حقيقة أمره أنّه يلبّس على النّاس‬
‫رده على الفهم ّ‬
‫يف معرض ّ‬
‫أمر دينهم خذمة لبدعته ‪,‬فال ابن عبّاس رضي هللا عنه ‪,‬قال ما قاله وهو يعين املب ّدلني لشرع هللا‬
‫وال اخلوارج كذلك استدلّوا له بتلك اآلية ‪,,‬احمل ّكمني للقوانني الوضعية ‪,‬املتحاكمني للشرائع الطّاغوتية‬
‫الكرمية وهم يقصدون احلكم بغري ما أنزل هللا مبعىن التّبديل والتّشريع من دون هللا ‪,‬و إالّ الستدلّوا له‬
‫رضي هللا عنه آبايت ال حتتمل صرفا و ال أتويال كقوله تعاىل‬
‫يشرع من دون هللا ‪,‬فقد زعم لنفسه ‪ " ,‬أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل أيذن به هللا"‬‫فالّذي ّ‬
‫احلق يف إحدى خصائص امللك ‪,‬وهي احلكم والتّشريع والتّحليل والتّحرمي ‪,‬فال أحد غري هللا ميلك هذا‬ ‫ّ‬
‫‪,‬احلق‬
‫احلق ‪,‬فقد ّاختده رّاب من دون هللا ‪,‬وأشركه مع هللا يف احلكم ‪,‬قال هللا ّ‬
‫ومن اعرتف لغري هللا هبذا ّ‬
‫ابجلن ‪",‬وال يشرك يف حكمه أحدا"تعاىل‬ ‫فال فرق بني من يشرك ابهلل يف عبادة األصنام واإلستغاثة ّ‬
‫بكل تفاصيله ‪,‬وق ّده وقديده من غري‬
‫الرزق من األموات ‪,‬وبني من يتخذ نظام حياته ّ‬ ‫‪,‬وبني من يطلب ّ‬
‫فكالمها مشرك ‪,‬وقد يكون الذي يطيع ‪,‬هللا ‪,‬ال فرق بينهما يف العبادة ‪,‬وال فرق بينهما يف ال ّشرك‬
‫شرعها الطاغوت منهجا يف احلياة ونظاما جيب أن‬ ‫غري هللا يف أمور احلياة ‪,‬ويتخذ من تلك النظم اليت ّ‬
‫الرزق من‬‫يتربء من واضعيها ومنها ‪,‬ويعتزهلا ‪,‬فهو أكثر شركا ممّن تقتصر عبادته على طلب ّ‬ ‫يُتّبع ‪,‬وال ّ‬
‫غري هللا ‪ ,‬أو يسجد لصنم ‪,‬أو حلجر ‪ ,‬أل ّن شرك احلاكمية يتع ّدى ضرره إىل سواه من النّاس واجملتمع‬
‫الصحيحة ‪,‬وحفظ العقل واجتناب العبث به‬ ‫‪,‬وما جائت ال ّشريعة إالّ حلفظ دين هللا وعقيدة النّاس ّ‬
‫كل يوم ‪,‬وحتت أعني الطّاغوت ومبباركته ‪,‬وحفظ املال ‪,‬الّيت جاءت‬
‫‪,‬وحفظ النّفس الّيت صارت تزهق ّ‬
‫الشرائع الطّاغوتية لتأكل اموال النّاس ابلباطل حتت نظم ربوية ‪,‬وحلفظ العرض الذي صار أرخص من‬
‫بعض املواد التّجميلية‬

‫بل إ ّن مسألة استبدال شريعة هللا بقوانني اإلفرنج ‪ ,‬ومسألة تشريع القوانني املضاهية لشرع هللا ‪,‬والّيت‬
‫الصحابة رضي هللا عنهم ‪,‬وال يف عهد التّابعني وال من‬
‫السلطان ‪,‬مل تعرف يف زمن ّ‬
‫جيادل عنها علماء ّ‬
‫جاء بعدهم ‪,‬و إ ّمنا عرفت يف زمن شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪,‬بعد مرور حوايل سبع قرون من‬
‫السالم ‪,‬أثناء حكم التّتار ‪,‬والذي قام ملكهم جنكيزخان جبمع شرائع‬
‫الصالة و ّ‬
‫بعثة املصطفى ‪,‬عليه ّ‬
‫شىت ‪,‬من اليهودية والنّصرانية ‪,‬وال ّدين اإلسالمي احلنيف ‪ ,‬يف كتاب مسّاه الياسق ‪,‬وأراد حكم النّاس‬
‫ّ‬
‫بذلك ‪,‬بدل شرع هللا وحده‬

‫والذين ينزلون تلك املقولة ‪,‬حلرب األمة ابن عبّاس رضي هللا عنهما ‪ ,‬على واقع اليوم ‪,‬حقيقة أمرهم أ ّهنم‬
‫وابلتّحاكم اىل قانون الطّاغوت ‪,‬وابلتّشريع من دون هللا ‪,‬يتّهمونه رضي هللا عنه بتبديل شرع هللا‬
‫الرب ‪,‬يف التّحليل والتّحرمي ‪,‬واألمر والنّهي‬
‫‪,‬وتقمص خصائص ّ‬ ‫ّ‬

‫‪,‬وحيرمون احلالل ‪ " ,‬وإن أطعتموهم إنّكم ملشركون "وقوله تعاىل‬


‫يشرعون من دون هللا ّ‬ ‫فطاعة الذين ّ‬
‫‪,‬وحيلّون احلرام ‪,‬شرك وكفر والعياذ ابهلل ‪,‬فال أحد ميلك أن يعبّد النّاس وخيضعهم لقوانينه ‪,‬بل ال جيوز‬
‫احلق ‪,‬ومن يفعل ذلك فهو مشرك كافر ‪ ,‬أل ّن األمر كلّه هلل ‪,‬وإشراك غري هللا‬
‫اإلعرتاف للطاغوت هبذا ّ‬
‫والقبول بشرع " قل إ ّن األمر كلّه هلل"يف األمر ‪,‬هو ال ّشرك الذي ال تنفع معه طاعة ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫‪,‬اختاذ ذلك الطّاغوت ن ّدا هلل يف األمر والنّهي‬
‫مستم ّد من طاغوت هو ّ‬

‫حىت حي ّكموك فيما شجر بينهم مثّ ال جيدون يف أنفسهم حرجا ممّا "وقوله تعاىل‬
‫فال وربّك ال يؤمنون ّ‬
‫ليحم الطّاغوت ‪ " ,‬قضيت ويسلّموا تسليما‬ ‫بقوة على من اعرض عن حكم هللا ‪,‬وتركه ّ‬ ‫ترد ّ‬
‫هذه اآلية ّ‬
‫مرة واحدة ‪,‬فهو كافر كفر ال ينفع معه إميان‬
‫يف شؤون حياته ‪,‬ولو يف ّ‬

‫الرسول إن كنتم تؤمنون ابهلل واليوم اآلخر"وقوله تعاىل‬


‫فردوه إىل هللا و ّ‬
‫فعدم " فإن تنازعتم يف شيئ ّ‬
‫أي شيئ من شؤون احلياة ‪,‬هو كفر أكرب خمرج من امللّة ‪,‬وهو نفي ألصل‬ ‫رد األمر إىل هللا ورسوله يف ّ‬
‫ّ‬
‫اإلميان‬

‫الربوبية عند بين إسرائيل ‪,‬طاعة " ّاختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من دون هللا"وقوله تعاىل‬
‫فكانت ّ‬
‫مبجرد طاعتهم طاعة مطلقة‬
‫الرهبان والعلماء يف ما يعلمون أنّه خالف ملا أنزل هللا ‪.‬اختذوهم أراباب ّ‬ ‫ّ‬
‫أحق ابلكفر ممّن أطاع تلك القوانني الكفريّة‬
‫‪,‬وشرع من دون هللا ! أليس ّ‬
‫‪,‬فكيف مبن ب ّدل شرع هللا ّ‬
‫!! املب ّدلة‬
‫‪,‬مبجرد اقرتافهم للمعاصي ‪,‬من غري استحالل هلا‬
‫فاخلوارج اشتُهر عنهم تكفري احل ّكام واخلروج عليهم ّ‬
‫ومن غري استرياد قوانني وضعية من اليهود والنّصارى ‪, ,‬ومن غري تبديل شرع هللا مناط كفر اليهود‬
‫‪,‬ومن غري حتاكمهم لقوانني الطّاغوت ‪ ,‬بل مل يعرف ذلك يف زمن ظهورهم ‪,‬وال يف عهد حكم‬
‫كاحلجاج وغريهم من أمراء بين ‪,‬األمويّني والعبّاسيني ‪,‬بل ك ّفروا احل ّكام فقط جلورهم وظلمهم للعباد‬
‫ّ‬
‫احلجاج رغم ظلمه وجوره ‪,‬إالّ أنه مل يُعرف عنه أنّه ب ّدل شرع هللا ‪,‬أو ّاختذ من‬
‫أميّة وبين العبّاس ‪ ,‬و ّ‬
‫السند ‪,‬‬
‫نفسه ن ّدا هلل يف احلكم ‪ ,‬ومل يعطّل حكم اجلهاد ‪,‬بل كان جماهدا ‪,‬وصلت جيوشه إىل اهلند و ّ‬
‫ومل يُعرف عنه أنّه كان يوايل الفرس واجملوس ‪,‬أو اليهود والنّصارى ‪,‬بل كان والؤه هلل وحده ‪,‬ومل يُعرف‬
‫حرية التّعبري ‪ ,‬ومع ذلك فقد ك ّفره كبار علماء‬
‫كرم من يستهزئ بدين هللا ‪,‬حتت إسم ّ‬ ‫عنه أنّه مسح و ّ‬
‫السلف له ‪,‬ومن األعالم‬ ‫احلجاج ‪,‬وعدم تكفري ّ‬ ‫‪,‬وحتتج بظلم ّ‬
‫ّ‬ ‫زمانه ‪ ,‬وليس كما ت ّدعي مرجئة العصر‬
‫الذين ك ّفروه ‪,‬سعيد بن جبري ‪,‬والنّخعي ‪,‬وجماهد تلميذ ابن عبّاس رضي هللا عنهما ‪,‬وطاووس الذي‬
‫حيتج به املرجئة ‪,‬يف عدم تكفري من ب ّدل شرع هللا ‪,‬وكذلك ممّن ك ّفره‬
‫روى حديث ابن عبّاس ‪,‬الذي ّ‬
‫ال ّشعيب ‪,‬فأينهم من هذه الفريّة ‪,‬وهذا البهتان ‪,‬وهذا التّدليس الذي ليس بعده تدليس‬

‫احلجاج رغم ظلمه وجوره‬ ‫السلف من ك ّفر ّ‬


‫فاستدالهلم خارج عن ‪,‬وعلى افرتاض ‪,‬أنّه ال يوجد من ّ‬
‫شرع من دون هللا ‪,‬أو حتاكم إىل قوانني وضعية‬
‫موضع اخلصومة ‪,‬فخصومتنا يف من ب ّدل شرع هللا ‪,‬أو ّ‬
‫وليس يف من ظلم وجار مع حكمه مبا أنزل هللا ‪,‬من غري أن ‪,,‬أو أعرض عن احلكم مبا أنزل هللا‬
‫‪ .‬يتّخذ نظاما له يف احلياة ‪,‬مستم ّد من غري هللا‬

‫حيتجون على من ظلم أو اقرتف معصية ‪,‬ابآلية الكرمية‬


‫ومن مل حيكم مبا أنزل هللا "لذلك كانوا ّ‬
‫وكانوا ابلفعل خمطؤون يف استدالهلم هذا ‪,‬وابلفعل كانت قولة ابن عبّاس ‪ ",‬فأوالئك هم الكافرون‬
‫اليت قاهلا خالل مناظرته هلم ‪,‬موافقة لعقيدة أهل السنّة واجلماعة ‪,‬يف عدم تكفري ‪ ",‬كفر دون كفر"‬
‫من ظلم ‪,‬أو ارتكب معصية وذنبا دون الكفر ‪,‬وقد رجع منهم خلق كثري بربكة حجج ابن عبّاس‬
‫رضي هللا عنهما‬

‫ترد القول املنسوب اىل ابن عبّاس من كالم هللا‬


‫األدلّة اليت ّ‬
‫االمة ابن عبّاس‬
‫القول ا ّن الكفر املذكور يف اايت املائدة هو الكفر االصغر ‪ ,‬ابلقول املنسوب حلرب ّ‬
‫‪,‬فريدون كالم هللا هبذا االثر الضعيف‪,‬وهو ا ّهتام لكالم هللا ابلتناقض ‪,‬وعدم الفصاحة‬
‫رضي هللا عنهما ّ‬
‫وهذه هي طريقة اهل الزيغ والضالل يف أتويل النصوص القطعية الداللة اىل ما هتواه ‪,‬وقوة البيان‬
‫‪ .‬انفسهم ذايذا عن حياض الطواغيت واسيادهم املرت ّدين‬

‫قال هللا تعاىل‬


‫ايأيها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا امنّا ابفواههم ومل تؤمن قلوهبم "‬
‫‪,‬حيرفون الكلم عن مواضعه ‪,‬يقولون‬
‫‪,‬ومن الذين هادوا مسّاعون للكذب مسّاعون لقوم اخرين مل أيتوك ّ‬
‫ان أوتيتم هذا فخذوه وان مل أتتوه فاحذروا ومن يرد هللا فتنته ‪,‬فلن متلك من هللا شيئا ‪,‬اوالئك الذين مل‬
‫يطهر قلوهبم ‪,‬هلم يف الدنيا خزي وهلم يف االخرة عذاب عظيم‬ ‫مسّاعون للكذب أ ّكالون ‪,‬يرد هللا ان ّ‬
‫للسحت ‪,‬فإن جاؤوك فاحكم بينهم مبا انزل هللا‬

‫يتبني من سياق هذه االايت الكرميات ‪,‬فهي تعين الذين يسارعون يف الكفر ‪,‬فهو ليس كفر‬
‫وكما ّ‬
‫جمرد ‪,‬بل هي يف الذين يسارعون يف الكفر ‪,‬اي كفرهم ال جدال فيه‬

‫قال سيّد قطب رمحه يف كتاب الظالل يف اجمللد الثاين الصفحة ‪888‬‬
‫وأنه ال وسط يف ‪,‬ا ّن املسالة يف هذا كلّه مسألة اميان او كفر ‪,‬وإسالم او جاهلية ‪,‬وشرع او هوى "‬
‫هذا االمر‪,‬وال هدنة وال صلح ‪,‬فاملؤمنون هم الذين حيكمون مبا أنزل هللا وال يب ّدلون منه شيئا‬
‫" ‪,‬والكافرون والظاملون والفاسقون ‪,‬هم الذين ال حيكمون مبا انزل هللا‬

‫فإما ان نكون يف معسكر االميان ‪,‬نذوذ عن دين هللا أبرواحنا ‪,‬والنرضى قبول سلطان حيكمنا غري هللا‬
‫ّ‬
‫‪.‬وإما ان نكون يف معسكر ‪ ,,‬فنحكم مبا انزل هللا ‪,‬ونرفض اإلذعان حلكم الطاغوت‬
‫فنكون مؤمنني ّ‬
‫ونذل له ‪,‬فنخسر‬
‫ال ّشرك ‪,‬فنكون كافرين ‪,‬معرضني عن دين هللا ‪,‬حنكم بقوانني الطاغوت ‪,‬وخنضع له ّ‬
‫فاملسألة ال حتتمل انصاف احللول ‪,‬وال تلتقي مبادئ اإلسالم السامية ‪,‬بنجس ‪,‬الدنيا واالخرة‬
‫‪,‬إما ان نركن اىل حكم‬
‫‪,‬وإما هوى الطاغوت ّ‬
‫‪,‬إما شرع هللا ّ‬‫وإما جاهلية ّ‬
‫‪,‬فإما اسالم ّ‬
‫األنظمة اجلاهلية ّ‬
‫‪,‬وإما ان نغرق يف مستنقع الظلم والطغيان ‪.‬قال هللا تعاىل‬
‫هللا ّ‬
‫فأىن تصرفون"‬
‫ال يوجد االّ حق واحد وهو يف شرع هللا ‪,‬وما سواه ‪ ".‬فماذا بعد احلق االّ الضالل ّ‬
‫وغي وكفر وطغيان ‪,‬وان تع ّددت صور هذا الظلم والكفر ‪,‬فهو شيئ‬‫فهو ابطل وضالل وظلمات ّ‬
‫واحد ‪,‬وهو كل ما خيالف شرع هللا ‪,‬سواء كان متمثال يف نظام ‪,‬او يف منهج للحياة ‪,‬او تصور‬
‫ليطهر الناس من قيئه وقذارته‬
‫وإن حال بني الفئة ‪,‬إعتقادي ‪,‬فهو الشرك والظلم الذي جاء األسالم ّ‬
‫املؤمنة والكافرة ‪,‬ثلثة من الذين يسرتزقون ويتنفعون بذلك الشرك والظلم ‪,‬فلن تنتهي بذلك املعركة‬
‫الرشد‬
‫الغي و ّ‬
‫‪.‬احلامسة بني احلق والباطل ‪,‬بني الشرك والكفر ‪,‬بني ّ‬

‫يدل على نفاقهم‬‫وهؤالء الذين يسارعون يف الكفر ‪,‬ما كان ذلك ليقع ‪,‬لوال فساد اعتقادهم الذي ّ‬
‫فهل يقال للذين امنوا " من الذين قالوا امنّا أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم"القليب ‪.‬قول هللا تعاىل‬
‫أمل تر اىل الذين يزعمون ا ّهنم امنوا "أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم ‪,‬ا ّن كفرهم كفر اصغر ؟ قال هللا تعاىل‬
‫مبا أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا اىل الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ويريد‬
‫صرحوا ابالميان ‪,‬هؤالء منافقون " الشيطان ان يضلهم ضالال بعيدا‬ ‫نفاقا اعتقاداي ‪,‬بدليل ا ّهنم ّ‬
‫فتحاكموا اىل الطاغوت ‪,‬اي اىل قوانني الكفر واالحلاد واجلاهلية ‪,‬ويزعمون ‪,‬أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم‬
‫ا ّهنم مؤمنون ‪,‬وقد ك ّذب هللا زعمهم هذا ‪.‬قال هللا تعاىل يف الذين ي ّدعون االميان أبفواههم وتكذب‬
‫يتوىل فريق من بعد ذلك وما أوالئك "اعماهلم إمياهنم املزعوم‬
‫وابلرسول وأطعنا مث ّ‬ ‫ويقولون امنّا ابهلل ّ‬
‫نفي حلقيقة االميان بسبب تولّيهم عن اخلضوع واإلذعان لشرع هللا "ابملؤمنني‬

‫فهل يقال عن اليهود " ومن الذين هادوا مسّاعون للكذب مسّاعون لقوم اخرين"وقال هللا تعاىل‬
‫يصح ان يقول ابن عبّاس رضي هللا عنه ‪,‬ا ّن كفرهم كفر دون كفر ! وهذه‬
‫كفرهم كفر اصغر ؟ وهل ّ‬
‫االية نزلت يف اليهود ‪,‬فيا عجيب من الذين يؤولون كفر التويل واخلضوع لشرع هللا ابلكفر االصغر‬
‫‪,.‬واالية تنطق خبالق ما يقولون‬

‫حيرفون الكلم عن مواضعه يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وإن مل ُأتتوهُ فاحذروا"قال هللا تعاىل‬
‫هذه " ّ‬
‫هي خصال اليهود ‪,‬أيخذون ما هتواه قلوهبم ‪,‬ويعرضون عن ما خيالف أهوائهم ومصاحلهم العقلية‬
‫كل ‪,,‬فيحكمون بشرائع الظلم والكفر ‪,‬ويعرضون عن حكم هللا‬
‫املشتمل على كل خري ‪,‬النّاهي عن ّ‬
‫شر‬

‫ومن يُرد هللا فتنته فلن متلك له من هللا شيئا ‪,‬اوالئك "قال هللا تعاىل يف سياق هذه االايت الكرميات‬
‫يطهر قلوهبم‪ ,‬هلم يف ال ّدنيا خزي ويف االخرة عذاب عظيم‬
‫فهل يقال عن الذين " الذين مل يُرد هللا ان ّ‬
‫يكون " فلن متلك له من هللا شيئا"يريد هللا فتنته ‪,‬يكون كفره كفر أصغر ؟ هل الذي يقول هللا فيهم‬
‫جمرُد كبرية من الكبائر ‪,‬يغفرها هللا ان شاء ! وهل الذين مل يُرد‬
‫كفرهم كفر أصغر ‪,‬ويكون فعلهم هذا ّ‬
‫يطهر قلوهبم وهلم يف ال ّدنيا خزي ويف االخرة عذاب عظيم ‪,‬يكون كل هذا الوعيد والتهديد‬
‫هللا ان ّ‬
‫ال ّشديد ‪,‬يف من ارتكب كبرية من الكبائر ؟ فصاحب الكبرية مهما عظمت كبريته ‪,‬فهو حتت املشيئة‬
‫يطهر قلوهبم‬
‫هلم يف ال ّدنيا خزي ويف االخرة عذاب "‪, ,‬وال يقال يف ح ّقه اوالئك الذين مل يرد هللا ان ّ‬
‫وكيف "‪ .‬فالذين خسروا ال ّدنيا واالخرة ال يكون كفرهم كفر أصغر ‪,‬بل هو كفر اكرب "عظيم‬
‫هل هؤالء " حي ّكمونك وعندهم التوراة فيها حكم هللا ‪,‬مث يتولّون من بعد ذلك وما أوالئك ابملؤمنني‬
‫الذين ال يرضون حتكيم شرع هللا ‪,‬يكون كفرهم كفر اصغر ‪,‬هل هؤالء الذين يعرضون عن حكم هللا‬
‫حىت حي ّكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا يف "يكونون مؤمنني ‪,‬قال هللا تعاىل‬ ‫فال وربّك ال يؤمنون ّ‬
‫‪,‬وصحته بسبب االعراض عن " أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما‬ ‫ّ‬ ‫نفي حلقيقة االميان‬
‫التّحاكم اىل شرع هللا ‪,‬والتّسابق اىل قوانني الكفر والطغيان ‪,‬هلبعد هذا التأكيد ال ّشديد من احلق‬
‫سبحانه وتعاىل ‪,‬تبقى ادىن شبهة يف كفر من اعرض عن احلكم مبا أنزل هللا ؟‪,‬بل حتاكم اىل الطاغوت‬
‫شرع من دون هللا ‪,‬وب ّدل حكم هللا بقوانني رخيصة‬ ‫وشرد من طالب بتحكيم شرع هللا ‪,‬بل ّ‬ ‫‪ ,‬بل طارد ّ‬
‫يكون كفره كفر اصغر ‪,‬وقد ارتكب كبرية من الكبائر !‪ .‬قال هللا تعاىل يف موضع اخر ‪,‬مبيّنا كفر ‪,‬‬
‫رد االمر عند االختالف والتنازع اىل غري شرع هللا‬‫الرسول ان "من ّ‬ ‫فردوه اىل هللا و ّ‬
‫فإن تنازعتم يف شيئ ّ‬
‫اي شيئ من امور احلياة ‪,‬هو " كنتم تؤمنون ابهلل واليوم االخر‬ ‫الرسول عند التنازع ‪,‬يف ّ‬ ‫فالرد اىل هللا و ّ‬
‫ّ‬
‫من موجبات اإلميان ‪,‬واجلملة شرطية ‪,‬تفيد انتفاء املشروط وهو االميان ابهلل واليوم االخر ‪,‬عند انتفاء‬
‫الرسول ‪,‬ضرورة انتفاء الالزم عند انتفاء امللزوم‬
‫رد االمر اىل هللا و ّ‬
‫‪.‬ال ّشرط ‪,‬وهو ّ‬

‫ويزيد هللا سبحانه وتعاىل تقرير مس ألة احلاكمية ‪,‬وكوهنا أصل من أصول االميان ‪,‬وعقيدة مارسها‬
‫الرسل والعلماء الرّابنيون العاملون‬
‫‪,‬الرافضون اخلنوع واالستسالم اجلبان ‪,‬االنبياء و ّ‬
‫الصادعون ابحلق ّ‬ ‫ّ‬
‫الرتمجة ‪,‬لنفوذ الطاغوت‬ ‫وهيلمانه ‪,‬وسلطانه الزائف ‪,‬وألوهيتة الواهية ‪,‬وأ ّن احلكم بشريعة هللا ‪,‬هو ّ‬
‫الراسخ يف القلب ‪,‬وأ ّن عدم احلكم مبا انزل هللا ‪,‬واإلعراض عنه ‪,‬هو الكفر‬
‫العملية لذلك اإلعتقاد ّ‬
‫ا ّان أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ‪,‬حيكم هبا "قال هللا تعاىل ‪.‬االكرب ‪,‬الذي ال حيتمل صرفا وال أتويال‬
‫النبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّابنيون واألحبار مبا استحفظوا من كتاب هللا ‪,‬وكانوا عليه‬
‫شهداء‪,‬فال ختشوا النّاس واخشون ‪,‬وال تشرتوا ابايت هللا مثنا قليال ‪,‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك‬
‫هذه هي صفات أهل احلق ‪,‬وأهل النور‪,‬العاملني مبا على أعناقهم من أمانة التبليغ " هم الكافرون‬
‫الرسل ‪,‬والعلماء الرّابنيون ‪,‬هؤالء‬
‫واحلكم مبا أنزل هللا ‪.‬فما أنزل هللا التوراة االّ ليحكم هبا األنبياء و ّ‬
‫وقفوا يف وجه الباطل بكل شجاعة ‪,‬صدعوا ابحلق ‪,‬وبلّغوا أمانة ما ‪,‬العلماء هم ح ّقا ورثة األنبياء‬
‫احلق‬
‫من هللا به عليهم ‪,‬وكانوا عليه شهداء ‪,‬ال خيشون النّاس يف قول ّ‬ ‫ال يلبّسون ‪,‬عندهم من علم ّ‬
‫ويف متاعها الذي ال يساوي عند هللا ‪,‬على النّاس دينهم ‪,‬طلبا لل ّدنيا ومتاعها الزائف‪ ,‬زاهدين فيها‬
‫جناح بعوضة ‪,‬مل يشرتوا ابايت هللا مثنا قليال ‪,‬زهيدا ‪,‬رخيصا ‪,‬مل يكونوا عوان للطاغوت يف حربه على‬
‫احلق وجيهرون ابلباطل إرضاءا للطاغوت ‪,‬رهبة أو رغبة ‪.‬هذه ‪,‬اإلسالم‬‫ومل يكونوا له بوقا ‪,‬يكتمون ّ‬
‫هي صفات العلماء الرّابنيون ‪,‬مل تغرهم الدنيا وزينتها ومتاعها الفاجر ‪,‬فهم يعلمون أن احلكم مبا أنزل‬
‫هللا هو منهج األنبياء وضريبة اإلنتماء ملعسكر اإلميان ‪,‬فريق أهل احلق ‪,‬حزب هللا الذي ال يهاب ما‬
‫مادية ‪,‬وأهنم هم املنتصرون يف النّهاية مبا معهم من إميان واستعالء على أهل‬
‫عند الطاغوت من ّقوة ّ‬
‫‪.‬أما الذين استخذموا علمهم يف خذمة الطاغوت ‪,‬رهبة منهم ومن بطشه ونكايته‬ ‫الباطل وأنصاره ّ‬
‫احلق الذي يؤمنون به‬‫أبهل التّوحيد ‪,‬او رغبة منهم ممّا عند الطاغوت من زينة ومتاع ولذة وهلو‪,‬فكتموا ّ‬
‫احلق‬
‫احلق وتلميع الباطل ‪,‬وص ّد النّاس عن اتّباع ّ‬ ‫يف قلوهبم ‪,‬ورضوا أن يكونوا عوان له يف تلبيس ّ‬
‫‪,‬ووصف تلك الثلة املؤمنة اليت رفضت ان تعبد الطاغوت ‪,‬وختضع له ‪,‬ابخلوارج وغريها من صفات‬
‫مقيتة ‪,‬طلبا ملا عند الطاغوت من متاع ‪,‬او رهبة ممّا عنده من جربوت ‪.‬فكانوا عكس تلك العصبة‬
‫السجون ‪,‬أو الّيت زهقت ارواحهم النقيّة يف سبيل هللا ‪,‬أو اليت‬
‫املؤمنة ‪,‬تلك الثلة الطاهرة امللقاة يف ّ‬
‫شردت يف األرض ومل خيفها بطش الطاغوت ‪,‬فلم خيافوا النّاس وحكموا مبا أنزل هللا ‪ ,‬فكانوا له‬ ‫ّ‬
‫السماء ‪,‬قال هللا‬
‫حق امللك يف ّ‬ ‫حبق امللك يف األرض ‪,‬كما له ّ‬‫‪,‬مقرين له ّ‬
‫عابدين ‪,‬مستسلمني له ّ‬
‫السماء إاله ويف األرض إاله"تعاىل‬ ‫حبق الطّاعة والتل ّقي منه وحده " وهو الذي يف ّ‬
‫فكان إقرارهم له ّ‬
‫وكان رفضهم لشرائع الطاغوت ‪,‬والكفر هبا ‪,‬ومن عابديها وواضعيها ‪,,‬عبادة يتقربون هبا إىل هللا‬
‫الراضني حبكم الطاغوت ‪,,‬وحم ّكميها‬ ‫اجل العبادات ‪ّ .‬أما هؤالء ّ‬
‫والرباءة منهم ‪,‬واعتزاهلم ‪,‬عبادة من ّ‬
‫السخيفة ‪,‬كافرون‬
‫ومن مل حيكم مبا "ظاملون ‪,‬فاسقون ‪,‬قال هللا تعاىل ‪,,‬واملدافعني عنه ‪,‬وعن قوانينه ّ‬
‫" أنزل هللا فأوالئك هم الكافرون‬

‫قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم‬


‫هذا هو مقام " سيّد الشهداء محزة ‪,‬ورجل قام اىل سلطان جائر فامره وهناه ‪,‬فقتله فدخل اجلنّة"‬
‫ابحلق ‪,‬مع محزة بن عبد املطلّب ‪,‬سيّد الشهداء يف اجلنّة ‪,‬وهذا تكرمي من هللا هلذه‬
‫الصادعني ّ‬ ‫العلماء ّ‬
‫الفئة الطاهرة النقيّة اليت ابعت أرواحها رخيصة هلل ‪,‬تبتغي ما عنده ‪,‬من جنان وحور حسان ‪,‬وقصور‬
‫من اللؤلؤ واملرجان ‪,‬ذلك جزاء اإلحسان ‪.‬هذه الثلّة املؤمنة اليت رفضت أن تكون أداة يف يد‬
‫الطاغوت حيرّكها مىت يشاء ‪,‬ليسكت هبا األصوات اليت تطالب بتحكيم شرع هللا ‪,‬وتدلّس على النّاس‬
‫‪,‬وتلبّس عليهم امور دينهم خذمة ألغراض الطاغوت اخلسيسة ‪,‬مقابل ما يلقى هلم من فتات يقتاتون‬
‫به كالكالب املسعورة اجلائعة ‪,‬خيرصون به إحلاح شهواهتم الدنيوية اهلابطة ‪,‬فتجد هؤالء العمالء‬
‫أبهنم خوارج ‪,‬مرقة ‪,‬يفتون من مكاتب مكيّفة ‪,‬ويطعنون يف اجملاهدين احملاربني لدولة الطاغوت ‪,‬‬
‫السهم من الرميّة ‪,‬وأهنم كالب أهل النّار ‪,‬فيُهيّجون العوام عليهم ‪,‬بتلك‬
‫ميرقون من ال ّدين كما ميرق ّ‬
‫الفتاوى املسمومة ‪,‬خذمة جليلة للطاغوت ‪.‬فيُؤلون النّصوص ال ّشرعية اليت تدين من حكم بغري ما‬
‫أنزل هللا ‪,‬فيصرفوهنا عن ظاهرها حبديث ضعيف ‪,‬منسوب حلرب األمة ابن عبّاس رضي هللا عنهما‬
‫‪,‬فيرتكون عشرات النّصوص اليت تبني مراد هللا من تلك األحكام اليت أطلقها يف موضع ‪,‬فيُعرضون عن‬
‫الرجال ‪,‬خمالف لعشرات ‪,‬ابقي النّضوض اليت تبني املراد‬
‫وحيتجون حبديث ضعيف منسوب لرجل من ّ‬ ‫ّ‬
‫!!! النّصوص‬

‫وحم ّقرا كل من أخلد اىل األرض واتّبع هواه ‪,‬ورضي مبتاعها‬


‫يز‪,‬ذاما ُ‬
‫قال هللا سبحانه وتعاىل يف كتابه العز ّ‬
‫ط وأحقر خلق هللا‬‫ابلكلب‪,‬أبخس وأح ّ‬
‫ّ‬ ‫اتل عليهم نبأ الذي اتيناه آايتنا "القليل ‪,‬واصفا ّإايه‬
‫و ُ‬
‫ولو شئنا لرفعناه هبا ‪,‬ولكنّه أخلد إىل األرض واتّبع ‪,‬فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين‬
‫السامقة ‪,‬إذا دعى "هواه ‪,‬فمثله كمثل الكلب ان حتمل عليه يلهث أو ترتكه يلهث‬ ‫القمة ّ‬
‫كان يف ّ‬
‫استُحيب له ‪,‬وكان عابدا عاملا ‪,‬ذو مكانة رفيعة بني قومه ‪,‬فاتّبع هواه الذي كان مع قومه وعشريته‬
‫وج ّرد ممّا عنده من إسم أعظم‬
‫وأهله ‪,‬فناصرهم على املؤمنني ابل ّدعاء ‪,‬وظاهرهم عليهم بدعائه ‪,‬فخنس ُ‬
‫السنني اليت قضاها يف ذلك ‪,‬فمثله كالكلب إن حتمل‬ ‫‪,‬فكفر بذلك ‪,‬ومل ينفعه علمه ومل تنفعه عبادته و ّ‬
‫الرد‬
‫عليه يلهث ‪,‬أو ترتكه يلهث ‪,‬وهذا شأن العلماء املرقّعني ألهل الباطل ‪,‬املناصرين هلم ابلفتاوى و ّ‬
‫احلق‬
‫الصنف اخلبيث الذي ‪,‬على أصحاب ّ‬ ‫طلبا لعرض من ال ّدنيا زائل ‪,‬قال هللا تعاىل حمذرا من هذا ّ‬
‫ابلتقرب للطاغوت‬
‫" وال تشرتوا آباييت مثنا قليال"يقتات ّ‬

‫قال هللا تعاىل‬


‫وأنزلنا إليك الكتاب ابحلق مص ّدقا ملا بني يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم مبا أنزل هللا"‬
‫احلق والضالل "‬
‫الرسل ‪,‬ألنّه الفاصل بني األميان والكفر ‪,‬بني ّ‬ ‫كل األنبياء و ّ‬
‫احلكم بشريعة هللا منهج ّ‬
‫ليقرر هذه احلقيقة‬
‫الرمحان ومنهج الشيطان ‪,‬بني أولياء هللا وأولياء ال ّشيطان‪.‬جاء القرآن ّ‬‫‪,‬بني منهج ّ‬
‫بكل وضوح ‪,‬وليكون احلكم مبا أنزل هللا هو املفرق بني من يكون على دين هللا ‪,‬وبني من ي ّدعي ذلك‬
‫بلسانه وهو يف احلقيقة كاذب خمادع ‪,‬أل ّن حقيقة فعله تؤكد على كفره وتنفي عنه ما ّادعاه من إميان‬
‫فأفعاهلم " ما كان للمشركني أن يعمروا مساجد هللا شاهدين على أنفسهم ابلكفر"‪.‬قال هللا تعاىل‬
‫جيرونه وراءهم ‪.‬أل ّن‬
‫وتدل على فساد اعتقادهم ‪,‬وعلى ابطلهم الذي ّ‬
‫وأقواهلم الكفرية تشهد عليهم ّ‬
‫احلكم مبا أنزل هللا هو اإلميان ‪,‬واحلكم بشريعة الطاغوت هو إميان ابلطاغوت ‪,‬وابلتّايل هو الكفر‬
‫‪.‬الذي ال جيتمع مع اإلميان يف قلب امرء أبدا‬

‫هؤالء الذين ال حيكمون مبا أنزل هللا " ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك هم الظاملون"قال هللا تعاىل‬
‫هم " والكافرون هم الظاملون"هم ظاملون الظلم األكرب ‪,‬الذي يرادف الكفر األكرب ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫وربوبيته ‪,‬هم ظاملون ‪,‬ظاملون بشركهم آهلة زائفة ‪ ,‬وطواغيت مع هللا يف سلطانه وحكمه ‪,‬وخصائصه‬
‫‪,‬فيشرعون أو يب ّدلون حكم هللا ‪,‬او يعرضون عنه وخيضعون‬
‫اش ّد الظلم ‪,‬وقد نصبّوا أنفسهم أندادا هلل ّ‬
‫يتحاكمون إليه ويق ّدمونه على ما قال هللا ورسوله ‪.‬وليس هناك ظلما ‪,‬يف املقابل حلكم الطاغوت‬
‫اكرب من هذا التع ّدي على حقوق هللا وسلطانه ‪.‬أل ّن حقيقة الظلم وغايته هو الشرك ابهلل ‪,‬قال هللا‬
‫أكرب ظلم هو أن جتعل هلل ن ّدا وقد خلقك ‪,‬وقد أنعم عليك ابحلياة " إ ّن ال ّشرك لظلم عظيم"تعاىل‬
‫"فأوالئك الذين خسروا أنفسهم مبا كانوا آبايتنا يظلمون"‪,‬وبكثري من النّعم ‪ .‬وقال تعاىل‬

‫ّأما الذين يفسرون الظلم هنا ابلظلم األصغر ‪,‬فهم وامهون ‪,‬أو جاهلون أبحكام الشريعة ‪,‬فيؤولون‬
‫األلفاظ الشرعية حبسب مقاصدهم ومآرهبم وبدعتهم ‪,‬واألوىل محل ألفاظ القرآن على عرفه الشرعي‬
‫تدل‬
‫‪,‬فيكون اللفظ الشرعي إن أُطلق يبقى على ظاهره ‪,‬وال يصرف املعىن عن ظاهره إالّ بقرينة شرعية ّ‬
‫على ذلك ‪,‬ويف غياهبا يبقى املعىن على ظاهره ‪,‬أل ّن خالف هذا هو عني الكذب واإلفرتاء على هللا‬
‫‪,‬وتقويله ما مل يقله‬
‫قال هللا تعاىل‬
‫والفسق هنا أيضا يعين الفسق األكرب‪,‬أي الفسق " ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك هم الفاسقون"‬
‫ولقد أنزلنا إليك آايت بيّنات "املرادف للكفر ‪,‬قال هللا تعاىل يف بيان أن الكافر فاسق فسقا أكرب‬
‫توىل بعد ذلك فأوالئك هم "وقال تعاىل يف شأن الكافر " وما يكفر هبا إالّ الفاسقون‬‫فمن ّ‬
‫وقال تعاىل يف شأن " ومن كفر بعد ذلك فأوالئك هم الفاسقون"وقال تعاىل "الفاسقون‬
‫املنافقون واملنافقات بعضهم من بعض أيمرون ابملنكر وينهون عن املعروف ويقبضون أيديهم "املنافق‬
‫عز و "نسوا هللا فنسيهم ‪,‬إ ّن املنافقني هم الفاسقون‬
‫فاملنافق ال خيتلف يف كفره أحد ‪,‬وقد وصفه هللا ّ‬
‫جل ابلفاسق ‪,‬وهو ما يؤّكد أ ّن األلفاظ الشرعية إذا أطلقت فإ ّهنا ال حتتمل إالّ حقيقتها و أصلها‬
‫ّ‬
‫‪.‬فال ّشارع مل يعتد على استخذام لفظ الكفر لل ّداللة على املعصية أو الكبرية ‪ ,‬ليحتجّ بذلك من ال‬
‫ويشرع قوانني وضعية‬
‫ويتّخد من نفسه ن ّدا هلل يف التشريع والتّحليل والتّحرمي ‪ .‬و ‪,‬يرون كفر من يب ّدل ّ‬
‫كل النّصوص لل ّداللة على الكفر األكرب املخرج من امللّة‪ .‬و ال‬
‫إ ّمنا استخذم هذا اللفظ الشرعي يف ّ‬
‫تدل عليه من كالم هللا او من كالم رسوله‬
‫يعرف الكفر األصغر إالّ بقرينة شرعية ّ‬

‫يعرب عن الكفر ابلفاظ خمتلفة ‪,‬كلفظ الظلم ولفظ الفسق ولفظ الكفر ‪,‬وال فرق بينهم‬
‫وهللا سبحانه ّ‬
‫النزول واحد ‪,‬وهي يف من ب ّدل شرع هللا ‪,‬وحتاكم إىل‬
‫يف املعىن إن جاءت مطلقة ‪,‬ال سيما أ ّن سبب ّ‬
‫حق‬
‫قوانني الكفر‪,‬فالذين حكموا بغري ما أنزل هللا هم كافرون‪,‬الغتصاهبم أحد حقوق هللا ‪,‬و ّادعائهم ّ‬
‫"أال له اخللق واألمر"التّشريع ‪,‬الذي هو أحد خصائص هللا ‪,‬الذي يرتبط مبلكه ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫السماء إاله ويف األرض إاله"وقال تعاىل‬‫فألوهيته ينبغي اإلعرتاف له هبا يف ‪ ",‬وهو الذي يف ّ‬
‫‪,‬السماء واألرض ‪,‬وممارستها على الواقع‬ ‫ابخلضوع له وحده ‪,‬ونفي األلوهية عن غريه ‪,‬والكفر هبا ّ‬
‫حق هللا يف احلكم وأن يكون النّاس على شريعته‬ ‫‪,‬والرباءة من العابدين لغري هللا‪ .‬و هم ظاملون لظلمهم ّ‬
‫‪,‬وجيردوهنم من‬
‫حق النّاس يف كرامتهم ّ‬ ‫يف نظام حياهتم ‪,‬وهم حبكمهم بغري شريعة هللا يظلمون ّ‬
‫جل ‪,‬إنسانيتهم ليكونوا كالقطيع اتبعني هلم‬ ‫الرذيلة والفسق والفجور ‪,‬كما هو حاصل يف ّ‬ ‫فينشرون ّ‬
‫بلدان العامل ‪,‬إن مل يكن كلّها ‪,‬ويزهقون أرواح الكثري من األبرايء ‪,‬بقوانينهم اجلائرة املستب ّدة ‪,‬ويهتكون‬
‫ويشجعون على اإلحلاد وقول الكفر واإلستهزاء بدين‬ ‫أعراضهم ويبيحون كل أنواع الفساد اخللقي ‪ّ ,‬‬
‫حرية التّعبري‬
‫السجون واملعتقالت ‪,‬ويشنّعون ‪,‬هللا ‪,‬حتت إسم ّ‬ ‫ويف املقابل يلقون شباب التّوحيد يف ّ‬
‫الصفات ‪,‬إنتقاما ملذاهبم وعقائدهم الكفريّة ‪,‬وهللا املستعان ‪,‬فتصبح هذه ‪,‬عليهم‬ ‫ويصفوهنم أببشع ّ‬
‫يعج بكل أنواع الشذوذ الفكري واألخالقي ‪,‬وطابور‬ ‫اجملتمعات اليت حتكم بشريعة الغاب ‪ ,‬ماخور ّ‬
‫ريب‪ .‬وهم فاسقون ‪,‬فسقا‬ ‫كل من يستم ّد منهج حياته من وحي الشيطان ‪,‬إالّ من رحم ّ‬ ‫يقف وراءه ّ‬
‫أكرب ال ينتطح فيه عنزان ‪ ,‬لكون كفرهم املتمثل يف تبديل شرع هللا ‪,‬ال يصدر إالّ من نفوس كريهة‬
‫‪,‬متردت على سلطان هللا وجربوته ‪,‬ورضيت العيش حتت سلطان الطواغيت ‪,‬وحتت آهلة زائفة‬
‫خبيثة ّ‬

‫الركون ‪,‬أو الفالح ‪,‬أو ‪,‬فإذا أطلق الكفر أو الظلم ‪,‬أو الفسق ‪,‬أو ال ّشرك ‪,‬أو اخلسران ‪,‬أو املواالة‬
‫أو ّ‬
‫غري ذلك من األلفاظ ال ّشرعية ‪,‬فهي ال حتتمل إالّ الكامل منها ‪,‬أي حقيقتها و أصلها ‪,‬ما مل أييت‬
‫نص يقيّد ذلك املطلق إىل معىن حم ّدد مقيّد‪.‬والنّصوص اليت ذكرانها تبقى على ظاهرها ‪,‬وعلى عرف‬ ‫ّ‬
‫ال ّشارع يف استخذام لفظ الكفر والظلم والفسق واخلسران ‪,‬لغياب نصوص أخرى تقيّدها ‪,‬أو تصرفها‬
‫صح هذا احلديث ‪,‬صاحل‬ ‫عن ظاهرها ‪ ,‬ويستحيل أن يكون احلديث املنسوب إىل ابن عبّاس ‪,‬إن ّ‬
‫لتأويل كالم هللا ‪,‬أو صرفه عن ظاهره‬
‫سبب نزول آايت املائدة ‪2‬‬

‫لألسف مرجئة العصر ‪,‬أهل األهواء و اإلرجاء ‪,‬تعلّقوا حبديث ضعيف منسوب حلرب األمة ‪,‬ابن عبّاس‬
‫رضي هللا عنهما ‪,‬وجتاهلوا بقيّة النّصوص الشرعية يف كفر من ب ّدل شرع هللا ‪,‬وهذه هي طريقة أهل‬
‫‪,‬ويغضون الطرف عن‬
‫ّ‬ ‫األهواء والبدع يف تعاملهم مع النّصوص ‪,‬أيخذون ما يوافق هواهم ‪,‬ويعرضون‬
‫تصرح بكفر‬
‫النّصوص اليت تكشف ضالهلم وبدعتهم ‪,‬والعجيب أ ّهنم ال يرون من النّصوص اليت ّ‬
‫احلاكم املب ّدل لشرع هللا ‪,‬إالّ اآلية الكرمية‬
‫تصرح بكفر من ب ّدل شرع " ومن مل حيكم مبا أنزل هلل فأوالئك هم الكافرون"‬ ‫مع أ ّن النّصوص اليت ّ‬
‫هللا ‪,‬كثرية سواء يف كتاب هللا ‪,‬أو يف سنّة رسوله الكرمي ‪,‬وكلّها قطعية ال ّداللة يف كفر من أعرض عن‬
‫هو الذي أنزل عليك الكتاب منه "احلكم مبا أنزل هللا ‪,‬وحكم بقانون الطّاغوت ‪.‬قال هللا تعاىل‬
‫هن ّأم الكتاب وأخر متشاهبات‬ ‫فأما الذين يف قلوهبم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ‪,‬آايت حمكمات ّ‬ ‫ّ‬
‫كل من عند ربّنا‬ ‫الراسخون يف العلم يقولون آمنّا به ّ‬
‫يصف هللا الذين " ابتغاء الفتنة وابتغاء أتويله ‪,‬و ّ‬
‫يرتكون احملكم ‪,‬ويتهافتون على املتشابه ‪,‬أب ّن يف قلوهبم زيغ ‪,‬وأ ّن عملهم هذا هو إرادة منهم للفتنة‬
‫‪,‬فما ابلك إذا كانت اآلية الكرمية ليست من املتشاهبات ‪,‬بل هي من أحكم احملكمات ‪,‬ومن أقوى‬
‫ردة من ب ّدل شرع هللا ‪,‬واعرض عنه إىل قوانني الكفر والطغيان‬ ‫‪.‬القطعيات يف بيان ّ‬

‫رد املتشابه إىل احملكم‬


‫كما هي طريقة أهل !وعلى افرتاض أ ّن هذه اآلية متشاهبة ‪,‬أليس األوىل ّ‬
‫‪ ,‬السنّة واجلماعة يف تعاملهم مع النّصوص الشرعية‬

‫صرحت بكفر من ب ّدل شرع‬


‫و مزيدا يف استئصال شبه القوم ‪,‬سنعرض سبب نزول آايت املائدة الّيت ّ‬
‫‪ .‬هللا ‪,‬ليهلك من هلك عن بيّنة وحيىي من حيىي عن بيّنة‬

‫أ ّن اليهود جاؤوا إىل رسول هللا صلّى هللا عليم ‪ ,‬أفرد الشيخان ‪,‬عن مالك عن انفع عن ابن عمر‬
‫الرجل "‬
‫وسلّم ‪,‬فذكروا له أ ّن رجال منهم وامرأة زنيا ‪,‬فقال هلم رسول هللا "ما جتدون يف التّوراة يف شأن ّ‬
‫قالوا ‪,‬نفضحهم وجيلدون ‪,‬قال عبد هللا بن سالم ‪,‬كذبتم ‪,‬إ ّن فيها الرجم ‪,‬فأتوا ابلتّوراة ‪,‬فنشروها‬
‫الرجم ‪,‬فقرأ ما قبلها وما بعدها ‪,‬فقال له عبد هللا بن سالم ‪,‬إرفع يدك‬ ‫‪,‬فوضع أحدهم يده على آية ّ‬
‫الرجل ينحين على املرأة يقيها‬
‫الرجم ‪,‬فأمر هبما رسول هللا ُفرمجا‪,‬فرأيت ّ‬
‫‪,‬فرفع يده فإذا آية ّ‬
‫صحة ‪.‬احلجارة‬ ‫الصحيحني ‪,‬فيها من الفوائد الشيئ الكثري ‪,‬فاليهود مل يعتقدوا ّ‬
‫الرواية املوجودة يف ّ‬
‫هذه ّ‬
‫القانون الذي ب ّدلوه من عند أنفسهم ‪,‬بل هم ال يزالون يعلمون ويعتقدون أ ّن احلكم املوجود يف التّوراة‬
‫رد على الذين يشرتطون اإلعتقاد القليب ‪,‬أو اإلستحالل القليب لتكفري‬
‫هو الذي من عند هللا ‪,‬وهذا ّ‬
‫بل إ ّن حكم هللا مل حيذف من التّوراة ‪,‬قال عبد هللا بن سالم ‪,‬وهو من كبار علماء ‪,‬من ب ّدل شرع هللا‬
‫الرجم"اليهود‬
‫كيف حي ّكمونك وعندهم التّوراة فيها "قال هللا تعاىل ‪ .‬إرفع يدك "‪ ,‬فرفع يده فإذا آية ّ‬
‫بل كانوا ‪,‬فحكم هللا مل حيذف من التّوراة ‪,‬ومل يعتقدوا أ ّن احلكم املب ّدل هو من عند هللا " حكم هللا‬
‫على يقني أ ّن احلكم املب ّدل هو من عند أنفسهم ‪,‬وهذا دليل على انتفاء اإلعتقاد ابستحالل اجللد‬
‫احلق ‪,‬و أ ّن ما أقدموا عليه من تبديل حلكم هللا ‪,‬هو ابطل ومل‬
‫‪,‬بل قلوهبم على يقني أ ّن حكم هللا هو ّ‬
‫الرواايت ما يؤّكد هذا املعىن‬
‫ابلرجم ‪.‬وستأيت يف ابقي ّ‬
‫صحته أو حرمة احلكم ّ‬ ‫يعتقدوا ّ‬

‫وقد أخطأ يف هذا األمر خلق كثري ‪,‬ومنهم علماء كبار يف عصران هذا ‪,‬فاشرتطوا لتكفري املب ّدل أن‬
‫النص ال ّشرعي ‪,‬وخالف سبب نزول آايت املائدة ‪,‬كما رأينا‬ ‫يكون مستحالّ له‪,‬وهذا خالف ّ‬
‫عز و‬
‫الرب ّ‬
‫‪,‬لتقمصه خصائص ّ‬ ‫ّ‬ ‫جتربا وعنادا هلل‬
‫‪,‬فاملب ّدل لشرع هللا كافر ‪ ,‬بل طاغوت من أش ّد الطغاة ّ‬
‫ه"جل ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫وقال تعاىل أيضا يف موضع آخر من " إن احلكم إالّ هلل أمر أالّ تعبدوا إالّ ّإاي ّ‬
‫أمل تر إىل الذين "ومسّى هللا تعاىل املب ّدل لشرع هللا طاغوات "وال يشرك يف حكمه أحدا"كتابه العزيز‬
‫يزعمون أ ّهنم آمنوا مبا أنزل إليك وما أنزل من قبلك ‪,‬يريدون أن يتحاكموا إىل الطّاغوت وقد أمروا أن‬
‫تقمص خصائص وصفات هللا ‪,‬ويعتقد بعد ذلك أنّه ظامل فيما أقدم عليه " يكفروا به‬ ‫فال ينفعه ّ‬
‫مستحل‬
‫ّ‬ ‫يتصور وجود من يدعوا النّاس لعبادته ‪,‬ويقول بعدها أنّه ظامل وغري‬
‫‪,‬والذي يقول هبذا ‪,‬كمن ّ‬
‫يفرقون بني الذنب املك ّفر والذنب الغري ‪,‬لذلك ‪,‬وهذا من أغرب ما قالته مرجئة العصر‬ ‫أل ّهنم ال ّ‬
‫كل الذنوب‪,‬سواء كانت معاصي وكبائر ‪,‬أو النّواقض‬ ‫املك ّفر ‪,‬فيشرتطون اإلستحالل للتكفري يف ّ‬
‫جل‬
‫عز و ّ‬‫الرب ّ‬
‫ويتقمص خصائص ّ‬ ‫ّ‬ ‫يشرع‬
‫‪,‬اليت دلّت الشريعة على كفر مرتكبيها‪,‬فجعلوا من ّ‬ ‫العمليّة ّ‬
‫‪,‬ويتّخذ من نفسه الدنيئة ن ّدا هلل يف التّحليل والتّحرمي ‪,‬كمن يشرب اخلمر أو يزين ‪,‬أو يسرق !! وهذه‬
‫ابحلق‬
‫الصادعني ّ‬ ‫املوحدين‪ّ ,‬‬
‫قال الشيخ ‪.‬من طوام القوم العجيبة اليت تص ّدى له ‪,‬جمموعة من العلماء ّ‬
‫رده على من اشرتط اإلستحالل لتكفري من ب ّدل شرع هللا‬ ‫أ ّن ألوهية فرعون وغريه من "أبو بصري يف ّ‬
‫السلطة الوحيدة اليت يرجع إليها‬
‫الطواغيت جاءت من جهة اتباثهم ألنفسهم خاصية التّشريع ‪...‬وأ ّهنم ّ‬
‫"وقال فرعون اي أيّها املأل ما علمت لكم من إاله غريي"فيما جيوز وفيما ال جيوز كما قال تعاىل‬
‫الرشاد"وقال تعاىل حاكيا عن فرعون‬ ‫ففرعون مل يزعم ‪",‬ال أريكم إالّ ما أرى وال أهديكم إالّ سبيل ّ‬
‫الرواية الثانية ذكرها امحد وغريه من العلماء االفاضل‬‫عن أيب هريرة عن الرباء بن عازب عن جابر ‪ ,‬و ّ‬
‫يب ‪,‬فإنّه بُعث ابلتّخفيف ‪,‬فإن‬
‫‪,‬زىن رجل من اليهود ابمرأة ‪,‬فقال بعضهم لبعض ‪,‬إذهبوا بنا إىل هذا النّ ّ‬
‫يب ‪,‬واحتججنا هبا عند هللا ‪ ,‬أفتاان بفتيا دون الرجم قبلناها‬
‫نيب من انبيائك ‪,‬قال ‪,‬فأتوا النّ ّ‬
‫وقلنا فُتيا ّ‬
‫السالم ‪,‬فقالوا اي أاب القاسم ‪,‬ماذا تقول يف امرأة و رجل زنيا ‪,‬فلم يكلّمهم حىت أتى‬ ‫الصالة و ّ‬
‫عليه ّ‬
‫السالم أنشدكم ابهلل الذي أنزل التّوراة على موسى ‪,‬ماذا جتدون‬
‫الصالة و ّ‬
‫بيت مدراسهم ‪,‬فقال عليه ّ‬
‫وجيبّه و ُجيلد‬
‫حق الزاين احملصن ‪,‬قالوا ‪,‬حيُ ّمم ُ‬
‫الصالة ‪,‬يف ّ‬‫يب عليه ّ‬‫فلمأ رآه النّ ّ‬
‫شاب منهم ‪ّ ,‬‬ ‫وسكت ّ‬
‫اب‪ ,‬اللهم اذ نشدتين ‪,‬فإ ّان جند يف‬‫الصالة والسالم النّشد‪,‬فقال ال ّش ُّ‬
‫ظ به رسول هللا عليه ّ‬ ‫السالم ‪,‬ال ّ‬
‫و ّ‬
‫السالم ‪,‬فما ّأول ما ارختصتم أمر هللا ‪ ,‬قال زىن ذو قرابة من‬ ‫الصالة و ّ‬‫يب عليه ّ‬ ‫الرجم ‪,‬فقال النّ ّ‬
‫التّوراة ّ‬
‫الرجم‬
‫‪,‬فأخر عنه ّ‬
‫مثّ زىن رجل يف إثره من النّاس ‪,‬فأراد رمجه ‪,‬فحال قومه دونه ‪,‬ملك من ملوكنا ّ‬
‫حىت جتيئ بصاحبك فرتمجه‬ ‫قال أبو هريرة رضي هللا عنه فاصطلحوا على ‪, ,‬وقالوا ال نرجم صاحبنا ّ‬
‫الرجم هو شرع هللا ‪,‬وأ ّن ما ب ّدلوه هو من ‪.‬عقوبة منهم‬
‫الرواية أيضا تشري إىل اعتقاد اليهود أ ّن ّ‬‫هذه ّ‬
‫عند أنفسهم ‪,‬أي انتفاء شرط اإلعتقاد الذي يشرتطه مرجئة العصر ‪,‬لتكفري من ب ّدل شرع هللا ‪,‬أي‬
‫الرجم واستحالل التّجبيه واجللد ‪,‬وهذا ما مل تكن تعتقده اليهود عند تبديلها شرع هللا‬ ‫اعتقاد حرمة ّ‬
‫الرجم"‪,‬حبيث قال عبد هللا بن سالم ‪,‬وهو من كبار علماء اليهود‬ ‫فكان ال ّدافع "فإ ّان جند يف التّوراة ّ‬
‫وراء تبديلهم شرع هللا هو حماابة ملك من ملوكهم ‪,‬ألحد أقرابئه ‪,‬وكذلك خوف وقوع الفتنة واحلرب‬
‫الرجم إىل التّحميم واجللد‬
‫بني الطّائفة الذليلة والطائفة العزيزة ‪,‬أي وجدوا يف تبديلهم لشرع هللا من ّ‬
‫يقرون يف ما‬
‫والتّجبية ‪,‬حالّ يرضي الطّرفني املتنازعني ‪,‬ومل يكن أبدا اعتقادا للحكم املب ّدل ‪,‬بل كانوا ّ‬
‫بينهم ‪,‬أ ّهنم ظاملون يف ذلك ‪,‬آمثون يف تركهم حكم هللا ‪.‬فاصطالحهم على عقوبة من عند أنفسهم‬
‫‪ .‬وإ ّمنا كان ذلك مصلحة رأوها جتنّبهم فتنة القتال فيما بينهم‪,‬دليل على عدم اعتقادها‬

‫‪,‬م ّر على رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم يهودي ‪ ,‬اخرج مسلم يف صحيحه‬ ‫قال الرباء بن عازب ُ‬
‫الزاين يف كتابكم ‪ ,‬فقالوا نعم‬
‫حمموما جملودا ‪,‬فال رسوله هللا صلّى هللا عليه وسلم ‪,‬أهكذا جتدون ح ّد ّ‬
‫‪,‬فدعا رجال من علمائهم ‪,‬فقال أنشدك ابلذي أنزل التّوراة على موسى ‪,‬قال احلرب لصاحبه ‪,‬ما‬
‫الزاين يف كتابكم ‪,‬قال ال وهللا ‪ ,‬لوال أنّك انشدتين هبذا ما‬
‫ط ‪,‬أهكذا جتدون ح ّد ّ‬ ‫نُشدت مبثله ق ّ‬
‫الرجم ‪,‬ولكنّه كثُر يف أشرافنا ‪,‬فكنّا إذا أخذان ال ّشريف تركناه ‪,‬وإذا ‪ ,‬أجبتك‬
‫الزاين يف كتابنا ّ‬
‫جند ح ّد ّ‬
‫حىت جنعل شيئا نقيمه على ال ّشريف والوضيع‬
‫الضعيف أقمنا عليه احل ّد‪ ,‬فقلنا تعالوا ّ‬
‫فاجتمعنا ‪ ,‬أخذان ّ‬
‫إين ّأول من أحيا أمرك إذ أماتوه ‪,‬قال‬
‫السالم ‪,‬اللهم ّ‬
‫الصالة و ّ‬‫يب عليه ّ‬ ‫على التّحميم واجللد ‪,‬فقال النّ ّ‬
‫الرسول ال حيزنك الذين "فأنزل هللا تعاىل ‪ ,‬قال الرباء بن عازب رضي هللا عنه ‪, ,‬فأمر به ُفرجم‬ ‫اي أيّها ّ‬
‫ومن مل حيكم مبا "إىل قوله تعاىل " يسارعون يف الكفر من الذين قالوا آمنّا أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم‬
‫" أنزل هللا فأوالئك هم الفاسقون‬

‫‪,‬اليت اشرتطت يف تكفري من ب ّدل‬


‫رد على بعض طوائف أهل البدع ‪,‬من املرجئة وغالهتا ّ‬
‫الرواية ّ‬
‫هذه ّ‬
‫‪ ,‬شرع هللا ‪,‬أن ينسب ذلك التبديل لشرع هللا ‪,‬كما فعلت اليهود‬
‫الزاين يف كتابكم ‪,‬فقالوا نعم"‬‫هذا صحيح " قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم ‪,‬أهكذا جتدون ح ّد ّ‬
‫‪,‬وجدت ظائفة منهم نسبت ذلك التّبديل هلل ‪,‬لكن ُوجدت طائفة أخرى مل تنسب ذلك التّبديل هلل‬
‫جل ‪ ,‬وكان على رأسها عبد هللا بن سالم‬ ‫‪,‬عز و ّ‬ ‫قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم أهكذا جتدون ّ‬
‫الزاين يف كتابكم‬
‫الرجم‪ ,‬ح ّد ّ‬ ‫قال ال وهللا ‪,‬لوال أن انشدتين هبا ‪,‬ما اجبتك ‪,‬جند ح ّد الزاين يف كتابنا ّ‬
‫الرجم ومع "‬ ‫أقر عبد هللا بن سالم ‪,‬وهو من كبار علمائهم ‪,‬أ ّن ح ّد الزاين يف التّوراة هو ّ‬
‫فتأمل كيف ّ‬ ‫ّ‬
‫رد هذه ال ّشبهة ‪,‬ال ّشيخ ابو حممد املقدسي حفظه هللا يف كتابه‬ ‫ذلك ‪,‬فقد كفر بتبديله شرع هللا ‪.‬وقد ّ‬
‫جهم واإلرجاء‪,‬قال‬‫فقال عوام اليهود يف حديث الرباء ملّا سأهلم "‪,‬تبصري العقالء بتلبيسات أهل التّ ّ‬
‫الزاين يف كتابكم ‪,‬قالوا نعم‬
‫الزان املب ّدل ~أهكذا جتدون ح ّد ّ‬‫السالم ‪,‬عن ح ّد ّ‬
‫الصالة و ّ‬
‫~ النّيب ‪,‬عليه ّ‬
‫من جنس ذلك فهو افرتاء على هللا وكفر فوق كفر ‪,‬كفر تشريع وتواطؤ على التّشريع الطاغويت ‪,‬وكفر‬
‫ّأما قول عاملهم بعد ذلك "‪ .‬كذب وافرتاء على هللا ‪,‬وحتكيمهم لذلك التّشريع الطاغويت ‪,‬كفر اثلث‬
‫الرجم ولكنه كثر يف أشرافنا ‪~...‬فهذا الكفر من ابب التّشريع ‪,‬أو‬ ‫الزان يف التّوراة ~جنده ّ‬
‫عن ح ّد ّ‬
‫‪.‬انتهى‪ ,‬التواطؤ على التّشريعات الطّاغوتية ‪,‬وهو كفر أكرب و إن مل ينسبوه إىل هللا‬

‫وهؤالء الذين يشرتطون اإلستحالل لتكفري من ب ّدل شرع هللا ‪,‬حقيقة قوهلم هو عني قول جهم بن‬
‫الضال املضل‪ ,‬فال يرون الكفر ‪,‬إالّ ابإلستحالل ‪,‬أو ابإلعتقاد ‪ ,‬أو ابلتّكذيب‪,‬وهذا خمالف‬
‫صفوان ّ‬
‫ُ‬
‫القائلني ‪,‬أ ّن اإلميان ‪,‬اعتقاد وقول وعمل ‪,‬حقيقة مركبّة من هذه ‪,‬ملا عليه أهل السنّة واجلماعة‬
‫الرجل مؤمنا مبا معه من ‪,‬العناصر‬‫ال يتخلّف العمل عن اإلعتقاد ‪,‬ألنّه الزمه وموجبه ‪,‬فال يكون ّ‬
‫‪,‬وحيب هللا ورسوله واملؤمنني ‪,‬ويبغض الشرك واملشركني ‪,‬وينقاد هلل‬
‫ّ‬ ‫تصديق ‪,‬حىت يذعن لإلسالم‬
‫كل دين سوى دين اإلسالم‬ ‫وخيلص العبادة هلل ‪,‬وخياف هللا ‪,‬ويرجوه ‪,‬ويتوّكل ‪,‬ورسوله ‪,‬ويتربأُ من ّ‬
‫‪.‬فكل فعل يكون فعله شرط يف‬ ‫نصت الشريعة على كفر من أاتها ّ‬ ‫عليه ‪,‬و أن ال أييت ابلنّواقض اليت ّ‬
‫كل فعل يكون تركه كفر‬
‫‪,‬صحة اإلميان يكون تركه انقض من نواقض اإلميان ‪,‬و ّ‬
‫يكون فعله شرط يف ّ‬
‫الرجل مصدقا إىل‬
‫خيتص ابلتّكذيب كما زعمت املرجئة ‪,‬بل قد يكون ّ‬
‫صحة اإلميان ‪ .‬فالكفر ال ّ‬
‫ّ‬
‫إالّ "كما كفر أبليس مع ما معه من تصديق ‪,‬قال هللا تعاىل ‪,‬درجة اليقني ‪,‬ومع ذلك يكون كافرا‬
‫إبليس أىب واستكرب وكان من الكافرين " "قال أان خري منه خلقتين من انر وخلقتين من طني " "قال‬
‫فبما أغويتين ألقعد ّن هلم صراطك املستقيم " " قال بعزتك ألغوينّهم أمجعني إالّ عبادك‬
‫ريب فأنظرين إىل يوم يبعثون""املخلصني‬
‫يتبني من هذه اآلايت الكرميات ‪,‬فإبليس كان " قال ّ‬ ‫فكما ّ‬
‫املقربني ‪,‬ورأى هللا سبحانه رأي العني‪,‬واعرتف هلل بربوبيته وابخللق ‪,‬من أش ّد النّاس تصديقا‬
‫وكان من ّ‬
‫تصر بعض‬
‫مكذاب ‪ ,‬ومل يكن كفره من جهة التكذيب كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ,‬ويص ّدق بيوم البعث فهو حتما مل يكن‬
‫الزيغ والضالل ‪,‬و إ ّمنا كان كفره من جهة اإليستكبار وعدم اإلنقياد لشرع هللا ‪ ,‬وهذا مناط آخر‬ ‫فرق ّ‬
‫الصالة‬
‫بنبوة حممد عليه ّ‬‫صرحت اآلية الكرمية ‪ .‬وكذلك اليهود كانوا مص ّدقني ّ‬ ‫غري التّكذيب ‪,‬كما ّ‬
‫الرسالة ‪,‬ومل يدخله‬
‫ابلنبوة و ّ‬
‫أقر لرسول هللا ّ‬ ‫السالم ‪,‬وكانوا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ‪,‬ومنهم من ّ‬
‫و ّ‬
‫ذلك يف اإلميان ‪,‬لعدم انقياده حلكم هللا ‪,‬وإلعراضه عن العمل بشريعة اإلسالم ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫السالم " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون آبنائهم"‬ ‫الصالة و ّ‬
‫حممد عليه ّ‬‫فاليهود يعرفون ّ‬
‫حق املعرفة ‪,‬أكثر من معرفة أبنائهم ‪,‬وهذا عني التّصديق ‪,‬وعدم التّكذيب ‪,‬لكنّهم‬ ‫ويعرفون صفاته ّ‬
‫نيب من غري بين إسرائيل ‪,‬ولعدم انقيادهم ملا يعرفونه يف قلوهبم أنّه ‪,‬كانوا كافرين‬
‫لبغضهم أن يكون ّ‬
‫احلق ‪,‬الذي جيب أن يتّبع ‪.‬فبغض دين اإلسالم مع التّصديق يف القلب إىل درجة اليقني كفر أكرب‬ ‫ّ‬
‫الرسول كفر ‪,‬قال هللا تعاىل‬‫و إذا "خمرج من امللّة ‪ ,‬وعدم اإلنقياد لشرع هللا مع العلم بصدق خرب ّ‬
‫الرسول رأيت املنافقني يص ّدون عنك صدودا‬ ‫فالص ّد عن دين هللا ‪ " ,‬قيل هلم تعالوا إىل ما أنزل هللا و ّ‬
‫ويقولون آمنّا ابهلل "واإلعراض عنه ‪,‬عمل من األعمال وهو كفر من عمل املنافقني ‪,‬وقال تعاىل‬
‫يتوىل فريق من بعد ذلك وما أوالئك ابملؤمنني‬
‫وابلرسول وأطعنا مث ّ‬ ‫نفى هللا عنهم اإلميان لتولّيهم " ّ‬
‫عن اخلضوع لشرع هللا ‪,‬وليس ملا يف قلوهبم من تكذيب أو استحالل ‪,‬والذي يقول هبذا خيالف قول‬
‫السالم‬
‫الصالة و ّ‬
‫قلوهبم"الرسول عليه ّ‬
‫ّ‬ ‫نشق على‬
‫وهؤالء يشرتطون الغوص يف قلوب " مل نؤمر أن ّ‬
‫وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم "النّاس ‪,‬ملعرفة هل هم مؤمنون أم كافرون ‪ .‬وقال تعاىل عن فرعون‬
‫وعلوا‬
‫احلق الذي جيب اتّباعه "ظلما ّ‬ ‫السالم هو ّ‬ ‫لكن مناط ‪,‬فيقينهم يف قلوهبم أ ّن دين موسى عليه ّ‬
‫السلطات اليت يعبّد هبا‬
‫كفره كان من جهة اإلستكبار عن اخلضوع لدين موسى ‪,‬والتّنازل عن بعض ّ‬
‫الرشاد"النّاس ‪,‬قال هللا تعاىل حاكيا عن فرعون‬
‫"ما أريكم إالّ ما أرى وما أهديكم إالّ سبيل ّ‬
‫فخوف فرعون عن ملكه وعن ضياع سلطانه ‪,‬كان من أقوى ال ّدوافع اليت منعته من اإلنقياد لدين‬
‫السالم فجحد ابلقول والفعل الظاهر مع اليقني يف القلب ‪,‬وليس لتكذيب يف القلب‬ ‫موسى عليه ّ‬
‫قوي على الذين حيصرون اجلحود يف القلب ‪,‬مع أ ّن اجلحود أضال ال يكون إالّ ابلظاهر ‪,‬‬ ‫رد ّ‬ ‫‪.‬وهذا ّ‬
‫لكن الظاملني آبايت هللا جيحدون"كقوله تعاىل‬
‫ففرق هللا سبحانه بني اجلحود "فإ ّهنم ال يك ّذبونك و ّ‬
‫ّ‬
‫الذي يكون ظاهرا ابلقول والفعل ‪ ,‬وبني التّكديب الذي يكون يف القلب كجحود فرعون مع يقينه‬
‫‪ .‬يف قلبه‬

‫سول هلم و أملى "قال هللا تعاىل‬


‫تبني هلم اهلدى ال ّشيطان ّ‬
‫إ ّن الذين ارت ّدوا على أدابرهم من بعد ما ّ‬
‫ذلك أب ّهنم اتبعوا ما أسخط ‪....‬ذلك أب ّهنم قالوا للذين كرهوا ما ّنزل هللا سنطيعكم يف بعض األمر‬
‫فهؤالء الذين ارت ّدوا كفروا بقوهلم للذين كرهوا ما ّنزل هللا " هللا وكرهوا رضوانه فأحبط أعماهلم‬
‫تبني "سنطيعكم يف بعض األمر ‪,‬مع وجود التّصديق القليب ‪,‬الذي تشري إليه اآلية الكرمية‬ ‫من بعد ما ّ‬
‫قوي على مرجئة ‪ ",‬هلم اهلدى‬
‫رد ّ‬ ‫تبني له اهلدى يف قلبه ‪,‬يستحيل أن جيحده بقلبه ‪,‬وهو ّ‬ ‫والذي ّ‬
‫حىت يقصد‬
‫يفرقون بني قصد الفعل وبني قصد الكفر ‪,‬فال يرون من أتى الكفر كافرا ّ‬ ‫العصر الذين ال ّ‬
‫الكفر بقلبه مبا أاته من فعل مك ّفر‪ ,‬مثّ إنّه ال سبيل ملعرفة قصد الفاعل للكفر ‪,‬فيجب أن ال يكفر‬
‫يصرح بذلك بلسانه‬
‫‪,‬حىت ّ‬
‫أو يظهر منه ما يفيد قصده الكفر كعدم التّوبة من فعل الكفر ‪,‬كما قال ّ‬
‫يصرح أنّه قصد‬
‫بعض شيوخ اإلرجاء ‪,‬وعلى أصوهلم هذه ‪,‬ال جيوز تكفري إبليس اللّعني ‪,‬لكونه مل ّ‬
‫الكفر ‪,‬وليست هناك قرائن ظاهرة توحي بذلك ‪,‬وهذا خمالف ملناط كفره وهو اإلستكباروالعناد‬
‫تبني‬
‫‪,‬وليس قصد الكفر ‪,‬وإرادة اخلروج من دين هللا ‪ .‬وهؤالء الذين ارت ّدوا بعد العلم واملعرفة وبعدما ّ‬
‫هلم اهلدى يف قلوهبم ‪,‬كان كفرهم كما تشري اآلية بقوهلم للذين كرهوا ما ّنزل هللا سنطيعكم يف بعض‬
‫مبجرد قوهلم ووعدهم للمشركني بطاعتهم يف بعض األمر ‪,‬فكيف مبن يطيعهم يف‬ ‫األمر ‪,‬فهؤالء كفروا ّ‬
‫تبديل شرع هللا ‪,‬ويطيعهم يف إقصاء شريعة هللا من حياة املسلمني ‪ ,‬بل ويذوذ عنهم و جيادل عنهم‬
‫والعجيب " ذلك أب ّهنم اتّبعوا ما أسخط هللا وكرهوا رضوانه فأحبط أعماهلم" ! وعن شركهم وكفرهم‬
‫جيوز للمسلمني القتال حتت راية الكفر‬‫املوحدين املطالبني ‪,‬أ ّن من ال ّدعاة اليوم من ّ‬
‫حملاربة املسلمني ّ‬
‫مسميات جاهلية وروابط عرقية وقومية ‪,‬ووطنية ‪,‬أو خوفا من ضياع اجلنسية‬ ‫إبقامة شرع هللا ‪,‬حتت ّ‬
‫اليت حيملوهنا لتلك البلدان املعتدية على بلدان املسلمني ‪,‬ومحية ألواصر املواطنة اجلاهلية ‪,‬بئس ما‬
‫السفهاء ممّن يشار هلم ابلبنان‬
‫ويق ّدمون على بعض املنابر اإلعالمية املشبوهة اليت ختذم ‪,‬يقول هؤالء ّ‬
‫يهمها بقاء ال ّشرك والطغيان ‪,‬الذي حي ّقق هلم بعض املنافع املاديّة ‪.‬فاآلية‬
‫مصاحل بعض األطراف اليت ّ‬
‫بقوة وتلجمهم بلجام ال يستطيعون معه حيلة‬ ‫‪.‬ترد عليهم ّ‬
‫فاتّباع أصحاب الضالل يف غيّهم وشركهم ّ‬
‫يقود إىل حبوط العمل ‪,‬وال حيبط العمل إالّ ال ّشرك‬
‫حيذر " و إ ّهنم إن يظهروا عليكم يرمجوكم أو يعيدوكم يف ملّتهم ولن تفلحوا إذا أبدا"قال هللا تعاىل‬
‫هللا سبحانه وتعاىل أهل الكهف ‪,‬إن هم وافقوا املشركني على كفرهم وغيّهم بعد القتال ‪,‬ورضوا‬
‫يرخص هللا هلم ال ّدخول يف الكفر بعد القهر ‪ ,‬أبنظمتهم اجلاهلية العفنة ‪,‬فهم كافرون بذلك‬
‫ومل ّ‬
‫والقتال ‪,‬إالّ يف حالة اإلكراه ‪,‬وهو أن يكون حتت سلطاهنم وقهرهم وخياف على نفسه من أذى قد‬
‫فله أن يوافقهم على دينهم ‪,‬شرط بغض ذلك بقلبه ‪,‬فما ابلك ابلذين يوافقون املشركني حبّا ‪,‬يصيبه‬
‫‪,‬فتأمل‬
‫أحق ابلكفر من هؤالء ّ‬
‫ممّا عندهم من مناصب ومال ومل ّذات دنيوية هابطة ‪,‬فهم ّ‬

‫النيب وال جتهروا له ابلقول "قال هللا سبحانه وتعاىل‬


‫اي أيّها الذين آمنوا ال ترفعوا أصواتكم فوق صوت ّ‬
‫فتأمل اي أخي كيف جعل هللا " كجهر بعضكم لبعض أن حتبط أعمالكم و أنتم ال تشعرون‬ ‫ّ‬
‫الصوت‪,‬وهو عمل من األعمال‬‫‪,‬وأتمل ‪,‬سبحانه وتعاىل رفع ّ‬
‫النيب مدعاة حلبوط العمل ّ‬
‫فوق صوت ّ‬
‫أي وهم غري قاصدين اخلروج من دين هللا ‪,‬وغري مستحلّني له " وأنتم ال تشعرون"أخي قوله تعاىل‬
‫دليل ‪,,‬وغري قاصدين الكفر ‪,‬كما يشرتط بعض غالة املرجئة يف عصران هذا ‪,‬فعدم شعورهم ابلكفر‬
‫على عدم قصدهم له ‪,‬ولو كانوا يشعرون ذلك لكانوا جاحدين له‬

‫وقد ّنزل غليكم يف "قال هللا تعاىل يف بيان أ ّن الكفر يكون ابلقول والفعل مع وجود التّصديق القليب‬
‫حىت خيوضوا يف حديث غريه‬ ‫الكتاب أن إذا مسعتم آايت هللا يُكفر هبا ويُستهزء هبا فال تقعدوا معهم ّ‬
‫جمرد عن اإلعتقاد " إنّكم إذا مثلهم‪,‬‬
‫فاجللوس مع الطّاعنني يف دين هللا املستهزئني آبايته كفر ّ‬
‫واإلستحالل القليب‪,‬واملرجئة ختبّطت كثريا يف هذا املوضع‪,‬سواء مرجئتها أم غالهتا ‪,‬مع أ ّن فقهائها‬
‫فحكموا على من ارتكب عمال كفراي ابلكفر ‪,‬وعلّلوا ذلك ‪,‬كانوا أهون يف استدالهلم على الكفر‬
‫الرجل مص ّدقا ومع ذلك‬ ‫الكفر الظاهر على انتفاء التّصديق ‪,‬مع أنّه ال تالزم بينهما ‪,‬فقد يكون ّ‬
‫يكون كافرا ‪,‬كما بيّنا يف ما سبق ‪,‬وفساد قوهلم هذا راجع إىل أ ّن الكفر ال يكون إالّ ابلتّكذيب ‪,‬أل ّن‬
‫‪ .‬اإلميان هو التّصديق‬

‫" قل أابهلل و آايته كنتم تستهزؤون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم"قال هللا تعاىل‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا يف الفتاوى ‪272/7‬‬


‫فقد أخرب أ ّهنم كفروا بعد إمياهنم مع قوهلم إ ّان تكلمنا ابلكفر من غري إعتقاد له ‪,‬بل كنّا خنوض "‬
‫ونلعب ‪,‬وقول من يقول عن مثل هذه اآلايت "إ ّهنم كفروا بعد إمياهنم بلساهنم مع كفرهم ّأوال بقلوهبم‬
‫ال يصح ‪,‬أل ّن اإلميان ابللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر ‪,‬فال يقال "قد كفرمت بعد إميانكم‬
‫فإ ّهنم ال يزالون كافرين يف نفس األمر ‪,‬و إن أريد أنّكم أظهرمت الكفر بعد إظهاركم اإلميان ‪,‬فهم مل ‪,‬‬
‫تبني‬
‫يظهروا للنّاس إالّ خلواصهم وهم مع خواصهم ما زالوا هكذا ‪,‬بل ملّا انفقوا وحذروا أن تنزل سورة ّ‬
‫يدل اللفظ على أ ّهنم ما‬
‫ما يف قلوهبم من النّفاق وتكلّموا ابإلستهزاء صاروا كافرين بعد إمياهنم ‪,‬وال ّ‬
‫‪.‬زالوا منافقني‬

‫وقال تعاىل‬
‫فقوهلم الكفر كاف لتكفريهم " حيلفون ابهلل ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم"‬
‫مستقل عن ما يف قلوهبم ‪,,‬مع أ ّهنم كانوا مؤمنني ‪,‬بشهادة القرآن‬
‫ّ‬ ‫واستهزائهم بدين هللا و آايته كفر‬
‫من تصديق أو تكذيب ‪,‬لكنّه دليل على فساد عمل القلب ‪,‬فأعمال اجلوارح ختضع إلرادة القلب‬
‫الصالح أو الفساد القليب ‪,‬إذ ‪,‬‬
‫ابلصالح أو الفساد ‪,‬تكون اجلوارح اتبعة لذلك ّ‬ ‫وحبسب عمله ّإما ّ‬
‫يستحيل أن يكون الباطن مؤمنا ‪,‬منقادا هلل ورسوله ‪,‬حمبّا لدين هللا ‪,‬مبغضا لدين الك ّفار ‪,‬وتكون‬
‫‪,‬متمردة على دين هللا ‪,‬مقاتلة جلماعة املسلمني ‪,‬هذا ال حيصل أبدا إذا قلنا أ ّن‬
‫أعمال اجلوارح فاسدة ّ‬
‫اإلميان اعتقاد وقول وعمل ‪ ,‬والظاهر اتبع للباطن منقاد له ‪,‬يعمل حبسب إرادته ‪,‬وال يتخلف عنه‬
‫‪.‬أما مرجئة العصر فهم ال يك ّفرون من أتى قوال أو فعال كفراي ‪,‬وال يرون ذلك الفعل‬‫أبدا وال يضاده ّ‬
‫صرح الفاعل مبا يف‬ ‫الكفري دليل على التّكذيب ‪,‬و إ ّمنا يشرتطون قصد الكفر ‪,‬وهذا ال يُعرف إال إذا ّ‬
‫شر الفرق يف اإلميان والكفر ‪.‬قال ابن تيمية رمحه هللا‬
‫إ ّن "قلبه من استحالل أو تكذيب ‪,‬فكانوا ّ‬
‫الساب يعتقد أ ّن ذلك‬ ‫سب رسوله صلّى هللا عليه وسلّم كفر ظاهرا وابطنا ‪,‬سواء كان ّ‬
‫سب هللا أو ّ‬‫ّ‬
‫حمرما أو كان مستحالّ له أو كان ذاهال عن اعتقاده‬ ‫قل هل أنبّئكم ابألخسرين "قال هللا تعاىل " ّ‬
‫ضل سعيهم يف احلياة ال ّدنيا و هم حيسبون أ ّهنم حيسنون صنعا‬
‫فهؤالء الذين كفروا مل " أعماال الذين ّ‬
‫الصواب ‪,‬ومع ذلك كفروا ‪,‬يقصدوا الكفر ‪,‬بل كانوا يظنون أ ّهنم حيسنون صنعا‬‫وأ ّن أعماهلم هي عني ّ‬
‫رد على الذين يشرتطون قصد الكفر لتكفري من أتى قوال أو فعال كفرّاي‬
‫‪,‬وهذا ّ‬

‫وما "فمن طعن يف دين هللا يكفر بذلك الطّعن ‪,‬وهو كافر الستخفافه بقدر هللا ‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫حق قدره‬
‫الرجل مؤمنا ‪,‬وليس يف قلبه تعظيم " قدروا هلل ّ‬ ‫فانتفاء التّعظيم من القلب كفر ‪,‬وال يكون ّ‬
‫هلل ولدينه ‪,‬بل استخفاف وازدراء وتن ّقص ملقامه ولدين هللا ‪,‬مع أنّه قد يكون يف قلبه معتقد أ ّن دين‬
‫مستحل لطعنه يف دين هللا ‪,‬وقد يكون الذي‬
‫ّ‬ ‫الضالل ‪,‬غري‬
‫اإلسالم هو احلق ‪,‬وا ّن خالفه هو الباطل و ّ‬
‫دفعه إىل ذلك هو إرضاءا لقوم يبغضون دين هللا ‪,‬طلبا ملا عندهم من ل ّذات ‪,‬أو منصب ‪,‬أو طلبا‬
‫عم‬
‫لرايسة وسلطة ‪ ,‬أو خوفا من ضياع دنياه ‪ ,‬وزينتها من بني يديه ‪,‬وهذا هو عني كفر أيب طالب ّ‬
‫حممد الذي يعلم صدقه يف قلبه‬
‫رسول هللا ‪,‬فقد آثر منزلبه بني قومه ‪,‬ومكانته بينهم ‪,‬على اتّباع دين ّ‬
‫‪,‬فكفر ابإلمتناع عن اتّباع دين هللا ‪,‬وتولّيه عن اخلضوع واإلنقياد لشرعه مع وجود التّصديق يف قلبه‬
‫مطمئن ابإلميان ‪,‬ولكن من شرح ابلكفر صدرا "‪,‬قال هللا تعاىل‬
‫ّ‬ ‫من كفر بعد إميانه إالّ من أكره وقلبه‬
‫فكانوا كافرين ليس من أجل "‪,‬فعليهم غضب من هللا ‪,‬ذلك أب ّهنم استحبوا احلياة ال ّدنيا على االخرة‬
‫تكذيبهم ‪,‬ولكن من أجل إيثار احلياة ال ّدنيا وشهواهتا على ما يف قلوهبم من تصديق ويقني‬

‫سب هللا ‪,‬أو‬


‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪,‬ر ّادا على من يشرتط اإلستحالل لتكفري من ّ‬
‫أصل"سب رسوله‬
‫ّ‬ ‫‪...‬احلكاية املذكورة عن الفقهاء أنّه إن كان مستحالّ كفر و إالّ فال ‪,‬ليس هلا‬
‫السب حالل ‪,‬فإنّه ملا اعتقد أ ّن‬
‫الوجه الثاين ‪,‬أ ّن الكفر إذا كان هو اإلستحالل فأ ّمنا معناه اعتقاد أ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫احملرمات املعلوم حترميها أ ّهنا حالل كفر‬
‫حرم هللا تعاىل حالل كفر ‪,‬وال ريب أ ّن من اعتقد يف ّ‬ ‫ما ّ‬
‫النيب ‪,‬صلّى هللا عليه وسلّم ‪,‬وبني قدف املؤمنني والكذب عليهم‬ ‫سب ّ‬ ‫‪,‬ولكن ال فرق يف ذلك بني ّ‬
‫حرمها‬
‫فإنّه من فعل شيئا من ذلك مستحالّ ‪,‬والغيبة هلم ‪,‬إىل غري ذلك من األقوال اليت علم أ ّن هللا ّ‬
‫‪.‬كفر ‪ ,‬مع أنّه ال جيوز أن يقال " من قذف مسلما أو اعتابه كفر ‪,‬ويعين بذلك أنه استحلّه‬
‫السب أو مل يقرتن‬
‫حل السب كفر‪,‬سواء اقرتن به وجود ّ‬ ‫للسب يف ‪,‬الوجه الثالث"اعتقاد ّ‬‫ّ‬ ‫فإذا ال أثر‬
‫‪ ,‬وهو خالف ما أمجع عليه العلماء‪,‬التّكفري وجودا وعدما ‪,‬وإ ّمنا املؤثر هو ا العتقاد‬
‫الساب مستحل‪,‬‬ ‫يدل على أ ّن ّ‬‫السب ما ّ‬‫احلل‪ ,‬فليس يف ّ‬ ‫الرابع "أنّه إذا كان املك ّفر هو اعتقاد ّ‬
‫الوجه ّ‬
‫فيجب أن ال يكفر ‪,‬ال سيما إذا قال "أان أعتقد أ ّن هذا حرام ‪,‬وإ ّمنا أقول غيظا وسفها ‪,‬أو عبثا أو‬
‫" إ ّمنا كنّا خنوض ونلعب"لعبا ‪,‬كما قال املنافقون‬

‫قال سبحانه وتعاىل‬


‫ومل يقل قد كذبتم يف قولكم إ ّمنا كنّا خنوض ونلعب‪ ,‬فلم يك ّذهبم " ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم"‬
‫يف هذا العذركما كذهبم يف سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءهتم من الكفر لو كانوا صادقني‬
‫‪,.‬بل ّبني أ ّهنم كفروا بعد إمياهنم هبذا اخلوض واللعب‬

‫قال هللا تعاىل‬


‫فانظر أخي "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آايتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين"‬
‫مبجرد مظاهرة قومه املشركني على‬
‫املوحد كيف صار هذا الذي آاته هللا آايته كافرا بعد اإلميان ّ‬
‫ّ‬
‫السالم ‪,‬كان بدعائه عليهم‬
‫املوحدين ‪,‬وقيل أ ّن مظاهرته لقومه املشركني على قوم سيّدان موسى عليه ّ‬
‫ّ‬
‫‪,‬فكان ذلك منه ارتدادا وكفرا بعد اإلميان ‪.‬فأين هؤالء الذين يشرتطون اإلستحالل لتكفري من أتى‬
‫احلجة ال ّدامغة القويّة‬
‫‪ .‬انقضا من نواقض اإلميان ‪,‬من هذه ّ‬

‫جمردا عن اإلستحالل ‪,‬أو التّكذيب‬


‫فالكفر كما رأينا من هذه اآلايت يكون ابلقول أو ابلعمل ّ‬
‫‪,‬وابلتّايل فاشرتاط اإلستحالل لتكفري من ب ّدل شرع هللا هو شرط بدعي ما أنزل هللا به من سلطان‬
‫احملرم كفر‬
‫سواء فعله أم مل يفعله ‪,‬وال فرق وقتها بني من كذب ‪,‬أو زىن ‪,‬أو رشى ‪,,‬فاستحالل الفعل ّ‬
‫للصنم ‪,‬أو طعن يف دين هللا ‪,‬أو ألقى املصحف يف‬ ‫‪,‬أو شرب مخرا ‪,‬وبني من ب ّدل شرع هللا ‪,‬أو سجد ّ‬
‫ابملتوحشة واهلمجيّة ‪,‬وبني من قال أ ّن التع ّدد هو ظلم للمرأة ‪,‬وأ ّن‬
‫ّ‬ ‫القاذورات ‪,‬أو وصف حدود هللا‬
‫شريعة هللا مل تعد تصلح ألقامة دولة عصرية على أساسه !!! مع أ ّن ال ّشريعة ّفرقت بني هذه األقوال‬
‫الصريح ‪,‬واألعمال‬ ‫فاشرتطت اإلستحالل لتكفري املعاصي والكبائر الّيت هي دون الكفر ‪,‬وبني الكفر ّ‬
‫جمرد عن اإلستحالل ‪,‬وال يكون‬ ‫البواح الذي ال حيتمل أتوال أو صرفا ‪,‬كتبديل شرع هللا ‪,‬فهو كفر ّ‬
‫‪,‬يضل به "كما قال هللا تعاىل ‪,‬اإلستحالل وقتها أالّ زايدة يف الكفر‬
‫ّ‬ ‫إ ّمنا النّسيئ زايدة يف الكفر‬
‫حرم هللا‬
‫وحيرمونه عاما ليواطئوا ع ّدة ما ّ‬
‫فكانوا حيلّون األشهر احلرام عاما " الذين كفروا حيلّونه عاما ّ‬
‫‪,‬وحيرموهنا عاما ‪,‬أي يرجعوهنا إىل أصل التّحرمي ‪,‬الذي يعرفونه ويعتقدونه يف قلوهبم ‪,‬فكان هذا الفعل‬ ‫ّ‬
‫جمرد التّبديل وعدم احلكم مبا أنزل هللا ‪,‬وال‬‫منهم زايدة يف الكفر‪,‬مثّ إ ّن مناط الكفر يف اآلية معلّق على ّ‬
‫يصرف احلكم عن ظاهره إالّ بقرينة شرعية من كالم هللا ‪,‬أو من كالم رسوله ‪,‬ملعرفة مراد ومعىن اآلية‬
‫يدل على اإلستحالل ‪,‬فيجب أن ال يكفر ‪,‬وهذا خالف اآلية و اإلمجاع‬ ‫‪,‬مثّ إنّه ليس يف اآلية ما ّ‬
‫شرع من دون هللا أحكام ما أنزل هللا هبا من سلطان‬
‫‪ .‬املنعقد على كفر من ب ّدل شرع هللا ‪,‬أو ّ‬

‫وهؤالء الذين يرون كفر هؤالء املب ّدلني لشرع هللا ‪,‬احلاكمني بشرائع الكفر والطغيان ‪,‬كفرهم كفر‬
‫حجة دامغة ‪,‬سوى كالم بئيس منسوب ‪,‬أصغر‬ ‫إ ّمنا حقيقة عملهم استدراك على كالم هللا من غري ّ‬
‫الساطعة ؟‬
‫االمة ابن عبّاس رضي هللا عنهما ‪.‬أينهم من هذه احلجج ّ‬
‫حلرب ّ‬
‫وهذا غري صحيح ‪,‬فاهل العلم ال خيرجون بقاعدة شرعية ابلنظر اىل دليل واحد يف مسالة تعددت‬
‫ادلتها ‪,‬بل يبنون قواعدهم على اساس اجلمع بني النصوص الشرعية ذات العالقة ابملسالة ‪,‬فيخرجون‬
‫الصحيحة‪.‬اما اهل البدع فهم يرتكون احملكم ويتهافتون على املتشابه ‪,‬يرتكون القطعي‬
‫ّ‬ ‫ابلقاعدة‬
‫هن ّام‬
‫الظين ‪,‬قال هللا تعاىل "هو الذي انزل عليكم الكتاب منه اايت حمكمات ّ‬ ‫‪,‬وجيرون وراء ّ‬
‫فاما الذين يف قلوهبم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء اتويله‬
‫الكتاب واُخر متشاهبات ‪ّ ,‬‬
‫كل من عند ربّنا " مسّى هللا الذين يرتكون‬
‫وما يعلم اتويله االّ هللا والراسخون يف العلم يقولون امنّا به ّ‬
‫احملكم ويتبعون املتشابه ‪,‬يف قلوهبم زيغ‬

‫الصنهاجي"‬
‫الكاتب " أبو جندل ّ‬

You might also like