Professional Documents
Culture Documents
أثر ابن عباس كفر دون كفر
أثر ابن عباس كفر دون كفر
الصنهاجي
أبو جندل ّ
رب العزة واجلربوت,الذي انزل الكتاب ابحلق ليقوم الناس ابلقسط ,فمن تبعه فهو السعيد
احلمد هلل ّ
,ومن اعرض عنه فهو الشقي التعيس,وانزل احلديد فيه ابس شديد ,وانزل الرسل رمحة للعاملني
, .والصالة والسالم على سيد خلق هللا ,حممد رسول هللا ,املصطفى االمني
ال شك ان احلكم مبا انزل هللا من اهم العبادات اليت يتقرب العبد هبا اىل هللا ,والتحاكم اىل غري شرعه
,من اكرب الشرك الذي ينايف التوحيد قال هللا تعاىل
فااليتان "واعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت"وقال هللا تعاىل " والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها"
تدالن ان عبادة الطاغوت تتمثل يف التحاكم اىل شرعه ,الن فيه اعرتاف صريح بشرعية تلك االحكام
فالعدل ال يطلب اال من شرع جبار السماوات .الوضعية ,وفيه طلب العدل من غري شرع هللا
فالذي ال جيتنب الطاغوت يكون ال حمالة عابدا هلا ,خاضعا ذليال .واالرض ,من العزيز احلكيم
فال فرق "وال يشرك يف حكمه احدا"لسلطاهنا,وهو الشرك الذي على العباد اجتنابه ,قال هللا تعاىل
بني من يسجد لالصنام واالواثن ,ويتقرب اليها ابلدعاء والذبح ,وبني من خيضع ويتلقى نظام حياته
وهذا شرك يف بعض صفات وخصائص ,من غري هللا ,ذلك شرك يف بعض صفات وخصائص الرب
اجل العبادات ,فمن العجب الرب ,ال فرق بينهما البتة ,بل ان احلكم والتحاكم اىل شرع هللا هو من ّ
ونعرض عن ,ان نفرد هللا ابلعبادة ابلصالة والزكاة واحلج وغري ذلك من الشعائر التعبدية ,وننحيه
سلطانه يف ابقي مناحي احلياة ,وهذا هو الشرك الذي جاءت الرسل لتصحيحه وتقومي الناس اليه
, .حىت يكون هللا هو املعبود سواء يف الصالة والزكاة او يف التلقي واحلكم
ال اعلم قولة ظلمت كما ظلمت قولة "قال االستاذ حممد قطب يف كتابه مفاهيم ينبغي ان تصحح
وحقا فهذه القولة متسك هبا بعض طوائف البدع ,وردوا النصوص " ابن عباس رضي هللا عنهما
الشرعية الكثرية اليت تشري اىل كفر من يتحاكم اىل شرع غري شرع هللا ,او الذين يعرضون عن حكم هللا
,وحيكمون بقوانني وضعية اتفهة ,مهجية بربرية ,اقل ما يقال عنها اهنا متخلفة ,وان النجس والننت
تفوح من جوانبها ,اعرضوا عن حكم هللا ومتسكوا بقولة ابن عباس رضي هللا عنهما ,وجعلوا قول هللا
وقول ابن عباس من احملكم ,وهذا من محاقاهتم وتناقضاهتم العجيبة اليت يعجب منها ,من املتشابه
.حىت الطغاة اجلامثني على انفاس املوحدين
ومن العجيب ان يتمسك هبذه القولة املنسوبة اىل ابن عباس ,بعض من العلماء الذين يشار اليهم
ابلبنان ,ويقام هلم ويقعد ,فاصلوا وقعدوا اتصيالت وتقعيدات ,خالفوا فيها السلف واخللف ,وردوا هبا
عشرات النصوص القطعية احملكمة بناءا على هذا االثر املنسوب اىل ابن عباس ,فلك ان تعجب اخي
املوحد من هؤالء العلماء ,ولك ان تعجب كيف يذوذون عن حياض احلكام املشرعني من دون هللا
, .هبذه القولة املنسوبة اىل ابن عباس رضي هللا عنهما
ويف هذا البحث املتواضع سنتطرق اىل سند هذه القولة ,واىل صحتها من جهة رواهتا ,واىل شرعية
انزاهلا يف غري موضعها اليت قيلت فيها ,واىل حجية قول الصحايب ,وهل ترد به النصوص الشرعية ؟
وردت مقولة
املنسوبة حلرب االمة,ابن عباس رضي هللا عنهما بلفظني ,اول هذين اللفظني هو "كفر دون كفر"
وهذا اللفظ ليس من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما "ليس كمن كفر ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله"
وامنا هي ُمدرجة ,اي زائدة على اصل املنت ,هي يف التحقيق من كالم ابن طاووس .ويظهر ذلك
مما يؤكد ان مقولة ,جليا ابلنظر اىل جمموع الرواايت ,واليت تفردت هبا هذه الزايدة يف رواية واحدة
هي ليست من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما " ليس كمن كفر ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله"
,.والراجح اهنا تفسري لالية من ابن طاووس اخذها عن ابيه
قال ابن جرير الطربي رمحه هللا يف اجمللد السادس ,صفحة , 256رواية من طريق سفيان بن عيينة
,سئل ابن عباس رضي هللا عنهما " عن سفيان بن عيينة عن معمر بن راشد عن طاووس عن ابيه ُ
عن تفسريه لقول هللا تعاىل ~ومن مل حيكم مبا انزل هللا فاوالئك هم الكافرون ~ قال هي به كفر
بعد ان ذكر ابن جرير الطربي رمحه هللا هذه الرواية ,ذكر , ".وليس كفرا ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله
رواية اخرى من طريق عبد الرزاق ,ويف هذه الرواية تظهر الزايدة مدرجة ,هي من كالم ابن طاووس
.وليست من كالم ابن عباس رضي هللا عنهما,
وقد اعرض عن رواية سفيان بن عيينة كثري من املفسرين ,كابن كثري ,والذي ذكر رواية عبد الرزاق
ينص على ذلك
تنص على املدرج يف الرواية ,خالفا لسفيان بن عيينة الذي مل ّ
.ابعتبارها ّ
واللفظة الثانية اليت نسبت حلرب االمة ابن عباس رضي هللا عنهما قوله
ليس ابلكفر الذي يذهبون اليه ,انه ليس كفرا "ويف رواية اخرى " ليس ابلكفر الذي تذهبون اليه"
عن ,وهذه القولة موجودة يف تفسري ابن كثري ,من ابن ايب حامت واحلاكم يف املستدرك "ينقل عن امللّة
قال احلاكم ,صحيح ,طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجري عن ابن طاووس عن ابن عبّاس
على شرطي الشيخني ومل خيرجاه .وكل االحاديث اليت اخرجها احلاكم يف مستدركه ,هي جمموع
االحاديث اليت ظن اهنا توافق شروط الشيخني يف التخريج ومل خيرجوهم ,فكان اجتهاده هذا استدراكا
منه على ما اخرجاه الشيخني.االّ انه مل يتقيد بضوابط وشروط وقيود الشيخني البخاري ومسلم يف
ختريج االحاديث,فكان يتساهل يف تصحيح احاديث مبجرد ان بعض رواته موجودين يف الصحيحني
,وغفل ان ما يرويه البخاري ومسلم عن بعض الرواة يكون متابعة هلم ,وليس انفرادا هلم ,فال تصح
ان وجد من يتابعهم من الذين توفرت فيهم شروط ,روايتهم لالحتجاج ,بل تكون صاحلة لالعتبار
وغريمها من شروط الشيخني .ومن الذين رموا احلاكم ابلتساهل ,ابن ,الرواية من عدل وضبط
.الصالح وهو علم من اعالم علم احلديث
وعلّة هذا احلديث هو وجود هشام بن حجري من الرواة ,وهو على ورعه وتقواه وزهده وعبادته ,فهو
ضعيف يف الرواية لسهوه وضعف ذاكرته يف احلفظ ,وقد ضعّفه جهابذة علم احلديث كامام اهل
وعلي ابن املديين ,وسعيد بن حيىي القطّان ,وابن حجر ,السنة امحد بن حنبل وحيىي بن معني
,.والذهيب ,وعبد الرمحان املهدي ,وم ّكي
وهذا يعين ان رواية سفيان عن هشام " مل انخذ منه االّ ما مل جنده عند غريه"قال سفيان بن عيينة
.هي من تفردات هشام بن حجري ,ليس هلا متابع او شاهد يعتمد عليه
.ومل يروي هلشام بن حجري االّ املتساهلني ,كابن حبّان ,والعجلي ,واحلاكم
تبني ,فهذا احلديث ضعيف من انحية السند,لوجود هشام بن حجري الذي ضعّفه كبار علماء كما ّ
قوي على ضعف احلديث
احلديث وجهابذته ,وال حيتج به اال متابعة ,وهو دليل ّ
الصحايب 2
حجية قول ّ
ّ
على افرتاض ان مقولة ابن عبّاس صحيحة ,وليست منسوبة اليه ,وا ّهنا قيلت كتفسري لقوله
تعاىل
وا ّهنا قيلت يف من ب ّدل شرع هللا بشرائع الكفر " ومن مل حيكم مبا انزل هللا فاوالئك هم الكافرون"
شرع من دون هللا
واختذ نفسه ن ّدا هلل يف التشريع واالمر والنهي ,والتحليل ,والطغيان ,ويف من ّ
والتحرمي وهي خصائص ال جيوز االعرتاف هبا لغري هللا ,الن االعرتاف هبا لغري هللا ,هو اتليه لذلك
الغري ,وهو الشرك الذي جاء االسالم الزالته واقامة دولة يكون السلطان فيها هلل وحده قال هللا تعاىل
نفرتض كل هذا ,وحاشا ان يصدر هذا القول " .وال يشرك يف حكمه احدا"يف كتابه الكرمي
ترد
ترد كالم رسول هللا ,او ّالساقط من حرب االمة ,هل تصلح هذه املقولة ان تنسخ كالم هللا ,او ّ
ترد القياس؟ هل صارت هذه املقولة قراان يفصل يف مسائل النزاع؟ ,االمجاع وابي دليل ,او حىت ّ
ّ
تركت "يكون كالم غري هللا ورسوله حجة شرعية يف دين هللا ؟ .قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم
الرسول الكرمي يؤكد ان التمسك ".فيكم ما ان متسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا كتاب هللا وسنيت
ابلكتاب والسنة هي العاصم من الضالل والزيغ ,ومل يذكر او حيث على مصادر اخرى ,غري الكتاب
.والسنة
ارأيت اقاويل اصحاب رسول هللا اذا "قال االمام الشافعي رمحه يف كتابه الرسالة الصفحة 596
تفرقوا فيها ,فقلت نصري منها اىل ما وافق الكتاب او السنّة او االمجاع
وهو ما يؤكد ان قول " ّ
الصحايب ليس حجة على قول صحايب اخر ,وال على من اتى بعدهم ,وا ّمنا منهم خمطئ ومصيب
, .فريجح كالم هللا ورسوله على اقواهلم ان خالفوا ظاهر النص
واشار ابصبعه اىل قرب " كلنا يؤخذ من قوله ويرد اىل صاحب هذا القرب"قال االمام مالك رمحه هللا
رسول هللا ,فجعل كالم رسول هللا هو الذي ال يرد وان مل يذكر الصحابة ,فهو يف استثنائه التلقي من
رسول هللا وحده ,داللة على عدم حجية غريه ,ان خالف الكتاب والسنّة
اين اخذ بكتاب هللا اذا وجدته ,فما مل اجده فيه اخذت بسنة رسول "قال االمام ابو حنيفة رمحه هللا
هللا واالاثر الصحاح عنه اليت فشت يف ايدي الثقات عن الثقات ,فاذا مل اجد يف كتاب هللا وال سنة
رسول هللا ,اخذت ابقوال اصحابه من شئت وادع قول من شئت ,مث ال اخرج عن قوهلم اىل قول
" غريهم
فقول هؤالء االئمة يتفق مع قواعد واصول اهل السنّة واجلماعة يف مسالة االحتجاج بقول الصحايب
,وهو اهنم ايخذون من اقواهلم اذا مل جيدوا يف كتاب هللا وسنّة رسوله.لكون الصحايب ليس معصوما
,وقد يصدر منه اخلطأ ,وقد يغفل عن اشياء من السنّة ,وقد ينسى ,وقد يسهى ,اىل غري ذلك ممّا قد
يتعرض له غري االنبياء والرسل ,يف مسائل التبليغ عن العقيدة .قال هللا تعاىل يف كتابه العزيز
ويكون خمالفتهم للكتاب والسنة احياان صادرا عن اجتهاد ".ربّنا ال تؤاخذان ان نسينا او أاخطئنا"
,من غري قصد املخالفة ,كأن خيصص الصحايب عموما بظنه ,او أيخذ بعموم ويرتك اخلاص ,او
يتأول يف اخلرب غري ظاهره بغري برهان بعلّة ظنها .ومن االمثلة على ذلك خبصوص ابن عباس رضي هللا
عنهما ,كان يقول جبواز راب الفضل ,ومل يكن يرى من الراب حرام سوى راب النسيئة ,وهذا خطأ ظاهر
رد عليه الصحابة رضي هللا عنهم ,واهل العلم
,فال فرق يف التحرمي بني راب الفضل وراب النسيئة ,وقد ّ
وخيطئ ! مث.وهل يُعقل ان يعلّق ال ّشارع الكرمي دينه ,مبن ينسى ويسهى ويغفل عن بعض امور ال ّدين ُ
فمين ومن "اليس من الصحابة الكرام من تبث عنه انّه قال
إن أصبت فمن هللا وان اخطأت ّ
" الشيطان
الصحايب ا ّن ان عبّاس رضي هللا عنهما كان يرى ان احلامل اذا مات
ومن االمثلة على جواز خطأ ّ
لقوله تعاىل ,عنها زوجها ان تعت ّد ابطول االجلني ,وهو خالف االية
محلهن"
ّ اجلهن ان يضعن
ّ وقد خالفه يف ذلك الصحابة رضي هللا عنهما ومجهور "واوالت االمحال
اهل العلم
وكان رضي هللا عنهما يرى إبابحة زواج املتعة وكذلك حلم اكل حلم احلمر االهلية ,وقد انكر عليه
حرم ذلك
علي بن ايب طالب ذلك ,وذكر له ا ّن رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم ّ
ّ
وكان يرى ابن عبّاس رضي هللا عنهما ان قاتل النفس املتعمد ال توبة له ,وهو ما خالف به الكتاب
ا ّن هللا ال يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون "والسنّة وامجاع الصحابة رضي هللا عنهم ,قال هللا تعاىل
وصدر ذلك منه اجتهادا وأتويال من غري قصد املخالفة "ذلك ملن يشاء
وكان يرى ابن عبّاس ايضا ا ّن رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو حمرم ,وهو غري
احل من عمرته
صرحت اهنا تزوجت رسول هللا وقد ّ
صحيح ,فقد تبث ان ميمونة رضي هللا عنها ّ
وكان عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنه ينهى عن متعة النّساء يف العمرة واحلج ,وهو خالف لالية
يدل ان عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنها كان خمطئا يف "فمن متتّع ابلعمرة اىل احلج"الكرمية
وهو ما ّ
قوله بذلك
ومن قال من " قال شيخ االسالم بن تيمية رمحه هللا يف جمموع الفتاوى اجمللد االول الصفحة 283
نص خيالفه ,و ّاماالعلماء ان قول الصحايب حجة فإمنا قاله اذا مل خيالفه غريه من الصحابة وال عرف ّ
فكالم ابن تيمية صريح يف ا ّن قول الصحايب ال يكون " اذا عرف انّه خيالفه فليس حبجة ابالتفاق
النص ,االّ بقرينة
حجة على قول صحايب اخر ,وانّه ال يؤخذ كالم الصحايب ان خالف به ظاهر ّ
شرعية من كتاب هللا او سنّة رسوله
اي ان " تفسري الصحايب لالية ال تقوم به حجة ال سيما مع اختالفه"قال االمام الشوكاين رمحه هللا
النص ال تقوم به حجة شرعية يف دين هللا
تفسري الصحايب ان خالف به ظاهر ّ
وابجلملة فال جيوز " قال ابن القيم رمحه هللا يف كتابه اعالم املوقعني ,اجمللد الرابع ,الصفحة 211
العمل واالفتاء يف دين هللا ابلتشهي والتخري موافقة للغرض ,فيأخذ القول الذي يوافق غرضه ...وهذا
" من اكرب الكبائر
اليس هذا اهتام صريح لكالم هللا بعدم الوضوح والبيان؟ اليس هذا اهتام صريح لكالم هللا ابلتدليس
والتلبيس ؟ الستعماله الفاظ تصلح الكثر من معىن ؟كيف يكون كالم هللا على غري ظاهره وهو أيمر
وما اختلفتم فيه من شيئ فحكمه "عباده ابلرجوع اىل كالمه للفصل يف امور النزاع ؟ قال هللا تعاىل
فردوه اىل هللا والرسول ان كنتم تؤمنون ابهلل واليوم االخر"وقال تعاىل " اىل هللا
"فان تنازعتم يف شيئ ّ
ال تق ّدموا اهوائهم وارائكم ومصاحلكم ,على كالم هللا " ال تق ّدموا بني يدي هللا ورسله"وقال تعاىل
ورسوله ,وهذا ما يدل ان ظواهر النصوص مرادة ,وان خالفها او اتويلها حيتاج اىل قرينة شرعية تصرفه
عن ظاهره ,وهو ما يقودان اىل التساؤل ,هل حنتاج حقا اىل مثل قولة ابن عبّاس رضي هللا عنهما
وشرع من دون هللا ؟ من غري قرينة شرعية من لنؤول ظاهر النص الصريح القطعي يف كفر من ب ّدل ّ
كتاب هللا او سنّة رسوله ؟
قال " فليحذر الذين خيالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم"قال هللا تعاىل
,فرد
العلماء الفتنة الشرك ,وقد يقع فيها املرء ان استحسن كالم غري هللا وقدمه على كالم هللا ّ
النصوص الشرعية القطعية ,بكالم غريه ممّن هو غري معصوم ,ولو كان ابو بكر وعمر ,فما ابلك
.ابلذين هم ادىن ادىن منهما
وقد اتفق "قال شيخ االسالم ابن تيمية رمحه هللا يف جمموع الفتاوى ,اجمللد 11الصفحة 208
"سلف االمة وائمتها على ان كل احد يؤخذ من كالمه ويرتك االّ رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم
يرد كالم هللا ورسوله ,بقول احد ولو كانيفهم من كالم شيخ االسالم ابن تيمية رمحه هللا ,انّه ال ّ
النص
.صحابيا ان خالف ظاهر ّ
,اما يف قضيتنا هذه ,فاألمر ليس كذلك ,فقد خالف ابن عبّاس رضي هللا عنهما النّص واالمجاع ّ
ورد لإلمجاع املتفق عليه ,وهذا
رد لكالم هللا ورسوله ّ
والقياس ,وال يؤخذ بقوله ,ال ّن االخذ بقوله فيه ّ
رد كالم هللا ورسوله بقول صحايب ,ولوكان ابو بكر وعمر .ال يليق ,ان يُ ّ
وتقدمي اقواهلم واهوائهم ,وقد لعب الشيطان بعقول بعض من ينتسب الهل العلم ,بتغيري معاين القران
,حرف الكالم عن معناه ,,واقوال شيوخهم على ما يظهر من كالم هللا
بتأويل فاسد ّ
فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوهبم قاسية حيرفون الكلم عن "قال هللا تعاىل يف كتابه العزيز
هذه خصلة من خصال اليهود الكفرة الفجرة ,عمدوا اىل اتويل ,سورة املائدة االية " 14مواضعه
وقال هللا تعاىل ,االايت وحتريف معانيها ,مبا فسرته عقوهلم اهلابطة ,واهوائهم الباردة وارائهم الفاسدة
وا ّن منهم لفريقا يلوون السنتهم ابلكذب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو "
ومن انواع التحريف ,سورة ال عمران االية " 78من عند هللا ويقولون على هللا الكذب وهم يعلمون
تغيري معاين القران وصرفها عن طاهرها ,من غري دليل شرعي يبني مراد الشارع ,وهو حمض الكذب
.والتقول واالفرتاء على هللا
يفسرون القرآن من القرآن نفسه ,فأفضل طريقة ملعرفة مراد كالم هللا ,هو من
فأهل السنّة واجلماعة ّ
جل,فما أطلق يف موضع ,قُيّد يف موضع آخر ,وما كان عاما يف موضع ,جتده
عز و ّنفس كالمه ّ
جل من نفسه الكرمية
عز و ّمفصال يف موضع آخر ,فال يوجد أحد أعلم من مراد هللا ّ
.مفسرا ّ
ّ
على افرتاض أ ّن هذا األثر املنسوب إىل ابن عبّاس صحيحا ,وأنّه فعال قال هذا القول ,فهل قاله يف
الساقطة دينا جيب اتّباعه ,وأجربوا النّاس للخضوع ألهوائهم و
املشرعني الذين اختذوا من تشريعاهتم ّ
ّ
كل خري
حثالة نظمهم القذرة ؟ هل قال ابن عبّاس هذا القول يف من ب ّدل شرع هللا ,املشتمل على ّ
الصحايب اجلليل الذي ,
األمة مثل هذا القول وهو ّ يصح أن يصدر من حرب ّ كل شر؟ هل ّ الناهي عن ّ
حيفظ هلل قدره ,ويعلم أ ّن التّحاكم إىل غري شرع هللا كفر ,و أ ّن مسألة احلكم هي من صميم العقيدة ؟
ال يعقل أن يقصد ابن عبّاس هذا
هذا هو فهم اخلوارج لآلية الكرمية ,والذين يريدون تنزيل مقولة ابن عبّاس رضي هللا عنهما ,الّيت كانت
السقيم للخوارج ملسألة احلكم مبا أنزل هللا ,حقيقة أمره أنّه يلبّس على النّاس
رده على الفهم ّ
يف معرض ّ
أمر دينهم خذمة لبدعته ,فال ابن عبّاس رضي هللا عنه ,قال ما قاله وهو يعين املب ّدلني لشرع هللا
وال اخلوارج كذلك استدلّوا له بتلك اآلية ,,احمل ّكمني للقوانني الوضعية ,املتحاكمني للشرائع الطّاغوتية
الكرمية وهم يقصدون احلكم بغري ما أنزل هللا مبعىن التّبديل والتّشريع من دون هللا ,و إالّ الستدلّوا له
رضي هللا عنه آبايت ال حتتمل صرفا و ال أتويال كقوله تعاىل
يشرع من دون هللا ,فقد زعم لنفسه " ,أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل أيذن به هللا"فالّذي ّ
احلق يف إحدى خصائص امللك ,وهي احلكم والتّشريع والتّحليل والتّحرمي ,فال أحد غري هللا ميلك هذا ّ
,احلق
احلق ,فقد ّاختده رّاب من دون هللا ,وأشركه مع هللا يف احلكم ,قال هللا ّ
ومن اعرتف لغري هللا هبذا ّ
ابجلن ",وال يشرك يف حكمه أحدا"تعاىل فال فرق بني من يشرك ابهلل يف عبادة األصنام واإلستغاثة ّ
بكل تفاصيله ,وق ّده وقديده من غري
الرزق من األموات ,وبني من يتخذ نظام حياته ّ ,وبني من يطلب ّ
فكالمها مشرك ,وقد يكون الذي يطيع ,هللا ,ال فرق بينهما يف العبادة ,وال فرق بينهما يف ال ّشرك
شرعها الطاغوت منهجا يف احلياة ونظاما جيب أن غري هللا يف أمور احلياة ,ويتخذ من تلك النظم اليت ّ
الرزق منيتربء من واضعيها ومنها ,ويعتزهلا ,فهو أكثر شركا ممّن تقتصر عبادته على طلب ّ يُتّبع ,وال ّ
غري هللا ,أو يسجد لصنم ,أو حلجر ,أل ّن شرك احلاكمية يتع ّدى ضرره إىل سواه من النّاس واجملتمع
الصحيحة ,وحفظ العقل واجتناب العبث به ,وما جائت ال ّشريعة إالّ حلفظ دين هللا وعقيدة النّاس ّ
كل يوم ,وحتت أعني الطّاغوت ومبباركته ,وحفظ املال ,الّيت جاءت
,وحفظ النّفس الّيت صارت تزهق ّ
الشرائع الطّاغوتية لتأكل اموال النّاس ابلباطل حتت نظم ربوية ,وحلفظ العرض الذي صار أرخص من
بعض املواد التّجميلية
بل إ ّن مسألة استبدال شريعة هللا بقوانني اإلفرنج ,ومسألة تشريع القوانني املضاهية لشرع هللا ,والّيت
الصحابة رضي هللا عنهم ,وال يف عهد التّابعني وال من
السلطان ,مل تعرف يف زمن ّ
جيادل عنها علماء ّ
جاء بعدهم ,و إ ّمنا عرفت يف زمن شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ,بعد مرور حوايل سبع قرون من
السالم ,أثناء حكم التّتار ,والذي قام ملكهم جنكيزخان جبمع شرائع
الصالة و ّ
بعثة املصطفى ,عليه ّ
شىت ,من اليهودية والنّصرانية ,وال ّدين اإلسالمي احلنيف ,يف كتاب مسّاه الياسق ,وأراد حكم النّاس
ّ
بذلك ,بدل شرع هللا وحده
والذين ينزلون تلك املقولة ,حلرب األمة ابن عبّاس رضي هللا عنهما ,على واقع اليوم ,حقيقة أمرهم أ ّهنم
وابلتّحاكم اىل قانون الطّاغوت ,وابلتّشريع من دون هللا ,يتّهمونه رضي هللا عنه بتبديل شرع هللا
الرب ,يف التّحليل والتّحرمي ,واألمر والنّهي
,وتقمص خصائص ّ ّ
حىت حي ّكموك فيما شجر بينهم مثّ ال جيدون يف أنفسهم حرجا ممّا "وقوله تعاىل
فال وربّك ال يؤمنون ّ
ليحم الطّاغوت " ,قضيت ويسلّموا تسليما بقوة على من اعرض عن حكم هللا ,وتركه ّ ترد ّ
هذه اآلية ّ
مرة واحدة ,فهو كافر كفر ال ينفع معه إميان
يف شؤون حياته ,ولو يف ّ
الربوبية عند بين إسرائيل ,طاعة " ّاختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من دون هللا"وقوله تعاىل
فكانت ّ
مبجرد طاعتهم طاعة مطلقة
الرهبان والعلماء يف ما يعلمون أنّه خالف ملا أنزل هللا .اختذوهم أراباب ّ ّ
أحق ابلكفر ممّن أطاع تلك القوانني الكفريّة
,وشرع من دون هللا ! أليس ّ
,فكيف مبن ب ّدل شرع هللا ّ
!! املب ّدلة
,مبجرد اقرتافهم للمعاصي ,من غري استحالل هلا
فاخلوارج اشتُهر عنهم تكفري احل ّكام واخلروج عليهم ّ
ومن غري استرياد قوانني وضعية من اليهود والنّصارى , ,ومن غري تبديل شرع هللا مناط كفر اليهود
,ومن غري حتاكمهم لقوانني الطّاغوت ,بل مل يعرف ذلك يف زمن ظهورهم ,وال يف عهد حكم
كاحلجاج وغريهم من أمراء بين ,األمويّني والعبّاسيني ,بل ك ّفروا احل ّكام فقط جلورهم وظلمهم للعباد
ّ
احلجاج رغم ظلمه وجوره ,إالّ أنه مل يُعرف عنه أنّه ب ّدل شرع هللا ,أو ّاختذ من
أميّة وبين العبّاس ,و ّ
السند ,
نفسه ن ّدا هلل يف احلكم ,ومل يعطّل حكم اجلهاد ,بل كان جماهدا ,وصلت جيوشه إىل اهلند و ّ
ومل يُعرف عنه أنّه كان يوايل الفرس واجملوس ,أو اليهود والنّصارى ,بل كان والؤه هلل وحده ,ومل يُعرف
حرية التّعبري ,ومع ذلك فقد ك ّفره كبار علماء
كرم من يستهزئ بدين هللا ,حتت إسم ّ عنه أنّه مسح و ّ
السلف له ,ومن األعالم احلجاج ,وعدم تكفري ّ ,وحتتج بظلم ّ
ّ زمانه ,وليس كما ت ّدعي مرجئة العصر
الذين ك ّفروه ,سعيد بن جبري ,والنّخعي ,وجماهد تلميذ ابن عبّاس رضي هللا عنهما ,وطاووس الذي
حيتج به املرجئة ,يف عدم تكفري من ب ّدل شرع هللا ,وكذلك ممّن ك ّفره
روى حديث ابن عبّاس ,الذي ّ
ال ّشعيب ,فأينهم من هذه الفريّة ,وهذا البهتان ,وهذا التّدليس الذي ليس بعده تدليس
يتبني من سياق هذه االايت الكرميات ,فهي تعين الذين يسارعون يف الكفر ,فهو ليس كفر
وكما ّ
جمرد ,بل هي يف الذين يسارعون يف الكفر ,اي كفرهم ال جدال فيه
قال سيّد قطب رمحه يف كتاب الظالل يف اجمللد الثاين الصفحة 888
وأنه ال وسط يف ,ا ّن املسالة يف هذا كلّه مسألة اميان او كفر ,وإسالم او جاهلية ,وشرع او هوى "
هذا االمر,وال هدنة وال صلح ,فاملؤمنون هم الذين حيكمون مبا أنزل هللا وال يب ّدلون منه شيئا
" ,والكافرون والظاملون والفاسقون ,هم الذين ال حيكمون مبا انزل هللا
فإما ان نكون يف معسكر االميان ,نذوذ عن دين هللا أبرواحنا ,والنرضى قبول سلطان حيكمنا غري هللا
ّ
.وإما ان نكون يف معسكر ,,فنحكم مبا انزل هللا ,ونرفض اإلذعان حلكم الطاغوت
فنكون مؤمنني ّ
ونذل له ,فنخسر
ال ّشرك ,فنكون كافرين ,معرضني عن دين هللا ,حنكم بقوانني الطاغوت ,وخنضع له ّ
فاملسألة ال حتتمل انصاف احللول ,وال تلتقي مبادئ اإلسالم السامية ,بنجس ,الدنيا واالخرة
,إما ان نركن اىل حكم
,وإما هوى الطاغوت ّ
,إما شرع هللا ّوإما جاهلية ّ
,فإما اسالم ّ
األنظمة اجلاهلية ّ
,وإما ان نغرق يف مستنقع الظلم والطغيان .قال هللا تعاىل
هللا ّ
فأىن تصرفون"
ال يوجد االّ حق واحد وهو يف شرع هللا ,وما سواه ".فماذا بعد احلق االّ الضالل ّ
وغي وكفر وطغيان ,وان تع ّددت صور هذا الظلم والكفر ,فهو شيئفهو ابطل وضالل وظلمات ّ
واحد ,وهو كل ما خيالف شرع هللا ,سواء كان متمثال يف نظام ,او يف منهج للحياة ,او تصور
ليطهر الناس من قيئه وقذارته
وإن حال بني الفئة ,إعتقادي ,فهو الشرك والظلم الذي جاء األسالم ّ
املؤمنة والكافرة ,ثلثة من الذين يسرتزقون ويتنفعون بذلك الشرك والظلم ,فلن تنتهي بذلك املعركة
الرشد
الغي و ّ
.احلامسة بني احلق والباطل ,بني الشرك والكفر ,بني ّ
يدل على نفاقهموهؤالء الذين يسارعون يف الكفر ,ما كان ذلك ليقع ,لوال فساد اعتقادهم الذي ّ
فهل يقال للذين امنوا " من الذين قالوا امنّا أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم"القليب .قول هللا تعاىل
أمل تر اىل الذين يزعمون ا ّهنم امنوا "أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم ,ا ّن كفرهم كفر اصغر ؟ قال هللا تعاىل
مبا أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا اىل الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ويريد
صرحوا ابالميان ,هؤالء منافقون " الشيطان ان يضلهم ضالال بعيدا نفاقا اعتقاداي ,بدليل ا ّهنم ّ
فتحاكموا اىل الطاغوت ,اي اىل قوانني الكفر واالحلاد واجلاهلية ,ويزعمون ,أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم
ا ّهنم مؤمنون ,وقد ك ّذب هللا زعمهم هذا .قال هللا تعاىل يف الذين ي ّدعون االميان أبفواههم وتكذب
يتوىل فريق من بعد ذلك وما أوالئك "اعماهلم إمياهنم املزعوم
وابلرسول وأطعنا مث ّ ويقولون امنّا ابهلل ّ
نفي حلقيقة االميان بسبب تولّيهم عن اخلضوع واإلذعان لشرع هللا "ابملؤمنني
فهل يقال عن اليهود " ومن الذين هادوا مسّاعون للكذب مسّاعون لقوم اخرين"وقال هللا تعاىل
يصح ان يقول ابن عبّاس رضي هللا عنه ,ا ّن كفرهم كفر دون كفر ! وهذه
كفرهم كفر اصغر ؟ وهل ّ
االية نزلت يف اليهود ,فيا عجيب من الذين يؤولون كفر التويل واخلضوع لشرع هللا ابلكفر االصغر
,.واالية تنطق خبالق ما يقولون
حيرفون الكلم عن مواضعه يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وإن مل ُأتتوهُ فاحذروا"قال هللا تعاىل
هذه " ّ
هي خصال اليهود ,أيخذون ما هتواه قلوهبم ,ويعرضون عن ما خيالف أهوائهم ومصاحلهم العقلية
كل ,,فيحكمون بشرائع الظلم والكفر ,ويعرضون عن حكم هللا
املشتمل على كل خري ,النّاهي عن ّ
شر
ومن يُرد هللا فتنته فلن متلك له من هللا شيئا ,اوالئك "قال هللا تعاىل يف سياق هذه االايت الكرميات
يطهر قلوهبم ,هلم يف ال ّدنيا خزي ويف االخرة عذاب عظيم
فهل يقال عن الذين " الذين مل يُرد هللا ان ّ
يكون " فلن متلك له من هللا شيئا"يريد هللا فتنته ,يكون كفره كفر أصغر ؟ هل الذي يقول هللا فيهم
جمرُد كبرية من الكبائر ,يغفرها هللا ان شاء ! وهل الذين مل يُرد
كفرهم كفر أصغر ,ويكون فعلهم هذا ّ
يطهر قلوهبم وهلم يف ال ّدنيا خزي ويف االخرة عذاب عظيم ,يكون كل هذا الوعيد والتهديد
هللا ان ّ
ال ّشديد ,يف من ارتكب كبرية من الكبائر ؟ فصاحب الكبرية مهما عظمت كبريته ,فهو حتت املشيئة
يطهر قلوهبم
هلم يف ال ّدنيا خزي ويف االخرة عذاب ", ,وال يقال يف ح ّقه اوالئك الذين مل يرد هللا ان ّ
وكيف " .فالذين خسروا ال ّدنيا واالخرة ال يكون كفرهم كفر أصغر ,بل هو كفر اكرب "عظيم
هل هؤالء " حي ّكمونك وعندهم التوراة فيها حكم هللا ,مث يتولّون من بعد ذلك وما أوالئك ابملؤمنني
الذين ال يرضون حتكيم شرع هللا ,يكون كفرهم كفر اصغر ,هل هؤالء الذين يعرضون عن حكم هللا
حىت حي ّكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا يف "يكونون مؤمنني ,قال هللا تعاىل فال وربّك ال يؤمنون ّ
,وصحته بسبب االعراض عن " أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما ّ نفي حلقيقة االميان
التّحاكم اىل شرع هللا ,والتّسابق اىل قوانني الكفر والطغيان ,هلبعد هذا التأكيد ال ّشديد من احلق
سبحانه وتعاىل ,تبقى ادىن شبهة يف كفر من اعرض عن احلكم مبا أنزل هللا ؟,بل حتاكم اىل الطاغوت
شرع من دون هللا ,وب ّدل حكم هللا بقوانني رخيصة وشرد من طالب بتحكيم شرع هللا ,بل ّ ,بل طارد ّ
يكون كفره كفر اصغر ,وقد ارتكب كبرية من الكبائر ! .قال هللا تعاىل يف موضع اخر ,مبيّنا كفر ,
رد االمر عند االختالف والتنازع اىل غري شرع هللاالرسول ان "من ّ فردوه اىل هللا و ّ
فإن تنازعتم يف شيئ ّ
اي شيئ من امور احلياة ,هو " كنتم تؤمنون ابهلل واليوم االخر الرسول عند التنازع ,يف ّ فالرد اىل هللا و ّ
ّ
من موجبات اإلميان ,واجلملة شرطية ,تفيد انتفاء املشروط وهو االميان ابهلل واليوم االخر ,عند انتفاء
الرسول ,ضرورة انتفاء الالزم عند انتفاء امللزوم
رد االمر اىل هللا و ّ
.ال ّشرط ,وهو ّ
ويزيد هللا سبحانه وتعاىل تقرير مس ألة احلاكمية ,وكوهنا أصل من أصول االميان ,وعقيدة مارسها
الرسل والعلماء الرّابنيون العاملون
,الرافضون اخلنوع واالستسالم اجلبان ,االنبياء و ّ
الصادعون ابحلق ّ ّ
الرتمجة ,لنفوذ الطاغوت وهيلمانه ,وسلطانه الزائف ,وألوهيتة الواهية ,وأ ّن احلكم بشريعة هللا ,هو ّ
الراسخ يف القلب ,وأ ّن عدم احلكم مبا انزل هللا ,واإلعراض عنه ,هو الكفر
العملية لذلك اإلعتقاد ّ
ا ّان أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ,حيكم هبا "قال هللا تعاىل .االكرب ,الذي ال حيتمل صرفا وال أتويال
النبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّابنيون واألحبار مبا استحفظوا من كتاب هللا ,وكانوا عليه
شهداء,فال ختشوا النّاس واخشون ,وال تشرتوا ابايت هللا مثنا قليال ,ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك
هذه هي صفات أهل احلق ,وأهل النور,العاملني مبا على أعناقهم من أمانة التبليغ " هم الكافرون
الرسل ,والعلماء الرّابنيون ,هؤالء
واحلكم مبا أنزل هللا .فما أنزل هللا التوراة االّ ليحكم هبا األنبياء و ّ
وقفوا يف وجه الباطل بكل شجاعة ,صدعوا ابحلق ,وبلّغوا أمانة ما ,العلماء هم ح ّقا ورثة األنبياء
احلق
من هللا به عليهم ,وكانوا عليه شهداء ,ال خيشون النّاس يف قول ّ ال يلبّسون ,عندهم من علم ّ
ويف متاعها الذي ال يساوي عند هللا ,على النّاس دينهم ,طلبا لل ّدنيا ومتاعها الزائف ,زاهدين فيها
جناح بعوضة ,مل يشرتوا ابايت هللا مثنا قليال ,زهيدا ,رخيصا ,مل يكونوا عوان للطاغوت يف حربه على
احلق وجيهرون ابلباطل إرضاءا للطاغوت ,رهبة أو رغبة .هذه ,اإلسالمومل يكونوا له بوقا ,يكتمون ّ
هي صفات العلماء الرّابنيون ,مل تغرهم الدنيا وزينتها ومتاعها الفاجر ,فهم يعلمون أن احلكم مبا أنزل
هللا هو منهج األنبياء وضريبة اإلنتماء ملعسكر اإلميان ,فريق أهل احلق ,حزب هللا الذي ال يهاب ما
مادية ,وأهنم هم املنتصرون يف النّهاية مبا معهم من إميان واستعالء على أهل
عند الطاغوت من ّقوة ّ
.أما الذين استخذموا علمهم يف خذمة الطاغوت ,رهبة منهم ومن بطشه ونكايته الباطل وأنصاره ّ
احلق الذي يؤمنون بهأبهل التّوحيد ,او رغبة منهم ممّا عند الطاغوت من زينة ومتاع ولذة وهلو,فكتموا ّ
احلق
احلق وتلميع الباطل ,وص ّد النّاس عن اتّباع ّ يف قلوهبم ,ورضوا أن يكونوا عوان له يف تلبيس ّ
,ووصف تلك الثلة املؤمنة اليت رفضت ان تعبد الطاغوت ,وختضع له ,ابخلوارج وغريها من صفات
مقيتة ,طلبا ملا عند الطاغوت من متاع ,او رهبة ممّا عنده من جربوت .فكانوا عكس تلك العصبة
السجون ,أو الّيت زهقت ارواحهم النقيّة يف سبيل هللا ,أو اليت
املؤمنة ,تلك الثلة الطاهرة امللقاة يف ّ
شردت يف األرض ومل خيفها بطش الطاغوت ,فلم خيافوا النّاس وحكموا مبا أنزل هللا ,فكانوا له ّ
السماء ,قال هللا
حق امللك يف ّ حبق امللك يف األرض ,كما له ّ,مقرين له ّ
عابدين ,مستسلمني له ّ
السماء إاله ويف األرض إاله"تعاىل حبق الطّاعة والتل ّقي منه وحده " وهو الذي يف ّ
فكان إقرارهم له ّ
وكان رفضهم لشرائع الطاغوت ,والكفر هبا ,ومن عابديها وواضعيها ,,عبادة يتقربون هبا إىل هللا
الراضني حبكم الطاغوت ,,وحم ّكميها اجل العبادات ّ .أما هؤالء ّ
والرباءة منهم ,واعتزاهلم ,عبادة من ّ
السخيفة ,كافرون
ومن مل حيكم مبا "ظاملون ,فاسقون ,قال هللا تعاىل ,,واملدافعني عنه ,وعن قوانينه ّ
" أنزل هللا فأوالئك هم الكافرون
هؤالء الذين ال حيكمون مبا أنزل هللا " ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك هم الظاملون"قال هللا تعاىل
هم " والكافرون هم الظاملون"هم ظاملون الظلم األكرب ,الذي يرادف الكفر األكرب ,قال هللا تعاىل
وربوبيته ,هم ظاملون ,ظاملون بشركهم آهلة زائفة ,وطواغيت مع هللا يف سلطانه وحكمه ,وخصائصه
,فيشرعون أو يب ّدلون حكم هللا ,او يعرضون عنه وخيضعون
اش ّد الظلم ,وقد نصبّوا أنفسهم أندادا هلل ّ
يتحاكمون إليه ويق ّدمونه على ما قال هللا ورسوله .وليس هناك ظلما ,يف املقابل حلكم الطاغوت
اكرب من هذا التع ّدي على حقوق هللا وسلطانه .أل ّن حقيقة الظلم وغايته هو الشرك ابهلل ,قال هللا
أكرب ظلم هو أن جتعل هلل ن ّدا وقد خلقك ,وقد أنعم عليك ابحلياة " إ ّن ال ّشرك لظلم عظيم"تعاىل
"فأوالئك الذين خسروا أنفسهم مبا كانوا آبايتنا يظلمون",وبكثري من النّعم .وقال تعاىل
ّأما الذين يفسرون الظلم هنا ابلظلم األصغر ,فهم وامهون ,أو جاهلون أبحكام الشريعة ,فيؤولون
األلفاظ الشرعية حبسب مقاصدهم ومآرهبم وبدعتهم ,واألوىل محل ألفاظ القرآن على عرفه الشرعي
تدل
,فيكون اللفظ الشرعي إن أُطلق يبقى على ظاهره ,وال يصرف املعىن عن ظاهره إالّ بقرينة شرعية ّ
على ذلك ,ويف غياهبا يبقى املعىن على ظاهره ,أل ّن خالف هذا هو عني الكذب واإلفرتاء على هللا
,وتقويله ما مل يقله
قال هللا تعاىل
والفسق هنا أيضا يعين الفسق األكرب,أي الفسق " ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأوالئك هم الفاسقون"
ولقد أنزلنا إليك آايت بيّنات "املرادف للكفر ,قال هللا تعاىل يف بيان أن الكافر فاسق فسقا أكرب
توىل بعد ذلك فأوالئك هم "وقال تعاىل يف شأن الكافر " وما يكفر هبا إالّ الفاسقونفمن ّ
وقال تعاىل يف شأن " ومن كفر بعد ذلك فأوالئك هم الفاسقون"وقال تعاىل "الفاسقون
املنافقون واملنافقات بعضهم من بعض أيمرون ابملنكر وينهون عن املعروف ويقبضون أيديهم "املنافق
عز و "نسوا هللا فنسيهم ,إ ّن املنافقني هم الفاسقون
فاملنافق ال خيتلف يف كفره أحد ,وقد وصفه هللا ّ
جل ابلفاسق ,وهو ما يؤّكد أ ّن األلفاظ الشرعية إذا أطلقت فإ ّهنا ال حتتمل إالّ حقيقتها و أصلها
ّ
.فال ّشارع مل يعتد على استخذام لفظ الكفر لل ّداللة على املعصية أو الكبرية ,ليحتجّ بذلك من ال
ويشرع قوانني وضعية
ويتّخد من نفسه ن ّدا هلل يف التشريع والتّحليل والتّحرمي .و ,يرون كفر من يب ّدل ّ
كل النّصوص لل ّداللة على الكفر األكرب املخرج من امللّة .و ال
إ ّمنا استخذم هذا اللفظ الشرعي يف ّ
تدل عليه من كالم هللا او من كالم رسوله
يعرف الكفر األصغر إالّ بقرينة شرعية ّ
يعرب عن الكفر ابلفاظ خمتلفة ,كلفظ الظلم ولفظ الفسق ولفظ الكفر ,وال فرق بينهم
وهللا سبحانه ّ
النزول واحد ,وهي يف من ب ّدل شرع هللا ,وحتاكم إىل
يف املعىن إن جاءت مطلقة ,ال سيما أ ّن سبب ّ
حق
قوانني الكفر,فالذين حكموا بغري ما أنزل هللا هم كافرون,الغتصاهبم أحد حقوق هللا ,و ّادعائهم ّ
"أال له اخللق واألمر"التّشريع ,الذي هو أحد خصائص هللا ,الذي يرتبط مبلكه ,قال هللا تعاىل
السماء إاله ويف األرض إاله"وقال تعاىلفألوهيته ينبغي اإلعرتاف له هبا يف ",وهو الذي يف ّ
,السماء واألرض ,وممارستها على الواقع ابخلضوع له وحده ,ونفي األلوهية عن غريه ,والكفر هبا ّ
حق هللا يف احلكم وأن يكون النّاس على شريعته ,والرباءة من العابدين لغري هللا .و هم ظاملون لظلمهم ّ
,وجيردوهنم من
حق النّاس يف كرامتهم ّ يف نظام حياهتم ,وهم حبكمهم بغري شريعة هللا يظلمون ّ
جل ,إنسانيتهم ليكونوا كالقطيع اتبعني هلم الرذيلة والفسق والفجور ,كما هو حاصل يف ّ فينشرون ّ
بلدان العامل ,إن مل يكن كلّها ,ويزهقون أرواح الكثري من األبرايء ,بقوانينهم اجلائرة املستب ّدة ,ويهتكون
ويشجعون على اإلحلاد وقول الكفر واإلستهزاء بدين أعراضهم ويبيحون كل أنواع الفساد اخللقي ّ ,
حرية التّعبري
السجون واملعتقالت ,ويشنّعون ,هللا ,حتت إسم ّ ويف املقابل يلقون شباب التّوحيد يف ّ
الصفات ,إنتقاما ملذاهبم وعقائدهم الكفريّة ,وهللا املستعان ,فتصبح هذه ,عليهم ويصفوهنم أببشع ّ
يعج بكل أنواع الشذوذ الفكري واألخالقي ,وطابور اجملتمعات اليت حتكم بشريعة الغاب ,ماخور ّ
ريب .وهم فاسقون ,فسقا كل من يستم ّد منهج حياته من وحي الشيطان ,إالّ من رحم ّ يقف وراءه ّ
أكرب ال ينتطح فيه عنزان ,لكون كفرهم املتمثل يف تبديل شرع هللا ,ال يصدر إالّ من نفوس كريهة
,متردت على سلطان هللا وجربوته ,ورضيت العيش حتت سلطان الطواغيت ,وحتت آهلة زائفة
خبيثة ّ
الركون ,أو الفالح ,أو ,فإذا أطلق الكفر أو الظلم ,أو الفسق ,أو ال ّشرك ,أو اخلسران ,أو املواالة
أو ّ
غري ذلك من األلفاظ ال ّشرعية ,فهي ال حتتمل إالّ الكامل منها ,أي حقيقتها و أصلها ,ما مل أييت
نص يقيّد ذلك املطلق إىل معىن حم ّدد مقيّد.والنّصوص اليت ذكرانها تبقى على ظاهرها ,وعلى عرف ّ
ال ّشارع يف استخذام لفظ الكفر والظلم والفسق واخلسران ,لغياب نصوص أخرى تقيّدها ,أو تصرفها
صح هذا احلديث ,صاحل عن ظاهرها ,ويستحيل أن يكون احلديث املنسوب إىل ابن عبّاس ,إن ّ
لتأويل كالم هللا ,أو صرفه عن ظاهره
سبب نزول آايت املائدة 2
لألسف مرجئة العصر ,أهل األهواء و اإلرجاء ,تعلّقوا حبديث ضعيف منسوب حلرب األمة ,ابن عبّاس
رضي هللا عنهما ,وجتاهلوا بقيّة النّصوص الشرعية يف كفر من ب ّدل شرع هللا ,وهذه هي طريقة أهل
,ويغضون الطرف عن
ّ األهواء والبدع يف تعاملهم مع النّصوص ,أيخذون ما يوافق هواهم ,ويعرضون
تصرح بكفر
النّصوص اليت تكشف ضالهلم وبدعتهم ,والعجيب أ ّهنم ال يرون من النّصوص اليت ّ
احلاكم املب ّدل لشرع هللا ,إالّ اآلية الكرمية
تصرح بكفر من ب ّدل شرع " ومن مل حيكم مبا أنزل هلل فأوالئك هم الكافرون" مع أ ّن النّصوص اليت ّ
هللا ,كثرية سواء يف كتاب هللا ,أو يف سنّة رسوله الكرمي ,وكلّها قطعية ال ّداللة يف كفر من أعرض عن
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه "احلكم مبا أنزل هللا ,وحكم بقانون الطّاغوت .قال هللا تعاىل
هن ّأم الكتاب وأخر متشاهبات فأما الذين يف قلوهبم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ,آايت حمكمات ّ ّ
كل من عند ربّنا الراسخون يف العلم يقولون آمنّا به ّ
يصف هللا الذين " ابتغاء الفتنة وابتغاء أتويله ,و ّ
يرتكون احملكم ,ويتهافتون على املتشابه ,أب ّن يف قلوهبم زيغ ,وأ ّن عملهم هذا هو إرادة منهم للفتنة
,فما ابلك إذا كانت اآلية الكرمية ليست من املتشاهبات ,بل هي من أحكم احملكمات ,ومن أقوى
ردة من ب ّدل شرع هللا ,واعرض عنه إىل قوانني الكفر والطغيان .القطعيات يف بيان ّ
أ ّن اليهود جاؤوا إىل رسول هللا صلّى هللا عليم ,أفرد الشيخان ,عن مالك عن انفع عن ابن عمر
الرجل "
وسلّم ,فذكروا له أ ّن رجال منهم وامرأة زنيا ,فقال هلم رسول هللا "ما جتدون يف التّوراة يف شأن ّ
قالوا ,نفضحهم وجيلدون ,قال عبد هللا بن سالم ,كذبتم ,إ ّن فيها الرجم ,فأتوا ابلتّوراة ,فنشروها
الرجم ,فقرأ ما قبلها وما بعدها ,فقال له عبد هللا بن سالم ,إرفع يدك ,فوضع أحدهم يده على آية ّ
الرجل ينحين على املرأة يقيها
الرجم ,فأمر هبما رسول هللا ُفرمجا,فرأيت ّ
,فرفع يده فإذا آية ّ
صحة .احلجارة الصحيحني ,فيها من الفوائد الشيئ الكثري ,فاليهود مل يعتقدوا ّ
الرواية املوجودة يف ّ
هذه ّ
القانون الذي ب ّدلوه من عند أنفسهم ,بل هم ال يزالون يعلمون ويعتقدون أ ّن احلكم املوجود يف التّوراة
رد على الذين يشرتطون اإلعتقاد القليب ,أو اإلستحالل القليب لتكفري
هو الذي من عند هللا ,وهذا ّ
بل إ ّن حكم هللا مل حيذف من التّوراة ,قال عبد هللا بن سالم ,وهو من كبار علماء ,من ب ّدل شرع هللا
الرجم"اليهود
كيف حي ّكمونك وعندهم التّوراة فيها "قال هللا تعاىل .إرفع يدك " ,فرفع يده فإذا آية ّ
بل كانوا ,فحكم هللا مل حيذف من التّوراة ,ومل يعتقدوا أ ّن احلكم املب ّدل هو من عند هللا " حكم هللا
على يقني أ ّن احلكم املب ّدل هو من عند أنفسهم ,وهذا دليل على انتفاء اإلعتقاد ابستحالل اجللد
احلق ,و أ ّن ما أقدموا عليه من تبديل حلكم هللا ,هو ابطل ومل
,بل قلوهبم على يقني أ ّن حكم هللا هو ّ
الرواايت ما يؤّكد هذا املعىن
ابلرجم .وستأيت يف ابقي ّ
صحته أو حرمة احلكم ّ يعتقدوا ّ
وقد أخطأ يف هذا األمر خلق كثري ,ومنهم علماء كبار يف عصران هذا ,فاشرتطوا لتكفري املب ّدل أن
النص ال ّشرعي ,وخالف سبب نزول آايت املائدة ,كما رأينا يكون مستحالّ له,وهذا خالف ّ
عز و
الرب ّ
,لتقمصه خصائص ّ ّ جتربا وعنادا هلل
,فاملب ّدل لشرع هللا كافر ,بل طاغوت من أش ّد الطغاة ّ
ه"جل ,قال هللا تعاىل
وقال تعاىل أيضا يف موضع آخر من " إن احلكم إالّ هلل أمر أالّ تعبدوا إالّ ّإاي ّ
أمل تر إىل الذين "ومسّى هللا تعاىل املب ّدل لشرع هللا طاغوات "وال يشرك يف حكمه أحدا"كتابه العزيز
يزعمون أ ّهنم آمنوا مبا أنزل إليك وما أنزل من قبلك ,يريدون أن يتحاكموا إىل الطّاغوت وقد أمروا أن
تقمص خصائص وصفات هللا ,ويعتقد بعد ذلك أنّه ظامل فيما أقدم عليه " يكفروا به فال ينفعه ّ
مستحل
ّ يتصور وجود من يدعوا النّاس لعبادته ,ويقول بعدها أنّه ظامل وغري
,والذي يقول هبذا ,كمن ّ
يفرقون بني الذنب املك ّفر والذنب الغري ,لذلك ,وهذا من أغرب ما قالته مرجئة العصر أل ّهنم ال ّ
كل الذنوب,سواء كانت معاصي وكبائر ,أو النّواقض املك ّفر ,فيشرتطون اإلستحالل للتكفري يف ّ
جل
عز و ّالرب ّ
ويتقمص خصائص ّ ّ يشرع
,اليت دلّت الشريعة على كفر مرتكبيها,فجعلوا من ّ العمليّة ّ
,ويتّخذ من نفسه الدنيئة ن ّدا هلل يف التّحليل والتّحرمي ,كمن يشرب اخلمر أو يزين ,أو يسرق !! وهذه
ابحلق
الصادعني ّ املوحدينّ ,
قال الشيخ .من طوام القوم العجيبة اليت تص ّدى له ,جمموعة من العلماء ّ
رده على من اشرتط اإلستحالل لتكفري من ب ّدل شرع هللا أ ّن ألوهية فرعون وغريه من "أبو بصري يف ّ
السلطة الوحيدة اليت يرجع إليها
الطواغيت جاءت من جهة اتباثهم ألنفسهم خاصية التّشريع ...وأ ّهنم ّ
"وقال فرعون اي أيّها املأل ما علمت لكم من إاله غريي"فيما جيوز وفيما ال جيوز كما قال تعاىل
الرشاد"وقال تعاىل حاكيا عن فرعون ففرعون مل يزعم ",ال أريكم إالّ ما أرى وال أهديكم إالّ سبيل ّ
الرواية الثانية ذكرها امحد وغريه من العلماء االفاضلعن أيب هريرة عن الرباء بن عازب عن جابر ,و ّ
يب ,فإنّه بُعث ابلتّخفيف ,فإن
,زىن رجل من اليهود ابمرأة ,فقال بعضهم لبعض ,إذهبوا بنا إىل هذا النّ ّ
يب ,واحتججنا هبا عند هللا ,أفتاان بفتيا دون الرجم قبلناها
نيب من انبيائك ,قال ,فأتوا النّ ّ
وقلنا فُتيا ّ
السالم ,فقالوا اي أاب القاسم ,ماذا تقول يف امرأة و رجل زنيا ,فلم يكلّمهم حىت أتى الصالة و ّ
عليه ّ
السالم أنشدكم ابهلل الذي أنزل التّوراة على موسى ,ماذا جتدون
الصالة و ّ
بيت مدراسهم ,فقال عليه ّ
وجيبّه و ُجيلد
حق الزاين احملصن ,قالوا ,حيُ ّمم ُ
الصالة ,يف ّيب عليه ّفلمأ رآه النّ ّ
شاب منهم ّ , وسكت ّ
اب ,اللهم اذ نشدتين ,فإ ّان جند يفالصالة والسالم النّشد,فقال ال ّش ُّ
ظ به رسول هللا عليه ّ السالم ,ال ّ
و ّ
السالم ,فما ّأول ما ارختصتم أمر هللا ,قال زىن ذو قرابة من الصالة و ّيب عليه ّ الرجم ,فقال النّ ّ
التّوراة ّ
الرجم
,فأخر عنه ّ
مثّ زىن رجل يف إثره من النّاس ,فأراد رمجه ,فحال قومه دونه ,ملك من ملوكنا ّ
حىت جتيئ بصاحبك فرتمجه قال أبو هريرة رضي هللا عنه فاصطلحوا على , ,وقالوا ال نرجم صاحبنا ّ
الرجم هو شرع هللا ,وأ ّن ما ب ّدلوه هو من .عقوبة منهم
الرواية أيضا تشري إىل اعتقاد اليهود أ ّن ّهذه ّ
عند أنفسهم ,أي انتفاء شرط اإلعتقاد الذي يشرتطه مرجئة العصر ,لتكفري من ب ّدل شرع هللا ,أي
الرجم واستحالل التّجبيه واجللد ,وهذا ما مل تكن تعتقده اليهود عند تبديلها شرع هللا اعتقاد حرمة ّ
الرجم",حبيث قال عبد هللا بن سالم ,وهو من كبار علماء اليهود فكان ال ّدافع "فإ ّان جند يف التّوراة ّ
وراء تبديلهم شرع هللا هو حماابة ملك من ملوكهم ,ألحد أقرابئه ,وكذلك خوف وقوع الفتنة واحلرب
الرجم إىل التّحميم واجللد
بني الطّائفة الذليلة والطائفة العزيزة ,أي وجدوا يف تبديلهم لشرع هللا من ّ
يقرون يف ما
والتّجبية ,حالّ يرضي الطّرفني املتنازعني ,ومل يكن أبدا اعتقادا للحكم املب ّدل ,بل كانوا ّ
بينهم ,أ ّهنم ظاملون يف ذلك ,آمثون يف تركهم حكم هللا .فاصطالحهم على عقوبة من عند أنفسهم
.وإ ّمنا كان ذلك مصلحة رأوها جتنّبهم فتنة القتال فيما بينهم,دليل على عدم اعتقادها
,م ّر على رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم يهودي ,اخرج مسلم يف صحيحه قال الرباء بن عازب ُ
الزاين يف كتابكم ,فقالوا نعم
حمموما جملودا ,فال رسوله هللا صلّى هللا عليه وسلم ,أهكذا جتدون ح ّد ّ
,فدعا رجال من علمائهم ,فقال أنشدك ابلذي أنزل التّوراة على موسى ,قال احلرب لصاحبه ,ما
الزاين يف كتابكم ,قال ال وهللا ,لوال أنّك انشدتين هبذا ما
ط ,أهكذا جتدون ح ّد ّ نُشدت مبثله ق ّ
الرجم ,ولكنّه كثُر يف أشرافنا ,فكنّا إذا أخذان ال ّشريف تركناه ,وإذا ,أجبتك
الزاين يف كتابنا ّ
جند ح ّد ّ
حىت جنعل شيئا نقيمه على ال ّشريف والوضيع
الضعيف أقمنا عليه احل ّد ,فقلنا تعالوا ّ
فاجتمعنا ,أخذان ّ
إين ّأول من أحيا أمرك إذ أماتوه ,قال
السالم ,اللهم ّ
الصالة و ّيب عليه ّ على التّحميم واجللد ,فقال النّ ّ
الرسول ال حيزنك الذين "فأنزل هللا تعاىل ,قال الرباء بن عازب رضي هللا عنه , ,فأمر به ُفرجم اي أيّها ّ
ومن مل حيكم مبا "إىل قوله تعاىل " يسارعون يف الكفر من الذين قالوا آمنّا أبفواههم ومل تؤمن قلوهبم
" أنزل هللا فأوالئك هم الفاسقون
وهؤالء الذين يشرتطون اإلستحالل لتكفري من ب ّدل شرع هللا ,حقيقة قوهلم هو عني قول جهم بن
الضال املضل ,فال يرون الكفر ,إالّ ابإلستحالل ,أو ابإلعتقاد ,أو ابلتّكذيب,وهذا خمالف
صفوان ّ
ُ
القائلني ,أ ّن اإلميان ,اعتقاد وقول وعمل ,حقيقة مركبّة من هذه ,ملا عليه أهل السنّة واجلماعة
الرجل مؤمنا مبا معه من ,العناصرال يتخلّف العمل عن اإلعتقاد ,ألنّه الزمه وموجبه ,فال يكون ّ
,وحيب هللا ورسوله واملؤمنني ,ويبغض الشرك واملشركني ,وينقاد هلل
ّ تصديق ,حىت يذعن لإلسالم
كل دين سوى دين اإلسالم وخيلص العبادة هلل ,وخياف هللا ,ويرجوه ,ويتوّكل ,ورسوله ,ويتربأُ من ّ
.فكل فعل يكون فعله شرط يف نصت الشريعة على كفر من أاتها ّ عليه ,و أن ال أييت ابلنّواقض اليت ّ
كل فعل يكون تركه كفر
,صحة اإلميان يكون تركه انقض من نواقض اإلميان ,و ّ
يكون فعله شرط يف ّ
الرجل مصدقا إىل
خيتص ابلتّكذيب كما زعمت املرجئة ,بل قد يكون ّ
صحة اإلميان .فالكفر ال ّ
ّ
إالّ "كما كفر أبليس مع ما معه من تصديق ,قال هللا تعاىل ,درجة اليقني ,ومع ذلك يكون كافرا
إبليس أىب واستكرب وكان من الكافرين " "قال أان خري منه خلقتين من انر وخلقتين من طني " "قال
فبما أغويتين ألقعد ّن هلم صراطك املستقيم " " قال بعزتك ألغوينّهم أمجعني إالّ عبادك
ريب فأنظرين إىل يوم يبعثون""املخلصني
يتبني من هذه اآلايت الكرميات ,فإبليس كان " قال ّ فكما ّ
املقربني ,ورأى هللا سبحانه رأي العني,واعرتف هلل بربوبيته وابخللق ,من أش ّد النّاس تصديقا
وكان من ّ
تصر بعض
مكذاب ,ومل يكن كفره من جهة التكذيب كما ّ ّ ,ويص ّدق بيوم البعث فهو حتما مل يكن
الزيغ والضالل ,و إ ّمنا كان كفره من جهة اإليستكبار وعدم اإلنقياد لشرع هللا ,وهذا مناط آخر فرق ّ
الصالة
بنبوة حممد عليه ّصرحت اآلية الكرمية .وكذلك اليهود كانوا مص ّدقني ّ غري التّكذيب ,كما ّ
الرسالة ,ومل يدخله
ابلنبوة و ّ
أقر لرسول هللا ّ السالم ,وكانوا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ,ومنهم من ّ
و ّ
ذلك يف اإلميان ,لعدم انقياده حلكم هللا ,وإلعراضه عن العمل بشريعة اإلسالم ,قال هللا تعاىل
السالم " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون آبنائهم" الصالة و ّ
حممد عليه ّفاليهود يعرفون ّ
حق املعرفة ,أكثر من معرفة أبنائهم ,وهذا عني التّصديق ,وعدم التّكذيب ,لكنّهم ويعرفون صفاته ّ
نيب من غري بين إسرائيل ,ولعدم انقيادهم ملا يعرفونه يف قلوهبم أنّه ,كانوا كافرين
لبغضهم أن يكون ّ
احلق ,الذي جيب أن يتّبع .فبغض دين اإلسالم مع التّصديق يف القلب إىل درجة اليقني كفر أكرب ّ
الرسول كفر ,قال هللا تعاىلو إذا "خمرج من امللّة ,وعدم اإلنقياد لشرع هللا مع العلم بصدق خرب ّ
الرسول رأيت املنافقني يص ّدون عنك صدودا فالص ّد عن دين هللا " ,قيل هلم تعالوا إىل ما أنزل هللا و ّ
ويقولون آمنّا ابهلل "واإلعراض عنه ,عمل من األعمال وهو كفر من عمل املنافقني ,وقال تعاىل
يتوىل فريق من بعد ذلك وما أوالئك ابملؤمنني
وابلرسول وأطعنا مث ّ نفى هللا عنهم اإلميان لتولّيهم " ّ
عن اخلضوع لشرع هللا ,وليس ملا يف قلوهبم من تكذيب أو استحالل ,والذي يقول هبذا خيالف قول
السالم
الصالة و ّ
قلوهبم"الرسول عليه ّ
ّ نشق على
وهؤالء يشرتطون الغوص يف قلوب " مل نؤمر أن ّ
وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم "النّاس ,ملعرفة هل هم مؤمنون أم كافرون .وقال تعاىل عن فرعون
وعلوا
احلق الذي جيب اتّباعه "ظلما ّ السالم هو ّ لكن مناط ,فيقينهم يف قلوهبم أ ّن دين موسى عليه ّ
السلطات اليت يعبّد هبا
كفره كان من جهة اإلستكبار عن اخلضوع لدين موسى ,والتّنازل عن بعض ّ
الرشاد"النّاس ,قال هللا تعاىل حاكيا عن فرعون
"ما أريكم إالّ ما أرى وما أهديكم إالّ سبيل ّ
فخوف فرعون عن ملكه وعن ضياع سلطانه ,كان من أقوى ال ّدوافع اليت منعته من اإلنقياد لدين
السالم فجحد ابلقول والفعل الظاهر مع اليقني يف القلب ,وليس لتكذيب يف القلب موسى عليه ّ
قوي على الذين حيصرون اجلحود يف القلب ,مع أ ّن اجلحود أضال ال يكون إالّ ابلظاهر , رد ّ .وهذا ّ
لكن الظاملني آبايت هللا جيحدون"كقوله تعاىل
ففرق هللا سبحانه بني اجلحود "فإ ّهنم ال يك ّذبونك و ّ
ّ
الذي يكون ظاهرا ابلقول والفعل ,وبني التّكديب الذي يكون يف القلب كجحود فرعون مع يقينه
.يف قلبه
وقد ّنزل غليكم يف "قال هللا تعاىل يف بيان أ ّن الكفر يكون ابلقول والفعل مع وجود التّصديق القليب
حىت خيوضوا يف حديث غريه الكتاب أن إذا مسعتم آايت هللا يُكفر هبا ويُستهزء هبا فال تقعدوا معهم ّ
جمرد عن اإلعتقاد " إنّكم إذا مثلهم,
فاجللوس مع الطّاعنني يف دين هللا املستهزئني آبايته كفر ّ
واإلستحالل القليب,واملرجئة ختبّطت كثريا يف هذا املوضع,سواء مرجئتها أم غالهتا ,مع أ ّن فقهائها
فحكموا على من ارتكب عمال كفراي ابلكفر ,وعلّلوا ذلك ,كانوا أهون يف استدالهلم على الكفر
الرجل مص ّدقا ومع ذلك الكفر الظاهر على انتفاء التّصديق ,مع أنّه ال تالزم بينهما ,فقد يكون ّ
يكون كافرا ,كما بيّنا يف ما سبق ,وفساد قوهلم هذا راجع إىل أ ّن الكفر ال يكون إالّ ابلتّكذيب ,أل ّن
.اإلميان هو التّصديق
" قل أابهلل و آايته كنتم تستهزؤون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم"قال هللا تعاىل
وقال تعاىل
فقوهلم الكفر كاف لتكفريهم " حيلفون ابهلل ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسالمهم"
مستقل عن ما يف قلوهبم ,,مع أ ّهنم كانوا مؤمنني ,بشهادة القرآن
ّ واستهزائهم بدين هللا و آايته كفر
من تصديق أو تكذيب ,لكنّه دليل على فساد عمل القلب ,فأعمال اجلوارح ختضع إلرادة القلب
الصالح أو الفساد القليب ,إذ ,
ابلصالح أو الفساد ,تكون اجلوارح اتبعة لذلك ّ وحبسب عمله ّإما ّ
يستحيل أن يكون الباطن مؤمنا ,منقادا هلل ورسوله ,حمبّا لدين هللا ,مبغضا لدين الك ّفار ,وتكون
,متمردة على دين هللا ,مقاتلة جلماعة املسلمني ,هذا ال حيصل أبدا إذا قلنا أ ّن
أعمال اجلوارح فاسدة ّ
اإلميان اعتقاد وقول وعمل ,والظاهر اتبع للباطن منقاد له ,يعمل حبسب إرادته ,وال يتخلف عنه
.أما مرجئة العصر فهم ال يك ّفرون من أتى قوال أو فعال كفراي ,وال يرون ذلك الفعلأبدا وال يضاده ّ
صرح الفاعل مبا يف الكفري دليل على التّكذيب ,و إ ّمنا يشرتطون قصد الكفر ,وهذا ال يُعرف إال إذا ّ
شر الفرق يف اإلميان والكفر .قال ابن تيمية رمحه هللا
إ ّن "قلبه من استحالل أو تكذيب ,فكانوا ّ
الساب يعتقد أ ّن ذلك سب رسوله صلّى هللا عليه وسلّم كفر ظاهرا وابطنا ,سواء كان ّ
سب هللا أو ّّ
حمرما أو كان مستحالّ له أو كان ذاهال عن اعتقاده قل هل أنبّئكم ابألخسرين "قال هللا تعاىل " ّ
ضل سعيهم يف احلياة ال ّدنيا و هم حيسبون أ ّهنم حيسنون صنعا
فهؤالء الذين كفروا مل " أعماال الذين ّ
الصواب ,ومع ذلك كفروا ,يقصدوا الكفر ,بل كانوا يظنون أ ّهنم حيسنون صنعاوأ ّن أعماهلم هي عني ّ
رد على الذين يشرتطون قصد الكفر لتكفري من أتى قوال أو فعال كفرّاي
,وهذا ّ
وما "فمن طعن يف دين هللا يكفر بذلك الطّعن ,وهو كافر الستخفافه بقدر هللا ,قال هللا تعاىل
حق قدره
الرجل مؤمنا ,وليس يف قلبه تعظيم " قدروا هلل ّ فانتفاء التّعظيم من القلب كفر ,وال يكون ّ
هلل ولدينه ,بل استخفاف وازدراء وتن ّقص ملقامه ولدين هللا ,مع أنّه قد يكون يف قلبه معتقد أ ّن دين
مستحل لطعنه يف دين هللا ,وقد يكون الذي
ّ الضالل ,غري
اإلسالم هو احلق ,وا ّن خالفه هو الباطل و ّ
دفعه إىل ذلك هو إرضاءا لقوم يبغضون دين هللا ,طلبا ملا عندهم من ل ّذات ,أو منصب ,أو طلبا
عم
لرايسة وسلطة ,أو خوفا من ضياع دنياه ,وزينتها من بني يديه ,وهذا هو عني كفر أيب طالب ّ
حممد الذي يعلم صدقه يف قلبه
رسول هللا ,فقد آثر منزلبه بني قومه ,ومكانته بينهم ,على اتّباع دين ّ
,فكفر ابإلمتناع عن اتّباع دين هللا ,وتولّيه عن اخلضوع واإلنقياد لشرعه مع وجود التّصديق يف قلبه
مطمئن ابإلميان ,ولكن من شرح ابلكفر صدرا ",قال هللا تعاىل
ّ من كفر بعد إميانه إالّ من أكره وقلبه
فكانوا كافرين ليس من أجل ",فعليهم غضب من هللا ,ذلك أب ّهنم استحبوا احلياة ال ّدنيا على االخرة
تكذيبهم ,ولكن من أجل إيثار احلياة ال ّدنيا وشهواهتا على ما يف قلوهبم من تصديق ويقني
وهؤالء الذين يرون كفر هؤالء املب ّدلني لشرع هللا ,احلاكمني بشرائع الكفر والطغيان ,كفرهم كفر
حجة دامغة ,سوى كالم بئيس منسوب ,أصغر إ ّمنا حقيقة عملهم استدراك على كالم هللا من غري ّ
الساطعة ؟
االمة ابن عبّاس رضي هللا عنهما .أينهم من هذه احلجج ّ
حلرب ّ
وهذا غري صحيح ,فاهل العلم ال خيرجون بقاعدة شرعية ابلنظر اىل دليل واحد يف مسالة تعددت
ادلتها ,بل يبنون قواعدهم على اساس اجلمع بني النصوص الشرعية ذات العالقة ابملسالة ,فيخرجون
الصحيحة.اما اهل البدع فهم يرتكون احملكم ويتهافتون على املتشابه ,يرتكون القطعي
ّ ابلقاعدة
هن ّام
الظين ,قال هللا تعاىل "هو الذي انزل عليكم الكتاب منه اايت حمكمات ّ ,وجيرون وراء ّ
فاما الذين يف قلوهبم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء اتويله
الكتاب واُخر متشاهبات ّ ,
كل من عند ربّنا " مسّى هللا الذين يرتكون
وما يعلم اتويله االّ هللا والراسخون يف العلم يقولون امنّا به ّ
احملكم ويتبعون املتشابه ,يف قلوهبم زيغ
الصنهاجي"
الكاتب " أبو جندل ّ