Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫تحضيرالمحور الرابع في االبستمولوجيا‬

‫حمود نهاد‬
‫الفوج ‪2‬‬

‫المقدمة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ظل علم السياسة منذ تأسيسه حقال معرفيا غير مستقر‪ ،‬وشهد حركات تستهدف إعادة صياغة طبيعته "الدوالتية"‪ .‬من خالل هذا‬
‫المقال تمت مقارنة خمس حركات بارزة عملت على إحداث تغيير جوهري في علم السياسة‪:‬‬
‫‪" -‬النزعة الدوالتية" ‪( Statism‬التمحور حول الدولة وجعلها مرجعية للتحليل)‪ :‬وهي النزعة التي رافقت مسيرة هذا الحقل خالل‬
‫بواكير سعيه الكتساب المهنية‪.‬‬
‫‪" -‬النزعة التعددية" ‪ :Pluralism‬وقد برز هذا التوجه مع نهاية العقد الثاني وبداية العقد الثالث من القرن العشرين‪.‬‬
‫‪" -‬النزعة السلوكية" ‪( Bahavioralism‬ظهرت منتصف القرن العشرين)‪.‬‬
‫‪ -‬االتجاه نحو إرساء "علم سياسة جديد" ‪( New Political Science‬وذلك خالل نهاية الستينيات وبداية التسعينيات)‪.‬‬
‫‪ -‬التيار المعروف حديثا بـ "بريسترويكا علم السياسة" (تزامن ظهوره مع بدايات القرن الحادي والعشرين)‪.‬‬

‫ُمل‬
‫النزعة الدوالتية ا ؤسسة لحقل علم السياسة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫النزعة الدوالتية هي النزعة التي رافقت مسيرة حقل علم السياسة خالل بدايات سعيه الكتساب المهنية‪ ،‬وهي النزعة التي تمحور‬
‫حول الدولة وجعلها مرجعية للتحليل‬
‫وتعني هذه النزعة التركيز على دور الدولة في الحياة السياسية واالجتماعية‪ ،‬وتحليل العالقات بين الدول والتأثيرات السياسية للدولة‬
‫على المجتمعات‬
‫وقد ركز بعض الباحثين في االتجاه الدوالتي الذي يقدس الدولة على معارضة الطابع الفدرالي للدولة بدعوى جعل الواليات المتحدة‬
‫األمريكية أكثر توحدا‬
‫ومن المهم اإلشارة إلى أن هذا االتجاه المعرفي "الدوالتي" لم يتعرض للمقاومة من داخل الحقل المعرفي ألن الذين جاءوا على‬
‫أنقاضهم ظلوا خارج الحدود التي رسمت لهذا العلم الناشئ‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أن أصحاب النزعة الدوالتية كانت لديهم مآخذ على الجانب المنهجي‬
‫ألعمال من يصفونهم بالتعددين المنادين بتعدد الفواعل للمشاركة في صناعة القرار السياسي‪ ،‬فإن طالئع الثورة المرسومة بـ‬
‫التعددية الذين طالما وصف أتباعها بـ الهواة في مقابل الدوالتية الذين أضفوا الطابع االنضباطي على الحقل‪ ،‬إّال أن منهجية البحث‬
‫لدى هؤالء جميعا لم تكن تخضع لقواعد يمكن تقفي أثرها أو م ارجعها ألنها كانت تنطوي على‬
‫التجميع الفوضوي للمعطيات وتقديمها بطريقة وصفية بحته‪.‬‬
‫ولم يتعرض هذا االتجاه المعرفي الدوالتي للمقاومة من داخل الحقل المعرفي ألن الذين جاء على أنقاضهم ظلوا خارج الحدود التي‬
‫رسمت لهذا العلم الناشئ‪ ،‬ورغم ان الدوالتين يقرون بالتعدد إّال أنهم يطلقون عليه وصف (التجزئة) بل ويعتبرونه مشكلة يتعين حلها‬
‫ال وضعية ينبغي تثمينها‪ ،‬كما أن البحث وتحليل الظواهر السياسية كان مفتوحا للجميع السيما القادمين من حقول معرفية أخرى‬
‫مجاورة لحقل علم السياسة وساهم في ابطاء تطور هذا الحقل المعرفي لغياب منهجية واضحة كما أنه لم يكن من السهل التمييز بين‬
‫النوازع الذاتية وأولويات البحث‪ ،‬والبحث عن حقيقة عمل المؤسسات الدستورية وهو مشكل ظل قائًما لها‬
‫إلى أن تم ظهور أول تحدي با ارديمي أنطولوجي للدوالتين يتمثل في النزعة التعددية‪.‬‬

‫أول تحدي أنطولوجي في حقل علم السياسية التعددين في مقابل الدوالتين‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫خالفا لما قد يعتقد البعض‪ ،‬فإن ازدياد قوة التحدي المعرفي الذي واجهته ذوي النزعةالدوالتية لم يكن مصدره باحثين من خارج‬
‫البردايم بل من داخله "فبقهون وولسن" كانا أول‬
‫من انتبه إلى أنه وخلف المؤسسات الرسمية للدولة كانا هناك مؤسسات غير رسمية فاعلة‬
‫وتمارس ضغطا معتب ار على عملية ضع الق ارر وكما سبق وحللنا أن الدوالتين يرون في التعدد مشكلة يتعين حلها وليس وضعية‬
‫ينبغي تثمينها‪ ،‬هذه هي الحقيقة التي يشير إليها مؤلف األستاذ آرثر بنتلي المعنون بـ عملية الحكم ‪The process of government‬‬
‫وفي كتابه أصدره الحقا المعنون بـــــ "صانعوا القارر‪ :‬المعنيون بالقارر والمتحكمون في اللعبة السياسية"‪ ،‬عبر بنتلي عن إدانته‬
‫لهيمنة مجموعات المصالح على السياسة األمريكية‪ ،‬ولكن مع أن نظام الدولة المركبة قد تعرض للنزيف مع قدارته للتحكم في العديد‬
‫من األجهزة‪.‬‬
‫غير أن التعددية المعيارية أضحت تحتل حي از مت ازيدا مع ظهور مؤلفات "هارولد‬
‫السكي" ‪، 1917‬و"ماري بيركت فيوليت"‪ ،1918‬كان كالهما متأثرين بفلسفة "وليم جيمس"‬
‫التي شددت على نبذ تحكم الدولة ومنحها حقا حصريا إلدارة شؤون الفرد ومن هنا يمكن استشفاف حقيقة أن مفهوم التعدد لدى ذوي‬
‫النزعة التعددية ال يرتكز على تعدد المصالح بل على تعدد الوسائل‪ ،‬أما "فيوليت"‪ ،‬قد كانت من دعاة تنظيم المجتمع في جماعات من‬
‫القاعدة باتجاه القمة‪ ،‬معارضة بتلك الهندسة االجتماعية التي كانت تعتمد على االتجاه العكسي من القمة باتجاه القاعدة ‪،‬وقد طرحت‬
‫فيوليت سؤاًال وجيهًا ما الذي يمكن عمله بالتعددية؟‪ ،‬لكنها تلقتردًاقويامنالدوالتينكلمايجبالعملب التعدد هو إزالته‪ ،‬أمامبرارت "فيوليت"‬
‫فهي غامضة وصعبة التطبيق إنما أن "قانيل ‪ ،Gunnel‬يرى خالفا للباحثين آخرين أن صعود النزعة التعددية في العشرينات يعتبر‬
‫الثورة المعرفية الوحيدة التي شهدتها حقل علم السياسة في أمريكا‪.‬‬
‫لقد حاول درزيك فحص مدى ثورية الطرح التعددي فوجد أنه بالنسبة لبعض الباحثين يعتبر صعود هذا التيار بمثابة الثورة المعرفية‬
‫الحقيقية "فجورج كاتلين" أحد المدافعين عن النزعة التعددية كان يرى أن التعدد يعود على اختالف مصالح المجموعات المشكلة‬
‫للنسيج الوطني ال على تعدد تجارب هذه المجموعات ووسائلها‪ ،‬وحسب "كاتلين" التمعن في أعمال كالين يساعدنا على استشفاف‬
‫وجوه تقارب كبير بينه و بين االتجاه الدوالتي‪ ،‬فالدولتيون أنفسهم كانوا يعترفون بالتعدد وهنا يتضح أن الشيئ الثوري الوحيد لدى‬
‫التعددية هو الشق المعياري لطرحهم وهذا لم يحظى بالقبول في علم السياسة إّال في خمسينيات القرن العشرين‬
‫وحينها الصيغة المتيناه للتعدد ترتكز على المصالح العلى تعدد القيم‪.‬‬

‫التحول البراديمي األول‪ :‬ذوي النزعة السلوكية في مقابل ذوي النزعة التعددية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بعد قرابة نصف قرن من سيطرة البرادايم الدوالتي ومع خفاق البرادايم التعددي في تحويل أجندة البحث في علم السياسة عن‬
‫اهتماماتها األنطولوجية مما أدى إلى ظهور ذوي النزعة السلوكية والتي ركزت على المستوى المنهجي وكانت بمثابة نقطة ضعف‬
‫الرئيسية للبرديمات السابقة‪ ،‬وهي تندرج ضمن النقاش النظري الثاني في محاولة لتجاوز حالة اإلفالس المنهجي للواقعية التقليدية‪،‬‬
‫ويعتبر النقاش الثاني حالة استقطاب بين أولئك الذين يعتقدون بإمكانية استخدام مناهج العلوم الطبيعة أو على األقل المناهج التي تم‬
‫توصيفها من قبل فالسفة علم السياسة الوضعين في دراسة السياسة الدولية‪ ،‬في مقابل اولئك المتحفظين عن قابلية العالم االجتماعي‬
‫للدولة باستخدام المناهج اإلمبريقية للعلوم الطبيعة‪.‬‬
‫وتمتد هذه المرحلة من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الى نهاية الستينات‪ ،‬أصبح فيها علم السياسة يركز على ثوابت السياسة‪،‬‬
‫ويدرس الظواهر السياسية‪ ،‬دراسة منهجية وتحليلية وموضوعية‪ ،‬حيث ساعد هذا التيار علم السياسة في التركيز على تحليل السلوك‬
‫السياسي‪ ،‬الذي يفترض وجوده ضمن نظام‪ ،‬يكون فيه محكوًما بقوانين وضوابط تؤثر فيه ويتأثربها‪.‬‬
‫يعتقد التيار السلوكي أن مهمة علماء السياسة هي اكتشاف هذا االنتظام في السلوك اإلنساني‪ ،‬عبر دراسته دراسة كمية واحصائية‪،‬‬
‫وذلك من خالل تحرير الدراسات السياسية من الدراسات الفلسفية والتاريخية والقانونية‪ ،‬واستعارة المنهج المستخدم في الدراسات‬
‫التطبيقية‪ ،‬اهتم السلوكيون بالسلوكيات المتكررة وليست الفردية‪ ،‬حيث يقوم البناء النظري على القدرة على التعميم‪ ،‬وإطالق األحكام‬
‫العامة التي تكون تحليلية وليست معيارية أو وصفية أو تفسيرية‪.‬‬
‫التطور من حيث المناهج (أدوات التحليل)‬ ‫أ‌‪-‬‬
‫قبل انتشار المناهج التحليلية الحديثة التي برزت مع الثورة السلوكية‪ ،‬كان المنهج المعتمد هو المنهج الكالسيكي والمنهج التقليدي‪،‬‬
‫الذي ظل يربط ما بين األخالق والسياسة منطلًق ا‪ ،‬من فرضية سكون الظاهرة السياسية الستاتيكية (‪ ،)statique‬بمعنى أَن الظاهرة‬
‫السياسة هي ظواهر ثابتة وغير متحركة‪.‬‬
‫المنهج الكالسيكي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ساد هذا المنهج خالل المرحلة الفلسفية‪ ،‬حيث ارتبطت السياسة بالفلسفة السياسية‪ ،‬التي تدرس األزمات السياسية بالتركيز على‬
‫مسبباتها ونتائجها‪ ،‬لكنه قدم لنا تصورات كبرى مثالية (حلول مثالية)‪ ،‬بأسلوب فلسفي تأملي من منطلق البحث عن القيم ضمن ما‬
‫يجب أن يكون‪ ،‬وبدأت فيه المعرفة من مقدمات ميتافيزيقية‪ ،‬ومع بروز تيارات الفكر الكنسي المسيحي تحول المقدمات المنهجية الى‬
‫مقدمات دينية مرتبطة بالالهوت‪ ،‬بمعنى تفسير أسباب حدوث الظواهر السياسية بقوى كخفية تأليه الحكام‪ ،‬وما ينجر عنها من تقديس‬
‫قرارات المؤسسات الدينية‪ ،‬واضفاء شرعية على تدخل الرجال الدين (الكهنة وخدام المعابد وحتى السحرة) في الحياة السياسية‪.‬‬
‫‪-‬المنهج التقليدي‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫انحسر المنهج الكالسيكي مع انحصار سيطرة الفلسفة على علم السياسة‪ ،‬ومع حصول الشرخ بين الفلسفة و باقي العلوم‪ ،‬وبالضبط‬
‫عندما أصبح المفكرون أكثر جدية‪ ،‬في معالجة القضايا السياسية‪ ،‬ضمن قالب ما هو كائن‪ ،‬حيث لم تعد الدراسات السياسية‪ ،‬تعنى‬
‫بأسلوب الوصفات والحلول التأملية للمشاكل الطارئة كالثورات‪ ،‬قضايا المواطنة‪ ،‬عندها برز المنهج التقليدي‪ ،‬الذي استمد حضوره‬
‫من عالقة علم السياسة بالقانون و التاريخ‪ ،‬وينقسم هذا المنهج إلى‪:‬‬
‫الواقعيون‪ :‬برزوا خالل القرن ‪ 16‬ويأتي على رأسهم مكيافيللي‪ ،‬و يحسب لصالح هذا االتجاه أَن أنصاره قد انطلقوا من‬ ‫أ‌‪-‬‬
‫َا‬
‫مقدمات واقعية عكس سابقيهم‪ ،‬لكن ال يمكن وصف إسهاماتهم بالعلمية‪ ،‬نظر لعدم استخدام المنهج العلمي التجريبي‪.‬‬
‫القانونيون‪ :‬ظهر هذا االتجاه مع نجاح الثورة الفرنسية‪ ،‬التي كان من إفرازاتها‪ ،‬أَن الشعب هو مصدر السلطات‪ ،‬لكن‬ ‫ب‌‪-‬‬
‫يحكمه وينظمه القانون‪ ،‬أما من الناحية المنهجية‪ ،‬فعلى الرغم من أَن الدراسات القانونية‪ ،‬قد أبقت على معادلة دراسة‪ ،‬ما يجب أْن‬
‫يكون وليس ما هو كائن‪ ،‬إاَل أَن من إيجابيات هذا المنهج‪ ،‬أَن ُه قد ساعد الدراسات السياسة على التركيز على موضوع الدولة‬
‫والحكومات والمؤسسات الرسمية‪ .‬حيث انشغل علم السياسة خالل هذه الفترة‪ ،‬بالبحث في تفاصيل عمل المؤسسات الرسمية و‬
‫خاصة البرلمانية‪ ،‬أما فيما يتعلق بسلبيات‪ ،‬اعتماد الدراسات السياسية على التحليالت القانونية الجامدة‪ ،‬فقد تجلت في تجاهل دراسة‬
‫وتحليل كل ما هو خارج القانونية أو الدستورية‪ ،‬مما جعله منهًج ا منحاًز ا علمًيا للبعد المؤسساتي على حساب بقية األبعاد األخرى‪،‬‬
‫حيث يرى أنه( ال توجد ظواهر سياسية قابلة للتحليل خارج األطر الدستورية)‪ .‬هذا إلى جانب تقديم تفسيرات للتفاعالت السياسية‬
‫الداخلية أو الخارجية على أسس قانونية‪ ،‬بمعنى ال تعدوا عن كونها مجرد مجموعة من الحقوق وتقابلها مجموعة من الواجبات‪ .‬إَن‬
‫التركيز على البعد القانوني فقط في دراسة وفهم الظواهر السياسية‪ ،‬قد أثبت ضعف هذا التيار‪ ،‬الذي ركز بدوره على الوصف بدل‬
‫التحليل والبحث‪.‬‬

‫الفلسفة الوضعية(الوضعيون)‪.‬‬ ‫ت‌‪-‬‬


‫ظهرت الفلسفة الوضعية خالل القرن‪ ،19‬كما حددها "أوغيست كونت" الذي اتخذ من كلمة‪ positive‬أساسا لها وأحدث‬
‫(القطيعة مع الفكر الالهوتي)‪ ،‬أي االنطالق من كل ما يركز على الدقة والواقع و اليقين‪ ،‬وتجنب احتكام الدولة ومؤسساتها وأفرادها‬
‫إلى جانب المختصين بدراسة الظواهر السياسية إلى الميتافيزيقية والالهوت‪ ،‬بحًث ا عن إجابات ال يمكن إيجادها في هذه األخيرة‪ ،‬ألن‬
‫القضايا السياسية تنتمي إلى مجال العلوم والمعرفة‪ ،‬وليس إلى الخرافة أو األسطورة أو الدين‪ ،‬وهذا ما عزز من أهمية المنهج‬
‫التجريبي ( المالحظة والقياس والتجربة)‪ .‬فمع البداية سيطرت المدرسة الوضعية على المجهودات الفكرية و العلمية‪ ،‬في تلك الفترة‪،‬‬
‫حيث بدأ البحث في ما هو كائن على أرض الواقع‪ ،‬وليس ما يجب أن يكون‪ ،‬هنا تأكدت استحالة المواصلة أو العودة إلى الفلسفة‬
‫السياسية أو االستعانة بالتحليل الديني أو األخالق (نظرة الكنسية)‪.‬‬
‫من إيجابيات النزعة الوضعية ‪:‬‬
‫كان انتشار الفكر الوضعي بمثابة الدعوة الجماعية‪ ،‬التي تمخضت عنها القطيعة المعرفية األولى‪ ،‬بين علم السياسة والعلوم‬ ‫‪-‬‬
‫االجتماعية األخرى‪ :‬التاريخ‪ ،‬القانون‪ ،‬الفلسفة‪.‬‬
‫التركيز على دراسة المحددات والمتغيرات العملية السياسية‪ ،‬وكشف العالقات والتفاعالت بين البنى والمؤسسات المشكلة‬ ‫‪-‬‬
‫للنظام السياسي‪ ،‬وليس االكتفاء فقط بالوصف القانوني أو السرد التاريخي أو التقييم الديني أو األخالقي‪.‬‬
‫من سلبياتها‪:‬‬
‫بالرغم من الثورة التي أدخلتها المدرسة الوضعية على العلوم االجتماعية‪ ،‬إَال أَن ما يحسب عليها‪ ،‬هو عدم وجود مناهج علمية حديثة‬
‫ومتطورة‪ ،‬تتكيف مع الظاهرة السياسية التي تتسم بالتغيير وعدم الثبات‪ ،‬إلى جانب عدم القدرة على تعميم النتائج المتوصل إليها‪،‬‬
‫وذلك لحصر نماذج الدراسة على مناطق جغرافية دون غيرها‪.‬‬
‫نقد المنهج التقليدي‪:‬‬ ‫•‬
‫من عيوب هذا المنهج أنه منهج وصفي‪ ،‬غارق في وصف األبعاد التاريخية والجوانب القانونية‪ ،‬للنظم السياسية القائمة دون الدخول‬
‫في عالم التحليل‪.‬‬
‫هو بطبيعته منهج محافظ يهتم باالستقرار و يبحث في العوامل المؤدية أو المحافظة على الوضع القائم (ستاتيكو)‪ .‬وعليه‬ ‫‪-‬‬
‫ساهمت هذه العيوب في تراجعه دون اختفائه نهائًيا‪ ،‬ومباشرة كان المنهج البديل جاهًز ا‪ ،‬وأخذ الشكل السلوكي‪.‬‬
‫‪ -3‬المنهج السلوكي‪:‬‬
‫شكل هذا المنهج ثورة علمية وأحدث قطيعة ابستيمولوجية كاملة‪ ،‬مع المناهج والطرق المختلفة‪ ،‬حيث أضفى المزيد من العلمية‬
‫على هذا الحقل المعرفي‪ ،‬وأهم ما أسس له هذا المنهج هو إبعاد الدراسات السياسية عن اإلطار الوصفي إلى اإلطار التحليلي‪ .‬فمع‬
‫انطالق السلوكية من أطروحات عالم النفس األمريكي{ واطسون} الذي رفض مدرسة التأمل الباطني الذاتي للظواهر النفسية‪ ،‬ألن‬
‫االعتماد على األسلوب التأملي ال يؤدي إلى بلورة معرفة علمية‪ ،‬تستند إلى قواعد واضحة ومعلنة يمكن التحقق منها‪ .‬أكدت السلوكية‬
‫أن السلوك اإلنساني هو ظاهرة قابلة للمالحظة‪ ،‬وبالتالي للتحليل العلمي‪ ،‬وتؤكد السلوكية على ضرورة استعارة المناهج التحليلية‪،‬‬
‫وخاصة المنهج التجريبي من العلوم التطبيقية‪ ،‬وإقحامها في الدراسات السياسية‪ ،‬وبالتالي فإن علمية هذا التيار ممكنة ومرغوبة وال‬
‫بد من تحقيقها‪.‬‬

‫مسلمات التحليل السلوكي‪:‬‬ ‫•‬


‫تفترض السلوكية أَن السياسة متكونة من أجزاء مترابطة وعناصر متداخلة‪ ،‬تشكل الكل االجتماعي (تؤثر وتتأثر مع وفي‬ ‫•‬
‫بعضها)‪.‬‬
‫تفترض السلوكية أنه بالرغم من وجود هذا التداخل‪ ،‬إَال أنه يمكن فرز هذه األجزاء فرًز ا ذهنيا‪.‬بمعنى‪ :‬أَن التحليل السياسي‬ ‫•‬
‫يتضمن فرز الجزء السياسي‪ ،‬وتمييزه عن باقي األجزاء األخرى‪ ،‬كالجزء االقتصادي‪ ،‬الثقافي‪ ،‬القانوني ‪،‬التاريخي‪ ،‬النفسي‪ ،‬من أجل‬
‫دراسته دراسة مستقلة وفهم عالقاته بتلك األجزاء‪.‬‬
‫يكمن الهدف من الفرز الذهني في فهم الظاهرة السياسية‪ ،‬وتوضيح موقعها وتقييم تأثيرها وتأثرها باألجزاء االجتماعية‬ ‫•‬
‫األخرى‪.‬‬
‫ومنه يهدف التحليل السلوكي إلى البحث عن النظرية السياسية العامة‪ ،‬القادرة على تحليل المعطى السياسي (شرح‬ ‫•‬
‫أسباب ودوافع السلوك السياسي)‪ .‬حيث ال يتوقف عند تحليل العالقة الخارجية للظاهرة السياسية ومع باقي األجزاء المشكلة للكل‬
‫االجتماعي فقط‪ ،‬بل يتعداه إلى البحث في األجزاء المكونة للجزء السياسي الذي يتكون بدوره من أجزاء فرعية كالنخبة السياسية‪،‬‬
‫الثقافة السياسية السائدة‪ ،‬المؤسسات السياسية الرسمية منها وغير الرسمية‪ ،‬والطبيعة وحجم التفاعالت بينها ومنه يتحول الجزء‬
‫السياسي إلى الكل ‪.‬‬
‫ما يحسب لصالح المنهج السلوكي ‪:‬‬ ‫•‬
‫ساعد على تحلل الدراسات السياسية عن الدراسات التقليدية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ضبط بوصلة علم السياسية على المناهج الحديثة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ركز على تحليل األدوار والتفاعالت بدل دراسة البنى والهياكل ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أطلق القطيعة اإلبستيمولوجية الثانية في الدراسات السياسية عن الدراسات االجتماعية‪ ( ،‬بعد القطيعة المعرفية األولى التي‬ ‫‪-‬‬
‫دعت إليها المدرسة الوضعية)‪ ،‬وبذلك بشرت الثورة السلوكية‪ ،‬بالوالدة الحديثة لعلم السياسية‪ ،‬كعلم مستقل قائم بذاته يتساوى من‬
‫حيث المادة التعريفية أو من حيث المنهج مع بقية العلوم االجتماعية أو حتى نظيرتها الطبيعية‪.‬‬
‫عيوب تطبيق المنهج السلوكي في الدراسات السياسية‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫من حيث الموضوعات أدى التركيز على السلوك السياسي إلى تهميش ظواهر سياسية أخرى كالسلطة‪ ،‬الدولة‪ ،‬القوة‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫المؤسسات ‪.‬‬
‫ال يمكن تأكيد مقولة علمية علم السياسة من خالل تطبيق الطرق الكمية وتقنيات البحث الميداني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المغاالة في استخدام هذه الطرق التي أصبحت غاية الدراسات السياسية‪ ،‬بدل من التركيز على تحليل الظواهر السياسية‬ ‫‪-‬‬
‫نفسها‪ .‬أصبح لكل ظاهرة سياسية تعبير رقمي (طغيان العلم على حساب السياسة)‪.‬‬
‫لم تؤدي الطرق اإلحصائية إلى تحقيق أي تراكم معرفي مهم في الدراسات السياسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ازدياد اعتماد علم السياسة على العلوم األخرى ( التجريبية)‪ ،‬بعد أن ناضل ليفتك استقالله من العلوم االجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫واإلنسانية‪.‬‬

‫التحول ما بعد السلوكية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫منذ ثالثة عقود من الزمن تقريبا بدأ التوجه ما بعد السلوكي يقدم نفسه بديال لكل من التقليدية والسلوكية في علم السياسة‪ .‬لكن ما‬
‫الذي أدى إلى بروز هذا التوجه؟ يجيب ديفيد آيستن ‪ -‬الذي أعلن عام ‪1969‬م مرة أخرى عن انطالق ثورة جديدة في علم السياسة‬
‫أسماها "الثورة ما بعد السلوكية" ‪ -‬بأن التوجه ما بعد السلوكي قد جاء كرد فعل من قبل مجموعة من علماء السياسة ضد التجريبية‬
‫المفرطة وانعدام المسئولية التي اتسم بها التوجه األمبريقي للسلوكية مما جعل علم السياسة يوفر بيانات مدققة علميا (مالحظة‬
‫تجريبيا) لكنها عديمة الفائدة‪ .‬وحدد ايستن أبرز سمات هذه الثورة الجديدة في اآلتي‪:‬‬

‫‪- 1‬إعطاء األولوية لالهتمام بدراسة مشاكل المجتمع القائمة بدال من التركيز على أدوات البحث العلمي‪.‬‬

‫‪- 2‬اتهام النموذج السلوكي بالنزعة المحافظة والنظرة التجريدية المنفصلة عن الواقع‪.‬‬

‫‪- 3‬التأكيد على استحالة تطبيق الحيادية في العلم ومن ثم فال يمكن فصل الحقائق عن القيم‪.‬‬

‫‪- 4‬تشجيع المفكرين على تحمل مسئوليتهم االجتماعية والدفاع عن القيم اإلنسانية بدال من حالة العزلة التي فرضتها عليهم االتجاهات‬
‫السابقة‪.‬‬

‫‪-5‬التأكيد على توظيف العلم والمعرفة في تحسين أوضاع المجتمع‪.‬‬

‫‪- 6‬تشجيع المفكرين على إعادة صياغة المجتمع من خالل تحويل المعرفة التي يمتلكونها إلى برنامج عمل‪.‬‬

‫‪-7‬تشجيع المفكرين على المشاركة في تسييس المهنة وتسيس المؤسسات العلمية‪.‬‬

‫ففي الوقت الذي كان فيه التوجه السلوكي قد بدأ يفقد بريقه وتوهجه خالل السبعينات من القرن الماضي نتيجة لإلخفاقات التي مر‬
‫بها ولكثرة وقسوة االنتقادات التي وجهت إليه كان ال يزال هناك أقلية صغيرة من علماء السياسة السلوكيين السابقين‪ ،‬الذين تأثروا‬
‫بالنجاحات التي حققها علماء االقتصاد مصممة على جعل دراسة السياسة تقترب كثيرا من العلوم البحتة‪ .‬وعرفت هذه األقلية ذات‬
‫الخلفية االقتصادية التي خرجت من عباءة التوجه السلوكي السابق بتوجه االختيار العقالني في دراسة السياسة‪ .‬ويؤكد أنصار هذه‬
‫النظرية الجديدة الذين كانوا أقل اهتمامًا بالثقافة أو التنمية بأنه يمكن توقع السلوك السياسي بشكل عام من خالل التعرف على مصالح‬
‫وتفضيالت أطراف العالقة المعنية ‪ ،‬الذين سوف يختارون بعقالنية تعظيم مصالحهم ‪.‬‬

‫و تستند نظرية "االختيار العقالني" (أو االختيار العام) على ركيزتين أساسيتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬محاولة تمثيل العمليات السياسية باالعتماد بشكل أساسي على المعادالت الرياضية‪ ،‬فضال عن المنهجية الفردية التي تزعم أن‬
‫كل الظواهر االجتماعية مشتقه من خصائص وسلوك األفراد‪.‬‬

‫أما الركيزة الثانية‪ :‬فتتمثل في االفتراض بأن الفاعلين السياسيين (الناخبون‪ ،‬والمشرعون‪ ،‬واألحزاب السياسية) يتصرفون بعقالنية‬
‫منطلقة من المصلحة الذاتية‪.‬‬
‫ومع أن هذا التوجه ال يفترض أن كل الفاعلين السياسيين يتصرفون بعقالنية كاملة في كل وقت إال أنه يفترض أن سلوكهم هادف‬
‫ومحسوب‪ .‬وأنه يمكن صياغة تفضيالتهم تجاه نتائج معينة وحساباتهم للتكلفة والعائد المتوقع فضال عن النجاح المحتمل‬
‫لالستراتيجيات المختلفة إلنجاز تلك النتائج على شكل مؤشرات كمية أو معادالت رياضية‪.‬‬

‫حركة علم سياسة جديد ( بيروسترويكا علم السياسة)‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أثمرت االنتقادات التي وجهها اليساريون للسلوكية ظهور ما يسمى بـ "المؤتمر من أجل علم سياسة جديد"‪ ،‬والذي حاول تحديد‬
‫مالمح المرحلة المقبلة في علم السياسة وإعادة توجيهه‪ .‬تم تنظيم المؤتمر سنة ‪ 1967‬خالل االجتماع السنوي لـ‪ ،APSA‬وتزعمه‪:‬‬
‫"بيتر باكراتش" ‪" ،Peter Bachrach‬كريستيان بي" ‪" ،Christian Bay‬تيودور لوي" ‪" ،Theodore Lowi‬مايكل برينت"‬
‫‪" ،Michael brent‬آلين وولف" ‪" ،Alan Wolfe‬شيلدون وولين" ‪ ،Sheldon Wolin‬كما تضمنت القائمة أيضا وجها بارزا في‬
‫تخصص العالقات الدولية‪" :‬هانتس مورقينتو" ‪ Hans Morgenthau‬والذي كان من بين المعارضين للحرب في فيتنام‪ ،‬وقد قدم‬
‫المؤتمر مرشحا لرئاسة ‪.APSA‬‬
‫كان من بين أعضاء المؤتمر عدد من المنظرين السياسيين العازمين على جلب النقاشات واالنتقادات حول الديمقراطية الليبرالية‬
‫األمريكية إلى قلب النقاشات األكاديمية بعد أن كانت معزولة في محيط تخصص العلوم السياسية‪ ،‬ولتسويق طرحهم عمد أعضاء هذا‬
‫"المؤتمر" إلى تغطية ما يرونه جوانب قصور في "االتجاه السلوكي"‪ :‬حيث توجهوا نحو االهتمام بالقضايا االجتماعية واألزمات‬
‫السياسية لتلك الفترة‪ ،‬كما طالبوا بعلم سياسة يتخذ موقفا جماعيا موحدا من القضايا السياسية المثيرة للجدل مثل‪ :‬حرب فيتنام‪ ،‬التمييز‬
‫العنصري‪ ،‬والفقر‪ ،‬إضافة إلى قضايا البيئة والمرأة‪.‬‬
‫ورغم أن المؤتمرين لم يجمعوا على رفض النزعة العلمية‪ ،‬إال أنهم رأوا بضرورة إعادة ترتيب األولويات‪ ،‬لتكون "العلمية" في‬
‫المرتبة الثانية بعد االلتزام بقضايا المجتمع؛ ومدى صالحية نتائج األبحاث لمعالجة هذه القضايا‪ .‬وبرروا موقفهم هذا بكون مسألة‬
‫تفسير السلوك السياسي ال تشكل حقيقًة مركز الثقل المعرفي في علم السياسة‪ ،‬وبذلك يبدو واضحا أن "المؤتمر من أجل علم سياسة‬
‫جديد"‪ ،‬مثله مثل االتجاهات الثالثة التي سبقته جمع بين األهداف الفكرية واألهداف السياسية‪ ،‬ولو أن أهدافه السياسية كانت أوضح‬
‫مقارنة بـ "السلوكيين"‪.‬‬
‫سخر أعضاء المؤتمر أكثر جهودهم لمسعى إصالح ‪ ،APSA‬وقدموا مرشحين لمنصب الرئيس ولعضوية مجلس الجمعية‪ ،‬لكنهم‬
‫أخفقوا في الحصول على الرئاسة رغم نجاحهم في االستحواذ على بعض المقاعد في المجلس‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن بعض رواد‬
‫"المؤتمر" من أمثال "تيودور لوي" ‪ ،Theodore Lowi‬و"إيرا كاتز نيلسن" ‪ ،Ira katznelson‬تمكنوا من الحصول في فترات‬
‫الحقة على منصب الرئاسة باعتبارهم مرشحين رسميين‪.‬‬
‫أخذت المقاومة من جانب "السلوكيين" تشتد السيما وسط ‪ APSA‬التي يهيمنون عليها بشكل شبه كلي‪ ،‬ففي ‪ 1968‬قاموا بتجميد عمل‬
‫كل لجان العمل التي دعا إلى تشكيلها أعضاء "المؤتمر"‪ .‬لكن "دافيد إيستون" عمل على التخفيف من حدة التوتر بين "السلوكيين"‬
‫و"المؤتمريين"‪ ،‬فخالل مداخلته له أمام‪ APSA‬عام ‪ 1969‬بصفته رئيسا للجمعية تحدث عن "ثورة جديدة في علم السياسة"‪ ،‬بإمكانها‬
‫أن تجعل التقنيات التي طورها "السلوكيون" و"نظريته للنظم" على حد سواء في خدمة المشكالت االجتماعية‪.‬‬
‫لم ينجح "إيستون" في ردم الهوة بين المعسكرين‪ ،‬إال أنه نجح في إرساء تخصص ثانوي في علم السياسة وهو السياسات العامة‪.‬‬
‫وهكذا ظل السلوكيون في إطار ‪ APSA‬متشبثين بمقاومتهم للتغيير الذي بشر به "المؤتمر من أجل علم سياسة جديدة"‪ ،‬إال أن ثقتهم‬
‫في النفس قد تزعزعت كثيرا‪ ،‬وهم الذين استماتوا في مقاومة تسييس "حقل علم السياسة"‪ ،‬وهي النقطة التي أثارها "أويالو" ‪Eulau‬‬
‫في تقريره كرئيس لـ ‪ APSA‬عام ‪" :1972‬إننا لم ننظم أنفسنا في إطار ‪ APSA‬من أجل ممارسة السياسة أو لنشر وجهات نظر‬
‫سياسة"‪ .‬وفي االتجاه ذاته‪ ،‬صرح ‪ Austin Ranney‬بخصوص تعيين خليفة له على رأس ‪ APSA‬أن الصورة واضحة جدا في‬
‫ذهنه‪ ،‬وهي أن يخلفه رئيس ال يمت بصلة إلى "المؤتمريين"‪.‬‬
‫إن المؤتمر‪ ،‬وبدل أن يتوجه نحو تشييد روابط مع التيارات االجتماعية والسياسية والتي تحمل ثقافة مناوئة له‪ ،‬فقد كرس جهوده على‬
‫الصعيد المهني‪ ،‬مما دعا "لوي" ‪ Lowi‬إلى تسميته بـ "المؤتمر من أجل جمعية جديدة لعلم السياسة"‪ ،‬ومع إخفاقه في الحصول على‬
‫رئاسة الجمعية فقد تراجع طموح أعضاء "المؤتمر" وأصبح تنظيمهم مجرد قسم عادي ضمن أقسام ‪ APSA‬يعمل على تمويل لجان‬
‫عمله بشكل ذاتيا‪ ،‬أما المجلة العلمية التي قام "المؤتمر" برعايتها (علم السياسة الجديد) ‪ New Political Science‬فقد ظل انتشارها‬
‫محدود‪ ،‬ولم يظهر اسمها ضمن ترتيب أبرز ‪ 115‬دورية علمية في التخصص‪ .‬هذه الحقيقة لم يعها أعضاء الحركة الجديدة المسماة‪:‬‬
‫"بريسترويكا علم السياسة"‪ ،‬والتي برزت مع بداية األلفية الجديدة‪ ،‬وذلك عندما وضعوا نصب أعينهم إصالح الحقل المعرفي لعلم‬
‫السياسة‪.‬‬
‫لقد شن المؤتمر من أجل علم سياسة جديدة هجوما كاسحا على "السلوكية" لكنهم جوبهوا بمقاومة شرسة‪ .‬وإذا رجعنا إلى معيار قياس‬
‫مدى نجاح "الثورات المعرفية" والذي تحدثت عنه في البداية‪ ،‬فإننا نخلص إلى إخفاق ثورة المؤتمريين من حيث‪:‬‬
‫‪ ‬أنهم لم يتمكنوا من إعادة صياغة أجندة البحث في علم السياسة؛‬
‫‪ ‬أن أجندة البحث التي اقترحوها لم يكن معترفا بها في أوساط الباحثين؛‬
‫‪ ‬أن المناهضين لهم لم يكن يتعين عليهم تبني صيغة توفيقية‪ ،‬بل اكتفوا بتجاهل طرح مناصري "المؤتمر" (ما يدل على ضعف‬
‫طرح جماعة "المؤتمر")‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫من بين هذه الحركات األربعة التي قامت على منطق "الثورة العلمية" ‪( scientific revolution‬لدى توماس كوهن) لم تنجح سوى‬
‫الحركتان األولى والثالثة‪ ،‬ذلك أن حقل علم السياسة أظهر مقاومة شديدة للتغيير‪ .‬وما تجدر مالحظته في هذا الشأن هو أن سر نجاح‬
‫"الدوالتية" و"السلوكية" يكمن في أن ثورتاهما لم تواجه بأي مقاومة من داخل هذا الحقل المعرفي (على أنها تعرضت الحقا‬
‫النتقادات ومقاومة من قبل تيارات نظرية أخرى‪ ،‬لكن بعد أن كللت ثورتها المعرفية بالنجاح)‪.‬‬

You might also like