التعليقات الطريفية على الأربعين النووية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 265

‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫‪1‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫سنَا َو لم ْن‬ ‫ور أ َ ْنفُ ل‬‫لل لم ْن ش ُُر ل‬ ‫ست َ ْغ لف ُر ُه‪َ ،‬ونَعُوذُ لبا ل‬
‫ست َ لعينُهُ َونَ ْ‬ ‫إن ا ْل َح ْم َد ل ل‬
‫ِل نَحْ َم ُد ُه َونَ ْ‬
‫ش َه ُد أ َ ْن‬
‫لى لَهُ‪َ ،‬وأ َ ْ‬ ‫ض لل ْل فَلَ َهاد َ‬ ‫ت أ َ ْع َما للنَا‪َ ،‬م ْن يَ ْه لد له للاُ فَلَ ُم لضل لَهُ‪َ ،‬و َم ْن يُ ْ‬ ‫س ليِّئَا ل‬
‫َ‬
‫سولُهُ‬ ‫ش َه ُد أَن ُم َحمدًا َ‬
‫ع ْب ُد ُه َو َر ُ‬ ‫لَ لإلَهَ لإل للاُ َوحْ َد ُه لَ ش لَريكَ لَهُ‪َ ،‬وأ َ ْ‬

‫أمـــــــــا بـــــعــد‪:‬‬

‫الحمد لل الذي جعل للدين حماة ربانيين‪ ،‬ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال‬
‫المبطلين وتأويل الجاهلين‪ ،‬ومن جملة هؤلء‪ :‬اإلمام الحافظ النووي محيى‬
‫الدين فقد ألف كتابًا جمع فيه من أحاديث جوامع الكلم أربعين‪ ،‬ول زال العلماء‬
‫بها معتنين‪ ،‬ولها شارحين‪ ،‬ومنهم الشيخ المحدث عبد العزيز بن مرزوق‬
‫الطريفي وقد جمعنا هذا الشرح من دروس الشيخ فاعتمدنا على مجالس له‬
‫لكنها توقفت في الحديث العشرين‪ ،‬ففرغناها ثم أتممنا العشرين األولى بعشرين‬
‫أخرى من مجالسه فك للا أسره في القيروان‪ ،‬حيث شرحها هنالك أيضا ً‪.‬‬

‫وإليكم إخواني أحبتي هذا الشرح للشيخ المحدث عبد العزيز بن مرزوق‬
‫الطريفي ‪-‬الذي أصله الشروح الصوتية‪ -‬فألهمية هذا المتن المبارك‪ ،‬وعظيم‬
‫الفوائد التي دائ ًما ما يمتاز بها شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي‪ ،‬نقدم لكم هذا‬
‫الكتاب؛ وقد تدخلنا بتدخل يسير مما يقتضيه المقام ‪ ،‬كحذف مكرر أو إضافة‬
‫شيء من الروابط اللغوية إذ مقام الشرح الصوتي ليس كالتأليف‪.‬‬

‫وللا الموفق الهادي لسبيل الرشاد‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحــديث األول‬

‫للا ﷺ‬
‫سو َل ل‬ ‫ب قَا َل ‪َ :‬‬
‫س لم ْعتُ َر ُ‬ ‫نين أَبي َح ْفص ُ‬
‫ع َم َر ب لْن ال َخطا ل‬ ‫ؤم َ‬ ‫ع َْن أ َ لم ل‬
‫ير ال ُم ل‬

‫ام لرىء َما نَ َوى‪ ،‬فَ َم ْن كَانَتْ هلجْ َرتُهُ لإلى‬


‫َيقُو ُل‪ ":‬لإن َما األ َ ْع َما ُل لبال لنِّياتل‪َ ،‬وإن َما لل ُك ل ِّل ْ‬

‫امرأَة‬
‫س ُوله‪َ ،‬و َم ْن كَانَتْ هلجْ َرتُهُ لل ُد ْنيَا يُ لص ْيبُ َها أَو ْ‬ ‫سوله فَ لهجْ رتُهُ إلى ل‬
‫للا َو َر ُ‬ ‫للا َو َر ُ‬
‫ل‬

‫يَ ْن لك ُح َها‪ ،‬فَ لهجْ َرتُهُ لإلى َما َها َج َر إلَ ْي له" رواه إماما المحدثين أبو عبدللا دمحم بن‬

‫إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَ ْرد ْلز َب ْه البخاري‪ ،‬وأبو الحسين مسلم بن‬

‫الحجاج ين مسلم القشيري النيسابوري‪ ،‬في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب‬

‫المصنفة‪.‬‬

‫تعليــــق الشيــــــخ‪:‬‬

‫ابتدأ اإلمام النووي‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬متأسيًا بمن جرى قبله على هذا النحو كابن‬

‫عساكر ‪-‬عليه رحمة للا تعالى‪ -‬وغيره بتصدير هذا الكتاب بحديث {إلن َما‬

‫األ َ ْع َما ُل لبال لنِّيا ل‬


‫ت} وهذا الحديث هو من األصول العامة المتعلقة باألصول و‬

‫الفروع وسائر األعمال؛ وذلك لتعلقه بأعمال القلب‪.‬‬

‫ومعلوم أن األعمال تنصرف إلى ثلثة أنواع‪ :‬أعمال القلب‪ ،‬وكذلك أفعال‬

‫وأعمال اللسان‪ ،‬وعمل الجوارح‪ .‬وعمل القلب هو أصل ينبت عنه سائر األعمال‬

‫التي يؤجر عليها اإلنسان‪ ،‬ويُستثنى من ذلك بعض الوقائع التي يأتي الكلم‬

‫‪3‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫عليها ‪.‬أورد اإلمام النووي ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬هذا الحديث لتعلقه بسائر األعمال‬

‫وكذلك لصلته بسائر األحاديث التي يأتي الكلم عليها فإنه ما من عمل من‬

‫األعمال الكلية إل وهي تفتقر إلى نية؛ ولهذا كان البخاري عليه رحمة للا يذكر‬

‫األحاديث في كتابه الصحيح وصدرها بحديث عمر بن الخطاب‪ { :‬لإن َما األ َ ْع َما ُل‬

‫لبالنلِّيا ل‬
‫ت} وهو حديث غريب قد تفرد به يحيى بن سعيد األنصاري عن دمحم عن‬

‫علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬وهو فرد من‬

‫هذا الوجه وقد روي من طرق أخرى عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬جاء من حديث أبي‬

‫سعيد الخدري ومن حديث جابر بن عبد للا وغيرهم عن رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم ول يصح من ذلك شيء إل من هذا الخبر كما جزم بذلك غير واحد‬

‫من أئمة النقد كعلي بن المديني وكذلك الخطابي وغيرهم؛ ولهذا ينبغي أن يشار‬

‫إلى مسألة مهمة تتعلق بعلم الرواية وهي أن الحديث إذا جاء عن رسول للا‬

‫ملسو هيلع هللا ىلص من وجه فرد ل يصح إل منه وجاء من وجوه معلولة أخرى فإنه يسوغ‬

‫للناقد أن يقول أن هذا الحديث ل يروى إل من هذا الوجه‪ ،‬يعني أن ما جاء عن‬

‫رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص من طرق أخرى ل يعتد بها؛ ولهذا قد أشار غير واحد ممن يعتني‬

‫في أبواب األفراد كالدارقطني ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬في كتابه األفراد والغرائب‪،‬‬

‫وكذلك البزار في كتابه المسند‪ ،‬والطبراني في معاجمه يشير إلى جملة من‬

‫‪4‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األحاديث أنها ل تروى عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص إل من هذا الطريق مع أنه بنفسه‬

‫يورد هذه األحاديث في كتابه المسند أو في معجمه في موضع آخر عن رسول‬

‫للا ملسو هيلع هللا ىلص بنحو هذا اللفظ‪ ،‬وبه يعلم أن مقاصد األئمة من ذكر هذا التفرد أو أنه ل‬

‫يروى عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص إل من هذا النحو يعني على وجه صحيح‪ ،‬ولهذا يُعلَم‬

‫أن األئمة في حكمهم على األحاديث ل يلتفتون لألحاديث الموضوعة والمنكرة‬

‫في سائر األنواع ‪-‬سواء في ما يتعلق بأبواب التقسيمات عند المحدثين‪ -‬على‬

‫طريقة المتكلمين مما يقسمون الخبر إلى متواتر و آحاد فإنهم ل يعتدون بهذا‬

‫باألحاديث المنكرة والموضوعة والمتروكة مما ل يحتج به لو اعتضد به غيره‬

‫ويكون وجوده كعدمه‪ ،‬فهذا ل يُلتفت إليه من باب اإلطلقات‪ ،‬وبه يُعلم أَن ما‬

‫يستدركه البعض من اإلطلقات التي يطلقها العلماء أنه قد وجد طريقا لخبر آخر‬

‫عند بعض األئمة في مصنفاتهم أن هذا الستدراك استدراك ظاهري ليس في‬

‫المستدرك‪ ،‬واإلمام أحمد عليه رحمة للا يورد جملة من‬


‫ل‬ ‫محله يدل على ضعف‬

‫األحاديث في كتابه المسند ويحكم عليها في بعض مسائله كعلل عبد للا‪ ،‬وكذلك‬

‫ما جاء في مسائل ابنه صالح‪ ،‬وحنبل وغيرهم ممن يروي عن اإلمام أحمد‬

‫جملة من مسائل العلل ويقول أن هذا الحديث ليس له إسناد؛ فيكون حينئذ قد‬

‫ذكره في كتابه المسند بنفسه وذكر هذا الخبر في موضع وقال ليس له إسناد أو‬

‫ليس بشيء؛ فهذا إما أن نصف اإلمام أحمد وغيره من األئمة بأنهم تناقضوا في‬

‫‪5‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫مثل هذه المواضع و يَ لجل أن يتكرر منهم ذلك في أحاديث مستفيضة مع‬

‫إخراجهم للطرق في كثير من المواضع؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يعرف‬

‫المصنفات التي هي مظنة األحاديث الصحيحة والمصنفات التي تورد األحاديث‬

‫الغرائب ‪.‬لهذا من المهمات في معرفة األحاديث المعلولة والمفاريد التي ينبغي‬

‫أل يُعول عليها عند طلبة العلم من جهة المصنفات وقص لد األئمة في تصنيفها‬

‫كذلك من جهة إيراد األحاديث عند األئمة في مصنفات مخصوصة ممن تأخر‬

‫فاألئمة ‪-‬عليهم رحمة للا‪ -‬من جهة التدوين على نوعين‪:‬‬

‫‪ ‬أئمة في عصر الرواية دونوا األحاديث من األفواه فأخذوها راو عن راو‬

‫إلى رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬

‫‪ ‬وأئمة أخذوا دواوين قد دونت فوضعوها في مصنفاتهم على سبيل‬

‫اإلجازة‪.‬‬

‫فاألولى هي التي تُعتمد‪ ،‬وهي الدواوين األصلية‪ ،‬كالكتب الستة‪ ،‬وكذلك مسند‬

‫الدارمي‪ ،‬وصحيح ابن خزيمة‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬ومن في هذه الطبقة كمسند اإلمام‬

‫أحمد ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬وهو أشملها‪ ،‬وما ند عن هذه المصنفات من المصنفات‬

‫المتأخرة فإنها تروي األحاديث على سبيل اإلجازة‪ ،‬فت َ ْنثُرها فل يتبين للناظر‬

‫‪6‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فيها هل هي على سبيل السماع كلها منفردة أو كانت مصنفات قد نثرها األئمة‬

‫في مدوناتهم‪.‬‬

‫فمن نظر إلى طريقة البيهقي في كتابه السنن‪ ،‬وكذلك الحاكم في كتابه‬

‫المستدرك‪ ،‬وكذلك ابن عساكر والضياء في المختارة‪ ،‬والدارقطني في جملة من‬

‫مصنفاتــــه يجد أنه يورد األحاديث من جهة األصل عن طريق أئمة قد صنفوا‬

‫مدونات مستقلة؛ فوضعوها منثورة ل تتضح للناظر ألول وهلة؛ لهذا ينبغي‬

‫للباحث أن يستفيد من ذلك وجهين ‪:‬‬

‫‪ ‬الوجه األول‪ :‬أن يعلم أن أشياخ هؤلء األئمة الذين رووا هذه المصنفات‬

‫ل ينظر في تراجمهم من جهة الضعف والتوثيق إل من جهة أصل‬

‫العدالة‪ ،‬فإن الضعف والتوثيق إنما ينظر إليه في حال ضبط اإلنسان في‬

‫ذهنه‪ ،‬أما من جهة ضبط الكتاب؛ إذا كان الذي نقل عنه أئمة ثقات كبار‬

‫قد اهتموا بالمروي من ذلك وهو مروي من وجوه متعددة ‪.‬‬

‫فالدارقطني ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬نجد أنه يسند أحاديث عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص‬

‫بواسطة جملة من األئمة الكبار‪ ،‬كأبي داوود‪ ،‬وكذلك الترمذي‪ ،‬والنسائي‪،‬‬

‫وكذلك البيهقي يورد عن الدارقطني‪ ،‬وكذلك الحاكم‪ ،‬ويورد جملةِّ أي ً‬


‫ضا عن‬

‫‪7‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بعض المصنفين من األئمة الكبار‪ ،‬كأبي داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والنسائي؛ بل أنه‬

‫في كتابه السنن الكبرى قد أورد سنن أبي داود بكاملها منثورة من رواية‬

‫أبي بكر بن داسة عن أبي داود بإسناده المتنوع ولم يخل من سنن أبي داود‬

‫مما في السنن الكبرى إل أحاديث معدودة ‪.‬‬

‫لهذا ينبغي لطالب العلم أل ينظر في أشياخ هؤلء والبحث في مثل ذلك نوع‬

‫من أنواع القصور‪ ،‬كذلك ينبغي لطالب العلم أن يعرف مقاصد األئمة من‬

‫التصنيف‪ ،‬فإن جللة اإلمام ل تعني أن يُنظر إلى ما يورده من أحاديث في‬

‫كتابه على الصحة لجللته‪ ،‬ول للضعف لدنوه من ذلك‪ ،‬بل ينظر إلى مقصده؛‬

‫فاإلمام الدارقطني ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬له مقصد من إيراده وجمعه لألحاديث‬

‫في كتابه السنن‪ ،‬فإنه أورد األحاديث المنكرة؛ ولهذا يقول الذهبي ‪-‬عليه‬

‫رحمة للا‪ -‬في كتابه ( ميزان العتدال( سنن الدارقطني هي بيت المنكرات‪،‬‬

‫يعني أورد فيها ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬األحاديث المعلولة عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص في‬

‫األحكام‪ .‬كذلك أحاديث األفراد والغرائب فإنه أورد األحاديث التي تفرد بها‬

‫سن الظن بهم من جهة الضبط والعدالة بالمروي‬


‫الرواة وباألخص الذين يُح َ‬

‫عن رسول للا املسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فإنه يوجد لبعض الثقات الكبار من األحاديث التي‬

‫يتفردون بها أو تفرد بها أصحابهم عنهم ممن ل يصل إلى مرتبهم فتعل هذه‬

‫‪8‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫األحاديث ‪.‬ولهذا وجد مصنفات في ذلك كغرائب شعبة‪ ،‬وغرائب مالك‪،‬‬

‫وغرائب العمري‪ ،‬وغيرها من المصنفات في هذا الباب ‪.‬وأما أصل التفرد‬

‫والغرابة فإنه من قرائن التعليل وليس بابًا له يأخذ منه اإلنسان ما يشاء؛‬

‫ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ن ينظر ألبواب التعليل أن ينظر لمنافذ‬

‫متعددة حتى يخلص له التعليل سلي ًما من هذه المنافذ‪ :‬أن ينظر إلى ذات‬

‫مستقرا من جهة العمل ولو تفرد به‬


‫ً‬ ‫المعنى الذي تفرد به الراوي؛ فإن كان‬

‫الرجل الدون من جهة الضبط والثقة فإنه يقبل‪ ،‬وهذا فرع عن معرفة ما‬

‫عليه أهل البلدان من أهل مكة على سبيل التخصيص‪ ،‬وكذلك أهل المدينة‪،‬‬

‫فكيف إذا اتفق معه أهل اآلفاق من أهل البصرة والكوفة والشام وخراسان‬

‫وغيرهم‪ ،‬فإذا اتفقوا على معنى فإنه يقبل تفرد المتوسط أو دونه؛ بل ربما‬

‫سل ًما من األحاديث المروية عن رسول‬


‫الضعيف فإنه يقبل في هذا‪ .‬فما كان ُم َ‬

‫للا ملسو هيلع هللا ىلص من جهة المعنى نقبل فيه تفرد المتوسط أو الضعيف‪ ،‬وأما ما كان‬

‫ينبغي أن يستفيض ول يوجد لألئمة في ذلك عمل من أهل البلدان من مكة‬

‫والمدينة وغيرهم فتفرد به ثقة الثبت الضابط‪ ،‬فإنه ل يقبل في ذلك كل‬

‫متفرد‪ ،‬وإنما ينفرد في ذلك من جهة القبول أهل المدينة وأهل مكة على‬

‫سبيل التخصيص‪ ،‬وربما يُر َجع في ذلك إلى حال زمنهم من جهة الفتوى؛ فما‬

‫يتفرد به أهل المدينة بحديث يخالف ما في فتوى أهل المدينة فإنه يعل‬

‫‪9‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بالتفرد واإلنكار‪ ،‬وما يتفرد به أهل مكة من حديث يخالف ما عليه الفتوى‬

‫والعمل مما ينبغي أن يستفيض فإنه يُعل كذلك بالنكارة؛ فكيف إذا اجتمع أهل‬

‫مرارا‬
‫ً‬ ‫هذين البلدين من مكة والمدينة! فإنه يرجع في ذلك إلى النظر‪ .‬ونذكر‬

‫أنه ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ينبري للتعليل وخاصة أبواب التفرد وزيادة‬

‫بصيرا بفقه ما عليه القرون المفضلة من الصحابة والتابعين‬


‫ً‬ ‫الثقة أن يكون‬

‫وأتباعهم؛ وهذا باب طويل جدا والتمثيل عليه يشق وخاصة في مثل هذا‬

‫الباب ومثل هذا السترسال؛ مما ينبغي المرور على هذه األحاديث كلها‪.‬‬

‫أورد المصنف ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬حديث عمر بن الخطاب وهو من األفراد‬

‫من هذا الوجه فإنه لم يروه إل عمر بن الخطاب؛ تفرد بروايته عنه علقمة‬

‫بن وقاص الليثي تفرد عنه دمحم بن ابراهيم وعن دمحم يحيى بن سعيد‬

‫األنصاري‪ ،‬وعنه استفاض‪ ،‬ومن ذلك أن األئمة قالوا أنه رواه عنه نحو من‬

‫ثلثمائة من الرواة وقيل أكثر من ذلك؛ قد ساق جملة منهم الحافظ ابن منده‪،‬‬

‫وساق هؤلء الذهبي ‪-‬عليه رحمة للا‪ +‬في كتابه "السير"‪ ،‬والصواب من‬

‫ذلك أنهم قرابة السبعين من جهة البحث والنظر‪ ،‬أما من جهة اإلطلق فإنها‬

‫تستفيظ في أفواه الرواة ويسمعونها‪ ،‬وهنا نستنبط معنى وهو أن األئمة من‬

‫أصحاب رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص ربما حفظوا حديث ًا عنه ولم يحدثوا به زمنًا؛ فإن عمر‬

‫‪10‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بن الخطاب ‪-‬عليه رضوان للا تعالى‪ -‬قد سمع هذا الحديث من رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص‬

‫ولم يحدث به إل بعد وفاة رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص ووفاة أبي بكر وحدث به على المنبر‬

‫لمقتضى الحاجة ووجودها‪ ،‬وهذا يدل على أن تفرد بعض الرواة في أحاديث‬

‫ُوجدت الحاجة في زمنهم ولم توجد في من قبلهم يقتضي قبول التفرد؛‬

‫وهذه يرجع فيها إلى معرفة حال الزمن فإن الزمن في الصدر األول في‬

‫خلفة أبي بكر والصدر من خلفة عمر بن الخطاب كان المسلمون على أمر‬

‫واحد‪ ،‬ولم يكن ثمة أمر في الخوض في مسائل النيات واألعمال‪ ،‬وكذلك حال‬

‫المنافقين‪ ،‬وكذلك التشوف إلى أمور الدنيا‪ ،‬فلما فتح أمر الدنيا اقتضى أن‬

‫يخبر عمر بن الخطاب ‪-‬عليه رضوان للا تعالى‪ -‬بما لديه من أمر الدنيا من‬

‫ما أخبر به النبي عليه الصلة والسلم؛ ولهذا أخبر به على المنبر لشدة‬

‫مقتضي الحاجة في مثل هذا الوقت‪ ،‬ولم يحدد به بما يدل على خصيصة قوم‬

‫بعينهم؛ مما يدل على أن األمر قد تفاقم واحتاج له سائر الناس‪.‬‬

‫وهذا الحديث متعلق بأمور النية؛ والنية عليها مناط القبول واإلثابة عند للا جل‬

‫وعل؛ لهذا قال عليه الصلة والسلم { لإن َما األ َ ْع َما ُل لبالنلِّيا ل‬
‫ت} و"إنما" أداة‬

‫ع للِّ َ‬
‫ق‬ ‫حصر باتفاق العلماء‪ ،‬واألعمال‪ :‬تدخل في ذلك أبواب التروك‪ ،‬وإنما ُ‬

‫باألعمال باعتبار أن أكثر ما يقصده اإلنسان مما يستلزم نية هو األعمال بخلف‬

‫‪11‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫التروك؛ فإن التروك من جهة األصل ل تستلزم نية من جهة التأكيد في أمر‬

‫الشارع‪ ،‬فإن ما يفعله اإلنسان من أمور التعبدات يفتقر إلى نية‪ ،‬بخلف الترك‬

‫فإن الترك ل يفتقر إلى نية من جهة رفع الحرج عن اإلنسان؛ فإن اإلنسان يثاب‬

‫بعمله إذا اقترن بنية‪ ،‬وإذا لم يقترن بنية وعمل عمل ظاهره لل فإنه مستلزم‬

‫إلحباط العمل‪ ،‬وأما إذا ترك اإلنسان شيئا من اآلثام كالفاحشة من الزنا واللواط‬

‫والكذب وشهادة الزور ونحو ذلك فإنه ل يأثم بهذا لو تركها لغير للا‪ ،‬بخلف‬

‫اإلثابة فالثواب هنا قدر زائد عن رفع العقاب من للا جل وعل فإنه ل يثاب على‬

‫ذلك إل باستحضار النية؛ فلما كان كذلك دل أن النبي عليه الصلة والسلم إنما‬

‫قيد ذلك باألعمال لهاتين الخصيصتين‪:‬‬

‫‪ ‬فالخصيصة األولى‪ :‬أن أكثر ما يقصده اإلنسان مقترنا بالنية هو العمل‬

‫بخلف التروك‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثاني‪ :‬أن األعمال تفتقر الى النية واألمر فيها أشد من أبواب‬

‫التروك؛ ولهذا من ترك المحرمات ألجل الناس ل يوصف بأنه مرائ‪ ،‬فإنه‬

‫قد تحقق فيه المقصود‪ ،‬وأسقط ثوابه الذي ينبغي للمؤمن المخلص أن‬

‫يتحصل على مثل هذا األجر‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫[والجهر بالنية] لم يرد فيها شيء ول أصل لها‪ ،‬واتفق األئمة على ذلك‪ ،‬ول‬

‫أعلم أحدا من األئمة قال بمشروعية الجهر بالنية من القرون المفضلة ل من‬

‫الصحابة ول من التابعين ول من أتباعهم ول من األئمة األربعة إل في‬

‫موضعين‪:‬‬

‫‪ ‬الموضع األول‪ :‬ما جاء عن مجاهد بن جبر أنه قال بالجهر بالنية في‬

‫الحج‪ ،‬وهذا محمول على مسألة الجهر بالنسك أن يُل لبِّي اإلنسان فيقول‪:‬‬

‫"لبيك اللهم عمرة " أو"اللهم لبيك ح ًجا وعمرة" أو "لبيك اللهم ح ًجا"‬

‫فإنه ربما ت َ َجو َز بهذا اللفظ وعلقه بالنية وهذا نسك يجهر به اإلنسان‪.‬‬

‫‪ ‬الموضع الثاني‪ :‬ما جاء عن اإلمام الشافعي ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬أنه قال‬

‫بجواز الجهر بالنية للصلة؛ وهذا قد جاء في كتابه "األم" أنه قال أن‬

‫الصلة ليست كالصيام والزكاة يُبدأ فيها بذكر للا‪ ،‬وفَر َ‬


‫ع بعض الفقهاء‬

‫من الشافعية على ذلك أن الشافعي يرى جواز الجهر بالنية في الصـــــلة‬

‫وميزها عن غيرها‪ ،‬أورد ذلك اإلمام النووي ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬في كتابه‬

‫"المجموع"؛ قال ول يحفظ هذا عن اإلمام الشافعي‪ ،‬وكذلك شيخ اإلسلم‬

‫ابن تيمية عليه رحمة للا‪ ،‬وفي نفي الشيخين (اإلمام النووي وشيخ‬

‫اإلسلم ابن تيمية) نظر؛ والذي يظهر لي وللا أعلم أن ذلك ثابت عن‬

‫‪13‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫اإلمام الشافعي بدللة ما رواه ابن المقريء في كتابه "المعجم" أنه قال‪:‬‬

‫أخبرنا ابن خزيمة عن الربيع بن سليمان المرادي عن اإلمام الشافعي أنه‬

‫كان إذا صلى قبل أن يكبر قال‪( :‬بسم للا متوج ًها لقبلة للا مؤديًا فرض‬

‫للا‪ ،‬للا اكبر) وإسناده صحيح عن اإلمام الشافعي‪ ،‬ول أعلم من أثبته‬

‫بهذا اإلسناد إل ابن المقرئ ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬في كتابه "المعجم"‬

‫وإسناده كالشمس؛ فابن خزيمة عن الربيع بن سليمان من أخص أصحاب‬

‫الشافعي عن اإلمام الشافعي ‪-‬عليه رحمة للا‪ ،-‬ولعل ما ذكره بعض‬

‫الفقهاء من اإلشارة أن الشافعي يريد بالجهر بالنية هذا الموضع الذي‬

‫تفرد برواية ابن خزيمة عن الربيع‪ ،‬وأما اإلطلق الذي في كتاب األم فإنه‬

‫محتمل وليس بصريح‪.‬‬

‫والعبرة في ذلك بما جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ فإنه يُقال أن النية‬

‫مشتقة من جهة األصل من النوى‪ ،‬والنوى جوف الثمرة‪ ،‬وإنه إذا خرج فإنه‬

‫يسمى نوى باعتبار أصله ل باعتبار حاله‪ ،‬ولو استدام خار ًجا من جهة األصل‬

‫فإنه ل يسمى نوى‪ ،‬وسميت النية من هذا الشتقاق‪ ،‬فإذا اعتاد اإلنسان على‬

‫إخراجها فل معنى لتسميتها نية‪ ،‬كذلك فإنه مردود من جهة النظر فإن النبي‬

‫عليه الصلة والسلم قال‪ { :‬لإن َما األ َ ْع َما ُل لبالنلِّيا ل‬


‫ت} إذا ألحقنا ذلك في سائر‬

‫‪14‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األعمال ‪-‬سواء كانت الباطنة من عمل القلب أو الظاهرة وهي قول اللسان‬

‫وعمل الجوارح‪ -‬فإنه يلزم من ذلك الدور؛ وهو أن يلزم لنية القلب نية أخرى‪،‬‬

‫والدور هو أن يبنى الشيء على ما يبنى عليه‪ ،‬وهذا ليس بوارد‪ ،‬بل يقال أن‬

‫النية من جهة األصل هي نية بذاتها يثاب اإلنسان عليها‪ ،‬فإن اطلع الناس إلى‬

‫ذلك ليس بمتحقق؛ ولهذا ل يمكن أن يتصنع اإلنسان شيئ ًا في قلبه يحابي به‬

‫أحدًا وإنما يتصنع باألمور الظاهرة؛ فطلب النية نية أخرى هذا ل يسمى نية؛‬

‫وبه يعلم أن ما ظهر على لسان اإلنسان ل يسمى نية‪ ،‬وإنما هو من األمور‬

‫التوقيفية التي تفتقر إلى دليل‪.‬‬

‫ً‬
‫أعمال؛ قال للا جل وعل في‬ ‫ً‬
‫أفعال وتسمى‬ ‫وأقوال اللسان في الشرع تسمى‬

‫لو شا َء َربُّكَ مافَعَلُوهُ} [األنعام(‪])١١١‬‬


‫ورا َو ْ‬ ‫ف القو لل ُ‬
‫غ ُر ً‬ ‫كتابه العظيم { ُز ْخ ُر َ‬

‫فسماه ً‬
‫قول ثم وصفه بأنه فعل؛ وهذا عند األئمة ‪-‬عليهم رحمة للا تعالى‪ -‬على‬

‫خلف عندهم في مسائل العتقاد هل يسمى القول ً‬


‫فعل أم ل هذا موضع خلف‬

‫ً‬
‫عمل‬ ‫عند العلماء‪ ،‬وأما ما كان العلماء متفقون عليه من عمل القلب أنه يسمى‬

‫ً‬
‫عمل والجوارح اتفق‬ ‫فعل‪ ،‬أما قول اللسان فإنه يسمى ً‬
‫فعل ويسمى‬ ‫ول يسمى ً‬

‫العلماء على أنها داخلة من جهة األصل بل هي أصل األفعال واألعمال‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قوله عليه الصلة والسلم إلن َما األ َ ْع َما ُل بلالنلِّيا ل‬


‫ت َوإن َما لل ُك ل ِّل ْ‬
‫ام لرىء َما‬
‫نَ َوى‬

‫يعني أنه ليس لإلنسان إل ما وجد واستقر في جوفه؛ فل يثاب ول يعاقب إل‬

‫على ما في قلبه؛ فإذا ُوجدت النية الخالصة لل سبحانه وتعالى وتعبد اإلنسان‬

‫بشيء مخالف لما شرعه رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص مع استفراغ الوسع بالبحث عن الحق‬

‫فإنه في ذلك ل يعاقب بخلف من جعل نيته لغير للا جل وعل وتعبد بشيء‬

‫شرعه للا‪ ،‬فإنه يعاقب على هذا العمل؛ وبه يعلم أن النية تغير الظاهر من‬

‫األعمال الباطنة إلى عدم عقاب‪ ،‬وتغير األعمال الظاهرة التي توافق صوابًا إلى‬

‫عدم إثابة بل إلى عقاب؛ مما يدل على أن النية لها أثر عظيم في المقام بين يدي‬

‫للا عز وجل؛ وكثير من الناس ممن يظهر منهم العمل والقول الحسن تخالف‬

‫نياتهم ظواهرهم فيعاقَبون على ذلك في الدنيا بعدم القبول أو تعجيل الخير في‬

‫الدنيا‪ ،‬وعند للا جل وعل يلقون الجزاء األليم بأنهم أول من تسعر بهم النار‬

‫يوم القيامة كما جاء في صحيح اإلمام مسلم من حديث سليمان بن يسار عن‬

‫اس يُ ْق َ‬
‫ضى يَو َم‬ ‫أبي هريرة أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قال‪ٕ " :‬إن أو َل الن ل‬

‫ي به فَعَرفَهُ نلعَ َمهُ فَعَ َرفَها‪ ،‬قا َل‪ :‬فَما ع لَم ْلتَ فيها؟‬
‫ستُش لْهدَ‪ ،‬فَأُتل َ‬
‫ال لقيا َم لة عليه َر ُجل ا ْ‬

‫ستُش لْه ْدتُ ‪ ،‬قا َل‪َ :‬ك َذبْتَ ‪ ،‬ولَ لكنكَ قات َ ْلتَ أل َ ْن يُقا َل‪َ :‬ج لريء‪،‬‬
‫قا َل‪ :‬قات َ ْلتُ فليكَ حتى ا ْ‬

‫ور ُجل تَعَل َم ال لع ْل َم‪،‬‬ ‫ب علَى وجْ له له حتى أ ُ ْل لق َ‬


‫ي في الن لار‪َ ،‬‬ ‫فقَ ْد قي َل‪ ،‬ثُم أ ُ لم َر به فَ ُ‬
‫س لح َ‬

‫‪16‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ي به فَعَرفَهُ نلعَ َمهُ فَعَ َرفَها‪ ،‬قا َل‪ :‬فَما ع لَم ْلتَ فيها؟ قا َل‪:‬‬ ‫وعَل َمهُ وقَ َرأ َ القُ ْر َ‬
‫آن‪ ،‬فَأُتل َ‬

‫ت َ َعل ْمتُ ال لع ْل َم‪ ،‬وعَل ْمتُهُ وقَ َرأْتُ لفيكَ القُ ْر َ‬


‫آن‪ ،‬قا َل‪َ :‬ك َذبْتَ ‪ ،‬ولَ لكنكَ ت َ َعل ْمتَ ال لع ْل َم لليُقا َل‪:‬‬

‫ب علَى وجْ له له‬ ‫قارئ‪ ،‬فقَ ْد قي َل‪ ،‬ثُم أ ُ لم َر به فَ ُ‬


‫س لح َ‬ ‫عا للم‪ ،‬وقَ َرأْتَ القُ ْر َ‬
‫آن لليُقا َل‪ :‬هو ل‬

‫ي‬ ‫ور ُجل وس َع ّللاُ عليه‪ ،‬وأَعْطاهُ لمن أص ل‬


‫ْناف الما لل ُك للِّ له‪ ،‬فَأ ُ لت َ‬ ‫حتى أ ُ ْل لق َ‬
‫ي في الن لار‪َ ،‬‬

‫ب ْ‬
‫أن‬ ‫به فَ َعرفَهُ لن َع َمهُ فَ َع َرفَها‪ ،‬قا َل‪ :‬فَما ع لَم ْلتَ فيها؟ قا َل‪ :‬ما ت َ َر ْكتُ لمن َ‬
‫س لبيل ت ُ لح ُّ‬

‫يُ ْنفَقَ فيها إل أ ْنفَ ْقتُ فيها لَكَ ‪ ،‬قا َل‪َ :‬ك َذبْتَ ‪ ،‬ولَ لكنكَ فَعَ ْلتَ لليُقا َل‪ :‬هو َجواد‪ ،‬فقَ ْد‬

‫( رواه مسلم ‪)5091‬‬ ‫ب علَى وجْ له له‪ ،‬ثُم أ ُ ْل لق َ‬


‫ي في الن لار‬ ‫قي َل‪ ،‬ثُم أ ُ لم َر به فَ ُ‬
‫س لح َ‬

‫و من نظر في أمر إخبار رسول للا صلى للا عليه وسلم بأمر هذه الثلثة ما‬

‫يتعلق بالنفس وهي أغلى ما يطمع إلى حفظه أرباب الدنيا أُزهقت لغير للا‬

‫ويليه بعد ذلك حظ المال؛ وهو بعد مرتبة النفس أُنفق لغير للا‪ ،‬ثم بعد ذلك ما‬

‫يظهر معه الديانة والصلح من طلب العلم والعمل به؛ يعني عمل بما علمه‬

‫اإلنسان في ظاهر أمره وقرأ القرآن؛ وفي هذا وقفات ينبغي لطالب العلم أن يقف‬

‫عندها ‪ :‬من أهم هذه الوقفات أن هذا إذا كان في من خرج بنفسه ليقاتل في‬

‫سبيل للا وأزهق نفسه ألجل دمحمة وألجل غير للا عز وجل‪ ،‬فيدل على أن ما‬

‫كان دونه من مراتب الشر أقرب انصرافًا لها من إزهاق النفس لغير للا؛‬

‫فاللتفات ألجل مدح أحد أو دفع المال أو التصنع بالعلم أو العمل ونحو ذلك مما‬

‫‪17‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ل يتضمن إزهاقًا للنفس أقرب من إزهاق النفس؛ لهذا ينبغي لإلنسان أن يكون‬

‫حذرا في سكناته وأفعاله وأن يعاكس رغبات النفس؛ ولهذا كثير ما يسأل من‬
‫ً‬

‫طلب العلم والعامة‪ :‬كيف نكون مخلصين؟‬

‫يقال أن الخلص يُعرف بعبادة السر؛ فكلما أكثر اإلنسان من عبادة السر وقاه‬

‫للا جل وعل أثر الرياء والسمعة في العلنية‪.‬‬

‫قد روى ابن عساكر وغيره عن حذيفة بن اليمان انه جاءه رجل فقال‪" :‬هل أنا‬

‫من المنافقين؟ قال أتصلي إذا خلوت؟ قال نعم‪ ،‬قال اذهب فما جعلك للا منافقًا"‬

‫فالرجل الذي ليس له عبادة في السر ل من الصلة ل يعلم بها أحد‪ ،‬ول من‬

‫الصدقة ل يعلم بها أحد ولو أقرب قريب‪ ،‬ول من ذكر لل ل يعلم به أحد ولو‬

‫كثيرا؛ والموازنة في هذا‬


‫ً‬ ‫أقرب قريب؛ فإنه من أهل النفاق‪ ،‬سواء كان ً‬
‫قليل أو‬

‫أنه كلما كثرت عبادة السر أَمن المر ُء في عبادة العلن؛ وكلما عدمت عبادة‬

‫السر فإن الرياء في ذلك يظهر ويفشو في عمل اإلنسان من حيث ل يشعر؛ لهذا‬

‫ينبغي لإلنسان أن يحرص على عبادة الخلوات؛ كما يحرص أرباب الفسوق‬

‫والفجور على خلواتهم؛ فإن خل بنفسه وأغلق الباب استقبل القبلة وكَب َر أَو‬

‫سب َح وهل َل؛ فإن اإلنسان ل يكاد يخلو من أحد من زوجة وولد وصاحب في‬
‫َ‬

‫طريق أو الناس؛ فإن النفوس تتشوف إلى التصنع حتى عند الغريب الذي ل‬

‫‪18‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يراه اإلنسان إل مرة في حياته فلما كان كذلك استحقت أن تُكسر بشيء من‬

‫عبادة السر؛ حتى تسلم لها عبادة العلن وهذا أظهر في العلم؛ فإن اإلنسان إذا‬

‫وفق إلى اإلخلص في علمه وعمله وفقه للا جل وعل فيما يأتي ويذر؛ وكذلك‬

‫ينبغي أن يُعلم أن دواخل النية عظيمة ربما تُن لقص العمل وربما تذهبه بالكلية؛‬

‫ب َبركةَ عمل اإلنسان؛ ولهذا ينظر في أحوال كثير من الناس في‬


‫وربما تُذ له ُ‬

‫سائر األعمال سواء من األعمال الظاهرة من أركان اإلسلم الخمسة وغيرها أو‬

‫من األعمال الدقيقة؛ تعظيمها يرجع إلى النية؛ فكثير من الناس يظن أن األفعال‬

‫تُعظم بظاهر العمل؛ وينسى أن األفعال تُعظم بباطن العمل أكثر من ظاهره؛ فإن‬

‫الصلة إذا قلبت النية كانت مغرما عليه وإثما عظيما؛ وإذا أخلص النية‬

‫بتسبيحة وتهليلة كانت أعظم من الفريضة التي لم يخلصها لل جل وعل؛ وبه‬

‫يُعلم أن اإلخلص ولو في شيء قليل أعظم عند للا عز وجل وأحب من األمور‬

‫العظيمة الظاهرة؛ وبه نعلم أن تقسيم العلماء للكبائر والصغائر من جهة‬

‫الظاهر؛ وقد تكون الكبيرة صغيرة لإلنسان إذا فعل الكبيرة وقلبه وجل؛ وإذا فعل‬

‫الصغيرة وقلبه منصرف عن تعظيم للا كانت في حقه كبيرة؛ وربما كفر للا جل‬

‫وعل لإلنسان الكبيرة من ذنبه بعمل صغير فعله معظ ًما لل خاليًا َو لج ًل؛ ولهذا قد‬

‫روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫قال ‪« :‬بينما امرأة بغي ‪-‬والمرأة البغية التي اتخذت الزنا حرفة لها؛ يعني‬

‫‪19‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫تمارس هذه الفاحشة وتتقوت منها‪ -‬رأت كلبا يلعق الثرى من العطش فنزلت في‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)7643‬ومسلم (‪)4461‬‬ ‫بئر فسقت له فغفر للا لها»‬

‫ليس كل من سقى بهيمة يغفر له؛ ولكن إذا صاحب ذلك وجل في القلب من تلك‬

‫الجريمة‪ ،‬ورجاء أن للا عز وجل يرزقه الخلص يكفر للا عز وجل له ولو‬

‫بالقدر اليسير من األعمال الصالحة ‪.‬‬

‫لهذا ينظر الى كثير من الناس يفعلون من العبادات ليل نهار؛ وليس لهم عند‬

‫الناس قَبول ومن الناس من عملهم يسير ولهم عند الناس قبول بسبب عمل‬

‫القلب؛ أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم ليسوا بأصحاب كثير صلة ول‬

‫صيام بالنسبة لمن جاء بعدهم من العباد والزهاد؛ ولكن منزلتهم عند للا عز‬

‫وجل أعلى من غيرهم لشيء وقر في قلوبهم من النصراف لل عز وجل‬

‫واإلعراض عن غيره؛ قال عليه الصلة والسلم { َو لإن َما للكل امرئ َما نَ َوى}‪:‬‬

‫يعني ليس له إل ما نواه ل يأتيه شيء من ذلك ؛ يعني من ذلك من عمله بذاته؛‬

‫ولكن هناك شيء من األعمال يثاب عليه اإلنسان ويكفر للا عز وجل له من‬

‫السيئات ويرفعه درجات ول يفتقر إلى نية من الطاعات من دعاء اإلنسان ألبيه‬

‫أو ألخيه واستغفاره له؛ وكذلك الصدقات التي يتصدق بها الناس للموتى فإنهم‬

‫يثابون على ذلك ول يفتقر في ذلك إلى نية أو استحضار؛ وهذا محل تسليم‬

‫‪20‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فظواهر النصوص تؤيده؛ قال عليه الصلة والسلم ‪{:‬فَ َمن كَانت لهجرتُهُ إلى للا‬

‫فهجرته لإلى للا ورسول له ومن كانت هجرته إلى دُنيا يصيبها أو امرأة‬
‫ورسول له ل‬

‫ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه} يظهر هنا أن النبي عليه الصلة والسلم‬

‫حينما ذكر الفعل والشرط جعل جوابه مشاب ًها له؛ {فمن كانت هجرته إلى للا‬

‫ورسوله فهجرته إلى للا ورسوله} وهذا دليل على التعظيم فل أدل من الثواب‬

‫من تحقق قبول ذات العمل؛ فكأن الشارع قال‪ :‬إن هذا العمل بمجرد اتيانه على‬

‫هذا الوصف كاف ببيان منزلة اإلنسان؛ ولهذا كان السلف يقولون‪" :‬لو أعلم أن‬

‫للا عز وجل تقبل مني صلة واحدة لتمنيت الموت"؛ يعني أني ضمنت بذلك‬

‫ً‬
‫قبول عند للا عز وجل فيما يأتي من األعمال؛ ألن للا عز وجل إذا قبل من‬

‫اإلنسان عمل فهذا قرينة لقبول األعمال األخرى وجود بذرة اإلخلص في قلبه‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{:‬فمن كان هجرته إلى دنيا يصيبها}؛ الهجرة‪:‬‬

‫المراد بها المفارقة فإذا ترك اإلنسان شيئا يقال هجره؛ ولكن غلب الصطلح‬

‫الشرعي أي للهجرة على أنه إذا ترك اإلنسان بلدا من بلدان الشرك إلى بلد من‬

‫بلدان اإلسلم؛ وهذا يترتب عليه جملة من األ حكام؛ فكما أنه يتعلق بذات العمل‬

‫ولو لم يهاجر اإلنسان فانه يتعلق كذلك بالجسد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫من جهة العمل‪ :‬أن اإلنسان إذا أَقل َع عن الذنب فإنه ل يجوز أن يرجع إليه‪،‬‬

‫ورجوعه إلى الذنب أعظم عند للا عز وجل من حال اإلنسان الذي استقر على‬

‫ذنبه باعتبار أن الذي ترك المنكر ثم رجع إليه قد وقع في قلبه شيء من‬

‫البصيرة ثم نكص ثم عنها؛ والنكوص مرة ومرتين علمة وقرينة على الختم‬

‫على القلب في المعصية من المعاصي؛ وهو كذلك في مفارقة البلدان؛ فإن‬

‫اإلنسان إذا فارق بلدة من بلدان الكفر إلى بلد اإلسلم ل يجوز له أن يرجع‬

‫إليها؛ ألن هذا له أثر في عمل اإلنسان من الخير والشر في ديموميته‬

‫واستقامته‪.‬‬

‫قال عليه الصلة والسلم {فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها}‬

‫هنا ذكر اإلطلق؛ والدنيا شاملة لسائر المتع واللذائذ؛ من األموال واألبضاع‬

‫وغير ذلك مما يقصده اإلنسان من لذائذها؛ فإذا سافر اإلنسان وقصد شيئا من‬

‫متع الدنيا ولذائذها فإن هجرته إلى ما هاجر إليه ‪ ،‬وجعل جواب الشرط هو‬

‫لكره بضميره ولم يذكره بتمامه‪ ،‬ألنه أحقر من أن يذكر ألنه مذموم وقصد‬
‫ذ ُ‬

‫شيئا لغير للا؛ ولهذا أعلى المراتب عند للا سبحانه وتعالى أن اإلنسان يعمل‬

‫العمل خالصا لل جل وعل كأن للا يراه؛ وهذا بأتي الكلم عليه بإذن للا تعالى‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها} دنيا تأتي بالضم‬

‫وتأتي بالكسر كما ذكر ابن قتيبة وغيره والضم أشهر؛ وسميت الدنيا لدناءتها‪،‬‬

‫وقيل لدنوها من مقام اآلخرة‪.‬‬

‫{أو امرأة ينكحها}‪ :‬ذُكر هذا إما لنازلة نزلت وخصها رسول للا صلى للا عليه‬

‫خبرا عن رسول للا صلى للا عليه وسلم‬


‫ً‬ ‫وسلم باإلشارة؛ ول أعلم في ذلك‬

‫مرتبط هذا الحديث فيكون سببًا إليراد هذا المثال؛ وأما ما جاء عن رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم عند سعيد بن منصور في كتابه السنن من حديث األعمش‬

‫عن شقيق عن عبد للا بن مسعود عليه رضوان للا تعالى‪ :‬أن رجل هاجر‬

‫ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس‪ ،‬فسمي "مهاجر أم قيس" وهذا ل علقة له بهذا‬

‫الخبر فذاك خبر مستقل وهذا حديث مستقل و يحتمل أن يكون ثمة رابط‪ ،‬إل‬

‫أنه من جهة السياق؛ فذاك خبر وطريق مستقل وذاك خبر طريق مستقل‪.‬‬

‫ويُحتمل أن تلك الهجرة كانت بعد وفاة رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ ولهذا‬

‫حدث بها عبد للا بن مسعود ولم يرفعها والنفوس تتشوه إلى رفع الحديث عن‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم‪.‬‬

‫وإنما خصت المرأة لحتمال هذه النازلة‪ ،‬أو لكون هذا األمر مما تتشوف إليه‬

‫نفوس الرجال؛ وهم المخاطبون بالهجرة بخلف الصبية والنساء‪ ،‬فذكر هذا‬

‫‪23‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األمر لعظمته وتشوف الناس إليه؛ كذلك لكونه من أكثر ما يولج الناس النار؛‬

‫ض َمن لي ما بي َْن لَحْ َي ْي له وما‬


‫ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم { َمن َي ْ‬

‫ض َم ْن له ال َجنةَ}‪.‬‬
‫بي َْن لرجْ لَ ْي له‪ ،‬أ ْ‬

‫‪24‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثـــاني‬

‫للا‬
‫سو لل ل‬ ‫ع ْنهُ قَال‪ :‬بَ ْينَ َما نَحْ ُن ُجلُ ْوس لع ْن َد َر ُ‬
‫ي للاُ تَعَالَى َ‬ ‫ع َم َر َر لض َ‬ ‫ع َْن ُ‬
‫س َوا لد الش ْع لر لَ‬ ‫اض الثِّياب َ‬
‫ش لد ْي ُد َ‬ ‫ش لد ْي ُد بَيَ ل‬ ‫ذَاتَ يَ ْوم إ َ ْذ َطلَ َع َ‬
‫علَ ْينا َ َر ُجل َ‬
‫س إلَى الن لبي فَأ َ ْ‬
‫سنَ َد‬ ‫علَي له أَث َ ُر السفَ لر َولَ يَ ْع لرفُهُ لمنا أ َحد َحتى َجلَ َ‬ ‫يُ َرى َ‬
‫علَى فَ لخ لذ ْي له َوقَا َل ‪ :‬يَا ُم َحم ُد أ َ ْخبل ْرنلي‬ ‫ُر ْكبَت َ ْي له إلَى ُر ْكبَت َ ْي له َو َو َ‬
‫ض َع كَف ْي له َ‬

‫ش َه َد أ َ ْن لَ إلَه‬
‫سلَ ُم أ َ ْن ت َ ْ‬ ‫"‪ :‬ل‬
‫اإل ْ‬ ‫للا ﷺ‬ ‫سلَم ‪ ،‬فَقَا َل َر ُ‬
‫سو ُل ل‬ ‫اإل ْ‬
‫ع لَن ل‬

‫ي الزكَاةَ‪َ ،‬وت َ ُ‬
‫ص ْو َم‬ ‫سو ُل للا‪َ ،‬وت ُ لق ْي َم الصلَة‪َ ،‬وت ُ ْؤتل َ‬ ‫إل للاُ َوأَن ُم َحم َدا ً َر ُ‬
‫صد َْقتَ ‪ .‬فَ ل‬
‫عج ْبنَا لَهُ‬ ‫س لب ْيلً‪ :‬قَا َل‪َ :‬‬
‫طعتَ لإل ْي له َ‬ ‫ست َ َ‬
‫ان‪َ ،‬وت َ ُحج البيْتَ لإ لن ال ْ‬ ‫ض َ‬‫َر َم َ‬
‫ؤم َن لبالل‪،‬‬ ‫ان‪ ،‬قَا َل‪ " :‬أ َ ْن ت ُ ل‬ ‫ص ل ِّدقُهُ‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَأ َ ْخ لب لرن ْي ع لَن ل‬
‫اإل ْي َم ل‬ ‫سأَلُهُ َويُ َ‬
‫يَ ْ‬
‫وم اآلَ لخر ‪َ ،‬وت ُ ْؤ لم َن لبالقَد لَر َخ ْي لر له‬ ‫س لل له ‪َ ،‬وا ْليَ ل‬
‫َو َم للئ َكتله‪َ ،‬و ُكت ُ لب له ‪َ ،‬و ُر ُ‬
‫ان‪ ،‬قَا َل‪ " :‬أ َ ْن ت َ ْعبُ َد للاَ‬ ‫س ل‬
‫اإلحْ َ‬ ‫صد َْقتَ ‪ ،‬قَا َل فَ ْ‬
‫أخ لب ْرنل ْي ع لَن ل‬ ‫َوش ل َِّر له " قَا َل‪َ :‬‬
‫َكأَنَكَ ت َ َراهُ‪ ،‬فَ لإ ْن ل ْم تَك ُْن ت َ َراهُ فَ لإنهُ يَ َراكَ " قَا َل‪ :‬فَأ َ ْخبل ْرنلي ع لَن السا َ‬
‫ع لة‪،‬‬
‫ع ْن َها بلأ َ ْعلَ َم لم َن السائل لل " قَا َل‪ :‬فَ ْ‬
‫أخبل ْرنل ْي ع َْن‬ ‫قَا َل ‪َ " :‬ما ا ْل َمسئ ُُو ُل َ‬
‫اراتلها‪ ،‬قَا َل ‪ " :‬أ َ ْن ت َ لل َد األ َ َمةُ َربت َ َها‪َ ،‬وأ َ ْن تَرى ال ُحفَاةَ العُ َراةَ العَالَةَ‬ ‫أ َ َم َ‬
‫ق فَلَ لبثتُ َم لليا ً ثُم قَا َل ‪ " :‬يَا‬ ‫ان" ثْم ا ْن َطلَ َ‬ ‫اء يَت َ َط َ‬
‫اولُ ْو َن لفي البُ ْنيَ ل‬ ‫لرعَا َء الش ل‬
‫سوله أ َ ْعلَ ُم قَا َل‪ " :‬فَ لإنهُ لج ْب لر ْي ُل‬ ‫ع َم ُر أَتَد لْري َم لن السا لئ ُل؟ " قُ ْلتُ للاُ َو َر ُ‬
‫ُ‬
‫أَتَا ُك ْم يُعَل ُم ُك ْم لد ْينَ ُك ْم‪ " .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫تعليــــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫هذا الحديث قد تفرد به مسلم من هذا الوجه من حديث يحيى بن يعمر عن عبد‬

‫للا بن عمر تارة عن رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ،‬وتارة عن عمر عن‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم ولهذا لم يخرجه البخاري من هذا الوجه واتفق‬

‫الشيخان على إخراجه من حديث أبي هريرة‪ ،‬وهذا لدقة البخاري ‪-‬عليه رحمة‬

‫للا‪ -‬في انتقاء األحاديث‪.‬‬

‫وهذا الحديث من األحاديث الطوال‪ ،‬وهو حديث اإليمان المشهور الذي جمع فيه‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم المسائل الكلية والقواعد العامة في اإلسلم‬

‫واإليمان و اإلحسان‪ ،‬وحينما جاء جبريل إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫سا للحاضرين وعدم صرف‬


‫على هيئة رجل ولم يأت على هيئة أخرى إينا ً‬

‫ألنظارهم عن مقصود ما يريد أن يسأل عنه رسول للا صلى للا عليه‪ ،‬فجاء‬

‫إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم على حال الغريب‪ ،‬وفيه هذا دليل على أنه‬

‫ي غيره إذا كان في ذلك فائدة لمستمع كما كان جبريل‬


‫يجوز لإلنسان أن يحاك َ‬

‫عليه السلم يحاكي حال رجل لتصل الفائدة ألصحاب رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم‪ ،‬فجاء إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم بأدب كما ينبغي أن يكون‬

‫الطالب بين يدي المعلم وفيه تواضع الفاضل للمفضول من جهة تلقي أصل العلم‬

‫‪26‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ل من جهة الذات؛ وإل فقد اختلف العلماء في فضل الملئكة على صالحي بني‬

‫آدم؛ والخلف في ذلك معلوم‪ ،‬و ثمة خلف عند أهل السنة في هذا الباب‪ ،‬إل أن‬

‫رسول للا صلى عليه وسلم مخصوص بالفضل على سائر الملئكة‪.‬‬

‫وهذا خصه للا جل وعل به‪ ،‬وإنما من جهة الفضل من باب أن جبريل هو‬

‫الواسطة بين رسول للا صلى للا عليه وسلم و بين للا جل وعل‪.‬‬

‫فما من شيء من الوحي إل وهو بواسطة جبريل؛ فكان إذا جهل رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم شيئا ً من الوحي سأل جبريل‪ ،‬فإذا جهل جبريل شيئا ً سأل‬

‫للا جل وعل‪ ،‬فكان من هذا الوجه خصيصة لجبريل‪ ،‬لهذا قد روى الخطيب‬

‫البغدادي في كتابه "الكفاية" من حديث أحمد بن زيد بن هارون أنه قال‪ :‬إنما‬

‫هي يعني الشريعة صالح عن صالح ‪،‬وصالح عن تابع‪ ،‬وتابع عن صاحب‪،‬‬

‫وصاحب عن رسول للا‪ ،‬ورسول للا عن جبريل‪ ،‬وجبريل عن للا ا‪.‬ه‪.‬‬

‫يعني هذا هو إسناد شريعة دمحم وما من شيء من الشريعة إل وهو بواسطة هذا‬

‫اإلسناد إل شريعة واحدة؛ وهي شريعة الصلة‪ ،‬أخدها رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم من ربه كفاحا ً بل واسطة‪ ،‬وهذا لمزية هذه العبادة وفضلها على سائر‬

‫صلى ّللا عليه وسلم فَأ ْ‬


‫سنَد ُر ْكبَتَي له لإلَى ُر ْك َبتَيْه}‬ ‫ّللا َ‬ ‫األعمال {فَ َجا َء إَلى َر ُ‬
‫سو لل ل‬

‫‪27‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وهذا من جلسات طالب العلم بين يدي العالم التي يظهر فيها التواضع والتذلل‬

‫بين يدي العالم من قبل المتعلم‪.‬‬

‫علَى فَ لخدَي له} قيل أنه وضع كفي جبريل على فخدي رسول للا‬ ‫{ َو َو َ‬
‫ضع كَف ْي له َ‬

‫صلى للا عليه وسلم أو وضع كفي جبريل على فخدي جبريل‪ ،‬والثاني هو‬

‫األظهر؛ وهذا هو األليق أدبًا‪ ،‬فوضع اإلنسان يده على فخدي غيره ملفت للنظر‪،‬‬

‫والسائغ والذي يجري عليه الناس في حال مثل هذه الجلسة أنه إذا وضع ركبته‬

‫على ركبتي أحد؛ أي كان محاديا ً له فإنه يضع كفيه على فخديه من باب األدب‬

‫والخشوع وحسن اإلنصات‪.‬‬

‫وفيه أنه ينبغي لإلنسان في حال التعلم أن تسكن جوارحه من جهة اليدين‬

‫والرأس ونحو ذلك حتى ل يشغل المتكلم بشيء من فضول الحركة؛ لهذا ينبغي‬

‫له أن يسكن من جهة الجوارح فيضع يديه على هيئة معلومة سواء على فخديه‬

‫أو في حجره أو على صدره حتى يكون من أهل اإلنصات فل ينشغل المتكلم‪،‬‬

‫وكذلك ل ينشغل السامعون فينصرفون عن مقصود المتكلم‪ ،‬وبهذا جبريل أراد‬

‫أن يقدم شحذا َ لنتباه أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم لينتبهوا لمراده؛‬

‫فسأل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن جملة من المسائل العظيمة جليلة‬

‫القدر وسأله عن ثلث مسائل وأردفها بشئ من أخبار الساعة و أشراطها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والمسائل الثلث هي‪ :‬اإلسلم‪ ،‬واإليمان واإلحسان والتي عليها مدار الدين من‬

‫جهة الكمال أو النقصان‪.‬‬

‫سأل جبريل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن اإلسلم‪:‬‬

‫ّللا وت ُ لقي َم‬ ‫ش َه َد أن لَ إلَهَ إل للا وأَن ُم َحمدا ً َر ُ‬


‫سو َل ِّ ل‬ ‫سل ُم أن ت َ ْ‬ ‫‪ ‬فقال‪ { :‬ل‬
‫اإل ْ‬

‫ست َ َط ْعتَ إللَ ْي له‬


‫ضان وت َ ُحج البيتَ إل لن ا ْ‬ ‫الصلةَ وتُأْتل َ‬
‫ي الزكاةَ وت َ ُ‬
‫صو َم َر َم َ‬

‫سبيلً} اإلسلم‪ :‬هو الستسلم لل جل وعل والنقياد له سبحانه وتعالى‬

‫بالطاعة والخلوص من كل ما يناقض ذلك‪ ،‬واإلسلم شامل ألعمال الظاهر‬

‫والباطن‪.‬‬

‫‪ ‬الظاهر‪ :‬من أعمال الجوارح وقول اللسان‪.‬‬

‫‪ ‬والباطن‪ :‬هو سلمة الجنان؛ فإذا سلمت هذه األمور لإلنسان فإنه‬

‫مستحق لوصف اإلسلم‪ ،‬واختلف العلماء في اإلسلم واإليمان‬

‫واإلحسان؛ هل بينها عموم وخصوص؟ أم أنها مترادفة من جهة المعنى‪،‬‬

‫من العلماء من قال أنها مترادفة وخاصة اإلسلم واإليمان‪ ،‬وهذا رواية‬

‫صا؛ كمسألة‬
‫عن اإلمام أحمد ومنهم من قال أن بينها عمو ًما وخصو ً‬

‫الفقير والمسكين‪ ،‬والذي يظهر وللا أعلم أن بينها من العموم‬

‫والخصوص ما تعضده األدلة منها هذا الحديث‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫واإلسلم عرفه رسول للا صلى للا عليه وسلم إجابة لجبريل‪ ،‬فيه إشارة أنه ل‬

‫حرج على اإلنسان أن يتصنع جوابا َ لمن يعلم هذا الجواب‪ ،‬يريد بذلك أن يُ ْ‬
‫س لم َع‬

‫َ‬
‫غي َْرهُ فرسول للا صلى للا عليه وسلم كان يعلم أن هذا جبريل؛ وجبريل يعلم‪،‬‬

‫ومنه أخد رسول للا صلى للا عليه وسلم هذه المسائل‪ ،‬فل حرج على المعلم أن‬

‫يعلم شخصا ً ويقصده بغيره‪ ،‬ويعلم أنه عالم بهذه المسألة ويريد بذلك الغير‪،‬‬

‫وفيه إشارة إلى أنه ل حرج على اإلنسان أن يتواطأ مع غيره من المتعلمين أن‬

‫يسأل سؤال ليتبين المقصود عند غيره‪ ،‬وهذا ظاهر من عمل جبريل مع رسول‬

‫للا صلى للا عليه وسلم واسترسال النبي عليه الصلة والسلم ظاهر في فهم‬

‫مراد جبريل من إفهام غيره‪ ،‬فأجاب رسول للا صلى للا عليه وسلم بأركان‬

‫اإلسلم؛ وإنما اصطلح العلماء على أركان اإلسلم الخمسة هذه استدلل بما‬

‫ي‬
‫جاء في حديث عبد للا بن عمر في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ { :‬بُنل َ‬

‫إلى‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪)54‬‬ ‫ش َها َد لة أن لَ إلَهَ إل ِّ‬


‫ّللا}‬ ‫سلَ ُم عَلى َخمس َ‬
‫اإل ْ‬
‫ل‬

‫آخر الخبر‪.‬‬

‫ي } إشارة إلى أن‬ ‫وسميت أركانًا استنبا ً‬


‫طا من قوله عليه الصلة والسلم‪ { :‬بُنل َ‬

‫اإلسلم بناء وأَركانه هي ما أخبر به رسول للا صلى للا عليه وسلم في هذه‬

‫المواضع‪ ،‬فذكر عليه الصلة والسلم شهادة أن ل إله إل للا وأَن ُم َحمدا ً َر ُ‬
‫سو َل‬

‫‪30‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ّللال؛ وهي التوحيد في هاتين العبارتين ودليل ذلك ما جاء في البخاري من حديث‬
‫ِّ‬

‫أبي معبد عن عبد للا بن عباس أن رسول للا صلى للا عليه وسلم بعث معادا ً‬

‫إلى اليمن فقال‪{ :‬إنك تأتي قو ًما أه َل كتاب فليكن أو ُل ما تدعوهم إليه شهادةَ ْ‬
‫أن‬

‫ل إلهَ إل للاُ وأن محمدًا رسو ُل ل‬


‫للا } وجاء في موضع في «البخاري»‪ :‬فليكن‬

‫أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا للا‪.‬‬

‫فاستعاض عن الشهادتين بكلمة التوحيد؛ وكلمة التوحيد بهذه العبارة وهذا‬

‫الصطلح لم تكن في كلم رسول للا صلى للا عليه وسلم من جهة هذا‬

‫الصطلح وإنما ُوجد أصلها من وح َد ويوحد ونحو ذلك؛ و أما التوحيد‬

‫فاصطلح اصطلح عليه العلماء واستقر عليه المعنى المعلوم‪.‬‬

‫{شهادة أن ل إله إل للا}‪ :‬الشهادة المراد بها اإلخبار عن ما في القلب فيظهره‬

‫اإلنسان لغيره حتى يروه‪ ،‬وهو من باب اإلشهار‪.‬‬

‫{أن ل إله إل للا} أي ل معبود بحق إل للا؛ وأول من فسر هذا المعنى بهذا‬

‫النحو هو ابن جرير الطبري في كتابه "التفسير"‪ :‬أل معبود بحق إلللا؛ وللا‬

‫قيل أنه اسم للا جل وعل األعظم‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫و"للا" من جهة المعاني هو أشمل المعاني المتضمنة ألسماء للا جل وعل‬

‫وصفاته؛ وقد اختلف العلماء في أصل الشتقاق من كلمة "للا" جل وعل؛ قيل‬

‫أنها مشتقة من أَلَهَ يعني‪ :‬ارتفع؛ وهذا معلوم في لغة العرب‪،‬ولهذا يقول‬

‫الشاعر‪:‬‬

‫وأعجلـــنا اإللهــــــة أن تغيـــــــبا‬ ‫تروحنا من الدهنـــــــاء عصـــرا ً‬

‫والمراد بذلك الشمس؛ يعني هي التي أعجلتنا قبل أن تغيب نريد أن نصل إلى‬

‫بلداننا؛ وقيل أنه مشتق من التجاء العبد لربه سبحانه وتعالى وهذا موجود‬

‫أيضا في أشعار العرب؛ ولهذا يقول الشاعر‪:‬‬

‫فألفيتكم منها كراما ً أمــــــــــاجدا‬ ‫ألهت إليكم في أمـــور تنوبنــــي‬

‫يعني‪ :‬يلتجأ إليهم في النوائب و وقيل هو عدم التغير ودوام البقاء ألن للا جل‬

‫وعل أول ليس له ابتداء‪ ،‬وآخر ليس له انتهاء‪ ،‬وهذا معلوم؛ ومن ذلك قول‬

‫الشاعر‪:‬‬

‫كأن بقاياها وشــــــــام على اليد‬ ‫ألهنا بدار ل تبيد رسومـــــــــها‬

‫‪32‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أي أننا بقينا وأطلنا المكث في ذلك‪ ،‬وقيل المراد بذلك هو التعبد لل عز وجل‬

‫والتذلل والخضوع‪.‬‬

‫لهذا يقول الشاعر‪:‬‬

‫سبحن واسترجعـــــن من تألهي‬ ‫لل در الغانيـــــــــــــــات ال ُمــــد له‬

‫يعني من تعب لد لل جل وعل وتعلق به سبحانه وتعالى؛ وقيل أن المراد بذلك هو‬

‫الخفاء؛ أن للا جل وعل قد حجب نفسه عن عباده في هذه الدنيا‪ ،‬فلم يُ لر للا جل‬

‫وعل نفسه أحدا من خلقه ل أحد من األنبياء ول من أتباعهم‪ ،‬وهذا معلوم وله‬

‫أصل أيضا ً في لغة العرب‪.‬‬

‫ولما كانت شاملة لجميع هذه المعاني العديدة؛ كان هذا السم من األسماء التي‬

‫ينبغي لإلنسان أن يلتجئ إلى للا جل وعل به‪.‬‬

‫لهذا كان رسول للا صلى للا عليه وسلم يكثر من الدعاء بقول‪« :‬اللهم»‬

‫ً‬
‫استعمال في كلم رسول للا صلى‬ ‫فجعلها من باب الدعاء أي يا للا؛ فكانت أكثر‬

‫للا عليه وسلم‪ ،‬وكثرة الستعمال دليل على مزيد خصيصة في هذا الباب ول‬

‫نريد أن نتكلم على مسائل العتقاد في هذا الباب وإنما نتكلم عن األصول‬

‫العامة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ّللا} يعني أن للا جل وعل‬ ‫وفي قوله عليه الصلة والسلم {وأَن ُم َحمدا ً َر ُ‬
‫سو ُل ل‬

‫خصه برسالة أنزلها إليه بواسطة جبريل؛ أنزل للا جل وعل عليه كتابه العظيم‬

‫الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬وأن للا جل وعل قد حفظ هذا‬

‫الكتاب العظيم‪.‬‬

‫والركن الثاني من أركان اإلسلم هو الصلة‪ ،‬والصلة أعظم األركان العملي؛‬

‫ولهذا قد جاء لفظ التكفير في تاركها أكثر وأظهر من تارك بقية األركان من غير‬

‫التوحيد والصلة وهذا قد جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في حديث‬

‫جابر بن عبد للا في صحيح اإلمام مسلم‪ ،‬وجاء أيضا ً في حديث بريدة ويرويه‬

‫عنه ابنه عبد للا عند أصحاب السنن قوله رسول للا صلى للا عليه‬

‫ي ِّ‬
‫الزكَاة} والمراد بإيتاء الزكاة‪ :‬إخراج ما وجب في حق مال‬ ‫وسلم{وتُؤتل َ‬

‫اإلنسان سواء كان من النقدين من الذهب أو الفضة أو كان كذلك ما في حكم‬

‫هذه األموال من بهيمة األنعام أو كذلك أيضا من عروض التجارة‪ ،‬وهذه إنما‬

‫خصت بأركان اإلسلم ألهميتها وفضلها وعلو مقامها‪ ،‬وكذلك خطر المفرط‬

‫فيها‪.‬‬

‫إن است َ َطعت إللَ ْي له‬


‫ضان وت َ ُحج البَيْتَ ل‬
‫صو َم َر َم َ‬
‫ثم قال عليه الصلة والسلم‪َ { :‬وت ُ‬

‫سبيلً} هل هذه من جهة التأكيد واللزوم على هذا الترتيب؟‬


‫َ‬

‫‪34‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬اتفق العلماء على أن الصلة هي آكد األركان العملية وهذا ل خلف فيه‬

‫عندهم وذهب عامة العلماء إلى أن الزكاة تليها ولهذا كانت قرينتها في كلم للا‬

‫عز وجل‪ ،‬ثم بعد ذلك وقع الخلف في مسألة الصيام والحج؛ أيها آكد على‬

‫خلف في الرواية فحديث ابن عمر رضي للا عنه في قول رسول للا صلى للا‬

‫ّللا وأ َ ِّن دمحما ً رسول‬


‫سل ُم عَلى خمس شَهاَدة أن آل لإلَ َه لإل ِّ‬
‫ي اإل ْ‬
‫عليه وسلم «بُ لن َ‬

‫وإيتاء الزكا لة وحج البيت وصوم رمضان} وهي في الصحيح‪.‬‬


‫ل‬ ‫للا وإلقام الصل لة‬

‫ثم سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن اإليمان‪:‬‬

‫اآلخ لر وت ُ ْؤ لم َن بالقَدَر‬
‫ل‬ ‫واليوم‬
‫ل‬ ‫س لل له‬ ‫‪ ‬فقال‪ { :‬أَن ت ُ ْؤ َ‬
‫من وملئ َكتل له و ُكتُبله َو ُر ُ‬

‫خير له وشر له} وهذه أركان اإليمان الستة‪ ،‬و يجب على كل مؤمن أن يؤمن‬

‫بهذه القدر من هذه األركان‪ ،‬وما زاد عن ذلك‪ :‬فإذا بلغه الدليل على وجه‬

‫يصح معه وكان صري ًحا يستوعبه عقله لو أراد أن يستوعب فإنه يجب‬

‫عليه أن يسلم لذلك تسلي ًما‪.‬‬

‫و ما يجب على اإلنسان أن يؤمن به من هذه األركان‪ :‬أن يؤمن بأن للا واحد‬

‫في أسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته‪ ،‬وأنه ل شريك له ول ند ول نظير‪،‬‬

‫فيؤمن بذلك ويؤمن بأن للا جل وعل سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات‬

‫‪35‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ما ورد فيها من كلم للا عز وجل وما جاء في كلم رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم ومنها ما لستأثر للا عز وجل به في علم الغيب عند‪ ،‬فيؤمن بهذا اإلطلق‬

‫وما ورد إليه من التفصيل فإنه يؤمن بها [أي الصفات] ويمضيها من غير نظر‬

‫في تكييف‪.‬‬

‫كذلك أيضا ينبغي أن يُ ْلت َ َمس حال فهوم العامة أنها ل تطرق إليهم األسماء التي‬

‫ل يدركون معانيها إل بمشقة أو يتبادر إلى أذهانهم نوع من التشبيه‪،‬‬

‫فينصرفون إلى ذلك‪ ،‬فل ينصرف إل إلى المعاني الظاهرة التي تتعلق بها‬

‫قلوبهم‪ ،‬فإن تمكنوا وقربوا من اإليمان فإنهم يُعَلمون ذلك‪ ،‬ولهذا رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم لما كان يدعو _كما روى ابن جرير الطبري في كتابه‬

‫"التفسير"‪ :‬فيقول‪" :‬يا رحمان يا رحيم"؛ قال كفار قريش‪ :‬وما الرحمن! فأنزل‬

‫ِل أ َ لو ٱ ْدعُواْ ٱلرحْ َٰ َم َن‬


‫للا جل وعل على نبيه عليه الصلة والسلم‪{ :‬قُ لل ٱ ْدعُواْ ٱ َ‬

‫أَيًّا ما ت َ ْدعُواْ فَلَهُ ٱ ْأل َ ْ‬


‫س َما ٓ ُء ٱ ْل ُح ْ‬
‫سنَ َٰى}‬

‫يعني ليست العبرة بهذا اللفظ وإنما العبرة بالمعنى الذي ينبغي لإلنسان أن‬

‫يتقدي به‪ ،‬لهذا ينبغي على اإلنسان أن يهتم بالمعاني بعيدا عن األلفاظ‪ ،‬وأل‬

‫يأتي باأللفاظ‪ ،‬ألنه لو جاء باأللفاظ كان فرض اإليمان بها‪ ،‬وأل يكذب اإلنسان‬

‫‪36‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بشئ من األلفاظ قد ذكره للا جل وعل في كتابه العظيم أو تواترت به السنة‪ ،‬فل‬

‫يبادر بذكر األلفاظ التي ربما تستنكرها بعض أفهام الناس ممن قصر فهمه‪.‬‬

‫تؤمن بالل} فيؤمن بأن للا جل وعل متصرف في خلقه غني عنهم‪ ،‬لغنًى‬
‫َ‬ ‫{أَن‬

‫تاما وأن العباد مفتقرون إليه وأنهم كلهم عبيد مأمورون بالتذلل والتعبد لل جل‬

‫وعل‪.‬‬

‫{ َو َم َلئكتله} أي أن لل جل وعل ملئكة مقربون‪ ،‬ليسوا بأبناء للا‪ ،‬وليسوا‬

‫بإناث ول ذكور‪ ،‬وأنهم يعبدون للا جل وعل و يفعلون ما يؤمرون‪ ،‬وأنهم خلق‬

‫من خلق للا جل وعل‪ ،‬متذللون ومفتقرون إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن للا‬

‫سبحانه وتعالى ما خلقهم حاجة إليهما‪ ،‬وإنما لتسيير شؤون الخلق بخلق‬

‫أسبابها‪ ،‬ويؤمن بما ذكره للا جل وعل من أسمائهم في كتابه العظيم‪ ،‬مما يرد‬

‫إلى ذهنه‪.‬‬

‫‪ ‬ويجب أن يقطع وأن يؤمن بأن للا جل وعل خص جبريل بالوحي‪،‬‬

‫أنزله للا جل وعل بواسطته على نبيه محم ًدا صلى للا عليه وسلم وأن‬

‫لم ينزل ولن ينزل على أحد من هذه األمة بعد رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم‪ ،‬إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ً‬
‫رسل أرسلهم إلى خلقه‪ ،‬منهم‬ ‫‪ ‬وأن يؤمن برسل للا‪ ،‬وأن لل عز وجل‬

‫من سمى للا عزوجل في كتابه‪ ،‬ومنهم من لم يسم‪ ،‬منهم أولو العزم‬

‫وآخرهم [أي الرسل] دمحم صلى للا عليه وسلم‪ ،‬خصه للا عز وجل‬

‫بجملة من الخصائص منها أنه خاتم األنبياء وأن للا عز وجل أرسله‬

‫إلى الناس كافة‪ ،‬وأن للا عز وجل قد أرسله بصلح دين الناس ودنياهم‬

‫وأنه عليه الصلة والسلم يقتدى به وأنه معصوم‪ ،‬وأنه ل نبي بعد دمحم‬

‫صلى للا عليه وسلم‪ ،‬فما يرد عنه يجب فيه التباع‪ ،‬وأن قوله وحي‪،‬‬

‫ق ع لَن ا ْل َه َوى لإ ْن ُه َو لإل َوحْ ي يُو َحى}‬


‫لعموم قوله جل وعل‪َ { :‬و َما َي ْن لط ُ‬

‫‪ ‬وأن يؤمن بكتب للا‪ :‬ويكفي من ذلك القدر أن لل جل وعل كتبت‬

‫وصحفًا أنزلها على أنبيائه‪ ،‬منها التوراة و اإلنجيل وآخرها القرآن‬

‫الكريم؛ أنزله للا جل وعل مهيمنا على سائر الكتب‪ ،‬وأن للا عز وجل‬

‫حفظه من أن تناله أيدي الناس بتحريف لفظه‪ ،‬ولكن تناله أيدي الناس‬

‫بتحريف معناه‪ ،‬و لكن من جهة المعنى ل تزال طائفة من هذه األمة‬

‫ظاهرة على الحق إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫وأن يؤمن أن القرآن كلم للا وأن للا جل وعل تكلم به على الحقيقة‬ ‫‪‬‬

‫ومنه بدأ وإليه يعود‪ ،‬أي أن للا جل وعل يرفعه في آخر الزمان‪ ،‬وأنه‬

‫ظ َ‬
‫ون} يعني ل تطاله‬ ‫جل وعل حفظه {إلنا نَحْ نُ نَز ْلنَا ال لذِّ ْك َر َوإلنا لَهُ لَ َحافل ُ‬

‫‪38‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األيدي من جهة اللفظ‪ ،‬ومن جهة المعنى يطاله تحريف المعنى‪ ،‬ولكن‬

‫ثمة من أهل العلم من يحفظ هذا األمر إلى قيام الساعة‪ ،‬ولكنه يزيد‬

‫ويقل في الناس حتى يدرس اإلسلم كما جاء عن رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم من حديث حذيفة بن اليمان عند ابن ماجة والحكام بإسناد‬

‫صحيح أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قال‪{ :‬يدرس اإلسلم كما‬

‫يدرس وشي الثوب‪ ،‬حتى ل يدرى ما صيام ول صلة ول نسك ول‬

‫صدقة‪ ،‬وليسرى على كتاب للا عز وجل في ليلة فل يبقى في األرض‬

‫منه آية‪ ،‬وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون‪:‬‬

‫أدركنا آباءنا على هذه الكلمة (ل إله إل للا) فنحن نقولها) قال صلة بن‬

‫زفر لـ حذيفة‪ :‬ما تغني عنهم (ل إله إل للا) وهم ل يدرون ما صلة ول‬

‫صيام ول نسك ول صدقة؟! فأعرض عنه حذيفة‪ ،‬ثم ردها ثلثاً‪ ،‬كل ذلك‬

‫يعرض عنه حذيفة‪ ،‬ثم أقبل عليه في الثالثة فقال‪ :‬تنجيهم من النار‬

‫النار}‪ .‬صحيح ابن ماجه ‪7480‬‬ ‫تنجيهم من النار‪ ،‬تنجيهم من‬

‫‪ ‬ويؤمن بالقدر خيره وشره‪ :‬والقدر المراد به ما يقدره للا جل وعل من‬

‫مقادير الخلئق‪ ،‬فإن للا جل وعل له الكمال والعلم المطلق في ذلك فإنه‬

‫يعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون‪،‬فإن‬

‫هذا علم مطلق‪ ،‬خاص بالل جل وعل ‪ ،‬فمن نازع في شيء من خصائصه‬

‫‪39‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫من ذلك‪ ،‬فإنه كافر خارج من الملة‪ ،‬ومن زعم أن أحدا يمكنه أن يتححق‬

‫فيه شيئ من العلم لم يعلمه للا جل وعل إياه باألمور الشرعية أو‬

‫القدرية مما رخص للا جل وعل به‪ ،‬فإنه كافر مرتد‪ ،‬كذلك يُعلم أن للا‬

‫جل وعل قد قدر مقادير الخلئق‪ ،‬وكتبها في لوح عنده سبحانه وتعالى‪،‬‬

‫وأن الناس ل يخرجون عن ذلك وأن للا جل وعل خالق الناس وما‬

‫يفعلون سواء كان من أفعالهم أو ما كان من باب تروكهم ومن قال أن‬

‫األمر أُنُف أي أن الناس يستأنفون ول علم لل ِّ‬


‫عز وجل في ذلك‪ ،‬فتلك‬

‫زندقة وكفر وخروج من الملة‪ ،‬وبهذا أورد يحيي بن يعمر هذا الخبر‬

‫مسندا له عن عبد للا بن عمر عن عمر عن رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم مستدل ومحتجا على أهل القدر بهذا المعنى‪.‬‬

‫‪ ‬واإليمان بالبعث بعد الموت‪ :‬يعني يؤمنون بأن للا جل وعل جامع الناس‬

‫ومحاسبهم على ما هم عاملون‪.‬‬

‫ويجب على المؤمن أن يعلم أن ما عليه مسطر في كتاب ل يغادر صغيرة ول‬

‫كبيرة إل أحصاها‪ ،‬وأن الخلود ليس ألحد في هذه األرض ‪ ،‬وأن للا جل وعل‬

‫أنه قد قدر أن كل نفس ذائقة الموت‪ ،‬فما من نفس إل و هي زائلة سواء ما كان‬

‫له روح أو ما كان من الجمادات فكلها من مخلوقات للا جل وعل زائلة بأمر‬

‫‪40‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫منه سبحانه وتعالى وبقدرته‪ ،‬ول يبقى إل وجه للا جل وعل ذو الجلل‬

‫واإلكرام‪.‬‬

‫ويحاسب للا جل وعل الخلق‪ ،‬ول يجب على اإلنسان أن يؤمن بتفاصيل ذلك من‬

‫طريقة الميزان إل إذا ورد إليه الدليل‪ ،‬فإنه يجب أن يؤمن به‪ ،‬ومن كفر بالدليل‬

‫الذي ورد إليه؛ فإذا كان من األمور المتواترة‪ ،‬وأُثبت له‪ ،‬وكان من المقطوع‬

‫به‪ ،‬وجب عليه أن يؤمن وإل كان مرت ًدا‪.‬‬

‫وأما ما كان ثبوته أو دللته ظنية‪ ،‬فإنه ل يُ َكفِّر بذلك ما دام أنه يؤمن بأصل‬

‫البعث والحساب والجزاء‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬وأن للا جل وعل محاسب الناس على‬

‫ما هم عاملون‪ ،‬ويحاسب للا جل وعل غير الثقلين‪ ،‬فالبهائم يحاسبها للا جل‬

‫وعل يوم القيامة بنوع واحد من أنواع الحساب كما جاء في صحيح اإلمام‬

‫مسلم من حديث العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى‬

‫للا عليه وسلم قال‪" :‬ألتدن الحقوق إلى أهلها وليقتصن للا يوم القيامة من‬

‫صحيح مسلم ‪4184‬‬ ‫الشاة القراء للشاة الجماء"‪.‬‬

‫فيكون حينئذ باب المظالم يجري حتى على البهائم ثم يقول للا عز وجل لها‪:‬‬

‫"كوني ترابًا "‪ ،‬وهذا لعظم عدل للا ِّ‬


‫عز وجل بين خلقه‪ ،‬وتمام فضله وإحسانه‬

‫‪41‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وكذلك بيان قدر الظلم‪ ،‬فإذا كان يُفصل فيه َ‬
‫بين البهائم فهو بين بني آدم‪ ،‬ولو‬

‫كان دقيقا من باب أولى‪.‬‬

‫ثم سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن‪:‬‬

‫‪ ‬اإلحسان‪ :‬مشتق من ال ُحسن؛ والحسن هو قدر زائد على الفعل والعمل‬

‫فما من عمل من األعمال يفعله اإلنسان إل وثمة قدر مجزئ وقدر كمال‬

‫عا وإحداث ًا؛ فما‬


‫تَكمل به العبادة‪ ،‬فإذا زاد عن قدر الكمال كان ذلك ابتدا ً‬

‫يأتي على العبادات من التحسينات التي يفعلها اإلنسان من ما زاد عن‬

‫قدر الكمال‪ ،‬فإنه من اإلحداث والبتداع؛ وما كان ناقصا عن قدر اإلجزاء‬

‫فإنه من التقصير في جنب للا‪.‬‬

‫فما من عبادة من العبادات من الفرائض‪ ،‬من أركان اإلسلم أو كذلك من‬

‫المستحبات‪ ،‬إل و فيها هذين القدرين‪.‬‬

‫للا جل وعل كأنهُ يراه‪ ،‬فإذا لم يكن يراه فإن‬


‫واإلحسان‪ :‬هو أن يعبد اإلنسان َ‬

‫للا جل وعل يراه‪.‬‬

‫والمراد من هذا المعنى بالتمثيل‪ :‬أن اإلنسان إذا كان خادما عند غيره‪ ،‬وكان‬

‫صا دقيقًا في عمله بخلف‬


‫يراقبه سيده‪ ،‬فإنه يحسن العمل ويكون متقنًا له مخل ً‬

‫‪42‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫لو انصرف عنه سيده‪ ،‬وهذا يُلحظ عند األجراء وعند العبيد‪ ،‬فإنهم إذا كان‬

‫يراهم سيدهم‪ ،‬أحسنوا العمل وإذا انصرف لم يحسنوه إل عند ال ُخلص الذين‬

‫يراقبون للا جل وعل ويتقنون العمل في الغيب والشهادة‪.‬‬

‫كذلك في باب العبادة؛ فإن العبد عند للا سبحانه وتعالى في حال شهوده أو بين‬

‫يديه كفاحا على السواء‪ ،‬ألن للا جل وعل يرى عبده وإن لم يَ َرهُ العبد‪ ،‬ولذلك‬

‫فإنه يجب على اإلنسان أن يبالغ في الحتياط في أمر العبادة قدر إمكانه‪ ،‬ومر ُّد‬

‫ذلك إلى فهم ما جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم من تفاصيل العبادات‬

‫ور َ‬
‫غائلبها‪ ،‬وكمالها؛ مما دل عليه الدليل من الخشوع‬ ‫سنَنل َها‪َ ،‬‬
‫فيعرف الصلة ب ُ‬

‫وتمام التسبيح في مواضع التسبيح‪ ،‬وحضور القلب‪ ،‬وكذلك تمكين األعضاء‬

‫السبعة من األرض‪ ،‬وغير ذلك من الفضائل‪ ،‬التي فعلها اإلنسان كأنه يرى للا‬

‫جل وعل‪.‬‬

‫كذلك في باب الصدقة من إخفائها واإلتيان بها لمستحقيها واستيعاب األصناف‬

‫الثمانية‪ ،‬وتحري صاحبها‪ ،‬كأن العبد يرى للا جل وعل‪ ،‬وللا سبحانه وتعالى‬

‫يراه‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وهذا كما أنه في الصلة والزكاة كذلك في سائر العبادات‪ ،‬أن يحرص اإلنسان‬

‫على معرفة السنن في سائر العبادات حتى يأتي بها ويطبقها‪ ،‬فل يعبــــد للا عز‬

‫وجل بغير ما شرع‪.‬‬

‫‪ ‬ثم سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن الساعة‪ :‬يعني متى‬

‫هي؟ وهذا السؤال كان بعد بيان هذه المسائل العظيمة‪ :‬اإلسلم واإليمان‬

‫واإلحسان‪ ،‬إشارة إلى ما تتشوف إليه النفوس من أمر الغيب‪ ،‬والختام‬

‫وحال الناس و أمر الساعة‪ ،‬فالنفوس تتشوف إلى معرفة ال ُمغَيب‪ ،‬وما‬

‫غاب عنها حسا ومعنى؛ ولهذا كفار قريش واليهود كانوا يأتون إلى‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ،‬ويريدون أن يختبرونه باألمور المغيبة‬

‫إشارة إلى صدقه‪ ،‬وكان مما سألوه ولم يسترسل معهم رسول للا صلى‬

‫للا عليه وسلم عنه و ُح لجب عن النبي صلى للا عليه وسلم‪ :‬الروح فأ ُ لمر‬

‫سأَلُونَكَ‬
‫النبي صلى للا عليه وسلم أن يكل األمر إلى للا جل وعل‪َ { :‬و َي ْ‬

‫ح لم ْن أ َ ْم لر َربِّي} أي ليست ألحد من الخلق‪.‬‬ ‫الروحل قُ لل ُّ‬


‫الرو ُ‬ ‫ع لَن ُّ‬

‫سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن الساعة فقال‪َ { :‬ما المسؤول‬

‫عَنها بأ َ ْعلَ َم من السائل}‪ :‬أي أن علمها لو كان يصل إلي فإنِّه بواسطتك فإنك من‬

‫جهة العلم سابق لي؛ وفيه إشارة إلى اشتراك الخلق في الجهل بها‪ ،‬فالساعة ل‬

‫‪44‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يعلمها ل ملك مقرب ول نبي مرسل ‪،‬وإنما هي من خصائص للا سبحانه‬

‫وتعالى استأثر بها في علم الغيب عنده‪.‬‬

‫وسؤال جبريل عن أماراتها؛ أي علماتها و أشراطها إشارة إلى أمور مهمة‬

‫منها‪:‬‬

‫أنه ينبغي للمؤمن أن ل يبحث عن زمن الساعة وإنما يبحث عن علماتها حتى‬

‫يتعلق قلبه بالل سبحانه وتعالى‪ ،‬فإن اإلنسان إذا كان ينتظر قافلة‪ ،‬يسأل عن‬

‫السابقين لهذه القافلة الذين يشقون الطريق‪ ،‬أو الذين يحملون األخبار ونحو‬

‫ذلك قبل أن يسأل ذات القافلة التي تحمل األرزاق ونحو ذلك‪ ،‬فكيف بأمر عظيم‬

‫وهو الساعة!‬

‫والساعة أدهى وأمر‪ ،‬مما ينبغي لإلنسان أن يعتني بأمرها‪ ،‬واإلكثار من العمل‬

‫استعدادا لها‪ ،‬ول سبيل لإلنسان لمعرفة قربها أو بعدها إل بهذه األمارات‪.‬‬

‫قد سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن شيئ من أماراتها‪ ،‬فذكر له‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم شيئا من ذلك‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫منها‪ :‬أن يتطاول الناس بالبنيان‪ :‬يعني أن يمكن للا عز وجل ألهل رعي األغنام‬

‫في األرض‪ ،‬فيكونون من أهل الحضارة والتمدن‪ ،‬فيبلغون من ذلك مبلغا‬

‫عظيما؛ وهذا ُمشاهد في الناس‪.‬‬

‫وينبغي أن يُعلم أن أشراط الساعة إذا وردت في كلم للا أو في كلم رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم فالمراد بها بلد العرب وليست بلد المشركين‪.‬‬

‫فمن يرى واقعة في بلد المشركين ويقول أن هذا ما أخبر به رسول للا صلى‬

‫للا عليه وسلم‪ ،‬فمن النظر القاصر‪.‬‬

‫فإن رسول للا صلى للا عليه وسلم في سائر وجميع أشراط الساعة أراد بها‬

‫مواضع العرب‪ ،‬والعرب بذاتهم ل غير‪ ،‬سواء من ظهور المنكرات أو الربا أو‬

‫الزنا أو الخسوف أو غير ذلك فكلها في بلد العرب ليس في غيرها‪ ،‬وكذلك‬

‫أي ً‬
‫ضا حينما خص رسول للا صلى للا عليه وسلم هذه الخصائص بهذا األمر‬

‫لحتمالت متنوعة؛ منها أن النبي عليه الصلة والسلم ذكر في كل حقبة من‬

‫الزمن بين يدي الساعة شرطا من األشراط؛ منها ما يظهر من ظاهر الفتوحات‬

‫اإلسلمية من أن تلد األمة ربتها أو ربها‪ :‬إشارة إلى كثرة اإلماء والسبي حتى‬

‫يتزوج من اإلماء فتلد سيدها‪ ،‬فيكون سي ًدا عليها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أو في إشارة إلى عقوق األمهات‪ ،‬وهذا جاء عن رسول للا صلى للا عليه‬

‫خمس عش َْرةَ‬
‫َ‬ ‫وسلم عند الترمذي أنه عليه الصلة والسلم قال‪ :‬إذا فَعلَتْ أمتي‬

‫صلَةً حل بها البل ُء‪ ،‬ف لقي َل وما هي يا رسو َل للال؟ قال إذا َ‬
‫كان ال َم ْغنَ ُم د ُُو ًل‪،‬‬ ‫َخ ْ‬

‫واألمانةُ َم ْغنَ ًما‪ ،‬والزكاةُ َم ْغ َر ًما‪ ،‬وأطا َ‬


‫ع الرج ُل زوجتَه وعقَ أمه‪ ،‬وبر صديقَه‬

‫القوم أ َ ْر َذلَهم‪ ،‬وأ ُ ْكر َم‬


‫ل‬ ‫وجفا أباه ‪،‬وارتفعَتْ األصواتُ في المساجدل‪ ،‬وكان زعي ُم‬

‫والمعازف‬
‫ُ‬ ‫الحرير‪ ،‬وات ُ لخ َذتْ ال لقيا ُن‬
‫ُ‬ ‫الخمور ولُبل َ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫الرج ُل مخافةَ ل ِّ‬
‫شره‪ ،‬وش لُر َبتْ‬

‫آخر هذه األم لة أولَها‪ ،‬ف ْليرتقبوا عن َد ذلك لري ًحا حمرا َء‪ ،‬أو َخ ْ‬
‫سفًا أو َم ْ‬
‫س ًخا‪.‬‬ ‫ولَعَ َن ُ‬

‫ً‬
‫مكتمل فاستبدلناه بحديث‬ ‫ملحظة الشيخ روى حديث عن الطبراني و لكن المقطع لم يكن‬
‫رواه الترميذي وكلهما ضعيف‪.‬‬

‫الراوي‪ :‬علي بن أبي طالب | المحدث‪ :‬األلباني | المصدر‪ :‬ضعيف الترمذي‪.‬‬

‫الصفحة أو الرقم‪ | 4459 :‬خلصة حكم المحدث‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثــــالث‬

‫ع ْن ُه َما قَا َل‪َ :‬‬


‫س لم ْعتُ‬ ‫ي للاُ َ‬ ‫ع َم َر بْن ال َخطا ل‬
‫ب َر لض َ‬ ‫للا ب لْن ُ‬
‫ع ْب لد ل‬ ‫ع َْن أَبل ْي َ‬
‫ع ْب لد الرحْ َم لن َ‬

‫ش َها َد لة أ َ ْن لَ إللَهَ إلل للا َوأَن‬


‫علَى َخ ْمس‪َ :‬‬
‫سل ُم َ‬
‫اإل ْ‬
‫ي ل‬‫النبي ﷺ يَقُ ْو ُل‪ " :‬بُنل َ‬

‫ض َ‬
‫ان "‪.‬‬ ‫ص ْو لم َر َم َ‬ ‫س ْو ُل للال‪َ ،‬وإلقَ لام الصل لة‪َ ،‬و لإ ْيت َ ل‬
‫اء الزكَا لة‪َ ،‬و َح ِّجل ال لب ْيتل‪َ ،‬و َ‬ ‫ُم َحم َدا ً َر ُ‬

‫تعليـــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫ثم أورد المصنف حديث عبد للا بن عمر في قوله‪( :‬بني اإلسلم على خمس‬

‫شهادة‪ :‬أن ل إله إل للا‪ ،‬وأن دمحما ً رسول للا‪ ،‬و إقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‬

‫والحج‪ ،‬وصوم رمضان)‪ ،‬وإيراد المصنف رحمه للا لهذا الحديث فيه تمثيل‬

‫النبي عليه الصلة والسلم بأشياء محسوسة تقريبا ً للفهم‪ ،‬وأن اإلسلم كالبناء‬

‫يتكئ على أركان‪ ،‬وهذه األركان إذا اختل واحد منها اختل البناء وسقط‪ ،‬ومن‬

‫هذه األركان ما يسقط به البناء‪،‬ومرد ذلك إلى الدليل‪.‬‬

‫ولهذا تجد األبنية فيها أركان إذا سقطت اختل البناء بكامله‪ ،‬وفيها أركان لو‬

‫سقطت ضعف البناء ولم يختل اآلخر‪ ،‬وفي قول النبي عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫(بني اإلسلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل إله إل للا‪ ،‬وأن محم ًدا رسول للا)‬

‫المراد التوحيد واإليمان‪ ،‬وهذا التوحيد واإليمان وما يدخل معه في هذا المعنى‬

‫‪48‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫هو في قول شهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا‪ ،‬فالشهادتان هما‬

‫التوحيد‪ ،‬وقد جاء هذا مفسرا ً في حديث عبد للا بن عباس في الصحيحين‬

‫وغيرهما حينما بعث رسول للا صلى للا عليه وسلم معاذا ً إلى اليمن فقال‪( :‬إنك‬

‫تأتي قوما ً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه‪ :‬شهادة أن ل إله إل للا وأن‬

‫دمحما ً رسول للا)‪ ،‬وقد أورد البخاري رحمه للا في موضع آخر في كتابه‬

‫الصحيح من حديث يحيى بن عبد للا بن صيفي عن أبي معبد عن عبد للا بن‬

‫فجاء‬ ‫البخاري ‪3734‬‬ ‫عباس رواية‪( :‬فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا للا)‬

‫في معنى الشهادتين التوحيد‪ ،‬فجعل الشهادتين توحيد للا سبحانه وتعالى‪،‬‬

‫فشهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا هي التوحيد‪ ،‬ويدخل فيها ما يتبعها‬

‫من أعمال الجوارح مما ل تصح إل به مما خصه الدليل‪.‬‬

‫والشهادة هنا المراد منها هو اإلخبار عما في القلب؛ ولهذا يقال تشهد بكذا أي‬

‫تخبر عما في قلبك‪ ،‬وليس المراد بذلك القول المجرد‪ ،‬فالشهادة شيء والكلم‬

‫العام شيء‪ ،‬فإذا استشهد اإلنسان فكلمه أخطر من الكلم المرتجل بل‬

‫استشهاد‪ ،‬وإنما هو استدعاء لما في القلب أن يخرج على اللسان؛ ولهذا نقول‪:‬‬

‫إن الشهادة باللسان عظيمة القدر؛ ألنها إخبار عما في الباطن‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫إذا ً قوله‪( :‬بني اإلسلم على خمس‪ :‬شهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا)‬

‫الشهادتان شهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا هما التوحيد ومعنى ل إله‬

‫إل للا‪ :‬أي ل معبود بحق إل للا‪ ،‬أول من حمله على هذا المعنى هو ابن جرير‬

‫الطبري رحمه للا‪ ،‬أي‪ :‬قال‪ :‬ل معبود بحق إل للا‪ ،‬والمعنى في ذلك متقرر‪،‬‬

‫وأن دمحما ً رسول لل وهي تمام الشهادة فل تصح األولى إل بالثانية‪ ،‬ول الثانية‬

‫إل باألولى‪ ،‬وهما متلزمتان‪.‬‬

‫قال‪( :‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وصوم رمضان) شهادة أن ل إل‬

‫للا وأن دمحما ً رسول تتضمن العتقاد وكذلك قول اللسان‪ ،‬وبقية األركان هي‬

‫عمل الجوارح في الظاهر اللزم لإلخلص واللزم أيضا ً للتصديق‪ ،‬فل بد أن‬

‫يتوفر في هذه األركان أجزاء اإليمان وهو عمل القلب‪ ،‬وكذلك أيضا ً قول اللسان‬

‫وعمل الجوارح‪ ،‬فل بد أن يتوفر في إقامة الصلة تصديق بأن المشرع‬

‫والموجب والفارض هو للا‪ ،‬وكذلك أيضا ً عمل الجوارح‪ ،‬وقول اللسان فيما‬

‫أمره للا سبحانه وتعالى أن يقول إذا أمر‪ .‬والصلة هي الركن الثاني من أركان‬

‫اإلسلم‪ ،‬وقد دلت األدلة على أهميتها وركنيتها‪ ،‬وأمر للا جل وعل بها في‬

‫كتابه الكريم في مواضع عديدة‪ ،‬وجاءت عن رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫أحاديث في ذلك‪ ،‬وأمر للا جل وعل فيما هو متعد في حالها مما يدل على‬

‫‪50‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أهميتها في ذاتها‪ ،‬فأمر للا جل وعل بالركوع مع الراكعين مما يدل على أن‬

‫األمر بها بذاتها آكد من األمر متعديا ً بإتيانها جماعة‪.‬‬

‫والصلة جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم بيان منزلتها‪ ،‬وكذلك جاء‬

‫عنه كفر تاركها كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول للا صلى‬

‫صحيح مسلم ‪84‬‬ ‫للا عليه وسلم قال‪( :‬بين الرجل وبين الشرك ترك الصلة)‬

‫وكذلك جاء في السنن من حديث بريدة قال عليه الصلة والسلم‪( :‬العهد الذي‬

‫وجاء أيضا ً في‬ ‫صحيح النسائي ‪644‬‬ ‫بيننا وبينهم الصلة‪ ،‬فمن تركها فقد كفر)‬

‫حديث عبد للا بن عمرو قال عليه الصلة والسلم‪( :‬من حافظ على هذه‬

‫الصلوات حيث ينادى بها كن له نجاة وبرهانا ً يوم القيامة‪ ،‬ومن لم يحافظ عليها‬

‫حيث ينادى بها لم تكن له نورا ً ول نجاة ول برهانا ً يوم القيامة‪ ،‬وحشر مع‬

‫خلف)‪ .‬أخرجه أحمد (‪ ،)4134‬وابن حبان (‪،)5643‬‬ ‫فرعون وهامان وقارون وأبي بن‬

‫والطبراني (‪)56364( )543/56‬‬

‫وجاء أي ً‬
‫ضا عن الصحابة عليهم رضوان للا تعالى بيان كفر تاركها‪ ،‬كما جاء‬

‫في حديث عبد للا بن شقيق قوله‪ :‬ما كان أصحاب رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم يرون شيئ ًا من األعمال تركه كفر إل الصلة كما رواه الترمذي من حديث‬

‫بشر بن المفضل عن الجريري عنه‪ ،‬وكذلك جاء أيضا ً عن التابعين كما رواه‬

‫‪51‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫دمحم بن نصر من حديث حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه‬

‫قال‪ :‬ترك الصلة كفر ل نختلف فيه‪ ،‬كذلك جاء عند ابن جرير وغيره في تفسير‬

‫سا ُه َ‬
‫ون من حديث‬ ‫لين ُه ْم ع َْن َ‬
‫صلتل له ْم َ‬ ‫ين * الذ َ‬ ‫قول للا جل وعل‪ :‬فَ َويْل لل ْل ُم َ‬
‫ص للِّ َ‬

‫مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في قول للا جل وعل‪ :‬الذ َ‬
‫لين‬

‫مسند البزار‬ ‫كفرا‪.‬‬ ‫سا ُه َ‬


‫ون قال‪ :‬ليس تر ًكا إنه إن كان تر ًكا كان ً‬ ‫ُه ْم ع َْن َ‬
‫صل لت له ْم َ‬

‫وقد حكي اإلجماع على هذا‪ ،‬وبعض العلماء يقول‪ :‬إنما هو إجماع على وصفه‬

‫بالكفر ل اإلجماع على كونه كفرا ً أكبر‪ ،‬وهذا قد ذكره غير واحد كما أشار إليه‬

‫دمحم بن نصر في كتابه تعظيم قدر الصلة‪ ،‬وحكي القول بالتكفير في بقية األركان‬

‫عن جماعة من السلف‪ ،‬وهو يروى عن عبد للا بن مسعود وفي إسناده ضعف‪،‬‬

‫وجاء أيضا ً عن سعيد بن جبير‪ ،‬وجاء عن نافع‪ ،‬وجاء عن الحكم‪ ،‬وهو رواية‬

‫عن اإلمام أحمد‪ ،‬وقال به إسحاق وابن حبيب من المالكية وجماعة ويقول به‬

‫إسحاق بن راهويه‪ ،‬ومال إليه فيما يظهر أبو داود رحمه للا‪ ،‬بل إن أبا داود‬

‫رحمه للا في كتابه السنن يظهر من صنيعه أنه يرى أن من لم يكفر تارك‬

‫الصلة فهو مرجئ‪ ،‬وكذلك أيضا ً هو ظاهر صنيع إسحاق بن راهويه رحمه للا‪،‬‬

‫بل إن إسحاق بن راهويه يرى أن من لم يكفر تارك األركان الخمسة أنه مرجئ‬

‫أيضاً‪ ،‬وهذا قول قال به جماعة من السلف‪ ،‬وقل من يقول به من المتأخرين‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وجاء مثل ذلك في قضية الحج عن عمر بن الخطاب عليه رضوان للا تعالى كما‬

‫رواه اإلسماعيلي وغيره‪ ،‬وجاء عند البيهقي أنه قال‪ :‬لقد هممت أن أبعث أقواما ً‬

‫فينظرون من كان عنده جدة فلم يحج أن يضربوا عليهم الجزية ما هم‬

‫بمسلمين‪ .‬وهذا جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان للا تعالى من وجوه‪،‬‬

‫وهو صحيح عنه‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الرابــــع‬

‫للا ﷺ َو ُه َو‬ ‫س ْو ُل ل‬ ‫ع ْنهُ قَا َل‪َ :‬حدثَنَا َر ُ‬ ‫ي للاُ َ‬ ‫سعُ ْو ْد َر لض َ‬ ‫بن َم ْ‬‫للا ل‬ ‫ع َْن َ‬
‫ع ْب لد ل‬
‫ق‪ " :‬لإن أ َ َح َد ُك ْم يُجْ َم ُع َخ ْلقُهُ لف ْي بَ ْط لن أ ُ ل ِّم له أ َ ْر َب لعي َْن َي ْو َما ً نُ ْطفَةً‪ ،‬ثُم‬ ‫صد ُْو ُ‬
‫ق ال َم ْ‬
‫الصا لد ُ‬
‫ضغَةً لمثْ َل َذ للكَ ‪ ،‬ثُم يُ ْر َ‬
‫س ُل لإلَ ْي له ال َملَكُ فَيَنفُ ُخ فل ْي له‬ ‫علَقَةً لمثْ َل َذ للكَ ‪ ،‬ثُم يَك ُْونُ ُم ْ‬ ‫يَك ُْونُ َ‬
‫س لعيْد‪ .‬فَ َوللا‬ ‫ي أ َ ْو َ‬‫ش لق ٌّ‬ ‫ب لر ْزقل له َوأ َ َج لل له َو َ‬
‫ع َم لل له َو َ‬ ‫الر ْوحَ‪َ ،‬ويَ ْؤ َم ُر لبأ َ ْربَعل َك لل َمات‪ :‬لب َكتْ ل‬
‫ٌّ‬
‫غي ُْرهُ إلن أ َ َح َد ُك ْم لَيَ ْع َم ُل بلعَ َم لل أ َ ْه لل ال َجن لة َحتى َما يَك ُْونُ بَ ْينَهُ َوبَ ْينَ َها‬ ‫الذلي لَ إللَهَ َ‬
‫لَيَ ْع َم ُل‬ ‫اب فَيَ ْع َم ُل بلعَ َم لل أ َ ْه لل الن لار فَيَ ْد ُخلُ َها‪َ ،‬وإلن أ َ َح َد ُك ْم‬
‫علَ ْي له ال لكت َ ُ‬
‫ق َ‬ ‫إلذ َلراع فَيَ ْ‬
‫سبل ُ‬
‫فَ َي ْع َم ُل‬ ‫ع َل ْي له ال لكت َ ُ‬
‫اب‬ ‫ق َ‬ ‫لب َع َم لل أ َ ْه لل الن لار َحتى َما َيكُونُ َب ْينَهُ َو َب ْينَ َها إل ذ َلراع فَ َي ْ‬
‫س لب ُ‬
‫لبعَ َم لل أ َ ْه لل ال َجن لة فَيَ ْد ُخلُ َها "‪.‬‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫حديث ابن مسعود عليه رضوان للا تعالى هو في الصحيح من حديث األعمش‬

‫عن زيد بن وهب عن عبد للا بن مسعود عن رسول للا صلى للا عليه وسلم‪.‬‬

‫وهو إخبار بأمور مغيبة ل يكاد يطلع عليها أحد إل بوحي؛ وهذا من علمات‬

‫نبوته عليه الصلة والسلم‪ ،‬وفيه دليل على أن خلقة الناس على السواء وأنهم‬

‫ل يختلفون عن بعض من جهة األطوار والخلق‪ ،‬أما من جهة المقادير فإنهم‬

‫يتباينون فرسول للا صلى للا عليه وسلم بين أمورا يتفق فيها النــــاس وهـي‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫طريقة الخلق وهذا قال فيه رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ { :‬لإن أ َ َح َدكُم يُجم ُع}‬

‫بصيغة الجمع هنا دليل على الشتراك في هذه الطريقة‪ ،‬فكل البشر على هذا‬

‫النحو‪.‬‬

‫( يُجْ َم ُع َخلقُهُ في َب ْطن أ ل ِّم له) هنا فيه اإلشارة إلى أن الحمل يكون في بطن األم‬

‫أما ما يبحثه كثير من المعاصرين من المسائل المخالفة لذلك من استئجار‬

‫األرحام ونحو ذلك ‪،‬فإن هذا من الزنا الصريح‪ ،‬وذلك أنهم يأخذون مني الرجل‬

‫والمرأة إذا كانت المرأة منزوعة األهلية في قدرتها على الحمل ونحو ذلك‬

‫فيوضع في رحم غيرها‪ ،‬فهذا دليل على التحريم؛ لهذا يقول النبي عليه الصلة‬

‫والسلم‪{ :‬يُجْ َم ُع َخلقُهُ في َب ْطن أ ل ِّم له} يعني أنه ل يسوغ لإلنسان أن يفعل خلف‬

‫ذلك؛ وهو من الزنا‪ ،‬ومن األمور المبحوثة من جهة الطب والمعمول بها في‬

‫بعض البلدان التي ل تقيم للدين ول لألخلق وزنا‪.‬‬

‫وأما ما يسمى بالتلقيح الصناعي وما يسمى بأطفال األنابيب ونحو ذلك فإن هذا‬

‫يوضع مؤقتا ثم يُرجع إلى بطن أمه؛ كحال وجود مني الرجل ومني المرأة قبل‬

‫ذلك ثم يلتقيان؛ وهذا موجود من جهة القدر لكنه ل يكون في بطن غير بطن‬

‫أمه‪ ،‬وهذا يشترك فيه من جهة الحكم‪ ،‬سائر الناس و األطوار األربعة يمر بها‬

‫‪55‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫سائر الناس‪ ،‬على اختلف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وبلدانهم‪ ،‬وطقوس‬

‫أجوائهم‪.‬‬

‫وأما ما يختلفون فيه هو ما يعلق للا جل وعل به أحوالهم من أمور الرزق‬

‫وكذلك اآلجال والشقاوة والسعادة‪ ،‬فهؤلء يتباينون في ذلك‪.‬‬

‫كذلك أيضا مما يتباينون فيه من جهة األشباه؛ منهم من تجمع أشباهه من أبيه‬

‫ومنهم من أمه ومنهم من جده األول ومنهم الثاني أو الثالث أو العاشر ونحو‬

‫ذلك‪.‬‬

‫وقد جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم من حديث مطهر عن موسى بن‬

‫علي بن رباح عن أبيه عن جده أن رسول للا صلى للا عليه وسلم سأله‪:‬‬

‫أجاءك ولد؟ فقال لرسول للا صلى للا عليه وسلم‪ :‬إنما هو ذكر أو أنثى‪ ،‬فقال‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ :‬أي الناس يشبه‪ ،‬فقال يا رسول للا‪ :‬إنما يشبه‬

‫أباه أو أمه‪ ،‬فقال رسول ّللا صلى للا عليه وسلم‪ :‬ما من مولود يولد إل يوضع‬

‫قدرا يعني يؤخذ بحسبه‪ ،‬ربما يأخذ من‬


‫شبهه من آبائه إلى آدم‪ ،‬فيؤخد من ذلك ً‬

‫هذا أو من هذا أو من هذا ونحو ذلك وإن كان في إسناده ضعف إل أنه يعضده‬

‫ما جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في قوله في الرجل‪ :‬لعله نزعه‬

‫‪56‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫عرق‪ ،‬يعني من أحد أجداده‪ ،‬فربما اإلنسان يأخد من أحد أجداده ‪،‬من جهة أمه‪،‬‬

‫أو من أحد أجداده من أحد آبائه‪ ،‬الجد األول والثاني ونحو ذلك لهذا ل تستنكر‬

‫األلوان ول تستنكر األخلق؛ فربما ترجع فيها إلى جد بعيد ل يدركه اإلنسان‪،‬‬

‫وهذا مما يتباين فيه الناس‪ ،‬وفي هذا إشارة كما تقدم إلى علمة من علمات‬

‫نبوته من اإلخبار باألمور المغيبة التي ل يمكن أن يدركها‪ ،‬اإلنسان إل بالحس‪،‬‬

‫والحس ل يمكن من ذلك في ذلك الزمن‪ ،‬ويدركه اإلنسان باألمور المغيبة التي‬

‫مردها إلى الوحي‪ .‬في قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬يُجْ َم ُع َخلقُهُ في َب ْطن أ ل ِّم له‬

‫أ َ ْربعين يوما ً} إشارة إلى أن المراحل في ذلك على ثلثة مراحل قد تكون إلى‬

‫أربعة‪ ،‬هذه الثلثة وأولها األربعين األولى ثم يكون علقة؛ والعلقة هي القطعة‬

‫من الدم‪ ،‬والمضغة هي القطعة من اللحم‪.‬‬

‫وفي إخباره صلى للا عليه وسلم ببداية تخلق اإلنسان في األربعين األولى‪ ،‬فهل‬

‫يجوز أن يُسقط الجنين في األربعين األولى مع إخبار الرسول صلى للا عليه‬

‫وسلم بشئ من التخليق؟‬

‫أول‪ :‬أَجمع العلماء على أن اإلنسان في مثل هذه المرحلة لم تُنفخ فيه الروح‬
‫ً‬

‫وأن اإلنسان في مثل هذه السن‪ ،‬ليست ديته كدية غيره ممن نفخت فيه الروح‪،‬‬

‫وأما من جهة اإلسقاط؛ على سبيل التعمد فهل يجوز ذلك أم ل؟‬

‫‪57‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫اختلف العلماء في ذلك على قولين‪:‬‬

‫ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يكره لإلنسان أن‬

‫يسقط الجنين إل لحاجة؛ قالوا و ل يحرم عليه‪.‬‬

‫وذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز ذلك ما وجدت حاجة ولو قلت‪ ،‬باعتبار أنه‬

‫لم يتخلق‪ ،‬ما لم يخالف ذلك مقصو ًدا شرعيًا من المقاصد أو كان السبب في ذلك‬

‫شيئا ً من األسباب التي نهى الشارع عنها‪ ،‬منها ما جاء في حديث أبي هريرة‬

‫مما تقدم معنا في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم‪{ :‬أن تقتل ولدك مخافة‬

‫أن يطعم معك} فإذا كان الدافع لذلك خشية الفقر أو الفاقة والعوز فإن هذا يقال‬

‫بكراهته‪ ،‬وذهب بعض الفقهاء؛ وهو مروي عن اإلمام مالك عليه رحمة للا‬

‫ورواية عن اإلمام أحمد رحمه للا وذهب إليه جماعة من المحققين؛ رجحه‬

‫الحافظ ابن رجب والعز بن عبد السلم‪ ،‬وقال به أبو الفرج ابن الجوزي إلى أنه‬

‫يحرم إسقاط الجنين؛ ولو في األربعين األولى‪ ،‬ألنه يظهر فيه اإلعجاز‪ ،‬إعجاز‬

‫للا جل وعل في بدء تخلق اإلنسان وامتنانه؛ وهذا يعارض ظاهر حكمة للا جل‬

‫وعل من بداية إنشاء الجنين والنظر في سبيله‪ ،‬وهذا محرم‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وأما قبل ذلك العزل‪ ،‬فقال جمهور العلماء أن العزل جائز إذا كانت ثمة حاجة‬

‫باعتبار عدم ورود التخلق عليه‪ ،‬و أما المسألة التي يذكرها الفقهاء في أبواب‬

‫العدة والمتعلقة بتخلق الجنين؛ ثمة مسائل متعددة في هذا الباب منها ما يتعلق‬

‫بعدة المرأة التي توفي عنها زوجها‪ ،‬أو طلقها‪ ،‬من جهة براءة رحمها فإن‬

‫الرحم يبرأ بوضع ما في البطن‪ ،‬لكن لو وضعت المرأة ما في بطنها في‬

‫األربعين األولى‪ ،‬هل يقال بأن المرأة في مثل هذا قد انتهت من عدتها؟‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬قد أجمع العلماء على أن اإلنسان إذا ولد ولدة تامة وكان حيا‪ ،‬أنها بذلك‬

‫وضعت حملها‪.‬‬

‫وإنما اختلفوا في ما كان قبل ذلك يعني عند تصور اإلنسان‪ ،‬فإذا ت ُ ُ‬
‫صور اإلنسان‬

‫وظهرت صورته‪ ،‬وملمحه من جهة يديه وعينيه ونحو ذلك‪ ،‬قالوا فإنها‬

‫بوضعها لمولودها ذلك‪ ،‬تكون قد وضعت حملها‪ ،‬وهذا يظهر في انتهاء‬

‫األربعين الثانية يعني في ‪ ١١‬يو ًما تظهر صورة اإلنسان من جهة ملمحه وإن‬

‫لم ينشز من جهة العظم‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫قالوا فإذا وضعته على هذا النحو على قول جمهور العلماء أنها وضعت المولود‬

‫الذي تنتهي به عدتها‪ ،‬وهذا قول الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية‬

‫وغيرهم‪ ،‬ومن الحنابلة‪.‬‬

‫ومنهم من قال أنها إن وضعت مولو ًدا ولو قبل ذلك‪ ،‬أنها تبرأ بذلك‪ ،‬ألنه براءة‬

‫للرحم‪ ،‬وذهب إلى هذا غير واحد من الفقهاء من المالكية والحنفية‪.‬‬

‫والصواب في ذلك أن المرأة يعتبر وضعها للحمل في بداية األربعين الثالثة يعني‬

‫في إتمام الثمانين يوما ؛ وبعض العلماء يرد ذلك إلى الخبرة من أهل النساء‬

‫"القابلة " فانظر إذاكان قد تخلف الجنين فل حرج عليها‪،‬فإنه يقال أن المرأة‬

‫بذلك تخرج من عدتها ويلزم من ذلك لوازم منها‪:‬‬

‫النفاس؛ فهل ما يخرج منها من دم يعد نفاسا أم ل؟‬

‫إذا قلنا بالتخلق وأنها بهذا القدر تخرج من عدتها فإن ما خرج منها من الدم‬

‫يعد نفاسا ؛ سواء كان دما أو كان كدرة أو صفرة أو غير ذلك من األلوان التي‬

‫تخرج من المرأة النفساء ‪ ،‬ومن المسائل أيضا في هذا الباب ويذكرها الفقهاء‬

‫من المعاصرين ويذكرها بعض الفقهاء من المتقدمين ما يسمى تنظيم النسل أو‬

‫تحديده‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫تنظيم النسل وتحديده يختلفان‪ ،‬فتحديد النسل هو تحديد األبناء بعدد معين فهذا‬

‫ل يجوز عند عامة العلماء‪.‬‬

‫وأما تنظيمه يعني أن اإلنسان يحرص على أن ل تحمل زوجته هذه السنة‬

‫باعتبار أنه يريد في كل حول ونصف أو في كل حولين ؛ أو في كل ثلثة مولود‬

‫ألسباب معينة تختلف في أحوال الناس‪ ،‬من جهة التربية ومن جهة صحة‬

‫الرجل أو صحة المرأة ‪ ،‬كأن تكون ضعيفة ‪ ،‬وتخشى على نفسها المرض‪ ،‬فإنها‬

‫ل تعود إلى نشاطها وقوتها إل بعد حولين ‪ ،‬ونحو ذلك ؛فإن هذا مما ل حرج‬

‫فيـه ‪.‬‬

‫وأما إذا كان التنظيم سببه من األمور التي نفاها الشارع‪ ،‬كشخص يقول مثل‪:‬‬

‫أُريد أن أنظم النسل كل سنتين وذلك أن الرزق يأتيني كل سنتين من المال‪ ،‬كأن‬

‫تكون عنده مزرعة أو وظيفة؛ ويأتيه مبلغ مالي على رأس السنة ونحو ذلك أو‬

‫يربط مثل المواليد على حسب علوته في وظيفته ونحو ذلك‪ ،‬وهذا نقول له هذا‬

‫ل يجوز باعتبار أنه حدد النسل بأمر هو في حكم للا جل وعل ونفى الشارع‬

‫الوأد بسبب هذا‪ ،‬ألن األرزاق بأمر من للا سبحانه وتعالى‪ ،‬فل يسوغ لإلنسان‬

‫أن يعلق األمر بذاته‪ ،‬وإنما يحيله ويكله إلى للا جل وعل‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أما ما يتعلق باأل ُ ُمور التي تتعلق بأصحاب الصحية أو أسباب تتعلق بالزمن كأن‬

‫يكون في بلد غربة أو في بلد محاربين أو نحو ذلك ‪ ،‬فيقال أنه يسوغ لإلنسان‬

‫تحديد النسل ول حرج عليه‪.‬‬

‫كثير ممن يتكلمون على تحديد النسل يخشون الفاقة ولهذا الدول المادية تتكلم‬

‫عن مسألة تحديد النسل من جهة الكثافة السكانية والزدحام وآثار ذلك‬

‫قرأت كل ًما ألحد الكتاب يتكلم عن مسائل التكاثر والتناسل ويعلق على مسألة‬

‫تركيب الكون وذلك أن الكون ل يمكن أن يزدحم نظريا على تباين مخلوقاته من‬

‫اإلنس والجن أو الحيوانات وقال أنه ل يمكن لبهائم في حظيرة أن تتوالد من‬

‫نفسها ولدة تزيد على قدر الحظيرة‪ ،‬حتى تفسد عليها الحظيرة‪ ،‬ويضرب لذلك‬

‫مثال فيقول ‪ :‬أن الطيور من الحمام وغيره إذا وضعتها في صندوق فل يمكن‬

‫أن تتوالد على قدر يزيد عن الصندوق‪ ،‬وهي بهيمة‪ ،‬وهذا ليس على سبيل‬

‫العمد وإنما على نحو فطري قدري ‪ ،‬ويهيأ للا جل وعل فطر الناس عليه ولهذا‬

‫ل تمكن أن تضيق األرض بالناس؛ لهذا وصف للا جل وعل األرض بأنها‬

‫مبسوطة و أنها واسعة‪ ،‬والسعة هنا مطردة وهذا حكم قدري باق‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والذي يخشى من عدم سعة األرض على الناس ثم يقوم بتحديد النسل فيما أرى‬

‫هذا إشارة إلى ضعف اإليمان وتغليب الجانب المادي‪.‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬إن بعض النظريات المادية قد تخالف هذا الكلم‪ ،‬وذلك أن األرض‬

‫أو البنايات تضيق‪.‬‬

‫فنقول أن الشرع قال أن األرض ل تضيق‪ ،‬أما البنايات فتضيق‪ ،‬أما بالنسبة‬

‫لألرض فهي واسعة‪.‬‬

‫وقد يقول قائل أن دولتنا أو مدينتنا تضيق بالناس‪ ،‬والمواليد‪.‬‬

‫نقول‪ :‬الشرع ما َحكم على الدولة ونحو ذلك ؛ ولهذا أمر للا عز وجل بتوسيع‬

‫رقعة اإلسلم ‪ ،‬بالجهاد وفتح األراضي حتى ينتشر الناس في األرض‪.‬‬

‫ولهذا من يتكلم لم يأخذ بمجموع أسباب الشريعة على سبيل العموم حتى تتهيأ‬

‫له األسباب وإنما يريد أن يأخذ بباب واحد‪ ،‬وهو منع اإلسلم لتحديد النسل ‪ ،‬ثم‬

‫يأخذ به على سبيل التخصيص‪.‬‬

‫فنقول أن الشريعة قد جاءت بأمور يتمم بعضها بعضا ً وتكتمل من جهة تركيب‬

‫كون الناس وسعادتهم ومعيشتهم لذلك أمر للا عز وجل األمة أن تكون أمة‬

‫‪63‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫واحدة؛ فل يضيق بلد من بلدان المسلمين ويتسع آخر؛وكذلك ل تضيق البلدان‬

‫على المسلمين ويشكون من ضيقها ينظرون إلى نصوص الشريعة التي تمنع‬

‫من تحديد النسل ‪ ،‬ثم يعطلون أبواب الجهاد؛ وهي توسيع رقعة المسلمين ؛ إذن‬

‫فثمة خلل قد عُطل في هذا األمر؛ ونظروا إلى باب واحد من أبواب الشريعة‬

‫والشريعة جاءت على سبيل التمام والكمال‪.‬‬

‫وفي حديث عبد للا بن مسعود رضي للا عنه هذا من بيان أمر غيبي وهو أن‬

‫للا جل وعل‪ ،‬يقدر للعبد ما يخلقه جل وعل لإلنسان من جهة األجل‪ ،‬و من‬

‫جهة الرزق ومن جهة السعادة والشقاوة‪ ،‬وهو في بطن أمه؛ والكتابة هنا تحمل‬

‫على الحقيقة؛ أنه يكتب على الحقيقة؛ جاء في بعض المرويات أن الكتابة تكون‬

‫على الجبين؛ وفي بعض ألفاظ حديث حذيفة بن اليمان رضي للا عنه‪.‬‬

‫وفي هذا أيضا ً أنه ينبغي لإلنسان أن يكل أمر هذه إلى للا جل وعل‪ ،‬من جهة‬

‫األعمار ومن جهة األرزاق ومن جهة الشقاوة والسعادة‪.‬‬

‫الشقاوة والسعادة هي على معانيها العامة؛ الشقاوة في الدنيا والشقاوة في‬

‫اآلخرة؛ فربما يشقى اإلنسان في دنياه‪ ،‬ولكنه من جهة الحقيقة سعيد عند للا‬

‫جل وعل‪ ،‬كالذي مثل يُشرد ويبعد ويضيق عليه في عيشه‪ ،‬أو يُقتل أو يصلب‬

‫‪64‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بحق ونحو ذلك‪ ،‬يكون هذا ضرب من ضروب الشقاوة عليه في الدنيا‪ ،‬فيكون‬

‫من أهل السعادة‪.‬‬

‫ومن الناس من يجمع للا جل وعل له سعادة في دنياه؛ وسعادة في أخراه‪ ،‬ومن‬

‫الناس من يجمع للا جل وعل له شيئ ًا من السعادة في دنياه وشيئ ًا من الشقاوة؛‬

‫وشيئ ًا من السعادة في اآلخرة وشيئا من الشقاوة فيها؛ كالمؤمنين الذين يدخلهم‬

‫للا جل وعل النار؛ فهذا نوع شقاوة ثم تكون عاقبتهم الجنة؛ فيكون هذا من‬

‫السعادة؛ فتكون السعادة والشقاوة مسألة نسبية؛ شقي بقدر كذا وسعيد بقدر‬

‫كذا؛ وللا جل وعل ل يقدر لإلنسان المؤمن شقاوة في دنياه محضة؛ إل ويكون‬

‫خيرا‪ ،‬وهي من جهة المآل والعافية تسمى سعادة ومن جهة‬


‫عاقبتها لإلنسان ً‬

‫النظرة على التجزئة تسمى في ذاتها شقاوة‪.‬‬

‫أما من جهة اآلخرة فإن من دخل النار يعد شقيا بنوع شقاوة ولو كان مآله إلى‬

‫الجنة؛ وذلك أن النار هي دار الشقاوة؛ فمن كتب للا جل وعل له عتقًا منها‬

‫يكون سعي ًدا؛ والسعادة هنا أعظم من الشقاء؛ ومن الناس من تكون شقاوته‬

‫أبدية؛ وهم الكفار والمنافقون ال ُخلص‪ .‬ولهذا رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫لما ذكر أحوال اإلنسان بكتب أجله ورزقه وشقي أم سعيد‪ ،‬أقسم على أن العبرة‬

‫بالخواتيم كما جاء عن النبي صلى للا عليه وسلم من حديث سهل كما في‬

‫‪65‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يعني ما يقدره للا جل‬ ‫أخرجه البخاري (‪)4607‬‬ ‫البخاري‪{ :‬إنما األعمال بالخواتيم}‬

‫وعل على اإلنسان في اآلخرة بما يختم له من عمله لذلك اإلسلم‪ ،‬يجب ما‬

‫قبله‪ ،‬والهجرة تجب ما قبلها‪ ،‬والحج يجب ما قبله؛ أي يهدم ما قبله؛ وكذلك‬

‫خاتمة اإلنسان يمحو للا جل وعل بها ما كان من آخر عمله؛ فإن تاب تاب للا‬

‫جل وعل عليه‪.‬‬

‫كذلك أي ً‬
‫ضا ذكر رسول للا صلى للا عليه وسلم لنوع من التفصيل في مسألة‬

‫الخواتيم‪:‬‬

‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬وإن أ َ َح َدكُم لي ْع َم ُل لبعَ َمل أ َ ْه لل الجنة َحتى َما يَكُو ُن‬

‫ق عليه ال لكتاَب فَ َي ْع َم ُل ب َع َم لل أ َ ْه لل النِّا َ لر فَ َي ْد ُخلَها} وهذا‬ ‫َبينَهُ َو َب ْينَ َها لإل ذ َلراع فَي ْ‬
‫سب ُ‬

‫فيه إشارة إلى أن اإلنسان يُكتب له ما قدره للا جل وعل عليه في مسألة الرزق‬

‫ومسألة النار ومسألة الجنة‪.‬‬

‫فهنا النبي عليه الصلة والسلم ذكر التفصيل في مسألة النار؛ وهي ما يتعلق‬

‫بأمر الشقاوة والسعادة‪ ،‬وما ذكر التفصيل بالنسبة للرزق؛ فاإلنسان قد يكون‬

‫ً‬
‫عمل يخالف فيه أسباب الغنى فيغنيه للا جل وعل‪ ،‬ومن الناس من‬ ‫فقيرا فيعمل‬
‫ً‬

‫نظرا لعاقبة عمل اإلنسان قد‬


‫يأخذ بأسباب الغنى ثم يُفقره للا جل وعل؛ وهذا ً‬

‫‪66‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يضارب فيأخذ بأسباب الغنى و يهلك عمره ولكن عاقبته إلى فقر؛ كذلك أي ً‬
‫ضا قد‬

‫يأخذ اإلنسان بأسباب الفقر ويدع الغنى ثم تأتيه الدنيا وهي طائعة؛ وهذا إشارة‬

‫إلى أن هذه األمور الثلثة؛ مردها إلى القدر للا المحض ل إلى ذكاء اإلنسان‬

‫وعلمه‪ ،‬ولهذا يقول عبد للا بن مسعود رضي للا عنه‪ :‬إن اإلنسان لَيَكُون له‬

‫الشيء من أمر اإلمارة أو التجارة حتى يدنو منها بيده فينظر للا جل وعل إليه‬

‫فيقول لملئكته اصرفوه عنها‪ ،‬فينصرف عنها فيتظنى غلبني فلن وغلبني فلن‬

‫و ما هو إل للا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ومرد هذا أن للا جل وعل يقدر على اإلنسان هذه األشياء الثلثة؛ وإنما نص‬

‫النبي عليه الصلة والسلم على مسألة الجنة والنار لإلشارة إلى أن ما كان‬

‫دونها من أمر الدنيا وأقدار األعمار‪ ،‬من باب أولى؛ ولهذا كثير من الناس ل‬

‫يدخل عقله شيئا من أمثال تحليلت األمور المحسوسة؛ كأن يكون من أهل‬

‫الحنكة في أمر التجارة‪ ،‬فيُقال كيف يخسر؟ أو من عدم اإلقبال على الدنيا‪.‬‬

‫النبي صلى للا عليه وسلم ابتدأ بما هو أبعد من ذلك حتى يدخل فيه ما دونه أن‬

‫ق عليه‬ ‫اإلنسان {يَع َم ُل بعمل أَهل ال َجنة َحتى َما يَكُونُ بَينَهُ َو بَ ْينَ َها لإل ذ َلراع فَي ْ‬
‫سب ُ‬

‫فَ ْي ْع َم ُل بعَ َم لل أ َ ْه لل النِّا َ لر فَيَ ْد ُخلَها} والذراع من أطراف األصابع إلى المرفق؛ يعني‬

‫بينه وبين الجنة شئ يسير فَيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها؛‬

‫‪67‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فظاهره في الدنيا إذا كان يعمل بعمل أهل الغنى فإذا جاء وقت القطاف؛ قطاف‬

‫الثمار يكون من أهل الخسارة؛ فيكتب عليه الخسارة‪.‬‬

‫وعكسه أي ً‬
‫ضا من {يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع‬

‫فَيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها}؛ كذلك من يأخذ بأسباب‬

‫الفقر واإلعراض عن الدنيا حتى إذا دنت أسبابه أغناه للا جل وعل من فضله‬

‫فإذا تحقق هذا في أهل الجنة والنار؛ كذلك أيضا في أهل الغنى والفقر‪.‬‬

‫كذلك أيضا هو في أمور آجال اإلنسان؛ اإلنسان قد يأخذ بأسباب النجاة فينجو‬

‫وقد يأخذ بأسباب السلمة فيهلك‪.‬‬

‫لهذا تجد من الناس من يعتني بصحته ويأخذ بأسباب السلمة ويبالغ في ذلك‬

‫يَقصر عمره عن الشخص الذي يأخذ بأسباب الهلك‪ ،‬فتجده في الثغور يجاهد‬

‫أعمارا؛ وهذا مرده‬


‫ً‬ ‫في سبيل للا ويتعرض لمواضع الهلكة؛ فتجده أطول الناس‬

‫إلى للا جل وعل‪ ،‬ولهذا النبي عليه الصلة والسلم لما كانت هذه األمور من‬

‫جهة المحسوس ل يدركها اإلنسان؛ مثل رسول للا صلى للا عليه وسلم بأبعد‬

‫من ذلك وهو مسألة الجنة و النار ولهذا خالد بن الوليد كان أكثر أصحاب‬

‫غزوا؛ حتى لما كان على‬


‫ً‬ ‫رسول للا صلى للا عليه وسلم إقدا ًما و أكثرهم‬

‫‪68‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فراشه قال‪ :‬ها أنا على فراشي‪ ،‬ل يوجد في جسدي موضع أصابع إل وفيه‬

‫رمية بسهم؛ أو طعنة برمح؛ أو ضربة بسيف؛ وها أنا أموت على فراشي ل‬

‫نامت أعين الجبناء؛ والمراد من هذا أن تعرض اإلنسان ألسباب الهلك‬

‫وتعرضه كذلك ألسباب الغنى؛ ل يخول الحكم عليه أنه من أهل الهلك والمعلوم‬

‫بالخبرة أن مرد ذلك إلى تقدير للا سبحانه وتعالى لإلنسان‪ ،‬وإنما هذه من‬

‫األسباب التي يأمر للا جل وعل باألخذ بها؛ فقد تتحصل لإلنسان وقد ل تتحصل‬

‫والغالب أن الغايات مربوطة بأسبابها‪ ،‬وهذا امتحان من للا جل وعل واختبار‪.‬‬

‫لهذا ما يتعلق في أمر الجنة أمر للا سبحانه وتعالى بسلوك الصراط المستقيم‬

‫ً‬
‫شمال‪ ،‬لهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‬ ‫وعدم الحيد عنه يمينًا ول‬

‫للثقفي لما جاءه وسأله‪ :‬قال قل لي في اإلسلم قول ل أسأل عنه أح ًدا غيرك‬

‫قال‪ :‬قل آمنت بالل ثم استقم؛ يعني استقم على ما أنت عليك‪ ،‬فإيمانك شيء‬

‫واستقامتك شيء؛ ألنك لو لم تستقم على هذا األمر؛ فإن انتكست عن العمل‬

‫فترة ربما أتتك المنية فختم لك بذلك‪.‬‬

‫لهذا ينبغي لإلنسان أن يحتاط لدينه‪ ،‬كما يحتاط أهل الدنيا لدنياهم‪ ،‬كذلك أي ً‬
‫ضا‬

‫ينبغي أن ل يحكم ألحد في ظاهر أمره أنه من أهل الجنة حتى يُختم له بذلك‪ ،‬ول‬

‫‪69‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يحكم إلنسان أنه من أهل النار حتى يختم له بذلك على سبيل اليقين؛ ومرد‬

‫الناس والخلق إلى للا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الخــامس‬

‫للا‪:‬‬ ‫ع ْن َها قَالَتْ ‪ :‬قَــــتا َل َر ُ‬


‫ســـ ْو ُل ل‬ ‫للا عَا لئشَةَ َر لض َ‬
‫ي للاُ َ‬ ‫ين أ ُ ل ِّم َ‬
‫ع ْب لد ل‬ ‫ع َْن أ ُ ل ِّم ال ُم ل‬
‫ؤم لن َ‬

‫َث فل ْي أ َ ْم لرنَا َه َذا َما لَي َ‬


‫ْس لم ْنهُ فَ ُه َو َر ٌّد "‪.‬‬ ‫" َم ْن أَحْ د َ‬

‫علَ ْي له أ َ ْم ُرنَا‬ ‫ع َملً لَي َ‬


‫ْس َ‬ ‫رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وفي رواية لمسلم " َم ْن ع لَم َل َ‬
‫فَ ُه َو َر ٌّد"‪.‬‬

‫تعليـــق الشيـــخ‪:‬‬
‫في حديث عائشة عليها رضوان للا تعالى وفي الصحيحين من حديث القاسم‬

‫عن عائشة عليها رضوان للا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪َ { :‬من أَحْ دَث‬

‫يس لم ْنه فَ ُه َو رد}‪.‬‬ ‫فلي أ َ ل‬


‫مرنا َه َذا َما لَ َ‬

‫المراد باإلحداث هو البتداع؛ وذلك أن للا جل وعل قد أكمل لهذه األمة الدين؛‬

‫قال للا سبحانه وتعالى ‪{:‬ا ْليَ ْو َم أ َ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم دلينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْمتُ َ‬
‫علَ ْي ُك ْم نل ْع َمتلي َو َر لضيتُ‬

‫س َلم دينَا} فلما تم الدين بهذه اآلية وكملت النعمة وهي نعمة اإلسلم؛ فما‬ ‫لَ ُك ُم ْ ل‬
‫اإل ْ‬

‫زاد عن ذلك مما يقصد به اإلنسان تعبدا لل جل وعل فهو من اإلحداث وهو‬

‫مردود عليه؛ وكون هذا العمل مردودا عليه؛ يعني أنه ل يُتقبل ويأثم بذلك إذا‬

‫ً‬
‫عمل واستفرغ‬ ‫كان قاص ًدا اإلحداث وبُين له أنه بدعة وأما إذا ابتدع اإلنسان‬

‫وسعه في تتبع الحق؛ ولم يأته بيان فإن العمل يكون حاب ً‬
‫طا‪ ،‬ول يعاقب على‬

‫‪71‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫إحداثه ذلك‪ ،‬وربما يُثاب لما في قلبه من محبة قلبية للتعبد ل على ذات العمل؛‬

‫ألن العمل هذا ليس من دين للا في شيء فل يثاب على شيء منه؛ وإنما يثاب‬

‫على ما في قلبه من ميل وحب للتعبد لل جل وعل‪.‬‬

‫ً‬
‫جاهل‪ ،‬أو‬ ‫وقوله عليه الصلة والسلم { َمن أَحْ د َ‬
‫َث}‪ :‬أيا كان سواء كان عال ًما أو‬

‫ذكرا أو أنثى‪ ،‬فالعمل مردود عليه‪ .‬و المرد في ذلك إلى‬


‫كبيرا‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬ ‫صغيرا أو‬
‫ً‬

‫ذات األمر؛ ولهذا قال عليه الصلة والسلم‪َ { :‬من أَحْ دَث فلي أ َ ل‬
‫مرنا} يعني أن‬

‫أمرنا قد تم وكمل‪ ،‬فيجب أن يُرجع إلى أمرنا فيما دل عليه الدليل من ثبوت ذلك‪،‬‬

‫والدليل إنما ثبت في حال األمر ومن الكتاب والسنة‪ ،‬ول مصدر في هذا إل‬

‫الوحي من كلم للا عز وجل وكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم وما عدا ذلك‬

‫فإنه بحاجة ألن يحتج له ل أن يحتج به‪ ،‬وإنما قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬فلي‬

‫أ َ ْمرنا َه َذا}‪ :‬يعني َ‬


‫أمر الدين‪ ،‬وأما ما كان من أمر الدنيا فإن لإلنسان أن يحدث‬

‫فيه ما يشاء شريطة أل يخالف شيئا مما أمر للا جل وعل به أو نهى عنه‪ ،‬فإذا‬

‫خالف فإنه يكون من األمور المحظورة بحسب قدر المخالفة في أبواب األوامر‬

‫من الوجوب والفرض والستحباب‪ ،‬وكذلك في أبواب النواهي من التحريم‬

‫والكراهة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وفي قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬فَ ُهو َرد} يعني مردود عليه ل يكون تشريعا‬

‫ً‬
‫مقبول أي ل يُقتدى به في عمله ذلك ول يرفع ذلك العمل ول يُتقبل‪،‬‬ ‫ول يكون‬

‫ولهذا قال عليه الصلة والسلم فيمن ل يستجيب للا جل وعل له كما جاء في‬

‫صحيح المام مسلم من حديث أبي هريرة‪{ :‬فأنى يستجاب له} فهذا الرجل قد‬

‫تعبد لل جل وعل بعبادة شرعها وطلب القبول لكنه قد منعه شيء خارج عن‬

‫ذلك؛ فكيف بالذي يتعبد لل جل وعل بعبادة لم يشرعها أصل؟ فإنها ل تقبل على‬

‫اإلطلق‪.‬‬

‫والمراد من ذلك هو بيان خطر البدعة وعظمها عند للا جل وعل وهي أحب‬

‫إلبليس من المعصية وذلك أن المعصية يُتاب منها بخلف البدعة‪ ،‬وإنما يتاب‬

‫من المعصية ألن اإلنسان إذا فعلها فإنه يفعلها على األغلب وهو يعلم أنه‬

‫مخالف في ذلك؛ بخلف البدعة فإنه يفعلها وهو متعبد لل جل وعل؛ ولهذا نرى‬

‫كثيرا من الخلق ممن يقعون في المعاصي يتوبون بخلف المبتدعة الذين فعلوا‬
‫ً‬

‫ذلك إحداث ًا في دين للا‪.‬‬

‫ثم أن البدعة يشرب في قلب اإلنسان حبها؛ بممارستها واإلكثار منها بخلف‬

‫المعصية‪ ،‬فإن اإلنسان يفعلها ما وجدت فيه الشهوة إليها فإن زالت تلك الشهوة‬

‫رجع وتاب إلى للا سبحانه وتعالى؛ بخلف تلك البدعة تبقى مستديمة لو لم‬

‫‪73‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يستطع اإلنسان أن يفعلها؛ فإن اإلنسان إذا كان يصلي صلة إحداث‪ ،‬ولو شُل أو‬

‫أُقعد‪ ،‬فإنها تصبح تدينا في قلبه ل تزول إلى أن تقبض روحه؛ ولهذا جاء عن‬

‫النبي عليه الصلة والسلم من طرق متعددة أن صاحب البدعة ل يتقبل للا منه‬

‫توبة كما رواه اإلمام أحمد والطبراني وغيرهم وقد جاء من طرق متعددة يشد‬

‫بعضها بع ً‬
‫ضا؛ قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬ما تقبل للا لصاحب بدعة توبة} سئل‬

‫اإلمام أحمد عليه رحمة للا عن ذلك؛ فقال‪ :‬أي ل يُوفق للتوبة؛ أي أن اإلنسان‬

‫في الغالب إذا فعل ً‬


‫فعل لل جل وعل ل يتوب منه فمن ماذا يتوب!‬

‫ألنه يرى أن هذا األمر دينًا؛ ولهذا إبليس يحب البدعة أكثر من المعصية‬

‫باعتبار أنها أقوى من جهة الستدامة‪ ،‬وأقوى من جهة النتشار في الناس‬

‫بخلف المعصية‪ ،‬فإن اإلنسان إذا كان صاحب بدعة فإنه يدعو إليها راغبًا في‬

‫األجر‪ ،‬بخلف صاحب المعصية فإنه يرجو اإلقلع ول يدعو إليها‪ ،‬وهذا في‬

‫األغلب‪.‬‬

‫أثرا في القدح أصل الدين وهو اإلسلم‪ ،‬بخلف المعصية في‬


‫وكذلك فإنها لها ً‬

‫األغلب فإن أثرها بقدر كمال إيمان العبد ونقصانه ومتعلقة بأبواب الفروع في‬

‫األغلب‪ ،‬كذلك أي ً‬
‫ضا من الوجوه التي تعظم فيها البدعة على المعصية؛ أن‬

‫البدعة تأتي بأختها من أبواب القياس؛ بخلف المعصية؛ فإن اإلنسان إذا وقع‬

‫‪74‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فيها‪ ،‬فإنه يكون ملز ًما لها ل يتعداها في األغلب‪ ،‬فيبقى عليها إلى أن يتوب‬

‫والبدعة عند التفصيل على نوعين‪ :‬بدعة أصلية وبدعة إضافية‪.‬‬

‫‪ ‬أما البدعة األصلية‪ :‬التي أحدثها اإلنسان من غير وجود أصل لها‪ ،‬ل من‬

‫جهة الزمن‪ ،‬ول من جهة الهيئة‪ ،‬فأحدثها اإلنسان إحداث ًا؛ كالذي ً‬
‫مثل‬

‫يخص الليل بالصيام ول يصوم النهار؛ فيمسك مثل من غروب الشمس‬

‫إلى طلوع الفجر‪ ،‬فهذه بدعة أصلية؛ أو أن اإلنسان يأتي بصلة على‬

‫صفة لم يأت بها الشارع؛ كالذي ً‬


‫مثل يوتر في النهار ويستديم ذلك أو‬

‫يخص في زمن مخصوص عبادة ل دليل عليها في هذا الزمن‪ ،‬فهذه‬

‫بدعة أصلية‪ ،‬وهي األخطر في أبواب البدع؛ وهي تقع مع اإلشراك مع‬

‫للا جل وعل غيره؛ فربما أخرجت اإلنسان من الملة؛ كالسجود للقبور‬

‫والطواف عليها؛ فإنها من البدع األصلية المكفرة؛ وربما ل تخرج من‬

‫اإلسلم كسائر البدع األصلية التي يفعلها اإلنسان إحداث ًا‪ ،‬كبعض الترانيم‬

‫والتسابيح التي يلزمها اإلنسان في يومه وليلته ول دليل عليها‪ ،‬كما‬

‫يفعله كثير من المتصوفة السلوك‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪ ‬النوع الثاني من البدع وهي البدع اإلضافية؛ أي دل الدليل على هذه‬

‫البدعة ولكن أُضيف إليها بدعة أخرى؛ فأصل العبادة صحيح وفي ذات‬

‫الزمن وفي ذات السياق؛ ولكن أُضيف إليها ما كدرها‪.‬‬

‫مثال ذلك في مسألة األذان‪ :‬كالذي يأتي باألذان على تمامه ولكنه يزيد فيه ً‬
‫مثل‬

‫أَشهد أن عليًا ولي للا؛ فهذا من اإلحداث والبدعة ؛ فإن األذان مشروع وفي‬

‫زمنه مشروع‪ ،‬وفي لفظه تام‪ ،‬إل أنه أضاف عبادة على هذا النحو‪ ،‬فهي بدعة‬

‫إضافية‪ ،‬كذلك الرجل الذي يؤدي الصلوات الخمس على نحو مشروع ولكنه‬

‫ذكرا ل دليل عليه؛ و يلتزمه في ذات العبادة؛ فصلته صحيحة وعمله‬


‫يذكر ً‬

‫مشروع في ذات الوصف والوقت‪ ،‬ولكنه قد زاد فعل فيها وأضاف إليها فكان‬

‫مح َدث ًا؛ وهذا ل أثر له في إبطال العبادة فالعبادة صحيحة وذلك العمل ل يُتقبل؛‬

‫أما البدعة األصلية فهي مردودة من أصلها باعتبار أن البدعة اإلضافية في‬

‫األغلب؛ تكون منف ًكا عن ما أضيف إليها‪.‬‬

‫والبدعة قد اعتنى بها العلماء عناية بالغة؛ ولهذا يذكرها أهل العلم في مسائل‬

‫العقائد كثيرا؛ ومنهم من صنف في ذلك مصنفات كالبدع ألبي شامة وكذلك‬

‫عا‬ ‫الطرطوشي وكذلك أي ً‬


‫ضا البدع لبن وضاح وغيرها من المصنفات؛ جمعوا بد ً‬

‫أُحدثت في زمانهم وهي ل تزال تزيد في األمة؛ فإذا ماتت بدعة أُحييت أخرى‬

‫‪76‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وتقاومها السنة والعلم؛ فإذا ظهر العلم في الناس فإنه يضمحل حينئذ الجهل‬

‫ً‬
‫اضمحلل البدع والمحادثات؛ أما المعاصي والذنوب فإنها ل أثر‬ ‫وتتبعه في ذلك‬

‫لها في مقام العلم؛ فإن اإلنسان قد يكون عالما ويعرف أن حكم للا جل وعل في‬

‫هذا األمر أنه حرام؛ لكنه يكذب ويغتاب ويشهد الزور؛ ونحو ذلك مع علمه‬

‫بخلف البدعة إذا علم اإلنسان أنها بدعة محدثة فإنه ل يفعلها‪ ،‬فل صلة‬

‫للمعصية مع العلم‪ ،‬وأما مع وجود العلم فإن البدع تضمحل وبه يُعلم أهمية العلم‬

‫في مقاومة اإلحداث في دين للا جل وعل‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث السـادس‬

‫للا‬
‫س ْو َل ل‬ ‫شيْر رضي للا عنهما قَا َل‪َ :‬‬
‫س لم ْعتُ َر ُ‬ ‫للا النُّ ْع َم ل‬
‫ان ب لْن بل ل‬ ‫ع َْن أَبل ْي َ‬
‫ع ْب لد ل‬

‫ﷺ يَقُ ْو ُل‪( :‬إلن ال َحل َل بَ ليِّن َوإلن ال َح َرا َم بَ ليِّن َوبَ ْينَ ُه َما أ ُ ُم ْور ُم ْ‬
‫شتَبل َهات لَ يَ ْعلَ ُم ُهن‬

‫ستَبْرأ َ لل لد ْينل له و لع ْر لضه‪َ ،‬و َم ْن َوقَ َع فلي‬


‫ت فَقَ لد ا ْ‬ ‫َكثليْر لم َن الناس‪،‬ل فَ َم لن اتقَى ال ُّ‬
‫شبُ َها ل‬

‫شكُ أ َ ْن يَقَ َع فل ْي له‪ ،‬أَل َوإلن‬ ‫ت َوقَ َع فلي ال َح َر لام كَالرا لعي يَ ْرعَى َح ْو َل ل‬
‫الح َمى يُو ل‬ ‫شبُ َها ل‬
‫ال ُّ‬

‫ضغَةً لإ َذا َ‬
‫صلَ َحتْ‬ ‫للا َم َح لار ُمهُ‪ ،‬أَل و لإن فلي ال َج َ‬
‫س لد ُم ْ‬ ‫ى‪ ،‬أَل َوإلن لح َمى ل‬
‫لل ُك ل ِّل َم للك لح َم ً‬

‫ب)‪.‬‬ ‫س ُد ُكلُّهُ أَل َوه َ‬


‫ي القَ ْل ُ‬ ‫سدَت فَ َ‬
‫س َد ال َج َ‬ ‫س ُد ُكلُّهُ وإ َذا فَ َ‬
‫صلَ َح ال َج َ‬
‫َ‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعلــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫(الحلل بين والحرام بين)‪ :‬هذا هو المراد في قول للا سبحانه وتعالى‪ُ :‬هن أ ُ ُّم‬

‫ا ْل لكتَا ل‬
‫ب أي‪ :‬هذا هو األصل في الدين‪ ،‬وأما المتشابه فيوجد‪ ،‬والحكم منه عظيمة‬

‫جليلة‪ :‬بيان أن الكمال المطلق في العلم لل سبحانه وتعالى ليس ألحد غيره‬

‫كذلك بيان أن الناس يتفاوتون‪ ،‬وينبغي أن يطلبوا العلم ويلتمسوه من مظانه‬

‫وبفهم أقرب الناس إلى التشريع وهم الصحابة عليهم رضوان للا تعالى وكذلك‬

‫التابعون‪ ،‬ثم من جاء بعدهم أقرب إلى الدليل وفهمه من غيرهم؛ لهذا أثنى‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم على أصحاب القرون األولى كما قال النبي عليه‬

‫‪78‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الصلة والسلم في الصحيح‪( :‬خير الناس قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين‬

‫وجاء في رواية قد تكلم فيها بعضهم‪( :‬خير‬ ‫جامع العلوم والحكم ‪633/4‬‬ ‫يلونهم)‪،‬‬

‫البخاري ‪4401‬‬ ‫القرون قرني)‪.‬‬

‫أحكام الشريعة األصل فيها الظهور وعدم الخفاء‪ ،‬وثمة قواعد وأصول عليها‬

‫مدار الدين ومدار األحكام على وجه العموم في جميع الفنون والعلوم ينبغي‬

‫إدراكها‪.‬‬

‫‪ ‬القاعدة األولى‪ :‬تحريم القول على للا بل علم‪ ،‬وقد جاء النص عليها في‬

‫ش‬ ‫ي ا ْلفَ َو ل‬
‫اح َ‬ ‫كلم للا سبحانه وتعالى كما قال للا عز وجل‪ :‬إلن َما َحر َم َر لبِّ َ‬

‫ّللا َما ل ت َ ْعلَ ُم َ‬


‫ون‪.‬‬ ‫إلى قوله‪َ :‬وأ َ ْن تَقُولُوا َ‬
‫علَى ل‬

‫‪ ‬القاعدة الثانية‪ :‬أن ما سكت للا عز وجل عنه ورسوله عليه الصلة‬

‫والسلم األصل فيه اإلباحة‪ ،‬ول يجوز ألحد أن يتجرأ عليه بتحريم إل‬

‫بدليل وأثر من كتاب أو سنة‪ ،‬كما قال للا عز وجل في كتابه العظيم‪ :‬يَا‬

‫سأَلُوا ع َْن أ َ ْ‬
‫شيَا َء لإ ْن ت ُ ْب َد لَ ُك ْم ت َ ُ‬
‫س ْؤ ُك ْم‪ ،‬وقال النبي عليه‬ ‫أَيُّ َها الذ َ‬
‫لين آ َمنُوا ل ت َ ْ‬

‫الصلة والسلم كما في الصحيح‪( :‬وسكت عن أشياء رحمة بكم فل‬

‫تسألوا عنها)‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪ ‬القاعدة الثالثة‪ :‬أن إتباع المتشابه من كلم للا سبحانه وتعالى‪ ،‬وكلم‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم وتنكب المحكم هذه طريقة أهل البدع‬

‫والضلل من الرافضة وأهل األهواء وغيرهم الذين يأخذون من كلم للا‬

‫وكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم المتشابه ويدعون المحكم؛ ولهذا‬

‫قال للا جل وعل في كتابه العظيم‪ :‬فَأَما الذ َ‬


‫لين لفي قُلُو لب له ْم َزيْغ فَيَت لبعُ َ‬
‫ون َما‬

‫تَشَابَهَ لم ْنهُ ا ْبتلغَا َء ا ْل لفتْنَ لة َوا ْبتلغَا َء تَأ ْ لوي لل له‪( ،‬فإذا رأيت الرجل يتبع المتشابه‬

‫من كلم للا وكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم ‪-‬مع ظهور اآليات‬

‫واألحاديث المحكمة الظاهرة البينة‪ -‬فاعلم أنه ممن سمى للا فاحذره) كما‬

‫قالت عائشة عليها رضوان للا تعالى في الصحيحين وغيرهما من حديث‬

‫ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة عليها رضوان للا تعالى‪.‬‬

‫وذلك أن للا عز وجل قد بين أن اإلنسان إذا علم من سيرته ومن أقواله أنه‬

‫يتتبع المتشابه ويدع المحكم من أقوال للا عز وجل وكلم رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم فاعلم أنه من أصحاب الزيغ ومن في قلبه مرض‪.‬‬

‫‪ ‬القاعدة الرابعة‪ :‬أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قد بين أن الشريعة‬

‫على قسمين كما في حديث النعمان بن بشير هنا ( الحلل بين والحرام‬

‫‪80‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بين‪ ،‬وبينهما أمور مشتبهات ) إذا ً هي على ضربين‪ :‬بينات واضحات‬

‫ومتشابهات‪ ،‬والبينات الواضحات على ضربين‪ :‬حلل بين‪ ،‬وحرام بين‪.‬‬

‫واإلطلق في الشرع من جهة المحكم والمتشابه يطلق ويراد به إطلقان‪:‬‬

‫إطلق عام‪ ،‬وإطلق خاص‪ ،‬والمراد بإطلق المحكم من جهة الخصوص هو ما‬

‫كان مقابلً لمنسوخ‪ ،‬ول يلزم منه أن يكون ناسخاً‪ ،‬فكل ما كان من كلم للا عز‬

‫وجل يقابل المنسوخ فهو محكم على وجه الخصوص‪ ،‬وأما ما كان على وجه‬

‫العموم فهو ما ل يأتي إليه إل فهم واحد‪ ،‬ول يقع عند العلماء إل على وجه‬

‫واحد‪ ،‬فهذا هو المحكم من وجه العموم‪ ،‬ويقابله المتشابه وله إطلقان‪ :‬إطلق‬

‫على وجه الخصوص‪ ،‬وإطلق على وجه العموم‪ ،‬وأما ما كان على وجه‬

‫الخصوص فهو ما يقابل المحكم على وجه الخصوص‪ ،‬والمراد بذلك المنسوخ‪،‬‬

‫وهذا ما يسميه العلماء ويألفون فيه الناسخ والمنسوخ‪.‬‬

‫وأما ما كان متشابها ً على وجه العموم فهو ما وقع فيه اختلف عند العلماء في‬

‫المراد به‪ ،‬وهو الذي يشار إليه في قول للا سبحانه وتعالى‪ُ :‬ه َو الذلي أ َ ْن َز َل‬

‫ب َوأ ُ َخ ُر ُمتَشَا لب َهات وهي المرادة في‬


‫اب لم ْنهُ آيَات ُمحْ َك َمات ُهن أ ُ ُّم ا ْل لكتَا ل‬
‫علَ ْيكَ ا ْل لكت َ َ‬
‫َ‬

‫حديث النعمان بن بشير عليه رضوان للا تعالى هنا (وبينهما أمور متشابهات)‪،‬‬

‫وجاء عند الترمذي في حديث النعمان هذا من حديث عامر بن شراحيل الشعبي‬

‫‪81‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫عن النعمان بن بشير قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬ل يدري كثير من‬

‫وكلم العلماء في‬ ‫سنن الترمذي ‪5491‬‬ ‫الناس أهي من الحرام أم هي من الحلل؟)‪،‬‬

‫هذا هو على هذا المعنى وهو المتشابه على وجه العموم ل على وجه‬

‫الخصوص؛ فإن المتشابه على وجه الخصوص؛ هو محكم من وجه باعتبار‬

‫معرفة أنه منسوخ وناسخه معلوم‪.‬‬

‫اختلف العلماء في تحديد المتشابه‪:‬‬

‫وعليه يقال‪ :‬إن المتشابه عند العلماء قد اختلفوا في تحديده على أربعة أقوال‪:‬‬

‫‪ ‬القول األول‪ :‬قالوا‪ :‬المتشابه هو ما تضادت فيه األدلة‪.‬‬

‫‪ ‬القول الثاني‪ :‬قالوا‪ :‬ما وقع فيه خلف بين العلماء‪ ،‬وهذا منتزع من‬

‫القسم األول‪.‬‬

‫‪ ‬القول الثالث‪ :‬قالوا‪ :‬هو المقلوب؛ وذلك أنه تتنازعه اإلباحة والحظر‪،‬‬

‫والفعل والترك‪.‬‬

‫‪ ‬القول الرابع‪ :‬قالوا‪ :‬المباح‪ ،‬وهذا أبعد األقوال إل إذا كان المراد بالمباح‬

‫ما ل يستوي من جميع الوجوه‪ ،‬وهو ما يدخله العلماء في باب خلف‬

‫األولى‪ ،‬ويمكن أن يدخل المباح في باب المتشابه من وجه إذا كان‬

‫يتساوى من جميع الوجوه في ذاته‪ ،‬ويختلف من باب الفعل والترك ألمر‬

‫‪82‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫خارج عنه إما لقرينة أو لمقصد وغير ذلك‪ ،‬فيدخل في باب المتشابه من‬

‫هذا‪ ،‬والمتشابهات التي ذكرها رسول للا صلى للا عليه وسلم ل يعني‬

‫أنها مجهولة على العموم‪ ،‬بل إنه يعلمها العلماء‪ ،‬ومنها ما ل يعلمه إل‬

‫للا‪.‬‬

‫وقد يقول قائل‪ :‬وهل ثمة شيء من التشريع جاء به القرآن ونزل في كلم للا‬

‫وجاء في كلم رسول للا صلى للا عليه وسلم وليس ألحد على وجه األرض‬

‫معرفة به؟‬

‫يقال‪ :‬نعم‪ ،‬كما قال للا سبحانه وتعالى‪َ :‬و َما َي ْعلَ ُم تَأ ْ لوي َلهُ لإل ّللاُ ثم الوقف عند‬

‫جمهور العلماء وقراءة عبد للا بن مسعود على قوله‪َ :‬و َما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ لويلَهُ إلل ّللاُ ثم‬

‫ون آ َمنا لب له ُك ٌّل لم ْن لع ْن لد َربلِّ َنا وهذا التفسير‬


‫ون فلي ا ْل لع ْل لم يَقُولُ َ‬
‫س ُخ َ‬
‫يبدأ َوالرا ل‬

‫المطلق‪ ،‬ومنه ما يشترك العلماء الراسخون في العلم بما وفقهم للا عز وجل‬

‫من نظر‪ ،‬فيفهمون ذلك المتشابه على قراءة بعض القراء بعدم الوقف‪ ،‬فيعلمون‬

‫المتشابه‪ ،‬ولكن يقال‪ :‬ثمة من اآلي في كلم للا مما ل يعلمه إل للا‪ ،‬ويبقى‬

‫الجتهاد فيه بل دليل‪ ،‬كالحروف المقطعة في كلم للا‪ ،‬وإن كان فيها اجتهاد‬

‫عن بعض السلف‪ ،‬ولكنه يقال‪ :‬إنه ليس بمجزوم به‪ ،‬وإنما هو اجتهاد سائغ كما‬

‫في قول عبد للا بن عباس عليه رضوان للا تعالى فيما رواه ابن جرير الطبري‬

‫‪83‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫من حديث علي بن أبي طلحة عن عبد للا بن عباس قال ‪ :‬الـــــــم [البـقرة‪]5:‬‬

‫و طسم [الشعراء‪ ]5:‬و حم [غافر‪ ]5:‬و ص [ص‪ ]5:‬ون [القلم‪ ]5:‬وق [ق‪]5:‬‬

‫قال‪ :‬قسم أقسم للا به‪ ،‬وهي من أسماء للا‪ .‬وعامة العلماء على بطلن هذا‬

‫القول‪ ،‬وهذا المعنى ‪-‬لو صح إلى ابن عباس مع صحة إسناده‪ -‬فهذه الحروف‬

‫ليست من أسماء للا‪ ،‬وإن كان اإلسناد ظاهره الصحة عن عبد للا بن عباس‬

‫عليه رضوان للا تعالى‪.‬‬

‫في قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمها كثير من‬

‫الناس) يعني‪ :‬بين هذا الحلل والحرام الكثير أمور مشتبهة ل يعلمها كثير من‬

‫الناس‪.‬‬

‫وهذا بيان لفضل العلم وأهمية التعلم‪ ،‬وأن العلم والمعرفة هي فيمن اصطفاه للا‬

‫عز وجل من عباده لهذا كانت الرحمة متلزمة مع وجود العلماء‪ ،‬وعدم وجود‬

‫العلماء‪ ،‬يلزم منه الوقوع في المتشابه‪ ،‬والوقوع في المتشابه يلزم منه الوقوع‬

‫في الحرام كما قال النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬ومن وقع في الشبهات وقع في‬

‫الحرام) وإذا انتشر في مجتمع الحرام نال الناس الهلكة‪ ،‬كما قال النبي عليه‬

‫الصلة والسلم كما في الصحيحيـــن وغيـــرهما لما قالت له أم المؤمنين‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والمراد‬ ‫صحيح البخاري ‪7764‬‬ ‫(أنهلك وفينا الصالحون؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا كثر الخبث)‬

‫بالخبث هو مخالفة الكتاب والسنة وانتشار الحرام‪ ،‬وقال النبي عليه الصلة‬

‫والسلم كما في الصحيحين وغيرهما‪( :‬إن للا ل يقبض العلم انتزاعا ً ينتزعه‬

‫من صدور العباد؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى إذا لم يبق عالم اتخذ‬

‫صحيح البخاري‬ ‫الناس رؤوسا ً جهالً‪ ،‬فسئلوا‪ ،‬فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضلوا وأضلوا)‬

‫إذا لم يكن ثمة علماء أخذ أهل الجهالة‪ ،‬مكان العلماء‪،‬‬ ‫‪ 599‬صحيح مسلم ‪4437‬‬

‫ً‬
‫حلل‪ ،‬والحلل حراما ً‪ ،‬فيحق حينئذ عقاب للا‪ ،‬ويقع حينئذ‬ ‫فيجعلون الحرام‬

‫عذابه الذي حذر للا عز وجل منه‪ ،‬ويعلم أنه ما من حق وما من علم يضمحل‬

‫في الناس إل ويقع مكانه جهالة‪ ،‬وما من جهالة تزول إل ويحل محلها علم‬

‫ونور وهداية‪ ،‬وهذا على الطراد وعلى وجه العموم في العلوم كلها‪.‬‬

‫وفي قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬كثير من الناس) دليل على أن األقل هم الذين‬

‫يعلمون هذه المتشابهات‪ ،‬وهم العلماء ومن وفقه للا عز وجل لمعرفة ذلك‪،‬‬

‫كذلك قد يكون العلم أو بعض مسائل العلم عند بعض العلماء من المتشابه وعند‬

‫بعض العوام من المحكم البين الظاهر بحسب توفيق للا عز وجل له؛ ألنه ربما‬

‫نظر في هذه المسألة وتبصر بدليلها وهو لم ينظر في تلك المسألة ولم يتبصر‬

‫فيه‪ ،‬وربما نظر فيها ولم يوفق للصواب‪ ،‬وفي ذكر النبي عليه الصلة والسلم‬

‫‪85‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪-‬للمتشابه بعد الحلل والحرام دليل على قلته في مقابل وضوح وبيان الحلل‬

‫والحرام؛ لهذا قال النبي عليه الصلة والسلم كما روى ابن أبي عاصم في‬

‫كتابه السنة‪ ،‬وكذلك الهروي في ذم الكلم من حديث العرباض بن سارية قال‬

‫النبي عليه الصلة والسلم‪( :-‬تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها ل يزيغ‬

‫هذا هو األصل في‬ ‫هالك) أخرجه أبو داود (‪ )6493‬واللفظ له‪ ،‬وأحمد (‪)53581‬‬ ‫عنها إل‬

‫أحكام التشريع أنها ظاهرة بينة‪ ،‬وأما وجود المتشابه فهو عند كثير من الناس‪،‬‬

‫لكنه ليس عند جميع الناس؛ ولهذا أمر للا عز وجل بسؤال أهل العلم؛ لقوله‬

‫سأَلُوا أ َ ْه َل ال لذِّ ْك لر لإ ْن ُك ْنت ُ ْم ل ت َ ْعلَ ُم َ‬


‫ون‪.‬‬ ‫جل وعل‪ :‬فَا ْ‬

‫أهل الذكر عند أكثر المفسرين هم‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬ولكن العبرة بعموم اللفظ‬

‫سأَلُوا أ َ ْه َل ال لذِّ ْك لر فيما هو موجود‬


‫ل بخصوص السبب‪ ،‬والمراد بهذه اآلية فَا ْ‬

‫عندهم في الكتاب فأقيموا عليهم الحجة إن كنتم ل تعلمون ما في الكتاب فاسألوا‬

‫الكتاب يعني‪ :‬اليهود والنصارى‪ ،‬ويدخل في هذا من باب أولى أهل العلم‬

‫والمعرفة‪ ،‬العالمون بكلم للا وبكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم إن كنتم ل‬

‫تعلمون بأن القرآن هو الذكر‪ ،‬كما قال للا جل وعل في كتابه العظيم‪ :‬لإنا نَحْ ُن‬

‫ون وأهل الذكر هم أهل العلم وأهل القرآن‪ ،‬وقوله‪ :‬لإ ْن‬
‫ظ َ‬‫نَز ْلنَا ال لذِّ ْك َر َوإلنا لَهُ لَ َحا لف ُ‬

‫ُك ْنت ُ ْم ل ت َ ْعلَ ُم َ‬


‫ون يشترك فيه من جهل ما جاء به النبي عليه الصلة والسلم من‬

‫‪86‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األصول كاليهود والنصارى‪ ،‬أو ممن كان على منهج قويم‪ ،‬لكنه لم يعرف‬

‫المسائل على وجهها‪ ،‬فيسأل أهل الذكر والمعرفة‪.‬‬

‫المتشابه أتباعه من صفة المنافقين وأهل الزيغ؛ لهذا إذا رئي الشخص من‬

‫أقواله أو أفعاله أنه يتبع المتشابه من كلم للا وكلم رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم ويدع المحكم فليعلم أن في قلبه زيغًا‪ ،‬وبقدر تعلقه بالمتشابه يكون الزيغ‬

‫فيه‪.‬‬

‫وهنا لفتة مهمة ينبغي أن يتنبه لها‪ :‬كلما كثر المتشابه لدى اإلنسان قرب من‬

‫أهل الزيغ‪ ،‬وكلما ظهر عنده المحكم كان من أهل الحق والتوفيق‪ ،‬وإذا كثر عند‬

‫اإلنسان المتشابه وعدم معرفة الحق ‪-‬مع استعراض األدلة‪ -‬فليعلم أن في قلبه‬

‫زيغاً‪ ،‬ودواؤه النظر في المحكم‪ ،‬وإتباع البين من الدليل‪ ،‬وهذا مشاهد ملموس‪.‬‬

‫ومن طرائق أهل الزيغ واألهواء‪ :‬تتبع الرخص وأقوال العلماء الذين يوافقون‬

‫األهواء‪ ،‬وعدم النظر في الدليل‪ ،‬وهذا ل نحب أن نطيل فيه ألننا سنتكلم عليه‬

‫في محاضرة تامة يوم الثلثاء القادم بإذن للا تعالى بعد صلة العشاء بمحاضرة‬

‫بعنوان‪ :‬العزائم والرخص‪.‬‬

‫المتشابهات حذر النبي عليه الصلة والسلم من الوقوع فيها‪ ،‬وظاهرها أنها‬

‫يغلب ما التبس على اإلنسان فيه الحلل والحرام‪ ،‬فهي من المتشابه وهي أقرب‬

‫‪87‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫المعاني لهذا النص؛ لهذا حذر النبي عليه الصلة والسلم من الدنو منها‪ ،‬قال‬

‫النبي عليه الصلة والسلم ‪-‬كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن‬

‫صحيح البخاري ‪4915‬‬ ‫بشير‪ -‬قال‪ ( :‬من ترك ما يشتبه عليه فهو لما استبان أترك )‬

‫صحيح مسلم ‪ 5100‬وهذا هو الورع الورع هو أن يغلب اإلنسان جانب الخوف على‬

‫جانب الرجاء في باب المتشابهات‪.‬‬

‫واإلنسان في أحواله في العبادة يتقلب بين ثلثة أمور‪ :‬المحبة‪ ،‬والخوف‬

‫والرجاء‪ ،‬فهذه ثلثة تصاحب اإلنسان في كل عمل يعمله تقربا ً لل‪ ،‬وينبغي‬

‫لإلنسان أن يكون فقيها ً بين هذه الثلث‪ ،‬ل يغلب واحدا ً على آخر عند جماهير‬

‫أهل العلم‪ ،‬نص على ذلك الحسن ومطرف وأحمد بن حنبل وابن عبد البر وابن‬

‫عطية وسهل بن عبد للا التستري وغيرهم أنه ينبغي لإلنسان أن يكون متساويا ً‬

‫في أعمال القلوب الثلثة‪ ،‬فل يغلب شيئا ً على آخر‪ ،‬روى أبو نعيم في كتابه‬

‫الحلية من حديث مطرف عن الحسن قال‪ :‬الخوف والرجاء مطية المؤمن‪ .‬أي‪:‬‬

‫التي يرتحل بها فيستعين بها على قضاء أعماله‪ ،‬يقول ابن عطية ‪ :‬الخوف‬

‫والرجاء كالجناحين للطائر‪ ،‬إن انفرد بواحد عن اآلخر اضطرب وسقط‪ ،‬وينبغي‬

‫أن يساوي بين هذا وهذا؛ فإن للا عز وجل يقول‪ :‬نَ لبِّ ْئ لع َبادلي أَنلِّي أَنَا ا ْلغَفُو ُر‬

‫اب األ َ للي ُم قال‪ :‬فرجى وخوف‪ .‬رجاء للا عز وجل‬ ‫الر لحي ُم * َوأَن َ‬
‫ع َذابلي ُه َو ا ْلعَ َذ ُ‬

‫‪88‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ببيان رحمته‪ ،‬وخوف ببيان عذابه‪ ،‬واإلنسان في هذه المراتب على ثلثة‬

‫أحوال‪:‬‬

‫‪ ‬الحالة األولى‪ :‬أن تتساوى هذه األعمال عنده من غير تفاضل‪ ،‬وهذا في‬

‫حال استقامة حياته في كل األعمال‪ ،‬فل يغلب جانب الخوف على الرجاء‬

‫ول يغلب جانب الرجاء على الخوف؛ ولهذا قال بعض السلف‪ :‬من عبد‬

‫للا بالخوف وحده فهو حروري‪ ،‬ومن عبد للا بالرجاء وحده فهو مرجئ‪،‬‬

‫ومن عبد للا بالمحبة وحدها فهو زنديق‪ ،‬حتى يعبد للا بالرجاء والخوف‬

‫والمحبة‪ ،‬ومن عبد للا بالخوف والرجاء والمحبة فهو مؤمن موحد‪.‬‬

‫‪ ‬الحالة الثانية‪ :‬أن يغلب جانب الخوف‪ ،‬وهذا عند المتشابهات‪ ،‬وهذا‬

‫الشاهد هنا عند وجود المتشابهات يغلب اإلنسان جانب الخوف؛ وذلك‬

‫لتأكيد وقوعه في الحرام كما قال النبي عليه الصلة والسلم‪ ( :‬فمن وقع‬

‫في الشبهات وقع في الحرام ) أي‪ :‬ل بد أن يقع في الحرام‪ ،‬فإنه إن أجاز‬

‫لنفسه الوقوع في الشبهات ‪ -‬والشبهات هي ما تردد بين الحلل والحرام‬

‫من غير وضوح‪ -‬فإنه سيأتي مرة تكون الشبهة بالحرام فيقع في الحرام‬

‫لهذا قال بعض العلماء‪ :‬إن من وقع في الشبهات فصادف حراما ً أثم‬

‫وعوقب على ذلك‪ ،‬والشارع ل يلحق تكليفا ً إل بما يحاسب عليه‪ ،‬وهذا‬

‫‪89‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫هو الظاهر‪ ،‬أن اإلنسان إن وقع في المتشابهات من غير ظهور الدليل‬

‫والتماسه أنه يأثم إن صادف حراماً؛ لهذا حذر النبي عليه الصلة والسلم‬

‫من الوقوع في المتشابهات‪ ،‬وحذر من ذلك أيضا ً السلف كما روى‬

‫البيهقي في شعب اإليمان من حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب‬

‫قال‪ :‬كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم‪:‬‬

‫أن من تعرض للشبهات فل يلومن إل نفسه‪ .‬وقد رواه ابن عدي في كتابه‬

‫الكامل عن عمر بن الخطاب عليه رضوان للا تعالى من قوله‪ ،‬المراد‬

‫بذلك‪ :‬فل يلومن إل نفسه‪ ،‬يعني‪ :‬من لحوق العقاب باآلخرة‪ ،‬ولحوق‬

‫العقاب في الدنيا‪ ،‬والعقاب في الدنيا قد بينه النبي عليه الصلة والسلم‬

‫في قوله‪( :‬فمن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام)‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي‪ :‬كف عن عرضه‬

‫وهذا من مقاصد الشرع أنه ينبغي لإلنسان أن يغلب جانب التحريم عند‬

‫المتشابهات حتى يسلم له عرضه‪ .‬وهذا ما يسميه العلماء بوازع الطبع‪ ،‬وازع‬

‫الشرع هو األوامر والنواهي‪ ،‬ووازع الطبع هو ما ينفر منه اإلنسان طبعا ً‪ :‬إما‬

‫خشية مذمة‪ ،‬وإما رغبة بمدح‪ ،‬وهذا مقصد مشروع‪ ،‬لكنه يجوز انفراده في‬

‫باب الحرام‪ ،‬ويحرم أن ينفرد به اإلنسان في باب الواجبات والعبادات؛ ألنه في‬

‫‪90‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫باب العبادات محرم‪ ،‬وفي المحرمات مقصد مطلوب؛ لهذا قال النبي عليه الصلة‬

‫والسلم‪( :‬فقد استبرأ لدينه وعرضه)‪.‬‬

‫وترك الشبهات هي هدي نبوي فعله خير الخلق‪ ،‬وربى عليه أصحابه‪ ،‬من ذلك‬

‫ما رواه البخاري ومسلم من حديث طلحة بن مصرف عن أنس بن مالك عليه‬

‫رضوان للا تعالى أن النبي عليه الصلة والسلم (وجد تمرة في طريقه)‪ ،‬وفي‬

‫حديث أبي هريرة (وجدها على فراشه) قال‪( :‬لول أني أخشى أنها من الصدقة‬

‫ألكلتها) أخرجه البخاري (‪ )4911‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪ )5935‬وهذا من ترك الشبهات‪ ،‬مع أن أكل‬

‫الطعام أو تركه خشية الفساد مقصد شرعي؛ لهذا قد روى ابن أبي شيبة من‬

‫حديث ميمونة أم المؤمنين عليها رضوان للا تعالى أنها وجدت تمرة في‬

‫الطريق فأكلتها وقالت‪ :‬إن للا ل يحب الفساد‪ .‬يعني‪ :‬إفساد الطعام وتركه حتى‬

‫يفسد‪ ،‬مع ذلك غلب النبي صلى للا عليه وسلم جانب الورع في هذا فتركه‪،‬‬

‫وكذلك أصحابه عليهم رضوان للا تعالى لما جاءه الرجل الذي قال له‪ :‬إني‬

‫تزوجت فلنة‪ ،‬وقيل لي‪ :‬إني قد رضعت معها‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫عا‪.‬‬ ‫( كيف وقد قيل؟ ) أي‪ :‬دعها؛ احتيا ً‬


‫طا وور ً‬

‫الفائدة األولى‪ :‬الستبراء للدين‪ ،‬وهذا مقصد أسمى‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الفائدة الثانية‪ :‬الستبراء للعرض؛ خشية أن يقع اإلنسان في عرض من تلبس‬

‫بالشبهات‪ ،‬وترك الشبهة لها مسلكان‪ ،‬إما أن تكون شبهة عنده‪ ،‬وهذا ما يتأكد‬

‫عليك تركه‪ ،‬وإما أل تكون شبهة عندك وواضحة بينة‪ ،‬لكنها شبهة عند غيرك‪،‬‬

‫فتتركها في الحالين‪ ،‬في الحالة األولى أي‪ :‬شبهة عندك استبراء للعرض‬

‫والدين‪ ،‬والحالة الثانية أن تكون بينة عندك وشبهة عند غيرك استبراء‬

‫للعرض‪ ،‬وهذا ظاهر فيما رواه البخاري ومسلم من حديث معمر عن الزهري‬

‫عن علي بن الحسين (أن النبي عليه الصلة والسلم كان معتكفاً‪ ،‬فجاءه‬

‫أزواجه أمهات المؤمنين يزرنه في معتكفه فخرجن وبقيت صفية‪ ،‬ودارها قريبة‬

‫من دار أسامة‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪ :‬امكثي حتى أخرج معك‪ .‬فخرج‬

‫النبي عليه الصلة والسلم مع صفية‪ ،‬فلما كان في طريقه مر به رجلن من‬

‫صفية)‪ ،‬صحيح البخاري ‪7595‬‬ ‫األنصار‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪ :‬مهلً إنها‬

‫وهذا ليس بمتشابه عند النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬بل هو متشابه عندهم‪،‬‬

‫والنبي عليه الصلة والسلم مستبرأ لدينه قطعاً‪ ،‬ول يأتيه شبهة في هذا‪ ،‬فأراد‬

‫النبي عليه الصلة والسلم أل يقع عند أحد من هؤلء سوء ظن به فيهلكوا؛‬

‫ألن الظن بالنبي ليس كالظن بغيره‪ ،‬فالظن بالنبي كفر‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة‬

‫والسلم‪( :‬إنها صفية) خشية أن يقع في نفوسهم سوء ظن‪ ،‬قال بعض العلماء‪:‬‬

‫والمراد بذلك أن غالب أزواج النبي عليه الصلة والسلم في الحجرات عند‬

‫‪92‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫المسجد‪ ،‬ول يوجد من البعيد إل صفية‪ ،‬ويغلب على الظن أن النبي عليه الصلة‬

‫والسلم ل يخرج من معتكفة إل مع أجنبية؛ ألنه أزواجه عنده‪ ،‬ول توجد بعيدة‬

‫إل صفية بنت حيي عليها رضوان للا تعالى‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫(إنها صفية) استبراء لدين من كان يراه‪ ،‬وحفظا ً لعرضه عليه الصلة والسلم‬

‫لدينهم؛ خشية أن يقعوا في الكفر بسوء الظن‪ ،‬وهذان المسلكان يجب فهمهما‪.‬‬

‫ويغفل كثير من الناس ويقولون‪ :‬هذا عندي ليس من المتشابه‪ ،‬بل هو من‬

‫المحكم البين‪ ،‬وأنا أفعل به‪ ،‬وإن وقع الناس في عرضي فل أبالي‪ ،‬وهذا من‬

‫الجهل؛ ألن الستبراء للعرض ‪-‬وإن كان من المحكم عندك‪ -‬لكنه من المتشابه‬

‫عند الناس‪ ،‬فيجب أن تستبرئ لعرضك؛ ألنك قد استبرأت لدينك وسلمت؛ فإن‬

‫الستبراء للعرض مقصد شرعي‪ ،‬وعليه يقال‪ :‬يجوز لإلنسان أن يترك المحرم‬

‫ألجل أل يسبه الناس‪ ،‬لكنه ل يؤجر على ذلك‪ ،‬ول يعاقب على هذه النية لوجود‬

‫مقصد شرعي؛ لهذا يقول العلماء‪ :‬وازع الطبع كوازع الشرع بل نكران في باب‬

‫المحرمات‪ ،‬وفي باب التروك‪ ،‬ل في باب األعمال التي هي داخلة في العبادات‬

‫فباب العبادات لبد فيها من العمل المجرد وإن صاحبها وازع من الطبع فل‬

‫حرج‪ ،‬ووازع الطبع عند العلماء أقوى من وازع الشرع؛ لهذا يجوز للزاني‬

‫والفاسق وشارب الخمر وصاحب الكبائر أن يسافر مع أمه مسيرة أيام‪ ،‬لماذا؟‬

‫‪93‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫لوجود وازع الطبع في قلبه‪ ،‬ويجوز للفاسق أن يلي أمر ابنته ويزوجها؛ لوجود‬

‫وازع الطبع في نفسه أعظم من وازع الشرع‪ ،‬وقد أجمع العلماء على ذلك‪ ،‬نص‬

‫عليه العز بن عبد السلم وابن رجب وابن القيم وغيرهم أن وازع الشرع دون‬

‫وازع الطبع؛ ألن وازع الطبع قوي‪ ،‬وهذا يذكرها العلماء أحيانا ً في باب اإلقرار‬

‫في الجريمة وغيرها‪ ،‬يقولون‪ :‬إن دافعه وازع الطبع ل تقابله شهادة الشهود‬

‫وغيرها؛ ألنه شهادة الشهود دافعها وازع الشرع‪ ،‬واإلقرار دافعه وازع طبع‬

‫ووازع الطبع مغلب على جانب وازع الشرع‪ ،‬ول مقارنة بينهما‪ ،‬وهذا محل‬

‫إجماع‪ ،‬ويطرد في جميع مسائل الدين إن اجتمعا‪.‬‬

‫وعليه فيما يخصنا هنا يقال‪ :‬إن ما تعلق به وازع طبعي وكان من باب التروك‬

‫وليس من العبادات المحضة جاز لإلنسان فعله لهذا المقصد؛ لقوله عليه الصلة‬

‫والسلم‪( :‬فقد استبرأ لدينه وعرضه)‪.‬‬

‫وعليه فيما يقابله يجوز لمنكر المنكر أن ينكر المنكر من باب تحريك الطباع ل‬

‫من باب تحريك وازع الشرع‪ ،‬كأن يقول‪ :‬اترك الخمر والكذب والغيبة والزنا‬

‫والسرقة فأنت فلن بن فلن‪ ،‬وأنت من األسرة الفلنية ونحو ذلك‪ ،‬يجوز‬

‫عا‪ ،‬لكن من جهة األعمال ل يجوز أن تقول‪ :‬صل فإنك فلن بن فلن‪ ،‬وأنت‬
‫شر ً‬

‫من آل فلن ومن البلد الفلني ونحو ذلك ول يليق بك هذا‪ ،‬هذا غير جائز إل إن‬

‫‪94‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫عا‪ ،‬كأن يقول‪ :‬إن للا فرضها عليك‪ ،‬وهي واجبة عليك وأنت‬
‫صاحبه وازع شر ً‬

‫فلن بن فلن‪ ،‬يجوز في باب العبادات‪ ،‬وأما في باب المحرمات فيجوز انفراد‬

‫وازع الطبع من باب إنكار المنكر باتفاق العلماء‪ ،‬ولكن ل يتحقق الثواب في‬

‫باب المحرمات إل بوجود وازع الشرع‪ ،‬إذا ترك اإلنسان الخمر‪ ،‬وترك الغيبة‬

‫والنميمة والكذب والبهتان وشهادة الزور وغير ذلك حسبة لل وطلبا ً لألجر‬

‫يثاب على ذلك‪ ،‬إن تركها خشية أن يذمه الناس ونحو ذلك ل يؤجر عليها ولكنه‬

‫يرتفع عنه العقاب باتفاق العلماء‪ ،‬أما من جهة األعمال فهو باب خطير ومسلك‬

‫عظيم يدخل في باب الشرك‪ ،‬ربما يدخل في باب الشرك األكبر‪ ،‬وربما يدخل في‬

‫باب الشرك األصغر‪ ،‬وهو ما يسميه العلماء الرياء‪ ،‬كما قال النبي عليه الصلة‬

‫رواه البخاري و مسلم‬ ‫والسلم‪( :‬من رآى رآى للا به‪ ،‬ومن سمع سمع للا به)‬

‫وعاقبته وخيمة كما جاء في صحيح اإلمام مسلم من حديث العلء بن عبد‬

‫الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قال‪( :‬قال‬

‫للا عز وجل‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرك‪ ،‬فمن أشرك معي غيري تركته‬

‫صحيح مسلم ‪4081‬‬ ‫وشركه)‪.‬‬

‫الوقوع في الحرام لمن وقع في الشبهات‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وفي قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬فمن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام)‬

‫يعني‪ :‬ل محالة؛ ألن الشبهة مترددة بين حل وحرمة؛ فإنه إن كان من عادته‬

‫ذلك الوقوع في الشبهات فلبد أن يصادف حراما ً حتى يتمكن من الحرام‪ ،‬وقيل‪:‬‬

‫إن ثمة معنى ثانيًا وهو أنه إن تجرأ على الشبهة لم يكن هيبة للحرام كهيبة‬

‫الحرام قبل وقوعه في الشبهة حتى يقع في الحرام الصريح‪ ،‬أو تسول له نفسه‬

‫أن هذا من الشبهة وهو من الحرام الصريح‪ ،‬وحينئذ يأثم كما مثل رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم بذلك بقوله‪( :‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن‬

‫يواقعه) وهذا من عظيم تعليمه عليه الصلة والسلم ألمته‪ ،‬ومن نظر إلى حاله‬

‫عليه الصلة والسلم في التعليم وجد أنه كثيرا ً ما يمثل مسائل العلم بأمور‬

‫محسوسة مشاهدة‪ ،‬فالنبي عليه الصلة والسلم يقول‪( :‬المؤمن للمؤمن‬

‫ويقول عليه الصلة والسلم‪:‬‬ ‫صحيح البخاري ‪685‬‬ ‫كالبنيان يشد بعضه بع ً‬
‫ضا)‪،‬‬

‫(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو‬

‫تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أخرجه مسلم ‪ 4184‬و البخاري ‪ 4955‬تمثيل‬

‫للجسد‪ ،‬ويقول النبي عليـــه الصــلة والســلم‪( :‬بني اإلسلم على خمس) أي‪:‬‬

‫أنه كالبنيان الذي يشيده اإلنسان وهذا من باب تقريب مسائل العلم باألمثلة‬

‫المحسوسة‪ ،‬وهذا أسلوب نبوي في التعليم‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫قال‪( :‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه) الرعاة يرعون في‬

‫البوادي‪ ،‬والغالب أن الملوك تكون لهم حمى في الجاهلية واإلسلم‪ ،‬ويستأثرون‬

‫باألماكن الجيدة عن غيرهم‪ ،‬إما ألبلهم أو غنمهم أو ألنفسهم‪ ،‬فيصطفون هذا‬

‫المكان لهم من دون الناس‪ ،‬والراعي الذي محرم عليه أن يأتي هذا الحمى يأتي‬

‫بإبله أو بغنمه ويرعى بعيدا ً عنه‪ ،‬وهو يطمع في هذا الحمى‪ ،‬وبين ما هو مباح‬

‫له‪ ،‬وبين ما هو محرم له وهو ما هو للملوك موضع شبهة‪ ،‬إن احترز منه بعد‬

‫عن الحرام‪ ،‬وإن تجرأ على ما يشك فيه وقع في الحرام‪ ،‬والمعالم لم تكن‬

‫معروفة؛ فإن حدود السابقين تحدد باألودية وبالجبال وباألميال من غير حد‬

‫فاصل كما هو في وقتنا‪ ،‬فالراعي يأتي ويطمع ويقول‪ :‬إني لم أصل إلى حمى‬

‫الملك‪ ،‬فيتجرأ شيئا ً فشيئا ً حتى يقع في الحرام فيناله العقاب‪ ،‬وهذا من باب‬

‫التمثيل منه عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫قال عليه الصلة والسلم مبينا ً الحكمة من هذا التمثيل‪( :‬أل وإن لكل ملك حمى‪،‬‬

‫أل وإن حمى للا محارمه) أي‪ :‬أن المقصد من تحريم إتيان الشبهات هو الوقوع‬

‫في المحارم بقوله عليه الصلة والسلم‪( :‬أل وإن حمى للا محارمه)‪ .‬وقد‬

‫اختلف العلماء في حكم الوقوع في المتشابه على أربعة أقوال‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ذهب جماعة من العلماء ‪-‬وهو قول أبي حنيفة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه قول جمهور العلماء‪-‬‬

‫إلى أن الوقوع في المتشابه محرم‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬إنه مكروه‪ ،‬وتوقف بعضهم‪،‬‬

‫وقال آخرون‪ :‬إنه مباح‪ ،‬وهو داخل في خلف األولى‪.‬‬

‫والصواب‪ :‬أنه ل يجوز لإلنسان أن يقع في الشبهات وقوعا ً يجعله ديدنًا له‬

‫ومرجع ذلك على التفصيل‪ ،‬أي‪ :‬الصواب في مسألة الوقوع في المتشابهات‬

‫على التفصيل‪ :‬أنه ينظر في حكم الفعل قبل ورود الشبهة‪ ،‬إن كان األصل فيها‬

‫اإلباحة فهي مباحة‪ ،‬وإذا كان األصل فيها التحريم فهي محرمة‪ ،‬وإذا كان األصل‬

‫فيها الكراهة فهي مكروهة‪ ،‬وهذا قد ل يستقيم في بعض األحوال لكنه أغلبي‪،‬‬

‫كأن يشتبه على اإلنسان الطعام ل يدري أهو حرام أو حلل‪ ،‬أذبح على الشرع‬

‫أم ل؟ يقال‪ :‬قبل ورود الشبهة ما حكم هذا الطعام؟ يقال‪ :‬اإلباحة‪ ،‬والشبهة ل‬

‫تغيره‪ ،‬واألصل فيه اإلباحة‪ ،‬أما إذا كان األصل فيه التحريم فيقال‪ :‬بأنه محرم‬

‫كأن يكون اإلنسان في بلد وثني‪ ،‬ووجد طعاما ً مذبو ًحا‪ ،‬ول يدري من ذبح يقال‪:‬‬

‫إن األصل أن الذي يذبحه وثني أنه حرام‪ ،‬وإن كان من جملة الشبهة التي ل‬

‫يتبين فيها اإلنسان‪ ،‬والورع ترك ذلك كله‪.‬‬

‫والورع من أعلى مراتب الدين‪ ،‬وهو باب دقيق يوفق له اإلنسان‪ ،‬وربما دخل‬

‫اإلنسان فيه في باب المحرم‪ ،‬فيحرم على نفسه ما أحل للا؛ والنبي عليه الصلة‬

‫‪98‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والسلم حينما جاءه بعض أصحابه وقد حرموا على أنفسهم النكاح‪ ،‬وحرموا‬

‫على أنفسهم النوم‪ ،‬وأخذوا يصومون‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬أما أنا‬

‫مني)‪،‬صحيح البخاري‬ ‫فأنكح النساء‪ ،‬وأصوم وأفطر‪ ،‬ومن رغب عن سنتي فليس‬

‫‪ 1947‬فالورع يفهم ويستضاء بفهمه بنور الشرع ل بذوق اإلنسان‪ ،‬فل يجوز‬

‫لإلنسان أن يدع المباح الظاهر من غير شبهة قائمة‪ ،‬ويجعله في دائرة‬

‫المكروه‪ ،‬وهذا هو الغلو في الدين الذي حذر منه النبي عليه الصلة والسلم‪،‬‬

‫وحذر منه العلماء بتغليب جانب الخوف على الرجاء؛ ولهذا قال بعض العلماء‪:‬‬

‫من عبد للا بالخوف وحده أي‪ :‬غلبه على الرجاء فهو حروري‪ ،‬والحرورية هم‬

‫الغلة في الدين‪ ،‬أول ما ظهروا في بلد حرورة‪ ،‬وظهرت منهم الخوارج الذين‬

‫عا وخشيةً من ترك الواجب‪ ،‬وهذا‬


‫أمروا المرأة الحائض أن تصلي وتصوم تور ً‬

‫مناقض للدين مع ظهور الدليل‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســــابع‬

‫ع َْن أ َ لب ْي ُرقَيةَ ت َ لميْم ب لْن أ َ ْوس الد لار ِّ‬


‫ي ل رضي للا عنه أَن النبي ﷺ قَا َل‪(:‬ال ل ِّد ْي ُن‬

‫س ْو لل له‪َ ،‬وألَئلم لة‬ ‫الن لص ْي َحةُ قُ ْلنَا‪ :‬لل َم ْن يَا َر ُ‬


‫سو َل للال؟ قَا َل‪ :‬للل‪ ،‬ولكتابه‪ ،‬و لل َر ُ‬

‫س لل لمي َْن‪َ ،‬وعَام لت له ْم)‪.‬‬


‫ال ُم ْ‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم {ال ِّدلين الن لصي َحة}‪ :‬يعني أن الدين كله‬

‫قد اجتمع في هذا الباب؛ وهو باب النصيحة‪ ،‬وأن جميع األصول والفروع داخلة‬

‫في ذلك‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم {ا للِّدين}‪ :‬المراد بذلك هو أمر المسلمين وما يتدين‬

‫به وما خص للا جل وعل به رسوله عليه الصلة والسلم بالبلغ‪.‬‬

‫و{النصيحة}‪ :‬المراد بها ما َخلص وقَصد اإلنسان به البذل من غير أن يشوبه‬

‫شيء من حظوظ النفس‪ ،‬سواء كان ذلك من أمور الدنيا أو غيرها‪.‬‬

‫لل و للكتابلـــــ له و لل َرسو لل له وألئم لة ال ُمس لل لم َ‬


‫ين‬ ‫{قُ ْلنا‪ :‬لل َم ْن يا َر ُ‬
‫سو َل للال؟ قا َل‪ :‬ل‬

‫وعامتلهم}‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الدين من جهة األصل ما بُني إل لكي يكون خالصا لل سبحانه وتعالى؛ فيتمحض‬

‫اإلنسان العمل من غير أن تشوبه شائبة لل سبحانه وتعالى؛ فل يرد عليه شيء‬

‫من النوايا التي تخدش هذا الدين؛ وإنما كان الحق يعني في بذل تلك النصيحة‬

‫ابتداء لل جل وعل ألن الحقوق في اإلسلم جاءت على نوعين‪:‬‬

‫‪ ‬النوع األول‪ :‬هو ما كان من حق للا سبحانه وتعالى المحض؛ وهذا‬

‫توحيد للا سبحانه وتعالى وكذلك بذل العبادة الخالصة لل جل وعل من‬

‫غير أن يشوبها شائبة؛ وكذلك أصل المتثال في سائر أنواع العبادات‬

‫كالصلوات الخمس؛ وكذلك أتباعها من جنسها مما يدخل في هذا كالسنن‬

‫الرواتب وسائر النوافل المطلقة؛ وكذلك أيضا فروض الكفايات كالصلوات‬

‫من صلة الكسوف والخسوف والستسقاء وغيرها فإنها داخلة في حق‬

‫للا سبحانه وتعالى المتمحض الذي يجب على اإلنسان أن يتوجه به لل‬

‫جل وعل من غير دخيل فيه‪.‬‬

‫‪ ‬النوع الثاني‪ :‬ما كان من الحقوق المشتركة بين حق للا سبحانه تعالى‬

‫وحق العباد على تباين في قدر هذا وهذا؛ وذلك من العبادات التي أمر للا‬

‫جل وعل ببذلها لمن هو لها بأهل‪ ،‬كصلة األرحام وبذل السلم وغير ذلك؛‬

‫فإن هذه األمور تتنازع فيها الحظوظ والحقوق‪ ،‬وأما ما كان من معاملت‬

‫‪101‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الناس فيما بينهم مما األصل فيه اإلباحة؛ األصل في ذلك أنها ل تدخل في‬

‫أبواب في العبادات والدين المحض‪ ،‬إل إذا كان ذلك على سبيل اللزوم‬

‫كمسائل العقود والفسوخ وغيرها وهذه ليست بداخلة في بابنا‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬الدين النصيحة} {لل} المراد بذلك حق للا جل‬

‫وعل وبيانه وأن للا سبحانه وتعالى أولى ما تُعلق به العناية‪ ،‬وحق للا جل‬

‫وعل في ذلك أن يفرد بتوحيده؛ توحيد األلوهية والربوبية واألسماء والصفات‬

‫وأن يؤمن اإلنسان أن للا جل وعل واحد في أسمائه وصفاته وألوهيته‬

‫وربوبيته‪ ،‬ل ند له ول نظير ول شبيه له ول مثيل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫صا؛ وهذا هو المعنى الذي قُصد كما جاء في‬


‫وإنما كان ذلك لل يعني حقًا خال ً‬

‫الصحيحين في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم لمعاذ {أتدري ما حق للا‬

‫يدخل في‬ ‫صحيح مسلم ‪ 79‬صحيح البخاري ‪4443‬‬ ‫على العباد وما حق العباد على للا}‬

‫هذا الحديث في قوله النصيحة لل‪.‬‬

‫والمراد من هذا ‪-‬يعني حق للا جل وعل في هذه النصيحة‪ -‬من جهة القلب‬

‫ومن جهة العمل الظاهر حتى وإن كان من أبواب العادات عند الك ِّمل والخلِّص‬

‫وبه يُعلم أن حق للا جل وعل من جهة انصراف القلب إليه على مراتب ال ُك ِّمل‬

‫وال ُخلِّص الذين ينصرفون بدينهم‪ ،‬وكذلك ما كان من عاداتهم لل جل وعل من‬

‫‪102‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫غير تعلق القلب بغير للا؛ وهذا حظ الكمل والخلص من األنبياء والصديقين‬

‫ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين‪.‬‬

‫ويأتي بعد ذلك مرتبةَ من أخلص بالعبادات لل جل وعل ولكنه قصر في أمور‬

‫العادات؛ فيعملها لكي يمدح كمن يصل الرحم لكي يُمدح فهذا ل يستحق األجر إل‬

‫أنه ل يعاقب ل على ذلك باعتبار أن هذا األمر من األمور المتنازعة من جهة‬

‫الحق لل جل وعل والحق للعباد‪ ،‬وهي تتباين فقد يوجد من النوع الثاني ما‬

‫ينبغي أو يجب على اإلنسان أن يخلص فيه النية لل سبحانه وتعالى فيُقبل بكليته‬

‫على للا وإن انصرف بشيء من قلبه لغير للا جل وعل استحق الذم والمقت‬

‫من للا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫قال‪{ :‬لل ولرسوله} وحق رسول للا صلى للا عليه وسلم في ذلك هو اإليمان‬

‫به‪ ،‬وطاعته عليه الصلة والسلم‪ ،‬والذب عنه وعن شريعته عليه الصلة‬

‫والسلم‬

‫وما يدخل في هذا الباب من أصل اإلتباع؛ وهو محبة رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم والتدين بذلك‪ ،‬وبغض من يبغضه وحب من يحبه عليه الصلة والسلم‬

‫كذلك نشر محامده وستر ما يثيره أهل البغي والعدوان من البغي عليه ‪-‬عليه‬

‫الصلة والسلم‪ -‬من القدح فيه واتهامه بالكهانة والسحر والشعوذة وغير ذلك‪،‬‬

‫‪103‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫إل ما كان مما له مصلحة متعدية كتصبير األتباع وغير ذلك‪ ،‬وأما ما ل حق‬

‫فيه فإنه يحرم إذاعته بل يحرم حفظه؛ ولهذا قال غير واحد من العلماء إن ما‬

‫جاء من األشعار المروية في ذم رسول للا صلى للا عليه وسلم بالبغي‬

‫والعدوان في كلم الجاهليين من كفار قريش وغيرهم من المشركين من ربيعة‬

‫و ُمضر ل يجوز ألحد أن يحفظها وأن ينقلها ولو على سبيل الذم‪.‬‬

‫سجْ ع المركب فيها؛ ولهذا قال‬


‫ألن هذه لو حفظت لزم من حفظها التلذذ ولو بال ِّ‬

‫غير واحد من العلماء كالقاضي عياض وغيره في الشفاء أن من حفظ شيئ ًا من‬

‫ذلك حف ً‬
‫ظا ولو شطر بيت كفر؛ باعتبار أن هذا خارج عن المقصود مما أورده‬

‫للا سبحانه وتعالى من وصف الذم من كفار قريش لنبينا دمحم صلى للا عليه‬

‫وسلم بالكذب والسحر والكيانة والجنون وغير ذلك مما يساق لتصبير أتباعه و‬

‫بيان ما نال رسول للا صلى للا عليه وسلم من ذلك‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬وألئمة المسلمين} أئمة المسلمين هم على‬

‫نوعين‪:‬‬

‫‪ ‬النوع األول ‪:‬‬

‫‪ ‬العلماء‪ :‬العلماء هم أولى ما يطلق عليهم أئمة المسلمين؛ وذلك ألن‬

‫األصل في استحقاق اإلمامة أن يلزم من ذلك األمر؛ واألمر ل يمكن أن‬

‫‪104‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫يتحقق ُخلو ً‬
‫صا في أمر الطاعة ورضا الرحمن وصلح الناس إل‬

‫بالستضاء بهدي للا؛ فمن جمع بين السلطان والعلم استحق الولية‬

‫التامة فوجب على الرعية حينئذ أن يُخلصوا له الطاعة والنقياد؛ وذلك‬

‫لتمحض وصف الولية في حقه‪.‬‬

‫‪ ‬النوع الثاني‪:‬‬

‫‪ ‬هم األمراء والسلطين؛ وهم داخلون في هذا المعنى وإن تجردوا من‬

‫العلم؛ ما أمروا بمعروف؛ فإن أمروا بمعروف وجبت حينئذ طاعتهم؛‬

‫وإن أمروا بمعصية فإنه ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولهذا قد‬

‫جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما‬

‫من حديث عبد للا بن عمر قال‪ :‬فإن أمروا بمعصية فل سمع لهم ول‬

‫‪ 5870‬وجاء في صحيح اإلمام‬ ‫صحيح البخاري ‪ 3566‬صحيح مسلم‬ ‫طاعة‪،‬‬

‫البخاري في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ :‬إنما الطاعة في‬

‫وإذا كان ذلك في معصية فإنه ل طاعة لهم‬ ‫صحيح البخاري ‪6769‬‬ ‫المعروف‬

‫في ذلك؛ والطاعة لمن جمع بين إمارة السلطان وهي النفوذ والقوة‬

‫بالجاه وجمع مع ذلك العلم فإنه اكتمل فيه حق الولية وهذا يظهر في‬

‫الصدر األول ممن جمع بين هذين األمرين كرسول للا صلى للا عليه‬

‫‪105‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وسلم والخلفاء الراشدين والصحابة بعد ذلك؛ وكذلك أي ً‬
‫ضا أئمة اإلسلم؛‬

‫وما زال األئمة في ذلك يتباينون جمعًا بين هذا وهذا‪.‬‬

‫وجاء في بعض ألفاظ هذا الحديث في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم‪:‬‬

‫{الدين النصيحة} {لل ولرسوله} جاء في بعض األلفاظ {الدين النصيحة لل‬

‫ولرسوله ولكتابه}‪ { ،‬ولملئكته} في هذه الزيادة التي جاءت في بعض األلفاظ‬

‫ذلكر الكتاب وذكر الملئكة وهو ما تقدم اإلشارة إليه معنا في حديث عبد للا ابن‬

‫عمر عليه رضوان للا تعالى في غير ما موضع؛ من قول رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم لما سئل عن اإليمان‪{ :‬اإليمان أن تؤمن بالل وملئكته وكتب‬

‫وجاء أي ً‬
‫ضا في سؤاله عليه الصلة والسلم لما سئل‬ ‫صحيح البخاري ‪19‬‬ ‫برسله}‬

‫عن اإلسلم قال‪{ :‬اإلسلم أن تشهد أن ل إله إل للا وأن محم ًدا رسول للا‬

‫وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه‬

‫جاء هذا بحديث أبي هريرة في الصحيحين وجاء في‬ ‫صحيح البخاري ‪6333‬‬ ‫ً‬
‫سبيل}‬

‫حديث عبد للا بن عمر عن عمر في صحيح اإلمام مسلم في كتاب اإليمان‪.‬‬

‫في قوله عليه الصلة والسلم‪َ { :‬و لألَئمة المسلمين وعَامتهم} النصيحة ألئمة‬

‫المسلمين هي السمع والطاعة؛ وكذلك الذب عنهم عند البغي عليهم ممن يقع‬

‫في أعراضهم بالباطل‪ ،‬أو وقع في أعراضهم بحق ل يستحق الوقيعة والمفسدة‬

‫‪106‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫في ذلك أعظم؛ يجب في ذلك الذم؛ جمعًا لكلمة المسلمين ودفعًا لتنقصهم؛ فإن‬

‫تنقص الرفعاء من أهل العلم والسيادة يختلف عن تنقص غيرهم؛ وذلك أنه كلما‬

‫نَقُص اإلنسان في أعين الناس؛ نقص تبعًا لذلك أمره ونهيه وقل نفوذه عندهم‪.‬‬

‫فلم يكن له عندهم حينئذ سمع ول طاعة؛ وقلت هيبته في النفوس وما من أحد‬

‫إل ويرد عليه الخطأ؛ فإذاعة أخطاء الذين لهم النقياد بالسمع والطاعة من‬

‫عا؛ وسترها أولى من ستر عيوب سواد‬


‫األئمة وغيرهم األمور المذمومة شر ً‬

‫المسلمين‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم { َو لألَئمة المسلمين} اللم هنا إشارة إلى حقهم في‬

‫ذلك عليك؛ وهو متعلق بما جاء عن رسول للا صلى للا عليه ببيان حق البيعة‬

‫لولة أمور المسلمين سواء كان من أهل العلم منهم أو كان من أهل العلم وجمع‬

‫مع ذلك سلطانًا؛ أي لهم حق النصيحة والسمع والطاعة‪ ،‬ولهذا كان أصحاب‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم يبايعونه عليه الصلة والسلم على السمع‬

‫والطاعة فيما هو من حق رسول للا صلى للا عليه وسلم في ذاته على أمته‪،‬‬

‫وما كان أيضا من حق الوالي في رعيته فيما بينهم‪ ،‬كما جاء في حديث في‬

‫قوله عليه رضوان للا تعالى و{النصح لكل مسلم} يعني وأن ننصح فيما بيننا؛‬

‫وذلك أن المنكر إذا انتشر في الناس أثر على الولية العامة؛ وذلك باإلثم الذي‬

‫‪107‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يتحمله ولة أمور المسلمين بعدم تتبعهم للمنكرات وإماتتها؛ وذلك أن المنكر إذا‬

‫بدأ في فرض في رعية‪ ،‬ثم وقع في اآلخر ثم اآلخر حتى أصبح سوا ًدا في‬

‫الناس ضعفت إزالته من ولي أمر المسلمين فاستحق إث ًما فمن حقه النصيحة‪،‬‬

‫حتى ل يتحمل الوزر بعد ذلك بتقصير رعيته ببيان ذلك المنكر ابتداء‪.‬‬

‫النصيحة ألئمة المسلمين أي ً‬


‫ضا‪ :‬بيان ما فيهم من وجوه النقص من غير تشهير‬

‫ببيان ما هم فيه من خطأ في حق للا أو في حق العباد‪ ،‬ببيان ذلك بالدليل‬

‫الشرعي‪ ،‬وإن كان ذلك من أمور النظر فببيانه من جهة النظر وعدم ترك ذلك‬

‫على سبيل اإلرسال؛ حتى ل يتربص المتربصون بتلك النصائح البينة الظاهرة‬

‫حتى ل تحرف عن مسارها إلى غير مراد المتكلم بها‪.‬‬

‫والنصيحة في ذلك واجبة عند من ملك حقًا واستنار بالظاهر من كلم للا وكلم‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ ومن كتم حق للا جل وعل بين جوانحه مع‬

‫منكرا؛ لم يكن من أهل البراءة‬


‫ً‬ ‫ظهور الحق لديه ولم يُعرف معروفًا ولم ينكر‬

‫والسلمة؛ البراءة من التهمة‪ ،‬والسلمة بين يدي للا جل وعل؛ ولهذا يقول‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم كما جاء في صحيح اإلمام مسلم من حديث أم‬

‫سلمة‪( :‬إنه يكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد‬

‫ومعنى ذلك يعني من عرف‬ ‫صحيح مسلم ‪5861‬‬ ‫سلم ولكن من رضي وتابع)‬

‫‪108‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫المعروف والمنكر فقد برئ ومن تابعهم على ما هم عليه؛ يعني بتحريك‬

‫الرؤوس والموافقة بالسكوت على ما هم عليه عند طلبهم النصيحة؛ فإن ذلك ل‬

‫يسلم من العقاب‪ ،‬من عقاب للا سبحانه وتعالى العاجل في الدنيا بإنزال مكره‪،‬‬

‫وعقوبته من أنواع العقوبة والفتنة التي ينزلها للا جل وعل على المجتمعات‬

‫سواء بالشقاق والنفاق‪ ،‬أو العقوبات التي تنزل على األموال أو األمراض أو‬

‫بالزلزل والرياح وكذلك الجذب والفقر واألوجاع واألسقام والهموم واألوصاب‬

‫وغير ذلك من العقوبات التي تلحق بالمجتمعات‪ ،‬فل يحمي للا سبحانه وتعالى‬

‫أولئك حتى يبينوا الحق للناس‪ ،‬وأعظم وجوه النصيحة إذا استغلظ المنكر وبان‬

‫نهارا أمام سلطان جائر على وجه العدل والقسط‬


‫ً‬ ‫جهارا‬
‫ً‬ ‫الفحش فيبينه اإلنسان‬

‫من غير بغي ول تشف؛ فإن هذا من أعظم انواع العدل وأرفعها‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم {ولعامتهم} يعني لعامة الناس ممن لم يكن له قول‬

‫أو فعل وأمر أو نهي يؤبه به؛ فيراه الناس ولم يكن ممن يقتدى به فإن له حق‬

‫النصيحة في ذلك‪.‬‬

‫وذلك باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ببيان الخطأ وبيان الصواب ببيان‬

‫الخطأ والتحذير منه؛ وبيان الصواب والحظ عليه وحث الناس على اتباع‬

‫صاحب الحق والحذر من صاحب البغي على الموازنة التي حث عليها رسول‬

‫‪109‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫للا صلى للا عليه وسلم؛ فالنبي عليه الصلة والسلم بالنسبة لسواد الناس ل‬

‫ينظر إليهم لذواتهم بل ينظر إلى أمور متعددة فيهم؛ فرسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم ربما أنكر على أحد بعينه وأغلظ لعتبارات متنوعة‪.‬‬

‫من هذه العتبارات‪ :‬أن ينظر إلى ذلك المنكر الذي وقع فيه؛ فإذا كان مغل ً‬
‫ظا‬

‫غلظ عليه؛ وإذا كان هذا الرجل ممن ل يُظن به حمل النصيحة على غير‬

‫وجهها؛ فهذا يتعامل معه بخلف الذي يحمل النصيحة على غير وجهها؛ مما‬

‫كان من أهل المكر والخديعة الذين يحملون النصيحة على أنها تشف بقبيلته‬

‫وتنقص بقومه فإن رسول للا صلى للا عليه وسلم كان يتعامل مع فئات من‬

‫األوس والخزرج؛ فينظر إليهم وإلى قومهم كحال عبد للا بن أبي وغيره؛ فإن‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم ربما تنزل معه بالعبارة مع بغيه وعدوانه على‬

‫رسول للا وتربصه باإلسلم وذلك ألنه ممن يتربص بالنصيحة فيبعد بها إلى‬

‫قومه حتى يتدثر بهم؛ فحينئذ بدل أن يكون الخطأ في واحد يشمل الجماعة‪.‬‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم كان يحترز لخديعة ومكر أولئك القوم؛ لهذا‬

‫ينبغي لمن أراد النصيحة أن يميز بين ذلك‪ ،‬وأن ينظر األبعد ولو كان من عوام‬

‫الناس؛ فربما تعلق به أحد بسبب ونسب فيكون ذلك من أهل المكر والخديعة؛‬

‫‪110‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وإذا عُلم منه ديانة وصدق و وقع في منكر فإنه يتدرج ويُلن معه ما ل يلن‬

‫مع غيره‪.‬‬

‫والمنكر الذي يظهره عامة الناس يختلف عن المنكر الذي ل يظهره اإلنسان‬

‫وقد يكون الرجل من عامة الناس ولكنه يقتدى به لجاه عنده يختلف عن غيره‬

‫فيتأسى به الناس؛ فإن هذا ينزل بحسب حاله كما كان رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم يُنزل الناس منازلهم؛ كما رواه اإلمام أحمد في مسنده وكذلك أبو داود‬

‫ومسلم أيضا في مقدمته من حديث عائشة عليها رضوان للا تعالى قالت‪:‬‬

‫أخرجه أبو يعلى‬ ‫(أمرنا رسول للا صلى للا عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)‬

‫في مسنده ‪ ،464 /8‬وأبو نعيم في حلية األولياء ‪ ،730 /6‬والبيهقي في الشعب ‪.644 /3‬‬

‫يعني مراتبهم وهذا كما أنه في أبواب الصدقة والتهيئ في الضيافة وكذلك‬

‫اإلكرام كذلك أي ً‬
‫ضا في أبواب التعنيف؛ فمنهم من هو سيد في قومه مطاع؛‬

‫ومنهم من هو ليس بسيد ولكنه سيد بجاهه ل بسلطانه على قومه ومنهم من‬

‫هو سيد بنسبه فينظر بحسبها وينبغي للناصح أل ينظر إلى حظ نفسه بل ينظر‬

‫إلى حظ اإلسلم فل يقدم حظه حتى ل ينظر الناس إليه فيقولون لن مع فلن‬

‫تهيبًا له؛ بل ينظر إلى حظ اإلسلم والنصيحة أن تبلغ مبلغها وأل ينظر إلى‬

‫حظه وحقه في ذلك؛ فمن نظر في حقه وحظه في ذلك أمسك عن كثير من أقوال‬

‫‪111‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحق لحظ نفسه‪ ،‬وأحجم عن كثير من الباطل أن يبينه للناس خشية أن يقع‬

‫الناس في عرضه فيذمونه ويمدحون غيره‪.‬‬

‫وهذا أمر دقيق مرده إلى مراقبة اإلنسان لربه جل وعل وانصراف قلبه إليه‬

‫وباب النصيحة باب واسع ينبغي لإلنسان أن يتأمل النصوص الشرعية في ذلك‬

‫وأن يكون من أهل الحكمة والدراية والنظر والسبر لهدي رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم والخلفاء الراشدين وممن جاء بعدهم من أتباعهم من أئمة الهدى‬

‫من صغار الصحابة وكذلك أمراء اإلسلم وفقهاء الديانة من التابعين وأتباع‬

‫التابعين‪ ،‬واألئمة األربعة وسادة أهل العلم والفضل على مر الزمان فإن النوازل‬

‫والسياسة في ذلك تختلف بين زمن وزمن‪ ،‬فإنه ما من عصر من العصور إل‬

‫ويقع فيه من النوازل ما تكرر في أزمنة غابرة؛ فينبغي لإلنسان أن يكون على‬

‫معرفة تامة بأحوال األزمنة والعصور‪ ،‬ومن أهل قراءة التاريخ حتى ل يقع فيما‬

‫وقع فيه غيره‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثـــامن‬

‫للا قَا َل‪( :‬أ ُ لم ْرتُ أ َ ْن أُقَاتل َل الن َ‬


‫اس َحتى‬ ‫ع ْن ُه َما أَن َر ُ‬
‫س ْو َل ل‬ ‫ي للاُ َ‬
‫ع َم َر َر لض َ‬
‫ع لَن اب لْن ُ‬

‫للا َويُ لق ْي ُم ْوا الصلةَ َويُ ْؤتُوا الزكَاةَ‬ ‫ش َهدُوا أ َ ْن لَ لإلَ َه لإل للاُ َوأَن ُم َحم َدا ً َر ُ‬
‫س ْو ُل ل‬ ‫يَ ْ‬

‫علَى‬
‫سابُ ُه ْم َ‬
‫لم َو لح َ‬
‫س ل‬‫اإل ْ‬
‫ق ل‬‫ص ُموا لمنلِّي لد َماء َه ْم َوأ َ ْم َوالَ ُه ْم إلل بل َح ِّ ل‬ ‫فَ لإ َذا فَعَلُوا َذ للكَ َ‬
‫ع َ‬

‫للا تَعَالَى)‪.‬‬
‫ل‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫اس َحتى يشهدوا أَن َل لإ َل َه لإل‬


‫قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬أ ُ لم ْرتُ أ َ ْن أُقَا لت َل الن َ‬

‫ّللا} إشارة إلى أن رسول للا صلى للا عليه وسلم لم يقل شيئ ًا من عند نفسه‬

‫وفيه لفتة مهمة وهي‪ :‬أن رسول للا صلى للا عليه وسلم يستعمل هذه الصيغة‬

‫بقوله {أ ُ لم ْرت} وهذا هو األصل في أفعاله‪ ،‬فإن أفعاله تعبد‪ ،‬وأوامره وحي عليه‬

‫الصلة والسلم‪ ،‬ولكن يحص بعض األوامر بأنه مأمور بها على سبيل‬

‫التخصيص لعظم وقعها على ناس‪ ،‬خاصة ما يتعلق بأ ُ ُمور إزهاق األنفس‪،‬‬

‫وأمور الجهاد‪ ،‬ولهذا ينبغي لإلنسان أن يبادر بذكر مستنده من الدليل‪ ،‬حتى ل‬

‫يقابل الناس تشكي ًكا في هذا األمر وتزهي ًدا فيه‪ ،‬وحيطةً ودفعًا لوساوس‬

‫الشيطان ولهذا رسول للا صلى للا عليه وسلم خاطب الصحابة عليهم رضوان‬

‫‪113‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫للا تعالى بهذا النص‪ ،‬إشارة إلى أن األَمر رباني التنزيل وهو أمر من للا جل‬

‫وعل مما يقتضي التسليم‪ ،‬لهذا ينبغي للمؤمن أن ل يورد المسائل العظيمة‪،‬‬

‫ً‬
‫مرسل‪ ،‬بل ينبغي أن‬ ‫خاصة ما يتعلق في أمور الفتنة واألمور المتشابهة كلما‬

‫يأتي باألدلة ظاهرة‪ ،‬وأن ببين أن هذا هو أمر من للا‪ ،‬وينبغي التسليم‪ ،‬ثم بعد‬

‫ذلك يأتي باألدلة من كلم للا وكلم رسوله صلى للا عليه وسلم‪.‬‬

‫قوله عليه الصلة والسلم {أ ُ لم ْرتُ } يعني أن األمر متوجه إليه‪ ،‬فيدخل من تحته‬

‫من باب أولى من أتباعه من الصحابة وكذلك من اقتفى أثره من التابعين‬

‫وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫{أَن أُقَاتل َل الن َ‬


‫اس} المقاتلة تكون بين اثنين كل من منهما يرغب قتل صاحبه‬

‫وأما القتل فهو مبادرة من واحد واعتداء على غيره‪ ،‬فيقال‪ :‬تَقاتل فلن وفلن‪،‬‬

‫ولو لم تُزهق نفس‪ ،‬وقتل فلن فلنًا؛ إذا أزهق نَف َ‬


‫سه في األغلب‪.‬‬

‫اس َحتى يشهدوا أَن َل لإلَهَ}‪:‬‬


‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬أ ُ لم ْرتُ أ َ ْن أُقَا لت َل الن َ‬

‫المراد بالناس هنا هم الكفرة‪ ،‬وأطلق "الناس"‪ ،‬واألصل في هذه العبارة إذا‬

‫أُطلقت أنها تشمل المسلمين‪ ،‬ولكن أَطلق رسول للا صلى للا عليه وسلم لفهم‬

‫ّللا}‪ :‬هذا يدل‬ ‫معناه بظاهر السياق‪َ { ،‬حتى يشهدوا أَن َل لإلَ َه لإل ّللا َوأ َ لنِّي َر ُ‬
‫سو ُل ً‬

‫على أن الجهاد مطلوب في قتال الكفرة المعاندين‪ ،‬وأطرهم على الحق‪ ،‬وأن‬

‫‪114‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الدعوة مجردة وحدها مع تعطيل الجهاد من تعطيل شيء عظيم من دعائم‬

‫اإلسلم؛ فرسول صلى للا عليه وسلم ما أقبل الناس عليه إل لما رفع السنان‬

‫والسيف‪ ،‬ولما أقبل الناس عليه بعد ذلك ظهرت ثمرة ذلك فانخرط أصحاب‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم في هذا األمر‪.‬‬

‫دهرا لم يُ َجب‪ ،‬فلما دعا والسيف‬


‫ً‬ ‫دَعا رسول للا صلى للا عليه وسلم بمكة‬

‫صلت بكفه‪ ،‬له أسلموا واستسلموا وأنابوا؛ كما قال حسان بن ثابت رضي للا‬

‫أثرا في صقل القلوب؛ فإن القلوب التي ل تصقلها‬


‫عنه ؛مما يدل على أن للسيف ً‬

‫الموعظة والتذكير‪ ،‬وذكر للا جل وعل تصقلها السيف والرهبة فيكون عليه‬

‫ران‪ ،‬فيطير ذلك الران من رهبة السيف‪ ،‬فيدخلون في دين للا جل وعل لهذا‬

‫لما رفع رسول للا صلى للا عليه وسلم السيف في قتال الكفرة والمعاندين‬

‫جاءه الناس أفوا ًجا ممن لم يكن معنيًا برفع السيف خوفًا من أن يأتيهم ذلك‬

‫األمر‪ ،‬وهذا يكون في حال القوة والعزيمة واشتداد أمر اإلسلم‪ ،‬ل في حال‬

‫ضعفه‪ ،‬وليس ألحد قليل أن يقاوم وأن يقاتل الكثرة المتضافرة؛ لهذا رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم كما جاء في «الصحيح» في حديث يأجوج ومأجوج ونص‬

‫عليه الصلة والسلم أنهم يفسدون في األرض‪ ،‬قال‪ :‬قال للا جل وعل‪ :‬ل يُدان‬

‫لي بقتالهم‪ ،‬يعني هؤلء على كثرة متضافرة ل يُدان بقتالهم ألنه ل قبل ألحد‬

‫‪115‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بذلك؛ لهذا سنة الموازنة‪ .‬فينبغي لإلنسان أن يتجرد من مطامع الدنيا فل يغلبها‬

‫لحظ الشريعة‪ ،‬وأل يغلب مطامع النفس ومكامنها ونحو ذلك على مصالح الدين‪.‬‬

‫صا لل جل وعل بعي ًدا عن حظوظ النفس كما كان‬


‫ينبغي أن يوازن متجر ًدا مخل ً‬

‫أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ،‬فإذا تجرد اإلنسان وفقه للا جل وعل‬

‫إلى مراده‪.‬‬

‫قاتل رسول للا صلى للا عليه وسلم الناس حتى يشهدوا أَن َل إللَهَ إلل ّللا وأنه‬

‫رسول للا و يقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا منه عليه‬

‫الصلة والسلم دماءهم وأموالهم إل بحقها‪ :‬يعني بحق للا جل وعل في الزكاة‪.‬‬

‫علَى ّللا} وهذا قد أورده أبو بكر الصديق رضي للا عنه في قتال‬
‫سابُ ُهم َ‬
‫{ َو لح َ‬

‫المرتدين‪.‬‬

‫و لبه يُعلم أن فعل األفراد يختلف عن فعل الجماعة‪ ،‬فلو أن فر ًدا قصر في أمر من‬

‫األمور فمقاتله تختلف عن مقاتلة الجماعة‪ ،‬فإن الجماعة لو تركوا شيئ ًا من‬

‫دعائم اإلسلم وشرائعه وأمسكوا عن ذلك‪ ،‬كأن يكون أهل بلد أجمعوا على عدم‬

‫بناء المساجد في بلدهم وهم مسلمون فإنهم يقاتَلون على ذلك ولو كانوا‬

‫يصلون في بيوتهم؛ ألنهم تركوا شعيرة‪ ،‬وإذا اتفق أهل بلد على ترك األذان في‬

‫‪116‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بلدهم فل يرفعون األذان‪ ،‬والبلد بلد إسلم؛ فإنهم يقاتَلون على هذا األمر‬

‫والمقاتلة شيء والقتال على الكفر شئ آخر‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث التــــــاسع‬

‫س ْو َل‬ ‫ع ْنهُ قَا َل‪َ :‬‬


‫س لم ْعتُ َر ُ‬ ‫ص ْخر َر لض َ‬
‫ي للا تَعَالَى َ‬ ‫ع َْن أَبلي ُه َري َْرةَ َ‬
‫ع ْب لد الرحْ َم لن ب لْن َ‬

‫ع ْنهُ فَاجْ تَنلبُوهُ َو َما أ َ َم ْرت ُ ُك ْم بل له فأْتُوا لم ْنهُ َما‬


‫للا ﷺ يَقُ ْو ُل‪َ ( :‬ما نَ َه ْيت ُ ُك ْم َ‬
‫ل‬

‫علَى أ َ ْن لبيَائل له ْم)‪.‬‬


‫اخ لتلفُ ُه ْم َ‬ ‫ست َ َط ْعت ُ ْم؛ فَ لإن َما أ َ ْهلَكَ ال لذي َْن لم ْن قَ ْب لل ُك ْم َكثْ َرةُ َم َ‬
‫سا لئ لل له ْم َو ْ‬ ‫ا ْ‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫ع ْنهُ فاجْ تَنلبوهُ» فيه دللة على أن‬


‫قوله عليه الصلة والسلم‪« :‬ما نَ َهيت ُ ُك ْم َ‬

‫النهي آكد من األمر‪ ،‬ولهذا قدم رسول للا صلى للا عليه وسلم النهي‪ ،‬والمعنى‬

‫في ذلك والعلة والحكمة أن النفوس تتشوف إلى فعل المنهيات‪ ،‬بخلف نكوصها‬

‫عن المأمورات؛ فإن النفس ل تجد ثقل عظيما في اإلقبال على فعل التكاليف‬

‫ولكنها تجد مشقة في اإلمساك عن حظوظها ومطامعها بسائر الشهوات‬

‫والملذات‪ ،‬فلما كانت كذلك اقتضت تأكي ًدا في حال النهي أكثر من األمر‪ ،‬ورسول‬

‫للا صلى للا عليه وسلم هنا في حال النهي أمر بالكف‪ ،‬ولم يعلق ذلك‬

‫ع ْنهُ فاجْ تَنلبو ُه» ولم يقل‪ :‬قدر اإلمكان‪ .‬تأكيدا على‬
‫بالستطاعة‪ ،‬قال‪« :‬ما نَ َهيت ُ ُك ْم َ‬

‫أنه ينبغي أن يقطع باب التدرج في ترك المحرم والمنكرات؛ حتى ل يتشوف‬

‫اإلنسان إلى الترقي في باب المحرم‪ ،‬بخلف األمر فإن اإلنسان يأتي منه ما‬

‫‪118‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫استطاع ألن األفعال تتعلق بسائر مراتب القدرة والتكليف من أبواب القول‬

‫وكذلك من أبواب العمل‪ ،‬والعمل على مراتب‪:‬‬

‫منها ما يتعلق بجزء من أجزاء البدن‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالبدن كله؛ كحال الصلة‬

‫ونحو ذلك‪ ،‬ولهذا ربما يفسد في جسد اإلنسان عضو ويبقى لديه أعضاء؛ فهو‬

‫محتاج إلى مثل التنصيص؛ فمتعلقات الستطاعة في األمر أظهر من تعلقات‬

‫الستطاعة في أبواب التروك؛ فإن من أبواب التروك اإلحجام‪ ،‬فيحجم عنها ولو‬

‫كان اإلنسان جسده معطوبًا‪ ،‬بخلف اإلنسان الذي يفعل األشياء‪ ،‬فهو محتاج‬

‫إلى بيان مراتب الفعل؛ فإنه ربما يفسد عليه عضو من أعضائه فهو بحاجة‬

‫قادرا على سبيل تمام‬


‫لبيان الستطاعة‪ ،‬أما الترك فيستطيعه كل أحد؛ سواء كان ً‬

‫صا في سبيل القدرة‪ ،‬أو كان معطل الحواس كالمشلول ونحو ذلك‬
‫القدرة أو ناق ً‬

‫ألنه متحقق فيه الترك‪ ،‬ورسول للا صلى للا عليه وسلم حينما ذكر الستطاعة‬

‫أمرا مهما وهو أن للا جل وعل ل‬


‫في حال األمر‪ ،‬بين عليه الصلة والسلم ً‬

‫سا إل وسعها‪ ،‬وأن النفوس لديها ما يأطرها على الباطل؛ سواء من‬
‫يكلف نف ً‬

‫أدعياء الشر أو من وازع النفس التي ل يستطيع اإلنسان كبحها عن بعض‬

‫مراتب الشر دفعا للشر األعلى؛ فإن اإلنسان في ذلك يوازن‪ ،‬وإذا علم للا جل‬

‫وعل صدق نيته‪ ،‬رفع عنه تبعات ذلك النهي‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫لين لمن قَ ْب لل ُك ْم‪َ ،‬كثْ َرةُ َمسائل لل له ْم‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬فإنما أ ْهلَكَ الذ َ‬

‫واخ لتلفُ ُه ْم علَى أ ْن لبيا لئ له ْم}؛ هنا نهي النبي عليه الصلة والسلم عن كثرة‬
‫ْ‬

‫المسائل وأن النبي عليه الصلة والسلم بين ألصحابه أن لديكم أوامر ولديكم‬

‫نواه؛ ل تسألوا عن زيادة في ذلك؛ ولهذا كثير من المباحث الفقهية أو التدقيق‬

‫في المسائل هي نوع من المنهيات؛ ألن اإلجمال مقصود في الشريعة؛ لهذا بنو‬

‫إسرائيل لما أمرهم للا عز وجل أن يذبحوا بقرة فأي بقرة في الشارع ألجزأهم؛‬

‫ولكن ماذا قالوا؟‬

‫قالوا‪ :‬ما هي؟ ما لونها؟ حتى عسروا على أنفسهم قالوا‪( :‬اآلن جئت بالحق)‬

‫قالوا أي بقرة؛ بقرة زراعة أو بقرة حرث؛ ماذا نصنع؟‬

‫في مثل هذا إذا جاء األمر على سبيل اإلجمال عليك أل تبحث عن مزيد تفصيل‬

‫ما سكت الشارع عنه؛ ولهذا نقول أن الشريعة إذا جاءت بألفاظ اإلجمال فإن‬

‫تيسيرا؛ ولهذا نقول اإلنسان إذا استوعب المسألة بحثا في‬


‫ً‬ ‫اإلجمال مقصود‬

‫السنة ثم نظر إليها ولم يجد في ذلك التفصيل؛ فإن اإلجمال مقصود‪ ،‬ولهذا‬

‫أيضا في قول للا سبحانه حينما أمر النبي عليه الصلة والسلم بالتوجه إلى‬

‫البيت الحرام قال‪( :‬فأينما تولوا فثم وجه للا)‪ ،‬اإلمام أحمد رحمه للا لما نشأ‬

‫في بغداد‪ ،‬من يستدل للقبلة بالجدي بالنجوم يريد اإلصابة بدقة‪ ،‬نهى عن ذلك‬

‫‪120‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫لماذا؟ ألن المراد به التيسير وهو أن تصلي في تلك الناحية؛ ولهذا جاء في‬

‫الحديث من حديث عبد للا في الترمذي قال‪( :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة)‬

‫يعني صليت على هذا الخط؛ أو صليت يمينًا أو صليت‬ ‫رمذي‬


‫ُّ‬ ‫حديث مشهور رواهُ التل ِّ‬

‫يسارا؛ ولهذا لألسف الشديد تجد في بعض البلدان تهدم مساجد ألن يجود‬
‫ً‬

‫انحراف درجة واحدة في القبلة؛ هذا تشديد ألن للا قال‪( :‬فأينما تولوا فثم وجه‬

‫فثم وجه للا) ولكن للا عز وجل أمر بأن تصلي جهة القبلة أما التصويب فهذا‬

‫فيه كلفة؛ فإذا كنت مثل في بر أو كنت في فلة أو كنت مثل في مسكن جديد أو‬

‫ولكن هل هي‬ ‫نحو ذلك وخفي عليك تصويب القبلة لكنك متيقن من جهتها‪،‬‬

‫على هذا أم انحراف يمين أو انحراف يسار؛ شيء يسير؟ ماذا تفعل؟ صل ول‬

‫تسأل؛ وهذا من أمور التيسير في الشريعة؛ من ذلك أيضا في قول النبي عليه‬

‫عمليات‬ ‫رواه مسلم (‪)4730‬‬ ‫الصلة والسلم‪( :‬صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)‬

‫الحساب من التشديد؛ للا ِّ‬


‫عز وجل أمرك بالرؤية تنظر في السماء إذا رأيت‬

‫الهلل صم‪ ،‬ما رأيت ل تصم‪ .‬بعض الناس يقول نحن نعرف يمكن الدقة ويمكن‬

‫أن نوجدها بثانية أو نحو ذلك نقول هذا ليس بخاف على رسول للا أصل ألنه‬

‫قال‪( :‬إنا أمة أمية ل نكتب ول نحسب) صحيح البخاري ‪ 5057‬صحيح مسلم ‪ 5989‬يعني‬

‫يعرفون الحساب؛ فالحساب كان معروفًا حتى عند الجاهلين يعرفونه؛ ولكن‬

‫النبي ما أراد إدخالهم في هذا األمر لماذا؟ ألن الشريعة جاءت عامة وللا يعلم‬

‫‪121‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أن هذه الشريعة ستمتد شرقًا وغربًا سيتدين بها األعرابي في البادية الذي ل‬

‫يوجد لديه شيء يبصر في السماء فقط؛ ول يريد أن يضطرب دين الناس؛ فجعل‬

‫الشريعة عامة ليست في حضارتك المعاصرة الشريعة هي أوسع من ذلك‪ ،‬أما‬

‫إذا أردت أن تتكلم على مسألة تقنية معاصرة أو أمور تقنية في تعامل الناس‬

‫ونحو ذلك في حياتهم المدنية هذا أمر آخر؛ لكن الدين ليس لك اليوم؛ الدين‬

‫لقرون سابقة ولقرون لحقة وما تعلم حاله‪ ،‬لهذا جاءت الشريعة بمثل هذا األمر‬

‫المتسع‪ ،‬وبعضهم يقول قد نصوم يوما وليس هو من رمضان نقول وإن كان‬

‫ألنك في ذات األمر رأيت الهلل ووقع منك وهما وقد تفطر يوما وهو من‬

‫رمضان ألنك لم تر الهلل‪ ،‬نقول عفوا من للا عز وجل ألنه هو الذي أمرك‬

‫بهذا‪.‬‬

‫وإذا تيقنت أنك أفطرت يوما من رمضان فعفا للا عز وجل عنك وتقضي يوما‬

‫مكانه وهو صيام على نحوه‪ ،‬بدل الصوم اليوم فإنك تصوم يوم مكانه والعدد في‬

‫ذلك على السواء؛ ولهذا التشديد في أمثال هذه المسائل ليس من الشريعة ول‬

‫من إحكامها‪ ،‬ولهذا نقول أن الشريعة جاءت بأنواع من التيسير ينبغي لألمة أن‬

‫تفهم المقاصد فيها و هذا يظهر في كثير من األدلة وهنا قوله‪( :‬انما أهلك الذين‬

‫من قبلكم كثرة مسائلهم) وهذا كحال الكفار كحال أهل الكتاب من اليهود‬

‫‪122‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والنصارى بكثرة مسائلهم وتنطعهم وبحثهم عن أشياء دقائق؛ ولهذا النبي عليه‬

‫الصلة والسلم كان له فضل عظيم على هذه األمة وذلك بإغلق هذا الباب؛ إذا‬

‫جاءكم إجمال؛ اعملوا ل تبحثوا‪.‬‬

‫وكان النبي عليه الصلة والسلم يحتاط ألمته حتى ل يفرض عليها؛ فكان النبي‬

‫ل يصلي في رمضان صلة التراويح والقيام بالناس؛ وإنما يصلي في الداخل؛‬

‫خشية أن يجتمع الناس وتبدأ الجتهادات والنبي كان لم يبقى له من عمره إل‬

‫شيء يسير؛ وأراد أن يكف في ذلك حتى ل يشدد على األمة؛ ثم يدخل في ذلك‬

‫آثام على الناس؛ ولهذا كان النبي عليه الصلة والسلم أرحم باألمة من‬

‫نفسها‪ ،‬فكان دين للا عز وجل يسر وسهولة ولهذا نقول‪ :‬إن ما لم ينص للا‬

‫عز وجل على تحريمه ولم ينص النبي الصلة والسلم على تحريمه بالنص ولم‬

‫تدل عليه وجوه القياس الظاهر البين ول إجماع السلف الصالح من الصحابة‬

‫والتابعين فإن ذلك من المسكوت عنه ويرجع فيه أصله‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث العـــــاشر‬

‫للا تَعَالَى َط ليِّب لَ‬


‫للا‪( :‬إلن َ‬ ‫ع ْنهُ قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫س ْو ُل ل‬ ‫ع َْن أَبل ْي ُه َري َْرةَ َر لض َ‬
‫ي للاُ تَعَالَى َ‬

‫س ُل‬ ‫س للي َْن فَقَا َل‪( :‬يَا أَيُّ َها ُّ‬


‫الر ُ‬ ‫يَ ْقبَ ُل لإل َطيلِّبَا ً َو لإن للاَ أ َ َم َر ال ُم ْؤ لمنلي َْن لب َما أ َ َم َر لب له ال ُم ْر َ‬

‫صا للحا ً) (المؤمنون‪ :‬اآلية‪َ ،)15‬وقَا َل‪( :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫لين‬ ‫ت َوا ْع َملُوا َ‬
‫ُكلُوا لم َن الطيلِّبَا ل‬

‫ت َما َر َز ْقنَا ُك ْم) (البقرة‪ :‬اآلية‪ )534‬ثُم َذك ََر الر ُج َل يُ لط ْي ُل‬
‫آ َمنُوا ُكلُوا لم ْن َطيلِّبَا ل‬

‫ب‪َ ،‬و َم ْطعَ ُمهُ َح َرام‬ ‫ث أ َ ْغبَ َر‪ ،‬يَ ُم ُّد يَ َد ْي له إللَى الس َماء‪،‬ل يَا َر ِّ ل‬
‫ب يَا َر ِّ ل‬ ‫السفَ َر أ َ ْ‬
‫ش َع َ‬

‫لي لبال َح َر لام فَأَنى يُ ْ‬


‫ست َ َج ُ‬
‫اب لذلك)‪.‬‬ ‫َو َمش َْربُهُ َح َرام‪َ ،‬و ُ‬
‫غذ َ‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫تعليــــق الشيــــــخ‪:‬‬

‫في قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬إن ّللا طيب ل َيقبل إل طيبا ً} إشارة إلى معان‬

‫عديدة أولها أنه لما كان كذلك ينبغي لإلنسان أن يحرص على الطيب؛ فإذا علم‬

‫أن للا ل يقبل إل طيبًا ففيه تضمن للحث على كسب الطيبات واجتناب‬

‫المحرمات ألن اإلنسان مقصوده إرضاء للا جل وعل؛ فلما كان كذلك وجب‬

‫وتأكد في حقه أن يجتنب ما يرده للا جل وعل؛ ألن للا جل وعل أعظم متقبل‬

‫وأعظم راد فينبغي لإلنسان أن يلتمس رضى للا جل وعل ويجتنب سخطه‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وفي قوله‪{ :‬إن ّللا طيب ل يَقبل إل طيبًا} إشارةً إلى أن للا ل يتقبل األموال‬

‫المحرمة التي ينفقها اإلنسان في سبيل للا؛ كذلك فإن الطيب والخبث كما أنه في‬

‫األعمال واألموال كذلك في النيات وكذلك في األقوال؛ فإن اإلنسان ربما تلفظ‬

‫بشيء من الباطلت ويزعم أن للا جل وعل يتقبله منه فهذا عناد وزندقة‪ ،‬فإن‬

‫للا سبحانه وتعالى ل يقبل من عباده إل الطيب‪.‬‬

‫ووصف الطيب هنا ل يثبت إل بأمور قد دل الدليل عليها؛ أولها دللة الفطرة‬

‫فإن للا جل وعل قد فطر الناس على معرفة الخير من الشر؛ فقال النبي عليه‬

‫الصلة والسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة‪( :‬ما من‬

‫أخرجه‬ ‫مولود إل ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)‬

‫فالناس تعرف أن السرقة حرام وأن الكذب‬ ‫البخاري (‪ )5718‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪)4418‬‬

‫حرام وأن غصب أموال الناس حرام ونحو ذلك‪ ،‬فهذا من الخبائث حينئذ ول‬

‫يتقبله للا جل وعل من اإلنسان‪ ،‬كذلك فإن من الطيبات كسب الحلل والرزق‬

‫الذي يسعى به اإلنسان في الضرب في األرض فإن للا جل وعل يتقبله منه؛‬

‫وهذا يشترك فيه أهل اإليمان سواء كانوا أنبياء أو مؤمنين من أتباعه عليه‬

‫الصلة والسلم‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قوله عليه الصلة والسلم‪َ ( :‬و لإن للاَ أ َ َم َر ال ُم ْؤ لمنلي َْن لب َما أ َ َم َر لب له ال ُم ْر َ‬
‫س للي َْن فَقَا َل‪:‬‬

‫ت َوا ْع َملُوا َ‬
‫صا للحا ً﴾) (المؤمنون)‪ ،‬خص للا جل‬ ‫س ُل ُكلُوا لم َن الطيلِّ َبا ل‬ ‫﴿ َيا أَيُّ َها ُّ‬
‫الر ُ‬

‫وعل األنبياء بهذا اللفظ ألهمية هذا المعنى‪ ،‬ثم أمر للا جل وعل المؤمنين بأمر‬

‫مشابه في ذلك؛ بقوله جل وعل‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬


‫لين آ َمنُوا ُكلُوا لم ْن َط ليِّبَا ل‬
‫ت َما‬

‫َر َز ْقنَا ُك ْم﴾ وهذا فيه دللة على أن ما جاء فيه الدليل بذكر األنبياء يشترك فيه‬

‫أتباعهم‪ ،‬وما دل الدليل فيه على تخصيص المؤمنين فإن األنبياء يشتركون في‬

‫ذلك‪ ،‬والخصيصة ل تثبت في هذا إل بدليل سواء من كلم رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم أو من إطباق الصحابة عليهم رضوان للا تعالى على هذا المعنى‪،‬‬

‫وحينما أمر رسول للا صلى للا عليه وسلم أصحابه بأن يكسبوا من الطيبات‬

‫ومنعهم ضمنًا من كسب المحرمات؛ لتبعة ذلك على اإلنسان من جهة ذاته‬

‫وكذلك صلته بينه وبين ربه؛ فإن اإلنسان إذا كسب المحرمات وطعمها؛ لحقته‬

‫حر َم إجابة الدعاء وهذا ظاهر في قوله‬


‫جملة من العواقب السيئة‪ :‬أولها أنه يُ َ‬

‫ث أ َ ْغبَ َر‪ ،‬يَ ُم ُّد يَ َد ْي له لإلَى‬ ‫عليه الصلة والسلم‪{ :‬ثُم َذك ََر الر ُج َل يُ لط ْي ُل السفَ َر أ َ ْ‬
‫شعَ َ‬

‫لي بلال َح َر لام فأنى‬ ‫ب‪َ ،‬و َم ْطعَ ُمهُ َح َرام‪َ ،‬و َمش َْربُهُ َح َرام‪َ ،‬و ُ‬
‫غذ َ‬ ‫ب يَا َر ِّ ل‬
‫الس َماء‪ ،‬يَا َر ِّ ل‬

‫ست َ َج ُ‬
‫اب له}‪.‬‬ ‫يُ ْ‬

‫‪126‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األمر الثاني أنه يستوجب بذلك النار كما قال عليه الصلة والسلم‪( :‬أي ما‬

‫الترمذي (‪)456‬‬ ‫جسد نبت على السحت فالنار أولى به)‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬أن اإلنسان إذا أكل األموال الحرام فيها تعلق بأمر متعد من‬

‫شبرا من حق‬
‫ً‬ ‫الناس؛ ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬من اقتطع‬

‫مال امرئ مسلم طوقه من سبع أراضين) متفق عليه فحقوق اآلدميين معظمة عند‬

‫يسيرا ولو عود أراك؛ يطوق به‬


‫ً‬ ‫الشارع فإذا أخذ اإلنسان منها شيئا ولو شيئ ًا‬

‫يوم القيامة؛ يعني أنه لبد فيه من القصاص يوم القيامة؛ وهو أن تعاد الحقوق‬

‫إلى أهلها بالحسنات والسيئات‪ ،‬وهذا يظهر فيما رواه اإلمام أحمد في كتابه‬

‫المسند من حديث جابر بن عبد للا أن عبد للا بن أنيس حدث عن رسول للا‬

‫خبرا في القصاص فقال‪( :‬سمعت رسول للا صلى للا عليه‬


‫صلى للا عليه وسلم ً‬

‫ً‬
‫غرل بو ًما‪ ،‬فيناديهم للا جل وعل‬ ‫وسلم يقول‪ :‬يحشر المؤمنون حفاةً عراةً‬

‫بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب فيقول‪ :‬أنا الملك أنا الديان ل ينبغي‬

‫ألحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه‬

‫منه‪ ،‬حتى اللطمة ول ينبغي ألحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وعليه ألحد من‬

‫أهل النار حق حتى أقصه منه‪ ،‬حتى اللطمة‪ ،‬قالوا يا رسول للا‪ :‬كيف وإنا نأتي‬

‫[رواه‬ ‫للا جل وعل حفاة عراة؟ قال عليه الصلة والسلم‪ :‬بالحسنات والسيئات)‬

‫أحمد تنبيه‪ :‬روى البخاري تعليقًا جملة من هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬ويذكر عن جابر‪ ،‬عن عبد للا بن أنيس‬

‫‪127‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫قال‪ :‬سمعت النبي ‪-‬ملسو هيلع هللا ىلص‪ -‬يقول‪« :‬يحشر للا العباد‪ ،‬فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من‬

‫يعني أن القصاص في حقوق اآلدميين يكون بين يدي‬ ‫قرب‪ :‬أنا الملك‪ ،‬أنا الديان»]‬

‫للا جل وعل بالحسنات والسيئات؛ وهذا مما ينبغي أن يحذر منه اإلنسان فما‬

‫كان من حق للا جل وعل متمحضا فمرده إلى للا جل وعل إن شاء غفر‬

‫لصاحبه وإن شاء عذبه عليه‪ ،‬بخلف حقوق اآلدميين فإن للا جل وعل ل‬

‫يغفرها لإلنسان ول تدخل تحت سائر المكفرات حتى تعاد الحقوق إلى أصحابها‬

‫أو أن يستحل اإلنسان لهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم كما في‬

‫الصحيح‪( :‬من كانت عنده مظلمة ألخيه فليتحلله منها) أخرجه البخاري (‪ )4176‬ما‬

‫قال فليتب وليستغفر من قبل أن يأتيه يوم ل دينار فيه ول درهم؛ ولهذا عظمت‬

‫المحرمات المتعلقة بحقوق اآلدميين أعظم من المحرمات المتعلقة بحق للا جل‬

‫وعل؛ فلما كان أكل الطيبات تعلق بهذين األمرين؛ متعلق بحق للا وبحق العباد‬

‫ً‬
‫حائل بينه وبين إجابة‬ ‫عظم أكل الخبائث على غيره من المحرمات وكان‬

‫الدعاء وهذا محل اتفاق عند العلماء بالنسبة للدعاء على خلف عندهم في‬

‫أمور العبادات؛ فاختلف العلماء في أمور العبادات إذا تعبد اإلنسان لل جل وعل‬

‫بعبادة بشيء حرام؛ كالذي يستر عورته بشيء محرم؛ ثم يصلي لل‪ ،‬أو أن‬

‫يحج لل ح ًجا بمال حرام ونحو ذلك‪ ،‬هل يتقبل منه أم ل؟ هذا محل خلف عند‬

‫العلماء ذهب جمهور العلماء إلى أن ذلك يتقبل منه وذهب اإلمام أحمد في‬

‫‪128‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫المشهور عنه وهو ظاهر المذهب إلى أن ذلك ل يتقبل منه‪ ،‬وهذا ظاهر قوله‬

‫عليه الصلة والسلم {فأنى يستجاب له} يعني أن ذلك العمل مردود عليه مع‬

‫توفر سائر الشروط‪ ،‬لهذا قال عليه الصلة والسلم مبينا شروط قبول الدعاء‬

‫وهو أنه أشعث أغبر وأن للا جل وعل من صفاته أنه يجيب المضطر إذا دعاه؛‬

‫وهذا تحقق فيه وصف الضطرار؛ كذلك يرفع يديه إلى السماء ويمدهما؛ وفيه‬

‫دليل على مشروعية رفع اليدين عند الدعاء وهو من قرائن إجابة الدعاء؛ كذلك‬

‫فإنه مسافر بل أنه يطيل السفر ومع ذلك ل يستجاب له بسبب هذا المطعم‬

‫الحرام‪.‬‬

‫لهذا ينبغي لإلنسان أن يحرص على الطيبات قدر إمكانه‪ ،‬وأل يتقرب لل جل‬

‫وعل بشيء من األمور إل بطيب‪ ،‬سواء من األعمال وكذلك أي ً‬


‫ضا من األموال‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الحـــادي عشر‬

‫للا ﷺ َو َر ْي َحانَ لت له‬


‫سو لل ل‬
‫سب لْط َر ُ‬
‫بن أ لبي طالب ل‬
‫ي ل‬‫ع لل ِّ‬
‫بن َ‬ ‫ع َْن أ َ لبي ُم َحمد ال َح َ‬
‫س لن ل‬

‫للا ﷺ‪َ ( :‬د ْع َما يَ لر ْيبُكَ لإلَى َما لَ‬ ‫ع ْن ُه َما قَا َل‪َ :‬ح لف ْظتَ لم ْن َر ُ‬
‫س ْو لل ل‬ ‫ي للاُ َ‬
‫َر لض َ‬

‫يَ لر ْيبُكَ )‪.‬‬

‫رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫تعليـــق الشيـــخ‪:‬‬

‫هذا الحديث ل بأس به ألنه يروى من حديث ابن أبي مريم عن أبي الجوزاء‬

‫عن الحسن بن علي عن رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ وقد صححه غير‬

‫واحد من العلماء كالترمذي في كتابه السنن‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم {دَع ما يَريبك إلى َما َل يريبك}‪ :‬فيه إشارة إلى ما‬

‫تقدم الكلم عليه من اتقاء الشبهات في قوله عليه الصلة والسلم {فمن اتقى‬

‫الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه} وهذا متضمن لذلك المعنى؛ فإن اإلنسان‬

‫إذا رابه شيء ينبغي له أن يدعه ما لم يكن لديه سبب لستجلء الحق من‬

‫البحث عن نص؛ فإذا استطاع أن يستجلي الحق ويدفع الريبة تأكد في حقه ذلك؛‬

‫وإذا كان ل يستطيع أن يستجلي الحق فينبغي أن ينصرف إلى نفسه وما يجده‬

‫‪130‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يتجلجل ويتخالج في نفسه فإنه يعمل به؛ ولهذا فإن اإلنسان مجبول على فطرة‬

‫سوية مستقيمة ل يمكن أن ينصرف عنها إل بفعل فاعل من أبويه أو أن يتطبع‬

‫بطبع أهل الكفر والعناد ممن ينغمس اإلنسان فيهم؛ ولهذا في هذا الحديث‬

‫مسألة مهمة وهي أن اإلنسان فيما لم يدل عليه الدليل يرجع في ذلك إلى‬

‫نفسه ويستفتيها؛ أما في حال معرفة الدليل أو في إمكان الحصول عليه فل بد‬

‫من الوقوف على الدليل‪ ،‬وإذا استوت األمور وكانت حينئذ من المتشابهات فإن‬

‫اإلنسان يرجع في ذلك إلى ما يجده في نفسه ويتخالج فيها‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثانـــي عشر‬

‫لم‬
‫س ل‬ ‫للا ﷺ‪ ( :‬لم ْن ُح ْ‬
‫س لن لإ ْ‬ ‫ع ْنهُ قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫س ْو ُل ل‬ ‫ع َْن أَبل ْي ُه َري َْرةَ َر لض َ‬
‫ي للاُ َ‬

‫ال َم ْر لء ت َ ْر ُكهُ َما لَ يَ ْعنل ْي له)‪.‬‬

‫حديث حسن‪ ،‬رواه الترمذي وغيره هكذا‪.‬‬

‫تعليــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫هذا الحديث الصواب فيه اإلرسال‪ ،‬ألنه يُروى من حديث قرة عن الزهري عن‬

‫أبي سلمة‪ ،‬ويروى من غير هذا الوجه من حديث الزهري عن علي بن الحسين‬

‫ً‬
‫مرسل عن رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ،‬وهذا هو الصواب‪ ،‬ول يصح عن‬

‫ً‬
‫موصول‪.‬‬ ‫النبي عليه الصلة والسلم‬

‫وهذا المعنى الذي هو فيه صحيح‪ ،‬وهذا الحديث وغيره؛ مما يُ َ‬


‫نازع فيه اإلمام‬

‫النووي عليه رحمة للا تعالى في صحته‪ ،‬ولكن العلماء يسلمون بصحة معناه‪.‬‬

‫س َلم ال َم ْر لء تر ُكهُ َما َل يعنيه"‪ ،‬تقدم‬ ‫وقوله عليه الصلة والسلم‪ " :‬لم ْن ُح ل‬
‫سن لإ ْ‬

‫الكلم على مسألة اإلحسان ومعناها‪ ،‬وأن اإلحسان على درجات ومراتب‪،‬‬

‫وينبغي لإلنسان أن يبالغ في ذلك‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫س َلم ال َم ْر لء"‪ ،‬أي‪ :‬من تمام دينه أن‬ ‫وقوله عليه الصلة والسلم‪ " :‬لم ْن ُح ل‬
‫سن لإ ْ‬

‫يضع فضول األقوال واألفعال‪ ،‬والمراد بالفضول أن يتتبع اإلنسان ما ل يعنيه‬

‫من ذهاب الناس ومجيئهم وأموالهم وأزواجهم وأعراضهم‪ ،‬إل إذا كان في ذلك‬

‫مصلحة للسائل في دينه ودنياه أو للمسؤول عنه في دينه ودنياه ول يُلحق به‬

‫ضررا؛ فإن األصل في ذلك الرجوع إلى مصلحة المسؤول عنه؛ ألن ذلك في‬
‫ً‬

‫حقه أولى من غيره‪ ،‬فلما خص بنعمة أو خص بما لحقه ‪-‬سواء من أذى أو‬

‫غيره‪ -‬كان ذلك ل يتعداه إلى غيره؛ فمن حاول أن يُع ِّدليه كان ذلك من جملة‬

‫الفضول‪.‬‬

‫س َلم ال َم ْر لء تر ُكهُ َما َل يعنيه"‪ ،‬يعني‪ :‬من سوء اإلسلم ويلحق‬ ‫" لم ْن ُح ل‬
‫سن لإ ْ‬

‫صا تتبعه عورات الناس‪ ،‬وبحسب ما يتتبعه اإلنسان من عورات‬


‫إسلم المرء نق ً‬

‫الناس يلحق بدينه من نقصان؛ فمن تتبع عورات الناس تتبع للا عورته‪ ،‬وأثر‬

‫ذلك في ديانته‪ ،‬و عوراتهم تختلف في ذلك‪ :‬منها العورات المغلظة‪ ،‬كمن يتتبع‬

‫عورات النساء وغير ذلك؛ فإنه آثم ويقدح هذا في ديانته فيكون حينئذ من‬

‫اآلثام‪ ،‬أو تتبع عورات الناس فيما يخفونه من األموال‪ ،‬فإذا كانوا يستترون‬

‫بكسب الحرام عن أعين الناس؛ فليس ألحد أن يتتبع أحوالهم‪ ،‬واألصل في ذلك‬

‫الستر‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثــالث عشر‬

‫للا ﷺ عَن‬ ‫ع ْنهُ َخاد للم َر ُ‬


‫س ْو لل ل‬ ‫ي للاُ ت َ َعالَى َ‬ ‫ع َْن أ َ لب ْي َح ْم َزة أَنَ لس ل‬
‫بن َما للك َر لض َ‬

‫ؤمنُ أ َ َح ُد ُك ْم َحتى يُ لحب أل َ لخ ْي له َما يُ لح ُّ‬


‫ب للنَ ْف ل‬
‫س له)‪.‬‬ ‫النبي ﷺ قَا َل‪( :‬لَ يُ ل‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬لَ يُ ْؤ لمنُ أ َ َح ُد ُك ْم َحتى يُ لحب لأل ََ لخي له َما يُ لح ُّ‬
‫ب للنَ ْف ل‬
‫سه}‬

‫نفي اإليمان هنا ُحمل على معنيين؛ نفي الصحة‪ :‬أي ل يصح إيمان اإلنسان‬

‫وحمل على معنى آخر؛ وهو نفي كمال اإليمان وكل المعنيين صحيح إذا ُحمل‬

‫كل واحد على أصل يعتمد عليه من أصول اإلسلم‪.‬‬

‫‪ ‬أما المعنى األول‪ :‬وهو نفي صحة اإليمان؛ وهو إذا كان اإلنسان في‬

‫نفسه ل يوالي أهل اإليمان ول يحبهم ويحب أهل الكفر‪ ،‬فيحب ألهل‬

‫الكفر ما يحب لنفسه ول يحب ألهل اإليمان ما يحب لنفسه؛ فإنه ل‬

‫يتحقق في قلبه حينئذ اإليمان ولو ادعى ذلك؛ ومرد ذلك إلى ما في قلب‬

‫اإلنسان‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪ ‬وأما على المعنى الثاني‪ :‬وهو أن ينقص إيمان اإلنسان فيقال المراد‬

‫بذلك هو نفي الكمال؛ وهو أن اإلنسان يقع فيه شيء من الحسد؛ وهو ما‬

‫يسمى باألنانية‪ ،‬وعدم اإليثار؛ فهذا نقص في إسلم اإلنسان وإيمانه‪.‬‬

‫فإذا أحب إنسان أن يزول الخير من عند إنسان آخر؛ فهذا ما أحب للناس ما‬

‫يحب لنفسه؛ فكما أنه يحب لنفسه أن يتحقق لديه ذلك الخير؛ ينبغي أل يحب‬

‫زوال ذلك الخير من لدن الناس؛ فيحب بقاء الخير لديهم وأن يتحصل لديه‬

‫مثلهم‪ ،‬فإذا كان كذلك كان من أهل اإليمان‪ ،‬وإذا لم يكن كذلك فإنه حينئذ ينقص‬

‫إيمانه‪.‬‬

‫‪ ‬والنوع األول‪ :‬يُتصور في حق جمهور المسلمين وعامتهم‪.‬‬

‫‪ ‬والثاني‪ :‬يُتصور في حق األفراد؛ فإذا أحب اإلنسان أن تزول نعمة إنسان؛‬

‫حتى ولو كان دينه ولكنه فرد؛ فل يقال أن هذا ينتفي أصل اإليمان من‬

‫قلبه‪ .‬ولكن إذا كره اإليمان واإلسلم ألهل اإلسلم والخير لهم على سبيل‬

‫العموم؛ فإن هذا ل يمكن أن يوجد في قلبه إيمان‪ .‬ومن أعظم دوافع هذه‬

‫األمور الكامنة في نفس اإلنسان من حب المال أو حب السمعة وعدم‬

‫اإليثار بالطاعات؛ أن يكثر اإلنسان من الدعاء للغير بالرفعة وعلو المنزلة‬

‫ولو َوجد في قلبه حسدا لغيره؛ فكلما وجد اإلنسان بغضا ألحد من الناس‬

‫‪135‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫مما ل يستوجب سببًا شرعيًا فليكثر من الدعاء له بالمزيد؛ وإن وجد في‬

‫قلبه عدم رغبة في ذلك؛ فإن ذلك الدعاء يُ َجلي ما يستقر في قلب اإلنسان‬

‫من عدم الحب الخير للناس ول يزال اإلنسان بأمر الدعاء وذكر اإلنسان‬

‫بالخير في قلبه وعند غيره حتى يزول ذلك من القلب وهذا أمر مجرب‬

‫سواء ُوجد سبب شرعي لذلك أم ل‪.‬‬

‫وبعض الناس يسترسل بحب إزالة الخير من الناس لضرر أُلحق به من قبلهم‬

‫مع عدم وجود ما يوجب إلحاق مزيد الضرر؛ فهذا من البغي فيهم؛ ولو على‬

‫سبيل التمني؛ فإن اإلنسان في ذلك يستطيع أن يسوس نفسه في هذا األمر؛‬

‫كذلك أيضا في مسألة العبادات عند التزاحم مما ل يتحقق فيه الشتراك فينبغي‬

‫في ذلك أن يسابق اإلنسان غيره‪.‬‬

‫العبادات من جهة الشتراك والمنازعة فيها ل تخلو من نوعين‪:‬‬

‫عبادات يمكن فيها الشتراك‪ :‬فالمسابقة فيها والمنافسة مع حب الخير للغير‬

‫حسن ومطلوب؛ كمسألة الصلح وطلب العلم واإلكثار من الطاعات والمتابعة‬

‫بين الحج والعمرة وذكر للا جل وعل؛ فإذا وجد إنسان غيره قد رزقه للا جل‬

‫وذكرا لل جل وعل؛ فإنه يسابقه بهذا العمل ويدعو‬


‫ً‬ ‫وعل عبادة وصلة وصل ًحا‬

‫للا جل وعل أن يثبت فلنا على ما هو عليه من خير في ظاهر أمره وباطنه‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وأما ل ما ل يمكن معه المزاحمة من أمور البر؛ فاختلف العلماء في ذلك هل‬

‫اإلنسان يحب لغيره ما يحب لنفسه في هذا األمر فيقدم غيره في هذا الموضع أم‬

‫ل؟‬

‫والراجح في ذلك أن هذا يرجع فيه إلى التفصيل؛ فيقال إن اإلنسان إذا علم من‬

‫غيره أنه أولى وأحظ بمثل هذا المكان الذي ل يزاحم فيه؛ فإنه يقدم غيره وهذا‬

‫يتضمن أن يحب لغيره ما يحب لنفسه؛ ومثال ذلك إذا كان اإلنسان يجد فرجة‬

‫غيره فإن الناس في مثل هذا‬


‫ُ‬ ‫في الصف ل تكفي إل لواحد وزاحمه عليها‬

‫يتدافعون؛ هل يتقدم هو أم يوثر غيره؟ يقال‪ :‬أن هذا ل يخلو من الحالين‬

‫السابقين‪ :‬فإذا كان هذا الرجل أولى منه ح ً‬


‫ظا وكانت هذه الفرجة خلف اإلمام‬

‫أخرجه مسلم‬ ‫والنبي عليه الصلة والسلم قال (ليلني منكم أولوا األحلم والنهى)؛‬

‫(‪ ،)674‬وأبو داود (‪ ،)431‬والترمذي (‪ )448‬واللفظ له‪ ،‬وأحمد (‪)6737‬فكان هذا الرجل الذي‬

‫يُؤثَر من أهل العلم والصلح وأهل القرآن؛ فإنه يقدمه ول يؤثلر نفسه في ذلك؛‬

‫وأما إذا كان يستوي مع غيره؛ فينبغي أن يتقدمه ول يؤثر غيره إذا كان قد‬

‫استوى مع ذلك الشخص في األهلية لمثل هذا الموضع؛ مع أن بعض العلماء‬

‫يرى اإليثار حتى فيما يتنازع فيه األشخاص مما ل يكفي إل لواحد؛ وقد مال‬

‫بعض العلماء وهو قول ابن القيم عليه رحمة للا إلى أن باب اإليثار مقدم مطلقًا‬

‫‪137‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولو كان في أبواب المزاحمة؛ قال وذلك أن للا جل وعل يثيب اإلنسان على‬

‫إيثاره لغيره ولو لم يتحقق لإلنسان مثل هذا العمل؛ فذلك اإليثار هو حسنة يثاب‬

‫عليها اإلنسان؛ كما أن التقدم هو خير؛ يثاب عليه اإلنسان‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الرابـــــع عشر‬

‫س للم إلل‬ ‫للا‪( :‬ل يَ لح ُّل َد ُم ْ‬


‫ام لرئ ُم ْ‬ ‫سعُود رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫سو ُل ل‬ ‫عن اب لْن َم ْ‬
‫ل‬

‫ع لة)‬ ‫س لبالن ْف لس‪َ ،‬والتاركُ لل لد ْينل له ال ُمفَ لار ُ‬


‫ق للج َما َ‬ ‫ب لإحْ دَى ثَلث‪ :‬الث ليِّ ُ‬
‫ب الزانل ْي‪َ ،‬والن ْف ُ‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫ش َه ُد أَن لَ لإلَهَ لإل للاُ وأ َ لنِّي‬


‫س للم يَ ْ‬ ‫قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬لَ يَ لح ُّل َد ُم ْ‬
‫ام لرئ ُم ْ‬

‫للا إلل بل لإحْ دَى ثَلَث} فيه إشارة إلى أن األصل في دماء المسلمين‬
‫سو ُل ل‬
‫ر ُ‬

‫العصمة‪ ،‬وهذا عام؛ سواء ما كان في إزهاق النفس أو في أبواب الجراحات‬

‫فإنها تسمى دماء؛ ويطلق أحيانا الدم ويراد به إزهاق النفس؛ ويطلق أيضا‬

‫ويراد به ما دون النفس؛ من جراحة اليد أو قطعها ونحو ذلك‪ ،‬فهذا من حقوق‬

‫الدماء؛ ولهذا يطلق العلماء على ذلك الدماء؛ فيقولون أبواب الدماء‪.‬‬

‫ولما حرم رسول للا صلى للا عليه وسلم دماء المسلمين دل على أن األكثر في‬

‫ذلك العصمة وأن ما يستثنى من ذلك قليل؛ واألصل في لغة العرب أن المستثنى‬

‫أقل من المستثنى منه على األغلب‪.‬‬

‫ش َه ُد أَن لَ لإ َل َه لإل للاُ‬


‫س للم َي ْ‬ ‫وفي قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬لَ َي لح ُّل َد ُم ْ‬
‫ام لرئ ُم ْ‬

‫للا إلل بل لإحْ دَى ثَلَث}‪ :‬يعني أنه في غير هذه الثلث ل يجوز أن‬ ‫وأَنلِّي ر ُ‬
‫سو ُل ل‬

‫‪139‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يسفك الدم؛ وهذا ليس للمسلمين عامة ‪-‬أي أنهم يجوز لهم أن يسفكوا الدماء‬

‫في هذه الثلث‪ -‬وإنما مرد ذلك إلى ولي أمر المسلمين‪ ،‬وقوله عليه الصلة‬

‫ب الزانلي} يعني المحصن؛ فالزاني إذا كان محصنًا؛ فإنه يُرجم‬


‫والسلم‪{ :‬الث ليِّ ُ‬

‫وقد حكى اإلجماع على ذلك غير واحد من العلماء؛ كابن المنذر وابن عبد البر‬

‫والنووي والقرطبي وابن قدامة وغيرهم‪ ،‬ول يعلم في ذلك مخالف من أئمة‬

‫اإلسلم من القرون المفضلة وإنما هي أقوال تُحكى بل أسانيد؛ وممن اعتيد عنه‬

‫ووجد في بعض األقوال عند المتأخرين‬


‫القول بالشذوذ؛ كابن األصم وغيره‪ُ ،‬‬

‫ممن يقول بذلك؛ ممن جهل مقامات الشريعة ومقاصدها العظيمة ونظر إلى‬

‫بعض المآلت وهذا ضرب من ضروب الجهل وإيثار رغبات النفس وكذلك النظر‬

‫إلى بعض األمور المادية ونحو ذلك وتقديمها على أمر الشرع فالرجم‪ :‬إزهاق‬

‫للنفس ثبت به الدليل؛ كما جاء في الصحيحين وغيرهما‪( :‬والشيخ والشيخة إذا‬

‫و ليس‬ ‫صحيح البخاري (رقم ‪ ،)4843‬ومسلم (رقم ‪.)5403‬‬ ‫زنيا فارجموهما البتة)؛‬

‫كبيرا فإنه يرجم والشاب لو كان محصنًا ل يرجم؛‬


‫ً‬ ‫المراد بالشيخة أن من كان‬

‫وإنما المراد بذلك تعليق بوصف يغلب على من كان محصنًا؛ أنه يسمى شي ًخا‬

‫وهذا على التغليب وأجمع العلماء على هذا المعنى مع الخلف في بعض ألفاظ‬

‫هذا الخبر؛ وهو مما نُسخ من القرآن لف ً‬


‫ظا وبقي حك ًما بإجماعهم؛ وأما الزاني‬

‫الذي ليس بمحصن فإنه يجلد مئة ويُغرب عام في ظاهر القرآن في مسألة‬

‫‪140‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الجلد؛ والتغريب لحديث زيد بن خالد الجهني وحديث أبي هريرة في الصحيحين‬

‫وغيرهما حينما قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬على ابنك جلد مائة‬

‫وأما من ثبت زناه بأحد‬ ‫صحيح مسلم ‪ 5403‬صحيح البخاري ‪4477‬‬ ‫وتغريب عام)‬

‫علمات الثبوت من البينات سواء في مسألة المرأة في الحمل أو الشهود األربع‬

‫أو اإلقرار؛ واإلقرار هو أقوى البينات؛ ول ينظر الى اإلثباتات العصرية من‬

‫التحاليل؛ من تحاليل الدم أو الحيوانات المنوية كما يسمى "دي إن إي" ونحو‬

‫ذلك؛ فإن هذا مما ل يعتد به في مسائل األحكام وإنما يؤخذ فيه كقرينة؛‬

‫والقرائن ل تكون في أبواب الحدود‪ .‬وإنما تؤخذ في أبواب التعازير ألنها منوطة‬

‫في أغلب األحيان بالظنة ل بالقطع‪ ،‬وأما الحدود فإنها تدرأ بالشبهة؛ فإذا نزل‬

‫عن درجة اليقين والثبوت فإن الحد يُدرأ عن تنفيذه‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪ { :‬والنفس بالنفس} أي أن المسلم يقتل بنفس‬

‫مسلمة أخرى‪ ،‬ول يقتل المسلم بالكافر بإجماع العلماء‪ ،‬ول خلف عندهم في‬

‫ذلك؛ وإنما الخلف في بعض المسائل من فروع ذلك إذا اجتهد ولي األمر أن‬

‫تعزيرا؛ ليس من أبواب الحدود؛ إذا رأى في ذلك تأديبًا وهذا‬


‫ً‬ ‫يقتل مسلما بكافر‬

‫قد ثبت عن عثمان بن عفان في مسلم‪( :‬قتل ذميا ثم قتل آخر ثم قتل آخر فقتله‬

‫عثمان بن عفان) بإسناد صحيح كما جاء عند ابن المنذر وغيره عن عثمان بن‬

‫‪141‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫عفان عليه رضوان للا تعالى‪ ،‬فيكون هذا من جملة التعازير؛ فيجوز أن يقتل‬

‫الرجل تعزيرا كما يجوز أن يقتل و ساغ أن يقتل حدا على الصحيح من أقوال‬

‫رواه الدارقطني (‪ )760‬وعنه البيهقى (‪)77/8‬‬ ‫العلماء‪.‬‬

‫{والنفس بالنفس}‪ :‬المقصود بذلك قتل العمد ويخرج من هذا إذا قتل اإلنسان‬

‫غيره بالخطأ أو قتل اإلنسان غيره بشبه العمد والعمد هو‪ :‬أن يقتل اإلنسان‬

‫غيره بآلة يقتل بمثلها قاصدا إلحاق األذى ولو لم يقصد القتل‪ ،‬فإذا أراد اإلنسان‬

‫أن يطلق رصاصة من بندقيته على شخص؛ فقال إنني ل أريد أن أقتله وإنما‬

‫أريد قدمه فمات؛ فإنه يقتل بذلك ألن المرد في هذا إلى شيئين‪:‬‬

‫‪ ‬األمر األول‪ :‬اآللة التي يقتل بها إذا كانت آلة يُقتل بها عادة فإن هذا من‬

‫موجبات القتل‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثاني‪ :‬القصد؛ يخرج منه إذا أراد اإلنسان أن ينظف سلحه أو أنه‬

‫أراد أن يبيع؛ فكان فيه رصاصة في داخله‪ ،‬فأُطلقت على من بجواره‬

‫فقتل؛ فحينئذ وجدت اآللة ولم يوجد القصد‪ ،‬فإذا وجد هذان الشرطان فإن‬

‫النفس في ذلك لها حق الستيفاء‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم هنا‪{ :‬النفس بالنفس} راجع إلى أصل ما استثني‬

‫منه وهو المسلم‪ ،‬واختلف العلماء في مسألة إقامة الحدود على الكفار من أهل‬

‫‪142‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الكتاب وغيرهم؛ إذا قتل الواحد منهم غيره‪ ،‬هل يقام عليهم الحدود أم ل؟ وهل‬

‫تطبق عليهم أحكام الشريعة إذا فعلوا ذلك في بلد اإلسلم؟‬

‫اختُلف في ذلك؛ هل يرجع فيها إلى ما لديهم من أحكام؟ أم أن هذا مرده إلى‬

‫الشريعة؟ والذي يظهر وللا أعلم أنهم إن فعلو ذلك في بلد المسلمين فإن‬

‫مردهم إلى حكم المسلمين‪ ،‬وأما إذا فعلوا ذلك في بلدهم الذين أخذوا األمانة‬

‫عليها والعهد فإن مردهم في ذلك إلى حكمهم مما يعملون به‪ ،‬سواء كان‬

‫صا أو كان دية‪.‬‬


‫قصا ً‬

‫ويستوي في ذلك الذكر واألنثى‪ ،‬واختلف العلماء في مسألة العبد‪ ،‬وعامتهم‬

‫على أن الحر ل يُقتل بالعبد؛ وأن العبد يُقتل بالحر؛ إل في خلف يسير في‬

‫مسألة قتل الحر بالعبد؛ فإنه يُقتل‪ ،‬قال بذلك بعض الفقهاء وهو قول ضعيف‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬والت لارك لدلينل له ال ُمفَ لار ل‬


‫ق لل َج َماعَة} المراد به‬

‫المرتد؛ وقد جاء في ذلك دليل عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في الصحيح‬

‫من حديث حماد عن أيوب عن عبد للا بن عباس أن رسول للا صلى للا عليه‬

‫وسلم قال‪( :‬من بدل دينه فاقتلوه)‪.‬‬

‫وإنما وصف ذلك بالترك لدينه بقوله‪{ :‬والت لارك لدلينل له ال ُمفَ لار ل‬
‫ق لل َج َماعَة}‬

‫‪143‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ألن اإلنسان إذا فارق دينه تحقق فيه وصف ترك الجماعة‪ ،‬فاستوجب بذلك‬

‫القتل‪ ،‬وإنما أُلحق الوصف بلفظ المفارقة ألن اإلنسان إذا أراد أن يرتد عن‬

‫المسلمين الغالب أنه يلحق بصفوف الكفرة ول يبقى على ردته في صفوف‬

‫المسلمين؛ ألنه ما تجرد من إيمانه ورجع إلى كفره إن كان قد دخل اإلسلم قبل‬

‫ذلك ولم يولد على اإلسلم إل وقد أحب الرجوع إلى الكفر أو أحب الكفرة أكثر‬

‫من أهل اإلسلم‪ ،‬فالغالب في مثل حاله أن يترك صف المسلمين إلى صف‬

‫المشركين‪ ،‬و ل يستثنى من ذلك من ارتد وهو في بلد المسلمين؛ فإنه يُقتل‬

‫وهذا ل خلف عند العلماء فيه‪ ،‬وإنما الشريعة تعلق األحوال باألغلب؛ فما كان‬

‫ً‬
‫وحال؛ فإن الوصف يلحقه‪ ،‬وما خرج عنه إذا‬ ‫ً‬
‫استعمال‬ ‫من األوصاف يغلب‬

‫تحقق فيه المناط فإنه يشترك في الحكم إل ما دل الدليل على استثنائه‪.‬‬

‫والمرأة والرجل في أبواب الردة على السواء؛ فإذا ارتدت المرأة فإنها تقتل‪.‬‬

‫واختلف العلماء في باب الستتابة؛ هل يستتاب الرجل والمرأة ثلثا أم مرة‬

‫واحدة أم ل؟‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬ل يثبت عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في أبواب الستتابة شيء‪،‬‬

‫وإنما هو أخذ بقرائن وبعض اآلثار المروية عن السلف الصالح في ذلك‪ُ ،‬روي‬

‫هذا عن عمر بن الخطاب رضي للا عنه وعن أبي موسى األشعري ومعاذ بن‬

‫‪144‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫جبل عليهم رضوان للا تعالى‪ ،‬وحكي التفاق على هذا أنهم يستتابون ولكن‬

‫اختلفوا في قدر الستتابة‪ ،‬هل يستتابون ثلث ًا أو مرةً واحدة‪ ،‬أم يحبس أيا ًما‬

‫حتى ينظر في أمره فإذا كان معاندا فإنه يقتل؟ ففي ذلك خلف‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الخــــــــامس عشر‬

‫ؤم ُن لبا ل‬
‫لل‬ ‫للا ﷺ قَا َل‪َ ( :‬م ْن ك َ‬
‫َان يُ ل‬ ‫عَن أ َ لبي ُه َري َْرةَ رضي للا عنه أَن َر ُ‬
‫سو َل ل‬

‫اآلخ لر فَ ْليُ ْك لر ْم‬


‫وم ل‬ ‫ؤمنُ لبا ل‬
‫لل َواليَ ل‬ ‫َان يُ ل‬ ‫اآلخ لر فَ ْليَقُ ْل َخي َْرا ً أَو لليَ ْ‬
‫ص ُمتْ ‪َ ،‬و َم ْن ك َ‬ ‫َواليَ ْو لم ل‬

‫اآلخ لر فَ ْليُ ْك لر ْم َ‬
‫ض ْيفَهُ)‪.‬‬ ‫وم ل‬ ‫ؤمنُ لبا ل‬
‫لل واليَ ل‬ ‫ار ُه‪ ،‬و َم ْن ك َ‬
‫َان يُ ل‬ ‫َج َ‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيــــــخ‪:‬‬

‫اآلخر‬
‫ل‬ ‫ؤمنُ ِّ ل‬
‫باِل َواليَ ْو لم‬ ‫في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم‪َ { :‬من ك َ‬
‫َان يُ ل‬

‫فَ ْليَقُل َخي َْرا أو لليص ُمت} فيه إشارة إلى حفظ اللسان‪ ،‬وصونه من فضول األقوال‬

‫حتى ل تجر اإلنسان إلى الشر‪.‬‬

‫أمورا يثاب عليها‪.‬‬


‫ً‬ ‫{فَ ْل َيقُل َخي َْرا}‪ :‬يعني‬

‫{ لليص ُمت}‪ :‬يعني أنه فضل الصمت عن قول المباح؛ ألن المباح يجر إلى قول‬

‫المحظور والمكروه‪ ،‬وأما إذا اعتاد اإلنسان على قول الخير فإنه ل ينزل عن‬

‫تلك الرتبة إلى المباح إل في الشيء اليسير‪ ،‬فإذا كان ينزل في الشيء اليسير‬

‫فيبعد أن يقع في الشر‪ ،‬وإذا كان يوغل ويكثر من قول المباح فإنه لبد أن يقع‬

‫في الحرام‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولهذا يقول العلماء‪ :‬الورع أن تدع ما ل بأس به خشية أن تقع فيما به بأس‪،‬‬

‫أي أن اإلنسان يترك المباح حتى ل يقع في المكروه‪ ،‬ثم يتدرج فيقع في الحرام‪،‬‬

‫ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪{ :‬فَ ْليَقُل َخي َْرا أو لليص ُمت} ولم يقل‪:‬‬

‫فليقل مبا ًحا أو نحو ذلك‪ ،‬ويُحتمل أنه أراد الوصف بالخير؛ أي أن اإلنسان إذا‬

‫كان يتكلم بمباح؛ فإن األصل فيه الدخول في دائرة الخير‪ ،‬ويجر إلى نفع حتى‬

‫وإن كان في أمر الدنيا‪ ،‬ممن يتكلم في بيع أو شراء أو إشهاد‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فإن‬

‫هذا يجر إلى كسب رزق فيدخل في أبواب الخير‪.‬‬

‫ويُحتمل أنه أراد درجة الكمال؛ أي أن اإلنسان ينبغي له أن يحرص على درجة‬

‫الكمال فيمسك فيكون حينئذ المخاطب في ذلك هم ال ُخلص من العباد‪.‬‬

‫اآلخر} يعني درجة‬ ‫ؤمنُ ِّ ل‬


‫باِل َواليَ ْو لم ل‬ ‫وقوله عليه الصلة والسلم‪َ { :‬من ك َ‬
‫َان يُ ل‬

‫اإليمان التام‪ ،‬وليس المراد بذلك نفي اإليمان عمن تكلم بالباطل على خلف مع‬

‫الخوارج في هذا الباب‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬الوقوع في الشيء من المحرمات دليل‬

‫على بغض تحريمه‪ ،‬وترك الواجب دليل على بعض إيجابه‪ ،‬والصواب في ذلك‬

‫وهو الذي عليه أهل اإلسلم من أهل السنة أن من وقع في شيء من المحرمات‬

‫ل يلزم من ذلك بغض النص في التحريم‪ ،‬ومن ترك شيئ ًا من الواجبات ل يعني‬

‫بغض النص في اإليجاب‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫اآلخر فَليُ ْك لرم‬
‫ل‬ ‫باِل َواليَ ْو لم‬
‫ِّ ل‬ ‫ؤمنُ‬ ‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬و َمن ك َ‬
‫َان يُ ل‬

‫ضيفَه}‪ :‬إكرام الضيف اختلف العلماء هل هو من الواجبات أم ل؛ اختلفوا في‬


‫َ‬

‫هذا على قولين‪:‬‬

‫‪ o‬ذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا كان الضيف يجد مندوحة عن صاحب‬

‫الدار أن ذلك ل يجب‪.‬‬

‫دارا‬
‫‪ o‬وذهب اإلمام أحمد في رواية إلى أن الضيف يجب إكرامه إذا خص ً‬

‫بعينها؛ وأما إذا ُوجد أماكن يسكن فيها ‪-‬كحالنا في األعصار المتأخرة‪-‬‬

‫فإن اإلكرام يكون من أبواب الستحباب والمتأكدات وفضائل األعمال‪.‬‬

‫فقيرا فالذي يظهر‬


‫ً‬ ‫وأما إذا كان في أزمنة ل يوجد فيها مساكن أو كان اإلنسان‬

‫وللا أعلم أن ذلك واجب‪ ،‬ومن لم يكرم ضيفه فإنه آثم‪.‬‬

‫ثم ذكر رسول للا صلى للا عليه وسلم خصيصةً لمن كان حول اإلنسان من أهل‬

‫اآلخر فَليُ ْك لرم َج َ‬


‫اره}‪ :‬إشارةً إلى‬ ‫ل‬ ‫ؤمنُ ِّ ل‬
‫باِل َواليَ ْو لم‬ ‫بلده وهو الجار { َمن ك َ‬
‫َان يُ ل‬

‫حق الجوار؛ ولهذا ذكر رسول للا صلى للا عليه وسلم أن جبريل ما زال‬

‫يوصيه بالجار حتى ظن أن للا سيورثه؛ يعني يجعله من ضمن الورثة‪ ،‬من‬

‫األبناء والبنات والزوجات ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وحق الجار عظيم باعتبار أنه مأمون الغدر والخيانة‪ ،‬فإن اإلنسان ل يمكن أن‬

‫تستقر به دار إل عند جار يأمن؛ لهذا عظم الزنى بحليلة الجار أعظم من الزنى‬

‫المطلق‪ ،‬ألن اإلنسان أتى جاره مما يأمنه فعظم‪ ،‬بخلف الذي يأتي غيره من‬

‫غير أمان‪ ،‬ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬وللا ل يؤمن وللا ل‬

‫يعني‪ :‬مصائبه و ما‬ ‫متفق عليه‬ ‫يؤمن وللا ل يؤمن من ل يأمن جاره بوائقه)‬

‫يحل بجاره من فجور وفسوق‪ ،‬ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم لما‬

‫صحيح البخاري ‪ 6345‬و أخرجه‬ ‫سئل‪ :‬أي الذنب أعظم قال‪( :‬أن تزاني بحليلة جارك)‬

‫يعني أن تقع عليها في حرام‪ ،‬فهو أعظم من الزنى في غيرها‪ ،‬ألن هذا‬ ‫مسلم ‪84‬‬

‫موضع أمان وللجار في ذلك حق‪ ،‬وحق الكمال في ذلك أن يحسن إليه‪ ،‬ودون‬

‫ذلك أن يكف شره عنه وأن يصبر على أذاه الذي يأتيه منه‪ ،‬فإن رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم هو قدوة الخلق في هذا مع األبعدين‪ ،‬حتى وإن كانوا من‬

‫جيرانه ممن لم يكن من أهل اإلسلم‪ ،‬فكان رسول للا صلى للا عليه وسلم لَه‬

‫جار يهودي يعوده عليه الصلة والسلم‪ ،‬وقد كان لعبد للا بن عمر جار يتعاهده‬

‫بالطعام من أهل الكتاب يبعث بطعامه إليه‪.‬‬

‫وهذا من هدي دمحم صلى للا عليه وسلم ومن مكارم األخلق‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســــادس عشر‬

‫بي ل ﷺ‪ :‬أ َ ل‬
‫وص لن ْي‪ ،‬قَال‪( :‬لَ‬ ‫ع ْنهُ أَن َر ُجلً قَا َل لللن ِّ‬ ‫ع َْن أ َ لبي ُه َري َْرةَ َر لض َ‬
‫ي للاُ َ‬

‫ت َ ْغ َ‬
‫ض ْب)‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫هذا طلب للوصية والنصيحة‪ ،‬وفيه أهمية استدرار العلم والفائدة من الغير‬

‫بطلبها وأل ينتظر اإلنسان بذلها‪ ،‬سواء كان من الوصايا العامة أو كان من العلم‬

‫المبذول الخاص‪ ،‬فينبغي لإلنسان أن يسأل من غير مماراة‪.‬‬

‫ولهذا طالب العلم يوفق إلى معرفة الحق بالسؤال‪ ،‬سؤال أهل العلم خاصة وأل‬

‫كثيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫خيرا‬
‫يماري أهل العلم فيحرم بذلك ً‬

‫خيرا‬
‫ولهذا يقول أبو سلمة‪( :‬كنا نماري عبد للا بن عباس فحرمنا بسبب ذلك ً‬

‫كثيرا)‪ ،‬والمراد بالمماراة أي‪ :‬أننا نجادله ونناقشه في ذلك‪ ،‬فهذا يجعل العالم‬
‫ً‬

‫يحجم عن إبداء الخير والعلم‪ ،‬وإن أراد أن يخرج وجد في نفسه إحجا ًما عن‬

‫بذل الخير؛ فإنه إذا اعتاد من هذا الطالب أنه يبحث عن دقائق األمور ويجادل‬

‫و إن كان يتصنع أحجم العالم عن بذل الفائدة والعلم؛ فيقول لو أخرجتها‬

‫لسترسل في النقاش حولها فيما ل يجدي‪ ،‬ولهذا ل يبدي كثيرا من مسائل العلم‬

‫‪150‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫دفعًا لتلك المفسدة؛ ولهذا نَدَم أبو سلمة ‪-‬عليه رحمة للا‪ -‬بمماراته لعبد للا بن‬

‫عباسة أنه كان ل يعطيه ما كان يعطيه في السابق مما يخص به غيره من‬

‫المقربين من أصحابه‪ ،‬كعكرمة مولى عبد للا بن عباس وغيرهم؛ ولهذا ينبغي‬

‫لإلنسان أن يتوسط في العلم و يتحصل العلم وأن يسأل فيما أشكل عليه وأن‬

‫يبحث؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم في أبواب الستفهام والسؤال أن ل يقلل من‬

‫شأنه عند العالم أو عند المستفتَى‪ ،‬فإذا أشكلت عليه مسألة من المسائل وهو‬

‫موصوف بطلب العلم يبحث عنها بنفسه‪ ،‬فإنه إذا أكثر من السؤال للعالم عن‬

‫الضئيل الدقيق والجليل والعظيم أو الحقير من مسائل العلم؛ فيسأل عن كل‬

‫شيء ورد إلى ذهنه‪ ،‬استصغره العالم‪ ،‬ولم يجبه في كل سؤال يسأله؛ فإن‬

‫طالب العلم ل يسأل إل عن ما استشكل عليه ولم يجد له جوابًا في نفسه‪ ،‬لهذا‬

‫ينبغي لإلنسان أن يربي نفسه على البحث والنظر وتقصي المعلومة فإذا أشكل‬

‫عليه شيء رجع إلى أهل العلم‪ ،‬ولهذا ل يليق بطالب علم مختص يعتني أن‬

‫يسأل عن حديث وهو في الصحيحين‪ ،‬أو يسأل عن حديث وعلته ظاهرة بينة‬

‫يقف عليها بأسهل سبيل؛ بخلف العلل الدقيقة وما يخفى على اإلنسان بعد‬

‫البحث؛ والعالم يفرق بين طالب العلم الذي يستطيع البحث والنظر ويفرق بين‬

‫المتوسطين من الناس الذين ل يعتنون بمسائل العلم‪ ،‬فذاك مسألته ربما‬

‫‪151‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫قدرا إن أكثر منها‪ ،‬وذاك ربما تقربه مسألته قربًا ولو كانت مشابهة‬
‫تنقصه ً‬

‫لغيره‪.‬‬

‫وهذا رجل سأل رسول للا صلى للا عليه وسلم واستنصحه واستوصاه‪ ،‬فقال له‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم { َل ت َ ْغ َ‬


‫ض ْب}‪ :‬في هذا الجواب الذي ربما ل‬

‫ستنصح من‬
‫يتبادر إلى ذهن السائل حينما يُسأل أن النبي عليه الصلة والسلم ا ُ‬

‫قبل رجل فبماذا نصحه؟ فالغالب أنه ل يتبادر إلى ذهن اإلنسان أن الناصح يقول‬

‫له ل تغضب إل لسبب ُوجد في السائل؛ أما أن يكون الرجل غضوبًا ونحو ذلك‪،‬‬

‫أو أنه يتعامل معاملة تستوجب الغضب‪ ،‬كأن يكون قاضيًا أو يفصل بين خصوم‬

‫أو يتعامل بالبيع والشراء ونحو ذلك فيلزم منه ممارسته لهذا العمل غضب‪،‬‬

‫فاستحق الوصية بهذه الخصيصة‪.‬‬

‫ولهذا كثير من أسباب ورود الحديث ل يذكرها النقلة وينقلون الخبر؛ وينبغي‬

‫لطالب العلم إذا أراد أن يقف على معنى حديث بكليته أن يرجع في ذلك إلى‬

‫المسانيد والمعاجم‪ ،‬فإن المسانيد والمعاجم تورد األحاديث بتمامها وتتضمن في‬

‫كثير من األحيان أسباب ورود الحديث‪ ،‬بخلف األحاديث التي توضع تحت‬

‫أبواب وتراجم فإنها تختصر بحسب خصيصة الباب التي ورد فيها‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولهذا ينبغي لطالب العلم أن ينظر في المسانيد والمعاجم‪ ،‬كذلك أن ينظر في‬

‫جمع طرق الخبر الواحد حتى تقع لديه أسباب ورود الحديث حتى يفسره على‬

‫كثيرا فيجيب بأجوبة مختلفة‬


‫ً‬ ‫وجهه‪ ،‬ورسول للا صلى للا عليه وسلم يستنصح‬

‫بحسب حال السائل‪ ،‬أو ربما بحسب حال السامع لديه‪ ،‬كما كان النبي والسلم‬

‫مع جبريل ويعلم أن جبريل يعلم هذه األحكام‪ ،‬فأجاب مري ًدا لمن كان سامعًا‪ ،‬فإذا‬

‫سئل بسؤال ويعلم أن الذي سأل هو من أهل الكمال والصدق فل يحتاج إلى‬

‫جواب ناسب أن يجاوب جوابًا يحتاجه من عنده من الناس‪ ،‬كذلك أي ً‬


‫ضا فإنه إذا‬

‫وجد في الشخص نقصانًا في باب من األبواب كالصلوات يجيبه بالعناية‬

‫بالصلة‪ ،‬وإذا كان فيه نقصان بمراقبة للا عز وجل واإلخلص أوصاه‬

‫كثيرا أي العمل أفضل؟‬


‫ً‬ ‫باإلخلص‪ ،‬لهذا رسول للا صلى للا عليه وسلم يسأل‬

‫فيقول‪( :‬اإليمان بالل) وتارة يقول‪( :‬إقامة الصلة) وتارة عليه الصلة والسلم‬

‫يقول‪( :‬إطعام الطعام) وهذا يدل على أن هذا يختلف بحسب حال السائل‪.‬‬

‫وإنما قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪َ { :‬ل ت َ ْغ َ‬


‫ضب} هنا يظهر لحاجة السائل‬

‫في ذاته فإنه غضوب‪ ،‬والغضب يعرف غليان دم القلب الذي يدفع الشخص‬

‫للنتقام‪ ،‬يعني النتقام ممن غضب ألجله‪ ،‬واإلنسان حينما يجد أسباب الغضب‬

‫ينبغي أن يبحث عن أسباب الرضا ودفع الغضب‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ونهي النبي عليه الصلة والسلم هنا بقوله‪َ { :‬ل ت َ ْغ َ‬
‫ض ْب} ليس بذات الغضب‬

‫وإنما هو عدم التعرض ألسباب ما يغضب اإلنسان؛ من الجدل والمراء‪ ،‬أو‬

‫المواضع التي تكثر فيها اللجاجة؛ ولهذا كان السلف الصالح ل يحضرون‬

‫مجالس الخصومات‪ ،‬ولهذا علي بن أبي طالب عليه رضوان للا تعالى حينما‬

‫تكون بينه وبين أحد خصومة عند قاض ينيب غيره؛ فإن هذه الخصومات‬

‫يحضرها الشيطان‪ ،‬فيبتعد اإلنسان عن مواضع الغضب‪ ،‬والغضب هو ما يدفع‬

‫كثيرا من الناس إلى كثير من الشرور‪ ،‬فإن القاتل ل يقتل وهو راض‪ ،‬والذي‬
‫ً‬

‫يتعدى على الدماء واألجساد بالضرب واللطم و الشجاج‪ ،‬ل يفعل ذلك وهو‬

‫راض‪ ،‬والذي يسب ويقذف ل يفعل وهو راض‪ ،‬فلما كانت هذه األمور تقع من‬

‫اإلنسان في حال غضب ينبغي له أن يقطع أصلها وما تستوقد منه من جذوة‬

‫فيطفئها بماء البعد عن أسباب الغضب‪ ،‬وفي هذا أيضا إشارة إلى استحباب‬

‫تكرار الفائدة لمن يحتاجها‪ ،‬فإن هذا قد راجع رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫مرارا فأعادها عليه؛ وهذه من عادة رسول للا صلى للا عليه وسلم أنه كان إذا‬
‫ً‬

‫تكلم تكلم ثلث ًا حتى يسمع عنه؛ وقد ترجم على ذلك البخاري عليه رحمة للا‬

‫في كتاب العلم فقال باب من أعاد الحديث ثلث ًا ليفهم عنه‪ ،‬فأسند عن رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم أنه كان إذا تكلم تكلم ثلث ًا وإذا سلم سلم ثلث ًا حتى يسمع‬

‫عنه‪ ،‬فإذا كان هذا في أصل حديثه فإنه فيما يستفيد به اإلنسان ينبغي أن‬

‫‪154‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يكرره لمن طلبه‪ ،‬وأل يمل المتكلم والعالم في إفادة الناس ونفعهم‪ ،‬وأما ما‬

‫يمله الناس من تكرار الحديث بقولهم‪( :‬ألن أحمل الحديد والصقر أهون من أن‬

‫أكرر الكلم)‪ :‬هذا كلم ليس من هدي النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬والفائدة‬

‫العلمية تكرر إل عند من ل يفهم‪ ،‬ينبغي أل يُعَلم ألنه ربما يفهم العلم على‬

‫وجهه‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســــابع عشر‬

‫للا ﷺ قَا َل‪:‬‬ ‫ع ْنهُ ع َْن َر ُ‬


‫سو لل ل‬ ‫بن أ َ ْوس َر لض َ‬
‫ي للاُ تَعَالَى َ‬ ‫ع َْن أَبلي َي ْعلَى شَدا لد ل‬

‫سنُوا ال لقتْلَةَ‪َ ،‬و لإ َذا َذبَحْ ت ُ ْم‬


‫علَى ُك ل ِّل شَيء‪ ،‬فَ لإ َذا قَت َ ْلت ُ ْم فَأَحْ ل‬ ‫س َ‬
‫ان َ‬ ‫اإلحْ َ‬
‫ب ل‬‫للا َكت َ َ‬
‫(إلن َ‬

‫سنُوا ال لذِّ ْب َحةَ‪َ ،‬و ْليُ لحد أ َ َح ُد ُك ْم َ‬


‫ش ْف َرتَهُ‪َ ،‬و ْليُ لرحْ َذ لب ْي َحتَهُ)‪.‬‬ ‫فَأَحْ ل‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫تعليــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫في هذا الحديث حث رسول للا صلى للا عليه وسلم على اإلحسان وتقدم الكلم‬

‫على هذا المعنى‪ ،‬معنى اإلحسان‪ ،‬وحينما عمم رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫اإلحسان هنا؛ أراد اإلحسان المتعدي إلى الغير قال‪{ :‬نَِّ اللَِّهَ كَﺘَﺐَ الْإلحْﺴَانَ عَلَى‬

‫كُﻞِّل شَيْﺀ} والكَتب هو الفرض والتنزيل‪ ،‬وأصله في لغة العرب‪ :‬الجمع‪ ،‬ولهذا‬

‫يقول الشاعر‪:‬‬

‫على قلوصك واكتبــــها بأسيـــار‬ ‫ل تَأ َمنَن َ‬


‫فز لاريًّـــا َخلــــــ ْوتَ لبـــ له‬

‫يعني أجمعها؛ ويسمى الكتاب كتابًا لجتماع أوراقه بعضها مع بعض‪.‬‬

‫علَ ْيكُم‬
‫وال َكتْب هو التشريع واإلنزال والفرض؛ ولهذا قال للا جل وعل ‪ُ {:‬كتلب َ‬

‫َ‬
‫اإلحسان على كل‬ ‫صيَام}؛ يعني فرض عليكم‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪{ :‬‬
‫ال ل ِّ‬

‫‪156‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫شيء}‪ ،‬يعني سواء كان من بني آدم أو كان من البهائم؛ فإن القسوة والشدة‬

‫واليذاء ل تأتي بخير‪ ،‬والرفق مطلوب من اإلنسان؛ وحينما أشار رسول للا‬

‫صلى للا عليه وسلم باإلحسان على كل شيء؛ أراد أن يأتي بكلم ُمجمل ثم‬

‫يفصله بعد ذلك‪ ،‬وهذا من البيان؛ أن اإلنسان حينما يريد أن يتكلم على جزئية‬

‫معينة ينبغي أن يؤصل لها قبل الولوج فيها؛ فرسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫حينما أراد أن يتكلم عن القتلة وذبح البهائم؛ أصل لمعنى اإلحسان بشموله‬

‫سان علَى كل شَيء}‪ ،‬ثم أراد عليه الصلة والسلم أن‬


‫فقال‪{ :‬إن ّللا َكتَب اإلحْ َ‬

‫يفرع بقوله‪{ :‬فإذا قَتَلت ُ ْم فَأَح ل‬


‫سنوا ال لقتْ َلة} قيل‪ :‬أن المراد بذلك هو ما يتعلق بمن‬

‫صا‪ ،‬فإنه‬
‫صبرا؛ فمن احتليج إلى إزهاق نفسه قو ًدا قصا ً‬
‫ً‬ ‫استوجب القتل؛ فل يقتل‬

‫يحسن في قتلته وإزهاق نفسه‪ ،‬فل يقتل تعذيبًا بأمور التعذيب؛ ولهذا حرمها‬

‫الشارع بإسقاء السم الذي يتجرعه اإلنسان أيا ًما ويتألم حتى يموت أو التحريق‬

‫صبرا؛ أو قطع األطراف ونحو ذلك؛ وقطع الذراع حتى يُستأصل‬


‫ً‬ ‫بالنار أو القتل‬

‫اإلنسان‪ ،‬هذا من التعذيب المنهي عنه؛ ولهذا شرع اإلسلم القتل بالسيف‪ ،‬وكان‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم يقتل بذلك‪ ،‬ويُستثنى من ذلك الزنا في المحصن‬

‫لبشاعة فعله‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قال عليه الصلة والسلم {فَأَح ل‬


‫سنوا ال لقتْلَة}‪ :‬وفيه أن األعمال التي تُستبشع في‬

‫ظاهرها ل توصف بالشر على سبيل النفراد وإنما تقرن بغيرها‪ ،‬فمن اعتُدي‬

‫عليه واعتَدى على من اعتَدى عليه ل يسمى انتقامه بمثل ما انت لقم منه ً‬
‫شرا؛‬

‫وإنما يوصف بالعدوان والقصاص‪ ،‬ولهذا لإلنسان الحق إذا لُطم أن ل‬


‫يلطم‬

‫والصابر مأجور في ذلك إذا لم ينتقم وكاتم الغيظ كذلك‪.‬‬

‫{ لإ َذا قَتَلتُم فَأَح ل‬


‫سنوا ال لقتْلَة} أي أن إزهاق النفس إحسان‪ ،‬وأن يزاد في ذلك‬

‫اإلحسان بعدم أذية النفس‪ ،‬قال‪َ { :‬و لإ َذا َذبَحْ تُم فأَح ل‬
‫سنوا الذِّلبحة} يعني أحسنوا‬

‫العمل‪ ،‬وقد جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم وصف تلك الذبحة‪{ :‬وليحد‬

‫أ َ َحدكم شَفرته وليرح ذبي َحتَه} مما يدل على أن تعذيب البهيمة مما يحاسب عليه‬

‫وشعورا وتأل ًما من التعذيب‪ ،‬بل ذكر بعض‬


‫ً‬ ‫سا‬
‫اإلنسان؛ فإن للبهيمة إحسا ً‬

‫العلماء أنها ربما تدرك وتعقل من بعض األمور ما ل يعقله بنو آدم؛ ولهذا يقول‬

‫بعض العلماء في أمر إدراك البهائم ألمر الساعة وعذاب القبر؛ مما ل يسمعه‬

‫بنو آدم فيقول ابن عبد البر عليه رحمة للا (في هذا دليل على أن البهائم تدرك‬

‫من أمر الساعة ما ل يدركه بنو آدم) ولهذا يقول رسول للا صلى للا عليه‬

‫صحيح‬ ‫ص لب ُح َي ْو َم ا ْل ُج ُم َع لة ُم لصي َخةً)‬


‫ي تُ ْ‬ ‫علَى ْاأل َ ْر ل‬
‫ض لم ْن دَابة لإل َو له َ‬ ‫وسلم‪َ ( :‬ما َ‬

‫يعني تنتظر قيام الساعة‪ ،‬وهذا ترقبها لهذا الشيء وهي بهيمة‬ ‫النسائي ‪5640‬‬

‫‪158‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يدل على أن لديها نوع من اإلدراك ولكن هذا اإلدراك ل يؤهلها للخطاب‪،‬‬

‫واإلجابة بالعمل؛ فإذا أدركت البهيمة أمر الساعة فينبغي لبني آدم أن يدركوا‬

‫هذا األمر وأن يستعدوا له‪ ،‬فإذا كانت البهائم فيما بينها يكون بينها القصاص‬

‫كما قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬لتؤدن الحقوق إلى أهلها وليقتصن‬

‫يعني‪ :‬هل يكون ذلك‬ ‫رواه مسلم ‪4184‬‬ ‫للا من الشاة القرناء للشاة الجماء)‬

‫القصاص بحسنات وسيئات؟ فل يوجد حسنات وسيئات؛ ولكن هل تتناطح؟ للا‬

‫أعلم بصفة القصاص؛ فإذا كان هذا بين البهائم هل يكون بين بني آدم والبهائم‬

‫من القصاص؟ فإذا تعدى أحد على بهيمة هل يكن لها من حق القصاص ما‬

‫يكون بينها يوم القيامة؟ ظاهر النص أنه يكون‪ ،‬هل هذا يكون بنوع من‬

‫القصاص كحال البهائم فيما بينها يوم القيامة مما هو مضمر أم هو على صفة‬

‫خاصة بين البهائم وبين بني آدم؟‬

‫يقال‪ :‬أن للا جل وعل أعلم بصفته وهذا مما ل أعلم في تفصيله ً‬
‫دليل‪ ،‬ولكن‬

‫اإلنسان يعاقب على أذنيته للبهيمة وعدم إحسانه إليها؛ لهذا رسول للا صلى‬

‫للا عليه وسلم قال‪{ :‬ليحد أ َ َحدكم شَفرته} وهي المدية أي‪ :‬السكين‪ ،‬و{ليرح‬

‫َذبي َحتَه} يعني لكيل تتألم‪ ،‬ومن تعمد إيذاء البهيمة بقطع أعضائها قبل موتها‬

‫فإنه آثم بذلك ويستحق العقاب وللا أعلم بصفته‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثــــــامن عشر‬

‫ع ْن ُه َما‬
‫ي للاُ َ‬ ‫بن ُجنَا َدةَ َوأَبلي َ‬
‫ع ْب لد الرحْ َم لن ُمعَا لذ بل لن َجبَل َر لض َ‬ ‫ب ل‬‫ع َْن أَبل ْي َذ ِّر ُج ْن ُد ل‬

‫سنَةَ ت َ ْم ُح َها‪،‬‬
‫ق للاَ َح ْيث ُ َما ُك ْنتَ ‪َ ،‬وأَتْ لب لع الس ليِّئَةَ ال َح َ‬
‫للا ﷺ قَا َل‪( :‬ات ل‬ ‫ع َْن َر ُ‬
‫سو لل ل‬

‫اس بل ُخلُق َح َ‬
‫سن)‪.‬‬ ‫َو َخا لل ل‬
‫ق الن َ‬

‫رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪ .‬وفي بعض النسخ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫هذا الحديث وهو حديث معاذ بن جبل وأبي ذر‪ :‬قد جاء عند الترمذي وغيره من‬

‫حديث حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب به‪ ،‬والصواب في ذلك‬

‫ً‬
‫مرسل عن رسول للا صلى للا‬ ‫اإلرسال ألنه من حديث ميمون بن أبي شبيب‬

‫ً‬
‫موصول؛ وهو من جهة المعنى صحيح‪.‬‬ ‫عليه وسلم ول يصح‬

‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬اتق ّللا َحيث ُ َما كنت} فيه دليل على أن اإلسلم شامل‬

‫إلصلح الباطن والظاهر‪ ،‬العام والخاص في حال اإلنسان‪ ،‬وأنه ينبغي أن يتقي‬

‫محصورا في المساجد؛ وليس هو عبادات‬


‫ً‬ ‫للا في كل موضع‪ ،‬وأن اإلسلم ليس‬

‫سا؛ وإنما هو في كل موضع حاضر مع اإلنسان لهذا قال عليه الصلة‬


‫وطقو ً‬

‫والسلم {اتق ّللا َحيث ُ َما كنت}‪ :‬يعني في كل موضع؛ في الطريق‪ ،‬في الدار‪ ،‬في‬

‫‪160‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫السيارة‪ ،‬في البر‪ ،‬والبحر‪ ،‬أثناء البيع‪ ،‬والشراء‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فيضبط اإلسلم‬

‫معاملت الناس‪.‬‬

‫وتقوى للا هي أن يجعل اإلنسان بينه وبين عذاب للا وقاية؛ فالتقوى‪ :‬مشتقة‬

‫من الوقاية؛ أن يجعل اإلنسان بينه وبين عذاب للا جل وعل َح ً‬


‫اجزا يقيه وهذا‬

‫الحاجز هو الترك؛ أبواب التروك للمحرمات والفعل للواجبات‪ ،‬كذلك أي ً‬


‫ضا من‬

‫الحواجز‪ :‬الستغفار‪ ،‬فيكثر اإلنسان من الستغفار والتوبة‪ ،‬ويكثر من أنواع‬

‫المكفرات من الحسنات التي تذهب السيئات؛ لهذا قال عليه الصلة والسلم‬

‫مبينًا هذا األمر‪{ :‬وأَتبع السيئة الحسنة تمحها} ففي قوله عليه الصلة والسلم‬

‫بعد األمر بتقوى للا أيًا ما كان اإلنسان أن يتبع السيئة الحسنة تمحها فيه‬

‫إشارة إلى أن السيئة تقع من اإلنسان و مفروغ منها ول أحد معصوم‪ ،‬وإنما‬

‫أشار إلى تكفير السيئة؛ وهو أن يتبعها الحسنة‪ ،‬وهذا ظاهر في قول للا جل‬

‫ت يُذ له َ‬
‫بن الس ليِّئَا ل‬
‫ت‬ ‫سنا ل‬ ‫وعل‪َ ( :‬وأ َ لق لم الصلةَ َط َرفَي ل الن ل‬
‫هار َو ُزلَفًا لم َن اللي لل لإن ال َح َ‬

‫ذ للكَ ذلكرى لللذِّا لكرين) وهذا من مكفرات السيئات‪ ،‬يعني العمل الصالح‪ ،‬والعلماء‬

‫عليهم رحمة للا يقولون أنه كما أن الحسنة تذهب السيئة كذلك فإن السيئة‬

‫تذهب ما يقابلها من الحسنات وهذا ظاهر في قول للا جل وعل‪َ ( :‬يا أَيُّ َها الذ َ‬
‫لين‬

‫ي ل َو َل تَجْ َه ُروا لَهُ بلا ْلقَ ْو لل َك َجه لْر بَ ْع لض ُك ْم‬


‫ت النبل ِّ‬ ‫آ َمنُوا َل ت َ ْرفَعُوا أَص َْوات َ ُك ْم فَ ْوقَ َ‬
‫ص ْو ل‬

‫‪161‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫للبَ ْعض أَن تَحْ بَ َط أ َ ْع َمالُ ُك ْم َوأَنت ُ ْم َل ت َ ْ‬
‫شعُ ُر َ‬
‫ون) فلما ذكر إحباط العمل والمخاطب‬

‫بذلك أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم دل على أن فعلهم ذلك لم يخرجهم‬

‫من اإليمان؛ ولكنه ربما يكون سببًا إلحباط العمل‪ ،‬كذلك في قول للا جل وعل‪:‬‬

‫ص َدقَاتلكُم بلا ْل َم لِّن َواأل َذى) ويعني أن اإلنسان إذا‬ ‫(يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫لين َءا َمنُواْ لَ تُب لْطلُواْ َ‬

‫فعل حسنًا يبطله بما يقابله من منكر يفعله سواء كان بنقيض تلك الحسنة‬
‫فعل ً‬

‫أو كان بسيئة أخرى يقع فيها اإلنسان؛ ولهذا قد روى اإلمام أحمد في كتابه‬

‫المسند من حديث أبي إسحاق عن أمه عن عائشة عليها رضوان للا تعالى أنها‬

‫قالت ألم زيد بن األرقم لما تبايع زيد بالعينة‪( :‬أخبريه أنه قد أبطل جهاده مع‬

‫اإل َما ُم أَحْ َمدُ‪َ ،‬و َ‬


‫س لعي ُد ْبنُ َم ْن ُ‬
‫صور‬ ‫ر َواهُ ْ ل‬ ‫رسول للا صلى للا عليه وسلم إل أن يتوب)‬

‫يعني أن اإلنسان إذا وقع في شيء من أنواع الكبائر أن ذلك يوجب إبطال‬

‫الحسنات وهذا ظاهر وإبطال السيئة للحسنة على نوعين‪:‬‬

‫‪ ‬إبطال الحسنة بفعل نقيضها‪ ،‬ونقيضها أن يتصدق اإلنسان مثل بصدقة‬

‫ويبطلها بما ينقض تلك الصدقة وهو المن واألذى‪ ،‬ومعلوم أنه إذا لم‬

‫توجد الحسنة يعني الصدقة فإنه يوجد المن أي عكسها‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪ ‬والحالة الثانية‪ :‬أن يبطلها بذنب آخر؛ كحال الذي يرفع صوته عند صوت‬

‫رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ،‬ربما أبطل صلة أو صيا ًما أو صدقةً أو‬

‫نس ًكا‪ ،‬فتكون حينئذ من غير جنسها‪.‬‬

‫لهذا ينبغي لإلنسان أن يحذر من هذا الباب وهو إحباط الحسنات بالسيئات‪،‬‬

‫وكما أن السيئة تُحبط وتزول بالحسنة كذلك أيضا العكس وفضل للا عز وجل‬

‫واسع‪.‬‬

‫سن} أشار إلى الخلق الحسن بعد‬


‫بخلق َح َ‬
‫ل‬ ‫وقوله على والسلم‪َ { :‬و َخالق الناس‬

‫ذكر تقوى للا ومحو السيئة بالحسنة‪ ،‬فكأنه أشار عليه الصلة والسلم إلى‬

‫جملة من التفاصيل فذكر عَا ًّما ثم خصه بخصيصة‪ ،‬ثم ذكر خصيصة منه؛ فقال‪:‬‬

‫{اتق ّللا َحيث ُ َما كنت} فذكر تقوى للا جل وعل على سبيل العموم؛ وهي‬

‫المتضمنة لجتناب النهي قدر اإلمكان‪ ،‬وفعل األمر قدر المستطاع‪ :‬وهذا عام‪.‬‬

‫ثم ذكر عليه الصلة والسلم بابًا واح ًدا من أبواب التقوى؛ وهو فعل الحسنة‪،‬‬

‫وهذا إشارة إلى شطر أعمال البر‪.‬‬

‫ثم ذكر بعد ذلك عليه الصلة والسلم خصلة من أعمال الحسنات‪ ،‬وهي حسن‬

‫سن} وهذا فيما‬


‫بخلق َح َ‬
‫ل‬ ‫الخلق‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪َ { :‬و َخالق الناس‬

‫يظهر إشارة إلى باب التكفير‪ ،‬فإن أعظم ما يكون في ميزان اإلنسان يوم القيامة‬

‫‪163‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫هو حسن الخلق؛ كما روى الترمذي وغيره‪ :‬قال صلى للا عليه وسلم‪ :‬عن أبي‬

‫الدرداء رضي للا عنه‪ :‬أن النبي صلى للا عليه وسلم‪ ،‬قال‪( :‬ما من شيء أثقل‬

‫الخلق)‪ .‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث‬ ‫في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن‬

‫حسن صحيح‬

‫‪164‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث التــــاسع عشر‬

‫بن عَباس رضي للا عنهما قَا َل‪ُ :‬ك ْنتُ َخ ْل َ‬


‫ف النبي ﷺ‬ ‫للا ل‬ ‫ع َْن أَبلي عَباس َ‬
‫ع ْب لد ل‬

‫للا يَحفَظك‪ ،‬احْ فَ لظ َ‬


‫للا ت َ لجدهُ‬ ‫غلَ ُم إلنِّي أ ُ َ‬
‫ع للِّ ُمكَ َك لل َمات‪ :‬احْ فَ لظ َ‬ ‫يَو َما ً فَقَا َل‪( :‬يَا ُ‬

‫ست َ لعن لباللل‪َ ،‬وا ْعلَم أَن األ ُ ِّمة لو‬


‫ست َ َعنتَ فَا ْ‬ ‫سأ َ لل َ‬
‫للا‪َ ،‬و لإ َذا َ ا ْ‬ ‫سأ َ ْلتَ فَا ْ‬
‫ت ُ َجا َهكَ ‪ ،‬لإ َذا َ َ‬

‫علَى أن يَنفَعُوكَ بلشيء لَ ْم يَ ْنفَعُوكَ إلل بلشيء قَد َكتَبَهُ للاُ لَك‪ ،‬وإلن‬
‫اجْ ت َ َمعَت َ‬

‫علَى أ َ ْن يَض ُُّروكَ لبشيء لَ ْم يَضروك إل بشيء قَد َكتَبَهُ للاُ َ‬


‫علَ ْيكَ ‪ُ ،‬رفعَت‬ ‫الجْ ت َ َمعوا َ‬

‫ف) رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح ‪ -‬وفي رواية‬


‫ص ُح ُ‬ ‫األ َ ْقل ُم‪َ ،‬و َجفِّ ل‬
‫ت ال ُّ‬

‫عر ْفكَ في‬


‫خاء يَ ل‬
‫للا في الر ل‬ ‫لحفظ للاَ تَج ْدهُ أ َ َما َمكَ ‪ ،‬تَعَر ْ‬
‫ف إلى ل‬ ‫غير الترمذي‪( :‬ا ل‬

‫خطئكَ ‪َ ،‬وا ْعلَ ْم‬ ‫الشِّد لة‪َ ،‬وا ْعلَم أن َما أَخطأكَ لَ ْم يَكُن لليُصيبكَ ‪َ ،‬و َما أ َ َ‬
‫صابَكَ لَ ْم يَكُن لليُ ل‬

‫ب‪َ ،‬وأَن َم َع العُ ل‬


‫سر يُسرا ً)‪.‬‬ ‫أن النص َْر َم َع الصب لْر‪َ ،‬وأَن الفَ َر َ‬
‫ج َم َع الكَر ل‬

‫تعليــــق الشيــــخ‪:‬‬

‫غلم إ لنِّي أُعل ُمك كَل َما ل‬


‫ت} فيه أهمية تنبيه‬ ‫في قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬يَا ُ‬

‫مجاورا وقريبًا؛ إشارة إلى شحذ انتباهه وجذب فكره‬


‫ً‬ ‫السامع بالنداء ولو كان‬

‫إليه ليسمع ما يهمه؛ لهذا قال عليه الصلة والسلم لعبد للا بن عباس‪{ :‬يَا‬

‫صغيرا فيقال‪ :‬يا‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫غ َلم}‪ ،‬وفيه جواز أن يوصف اإلنسان بما هو عليه؛ ولو كان‬

‫غلم والرجل يقول يا فلن أو يا رجل ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬إ لنِّي أُعل ُمك كَل َما ل‬
‫ت}‪ ،‬وهذا كعادة رسول للا صلى للا‬

‫عليه وسلم في البيان؛ فإنه يذكر اإلجمال ثم يتبعه جملة من التفصيل؛ فقال عليه‬

‫الصلة والسلم‪{ :‬إنلِّي أُعل ُمك كَل َما ل‬


‫ت}‪ ،‬يعني انتبه لها والكلمات هي المعاني‬

‫المحدودة ولو كانت بألفاظ معدودة؛ ولهذا يقال تكلم فلن ك للمة أو ك ْلمة‪ ،‬يعني‬

‫أتى بخطبة أو تكلم كلمات إذا أتى بجملة من المعاني‪.‬‬

‫ّللا يحفَ ْظكَ } المراد بالحفظ هو الصيانة‪ ،‬أن‬


‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬احْ فَ لظ َ‬

‫يحفظ اإلنسان شرائع للا وأوامره‪ ،‬أن يأتي باألوامر على وجهها‪ ،‬وأن يجتنب‬

‫النواهي كما جاءت من الشارع الحكيم من غير زيادة في ذلك ول نقصان‪ ،‬فل‬

‫يكلف اإلنسان نفسه ما ل يطيق من اجتناب المباحات ويوغل في ذلك‪ ،‬فإن هذا‬

‫ً‬
‫سبيل‪،‬‬ ‫مما هو مكروه‪ ،‬ولكن يدع ما يجره إلى المكروهات ما استطاع إلى ذلك‬

‫ويتقلل مما ل بأس به خشية أن يقع فيما به بأس‪ ،‬وفي هذا إشارة إلى أن‬

‫الجزاء من جنس العمل؛ فقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬احْ فَظ ّللا َيحفَظكَ ؛ احْ فَظ‬

‫ّللا ت َ لجده ت َجا َهك} أي أن للا جل وعل يجازيك بجنس حفظك لل جل وعل و‬

‫المراد بحفظ للا لعبده‪ ،‬يأتي تفسيره؛ فهذه األلفاظ ألفاظ إجمال‪.‬‬

‫قال‪{ :‬احفَظ ّللا ت َ لجد ُه تجا َهك}‪ :‬والحفظ في هذا اللفظ هو الحفظ في المعنى‪،‬‬

‫وإنما كرره للحاجة إليه؛ ولتنوع ثواب للا جل وعل وحفظ عبده له‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ت ُ َجا َهك} يعني‪ :‬تجده أينما كنت من جهة اإلعانة والتوفيق‬ ‫وقوله {تجدْه‬

‫والسداد في ظاهر أمرك وباطنه؛ ولهذا اإلنسان يطلب ويسأل للا جل وعل‬

‫اإلعانة‪ ،‬فإذا سأله اإلعانة ُوفق‪ ،‬وأعظم سؤال اإلعانة لل جل وعل أن يبادر‬

‫باإلكثار من أنواع العبادة؛ فهذا متضمن لكفاية للا جل وعل لعبده‪ ،‬فكلما كان‬

‫مكثرا من العبادة كان حاف ً‬


‫ظا لل جل وعل مستوجبًا بهذا الحفظ حفظ للا‬ ‫ً‬ ‫اإلنسان‬

‫جل وعل له‪ ،‬وهذا الحفظ أن يحفظه للا جل وعل من الوقوع في المحرمات‬

‫فإن الحسنة كما أنها تذهب السيئة السابقة فإنها تقي كذلك العبد شر سيئة‬

‫أخرى تأتي‪ ،‬فل تتهيأ له حينئذ األسباب‪.‬‬

‫ثم قال عليه الصلة والسلم مبينًا جملة من صفات أو وسائل حفظ العبد لربه‬

‫سأل ّللا} والعبادة بنوعيها الظاهر والباطن إذا علق‬


‫سألت فا ْ‬
‫جل وعل‪{ :‬إذا َ‬

‫اإلنسان أمره فيها لل وفقه للا جل وعل ووقاه‪ ،‬والدعاء بنوعيه؛ دعاء العبادة‬

‫ودعاء المسألة‪ ،‬إن اجتمعا كان اإلنسان من أهل الكمال في باب الحفظ ويكون‬

‫سأل ّللا}‪ :‬السؤال بمعنييه‪،‬‬ ‫له الجزاء حينئذ كذلك‪ ،‬وقوله هنا { َو لإ َذا َ‬
‫سألت فا ْ‬

‫سؤال العبادة وسؤال المسألة؛ فإن اإلنسان إذا تعبد لل جل وعل بالستغفار‬

‫والتوبة والصلة والصدقة فإنه يستجلب بذلك رزقًا‪ ،‬لهذا جعل للا جل وعل‬

‫ً‬
‫فضل عن دفع الشرور‪.‬‬ ‫الستغفار من مجلبة الرزق‪ ،‬من األمطار والولد‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قال‪َ { :‬و لإ َذا ا ْ‬


‫ستَعَ ْنتَ فا ْ‬
‫ست َ لعن بالل}‪ :‬يعني إذا طلبت العون ‪-‬وباب الستعانة أخص‬

‫من باب المسألة‪ -‬من أحد فاطلبه من للا سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا كان السلف‬

‫الصالح ل يعتمدون إل على للا؛ ولو سقط سوط أحدهم وهو على راحلته نزل‬

‫وأخذه بنفسه‪ ،‬فإن هذا فيه اتكال واعتماد على للا جل وعل وكأن اإلنسان‬

‫يكتفي بما وهبه للا من قوة بدنية‪ ،‬ل يتكل على غيره‪ ،‬كذلك فإن اإلنسان ولو‬

‫ُرزق اإلخلص والتعلق بالل جل وعل‪ ،‬إذا تعلق بأمر الناس وما في أيديهم‬

‫ً‬
‫اتكال؛ فابتعد عن التعلق بأمر للا جل وعل‬ ‫استرسل في هذا األمر حتى رزق‬

‫شيئ ًا فشيئ ًا حتى تجرد من ذلك؛ ولهذا ينبغي لإلنسان أن يتعلق وأل يستعين إل‬

‫بالل سبحانه وتعالى قدر إمكانه‪.‬‬

‫قال‪{ :‬واعلم أن األُمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيء‪ ،‬لم ينفعوك إل بشيء‬

‫قد كتبه للاُ لك} وهذا من الكلمات التي علمها رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫للغلم؛ وهو ابن عباس عليه رضوان للا تعالى‪.‬‬

‫وفيه إشارة إلى مسألة القدر‪ ،‬وأن للا جل وعل كتب مقادير الخلئق‪ ،‬وقسم‬

‫سبحانه وتعالى األرزاق‪ ،‬كما في حديث عبد للا بن مسعود رضي للا عنه‬

‫السابق؛ أن للا جل وعل يوكل الملك بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد‪ ،‬فلما‬

‫كان كذلك‪ ،‬ينبغي للمرء أن ل يعلق أمره في هذا إل بالل سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن‬

‫‪168‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الناس ل يغيرون مما كتبه للا على اإلنسان شيئ ًا‪ ،‬وبهذا دفع لإلنسان أن يسأل‬

‫الكريم سبحانه وتعالى وأن ل يتوجه إلى غيره‪ ،‬فإذا علمت حقيقة المسؤول وما‬

‫لديه من سعة فضل وكرم فإنك تتوجه إليه بأخذ حاجتك وإشباع رغبتك‪ ،‬وإذا‬

‫علمت فقر العباد وحالهم مع للا جل وعل انصرفت عنهم‪ ،‬ألنك تعلم عجزهم في‬

‫هذا الباب‪ ،‬ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم بعد ذلك مبينًا عكس هذا‬

‫المعنى‪{ :‬ولو اجتمعوا على أن يضروكَ بشيء‪ ،‬لم يضروكَ بشيء إل قد كتبه‬

‫ّللا عليك} يعني في أبواب الضر وهذا داع ألمرين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬الصبر؛ والصبر مجلبة لتكفير السيئات‪ ،‬وكثير من الناس يظن أنه‬

‫إذا نزلت به مصيبة من المصائب‪ ،‬أنه بذات المصيبة يكفر للا جل وعل عنه‬

‫السيئات وهذا من الوهم والغلط‪ ،‬فإن المصيبة بذاتها ل تكفر وإنما يكفر الصبر‬

‫الذي يلي المصيبة‪ ،‬أما إذا نزلت بشخص مصيبة فشق الجيوب‪ ،‬وحلق الشعر‪،‬‬

‫ولطم الخدود‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية من نياحة ونحو ذلك‪ ،‬فإن هذا ل يثاب‬

‫على تلك المصيبة؛ وإنما ربما يأثم عليها‪.‬‬

‫ولهذا ينبغي للمسلم إذا نزلت به مصيبة أن يكون من أهل الصبر‪ ،‬وأما درجة‬

‫الكمال في ذلك أن يكون من أهل الرضا‪ ،‬وقد اختلف العلماء في الرضا هل هو‬

‫واجب أم ل على قولين؛ وهما روايتين في مذهب اإلمام أحمد‪ ،‬والذي يظهر‬

‫‪169‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وللا أعلم أن الرضا ليس بواجب‪ ،‬بل أن هذا هو المتعين‪ ،‬فإن الرضا درجة من‬

‫الكمال عظيمة ل يدركها إل الخلص‪ ،‬فإن البكاء ربما ينافي الرضا في بعض‬

‫األحيان؛ كذلك األنين والصراخ والتألم من اآللم الموجعة ربما ينافي الرضا؛‬

‫والرضا في ذلك أن يظهر اإلنسان استقامة حاله‪ ،‬وكأنها لم تتغير و كأن للا جل‬

‫وعل و ضع وديعته عنده وأخذها منه كسائر المتاع الذي يستودعه الناس فيما‬

‫بينهم‪ ،‬فإذا وضعوه لم يفرح ألنه ليس له‪ ،‬و إذا أخذوه لم يغضب ولم يحزن؛‬

‫ألنهم أخذوا حقهم في ذلك وهذا مقام اإلنسان في باب الرضا‪ ،‬وهو درجة رفيعة‬

‫ل تكون إل للخلص والكُمل من عباد للا جل وعل‪ ،‬فإذا استحضر اإلنسان أنه ل‬

‫يلحق من األذى إل ما كتبه للا جل وعل عليه دعاه ذلك إلى اإلقدام على أنواع‬

‫البر ولو كانت محفوفة بالمكارة من األسفار والفرائض إلى أداء الحج والعمرة؛‬

‫كذلك الضرب في األرض لطلب العلم و كذلك الجهاد في سبيل للا‪ ،‬وإن كانت‬

‫محفوفة بالمخاطر يعلم أنها من سبل الخير‪ ،‬وأن للا جل وعل إذا قدر لعبده‬

‫شيئ ًا ل دافع له‪ ،‬وإذا قدر لعبده ح ً‬


‫ظا من أمور الخير فإنه آتيه ول محالة‪.‬‬

‫ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ُ { :‬رفلعَت األ َ ْقل ُم و َجفت الصحف} أي‪:‬‬

‫أن ما كتبه للا جل وعل على عبده ل بد أن يأتيه‪ ،‬وقد كتبه للا جل وعل قبل‬

‫أن يخلق الخلئق كما جاء في الصحيح من حديث عمران بن حصين‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قال عليه الصلة والسلم‪{ :‬احْ فَظ ّللا ت َ لجده أ َ َمامك‪ ،‬تَعرف لإلى ِّ‬
‫ّللا فلي الرخاء‬

‫َي ْع لر ْفكَ لفي ال ل ِّ‬


‫شدة} فيه إشارة إلى مسألة ومعنى عظيم؛ وهو أنه في الشدائد‬

‫يتوجه حتى الكفار إلى للا‪ ،‬وتتضرع حتى البهائم ترفع شكواها إلى للا جل‬

‫وعل أكثر من حال الرخاء؛ ولهذا ينبغي للمؤمن أن يترفع عن هذه المعاني من‬

‫معاني البهائم ومعاني الكفرة المعاندين الذين إذا نزلت بهم مصيبة دعوا للا جل‬

‫وعل مخلصين له الدين‪ ،‬كحال الكفرة حينما تجري بهم الفلك في البحر وتموج‬

‫بهم األمواج يدعون للا جل وعل من غير شرك‪ ،‬ولكن إذا نجاهم للا جل وعل‬

‫إلى البر إذا هم يشركون؛ ولكن المؤمن الكامل تكون حاله في أبواب الرخاء‬

‫كحاله في أبواب الشدة‪ ،‬لهذا يستحيي اإلنسان من نفسه إذا نزلت به مصيبة‬

‫وملمة أن يرفع يديه إلى للا ويتذكر حاله قبل ذلك أنه كان من المعرضين عن‬

‫للا جل وعل في أمور الفرائض وأمور اإلحسان والكمال والبذل ونحو ذلك‪،‬‬

‫فإنه لم يقدم لنفسه في مثل هذه الساعات‪ ،‬فمن عرف للا جل وعل في الرخاء‬

‫عرفه للا سبحانه وتعالى في الشدة‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪َ { :‬واْعلَ ْم أَن َما أ َ ْخ َطأَكَ لَ ْم يَك ُْن لليُ لصيبَكَ ‪َ ،‬و َما أ َ َ‬
‫صابَكَ‬

‫لَ ْم َيك ُْن لليُ ْخ لطئ َكَ } متضمن للمعنى السابق أي أن األمور التي قسمها للا جل‬

‫صا بل أنها تسير وفق قدر معلوم دقيق قدره للا جل وعل على‬
‫وعل ل تأتي خر ً‬

‫‪171‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫الخلق سواء في أبواب الخير أو في أبواب الشر‪ ،‬ولهذا قال‪َ { :‬و َما أ َ َ‬
‫صابَكَ لَ ْم‬

‫َيك ُْن لليُ ْخ لطئ َكَ وا ْعلَم أَن النصْر َم َع الصبر} وأشار إلى الصبر بعد أن ذكر أقدار‬

‫للا ِّ‬
‫عز وجل لإلنسان‪ ،‬أي أنه ينبغي أن ل يعلق قلبه فيما هو مكتوب من أمور‬

‫الغيب‪ ،‬ولكن ينبغي أن يأخذ باألسباب‪ ،‬وما جعله للا جل وعل من أسباب ل‬

‫تخالف أسباب الشرع‪ ،‬فيعمل بها حينئذ إن نزلت به مصيبة؛ وجب عليه أن‬

‫يصبر فإن للا جل وعل يعينه‪.‬‬

‫سرا ً} فإن‬ ‫ب‪َ ،‬وأَن َم َع ا ْلعُ ْ‬


‫س لر يُ ْ‬ ‫{ َوا ْعلَ ْم أَن النص َْر َم َع الصب لْر‪َ ،‬وأَن ا ْلفَ َر َ‬
‫ج َم َع ا ْلك َْر ل‬

‫النصر والتمكين‪ ،‬ولهذا ل يمكن ألحد أن‬


‫ُ‬ ‫الصبر‬
‫َ‬ ‫ويعقب‬
‫ُ‬ ‫اليسر يعقب العشر‪،‬‬

‫يمكن في األرض ل في أبواب الجهاد في سبيل للا ول في أبواب الدعوة إلى للا‬

‫ول في أبواب العلم ول في أبواب العمل إل وقد لحقه قبل ذلك من األذى ما يلزم‬

‫معه الصبر؛ ولهذا سئل اإلمام الشافعي عليه رحمة للا‪ :‬أيهما أفضل؟ الرجل‬

‫يُمكن ول يؤذى‪ ،‬أم الرجل يبتلى ثم يمكن؟ قال‪( :‬ل يمكن أن يُ َمكن الرجل حتى‬

‫يبتلى) يعني أن هذا السؤال ليس بصحيح؛ فل يمكن أن يتمكن اإلنسان في‬

‫األرض في أي باب من أبواب التمكن إل وقد ابتلي بنوع من أنواع البلء في‬

‫هذا الباب؛ ولهذا القدوة في ذلك رسول للا صلى للا عليه وسلم مع أن للا جل‬

‫وعل عصمه من الناس في قوله‪( :‬وللا يعصمك من الناس) لحقته أنواع من‬

‫‪172‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫األذية في عرضه عليه الصلة والسلم‪ ،‬فحادثة اإلفك وقعت بعد ذلك‪ ،‬والطعن‬

‫في رسول للا صلى للا عليه وسلم‪ ،‬ولمز المنافقين في غزوة تبوك ونحو ذلك؛‬

‫كل هذا كان بعد تلك اآلية؛ يعني أن هذا النوع يشترك فيه سائر الناس وهو‬

‫أدنى أنواع البلء‪.‬‬

‫وفي قوله عليه الصلة والسلم { َوأَن ا ْلفَ َر َج َم َع ا ْلك َْر ل‬


‫ب} أي‪ :‬أن المنح تخرج‬

‫من أرحام المحن‪ ،‬فإذا نزلت في مسلم محنة فليصبر وليتجلد وليعلم أن العاقبة‬

‫الحسنى بعد ذلك من للا جل وعل تأتيه‪.‬‬

‫سرا ً} وهذا متضمن لذلك‪ ،‬فإن اليسر ل يأتي لإلنسان خاصة‬ ‫{ َوأَن َم َع ا ْلعُ ْ‬
‫س لر يُ ْ‬

‫اليسر العظيم إل وقد ورد عليه عسر قبل ذلك‪ ،‬وهذا يتنوع بحسب تنوع الغايات‬

‫وورود األسباب عليه‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث العشــــرون‬

‫ي ل رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قَا َل‬


‫ي ل البَد لْر ِّ‬ ‫بن ع َْمرو األ َ ْن َ‬
‫ص لار ِّ‬ ‫ع َْن أَب ْي َم ْ‬
‫سعُ ْود عُقبَة ل‬

‫اس لمن َكلَ لم النُّبُو لة األُولَى إلذا لَم تَستَحْ ي ل‬ ‫للا ﷺ‪( :‬إلن لمما أ َ َ‬
‫دركَ النَ ُ‬ ‫س ْو ُل ل‬
‫َر ُ‬

‫صنَ ْع َما ل‬
‫شئتَ )‪.‬‬ ‫فا ْ‬

‫رواه البخاري‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيــــــخ‪:‬‬

‫كلم النُّبُو لة األُولى}‬


‫ل‬ ‫في قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬إن مما أد َْركَ الن َ‬
‫اس لمن‬

‫ع لنا ما لم‬
‫فيه إشارة إلى قاعدة يذكرها العلماء؛ وهي أن شرع من قبلنا شر ُ‬

‫يأت شرعُنا بخلفه‪ ،‬وهنا رسول للا صلى للا عليه وسلم استدل بما كانت عليه‬

‫أمرا باقيًا‬
‫النبوة األولى‪ ،‬يعني بما كانت النبوة قد نزلت به في أول األمر‪ ،‬فبقي ً‬

‫إلى قيام الساعة‪ ،‬وينبغي أن يُعلم أن ما ثبت في شريعة من الشرائع أنه يكون‬

‫قطعًا من شريعة اإلسلم في أحوال ثلثة‪ ،‬ولو لم يرد شئ في هذا الباب على‬

‫خصوصه‪ ،‬ول يمكن أن يرد نص من الشريعة يناقضه‪.‬‬

‫وهذه الثلثة التي ل يمكن أن تنسخ‪:‬‬

‫✓أبوب العقائد‪ :‬ل تنسخ في شريعة عن شريعة أخرى‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫✓مكارم األخلق‪ :‬فمكارم األخلق في كل شريعة سماوية باقية إلى كل شريعة‬

‫تأتي بعدها‪ ،‬فالكذب مذموم في كل الشرائع والصدق محمود في كل الشرائع‬

‫وكذلك الصدقة والبر وإعانة المحتاج وصلة الجار وغير ذلك‪ ،‬فهذا مما تشترك‬

‫فيه سائر الشرائع‪.‬‬

‫✓األخبار‪ :‬ما أخبر به نبي من األنبياء أنه يأتي في آخر الزمان وصح اإلسناد‬

‫إليه فإنه ل بد أن يأتي‪ ،‬فإن نسخ األخبار تكذيب للمخبر‪ ،‬ول يليق هذا في حق‬

‫أنبياء للا جل وعل‪.‬‬

‫وقوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬النُّبُو لة األُولى} إشارة إلى تعدد النبوات كما في‬

‫قوله {الجاهلية األولى} يعني الجاهليات متعددة‪.‬‬

‫صنَع َما ل‬
‫شئْت} الحياء هو ما يدفع اإلنسان إلى فعل‬ ‫وهنا قال‪ { :‬لإ َذا لَم ت َ ْ‬
‫ستَح فا ْ‬

‫الخير واإلحسان‪ ،‬ويصده عن فعل الشر‪ ،‬وهو وازع النفس أن يستحي اإلنسان‬

‫من أن يُذكر بسوء‪.‬‬

‫والخور فإنه ليس ال‬


‫َ‬ ‫والحياء خير كله وليس منه ضعف‪ ،‬وما كان من الضعف‬
‫يسمى حياءا‪ ،‬فيفصل بين هذا وهذا‪ ،‬ولهذا قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(الحياء خير كله)‪ :‬وقد جاء في الصحيح لما وجد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫رجل يعظ أخاه في الحياء وكأنه قد قال قد أض ًّر بك ‪-‬يعني كثرة حيائك‪ -‬فقال‬

‫‪175‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أخرجه‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬دعه فإن الحياء ال يأتي إال بخير)‪،‬‬
‫البخاري (‪ ،) 7116‬ومسلم (‪) 36‬‬

‫فإذا نقص حياء اإلنسان فإنه يفعل ما يشاء من المحرمات و خوارم المروءة‪،‬‬

‫كثيرا من الناس إلى لزوم الصلح والتقوى والفطرة السوية هو‪:‬‬


‫ً‬ ‫والذي يدفع‬

‫الحياء‪ ،‬ولهذا ل يؤثر وازع الشرع في كثير من الناس أكثر من وازع الطبع‬

‫ووازع الحياء‪.‬‬

‫وفي قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬فاصنع ما شئت} ليس األمر على الترخيص‬

‫وإنما المراد بذلك أن هذا تبع لهذا؛ أي أن اإلنسان يرخص لنفسه أن يفعل ما‬

‫يشاء من جرم أو فسوق أو فجور فإنه ل يستحيي من خلق للا‪ ،‬فإن اإلنسان‬

‫في باب الحياء لما كان كذلك‪ ،‬كان كذلك في أبواب شكر الناس؛ فمن ل يشكر‬

‫الناس ل يشكر للا جل وعل وهذا فرع عن هذه المسألة؛ فمن كان يستحيي من‬

‫شاكرا للمحسنين مبينًا فضلهم‬


‫ً‬ ‫الناس فإنه يستحيي من للا جل وعل‪ ،‬ومن كان‬

‫ومقاديرهم‪ ،‬فهو لشكر المنعم أولى وأحق وأحرى في هذا‪.‬‬

‫وهذا معلوم ومشاهد؛ فمن كان جاح ًدا لفضل أهل اإلحسان ومناقبهم؛ فهو جاحد‬

‫لفضل للا جل وعل وإحسانه؛ هذا من جهة الخصيصة وهي خصلة في اإلنسان‬

‫يتشعب منها كثير من األعمال مما يتعلق بأمور البشر مهما اختلفت درجاتهم‬

‫ومراتبهم‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الحـــادي والعشرون‬

‫للا رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قُ ْلتُ يَا‬


‫ع ْب لد ل‬
‫بن َ‬ ‫س ْفيَ َ‬
‫ان ل‬ ‫ع لَن أَب ْي ع َْمرو‪َ ،‬وقل ْي َل‪،‬أَب ْي ْ‬
‫عم َرةَ ُ‬

‫لل‬ ‫ع ْنهُ أ َ َح َدا ً َ‬


‫غي َْركَ ؟ قَا َل‪( :‬قُ ْل آ َم ْنتُ با ل‬ ‫سأ َ ُل َ‬
‫لم قَ ْولً لَ أ َ ْ‬
‫س ل‬ ‫للا قُ ْل لل ْي فلي ل‬
‫اإل ْ‬ ‫س ْو َل ل‬
‫َر ُ‬

‫ثُم است َ لق ْم)‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيــــــخ‪:‬‬

‫في هذا الحديث اإلشارة إلى أنه ينبغي لإلنسان أن يستنصح غيره من أهل العلم‬

‫والفضل والديانة إذا لقيه أن يسأله الوصية‪ ،‬وأن يسأله أن يعلمه ويذكره‬

‫كثيرا ما يأتون إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم فيقولون‬
‫ً‬ ‫بشيء؛ ولهذا‬

‫أوصنا‪ ،‬يأتون إلى أبي بكر وعمر وعثمان فيقولون‪ :‬أوصنا حال المغادرة أو إذا‬

‫مر به وزاره أو إذا رآه في الحج أو رآه ً‬


‫مثل في بلد من البلدان ونحو ذلك‬

‫يسأله وصية يحفظها؛ ألن أمثال هذه الوصايا ترسخ في ذهن اإلنسان خاصة إذا‬

‫كان من شخص قدوة إلى شخص يقتدي به‪.‬‬

‫سأَل عنه أَحدًا غي َْرك} فيه إشارة إلى حرص السائل‪،‬‬


‫س َلم قَ ْو َل ل أ ْ‬ ‫{قُل لي فلي ل‬
‫اإل ْ‬

‫ً‬
‫كامل؛ ل أسأل عنه أح ًدا بعدك من أصحابك‪ ،‬فقال له قل‪:‬‬ ‫أي أنني أريد شيئ ًا‬

‫{آ َم ْنتُ باِل}‪ :‬وهذا تقرير توحيد للا سبحانه وتعالى بجميع أنواعه‪ ،‬فيشمل‬

‫جميع أنواع التوحيد‪ ،‬وهو حق للا جل وعل على العباد‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫قال‪{ :‬ثُم ا ْ‬
‫ست َ لق ْم}‪ :‬في هذا إشارة إلى أن الستقامة مهمة‪ ،‬وأن البداءة بالعمل‬

‫يسيرة‪ ،‬كل يستطيع أن ينطق الشهادتين لكن من يثبت عليها؟‬

‫كل يستطيع أن يقول (اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك) ول أريد أن أعود للذنب‬

‫لكن من يثبت؟ ولهذا النبي صلى للا عليه وسلم قال‪{ :‬قُل آ َم ْنتُ باِل ثم ا ْ‬
‫ست َ لق ْم}‬

‫يعني عليك أن تثبت‪.‬‬

‫لماذا كانت الستقامة؟ لكن اإلنسان ل يدري متى يقضى له األجل‪ ،‬ل يدري هل‬

‫يأتيه اليوم أو غ ًدا‪ ،‬فربما كان في يوم من األيام قطع الستقامة فجاءته الوفاة‬

‫فيها‪.‬‬

‫ولهذا المؤمن يكون على الستقامة على سبيل الدوام حتى يكون في مأمن مما‬

‫يترقبه من أمر الموت؛ ولهذا حظ رسول للا صلى للا عليه وسلم سفيان بن‬

‫عبد للا الثقفي على جانب الستقامة‪ ،‬وهذا بينه رسول للا صلى للا عليه وسلم‬

‫ألصاحبه حينما خط خ ً‬
‫طا وتل قوله تعالى‪( :‬وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه‬

‫ول تتبعوا السبل) ففيه إشارة إلى التحذير من الطرق أخرى أي‪ :‬اسلك هذا‬

‫السبيل واحذر من غيره‪ ،‬يعني ل تخرج عنه ألنه ربما طرأ عليك من قضاء للا‬

‫عز وجل وقدره فهلكت وأنت على الضلل‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثـــاني والعشرون‬

‫سأ َ َل النبي‬
‫ي ل رضي للا عنه أَن َر ُجلً َ‬ ‫للا األ َ ْن َ‬
‫ص لار ِّ‬ ‫ع ْب لد ل‬
‫بن َ‬
‫للا َجابل لر ل‬ ‫ع َْن أَب ْي َ‬
‫ع ْب لد ل‬

‫ضان‪َ ،‬وأَحلَلتُ ال َحلَ َل‬ ‫ﷺ فَقَا َل‪( :‬أ َ َرأَيتَ إلذا َ‬


‫صليْتُ ال َم ْكتُوبَاتل‪َ ،‬و ُ‬
‫ص ْمتُ َر َم َ‬

‫َو َحر ْمتُ ال َح َرا َم‪َ ،‬ولَ ْم أ َ لز ْد عَلى َذ للكَ شَيئا ً أَد ُخل ال َجنة؟ قَا َل‪ :‬نَ َع ْم)‪.‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫هنا في قوله‪{ :‬أحلَ ْلتُ الحل َل و َحر ْمتُ الحرا َم} يتضمن معنيين‪:‬‬

‫ً‬
‫حلل؛ وأن ما حرمه للا‬ ‫‪ o‬المعنى األول‪ :‬أن اإلنسان يعتقد أن ما أحله للا‬

‫حرا ًما؛ وهذا‪ :‬النقياد لل سبحانه وتعالى‪ ،‬وكذلك أي ً‬


‫ضا اإلنسان في أدنى‬

‫مراتبه؛ مراتب الكفاية يأتي بالواجبات عليه ولو قصر بالنوافل إذا اجتنب‬

‫المحرمات؛ وأحوج ما يكون في جانب المحرمات خاصة في األزمنة‬

‫المتأخرة مع المعاصي والذنوب و كثرة الفتن‪ ،‬أحوج ما يكون إلى اإلكثار‬

‫من الطاعات حتى تقاوم السيئات؛ فيكثر من الستغفار والصلة والذكر‬

‫والدعاء والتنفل وغير ذلك؛ حتى يمحو للا عز وجل عنه هذا؛ وهنا فيه‬

‫اهتمام الصحابة عليهم رضوان للا بمعرفة الحدود التي تنجيهم والحدود‬

‫‪179‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫التي تغويهم وتهلكهم‪ ،‬كذلك أي ً‬
‫ضا فيه أهيمة معرفة مسائل العقائد؛ ينبغي‬

‫لإلنسان أن يؤمن بما شرعه للا جل وعل لعباده‪.‬‬

‫‪ o‬المعنى الثاني في قوله‪{ :‬أحلَ ْلتُ الحل َل و َحر ْمتُ الحرا َم} أن يمتثل‬

‫اإلنسان أمر للا فيأتي الحلل ويجتنب الحرام‪ ،‬يدع الذنوب والمعاصي‪،‬‬

‫ً‬
‫كامل واجتنب‬ ‫ويكتمل إيمان اإلنسان بكامله إذا حقق التوحيد تحقيقًا‬

‫الكبائر والصغائر والشرك؛ فبهذا يتحقق لإلنسان اإليمان الكامل‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثالث والعشرون‬

‫للا‬ ‫ع ْنهُ قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬


‫سو ُل ل‬ ‫ي للاُ َ‬
‫ي ل َر لض َ‬ ‫َاصم األ َ ْ‬
‫شعَ لر ِّ‬ ‫بن ع ل‬
‫ث ل‬‫ع َْن أَبلي َما للك ال َح لار ل‬

‫لل‬
‫للا وال َح ْم ُد ل‬
‫ان ل‬‫س ْب َح َ‬ ‫َ‬
‫الميزان‪ ،‬و ُ‬ ‫لل ت َ ْمأل ُ‬
‫ان‪ ،‬وال َح ْم ُد ل‬ ‫ش ْط ُر ل‬
‫اإل ْي َم ل‬ ‫ور َ‬ ‫ﷺ‪ :‬ال ُّ‬
‫ط ُه ُ‬

‫ض‪َ ،‬والصلةُ نُور‪ ،‬والص َدقَةُ بُ ْر َهان‪،‬‬ ‫‪-‬أَو ت َ ْمأل ُ‪َ -‬ما بَي َْن الس َم ل‬
‫اء واأل َ ْر ل‬ ‫ت َ ْم ل‬
‫آلن‬

‫سهُ فَ ُم ْعتلقُ َها‬


‫اس يَ ْغدُو فَبَائلع نَ ْف َ‬ ‫َوالصب ُْر لضيَاء‪َ ،‬والقُ ْرآنُ ُحجة لَكَ أَو َ‬
‫علَ ْيكَ ‪ُ ،‬ك ُّل الن ل‬

‫أَو ُموبلقُ َها (رواه مسلم)‪.‬‬

‫تعليـــق الشيــــخ‪:‬‬

‫ش ْط ُر ل‬
‫اإلي َمان)‪ :‬المراد بالطهور‬ ‫ور َ‬
‫قال النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬الط ُه ُ‬

‫الوضوء واإليمان المراد به الصلة (وما كان للا ليضيع إيمانكم) المراد بذلك‬

‫الصلة ألنها الركن الثاني من أركان اإلسلم فسماها للا عز وجل إيمانا ألنها‬

‫أعظم األعمال العملية وهي أمارة على صدق إيمان اإلنسان؛ ولهذا جعل التطهر‬

‫هو شطر اإليمان أي أنه ل يصح اإليمان إل بهذه الطهارة؛ ولهذا يقول النبي‬

‫عليه الصلة والسلم كما جاء في الصحيح‪( :‬ل صلة بغير طهور ول صدقة من‬

‫يزان} والحمد في ذلك على نوعين‪ :‬حمد خاص‬ ‫تم َأل ل‬


‫الم َ‬ ‫غلول) قال‪{ :‬وال َحم ُد ِّلِل ْ‬

‫وحمد عام‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪ o‬الحمد الخاص أن يحمد اإلنسان ربه جل وعل على نعمة بعينها‪ ،‬ومن‬

‫رحمة للا عز وجل وغناه عن عباده أنه يرضى بالحمدة يحمدها اإلنسان‬

‫على نعمة واحدة عظيمة أنزلها أو أكرمه للا عز وجل بها كالطعام‬

‫والشراب واللباس والنكاح والمسكن والمركب ونحو ذلك‪ ،‬يحمد للا عليها‬

‫ولو مرة واحدة كفاه عن ذلك خاصة‪ ،‬ولهذا يقول النبي عليه الصلة‬

‫والسلم كما جاء في صحيح مسلم‪( :‬إن للا ليرضى عن العبد أن يأكل‬

‫األكلة فيحمده عليها‪ ،‬أو يشرب الشربة فيحمده عليها) يعني إذا جاءك‬

‫طعام وجلست على مائدة الطعام فيها شرقي وغربي؛ أتاك من أوروبا‬

‫وأتاك من المغرب وأتاك من المشرق ونحو ذلك؛ ثم أتاك بهذا الجهد كله‬

‫ثم تقول‪ :‬الحمد لل‪ ،‬بعد أكلها أديت شكر هذه النعمة أليس من أعانك‬

‫عليها كريم؟‬

‫كريم؛ ولكن للا عز وجل أراد منك أن ترتبط بالخالق وأل تنساه فيكلك‬

‫للا إلى نفسك‪ ،‬فإذا وكلك إلى نفسك وكلك إلى أسبابك ولو أتاك بنعيم‬

‫الدنيا ألصبح شقاء عليك‪ ،‬ولو كان للا عز وجل معينا لك أسعدك ولو‬

‫بشربة ماء أو خبزة يابسة تضعها في ماء ثم تأكلها‪ ،‬أنعم للا عز وجل‬

‫عليك بذلك وأسعدك وشرح قلبك‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫‪ o‬والحمد العام‪ :‬هو ما يقوله اإلنسان من ألفاظ الحمد وهو عام على ما‬

‫يستحضره من نعيم وما ل يستحضره‪ ،‬كأن يقول اإلنسان‪ :‬الحمد لل‬

‫الحمد لل‪ ،‬سبحان للا والحمد لل وللا أكبر‪ ،‬وغير ذلك من األلفاظ فهذا‬

‫من الذكر العام والحمد؛ الحمد على ماذا؟ الحمد على نعم ل يحصيها إل‬

‫للا؛ ولهذا يقول للا عز وجل (وإن تعدوا نعمة للا ل تحصوها) فكيف‬

‫أحمد للا على نعمة أنا ل أعرفها؛ لماذا؟ لقصور معرفتي عن إحصائها‬

‫عدا فكيف أعرف معانيها وأثرها علي؟ فنعم للا عز وجل عظيمة‪ ،‬نعمة‬

‫سمع وبصر وكلم وصحة ونبض قلب وجريان دم‪ ،‬وسلمة وكفاية‬

‫شرور مما كفاه للا عز وجل‪ ،‬ودفع أسباب محيطة بك ل تعلم بها تسحق‬

‫منك حم ًدا عا ًما‪ ،‬ولهذا ينبغي لإلنسان أن يكثر من الحمد في قيامه‬

‫وقعوده؛ الحمد لل في صباحه‪ ،‬الحمد لل في مسائه؛ ولهذا جعل للا عز‬

‫وجل الحمد في كل موضع من مواضع عبادة اإلنسان يجده في الصلة‬

‫يستفتح به‪( :‬الحمد لل رب العالمين الرحمن الرحيم) يجده اإلنسان كذلك‬

‫أي ً‬
‫ضا في سجوه‪ ،‬يجده في ركوعه‪ ،‬يجده في أدبار الصلوات‪ ،‬حتى يكون‬

‫اإلنسان حام ًدا لل عز وجل على النعماء‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫سب َ‬
‫ْحان ّللا وال َح ْم ُد لل‬ ‫والنعماء هي نعمة تعطاها أو نقمة تكفاها‪ ،‬قال‪َ { :‬و ُ‬

‫مآلن أَو تمأل َما َبين الس َماء واألَرض}‪ :‬تمأل لإلنسان من خير ويؤتاه إياه‪،‬‬
‫تَ َ‬

‫قال‪{ :‬والصلةُ نُور}‪ :‬يعني نور لإلنسان؛ ويدل على هذا ما جاء عند اإلمام‬

‫أحمد وابن حبان أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال‪( :‬من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى‬

‫أي نور في‬ ‫ابن حبان (‪)5643‬‬ ‫نورا ونجاةً وبرهانًا يوم القيامة)‬
‫بهن كن له ً‬

‫طريقه على صراطه‪ ،‬نور في الظلمات وغير ذلك حتى يؤمنه للا عز وجل‬

‫في الجنة (ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نور ول نجاة ول برهان يوم‬

‫قال‪:‬‬ ‫نفس المصدر‬ ‫القيامة وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)‬

‫والصدقَة بُ ْر َهان‪ :‬المراد بالصدقة‪ :‬الصدقة الواجبة‪ ،‬والصدقة المستحبة؛‬

‫الصدقة الواجبة وهي الزكاة؛ وهي ما أوجبه للا عز وجل على اإلنسان من‬

‫زكاة ماله وأما الصدقة النافلة؛ ما ينفقه اإلنسان في طريقه‪ ،‬في ذهابه‬

‫ومجيئه على الفقير‪ ،‬على المسكين‪ ،‬على المحتاج‪ ،‬بستر العريان واإلحسان‬

‫إلى شخص في طريقه وغير ذلك مما يعين به اإلنسان غيره؛ والمراد بكلمة‬

‫(برهان)‪ :‬أي علمة ودليل واضح على صحة إيمانه وصدقه ونبذ الشح‬

‫الموجود في القلب؛ ولهذا للا عز وجل يقول (وأحضرت األنفس الشح)‪:‬‬

‫يعني أن الشح غرسه للا عز وجل في نفس اإلنسان‪ ،‬أُحضرت يعني أصبح‬

‫سا كغرس النبات؛ ولكن النفس ينبغي لها أن تحذر من‬


‫حاضرا فيها مغرو ً‬
‫ً‬

‫‪184‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫تزكيه باإلحسان إلى الغير‪ ،‬بالصدقة‪ ،‬بالبذل‪ ،‬كأنك تسل خيوط هذا الشح حتى‬

‫طاهرا أو علمة على‬


‫ً‬ ‫تخرجه من نفسك؛ فإذا سللته من نفسك أصبح قلبك‬

‫قوة اإليمان وصحته‪ ،‬وقوله هنا‪{ :‬والصبر لضيَاء}‪ :‬والمراد بالصبر تحمل‬

‫اإلنسان لما يأتيه من بلء فل يتضجر ول يتسخط؛ ول يتضجر يعني ل يتكلم‬

‫بأشياء محظورة وهذا من علمات الصبر‪ ،‬يعني ل يسب الدهر ول يلعنه ول‬

‫يلعن الحظ وغير ذلك؛ ول ينتقم أيضا فاإلنسان الذي يؤذى ويقوم بالنتصار‬

‫لنفسه ما صب؛ وفرق بين الصبر والرضا و الرضا واجب أم ليس بواجب؟‬

‫اختلف العلماء وهما روايتان عن اإلمام الشافعي وكذلك اإلمام أحمد رحمه‬

‫للا والصواب أن الرضا مستحب وليس بواجب‪.‬‬

‫وليس المراد بالرضا هو القناعة بأن هذا من للا؛ ولكن هو انشراح عند‬

‫نزول البلء‪ ،‬وهذه مرتبة ل يدركها كل أحد؛ من يملك أن يجد انشرا ًحا في‬

‫صدره عند سلب ماله‪ ،‬أو وفاة ابنه‪ ،‬يجد في ذلك انقبا ً‬
‫ضا وظلمه وربما بكى‬

‫ولكن مرتبة الرضا أن يقول الحمد لل على قضائه ويجد انشرا ًحا؛ ألن هذا‬

‫من للا سبحانه وتعالى‪ ،‬هذه مرتبة لل ُكمل من الناس ومنهم من يقول‬

‫بوجوبها ويحملها على معنى آخر‪ ،‬ومعنى الضياء‪ :‬هداية لإلنسان وانشراح‬

‫علَيك)‬
‫صدر ونور في قلبه يورثه للا عز وجل إياه‪( ،‬والقُرآن ُحجة لَك أو َ‬

‫‪185‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وإنما كان حجةً لك أو عليك ألن القرآن يفهمه كل من أراد أن يصل إليه‪،‬‬

‫لسهولة لفظه وسلمة عبارته ووضوح بيانه وجلئه وقوة إحكامه؛ فإن من‬

‫أراد الحق فهو واضح‪ ،‬فإما أن يكون حجة له يوم القيامة أو حجة عليه؛‬

‫سه‬
‫الناس يغدُو فبا ليع نف َ‬
‫ل‬ ‫ألنه أخد بالمتشابه منه فزاغ وضل‪ ،‬قوله هنا‪{ :‬كل‬

‫ف ُم ْع لتقُها أو ُمو لبقها}‪ :‬كأنه جعل الدنيا تجارة‪ ،‬فك ٌّل ولو كان في بيته هو في‬

‫حقيقته غاد كأنه يذهب لتجارة‪ ،‬فمن الناس من يبيع نفسه لل سبحانه وتعالى‬

‫ومنهم من يبيعها لغير للا‪ ،‬ومنهم من يعتقها من النار‪ ،‬ومنهم من يوبقها‬

‫فيها‪ ،‬وذلك بالعمل‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الرابــــــع والعشرون‬

‫اري رضي للا عنه عَن النبي ﷺ في َما َي ْرويه ع َْن َر لبِّ له عز‬ ‫ع َْن أَبي ِّ‬
‫ذر ال لغفَ ْ‬

‫علَى نَ ْف ل‬
‫س ْي َو َجعَ ْلتُهُ بَ ْينَ ُك ْم ُم َحر َما ً‬ ‫ظ ْل َم َ‬ ‫وجل أَنهُ قَا َل‪( :‬يَا لعبَاد ْ‬
‫لي إلنلِّ ْي َحر ْمتُ ال ُّ‬

‫ست َ ْهد ُْونلي أ َ ْه لد ُك ْم‪ ،‬يَا لعبَاد ْ‬


‫لي‬ ‫ضا ٌّل لإل َم ْن َه َد ْيتُهُ فَا ْ‬ ‫فَل ت َ َظالَ ُم ْوا‪ ،‬يَا لعبَاد ْ‬
‫لي ُكلُّ ُك ْم َ‬

‫ُكلُّ ُك ْم َجائلع إلل َم ْن أ َ ْطعَ ْمتُهُ فا َ ْ‬


‫ست َ ْط لع ُمونلي أ ُ ْط لع ْم ُك ْم‪ ،‬يَا لعبَاد ْ‬
‫لي ُكلُّ ُك ْم عَار إلل َم ْن‬

‫لي لإن ُك ْم ت ُ ْخ لطئ ُْو َن لبالل ْي لل َوالن َه لار َوأَنَا أ َ ْغ لف ُر‬ ‫س ْونل ْي أ َ ْك ُ‬
‫س ُك ْم‪ ،‬يَا لعبَاد ْ‬ ‫س ْوتُهُ فَا ْ‬
‫ست َ ْك ُ‬ ‫َك َ‬

‫ست َ ْغ لف ُر ْو لن ْي أ َ ْغ لف ْر لَ ُك ْم‪ ،‬يَا لع َباد ْ‬


‫لي لإن ُك ْم لَ ْن ت َ ْبلُغُ ْوا َ‬
‫ض ل ِّر ْي‬ ‫ب َج لم ْي َعا ً فَا ْ‬
‫الذُّنُ ْو َ‬

‫لي لَ ْو أَن أَولَ ُك ْم َو ل‬


‫آخ َر ُك ْم‬ ‫فَتَض ُُّر ْونل ْي َولَ ْن ت َ ْبلُغُ ْوا نَ ْف لع ْي فَت َ ْنفَعُ ْونل ْي‪ ،‬يَا لعبَاد ْ‬

‫احد لم ْن ُك ْم َما َزا َد ذَ للكَ فَ ْي ُم ْل لك ْي‬ ‫علَى أَتْقَى قَ ْل ل‬


‫ب َر ُجل َو ل‬ ‫َو لإ ْن َ‬
‫س ُك ْم َو لجن ُك ْم كَانُ ْوا َ‬

‫علَى أ َ ْف َج لر قَ ْل ل‬
‫ب‬ ‫س ُك ْم َو لجن ُك ْم كَانُ ْوا َ‬ ‫لي لَ ْو أَن أَولَ ُك ْم َو ل‬
‫آخ َر ُك ْم َو لإ ْن َ‬ ‫ش ْيئَا ً‪َ ،‬يا لع َباد ْ‬
‫َ‬

‫لي لَ ْو أن أَولَ ُك ْم َو ل‬
‫آخ َر ُك ْم‬ ‫ص َذ للكَ لم ْن ُم ْل لك ْي َ‬
‫ش ْيئَاً‪ ،‬يَا لعبَاد ْ‬ ‫احد لم ْن ُك ْم َما نَقَ َ‬
‫َر ُجل َو ل‬

‫سأَلَتَهُ َما‬ ‫سأَلُ ْونل ْي فَأ َ ْع َطيْتُ كُل َو ل‬


‫احد َم ْ‬ ‫احد فَ َ‬ ‫س ُك ْم َو لجن ُك ْم قَا ُم ْوا فل ْي َ‬
‫ص لعيْد َو ل‬ ‫َوإ ْن َ‬

‫ط إ َ َذا أُد لْخ َل البَحْ َر‪َ ،‬يا لع َباد ْ‬


‫لي لإن َما‬ ‫الم ْخيَ ُ‬
‫ص ل‬ ‫ص َذ للكَ لمما لع ْند ْ‬
‫لي لإل َك َما يَ ْنقُ ُ‬ ‫نَقَ َ‬

‫ي أ َ ْع َمالُ ُك ْم أُحْ لص ْي َها لَ ُك ْم ثُم أ ُ َوفلِّ ْي ُك ْم إليا َها فَ َم ْن َو َج َد َخي َْرا ً فَليَحْ َم لد َ‬
‫للا َو َم ْن‬ ‫له َ‬

‫غي َْر َذ للكَ فَلَ يَلُ ْو َمن لإل نَ ْف َ‬


‫سهُ)‪.‬‬ ‫َو َج َد َ‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫تعليـــــــق الشيــــــــــخ‪:‬‬

‫قال للا عز وجل‪ { :‬لعبَادلي إ لنِّي َحر ْمتُ ال ُّ‬


‫ظ ْل َم علَى نَ ْف ل‬
‫سي‪َ ،‬و َجعَ ْلتُهُ ب ْينَ ُك ْم‬

‫ُم َحر ًما‪ ،‬فل ت َ َظالَ ُموا}‪ :‬هذا نداء من للا لعباده لينتبهوا لخطابه سبحانه‬

‫وتعالى‪ ،‬وهذا كثير في القرآن في قول للا عز وجل (يا أيها الذين آمنوا)‪( ،‬يا‬

‫أيها الناس)‪( ،‬يا أيها النبي)‪( ،‬يا نساء النبي)‪ ،‬وغير ذلك من الخطاب الذي‬

‫يوجهه للا عز وجل ألقوام أو ألناس أو لعباده‪ ،‬يريد أن ينتبهوا لمثل هذا‬

‫الخطاب ألهميته‪.‬‬

‫{ لإ لنِّي َحر ْمتُ ال ُّ‬


‫ظ ْل َم علَى نَ ْف ل‬
‫سي}‪ :‬والمراد بالظلم هو وضع الشيء في غير‬

‫موضعه وهو على نوعين؛ ظلم اإلنسان لنفسه‪ ،‬وظلم اإلنسان لغيره‪.‬‬

‫‪ ‬ظلم اإلنسان لنفسه‪ :‬أعله الشرك‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك الذنوب والمعاصي‬

‫التي تتعلق بحق اإلنسان مع ربه ل صلة للناس فيها‪ ،‬وذلك كتقصير‬

‫اإلنسان في الواجبات التي أوجب للا عز وجل عليهم مما ل يتعلق‬

‫بالحقوق اآلدمية‪.‬‬

‫‪ ‬وظلم اإلنسان لغيره‪ :‬وهذا على مراتب منه ما يتعلق بالدماء‪ ،‬ومنه ما‬

‫يتعلق باألموال‪ ،‬ومنه ما يتعلق باألعراض‪ ،‬الذي يتعلق باألموال أعظمه‬

‫الربا؛ وأعظم ما يتعلق باألعراض هو زنا الثيب‪ ،‬والدماء أعظمها القتل؛‬

‫‪188‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وأحوال في ذلك والناس أيضا من جهة القتل‬ ‫والقتل على مراتب‬

‫يتباينون؛ فقتل الصالح يختلف عن قتل المفسد‪ ،‬وقاتل الكبير يختلف عن‬

‫قتل الصغير؛ بحسب الجناية وصفتها وهيئتها وغير ذلك‪ ،‬وإن كان في‬

‫ذاتها من جهة القصاص واحد‪ ،‬ويستوي في ذلك الناس كما تقدم معنا في‬

‫حديث عبد للا بن مسعود لقول النبي صلى للا عليه وسلم‪ { :‬النفس‬

‫بالنفس}‪ ،‬فدم الرجل والمرأة يتساويان؛ أما جانب الدية فالنفوس ل تباع‬

‫في اإلسلم؛ ولهذا بعض الناس يظن أن الدية جزاء النفس‪ ،‬وهي ليست‬

‫جزاء النفس؛ ولهذا يقيسون على الغرامات المالية في الغرب نقول أن‬

‫هذا المعنى خاطئ؛ فالشربعة لو اجتمع عشرة رجال على قتل طفلة‬

‫يقتلون بها‪ ،‬إذًا فالنفوس تتساوى؛ ولهذا نقول إن من أعظم الدماء ما‬

‫يتعلق بقتل النفس‪.‬‬

‫قال‪َ { :‬و َج َع ْلتُهُ ب ْينَ ُك ْم ُم َحر ًما‪ ،‬فل ت َ َظالَ ُموا} للا عز وجل يحرم على نفسه ما‬

‫شاء‪ ،‬وليس ألحد أن يحرم على للا عز وجل ما شاء؛ ولكن للا عز وجل‬

‫يحرم على نفسه ما يشاء ويوجب على نفسه ما شاء؛ ولهذا يقول النبي‬

‫عليه الصلة والسلم كما جاء في حديث معاذ‪( :‬يا معاذ ما حق للا على‬

‫‪189‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫العباد وما حق العباد على للا) ألن للا عز وجل ليس بظلم للعبيد‪ ،‬ويتنزه‬

‫للا عز وجل عن ظلم أحد من عباده‪.‬‬

‫قال‪{ :‬فل ت َ َظالَ ُموا} وهذا إشارة إلى أن للا حينما حرم الظلم على نفسه وهو‬

‫يتصرف في ملكه ينبغي أن ملكه فيما بينه أن يعدل؛ ألن للا عدل في ملكه‬

‫وهو له حق التصرف أن يفعل ما يشاء فيهم‪ ،‬فيجب أن يعدلوا فيما بينهم‬

‫لتساويهم‪ ،‬واختلفهم عن للا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ست َ ْهدُونلي أ َ ْه لد ُك ْم} فيه إشارة إلى‬


‫ضا ٌّل إل َمن َه َد ْيتُهُ‪ ،‬فَا ْ‬
‫قال‪{ :‬يا لعبَادلي ُكلُّ ُك ْم َ‬

‫أن اإلنسان إذا لم يهده للا ظل وزاغ؛ ولهذا الذين يستدلون باألمور العقلية‬

‫على معرفة الحق من الصواب من غير استنارة بالوحي يضلون ويتشبهون‬

‫بحال البهائم؛ ولهذا المجتمعات التي ل نور للوحي فيها تجد أنها ضلل‪،‬‬

‫والمراد بالضلل عدم معرفة الحق من الصواب‪ ،‬فيبقى اإلنسان متجر ًدا من‬

‫أي حقيقة‪.‬‬

‫أما معرفة األكل والشرب والذهاب والمجيء والمسكن ونحو ذلك هذه‬

‫تعرفها البهائم؛ تجد الحيات لها بيوت‪ ،‬والفئران لها بيوت‪ ،‬وحتى الضب له‬

‫بيت‪ ،‬والبهائم والطيور كل يصنع ما له؛ و تجد أي ً‬


‫ضا في ذات اإلنسان في‬

‫جهة المأكل والمشرب يعرف لذائذ الطعام الذي تصلح له من أول ما يولد‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولكن للا عز وجل ميز اإلنسان بالعقل؛ ولهذا للا عز وجل لما أدخل آدم‬

‫وزوجه الجنة كفل له أمرين‪ :‬أن ل تجوع فيها‪ ،‬ول تعرى؛ التعري كفله للا‬

‫عز وجل له‪ ،‬وجعله للا عقوبة عصيانه في الجنة‪( :‬بدت لهما سوءاتهما)‬

‫عقوبة أصبحت حضارة عند المتأخرين‪ ،‬جعلها للا عقوبة لمن خالف أمره‬

‫وجعلها المتأخرون حضارة!‬

‫فهذا انتكاس فطرة؛ جعلوا أنفسهم كحال البهائم ألنهم نحوا الشريعة‪.‬‬

‫ست َ ْهدُونلي أ َ ْه لد ُك ْم}‪ :‬للا يريد من العبد أن يطلب‬


‫ضا ٌّل إل َمن َه َد ْيتُهُ‪ ،‬فَا ْ‬
‫{ ُكلُّ ُك ْم َ‬

‫للا الهداية فقط من قلب صادق‪ ،‬فإذا علم للا صدقك هداك إلى الحق مهما‬

‫كنت ومهما بعدت عن للا ولو كنت في بلد ناء‪ ،‬يحدثني أحد األفاضل أنه‬

‫التقى بأحد الدعاة وكان هذا الرجل أوروبيًا؛ يقول‪ :‬إني كنت أسأل اإلله أن‬

‫يوصلني إلى الحق والصواب‪ ،‬يقول‪ :‬مللت من النصرانية وأريد الحق ولكن‬

‫أريده من أي جهة كانت‪ ،‬وأسمع عن اإلسلم و كرهته‪ ،‬وأتيت بأوراق‬

‫ووضعت فيها أسماء ديانات حتى البوذية كحال القرعة؛ أريد أن أصل إلى‬

‫شيء‪ ،‬ينجيني من الضيق الذي أجده‪ ،‬يقول‪ :‬ثم نثرتها أمامي ثم أخرجت‬

‫الورقة فوجدت اإلسلم؛ يقول وأنا اكره اإلسلم؛ أخذت الورق ثم رميت به‬

‫وتركت اإلسلم؛ ثم بعد يوم وجدت ضيقًا وحر ًجا ثم كتبت مثلها ثم فتحت فإذا‬

‫‪191‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫هو اإلسلم للمرة الثانية‪ ،‬يقول والثالثة مثل ذلك‪ .‬وهو اآلن من كبار الدعاة‬

‫في فرنسا؛ وهو فرنسي األصل {كُلكم َ‬


‫ضال لإل َمن هديته}‪ :‬المطلوب هو‪:‬‬

‫ست َ ْهدُونلي} فقط كن صادقًا في طلب الهداية تأتيك الهداية‪ ،‬تنزل لك من‬
‫{ا ْ‬

‫السماء ولو كنت في مجتمع كافر مطموس‪ ،‬يبعث للا عز وجل لك من‬

‫ينتشلك إلى الهداية؛ ولكن سبب ضلل البشرية أنها ترى هداية للا بين‬

‫يديها ثم تغلق كتاب للا وتنصرف إلى دساتير العقل‪.‬‬

‫للا عز وجل أنزل كتابه وقال فيه‪( :‬قل بفضل للا وبرحمته فبذلك فليفرحوا‬

‫هو خير يجمعون)‪ :‬خير لك من دساتير األرض وقوانينها إذا طبقت اإلسلم‬

‫كما يريد للا ل كما تريد أنت؛ ولهذا ينبغي لإلنسان أن يكثر من سؤال للا‬

‫الهداية إذا خل بنفسه ولم يكن بينه وبين للا عز وجل أحد أن يتجرد لل‬

‫ويقول إني اسألك الهداية‪ ،‬اللهم اهدني‪ ،‬أكثر دعاء النبي عليه الصلة‬

‫والسلم في صلة الليل كان يقول‪( :‬اللهم رب السماوات واألرض رب‬

‫جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما‬

‫ما اختلفوا فيه اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك) الذي يسمع التضرع‬

‫هذا يخجل من نفسه‪ ،‬هذا نبي وإل رجل من سائر الناس! هذا نبي يسأله كل‬

‫ليلة كما تقول عائشة في صلة الليل‪( :‬اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك‬

‫‪192‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ينبغي لإلنسان أن‬ ‫صحيح مسلم ‪339‬‬ ‫إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)‬

‫يتضرع لل جل وعل في مواضع الخلوات ويسأل للا عز وجل الهداية يوفقه‬

‫للا عز وجل للصواب والهدى‪.‬‬

‫قال‪{ :‬يا لعبَادلي ُكلُّ ُك ْم َجائلع‪ ،‬إل َمن أ َ ْطعَ ْمتُهُ‪ ،‬فَا ْ‬
‫ست َ ْط لع ُمونلي أ ُ ْط لع ْم ُك ْم}‪ :‬وهذا فيه‬

‫إشارة إلى أن اإلنسان حتى في رزقه ومعاشه الذي يخرجه للا عز وجل من‬

‫األرض إن أحسن أمر األرض ما أحسن إخراج ماء السماء‪ ،‬فالل سبحانه‬

‫وتعالى ينزل الغيث من السماء لعباده ويحبس عنهم األرض؛ فاإلنسان ل‬

‫يجد غذا ًءا يخرجه من جسده وإنما يخرج للا عز وجل له األمر‪ ،‬وإذا أراد‬

‫للا عز وجل إهلك إنسان أهلكه ولو كان في رزق عظيم؛ ولهذا تجد بعض‬

‫المرضى الخيرات عن يمينه وشماله تجد أنه محجوب من كل شيء‪ ،‬يرى‬

‫لذائذ الطعام ول يستطيع ألنه ممنوع من ذلك‪ ،‬وأذكر أن أحدا لمن َمن أنعم‬

‫للا عز وجل عليه بالخير في الدنيا يقول‪ :‬وللا ل أستطيع أن آكل من هذه‬

‫اللذائذ شيئ ًا‪ ،‬ألن للا عز وجل حرمني إياها‪ ،‬وكان يضج من هذا األمر؛ لهذا‬

‫نقول أن وجود األشياء ل يعني تلذذك فيها‪ ،‬وأن للا عز وجل قادر على أن‬

‫يحرمك إياها‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫سونلي أ َ ْك ُ‬
‫س ُك ْم} وكذلك أي ً‬
‫ضا‬ ‫س ْوتُهُ‪ ،‬فَا ْ‬
‫ست َ ْك ُ‬ ‫قال‪{ :‬يا لعبَادلي ُكلُّ ُك ْم عَار‪ ،‬إل َمن َك َ‬

‫كما هو في الطعام‪ ،‬كذلك أي َ‬


‫ضا في الكساء؛ والجوع والكساء على أمرين‪:‬‬

‫‪ o‬أن يكسوا للا عز وجل عب َده ويدله إلى فطرته وإلى أحكامه‪.‬‬

‫‪ o‬كذلك أي ً‬
‫ضا أن يرزقه للا عز وجل الخير فيكسو فيه عورته‪.‬‬

‫ُون بالل ْي لل َوالن َه لار‪َ ،‬وأَنَا أ َ ْغ لف ُر الذُّنُ َ‬


‫وب َج لميعًا‬ ‫قال‪{ :‬يا لع َبادلي إن ُك ْم ت ُ ْخ لطئ َ‬

‫ست َ ْغ لف ُرونلي أ َ ْغ لف ْر لَ ُك ْم} فيه إشارة إلى إقرار الخطأ من البشر؛ وكأن للا عز‬
‫فَا ْ‬

‫وجل ل يعاتبهم على ذلك ولكن يطلب منهم الستغفار {يا لعبَادلي إن ُك ْم‬

‫ت ُ ْخ لطئ َ‬
‫ُون بالل ْي لل َوالن َهار} ما قال ل تذنبون ل بالليل ول بالنهار وذلك أن‬

‫ست َ ْغ لف ُرونلي أ َ ْغ لف ْر‬


‫النفوس مجبولة على الخطأ؛ ولكن الذي يراد من هذا‪{ :‬فَا ْ‬

‫لَ ُك ْم} إذا المفقود هو طلب التوبة‪ ،‬فاستغفر للا عز وجل يغفر للا عز وجل‬

‫لك‪.‬‬

‫ض ل ِّري فَتَض ُُّرو لني َولَ ْن ت َ ْبلُغُوا نَ ْف لعي‪ ،‬فَت َ ْنفَعُونلي} في‬
‫{يا لع َبادلي إن ُك ْم لَ ْن ت َ ْبلُغُوا َ‬

‫هذا أن اإلنسان مهما فعل من الذنوب لن يضر للا شيئ ًا‪ ،‬ومهما تفعل من‬

‫الطاعات وتتعبد فلن تنفع للا عز وجل‪ ،‬نفعك لنفسك وضررك عليها‪.‬‬

‫إشارةً إلى أن هذه العروض التي بينها للا عز وجل‪ :‬اسألني أعطيك‬

‫واستكسني أكسك‪ ،‬استسقني أسقيك‪ ،‬استطعمني أطعمك‪ ،‬استغفرني أغفر‬

‫‪194‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫لك‪ ،‬أمور ل تظن أنك تنفع للا أو تضره في األمرين‪ ،‬أي أن األمر لك يا ابن‬

‫آدم‪.‬‬

‫س ُك ْم َو لجن ُك ْم كَانُوا علَى أَتْقَى قَ ْل ل‬


‫ب َر ُجل‬ ‫{يا لعبَادلي لو أن أَولَ ُك ْم َو ل‬
‫آخ َر ُك ْم وإ ْن َ‬

‫احد لمن ُك ْم‪ ،‬ما َزا َد ذلكَ في ُم ْل لكي شيئ ًا‪ ،‬يا لعبَادلي لو أن أَولَ ُك ْم َو ل‬
‫آخ َر ُك ْم‬ ‫َو ل‬

‫ص ذلكَ لمن ُم ْل لكي‬


‫احد‪ ،‬ما نَقَ َ‬ ‫س ُك ْم َو لجن ُك ْم كَانُوا علَى أ َ ْف َج لر قَ ْل ل‬
‫ب َر ُجل َو ل‬ ‫وإ ْن َ‬

‫احد‬ ‫س ُك ْم َو لجن ُك ْم قَا ُموا في َ‬


‫ص لعيد َو ل‬ ‫شيئ ًا‪ ،‬يا لعبَادلي لو أن أَولَ ُك ْم َو ل‬
‫آخ َر ُك ْم وإ ْن َ‬

‫سأَلَتَهُ‪ ،‬ما نَقَ َ‬


‫ص ذلكَ مما لعندلي إل كما يَ ْنقُ ُ‬
‫ص‬ ‫سأَلُونلي فأ ْع َ‬
‫طيْتُ كُل إ ْن َ‬
‫سان َم ْ‬ ‫فَ َ‬

‫ط إ َذا أُد لْخ َل البَحْ َر‪ ،‬يا لعبَادلي إنما هي أ َ ْع َمالُ ُك ْم أُحْ لصي َها لَ ُك ْم‪ ،‬ثُم أ ُ َوفلِّي ُك ْم‬
‫الم ْخ َي ُ‬
‫ل‬

‫إيا َها ف َمن َو َج َد َخي ًْرا فَ ْليَحْ َم لد ّللاَ َو َمن َو َج َد َ‬


‫غير ذلكَ فل يَلُو َمن إل نَ ْف َ‬
‫سهُ} فيه‬

‫إشارة إلى كمال للا عز وجل وغناه وافتقار اإلنسان وحاجته؛ ولهذا نقول‬

‫لإلنسان أن سؤاله لن يعجز ربه سبحانه وتعالى‪ ،‬سأل من الخير أو طلب‬

‫كفاية شر فالل سبحانه وتعالى ل يعجزه من ذلك شيء‪ ،‬سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الخـــــامس والعشرين‬

‫للا ﷺ قَالوا‬
‫سو لل ل‬ ‫سا ً لم ْن أَص َحا ل‬
‫ب َر ُ‬ ‫ع َْن أَبي َذ ِّر رضي للا عنه قال‪ :‬أَن أُنَا َ‬

‫ص للِّ ْي‬
‫صلُّ ْو َن َك َما نُ َ‬ ‫الدثور بلاأل ُ ل‬
‫جور‪ ،‬يُ َ‬ ‫ل‬ ‫ب أَه ُل‬
‫سو َل للا‪َ :‬ذ َه َ‬ ‫للنبي ﷺ يَ َ‬
‫ار ُ‬

‫صدقُ ْو َن بفُض ُْو لل أ َ ْم َوا لل له ْم‪ ،‬قَا َل‪( :‬أ َ َو لَي َ‬


‫ْس قَ ْد َجعَ َل‬ ‫ص ْو ُم ْو َن َك َما نَ ُ‬
‫ص ْو ُم‪َ ،‬ويَت َ َ‬ ‫َويَ ُ‬

‫ص َدقَةً‪َ ،‬و ُك ل ِّل تَحْ َم ْيدَة‬


‫ص َدقَة‪َ ،‬و ُك ل ِّل ت َ ْكبلي َْرة َ‬ ‫للاُ لَ ُك ْم َما تَصدقُ ْو َن؟ لإن لب ُك ل ِّل ت َ ْ‬
‫سبل ْي َحة َ‬

‫ص َدقَة‪،‬‬
‫ص َدقَة‪َ ،‬ونَهْي ع َْن ُم ْنكَر َ‬ ‫ص َدقَةً‪َ ،‬و ُك ل ِّل ت َ ْه لل ْيلَة َ‬
‫ص َدقَة‪َ ،‬وأ َ ْمر با لل َم ْع ُر ْوف َ‬ ‫َ‬

‫للا أَيَأ ْ لت ْي أ َ َح ُدنَا َ‬


‫شه َْوتَهُ َويَك ُْو ُن لَهُ‬ ‫س ْو َل ل‬ ‫ض لع أ َ َح لد ُك ْم َ‬
‫ص َدقَة‪ ،‬قَالُوا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫َوفل ْي بُ ْ‬

‫علَ ْي له لو ْزر؟ فَ َك َذ للكَ لإ َذا‬ ‫ض َع َها فَ ْي َح َرام أَك َ‬


‫َان َ‬ ‫لف ْي َها أَجْ ر؟ قَا َل‪ :‬أ َ َرأ َ ْيت ُ ْم لَ ْو َو َ‬

‫َان لَهُ أَجْ ر)‪.‬‬


‫ضعَ َها فَي ال َحل لل ك َ‬
‫َو َ‬

‫س للم‪.‬‬
‫َر َواهُ ُم ْ‬

‫تعليـــــــــق الشيـــــــــخ‪:‬‬

‫ً‬
‫أموال‪.‬‬ ‫هنا أهل الدثـــــور الذين رزقهم للا عز وجل‬

‫نقول إن العبادة ل يسلبها للا عز وجل من عبد ويجعل عب ًدا يأخذ من‬

‫العبادة أفضل من غيره إل وعوض للا المسلوب عبادة أخرى؛ لهذا بعض‬

‫‪196‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الناس يقول فلن لديه أموال وينفق في سبيل للا‪ ،‬وأنا ل يوجد عندي شيء‬

‫هل أبواب الخير قطعت علي؟‬

‫نقول‪ :‬يجعل للا العبادة التي ل تحسنها كتلك العبادة التي أوجدها للا‪ ،‬فإذا‬

‫سلب للا منك المال ل يسلبك الخير؛ ألن مقتضى عدل للا عز وجل أن يجعل‬

‫خيرا تناله كما يناله صاحب المال؛ ألن الخير ليس في المال فقط؛‬
‫ً‬ ‫عندك‬

‫ً‬
‫مشلول ل يستطيع القيام ول الذهاب إلى مسجد‬ ‫فاإلنسان إذا عجز مثل أصبح‬

‫ول شيء؛ لم ينقطع عنه باب الخير‪ ،‬تسبيحه وتحميده أعظم من من قيام‬

‫القائمين وجهاد المجاهدين‪ ،‬فيعوضك للا بابًا من الخير تحسنه أنت‪ ،‬كذلك‬

‫اإلنسان إذا لم يكن لديه مال ويرى الناس ينفقون يمنة ويسرة عليه بعبادة‬

‫يستطيعها فإن أجرها مثل ذلك األجر؛ لهذا النبي عليه الصلة والسلم لما‬

‫شكى له الصحابة قالوا‪َ { :‬ذ َهب أ َ ْهل ال ُّدثُور باأل ُجور} أهل الدثور؛ أهل‬

‫ص للِّي}‪ ،‬يعني يساووننا في األشياء التي نشترك فيها‬


‫صلُّون َك َما نُ َ‬
‫األموال‪{ ،‬يُ َ‬

‫لكن زادوا علينا في األموال‪ ،‬النبي عليه الصلة والسلم قال ثمة شيء من‬

‫المرابحة في المال أنتم أغفلتموه وهو من العمل فقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫ص َدقَة} يعني كأنك تنفق؛ التسبيح‪ ،‬التهليل‪ ،‬التحميد‪ ،‬التكبير؛‬ ‫{بكُل ت َ ْ‬


‫س لبي َحة َ‬

‫كثيرا من الناس كما‬


‫ً‬ ‫ولهذا نقول إن المحروم من حرم الذكر‪ ،‬ولهذا تجد‬

‫‪197‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يوفقهم للا للنفقة في األموال وهم أهل األموال يحرم للا أقوا ًما هم أهل مال‬

‫سا يقدرون على الذكر يحرمهم الذكر‪ ،‬ما‬


‫ويحرمهم من اإلنفاق‪ ،‬كذلك تجد أنا ً‬

‫سا يقدرون على الذكر وفقهم للا إلى الذكر‪.‬‬


‫يذكر للا وهو قادر عليه‪ ،‬وأنا ً‬

‫لهذا يقول النبي كما جاء في صحيح من حديث أبي هريرة‪( :‬من قال سبحان‬

‫للا وبحمده في اليوم مئة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)‬

‫اإلنسان يقف في هذا هل هذا ً‬


‫فعل صحيح؟ هل هذا األجر إن قلت مئة مرة‬

‫تحط عني الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر! نقول نعم؛ لكن من الذي يوفق‬

‫إلى مثل هذا العمل! تجد الحرمان يشابه الحرمان الذي كان في أهل األموال؛‬

‫ولهذا كما يوجد منفقون ويوجد ممسكون يوجد في الذكر منفقون ويوجد‬

‫ممسكون‪ ،‬إذًا المسألة مسألة توفيق ليست مسألة إمكانية في وجود العمل‪،‬‬

‫ولهذا النبي عليه الصلة والسلم كما جاء عن عبد للا بن عباس عن النبي‬

‫عليه الصلة والسلم أنه خرج من عند جويرية ‪-‬وهي أم المؤمنين‪ -‬وكانت‬

‫جالسة في مصلها لصلة الفجر‪ ،‬ذهب يصلي بناس فما رجع إل ضحى‪،‬‬

‫فرجع إليها وجالسة في مصلها وفقال عليه الصلة والسلم‪( :‬ما زلتي‬

‫مكانك الذي تركتك فيه؟ قالت نعم يا رسول للا‪ ،‬قال النبي‪ :‬أما إني قلت‬

‫أربعة كلمات ثلثة مرات لو وزنت فيما قلت لوزنته قالت وما هن يا رسول‬

‫‪198‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫للا؟ قال‪ :‬سبحان للا وبحمده‪ ،‬عدد خلقه‪ ،‬ورضا نفسه‪ ،‬وزنة عرشه‪ ،‬ومداد‬

‫وزنت ما تفعله جويرية من طلوع الفجر إلى‬ ‫صحيح مسلم ‪4344‬‬ ‫كلماته ثلث ًا)‬

‫الضحى‪ ،‬يقولها اإلنسان في ثوان‪.‬‬

‫إذًا باب اإلنفاق حتى في الذكر يوجد؛ ولهذا نقول أن أبواب الخير مفتوحة‬

‫لكل أحد‪ ،‬إن حرمك للا المال فلك أجر آخر اغتنمه‪ ،‬كما أن للا عز وجل‬

‫يوفق اإلنسان لمال يوفقك للا عز وجل أي ً‬


‫ضا للذكر‪ ،‬ولهذا للا سبحانه‬

‫وتعالى ل يحرم أح ًدا ويعطي آخر من جهة إمكان الخير ولكن للا يوفق عب ًدا‬

‫ول يوفق آخر‪.‬‬

‫سو َل للال‪ ،‬أَيَأْتلي أ َ َح ُدنَا َ‬


‫شه َْوتَهُ َويَكُو ُن‬ ‫ض لع أ َ َح لد ُك ْم َ‬
‫ص َدقَة}‪ ،‬قَالُوا‪ :‬يَا َر ُ‬ ‫{ َوفلي بُ ْ‬

‫علَ ْي له لو ْزر فَ َك َذ للكَ لإ َذا َو َ‬


‫ضعَ َها‬ ‫ضعَ َها فلي َح َرام أَك َ‬
‫َان َ‬ ‫لَهُ أَجْ ر؟ قا َل‪{ :‬أ َ َرأ ْيت ُ ْم لَ ْو َو َ‬

‫َان لَهُ أَجْ ر}؛ وهذا غاية عدل للا سبحانه وتعالى‪ ،‬كما حرم للا‬
‫لفي ا ْل َحلَ لل ك َ‬

‫على اإلنسان الزنا جعل له األجر في النكاح‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســــادس والعشرون‬

‫للا ﷺ‪ُ ( :‬ك ُّل ُ‬


‫سل َمى لم َن‬ ‫ع َْن أَبلي ُه َري َْرةَ رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫سو ُل ل‬

‫س‪ :‬ت َ ْع لد ُل بَي َْن اثْنَي لْن َ‬


‫ص َدقَة‪َ ،‬وت ُ لع ْي ُن‬ ‫ص َدقَة ُك ُّل يَوم ت َ ْطلُ ُع فل ْي له الش ْم ُ‬
‫علَ ْي له َ‬
‫اس َ‬
‫الن ل‬
‫ص َدقَة‪َ ،‬وال َك لل َمةُ‬ ‫علَ ْي َها أَو ت َ ْرفَ ُع لَهُ َ‬
‫علَ ْي َها َمتَا َ‬
‫عهُ َ‬ ‫الر ُج َل في دَابتل له فَتَحْ لم ُل لَهُ َ‬

‫ط األَذى ع لَن‬
‫ص َدقَة‪َ ،‬وت ُ لم ْي ُ‬ ‫الط ليِّبَةُ َ‬
‫ص َدقَة‪َ ،‬وبل ُك ل ِّل ُخ ْط َوة ت َ ْم ل‬
‫ش ْي َها إللَى الصل لة َ‬

‫ص َدقَة)‪.‬‬
‫ْق َ‬
‫الط لري ل‬

‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫تعليــــــــــــق الشيـــــــــــخ‪:‬‬

‫المراد بالسلمى‪ :‬عظام اإلنسان سواء في يده أو في باقي جسده‪ ،‬وكل هذه‬

‫عليها صدقة أن تؤدي شكرها ألنها كلها تتحرك‪ ،‬تؤدي الصلة‪ ،‬تقوم‬

‫ً‬
‫عمل؛ لهذا يقول غير‬ ‫بالعمل‪ ،‬تناول الطعام وهكذا‪ ،‬كلها يؤدي بها اإلنسان‬

‫عضوا في اإلنسان فتحتاج‬


‫ً‬ ‫واحد من العلماء أنها أكثر من ثلث مئة وستين‬

‫إلى شكر هذه النعم بالتسبيح‪ ،‬بالتهليل‪ ،‬بالتكبير‪ ،‬بالحمد‪ ،‬كذلك أي ً‬


‫ضا ما تجده‬

‫في طريقك كأنك تقوم بموازنة وجمع رصيد في ذلك حتى أمر الطريق‬

‫صا‪ ،‬تميط‬
‫أرشدك إليه النبي عليه الصلة والسلم؛ تحمل أح ًدا تعين شخ ً‬

‫األذى‪ ،‬تسبح‪ ،‬تهلل‪ ،‬فهذا من شكر المنعم سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا ينبغي‬

‫‪200‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫لإلنسان أن يحاسب نفسه‪ ،‬و في هذا إشارة إلى جانب المحاسبة حينما أشار‬

‫ص َدقَة} كم سبحت هذا‬


‫علَيْه َ‬
‫ان َ‬
‫س ل‬‫س َل َمى لمن لاإل ْن َ‬
‫النبي عليه بقوله‪ُ { :‬ك ُّل ُ‬

‫اليوم؟ كم استغفرت؟ ماذا فعلت من الطاعات؟ هل أديت ما ينبغي لي أن‬

‫أؤديه؟ ولهذا نقول أن جانب المحاسبة لإلنسان هي من األمور المهمة‪ ،‬التي‬

‫يعان عليها اإلنسان ويسدد ويؤدي ما أمر للا عز وجل به‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســـــــــابع والعشرون‬

‫عن النواس بن سمعان رضي للا عنهما‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪( :‬البر حسن‬

‫الخلق‪ ،‬واإلثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)‪.‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫وعن وابصة بن معبد رضى للا عنه‪ ،‬قال‪ :‬أتيت رسول للا ﷺ فقال‪:‬‬

‫(جئت تسأل عن البر و اإلثم ؟) قلت‪ :‬نعم؛ قال‪( :‬استفت قلبك؛ البر ما‬

‫اطمأنت إليه النفس واطمأن اليه القلب‪ ،‬واإلثم ما حاك في النفس وتردد في‬

‫الصدر‪ ،‬وإن أفتاك الناس وأفتوك)‪.‬‬

‫حديث حسن‪.‬‬

‫تعليــــــــــق الشيـــــــــخ‪:‬‬

‫هذا الحديث يتضمن حديث أبي هريرة؛ قال رسول للا صلى للا عليه وسلم‪:‬‬

‫(ما من مولود إل ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬

‫عني أن للا عز وجل‬ ‫أخرجه البخاري (‪ )5718‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪)4418‬‬ ‫يمجسانه)‬

‫أوجد اإلنسان على الفطرة ولهذا اإلثم ما حاك في نفسك‪ ،‬وكرهت أن يطلع‬

‫عليه الناس‪ ،‬فتجد اإلنسان يكره أن يطلع الناس عليه أنه يكذب‪ ،‬أو يسرق‬

‫‪202‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أو يزني أو يشرب الخمر يجد أنه ل يحب أن يدري الناس عنه‪ ،‬لكن أن‬

‫يكون على طاعة بار بوالديه يحب أن يعلم الناس‪ ،‬يحسن إلى جاره يحب أن‬

‫يعلم الناس ‪،‬يتصدق يحب أن يعلم الناس هذه فطرة مغروسة على هذا األمر‪،‬‬

‫ولهذا اإلسلم دين الفطرة‪ ،‬ولكن تتبدل الفطرة؛ فتجد اإلنسان يحب أن يرى‬

‫الناس سوءه ألن الفطرة حينئذ مبدلة فتحتاج فطرته إلى تصحيح حتى يرجع‬

‫إلى الصواب‪.‬‬

‫سنُ ال ُخلُق} تقدم معنا حسن الخلق وفضله في قول النبي عليه‬
‫قال‪{ :‬البل ُّر ُح ْ‬

‫الصلة والسلم‪{ :‬اتق للا حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخالق‬

‫الناس بخلق حسن} وأن هذا أعظم مراتب اإلحسان؛ ولهذا يقول النبي‬

‫عليه الصلة والسلم كما جاء عن أبي هريرة‪( :‬أكثر ما يدخل الناس الجنة‬

‫تقوى للا وحسن الخلق) ويقول النبي كما جاء في الترمذي‪( :‬ما من شيء‬

‫سكَ َوك لَر ْهتَ أَن‬


‫في الميزان أثقل من حسن الخلق) قال‪{ :‬اإلَثْ ُم َما َحاكَ فلي نَ ْف ل‬

‫َيط لل َع علَ ْي له الناس}‪ :‬يعني المعادلة موجودة في داخلك‪ ،‬فما كرهت أن يطلع‬

‫عليه الناس يعني اطلعك عليه ورضاك به ل يعني أن هذا حلل أنظر إلى‬

‫الناس‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولهذا بعض الناس يحب أن يكون األمر منه ول يحب أن يكون األمر عليه‪،‬‬

‫ولهذا لما جاء الرجل للنبي عليه الصلة والسلم فقال‪( :‬ائذن لي بالزنا قال‬

‫له النبي عليه الصلة والسلم‪ :‬أترضاه ألمك؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال أترضاه ألختك؟‬

‫رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح‬ ‫قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬كذلك الناس) فل إذًا‪.‬‬

‫أحاله إلى جانبين‪ ،‬قال‪{ :‬اإلَثْ ُم َما َحاكَ فلي نَ ْف ل‬


‫سكَ } هذا ترجع إليه في ذاتك‬

‫أنت‪ ،‬ما تجد فيه قلقًا منه‪.‬‬

‫الجانب الثاني بالنسبة لآلخرين‪ :‬وكرهت أن يطلع عليه الناس؛ إذًا لبد من‬

‫النظر إلى هذين الجانبين‪ ،‬إن اجتمعا على شيء فالفطرة السليمة تؤيده‪.‬‬

‫‪‎‬عن واصبة بن معبد ‪-‬رضي للا عنه‪ -‬قال‪ :‬أتيت رسول للا ‪-‬صل للا عليه‬

‫ست َ ْف ل‬
‫ت قلبك‪ ،‬البل ُّر‬ ‫وآله وسلم‪ -‬فقال‪{ :‬جئتَ تسأل عن البل ل ِّر؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬ا ْ‬

‫النفس واطمأن إليه القلب‪ ،‬واإلثم ما َحاكَ في النفس وت َ َرد َد‬


‫ُ‬ ‫ما اطمأنت إليه‬

‫في الصدر ‪-‬وإن أفتاك الناس وأ َ ْفت َ ْوكَ } يعني وإن قالوا لك هذا حلل وهذا‬

‫حرام ما لم يتضح فيه دليل‪ ،‬طبعًا إذا وضح في ذلك الدليل ليس اإلنسان‬

‫بحاجة إلى قول أحد ول أن يرجع إلى التشهي؛ ولهذا تجد الذي يتعامل بالربا‬

‫يحب أن يعامل الناس ول يحب أن الناس يعاملوه‪ ،‬فيرجع اإلنسان الى‬

‫الفطرة الصحيحة على ما تقدم في الحديث السابق‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثــــامن والعشرون‬

‫للا‬
‫سو ُل ل‬ ‫ساريَةَ رضي للا عنه قَا َل‪َ :‬و َ‬
‫ع َظنا َر ُ‬ ‫بن َ‬ ‫عَن أَبي نَ لجيح العربَ ل‬
‫اض ل‬

‫للا كَأَن َها‬ ‫َمو لع َظةً َو لجلَت لمن َها القُلُ ُ‬


‫وب َو َذ َرفَت لمن َها العُيون‪ .‬فَقُ ْلنَا‪ :‬يَا َر ُ‬
‫سو َل ل‬

‫ع لة‬
‫مع َوالطا َ‬
‫للا عز وجل َوالس ل‬ ‫َم ْو لع َظةُ ُم َو ِّدلع فَأ َ ل‬
‫وصنَا‪ ،‬قَا َل‪( :‬أ ُ ْو لص ْي ُك ْم بلت َ ْق َوى ل‬

‫يراً؛ فَعَلَي ُك ْم‬


‫اختللفَا ً َكثل َ‬ ‫ش لم ْن ُك ْم فَ َ‬
‫سيَ َرى ْ‬ ‫عبْد‪ ،‬فَ لإنهُ َم ْن يَ لع ْ‬ ‫َو لإ ْن تَأَم َر َ‬
‫علَ ْي ُك ْم َ‬

‫علَ ْي َها لبالن َو ل‬


‫اج لذ َو لإيا ُك ْم‬ ‫ع ُّ‬
‫ضوا َ‬ ‫لين ال ِّم ْه لد ليِّ َ‬
‫ين َ‬ ‫شد َ‬ ‫سن لة ال ُخلَ َف ل‬
‫اء الرا ل‬ ‫سنتل ْي َو ُ‬
‫لب ُ‬

‫ضللَة)‪.‬‬ ‫ت األ ُ ُم ل‬
‫ور فإن ك ِّل ُمحدثة بدعة‪ ،‬وكُل بل ْدعَة َ‬ ‫َو ُمحْ َدثَا ل‬

‫رواه أبو داود والترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫تعليـــــــق الشيـــــــــــخ‪:‬‬

‫سارية رضي للا عنه‬


‫بن َ‬
‫رباض ل‬
‫ل‬ ‫في قوله عليه الصلة والسلم‪{ :‬عن ال لع‬

‫للا ﷺ َموعظةً بَليغَةً َو لجلَتْ لم ْن َها القُلُ ُ‬


‫وب‪َ ،‬و َذ َرفَتْ‬ ‫ع َظنَا رسو ُل ل‬
‫قال‪َ :‬و َ‬

‫لم ْن َها العُيُونُ } إشارة إلى اهتمام النبي عليه الصلة والسلم بجانب األمور‬

‫القلبية‪ ،‬وهذا ما يقصر لألسف الشديد فيه كثير من الناس وخاصة طلب‬

‫العلم؛ يهتمون بجانب العلم‪ ،‬معرفة مسائل الخلف ومسائل التحليل ومسائل‬

‫التحريم واألدلة والعلل واألحكام وأقوال العلماء‪ ،‬ولكن جانب ترقيق القلوب‬

‫كثيرا‬
‫ً‬ ‫تجد هذا ضعيفًا؛ ولهذا كان النبي عليه الصلة والسلم يتعاهدهم‬

‫‪205‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ويرقق قلوبهم في ال ُج َمع بقراءة سورة ق على المنبر‪ ،‬ويعظهم عليه الصلة‬

‫للا ﷺ‬
‫ع َظنَا رسو ُل ل‬
‫والسلم ويذكرهم بالل سبحانه وتعالى ولهذا قال‪َ { :‬و َ‬

‫َموعظةً َو لجلَتْ لم ْن َها القُلُ ُ‬


‫وب ‪َ ،‬و َذ َرفَتْ لم ْن َها العُيُونُ } اإلنسان بحاجة إلى أن‬

‫تدمع عينه وأن يوجل قلبه من للا سبحانه وتعالى‪ ،‬وأن يذكر غيره بعظمة‬

‫للا وضعف اإلنسان‪ ،‬ووجوب أن يتقي للا سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا العين التي‬

‫ل تدمع من للا جل وعل عين محرومة‪ ،‬والعين التي تدمع من خشية للا عز‬

‫وجل عين محفوظة بحفظ للا سبحانه وتعالى؛ خاصة في جانب السر‪ ،‬النبي‬

‫عليه الصلة والسلم يقول‪( :‬سبعة يظلهم للا في ظلهم وذكر منهم رجل ذكر‬

‫فالدمعة في‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)4894‬ومسلم (‪)5975‬‬ ‫للا خاليا ففاضت عيناه)‪،‬‬

‫العلنية ممكن أن تخرج‪ ،‬لكن في السر أل يكون بينك و بين للا أحد فتذكرت‬

‫عظمة للا ثم دمعت العين هذا علمة على قوة اليمان‪ ،‬هل وجلت من أحد؟‬

‫هل خفت من أحد؟ هل تذكرت هيبة أحد؟ تذكرت عظمة للا عز وجل فنزلت‬

‫الدمعة‪ ،‬هذا دليل على صدق العبد مع ربه لهذا ينبغي لإلنسان أن يكثر من‬

‫عبادة السر‪ ،‬أكثر الناس يشكو من الرياء والسمعة وأن اإلنسان يجد قربًا‬

‫من للا عند الناس ويجد بع ًدا إذا خل بنفسه‪ ،‬السبب أن ليس له عبادة في‬

‫السر ول يحرص عليها على اإلطلق‪ ،‬وقد رأيت أكثر الذين يشكون من‬

‫ً‬
‫سؤال هل لديك عبادة‬ ‫الرياء ويخافون منه ويقول أنا أعاني من الرياء أسأله‬

‫‪206‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫في السر ل يعلم عنها أحد؟ ل تعلم عنها الزوجة ل يعلم عنها األولد ول يعلم‬

‫عنها األصدقاء؟ يفكر ثم يقول ل؛ هذا هو السبب‪.‬‬

‫فعمل السر يزكي ويطهر عمل العلنية فل يشكو اإلنسان مرض قلبه إل أنه‬

‫في السر معدوم العبادة؛ ولهذا الذين يستقيمون ثم ينتكسون هؤلء من‬

‫جهة عبادة السر معدومون ليس لديهم شيء في السر‪ ،‬فرجعوا من جهة‬

‫الحقيقة علنيةً إلى ما كانوا عليه في السر‪ ،‬لم يتغيروا هم من جهة الحقيقة؛‬

‫سرا؛ لهذا ينبغي لإلنسان أن‬


‫إل أن للا عز وجل أبانهم على ما هم عليه ً‬

‫يذكر للا‪ ،‬إذا كنت في سيارتك‪ ،‬إذا كنت في طريق‪ ،‬إذا كنت في زقاق صغير‬

‫سا‬
‫ل يوجد أحد وخلوت اذكر للا سبح وهلل‪ ،‬إذا كان عندك صديق وكان جال ً‬

‫عندك ثم غادر‪ ،‬اذكر للا ألنه ل يسمعك بذلك إل للا سبحانه وتعالى؛ لهذا‬

‫اغتنم الخلوات بأيسر العبادات‪ ،‬هذا من أعظم ما يغرس اإليمان في قلب‬

‫اإلنسان وينفي النفاق عنه‪.‬‬

‫{كَأَن َها َم ْو لع َظةُ ُم َو ِّدلع فَ ْ‬


‫أو لص َنا} في هذا إشارة إلى أنهم فهموا من هذه‬

‫الموعظة أنها موعظة شخص مودع؛ يعني قد قرب منه األجل‪ ،‬ألنها ليست‬

‫على نسق المواعظ التي كانوا يذكرونها من النبي عليه الصلة والسلم‪،‬‬

‫فيها مزية‪ ،‬فخشوا أن يكون هذا من آخر عهدهم بالنبي عليه الصلة‬

‫‪207‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والسلم‪ ،‬ولهذا قالوا يا رسول للا (كأنها موعظة مودع فأوصنا) والوصية‬

‫هي ما يكتبه اإلنسان ويريد عمله بعد موته فكأنهم فهموا إلما ًحا من النبي‬

‫عليه الصلة والسلم أنه قد دنا في ذلك األجل فأوصى غيره؛ فهذا حرص‬

‫النبي على أصحابه واستقامة أمرهم و الوجل عليهم والخوف عليهم بعده‬

‫عليه الصلة والسلم فقال أوصيكم بتقوى للا فقال‪{ :‬أ ُ ل‬


‫وصي ُك ْم لبت َ ْق َوى ل‬
‫للا}‬

‫وهي أعظم وصية أوصى للا عز وجل بها نبيه عليه الصلة والسلم فقال‪:‬‬

‫(يا أيها النبي اتق للا) وبعض الناس حينما تقول له اتق للا يوجل؛ ويقول‬

‫ماذا صنعت؟ لست أتقى ول أعلم بالل ول أورع من نبيه عليه الصلة‬

‫والسلم؛ ولهذا إذا قيل لك اتق للا قل‪ :‬ونعم بالل واسأل للا عز وجل أن‬

‫يرزقك الخشية والتقوى‪ ،‬وهي أن يجعل اإلنسان بينه وبين عذاب للا وقاية‪.‬‬

‫علَ ْي ُك ْم َ‬
‫عبْد}‪ :‬وهنا فيه إشارة إلى أهمية جماعة‬ ‫إن تَأمر َ‬
‫ع لة َو ْ‬
‫{ َوالس ْم لع َوالطا َ‬

‫المسلمين‪ ،‬يقول النبي عليه الصلة والسلم كما جاء في المسند والسنن‪:‬‬

‫(ما من ثلثة في قرية ول بدو ل يؤذن فيهم ول تقام فيهم الصلة إل‬

‫استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم‬

‫القاصية) أخرجه أبو داود (‪ ،)163‬والنسائي (‪ )863‬واللفظ لهما‪ ،‬وأحمد (‪ )45359‬باختلف‬

‫يسير‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولهذا ما ضعفت األمة إل حينما تقسـمت وأصبـحت دويلت‪ ،‬ونشأت فيه‬

‫التفاهات؛ أصبح أهل البلد الفلني يتهكم بأهل البلد الفلني‪ ،‬يتهكم بلغته‪،‬‬

‫يتهكم بزيه‪ ،‬يتهكم بلهجته‪ ،‬يتهكم بحاله‪ ،‬ونحو ذلك ألن الهدف األسمى ما‬

‫عا؛ لهذا حرص اإلسلم على‬


‫اجتمعوا عليه فأصبحوا على ما دونه أوزا ً‬

‫تكوين ولية للمسلمين يجتمعون تحتها فأوصى النبي عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫(عليكم بالسمع والطاعة) وذلك لمن وله للا عز وجل األمر أي قدر وسعكم‬

‫وإمكانكم وإن تأمر عليكم عبد؛ يعني ما دام يأمركم بأمر للا ل تأخذكم‬

‫عنصريات ول تأخذكم حزازات ول تأخذكم إقليميات؛ ل أنساب و ل أحساب؛‬

‫تنازلوا لكل شيء شريطة جمع المسلمين على دين للا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ش لم ْن ُك ْم فَ َ‬
‫سيَ َرى اختللفا ً كَثيرا ً} يعني أنا آمركم بالطاعة‬ ‫قال‪َ { :‬وإلنهُ َم ْن يَ لع ْ‬

‫وأعلم أن ثمة خلف؛ ل آمركم بالطاعة وأنتم تظنون أن األمر على ما أنا‬

‫عليه؛ أي عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد؛ يبدر في أذهان‬

‫البعض مثل هل سيحدث شيء؟ نعم‪( ،‬وإنه من يعش منكم فسيرى اختلفًا‬

‫كثيرا) يعني مع ذلك عليكم بالسمع والطاعة ما اجتمعتم على أصل أمر للا‬
‫ً‬

‫وتوحيده عز وجل؛ إقامة الصلة‪ .‬فعليكم بسنتي‪ ،‬إذًا ما هو الختلف الذي‬

‫شد َ‬
‫لين‬ ‫سن لة ال ُخلَ ل‬
‫فاء الرا ل‬ ‫ينزع واألمر الذي يجتمع عليه؟ {فَعَل ْي ُك ْم ب ُ‬
‫سنتلي و ُ‬

‫‪209‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫علَ ْي َها بالن ل‬


‫واج لذ} يعني طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين‬ ‫ال َم ْه لد لي ليِّ َن َ‬
‫ع ُّ‬
‫ضوا َ‬

‫المهديين من بعدي؛ يعني وإن أُمرتم فعليكم بالطاعة إل في معصية للا فإنه‬

‫ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولهذا حينما أشار النبي عليه الصلة‬

‫ش لم ْن ُك ْم فَ َ‬
‫سيَ َرى اختللفا ً كَثيرا ً يعني حتى في‬ ‫والسلم قال‪َ :‬وإلنهُ َم ْن يَ لع ْ‬

‫سن لة ال ُخلَ ل‬
‫فاء‬ ‫معصيتك نسمع ونطيع؟ فأراد أن يبين‪( :‬فَ َعل ْي ُك ْم ب ُ‬
‫سنتلي و ُ‬

‫علَ ْي َها بالن ل‬


‫واج لذ) يعني امضوا األمر ول تطيعوا في‬ ‫لين ال َم ْه لديل ليِّ َن َ‬
‫ع ُّ‬
‫ضوا َ‬ ‫شد َ‬‫الرا ل‬

‫معصية للا‪ ،‬فاإلنسان ل يعض إل بالشيء الثمين الذي ينازع عليه‪.‬‬

‫ت األ ُ ُم ل‬
‫ور؛ فإن كل بدعة ضللة} تقدم معنا هذا أي ً‬
‫ضا في‬ ‫{ َو لإيا ُك ْم َو ُمحْ َدثَا ل‬

‫حديث عائشة عليها رضوان للا تعالى‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث التــــــــاسع والعشرون‬

‫سو َل للا أَخبلرنلي بلعَ َمل يُ ل‬


‫دخلُني‬ ‫عَن ُمعَاذ بن َجبَل رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قُلتُ يَا َر ُ‬

‫علَى َم ْن‬
‫سيْر َ‬ ‫ال َجنةَ َويُبَاعدني من النار قَا َل‪( :‬لَ َق ْد َ‬
‫سأ َ ْلتَ ع َْن ع لَظيْم َو لإنهُ لَيَ ل‬

‫علَ ْي له‪ :‬ت َ ْعبُ ُد للاَ لَ تُش لْركُ بل له َ‬


‫ش ْيئَا‪َ ،‬وت ُ لق ْي ُم الصلة َوتُؤتلي‬ ‫يَس َرهُ للاُ تَعَالَى َ‬

‫علَى أَب َْوا ل‬


‫ب ال َخي لْر‪:‬‬ ‫ان‪َ ،‬وت َ ُح ُّج البَيْتَ ‪ .‬ثُم قَا َل‪ :‬أَلَ أ َ ُدلُّكَ َ‬
‫ض َ‬ ‫الزكَاة‪َ ،‬وت َ ُ‬
‫صو ُم َر َم َ‬

‫صلةُ الر ُج لل‬


‫ار‪َ ،‬و َ‬ ‫ئ ال َخ لط ْيئَةَ َك َما يُ ْط لف ُ‬
‫ئ ال َما ُء الن َ‬ ‫الص ْو ُم ُجنة‪َ ،‬والص َدقَةُ ت ُ ْط لف ُ‬

‫اج لع) َحتى َبلَ َغ‪( :‬يَ ْعلَ ُم ْ‬


‫ون)‬ ‫ض ل‬‫ف الل ْي لل ثُم تَل‪( :‬تَت َ َجافَى ُجنُوبُ ُه ْم ع لَن ا ْل َم َ‬
‫فلي َج ْو ل‬

‫سنَ ل‬
‫ام له؟‬ ‫[السجدة‪ ]53-54:‬ثُم قَا َل‪ :‬أَل أ ُ ْخ لب ُركَ لب َرأْ لس األ َ ْم لر َو َ‬
‫ع ُمو لد له َوذ ْلر َو لة َ‬

‫ذروةُ‬
‫ع ُمو ُدهُ الصلةُ َو َ‬
‫سل ُم َو َ‬
‫اإل ْ‬ ‫سو َل للال‪ ،‬قَا َل‪َ :‬رأْ ُ‬
‫س األ َ ْم لر ل‬ ‫قُ ْلتُ ‪ :‬بَلَى يَا َر ُ‬

‫للا‪.‬‬
‫سو َل ل‬ ‫الج َها ُد ثُم قَا َل‪ :‬أَل أُخ لب ُركَ لب ل‬
‫ملك َذ للكَ ُك للِّ له؟ قُ ْلتُ ‪ :‬بَلَى يَا َر ُ‬ ‫سنَ ل‬
‫ام له ل‬ ‫َ‬

‫علَ ْيكَ َه َذا‪ .‬قُ ْلتُ يَانَبلي ل‬


‫للا َوإلنا لَ ُم َؤا َخذُ َ‬
‫ون بل َما نَتَكَل ُم‬ ‫فَأ َ َخ َذ بل لل َ‬
‫سانل له َوقَا َل‪ُ :‬كف َ‬

‫علَى ُو ُجو له له ْم أَو‬


‫اس فلي الن لار َ‬ ‫لب له؟ فَقَا َل‪ :‬ث َ لكلَتْكَ أ ُ ُّمكَ يَا ُمعَاذُ‪َ .‬و َه ْل يَك ُّ‬
‫ُب الن َ‬

‫صا لئ ُد أَل ل‬
‫سنَ لت له ْم)‪.‬‬ ‫قَا َل‪َ :‬‬
‫علَى َمنَ ل‬
‫اخ لر له ْم إلل َح َ‬

‫رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫تعليـــــــــق الشيــــــــــخ‪:‬‬

‫‪211‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫هذا الحديث فيه حرص أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم على معرفة‬

‫ما ينجيهم وما يدلهم على سبيل التوفيق والهداية‪ ،‬وكذلك أي ً‬


‫ضا ما ينجيهم‬

‫من سبل الزيغ والهلك‪ ،‬وأعظم نجاة اإلنسان نجاته من النار‪ ،‬وأعظم ما‬

‫يأتيه وصوله الجنة؛ وذلك أن أعظم البر هو الذي يوصل للجنة‪ ،‬وأعظم‬

‫الفجور هو الذي يوصل إلى النار‪ ،‬ولهذا قال عليه رضوان للا‪{ :‬أَخ لبر لني‬

‫دخلُني ال َجنةَ َويُبَاعدني من النار} وفي هذا الحديث إشارة من معاذ بن‬
‫بلعَ َمل يُ ل‬

‫جبل إلى أن النبي صلى للا عليه وسلم إنما هو مبلغ عن للا ولهذا قــــــــال‪:‬‬

‫{أَخ لبرنلي} مما يدل أن األمر هو إخبار عن للا جل وعل‪ ،‬يأخذه رسول للا‬

‫سأ َ ْلتَ ع َْن ع لَظيْم َو لإنهُ لَيَ ل‬


‫سيْر‬ ‫صلى للا عليه وسلم ويبلغ به أمته‪ ،‬فقال‪{ :‬لَقَ ْد َ‬

‫علَ ْي له} أي‪ :‬سألت عن عظيم من جهة المعنى‬


‫علَى َم ْن يَس َرهُ للاُ تَعَالَى َ‬
‫َ‬

‫والغاية والهدف وغير ذلك من المعاني المتعلقة باألثر‪.‬‬

‫علَ ْي له} في هذا إشارة إلى أن‬


‫علَى َم ْن يَس َرهُ للاُ تَعَالَى َ‬ ‫قال‪َ { :‬وإلنهُ لَيَ ل‬
‫سيْر َ‬

‫األعمال ليست مشقتها بالعمل وإنما بالهمة‪ ،‬فالل عز وجل يجعل همة‬

‫اإلنسان قوية فيستسهل األعمال الصعاب‪ ،‬ويجعل للا عز وجل همة اإلنسان‬

‫ضعيفة فيستثقل األعمال اليسيرة؛ لهذا تجد في الناس من هو صاحب جلدة‪،‬‬

‫وصاحب قوة وعبادة‪ ،‬وهمة في التحصيل وأعمال البر والخير وإعانة الناس‬

‫‪212‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ودللتهم إلى طرق الهداية والرشاد؛ و من الناس من يعجز عن عمل واحد‬

‫ويفتر من أول الطريق؛ ولهذا نقول أن للا عز وجل إذا كان عونًا لإلنسان‪،‬‬

‫سدده وأعانه وثبته ورزقه قوة؛ ولهذا النبي صلى للا عليه وسلم كان أشد‬

‫الناس ثبات ًا ويقينًا بطريقه وذلك لتثبيت للا سبحانه وتعالى له‪.‬‬

‫قال مبينًا له أول هذا األمر العظيم من جهة المعنى واليسير على من يسره‬

‫للا لَ تُش لْركُ لب له َ‬


‫ش ْيئ ًا} المراد بالعبودية‪ :‬التذلل‬ ‫للا عز وجل عليه‪{ ،‬ت َ ْعبُ ُد َ‬

‫والخضوع لل سبحانه وتعالى‪ ،‬فكل خضوع ظاهر أو باطن؛ ينبغي أن يكون‬

‫للا لَ تُش لْركُ لب له َ‬


‫ش ْيئ ًا} من عظائم المأمورات وعظائم‬ ‫لل جل في عله‪{ ،‬ت َ ْعبُ ُد َ‬

‫األمور البينة ما جمع فيه األمر مع النهي عن ضده؛ فإذا أمرت بشيء‬

‫ونهيت عن ضده فإن هذا أعلى درجات التأكيد‪ ،‬فإذا قلت لبنك اذهب إلى‬

‫المسجد ول تذهب إلى اللعب فهذا دليل على التأكيد؛ وإذا قلت له اذهب إلى‬

‫المسجد ولم تنهه عن شيء آخر؛ فإن هذا من جهة األمر والتأكيد مرتبة‬

‫للا لَتُش لْركُ‬


‫دون األمر األول؛ ولهذا قال النبي عليه الصلة والسلم‪{ :‬ت َ ْعبُ ُد َ‬

‫ش ْيئَا} ولهذا نعرف مراتب المأمورات في الشريعة على هذا النحو‪ ،‬فالل‬
‫لب له َ‬

‫عز وجل أمر بتوحيده‪{ :‬أقيموا الصلة} وقال النبي‪( :‬إلى أن يوحدوا للا)‬

‫كما جاء في البخاري لما بعث للا معاذًا إلى اليمن‪ ،‬فالتوحيد آكد من الصلة‬

‫‪213‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فكلها من جهة صيغة األمر "ٱفعل" فنعرف قيمة أمر أكثر من غيره؛ نجد أن‬

‫الشارع الحكيم يأمر بالتوحيد وينهي عن ضده؛ ويأمر بالصلة ول يجعل‬

‫دائ ًما النهي عن ضدها مقترن باألمر؛ لهذا فالصلة من جهة التأكيد واإللزام‬

‫دون التوحيد؛ وإن كانت الصلة ركنًا من أركان اإلسلم وهي الركن الثاني‬

‫وقد جاء عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم القول بكفر‬

‫تاركها‪ ،‬وجاء ذلك أي ً‬


‫ضا في حديث جابر بن عبدللا وبريدة كما في السنن‪،‬‬

‫وحديث جابر في صحيح اإلمام مسلم وغيرها‪.‬‬

‫للا لَتُش لْركُ لب له َ‬


‫ش ْيئَا}؛ المراد بالشرك هو التشريك؛ وهو أن‬ ‫قال‪{ :‬ت َ ْعبُ ُد َ‬

‫اإلنسان شرك شيئا بشئ من جهة العمل أو القول؛ فأشركتُ فلنًا في نصيبه‬

‫أو حظه أو ماله؛ ولهذا تسمى الشركات المالية شركات؛ لوجود شراكة فيها؛‬

‫ولهذا الذي يشرك مع للا عز وجل غيره فهو كافر بالل سبحانه وتعالى؛‬

‫للا لَتُش لْركُ لب له َ‬


‫ش ْيئَا} فتكون العبادة خالصة لل‪.‬‬ ‫ولهذا قال‪{ :‬ت َ ْعبُ ُد َ‬

‫ان‪َ ،‬وت َ ُح ُّج البَيْتَ } وهذه‬


‫ض َ‬ ‫قال‪َ { :‬وت ُ لق ْي ُم الصلة‪َ ،‬وتُؤتلي الزكَاة‪َ ،‬وت َ ُ‬
‫صو ُم َر َم َ‬

‫أركان اإلسلم الخمسة؛ وتقدم معنا هذا في حديث عبد للا بن عمر وحديث‬

‫أبي هريرة‪ ،‬والمراد بالصلة هنا هي الصلوات الخمس؛ وقد جاء عن النبي‬

‫عليه الصلة والسلم القول بكفر التارك لها قال‪( :‬بين الرجل وبين الشرك‬

‫‪214‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وقوله‪( :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن‬ ‫صحيح مسلم ‪84‬‬ ‫ترك الصلة)‬

‫أما بقية األركان فجماهير‬ ‫رواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي وابن ماجه‬ ‫تركها فقد كفر)‬

‫العلماء أن تاركها ل يكفر؛ وتارك الصلة وقع خلف عند العلماء‪ ،‬ونجد أن‬

‫األقوال بالكفر عن الصحابة والتابعين كما جاء من حديث حماد بن زيد عن‬

‫أيوب أنه قال‪( :‬ترك الصلة كفر ل نختلف فيه) والخلف في ذلك في الكفر‬

‫هل هو األكبر أم األصغر كما أشار إلى ذلك دمحم بن نصر المروزي في كتابه‬

‫"تعظيم قدر الصلة" وأما بقية األركان فل يكفر تاركها ولكن يكفر جاحدها‬

‫بالتفاق؛ فالذي يقول ليست بواجبة يختلف عن الذي يتركها؛ فالذي يجحد‬

‫وجوب الزكاة ولو أداها كفر؛ ألنها ركن معلوم من دين اإلسلم بالضرورة‪.‬‬

‫علَى أَب َْوا ل‬


‫ب ال َخي لْر‪ :‬الص ْو ُم ُجنة} أي وقاية؛ يعني يقيه من‬ ‫ثم قال‪{ :‬أَلَ أ َ ُدلُّكَ َ‬

‫عذاب للا سبحانه وتعالى؛ وفضل الصوم عظيم‪ ،‬ولهذا يقول للا جل وعل‬

‫كما في الخبر القدسي (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إل الصوم‬

‫فإنه لي وأنا أجزي به) وإضمار الثواب أعظم من بيانه؛ يعني الثواب عندي‬

‫ً‬
‫وتحفيزا لإلنسان أن يقبل عليه‪.‬‬ ‫خبأته له تعظي ًما‬

‫وذكر هنا أبواب الخير مما يدل على أن الخير له أبواب وليس بابًا واح ًدا‪،‬‬

‫وهذا التنوع في أبواب الخير رحمةً من للا عز وجل بالخلق؛ ولهذا تجد‬

‫‪215‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بعض العباد لديه همة وحب لنوع من أنواع العبادة كالصلة؛ فإذا كانت‬

‫عا واح ًدا ول يوجد ما يغايرها من حج وصوم وتسبيح و ذكر‬


‫العبادة نو ً‬

‫فيوجد في ذلك ثقل من جهات‪ :‬منها أن النفس تمل؛ ولهذا النبي عليه الصلة‬

‫والسلم يقول كما جاء في الحديث (مه عليكم من األعمال ما تطيقون فإن‬

‫للا ل يمل حتى تملوا) رواه البخاري ‪ 67‬يعني أن اإلنسان يجد ً‬


‫ملل حتى في‬

‫العبادة ليس كر ًها لها؛ ولكن نقصا في طبيعة البشر؛ ل نق ً‬


‫صا في ذات‬

‫الشيء‪ ،‬ولهذا للا عز وجل رحم ضعف البشر فنوع أنواع العبادة حتى‬

‫عا من‬
‫يغيروا فيها؛ لهذا تجد العبادات تتباين وتختلف في اليوم‪ ،‬فتجد نو ً‬

‫التغيير‪ ،‬حتى يجد اإلنسان في ذلك تروي ًحا؛ وهذا للا عز وجل فطر عليه‬

‫النفس؛ بل جعل األمور الكونية والقدرية تتعلق بالتغير مواكبة لفطرة‬

‫اإلنسان‪ ،‬تجد أن الصيف ليس على دوام‪ ،‬والشتاء والشمس كذلك‪ ،‬وإنما‬

‫يغاير للا عز وجل بين هذا وهذا؛ وتجد اإلنسان يحب األمطار فإذا كثرت‬

‫أحب الشمس‪ ،‬فإذا جاءت الشمس أراد األمطار؛ ولهذا يقول الشاعر‪:‬‬

‫وإذا جـــــــــــــاء الشـتاء أنكره‬ ‫يحب المرء في الصيف الشتا‬

‫قتل اإلنســـــــــــــــــان ما أكفره‬ ‫ل بذا يرضى ول يرضى بذاك‬

‫‪216‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فاإلنسان ل يعجبه شيء؛ يحب الصيف‪ ،‬فإذا دخل الصيف أراد الشتاء‪ ،‬وإذا‬

‫دخل الشتاء قال أريد الصيف‪ ،‬ويدخل في هذه الدوامة التي هي أمر فطري؛‬

‫ولهذا للا عز وجل نوع أبواب الخير مواكبة لفطرة اإلنسان‪ ،‬فجعل الصيام‬

‫والصلة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬والحج‪ ،‬والعمرة‪ ،‬وإعانة‬

‫المحتاج‪ ،‬وإماطة األذى عن الطريق؛ أشياء كثيرة يستطيع اإلنسان أن يأخذ‬

‫أجورا عديدة؛ حتى يكتسب اإلنسان من الخير؛ ولهذا قال النبي عليه‬
‫ً‬ ‫بها‬

‫الصلة والسلم‪{ :‬أل أدلك على أبواب الخير} فذكر أبوابًا يستطيع اإلنسان‬

‫أن يأخذ منها وينوع في أمور العبادة؛ لهذا تنوعت زمنًا‪ ،‬ومكانًا‪ ،‬وصفةً‪،‬‬

‫عا‪ ،‬فالل عز وجل جعل الصلة مشروعة تصلي في كل وقت إل ما‬


‫ونو ً‬

‫استثناه الشارع‪ ،‬فتصلي في الليل وفي النهار‪ ،‬إذا وجدت همة صليت من‬

‫جهة النافلة‪ ،‬كذلك أي ً‬


‫ضا ما جعلها ممتدة ل تصلي إل عشرين وثلثين أو ل‬

‫يقبل منك؛ فجعلها أي ً‬


‫ضا من جهة العدد متنوعة‪ ،‬حتى يقبل اإلنسان عليها‪،‬‬

‫يجد ً‬
‫ثقل من اإلكثار من الصلة ولكن يجد فيه حبًا للصيام وحبًا لذكر للا أو‬

‫قراءة القرآن‪ ،‬أو اإلحسان إلى الجار أو إعانة الناس ونحو ذلك؛ لهذا جعل‬

‫للا عز وجل أبوابًا متنوعة ليستكثر الناس من الخير؛ ويتعرضوا لنفحات‬

‫الرحمن لهذا جعل للا مواسم سنوية كحال الصيام؛ فتجد الناس يتشوقون‬

‫للصيام إذا جاء ويستعدون للعبادة وللصلة ولتفطير الناس‪ ،‬فالل جعله حوليًا‬

‫‪217‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫حتى يتشوق اإلنسان إليه‪ ،‬لكن لو كان مستدي ًما ربما ترك سنة كاملة أو‬

‫شهرا واح ًدا في‬


‫ً‬ ‫سنتين أو ثلث سنوات من غير صيام؛ ولكن جعله للا‬

‫السنة حتى ينتظره فإذا جاءه صامه كله؛ وهذا رحمة من للا سبحانه‬

‫وتعالى‪.‬‬

‫ار} وذلك أن الخطيئة لها‬ ‫ئ ال َخ لط ْيئَةَ َك َما يُ ْط لف ُ‬


‫ئ ال َما ُء الن َ‬ ‫قال‪َ { :‬والص َدقَةُ ت ُ ْط لف ُ‬

‫آثار على اإلنسان؛ ومن آثارها شؤم المعصية التي تطرأ على اإلنسان وذلك‬

‫من ظلمة القلب والوجه‪ ،‬وعدم التوفيق وحرمان الرزق ونزول المصائب‪،‬‬

‫ولهذا اإلنسان يفعل العمل ويمحو السيئة ليمحو آثارها؛ فالمصائب التي تنزل‬

‫على اإلنسان بسبب ذنبه‪ ،‬فإذا محا الذنب الذي يتسبب في المصيبة لم تقع‬

‫المصيبة عليه‪ ،‬فيمحو اإلنسان الذنب بالتوبة ويمحوه أي ً‬


‫ضا بأعمال البر من‬

‫الصدقة وغيرها حتى ل تتسبب بأشياء‪ ،‬وكأنه يدفع أسباب البلء الذي ينزل‬

‫ار} فإذا أطفأت‬ ‫ئ ال َخ لط ْيئَةَ َك َما يُ ْط لف ُ‬


‫ئ ال َما ُء الن َ‬ ‫عليه ولهذا قال‪َ { :‬والص َدقَةُ ت ُ ْط لف ُ‬

‫عليك الخطيئة‪ ،‬لم تطفئ الخطيئة عليك أشياء مما تحب‪ ،‬وما ينزل على‬

‫اإلنسان من غيرها يكون امتحانًا من للا ل عقوبة‪.‬‬

‫ار}‪ :‬يعني ل يبقى معه شيء‪.‬‬ ‫قال‪{ :‬كما يُ ْط لف ُ‬


‫ئ ال َما ُء الن َ‬

‫‪218‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫اج لع)‬
‫ض ل‬‫ف الل ْي لل ثُم تَل‪( :‬تَت َ َجافَى ُجنُوبُ ُه ْم ع لَن ا ْل َم َ‬
‫صلةُ الر ُج لل فلي َج ْو ل‬
‫قال‪َ { :‬و َ‬

‫َحتى َبلَ َغ‪َ ( :‬ي ْعلَ ُم ْ‬


‫ون)}‪.‬‬

‫فعظمت صلة الليل على صلة النهار؛ ألنها سر بين العبد وبين ربه قلما‬

‫سرا وأعظم خفاء؛ كانت أعظم عند للا‬


‫يطلع عليها أحد‪ ،‬وكلما كانت العبادة ً‬

‫عز وجل من العلنية؛ ولهذا كانت نافلة الليل أعظم من نافلة النـــــهار‬

‫وكانت الفجر أعظم من بقية الفرائض؛ ألنها في موضع خفاء‪ ،‬وتكون ثقيلة‬

‫على اإلنسان ولهذا نقول‪ :‬إن للا عز وجل ذكر في الخبر في حديث السبعة‬

‫الذين يظلهم للا في ظله يوم ل ظل إل ظله‪( :‬ورجل ذكر للا خاليا ففاضت‬

‫عيناه) و(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم يمينه ما أنفقت شماله)‬

‫فاإلنسان كلما استكثر من عبادة السر‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)5647‬ومسلم (‪)5975‬‬

‫كانت أعظم عند للا سبحانه وتعالى‪ ،‬وذلك ألنه آثر مدح للا وحده على مدح‬

‫العالمين‪ ،‬وهذا غاية في قوة اإليمان‪ ،‬ولهذا حث النبي عليه الصلة والسلم‬

‫على صلة الليل؛ فالصلة في جوف الليل يعني في وسطه؛ وأعظم صلة‬

‫الليل هي في الثلث األخير منه‪.‬‬

‫ام له؟ قُ ْلتُ ‪ :‬بَلَى يَا َر ُ‬


‫سو َل‬ ‫سنَ ل‬ ‫{ثُم قَا َل‪ :‬أَل أ ُ ْخ لب ُركَ بل َرأْ لس األ َ ْم لر َو َ‬
‫ع ُمو لد له َوذ ْلر َو لة َ‬

‫سل ُم} يعني أمر األمة؛ فالستقامة في ذلك لبد أن‬


‫اإل ْ‬ ‫للال‪ ،‬قَا َل‪َ :‬رأْ ُ‬
‫س األ َ ْم لر ل‬

‫‪219‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫تدخل في بوابة اإلسلم؛ ليس لك أن تصلي وتصوم وأنت مشرك تطوف على‬

‫القبور‪ ،‬أو تذبح عندها من دون للا سبحانه وتعالى‪ ،‬البوابة في ذلك أن تعلن‬

‫الستسلم لل جل وعل وهذا هو الرأس؛ والرأس به الحياة والجسد بل رأس‬

‫ل تنفعه األطراف‪ ،‬ولهذا جعل رأس األمر اإلسلم لهذا الكافر مهما يعمل من‬

‫بر ل يقبله للا منه؛ ألنه أحبط عمله (ومن يكفر باإليمان فقد حبط عمله)؛‬

‫يعني أنه يوجد أعمال أحبطها بالكفر بالل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ع ُمو ُدهُ الصلةُ)‪ :‬يعني ما عليه قوامه؛ والعمود هو ماترفع عليه‬


‫قال‪َ ( :‬و َ‬

‫شا؛ فبقدر‬ ‫الراية ويظهر به األمر؛ فإذا زال العمود أصبح البناء ساق ً‬
‫طا أو ه ً‬

‫ضعف الصلة بقدر هشاشة دين اإلنسان؛ ولهذا َما من نبي أرسله للا جل‬

‫وعل للناس إل وأمرهم بالصلة‪ ،‬ألنها أعظم المثبتات للعبد‪ ،‬ألنها عمل دائم؛‬

‫ولهذا ما من شيء من الشرائع العملية حث للا تلبية الصبيان عليها‬

‫كالصلة؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬مروا أبناءكم بالصلة‬

‫لماذا وهم أبناء سبع سنين؟ ألن الصلة ثقيلة؛ ل‬ ‫إرواء الغليل ‪463‬‬ ‫لسبع)‬

‫يتوطن عليها الشخص إل بعد مجاهدة؛ ولهذا كثير من الذين يشكون عدم‬

‫طاعة أبنائهم لهم بعد بلوغهم بأداء الصلة؛ هم الذين قصروا قبل األبناء‬

‫بعدم األمر‪ ،‬ومن طبق دين للا بأمر الصبيان بالصلة وهم سبع ل يمكن إذا‬

‫‪220‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫كان يأمره ويمتثل الشريعة كل يوم يأمره بالصلة حتى لو لم يجب‪ ،‬لبد أن‬

‫يأتي بالصلة في سن العاشرة؛ ولهذا بعضهم يعطل األمر في سبع سنوات‬

‫ويضربهم عليها في العشر‪ ،‬وهم فرطوا في األمر األول؛ فيتوجه األمر في‬

‫ثلث سنوات أكثر من خمسة آلف أمر‪ ،‬أل يصل بعد ثلث سنوات إلى‬

‫المتثال! يصل إلى المتثال؛ ولهذا ل يجوز لولي أمر الصبي أن يضربه وهو‬

‫بين السابعة والعاشرة‪ ،‬ويحرم أن يمد عليه يده؛ ولكن ألن الصبي إذا أمره‬

‫أبوه في هذه المرحلة لبد أن يتمثل؛ فربما يغيب لكن ل يمكن أن يمر عليه‬

‫أكثر من خمسة آلف أمر؛ في ثلث سنوات أن يحتاج إلى ضرب إذا امتثل‬

‫أمر للا عز وجل في ثلث سنوات‪ ،‬ولكن التقصير يكون أول األمر من ولي‬

‫األمر ثم يكون بعد ذلك يحاول أن يجبر تقصيره بعقاب الصبي‪ ،‬ولهذا جاءت‬

‫الشريعة بنظام يحفظ للصبي أمره‪ ،‬ويؤدي الكبير فيه أمانته‪ ،‬لهذا حينما‬

‫يأتي وتأمر الرجل الكبير بالصلة وكان مفر ً‬


‫طا ومضيعًا لها؛ يجد في ذلك‬

‫كلفة إل من رحمه للا عز وجل؛ ألنها على سبيل الستدامة‪ ،‬وتحتاج إلى‬

‫تحر ومرابطة؛ ولهذا قال النبي عليه الصلة فيمن ينتظر الصلة بعد الصلة‬

‫في المسجد‪( :‬فذلكم الرباط)‪ ،‬كحال الجهاد؛ وهذا يدل على شدتها وأهميتها‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الج َها ُد}‪ ،‬فالجهاد في سبيل للا ذروة سنام اإلسلم؛ وذلك أن‬
‫ام له ل‬ ‫ذروةُ َ‬
‫سنَ ل‬ ‫{ َو َ‬

‫ذروة السلم هي العلو؛ وبها الرفعة وبها قوة اإلسلم؛ وما تركت األمة‬

‫عدوا يستبيحها‬
‫ً‬ ‫الجهاد في سبيل للا إل سلط للا عليها ً‬
‫ذل؛ وسلط للا عليها‬

‫من داخلها وأصبحت هوانًا؛ وهذا ما نشاهده في األمة اإلسلمية في الزمن‬

‫المتأخر بعد تفكك دولة اإلسلم إلى دويلت؛ فأصبح كل منشغل بنفسه‬

‫وأصبح الناس بعد أن انشغلوا عن األمر األسمى وهو توحيد للا عز وجــل‬

‫و نشره في الناس؛ أصبحوا منشغلين بالصراعات فيما بينهم‪ ،‬ولل عز وجل‬

‫لحكم من شريعة الجهاد؛ منها‪:‬‬

‫نشر التوحيد و حماية بيضة اإلسلم‪ ،‬وما يرزق للا عز وجل به أمة‬

‫المسلمين من رغد عيش ونعيم‪ ،‬ونزع الخلف الذي يكون بين المسلمين من‬

‫الداخل؛ ألن األمة المسلمة إذا انشغلت بعدوها اتحدت من داخلها؛ ولهذا نجد‬

‫أن أعداء المسلمين من الغرب يقاتلون المسلمين‪ ،‬فتوحدوا والمسلمون ل‬

‫يقاتلونهم فاختلفوا؛ عرفوا المسلمين بما يسمى بالتسامح وهم يجلدون فيهم‬

‫ويقولون لهم‪ :‬التسامح‪ ،‬والرفق‪ ،‬واللين‪ ،‬والرحمة؛ ولهذا تجد أن سخرية‬

‫المسلمين فيما بينهم أكثر من غيرهم؛ وانشغالهم بالتقاتل على الثروات فيما‬

‫بينهم والمصالح الشخصية؛ فيبيع الرجل أخاه ألجل الدنيا ألنه ليس لهم عدو‬

‫‪222‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫أعظم؛ ولهذا دولة اإلسلم في الصدر األول لما كان لديهم عدو أعظم؛ ل‬

‫يوجد خلفات‪ ،‬وكلما نزل مستوى عدم وجود عدو أعظم تجد اإلنسان يختلف‬

‫من الداخل؛ كأهل الحي إذا لم يكن لهم عدو تكاثفوا فيما بينهم‪ ،‬تجد األسرة‬

‫متكاثفة ألنها تدرك المخاطر فيما حولها؛ وإذا أمنوا عدوهم الخارجي تجد‬

‫الزوج يخاصم الزوجة واألخ يصاخم أخاه‪.‬‬

‫خيرا حينما شرع لهم هذه‬


‫ً‬ ‫ولهذا نقول أن للا عز وجل أراد بالمسلمين‬

‫الشريعة ألن فيها وحدة األمة‪ ،‬وهذه معادلة‪ ،‬وانظروا إلى قرون التاريخ ل‬

‫يوجد وهن في األمة إل وفي الزمن الذي ل يوجد فيه جهاد؛ ول يمكن أن‬

‫يكون فيه قوة ووحدة إل عند تمسكها بهذه الشريعة واحيائها‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬أَل أُخبل ُركَ لب ل‬


‫ملك َذ للكَ ُك للِّ له؟) يعني مما يجمع لإلنسان ً‬
‫خيرا‪.‬‬

‫علَ ْيكَ َه َذا‪ ).‬يعني كف‬ ‫للا‪ .‬فَأ َ َخ َذ لب لل َ‬


‫سانل له َوقَا َل‪ :‬كُف َ‬ ‫قال‪( :‬قُ ْلتُ ‪ :‬بَلَى يَا َر ُ‬
‫سو َل ل‬

‫عليك لسانك ل تقع في أحد من المسلمين‪ ،‬ل في حاج ل في مجاهد في سبيل‬

‫ون بل َما نَتَكَل ُم بل له؟ فَقَا َل‪ :‬ث َ لكلَتْكَ أ ُ ُّمكَ يَا ُمعَاذُ‪.‬‬
‫للا َوإلنا لَ ُم َؤا َخذُ َ‬
‫للا‪( ،‬قُ ْلتُ ‪ :‬يَا نَبلي ل‬

‫صائل ُد‬
‫اخ لر له ْم لإل َح َ‬ ‫علَى ُو ُجو له له ْم أَو قَا َل‪َ :‬‬
‫علَى َمنَ ل‬ ‫اس فلي الن لار َ‬ ‫َو َه ْل يَك ُّ‬
‫ُب الن َ‬

‫أَل ل‬
‫سنَ لت له ْم) بعني مما يدخل اإلنسان به النار هو هذا اللسان ولهذا تجد أن ما‬

‫من كبيرة إل وبدايتها من اللسان‪ ،‬حتى الربا فيبدأ بالعقود‪ ،‬وكذلك القتل يبدأ‬

‫‪223‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫بالخصومات بالسب والشتم‪ ،‬ثم يصعد حتى يقع في قتل النفس كذلك أي ً‬
‫ضا‬

‫من جهة أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وكذلك أي ً‬


‫ضا القذف؛ فكل هذه مهد لها‬

‫باللسان‪ ،‬ولهذا حذر النبي عليه الصلة والسلم من إطلق اللسان في‬

‫الحرمات؛ وكذلك لخطورته وعظمته‪ ،‬ولهذا ينبغي للمؤمن أن يصون لسانه‪،‬‬

‫ولهذا يقول أبو بكر الصديق‪( :‬هذا الذي أوردني الموارد)‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثلثـــــــــــــون‬

‫للا ﷺ‬
‫سو لل ل‬ ‫بن نَا ل‬
‫شر رضي للا عنه عَن َر ُ‬ ‫ي ل ُجرث ُ ل‬
‫وم ل‬ ‫ع َْن أ َ لب ْي ث َ ْعلَ َبةَ ال ُخ َ‬
‫شنل ِّ‬

‫ض ليِّعُو َها‪َ ،‬و َحد ُحدُو َدا ً فَل ت َ ْعتَدُو َها َو َحر َم‬
‫ض فَل ت ُ َ‬
‫ض فَ َرائل َ‬
‫للا فَ َر َ‬
‫قَا َل‪( :‬إلن َ‬

‫سيَان فَل ت َ ْب َحثُوا‬ ‫شيَا َء َرحْ َمةً لَ ُك ْم َ‬


‫غي َْر نل ْ‬ ‫سكَتَ ع َْن أ َ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫شيَا َء فَل ت َ ْنت َ لهكُو َها‪َ ،‬و َ‬

‫ع ْن َها)‪.‬‬
‫َ‬

‫حديث حسن رواه الـــدارقطني وغيره‪.‬‬

‫تعليـــــــــــق الشيــــــــخ‪:‬‬

‫في هذا الحديث بيان لمسائل مهمة منها‪:‬‬

‫أن للا سبحانه وتعالى قد بين هذه الفرائض وحد الحدود ورسم معالمها‪،‬‬

‫فليس لإلنسان أن يقول أني أجهلها؛ فالل عز وجل قد جعلها محكمة بينة‬

‫ظاهرة؛ ينبغي لألمة أن تؤدي األمانة والرسالة كما فرضها للا عز وجل‪.‬‬

‫ض فَل ت ُ َ‬
‫ض ليِّعُو َها}‪ :‬يعني ل تفرطوا فيها والفريضة ما‬ ‫ض فَ َرائل َ‬
‫{ ان للاَ فَ َر َ‬

‫أوجبه للا عز وجل على العباد‪.‬‬

‫{ َو َحد ُحدُو َدا ً فَل ت َ ْعتَدُو َها} يعني رسم لكم معال ًما؛ أي ل تعتدي على حد‬

‫غيرك؛ فالحد الذي لك بالنسبة للمباح فل تعتدي على حرمات للا‪ ،‬ولهذا‬

‫‪225‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يقول النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬الحلل بين والحرام بين وبينها أمور‬

‫ولهذا ذكر للا عز وجل‬ ‫أخرجه البخاري (‪ ،)14‬ومسلم (‪ )5100‬واللفظ له‬ ‫مشتبهات)‬

‫مجموعة من الحدود وقال‪( :‬تلك حدود للا فل تعتدوها) حينما يرسم للا عز‬

‫وجل ح ًدا من الحدود فل يجب عليك أن تعتدي عليها‪ ،‬فإن اعتديت عليها فقد‬

‫ضيعت دينك وأمانتك‪.‬‬

‫{ َو َحر َم أ َ ْ‬
‫شيَا َء فَل ت َ ْنت َ لهكُو َها} يعني‪ :‬ينبغي لإلنسان أن يصون محارم للا‬

‫سبحانه وتعالى وصيانة هذه المحارم ببيان معالمها؛ كما تقدم معنا في‬

‫صحيح مسلم ‪51‬‬ ‫الحديث‪( :‬قال يا رسول أرايت إذا أحللت الحلل وحرمت الحرام)‬

‫أول انتهاك المحارم هو التعدي على ما حرمه للا بالتحليل‪ ،‬وهذا أعظم ما‬

‫ينبغي أن يحذر منه العلماء و الدعاة إلى للا؛ أن يحذروا من تحليل الحرام‬

‫ومن تحريم الحلل؛ وهذا كما فعله بني إسرائيل حين بدلوا دين للا سبحانه‬

‫وتعالى‪ ،‬ينبغي للعالم بأمر للا عز وجل أن يبين الحق للناس ول يبيع دينه‬

‫ألجل حظ النفس أو لقول فلن أو نحو ذلك‪ ،‬ولهذا يقول للا عز وجل عن‬

‫بني إسرائيل‪( :‬اتخدوا أخبارهم ورهباتهم أربابا من دون للا) وعن عدي بن‬

‫حاتم الطائي رضي للا عنه قال‪( :‬أتيتُ النبي ﷺ وفي عنقي صليب من‬

‫أخرجه الترمذي (‪)7901‬‬ ‫عدي اطرح ع ْنكَ هذا الوث َ َن"‬


‫ُّ‬ ‫َذهب‪ .‬فقا َل ﷺ‪" :‬يا‬

‫‪226‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫ار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم أ َ ْربَابًا لم ْن د ل‬


‫ُون‬ ‫وسمعتُهُ يقرأ ُ في سور لة براءة‪﴿( :‬ات َخذُوا أَحْ بَ َ‬

‫س ْب َحانَهُ‬ ‫سي َح اب َْن َم ْريَ َم َو َما أ ُ لم ُروا لإل لل َي ْعبُدُوا لإلَ ًها َو ل‬
‫احدًا َل لإلَهَ إلل ُه َو ُ‬ ‫ّللا َوا ْل َم ل‬
‫ل‬

‫يحر َ‬
‫مون ما‬ ‫ُون﴾) فقلتُ له‪ :‬إنا لسنا نعبدُهم‪ ،‬قال ﷺ‪َ " :‬‬
‫أليس ل ِّ‬ ‫عَما يُش لْرك َ‬

‫ون ما حر َم للاُ فتحلُّونَه؟!" قلتُ ‪ :‬بلى‪ ،‬قال ﷺ‪" :‬‬


‫فتحرمونَه ويحلُّ َ‬
‫ل ِّ‬ ‫أحل للاُ‬

‫ألن الحكم عبادة وهو حق لل؛ للا ِّ‬


‫عز‬ ‫أخرجه الترمذي (‪)7901‬‬ ‫فتلك عبادتهم)‬

‫وجل يقول‪( :‬إن الحكم إل لل أمر أل تعبدوا إل إياه)‪ ،‬ولهذا الذي يفرط في‬

‫إمر للا عز وجل ويقوم بقلب الموازين بإحلل الحرام وتحريم الحلل‪ ،‬خالف‬

‫أمر للا سبحانه وتعالى ونازع للا في حقه‪ ،‬وهذا أي ً‬


‫ضا ينبغي أن يحذر منه‬

‫اإلنسان؛ فبعض الناس يرتكب بعض المعاصي والذنوب‪ ،‬ويقوم بالتسويل‬

‫لنفسه بأنها حلل‪ ،‬أو يبحث عمن يحلله لها حتى يبتعد عن نقد الناس؛‬

‫فنقول‪ :‬قل اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك واطلب للا المغفرة خير من أن‬

‫تفعل المعصية وتقوم بتحليلها ألجل أن تطمئن نفسك؛ فاإلنسان يعصي للا‬

‫عز وجل لكن يجب عليه أن يتقي للا عز وجل‪ ،‬أل يبدل دين للا عز وجل‬

‫ألن هذا تبديل‪ ،‬وذاك فعل مجرد خاص بك تسأل للا عز وجل العفو‬

‫والغفران‪ ،‬ول تجعل ألحد ذنبًا يتعلق بعنقك أنك أحللت له ذلك األمر‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫سيَان فَل ت َ ْب َحثُوا َ‬
‫ع ْن َها}؛ ينبغي‬ ‫شيَا َء َرحْ َمةً لَ ُك ْم َ‬
‫غي َْر نل ْ‬ ‫سكَتَ ع َْن أ َ ْ‬
‫قال‪َ { :‬و َ‬

‫لإلنسان أن يعلم أن للا عز وجل سكت عن أشياء‪ ،‬وسكوته عنها ليس‬

‫للنسيان‪ ،‬تعالى للا عز وجل عن النسيان؛ لكن رحمةً باألمة‪ ،‬فل ينبغي لهم‬

‫أن يبحثوا عنها؛ فنقول إنها تبقى على أصلها‪ ،‬وذلك مرده إلى األصول؛‬

‫فاألصل في بعض األشياء الحل واألصل في بعضها التحريم؛ فاألصل في‬

‫اللباس والمشروبات والسكن والمركوبات وغير ذلك الحل فل يسأل اإلنسان‬

‫عنها‪ ،‬وهذا هو األصل؛ وهناك من األشياء ما األصل فيها التحريم‪ ،‬فتبقى‬

‫على أمرها وذلك كالنكاح والفروج‪ ،‬األصل فيها التحريم ول يستحلها‬

‫اإلنسان إل بعقود‪ ،‬أما بالنسبة لألكل والمساكن فاألصل فيها الحل؛ فيذهب‬

‫اإلنسان للبر ويسكن أينما شاء‪ ،‬ويشرب مما شاء‪ ،‬ويأكل‪ ،‬ويلبس مما شاء‬

‫شريطة أل يكون مل ًكا لغيره فينتزعه منه‪ ،‬فيكون حينئذ محر ًما إذا نزعه‬

‫بغير حق‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الحادي والثلثون‬

‫سهل السا لعدي رضي للا عنه قَا َل‪َ :‬جا َء َر ُجل إللَى‬
‫بن َ‬ ‫ع َْن أَبي العَباس َ‬
‫سع لد ل‬

‫ع َملتُهُ أ َ َحبني للاُ‬


‫ع َمل لإ َذا َ‬
‫علَى َ‬ ‫النبي ﷺ فَقَا َل‪ :‬يَا َر ُ‬
‫سول للا‪ :‬دُلني َ‬

‫َوأَحبني النَ ُ‬
‫اس؟ فَقَا َل‪( :‬از َهد في الدُّنيَا يُ لحبكَ للاُ‪ ،‬واز َهد في َما لعن َد الن ل‬
‫اس‬

‫يُ لحبكَ الن ُ‬


‫اس)‪ .‬حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة‪.‬‬

‫تعليـــــــــق الشيــــــــــخ‪:‬‬

‫ً‬
‫قبول؛ لكن ذلك‬ ‫في هذا أن اإلنسان يحب أن يُ َحب من الناس وأن يكون له‬

‫القبول ل ينبغي أن يقدم على محبة للا عز وجل و ل على رضى للا سبحانه‬

‫وتعالى‪ ،‬ولكن يحب اإلنسان أن يحمد بعمل‪ ،‬أو أن يحمد ببر‪ ،‬أو أن يحمد‬

‫بلباس ونحو ذلك؛ ولهذا قيل للنبي عليه الصلة والسلم‪ :‬الرجل يحب أن‬

‫يكون نعله حسنًا و ملبسه حسنًا فقال النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬إن للا‬

‫أخرجه مسلم في صحيحه ‪ ،‬وأحمد في مسنده ‪ ،‬والحاكم في مستدركه‬ ‫جميل يحب الجمال)‪،‬‬

‫ولهذا نقول أن اإلنسان في تحببه للناس من األمور المحمودة شريطة أل‬

‫يجعل الناس يحبونه ألجل معصية‪ ،‬فإنه إذا التمس رضا الناس بسخط للا‬

‫سخط للا عليه وأسخط عليه الناس؛ فرضا الناس غاية ل تدرك؛ ألن الذي‬

‫يرضي هذا يغضب ذاك؛ فدع الناس كلهم وارض الخالق سبحانه وتعالى‬

‫‪229‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يرضى عنك الجميع إذا علموا تجردك لل جل وعل‪ ،‬كذلك فإنه ينبغي لإلنسان‬

‫أن يحتاط لعرضه أي ً‬


‫ضا؛ أن يبتعد عن ما يكره الناس مما لم يحرمه للا‬

‫سبحانه وتعالى‪ ،‬فهذا من األمور الحسنة؛ فيبتعد اإلنسان عن مساخط الناس‬

‫حتى ل يذمونه؛ ألن اإلنسان يحب أن يُحمد وهذا من األمور الفطرية‪ ،‬ولكن‬

‫إذا تغيرت فطر الناس فأحبوا الحرام ليس لك أن تقع في الحرام حتى‬

‫يحبوك‪ ،‬ألن هذا إرضاء للخلق في إسخاط للا سبحانه وتعالى‪ ،‬فيقع اإلنسان‬

‫في الجرم والتحريم‪.‬‬

‫قال‪{ :‬از َهد في الدُّنيَا يُ لحبكَ للاُ‪ ،‬واز َهد في َما لعن َد الن ل‬
‫اس يُ لحبكَ الن ُ‬
‫اس} الزهد‬

‫في الدنيا هو إخراج مطمعها من القلب‪ ،‬و معنى الزهد أن يقلل اإلنسان من‬

‫المباحات‪ ،‬ولهذا النبي عليه الصلة والسلم كان إمام الزهاد عليه الصلة‬

‫والسلم‪ ،‬اجتمعت له الدنيا كلها‪ ،‬وكان النبي عليه الصلة والسلم يوصي‬

‫أصحابه بهذا ويقول كما جاء في حديث عبد للا بن عمر كما جاء في‬

‫صلى للاُ‬ ‫ع ْن ُهما قا َل‪( :‬أ َ َخ َذ رسو ُل ل‬


‫للا َ‬ ‫عمر َر لضي للاُ َ‬
‫َ‬ ‫ابن‬
‫عن ل‬ ‫الصحيح‪:‬‬

‫َ‬
‫وكان‬ ‫غ لريب أ َ ْو عَا لب ُر َ‬
‫س لبيل}‪،‬‬ ‫سل َم لب َم ْن لكبَي فقا َل‪{:‬ك ُْن فلي ال ُّد ْنيَا كَأَنكَ َ‬
‫علَ ْي له َو َ‬
‫َ‬

‫ع ْن ُهما يقو ُل‪ :‬إذا أمسيـْتَ فل ت َ ْنت َ لظ لر الصباحَ‪ ،‬وإذا‬ ‫ابنُ ُ‬


‫ع َمر َر لضي للاُ َ‬

‫صبَحْ تَ فَل ت َ ْنت َ لظ لر المسا َء‪ ،‬و ُخ ْذ لمن لصحتلكَ لل َم َر لضكَ ‪ ،‬ل‬
‫وم ْن حياتلكَ لل َم ْوتلكَ )‪.‬‬ ‫أَ ْ‬

‫صحيح البخاري ‪4654‬‬

‫‪230‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ينبغي أن يكون في الدنيا كحال الغريب؛ الغريب المغترب في الطريق‬

‫والسفر؛ فاإلنسان إذا عابر سبيل ومستقر وجاء إلى بلد من البلدان ل يتوطن‬

‫فيها ول يتهيأ فيها توطن اإلقامة‪ ،‬ويأخذ منها ما يتخفف حتى يمضي ألن‬

‫أمامه طريقًا‪ ،‬ويريد بذلك التزود ولهذا النبي عليه الصلة والسلم قال‪( :‬كن‬

‫في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)‪.‬‬

‫ولهذا النبي عليه الصلة والسلم كان ينام على حصير يؤثر على جنبه عليه‬

‫الصلة والسلم‪ ،‬ولما دخل عليه عمر وكان متكئا على حصير رآه أثر في‬

‫جنبه فقال‪( :‬يا رسول للا أل نتخذ لك وطأة كما يتخذ الملوك فقال النبي عليه‬

‫الصلة والسلم‪ :‬مالي وللدنيا إنما مثلي ومث ُل الدُّنيا كراكب استظل تحت‬

‫نقول أن الزهد من األمور‬ ‫أخرجه الترمذي (‪)4733‬‬ ‫ح وتركها)‪،‬‬


‫شجرة ثم را َ‬

‫المهمة خاصة من القدوات والقادة‪ ،‬سلطين‪ ،‬وعلماء‪ ،‬وإذا استكثر السلطان‬

‫من أمر الدنيا أفسد الرعية؛ ألن للا أمره بصيانة أمر الناس ل صيانة أمره‪،‬‬

‫فيصون أمره وهو في ظاهر أمره يريد صيانة أمر الناس؛ فالنبي عليه‬

‫ً‬
‫مدخل في دين للا‪ ،‬ألنه ل‬ ‫الصلة والسلم ما وجد أعداء الملة والدين عليه‬

‫يملك إل الحجرة التي ينام فيها مع أزواجه؛ بل إن النبي عليه الصلة‬

‫والسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي‪ ،‬يعني أنــــه ليست لديــــه ممالك؛‬

‫‪231‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫وليس لديه ممالك و مزارع وقصور وبساتين في البلدان حتى يساومه أحد‬

‫عليها؛ وهذا إشارة إلى خصومه أنه ل يوجد لدي ما تساومونني عليه‪ ،‬كذلك‬

‫أي ً‬
‫ضا إذا أراد أن يسوس أمر الناس تكون لديه الرؤية متضحة متجردة؛ ألنه‬

‫ليس لديه أرصدة يقوم بالعبث باقتصاد البلد‪ ،‬وليس لديه عقارات يخشى أن‬

‫تنزل‪ ،‬ول شهوات ول مطامع؛ النبي عليه الصلة والسلم كل ما لديه في‬

‫قلبه‪ ،‬ل يوجد لديه شيء من الدنيا‪ ،‬فل ينازع عليه الصلة والسلم في‬

‫شيء ولهذا عجز عنه أهل الدنيا أن يساوموه في شيء‪ ،‬وعجز عنه كفار‬

‫قريش حينما قالوا له عليه الصلة والسلم‪ :‬نزوجك من خير بناتنا ونعطيك‬

‫من أموالنا‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬وللا لو جعلوا الشمس في‬

‫رواه ابن اسحاق و في‬ ‫يميني والقمر في شمالي ما تركت األمر الذي أنا عليه)‬

‫سنده نظر يعني أنه صاحب رسالة أسمى من هذا‪.‬‬

‫ولهذا الزهد في الدنيا هو أصل النصرة واتضاح الرؤية لصاحب الرسالة‪ ،‬أما‬

‫أن يكون الرئيس أو الملك أو المسؤول في الدولة ونحو ذلك لديه أرصدة في‬

‫بلدان العالم كلها‪ ،‬ثم إذا قيل له لماذا تلين مع أولئك؟ يقول المصلحة‬

‫والسياسية؛ هل هذه مصلحة وسياسة أو خشية عن شيء ل نعلم عنه!‬

‫‪232‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ولهذا من أصل نجاح القادة تجردهم من أمر الدنيا‪ ،‬وهذه معادلة؛ إذا رأيت‬

‫من يستكثر منها فقد أفسد رعيته بمثل هذا األمر‪.‬‬

‫ولهذا النبي عليه الصلة والسلم جعل الميزان في محبة للا عز وجل أن‬

‫يتقلل اإلنسان من أمر الدنيا‪ ،‬ألن الدنيا دائ ًما هي الغبش على اإلنسان فل‬

‫يرى أمر اآلخرة واض ًحا؛ والدنيا بالنسبة لإلنسان كحال الزجاج أمامه؛ إذا‬

‫أنقيته من الشوائب رأيت‪ ،‬وإذا لم تنقه بدأت تتصرف بتلك الشوائب وتظن‬

‫أنك ترى صحي ًحا‪ ،‬وقلبك قد امتأل بحب الدنيا ويدافع عنها‪ ،‬وظنك أنك تدافع‬

‫عن أمر الناس‪.‬‬

‫قال‪{ :‬از َهد في الدُّنيَا يُ لحبكَ للاُ} فيحب للا عبده ألن اليقين قد اعتمر في‬

‫القلب ويريد ما عند للا؛ فزهد في الدنيا واحتقرها ألنه عظمت اآلخرة في‬

‫قلبه‪.‬‬

‫قال‪{ :‬واز َهد في َما لعن َد الن ل‬


‫اس يُ لحبكَ الن ُ‬
‫اس}؛ إذا تعففت عما في أيدي الناس‬

‫تبعوك‪ ،‬وإذا تبعتهم زهدوا فيك؛ لهذا ينبغي لإلنسان أن يبتعد ويصون يجد‬

‫فقيرا؛ وإذا تبعهم يجد إذلله ولو كان غنيًا‪.‬‬


‫كرامته ولو كان ً‬

‫‪233‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثـــــاني والثلثون‬

‫عن أبــــي سعيـــــد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي للا عنه أن‬

‫رسول للا ﷺ قال‪( :‬ل ضرر ول ضرار)‪.‬‬

‫حديث حسن رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما مسن ًدا‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيـــــخ‪:‬‬

‫ض َر َر َولَ لض َر َ‬
‫ار﴾ هذا أخذ منه العلماء القاعدة ل ضرر ول ضرار وقاعدة‬ ‫﴿ل َ َ‬

‫الضرر يزال؛ والمراد بـــ{لَ َ‬


‫ض َر َر}‪ :‬النفي للضرر؛ ل يجوز لإلنسان أن‬

‫يعرض نفسه أو غيره للضرر؛ والضرر مرفوع عند نزوله ل حرج على‬

‫اإلنسان أن يدفعه‪ ،‬والمراد بالضرر‪ :‬ل تضر نفسك ول تضر غيرك ولهذا للا‬

‫سبحانه وتعالى أذن لإلنســـان إذا كان في ضرورة أن يفعـــل المحــــرم و‬

‫الضرورة ليست بالتشهي؛ فإذا أراد اإلنسان أن يشتري سيارة ويقول ل‬

‫أستطيع أن أشتري هذه السيارة إل بعقد ربا وأنا مضطر والسيارة قيمتها‬

‫مليون‪ ،‬وأنا مضطر‪ ،‬فهذا ترف ل يجوز لإلنسان أن يفعل هذا‪ ،‬ويجوز‬

‫لإلنسان أن يأكل الميتة إذا خشي على نفسه الهلك‪ ،‬كان في برية وجاع أو‬

‫عطش أو نحو ذلك فل حرج عليه أن يتناول محر ًما؛ ألن النبي عليه الصلة‬

‫والسلم يقول‪{ :‬ل َ‬


‫ض ٕرر ول لض َرار} كذلك أي ً‬
‫ضا في الضرر العام فيدفع‬

‫‪234‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الضرر العام‪ ،‬وذلك كحال اإلنسان ً‬
‫مثل إذا كان بيته يعطل طريق المسلمين أو‬

‫وضع شجرة في الطريق و يأكل منها في طعامه كنخلة أو شجرة يضعها في‬

‫طريق يتناول منها؛ فإزالتها يرى أنها قطع لرزقه والناس يرون أن هذا‬

‫إفسا ًدا؛ فيدفع ضرر العامة‪ ،‬ألن هذا ضرر عام وذاك ضرر خاص؛ فنقول أن‬

‫األضرار تنظر ويقدر بقدرها‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثـــــــالث والثلثون‬

‫للا ﷺ قَا َل‪" :‬لَ ْو يُ ْع َطى الن ُ‬


‫اس‬ ‫ع ْن ُه َما أَن َر ُ‬
‫سو َل ل‬ ‫ي للاُ َ‬
‫عن اب لْن عَباس َر لض َ‬
‫ل‬

‫دعوا ُه ْم لدعَى لر َجال أ َ ْم َوال قَوم َو لد َماء ُه ْم‪َ ،‬ولَ لك لن البَينَةُ َ‬


‫علَى ال ُمد لعي‬ ‫لب َ‬

‫علَى َمن أَنكَر"‪.‬‬


‫َواليَمينُ َ‬

‫حديث حسن رواه البيهقي هكذا بعضه في الصحيحين‪.‬‬

‫تعليـــــق الشيــــــخ‪:‬‬

‫جاء للا سبحانه وتعالى بأحكام شرعية في مسائل الشهادات على وفق‬

‫تنضبط به حياة الناس لو أدركوا حكمة ذلك لما تركوها‪ ،‬ولهذا يقول النبي‬

‫اس بل َدعْوا ُه ْم‪ ،‬لَدعَى لر َجال أ َ ْم َوا َل قَ ْوم‬


‫صلى للا عليه وسلم‪{ :‬ل ْو يُ ْع َطى الن ُ‬

‫َو لد َما َء ُه ْم} يعني أنه ليس بالدعوى تريد أخذ أموال الناس وتقول فلن أخذ‬

‫مالي؛ مباشرةً نأخذ ً‬


‫مال عند فلن ثم نعطيك إياه حتى تأتي ببينة؛ وقد تكون‬

‫محقًا‪ ،‬ألنه لو أخذنا بذلك لنتشرت الفوضى لدى الناس كلهم يدعي هذا‬

‫األمر‪ ،‬ولهذا جاءت الشريعة ببيان مصالح عامة لسياسة الناس‪ ،‬ما جاءت‬

‫لتشفي غليل األفراد؛ ألن اإلسلم نظام عام؛ ولهذا النبي عليه الصلة‬

‫والسلم لما أمر بأن الرجل إذا وجد مع أهله أح ًدا أنه ل يجوز له قتله؛ ول‬

‫بد أن يشهد أربعة؛ فقال سعد‪ ( :‬يا رسول للا‪ ،‬إن وجدت مع امرأتي رجل‬

‫‪236‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫متفق عليه‬ ‫أمهله حتى آتي بأربعة؟ وللا ألضربنه بالسيف غير مصفح)‬

‫فالسيف له ناحيتين ناحية الصفحة؛ وهي التـــي يضربـــون بها ول يريدون‬

‫بها القتل ويريدون بها التأديب؛ كالدواب ونحو ذلك ألنها ل تجرح بالسطح‪،‬‬

‫والحد هو الذي يراد به القدر قال‪ :‬وللا ألضربنه بالسيف غير مصفح يعني‬

‫بالحد‪ ،‬فضحك النبي عليه الصلة والسلم وقال (أتعجبون من غيرة سعد؟‬

‫ألنا أغير منه وللا أغير مني)‪.‬‬

‫وقد سألني أحدهم ً‬


‫قائل‪ :‬كيف الشريعة تطلب أربعة لرجل في غرفة زوجته؟‬

‫عافانا للا وإياكم من ذلك كيف هذا؟‬

‫قلت‪ :‬لو أن الشريعة جازت لك أن تقتل لذهب كل شخص لديه خصم وأخذ‬

‫بربطه ووضعه في الغرفة وقام بنحره؛ لماذا نحرت هذا؟ قال وجدته في‬

‫الغرفة‪ ،‬ثم يصبح كل القتل في الغرف‪ ،‬وإذا كان نص في الشريعة أن الرجل‬

‫ً‬
‫رجل في غرفة زوجته أن الدم يهدر؛ ستفتح المفسدة ويفتح إراقة‬ ‫إذا قتل‬

‫دما ًءا عظيمةً ألن النص في ذلك بين‪.‬‬

‫والشريعة جاءت ل تشفي غليلك أنت؛ وإنما جاءت بضبط سياسة الناس قد‬

‫رجل قد أفسد عليك عرضك حقيقةً‪ ،‬وليس لديك بينة‬


‫ً‬ ‫تقع ً‬
‫فعل؛ أنك قتلت‬

‫ت بالبينة ألريقت دما ًءا كثيرةً ج ًدا بالمئات؛ ولهذا‬


‫فتقتل أنت‪ ،‬فإذا لم يؤ ل‬

‫‪237‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫جاءت الشريعة بخلق هذا التوازن‪ ،‬ول أحكم من للا في شريعته لعباده ولهذا‬

‫أ َ ْنك ََر}؛ حديث حسن‪ ،‬رواه البيهقي‬ ‫قال‪{ :‬لَ لك لن ا ْل َب ليِّنَةُ َ‬


‫علَى ا ْل ُمد لعي َوا ْل َي لمينُ َ‬
‫علَى َم ْن‬

‫صا لك‬
‫وغيره هكذا‪ ،‬وبعضه في الصحيحين ‪ .‬البينة على المدعي‪ ،‬إذا ادعيت أن شخ ً‬

‫عليه حق فيجب عليك أن تثبت البينة وإل األصل فيه البراءة‪.‬‬

‫علَى َم ْن أ َ ْنك ََر} يعني إذا لم يكن لديك بينة فتقول أن فلنًا أخذ مالي‬
‫{ َوا ْليَ لمينُ َ‬

‫فنقول لديك بينة‪ ،‬يقول ل؛ نرجع إلى فلن‪ ،‬نقول له‪ :‬تحلف أنك لم تأخذ‬

‫ماله‪ ،‬فيقول وللا لم آخذ ماله؛ نقول اذهب ول شيء عليك‪ ،‬ولكن إذا قال ل‬

‫زورا؛ العلماء يقولون إذا نكل عن اليمين‬


‫ً‬ ‫أريد أن أحلف؛ هذا الرجل اتهمني‬

‫‪-‬رفض اليمين‪ -‬فل يحتاج إلى بينة ويجب عليه أن يعطي الحق لصاحبه‬

‫وهذا من مواضع الخلف بحسب الصور والقرائن أي ً‬


‫ضا التي تأتي‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الرابـــــــع والثلثون‬

‫للا ﷺ يَقو ُل‪:‬‬


‫سو َل ل‬ ‫دري ل رضي للا عنه قَا َل‪َ :‬‬
‫س لمعتُ لر ُ‬ ‫ع َْن أَبي َ‬
‫سعيد ال ُخ ِّ‬

‫سانل له‪ ،‬فَ لإ ْن لَ ْم يَست َ ْ‬


‫طع‬ ‫طع فَ لب لل َ‬
‫( َمن َرأى لمنكُم ُمنك ََرا ً فَليُغَ ليِّ ْرهُ لبيَ لد له‪ ،‬فَ لإ ْن لَ ْم يَست َ ْ‬

‫ان)‪.‬‬
‫ف اإلي َم ل‬ ‫فَ لبقَل لبه َو َذ للكَ أ َ ْ‬
‫ض َع ُ‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫تعليـــــــــق الشيــــــــــــــخ‪:‬‬

‫منكرا} و" َمن" لمن صيغ العموم فتشمل كل راء؛ سواء‬


‫ً‬ ‫قال‪َ { :‬من َرأى لمنكُم‬

‫صغيرا‪ ،‬كان قويًا أو كان ضعيفًا‬


‫ً‬ ‫كبيرا‪ ،‬أو كان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رجل‪ ،‬أو كان امرأة‪ ،‬كان‬ ‫كان‬

‫ولكن الشريعة جاءت ببيان مراتب اإلنكار‪.‬‬

‫{ َمن َرأى لمنكُم}‪:‬هل األمر يتعلق بالرؤية أم يتعلق بالسماع؟‬

‫منكرا؛ فإذا سمعت‬


‫ً‬ ‫نقول‪ :‬يتعلق بالرؤية في الغالب‪ ،‬ولكن قد يسمع اإلنسان‬

‫منكرا وتطاله يدك أو نحو ذلك وتستطيع تغيير المنكر من غير مفسدة تترتب‬
‫ً‬

‫على ذلك‪ً ،‬‬


‫مثل وجدت كأس خمرة مع ابنك أو مع أخيك وإنكارك عليه ليس‬

‫بمفسدة عظمى تقوم بإتلفها؛ ألنك تستطيع إنكار ذلك بل يجب عليك ذلك‪،‬‬

‫من غير مفسدة‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يستطع فبلسانله} فيكون باللسان‪ ،‬يعني أن اإلنسان ينكر المنكر‪،‬‬
‫ْ‬ ‫{فإن لم‬

‫وهذا الذي يطيقه عامة وغالب الناس وقد قصروا في هذا في كثير من بلدان‬

‫المسلمين والسبب أنهم يرون المنكر ثم يتسامحون فيه‪.‬‬

‫أي منكر سواء كان مغل ً‬


‫ظا أو مخففًا؛ ما أطلق عليه منكر مما أنكره الشارع‬

‫ودل عليه دليل‪.‬‬

‫وأجمع العلماء على أن اللوم الذي يجده اإلنسان من إنكار المنكر ليس بعذر‪،‬‬

‫حكي اتفاق العلماء على ذلك ابن عبد البر ‪-‬رحمه للا‪.-‬‬

‫يستطع فبقل لبه} فلبد لإلنسان أن ينكر المنكر بقلبه بمعنى أنه‬
‫ْ‬ ‫قال‪{ :‬فإن لم‬

‫يستحضر كراهية ذلك المنكر حتى ل يتوطن القلب عليه‪.‬‬

‫وكراهية القلب للمنكر بكرهه واستنكاره والبعد عنه بعدم المخالطة؛ أن يبتعد‬

‫اإلنسان عنه‪ ،‬فل يشهد مواضع فيها خمر ثم يقول أنا أكرهها بقلبي‪ ،‬بل‬

‫ليبتعد عنها؛ فيبتعد عن المواضع التي فيها فحش وتعر وسفور‪ ،‬ألن القلب‬

‫يتشرب ويتطبع بتلك المنكرات إن لم يقم بالبعد عنها وإنكارها‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الخـــــــامس والثلثون‬

‫للا ﷺ‪( :‬لَ ت َ َحا َ‬


‫سدوا‬ ‫سو ُل ل‬ ‫ع َْن أَبي ُه َر َ‬
‫يرةَ رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬

‫علَى بَ ل‬
‫يع بَعض‬ ‫َولَتَنَا َجشوا‪َ ،‬ولَ تَبَا َ‬
‫غضوا‪َ ،‬ولَ تَدَابَروا‪َ ،‬ولَ يَ لبع بَع ُ‬
‫ضكُم َ‬

‫خوانَاً‪ ،‬ال ُمس لل ُم أَخو ال ُمسلم‪ ،‬لَ يَظ للمهُ‪َ ،‬ولَ يَخذُلُهُ‪َ ،‬ول‬ ‫َوكونوا لعبَا َد ل‬
‫للا إل َ‬

‫ب‬
‫س ل‬ ‫در له ثَلَ َ‬
‫ث َمرات ‪ -‬بل َح ْ‬ ‫ص ل‬‫شير لإلَى َ‬
‫قوى َها ُهنَا ‪َ -‬ويُ ُ‬
‫ي ْك لذبُهُ‪َ ،‬وليَحْ لق ُرهُ‪ ،‬الت َ‬

‫علَى ال ُمس لل لم َح َرام َد ُمهُ‬ ‫امرىء لمن الشرأَن يَحْ لق َر أ َ َخاهُ ال ُمس لل َم‪ُ ،‬ك ُّل ال ُم ل‬
‫س للم َ‬

‫َو َمالُه َو لعرضُه)‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫تعليـــــــق الشيـــــــــخ‪:‬‬

‫قوله‪{ :‬ل تَحاسدُوا} معنى الحسد‪ :‬تمني زوال النعمة عن الغير‪ ،‬وهذا الحسد‬

‫داء ما يخلو منه البشر‪ ،‬ولهذا يقول ابن القيم‪( :‬ما خل جسد من حسد ولكن‬

‫المؤمن يخفيه والمنافق يبديه)؛ ولهذا المؤمن هو الذي يعالج حسده بدفع‬

‫ذلك الحسد وبدعوى الخير للمحسود؛ إذا رزق اإلنسان ً‬


‫مال ُرزق عل ًما رزق‬

‫خيرا‪ ،‬رزق سمعةً حسنةً‪ ،‬ونحو ذلك إذا وجدت في قلبك عليه‪ ،‬كيف تعالج‬
‫ً‬

‫هذا األمر؟ تقول‪ :‬اللهم زده توفيقًا‪ ،‬اللهم زده هدايته‪ ،‬اللهم زده سدا ًدا ونحو‬

‫ذلك‪ ،‬حتى تحافظ على القلب وتعطيه موازنة‪ ،‬فأنت تعاكس القلب‪ ،‬القلب‬

‫يحسد وأنت تنتشل إلى عكس ما يريد حتى يكون ثمة توازن؛ أما إذا صرت‬

‫‪241‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ً‬
‫باطل ذ ًما وبغيًا على المحسود‪ ،‬ولهذا يقول‬ ‫تسترسل معه سيخرج منك ً‬
‫قول‬

‫النبي‪َ { :‬ل ت َ َحا َ‬


‫سدُوا} أي‪ :‬ل تأخذوا بأسباب الحسد‪.‬‬

‫قال‪َ { :‬ول تناجشُوا}‪ :‬يعني ل تأخذوا بأسباب النجش؛ وقيل أن المراد‬

‫بالنجش هو أن يقوم اإلنسان بالمزايدة بالسعر‪ ،‬وهو ل يريد أن يشتري؛‬

‫يدخل السوق ويريد أن يرفع السعر على فلن وهو ل يريد السلعة‪ ،‬يراه أنه‬

‫قد سامها بخمسين ويقول أريد أن أشتريها بمئة؛ يريد فلنًا يدفعه عنها وهذا‬

‫من األمور المحرمة‪.‬‬

‫قال‪َ { :‬ول تَبا َ‬


‫غضُوا}‪ :‬يعني ل تأخذوا بأسباب البغضاء بالخصومات‪ ،‬باألقوال‬

‫السيئة وبالسب والشتم والتعيير‪ ،‬بالمناكفة في حظوظ الدنيا‪ ،‬قال‪َ { :‬ول‬

‫تَ ُ‬
‫دابروا} يعني ل يهجر المسلم أخاه المسلم‪.‬‬

‫علَى بي لْع ب ْعض} والمراد بالبيع إذا علمت أن أح ًدا‬ ‫قال‪َ { :‬ول ي لب ْع ب ْع ُ‬
‫ض ُك ْم َ‬

‫ً‬
‫قبول في ذلك‪ ،‬ل تأتي إليه وتقول‬ ‫اشترى سلعةً أو سامها بشيء‪ ،‬ثم أعطي‬

‫أنا أزيد عليها في السعر ول تبعها له‪ ،‬وهذا كما أنه في البيع كذلك أي ً‬
‫ضا في‬

‫خطبة النكاح‪.‬‬

‫قال‪{ :‬وكُونُوا لعبا َد ّللا إل ْخوانًا}‪ :‬يعني اتحدوا‪ ،‬هذا فيه أمر بالجماعة على‬

‫ما تقدم الكلم عليه معنا في أمـــــر الجــماعة وهي وحدة المسلمين‪ ،‬ولهذا‬

‫‪242‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫س لل ُم أ َ ُخو ا ْل ُم ْ‬
‫س للم}‪ :‬إشارة إلى أن األخوة هي األخوة اإليمانية؛ ل‬ ‫قال‪{ :‬ال ُم ْ‬

‫أخوة النسب‪ ،‬ول أخوة العرض‪ ،‬ول أخوة البلد‪ ،‬وإنما األخوة العظمى في‬

‫ذلك هي أخوة اإلسلم‪ ،‬فالشرقي أخ الغربي‪ ،‬والغربي أخ الشرقي‪ ،‬الجنوبي‬

‫أخ الشمالي‪ ،‬والشمالي أخ الجنوبي ما اجتمعوا على دين واحد وهو اإلسلم‪،‬‬

‫ولهذا الصحابة عليهم رضوان للا إنما تقدموا بهذه المنزلة ألغوا جميع‬

‫الفوارق إل الفوارق الدينية‪.‬‬

‫قال‪{ :‬ل يَظ لل ُمه‪َ ،‬ول يَ ْخذُلُهُ}‪ :‬المراد بذلك ل يظلمه في حقه‪ ،‬في عرضه‪ ،‬في‬

‫دمه‪ ،‬في ماله‪ ،‬ول يخذله إذا احتاج إليه‪ ،‬إذا سمعت فلنًا يتكلم فيه وتستطيع‬

‫الذب عنه ل يحملك الحسد عليه‪ ،‬وأنت ترى البغي بعدم نصرته بل تقول‪ :‬ل‬

‫أنت ظالم له ول بينة عندك ألنني أعلم أن فلنًا صادقًا‪ ،‬وإن كان مخطئ ًا في‬

‫ذلك الموضوع‪ ،‬وأنا أشهد بهذا لكن هذه القضية هو مظلوم بها؛ هذا من‬

‫نصرة اإلنسان وعدم خذلنه‪.‬‬

‫قال‪َ { :‬و َل يَ ْكذبه} يعني ينبغي لإلنسان أن يصدق‪ ،‬وأن يكذب الكاذب‪ ،‬وأن‬

‫يأتمن األمين وأن يخون الخائن‪.‬‬

‫قال { َ‬
‫ول يَح لق ُره} يعني ل ينقص من قدره الذي وضعه للا عز وجل له‬

‫ليرفع نفسه‪ ،‬أو يرفع غيره حس ًدا وبغيًا‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫قال‪{ :‬الت ْق َوى َها ُهنا} هاهنا يعني أصلها في القلب‪ ،‬ما قال هنا في هذا‬

‫ً‬
‫عمل‪،‬‬ ‫الحديث‪ :‬اإليمان هاهنا‪ ،‬قال‪ :‬التقوى؛ يعني التقوى الذي تثمر في ذلك‬

‫التقوى هاهنا‪.‬‬

‫علَى ا ْل ُم ْ‬
‫س لل لم حرام‪ :‬د ُمهُ‪ ،‬ومالُهُ‪ ،‬و لع ْر ُ‬
‫ضهُ} تقدم معنا في حديث‬ ‫{ ُك ِّل ا ْل ُم ْ‬
‫س لل لم َ‬

‫عبد للا بن مسعود (ل يحل مسلم إل بإحدى ثلث)‪.‬‬

‫صد لْر له ث َ َ‬
‫لث مرات بحسب امرئ لم َن الش ل ِّر‬ ‫ير إللَى َ‬
‫ش ُ‬‫قوله‪{ :‬الت ْق َوى َها ُهنا ويُ ل‬

‫أ َ ْن يَحْ لقر أَخاهُ ال ُم ْ‬


‫س لل َم} تقدم احتقار المسلم ألخيه‪.‬‬

‫أما بالنسبة {للتقوى هاهنا} نقول‪ :‬كثير من الناس من يستعمل هذه العبارة‬

‫ليجبر تقصيره‪ ،‬ل يؤدي الصلة‪ ،‬ويقول‪ :‬التقوى هاهنا‪ ،‬ل يفعل أعمال البر‬

‫ويقول‪ :‬التقوى هاهنا‪ ،‬هذا كلم ليس بصحيح؛ لماذا؟‬

‫ألن الحياة القلبية إذا قويت دلت على حياة الظاهر؛ اإلنسان إذا جاء إلى‬

‫شجرة مخضرة ويانعة ومثمرة؛ ويقول إن هذه الشجرة ل تشقى وقلبها ميت‬

‫فهل هذا صحيح أم ليس صحيح؟ ليس بصحيح‪ ،‬كذلك أي ً‬


‫ضا إذا قال اإلنسان‬

‫وهو يرى الشجرة ميتة ويقول‪ :‬إني أقوم بسقياها على سبيل الدوام وهي‬

‫ميتة ويقول أن حياتها في قلبها‪ ،‬ل تغرك هذه األشياء‪ ،‬هذا ليس بصحيح؛‬

‫‪244‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ألنها لو كانت حية في قلبها لظهر ذلك على جوارحها‪ ،‬ألن اإليمان قول‬

‫وعمل بقدر زيادة الباطن يزيد الظاهر على حد سواء‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســـادس والثلثون‬

‫س ع َْن ُم ل‬
‫ؤمن‬ ‫ع َْن أَبي ُه َر َ‬
‫يرة رضي للا عنه ع لَن النبي ﷺ قَا َل‪َ ( :‬م ْن نَف َ‬

‫ب يَوم القيا َم لة‪َ ،‬و َم ْن يَس َر‬ ‫س للاُ عَنهُ كُربَةً لم ْن َ‬


‫كر ل‬ ‫كُربَةً لمن ك َُر ل‬
‫ب الدُّنيَا نَف َ‬

‫ست َ َر ُه للا في‬


‫ست َ َر ُمس لل َما ً َ‬
‫واآلخ َرة‪َ ،‬و َم ْن َ‬
‫ل‬ ‫علَي له في الدُّنيَا‬
‫على ُمعسر يَس َر للا َ‬

‫سلَكَ‬
‫َون أخي له‪َ ،‬و َم ْن َ‬ ‫َون العَب لد َما ك َ‬
‫َان العَب ُد في ع ل‬ ‫اآلخ َرة‪َ ،‬وللاُ في ع ل‬
‫الدُّنيَا َو ل‬

‫طريقَا ً لإلَى ال َجن لة‪َ ،‬و َما اجت َ َم َع قَوم في‬


‫سه َل للاُ لهُ لب له َ‬ ‫َطريقَا ً يَلت َ لم ُ‬
‫س في له لعل َما ً َ‬

‫علَي ُهم السكينَة‬


‫دارسونهَ َبينَ ُهم لإل نَ َزلَت َ‬
‫للا َويت َ َ‬
‫ب ل‬ ‫للا يَ َ‬
‫تلون لكتا ل‬ ‫ت ل‬ ‫َبيت لم ْن بيو ل‬

‫غشيَتهم الرح َمة و َحفَت ُه ُم ال َملئلكة َو َذكَر ُهم للاُ في َمن لعن َدهُ َ‬
‫‪،‬و َم ْن بَطأ بل له‬ ‫َو َ‬

‫س لر ْع ب له نَ َ‬
‫سبُهُ)‪ .‬رواه مسلم بهذا اللفظ‪.‬‬ ‫ع َملُهُ لَ ْم يُ ْ‬
‫َ‬

‫تعليــــــــق الشيـــــــــــخ‪:‬‬

‫ع ْنهُ ك ُْربَةً لم ْن ك َُر ل‬


‫ب يَ ْو لم‬ ‫س للاُ َ‬ ‫س ع َْن ُم ْؤ لمن ك ُْربَةً لم ْن ك َُر ل‬
‫ب ال ُّد ْنيَا نَف َ‬ ‫{ َم ْن نَف َ‬

‫ا ْل لقيَا َم لة} وهذا تأصيل وتقعيد لقاعدة الجزاء من جنس العمل؛ فإذا عمل‬

‫عمل في الدنيا أعطاه للا عز وجل منه‪ ،‬فإذا أغاث ملهوفًا أغاثه‬
‫ً‬ ‫اإلنسان‬

‫للا‪ ،‬وإذا أطعم الجائع أطعمه للا في اآلخرة‪ ،‬وإذا أنجى غريقًا أنجاه للا عز‬

‫وجل من الهلكة‪ ،‬ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس للا عنه‬

‫كربة من كرب اآلخرة‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫علَ ْي له فلي ال ُّد ْن َيا َو ْاآل لخ َر لة} والمراد بالتيسير‬ ‫علَى ُم ْع ل‬
‫سر يَس َر للاُ َ‬ ‫{ َو َم ْن يَس َر َ‬

‫كثيرا ولم يطب‬


‫ً‬ ‫على المعسر‪ :‬الذي ل يجد سدا ًدا لدينه فحمل في ذلك هما‬

‫بذلك له عيش ل هو ول ذريته فقام بإنظاره‪ ،‬أو بإعطائه أو أسقط عليه شيئ ًا‬

‫من دينه‪ ،‬فهذا من التيسير على المعسر وللا عز وجل ييسر عليه في الدنيا‬

‫واآلخرة‪.‬‬

‫ست َ َر ُه للاُ فلي ال ُّد ْنيَا َو ل‬


‫اآلخ َر لة} من ستر مسلم ستره‬ ‫ست َ َر ُم ْ‬
‫س لل ًما َ‬ ‫قال‪َ { :‬و َم ْن َ‬

‫للا في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وذلك ألن الجزاء من جنس العمل؛ لهذا يحرم على‬

‫اإلنسان أن يبين شيئ ًا استتر به اإلنسان‪ ،‬فإذا علمت أن أح ًدا يشرب الخمر‪،‬‬

‫أو أن فلنًا يفسق‪ ،‬أو أن فلنًا يفعل شيئ ًا من المحرمات ويستتر بها فإنه‬

‫س لل ًما} يعني أن‬


‫ستر ُم ْ‬
‫يحرم عليك أن تذيعها للناس‪ ،‬ألن النبي يقول‪{ :‬من َ‬

‫المستور مذنب ووجود الذنب ل يخول لك أن تعلن ذلك وتشهره‪ ،‬وأما عدم‬

‫الستر إذا لم يستتر الفاعل فل حرج على اإلنسان أن يتحدث عن فعله‪ ،‬كحال‬

‫اإلنسان ً‬
‫مثل يعلن فجوره في الفضائيات وفي الصحافة وفي المجالس هو‬

‫ً‬
‫أصل‪.‬‬ ‫يتكلم بهذا األمر‪ ،‬هل ستره بعدم بيان األمر؟ هو يبينه‬

‫ولهذا نقول أن هذا ليس مما يستر ألنه لم يستتر بهذا األمر ويبين أمره‬

‫للناس‪ ،‬وهذا الحديث يتضمن النهي عن التجسس والفرق بين التجسس‬

‫‪247‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫والتحسس؛ أن التجسس بأمر السوء والتحسس بأمر الخير‪ ،‬ولهذا يعقوب‬

‫عليه السلم قال‪( :‬اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه)‪ .‬والتحسس‪ ،‬المراد‬

‫به هو التماس للخير‪ ،‬الخبر السار‪ ،‬أما التجسس فهو المذموم والبحث عن‬

‫مواضع الشر‪.‬‬

‫َان ا ْلعَ ْب ُد فلي ع َْو لن أ َ لخي له} وهذا فيه إشارة إلى‬
‫قال‪َ { :‬وللاُ فلي ع َْو لن ا ْلعَ ْب لد َما ك َ‬

‫أن للا عز وجل يعين العبد ويسدده ويلهمه الخير ويكفيه إذا أخلص وأعان‬

‫أخاه‪ ،‬فبقدر إعانته ألخيه يسدده للا عز وجل وذلك على ما تقدم أن الجزاء‬

‫من جنس العمل‪ ،‬ويؤخذ من هذا من دللة العكس؛ أن اإلنسان إذا كان في‬

‫خذلن أخيه والترصد له كان للا عز وجل في خذلنه وعدم توفيقه في مثل‬

‫ذلك المقدار‪.‬‬

‫سه َل للاُ لَهُ لب له َط لريقًا لإلَى ا ْل َجن لة}‬ ‫سلَكَ َط لريقًا َي ْلت َ لم ُ‬
‫س لفي له لع ْل ًما َ‬ ‫قال‪َ { :‬و َم ْن َ‬

‫بين النبي عليه الصلة والسلم فضل العلم وأنه يوصل اإلنسان بأسهل‬

‫الطرق إلى الجنة؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلة والسلم‪( :‬من يرد للا به‬

‫خيرا يفقهه في الدين) وطلب العلم من األمور المهمة‪.‬‬


‫ً‬

‫سونَهُ َب ْينَ ُه ْم لإل‬ ‫للا َويَتَد َ‬


‫َار ُ‬ ‫اب ل‬ ‫للا َيتْلُ َ‬
‫ون لكت َ َ‬ ‫ت ل‬ ‫{ َو َما اجْ ت َ َم َع قَوم لفي َبيْت لم ْن بُيُو ل‬

‫شيَتْ ُه ُم الرحْ َمةُ‪َ ،‬و َحفتْ ُه ُم ا ْل َملَئلكَةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم للاُ‬ ‫علَي لْه ُم الس لكينَةُ‪َ ،‬و َ‬
‫غ ل‬ ‫نَ َزلَتْ َ‬

‫‪248‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فلي َم ْن لع ْندَه} فيه أهمية تدارس كتاب للا سبحانه وتعالى وخاصة في بيوت‬

‫للا في المساجد‪ ،‬ولهذا ينبغي أل تهجر المساجد ألنها بيوت للا سبحانه‬

‫للا}‪.‬‬
‫ت ل‬ ‫وتعالى في األرض‪ ،‬ولهذا قال‪{ :‬فلي بَيْت لم ْن بُيُو ل‬

‫س لر ْع بله نَ َ‬
‫سبُهُ} أي أن للا عز وجل يجعل‬ ‫وقوله‪َ { :‬م ْن بَطأ َ بل له َ‬
‫ع َملُهُ لَم يُ ْ‬

‫أعمال الناس على حد سواء‪ ،‬كان شريفًا‪ ،‬أو كان وضيعًا‪ ،‬كان غنيًا أو كان‬

‫سا‪ ،‬كان حاك ًما أو كان محكو ًما‪ ،‬وللا سبحانه‬


‫سا أو كان مرؤو ً‬
‫فقيرا‪ ،‬كان رئي ً‬
‫ً‬

‫وتعالى ل يفرق بين عباده وهذا مقتضى عدله سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الســـــــابع والثلثون‬

‫ع ْن ُه َما ع لَن النبي ﷺ فل ْي َما َي ْر لو ْي له ع َْن َر لبِّ له ت َ َب َ‬


‫اركَ‬ ‫ي للاُ َ‬
‫عَن اب لْن عَباس َر لض َ‬

‫ت ثُم بَي َن َذ للكَ ؛ فَ َم ْن َهم‬ ‫سنَا ل‬


‫ت َوالسيئَا ل‬ ‫َوتَعَالى أَنهُ قَا َل‪( :‬إلن للا َكت َ َ‬
‫ب ال َح َ‬

‫َاملَةً‪َ ،‬و لإ ْن َهم بل َها فَ َع لملَ َها َكتَبَ َها للاُ‬


‫سنَةً ك ل‬
‫سنَة فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها للاُ لع ْن َد ُه َح َ‬
‫لب َح َ‬

‫لى أ َ ْ‬
‫ضعَاف َكثلي َْرة‪َ .‬وإل ْن َهم بل َ‬
‫س ليِّئَة‬ ‫سنَات إللَى َ‬
‫س ْب لعمائ َ لة لض ْعف إل َ‬ ‫لع ْن َدهُ َ‬
‫عش َْر َح َ‬

‫سيلِّئَةً‬
‫َاملَةً‪َ ،‬و لإ ْن َهم لب َها فَعَ لملَ َها َكتَبَ َها للاُ َ‬
‫سنَةً ك ل‬
‫فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها للاُ لع ْن َدهُ َح َ‬

‫اح َدةً)‪.‬‬
‫َو ل‬

‫ف‪.‬‬
‫يه َما لب َه لذ له ال ُح ُر ْو ل‬
‫ص لح ْي َح ل‬
‫س للم في َ‬ ‫َر َواهُ البُ َخ لار ُّ‬
‫ي َو ُم ْ‬

‫تعليـــــــــق الشيـــــــخ‪:‬‬

‫ت َوالس ليِّئَاتل‪ ،‬ثُم بَي َن َذ للكَ } يعني أن مقادير الثواب‬ ‫ب ا ْل َح َ‬


‫سنَا ل‬ ‫للا َكت َ َ‬
‫{إلن َ‬

‫والعقاب من للا سبحانه وتعالى ل من عباده‪ ،‬ما من حسنة يفعلها اإلنسان‬

‫تقديرا وكذلك أي ً‬
‫ضا ثوابًا عند للا سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا جاء‬ ‫ً‬ ‫إل وهي مدونة‬

‫عن النبي عليه الصلة والسلم كثير من تقدير الحسنـــات والسيئــات‪:‬‬

‫(الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف) وللا يضاعف ذلك لمن يشاء من‬

‫عباده؛ كذلك يقول النبي عليه الصلة والسلم حتى في تفاضل العبادات‬

‫أخرجه البخاري‬ ‫شرين دَرجةً)‬


‫َ‬ ‫سبع و لع‬ ‫(صلةُ الجماع لة تَف ُ‬
‫ض ُل على صل لة الفرد ب َ‬

‫‪250‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫فكتابة مقادير الحسنات والسيئات هي إلى للا سبحانه‬ ‫(‪ ،)461‬ومسلم (‪)419‬‬

‫وتعالى‪.‬‬

‫َاملَةً} وذلك لوجود‬


‫سنَةً ك ل‬
‫سنة فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها للاُ لع ْن َدهُ َح َ‬
‫قال‪{ :‬فَ َم ْن َهم بل َح َ‬

‫مانع‪َ ،‬وجد اإلنسان صارفًا نسي‪ ،‬أراد أن يذهب يتصدق ثم صرف عن ذلك‪،‬‬

‫فذهب لكي يتصدق ثم شغل‪ ،‬تعطلت السيارة‪ ،‬مرض اإلنسان‪ ،‬يكتب للا عز‬

‫وجل له الحسنة ألن العمل بالنية‪.‬‬

‫س ْب لع لمائ َ لة لض ْعف لإلَى‬


‫سنَات لإلَى َ‬ ‫{ َو لإ ْن َهم لب َها فَعَ لملَ َها َكتَبَ َها للاُ لع ْن َدهُ َ‬
‫عش َْر َح َ‬

‫َاملَةً} هل إذا‬
‫سنَةً ك ل‬
‫س ليِّئَة فَلَ ْم َي ْع َم ْلها َكت َ َب َها للاُ لع ْن َد ُه َح َ‬
‫يرة َو لإ ْن َهم لب َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ض َعاف َك لث َ‬

‫هم بالسيئة ومجرد عدم العمل بها يكتبها للا عز وجل له حسنة؟‬

‫ل؛ حتى يتركها لل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫س ليِّئَةً َو ل‬
‫اح َدةً} وهذا من لطف للا عز وجل‬ ‫{ َو لإ ْن َهم لب َها فَ َع لملَ َها َكت َ َب َها للاُ َ‬

‫ورحمته بأمة دمحم صلى للا عليه وسلم؛ وهذا الحساب هو خاص بأمة دمحم‬

‫ً‬
‫دخول للجنة‪ ،‬وأقل األمم‬ ‫صلى للا عليه وسلم؛ لهذا كانت األمة أكثر األمم‬

‫ً‬
‫دخول للنار؛ ولهذا يقول رسول للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬والذي نفسي بيده‬

‫متفق عليه‬ ‫ما أنتم في النار إل كالشعرة السوداء في جلد الثور األبيض)‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثــــــــامن والثلثون‬

‫للا ﷺ‪ ( :‬لإن للاَ ت َ َعالَى‬ ‫ع َْن أ َ لبي ُه َري َْرةَ رضي للا عنه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫سو ُل ل‬

‫لي لبشَيء أ َ َحب‬


‫ع ْبد ْ‬ ‫قَا َل‪َ :‬م ْن عَادَى للي َو لليا ً فَقَ ْد آ َذ ْنتُهُ لبال َح ْر ل‬
‫ب‪َ .‬و َما تَقَر َ‬
‫ب إل للي َ‬

‫ب لإلَي لبالن َوافل لل َحتى أ ُ لحبهُ‪ ،‬فَ لإ َذا‬


‫لي يَتَقَر ُ‬ ‫علَ ْي له‪ .‬وليَ َزا ُل َ‬
‫ع ْبد ْ‬ ‫لإ للي لمما ْافت َ َر ْ‬
‫ضتُهُ َ‬

‫ْص ُر بل له‪َ ،‬ويَ َدهُ التلي يَب لْط ُ‬


‫ش‬ ‫لي يُب ل‬
‫ص َرهُ الذ ْ‬
‫س َم ُع بل له‪َ ،‬وبَ َ‬
‫لي يَ ْ‬ ‫أَحْ بَبتُهُ ُك ْنتُ َ‬
‫س ْمعَهُ الذ ْ‬

‫ستَعَا َذ لن ْي‬ ‫سأَلَنل ْي أل ُ ل‬


‫عطيَنهُ‪َ ،‬ولَئل ْن ا ْ‬ ‫ش ْي لب َها‪َ .‬ولَئل ْن َ‬
‫لب َها‪َ ،‬و لرجْ لَهُ التلي يَ ْم ل‬

‫أل ُ لع ْي َذنهُ)‪.‬‬

‫رواه البخاري‪.‬‬

‫تعليــــــــق الشيـــــــــــخ‪:‬‬

‫تقدم معنا الكلم في مسألة قربان للا عز وجل وكفايته؛ وهذا تقدم معنا في‬

‫قول النبي‪( :‬يا غلم إني أعلمك كلمات احفظ للا يحفظك) الحديث ‪ 50‬تقدم معنا‬

‫الكلم على هذا الحديث بكامله أوردناه وشرحناه‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث التـــــــاسع والثلثون‬

‫او َز للي‬ ‫للا ﷺ قَال‪ ( :‬لإن َ‬


‫للا ت َ َج َ‬ ‫ع ْن ُه َما أَن َر ُ‬
‫سو َل ل‬ ‫ي للاُ َ‬
‫ع لَن اب لْن عَباس َر لض َ‬

‫علَ ْي له)‪.‬‬
‫ست ُ ْك لر ُهوا َ‬ ‫ع َْن أُمتلي ال َخ َطأ َ َوالنلِّ ْ‬
‫سيَ َ‬
‫ان َو َما ا ْ‬

‫حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما‪.‬‬

‫تعليــــــق الشيـــــــــــخ‪:‬‬

‫علَ ْي له‪ :‬الخطأ هو‬


‫ست ُ ْك لر ُهوا َ‬ ‫او َز ع َْن أُم لتي ا ْل َخ َطأَ‪َ ،‬وال لنِّ ْ‬
‫س َي َ‬
‫ان‪َ ،‬و َما ا ْ‬ ‫ّللا َق ْد ت َ َج َ‬
‫لإن َ‬

‫خلف الصواب؛ وهو ما يفعله اإلنسان من غير عمد إما بغفلة أو بعدم علم‬

‫فيفعله إنسان‪ ،‬عفاه للا عز وجل‪ ،‬والنسيان هو الذهول حضور العلم وينسى‬

‫اإلنسان ذلك‪ ،‬أما الخطأ هو الذي ل يسبقه علم‪ ،‬ففعله اإلنسان من غير علم‪،‬‬

‫حاضرا عند الفعل‪ ،‬واإلكراه على‬


‫ً‬ ‫أما النسيان هو الذي يسبقه علم ولم يكن‬

‫نوعين‪:‬‬

‫‪ ‬إكراه ملجئ‪.‬‬

‫‪ ‬إكراه غير ملجئ‪.‬‬

‫وهذه الثلثة مما عفا للا عز وجل اإلنسان عنها‪ ،‬واإلكراه ينبغي أن يقدر‬

‫بقدره‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث األربـــــــعون‬

‫للا ﷺ لبم ْنكبي فَقَا َل‪( :‬ك ُْن‬ ‫ع ْن ُه َما قَا َل‪ :‬أ َ َخ َذ َر ُ‬
‫سو ُل ل‬ ‫ي للاُ َ‬
‫ع َم َر َر لض َ‬
‫ع لَن اب لْن ُ‬

‫ع ْن ُه َما يَقُ ْو ُل‪:‬‬


‫ي للاُ َ‬
‫ع َم َر َر لض َ‬ ‫غ لريْب أ َ ْو عَا لب ُر َ‬
‫سبليْل) َوك َ‬
‫َان ا ْب ُن ُ‬ ‫فلي ال ُّد ْنيَا كَأَنكَ َ‬

‫سا َء‪َ .‬و ُخ ْذ لم ْن‬ ‫سيْتَ فَل ت َ ْنت َ لظ لر الصبَاحَ‪َ ،‬و لإ َذا أ َ ْ‬
‫صبَحْ تَ فَل ت َ ْنت َ لظ لر ال َم َ‬ ‫لإ َذا أ َ ْم َ‬

‫لصحتلكَ لل َم َر لضكَ ‪َ ،‬و لم ْن َحيَاتلكَ ل َم ْوتلكَ ‪.‬‬

‫رواه البخاري‪.‬‬

‫تعليـــــــق الشيــــــــخ‪:‬‬

‫ّللا ﷺ بل َم ْن لكبلي}‪ :‬من أسلوب التنبيه من النبي عليه الصلة‬ ‫{أ َ َخ َذ َر ُ‬


‫سو ُل ل‬

‫والسلم‪ ،‬أنه يأخذ بيد بعض أصحابه‪ ،‬وربما بمنكبه وربما أي ً‬


‫ضا يناديه‬

‫باسمه على سبيل التخصيص حتى ينتبه إليه ويحفظ ذلك المعلوم‪ ،‬فقال النبي‬

‫عليه الصلة والسلم هنا لما أخذ بمنكب عبد للا بن عمر‪{ :‬ك ُْن فلي ال ُّد ْن َيا‬

‫غ لريب‪ ،‬أ َ ْو عَا لب ُر َ‬


‫س لبيل} المغترب الذي يعمل في بلدة من البلدان البعيدة‬ ‫كَأَنكَ َ‬

‫تجد أنه في تعامله مع تلك البلدة يختلف عن غيرها‪ ،‬من جهة عمارة األرض‬

‫ومن جهة اإلكثار منها‪ ،‬والتزود فيها‪ ،‬والقرار فيها على سبيل الدوام يختلف‬

‫عن غيره من أهل البلد‪ ،‬فللدنيا أناس وللدين أناس‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫غ لريب‪ ،‬أ َ ْو عَابل ُر َ‬


‫س لبيل} هذا الخطاب يتوجه إلى‬ ‫قال‪{ :‬ك ُْن فلي ال ُّد ْنيَا كَأَنكَ َ‬

‫عبدللا بن عمر والنبي عليه الصلة والسلم خاطبه في ذلك وهو شاب وقد‬

‫جاوز الحتلم عليه رضوان للا‪ ،‬وهذا من توجيه النبي عليه الصلة والسلم‬

‫للفتية والشباب‪ ،‬وذلك أن النبي عليه الصلة والسلم وهو من هو يوجه إلى‬

‫شيء من المعاني العظيمة‪ ،‬وهذا المعنى عادةً في زماننا يتوجه إلى الكبار‪،‬‬

‫ولكن نقول ألن الهمة علت في السلف الصالح من الصحابة توجه الخطاب‬

‫إليهم بمثل هذا المعنى‪ ،‬ولهذا أدرك عبد للا بن عمر عليه رضوان للا‬

‫المعنى العظيم في هذا الحديث‪ ،‬فترجمه إلى معنى فقال‪{ :‬إ َذا أ َ ْم َ‬
‫سيْتَ فَلَ‬

‫سا َء‪َ ،‬و ُخ ْذ لم ْن لصحتلكَ لل َم َر لضكَ ‪،‬‬ ‫ت َ ْنت َ لظ لر الصبَاحَ‪َ ،‬و لإ َذا أ َ ْ‬
‫صبَحْ تَ فَلَ ت َ ْنت َ لظ لر ا ْل َم َ‬

‫َو لم ْن َحيَاتلكَ لل َم ْوتلكَ } يعني أنك ل تريد الدوام فربما رحيلك في أي لحظة‪،‬‬

‫وهذا هو المراد به ما يتعلق بالزهد في الدنيا والتقلل منها‪ ،‬وتقدم معنا‬

‫أمرا وأصبح قدوةً لغيره عليه أل ينصرف‬


‫أهمية ذلك‪ ،‬وكلما ارتفع اإلنسان ً‬

‫بقلبه إلى الدنيا‪ ،‬ولو جاءته الدنيا يضعها في يده ل أن يضعها في قلبه‪ ،‬ألنها‬

‫لو عمرت قلبه ما خرجت منه‪ ،‬وصرفته عن دين للا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الحـــــادي واألربعون‬

‫ع ْن ُه َما قَا َل‪ :‬قَا َل‬


‫ي للاُ َ‬
‫اص َر لض َ‬
‫عم لرو ب لْن العَ ل‬
‫للا بل لن ْ‬ ‫ع َْن أَبل ْي ُم َحمد َ‬
‫ع ْب لد ل‬

‫للا صلى للا عليه وسلم‪( :‬لَيُ ْؤ لمنُ أ َ َح ُد ُك ْم َحتى يَك َ‬


‫ُون َهواهُ تَبَعَا ً لل َما‬ ‫سو ُل ل‬
‫َر ُ‬

‫ص لحيْح‪.‬‬ ‫لجئْتُ بل له)‪َ .‬ح لديْث َح َ‬


‫سن َ‬

‫تعليـــــــــق الشيــــــــــخ‪:‬‬

‫هذا الحديث في إسناده نعيم بن حماد‪ ،‬وقد ضعفه غير واحد من العلماء؛‬

‫ولكن هذا المعنى معنى صحيح؛ أن رغبات اإلنسان إذا كانت على خلف‬

‫مراد للا جل وعل ومراد رسول للا صلى للا عليه وسلم بالكلية فإنه ل‬

‫يمكن أن يتحقق فيه كمال اإليمان‪ ،‬ول يتحقق بالكلية إذا كان جميع الهوى‬

‫عا‪.‬‬ ‫ً‬
‫أصول وفرو ً‬ ‫على خلف مراد للا‬

‫ولهذا نقول إن نفي اإليمان هنا على معنيين نفي كمال ونفي صحة؛ نفي‬

‫الصحة‪ :‬إذا كان كل الهوى على خلف مراد للا‪.‬‬

‫ونفي الكمال‪ :‬إذا كان أكثر الهوى أو بعض الهوى على خلف مراد للا جل‬

‫وعل بحسب نوع الهوى فيما يتعلق باألصول أو يتعلق بالفروع‪ ،‬وكيف‬

‫يكون اإلنسان هواه تبعًا لما جاء للا عز وجل به على رسوله عليه الصلة‬

‫والسلم؟‬

‫‪256‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫يكون الهوى في ذلك كلما استكثر اإلنسان من جانب العبادة‪ ،‬التمس رضا‬

‫للا ونشأ عليه؛ لهذا النبي عليه الصلة والسلم يقول كما جاء في حديث‬

‫أبي هريرة في الصحيحين‪( :‬سبعة يظلهم للا في ظله يوم ل ظل إل ظله)‬

‫وذكر منهم شابًا نشأ في طاعة للا ورجل قلبه معلق بالمساجد‪،‬‬ ‫متفق عليه‬

‫وهذا التعلق هو الهوى‪ ،‬هواه في المسجد‪ ،‬ليس هواه في اللهو ول في‬

‫اللعب ول في النصراف إلى شيء من األمور المحرمة ونحو ذلك‪ ،‬وهذا إذا‬

‫كان في الشاب وهو الذي له صبوة ممن ينصرف إلى المتعة والغريزة ونحو‬

‫ذلك دل على أنه اندفع وتعلق قلبه بذلك لكثرة وشدة التوطين؛ فأصبح يعمل‬

‫الحسنة وهو سعيد بها‪ ،‬ويبتعد عن السيئة وهو سعيد كذلك بها‪ ،‬وهذا يكون‬

‫في اإلنسان الذي وفقه للا عز وجل وكمل إيمانه وعل‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الحديث الثــــــــــاني واألربعون‬

‫للا يَقُو ُل‪ :‬قَا َل للاُ‬


‫سو َل ل‬ ‫ع َْن أَنَ لس ب لْن َما للك رضي للا عنه قَا َل‪َ :‬‬
‫س لم ْعتُ َر ُ‬

‫َان لم ْنكَ َول‬ ‫تَعَالَى‪( :‬يَا اب َْن آ َ َد َم لإنكَ َما َدعَوتَنل ْي َو َر َجوتَنل ْي َ‬
‫غفَ ْرتُ لَكَ َ‬
‫علَى َما ك َ‬

‫اء ثُم است َ ْغفَ ْرتَنل ْي َ‬


‫غفَ ْرتُ لَكَ ‪ ،‬يَا‬ ‫أُبَا لل ْي‪ ،‬يَا اب َْن آ َ َد َم لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ َ‬
‫عنَ َ‬
‫ان الس َم ل‬

‫ض َخ َطايَا ثُم ل لق ْيتَنل ْي لَ تُش لْرك لب ْي َ‬


‫ش ْيئَا ً‬ ‫اب َْن آ َ َد َم إلنكَ لَو أَت َ ْيتَنل ْي لب لق َرا ل‬
‫ب األ َ ْر ل‬

‫ألَت َ ْيت ُكَ بل لق َرا لب َها َمغ لف َرةً)‪.‬‬

‫ص َحيْح‪.‬‬ ‫لي َوقَا َل‪َ :‬ح لديْث َح َ‬


‫سن َ‬ ‫َر َواهُ ال لت ِّ ْر لمذ ُّ‬

‫تعليــــــــق الشيـــــــــــخ‪:‬‬

‫تقدم معنا معنى هذا الحديث بمعنى هذا الحديث (يا عبادي كلكم جائع إل من‬

‫أطعمته فاستطعموني أطعمكم‪ ،‬يا عبادي! كلكم عار إل من كسوته‬

‫فاستكسوني أكسكم‪ ،‬يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر‬

‫الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم) ولهذا ينبغي لإلنسان أن يتعرض‬

‫لنفحات للا عز وجل‪.‬‬

‫ابن آد َم إنكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما َ‬


‫كان فيكَ ول أبالي}‬ ‫{يا َ‬

‫يعني للا عز وجل ينتظر من عبده المبادرة؛ ولهذا للا عز وجل يقول‪( :‬فقلت‬

‫غفارا) يعني يسبقك بالمغفرة؛ يريد منك أن يخرج‬


‫ً‬ ‫استغفروا ربكم إنه كان‬

‫‪258‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫طرف المغفرة حتى يقبلها للا عز وجل؛ ولهذا للا سبحانه وتعالى يسابقك‬

‫بغفران الذنب إذا أخذت بأسبابه‪.‬‬

‫{غفَرتُ لَكَ على ما َ‬


‫كان فيكَ ول أبَالي} دعوة للا عز وجل وسؤال للا‬

‫سبحانه وتعالى ينبغي لإلنسان أن يكثر منه‪ ،‬ألن الدعاء هو العبادة ومخ‬

‫العبادة كما جاء عن النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬كذلك فإن الدعاء علمة‬

‫على قوة اإليمان‪ ،‬وتقدم معنا أي ً‬


‫ضا أنه ينبغي لإلنسان أن يكثر من سؤال للا‬

‫أمرا دقيقًا حتى يبين حاجته وافتقاره لل‬


‫عز وجل كل شيء‪ ،‬ولو كان ً‬

‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا النبي صلى للا عليه وسلم حث الناس على الدعاء‬

‫وقد جاء في الخبر‪( :‬من لم يسأل للا يغضب عليه) وأعظم أنواع اإلعراض‬

‫عن للا وعدم سؤاله عند الضراء أن ينزل بك ضر ول تسأل للا؛ ألن‬

‫صا له الدين‪ ،‬وأنت‬


‫المشرك بالل إذا نزل به ضر وركب الفلك دعا للا مخل ً‬

‫نزل بك الضر ولم تلجأ إلى للا سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذا فيه إشارة إلى استغناء‬

‫العبد عن للا‪ ،‬أنه حتى لو نزلت لك ضرورة تعرض عن للا! هذا من مواضع‬

‫الغلط‪ ،‬ولهذا تنزل الفتن بالمسلمين ول يلجؤون إلى للا‪ ،‬والعجب أن الفتنة‬

‫نزلت بالشام وقتل اآللف من المسلمين‪ ،‬ما رأينا حكام المسلمين يجتمعون‬

‫للدعاء لهم ويلتجئون إلى للا‪ ،‬كانت اجتماعات دبلوماسية وسياسية‪ ،‬أما‬

‫‪259‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫اللتجاء إلى للا هل رأيناه؟ ل وللا ما رأينا من ذلك شيئ ًا‪ ،‬وهذه من أعظم‬

‫النوازل والمصائب‪ ،‬وقُتل من المسلمين أكثر من عشرة آلف؛ منهم من قطع‬

‫ً‬
‫أوصال‪ ،‬ومنهم الصبية‪ ،‬ومنهم الصغار‪ ،‬وبقرت البطون‪ ،‬وحفرت الرؤوس‪،‬‬

‫ومع ذلك ما رأينا التجا ًءا إل من عامة المسلمين‪ ،‬وبهؤلء العامة من‬

‫كثيرا‬
‫ً‬ ‫الشيوخ والضعفاء والكبار والصغار يرحم للا عز وجل ويلطف‪ ،‬ولهذا‬

‫من النوازل تشتد للمسلمين؛ يتأخر إجابة للا عز وجل وتعظم البلية على‬

‫المؤمنين لماذا؟ ألن أهل الحل والعقد في األمة ما توجهوا إلى الدعاء‬

‫للمسلمين‪ ،‬ولهذا نقول أن النبي عليه الصلة والسلم حين قال‪( :‬من لم‬

‫يسأل للا يغضب عليه) إذا رأيت اإلنسان ‪-‬وهذا ولل المثل األعلى‪ -‬في مسبح‬

‫أو في بركة أو في نهر قَارب أو شارف على الغرق وتمد يدك إليه ويعرض‬

‫عنك هذا معناه أنه ل يريد منك العون‪ ،‬أو ان لديه نجاة غير غير يدك‪ ،‬وهل‬

‫لدى العبد نجاة عند غير للا عز وجل! ليس لديه نجاة‪ ،‬ولهذا الذي تنزل به‬

‫مصيبة ول يسأل للا عز وجل أشد غضبًا ممن لم تنزل به مصيبة ول يسأل‬

‫للا عز وجل‪ ،‬ولهذا يقول‪( :‬من لم يسأل للا يغضب عليه) ألنك تبدي غنى‬

‫عن للا وأنت أحوج ما تكون لل جل وعل‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫ماء ثم‬ ‫ابن آد َم لو بلغت ذنوبُكَ ع َ‬
‫َنان الس ل‬ ‫ويقول هنا للا سبحانه وتعالى‪{ :‬يا َ‬

‫األرض‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫استغفرتَني غفرتُ لَكَ ‪ ،‬ول أبالي‪ ،‬يا َ‬
‫ابن آد َم إنكَ لو أتيتَني بقرا ل‬

‫خطايا ثم لقيتَني ل ل‬
‫تشركُ بي شيئ ًا ألتيت ُكَ بقرابلها مغفرة}‪ :‬يعني لو أتيتني‬

‫بما يقارب الدنيا من الذنوب؛ مألت الدنيا ذنوبًا ول يمكن لإلنسان أن يمألها‬

‫لقصر آجاله وضعف حيلته‪ ،‬ولكن لو بلغ مثل هذا المبلغ ثم تعرض لنفحات‬

‫للا عز وجل وتوبته لتاب للا عز وجل عليه‪ ،‬ول أعظم عند للا عز وجل من‬

‫الشرك (إن للا ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ومع ذلك‬

‫للا سبحانه وتعالى غفر له‪ ،‬جاء عند الدارمي وغيره‬


‫إذا استغفر اإلنسان َ‬

‫أن النبي صلى للا عليه وسلم جاءه رجل فقال‪( :‬يا رسول للا إني أذنبت‬

‫ذنبا في الجاهلية فهل لي من توبة؟ قال النبي عليه الصلة والسلم وما‬

‫أذنبت؟ قال إنه كان لي بنت وكان في العرب وأد البنات‪ ،‬وكانت العرب تئد‬

‫البنات‪ ،‬وإن أمها أخذت بها عني إلى أخوالها حتى بلغت سبع سنين‪ ،‬ثم أتت‬

‫بها تظن أني ل أفعل بها شيئ ًا‪ ،‬ثم إني أخذتها فأخذت العهد أل أفعل بها‬

‫شيئ ًا‪ ،‬قال فأعطيتها إياه‪ ،‬فأخذتها إلى بئر من اآلبار‪ ،‬فلما دنت منه رميت‬

‫بها في البئر وعهدي بها وهي تقول يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه قال‪ :‬ثم أطرق‬

‫النبي عليه الصلة والسلم وهو يبكي‪ ،‬والرجل قائم‪ ،‬وأطال النبي عليه‬

‫الصلة والسلم البكاء ثم أعرض ذلك الرجل وذهب‪ ،‬ثم رفع النبي عليه‬

‫‪261‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الصلة والسلم رأسه فناداه فقال استغفروا يغفر للا لكم) هل ثمة شيء‬

‫أعظم بعد اإلشراك بالل من هذه الفعلة!‬

‫ومع ذلك يتوب للا عز وجل على من تاب؛ ولهذا إذا أتى اإلنسان بقراب‬

‫األرض خطايا ثم استغفر للا عز وجل أتاه للا عز وجل بقرابها مغفرة؛ ألن‬

‫للا عز وجل يغفر للعبد ول يبالي إذا أقبل اإلنسان على للا سبحانه وتعالى؛‬

‫لهذا للا تعرض للعبد بالمغفرة فيبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪،‬‬

‫ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل‪ ،‬وهكذا باب التوبة مفتوح إلى أن‬

‫يرث للا األرض ومن عليها‪ ،‬وتقوم الساعة وتطلع الشمس من مغربها؛ لهذا‬

‫نقول‪ :‬إن التوبة من األمور الواجب المبادرة إليها‪ ،‬كذلك أي ً‬


‫ضا من أعظم‬

‫حبائل إبليس أن يعظم الذنب في قلب اإلنسان؛ فعلت‪ ،‬وفجرت‪ ،‬وقتلت‪،‬‬

‫وسرقت‪ ،‬وفسقت‪ ،‬وغير ذلك؛ ويستحضر الذنوب حتى يقنطه من رحمة للا؛‬

‫حتى يستمر على ما هو عليه‪ ،‬ولكن إذا استحضر مثل هذه المعاني عظم‬

‫رحمة للا عز وجل‪ ،‬وأن للا يمحو له ما جاء من ذنوب وخطايا‪ ،‬عرف ذلك‬

‫ورجا للا عز وجل وأقبل على التوبة والمغفرة‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬
‫الفهرس‬

‫الحديث األول ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪7‬‬


‫الحديث الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪41‬‬
‫الحديث الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪68‬‬
‫الحديث الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪16‬‬
‫الحديث الخامس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪35‬‬
‫الحديث السادس ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪38‬‬
‫الحديث السابع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪599‬‬
‫الحديث الثامـن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪557‬‬
‫الحديث التاسع ـــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪558‬‬
‫الحديث العاشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪546‬‬
‫الحديث الحادي عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪579‬‬
‫الحديث الثاني عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪574‬‬
‫الحديث الثالث عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪576‬‬
‫الحديث الرابع عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪570‬‬
‫الحديث الخامس عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪564‬‬
‫الحديث السادس عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪519‬‬
‫الحديث السابع عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪514‬‬
‫الحديث الثامن عشر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪549‬‬
‫الحديث التاسع عشر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪541‬‬
‫الحديث العشرون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪536‬‬

‫‪263‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫الحديث الحادي والعشرون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪533‬‬


‫الحديث الثاني والعشرون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪530‬‬
‫الحديث الثالث والعشرون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪585‬‬
‫الحديث الرابع والعشرون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪583‬‬
‫الحديث الخامس والعشرون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪504‬‬
‫الحديث السادس والعشرون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪499‬‬
‫الحديث السابع والعشرون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪494‬‬
‫الحديث الثامن والعشرون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪491‬‬
‫الحديث التاسع والعشرون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪455‬‬
‫الحديث الثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪441‬‬
‫الحديث الحادي والثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪440‬‬
‫الحديث الثاني والثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪476‬‬
‫الحديث الثالث والثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪474‬‬
‫الحديث الرابع والثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪470‬‬
‫الحديث الخامس والثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪465‬‬
‫الحديث السادس والثلثون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪464‬‬
‫الحديث السابع والثلثون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪419‬‬
‫الحديث الثامن والثلثون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪414‬‬
‫الحديث التاسع والثلثون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪417‬‬
‫الحديث األربعون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪416‬‬

‫‪264‬‬
‫التعليقات الطريفية على األربعين النووية‬

‫الحديث الحادي واألربعون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪414‬‬


‫الحديث الثاني واألربعون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪418‬‬

‫انتهى‪.‬‬
‫نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا ولكافة المسلمين‪.‬‬

‫سبحان للا وبحمده سبحان للا العظيم‪.‬‬

‫اللهم صل على دمحم وبارك على دمحم وعلى آل دمحم كما صليت وباركت على آل‬

‫إبراهيــم‪ ،‬إنـــك حميــــد مجيـد‪.‬‬

‫‪265‬‬

You might also like