Professional Documents
Culture Documents
التعليقات الطريفية على الأربعين النووية
التعليقات الطريفية على الأربعين النووية
التعليقات الطريفية على الأربعين النووية
1
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
سنَا َو لم ْن ور أ َ ْنفُ للل لم ْن ش ُُر ل ست َ ْغ لف ُر ُهَ ،ونَعُوذُ لبا ل
ست َ لعينُهُ َونَ ْ إن ا ْل َح ْم َد ل ل
ِل نَحْ َم ُد ُه َونَ ْ
ش َه ُد أ َ ْن
لى لَهَُ ،وأ َ ْ ض لل ْل فَلَ َهاد َ ت أ َ ْع َما للنَاَ ،م ْن يَ ْه لد له للاُ فَلَ ُم لضل لَهَُ ،و َم ْن يُ ْ س ليِّئَا ل
َ
سولُهُ ش َه ُد أَن ُم َحمدًا َ
ع ْب ُد ُه َو َر ُ لَ لإلَهَ لإل للاُ َوحْ َد ُه لَ ش لَريكَ لَهَُ ،وأ َ ْ
أمـــــــــا بـــــعــد:
الحمد لل الذي جعل للدين حماة ربانيين ،ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال
المبطلين وتأويل الجاهلين ،ومن جملة هؤلء :اإلمام الحافظ النووي محيى
الدين فقد ألف كتابًا جمع فيه من أحاديث جوامع الكلم أربعين ،ول زال العلماء
بها معتنين ،ولها شارحين ،ومنهم الشيخ المحدث عبد العزيز بن مرزوق
الطريفي وقد جمعنا هذا الشرح من دروس الشيخ فاعتمدنا على مجالس له
لكنها توقفت في الحديث العشرين ،ففرغناها ثم أتممنا العشرين األولى بعشرين
أخرى من مجالسه فك للا أسره في القيروان ،حيث شرحها هنالك أيضا ً.
وإليكم إخواني أحبتي هذا الشرح للشيخ المحدث عبد العزيز بن مرزوق
الطريفي -الذي أصله الشروح الصوتية -فألهمية هذا المتن المبارك ،وعظيم
الفوائد التي دائ ًما ما يمتاز بها شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي ،نقدم لكم هذا
الكتاب؛ وقد تدخلنا بتدخل يسير مما يقتضيه المقام ،كحذف مكرر أو إضافة
شيء من الروابط اللغوية إذ مقام الشرح الصوتي ليس كالتأليف.
2
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحــديث األول
للا ﷺ
سو َل ل ب قَا َل َ :
س لم ْعتُ َر ُ نين أَبي َح ْفص ُ
ع َم َر ب لْن ال َخطا ل ؤم َ ع َْن أ َ لم ل
ير ال ُم ل
امرأَة
س ُولهَ ،و َم ْن كَانَتْ هلجْ َرتُهُ لل ُد ْنيَا يُ لص ْيبُ َها أَو ْ سوله فَ لهجْ رتُهُ إلى ل
للا َو َر ُ للا َو َر ُ
ل
يَ ْن لك ُح َها ،فَ لهجْ َرتُهُ لإلى َما َها َج َر إلَ ْي له" رواه إماما المحدثين أبو عبدللا دمحم بن
إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَ ْرد ْلز َب ْه البخاري ،وأبو الحسين مسلم بن
الحجاج ين مسلم القشيري النيسابوري ،في صحيحيهما اللَذين هما أصح الكتب
المصنفة.
تعليــــق الشيــــــخ:
ابتدأ اإلمام النووي-عليه رحمة للا -متأسيًا بمن جرى قبله على هذا النحو كابن
عساكر -عليه رحمة للا تعالى -وغيره بتصدير هذا الكتاب بحديث {إلن َما
ومعلوم أن األعمال تنصرف إلى ثلثة أنواع :أعمال القلب ،وكذلك أفعال
وأعمال اللسان ،وعمل الجوارح .وعمل القلب هو أصل ينبت عنه سائر األعمال
التي يؤجر عليها اإلنسان ،ويُستثنى من ذلك بعض الوقائع التي يأتي الكلم
3
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
عليها .أورد اإلمام النووي -عليه رحمة للا -هذا الحديث لتعلقه بسائر األعمال
وكذلك لصلته بسائر األحاديث التي يأتي الكلم عليها فإنه ما من عمل من
األعمال الكلية إل وهي تفتقر إلى نية؛ ولهذا كان البخاري عليه رحمة للا يذكر
األحاديث في كتابه الصحيح وصدرها بحديث عمر بن الخطاب { :لإن َما األ َ ْع َما ُل
لبالنلِّيا ل
ت} وهو حديث غريب قد تفرد به يحيى بن سعيد األنصاري عن دمحم عن
علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص ،وهو فرد من
هذا الوجه وقد روي من طرق أخرى عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص :جاء من حديث أبي
سعيد الخدري ومن حديث جابر بن عبد للا وغيرهم عن رسول للا صلى للا
عليه وسلم ول يصح من ذلك شيء إل من هذا الخبر كما جزم بذلك غير واحد
من أئمة النقد كعلي بن المديني وكذلك الخطابي وغيرهم؛ ولهذا ينبغي أن يشار
إلى مسألة مهمة تتعلق بعلم الرواية وهي أن الحديث إذا جاء عن رسول للا
ملسو هيلع هللا ىلص من وجه فرد ل يصح إل منه وجاء من وجوه معلولة أخرى فإنه يسوغ
للناقد أن يقول أن هذا الحديث ل يروى إل من هذا الوجه ،يعني أن ما جاء عن
رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص من طرق أخرى ل يعتد بها؛ ولهذا قد أشار غير واحد ممن يعتني
في أبواب األفراد كالدارقطني -عليه رحمة للا -في كتابه األفراد والغرائب،
وكذلك البزار في كتابه المسند ،والطبراني في معاجمه يشير إلى جملة من
4
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األحاديث أنها ل تروى عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص إل من هذا الطريق مع أنه بنفسه
للا ملسو هيلع هللا ىلص بنحو هذا اللفظ ،وبه يعلم أن مقاصد األئمة من ذكر هذا التفرد أو أنه ل
يروى عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص إل من هذا النحو يعني على وجه صحيح ،ولهذا يُعلَم
في سائر األنواع -سواء في ما يتعلق بأبواب التقسيمات عند المحدثين -على
طريقة المتكلمين مما يقسمون الخبر إلى متواتر و آحاد فإنهم ل يعتدون بهذا
ويكون وجوده كعدمه ،فهذا ل يُلتفت إليه من باب اإلطلقات ،وبه يُعلم أَن ما
يستدركه البعض من اإلطلقات التي يطلقها العلماء أنه قد وجد طريقا لخبر آخر
عند بعض األئمة في مصنفاتهم أن هذا الستدراك استدراك ظاهري ليس في
األحاديث في كتابه المسند ويحكم عليها في بعض مسائله كعلل عبد للا ،وكذلك
ما جاء في مسائل ابنه صالح ،وحنبل وغيرهم ممن يروي عن اإلمام أحمد
جملة من مسائل العلل ويقول أن هذا الحديث ليس له إسناد؛ فيكون حينئذ قد
ذكره في كتابه المسند بنفسه وذكر هذا الخبر في موضع وقال ليس له إسناد أو
ليس بشيء؛ فهذا إما أن نصف اإلمام أحمد وغيره من األئمة بأنهم تناقضوا في
5
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
مثل هذه المواضع و يَ لجل أن يتكرر منهم ذلك في أحاديث مستفيضة مع
أل يُعول عليها عند طلبة العلم من جهة المصنفات وقص لد األئمة في تصنيفها
كذلك من جهة إيراد األحاديث عند األئمة في مصنفات مخصوصة ممن تأخر
اإلجازة.
فاألولى هي التي تُعتمد ،وهي الدواوين األصلية ،كالكتب الستة ،وكذلك مسند
الدارمي ،وصحيح ابن خزيمة ،وابن حبان ،ومن في هذه الطبقة كمسند اإلمام
أحمد -عليه رحمة للا -وهو أشملها ،وما ند عن هذه المصنفات من المصنفات
المتأخرة فإنها تروي األحاديث على سبيل اإلجازة ،فت َ ْنثُرها فل يتبين للناظر
6
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فيها هل هي على سبيل السماع كلها منفردة أو كانت مصنفات قد نثرها األئمة
في مدوناتهم.
فمن نظر إلى طريقة البيهقي في كتابه السنن ،وكذلك الحاكم في كتابه
مصنفاتــــه يجد أنه يورد األحاديث من جهة األصل عن طريق أئمة قد صنفوا
مدونات مستقلة؛ فوضعوها منثورة ل تتضح للناظر ألول وهلة؛ لهذا ينبغي
الوجه األول :أن يعلم أن أشياخ هؤلء األئمة الذين رووا هذه المصنفات
العدالة ،فإن الضعف والتوثيق إنما ينظر إليه في حال ضبط اإلنسان في
ذهنه ،أما من جهة ضبط الكتاب؛ إذا كان الذي نقل عنه أئمة ثقات كبار
فالدارقطني -عليه رحمة للا -نجد أنه يسند أحاديث عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص
7
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بعض المصنفين من األئمة الكبار ،كأبي داود ،والترمذي ،والنسائي؛ بل أنه
في كتابه السنن الكبرى قد أورد سنن أبي داود بكاملها منثورة من رواية
أبي بكر بن داسة عن أبي داود بإسناده المتنوع ولم يخل من سنن أبي داود
لهذا ينبغي لطالب العلم أل ينظر في أشياخ هؤلء والبحث في مثل ذلك نوع
من أنواع القصور ،كذلك ينبغي لطالب العلم أن يعرف مقاصد األئمة من
التصنيف ،فإن جللة اإلمام ل تعني أن يُنظر إلى ما يورده من أحاديث في
كتابه على الصحة لجللته ،ول للضعف لدنوه من ذلك ،بل ينظر إلى مقصده؛
فاإلمام الدارقطني -عليه رحمة للا -له مقصد من إيراده وجمعه لألحاديث
في كتابه السنن ،فإنه أورد األحاديث المنكرة؛ ولهذا يقول الذهبي -عليه
رحمة للا -في كتابه ( ميزان العتدال( سنن الدارقطني هي بيت المنكرات،
يعني أورد فيها -عليه رحمة للا -األحاديث المعلولة عن رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص في
األحكام .كذلك أحاديث األفراد والغرائب فإنه أورد األحاديث التي تفرد بها
عن رسول للا املسو هيلع هللا ىلص ،فإنه يوجد لبعض الثقات الكبار من األحاديث التي
يتفردون بها أو تفرد بها أصحابهم عنهم ممن ل يصل إلى مرتبهم فتعل هذه
8
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والغرابة فإنه من قرائن التعليل وليس بابًا له يأخذ منه اإلنسان ما يشاء؛
ولهذا ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ن ينظر ألبواب التعليل أن ينظر لمنافذ
متعددة حتى يخلص له التعليل سلي ًما من هذه المنافذ :أن ينظر إلى ذات
الرجل الدون من جهة الضبط والثقة فإنه يقبل ،وهذا فرع عن معرفة ما
عليه أهل البلدان من أهل مكة على سبيل التخصيص ،وكذلك أهل المدينة،
فكيف إذا اتفق معه أهل اآلفاق من أهل البصرة والكوفة والشام وخراسان
وغيرهم ،فإذا اتفقوا على معنى فإنه يقبل تفرد المتوسط أو دونه؛ بل ربما
للا ملسو هيلع هللا ىلص من جهة المعنى نقبل فيه تفرد المتوسط أو الضعيف ،وأما ما كان
والمدينة وغيرهم فتفرد به ثقة الثبت الضابط ،فإنه ل يقبل في ذلك كل
متفرد ،وإنما ينفرد في ذلك من جهة القبول أهل المدينة وأهل مكة على
سبيل التخصيص ،وربما يُر َجع في ذلك إلى حال زمنهم من جهة الفتوى؛ فما
يتفرد به أهل المدينة بحديث يخالف ما في فتوى أهل المدينة فإنه يعل
9
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بالتفرد واإلنكار ،وما يتفرد به أهل مكة من حديث يخالف ما عليه الفتوى
والعمل مما ينبغي أن يستفيض فإنه يُعل كذلك بالنكارة؛ فكيف إذا اجتمع أهل
مرارا
ً هذين البلدين من مكة والمدينة! فإنه يرجع في ذلك إلى النظر .ونذكر
أنه ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن ينبري للتعليل وخاصة أبواب التفرد وزيادة
وأتباعهم؛ وهذا باب طويل جدا والتمثيل عليه يشق وخاصة في مثل هذا
الباب ومثل هذا السترسال؛ مما ينبغي المرور على هذه األحاديث كلها.
أورد المصنف -عليه رحمة للا -حديث عمر بن الخطاب وهو من األفراد
من هذا الوجه فإنه لم يروه إل عمر بن الخطاب؛ تفرد بروايته عنه علقمة
بن وقاص الليثي تفرد عنه دمحم بن ابراهيم وعن دمحم يحيى بن سعيد
األنصاري ،وعنه استفاض ،ومن ذلك أن األئمة قالوا أنه رواه عنه نحو من
ثلثمائة من الرواة وقيل أكثر من ذلك؛ قد ساق جملة منهم الحافظ ابن منده،
وساق هؤلء الذهبي -عليه رحمة للا +في كتابه "السير" ،والصواب من
ذلك أنهم قرابة السبعين من جهة البحث والنظر ،أما من جهة اإلطلق فإنها
تستفيظ في أفواه الرواة ويسمعونها ،وهنا نستنبط معنى وهو أن األئمة من
أصحاب رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص ربما حفظوا حديث ًا عنه ولم يحدثوا به زمنًا؛ فإن عمر
10
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بن الخطاب -عليه رضوان للا تعالى -قد سمع هذا الحديث من رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص
ولم يحدث به إل بعد وفاة رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص ووفاة أبي بكر وحدث به على المنبر
لمقتضى الحاجة ووجودها ،وهذا يدل على أن تفرد بعض الرواة في أحاديث
وهذه يرجع فيها إلى معرفة حال الزمن فإن الزمن في الصدر األول في
خلفة أبي بكر والصدر من خلفة عمر بن الخطاب كان المسلمون على أمر
واحد ،ولم يكن ثمة أمر في الخوض في مسائل النيات واألعمال ،وكذلك حال
المنافقين ،وكذلك التشوف إلى أمور الدنيا ،فلما فتح أمر الدنيا اقتضى أن
يخبر عمر بن الخطاب -عليه رضوان للا تعالى -بما لديه من أمر الدنيا من
ما أخبر به النبي عليه الصلة والسلم؛ ولهذا أخبر به على المنبر لشدة
مقتضي الحاجة في مثل هذا الوقت ،ولم يحدد به بما يدل على خصيصة قوم
وهذا الحديث متعلق بأمور النية؛ والنية عليها مناط القبول واإلثابة عند للا جل
وعل؛ لهذا قال عليه الصلة والسلم { لإن َما األ َ ْع َما ُل لبالنلِّيا ل
ت} و"إنما" أداة
ع للِّ َ
ق حصر باتفاق العلماء ،واألعمال :تدخل في ذلك أبواب التروك ،وإنما ُ
باألعمال باعتبار أن أكثر ما يقصده اإلنسان مما يستلزم نية هو األعمال بخلف
11
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
التروك؛ فإن التروك من جهة األصل ل تستلزم نية من جهة التأكيد في أمر
الشارع ،فإن ما يفعله اإلنسان من أمور التعبدات يفتقر إلى نية ،بخلف الترك
فإن الترك ل يفتقر إلى نية من جهة رفع الحرج عن اإلنسان؛ فإن اإلنسان يثاب
بعمله إذا اقترن بنية ،وإذا لم يقترن بنية وعمل عمل ظاهره لل فإنه مستلزم
إلحباط العمل ،وأما إذا ترك اإلنسان شيئا من اآلثام كالفاحشة من الزنا واللواط
والكذب وشهادة الزور ونحو ذلك فإنه ل يأثم بهذا لو تركها لغير للا ،بخلف
اإلثابة فالثواب هنا قدر زائد عن رفع العقاب من للا جل وعل فإنه ل يثاب على
ذلك إل باستحضار النية؛ فلما كان كذلك دل أن النبي عليه الصلة والسلم إنما
بخلف التروك.
األمر الثاني :أن األعمال تفتقر الى النية واألمر فيها أشد من أبواب
التروك؛ ولهذا من ترك المحرمات ألجل الناس ل يوصف بأنه مرائ ،فإنه
قد تحقق فيه المقصود ،وأسقط ثوابه الذي ينبغي للمؤمن المخلص أن
12
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
[والجهر بالنية] لم يرد فيها شيء ول أصل لها ،واتفق األئمة على ذلك ،ول
أعلم أحدا من األئمة قال بمشروعية الجهر بالنية من القرون المفضلة ل من
موضعين:
الموضع األول :ما جاء عن مجاهد بن جبر أنه قال بالجهر بالنية في
الحج ،وهذا محمول على مسألة الجهر بالنسك أن يُل لبِّي اإلنسان فيقول:
"لبيك اللهم عمرة " أو"اللهم لبيك ح ًجا وعمرة" أو "لبيك اللهم ح ًجا"
فإنه ربما ت َ َجو َز بهذا اللفظ وعلقه بالنية وهذا نسك يجهر به اإلنسان.
الموضع الثاني :ما جاء عن اإلمام الشافعي -عليه رحمة للا -أنه قال
بجواز الجهر بالنية للصلة؛ وهذا قد جاء في كتابه "األم" أنه قال أن
من الشافعية على ذلك أن الشافعي يرى جواز الجهر بالنية في الصـــــلة
وميزها عن غيرها ،أورد ذلك اإلمام النووي -عليه رحمة للا -في كتابه
ابن تيمية عليه رحمة للا ،وفي نفي الشيخين (اإلمام النووي وشيخ
اإلسلم ابن تيمية) نظر؛ والذي يظهر لي وللا أعلم أن ذلك ثابت عن
13
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
اإلمام الشافعي بدللة ما رواه ابن المقريء في كتابه "المعجم" أنه قال:
كان إذا صلى قبل أن يكبر قال( :بسم للا متوج ًها لقبلة للا مؤديًا فرض
للا ،للا اكبر) وإسناده صحيح عن اإلمام الشافعي ،ول أعلم من أثبته
بهذا اإلسناد إل ابن المقرئ -عليه رحمة للا -في كتابه "المعجم"
تفرد برواية ابن خزيمة عن الربيع ،وأما اإلطلق الذي في كتاب األم فإنه
والعبرة في ذلك بما جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ فإنه يُقال أن النية
مشتقة من جهة األصل من النوى ،والنوى جوف الثمرة ،وإنه إذا خرج فإنه
يسمى نوى باعتبار أصله ل باعتبار حاله ،ولو استدام خار ًجا من جهة األصل
فإنه ل يسمى نوى ،وسميت النية من هذا الشتقاق ،فإذا اعتاد اإلنسان على
إخراجها فل معنى لتسميتها نية ،كذلك فإنه مردود من جهة النظر فإن النبي
14
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األعمال -سواء كانت الباطنة من عمل القلب أو الظاهرة وهي قول اللسان
وعمل الجوارح -فإنه يلزم من ذلك الدور؛ وهو أن يلزم لنية القلب نية أخرى،
والدور هو أن يبنى الشيء على ما يبنى عليه ،وهذا ليس بوارد ،بل يقال أن
النية من جهة األصل هي نية بذاتها يثاب اإلنسان عليها ،فإن اطلع الناس إلى
ذلك ليس بمتحقق؛ ولهذا ل يمكن أن يتصنع اإلنسان شيئ ًا في قلبه يحابي به
أحدًا وإنما يتصنع باألمور الظاهرة؛ فطلب النية نية أخرى هذا ل يسمى نية؛
وبه يعلم أن ما ظهر على لسان اإلنسان ل يسمى نية ،وإنما هو من األمور
ً
أعمال؛ قال للا جل وعل في ً
أفعال وتسمى وأقوال اللسان في الشرع تسمى
فسماه ً
قول ثم وصفه بأنه فعل؛ وهذا عند األئمة -عليهم رحمة للا تعالى -على
ً
عمل عند العلماء ،وأما ما كان العلماء متفقون عليه من عمل القلب أنه يسمى
ً
عمل والجوارح اتفق فعل ،أما قول اللسان فإنه يسمى ً
فعل ويسمى ول يسمى ً
15
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يعني أنه ليس لإلنسان إل ما وجد واستقر في جوفه؛ فل يثاب ول يعاقب إل
على ما في قلبه؛ فإذا ُوجدت النية الخالصة لل سبحانه وتعالى وتعبد اإلنسان
بشيء مخالف لما شرعه رسول للا ملسو هيلع هللا ىلص مع استفراغ الوسع بالبحث عن الحق
فإنه في ذلك ل يعاقب بخلف من جعل نيته لغير للا جل وعل وتعبد بشيء
شرعه للا ،فإنه يعاقب على هذا العمل؛ وبه يعلم أن النية تغير الظاهر من
األعمال الباطنة إلى عدم عقاب ،وتغير األعمال الظاهرة التي توافق صوابًا إلى
عدم إثابة بل إلى عقاب؛ مما يدل على أن النية لها أثر عظيم في المقام بين يدي
للا عز وجل؛ وكثير من الناس ممن يظهر منهم العمل والقول الحسن تخالف
نياتهم ظواهرهم فيعاقَبون على ذلك في الدنيا بعدم القبول أو تعجيل الخير في
الدنيا ،وعند للا جل وعل يلقون الجزاء األليم بأنهم أول من تسعر بهم النار
يوم القيامة كما جاء في صحيح اإلمام مسلم من حديث سليمان بن يسار عن
اس يُ ْق َ
ضى يَو َم أبي هريرة أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قالٕ " :إن أو َل الن ل
ي به فَعَرفَهُ نلعَ َمهُ فَعَ َرفَها ،قا َل :فَما ع لَم ْلتَ فيها؟
ستُش لْهدَ ،فَأُتل َ
ال لقيا َم لة عليه َر ُجل ا ْ
ستُش لْه ْدتُ ،قا َلَ :ك َذبْتَ ،ولَ لكنكَ قات َ ْلتَ أل َ ْن يُقا َلَ :ج لريء،
قا َل :قات َ ْلتُ فليكَ حتى ا ْ
16
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ي به فَعَرفَهُ نلعَ َمهُ فَعَ َرفَها ،قا َل :فَما ع لَم ْلتَ فيها؟ قا َل: وعَل َمهُ وقَ َرأ َ القُ ْر َ
آن ،فَأُتل َ
ب ْ
أن به فَ َعرفَهُ لن َع َمهُ فَ َع َرفَها ،قا َل :فَما ع لَم ْلتَ فيها؟ قا َل :ما ت َ َر ْكتُ لمن َ
س لبيل ت ُ لح ُّ
يُ ْنفَقَ فيها إل أ ْنفَ ْقتُ فيها لَكَ ،قا َلَ :ك َذبْتَ ،ولَ لكنكَ فَعَ ْلتَ لليُقا َل :هو َجواد ،فقَ ْد
و من نظر في أمر إخبار رسول للا صلى للا عليه وسلم بأمر هذه الثلثة ما
يتعلق بالنفس وهي أغلى ما يطمع إلى حفظه أرباب الدنيا أُزهقت لغير للا
ويليه بعد ذلك حظ المال؛ وهو بعد مرتبة النفس أُنفق لغير للا ،ثم بعد ذلك ما
يظهر معه الديانة والصلح من طلب العلم والعمل به؛ يعني عمل بما علمه
اإلنسان في ظاهر أمره وقرأ القرآن؛ وفي هذا وقفات ينبغي لطالب العلم أن يقف
عندها :من أهم هذه الوقفات أن هذا إذا كان في من خرج بنفسه ليقاتل في
سبيل للا وأزهق نفسه ألجل دمحمة وألجل غير للا عز وجل ،فيدل على أن ما
كان دونه من مراتب الشر أقرب انصرافًا لها من إزهاق النفس لغير للا؛
فاللتفات ألجل مدح أحد أو دفع المال أو التصنع بالعلم أو العمل ونحو ذلك مما
17
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ل يتضمن إزهاقًا للنفس أقرب من إزهاق النفس؛ لهذا ينبغي لإلنسان أن يكون
حذرا في سكناته وأفعاله وأن يعاكس رغبات النفس؛ ولهذا كثير ما يسأل من
ً
يقال أن الخلص يُعرف بعبادة السر؛ فكلما أكثر اإلنسان من عبادة السر وقاه
قد روى ابن عساكر وغيره عن حذيفة بن اليمان انه جاءه رجل فقال" :هل أنا
من المنافقين؟ قال أتصلي إذا خلوت؟ قال نعم ،قال اذهب فما جعلك للا منافقًا"
فالرجل الذي ليس له عبادة في السر ل من الصلة ل يعلم بها أحد ،ول من
الصدقة ل يعلم بها أحد ولو أقرب قريب ،ول من ذكر لل ل يعلم به أحد ولو
أنه كلما كثرت عبادة السر أَمن المر ُء في عبادة العلن؛ وكلما عدمت عبادة
السر فإن الرياء في ذلك يظهر ويفشو في عمل اإلنسان من حيث ل يشعر؛ لهذا
ينبغي لإلنسان أن يحرص على عبادة الخلوات؛ كما يحرص أرباب الفسوق
والفجور على خلواتهم؛ فإن خل بنفسه وأغلق الباب استقبل القبلة وكَب َر أَو
سب َح وهل َل؛ فإن اإلنسان ل يكاد يخلو من أحد من زوجة وولد وصاحب في
َ
طريق أو الناس؛ فإن النفوس تتشوف إلى التصنع حتى عند الغريب الذي ل
18
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يراه اإلنسان إل مرة في حياته فلما كان كذلك استحقت أن تُكسر بشيء من
عبادة السر؛ حتى تسلم لها عبادة العلن وهذا أظهر في العلم؛ فإن اإلنسان إذا
وفق إلى اإلخلص في علمه وعمله وفقه للا جل وعل فيما يأتي ويذر؛ وكذلك
ينبغي أن يُعلم أن دواخل النية عظيمة ربما تُن لقص العمل وربما تذهبه بالكلية؛
سائر األعمال سواء من األعمال الظاهرة من أركان اإلسلم الخمسة وغيرها أو
من األعمال الدقيقة؛ تعظيمها يرجع إلى النية؛ فكثير من الناس يظن أن األفعال
تُعظم بظاهر العمل؛ وينسى أن األفعال تُعظم بباطن العمل أكثر من ظاهره؛ فإن
الصلة إذا قلبت النية كانت مغرما عليه وإثما عظيما؛ وإذا أخلص النية
يُعلم أن اإلخلص ولو في شيء قليل أعظم عند للا عز وجل وأحب من األمور
الظاهر؛ وقد تكون الكبيرة صغيرة لإلنسان إذا فعل الكبيرة وقلبه وجل؛ وإذا فعل
الصغيرة وقلبه منصرف عن تعظيم للا كانت في حقه كبيرة؛ وربما كفر للا جل
وعل لإلنسان الكبيرة من ذنبه بعمل صغير فعله معظ ًما لل خاليًا َو لج ًل؛ ولهذا قد
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول للا صلى للا عليه وسلم
قال « :بينما امرأة بغي -والمرأة البغية التي اتخذت الزنا حرفة لها؛ يعني
19
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
تمارس هذه الفاحشة وتتقوت منها -رأت كلبا يلعق الثرى من العطش فنزلت في
ليس كل من سقى بهيمة يغفر له؛ ولكن إذا صاحب ذلك وجل في القلب من تلك
الجريمة ،ورجاء أن للا عز وجل يرزقه الخلص يكفر للا عز وجل له ولو
لهذا ينظر الى كثير من الناس يفعلون من العبادات ليل نهار؛ وليس لهم عند
الناس قَبول ومن الناس من عملهم يسير ولهم عند الناس قبول بسبب عمل
القلب؛ أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم ليسوا بأصحاب كثير صلة ول
صيام بالنسبة لمن جاء بعدهم من العباد والزهاد؛ ولكن منزلتهم عند للا عز
واإلعراض عن غيره؛ قال عليه الصلة والسلم { َو لإن َما للكل امرئ َما نَ َوى}:
يعني ليس له إل ما نواه ل يأتيه شيء من ذلك ؛ يعني من ذلك من عمله بذاته؛
ولكن هناك شيء من األعمال يثاب عليه اإلنسان ويكفر للا عز وجل له من
السيئات ويرفعه درجات ول يفتقر إلى نية من الطاعات من دعاء اإلنسان ألبيه
أو ألخيه واستغفاره له؛ وكذلك الصدقات التي يتصدق بها الناس للموتى فإنهم
يثابون على ذلك ول يفتقر في ذلك إلى نية أو استحضار؛ وهذا محل تسليم
20
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فظواهر النصوص تؤيده؛ قال عليه الصلة والسلم {:فَ َمن كَانت لهجرتُهُ إلى للا
فهجرته لإلى للا ورسول له ومن كانت هجرته إلى دُنيا يصيبها أو امرأة
ورسول له ل
ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه} يظهر هنا أن النبي عليه الصلة والسلم
حينما ذكر الفعل والشرط جعل جوابه مشاب ًها له؛ {فمن كانت هجرته إلى للا
ورسوله فهجرته إلى للا ورسوله} وهذا دليل على التعظيم فل أدل من الثواب
من تحقق قبول ذات العمل؛ فكأن الشارع قال :إن هذا العمل بمجرد اتيانه على
هذا الوصف كاف ببيان منزلة اإلنسان؛ ولهذا كان السلف يقولون" :لو أعلم أن
للا عز وجل تقبل مني صلة واحدة لتمنيت الموت"؛ يعني أني ضمنت بذلك
ً
قبول عند للا عز وجل فيما يأتي من األعمال؛ ألن للا عز وجل إذا قبل من
اإلنسان عمل فهذا قرينة لقبول األعمال األخرى وجود بذرة اإلخلص في قلبه.
وقوله عليه الصلة والسلم{:فمن كان هجرته إلى دنيا يصيبها}؛ الهجرة:
المراد بها المفارقة فإذا ترك اإلنسان شيئا يقال هجره؛ ولكن غلب الصطلح
الشرعي أي للهجرة على أنه إذا ترك اإلنسان بلدا من بلدان الشرك إلى بلد من
بلدان اإلسلم؛ وهذا يترتب عليه جملة من األ حكام؛ فكما أنه يتعلق بذات العمل
21
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
من جهة العمل :أن اإلنسان إذا أَقل َع عن الذنب فإنه ل يجوز أن يرجع إليه،
ورجوعه إلى الذنب أعظم عند للا عز وجل من حال اإلنسان الذي استقر على
ذنبه باعتبار أن الذي ترك المنكر ثم رجع إليه قد وقع في قلبه شيء من
البصيرة ثم نكص ثم عنها؛ والنكوص مرة ومرتين علمة وقرينة على الختم
اإلنسان إذا فارق بلدة من بلدان الكفر إلى بلد اإلسلم ل يجوز له أن يرجع
واستقامته.
قال عليه الصلة والسلم {فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها}
هنا ذكر اإلطلق؛ والدنيا شاملة لسائر المتع واللذائذ؛ من األموال واألبضاع
وغير ذلك مما يقصده اإلنسان من لذائذها؛ فإذا سافر اإلنسان وقصد شيئا من
متع الدنيا ولذائذها فإن هجرته إلى ما هاجر إليه ،وجعل جواب الشرط هو
لكره بضميره ولم يذكره بتمامه ،ألنه أحقر من أن يذكر ألنه مذموم وقصد
ذ ُ
شيئا لغير للا؛ ولهذا أعلى المراتب عند للا سبحانه وتعالى أن اإلنسان يعمل
العمل خالصا لل جل وعل كأن للا يراه؛ وهذا بأتي الكلم عليه بإذن للا تعالى.
22
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال عليه الصلة والسلم{ :فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها} دنيا تأتي بالضم
وتأتي بالكسر كما ذكر ابن قتيبة وغيره والضم أشهر؛ وسميت الدنيا لدناءتها،
{أو امرأة ينكحها} :ذُكر هذا إما لنازلة نزلت وخصها رسول للا صلى للا عليه
مرتبط هذا الحديث فيكون سببًا إليراد هذا المثال؛ وأما ما جاء عن رسول للا
صلى للا عليه وسلم عند سعيد بن منصور في كتابه السنن من حديث األعمش
عن شقيق عن عبد للا بن مسعود عليه رضوان للا تعالى :أن رجل هاجر
ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس ،فسمي "مهاجر أم قيس" وهذا ل علقة له بهذا
الخبر فذاك خبر مستقل وهذا حديث مستقل و يحتمل أن يكون ثمة رابط ،إل
أنه من جهة السياق؛ فذاك خبر وطريق مستقل وذاك خبر طريق مستقل.
ويُحتمل أن تلك الهجرة كانت بعد وفاة رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ ولهذا
حدث بها عبد للا بن مسعود ولم يرفعها والنفوس تتشوه إلى رفع الحديث عن
وإنما خصت المرأة لحتمال هذه النازلة ،أو لكون هذا األمر مما تتشوف إليه
نفوس الرجال؛ وهم المخاطبون بالهجرة بخلف الصبية والنساء ،فذكر هذا
23
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األمر لعظمته وتشوف الناس إليه؛ كذلك لكونه من أكثر ما يولج الناس النار؛
ض َم ْن له ال َجنةَ}.
بي َْن لرجْ لَ ْي له ،أ ْ
24
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثـــاني
للا
سو لل ل ع ْنهُ قَال :بَ ْينَ َما نَحْ ُن ُجلُ ْوس لع ْن َد َر ُ
ي للاُ تَعَالَى َ ع َم َر َر لض َ ع َْن ُ
س َوا لد الش ْع لر لَ اض الثِّياب َ
ش لد ْي ُد َ ش لد ْي ُد بَيَ ل ذَاتَ يَ ْوم إ َ ْذ َطلَ َع َ
علَ ْينا َ َر ُجل َ
س إلَى الن لبي فَأ َ ْ
سنَ َد علَي له أَث َ ُر السفَ لر َولَ يَ ْع لرفُهُ لمنا أ َحد َحتى َجلَ َ يُ َرى َ
علَى فَ لخ لذ ْي له َوقَا َل :يَا ُم َحم ُد أ َ ْخبل ْرنلي ُر ْكبَت َ ْي له إلَى ُر ْكبَت َ ْي له َو َو َ
ض َع كَف ْي له َ
ش َه َد أ َ ْن لَ إلَه
سلَ ُم أ َ ْن ت َ ْ " :ل
اإل ْ للا ﷺ سلَم ،فَقَا َل َر ُ
سو ُل ل اإل ْ
ع لَن ل
ي الزكَاةََ ،وت َ ُ
ص ْو َم سو ُل للاَ ،وت ُ لق ْي َم الصلَةَ ،وت ُ ْؤتل َ إل للاُ َوأَن ُم َحم َدا ً َر ُ
صد َْقتَ .فَ ل
عج ْبنَا لَهُ س لب ْيلً :قَا َلَ :
طعتَ لإل ْي له َ ست َ َ
انَ ،وت َ ُحج البيْتَ لإ لن ال ْ ض ََر َم َ
ؤم َن لبالل، ان ،قَا َل " :أ َ ْن ت ُ ل ص ل ِّدقُهُ ،قَا َل :فَأ َ ْخ لب لرن ْي ع لَن ل
اإل ْي َم ل سأَلُهُ َويُ َ
يَ ْ
وم اآلَ لخر َ ،وت ُ ْؤ لم َن لبالقَد لَر َخ ْي لر له س لل له َ ،وا ْليَ ل
َو َم للئ َكتلهَ ،و ُكت ُ لب له َ ،و ُر ُ
ان ،قَا َل " :أ َ ْن ت َ ْعبُ َد للاَ س ل
اإلحْ َ صد َْقتَ ،قَا َل فَ ْ
أخ لب ْرنل ْي ع لَن ل َوش ل َِّر له " قَا َلَ :
َكأَنَكَ ت َ َراهُ ،فَ لإ ْن ل ْم تَك ُْن ت َ َراهُ فَ لإنهُ يَ َراكَ " قَا َل :فَأ َ ْخبل ْرنلي ع لَن السا َ
ع لة،
ع ْن َها بلأ َ ْعلَ َم لم َن السائل لل " قَا َل :فَ ْ
أخبل ْرنل ْي ع َْن قَا َل َ " :ما ا ْل َمسئ ُُو ُل َ
اراتلها ،قَا َل " :أ َ ْن ت َ لل َد األ َ َمةُ َربت َ َهاَ ،وأ َ ْن تَرى ال ُحفَاةَ العُ َراةَ العَالَةَ أ َ َم َ
ق فَلَ لبثتُ َم لليا ً ثُم قَا َل " :يَا ان" ثْم ا ْن َطلَ َ اء يَت َ َط َ
اولُ ْو َن لفي البُ ْنيَ ل لرعَا َء الش ل
سوله أ َ ْعلَ ُم قَا َل " :فَ لإنهُ لج ْب لر ْي ُل ع َم ُر أَتَد لْري َم لن السا لئ ُل؟ " قُ ْلتُ للاُ َو َر ُ
ُ
أَتَا ُك ْم يُعَل ُم ُك ْم لد ْينَ ُك ْم " .رواه مسلم.
25
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
تعليــــــق الشيــــخ:
هذا الحديث قد تفرد به مسلم من هذا الوجه من حديث يحيى بن يعمر عن عبد
للا بن عمر تارة عن رسول للا صلى للا عليه وسلم ،وتارة عن عمر عن
رسول للا صلى للا عليه وسلم ولهذا لم يخرجه البخاري من هذا الوجه واتفق
الشيخان على إخراجه من حديث أبي هريرة ،وهذا لدقة البخاري -عليه رحمة
وهذا الحديث من األحاديث الطوال ،وهو حديث اإليمان المشهور الذي جمع فيه
رسول للا صلى للا عليه وسلم المسائل الكلية والقواعد العامة في اإلسلم
واإليمان و اإلحسان ،وحينما جاء جبريل إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم
ألنظارهم عن مقصود ما يريد أن يسأل عنه رسول للا صلى للا عليه ،فجاء
إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم على حال الغريب ،وفيه هذا دليل على أنه
عليه السلم يحاكي حال رجل لتصل الفائدة ألصحاب رسول للا صلى للا عليه
وسلم ،فجاء إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم بأدب كما ينبغي أن يكون
الطالب بين يدي المعلم وفيه تواضع الفاضل للمفضول من جهة تلقي أصل العلم
26
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ل من جهة الذات؛ وإل فقد اختلف العلماء في فضل الملئكة على صالحي بني
آدم؛ والخلف في ذلك معلوم ،و ثمة خلف عند أهل السنة في هذا الباب ،إل أن
رسول للا صلى عليه وسلم مخصوص بالفضل على سائر الملئكة.
وهذا خصه للا جل وعل به ،وإنما من جهة الفضل من باب أن جبريل هو
الواسطة بين رسول للا صلى للا عليه وسلم و بين للا جل وعل.
فما من شيء من الوحي إل وهو بواسطة جبريل؛ فكان إذا جهل رسول للا
صلى للا عليه وسلم شيئا ً من الوحي سأل جبريل ،فإذا جهل جبريل شيئا ً سأل
للا جل وعل ،فكان من هذا الوجه خصيصة لجبريل ،لهذا قد روى الخطيب
البغدادي في كتابه "الكفاية" من حديث أحمد بن زيد بن هارون أنه قال :إنما
يعني هذا هو إسناد شريعة دمحم وما من شيء من الشريعة إل وهو بواسطة هذا
اإلسناد إل شريعة واحدة؛ وهي شريعة الصلة ،أخدها رسول للا صلى للا عليه
وسلم من ربه كفاحا ً بل واسطة ،وهذا لمزية هذه العبادة وفضلها على سائر
27
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وهذا من جلسات طالب العلم بين يدي العالم التي يظهر فيها التواضع والتذلل
علَى فَ لخدَي له} قيل أنه وضع كفي جبريل على فخدي رسول للا { َو َو َ
ضع كَف ْي له َ
صلى للا عليه وسلم أو وضع كفي جبريل على فخدي جبريل ،والثاني هو
األظهر؛ وهذا هو األليق أدبًا ،فوضع اإلنسان يده على فخدي غيره ملفت للنظر،
والسائغ والذي يجري عليه الناس في حال مثل هذه الجلسة أنه إذا وضع ركبته
على ركبتي أحد؛ أي كان محاديا ً له فإنه يضع كفيه على فخديه من باب األدب
وفيه أنه ينبغي لإلنسان في حال التعلم أن تسكن جوارحه من جهة اليدين
والرأس ونحو ذلك حتى ل يشغل المتكلم بشيء من فضول الحركة؛ لهذا ينبغي
له أن يسكن من جهة الجوارح فيضع يديه على هيئة معلومة سواء على فخديه
أو في حجره أو على صدره حتى يكون من أهل اإلنصات فل ينشغل المتكلم،
أن يقدم شحذا َ لنتباه أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم لينتبهوا لمراده؛
فسأل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن جملة من المسائل العظيمة جليلة
28
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والمسائل الثلث هي :اإلسلم ،واإليمان واإلحسان والتي عليها مدار الدين من
والباطن.
والباطن :هو سلمة الجنان؛ فإذا سلمت هذه األمور لإلنسان فإنه
من العلماء من قال أنها مترادفة وخاصة اإلسلم واإليمان ،وهذا رواية
صا؛ كمسألة
عن اإلمام أحمد ومنهم من قال أن بينها عمو ًما وخصو ً
29
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
واإلسلم عرفه رسول للا صلى للا عليه وسلم إجابة لجبريل ،فيه إشارة أنه ل
حرج على اإلنسان أن يتصنع جوابا َ لمن يعلم هذا الجواب ،يريد بذلك أن يُ ْ
س لم َع
َ
غي َْرهُ فرسول للا صلى للا عليه وسلم كان يعلم أن هذا جبريل؛ وجبريل يعلم،
ومنه أخد رسول للا صلى للا عليه وسلم هذه المسائل ،فل حرج على المعلم أن
يعلم شخصا ً ويقصده بغيره ،ويعلم أنه عالم بهذه المسألة ويريد بذلك الغير،
وفيه إشارة إلى أنه ل حرج على اإلنسان أن يتواطأ مع غيره من المتعلمين أن
يسأل سؤال ليتبين المقصود عند غيره ،وهذا ظاهر من عمل جبريل مع رسول
للا صلى للا عليه وسلم واسترسال النبي عليه الصلة والسلم ظاهر في فهم
مراد جبريل من إفهام غيره ،فأجاب رسول للا صلى للا عليه وسلم بأركان
اإلسلم؛ وإنما اصطلح العلماء على أركان اإلسلم الخمسة هذه استدلل بما
ي
جاء في حديث عبد للا بن عمر في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم { :بُنل َ
آخر الخبر.
اإلسلم بناء وأَركانه هي ما أخبر به رسول للا صلى للا عليه وسلم في هذه
المواضع ،فذكر عليه الصلة والسلم شهادة أن ل إله إل للا وأَن ُم َحمدا ً َر ُ
سو َل
30
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ّللال؛ وهي التوحيد في هاتين العبارتين ودليل ذلك ما جاء في البخاري من حديث
ِّ
أبي معبد عن عبد للا بن عباس أن رسول للا صلى للا عليه وسلم بعث معادا ً
إلى اليمن فقال{ :إنك تأتي قو ًما أه َل كتاب فليكن أو ُل ما تدعوهم إليه شهادةَ ْ
أن
الصطلح لم تكن في كلم رسول للا صلى للا عليه وسلم من جهة هذا
{أن ل إله إل للا} أي ل معبود بحق إل للا؛ وأول من فسر هذا المعنى بهذا
النحو هو ابن جرير الطبري في كتابه "التفسير" :أل معبود بحق إلللا؛ وللا
31
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
و"للا" من جهة المعاني هو أشمل المعاني المتضمنة ألسماء للا جل وعل
وصفاته؛ وقد اختلف العلماء في أصل الشتقاق من كلمة "للا" جل وعل؛ قيل
أنها مشتقة من أَلَهَ يعني :ارتفع؛ وهذا معلوم في لغة العرب،ولهذا يقول
الشاعر:
والمراد بذلك الشمس؛ يعني هي التي أعجلتنا قبل أن تغيب نريد أن نصل إلى
بلداننا؛ وقيل أنه مشتق من التجاء العبد لربه سبحانه وتعالى وهذا موجود
يعني :يلتجأ إليهم في النوائب و وقيل هو عدم التغير ودوام البقاء ألن للا جل
وعل أول ليس له ابتداء ،وآخر ليس له انتهاء ،وهذا معلوم؛ ومن ذلك قول
الشاعر:
32
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أي أننا بقينا وأطلنا المكث في ذلك ،وقيل المراد بذلك هو التعبد لل عز وجل
والتذلل والخضوع.
يعني من تعب لد لل جل وعل وتعلق به سبحانه وتعالى؛ وقيل أن المراد بذلك هو
الخفاء؛ أن للا جل وعل قد حجب نفسه عن عباده في هذه الدنيا ،فلم يُ لر للا جل
وعل نفسه أحدا من خلقه ل أحد من األنبياء ول من أتباعهم ،وهذا معلوم وله
ولما كانت شاملة لجميع هذه المعاني العديدة؛ كان هذا السم من األسماء التي
لهذا كان رسول للا صلى للا عليه وسلم يكثر من الدعاء بقول« :اللهم»
ً
استعمال في كلم رسول للا صلى فجعلها من باب الدعاء أي يا للا؛ فكانت أكثر
للا عليه وسلم ،وكثرة الستعمال دليل على مزيد خصيصة في هذا الباب ول
نريد أن نتكلم على مسائل العتقاد في هذا الباب وإنما نتكلم عن األصول
العامة.
33
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ّللا} يعني أن للا جل وعل وفي قوله عليه الصلة والسلم {وأَن ُم َحمدا ً َر ُ
سو ُل ل
خصه برسالة أنزلها إليه بواسطة جبريل؛ أنزل للا جل وعل عليه كتابه العظيم
الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،وأن للا جل وعل قد حفظ هذا
الكتاب العظيم.
ولهذا قد جاء لفظ التكفير في تاركها أكثر وأظهر من تارك بقية األركان من غير
التوحيد والصلة وهذا قد جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في حديث
جابر بن عبد للا في صحيح اإلمام مسلم ،وجاء أيضا ً في حديث بريدة ويرويه
عنه ابنه عبد للا عند أصحاب السنن قوله رسول للا صلى للا عليه
ي ِّ
الزكَاة} والمراد بإيتاء الزكاة :إخراج ما وجب في حق مال وسلم{وتُؤتل َ
هذه األموال من بهيمة األنعام أو كذلك أيضا من عروض التجارة ،وهذه إنما
خصت بأركان اإلسلم ألهميتها وفضلها وعلو مقامها ،وكذلك خطر المفرط
فيها.
34
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ً
أول :اتفق العلماء على أن الصلة هي آكد األركان العملية وهذا ل خلف فيه
عندهم وذهب عامة العلماء إلى أن الزكاة تليها ولهذا كانت قرينتها في كلم للا
عز وجل ،ثم بعد ذلك وقع الخلف في مسألة الصيام والحج؛ أيها آكد على
خلف في الرواية فحديث ابن عمر رضي للا عنه في قول رسول للا صلى للا
ثم سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن اإليمان:
اآلخ لر وت ُ ْؤ لم َن بالقَدَر
ل واليوم
ل س لل له فقال { :أَن ت ُ ْؤ َ
من وملئ َكتل له و ُكتُبله َو ُر ُ
خير له وشر له} وهذه أركان اإليمان الستة ،و يجب على كل مؤمن أن يؤمن
بهذه القدر من هذه األركان ،وما زاد عن ذلك :فإذا بلغه الدليل على وجه
يصح معه وكان صري ًحا يستوعبه عقله لو أراد أن يستوعب فإنه يجب
و ما يجب على اإلنسان أن يؤمن به من هذه األركان :أن يؤمن بأن للا واحد
فيؤمن بذلك ويؤمن بأن للا جل وعل سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات
35
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ما ورد فيها من كلم للا عز وجل وما جاء في كلم رسول للا صلى للا عليه
وسلم ومنها ما لستأثر للا عز وجل به في علم الغيب عند ،فيؤمن بهذا اإلطلق
وما ورد إليه من التفصيل فإنه يؤمن بها [أي الصفات] ويمضيها من غير نظر
في تكييف.
كذلك أيضا ينبغي أن يُ ْلت َ َمس حال فهوم العامة أنها ل تطرق إليهم األسماء التي
فينصرفون إلى ذلك ،فل ينصرف إل إلى المعاني الظاهرة التي تتعلق بها
قلوبهم ،فإن تمكنوا وقربوا من اإليمان فإنهم يُعَلمون ذلك ،ولهذا رسول للا
صلى للا عليه وسلم لما كان يدعو _كما روى ابن جرير الطبري في كتابه
"التفسير" :فيقول" :يا رحمان يا رحيم"؛ قال كفار قريش :وما الرحمن! فأنزل
يعني ليست العبرة بهذا اللفظ وإنما العبرة بالمعنى الذي ينبغي لإلنسان أن
يتقدي به ،لهذا ينبغي على اإلنسان أن يهتم بالمعاني بعيدا عن األلفاظ ،وأل
يأتي باأللفاظ ،ألنه لو جاء باأللفاظ كان فرض اإليمان بها ،وأل يكذب اإلنسان
36
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بشئ من األلفاظ قد ذكره للا جل وعل في كتابه العظيم أو تواترت به السنة ،فل
يبادر بذكر األلفاظ التي ربما تستنكرها بعض أفهام الناس ممن قصر فهمه.
تؤمن بالل} فيؤمن بأن للا جل وعل متصرف في خلقه غني عنهم ،لغنًى
َ {أَن
تاما وأن العباد مفتقرون إليه وأنهم كلهم عبيد مأمورون بالتذلل والتعبد لل جل
وعل.
بإناث ول ذكور ،وأنهم يعبدون للا جل وعل و يفعلون ما يؤمرون ،وأنهم خلق
من خلق للا جل وعل ،متذللون ومفتقرون إليه سبحانه وتعالى ،وأن للا
سبحانه وتعالى ما خلقهم حاجة إليهما ،وإنما لتسيير شؤون الخلق بخلق
أسبابها ،ويؤمن بما ذكره للا جل وعل من أسمائهم في كتابه العظيم ،مما يرد
إلى ذهنه.
أنزله للا جل وعل بواسطته على نبيه محم ًدا صلى للا عليه وسلم وأن
لم ينزل ولن ينزل على أحد من هذه األمة بعد رسول للا صلى للا عليه
37
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ً
رسل أرسلهم إلى خلقه ،منهم وأن يؤمن برسل للا ،وأن لل عز وجل
من سمى للا عزوجل في كتابه ،ومنهم من لم يسم ،منهم أولو العزم
وآخرهم [أي الرسل] دمحم صلى للا عليه وسلم ،خصه للا عز وجل
بجملة من الخصائص منها أنه خاتم األنبياء وأن للا عز وجل أرسله
إلى الناس كافة ،وأن للا عز وجل قد أرسله بصلح دين الناس ودنياهم
وأنه عليه الصلة والسلم يقتدى به وأنه معصوم ،وأنه ل نبي بعد دمحم
صلى للا عليه وسلم ،فما يرد عنه يجب فيه التباع ،وأن قوله وحي،
الكريم؛ أنزله للا جل وعل مهيمنا على سائر الكتب ،وأن للا عز وجل
حفظه من أن تناله أيدي الناس بتحريف لفظه ،ولكن تناله أيدي الناس
بتحريف معناه ،و لكن من جهة المعنى ل تزال طائفة من هذه األمة
وأن يؤمن أن القرآن كلم للا وأن للا جل وعل تكلم به على الحقيقة
ومنه بدأ وإليه يعود ،أي أن للا جل وعل يرفعه في آخر الزمان ،وأنه
ظ َ
ون} يعني ل تطاله جل وعل حفظه {إلنا نَحْ نُ نَز ْلنَا ال لذِّ ْك َر َوإلنا لَهُ لَ َحافل ُ
38
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األيدي من جهة اللفظ ،ومن جهة المعنى يطاله تحريف المعنى ،ولكن
ثمة من أهل العلم من يحفظ هذا األمر إلى قيام الساعة ،ولكنه يزيد
ويقل في الناس حتى يدرس اإلسلم كما جاء عن رسول للا صلى للا
عليه وسلم من حديث حذيفة بن اليمان عند ابن ماجة والحكام بإسناد
صحيح أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قال{ :يدرس اإلسلم كما
أدركنا آباءنا على هذه الكلمة (ل إله إل للا) فنحن نقولها) قال صلة بن
زفر لـ حذيفة :ما تغني عنهم (ل إله إل للا) وهم ل يدرون ما صلة ول
صيام ول نسك ول صدقة؟! فأعرض عنه حذيفة ،ثم ردها ثلثاً ،كل ذلك
يعرض عنه حذيفة ،ثم أقبل عليه في الثالثة فقال :تنجيهم من النار
ويؤمن بالقدر خيره وشره :والقدر المراد به ما يقدره للا جل وعل من
مقادير الخلئق ،فإن للا جل وعل له الكمال والعلم المطلق في ذلك فإنه
يعلم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون،فإن
هذا علم مطلق ،خاص بالل جل وعل ،فمن نازع في شيء من خصائصه
39
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
من ذلك ،فإنه كافر خارج من الملة ،ومن زعم أن أحدا يمكنه أن يتححق
فيه شيئ من العلم لم يعلمه للا جل وعل إياه باألمور الشرعية أو
القدرية مما رخص للا جل وعل به ،فإنه كافر مرتد ،كذلك يُعلم أن للا
جل وعل قد قدر مقادير الخلئق ،وكتبها في لوح عنده سبحانه وتعالى،
وأن الناس ل يخرجون عن ذلك وأن للا جل وعل خالق الناس وما
يفعلون سواء كان من أفعالهم أو ما كان من باب تروكهم ومن قال أن
زندقة وكفر وخروج من الملة ،وبهذا أورد يحيي بن يعمر هذا الخبر
مسندا له عن عبد للا بن عمر عن عمر عن رسول للا صلى للا عليه
واإليمان بالبعث بعد الموت :يعني يؤمنون بأن للا جل وعل جامع الناس
ويجب على المؤمن أن يعلم أن ما عليه مسطر في كتاب ل يغادر صغيرة ول
كبيرة إل أحصاها ،وأن الخلود ليس ألحد في هذه األرض ،وأن للا جل وعل
أنه قد قدر أن كل نفس ذائقة الموت ،فما من نفس إل و هي زائلة سواء ما كان
له روح أو ما كان من الجمادات فكلها من مخلوقات للا جل وعل زائلة بأمر
40
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
منه سبحانه وتعالى وبقدرته ،ول يبقى إل وجه للا جل وعل ذو الجلل
واإلكرام.
ويحاسب للا جل وعل الخلق ،ول يجب على اإلنسان أن يؤمن بتفاصيل ذلك من
طريقة الميزان إل إذا ورد إليه الدليل ،فإنه يجب أن يؤمن به ،ومن كفر بالدليل
الذي ورد إليه؛ فإذا كان من األمور المتواترة ،وأُثبت له ،وكان من المقطوع
وأما ما كان ثبوته أو دللته ظنية ،فإنه ل يُ َكفِّر بذلك ما دام أنه يؤمن بأصل
البعث والحساب والجزاء ،والجنة والنار ،وأن للا جل وعل محاسب الناس على
ما هم عاملون ،ويحاسب للا جل وعل غير الثقلين ،فالبهائم يحاسبها للا جل
وعل يوم القيامة بنوع واحد من أنواع الحساب كما جاء في صحيح اإلمام
مسلم من حديث العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى
للا عليه وسلم قال" :ألتدن الحقوق إلى أهلها وليقتصن للا يوم القيامة من
فيكون حينئذ باب المظالم يجري حتى على البهائم ثم يقول للا عز وجل لها:
41
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وكذلك بيان قدر الظلم ،فإذا كان يُفصل فيه َ
بين البهائم فهو بين بني آدم ،ولو
ثم سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن:
فما من عمل من األعمال يفعله اإلنسان إل وثمة قدر مجزئ وقدر كمال
قدر الكمال ،فإنه من اإلحداث والبتداع؛ وما كان ناقصا عن قدر اإلجزاء
والمراد من هذا المعنى بالتمثيل :أن اإلنسان إذا كان خادما عند غيره ،وكان
42
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
لو انصرف عنه سيده ،وهذا يُلحظ عند األجراء وعند العبيد ،فإنهم إذا كان
يراهم سيدهم ،أحسنوا العمل وإذا انصرف لم يحسنوه إل عند ال ُخلص الذين
كذلك في باب العبادة؛ فإن العبد عند للا سبحانه وتعالى في حال شهوده أو بين
يديه كفاحا على السواء ،ألن للا جل وعل يرى عبده وإن لم يَ َرهُ العبد ،ولذلك
فإنه يجب على اإلنسان أن يبالغ في الحتياط في أمر العبادة قدر إمكانه ،ومر ُّد
ذلك إلى فهم ما جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم من تفاصيل العبادات
ور َ
غائلبها ،وكمالها؛ مما دل عليه الدليل من الخشوع سنَنل َهاَ ،
فيعرف الصلة ب ُ
السبعة من األرض ،وغير ذلك من الفضائل ،التي فعلها اإلنسان كأنه يرى للا
جل وعل.
الثمانية ،وتحري صاحبها ،كأن العبد يرى للا جل وعل ،وللا سبحانه وتعالى
يراه.
43
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وهذا كما أنه في الصلة والزكاة كذلك في سائر العبادات ،أن يحرص اإلنسان
على معرفة السنن في سائر العبادات حتى يأتي بها ويطبقها ،فل يعبــــد للا عز
ثم سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن الساعة :يعني متى
هي؟ وهذا السؤال كان بعد بيان هذه المسائل العظيمة :اإلسلم واإليمان
وحال الناس و أمر الساعة ،فالنفوس تتشوف إلى معرفة ال ُمغَيب ،وما
غاب عنها حسا ومعنى؛ ولهذا كفار قريش واليهود كانوا يأتون إلى
رسول للا صلى للا عليه وسلم ،ويريدون أن يختبرونه باألمور المغيبة
إشارة إلى صدقه ،وكان مما سألوه ولم يسترسل معهم رسول للا صلى
للا عليه وسلم عنه و ُح لجب عن النبي صلى للا عليه وسلم :الروح فأ ُ لمر
سأَلُونَكَ
النبي صلى للا عليه وسلم أن يكل األمر إلى للا جل وعلَ { :و َي ْ
سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن الساعة فقالَ { :ما المسؤول
عَنها بأ َ ْعلَ َم من السائل} :أي أن علمها لو كان يصل إلي فإنِّه بواسطتك فإنك من
جهة العلم سابق لي؛ وفيه إشارة إلى اشتراك الخلق في الجهل بها ،فالساعة ل
44
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يعلمها ل ملك مقرب ول نبي مرسل ،وإنما هي من خصائص للا سبحانه
منها:
أنه ينبغي للمؤمن أن ل يبحث عن زمن الساعة وإنما يبحث عن علماتها حتى
يتعلق قلبه بالل سبحانه وتعالى ،فإن اإلنسان إذا كان ينتظر قافلة ،يسأل عن
السابقين لهذه القافلة الذين يشقون الطريق ،أو الذين يحملون األخبار ونحو
ذلك قبل أن يسأل ذات القافلة التي تحمل األرزاق ونحو ذلك ،فكيف بأمر عظيم
وهو الساعة!
والساعة أدهى وأمر ،مما ينبغي لإلنسان أن يعتني بأمرها ،واإلكثار من العمل
استعدادا لها ،ول سبيل لإلنسان لمعرفة قربها أو بعدها إل بهذه األمارات.
قد سأل جبري ُل رسول للا صلى للا عليه وسلم عن شيئ من أماراتها ،فذكر له
45
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
منها :أن يتطاول الناس بالبنيان :يعني أن يمكن للا عز وجل ألهل رعي األغنام
وينبغي أن يُعلم أن أشراط الساعة إذا وردت في كلم للا أو في كلم رسول للا
صلى للا عليه وسلم فالمراد بها بلد العرب وليست بلد المشركين.
فمن يرى واقعة في بلد المشركين ويقول أن هذا ما أخبر به رسول للا صلى
فإن رسول للا صلى للا عليه وسلم في سائر وجميع أشراط الساعة أراد بها
مواضع العرب ،والعرب بذاتهم ل غير ،سواء من ظهور المنكرات أو الربا أو
الزنا أو الخسوف أو غير ذلك فكلها في بلد العرب ليس في غيرها ،وكذلك
أي ً
ضا حينما خص رسول للا صلى للا عليه وسلم هذه الخصائص بهذا األمر
لحتمالت متنوعة؛ منها أن النبي عليه الصلة والسلم ذكر في كل حقبة من
الزمن بين يدي الساعة شرطا من األشراط؛ منها ما يظهر من ظاهر الفتوحات
اإلسلمية من أن تلد األمة ربتها أو ربها :إشارة إلى كثرة اإلماء والسبي حتى
46
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أو في إشارة إلى عقوق األمهات ،وهذا جاء عن رسول للا صلى للا عليه
خمس عش َْرةَ
َ وسلم عند الترمذي أنه عليه الصلة والسلم قال :إذا فَعلَتْ أمتي
صلَةً حل بها البل ُء ،ف لقي َل وما هي يا رسو َل للال؟ قال إذا َ
كان ال َم ْغنَ ُم د ُُو ًل، َخ ْ
والمعازف
ُ الحرير ،وات ُ لخ َذتْ ال لقيا ُن
ُ الخمور ولُبل َ
س ُ الرج ُل مخافةَ ل ِّ
شره ،وش لُر َبتْ
آخر هذه األم لة أولَها ،ف ْليرتقبوا عن َد ذلك لري ًحا حمرا َء ،أو َخ ْ
سفًا أو َم ْ
س ًخا. ولَعَ َن ُ
ً
مكتمل فاستبدلناه بحديث ملحظة الشيخ روى حديث عن الطبراني و لكن المقطع لم يكن
رواه الترميذي وكلهما ضعيف.
47
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثــــالث
ض َ
ان ". ص ْو لم َر َم َ س ْو ُل للالَ ،وإلقَ لام الصل لةَ ،و لإ ْيت َ ل
اء الزكَا لةَ ،و َح ِّجل ال لب ْيتلَ ،و َ ُم َحم َدا ً َر ُ
تعليـــــق الشيــــخ:
ثم أورد المصنف حديث عبد للا بن عمر في قوله( :بني اإلسلم على خمس
شهادة :أن ل إله إل للا ،وأن دمحما ً رسول للا ،و إقام الصلة ،وإيتاء الزكاة
والحج ،وصوم رمضان) ،وإيراد المصنف رحمه للا لهذا الحديث فيه تمثيل
النبي عليه الصلة والسلم بأشياء محسوسة تقريبا ً للفهم ،وأن اإلسلم كالبناء
يتكئ على أركان ،وهذه األركان إذا اختل واحد منها اختل البناء وسقط ،ومن
ولهذا تجد األبنية فيها أركان إذا سقطت اختل البناء بكامله ،وفيها أركان لو
سقطت ضعف البناء ولم يختل اآلخر ،وفي قول النبي عليه الصلة والسلم:
(بني اإلسلم على خمس :شهادة أن ل إله إل للا ،وأن محم ًدا رسول للا)
المراد التوحيد واإليمان ،وهذا التوحيد واإليمان وما يدخل معه في هذا المعنى
48
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
هو في قول شهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا ،فالشهادتان هما
التوحيد ،وقد جاء هذا مفسرا ً في حديث عبد للا بن عباس في الصحيحين
وغيرهما حينما بعث رسول للا صلى للا عليه وسلم معاذا ً إلى اليمن فقال( :إنك
تأتي قوما ً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه :شهادة أن ل إله إل للا وأن
دمحما ً رسول للا) ،وقد أورد البخاري رحمه للا في موضع آخر في كتابه
الصحيح من حديث يحيى بن عبد للا بن صيفي عن أبي معبد عن عبد للا بن
فجاء البخاري 3734 عباس رواية( :فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا للا)
في معنى الشهادتين التوحيد ،فجعل الشهادتين توحيد للا سبحانه وتعالى،
فشهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا هي التوحيد ،ويدخل فيها ما يتبعها
والشهادة هنا المراد منها هو اإلخبار عما في القلب؛ ولهذا يقال تشهد بكذا أي
تخبر عما في قلبك ،وليس المراد بذلك القول المجرد ،فالشهادة شيء والكلم
العام شيء ،فإذا استشهد اإلنسان فكلمه أخطر من الكلم المرتجل بل
استشهاد ،وإنما هو استدعاء لما في القلب أن يخرج على اللسان؛ ولهذا نقول:
49
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
إذا ً قوله( :بني اإلسلم على خمس :شهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا)
الشهادتان شهادة أن ل إله إل للا وأن دمحما ً رسول للا هما التوحيد ومعنى ل إله
إل للا :أي ل معبود بحق إل للا ،أول من حمله على هذا المعنى هو ابن جرير
الطبري رحمه للا ،أي :قال :ل معبود بحق إل للا ،والمعنى في ذلك متقرر،
وأن دمحما ً رسول لل وهي تمام الشهادة فل تصح األولى إل بالثانية ،ول الثانية
قال( :وإقام الصلة ،وإيتاء الزكاة ،والحج ،وصوم رمضان) شهادة أن ل إل
للا وأن دمحما ً رسول تتضمن العتقاد وكذلك قول اللسان ،وبقية األركان هي
عمل الجوارح في الظاهر اللزم لإلخلص واللزم أيضا ً للتصديق ،فل بد أن
يتوفر في هذه األركان أجزاء اإليمان وهو عمل القلب ،وكذلك أيضا ً قول اللسان
والموجب والفارض هو للا ،وكذلك أيضا ً عمل الجوارح ،وقول اللسان فيما
أمره للا سبحانه وتعالى أن يقول إذا أمر .والصلة هي الركن الثاني من أركان
اإلسلم ،وقد دلت األدلة على أهميتها وركنيتها ،وأمر للا جل وعل بها في
كتابه الكريم في مواضع عديدة ،وجاءت عن رسول للا صلى للا عليه وسلم
أحاديث في ذلك ،وأمر للا جل وعل فيما هو متعد في حالها مما يدل على
50
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أهميتها في ذاتها ،فأمر للا جل وعل بالركوع مع الراكعين مما يدل على أن
والصلة جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم بيان منزلتها ،وكذلك جاء
عنه كفر تاركها كما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر أن رسول للا صلى
صحيح مسلم 84 للا عليه وسلم قال( :بين الرجل وبين الشرك ترك الصلة)
وكذلك جاء في السنن من حديث بريدة قال عليه الصلة والسلم( :العهد الذي
وجاء أيضا ً في صحيح النسائي 644 بيننا وبينهم الصلة ،فمن تركها فقد كفر)
حديث عبد للا بن عمرو قال عليه الصلة والسلم( :من حافظ على هذه
الصلوات حيث ينادى بها كن له نجاة وبرهانا ً يوم القيامة ،ومن لم يحافظ عليها
حيث ينادى بها لم تكن له نورا ً ول نجاة ول برهانا ً يوم القيامة ،وحشر مع
خلف) .أخرجه أحمد ( ،)4134وابن حبان (،)5643 فرعون وهامان وقارون وأبي بن
وجاء أي ً
ضا عن الصحابة عليهم رضوان للا تعالى بيان كفر تاركها ،كما جاء
في حديث عبد للا بن شقيق قوله :ما كان أصحاب رسول للا صلى للا عليه
وسلم يرون شيئ ًا من األعمال تركه كفر إل الصلة كما رواه الترمذي من حديث
بشر بن المفضل عن الجريري عنه ،وكذلك جاء أيضا ً عن التابعين كما رواه
51
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
دمحم بن نصر من حديث حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه
قال :ترك الصلة كفر ل نختلف فيه ،كذلك جاء عند ابن جرير وغيره في تفسير
سا ُه َ
ون من حديث لين ُه ْم ع َْن َ
صلتل له ْم َ ين * الذ َ قول للا جل وعل :فَ َويْل لل ْل ُم َ
ص للِّ َ
مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص أنه قال في قول للا جل وعل :الذ َ
لين
وقد حكي اإلجماع على هذا ،وبعض العلماء يقول :إنما هو إجماع على وصفه
بالكفر ل اإلجماع على كونه كفرا ً أكبر ،وهذا قد ذكره غير واحد كما أشار إليه
دمحم بن نصر في كتابه تعظيم قدر الصلة ،وحكي القول بالتكفير في بقية األركان
عن جماعة من السلف ،وهو يروى عن عبد للا بن مسعود وفي إسناده ضعف،
وجاء أيضا ً عن سعيد بن جبير ،وجاء عن نافع ،وجاء عن الحكم ،وهو رواية
عن اإلمام أحمد ،وقال به إسحاق وابن حبيب من المالكية وجماعة ويقول به
إسحاق بن راهويه ،ومال إليه فيما يظهر أبو داود رحمه للا ،بل إن أبا داود
رحمه للا في كتابه السنن يظهر من صنيعه أنه يرى أن من لم يكفر تارك
الصلة فهو مرجئ ،وكذلك أيضا ً هو ظاهر صنيع إسحاق بن راهويه رحمه للا،
بل إن إسحاق بن راهويه يرى أن من لم يكفر تارك األركان الخمسة أنه مرجئ
52
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وجاء مثل ذلك في قضية الحج عن عمر بن الخطاب عليه رضوان للا تعالى كما
رواه اإلسماعيلي وغيره ،وجاء عند البيهقي أنه قال :لقد هممت أن أبعث أقواما ً
فينظرون من كان عنده جدة فلم يحج أن يضربوا عليهم الجزية ما هم
بمسلمين .وهذا جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان للا تعالى من وجوه،
53
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الرابــــع
للا ﷺ َو ُه َو س ْو ُل ل ع ْنهُ قَا َلَ :حدثَنَا َر ُ ي للاُ َ سعُ ْو ْد َر لض َ بن َم ْللا ل ع َْن َ
ع ْب لد ل
ق " :لإن أ َ َح َد ُك ْم يُجْ َم ُع َخ ْلقُهُ لف ْي بَ ْط لن أ ُ ل ِّم له أ َ ْر َب لعي َْن َي ْو َما ً نُ ْطفَةً ،ثُم صد ُْو ُ
ق ال َم ْ
الصا لد ُ
ضغَةً لمثْ َل َذ للكَ ،ثُم يُ ْر َ
س ُل لإلَ ْي له ال َملَكُ فَيَنفُ ُخ فل ْي له علَقَةً لمثْ َل َذ للكَ ،ثُم يَك ُْونُ ُم ْ يَك ُْونُ َ
س لعيْد .فَ َوللا ي أ َ ْو َش لق ٌّ ب لر ْزقل له َوأ َ َج لل له َو َ
ع َم لل له َو َ الر ْوحََ ،ويَ ْؤ َم ُر لبأ َ ْربَعل َك لل َمات :لب َكتْ ل
ٌّ
غي ُْرهُ إلن أ َ َح َد ُك ْم لَيَ ْع َم ُل بلعَ َم لل أ َ ْه لل ال َجن لة َحتى َما يَك ُْونُ بَ ْينَهُ َوبَ ْينَ َها الذلي لَ إللَهَ َ
لَيَ ْع َم ُل اب فَيَ ْع َم ُل بلعَ َم لل أ َ ْه لل الن لار فَيَ ْد ُخلُ َهاَ ،وإلن أ َ َح َد ُك ْم
علَ ْي له ال لكت َ ُ
ق َ إلذ َلراع فَيَ ْ
سبل ُ
فَ َي ْع َم ُل ع َل ْي له ال لكت َ ُ
اب ق َ لب َع َم لل أ َ ْه لل الن لار َحتى َما َيكُونُ َب ْينَهُ َو َب ْينَ َها إل ذ َلراع فَ َي ْ
س لب ُ
لبعَ َم لل أ َ ْه لل ال َجن لة فَيَ ْد ُخلُ َها ".
تعليـــــق الشيـــــخ:
حديث ابن مسعود عليه رضوان للا تعالى هو في الصحيح من حديث األعمش
عن زيد بن وهب عن عبد للا بن مسعود عن رسول للا صلى للا عليه وسلم.
وهو إخبار بأمور مغيبة ل يكاد يطلع عليها أحد إل بوحي؛ وهذا من علمات
نبوته عليه الصلة والسلم ،وفيه دليل على أن خلقة الناس على السواء وأنهم
يتباينون فرسول للا صلى للا عليه وسلم بين أمورا يتفق فيها النــــاس وهـي:
54
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
طريقة الخلق وهذا قال فيه رسول للا صلى للا عليه وسلم { :لإن أ َ َح َدكُم يُجم ُع}
بصيغة الجمع هنا دليل على الشتراك في هذه الطريقة ،فكل البشر على هذا
النحو.
( يُجْ َم ُع َخلقُهُ في َب ْطن أ ل ِّم له) هنا فيه اإلشارة إلى أن الحمل يكون في بطن األم
األرحام ونحو ذلك ،فإن هذا من الزنا الصريح ،وذلك أنهم يأخذون مني الرجل
والمرأة إذا كانت المرأة منزوعة األهلية في قدرتها على الحمل ونحو ذلك
فيوضع في رحم غيرها ،فهذا دليل على التحريم؛ لهذا يقول النبي عليه الصلة
والسلم{ :يُجْ َم ُع َخلقُهُ في َب ْطن أ ل ِّم له} يعني أنه ل يسوغ لإلنسان أن يفعل خلف
ذلك؛ وهو من الزنا ،ومن األمور المبحوثة من جهة الطب والمعمول بها في
وأما ما يسمى بالتلقيح الصناعي وما يسمى بأطفال األنابيب ونحو ذلك فإن هذا
يوضع مؤقتا ثم يُرجع إلى بطن أمه؛ كحال وجود مني الرجل ومني المرأة قبل
ذلك ثم يلتقيان؛ وهذا موجود من جهة القدر لكنه ل يكون في بطن غير بطن
أمه ،وهذا يشترك فيه من جهة الحكم ،سائر الناس و األطوار األربعة يمر بها
55
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
سائر الناس ،على اختلف ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وبلدانهم ،وطقوس
أجوائهم.
كذلك أيضا مما يتباينون فيه من جهة األشباه؛ منهم من تجمع أشباهه من أبيه
ومنهم من أمه ومنهم من جده األول ومنهم الثاني أو الثالث أو العاشر ونحو
ذلك.
وقد جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم من حديث مطهر عن موسى بن
علي بن رباح عن أبيه عن جده أن رسول للا صلى للا عليه وسلم سأله:
أجاءك ولد؟ فقال لرسول للا صلى للا عليه وسلم :إنما هو ذكر أو أنثى ،فقال
رسول للا صلى للا عليه وسلم :أي الناس يشبه ،فقال يا رسول للا :إنما يشبه
أباه أو أمه ،فقال رسول ّللا صلى للا عليه وسلم :ما من مولود يولد إل يوضع
هذا أو من هذا أو من هذا ونحو ذلك وإن كان في إسناده ضعف إل أنه يعضده
ما جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في قوله في الرجل :لعله نزعه
56
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
عرق ،يعني من أحد أجداده ،فربما اإلنسان يأخد من أحد أجداده ،من جهة أمه،
أو من أحد أجداده من أحد آبائه ،الجد األول والثاني ونحو ذلك لهذا ل تستنكر
األلوان ول تستنكر األخلق؛ فربما ترجع فيها إلى جد بعيد ل يدركه اإلنسان،
وهذا مما يتباين فيه الناس ،وفي هذا إشارة كما تقدم إلى علمة من علمات
والحس ل يمكن من ذلك في ذلك الزمن ،ويدركه اإلنسان باألمور المغيبة التي
مردها إلى الوحي .في قوله عليه الصلة والسلم{ :يُجْ َم ُع َخلقُهُ في َب ْطن أ ل ِّم له
أ َ ْربعين يوما ً} إشارة إلى أن المراحل في ذلك على ثلثة مراحل قد تكون إلى
أربعة ،هذه الثلثة وأولها األربعين األولى ثم يكون علقة؛ والعلقة هي القطعة
وفي إخباره صلى للا عليه وسلم ببداية تخلق اإلنسان في األربعين األولى ،فهل
يجوز أن يُسقط الجنين في األربعين األولى مع إخبار الرسول صلى للا عليه
أول :أَجمع العلماء على أن اإلنسان في مثل هذه المرحلة لم تُنفخ فيه الروح
ً
وأن اإلنسان في مثل هذه السن ،ليست ديته كدية غيره ممن نفخت فيه الروح،
وأما من جهة اإلسقاط؛ على سبيل التعمد فهل يجوز ذلك أم ل؟
57
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يكره لإلنسان أن
وذهب جماعة من الفقهاء إلى جواز ذلك ما وجدت حاجة ولو قلت ،باعتبار أنه
لم يتخلق ،ما لم يخالف ذلك مقصو ًدا شرعيًا من المقاصد أو كان السبب في ذلك
شيئا ً من األسباب التي نهى الشارع عنها ،منها ما جاء في حديث أبي هريرة
مما تقدم معنا في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم{ :أن تقتل ولدك مخافة
أن يطعم معك} فإذا كان الدافع لذلك خشية الفقر أو الفاقة والعوز فإن هذا يقال
بكراهته ،وذهب بعض الفقهاء؛ وهو مروي عن اإلمام مالك عليه رحمة للا
ورواية عن اإلمام أحمد رحمه للا وذهب إليه جماعة من المحققين؛ رجحه
الحافظ ابن رجب والعز بن عبد السلم ،وقال به أبو الفرج ابن الجوزي إلى أنه
يحرم إسقاط الجنين؛ ولو في األربعين األولى ،ألنه يظهر فيه اإلعجاز ،إعجاز
للا جل وعل في بدء تخلق اإلنسان وامتنانه؛ وهذا يعارض ظاهر حكمة للا جل
58
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وأما قبل ذلك العزل ،فقال جمهور العلماء أن العزل جائز إذا كانت ثمة حاجة
باعتبار عدم ورود التخلق عليه ،و أما المسألة التي يذكرها الفقهاء في أبواب
العدة والمتعلقة بتخلق الجنين؛ ثمة مسائل متعددة في هذا الباب منها ما يتعلق
بعدة المرأة التي توفي عنها زوجها ،أو طلقها ،من جهة براءة رحمها فإن
األربعين األولى ،هل يقال بأن المرأة في مثل هذا قد انتهت من عدتها؟
ً
أول :قد أجمع العلماء على أن اإلنسان إذا ولد ولدة تامة وكان حيا ،أنها بذلك
وضعت حملها.
وإنما اختلفوا في ما كان قبل ذلك يعني عند تصور اإلنسان ،فإذا ت ُ ُ
صور اإلنسان
وظهرت صورته ،وملمحه من جهة يديه وعينيه ونحو ذلك ،قالوا فإنها
األربعين الثانية يعني في ١١يو ًما تظهر صورة اإلنسان من جهة ملمحه وإن
59
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قالوا فإذا وضعته على هذا النحو على قول جمهور العلماء أنها وضعت المولود
ومنهم من قال أنها إن وضعت مولو ًدا ولو قبل ذلك ،أنها تبرأ بذلك ،ألنه براءة
والصواب في ذلك أن المرأة يعتبر وضعها للحمل في بداية األربعين الثالثة يعني
في إتمام الثمانين يوما ؛ وبعض العلماء يرد ذلك إلى الخبرة من أهل النساء
"القابلة " فانظر إذاكان قد تخلف الجنين فل حرج عليها،فإنه يقال أن المرأة
إذا قلنا بالتخلق وأنها بهذا القدر تخرج من عدتها فإن ما خرج منها من الدم
يعد نفاسا ؛ سواء كان دما أو كان كدرة أو صفرة أو غير ذلك من األلوان التي
تخرج من المرأة النفساء ،ومن المسائل أيضا في هذا الباب ويذكرها الفقهاء
من المعاصرين ويذكرها بعض الفقهاء من المتقدمين ما يسمى تنظيم النسل أو
تحديده.
60
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
تنظيم النسل وتحديده يختلفان ،فتحديد النسل هو تحديد األبناء بعدد معين فهذا
وأما تنظيمه يعني أن اإلنسان يحرص على أن ل تحمل زوجته هذه السنة
ألسباب معينة تختلف في أحوال الناس ،من جهة التربية ومن جهة صحة
الرجل أو صحة المرأة ،كأن تكون ضعيفة ،وتخشى على نفسها المرض ،فإنها
ل تعود إلى نشاطها وقوتها إل بعد حولين ،ونحو ذلك ؛فإن هذا مما ل حرج
فيـه .
وأما إذا كان التنظيم سببه من األمور التي نفاها الشارع ،كشخص يقول مثل:
أُريد أن أنظم النسل كل سنتين وذلك أن الرزق يأتيني كل سنتين من المال ،كأن
تكون عنده مزرعة أو وظيفة؛ ويأتيه مبلغ مالي على رأس السنة ونحو ذلك أو
يربط مثل المواليد على حسب علوته في وظيفته ونحو ذلك ،وهذا نقول له هذا
ل يجوز باعتبار أنه حدد النسل بأمر هو في حكم للا جل وعل ونفى الشارع
الوأد بسبب هذا ،ألن األرزاق بأمر من للا سبحانه وتعالى ،فل يسوغ لإلنسان
أن يعلق األمر بذاته ،وإنما يحيله ويكله إلى للا جل وعل.
61
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أما ما يتعلق باأل ُ ُمور التي تتعلق بأصحاب الصحية أو أسباب تتعلق بالزمن كأن
يكون في بلد غربة أو في بلد محاربين أو نحو ذلك ،فيقال أنه يسوغ لإلنسان
كثير ممن يتكلمون على تحديد النسل يخشون الفاقة ولهذا الدول المادية تتكلم
عن مسألة تحديد النسل من جهة الكثافة السكانية والزدحام وآثار ذلك
قرأت كل ًما ألحد الكتاب يتكلم عن مسائل التكاثر والتناسل ويعلق على مسألة
تركيب الكون وذلك أن الكون ل يمكن أن يزدحم نظريا على تباين مخلوقاته من
اإلنس والجن أو الحيوانات وقال أنه ل يمكن لبهائم في حظيرة أن تتوالد من
نفسها ولدة تزيد على قدر الحظيرة ،حتى تفسد عليها الحظيرة ،ويضرب لذلك
مثال فيقول :أن الطيور من الحمام وغيره إذا وضعتها في صندوق فل يمكن
أن تتوالد على قدر يزيد عن الصندوق ،وهي بهيمة ،وهذا ليس على سبيل
العمد وإنما على نحو فطري قدري ،ويهيأ للا جل وعل فطر الناس عليه ولهذا
ل تمكن أن تضيق األرض بالناس؛ لهذا وصف للا جل وعل األرض بأنها
مبسوطة و أنها واسعة ،والسعة هنا مطردة وهذا حكم قدري باق.
62
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والذي يخشى من عدم سعة األرض على الناس ثم يقوم بتحديد النسل فيما أرى
قد يقول قائل :إن بعض النظريات المادية قد تخالف هذا الكلم ،وذلك أن األرض
فنقول أن الشرع قال أن األرض ل تضيق ،أما البنايات فتضيق ،أما بالنسبة
نقول :الشرع ما َحكم على الدولة ونحو ذلك ؛ ولهذا أمر للا عز وجل بتوسيع
ولهذا من يتكلم لم يأخذ بمجموع أسباب الشريعة على سبيل العموم حتى تتهيأ
له األسباب وإنما يريد أن يأخذ بباب واحد ،وهو منع اإلسلم لتحديد النسل ،ثم
فنقول أن الشريعة قد جاءت بأمور يتمم بعضها بعضا ً وتكتمل من جهة تركيب
كون الناس وسعادتهم ومعيشتهم لذلك أمر للا عز وجل األمة أن تكون أمة
63
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
واحدة؛ فل يضيق بلد من بلدان المسلمين ويتسع آخر؛وكذلك ل تضيق البلدان
على المسلمين ويشكون من ضيقها ينظرون إلى نصوص الشريعة التي تمنع
من تحديد النسل ،ثم يعطلون أبواب الجهاد؛ وهي توسيع رقعة المسلمين ؛ إذن
فثمة خلل قد عُطل في هذا األمر؛ ونظروا إلى باب واحد من أبواب الشريعة
وفي حديث عبد للا بن مسعود رضي للا عنه هذا من بيان أمر غيبي وهو أن
للا جل وعل ،يقدر للعبد ما يخلقه جل وعل لإلنسان من جهة األجل ،و من
جهة الرزق ومن جهة السعادة والشقاوة ،وهو في بطن أمه؛ والكتابة هنا تحمل
على الحقيقة؛ أنه يكتب على الحقيقة؛ جاء في بعض المرويات أن الكتابة تكون
على الجبين؛ وفي بعض ألفاظ حديث حذيفة بن اليمان رضي للا عنه.
وفي هذا أيضا ً أنه ينبغي لإلنسان أن يكل أمر هذه إلى للا جل وعل ،من جهة
اآلخرة؛ فربما يشقى اإلنسان في دنياه ،ولكنه من جهة الحقيقة سعيد عند للا
جل وعل ،كالذي مثل يُشرد ويبعد ويضيق عليه في عيشه ،أو يُقتل أو يصلب
64
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بحق ونحو ذلك ،يكون هذا ضرب من ضروب الشقاوة عليه في الدنيا ،فيكون
ومن الناس من يجمع للا جل وعل له سعادة في دنياه؛ وسعادة في أخراه ،ومن
للا جل وعل النار؛ فهذا نوع شقاوة ثم تكون عاقبتهم الجنة؛ فيكون هذا من
السعادة؛ فتكون السعادة والشقاوة مسألة نسبية؛ شقي بقدر كذا وسعيد بقدر
كذا؛ وللا جل وعل ل يقدر لإلنسان المؤمن شقاوة في دنياه محضة؛ إل ويكون
أما من جهة اآلخرة فإن من دخل النار يعد شقيا بنوع شقاوة ولو كان مآله إلى
الجنة؛ وذلك أن النار هي دار الشقاوة؛ فمن كتب للا جل وعل له عتقًا منها
يكون سعي ًدا؛ والسعادة هنا أعظم من الشقاء؛ ومن الناس من تكون شقاوته
أبدية؛ وهم الكفار والمنافقون ال ُخلص .ولهذا رسول للا صلى للا عليه وسلم
لما ذكر أحوال اإلنسان بكتب أجله ورزقه وشقي أم سعيد ،أقسم على أن العبرة
بالخواتيم كما جاء عن النبي صلى للا عليه وسلم من حديث سهل كما في
65
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يعني ما يقدره للا جل أخرجه البخاري ()4607 البخاري{ :إنما األعمال بالخواتيم}
وعل على اإلنسان في اآلخرة بما يختم له من عمله لذلك اإلسلم ،يجب ما
قبله ،والهجرة تجب ما قبلها ،والحج يجب ما قبله؛ أي يهدم ما قبله؛ وكذلك
خاتمة اإلنسان يمحو للا جل وعل بها ما كان من آخر عمله؛ فإن تاب تاب للا
كذلك أي ً
ضا ذكر رسول للا صلى للا عليه وسلم لنوع من التفصيل في مسألة
الخواتيم:
قال عليه الصلة والسلم{ :وإن أ َ َح َدكُم لي ْع َم ُل لبعَ َمل أ َ ْه لل الجنة َحتى َما يَكُو ُن
ق عليه ال لكتاَب فَ َي ْع َم ُل ب َع َم لل أ َ ْه لل النِّا َ لر فَ َي ْد ُخلَها} وهذا َبينَهُ َو َب ْينَ َها لإل ذ َلراع فَي ْ
سب ُ
فيه إشارة إلى أن اإلنسان يُكتب له ما قدره للا جل وعل عليه في مسألة الرزق
فهنا النبي عليه الصلة والسلم ذكر التفصيل في مسألة النار؛ وهي ما يتعلق
بأمر الشقاوة والسعادة ،وما ذكر التفصيل بالنسبة للرزق؛ فاإلنسان قد يكون
ً
عمل يخالف فيه أسباب الغنى فيغنيه للا جل وعل ،ومن الناس من فقيرا فيعمل
ً
66
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يضارب فيأخذ بأسباب الغنى و يهلك عمره ولكن عاقبته إلى فقر؛ كذلك أي ً
ضا قد
يأخذ اإلنسان بأسباب الفقر ويدع الغنى ثم تأتيه الدنيا وهي طائعة؛ وهذا إشارة
إلى أن هذه األمور الثلثة؛ مردها إلى القدر للا المحض ل إلى ذكاء اإلنسان
وعلمه ،ولهذا يقول عبد للا بن مسعود رضي للا عنه :إن اإلنسان لَيَكُون له
الشيء من أمر اإلمارة أو التجارة حتى يدنو منها بيده فينظر للا جل وعل إليه
فيقول لملئكته اصرفوه عنها ،فينصرف عنها فيتظنى غلبني فلن وغلبني فلن
ومرد هذا أن للا جل وعل يقدر على اإلنسان هذه األشياء الثلثة؛ وإنما نص
النبي عليه الصلة والسلم على مسألة الجنة والنار لإلشارة إلى أن ما كان
دونها من أمر الدنيا وأقدار األعمار ،من باب أولى؛ ولهذا كثير من الناس ل
يدخل عقله شيئا من أمثال تحليلت األمور المحسوسة؛ كأن يكون من أهل
الحنكة في أمر التجارة ،فيُقال كيف يخسر؟ أو من عدم اإلقبال على الدنيا.
النبي صلى للا عليه وسلم ابتدأ بما هو أبعد من ذلك حتى يدخل فيه ما دونه أن
ق عليه اإلنسان {يَع َم ُل بعمل أَهل ال َجنة َحتى َما يَكُونُ بَينَهُ َو بَ ْينَ َها لإل ذ َلراع فَي ْ
سب ُ
فَ ْي ْع َم ُل بعَ َم لل أ َ ْه لل النِّا َ لر فَيَ ْد ُخلَها} والذراع من أطراف األصابع إلى المرفق؛ يعني
بينه وبين الجنة شئ يسير فَيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها؛
67
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فظاهره في الدنيا إذا كان يعمل بعمل أهل الغنى فإذا جاء وقت القطاف؛ قطاف
وعكسه أي ً
ضا من {يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع
فَيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها}؛ كذلك من يأخذ بأسباب
الفقر واإلعراض عن الدنيا حتى إذا دنت أسبابه أغناه للا جل وعل من فضله
فإذا تحقق هذا في أهل الجنة والنار؛ كذلك أيضا في أهل الغنى والفقر.
كذلك أيضا هو في أمور آجال اإلنسان؛ اإلنسان قد يأخذ بأسباب النجاة فينجو
لهذا تجد من الناس من يعتني بصحته ويأخذ بأسباب السلمة ويبالغ في ذلك
يَقصر عمره عن الشخص الذي يأخذ بأسباب الهلك ،فتجده في الثغور يجاهد
إلى للا جل وعل ،ولهذا النبي عليه الصلة والسلم لما كانت هذه األمور من
جهة المحسوس ل يدركها اإلنسان؛ مثل رسول للا صلى للا عليه وسلم بأبعد
من ذلك وهو مسألة الجنة و النار ولهذا خالد بن الوليد كان أكثر أصحاب
68
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فراشه قال :ها أنا على فراشي ،ل يوجد في جسدي موضع أصابع إل وفيه
رمية بسهم؛ أو طعنة برمح؛ أو ضربة بسيف؛ وها أنا أموت على فراشي ل
وتعرضه كذلك ألسباب الغنى؛ ل يخول الحكم عليه أنه من أهل الهلك والمعلوم
بالخبرة أن مرد ذلك إلى تقدير للا سبحانه وتعالى لإلنسان ،وإنما هذه من
األسباب التي يأمر للا جل وعل باألخذ بها؛ فقد تتحصل لإلنسان وقد ل تتحصل
لهذا ما يتعلق في أمر الجنة أمر للا سبحانه وتعالى بسلوك الصراط المستقيم
ً
شمال ،لهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم وعدم الحيد عنه يمينًا ول
للثقفي لما جاءه وسأله :قال قل لي في اإلسلم قول ل أسأل عنه أح ًدا غيرك
قال :قل آمنت بالل ثم استقم؛ يعني استقم على ما أنت عليك ،فإيمانك شيء
واستقامتك شيء؛ ألنك لو لم تستقم على هذا األمر؛ فإن انتكست عن العمل
لهذا ينبغي لإلنسان أن يحتاط لدينه ،كما يحتاط أهل الدنيا لدنياهم ،كذلك أي ً
ضا
ينبغي أن ل يحكم ألحد في ظاهر أمره أنه من أهل الجنة حتى يُختم له بذلك ،ول
69
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يحكم إلنسان أنه من أهل النار حتى يختم له بذلك على سبيل اليقين؛ ومرد
70
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الخــامس
تعليـــق الشيـــخ:
في حديث عائشة عليها رضوان للا تعالى وفي الصحيحين من حديث القاسم
عن عائشة عليها رضوان للا قال رسول للا صلى للا عليه وسلمَ { :من أَحْ دَث
المراد باإلحداث هو البتداع؛ وذلك أن للا جل وعل قد أكمل لهذه األمة الدين؛
قال للا سبحانه وتعالى {:ا ْليَ ْو َم أ َ ْك َم ْلتُ لَ ُك ْم دلينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْمتُ َ
علَ ْي ُك ْم نل ْع َمتلي َو َر لضيتُ
س َلم دينَا} فلما تم الدين بهذه اآلية وكملت النعمة وهي نعمة اإلسلم؛ فما لَ ُك ُم ْ ل
اإل ْ
زاد عن ذلك مما يقصد به اإلنسان تعبدا لل جل وعل فهو من اإلحداث وهو
مردود عليه؛ وكون هذا العمل مردودا عليه؛ يعني أنه ل يُتقبل ويأثم بذلك إذا
ً
عمل واستفرغ كان قاص ًدا اإلحداث وبُين له أنه بدعة وأما إذا ابتدع اإلنسان
وسعه في تتبع الحق؛ ولم يأته بيان فإن العمل يكون حاب ً
طا ،ول يعاقب على
71
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
إحداثه ذلك ،وربما يُثاب لما في قلبه من محبة قلبية للتعبد ل على ذات العمل؛
ألن العمل هذا ليس من دين للا في شيء فل يثاب على شيء منه؛ وإنما يثاب
ً
جاهل ،أو وقوله عليه الصلة والسلم { َمن أَحْ د َ
َث} :أيا كان سواء كان عال ًما أو
ذات األمر؛ ولهذا قال عليه الصلة والسلمَ { :من أَحْ دَث فلي أ َ ل
مرنا} يعني أن
أمرنا قد تم وكمل ،فيجب أن يُرجع إلى أمرنا فيما دل عليه الدليل من ثبوت ذلك،
والدليل إنما ثبت في حال األمر ومن الكتاب والسنة ،ول مصدر في هذا إل
الوحي من كلم للا عز وجل وكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم وما عدا ذلك
فإنه بحاجة ألن يحتج له ل أن يحتج به ،وإنما قال عليه الصلة والسلم{ :فلي
فيه ما يشاء شريطة أل يخالف شيئا مما أمر للا جل وعل به أو نهى عنه ،فإذا
خالف فإنه يكون من األمور المحظورة بحسب قدر المخالفة في أبواب األوامر
والكراهة.
72
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وفي قوله عليه الصلة والسلم{ :فَ ُهو َرد} يعني مردود عليه ل يكون تشريعا
ً
مقبول أي ل يُقتدى به في عمله ذلك ول يرفع ذلك العمل ول يُتقبل، ول يكون
ولهذا قال عليه الصلة والسلم فيمن ل يستجيب للا جل وعل له كما جاء في
صحيح المام مسلم من حديث أبي هريرة{ :فأنى يستجاب له} فهذا الرجل قد
تعبد لل جل وعل بعبادة شرعها وطلب القبول لكنه قد منعه شيء خارج عن
ذلك؛ فكيف بالذي يتعبد لل جل وعل بعبادة لم يشرعها أصل؟ فإنها ل تقبل على
اإلطلق.
والمراد من ذلك هو بيان خطر البدعة وعظمها عند للا جل وعل وهي أحب
إلبليس من المعصية وذلك أن المعصية يُتاب منها بخلف البدعة ،وإنما يتاب
من المعصية ألن اإلنسان إذا فعلها فإنه يفعلها على األغلب وهو يعلم أنه
مخالف في ذلك؛ بخلف البدعة فإنه يفعلها وهو متعبد لل جل وعل؛ ولهذا نرى
كثيرا من الخلق ممن يقعون في المعاصي يتوبون بخلف المبتدعة الذين فعلوا
ً
ثم أن البدعة يشرب في قلب اإلنسان حبها؛ بممارستها واإلكثار منها بخلف
المعصية ،فإن اإلنسان يفعلها ما وجدت فيه الشهوة إليها فإن زالت تلك الشهوة
رجع وتاب إلى للا سبحانه وتعالى؛ بخلف تلك البدعة تبقى مستديمة لو لم
73
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يستطع اإلنسان أن يفعلها؛ فإن اإلنسان إذا كان يصلي صلة إحداث ،ولو شُل أو
أُقعد ،فإنها تصبح تدينا في قلبه ل تزول إلى أن تقبض روحه؛ ولهذا جاء عن
النبي عليه الصلة والسلم من طرق متعددة أن صاحب البدعة ل يتقبل للا منه
توبة كما رواه اإلمام أحمد والطبراني وغيرهم وقد جاء من طرق متعددة يشد
بعضها بع ً
ضا؛ قال عليه الصلة والسلم{ :ما تقبل للا لصاحب بدعة توبة} سئل
اإلمام أحمد عليه رحمة للا عن ذلك؛ فقال :أي ل يُوفق للتوبة؛ أي أن اإلنسان
ألنه يرى أن هذا األمر دينًا؛ ولهذا إبليس يحب البدعة أكثر من المعصية
بخلف المعصية ،فإن اإلنسان إذا كان صاحب بدعة فإنه يدعو إليها راغبًا في
األجر ،بخلف صاحب المعصية فإنه يرجو اإلقلع ول يدعو إليها ،وهذا في
األغلب.
األغلب فإن أثرها بقدر كمال إيمان العبد ونقصانه ومتعلقة بأبواب الفروع في
األغلب ،كذلك أي ً
ضا من الوجوه التي تعظم فيها البدعة على المعصية؛ أن
البدعة تأتي بأختها من أبواب القياس؛ بخلف المعصية؛ فإن اإلنسان إذا وقع
74
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فيها ،فإنه يكون ملز ًما لها ل يتعداها في األغلب ،فيبقى عليها إلى أن يتوب
أما البدعة األصلية :التي أحدثها اإلنسان من غير وجود أصل لها ،ل من
جهة الزمن ،ول من جهة الهيئة ،فأحدثها اإلنسان إحداث ًا؛ كالذي ً
مثل
إلى طلوع الفجر ،فهذه بدعة أصلية؛ أو أن اإلنسان يأتي بصلة على
بدعة أصلية ،وهي األخطر في أبواب البدع؛ وهي تقع مع اإلشراك مع
اإلسلم كسائر البدع األصلية التي يفعلها اإلنسان إحداث ًا ،كبعض الترانيم
75
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
النوع الثاني من البدع وهي البدع اإلضافية؛ أي دل الدليل على هذه
البدعة ولكن أُضيف إليها بدعة أخرى؛ فأصل العبادة صحيح وفي ذات
مثال ذلك في مسألة األذان :كالذي يأتي باألذان على تمامه ولكنه يزيد فيه ً
مثل
أَشهد أن عليًا ولي للا؛ فهذا من اإلحداث والبدعة ؛ فإن األذان مشروع وفي
زمنه مشروع ،وفي لفظه تام ،إل أنه أضاف عبادة على هذا النحو ،فهي بدعة
إضافية ،كذلك الرجل الذي يؤدي الصلوات الخمس على نحو مشروع ولكنه
مشروع في ذات الوصف والوقت ،ولكنه قد زاد فعل فيها وأضاف إليها فكان
مح َدث ًا؛ وهذا ل أثر له في إبطال العبادة فالعبادة صحيحة وذلك العمل ل يُتقبل؛
أما البدعة األصلية فهي مردودة من أصلها باعتبار أن البدعة اإلضافية في
والبدعة قد اعتنى بها العلماء عناية بالغة؛ ولهذا يذكرها أهل العلم في مسائل
العقائد كثيرا؛ ومنهم من صنف في ذلك مصنفات كالبدع ألبي شامة وكذلك
أُحدثت في زمانهم وهي ل تزال تزيد في األمة؛ فإذا ماتت بدعة أُحييت أخرى
76
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وتقاومها السنة والعلم؛ فإذا ظهر العلم في الناس فإنه يضمحل حينئذ الجهل
ً
اضمحلل البدع والمحادثات؛ أما المعاصي والذنوب فإنها ل أثر وتتبعه في ذلك
لها في مقام العلم؛ فإن اإلنسان قد يكون عالما ويعرف أن حكم للا جل وعل في
هذا األمر أنه حرام؛ لكنه يكذب ويغتاب ويشهد الزور؛ ونحو ذلك مع علمه
بخلف البدعة إذا علم اإلنسان أنها بدعة محدثة فإنه ل يفعلها ،فل صلة
للمعصية مع العلم ،وأما مع وجود العلم فإن البدع تضمحل وبه يُعلم أهمية العلم
77
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث السـادس
للا
س ْو َل ل شيْر رضي للا عنهما قَا َلَ :
س لم ْعتُ َر ُ للا النُّ ْع َم ل
ان ب لْن بل ل ع َْن أَبل ْي َ
ع ْب لد ل
ﷺ يَقُ ْو ُل( :إلن ال َحل َل بَ ليِّن َوإلن ال َح َرا َم بَ ليِّن َوبَ ْينَ ُه َما أ ُ ُم ْور ُم ْ
شتَبل َهات لَ يَ ْعلَ ُم ُهن
شكُ أ َ ْن يَقَ َع فل ْي له ،أَل َوإلن ت َوقَ َع فلي ال َح َر لام كَالرا لعي يَ ْرعَى َح ْو َل ل
الح َمى يُو ل شبُ َها ل
ال ُّ
ضغَةً لإ َذا َ
صلَ َحتْ للا َم َح لار ُمهُ ،أَل و لإن فلي ال َج َ
س لد ُم ْ ى ،أَل َوإلن لح َمى ل
لل ُك ل ِّل َم للك لح َم ً
تعلــــق الشيــــخ:
(الحلل بين والحرام بين) :هذا هو المراد في قول للا سبحانه وتعالىُ :هن أ ُ ُّم
ا ْل لكتَا ل
ب أي :هذا هو األصل في الدين ،وأما المتشابه فيوجد ،والحكم منه عظيمة
جليلة :بيان أن الكمال المطلق في العلم لل سبحانه وتعالى ليس ألحد غيره
وبفهم أقرب الناس إلى التشريع وهم الصحابة عليهم رضوان للا تعالى وكذلك
التابعون ،ثم من جاء بعدهم أقرب إلى الدليل وفهمه من غيرهم؛ لهذا أثنى
رسول للا صلى للا عليه وسلم على أصحاب القرون األولى كما قال النبي عليه
78
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الصلة والسلم في الصحيح( :خير الناس قرني ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين
وجاء في رواية قد تكلم فيها بعضهم( :خير جامع العلوم والحكم 633/4 يلونهم)،
أحكام الشريعة األصل فيها الظهور وعدم الخفاء ،وثمة قواعد وأصول عليها
مدار الدين ومدار األحكام على وجه العموم في جميع الفنون والعلوم ينبغي
إدراكها.
القاعدة األولى :تحريم القول على للا بل علم ،وقد جاء النص عليها في
ش ي ا ْلفَ َو ل
اح َ كلم للا سبحانه وتعالى كما قال للا عز وجل :إلن َما َحر َم َر لبِّ َ
القاعدة الثانية :أن ما سكت للا عز وجل عنه ورسوله عليه الصلة
والسلم األصل فيه اإلباحة ،ول يجوز ألحد أن يتجرأ عليه بتحريم إل
بدليل وأثر من كتاب أو سنة ،كما قال للا عز وجل في كتابه العظيم :يَا
سأَلُوا ع َْن أ َ ْ
شيَا َء لإ ْن ت ُ ْب َد لَ ُك ْم ت َ ُ
س ْؤ ُك ْم ،وقال النبي عليه أَيُّ َها الذ َ
لين آ َمنُوا ل ت َ ْ
تسألوا عنها).
79
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
القاعدة الثالثة :أن إتباع المتشابه من كلم للا سبحانه وتعالى ،وكلم
رسول للا صلى للا عليه وسلم وتنكب المحكم هذه طريقة أهل البدع
وكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم المتشابه ويدعون المحكم؛ ولهذا
تَشَابَهَ لم ْنهُ ا ْبتلغَا َء ا ْل لفتْنَ لة َوا ْبتلغَا َء تَأ ْ لوي لل له( ،فإذا رأيت الرجل يتبع المتشابه
من كلم للا وكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم -مع ظهور اآليات
واألحاديث المحكمة الظاهرة البينة -فاعلم أنه ممن سمى للا فاحذره) كما
وذلك أن للا عز وجل قد بين أن اإلنسان إذا علم من سيرته ومن أقواله أنه
يتتبع المتشابه ويدع المحكم من أقوال للا عز وجل وكلم رسول للا صلى للا
القاعدة الرابعة :أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قد بين أن الشريعة
على قسمين كما في حديث النعمان بن بشير هنا ( الحلل بين والحرام
80
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بين ،وبينهما أمور مشتبهات ) إذا ً هي على ضربين :بينات واضحات
إطلق عام ،وإطلق خاص ،والمراد بإطلق المحكم من جهة الخصوص هو ما
كان مقابلً لمنسوخ ،ول يلزم منه أن يكون ناسخاً ،فكل ما كان من كلم للا عز
وجل يقابل المنسوخ فهو محكم على وجه الخصوص ،وأما ما كان على وجه
العموم فهو ما ل يأتي إليه إل فهم واحد ،ول يقع عند العلماء إل على وجه
واحد ،فهذا هو المحكم من وجه العموم ،ويقابله المتشابه وله إطلقان :إطلق
على وجه الخصوص ،وإطلق على وجه العموم ،وأما ما كان على وجه
الخصوص فهو ما يقابل المحكم على وجه الخصوص ،والمراد بذلك المنسوخ،
وأما ما كان متشابها ً على وجه العموم فهو ما وقع فيه اختلف عند العلماء في
المراد به ،وهو الذي يشار إليه في قول للا سبحانه وتعالىُ :ه َو الذلي أ َ ْن َز َل
حديث النعمان بن بشير عليه رضوان للا تعالى هنا (وبينهما أمور متشابهات)،
وجاء عند الترمذي في حديث النعمان هذا من حديث عامر بن شراحيل الشعبي
81
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
عن النعمان بن بشير قال رسول للا صلى للا عليه وسلم( :ل يدري كثير من
وكلم العلماء في سنن الترمذي 5491 الناس أهي من الحرام أم هي من الحلل؟)،
هذا هو على هذا المعنى وهو المتشابه على وجه العموم ل على وجه
وعليه يقال :إن المتشابه عند العلماء قد اختلفوا في تحديده على أربعة أقوال:
القول الثاني :قالوا :ما وقع فيه خلف بين العلماء ،وهذا منتزع من
القسم األول.
القول الثالث :قالوا :هو المقلوب؛ وذلك أنه تتنازعه اإلباحة والحظر،
والفعل والترك.
القول الرابع :قالوا :المباح ،وهذا أبعد األقوال إل إذا كان المراد بالمباح
82
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
خارج عنه إما لقرينة أو لمقصد وغير ذلك ،فيدخل في باب المتشابه من
هذا ،والمتشابهات التي ذكرها رسول للا صلى للا عليه وسلم ل يعني
أنها مجهولة على العموم ،بل إنه يعلمها العلماء ،ومنها ما ل يعلمه إل
للا.
وقد يقول قائل :وهل ثمة شيء من التشريع جاء به القرآن ونزل في كلم للا
وجاء في كلم رسول للا صلى للا عليه وسلم وليس ألحد على وجه األرض
معرفة به؟
يقال :نعم ،كما قال للا سبحانه وتعالىَ :و َما َي ْعلَ ُم تَأ ْ لوي َلهُ لإل ّللاُ ثم الوقف عند
جمهور العلماء وقراءة عبد للا بن مسعود على قولهَ :و َما يَ ْعلَ ُم تَأ ْ لويلَهُ إلل ّللاُ ثم
المطلق ،ومنه ما يشترك العلماء الراسخون في العلم بما وفقهم للا عز وجل
من نظر ،فيفهمون ذلك المتشابه على قراءة بعض القراء بعدم الوقف ،فيعلمون
المتشابه ،ولكن يقال :ثمة من اآلي في كلم للا مما ل يعلمه إل للا ،ويبقى
الجتهاد فيه بل دليل ،كالحروف المقطعة في كلم للا ،وإن كان فيها اجتهاد
عن بعض السلف ،ولكنه يقال :إنه ليس بمجزوم به ،وإنما هو اجتهاد سائغ كما
في قول عبد للا بن عباس عليه رضوان للا تعالى فيما رواه ابن جرير الطبري
83
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
من حديث علي بن أبي طلحة عن عبد للا بن عباس قال :الـــــــم [البـقرة]5:
و طسم [الشعراء ]5:و حم [غافر ]5:و ص [ص ]5:ون [القلم ]5:وق [ق]5:
قال :قسم أقسم للا به ،وهي من أسماء للا .وعامة العلماء على بطلن هذا
القول ،وهذا المعنى -لو صح إلى ابن عباس مع صحة إسناده -فهذه الحروف
ليست من أسماء للا ،وإن كان اإلسناد ظاهره الصحة عن عبد للا بن عباس
في قوله عليه الصلة والسلم( :وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمها كثير من
الناس) يعني :بين هذا الحلل والحرام الكثير أمور مشتبهة ل يعلمها كثير من
الناس.
وهذا بيان لفضل العلم وأهمية التعلم ،وأن العلم والمعرفة هي فيمن اصطفاه للا
عز وجل من عباده لهذا كانت الرحمة متلزمة مع وجود العلماء ،وعدم وجود
العلماء ،يلزم منه الوقوع في المتشابه ،والوقوع في المتشابه يلزم منه الوقوع
في الحرام كما قال النبي عليه الصلة والسلم( :ومن وقع في الشبهات وقع في
الحرام) وإذا انتشر في مجتمع الحرام نال الناس الهلكة ،كما قال النبي عليه
84
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والمراد صحيح البخاري 7764 (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال :نعم ،إذا كثر الخبث)
بالخبث هو مخالفة الكتاب والسنة وانتشار الحرام ،وقال النبي عليه الصلة
والسلم كما في الصحيحين وغيرهما( :إن للا ل يقبض العلم انتزاعا ً ينتزعه
من صدور العباد؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،حتى إذا لم يبق عالم اتخذ
صحيح البخاري الناس رؤوسا ً جهالً ،فسئلوا ،فأفتوا بغير علم ،فضلوا وأضلوا)
إذا لم يكن ثمة علماء أخذ أهل الجهالة ،مكان العلماء، 599صحيح مسلم 4437
ً
حلل ،والحلل حراما ً ،فيحق حينئذ عقاب للا ،ويقع حينئذ فيجعلون الحرام
عذابه الذي حذر للا عز وجل منه ،ويعلم أنه ما من حق وما من علم يضمحل
في الناس إل ويقع مكانه جهالة ،وما من جهالة تزول إل ويحل محلها علم
ونور وهداية ،وهذا على الطراد وعلى وجه العموم في العلوم كلها.
وفي قوله عليه الصلة والسلم( :كثير من الناس) دليل على أن األقل هم الذين
يعلمون هذه المتشابهات ،وهم العلماء ومن وفقه للا عز وجل لمعرفة ذلك،
كذلك قد يكون العلم أو بعض مسائل العلم عند بعض العلماء من المتشابه وعند
بعض العوام من المحكم البين الظاهر بحسب توفيق للا عز وجل له؛ ألنه ربما
نظر في هذه المسألة وتبصر بدليلها وهو لم ينظر في تلك المسألة ولم يتبصر
فيه ،وربما نظر فيها ولم يوفق للصواب ،وفي ذكر النبي عليه الصلة والسلم
85
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
-للمتشابه بعد الحلل والحرام دليل على قلته في مقابل وضوح وبيان الحلل
والحرام؛ لهذا قال النبي عليه الصلة والسلم كما روى ابن أبي عاصم في
النبي عليه الصلة والسلم( :-تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها ل يزيغ
هذا هو األصل في هالك) أخرجه أبو داود ( )6493واللفظ له ،وأحمد ()53581 عنها إل
أحكام التشريع أنها ظاهرة بينة ،وأما وجود المتشابه فهو عند كثير من الناس،
لكنه ليس عند جميع الناس؛ ولهذا أمر للا عز وجل بسؤال أهل العلم؛ لقوله
أهل الذكر عند أكثر المفسرين هم :اليهود والنصارى ،ولكن العبرة بعموم اللفظ
الكتاب يعني :اليهود والنصارى ،ويدخل في هذا من باب أولى أهل العلم
والمعرفة ،العالمون بكلم للا وبكلم رسول للا صلى للا عليه وسلم إن كنتم ل
تعلمون بأن القرآن هو الذكر ،كما قال للا جل وعل في كتابه العظيم :لإنا نَحْ ُن
ون وأهل الذكر هم أهل العلم وأهل القرآن ،وقوله :لإ ْن
ظ َنَز ْلنَا ال لذِّ ْك َر َوإلنا لَهُ لَ َحا لف ُ
86
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األصول كاليهود والنصارى ،أو ممن كان على منهج قويم ،لكنه لم يعرف
المتشابه أتباعه من صفة المنافقين وأهل الزيغ؛ لهذا إذا رئي الشخص من
أقواله أو أفعاله أنه يتبع المتشابه من كلم للا وكلم رسول للا صلى للا عليه
وسلم ويدع المحكم فليعلم أن في قلبه زيغًا ،وبقدر تعلقه بالمتشابه يكون الزيغ
فيه.
وهنا لفتة مهمة ينبغي أن يتنبه لها :كلما كثر المتشابه لدى اإلنسان قرب من
أهل الزيغ ،وكلما ظهر عنده المحكم كان من أهل الحق والتوفيق ،وإذا كثر عند
اإلنسان المتشابه وعدم معرفة الحق -مع استعراض األدلة -فليعلم أن في قلبه
زيغاً ،ودواؤه النظر في المحكم ،وإتباع البين من الدليل ،وهذا مشاهد ملموس.
ومن طرائق أهل الزيغ واألهواء :تتبع الرخص وأقوال العلماء الذين يوافقون
األهواء ،وعدم النظر في الدليل ،وهذا ل نحب أن نطيل فيه ألننا سنتكلم عليه
في محاضرة تامة يوم الثلثاء القادم بإذن للا تعالى بعد صلة العشاء بمحاضرة
المتشابهات حذر النبي عليه الصلة والسلم من الوقوع فيها ،وظاهرها أنها
يغلب ما التبس على اإلنسان فيه الحلل والحرام ،فهي من المتشابه وهي أقرب
87
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
المعاني لهذا النص؛ لهذا حذر النبي عليه الصلة والسلم من الدنو منها ،قال
النبي عليه الصلة والسلم -كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن
صحيح البخاري 4915 بشير -قال ( :من ترك ما يشتبه عليه فهو لما استبان أترك )
صحيح مسلم 5100وهذا هو الورع الورع هو أن يغلب اإلنسان جانب الخوف على
والرجاء ،فهذه ثلثة تصاحب اإلنسان في كل عمل يعمله تقربا ً لل ،وينبغي
لإلنسان أن يكون فقيها ً بين هذه الثلث ،ل يغلب واحدا ً على آخر عند جماهير
أهل العلم ،نص على ذلك الحسن ومطرف وأحمد بن حنبل وابن عبد البر وابن
عطية وسهل بن عبد للا التستري وغيرهم أنه ينبغي لإلنسان أن يكون متساويا ً
في أعمال القلوب الثلثة ،فل يغلب شيئا ً على آخر ،روى أبو نعيم في كتابه
الحلية من حديث مطرف عن الحسن قال :الخوف والرجاء مطية المؤمن .أي:
التي يرتحل بها فيستعين بها على قضاء أعماله ،يقول ابن عطية :الخوف
والرجاء كالجناحين للطائر ،إن انفرد بواحد عن اآلخر اضطرب وسقط ،وينبغي
أن يساوي بين هذا وهذا؛ فإن للا عز وجل يقول :نَ لبِّ ْئ لع َبادلي أَنلِّي أَنَا ا ْلغَفُو ُر
اب األ َ للي ُم قال :فرجى وخوف .رجاء للا عز وجل الر لحي ُم * َوأَن َ
ع َذابلي ُه َو ا ْلعَ َذ ُ
88
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ببيان رحمته ،وخوف ببيان عذابه ،واإلنسان في هذه المراتب على ثلثة
أحوال:
الحالة األولى :أن تتساوى هذه األعمال عنده من غير تفاضل ،وهذا في
حال استقامة حياته في كل األعمال ،فل يغلب جانب الخوف على الرجاء
ول يغلب جانب الرجاء على الخوف؛ ولهذا قال بعض السلف :من عبد
للا بالخوف وحده فهو حروري ،ومن عبد للا بالرجاء وحده فهو مرجئ،
ومن عبد للا بالمحبة وحدها فهو زنديق ،حتى يعبد للا بالرجاء والخوف
والمحبة ،ومن عبد للا بالخوف والرجاء والمحبة فهو مؤمن موحد.
الحالة الثانية :أن يغلب جانب الخوف ،وهذا عند المتشابهات ،وهذا
الشاهد هنا عند وجود المتشابهات يغلب اإلنسان جانب الخوف؛ وذلك
لتأكيد وقوعه في الحرام كما قال النبي عليه الصلة والسلم ( :فمن وقع
في الشبهات وقع في الحرام ) أي :ل بد أن يقع في الحرام ،فإنه إن أجاز
من غير وضوح -فإنه سيأتي مرة تكون الشبهة بالحرام فيقع في الحرام
لهذا قال بعض العلماء :إن من وقع في الشبهات فصادف حراما ً أثم
وعوقب على ذلك ،والشارع ل يلحق تكليفا ً إل بما يحاسب عليه ،وهذا
89
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
هو الظاهر ،أن اإلنسان إن وقع في المتشابهات من غير ظهور الدليل
والتماسه أنه يأثم إن صادف حراماً؛ لهذا حذر النبي عليه الصلة والسلم
قال :كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم:
أن من تعرض للشبهات فل يلومن إل نفسه .وقد رواه ابن عدي في كتابه
بذلك :فل يلومن إل نفسه ،يعني :من لحوق العقاب باآلخرة ،ولحوق
ثم قال( :فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي :كف عن عرضه
وهذا من مقاصد الشرع أنه ينبغي لإلنسان أن يغلب جانب التحريم عند
المتشابهات حتى يسلم له عرضه .وهذا ما يسميه العلماء بوازع الطبع ،وازع
الشرع هو األوامر والنواهي ،ووازع الطبع هو ما ينفر منه اإلنسان طبعا ً :إما
خشية مذمة ،وإما رغبة بمدح ،وهذا مقصد مشروع ،لكنه يجوز انفراده في
باب الحرام ،ويحرم أن ينفرد به اإلنسان في باب الواجبات والعبادات؛ ألنه في
90
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
باب العبادات محرم ،وفي المحرمات مقصد مطلوب؛ لهذا قال النبي عليه الصلة
وترك الشبهات هي هدي نبوي فعله خير الخلق ،وربى عليه أصحابه ،من ذلك
ما رواه البخاري ومسلم من حديث طلحة بن مصرف عن أنس بن مالك عليه
رضوان للا تعالى أن النبي عليه الصلة والسلم (وجد تمرة في طريقه) ،وفي
حديث أبي هريرة (وجدها على فراشه) قال( :لول أني أخشى أنها من الصدقة
ألكلتها) أخرجه البخاري ( )4911واللفظ له ،ومسلم ( )5935وهذا من ترك الشبهات ،مع أن أكل
الطعام أو تركه خشية الفساد مقصد شرعي؛ لهذا قد روى ابن أبي شيبة من
حديث ميمونة أم المؤمنين عليها رضوان للا تعالى أنها وجدت تمرة في
الطريق فأكلتها وقالت :إن للا ل يحب الفساد .يعني :إفساد الطعام وتركه حتى
يفسد ،مع ذلك غلب النبي صلى للا عليه وسلم جانب الورع في هذا فتركه،
وكذلك أصحابه عليهم رضوان للا تعالى لما جاءه الرجل الذي قال له :إني
تزوجت فلنة ،وقيل لي :إني قد رضعت معها ،فقال النبي عليه الصلة والسلم:
91
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الفائدة الثانية :الستبراء للعرض؛ خشية أن يقع اإلنسان في عرض من تلبس
بالشبهات ،وترك الشبهة لها مسلكان ،إما أن تكون شبهة عنده ،وهذا ما يتأكد
عليك تركه ،وإما أل تكون شبهة عندك وواضحة بينة ،لكنها شبهة عند غيرك،
فتتركها في الحالين ،في الحالة األولى أي :شبهة عندك استبراء للعرض
والدين ،والحالة الثانية أن تكون بينة عندك وشبهة عند غيرك استبراء
للعرض ،وهذا ظاهر فيما رواه البخاري ومسلم من حديث معمر عن الزهري
عن علي بن الحسين (أن النبي عليه الصلة والسلم كان معتكفاً ،فجاءه
أزواجه أمهات المؤمنين يزرنه في معتكفه فخرجن وبقيت صفية ،ودارها قريبة
من دار أسامة ،فقال النبي عليه الصلة والسلم :امكثي حتى أخرج معك .فخرج
النبي عليه الصلة والسلم مع صفية ،فلما كان في طريقه مر به رجلن من
صفية) ،صحيح البخاري 7595 األنصار ،فقال النبي عليه الصلة والسلم :مهلً إنها
وهذا ليس بمتشابه عند النبي عليه الصلة والسلم ،بل هو متشابه عندهم،
والنبي عليه الصلة والسلم مستبرأ لدينه قطعاً ،ول يأتيه شبهة في هذا ،فأراد
النبي عليه الصلة والسلم أل يقع عند أحد من هؤلء سوء ظن به فيهلكوا؛
ألن الظن بالنبي ليس كالظن بغيره ،فالظن بالنبي كفر ،فقال النبي عليه الصلة
والسلم( :إنها صفية) خشية أن يقع في نفوسهم سوء ظن ،قال بعض العلماء:
والمراد بذلك أن غالب أزواج النبي عليه الصلة والسلم في الحجرات عند
92
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
المسجد ،ول يوجد من البعيد إل صفية ،ويغلب على الظن أن النبي عليه الصلة
والسلم ل يخرج من معتكفة إل مع أجنبية؛ ألنه أزواجه عنده ،ول توجد بعيدة
إل صفية بنت حيي عليها رضوان للا تعالى ،فقال النبي عليه الصلة والسلم:
(إنها صفية) استبراء لدين من كان يراه ،وحفظا ً لعرضه عليه الصلة والسلم
لدينهم؛ خشية أن يقعوا في الكفر بسوء الظن ،وهذان المسلكان يجب فهمهما.
ويغفل كثير من الناس ويقولون :هذا عندي ليس من المتشابه ،بل هو من
المحكم البين ،وأنا أفعل به ،وإن وقع الناس في عرضي فل أبالي ،وهذا من
الجهل؛ ألن الستبراء للعرض -وإن كان من المحكم عندك -لكنه من المتشابه
عند الناس ،فيجب أن تستبرئ لعرضك؛ ألنك قد استبرأت لدينك وسلمت؛ فإن
الستبراء للعرض مقصد شرعي ،وعليه يقال :يجوز لإلنسان أن يترك المحرم
ألجل أل يسبه الناس ،لكنه ل يؤجر على ذلك ،ول يعاقب على هذه النية لوجود
مقصد شرعي؛ لهذا يقول العلماء :وازع الطبع كوازع الشرع بل نكران في باب
المحرمات ،وفي باب التروك ،ل في باب األعمال التي هي داخلة في العبادات
فباب العبادات لبد فيها من العمل المجرد وإن صاحبها وازع من الطبع فل
حرج ،ووازع الطبع عند العلماء أقوى من وازع الشرع؛ لهذا يجوز للزاني
والفاسق وشارب الخمر وصاحب الكبائر أن يسافر مع أمه مسيرة أيام ،لماذا؟
93
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
لوجود وازع الطبع في قلبه ،ويجوز للفاسق أن يلي أمر ابنته ويزوجها؛ لوجود
وازع الطبع في نفسه أعظم من وازع الشرع ،وقد أجمع العلماء على ذلك ،نص
عليه العز بن عبد السلم وابن رجب وابن القيم وغيرهم أن وازع الشرع دون
وازع الطبع؛ ألن وازع الطبع قوي ،وهذا يذكرها العلماء أحيانا ً في باب اإلقرار
في الجريمة وغيرها ،يقولون :إن دافعه وازع الطبع ل تقابله شهادة الشهود
وغيرها؛ ألنه شهادة الشهود دافعها وازع الشرع ،واإلقرار دافعه وازع طبع
ووازع الطبع مغلب على جانب وازع الشرع ،ول مقارنة بينهما ،وهذا محل
وعليه فيما يخصنا هنا يقال :إن ما تعلق به وازع طبعي وكان من باب التروك
وليس من العبادات المحضة جاز لإلنسان فعله لهذا المقصد؛ لقوله عليه الصلة
وعليه فيما يقابله يجوز لمنكر المنكر أن ينكر المنكر من باب تحريك الطباع ل
من باب تحريك وازع الشرع ،كأن يقول :اترك الخمر والكذب والغيبة والزنا
والسرقة فأنت فلن بن فلن ،وأنت من األسرة الفلنية ونحو ذلك ،يجوز
عا ،لكن من جهة األعمال ل يجوز أن تقول :صل فإنك فلن بن فلن ،وأنت
شر ً
من آل فلن ومن البلد الفلني ونحو ذلك ول يليق بك هذا ،هذا غير جائز إل إن
94
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
عا ،كأن يقول :إن للا فرضها عليك ،وهي واجبة عليك وأنت
صاحبه وازع شر ً
فلن بن فلن ،يجوز في باب العبادات ،وأما في باب المحرمات فيجوز انفراد
وازع الطبع من باب إنكار المنكر باتفاق العلماء ،ولكن ل يتحقق الثواب في
باب المحرمات إل بوجود وازع الشرع ،إذا ترك اإلنسان الخمر ،وترك الغيبة
والنميمة والكذب والبهتان وشهادة الزور وغير ذلك حسبة لل وطلبا ً لألجر
يثاب على ذلك ،إن تركها خشية أن يذمه الناس ونحو ذلك ل يؤجر عليها ولكنه
يرتفع عنه العقاب باتفاق العلماء ،أما من جهة األعمال فهو باب خطير ومسلك
عظيم يدخل في باب الشرك ،ربما يدخل في باب الشرك األكبر ،وربما يدخل في
باب الشرك األصغر ،وهو ما يسميه العلماء الرياء ،كما قال النبي عليه الصلة
رواه البخاري و مسلم والسلم( :من رآى رآى للا به ،ومن سمع سمع للا به)
وعاقبته وخيمة كما جاء في صحيح اإلمام مسلم من حديث العلء بن عبد
الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول للا صلى للا عليه وسلم قال( :قال
للا عز وجل :أنا أغنى الشركاء عن الشرك ،فمن أشرك معي غيري تركته
95
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وفي قوله عليه الصلة والسلم( :فمن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام)
يعني :ل محالة؛ ألن الشبهة مترددة بين حل وحرمة؛ فإنه إن كان من عادته
ذلك الوقوع في الشبهات فلبد أن يصادف حراما ً حتى يتمكن من الحرام ،وقيل:
إن ثمة معنى ثانيًا وهو أنه إن تجرأ على الشبهة لم يكن هيبة للحرام كهيبة
الحرام قبل وقوعه في الشبهة حتى يقع في الحرام الصريح ،أو تسول له نفسه
أن هذا من الشبهة وهو من الحرام الصريح ،وحينئذ يأثم كما مثل رسول للا
صلى للا عليه وسلم بذلك بقوله( :كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن
يواقعه) وهذا من عظيم تعليمه عليه الصلة والسلم ألمته ،ومن نظر إلى حاله
عليه الصلة والسلم في التعليم وجد أنه كثيرا ً ما يمثل مسائل العلم بأمور
ويقول عليه الصلة والسلم: صحيح البخاري 685 كالبنيان يشد بعضه بع ً
ضا)،
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أخرجه مسلم 4184و البخاري 4955تمثيل
للجسد ،ويقول النبي عليـــه الصــلة والســلم( :بني اإلسلم على خمس) أي:
أنه كالبنيان الذي يشيده اإلنسان وهذا من باب تقريب مسائل العلم باألمثلة
96
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال( :كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه) الرعاة يرعون في
المكان لهم من دون الناس ،والراعي الذي محرم عليه أن يأتي هذا الحمى يأتي
بإبله أو بغنمه ويرعى بعيدا ً عنه ،وهو يطمع في هذا الحمى ،وبين ما هو مباح
له ،وبين ما هو محرم له وهو ما هو للملوك موضع شبهة ،إن احترز منه بعد
عن الحرام ،وإن تجرأ على ما يشك فيه وقع في الحرام ،والمعالم لم تكن
معروفة؛ فإن حدود السابقين تحدد باألودية وبالجبال وباألميال من غير حد
فاصل كما هو في وقتنا ،فالراعي يأتي ويطمع ويقول :إني لم أصل إلى حمى
الملك ،فيتجرأ شيئا ً فشيئا ً حتى يقع في الحرام فيناله العقاب ،وهذا من باب
قال عليه الصلة والسلم مبينا ً الحكمة من هذا التمثيل( :أل وإن لكل ملك حمى،
أل وإن حمى للا محارمه) أي :أن المقصد من تحريم إتيان الشبهات هو الوقوع
في المحارم بقوله عليه الصلة والسلم( :أل وإن حمى للا محارمه) .وقد
97
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ذهب جماعة من العلماء -وهو قول أبي حنيفة ،وقيل :إنه قول جمهور العلماء-
إلى أن الوقوع في المتشابه محرم ،وقال بعضهم :إنه مكروه ،وتوقف بعضهم،
والصواب :أنه ل يجوز لإلنسان أن يقع في الشبهات وقوعا ً يجعله ديدنًا له
على التفصيل :أنه ينظر في حكم الفعل قبل ورود الشبهة ،إن كان األصل فيها
اإلباحة فهي مباحة ،وإذا كان األصل فيها التحريم فهي محرمة ،وإذا كان األصل
فيها الكراهة فهي مكروهة ،وهذا قد ل يستقيم في بعض األحوال لكنه أغلبي،
كأن يشتبه على اإلنسان الطعام ل يدري أهو حرام أو حلل ،أذبح على الشرع
أم ل؟ يقال :قبل ورود الشبهة ما حكم هذا الطعام؟ يقال :اإلباحة ،والشبهة ل
تغيره ،واألصل فيه اإلباحة ،أما إذا كان األصل فيه التحريم فيقال :بأنه محرم
كأن يكون اإلنسان في بلد وثني ،ووجد طعاما ً مذبو ًحا ،ول يدري من ذبح يقال:
إن األصل أن الذي يذبحه وثني أنه حرام ،وإن كان من جملة الشبهة التي ل
والورع من أعلى مراتب الدين ،وهو باب دقيق يوفق له اإلنسان ،وربما دخل
اإلنسان فيه في باب المحرم ،فيحرم على نفسه ما أحل للا؛ والنبي عليه الصلة
98
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والسلم حينما جاءه بعض أصحابه وقد حرموا على أنفسهم النكاح ،وحرموا
على أنفسهم النوم ،وأخذوا يصومون ،فقال النبي عليه الصلة والسلم( :أما أنا
مني)،صحيح البخاري فأنكح النساء ،وأصوم وأفطر ،ومن رغب عن سنتي فليس
1947فالورع يفهم ويستضاء بفهمه بنور الشرع ل بذوق اإلنسان ،فل يجوز
المكروه ،وهذا هو الغلو في الدين الذي حذر منه النبي عليه الصلة والسلم،
وحذر منه العلماء بتغليب جانب الخوف على الرجاء؛ ولهذا قال بعض العلماء:
من عبد للا بالخوف وحده أي :غلبه على الرجاء فهو حروري ،والحرورية هم
الغلة في الدين ،أول ما ظهروا في بلد حرورة ،وظهرت منهم الخوارج الذين
99
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســــابع
رواه مسلم.
تعليـــــق الشيــــخ:
في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم {ال ِّدلين الن لصي َحة} :يعني أن الدين كله
قد اجتمع في هذا الباب؛ وهو باب النصيحة ،وأن جميع األصول والفروع داخلة
في ذلك.
وقوله عليه الصلة والسلم {ا للِّدين} :المراد بذلك هو أمر المسلمين وما يتدين
وعامتلهم}.
100
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الدين من جهة األصل ما بُني إل لكي يكون خالصا لل سبحانه وتعالى؛ فيتمحض
اإلنسان العمل من غير أن تشوبه شائبة لل سبحانه وتعالى؛ فل يرد عليه شيء
من النوايا التي تخدش هذا الدين؛ وإنما كان الحق يعني في بذل تلك النصيحة
توحيد للا سبحانه وتعالى وكذلك بذل العبادة الخالصة لل جل وعل من
للا سبحانه وتعالى المتمحض الذي يجب على اإلنسان أن يتوجه به لل
النوع الثاني :ما كان من الحقوق المشتركة بين حق للا سبحانه تعالى
وحق العباد على تباين في قدر هذا وهذا؛ وذلك من العبادات التي أمر للا
جل وعل ببذلها لمن هو لها بأهل ،كصلة األرحام وبذل السلم وغير ذلك؛
فإن هذه األمور تتنازع فيها الحظوظ والحقوق ،وأما ما كان من معاملت
101
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الناس فيما بينهم مما األصل فيه اإلباحة؛ األصل في ذلك أنها ل تدخل في
أبواب في العبادات والدين المحض ،إل إذا كان ذلك على سبيل اللزوم
وقوله عليه الصلة والسلم{ :الدين النصيحة} {لل} المراد بذلك حق للا جل
وعل وبيانه وأن للا سبحانه وتعالى أولى ما تُعلق به العناية ،وحق للا جل
الصحيحين في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم لمعاذ {أتدري ما حق للا
يدخل في صحيح مسلم 79صحيح البخاري 4443 على العباد وما حق العباد على للا}
والمراد من هذا -يعني حق للا جل وعل في هذه النصيحة -من جهة القلب
ومن جهة العمل الظاهر حتى وإن كان من أبواب العادات عند الك ِّمل والخلِّص
وبه يُعلم أن حق للا جل وعل من جهة انصراف القلب إليه على مراتب ال ُك ِّمل
وال ُخلِّص الذين ينصرفون بدينهم ،وكذلك ما كان من عاداتهم لل جل وعل من
102
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
غير تعلق القلب بغير للا؛ وهذا حظ الكمل والخلص من األنبياء والصديقين
ويأتي بعد ذلك مرتبةَ من أخلص بالعبادات لل جل وعل ولكنه قصر في أمور
العادات؛ فيعملها لكي يمدح كمن يصل الرحم لكي يُمدح فهذا ل يستحق األجر إل
أنه ل يعاقب ل على ذلك باعتبار أن هذا األمر من األمور المتنازعة من جهة
الحق لل جل وعل والحق للعباد ،وهي تتباين فقد يوجد من النوع الثاني ما
ينبغي أو يجب على اإلنسان أن يخلص فيه النية لل سبحانه وتعالى فيُقبل بكليته
على للا وإن انصرف بشيء من قلبه لغير للا جل وعل استحق الذم والمقت
قال{ :لل ولرسوله} وحق رسول للا صلى للا عليه وسلم في ذلك هو اإليمان
به ،وطاعته عليه الصلة والسلم ،والذب عنه وعن شريعته عليه الصلة
والسلم
وما يدخل في هذا الباب من أصل اإلتباع؛ وهو محبة رسول للا صلى للا عليه
وسلم والتدين بذلك ،وبغض من يبغضه وحب من يحبه عليه الصلة والسلم
كذلك نشر محامده وستر ما يثيره أهل البغي والعدوان من البغي عليه -عليه
الصلة والسلم -من القدح فيه واتهامه بالكهانة والسحر والشعوذة وغير ذلك،
103
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
إل ما كان مما له مصلحة متعدية كتصبير األتباع وغير ذلك ،وأما ما ل حق
فيه فإنه يحرم إذاعته بل يحرم حفظه؛ ولهذا قال غير واحد من العلماء إن ما
جاء من األشعار المروية في ذم رسول للا صلى للا عليه وسلم بالبغي
و ُمضر ل يجوز ألحد أن يحفظها وأن ينقلها ولو على سبيل الذم.
غير واحد من العلماء كالقاضي عياض وغيره في الشفاء أن من حفظ شيئ ًا من
ذلك حف ً
ظا ولو شطر بيت كفر؛ باعتبار أن هذا خارج عن المقصود مما أورده
للا سبحانه وتعالى من وصف الذم من كفار قريش لنبينا دمحم صلى للا عليه
وسلم بالكذب والسحر والكيانة والجنون وغير ذلك مما يساق لتصبير أتباعه و
نوعين:
104
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يتحقق ُخلو ً
صا في أمر الطاعة ورضا الرحمن وصلح الناس إل
بالستضاء بهدي للا؛ فمن جمع بين السلطان والعلم استحق الولية
النوع الثاني:
هم األمراء والسلطين؛ وهم داخلون في هذا المعنى وإن تجردوا من
وإن أمروا بمعصية فإنه ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولهذا قد
جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما
من حديث عبد للا بن عمر قال :فإن أمروا بمعصية فل سمع لهم ول
البخاري في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم :إنما الطاعة في
وإذا كان ذلك في معصية فإنه ل طاعة لهم صحيح البخاري 6769 المعروف
في ذلك؛ والطاعة لمن جمع بين إمارة السلطان وهي النفوذ والقوة
بالجاه وجمع مع ذلك العلم فإنه اكتمل فيه حق الولية وهذا يظهر في
الصدر األول ممن جمع بين هذين األمرين كرسول للا صلى للا عليه
105
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وسلم والخلفاء الراشدين والصحابة بعد ذلك؛ وكذلك أي ً
ضا أئمة اإلسلم؛
وجاء في بعض ألفاظ هذا الحديث في قول رسول للا صلى للا عليه وسلم:
{الدين النصيحة} {لل ولرسوله} جاء في بعض األلفاظ {الدين النصيحة لل
ذلكر الكتاب وذكر الملئكة وهو ما تقدم اإلشارة إليه معنا في حديث عبد للا ابن
عمر عليه رضوان للا تعالى في غير ما موضع؛ من قول رسول للا صلى للا
عليه وسلم لما سئل عن اإليمان{ :اإليمان أن تؤمن بالل وملئكته وكتب
وجاء أي ً
ضا في سؤاله عليه الصلة والسلم لما سئل صحيح البخاري 19 برسله}
عن اإلسلم قال{ :اإلسلم أن تشهد أن ل إله إل للا وأن محم ًدا رسول للا
وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه
جاء هذا بحديث أبي هريرة في الصحيحين وجاء في صحيح البخاري 6333 ً
سبيل}
حديث عبد للا بن عمر عن عمر في صحيح اإلمام مسلم في كتاب اإليمان.
في قوله عليه الصلة والسلمَ { :و لألَئمة المسلمين وعَامتهم} النصيحة ألئمة
المسلمين هي السمع والطاعة؛ وكذلك الذب عنهم عند البغي عليهم ممن يقع
في أعراضهم بالباطل ،أو وقع في أعراضهم بحق ل يستحق الوقيعة والمفسدة
106
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
في ذلك أعظم؛ يجب في ذلك الذم؛ جمعًا لكلمة المسلمين ودفعًا لتنقصهم؛ فإن
تنقص الرفعاء من أهل العلم والسيادة يختلف عن تنقص غيرهم؛ وذلك أنه كلما
نَقُص اإلنسان في أعين الناس؛ نقص تبعًا لذلك أمره ونهيه وقل نفوذه عندهم.
فلم يكن له عندهم حينئذ سمع ول طاعة؛ وقلت هيبته في النفوس وما من أحد
إل ويرد عليه الخطأ؛ فإذاعة أخطاء الذين لهم النقياد بالسمع والطاعة من
المسلمين.
وقوله عليه الصلة والسلم { َو لألَئمة المسلمين} اللم هنا إشارة إلى حقهم في
ذلك عليك؛ وهو متعلق بما جاء عن رسول للا صلى للا عليه ببيان حق البيعة
لولة أمور المسلمين سواء كان من أهل العلم منهم أو كان من أهل العلم وجمع
مع ذلك سلطانًا؛ أي لهم حق النصيحة والسمع والطاعة ،ولهذا كان أصحاب
رسول للا صلى للا عليه وسلم يبايعونه عليه الصلة والسلم على السمع
والطاعة فيما هو من حق رسول للا صلى للا عليه وسلم في ذاته على أمته،
وما كان أيضا من حق الوالي في رعيته فيما بينهم ،كما جاء في حديث في
قوله عليه رضوان للا تعالى و{النصح لكل مسلم} يعني وأن ننصح فيما بيننا؛
وذلك أن المنكر إذا انتشر في الناس أثر على الولية العامة؛ وذلك باإلثم الذي
107
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يتحمله ولة أمور المسلمين بعدم تتبعهم للمنكرات وإماتتها؛ وذلك أن المنكر إذا
بدأ في فرض في رعية ،ثم وقع في اآلخر ثم اآلخر حتى أصبح سوا ًدا في
الناس ضعفت إزالته من ولي أمر المسلمين فاستحق إث ًما فمن حقه النصيحة،
حتى ل يتحمل الوزر بعد ذلك بتقصير رعيته ببيان ذلك المنكر ابتداء.
الشرعي ،وإن كان ذلك من أمور النظر فببيانه من جهة النظر وعدم ترك ذلك
على سبيل اإلرسال؛ حتى ل يتربص المتربصون بتلك النصائح البينة الظاهرة
والنصيحة في ذلك واجبة عند من ملك حقًا واستنار بالظاهر من كلم للا وكلم
رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ ومن كتم حق للا جل وعل بين جوانحه مع
والسلمة؛ البراءة من التهمة ،والسلمة بين يدي للا جل وعل؛ ولهذا يقول
رسول للا صلى للا عليه وسلم كما جاء في صحيح اإلمام مسلم من حديث أم
سلمة( :إنه يكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن عرف فقد برئ ومن أنكر فقد
ومعنى ذلك يعني من عرف صحيح مسلم 5861 سلم ولكن من رضي وتابع)
108
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
المعروف والمنكر فقد برئ ومن تابعهم على ما هم عليه؛ يعني بتحريك
الرؤوس والموافقة بالسكوت على ما هم عليه عند طلبهم النصيحة؛ فإن ذلك ل
يسلم من العقاب ،من عقاب للا سبحانه وتعالى العاجل في الدنيا بإنزال مكره،
وعقوبته من أنواع العقوبة والفتنة التي ينزلها للا جل وعل على المجتمعات
سواء بالشقاق والنفاق ،أو العقوبات التي تنزل على األموال أو األمراض أو
وغير ذلك من العقوبات التي تلحق بالمجتمعات ،فل يحمي للا سبحانه وتعالى
أولئك حتى يبينوا الحق للناس ،وأعظم وجوه النصيحة إذا استغلظ المنكر وبان
من غير بغي ول تشف؛ فإن هذا من أعظم انواع العدل وأرفعها.
وقوله عليه الصلة والسلم {ولعامتهم} يعني لعامة الناس ممن لم يكن له قول
أو فعل وأمر أو نهي يؤبه به؛ فيراه الناس ولم يكن ممن يقتدى به فإن له حق
النصيحة في ذلك.
وذلك باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ببيان الخطأ وبيان الصواب ببيان
الخطأ والتحذير منه؛ وبيان الصواب والحظ عليه وحث الناس على اتباع
صاحب الحق والحذر من صاحب البغي على الموازنة التي حث عليها رسول
109
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
للا صلى للا عليه وسلم؛ فالنبي عليه الصلة والسلم بالنسبة لسواد الناس ل
ينظر إليهم لذواتهم بل ينظر إلى أمور متعددة فيهم؛ فرسول للا صلى للا عليه
من هذه العتبارات :أن ينظر إلى ذلك المنكر الذي وقع فيه؛ فإذا كان مغل ً
ظا
غلظ عليه؛ وإذا كان هذا الرجل ممن ل يُظن به حمل النصيحة على غير
وجهها؛ فهذا يتعامل معه بخلف الذي يحمل النصيحة على غير وجهها؛ مما
كان من أهل المكر والخديعة الذين يحملون النصيحة على أنها تشف بقبيلته
وتنقص بقومه فإن رسول للا صلى للا عليه وسلم كان يتعامل مع فئات من
األوس والخزرج؛ فينظر إليهم وإلى قومهم كحال عبد للا بن أبي وغيره؛ فإن
رسول للا صلى للا عليه وسلم ربما تنزل معه بالعبارة مع بغيه وعدوانه على
رسول للا وتربصه باإلسلم وذلك ألنه ممن يتربص بالنصيحة فيبعد بها إلى
قومه حتى يتدثر بهم؛ فحينئذ بدل أن يكون الخطأ في واحد يشمل الجماعة.
رسول للا صلى للا عليه وسلم كان يحترز لخديعة ومكر أولئك القوم؛ لهذا
ينبغي لمن أراد النصيحة أن يميز بين ذلك ،وأن ينظر األبعد ولو كان من عوام
الناس؛ فربما تعلق به أحد بسبب ونسب فيكون ذلك من أهل المكر والخديعة؛
110
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وإذا عُلم منه ديانة وصدق و وقع في منكر فإنه يتدرج ويُلن معه ما ل يلن
مع غيره.
والمنكر الذي يظهره عامة الناس يختلف عن المنكر الذي ل يظهره اإلنسان
وقد يكون الرجل من عامة الناس ولكنه يقتدى به لجاه عنده يختلف عن غيره
فيتأسى به الناس؛ فإن هذا ينزل بحسب حاله كما كان رسول للا صلى للا عليه
وسلم يُنزل الناس منازلهم؛ كما رواه اإلمام أحمد في مسنده وكذلك أبو داود
ومسلم أيضا في مقدمته من حديث عائشة عليها رضوان للا تعالى قالت:
أخرجه أبو يعلى (أمرنا رسول للا صلى للا عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)
في مسنده ،464 /8وأبو نعيم في حلية األولياء ،730 /6والبيهقي في الشعب .644 /3
يعني مراتبهم وهذا كما أنه في أبواب الصدقة والتهيئ في الضيافة وكذلك
اإلكرام كذلك أي ً
ضا في أبواب التعنيف؛ فمنهم من هو سيد في قومه مطاع؛
ومنهم من هو ليس بسيد ولكنه سيد بجاهه ل بسلطانه على قومه ومنهم من
هو سيد بنسبه فينظر بحسبها وينبغي للناصح أل ينظر إلى حظ نفسه بل ينظر
إلى حظ اإلسلم فل يقدم حظه حتى ل ينظر الناس إليه فيقولون لن مع فلن
تهيبًا له؛ بل ينظر إلى حظ اإلسلم والنصيحة أن تبلغ مبلغها وأل ينظر إلى
حظه وحقه في ذلك؛ فمن نظر في حقه وحظه في ذلك أمسك عن كثير من أقوال
111
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحق لحظ نفسه ،وأحجم عن كثير من الباطل أن يبينه للناس خشية أن يقع
وهذا أمر دقيق مرده إلى مراقبة اإلنسان لربه جل وعل وانصراف قلبه إليه
وباب النصيحة باب واسع ينبغي لإلنسان أن يتأمل النصوص الشرعية في ذلك
وأن يكون من أهل الحكمة والدراية والنظر والسبر لهدي رسول للا صلى للا
عليه وسلم والخلفاء الراشدين وممن جاء بعدهم من أتباعهم من أئمة الهدى
من صغار الصحابة وكذلك أمراء اإلسلم وفقهاء الديانة من التابعين وأتباع
التابعين ،واألئمة األربعة وسادة أهل العلم والفضل على مر الزمان فإن النوازل
والسياسة في ذلك تختلف بين زمن وزمن ،فإنه ما من عصر من العصور إل
ويقع فيه من النوازل ما تكرر في أزمنة غابرة؛ فينبغي لإلنسان أن يكون على
معرفة تامة بأحوال األزمنة والعصور ،ومن أهل قراءة التاريخ حتى ل يقع فيما
112
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثـــامن
للا َويُ لق ْي ُم ْوا الصلةَ َويُ ْؤتُوا الزكَاةَ ش َهدُوا أ َ ْن لَ لإلَ َه لإل للاُ َوأَن ُم َحم َدا ً َر ُ
س ْو ُل ل يَ ْ
علَى
سابُ ُه ْم َ
لم َو لح َ
س لاإل ْ
ق لص ُموا لمنلِّي لد َماء َه ْم َوأ َ ْم َوالَ ُه ْم إلل بل َح ِّ ل فَ لإ َذا فَعَلُوا َذ للكَ َ
ع َ
للا تَعَالَى).
ل
تعليــــق الشيـــــخ:
ّللا} إشارة إلى أن رسول للا صلى للا عليه وسلم لم يقل شيئ ًا من عند نفسه
وفيه لفتة مهمة وهي :أن رسول للا صلى للا عليه وسلم يستعمل هذه الصيغة
بقوله {أ ُ لم ْرت} وهذا هو األصل في أفعاله ،فإن أفعاله تعبد ،وأوامره وحي عليه
الصلة والسلم ،ولكن يحص بعض األوامر بأنه مأمور بها على سبيل
التخصيص لعظم وقعها على ناس ،خاصة ما يتعلق بأ ُ ُمور إزهاق األنفس،
وأمور الجهاد ،ولهذا ينبغي لإلنسان أن يبادر بذكر مستنده من الدليل ،حتى ل
يقابل الناس تشكي ًكا في هذا األمر وتزهي ًدا فيه ،وحيطةً ودفعًا لوساوس
الشيطان ولهذا رسول للا صلى للا عليه وسلم خاطب الصحابة عليهم رضوان
113
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
للا تعالى بهذا النص ،إشارة إلى أن األَمر رباني التنزيل وهو أمر من للا جل
وعل مما يقتضي التسليم ،لهذا ينبغي للمؤمن أن ل يورد المسائل العظيمة،
ً
مرسل ،بل ينبغي أن خاصة ما يتعلق في أمور الفتنة واألمور المتشابهة كلما
يأتي باألدلة ظاهرة ،وأن ببين أن هذا هو أمر من للا ،وينبغي التسليم ،ثم بعد
ذلك يأتي باألدلة من كلم للا وكلم رسوله صلى للا عليه وسلم.
قوله عليه الصلة والسلم {أ ُ لم ْرتُ } يعني أن األمر متوجه إليه ،فيدخل من تحته
وأما القتل فهو مبادرة من واحد واعتداء على غيره ،فيقال :تَقاتل فلن وفلن،
المراد بالناس هنا هم الكفرة ،وأطلق "الناس" ،واألصل في هذه العبارة إذا
أُطلقت أنها تشمل المسلمين ،ولكن أَطلق رسول للا صلى للا عليه وسلم لفهم
ّللا} :هذا يدل معناه بظاهر السياقَ { ،حتى يشهدوا أَن َل لإلَ َه لإل ّللا َوأ َ لنِّي َر ُ
سو ُل ً
على أن الجهاد مطلوب في قتال الكفرة المعاندين ،وأطرهم على الحق ،وأن
114
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الدعوة مجردة وحدها مع تعطيل الجهاد من تعطيل شيء عظيم من دعائم
اإلسلم؛ فرسول صلى للا عليه وسلم ما أقبل الناس عليه إل لما رفع السنان
والسيف ،ولما أقبل الناس عليه بعد ذلك ظهرت ثمرة ذلك فانخرط أصحاب
صلت بكفه ،له أسلموا واستسلموا وأنابوا؛ كما قال حسان بن ثابت رضي للا
الموعظة والتذكير ،وذكر للا جل وعل تصقلها السيف والرهبة فيكون عليه
ران ،فيطير ذلك الران من رهبة السيف ،فيدخلون في دين للا جل وعل لهذا
لما رفع رسول للا صلى للا عليه وسلم السيف في قتال الكفرة والمعاندين
جاءه الناس أفوا ًجا ممن لم يكن معنيًا برفع السيف خوفًا من أن يأتيهم ذلك
األمر ،وهذا يكون في حال القوة والعزيمة واشتداد أمر اإلسلم ،ل في حال
ضعفه ،وليس ألحد قليل أن يقاوم وأن يقاتل الكثرة المتضافرة؛ لهذا رسول للا
صلى للا عليه وسلم كما جاء في «الصحيح» في حديث يأجوج ومأجوج ونص
عليه الصلة والسلم أنهم يفسدون في األرض ،قال :قال للا جل وعل :ل يُدان
لي بقتالهم ،يعني هؤلء على كثرة متضافرة ل يُدان بقتالهم ألنه ل قبل ألحد
115
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بذلك؛ لهذا سنة الموازنة .فينبغي لإلنسان أن يتجرد من مطامع الدنيا فل يغلبها
لحظ الشريعة ،وأل يغلب مطامع النفس ومكامنها ونحو ذلك على مصالح الدين.
أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم ،فإذا تجرد اإلنسان وفقه للا جل وعل
إلى مراده.
قاتل رسول للا صلى للا عليه وسلم الناس حتى يشهدوا أَن َل إللَهَ إلل ّللا وأنه
رسول للا و يقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا منه عليه
الصلة والسلم دماءهم وأموالهم إل بحقها :يعني بحق للا جل وعل في الزكاة.
علَى ّللا} وهذا قد أورده أبو بكر الصديق رضي للا عنه في قتال
سابُ ُهم َ
{ َو لح َ
المرتدين.
و لبه يُعلم أن فعل األفراد يختلف عن فعل الجماعة ،فلو أن فر ًدا قصر في أمر من
األمور فمقاتله تختلف عن مقاتلة الجماعة ،فإن الجماعة لو تركوا شيئ ًا من
دعائم اإلسلم وشرائعه وأمسكوا عن ذلك ،كأن يكون أهل بلد أجمعوا على عدم
بناء المساجد في بلدهم وهم مسلمون فإنهم يقاتَلون على ذلك ولو كانوا
يصلون في بيوتهم؛ ألنهم تركوا شعيرة ،وإذا اتفق أهل بلد على ترك األذان في
116
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بلدهم فل يرفعون األذان ،والبلد بلد إسلم؛ فإنهم يقاتَلون على هذا األمر
117
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث التــــــاسع
تعليــــق الشيـــــخ:
النهي آكد من األمر ،ولهذا قدم رسول للا صلى للا عليه وسلم النهي ،والمعنى
في ذلك والعلة والحكمة أن النفوس تتشوف إلى فعل المنهيات ،بخلف نكوصها
عن المأمورات؛ فإن النفس ل تجد ثقل عظيما في اإلقبال على فعل التكاليف
والملذات ،فلما كانت كذلك اقتضت تأكي ًدا في حال النهي أكثر من األمر ،ورسول
للا صلى للا عليه وسلم هنا في حال النهي أمر بالكف ،ولم يعلق ذلك
ع ْنهُ فاجْ تَنلبو ُه» ولم يقل :قدر اإلمكان .تأكيدا على
بالستطاعة ،قال« :ما نَ َهيت ُ ُك ْم َ
أنه ينبغي أن يقطع باب التدرج في ترك المحرم والمنكرات؛ حتى ل يتشوف
اإلنسان إلى الترقي في باب المحرم ،بخلف األمر فإن اإلنسان يأتي منه ما
118
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
استطاع ألن األفعال تتعلق بسائر مراتب القدرة والتكليف من أبواب القول
منها ما يتعلق بجزء من أجزاء البدن ،ومنها ما يتعلق بالبدن كله؛ كحال الصلة
ونحو ذلك ،ولهذا ربما يفسد في جسد اإلنسان عضو ويبقى لديه أعضاء؛ فهو
الستطاعة في أبواب التروك؛ فإن من أبواب التروك اإلحجام ،فيحجم عنها ولو
كان اإلنسان جسده معطوبًا ،بخلف اإلنسان الذي يفعل األشياء ،فهو محتاج
إلى بيان مراتب الفعل؛ فإنه ربما يفسد عليه عضو من أعضائه فهو بحاجة
صا في سبيل القدرة ،أو كان معطل الحواس كالمشلول ونحو ذلك
القدرة أو ناق ً
ألنه متحقق فيه الترك ،ورسول للا صلى للا عليه وسلم حينما ذكر الستطاعة
سا إل وسعها ،وأن النفوس لديها ما يأطرها على الباطل؛ سواء من
يكلف نف ً
مراتب الشر دفعا للشر األعلى؛ فإن اإلنسان في ذلك يوازن ،وإذا علم للا جل
119
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
لين لمن قَ ْب لل ُك ْمَ ،كثْ َرةُ َمسائل لل له ْم
قال عليه الصلة والسلم{ :فإنما أ ْهلَكَ الذ َ
واخ لتلفُ ُه ْم علَى أ ْن لبيا لئ له ْم}؛ هنا نهي النبي عليه الصلة والسلم عن كثرة
ْ
المسائل وأن النبي عليه الصلة والسلم بين ألصحابه أن لديكم أوامر ولديكم
في المسائل هي نوع من المنهيات؛ ألن اإلجمال مقصود في الشريعة؛ لهذا بنو
إسرائيل لما أمرهم للا عز وجل أن يذبحوا بقرة فأي بقرة في الشارع ألجزأهم؛
قالوا :ما هي؟ ما لونها؟ حتى عسروا على أنفسهم قالوا( :اآلن جئت بالحق)
في مثل هذا إذا جاء األمر على سبيل اإلجمال عليك أل تبحث عن مزيد تفصيل
ما سكت الشارع عنه؛ ولهذا نقول أن الشريعة إذا جاءت بألفاظ اإلجمال فإن
السنة ثم نظر إليها ولم يجد في ذلك التفصيل؛ فإن اإلجمال مقصود ،ولهذا
أيضا في قول للا سبحانه حينما أمر النبي عليه الصلة والسلم بالتوجه إلى
البيت الحرام قال( :فأينما تولوا فثم وجه للا) ،اإلمام أحمد رحمه للا لما نشأ
في بغداد ،من يستدل للقبلة بالجدي بالنجوم يريد اإلصابة بدقة ،نهى عن ذلك
120
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
لماذا؟ ألن المراد به التيسير وهو أن تصلي في تلك الناحية؛ ولهذا جاء في
الحديث من حديث عبد للا في الترمذي قال( :ما بين المشرق والمغرب قبلة)
يسارا؛ ولهذا لألسف الشديد تجد في بعض البلدان تهدم مساجد ألن يجود
ً
انحراف درجة واحدة في القبلة؛ هذا تشديد ألن للا قال( :فأينما تولوا فثم وجه
فثم وجه للا) ولكن للا عز وجل أمر بأن تصلي جهة القبلة أما التصويب فهذا
فيه كلفة؛ فإذا كنت مثل في بر أو كنت في فلة أو كنت مثل في مسكن جديد أو
ولكن هل هي نحو ذلك وخفي عليك تصويب القبلة لكنك متيقن من جهتها،
على هذا أم انحراف يمين أو انحراف يسار؛ شيء يسير؟ ماذا تفعل؟ صل ول
تسأل؛ وهذا من أمور التيسير في الشريعة؛ من ذلك أيضا في قول النبي عليه
عمليات رواه مسلم ()4730 الصلة والسلم( :صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)
الهلل صم ،ما رأيت ل تصم .بعض الناس يقول نحن نعرف يمكن الدقة ويمكن
أن نوجدها بثانية أو نحو ذلك نقول هذا ليس بخاف على رسول للا أصل ألنه
قال( :إنا أمة أمية ل نكتب ول نحسب) صحيح البخاري 5057صحيح مسلم 5989يعني
يعرفون الحساب؛ فالحساب كان معروفًا حتى عند الجاهلين يعرفونه؛ ولكن
النبي ما أراد إدخالهم في هذا األمر لماذا؟ ألن الشريعة جاءت عامة وللا يعلم
121
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أن هذه الشريعة ستمتد شرقًا وغربًا سيتدين بها األعرابي في البادية الذي ل
يوجد لديه شيء يبصر في السماء فقط؛ ول يريد أن يضطرب دين الناس؛ فجعل
إذا أردت أن تتكلم على مسألة تقنية معاصرة أو أمور تقنية في تعامل الناس
ونحو ذلك في حياتهم المدنية هذا أمر آخر؛ لكن الدين ليس لك اليوم؛ الدين
لقرون سابقة ولقرون لحقة وما تعلم حاله ،لهذا جاءت الشريعة بمثل هذا األمر
المتسع ،وبعضهم يقول قد نصوم يوما وليس هو من رمضان نقول وإن كان
ألنك في ذات األمر رأيت الهلل ووقع منك وهما وقد تفطر يوما وهو من
رمضان ألنك لم تر الهلل ،نقول عفوا من للا عز وجل ألنه هو الذي أمرك
بهذا.
وإذا تيقنت أنك أفطرت يوما من رمضان فعفا للا عز وجل عنك وتقضي يوما
مكانه وهو صيام على نحوه ،بدل الصوم اليوم فإنك تصوم يوم مكانه والعدد في
ذلك على السواء؛ ولهذا التشديد في أمثال هذه المسائل ليس من الشريعة ول
من إحكامها ،ولهذا نقول أن الشريعة جاءت بأنواع من التيسير ينبغي لألمة أن
تفهم المقاصد فيها و هذا يظهر في كثير من األدلة وهنا قوله( :انما أهلك الذين
من قبلكم كثرة مسائلهم) وهذا كحال الكفار كحال أهل الكتاب من اليهود
122
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والنصارى بكثرة مسائلهم وتنطعهم وبحثهم عن أشياء دقائق؛ ولهذا النبي عليه
الصلة والسلم كان له فضل عظيم على هذه األمة وذلك بإغلق هذا الباب؛ إذا
وكان النبي عليه الصلة والسلم يحتاط ألمته حتى ل يفرض عليها؛ فكان النبي
خشية أن يجتمع الناس وتبدأ الجتهادات والنبي كان لم يبقى له من عمره إل
شيء يسير؛ وأراد أن يكف في ذلك حتى ل يشدد على األمة؛ ثم يدخل في ذلك
آثام على الناس؛ ولهذا كان النبي عليه الصلة والسلم أرحم باألمة من
نفسها ،فكان دين للا عز وجل يسر وسهولة ولهذا نقول :إن ما لم ينص للا
عز وجل على تحريمه ولم ينص النبي الصلة والسلم على تحريمه بالنص ولم
تدل عليه وجوه القياس الظاهر البين ول إجماع السلف الصالح من الصحابة
123
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث العـــــاشر
صا للحا ً) (المؤمنون :اآليةَ ،)15وقَا َل( :يَا أَيُّ َها الذ َ
لين ت َوا ْع َملُوا َ
ُكلُوا لم َن الطيلِّبَا ل
ت َما َر َز ْقنَا ُك ْم) (البقرة :اآلية )534ثُم َذك ََر الر ُج َل يُ لط ْي ُل
آ َمنُوا ُكلُوا لم ْن َطيلِّبَا ل
بَ ،و َم ْطعَ ُمهُ َح َرام ث أ َ ْغبَ َر ،يَ ُم ُّد يَ َد ْي له إللَى الس َماء،ل يَا َر ِّ ل
ب يَا َر ِّ ل السفَ َر أ َ ْ
ش َع َ
رواه مسلم.
تعليــــق الشيــــــخ:
في قوله عليه الصلة والسلم{ :إن ّللا طيب ل َيقبل إل طيبا ً} إشارة إلى معان
عديدة أولها أنه لما كان كذلك ينبغي لإلنسان أن يحرص على الطيب؛ فإذا علم
أن للا ل يقبل إل طيبًا ففيه تضمن للحث على كسب الطيبات واجتناب
المحرمات ألن اإلنسان مقصوده إرضاء للا جل وعل؛ فلما كان كذلك وجب
وتأكد في حقه أن يجتنب ما يرده للا جل وعل؛ ألن للا جل وعل أعظم متقبل
وأعظم راد فينبغي لإلنسان أن يلتمس رضى للا جل وعل ويجتنب سخطه.
124
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وفي قوله{ :إن ّللا طيب ل يَقبل إل طيبًا} إشارةً إلى أن للا ل يتقبل األموال
المحرمة التي ينفقها اإلنسان في سبيل للا؛ كذلك فإن الطيب والخبث كما أنه في
األعمال واألموال كذلك في النيات وكذلك في األقوال؛ فإن اإلنسان ربما تلفظ
بشيء من الباطلت ويزعم أن للا جل وعل يتقبله منه فهذا عناد وزندقة ،فإن
ووصف الطيب هنا ل يثبت إل بأمور قد دل الدليل عليها؛ أولها دللة الفطرة
فإن للا جل وعل قد فطر الناس على معرفة الخير من الشر؛ فقال النبي عليه
الصلة والسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة( :ما من
فالناس تعرف أن السرقة حرام وأن الكذب البخاري ( )5718واللفظ له ،ومسلم ()4418
حرام وأن غصب أموال الناس حرام ونحو ذلك ،فهذا من الخبائث حينئذ ول
يتقبله للا جل وعل من اإلنسان ،كذلك فإن من الطيبات كسب الحلل والرزق
الذي يسعى به اإلنسان في الضرب في األرض فإن للا جل وعل يتقبله منه؛
وهذا يشترك فيه أهل اإليمان سواء كانوا أنبياء أو مؤمنين من أتباعه عليه
الصلة والسلم.
125
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قوله عليه الصلة والسلمَ ( :و لإن للاَ أ َ َم َر ال ُم ْؤ لمنلي َْن لب َما أ َ َم َر لب له ال ُم ْر َ
س للي َْن فَقَا َل:
ت َوا ْع َملُوا َ
صا للحا ً﴾) (المؤمنون) ،خص للا جل س ُل ُكلُوا لم َن الطيلِّ َبا ل ﴿ َيا أَيُّ َها ُّ
الر ُ
وعل األنبياء بهذا اللفظ ألهمية هذا المعنى ،ثم أمر للا جل وعل المؤمنين بأمر
َر َز ْقنَا ُك ْم﴾ وهذا فيه دللة على أن ما جاء فيه الدليل بذكر األنبياء يشترك فيه
أتباعهم ،وما دل الدليل فيه على تخصيص المؤمنين فإن األنبياء يشتركون في
ذلك ،والخصيصة ل تثبت في هذا إل بدليل سواء من كلم رسول للا صلى للا
عليه وسلم أو من إطباق الصحابة عليهم رضوان للا تعالى على هذا المعنى،
وحينما أمر رسول للا صلى للا عليه وسلم أصحابه بأن يكسبوا من الطيبات
ومنعهم ضمنًا من كسب المحرمات؛ لتبعة ذلك على اإلنسان من جهة ذاته
وكذلك صلته بينه وبين ربه؛ فإن اإلنسان إذا كسب المحرمات وطعمها؛ لحقته
ث أ َ ْغبَ َر ،يَ ُم ُّد يَ َد ْي له لإلَى عليه الصلة والسلم{ :ثُم َذك ََر الر ُج َل يُ لط ْي ُل السفَ َر أ َ ْ
شعَ َ
لي بلال َح َر لام فأنى بَ ،و َم ْطعَ ُمهُ َح َرامَ ،و َمش َْربُهُ َح َرامَ ،و ُ
غذ َ ب يَا َر ِّ ل
الس َماء ،يَا َر ِّ ل
ست َ َج ُ
اب له}. يُ ْ
126
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األمر الثاني أنه يستوجب بذلك النار كما قال عليه الصلة والسلم( :أي ما
األمر الثالث :أن اإلنسان إذا أكل األموال الحرام فيها تعلق بأمر متعد من
شبرا من حق
ً الناس؛ ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم( :من اقتطع
مال امرئ مسلم طوقه من سبع أراضين) متفق عليه فحقوق اآلدميين معظمة عند
يوم القيامة؛ يعني أنه لبد فيه من القصاص يوم القيامة؛ وهو أن تعاد الحقوق
إلى أهلها بالحسنات والسيئات ،وهذا يظهر فيما رواه اإلمام أحمد في كتابه
المسند من حديث جابر بن عبد للا أن عبد للا بن أنيس حدث عن رسول للا
ً
غرل بو ًما ،فيناديهم للا جل وعل وسلم يقول :يحشر المؤمنون حفاةً عراةً
بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب فيقول :أنا الملك أنا الديان ل ينبغي
ألحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه
منه ،حتى اللطمة ول ينبغي ألحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وعليه ألحد من
أهل النار حق حتى أقصه منه ،حتى اللطمة ،قالوا يا رسول للا :كيف وإنا نأتي
[رواه للا جل وعل حفاة عراة؟ قال عليه الصلة والسلم :بالحسنات والسيئات)
أحمد تنبيه :روى البخاري تعليقًا جملة من هذا الحديث ،فقال :ويذكر عن جابر ،عن عبد للا بن أنيس
127
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال :سمعت النبي -ملسو هيلع هللا ىلص -يقول« :يحشر للا العباد ،فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من
يعني أن القصاص في حقوق اآلدميين يكون بين يدي قرب :أنا الملك ،أنا الديان»]
للا جل وعل بالحسنات والسيئات؛ وهذا مما ينبغي أن يحذر منه اإلنسان فما
كان من حق للا جل وعل متمحضا فمرده إلى للا جل وعل إن شاء غفر
لصاحبه وإن شاء عذبه عليه ،بخلف حقوق اآلدميين فإن للا جل وعل ل
يغفرها لإلنسان ول تدخل تحت سائر المكفرات حتى تعاد الحقوق إلى أصحابها
أو أن يستحل اإلنسان لهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم كما في
الصحيح( :من كانت عنده مظلمة ألخيه فليتحلله منها) أخرجه البخاري ( )4176ما
قال فليتب وليستغفر من قبل أن يأتيه يوم ل دينار فيه ول درهم؛ ولهذا عظمت
المحرمات المتعلقة بحقوق اآلدميين أعظم من المحرمات المتعلقة بحق للا جل
وعل؛ فلما كان أكل الطيبات تعلق بهذين األمرين؛ متعلق بحق للا وبحق العباد
ً
حائل بينه وبين إجابة عظم أكل الخبائث على غيره من المحرمات وكان
الدعاء وهذا محل اتفاق عند العلماء بالنسبة للدعاء على خلف عندهم في
أمور العبادات؛ فاختلف العلماء في أمور العبادات إذا تعبد اإلنسان لل جل وعل
بعبادة بشيء حرام؛ كالذي يستر عورته بشيء محرم؛ ثم يصلي لل ،أو أن
يحج لل ح ًجا بمال حرام ونحو ذلك ،هل يتقبل منه أم ل؟ هذا محل خلف عند
العلماء ذهب جمهور العلماء إلى أن ذلك يتقبل منه وذهب اإلمام أحمد في
128
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
المشهور عنه وهو ظاهر المذهب إلى أن ذلك ل يتقبل منه ،وهذا ظاهر قوله
عليه الصلة والسلم {فأنى يستجاب له} يعني أن ذلك العمل مردود عليه مع
توفر سائر الشروط ،لهذا قال عليه الصلة والسلم مبينا شروط قبول الدعاء
وهو أنه أشعث أغبر وأن للا جل وعل من صفاته أنه يجيب المضطر إذا دعاه؛
وهذا تحقق فيه وصف الضطرار؛ كذلك يرفع يديه إلى السماء ويمدهما؛ وفيه
دليل على مشروعية رفع اليدين عند الدعاء وهو من قرائن إجابة الدعاء؛ كذلك
فإنه مسافر بل أنه يطيل السفر ومع ذلك ل يستجاب له بسبب هذا المطعم
الحرام.
لهذا ينبغي لإلنسان أن يحرص على الطيبات قدر إمكانه ،وأل يتقرب لل جل
129
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الحـــادي عشر
للا ﷺَ ( :د ْع َما يَ لر ْيبُكَ لإلَى َما لَ ع ْن ُه َما قَا َلَ :ح لف ْظتَ لم ْن َر ُ
س ْو لل ل ي للاُ َ
َر لض َ
تعليـــق الشيـــخ:
هذا الحديث ل بأس به ألنه يروى من حديث ابن أبي مريم عن أبي الجوزاء
عن الحسن بن علي عن رسول للا صلى للا عليه وسلم؛ وقد صححه غير
وقوله عليه الصلة والسلم {دَع ما يَريبك إلى َما َل يريبك} :فيه إشارة إلى ما
تقدم الكلم عليه من اتقاء الشبهات في قوله عليه الصلة والسلم {فمن اتقى
الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه} وهذا متضمن لذلك المعنى؛ فإن اإلنسان
إذا رابه شيء ينبغي له أن يدعه ما لم يكن لديه سبب لستجلء الحق من
البحث عن نص؛ فإذا استطاع أن يستجلي الحق ويدفع الريبة تأكد في حقه ذلك؛
وإذا كان ل يستطيع أن يستجلي الحق فينبغي أن ينصرف إلى نفسه وما يجده
130
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يتجلجل ويتخالج في نفسه فإنه يعمل به؛ ولهذا فإن اإلنسان مجبول على فطرة
بطبع أهل الكفر والعناد ممن ينغمس اإلنسان فيهم؛ ولهذا في هذا الحديث
مسألة مهمة وهي أن اإلنسان فيما لم يدل عليه الدليل يرجع في ذلك إلى
نفسه ويستفتيها؛ أما في حال معرفة الدليل أو في إمكان الحصول عليه فل بد
من الوقوف على الدليل ،وإذا استوت األمور وكانت حينئذ من المتشابهات فإن
131
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثانـــي عشر
لم
س ل للا ﷺ ( :لم ْن ُح ْ
س لن لإ ْ ع ْنهُ قَا َل :قَا َل َر ُ
س ْو ُل ل ع َْن أَبل ْي ُه َري َْرةَ َر لض َ
ي للاُ َ
تعليــــق الشيـــــخ:
هذا الحديث الصواب فيه اإلرسال ،ألنه يُروى من حديث قرة عن الزهري عن
أبي سلمة ،ويروى من غير هذا الوجه من حديث الزهري عن علي بن الحسين
ً
مرسل عن رسول للا صلى للا عليه وسلم ،وهذا هو الصواب ،ول يصح عن
ً
موصول. النبي عليه الصلة والسلم
النووي عليه رحمة للا تعالى في صحته ،ولكن العلماء يسلمون بصحة معناه.
س َلم ال َم ْر لء تر ُكهُ َما َل يعنيه" ،تقدم وقوله عليه الصلة والسلم " :لم ْن ُح ل
سن لإ ْ
الكلم على مسألة اإلحسان ومعناها ،وأن اإلحسان على درجات ومراتب،
132
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
س َلم ال َم ْر لء" ،أي :من تمام دينه أن وقوله عليه الصلة والسلم " :لم ْن ُح ل
سن لإ ْ
من ذهاب الناس ومجيئهم وأموالهم وأزواجهم وأعراضهم ،إل إذا كان في ذلك
مصلحة للسائل في دينه ودنياه أو للمسؤول عنه في دينه ودنياه ول يُلحق به
ضررا؛ فإن األصل في ذلك الرجوع إلى مصلحة المسؤول عنه؛ ألن ذلك في
ً
حقه أولى من غيره ،فلما خص بنعمة أو خص بما لحقه -سواء من أذى أو
غيره -كان ذلك ل يتعداه إلى غيره؛ فمن حاول أن يُع ِّدليه كان ذلك من جملة
الفضول.
س َلم ال َم ْر لء تر ُكهُ َما َل يعنيه" ،يعني :من سوء اإلسلم ويلحق " لم ْن ُح ل
سن لإ ْ
الناس يلحق بدينه من نقصان؛ فمن تتبع عورات الناس تتبع للا عورته ،وأثر
ذلك في ديانته ،و عوراتهم تختلف في ذلك :منها العورات المغلظة ،كمن يتتبع
عورات النساء وغير ذلك؛ فإنه آثم ويقدح هذا في ديانته فيكون حينئذ من
اآلثام ،أو تتبع عورات الناس فيما يخفونه من األموال ،فإذا كانوا يستترون
بكسب الحرام عن أعين الناس؛ فليس ألحد أن يتتبع أحوالهم ،واألصل في ذلك
الستر.
133
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثــالث عشر
تعليــــق الشيــــخ:
قوله عليه الصلة والسلم{ :لَ يُ ْؤ لمنُ أ َ َح ُد ُك ْم َحتى يُ لحب لأل ََ لخي له َما يُ لح ُّ
ب للنَ ْف ل
سه}
نفي اإليمان هنا ُحمل على معنيين؛ نفي الصحة :أي ل يصح إيمان اإلنسان
وحمل على معنى آخر؛ وهو نفي كمال اإليمان وكل المعنيين صحيح إذا ُحمل
أما المعنى األول :وهو نفي صحة اإليمان؛ وهو إذا كان اإلنسان في
نفسه ل يوالي أهل اإليمان ول يحبهم ويحب أهل الكفر ،فيحب ألهل
يتحقق في قلبه حينئذ اإليمان ولو ادعى ذلك؛ ومرد ذلك إلى ما في قلب
اإلنسان.
134
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وأما على المعنى الثاني :وهو أن ينقص إيمان اإلنسان فيقال المراد
بذلك هو نفي الكمال؛ وهو أن اإلنسان يقع فيه شيء من الحسد؛ وهو ما
فإذا أحب إنسان أن يزول الخير من عند إنسان آخر؛ فهذا ما أحب للناس ما
يحب لنفسه؛ فكما أنه يحب لنفسه أن يتحقق لديه ذلك الخير؛ ينبغي أل يحب
زوال ذلك الخير من لدن الناس؛ فيحب بقاء الخير لديهم وأن يتحصل لديه
مثلهم ،فإذا كان كذلك كان من أهل اإليمان ،وإذا لم يكن كذلك فإنه حينئذ ينقص
إيمانه.
حتى ولو كان دينه ولكنه فرد؛ فل يقال أن هذا ينتفي أصل اإليمان من
قلبه .ولكن إذا كره اإليمان واإلسلم ألهل اإلسلم والخير لهم على سبيل
العموم؛ فإن هذا ل يمكن أن يوجد في قلبه إيمان .ومن أعظم دوافع هذه
ولو َوجد في قلبه حسدا لغيره؛ فكلما وجد اإلنسان بغضا ألحد من الناس
135
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
مما ل يستوجب سببًا شرعيًا فليكثر من الدعاء له بالمزيد؛ وإن وجد في
قلبه عدم رغبة في ذلك؛ فإن ذلك الدعاء يُ َجلي ما يستقر في قلب اإلنسان
من عدم الحب الخير للناس ول يزال اإلنسان بأمر الدعاء وذكر اإلنسان
بالخير في قلبه وعند غيره حتى يزول ذلك من القلب وهذا أمر مجرب
وبعض الناس يسترسل بحب إزالة الخير من الناس لضرر أُلحق به من قبلهم
مع عدم وجود ما يوجب إلحاق مزيد الضرر؛ فهذا من البغي فيهم؛ ولو على
سبيل التمني؛ فإن اإلنسان في ذلك يستطيع أن يسوس نفسه في هذا األمر؛
كذلك أيضا في مسألة العبادات عند التزاحم مما ل يتحقق فيه الشتراك فينبغي
بين الحج والعمرة وذكر للا جل وعل؛ فإذا وجد إنسان غيره قد رزقه للا جل
للا جل وعل أن يثبت فلنا على ما هو عليه من خير في ظاهر أمره وباطنه.
136
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وأما ل ما ل يمكن معه المزاحمة من أمور البر؛ فاختلف العلماء في ذلك هل
اإلنسان يحب لغيره ما يحب لنفسه في هذا األمر فيقدم غيره في هذا الموضع أم
ل؟
والراجح في ذلك أن هذا يرجع فيه إلى التفصيل؛ فيقال إن اإلنسان إذا علم من
غيره أنه أولى وأحظ بمثل هذا المكان الذي ل يزاحم فيه؛ فإنه يقدم غيره وهذا
يتضمن أن يحب لغيره ما يحب لنفسه؛ ومثال ذلك إذا كان اإلنسان يجد فرجة
أخرجه مسلم والنبي عليه الصلة والسلم قال (ليلني منكم أولوا األحلم والنهى)؛
( ،)674وأبو داود ( ،)431والترمذي ( )448واللفظ له ،وأحمد ()6737فكان هذا الرجل الذي
يُؤثَر من أهل العلم والصلح وأهل القرآن؛ فإنه يقدمه ول يؤثلر نفسه في ذلك؛
وأما إذا كان يستوي مع غيره؛ فينبغي أن يتقدمه ول يؤثر غيره إذا كان قد
يرى اإليثار حتى فيما يتنازع فيه األشخاص مما ل يكفي إل لواحد؛ وقد مال
بعض العلماء وهو قول ابن القيم عليه رحمة للا إلى أن باب اإليثار مقدم مطلقًا
137
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولو كان في أبواب المزاحمة؛ قال وذلك أن للا جل وعل يثيب اإلنسان على
إيثاره لغيره ولو لم يتحقق لإلنسان مثل هذا العمل؛ فذلك اإليثار هو حسنة يثاب
138
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الرابـــــع عشر
تعليــــق الشيــــخ:
للا إلل بل لإحْ دَى ثَلَث} فيه إشارة إلى أن األصل في دماء المسلمين
سو ُل ل
ر ُ
فإنها تسمى دماء؛ ويطلق أحيانا الدم ويراد به إزهاق النفس؛ ويطلق أيضا
ويراد به ما دون النفس؛ من جراحة اليد أو قطعها ونحو ذلك ،فهذا من حقوق
الدماء؛ ولهذا يطلق العلماء على ذلك الدماء؛ فيقولون أبواب الدماء.
ولما حرم رسول للا صلى للا عليه وسلم دماء المسلمين دل على أن األكثر في
ذلك العصمة وأن ما يستثنى من ذلك قليل؛ واألصل في لغة العرب أن المستثنى
للا إلل بل لإحْ دَى ثَلَث} :يعني أنه في غير هذه الثلث ل يجوز أن وأَنلِّي ر ُ
سو ُل ل
139
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يسفك الدم؛ وهذا ليس للمسلمين عامة -أي أنهم يجوز لهم أن يسفكوا الدماء
في هذه الثلث -وإنما مرد ذلك إلى ولي أمر المسلمين ،وقوله عليه الصلة
وقد حكى اإلجماع على ذلك غير واحد من العلماء؛ كابن المنذر وابن عبد البر
والنووي والقرطبي وابن قدامة وغيرهم ،ول يعلم في ذلك مخالف من أئمة
اإلسلم من القرون المفضلة وإنما هي أقوال تُحكى بل أسانيد؛ وممن اعتيد عنه
ممن يقول بذلك؛ ممن جهل مقامات الشريعة ومقاصدها العظيمة ونظر إلى
بعض المآلت وهذا ضرب من ضروب الجهل وإيثار رغبات النفس وكذلك النظر
إلى بعض األمور المادية ونحو ذلك وتقديمها على أمر الشرع فالرجم :إزهاق
للنفس ثبت به الدليل؛ كما جاء في الصحيحين وغيرهما( :والشيخ والشيخة إذا
و ليس صحيح البخاري (رقم ،)4843ومسلم (رقم .)5403 زنيا فارجموهما البتة)؛
وإنما المراد بذلك تعليق بوصف يغلب على من كان محصنًا؛ أنه يسمى شي ًخا
وهذا على التغليب وأجمع العلماء على هذا المعنى مع الخلف في بعض ألفاظ
الذي ليس بمحصن فإنه يجلد مئة ويُغرب عام في ظاهر القرآن في مسألة
140
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الجلد؛ والتغريب لحديث زيد بن خالد الجهني وحديث أبي هريرة في الصحيحين
وغيرهما حينما قال رسول للا صلى للا عليه وسلم( :على ابنك جلد مائة
وأما من ثبت زناه بأحد صحيح مسلم 5403صحيح البخاري 4477 وتغريب عام)
أو اإلقرار؛ واإلقرار هو أقوى البينات؛ ول ينظر الى اإلثباتات العصرية من
التحاليل؛ من تحاليل الدم أو الحيوانات المنوية كما يسمى "دي إن إي" ونحو
ذلك؛ فإن هذا مما ل يعتد به في مسائل األحكام وإنما يؤخذ فيه كقرينة؛
والقرائن ل تكون في أبواب الحدود .وإنما تؤخذ في أبواب التعازير ألنها منوطة
في أغلب األحيان بالظنة ل بالقطع ،وأما الحدود فإنها تدرأ بالشبهة؛ فإذا نزل
مسلمة أخرى ،ول يقتل المسلم بالكافر بإجماع العلماء ،ول خلف عندهم في
ذلك؛ وإنما الخلف في بعض المسائل من فروع ذلك إذا اجتهد ولي األمر أن
قد ثبت عن عثمان بن عفان في مسلم( :قتل ذميا ثم قتل آخر ثم قتل آخر فقتله
عثمان بن عفان) بإسناد صحيح كما جاء عند ابن المنذر وغيره عن عثمان بن
141
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
عفان عليه رضوان للا تعالى ،فيكون هذا من جملة التعازير؛ فيجوز أن يقتل
الرجل تعزيرا كما يجوز أن يقتل و ساغ أن يقتل حدا على الصحيح من أقوال
{والنفس بالنفس} :المقصود بذلك قتل العمد ويخرج من هذا إذا قتل اإلنسان
غيره بالخطأ أو قتل اإلنسان غيره بشبه العمد والعمد هو :أن يقتل اإلنسان
غيره بآلة يقتل بمثلها قاصدا إلحاق األذى ولو لم يقصد القتل ،فإذا أراد اإلنسان
أن يطلق رصاصة من بندقيته على شخص؛ فقال إنني ل أريد أن أقتله وإنما
أريد قدمه فمات؛ فإنه يقتل بذلك ألن المرد في هذا إلى شيئين:
األمر األول :اآللة التي يقتل بها إذا كانت آلة يُقتل بها عادة فإن هذا من
موجبات القتل.
األمر الثاني :القصد؛ يخرج منه إذا أراد اإلنسان أن ينظف سلحه أو أنه
فقتل؛ فحينئذ وجدت اآللة ولم يوجد القصد ،فإذا وجد هذان الشرطان فإن
وقوله عليه الصلة والسلم هنا{ :النفس بالنفس} راجع إلى أصل ما استثني
منه وهو المسلم ،واختلف العلماء في مسألة إقامة الحدود على الكفار من أهل
142
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الكتاب وغيرهم؛ إذا قتل الواحد منهم غيره ،هل يقام عليهم الحدود أم ل؟ وهل
اختُلف في ذلك؛ هل يرجع فيها إلى ما لديهم من أحكام؟ أم أن هذا مرده إلى
الشريعة؟ والذي يظهر وللا أعلم أنهم إن فعلو ذلك في بلد المسلمين فإن
مردهم إلى حكم المسلمين ،وأما إذا فعلوا ذلك في بلدهم الذين أخذوا األمانة
عليها والعهد فإن مردهم في ذلك إلى حكمهم مما يعملون به ،سواء كان
على أن الحر ل يُقتل بالعبد؛ وأن العبد يُقتل بالحر؛ إل في خلف يسير في
مسألة قتل الحر بالعبد؛ فإنه يُقتل ،قال بذلك بعض الفقهاء وهو قول ضعيف.
المرتد؛ وقد جاء في ذلك دليل عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في الصحيح
من حديث حماد عن أيوب عن عبد للا بن عباس أن رسول للا صلى للا عليه
وإنما وصف ذلك بالترك لدينه بقوله{ :والت لارك لدلينل له ال ُمفَ لار ل
ق لل َج َماعَة}
143
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ألن اإلنسان إذا فارق دينه تحقق فيه وصف ترك الجماعة ،فاستوجب بذلك
القتل ،وإنما أُلحق الوصف بلفظ المفارقة ألن اإلنسان إذا أراد أن يرتد عن
المسلمين الغالب أنه يلحق بصفوف الكفرة ول يبقى على ردته في صفوف
المسلمين؛ ألنه ما تجرد من إيمانه ورجع إلى كفره إن كان قد دخل اإلسلم قبل
ذلك ولم يولد على اإلسلم إل وقد أحب الرجوع إلى الكفر أو أحب الكفرة أكثر
من أهل اإلسلم ،فالغالب في مثل حاله أن يترك صف المسلمين إلى صف
المشركين ،و ل يستثنى من ذلك من ارتد وهو في بلد المسلمين؛ فإنه يُقتل
وهذا ل خلف عند العلماء فيه ،وإنما الشريعة تعلق األحوال باألغلب؛ فما كان
ً
وحال؛ فإن الوصف يلحقه ،وما خرج عنه إذا ً
استعمال من األوصاف يغلب
والمرأة والرجل في أبواب الردة على السواء؛ فإذا ارتدت المرأة فإنها تقتل.
واحدة أم ل؟
ً
أول :ل يثبت عن رسول للا صلى للا عليه وسلم في أبواب الستتابة شيء،
وإنما هو أخذ بقرائن وبعض اآلثار المروية عن السلف الصالح في ذلكُ ،روي
هذا عن عمر بن الخطاب رضي للا عنه وعن أبي موسى األشعري ومعاذ بن
144
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
جبل عليهم رضوان للا تعالى ،وحكي التفاق على هذا أنهم يستتابون ولكن
اختلفوا في قدر الستتابة ،هل يستتابون ثلث ًا أو مرةً واحدة ،أم يحبس أيا ًما
حتى ينظر في أمره فإذا كان معاندا فإنه يقتل؟ ففي ذلك خلف.
145
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الخــــــــامس عشر
ؤم ُن لبا ل
لل للا ﷺ قَا َلَ ( :م ْن ك َ
َان يُ ل عَن أ َ لبي ُه َري َْرةَ رضي للا عنه أَن َر ُ
سو َل ل
اآلخ لر فَ ْليُ ْك لر ْم َ
ض ْيفَهُ). وم ل ؤمنُ لبا ل
لل واليَ ل ار ُه ،و َم ْن ك َ
َان يُ ل َج َ
تعليـــــق الشيــــــخ:
اآلخر
ل ؤمنُ ِّ ل
باِل َواليَ ْو لم في قول رسول للا صلى للا عليه وسلمَ { :من ك َ
َان يُ ل
فَ ْليَقُل َخي َْرا أو لليص ُمت} فيه إشارة إلى حفظ اللسان ،وصونه من فضول األقوال
{ لليص ُمت} :يعني أنه فضل الصمت عن قول المباح؛ ألن المباح يجر إلى قول
المحظور والمكروه ،وأما إذا اعتاد اإلنسان على قول الخير فإنه ل ينزل عن
تلك الرتبة إلى المباح إل في الشيء اليسير ،فإذا كان ينزل في الشيء اليسير
فيبعد أن يقع في الشر ،وإذا كان يوغل ويكثر من قول المباح فإنه لبد أن يقع
في الحرام.
146
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولهذا يقول العلماء :الورع أن تدع ما ل بأس به خشية أن تقع فيما به بأس،
أي أن اإلنسان يترك المباح حتى ل يقع في المكروه ،ثم يتدرج فيقع في الحرام،
ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم{ :فَ ْليَقُل َخي َْرا أو لليص ُمت} ولم يقل:
فليقل مبا ًحا أو نحو ذلك ،ويُحتمل أنه أراد الوصف بالخير؛ أي أن اإلنسان إذا
كان يتكلم بمباح؛ فإن األصل فيه الدخول في دائرة الخير ،ويجر إلى نفع حتى
وإن كان في أمر الدنيا ،ممن يتكلم في بيع أو شراء أو إشهاد ،ونحو ذلك ،فإن
ويُحتمل أنه أراد درجة الكمال؛ أي أن اإلنسان ينبغي له أن يحرص على درجة
اإليمان التام ،وليس المراد بذلك نفي اإليمان عمن تكلم بالباطل على خلف مع
على بغض تحريمه ،وترك الواجب دليل على بعض إيجابه ،والصواب في ذلك
وهو الذي عليه أهل اإلسلم من أهل السنة أن من وقع في شيء من المحرمات
ل يلزم من ذلك بغض النص في التحريم ،ومن ترك شيئ ًا من الواجبات ل يعني
147
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
اآلخر فَليُ ْك لرم
ل باِل َواليَ ْو لم
ِّ ل ؤمنُ وقوله عليه الصلة والسلم{ :و َمن ك َ
َان يُ ل
oذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا كان الضيف يجد مندوحة عن صاحب
دارا
oوذهب اإلمام أحمد في رواية إلى أن الضيف يجب إكرامه إذا خص ً
بعينها؛ وأما إذا ُوجد أماكن يسكن فيها -كحالنا في األعصار المتأخرة-
ثم ذكر رسول للا صلى للا عليه وسلم خصيصةً لمن كان حول اإلنسان من أهل
حق الجوار؛ ولهذا ذكر رسول للا صلى للا عليه وسلم أن جبريل ما زال
يوصيه بالجار حتى ظن أن للا سيورثه؛ يعني يجعله من ضمن الورثة ،من
148
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وحق الجار عظيم باعتبار أنه مأمون الغدر والخيانة ،فإن اإلنسان ل يمكن أن
تستقر به دار إل عند جار يأمن؛ لهذا عظم الزنى بحليلة الجار أعظم من الزنى
المطلق ،ألن اإلنسان أتى جاره مما يأمنه فعظم ،بخلف الذي يأتي غيره من
غير أمان ،ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم( :وللا ل يؤمن وللا ل
يعني :مصائبه و ما متفق عليه يؤمن وللا ل يؤمن من ل يأمن جاره بوائقه)
يحل بجاره من فجور وفسوق ،ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم لما
صحيح البخاري 6345و أخرجه سئل :أي الذنب أعظم قال( :أن تزاني بحليلة جارك)
يعني أن تقع عليها في حرام ،فهو أعظم من الزنى في غيرها ،ألن هذا مسلم 84
موضع أمان وللجار في ذلك حق ،وحق الكمال في ذلك أن يحسن إليه ،ودون
ذلك أن يكف شره عنه وأن يصبر على أذاه الذي يأتيه منه ،فإن رسول للا
صلى للا عليه وسلم هو قدوة الخلق في هذا مع األبعدين ،حتى وإن كانوا من
جيرانه ممن لم يكن من أهل اإلسلم ،فكان رسول للا صلى للا عليه وسلم لَه
جار يهودي يعوده عليه الصلة والسلم ،وقد كان لعبد للا بن عمر جار يتعاهده
وهذا من هدي دمحم صلى للا عليه وسلم ومن مكارم األخلق.
149
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســــادس عشر
بي ل ﷺ :أ َ ل
وص لن ْي ،قَال( :لَ ع ْنهُ أَن َر ُجلً قَا َل لللن ِّ ع َْن أ َ لبي ُه َري َْرةَ َر لض َ
ي للاُ َ
ت َ ْغ َ
ض ْب) .رواه البخاري.
تعليـــــق الشيـــــخ:
هذا طلب للوصية والنصيحة ،وفيه أهمية استدرار العلم والفائدة من الغير
بطلبها وأل ينتظر اإلنسان بذلها ،سواء كان من الوصايا العامة أو كان من العلم
ولهذا طالب العلم يوفق إلى معرفة الحق بالسؤال ،سؤال أهل العلم خاصة وأل
كثيرا.
ً خيرا
يماري أهل العلم فيحرم بذلك ً
خيرا
ولهذا يقول أبو سلمة( :كنا نماري عبد للا بن عباس فحرمنا بسبب ذلك ً
كثيرا) ،والمراد بالمماراة أي :أننا نجادله ونناقشه في ذلك ،فهذا يجعل العالم
ً
يحجم عن إبداء الخير والعلم ،وإن أراد أن يخرج وجد في نفسه إحجا ًما عن
بذل الخير؛ فإنه إذا اعتاد من هذا الطالب أنه يبحث عن دقائق األمور ويجادل
لسترسل في النقاش حولها فيما ل يجدي ،ولهذا ل يبدي كثيرا من مسائل العلم
150
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
دفعًا لتلك المفسدة؛ ولهذا نَدَم أبو سلمة -عليه رحمة للا -بمماراته لعبد للا بن
عباسة أنه كان ل يعطيه ما كان يعطيه في السابق مما يخص به غيره من
المقربين من أصحابه ،كعكرمة مولى عبد للا بن عباس وغيرهم؛ ولهذا ينبغي
لإلنسان أن يتوسط في العلم و يتحصل العلم وأن يسأل فيما أشكل عليه وأن
يبحث؛ ولهذا ينبغي لطالب العلم في أبواب الستفهام والسؤال أن ل يقلل من
شأنه عند العالم أو عند المستفتَى ،فإذا أشكلت عليه مسألة من المسائل وهو
موصوف بطلب العلم يبحث عنها بنفسه ،فإنه إذا أكثر من السؤال للعالم عن
شيء ورد إلى ذهنه ،استصغره العالم ،ولم يجبه في كل سؤال يسأله؛ فإن
طالب العلم ل يسأل إل عن ما استشكل عليه ولم يجد له جوابًا في نفسه ،لهذا
ينبغي لإلنسان أن يربي نفسه على البحث والنظر وتقصي المعلومة فإذا أشكل
عليه شيء رجع إلى أهل العلم ،ولهذا ل يليق بطالب علم مختص يعتني أن
يسأل عن حديث وهو في الصحيحين ،أو يسأل عن حديث وعلته ظاهرة بينة
يقف عليها بأسهل سبيل؛ بخلف العلل الدقيقة وما يخفى على اإلنسان بعد
البحث؛ والعالم يفرق بين طالب العلم الذي يستطيع البحث والنظر ويفرق بين
151
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قدرا إن أكثر منها ،وذاك ربما تقربه مسألته قربًا ولو كانت مشابهة
تنقصه ً
لغيره.
وهذا رجل سأل رسول للا صلى للا عليه وسلم واستنصحه واستوصاه ،فقال له
ستنصح من
يتبادر إلى ذهن السائل حينما يُسأل أن النبي عليه الصلة والسلم ا ُ
قبل رجل فبماذا نصحه؟ فالغالب أنه ل يتبادر إلى ذهن اإلنسان أن الناصح يقول
له ل تغضب إل لسبب ُوجد في السائل؛ أما أن يكون الرجل غضوبًا ونحو ذلك،
أو أنه يتعامل معاملة تستوجب الغضب ،كأن يكون قاضيًا أو يفصل بين خصوم
أو يتعامل بالبيع والشراء ونحو ذلك فيلزم منه ممارسته لهذا العمل غضب،
ولهذا كثير من أسباب ورود الحديث ل يذكرها النقلة وينقلون الخبر؛ وينبغي
لطالب العلم إذا أراد أن يقف على معنى حديث بكليته أن يرجع في ذلك إلى
المسانيد والمعاجم ،فإن المسانيد والمعاجم تورد األحاديث بتمامها وتتضمن في
كثير من األحيان أسباب ورود الحديث ،بخلف األحاديث التي توضع تحت
أبواب وتراجم فإنها تختصر بحسب خصيصة الباب التي ورد فيها.
152
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولهذا ينبغي لطالب العلم أن ينظر في المسانيد والمعاجم ،كذلك أن ينظر في
جمع طرق الخبر الواحد حتى تقع لديه أسباب ورود الحديث حتى يفسره على
بحسب حال السائل ،أو ربما بحسب حال السامع لديه ،كما كان النبي والسلم
مع جبريل ويعلم أن جبريل يعلم هذه األحكام ،فأجاب مري ًدا لمن كان سامعًا ،فإذا
سئل بسؤال ويعلم أن الذي سأل هو من أهل الكمال والصدق فل يحتاج إلى
بالصلة ،وإذا كان فيه نقصان بمراقبة للا عز وجل واإلخلص أوصاه
فيقول( :اإليمان بالل) وتارة يقول( :إقامة الصلة) وتارة عليه الصلة والسلم
يقول( :إطعام الطعام) وهذا يدل على أن هذا يختلف بحسب حال السائل.
في ذاته فإنه غضوب ،والغضب يعرف غليان دم القلب الذي يدفع الشخص
للنتقام ،يعني النتقام ممن غضب ألجله ،واإلنسان حينما يجد أسباب الغضب
153
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ونهي النبي عليه الصلة والسلم هنا بقولهَ { :ل ت َ ْغ َ
ض ْب} ليس بذات الغضب
المواضع التي تكثر فيها اللجاجة؛ ولهذا كان السلف الصالح ل يحضرون
مجالس الخصومات ،ولهذا علي بن أبي طالب عليه رضوان للا تعالى حينما
تكون بينه وبين أحد خصومة عند قاض ينيب غيره؛ فإن هذه الخصومات
كثيرا من الناس إلى كثير من الشرور ،فإن القاتل ل يقتل وهو راض ،والذي
ً
يتعدى على الدماء واألجساد بالضرب واللطم و الشجاج ،ل يفعل ذلك وهو
راض ،والذي يسب ويقذف ل يفعل وهو راض ،فلما كانت هذه األمور تقع من
اإلنسان في حال غضب ينبغي له أن يقطع أصلها وما تستوقد منه من جذوة
فيطفئها بماء البعد عن أسباب الغضب ،وفي هذا أيضا إشارة إلى استحباب
تكرار الفائدة لمن يحتاجها ،فإن هذا قد راجع رسول للا صلى للا عليه وسلم
مرارا فأعادها عليه؛ وهذه من عادة رسول للا صلى للا عليه وسلم أنه كان إذا
ً
تكلم تكلم ثلث ًا حتى يسمع عنه؛ وقد ترجم على ذلك البخاري عليه رحمة للا
في كتاب العلم فقال باب من أعاد الحديث ثلث ًا ليفهم عنه ،فأسند عن رسول للا
صلى للا عليه وسلم أنه كان إذا تكلم تكلم ثلث ًا وإذا سلم سلم ثلث ًا حتى يسمع
عنه ،فإذا كان هذا في أصل حديثه فإنه فيما يستفيد به اإلنسان ينبغي أن
154
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يكرره لمن طلبه ،وأل يمل المتكلم والعالم في إفادة الناس ونفعهم ،وأما ما
يمله الناس من تكرار الحديث بقولهم( :ألن أحمل الحديد والصقر أهون من أن
أكرر الكلم) :هذا كلم ليس من هدي النبي عليه الصلة والسلم ،والفائدة
العلمية تكرر إل عند من ل يفهم ،ينبغي أل يُعَلم ألنه ربما يفهم العلم على
وجهه.
155
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســــابع عشر
رواه مسلم.
تعليــــق الشيــــخ:
في هذا الحديث حث رسول للا صلى للا عليه وسلم على اإلحسان وتقدم الكلم
على هذا المعنى ،معنى اإلحسان ،وحينما عمم رسول للا صلى للا عليه وسلم
اإلحسان هنا؛ أراد اإلحسان المتعدي إلى الغير قال{ :نَِّ اللَِّهَ كَﺘَﺐَ الْإلحْﺴَانَ عَلَى
كُﻞِّل شَيْﺀ} والكَتب هو الفرض والتنزيل ،وأصله في لغة العرب :الجمع ،ولهذا
يقول الشاعر:
علَ ْيكُم
وال َكتْب هو التشريع واإلنزال والفرض؛ ولهذا قال للا جل وعل ُ {:كتلب َ
َ
اإلحسان على كل صيَام}؛ يعني فرض عليكم ،وقال عليه الصلة والسلم{ :
ال ل ِّ
156
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
شيء} ،يعني سواء كان من بني آدم أو كان من البهائم؛ فإن القسوة والشدة
واليذاء ل تأتي بخير ،والرفق مطلوب من اإلنسان؛ وحينما أشار رسول للا
صلى للا عليه وسلم باإلحسان على كل شيء؛ أراد أن يأتي بكلم ُمجمل ثم
يفصله بعد ذلك ،وهذا من البيان؛ أن اإلنسان حينما يريد أن يتكلم على جزئية
معينة ينبغي أن يؤصل لها قبل الولوج فيها؛ فرسول للا صلى للا عليه وسلم
حينما أراد أن يتكلم عن القتلة وذبح البهائم؛ أصل لمعنى اإلحسان بشموله
صا ،فإنه
صبرا؛ فمن احتليج إلى إزهاق نفسه قو ًدا قصا ً
ً استوجب القتل؛ فل يقتل
يحسن في قتلته وإزهاق نفسه ،فل يقتل تعذيبًا بأمور التعذيب؛ ولهذا حرمها
الشارع بإسقاء السم الذي يتجرعه اإلنسان أيا ًما ويتألم حتى يموت أو التحريق
اإلنسان ،هذا من التعذيب المنهي عنه؛ ولهذا شرع اإلسلم القتل بالسيف ،وكان
رسول للا صلى للا عليه وسلم يقتل بذلك ،ويُستثنى من ذلك الزنا في المحصن
لبشاعة فعله.
157
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ظاهرها ل توصف بالشر على سبيل النفراد وإنما تقرن بغيرها ،فمن اعتُدي
عليه واعتَدى على من اعتَدى عليه ل يسمى انتقامه بمثل ما انت لقم منه ً
شرا؛
اإلحسان بعدم أذية النفس ،قالَ { :و لإ َذا َذبَحْ تُم فأَح ل
سنوا الذِّلبحة} يعني أحسنوا
العمل ،وقد جاء عن رسول للا صلى للا عليه وسلم وصف تلك الذبحة{ :وليحد
أ َ َحدكم شَفرته وليرح ذبي َحتَه} مما يدل على أن تعذيب البهيمة مما يحاسب عليه
العلماء أنها ربما تدرك وتعقل من بعض األمور ما ل يعقله بنو آدم؛ ولهذا يقول
بعض العلماء في أمر إدراك البهائم ألمر الساعة وعذاب القبر؛ مما ل يسمعه
بنو آدم فيقول ابن عبد البر عليه رحمة للا (في هذا دليل على أن البهائم تدرك
من أمر الساعة ما ل يدركه بنو آدم) ولهذا يقول رسول للا صلى للا عليه
يعني تنتظر قيام الساعة ،وهذا ترقبها لهذا الشيء وهي بهيمة النسائي 5640
158
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يدل على أن لديها نوع من اإلدراك ولكن هذا اإلدراك ل يؤهلها للخطاب،
واإلجابة بالعمل؛ فإذا أدركت البهيمة أمر الساعة فينبغي لبني آدم أن يدركوا
هذا األمر وأن يستعدوا له ،فإذا كانت البهائم فيما بينها يكون بينها القصاص
كما قال رسول للا صلى للا عليه وسلم( :لتؤدن الحقوق إلى أهلها وليقتصن
يعني :هل يكون ذلك رواه مسلم 4184 للا من الشاة القرناء للشاة الجماء)
أعلم بصفة القصاص؛ فإذا كان هذا بين البهائم هل يكون بين بني آدم والبهائم
من القصاص؟ فإذا تعدى أحد على بهيمة هل يكن لها من حق القصاص ما
يكون بينها يوم القيامة؟ ظاهر النص أنه يكون ،هل هذا يكون بنوع من
القصاص كحال البهائم فيما بينها يوم القيامة مما هو مضمر أم هو على صفة
يقال :أن للا جل وعل أعلم بصفته وهذا مما ل أعلم في تفصيله ً
دليل ،ولكن
اإلنسان يعاقب على أذنيته للبهيمة وعدم إحسانه إليها؛ لهذا رسول للا صلى
للا عليه وسلم قال{ :ليحد أ َ َحدكم شَفرته} وهي المدية أي :السكين ،و{ليرح
َذبي َحتَه} يعني لكيل تتألم ،ومن تعمد إيذاء البهيمة بقطع أعضائها قبل موتها
159
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثــــــامن عشر
ع ْن ُه َما
ي للاُ َ بن ُجنَا َدةَ َوأَبلي َ
ع ْب لد الرحْ َم لن ُمعَا لذ بل لن َجبَل َر لض َ ب لع َْن أَبل ْي َذ ِّر ُج ْن ُد ل
سنَةَ ت َ ْم ُح َها،
ق للاَ َح ْيث ُ َما ُك ْنتَ َ ،وأَتْ لب لع الس ليِّئَةَ ال َح َ
للا ﷺ قَا َل( :ات ل ع َْن َر ُ
سو لل ل
اس بل ُخلُق َح َ
سن). َو َخا لل ل
ق الن َ
رواه الترمذي وقال :حديث حسن .وفي بعض النسخ :حسن صحيح.
تعليـــــق الشيـــــخ:
هذا الحديث وهو حديث معاذ بن جبل وأبي ذر :قد جاء عند الترمذي وغيره من
حديث حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب به ،والصواب في ذلك
ً
مرسل عن رسول للا صلى للا اإلرسال ألنه من حديث ميمون بن أبي شبيب
ً
موصول؛ وهو من جهة المعنى صحيح. عليه وسلم ول يصح
قال عليه الصلة والسلم{ :اتق ّللا َحيث ُ َما كنت} فيه دليل على أن اإلسلم شامل
إلصلح الباطن والظاهر ،العام والخاص في حال اإلنسان ،وأنه ينبغي أن يتقي
والسلم {اتق ّللا َحيث ُ َما كنت} :يعني في كل موضع؛ في الطريق ،في الدار ،في
160
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
السيارة ،في البر ،والبحر ،أثناء البيع ،والشراء ،وغير ذلك ،فيضبط اإلسلم
معاملت الناس.
وتقوى للا هي أن يجعل اإلنسان بينه وبين عذاب للا وقاية؛ فالتقوى :مشتقة
المكفرات من الحسنات التي تذهب السيئات؛ لهذا قال عليه الصلة والسلم
مبينًا هذا األمر{ :وأَتبع السيئة الحسنة تمحها} ففي قوله عليه الصلة والسلم
بعد األمر بتقوى للا أيًا ما كان اإلنسان أن يتبع السيئة الحسنة تمحها فيه
إشارة إلى أن السيئة تقع من اإلنسان و مفروغ منها ول أحد معصوم ،وإنما
أشار إلى تكفير السيئة؛ وهو أن يتبعها الحسنة ،وهذا ظاهر في قول للا جل
ت يُذ له َ
بن الس ليِّئَا ل
ت سنا ل وعلَ ( :وأ َ لق لم الصلةَ َط َرفَي ل الن ل
هار َو ُزلَفًا لم َن اللي لل لإن ال َح َ
ذ للكَ ذلكرى لللذِّا لكرين) وهذا من مكفرات السيئات ،يعني العمل الصالح ،والعلماء
عليهم رحمة للا يقولون أنه كما أن الحسنة تذهب السيئة كذلك فإن السيئة
تذهب ما يقابلها من الحسنات وهذا ظاهر في قول للا جل وعلَ ( :يا أَيُّ َها الذ َ
لين
161
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
للبَ ْعض أَن تَحْ بَ َط أ َ ْع َمالُ ُك ْم َوأَنت ُ ْم َل ت َ ْ
شعُ ُر َ
ون) فلما ذكر إحباط العمل والمخاطب
بذلك أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم دل على أن فعلهم ذلك لم يخرجهم
من اإليمان؛ ولكنه ربما يكون سببًا إلحباط العمل ،كذلك في قول للا جل وعل:
ص َدقَاتلكُم بلا ْل َم لِّن َواأل َذى) ويعني أن اإلنسان إذا (يَا أَيُّ َها الذ َ
لين َءا َمنُواْ لَ تُب لْطلُواْ َ
فعل حسنًا يبطله بما يقابله من منكر يفعله سواء كان بنقيض تلك الحسنة
فعل ً
أو كان بسيئة أخرى يقع فيها اإلنسان؛ ولهذا قد روى اإلمام أحمد في كتابه
المسند من حديث أبي إسحاق عن أمه عن عائشة عليها رضوان للا تعالى أنها
قالت ألم زيد بن األرقم لما تبايع زيد بالعينة( :أخبريه أنه قد أبطل جهاده مع
يعني أن اإلنسان إذا وقع في شيء من أنواع الكبائر أن ذلك يوجب إبطال
ويبطلها بما ينقض تلك الصدقة وهو المن واألذى ،ومعلوم أنه إذا لم
162
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والحالة الثانية :أن يبطلها بذنب آخر؛ كحال الذي يرفع صوته عند صوت
رسول للا صلى للا عليه وسلم ،ربما أبطل صلة أو صيا ًما أو صدقةً أو
لهذا ينبغي لإلنسان أن يحذر من هذا الباب وهو إحباط الحسنات بالسيئات،
وكما أن السيئة تُحبط وتزول بالحسنة كذلك أيضا العكس وفضل للا عز وجل
واسع.
ذكر تقوى للا ومحو السيئة بالحسنة ،فكأنه أشار عليه الصلة والسلم إلى
جملة من التفاصيل فذكر عَا ًّما ثم خصه بخصيصة ،ثم ذكر خصيصة منه؛ فقال:
{اتق ّللا َحيث ُ َما كنت} فذكر تقوى للا جل وعل على سبيل العموم؛ وهي
المتضمنة لجتناب النهي قدر اإلمكان ،وفعل األمر قدر المستطاع :وهذا عام.
ثم ذكر عليه الصلة والسلم بابًا واح ًدا من أبواب التقوى؛ وهو فعل الحسنة،
ثم ذكر بعد ذلك عليه الصلة والسلم خصلة من أعمال الحسنات ،وهي حسن
يظهر إشارة إلى باب التكفير ،فإن أعظم ما يكون في ميزان اإلنسان يوم القيامة
163
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
هو حسن الخلق؛ كما روى الترمذي وغيره :قال صلى للا عليه وسلم :عن أبي
الدرداء رضي للا عنه :أن النبي صلى للا عليه وسلم ،قال( :ما من شيء أثقل
الخلق) .رواه الترمذي وقال :حديث في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن
حسن صحيح
164
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث التــــاسع عشر
علَى أن يَنفَعُوكَ بلشيء لَ ْم يَ ْنفَعُوكَ إلل بلشيء قَد َكتَبَهُ للاُ لَك ،وإلن
اجْ ت َ َمعَت َ
خطئكَ َ ،وا ْعلَ ْم الشِّد لةَ ،وا ْعلَم أن َما أَخطأكَ لَ ْم يَكُن لليُصيبكَ َ ،و َما أ َ َ
صابَكَ لَ ْم يَكُن لليُ ل
تعليــــق الشيــــخ:
إليه ليسمع ما يهمه؛ لهذا قال عليه الصلة والسلم لعبد للا بن عباس{ :يَا
165
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال عليه الصلة والسلم{ :إ لنِّي أُعل ُمك كَل َما ل
ت} ،وهذا كعادة رسول للا صلى للا
عليه وسلم في البيان؛ فإنه يذكر اإلجمال ثم يتبعه جملة من التفصيل؛ فقال عليه
المحدودة ولو كانت بألفاظ معدودة؛ ولهذا يقال تكلم فلن ك للمة أو ك ْلمة ،يعني
يحفظ اإلنسان شرائع للا وأوامره ،أن يأتي باألوامر على وجهها ،وأن يجتنب
النواهي كما جاءت من الشارع الحكيم من غير زيادة في ذلك ول نقصان ،فل
يكلف اإلنسان نفسه ما ل يطيق من اجتناب المباحات ويوغل في ذلك ،فإن هذا
ً
سبيل، مما هو مكروه ،ولكن يدع ما يجره إلى المكروهات ما استطاع إلى ذلك
ويتقلل مما ل بأس به خشية أن يقع فيما به بأس ،وفي هذا إشارة إلى أن
الجزاء من جنس العمل؛ فقوله عليه الصلة والسلم{ :احْ فَظ ّللا َيحفَظكَ ؛ احْ فَظ
ّللا ت َ لجده ت َجا َهك} أي أن للا جل وعل يجازيك بجنس حفظك لل جل وعل و
المراد بحفظ للا لعبده ،يأتي تفسيره؛ فهذه األلفاظ ألفاظ إجمال.
قال{ :احفَظ ّللا ت َ لجد ُه تجا َهك} :والحفظ في هذا اللفظ هو الحفظ في المعنى،
وإنما كرره للحاجة إليه؛ ولتنوع ثواب للا جل وعل وحفظ عبده له.
166
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ت ُ َجا َهك} يعني :تجده أينما كنت من جهة اإلعانة والتوفيق وقوله {تجدْه
والسداد في ظاهر أمرك وباطنه؛ ولهذا اإلنسان يطلب ويسأل للا جل وعل
اإلعانة ،فإذا سأله اإلعانة ُوفق ،وأعظم سؤال اإلعانة لل جل وعل أن يبادر
باإلكثار من أنواع العبادة؛ فهذا متضمن لكفاية للا جل وعل لعبده ،فكلما كان
جل وعل له ،وهذا الحفظ أن يحفظه للا جل وعل من الوقوع في المحرمات
فإن الحسنة كما أنها تذهب السيئة السابقة فإنها تقي كذلك العبد شر سيئة
ثم قال عليه الصلة والسلم مبينًا جملة من صفات أو وسائل حفظ العبد لربه
اإلنسان أمره فيها لل وفقه للا جل وعل ووقاه ،والدعاء بنوعيه؛ دعاء العبادة
ودعاء المسألة ،إن اجتمعا كان اإلنسان من أهل الكمال في باب الحفظ ويكون
سأل ّللا} :السؤال بمعنييه، له الجزاء حينئذ كذلك ،وقوله هنا { َو لإ َذا َ
سألت فا ْ
سؤال العبادة وسؤال المسألة؛ فإن اإلنسان إذا تعبد لل جل وعل بالستغفار
والتوبة والصلة والصدقة فإنه يستجلب بذلك رزقًا ،لهذا جعل للا جل وعل
ً
فضل عن دفع الشرور. الستغفار من مجلبة الرزق ،من األمطار والولد،
167
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
من باب المسألة -من أحد فاطلبه من للا سبحانه وتعالى ،ولهذا كان السلف
الصالح ل يعتمدون إل على للا؛ ولو سقط سوط أحدهم وهو على راحلته نزل
وأخذه بنفسه ،فإن هذا فيه اتكال واعتماد على للا جل وعل وكأن اإلنسان
يكتفي بما وهبه للا من قوة بدنية ،ل يتكل على غيره ،كذلك فإن اإلنسان ولو
ُرزق اإلخلص والتعلق بالل جل وعل ،إذا تعلق بأمر الناس وما في أيديهم
ً
اتكال؛ فابتعد عن التعلق بأمر للا جل وعل استرسل في هذا األمر حتى رزق
شيئ ًا فشيئ ًا حتى تجرد من ذلك؛ ولهذا ينبغي لإلنسان أن يتعلق وأل يستعين إل
قال{ :واعلم أن األُمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيء ،لم ينفعوك إل بشيء
قد كتبه للاُ لك} وهذا من الكلمات التي علمها رسول للا صلى للا عليه وسلم
وفيه إشارة إلى مسألة القدر ،وأن للا جل وعل كتب مقادير الخلئق ،وقسم
سبحانه وتعالى األرزاق ،كما في حديث عبد للا بن مسعود رضي للا عنه
السابق؛ أن للا جل وعل يوكل الملك بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد ،فلما
كان كذلك ،ينبغي للمرء أن ل يعلق أمره في هذا إل بالل سبحانه وتعالى ،وأن
168
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الناس ل يغيرون مما كتبه للا على اإلنسان شيئ ًا ،وبهذا دفع لإلنسان أن يسأل
الكريم سبحانه وتعالى وأن ل يتوجه إلى غيره ،فإذا علمت حقيقة المسؤول وما
لديه من سعة فضل وكرم فإنك تتوجه إليه بأخذ حاجتك وإشباع رغبتك ،وإذا
علمت فقر العباد وحالهم مع للا جل وعل انصرفت عنهم ،ألنك تعلم عجزهم في
هذا الباب ،ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلم بعد ذلك مبينًا عكس هذا
المعنى{ :ولو اجتمعوا على أن يضروكَ بشيء ،لم يضروكَ بشيء إل قد كتبه
األمر األول :الصبر؛ والصبر مجلبة لتكفير السيئات ،وكثير من الناس يظن أنه
إذا نزلت به مصيبة من المصائب ،أنه بذات المصيبة يكفر للا جل وعل عنه
السيئات وهذا من الوهم والغلط ،فإن المصيبة بذاتها ل تكفر وإنما يكفر الصبر
الذي يلي المصيبة ،أما إذا نزلت بشخص مصيبة فشق الجيوب ،وحلق الشعر،
ولطم الخدود ،ودعا بدعوى الجاهلية من نياحة ونحو ذلك ،فإن هذا ل يثاب
ولهذا ينبغي للمسلم إذا نزلت به مصيبة أن يكون من أهل الصبر ،وأما درجة
الكمال في ذلك أن يكون من أهل الرضا ،وقد اختلف العلماء في الرضا هل هو
واجب أم ل على قولين؛ وهما روايتين في مذهب اإلمام أحمد ،والذي يظهر
169
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وللا أعلم أن الرضا ليس بواجب ،بل أن هذا هو المتعين ،فإن الرضا درجة من
الكمال عظيمة ل يدركها إل الخلص ،فإن البكاء ربما ينافي الرضا في بعض
األحيان؛ كذلك األنين والصراخ والتألم من اآللم الموجعة ربما ينافي الرضا؛
والرضا في ذلك أن يظهر اإلنسان استقامة حاله ،وكأنها لم تتغير و كأن للا جل
وعل و ضع وديعته عنده وأخذها منه كسائر المتاع الذي يستودعه الناس فيما
بينهم ،فإذا وضعوه لم يفرح ألنه ليس له ،و إذا أخذوه لم يغضب ولم يحزن؛
ألنهم أخذوا حقهم في ذلك وهذا مقام اإلنسان في باب الرضا ،وهو درجة رفيعة
ل تكون إل للخلص والكُمل من عباد للا جل وعل ،فإذا استحضر اإلنسان أنه ل
يلحق من األذى إل ما كتبه للا جل وعل عليه دعاه ذلك إلى اإلقدام على أنواع
البر ولو كانت محفوفة بالمكارة من األسفار والفرائض إلى أداء الحج والعمرة؛
كذلك الضرب في األرض لطلب العلم و كذلك الجهاد في سبيل للا ،وإن كانت
محفوفة بالمخاطر يعلم أنها من سبل الخير ،وأن للا جل وعل إذا قدر لعبده
ولهذا قال رسول للا صلى للا عليه وسلمُ { :رفلعَت األ َ ْقل ُم و َجفت الصحف} أي:
أن ما كتبه للا جل وعل على عبده ل بد أن يأتيه ،وقد كتبه للا جل وعل قبل
170
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال عليه الصلة والسلم{ :احْ فَظ ّللا ت َ لجده أ َ َمامك ،تَعرف لإلى ِّ
ّللا فلي الرخاء
يتوجه حتى الكفار إلى للا ،وتتضرع حتى البهائم ترفع شكواها إلى للا جل
وعل أكثر من حال الرخاء؛ ولهذا ينبغي للمؤمن أن يترفع عن هذه المعاني من
معاني البهائم ومعاني الكفرة المعاندين الذين إذا نزلت بهم مصيبة دعوا للا جل
وعل مخلصين له الدين ،كحال الكفرة حينما تجري بهم الفلك في البحر وتموج
بهم األمواج يدعون للا جل وعل من غير شرك ،ولكن إذا نجاهم للا جل وعل
إلى البر إذا هم يشركون؛ ولكن المؤمن الكامل تكون حاله في أبواب الرخاء
كحاله في أبواب الشدة ،لهذا يستحيي اإلنسان من نفسه إذا نزلت به مصيبة
وملمة أن يرفع يديه إلى للا ويتذكر حاله قبل ذلك أنه كان من المعرضين عن
للا جل وعل في أمور الفرائض وأمور اإلحسان والكمال والبذل ونحو ذلك،
فإنه لم يقدم لنفسه في مثل هذه الساعات ،فمن عرف للا جل وعل في الرخاء
وقوله عليه الصلة والسلمَ { :واْعلَ ْم أَن َما أ َ ْخ َطأَكَ لَ ْم يَك ُْن لليُ لصيبَكَ َ ،و َما أ َ َ
صابَكَ
لَ ْم َيك ُْن لليُ ْخ لطئ َكَ } متضمن للمعنى السابق أي أن األمور التي قسمها للا جل
صا بل أنها تسير وفق قدر معلوم دقيق قدره للا جل وعل على
وعل ل تأتي خر ً
171
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الخلق سواء في أبواب الخير أو في أبواب الشر ،ولهذا قالَ { :و َما أ َ َ
صابَكَ لَ ْم
َيك ُْن لليُ ْخ لطئ َكَ وا ْعلَم أَن النصْر َم َع الصبر} وأشار إلى الصبر بعد أن ذكر أقدار
للا ِّ
عز وجل لإلنسان ،أي أنه ينبغي أن ل يعلق قلبه فيما هو مكتوب من أمور
الغيب ،ولكن ينبغي أن يأخذ باألسباب ،وما جعله للا جل وعل من أسباب ل
تخالف أسباب الشرع ،فيعمل بها حينئذ إن نزلت به مصيبة؛ وجب عليه أن
يمكن في األرض ل في أبواب الجهاد في سبيل للا ول في أبواب الدعوة إلى للا
ول في أبواب العلم ول في أبواب العمل إل وقد لحقه قبل ذلك من األذى ما يلزم
معه الصبر؛ ولهذا سئل اإلمام الشافعي عليه رحمة للا :أيهما أفضل؟ الرجل
يُمكن ول يؤذى ،أم الرجل يبتلى ثم يمكن؟ قال( :ل يمكن أن يُ َمكن الرجل حتى
يبتلى) يعني أن هذا السؤال ليس بصحيح؛ فل يمكن أن يتمكن اإلنسان في
األرض في أي باب من أبواب التمكن إل وقد ابتلي بنوع من أنواع البلء في
هذا الباب؛ ولهذا القدوة في ذلك رسول للا صلى للا عليه وسلم مع أن للا جل
وعل عصمه من الناس في قوله( :وللا يعصمك من الناس) لحقته أنواع من
172
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
األذية في عرضه عليه الصلة والسلم ،فحادثة اإلفك وقعت بعد ذلك ،والطعن
في رسول للا صلى للا عليه وسلم ،ولمز المنافقين في غزوة تبوك ونحو ذلك؛
كل هذا كان بعد تلك اآلية؛ يعني أن هذا النوع يشترك فيه سائر الناس وهو
من أرحام المحن ،فإذا نزلت في مسلم محنة فليصبر وليتجلد وليعلم أن العاقبة
سرا ً} وهذا متضمن لذلك ،فإن اليسر ل يأتي لإلنسان خاصة { َوأَن َم َع ا ْلعُ ْ
س لر يُ ْ
اليسر العظيم إل وقد ورد عليه عسر قبل ذلك ،وهذا يتنوع بحسب تنوع الغايات
173
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث العشــــرون
اس لمن َكلَ لم النُّبُو لة األُولَى إلذا لَم تَستَحْ ي ل للا ﷺ( :إلن لمما أ َ َ
دركَ النَ ُ س ْو ُل ل
َر ُ
صنَ ْع َما ل
شئتَ ). فا ْ
رواه البخاري.
تعليـــــق الشيــــــخ:
ع لنا ما لم
فيه إشارة إلى قاعدة يذكرها العلماء؛ وهي أن شرع من قبلنا شر ُ
يأت شرعُنا بخلفه ،وهنا رسول للا صلى للا عليه وسلم استدل بما كانت عليه
أمرا باقيًا
النبوة األولى ،يعني بما كانت النبوة قد نزلت به في أول األمر ،فبقي ً
إلى قيام الساعة ،وينبغي أن يُعلم أن ما ثبت في شريعة من الشرائع أنه يكون
قطعًا من شريعة اإلسلم في أحوال ثلثة ،ولو لم يرد شئ في هذا الباب على
174
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وكذلك الصدقة والبر وإعانة المحتاج وصلة الجار وغير ذلك ،فهذا مما تشترك
✓األخبار :ما أخبر به نبي من األنبياء أنه يأتي في آخر الزمان وصح اإلسناد
إليه فإنه ل بد أن يأتي ،فإن نسخ األخبار تكذيب للمخبر ،ول يليق هذا في حق
وقوله عليه الصلة والسلم{ :النُّبُو لة األُولى} إشارة إلى تعدد النبوات كما في
صنَع َما ل
شئْت} الحياء هو ما يدفع اإلنسان إلى فعل وهنا قال { :لإ َذا لَم ت َ ْ
ستَح فا ْ
الخير واإلحسان ،ويصده عن فعل الشر ،وهو وازع النفس أن يستحي اإلنسان
175
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أخرجه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :دعه فإن الحياء ال يأتي إال بخير)،
البخاري ( ،) 7116ومسلم () 36
فإذا نقص حياء اإلنسان فإنه يفعل ما يشاء من المحرمات و خوارم المروءة،
الحياء ،ولهذا ل يؤثر وازع الشرع في كثير من الناس أكثر من وازع الطبع
ووازع الحياء.
وفي قوله عليه الصلة والسلم{ :فاصنع ما شئت} ليس األمر على الترخيص
وإنما المراد بذلك أن هذا تبع لهذا؛ أي أن اإلنسان يرخص لنفسه أن يفعل ما
يشاء من جرم أو فسوق أو فجور فإنه ل يستحيي من خلق للا ،فإن اإلنسان
في باب الحياء لما كان كذلك ،كان كذلك في أبواب شكر الناس؛ فمن ل يشكر
الناس ل يشكر للا جل وعل وهذا فرع عن هذه المسألة؛ فمن كان يستحيي من
وهذا معلوم ومشاهد؛ فمن كان جاح ًدا لفضل أهل اإلحسان ومناقبهم؛ فهو جاحد
لفضل للا جل وعل وإحسانه؛ هذا من جهة الخصيصة وهي خصلة في اإلنسان
يتشعب منها كثير من األعمال مما يتعلق بأمور البشر مهما اختلفت درجاتهم
ومراتبهم.
176
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الحـــادي والعشرون
تعليـــــق الشيــــــخ:
في هذا الحديث اإلشارة إلى أنه ينبغي لإلنسان أن يستنصح غيره من أهل العلم
والفضل والديانة إذا لقيه أن يسأله الوصية ،وأن يسأله أن يعلمه ويذكره
كثيرا ما يأتون إلى رسول للا صلى للا عليه وسلم فيقولون
ً بشيء؛ ولهذا
أوصنا ،يأتون إلى أبي بكر وعمر وعثمان فيقولون :أوصنا حال المغادرة أو إذا
يسأله وصية يحفظها؛ ألن أمثال هذه الوصايا ترسخ في ذهن اإلنسان خاصة إذا
ً
كامل؛ ل أسأل عنه أح ًدا بعدك من أصحابك ،فقال له قل: أي أنني أريد شيئ ًا
{آ َم ْنتُ باِل} :وهذا تقرير توحيد للا سبحانه وتعالى بجميع أنواعه ،فيشمل
177
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال{ :ثُم ا ْ
ست َ لق ْم} :في هذا إشارة إلى أن الستقامة مهمة ،وأن البداءة بالعمل
كل يستطيع أن يقول (اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك) ول أريد أن أعود للذنب
لكن من يثبت؟ ولهذا النبي صلى للا عليه وسلم قال{ :قُل آ َم ْنتُ باِل ثم ا ْ
ست َ لق ْم}
لماذا كانت الستقامة؟ لكن اإلنسان ل يدري متى يقضى له األجل ،ل يدري هل
يأتيه اليوم أو غ ًدا ،فربما كان في يوم من األيام قطع الستقامة فجاءته الوفاة
فيها.
ولهذا المؤمن يكون على الستقامة على سبيل الدوام حتى يكون في مأمن مما
يترقبه من أمر الموت؛ ولهذا حظ رسول للا صلى للا عليه وسلم سفيان بن
عبد للا الثقفي على جانب الستقامة ،وهذا بينه رسول للا صلى للا عليه وسلم
ألصاحبه حينما خط خ ً
طا وتل قوله تعالى( :وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ول تتبعوا السبل) ففيه إشارة إلى التحذير من الطرق أخرى أي :اسلك هذا
السبيل واحذر من غيره ،يعني ل تخرج عنه ألنه ربما طرأ عليك من قضاء للا
178
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثـــاني والعشرون
سأ َ َل النبي
ي ل رضي للا عنه أَن َر ُجلً َ للا األ َ ْن َ
ص لار ِّ ع ْب لد ل
بن َ
للا َجابل لر ل ع َْن أَب ْي َ
ع ْب لد ل
َو َحر ْمتُ ال َح َرا َمَ ،ولَ ْم أ َ لز ْد عَلى َذ للكَ شَيئا ً أَد ُخل ال َجنة؟ قَا َل :نَ َع ْم).
رواه مسلم.
تعليـــــق الشيـــــخ:
هنا في قوله{ :أحلَ ْلتُ الحل َل و َحر ْمتُ الحرا َم} يتضمن معنيين:
ً
حلل؛ وأن ما حرمه للا oالمعنى األول :أن اإلنسان يعتقد أن ما أحله للا
مراتبه؛ مراتب الكفاية يأتي بالواجبات عليه ولو قصر بالنوافل إذا اجتنب
والدعاء والتنفل وغير ذلك؛ حتى يمحو للا عز وجل عنه هذا؛ وهنا فيه
اهتمام الصحابة عليهم رضوان للا بمعرفة الحدود التي تنجيهم والحدود
179
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
التي تغويهم وتهلكهم ،كذلك أي ً
ضا فيه أهيمة معرفة مسائل العقائد؛ ينبغي
oالمعنى الثاني في قوله{ :أحلَ ْلتُ الحل َل و َحر ْمتُ الحرا َم} أن يمتثل
اإلنسان أمر للا فيأتي الحلل ويجتنب الحرام ،يدع الذنوب والمعاصي،
ً
كامل واجتنب ويكتمل إيمان اإلنسان بكامله إذا حقق التوحيد تحقيقًا
180
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثالث والعشرون
لل
للا وال َح ْم ُد ل
ان لس ْب َح َ َ
الميزان ،و ُ لل ت َ ْمأل ُ
ان ،وال َح ْم ُد ل ش ْط ُر ل
اإل ْي َم ل ور َ ﷺ :ال ُّ
ط ُه ُ
ضَ ،والصلةُ نُور ،والص َدقَةُ بُ ْر َهان، -أَو ت َ ْمأل َُ -ما بَي َْن الس َم ل
اء واأل َ ْر ل ت َ ْم ل
آلن
تعليـــق الشيــــخ:
ش ْط ُر ل
اإلي َمان) :المراد بالطهور ور َ
قال النبي عليه الصلة والسلم( :الط ُه ُ
الوضوء واإليمان المراد به الصلة (وما كان للا ليضيع إيمانكم) المراد بذلك
الصلة ألنها الركن الثاني من أركان اإلسلم فسماها للا عز وجل إيمانا ألنها
أعظم األعمال العملية وهي أمارة على صدق إيمان اإلنسان؛ ولهذا جعل التطهر
هو شطر اإليمان أي أنه ل يصح اإليمان إل بهذه الطهارة؛ ولهذا يقول النبي
عليه الصلة والسلم كما جاء في الصحيح( :ل صلة بغير طهور ول صدقة من
وحمد عام:
181
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
oالحمد الخاص أن يحمد اإلنسان ربه جل وعل على نعمة بعينها ،ومن
رحمة للا عز وجل وغناه عن عباده أنه يرضى بالحمدة يحمدها اإلنسان
على نعمة واحدة عظيمة أنزلها أو أكرمه للا عز وجل بها كالطعام
والشراب واللباس والنكاح والمسكن والمركب ونحو ذلك ،يحمد للا عليها
ولو مرة واحدة كفاه عن ذلك خاصة ،ولهذا يقول النبي عليه الصلة
والسلم كما جاء في صحيح مسلم( :إن للا ليرضى عن العبد أن يأكل
األكلة فيحمده عليها ،أو يشرب الشربة فيحمده عليها) يعني إذا جاءك
طعام وجلست على مائدة الطعام فيها شرقي وغربي؛ أتاك من أوروبا
وأتاك من المغرب وأتاك من المشرق ونحو ذلك؛ ثم أتاك بهذا الجهد كله
ثم تقول :الحمد لل ،بعد أكلها أديت شكر هذه النعمة أليس من أعانك
عليها كريم؟
كريم؛ ولكن للا عز وجل أراد منك أن ترتبط بالخالق وأل تنساه فيكلك
للا إلى نفسك ،فإذا وكلك إلى نفسك وكلك إلى أسبابك ولو أتاك بنعيم
الدنيا ألصبح شقاء عليك ،ولو كان للا عز وجل معينا لك أسعدك ولو
بشربة ماء أو خبزة يابسة تضعها في ماء ثم تأكلها ،أنعم للا عز وجل
182
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
oوالحمد العام :هو ما يقوله اإلنسان من ألفاظ الحمد وهو عام على ما
الحمد لل ،سبحان للا والحمد لل وللا أكبر ،وغير ذلك من األلفاظ فهذا
من الذكر العام والحمد؛ الحمد على ماذا؟ الحمد على نعم ل يحصيها إل
للا؛ ولهذا يقول للا عز وجل (وإن تعدوا نعمة للا ل تحصوها) فكيف
أحمد للا على نعمة أنا ل أعرفها؛ لماذا؟ لقصور معرفتي عن إحصائها
عدا فكيف أعرف معانيها وأثرها علي؟ فنعم للا عز وجل عظيمة ،نعمة
سمع وبصر وكلم وصحة ونبض قلب وجريان دم ،وسلمة وكفاية
شرور مما كفاه للا عز وجل ،ودفع أسباب محيطة بك ل تعلم بها تسحق
أي ً
ضا في سجوه ،يجده في ركوعه ،يجده في أدبار الصلوات ،حتى يكون
183
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
سب َ
ْحان ّللا وال َح ْم ُد لل والنعماء هي نعمة تعطاها أو نقمة تكفاها ،قالَ { :و ُ
مآلن أَو تمأل َما َبين الس َماء واألَرض} :تمأل لإلنسان من خير ويؤتاه إياه،
تَ َ
قال{ :والصلةُ نُور} :يعني نور لإلنسان؛ ويدل على هذا ما جاء عند اإلمام
أحمد وابن حبان أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال( :من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى
أي نور في ابن حبان ()5643 نورا ونجاةً وبرهانًا يوم القيامة)
بهن كن له ً
طريقه على صراطه ،نور في الظلمات وغير ذلك حتى يؤمنه للا عز وجل
في الجنة (ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نور ول نجاة ول برهان يوم
قال: نفس المصدر القيامة وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)
الصدقة الواجبة وهي الزكاة؛ وهي ما أوجبه للا عز وجل على اإلنسان من
زكاة ماله وأما الصدقة النافلة؛ ما ينفقه اإلنسان في طريقه ،في ذهابه
ومجيئه على الفقير ،على المسكين ،على المحتاج ،بستر العريان واإلحسان
إلى شخص في طريقه وغير ذلك مما يعين به اإلنسان غيره؛ والمراد بكلمة
(برهان) :أي علمة ودليل واضح على صحة إيمانه وصدقه ونبذ الشح
يعني أن الشح غرسه للا عز وجل في نفس اإلنسان ،أُحضرت يعني أصبح
184
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
تزكيه باإلحسان إلى الغير ،بالصدقة ،بالبذل ،كأنك تسل خيوط هذا الشح حتى
قوة اإليمان وصحته ،وقوله هنا{ :والصبر لضيَاء} :والمراد بالصبر تحمل
بأشياء محظورة وهذا من علمات الصبر ،يعني ل يسب الدهر ول يلعنه ول
يلعن الحظ وغير ذلك؛ ول ينتقم أيضا فاإلنسان الذي يؤذى ويقوم بالنتصار
لنفسه ما صب؛ وفرق بين الصبر والرضا و الرضا واجب أم ليس بواجب؟
اختلف العلماء وهما روايتان عن اإلمام الشافعي وكذلك اإلمام أحمد رحمه
وليس المراد بالرضا هو القناعة بأن هذا من للا؛ ولكن هو انشراح عند
نزول البلء ،وهذه مرتبة ل يدركها كل أحد؛ من يملك أن يجد انشرا ًحا في
صدره عند سلب ماله ،أو وفاة ابنه ،يجد في ذلك انقبا ً
ضا وظلمه وربما بكى
ولكن مرتبة الرضا أن يقول الحمد لل على قضائه ويجد انشرا ًحا؛ ألن هذا
من للا سبحانه وتعالى ،هذه مرتبة لل ُكمل من الناس ومنهم من يقول
بوجوبها ويحملها على معنى آخر ،ومعنى الضياء :هداية لإلنسان وانشراح
علَيك)
صدر ونور في قلبه يورثه للا عز وجل إياه( ،والقُرآن ُحجة لَك أو َ
185
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وإنما كان حجةً لك أو عليك ألن القرآن يفهمه كل من أراد أن يصل إليه،
لسهولة لفظه وسلمة عبارته ووضوح بيانه وجلئه وقوة إحكامه؛ فإن من
أراد الحق فهو واضح ،فإما أن يكون حجة له يوم القيامة أو حجة عليه؛
سه
الناس يغدُو فبا ليع نف َ
ل ألنه أخد بالمتشابه منه فزاغ وضل ،قوله هنا{ :كل
ف ُم ْع لتقُها أو ُمو لبقها} :كأنه جعل الدنيا تجارة ،فك ٌّل ولو كان في بيته هو في
حقيقته غاد كأنه يذهب لتجارة ،فمن الناس من يبيع نفسه لل سبحانه وتعالى
186
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الرابــــــع والعشرون
اري رضي للا عنه عَن النبي ﷺ في َما َي ْرويه ع َْن َر لبِّ له عز ع َْن أَبي ِّ
ذر ال لغفَ ْ
علَى نَ ْف ل
س ْي َو َجعَ ْلتُهُ بَ ْينَ ُك ْم ُم َحر َما ً ظ ْل َم َ وجل أَنهُ قَا َل( :يَا لعبَاد ْ
لي إلنلِّ ْي َحر ْمتُ ال ُّ
لي لإن ُك ْم ت ُ ْخ لطئ ُْو َن لبالل ْي لل َوالن َه لار َوأَنَا أ َ ْغ لف ُر س ْونل ْي أ َ ْك ُ
س ُك ْم ،يَا لعبَاد ْ س ْوتُهُ فَا ْ
ست َ ْك ُ َك َ
علَى أ َ ْف َج لر قَ ْل ل
ب س ُك ْم َو لجن ُك ْم كَانُ ْوا َ لي لَ ْو أَن أَولَ ُك ْم َو ل
آخ َر ُك ْم َو لإ ْن َ ش ْيئَا ًَ ،يا لع َباد ْ
َ
لي لَ ْو أن أَولَ ُك ْم َو ل
آخ َر ُك ْم ص َذ للكَ لم ْن ُم ْل لك ْي َ
ش ْيئَاً ،يَا لعبَاد ْ احد لم ْن ُك ْم َما نَقَ َ
َر ُجل َو ل
ي أ َ ْع َمالُ ُك ْم أُحْ لص ْي َها لَ ُك ْم ثُم أ ُ َوفلِّ ْي ُك ْم إليا َها فَ َم ْن َو َج َد َخي َْرا ً فَليَحْ َم لد َ
للا َو َم ْن له َ
رواه مسلم.
187
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
تعليـــــــق الشيــــــــــخ:
ُم َحر ًما ،فل ت َ َظالَ ُموا} :هذا نداء من للا لعباده لينتبهوا لخطابه سبحانه
وتعالى ،وهذا كثير في القرآن في قول للا عز وجل (يا أيها الذين آمنوا)( ،يا
أيها الناس)( ،يا أيها النبي)( ،يا نساء النبي) ،وغير ذلك من الخطاب الذي
يوجهه للا عز وجل ألقوام أو ألناس أو لعباده ،يريد أن ينتبهوا لمثل هذا
الخطاب ألهميته.
موضعه وهو على نوعين؛ ظلم اإلنسان لنفسه ،وظلم اإلنسان لغيره.
ظلم اإلنسان لنفسه :أعله الشرك ،ثم يأتي بعد ذلك الذنوب والمعاصي
التي تتعلق بحق اإلنسان مع ربه ل صلة للناس فيها ،وذلك كتقصير
بالحقوق اآلدمية.
وظلم اإلنسان لغيره :وهذا على مراتب منه ما يتعلق بالدماء ،ومنه ما
188
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وأحوال في ذلك والناس أيضا من جهة القتل والقتل على مراتب
يتباينون؛ فقتل الصالح يختلف عن قتل المفسد ،وقاتل الكبير يختلف عن
قتل الصغير؛ بحسب الجناية وصفتها وهيئتها وغير ذلك ،وإن كان في
ذاتها من جهة القصاص واحد ،ويستوي في ذلك الناس كما تقدم معنا في
حديث عبد للا بن مسعود لقول النبي صلى للا عليه وسلم { :النفس
بالنفس} ،فدم الرجل والمرأة يتساويان؛ أما جانب الدية فالنفوس ل تباع
في اإلسلم؛ ولهذا بعض الناس يظن أن الدية جزاء النفس ،وهي ليست
جزاء النفس؛ ولهذا يقيسون على الغرامات المالية في الغرب نقول أن
هذا المعنى خاطئ؛ فالشربعة لو اجتمع عشرة رجال على قتل طفلة
يقتلون بها ،إذًا فالنفوس تتساوى؛ ولهذا نقول إن من أعظم الدماء ما
قالَ { :و َج َع ْلتُهُ ب ْينَ ُك ْم ُم َحر ًما ،فل ت َ َظالَ ُموا} للا عز وجل يحرم على نفسه ما
شاء ،وليس ألحد أن يحرم على للا عز وجل ما شاء؛ ولكن للا عز وجل
يحرم على نفسه ما يشاء ويوجب على نفسه ما شاء؛ ولهذا يقول النبي
عليه الصلة والسلم كما جاء في حديث معاذ( :يا معاذ ما حق للا على
189
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
العباد وما حق العباد على للا) ألن للا عز وجل ليس بظلم للعبيد ،ويتنزه
قال{ :فل ت َ َظالَ ُموا} وهذا إشارة إلى أن للا حينما حرم الظلم على نفسه وهو
يتصرف في ملكه ينبغي أن ملكه فيما بينه أن يعدل؛ ألن للا عدل في ملكه
أن اإلنسان إذا لم يهده للا ظل وزاغ؛ ولهذا الذين يستدلون باألمور العقلية
بحال البهائم؛ ولهذا المجتمعات التي ل نور للوحي فيها تجد أنها ضلل،
والمراد بالضلل عدم معرفة الحق من الصواب ،فيبقى اإلنسان متجر ًدا من
أي حقيقة.
أما معرفة األكل والشرب والذهاب والمجيء والمسكن ونحو ذلك هذه
تعرفها البهائم؛ تجد الحيات لها بيوت ،والفئران لها بيوت ،وحتى الضب له
جهة المأكل والمشرب يعرف لذائذ الطعام الذي تصلح له من أول ما يولد،
190
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولكن للا عز وجل ميز اإلنسان بالعقل؛ ولهذا للا عز وجل لما أدخل آدم
وزوجه الجنة كفل له أمرين :أن ل تجوع فيها ،ول تعرى؛ التعري كفله للا
عز وجل له ،وجعله للا عقوبة عصيانه في الجنة( :بدت لهما سوءاتهما)
عقوبة أصبحت حضارة عند المتأخرين ،جعلها للا عقوبة لمن خالف أمره
فهذا انتكاس فطرة؛ جعلوا أنفسهم كحال البهائم ألنهم نحوا الشريعة.
للا الهداية فقط من قلب صادق ،فإذا علم للا صدقك هداك إلى الحق مهما
كنت ومهما بعدت عن للا ولو كنت في بلد ناء ،يحدثني أحد األفاضل أنه
التقى بأحد الدعاة وكان هذا الرجل أوروبيًا؛ يقول :إني كنت أسأل اإلله أن
يوصلني إلى الحق والصواب ،يقول :مللت من النصرانية وأريد الحق ولكن
ووضعت فيها أسماء ديانات حتى البوذية كحال القرعة؛ أريد أن أصل إلى
شيء ،ينجيني من الضيق الذي أجده ،يقول :ثم نثرتها أمامي ثم أخرجت
الورقة فوجدت اإلسلم؛ يقول وأنا اكره اإلسلم؛ أخذت الورق ثم رميت به
وتركت اإلسلم؛ ثم بعد يوم وجدت ضيقًا وحر ًجا ثم كتبت مثلها ثم فتحت فإذا
191
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
هو اإلسلم للمرة الثانية ،يقول والثالثة مثل ذلك .وهو اآلن من كبار الدعاة
ست َ ْهدُونلي} فقط كن صادقًا في طلب الهداية تأتيك الهداية ،تنزل لك من
{ا ْ
السماء ولو كنت في مجتمع كافر مطموس ،يبعث للا عز وجل لك من
ينتشلك إلى الهداية؛ ولكن سبب ضلل البشرية أنها ترى هداية للا بين
للا عز وجل أنزل كتابه وقال فيه( :قل بفضل للا وبرحمته فبذلك فليفرحوا
هو خير يجمعون) :خير لك من دساتير األرض وقوانينها إذا طبقت اإلسلم
كما يريد للا ل كما تريد أنت؛ ولهذا ينبغي لإلنسان أن يكثر من سؤال للا
الهداية إذا خل بنفسه ولم يكن بينه وبين للا عز وجل أحد أن يتجرد لل
ويقول إني اسألك الهداية ،اللهم اهدني ،أكثر دعاء النبي عليه الصلة
جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما
ما اختلفوا فيه اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك) الذي يسمع التضرع
هذا يخجل من نفسه ،هذا نبي وإل رجل من سائر الناس! هذا نبي يسأله كل
ليلة كما تقول عائشة في صلة الليل( :اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك
192
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ينبغي لإلنسان أن صحيح مسلم 339 إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)
قال{ :يا لعبَادلي ُكلُّ ُك ْم َجائلع ،إل َمن أ َ ْطعَ ْمتُهُ ،فَا ْ
ست َ ْط لع ُمونلي أ ُ ْط لع ْم ُك ْم} :وهذا فيه
إشارة إلى أن اإلنسان حتى في رزقه ومعاشه الذي يخرجه للا عز وجل من
األرض إن أحسن أمر األرض ما أحسن إخراج ماء السماء ،فالل سبحانه
يجد غذا ًءا يخرجه من جسده وإنما يخرج للا عز وجل له األمر ،وإذا أراد
للا عز وجل إهلك إنسان أهلكه ولو كان في رزق عظيم؛ ولهذا تجد بعض
لذائذ الطعام ول يستطيع ألنه ممنوع من ذلك ،وأذكر أن أحدا لمن َمن أنعم
للا عز وجل عليه بالخير في الدنيا يقول :وللا ل أستطيع أن آكل من هذه
اللذائذ شيئ ًا ،ألن للا عز وجل حرمني إياها ،وكان يضج من هذا األمر؛ لهذا
نقول أن وجود األشياء ل يعني تلذذك فيها ،وأن للا عز وجل قادر على أن
يحرمك إياها.
193
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
سونلي أ َ ْك ُ
س ُك ْم} وكذلك أي ً
ضا س ْوتُهُ ،فَا ْ
ست َ ْك ُ قال{ :يا لعبَادلي ُكلُّ ُك ْم عَار ،إل َمن َك َ
oأن يكسوا للا عز وجل عب َده ويدله إلى فطرته وإلى أحكامه.
oكذلك أي ً
ضا أن يرزقه للا عز وجل الخير فيكسو فيه عورته.
ست َ ْغ لف ُرونلي أ َ ْغ لف ْر لَ ُك ْم} فيه إشارة إلى إقرار الخطأ من البشر؛ وكأن للا عز
فَا ْ
وجل ل يعاتبهم على ذلك ولكن يطلب منهم الستغفار {يا لعبَادلي إن ُك ْم
ت ُ ْخ لطئ َ
ُون بالل ْي لل َوالن َهار} ما قال ل تذنبون ل بالليل ول بالنهار وذلك أن
لَ ُك ْم} إذا المفقود هو طلب التوبة ،فاستغفر للا عز وجل يغفر للا عز وجل
لك.
ض ل ِّري فَتَض ُُّرو لني َولَ ْن ت َ ْبلُغُوا نَ ْف لعي ،فَت َ ْنفَعُونلي} في
{يا لع َبادلي إن ُك ْم لَ ْن ت َ ْبلُغُوا َ
هذا أن اإلنسان مهما فعل من الذنوب لن يضر للا شيئ ًا ،ومهما تفعل من
الطاعات وتتعبد فلن تنفع للا عز وجل ،نفعك لنفسك وضررك عليها.
إشارةً إلى أن هذه العروض التي بينها للا عز وجل :اسألني أعطيك
194
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
لك ،أمور ل تظن أنك تنفع للا أو تضره في األمرين ،أي أن األمر لك يا ابن
آدم.
احد لمن ُك ْم ،ما َزا َد ذلكَ في ُم ْل لكي شيئ ًا ،يا لعبَادلي لو أن أَولَ ُك ْم َو ل
آخ َر ُك ْم َو ل
ط إ َذا أُد لْخ َل البَحْ َر ،يا لعبَادلي إنما هي أ َ ْع َمالُ ُك ْم أُحْ لصي َها لَ ُك ْم ،ثُم أ ُ َوفلِّي ُك ْم
الم ْخ َي ُ
ل
إشارة إلى كمال للا عز وجل وغناه وافتقار اإلنسان وحاجته؛ ولهذا نقول
195
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الخـــــامس والعشرين
للا ﷺ قَالوا
سو لل ل سا ً لم ْن أَص َحا ل
ب َر ُ ع َْن أَبي َذ ِّر رضي للا عنه قال :أَن أُنَا َ
ص للِّ ْي
صلُّ ْو َن َك َما نُ َ الدثور بلاأل ُ ل
جور ،يُ َ ل ب أَه ُل
سو َل للاَ :ذ َه َ للنبي ﷺ يَ َ
ار ُ
ص َدقَة،
ص َدقَةَ ،ونَهْي ع َْن ُم ْنكَر َ ص َدقَةًَ ،و ُك ل ِّل ت َ ْه لل ْيلَة َ
ص َدقَةَ ،وأ َ ْمر با لل َم ْع ُر ْوف َ َ
س للم.
َر َواهُ ُم ْ
تعليـــــــــق الشيـــــــــخ:
ً
أموال. هنا أهل الدثـــــور الذين رزقهم للا عز وجل
نقول إن العبادة ل يسلبها للا عز وجل من عبد ويجعل عب ًدا يأخذ من
العبادة أفضل من غيره إل وعوض للا المسلوب عبادة أخرى؛ لهذا بعض
196
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الناس يقول فلن لديه أموال وينفق في سبيل للا ،وأنا ل يوجد عندي شيء
نقول :يجعل للا العبادة التي ل تحسنها كتلك العبادة التي أوجدها للا ،فإذا
سلب للا منك المال ل يسلبك الخير؛ ألن مقتضى عدل للا عز وجل أن يجعل
خيرا تناله كما يناله صاحب المال؛ ألن الخير ليس في المال فقط؛
ً عندك
ً
مشلول ل يستطيع القيام ول الذهاب إلى مسجد فاإلنسان إذا عجز مثل أصبح
ول شيء؛ لم ينقطع عنه باب الخير ،تسبيحه وتحميده أعظم من من قيام
القائمين وجهاد المجاهدين ،فيعوضك للا بابًا من الخير تحسنه أنت ،كذلك
اإلنسان إذا لم يكن لديه مال ويرى الناس ينفقون يمنة ويسرة عليه بعبادة
يستطيعها فإن أجرها مثل ذلك األجر؛ لهذا النبي عليه الصلة والسلم لما
شكى له الصحابة قالواَ { :ذ َهب أ َ ْهل ال ُّدثُور باأل ُجور} أهل الدثور؛ أهل
لكن زادوا علينا في األموال ،النبي عليه الصلة والسلم قال ثمة شيء من
المرابحة في المال أنتم أغفلتموه وهو من العمل فقال عليه الصلة والسلم:
197
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يوفقهم للا للنفقة في األموال وهم أهل األموال يحرم للا أقوا ًما هم أهل مال
لهذا يقول النبي كما جاء في صحيح من حديث أبي هريرة( :من قال سبحان
للا وبحمده في اليوم مئة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)
تحط عني الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر! نقول نعم؛ لكن من الذي يوفق
إلى مثل هذا العمل! تجد الحرمان يشابه الحرمان الذي كان في أهل األموال؛
ولهذا كما يوجد منفقون ويوجد ممسكون يوجد في الذكر منفقون ويوجد
ممسكون ،إذًا المسألة مسألة توفيق ليست مسألة إمكانية في وجود العمل،
ولهذا النبي عليه الصلة والسلم كما جاء عن عبد للا بن عباس عن النبي
عليه الصلة والسلم أنه خرج من عند جويرية -وهي أم المؤمنين -وكانت
جالسة في مصلها لصلة الفجر ،ذهب يصلي بناس فما رجع إل ضحى،
فرجع إليها وجالسة في مصلها وفقال عليه الصلة والسلم( :ما زلتي
مكانك الذي تركتك فيه؟ قالت نعم يا رسول للا ،قال النبي :أما إني قلت
أربعة كلمات ثلثة مرات لو وزنت فيما قلت لوزنته قالت وما هن يا رسول
198
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
للا؟ قال :سبحان للا وبحمده ،عدد خلقه ،ورضا نفسه ،وزنة عرشه ،ومداد
وزنت ما تفعله جويرية من طلوع الفجر إلى صحيح مسلم 4344 كلماته ثلث ًا)
إذًا باب اإلنفاق حتى في الذكر يوجد؛ ولهذا نقول أن أبواب الخير مفتوحة
لكل أحد ،إن حرمك للا المال فلك أجر آخر اغتنمه ،كما أن للا عز وجل
وتعالى ل يحرم أح ًدا ويعطي آخر من جهة إمكان الخير ولكن للا يوفق عب ًدا
َان لَهُ أَجْ ر}؛ وهذا غاية عدل للا سبحانه وتعالى ،كما حرم للا
لفي ا ْل َحلَ لل ك َ
199
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســــادس والعشرون
ط األَذى ع لَن
ص َدقَةَ ،وت ُ لم ْي ُ الط ليِّبَةُ َ
ص َدقَةَ ،وبل ُك ل ِّل ُخ ْط َوة ت َ ْم ل
ش ْي َها إللَى الصل لة َ
ص َدقَة).
ْق َ
الط لري ل
تعليــــــــــــق الشيـــــــــــخ:
المراد بالسلمى :عظام اإلنسان سواء في يده أو في باقي جسده ،وكل هذه
عليها صدقة أن تؤدي شكرها ألنها كلها تتحرك ،تؤدي الصلة ،تقوم
ً
عمل؛ لهذا يقول غير بالعمل ،تناول الطعام وهكذا ،كلها يؤدي بها اإلنسان
في طريقك كأنك تقوم بموازنة وجمع رصيد في ذلك حتى أمر الطريق
صا ،تميط
أرشدك إليه النبي عليه الصلة والسلم؛ تحمل أح ًدا تعين شخ ً
األذى ،تسبح ،تهلل ،فهذا من شكر المنعم سبحانه وتعالى ،ولهذا ينبغي
200
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
لإلنسان أن يحاسب نفسه ،و في هذا إشارة إلى جانب المحاسبة حينما أشار
201
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســـــــــابع والعشرون
عن النواس بن سمعان رضي للا عنهما ،عن النبي ﷺ قال( :البر حسن
رواه مسلم.
وعن وابصة بن معبد رضى للا عنه ،قال :أتيت رسول للا ﷺ فقال:
(جئت تسأل عن البر و اإلثم ؟) قلت :نعم؛ قال( :استفت قلبك؛ البر ما
اطمأنت إليه النفس واطمأن اليه القلب ،واإلثم ما حاك في النفس وتردد في
حديث حسن.
تعليــــــــــق الشيـــــــــخ:
هذا الحديث يتضمن حديث أبي هريرة؛ قال رسول للا صلى للا عليه وسلم:
عني أن للا عز وجل أخرجه البخاري ( )5718واللفظ له ،ومسلم ()4418 يمجسانه)
أوجد اإلنسان على الفطرة ولهذا اإلثم ما حاك في نفسك ،وكرهت أن يطلع
عليه الناس ،فتجد اإلنسان يكره أن يطلع الناس عليه أنه يكذب ،أو يسرق
202
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أو يزني أو يشرب الخمر يجد أنه ل يحب أن يدري الناس عنه ،لكن أن
يكون على طاعة بار بوالديه يحب أن يعلم الناس ،يحسن إلى جاره يحب أن
يعلم الناس ،يتصدق يحب أن يعلم الناس هذه فطرة مغروسة على هذا األمر،
ولهذا اإلسلم دين الفطرة ،ولكن تتبدل الفطرة؛ فتجد اإلنسان يحب أن يرى
الناس سوءه ألن الفطرة حينئذ مبدلة فتحتاج فطرته إلى تصحيح حتى يرجع
إلى الصواب.
سنُ ال ُخلُق} تقدم معنا حسن الخلق وفضله في قول النبي عليه
قال{ :البل ُّر ُح ْ
الصلة والسلم{ :اتق للا حيثما كنت ،وأتبع السيئة الحسنة تمحها ،وخالق
الناس بخلق حسن} وأن هذا أعظم مراتب اإلحسان؛ ولهذا يقول النبي
عليه الصلة والسلم كما جاء عن أبي هريرة( :أكثر ما يدخل الناس الجنة
تقوى للا وحسن الخلق) ويقول النبي كما جاء في الترمذي( :ما من شيء
َيط لل َع علَ ْي له الناس} :يعني المعادلة موجودة في داخلك ،فما كرهت أن يطلع
عليه الناس يعني اطلعك عليه ورضاك به ل يعني أن هذا حلل أنظر إلى
الناس.
203
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولهذا بعض الناس يحب أن يكون األمر منه ول يحب أن يكون األمر عليه،
ولهذا لما جاء الرجل للنبي عليه الصلة والسلم فقال( :ائذن لي بالزنا قال
له النبي عليه الصلة والسلم :أترضاه ألمك؟ قال :ل ،قال أترضاه ألختك؟
رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح قال :ل ،قال :كذلك الناس) فل إذًا.
الجانب الثاني بالنسبة لآلخرين :وكرهت أن يطلع عليه الناس؛ إذًا لبد من
النظر إلى هذين الجانبين ،إن اجتمعا على شيء فالفطرة السليمة تؤيده.
عن واصبة بن معبد -رضي للا عنه -قال :أتيت رسول للا -صل للا عليه
ست َ ْف ل
ت قلبك ،البل ُّر وآله وسلم -فقال{ :جئتَ تسأل عن البل ل ِّر؟ قلت :نعم ،فقال :ا ْ
في الصدر -وإن أفتاك الناس وأ َ ْفت َ ْوكَ } يعني وإن قالوا لك هذا حلل وهذا
حرام ما لم يتضح فيه دليل ،طبعًا إذا وضح في ذلك الدليل ليس اإلنسان
بحاجة إلى قول أحد ول أن يرجع إلى التشهي؛ ولهذا تجد الذي يتعامل بالربا
204
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثــــامن والعشرون
للا
سو ُل ل ساريَةَ رضي للا عنه قَا َلَ :و َ
ع َظنا َر ُ بن َ عَن أَبي نَ لجيح العربَ ل
اض ل
ع لة
مع َوالطا َ
للا عز وجل َوالس ل َم ْو لع َظةُ ُم َو ِّدلع فَأ َ ل
وصنَا ،قَا َل( :أ ُ ْو لص ْي ُك ْم بلت َ ْق َوى ل
ضللَة). ت األ ُ ُم ل
ور فإن ك ِّل ُمحدثة بدعة ،وكُل بل ْدعَة َ َو ُمحْ َدثَا ل
تعليـــــــق الشيـــــــــــخ:
لم ْن َها العُيُونُ } إشارة إلى اهتمام النبي عليه الصلة والسلم بجانب األمور
القلبية ،وهذا ما يقصر لألسف الشديد فيه كثير من الناس وخاصة طلب
العلم؛ يهتمون بجانب العلم ،معرفة مسائل الخلف ومسائل التحليل ومسائل
التحريم واألدلة والعلل واألحكام وأقوال العلماء ،ولكن جانب ترقيق القلوب
كثيرا
ً تجد هذا ضعيفًا؛ ولهذا كان النبي عليه الصلة والسلم يتعاهدهم
205
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ويرقق قلوبهم في ال ُج َمع بقراءة سورة ق على المنبر ،ويعظهم عليه الصلة
للا ﷺ
ع َظنَا رسو ُل ل
والسلم ويذكرهم بالل سبحانه وتعالى ولهذا قالَ { :و َ
تدمع عينه وأن يوجل قلبه من للا سبحانه وتعالى ،وأن يذكر غيره بعظمة
للا وضعف اإلنسان ،ووجوب أن يتقي للا سبحانه وتعالى ،ولهذا العين التي
ل تدمع من للا جل وعل عين محرومة ،والعين التي تدمع من خشية للا عز
وجل عين محفوظة بحفظ للا سبحانه وتعالى؛ خاصة في جانب السر ،النبي
عليه الصلة والسلم يقول( :سبعة يظلهم للا في ظلهم وذكر منهم رجل ذكر
فالدمعة في أخرجه البخاري ( ،)4894ومسلم ()5975 للا خاليا ففاضت عيناه)،
العلنية ممكن أن تخرج ،لكن في السر أل يكون بينك و بين للا أحد فتذكرت
عظمة للا ثم دمعت العين هذا علمة على قوة اليمان ،هل وجلت من أحد؟
هل خفت من أحد؟ هل تذكرت هيبة أحد؟ تذكرت عظمة للا عز وجل فنزلت
الدمعة ،هذا دليل على صدق العبد مع ربه لهذا ينبغي لإلنسان أن يكثر من
عبادة السر ،أكثر الناس يشكو من الرياء والسمعة وأن اإلنسان يجد قربًا
من للا عند الناس ويجد بع ًدا إذا خل بنفسه ،السبب أن ليس له عبادة في
السر ول يحرص عليها على اإلطلق ،وقد رأيت أكثر الذين يشكون من
ً
سؤال هل لديك عبادة الرياء ويخافون منه ويقول أنا أعاني من الرياء أسأله
206
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
في السر ل يعلم عنها أحد؟ ل تعلم عنها الزوجة ل يعلم عنها األولد ول يعلم
فعمل السر يزكي ويطهر عمل العلنية فل يشكو اإلنسان مرض قلبه إل أنه
في السر معدوم العبادة؛ ولهذا الذين يستقيمون ثم ينتكسون هؤلء من
جهة عبادة السر معدومون ليس لديهم شيء في السر ،فرجعوا من جهة
الحقيقة علنيةً إلى ما كانوا عليه في السر ،لم يتغيروا هم من جهة الحقيقة؛
يذكر للا ،إذا كنت في سيارتك ،إذا كنت في طريق ،إذا كنت في زقاق صغير
سا
ل يوجد أحد وخلوت اذكر للا سبح وهلل ،إذا كان عندك صديق وكان جال ً
عندك ثم غادر ،اذكر للا ألنه ل يسمعك بذلك إل للا سبحانه وتعالى؛ لهذا
الموعظة أنها موعظة شخص مودع؛ يعني قد قرب منه األجل ،ألنها ليست
على نسق المواعظ التي كانوا يذكرونها من النبي عليه الصلة والسلم،
فيها مزية ،فخشوا أن يكون هذا من آخر عهدهم بالنبي عليه الصلة
207
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والسلم ،ولهذا قالوا يا رسول للا (كأنها موعظة مودع فأوصنا) والوصية
هي ما يكتبه اإلنسان ويريد عمله بعد موته فكأنهم فهموا إلما ًحا من النبي
عليه الصلة والسلم أنه قد دنا في ذلك األجل فأوصى غيره؛ فهذا حرص
النبي على أصحابه واستقامة أمرهم و الوجل عليهم والخوف عليهم بعده
وهي أعظم وصية أوصى للا عز وجل بها نبيه عليه الصلة والسلم فقال:
(يا أيها النبي اتق للا) وبعض الناس حينما تقول له اتق للا يوجل؛ ويقول
ماذا صنعت؟ لست أتقى ول أعلم بالل ول أورع من نبيه عليه الصلة
والسلم؛ ولهذا إذا قيل لك اتق للا قل :ونعم بالل واسأل للا عز وجل أن
يرزقك الخشية والتقوى ،وهي أن يجعل اإلنسان بينه وبين عذاب للا وقاية.
علَ ْي ُك ْم َ
عبْد} :وهنا فيه إشارة إلى أهمية جماعة إن تَأمر َ
ع لة َو ْ
{ َوالس ْم لع َوالطا َ
المسلمين ،يقول النبي عليه الصلة والسلم كما جاء في المسند والسنن:
(ما من ثلثة في قرية ول بدو ل يؤذن فيهم ول تقام فيهم الصلة إل
يسير.
208
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولهذا ما ضعفت األمة إل حينما تقسـمت وأصبـحت دويلت ،ونشأت فيه
التفاهات؛ أصبح أهل البلد الفلني يتهكم بأهل البلد الفلني ،يتهكم بلغته،
يتهكم بزيه ،يتهكم بلهجته ،يتهكم بحاله ،ونحو ذلك ألن الهدف األسمى ما
تكوين ولية للمسلمين يجتمعون تحتها فأوصى النبي عليه الصلة والسلم:
(عليكم بالسمع والطاعة) وذلك لمن وله للا عز وجل األمر أي قدر وسعكم
وإمكانكم وإن تأمر عليكم عبد؛ يعني ما دام يأمركم بأمر للا ل تأخذكم
تنازلوا لكل شيء شريطة جمع المسلمين على دين للا سبحانه وتعالى.
ش لم ْن ُك ْم فَ َ
سيَ َرى اختللفا ً كَثيرا ً} يعني أنا آمركم بالطاعة قالَ { :وإلنهُ َم ْن يَ لع ْ
وأعلم أن ثمة خلف؛ ل آمركم بالطاعة وأنتم تظنون أن األمر على ما أنا
عليه؛ أي عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد؛ يبدر في أذهان
البعض مثل هل سيحدث شيء؟ نعم( ،وإنه من يعش منكم فسيرى اختلفًا
كثيرا) يعني مع ذلك عليكم بالسمع والطاعة ما اجتمعتم على أصل أمر للا
ً
شد َ
لين سن لة ال ُخلَ ل
فاء الرا ل ينزع واألمر الذي يجتمع عليه؟ {فَعَل ْي ُك ْم ب ُ
سنتلي و ُ
209
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
المهديين من بعدي؛ يعني وإن أُمرتم فعليكم بالطاعة إل في معصية للا فإنه
ل طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولهذا حينما أشار النبي عليه الصلة
ش لم ْن ُك ْم فَ َ
سيَ َرى اختللفا ً كَثيرا ً يعني حتى في والسلم قالَ :وإلنهُ َم ْن يَ لع ْ
سن لة ال ُخلَ ل
فاء معصيتك نسمع ونطيع؟ فأراد أن يبين( :فَ َعل ْي ُك ْم ب ُ
سنتلي و ُ
ت األ ُ ُم ل
ور؛ فإن كل بدعة ضللة} تقدم معنا هذا أي ً
ضا في { َو لإيا ُك ْم َو ُمحْ َدثَا ل
210
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث التــــــــاسع والعشرون
علَى َم ْن
سيْر َ ال َجنةَ َويُبَاعدني من النار قَا َل( :لَ َق ْد َ
سأ َ ْلتَ ع َْن ع لَظيْم َو لإنهُ لَيَ ل
سنَ ل
ام له؟ [السجدة ]53-54:ثُم قَا َل :أَل أ ُ ْخ لب ُركَ لب َرأْ لس األ َ ْم لر َو َ
ع ُمو لد له َوذ ْلر َو لة َ
ذروةُ
ع ُمو ُدهُ الصلةُ َو َ
سل ُم َو َ
اإل ْ سو َل للال ،قَا َلَ :رأْ ُ
س األ َ ْم لر ل قُ ْلتُ :بَلَى يَا َر ُ
للا.
سو َل ل الج َها ُد ثُم قَا َل :أَل أُخ لب ُركَ لب ل
ملك َذ للكَ ُك للِّ له؟ قُ ْلتُ :بَلَى يَا َر ُ سنَ ل
ام له ل َ
صا لئ ُد أَل ل
سنَ لت له ْم). قَا َلَ :
علَى َمنَ ل
اخ لر له ْم إلل َح َ
تعليـــــــــق الشيــــــــــخ:
211
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
هذا الحديث فيه حرص أصحاب رسول للا صلى للا عليه وسلم على معرفة
من سبل الزيغ والهلك ،وأعظم نجاة اإلنسان نجاته من النار ،وأعظم ما
يأتيه وصوله الجنة؛ وذلك أن أعظم البر هو الذي يوصل للجنة ،وأعظم
الفجور هو الذي يوصل إلى النار ،ولهذا قال عليه رضوان للا{ :أَخ لبر لني
دخلُني ال َجنةَ َويُبَاعدني من النار} وفي هذا الحديث إشارة من معاذ بن
بلعَ َمل يُ ل
جبل إلى أن النبي صلى للا عليه وسلم إنما هو مبلغ عن للا ولهذا قــــــــال:
{أَخ لبرنلي} مما يدل أن األمر هو إخبار عن للا جل وعل ،يأخذه رسول للا
األعمال ليست مشقتها بالعمل وإنما بالهمة ،فالل عز وجل يجعل همة
اإلنسان قوية فيستسهل األعمال الصعاب ،ويجعل للا عز وجل همة اإلنسان
وصاحب قوة وعبادة ،وهمة في التحصيل وأعمال البر والخير وإعانة الناس
212
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ودللتهم إلى طرق الهداية والرشاد؛ و من الناس من يعجز عن عمل واحد
ويفتر من أول الطريق؛ ولهذا نقول أن للا عز وجل إذا كان عونًا لإلنسان،
سدده وأعانه وثبته ورزقه قوة؛ ولهذا النبي صلى للا عليه وسلم كان أشد
الناس ثبات ًا ويقينًا بطريقه وذلك لتثبيت للا سبحانه وتعالى له.
قال مبينًا له أول هذا األمر العظيم من جهة المعنى واليسير على من يسره
األمور البينة ما جمع فيه األمر مع النهي عن ضده؛ فإذا أمرت بشيء
ونهيت عن ضده فإن هذا أعلى درجات التأكيد ،فإذا قلت لبنك اذهب إلى
المسجد ول تذهب إلى اللعب فهذا دليل على التأكيد؛ وإذا قلت له اذهب إلى
المسجد ولم تنهه عن شيء آخر؛ فإن هذا من جهة األمر والتأكيد مرتبة
ش ْيئَا} ولهذا نعرف مراتب المأمورات في الشريعة على هذا النحو ،فالل
لب له َ
عز وجل أمر بتوحيده{ :أقيموا الصلة} وقال النبي( :إلى أن يوحدوا للا)
كما جاء في البخاري لما بعث للا معاذًا إلى اليمن ،فالتوحيد آكد من الصلة
213
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فكلها من جهة صيغة األمر "ٱفعل" فنعرف قيمة أمر أكثر من غيره؛ نجد أن
دائ ًما النهي عن ضدها مقترن باألمر؛ لهذا فالصلة من جهة التأكيد واإللزام
دون التوحيد؛ وإن كانت الصلة ركنًا من أركان اإلسلم وهي الركن الثاني
اإلنسان شرك شيئا بشئ من جهة العمل أو القول؛ فأشركتُ فلنًا في نصيبه
أو حظه أو ماله؛ ولهذا تسمى الشركات المالية شركات؛ لوجود شراكة فيها؛
ولهذا الذي يشرك مع للا عز وجل غيره فهو كافر بالل سبحانه وتعالى؛
أركان اإلسلم الخمسة؛ وتقدم معنا هذا في حديث عبد للا بن عمر وحديث
أبي هريرة ،والمراد بالصلة هنا هي الصلوات الخمس؛ وقد جاء عن النبي
عليه الصلة والسلم القول بكفر التارك لها قال( :بين الرجل وبين الشرك
214
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وقوله( :العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن صحيح مسلم 84 ترك الصلة)
أما بقية األركان فجماهير رواه الترمذي ،والنسائي وابن ماجه تركها فقد كفر)
العلماء أن تاركها ل يكفر؛ وتارك الصلة وقع خلف عند العلماء ،ونجد أن
األقوال بالكفر عن الصحابة والتابعين كما جاء من حديث حماد بن زيد عن
أيوب أنه قال( :ترك الصلة كفر ل نختلف فيه) والخلف في ذلك في الكفر
هل هو األكبر أم األصغر كما أشار إلى ذلك دمحم بن نصر المروزي في كتابه
"تعظيم قدر الصلة" وأما بقية األركان فل يكفر تاركها ولكن يكفر جاحدها
بالتفاق؛ فالذي يقول ليست بواجبة يختلف عن الذي يتركها؛ فالذي يجحد
وجوب الزكاة ولو أداها كفر؛ ألنها ركن معلوم من دين اإلسلم بالضرورة.
عذاب للا سبحانه وتعالى؛ وفضل الصوم عظيم ،ولهذا يقول للا جل وعل
كما في الخبر القدسي (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إل الصوم
فإنه لي وأنا أجزي به) وإضمار الثواب أعظم من بيانه؛ يعني الثواب عندي
ً
وتحفيزا لإلنسان أن يقبل عليه. خبأته له تعظي ًما
وذكر هنا أبواب الخير مما يدل على أن الخير له أبواب وليس بابًا واح ًدا،
وهذا التنوع في أبواب الخير رحمةً من للا عز وجل بالخلق؛ ولهذا تجد
215
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بعض العباد لديه همة وحب لنوع من أنواع العبادة كالصلة؛ فإذا كانت
فيوجد في ذلك ثقل من جهات :منها أن النفس تمل؛ ولهذا النبي عليه الصلة
والسلم يقول كما جاء في الحديث (مه عليكم من األعمال ما تطيقون فإن
الشيء ،ولهذا للا عز وجل رحم ضعف البشر فنوع أنواع العبادة حتى
عا من
يغيروا فيها؛ لهذا تجد العبادات تتباين وتختلف في اليوم ،فتجد نو ً
التغيير ،حتى يجد اإلنسان في ذلك تروي ًحا؛ وهذا للا عز وجل فطر عليه
اإلنسان ،تجد أن الصيف ليس على دوام ،والشتاء والشمس كذلك ،وإنما
يغاير للا عز وجل بين هذا وهذا؛ وتجد اإلنسان يحب األمطار فإذا كثرت
أحب الشمس ،فإذا جاءت الشمس أراد األمطار؛ ولهذا يقول الشاعر:
216
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فاإلنسان ل يعجبه شيء؛ يحب الصيف ،فإذا دخل الصيف أراد الشتاء ،وإذا
دخل الشتاء قال أريد الصيف ،ويدخل في هذه الدوامة التي هي أمر فطري؛
ولهذا للا عز وجل نوع أبواب الخير مواكبة لفطرة اإلنسان ،فجعل الصيام
أجورا عديدة؛ حتى يكتسب اإلنسان من الخير؛ ولهذا قال النبي عليه
ً بها
الصلة والسلم{ :أل أدلك على أبواب الخير} فذكر أبوابًا يستطيع اإلنسان
أن يأخذ منها وينوع في أمور العبادة؛ لهذا تنوعت زمنًا ،ومكانًا ،وصفةً،
استثناه الشارع ،فتصلي في الليل وفي النهار ،إذا وجدت همة صليت من
يجد ً
ثقل من اإلكثار من الصلة ولكن يجد فيه حبًا للصيام وحبًا لذكر للا أو
قراءة القرآن ،أو اإلحسان إلى الجار أو إعانة الناس ونحو ذلك؛ لهذا جعل
الرحمن لهذا جعل للا مواسم سنوية كحال الصيام؛ فتجد الناس يتشوقون
للصيام إذا جاء ويستعدون للعبادة وللصلة ولتفطير الناس ،فالل جعله حوليًا
217
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
حتى يتشوق اإلنسان إليه ،لكن لو كان مستدي ًما ربما ترك سنة كاملة أو
السنة حتى ينتظره فإذا جاءه صامه كله؛ وهذا رحمة من للا سبحانه
وتعالى.
آثار على اإلنسان؛ ومن آثارها شؤم المعصية التي تطرأ على اإلنسان وذلك
من ظلمة القلب والوجه ،وعدم التوفيق وحرمان الرزق ونزول المصائب،
ولهذا اإلنسان يفعل العمل ويمحو السيئة ليمحو آثارها؛ فالمصائب التي تنزل
على اإلنسان بسبب ذنبه ،فإذا محا الذنب الذي يتسبب في المصيبة لم تقع
الصدقة وغيرها حتى ل تتسبب بأشياء ،وكأنه يدفع أسباب البلء الذي ينزل
عليك الخطيئة ،لم تطفئ الخطيئة عليك أشياء مما تحب ،وما ينزل على
218
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
اج لع)
ض لف الل ْي لل ثُم تَل( :تَت َ َجافَى ُجنُوبُ ُه ْم ع لَن ا ْل َم َ
صلةُ الر ُج لل فلي َج ْو ل
قالَ { :و َ
فعظمت صلة الليل على صلة النهار؛ ألنها سر بين العبد وبين ربه قلما
عز وجل من العلنية؛ ولهذا كانت نافلة الليل أعظم من نافلة النـــــهار
وكانت الفجر أعظم من بقية الفرائض؛ ألنها في موضع خفاء ،وتكون ثقيلة
على اإلنسان ولهذا نقول :إن للا عز وجل ذكر في الخبر في حديث السبعة
الذين يظلهم للا في ظله يوم ل ظل إل ظله( :ورجل ذكر للا خاليا ففاضت
عيناه) و(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم يمينه ما أنفقت شماله)
كانت أعظم عند للا سبحانه وتعالى ،وذلك ألنه آثر مدح للا وحده على مدح
العالمين ،وهذا غاية في قوة اإليمان ،ولهذا حث النبي عليه الصلة والسلم
على صلة الليل؛ فالصلة في جوف الليل يعني في وسطه؛ وأعظم صلة
219
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
تدخل في بوابة اإلسلم؛ ليس لك أن تصلي وتصوم وأنت مشرك تطوف على
القبور ،أو تذبح عندها من دون للا سبحانه وتعالى ،البوابة في ذلك أن تعلن
ل تنفعه األطراف ،ولهذا جعل رأس األمر اإلسلم لهذا الكافر مهما يعمل من
بر ل يقبله للا منه؛ ألنه أحبط عمله (ومن يكفر باإليمان فقد حبط عمله)؛
شا؛ فبقدر الراية ويظهر به األمر؛ فإذا زال العمود أصبح البناء ساق ً
طا أو ه ً
ضعف الصلة بقدر هشاشة دين اإلنسان؛ ولهذا َما من نبي أرسله للا جل
وعل للناس إل وأمرهم بالصلة ،ألنها أعظم المثبتات للعبد ،ألنها عمل دائم؛
كالصلة؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلة والسلم( :مروا أبناءكم بالصلة
لماذا وهم أبناء سبع سنين؟ ألن الصلة ثقيلة؛ ل إرواء الغليل 463 لسبع)
يتوطن عليها الشخص إل بعد مجاهدة؛ ولهذا كثير من الذين يشكون عدم
طاعة أبنائهم لهم بعد بلوغهم بأداء الصلة؛ هم الذين قصروا قبل األبناء
بعدم األمر ،ومن طبق دين للا بأمر الصبيان بالصلة وهم سبع ل يمكن إذا
220
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
كان يأمره ويمتثل الشريعة كل يوم يأمره بالصلة حتى لو لم يجب ،لبد أن
ويضربهم عليها في العشر ،وهم فرطوا في األمر األول؛ فيتوجه األمر في
ثلث سنوات أكثر من خمسة آلف أمر ،أل يصل بعد ثلث سنوات إلى
المتثال! يصل إلى المتثال؛ ولهذا ل يجوز لولي أمر الصبي أن يضربه وهو
بين السابعة والعاشرة ،ويحرم أن يمد عليه يده؛ ولكن ألن الصبي إذا أمره
أبوه في هذه المرحلة لبد أن يتمثل؛ فربما يغيب لكن ل يمكن أن يمر عليه
أكثر من خمسة آلف أمر؛ في ثلث سنوات أن يحتاج إلى ضرب إذا امتثل
أمر للا عز وجل في ثلث سنوات ،ولكن التقصير يكون أول األمر من ولي
األمر ثم يكون بعد ذلك يحاول أن يجبر تقصيره بعقاب الصبي ،ولهذا جاءت
الشريعة بنظام يحفظ للصبي أمره ،ويؤدي الكبير فيه أمانته ،لهذا حينما
كلفة إل من رحمه للا عز وجل؛ ألنها على سبيل الستدامة ،وتحتاج إلى
تحر ومرابطة؛ ولهذا قال النبي عليه الصلة فيمن ينتظر الصلة بعد الصلة
في المسجد( :فذلكم الرباط) ،كحال الجهاد؛ وهذا يدل على شدتها وأهميتها.
221
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الج َها ُد} ،فالجهاد في سبيل للا ذروة سنام اإلسلم؛ وذلك أن
ام له ل ذروةُ َ
سنَ ل { َو َ
ذروة السلم هي العلو؛ وبها الرفعة وبها قوة اإلسلم؛ وما تركت األمة
عدوا يستبيحها
ً الجهاد في سبيل للا إل سلط للا عليها ً
ذل؛ وسلط للا عليها
المتأخر بعد تفكك دولة اإلسلم إلى دويلت؛ فأصبح كل منشغل بنفسه
وأصبح الناس بعد أن انشغلوا عن األمر األسمى وهو توحيد للا عز وجــل
نشر التوحيد و حماية بيضة اإلسلم ،وما يرزق للا عز وجل به أمة
المسلمين من رغد عيش ونعيم ،ونزع الخلف الذي يكون بين المسلمين من
الداخل؛ ألن األمة المسلمة إذا انشغلت بعدوها اتحدت من داخلها؛ ولهذا نجد
يقاتلونهم فاختلفوا؛ عرفوا المسلمين بما يسمى بالتسامح وهم يجلدون فيهم
المسلمين فيما بينهم أكثر من غيرهم؛ وانشغالهم بالتقاتل على الثروات فيما
بينهم والمصالح الشخصية؛ فيبيع الرجل أخاه ألجل الدنيا ألنه ليس لهم عدو
222
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
أعظم؛ ولهذا دولة اإلسلم في الصدر األول لما كان لديهم عدو أعظم؛ ل
يوجد خلفات ،وكلما نزل مستوى عدم وجود عدو أعظم تجد اإلنسان يختلف
من الداخل؛ كأهل الحي إذا لم يكن لهم عدو تكاثفوا فيما بينهم ،تجد األسرة
متكاثفة ألنها تدرك المخاطر فيما حولها؛ وإذا أمنوا عدوهم الخارجي تجد
الشريعة ألن فيها وحدة األمة ،وهذه معادلة ،وانظروا إلى قرون التاريخ ل
يوجد وهن في األمة إل وفي الزمن الذي ل يوجد فيه جهاد؛ ول يمكن أن
ون بل َما نَتَكَل ُم بل له؟ فَقَا َل :ث َ لكلَتْكَ أ ُ ُّمكَ يَا ُمعَاذُ.
للا َوإلنا لَ ُم َؤا َخذُ َ
للا( ،قُ ْلتُ :يَا نَبلي ل
صائل ُد
اخ لر له ْم لإل َح َ علَى ُو ُجو له له ْم أَو قَا َلَ :
علَى َمنَ ل اس فلي الن لار َ َو َه ْل يَك ُّ
ُب الن َ
أَل ل
سنَ لت له ْم) بعني مما يدخل اإلنسان به النار هو هذا اللسان ولهذا تجد أن ما
من كبيرة إل وبدايتها من اللسان ،حتى الربا فيبدأ بالعقود ،وكذلك القتل يبدأ
223
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
بالخصومات بالسب والشتم ،ثم يصعد حتى يقع في قتل النفس كذلك أي ً
ضا
باللسان ،ولهذا حذر النبي عليه الصلة والسلم من إطلق اللسان في
224
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثلثـــــــــــــون
للا ﷺ
سو لل ل بن نَا ل
شر رضي للا عنه عَن َر ُ ي ل ُجرث ُ ل
وم ل ع َْن أ َ لب ْي ث َ ْعلَ َبةَ ال ُخ َ
شنل ِّ
ض ليِّعُو َهاَ ،و َحد ُحدُو َدا ً فَل ت َ ْعتَدُو َها َو َحر َم
ض فَل ت ُ َ
ض فَ َرائل َ
للا فَ َر َ
قَا َل( :إلن َ
ع ْن َها).
َ
تعليـــــــــــق الشيــــــــخ:
أن للا سبحانه وتعالى قد بين هذه الفرائض وحد الحدود ورسم معالمها،
فليس لإلنسان أن يقول أني أجهلها؛ فالل عز وجل قد جعلها محكمة بينة
ظاهرة؛ ينبغي لألمة أن تؤدي األمانة والرسالة كما فرضها للا عز وجل.
ض فَل ت ُ َ
ض ليِّعُو َها} :يعني ل تفرطوا فيها والفريضة ما ض فَ َرائل َ
{ ان للاَ فَ َر َ
{ َو َحد ُحدُو َدا ً فَل ت َ ْعتَدُو َها} يعني رسم لكم معال ًما؛ أي ل تعتدي على حد
غيرك؛ فالحد الذي لك بالنسبة للمباح فل تعتدي على حرمات للا ،ولهذا
225
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يقول النبي عليه الصلة والسلم( :الحلل بين والحرام بين وبينها أمور
ولهذا ذكر للا عز وجل أخرجه البخاري ( ،)14ومسلم ( )5100واللفظ له مشتبهات)
مجموعة من الحدود وقال( :تلك حدود للا فل تعتدوها) حينما يرسم للا عز
وجل ح ًدا من الحدود فل يجب عليك أن تعتدي عليها ،فإن اعتديت عليها فقد
{ َو َحر َم أ َ ْ
شيَا َء فَل ت َ ْنت َ لهكُو َها} يعني :ينبغي لإلنسان أن يصون محارم للا
سبحانه وتعالى وصيانة هذه المحارم ببيان معالمها؛ كما تقدم معنا في
صحيح مسلم 51 الحديث( :قال يا رسول أرايت إذا أحللت الحلل وحرمت الحرام)
أول انتهاك المحارم هو التعدي على ما حرمه للا بالتحليل ،وهذا أعظم ما
ينبغي أن يحذر منه العلماء و الدعاة إلى للا؛ أن يحذروا من تحليل الحرام
ومن تحريم الحلل؛ وهذا كما فعله بني إسرائيل حين بدلوا دين للا سبحانه
وتعالى ،ينبغي للعالم بأمر للا عز وجل أن يبين الحق للناس ول يبيع دينه
ألجل حظ النفس أو لقول فلن أو نحو ذلك ،ولهذا يقول للا عز وجل عن
بني إسرائيل( :اتخدوا أخبارهم ورهباتهم أربابا من دون للا) وعن عدي بن
حاتم الطائي رضي للا عنه قال( :أتيتُ النبي ﷺ وفي عنقي صليب من
226
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
س ْب َحانَهُ سي َح اب َْن َم ْريَ َم َو َما أ ُ لم ُروا لإل لل َي ْعبُدُوا لإلَ ًها َو ل
احدًا َل لإلَهَ إلل ُه َو ُ ّللا َوا ْل َم ل
ل
يحر َ
مون ما ُون﴾) فقلتُ له :إنا لسنا نعبدُهم ،قال ﷺَ " :
أليس ل ِّ عَما يُش لْرك َ
وجل يقول( :إن الحكم إل لل أمر أل تعبدوا إل إياه) ،ولهذا الذي يفرط في
إمر للا عز وجل ويقوم بقلب الموازين بإحلل الحرام وتحريم الحلل ،خالف
لنفسه بأنها حلل ،أو يبحث عمن يحلله لها حتى يبتعد عن نقد الناس؛
فنقول :قل اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك واطلب للا المغفرة خير من أن
تفعل المعصية وتقوم بتحليلها ألجل أن تطمئن نفسك؛ فاإلنسان يعصي للا
عز وجل لكن يجب عليه أن يتقي للا عز وجل ،أل يبدل دين للا عز وجل
ألن هذا تبديل ،وذاك فعل مجرد خاص بك تسأل للا عز وجل العفو
والغفران ،ول تجعل ألحد ذنبًا يتعلق بعنقك أنك أحللت له ذلك األمر.
227
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
سيَان فَل ت َ ْب َحثُوا َ
ع ْن َها}؛ ينبغي شيَا َء َرحْ َمةً لَ ُك ْم َ
غي َْر نل ْ سكَتَ ع َْن أ َ ْ
قالَ { :و َ
للنسيان ،تعالى للا عز وجل عن النسيان؛ لكن رحمةً باألمة ،فل ينبغي لهم
أن يبحثوا عنها؛ فنقول إنها تبقى على أصلها ،وذلك مرده إلى األصول؛
اإلنسان إل بعقود ،أما بالنسبة لألكل والمساكن فاألصل فيها الحل؛ فيذهب
اإلنسان للبر ويسكن أينما شاء ،ويشرب مما شاء ،ويأكل ،ويلبس مما شاء
شريطة أل يكون مل ًكا لغيره فينتزعه منه ،فيكون حينئذ محر ًما إذا نزعه
بغير حق.
228
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الحادي والثلثون
سهل السا لعدي رضي للا عنه قَا َلَ :جا َء َر ُجل إللَى
بن َ ع َْن أَبي العَباس َ
سع لد ل
َوأَحبني النَ ُ
اس؟ فَقَا َل( :از َهد في الدُّنيَا يُ لحبكَ للاُ ،واز َهد في َما لعن َد الن ل
اس
تعليـــــــــق الشيــــــــــخ:
ً
قبول؛ لكن ذلك في هذا أن اإلنسان يحب أن يُ َحب من الناس وأن يكون له
القبول ل ينبغي أن يقدم على محبة للا عز وجل و ل على رضى للا سبحانه
وتعالى ،ولكن يحب اإلنسان أن يحمد بعمل ،أو أن يحمد ببر ،أو أن يحمد
بلباس ونحو ذلك؛ ولهذا قيل للنبي عليه الصلة والسلم :الرجل يحب أن
يكون نعله حسنًا و ملبسه حسنًا فقال النبي عليه الصلة والسلم( :إن للا
أخرجه مسلم في صحيحه ،وأحمد في مسنده ،والحاكم في مستدركه جميل يحب الجمال)،
يجعل الناس يحبونه ألجل معصية ،فإنه إذا التمس رضا الناس بسخط للا
سخط للا عليه وأسخط عليه الناس؛ فرضا الناس غاية ل تدرك؛ ألن الذي
يرضي هذا يغضب ذاك؛ فدع الناس كلهم وارض الخالق سبحانه وتعالى
229
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يرضى عنك الجميع إذا علموا تجردك لل جل وعل ،كذلك فإنه ينبغي لإلنسان
حتى ل يذمونه؛ ألن اإلنسان يحب أن يُحمد وهذا من األمور الفطرية ،ولكن
إذا تغيرت فطر الناس فأحبوا الحرام ليس لك أن تقع في الحرام حتى
يحبوك ،ألن هذا إرضاء للخلق في إسخاط للا سبحانه وتعالى ،فيقع اإلنسان
قال{ :از َهد في الدُّنيَا يُ لحبكَ للاُ ،واز َهد في َما لعن َد الن ل
اس يُ لحبكَ الن ُ
اس} الزهد
في الدنيا هو إخراج مطمعها من القلب ،و معنى الزهد أن يقلل اإلنسان من
المباحات ،ولهذا النبي عليه الصلة والسلم كان إمام الزهاد عليه الصلة
والسلم ،اجتمعت له الدنيا كلها ،وكان النبي عليه الصلة والسلم يوصي
أصحابه بهذا ويقول كما جاء في حديث عبد للا بن عمر كما جاء في
َ
وكان غ لريب أ َ ْو عَا لب ُر َ
س لبيل}، سل َم لب َم ْن لكبَي فقا َل{:ك ُْن فلي ال ُّد ْنيَا كَأَنكَ َ
علَ ْي له َو َ
َ
صبَحْ تَ فَل ت َ ْنت َ لظ لر المسا َء ،و ُخ ْذ لمن لصحتلكَ لل َم َر لضكَ ،ل
وم ْن حياتلكَ لل َم ْوتلكَ ). أَ ْ
230
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ينبغي أن يكون في الدنيا كحال الغريب؛ الغريب المغترب في الطريق
والسفر؛ فاإلنسان إذا عابر سبيل ومستقر وجاء إلى بلد من البلدان ل يتوطن
فيها ول يتهيأ فيها توطن اإلقامة ،ويأخذ منها ما يتخفف حتى يمضي ألن
أمامه طريقًا ،ويريد بذلك التزود ولهذا النبي عليه الصلة والسلم قال( :كن
ولهذا النبي عليه الصلة والسلم كان ينام على حصير يؤثر على جنبه عليه
الصلة والسلم ،ولما دخل عليه عمر وكان متكئا على حصير رآه أثر في
جنبه فقال( :يا رسول للا أل نتخذ لك وطأة كما يتخذ الملوك فقال النبي عليه
الصلة والسلم :مالي وللدنيا إنما مثلي ومث ُل الدُّنيا كراكب استظل تحت
من أمر الدنيا أفسد الرعية؛ ألن للا أمره بصيانة أمر الناس ل صيانة أمره،
فيصون أمره وهو في ظاهر أمره يريد صيانة أمر الناس؛ فالنبي عليه
ً
مدخل في دين للا ،ألنه ل الصلة والسلم ما وجد أعداء الملة والدين عليه
والسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي ،يعني أنــــه ليست لديــــه ممالك؛
231
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
وليس لديه ممالك و مزارع وقصور وبساتين في البلدان حتى يساومه أحد
عليها؛ وهذا إشارة إلى خصومه أنه ل يوجد لدي ما تساومونني عليه ،كذلك
أي ً
ضا إذا أراد أن يسوس أمر الناس تكون لديه الرؤية متضحة متجردة؛ ألنه
ليس لديه أرصدة يقوم بالعبث باقتصاد البلد ،وليس لديه عقارات يخشى أن
تنزل ،ول شهوات ول مطامع؛ النبي عليه الصلة والسلم كل ما لديه في
قلبه ،ل يوجد لديه شيء من الدنيا ،فل ينازع عليه الصلة والسلم في
شيء ولهذا عجز عنه أهل الدنيا أن يساوموه في شيء ،وعجز عنه كفار
قريش حينما قالوا له عليه الصلة والسلم :نزوجك من خير بناتنا ونعطيك
من أموالنا ،فقال النبي عليه الصلة والسلم( :وللا لو جعلوا الشمس في
رواه ابن اسحاق و في يميني والقمر في شمالي ما تركت األمر الذي أنا عليه)
ولهذا الزهد في الدنيا هو أصل النصرة واتضاح الرؤية لصاحب الرسالة ،أما
أن يكون الرئيس أو الملك أو المسؤول في الدولة ونحو ذلك لديه أرصدة في
بلدان العالم كلها ،ثم إذا قيل له لماذا تلين مع أولئك؟ يقول المصلحة
232
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ولهذا من أصل نجاح القادة تجردهم من أمر الدنيا ،وهذه معادلة؛ إذا رأيت
ولهذا النبي عليه الصلة والسلم جعل الميزان في محبة للا عز وجل أن
يتقلل اإلنسان من أمر الدنيا ،ألن الدنيا دائ ًما هي الغبش على اإلنسان فل
يرى أمر اآلخرة واض ًحا؛ والدنيا بالنسبة لإلنسان كحال الزجاج أمامه؛ إذا
أنقيته من الشوائب رأيت ،وإذا لم تنقه بدأت تتصرف بتلك الشوائب وتظن
أنك ترى صحي ًحا ،وقلبك قد امتأل بحب الدنيا ويدافع عنها ،وظنك أنك تدافع
قال{ :از َهد في الدُّنيَا يُ لحبكَ للاُ} فيحب للا عبده ألن اليقين قد اعتمر في
القلب ويريد ما عند للا؛ فزهد في الدنيا واحتقرها ألنه عظمت اآلخرة في
قلبه.
تبعوك ،وإذا تبعتهم زهدوا فيك؛ لهذا ينبغي لإلنسان أن يبتعد ويصون يجد
233
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثـــــاني والثلثون
عن أبــــي سعيـــــد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي للا عنه أن
حديث حسن رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما مسن ًدا.
تعليـــــق الشيـــــخ:
ض َر َر َولَ لض َر َ
ار﴾ هذا أخذ منه العلماء القاعدة ل ضرر ول ضرار وقاعدة ﴿ل َ َ
يعرض نفسه أو غيره للضرر؛ والضرر مرفوع عند نزوله ل حرج على
اإلنسان أن يدفعه ،والمراد بالضرر :ل تضر نفسك ول تضر غيرك ولهذا للا
أستطيع أن أشتري هذه السيارة إل بعقد ربا وأنا مضطر والسيارة قيمتها
مليون ،وأنا مضطر ،فهذا ترف ل يجوز لإلنسان أن يفعل هذا ،ويجوز
لإلنسان أن يأكل الميتة إذا خشي على نفسه الهلك ،كان في برية وجاع أو
عطش أو نحو ذلك فل حرج عليه أن يتناول محر ًما؛ ألن النبي عليه الصلة
234
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الضرر العام ،وذلك كحال اإلنسان ً
مثل إذا كان بيته يعطل طريق المسلمين أو
وضع شجرة في الطريق و يأكل منها في طعامه كنخلة أو شجرة يضعها في
طريق يتناول منها؛ فإزالتها يرى أنها قطع لرزقه والناس يرون أن هذا
إفسا ًدا؛ فيدفع ضرر العامة ،ألن هذا ضرر عام وذاك ضرر خاص؛ فنقول أن
235
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثـــــــالث والثلثون
تعليـــــق الشيــــــخ:
جاء للا سبحانه وتعالى بأحكام شرعية في مسائل الشهادات على وفق
تنضبط به حياة الناس لو أدركوا حكمة ذلك لما تركوها ،ولهذا يقول النبي
َو لد َما َء ُه ْم} يعني أنه ليس بالدعوى تريد أخذ أموال الناس وتقول فلن أخذ
محقًا ،ألنه لو أخذنا بذلك لنتشرت الفوضى لدى الناس كلهم يدعي هذا
األمر ،ولهذا جاءت الشريعة ببيان مصالح عامة لسياسة الناس ،ما جاءت
لتشفي غليل األفراد؛ ألن اإلسلم نظام عام؛ ولهذا النبي عليه الصلة
والسلم لما أمر بأن الرجل إذا وجد مع أهله أح ًدا أنه ل يجوز له قتله؛ ول
بد أن يشهد أربعة؛ فقال سعد ( :يا رسول للا ،إن وجدت مع امرأتي رجل
236
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
متفق عليه أمهله حتى آتي بأربعة؟ وللا ألضربنه بالسيف غير مصفح)
بها القتل ويريدون بها التأديب؛ كالدواب ونحو ذلك ألنها ل تجرح بالسطح،
والحد هو الذي يراد به القدر قال :وللا ألضربنه بالسيف غير مصفح يعني
بالحد ،فضحك النبي عليه الصلة والسلم وقال (أتعجبون من غيرة سعد؟
قلت :لو أن الشريعة جازت لك أن تقتل لذهب كل شخص لديه خصم وأخذ
بربطه ووضعه في الغرفة وقام بنحره؛ لماذا نحرت هذا؟ قال وجدته في
ً
رجل في غرفة زوجته أن الدم يهدر؛ ستفتح المفسدة ويفتح إراقة إذا قتل
والشريعة جاءت ل تشفي غليلك أنت؛ وإنما جاءت بضبط سياسة الناس قد
237
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
جاءت الشريعة بخلق هذا التوازن ،ول أحكم من للا في شريعته لعباده ولهذا
صا لك
وغيره هكذا ،وبعضه في الصحيحين .البينة على المدعي ،إذا ادعيت أن شخ ً
علَى َم ْن أ َ ْنك ََر} يعني إذا لم يكن لديك بينة فتقول أن فلنًا أخذ مالي
{ َوا ْليَ لمينُ َ
فنقول لديك بينة ،يقول ل؛ نرجع إلى فلن ،نقول له :تحلف أنك لم تأخذ
ماله ،فيقول وللا لم آخذ ماله؛ نقول اذهب ول شيء عليك ،ولكن إذا قال ل
-رفض اليمين -فل يحتاج إلى بينة ويجب عليه أن يعطي الحق لصاحبه
238
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الرابـــــــع والثلثون
ان).
ف اإلي َم ل فَ لبقَل لبه َو َذ للكَ أ َ ْ
ض َع ُ
رواه مسلم.
تعليـــــــــق الشيــــــــــــــخ:
منكرا وتطاله يدك أو نحو ذلك وتستطيع تغيير المنكر من غير مفسدة تترتب
ً
بمفسدة عظمى تقوم بإتلفها؛ ألنك تستطيع إنكار ذلك بل يجب عليك ذلك،
239
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يستطع فبلسانله} فيكون باللسان ،يعني أن اإلنسان ينكر المنكر،
ْ {فإن لم
وهذا الذي يطيقه عامة وغالب الناس وقد قصروا في هذا في كثير من بلدان
وأجمع العلماء على أن اللوم الذي يجده اإلنسان من إنكار المنكر ليس بعذر،
حكي اتفاق العلماء على ذلك ابن عبد البر -رحمه للا.-
يستطع فبقل لبه} فلبد لإلنسان أن ينكر المنكر بقلبه بمعنى أنه
ْ قال{ :فإن لم
وكراهية القلب للمنكر بكرهه واستنكاره والبعد عنه بعدم المخالطة؛ أن يبتعد
اإلنسان عنه ،فل يشهد مواضع فيها خمر ثم يقول أنا أكرهها بقلبي ،بل
ليبتعد عنها؛ فيبتعد عن المواضع التي فيها فحش وتعر وسفور ،ألن القلب
240
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الخـــــــامس والثلثون
علَى بَ ل
يع بَعض َولَتَنَا َجشواَ ،ولَ تَبَا َ
غضواَ ،ولَ تَدَابَرواَ ،ولَ يَ لبع بَع ُ
ضكُم َ
خوانَاً ،ال ُمس لل ُم أَخو ال ُمسلم ،لَ يَظ للمهَُ ،ولَ يَخذُلُهَُ ،ول َوكونوا لعبَا َد ل
للا إل َ
ب
س ل در له ثَلَ َ
ث َمرات -بل َح ْ ص لشير لإلَى َ
قوى َها ُهنَا َ -ويُ ُ
ي ْك لذبُهَُ ،وليَحْ لق ُرهُ ،الت َ
علَى ال ُمس لل لم َح َرام َد ُمهُ امرىء لمن الشرأَن يَحْ لق َر أ َ َخاهُ ال ُمس لل َمُ ،ك ُّل ال ُم ل
س للم َ
تعليـــــــق الشيـــــــــخ:
قوله{ :ل تَحاسدُوا} معنى الحسد :تمني زوال النعمة عن الغير ،وهذا الحسد
داء ما يخلو منه البشر ،ولهذا يقول ابن القيم( :ما خل جسد من حسد ولكن
المؤمن يخفيه والمنافق يبديه)؛ ولهذا المؤمن هو الذي يعالج حسده بدفع
خيرا ،رزق سمعةً حسنةً ،ونحو ذلك إذا وجدت في قلبك عليه ،كيف تعالج
ً
هذا األمر؟ تقول :اللهم زده توفيقًا ،اللهم زده هدايته ،اللهم زده سدا ًدا ونحو
ذلك ،حتى تحافظ على القلب وتعطيه موازنة ،فأنت تعاكس القلب ،القلب
يحسد وأنت تنتشل إلى عكس ما يريد حتى يكون ثمة توازن؛ أما إذا صرت
241
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ً
باطل ذ ًما وبغيًا على المحسود ،ولهذا يقول تسترسل معه سيخرج منك ً
قول
يدخل السوق ويريد أن يرفع السعر على فلن وهو ل يريد السلعة ،يراه أنه
قد سامها بخمسين ويقول أريد أن أشتريها بمئة؛ يريد فلنًا يدفعه عنها وهذا
تَ ُ
دابروا} يعني ل يهجر المسلم أخاه المسلم.
علَى بي لْع ب ْعض} والمراد بالبيع إذا علمت أن أح ًدا قالَ { :ول ي لب ْع ب ْع ُ
ض ُك ْم َ
ً
قبول في ذلك ،ل تأتي إليه وتقول اشترى سلعةً أو سامها بشيء ،ثم أعطي
أنا أزيد عليها في السعر ول تبعها له ،وهذا كما أنه في البيع كذلك أي ً
ضا في
خطبة النكاح.
قال{ :وكُونُوا لعبا َد ّللا إل ْخوانًا} :يعني اتحدوا ،هذا فيه أمر بالجماعة على
ما تقدم الكلم عليه معنا في أمـــــر الجــماعة وهي وحدة المسلمين ،ولهذا
242
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
س لل ُم أ َ ُخو ا ْل ُم ْ
س للم} :إشارة إلى أن األخوة هي األخوة اإليمانية؛ ل قال{ :ال ُم ْ
أخوة النسب ،ول أخوة العرض ،ول أخوة البلد ،وإنما األخوة العظمى في
أخ الشمالي ،والشمالي أخ الجنوبي ما اجتمعوا على دين واحد وهو اإلسلم،
ولهذا الصحابة عليهم رضوان للا إنما تقدموا بهذه المنزلة ألغوا جميع
قال{ :ل يَظ لل ُمهَ ،ول يَ ْخذُلُهُ} :المراد بذلك ل يظلمه في حقه ،في عرضه ،في
دمه ،في ماله ،ول يخذله إذا احتاج إليه ،إذا سمعت فلنًا يتكلم فيه وتستطيع
الذب عنه ل يحملك الحسد عليه ،وأنت ترى البغي بعدم نصرته بل تقول :ل
أنت ظالم له ول بينة عندك ألنني أعلم أن فلنًا صادقًا ،وإن كان مخطئ ًا في
ذلك الموضوع ،وأنا أشهد بهذا لكن هذه القضية هو مظلوم بها؛ هذا من
قالَ { :و َل يَ ْكذبه} يعني ينبغي لإلنسان أن يصدق ،وأن يكذب الكاذب ،وأن
قال { َ
ول يَح لق ُره} يعني ل ينقص من قدره الذي وضعه للا عز وجل له
243
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
قال{ :الت ْق َوى َها ُهنا} هاهنا يعني أصلها في القلب ،ما قال هنا في هذا
ً
عمل، الحديث :اإليمان هاهنا ،قال :التقوى؛ يعني التقوى الذي تثمر في ذلك
التقوى هاهنا.
علَى ا ْل ُم ْ
س لل لم حرام :د ُمهُ ،ومالُهُ ،و لع ْر ُ
ضهُ} تقدم معنا في حديث { ُك ِّل ا ْل ُم ْ
س لل لم َ
صد لْر له ث َ َ
لث مرات بحسب امرئ لم َن الش ل ِّر ير إللَى َ
ش ُقوله{ :الت ْق َوى َها ُهنا ويُ ل
أما بالنسبة {للتقوى هاهنا} نقول :كثير من الناس من يستعمل هذه العبارة
ليجبر تقصيره ،ل يؤدي الصلة ،ويقول :التقوى هاهنا ،ل يفعل أعمال البر
ألن الحياة القلبية إذا قويت دلت على حياة الظاهر؛ اإلنسان إذا جاء إلى
شجرة مخضرة ويانعة ومثمرة؛ ويقول إن هذه الشجرة ل تشقى وقلبها ميت
وهو يرى الشجرة ميتة ويقول :إني أقوم بسقياها على سبيل الدوام وهي
ميتة ويقول أن حياتها في قلبها ،ل تغرك هذه األشياء ،هذا ليس بصحيح؛
244
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ألنها لو كانت حية في قلبها لظهر ذلك على جوارحها ،ألن اإليمان قول
245
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســـادس والثلثون
س ع َْن ُم ل
ؤمن ع َْن أَبي ُه َر َ
يرة رضي للا عنه ع لَن النبي ﷺ قَا َلَ ( :م ْن نَف َ
سلَكَ
َون أخي لهَ ،و َم ْن َ َون العَب لد َما ك َ
َان العَب ُد في ع ل اآلخ َرةَ ،وللاُ في ع ل
الدُّنيَا َو ل
غشيَتهم الرح َمة و َحفَت ُه ُم ال َملئلكة َو َذكَر ُهم للاُ في َمن لعن َدهُ َ
،و َم ْن بَطأ بل له َو َ
س لر ْع ب له نَ َ
سبُهُ) .رواه مسلم بهذا اللفظ. ع َملُهُ لَ ْم يُ ْ
َ
تعليــــــــق الشيـــــــــــخ:
ا ْل لقيَا َم لة} وهذا تأصيل وتقعيد لقاعدة الجزاء من جنس العمل؛ فإذا عمل
عمل في الدنيا أعطاه للا عز وجل منه ،فإذا أغاث ملهوفًا أغاثه
ً اإلنسان
للا ،وإذا أطعم الجائع أطعمه للا في اآلخرة ،وإذا أنجى غريقًا أنجاه للا عز
وجل من الهلكة ،ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس للا عنه
246
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
علَ ْي له فلي ال ُّد ْن َيا َو ْاآل لخ َر لة} والمراد بالتيسير علَى ُم ْع ل
سر يَس َر للاُ َ { َو َم ْن يَس َر َ
بذلك له عيش ل هو ول ذريته فقام بإنظاره ،أو بإعطائه أو أسقط عليه شيئ ًا
من دينه ،فهذا من التيسير على المعسر وللا عز وجل ييسر عليه في الدنيا
واآلخرة.
للا في الدنيا واآلخرة ،وذلك ألن الجزاء من جنس العمل؛ لهذا يحرم على
اإلنسان أن يبين شيئ ًا استتر به اإلنسان ،فإذا علمت أن أح ًدا يشرب الخمر،
أو أن فلنًا يفسق ،أو أن فلنًا يفعل شيئ ًا من المحرمات ويستتر بها فإنه
المستور مذنب ووجود الذنب ل يخول لك أن تعلن ذلك وتشهره ،وأما عدم
الستر إذا لم يستتر الفاعل فل حرج على اإلنسان أن يتحدث عن فعله ،كحال
اإلنسان ً
مثل يعلن فجوره في الفضائيات وفي الصحافة وفي المجالس هو
ً
أصل. يتكلم بهذا األمر ،هل ستره بعدم بيان األمر؟ هو يبينه
ولهذا نقول أن هذا ليس مما يستر ألنه لم يستتر بهذا األمر ويبين أمره
247
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
والتحسس؛ أن التجسس بأمر السوء والتحسس بأمر الخير ،ولهذا يعقوب
به هو التماس للخير ،الخبر السار ،أما التجسس فهو المذموم والبحث عن
مواضع الشر.
َان ا ْلعَ ْب ُد فلي ع َْو لن أ َ لخي له} وهذا فيه إشارة إلى
قالَ { :وللاُ فلي ع َْو لن ا ْلعَ ْب لد َما ك َ
أن للا عز وجل يعين العبد ويسدده ويلهمه الخير ويكفيه إذا أخلص وأعان
أخاه ،فبقدر إعانته ألخيه يسدده للا عز وجل وذلك على ما تقدم أن الجزاء
من جنس العمل ،ويؤخذ من هذا من دللة العكس؛ أن اإلنسان إذا كان في
خذلن أخيه والترصد له كان للا عز وجل في خذلنه وعدم توفيقه في مثل
ذلك المقدار.
سه َل للاُ لَهُ لب له َط لريقًا لإلَى ا ْل َجن لة} سلَكَ َط لريقًا َي ْلت َ لم ُ
س لفي له لع ْل ًما َ قالَ { :و َم ْن َ
بين النبي عليه الصلة والسلم فضل العلم وأنه يوصل اإلنسان بأسهل
الطرق إلى الجنة؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلة والسلم( :من يرد للا به
شيَتْ ُه ُم الرحْ َمةَُ ،و َحفتْ ُه ُم ا ْل َملَئلكَةَُ ،و َذك ََر ُه ُم للاُ علَي لْه ُم الس لكينَةَُ ،و َ
غ ل نَ َزلَتْ َ
248
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فلي َم ْن لع ْندَه} فيه أهمية تدارس كتاب للا سبحانه وتعالى وخاصة في بيوت
للا في المساجد ،ولهذا ينبغي أل تهجر المساجد ألنها بيوت للا سبحانه
للا}.
ت ل وتعالى في األرض ،ولهذا قال{ :فلي بَيْت لم ْن بُيُو ل
س لر ْع بله نَ َ
سبُهُ} أي أن للا عز وجل يجعل وقولهَ { :م ْن بَطأ َ بل له َ
ع َملُهُ لَم يُ ْ
أعمال الناس على حد سواء ،كان شريفًا ،أو كان وضيعًا ،كان غنيًا أو كان
249
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الســـــــابع والثلثون
لى أ َ ْ
ضعَاف َكثلي َْرةَ .وإل ْن َهم بل َ
س ليِّئَة سنَات إللَى َ
س ْب لعمائ َ لة لض ْعف إل َ لع ْن َدهُ َ
عش َْر َح َ
سيلِّئَةً
َاملَةًَ ،و لإ ْن َهم لب َها فَعَ لملَ َها َكتَبَ َها للاُ َ
سنَةً ك ل
فَلَ ْم يَ ْع َم ْل َها َكتَبَ َها للاُ لع ْن َدهُ َح َ
اح َدةً).
َو ل
ف.
يه َما لب َه لذ له ال ُح ُر ْو ل
ص لح ْي َح ل
س للم في َ َر َواهُ البُ َخ لار ُّ
ي َو ُم ْ
تعليـــــــــق الشيـــــــخ:
تقديرا وكذلك أي ً
ضا ثوابًا عند للا سبحانه وتعالى ،ولهذا جاء ً إل وهي مدونة
(الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف) وللا يضاعف ذلك لمن يشاء من
عباده؛ كذلك يقول النبي عليه الصلة والسلم حتى في تفاضل العبادات
250
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
فكتابة مقادير الحسنات والسيئات هي إلى للا سبحانه ( ،)461ومسلم ()419
وتعالى.
مانعَ ،وجد اإلنسان صارفًا نسي ،أراد أن يذهب يتصدق ثم صرف عن ذلك،
فذهب لكي يتصدق ثم شغل ،تعطلت السيارة ،مرض اإلنسان ،يكتب للا عز
َاملَةً} هل إذا
سنَةً ك ل
س ليِّئَة فَلَ ْم َي ْع َم ْلها َكت َ َب َها للاُ لع ْن َد ُه َح َ
يرة َو لإ ْن َهم لب َ أَ ْ
ض َعاف َك لث َ
هم بالسيئة ومجرد عدم العمل بها يكتبها للا عز وجل له حسنة؟
س ليِّئَةً َو ل
اح َدةً} وهذا من لطف للا عز وجل { َو لإ ْن َهم لب َها فَ َع لملَ َها َكت َ َب َها للاُ َ
ورحمته بأمة دمحم صلى للا عليه وسلم؛ وهذا الحساب هو خاص بأمة دمحم
ً
دخول للجنة ،وأقل األمم صلى للا عليه وسلم؛ لهذا كانت األمة أكثر األمم
ً
دخول للنار؛ ولهذا يقول رسول للا صلى للا عليه وسلم( :والذي نفسي بيده
متفق عليه ما أنتم في النار إل كالشعرة السوداء في جلد الثور األبيض).
251
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثــــــــامن والثلثون
للا ﷺ ( :لإن للاَ ت َ َعالَى ع َْن أ َ لبي ُه َري َْرةَ رضي للا عنه قَا َل :قَا َل َر ُ
سو ُل ل
أل ُ لع ْي َذنهُ).
رواه البخاري.
تعليــــــــق الشيـــــــــــخ:
تقدم معنا الكلم في مسألة قربان للا عز وجل وكفايته؛ وهذا تقدم معنا في
قول النبي( :يا غلم إني أعلمك كلمات احفظ للا يحفظك) الحديث 50تقدم معنا
252
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث التـــــــاسع والثلثون
علَ ْي له).
ست ُ ْك لر ُهوا َ ع َْن أُمتلي ال َخ َطأ َ َوالنلِّ ْ
سيَ َ
ان َو َما ا ْ
تعليــــــق الشيـــــــــــخ:
خلف الصواب؛ وهو ما يفعله اإلنسان من غير عمد إما بغفلة أو بعدم علم
فيفعله إنسان ،عفاه للا عز وجل ،والنسيان هو الذهول حضور العلم وينسى
اإلنسان ذلك ،أما الخطأ هو الذي ل يسبقه علم ،ففعله اإلنسان من غير علم،
نوعين:
إكراه ملجئ.
وهذه الثلثة مما عفا للا عز وجل اإلنسان عنها ،واإلكراه ينبغي أن يقدر
بقدره.
253
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث األربـــــــعون
للا ﷺ لبم ْنكبي فَقَا َل( :ك ُْن ع ْن ُه َما قَا َل :أ َ َخ َذ َر ُ
سو ُل ل ي للاُ َ
ع َم َر َر لض َ
ع لَن اب لْن ُ
سا َءَ .و ُخ ْذ لم ْن سيْتَ فَل ت َ ْنت َ لظ لر الصبَاحََ ،و لإ َذا أ َ ْ
صبَحْ تَ فَل ت َ ْنت َ لظ لر ال َم َ لإ َذا أ َ ْم َ
رواه البخاري.
تعليـــــــق الشيــــــــخ:
باسمه على سبيل التخصيص حتى ينتبه إليه ويحفظ ذلك المعلوم ،فقال النبي
عليه الصلة والسلم هنا لما أخذ بمنكب عبد للا بن عمر{ :ك ُْن فلي ال ُّد ْن َيا
تجد أنه في تعامله مع تلك البلدة يختلف عن غيرها ،من جهة عمارة األرض
ومن جهة اإلكثار منها ،والتزود فيها ،والقرار فيها على سبيل الدوام يختلف
254
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
عبدللا بن عمر والنبي عليه الصلة والسلم خاطبه في ذلك وهو شاب وقد
جاوز الحتلم عليه رضوان للا ،وهذا من توجيه النبي عليه الصلة والسلم
للفتية والشباب ،وذلك أن النبي عليه الصلة والسلم وهو من هو يوجه إلى
شيء من المعاني العظيمة ،وهذا المعنى عادةً في زماننا يتوجه إلى الكبار،
ولكن نقول ألن الهمة علت في السلف الصالح من الصحابة توجه الخطاب
إليهم بمثل هذا المعنى ،ولهذا أدرك عبد للا بن عمر عليه رضوان للا
المعنى العظيم في هذا الحديث ،فترجمه إلى معنى فقال{ :إ َذا أ َ ْم َ
سيْتَ فَلَ
سا َءَ ،و ُخ ْذ لم ْن لصحتلكَ لل َم َر لضكَ ، ت َ ْنت َ لظ لر الصبَاحََ ،و لإ َذا أ َ ْ
صبَحْ تَ فَلَ ت َ ْنت َ لظ لر ا ْل َم َ
َو لم ْن َحيَاتلكَ لل َم ْوتلكَ } يعني أنك ل تريد الدوام فربما رحيلك في أي لحظة،
بقلبه إلى الدنيا ،ولو جاءته الدنيا يضعها في يده ل أن يضعها في قلبه ،ألنها
لو عمرت قلبه ما خرجت منه ،وصرفته عن دين للا سبحانه وتعالى.
255
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الحـــــادي واألربعون
تعليـــــــــق الشيــــــــــخ:
هذا الحديث في إسناده نعيم بن حماد ،وقد ضعفه غير واحد من العلماء؛
ولكن هذا المعنى معنى صحيح؛ أن رغبات اإلنسان إذا كانت على خلف
مراد للا جل وعل ومراد رسول للا صلى للا عليه وسلم بالكلية فإنه ل
يمكن أن يتحقق فيه كمال اإليمان ،ول يتحقق بالكلية إذا كان جميع الهوى
عا. ً
أصول وفرو ً على خلف مراد للا
ولهذا نقول إن نفي اإليمان هنا على معنيين نفي كمال ونفي صحة؛ نفي
ونفي الكمال :إذا كان أكثر الهوى أو بعض الهوى على خلف مراد للا جل
وعل بحسب نوع الهوى فيما يتعلق باألصول أو يتعلق بالفروع ،وكيف
يكون اإلنسان هواه تبعًا لما جاء للا عز وجل به على رسوله عليه الصلة
والسلم؟
256
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
يكون الهوى في ذلك كلما استكثر اإلنسان من جانب العبادة ،التمس رضا
للا ونشأ عليه؛ لهذا النبي عليه الصلة والسلم يقول كما جاء في حديث
وذكر منهم شابًا نشأ في طاعة للا ورجل قلبه معلق بالمساجد، متفق عليه
اللعب ول في النصراف إلى شيء من األمور المحرمة ونحو ذلك ،وهذا إذا
كان في الشاب وهو الذي له صبوة ممن ينصرف إلى المتعة والغريزة ونحو
ذلك دل على أنه اندفع وتعلق قلبه بذلك لكثرة وشدة التوطين؛ فأصبح يعمل
الحسنة وهو سعيد بها ،ويبتعد عن السيئة وهو سعيد كذلك بها ،وهذا يكون
257
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الحديث الثــــــــــاني واألربعون
َان لم ْنكَ َول تَعَالَى( :يَا اب َْن آ َ َد َم لإنكَ َما َدعَوتَنل ْي َو َر َجوتَنل ْي َ
غفَ ْرتُ لَكَ َ
علَى َما ك َ
تعليــــــــق الشيـــــــــــخ:
تقدم معنا معنى هذا الحديث بمعنى هذا الحديث (يا عبادي كلكم جائع إل من
فاستكسوني أكسكم ،يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر
يعني للا عز وجل ينتظر من عبده المبادرة؛ ولهذا للا عز وجل يقول( :فقلت
258
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
طرف المغفرة حتى يقبلها للا عز وجل؛ ولهذا للا سبحانه وتعالى يسابقك
سبحانه وتعالى ينبغي لإلنسان أن يكثر منه ،ألن الدعاء هو العبادة ومخ
العبادة كما جاء عن النبي عليه الصلة والسلم ،كذلك فإن الدعاء علمة
سبحانه وتعالى ،ولهذا النبي صلى للا عليه وسلم حث الناس على الدعاء
وقد جاء في الخبر( :من لم يسأل للا يغضب عليه) وأعظم أنواع اإلعراض
عن للا وعدم سؤاله عند الضراء أن ينزل بك ضر ول تسأل للا؛ ألن
نزل بك الضر ولم تلجأ إلى للا سبحانه وتعالى ،وهذا فيه إشارة إلى استغناء
العبد عن للا ،أنه حتى لو نزلت لك ضرورة تعرض عن للا! هذا من مواضع
الغلط ،ولهذا تنزل الفتن بالمسلمين ول يلجؤون إلى للا ،والعجب أن الفتنة
نزلت بالشام وقتل اآللف من المسلمين ،ما رأينا حكام المسلمين يجتمعون
للدعاء لهم ويلتجئون إلى للا ،كانت اجتماعات دبلوماسية وسياسية ،أما
259
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
اللتجاء إلى للا هل رأيناه؟ ل وللا ما رأينا من ذلك شيئ ًا ،وهذه من أعظم
ً
أوصال ،ومنهم الصبية ،ومنهم الصغار ،وبقرت البطون ،وحفرت الرؤوس،
ومع ذلك ما رأينا التجا ًءا إل من عامة المسلمين ،وبهؤلء العامة من
كثيرا
ً الشيوخ والضعفاء والكبار والصغار يرحم للا عز وجل ويلطف ،ولهذا
من النوازل تشتد للمسلمين؛ يتأخر إجابة للا عز وجل وتعظم البلية على
المؤمنين لماذا؟ ألن أهل الحل والعقد في األمة ما توجهوا إلى الدعاء
للمسلمين ،ولهذا نقول أن النبي عليه الصلة والسلم حين قال( :من لم
يسأل للا يغضب عليه) إذا رأيت اإلنسان -وهذا ولل المثل األعلى -في مسبح
أو في بركة أو في نهر قَارب أو شارف على الغرق وتمد يدك إليه ويعرض
عنك هذا معناه أنه ل يريد منك العون ،أو ان لديه نجاة غير غير يدك ،وهل
لدى العبد نجاة عند غير للا عز وجل! ليس لديه نجاة ،ولهذا الذي تنزل به
مصيبة ول يسأل للا عز وجل أشد غضبًا ممن لم تنزل به مصيبة ول يسأل
للا عز وجل ،ولهذا يقول( :من لم يسأل للا يغضب عليه) ألنك تبدي غنى
260
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
ماء ثم ابن آد َم لو بلغت ذنوبُكَ ع َ
َنان الس ل ويقول هنا للا سبحانه وتعالى{ :يا َ
األرض
ل ب استغفرتَني غفرتُ لَكَ ،ول أبالي ،يا َ
ابن آد َم إنكَ لو أتيتَني بقرا ل
خطايا ثم لقيتَني ل ل
تشركُ بي شيئ ًا ألتيت ُكَ بقرابلها مغفرة} :يعني لو أتيتني
بما يقارب الدنيا من الذنوب؛ مألت الدنيا ذنوبًا ول يمكن لإلنسان أن يمألها
لقصر آجاله وضعف حيلته ،ولكن لو بلغ مثل هذا المبلغ ثم تعرض لنفحات
للا عز وجل وتوبته لتاب للا عز وجل عليه ،ول أعظم عند للا عز وجل من
الشرك (إن للا ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ومع ذلك
أن النبي صلى للا عليه وسلم جاءه رجل فقال( :يا رسول للا إني أذنبت
ذنبا في الجاهلية فهل لي من توبة؟ قال النبي عليه الصلة والسلم وما
أذنبت؟ قال إنه كان لي بنت وكان في العرب وأد البنات ،وكانت العرب تئد
البنات ،وإن أمها أخذت بها عني إلى أخوالها حتى بلغت سبع سنين ،ثم أتت
بها تظن أني ل أفعل بها شيئ ًا ،ثم إني أخذتها فأخذت العهد أل أفعل بها
شيئ ًا ،قال فأعطيتها إياه ،فأخذتها إلى بئر من اآلبار ،فلما دنت منه رميت
بها في البئر وعهدي بها وهي تقول يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه قال :ثم أطرق
النبي عليه الصلة والسلم وهو يبكي ،والرجل قائم ،وأطال النبي عليه
الصلة والسلم البكاء ثم أعرض ذلك الرجل وذهب ،ثم رفع النبي عليه
261
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الصلة والسلم رأسه فناداه فقال استغفروا يغفر للا لكم) هل ثمة شيء
ومع ذلك يتوب للا عز وجل على من تاب؛ ولهذا إذا أتى اإلنسان بقراب
األرض خطايا ثم استغفر للا عز وجل أتاه للا عز وجل بقرابها مغفرة؛ ألن
للا عز وجل يغفر للعبد ول يبالي إذا أقبل اإلنسان على للا سبحانه وتعالى؛
لهذا للا تعرض للعبد بالمغفرة فيبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ،وهكذا باب التوبة مفتوح إلى أن
يرث للا األرض ومن عليها ،وتقوم الساعة وتطلع الشمس من مغربها؛ لهذا
وسرقت ،وفسقت ،وغير ذلك؛ ويستحضر الذنوب حتى يقنطه من رحمة للا؛
حتى يستمر على ما هو عليه ،ولكن إذا استحضر مثل هذه المعاني عظم
رحمة للا عز وجل ،وأن للا يمحو له ما جاء من ذنوب وخطايا ،عرف ذلك
262
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
الفهرس
263
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
264
التعليقات الطريفية على األربعين النووية
انتهى.
نسألكم الدعاء لنا ولوالدينا ولكافة المسلمين.
اللهم صل على دمحم وبارك على دمحم وعلى آل دمحم كما صليت وباركت على آل
265