Professional Documents
Culture Documents
نماذج من الخطب والوصايا في العصر الجاهلي (دراسة بلاغية تحليلية)
نماذج من الخطب والوصايا في العصر الجاهلي (دراسة بلاغية تحليلية)
الدراسات العليا
عمادة ّ
طالبة
إعداد ال ّ
الدكتور
إشراف ّ
استكماًل لمتطّلبات الحصول على درجة الماجستير في الّلغة العر ّبية وآدابها
ا الرسالة
قدمت هذه ّ
ّ
2022-2021م
أ
اإلهداء
إل مَن شجّعاني على إكمال املسري دومًا "أمي وأبي "
.
ب
الشّكر والتّقدير
القوامسي
ت
المحتويات
اإلهداء ...........................................................................................ب
المقدمة1 ..........................................................................................
ّ
الوصية 7..............................................................
خامسا :بين الخطبة و ّ
ا
ث
عاشرا :نبذة عن بعض خطباء العصر الجاهلي 10...................................................
ا
ّ
النص السادس :خطبة أبي طالب في زواج الرسول -صلى هللا عليه وسلم -بالسيدة خديجة38 .
ج
الفصل الثاني :تحليل نماذج من وصايا العصر الجاهلي 49 .........................................
ّ
الخاتمة81 .........................................................................................
الفهارس93.........................................................................................
ح
الملخص
تحليلية)
ّ بالغية
ّ نماذج من الخطب والوصايا في العصر الجاهلي (دراسة
ّ
تهدف هذه الرسالة إلى تحليل نماذج من الخطب والوصايا في العصر الجاهلي (دراسة بالغية
أما
الجاهليّ ، الدراسة إلى تمهيد وفصلين ،فدرس التّمهيد الخطابة والوصايا في العصر
وقسمت ّ
ّ
ّ
األول فكان بعنوان :تحليل نماذج من الخطب في العصر الجاهلي ،مطباقا على سبع خطب وهي:
الفصل ّ
ّ
خطبة أكثم بن صيفي ،وخطبة هاشم بن عبد مناف في قريش وخزاعة ،وخطبة المأمون الحارثي ،ومنافرة
عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية ،وخطبة هانئ بن قبيصة الشيباني ،وخطبة أبي طالب في زواج
أما الفصل الثاني فكان بعنوان :تحليل نماذج من الوصايا في العصر الجاهلي ،مطبقا على خمس
وصايا ،وهي :وصية أمامة بنت الحارث ًلبنتها أم إياس ،ووصية أكثم بن صيفي لطيء ،ووصية ذي
اإلصبع العدواني ًلبنه أسيد ،ووصية زهير بن جناب الكلبي ،ووصية حصن بن حذيفة لبنيه.
خ
وتالها خاتمة أجملت أهم النتائج التي توصلت إليها ،ثم الملحقات التي حوت نصوص الخطب
ثم ختمت بفهارس المصادر والمراجع ،واآليات القرآنية ،واألبيات الشعرية الواردة في
والوصايا كاملةّ ،
البحث.
د
Summary
This thesis aims to analyze examples of speeches and wills in the pre-
Islamic era (a rhetorical and analytical study), and these speeches and
commandments are worthy of study, and I have chosen seven speeches and
The study was divided into a preface and two chapters. The introduction
studied rhetoric and commandments in the pre-Islamic era. The first chapter
to seven speeches, namely: The sermon of Aktham bin Saifi, the sermon of
Hashem bin Abd Manaf in Quraysh and Khuza’a, the sermon of Al-Mamoun
Al-Harithi, the repulsion sermon of Abdul Muttalib bin Hashim and Harb bin
Umayya, the sermon of Hani bin Qabisa Al-Shaibani, and the sermon of Abi
Talib in the marriage of the Prophet - peace be upon him - and the sermon of
ذ
As for the second chapter, it was entitled: Analysis of samples of the wills
commandment of Aktham bin Saifi Lati’, the will of Thelesba' Alodwani to his
son osayd, the commandment of Zuhair bin Janab al-Kalbi, and the
that it reached, then the appendices that contained the texts of the speeches
and commandments in full, and then concluded with indexes of sources and
ر
المقدمة
ّ
الحمد هلل نحمدهُ ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا َمن يهدي
َ إن
ّ
وبعد..
عبدهُ ورسوُل ُهُ ،
محمدا ُ
ا أن
أشهد أن ًل إله إًل هللا ،وأشهد ّ
هادي له ،و ُ
َ ضل له ،ومن ُيضلِل فال
هللا فال ُم َّ
ف ِ
بمداد العل ِم أكتب كلماتي مستعين اة باهلل وهو اعتمادي ،وعليه اتكالي واستنادي ،فهذه ُدّرتي حّليتها
بعذب الكالم وحسن اإلبانة عن المرام ،ففيها األساليب المتينة والمعاني الرصينة كانت ُحالى عليها من ِ
عبق
أي عناء.
الجمال ما فيها ،فازدانت بهاء إلى بهاء ،ولم تترك للفهم وقبوله َّ
تسر
ونضج في باقة جميلة ُّ
أسنة البالغة في ميادينها كان اًلسلوب الخطابي والوصية قد آتيا ينعهما َ
أقل ما يقال فيها :إّنها أنوار ،فزخرت وصايا العرب وخطبهم برونق
أن حار ،وأُحيطت الفكرة بأساليب ّ
ومعنى الوصية في اًلصطالح ،وبين الخطبة والوصية ،وأنواع الخطب في العصر الجاهلي ،ومكانة
الخطيب في العصر الجاهلي ،وأشهر الخطباء الجاهليين ،وخصائص الخطابة في العصر الجاهلي ،ونبذة
ّ
عن بعض خطباء العصر الجاهلي.
ّ
1
األول فقد وسمته بتحليل نماذج من الخطب في العصر الجاهلي ،مطباقا على سبع
أما الفصل ّ
ّ
ّ
خطب لخطباء مختلفين ،وهي :خطبة أكثم بن صيفي ،وخطبة هاشم بن عبد مناف في قريش وخزاعة،
وخطبة المأمون الحارثي ،ومنافرة عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية ،وخطبة هانئ بن قبيصة الشيباني،
وخطبة أبي طالب في زواج الرسول -صلى هللا عليه وسلم -وخطبة قس بن ساعدة.
لطيء ،ووصية ذي اإلصبع العدواني ًلبنه أسيد ،ووصية زهير بن جناب الكلبي ،ووصية حصن بن حذيفة
لبنيه.
شامال،
ا وكان هذا التقسيم لبيان ما في تلك الخطب والوصايا من صور بالغية ،وتحليلها تحليال
الجماليات الواردة فيها ،واختيار الخطب والخطباء والوصايا جاء على سبيل المثال ًل الحصر،
ّ والوقوف على
الشعرّية.
آنية ،واألبيات ّ
والمراجع ،واآليات القر ّ
النظرّية ،والتحليلي
المادة ّ
الوصفي في عرض ّ الدراسة المنهج الوصفي التحليلي ،فالمنهج
وقد سلكت ّ
ّ
في تحليل الخطب والوصايا.
وقد تعرض بعض الباحثين لجزئيات من مادة هذه الدراسة ،مثل :الوصايا اًلجتماعية في العصر
تداولية لعالء الدين الغرايبة ،وبحثه مختص بالكشف عن الحجاج البالغي في وصايا الحكماء فقط .ويوجد
ّ
2
لكن دراسة
غيرها من الدراسات التي تدرس جزئية معينة من هذا البحث أو تدرس موضوعا بشكل عامّ ،
أفدت
الجاهلية كاّفة ،كما ُ
ّ والوصايا ،ولم أحتج أن أعود إلى غيره ،فقد جمع فيه نصوص الخطب والوصايا
عدة كتب أخرى ،مثل :أسرار البالغة ،للجرجاني ،واإليضاح في علوم البالغة للقزويني ،والعمدة في
من ّ
ّ
الشعر ونثره ًلبن رشيق القيرواني ،واألسلوبية واألسلوب لعبد السالم المسدي ،وغيرها من الكتب
صناعة ّ
ّ
القديمة والحديثة.
مما اضطرني إلى استخراج معاني الكلمات قبل الخوض في استخراج األساليب؛ األمر اّلذي كّلف وقتاا
الدراسة.
أكبر إلعداد ّ
إن عمل اإلنسان مهما بلغ فال يخلو من نقص أو خلل ،فالكمال هلل وحده ،فما كان في هذا العمل
وّ
من خير فمن هللا ،وما كان فيه من خلل أو تقصير فمن نفسي ،والحمد هلل رب العالمين ،الذي أعانني على
3
تمهيد :الخطابة والوصايا في العصر الجاهلي
4
تمهيد :الخطابة والوصايا في العصر الجاهلي
ّ
طب اة ِ
وخطابا، ِ
بالكال ِم ُمخا َ َ
ط َبه َ
الكالمَِ ،وَق ْد خا َ
اج َعة َ
ط َبةُ :مر َ
المخا َ
طاب و ُ
جاء في لسان العرب" :الخ ُ
اسم ِ
الخاطب عَلى ِ الخ ِط ِ ط ِ
طاب اة ،و ُ
ط ُب َخ َ
طب َي ْخ ُ
اختَ َ
الم ْنَبر ،و ْ ُ َ طب
وخ َ
يبَ ، ص َد ُر َ
ط َبة َم ْ
الخ ْ
بان ...و ُ وهما َيتخا َ
ُ
ط َبة".1
الخ ْ
الكالمُِ :
بكل أبعاده".2
الجاهلي ّ تمّثل العصر
ّ
فالخطبة هي" :فن مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته بتوضيح اآلراء وعرض األفكار وتدعيمها
باألدلة والبراهين والشواهد وإثارة عواطف السامعين" .3و"هي كالم جيد المعاني متين األسلوب مؤثر فيمن
1ابنمنظور،مادة(خطب) .
الهنداوي،حسينعلي،أشكال الخطاب النّثري الفنّي في العصر الجاهل ّ
ي.37، 2
5
ثال ًثا :معنى الوصية في اللغة
جاء في معجم العين :الوصية هي "ما أوصيت به" ،1ووصيت الشيء ووصلتُه سواء ،وسميت
بعضا".3 2
وصية؛ ًلتصالها بأمر الميت ،و"تواصى القوم؛ أي :أوصى بعضهم ا
الوصية هي " :ما توجهه إلى إنسان أثير لديك من ثمرة تجربة وحكمة وإرشاد وتوجيه ،وكذلك
النصيحة ،فمعناهما متقاربان أو متحدان" .4وهي" :ضرب من األدب النثري الذي يقترب من الحكمة في
منحاه ،يتوجه به الرئيس أو القائد لقومه ساعة يرى ضرورة لذلك ،أو األب ألوًلده عندما يحس أنه مفارقهم،
فالوصايا :فن قولي ،شفوي األصل ،يصدر عن رؤية أو عن نزعة مثالية في مضمونها وغايتها،
اجتماعيا
ا في التعبير اللغوي واألدبي ،وكفاءة في امتالك الخبرة اإلنسانية في صورتها المثالية المنشودة،
1الفراهيدي،الخليلبنأحمد،مادة(وصى) .
2األزهري،أبومنصور،تهذيب اللغة ،مادة(وصى).
3الجوهري،الصحاح،مادة(وصى).
4خفاجي،محمدعبدالمنعم،الحياة األدبية في العصر الجاهلي.152،
5القيسي،نوري،وآخرون،تاريخ األدب العربي قبل اإلسالم .439،
6ينظر:النجار،محمدرجب،النثر العربي القديم من الشفاهية إلى الكتابة.53،
6
الوصية
خامسا :بين الخطبة و ّ
ً
1
الوصية "هي ما يوصي بها شخص
إن "الوصايا ضرب من ضروب الخطب" ،و ّ
الدكتور هاشم مناع ّ
يقول ّ
الزواج أو الموت أو ما شابه ذلك".2 إلى شخص آخر ،وغالبا ما يكون قر ايبا أو صدياقا ،وذلك حين ّ
السفر أو ّ
الضالل والفساد ،إًل ّأنهما تختلفان من حيث المتلقي ،فالخطبة تكون على
الصحيح ،وردعه عن ّ
طريق ّ
ال ّ
معين،
معين في زمن ّ
الوصية غالبا توجه إلى إنسان ّ
ّ تعم الفائدة ،في حين نجد
الناس غالبا ،حتى ّ
مأل من ّ
كان العرب في العصر الجاهلي يستخدمون الخطب في العديد من المواقف ،ومنها" :منافراتهم،
الدماء،
السلم وحقن ّ
الدعوة إلى ّ
الحث على قتال األعداء ،وفي ّ
ّ النصح واإلرشاد ،وفي
ومفاخراتهم ،وفي ّ
7
سابعا :مكانة الخطيب في العصر الجاهلي
ً
يقول الجاحظ في حديثه عن مكانة الخطيب في العصر الجاهلي مقرونا بالشاعر آنذاك" :كان
ّ
الشاعر أرفع قد ار من الخطيب ،وهم إليه أحوج لرده مآثرهم عليهم وتذكيرهم بأيامهم ،فلما كثر الشعراء
1
يقدم على الخطيب
وكثر الشعر صار الخطيب أعظم قد ار من الشاعر" ،فبهذا كان "الشاعر في الجاهلية ّ
ويهيب
عدوهم ومن غزاهمّ ،
ويهول على ّ
ويفخم شأنهمّ ،
يقيد عليهم مآثرهمّ ،
لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي ّ
ويخوف من كثرة عددهم ،ويهابهم شاعر غيرهم ،فيراقب شاعرهم .فلما كثر الشعر والشعراء
من فرسانهمّ ،
واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق
الشاعر".2
الجاهليين
ّ ثامًنا :أشهر الخطباء
وشعرائها اّلذين هم عماد القبيلة ،ويدافعون عن مكانتها ،فبرز في م ّكة عتبة بن ربيعة ،وسهيل بن عمرو
3
الع ّزى.
ونَفْيل بن عبد ُ
األعلم ،وهاشم بن عبد منافُ ،
8
ولم تشتهر قبيلة بالخطابة كما اشتهرت إياد وتميم ،فمن إياد قس بن ساعدة ،ومن خطباء تميم:
ضمرة بن ضمرة ،وأكثم بن صيفي ،وقيس بن عاصم ،وعطارد بن حاجب بن ز اررة ،وعمرو بن األهثم
1
المنقري.
3
وعزى َسلِمة ،واألقرع بن حابس ،ونفيل بن عبد العزى ،وكّلهم كانوا يحكمون وينفرون باألسجاع.
ّ
-1وضوح الفكرة.
-6استخدام األسلوب المرسل في خطب المحافل وإصالح ذات البين ،وًل يغفل صاحب األسلوب
واستمالتهم.
9
1
ولكل منهما مقام وموضع وقدر من العناية.
-8قد تطول الخطبة ،وقد تقصرّ ،
هو أكثم بن صيفي بن رباح بن الحارث بن مخاشن األسيدي العمروي التميمي ،2أشهر حكام
المعمرين فيها ،3كان يلّقب حكيم العرب ،4شارك في الغارات والمعارك واأليام مع
ّ الجاهلية وأحد
ّ العرب في
6 5
وصّنف ّأنه حكيم العرب
ترد حكمه لشرفه ونزاهته وحكمته ُ ،
قومه ،وكانت كل العرب تتقاضى عنده وًل ّ
دون منازع.7
اسمه "عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
بن النضر بن كنانة" ،8كان هاشم موس ار غنيا ،ويعمل بالتجارة ،وكان يتولى أمور السقاية والرفادة .توفي
بمدينة غزة من أرض الشام في فلسطين عند بني عم قبيلة قريش وهم بنو عمرو بن كنانة ،وقبره معروف
9
هناك بمسجد السيد هاشم .ولذلك تدعى مدينة غزة بغزة هاشم.
2ينظر:ابنحبيب،المحبر .134،
3ينظر:نفسه .423،
4ينظر:السجستاني،المعمرون والوصايا .14،
5ينظر:أبوعبيدة،النقائض بين جرير والفرزدق .137/1،
6ينظر:األصفهاني،األغاني .73/15،
7ينظر:ابنقتيبة،المعارف .31/1،
8ابنهشام،عبدالملك،السيرة النبوية البن هشام.126/1،
9ينظر:ابنقتيبة،المعارف .71/1،
10
ت -هانئ بن قبيصة الشيباني
هو " ُق ُّس بن ساعدة بن ُح َذافة بن ُزفر بن إياد" ،7من أشهر خطباء العرب ،فكان يضرب به المثل
انيا ،ودعا الناس إلى نبذ األوثان واألصنام ،ودعا إلى عبادة
في الفصاحة والبالغة والحكمة ،كان نصر ا
هللا ،وكان الناس يتحاكمون إليه في خصوماتهم فيقضي بينهم بالحق والخير ،وكان بليغ القول ،سهل
8
متخير األلفاظ ،كثير الحكمة والمثل.
ّ األسلوب،
1ينظر:ابندريد،االشتقاق.359،
2ينظر:القيرواني،ابنرشيق،العمدة في محاسن الشعر وآدابه .219-217/2،
3ينظر:ابنقتيبة،المعارف .120/1،
4ينظر:البالذري،أنساب األشراف .23/2،
5ينظر:البعقوبي،تاريخ اليعقوبي .14/2،
6ينظر:العسقالني،ابنحجر،اإلصابة في تمييز الصحابة .196/7،
7البغدادي،خزانة األدب .80/2،
8ينظر:كحالة،عمررضا،األدب العربي في الجاهليّة واإلسالم.173،
11
هو" :نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد هللا بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن
غالب بن فهر بن مالك" ،1وهو أحد القضاة في الجاهلية .كانت قريش تتحاكم إليه في خصوماتها ومنافراتها
2
وهو جد عمر بن الخطاب.
عد في المعمرين .له حروب ووقائع وأخبار .وشعره ملئ بالحكمة والعظة والفخر ،قليل
وعاش طويال حتى ّ
4
الغزل والمديح.
أمامة بنت الحارث بن عوف الشيبانية ،قيل اسمها «قرصافة» ،وقيل هي البرصاء والدة شبيب،
وزوجها عوف بن محلم الشيباني .فصيحة من فصيحات العرب ،لها وصية تعد من أفضل ما قيل في
5
موضوعها ،أوصت بها ابنتها «أم إياس» لما تزوجها ملك كندة الحارث بن عمرو.
هو زهير بن جناب بن هبل الكلبي ،من بني كنانة بن بكر ،خطيب قضاعة ،وسيدها ،وشاعرها،
وبطلها ،ووافدها إلى الملوك ،في الجاهلية .كان يدعى (الكاهن) لصحة رأيه ،وعاش طويال ،وهو أحد الذين
6
شربوا الخمر صرفا حتى ماتوا ،وهو من أهل اليمن.
1ابنسعد،الطبقات الكبرى.68/1،
2الزركلي ،األعالم .45/8،
3ابنهشام،عبدالملك،السيرة النبوية البن هشام.112/1،
4األصفهاني ،األغاني.89/3،
5ينظر:العسقالني،ابنحجر،اإلصابة في تمييز الصحابة .13/8،
6ينظر:اآلمدي،المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء .130،
12
الفصل األول
تحليل نماذج من خطب العصر الجاهلي
13
الفصل األول :تحليل نماذج من خطب العصر الجاهلي
والتشبيهات ،والكنايات ،والمجازات ،والحذف ،والتقديم والتأخير ،واًللتفات ،والشكل الفني ،على أن يوضع
أكثم بن صيفي ،وخطبة هاشم بن عبد مناف في قريش وخزاعة ،وخطبة المأمون الحارثي ،ومنافرة عبد
المطلب بن هاشم وحرب بن أمية ،وخطبة هانئ بن قبيصة الشيباني ،وخطبة أبي طالب في زواج الرسول
14
األول :خطبة أكثم بن صيفي
ص ّ الّن ّ
جاءت خطبة أكثم بن صيفي ضمن الخطب اّلتي قيلت في بالط كسرى بعد أن قدمت وفود العرب
يجهز نفسه ليقول خطبته التي يمدح فيها قومه ،و ّأول خطبة من خطب العرب في
عليه ،فبدأ كل خطيب ّ
ِ
الصدق ِ ِ ِ
نفعا ،وخير األزمنة أ ْخصبها ،وأفضل الخطباء أ ْصدقهاّ ،
يقول أكثم" :أفضل الملوك أع ُّمها ً
مْنجا ٌة ،والك ِذب م ْهوا ٌة ،والشُّر لجاج ٌة ،2والح ْزم مْرك ٌب ص ْع ٌب ،والع ْجز مْرك ٌب و ِطئ ،آفة الرأي الهوى،
األمور الصبر ،ح ْسن الظ ِّن وْرطةٌ ،وسوء الظ ِّن ِع ْصمةٌِ ،إصالح فس ِاد الرِعي ِة
ِ والع ْجز ِم ْفتاح الف ْق ِر ،وخير
ِ
بالماء".3 ِّ
كالغاص خير ِمن ِإصال ِح فس ِاد الر ِ
اعي ،من فسد ْت ِبطانته كان ٌ
مركب
ٌ ص هو التّشبيه الوارد فيه ،ففي قول الخطيب( :الحزم
الن ّ
إن ّأول ما يلفت المتلّقي لهذا ّ
ّ
حازما في
ا موجه للملك ،فمن أهم صفات الملك أن يكون
لقلب المركب أو عمل حادث فيه ،وهذا الكالم ّ
15
شبه العجز بالمركب الوطئ ،وحذف أداة التّشبيه ،وهذا
ويتبع ذلك بقوله( :العجز مركب وطئ) ،فقد ّ
تأكيد الخبر بذكر نقيضه والتّحذير منه ،األمر اّلذي ّأدى إلى إضفاء ترابط بين الجمل من حيث المعنى،
مجملة.
إليه ،ولعّله يؤكد على قبح العجز والتّنفير منه ،بتشبيهه بمفتاح الفقر ،واعتمد الخطيب على رسم صورة
مجسمة لتكون أقرب إلى ذهن المتلقي ،وهذا التّشبيه بليغ كسابقيه ،إذ حذفت منه أداة التّشبيه ،ووجه ّ
الشبه ّ
معا ،فهو مؤّكد مجمل ،وترمز كلمة مفتاح إلى الباب الذي يدخل من خالله إلى الفقر.
ا
معرف،
معرف ،وما بينهما غير ّ
معرف ،وانتهت باسم ّ
أن هذه الجملة بدأت باسم ّ
ويمكن مالحظة ّ
ولعل ذلك األسلوب يفيد التّخصيص والتّوكيد ،وهذا من طرق القصر ،والقصر هو
أي ُع ّرف طرفا الجملةّ ،
موجهة
أن الخطبة ّ
ذكر أداة التّشبيه وهي الكاف ،فالملك الفاسد هو الذي تلتف حوله بطانته على اعتبار ّ
16
ألن اإلنسان يشرب
يغص بالماء ،وما أصعب هذا األمر؛ ّ
له ،فالملك اّلذي يتخذ بطانة فاسدة ،فهو كمن ّ
بطانة الملك حين تفسد تصبح نقمة عليه ،والمقصود ببطانة الملك هم أعوانه اّلذين يبقون حوله ،فهؤًلء إن
ونصح وإرشاد للملك؛ ألن يتخذ من البطانة حاشية صالحة ،ليستقيم له الحكم ويدوم.
ويندرج هذا التّشبيه تحت نوع التّشبيه المرسل المجمل ،إذ ذكرت فيه أداة التّشبيه وهي الكاف،
الشبه ،وقد برز جمال هذا التّشبيه برسم صورة له ،اعتمد فيها الخطيب على تجسيم الفكرة،
وحذف منه وجه ّ
أخصبها ،أفضل ،أصدقها )...وجاء هذا التّكرار ًلسم التّفضيل لتأكيد كالمه ،وليعلي ويرفع من قيمة من
مكنية،
ص ،في قول أكثم( :خير األزمنة أخصبها) فهنا نجد استعارة ّ
الن ّ
وقد وردت استعارة في هذا ّ
فإن الملك
نفعا)ّ ،
أعمها ً
شيء من لوازمها وهو الخصب ،وهذه الجملة مرتبطة باّلتي تسبقها (أفضل الملوك ّ
نافعا ،وهذا ًل يأتي دون تعب ،بل يحتاج إلى جهد وتعب يتكاتف
الزمن اّلذي يحكم فيه ا
نافعا جعل ّ
إن كان ا
17
والمتلقي للخطبة ينتبه للجرس الموسيقي الموجود فيها بفعل اًلزدواج والوزن واتفاق
ّ
الفواصل في نهاية كل جملة ،كما في( :خير األزمنة أخصبها ،أفضل الخطباء أصدقها ،أفضل األشياء
الرجال ملوكها( ،)...الصدق منجاة ،والكذب مهواة ،والشر لجاجة) وهذا اًلزدواج يثير
أعاليها ،أعلى ّ
فبالضد تتمايز
ّ الصدق والكذب) ،و(منجاة ومهواة) ،مقابلة ،فكل كلمة لها ما يقابلها من التضاد،
فبين ( ّ
الناس كّلهم صادقين لم يعرف فضل الصدق ،فسبحان من خلق بحكمته األضداد،
األشياء وتتبين ،فلو كان ّ
وإًل لضاعت القيم وتاه الجمال ،واستوى المحسن والمسيء ،وعليه قول الشاعر:
2
والضد يظهر حسنه الضد ضدان لما استجمعا حسنا
ِ
الملوك من خافه البرِيء ،المْرء ي ْعجز ال محالة، وفي موضع آخر من الخطبة يقول أكثم " :شُّر
ق الجنوِد بالن ِ
صر من حسن ْت سريرته ،يكفيك ِ
صيحة ،أح ُّ ان من لم ير ِ
اء بالن أفضل األو ِ
الد البررة ،خير األعو ِ
ِ
الملوك من خافه البرِيء) أي الملك اّلذي يخافه البريء هو ملك ظالم ًل يعدل في قول أكثم( :شُّر
في األساس أن يحكم بالعدل ،وهذه كناية قريبة ًل تحتاج إلى إعمال ال ّذهن لفهمها ،وهي كناية عن موصوف
شرا.
وهو الملك الذي يتوقد ا
18
وبرهم ِ
كذلك نجد الكناية في جملة( :أفضل األوالد البررة) كناية عن حسن خلق هؤًلء األوًلدّ ،
صرح بذكر
الصفة وصاحبها ،إذ ّ
بوالديهم ،كما أوصى هللا -سبحانه وتعالى ،-وهذه كناية عن نسبة بين ّ
توسع في ذكر هذه الخيرية لألعوان وعالقتهم بالصدق في النصيحة وعدم المراءاة ،فقال( :خير
له ،ثم ّ
النصح وتقديم يد العون ،وليس للتّفاخر ومن أراد نصح شخص ،فعليه أن يكون ا
محبا لذلك ،ولرغبة منك في ّ
فإنها تكون حينئذ فضيحة ًل نصيحة ،وهذه الكناية عن نسبة بين الموصوف وهو األعوان
ًل التشهير بهّ ،
ِ
الملوك من خافه البرِيء ...خير النصائح ،ففي جملة( :شُّر
طيات هذه ّ
طباق بين ّ
كذلك ورد ال ّ
ِ
صيحة) فالتضاد واقع بين كلمتي الخير والشر وهكذا الخطباء يأتون في خطبهم ان من لم ير ِ
اء بالن األعو ِ
قدم الفاعل على فعل المضارع في قوله( :المرء يعجز) ًلستم اررية ضعف اإلنسان وعجزه
يراهُ) ،وكذلك ّ
1ديوانه .352،
19
أن أكثم بن صيفي يثبط قومه على القتال وينهنه من نزاعاتهم الجامحة
بشكل عام ،فهذه الحكمة مغزاها ّ
إن العجز من شأن اإلنسان ،و ّإنه ًل حيلة له في توقيفه ،وفي التقديم والتأخير ملمس
إليه ،فهو يقول لهمّ :
الزاد
يشبه ّ ِ
ووجدت اًلستعارة في قوله( :يكفيك من الزاد ما بلغك المحل) فهي استعارة مكنية ،إذ ّ
الدائم بالمزيد.
أي شيء يحصل عليه لطمعه ّ
فإنه ًل يجد ل ّذة في ّ
الطماع ّ
أما ّمالكهاّ ،
لكل زمان ومكان ،وليست محتكرة على العصر اّلذي قيلت فيه.
يتعمق فيها يجد ّأنها تصلح ّ
ّ
20
ص ال ّثاني :خطبة هاشم بن عبد مناف في قريش وخزاعة
الّن ّ
تنافرت قريش وخزاعة إلى هاشم بن عبد مناف ،فخطبهم بما أذعن له الفريقان بالطاعة؛ فقال في
خطبته:
إن حذف
الناس منه ،إذ " ّ
للدًللة على قرب ّ
النداء منهّ ،
لكنه حذف أداة ّ
النداءّ ،
طلبي غرضه ّ أسلوب إنشائي
ّ ّ
ِ
المنادي ،حتّى َل ْم يحتج المنادى هو في أقرب منازل القرب من
أن َ أداة النداء َل ُه دًلل ٌة في نفس البليغ ،وهي ّ
ِ 4 نداء َله ِ
ثم يتابع بقوله( :نحن آل إبراهيم ،وذرية إسماعيل ،وبنو النضر بن إلى ذكر أداة ٍ ُ ّ
لشدة ُقربِه" ّ ،
إيقاعا
موسيقيا غير متكّلف ،و ا
ا جرسا
مما أضفى ا
السجع في خطبتهّ ،
وقد استعمل الخطيب أسلوب ّ
السجع قوله:
ووضوحا ،ويساعد على ترسيخ الفكرة ،ومن ّ
ا وتأثير
اا قوة
يجذب انتباه المتلقي ،ويجعل للتّعبير ّ
21
(ولكل في كل حلف يجب عليه نصرته ،وإجابة دعوته ،إال ما دعا إلى عقوق عشيرته) فقد التقت الفواصل
في آخر حرفين وهما التّاء والهاء ،وذلك في الكلمات (نصرته – دعوته – عشيرته).
ثم حذف ٍ ٍ
شبه الحسب بجبل عالّ ،
ص استعارة بقوله( :لنا ذروة الحسب) ،إذ ّ
الن ّ
وقد ورد في هذا ّ
الشخوص ًل على
الضوء على قيمة القبيلة نفسها ،أي على ّ
المبتدأ (ذروة) ،وقد أفاد هذا التّقديم تسليط ّ
قدم الجار والمجرور الخبر على مبتدئه ،وهو( :حلف)؛ ليفيد العموم.
الصفات ،وكذلك ّ
ّ
بقوله( :نحن آل إبراهيم ،وذرية إسماعيل ،)...ثم التفت بكالمه عن ضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب
(أنتم) بقوله( :يا بني قصي ،أنتم كغصني شجرة ،)...وهذا اًللتفات أفاد جذب انتباه القارئ ،وآثر أن
ثم يخاطب القبيلتين بقوله( :أنتم كغصني شجرة ّأيهما ك ِسر أوحش صاحبه) فقد استخدم أسلوب
ّ
مثبتان بجذر
فشبه القبيلتين بغصني شجرة أصلهما واحد ّ
ليبين مدى صلة القرب ما بين القبيلتينّ ،
التّشبيه ّ
ضعيفا
ا دائما ،فهذان الغصنان إذا ما ُك ِسر أحدهما ّ
فإنه سيوحش صاحبه ،ويبقى الشجرة ،ويبقيان متالزمين ا
ّ
ضعيفا
ا كل منهما
تفرقا صار ّ
معا ،فإن ّ
بقوتهم ا
ولعل هاشم بن عبد مناف يدعوهم إلى الوحدة ،ويذ ّكرهم ّ
دونهّ ،
قوتهم ويكون ًل يقوى على شيء ،فاليد الواحدة ًل تصّفق ،كذلك القبيلتين يجب أن تبقيا ّ
موحدتين؛ كي تبقى ّ
22
صرح فيها بذات الّلفظ
يحية ،إذ ّ
(السيف ال يصان إال بغمده) فقد وردت استعارة تصر ّ
وفي قولهّ :
المشبه
ّ تشبيها قبل أن تحذف أركانه باستثناء
ا المشبه به حين كان الكالم
ّ المستعار اّلذي هو في األصل
ناديكم ،وحاموا الخلِيط يرغب ِفي ِجو ِاركم ،وأْن ِصفوا ِم ْن أْنف ِسكم يوثق ِبكم ،وعل ْيكم ِبمك ِارمِ األ ْخ ِ
الق فِإّنها
الد ِنّية؛ فإّنها تضع الشرف ،وت ْه ِدم الم ْجد".1 ِرْفع ٌة ،وِإّياكم و ْ
األخالق ّ
وعمله) إلى ضمير المخاطب (اصطنعوا ،وتكسبوا) ،وهذا اًللتفات أزاح الملل عن نفس المستمع للخطبة.
23
معنويا وهو المعروف ،بشيء
ا شيئا
شبه ا
وبذل المعروف كنز يبقى لصاحبه في حياته وبعد مماته ،وقد ّ
وسقم وغنى وفقر".2 اس } ،1نداولها "من فرح وغم وكما قال هللا تعالىَ { :و ِت ۡلكَ ۡ
وصحة ُ
ّ ٱألَيَّا ُمنُ َدا ِولُ َها َب ۡينَ ٱلنَّ ِ
3
ـوم ُن َـس ّـر
ـاء وي ٌ
ـوم ُنـس ُ
وي ٌ ـوم لـنـا
ـوم عـلـيـنـا وي ٌ
فـي ٌ
الناس.
وّ
الدهر الدهر ِغير) :تشبيه بليغ كذلك ،إذ حذفت منه أداة التّشبيه ووجه ّ
الشبه ،فالغير هي أحداث ّ و( ّ
شخصا على
ا فالدهر بأحداثه ًل ُيبقي
ونوائبه ،فال يبقى على حال واحدة ،والمعنى بين التّشبيهين قريب جداّ ،
األيام .
حال ،فهو متقلب كتقلب ّ
يوجه
وقوله( :ودعوا الفضول تجانبكم السفهاء) فهنا نصيحة في غاية األهمية حيثّ إ ّن الخطيب ّ
استغنينا عن فضول المعيشة ارتحنا من السفهاء وثقلهم ،ولم يكن هناك وقت لمجالستهم .وهنا ينطبق قول
24
اًلستغناء وهنا لفظة (الناس) من العوام المخصوص المقصود بهم السفهاء ًل الناس ُّ
كلهم ،فال يمكن
ُ ُ
وفي قوله( :يعمر ناديكم) اتبع الخطيب أسلوب الحذف واإليجاز ،واألصل فيها أن يقول :يعمر
الشريك والصاحب والجار والزوج والقريب ...الخ ،و(حاموا الخليط يرغب في جواركم) فهنا متعلق بمحذوف
صحيحا ُح ِذف
ا تقديره :يرغب في جواركم البعيد ،أو الضعيف ،أو المظلوم ،ول ّما كان ذكر هؤًلء مشمواًل
التعّلق إلفادة العموم ولو أراد الخصوص لذكره بنفسه ،فلما صلحت هذه المعاني ُّ
كلها حذفها لتكون أبلغ في َ
الشمولية للمقام.
ويقويها ،ففي قوله( :عليكم بمكارم األخالق فإّنها رفعة) فهذا أسلوب إغراء ،إذ يغريهم
مما يدعم خطبته ّ
ّ
الناس.
فإنه يرفع من مكانته بين ّ
بأن َمن يلتزم بها ّ
وهو ّ
الشرف وتهدم
بأنها تضع ّ
الد ّنية ،ويعّلل تحذيره ّ
ففي هذه الجملة يح ّذر هاشم بن عبد مناف من األخالق ّ
الصفات الحسنة.
الحميدة و ّ
مما
هاتين الجملتين التقت الفواصل في آخر حرفين وهما الالم والهاء في المترادفتين( :فعله – عمله)ّ ،
25
مكنية ،وقد رفعت من قدر
وقد جنح الخطيب إلى اًلستعارة بقوله( :تهدم المجد) فهذه استعارة ّ
تدمر صاحبها.
الد ّنية ،التي ّ
مكنية توضح عواقب األخالق ّ
من لوازمه وهو الهدم ،فهذه استعارة ّ
وقوله (إياكم) للتحذير من خطورة الدناءة في األخالق ،فهي أساس الهدم لكل فضيلة .وقوله( :فإنها
إما
ط منه وتمحق من قدره ،فاألخالق ًل وسط فيها فإما أخالق علّية و ّ
العلو وتح ّ
الدنية تضع ّ
فاألخالق ّ
نائيات في الخطبة بالمقابلة في قوله( :وعليكم بمكارم األخالق؛ فإّنها رفعة ،وإياكم واألخالق
وزين الثّ ّ
26
الّنص ال ّثالث :خطبة المأمون الحارثي
القلوب الكدر ،وط ْخطخ 2الج ْهل النظرِ .إن فيما ترى لم ْعتب ار لِمن
ِ "طمح 1باألهو ِ
اء األ ِشر ،وران على
النص ظاهرة التّقديم والتّأخير ،والموسيقا الهادئة التي تأنس لها األذن
إن أول ما يالحظ في هذا ّ
ّ
من تساوي نهاية العبارات على حرف واحد أو أكثر ،ومن اًلتفاق في الوزن ،ومن ذلك قوله( :طمح باألهواء
األشر) ،فقد تأخر الفاعل (األشر) في هذه الجملة ،كذلك في قوله( :وران على القلوب الكدر) فقد تأخر
الفاعل (الكدر).
الراء ،وتساوي نهاية الجمل بالوزن (أشر ،كدر ،نظر) ،ومن المالحظ أن جميع جمل الخطبة مسجوعة
حرف ّ
تقوي المعنى ّ
كررت قوله (طخطخ) إشارة جميلة لتكرار المقطع فالمتعارف عند العرب إذا أرادت أن ّ
1طمح:ارتفعوعال،ابنمنظور،لسان العرب،مادة(طمح).
2طخطخ:أظلم،نفسه،مادة(طخخ).
3مختضر:الذييموتحدثًا،نفسه،مادة(خضر)
4صفوت،أحمدزكي،جمهرة خطب العرب في عصور العربيّة الزّ اهرة .36/1،
27
النص تأخير للفعل المضارع وتقديم فاعله ،كما في قول المأمون( :شمس
كذلك فقد ورد في هذا ّ
تطلع وتغرب) ،وقوله( :نجوم تسري فتغرب) وذلك لما في قوة الجملة اًلسمية ما ليس في الجملة الفعلية
نهارا.
ليال لتختفي ا
تطل علينا بنورها ا كل يوم أن تشرق وتغرب ،وكذلك ّ
النجوم ّأنها ّ الشمس ّ
فمن شأن ّ
بعدة كنايات ،منها قوله( :وران على القلوب الكدر) كناية عن صفة،
وقد كنى الخطيب في النص ّ
الغم والكآبة والحزن اّلذي يصيب قلب اإلنسان ،وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في
الصفة هي ّ
وهذه ّ
َال َب ۡۜۡل َ
1
طت على قلوبهم أعمالهم أن يدخلها فهم
علَ ٰىقُلُو ِب ِهم َّماكَانُواْ َي ۡك ِسبُونَ } أي" :غ ّ
رانَ َ قوله تعالى{ :ك َّ ۖ
الصفاء ،ولشدة الغشاوة حتى بدا الران ،وأصبح غالافا للقلب لشدة سوادهً ،لقتراف ال ّذنب بعد ال ّذنب ،فال
ّ
الشهر
ومن الكنايات كذلك قوله( :قمر تطلعه النحور ،وتمحقه أدبار الشهور) كناية عن بداية ّ
وآخره وسرعة مرور األوقات وتبادل منازل القمر ،إذ يكون ظهور الهالل دًللة على بداية ّ
الشهر وتربص
الناس وتوجيه أنظارهم إليه لما في ذلك من سداد الديون وحلول األوقات للحج والرحالت وغيرها ،وإما في
1المطففين.14،
2ابنعاشور،محمدالطاهر،تفسير الت ّحرير والت ّنوير .199/30،
3األعراف .179،
4ينظر:ابنمنظور ،لسان العرب(،محق).
5ينظر:نفسه(،نحر)
28
سجع غير
ٌ الشهور)
(النحور و ّ
الكل ،وبين كلمتي ّ
النفوس وهذا يدخل في المجاز المرسل بعالقة الجزء وإرادة ّ
وتقديم ضمير المفعول في قوله( :تطلعه) و(تمحقه) على الفعل والفاعل يشعر باًلختصاص لهذا
مثر وحول مك ٍد وشاب محتضر) ففيه تجميع لغرائب يستبعد اإلنسان وقوعها
وأما قوله ( :عاجز ٍ
فلما ذكر
شيئاّ ،
ضال عن أن يجمع ا
يعمر ويجمع بخالف العاجز الذي ًل يعمل ف ا
فالغالب في الشاب ّأنه ّ
مقدمة
أن الدنيا ًل عجب معها ،وكما قيل( :إذا ُعرف السبب بطل العجب) ،وهذه ّ
هذه المقابالت لبيان ّ
للنصيحة التي سيدلي بها ،وهي قوله( :وراحلون ًل يؤوبون) فمن يسمع احتضار الشاب وإثراء العاجز فإ ّن
ّ
ألنه أكثر
الدنيا؛ ّ
أول ما يعتريه هو الدهشة واًلستعظام ،فيريد الموصي قطع أسباب الدهشة في هذه ّ
كذلك قول المأمون الحارثي( :وراحلون ال يؤوبون) كناية عن موصوف ،وهذا الموصوف هو
ّ
كأنهم
بالراحلينّ ، األموات اّلذين ما إن يموتوا حتّى يختفوا من الحياة ،وًل يعودون إليها ا
أبدا ،وقد وصفهم ّ
لكن سفرهم ًل عودة منه ،وبين كلمتي (راحلون – يؤوبون) سجع إذ اتّفق آخر
مسافرون أو مهاجرونّ ،
المشبه به وأبقى
ّ بالشيء اّلذي يبقى ،فحذف
المعمر ّ
ّ الشيخ الكبير أو العجوز
شبه ّ
مكنية ،إذ ّ
فهذه استعارة ّ
الشاب
إن ّالسابق ،إذ ّ
على شيء من لوازمه ،وهذا المثال ،كسابقه يدعو إلى أخذ العبرة ،وهو مكمل للمعنى ّ
أي لحظة ،وهذا كّله بيد هللا سبحانه وتعالى ،ولكن علينا أخذ العبرة منه.
والعجوز سيموت في ّ
29
الشاب ،كذلك فقد ورد
وضدها ّ
ّ إن اليفن هو العجوز
وفيها نجد طبااقا بين كلمتي (يفن وشاب) إذ ّ
الراء.
سجع بين كلمتي (محتضر–غبر) إذ اتّفق آخر حرف بالكلمتين وهو حرف ّ
النظام ،وًل يكون ذلك عبثاا ،بل تدبير خالق مسيطر مهيمن،
الحرفية و ّ
ّ طبيعة اّلتي تسير بدّقة ،وبمنتهى
ال ّ
للعبودية هلل ،فهم ًل يرتاحون لصيغة األمر التي فيها اإللزام واًلمتثال ّ
بالقوة ،وهذا ما فعله إبراهيم -عليه ّ
1األنعام.77-76،
30
أمية
طلب بن هاشم وحرب بن ّ
الرابع :منافرة عبد الم ّ
ص ّالّن ّ
في العرب ،جْلد المريرة ،جليل العشيرة ،ولكّنك نافرت منّفًار .3"...
أقل من سطرين.
مرات في ّ
-2تكرار صيغة التّفضيل (أفعل) سبع ّ
أقل من سطرين.
ست مرات في ّ
-3تكرار لفظ (منك) بعد صيغة التفضيل ،أي ليس من غيرك ّ
للمتفوق على ال ّ
طرف اآلخر في سبع مواطن، ّ اًلجتماعية
ّ لقية و
الخ ّ
لقية و ُ
الخ ّ
الصفات الحميدة َ
-4إسناد ّ
مرات.
الصفات الحميدة للمنهزم أربع ّ
وإلصاق ّ
نداء القريب (الهمزة أو أي) وذلك لتقليل شأن حرب مقابل عبد المطلب .وعدل عن اًلستفهام الحقيقي إلى
31
وكأنه أعلن بهذا اًلستفهام عن
رجال هو أطول منك قامةّ )...
وبيخي بقوله( :أتنافر ا
ّ اًلستفهام اإلنكار ّي التّ
انتصار عبد المطلب على حرب في هذه المنافرة قبل إجرائها ،وذيل هذا الحكم بضمير الفصل (هو) للتأكيد.
للسجع الموجود فيها ،فبين كلمتي (قامة وهامة) نجد تكرار ثالثة حروف بين الكلمتين ،وهي :األلف
يطرب ّ
ولعل هذا
الناقص الذي يعرف بالمضارع ،كما استُخدم اسم التّفضيل (أطول ،وأعظم ،وأقل ،وأكثر ،وأجزل) ّ
ّ
اًلستخدام ًلسم التّفضيل جاء للتّأكيد على كالمه ،وليعلي ويرفع من قيمة عبد المطلب ،إذ تتطّلب المنافرة
وقوله( :وأوسم منك وسامة) نفهم من دًللة المفعول المطلق ّأنها وسامة غير مقيدة وفيها إشعار بكمال
اللسان؛ ألَنه يذاد مذودا) كناية عن صفة ،وهذه الصفة هي الفصاحة ،ف ِ
الم ْذَوُد " وفي قوله( :أطول ً
ُ ّ
به عن ِ
العرض".1
وفي قوله( :بعيد الغضب) كناية عن صفة الحلم فيه ،فهو ًل يغضب بسرعة ،وهذا من صفات
الشديد اّلذي
بالصرعةّ ،إنما ّ
الشديد ّ
الرسول -صّلى هللا عليه وسّلم" :-ليس ّ
الصفة بقول ّ
الحليم ،وتذ ّكرنا هذه ّ
1ابنمنظور،لسان العرب(ذود)
2اإلماممالك،الموطأ.47،
32
الصفة على
فتدل هذه ّ
الصوت في العرب) كناية عن كلمته المسموعة بين العربّ ،
وقوله( :رفيع ّ
وهيبتهم ووقارهم وقيمتهم ،ومن دًللة َفعيل (رفيع) التي هي بمعنى اسم المفعول أي مرفوع الكلمة لدى
انقيادا.
تسليما و ا
ا العرب فإذا قال كلمة امتثلها قومه وطاروا إليها
يتحمل
ّ وقوة عزيمته ،فال تكون قواه خاوية ،بل
تحمله ّ
شدة ّ
أما قوله( :جلد المريرة) فكناية عن ّ
ّ
الناس.
الصعاب اأيا كانت ،وهذا ُيعلي من قيمته بين ّ
ّ
(ولدا
موسيقيا عليه ،فبين الكلمات( :وسامة ومالمة) و ا
ا أثر
النص ُيضفي اا
السجع في هذا ّ
ونجد ّ
صفدا) و (الغضب والعرب) و (المريرة والعشيرة) ،فبين هذه الكلمات كّلها سجع ،والذي ضاعف األنغام
و ا
ومن مجموع أفعال التفضيل على وزن أفعل( :أطول وأعظم واوسم وأقل وأكثر وأجزل )..إشعار
كفؤا له لمنافرته.
وإذا كان هذا في عبد المطلب بن هاشم ،فأنت يا أبا عمرو لست ا
ويكأن
ّ ولكنها ًل تناهز منزلة عبد المطلب،
طب أبو عمرو له منزلة سامية في قومهّ ،
الفرد فيها والمخا َ
الحال :إذا كنت يا أبا عمر جليل العشيرة ،فهذا في عبد المطلب أكثر منك وأظهر.
33
الشيباني
ص الخامس :خطبة هانئ بن قبيصة ّ
الّن ّ
ِ
أسباب ورِ .إن الحذر ال يْن ِجي ِمن القد ِر ،وإِن الصبر ِمن
اج فر ٍ ِ
خير من ن ٍ
ور ٌ
ِ
"يا معشر ب ْك ٍر ،هال ٌك م ْعذ ٌ
ِ حور أ ْكرم ِمنه في خير ِمن استدبارِه ،الط ْعن في ثغ ِرُّ 1
الن ِ ِ ِ ِ
األعجاز الظف ِر .المنية وال الدنية ،استقبال الموت ٌ
بكرِ ،
قاتلوا فما للمنايا ِمن بٍّد".2 ِ
الظهور .يا آل ٍ
و
ص من
الن ّ
وكّلها تشحذ الهمم لخوض الحرب ،فقد أبدع هانئ بن قبيصة بسلب األلباب بكلماته ،فهذا ّ
المكرر (الراء) أكثر ما ورد في نهاية الكلمات ،فالحرف األخير المتلفظ به هو ما يشكل العنصر األساسي
جعية.
الس ّ
للموسيقا ّ
صيغة اسم الفاعل في قوله (هالك) للتأكيد على الثبات واًلستم اررية في اإلقدام وعدم اإلحجام.
34
فالموصي يدرك خطورة الفر عند تعانق السيوف وتطاير الرؤوس فالفر ولو مرةا من ٍ
رجل واحد ّ ّ ُ ُ
مغبة ذلك على الجميع بخالف اإلقدام واًلستبسال ولو كّلفه الموت فهذا يزيد في حماسة الجيش
يعود ّ
الذم في كثرة
للذم وًل يعني ّ
ويقرب من النصر ،ونفهم من دًللة صيغة المبالغة (َفرور) فيها إشارة ّ
بأكمله ّ
الفر وكثيره وإنما أُِتي بصيغة المبالغة للتشنيع على المتّصف بهذه
الذم هنا مطل ٌق في قليل ّ
الفرار فحسب بل ّ
َ
الصفة والتفظيع.
العدو
ّ المقبل على
أن ُيقص ُر منه ،فالقدر واقع ًل محالة ،وًل ّبد له أن يقع ،فالمتبادر إلى الذهن ّ
عم ار وًل ّ
الفار
ألن َّلينجو بنفسه! لكن هذا ليس دقيقا؛ ّ
َ الفار إنما فعل فعلته؛
أن َّ ّأنه قد ألقى بنفسه على الموت ،كما ّ
وتحمل م اررته ،كان الظفر بعدهُ ،فمتى أُل ِه َم الصبر كان الظفر والعكس بالعكس ،وقوله( :من
ّ بالصبر
1األنفال.15،
35
حرك
التام نجد عذوبةَ في الجرس الموسيقي الذي ي ّ
نية) في هذا الجناس غير ّ
الد ّ
(المـنية وال ّ
ّ وقوله:
الدنية) فيها
المشاعر خدمةا للهدف نفسه ،وهو البسالة ،واإلقدام ،وعدم التذبذب واإلحجام ،وقوله( :وًل ّ
ظهور)
طعن في ثغر الّنحور أكرم منه في األعجاز وال ّ
بطياتها كناية( :ال ّ
ومن الجمل اّلتي حملت ّ
الطعن في الصدور.
لكن
ميت ّ
فأنت ٌ
أما قوله( :فما للمنايا من بد) فهو كناية عن قدرهم المكتوب ،اّلذي ًل فرار منهَ ،
ّ
وكأن لسان حاله يقول :إذا وقع القدر عمي البصر ،فالمواجهة في أرض المعركة ًل تقصر
آخر رمق لهمّ ،
العمر.
36
شبه الحذر
مكنية ،إذ ّ
كذلك فقد وردت استعارة بقوله( :الحذر ال ينجي من القدر) ففيه استعارة ّ
المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه ،فاطلب الموت توهب لك الحياة ،ونجد في هذه
ّ باإلنسان ،وحذف
ألن بالوزن الذي يحقق اإليقاع الموسيقي ،فهو يشعر بتالزم بين الحذر والقدر وهذا صحيح ا
نسبيا وذلك؛ ّ
مطلاقا ولعّله أراد الشيء األغلبي في كون القدر ًل ينفع معه الحذر ،أو ّ
لعل الموصي أراد بتحذيره هذا أن
ًل يجعل السامع يتكل على القدر ،وإنما ُيفهم منه الحث على الجد والعمل.
الثانية في استدبار الموت وهي نقيض اًلستعارة األولى .وقد ورد طباق في هذه الجملة بين كلمتي (استقبال
النص بثنائيات
جمالية على ّ
ّ طباق لمسة
متضادتان بالمعنى ،وقد أضفى ال ّ
ّ واستدبار) فهاتان الكلمتان
37
بالسّيدة خديجة
ّللا عليه وسّلمّ -
الرسول -صّلى ّ
السادس :خطبة أبي طالب في زواج ّ
ص ّ الّن ّ
محجوجا ،وجعلنا
ً وبيتا
اماً ،
بلدا حر ً
وذرية إسماعيل ،وجعل لنا ً
"الحمد هلل اّلذي جعلنا من زرع إبراهيمّ ،
محمد بن عبد هللا ابن أخي من ال يوازن به فتى من قريش ّإال رجح عليه ًا
بر إن ّثم ّ
الح ّكام على الّناسّ ،
ونبال ،1وإن كان في المال ق ّل ،فإّنما المال ظل زائل ،وعارية مسترجعة ،وله
ومجدا ً
ً وعقال،
ً وكرما
وفضال ً
ً
الصداق فعلي".2
في خديجة بنت خويلد رغبة ،ولها فيه مثل ذلك ،وما أحببتم من ّ
ّ
أهمها:
النصّ ،
عدة دروس مستفادة من هذا ّ
يمكن استخراج ّ
طرفين.
ً -4ل ّبد من تبادل مشاعر اإلعجاب من ال ّ
شبه
في قول أبي طالب( :الحمد هلل اّلذي جعلنا من زرع إبراهيم) ،فقوله :زرع إبراهيم فيه استعارة ،إذ ّ
سيدنا
المشبه وأبقى على شيء من لوازمه ،وهو يقصد نسل ّ
ّ بالزرع لما بينهما من التّكاثر ،وحذف
النسل ّ
ّ
38
يغير
النسل ،وهو يحمد هللا عليه ،وحاول أن ّ
يدل على اعت اززه وفخره بهذا ّ
إبراهيم ،وإدراجه في بداية الخطبة ّ
معجما
ا في انتقاء مفرداته المتقاربة في المعنى والمختلفة في الّلفظ( :زرع ،وذرية) ،إشارة إلى ّأنه يمتلك
اما) تأخير للمفعول وتقديم للمتعلق (لنا) التي فيها إشارة التخصيص
بلدا حر ً
وفي قوله( :وجعل لنا ً
والملكية لمعنى اًلفتخار والعظمة ،فيكون المعنى( :جعل البلد الحرام لنا ًل لغيرنا) ويكون القرشيون قد
وتعظيما.
ا اختصوا بهذا البلد الحرام دون غيرهم وفيه ما ًل يخفى من تعاضد ألوان اًلفتخار تشريفا
ّ
محمد ًل ُيقارن ّ
بأي فتى سيدنا ّ
أن ّ
دائما ،فهو يذكر ّ ن
محمد بشيء يوز ،وترجح كّفة ميزانه ا
سيدنا ّ
شبه ّ
إذ ّ
محمد أفضل منه ،وهذا على الحقيقة من باب إعالء قدره؛ لينال القبول في خطبته
سيدنا ّ
من قريش إًل وكان ّ
السّيدة خديجة ،ونلمح افتخار أبي طالب بكون محمد من أقرب الناس إليه بقوله( :ابن أخي) وابن األخ
من ّ
وكأن هللا
ّ ون ّكر البلد والبيت (مكة والكعبة) لتعظيم هذا البلد األمين بتعظيم البيت القائم في هذا البلد،
استأثرهم بالعيش بهذا المكان على سائر خلقه ،فتوجوا بقداسة المكان الذي يعيشون على أرضه.
39
قديما
يعتز به العرب ا
مصدر للفخر واًلعتزاز ،فأكثر ما كان ّ
ٌ نسلهما ،فهذا عز وشرف لم ينله الجميع ،فهو
الناس إًل إن كان من أصحاب صواب الرأي والمكانة العالية ،المسموعة كلمتهم ،والمعروفين
يحكم بين ّ
بوجاهتهم وقدرتهم على الحكم العادل اّلذي ينصاع إليه من يحتكم إليهم.
القول باًلعتبار ،فهو لبيان مزيد اهتمام لمحمد دون غيره من الرجال وبيان ّ
أن رغبته تختلف عن سائر
وفي قوله( :ولها فيه مثل ذلك) كناية عن الرغبة في محمد _صلى هللا عليه وسلم_ ،ولم يصرح
أما األول
أدبا وخلاقا ،واألصل أن ُيقال( :مثل ذلك لها فيه) فحصل هنا تقديمانّ :
بالرغبة من طرف الزوجة ا
كما أن الرغبة مشتركة بينهما وفي هذا قوة في اإلقناع واإلمتاع لِألسماع باإلضافة إلى اإلشارة إلى أهمية
وأما التقديم الثاني فحصل في المتعّلِق بقوله( :فيه) لإلشارة إلى عظمة محمد -صلى هللا عليه
مقدم على
محمدا في ذاته ّ
ا أن
وسلم -وتقديمه على الرغبة فقال( :فيه مثل) ولم يقل( :مثل ذلك فيه) لبيان ّ
40
أن
ويتحصل من هذا ّ
ّ وهو موجود أو كائن أو نقول -كما عند الكوفيين :-متعلق بـ (لها)؛ ألنها الخبر،
ظ ّل
شبه المال بال ّ
ص قول أبي طالب( :إّنما المال ظل زائل) فقد ّ
الن ّ
ومن التشبيهات الواردة في ّ
بليغ.
واإلعارة فقط حتى ًل يقع موقع الثبات في النفوس وبذل المهج واألرواح ،وإنما هو وسيلة ينتفع بها ألداء
ار لبيان أهمية الرجوع ،فيكون أدعى ًلستحضار هذا وعدم النسيان والبيان
اًلسترجاع ،وبذلك يكون تكراا
41
السابع :خطبة قس بن ساعدة اإليادي
ص ّ الّن ّ
وم ت ْزهر ،2وبِح ٌار ت ْزخر ،3وجبال مرساة ،وأرض مدحاة ،4وأنهار مجراةِ ،إن
اج ،ونج ٌ
ماء ذات ْأبر ٍ
س ْاج ،وس ٌ
فناموا؟ يقسم قس باهلل قسماً ال إثم فيه :إن هلل ديناً هو أرضى له ،وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه،
5
إنكم لتأتون من األمر منك اًر".
متتاليتان من سجع وارد بينهما؛ لتعزيز المعنى وتقويته ،كما في قول الخطيب( :مات ،وفات ،وآت) وقوله:
(داج ،وساج ،وأبراج) ،وقوله( :تزهر ،وتزخر) ،وقوله( :مرساة ،ومدحاة ،ومجراة) ،وقوله( :خبرا ،وعبرا)،
يضرها
عدا فال ّ
شدا وًل تعد الكالم ّ
السامعين ّمما يدفعها لتشد ّ
صوتيا جميال تطرب له آذان ّ
ا يقاعا
إضفاءه إ ا
يبدأ خطبته بنداء محذوفة أداته( :أيها الناس) ،وقد حذفت األداة لدًللة قرب المستمعين من نفس
42
أمر
حتمية الموت ،فهو ٌ
ّ وفي قوله( :م ْن عاش مات ،وم ْن مات فات) يؤّكد قس بن ساعدة على
مكررة أداته ( َمن) ،كما يوجد طباق بين كلمتي (عاش ،ومات) ،وجناس
شرطي ّ مرد له ،وهنا أسلوب
ًل ّ
ّ
آت آت) ،وفي الفضاء الداخلي للجملة يؤّكد
ناقص بين كلمتي( :مات ،وفات) ،وفي قوله( :ك ُّل ما هو ٍ
وفي دًللة حرف الشين في قوله (عاش) معنى آخر وهو (اًلنتشار) فاًلنتشار في هذه الحياة مهما
الموت
َ تنوعت وجهات الناس ما بين جمع مال ،وزواج ،ورحالت ،ومشاريع ،فكل هذه ًل بد لها أن تستقبل
1األحقاف.35،
2ابنمنظور(،دجا)
43
السجو للنهار مع كون وقوله( :ونهار ساج) مشتق من الفعل (سجو) ،وقد أ ِ
ُشكل علي توظيف
ّ ّ َ ََ
أما 1
َص ٌل َي ُد ُّل َعَلى ُس ُكو ٍن َوإِ ْ
ط َب ٍ الس ُ ِ ِ
اقّ ".. يم َواْل َو ُاو أ ْ
ين َواْلج ُ (س ُج َو) ّ
َس َج َو فله معنيان قال ابن فارس َ ":
المعنى األول ،وهو :التغطية ،فقد نقل اًلزهري في تهذيبه ّأنه قالَ ":قال األصمعي :سجو َّ
اللْيل :تغطيته ّ ُ ُّ َ ّ
النهار ،مثل ما يس َّجى الرجل بالثوب 2"..وأما باعتبار السكون ،فقد قال ابن فارس ":يَقال :سجا َّ
اللْي ُلِ ،إ َذا ُ ُ ََ ُ َ َُ َّ َ
3
ْادَل َه َّم َو َس َك َن"..
السجو
ّ باعتبار ما سيكون وهذا هو المجاز المرسل بعينه وهذا هو-وهللا أعلمّ -
سر توظيف الشاعر للفظة
مظنة
ألن العادة أن اًلجتماع الذي هو ّ
السجو في النهار باعتبار ما كان؛ ّ
ّ والتغطية فناسب توظيف معنى
ألن وضدها في ٍ
آن واحد؛ ّ وأما المعنى الثاني فهو كون الفعل من باب األضداد فقد ُيستعمل للكلمة ّ
وفي هاتين الجملتين نجد قس بن ساعدة يتأمل في الكون ،من عتمة الليل إلى نور النهارّ ،
فكل
44
اج) وهذا يذ ّكرنا بقوله تعالىَ { :وٱل َّ
س َما ٓ ِء َذاتِ تأمله بالكون فيقول( :وس ٌ
ماء ذات ْأبر ٍ ويتابع ّ
ذات أبراج وهي النجوم التي تزّينها ،أو منازل النجوم التي تسبح فيها
لهذا بدأ بالسماء فأخبر عنها ّأنها ُ
السياق أن يعطفه بذكر النجوم ،فقال( :ونجوم تَزَهر) والزهر هو الحسن والضياء ،وهذا واضح
َ وناسب هذا
وبِٱلنَّ ۡج ِمه ُۡميَهۡ تَدُونَ.3}(16 في النجوم في الليل بل جعلها هللا هداية للمسافرين ،فقال{ :و َ ٰ
علَ ٰ َمت َ َ
عدة جمل تندرج تحت موضوع التّقديم والتّأخير ،فقد حدث تقديم للفاعل على فعله في
وقد وردت ّ
المتقدم.
ّ أهمّية
ّ
قدم هو دين هللا ًل دين الناس فاقتضى المقام اًلختصاص لذلك ،ونكر (الدين) تعظيما له ورفعته
ينبغي أن ُي ّ
1البروج .1،
2ابنعاشور،التحرير والتنوير.238-237/30،
3النّحل .16،
45
(منكرا) في قول قس بن
ا تقدم شبه الجملة من الجار والمجرور (من األمر) على المفعول به
كما ّ
ساعدة( :إنكم لتأتون من األمر منك اًر) ،وفائدة هذا التّقديم هو اًلعتبار ،للتّأكيد على ّ
أهمية األمر ،وهو
أحق أن يتّبعوه.
أن دين هللا ّ
اتّباعهم لدينهم ،ويؤّكد على ّأنه منكر ،و ّ
1
وال من الباقين غابر ال يرجع الماضي إلي
ّ
2
لة حيث صار القوم صائر" أيقنت أّني ال محا
األولين من
األول ورد تقديم الخبر على المبتدأ في قول قس بن ساعدة( :في ال ّذاهبين ّ
في البيت ّ
الجملة بـ( :بصائر) كائنة لنا أو بصائر كائنة في الذاهبين وكالهما متّجه.
أن نقول (من) تبعيضية فيلزم منه بقاء بعض القرون إلى يومنا هذا من العصر السابق.
1غابر:مقيم،ابنمنظور،لسان العرب،مادة(غبر)
2صفوت،أحمدزكي،جمهرة خطب العرب في عصور العربيّة الزّ اهرة.36/1،
46
وفي قوله( :بصائر) ملمس لطيف لدًللة حرف الصاد فيها ،فهذا الحرف ُموحي بالوضوح فقّلما
أن
كلمة حوت حرف الصاد إًل كان للوضوح فيها نصيب وافر ،كقولنا :صبح وصاحب وقصاص حيث ّ
القصاص فيه وضوح الحق وظهوره وأما الصاحب ففيه ظهور الصدق وإخالصه وأما الصبح ففيه ظهور
األشياء وبيانها.
اردا للموت ليس لها مصادر) ففيه استعارة مكنية ،في كلمتي الموارد
(لما رأيت مو ً
أما البيت الثّانيّ :
ّ
طباق بين هاتين الكلمتين والمصادر ،فهي ًل تكون للموتّ ،إنما تكون ّ
للشيء المحسوس ،كذلك نجد ال ّ
شبه الموت
وفي البيت الثّالث (ورأيت قومي نحوها تمضي األكابر واألصاغر) وردت استعارة ،فقد ّ
كناية شمولية عن جميع الناس سواء كانوا من علية القوم أو أرذلها ،أو ًل من هؤًلء وًل من هؤًلء.
وفي البيت األخير (أيقنت أّني ال محالة حيث صار القوم صائر) كناية عن إيمان قس بن ساعدة
كل شخص حي ،وجاء في البيت تقديم (ًل محالة) على (صائر) واألصل أن يقول:
بالموت ،و ّأنه مصير ّ
ّ
كل
بحتمية الموت على ّ
ّ ّإني صائر حيث صار القوم ًل محالة ،وهذا التّقديم والتأخير جاء لدعم إيمانه
البشر.
47
وفي قوله( :بصائر ،ومصادر ،وموارد ،وأصاغر ،وأكابر )..صيغة منتهى الجموع التي تفيد الكثرة
الكاثرة وهي مناسبة في سياقنا هذا سياق التذكير بكثرة السابقين الذين خطفهم الموت وغادروا الدنيا ٍ
بأيد
فارغة.
ومن المالحظ أن أفكار قس بن ساعدة تشبه أفكار المأمون الحارثي الواردة في خطبته السابقة،
فكالهما يدعو إلى التوصل إلى هللا واإلذعان بوحدانيته ،فاتبعا مفتاح الوصول إلى تلك الحقائق الفطرية
والعلمية عن طريق السير ،والنظر ،والتأمل باألرض وما عليها ،وبالسماء وما فيها من نجوم وكواكب تسير
إلى الحديث عن الموت الذي ًل مفر منه وًل رجعة إلى الحياة الدنيا بأدلة محسوسة ًل اختالف فيها بأسلوب
مقنع ،وهذا الطريق األمثل للدعوة والنصح واإلرشاد ،ونجد مثل هذا األسلوب قد ورد كثي ار في القرآن الكريم،
ر ِف َع ۡ
ت )َ (18و ِإلَى ف ُ ف ُخ ِلقَ ۡ
ت )َ (17و ِإلَىٱل َّ
س َما ٓ ِء ك َۡي َ ىٱإل ِب ِل ك َۡي َ كما هو في قوله تعالى{ :أَفَ َال َين ُ
ظ ُرونَ ِإلَ ۡ ِ
وتعالى اإلبل من بين مخلوقات هللا الحية ،ويجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع
السماوات واألرض ،ونصب الجبال ،وتسطيح األرض ،فيدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات
1الغاشية.20-17،
48
الفصل الثاني :تحليل نماذج من وصايا العصر الجاهلي
ّ
49
الفصل الثاني :تحليل نماذج من وصايا العصر الجاهلي
ّ
والتشبيهات ،والكنايات ،والمجازات ،والحذف ،والتقديم والتأخير ،واًللتفات ،والشكل الفني ،على أن يوضع
وصية زهير
اني ًلبنه أسيد ،و ّ
وصية ذي اإلصبع العدو
وصية أكثم بن صيفي لطيء ،و ّ
ًلبنتها أم إياس ،و ّ
ّ
وصية حصن بن حذيفة لبنيه.
الكلبي ،و ّ بن جناب
ّ
50
وصية أمامة بنت الحارث البنتها أم إياس
األولّ :
ص ّ الّن ّ
الرجال".1
ولهن خلق ّ
ّ للرجال ٌخلقن،
ولكن الّنساء ّ
أغنى الّناس عنهّ ،
النسيان،
مجرد تذكرة خشية ّ
الوصية ،وهو ّأنها ّ
ّ تبدأ األم بإخبار بنيتها الحبيبة عن هدفها من هذه
تبين
ثم ّبعطف األم وحنانها وحبها ودًللها ،فابنتها مهما بلغت من السن فهي بحاجة إلى النصح واإلرشادّ ،
الزواج طبيعة وضرورة ،وًل يمكن اًلستغناء عنه ،ولو كان األبوان ثريين ،ولو كانا في حاجة إلى
أن ّلها ّ
سنة الحياة.
ابنتهما ،فهذه ّ
51
وبدأت األم بنقل خبرتها بالحياة إلى ابنتها ،ووصيتها بهذه المقدمة لتتلطف مع ابنتها في عرض
النصيحة ،وتجذب ذهنها لقبول النصائح التي تمليها عليها ،حتى تحتل مكانة عالية في قلب زوجها من
أجل أن تقربها إليه عن طريق اًلحترام المتبادل ،لتكوين أسرة مثالية ،فاألم خبيرة بواجبات الزوج على
الوصية
ّ الصفة هي حسن تربيتها وأدبها ،فلو كان هدف
بإن ،وتلك ّ
لذلك منك) وهذا كناية عن صفة مؤّكدة ّ
وصيتها بقولها( :ولكّنها تذكرة للغافل ،ومعونة للعاقل) ،فالهدف اّلذي يجعل أمامة توصي ابنتها
ّ الهدف من
ألن
هو تذكيرها إن كانت ناسية ،وإعانتها على ما ستواجه في ّأيامها المقبلة ،ومجيء (تذكرة) مع (الغافل)؛ ّ
طباق.
وضده؛ أي العاقل ،مستعملة أسلوب ال ّ
ّ بين الغافل
الناس عليها ،كما في قوله تعالىَ { :و ِم ۡن َءا ٰيَتِ ِهۦٓ أَ ۡن َخلَقَ لَ ُكم ِ ّم ۡن أَنفُ ِس ُك ۡم
الزواج فطرةٌ فطر هللا ّ
أن ّكنائي ب ّ
ّ
الزواج
أن ّ
1
و َر ۡح َمةً إِ َّن فِي ٰ َذلِكَ َ
ألٓ ٰيَت ِلّقَ ۡوم يَتَفَ َّك ُرونَ) ، }(21كما ّ أَ ۡز ٰ َوجٗ ا ِلّت َۡس ُكنُ ٓواْ إِلَ ۡي َه َ
او َجعَلَ بَ ۡينَ ُكم َّم َو َّد ٗة َ
وأبناء وحفدة.
الروم .21،
ّ 1
52
موسيقيا يريح السامع ،ويشد انتباهه ،وهو
ا جرسا
السجع اّلذي ُيضفي ا
ص أسلوب ّ
الن ّ
وقد ورد في ّ
محبب لآلذان ،وليس متكّلافا ،ومنه قولها( :ولكّنها تذكرة للغافل ،ومعونة للعاقل) ففي كلمتي الغافل والعاقل
سجع.
فالنساء
للرجال خلقن)ّ ،
ولكن الّنساء ّ
طباق ،ومن أمثلته قول أمامةّ ( :
ص أسلوب ال ّ
الن ّ
كما ورد في ّ
وقولها( :ولكّنها تذكرة للغافل) فبين كلمتي تذكرة والغافل طباق بين اسم واسم ،والغرض منه إبراز المعنى
ولكن
ص أسلوب التّقديم ،ومن هذا التّقديم قولهاّ ( :
الن ّ
ومن األساليب اّلتي استخدمتها األم في هذا ّ
فتم
للرجالّ ، الرجال) واألصل في الجملة األولى أن تكون :خلقت ّ
النساء ّ ولهن خلق ّ
ّ للرجال ٌخلقن،
الّنساء ّ
لهن، "للرجال" على كلمة خلقن ،واألصل في الجملة الثّانية أن تكون :خلق ّ
الرجال ّ تقديم الجار والمجرور ّ
للزوج على الزوجة وًل للزوجة على الزوج ،فكالهما متمم لآلخر ،ولكل واحد منهما مسؤولية في تكوين
المثالية ،ولكل -أيضا -حقوق وواجبات ،والتقديم والتأخير في الجملتين يفيد أسلوب القصر ،والغرض
ّ األسرة
منه إثارة اًلنتباه وتأكيد لقيمة الزواج ،إذ يجب أن يكون رغبة مشتركة بين ّ
الرجل والمرأة ،وبين الجملتين
من المحسنات اللفظية ما يسمى بالعكس والتبديل ،وواضح الحذف في (خلقن وخلق) لبناء الفعلين للمجهول،
وسبب حذف الفاعل األصلي وهو لفظ الجاللة (هللا)؛ ألنه معلوم ،فال داعي لذكره ،وخلقن بمعنىُ :وجدن.
53
وشدة
الزوج لغنى أبويهاّ ،
الشرط هي "امرأة استغنت عن ّ
الشرط غير الجازمة ،وجملة ّ
وهي من أدوات ّ
الناس عنه".
الشرط فيكمن في قولها" :كنت أغنى ّ
أما جواب ّ
حاجتهما إليه" ّ
خرجت ،وخل ِ
فت العش ِ ِ
فارقت الجو الذي منه وتواصل أمامة قائلة في وصيتها " :أي بنية ِ
إنك ْ ّ ّ
ِ
عليك رقيباً ومليكاً ،فكوني له أم ًة 1
وقرين لم تألفيه ،فأصبح بملكه
ٍ الذي فيه در ِ
جت ،إلى وْك ٍر لم تعرفيه،
يكن ِ
لك عبدا وشيكا".2 ْ
ِ
خرجت) فقد عدة تقديمات للجار والمجرور ،كما في قول أمامة( :اّلذي منه
ص ّالن ّ
ورد في هذا ّ
ِ
تقدم الجار والمجرور "منه" واألصل أن تكون :اّلذي خرجت منه ،كذلك في قولها( :اّلذي فيه درجت) ّ
تقدم ّ
الجار والمجرور "فيه" واألصل أن تكون :اّلذي درجت فيه ،وآثرت هذا التّقديم والتّأخير لبيان أهمية ومكانة
ما ألفته في مكان نشأتها وترعرعها فيه ،فهي تحن إلى حياتها وما كان فيها قبل الزواج ،وجاء مراعاة
المشبه وهو
ّ شبهت بيت والدها بالعش ،وحذفت
يحية ،إذ ّ
وْك ٍر لم تعرفيه) ،ففي لفظة "العش" استعارة تصر ّ
بهما في بيت والدها ،والبيت والعش فيهما يشعر المخلوق بالدفء والحب والحنان وبوجود مسؤول يتحمل
أعباء الحماية وتوفير الحياة ومستلزماتها ،فارتباطها ببيت أبيها يحاكي ارتباط الطائر بعشه ووكره ،كما
تشعر الفراخ باألمن واألمان والراحة في اإلقامة في العش اّلذي تعيش فيه.
54
طويال،
ا العش اّلذي يكون معّلاقا في ّ
الشجرة ،فال يدوم ًل تصل إليه األيدي ،فهو دائم ومستقر ،على عكس ّ
فالعش عبرت به عن بيت األهل والوالد ،بينما منزل الزوج عدلت عنه بمسمى آخر وهو الوكر.
أن بين هاتين الكلمتين يوجد جناس ،الغرض منه أن تأنس األذن ِ ِ
فالسجع هنا بكلمتي خرجت ودرجت ،كما ّ
ّ
للزوج.
ّ
الزوج
الزوجة باألمة ،و ّ
شبهت ّ
وشيكا) ،إذ ّ
ً عبدا
وقد ورد تشبيه في قولها( :كوني له أمة ،يكن لك ً
ذخ اًر وِذك ار: وفي آخر جزء من الوصية تقول أمامة" :يا بنية :اح ِملي عِّني عشر ِخصال تكن ِ
لك ْ ْ ّ ّ
الصحبة له بالقناعة ،و المعاشرة ِبحسن السمع والطاعة ،و التعهد لموقع عينيه ،و التفقد لموضع أنفه،
فال تقع عينه منك على قبيح ،وال يشم منك إال أطيب ريح ،والكحل أحسن الحسن ،والماء أطيب الطيب
الهدو عنه عند منامه ،فإن حرارة الجوع ملهبة ،وتنغيص النوم مغضبة،
المفقود ،والتعهد لوقت طعامه ،و ّ
واالحتفاظ ببيته وماله ،واإلرعاء على نفسه وحشمه وعياله ،فإن االحتفاظ بالمال حسن التقدير ،واإلرعاء
55
ِ
أفشيت سره لم على العيال والحشم جميل حسن التدبير ،وال تفشي له سرا ،وال تعصي له أمراِ ،
فإنك إن
عصيت أمره أ ْوغْر ِت صدره ،ثم ا ّتقي مع ذلك الفرح إن كان ت ِرحا ،واالكتئاب عنده إن
ِ تأمني غدره ،وإن
كان ف ِرحا ،فإن الخصلة األولى من التقصير ،والثانية من التكدير ،وكوني أشد ما تكونين له إعظاما،
يكن أشد ما يكون لك إكراما ،وأشد ما تكونين له موافقة ،يكن أطول ما تكونين له مرافقة ،واعلمي أنك
وكر ِ
هت وهللا يخير ِ
أحببت ِ ال ت ِصلِين إلى ما تحبين حتى ت ْؤِثرِي ِرضاه على ِرضاك ،وهواه على هواك ،فيما
لك." 1
وفي هذا المقطع يظهر أسلوب التوشيع بذكر العدد (عشر خصال) ،ثم تعداد هذه الخصال وهو
مكنية،
من أحد مظان اإلطناب ،وقد وردت اًلستعارة في قولها( :احملي عني عشر خصال) ،فهذه استعارة ّ
مكنية أخرى،
شبهت الخصال بأشياء مادية تُحمل ،وفي قولها( :الخصلة الثانية من التكدير) استعارة ّ
إذ ّ
للمرة الثّانية ،والغرض منه التّوكيد وجذب اًلنتباه ،وأسلوب األمر( :احملي
مكرر ّ
النداء ّ
نداء (يا بنية) ،وهذا ّ
56
أما إن أفشت أس ارره فسيكون قوي ًل ّ
يهزه أحدّ ، قائما على سند ّ
فسيظل بيتها ا
ّ فإن حافظت على بيتها وأس ارره،
بأي وقت.
ضا للهدم ّ
معر ا
اهنا كبيت العنكبوت ّ
و ا
حبها
حقدا وضغينة ،فطاعة زوجها يضمن لها بقاء ّ
ابنتها أًل تعصي أمر زوجها ،فإن عصته مألت قلبه ا
(واالحتفاظ ببيته وماله ،واإل رعاء على نفسه وحشمه وعياله ،فإن االحتفاظ بالمال حسن التقدير ،واإلرعاء
اجع لها ولطلبات البيت واألوًلد ،فيجب المحافظة عليه ،وعدم إسرافه على ما ًل يلزم من
أن هذا المال ر ٌ
ّ
أمور.
طلب الثّاني :اإلرعاء على نفسه وحشمه وعياله ،وتعليله قولها :إن اإلرعاء على العيال والحشم
وال ّ
ثم
وكل ما يتعّلق بهّ ،
جميل حسن التّدبير ،فيجب عليها أن تعتني بزوجها ويشمل ذلك مالبسه وطعامه ّ
طلب مع التعليل
مدبرة واعية ،وبهذا ّنوعت أمامة أساليب ال ّ
تحصلت على جميل حسن التّدبير ،فكانت امرأة ّ
ّ
57
تقدم الجار والمجرور
عشرا) فقد ّ
خصاال ً
ً وقد ورد أسلوب التّقديم والتأخير في قولها( :احفظي له
عشر له ،وهذا التّقديم للجار والمجرور جاء بهدف التّوكيد على
"له" واألصل أن تقول :احفظي خصاًل اا
طلب الوارد.
المتقدم ،وهو الزوج ،على غيره من باقي الناس ،وتخصيص المعنى بال ّ
ّ أهمّية
الفكرة ،وبيان ّ
وفي قول أمامة( :والتعهد لموقع عينيه ،والتفقد لموضع أنفه ،فال تقع عينه منك على قبيح ،وال
يشم منك إال أطيب ريح) ،وجدت الكناية في قولها( :موقع عينه) ،فموقع عينيه كناية عن اًلعتناء بمظهرها
برائحة النظافة مثل دًللة موقع العين ،فجمعت أمامة في نصيحتها ما بين موقع العينين وموضع األنف،
الصورة الجميلة باكتمال المنظر بجماله وطيب رائحته ،فتخيل أن المكان جميل والرائحة كريهة،
ًلكتمال ّ
يحب
قبيحا والرائحة طيبة ،فالجمال ًل يكتمل ،فبجمال المكان ونظافته ّ فال يكون مر ا
يحا ،وإذا كان المنظر ا
وفي قولها( :ثم ا ّتقي مع ذلك الفرح إن كان ت ِرحا ،واالكتئاب عنده إن كان ف ِرحا ،فإن الخصلة
معنوية،
ّ الزوجين ،وهذه المشاركة
األولى من التقصير ،والثانية من التكدير) كناية عن صفة المشاركة بين ّ
تكدر فرحه بحزنها ،فهما إن تشاركا المشاعر كان لحزنه ،كي ًل تكون ّ
مقصرة بحّقه إن فرحت بحزنه وًل ّ
ومن المالحظ تعدد المحسنات المعنوية في هذه العبارة من المزاوجات والثنائيات كالمقابلة ،فذكرت
وتوضيحا
ا الفرح ثم الترح لتقابل الجملة الثانية بالتضاد فاختارت اًلكتئاب ثم أردفته بالفرح؛ تقوية للمعنى
له ،وكذلك انتقت محسنا معنويا ولفظيا في قولها( :ترحا وفرحا) ففيهما ما فيهما من التضاد والجناس
58
وصية أمامة بنت الحارث ًلبنتها أم إياس عند استعدادها للزواج،
ّ عدة تشبيهات في
وقد وردت ّ
تشبه الجوع وتأثيره على اإلنسان بالّلهب الحارق ،وهذا التّشبيه بليغ إذ حذفت
هو :ح اررة الجوع ملهبة ،إذ ّ
التبيين والتوضيح.
ٍ
معان ودًلًلت عدة
المحلية أو المجاورة ،فوغر الصدر يحمل ّ
ّ الصدر وأرادت القلب ،فهذا المجاز عالقته
ّ
طاعة ،وقولها( :فال تقع عينه منك على قبيح ،وال يشم منك
فالسجع كان بين كلمتي القناعة وال ّ
والطاعة) ّ
59
أيضا ،وقولها( :فإن حرارة الجوع ملهبة ،وتنغيص النوم مغضبة)
إال أطيب ريح) فبين قبيح وريح سجع ا
النفس ،ووفقت
الوصية على المتلّقي ،وهو سجع تطرب له اآلذان ،ويحدث جرسا موسيقيا يريح ّ
ّ يسهل حفظ
ّ
الوصية أسلوب التّرادف بين الكلمات ،فقد وردت كلمات بأكثر من صيغة لها المعنى
ّ كما ورد في
تنوع
وقوية المعاني ،كما ّأنها ذات عبارات سلسة ،وقد ّ
تبين سهلة األلفاظّ ،
الوصية ،كما ّ
ّ فهذه
مما
العقلي أكثر ّ الوصية تعتمد على اإلقناع
ّ ألن
الخيالية فيها؛ ّ
ّ الصور
أسلوبها بين الخبر واإلنشاء ،وقّلت ّ
ّ
للوصية ،وقد ظهرت فيها
ّ لتقوي الموضوع األساس
تعتمد على إثارة العاطفة ،وقد تسلسلت أفكارها وترابطت ّ
الوصية.
ّ طباق والجناس والمقابلة الواردة بشكل ملحوظ في
السجع وال ّ
النثر من خالل ّ
موسيقا ّ
60
وصية أكثم بن صيفي لطيء
ص ال ّثانيّ :
الّن ّ
قال أكثم بن صيفي في وصية كتب بها إلى طيء" :أوصيكم بتقوى هللا وصلة الرحم ،وإياكم ونكاح
الحمقاء ،فإن نكاحها غرر وولدها ضياع ،وعليكم بالخيل ،فأكرموها فإنها حصون العرب ،وال تضعوا
رقاب اإلبل في غير حقها ،فإن فيها ثمن الكريمة ورقوء الدم وبألبانها يتحف الكبير ،ويغذى الصغير ولو
أن اإلبل كلفت الطحن لطحنت ،ولن يهلك امرؤ عرف قدره ،والعدم عدم العقل ال عدم المال ،ولرجل خير
من ألف رجل ،ومن عتب على الدهر طالت معتبته ،ومن رضى بالقسم طابت معيشته ،وآفة الرأي الهوى،
والعادة أملك ،والحاجة مع المحبة خير من البغض مع الغنى ،والدنيا دول ،فما كان لك أتاك على ضعفك،
وما كان عليك لم تدفعه بقوتك ،والحسد داء ليس له دواء ،والشماتة تعقب ،ومن ير يوما ير به ،قبل
الرماء تمأل الكنائن ،1الندامة مع السفاهة ،دعامة العقل الحلم ،خير األمور مقبة الصبر ،بقاء المودة
عدل التعاهد ،من يزر غبا يزدد حبا ،التغرير مفتاح البؤس ،من التوانى والعجز نتجت الهلكة ،لكل شيء
ضراوة ،فضر لسانك بالخير عي الصمت أحسن من عي المنطق ،الحزم حفظ ما كلفت وترك ما كفيت،
كثير النصح يهجم على كثير الظنة ،من ألحف في المسألة ثقل ،من سأل فوق قدره استحق الحرمان،
الرفق يمن والخرق شؤم ،خير السخاء ما وافق الحاجة ،خير العفو ما كان بعد القدرة".2
الوصية على الكثير من الحكم والمواعظ واألمثال ،وكان أكثم بن صيفي أكثر الخطباء
ّ تحوي هذه
1الكنائن:جمعكنانة،وهيوعاءالسهم،ابنمنظور،لسان العرب،مادة(كنن)
2صفوت،أحمدزكي،جمهرة خطب العرب في عصور العربيّة الزّ اهرة .306-305/1،
61
عدة صور بالغية جميلة ،تمّثلت في الكنايات واًلستعارات والتّشبيهات
وقد تشكلت هذه الوصية من ّ
1
مثال لالستعداد لألمر قبل حلوله"
الرماء تمأل الكنائن) وهذا ُ"يضرب ا
والمجازات ،فمنها قول أكثم( :قبل ّ
ظن ّأنك تريد حظ ا لنفسك" ،2فهذه استعارة تمثيلية أخرى ،وهكذا جميع األمثال الواردة في
النصح لصاحبك ّ
ّ
بعدد من النوق أو غيرها من األنعام .وفي قوله( :ورقوء الدم) كناية عن دفع دية ألهل المراق دمه ،وكذلك
بفروسيتهم.
ّ ميالدها وجذورها ،فبها كانت بطوًلتهم ،وبها يتفاخرون
الشبه.
دواء ،وحذف أداة التّشبيه ووجه ّ
62
المودة ،كاستقامة التّعاهد،
ّ إن بقاء
تشبيها آخر في قوله( :بقاء المودة عدل ال ّتعاهد) أي ّ
ا ونجد
الشبه ،فهو
المتغيرات ،وحذف أداة التّشبيه ووجه ّ
ّ بالدول ،وهي
الدنيا ّ
شبه ّ
(الدنيا دول) ّ
وفي قولهّ :
تغير الحال.
الشقاء ،فال ّبد من ّ
بالسرور أو ّ
طال حالك سواء ّ
وآخر تشبيه ورد في قوله( :دعامة العقل الحلم) وهو تشبيه بليغ -أيضا -حذفت منه أداة التّشبيه
يحل مشاكله
صبور يعرف كيف ّ
اا معا ،فثبات العقل يكون بحلم اإلنسان ،أي أن يكون عاقال
الشبه ا
ووجه ّ
ٍ
بتأن.
المشبه به
ّ وغالبا ما يقوم بهذا الشيء هو الحمار أو ما على شاكلته ،وحذف
ا شبه اإلبل بشيء يطحن،
ّ
العادة الدابة ًل تطحن ،وإنما هي وسيلة للطحن ،فتحرك الحجارة التي هي آلة الطحن فيكون الطحين.
1ابنمنظور،لسان العرب(،غرر).
63
الدهر فعليه أن
الشخص على ّ دوما دون جدوى ،ا
وبدًل من أن يعتب ّ الدهر سيكون ا
أن العتب على ّ
بذلك ّ
أن لك
أن ما كتبه هللا سيحصل ،ولو ّ
(أتاك) ،وفي هذه الجملة معنى مهم على اإلنسان أن يدركه ،وهو ّ
شيئا.
الدنيا ا
سير إليك أينما كنت ،حتى لو لم تكن تملك من ّ
فسي ّ
الدنيا ُ
شيئا في هذه ّ
ا
شيء من لوازمه (الثقل) والثقل يكون على قلب اإلنسان ،وهو شيء معنوي ،فيجب أن يتجنب اإلنسان
الدعاء مما
ألن اإللحاح في ّ
اإللحاح في المسائل كي يحفظ كرامة نفسه ،إًل مع هللا -سبحانه وتعالى-؛ ّ
الرقاب،
أما المجاز المرسل فقد ورد في قول أكثم( :وال تضعوا رقاب اإلبل في غير حّقها) إذ أطلق ّ
ّ
وأراد اإلبل كاملة ،فأطلق جزء وأراد الكل ،فهذا المجاز عالقته الجز ّئية .ويقصد من كالمه أن تؤتى اإلبل
كل شيء غير منقوص ،فلإلبل قيمة ومكانة عالية عند العرب ،وخص الرقاب بالذكر؛ ألنها مكان
حّقها من ّ
النحر.
1ابنمنظور،لسان العرب،مادة(لحف).
2غافر.60،
3ابنالقيم،الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي .11،
64
عدة منها( :إياكم وعليكم) ،وجملة( :وبألبانها يتحف الكبير،
ص طباق في مواضع ّ
الن ّ
وقد ورد في ّ
بين كلمتي (داء ودواء) ،أما في قوله( :فما كان لك أتاك على ضعفك وما كان عليك لم تدفعه بقوتك)
فيوجد مقابلة بين الجملتين ،فذكر أوًل (لك وضعفك) ،ليقابل في الجملة الثانية ب ـ (عليك وقوتك).
ومن المالحظ أن معظم األمثال والحكم إن توالت فيتبعها السجع ،كما في قول أكثم( :ومن عتب
على الدهر طالت معتبته ،ومن رضى بالقسم طابت معيشته) فبين كلمتي معتبته ومعيشته سجع ،إذ التقت
الكلمتان في آخر حرفين ،وهما :التاء والهاء ،وفي قوله( :فما كان لك أتاك على ضعفك وما كان عليك لم
مرات في الجملتين ،إذ التقتا بآخر حرف وهو حرف الكاف ،وفي قوله( :الحسد داء ليس له دواء) فيوجد
سجع بين كلمتي (داء ودواء) ،فقد التقتا بآخر حرفين وهما األلف والهمزة ،وتكرار الدال ثالث مرات أحدث
(وًل تضعوا رقاب اإلبل في غير حقها) ،وأتى بصيغة األمر في قوله( :فأكرموها) ،وباسم فعل األمر في
لبية إلى الجمل الخبرّية على صور األمثال والحكم التي تقنع
ط ّ اإلنشائية ال ّ
ّ أو تركه ،فعدل عن األساليب
65
موضوعا لبحث ،وما
ا وعجنت محبة وصداقا ،كل واحدة منها تصلح عنو اانا لكتاب أو
البحرُ ،ملئت حكمةُ ،
66
وصية ذي اإلصبع العدواني البنه أسيد
ص ال ّثالثّ :
الّن ّ
ّ
وصية هي خالصة
ّ الوصية عند احتضار ذي اإلصبع العدواني ،استدعى ابنه ليوصيه
ّ قيلت هذه
ّ
الوصية:
ّ كل من يعمل بها ،يقول في هذه
مر به في حياته ،كي يفيد ابنه منها ،ويفيد ّ
ما ّ
قد فني وهو حي! وعاش ح ّتى سِئم العيش وإِِّني م ْو ِصيك ِبما ِإ ْن ح ِف ْظته بل ْغت في قو ِمك
إن أباك ْ
" يا بن ّي ّ
ّ
فاحف ْظ عِّني :ألِ ْن ج ِانبك لِقو ِمك ي ِحُّبوك ،وتواض ْع لهم يْرفعوك ،و ْابس ْط لهم و ْجهك ي ِط ْيعوك".1
ما بل ْغتهْ ،
لحبه ودًلله.
ّ
وفي هذه الجمل القليلة يوجد العديد من الصور البالغية ،عالوة على ما تفيض فيه من المعاني
فال يرجى منه ما يرجى من األصحاء ،ويوجد طباق بين (فني – حي/عاش) ،فاستطاع ببراعة أن يثبت
قواه لتجاوزه مئة عام بكثير ،ويوجد جناس اشتقاق بين كلمتي( :عاش والعيش) .وفي قوله( :وإِِّني م ْو ِصيك
ِبما ِإ ْن حفظته بلغت في قومك ما بلغته) كناية عن أهمية الوصايا والحرص على تنفيذها ،فابنه إن حفظ
67
ثم يالحظ تكرار
فإن ذلك سيرفع من قدره بين قومه ،كما رفع أباه من قبلّ ،
ما قال والده ،وعمل بمقتضاه ّ
فعل األمر أربع مرات (احفظ ،وألِ ْن ،وتواضع ،وابسط) وانزاح األمر في هذه المواضع إلى معنى مجازي
يقدمها
النصائح اّلتي ّ
ثم يبدأ بذكر ّ
النصحّ ،
للحث و ّ
ّ النصح واإلرشاد ،فقوله( :احفظ عني) أسلوب أمر
هوّ :
ًلبنه.
وجاء في ّأول نصيحة( :ألِ ْن ج ِانبك لِقو ِمك ي ِحُّبوك) كناية عن نسبة ،فنسب اللين إلى الجانب وأراد
جسمه كامال وجسده وبدنه ،كما ورد في قوله تعالى من هذا القبيل{ :أَنتَقُولَن َۡف ٞ
س ٰ َي َح ۡس َرت َٰى َ
علَ ٰى َمافَ َّرطتُ
ٱّلل} ،1يقول ابن عاشور في تفسيرها" :الجنب والجانب مترادفان ،وهو :ناحية الشيء ومكانه، فِي َج ۢن ِ
ب َِّ
2
الناس
الصاحب المجاور" .فمتى كان اإلنسان رفياقا هينا لينا بمعاملته مع ّ
ومنه( :الصاحب بالجنب) أي ّ
ومحبتهم.
ّ ودهم
فإنه يكسب ّ
ّ
علية
وقوله( :وتواض ْع لهم يْرفعوك) ففيه كناية عن رضا قومه عليه ،فإذا تواضع لهم جعلوه من ّ
النصائح فيقول( :و ْابس ْط لهم و ْجهك ي ِط ْيعوك) كناية عن انشراح الوجه وبشاشته،
ثم يتواصل في سرد ّ
ّ
الناس بوجه
الناس له ،وشتّان بين من يقابل ّ
فإنه إن قام بذلك ضمن طاعة ّ
الناس باًلبتسامةّ ،
ومقابلة ّ
نفسية المتلّقي.
تأثير على ّ
فإن لذلك اا
عبوس ،وبين من يقابلهم بوجه بشوشّ ،
1الزّ مر.56،
2تفسير التحرير والتنوير.46/24،
68
(يحبوك ..يرفعوك ..يطيعوك) فقد التقت
النص ،كما فيّ :
اضحا في نهاية جمل هذا ّ
السجع و ا
ويبدو ّ
مما أضفى موسيقا تؤنس األذن بنغمتها ورقتها ،وتكرار الفعل المضارع
أواخر الكلمات بحرفي الواو والكافّ ،
يحبونك ،يرفعونك،
(يحبوك ..يرفعوك ..يطيعوك) ،واألصل فيهاّ :
ّ ووقعت الجمل في جواب الطلب
يطيعونك.
وصيته ،فيقول " :وأ ْك ِرْم ِصغارهم كما ت ْك ِرْم ِكبارهم ،ي ْك ِر ْمك ِكبارهم،
ّ ثم يتابع ذو األصبع العدواني في
ّ
ّ
زز جارك و ِ ِ ِ
رم ضيفك".1
استعان بك وأ ْك ْ أع ْن ِ
من ْ أع ْ اسم ْح بمالِك و ْ
احمِ حريمك و ْ وي ْكبر على موّدتك صغارهم! و ْ
ِ ِ
للصغار في قوله( :وأ ْك ِرْم صغارهم ،كما ت ْك ِرْم كبارهم) تشبيه مرسل مجمل ،حيث ّ
شبه إكرام اًلبن ّ
النصح ،جاء جوابه في الجملة التي تليها( :ي ْك ِرْمك ِكبارهم وي ْكبر على موّد ِتك
وهو أسلوب أمر للحث و ّ
اشتقاق ناقص بين كلمتي( :كبار ،ويكبر) ،كما يوجد طباق بين كلمتي( :صغارهم ،وكبارهم).
عدة نصائح ُمصاغة بأسلوب األمر ،ويتكرر فيها صريح فعل األمر في كل جملة ،يقول:
ثم يليها ّ
ّ
النساء عند العرب اسم ْح بمالِك) فيها كناية عن الجود بالمال والكرم ،و ( ْ
اح ِم حريمك) كناية عن مكانة ّ (و ْ
استعان بك) كناية زز جارك) كناية عن احترام الجار وتقديره ،و( ِ
أع ْن ِ
من ْ أع ْ
وضرورة حمايتهم وصونهم ،و( ْ
69
والالفت لالنتباه في هذه الفقرة تكرار فعل الكرم بصيغتي األمر والمضارع أربع مرات( :أكرم ،تكرم،
يكرم ،أكرم) ،وبمعنى الكرم ًل بلفظه مرتين( :اسمح بمالك ،وأعزز جارك)؛ وذلك لبيان أهمية اًلتصاف
بالكرم عند العرب ،ونبذ الشح والبخل وغل اليد ،وتترأس هذه الصفة جميع الصفات الخلقية ،وفي هذه الفقرة
كرر ذو اإلصبع حرف (الكاف) في أقل من سطرين خمس عشرة مرة ،وهو صوت شديد انفجاري وحنكي
الوصية يقول ذو اإلصبع العدواني " :أ ْس ِر ِع الن ْهضة في الص ِري ِخ1؛ فِإن لك
ّ وفي آخر جزء من
ّ
أجالً ال ي ْعدوك ،وص ْن و ْجهك عن م ْسأل ِة أح ٍد ش ْيًئا ف ِبذلِك ي ِت ُّم س ْؤددك".2
وفي هذه الجمل نجد الكناية في قوله( :أ ْس ِر ِع الن ْهضة) وهي كناية عن النخوة وإغاثة الملهوف،
دون تباطؤ ،فما إن يسمع بشخص يطلب المساعدة منه إًل وعليه اإلجابة وعدم التواني في ذلك ا
أبدا،
الناس
النفس ،وحفظ الكرامة ،فال يسأل ّ وكناية أخرى في قوله( :وص ْن و ْجهك) فهذه كناية عن ّ
عزة ّ
ذل المسألة.
شيئا ،فيحمي نفسه من ّ
ا
1الصريخ:نداءالمستغيث،ابنمنظور،لسان العرب،مادة(صرخ)
2صفوت،أحمدزكي،جمهرة خطب العرب في عصور العربيّة الزّ اهرة .46/1،
70
يؤخرون 1
و َاليَ ۡست َۡق ِد ُمونَ) ، }(34أيً" :ل يتجاوزونه بتأخير ،وًل يتعجلونه بتقديم ،والمقصود ّأنهم ًل ّ
ع ٗة َ
سا َ
َ
عنه".2
مادي.
ّ المعنوي بشيء
ّ المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه ،وهذا تشبيه
ّ يتم وينقص ،وحذف
مادي ّ
للشخص اّلذي
امة ّ
الكل وهو المساعدة التّ ّ
النهضة ،وأراد ّ
مجاز مرسل عالقته الجز ّئية ،إذ أطلق الجزء وهو ّ
يستصرخه.
وفي قوله( :وص ْن و ْجهك عن م ْسأل ِة أح ٍد ش ْيًئا) فالوجه مجاز مرسل عالقته الجز ّئية ،إذ أطلق
عمق العاطفة وصدقها ،واألساليب اّلتي وردت فيها ًل تعدو كونها غير متكّلفة ،ومع عفويتها إًل أنها تحمل
1األعراف.34،
2ابنعاشور،تفسير التحرير والتنوير.105/8،
71
وصية زهير بن جناب الكلبي
الرابعّ :
ص ّالّن ّ
ّ
وصيته:
ّ تصلح لكل العصور .يقول زهير في
رت ِسِّني ،وبلغت حْر ًسا 1من دهري ،فأ ْحكم ْتني التجارب ،واألمور ِ
تجرب ٌة و ٌ
اختبار ،فاحفظوا "يا ب ِنيْ ،
قد ك ِب ْ
ِ
المصائب ،والتواكل عند النوائب؛ فإن ذلك داعي ٌة للغ ِّم ،وشمات ٌة عني ما أقول وعوه .إياك ْم والخور عند
غترين ،ولها آمنين ،ومنها ساخرين ،فإنه ما ِ ِ ِّ
إياكم أن تكونوا باألحداث م ّ
للعدو ،وسوء ظ ٍّن بالر ّب .و ْ
النداء( :يا بني) فانزاح إلى أداة نداء البعيد (يا) مع قرب أبنائه منه ،وذلك
وبدأ حديثه بأسلوب ّ
للتّودد والتخصيص ،وتصورهم في المستقبل عظماء لهم شأن عظيم إذا ما امتثلوا لوصاياه.
دهري) فهاتان الجملتان تحمالن المعنى نفسه ،ويستخدم الخطيب الموصي هذا األسلوب للتأكيد على المعنى
1الحرسمنالدّهر:الطويل،وحرس:كسمععاشزمنًاطويال،ابنمنظور،لسان العرب،مادة(حرس)
2غرض:هدف،نفسه،مادة(غرض)
3صفوت،أحمدزكي،جمهرة خطب العرب في عصور العربيّة الزّ اهرة.289/1،
72
شبه التّجارب بإنسان تعّلم منه أمور الحياة،
مكنية ،إذ ّ
وفي قوله( :فأ ْحكم ْتني التجارب) نجد استعارة ّ
طلب جد
أن ال ّ
للحث على ّ
ّ وفي قوله( :فاحفظوا عني ما أقول وعوه) :عطف وعوه على أقول
خطير ،بدليل تصدير العبارة بفعل األمر (احفظوا) الذي يفيد الوجوب ،فانزاح بفعل األمر عن حقيقته إلى
معاني اًلستخبار ،والنصح واإلرشاد ،فال يراد من بنيه مجرد سماع ما يقول ،فال قيمة لما سمعوا إًل
ويالحظ تكرار أسلوب التحذير مما يسوؤهم بقوله( :إياكم وإياكم) ليتجنبوا ما ينغص حياتهم ،والتفاتهم
إلى المحبب النافع لهم ،وهو بذلك يؤثر في نفوسهم وقلوبهم وعقولهم.
وقد جنح زهير إلى كثرة التّقديم والتأخير ،ومن ذلك قوله( :وإياكم أن تكونوا باألحداث مغترين)
الجملة الثانية والثالثة قدم الجار والمجرور على اسم الفاعل ،واألصل فيها أن تكون :مغترين باألحداث،
(مقصر دونه) وبعضها يتجاوز اإلنسان فتكون أبعد منه ،وبعضها يأتي عن يمينه
ّ فبعضها يأتي قبله
فيكون الموت المقدر ،وهذا التّشبيه قريب لل ّذهن ويسهل فهمه على متلقيه ،إذ ّ
يتخيل المشهد أمام عينيه،
توضيحا
ا (فإنما اإلنسان .....يصيبه) جاءت
المشبه .وهذه الجملةّ :
ّ وتفيد هذه الصورة التشبيهية بيان حال
73
لقول الموصي( :إياكم أن تكونوا باألحداث مغترين )...فهذا أسلوب الشرح والتوضيح اّلذي يأتي إلقناع
تجربة) ،و(ما سخر قوم إًل ابتلوا) وغيرها ،تفيد الوعظ واإلرشاد.
اقع ِ ِِ ظاهر ،كما في قول زهير( :فمق ِّصٌر دونه ،وم ِ
جاوٌز لموضعه ،وو ٌ اا الوصية
ّ السجع في
وقد جاء ّ
ص موسيقا
للن ّ
الهاء ،فالكلمات (دونه -موضعه – شماله – يصيبه) كلها انتهت بحرف الهاء ،وقد أعطت ّ
مفر من
الدنيا وما فيها ،ففي نهاية المطاف ًل ّ
الناس والتّكالب على ّ
النيل من ّ
هو التّحذير من اًلنزًلق في ّ
الصفة
خصوصية ّ
ّ الموت ،والدافع إليه هو تناول معنى واستقصاؤه ،عالوة على التّأكيد والحصر ،و
بالصفة.
بالموصوف ،والموصوف ّ
74
الّنص الخامس :وصية حصن بن حذيفة لبنيه:
اآلخر ما أ ْدركه األول ،وأْن ِكحوا " اسمعوا ِمِّني ما أوصيكم به ،ال يت ِكل ِ
آخركم على أولِكم؛ فإنما ي ْد ِرك ِ
ِ
الخالف ي ْزرِي بالرئ ِ
يس المطاعِ ،وإذا حاد ْثتم بأجمل أ ْخالقكم ،وال تخالِفوا فيما ْ
اجتمعوا عليه؛ فِإن ِ ِ قومكم
1 ِ
الكذب" ِ
الصدق؛ فِإنه ال خير في
فاْربِعوا ،ثم قولوا ّ
الوصية هو أسلوب التّعليل الوارد فيها مصحوبا بفاء الفصيحة ،فال تكاد
ّ إن أول ما يالحظ في هذه
ّ
الموصي بأقل جهد ووقت ،وهذا أسمى طريق لإلقناع ،ثم اًلمتثال.
إليه ُ
فتوكيد التوكيد بحرف توكيد أبلغ فيه وأعظم ووجدنا هذا في عدد من الجمل التي تسترعي خالصة ما يرمي
ووجد تزاحم أسلوبي :األمر والنهي ثماني مرات ،وهذا ما يناسب الوصية بشكل عام افعل أو ًل تفعل،
وصى
للم َ
نهيا ينهاهم عنه وهذا فيه إرادة الخير ُ
أمر يأمرهم به وإما ا فكالم الموصي ًل يخلو من أن يكون ّ
إما اا
الموصي بأحبابه.
إليهم ،وكمال شفقة ُ
75
سيقال
إن طلب الموصي باًلستماع له يوحي بأهمية ما ُ
ففي قوله( :اسمعوا مني ما أوصيكم به) ف ّ
ويعطي انتباها واسترعاء للنظر إليه فيقع الكالم في القلب ويأخذ موقعه منه ،وهو أسلوب انشائي طلبي
جد والعمل،
وقوله( :ال يت ّكل آخركم على أولكم فإنما يدرك اآلخر ما أدركه األول) :ففيه كناية عن ال ّ
الرقي
َّ بأن العمل والسعي إلى التقدم واًلزدياد ًل يكون باًلتكاء على جهد غيرهَ ،
فمن طلب فهو يوصي ّ
اًلعتماد على النفس ومواصلة الجهد والعمل ،وعدم انتهاز جهد اآلخرين دون مشقة.
ويالحظ ّأنه لم يقلً :ل يتواكل ،بل استعمل دًللة الوزن (افتعل) بقول( :يتكل اتكال من افتعل
يفتخرون بالعدد والعتاد في غالب أشعارهم على الحث على تغريب النكاح وزيادة عدد أفراد األسرة الممتدة.
صفة النجابة ،وأهم ما ينشأ من الزواج هو الولد ،فكان الفخر فخرين :فخر الولد الذي هو ثمرة الزواج،
76
تزوج من
فلما كان الغالب على القبائل العربية أن ّ
أما المعنى الثاني :فهو مأخوذ من ندرة الوجودّ ،
وّ
(فإنه عز حادث).
استحق أن يقالّ :
َّ طاب من الخارج عزيزي الوجود
الخ ّ
داخل القبيلة ،وكان ُ
الرجوع،
فإن كل مورد مغروف) :الصدر بمعنى ّ
صدر ّ
وقوله( :وإذا حضركم أمران فخذوا بخيرهما ًا
وقوله( :وإذا حادثتم فاربعوا ) ففيه كناية عن الحديث الموزون ،إذ يحرص ُ
1
الموصي على هيبة
ألنه بقدر خفض الصوت تعلو الهيبة وعلى قلة الكالم تأتي ِ
الفراسة واًلنقياد بنيه بأن يقّلوا الكالم ويخفضوه؛ ّ
ألن من عالمات سؤدد الرئيس (فإن الخالف يزري بالرئيس الـمطاع) جملة مؤّكدة ّ
بإن؛ ّ وفي قولهّ :
ولفظة (رئيس) ًل تعني مرؤوس في هذا الموضع قياسا على ذبيح بمعنى مذبوح وإنما ُيعنى بها الفاعل ًل
77
فإن استعمال ال ُـموصي لدًللة ًل النافية للجنس إشارة إلى
أما في قوله( :فإّنه ال خير في الكذب) ّ
ّ
خير) ناشئا من الكذب دون استثناء لشيء إذ لو كان هناك نفع ٌّ
آني لقالً( :ل ٌ ألي نفع يكون ا
عدم علمه ّ
لما قال:
بتنوين الضم إشارة إلى نفي الخيرية المطلقة لكنه يثبت خيرية جزئية في ظرف ما ووقت ما ،لكن ّ
أي ٍ
خير منبثقا منه. وًل يمدح الكاذب ،بل ًل يرى ّ
وصيته فيقول:
ّ ثم يكمل حصن بن حذيفة في
ّ
بذلك كنت أ ْغلِب الناس ،وال ت ْغزوا ِإال بالعيو ِن ،وال ت ْسرحوا حتى تأْمنوا الصباح ،وأ ْعطوا على حس ِب
ات ِ
الم از ِح ،وال ت ِجيروا على يحات الب ْغي وفلت ِ
بالقرى1؛ فِإن خيره أعجله ،واتقوا ف ِض ِ
المال ،وأع ِجلوا الضيف ِ
ِ
ْ ْ
2
الملوك؛ فِإن أيديهم أ ْطول ِمن أي ِديكم"
ِ
وسيلة للنقل إنما كان له معاني مالزمة فإذا ُذكر الخيل حضر الخير فوصية الخطيب الموصي لبنيه بالخيل
تحمل معاني اإليصاء بالخير والتمسك بنبل الثقافة العربية ،فضياع الخيل واًلهتمام بها ضياع لهذه القيم
المالزمة لها.
الرماح بقرون الخيل ،وهذا تشبيه منتزع من البيئة وقوله( :وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل) ّ
شبه ّ
العربية ،فكأنما المقاتل بالرماح يشبه الوعول واأليائل ذات القرون التي تدافع بها عن نفسها ،ومن المتعارف
1قرىالضيف:أحسنإليه،ابنمنظور،لسان العرب،مادة(قرى)
2صفوت،أحمدزكي،جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة.129/1 ،
78
يشبهها بحيوان ذا أن الخيل ًل قرون لها ،فقد رسم الموصي صورة جميلة للخيل ذات القرونّ ،
فكأنه ّ عليه ّ
الرماح اّلتي مكان القرون تدافع بها الخيل عن نفسها ،وهنا حذف أداة التّشبيه
قرون ،كالوعل مثال ،وهذه ّ
الشبه.
ووجه ّ
والحذر ،إذ يقصد به توخي الحيطة والحذر على الدوام ،واًلستعداد قبل الولوج للمعركة ،ولمـّا غلب التجسس
عن طريق العين أُطلِ َق العين على الشخص كله فكان العين من اًللفاظ المشتركة ولها معاني منها
الجاسوس ،وفيها مجاز مرسل عالقته الجز ّئية ،واختيار العين دون غيرها؛ ّ
ألنها الجزء األهم لناقل األخبار،
والحصر.
ألنها ًل
فسماهُ فضيحات؛ ّ
مدتهّ -
ألن الظلم عواقبه وخيمة -وإن طالت ّ
بينهما ،وقوله( :فضيحات البغي)؛ ّ
فلما ُعطف
وخص منها المزاحّ ،
ّ أن الجاهليين يح ّذرون من الظلم بشتى أنواعه ،ولها صور
فتجد ّ
اح الذي قد ًل يخطر ببالكم أن يقع فيه كثير من الظلم ،وكنى بطول اليد
أخص منه المز َ
الظلم و ُّ
َ أح ّذركم
(فإن أيديهم أطول من أيديكم) كناية عن هيمنة الملوك على الشعب ،فبيدهم الصول والجول،
عندما قالّ :
والتهديد ،والترويع ،والضرب ،فاليد لصيقة بالضرب وكأنها من توابعه ،وًل يتحقق الضرب إًل باليد ،وبذلك
79
أن الخطباء الجاهليين يولون أهمي اة لحث المخاطبين على اًلمتثال
ونظرة سريعة في الوصايا نجد ّ
السيد الكبير،
ّ بصفات هي عندهم بمثابة الدم للعروق ،ومنها :صفة الكرم ،واًلهتمام بالخيل ،واحترام
80
الخاتمة
أهمها:
عدة نتائجّ ،
وقف البحث على ّ
أن الخطابة في الزمن الجاهلي اعتُني بها من حيث الجمال والتعبير واإلنشاء واإلخبار كأعظم
• نجد ّ
اهتمام من حيث نشأة الخليقة إلى زمن الجاهلية وبعدها ،فلم يدانيها ما بعدها ،ولم يجاريها ما قبلها.
• ويختلف استنباط األساليب والتجليات ،باختالف الموهبة بين قارئ وقارئ ،ومدى إشراقة الحس
• دارت الخطب والوصايا المدروسة على القيم واألخالق النبيلة التي يحرص الخطباء والموصون على
بثها وإذاعتها بين المتلقين ،والتحذير من األخالق والتصرفات المذمومة ،التي تجلب العار والسفه
لمن يمارسها.
بأن البالغة هي • اعتمد الخطباء والموصون في خطبهم ووصاياهم على اإليجاز واًلختصار التز ا
اما ّ
• ضمن الخطباء والموصون الحكم واألمثال والحوادث في خطبهم ووصاياهم لتأكيد المعاني المطروحة،
واستخدموا أسلوب المنطق والتعليل وإقامة الحجة بهدف إقناع المتلقين واستمالتهم لألخذ بمعاني
خطبهم ووصاياهم.
ظا فصيحة بعيدة عن الغرابة والركاكة ،مؤدية للمعاني المطلوبة في جمل قصيرة،
• استخدم الخطباء ألفا ا
وتراكيب قوية ،مع وجود عدد غير قليل من األلفاظ الغريبة بالنسبة لعصرنا.
81
جماًل بالكنايات ،والتشبيهات ،واًلستعارات ،كـما لُوحظ أسلوب التقديم والتأخير،
ا • وقد ازدانت الخطب
وسمو
ّ يدل على عظمة اللغة ،واتّساع رقعتها،
دل على شيء؛ فإنما ّ
والحذف ،واًللتفات ،وهذا إن ّ
جل الخطب جاءت نثرية ،ولم ُيستشهد فيها بالشعر إًل في واحدة منها وهي خطبة قس
أن ّ
• وُيالحظ ّ
ابن ساعدة.
أن األبيات الشعرية من تأليفه ،أُردفت بنثره ،وهذا أمر مبتدع في
• ويالحظ في خطبة قس بن ساعدة ّ
الجاهلية -على وجه الخصوص -باإليجاز وجوامع الكلم ،وًل يلجأ الخطيب إلى
ّ • وتمتاز الخطب
اإلطناب إًل إذا تطلب األمر ذلك ،وًل يجرؤ أحد على ارتقاء المنابر إًل سادة الجاهليين الذين اعتركوا
82
المالحق
83
المالحق:
جاءت هذه الخطبة ضمن الخطب التي قيلت في بالط كسرى بعد أن قدمت وفود العرب عليه،
يجهز نفسه ليقول خطبته التي يمدح فيها قومه ،وفيها يقول أكثم:
فبدأ كل خطيب ّ
الع ْج ُز
ص ْع ٌب ،و َ الك ِذ ُب م ْهواةٌ ،و َّ ِ وأفضل الخ َ ِ
الح ْزُم َم ْرَك ٌب َ
اج ٌة ،و َ
الش ُّر َل َج َ َ َ دق َم ْن َجاةٌ ،و َ
الص ُ
َص َدُقهاّ ،
طباء أ ْ َ ُ
طةٌ ،وسوء َّ
الظ ِّن ُ ُ
الصبر ،حسن َّ
الظ ِّن َوْر َ ِ
األمور َّ ُ ُ ْ ُ الفْق ِرُ ،
وخير تاح َ ِ
الع ْج ُز مْف ُ َم ْرَك ٌب َو ِطيئٌ ،آَف ُة َّ
الرأي الهوى ،و َ
ِ خير ِمن ِإصال ِح َف َس ِاد َّ
الر ِ
اعيَ ،من َف َس َد ْت ِب َ ِعصمةٌِ ،إصالح َفس ِاد َّ ِ
بالماءَ ،ش ُّر ِّ
كالغاص ط َانتُه كان الرِعيَّة ٌ ُ َ ْ َ
ِ ِ ِ
خير
الب َرَرةُُ ،
أفضل األوًلد َ
ُ الم ْرُء َي ْع َج ُز ًل َم َحاَل َة،
يءَ ، الملوك َمن َخاَف ُه َ ِ
البر ُ أمير بهاَ ،ش ُّر الِبالد ِب ٌ
الد ًل َ
ِ
فتَ َع َّج َب كسرى من َ
أكثم ،ثم قال:
موض ِعه.
غير ِ
كالمك في ِ
ض ُعك َ
كالمك ،لوًل َو ْ
أوثق َ
أحكمك ،و َ
َ أكثم ،ما
ويحك! يا ُ
أكثم:
قال ُ
84
قال كسرى:
قال أكثم:
1
ص ْو ٍل". ِ ٍ
ُر َّب َق ْول أ َْنَف ُذ من َ
تنافرت قريش وخزاعة إلى هاشم بن عبد مناف ،فخطبهم بما أذعن له الفريقان بالطاعة؛ فقال في
خطبته:
"أيها الناس ،نحن آل إبراهيم ،وذرية إسماعيل ،وبنو النضر بن كنانة وبنو قصي بن كالب ،وأرباب مكة،
وسكان الحرم ،لنا ذروة الحسب ،ومعدن المجد ،ولكل في كل حلف يجب عليه نصرته ،وإجابة دعوته ،إًل
ما دعا إلى عقوق عشيرته ،وقطع رحم ،يا بني قصي :أنتم كغصني شجرة أيهما كسر أوحش صاحبه،
والسيف ًل يصان إًل بغمده ،ورامي العشيرة يصيبه سهمه ،ومن أحكمه اللجاج أخرجه إلى البغي.
أيها الناس :الحلم شرف ،والصبر ظفر ،والمعروف كنز ،والجود سؤدد ،والجهل سفه ،واأليام دول ،والدهر
غير ،والمرء منسوب إلى فعله ،ومأخوذ بعمله ،فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد ،ودعوا الفضول تجانبكم
السفهاء ،وأكرموا الجليس يعمر ناديكم ،وحاموا الخليط يرغب في جواركم ،وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم،
وعليكم بمكارم األخالق فإنها رفعة ،وإياكم واألخالق الدنية فإنها تضع الشرف ،وتهدم المجد ،وإن نهنهة
الجاهل أهون من جريرته ،ورأس العشيرة يحمل أثقالها ،ومقام الحليم عظة لمن انتفع به".
85
1
فقالت قريش" :رضينا بك أبا نضلة" وهي كنيته".
حيث أ ُِر ُ
يد. ظ منكم ُ
قلوبكم َيْبُل ِغ الوع ُ
لي َ َص ُغوا ِإ َّ
اعكمَ ،وأ ْ
َس َم َ ِ
أ َْر ُعوني أ ْ
ونجوم تَ ْس ِري
ٌ طلُ ُع وتَ ْغ ُر ُب،
وشمس تَ ْ
ٌ وسماء مرفوعةٌ،
ٌ ض موضوعةٌ،
اعتبر؛ أ َْر ٌ
َ ِإ َّن فيما ترى َل ُم ْعتََب َار لِ َمن
طلِ ُع
وي ْ ِق َّ
الش َج َرُ ، وي ْور ُ طٌر ُي ْرَس ُل بَق َد ٍرَ ،ف ُي ْحِيي َ
الب َش َرُ ، ُغِب َر ،وراحلون ًل يؤوبون ،وموقوفون ًل ُيَف ِّرطونَ ،و َم َ
األنعام.
َ وي ْن ِمي وي ْش ِب ُع َّ
السو َامُ ، األنامُ ،
َ
ٍ
أي غاية تُْوِف ُ
ضون؟
أمية
الرابع :منافرة عبد المطلب بن هاشم وحرب بن ّ
الّنص ّ
86
" تنافر عبد المطلب بن هشام وحرب بن أمية إلى النجاشي ملك الحبشة ،فأبى أن ينفر بينهما،
رجال هو أطول منك قامة ،وأعظم هام اة ،وأوسم منك وسامة ،وأقل منك مالمة ،وأكثر
"يا أبا عمرو :أتنافر ا
مذودا ،وإني ألقول هذا وإنك لبعيد الغضب ،رفيع الصوت في العرب،
صفدا ،وأطول منك ا
ولدا ،وأجزل ا
منك ا
1
حكما".
فغضب حرب وقال :إن من انتكاس الزمان أن جعلت ا
الشيباني
الّنص الخامس :خطبة هانئ بن قبيصة ّ
ِ
األعجاز حور أَ ْك َرُم ِمنه في
الن ِ
الط ْع ُن في ثُ َغ ِر ُّ ِ
الموت خير ِمن استدبا ِرهَّ ، استقبال الدِنَّيةُ،
المِنَّيةُ وًل َّ
ٌ ُ َ
ِ
الظهور.
و
2
قاتُلوا فما للمنايا ِمن ُب ٍّد".
بكرِ ،
آل ٍ
يا َ
87
بالسّيدة خديجة
الرسول -صلى هللا عليه وسّلمّ -
السادس :خطبة أبي طالب في زواج ّ
الّنص ّ
النبي -صلى هللا عليه وسلم -بالسيدة خديجة فقال: "خطب أبو طالب حين زواج
ّ ّ
ِ
الناس. على
ومجدا ،ونبالا.
ا
1
فعلي".
داق َّ ٍ
خويلد رغبةٌ ،ولها فيه ِم ْث ُل ذلك ،وما أحببتم ِمن َّ
الص ِ وله في خديج َة ِ
بنت
اإليادي
ّ السابع :خطبة قس بن ساعدة
الّنص ّ
أيها الناس اسمعوا وعوا ،من عاش مات ،ومن مات فات ،وكل ما هو آت آت ،ليل داج ،ونهار ساج،
وسماء ذات أبراج ،ونجوم تزهر ،وبحار تزخر ،وجبال مرساة ،وأرض مدحاة ،وأنهار مجراة.
إن في السماء لخبرا ،وإن في األرض لعبرا ،ما بال الناس يذهبون وًل يرجعون؟! أرضوا فأقاموا أم تركوا
فناموا ،يقسم قس باهلل قسما ًل إثم فيه إن هلل دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه ،وإنكم
88
في الذاهبين األوليـ ـن من القرون لنا بصائر
1
أيقنت أني ًل محا لة حيث صار القوم صائر"
"لما حملت إلى زوجها قالت لها أمها أمامة بنت الحارث:
"أي بنية :إن الوصية لو تركت لفضل أدب ،تركت لذلك منك؛ ولكنها تذكرة للغافل ،ومعونة للعاقل ،ولو
أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها ،وشدة حاجتها إليها ،كنت أغنى الناس عنه؛ ولكن النساء للرجال
أي بنية :إنك فارقت الجو الذي منه خرجت ،وخلفت العش الذي فيه درجت ،إلى وكر لم تعرفيه ،وقرين لم
وذكرا ،الصحبة بالقناعة ،والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ،والتعهد لموقع عينه،
ا ذخر
خصال تكن لك اا
والتفقد لموضوع أ نفه؛ فال تقع عينه منك على قبيح ،وًل يشم منك إًل أطيب ريح ،والكحل أحسن الحسن،
والماء أطيب الطيب المفقود ،والتعهد لوقت طعامه ،والهدو عنه عند منامه؛ فإن ح اررة الجوع ملهبة،
وتنغيص النوم مغضبة ،واًلحتفاظ ببيته وماله ،واإلرعاء على نفسه وحشمه وعياله؛ فإن اًلحتفاظ بالمال
89
أمرا؛
سرا ،وًل تعصي له ا
حسن التقدير ،واإلرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير ،وًل تفشي له ا
فإنك إن أفشيت سره ،لم تأمني غدره ،وإن عصيت أمره ،أو غرت صدره ،ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان
فرحا؛ فإن الخصلة األولى من التقصير ،والثانية من التكدير ،وكوني أشد ما
ترحا ،واًلكتئاب عنده إن كان ا
ا
واعلمي أنك ًل تصلين إلى ما تحبين ،حتى تؤثري رضاه على رضاك ،وهواه على هواك فيما أحببت
1
وكرهت ،وهللا يخير لك"
"أوصيكم بتقوى هللا وصلة الرحم ،وإياكم ونكاح الحمقاء؛ فإن نكاحها غرر ،وولدها ضياع .وعليكم بالخيل
فأكرموها؛ فإنها حصون العرب ،وًل تضعوا رقاب اإلبل في غير حقها .فإن فيها الكريمة ،ورقوء الدم،
وبألبانها يتحف الكبير ،ويغذي الصغير ،ولو أن اإلبل كلفت الطحن لطحنت .ولن يهلك امرؤ عرف قدره.
والعدم عدم العقلً ،ل عدم المال ،ولرجل خير من ألف رجل .ومن عتب على الدهر طالت معتبته .ومن
رضي بالقسم طابت معيشته .وآفة الرأي الهوى .والعادة أملك .والحاجة مع المحبة خير من الغض مع
الغنى .والدنيا دول؛ فما كان لك أتاك على ضعفك ،وما كان عليك لم تدفعه بقوتك .والحسد داء ليس له
يوما ير به .قبل الرماء تمأل الكنائن .الندامة مع السفاهة .دعامة العقل
دواء .والشماتة تعقب ،ومن ير ا
من التواني والعجز نتجت الهلكة .لكل شيء ضراوة .فضر لسانك بالخير عي الصمت أحسن من عي
المنطق .الحزم حفظ ما كلفت وترك ما كنيت .كثير النصح يهجم على كثير الظنة .من ألحف في المسألة
90
ثقل .من سأل فوق قدره استحق الحرمان .الرفق يمن ،والخرق شؤم .خير السخاء ما وافق الحاجة .خير
1
العفو ما كان بعد القدرة"
يك ِب َما ِإ ْن َح ِف ْ ِ ِ وعاش حتى َسِئ َم أباك قد َفِني وهو َح ٌّي،
ظتَ ُه َبَل ْغ َت في قو ِم َك العيش ،وِإّني ُم ْوص َ
َ َ َ يا ُبَن َّيِ ،إ َّن َ
ظ َعِّني:
فاحَف ْ
ما َبَل ْغتُ ُهْ ،
بالر ِّب.
ظ ِّن َّ
وسوء َ وشماتَ ٌة لِ ِّ
لعدو، ائب؛ فِإ َّن ذلك داعي ٌة لِ َ
النو ِ
عند َّ ِ
ٌ لغ ِّمَ َ ، اكل َ
عند المصائب ،والتو َ
الخ َوَر َ
إيَّاكم و َ
91
ولكن قط ِإًلَّ ابتُلُوا؛ ِ
باألحداث م ْغتَ ِرين ،ولها آمنين ،ومنها ساخرين؛ فِإَّنه ما سخر قوم ُّ َن تكونوا
ْ َ ََ ٌ َ َ َ ُ ّ َ وإِيَّاكم أ ْ
ِ ِ ِ َع ِجلُوا َّ ِ طوا على َح َس ِب
َع َجَل ُه ،واتَُّقوا َفضيحات َ
الب ْغي يف بالق َرى؛ فِإ َّن َ
خيره أ ْ الض َ المال ،وأ ْ َع ُ
اح ،وأ ْ
الص َب َ
َّ
2
ول ِمن َأي ِديكم".
ط ُ
ِ
يروا على الملوك؛ فِإ َّن َ
أيديهم أَ ْ ِ ِ ِ
َوَفَلتَات الم َاز ِح ،وًل تُج ُ
92
الفهارس
أوال :المصادر والمراجع
93
أوال :المصادر والمراجع
*القرآن الكريم
*الكتب
-2األزهري ،محمد بن أحمد ،تهذيب اللغة ،تحقيق :محمد عوض مرعب ،الطبعة األولى ،دار إحياء
-3األصفهاني ،أبو الفرج علي بن الحسين ،األغاني ،الطبعة األولى ،تحقيق :إحسان عباس ،وإبراهيم
-4اآلمدي ،أبو القاسم الحسن بن بشر ،المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم
وبعض شعرهم ،الطبعة األولى ،تحقيق :ف.كرنكو ،دار الجيل ،بيروت1991 ،م.
-5أمين ،محمد شوقي ،وحجازي ،مصطفى( ،مجمع اللغة العربية) ،األلفاظ واألساليب ،الطبعة األولى،
القاهرة1976 ،م.
-6األندلسي ،أبو عبيد عبد هللا بن عبد العزيز بن محمد البكري ،سمط الآللي في شرح أمالي القالي،
نسخه وصححه ونقحه وحقق ما فيه واستخرجه من بطون دواوين العلم :عبد العزيز الميمني ،دار
-7البحيري ،أسامة ،تيسير البالغة علم البيان ،الطبعة األولى ،دار النابغة للنشر والتوزيع ،طنطا ،مصر،
2015م.
94
-8البغدادي ،عبد القادر بن عمر ،خزانة األدب ولب لباب لسان العرب ،تحقيق وشرح :عبد السالم محمد
-9البالذري ،أحمد بن يحيى بن جابر بن داود ،أنساب األشراف ،الطبعة األولى ،تحقيق :محمد باقر
-10الجاحظ ،عمرو بن بحر ،البيان وال ّتبيين ،الطبعة الثّانية ،تحقيق عبد السالم هارون ،مكتبة
-11الجرجاني ،عبد القاهر ،أسرار البالغة ،الطبعة األولى ،تحقيق محمود محمد شاكر ،دار المدني،
جدة1991 ،م.
،_____________ -12دالئل اإلعجاز في علم المعاني ،د.ط ،شكله وشرح غامضه وخرج شواهده
-13الجرجاني ،علي بن عبد العزيز ،الوساطة بين المتنبي وخصومه ،تحقيق :محمد أبي الفضل
إبراهيم وعلي محمد البجاوي ،الطبعة األولى ،المكتبة العصرّية ،بيروت2006 ،م.
-14الجمحي ،ابن سالم ،طبقات فحول الشعراء ،تحقيق :محمود محمد شاكر ،دار المدني – جدة،
د.ت.
النشر،
طباعة و ّ
النجار ،دار الهدى لل ّ
جني ،أبو الفتح عثمان ،الخصائص ،تحقيق :محمد علي ّ
-15ابن ّ
-16الجوزّية ،ابن القيم ،الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ،الطبعة األولى ،دار المعرفة،
المغرب1997 ،م.
-17الحمداني ،أبو فراس ،ديوان أبي فراس الحمداني ،شرح الدكتور خليل الدويهي ،الطبعة الثانية،
95
-18حمودة ،طاهر سليمان ،ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي ،الدار الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع،
اإلسكندرية1998 ،م.
-19الحنفي ،إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين ،األطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ،تحقيق:
-21خلوف ،مصطفى شاهر ،أسلوب الحذف في القرآن الكريم وأثره في المعاني واإلعجاز ،دار الفكر،
-22ابن دريد ،أبو بكر محمد بن الحسن ،االشتقاق ،تحقيق وشرح :عبد السالم محمد هارون ،الطبعة
-24الدينوري ،أبو محمد عبد هللا بن مسلم بن قتيبة ،الشعر والشعراء ،دار الحديث ،القاهرة.2002 ،
-26الرماني ،أبو الحسن علي بن عيسى ،النكت في إعجاز القرآن ،عنى بتصحيحه الدكتور عبد
-27الزبيري ،مصعب بن عبد هللا بن مصعب بن ثابت بن عبد هللا بن الزبير ،أبو عبد هللا ،نسب
قريش ،تحقيق :ليفي بروفنسال ،الطبعة الثالثة ،دار المعارف ،القاهرة ،د.ت.
96
الزركشي ،بدر الدين محمد بن عبد هللا ،البرهان في علوم القرآن ،تحقيق أبي الفضل الدمياطي،
ّ -28
-29الزركلي ،خير الدين ،األعالم ،الطبعة الخامسة عشر ،دار العلم للماليين2002 ،م.
-30السبكي ،بهاء الدين ،أحمد بن علي بن عبد الكافي ،أبو حامد ،عروس األفراح في شرح تلخيص
المفتاح ،تحقيق :عبد الحميد هنداوي ،الطبعة األولى ،المكتبة العصرية للطباعة والنشر ،بيروت –
لبنان2003 ،م.
-31السجستاني ،أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان الجشمي ،المعمرون والوصايا ،تحقيق :محمد
-32ابن السراج ،محمد بن السري بن سهل ،األصول في النحو ،تحقيق عبد الحسين الفتلي ،مطبعة
-33ابن سعد ،أبو عبد هللا محمد بن سعد بن منيع الهاشمي ،الطبقات الكبرى ،تحقيق :محمد عبد
-36شوشة ،فاروق ،ومكي ،محمود علي ،معجم مصطلحات األدب ،تحرير ومراجعة لغوية :سميرة
الصعيدي ،عبد المتعال ،بغية اإليضاح لتلخيص المفتاح في علوم البالغة ،مكتبة اآلداب ،القاهرة،
ّ -37
1999م2000-م.
97
-39صفوت ،أحمد زكي ،جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ،الطبعة األولى ،شركة مكتبة
-40ضيف ،شوقي ،الفن ومذاهبه في الّنثر العربي ،الطبعة العاشرة ،دار المعارف ،القاهرة1960 ،م.
-41طبانة ،بدوي ،معجم البالغة العربية ،الطبعة الثالثة ،دار المنارة للنشر والتوزيع ،جدة1988 ،م.
1998م.
-43طليمات ،غازي ،واألشقر ،عرفان ،األدب الجاهلي ،قضاياه ،أغراضه ،أعالمه ،فنونه ،الطبعة
طاهر ،تفسير ال ّتحرير وال ّتنوير ،الدار التونسية للنشر ،د.ط1984 ،م.
محمد ال ّ
-44ابن عاشورّ ،
-45عبد المطلب ،محمد ،البالغة العربية ،قراءة أخرى ،الطبعة الثانية ،الشركة المصرية العالمية
للنشر2007 ،م.
-46أبو عبيدة ،محمد بن المثنى التميمي البصري ،نقائض جرير والفرزدق ،الطبعة األولى ،تحقيق:
-47عتيق ،عبد العزيز ،علم البيان ،د.ط ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان1985 ،م.
،___________ -48علم المعاني ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،بيروت2009 ،م.
-49العسقالني ،ابن حجر أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد ،اإلصابة في تمييز الصحابة،
الطبعة األولى ،تحقيق :عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض ،دار الكتب العلمية – بيروت،
1994م.
-50العسكري ،أبو هالل الحسن بن عبد هللا ،جمهرة األمثال ،الطبعة األولى ،ضبطه وكتب هوامشه
ونسقه الدكتور أحمد عبد السالم ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان1988 ،م.
98
-51العكلي ،النمر بن تولب ،ديوان النمر بن تولب العكلي ،الطبعة األولى ،جمع وشرح وتحقيق الدكتور
-52العكوك ،علي بن جبلة ،ديوان علي بن جبلة العكوك ،جمع وتحقيق :زكي ذاكر العاني ،مطبعة
-53العلوي ،يحيى بن حمزة ،الطراز المتضمن ألسرار البالغة وعلوم حقائق اإلعجاز ،دار الكتب
-54عواد ،بولس ،العقد البديع في فن البديع ،د.ط ،المطبعة العمومية الكاثوليكية ،بيروت1881 ،م.
-56ابن فارس ،أحمد ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السالم محمد هارون ،دار الفكر1979 ،م.
-59الفيصل ،عبد العزيز بن محمد ،األدب العربي وتاريخه ،الطبعة األولى ،مطابع جامعة اإلمام،
الرياض1983 ،م.
طبعة الرابعة ،مؤسسة
-60فيود ،بسيوني عبد الفتاح ،علم البيان ،دراسة تحليلية لمسائل البيان ،ال ّ
-61قاسم ،محمد أحمد ،وديب ،محيي الدين ،علوم البالغة البديع والبيان والمعاني ،الطبعة األولى،
-62القرطبي ،أبو عبد هللا محمد ،الجامع ألحكام القرآن ،الطبعة األولى ،تحقيق الدكتور عبد هللا بن
99
الدين الخطيب ،اإليضاح في علوم البالغة ،الطبعة ال اربعة ،دار إحياء العلوم،
القزويني ،جالل ّ -63
ّ
بيروت ،لبنان1998 ،م.
-65القشيري ،عبد الكريم بن هوازن ،الرسالة القشيرية ،تحقيق :الدكتور عبد الحليم محمود ،والدكتور
-66القفطي ،جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف ،إنباه الرواة على أنباه النحاة ،الطبعة األولى،
-67القيرواني ،ابن رشيق ،العمدة في صناعة الشعر ونقده ،الطبعة األولى ،مطبعة السعادة1907 ،م.
-68القيسي ،نوري ،والبياتي ،عادي ،وعبد اللطيف ،مصطفى ،تاريخ األدب العربي قبل اإلسالم ،ط،2
-70اللبدي ،محمد سمير نجيب ،معجم المصطلحات النحوية والصرفية ،دار الثقافة ،الجزائر ،د.ت.
-71اإلمام مالك ،مالك بن أنس بن مالك األصبحي الحميري ،أبو عبد هللا ،موطأ مالك ،تحقيق محمد
فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان1985 ،م.
-72محمد ،إسماعيل علي ،فن الخطابة ومهارات الخطيب ،ط ،5دار الكلمة للنشر والتوزيع ،القاهرة،
2016م.
-73المرصفي ،سيد بن علي ،رغبة اآلمل من كتاب الكامل ،الطبعة األولى ،مطبعة النهضة ،مصر،
1928م.
100
طبعة األولى ،الدار العربية للموسوعات،
البالغية وتطورها ،ال ّ
ّ -75مطلوب ،أحمد ،معجم المصطلحات
-76مناع ،هاشم صالح ،النثر في العصر الجاهلي ،الطبعة األولى ،دار الفكر العربي ،بيروت،
1993م.
طبعة األولى،
العربية أسسها وعلومها وفنونها ،ال ّ
ّ الرحمن حسن حبنكة ،البالغة
-78الميداني ،عبد ّ
-79ناصف ،حفني ،ومحمد ،سلطان ،ودياب ،محمد ،وطموم ،مصطفى ،دروس البالغة ،شرح محمد
بن صالح العثيمين ،اعتنى بها محمد بن فالح المطيري ،الطبعة األولى ،مكتبة أهل األثر2004 ،م.
-80النجار ،محمد رجب ،النثر العربي القديم من الشفاهية إلى الكتابة ،ط ،2مكتبة دار العروبة
-81الهاشمي ،أحمد ،جواهر البالغة في المعاني والبيان والبديع ،الطبعة األولى ،ضبط وتدقيق يوسف
-82الهاشمي ،محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو ،المحبر ،تحقيق :إيلزة ليختن شتيتر ،دار اآلفاق
-83ابن هشام ،عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري ،السيرة النبوية البن هشام ،تحقيق:
-84الهنداوي ،حسين علي ،أشكال الخطاب النثري الفني في العصر الجاهلي ،د.ط ،مصر2019 ،م.
101
-86اليعقوبي ،أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح ،تاريخ اليعقوبي ،الطبعة السادسة ،دار
العلمية
ّ لمجالت
*ا ّ
)1الخضر ،نورة عبيد عباس ،الوصايا االجتماعية في العصر الجاهلي :دراسة أدبية ،مجلة العلوم
)2الغرايبة ،عالء الدين أحمد محمد ،آليات الحجاج البالغي لوصايا الحكماء في العصر الجاهلي:
مقاربة تداولية ،مجلة الجامعة اإلسالمية للبحوث اإلنسانية ،العدد الثالث ،غزة2019 ،م.
)3الهيشري ،الشاذلي ،االلتفات في القرآن ،حوليات الجامعة التونسية ،جامعة تونس ،العدد ،32
1991م.
الجامعية
ّ *الرسائل واألطروحات
ّ
الشعر العربي،
.1بدوي ،منال محمد كامل ،مكانة االلتفات وبالغته على ضوء أساليب القرآن الكريم و ّ
اإلسالمية2006 ،م.
ّ تحليلية ،رسالة ماجستير ،جامعة أم درمان
ّ البنيوية دراسة
ّ
102
آنية
ثانيا :اآليات القر ّ
ً
الصفحة
ّ رقم اآلية اآلية السورة
ّ
َج ٌل ۖ {ولِ ُك ِل أ َّ ٍ
ُمة أ َ َ ّ
52 21 ّلِتَ ْس ُك ُنوا ِإَل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُكم َّم َوَّدةا َوَر ْح َم اة ِإ َّن ِفي َذلِ َك الروم
آلي ٍ
ات ّلَِق ْو ٍم َيتََف َّك ُرون} َ
ط ُت ِفي َج ْن ِب
ول َنْف ٌس َيا َح ْس َرتَا َعَلى َما َف َّر ْ
َن تَُق َ
أْ
68 56 الزمر
ّللاِ}
َّ
103
43 35 اع اة ِّمن َّن َه ٍ
ار} َّ
{َل ْم َيْل َبثُوا ِإًل َس َ األحقاف
ف ُس ِط َح ْت} (20
ض َك ْي َ َ
نِ
ص َب ْت ( )19وإَِلى ْاأل َْر ِ ُ
104
عرية
الش ّ
ثال ًثا :األبيات ّ
الصفحة
ّ الشاعر
ّ البحر البيت الرو ّي
األولين
في ال ّذاهبين ّ
ـوم لـنـا
ـوم عـلـيـنـا وي ٌ
فـي ٌ
105
الش َّر ًل لِ َ
لشر فت ََع َر ُ
ِر َل ِكن لِتوّق ِ
يه ََ
19 أبو فراس الحمداني الهزج الياء
الش َّر
ف َ عر ِ
َو َمن َلم َي ِ
106
Hebron university
Prepare
Supervision
2021-2022
107