Professional Documents
Culture Documents
التسيير العمومي في الجزائر إصلاح أو إعادة اختراع؟
التسيير العمومي في الجزائر إصلاح أو إعادة اختراع؟
ملخص:
يهدف هذا البحث إىل حتليل عناصر إشكالية التسيري العمومي يف اجلزائر ،من خالل دراسة
األسباب الرئيسية هلذه اإلشكالية والتطورات اليت عرفتها .ومن أجل الوصول إىل هذا اهلدف ،سوف
نقوم بتحليل ثالثة عناصر أساسية متثل أركان اإلشكالية اليت وجب معاجلها من أجل استدراك األخطا
التارخيية اليت اكتنفت جتربة التسيري العمومي يف اجلزائر ،وهذه األركان هي :أيديولوجية التسيري
العمومي ،سياسة تكوين املورد البشري لإلدارة العامة ،وأخريا البيئة اإلدارية العامة .وقد خلصت
الدراسة إىل ضرورة إعادة اختراع منوذج التسيري العمومي يف اجلزائر بصورة تضمن االنتقال من
منوذج تقليدي وفق اخلصوصيات اجلزائرية إىل منوذج جديد يتماشى والتطورات يف هذا اجملال.
مقدمة:
موع ددة م ددن اإلص ددال ات لقددد اجته ددت معد ددت اإلدارات العمومي ددة يف عتل د دول الع ددا إىل ت ددب
اإلدارية تسعى يف ملها إىل إثبات عقالنية تسيريية يف اإلدارة العامدة واالبتعداد عدن العقالنيدة القانونيدة
البريوقراطية الفيربية الديت م زيدزت اإلدارة العامدة يف مر لدة دولدة الرفداه .وقدد يبددو أن هدذه اإلصدال ات
اإلداريددة جديدددة يف طر هددا واهتمامهددا ،لكددن الدددارا لتطددور هددذه املسدداعي يال د امتدددادها التددارخيي
الدذي تتدد إىل سددتينيات القدرن املاضدي ،ر ددت متيإلدز اإلرهاصددات األوىل باجتداه ءدو اإلبقددا علدى الطدداب
القددانوا البريوقراطددي لددإلدارة العامددة والتفكيددد يف نفددا الوقددت علددى السددعي لالسددتفادة مددن املفددردات
التسيريية و ديث الفعالية والكفا ة يف تسيري اإلدارة العامة ،وهو مدا جتلىدى مدن خدالل مفهدوم املنا ندت
العم ددومي .)Public Managementم ددن جه ددة أخ ددرا ،ف ددهن ه ددذا التوج ددس لق ددي ا ددا ض ددعيفا بس ددبب
الصددعوبات الدديت تواجددس عمليددات املددزج بددل العقالنيددة القانونيددة والعقالنيددة التسدديريية يف تسدديري اإلدارة
العامة ،وهذا ما تزت التوجس ءو منوذج جديد ينفي نفيا قاطعا الصبغة القانونية لإلدارة العامدة ويسدعى
إىل الندددر إىل املندمددات العامددة كمسدداالت تسدديريية بامتيدداح ،وهددو مددا نال دددس مددن خددالل أيديولوجيددة
التسيري العمومي اجلديد اليت ظهرت يف أوائل الثمانينات.
عند احلديث عن جتربدة التسديري العمدومي يف اجلزائدرن تكدن القدول أندس قدد ع اعتمدد علدى اإلدارة
العامددة والقطدداع العددام يف هددذه الدولددة الفتيددة بصددورة رئيسددية وأساسددية يف بنددا اجملتم د وتشددييد التنميددة
الوطنيددة ،خاصددة يف املرا ددل األوىل لالسددتقالل ،أيددن امتددد نشدداك الدولددة إىل كافددة املرافددق االقتصددادية
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1:جانفي ___2015جامعة األغواط
45
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
واالجتماعية .و ىت بعد دخول اجلزائدر إىل اقتصداد السدوا واجتاههدا ثطدى ثابتدة ءدو الليرباليدة ،فدهن
قطاع الدولة قد يتغري سمس وقطاعات نشاطس و اياتس وأدواره ،ري أندس سديبقى ،وسدتبقى مسدفلة كفدا ة
تسيريه مطرو دة ،ويبقدى عليندا دائمدا البحدث عدن رفد كفدا ة املندمدات العامدة .هلدذا ونددرا للددور الدذي
لعبتس اإلدارة اجلزائرية وماحالت تلعبس يف الضبط والتنديت ،فهنس يتعل أن دد إرادة قويدة ودائمدة لرفد
كفا هتا وتكييفها م الدروف اليت تنشط يف إطارها.
وتطرح التسربة اجلزائرية عموما إشكالية مهمة تتلخص يف التساؤل التايل :إىل أي مدا سامهت
إصال ات التسيري العمومي يف اجلزائر يف تقدمي منوذج جزائري حياف على خصوصياتس من جهة،
ويواكب تطلعات اإلصالح من جهة أخرا؟
هذا ما سنحاول دراستس من خالل هدذا البحدث الدذي سيسدلط الضدو علدى جتربدة التسديري العمدومي
يف اجلزائددر ومدددا اسددتفادة جتربددة إصددالح تسدديري اإلدارة العامددة مددن كددل مفدداهيت املنا نددت العمددومي
واالبتعاد عن خصوصيات التسيري العمومي على الطريقة اجلزائريدة ،وتكدون الدراسدة مدن خدالل التركيدز
علددى ثالثددة نقدداك رئيسددية هددي )1 :أيديولوجيددة التسدديري العمددومي )2سياسددة تكددوين املسديزر العمددومي
)3تفثري البيئة اإلدارية العامة.
.1أيديولوجية التسيري العمومي
إن اإلطار األخالقي والفلسفي الذي حيكت تسديري اإلدارة العموميدة هدو الدذي حيددد الفدارا األساسدي بدل
التسد دديري العمد ددومي التقليد دددي والتسد دديري العمد ددومي احلد ددديث ،بد ددل األيديولوجيد ددة التسد دديريية التقليديد ددة
واأليديولوجية التسيريية احلديثة .هذا االختالف يكون على مسدتوا القديت الديت تسديطر علدى هدذا اجملدال
أو ذاك واألهداف املخصصة اليت تضعها املندمات من أجل القيام مبهامها.
يتبادر إىل الذهن عند احلديث عدن التسديري العمدومي يف اجلزائدر التسداؤل التدايل :مدا هدي املرجعيدة
األخالقيدة والفلسدفية الديت هتديمن علدى تسديري اإلدارة اجلزائريدة؟ مدا هدي األيديولوجيدة الديت يددور عليهددا
تسيري املندمات العامة يف اجلزائر؟
أوال :األيديولوجية اإلدارية التقليدية
إن اإلطار األخالقي والفلسفي الذي حيكت تسديري اإلدارة العموميدة هدو الدذي حيددد الفدارا األساسدي بدل
التس دديري العم ددومي التقلي دددي واملنا ان ددت العم ددومي احل ددديث ،ب ددل األيديولوجي ددة التس دديريية التقليدي ددة
واأليديولوجية التسيريية احلديثة .هذا االختالف يكون على مسدتوا القديت الديت تسديطر علدى هدذا اجملدال
أو ذاك واألهددداف املخصصددة الدديت تضددعها املندمددات مددن أجددل القيددام مبهامهددا .يبدددو تددفثري األيديولوجيددة
اإلداري ددة التقليدي ددة ك ددبريا عل ددى تس دديري اإلدارة العام ددة يف اجلزائ ددر ،ي ددث ددد أن املرجعي ددة األخالقي ددة
والفلسفية ترج إىل مفهومل أساسيل :املصلحة العامة واخلدمة العامدة.
تعترب املصدلحة العامدة املفهدوم املركدزي واألساسدي الدذي تددور ولدس تقليدديا األيديولوجيدة اإلداريدة،
فدداإلدارة العامددة بكددل مندماهتددا هددي موضددوعة تانددب الدولددة تشددارك عددن طريددق تدددخالهتا علددى إ كددام
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
46
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
ميددزان العدددل بددل عتلد املصدداة االجتماعيددة .)1لقددد تعددزح هددذا االجتدداه منددذ االسددتقالل خاصددة بعددد
انتددهاج الدولددة اجلزائريددة النددهك االشددتراكي ،فددهن املصددلحة العامددة تتس د بصددورة كددبرية تفددوا املفهددوم
املتعددارف عليددس يف الدددول الرأ اليددة ،فهددو ال يقتصددر علددى أدا اخلدددمات العامددة ذات االرتبدداك املباشددر
باحلاجددات األساسددية للسمدداهري والدديت يعسددز النشدداك الفددردي عددن ارتيادهددا ،وإمنددا تتددد ذل د املفهددوم
ليشمل كدل أوجدس النشداك االقتصددادي واالجتمدداعي املتا ددة يف الدولددة باعتبددارها األداة الرئيسدية لتو يدد
طبقات الشعب وحتقيدق األهدداف االشدتراكية املنشدودة ،لدذل فدهن وظدائ الدولدة اإلداريدة تتسد لتشدمل
إدارة كت ضخت من األموال العامدة والديت تشدكل أهدداف أدائهدا للمصدلحة العامدة يف مفهومهدا االشدتراكي
الواسد .كمددا ددد أن مبدددأ املصددلحة العامددة يبدددو بصددورة واسددعة ر ددت موجددة اإلصددال ات الدديت عرفتددها
اجلزائددر ابتدددا مددن إصددال ات ،1988وتوجههددا ثطددى ثابتددة ءددو الليرباليددة ،يددث ددد أن املشددرع
اجلزائري حيدد أشخاص القانون العدام ،أي األشدخاص اإلداريدة اإلقليميدة واألشدخاص املرفقيدة اسدتنادا
إىل معيددار املرفددق العددام ،)2علمددا بددفن هددذا املعيددار يرتكددز بصددورة كددبرية ومطلقددة علددى مفهددوم املصددلحة
العامة ،يث أن الشي الذي تيز املرفق العام عن سواه هو سد اجة ذات نفد عدام ،مبعد أن املرفدق
قد أنشئ هلذه الغاية وهلذا فهن الذي حيدد املرفق العام عن سواه هو أن املرفق العام تقوم بس هيئة عامدة
ويهدف إىل أدا خدمات عامة للسماعة .إن املصلحة العامة تدهر على أهنا وهت وخرافة ضرورية إلظهدار
اخلصوصية للهيئة اإلدارية يث ترسي شرعيتها على ركائز صلبة م ضمان ترابط داخلي للحصدول علدى
التحام و التفاف املواطنل .إن اإلدارة مضمونة بشرعية مبدئيدة وألهندا موضدوعة تاندب املدواطنل وألهندا
وسيلة عمل الدولة فههنا جيب أن تعمل يف إطار املصلحة العامة .)3
املرجعية األخالقية والفلسفية الثانية اليت ارتكز وما حال يرتكدز عليهدا التسديري العمدومي يف اجلزائدر
هي اخلدمة العامة .إذن وبتطوإلر نشاطات اخلدمات فقد تطدور معهدا العمدل احلكدومي ،فلدت يبدق مصدلحة
عامة فقط وضعت كهدف هنائي للتسيري العمومي ،ولكن املصلحة األكثر فعلية للذين توجس هلت اخلددمات
مددن املددرتفقل .إن اخلدمددة العامددة أصددبحت يف اجلزائددر القاسددت املشددترك والو يددد ألي تدددخل عمددومي،
فالتسيري العمدومي ال يقدوم إال يف ددود اخلدمدة العامدة ومدن أجدل اخلدمدة العامدة ،وأن أهدداف الفعاليدة
والكفا ة ري مطرو تان بتاتا.
تكدن رؤيدة هدذه السدديطرة خاصدة يف احلقبدة املمتددة مددا بدل ،1988-1962ومد اعتنداا اجلزائددر
النهك االشتراكي فهن اخلدمة العامة متثل نشاطا عاما ذا مضمون اقتصدادي واجتمداعي ،تدرا الدولدة أن
تتدخل لكي تتوىل أدا ه ،وذل هبدف حتقيق املصاة العامة االقتصادية و االجتماعية الديت حيققهدا هدذا
النشاك واليت يف ضوئها يتقرر الندام احلاكت للمرفق العام وتتحدد سلطة إنشاؤه .إن هدذه اهليمندة تبددو
شاملة ر ت أن بعض البا ثل واألساتذة يرون أهنا ري موجودة ر ت أهنا تبقى دراسات قليلة يغلب عليهدا
إصدددار األ كددام املطلقددة بدددون تدددعيمها باألدلددة والشددواهد .)4إىل أن شددرعت اجلزائددر يف سلسددلة مددن
اإلصددال ات اإلداريددة تعددرف باإلصددال ات اهليكليددة ،خاصددة م د صدددور القددانون التددوجيهي للم سسددات
العمومية عام ،1988الذي حيست اجلدال القدمي الذي كان عالقا ول معرفة ما إذا كدان املرفدق العدام
والقطاع العام يتطابقان ويتال مان ،فهو يعترف أن هلمدا نقداك مشدتركة وأهنمدا يلتقيدان أ ياندا ويفترقدان
أ يانا دون أن يكون هلما نفا ال النفوذ ودون أن يكونا كتلة متماسكة.
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
47
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
يبيزن التطور التارخيي للمقتربدات الثالثدة لدإلدارة العامدة قطداع عدام -مرفدق عدام -وظيفدة عامدة)
أمهيددة هددذه املر لددة الثمانينددات) يف سددعي املصددل اجلزائددري إىل تددب مفدداهيت جديدددة واالبتعدداد عددن
اخلصوصيات اجلزائرية مرفق عام علدى الطريقدة اجلزائريدةن وظيفدة عامدة علدى الطريقدة اجلزائريدةن
قطاع عام على الطريقة اجلزائرية).
ولكن ر دت أن هدذه اإلصدال ات اهليكليدة الذاتيدة أو املدعومدة قدد أخرجدت جدز ا معتدربا مدن اجملدال
العمومي من كتلة اخلدمة العامة وأدخلتس ضمن أيديولوجية إدارية جديددة وإطدار أخالقدي وفلسدفي جديدد
بعي د كل البعد عن مفهوم اخلدمة العمومية واملصدلحة العامدة ،إال أن اجلدز األكدرب مدن املندمدات العامدة
يف اجلزائر يبقى يسب يف فل األيديولوجية التسيريية التقليدية ويتحكت فيها املقترب السياسدي والثقدايف
والقانوا للقطاع العام التقليدي.
ثانيا :ضرورة إعادة حتديد مفهوم التسيري العمومي
إن التمس مببدأ املصلحة العامة ال يع شيئا بالنسبة لإلدارة العامة ،ولكن جيب عليها أن تربهن علدى
فعاليتها .إن معددت االجتاهدات احلديثدة يف اإلصدالح والتطدوير اإلداريدل ت كدد علدى هدذا الطدرح باعتبداره
املعيار الو يد الذي تكن من خاللس تقييت أدا املندما ت العامدة ولديا علدى أسداا املصدلحة العامدة كمدا
كانت يف السابق .يف هذا اإلطار ،جيدب ربدط مفهدوم املصدلحة العامدة و تكملتدس مبفهدوم الفعاليدة والكفدا ة
واالقتصاد ،وهبذا فهن اإلدارة العامة تعمل على أن تتحول مدن شدرعية خارجيدة ظاهريدة الدة إىل نددام
قددانوا سياسددي والددذي حيتويهددا ويتعدددا عنددها إىل شددرعية أصددلية جوهريددة مرتكددزة أساسددا علددى التحليددل
اجملرد لعمل اإلدارة .وعليس فهننا ءكت على النتدائك الديت جيدب أن تصدل إليهدا اإلدارة وعلدى قددرهتا علدى
إدارة وتسدديري الوسددائل املوضددوعة حتددت تصددرفها مددن أجددل احلصددول علددى أ سددن عالقددة بددل النفقددات
واألهداف ،فاإلدارة العامة ليست مضمونة احلق بالشرعية .)5
من جهة أخرا ،إذا ندرنا إىل مفهوم اخلدمة العامة ،فهنس يطرح العديد من اإلشكاليات سدوا مدن
يث القيت اليت يقدمها للمسريين العموميل ،أو من خالل الوض احلدايل هلدذه املندمدات بهتباعهدا هدذا
املفهددوم ،أو مددن خددالل كددذل قيددادة املندمددات العامددة.إن فكددرة اخلدمددة العموميددة بقدددر مددا متثددل إطددارا
أخالقيا راقيا بقدر ما متيز التسيري العمومي بنوع من املغاالة واملثالية وتبعده عن أية اولة لطدرح فكدرة
املردودية والفعالية يف اإلدارة العامة ،إن اإلدارة العامدة هي بصدد البحث عن اجات اعيدة بهتباعهدا
مفهوم اخلدمة العامة ،هذا البحث يتخللس تناقضات يف هدذه احلاجدات تتفدرا إىل أنانيدة الدبعض ،وعددم
اكتراث البعض اآلخر .) 6متثل اخلدمة العامدة خرافدة مشدروعة ،إهندا تنحدت صدورة لدولدة رفداه منشدغلة
أساسا بالصورة احلسنة ملرتفقيهدا ،تشدكىلت أساسدا خدالل الدثالثل اجمليددة) ،(1975-1945بعدد تفدوا
الفكر الكيزني التدخلي يف النص األول من القرن العشرين .)7
يد دي املفهدوم اجلديدد للدولدة إىل أن تتددخل وفدق املفهدوم اجلديدد للتسديري العمدومي ،فاأليديولوجيدة
التسيريية اليت سيطرت على اجملال العمدومي ،والديت تضد أي تددخل للدولدة يف إطدار اخلدمدة العامدة قدد
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
48
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
ان حواهلا وال بد من إعطا مفهوم جديد للتدخل العمومي ولتسديري الدولدة علدى سداب املفهدوم اجلديدد
للدولة يف د ذاتس.
إن التمس باأليديولوجية اإلدارية التقليدية يض املصاة العمومية يف وض رج و يدخلدها يف إطدار
اإلشكالية العامة اليت يعرفهدا التسديري العمدومي يف كدل دول العدا .إن نبدذ األيديولوجيدة اإلداريدة وتسديري
املصدداة العموميددة علددى شددكل م سسددات يف إطددار التسدديري العمددومي اجلديددد هددو الكفيددل بددالرد علددى هددذه
الرهانددات بطريقددة إجيابيددة وفعالددة .إن هددذا االجتدداه نددراه خاصددة يف حتركددات الدددول األوروبيددة والدديت تعددد
اإلطار املرجعي لأليديولوجية اإلدارية التقليدية لكنها حتارب وترفض بشدة اخلدمة العامة علدى الطريقدة
الفرنسية وتعطي مفهوما جديدا لكل من التسيري العمومي من جهة ،واخلدمة العمومية مدن جهدة أخدرا،
وتعلن عن هناية األيديولوجية اإلداريدة التقليديدة واخلدمدة العموميدة علدى الطريقدة الفرنسدية ،)8متهيددا
إلدخدال إصددال ات جديددة يف ددال التسديري العمددومي وخاصددة فيمدا خيددص اإلطدار األيددديولوجي للتدددخل
احلكومي وموقفس من السوا واملستهل والدولة يف د ذاهتا .من جهة أخرا ،فقد عرف مفهدوم اخلدمدة
العامة تطورات كبرية ءو مفاهيت عترعة فيمدا خيدص املفهدوم أو التطبيدق كداملندور الشدبكي أو املنددور
التعاقدي للخدمة العامة.
ثالثا :حنو تسيري عمومي جديد
يف احلقيقددة إن مفهددوم التسدديري العمددومي اجلديددد عددرف يف القددارة اإلفريقيددة بصددورة واسددعة ،ر ددت أن
مال هددا تبقددى ددري واضددحة بصددورة جليددةن بسددبب السددياقية التارخييددة وامل سسدداتية واالجتماعيددة لدددول
القارة اإلفريقية ،وكان ذل حتت مسمزى اإلصدال ات اهليكليدة ،الديت عرفتدها إدارات هددذه الدددول والديت
قادها البن العاملي حتت است املساعدات والقروض هلذه الدول.
والس ال املطروح هنا هو :كي استطاعت هذه اإلصال ات أن تغري من أيديولوجية التسيري العمدومي
لتصب متوافقة م معطيات األيديولوجية اجلديدة؟
إن اإلجابة علدى هدذا السد ال ال تكدن أن تكدون مو ددة لكدل اإلصدال ات ،وهدذا راجد باألسداا إىل
السياسددة العامددة لإلصددالح وموقفهددا مددن حتسددل أدا القطدداع العددام .وهبددذا ،وإذا تطرقنددا إىل إصددال ات
استقاللية امل سسات العمومية االقتصدادية ،علدى اعتبداره أهندا إصدالح هيكلدي ذاف فهنندا دد أهندا متثدل
منعرجا ا ا يف ال التسيري العمومي ،وخاصة يف ال اإلطدار األخالقدي والفلسدفي الدذي حيكمدس.
على الر ت من أن هذه اإلصال ات مست القطاع العام اإلنتاجي و متا مل اآلجال العمومين يدث
أن املشرع اجلزائري يف حتديده ملفهوم امل سسة العمومية االقتصادية دد أندس ا دذ موضدعا سدلبيا يدث
ميزهددا عددن امل سسددات واهليئددات املشدداهبة األخددرا األشددخاص املعنويددة اإلقليميددة :الدولددة واجملموعددات
احملليددة ،األشددخاص املعنويددة املرفقيددة :اهليئددات العموميددة ذات الطدداب اإلداري ،اهليئددات العموميددة ذات
الطاب الصناعي والتساري) .)9
وعلى كل ،فهن املشرع اجلزائري يعمد يف حتديده للشدخص املعندوي العدام إىل مفهدوم املرفدق العدام،
وعليددس فددهن امل سسددة العموميددة االقتصددادية هددي أول هيئددة عموميددة يعمددد فيهددا املشددرع إىل متييزهددا بندددام
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
49
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
عال لندام املرفق العام التقليدي ،هذا ما دث بالضبط بالنسدبة لتقريدر Noraيف فرنسدا ،يدث أن
املشرع الفرنسي عمد إىل تقسديت القطداع العدام بفكملدس إىل ،قطداع عدام تداب للخددمات العموميدة و قطداع
عام يف ظل املنافسة والسوان وهلذا د أن امل سسة العمومية االقتصدادية هدي معرفدة كدذل عدن طريدق
تبدديل الطددرا الدديت بواسددطتها تكددن هليئددة عموميددة ذات ط داب صددناعي وجتدداري أن تتحددول إىل م سسددة
عمومية اقتصادية ،يث أنس إذا أمكن ألن يتب هدفها وسري عملدها لليدات السدوا وندص املخطدط الدوط
علددى شددروك ذل د ،)10فههنددا ستصددب م سسددة عموميددة اقتصددادية ،أي أنددس مددن احلدددود الفاصددلة بددل
اهليئتل لليات السوا ،وهذا ما تثل بالفعل إ دا احلددود الفاصدلة بدل األيديولوجيدة اإلداريدة التقليديدة
والتسيري العمومي اجلديد .)11
من جهة أخرا ،حياول املشدرع اجلزائدري طدي املقتدرب البريوقراطدي ،خاصدة أن مبددأ املصدلحة
كهدف هنائي للتسيري العمومي قد استبدل مببدأ اإلنتاجية و كل مدا حتملدس مدن معداا الفعاليدة والكفدا ة،
ي ددث تش ددكل امل سس ددة العمومي ددة االقتص ددادية يف إط ددار عملي ددة التنمي ددة الوس دديلة املفض ددلة إلنت دداج امل ددوارد
واخلددمات وتدراكت رأا املددال ،وتعمدل هدذه امل سسددة يف خدمدة األمددة والتنميدة وفدق الدددور واملهدام املنوطددة
هبا .)12
مددن جهددة أخددرا ،عنددد تطرقنددا إىل مبدداد وأسددا تنددديت امل سسددة العموميددة االقتصددادية ،نراهددا
تتال م بشدة م معطيات التسديري العمدومي اجلديدد ،هدذا األخدري الدذي يركدز بصدورة مطلقدة علدى فكدرة
الالمركزية و ل املشاكل يف مستواها ،) 13وهذا ما يدهر جليدا مدن خدالل مبددأ االسدتقاللية الدذي تقدوم
عليس امل سسة العمومية االقتصادية ،والذي يستند إىل األسا التالية:
-1األساا القانوا :الشخصية املعنوية اخلاصة .)14
– 2األساا اإلداري :)15احلد من التدخل اخلارجي بعد التبعية اإلدارية قبل.(16)1988
– 3األساا االقتصادي :الفعالية االقتصادية .)17
أخ ددريا وإذا كان ددت امل سس ددة العمومي ددة االقتص ددادية متث ددل ال ددة ج ددديرة باالهتم ددام يف ددال تطبي ددق
أيديولوجية التسيري العمومي اجلديد يف القطاع العدام يف اجلزائدر ،إال أن املال د أن هدذه األيديولوجيدة
قددد امتدددت إىل مراكددز البحددث والتنميددة ،الدديت متثددل شددكل م سسددة خاصددة ذات ندددام خدداص مقارنددة م د
الصنفل التقليدين ،)18وتكون قواعد سدري مركدز البحدث والتنميدة وتنديمدس عالفدة لتلد املطبقدة علدى
اإلدارة ،)19وعليددس فهددو قريددب مبددا فيددس الكفايددة مددن امل سسددات العموميددة االقتصددادية يف منطهددا اهليكلددي
والددوظيفي ،)20يددث ع إخددراج هددذه املراكددز مددن كددل األشددكال التقليديددة الدديت تقددوم عليهددا األيديولوجيددة
التقليدية ،يث يسري املركز كم سسة جتارية ضد آل ليدة السدوا وفدق مبددأ اسدتقاللية التسديري والقدرار
املتالئت م طبيعتس كمركز لألحباث والتنمية.
إن تفكيد الدولة على التغيري األيديولوجي الذي حيكت اجملال العمدومي تفكدد كدذل مدن خدالل ركدة
حتديث املرافق العامة الديت شدرع فيهدا يف هنايدة الثمانيندات ،)21إال أن املال د أن هدذه اإلصدال ات
متا املصاة اإلدارية يف د ذاهتا ،وإمنا مست نقطتل أساسيتل :)22
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
50
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
51
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
رابعا :تناقض تسيري السياسات العامة لإلصالح والعودة القوية لأليديولوجية التقليدية
إن دراسددة متفنيددة ملسددار اإلصددال ات اهليكليددة الدديت عرفتددها اجلزائددر ت كددد هددذا الطددرح وتدعمددس وتقددر أن
اجتداه السدلطات العموميدة ءدو إصدال ات لتددعيت التسديري العمدومي باتدت مدن األمدور املناقضدة للسياسدة
العامددة لإلصددالح .تكددن تعريد تسدديري السياسددات العامددة مددن النا يددة امل سسدداتية بفنددس سياسددة إصددالح
القطدداع العددام الددذي اجتددس يف اجتدداهل أساسدديل :تسدديري القطدداع العددام حتسددل أدا القطدداع العددام) أو
برنددامك اإلصددال ات واهليكلددة الصددناعية عددن طريددق اخلصخصددة .)29إذن فبعددد تددب اجلزائددر سياسددة
اقتصدداد السددوا علددى إثددر إصددال ات ،1988اجتددس املصددل اجلزائددري إىل االعتمدداد بصددفة مطلقددة علددى
االجتدداه األول ،وهددو التركيددز علددى رف د أدا القطدداع العددام علددى إثددر قددوانل اسددتقاللية امل سسددات و ركددة
حتديث املرافق العامة ،إال أنس وبعد فترة وجيدزة بددأت تدهدر ركدة يف األوسداك العموميدة حتداول إفشدال
هذه اإلصال ات اليت مست إصالح تسيري القطاع العام واالجتاه ءو االجتاه الثاا وهدو برندامك اهليكلدة
الصناعية واخلوصصة .إنس إفشال للسياسة العامة لإلصدالح ولديا فشدلها ،ألن فتدرة السدت )6سدنوات
ال تعترب كافية إلعطا نتائك إجيابيدة ،خاصدة مد عددم تدوفر الشدروك الالحمدة إل ا هدا وإ فدال العديدد
من اجلوانب اليت تستدعي اإلصالح .وهبذا تطرح يف اجلزائر بتاتا إشدكالية مشدروعية القطداع العدام،
اليت نوقشت فيما يقارب العشرين سنة يف فرنسا مثل .)30
إذن و بعد تعدي هذه اإلشدكالية بكدل سدهولة ع تدب سياسدة اخلوصصدة ابتددا مدن عدام ،1995إن
اجملال الدذي كدان دا إصدال ات تعدود ندريدا للتسديري العمدومي اجلديدد قدد دان حوالدس و يعدد اجملدال
العمومي ينشط يف إطار هذه األيديولوجيةن وبعد أن كانت اخلوصصة متا اجملاالت السابقة الذكر فقدط
فقددد ع توسدديعها لتشددمل كددل امل سسددات العموميددة االقتصددادية بدددون اسددتثنا ،ددىت امل سسددات العموميددة
املسرية مل رفق عام فههنا موجهة للخوصصدة علدى أن تتكفدل الدولدة باخلدمدة العامدة .فكدل مندمدة عموميدة
يكددون إطارهددا القددانوا علددى شددكل م سسددة عموميددة اقتصددادية هددي موضددوع للخوصصددة و ددىت اهليئددات
العموميددة ذات الطدداب الصددناعي والتسدداري الدديت عرفددت العديددد مددن اإلصددال ات علددى إثددر اإلصددال ات
االقتصددادية املدعومددة ) )1998-1995وعرفددت العديددد مددن املعددا الدديت ت كددد عليهددا أيديولوجيددة التسدديري
العمددومي اجلديددد ،و كددذل م د ددل بعددض مراكددز البحددث والتنميددة وإحلدداا الددبعض اآلخددر لألصددناف
التقليدية للمرافق العامة بعد التعري املخال الذي أعطي هلا إثر إصال ات .)31 1988
إن تسيري السياسة العامة لإلصالح أصب مرادفا لعملية اخلوصصة وع إ فدال كلدي إلصدالح تسديري
القطاع العام وحتسل أدائس،هذا القطاع الذي يوجد يف قلب كل الرهانات و خوصصتس متثدل إ ددا لدول
إصددال س و لدديا كلددها .إن البحددث عددن لددول إلشددكالية فعاليددة القطدداع العددام جيددب أن يدددمك االجتاهددات
السياسددية دمقرطددة اجملتمعددات) واملعددايري االقتصددادية حتسددل إنتدداج الثددروة) واالهتمامددات االجتماعيددة
التضددامن الددوط ،عدالددة أمددام املرافددق العامددة ،البحددث عددن را ددة الشددعوب .))32إن إشددكالية األدا
السيئ للقطاع العام ال متكدن أساسدا يف طبيعتدس بدل يف أمنداك تسديريه ،واخلوصصدة ليسدت مندط التسديري
احملبددذ مددن أجددل الوصددول إىل تنميددة شدداملة ومسددتدتة يف كددل احلدداالت .إن القدددرة التسدديريية للدولددة يف
حتديددد وتسدديري السياسددات العامددة هددي و دددها الكفيلددة بتحقيددق الشددروك املوضددوعية للتنميددة .إن إصددالح
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
52
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
القطاع العام خري من أن يباع و األولوية أن تكون للعمل على معاجلة ضع كفا ة امل سسات العامدة ولديا
ج اآلثار املترتبة عن اخلصخصة .)33إن مماثلة الدروف يف الدول الصناعية املتقدمدة وبلددان العدا
الثالث لتفف بنتائك وخيمة على هذه األخدرية .)34إن فهدت العالقدات بدل مفهدوم التنميدة املدتغري املتعلدق
مبس دداعي الع ددا الثال ددث يف إط ددار أي ددة حترك ددات إص ددال ية ومفه ددوم العم ددومي امل ددتغري مبفه ددوم اإلدارة
العامة والتسيري املدتغري املتعلدق بفيديولوجيدة التسديري العمدومي اجلديدد وتفداعالت هدذه املدتغريات يف إطدار
العالقات ما بل الدولدة واجملتمد وتر دة هدذه التفداعالت يف شدكل سياسدة عامدة لإلصدالح منسدسمة مد
رأا املددال االجتمدداعي ،)35ومتطلعددة للتحددديث والتطددويرن إن هددذا السددعي تكددن أن ي د دي إىل مفدداهيت
بديلة ال تكن أن تلط بففكار تسيري امل سسات .)36
.2سياسة تكوين املسيّر العمومي
تثل املورد البشري لإلدارة العامة أهت عامل تكن أن يربهن على فعالية التسديري العمدومي وكفا تدس ،إال
أن سياسة تكوين املسديزرين العمدوميل هدي الكفيلدة بتقددمي مدوظفل عمدوميل يثبتدون عقالنيدة تسديريية يف
تسيري املصاة واألجهزة العمومية.
أوال :املقترب اجلزائري يف تكوين املسيّرين العموميني
قبل احلدديث عدن املقتدرب اجلزائدري جيدب التطدرا أوال إىل أهدت املقتربدات األساسدية املعروفدة يف تكدوين
املس ددريين العم ددوميل ،وأي ه ددذه املقترب ددات اع ددة بالنس ددبة ل ددإلدارة العام ددة يف يومن ددا ه ددذا يف ظ ددل ك ددل
التغريات والرهانات اليت حتيط هبا .إنس يف اعتقاد العديد من علما اإلدارة والتسديري أندس يوجدد مقتربدان
أساسيان يف تكوين املسريين العموميل .املقترب األول هو مقترب اإلدارة العامة الذي تعتمد عليس مددارا
اإلدارة العامة األوروبية ،واملقترب الثاا هو املنا انت العمومي الذي تعتمد عليس مدارا إدارة األعمدال
الشددمال أمريكيددة .يف ددال املقارنددة واملفاضددلة بددل املقتددربل يتبددادر إىل الددذهن التسدداؤل التددايل :مددا هددي
العالقة بل املقتربل؟ وأيهما أ لإلدارة العامة احلالية؟
لقددد توصزددل Denis Proulxإىل أن املقتددربل ينتميددان إىل ددالل عددتلفل متامددا ،فدداألول متددفثر
مبقتددرب أوروبددا اخلدداص مبدددارا اإلدارة العامددة ،والثدداا بدداملقترب الشددمايل أمريكددي اخلدداص مبدددارا
إدارة األعمال .)37
وإذا انتقلن ددا إىل دراس ددة الوضدد يف اجلزائ ددر ،فنق ددول أن ددا اجلزائ ددر اعتم دددت عل ددى سياس ددة تك ددوين
إلطارات الدولدة وملسدريي اإلدارات العموميدة أقدل مدا يقدال عندها أهندا سياسدية جريئدة وطمو دة ،وقدد أتدت
بثمارهدا خاصددة علددى مسدتوا الكددت ،فمئددات اآلالف مدن الطلبددة الددذين رجدوا مددن اجلامعددات اجلزائريددة
واملدارا املتخصصة دعموا الترسانة البشرية اليت تقوم بتسيري اإلدارة العمومية يف اجلزائر .)38
أما فيما خيص املقترب اجلزائري يف تكوين املسريين العموميل تتسلى معاملس من خالل:
أوال :تكوين جامعي يضت أساسدا العلدوم السياسدية والقانونيدة واالقتصدادية يف يداب شدبس كلدي للتكدوين يف
ال علوم التسيري وإدارة األعمال.
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
53
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
ثانيا :إنشا املدرسدة الوطنيدة لدإلدارة ،) 39وهيمنتدها علدى تكدوين املسدريين العمدوميل خاصدة اإلطدارات
العليا لإلدارة اجلزائرية يف االت عتلفدة كداإلدارة احملليدة والقضدا والدبلوماسديل ،واإلدارة العامدة،
إىل جانب إنشا مراكز التكوين اإلداري .)40
إن هذه اهليمنة للمناهل التكوينية السابقة الدذكر تثبدت تدب اجلزائدر للمقتدرب األورو لدإلدارة العامدة
يف تكددوين املسددريين العمددوميل .يددث أن املدرسددة كمددا هددي يف معدددت الدددول األوروبيددة والناميددة تعتددرب
كمال ق ملدارا وجامعات القانون )41ن كما أهنا تعتمد على توطيد العالقدات مد مددارا اإلدارة العامدة
يف عتلد دول العددا قصددد التعداون يف ددال التدددريا والتكدوين ،)42مد العلددت أن كدل هددذه املدددارا
تعتمد اعتمادا كليا على مقترب اإلدارة العامة األورو ،مما يبعد أية اولة لترقيدة مقتدرب املنا اندت
العمومي.
إن هيمنددة املدرسددة الوطنيددة لددإلدارة علددى تكددوين املسددريين العمددوميل انطالقددا مددن املقتددرب األورو
ملدددارا اإلدارة األوروبيددة سددوف تطددرح إشددكالية مدددا تددفقلت هددذا املقتددرب م د التطددورات الدديت عرفتددها
الدراسددات و التحاليددل اإلداريددة وفددق النمددوذج مددا بعددد البريوقراطددي ،إننددا نتسددا ل ددول مسددتقبل هددذا
اال تك ددار ددري املش ددروع للمدرس ددة الوطني ددة ل ددإلدارة ،وم دددا ق دددرهتا عل ددى ددريك مس ددريين عم ددوميل
أكفىددا .)43وهلددذا فقددد بقيددت إشددكالية ددرا عقالنيددة تسدديريية يف املندمددات العامددة عددن طريددق إصددالح
برامك امل سريين العمدوميل مطرو دة حبددة يف األوسداك األكادتيدة والتكوينيدة ،خاصدة مد هيمندة هدذين
املقتددربل علددى كافددة بددرامك التكددوين اإلداري يف دول العددا .إال أن التحركددات اإلصددال ية الدديت عرفتددها
وماحالت تعرفها معدت برامك التكوين اإلداري ت كد اعة مقترب إدارة األعمال الشمال األمريكي ،ممدا
ذهب بالبعض إىل االعتراف بفنس املقترب العاملي والذي جيب أن يكون اإلطار املرجعدي لكدل بدرامك تكدوين
املسريين ،وأن تطورا كبريا يعرفس هذا املقتدرب دىت يف الددول األوروبيدة ،مهدد املقتدرب املغداير ،مقتدرب
اإلدارة العامة .)44
ثانيا :إصالحات املنامجانت العمومي
إن طمددوح العديددد مددن دول العددا أصددب م كدددا ،بعددد كددل احملدداوالت اإلصددال ية يف سددبيل تزكيددة وترقيددة
مقترب املنا انت العمومي واالبتعاد عن مقترب اإلدارة العامة .لقد سدعت العديدد مدن الددول إىل إدخدال
العديددد مددن اإلصددال ات يف برا هددا التكوينيددة اخلاصددة باملسددريين العمددوميل مددن شددفهنا تعزيددز القدددرة
التسيريية هلت ،وهذه اإلصال ات جتسدت يف إ دا الطريقتل:
– 1الطريقة األوىل :إدخال إصال ات على الربامك التكوينية اخلاصة باملدارا الوطنية لإلدارة ،يدث
ع االعتماد على برامك مستو اة أساسا من مقترب إدارة األعمال الشمال أمريكي.
ري أن اإلصال ات ا ليت عرفتها املدرسة لإلدارة العامدة بكيبد تعتدرب نقطدة حتدول يف دال بدرامك
التكدوين اخلاصددة باملسدريين العمددوميل ،يددث أن هدذا اإلصددالح يعتدرب اليددوم إ دددا األطدر املرجعيددة لكددل
احملاوالت اإلصال ية اليت قامت هبا مدارا اإلدارة العامة يف معدت دول العا .لقد قامت هذه املدرسدة
بهدخ ددال برن ددامك جدي ددد يعتم ددد اعتم ددادا كلي ددا عل ددى عل ددت التس دديري ،وتبق ددى العل ددوم القانوني ددة والسياس ددية
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
54
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
واالقتصادية كعلوم ثانوية فقط ،فهذه املدرسة كما يقول Ethier Gérardال تكون قانونيتل أو اقتصداديل
أو عتصل يف السياسة أو االجتماع ،وإمنا تكون مسريين ،الذين عن طريق تلقيندهت معدارف عتلفدة يف
التسيري تكنهت تسيري مندماهتت بطريقة فعالة وكف ة . )45
– 2الطريقة الثانية :هي تب مقترب املنا انت العمومي بددل مقتدرب اإلدارة العامدة التقليددي وإنشدا
مدددارا ومعاهددد متخصصددة يف املنا انددت العمددومي .فاإلصددالح اآلن ال تددا الددربامك التكوينيددة فقددط
و اولة تقريبها من مقترب املنا اندت العمدومي ،وإمندا تدا إنشدا فدروع جديددة لتددريا املنا اندت
العمددومي قائمددة أساسددا علددى مقتددرب إدارة األعمددال الشددمال أمريكددي مد إبقددا املدددارا الوطنيددة لددإلدارة
قائمة.
لقد قطعت العديد من الدول يف هدذا الشدفن أشدواطا كدبرية ،فقدد ع إنشدا املعهدد اجلامعددي املهنددي
للمنا انددت العمومددي عددام 1996التاب جلامعدة مرسديليا بفرنسدا ،وهدو التكدوين الو يدد مدن هدذا الندوع
املدتواجد يف هذا البلد .) 46كدذل احلدال بالنسبددة للمعهددد األوربددي للمنا انددت العمددومي ،الدذي تثدل
جددز م ددن مدرس ددة Solvayللتس ددارة تامع ددة ب ددر وكس ددل ،وك ددذل املع ددهد الع ددايل للمنا ان ددت العم ددومي
والسياسي يف بروكسل كذل .
ثالثا :تكوين املنامجانت العمومي يف اجلزائر
إن تطددوير املندومددة التكوينيددة للمسددريين العمددوميل ءددو مقتددرب املنا انددت العمددومي ،واالسددتفادة مددن
التسربة الشمال أمريكية أصدبحت أمدر ال مفدر مندس أمدام تعقدد مهمدة املسدريين.إن دراسدة موضدوع تكدوين
املنا انددت العمددومي يف اجلزائددر تسددتدعي منددا التطددرا أوال إىل تكددوين التسدديري ،باعتبددار هددذا النددوع مددن
التكوين تثل اللبنة األوىل والعلت املرجعي ملقترب املنا انت العمومي.
يف احلقيقة ،إن تكوين التسيري يف اجلزائر يعتدرب ظداهرة جديددة ،خاصدة مد ا تكدار الدولدة جملدال
التكوين واالستشارة بشكل موسد وشدامل يف احلقبدة السدابقة .إن هدذا اإلطدار ال تكدن لدس أن يعطدي نتدائك
ملموسددة ،خاصددة م د الدددروف الدديت كانددت تعمددل يف إطارهددا م سسددات التكددوين ،مبددا أهنددا كانددت حتددت
وصددايات عتلفددة ،متند أيددة اولددة لتو يددد السياسددة الوطنيددة للتكددوين يف ددال التسدديري .إال أن دخددول
اجلزائر سياسة اإلصال ات ،خاصدة بعدد اعتنداا هندك اقتصداد السدوا ،فدهن أمهيدة كدبرية أعطيدت هلدذا
اجملال ،من أجل رف القدرات التسيريية للمسريين ،وهذا يبدو لنا من خالل إنشا شدهادة الليسدانا يف
علددوم التسدديري ،)47وفددت اجملددال للدراسددات العليددا يف هددذا اجملددال .كددذل فددت اجملددال للتعدداون الدددويل و
القطاع اخلاص.
إذن وبعدد هددذه النددرة اخلاطفددة للمندومدة التكوينيددة يف التسدديري ،مد ثبددوت بعدض الددتفطن ألمهيددة
هذا التكوين يف املدة األخرية ،جيب أن نتسا ل دول داوالت اجلزائدر إلدخدال املنا اندت العمدومي يف
هياكددل م سسددات التكددوين الوطنيددة ،مددا هددو موقد اجلزائددر مددن إدخددال مقتددرب املنا انددت العمددومي يف
املندومة التكوينية للمسريين العموميل؟
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
55
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
ر ت أن اإلجابة عل هدذا التسداؤل قدد متدت اإلجابدة عليهدا يف الصدفحات السدابقة ،وهدي أن اجلزائدر
قد قامت بترقية مقترب اإلدارة العامة األورو عن طريق تنمية العلوم السياسدية واالقتصدادية والقانونيدة
وهددي العلددوم املرجعيددة هلددذا املقتددرب ،وكددذل مددن خددالل هيمنددة وا تكددار املدرسددة الوطنيددة لددإلدارة علددى
تك ددوين املس ددريين العم ددوميل إىل جان ددب مراك ددز التك ددوين اإلداري س ددابقا .إال أن دخ ددول اجلزائ ددر مر ل ددة
اإلصال ات وتفتحها على العا وعلى كافة التحركات الدولية يف هذا اجملال ،فقد دف ذلد إىل الدتفكري
يف اولددة إدخددال التكددوين يف املنا انددت العمددومي مددن خددالل إنشددا م سسددة ددتص يف ذل د و تعتمددد
اعتمددادا كليددا علددى املقتددرب الشددمال أمريكددي إلدارة األعمددال ،حبكددت أن أي تقدددم لددإلدارة العموميددة ءددو
عقالنيددة تسدديريية بعيدددة عددن العقالنيددة التقليديددة يوجددب اتبدداع مقتددرب إدارة األعمددال يف تكددوين املسددريين
العموميل .)48
وهلددذا ،فقددد عرفددت اجلزائددر إنشددا املدرسددة الوطنيددة العليددا لددإلدارة والتسدديري .)49إن إنشددا هددذه
املدرسددة يعتددرب مر لددة ا ددة وخطددوة جبددارة يف تددارين إدخددال املنا انددت العمددومي يف تكددوين املسددريين
العمددوميل يف اجلزائددر ،يددث أهنددا جتربددة إصددال ية يف سددبيل ترقيددة مقتددرب املنا انددت العمددومي يف
اجلزائر ورف الة اال تكار اليت كانت متارسها املدرسة الوطنية لإلدارة على تكوين املسريين العمدوميل
حتت راية مقترب اإلدارة العامة األورو .
ترا ،ماذا عن هذه املدرسة؟ وكي استطاعت أن رج من يز املقترب التقليدي لإلدارة العامة؟
إن املدرسددة الوطنيددة العليددا لددإلدارة والتسدديري هتدددف أساسددا إىل ضددمان التكددوين والتفهيددل وحتسددل
املستوا وجتديده لألشخاص الذين يشغلون مراكز التدريا أو املرشحل هلدا ،ويقومدون بفعمدال الدراسدة
والبحث واالستشارة يف إدارة األعمال لفائدة امل سسات واإلدارات واملنشدتت العموميدة ،وكدذل امل سسدات
االقتصادية املختلفة.
والغرض من الفترات الدراسية الطويلة املددا للمدرسدة هدو تدوفري املزيدد مدن التكدوين املهد للعمدال
املباش ددرين ملناص ددبهت و دداملي ش ددهادات التعل دديت الع ددايل املرش ددحل لش ددغل مناص ددب املسدد ولية يف مي دددان
التخطيط والتنديت واإلدارة العامة ومراقبة التسيري ،كما يترتب عن اختتام التكوين الطويل املدا تسدليت
دبل ددوم دول ددة يف التس دديري وإدارة األعم ددال .كم ددا تك ددن للمدرس ددة أن تنس ددز ك ددل عملي ددة حب ددث أو دراس ددة أو
إرشادات ذات صلة باهتمامات اهليئة يف ال تقنيات وطرا اإلدارة والتخطيط والتنديت واملراقبة.
من خالل هذا العرض اخلاص باملدرسة الوطنية العليا لدإلدارة والتسديري يتدبل لندا أن هدذه املدرسدة
تقوم بتطوير وترقية للمقترب الشمال أمريكدي إلدارة األعمدال ،وأن ا تكدار املدرسدة الوطنيدة لدإلدارة عدن
تعدد قائمدة ،فامل سسدات واإلدارات واهليئدات العامدة أصدبحت طريق مقتر هبدا لدإلدارة العامدة األورو
اآلن تتلقى مسريين عموميل تلقوا تكوينا من نعدو لخدر ،تكدوين قدائت أساسدا علدى مدن وتزويدد املسدريين
العموميل بتقنيات ومناهك تسيريية تساعدهت على تسيري مندماهتت بطريقة فعالة وكففة .)50
لك ددن الش ددي احمل ددري ،ه ددو أن ددس بع ددد ش ددروع ه ددذه املدرس ددة يف دوراهت ددا التكويني ددة ،وتزوي ددد اإلدارات
وامل سسات العمومية حباملي دبلومات التسيري وإدارة األعمال ،ىت ع ل هدذه املدرسدة وهدي تدتمكن
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
56
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
بعددد مددن ددريك الدفعددة الثانيددة .)51وهبددذا ترج د هيمنددة املقتددرب األورو وا تكددار املدرسددة الوطنيددة
لإلدارة من جهة ،وعلوم االقتصاد والسياسة والقانون على تكوين الرصيد املعريف للمقتدرب اجلزائدري يف
تكوين املسريين العموميل ،وهتميش مقترب املنا انت العمومي وإدارة األعمال متاما.
.3البيئة اإلدارية العامة
تبقدى البيئدة اإلداريدة ،وفدق املنددورات الندميدة ،أهدت عامدل تكدن أن يد ثر يف عرجدات وندواتك التسديري
العمومي ،إال أن حتليل البيئة اإلدارية العامة للتسيري العمومي يف اجلزائر يثبت وجود عوامدل بيئيدة كدثرية
هي أقوا يف الب األ يان من مساعي التغيري اليت قد تتبناها العوامل الداخلية للتسيري العمومي.
أوال :حتليل البيئة اإلدارية اجلزائرية
إن ندرة أكثر مشولية وكاملة للتسيري العمدومي تكدن أن تكدون عدامال مطدورا للمنا اندت العمدومي ،فدال
تكن فقط الندر إىل التسيري العمومي من النا ية األيديولوجية أو القانونية أو دىت البشدرية ،بدل جيدب
الندر إليس بندرة أكثر توسعا ،وذل عدن طريدق إصدالح وتطهدري احملديط اإلداري بتحديدد القديت احملبدذة
من طرف التسيري وتقييت تفاعلها م تطبيق التقنيات التسديريية احلديثدة ،وحتديدد أسدباب املقاومدة ممدا
يد دي إىل إدمدداج القدديت التقليديددة املناقضددة للقدديت التسدديريية احلديثددة .واهلدددف مددن كددل هددذا هددو ترسددين
شددبكة للقدديت التقليديددة وتنميددة تقنيددات تنديميددة للتحفيددز مددن أجددل توجيددس القدديت الفرديددة واجلماعيددة ءددو
أه ددداف ذات كف ددا ة عالي ددة ،وعلي ددس جي ددب البح ددث ع ددن ن ددوع م ددن الت ددواحن ب ددل الق دديت الفردي ددة والق دديت
اجلماعية .)52
وعند ديثنا عن البيئة اإلدارية يف اجلزائر فهن القليل من الدراسات االجتماعية اليت تناولدت أبعداد
هذه البيئة ،و اولت تفسري سلوك املسري العمومي اجلزائدري ،وحتديدد موعدة القديت االجتماعيدة الديت
حتدددد شددبكة القدديت املهيمنددة علددى تسدديري اإلدارات العموميددة يف اجلزائددر .إال أن هددذه الدراسددات تكددن أن
تكون لنا كاعترافات للبا ثل اجلزائريل بفمهية النسق القيمدي يف إطدار النسدق التسديريي العدام لدإلدارة
العامة أمام ندرة الدراسات اليت تناولدت التسديري العمدومي ،والديت تنددر إليدس بصدورة كاملدة وشداملة،
وإمنددا ندددرت إليددس علددى أسدداا تنددديت املندمددات العامددة وإطارهددا القددانوا و هتددتت أساسددا بتددفثر البيئددة
اإلداريددة يف تكددوين منا انددت عمددومي كامددل .إال أننددا يف هددذا الصدددد ،سددنحاول أن نندددر إىل التسدديري
العمومي يف اجلزائر ،بندرة شاملة ،وءاول تفكي احمليط اإلداري ،وحتديد موعدة القديت املسديطرة
على تسيري اإلدارة العامة ،وموق هذه القيت من القيت التسيريبة احلديثة.
إن البحدث يف مكوندات األحمدة والوقددوف علدى األسدباب اخلفيدة ،يتطلددب وضد املفهدوم املناسدب الددذي
يلخدص لنددا هددذه احلالددة ويعطددي لنددا صددورة ولدو بسدديطة ددول مكونددات النسددق القيمددي للتسدديري العمددومي يف
اجلزائر ،فهىل جانب ياب دولدة القدانون ،ونقدص روح املسد ولية ،وعددم شدفافية قواعدد تسديري املدوارد،
كما ي كد ذل )53 Mamadou Diaن إال أننا سوف نركز حتليلنا على مدتغريين أساسدل والدذين حيدددان
أبعاد البيئة االدارية يف اجلزائر ومها مفهومي :السلطتية ،والزبونية.
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
57
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
سنحاول حتديد مفهوم السلطتية أوال وحتليلس ىت تكن الوقوف على احملتوا الذي نريدد أن نعطيدس
للنسق القيمي للتسيري العمومي يف اجلزائر ،ونستهل حتليلندا هدذا بدبعض الدراسدات السوسديولوجية الديت
تفخددذ اإلدارة واملندمددات العامددة يف اجلزائددر ميدددانا ألحباثهددا ،لتحليددل األحمددة االجتماعيددة فيهددا ،فتقددوم
بدراسددة القرابددة ،أي العالقددات االجتماعيددة املبنيددة علددى أسدداا التددرابط الدددموي واجلهددوي كموضددوع هلددا
باعتبارها عامال سلبيا ي ثر على السري احلسدن والعقدالا فيهدا ،إن تكدن سدببا يف أحمتدها علدى اعتبدار
أن هددذه العالقددات مددن مقومددات تم د الباديددة والدديت تتع دارض متامددا م د املقومددات واملمارسددات والقدديت
التسيريية املتطورة .وكل ما تقدمس لنا هذه الدراسات للربهندة علدى هدذه الدداهرة موعدة مدن اجلدداول
اإل صائية اليت تقرن وجود عالقات قرابة يف امل سسات اإلدارية ل الدراسة بوجود أحمدة مدا فيهدا ،أي
يقومون بالربط بل املتغريين بط ريقة ري علميدة ،يدث أهندت يبيندوا لندا كيفيدة التفاعدل بدل املدتغريين
والترابط السبيب والتالحمي بينهما ،إذ يقومون به صا تكرارت االت القرابة وربطها باألحمدة ،وبدذل
يقعون يف خطف فادح تعلهت روح التضامن والتعاون والتماس ،وما يترتب عنها من عالقات وممارسدات
اجتماعية هي سبب تقهقر وتفحم الة اإلدارة اجلزائرية .ري أن كل علمدا االجتمداع وبددون اسدتثنا مدن
بينهت ابن خلدون و دوركامي يرون يف تل الروح وما ينتك عنها من أفعدال وممارسدات هدي أسداا الصدحة
والقوة يف أي تم سوا كدان قددتا أم دديثا ،فبالنسدبة البدن خلددون مدثال يدرا أن العصدبية كدداهرة
ثقافيددة تسددود يف تمعددات املغددرب العددر تعتددرب كعامددل ديندداميكي ددرك وموجددس لسددلوكيات األفددراد يف
اجملتمد ،وأسدداا السددلطة واحلكددت فيددس ،بددل هددذه األخددرية تضددع بضددعفها وتقددوا بقوهتددا ،ففددي مر لددة
القددوة يكددون الفددرد مسددخر خلدمددة اجلماعددة ولدديا لددس كيددان اجتمدداعي أو ثقددايف إال ضددمن اجلماعددة ومددن
خالهلا ،فطمو اتس وأهدافس ومشداريعس مدا هدي إال مشداري وأهدداف وطمدوح اعدة انتمائدس ،وعلدى هدذا
األساا يتدبل لندا أن القرابدة يف دد ذاهتدا ال تكدن أن تكدون عامدل قدوة ومتاسد ويف نفدا الوقدت عامدل
ضع وتقهقر .)54
مددن جهددة أخددرا ،فددهن اإلنسددان العددامي يرجد العامددل الددذي يددتحكت يف هددذه املمارسددات السددلبية إىل
البريوقراطية ،فهذا املفهوم بالنسبة لس يعرب عن خربتس م واق اجتماعي وتنديمي ري صحي ،إذ يعدرب
لديس عن الة من الفوضى والتذمر الذي تسود تنديما مدا يف عالقتدس معدس ،لكدن االسدتعمال العلمدي هلدذا
املفهوم يتناقص متاما م االستعمال العامي لس .فاألستاذ ماكا فيرب الذي يعتدرب مدن أكثدر املسدامهل يف
إدخددال هددذا املفهددوم للغددة السوسدديولوجية ويعددرب عددن الددة قصددوا مددن التطددور والتقدددم الدديت يرقددي إليهددا
تم ما يف العصر احلديث ،يث تصب السيادة والتحكت للقواعد القانونيدة اجملدردة و دري املشخصدة.
فبالنسبة إىل ماكا فيرب إذن أن البريوقراطية هي الة صحية تسدود فيهدا القدوانل ويتسدس فيهدا األفدراد
إىل خدمة الغاية اليت وجدوا من أجلها يف هذا التنديت.
إذن ،يتبل لنا من واق امل سسات اإلدارية يف اجلزائر وممارسات عماهلا االجتماعية أن أفعداهلت ال
تتت بداف العصبية ،وال بداف البريوقراطية مبفهوميها العامي أو العلمي كمدا بيندا لنفدا ،بدل بدداف عامدل
لخر ،وهو ما نصطل عليس إجرائيا بالسلطتية ،فما هو إذن احملتوا اإلصطال ي هلذا املفهوم؟
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
58
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
إن السددلطتية تعددرب عددن واق د متقهقددر ومتدددهور يفقددد فيهددا التنددديت أدد شددروك اسددتمراره وأدائددس
لوظائفددس الدديت أنشددف مددن أجلددها لغيدداب أدد عوامددل االنسددسام والتضددامن والتعدداون بددل األفددراد مددن أجددل
خدمة األهداف اليت وجد من أجلها التنديت .ألنس يف وجود السلطتية م شر على انتقدال وعدي األفدراد مدن
مستوا أنا التنديت إىل مستوا أنا الفرد ،فالسلطتية هي عبادة لألنا الفردي والقدوة احملركدة لدس ،حبيدث
يصب الفرد ال يعي نفسس عضوا أو جز من الكل التنديمي ،بل يعي نفسس مركزا هذا الكل أو علدى األقدل
يعمل على أن يكون مركز هذا الكل .)55
مددن جهددة أخددرا ،فددهن مفهددوم الزبونيددة ،يعتددرب مددتغريا أساسدديا يف حتديددد معددا البيئددة اإلداريددة
اجلزائريددة ،وهلددذا سددنحاول أن نقددوم بتحديددد اسددتعمالس يف سددياا هددذه الدراسددة وذل د ر ددت الصددعوبة
والغموض الذين يكتنفان هذا املفهوم لعدم تناولس بالدراسة والتحليدل مدن طدرف علمدا االجتمداع إال قليدل
من ددهت وال ددذين تعرض ددوا لدراس ددة اجملتمدد اجلزائ ددري وم سس دداتس .إن م ددا نستش ددفس م ددن كتاب ددات Pierre
Bourdieuول املقومات الثقافية للمستم اجلزائدري نسدتطي أن صلدص أن الزبونيدة كغريهدا مدن القديت
االجتماعيددة والثقافيددة األخددرا هلددذا اجملتم د والدديت تعمددل علددى جتسدديد وتكددريا روح التكافددل والتضددامن
االجتماعي فيس ب دون سابات اقتصدادية لددا أفدراده ،فهدي قيمدة اجتماعيدة وثقافيدة تدتت بدداف الدروابط
الدموية واالجتماعية والثقافية خلدمة هدذه الدروابط والعمدل علدى اسدتمرارها فوجودهدا يف اجملتمد كقيمدة
اجتماعيددة عاديددة جتعددل مددن األفددراد فيددس يسددخروا خلدمددة بعضددهت الددبعض ،والعمددل علددى حتقيددق مصددلحة
بع ضهت البعض شي مقدا وضدروري خيددم منطدق القديت واملعدايري االجتماعيدة األخدرا كداجلود والكدرم
والشهامة ،ففي هذه احلالة وبالنسبة هلدذا اجملتمد احمللدي أن االمتثدال هلدذه القيمدة مدا هدو إال تعدبري عدن
االندماج والتماس االجتماعي بل األفراد .)56
ويعرفها Bruno Etienneعلى أهنا منط وشكل لعالقة تدربط بدل األشدخاص واجملتمعدات أو بدل فدرد
و موعة كاملة تقوم على أساا الوساطة أو أهندا لليدة جملتمد يقدوم علدى أسداا الواسدطة .)57لكدن إذا
ندرنددا إىل املفدداهيت العلميددة الدديت أعطيددت ملفهددوم الزبونيددة ،فههنددا بعيدددة كددل البعددد عددن مفهددوم الزبونيددة
كقيمددة اجتماعيددة للمستمد احمللددي ،ألن اجلددود والكددرم والشددهامة والتكافددل االجتمدداعي و ريهددا مددن القدديت
األخالقية األخرا تصدب قيمدا ال معد هلدا يف دال امل سسدات واملندمدات اإلداريدة احلديثدة ،فالزبونيدة
كقيمددة ثقافيددة واجتماعيددة تكددرا الواسددطة بددداف دمددوي أو ثقددايف أو اجتمدداعي وتددتت يف ددال م سسددات
ومندمدات اجملتمد احلددديث تتنداقض متامدا وروح العقالنيددة التسديريية احلديثدة والدديت ال قيمدة فيهدا إال ملددا
يتت بداف حتقيق أهداف التنديت بطريقة فعالة وكففة وفق القيت التسيريية احلديثة.
من جهة أخرا ،يستعملها Bruno Etienneعلى أسداا أهندا لليدة تسدتعمل مدن طدرف السدلطة لددمك
موعددة هامشددية أو يطيددة والدديت هلددا نسددقها اخلدداص مددن القدديت ،ولددذا فالزبونيددة تسددتعمل مددن طددرف
النخبدة السياسدية الديت تسديطر علدى الدولدة أو األمدة مدن أجدل فدرض نسدقها اخلداص مدن القديت ولتددعيت
سلطتها .)58وعليس فالزبونيدة يف هدذه احلالدة تنتقدل مدن وسديلة للمحافددة واسدتمرار قديت اجملتمد احمللدي
إىل وسيلة سياسية من أجل القضا علدى هدذه القديت وإ دالل قديت أخدرا ديثدة لدها وذلد عدن طريدق
الواسطة أو الوسدطا الدذين ينتمدون إىل احملديط مدن جهدة وحيومدون دول املركدز مدن جهدة أخدرا ،يدث
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
59
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
ي كددد Bruno Etienneأن الوسددطا الددذين حيومددون ددول الدولددة يعملددون علددى تسدديري اجلهدداح أو الندددام
بواسددطة الزبونيددة واملمارسددات األخددرا املترتبددة عنددها والدديت تعمددل علددى تنميددة وتطددوير لليددات االندددماج
السياسي للقيت املهدمة للقيت السابقة .)59
إذن ،مدن خدالل حتليلنددا ملعدا النسدق القيمددي الدذي يهديمن علددى تسديري اإلدارة اجلزائريدة ،وحيدددد
جوانب البيئة اإلدارية اجلز ائريدة ،واملتمثلدة أساسدا يف مفهدومي السدلطتية الديت تعد لبدة وهيمندة القديت
الفردية مقابل القيت اجلماعية ،و الزبونيدة والديت تعد مدن جهتدها هيمندة القديت التقليديدة وقديت اجملتمد
احمللي مقابل القيت احلديثة ،فما هو تفثري هذه البيئة اإلدارية احلالية على التسديري العمدومي؟ هدل تكدن
أن تساعد على وجود منا انت عمومي كامل؟ وما هو موق هذا األخري من هذه القيت؟
ثانيا :تأثري البيئة اإلدارية احلالية على املنامجانت العمومي
إذن ،ويف ظل هذه اهليمنة للقيت الفردية على ساب القيت اجلماعية من جهدة والقديت التقليديدة املوروثدة
على ساب القيت التسيريية احلديثة من جهة أخرا ،فهنس ال وجود ألي تواحن بدل موعدة هدذه القديت،
كددل قيمددة مبددا يكافئهددا ،وعليددس فلددن حيصددل بددفي ددال مددن األ ددوال أي انسددسام ألي تطبيددق للمندداهك
واألساليب التسيريية والقيت التسيريية احلديثة ،و منس ياب ألية انعكاسات تسيريية إجيابية.
يث أن هيمنة القيت الفردية على ساب القيت اجلماعية ،أو ما اصدطلحنا عليدس مبفهدوم السدلطتية
ال تنفددي التددرابط االجتمدداعي ،لكنددها تنفددي أن يكددون هددذا التددرابط خلدمددة الغددرض الددذي وجددد مددن أجلددس
أساسا ،فيستخدم ينها من أجل حتقيق مصلحة الدذات أو الايتدها ،فهدو اسدتعمال نفعدي مصدلحي ذاف
وعلى هذا فهن السلطتية إذا تعارضت مصلحة الفرد م مصلحة انتمائية سوا كانت هذه اجلماعة مهنيدة
أو ثقافية أو سياسية ،إىل درجدة ال يسدتطي فيهدا التوفيدق بدل املصدلحتل فهندس يضدحي مبصدلحة اعتدس
وتالالس معهت سوا بصورة صرحية أو بصورة ري مباشرة.
إن السددلطتية كذهنيددة تشددكلت وتطددورت م د تطددور امل سسددات اإلداريددة اجلزائريددة ،وهلددذا فسددلوكيات
أعضائها تكون متراو ة بل مقومات السلطتية ومقومات اجملتمد احمللدي ،ولكندس مهمدا يكدن مدن أمدر فدهن
سددلوكياهتت تكددون علددى سدداب القدديت واملقومددات التسدديريية احلديثددة الدديت تقضددي التضددحية بكددل مددا هددو
مصددلحي نفعددي ذاف مددن أجددل مددا هددو دداعي مسددتقبلي ،هددذا ددىت ال يصددب التنددديت وسدديطا مددن أجددل
حتقيق ايات األفراد املتواجدين فيس ،بل من أجل حتقيق الغاية اليت شكل من أجلها أو الديت كاندت سدببا
يف وجوده .إذا كان كيان أي تنديت يتوق على وجود الثالثة مباد التالية وهي :)60
– 1اهلويدة :اليت البد أن تكون متساوحة هلوية األفراد املشكلة لس.
– 2املعارضة :اليت جيب أن تكون فيس منطلقة من كيان التنديت ومتسداوحة حلددوده ال مدن كيدان األفدراد
املشكلة لس.
– 3الشمولية :اليت ال بد أن تكون هدي القيمدة املو ددة واملوجهدة جملموعدة التندديت ككدل متكامدل متسداند
يتساوح قيقة األفراد املشكلة لس.
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
60
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
يف إطار التنديت الذي تسود فيس السدلطتية تكدون هدذه املبداد الثالثدة كلدها متطابقدة ال تتسداوح أي وا ددة
منددها وبددفي ددال مددن األ ددوال دددود الددذات الفرديددة وأفعاهلددا الدديت تعمددل إال علددى حتقيددق السددلطة الذاتيددة
و ينها يفقد ندام التنديت فتغيب عنس الشروك اجلوهرية والطوعية الستمراره.
أمددا إذا انتقلن ددا إىل النقط ددة الثاني ددة احملددددة ملع ددا البيئ ددة اإلداري ددة اجلزائريددة وه ددي هيمن ددة الق دديت
التقليدية على ساب القديت التسديريية احلديثدة ،فهندس تكدن القدول أن التندديت العقدالا احلدديث هدفدس
مددن اسددتعمال الزبونيددة عقلنددة احملدديط والوصددول إىل ددرا املبدداد الثقافيددة احلديثددة النابعددة مددن القدديت
التسيريية ،لكن يف املقابل فهننا نال أن هاجا املركز ووسطائس من اجل تكريا سدلطتس علدى اجملتمد
بشددىت الوسددائل ددىت لددو كانددت هددذه الوسددائل متناقضددة م د مبدداد التسدديري وقيمددس ،جعلددس يق د يف عدددة
تناقضات من ضمنها التناقض بل متطلبدات التسديري ومتطلبدات تكدريا السدلطة الذاتيدة ،فهدذا الصدراع
أو التناقض لو ست على مستوا املمارسات االجتماعية والسياسدية واالقتصدادية لصداة القديت التسديريية
كهدف ،لتعقلنت الوسائل واحمليط ،لكن املعطيات امليدانية ت كد أن احلست كان لصاة متطلبات تكدريا
السلطة الذاتية ،وبال تايل انتقلدت الزبونيدة والقديت التقليديدة املوروثدة ومدا يترتدب عندها مدن ممارسدات مدن
خدمة سلطة التنديت إىل خدمة سدلطة األفدراد ومصداحلهت .تعدد الزبونيدة وسديلة خلدمدة قديت اجملتمد
احمللي ،وال لتكريا العقالنيدة ،وبدذل فوجدود الزبونيدة مقدرون بغيداب العقلندة وبوجدود السدلطتية كعالقدة
اجتماعية بل األفراد.
إن الزبونيدة هددي عالقددة اجتماعيدة يف شددكل تبددادل سدلعي خددذ وهددات يف سدوا التنددديت احلددديث وعلددى
سابس ،فهي وسيلة أو طريقة ليست لتنمية وخدمة اهلدف الذي وجد مدن أجلدس هدذا التندديت بدل خلدمدة
وتنمية وتوسي هامش املناورة لألفراد فيدس ،ور دت أن السدلطتية هدي القدوة احملركدة للعالقدات االجتماعيدة
لتنددديت مددا ،فددهن الزبونيددة متددن للسددلطتية إمكانيددة وجودهددا واسددتمرارها وتنميتددها ،فالعالقددة بينددهما هددي
عالقة تالحم حبيث يشكالن معا نداما ديالكتيكيا ديناميكيا .)61
إن اهلدف هو ترسين شبكة للقيت التقليديدة وتنميدة تقنيدات تنديميدة للتحفيدز مدن أجدل توجيدس القديت
الفردية واجلماعية ءدو أهدداف ذات كفدا ة عاليدة ،وعليدس جيدب البحدث عدن ندوع مدن التدواحن بدل القديت
الفردية والقديت اجلماعيدة ،بدل التنافسدية والتضدامن .إن التدواحن بدل القديت التقليديدة والقديت احلديثدة،
وكددذل إدمدداج قدديت تقليديددة وتقنيددة تكددن أن يكونددا عدداملل لخددرين يف تطددوير املنا انددت العمددومي ،عددن
طريددق تقلدديص املسددافة بددل الثقافددة التنديميددة احلاليددة وهددي ثقافددة إداريددة أكثددر وموروثددة أكثددر والثقافددة
التسيريية احلديثة.
إذن ،إن املندم ددات العام ددة تك ددن هل ددا أن تتلق ددى بس ددهولة اللغ ددة التس دديريية ،وتس ددتخدم العدي ددد م ددن
التقنيات واملناهك ،و لكن من الصعب هلا إ داث االنعكاسدات التسديريية والديت هدي يف املرتبدة نفسدها مد
املباد والقيت املميزة واحملبذة من طرف التسيري .إن البحث عن االنسدسام والتوافدق بدل املنداهك والقديت
املمتاحة واحملبذة يدهر على أنس األرضية لترسين و را منا انت كامل يف اإلدارات العمومية .)62
إن جال وظهور معا البيئة اإلدارية الديت تسديطر علدى التسديري العمدومي يف اجلزائدر ،هدذه املعدا
ال دديت تع ددود يف معدمه ددا إىل العام ددل األخالق ددي والقيم ددي ،ال ددذي حي دددد ثقاف ددة تنديمي ددة منافي ددة للمب دداد
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1:جانفي __2015جامعة األغواط
61
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
التسيريية احلديثة ،ال جيب أن ي دي بنا إىل إمهدال البيئدة اإلداريدة يف مفهومهدا الشدامل الديت ت كدد علدى
أن الدولة وإدارهتا جيب أن يعترب كسز إلطار عام وشامل للتسيري العمدومي ،توجدد بداخلدس قديت وقواعدد
وتقنيات ذات طاب اقتصادي وإداري.
إن نددام احلكددت جيدب أن يهددتت بكدل مسددتويات التسديري العمددومي ،وأن أي إصدالح لددإلدارة العموميددة
جيب أن يتفطن إىل:
.1تقوية التنديت السياسي والقدرة امل سساتية اجلهاح التشريعي ،التنفيذي ،القضائي).
.2تقوية األخالقية الربملانية واحلكومية والقدرات التسيريية داخل الو دات احلكومية.
.3تقوية قدرات تسيري اإلدارات العمومية .)63
إن البحث عن منا انت عمومي كامل ال تكن أن يتت إال يف دود دولة القانون واحلكدت الراشدد ،ودولدة
الق ددانون تش ددري إىل الش ددروك االجتماعي ددة والسياس ددية لدول ددة م ددا ،أي ددن تك ددون ق ددوا اإلنس ددان وأس ددا
الدتقراطيددة م سسددة ددول الفصددل بددل السددلطات التنفيذيددة والتشددريعية والقضددائية ،وأيددن تكددون هددذه
احلقوا واألسا ترمة بصورة دائمة ،وذل ألنس بدون ريدة املعارضدة وبددون إبدداع ال تكدن التطدور،
إهنما مدهر أساسي من مداهر املنا انت العمومي .أما ثصوص احلكت الراشد ،وبعد تقرب التسديري
العم ددومي م ددن مفه ددوم احلوكم ددة ،وابتع دداده ع ددن مفه ددوم احلكوم ددة ،ي ددث أن مفه ددوم احلوكم ددة يش ددري إىل
اخلارطة االجتماعية والسياسية اليت تنتك عن طريق جهود كل أطراف وأجدزا اجملتمد ،ومندس فاحلوكمدة
السياسية ال تكن النددر إليدس مدن جهدة رقابدة احلكومدة علدى بداقي اجملتمد ،ولكدن جيدب النددر إليدس مدن
جهة النتائك اليت حتصل من سلوكيات لفاعلل عتلفل .)64
إن فكرة احلكت الراشد هنا جيب أن تُفهت مبعناها العملي أكثر مدن معناهدا اجملدرد ،إهندا تشدري إىل
التسديري الشددفاف ملددوارد ووسددائل الدولددة ،وذلد ألن أيددة طريقدة تسدديري مهمددا كانددت فعاليتددها ال تكددن هلددا
إعطددا نتددائك مقنعددة يف إطددار احلكددت السدديئ ،بددل يف إطددار كددت راشددد وسددليت يفخددذ بعددل االعتبددار كددل
اجلوانب االقتصادية والسياسية واإلدارية.
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _1 :جانفي __2015جامعة األغواط
62
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
خامتة
لقددد عددرف التسدديري العمددومي يف اجلزائددر تطددورات مهمددة منددذ االسددتقالل ددىت يومنددا هددذان ور ددت كددل
اإلصددال ات فددهن عوامددل ظهددور منا نددت عمددومي كامددل تدهددر بصددورة جليددة وكددل املعطيددات ت كددد لنددا
صحة هذه املقولة ،وهذا ما جيرنا إىل التساؤل ول إشكالية التسيري العمومي يف اجلزائدرن هدذا األخدري
الذي ماحال حيتف ثصوصيات التسيري العمومي التقليدي بكل مدا حتملدس مدن عددم فعاليدة وعددم قددرة
على التفقلت م املعطيات اجلديدة.
لقدد أدزت إشدكالية التسدديري العمدومي الديت بطددت فيهدا معددت إدارات العددا إىل البحدث عدن كيفيددة
التسيري أكثر من حبثها عن مادة التسديرين ممدا أدا إىل تطدوير مفهدوم املنا ندت العمدومي الدذي عدرف
تط ددورا يف امل دددة األخ ددرية ء ددو تش ددكيل من ددوذج وس ددطي ب ددل التس دديري الع ددام والتسد ديري اخل دداص يف إط ددار
أيديولوجية التسيري العمومي اجلديدد الديت متثدل موعدة مدن اإلصدال ات اإلمربيقيدة الديت مسدت األطدر
األيديولوجية والتنديمية والبشدرية و دىت القيميدة للتسديري العمدومين هدذه اإلصدال ات متثدل إجابدة أوليدة
إلشكالية التسيري العامن مما ي دي بنا إىل القول أندس البدد للتسديري العمدومي يف اجلزائدر أن حيداول بقددر
اإلمكددان الددتخلص مددن خصوصدديات التسدديري العمددومي التقليديددة ءددو مفدداهيت أكثددر مالئمددة وجديددة .إن
اعتماد مثل هذا االجتاه من شفنس أن يرف من القدرة التسيريية للمندمات العامة ويبعد مسفلة مشدروعية
القطاع العام وجيعل اإلدارة العامة يف خدمة املواطن وي دي باملندمات العامة إىل الفعالية والكفا ة.
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
63
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
اهلوامش واإلحاالت:
)(1
Jacques Chevallier, La gestion publique à l’heure de la banalisation, Revue Française de
Gestion, N° 115, Septembre-Octobre, Paris, 1997, p 27
) (2مد الصغري بعلي ،تنديت القطاع العام يف اجلزائر استقاللية امل سسات) ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1992 ،ص 47
)(3
Jacques Chevallier, op.cit, pp 27-31
) (4مد ملل بو اح ،املرفق العام يف اجلزائر ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،1995 ،ص ص 28-27
)(5
Jan-Erik Lane, Will public management drive out public administration?, Asian Journal of
Public Administration, Vol.16, n°2, 1994, pp 139-151
)(6
Jacques Chevallier, op.cit, p 28
)(7
Annie Bartoli, Le management dans les organisations publiques, Dunod, Paris, 1997, p 38
)(8
– C. Guyon, De la managerialisation du secteur public à un véritable métissage public
privé, Revue Française de Gestion, N° 115, Septembre–Octobre, 1997, pp 141-154
) (9مد الصغري بعلي ،املرج السابق ،ص 46
) (10املادة 47من القانون 01-88املتعلق باستقاللية امل سسات
)(11
Christoph Reichard, Marketization of public services in Germany, International Public
Management Review, Vol.3, Issue 2, 2002, pp 63-65
) (12أنددر املدادة 10مددن املرسدوم 01-88يددث هتددف امل سسددة العموميدة االقتصدادية أساسددا إىل حتقيدق تددراكت رأا املدال نتيسددة األربداح املاليددة
احملققة ،وذل بالضغط على تكالي اإلنتاج املادة )57وهو األمر الذي يصرح بس املرسوم رقت 177/73املتعلق بالو دة االقتصادية.
)(13
Christopher Hood, A public management for all seasons?, Public Administration,
Vol.69, n°1, 1991, pp 3-19
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1جانفي __2015جامعة األغواط
64
إصالح أو إعادة اختراع؟:التسيري العمومي يف اجلزائر
مراد بن سعيد.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د
(29)
Mohamed Cherif Belmihoub, Le management des politiques publiques: une approche
institutionnaliste: le cas de l’Algérie, Les Cahiers du CREAD, N° 45, 1998, p 6
(30)
Annie Bartoli, op.cit, p 61
(31)
Codes des marches publics, 2002
(32)
Mohamed Cherif Belmihoub, op.cit, p 9
78-71 ص ص،2001 ، ديوان املطبوعات اجلامعيةن اجلزائر، لرا واجتاهات، اخلوصصة والتصحيحات اهليكلية،( ضيا يد املوسوي33)
(34)
M. Bale and T. Dale, Public sector reform in New Zealand and its relevance to
developing countries, The World Bank Research Observer, Vol.13, n°1, 1998, p 107
(35)
M. Bale and T. Dale, op.cit, pp 113-116
(36)
D. Gasper, Fashions, Learning and values in public management: reflections on south
Africa and international experience, Africa Development, Vol. 26, N°3 and 4, 2002, pp 33-
42
(37)
Ethier Gerard, Le management public, Ecole Nationale d'Administration Publique,
Québec, 1995, Disponible à:
www.enap.uquebec.ca/diadacthétique/productions/actes1/managementitre.html
(38)
Seddik Touati, La formation des cadres pour le développement, OPU, Alger, nouvelle
édition, non daté, p 28
(39)
Décret 64-155 portant création de l'école nationale d'administration
(40)
Décret 63-434 portant création des centres de formation administrative
(41)
Babikian Katching, De quelques priorités: Allocution sur le management public,
Libanaise Management Association, Liban, 1995, Disponible à:
www.enap.uquebec.ca/didacthèque/production/actes1/allocutiontitre.html
،1984 ، األردن، عمان، أوضاعها الراهنة ولفاا املستقبلن املندمة العربية للتنمية اإلدارية، م سسات التنمية اإلدارية العربية،أ.ح. ( الطيب42)
.24 ص
(43)
Jean Pierre Nioche, L’ENA, est-elle adaptée au monde moderne ? Un monopole
illégitime, Le Figaro, Paris, 06 Octobre 1995
(44)
Jean-Pierre Helfer, Le MBA Nord-Américain: Un « produit » généralisable? Association
des Amis de l’école de Paris, Séminaire Gresup, Paris. 2001, pp 6et s Disponible à:
www.école.org/2/gr160101.pdf
(45)
Ethier Gérard, op.cit
(46)
INP management public, Présentation, Institut d’études politiques, Université Aix-
Marseille, France, Disponible à: www.perso.wanadoo.fr/iepaix/iup/iupmp.html
يتضمن إنشا شهادة الليسانا يف علوم التسيري وتنديت الدراسة للحصول عليها56-98 ( املرسوم التنفيذي47)
(48)
Babikian Katching, op.cit
يتضمن إنشا املدرسة العليا لإلدارة والتسيري239-90 ( املرسوم التنفيذي49)
(50)
Pierre De Celles, La formation au management public, Ecole Nationale d'Administration
Publique, Québec, disponible à:
www.enap.uquebec.ca/didacthèque/productions/quebec/textey.20decelles/decelles_sommaire.htm
املتضمن ل املدرسة العليا لإلدارة والتسيري234-97 ( املرسوم التنفيذي51)
(52)
Abisolo Brigitte Lucie, Implantation du management public dans les organisations, le cas
du Cameroun, Institut Superieur de Management Public, Cameron, 1995, Disponible à:
www.enap.uquebec.ca/diadacthèque/pduxtions/actes1/implantatitre.html
(53)
Ibid.
املركز اجلامعي، لة العلوم االجتماعية واإلنسانية، مقاربة سوسيولوجية لتحليل أحمة التنديت الصناعي يف اجلزائر،( بن عيسى مد املهدي54)
67 ص،1998 ،01 العدد،ورقلة
72 املرج نفسسن ص،( بن عيسى مد املهدي55)
(56)
Pierre Bourdieu, Sociologie d’Algérie, PUF, Paris, 1958, p 213
(57)
Bruno Etienne, L’Algérie, culture et révolution, Paris, Editions le Seuil, p 91
(58)
Ibid.
__جامعة األغواط2015 _ جانفي1 :دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد
65
التسيري العمومي يف اجلزائر :إصالح أو إعادة اختراع؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د .مراد بن سعيد
)(59
Bruno Etienne, op.cit, p 92
) (60بن عيسى مد املهدي ،املرج السابق ،ص ص72-71
) (61بن عيسى مد املهدي ،املرج السابق ،ص74
)(62
Abisolo Brigitte Lucie, op.cit
)(63
Ibid.
)(64
Xavier Greffe, op.cit, p 11
دراسات _جملة دولية علمية حمكمة_ العدد االقتصادي_ العدد _ 1 :جانفي __2015جامعة األغواط
66