Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 20

‫يوسف جبارين (*)‬

‫مخطط شارون وبناء‬


‫«الوطن اليهودي»‬

‫إسرائيل» (‪ ،)1952‬خطة العمل املؤسسية األكثر شموال وملموسية‬ ‫التخطيط هو «الن�شاط الذي تتحول خالله م�سائل‬
‫في تاريخ احلركة الصهيونية ودولة إسرائيل‪.‬‬ ‫مطروحة على الأجندة ال�سيا�سية �إىل خطط‪ .‬وهذه اخلطط‬
‫وقد كان خلطة شارون هذه‪ ،‬ليس فقط التأثير األكبر على‬ ‫بناء على ذلك هي عمليات تغيري تتحول بوا�سطتها الأفكار‬
‫«صورة البالد»‪ ،‬وإمنا أيضا كان لها دور مهم في بناء األساطير‬ ‫وامل�شكالت ال�سيا�سية �إىل �سيا�سة وخطوات �سيا�سية»‬
‫)‪(Healy, 1985:27‬‬
‫القومية وتكريسها عن االستيطان في املناطق احلدودية‪ ،‬وإحياء‬
‫القفر‪ ،‬والروح اجلماعية االستيطانية والسياسية‪ ،‬وأسطورة «شعب‬ ‫ظهرت الصهيونية والتخطيط العصري في الفترة التاريخية‬
‫بال أرض ألرض بال شعب»‪ ،‬وما شابه‪.‬‬ ‫نفسها استنادا إلى وجهات نظر متشابهة تكمن في العصرية‬
‫(احلداثة) ذاتها‪ ،‬وفي الكولونيالية التي تشكل جزءا منها‪ .‬وتنسب‬
‫رمبا يكون التخطيط اإلقليمي مجاال مسيس ًا لرسم السياسة‬
‫الكتابة النقدية‪ ،‬التي ترى في الصهيونية حركة حداثية جتسدت‬
‫أكثر من املجاالت األخرى‪ ،‬نظرا ألنه عالم مصغر للعالقات بني‬
‫كمشروع كولونيالي‪ ،‬إلى الوثيقة املفصلة للمخطط الرئيس لدولة‬
‫الدولة واملجتمع‪ ،‬وال سيما في إسرائيل التي تكتسب فيها السيطرة‬
‫إسرائيل‪ ،‬الذي يعرف أيضا باسم «خطة شارون» (نسبة إلى آرييه‬
‫على احليز واألرض مغزى خاص ًا (‪.)Forman & Kedar 2003‬‬
‫شارون)‪ ،‬دورا مهما في إنشاء جهاز «بناء األمة» الصهيونية‪.‬‬
‫ويشكل التخطيط اإلقليمي جنب ًا إلى جنب مع سياسة األراضي‬
‫ويفصل املخطط املعروض في كتاب «التخطيط املادي في‬
‫أداة مركزية في ضمان ملكية األراضي وتخصيصها‪ ،‬وكذلك في‬
‫‪74‬‬
‫تشكيل احليز (يفتاحئيل وكيدار ‪ :2000‬ص‪ .)73‬من جهة أخرى فإن‬
‫(*) بروفسور في تخطيط املدن في معهد «التخنيون»‪ -‬حيفا‬
‫كان هناك مبدأ عصري آخر تمثل في التطلع إلى ضبط الفوضى وفرض النظام‪ .‬وقد شكل هذا‬
‫المبدأ‪ ،‬جنبا إلى جنب نظرية التطوير‪ ،‬مبررًا لهدم مناطق كاملة صنفت على أنها مناطق وأحياء‬
‫«عشوائية»‪ ،‬ووفقا للرؤية الكولونيالية اعتبر المشهد األصالني مشهدًا «يحتاج إلى تطوير»‪،‬‬
‫والتطوير هنا يعني ترويض وتهذيب الطبيعة ذاتها‪ ،‬وإشاعة النظام في الفوضى االجتماعية‬
‫(ومن هنا سرعان ما تحول تعبير «مدن جديدة» إلى «بلدات تطوير»)‪ .‬كذلك اعتبر أن الحق على‬
‫الحيز المادي واالجتماعي يعود لمن يقوم بتطوير هذا الحيز‪ ،‬وعليه فقد استخدم التطوير في‬
‫المستعمرات كمبرر للسيطرة على أراضي السكان األصليين‬

‫أقيمت على أراضي بلدة «املجدل»‪ ،‬ثم جرى فيما بعد تغيير اسمها‬ ‫مجمل أجهزة السيطرة‪ -‬مثل أجهزة ومؤسسات القضاء واالقتصاد‬
‫إلى «أشكلون» (عسقالن) نسبة إلى اسم تلة قدمية ورد ذكرها في‬ ‫واجليش والثقافة وتسجيل السكان‪ -‬واجلهاز املنظم مللكية األراضي‬
‫التوراة‪ .‬إذن فقد خطط في «أشكلون» إلقامة فصل بني حي «أبريدر»‬ ‫واستعمالها‪ ،‬تعكس مبجموعها نظام القوة في املجتمع (يفتاحئيل‬
‫الذي كانت أغلبية سكانه من األشكناز‪ ،‬وبني األحياء التي كان معظم‬ ‫وكيدار ‪69 :2000‬؛ ‪.)Forman & Kedar 2003‬‬
‫سكانها من اليهود الشرقيني (غوالن ‪.)2009، 86-71‬‬ ‫وقد اقترحت جهات التخطيط‪ ،‬منذ ثالثينيات القرن املاضي‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فقد كان هناك مبدأ عصري آخر متثل في‬ ‫أفكارا مهنية من قبيل توزيع السكان وحتويل مناطق واسعة إلى‬
‫التطلع إلى ضبط الفوضى وفرض النظام‪ .‬وقد شكل هذا املبدأ‪،‬‬ ‫غابات ومناطق حرجية‪ ،‬وإقامة مستوطنات بأحجام هرمية متتد‬
‫جنبا إلى جنب نظرية التطوير‪ ،‬مبرر ًا لهدم مناطق كاملة صنفت‬ ‫على مساحات شاسعة كجزء من «تطوير» البالد»؛ هذه األفكار بات‬
‫على أنها مناطق وأحياء «عشوائية»‪ ،1‬ووفقا للرؤية الكولونيالية‬ ‫ممكنا‪ ،‬بعد العام ‪ ،1948‬ترجمتها إلى سياسة تهويد البالد‪ .‬ولم‬
‫اعتبر املشهد األصالني مشهد ًا «يحتاج إلى تطوير»‪ ،‬والتطوير‬ ‫يكن من باب الصدفة ان يتم العثور في مستودع موديالت التخطيط‬
‫هنا يعني ترويض وتهذيب الطبيعة ذاتها‪ ،‬وإشاعة النظام في‬ ‫العصري‪ ،‬وخاصة املوديالت التي تطورت خالل العالقات املتبادلة‬
‫الفوضى االجتماعية (ومن هنا سرعان ما حتول تعبير «مدن‬ ‫بني التقاليد وبني السيطرة الكولونيالية‪ ،‬على مناذج مالئمة للسيطرة‬
‫جديدة» إلى «بلدات تطوير»)‪ .‬كذلك اعتبر أن احلق على احليز‬ ‫على أراضي البالد ومحاولة إنشاء نظام اجتماعي ناجع وفعال‪.‬‬
‫املادي واالجتماعي يعود ملن يقوم بتطوير هذا احليز‪ ،‬وعليه فقد‬ ‫في صلب موديالت التخطيط اإلقليمي‪ -‬احليزي‪ ،‬قبعت‬
‫استخدم التطوير في املستعمرات كمبرر للسيطرة على أراضي‬ ‫مبادئ التصنيف والفصل‪ ،‬وهي الوظائف التخطيطية التي أمكن‬
‫السكان األصليني (‪.)Bauman 1991,8‬‬ ‫استغاللها بغية إيجاد فصل على أساس إثني وطبقي دون اإلعالن‬
‫إن أحد التجليات امللموسة لهذا املفهوم يظهر في إحدى اخلرائط‬ ‫صراحة عن (نظام) أبارتهايد‪ .‬أحد األمثلة على ذلك‪ ،‬استخدام‬
‫التي أعدها قسم التخطيط‪ ،‬والتي يبدو فيها البلد بأكمله مليئا بنقاط‬ ‫فكرة «املنطقة»‪ ،‬والتي مكنت من إيجاد فصل في املدن املستعمرة‬
‫ملستوطنات جديدة‪ ،‬ريفية وحضرية‪ ،‬وفي تخطيط عصري واضح‬ ‫بني السكان احملليني والسكان األوروبيني بواسطة قوانني بناء جعلت‬
‫(مسافات متساوية ومنهجية من دون مراعاة لظروف املنطقة)‪.‬‬ ‫من الصعب على السكان احملليني االندماج في أحياء املستعمرين‬
‫يعكس التخطيط العصري صورة توزيع السكان وفقا ملا يراه‬ ‫األوروبيني (‪.)Abu Lughod 1980‬‬
‫املخططون مناسبا‪ ،‬وذلك «في نهاية املرحلة األولى للتخطيط‪ ،‬حني‬ ‫في إسرائيل ميكن رؤية استخدام فكرة املنطقة في التخطيط‬
‫يصل تعداد سكان الدولة إلى ‪( 2,650,000‬ومن ضمنهم أقليات)‬ ‫الداخلي للمدن اجلديدة‪ ،‬والذي قسمت مبوجبه إلى مناطق استعماالت‬
‫بينهم ‪6‬ر‪ %22‬مزارعون» (شارون ‪.)1952،17‬‬ ‫مختلفة (سكنية‪ ،‬جتارية‪ ،‬زراعية‪ ،‬صناعية ومناطق خضراء)‪ ،‬وإلى‬
‫وفي الوقت الذي يعزو فيه باومان اخلوف من الفراغ إلى ميل‬ ‫وحدات‪ -‬أحياء‪ -‬متجاورة‪ ،‬تفصل بينها شوارع عريضة ومناطق‬
‫الدولة العصرية نحو التوسع‪ ،‬فإن االقتباس اآلتي يساعد في إرجاع‬ ‫خضراء‪ .‬وقد شيدت هذه األحياء بطريقة جتعل كل واحد منها‬
‫منشأ هذا اخلوف إلى وضعية استعمارية ملموسة‪:‬‬ ‫وحدة قائمة بذاتها توفر احتياجات سكانها (شارون ‪ .)1952،8‬هذا‬
‫‪75‬‬ ‫«إذا نظرمت إلى اخلريطة سترون أنه يوجد في اجلنوب الكثير‬ ‫التخطيط شكل أساسا مريحا للفصل بني املجموعات السكانية على‬
‫من األماكن الفارغة‪ .‬ليس هناك شيء يخيفني مثل هذا الفراغ‪،‬‬ ‫أساس إثني‪ ،‬كما جرى مثال في تخطيط إحدى «املدن اجلديدة» التي‬
‫ترميم املباني الفخمة إلى جانب هدم أجزاء واسعة وصفت بـ‬ ‫ليس ألن الطبيعة ال حتتمل الفراغ‪ ،‬وإمنا ألن الناس ال يحتملون‬
‫«العشوائية»‪ .‬وقد وقف في مركز اخلطاب الكولونيالي املتعلق‬ ‫ذلك‪ ،‬وألن السياسة ال حتتمل الفراغ» (دافيد بن غوريون‪ ،‬جلسة‬
‫باحلفظ والصيانة‪ ،‬صراع بني جهات أيدت احملافظة على حي‬ ‫احلكومة‪.)1949/5/3 .‬‬
‫القصبة ألسباب واعتبارات تاريخية وسياحية‪ ،‬وجهات أخرى أيدت‬ ‫هذه املفاهيم املتعلقة بالنظام والتطوير‪ ،‬انضفرت في مبررات‬
‫القيام بعمليات هدم واسعة ألسباب منطقية سياسية وعسكرية‪.‬‬ ‫البناء «العقالني» و«الصحي» باسم التقدم‪ ،‬ووقفت في صلب‬
‫معظم اخلطط شكل نوعا من التسوية التي اقترح في نطاقها‬ ‫التسويغ العصري للتدخل التخطيطي الفوقي واملمارسات القمعية‬
‫هدم جزء من املباني وحتويل باقي القصبة إلى متحف (‪Celik‬‬ ‫املتمثلة في اقتالع وترحيل مجموعات سكانية وهدم األحياء‬
‫‪ .)1997,40-46‬في إسرائيل دار صراع مشابه بني التطوير‬ ‫«العشوائية» (‪.)Yeoh ،1996‬‬
‫والصيانة لعدد من املدن العربية‪ ،‬أفضى في شباط ‪ 1950‬إلى‬ ‫في إسرائيل وفرت هذه املفاهيم جزءا من التبرير لهدم أحياء عربية‬
‫إقامة «جلنة عليا لألماكن املقدسة والتاريخية»‪ .‬وقد تخللت مداوالت‬ ‫(‪ ،)Levine 2001‬وكذلك لهدم أحياء يهودية فقيرة‪ ،‬شكل الشرقيون‬
‫اللجنة نقاشات حادة بني توجه ممثل وزارة الدفاع‪ ،‬الذي طالب بـ‬ ‫أغلبية سكانها (نوريئيلي ‪ .)2005‬وقد كانت هذه املمارسات‬
‫«التقليل قدر اإلمكان من كل ما يذكرنا بوجود العرب في البالد»‪،‬‬ ‫استمرارا مباشرا خلطط «تطوير» بادرت إليها حكومة االنتداب‬
‫وبني ممثلي قسم التخطيط الذين أيدوا إبقاء أحياء وحارات ذات‬ ‫في عدد من املدن العربية‪ ،‬غير أن تنفيذها فعليا كان مرتبطا على‬
‫طابع «شرقي» (باز ‪.)1988،132‬‬ ‫‪2‬‬
‫سبيل املثال‪ ،‬بهدم أجزاء من مدينة يافا القدمية في العام ‪.1936‬‬
‫في نهاية املطاف اعتمدت اللجنة احلل الوسط الذي تضمنته‬ ‫مت َّثل اجلانب املكمل لعمليات الهدم في املستعمرات في أعمال‬
‫مذكرة كتبها ل‪ .‬إدلر من قسم التخطيط‪:‬‬ ‫احلفظ والصيانة‪ ،‬والتي استهدفت حماية املظهر الشرقي «األصلي»‬
‫«ينبغي لتخطيط املدن أن يحافظ على ما هو قائم قدر املستطاع‪،‬‬ ‫للمدن وفقما حدده املخططون‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬في النصف‬
‫من دون اإلضرار باملصالح اآلنية‪ ،‬أي الوقاية الصحية والصحة‬ ‫األول من القرن العشرين أعد الفرنسيون عدة خطط لصيانة حي‬
‫واملواصالت» (املصدر السابق‪ ،‬ص‪.)120‬‬ ‫القصبة (البلدة القدمية) في مدينة اجلزائر (العاصمة)‪ ،‬شملت‬

‫‪76‬‬

‫شارون‪ :‬الهندسة في خدمة الكولونيالية‬


‫لم يتطرق شارون في خطته نهائيا إلى وجود عرب في دولة إسرائيل‪ ،‬حتى أن كلمة‬
‫«عربي» لم ترد مطلقا في الكتاب‪ ،‬الذي استخدم فقط تعبير «أقليات» المجرد من الهوية‪،‬‬
‫كذلك خلت الخطة من أي محاولة لجسر التناقض بين سعي إسرائيل لتخيل نفسها‬
‫كمشروع عصري‪ -‬غربي وبين محاولتها استلهام هويتها من تراث قديم أصالني‪ .‬فالتوجه‬
‫الذي تبناه شارون في مجال التخطيط‪ ،‬والذي أيد بموجبه االندماج في الحيز عن طريق فرض‬
‫أشكال ونماذج هندسية عصرية تؤكد الطابع المتجدد لألمة‪ ،‬يتطرق بصورة ضمنية فقط‬
‫للطريقة التي تجند فيها «مشاهد مستعارة» في ترجمة الميثولوجيا المحلية إلى مشهد‬
‫هندسي حديث‪.‬‬

‫ومبان عامة ومساجد وكنائس‪ .‬غير أن كلمة «حفظ» تنفي في هذا‬ ‫وعلى غرار خطط البريطانيني والفرنسيني‪ ،‬فإن خطة شارون‬
‫السياق معناها احلرفي املعجمي‪ ،‬ذلك ألن السبب الرئيس لإلبقاء‬ ‫تقترح أيضا في أماكن كثيرة احملافظة على املباني األصالنية‪،‬‬
‫على املباني الفلسطينية هو قيمتها األثرية‪ ،‬او من أجل إعادة‬ ‫ويقترح مخططون إسرائيليون في العديد من اخلطط املفصلة‬
‫توطينها مبهاجرين يهود (مركوفيتش ويونا ‪.)2008‬‬ ‫استخدام هذه املباني إلقامة متاحف مختلفة‪.‬‬
‫لقد سعت هذه النظرة الثنائية إلى محو املظاهر املزعجة للمشهد‬ ‫كذلك فإن خطة شارون تبقي‪ ،‬إلى جانب أسماء الكثير من‬
‫األصالني الفلسطيني من احليز‪ ،‬وفي الوقت ذاته إلى دمج هذا املشهد‬ ‫املدن اجلديدة‪ ،‬على االسم العربي السابق‪ ،‬مثل اخلالصة (كريات‬
‫في إطار األشكال التوراتية للمشهد‪ :‬رمبا أن السكان أنفسهم‪ ،‬مثلما‬ ‫شمونة)‪ ،‬املجدل (مغدال غاد)‪ ،‬موراسس‪ ،‬بيسان (بيت شآن)‪،‬‬
‫فكر بن غوريون‪ ،‬ليسوا سوى «الييشوف العبري الذي بقي في بلده‬ ‫يهود (يهوديا)‪ ،‬وكذلك أسماء «احلدائق الوطنية»‪ :‬حديقة «الفالق»‬
‫على الرغم من كل اإلضطهاد واملالحقات»‪ 3،‬ولذلك فقد مت جتنيد‬ ‫(ناحل بوالغ)‪ ،‬حديقة «اجلرمق» (هار‪ -‬جبل‪ -‬ميرون)‪.‬‬
‫املشهد الفلسطيني‪ ،‬على الصعيدين األخالقي واجلمالي‪ ،‬من أجل‬ ‫وهكذا فقد بدأت‪ ،‬جنبا إلى جنب هدم املعالم العربية وتدميرها‪،‬‬
‫احلفاظ على مشهد العصور القدمية الذي ميز أحيانا أقاليم التناخ‪4،‬‬ ‫عملية حلفظ وصيانة مبان اعتبرت ذات قيمة تاريخية‪ .‬وبعبارة‬
‫وفي غياب مشهد فلسطيني أصلي‪ ،‬اضطر املخططون (الصهيونيون)‬ ‫أخرى متت احملافظة على املدهش والغريب طاملا كان ذكر السكان‬
‫إلى اختالقه‪ ،‬متاما مثل املشروع الصهيوني ذاته (مركوفيتش ويونا‬ ‫األصليني مغيبا‪.‬‬
‫‪ .)2008‬أحد األمثلة على ذلك هو اخلربة الفلسطينية املفبركة‪ ،‬التي‬ ‫ويقترح مركوفيتش ويونا حتليال للموقف الثنائي الذي يبديه‬
‫أقيمت كنوع من الزخرفة البيئية‪ ،‬على جانبي طريق ‪ -‬شارع‪ -‬بيغن‬ ‫املشروع الصهيوني جتاه احليز احمللي‪ ،‬وذلك وفقما عبر (املوقف)‬
‫العابر ملدينة القدس (أبرامسون ‪.)2003‬‬ ‫عن نفسه في املخطط الرئيس لدولة إسرائيل‪ .‬وبحسب رأيهما‬
‫لقد انطوت أمناط الثقافة الغربية على أمل بقيام نظام اجتماعي‬ ‫فإن هذا املوقف يستتر خلف اجلهد املستمر الرامي إلى تخيل‬
‫جديد‪ ،‬نظام عصري‪ ،‬وظيفي ومتقدم‪ .‬في هذا السياق شكل اجتاه‬ ‫احليز احمللي كحيز أوروبي ظهر «من العدم»‪ .‬هذا املوقف الثنائي‬
‫التطور السريع الذي عرضه آرييه شارون في خطته‪ ،‬مرتكزا‬ ‫املتناقض للمخططني ولقادة املشروع الصهيوني‪ ،‬جتاه احليز‬
‫لالزدهار والتقدم اللذين متثلهما الفكرة الصهيونية في نظر نخبة‬ ‫األصالني‪ ،‬والذي وجد تعبيرا له في رفض وقبول هذا احليز في‬
‫«الييشوف» اليهودي‪ ،‬وحتول النظام اجلديد إلى منظومة فكرية‬ ‫آن واحد‪ ،‬يخلق روابط متبادلة ال تنفصم‪ ،‬ورمبا أيضا غير قابلة‬
‫متبلورة تعمل في خدمة األمة وتشكل تعبيرا جليا لها‪.‬‬ ‫للحل‪ ،‬في تخطيط احليز وفي تصميمه الهندسي‪ .‬فهو يفضي‪،‬‬
‫يتحدث آرييه شارون في الفصل األول من الكتاب عن أسس‬ ‫من جهة‪ ،‬إلى فرض تصاوير ومعالم غربية وميحو بصورة منهجية‬
‫«التخطيط املادي في إسرائيل» وذلك بناء على األبعاد الثالثة‬ ‫املاضي التاريخي واملعماري وسط متلك احليز العربي من أجل‬
‫للتخطيط‪ :‬األرض (البلد) والشعب والزمن‪ .‬ويعبر بعد البلد عن‬ ‫تهويده‪ ،‬ويتبنى من جهة أخرى وجهة النظر الداعية إلى احملافظة‬
‫نفسه باألساس في وصف املميزات والصفات املادية للبلد وما‬ ‫على املواقع الفلسطينية‪ .‬وقد استخدمت العالمة الفلسطينية كـ‬
‫‪77‬‬ ‫تنطوي عليه من مزايا وحتديات‪ ،‬بكونها جسرا يربط بني ثالث‬ ‫«إشارة» ذات داللة مضاعفة‪ ،‬للتأكيد على األصالة املتجسدة في‬
‫قارات‪ ،‬وتنوع الظروف املناخية ضمن مسافات قصيرة إضافة‬ ‫األصالني العربي‪ .‬أدى هذا املنطق إلى احملافظة على قرى وبيوت‬
‫الذي استخدم فقط تعبير «أقليات» املجرد من الهوية‪ ،‬كذلك خلت‬ ‫إلى التركيبة اجليولوجية والظروف الطوبوغرافية‪ .‬في بعد الشعب‪،‬‬
‫اخلطة من أي محاولة جلسر التناقض بني سعي إسرائيل لتخيل‬ ‫يتطرق شارون إلى التركيبة االجتماعية لـ «الييشوف»‪ ،‬والتحدي‬
‫نفسها كمشروع عصري‪ -‬غربي وبني محاولتها استلهام هويتها‬ ‫الكامن في إنشاء «نسيج اجتماعي متجانس» على أرضية ظروف‬
‫من تراث قدمي أصالني‪ .‬فالتوجه الذي تبناه شارون في مجال‬ ‫مادية واجتماعية واقتصادية مريحة ومشجعة‪ ،‬وأنه ميكن‪ ،‬عن‬
‫التخطيط‪ ،‬والذي أيد مبوجبه االندماج في احليز عن طريق فرض‬ ‫طريق إقامة مدن جديدة وتعزيز ما هو قائم‪ ،‬إيجاد إطار تخطيطي‬
‫أشكال ومناذج هندسية عصرية تؤكد الطابع املتجدد لألمة‪ ،‬يتطرق‬ ‫يساهم في حث وتعزيز عمليات الذوبان وتوحيد أجزاء «الييشوف»‪،‬‬
‫بصورة ضمنية فقط للطريقة التي جتند فيها «مشاهد مستعارة»‬ ‫القدمي واجلديد‪ ،‬في وحدة واحدة منتجة‪.‬‬
‫في ترجمة امليثولوجيا احمللية إلى مشهد هندسي حديث‪.‬‬ ‫أما بعد الزمن فقد تطلب من الدولة‪ ،‬حسب قول شارون‪،‬‬
‫وفي الواقع فإن التخطيط املادي بأبعاده الثالثة‪ ،‬يعمل مبوجب‬ ‫مضاعفة عدد سكانها ثالث مرات في غضون بضع سنوات‪ ،‬ما‬
‫هذه اإلمالءات‪ ،‬غير أنه ما لبث أن شكل حالة خاصة‪ ،‬ذلك ألنه ملزم‬ ‫يعني أيضا مضاعفة مماثلة لعدد املستوطنات الزراعية واحلضرية‪،‬‬
‫مبواجهة تناقض مزدوج‪ :‬تناقض على محور الزمن وتناقض على‬ ‫وبناء عدد وفير من املساكن واملؤسسات العامة وشق شبكة طرق‬
‫محور احليز‪ .‬وحني تواجه الدولة القومية مسألة تشكيل احليز فإن‬ ‫جديدة‪ .‬وقد اضطر رجال التخطيط للقبول باملعسكرات واملساكن‬
‫هذا التناقض القائم في جذور القومية احلديثة‪ ،‬يلتفت بوجهه املنقسم‬ ‫املؤقتة التي أقيمت للمهاجرين (اليهود) وكذلك املستوطنات التي‬
‫إلى قسمني‪ ،‬نحو املاضي واملستقبل على حد سواء‪ .‬وينطوي املشروع‬ ‫أقيمت على عجل حتت ضغط عامل الزمن‪ ،‬ولكن مع وجود نية‬
‫احمللي على أوجه تشابه مع أشكال عمل مجتمعات املستوطنني‬ ‫لديهم بتغيير كل هذا الوضع في أسرع وقت ممكن‪ ،‬ذلك ألن‬
‫(‪ )Settler societies‬األخرى‪ ،‬الذين هاجروا إلى بقاع أرض جديدة‬ ‫وظيفة التخطيط هي تشكيل صورة الدولة مبستوطناتها ومدنها‬
‫واستولوا عليها (‪ .)Yiftachel & Kedar 2004‬غير أنه وخالفا‬ ‫وتغيير شبكة اخلدمات القطرية من أجل األجيال املقبلة (إفرات‬
‫لهذه املجتمعات‪ ،‬يدعي أيضا وجود رابطة عميقة ترتبط مبكان موطنه‬ ‫‪ .)2002‬لم يتطرق شارون في خطته نهائيا إلى وجود عرب في‬
‫القومي‪ .‬نتيجة لذلك احتضن املشروع الصهيوني احليز األصلي‪ ،‬ولكنه‬ ‫دولة إسرائيل‪ ،‬حتى أن كلمة «عربي» لم ترد مطلقا في الكتاب‪،‬‬

‫‪78‬‬

‫بيت عربي في اللد‬


‫لم يبق هذا الفراغ على حاله لوقت طويل‪ ،‬ففي خضم القتال‬ ‫نفاه في الوقت ذاته أيضا استنادا لهذه السمات (شابيرا ‪.)2007‬‬
‫واملعارك شرعت عناصر من االستيطان اليهودي بهدم مناطق‬ ‫هذه النظرة الثنائية‪ ،‬املنطوية أيضا على إشكاليات وتناقض‪،‬‬
‫مبنية في القرى العربية‪ ،‬وقامت بفالحة أراضي هذه القرى‪ .‬في‬ ‫مبا يترتب عليها من مظاهر «جذب وصد‪ ،‬متلك وهدم‪ ،‬محاكاة‬
‫املناطق احلضرية حدثت عملية ذات طابع مختلف‪ :‬فقد جرى خالل‬ ‫وجتاهل» (شارون ‪ ،)2006‬تسعى إلى إرساء توازن «قومي» دقيق‬
‫فترة قصيرة ‪ -‬بعد أشهر أو أسابيع‪ ،‬وأحيانا بعد أيام معدودة‬ ‫بني تبني رابطة أصالنية داخل احليز احمللي وبني صد املطالب‬
‫من احتاللها‪ -‬توطني املباني والبيوت املهجورة مبستوطنني يهود‪،‬‬ ‫اإلقليمية لألصالني الفلسطيني‪ .‬ولعل املفارقة هنا هي أن التبني‬
‫سواء مببادرة جهات مؤسسية أو مببادرة «من أسفل» من جانب‬ ‫اجلارف للثقافة احمللية ميكن أن يساعد في إرساء وتعزيز املطلب‬
‫معوزي سكن‪ ،‬أو أفراد يسعون لتحسني ظروف سكنهم‪ .‬معظم‬ ‫اإلقليمي للمجموعة الفلسطينية‪ ،‬ذلك ألن الفلسطينيني‪ ،‬في احملصلة‬
‫السكان الذين وطنوا أو توطنوا في البيوت العربية‪ ،‬أتوا من الطبقات‬ ‫النهائية‪ ،‬هم احلاملون األصليون للثقافة احمللية‪ ،‬واملمثل احلي‬
‫الضعيفة في صفوف السكان اليهود احلضريني‪ ،‬وال سيما من‬ ‫لالمتداد التاريخي‪ .‬في املقابل فإن خطوة معاكسة‪ ،‬تتمسك بالذات‬
‫املهاجرين اجلدد‪ -‬قسم منهم من الدول العربية‪ -‬الذين أخذوا‬ ‫برفض مطلق للمكان وسماته الرمزية‪ ،‬بصيغة «ضعوا اجلديد مكان‬
‫يتدفقون على دولة إسرائيل عقب إعالن قيامها في أيار ‪.1948‬‬ ‫القدمي»‪ ،‬من شأنها أن تهدد حدود االنتماء السابقة (القدمية) التي‬
‫ففي السنوات الثالث األولى (‪ )1951-1948‬هاجر إلى الدولة‬ ‫أرستها مجموعة املستوطنني اليهودية‪ ،‬بل وأن تصوغها كحدود‬
‫الوليدة ‪ 700‬ألف يهودي من أوروبا (جزء كبير منهم ناجون من‬ ‫انتماء كولونيالية مصطنعة و «غير أصلية»‪.‬‬
‫احملرقة) ومن الدول اإلسالمية‪ .‬قبل احلرب كان هناك ما بني‬
‫‪ 800‬ألف و‪ 900‬ألف عربي يقيمون في املنطقة التي أصبحت بعد‬ ‫خلفية نظام األراضي اإلسرائيلي‬
‫احلرب دولة إسرائيل‪ ،‬وقد بقي من هؤالء السكان العرب حوالي‬ ‫كان الهدف األس���اس للمك ّون املركزي في نظام األراضي الذي‬
‫‪ 160‬ألفا فقط‪ ،‬حصلوا على جنسية الدولة‪.‬‬ ‫اتبع في إسرائيل‪ ،‬هو منع عودة الالجئني الفلسطينيني‪ ،‬في مقابل‬
‫سيطرت دولة إسرائيل مع نهاية حرب ‪ 1948‬على منطقة‬ ‫الرغبة واحلاجة إليجاد حلول س���كنية معقولة ملوجات الهجرة التي‬
‫مساحتها حوالي ‪6‬ر‪ 20‬مليون دومن‪ ،‬تشكل ‪ %76‬من مساحة‬ ‫أدت إلى مضاعفة عدد الس���كان اليهود في السنوات الثالث األولى‬
‫فلسطني االنتدابية‪ ،‬غير أن األراضي التي كانت مبلكية رسمية‬ ‫لقيام الدولة‪.‬‬
‫ألفراد أو منظمات يهودية‪ ،‬شكلت حوالي ‪5‬ر‪ %8‬فقط من مساحة‬
‫جرى توطني معظم املهاجرين اليهود الذين وصلوا إلى إسرائيل‬
‫الدولة‪ 5.‬وإذا أضفنا إلى ذلك األراضي التي ورثتها إسرائيل‬
‫حتى العام ‪ 1953‬في أرض كانت سابقا في حوزة السكان العرب‪،‬‬
‫من االنتداب البريطاني‪ ،‬فسوف جند أن املساحة اإلجمالية التي‬
‫كذلك فقد شيدت ‪ 350‬مستوطنة تقريبا‪ ،‬من بني ‪ 370‬مستوطنة‬
‫كانت حتت سيطرة احلكومة اإلسرائيلية ال تزيد عن ‪8‬ر‪ 2‬مليون‬
‫يهودية أقيمت في تلك الفترة‪ ،‬على أراض كانت مبلكية عربية‬
‫دومن‪ ،‬تشكل حوالي ‪5‬ر‪ %13‬من مساحة الدولة (املصدر السابق)‪.‬‬
‫(‪.)Falah 1996,Golan 1995‬‬
‫وكانت املؤسسات القومية (اليهودية) في عهد ما قبل الدولة‪ ،‬قد‬
‫حدثت في فترة حرب العام ‪ ،1948‬وبعدها مباشرة‪ ،‬عمليات نزوح‬
‫صاغت نظام امللكية اجلديد في إسرائيل كنظام مشاعية قومية‬
‫وتغييرات سكانية واسعة النطاق في احليز اإلسرائيلي‪ /‬الفلسطيني‪،‬‬
‫حتى يجسد بسرعة املبادئ اإلثنوقراطية للتوسع والسيطرة اإلثنية‬
‫حددت مصير مسألتني مركزيتني‪ :‬طابع النزاع اليهودي‪ -‬العربي‪،‬‬
‫اإلقليمية (يفتاحئيل وكيدار ‪.)2000‬‬
‫والتقسيم اإلثني والطبقي داخل املجتمع اليهودي‪.‬‬
‫يوسف فايتس‪ ،‬وهو شخصية مركزية في مؤسسة األراضي‬
‫واالستيطان الصهيونية‪ ،‬حيث عمل مديرا لشعبة األراضي في‬ ‫وقد جتلت العالقة املتبادلة بني هاتني املسألتني بوضوح في‬
‫مؤسسة الصندوق القومي (الكيرن كييمت) اإلسرائيلي‪ ،‬وفيما‬ ‫التنظيم اإلقليمي لدولة إسرائيل في تلك الفترة‪ ،‬التي شهدت تغييرا‬
‫بعد أول مدير لدائرة أراضي إسرائيل‪ ،‬صرح قائال في العام‬ ‫إقليميا ودميغرافيا هائال في املناطق العربية التي جرى ضمها‬
‫‪« :1950‬ثمة مفكرون في أوساط اجلمهور العبري يعتقدون بأن‬ ‫إلى حدود الدولة اجلديدة (إسرائيل)‪ .‬ففي أثناء املعارك أقتلع‬
‫قيام الدولة يعني امتالكها للبلد بأكمله‪ ...‬وأن مشكلة األراضي‬ ‫معظم السكان العرب من بيوتهم‪ ،‬وحتولت مئات القرى والبلدات‪،‬‬
‫‪79‬‬ ‫حلت تلقائيا‪ ،‬وأن األرض هودت‪ ..‬صحيح أن األرض هي أرض‬ ‫وحتى أحياء املدن وضواحيها‪ ،‬إلى أماكن فارغة‪ ،‬أو شبه فارغة‬
‫حكومية‪ ،‬غير أن هناك شائبة واحدة تشوبها‪ :‬فاحلقوق عليها تعود‬ ‫من البشر (غوالن ‪.)2009‬‬
‫عندما أقيمت الدولة كان هناك هدفان مهمان أمام السلطة اإلسرائيلية‪:‬‬
‫أوال‪ -‬تهجير أقصى عدد من يهود العالم إلى إسرائيل‪ ،‬ثانيا‪ -‬دمج المهاجرين‬
‫في دولتهم الجديدة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك كان هناك هدف ثالث بعيد المدى‪،‬‬
‫وهو توزيع المهاجرين في شتى أنحاء الدولة وتوفير عمل لهم‪ ،‬وذلك بغية‬
‫تحقيق مستوى معيشة متساو‪ ،‬بمرور الوقت‪ ،‬في كل أنحاء الدولة‪ .‬وقد كان‬
‫تحقيق هذه األهداف أيضا إحدى مهام التخطيط المادي‪ .‬أما الجهاز المركزي‬
‫الذي صاغ التخطيط المادي‬

‫في املناطق اليهودية في فلسطني‪ ،‬متثل في الظروف السياسية‬ ‫لكل مواطني الدول‪ ،‬مبا في ذلك العرب‪ ..‬انطالقا من هذا الوضع‪،‬‬
‫التي أتاحت االستيطان اليهودي في جزء صغير فقط من البلد‪،‬‬ ‫من الضروري جعل هذه األرض تعود مبعظمها لليهود‪ ..‬وبالتالي‬
‫وكذلك أيضا التطوير االستغاللي في مساحات محدودة حول املدن‬ ‫يجب االستمرار في تهويد األرض» (فايتس ‪.)145-143 ،1950‬‬
‫الكبيرة‪ .‬وقد أتاح تركيز معظم األراضي في أيدي احلكومة‬ ‫في نهاية هذه العملية التي استمرت قرابة عشرين عاما أصبحت‬
‫واجلمهور (اليهودي) عقب قيام الدولة‪ ،‬متدد االستيطان احلضري‬ ‫دولة إسرائيل والصندوق القومي اإلسرائيلي يسيطران على‪،‬‬
‫والزراعي في كل االجتاهات وإعادة توزيعه في سائر أنحاء البالد‪.‬‬ ‫ويديران‪ ،‬حوالي ‪ 19‬مليون دومن‪ ،‬تشكل قرابة ‪ %93‬من مساحة‬
‫عندما أقيمت الدولة كان هناك هدفان مهمان أمام السلطة‬ ‫دولة إسرائيل (داخل اخلط األخضر)‪ .‬وقد استند هذا النظام إلى‪:‬‬
‫اإلسرائيلية‪ :‬أوال‪ -‬تهجير أقصى عدد من يهود العالم إلى إسرائيل‪،‬‬ ‫تأميم وتهويد األرض العربية وأراض أخرى‪ ،‬حيث جرى خالل هاتني‬
‫ثانيا‪ -‬دمج املهاجرين في دولتهم اجلديدة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك كان‬ ‫العمليتني نقل أكثر من ‪ 17‬مليون دومن مللكية عامة إسرائيلية‪ -‬يهودية؛‬
‫هناك هدف ثالث بعيد املدى‪ ،‬وهو توزيع املهاجرين في شتى أنحاء‬ ‫السيطرة املركزية للدولة ومؤسسات الشعب اليهودي على هذه‬
‫الدولة وتوفير عمل لهم‪ ،‬وذلك بغية حتقيق مستوى معيشة متساو‪،‬‬ ‫األراضي والتخصيص االنتقائي وغير املتساوي للحقوق في األرض‪.‬‬
‫مبرور الوقت‪ ،‬في كل أنحاء الدولة‪ .‬وقد كان حتقيق هذه األهداف‬ ‫وقد جرت عملية مصادرة ملكية األراضي العربية عن طريق‬
‫أيضا إحدى مهام التخطيط املادي‪ .‬أما اجلهاز املركزي الذي صاغ‬ ‫ممارسة الصالحية السيادية بواسطة القوات العسكرية واألجهزة‬
‫التخطيط املادي للبالد في السنوات األولى للدولة‪ ،‬فقد متثل في قسم‬ ‫احلكومية والقضائية للدولة‪ ،‬في البداية استنادا إلى قوانني الطوارئ‬
‫التخطيط احلكومي الذي أقيم في متوز ‪ ،1948‬في أوج احلرب‪ .‬وقد‬ ‫ومن ثم بواسطة قانون أمالك الغائبني (‪ )1950‬وقانون شراء ومتلك‬
‫ورث هذا القسم غالبية مهام اجلهاز االنتدابي ووظائفه‪ .‬وكانت حكومة‬ ‫العقارات (إقرار نشاطات وتعويضات ‪ .)1953 -‬مع نهاية حرب‬
‫االنتداب قد أقامت في البالد جهاز تخطيط يغلب على عمله طابع‬ ‫العام ‪ 1948‬بات املشروع السياسي الكولونيالي في فلسطني‬
‫«التنظيم» وليس املبادرة‪ ،‬وانصب اهتمامه على احملافظة على حقوق‬ ‫مشروعا «مفروغا منه»‪ ،‬ولم يبق أمام احلكومة االنتقالية برئاسة‬
‫ملكية سكان البالد واحملافظة على «النظام العام» وضمان املصالح‬ ‫دافيد بن غوريون سوى التوجه نحو التطبيق املهني‪ ،‬بإعداد خطة‬
‫االقتصادية والسلطوية لإلمبراطورية‪ .‬كذلك سن البريطانيون دستورا‬ ‫رئيسة شاملة للدولة الوليدة‪.‬‬
‫للتخطيط (أمر بناء مدن) وأقاموا مؤسسات تخطيط (جلان تنظيم‬
‫حضرية ودائرية للمناطق اإلقليمية)‪ ،‬وقسما للتخطيط (مكتب املستشار‬
‫مشروع «بناء األمة»‪ ،‬الرؤيا‪ ،‬التحدي والتخطيط‬
‫لتخطيط املدن) ومنظومة خطط وخرائط هيكلية (للمدن والدوائر)‪ .‬وقد‬
‫عمل كثيرون من مهندسي «خطة شارون» ومن ضمنهم آرييه شارون‬ ‫حني أقيمت الدولة كانت غالبية السكان (‪ )%82‬تتركز في منطقة‬
‫نفسه‪ ،‬كمستشارين وموظفني في مؤسسة التخطيط االنتدابية‪ .‬وعلى‬ ‫الشريط الساحلي بني تل أبيب وحيفا‪ %11 ،‬في القدس‪ ،‬و‪ %7‬فقط‬
‫الرغم من أن استعدادات املؤسسة االستيطانية في موضوع التخطيط‬ ‫في اجلليل وفي جنوبي البالد‪ .‬وفي أعقاب قيام الدولة وتوسيع رقعة‬
‫بدأت قبل عدة سنوات من قيام الدولة‪ ،‬إال أن فترة طويلة مرت إلى أن‬ ‫السيطرة في جميع أنحاء البالد‪ ،‬ازدادت وتيرة التطوير والبناء في‬
‫املناطق غير املأهولة‪ ،‬كما ازداد توجيه السكان إلى هذه املناطق‪.‬‬ ‫‪80‬‬
‫أقامت الدولة جهاز تخطيط‪ ،‬ولم تكتمل إقامة هذا اجلهاز سوى في‬
‫العام ‪ 1965‬مع بدء تطبيق قانون التنظيم والبناء (‪.)1965‬‬ ‫أحد العوامل املهمة في تشكيل التجمعات احلضرية املتضخمة‬
‫كان الواقع الناشئ بالنسبة لرجاالت التخطيط‪ ،‬الذين رأى معظمهم أنفسهم جزءا‬
‫من «الطليعة العصرية» التي ظهرت في أوروب��ا في ثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬مثل‬
‫«العجينة الطيعة» المالئمة لتجسيد الخطاب والممارسة العصريين‪ .‬وقد تمتع آرييه‬
‫شارون ‪ -‬الذي كان في ذلك الوقت مهندسا مرموقا من رواد األسلوب‪ ،‬الطراز‪ ،‬الدولي في‬
‫البالد‪ -‬باستقاللية وتعاون وثيق من جانب الوزارات والدوائر الحكومية المختلفة وأفلح‬
‫في «ترجمة» فرضيات العمل الحديثة التي تبناها‪ ،‬على الصعيد المحلي‪ ،‬وسط استخالص‬
‫دروس االستيطان الكولونيالي في مناطق مختلفة من العالم‪.‬‬

‫توزيع السكان وبناء‬ ‫عندما شكلت احلكومة املؤقتة في أيار ‪ ،1948‬كانت هناك نية‬
‫مجتمع المستوطنين اإلثنوقراطي‬ ‫إلنشاء وزارة حكومية خاصة للتنظيم والبناء‪ ،‬غير أن اعتبارات‬
‫ائتالفية أدت عوضا عن ذلك إلى إقامة وزارة للعمل والبناء‪.‬‬
‫كان الواقع الناشئ بالنسبة لرجاالت التخطيط‪ ،‬الذين رأى‬
‫معظمهم أنفسهم جزءا من «الطليعة العصرية» التي ظهرت في‬ ‫ول���م يك���ن الربط هن���ا بني العم���ل والبناء عفوي���ا أو محض‬
‫أوروبا في ثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬مثل «العجينة الطيعة»‬ ‫صدفة‪ ،‬وذلك ألنهم رأوا في أعمال البناء‪ ،‬وال س���يما بناء مساكن‬
‫املالئمة لتجسيد اخلطاب واملمارسة العصريني‪ .‬وقد متتع آرييه‬ ‫للمهاجرين‪ ،‬مصدرا للتش���غيل‪ .‬وقد أقيم في وزارة العمل والبناء‬
‫شارون ‪ -‬الذي كان في ذلك الوقت مهندسا مرموقا من رواد‬ ‫قس���م للتخطيط يتألف من خمس شعب وهي‪ :‬اإلسكان‪ ،‬الهندسة‬
‫األسلوب‪ ،‬الطراز‪ ،‬الدولي في البالد‪ -‬باستقاللية وتعاون وثيق‬ ‫املعمارية‪ ،‬التخطيط النظامي‪ ،‬التخطيط املبادر‪ ،‬وش���عبة املس���ح‬
‫من جانب الوزارات والدوائر احلكومية املختلفة وأفلح في «ترجمة»‬ ‫والبح���وث‪ .‬وعندما أقيمت احلكومة األولى ف���ي آذار ‪ 1949‬نقل‬
‫فرضيات العمل احلديثة التي تبناها‪ ،‬على الصعيد احمللي‪ ،‬وسط‬ ‫قس���م التخطيط إلى مكتب رئيس احلكومة‪ ،‬مع اإلبقاء على شعبة‬
‫استخالص دروس االستيطان الكولونيالي في مناطق مختلفة من‬ ‫اإلسكان في وزارة العمل‪ .‬وفي آب ‪ 1949‬قررت احلكومة تقسيم‬
‫العالم‪ .‬والوضع الذي خلقته السياسة الصهيونية‪ ،‬وفر ظروفا مثالية‬ ‫قسم التخطيط إلى قس���مني‪ ،‬حيث بقيت شعبة التخطيط املبادرة‬
‫لعمله‪ ،‬كما أن رؤيته العقلية ‪ -‬الشمولية للتخطيط تالءمت مع وجهة‬ ‫في مكتب رئيس احلكومة‪ ،‬فيما نقلت شعبة التخطيط النظامي إلى‬
‫النظر املركزية الدميقراطية التي تبناها حزب «مباي» والهستدروت‬ ‫وزارة الداخلية‪ ،‬غير أن هذين القس���مني واصال فعليا العمل حتت‬
‫ورئيس احلكومة (بن غوريون)‪ .‬كذلك فقد اتسقت أفكاره بشأن‬ ‫سقف واحد وسط تعاون كامل بينهما‪.‬‬
‫ضرورة التوزيع السكاني وإيجاد سلم حضري تراتبي‪ ،‬مع السياسة‬ ‫ولدت «خطة ش���ارون» في ظروف استثنائية غير مسبوقة من‬
‫احلكومية ومع مصالح معظم اجلهات املهتمة بتطوير البالد‪.‬‬ ‫نواح كثيرة‪ ،‬حيث ش���كلت هذه الظروف‪ ،‬بالنس���بة للمستوطنني‬
‫في ضوء الهجرة اجلماعية دعي قسم التخطيط إلى مهمة عاجلة‪:‬‬ ‫وأنصار الفكرة الصهيونية في العالم‪ ،‬فرصة لبناء أمة ولتجسيد‬
‫حتديد وجهة التوزيع اجلغرافي للسكان‪ .‬وقد اقترح املخططون‬ ‫حلم بعث الش���عب اليهودي في وطنه التاريخي‪ .‬وقد كانت هذه‬
‫استغالل الهجرة لصالح ما أسموه «توزيعا متوازنا» للسكان اليهود‬ ‫اخلطة مبثابة خطة رئيسة شاملة إلسرائيل‪ ،‬تصوغ تفاصيل الفكرة‬
‫في أنحاء البالد‪ .‬وبغية حتقيق هذه األهداف عكف املخططون على‬ ‫الصهيوني���ة وتعطيها تعبيرا ماديا على اخلرائط‪ .‬فقد بات ميكن‬
‫إعداد خطط لتوزيع السكان‪ ،‬شكلت إطار ًا موجها لتخطيط حكومي‬ ‫اآلن‪ ،‬حيث لم يعد «الييشوف» مقيدا من جانب سلطات االنتداب‬
‫شامل‪ ،‬وقد أثر قسم التخطيط بشكل رئيس على سياسة التخطيط‬ ‫و«الكتاب األبيض»‪ ،‬ترجمة فكرة «العودة إلى صهيون» و«جتميع‬
‫واإلسكان في املدن اجلديدة‪ .‬وفيما كان للمؤسسات الصهيونية‬ ‫الش���تات»‪ ،‬في صورة إقامة «مجتمع منوذجي»‪ ،‬يستوعب الهجرة‬
‫تأثير كبير في تخطيط املناطق القروية‪ ،‬واجه قسم التخطيط في‬ ‫ويحي���ي القفر‪ ،‬ويك���ون أفراده موزعني في كام���ل أنحاء البالد‪،‬‬
‫املدن القائمة أصحاب مصالح أيدوا توسيع حدود النفوذ البلدي‬ ‫يقيمون بينهم خطوط مواصالت وعالقات جتارية وزراعية وصناعية‬
‫لهذه املدن خالفا ملوقفه (غوالن‪.)2001،13 ،‬‬ ‫عصرية؛ مجتمعا يؤمن تش���غيال نوعيا وحياة صحية ومس���تقبال‬
‫‪81‬‬
‫أفضل لكل يهودي‪ ،‬للقدماء واجلدد على حد سواء‪.‬‬
‫فكرة توزيع السكان وردت بشكل صريح في محضر اجتماع‬
‫نشر قسم التخطيط في نهاية العام ‪ 1950‬الخطة الثالثة للتوزيع السكاني والتي‬
‫سميت «خطة ش��ارون»‪ .‬هذه الخطة الرئيسة‪ ،‬التي تضمنها كتاب «التخطيط المادي‬
‫في إسرائيل» (شارون ‪ ،)1952‬تحولت في غضون عشر سنوات من وثيقة تخطيطية إلى‬
‫مشروع تنفيذي واسع النطاق‪ ،‬شمل عشرات المدن والبلدات والقرى والغابات والحدائق‬
‫الوطنية‪ ،‬على الرغم من أنها لم تكن خطة سيادية‪ ،‬ولعل قوتها التنفيذية المدهشة‬
‫تكمن بالذات في حقيقة أنه لم تسر عليها قيود قانون التنظيم والبناء (إفرات ‪.)2002‬‬

‫تضمنها كتاب «التخطيط املادي في إسرائيل» (شارون ‪،)1952‬‬ ‫ملديري وزارة العمل والبناء‪ ،‬عقد في ‪ 21‬أيلول ‪ ،1948‬شرح خالله‬
‫حتولت في غضون عشر سنوات من وثيقة تخطيطية إلى مشروع‬ ‫رئيس القسم‪ ،‬آرييه شارون‪ ،‬أهداف التخطيط‪ .‬واستعرض شارون‬
‫تنفيذي واسع النطاق‪ ،‬شمل عشرات املدن والبلدات والقرى‬ ‫خلفية ظهور التخطيط املادي في العالم الغربي‪ ،‬مؤكدا على مشكلة‬
‫والغابات واحلدائق الوطنية‪ ،‬على الرغم من أنها لم تكن خطة‬ ‫املدن الكبيرة التي قال إنها «مصدر كل الشرور واألمراض في‬
‫سيادية‪ ،‬ولعل قوتها التنفيذية املدهشة تكمن بالذات في حقيقة‬ ‫سائر البقاع»‪ .‬ولدى حديثه عن الوضع في إسرائيل شدد شارون‬
‫أنه لم تسر عليها قيود قانون التنظيم والبناء (إفرات ‪.)2002‬‬ ‫على مشكلة انعدام التخطيط‪ ،‬التي تعبر عن نفسها باألساس في‬
‫وذكر في مستهل الكتاب أن هناك حاجة لـ «تخطيط ناجع ودقيق»‬ ‫االكتظاظ اخلطير‪ ،‬على امتداد الساحل‪ ،‬وقال في عرضه لسياسة‬
‫وذلك من أجل القيام بـ «تطوير مكثف وشامل للبالد‪ ،‬ينفذ إلى سائر‬ ‫التوزيع السكاني‪« :‬إن هدفنا األول هو‪ ..‬احلذر قدر اإلمكان من تطور‬
‫أركانها وزواياها» (شارون ‪ )5 ،1952‬وقد وضعت سياسة توزيع‬
‫‪6‬‬
‫املدن الكبيرة وزيادة االكتظاظ السكاني في اجلليل والنقب‪.»...‬‬
‫السكان علنا وصراحة في مركز اخلطة التي استهدفت حل مشكلة‬ ‫وقد متثل البعد العملي لهذه اخلطوط املوجهة في توجيه السكان‬
‫«الشعب»‪ -‬كان معظم السكان اليهود (‪ )%82‬يتركزون في املنطقة‬ ‫بناء على قرارات تتعلق بتخصيص استعماالت األراضي‪ :‬ففي‬
‫الساحلية بني حيفا وتل أبيب‪ -‬وحل مشكلة «البالد» في آن واحد‪:‬‬ ‫العام ‪ 1949‬أرسل مهاجرون للسكن في مدن «مهجورة» أو أحياء‬
‫«مع قيام الدولة وتوسيع سيطرتنا في كل أنحاء البالد‪ ،‬نشأت مشكلة‬ ‫عربية سابقا في املدن املختلطة‪ ،‬ومنذ بداية العام ‪ 1950‬أقيمت‬
‫تطوير املناطق غير املأهولة وتوجيه السكان إليها» (املصدر السابق)‪.‬‬ ‫مساكن جديدة في هذه املدن‪ ،‬كما أقيمت منذ أواسط العام ذاته‬
‫فيما بعد قدمت مبررات اقتصادية وأمنية وصحية لشرح‬ ‫معسكرات مؤقتة للمهاجرين على أراض «مهجورة» في مناطق‬
‫اإلشكالية الكامنة في اكتظاظ الغالبية العظمى من السكان في‬ ‫مختلفة من البالد‪ .‬في الكثير من احلاالت شكل السكان‪ ،‬الذين‬
‫املدن الكبرى‪.‬‬ ‫متوضعوا بهذه الطرق الثالث‪ ،‬قاعدة لنشوء مدن التطوير اجلديدة‪.‬‬
‫أين يكمن مصدر األفكار التخطيطية التي تبناها رجاالت‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬أقيمت قرى (مستوطنات) تعاونية للمهاجرين‪،‬‬
‫قسم التخطيط؟‬ ‫غير أن قسم التخطيط لم يكن شريكا مركزيا في هذه العملية‪.‬‬
‫تأثر املخططون اإلسرائيليون‪ ،‬الذين اكتسبوا جل معارفهم‬ ‫لقد كان لقسم التخطيط دور مركزي في خلق نظام األراضي‬
‫وخبرتهم في أوروبا‪ ،‬مبصدرين رئيسني‪ .‬أوال‪ ،‬مت التطرق في‬ ‫اإلثنوقراطي للدولة‪ .‬فسياسة التوزيع السكاني التي قادها أوجدت‬
‫الكتاب إلى شكل اإلعمار في أوروبا وفقما ظهر وتطور في شكله‬ ‫فصال بني السكان القدماء القاطنني في مركز البالد‪ ،‬وبني املهاجرين‬
‫«العضوي»‪ ،‬باعتباره منوذجا ينبغي التطلع نحوه‪ ،‬وذلك من ناحية‬ ‫الذين كانوا في صلب عملية التوزيع السكاني‪ .‬كذلك شارك ممثلو‬
‫توازن السكان القاطنني في أنحاء الدولة وتوزيعهم في مدن كبيرة‬ ‫القسم في هيئات مختلفة تولت توزيع «غنائم» األراضي بشكل‬
‫مختلفة‪ .‬فهذا النموذج‪ ،‬كما ذكر في الكتاب‪ ،‬سيساعد في‬ ‫أوجد فصال في املناطق احلدودية بني الكيبوتسات والقرى التعاونية‬
‫منع أزمات اقتصادية عادة ما تكون املدن الكبيرة عرضة لها‪.‬‬ ‫القدمية‪ ،‬وبني مستوطنات املهاجرين وبلدات التطوير‪.‬‬
‫وحذر املخططون من النموذج االستيطاني الذي اتبعته «البلدان‬ ‫نشر قسم التخطيط في نهاية العام ‪ 1950‬اخلطة الثالثة للتوزيع‬
‫‪82‬‬
‫الكولونيالية» حسب تعبيرهم‪ ،‬والذي تتركز مبوجبه غالبية السكان‬ ‫السكاني والتي سميت «خطة شارون»‪ .‬هذه اخلطة الرئيسة‪ ،‬التي‬
‫المناطق «غير المتطورة» في البالد‪ -‬الحيز القديم‪ ،‬المشهد العربي «األصالني»‪ ،‬الذي‬
‫يجب تفريغه من أجل «إيجاد مكان» للحيز المتجدد‪ -‬اقترنت بالسكان العرب‪ .‬وقد استهدف‬
‫مشروع اإلسكان طمس وإخفاء كل ذلك بغية «إخ�لاء المنطقة» للمشهد المالئم لبعث‬
‫المشروع االستيطاني الصهيوني‪ .‬اما الشرعية لبناء مستوطنات يهودية جديدة فقد تمثلت‬
‫بطبيعة الحال في التقدم والتطوير العصريين‪ .‬كانت الحجة ان الحيز «القديم»‪ ،‬غير العصري‪،‬‬
‫يجب أن يخضع لعمليات تطوير وتنمية حتى يتالءم مع التطور الصناعي والتكنولوجي‪.‬‬

‫‪ 930,000‬نسمة (‪ %45‬من السكان احلضريني) في املدن‬ ‫(أي املستوطنني األوروبيني) في املدن الكبيرة على امتداد الساحل‬
‫الثالث الكبرى التي تتمتع بعوامل تطوير قطرية ودولية (حيفا‪،‬‬ ‫دون «التغلغل» داخل البالد‪ .‬ووصفت التحذيرات من «مخاطر املدن‬
‫تل أبيب والقدس)‪ ،‬و‪ 1,020,000‬نسمة (‪ %55‬من السكان‬ ‫الكبيرة» في وسائل الدعاية الرسمية (املؤسسية) في تلك الفترة‪،‬‬
‫احلضريني) في مدن متوسطة وصغيرة تتوزع في سائر أنحاء‬ ‫على أنها شيء يجب وميكن التغلب عليه بسهولة عن طريق تخطيط‬
‫البالد وتشكل مركزا خدميا للمحيط القروي‪ .‬وقسمت اخلطة البالد‬ ‫منطقي‪ ،‬وقد كتب شارون في مقدمة خطته‪« :‬في إسرائيل‪ ،‬كبلد‬
‫من حيث التخطيط إلى ‪ 24‬إقليما أو قضاء‪ ،‬يقوم التخطيط فيها‬ ‫هجرة جماعية‪ ،‬ال توجد عملية توزيع سكاني مرتبطة بنقل السكان‬
‫بناء على سلم هرمي ألشكال االستيطان‪.‬‬ ‫من مكان إلى آخر‪ ،‬ومصحوبة بخسائر اجتماعية واقتصادية كما‬
‫وأكدت اخلطة أن توزيع الس���كان سيكون متاحا بفضل سمتني‬ ‫حصل في انكلترا‪ ..‬إن توجيه تيار الهجرة املتزايد والدائم إلى‬
‫مميزتني لهذه البالد‪ :‬وجود معظم األراضي مبلكية عامة‪ ،‬و «وجود تيار‬ ‫مناطق زراعية غير مطورة وإلى مراكز حضرية جديدة‪ ،‬هو مهمة‬
‫الهجرة املتزايد واملستمر» والذي ميكن توجيهه إلى املناطق الزراعية‬ ‫سهلة نسبيا» (شارون‪.)1952،6 ،‬‬
‫غي���ر املطورة وإلى املراكز احلضرية اجلديدة (ش���ارون ‪.)1952 ،6‬‬ ‫ألجل تطبيق سياسة التوزيع السكاني‪ ،‬تبنى املخططون‬
‫وإضافة إلى اخلطط القطرية املفصلة‪ ،‬ش���ملت خطة ش���ارون أيضا‬ ‫اإلسرائيليون النماذج األوروبية املعروفة لديهم‪ ،‬وفي مقدمها منوذج‬
‫خرائط هيكلية بتخطيط عام‪ ،‬للمدن اجلديدة‪ .‬واملبادئ‪ ،‬أو القواسم‬ ‫«مدينة احلدائق» لـ ابن عازار هارفارد (‪ ،)1902‬ومنوذج التخطيط‬
‫املش���تركة‪ ،‬في تخطيط جميع هذه املدن تتمثل في تقسيم احليز إلى‬ ‫اإلقليمي لـ باتريك غيدس‪ ،‬اللذين طورا في مطلع القرن العشرين‪،‬‬
‫وحدات متجاورة والفصل بني االستعماالت املختلفة لألراضي‪.‬‬ ‫إضافة إلى مناذج طورت منذ الثالثينيات‪ ،‬عقب تبلور التخطيط‬
‫احليزي كفرع معرفي قائم بذاته‪ 7.‬ويقوم منوذج هارفارد على‬
‫تخطيط لغرض السيطرة على الحيز‬ ‫تشجيع الهجرة من مدن قائمة إلى مدن حدائق لرفاهية السكان‬
‫ال ينبع فش���ل بلدات التطوير فقط من الطريقة التي ترجم بها‬ ‫وزيادة األحزمة التي تقام في املناطق القروية‪ ،‬وتقسيم املدن‬
‫املخططون النماذج املس���توردة إل���ى الواقع احمللي‪ ،‬تلك الترجمة‬ ‫اجلديدة إلى مناطق استعماالت تخدم النجاعة االقتصادية‪ .‬في‬
‫التي اتسمت بانحراف كبير عن األصل‪ .‬فهناك عامل مركزي في‬ ‫أعقاب فكرة مدينة احلدائق طور غيدس النظرية اإلقليمية القائلة‬
‫الفشل يكمن في النماذج التخطيطية ذاتها‪ ،‬والتي جسدت الشهوة‬ ‫إن التخطيط ملدينة جديدة يجب ان يكون جزءا من تخطيط شامل‬
‫العصرية في التصنيف والفرز والتنظيم والفصل‪ ،‬من أجل حتقيق‬ ‫للمنطقة‪ ،‬وذلك بهدف مساعدة املجتمع احمللي في بلوغ مرحلة‬
‫السيطرة‪ .‬وقد ساهم تبني منوذج مدن احلدائق لهارفارد‪ ،‬في كل‬ ‫أعلى من «التطور التدريجي» (شارون ‪.)2006‬‬
‫ما يتعلق باإلنسان واملجتمع (‪. )Jacops1961‬‬ ‫أما خطة شارون فقد كانت تهدف إلى حتقيق توزيع متوازن‬
‫وبحسب ادعاء جايكوبس‪ ،‬فإنه باسم التقدم املكفول للجميع‪،‬‬ ‫للسكان احلضريني والفالحني (القرويني) في أنحاء البالد وحتديد‬
‫وتكريس الفجوات االجتماعية‪ ،‬أدت أفكار املنطقة والتوزيع السكاني‬ ‫موقع الصناعة والبنى التحتية واحلدائق‪ .‬وقد نصت اخلطة على أن‬
‫والتركيز على البناء «العقالني» و «الصحي»‪ ،‬إلى تعزيز الفصل‬ ‫الهدف السكاني للمرحلة األولى من تطوير البالد هو ‪2,650,000‬‬
‫‪83‬‬
‫اإلثني واالجتماعي واالقتصادي (‪ );Jacops 1961 3-25‬وإلى نقل‬ ‫نسمة‪ ،‬من بينهم ‪ 600,000‬مزارعني (‪6‬ر‪ ،)%22‬بينما يتم تقسيم‬
‫مجمعات سكانية تابعة واملس بالطبقات الضعيفة‪.‬‬ ‫السكان احلضريني (سكان املدن) إلى نوعني‪:‬‬
‫عالقات العمل التي نشأت بين المدينة والمستوطنات (القرى) الزراعية على العكس من ما‬
‫تمناه المخططون‪ .‬فجزء مركزي من فكرة التوزيع السكاني اقترن بأيديولوجيا التعاون اإلقليمي‬
‫بين المدينة والقرى الزراعية المحيطة بها‪ .‬وقد كان من المفروض ان تكون أقضية التخطيط‬
‫«وحدات متوازنة من ناحية اجتماعية واقتصادية‪ .‬وسط عالقات متبادلة بين المناطق الزراعية‬
‫والمراكز الحضرية» (شارون ‪ .)1952،13‬غير أنه لم ينشأ توازن بين المدينة الجديدة واالستيطان‬
‫الزراعي‪ ،‬وإنما ترسخت عالقات تبعية‪ :‬فبدال من قدوم سكان القرية إلى المدينة للحصول على‬
‫خدمات‪ ،‬وفرت المدينة أيادي عاملة رخيصة للكيبوتسات والقرى الزراعية القديمة‪ ،‬التي تمتعت‬
‫بوفرة من األراضي الجديدة بالمجان وبعمالة رخيصة مجردة من الحقوق األساسية‪.‬‬

‫اإلحصاء فقد جرى توطني ‪ %62‬من مجموع املهاجرين من املغرب‪،‬‬ ‫املناطق «غير املتطورة» في البالد‪ -‬احليز القدمي‪ ،‬املشهد العربي‬
‫و‪1‬ر‪ %72‬من املهاجرين من اجلزائر‪ ،‬في مدن وقرى جديدة‪ ،‬بينما‬ ‫«األصالني»‪ ،‬الذي يجب تفريغه من أجل «إيجاد مكان» للحيز‬
‫وطن فيها ‪3‬ر‪ %1‬فقط من املهاجرين القادمني من أملانيا والنمسا‪،‬‬ ‫املتجدد‪ -‬اقترنت بالسكان العرب‪ .‬وقد استهدف مشروع اإلسكان‬
‫‪9‬‬
‫و‪6‬ر‪ %13‬من املهاجرين من بولندا (غونني ‪.)1979‬‬ ‫طمس وإخفاء كل ذلك بغية «إخالء املنطقة» للمشهد املالئم لبعث‬
‫جاءت عالقات العمل التي نشأت بني املدينة واملستوطنات‬ ‫املشروع االستيطاني الصهيوني‪ .‬اما الشرعية لبناء مستوطنات‬
‫(القرى) الزراعية على العكس من ما متناه املخططون‪ .‬فجزء‬ ‫يهودية جديدة فقد متثلت بطبيعة احلال في التقدم والتطوير‬
‫مركزي من فكرة التوزيع السكاني اقترن بأيديولوجيا التعاون‬ ‫العصريني‪ .‬كانت احلجة ان احليز «القدمي»‪ ،‬غير العصري‪ ،‬يجب‬
‫اإلقليمي بني املدينة والقرى الزراعية احمليطة بها‪ .‬وقد كان من‬ ‫أن يخضع لعمليات تطوير وتنمية حتى يتالءم مع التطور الصناعي‬
‫املفروض ان تكون أقضية التخطيط «وحدات متوازنة من ناحية‬ ‫والتكنولوجي‪ .‬ولعل املفارقة املثيرة للسخرية هي ان األداة الرئيسة‬
‫اجتماعية واقتصادية‪ .‬وسط عالقات متبادلة بني املناطق الزراعية‬ ‫في عملية عصرنة املناطق املختلفة في البالد وحتديثها‪ ،‬متثلت‬
‫واملراكز احلضرية» (شارون ‪ .)1952،13‬غير أنه لم ينشأ توازن‬ ‫في املهاجرين من البلدان اإلسالمية‪ .‬أي ان وكالء العصرنة هم‬
‫بني املدينة اجلديدة واالستيطان الزراعي‪ ،‬وإمنا ترسخت عالقات‬ ‫املهاجرون اجلدد «القادمون من الصحراء العربية والقبائل اجلبلية‬
‫تبعية‪ :‬فبدال من قدوم سكان القرية إلى املدينة للحصول على‬ ‫في كردستان ومن شمال إفريقيا‪( »..‬دارين درفكني ‪،)76 ،1959‬‬
‫خدمات‪ ،‬وفرت املدينة أيادي عاملة رخيصة للكيبوتسات والقرى‬
‫‪8‬‬
‫والذين اعتبروا غير عصريني وغير متطورين على اإلطالق‪.‬‬
‫الزراعية القدمية‪ ،‬التي متتعت بوفرة من األراضي اجلديدة باملجان‬ ‫هذه املجموعة أو الفئة املفتقرة للوسائل املادية والسياسية‬
‫وبعمالة رخيصة مجردة من احلقوق األساسية‪.‬‬ ‫والعالقات الشخصية‪ ،‬هي التي استوطنت احليز اجلديد‪.‬‬
‫وادعى املخططون‪ ،‬وفي أعقابهم أيضا الباحثون في شؤون‬ ‫وتبني املعطيات ان معظم املهاجرين الذين جرى توطينهم في‬
‫التخطيط‪ ،‬أن املصالح االستيطانية أفشلت احملاوالت واملساعي‬ ‫مدن وبلدات التطوير كانوا من القادمني من شمال إفريقيا‪ ،‬وذلك‬
‫إلقامة مراكز خدمية وجتارية في املدن اجلديدة‪ ،‬إذ واصلت‬ ‫بسبب نسبتهم العالية في موجات الهجرة املتأخرة‪ ،‬في الفترة‬
‫املستوطنات الزراعية استخدام شبكات التسويق الهستدروتية‬ ‫التي طبقت فيها سياسة «من السفينة إلى القرية»‪ ،‬والتي أرسل‬
‫(مثل «تنوفا» و «همشبير»)‪ ،‬األمر الذي شوش الفكرة التي تطلع‬ ‫املهاجرون في نطاقها مباشرة إلى بلدات التطوير (إفرات ‪1987‬؛‬
‫إليها املخططون‪ .‬ولكن يبدو ان هؤالء كانون يدركون منذ البداية‬ ‫إليميليخ وليفني إفشتاين ‪ .)1998‬أما سكان بلدات التطوير ذوو‬
‫صعوبة إقامة عالقات انسجام وتكامل بني املدينة والقرية‪ .‬ففي‬ ‫األصول األوروبية‪ ،‬فقد رحلوا في أول فرصة سانحة إلى شقق‬
‫العام ‪ ،1949‬أي قبل اإلعالن عن خطة شارون املستندة إلى‬ ‫أفضل في املدن القدمية الواقعة في وسط البالد‪ ،‬وذلك بفضل‬
‫رؤيا إقليمية‪ ،‬أكد بروتسكوس ان سياسة التوزيع السكاني ميكن‬ ‫تقدمهم االجتماعي والسياسي (غيتربرغ ‪ ،1964‬غونني وحسون‬
‫ان تتكلل بالنجاح فقط ضمن الشروط اآلتية‪« :‬سياسة منهجية‬ ‫‪ .)1974‬كذلك تظهر معطيات اإلحصاء السكاني األول الذي جرى‬
‫باجتاه توزيع‪ -‬فصل‪ -‬اإلدارة احلكومية واالقتصادية («تنوفا»‪،‬‬ ‫في العام ‪ ،1961‬والذي اتسم بالتفصيل اجلغرافي‪ ،‬ان املهاجرين‬
‫‪84‬‬
‫«همشبير»‪« ،‬سوليل بونيه»‪ ،‬البنوك‪ ..‬إلخ) إضافة إلى ‪ -‬إقامة‪-‬‬ ‫من أصول أسيوية وإفريقية‪ ،‬شكلوا األغلبية في األحياء واملساكن‬
‫مؤسسات قطرية في مجاالت الثقافة والتعليم والصحة والرفاه‬ ‫الشعبية التي أقيمت على أطراف املدن‪ .‬ووفقا ملعطيات هذا‬
‫من بين اإلمكانيات المختلفة للتوزيع السكاني‪ ،‬قدمت خطة قسم التخطيط‪ ،‬التي أتاحت‬
‫السيطرة على مناطق شاسعة‪ ،‬أفضل خدمة ممكنة للمصالح السياسية المتمثلة في تهويد‬
‫الحيز‪ .‬وقد تأثر النموذج االستيطاني الذي اقترحه قسم التخطيط بـ «نظرية األماكن المركزية»‬
‫التي طورها عالم الجغرافيا األلماني كريستلر‪ ،‬والذي طبق نموذجه التخطيطي الهرمي في‬
‫منطقة محتلة‪ :‬فقد خطط «حيز الحياة» األلماني في أراضي بولندا وفق معادلة رياضية بنشر‬
‫أقصى عدد من المستوطنات في منطقة محددة‪ .‬ويتعرض كريستلر للشجب واإلدانة في‬
‫البحث الجغرافي الحديث‪ ،‬الذي يرى في نموذجه مثاال على تعاون العلماء مع أنظمة شمولية‪.‬‬

‫تنفيذية عالية‪ ،‬إال أن (رئيسه) آرييه شارون لم يعمل في فراغ‪،‬‬ ‫والعون االجتماعي‪( »..‬مقتبس لدى سمدار شارون ‪.)432 ،2006‬‬
‫فاعتماد منوذجه‪ -‬املتمثل في إقامة مدن جديدة بعيدة عن املركز‬ ‫لقد كانت العالقات بني االستيطان العامل واملدن اجلديدة عامال‬
‫بشكل سريع ومتزامن‪ -‬لم يكن أمرا بدهيا أو مسلما به‪.‬‬ ‫حاسما في تطور األخيرة نتيجة ألسباب أخرى‪ :‬التنافس على‬
‫فخالل العامني األولني من عمله لم يتمكن قسم التخطيط من‬ ‫األراضي والطريقة التي تعني بها احلدود البلدية‪ .‬وقد نقلت أراض‬
‫إقناع الوزارات احلكومية املختلفة باملوافقة على سياسة التوزيع‬ ‫في محيط بلدات التطوير إلى قرى «االستيطان العامل» دون ان‬
‫السكاني‪ .‬ويتضح من مداوالت «جلنة هوبيان»‪ ،‬التي باشرت عملها‬ ‫يجري تطوير مصادر تشغيل‪ ،‬األمر الذي أضر بإمكانية تطوير‬
‫في أواسط العام ‪ ،1949‬وتفحصت في نطاقه خطط قسم التخطيط‬ ‫بلدات التطوير إلى مراكز حضرية‪ ،‬وأبقاها بشكل دائم مستودعات‬
‫وبدائل اقترحها مخططون آخرون‪ ،‬أن نقاشات اللجنة انصبت على‬ ‫لقوة عمل رخيصة ملستوطنات املنطقة (غوالن ‪.)174-173 :2001‬‬
‫مسألتني مركزيتني‪ :‬توزيع السكان مقابل متركزهم‪ ،‬وطابع التوزيع من‬ ‫كذلك فقد كان لرسم احلدود البلدية تأثير وانعكاس على دفعات‬
‫حيث عدد املراكز احلضرية املخططة‪ .‬وعرض في هذا السياق بديالن‬ ‫ضريبة األرنونا‪ .‬ففي الكثير من احلاالت جنح ممثلو «االستيطان‬
‫مهمان‪ ،‬األول‪ :‬خطة ماركوس راينر‪ ،‬والثاني‪ :‬خطة يعقوب بن سيرا‪،‬‬ ‫العامل» في اقناع سلطات التخطيط بإعطائهم مناطق صناعية تقع‬
‫مهندس بلدية تل أبيب‪ .‬وكان القاسم املشترك لهذين االقتراحني هو‬ ‫داخل املدن‪ ،‬مع انها مناطق خارج النطاق‪ ،‬تابعة من ناحية إدارية‬
‫الرغبة في مواجهة مشكالت التخطيط بصورة تدريجية وحذرة‪ .‬فقد‬ ‫للمجالس اإلقليمية‪ 10.‬وقد أثر قسم التخطيط على هذا املوضوع‬
‫(استشرف) كالهما مسبقا املشكالت التي ستنجم عن عملية توزيع‬ ‫عن طريق ممثليه في اللجان اللوائية صاحبة السلطة السيادية في‬
‫سريعة للسكان في أماكن نائية تفتقر للبنى التحتية‪ .‬غير أن خطتي‬ ‫رسم وتعيني حدود السلطات احمللية (شختر ‪.)1990: 135- 134‬‬
‫راينر وبن سيرا رفضتا ألسباب وحجج سياسية ومهنية‪ .‬فقد جتاهل‬ ‫كذلك أدى حتديد احليز بواسطة حدود بلدية‪ ،‬إلى فصل في‬
‫بن سيرا «ضرورة» السيطرة بسرعة على األراضي واملناطق التي‬ ‫مناطق الهامش بني مجالس إقليمية أشكنازية باألساس (شملت‬
‫هجر أصحابها‪ ،‬بينما اقترح راينر في احلقيقة توزيع السكان عن‬ ‫الكيبوتسات والقرى التعاونية القدمية) وبني مجالس محلية (بلدات‬
‫طريق التغلغل في عمق املناطق اجلديدة للدولة‪ ،‬في اجلليل والنقب‬ ‫التطوير) ذات أغلبية شرقية‪ ،‬وسط مصادرة أراضي القرى العربية‪،‬‬
‫ومدخل القدس‪ ،‬وتعزيز احلدود مبساعدة بناء مستوطنات‪ ،‬لكنه‬ ‫املهجرة والباقية‪ .‬وقد كان لهذا الفصل انعكاسات‪ ،‬ليس فقط‬
‫«أهمل» مناطق واسعة تقع على جانبي سكة القطار‪.‬‬ ‫في املجال االقتصادي‪ ،‬وإمنا أيضا في مجاالت التعليم االقليمي‬
‫متيزت خطط قسم التخطيط في املقابل بـ «تغطية املنطقة»‪،‬‬ ‫املنفصل‪ ،‬وتزويد خدمات حكومية منفصلة وغير متساوية‪ ،‬ومسارات‬
‫مبعنى تشييد مستوطنات ونشرها على مساحة قصوى‪ ،‬وعلى ما‬ ‫تطوير منفصلة‪.‬‬
‫يبدو فإن اقتراح راينر قوض نقطة التالقي بني املصالح الدوالنية‬ ‫وبذلك فإن تقسيم احليز لم يؤد إلى فصل على أساس إثني‬
‫وبني أيديولوجيا املخططني (توزيع السكان وفق منوذج هارفارد‪،‬‬ ‫وطبقي فحسب‪ ،‬بل خلق أيضا الظروف واألرضية الستنساخ عدم‬
‫‪85‬‬ ‫والذي يخلق الدمج بينه وبني الرؤية اإلقليمية تصميما مشابها‬ ‫املساواة االجتماعية (يفتاحئيل ‪.)2000 ،1998 : 90‬‬
‫خليوط بيت العنكبوت)‪.‬‬ ‫على الرغم مما متتع به قسم التخطيط من تأثير‪ ،‬ومن قدرة‬
‫وميكن الوقوف على الصلة الوثيقة بني سياسة التوزيع السكاني‬ ‫من بني اإلمكانيات املختلفة للتوزيع السكاني‪ ،‬قدمت خطة‬
‫وبني عمليات إقصاء السكان الفلسطينيني‪ ،‬من خالل حتليل‬ ‫قسم التخطيط‪ ،‬التي أتاحت السيطرة على مناطق شاسعة‪ ،‬أفضل‬
‫القرارات املتعلقة مبواقع املستوطنات اجلديدة‪ .‬فاالعتبار القومي ‪-‬‬ ‫خدمة ممكنة للمصالح السياسية املتمثلة في تهويد احليز‪ .‬وقد‬
‫املتمثل في السعي إلى تهويد األرض‪ -‬كان عامال حاسما في هذه‬ ‫تأثر النموذج االستيطاني الذي اقترحه قسم التخطيط بـ «نظرية‬
‫القرارات‪ ،‬وتغلب على اعتبارات التخطيط احليزي واالقتصادي‪.‬‬ ‫األماكن املركزية» التي طورها عالم اجلغرافيا األملاني كريستلر‪،‬‬
‫أحد األمثلة على ذلك ورد في مذكرة أعدها قسم التخطيط حتت‬ ‫والذي طبق منوذجه التخطيطي الهرمي في منطقة محتلة‪ :‬فقد‬
‫عنوان «مالحظات ومبررات للبحث عن مراكز جديدة في اجلليل»‪:‬‬ ‫خطط «حيز احلياة» األملاني في أراضي بولندا وفق معادلة رياضية‬
‫«إن إنشاء مدن جديدة في منطقة جبلية مثل اجلليل يشكل مشكلة‬ ‫بنشر أقصى عدد من املستوطنات في منطقة محددة‪ .‬ويتعرض‬
‫عويصة‪ ..‬من ناحية اقتصادية ال يوجد اليوم تقريبا أي مبرر قاطع‬ ‫كريستلر للشجب واإلدانة في البحث اجلغرافي احلديث‪ ،‬الذي‬
‫وجلي إلنشاء هذه املراكز‪ ...‬ينبغي عدم جتاهل حقيقة ان تكاليف‬ ‫يرى في منوذجه مثاال على تعاون العلماء مع أنظمة شمولية‪ .‬من‬
‫التطوير والبناء في املنطقة اجلبلية مرتفعة أكثر من تكاليف التطوير في‬ ‫ناحية عملية ميكن اعتبار منوذجه تطويرا تكنوقراطيا ألفكار وصفت‬
‫املنطقة الساحلية على سبيل املثال‪ ..‬على الرغم من هذه الصعوبات‬ ‫باإلنسانية‪ ،‬مثل منوذج مدينة احلدائق لهارفارد‪ .‬فالتشابه في‬
‫فقد وقفت اعتبارات سياسية وأمنية وراء قرار العمل قدر اإلمكان‬ ‫الشكل‪ ،‬الذي يدل على رؤية مبدئية لالستيطان الهرمي (التراتبي)‬
‫على إنشاء مراكز حضرية أخرى في أماكن معينة من اجلليل‪ ،‬ما زال‬ ‫من املفروض ان يخلق حيزا موحدا من الناحيتني األدائية واجلمالية‬
‫معظمها مأهوال بالعرب» (مقتبس لدى سمدار شارون ‪.)2006:43‬‬ ‫يظهر بوضوح من اخلطوط العامة لهذين النموذجني‪ ،‬وكذلك من‬
‫وفي تبريرهم لضرورة التوزيع األقصى‪ ،‬أكد املخططون على‬ ‫منوذج استيطان «أرض إسرائيل»‪ ،‬الذي اقترحه مهندس ومخطط‬
‫املوضوع األمني‪:‬‬ ‫املدن يوسف تيشلر في عشرينيات القرن املاضي‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫اجلليل‪ ..‬مبكر ًا في مهداف التهويد‬


‫عاد الماضي العربي للظهور كالشبح في الخرائط االنتدابية المرفقة بالخطة‪ ،‬والتي يبدو‬
‫ان المخططين‪ ،‬الذين كانوا في عجلة من أمرهم‪ ،‬لم يتمكنوا من استبدالها‪ ،‬او انهم لم يزوروا‬
‫قط هذه المناطق وبالتالي لم يكونوا مطلعين على ما يحدث في تلك المدن والبلدات‪ ،‬وما إذا‬
‫كانت ما انفكت قائمة على حالها وما الذي حل بمصير سكانها‪ .‬في خرائط عدد من «المدن‬
‫الجديدة» ظهرت قرى لم تعد قائمة في الواقع‪ ،‬وباتت مجرد خلفية جمالية لخطط الوحدات‬
‫السكانية في هذه المدن‪.‬‬

‫والتي تعتبر نواة سكانها صغيرة وغير قادرة على التطور بصورة‬ ‫«إن اقتراحا لتوزيع السكان مرفقا بخطة إقليمية شاملة‪ ،‬حتدد‬
‫حقيقية‪ ،‬دون خطة تطوير جذرية» (املصدر السابق‪.)8 ،‬‬ ‫أماكن املستوطنات واملدن والصناعية واخلدمات‪ ،‬هو اقتراح‬
‫وفي أماكن أخرى من اخلطة حتولت «املدن اجلديدة» اللد‬ ‫ضروري من الناحيتني القومية واألمنية‪ ،‬وميكن تنفيذه فقط عن‬
‫والرملة إلى «مستوطنات سابقا»‪:‬‬ ‫طريق سياسة تخطيط وتطوير جريئة ومثابرة تتبناها الدولة‪ .‬وفي‬
‫«في هذه املنطقة الزراعية تأسست مستوطنات متكنت‪ ،‬بفضل‬ ‫غياب وجود سياسة كهذه فإن قوة ستدفع كثيرين نحو املراكز‬
‫تطوير فرع احلمضيات‪ ،‬من استيعاب سكان وحتولت إلى بلدات‬ ‫الكبرى القائمة‪ ،‬لتبقي مناطق البالد خالية من السكان واملبادرات»‬
‫ميسورة ومستقرة‪ .‬بعد تطبيق اخلطة القطرية‪ ،‬من املمكن ان‬ ‫(شارون ‪.)1952:6‬‬
‫تتوسع هذه البلدات لتتحول إلى مدن متوسطة قوية (هرتسليا‪،‬‬ ‫عند مقارنة هذا االقتباس‪ ،‬املأخوذ من منشورات رسمية‬
‫كفار سابا‪ ،‬بيتاح تكفا‪ ،‬اللد‪ ،‬الرملة‪ ،‬ريشون لتسيون‪ ،‬رحوفوت)»‬ ‫وعلنية‪ ،‬باالقتباس السابق الذي ورد في وثيقة داخلية‪ ،‬فإنه ميكن‬
‫(املصدر السابق‪.)11 ،‬‬ ‫االفتراض ان تعبير «مناطق خالية من الناس» يتطرق للمناطق‬
‫هذه اخلطط لم تتنكر للماضي العربي وحسب‪ ،‬بل تنكرت أيض ًا‬ ‫املأهولة بالعرب‪ .‬فخطط توزيع السكان التي أعدها قسم التخطيط‬
‫للحاضر واملستقبل العربيني‪ .‬فاملدن والبلدات العربية التي ظلت‬ ‫تعكس جتاهل املخططني للسكان احملليني على املستويني الرمزي‬
‫قائمة (في إسرائيل) بعد احلرب لم يرد ذكرها في اخلطة الرئيسة‪،‬‬ ‫والتخطيطي على حد سواء‪ .‬معظم املدن اجلديدة وردت اإلشارة‬
‫التي حتدثت فقط عن مستوطنات وبلدات يهودية‪ .‬كلمة «عربي»‬ ‫لها في اخلريطة فوق (أسماء) بلدات عربية‪ ،‬غير ان اخلطط لم‬
‫لم ترد نهائيا في الكتاب‪ ،‬في املرات الثالث التي ورد فيها ذكر‬ ‫تظهر العرب أنفسهم‪ .‬فقط اخلطة التي نشرها قسم التخطيط‬
‫وجود سكان غير يهود في إسرائيل‪ ،‬دعي هؤالء بتسمية مجردة‬ ‫في العام ‪ ،1957‬تطرقت بشكل صريح للتوزيع اإلقليمي للسكان‬
‫من الهوية‪« -‬أقليات»‪.‬‬ ‫العرب‪ ،‬وحددت سياسة استمرت في ما تالها من خطط قطرية‪:‬‬
‫محاولة اجتذاب العرب من اجلليل إلى مدن الساحل بهدف تقليص‬
‫مع ذلك فقد عاد املاضي العربي للظهور كالشبح في اخلرائط‬
‫متركزهم في لواء الشمال‪ .‬وقد جرى تطوير توجه مشابه في‬
‫االنتدابية املرفقة باخلطة‪ ،‬والتي يبدو ان املخططني‪ ،‬الذين كانوا‬
‫موضوع بدو النقب‪ ،‬حيث مت جتميعهم في بلدات حضرية جديدة‬
‫في عجلة من أمرهم‪ ،‬لم يتمكنوا من استبدالها‪ ،‬او انهم لم يزوروا‬
‫من أجل منع انتشارهم في املنطقة (خمايسي ‪.)79-78 ،1990‬‬
‫قط هذه املناطق وبالتالي لم يكونوا مطلعني على ما يحدث في‬
‫تلك املدن والبلدات‪ ،‬وما إذا كانت ما انفكت قائمة على حالها وما‬ ‫وتعكس اخلطة الرئيس���ة من العام ‪ 1952‬اجتاه السيطرة على‬
‫الذي حل مبصير سكانها‪ .‬في خرائط عدد من «املدن اجلديدة»‬ ‫املدن العربية سابقا والتهويد التام ملاضيها‪ .‬ففي الوصف التاريخي‬
‫ظهرت قرى لم تعد قائمة في الواقع‪ ،‬وباتت مجرد خلفية جمالية‬ ‫لـ «املدن اجلديدة» صفد وطبرية والرملة‪ ،‬اختفى كليا املاضي العربي‬
‫خلطط الوحدات السكانية في هذه املدن‪.‬‬ ‫لهذه املدن (ش���ارون ‪ .)52، 47، 38 :1952‬وحتت عنوان «مدن‬
‫جديدة» ورد‪:‬‬
‫شكلت املدن املختلطة األماكن التي لم يكن في وسع املخططني‬
‫‪87‬‬ ‫جتاهل وجود الفلسطينيني فيها في العام ‪ .1949‬وخالل فترة‬ ‫«جدير باإلشارة أننا‪ ،‬حني نقول مدنا جديدة‪ ،‬نقصد أيضا‬
‫احلكم العسكري سعت السلطات من أجل الفصل بني السكان‬ ‫مدنا قائمة (مثل صفد‪ ،‬وطبرية‪ ،‬وعكا‪ ..‬بئر السبع‪ ،‬اللد‪ ،‬الرملة)‬
‫إلى جانب النشاط التخطيطي‪ ،‬شارك رجاالت قسم التخطيط أيضا في عملية مباشرة‬
‫لمحو الماضي العربي‪ .‬وقد شملت هذه العملية جردا لـ «الممتلكات المتروكة» واتخاذ قرار‬
‫بهدم مبان أو ترميمها وتحديد وضعية أحياء وقرى استوطن فيها (مهاجرون) يهود‪ .‬في‬
‫صيف العام ‪ 1949‬ظهرت الحاجة الستشارة أشخاص مهنيين فيما يتعلق بهدم المباني في‬
‫القرى‪ ،‬وكان ذلك في اعقاب محادثات الصلح التي جرت في لوزان في نهاية شهر نيسان بين‬
‫ممثلين عن إسرائيل والدول العربية‪ ،‬والتي مورست خاللها ضغوط على إسرائيل إلعادة جزء‬
‫من الالجئين العرب إلى بيوتهم‬

‫املهجورة في اجلنوب والنقب‪ .‬وحصر املباني وهياكل البناء التي‬ ‫اليهود والسكان العرب في هذه املدن‪ ،‬عبر جتميع العرب في‬
‫يجب جتنب هدمها‪ .‬سنكون شاكرين لك إذا أعلمتنا بأسماء القرى‬ ‫منطقة محددة ومحاطة بجدران شائكة سميت «غيتو» في وثائق‬
‫املقرر هدمها‪( »...‬مقتبس لدى سمدار شارون‪ .)45 :2006 ،‬في‬ ‫تلك الفترة‪ .‬وقد شارك رجاالت قسم التخطيط في تصنيف املباني‬
‫املدن العربية أيضا وضع املخططون إمكاناتهم وأدواتهم املهنية‬ ‫العربية متهيدا التخاذ القرار بشأن غايات استعمالها‪.‬‬
‫في خدمة عمليات الهدم‪ .‬ففي طبرية وحيفا‪ ،‬وبعد طرد السكان‬ ‫ويتضح على سبيل املثال من وثيقة أعدها ميخائيل كون‪ ،‬أحد‬
‫الفلسطينيني من املدينتني‪ ،‬قام اجليش بهدم مبان وبيوت‪ ،‬ملحقا‬ ‫رجاالت قسم التخطيط‪ ،‬عقب جولة قام بها في املجدل (عسقالن)‬
‫خالل ذلك ضررا مبمتلكات يهودية مما اثار احتجاجات تقرر في‬ ‫بهدف جمع معلومات «عن إمكانيات االستيطان والتطوير الفورية»‪:‬‬
‫أعقابها إحالة املوضوع ملعاجلة قسم التخطيط‪ .‬وقرر رجاالت‬ ‫«مناطق املدينة‪ :‬هناك حوالي ‪ 2600‬عربي متقوقعون في احلي‬
‫التخطيط االستمرار في هدم املباني العائدة للعرب وكذلك املباني‬ ‫القدمي املزدحم‪ .‬في الطرف اجلنوبي للمدينة‪ ،‬حي حديث بيوته‬
‫املوجودة مبلكية يهودية والتي ال تصلح للسكن‪ .‬في طبرية مت هدم‬ ‫جيدة‪ ،‬ذو طراز أوروبي‪ ...‬في محيط املنطقة العربية توجد بيوت‬
‫القسم األكبر من منطقة البلدة القدمية‪ ،‬وذلك في عملية منظمة‬ ‫فارغة‪ ،‬عددها حوالي ‪ 200‬بيت‪ ،‬تصلح إلسكان العرب املزدحمني‬
‫نفذها سالح الهندسة (املصدر السابق‪ ،)193-165 :‬وفي حيفا‬ ‫في الغيتو‪ .‬جزء من هذه البيوت يصلح إلسكان يهود» ‪( 11‬مقتبس‬
‫استمر مسلسل هدم البيوت الفلسطينية حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫لدى سمدار شارون‪.)45-44 :2006 ،‬‬
‫في غضون العام ‪ ،1950‬وإلى جانب عمليات الهدم الواسعة‬ ‫إلى جانب النشاط التخطيطي‪ ،‬شارك رجاالت قسم التخطيط‬
‫للقرى الفلسطينية‪ ،‬بدأ يتبلور في صفوف املخططني خطاب يدعو‬ ‫أيضا في عملية مباشرة حملو املاضي العربي‪ .‬وقد شملت هذه العملية‬
‫للحفاظ على البناء احمللي‪ .‬فقد عارض قسم التخطيط‪ ،‬على سبيل‬ ‫جردا لـ «املمتلكات املتروكة» واتخاذ قرار بهدم مبان أو ترميمها‬
‫املثال‪ ،‬هدم البيوت احلجرية في قرية «الم»‪ .‬وإضافة إلى املبررات‬ ‫وحتديد وضعية أحياء وقرى استوطن فيها (مهاجرون) يهود‪ .‬في‬
‫الوظيفية‪ -‬بشأن صالحية املباني للسكن‪ -‬طرحت مبررات نبعت‬ ‫صيف العام ‪ 1949‬ظهرت احلاجة الستشارة أشخاص مهنيني فيما‬
‫مباشرة من وجهة النظر االستشراقية‪ ،‬التي ترى في املشهد‬ ‫يتعلق بهدم املباني في القرى‪ ،‬وكان ذلك في اعقاب محادثات الصلح‬
‫األصالني حتفة أثرية ملجتمع متخلف‪« :‬إن إبقاء املباني احلجرية‬ ‫التي جرت في لوزان في نهاية شهر نيسان بني ممثلني عن إسرائيل‬
‫‪12‬‬
‫القائمة على هذه التلة اجلميلة له قيمة من ناحية شكل املشهد»‪.‬‬ ‫والدول العربية‪ ،‬والتي مورست خاللها ضغوط على إسرائيل إلعادة‬
‫هذه الرؤية اندرجت ضمن اجتاه االستحواذ على املاضي العربي‪،‬‬ ‫جزء من الالجئني العرب إلى بيوتهم (غوالن ‪.)245-243 :2001‬‬
‫والذي شكل ركيزة أخرى في عملية «نزع عروبة» البالد‪ .‬فقد اعتقد‬
‫ويتضح من البحث األرشيفي الذي أجرته سمدار شارون أن‬
‫أصحاب هذه الرؤى ان البناء العربي يتسق متاما مع املشهد التوراتي‬
‫كبار املسؤولني في قسم التخطيط كان لهم ضلع كبير وفعال في‬
‫ويحافظ عليه‪ .‬ومبرور السنوات أخذ السياسيون واملخططون مييلون‬
‫هذا املجال‪ ،‬وعلى سبيل املثال فقد كتب تسيون هشمشوني‪ ،‬القائم‬
‫أكثر فأكثر نحو توجيه وتوظيف الطاقة الكامنة في التراث العمراني‬
‫بأعمال رئيس القسم‪ ،‬في رسالة موجهة إلى قائد اجلبهة «د» في‬
‫الفلسطيني‪ ،‬في التطوير االقتصادي والسياحي واحلفاظ على املوارد‪،‬‬
‫‪ 23‬حزيران ‪:1949‬‬ ‫‪88‬‬
‫وعلى سبيل املثال فقد جرى حتويل القرية املهجرة «عني حوض» إلى‬
‫قرية فنانني في العام ‪( 1954‬جبارين ‪.)2006‬‬ ‫«تلقينا أمرا من وزارات احلكومة مبعاجلة مسألة هدم القرى‬
‫في غضون العام ‪ ،1950‬وإلى جانب عمليات الهدم الواسعة للقرى الفلسطينية‪ ،‬بدأ يتبلور‬
‫في صفوف المخططين خطاب يدعو للحفاظ على البناء المحلي‪ .‬فقد عارض قسم التخطيط‪،‬‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬هدم البيوت الحجرية في قرية «الم»‪ .‬وإضافة إلى المبررات الوظيفية‪-‬‬
‫بشأن صالحية المباني للسكن‪ -‬طرحت مبررات نبعت مباشرة من وجهة النظر االستشراقية‪،‬‬
‫التي ترى في المشهد األصالني تحفة أثرية لمجتمع متخلف‪« :‬إن إبقاء المباني الحجرية‬
‫القائمة على هذه التلة الجميلة له قيمة من ناحية شكل المشهد»‬

‫في قدرة استيعاب القطاع الزراعي‪ ،‬فسرعان ما اتضح ان طاقة‬ ‫لقد تعرضت خطة شارون النتقادات متكررة‪ ،‬مبا في ذلك في‬
‫األراضي الزراعية محدودة‪ ،‬وان مصادر املياه شحيحة‪ ،‬فضال‬ ‫الكتابات الرسمية (املؤسسية) أيضا‪ ،‬أخذت على اخلطة ميلها‬
‫عما تؤدي له املكننة الزراعية من استغناء عن الكثير من األيدي‬ ‫للمبالغة في إنشاء عدد كبير جد ًا من املدن اجلديدة‪ ،‬اتضح‬
‫العاملة في الزراعة‪ .‬كذلك اتضح ان الطريقة التقليدية جلهاز‬ ‫فيما بعد انه كان يجب االكتفاء بإنشاء عدد أقل من هذه املدن‬
‫البلدات‪ ،‬والتي كانت متبعة في أوروبا‪ ،‬لم تكن مالئمة للواقع‬ ‫والتركيز على تعميق تطويرها االقتصادي‪ .‬فتأسيس املدن اجلديدة‬
‫اإلسرائيلي بأكمله‪ ،‬وان مكانة مدينة املهاجرين كمركز خدمات‬ ‫لم يالئم تطوير الصناعة وزيادة مصادر التشغيل‪ ،‬األمر الذي‬
‫وسط بيئة زراعية قدمية‪ ،‬ما زالت موضع شك‪ ،‬فضال عن ان‬ ‫أدى إلى حركة نزوح وهجرة متزايدة في صفوف السكان اجلدد‬
‫العالقة بني املدينة وعمقها‪ ،‬ليس لها قيمة تخطيطية كبيرة في واقع‬ ‫(إفرات ‪ .)2002‬لم يتعمق التخطيط املادي في املشاكل املتعلقة‬
‫دولة صغيرة تتسم املسافات فيها بالقصر‪ ،‬كحال إسرائيل‪ .‬لم‬ ‫مبرحلية التنفيذ‪ ،‬بل عمل من أجل املدى البعيد فقط‪ ،‬ودون نقد‬
‫يكن في نية رجاالت قسم التخطيط قطعا ان تفضي خطة توزيع‬ ‫أو رقابة على مالءمته ملراحل انتقالية‪ .‬كذلك كانت هناك مبالغة‬
‫السكان‪ ،‬واملخططات أو التصاميم التي أعدوها للمدن اجلديدة‪،‬‬
‫إلى قيام مدن فقيرة ومتخلفة‪ .‬وقد أكدوا في كتاباتهم على أهمية‬
‫دمج املدينة في منطقتها‪ ،‬وعلى توزيع الصناعة وإقامة بنى حتتية‬
‫في املدن قبل توطينها‪ .‬غير أن اختياراتهم التخطيطية‪ -‬لصالح‬
‫التوزيع السكاني األقصى وليس التدريجي‪ -‬والطريقة التي نفذوا‬
‫بها التخطيط في إطار عملهم اجلاري‪ ،‬ساهمت في إقامة مدن‬
‫لم يكن لها منذ البداية فرصة في النجاح‪ .‬كان هؤالء املخططون‬
‫يدركون جيدا اإلشكاليات الكامنة قي مدن بعيدة عن املركز‪ ،‬تقع‬
‫في قلب مناطق زراعية‪ .‬مع ذلك واصلوا التمسك بالرأي الذي‬
‫يرى ان في اإلمكان إرسال مهاجرين إلى مساكن أقيمت في «ال‬
‫مكان» أطلق عليه اسم مدينة‪.‬‬
‫ميكن االستنتاج في ضوء املعطيات املستشفة من الكتابة‬
‫املؤسسية واالنتقادية‪ ،‬وحتليل سائر العوامل والظروف التي أنتجت‬
‫خطة شارون‪ ،‬ان األهداف التي وضعها املخططون وصانعو‬
‫القرارات على رأسهم اهتمامهم‪ ،‬سواء في مراحل التخطيط أو‬
‫مراحل التنفيذ‪ ،‬كانت األهداف «األمنية» أو بعبارة أخرى التطلع‬
‫للسيطرة على احليز وطرد الفلسطينيني من البالد والفصل بني‬
‫‪89‬‬ ‫املجموعات السكانية‪ .‬هناك هدف واحد على األقل في خطة‬
‫شارون‪ ،‬وهو هدف رئيس ومهم لكنه غير معلن‪ ،‬حتقق بصورة‬ ‫شارون‪ ..‬انحياز دائم للتوسع‬
‫املمثل األبرز للتخطيط احلديث في مبادئه املركزية‪ :‬الثقة املطلقة‬ ‫الفتة‪ :‬أقصى عدد من اليهود في أقصى مساحة‪ ،‬وح ّد أدنى من‬
‫باخلبراء الذين يفترض أن ميلوا من فوق اخلطة املفصلة‪ ،‬وتقسيم‬ ‫العرب في ح ّد أدنى من املساحة‪.‬‬
‫متطرف للمدينة إلى مناطق وظيفية منفصلة‪ ،‬بهدف تعزيز سيطرة‬ ‫كان االختالف أو الفرق بني األراضي اخلاضعة مللكية يهودية‬
‫اخلبراء في املجتمع‪ .‬واالحتياجات التي انعكست في التخطيط‬ ‫خاصة وبني األراضي العربية‪ ،‬من حيث إمكانيات التخطيط‪ ،‬موازيا‬
‫احلديث جتاهلت بخطوط عامة التاريخ ورغبات السكان وعاداتهم‪.‬‬ ‫للفوارق بني مناطق دول املتروبولني وبني مستعمراتها (‪Wright‬‬
‫و ُيشير هذا النقد إلى أن السمات التعسفية كانت جزءا ال يتجزأ‬ ‫‪ . )1991‬وقد حتولت هذه األخيرة إلى حقل مريح للتجارب‪،‬‬
‫من التخطيط العصري احلديث‪.‬‬ ‫نظرا ألنه كان ميكن العمل فيها بحرية بقوة الذراع والبيروقراطية‬
‫لم أعثر في إطار هذا البحث اجلزئي على نقد أصيل ذي‬ ‫الكولونيالية‪ .‬ويبرهن االقتباس التالي (أدناه) على أهمية املساحات‬
‫أهمية‪ ،‬إزاء نظريات التخطيط التي سادت في تلك الفترة‪ .‬أبدى‬ ‫الفارغة التي وضعت حتت تصرف رجاالت التخطيط في إسرائيل‪،‬‬
‫بعض املهندسني البارزين حتفظهم من احلداثة و»الوظائف» وفق‬ ‫والتي مكنتهم من جتسيد خياالتهم املهنية‪« :‬النقب منطقة واسعة‪،‬‬
‫صيغة ال‪ -‬كورفوزييه والتي اعتبروا أنها فظة أكثر من الالزم‪ ،‬ولكن‬ ‫تضم معظم مساحة أراضي البلد‪ ،‬وألنها منطقة جرداء‪ ،‬فإنها‬
‫يبدو ان الطليعة العصرية‪« /‬اإلبداع العصري» ملدرسة شارون‬ ‫تشكل حقال لتخطيط إقليمي ينطوي على إمكانيات كثيرة ومتنوعة‪..‬‬
‫املعمارية‪ ،‬إضافة إلى الظروف التاريخية‪ ،‬جنحا في ترك تأثيرهما‬ ‫لم تنشأ بعد على أرض النقب وقائع من قبيل مدن مكتظة وبناء‬
‫وسحرهما على رجاالت املهنة في ذلك األوان‪ .‬مع ذلك فإنني واثق‬ ‫عامودي أو قسائم مخمنة‪ .‬اجلزء األعظم من أراضي النقب مبلكية‬
‫من أنه ميكن العثور على نقد جاد‪ ،‬ال سيما لدى أولئك الذين ال‬ ‫عامة‪ ،‬واملساحات الواسعة مهيأة للتطوير الزراعي والصناعي‪ ،‬كل‬
‫ينتمون ألنصار ومؤيدي الصهيونية في البالد والعالم‪ .‬أما النقد‬ ‫ذلك يشكل بالنسبة للمخطط حقل تخطيط ينطوي على إمكانيات‬
‫الذي وجدته فقد بقي ضمن قواعد لعبة احلداثة‪ ،‬على احملور الواقع‬ ‫كبيرة‪ ،‬ومخاطر جمة» (شارون ‪.)23 :1954‬‬
‫بني « الغربية املتصلبة» و»الغربية االستشراقية»‪.‬‬
‫أخذت األفكار الريادية العصرية في الهندسة املعمارية وبناء‬ ‫تلخيص‬
‫املدن حتظى مبكانة مهيمنة في اخلطاب الهندسي والتخطيطي‬ ‫حتى يكون ممكنا حتقيق مشروع تخطيطي طموح‪ ،‬يسعى إلى‬
‫اإلسرائيلي منذ ثالثينيات القرن املاضي‪ ،‬غير أنها لم تتحول قط‬ ‫تغيير التوزيع السكاني في أنحاء البالد وفقا لنظريات ومفاهيم‬
‫إلى إجماع‪ .‬وتصف ألونا نيتسان‪ -‬شيفطان اجلدل الذي نشب‬ ‫التخطيط االقليمي «املنطقي» والتي اتسقت مع املصالح الدوالنية‪،‬‬
‫إبان العشرينيات والثالثينيات بني «محفل املهندسني املعماريني‬ ‫كان ال بد من توفر موردين‪ :‬األرض والعنصر البشري (‪ +‬املال)‪،‬‬
‫في تل أبيب» وبني إريخ ماندلسون‪ ،‬الذي يفوق حجم عمله املبني‬ ‫ونشأ في السنوات التي ولدت فيها خطة شارون تضافر ظرف‬
‫بكثير انتاجية نظرائه العصريني إبان تلك السنوات‪ 13 .‬فقد متاثل‬ ‫تاريخي نادر‪ ،‬لم توضع فيه حتت تصرف املخططني مساحات‬
‫ماندلسون مع الصهيونية الثقافية التي نادى بها مارتن بوبر‪ ،‬في‬ ‫شاسعة من األراضي «الفارغة» وحسب‪ ،‬وإمنا أيضا كم هائل من‬
‫مقابل متاثل محفل املهندسني املعماريني مع الصهيونية السياسية‬ ‫الناس الذين كان ميكن نقلهم‪ .‬وقد نبعت إمكانية نقل األفراد من‬
‫التي تبنتها زعامة «الييشوف» االشتراكية‪ ،‬جنبا إلى جنب انتمائه‬ ‫مكان إلى آخر من دون سؤالهم عن رغبتهم أو اختياراتهم‪ ،‬من تبعية‬
‫لتيارات مختلفة في احلداثة املعمارية‪ ،‬حيث انتمى ماندلسون إلى‬ ‫املهاجرين للمؤسسات‪ ،‬وكذلك من الرؤية االستشراقية للمخططني‬
‫حداثة محلية ذات نزعة استشراقية‪ ،‬فيما انتمت مجموعة «محفل‬ ‫والسياسيني‪ ،‬الذين تخيلوا (اليهود) الشرقيني كأناس سلبيني غير‬
‫املهندسني» إلى مدرسة «الهندسة املعمارية اجلديدة» العاملية‪.‬‬ ‫متحضرين‪ ،‬ميكن استخدامهم مثل الطني في يد الفخاري‪ .‬عندما‬
‫ويشير الكشف عن هذه التناقضات إلى كثرة األصوات سواء في‬ ‫وجد شارون نفسه مضطرا للحسم بني التوزيع األقصى للسكان‬
‫اخلطاب الصهيوني أو في اخلطاب الهندسي في فترة الثالثينيات‪.‬‬ ‫وبني تخطيط مدينة ذات فرص أفضل في أداء عملها‪ ،‬آثر اغتنام‬
‫فالتطلع نحو ايجاد لغة هندسية مرتبطة بالتاريخ والتراث الثقافي‬ ‫الفرصة املهنية النادرة التي أتيحت له‪ ،‬باستخدام املهاجرين في‬
‫للمكان احلقيقي (العربي) نحي جانبا في الغالب‪ ،‬وكذلك أيضا‬ ‫استيطان األراضي «الفارغة»‪ ،‬وبالتالي تطبيق النموذج الذي بدا‬
‫البديل للتيار الثقافي («البوبري») في الصهيونية والذي تخيل‬ ‫له مالئما أكثر‪.‬‬
‫في رؤيته إقامة دولة ثنائية القومية وعلمانية في فلسطني‪ .‬إن‬ ‫في نقده للحداثة‪ ،‬بحث ديفيد هارفي (‪ )1989‬في االنعكاسات‬ ‫‪90‬‬

‫التأثير احلاسم للحركة العصرية احلديثة على مشهد األمة العبرية‬ ‫االجتماعية إلدارة احليز‪ .‬ويعتقد هارفي أن ال‪ -‬كورفوزييه هو‬
‫ومن زاوية تاريخية‪ ،‬يمكن مالحظة أن إعالن منظمة اليونسكو عن «المدينة البيضاء»‬
‫لتل أبيب كموقع تراثي عالمي يجب حمايته والمحافظة عليه‪ ،‬أعاد إلى السطح مجددًا‬
‫هذا الجدل (التناقض) وجر وابال من المنشورات والمقاالت األكاديمية واأليام الدراسية‪،‬‬
‫حد سواء‪ ،‬تفوق‬‫لكنه رسخ أكثر إلى حد ما‪ ،‬في الوعي اإلسرائيلي‪ ،‬المدني والرسمي على ّ‬
‫«الطراز العالمي» على الهندسة المعمارية الحديثة في «أرض إسرائيل» االنتدابية‪.‬‬

‫العربية‪ ،‬وذلك خالفا للمفاهيم والنظريات الثنائية القومية التي‬ ‫وصورتها‪ ،‬كان وما زال ينبع من التوافق الشديد بني الهندسة‬
‫رأت في الربط بني الشرق والغرب مسوغا يضفي الشرعية على‬ ‫احلديثة وبني املشروع الصهيوني من الناحية النظرية‪ .‬فقد اقترح‬
‫املشروع الصهيوني‪.‬‬ ‫التراث املعماري‪ -‬الصهيوني على اجلمهور البرجوازي العلماني‬
‫حني وضعت خطة شارون ورؤية محفل مهندسي تل أبيب‬ ‫نوعية جمالية متزنة‪ ،‬نقية وسهلة املنال للتآلف اجلماعي فيما بينهم‪.‬‬
‫العصري‪ -‬الراديكالي «العبري اجلديد»‪ ،‬وليس بالذات العبري‬ ‫ومن زاوية تاريخية‪ ،‬ميكن مالحظة أن إعالن منظمة اليونسكو‬
‫«السامي»‪ ،‬في مركز الهوية الصهيونية‪ ،‬فقد اجته مشروعهم‬ ‫عن «املدينة البيضاء» لتل أبيب كموقع تراثي عاملي يجب حمايته‬
‫الصهيوني إلى الداخل نحو تعمير وبناء واستيطان «ارض‬ ‫واحملافظة عليه‪ ،‬أعاد إلى السطح مجدد ًا هذا اجلدل (التناقض)‬
‫إسرائيل»‪ ،‬جنبا إلى جنب إحياء الثقافة العبرية (العلمانية)‪.‬‬ ‫وجر وابال من املنشورات واملقاالت األكادميية واأليام الدراسية‪،‬‬
‫ومبقدار ما تعززت فكرة األمة احملاصرة بعداء عربي‪ ،‬مبقدار ما‬ ‫لكنه رسخ أكثر إلى حد ما‪ ،‬في الوعي اإلسرائيلي‪ ،‬املدني والرسمي‬
‫تراجعت العالقة مع شرق واسع أكثر‪.‬‬ ‫على ح ّد سواء‪ ،‬تفوق «الطراز العاملي» على الهندسة املعمارية‬
‫ل���م تب���د الهيمن���ة الصهيوني���ة‪ -‬االش���تراكية البنغوريوني���ة‬ ‫احلديثة في «أرض إسرائيل» االنتدابية‪ .‬فالهندسة املعمارية العاملية‬
‫واأليديولوجيا العصرية‪ -‬الراديكالية التي تبناها محفل مهندسي‬ ‫التي عمل محفل تل أبيب على دفعها قدما‪ ،‬عكست أيديولوجيا‬
‫تل أبيب‪ ،‬والتي وجدت تعبيرا جليا لها في خطة شارون‪ ،‬أي اهتمام‬ ‫الزعامة الصهيونية االشتراكية‪ ،‬واتسقت بشكل مدهش مع مصدر‬
‫أو اكتراث باملش���هد والطابع العربيني والثقافة العربية للبالد‪ ،‬بل‬ ‫االلهام الهرتسلي الذي رأى في القومية اليهودية صيرورة «شعب‬
‫تطلعت نحو طمس كل ذلك من أجل إعادة تشكيل البالد من جديد‬ ‫مثل كل الشعوب»‪.‬‬
‫وفقا ألهوائها ورغباتها‪.‬‬ ‫في املقابل أضفت هندسة ماندلسون صورة ملموسة على رؤية‬
‫غي���ر أن ه���ذا التوجه ل���م يكن التوج���ه الوحيد ف���ي احلركة‬ ‫مارتن بوبر‪ ،‬التي ترى في اخلصوبة الكائنة بني املعرفة واخلبرة‬
‫الصهيوني���ة إبان تل���ك الفترة‪ ،‬وال حتى ف���ي صفوف املخططني‬ ‫الغربية وبني التقاليد الروحية للشرق والدة عهد جديد‪ .‬وقد كان‬
‫واملهندس�ي�ن املعماريني‪ .‬ففي مطلع القرن العش���رين راجت في‬ ‫تطلع ماندلسون نحو إيجاد هندسة معمارية عاملية جديدة‪ ،‬في‬
‫أملانيا نزعة «الشرق الغامض»‪ ،‬وعلى هذه األرضية رأى الكثيرون‬ ‫إطار هذا اللقاء‪ ،‬مبثابة صهيونية تشع «نورا لألغيار»‪ ،‬وفق الفكرة‬
‫من املهاجرين األملان (عبري ‪ )102‬في الصهيونية جتس���يرا بني‬ ‫التي روج لها أحاد هعام‪ .‬التفسير الصهيوني االشتراكي الذي‬
‫الش���رق والغرب‪ .‬فقد اعتبر مارتن بوبر‪ ،‬وبوحي منه أيضا إريخ‬ ‫قدمته مدرسة بن غوريون لنظرية هرتسل تبنى هندسة معمارية‬
‫ماندلس���ون‪ 14،‬أن الشرق والغرب قطبان متناقضان‪ ،‬ولكن بشكل‬ ‫غير موجهة أو مخصصة لدولة محددة بعينها‪ ،‬وإمنا هندسة بروح‬
‫معاكس لتعريف إدوارد س���عيد املعروف لالستش���راق‪ .‬وبحسب‬ ‫العصر‪ .‬وعقب قيام الدولة‪ ،‬جرى تطبيق هذه النظرية في مجال‬
‫بوب���ر وماندلس���ون فإن الش���رق والغرب على حد س���واء مبنيان‬ ‫التخطيط االقليمي أيضا‪.‬‬
‫كبدائل واضحة املعالم‪ .‬ولكن في الوقت الذي يش���ير فيه س���عيد‬ ‫خطة شارون الرئيسة الفضفاضة رهنت جناح املشروع‬
‫‪91‬‬
‫إلى الغرب الذي يوطد نفس���ه كنقيض للشرق املتعفن‪ ،‬يطرح بوبر‬ ‫الصهيوني بالقدرة على ايجاد منظومة عمل مركزية وهرمية واحدة‬
‫الشرق كنقيض للغرب من أجل الغاء األخير‪ .‬في حقبة ما وصف‬ ‫ومتكاملة‪ ،‬على ان ال تكون مثل هذه املنظومة مرتبطة بالثقافة‬
‫خطة شارون الرئيسة الفضفاضة رهنت نجاح المشروع الصهيوني بالقدرة على‬
‫ايجاد منظومة عمل مركزية وهرمية واح��دة ومتكاملة‪ ،‬على ان ال تكون مثل هذه‬
‫المنظومة مرتبطة بالثقافة العربية‪ ،‬وذل��ك خالفا للمفاهيم والنظريات الثنائية‬
‫القومية التي رأت في الربط بين الشرق والغرب مسوغا يضفي الشرعية على المشروع‬
‫الصهيوني‪.‬‬

‫فترة حرب‪ .‬وقد اتسمت الفترة موضع هذا البحث بتضافر هذه‬ ‫بـ «األزمة األس���يوية»‪ ،‬ادعى بوبر أن «التقاليد الروحية العظيمة»‬
‫العمليات‪ ،‬أو السيرورات‪ ،‬األربع )‪ .(Scott 1998‬من هنا‪ ،‬وبغية‬ ‫للش���رق ستوازن مستقبال املادية املفرطة للغرب‪ .‬واعتقد بوبر أن‬
‫فهم سياسة التخطيط في إسرائيل‪ ،‬ال بد إذن من التطرق إلى‬ ‫الشعب سيكون الوسيط في هذه املهمة‪ ،‬وذلك ألنه «بات ميتلك كل‬
‫السياق التاريخي لهذه السياسة والوقوف على الدمج بني عمليات‬ ‫كفاءات الغرب دون أن يفقد طابعه الش���رقي األصيل»‪ ،‬وفي مقال‬
‫بناء األمة وبني وجهات النظر االستشراقية والسياسة الكولونيالية‪.‬‬ ‫له نشر في العام ‪ 1940‬حتت عنوان «أرض إسرائيل وعالم الغد»‬
‫[مرتجم عن العربية‪ .‬ترجمة �سعيد ع ّيا�ش]‬ ‫عاد ماندلسون ليكرر هذه الرؤية املسيانية‪ ،‬بقوله إن أرض إسرائيل‬
‫هي «املكان الذي تلتقي فيه العقل والرؤيا‪ -‬املادي والروحي» حقا‬
‫وحقيق���ة في طريقهما للتحول إلى «ج���زء من العالم اجلديد الذي‬
‫مالحظات وهوامش‬ ‫س���يحل مكان العالم القدمي»‪ .‬ومن هنا بات املشروع الصهيوني‬
‫‪ 1‬وفقا لـ زيغموند باومان‪ ،‬فإن التعارض بني النظام والفوضى يقف في قلب املشروع‬ ‫مؤمتنا على مهمة مقدسة‪« :‬فلسطني الساحرة ما زالت هي الديار‬
‫العصري )‪ ،(Bauman 1991;1-9‬ويتكرر هذا التناقض م��رارا في كتب ال‪-‬‬ ‫املقدس���ة‪ ،‬ولذلك يقع علينا الواجب املقدس في رعايتها واالعتناء‬
‫كورفوزييه (‪ ،)1998 -1923‬الذي يعتبر أحد املخططني األكثر تأثيرا في القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وهذا إلى جانب التأكيد على االنضباط والنظام والعقالنية‪.‬‬ ‫بها»‪ .‬وفيما كانت فلس���طني في مخاض الوالدة الروحية‪ ،‬س���عى‬
‫‪ 2‬أعد البريطانيون على سبيل املثال خططا لطبرية وعكا تضمنت هدم مبان قدمية‬ ‫ماندلس���ون إلى حتقيق والدة هندسية‪ /‬معمارية‪ ،‬موازية للحظة‬
‫بهدف حتسني الوقاية الصحية‪ .‬في يافا متت عملية الهدم كرد على التمرد‪-‬‬
‫العصيان‪ -‬العربي‪ ،‬ولكن على الرغم من االعتبارات األمنية الواضحة‪ ،‬إال أنه جرى‬
‫اخلليقة املتجسدة في قلعة أثينا‪:‬‬
‫التأكيد‪ ،‬حتى في املناقشات الداخلية للبوليس البريطاني‪ ،‬على هدف حتسني نوعية‬ ‫«يتحدث معارضو الصهيونية طوال الوقت عن صغر مساحة‬
‫احلياة في بلدة يافا القدمية (سمدار شارون ‪.)2006‬‬
‫‪ 3‬مقتبس لدى غيل أيال «نزع السحر عن الشرق» (‪ )2005‬ص‪.36‬‬ ‫البالد‪ ،‬وعلى ما يبدو فإنهم ينسون ان املساحة ليس لها أي أهمية‬
‫‪ 4‬شارون‪ ،‬املصدر السابق ص ‪.45‬‬ ‫فيما يتعلق باجلهد امللموس‪ .‬فقد كان األثينيون مجموعة صغيرة‬
‫‪ 5‬تشمل هذه املنطقة حوالي ‪ 940,000‬دومن من أراضي «الكيرن كييمت»‪ ،‬قرابة ‪193‬‬
‫في بلد صغير‪ ،‬لكن قلعة أثينا ما زالت منتصبة وماثلة كشاهد‬
‫ألف دومن تابعة لـ «اجلمعية اليهودية لالستيطان» ونحو نصف مليون دومن‪ ،‬أراضِ‬
‫مبلكية يهودية خاصة‪ .‬يقع قسم من هذه األراضي وراء ما يدعى «اخلط األخضر»‪.‬‬ ‫على مجد اليونان» (نيتسان‪ -‬شيفطان ‪.)2005‬‬
‫‪ 6‬من أرشيف سمدار؛ املخططون‪ ،‬الدولة وتشكيل احليز القومي» مجلة «تيئوريا‬
‫فبيكورت‪ /‬نظرية ونقد» خريف ‪.2006‬‬
‫يقول جميس سكوت‪ ،‬الذي حلل إخفاقات مشاريع دوالنية‬
‫‪ (CIAM) 7‬ميكن االفتراض بأن املصممني عرفوا النموذج العمراني الذي طور‬ ‫واسعة النطاق في الهندسة االجتماعية في القرن العشرين‪،‬‬
‫في إطار «املؤمتر الدولي للهندسة املعمارية العصرية»‪ ،‬والذي أثرت قراراته على‬ ‫إن خبراء في مجاالت مختلفة لعبوا دورا مركزيا في قيادة هذه‬
‫التخطيط في سائر أنحاء العالم منذ ثالثينيات القرن املاضي وحتى الستينيات منه‪.‬‬
‫كذلك استورد املهندسون الذين تعلموا في الدول الناطقة باألملانية منوذج «مخطط‬ ‫املشاريع وتسويغها‪ .‬ويرى سكوت في رؤساء الدولة واخلبراء‬
‫التوزيع الهرمي للمستوطنات»‪ ،‬والذي طوره عالم اجلغرافيا فولتر كريستلر في العام‬ ‫الذين عملوا حلسابهم شركاء في أيديولوجيا ما يسميه «احلداثة‬
‫‪.1932‬‬
‫‪ 8‬في الكثير من األحيان يوصف اليهودي‪ -‬العربي بصورة منطية‪ ،‬كإنسان يعاني من‬ ‫املتطرفة»‪ .‬فالقدرة على تنفيذ مشاريع واسعة النطاق‪ -‬وهي‬
‫وهن جسدي وأمراض وراثية وفقر وتخلف وبدائية وجهل ودونية أخالقية وميل للعنف‬ ‫مشاريع محكومة بالفشل‪ -‬تتوفر حني يضاف إلى حملة هذه‬
‫وغير ذلك‪ .‬أنظر بير ‪28 ،1986‬؛ ليسك ‪1999‬؛ ‪ .62-58‬ويصف سبيرسكي‬
‫األيديولوجيا ضعف املجتمع الذي يعملون فيه‪ ،‬سواء أكان احلديث‬
‫منظومة أيديولوجية كاملة تقود الشرقيني كأناس ذوي خلفية ثقافية غير متطورة‬ ‫‪92‬‬
‫(سبيرسكي ‪.)1981‬‬ ‫يدور حول وضع كولونيالي أم حول فترات تشهد تغييرات حادة‬
‫‪ 9‬تعكس هذه املعطيات وضعا ساد في العام ‪ .1961‬وقد تعززت هذه الظاهرة أكثر‬ ‫وعمليات من قبيل بناء أمة وحترر من سيطرة كولونيالية أم حول‬
‫(نظرية ونقد) ‪ .،100-67 ،16‬محرر‪ :‬يهودا شنهاف (تل أبيب – القدس ‪.)2000‬‬ ‫في معطيات إحصاء العام ‪ .1972‬في فترة الثمانينيات كانت أغلبية سكان األحياء‬
‫لويون‪ ،‬ي‪ .‬كلوش‪ ،‬ر‪« :‬البيت القومي والبيت الشخصي‪ :‬دور االسكان العام في تشكيل‬ ‫في مشروع ترميم األحياء‪ ،‬والذي شمل ‪ 70‬حيا في مختلف أنحاء إسرائيل‪ -‬والتي‬
‫احليز»‪ .‬تيؤويا وبكورت (نظرية ونقد) ‪ ،180-153 ،16‬احليز – األرض – البيت‪ .‬محرر‬ ‫شيد معظمها كإسكان عام في السنوات األولى لقيام الدولة‪ -‬من اليهود الشرقيني‪،‬‬
‫يهودا شنهاف (تل أبيب – القدس ‪)2000‬‬ ‫هذا في الوقت الذي شكل فيه الشرقيون ‪ %45‬من مجموع السكان اليهود في تلك‬
‫نورئيلي‪ ،‬ب‪« :2005 .‬غرباء في احليز القومي‪ :‬اليهود العرب في غيتو اللد‪-1950 ،‬‬ ‫الفترة (مرمون ‪ .)1999‬وميكن الوقوف أيضا على التباين والتمييز في شكل توزيع‬
‫‪ .»1959‬تيئوريا فبيكورت ‪42-13 :26‬‬ ‫املجموعات التي أوردتها كالف )‪.(KLAFF 1980‬‬
‫نيتسان شفطان‪ ،‬أ‪ .‬خالف في الهندسة املعمارية الصهيونية‪ :‬إريخ مندلسون ومحفل‬ ‫هذه التسوية أو االنحراف‪ ،‬ما زالت قائمة حتى اآلن وهي تشكل مصدرا لنزاع‬ ‫‪10‬‬
‫املهندسني في تل أبيب ‪ ،230-201‬داخل ‪ :‬ثقافة معمارية‪ :‬املكان‪ ،‬التمثيل‪ ،‬اجل�سم‪ ،‬حترير‪:‬‬ ‫مستمر بني مجالس إقليمية لبلدات التطوير ‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬في «سديروت»‬
‫كلوش ر‪ ،‬حاتوكا ط‪.‬‬ ‫التي يبلغ تعداد سكانها حوالي ‪ 25‬ألف نسمة توجد منطقة صناعية تدفع ضريبة‬
‫شختر‪ ،‬أ‪ .1990 .‬خمططون‪� ،‬سيا�سيون وبريوقراطيون‪ .‬رسالة التأهيل‪ ،‬معهد التخنيون‪-‬‬ ‫«األرنونا» للمجلس اإلقليمي الذي يضمها ‪« -‬شاعر هنيغف»‪ -‬وهي بلدة يقطنها‬
‫حيفا‪.‬‬ ‫حوالي ‪ 4000‬نسمة في منطقة مساحتها حوالي ‪ 300,000‬دومن (حسون‪.)2004 ،‬‬
‫شابيرا‪ ،‬ي‪ « .‬ديناميكية حافلة بالتناقضات‪ :‬السكن في عني كارم بني الوعي والتهميش»‪.‬‬ ‫خالل العام ‪ 1960‬طرد العرب الذي بقوا في املجدل (غوالن ‪ ،)2009‬وتطورت‬ ‫‪11‬‬
‫داخل‪ :‬شيلي كوهن وتوال عمير (محررتان) شكل السكن‪ :‬الهندسة املعمارية واملجتمع في‬ ‫ديناميكية مختلفة في مدنية اللد‪ .‬بيني نورئيلي (‪ )2005‬يصف في مقاله العالقات‬
‫إسرائيل (حرغول – عام عوفيد‪ ،‬تل أبيب ‪ .)2007 ،‬ص ‪.228-212‬‬ ‫بني العرب واليهود‪ -‬العرب الذين عاشوا معا في «الغيتو» العربي في اللد في فترة‬
‫شارون أرييه‪ .‬التخطيط املادي يف �إ�سرائيل‪ ،‬إصدار دار الطباعة احلكومية‪.1952 ،‬‬ ‫اخلمسينيات‪ ،‬واحملاوالت احلثيثة من جانب الدولة للفصل بني املجموعتني‪.‬‬
‫شارون سمدار‪ .‬املخططون‪ ،‬ال��دول��ة وت�شكيل احليز القومي يف �أوائ��ل اخلم�سينيات‪ .‬تيئوريا‬ ‫مقتبس لدى سمدار شارون‪.45-44 ،2006 ،‬‬ ‫‪12‬‬
‫فبيكورت ‪ ،29‬خريف ‪.2006‬‬ ‫رسالة من شارون إلى شعبة االستيطان في الوكالة اليهودية (مقتبس لدى سمدار‬ ‫‪13‬‬
‫شارون‪.)2006 ،‬‬
‫عمل إريخ ماندلسون في «أرض إسرائيل» بني األعوام ‪.1941-1934‬‬ ‫‪14‬‬
‫باالنكليزية‬

‫‪Abu-Lughod,jant,1980, Rabat: urban apartheid in Morocco. Princeton,‬‬


‫‪New Jersey Princeton University Press.‬‬ ‫ثبت المراجع‬
‫‪Bauman, Z. 1991.Modernity and Ambivalence. Cambridge: Polity‬‬
‫‪Press.‬‬ ‫بالعبرية‬
‫‪Celik, Z. 1997. «Urban Forms and Colonial Confrontaions. California:‬‬ ‫أبرامسون ‪ ،‬الري‪« .‬على أنقاض طريق بيغن»‪ ،‬داخل‪ :‬من ركامك �أبنيك‪ ،‬تل أبيب ‪.2003‬‬
‫‪California University Press.‬‬
‫إيال‪ ،‬غ‪ .‬نزع ال�سحر عن ال�شرق (هكيبوتس همئوحاد‪ -‬معهد فان لير ‪ ،‬القدس وتل أبيب‬
‫�‪Comaroff, J.; 1992. Ethnography and the historical imagination. Boul‬‬
‫‪der: Westview Press.‬‬ ‫‪)2005‬‬
‫‪Forman G., Kedar A.; From Arab land to ‘Israel’ : the legal disposses-‬‬
‫أمليلخ‪ ،‬يوفال ونوح ليفني – أفيشتاين‪« .1998 ،‬الهجرة واإلسكان في إسرائيل‪ -‬نظرة‬
‫�‪sion of the Palestinians Displaced by Israel in the wake of 1948 En‬‬ ‫أخرى على عدم املساواة اإلثنية»‪ ،‬مغاموت (‪)269-243 :3‬‬
‫‪vironment and Planning D: Society and Space 2004, Volume 22, pages‬‬ ‫إفرات‪« .‬الرؤية التخطيطية بدون فحص اقتصادي عميق (مبناسبة مرور ‪ 50‬عاما‬
‫‪809-830.‬‬ ‫على اخلطة الرئيسة لـ آرييه شارون)»‪ ،‬داخل كيفنونيم حدا�شيم ( اجتاهات جديدة)‬
‫‪Harvey D. «the Condition of post- Modernity», London 1989‬‬ ‫‪17،2002‬‬
‫‪Healey, P.1985: Context, Substance and progress in Land Use Planning.‬‬ ‫جبارين‪ ،‬يوسف « الفن والنهب احليزي‪ :‬حالة القرية املهجرة عني هود» (بالك‪ ،‬احليز‬
‫�‪Paper for the American Collegiate Planning school Association Meet‬‬
‫الذي أصبح شرقيا ‪)2008‬‬
‫‪ing , 1-3 Nov. Atlanta Georgia.‬‬
‫غوالن‪ ،‬أ‪« .‬بني مدينتني‪ :‬بيت شآن (بيسان) وأشكلون (عسقالن) – إعادة تشكيل املدن‬
‫‪Holston, James; Spaces of insurgent Citizenship» Making the Invis-‬‬
‫‪ible Visible: Vew Historiographies ror Planning . planning Yheory.‬‬ ‫اإلسرائيلية في العقد األول لوجود الدولة»‪ ،86-71 ،‬داخل‪« :‬مدن التطوير»‪ ،‬محررون‪:‬‬
‫‪Ed/ Leonie Sandercock. Milan: Franco Angeli. 35-52/ (1995).‬‬ ‫تسفي تسميرت‪ ،‬أفيفا حلميش‪ ،‬إستر مئير غليتسنشتاين‪ .‬القدس ‪.2009‬‬
‫‪Jacobs, J. 1961. «The Death and life of Great American Cities». New‬‬ ‫غونني‪ ،‬ع‪ .‬وحسون ش‪ « :1974 .‬فوارق طائفية في تغيير مكان السكن‪ :‬مساكن‬
‫‪York: Vibtage Books.‬‬ ‫املهاجرين في هامش مدن متوسطة في إسرائيل»‪ ،‬مغاموت (‪.315-310 : )3‬‬
‫‪Lw Vine, Mark, 2001. The ‘New-Old Jaffa’ in Consuming Tradition,‬‬ ‫درين‪ -‬دربكني‪ ،‬حاييم‪ :1955 ،‬الإ�سكان واال�ستيعاب يف �إ�سرائيل‪ ،‬غديش‪ ،‬تل أبيب‬
‫‪Manufacturing Heritage, ed. Nezar Alsayyad. London: pp.240-272.‬‬ ‫هرشكوفيتس‪ ،‬أرييه‪ :‬من خطة شارون إلى خطة تاما ‪ – 35‬أيديولوجيا ثالث خطط‬
‫‪Yeoh, B. 1996. Contesting space: Power relations and the urban Built‬‬ ‫هيكلية قطرية‪ .‬آفاق في اجلغرافيا ‪ ،67‬ص‪)2006( 40-31‬‬
‫‪environment in Colonial Singpore. Kuala Lumpur: Oxford University‬‬
‫‪Press.‬‬
‫خمايسة‪ ،‬ر‪ :1990 .‬التخطيط والإ�سكان لدى العرب يف �إ�سرائيل‪ ،‬املركز الدولي للسالم في‬
‫الشرق األوسط تل أبيب‪.‬‬
‫موقع ذاكرات ‪http://zochrot.org/ar/contentt‬‬
‫تراون‪ ،‬أ‪ « .‬تخطيط املدينة اجلديدة» ‪ ،36-19‬داخل‪« :‬مدن التطوير»‪ ،‬محررون‪ :‬تسفي‬
‫‪http://www.ariehshaon.org/Archive/Physical-Planning-in-Israel/‬‬
‫‪Outline-of-National-plan/17156803_6h7vrg#1301234907_Bzh7PJT‬‬ ‫تسميرت‪ ،‬أفيفا حلميش‪ ،‬إستر مئير غليتسنشتاين‪ .‬القدس ‪.2009‬‬
‫موقع �آرييه �شارون‬ ‫يافني‪ ،‬ش‪« .‬اخلطة الرئيسة األولى لدولة إسرائيل (خطة شارون)»‪ .‬تخنون (تخطيط ‪،‬‬
‫‪)1988‬‬
‫يونا‪ ،‬ي‪ .‬ومركوفيتش د‪« .‬املشكلة العويصة»‪ :‬الشرق والغرب في تشكيل وجه احليز‬
‫اإلسرائيلي» (بالك‪ ،‬احليز الذي أصبح شرقيا ‪)2008‬‬
‫يفتاحئيل‪ ،‬أ ‪« :1998 .‬بناء األمة وتوزيع احليز في االثنوقراطيا اإلسرائيلية»‪ .‬عيوين‬
‫‪93‬‬ ‫م�شباط ك أ (‪.664-637 : )3‬‬
‫يفتاحئيل‪ ،‬أ‪ .‬وكيدار أ‪« :‬عن القوة واألرض‪ :‬نظام األراضي اإلسرائيلي»‪ .‬تيئوريا فبيكورت‬

You might also like