Professional Documents
Culture Documents
رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ج 3 ابن العربي
رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ج 3 ابن العربي
الجزء الثالث
جمع وتأليف
أ .محمود محمود الغراب
1
.
2
الجزء الثالث
( ) 18سورة الكهف مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ ّللا ّ بسم ّ
[ سورة الكهف ( : ) 18آية ] 1
يم
الر ِح ِ
من ه الرحْ ِ
ّللا ه س ِم ه ِ ِب ْ
تاب َولَ ْم يَجْ عَ ْل لَهُ ِع َوجا ) ( 1 ّلِل الهذِي أ َ ْن َز َل عَلى َ
ع ْب ِد ِه ا ْل ِك َ ا ْل َح ْم ُد ِ ه ِ
القرآن له االعتدال فلم يكن فيه عوج وال تحريف ،ولما كان له االعتدال الذي هو حفظ بقاء
الوجود على الموجود كان له الديمومية والبقاء .
3
[ سورة الكهف ( : ) 18اآليات 8إلى ] 10
يم كانُوا ِم ْن الر ِق ِ
ْف َو ه س ْبتَ أ َ هن أَص َ
ْحاب ا ْل َكه ِ ص ِعيدا ُج ُرزا ( ) 8أ َ ْم َح ِ علَ ْيها َ ون ما ََو ِإنها لَجا ِعلُ َ
ْف فَقالُوا َربهنا آتِنا ِم ْن لَ ُد ْنكَ َرحْ َمة َو َه ِيّ ْئ لَنا ِم ْن ع َجبا ) ( 9إِ ْذ أ َ َوى ا ْل ِفتْيَةُ إِلَى ا ْل َكه ِآياتِنا َ
أ َ ْم ِرنا َرشَدا ( ) 10
[ الفتوة ]
الفتوة ليس فيها شيء من الضعف ،إذ هي حالة بين الطفولة والكهولة ،وهو عمر إلنسان من
زمان بلوغه إلى تمام األربعين من والدته .
4
ما وافق منها فذلك راجع إلى سيده .والفتى من وقر الكبير في العلم أو في السن ،والفتى من
رحم الصغير في العلم أو السن ،والفتى من آثر المكافئ في السن أو في العلم ،وينبغي للفتى
ّللا له قبل أن يوفهي السلطان حقه الذي أوجبه ه
ّللا له عليه ،وال يطلب منه حقه الذي جعله ه
السلطان ،مما له أن يسامحه فيه إن منعه منه ،فتوة عليه ورحمة به وتعظيما لمنزلته ،
إذ كان له أن يطلبه به يوم القيامة ،فالفتى من ال خصم له ،ألنه فيما عليه يؤديه ،
وفيما له يتركه ،فليس له خصم ،والفتى من ال تصدر منه حركة عبثا جملة واحدة ،
ّللا خلقها أي قدهرها ،وإذا قدرها فال تكونوإن كانت الحركة في غيره فال ينظرها عبثا ،فإن ه
عبثا وال باطال ،فيكون حاضرا مع هذا عند وقوعها في العالم ،
فإن فتح له بالعلم في الحكمة فيها فبخ على بخ ،وهو صاحب عناية ،وإن لم يفتح له في العلم
ّللا ،وأن هّلل فيها سرا
بالحكمة فيها فيكفيه حضوره في نفسه أنها حركة مقدرة منسوبة إلى ه
ّللا ،فالفتيان هم السالطين في صور العبيد ،يعرفهم المأل األعلى ،فليس أحد مما سوى يعلمه ه
األنس والجان إال ويقول بفضله ،إال بعض الثقلين ،فإن الحسد يمنعهم من ذلك ،
وهم يعاملون الخلق باإلحسان إليهم مع إساءتهم لهم ،فلهم القوة العظمى على نفوسهم حيث لم
يغلبهم هواهم ،وال ما جبلت النفس عليه من حب الثناء والشكر واالعتراف ( راجع سورة
األنبياء آية ) 60
« ِإنَّ ُه ْم فِتْيَةٌ آ َمنُوا بِ َر ِبه ِه ْم »اعلم أن اإليمان بالربوبية يزيد في الهدى ،واإليمان ه
باّلل هو الهدى .
ص 05
5
[سورة الكهف ( : ) 18آية ] 17
شما ِل َو ُه ْم ض ُه ْم ذاتَ ال ِ ّ غ َربَتْ ت َ ْق ِر ُ ين َو ِإذا َ زاو ُر ع َْن َك ْه ِف ِه ْم ذاتَ ا ْليَ ِم ِ س ِإذا َطلَعَتْ ت َ َ َوت َ َرى الش ْهم َ
شدا ( ض ِل ْل فَلَ ْن ت َ ِج َد لَهُ َو ِليًّا ُم ْر ِ ّللاُ فَ ُه َو ا ْل ُم ْهت َ ِد َو َم ْن يُ ْ
ّللا َم ْن يَ ْه ِد ه
ت هِ فِي فَجْ َو ٍة ِم ْنهُ ذ ِلكَ ِم ْن آيا ِ
)17
فالكل بيده وإليه يرجع األمر كله .
[ سورة الكهف ( : ) 18آية ] 18
ع ْي ِه ِبا ْل َو ِصي ِدط ذِرا َ س ٌ شما ِل َو َك ْلبُ ُه ْم با ِ ين َوذاتَ ال ِ ّ سبُ ُه ْم أ َ ْيقاظا َو ُه ْم ُرقُو ٌد َونُقَ ِلّبُ ُه ْم ذاتَ ا ْليَ ِم ِ َوتَحْ َ
علَ ْي ِه ْم لَ َوله ْيتَ ِم ْن ُه ْم فِرارا َولَ ُم ِلئْتَ ِم ْن ُه ْم ُرعْبا ( ) 18 طلَ ْعتَ َلَ ِو ا ه
ت ِم ْن ُه ْم ُرعْبا ً » ] علَ ْي ِه ْم لَ َولَّي َ
ْت ِم ْن ُه ْم فِرارا ً َولَ ُم ِلئْ َ [ « لَ ِو َّ
اطلَ ْع َ
ت َ
ّللا عليه وسلم ،الذي ليس من شأنه وال من شأن األنبياء انظر إلى قوله تعالى لنبيه صلهى ه
ْت ِم ْن ُه ْم فِرارا ً َولَ ُم ِلئْ َ
ت علَ ْي ِه ْم لَ َولَّي َ
ت َ عليهم السالم أن ينهزم ،وال أن يقتل في مصاف« لَ ِو َّ
اطلَ ْع َ
ِم ْن ُه ْم ُرعْبا ً »فوصفه باالنهزام ،وقوله صدق ،أترى ذلك عن رؤية أجسامهم ؟
أليسوا أناسي مثله ،فما ينهزم إال من أمر يريد إعدامه ،وال يمأل مع شجاعته وحماسته رعبا
إال من شيء يهوله ،فلو لم ير منهم ما هو أهول مما رآه ليلة إسرائه ما امتأل رعبا مما رآه -
وال يمأل رعبا من صور أجسامهم -فذلك الذي كان يملؤه رعبا ،
علَ ْي ِه ْم »فوصفه باالطالع ،فهم أسفل منه ت َ اطلَ ْع َّللا إال رؤية عينهم ،ألنه قال« لَ ِو َّ وما ذكر ه
بالمقام ،ومع هذا كان يولي منهم فرارا ،خوفا أن يلحق بهم فينزل من مقامه ،ويمأل منهم
رعبا لئال يؤثروا فيه ،من تأثير األدنى في األعلى ،ومن علم األمر على هذا حقيق عليه أن
يولي فرارا ويمأل رعبا ،هل رأيتم عاقال يقف على جرف مهواة إال ويفر خوفا من السقوط ،
ّللا به نبيه لو اطلع على الفتية ، فانظر فيما تحت هذا النعت الذي وصف ه
ّللا بذلك ،ينبهنا على علو رتبة فعرفنا ه فعلوه أعلى ورتبته أسنى ،ه مع علو رتبتهم وشأنهم ،ه
ّللا عليه وسلم ،وانظر إلى ما ذا ترجع صور العالم هل ألنفسهم أو لرؤية نبينا محمد صلهى ه
ّللا ينكر الناظر ،وانظر ما ترى ،واعلم ما تنظر ،وكن بحيث تعلم ال بحيث ترى ،فإن ه
بالرؤية وال ينكر بالعلم ،فإذا لم ينكر بالرؤية فبشاهد العلم لم ينكر .
ص 07
7
فاّلل أ هخر االستثناء ،فالمحمدي يؤخره ،فإن
هذه اآلية مذكورة باللسان العبراني في التوراة ،ه
ّللا أمر محمدا صلهى ه
ّللا عليه وسلم بذلك ، ه
وّللا تعالى يمقت من يقول ما ال يعمل من غير أن يقرن به المشيئة اإللهية ،فإذا علق المشيئةه
ّللا ،
اإللهية بقوله أن يعمل فال يكون ذلك العمل ،لم يمقته ه
فإن العبد غاب عن انفراد الحق في األعمال كلها التي تظهر على أيدي المخلوقين بالتكوين ،
وأنه ال أثر للمخلوق فيها من حيث تكوينها ،وإن كان للمخلوق فيها حكم ال أثر .
ولما علم الحق أن هذا ال بد أن يقع من عباده وأنهم يقولون ذلك ،شرع لهم االستثناء اإللهي
ليرتفع المقت اإللهي عنهم ،ولهذا ال يحنث من استثنى إذا حلف على فعل مستقبل ،فإنه
ّللا ال إلى نفسه .
أضافه إلى ه
ص 08
8
ّللا هذه اآلية غيرةمن شأنهم ،أو إذا أقبل الزعماء واألعبد عنده أن يخلوا لهم المجلس ،فأنزل ه
ّللا يغار لعبده
لمقام العبودية والفقر أن يستهضم بصفة عز وتأله ظهر في غير محله ،فإن ه
المنكسر الفقير أشد مما يغار لنفسه ،وهو من أعظم دليل على شرف العبودة واإلقامة عليها ،
صبِ ْر نَ ْف َ
س َك » ّللا تعالى رسوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم بقوله« َوا ْ فأمر ه
أن يحبس نفسه مع األعبد والفقراء من المؤمنين مثل خباب بن األرت وبالل وابن أم مكتوم
ّللا عليه وسلم إذا رأى هؤالء األعبد وأمثالهم أو جالسهم يقول [ مرحبا وغيرهم ،فكان صلهى ه
بمن عاتبني فيهم ربي ] فكلما جلسوا عنده جلس لجلوسهم ،ال يمكن له أن يقوم وال ينصرف
حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ،
ّللا أمرني أن أحبس نفسي معهم ] ّللا عليه وسلم يقول [ :إن هوكان صلهى ه
فكانوا إذا أطالوا الجلوس معه يشير إليهم بعض الصحابة مثل أبي بكر وغيره أن يقوموا حتى
ّللا عليه وسلم لبعض شؤونه ،ولما علموا ذلك منه وأنه عليه السالم ّللا صلهى ه
يتسرح رسول ه
قد تعرض له أمور يحتاج إلى التصرف فيها ،فكانوا يخففون فال يلبثون عنده إال قليال ،
ّللا عليه وسلم ألشغاله ، وينصرفون حتى ينصرف النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم بهذه اآلية أن مقام العبودة هو الذي تدعو له الناس ، وأبان الحق لرسوله صلهى ه
فإن جميع النفوس يكبر عندهم رب الجاه ورب المال ،ألن العزة والغنى هّلل تعالى ،فحيثما
تجلت هذه الصفة تواضع الناس وافتقروا إليها ،وال يفرقون بين ما هو عز وغنى ذاتي وبين
ما هو منهما عرضي إال بمجرد مشاهدة هذه الصفة ،فإذا حضر ملك مطاع نافذ األمر وقد
جاءك مع عظم مرتبته زائرا ،وجاءك فقير ضعيف في ذلك الوقت زائرا أيضا فليكن قبولك
ّللا نبيه سدى ،بل أبان على الفقير وشغلك به إلى أن يفرغ من شأنه الذي جاء إليه ،فما عتب ه
وّللا في ذلك عن أرفع طريق الهدى ،وزجر عن طريق الردى ، ه
فقال ( كال إن اإلنسان ليطغى أن رآه استغنى ) ردعا وزجرا لحالة تحجبك ،فإن عزة اإليمان
أعلى ،وعزة الفقر أولى ،فليكن شأنك تعظيم المؤمن الفقير على المؤمن الغني بماله ،العزيز
بجاهه ،المحجوب عن نفسه ،فإن الفقير المؤمن هو مجلى حقيقتك ( يا أيها الناس أنتم الفقراء
ّللا ) وأنت مأمور بمشاهدة نفسك حذر الخروج عن طريقها ،فالمؤمن الفقير مرآتك ترى إلى ه
فيه نفسك ،والمؤمن الغني بالمال عنك هو مرآة لك صدئت فال ترى نفسك فيها ،فال تعرف ما
طرأ على وجهك من التغيير .واعلم أن هّلل عبادا كانت أحوالهم وأفعالهم ذكرا يتقرب به إلى
ّللا به نبيه صلهى ه
ّللا عليه باّلل ما ال يعلمه إال من ذاقه ،فإن كل ما أمر ه ّللا ،وينتج من العلم ه
ه
وسلم ونهاه عنه كان عين أحوالهم
ص 09
9
ّللا صلهى ه
ّللا وأفعالهم ،مع كون هذه الطائفة التي نزل فيهم هذا القرآن من أصحاب رسول ه
ّللا تعالى نبيه عليه وسلم ،فما نالوا ما نالوه إال باتباعه وفهم ما فهموا عنه ،ومع هذا عاتب ه
ّللا عليه وسلم إذا حضروا ال تعدو عيناه عنهم ،ولما ّللا عليه وسلم فيهم ،فكان صلهى ه صلهى ه
كان دعاؤهم بالغداة والعشي ،وهو زمان تحصيل الرزق في المرزوقين ،فكان رزق هؤالء
بالغداة والعشي ما ينتج لهم معرفة وجه الحق في كل شيء ،فال يرون شيئا إال ويرون وجه
الحق فيه ،فيحصل لهم معرفة الوجه الذي كان مرادهم ،ألنه تعالى يقول« يُ ِريدُونَ َو ْج َههُ
»يعني بذلك الدعاء بالغداة والعشي وجه الحق ،لما علموا أن كل شيء هالك إال وجهه ،
فطلبوا ما يبقى وآثروه على ما يفنى ،فكانوا في حضرة شهود أو طالبين لهذه الحضرة ،ولذا
ّللا صلهى ع ْن ُه ْم »فكانت عينا رسول ه ْناك َ
عي َ ّللا عليه وسلم« َوال ت َ ْع ُد َ قال تعالى لرسوله صلهى ه
ّللا عليه وسلم ال تعدوان عنهم إلى غيرهم ما داموا حاضرين ، ه
ّللا ]
ّللا [ وهم الذين إذا رأوا ذكر ه ّللا عليه وسلم في صفة أولياء ه ّللا صلهى ه ومن هنا قال رسول ه
لما حصل لهم من نور هذا الوجه الذي هو مراد لهؤالء ،واألنبياء وإن شاهدوا هؤالء في حال
ّللا تعالى بدعائهم ، شهودهم للوجه الذي أرادوه من ه
فإنهم من حيث إنهم أرسلوا لمصالح العباد ال يتقيدون بهم على اإلطالق ،وإنما يتقيدون
بالمصالح التي بعثوا بسببها ،فوقتا يعتبون مع كونهم في مصلحة مثل هذه اآلية ،ومثل آية
ّللا عليه وسلم في حق األعبد« ّللا صلهى ه األعمى ،ومن وجه آخر قيل في هذه اآلية لرسول ه
ي ِ يُ ِريدُونَ َو ْج َههُ »أي وانظر فيهم صفة س َك َم َع الَّذِينَ يَ ْدعُونَ َربَّ ُه ْم ِب ْالغَداةِ َو ْالعَ ِش ه ص ِب ْر نَ ْف ََوا ْ
الحق ،فإنها مطلوبك في الكون ،
فإني أدعو عبادي بالغداة والعشي وفي كل وقت ،أريد وجههم أي ذاتهم أن يسمعوا دعائي
ع ْن ُه ْم »فإنهم ظاهرون بصفتي كما عرفتك« ت ُ ِري ُد ِزينَةَ ْال َحياةِ ْناك َ
عي َ ي« َوال ت َ ْع ُد َ فيرجعوا إل ه
ال ُّد ْنيا »فهذه الزينة أيضا في هؤالء وهي في الحياة الدنيا فهنا أيضا مطلوبك
ّللا عليه وسلم أن يجعل لهم مجلسا ينفردون به معه ،ال « َوال ت ُ ِط ْع »فإنهم طلبوا منه صلهى ه
يحضره هؤالء األعبد ،فأجابهم حرصا على إيمانهم
ع ْن ِذ ْك ِرنا »أي جعلنا قلبه في غالف فحجبناه عن ذكرنا ،فإنه إن ذكرنا علم « َم ْن أ َ ْغفَ ْلنا قَ ْلبَهُ َ
أن السيادة لنا وأنه عبد ،فيزول عنه هذا الكبرياء ،والصفة التي ظهر بها التي عظمتها أنت
لكونها صفتي وطمعت في إزالتها عن ظاهرهم ،
فإني أعلمت أني قد طبعت على كل قلب متكبر جبار فال يدخله كبر وإن ظهر به
" َواتَّبَ َع هَواهُ " أي غرضه الذي ظهر به« َوكانَ أ َ ْم ُرهُ فُ ُرطا ً »
أي ما هو نصب عينيه له وهو مشهود له ،ال يصرف نظره عنه إلى ما يقول له الحق على
لسان
ص 10
10
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم إذا أقبل عليه هؤالء األعبد قال رسوله وما يريده منه ،فكان رسول ه
صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ مرحبا بمن عتبني فيهم ربي ]
ويمسك نفسه معهم في المجلس حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ،ولم تزل هذه أخالقه صلهى
ّللا عليه وسلم بعد ذلك إلى أن مات ،فما لقيه أحد بعد ذلك فحدثه إال قام معه حتى يكون هو
ه
الذي ينصرف ،وكذلك إذا صافحه شخص لم يزل يده من يده حتى يكون الشخص هو الذي
يزيلها ،هكذا رويناه من أخالقه صلهى ه
ّللا عليه وسلم
-فائدة -إن كان العبد قوي اإليمان ،غير متبحر في التأويل ،خائضا في بحر الظاهر ،ال
يصرفه للمعاني الباطنة صارف ،انتفع بالذكرى ،فإن تأول تردى وأردى من اتبعه ،وكان
من الذين اتبعوا أهواءهم ،وكان أمر من هذه صفته فرطا فإن النفوس مجبولة على حب إدراك
المغيبات ،واستخراج الكنوز وحل الرموز ،وفتح المغاليق والبحث عن خفيات األمور ودقائق
الحكم ،وال ترفع بالظاهر رأسا ،فإن ذلك في زعمها أبين من فلق الصبح ،ومن أحكم الظاهر
ّللا له عند ذلك في هذه الظواهر ما ال يخطر بخاطر أحد ،ويعظم قدره وتظهر حكمته كشف ه
ّللا عظيم ،فإن الجاهل
وكثرة خيره ،ويعلم الجاهل عند ذلك أنه ما كان يحسبه هينا هو عند ه
بالظاهر بالباطن أجهل ،فإنه الدليل عليه ،وإن فرط في تحصيل األول كان في تحصيل اآلخر
أشد تفريطا
ّللا واصبر نفسك مع أحبابه الذين تحقرهم العيون ،فذلك الذي رفعهم
-نصيحة -الزم باب ه
عند الحق .
ص 11
11
سرا ِدقُها »اآلية أَحا َ
ط ِب ِه ْم ُ
ّللا من هو فقير ذليل منكسر وغني بماله ذو جاه في الدنيا ،أظهر -فإذا اجتمع في مجلس أهل ه
ّللا القبول واإلقبال على الفقير أكثر من إظهاره على الغني ذي الجاه ،ألنه الداعي إلى ه
ّللا عليه وسلم ،غير أن صاحب هذه الصفة ّللا تعالى به نبيه صلهى ه
المقصود باألدب الذي أدب ه
يحتاج إلى ميزان الحق في ذلك ،فإن غفل عنه كان الخطأ أسرع إليه من كل شيء ،وصورة
الوزن فيه أن ال يرى في نفسه شفوفا عليه ،وال يخاطب الغني وال ذا الجاه بصفة قهر تذله ،
فإنه ال يذل تحتها بل ينفر ويزيد عظمة ،وإذا رأى من األغنياء بالعرض -من جاه أو مال -
ّللا اإلقبال عليهم ،
الفقر والذلة نزوال عن هاتين المرتبتين ،وجب على أهل ه
قال تعالى: -
ص 12
12
[سورة الكهف ( : ) 18اآليات 31إلى ] 32
س َ
ون ب َويَ ْلبَ ُ هار يُ َحله ْو َن ِفيها ِم ْن أَسا ِو َر ِم ْن ذَ َه ٍ
عد ٍْن تَجْ ِري ِم ْن تَحْ ِت ِه ُم ْاأل َ ْن ُ أُول ِئكَ لَ ُه ْم َجنهاتُ َ
سنَتْ ُم ْرتَفَقا ( 31 علَى ْاألَرائِ ِك نِ ْع َم الث ه ُ
واب َو َح ُ ين فِيها َ ق ُمت ه ِكئِ َ ست َ ْب َر ٍ
ُس َوإِ ْ س ْند ٍ
ضرا ِم ْن ُ ثِيابا ُخ ْ
ض ِر ْب لَ ُه ْم َمثَال َر ُجلَ ْي ِن َجعَ ْلنا ِأل َ َح ِد ِهما َجنهت َ ْي ِن ِم ْن أَعْنا ٍ
ب َو َحفَ ْفنا ُهما بِنَ ْخ ٍل َو َجعَ ْلنا بَ ْينَ ُهما ) َوا ْ
َز ْرعا ) ( 32
قصة هذين الرجلين هنا في الدنيا هو ما قصه الحق في سورة الكهف ،وذكر حديثهما في
اآلخرة في سورة الصافات ( قال قائل منهم :إني كان لي قرين ) إلى آخر الحديث وفيها ذكر
المعاتبة .
ص 13
13
[سورة الكهف ( : ) 18اآليات 40إلى ] 42
ص ِعيدا َزلَقا ( ص ِب َح َ ماء فَت ُ ْ
س ِ سبانا ِم َن ال ه علَ ْيها ُح ْ فَعَسى َر ِبّي أ َ ْن يُ ْؤ ِتيَ ِن َخ ْيرا ِم ْن َجنه ِتكَ َويُ ْر ِ
س َل َ
ست َ ِطي َع لَهُ َطلَبا ( َ ) 41وأ ُ ِحي َط بِث َ َم ِر ِه فَأ َ ْ
صبَ َح يُقَ ِلّ ُ
ب َكفه ْي ِه غ ْورا فَلَ ْن ت َ ْ
صبِ َح ماؤُها َ ) 40أ َ ْو يُ ْ
شها َويَقُو ُل يا لَ ْيتَنِي لَ ْم أُش ِْر ْك بِ َر ِبّي أ َ َحدا ) ( 42 ي خا ِويَةٌ عَلى ع ُُرو ِ ق فِيها َو ِه َ عَلى ما أ َ ْنفَ َ
-إشارة -تحفظ من الصاحب فإنه العدو المالزم ،فدلهه على الحق وإن ثقل عليه ،فيشكر لك
ّللا .
عند ه
ص 14
14
[سورة الكهف ( : ) 18آية ] 46
ون ِزينَةُ ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا َوا ْلبا ِقياتُ ال ه
صا ِلحاتُ َخ ْي ٌر ِع ْن َد َر ِبّكَ ثَوابا َو َخ ْي ٌر أ َ َمال ) ( 46 ا ْلما ُل َوا ْلبَنُ َ
جمع المال والبنون زينة الحياة الدنيا ،والباقيات الصالحات من الخير عند ربه وهو الثواب ،
ومن الخير المؤمل وهو المال والبنون ،ألنهما من الباقيات الصالحات ،أعني المال والبنين
إذا كان المال الصالح والولد الصالح والعلم الذي ينتفع به ،وهو ما سنه من سنة حسنة قال
عليه الصالة والسالم
[ يموت ابن آدم وينقطع عمله إال من ثالث :صدقة جارية أو علم يبثه في الناس أو ولد صالح
يدعو له ] .
ص 15
15
[سورة الكهف ( : ) 18آية ] 50
ق ع َْن أ َ ْم ِر َر ِبّ ِه أ َ س َكان ِم َن ا ْل ِج ِّن فَفَ َ
يس َ س َجدُوا ِإاله ِإ ْب ِل َس ُجدُوا ِآل َد َم فَ َ َو ِإ ْذ قُ ْلنا ِل ْل َمال ِئ َك ِة ا ْ
ين بَدَال ) ( 50 ظا ِل ِم َ س ِلل هعد ٌُّو بِئْ َ فَتَت ه ِخذُونَهُ َوذُ ِ ّريهتَهُ أ َ ْو ِليا َء ِم ْن دُونِي َو ُه ْم لَ ُك ْم َ
ّللا إلى اإلنسان ،موكلون به حافظون كاتبون أفعالنا ،والشياطين مسلطون المالئكة رسل من ه
شرك بينهم في الرسالة أدخل تعالى ّللا ،فلما ه ّللا ،فهم مرسلون إلينا من ه على اإلنسان بأمر ه
س َجدُوا ِإ َّال ِإ ْب ِل َ
يس ) إبليس في األمر بالسجود مع المالئكة فقال( َو ِإ ْذ قُ ْلنا ِل ْل َمالئِ َك ِة ا ْس ُجدُوا ِآل َد َم فَ َ
فأدخله معهم في األمر بالسجود فصح االستثناء ،وجعله منصوبا باالستثناء المنقطع ،فقطعه
عن المالئكة كما قطعه عنهم في خلقه من نار "،كانَ ِمنَ ْال ِج ِهن "
أي من الذين يستترون عن اإلنس مع حضورهم معهم فال يرونهم ،كالمالئكة ،وليس إبليس
أول الجن بمنزلة آدم من الناس ،بل هو واحد من الجن ،
وإن األول فيهم بمنزلة آدم في البشر إنما هو غيره ،
يس كانَ ِمنَ ْال ِج ِهن » أي من هذا الصنف من المخلوقين ، ولذلك قال تعالى« ِإ َّال ِإ ْب ِل َ
ّللا شقيا ،فهو أول األشقياء من البشر ،وإبليس أول األشقياء كما كان قابيل من البشر وكتبه ه
ع ْن أ َ ْم ِر َر ِبه ِه ". سقَ َ من الجن« فَفَ َ
يس أَبى َوا ْست َ ْكبَ َر َوكانَ ِمنَ ْالكافِ ِرينَ ) وهو قوله تعالى( ِإ َّال ِإ ْب ِل َ
ّللا ،فسماه كافرا. فهو من الفاسقين الخارجين عن أمر ه
ص 16
16
ّللا ،فهذه اآلية دليل على عدم تجلي الحق في األفعال ،أعني نسبة ظهور الكائنات عن سوى ه
الذات التي تتكون عنها ،فما أشهدهم خلق السماوات وال األرض وال خلق أنفسهم ،أي
صدورها إلى الوجود ،أراد حالة اإليجاد ،فما شاهد أحد تعلق القدرة اإللهية باألشياء عند
إيجادها ،فإن الخلق يريد به المخلوق في موضع ،
تسماوا ِ ّللا ) ويريد به الفعل في موضع ،مثل قوله« ما أ َ ْش َه ْدت ُ ُه ْم خ َْلقَ ال َّ مثل قوله ( هذا خلق ه
ّللا يشهد بها »فهنا يريد به الفعل بال شك ،ألنه ليس لمخلوق فعل أصال ،فما فيه حقيقة من ه
ّللا ،
فعل ه
ّللا وال العقل األول أن يعقل كيفية اجتماع نسب يكون عن اجتماعها وما لمخلوق مما سوى ه
عين وجودية مستقلة في الظهور وغير مستقلة في الغنى ،مفتقرة باإلمكان المحكوم عليها به ،
ّللا تعالى ، ّللا تعالى ،وليس في اإلمكان أن يعلمه غير ه وهذا علم ال يعلمه إال ه
ّللا من شاء من عباده ،فأشبه العلم به العلم بذات الحق ، وال يقبل التعليم ،أعني أن يعلهمه ه
ّللا ،فمن المحال حصول العلم بالعالم أو باإلنسان نفسه والعلم بذات الحق محال حصوله لغير ه
ّللا ،فتفهم هذه المسألة فإني ما سمعت وال علمت أن أحدا نبه أو بنفس كل شيء لنفسه لغير ه
عليها وإن كان يعلمها ،فإنها صعبة التصور ،مع أن فحول العلماء يقولون بها وال يعلمون
ضدا ً »يعتضد بهم .ع ُ أنها هي« َوما ُك ْنتُ ُمت َّ ِخذَ ْال ُم ِ
ض ِلهينَ َ
ص 17
17
وال كل ما ليس بحق يذم ،فاألدباء يعرفون المواطن التي يحمد فيها الحق فيأتون به فيها ،
ويعرفون المواطن التي يحمد فيها ما ليس بحق فيأتون به فيها ،ويتعلق بذلك تعلق اإلرادة
ّللا ،ومن أراد باألمر التكليفي وموافقتها أو عدم الموافقة ،وأقوى الجدال ما يجادل به ه
ّللا له ،وأتى على ألسنة رسله ،فيمشي معه حيث مشى العصمة من ذلك فلينظر إلى ما شرع ه
ويقف عنده حيث وقف من غير مزيد ،وإن تناقضت األمور وتصادمت فذلك له ال لك ،
:ربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلماً.
وقل :ال أدري هكذا جاء األمر من عنده ،وارجع إليه وقل َ
ص 18
18
ي ُحقُبا ً »[ " َو ِإ ْذ قا َل ُموسى ِلفَتاهُ »وهو صديقه« ال أَب َْر ُح َحتَّى أ َ ْبلُ َغ َم ْج َم َع ْالبَ ْح َري ِْن أ َ ْو أ َ ْم ِ
ض َ
مجمع البحرين ]
الحقبة السنة ،وإنما كان الحوت عند يوشع للمناسبة ،ألن يوشع هو ابن نون ،ولهذه المناسبة
كان الحوت الذي هو النون .
ص 19
19
[ سورة الكهف ( : ) 18آية ] 65
عله ْمنا ُه ِم ْن لَ ُدنها ِع ْلما ( ) 65 فَ َو َجدا َ
ع ْبدا ِم ْن ِعبادِنا آت َ ْينا ُه َرحْ َمة ِم ْن ِع ْندِنا َو َ
ص 20
20
العلم الذي ال تعمل لهم فيه بخاطر أصال ،حتى ال يشوبه شيء من كدورات الكسب ،
والنبوات كلها علوم وهبية ،ألن النبوة ليست مكتسبة ،
فالشرائع كلها من علوم الوهب وكل علم حصل عن دعاء فيه أو بدعاء مطلق فهو مكتسب ،
ّللا عليهم ،فإنهم في باب تشريع االكتساب ، والعلم المكتسب ال يصلح إال للرسل صلوات ه
ّللا ترك طلب ما سواه ،فالكسب هو توفيقه فإذا وقفوا مع نبوتهم ال مع رسالتهم كان حالهم مع ه
ّللا
وإلهامه إلى ترك جميع المعلومات وجميع العالم من خاطره ،ويجلس فارغ القلب مع ه
ّللا ذكر قلب ،وال ينظر في دليل يوصله إلى علمه بحضور ومراقبة وسكينة وذكر إلهي باسم ه
ّللا من لدنه علما ،وهذا مقام المقربين وهو بين با هّلل ،فإذا لزم الباب وأدمن القرع بالذكر علهمه ه
الصديقية ونبوة التشريع ،
فلم يبلغ منزلة نبي التشريع من النبوة العامة ،وال هو من الصديقين الذين هم أتباع الرسل
باّلل مثل الخضر وأمثاله لم يكله إلى عنديته وال إلىلقول الرسل ،وغير الرسل من العلماء ه
نفسه ،بل تولى تعليمه ليريحه ،لما هو عليه من الضعف ،وأعطاه هذا العلم من أجل قوله«
لَ ُدنَّا »
والغصن اللدن هو الرطيب ،فهي هنا اللين والعطف وهي الرحمة المبطونة في المكروه ،
وبهذه الرحمة قتل الغالم وخرق السفينة ،وبالرحمة التي في الجبلة أقام الجدار ،وأضاف
الحق التعليم إليه تعالى ال إلى الفكر ،فعلمنا أن ث هم مقاما آخر فوق الفكر يعطي العبد العلم
بأمور شتى ،يقول عنه بعض العلماء إنه وراء طور العقل ،ومن العلوم ما يمكن أن يدركها
يجوزها الفكر وإن لم تحصل لذلك العقل من الفكر ،ومنها ما العقل من حيث الفكر ،ومنها ما ه
يجوزها الفكر وإن كان يستحيل أن يعينها الفكر ،ومنها ما يستحيل عند الفكر ويقبلها العقل من
الفكر مستحيلة الوجود ال يمكن أن يكون له تحت دليل اإلمكان ،فيعلمها هذا العقل من جانب
الحق واقعة صحيحة غير مستحيلة ،وال يزول اسم االستحالة وال حكم االستحالة عقال ،
باّلل ،فإذا نطقوا به
ّللا عليه وسلم [:إن من العلم كهيئة المكنون ال يعلمه إال العلماء هقال صلهى ه
باّلل ]
لم ينكره إال أهل الغرة ه
هذا من العلم الذي يكون تحت النطق ،فما ظنك بالعلم الخارج عن الدخول تحت حكم النطق ،
فما كل علم يدخل تحت العبارات وهي علوم األذواق كلها ،وفي هذه اآلية جمع بنون الجمع
في قوله تعالى آتيناه وعلمناه ولدنا ،أي جمع له في هذا الفتح العلم الظاهر والباطن ،وعلم
السر والعالنية ،وعلم الحكم والحكمة ،وعلم العقل
ص 21
21
[استدراك -العلم وسوء الخلق ال يجتمعان ]
والوضع ،وعلم األدلة والشبه ،ومن أعطي العلم العام وأمر بالتصرف فيه كاألنبياء ومن شاء
ّللا من األولياء أنكر عليه ،ولم ينكر هذا الشخص على أحد ما يأتي به من العلوم وإن حكم ه
بخالفه ،ولكن يعرف موطنه وأين يحكم به ،
ّللا وهو لكل مخلوق ،وهو وجه ال يطلع وهذا العلم من الوجه الخاص الذي بين العبد وبين ه
عليه من العبيد نبي مرسل وال ملك مقرب ،ولذلك قال الخضر لموسى عليه السالم :أنا على
ّللا لعبده ،ال يطلع على
ّللا ال تعلمه أنت ،ألنه كان من الوجه الخاص الذي من ه علم علمنيه ه
ذلك الوجه إال صاحبه ،
ّللا ال أعلمه أنا ،فإن كان موسى عليه السالم
ثم قال له الخضر :وأنت أيضا على علم علمكه ه
قد علم وجهه الخاص عرف ما يأتيه من ذلك الوجه ،وإن كان لم يعلم ذلك فقد نبهه الخضر
ّللا فيه
عليه ليسأل ه
-استدراك –
اعلم أن العلم وسوء الخلق ال يجتمعان في موفق ،فكل عالم فهو واسع المغفرة والرحمة ،
وسوء الخلق من الضيق والحرج وذلك لجهله ،واعلم أن العلم وإن كان شريفا فإن له معادن ،
أشرفها ما يكون من لدنه ،
فإن الرحمة مقرونة به ،ولها النفس الذي ينفهس ه
ّللا به عن عباده ما يكون من الشدة فيهم ،
والعبد إذا لزم الخلوة والذكر ،وفرغ المحل من الفكر ،وقعد فقيرا ال شيء له عند باب ربه ،
ّللا
ّللا تعالى ويعطيه من العلم به واألسرار اإللهية ،والمعارف الربانية التي أثنى ه حينئذ يمنحه ه
بها على عبده خضر ما يغيب عنده كل متكلم على البسيطة ،بل كل صاحب نظر وبرهان
ليست له هذه الحالة ،فإنها وراء النظر العقلي ،
[ مراتب العلوم ]
إذ كانت العلوم على ثالث مراتب :
-علم العقل -وهو كل علم يحصل لك ضرورة أو عقيب نظر في دليل ،بشرط العثور على
وجه ذلك الدليل ،وشبهه من جنسه من عالم الفكر الذي يجمع ويختص بهذا الفن من العلوم ،
ولهذا يقولون في النظر :منه صحيح ومنه فاسد
-والعلم الثاني -علم األحوال -وال سبيل إليها إال بالذوق ،فال يقدر عاقل على أن يحدهها وال
يقيم على معرفتها دليال ،كالعلم بحالوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد
والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم ،فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إال بأن يتصف
بها ويذوقها ،وشبهها من جنسها في أهل الذوق ،كمن يغلب على محله طعمة المرة الصفراء
،فيجد العسل مرا وليس كذلك ،فإن الذي باشر محل الطعم إنما هو المرة الصفراء
-والعلم الثالث -علوم األسرار -وهو العلم الذي فوق طور العقل ،وهو علم نفث روح
القدس في الروع ،يختص به النبي والولي ،
ص 22
22
وهو نوعان :
نوع منه يدرك بالعقل كالعلم األول من هذه األقسام ،لكن هذا العالم به لم يحصل له عن نظر ،
ولكن مرتبة هذا العلم أعطت هذا ،
والنوع اآلخر على ضربين ،ضرب منه يلتحق بالعلم الثاني لكن حاله أشرف ،والضرب
اآلخر من علوم األخبار وهي التي يدخلها الصدق والكذب ،إال أن يكون المخبر به قد ثبت
ّللا
ّللا عليهم عن ه صدقه عند المخبر ،وعصمته فيما يخبر به ويقوله ،كإخبار األنبياء صلوات ه
،وكإخبارهم بالجنة وما فيها ،فقوله إن ث هم جنة من علم الخبر ،
وقوله في القيامة إن فيها حوضا أحلى من العسل من علم األحوال ،وهو علم الذوق ،وقوله
ّللا وال شيء معه ومثله من علوم العقل المدركة بالنظر ، كان ه
فهذا الصنف الثالث الذي هو علم األسرار العالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها ،وليس
صاحب تلك العلوم كذلك ،فال علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات
،وما بقي إال أن يكون المخبر به صادقا عند السامعين له معصوما ،هذا شرطه عند العامة ،
وأما العاقل اللبيب الناصح نفسه فال يرمي به ،
ولكن يقول :هذا جائز عندي أن يكون صدقا أو كذبا ،وكذلك ينبغي لكل عاقل إذا أتاه بهذه
العلوم غير المعصوم ،وإن كان صادقا في نفس األمر فيما أخبر به ،ولكن كما ال يلزم هذا
السامع له صدقه ال يلزمه تكذيبه ،
تجوزه
ولكن يتوقف ،وإن صدهقه لم يضره ،ألنه أتى في خبره بما ال تحيله العقول ،بل بما ه
أو تقف عنده ،وال يهد ركنا من أركان الشريعة ،وال يبطل أصال من أصولها ،فإذا أتى بأمر
جوزه العقل وسكت عنه الشارع فال ينبغي لنا أن نرده أصال ،
ونحن مخيرون في قبوله إن كانت حالة المخبر به تقتضي العدالة لم يضرنا قبوله ،كما تقبل
شهادته ونحكم بها في األموال واألرواح ،وإن كان غير عدل في علمنا فننظر ،
فإن كان الذي أخبر به حقا بوجه ما عندنا من الوجوه المصححة قبلناه ،وإال تركناه في باب
ست ُ ْكت َ ُ
ب الجائزات ولم نتكلم في قائله بشيء ،فإنها شهادة مكتوبة نسأل عنها ،قال تعالى َ (:
شَها َدت ُ ُه ْم َويُ ْسئَلُونَ )
ولو لم يأت هذا المخبر إال بما جاء به المعصوم فهو حاك لنا ما عندنا من رواية عنه ،فال
ّللا عنهم بأسرار وحكم من أسرار الشريعة ،مما فائدة زادها عندنا بخبره ،وإنما يأتون رضي ه
هي خارجة عن قوة الفكر والكسب ،
وال تنال أبدا إال بالمشاهدة واإللهام وما شاكل هذه الطرق ،ومن هنا تكون الفائدة بقوله عليه
السالم [ :إن يكن من أمتي محدهثون فمنهم عمر ]
وقوله في أبي بكر في فضله بالسر غيره ،ولو لم يقع اإلنكار لهذه العلوم في الوجود لم يفد
ص 23
23
ّللا عليه وسلم وعاءين ،فأما أحدهما فبثثته ، ّللا صلهى ه
قول أبي هريرة [ حفظت من رسول ه
وأما اآلخر فلو بثثته قطع مني هذا البلعوم ]
سماوا ٍ
ت َو ِمنَ ّللاُ الَّذِي َخلَقَ َ
س ْب َع َ ّللا ه
عز وجل( َّ ولم يفد قول ابن عباس حين قال في قول ه
ض ِمثْلَ ُه َّن يَتَن ََّز ُل ْاأل َ ْم ُر بَ ْينَ ُه َّن ) ْاأل َ ْر ِ
لو ذكرت تفسيره لرجمتموني ،وفي رواية لقلتم إني كافر ،ولم يكن لقول الرضي من حفدة
ّللا عنه معنى ، علي بن أبي طالب رضي ه
إذ قال :
يا رب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
والستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا
فهؤالء كلهم سادات أبرار فيما أحسب واشتهر عنهم ،قد عرفوا هذا العلم ورتبته ومنزلة أكثر
العالم منه ،وأن األكثر منكرون له ،وينبغي للعاقل العارف أن ال يأخذ عليهم في إنكارهم ،
فإنه في قصة موسى مع خضر مندوحة لهم ،وحجة للطائفتين ،وإن كان إنكار موسى عن
ّللا إياه ،وبهذه القصة عينها نحتج على المنكرين ،لكنه ال سبيل إلى نسيان لشرطه ولتعديل ه
خصامهم .واعلم أن كل علم إذا بسطته العبارة حسن وفهم معناه أو قارب وعذب عند السامع
الفهم فهو علم العقل النظري ،ألنه تحت إدراكه ومما يستقل به لو نظر ،إال علم األسرار ،
فإنه إذا أخذته العبارة سمج واعتاص على األفهام دركه وخشن ،وربما مجته العقول الضعيفة
ّللا فيها من النظر والبحث ،وأما علوم المتعصبة التي لم تتوفر لتصريف حقيقتها التي جعل ه
األحوال فمتوسطة بين علم األسرار وعلم العقول ،ثم لتعلم أنه إذا حسن عندك وقبلته وآمنت
به فأبشر أنك على كشف منه ضرورة وأنت ال تدري ،ال سبيل إال هذا ،إذ ال يثلج الصدر إال
بما يقطع بصحته ،وليس للعقل هنا مدخل ،ألنه ليس من دركه إال إن أتى بذلك معصوم ،
حينئذ يثلج صدر العاقل ،وأما غير المعصوم فال يلتذ بكالمه إال صاحب ذوق .
ص 24
24
ّللا ال تعلمه أنت ،وأنت على علم
قال الخضر لموسى عليه السالم :أنا على علم علمنيه ه
ّللا ال أعلمه أنا .
علمكه ه
ص 25
25
موسى أنا على علم . . .الحديث [ فافترقا وتميزا باإلنكار ،وما رد موسى على الخضر في
ذلك ،وال أنكر عليه في قوله المذكور في هذه اآلية ،بل .
ص 26
26
[ سورة الكهف ( : ) 18آية ]73
سرا ) ( 73ع ْ ؤاخ ْذ ِني ِبما نَ ِ
سيتُ َوال ت ُ ْر ِه ْق ِني ِم ْن أ َ ْم ِري ُ قا َل ال ت ُ ِ
العلم حاكم ،فإن لم يعمل العالم بعلمه فليس بعالم ،العلم ال يمهل وال يهمل ،لما علم الخضر
حكم ،ولما لم يعلم ذلك صاحبه اعترض عليه ونسي ما كان قد ألزمه ،فالتزم .
ص 27
27
ي ِم ْن َخي ٍْر فَ ِق ٌ
ير )وما طلب اإلجارة فكانت الثالثة ،ونسي موسى حالة قوله( ِإ ِنهي ِلما أ َ ْنزَ ْل َ
ت ِإلَ َّ
على سقايته مع الحاجة .
ص 28
28
[ سورة الكهف ( : ) 18آية ] 82
كان أَبُو ُهما صا ِلحا فَأَرا َد كان تَحْ تَهُ َك ْن ٌز لَ ُهما َو َ دار فَ َ
كان ِلغُال َم ْي ِن يَ ِتي َم ْي ِن ِفي ا ْل َمدِينَ ِة َو َ َوأ َ هما ا ْل ِج ُ
َنز ُهما َرحْ َمة ِم ْن َر ِبّكَ َوما فَعَ ْلتُهُ ع َْن أ َ ْم ِري ذ ِلكَ تَأ ْ ِوي ُل ما لَ ْمست َ ْخ ِرجا ك َ ش هد ُهما َويَ ْ َربُّكَ أ َ ْن يَ ْبلُغا أ َ ُ
ص ْبرا ) ( 82 علَ ْي ِه َ س ِط ْع َ تَ ْ
إن وقع الجدار ،ظهر كنز األيتام الصغار ،فتحكمت فيه يد األغيار ،وبقي األيتام الصغار من
الفقر في ذلة وصغار« َوما فَعَ ْلتُهُ َ
ع ْن أ َ ْم ِري"
-الوجه األول -يعني جميع ما فعله من األعمال ،وكل ما جرى منه ،وجميع ما قال من
األقوال في العبارة لموسى عليه السالم عن ذلك ،يعني أن الحق علمني األدب معه ،ألنه كان
على شرعة من ربه ومنهاج ،فكان الخضر في حكمه على شرع رسول غير موسى ،
فحكم بما حكم به مما يقتضيه شرع الرسول الذي اتبعه ،ومن شرع ذلك الرسول حكم
الشخص بعلمه ،فحكم بعلمه في الغالم أنه كافر ،فلم يكن حكم الخضر فيه من حيث إنه
ّللا عليهّللا صلهى ه صاحب شرع منزل ،وإنما حكم فيه مثل حكم القاضي عندنا بشرع رسول ه
وسلم ،فنبه الخضر موسى عليه السالم أنه ما فعل الذي فعل عن أمره ،
فإنه ليس له أمر ،وما هو من أهل األمر عن طريق المالئكة المخصوصة بالرسل واألنبياء ،
ولو قال الخضر لموسى عليه السالم من أول ما صحبه :
ما أفعل شيئا مما تراني أفعله عن أمري ما أنكره عليه ،
ّللا أن يظهر لموسى عليه ع ْن أ َ ْم ِري » لوال أن الخضر أمره ه -الوجه الثاني َ «-وما فَعَ ْلتُهُ َ
السالم بما ظهر ،ما ظهر له بشيء من ذلك ،فإنه من األمناء
ع ْن أ َ ْم ِري » فعلم موسى عليه السالم أن فراق الخضر له كان -الوجه الثالث َ «-وما فَعَ ْلتُهُ َ
عن أمر ربه ،فما اعترض عليه في فراقه
ّللا ،فإن وقع
-أدب اْلضافة -كل ما ينسب إلى المخلوق من األفعال فهو فيه نائب عن ه
ّللا يحب أن يمدح ،كذا ورد في الصحيح عن رسول ّللا ألجل المدح ،فإن ه محمودا نسب إلى ه
ّللا ،
ّللا عليه وسلم ،وإن تعلق به ذم أو لحق به عيب لم ننسبه إلى ه ّللا صلهى ه
ه
وكذلك فعل العالم العدل األديب ،فكنهى عن نفسه في إرادة العيب فقال ( فأردت أن أعيبها )
وقال في المحمود ( فأراد ربك ) في حق اليتيمين ،
وقال في موضع الحمد والذم ( فأردنا ) بنون الجمع ،لما فيه من تضمن الذم في قتل الغالم
ّللا بقتله أبويه ،
بغير نفس ،ولما فيه من تضمن الحمد في حق ما عصم ه
فقال ( فأردنا ) وما أفرد وال عيهن ،
ص 29
29
هكذا حال األدباء ،
[ إشارة :سفينتك مركبك فاخرقه بالمجاهدة ]
فتعلمنا قصة الخضر مع موسى عليه السالم أدب اإلضافة ،فقد أضاف الخضر خرق السفينة
إليه ،إذ جعل خرقها عيبا ،وأضاف قتل الغالم إليه ،وإلى ربه لما فيه من الرحمة بأبويه ،
وما ساءهما من ذلك أضاف إليه ،وأضاف إقامة الجدار إلى ربه لما فيه من الصالح والخير ،
فقال تعالى عن عبده خضر في خرق السفينة ( فأردت أن أعيبها ) تنزيها أن يضاف إلى
الجناب العالي ما ظاهره ذم في العرف والعادة ،
وقال في إقامة الجدار لما جعل إقامته رحمة باليتيمين لما يصيبانه من الخير الذي هو الكنز (
فأراد ربك ) يخبر موسى عليه السالم ( أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك )
وقال لموسى عليه السالم في حق الغالم :إنه طبع كافرا ،والكفر صفة مذمومة ،وأراد أن
ّللا يبدل أبويه خيرا منه زكاة وأقرب رحما ،فأراد أن يضيف ما كان في المسألة يخبره بأن ه
من العيب في نظر موسى عليه السالم ،حيث جعله نكرا من المنكر ،وجعله نفسا زاكية قتلت
بغير نفس ،قال ( فأردنا أن يبدلهما ربهما ) فأتى بنون الجمع ،
فإن في قتله أمرين :أمر يؤدي إلى الخير ،وأمر إلى غير ذلك في نظر موسى وفي مستقر
العادة ،فما كان من خير في هذا الفعل فهو هّلل من حيث ضمير النون ،فنون الجمع لها وجهان
لما فيها من الجمع ،
ّللا ،
وجه إلى الخير به أضاف األمر إلى ه
ووجه إلى العيب به أضاف العيب إلى نفسه ،
وجاء بهذه المسألة والواقعة في الوسط ال في الطرف بين السفينة والجدار ،ليكون ما فيها من
عيب من جهة السفينة ،وما فيها من خير من جهة الجدار ،فلو كانت مسألة الغالم في الطرف
ابتداء أو انتهاء لم تعط الحكمة أن يكون كل وجه مخلصا من غير أن يشوبه شيء من الخير أو
ضده ،وبذلك يلي وجه العيب جهة السفينة ،ويلي وجه الخير جهة الجدار فاستقامت الحكمة -
إشارة -سفينتك مركبك فاخرقه بالمجاهدة ،
وإن جعلتها النفس فاخرقها بالرياضات ،وغالمك هواك فاقتله بسيف المخالفة ،وجدارك
عقلك ،ال بل األمر المعتاد في العموم ،فأقمه تستر به كنز المعارف اإللهية عقال وشرعا حتى
إذا بلغ الكتاب أجله ،
وهو إذا بلغ عقلك وشرعك فيك أشدهما ،وتوخيا ما يكون به المنفعة في حقهما استخرجا
كنزهما ،فإن الجدار لم يمل إال عبادة ليظهر ما تحته من كنوز المعارف ،التي يستغني بها
ّللا الغيرة في صورة الخضر فأقامه من انحنائه ، العارف الواقف ،فخلق ه
لما علم أن األهلية ما وجدت في ذلك الوقت في رب المال ،فيقع التصرف فيه على غير
وجهه ( ،ولتعلمن نبأه بعد حين )
ص 30
30
فلو ظهر اتخذ عبثا وعاثت فيه األيدي ،فسبحان واضح الحكم وناصب اآليات ومظهر جمال
الدالالت .
ص 31
31
[ سورة الكهف ( : ) 18اآليات 96إلى ] 98
ص َدفَ ْي ِن قا َل ا ْنفُ ُخوا َحتهى ِإذا َجعَلَهُ نارا قا َل آتُو ِنيآتُو ِني ُزبَ َر ا ْل َحدِي ِد َحتهى ِإذا ساوى بَ ْي َن ال ه
ستَطاعُوا لَهُ نَ ْقبا ( ) 97قا َل هذا سطاعُوا أ َ ْن يَ ْظ َه ُروهُ َو َما ا ْ علَ ْي ِه قِ ْطرا ( ) 96فَ َما ا ْ أ ُ ْف ِر ْغ َ
كان َو ْع ُد َر ِبّي َحقًّا ( ) 98 َرحْ َمةٌ ِم ْن َر ِبّي فَ ِإذا جا َء َو ْع ُد َر ِبّي َجعَلَهُ َدكها َء َو َ
[ يأجوج ومأجوج ]
ّللا ،ثم يوحي بعد أن يدرك عيسى ابن مريم عليه السالم الدجال بباب لد فيقتله ،يلبث ما شاء ه
ّللا
ّللا إليه أن أحرز عبادي إلى الطور ،فإني قد أنزلت عبادا لي ال يد ألحد بقتالهم ،ويبعث ه ه
ب يَ ْن ِسلُونَ )
ّللا تعالى( ِم ْن ُك ِهل َح َد ٍ يأجوج ومأجوج ،وهم كما قال ه
فيمر أولهم ببحيرة طبرية فيشربون ما فيها ،ثم يمر بها آخرهم فيقولون :لقد كان بهذه مرة
ماء ،ثم يسيرون إلى أن ينتهوا إلى جبل بيت المقدس ،
فيقولون :لقد قتلنا من في األرض فهلم فلنقتل من في السماء ،فيرمون بنشابهم إلى السماء
ّللا عليهم نشابهم محمرا دما ،ويحاصر عيسى ابن مريم وأصحابه ،حتى يكون رأس فيرد ه
الثور يومئذ خيرا لهم من مائة دينار ألحدكم اليوم ،
ّللا عليهم النغف في ّللا وأصحابه ،فيرسل ه ( يعني الصحابة ) فيرغب عيسى ابن مريم إلى ه
رقابهم ،فيصبحون فرسى موتى كموت نفس واحدة ،ويهبط عيسى ابن مريم وأصحابه ،فال
يجد موضع شبر إال وقد مألته زهمتهم ونتنهم ودماؤهم ،
ّللا عليهم طيرا كأعناق البخت ،فتحملهم فتطرحهم ّللا وأصحابه ،فيرسل ه فيرغب عيسى إلى ه
ّللا عليهم مطرا بالمهبل ،ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ،ويرسل ه
ال يكن منه بيت وال وبر وال مدر ،فيغسل األرض ويتركها كالزلفة.
ص 32
32
[ سورة الكهف ( : ) 18اآليات 103إلى ] 104
ون س ْعيُ ُه ْم ِفي ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا َو ُه ْم يَحْ َ
سبُ َ ين أَعْماال ( ) 103الهذ َ
ِين َ
ض هل َ قُ ْل َه ْل نُنَ ِبّئ ُ ُك ْم ِب ْاأل َ ْخ َ
س ِر َ
ص ْنعا ) ( 104 ون ُ سنُ َ أَنه ُه ْم يُحْ ِ
وما أحسنوا صنعا فإنهم ما كانوا على علم ،بل ظنوا وحدسوا ،فهم الدجاجلة وأصحاب
الخياالت الفاسدة .
ص 33
33
[شرف العالم بعضه على بعض بالمراتب ]
لم يبق للعالم غذاء يتغذى به في بقاء وجوده ،وأعيان الموجودات كلها كلمات الحق ،وهي ال
تنفد ،فمخلوقاته ال تزال توجد ،وال يزال خالقا ،ولوال الضيق والحرج ما كان للنفس
الرحماني حكم ،فإن التنفيس هو إزالة عين الحرج والضيق ،والعدم نفس الحرج والضيق ،
فإنه يمكن أن يوجد هذا المعدوم ،فإذا علم الممكن إمكانه وهو في حالة العدم كان في كرب
الشوق إلى الوجود الذي تعطيه حقيقيته ،ليأخذ نصيبه من الخير ،فنفهس الرحمن بنفسه هذا
ّللا فهو ممكن ،فله الحرج فأوجده ،فكان تنفيسه عنه إزالة حكم العدم فيه ،وكل موجود سوى ه
هذه الصفة ،فنفس الرحمن هو المعطي صور الممكنات الوجود ،كما أعطى النفس الحروف
ّللا من حيث هذا النفس ،كما قال تعالى َ (:و َك ِل َمتُهُ أ َ ْلقاها إِلى َم ْريَ َم )وليست
،فالعالم كلمات ه
غير عيسى عليه السالم ،لم يلق إليها غير ذلك .
ص 34
34
ّللا عليه وسلم أن يقول " قُ ْل ِإنَّما أَنَا بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم " ]ّللا صلهى ه [إشارة :لم أمر الحق رسول ه
ّللا تعالى به نبيه عليه السالم فيما أوحى به إليه ، فكان ذلك من التأديب اإللهي الذي أدب ه
ّللا عليه وسلم [ :إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ] فقال صلهى ه
يعني لنفسه ولحق غيره [ ،وأرضى كما يرضى البشر ]
يعني لنفسه ولغيره ،ويعني أن أغضب عليهم وأرضى لنفسي [ اللهم من دعوت عليه فاجعل
دعائي عليه رحمة له ورضوانا ]
ّللا عليه وسلم لم تؤثر فيه المراتب إذا ي »ولما كان صلهى ه ثم ذكر المرتبة وهو قوله« يُوحى ِإلَ َّ
نالها ،قال وهو في المرتبة العليا [ أنا سيد الناس ]
وفي رواية [ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وال فخر ] فنفى أن يقصد بذلك الفخر ،ألنه ذكر
ّللا عليه وسلم مترجم عنها وناطق بلسانها ،فذكر رتبة الرتبة التي لها الفخر الذي هو صلهى ه
الشفاعة والمقام المحمود ،فالفخر للرتبة وال فخر بالذات إال هّلل وحده ،فلم تحكم فيه المرتبة ،
وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخالفة
" ِإنَّما أَنَا بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم " ،فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته ،وسبب ذلك أنه رأى لطيفته
ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها ،فشاهد ذاته العنصرية ،فعلم أنها تحت قوة
األفالك العلوية ،ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق اإلنساني والحيواني والنبات
والمعادن ،فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضال على كل من تولد منها ،وأنه مثل
لهم وهم أمثال له ،فقال ِ «:إنَّما أَنَا بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم »ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء
الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية ،
فعرف نفسه فقال :
[ يا أبا بكر ما أخرجك ،قال :الجوع ،قال :وأنا أخرجني الجوع ] فكشف عن حجرين قد
وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه -إشارة -كان عليه السالم نائب الحق ،فهو وجهه في
العالم ،فكان الحق يقول له «:قُ ْل ِإنَّما أَنَا بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم »أي استتر بعبوديتك ،
ّللا يمكن حصرهم في األجناس اآلتية ، وال تظهر مكانتك عندي .واعلم أن جميع ما سوى ه
وهم الملك والفلك والكوكب والطبيعة والعنصر والمعدن والنبات والحيوان واإلنسان ،
وما من صنف ذكرناه من هؤالء األصناف إال وقد عبد منهم أشخاص ،
فمنهم من عبد المالئكة ،ومنهم من عبد الكواكب ،ومنهم من عبد األفالك ،
ومنهم من عبد العناصر ،ومنهم من عبد األحجار ،
ومنهم من عبد األشجار ،ومنهم من عبد الحيوان ،ومنهم من عبد الجن واإلنس ،فالمخلص
في العبادة التي هي ذاتية له أن ال يقصد إال من أوجده وخلقه ،
ّللا تعالى ،فتخلص له هذه العبادة وال يعامل بها أحدا ممن ذكرناه ،أي ال يراه في شيء وهو ه
فيذل له ،واعلم أنه ما من شيء في الكون إال وفيه ضرر ونفع ،فاستجلب بهذه الصفة اإللهية
ص 35
35
نفوس المحتاجين إليه الفتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار ،فأداهم ذلك إلى عبادة األشياء وإن
ّللا
ّللا ما أودعه في خلقه ،وما جعل في الثقلين من الحاجة إلى ما أودع ه لم يشعروا ،ولما علم ه
في الموجودات وفي الناس بعضهم إلى بعض قال «:فَ َم ْن كانَ يَ ْر ُجوا ِلقا َء َر ِبه ِه »
ّللا عليهّللا صلهى ه ّللا ليدل على حالة الرضى من غير احتمال ،كما ذكره رسول ه فذكر لقاء ه
وسلم وذلك في الجنة ،فإنها دار الرضوان ،
ع َم ًال صا ِلحا ً »أي ال يشوبه فساد ،والصالح الذي ال يدخله ّللا سعيد «فَ ْليَ ْع َم ْل َ فما كل من لقي ه
خلل ،فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح ،وليس الخلل في العمل وعدم الصالح فيه إال الشرك ،
ّللا ال لغيره ، فقال َ «:وال يُ ْش ِر ْك بِ ِعبا َدةِ َر ِبه ِه أ َ َحدا ً »أي ال يذل إال ه
ّللا في دفع ما
ّللا وأنه الواضع أسباب المضار والمنافع ،لجأ إلى ه ألنه إذا لم ير شيئا سوى ه
يضره ونيل ما ينفعه من غير تعيين سبب ،ونكر« أ َ َحدا ً » فدخل تحته كل شيء له أحدية ،
وعم كل ما ينطلق عليه اسم أحد ،وهو كل شيء في عالم الخلق واألمر ،
وعم الشرك األصغر ،وهو الشرك الذي في العموم ،وهو الربوبية المستورة المنتهكة ،في
مثل فعلت وصنعت وفعل فالن ولوال فالن ،فهذا هو الشرك المغفور ،فإنك إذا راجعت
ّللا تعالى ،
أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى ه
ّللا إلها آخر ،وهو الظلم العظيم ، والشرك الذي في الخصوص ،فهم الذين يجعلون مع ه
ّللا إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم ّللا عليه وسلم [ :إن ه ّللا صلهى ه قال رسول ه
ّللا ورجل كثير وكل أمة جاثية ،فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل ه
ّللا للقارئ :ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي ؟ المال ،فيقول ه
قال :بلى يا رب ،قال :فما ذا عملت فيما علمت ؟ قال :كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ،
ّللا له :كذبت ،وتقول المالئكة له :كذبت ، فيقول ه
ّللا له :ألم
ّللا :إنما قرأت ليقال فالن قارئ فقد قيل ذلك ،ويؤتى بصاحب المال فيقول ه ويقول ه
أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال :بلى يا رب ،قال :فما ذا عملت فيما آتيتك ؟
ّللا له :كذبت ،وتقول له المالئكة :كذبت ، قال :كنت أصل الرحم وأتصدق ،فيقول ه
ّللا فيقول ّللا له :بل أردت أن يقال فالن جواد فقيل ذلك ،ويؤتى بالذي قتل في سبيل ه ويقول ه
ّللا :فيما ذا قتلت ؟ ه
ّللا له :كذبت ،وتقول له المالئكة فيقول :أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ،فيقول ه
ّللا
ّللا له :بل أردت أن يقال فالن جريء فقد قيل ذلك ،ثم ضرب رسول ه :كذبت ،ويقول ه
ّللا عليه وسلم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثالثة أول من يسعر صلهى ه
ص 36
36
بهم النار يوم القيامة ]
فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه ،
ع َم ًال صا ِلحا ً َوال يُ ْش ِر ْك بِ ِعبا َدةِ َر ِبه ِه أ َ َحدا ً " ّللا تعالى ":فَ َم ْن كانَ يَ ْر ُجوا ِلقا َء َر ِبه ِه فَ ْليَ ْع َم ْل َ يقول ه
وجاء في الحديث الغريب الصحيح [ من عمل عمال أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي
أشرك ] فنكر تعالى العمل وما خص عمال من عمل ،والضمير في فيه يعود على العمل ،
والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك ،وضمير هو يعود على المشرك -تحقيق
إخالص العمل هّلل من الشرك
[ -اإلخالص في العمل ]
ّللا ،كما هو في نفس -اْلخالص في العمل -هو أن تقف كشفا على أن العامل ذلك العمل هو ه
ّللا تعالى فيه ما األمر ،أي عمل كان ذلك العمل ،مذموما أو محمودا أو ما كان ،فذلك حكم ه
ّللا ال يتبرأ من العمل فإنه العامل بال شك ،فإخالص العمل هّلل هو هو عين العمل ،لذلك فإن ه
ّللا
ّللا من العمل ،ألن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر ه نصيب ه
فيه عمله ،فيلتبس األمر للصورة الظاهرة ،والصورة الظاهرة ال تشك أن العمل بالشهود
مصرفة ألمر آخر ، ه ظاهر منها ،فهي إضافة صحيحة ،فإن البصر ال يقع إال على آلة وهي
ال يقع الحس الظاهر عليه ،بدليل الموت ووجود اآللة وسلب العمل ،فإذن اآللة ما هي العامل
،والحس ما أدرك إال اآللة ،فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه اآللة
والمصرف لها ،المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاملة الناطقة والحيوانية ،فقد
انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس ،
فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود -في الجمع والوجود -في النفس الناطقة ما أدرك أهل
النظر في اآللة المحسوسة سواء ،فعرفوا أن ما وراء النفس الناطقة هو العامل ،وهو مسمى
ّللا ،فالنفس في هذا العمل كاآللة المحسوسة سواء ،ومتى لم يدرك هذا اإلدراك فال يتصف ه
عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة ،مع ثبوت اآلالت وتصرفها لظهور صورة العمل من
العامل ،
فالعالم كله آالت الحق فيما يصدر عنه من األفعال ،
ّللا ورسوله ّللا على العباد ،قالوا :ه ّللا عليه وسلم فيما صح عنه [ :أتدرون ما حق ه قال صلهى ه
ّللا على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،ثم قال :أتدرون ما حقهم أعلم ،قال :إن حق ه
عليه إذا فعلوا ذلك ،أن يدخلهم الجنة ]
ّللا عليه وسلم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع األشياء ،وهو قوله تعالى« فَ َم ْن كانَ فنكر صلهى ه
ع َم ًال صا ِلحا ً َوال يُ ْش ِر ْك ِب ِعبا َدةِ َر ِبه ِه أ َ َحدا ً " يَ ْر ُجوا ِلقا َء َر ِبه ِه فَ ْليَ ْع َم ْل َ
-وجه آخر -في تفسير قوله تعالى في هذه اآلية ،
ص 37
37
كأنه تعالى يقول :إن الحق ال يعبد من حيث أحديته ،ألن األحدية تنافي وجود العابد ،فكأنه
يقول :ال يعبد إال الرب من حيث ربوبيته ،فإن الرب أوجدك ،فتعلق به وتذلل له وال تشرك
األحدية مع الربوبية في العبادة ،فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية ،
فإن األحدية ال تعرفك وال تقبلك ،فيكون تعبد في غير معبد ،وتطمع في غير مطمع ،وتعمل
في غير معمل ،وهي عبادة الجاهل ،فنفى عبادة العابدين من التعلق باألحدية ،فإن األحدية ال
ّللا فال أحدية له مطلقا ،
تثبت إال هّلل مطلقا ،وإنما ما سوى ه
فهذا هو المفهوم من هذه اآلية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن ،ويأخذ أهل الرسوم
في ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى ،فيحملون األحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء ،
وهو تفسير صحيح أيضا ،فالقرآن هو البحر الذي ال ساحل له ،إذ كان المنسوب إليه يقصد به
جميع ما يطلبه الكالم من المعاني بخالف كالم المخلوقين .
ص 38
38
[سورة مريم ( : ) 19آية ] 3
ِإ ْذ نادى َربههُ ِنداء َخ ِفيًّا ) ( 3
ّللا ،مبرأة
ّللا ،مثنيا عليها بكالم ه
ّللا ،محال لكلمة ه
لما كانت مريم محررة هّلل ،حاملة لروح ه
ّللا ،
بشهادة ما سقط من التمر في هزها جذع النخلة اليابس ونطق ابنها في المهد بأنه عبد ه
ّللا ،فنادى ربه نداء
ّللا ،فتمنى مثلها على ه
ّللا ،لهذا غبطها زكريا نبي ه
وباّلل وعن ه
ه فكانت هّلل
خفيا .
ص 39
39
ّللا ما
مرتبة األولية في هذا االسم ،فبه يحيا كل من يحيا من الناس من تقدم ومن تأخر ،فإن ه
جعل له من قبل سميا ،فكل يحيى تبع له ،فبظهوره ال حكم لهم ،وبعد ذلك وقع االقتداء به
ّللا يحيى ،أي يحيا به ذكر زكريا ،فجمع بين حصول الصفة في اسمه ليرجع إليه ،وسماه ه
ّللا ألحد قبل يحيى بين ذلك إال لزكريا عناية منه .
وبين االسم العلم ،وما جمع ه
ولما سلهط عليه الجبار عدوه فقتله ،وما حماه منه وال نصره باقتراح بغ ه
ي على باغ ،فإنه أراد
بقاءه حيا فقتله شهيدا ،فأبقى حياته عليه ،فجمع له بين الحياتين فسماه يحيى ،وأثرت فيه همة
أبيه لما أشرب قلبه من مريم ،وكانت منقطعة من الرجال فجعله حصورا بهذا التخيل ،وجاء
ّللا يأتي بالموت يوم القيامة فيوضع بين الجنة والنار ليراه هؤالء وهؤالء
في الخبر أن ه
ويعرفون أنه الموت ،في صورة كبش أملح ،فيذبحه يحيى عليه السالم خاصة ،
سر اسمه ،فإن الموت ضد له وال يبقى معه ،والدار دار الحيوان فال بد من إزالة وذلك من ه
الموت ،فال مزيل له سوى يحيى .
ص 40
40
ي َه ِيه ٌن َوقَ ْد َخلَ ْقت ُ َك »أي قدهرتك« ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم ت َكُ َ
شيْئا ً علَ َّ
خالف ما خلق له« قا َل َرب َُّك ُه َو َ
»المقصود هو شيئية الوجود ألنه جاء بلفظة تك ،وهي حرف وجودي فنفاه بلم ،أي ما كانت
لك شيئية الوجود ،وهي على الحقيقة شيئية الظهور ،
فإياك أن تتوهم أن هذا الخطاب لزكريا في حق نفسه إلبطال المعنى فيه ،فإن خلق ابنه أعجب
من خلقه في حكم العادة ،ألن زكريا عليه السالم قد أظهر العلة ،فلو أحاله على خلق نفسه لما
أتاه بأعجب مما تعجب منه ،وإنما أشار إليه بذلك أن ينظر في أول موجود ،وهي الحقيقة
اإلنسانية قبل كل شيء ،
وهي أم األشياء كلها وليست من شيء ،وهي سبب كل شيء ،وليست مسببة لشيء ،ولهذا
شيْئا ً » قال له« َولَ ْم ت َكُ َ
ّللا تعالى في خلق الجسد اآلدمي ( خلقكم فإن هذا الخلق الترابي اآلدمي مسبب عن أشياء ،قال ه
من تراب )
ثم قال ( من طين ) وهو خلط الماء والتراب ،وقال ( من حمأ مسنون )
وهو المتغير الريح وهو جزء الهواء ،وقال ( من صلصال كالفخار ) وهو جزء النار ،فهذه
شيْئا ً »فإنه قد كان شيئا أمهات الجسد اآلدمي ،وهي كثيرة ،فال يصح على هذا قوله« َولَ ْم ت َكُ َ
وانتقل في أطوار العالم من شكل إلى شكل حتى صار على هذه الصفة ،فقوله على ما تعطيه
شيْئا ً »إنما يشير الحقائق ويعظم التعجب عند زكريا عليه السالم« َوقَ ْد َخلَ ْقت ُ َك ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم ت َكُ َ
إلى البروز األول من غير شيء ،ألن زكريا عليه السالم إنما تعجب من بشراه له تعالى
بيحيى على كبره وامرأته عاقر ،فذكر له ما هو أعجب من ذلك وهو إخراج الشيء من العدم
إلى الوجود ،فإن النقلة في مراتب الوجود من وجود إلى وجود باختالف األحوال أهون من
إبراز المعدوم ،فلهذا كان أعجب مما تعجب منه زكريا ،ومن هذا تعجبت امرأة إبراهيم عليه
السالم حين بشرت بإسحاق عليه السالم ،
يب ) ع ِج ٌ ش ْي ٌء َ شيْخا ً ِ ،إ َّن هذا لَ َ وز َوهذا بَ ْع ِلي َ ع ُج ٌ فقالت ( يا َو ْيلَتى أ َ أ َ ِل ُد َوأَنَا َ
فشرك بينهما في العلم ،ألن التعجب ّللا تعالى بين المرأة والرجل في هذا التعجب ،ه فشرك ه
ه
شيْئا ً »يعني ولم تك موجودا ،فظهر لعينه وإن كان في شيئية على قدر العلم ،ف« لَ ْم ت َكُ َ
ثبوته ظاهرا متميزا عن غيره بحقيقته ،ولكن لربه ال لنفسه ،
يقول لزكريا عليه السالم :
فكن معي في حال وجودك من عدم االعتراض في الحكم والتسليم لمجاري األقدار كما كنت
في حال عدمك .ويقول لإلنسان :ينبغي لك أن تكون وأنت في وجودك من الحال معي كما
كنت وأنت في حال عدمك من قبولك ألوامري وعدم اعتراضك .
يأمره بالوقوف عند
ص 41
41
حدوده ومراسمه ،فيتكلم حيث رسم له أن يتكلم ،ويتكلم بما أمره به أن يتكلم -راجع آية 21
.-
[ سورة مريم ( : ) 19اآليات 10إلى ] 11
س ِويًّا ( ) 10فَ َخ َر َ
ج عَلى قَ ْو ِم ِه ِم َن ب اجْ عَ ْل ِلي آيَة قا َل آيَت ُكَ أَاله ت ُ َك ِلّ َم النه َ
اس ث َ َ
الث لَيا ٍل َ قا َل َر ّ ِ
شيًّا ) ( 11 س ِبّ ُحوا بُ ْك َرة َو َ
ع ِ ب فَأ َ ْوحى ِإلَ ْي ِه ْم أ َ ْن َ
ا ْل ِمحْ را ِ
ّللا تعالى زكريا عليه السالم بصمت ثالثة أيام ،وأن يأمر قومه بالذكر بكرة وعشية ، أمر ه
ليسوي بذلك بين ظاهره مع وجود باطنه فيحيا ،ويستعين بذكر قومه لمناسبتهم إياه إذ كانوا ال
يصلحون للصمت ،فالذكر أولى بهم .
ص 42
42
أعم ،فاعلم أن التعريف الذي جاء به عيسى ما هو تعريف عين بل هو تعريف جنس ،فال
فرق بينه باأللف والالم وبين عدمهما ،فعيسى ويحيى في السالم على السواء كما هما في
الصالح كذلك ،
صا ِل ِحينَ )فعيهنه في النكرة ،وقال في
ّللا تعالى قال عن يحيى عليه السالم( َونَبِيًّا ِمنَ ال َّ
فإن ه
عيسى ( ومن الصالحين ) فعيهنه في النكرة .
ص 43
43
بينه تعالى وبين مريم في إيجاد عيسى
[ دقيقة :لم غلب على أمة عيسى القول بالصورة ]
-دقيقة -لما كان وجود عيسى عليه السالم عن تمثل روح في صورة بشر ولم يكن عن ذكر
بشري ،لهذا غلب على أمة عيسى ابن مريم دون سائر األمم القول بالصورة ،فيصورون في
كنائسهم مثال ويتعبدون في أنفسهم بالتوجه إليها ،فإن أصل نبيهم عليه السالم كان عن تمثل ،
فسرت تلك الحقيقة في أمته إلى اآلن .
ص 44
44
ّللا تعالى عيسى حجة
فإن الخصم يقول ال ولد إال من والد ،وال بيضة إال من دجاجة ،فأراهم ه
عليهم ،ولذلك كان آية .
ص 45
45
[سورة مريم ( : ) 19آية ] 23
خاض ِإلى ِج ْذعِ النه ْخلَ ِة قالَتْ يا لَ ْيت َ ِني ِمتُّ قَ ْب َل هذا َو ُك ْنتُ نَ ْ
سيا َم ْن ِ
سيًّا ( ) 23 ُ فَأَجا َء َها ا ْل َم
[ مده حمل عيسى عليه السالم ]
عيسى عليه السالم لم يلبث في البطن اللبث المعتاد ،فإنه لم ينتقل في أطوار النشأة الطبيعية
بمرور األزمان المعتادة ،بل كان انتقاله يشبه البعث ،أعني إحياء الموتى يوم القيامة في
الزمان القليل على صورة ما جاءوا عليها في الزمان الكثير .
واعلم أنه ال عذاب على النفوس أعظم من الحياء ،حتى يود صاحب الحياء ان لم يكن شيئا
ت قَ ْب َل هذا َو ُك ْنتُ نَسْيا ً َم ْن ِسيًّا »كما قالت الكاملة« يا لَ ْيتَنِي ِم ُّ
ّللا ،حياء من الناس ،لما علمت من طهارة بيتها قالت ذلك وهي بريئة في نفس األمر عند ه
وآبائها ،فخافت من إلحاق العار بهم من أجلها ،فهذا حياء من المخلوق كيف نسبوا إليها ما ال
ّللا مما نسبوا إليها لما نالها من عذاب الحياء من قومها ، يليق ببيتها وال بأصلها ،فبرأها ه
ّللا إلى مريم ،ال غير ذلك ، فإن عيسى عليه السالم هو عين الكلمة التي ألقاها ه
ّللا وكالما لها مثل كالمه لموسى عليه وال علمت غير ذلك ،فلو كانت الكلمة اإللهية قوال من ه
ت قَ ْب َل هذا َو ُك ْنتُ نَسْيا ً َم ْن ِسيًّا »فلم تكن الكلمة اإللهية التي السالم لسرت ولم تقل« يا لَ ْيتَنِي ِم ُّ
ّللا وكلمته ،وهو عبده ، ألقيت إليها إال عين عيسى روح ه
ّللا عن أمه بنطقه ما كان فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة المعتادة ليكون آية ،فنفهس ه
ّللا عنه. أصابها من كالم أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها ه
46
[سورة مريم ( : ) 19اآليات 26إلى ] 28
ص ْوما فَلَ ْن
من َ
لرحْ ِ ع ْينا فَ ِإ هما ت َ َر ِي هن ِم َن ا ْلبَش َِر أ َ َحدا فَقُو ِلي ِإ ِنّي نَذَ ْرتُ ِل ه
فَ ُك ِلي َواش َْر ِبي َوقَ ِ ّري َ
ش ْيئا فَ ِريًّا ( ) 27يا
ت َ سيًّا ( ) 26فَأَتَتْ بِ ِه قَ ْو َمها تَحْ ِملُهُ قالُوا يا َم ْريَ ُم لَقَ ْد ِجئْ ِ أ ُ َك ِلّ َم ا ْليَ ْو َم إِ ْن ِ
س ْو ٍء َوما كانَتْ أ ُ ُّم ِك بَ ِغيًّا ( ) 28 ام َرأ َ َ وك ْكان أَبُ ِ
ون ما َ هار َ أ ُ ْختَ ُ
هارونَ » ] ت ُ [ « يا أ ُ ْخ َ
هارونَ »فإن مريم ت ُ هارونَ »المقصود هنا هارون عليه السالم ،وقولهم «يا أ ُ ْخ َ ت ُ « يا أ ُ ْخ َ
أخت له دينا ونسبا ،فإذا قيل إنه ما هو أخوها ألن بينهما زمانا طويال ،
قلنا :أال ترى إلى قوله تعالى( َوإِلى ث َ ُمو َد أَخا ُه ْم صا ِلحا ً ) *ما هذه األخوة ؟
أترى هو أخو ثمود ألبيه وأمه فهو أخوهم ؟
فسمى القبيلة باسم ثمود ،وكان صالح من نسل ثمود ،فهو أخوهم بال شك ،ثم جاء بعد ذلك
بالدين ،أال ترى أصحاب األيكة لما لم يكونوا من مدين ،وكان شعيب من مدين ،فقال في
شعيب أخو مدين ( وإلى مدين أخاهم شعيبا )
ولما جاء ذكر أصحاب األيكة قال ( إذ قال لهم شعيب ) ولم يقل أخاهم ،ألنهم ليسوا من مدين
وشعيب من مدين .
ص 47
47
[سورة مريم ( : ) 19آية ] 30
ي ا ْل ِك َ
تاب َو َجعَلَ ِني نَ ِبيًّا ) ( 30 ّللا آتا ِن َ قا َل ِإ ِنّي َ
ع ْب ُد ه ِ
ّللا الحكم صبيا وهو رضيع في المهد ،فقد أيده ببيان ذلك ، لما كان عيسى عليه السالم قد آتاه ه
فنطق عليه السالم في المهد باإلقرار والجحد ،وبدأ عليه السالم في نطقه بالعبودية ،فقال
ّللا ،
لقومه في براءة أمه لما علم من نور النبوة التي في استعداده أنه ال بد أن يقال فيه إنه ابن ه
ّللا »فبدأ في أول تعريفه وشهادته في الحال الذي ّللا« ِإ ِنهي َ
ع ْب ُد َّ ِ فقال عن نفسه إخبارا بحاله مع ه
ال ينطق مثله في العادة ،فما أنا ابن ألحد ،فأمي طاهرة بتول ،ولست بابن هّلل ،كما أنه ال
ّللا مثلكم ،فحكم على نفسه بالعبودية هّلل ،وما قال يقبل الصاحبة ال يقبل الولد ،ولكني عبد ه
تاب »فحصل له إنجيله قبل بعثه ،فكان على بينة من ربه ، ي ْال ِك َ ابن فالن ألنه لم يكن ث هم« آتانِ َ
فحكم بأنه مالك كتابه اإللهي« َو َجعَلَنِي نَبِيًّا »فنطق بنبوته في وقتها عنده وفي غير وقتها عند
ّللا في األنبياء قبله ،الحاضرين ،ألنه ال بد له في وقت رسالته أن يعلم بنبوته كما جرت عادة ه
وحكم بأن النبوة بالجعل لئال يتخيل أن ذلك بالذات ،بل هو اختصاص إلهي .
ص 48
48
فأراد ما دام في عالم التكليف والتشريع ،يعني حياة التكليف في ظاهر األمر عند السامعين ،
وعندنا أنه لما أوصاه بالصالة والزكاة وهي العبادة ،دل على أنه ال يزال حيا أينما كان ،
وإن فارق هذا الهيكل بالموت فالحياة تصحبه ،ألنها صفة نفسية له ،وال سيما وقد جعله روح
ّللا .
ه
ص 49
49
يحيى ،فهذا مقام أول لهذا المقام الثاني ،فإن يحيى من الحياة ،وهي مسخرة لعيسى عليه
»فعرف عليه السالم ه علَ َّ
ي سال ُم َ
السالم فإنه كان يحيي الموتى ،لهذا قلنا فيه أعلى في قوله« َوال َّ
بما له قبل فطامه ،وحكم على نفسه باالستقامة قبل استحكامه ،وشهد لنفسه بقبول الوصية
اإللهية ،بالصالة النورية والزكاة البرهانية ،وسلم على نفسه في الثالثة األحوال ،
ّللا إال هو فإنه لما كان عليه السالم في المهد داللة على براءة أمه مما نسب إليها لم يترجم عن ه
ّللا ،لعلمه بمرتبته من ربه وحظه« يَ ْو َم ُو ِلدْتُ » ي »يعني من ه علَ َّ
سال ُم َ
بنفسه ،فقال« َوال َّ
ّللا ،فسلمت من انتساب وجودي إلى سفاح أو نكاح ، بما نطقت فيكم به من أني عبد ه
ويعني له السالمة في والدته من تأثير العبد المطرود الموكل باألطفال عند الوالدة ،حين
يصرخ الولد إذا وقع من طعنته ،فلم يكن لعيسى عليه السالم صراخ ،بل وقع ساجدا هّلل
تعالى« َويَ ْو َم أ َ ُموتُ »يكذهب من يفتري عليه أنه قتل ،
فلم يقل ويوم أقتل ،فكأنه يقول :فأسلم من وقوع القتل الذي ينسب إلي من يزعم أنه قتلني ،
وهو قول بني إسرائيل ( إنا قتلنا المسيح ابن مريم )
ّللا فقال ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) فأكذبهم ه
ي غير فقال لهم إن السالم عليه يوم يموت سالما من القتل ،إذ لو قتل قتل شهادة ،والشهيد ح ه
ميت ،وال يقال فيه إنه ميت كما ورد عندنا النهي في ذلك ،
ثوكذلك لم يزل األمر ،فأخبر أنه يموت وال يقتل ،فذكر السالم عليه يوم يموت« َويَ ْو َم أ ُ ْبعَ ُ
َحيًّا »ثم ذكر أن السالم عليه يوم يبعث حيا في القيامة الكبرى ،أ هكد موته ،والقيامة موطن
سالمة األبرياء من كل سوء ،مثل األنبياء وغيرهم من أهل العناية ،
فهو صاحب سالمة في هذه المواطن كلها ،وما ثم موطن ثالث ،ما هي إال حياة دنيا وحياة
أخرى بينهما موت ،ثم نزه نفسه تعالى عما قاله أهل الضاللة من الضالل ،فقال .
ص 50
50
[ سورة مريم ( : ) 19اآليات 37إلى ] 39
س ِم ْع ِب ِه ْم َوأ َ ْب ِص ْريم ( ) 37أ َ ْ زاب ِم ْن بَ ْي ِن ِه ْم فَ َو ْي ٌل ِللهذ َ
ِين َكفَ ُروا ِم ْن َم ْ
ش َه ِد يَ ْو ٍم ع َِظ ٍ ف ْاألَحْ ُ اختَلَ َفَ ْ
س َر ِة إِ ْذ قُ ِض َ
ي ْاأل َ ْم ُر ين ) َ ( 38وأ َ ْنذ ِْر ُه ْم يَ ْو َم ا ْل َح ْ ون ا ْليَ ْو َم فِي َ
ضال ٍل ُمبِ ٍ ظا ِل ُم َ يَ ْو َم يَأْتُونَنا ل ِك ِن ال ه
ون ) ( 39 غ ْفلَ ٍة َو ُه ْم ال يُ ْؤ ِمنُ َ َو ُه ْم فِي َ
ّللا يظهر الموت وإن كان نسبة يوم القيامة في صورة كبش أملح ،وينادي يا أهل الجنة إن ه
فيشرئبون ،وينادي يا أهل النار فيشرئبون ،وليس في النار في ذلك الوقت إال أهلها الذين هم
أهلها ،فيقال للفريقين أتعرفون هذا ؟
-وهو بين الجنة والنار -فيقولون :هو الموت ،ويأتي يحيى عليه السالم وبيده الشفرة
فيضجعه ويذبحه ،وينادي مناد :يا أهل الجنة خلود فال موت ،ويا أهل النار خلود فال موت ،
وذلك هو يوم الحسرة ،فأما أهل الجنة إذا رأوا الموت سروا برؤيته سرورا عظيما ،ويقولون
ّللا لنا فيك ،لقد خلصتنا من نكد الدنيا وكنت خير وارد علينا ،وخير تحفة أهداها له بارك ه
الحق إلينا ،
ّللا عليه وسلم يقول : فإن النبي صلهى ه
[ الموت تحفة المؤمن ] وأما أهل النار إذا أبصروه يفرقون منه ويقولون له :لقد كنت شر
وارد علينا ،حلت بيننا وبين ما كنا فيه من الخير والدعة ،ثم يقولون له :عسى تميتنا
الكرة ،
فنستريح مما نحن فيه ،فذبح الموت أعظم حسرة ،وذبحه لتنقطع ه
[ يوم الحسرة ]
وإنما سمي يوم الحسرة ،ألنه حسر للجميع أي ظهر عن صفة الخلود الدائم للطائفتين ،ثم
تغلق أبواب النار غلقا ال فتح بعده ،وتنطبق النار على أهلها ويدخل بعضها في بعض ليعظم
انضغاط أهلها فيها ،ويرجع أسفلها أعالها وأعالها أسفلها ،
وترى الشياطين والناس فيها كقطع اللحم في القدر إذا كان تحتها النار العظيمة ،تغلي كغلي
الحميم ،فتدور بمن فيها علوا وسفال ،كلما خبت زدناهم سعيرا بتبديل الجلود ،
وقد يكون يوم الحسرة يوم القيامة يوم يقول الشقي :يا حسرتا على ما فرطت ،فهو يوم
الحسرة أي يوم الكشف إلظهاره ما كان يخفى ويبطن ،ألنه من حسرت الثوب عني فظهر ما
تحته أي أزلته ،أو من حسرت عن الشيء إذا كشفت عنه ،
فكأنه يقول :يا ليتني حسرت عن هذا األمر في الدنيا فأكون على بصيرة من أمري ،فإن أحدا
ال يؤاخذه على ما جناه سوى ما جناه ،فهو الذي آخذ نفسه فال يلومن إال نفسه ،
ومن أحوال ذلك اليوم أن المؤمن الذي ال علم له وهو من أهل الجنة ،يرى منازل العلماء
ص 51
51
ّللا إلى من هو من أهل النار من العلماء فيخلع عنه ثوب علمهباّلل فيتحسر ويندم ،فيعمد ه
ه
ويكسوه هذا المؤمن ليرقى به في منزلة ذلك العلم من الجنة ،ألنه لكل علم منزلة في الجنان ال
ينزل فيها إال من قام به ذلك العلم ،ألن العلم يطلب منزلته من الجنان ،والعالم الذي كان له
هذا العلم هو من أهل النار الذين هم أهلها ،
ّللا
والعلم ال يقوم بنفسه فينزل بنفسه في تلك المنزلة ،فال بد له من محل يقوم به ،فيخلعه ه
على هذا المؤمن السعيد الذي ال علم له فيرقى به العلم إلى منزلته ،فما أعظمها من حسرة ،
ّللا ال يبقي في الدنيا عند الموت عند أهل النار الذين هم أهلها سوى العلم الذي يليق أنفإن ه
يكون عليه أهل النار ،
وما عدا ذلك من العلوم التي ال تصلح أن تكون إال ألهل الجنة ،
ّللا بها على العالم به في الدنيا أو عند االحتضار شبهة يخطرها له تزيله عن العلم أو يدخل ه
تحيره ،ثم يموت على ذلك ،
وكان ذلك في نفس األمر علما ،فهذا الصنف من العلم هو الذي يخلع على أهل الجنان إذا لم
يتقدم لهم علم به في الدنيا ،ويطمع فيه من قد كان علمه من أهل النار فيقام عليه الحجة بأنه
مات على شبهة .
ص 52
52
[سورة مريم ( : ) 19آية ] 42
ع ْنكَ َ
ش ْيئا ) ( 42 س َم ُع َوال يُ ْب ِص ُر َوال يُ ْغ ِني َ ِإ ْذ قا َل ِأل َ ِبي ِه يا أَبَ ِ
ت ِل َم ت َ ْعبُ ُد ما ال يَ ْ
فهي شهادة بقصور نظره وعقله .
ص 53
53
غفلته ،ونسيانه ،فسماه عذابا ،فهو اسم مبشر لمن ح هل به بالرحمة أنها تدركه ،فما أعلم
األنساء بربهم .
ص 54
54
ال يخطر له خاطر الجزاء عليه من شكر وال غيره ،فإن اقترن به طلب شكر جزاء فليس
بوهب ،فالحق تعالى هو الوهاب على الحقيقة في جميع أنواع عطائه
ص 55
55
يقول :بالخرق ،ولوال الخرق ما رفع مكانا عليا ،وكان عليه السالم نبيا يدعو إلى كلمة
التوحيد ال إلى التوحيد ،فإن التوحيد ما أنكره أحد ،فإن مقاالت األنبياء في الحق لم تختلف ،
ألنهم ما قالوا عن نظر وإنما قالوه عن الواحد ،ولهذا ما دعوا الناس إال إلى كلمة التوحيد ال
إلى التوحيد ،ومن تكلم في الحق من نظره ما تكلم في محظور فإن الذي شرع لعباده توحيد
المرتبة ،وما ث هم إال من قال بها ،وما أخذ المشركون إال بالوضع من حيث كذبوا في
أوضاعهم واتخذوها قربة ولم ينزلوها منزلة صاحب تلك الرتبة األحدية ،
ّللا المكان العلي فنزل بفلك الشمس ،وهو الفلك الرابع وسط األفالك السماوية وهو ثم رفعه ه
القلب ،ألن فوقه خمس كور وتحته مثل ذلك ،
ص 56
56
ّللا قرن هذا السجود بآيات الرحمن ،والرحمة ال تقتضي
وسرور وآيات قبول ورضى ،فإن ه
ّللا
القهر والعظمة ،وإنما تقتضي اللطف والعطف اإللهي ،فدمعت عيونهم فرحا بما بشرهم ه
من هذه اآليات ،فالصورة صورة بكاء لجريان الدموع ،والدموع دموع فرح ال دموع ترح
وكمد وحزن ،ألن مقام االسم الرحمن ال يقتضيه .
من »والموعد ما وقع عليه الوعد ،وهو الر ْح ُ ع َد َّ ع ْد ٍن »وهي جنة اإلقامة« الَّتِي َو َ
ت َ « َجنَّا ِ
مقام اللطف« ِعبا َدهُ » مقام العبودية بإضافة االختصاص ،
ب " يريد مقام اإليمان ،وقد يريد بالغيب حالة أوان أخذ الميثاق على النفوس ،فكان « ِب ْالغَ ْي ِ
غيبا أي في عالم األمر والملكوت« إِنَّهُ كانَ َو ْع ُدهُ َمأْتِيًّا »حقا وصدقا .
ص 57
57
األكل إنما هو عين النعيم مما يكون به الغذاء للجسم ،فأهل الجنة يأكلون ويشربون عن شهوة
اللتذاذ ال عن جوع ،والصبوح شرب الغداة ،والغبوق شرب العشى ،وأما أهل النار فقد
ّللا باألكل والشرب في النار عن جوع وعطش . وصفهم ه
ص 58
58
[ تنزل األرواح واستنزالها ]
ّللا ،وهو قول جبريل ،فإن الخاصية ال تؤثر في « َوما نَتَن ََّز ُل ِإ َّال ِبأ َ ْم ِر َر ِبه َك »أي بإذن ه
المالئكة ،وال تنزل بها ،وذلك لمانع إلهي قوي يقتضيه مقام األمالك ،
أما أرواح الكواكب فتستنزل باألسماء والبخورات وأشباه ذلك ،وكذلك األرواح النارية ،
أما من كان تنزله بأمر ربه ال تؤثر فيه الخاصية ،فإن العالم النوراني خارجون عن أن يكون
للعالم البشري عليهم تولية ،فكل منهم على مقام معلوم عيهنه له ربه ،
فما يتنزل إال بأمر ربه ،فمن أراد تنزيل واحد منهم فيتوجه في ذلك إلى ربه ،
وربه يأمره ويأذن له في ذلك إسعافا لهذا السائل ،أو ينزله عليه ابتداء ،
ّللا عليه وسلم ّللا عليه وسلم هو ما قال له الحق أن يقول لنبيه صلهى ه وقول جبريل لمحمد صلهى ه
ّللا عن جبريل ،وجبريل هو الذي نزل به ، عن ربه ،ولهذا جعله من القرآن ،وهو حكاية ه
وما أخرجه نزوله به والحكاية عنه عن أن يكون قرآنا ،
ّللا تعالى عن جبريل أن لو قال لمحمد صلهى ه
ّللا ّللا تعالى ما حكى ه فكان جبريل يحكي عن ه
عليه وسلم ذلك لقاله له على هذا الحد في عالم الشهادة« َوما نَتَن ََّز ُل ِإ َّال ِبأ َ ْم ِر َر ِبه َك ،لَهُ ما بَيْنَ
أ َ ْيدِينا َوما خ َْلفَنا َوما بَيْنَ ذ ِل َك َوما كانَ َرب َُّك نَ ِسيًّا »فيما شاهده من قول جبريل لمحمد عليهما
السالم وهم أعيان ثابتة في حال عدمهم وخطاباتهم ،
أعيان ثابتة في حال عدمهم له ،فهو اإلشارة إليه بقوله «نَ ِسيًّا »فكانت الحكاية أمرا محققا عن
وجود هّلل محقق ال يتصف بالحدوث ،ثم حدث الوجود لتلك األعيان ،فأخبرت بما كان منها
قبل كونها مما شاهده الحق ولم تشهده لعدم وجودها في عينها ،ومن ذلك نعلم أن المعلم على
ّللا تعالى ،ورجوع التعليم بالواسطة وغير الواسطة إلى الرب ،ولذلك قال الملك« الحقيقة هو ه
َوما نَتَن ََّز ُل إِ َّال بِأ َ ْم ِر َر ِبه َك »« َوما كانَ َرب َُّك نَ ِسيًّا »
ّللا عليه وسلم يقول [ اتركوني ما تركتكم ] أي ال ينسى ،كان صلهى ه
وقال [ لو قلت نعم -للسائل عن الحج ك هل عام -لوجبت ]
ّللا عليه وسلم وكانت األحكام تحدث بحدوث السؤال عن النوازل ،فكان غرض النبي صلهى ه
حين علم ذلك أن يمتنع الناس عن السؤال ويجرون مع طبعهم ،حتى يكون الحق هو الذي
يتولى من تنزيل األحكام ما شاء ،فكانت الواجبات والمحظورات تقل ،
وتبقى الكثرة من قبيل المباحات التي ال يتعلق بها أجر وال وزر ،
فأبت النفوس ذلك وأن تقف عند األحكام المنصوص عليها ،فأثبتت لها علال وجعلتها مقصودة
للشارع ،وطردتها وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة بينهما اقتضاها
نظر الجاعل المجتهد ،ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من اإلباحة والعافية ،
فكثرت األحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس
59
59
والرأي واالستحسان َ «،وما كانَ َرب َُّك نَ ِسيًّا ».
ومن وجه آخر أنه ما ادعى أحد األلوهية سواه من جميع المخلوقات ،وأعصى الخالئق إبليس
،وغاية جهله أنه رأى نفسه خيرا من آدم لكونه من نار ،العتقاده أنه أفضل العناصر ،وغاية
ّللا
معصيته أنه أمر بالسجود آلدم فتكبر في نفسه عن السجود آلدم لما ذكرناه وأبى ،فعصى ه
ّللا كافرا ،فإنه جمع بين المعصية والجهل ،واإلنسان ادعى أنه الرب األعلى
في أمره فسماه ه
،فلهذا
ص 60
60
سان أَنَّا َخلَ ْقناهُ ِم ْن قَ ْب ُل »أي قدهرناه في حال شيئيته اإل ْن ُخص بالخطاب في قوله « أ َ َوال يَ ْذ ُك ُر ْ ِ
ش ْيءٍ ِإذا أ َ َر ْدناهُ )
المتوجه عليها أمرنا إلى شيئية أخرى ،لقوله تعالى ِ ( :إنَّما قَ ْولُنا ِل َ
يعني في حال عدمه ( أن نقول له كن فيكون ) وكن كلمة وجودية من التكوين ،
شيْئا ً »نبهه على أصله ، فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية المنفية بقوله« َولَ ْم يَكُ َ
ّللا لما امتن فأنعم عليه بشيئية الوجود ،فأحاله على هذه الصفة أن يكون مستحضرا لها ،فإن ه
علينا باالسم الرحمن ،وتوالنا منه سبحانه ابتداء الرحمة ،أخرجنا من الشر الذي هو العدم
ّللا تعالى بنعمة الوجود إلى الخير الذي هو الوجود ،ولهذا امتن ه
شيْئا ً »يريد منك في شيئيتك أن تكون معه سان أَنَّا َخلَ ْقناهُ ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم يَكُ َ فقال« أ َ َوال يَ ْذ ُك ُر ْ ِ
اإل ْن ُ
كما كنت وأنت ال هذه الشيئية ،
ف أ ُ ْخ َر ُج ت لَ َ
س ْو َ ّللا ،فإن اإلنسان لما قال منكرا( أ َ ِإذا ما ِم ُّ ّللا أن يعبد ه فالمراد من كل ما سوى ه
َحيًّا )
ّللا تعالى على نشأته األولى ، أحاله ه
شيْئا ً »وهذا فيه وجهان : اإل ْنسا ُن أَنَّا َخلَ ْقناهُ ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم يَكُ َ
فقال« أ َ َوال يَ ْذ ُك ُر ْ ِ
الوجه الواحد ،أن هذا الذي يقال له اإلنسان لم يك قبل ذلك إنسانا ،فشيئا هنا معناه إنسانا ،
كما تقول في جسد اإلنسان إذا مات إنه إنسان بحكم المجاز ،أي قد كان إنسانا ،فإنه ال يتغذى
وال يحس وال ينطق ،ومتى بطلت األوصاف الذاتية بطل الموصوف ،فقد كان اإلنسان قبل
أن يطلق عليه اسم إنسان ترابا وماء وهواء ونارا وروحا قدسيا إلهيا ،
برا ولحما وشحما وفاكهة وقد كان دما ثم انتقل نطفة وهي نشأة األين ،وقد كان ذلك الدم ه
وغير ذلك من المطعومات ،فقد كان اإلنسان أشياء لكن لم يكن إنسانا .
والوجه اآلخر ،أن يكون قد أحاله على حقيقته األولى التي هو فيها اإلنسان بالقوة ،وهو أول
البدء ،وهو شيء من ال شيء وال كان شيئا ،وأحاله في هذه اآلية على النظر الفكري الذي
يستدل به على معرفة الفاعل
-نصيحة –
اعلم أنه ما يكون منك وال تمتحن وتختبر حتى تم هكن من نفسك وتجعل قواك لك ،ويسدل
الحجاب بينك وبين ما هي األمور عليه ،حتى ترى ما يستخرج منك ،هذه هي الفتنة ،فإذا
أراد الرجل التخلص من هذه الورطة ،
فلينظر إلى األصل الذي كان عليه قبل الفتنة ،
سان أَنَّا َخلَ ْقناهُ ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم يَكُ َ
شيْئا ً اإل ْن ُ ّللا عليك إن تفطنت بقوله« أ َ َوال يَ ْذ ُك ُر ْ ِ وقد أحالك ه
ّللا إذ لم تكن شيئا وجوديا ،ما كنت عليه مع الحق ؟ »فانظر إلى حالك مع ه
ّللا في شيئية وجودك على ذلك الحكم ،ال تزد على ذلك شيئا إال ما اقتضاه الخطاب فلتكن مع ه
فقف عنده ،فإنه من بقي في حال وجوده مع
ص 61
61
ّللا في نعته وزاحمه في ّللا حقه ،ومن ادعى مع ه ّللا كما كان في حال عدمه فذلك الذي أعطى ه ه
سان أَنَّا َخلَ ْقناهُ ِم ْن قَ ْب ُل َولَ ْم صفاته أحاله من دائه العضال على استعمال دواء« أ َ َوال يَ ْذ ُك ُر ْ ِ
اإل ْن ُ
شيْئا ً »يقول له :كن معي في شيئية وجودك كما كنت إذ لم تكن موجودا ،فأكون أنا على يَكُ َ
ما أنا عليه ،وأنت على ما أنت عليه .
ص 62
62
ضيًّا » على َر ِبه َك َحتْما ً َم ْق ِ واردُها كانَ َ ِإ َّال ِ
[ الصراط ]
ّللا لنا ( وأن فالصراط المشروع الذي كان هنا معنى ينصب في اآلخرة حسا محسوسا ،يقول ه
ّللا
هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )ولما تال رسول ه
ّللا عليه وسلم هذه اآلية خط خطا وخط عن جنبتيه خطوطا ،وهذا الصراط صراط صلهى ه
ّللا هنا ،فهو من الموقف إلى النار مع المعطلة التوحيد ولوازمه وحقوقه ،فالمشرك ما وحد ه
ومن هو من أهل النار الذين هم أهلها ،إال المنافقين ،فال بد لهم أن ينظروا إلى الجنة وما فيها
من النعيم فيطمعون ،فذلك نصيبهم من نعيم الجنان ،ثم يصرفون إلى النار ،وهذا من عدل
ّللا ،فقوبلوا بأعمالهم ،والطائفة التي ال تخلد في النار إنما تمسك وتسأل وتعذب على الصراط ه
ّللا عليه ،وقد أتى في .والصراط على متن جهنم غائب فيها ،والكالليب التي فيه بها يمسكهم ه
وصف الصراط الحسي أنه أدق من الشعر وأحد من السيف ،وكذا هو علم الشريعة في الدنيا ،
فالشرع هنا هو الصراط المستقيم ،فهو أحد من السيف وأدق من الشعر ،وظهوره في اآلخرة
محسوس أبين وأوضح من ظهوره في الدنيا ،وقد ورد في الخبر أن الصراط يظهر يوم
القيامة متنه لألبصار على قدر نور المارين عليه ،فيكون دقيقا في حق قوم وعريضا في حق
آخرين ،فالطريق إلى الجنة على النار فال بد من الورود ،فعلى الحقيقة ما منا إال من يردها ،
فإنها الطريق إلى الجنة ،وإذ لم يبق في أرض الحشر من أهل الجنة أحد ،عاد الصراط كله
نارا .
[ سورة مريم ( : ) 19اآليات 72إلى ] 76
ت قا َل الهذ َ
ِين علَ ْي ِه ْم آياتُنا بَ ِيّنا ٍ ين ِفيها ِج ِثيًّا ) َ ( 72و ِإذا تُتْلى َ ظا ِل ِم َِين اتهقَ ْوا َونَذَ ُر ال ه ث ُ هم نُنَ ِ ّجي الهذ َ
س ُن نَ ِديًّا ( َ ) 73و َك ْم أ َ ْهلَ ْكنا قَ ْبلَ ُه ْم ِم ْن قَ ْر ٍن ُه ْم ي ا ْلفَ ِريقَ ْي ِن َخ ْي ٌر َمقاما َوأَحْ َ ِين آ َمنُوا أ َ ُّ
َكفَ ُروا ِللهذ َ
من َمدًّا َحتهى إِذا َرأ َ ْوا ما الرحْ ُ ضاللَ ِة فَ ْليَ ْم ُد ْد لَهُ هكان فِي ال ه س ُن أَثاثا َو ِر ْءيا ( ) 74قُ ْل َم ْن َ أَحْ َ
ف ُج ْندا ( َ ) 75ويَ ِزي ُد ضعَ ُ ون َم ْن ُه َو ش ٌَّر َمكانا َوأ َ ْ ساعَةَ فَ َ
سيَ ْعلَ ُم َ ذاب َو ِإ هما ال ه ُون ِإ هما ا ْلعَ َ
عد َ يُو َ
صا ِلحاتُ َخ ْي ٌر ِع ْن َد َر ِبّكَ ثَوابا َو َخ ْي ٌر َم َردًّا) ( 76 ِين ا ْهتَد َْوا ُهدى َوا ْلباقِياتُ ال ه ّللاُ الهذ َه
ص 63
63
[ سورة مريم ( : ) 19اآليات 77إلى ] 85
من
الرحْ ِ ب أ َ ِم ات ه َخذَ ِع ْن َد ه أ َ فَ َرأ َ ْيتَ الهذِي َكفَ َر ِبآيا ِتنا َوقا َل َألُوتَيَ هن ماال َو َولَدا ( ) 77أ َ ه
طلَ َع ا ْلغَ ْي َ
ب َمدًّا ( َ ) 79ونَ ِرثُهُ ما يَقُو ُل َويَأْتِينا ب ما يَقُو ُل َونَ ُم ُّد لَهُ ِم َن ا ْلعَذا ِ سنَ ْكت ُ ُ عهْدا ( َ ) 78كاله َ َ
ّللا آ ِل َهة ِليَكُونُوا لَ ُه ْم ِع ًّزا ) ( 81 ُون ه ِفَ ْردا ) َ ( 80وات ه َخذُوا ِم ْن د ِ
علَى ين َ س ْلنَا الش ِ
هياط َ علَ ْي ِه ْم ِضدًّا ) ( 82أ َ لَ ْم ت َ َر أَنها أ َ ْر َ ون َ سيَ ْكفُ ُر َ
ون ِب ِعبا َدتِ ِه ْم َويَكُونُ َ َكاله َ
ين ِإلَىعدًّا ( ) 84يَ ْو َم نَحْ ش ُُر ا ْل ُمت ه ِق َ ين تَؤ ُُّز ُه ْم أ َ ًّزا ( ) 83فَال ت َ ْع َج ْل َ
علَ ْي ِه ْم ِإنهما نَعُ ُّد لَ ُه ْم َ ا ْلكافِ ِر َ
من َو ْفدا ( ) 85 الرحْ ِ
ه
[ كيف يحشر المتقون إلى الرحمن ؟ ]
معلوم أنه ال يحشر إلى شيء من كان عند ذلك الشيء ،وال يحشر الرحمن إليه إال من ليس
عنده من حيث هذا االسم الخاص ،وهو عنده من حيث حكم اسم آخر غير هذا االسم ،فالعين
التي تحشر منها هي العين التي تحشر إليها وبعينها ما وصفت به ،فانظر أي اسم يكون
مشهود المتقي فما تجده الرحمن ،وإن كان معه في حال اتقائه ،ولكن تحشر إليه لينفرد بك
دون أن يكون السم آخر تصرف فيك ،والمتقي هو الحذر الخائف الوجل ،وال يكون أحد
يشهد الرحمن الرحيم الرؤوف ويتقيه ،وإنما مشهود المتقي السريع الحساب الشديد العقاب
المتكبر الجبار ،ألن االتقاء والخوف من حكم المتقى منه ،فكان المتقي في حكم أمثال هذه
األسماء اإللهية فيتقي ويخاف ،ألن المتقي ما هو جليس الرحمن ،
إنما هو جليس الجبار المريد العظيم المتكبر فيتقي سطوته ،واالسم الرحمن ماله سطوة من
كونه الرحمن ،إنما الرحمن يعطي اللين والعطف والعفو والمغفرة ،فإن الرحمن ال يتهقى ،بل
هو محل موضع الطمع واإلدالل واألنس ،
فلذلك يحشر إليه من االسم الجبار الذي يعطي السطوة والهيبة ،فإنه جليس المتقين في الدنيا
مع كونهم متقين ،فالمتقي جليس االسم اإللهي الذي يقع منه الخوف في قلوب العباد ،فسمي
ّللا من هذا االسم إلى االسم اإللهي الذي يعطيه األمان مما كان جليسه متقيا منه ،فيحشره ه
خائفا منه ،وهو الرحمن ،
من َو ْفدا ً »أي يأمنون مما كانوا يخافون منه ،قال صلهى ه
ّللا الر ْح ِ ش ُر ْال ُمت َّ ِقينَ ِإلَى َّ
فقال« يَ ْو َم ن َْح ُ
عليه وسلم في حديث الشفاعة
ص 64
64
[ شفعت المالئكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين ]
فيقضي سياق الكالم أن يكون أرحم الراحمين يشفع أيضا ،فال بد ممن يشفع عنده ،وما ث هم إال
ّللا المتقين يوم
ّللا ،فيشفع اسمه أرحم الراحمين عند اسمه القهار والشديد العقاب ،لذا يحشر ه
ه
القيامة إلى الرحمن ليكون جليسهم ،فيزول عنهم االتقاء ويزول عنهم حكم هؤالء األسماء
األخر ،فيأمن المتقي سطوة الجبار القهار ،وعلى هذا األسلوب تأخذ األسماء اإللهية كلها ،
وهكذا تجدها حيث وردت في ألسنة النبوات إذا قصدت حقيقة االسم وتميزه من غيره ،فإن له
داللتين :داللة على المسمى به ،وداللة على حقيقته التي بها يتميز عن اسم آخر .
ص 65
65
لذاب في عينه لعظيم ما جاءه ،فانظر ما اكثف حجاب من اعتقد أن هّلل ولدا وما أشد عماه عن
الحقائق .
ص 66
66
) )20سورة طه مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ ّللا ّ
بسم ّ
هذه السورة أشرف سورة في القرآن في العالم السعيد ،فإنها السورة التي يقرؤها الحق تعالى
في الجنة على عباده بال واسطة ،فإذا تال الحق على أهل السعادة من الخلق سورة طه تالها
عليهم كالما ،وتجلى لهم فيها عند تالوته صورة ،فيشهدون ويسمعون ،فكل شخص حفظها
من األمة يتحلى بها هنالك كما تحلى بها في الدنيا بالحاء المهملة ،فإذا ظهروا بها في وقت
تجلي الحق بها وتالوته إياها تشابهت الصور ،فلم يعرف المتلو عليهم الحق من الخلق إال
بالتالوة ،فإنهم صامتون منصتون لتالوته ،وال يكون في الصف األول بين يدي الحق في
مجلس التالوة إال هؤالء الذين أشبهوه في الصورة القرآنية الطاهيهة ،وال يتميزون عنه إال
باإلنصات خاصة ،فال يمر على أهل النظر ساعة أعظم في اللذة منها ،فمن استظهر القرآن
ّللا له القرآن ،وصحت له اإلمامة ،هنا بجميع رواياته حفظا وعلما وعمال فقد فاز بما أنزل ه
وكان على الصورة اإللهية الجامعة ،فمن استعمله القرآن هنا استعمل القرآن هناك ،ومن
تركه هنا تركه هناك .
ص 67
67
تعالى ،فيعرف المحقق قطعا أنها مصروفة إلى غير الوجه الذي يعطيك التشبيه والتمثيل ،
وأن الحقيقة ال تقبل ذلك أصال ،ولكن تتفاضل العلماء السالمة عقائدهم من التجسيم ،فتتفاضل
العلماء في هذا الصرف عن هذا الوجه الذي ال يليق بالحق تعالى ،فطائفة لم تشبهه ولم تجسم ،
ّللا تعالى ،
ّللا ورسله إلى ه
وصرفت علم ذلك الذي ورد في كالم ه
ّللا في هذه األلفاظ ولم تدخل لها قدما في باب التأويل ،وقنعت بمجرد اإليمان بما يعلمه ه
والحروف ،من غير تأويل وال صرف إلى وجه من وجوه التنزيه ،بل قالت ال أدري جملة
ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْي ٌء ) واحدة ،ولكني أحيل إبقاءه على وجه التشبيه ،لقوله تعالى( لَي َ
ال لما يعطيه النظر العقلي ،وعلى هذا فضالء المحدثين من أهل الظاهر السالمة عقائدهم من
باّلل
التشبيه والتعطيل ،وطائفة أخرى من المنزهة عدلت بهذه الكلمات عن الوجه الذي ال يليق ه
تعالى في النظر العقلي ،عدلت إلى وجه ما من وجوه التنزيه على التعيين مما يجوز في النظر
العقلي أن يتصف به الحق تعالى ،بل هو متصف به وال بد ،
وما بقي النظر إال في هذه الكلمة ،هل المراد بها ذلك الوجه أم ال ؟
وال يقدح ذلك التأويل في ألوهته ،وربما عدلوا إلى وجهين وثالثة وأكثر على حسب ما تعطيه
الكلمة في وضع اللسان ،ولكن من الوجوه المنزهة ال غير ،
فإذا لم يعرفوا من ذلك الخبر أو اآلية عند التأويل في اللسان إال وجها واحدا قصروا الخبر أو
اآلية إلى تلك المصارف ،وقالت طائفة من هؤالء :يحتمل أن يريد كذا ،
وّللا أعلم أي ذلك أراد ،وطائفة أخرى ويحتمل أن يريد كذا ،وتعدد وجوه التنزيه ،ثم تقول :ه
تقوى عندها وجه ما من تلك الوجوه النزيهة بقرينة ما ، ه
قطعت لتلك القرينة بذلك الوجه على الخبر وقصرته عليه ،ولم تعرج على باقي الوجوه في
ذلك الخبر وإن كانت كلها تقتضي التنزيه ،وطائفة أخرى من المنزهة أيضا وهي العالية ،
فرغوا قلوبهم من الفكر والنظر وأخلوها ،إذ كان المتقدمون من الطوائف المتقدمة المتأولة
أهل فكر ونظر ،
فأشبهت في هذا العقد المحدثين السالمة عقائدهم ،حيث لم ينظروا وال تأولوا وال صرفوا ،بل
قالوا :ما فهمنا ،
فقال هؤالء بقولهم ثم انتقلوا عن مرتبة أولئك بأن قالوا :لنا أن نسلك طريقة أخرى في فهم هذه
الكلمات ،وذلك بأن نفرغ قلوبنا من النظر الفكري ،
ونجلس مع الحق تعالى بالذكر على بساط األدب والمراقبة والحضور والتهيؤ لقبول ما يرد
علينا منه تعالى ،
ّللا
حتى يكون الحق تعالى يتولى تعليمنا على الكشف والتحقيق ،لما سمعته يقوله ( واتقوا ه
ّللا
ّللا ) ويقول ( إن تتقوا ه
ويعلمكم ه
ص 68
68
يجعل لكم فرقانا ) .
ّللا تعالى ولجأت إليه ،وألقت عنها ما استمسك به الغير من فعند ما توجهت قلوبهم وهمهم إلى ه
دعوى البحث والنظر ونتائج العقول ،كانت عقولهم سليمة وقلوبهم مطهرة فارغة ،فعند ما
كان منهم هذا االستعداد تجلى الحق لهم معلهما ،فأطلعتهم تلك المشاهدة على معاني هذه
األخبار والكلمات دفعة واحدة ،وهذا ضرب من ضروب المكاشفة ،فإنهم إذا عاينوا بعيون
القلوب ما نزهته العلماء المتقدم ذكرهم باإلدراك الفكري ،لم يصح لهم عند هذا الكشف
والمعانية أن يجهلوا خبرا من هذه األخبار التي توهم ،وال أن يبقوا ذلك الخبر منسحبا على ما
فيه من االحتماالت النزيهة من غير تعيين ،بل يعرفون الكلمة والمعنى النزيه الذي سيقت له ،
فيقصرونها على ما أريدت له ،وإن جاء في خبر آخر ذلك اللفظ عينه فله وجه آخر من تلك
الوجوه المقدسة ،معيهن عند هذا الشاهد ،وطائفة أخرى ليس لهم هذا التجلي ،ولكن لهم
اإللقاء واإللهام واللقاء والكتابة ،وهم معصومون فيما يلقى إليهم بعالمة عندهم ال يعرفها
سواهم ،فيخبرون بما خوطبوا به وما ألهموا به وما ألقي إليهم أو كتب ،
وقد تقرر عند جميع المحققين الذين سلهموا الخبر لقائله ولم ينظروا وال شبههوا وال عطلوا ،
والمحققين الذين بحثوا واجتهدوا ونظروا على طبقاتهم ،والمحققين الذين كوشفوا وعاينوا ،
والمحققين الذين خوطبوا وألهموا ،
أن الحق تعالى ال تدخل عليه تلك األدوات المقيدة بالتحديد والتشبيه على حد ما نعقله من
المحدثات ،ولكن تدخل عليه بما فيها من معنى التنزيه والتقديس ،
على طبقات العلماء والمحققين في ذلك لما فيه وتقتضيه ذاته من التنزيه ،وإذا تقرر هذا ،
فقد تبيهن أنها أدوات التوصيل إلى أفهام المخاطبين ،وكل عالم على حسب فهمه فيها وقوة
نفوذه وبصيرته ،فعقيدة التكليف هينة الخطب ،فطر العالم عليها ،ولو بقيت المشبهة على ما
سمت ،وجاء في هذه اآلية االستواء على العرش بلفظ العرش فطرت عليه ما كفرت وال ج ه
نص
ولفظ االستواء ،وما هو نص في ظرفية المكان ،بخالف اسم لفظة المكان ،فإنه ه
بالوضع في ظرفيته ،والمتمكن في المكان نص فيه ،فعدل إلى االستواء والعرش ،
ليسوغ التأويل الذي يليق بالجناب العالي لمن يتأول وال بد ،واألولى التسليم هّلل فيما قاله ،ورد
ذلك إلى علمه سبحانه بما أراده في هذا الخطاب ،ونفي التشبيه المفهوم عنه ،بقوله ( ليس
كمثله شيء )
– المسألة الثانية في االستواء -ذكر تعالى أنه استوى على العرش على طريق التمدح
والثناء ،إذ كان العرش أعظم األجسام ،واالستواء حقيقة معقولة معنوية
ص 69
69
تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات ،وال حاجة لنا إلى التكلف في صرف
االستواء عن ظاهره ،فهو استواء منزه عن الحد والمقدار ،معلوم عنده ،غير مكيف وال
معلوم للعقول واألذهان ،وكما ال يلزم من الفوق إثبات الجهة ،كذلك ال يلزم من االستواء
إثبات المكان ،فذلك االستواء مجهول النسبة ،ثابت الحكم ،متوجه كما ينبغي لجالله نخلص
من ذلك إلى القول بأن استواء الرحمن ليس كاستواء األكوان ،
وأنه لو جلس عليه جلوسا كما يدعيه المشبهة لحدهه المقدار ،وقام به االفتقار إلى مخصص
ّللا محال ،فاالستقرار بمعنى الجلوس مختار ،ال تحيط به الجهات واألقطار ،واالفتقار على ه
عليه محال ،وال سبيل إلى هذا االعتقاد بحال ،
وما بقي فيه سوى أمرين مربوطين بحقيقتين ،األمر الواحد أن نصرف هذا االستواء إلى
االستيالء ،واألمر اآلخر أن نؤمن بها كما جاءت من غير تشبيه وال تكييف ،ونصرف العلم
وّللا أعلم ، ه
المنزه تأويله بقوله :ه بها إليه ،فإنه أسلم بالمؤمنين عند قدومهم عليه ،ولهذا يختم
لمعرفته بأن التنزيه قائم بذاته ،
ّللا في التأويل واستدراجه ،ولكن صرف هذه اآلية إلى هذا الحكم ال يلزم .فتحفظوا من مكر ه
واسألوه الثبات على منهاجه ،وطهروا قلوبكم بماء التقديس والتنزيه ،من التجسيم والتشبيه ،
فإنه ليس كمثله شيء ،وهو السميع البصير ،ويستوي ويجيء وينزل ،وهو في السماء وفي
األرض كما قاله ،وعلى المعنى الذي أراده ،من غير تشبيه وال تكييف ،وهو العليم القدير .
-المسألة الثالثة في معنى العرش
علَى ْالعَ ْر ِش » *أي على ملكه ،فالعرش عين الملك ، -الوجه األول َ «-
يقال :ث هل عرش الملك إذا اختل ملكه
-الوجه الثاني -العرش الذي استوى عليه الرحمن ،هو سرير ذو أركان أربعة ووجوه أربعة
،وله أربعة قوائم يحمله منها أربعة من المالئكة ،وفي كل نصف وجه قائمة ،فهي ثمانية
قوائم ،ال حامل لتلك األربعة اليوم إلى يوم القيامة ،فإذا كان في القيامة و هكل ه
ّللا بها من
يحملها ،
فيكونون في اآلخرة ثمانية وهم في الدنيا أربعة ،
وقوائم هذا العرش على الماء الجامد ،فالعرش إنما يحمله الماء الجامد ،والحملة التي له إنما
هي خدمة له تعظيما وإجالال ،
وذلك الماء الجامد مقره على الهواء البارد ،والعرش مجوف ،محيط بجميع ما يحوي عليه
من كرسي وأفالك وجنات وسماوات وأركان ومولدات ،
وبين مقعر العرش والكرسي فضاء واسع وهواء محترق ،والكرسي في العرش كحلقة ملقاة ،
ّللا العرش استوى عليه الرحمن واحد الكلمة ال مقابل لها ،فهو رحمة كله ،ليس ولما أوجد ه
فيه ما
ص 70
70
يقابل الرحمة ،وإن وقع ببعض العالم غصص ،فذلك لرحمة فيه .لوال ما جرعه إياها اقتضى
ذلك مزاج الطبع ومخالفة الغرض النفسي ،فهو كالدواء الكريه والطعم الغير المستلذ وفيه
رحمة للذي يشربه ويستعمله وإن كرهه ،فباطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ،وما
استوى عليه الرحمن تعالى إال بعد ما خلق األرض وقدهر فيها أقواتها ،وخلق السماوات
وأوحى في كل سماء أمرها ،
وفرغ من خلق هذه األمور كلها ،ورتب األركان ترتيبا يقبل االستحاالت لظهور التكوين
والتنقل من حال إلى حال ،وبعد هذا استوى على العرش ،فالعرش هو الجسم الكلي ،
واستوى عليه سبحانه باالسم الرحمن باالستواء الذي يليق به ،
الذي ال يعلمه إال هو ،من غير تشبيه وال تكييف ،وهو أول عالم التركيب ،وقد قال تعالى«
علَى ْالعَ ْر ِش ا ْستَوى »في معرض التمدح ،
من َالر ْح ُ
َّ
فلو كان في المخلوقات أعظم من العرش لم يكن ذلك تمدحا ،والعرش المذكور في هذه اآلية
مستوى الرحمن وهو محل الصفة -المسألة الرابعة في تفسير اآلية –
ّللا سبحانه ما استوى على عرش إال باالسم الرحمن ،إعالما بذلك أنه ما أراد باإليجاد اعلم أن ه
إال رحمة بالموجودين ،ولم يذكر غيره من األسماء ،وذكر االستواء على أعظم المخلوقات
إحاطة من عالم األجسام ،فإن اآلالم ليس محلها إال التركيب ،وأما البسائط فال تقبل في ذاتها
قيام معنى بها ،بل هي عين المعنى ،فتدل هذه اآلية على شمول الرحمة للعالم وإن طرأت
عوارض الباليا ،فإنها رحمة كما ذكرنا في شرب الدواء الكريه ،ليس المقصود منه عذاب
من شربه وال إيالمه ،وإنما المقصود من استعماله ما يؤول إليه من استعمله من الراحة
والعافية ،فللحق سبحانه تجل عام إحاطي ،وتجل خاص شخصي ،فالتجلي العام تجل
رحماني .
علَى ْالعَ ْر ِش ا ْستَوى »فمن معافى ومبتلى ،بحسب ما يحكم فيه من الر ْح ُ
من َ وهو قوله تعالى« َّ
األسماء إلى األجل المسمى ،
فتعم الرحمة التي وسعت كل شيء من الرحمن الذي استوى على العرش ،
فتعم النعم العالم ،فإن العرش ما حوى ملكه كله مما وجد ،وعرشه وسع كل شيء ،والنار
ومن فيها من األشياء ،والرحمة سارية في كل موجود ،والتجلي الخاص هو ما لكل شخص
باّلل ،والرحمن ال يظهر عنه إال مرحوم ،لذلك شخص من العلم ه
علَى ْالعَ ْر ِش ا ْستَوى »
ّللا عنه َ ":
ثم قال الشيخ ابن عطاء هللا رضي ه
لنعلم إذا ظهرت أعياننا وبلهغتنا سفراؤه هذا األمر شمول الرحمة وعمومها ،ومآل الناس
والخلق كلها إليها ،
علَى ْالعَ ْر ِش ا ْستَوى »لكفى الر ْح ُ
من َ فلو لم يكن من عظيم الرجاء في شمول الرحمة إال قوله« َّ
فإذا استقرت
71
71
الرحمة في العرش الحاوي على جميع أجسام العالم ،فكل ما يناقضها أو يريد رفعها من
األسماء والصفات فعوارض ال أصل لها في البقاء ،ألن الحكم للمستولي وهو الرحمن ،فإليه
يرجع األمر كله ،فيكون المآل للرحمة التي وسعت كل شيء ،فهو في الدنيا يرزق مع الكفر
ويعافي ويرحم ،فكيف مع اإليمان واالعتراف في الدار اآلخرة على الكشف كما كان في قبض
الذرية ؟
علَى ْالعَ ْر ِش »وقف واالبتداء" ا ْستَوى ". الر ْح ُ
من َ -إشارة -قرأ أبو العباس العريبي« َّ
ص 72
72
وهو خالف الجهر والعالنية
-الوجه الثاني -السر ما بينك وبينه ،وما هو أخفى ما يستر عنك عينه فالسر ما بين العبد
والحق ،واألخفى ما يعلمه سبحانه من العبد وال يعلمه العبد من نفسه أن يكون فيه ،فال يعلم
ّللا ،والسر يعلمه الزائد ،وما زاد فهو إعالن وزال عن درجة الكتمان ،فقوله« األخفى إال ه
َوأ َ ْخفى »األخفى عن صاحب السر هو ما ال يعلمه .
ّللا وحده ،ال مما يكون ال بد أن يعلمه خاصة ،فالعلم بما هو أخفى من السر ما ال يعلمه إال ه
سر ،وهو العلم الذي انفرد به سر ه ّللا ،فاألخفى هو ه
علم لهذا العبد به ،وال يمكن أن يعلمه إال ه
باّلل
الحق دون سواه ،فما هو أخفى من السر ما ال يعلم من األمر ،وما هو إال العلم ه
-الوجه الرابع -ومع هذا فإن األلف والالم لها حكم في مطلق اسم السر ،للشمول على جميع
ما ينطلق عليه اسم السر ،وما هو أخفى من ذلك السر ،ومن السر النكاح ،فمن أسمائه السر
،فيعلم ما ينتجه النكاح ،وهو قوله ( ويعلم ما في األرحام ) فإنه الخالق ما فيها ،
ولذلك فإن اإليجاد بمنزلة السر في النكاح ،واألخفى هو التوجه بتعلق القدرة بإيجاد موجود ما
،فنفذ االقتدار فكان أخفى من السر ،لجهلنا بنسبة هذا التوجه إلى الذات العلية ونسبة الصفات
إليها ،ألنها مجهولة ال تعرف فيعرف التوجه ،فأعقب ذلك بتوحيد الموجد لألشياء مع كثرة
النسب ،فهو واحد في كثير فقال :
ص 73
73
[األسماء الحسنى كلها للمرتبة ]
لحقائق جميع األسماء ،وهو دليل على مسمى ،وهو ذات مقدسة له نعوت الكمال والتنزيه
ّلل ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى » *فاألسماء كلها للمرتبة ،ولها ترتيب حقائق معقولة كثيرة من جهة
« ِ َّ ِ
النسب ال من جهة وجود عيني ،فإن ذات الحق واحدة من حيث ما هي ذات ،
ولكن لما كان وجودنا وافتقارنا وإمكاننا ال بد له من مرجح نستند إليه ،
وأن ذلك المستند ال بد أن يطلب وجودنا منه نسبا مختلفة ،كنهى الشارع عنها باألسماء الحسنى
وتسمى بها ،
فاّلل واحد وإن تكثرت أحكامه فإنها نسب وإضافات ،فهو من حيث نفسه له أحدية األحد ، ه
ومن حيث أسماؤه له أحدية الكثرة ،واألسماء الحسنى تبلغ فوق أسماء اإلحصاء عددا ،وتنزل
دون أسماء اإلحصاء سعادة ،وهي المؤثرة في هذا العالم ،
فإنه ليس في المخلوقات على اختالف ضروبها أمر إال ويستند إلى حقيقة ونسبة إلهية ،
وهي المفاتيح األول التي ال يعلمها إال هو ،وإن كان لكل حقيقة اسم ما يخصها من األسماء ،
فحقيقة اإليجاد يطلبها االسم القادر ،وحقيقة األحكام يطلبها االسم العالم ،وحقيقة االختصاص
يطلبها االسم المريد ،إلى غير ذلك من الحقائق ،فاألسماء الحسنى نسب وإضافات ترجع إلى
باّلل من بعض عين واحدة ،إذ ال يصح هناك كثرة بوجود أعيان فيه كما زعم من ال علم له ه
النظار ،ألن الصفات الذاتية للموصوف بها وإن تعددت ،فال تدل على تعدد الموصوف في
ّللا وهينفسه لكونها مجموع ذاته ،وإن كانت معقولة في التمييز بعضها عن بعض ،فأسماء ه
صفاته نسب وإضافات له ال أعيان زائدة ،لما يؤدي إلى نعتها بالنقص ،إذ الكامل بالزائد
ناقص بالذات عن كماله بالزائد ،وهو كامل لذاته ،فالزائد بالذات على الذات محال ،وبالنسب
واإلضافة ليس بمحال ،ولو كانت الصفات أعيانا زائدة وما هو إله إال بها ،
لكانت األلوهية معلولة بها ،فال يخلو أن تكون هي عين اإلله -فالشيء ال يكون علة لنفسه -
فاّلل ال يكون معلوال لعلة ليست عينه ،فإن العلة متقدمة على المعلول بالرتبة ، أو ال تكون ،ه
فيلزم افتقار اإلله من كونه معلوال لهذه األعيان الزائدة التي هي علة له ،وهو محال ،
ثم إن الشيء المعلول ال يكون له علتان ،وهذه كثيرة ،وال يكون إلها إال بها ،فبطل أن تكون
ّللا عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، األسماء والصفات أعيانا زائدة على ذاته ،تعالى ه
ّللا الحسنى نسب وإضافات ،منها ما يحتاج إليها الممكنات احتياجا ضروريا ،ومنها فأسماء ه
ما ال يحتاج إليها الممكنات ذلك االحتياج الضروري ،
ص 74
74
وقوة نسبتها إلى الحق أوجه من طلبها الخلق .
ولما كانت األسماء اإللهية نسبا تطلبها اآلثار ،لذلك ال يلزم ما تعطل حكمه منها ما لم يتعطل
فاّلل إله سواء وجد العالم أو لم يوجد ،
،وإنما يقدح ذلك لو اتفق أن تكون أمرا وجوديا ،ه
فلذلك قلنا :إنه سبحانه لو رحم العالم كله لكان ،ولو عذب العالم كله لكان ،ولو رحم بعضه
وعذب بعضه لكان ،ولو عذبه إلى أجل مسمى لكان ،فإن الواجب الوجود ال يمتنع عنه ما هو
ممكن لنفسه ،وال مكره له على ما ينفذه في خلقه ،بل هو الفعال لما يريد ،ولما كانت
الصفات نسبا وإضافات ،والنسب أمور عدمية ،وما ث هم إال ذات واحدة من جميع الوجوه ،
لذلك جاز أن يكون العباد مرحومين في آخر األمر ،وال يسرمد عليهم عدم الرحمة إلى ما ال
نهاية له إذ ال مكره له على ذلك ،والصفات واألسماء ليست أعيانا توجب حكما عليه في
األشياء ،فال مانع من شمول الرحمة للجميع ،وال سيما وقد ورد سبقها للغضب ،فإذا انته
الغضب إليها كان الحكم لها ،فكان األمر على ما قلناه ،
ولذلك قال تعالى ( ولو شاء ربك لهدى الناس جميعا ) فكان حكم هذه المشيئة في الدنيا
بالتكليف ،وأما في اآلخرة فالحكم لقوله (يَ ْفعَ ُل ما يُ ِري ُد )
فمن يقدر أن يدل على أنه لم يرد إال تسرمد العذاب على أهل النار وال بد ،أو على واحد في
العالم كله ؟
فكل ما ذكر في قوله :لو شاء ،ولئن شئنا ،ألجل هذا األصل ،
فله اإلطالق وما ث هم نص يرجع إليه ال يتطرق إليه االحتمال في تسرمد العذاب كما لنا في
تسرمد النعيم ،فلم يبق إال الجواز ،
وأنه رحمن الدنيا واآلخرة ،واألسماء اإللهية منها مشتركة وإن كان لكل واحد من المشتركة
معنى ،إذا تبين ظهر أنها متباينة ،فاألصل في األسماء التباين ،واالشتراك فيه لفظي ،ومنها
متباينة ،ومنها مترادفة ومع ترادفها فال بد أن يفهم من كل واحد معنى ال يكون في اآلخر ،
فعلمنا ما سمى به نفسه واقتصرنا عليها ،وقيدت األسماء بالحسنى لداللتها على المسمى
األسمى .
ص 75
75
ى »فانظر ما ار ُهد ً أنه ما قطع فيما أبصر أنه نار« لَعَ ِلهي آ ِتي ُك ْم ِم ْنها ِبقَبَ ٍس أ َ ْو أ َ ِج ُد َ
علَى النَّ ِ
أعجب قوة النبوة ألنه وجد الهدى ،وكل خير في السعي على الغير ،
والسعي على األهل من ذلك ،فمشى موسى عليه السالم في حق أهله ليطلب لهم نارا
يصطلون بها ويقضون بها األمر الذي ال ينقضي إال بها في العادة ،وما كان عنده خبر بما
جاءه ،
ّللا في عين حاجته وهي النار في الصورة فأسفرت له عاقبة ذلك الطلب عن كالم ربه ،فكلمه ه
،ولم يخطر له عليه السالم ذلك األمر بخاطر ،وأي شيء أعظم من هذا ؟
وما حصل له إال في وقت السعي في حق عياله ،ليعلمه بما في قضاء حوائج العائلة من
الفضل ،فيزيد حرصا في سعيه في حقهم ،فكان ذلك تنبيها من الحق تعالى على قدر ذلك عند
ّللا تعالى ،وعلى قدرهم ألنهم عبيده على كل حال ،وقد و هكل هذا على القيام بهم . ه
ص 77
77
[ خلع النعلين ]
القلب فطنا بمواقع الكالم ،غواصا في المعاني التي يقصدها من يناجيه بها -اعتبار -خلع
النعلين في االعتبار يشير إلى خلع صفة الجهل المختصة بالحمار ،ألن النعلين كانتا من جلد
حمار ميت ،فهو صفة جهل وموت ،والوادي المقدس في االعتبار يشير إلى صفة موسوية -
إشارة -خلعت النعالن إشارة لزوال شفعية اإلنسان .
ص 78
78
في النون المجاورة لها ،فسميت نون الوقاية ألنها وقت الحقيقة بنفسها ،فبقيت الحقيقة على ما
كانت عليه لم يلحقها تغيير ،فقال« ِإنَّ ِني أ َنَا َّ
ّللاُ »
ّللاُ »فغيرها ،وتغيير الحقيقة بالضمير في اإلن هو مقام تجليه ولوال نون الوقاية لقال« إِ ِنهي أَنَا َّ
في الصور يوم القيامة ،وما ث هم إال صورتان خاصة ال ثالث لهما ،صورة تنكر وصورة
تعرف ،ولو كان ما ال يتناهى من الصور فإنها محصورة في هذا الحكم ،إما أن تنكر أو
تعرف ،ال بد من ذلك ،فإذا قرئ« َوأَنَا ْ
اخت َ ْرت ُ َك »كان أحق باآلية وأنسب وأنفى للتغيير ،فإنه
ما زال التوحيد يصحبها إلى آخر اآلية .
ص 79
79
ظهور حكم ،وما وجد إال الحق فعاد عليه ،فجاء العبد فدخل بين اإلنية اإللهية والمؤثر فعمل
فيه ،قال أبو يزيد لربه :يا رب بما ذا أتقرب إليك ؟
فقال :بما ليس لي ،فقال :يا ربه وما ليس لك ؟
فقال :الذلة واالفتقار ،فعلم عند ذلك ما إلنهيهة الحق وما إلنية العبد ،وليست العناية من ه
ّللا
ببعض عباده إال أن يشهده هذا المقام من نفسه ،فما يزيد على العالم كله إال بالعلم به حاال
وذوقا ،وال يجني أحد ثمرة اإليثار مثل ما يجنيها صاحب هذا المقام ،فإن ثمرة اإليثار على
قدر من تؤثره على نفسك ،والذي تؤثره على نفسك هنا إنما هو الحق
-الوجه الثاني -النون الثانية نون الوقاية ،وهو تعالى الواقي ،فهو نون الوقاية ،وهو
ّللا
ضمير الياء ،فهذه إضافة الشيء إلى نفسه ،يروى أن موسى لما جاء من عند ربه كساه ه
نورا على وجهه يعرف به صدق ما ادعاه ،فما رآه أحد إال عمي من شدة نوره ،فكان يتبرقع
حتى ال يتأذى الناظر إلى وجهه عند رؤيته .
80
[ سورة طه ( : ) 20آية ] 20
ي َحيهةٌ ت َ ْ
سعى ( ) 20 فَأ َ ْلقاها فَ ِإذا ِه َ
81
يرت َ َها ْاألُولى »بشرى لموسى عليه السالم بمقام الفناء وتصحيح اللقاء ،فالعود
سنُ ِعيدُها ِس َ
« َ
رجوع إلى األصل .
ص 82
82
[إشارة :إلقاء موسى في التابوت وفي اليم ]
أرشد الحق تعالى أم موسى عليه السالم عند الخوف أن تلقيه من يدها وتخرجه عن حفظها ،
ع ْينِي ".
على َ ّللا تعالى يتواله بحفظه ويبقيه برحمته ،وأما قوله تعالىَ ":و ِلت ُ ْ
صنَ َع َ فإن ه
أي على حكم آيتي التي أوحيتها إلى أمك ( أن أرضعيه ،فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وال
تخافي وال تحزني ،إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) .
ويؤيد أن المراد ذلك كونه جعل ظرف صنعه على عينيه .
-إشارة -ألقي موسى عليه السالم في التابوت ألن الحكمة ما ظهرت إال بوجود الناسوت ،
وإلقاؤه في اليم إشارة إلى العلم ،أ هما كيف يصح اليم مع العلم ،ألنه لواله ما صح عند ذوي
ي ٍ ) ولذلك العلم تحيا به القلوب . ش ْيءٍ َح ه الفهم ،قال تعالى( َو َجعَ ْلنا ِمنَ ْال ِ
ماء ُك َّل َ
ص 83
83
[سورة طه ( : ) 20اآليات 43إلى ] 44
ْ
اذ َهبا ِإلى ِف ْرع َْو َن ِإنههُ َطغى ( ) 43فَقُوال لَهُ قَ ْوال لَ ِيّنا لَعَلههُ يَتَذَك ُهر أ َ ْو يَ ْخشى ( ) 44
« فَقُوال لَهُ قَ ْو ًال لَ ِيهنا ً »هو عين المداراة ،ألنه ما يؤمر بلين المقال إال من قوته أعظم من قوة
من أرسل إليه وبطشه أشد ،فإنه يأتي باللين ما يأتي بالقهر والفظاظة ،وال يأتي بالقهر ما
يأتي باللين ،فإن القهر ال يأتي بالرحمة والمودة في قلب المقهور ،وباللين ينقضي المطلوب ،
وتأتي المودة فتلقيها في قلب من استملته باللين ،وصاحب اللين ال يقاوم ،فإنه ال يقاوم لما
يعطيه اللين من الحكم ،ولما علم الحق أنه قد طبع على كل قلب مظهر للجبروت والكبرياء ،
وأنه في نفسه أذل األذالء ،أمر موسى وهارون عليهما السالم أن يعامال فرعون بالرحمة
واللين ،لمناسبة باطنه واستنزال ظاهره من جبروته وكبريائه ،
[ ايمان فرعون ]
« لَعَلَّهُ يَتَذَ َّك ُر »ما نسي مما كان قد علم من امتناننا عليه ،ويتذكر بما يقابله من اللين والمسكنة
ما هو عليه في باطنه ،ليكون الظاهر والباطن على السواء« أ َ ْو يَ ْخشى »
أو يخاف مما يعرفه من أخذنا وبطشنا الشديد بمن قال مثل مقالته ممن تقدمه وحصل عنده
ّللا إذا
ّللا ليهن مأمور به وتعطف ،ولعل كلمة ترجي ،والترجي من ه العلم به ،فهذا جدل في ه
ورد واقع بال شك ،
ولهذا قال العلماء :
ّللا أنه يتذكر ،والتذكر ال يكون إال عن علم سابق منسي ، ّللا واجبة ؛ فعلم ه
إن كلمة عسى من ه
ّللا واقع كما قالوا في عسى ،فإن لعل وعسى كلمتا ترج ، فالترجي من ه
ولم يقل تعالى لموسى وهارون :لعله يتذكر أو يخشى في ذلك المجلس وال بد ؛ وال خلهصه
لالستقبال األخراوي ،فإن الكل يخشونه في ذلك الموطن ،فجاء بفعل الحال الذي يدخله
االحتمال بين حال الدنيا وبين استقبال التأخير للدار اآلخرة ،وذلك ال يكون مخلصا للمستقبل
ّللا واجبتين ، إال بالسين أو سوف ،ولما كان لعل وعسى من ه
وقد ترجى من فرعون التذ هكر والخشية ،فال بد أن يتذكر فرعون ذلك في نفسه وأن يخشى ،
والذي ترجي من فرعون وقع ،ألن ترجيه تعالى واقع ،فإن تلك الخميرة ما زالت معه تعمل
في باطنه -مع الترجي اإللهي الواجب وقوع المترجى -ويتقوى حكمها ،إلى حين انقطاع
يأسه من أتباعه ،وحال الغرق بينه وبين أطماعه ،فلجأ إلى ما كان مستسرا في باطنه من
الذلة واالفتقار ،ليتحقق عند المؤمنين وقوع الرجاء اإللهي ،
ّللا فقال ( آمنت بالذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين ) فأظهر حالة باطنه كما أخبر ه
باّلل ،فهذا يدلك وما كان في قلبه من العلم الصحيح ه
ص 84
84
على قبول إيمانه ،ألنه لم ينص إال على ترجي التذكر والخشية ،ال على الزمان ،إال أنه في
زمان الدعوة ،ووقع ذلك في زمان الدعوة في الحياة الدنيا ،
ولكن لم يظهر من ذلك شيئا على ظاهره في المجلس ،وإن كان قد حكم التذ هكر والخشية على
باطنه ،
فلم يبطش بموسى وال بأخيه في المجلس ،فإنه صاحب السلطان والقهر في ذلك الوقت ،
فما منعه إال ما قام به من التذ هكر والخشية من الحق ،وكان القول باللين من جنود ه
ّللا ،قابل
ّللا ،
بها جنود باطن فرعون ،فهزمهم بإذن ه
فتذكر وخشي لما انهزم جيشه الذي كان يتقوى به ،فذل في نفسه ،فشغلته تلك الذلة والمعرفة
عن أن يحكم بقوة ظاهره فلم يبطش بهما في المجلس ،
فإن موسى عليه السالم ما قال ( إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ) إال لعدم التكافؤ في
ّللا تعالى أن يقوال له قوال لينا -والقول يقبل اللين والخشونة -ليقابل
القوة الظاهرة ،فأمرهما ه
به غلظة فرعون ،فينكسر لعدم المقاوم ،إذ لم يجد قوة تصادم غلظته ،فعاد أثرها عليه
فأهلكته بالغرق .
85
الذي يعطي األمان ،ال أنه يشهده ويراه فقط ،فإنه يراه حقيقة سواء نصره أو خذله أو اعتنى
به أو أهمله
-الوجه الثاني -أسمع من فرعون إذا بلغتما إليه رسالة ربكما ،وأرى ما يكون منكما في حقه
مما أوصيتكما به من اللين والتنزل في الخطاب
-الوجه الثالث -نبههما على أنه سمعهما وبصرهما ،تذكرة لهما أو إعالما ،لم يتقدمه علم به
عندهما ،فإنه قد صح عندنا في الخبر أن العبد إذا أحبه ربه كان سمعه وبصره الذي يسمع به
ويبصر به ،والنبي أولى بهذا ممن ليس بنبي .
ص 86
86
ّللا ،ولم يكن ذلك قال موسى عليه السالم ذلك مجيبا فرعون على سؤاله ،فأخبر بإحاطة علم ه
لفرعون مع دعواه الربوبية ،فعلم فرعون ما قااله وسكت ،وتبين له أنه الحق ،لكن حب
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ » .اعلم أن العطاء منه واجب ومنه الرئاسة منعه من االعتراف« الَّذِي أَعْطى ُك َّل َ
امتنان ،فإعطاء الحق العالم الوجود امتنان ،وإعطاء كل موجود من العالم خلقه واجب ،فإن
أداء الحقوق نعت إلهي طولب به الكون ،
ّللا من حيث ذاته ش ْيءٍ خ َْلقَهُ »فذلك حق ذلك الشيء الذي له عند ه قال تعالى« الَّذِي أَعْطى ُك َّل َ
،فهو حق ذاتي ،وأعطى كل شيء خلقه يعني في نفس األمر ،فخلق كل شيء حقه أي كماله
،وهو عين كمال ذلك الشيء فما نقصه شيء ألنه ال يصدر عن الكامل شيء إال على كماله
الالئق به ،فما في العالم نقص أصال ،فالكمال لألشياء وصف ذاتي وهو جماله ،
إذ لو نقص منه شيء لنزل عن درجة كمال خلقه فكان قبيحا ،فليس في اإلمكان أجمل وال
أبدع وال أحسن من العالم ،ولو أوجد ما أوجد إلى ما ال يتناهى ،ألن الحسن اإللهي والجمال
قد حازه وظهر به ،والنقص أمر عرضي ،كالمرض له كمال في ذاته ،والكمال هنا بمعنى
التمام ،ألن الكمال هو المطلوب ال التمام ،
فإن التمام في الخلق ،والكمال فيما يستفيده التام ويفيده ،قال تعالى« الَّذِي أَعْطى ُك َّل َ
ش ْيءٍ
خ َْلقَهُ »فقد تم ،ومن ذلك النقص ،فقد أعطى النقص خلقه أن يكون ناقصا ،فالزيادة على
النقص الذي هو عينه ،لو كانت لكانت نقصا فيه ولم يعط النقص خلقه ،فتمام النقص أن يكون
نقصا ،فالوجود كله عطاء .
ّللا منع * كل ما منه عطاء ليس عند ه
فإذا ما قيل منع * لم يكن إال عطاء
فأنا ما بين شيئين* غطاء ووطاء
وأنا لكل ما في *الكون من خير وعاء
ّللا كل شيء في العالم بأمر ،ذلك األمر هو الذي ميزه عن غيره ،وهو أحدية كل شيء وميهز ه
،فما اجتمع اثنان في مزاج واحد ،
قال أبو العتاهية :
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
وليست سوى أحدية كل شيء ،فما اجتمع اثنان قط فيما يقع به االمتياز ،ولو وقع
ص 87
87
االشتراك فيه ما امتازت ،وقد امتازت ،فأعطى كل شيء خلقه مما تقتضيه الحكمة اإللهية ما
يقوم ذات ذلك الشيء من الفصول المقومة لذاته ، يستحقه ،وهو ما ه
وأما ما تطلبه تلك الفصول من اللوازم واألعراض فما أعطاه ذلك ،ألن أعراض كل ذات ال
تتناهى ما دام موصوفا بالبقاء في الوجود ،
وما ال يمكن فيه التناهي ال يصح أن يدخل في الوجود ،
بل على التتالي والتتابع والطالب بالسؤال المحق ،هو الذي ال يطلب ما ال تستحقه ذاته من
لوازمها وأعراضها ،كمن ليس حقيقته أن يقبل التفكر فيطلب أن يتصف بالفكر ،
فما هو محق في طلبه ،فإذا طلبه اإلنسان إذا كان الغالب عليه الوقوف مع المحسوسات ،
فطلب االشتغال بالتف هكر في خلق السماوات واألرض وجميع اآليات فهو محق في طلبه ،
صادق الدعوى في نفي التف هكر عنه ،الستيالء الغفلة عليه ،
ش ْيءٍ َخ ْلقَهُ »فله أن يطلب ما تستحقه ذاته من لوازمها فطلبه هذا ال يعارض« أَعْطى ُك َّل َ
وأعراضها ،فهذا هو المحق الذي ال يعارض طلبه حقه الذي يستحقه بذاته ،
فينبغي لك أن تعلم كيف تسأل ؟ وما ذا تسأل فيه ؟
ومن أوصاف المحق أن ال يسأل إال من بيده قضاء ذلك الحق المسؤول ،فال تعارض في هذه
اآلية بين الطلب بالسؤال ما يستحقه من اللوازم واألعراض
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ »من الفصول المقومة لذاته ،وتدل هذه اآلية على أن وبين قوله تعالى« أَعْطى ُك َّل َ
ّللا السارية في كل كون ، كل شيء في استقامة حاصلة تطلبها حكمة ه
فاستقامة النبات أن تكون حركته منكوسة ،واستقامة الحيوان أن تكون حركته أفقية ،وإن لم
يكن كذلك لم ينتفع بواحد منهما ،ألن حركة النبات إن لم تكن منكوسة حتى يشرب الماء
بأصولها لم تعط منفعة ،إذ ال قوة له إال كذلك ،
وكذلك الحيوان لو كانت حركته إلى العلو وقام على رجلين مثلنا ،لم يعط فائدة الركوب وحمل
األثقال على ظهره ،وال حصلت به المنفعة التي تقع بالحركة األفقية ،
فاستقامته ما خلق له ،فهي الحركة المعتبرة التي تقع بها المنفعة المطلوبة ،وإال فالنبات
ت) والحيوان لهما حركة إلى العلو ،وهو قوله تعالى( َوالنَّ ْخ َل با ِسقا ٍ
فلو ال الحركة ما نما علوا ،وإنما غلبنا عليه الحركة المنكوسة للمنفعة المطلوبة ،فإن
المتكلمين في هذا الفن ما حرروا الكالم في حقيقته ،واعوجاج القوس استقامته لما أريد له ،
فما في الكون إال االستقامة ،
وهي ما أعطي كل شيء من خلقه« ث ُ َّم هَدى »أي بيهن لنا بالتعريف أنه أعطى كل شيء خلقه ،
وأعطى الهدى أيضا الذي هو البيان خلقه ،فأبان األمر لعبيده على أكمل الوجوه عقال وشرعا
،بأن بيهن
ص 88
88
األمور على ما هي عليه بإعطاء كل شيء خلقه ،أي ما خلقه إال بالحق ،وهو ما يجب له ،
حتى ال يقول شيء من األشياء :قد نقصني كذا ،
فإن ذلك النقص الذي يتوهمه هو عرض ،عرض له لجهله بنفسه وعدم إيمانه إن كان وصل
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ »إليه قوله« أَعْطى ُك َّل َ
فإن المخلوق ما يعرف كماله وال ما ينقصه ،ألنه مخلوق لغيره ال لنفسه ،فالذي خلقه إنما
خلقه له ال لنفسه ،فما أعطاه إال ما يصلح أن يكون له تعالى ،والعبد يريد أن يكون لنفسه ال
لربه ،فلهذا يقول :
ّللا خلق الخلق على أكمل صورة أريد كذا ،وينقصني كذا ؛ فلو علم أنه مخلوق لربه ،لعلم أن ه
ّللا
تصلح لربه ،وهذا أصل األدب اإللهي الذي طلبه الحق من عباده ،فالعالم على الحقيقة هو ه
الذي علم ما تستحقه األعيان في حال عدمها ،وميهز بعضها عن بعض بهذه النسبة اإلحاطية ،
ومن تمام خلق الشيء تعيين زمانه ،وهو القدر ،وهي األقدار ،أي مواقيت اإليجاد ،
فأعطى كل شيء خلقه من زمانه ،فيمن يتقيد وجوده بالزمان ،ومن حاله فيمن يتقيد وجوده
بالحال ،ومن صفته فيمن يتقيد وجوده بالصفة« ث ُ َّم هَدى »الكتساب الكمال ،فمن اهتدى فقد
كمل ،ومن وقف مع تمامه فقد حرم ،
فما ترك الحق لمخلوق ما يحتاج إليه من حيث ما هو مخلوق تام ،فإن قلت :ففيم إذا السؤال
والدعاء ؟
قلنا :اعلم أن ث هم تماما وكماال ،فالتمام إعطاء كل شيء خلقه ،وهذا ال سؤال فيه ،وال يلزم
إعطاء الكمال ،ويتصور السؤال والطلب في حصول الكمال ،فإنها مرتبة ،والمرتبة إذا
أوجدها الحق في العبد أعطاها خلقها ،وما هي من تمام المعطى إياه ولكنها من كماله ،
وكل إنسان وطالب محتاج إلى كمال ،أي إلى المرتبة ،ولكن ال يتعين ،فإنه مؤهل بالذات
ّللا في
لمراتب مختلفة ،وال بد أن يكون على مرتبة ما من المراتب ،فيقوم في نفسه أن يسأل ه
أن يعطيه غير المرتبة لما هو عليه من األهلية لها ،
فيتصور السؤال في الكمال ،وهو مما يحتاج إليه السائل في نيل غرضه ،فإنه من تمام خلق
الغرض أن يوجد له متعلقه الذي يكون به كماله ،فإن تمامه تعلقه بمتعلق ما ،
ّللا ما سأله بالغرض فقد أعطاه ما يحتاج إليه الغرض ،وذلك هو وقد وجد ،فإن أعطاه ه
السخاء ،فإن السخاء عطاء على قدر الحاجة ،
ّللا ابتداء من غير سؤال نطق ،لكن وجود األهلية في المعطى إياه سؤال بالحال ، وقد يعطيه ه
كما تقول :إن كل إنسان مستعد لقبول استعداد ما يكون به نبيا ورسوال وخليفة ووليا ومؤمنا ،
لكنه سوقة وعدو وكافر ،وهذه كلها مراتب يكون فيها كمال العبد ونقصه ،
ّللا عليه وسلم [ :كمل من الرجال كثيرون ، قال صلهى ه
ص 89
89
ولم يكمل من النساء إال مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون ]
كل إنسان ما عدا هؤالء مستعد بإنسانيته لقبول ما يكون له به هذا الكمال ،فباألهلية هو محتاج
إليه ،وللحرمان وجد السؤال ،فالكامل من علم ما يستحقه العالم منه ،فوفاه حقه ،
ّللا أعطى كل شيء خلقه ،من اسمه الحكيم ،فإن الذي فأعطى كل ذي حق حقه ،كما أن ه
انفرد به الحق إنما هو الخلق ،والذي انفرد به العالم الكامل إنما هو الحق ،
فيعلم ما يستحقه كل موجود فيعطيه حقه ،وهو المسمى باإلنصاف ،فمن أعطيته حقه فقد
أنصفته ،فإن تغاليت فما كملت وأنت ناقص ،
ّللا لما أعطى
فإن الزيادة في الحد نقص في المحدود ،فال يتعدى الكامل بالشيء رتبته ،فإن ه
كل شيء خلقه أمر عبده أن يعطي كل شيء حقه ،
وهو قولنا فيما تقدم :
إن أداء الحقوق نعت إلهي طولب به الكون ،فإذا أقامه الحق تعالى في فعل من أفعاله المأمور
بها أو المحجور عليه فيها ،نظر ما لها من الحق قبله ،
فوفهى ذلك الفعل حقه ،فإذا كان من األمور المأمور بفعلها أعطاها حقها في نشأتها حتى تقوم
سوية الخلق معدلة النشء ،فلم يتوجه لذلك الفعل حق على فاعله ،هللف الخلق وللعبد الحق
فالحق أعطى كل شيء خلقه ،والخلق أعطى كل شيء حقه ،
وإن كان من األمور المنهي عنها فحقها على هذا العبد أنه ال يوجدها وال يظهر لها عينا أصال
،فإن لم يفعل فما وفهاها حقها ،وتوجهت عليه المطالبة لها ،
فلم يعط كل شيء حقه فكان محجوجا -مسئلة -من هذه اآلية ،يعرف ما تخبط فيه الناس من
تفضيل الفقر على الغنى والغنى على الفقر ،والخوض في هذه المسألة من الفضول الذي في
العالم والجهل القائم به ،
ّللا يقول«
فإن الحاالت تختلف والمنازل تختلف ،وكل حالة كمالها في وجود عينها ،فإن ه
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ »فما تركت هذه اآلية ألحد طريقا إلى الخوض في الفضول لمن فهمها أَعْطى ُك َّل َ
ّللا الفضول خلقه ،ثم هدى أي ّللا ،فقد أعطى ه
وتحقق بها ،غير أن الفضول أيضا من خلق ه
بين أن من قام به الفضول فهو المعبر عنه بالمشتغل بما ال يعنيه وجهله باألمر الذي يعنيه ،
والفقر في عينه كامل الخلق ال قدم له في الغنى ،والغنى في حاله كامل الخلق ال قدم له في
الفقر ،ولو تداخلت األمور لكان الفقر عين الغنى والغنى عين الفقر ،إذ كان كل واحد منهما
من مقومات صاحبه ،والضد ال يكون عين الضد ،وإن اجتمعا في أمر ما ،فال يجتمع الغنى
ّللا في وجوده ،وليس للغنى منزلة عند العبد في وجوده ، والفقر أبدا ،فليس للفقر منزلة عند ه
ّللا أفضل من الخلق أو الخلق
فكما ال يقال :ه
ص 90
90
[مسئلة تفضيل الفقر على الغنى وبالعكس ]
كذلك ،ال يقال :الغنى أفضل من الفقر أو الفقر أفضل من الغنى ،فالفقر صفة الخلق ،والغنى
صفة الحق ،والمفاضلة ال تصح إال فيمن يجمعهما جنس واحد ،وال جامع بين الحق والخلق ،
فال مفاضلة بين الغنى والفقر ،
ع ِن ْالعالَ ِمينَ )ي َغنِ ٌّ ّللا تعالى في الغنى( فَإِ َّن َّ َ
ّللا َ قال ه
ي ْال َح ِمي ُد )ّللاُ ُه َو ْالغَنِ ُّ اس أ َ ْنت ُ ُم ْالفُقَرا ُء ِإلَى َّ ِ
ّللا َو َّ وقال في الفقر( يا أَيُّ َها النَّ ُ
فمن قال بعد علمه بهذا الغنى أفضل من الفقر ،أم الفقر أفضل ،
ّللا أم الخلق ؟ كان كمن قال :من أفضل ه
وكفى بهذا جهال من قائله ،وأما الذي بأيدي الناس الذي يسمونه غنى ،فكيف يكون غنى
وأنت فقير إليه غير مستغن في غناك عن غناك ؟
فغناك عين فقرك ،وهذا على الحقيقة ال يسمى غنى ،فكيف تقع المفاضلة ما بين ما له وجود
حقيقي وهو الفقر ،وبين ما ليس له وجود حقيقي وهو غناك ؟
وإذا سمي اإلنسان غنيا فهو وصف عرضي ،والفقر له ذاتي ،فطلب المفاضلة جهل بين
الوصف الحقيقي واإلضافي العرضي -رقيقة -اعلم أن العقل من جملة األشياء ،وقد أعطاه
ّللا خلقه ،ولهذا ينزهه العقل ويرفع المناسبة من جميع الوجوه ،ويجيء الحق فيصدقه في ذلك ه
ش ْي ٌء ) ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ب( لَي َ
قوته ،ال يعلم غير ذلك فإني أعطيت كل شيء خلقه يقول لنا :صدق العقل فإنه أعطى ما في ه
،وتمم الحق اآلية بقوله« ث ُ َّم هَدى »أي بيهن ،فبين سبحانه أمرا لم يعطه العقل وال قوة من
القوى ،فذكر لنفسه أحكاما هو عليها ،ال يقبلها العقل إال إيمانا أو بتأويل يردها تحت إحاطته ،
ّللا ،أن ال يتأول ،ويسلهم ذلك ال بد من ذلك ،وطريقة السالمة لمن لم يكن على بصيرة من ه
ّللا على علمه فيه ،هذه طريقة النجاة . إلى ه
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ ث ُ َّم هَدى » ثم نعود إلى قول موسى عليه السالم« َربُّنَا الَّذِي أَعْطى ُك َّل َ
ّللا خلقه ،فكأن فيهذا من القول اللين ،فإنه دخل تحته كل شيء ادعاه فرعون ،فأعطاه ه
ّللا ،ثم زادهما في السؤال ليزيد كالمهما جواب فرعون لهما ،إذ كان ما جاء به فرعون خلق ه
في الداللة .
ص 91
91
ّللا تعالى قال« لَعَلَّهُ يَتَذَ َّك ُر »ثم زادا في الداللة بما قاال بعد ذلك إلى تمام اآلية ،فما زال ألن ه
ذلك العلم مضمرا في نفس فرعون ،لم يعطه حب الرئاسة أن يكذهب نفسه عند قومه فيما
ّللا معهم في ضمير ( إنهم ) فلما استخفهم به حتى أطاعوه ،فكانوا قوما فاسقين ،فما شركه ه
رأى البأس قال :آمنت ،فتلفظ باعتقاده الذي ما زال معه ،
وّللا
ّللا بقوله ( آآلن ) أنه آمن عن علم محقق ه ّللا تعالى (آآلن ) قلت ذلك ،فأثبت ه فقال له ه
ّللا وجرت سنته في عباده ،أن اإليمان أعلم ،وإن كان األمر فيه احتمال ،وحقت الكلمة من ه
في ذلك الوقت ال يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت ،إال قوم يونس ،كما
ال ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه حد القطع ،وال الزاني مع توبته عند الحاكم ،مع
ّللا ،وحديث ماعز في ذلك صحيح أنه تاب توبة لو قسمت علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند ه
على أهل المدينة لوسعتهم ،ومع هذا لم تدفع عنه الح هد ،
ّللا عليه وسلم برجمه ،وكذلك كل من آمن عند رؤية البأس من الكفار أن بل أمر صلهى ه
ّللا إيمانهم في الدار اآلخرة ،فيلقونه وال ذنب لهم اإليمان ال يرفع نزول البأس بهم ،مع قبول ه
،فربما لو عاشوا بعد ذلك اكتسبوا أوزارا ،
ب »فما كتبها في اللوح المحفوظ إال ليعلم أما قول موسى عليه السالم« ِع ْل ُمها ِع ْن َد َر ِبهي فِي ِكتا ٍ
من ليس من شأنه أن ال يعلم إال بإعالم ،
ض ُّل َر ِبهي ال ليتذكر ما أوجبه على نفسه مما تستقبل أوقاته في المدد الطائلة ،فإنه سبحانه« ال يَ ِ
»الذي جئتك من عنده ألدعوك إلى عبادته« َوال يَ ْنسى »يعني ما أوجبه على نفسه من ذلك ،
ثم زادا في الداللة .
ص 92
92
بحسب قبول األمزجة البدنية وما هي عليه من االستعداد ،فيكون المضر لبعض األمزجة عين
ت ِألُو ِلي النُّهى »وهم أولو نهى بما
ما هو نافع لمزاج غيرها ،لذلك قال« ِإ َّن ِفي ذ ِل َك َآليا ٍ
زجرهم به في خطابه ،وهم الذين يوافقون الحق فيما أمر به ونهى .
ص 93
93
[سورة طه ( : ) 20اآليات 56إلى ] 66
ب َوأَبى ( ) 56قا َل أ َ ِجئْتَنا ِلت ُ ْخ ِر َجنا ِم ْن أ َ ْر ِضنا ِبسِحْ ِركَ يا ُموسى َولَقَ ْد أ َ َر ْينا ُه آيا ِتنا ُكلهها فَ َكذه َ
سوى ( ) ( 57فَلَنَأْتِيَنهكَ بِسِحْ ٍر ِمثْ ِل ِه فَاجْ عَ ْل بَ ْينَنا َوبَ ْينَكَ َم ْو ِعدا ال نُ ْخ ِلفُهُ نَحْ ُن َوال أ َ ْنتَ َمكانا ُ
ضحى ) ( 59فَت َ َولهى فِ ْرع َْو ُن فَ َج َم َع َك ْي َدهُ ث ُ هم الزينَ ِة َوأ َ ْن يُحْ ش ََر النه ُ
اس ُ ) 58قا َل َم ْو ِع ُد ُك ْم يَ ْو ُم ِ ّ
خاب َم ِنَ ب َوقَ ْد
س ِحت َ ُك ْم ِبعَذا ٍ ّللا َكذِبا فَيُ ْ أَتى ( ) 60قا َل لَ ُه ْم ُموسى َو ْيلَ ُك ْم ال ت َ ْفت َ ُروا َ
علَى ه ِ
ران
ساح ِ هذان لَ ِ ِ س ُّروا النهجْ وى ( ) 62قالُوا ِإ ْن نازعُوا أ َ ْم َر ُه ْم بَ ْينَ ُه ْم َوأ َ َافتَرى ( ) 61فَت َ َ ْ
يدان أ َ ْن يُ ْخ ِرجا ُك ْم ِم ْن أ َ ْر ِض ُك ْم ِبسِحْ ِر ِهما َويَ ْذ َهبا ِب َط ِريقَ ِت ُك ُم ا ْل ُمثْلى ( ) 63فَأَجْ ِمعُوا َك ْي َد ُك ْم ث ُ هم يُ ِر ِ
ُون أ َ هو َل
ي َوإِ هما أ َ ْن نَك َ ست َ ْعلى ) ( 64قالُوا يا ُموسى إِ هما أ َ ْن ت ُ ْل ِق َ صفًّا َوقَ ْد أ َ ْفلَ َح ا ْليَ ْو َم َم ِن ا ْائْتُوا َ
َم ْن أ َ ْلقى ) ( 65
سعى ( ) 66 قا َل بَ ْل أ َ ْلقُوا فَ ِإذا ِحبالُ ُه ْم َو ِع ِصيُّ ُه ْم يُ َخيه ُل إِلَ ْي ِه ِم ْن سِحْ ِر ِه ْم أَنهها ت َ ْ
[ فعل الساحر ]
اعلم أن من خرق العوائد قسما منها يرجع إلى ما يدركه البصر أو بعض القوى ،على حسب
ما يظهر لتلك القوة مما ارتبطت في العادة بإدراكه ،وهو في نفسه على غير ما أدركته تلك
القوة ،وهذا القسم داخل تحت قدرة البشر ،ومنه ما يرجع إلى خواص أسماء ،
إذا تلفظ بتلك األسماء ظهرت تلك الصور في عين الرائي أو في سمعه خياال ،
وما ث هم في نفس األمر أعني في المحسوس شيء من صورة مرئية وال مسموعة ،وهو فعل
الساحر ،
وهو على علم أنه ما شيء مما وقع في األعين واألسماع ،ولألسماء سلطان على خيال
الحاضرين ،فتخطف أبصار الناظرين ،فيرى صورا في خياله كما يرى النائم في نومه ،
وما ثم في الخارج شيء مما يدركه ،لذا قال تعالى« يُ َخيَّ ُل إِلَ ْي ِه »
يعني إلى موسى ،فإن موطن الخيال يعطي في أعين الناظرين حياة الجمادات وحركتها ،
وهي في نفسها ليست بتلك الحياة التي تدركها
ص 94
94
األبصار ،كحبال سحرة موسى عليه السالم وعصيهم ،يخيل إلى موسى« ِم ْن ِس ْح ِر ِه ْم »الذي
سحروا به أعين الناس وعلمهم بما فعلوه ،والسحر مأخوذ من السحر ،
وهو اختالط الضوء والظلمة ،فالسحر له وجه إلى الظلمة وليس ظالما خالصا ،وله وجه إلى
الضوء وليس ضوءا خالصا ،كذلك السحر له وجه إلى الحق وهو ما ظهر إلى بصر الناظر
أنه حق ،وله وجه إلى الباطل ألنه ليس األمر في نفسه على ما أدركه البصر ،
فلهذا سمته العرب سحرا ،وسمي العامل به ساحرا ،ال العالم به« أَنَّها تَسْعى »وليست
بساعية في نفس األمر ،أقاموا ذلك في حضرة الخيال المنفصل أمام الجميع ،فرأوا العصي
والحبال في صورة الحيات ،وكذلك أدركها موسى مخيلة وال يعرف أنها مخيلة ،
بل ظن أنها مثل عصاه في الحكم ،فهي ساعية في نظر موسى ونظر الحاضرين ،إال السحرة
فإنهم يرونها حباال ،والغريب لو ورد لرآها كما يراها السحرة ،فكان فعل السحرة عن حكم
أسماء كانت عندهم ،لها في عيون الناظرين خاصية النظر إلى ما يريد الساحر إظهاره ،فله
بتلك األسماء قلب النظر ال قلب المنظور فيه ،
وهذا بخالف عصا موسى عليه السالم حين ألقاها عن األمر اإللهي ،فانقلب المنظور فيه
فتبعه النظر ،فتلك حبال نشأت بين الخيال وبين أعين الناظرين أنها تسعى ،وهي أجسام في
عينها ال حكم لها في السعي ،فظهرت في عين موسى بصورة الجسم الذي له سعي ،واألمر
في نفسه ليس كذلك ،وامتأل الوادي من حبالهم وعصيهم ،ورآها موسى فيما خيهل له حيات
تسعى ،فلهذا خاف موسى عليه السالم .
ص 95
95
تقدم له في اإللقاء األول ( خذها وال تخف سنعيدها سيرتها األولى )
ّللا له :
أي ترجع عصا كما كانت في عينك ،فلما خاف موسى عليه السالم على األمة قال ه
ص 96
96
مكيدة طبيعية يعضدها قوة كيدية روحانية ،وأما العامة فنسبوا ما جاء به موسى إلى أنه من
قبيل ما جاءت به السحرة ،إال أنه أقوى منهم وأعلم بالسحر بالتلقف الذي ظهر من حية عصا
موسى ،فقالوا :هذا سحر عظيم ،ولم تكن آية موسى عند السحرة إال خوفه وأخذ صور
الحيات من الحبال والعصي خاصة ،فمثل هذا خارج عن قوة النفس ،فتخيل السحرة أن
موسى خاف من الحيات ،وكان موسى في نفس األمر غير خائف من الحيات لما تقدم له في
ّللا في الفعل األول حين قال له ( ُخ ْذها َوال تَخ ْ
َف ) . ذلك من ه
فنهاه عن الخوف منها ،وأعلمه أن ذلك آية له ،فكان خوفه الثاني على الناس لئال يلتبس
ّللا عليهم خوفه كما لبهسوا
عليهم الدليل والشبهة ،والسحرة تظن أنه خاف من الحيات ،فلبهس ه
على الناس ،ألن السحرة لو علمت أن خوف موسى من الغلبة بالحجة لما سارعت إلى اإليمان
،ثم أنه كان لحية موسى التلقف ولم يكن لحياتهم تلقف وال أثر ،ألنها حبال وعصي في نفس
األمر ،فلما علمت السحرة قدر ما جاء به موسى من قوة الحجة ،وأنه خارج عما جاءوا به ،
وتحققت شفوف ما جاء به على ما جاءوا به ،ورأوا عصاه حية حقيقة ،علموا عند ذلك أنه
ّللا الذي يدعوهم إلى اإليمان به ،وما عنده من علم السحر خبر ،لما علمت من أمر غيب من ه
خوف موسى أنه لو كان ذلك منه وكان ساحرا ما خاف ،ألنه يعلم ما يجري ،فآية موسى عند
السحرة خوفه ،وآيته عند الناس تلقف عصاه ،وعلم السحرة أن أعظم اآليات في هذا الموطن
تلقف هذه الصور من أعين الناظرين ،وإبقاء صورة حية عصا موسى في أعينهم ،والحال
عندهم واحدة ،فعلموا صدق موسى فيما يدعوهم إليه ،وأن هذا الذي أتى به خارج عن
الصور والحيل المعلومة عند السحرة ،فهو أمر إلهي ليس لموسى عليه السالم فيه تعمل ،
فصدهقوا برسالته على بصيرة وآمنت السحرة
-إشارة ال تفسير َ «-وأ َ ْل ِ
ق ما فِي يَ ِمينِ َك »من ألقى إرادة نفسه في بحر إرادة مواله وميدانها ،
توالها بلطف حكمته ،وأجرى عليه سابق عنايته ،فأحياها حياة السعادة والتمليك ،فامتحق كل
زور وباطل ،وخنس من داله بغرور ،وردهت إليه بعد ما ألقاها ،وحصل لها الشرف الكامل
على أبناء جنسها ،فتلك النفس المطمئنة الراضية المرضية ،الداخلة في عباد االختصاص ،
وفي الفراديس العلية جوار الرحمن .
ص 97
97
ّللا آمنوا بما جاء به موسى عن آخرهم ،
لما علمت السحرة أن الذي جاء به موسى من عند ه
وخروا سجدا عند هذه اآلية قيل :كانوا ثمانين ألف ساحر ،آمنوا واختاروا عذاب فرعون
ّللا على كل شيء
ّللا ،وآثروا اآلخرة على الدنيا ،وعلموا من علمهم بذلك أن ه على عذاب ه
قدير ،وقالت السحرة« آ َمنَّا بِ َربه ِ ُ
هارونَ َو ُموسى »قالت ذلك لرفع اللبس من أذهان السامعين
( راجع سورة الشعراء آية ) 47ولهذا توعدهم فرعون بقوله :
ص 98
98
من تكون الرحمة به عين العافية ال غير وارتفاع اآلالم ،وهذا مخصوص بأهل النار الذين هم
أهلها ،فهم ال يموتون فيها ،لما حصل لهم فيها من العافية بزوال اآلالم ،فاستعذبوا ذلك ،فهم
أصحاب عذاب ال أصحاب ألم ،وال يحيون أي ما لهم نعيم كنعيم أهل الجنان الذي هو أمر
ّللا من دار الشقاء .
زائد على كونهم عافاهم ه
99
فانطبق البحر عليهم فأهلكهم بما أنجى به بني إسرائيل .
[ سورة طه ( : ) 20آية ] 79
َوأ َ َ
ض هل فِ ْرع َْو ُن قَ ْو َمهُ َوما َهدى ( ) 79
[ نسبة األفعال إلى المخلوقين فيها إشكال ]
ع ْو ُن قَ ْو َمهُ »فنسب لما كان نسبة األفعال إلى المخلوقين فيها إشكال ،قال تعالى« َوأ َ َ
ض َّل فِ ْر َ
اإلضالل لفرعون ،وما نسبه إلى قومه فإنه عندهم ذو فعل ،ونفس األمر كذلك ،وقوله« َوما
هَدى »أي ما بيهن لهم طريق الحق ،فإنه موضع لبس لكونه ذا أفعال ،فلو كان المعبود جمادا
ما وقع اللبس ،ومع ذلك ال يعذر قوم فرعون ،فإن خاصية الفعل في المخلوق ال تكون سارية
ّللا ،وبهذا القدر من الجهل أخذ عبدة في كل شيء حتى تضاف إليه األفعال كما تضاف إلى ه
المخلوقين ذوي األفعال كفرعون وغيره ،وهذه اآلية والتي قبلها تكذيب من الحق لفرعون في
دعواه القهر لبني إسرائيل ،لما قال ( سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ) .
100
[ سورة طه ( : ) 20آية ] 82
تاب َوآ َم َن َوع َِم َل صا ِلحا ث ُ هم ا ْهتَدى ) ( 82 َو ِإ ِنّي لَغَفه ٌ
ار ِل َم ْن َ
إذا صح التوحيد فهو المطلوب من كل موجود ،فكيف إذا انضاف إلى ذلك أداء العبادات
المشروعة في الحركات الخارجة والداخلة ؟
ص 101
101
فتلك ضيافته سبحانه لعبده .
[ سورة طه ( : ) 20آية ] 86
سنا أ َ فَطا َل َ
علَ ْي ُك ُم سفا قا َل يا قَ ْو ِم أ َ لَ ْم يَ ِع ْد ُك ْم َربُّ ُك ْم َوعْدا َح َبان أ َ ِ
ض َ غ ْ فَ َر َج َع ُموسى إِلى قَ ْو ِم ِه َ
ب ِم ْن َر ِبّ ُك ْم فَأ َ ْخلَ ْفت ُ ْم َم ْو ِعدِي ( ) 86 ض ٌغ َ ا ْلعَ ْه ُد أ َ ْم أ َ َر ْدت ُ ْم أ َ ْن يَ ِح هل َ
علَ ْي ُك ْم َ
غضْبانَ »على قومه «أ َ ِسفا ً »عليهم لما فعلوه من اتخاذهم العجل إلها « فَ َر َج َع ُموسى ِإلى قَ ْو ِم ِه َ
ّللا عنه . ،فقال ما ذكر ه
102
[ سورة طه ( : ) 20آية ] 89
ض ًّرا َوال نَ ْفعا ) ( 89 أ َ فَال يَ َر ْو َن أَاله يَ ْر ِج ُع ِإلَ ْي ِه ْم قَ ْوال َوال يَ ْم ِلكُ لَ ُه ْم َ
ض ًّرا َوال نَ ْفعا ً »أي ال ينتفعون
وّللا يكون متصفا بالقول« َوال يَ ْم ِلكُ لَ ُه ْم َ أي إذا سئل ال ينطق ،ه
به ،ومن ال يدفع الضر عن نفسه كيف يدفع الضر عن غيره ؟
ص 103
103
لما ظهر موسى عليه السالم على أخيه هارون عليه السالم بصفة القهر ،بأن أخذ برأسه يجره
إليه ،ناداه بأشفق األبوين فقال " :يَا بْنَ أ ُ َّم " فناداه بالرحم وهي األم ،إذ كانت الرحمة لألم
دون األب أوفر في الحكم ،
ولو لم يلق موسى األلواح ما أخذ برأس أخيه ،فإن في نسختها الهدى والرحمة تذكرة لموسى
،
فكان يرحم أخاه بالرحمة ،وتتبين مسألته مع قومه بالهدى « ِإ ِنهي َخ ِشيتُ »لما وقع ما وقع من
قومك أن تلومني على ذلك وتقول " :فَ َّر ْق َ
ت بَيْنَ بَ ِني ِإسْرا ِئي َل َولَ ْم ت َ ْرقُبْ " أي تلزم« قَ ْو ِلي
»الذي أوصيتك به ،فتجعلني سببا في تفريقهم ،
فإن عبادة العجل فرقت بينهم ،فكان منهم من عبده اتباعا للسامري وتقليدا له ،ومنهم من
توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك ،
فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه ،ولما سكت عن موسى الغضب قبل عذر أخيه
وأخذ األلواح ،
فما وقعت عيناه مما كتب فيها إال على الهدى والرحمة ،
فقال ( رب اغفر لي وألخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ) .
وأما الذين عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفكري حقه لالحتمال الداخل في القصة ،فما
عذرهم الحق وال وفهى عابدوه النظر في ذلك ،ثم ر هد موسى وجهه إلى السامري .
ص 104
104
إال حيي ذلك الموضع ؛ وما يطؤه الروح يعطي الحياة في أي صورة مركبة ،فلما أبصر
السامري جبريل عليه السالم حين جاء لموسى عليه السالم وعرفه ،وعلم أن روحه عين ذاته
،وأن حياته حياة ذاتية ،فال يطأ موضعا إال حيي ذلك الموضع بمباشرة تلك الصورة الممثلة
إياه ،وعلم أن وطأته يحيا بها ما وطئه من األشياء ،فقبض قبضة من أثر الرسول ،بالصاد
أو الضاد ،أي بملء أو بأطراف أصابعه ،فلما صاغ العجل وصوره ،نبذ فيه تلك القبضة
فحيي ذلك العجل وخار ،إذ صوت البقر إنما هو خوار ،
وكان ذلك من إلقاء الشيطان في نفس السامري ،ألن الشيطان يعلم منزلة األرواح ،فوجد
السامري في نفسه هذه القوة ،وما علم أنها من إلقاء إبليس ،
ت ِلي نَ ْف ِسي »وفعل ذلك إبليس من حرصه على إضالله بما يعتقده من س َّولَ ْ
فقال« َو َكذ ِل َك َ
الشريك هّلل تعالى .
105
[سورة طه ( : ) 20آية ] 99
ق َوقَ ْد آت َ ْيناكَ ِم ْن لَ ُدنها ِذ ْكرا ) ( 99
سبَ َ علَ ْيكَ ِم ْن أ َ ْن ِ
باء ما قَ ْد َ كَذ ِلكَ نَقُ ُّ
ص َ
كون القرآن ذكر فلما فيه من آيات االعتبارات وقصص األمم في إهالكهم بكفرهم .
106
بعد الموت في البرزخ من األمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها ،
وهو إدراك حقيقي ،ومن الصور هنالك ما هي مقيدة عن التصرف ،ومنها ما هي مطلقة
كأرواح األنبياء كلهم وأرواح الشهداء ،ومنها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار ،
وكل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه ،محبوس في صور أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من
تلك الصورة في النشأة اآلخرة .
ص 107
107
[ سورة طه ( : ) 20اآليات 109إلى ] 110
ي لَهُ قَ ْوال ( ) 109يَ ْعلَ ُم ما بَ ْي َن أ َ ْيد ِ
ِيه ْم الرحْ ُ
من َو َر ِض َ يَ ْو َم ِئ ٍذ ال ت َ ْنفَ ُع الشهفاعَةُ ِإاله َم ْن أَذ َ
ِن لَهُ ه
ون بِ ِه ِع ْلما ( ) 110 ط َ َوما َخ ْلفَ ُه ْم َوال يُ ِحي ُ
[ فهو سبحانه ال يحيط به علم ]
فهو سبحانه ال يحيط به علم ،تقدهس وتعالى عن أن يحيط به علم الممكن أو تكون ذاته تعطي
اإلحاطة فهو المحيط وال يحيط به شيء ،إذ لو أحاط به شيء لحصره ذلك الشيء ،فإن القوى
الحسية والخيالية تطلبه بذواتها لترى موجدها ،والعقول تطلبه بذواتها وأدلتها من نفي وإثبات
ووجوب وجواز وإحالة لتعلم موجدها ،فخاطب الحواس والخيال بتجريده الذي دلت عليه أدلة
ش ْي ٌء )والحواس تسمع ،فحارت الحواس والخيال وقالت :ما بأيدينا منه ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
العقول( لَي َ
يرص ُ س ِمي ُع ْالبَ ِشيء ،وخاطب العقول بتشبيهه الذي دلت عليه الحواس والخيال ( َو ُه َو ال َّ
)والعقول تسمع ،فحارت العقول وقالت :ما بأيدينا منه شيء ،فعال عن إدراك العقول
والحواس والخيال ،وانفرد سبحانه بالحيرة في الكمال ،فلم يعلمه سواه وال شاهده غيره ،فلم
يحيطوا به علما وال رأوا له عينا ،فآثار تشهد ،وجناب يقصد ،ورتبة تحمد ،وإله منزه
تتعرف ،قال رسول ه ومشبه يعبد ،ألنه المجهول الذي ال يعرف ،وال يقال هو النكرة التي ال
ّللا كأنك تراه ] فأمر المكلف باالستحضار ، ّللا عليه وسلم [ اعبد ه ّللا صلهى ه ه
فإنه يعلم أن ال يستحضر إال من يقبل الحضور ،فاستحضار العبد ربه في العبادة عين حضور
المعبود له ،فإن لم يعلمه إال في الحد والمقدار حدهه وقدهره ،وإن علمه منزها عن ذلك لم يحده
ولم يقدره مع استحضاره كأنه يراه ،وإنما لم يحدهه ولم يقدهره العارف به ألنه يراه جميع
الصور ،فمهما حده بصورة عارضته صورة أخرى ،فانخرم عليه الحد ،فلم ينحصر له
طونَ األمر لعدم إحاطته بالصور الكائنة وغير الكائنة له ،فلم يحط به علما كما قال« َوال يُ ِحي ُ
بِ ِه ِع ْلما ً »فإذا عرفوا أنهم ال يحيطون به علما خضعوا فقال تعالى - :
108
الموجودات ،إذ وجه كل شيء حقيقته وذاته ،فعنت الوجوه أي خضعوا وذلوا ،وطلبوا
باّلل عن طريق التجلي والذوق ،ولذلك قال الزيادة من العلم فيما ال علم لهم به منه ،وهو العلم ه
:عنت أي ذلت ،فلما تجلى اسمه « الحي » حييت الموجودات « والقيوم » فقامت به
األرض والسماوات ومن فيهن من عوالم البقاء واالستحاالت ،فعنت لحياته الوجوه وسجدت
ظ ْلما ً"
خاب َم ْن َح َم َل ُ
َ لقيوميته الجباه ،وأقنعت لعظمته الرؤوس وتحركت بذكره الشفاه" َوقَ ْد
ص 109
109
وحقيقته المطلقة معرفة الشيء على ما هو عليه ،والمفيدة العمل به ،وهو الذي يعطيك
ّللا تعالى يقذفه في قلب من أراد من
السعادة األبدية ،وال تخالف فيه ،فهو نور من أنوار ه
عباده ،وهو معنى قائم بنفس العبد يطلعه على حقائق األشياء ،وهو للبصيرة كنور الشمس
للبصر ،بل أتم وأشرف ،وكل من ادعى علما من غير عمل فدعواه كاذبة إن تعلق به خطاب
ّللا تعالى الزيادة من شيء إال ّللا عليه وسلم أن يطلب من ه ّللا نبيه صلهى ه
عمل ،ولهذا لم يأمر ه
من العلم ،فإنه أشرف الصفات وأنزه السمات ،فالعلم سبب النجاة وإن شقي في الطريق ،
فالمآل إلى النجاة ،فلو علم المشرك ما يستحقه الحق من نعوت الجالل لعلم أنه ال يستحق أن
يشرك به ،ولو علم المشرك أن الذي جعله شريكا ال يستحق أن يوصف بالشركة هّلل في ألوهته
لما أشرك ،فما أخذ إال بالجهل من الطرفين .
ولما كانت العلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها اإلنسان زكت نفسه وعظمت مرتبته
باّلل ،
أعالها العلم ه
ّللا صلهى ه
ّللا لهذا أمر الحق تعالى نبيه أن يقول« َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً »فهذا العلم الذي أمر رسول ه
باّلل عن طريق التجلي والذوق ،فإنه أشرف الطرق عليه وسلم بطلب المزيد منه ،هو العلم ه
إلى تحصيل العلوم ،ال علم التكليف ،فإن النقص منه هو مطلوب األنبياء عليهم السالم ،
فقوله تعالى« َوقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً »يريد من العلم به ،من حيث ما له تعالى من الوجوه في
كل مخلوق ومبدع ،
وهو علم الحقيقة ،فإنه لما كان الخلق على الدوام دنيا وآخرة فالمعرفة تحدث على الدوام دنيا
ّللا عليه وسلم بطلب الزيادة منوآخرة ،ولذا أمر بطلب الزيادة من العلم ،أتراه أمره صلهى ه
باّلل ،بالنظر فيما يحدثه من الكون ،
وّللا ،ما أمر إال بالزيادة من العلم ه العلم باألكوان ؟ ال ه
فيعطيه ذلك الكون عن أيهة نسبة إلهية ظهر ،
ّللا عليه وسلم القلوب في دعائه [ اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، ولهذا نبهه صلهى ه
أو علمته أحدا من خلقك ،أو استأثرت به في علم غيبك ]
واألسماء نسب إلهية والغيب ال نهاية له ،فال بد من الخلق على الدوام ،فكأنما يقول صلهى ه
ّللا
عليه وسلم :ارفع عني اللهبس الذي يحول بيني وبين العلم بالخلق الجديد ،فيفوتني خير كثير
ّللا نبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم أن يدعوه بأن يزيده بطلبه حصل في الوجود ال أعلمه ،لذا أمر ه
علما به في كل ما يعطيه ،وهو وجه الحق في كل شيء ،
فما طلب الزيادة من علم الشريعة ،بل كان يقول [ اتركوني ما تركتكم ]
فالشرف كله إنما هو في العلم ،والعالم به بحسب ذلك العلم ،فإن أعطى عمال في جانب الحق
عمل به ،وإن أعطاه عمال في جانب الخلق عمل به ،فهو يمشي في بيضاء نقية سمحاء ،
ص 110
110
ال يرى فيه عوجا وال أمتا ،وما طلب الزيادة من العلم إال من الرب ،ولهذا جاء مضافا
الحتياج العالم إليه أكثر من غيره من األسماء ،ألنه اسم لجميع المصالح ،وهو من األسماء
ّللا والرحمن والرب ،فقال« َوقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً »أي زدني منالثالث األمهات ،وهي :ه
كالمك ما أزيد به علما بك ،يرقى به عنده منزلة لم تكن له ،فالمراد بهذه الزيادة من العلم
المتعلق باإلله ليزيد معرفة بتوحيد الكثرة ،فتزيد رغبته في تحميده ،فيزاد فضال على تحميده
دون انتهاء وال انقطاع ،فطلب منه الزيادة وقد حصل من العلوم واألسرار ما لم يبلغه أحد ،
ّللا عليه ومما يؤيد ما ذكرناه من أنه أمر بالزيادة من علم التوحيد ال من غيره ،أنه كان صلهى ه
وسلم إذا أكل طعاما قال [ اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ]
وإذا شرب لبنا قال [ اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ] ألنه أمر بطلب الزيادة ،
فكان يتذكر عندما يرى اللبن اللبن الذي شربه ليلة اإلسراء ،
ّللا
ّللا بك أمتك ،والفطرة علم التوحيد الذي فطر ه فقال له جبريل :أصبت الفطرة أصاب ه
الخلق عليها حين أشهدهم حين قبضهم من ظهورهم
وقال لهم :ألست بربكم ؟
ّللا عليه وسلم اللبن لما شربه قالوا :بلى ،فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء ،ولهذا تأول صلهى ه
ّللا ؟
في النوم وناول فضله عمر ،قيل :ما أولته يا رسول ه
قال :العلم ،فلو ال حقيقة مناسبة بين العلم واللبن جامعة ما ظهر بصورته في عالم الخيال ،
عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله ،
ّللا تعالى أمر نبيه أن يقول« َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً »وما أمره إلى وقت معين وال حد واعلم أن ه
ّللا عليه وسلم بطلب محدود ،بل أطلق ،فطلب الزيادة والعطاء دنيا وآخرة ،فقد أمر صلهى ه
ّللا
الزيادة مع كونه قد حصل علم األولين واآلخرين وأوتي جوامع الكلم ،فإنه ال يعظم على ه
شيء طلب منه ،فإن المطلوب منه ال يتناهى فليس له طرف نقف عنده ،فوسع في طلب
ّللا عليه وسلم في شأن يوم القيامة [ فأحمده ] المزيد ،يقول النبي صلهى ه
فاّلل ال يزال خالقا إلى غير نهاية ّللا ال أعلمها اآلن ] ه يعني إذا طلب الشفاعة [ بمحامد يعلمنيها ه
فينا ،فالعلوم إلى غير نهاية ،وال شيء أشرف من العلم ،ولم يأمر بطلب زيادة في غيره من
الصفات ،ألنه الصفة العامة التي لها اإلحاطة بكل صفة وموصوف فطلب المزيد من العلم
عبادة مأمور بها .
فالعلم أشرف نعت ناله بشر *** وصاحب العلم محفوظ عليه مصون
إن قام قام به أو راح راح به *** والحال والمال في حكم الزوال يكون
ت
عنَ ِ باّلل علم التجليات ،أردف سبحانه هذه اآلية بقوله« َو َ ولما كانت أعلى الطرق إلى العلم ه
ص 111
111
الوجوه للحي القيوم » أي ذلت فأراد علوم التجلي ،والتجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم
،وهي علوم األذواق ،وكل تجل إلهي ال بد أن يصحبه زيادة في العلم ،فزاد هنا من العلم
العلم بشرف التأني عند الوحي ،فقوله تعالى « َوقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً »
ّللا ،
ّللا ذلك إال تنبيها لنقول ذلك ونطلبه من ه ّللا إليه برفع الوسائط ،وما أسمعنا ه بما يكون من ه
ولو كان خصوصا بالنبي لم يسمعنا ،أو كان يذكر أنه خاص به كما قال في نكاح الهبة ،
ّللا تعالى نبيه أن يسأل إذ قال له« َوقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي فإذا سأل اإلنسان مزيد العلم فليسأل كما أمر ه
ِع ْلما ً »فنكر ولم يعين ،فع هم ،
فأي علم نزل عليه دخل تحت هذا السؤال ،فإن النزول عن سؤال أعظم لذة من النزول عن
غير سؤال ،فإن في ذلك إدراك البغية وذلة االفتقار ،وإعطاء الربوبية حقها والعبودة حقها ،
ّللا
وفي العلم المنزل عن السؤال من علو المنزلة ما ال يقدهر قدر ذلك إال ه
-تحقيق -إذا قلت :ما ال بد منه هو يأتيك من غير طلب ،ألنه من المحال اإلقامة على أمر
واحد زمانين ،فال يحتاج إلى طلب الزائد ،
ّللا عليه وسلم« َوقُ ْل َربه ِ ِز ْد ِني ِع ْلما ً »ينبهه وإيانا على أن ث هم أمرا قلنا :قال تعالى لنبيه صلهى ه
ّللا
آخر زائدا على ما هو الحاصل في الوقت ،لنتهمم لقدومه ،وليظهر من العبد االفتقار إلى ه
بالدعاء في طلب الزيادة ،والزائد غير معيهن عندك ،فإذا عينه الدعاء والحق يجيب ،فقد تعيهن
ّللا عليه وسلم أن يزيده بطلبه علما به في ّللا به نبيه صلهى ه عندك ما تدعو فيه ،وهو الذي أمر ه
كل ما يعطيه .
والعلم أشرف ما يؤتيه من منح *** والكشف أعظم منهاج وأوضحه
ّللا يمنحه فإن سألت إله الحق في طلب *** فسله كشفا فإن ه
ّللا يفتحه
وأدمن القرع إن الباب أغلقه *** دعوى الكيان وجود ه
ص 112
112
حيث أنه جحد هو أثر طبيعي ،ومن حيث ما هو جحد بكذا هو حكم طبيعي ال أثر ،فهذا
الفرق بين حكم الطبيعة وبين أثرها ،والنسيان من أثرها والتناسي من حكمها ،والغفلة من
باّلل من يفرق بين حكم الطبيعة وأثرها ،أثرها والتغافل من حكمها ،وقليل من العلماء ه
فاجتمع في آدم حكم الطبيعة بالجحد ،ألنه األول الجامع في ظهره للجاحدين من أبنائه ،ألن
آدم إنسان كامل ،وكذا النسيان الواقع منه هو من أثر الطبيعة وحكم األبناء ،فإنه حامل في
ظهره للناسين من أبنائه ،فحكموا عليه بالنسيان ،وسرى الجحد والنسيان في بني آدم من جحد
آدم ونسيانه جبرا لقلب آدم ،
عد ٌُّوي »والذي نسي آدم إنما هو قوله تعالى( هذا َ قال تعالى« َولَقَ ْد َ
ع ِه ْدنا إِلى آ َد َم ِم ْن قَ ْب ُل فَنَ ِس َ
لَ َك َو ِلزَ ْو ِج َك )
ّللا
ّللا به من عداوته ،فقبل نصيحته ،فنسيان آدم عليه السالم إنما كان أخبره ه فنسي ما أخبره ه
باّلل كاذبا ،
تعالى به من عداوة إبليس ،وما تخيل آدم عليه السالم أن أحدا يقسم ه
باّلل إنه ناصح لهما فيما ذكره لهما ،تناوال من الشجرة المنهي عنها ،وفي هذا تنبيه فلما أقسم ه
في أن االجتهاد ال يسوغ مع وجود النص في المسألة ،وربما وقعت المعصية بتأويل منه ،
ولو نسي النهي ما عوقب أصال ،وإنما نسي ما ذكرناه ،وفي عداوة إبليس لحواء بشرى لها
بالسعادة ألنها لو كانت من حزب الشيطان ما كان عدوا لها
ع ْزما ً »وهو عمل الباطن ،فبرأ الحق باطن آدم من المعصية ،وكان عند ه
ّللا « َولَ ْم ن َِج ْد لَهُ َ
وجيها مجتبى ،
ّللا عليه وسلم [ نسي آدم فنسيت ذريته ،وجحد آدم فجحدت ذريته ] ّللا صلهى ه قال رسول ه
ّللا فرحمت ذريته ،حيثما ّللا عليه وسلم ،فإن آدم رحمه ه وهذا حديث بشرى من النبي صلهى ه
ّللا تعالى .
كانوا جعل لهم رحمة تخصهم ،بأي دار أنزلهم ه
ص 113
113
[ سورة طه ( : ) 20اآليات ] 120
ش َج َر ِة ا ْل ُخ ْل ِد َو ُم ْل ٍك َال يَ ْبلَى ()120 ان قَا َل يَاآ َد ُم َه ْل أ َ ُدلُّكَ َ
علَى َ ش ْي َط ُ
س ِإلَ ْي ِه ال ه فَ َو ْ
س َو َ
فتلطف إبليس في اإلغواء تلطف المستدرج في االستدراج ،والماكر في ه فصدقه وهو الكذوب ،
المكر ،والخادع في الخداع ،فكان آلدم بعد المؤاخذة ما أعطته خاصية تلك الشجرة لمن أكل
من ثمرها من الخلد والملك الذي ال يبلى .
ص 114
114
آ َد ُم َربَّهُ »لما نهاه عن قرب الشجرة فأكل من ثمرتها ،فأضاف المعصية إلى ظاهر آدم ،ألن
المعصية بالظاهر وقعت وهو القرب من الشجرة واألكل ،بعد أن برأ باطنه منها ،وما حفظ
ّللا تعالى آدم من المعصية مما حمله في طينته من عصاة بنيه ،فآدم عليه السالم مع خلقه
ه
باليدين عصى بنفسه ولم يحفظ« فَغَوى »أي فخاف ،وهو قد أكل بالتأويل وظن أنه مصيب
غير منتهك للحرمة في نفس األمر ،وكان متعلق النهي القرب ال األكل .فيقوى التأويل
وغوى هنا بمعنى خاف ،
قال الشاعر « : » 1ومن يغو ال يعدم على الغي الئما ؛ ولما كان آدم هو األب األعظم في
ّللا وأول هذه النشأة الترابية ،ظهرت فيه المقامات كلها حتى المخالفة
الجسمية ،والمقرب عند ه
،إذ كان جامعا للقبضتين :قبضة الوفاق وقبضة الخالف ،فما تحرك من آدم لمخالفة النهي إال
ّللا من تحرك تلك النسمة التي كان يحملها النسمة المجبولة على المخالفة ،فكانت مخالفته نهي ه
ّللا تعالى في حقه .
في ظهره لما عصى ،ثم خاف ،قال ه
ص 115
115
األول -أي بيهن له قدر ما فعل وقدر ما يستحقه من الجزاء ،وقدر ما أنعم عليه من االجتباء ،
وبيهن له أنه رجع عليه بالرحمة فع همته
-الوجه الثاني «َ -وهَدى »به من هدى ،ومع التوبة قال له :اهبط ،هبوط والية واستخالف
ال هبوط طرد ،فهو هبوط مكان ال هبوط رتبة ،ولهذا يضعف القول بتسرمد العذاب ،فإن
النار مع كونها دار ألم فإن حكم العذاب زائد على كونها دارا ،فإنا نعلم أن خزنتها في نعيم
دائم ،ما هم فيها بمعذبين مع كونهم ما هم منها بمخرجين ،ألنهم لها خلقوا ،وهي دائمة
والساكن فيها دائم لكونه مخلوقا لها ،فلما شملت الرحمة آدم بجملته ،وكان حامال لكل بنيه
بالقوة ،عمت الرحمة الجميع ،إذ ال تحجير ،وال كان يستحق أن يسمى آدم مرحوما وفيه من
علَ ْي ِه » ال يقبل الرحمة ،والحق يقول« فَ َ
تاب َ
أي رجع عليه بالرحمة« َوهَدى »أي بيهن له أنه رجع عليه بها فعمته ،ولهذا يرجى ألهل
تاب عصى آ َد ُم َربَّهُ فَغَوى ث ُ َّم ْ
اجتَباهُ َربُّهُ فَ َ الشقاء أن ال يتسرمد عليهم العذاب ،قال تعالى« َو َ
ّللا به األعداء ،وأفرح به المالئكة األوداء ،فتلقى من علَ ْي ِه َوهَدى »وما تركه سدى ،فأغاظ هَ
ربه الكلمات ،وكانت له من أعظم الهبات ،فتحقق بحقائق المحبة ،ورجع إلى ما كان عليه
من المنزلة والقربة ،وهذا حكم سار في الذرية ،أعطته هذه البنية ،فما ث هم إال من ه هم ول هم ،
وإن كان الموجود األتم ،فاعلم إن كنت تعلم ،فاجتبي آدم عليه السالم قبل أن يتاب عليه ،ألن
سابقة قدمه سبقت إليه .
ص 116
116
العادية كحالهم في الدنيا ،تحقيقا لقوله تعالى( َكما بَ َدأْنا أ َ َّو َل خ َْل ٍ
ق نُ ِعي ُدهُ )ولكن الحكم في تلك
الدار لألبصار الحقيقية المستفادة من نور صفاته ،بواسطة استجابة القلب آلياته ،وتوجهه
لنورها إلى عالم الغيب ،وقلب الكافر في الدنيا كان خاليا من نور التوحيد ،فكان بصره ال
يرجع إلى قلبه ،ألنه ال مدد له إال من حسه ،وهو أعمى عن نور آيات التوحيد ،ال جرم أنه
يحشر يوم القيامة أعمى كما كان في الدنيا ،ال يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ،فكذلك إذا
قال« ِل َم َحش َْرتَنِي أَعْمى َوقَ ْد ُك ْنتُ بَ ِ
صيرا ً ".
ص 117
117
ما قال أو زاد على ما قال ] أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب ،
غ ُرو ِبها »فأمرنا بالتسبيح آناء ش ْم ِس َوقَ ْب َل ُ س ِبه ْح ِب َح ْم ِد َر ِبه َك قَ ْب َل ُ
طلُوعِ ال َّ وهو قوله ه
عز وجل« َو َ
سبْحا ً الليل وأطراف النهار ،وما تعرض لذكر النهار في هذا الحكم ألنه قال( إِ َّن لَ َك فِي النَّ ِ
هار َ
يال )أي فراغا ،فالنهار لك والليل وأطراف النهار له ،فإذا كنت له في الليل وأطراف ط ِو ً
َ
النهار كان لك هو في النهار ،فعطايا الليل وأطراف النهار جزاء التسبيح ،وعطايا النهار
جزاء االشتغال والفراغ إلى الحق في آناء الليل وأطراف النهار .
ص 118
118
وصوله إليك ،وما أبطأ به إال الوقت الزماني الذي هو له ،وما ليس لك فال يصل إليك ،
فتتعب نفسك حيث طمعت في غير مطمع ،وما أعني بقولنا إنه لك إال ما تناله على الحد
اإللهي الذي أباحه لك ،وإن نلته على غير ذلك الحد فما نلت ما هو لك من جانب الحق ،إنما
نلت ما هو لك من جانب الطبع ،وليس المراد في الدنيا إال ما تناله من جانب الحق ،فالحق
للدنيا والطبع لآلخرة ،والطبع له اإلباحة والحق له التحجير ،فانظر إلى عطايا ربك فإنها
أكثر ما تكون ابتالء ،وال تعرف ذلك إال بالميزان ،وذلك أن كل عطاء يصل إليك فهو رزق
ربك ،ولكن على الميزان المشروع فهو« َخي ٌْر َوأَبْقى »والذي هو خير وأبقى هو الحال الذي
هو عليه في ذلك الوقت الذي رزقه ،فإنه تعالى ال يتههم في إعطائه األصلح لعبده ،فما أعطاه
ّللا وإن قل ،فإنه ربما لو أعطاه ما يتمناه العبد طغى وحالإال ما هو خير في حقه وأسعد عند ه
بينه وبين سعادته ،فإن الدنيا دار فتنة .
ص 119
119
ّللا أبدا ] لما ذكر له ابتداء نزول الناموس عليه ،فالذل صفة شريفة إذا كانت الذلة هّلل ،
يخزيك ه
والخزي صفة ذميمة بكل وجه ،فالخزي الذي يقوم بالعبد إنما هو ما جناه على نفسه بجهله
ّللا وفي
وتعديه رسوم سيده وحدوده ،فجميع مذام األخالق وسفسافها صفات مخزية عند ه
العرف ،فمن كان هّلل لم يذل وال يخزى أبدا .
ص 120
120
) ( 21سورة األنبياء مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ ّللا ّ
بسم ّ
[ سورة األنبياء ( : ) 21آية ] 1
يم
الر ِح ِمن ه
الرحْ ِ
ّللا هس ِم ه ِبِ ْ
ُون ) ( 1 اس ِحسابُ ُه ْم َو ُه ْم فِي َ
غ ْفلَ ٍة ُم ْع ِرض َ ب ِللنه ِ ْ
اقت َ َر َ
اعلم أنه ما أتي على أحد إال من الغفلة عما يجب عليه من الحقوق ،التي أوجب الشرع عليه
أداءها ،فمن أحضرها نصب عينيه وسعى جهده في أدائها ،ثم حالت بينه وبين أدائها موانع
ّللا بذمته ،وال حرج عليه وال جناح ،والّللا ،فقد وفي األمر حقه ووفى ه تقيم له العذر عند ه
خاطبه الحق بوجوب حق عليه مع ذلك المانع ،وأما إذا تغافل حتى أوجب له ذلك التغافل
ّللا عليه فعله وتركه ،
ّللا بها ،فإنه متعمل قاصد فيما يحول بينه وبين ما أوجب ه الغفلة آخذه ه
فما بقي لظهور الساعة ؟ ووجود آدم من شروط اقترابها ،فهذا أوان الساعة قد اقترب ،ولو
أزال الناس الغفلة لتنبهوا ،ولو تنبهوا لسمعوا خطاب البهائم .
ص 121
121
ّللا ،ووصف ّللا قديم من كونه صفة المتكلم به وهو ه حيث إتيانه بل من حيث عينه ،فكالم ه
بأنه محدث اإلتيان والنزول أي حدث عندهم بإتيانه كما تقول حدث عندنا ضيف ،فإنه ال يدل
ّللا الذكر هنا بالحدوث ذلك أنه لم يكن له وجود قبل ذلك ،ولما كان القرآن في حقنا نزل نعت ه
،ألنه نزل على محدث ألنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه ،
ّللا المنعوت بالقدم حدث عندهم حين سمعوه فهو فهو محدث عنده بال شك وال ريب ،فكالم ه
محدث اإلتيان قديم بالعين ،وجاء في مواد حادثة ما وقع السمع وال تعلق إال بها بما دلت عليه
هذه األخبار ،والذي دلت عليه منه ما هو موصوف بالقدم ومنه ما هو موصوف بالحدوث ،
فله الحدوث من وجه وله القدم من وجه ،
فإن قلت هذا الحادث هل هو محدث في نفسه أوليس بمحدث ،قلنا اعلم أن كالم الحادث محدث
ّللا له الحدوث والقدم ،فله عموم الصفة فإن له اإلحاطة ولنا التقييد ،فال يضاف وكالم ه
ّللا إال إذا كتبه الحادث أو تاله ،وال يضاف القدم إلى كالم الحادث إال إذا الحدوث إلى كالم ه
ّللا من عباده في الدنيا ّللا عند من أسمعه كالمه ،كموسى عليه السالم ومن شاء ه تكلم به ه
واآلخرة وأهل السعادة وأهل الشقاء ،
وإن قلنا في هذا الحادث إنه صفة الحق التي يستحقها قلنا بقدمها بال شك ،فإنه يتعالى أن تقوم
الصفات الحادثات به فكالم الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه ،محدث أيضا ،كما قال عند
من أنزل عليه من حيث تعلق علمهم به ،فإنه ال يعلم الكون المحدث إال محدث مثله ،ألنه ال
باّلل محال ،
يعلم الشيء إال بصفته النفسية ،فعلمنا ه
فما تعلق العلم إال بمحدث ،ومن وجه آخر يحتمل أن يكون قوله تعالى «:ما يَأْتِي ِه ْم ِم ْن ِذ ْك ٍر
ث »أي أحدثت بعض هذه األمور السؤاالت ،فهو الذكر المحدث لما حدث وقد ِم ْن َر ِبه ِه ْم ُم ْح َد ٍ
كان له الوجود ،وعين المخاطب مفقود ( إال استمعوه وهم يلعبون ) فذم من لم يتلقاه بالقبول ،
ومن هذه اآلية ثبت حدوث القرآن عندهم ال في عينه ،فنعلم أن القرآن مجدد اإلنزال على
ّللا الحكيم الحميد ، قلوب التالين له دائما أبدا ،ال يتلوه من يتلوه إال عن تجديد تنزل من ه
وقلوب التالين لنزوله عرش يستوي عليها في نزوله إذا أنزل ،
وبحسب ما يكون عليه القلب المتخذ عرشا الستواء القرآن عليه من الصفة يظهر القرآن بتلك
الصفة في نزوله ،وذلك في حق بعض التالين ،
وفي حق بعضهم تكون الصفة للقرآن فيظهر عرش القلب بها عند نزوله عليه ،فقرآن عظيم
لعرش عظيم ،وقرآن كريم لعرش كريم ،وقرآن مجيد لعرش مجيد ،فكل قرآن مستو على
عرشه
ص 122
122
بالصفة الجامعة بينهما ،فلكل قلب قرآن من حيث صفته مجدد اإلنزال ال مجدد العين -راجع
سورة البقرة آية – 122
ولما كان االسم الرب ال يرد إال مقيدا فإذا كان حدوث القرآن في اإلنزال على القلب من الرب
ينزل مقيدا وال بد ،فيكون عند ذلك قرآنا كريما ،أو قرآنا مجيدا ،أو قرآنا عظيما ،ويكون
القلب النازل عليه بمثل ما نزل عليه من الصفة عرشا عظيما ،أو عرشا كريما ،وإذا حدث
ث »لم يتقيد بإضافة أمرمن ُم ْح َد ٍ نزوله من الرحمن على القلب« ما يَأْتِي ِه ْم ِم ْن ِذ ْك ٍر ِمنَ َّ
الر ْح ِ
خاص ،
فكان القلب له عرشا غير مقيد بصفة خاصة ،بل له مجموع الصفات واألسماء ،فإن االسم
الرحمن له اإلطالق فكما أن الرحمن له األسماء الحسنى ،لهذا العرش النعوت العلى
بمجموعها فإن القرآن إذا نزل على قلب عبد وظهر فيه حكمه واستوى عليه بجميع ما هو عليه
مطلقا كان خلقا لهذا القلب ،فما من آية في القرآن إال ولها حكم في قلب هذا العبد ،ألن القرآن
لهذا نزل ،ليحكم ال ليحكم عليه .
ص 123
123
الطعام ،فالطعام غذاء األشباح ،أما الجان ولو تشكل فغذاؤه ما يحمله الهواء مما في األجسام
الطبيعية من المطاعم ،والمالئكة غذاؤهم ليس كذلك ،فالصور ثالثة عنصرية ونورية
ّللا بتجل بين اللطائف والصور ،وتتجلى في تلك الصوروجسدية ،فالصور الجسدية أحدثها ه
الجسدية الصور النورية والنارية ظاهرة للعين ،وتتجلى الصور الحسية حاملة للصور
المعنوية في هذه الصور الجسدية في النوم وبعد الموت وقبل البعث وهو البرزخ الصوري .
ص 124
124
[سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 18إلى ] 19
ون ( َ ) 18ولَهُ َم ْن باط ِل فَيَ ْد َمغُهُ فَ ِإذا ُه َو زا ِه ٌ
ق َولَ ُك ُم ا ْل َو ْي ُل ِم هما ت َ ِصفُ َ علَى ا ْل ِ ق َ بَ ْل نَ ْقذ ُ
ِف ِبا ْل َح ّ ِ
ستَحْ ِ
س ُر َ
ون ( ) 19 ون ع َْن ِعبا َدتِ ِه َوال يَ ْ ض َو َم ْن ِع ْن َدهُ ال يَ ْ
ست َ ْكبِ ُر َ ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ فِي ال ه
« َو َم ْن ِع ْن َدهُ »هم المالئكة المهيمة الكروبيون جلساء الحق تعالى بالذكر ،فإن ه
ّللا تعالى لما
تسمى بالملك رتب العالم ترتيب المملكة ،فجعل له خواص من عباده وهم المالئكة المهيمة .
ص 125
125
[ الدليل العقلي على أحديهة الخالق ]
س َدتا »فإنه قد أجمعنا مع المشركين « لَ ْو كانَ ِفي ِهما »يعني في السماء واألرض« آ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ
ّللاُ لَفَ َ
ّللا على أحديتهعلى ثبوته سبحانه ،وخالفونا في األحدية ،فكان الدليل المنصوب لهم من عند ه
،أنه لو كان له شريك في فعله يسمى إلها لكان ال يخلو إما أن يختلفا في كون الشيء أو يتفقا ،
فإن اختلفا فالذي ينفذ اقتداره هو اإلله ،والذي يعجز ليس بإله ،
وإن اتفقا فيقدهر االختالف ،فيلزم منه ذلك بعينه ،وتقدير اإلمكان في المحال بالفرض ،
كوقوع الكائن في أحد اإلمكانين على السواء ،وهذا القدر كاف فيما يعطيه عقول األعراب ،
ّللا .
فإنه ال أجهل ممن اتخذ شريكا مع ه
ّللا ال توحيد الذات ،فإن الذات ال يصح أن تعلم أصال اعلم أن العلم بتوحيد األلوهة لمسمى ه
ّللا علم دليل فكري ال علم شهود كشفي ،فالعلم بالتوحيد ال يكون ذوقا أبدا وال فالعلم بتوحيد ه
تعلق له إال بالمراتب ،
ّللاُ »وهذا بطريق فرض المحال ،فوحد اإلله ،وما قال تعالى «:لَ ْو كانَ فِي ِهما آ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ
ّللا سبحانه ،ألن الفكر فيها ممنوع شرعا ( لفسدتا ) أي لم يوجدا يعني العالم تعرض لذات ه
ّللا إله آخر لفسد النظام واألمر ،
العلوي وهو السماء ،والسفلي وهو األرض ،أي لو كان مع ه
وقد وجد الصالح وهو بقاء العالم ،فدل على أن الموجد له لو لم يكن واحدا ما صح وجود
العالم ،هذا دليل الحق على أحديته ،وطابق الدليل العقلي في ذلك ،ولو كان غير هذا من
األدلة أدل منه عليه لعدل إليه وجاء به ،وما عرفنا بهذا وال بالطريق إليه في الداللة عليه ،
س َدتا »هذه المقدمة ، فقوله تعالى «:لَ ْو كانَ فِي ِهما آ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ
ّللاُ لَفَ َ
ّللا ما فسدتا ،وهذه هي المقدمةوالمقدمة األخرى السماء واألرض وأعني بهما كل ما سوى ه
األخرى ،والجامع بين المقدمتين وهو الرابط الفساد ،فانتجتا أحدية المخصص وهو المطلوب
،وإنما قلنا ذلك ألنه لو كان ثم إله زائد على الواحد لم يخل هذا الزائد إما أن يتفقا في اإلرادة
أو يختلفا ،ولو اتفقا فليس بمحال أن يفرض الخالف لننظر من تنفذ إرادته منهما ،فإن اختلفا
حقيقة أو فرضا في اإلرادة فال يخلو إما أن ينفذ في الممكن حكم إرادتيهما معا وهو محال ،
ألن الممكن ال يقبل الضدين وإما أن ال ينفذا ،وإما أن ينفذ حكم إرادة أحدهما دون اآلخر ،فإن
لم ينفذ حكم إرادتيهما فليس واحد منهما بإله ،وقد وقع الترجيح فال بد أن يكون أحدهما نافذ
اإلرادة وقصر اآلخر عن تنفيذ إرادته فحصل العجز ،واإلله ليس بعاجز ،فاإلله من نفذت
ّللا عليه وسلم بعثا ّللا صلهى ه
ّللا الواحد ال شريك له ،ولهذا األصل ما بعث رسول ه إرادته وهو ه
قط ولو كان اثنين إال قدم أحدهما وجعل اآلخر
ص 126
126
تبعا ،وإن لم يكن كذلك فسد األمر والنظام ،فال يصح إقامة ملك بين مدبرين ،وإن اتحدت
إرادتهما ،ولما كان ال يصح عقال وال شرعا تدبير ملك بين أميرين متناقضين في أحكامهما
وإن فرض اتحاد اإلرادة في حق المخلوقين فإن حكم العادة يأبى ذلك والشرع في حق هذين
ّللا تعالى أن يدبر هذا الملك إال واحد ،وصرح بذلك على لسان رسوله األميرين ،لم يرد ه
ّللا عليه وسلم ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا اآلخر منهما ) صلهى ه
شعر :
جمع األنام على إمام واحد *** عين الدليل على اإلله الواحد
ّللا للناس إماما في الظاهر واحدا يرجع إليه أمر الجميع إلقامة الدين ،وأمر عباده أن ال فجعل ه
ّللا بقتاله ،لما علم أن منازعته تؤدي إلى فساد في ينازعوه ،ومن ظهر عليه ونازعه أمرنا ه
ّللا بإقامته ،الدين الذي أمرنا ه
س َدتا )فمن هناك ظهر اتخاذ اإلمام وأن يكون وأصله قوله تعالى (:لَ ْو كانَ فِي ِهما آ ِل َهةٌ ِإ َّال َّ
ّللاُ لَفَ َ
واحدا في الزمان ظاهرا بالسيف .
ص 127
127
ما ثم علة موجبة لتكوين شيء إال عين وجود الذات وقبول عين الممكن لظهور الوجود ،
باّلل
فاألزل ال يقبل السؤال عن العلل ،وال يصدر ذلك إال من جاهل ه
ع َّما يَ ْفعَ ُل »في عباده مثل المصادرة إذا لم تقع عن حساب أو -الوجه الثاني «-ال يُ ْسئ َ ُل َ
تجاوز في األخذ حد االستحقاق ،وكذا القهر واإلرعاد واإلبراق واألخذ والرحمة والعفو
والتجاوز واالنتقام والحساب ( َو ُه ْم يُ ْسئَلُونَ )لألخذ والتجاوز بعد التقرير والحساب والسؤال ،
هللف الحجة البالغة
-تحقيق -من احتج عليك بما سبق فقد حاجك بحق ،ومع هذا فهي حجة ال تنفع قائلها ،وال
تعصم حاملها ،ومع كونها ما نفعت سمعت وقيل بها ،وإن عدل في الشرع عن مذهبها ،فإنه
ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ولكن أكثر الناس ال يشعرون .
ص 128
128
[سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 26إلى ] 28
س ِبقُونَهُ ِبا ْلقَ ْو ِل َو ُه ْم ِبأ َ ْم ِر ِه
ون ) ( 26ال يَ ْ س ْبحانَهُ بَ ْل ِعبا ٌد ُم ْك َر ُم َ من َولَدا ُ الرحْ ُ َوقالُوا ات ه َخذَ ه
شيَتِ ِه ارتَضى َو ُه ْم ِم ْن َخ ْ ون إِاله ِل َم ِن ْ ون ( ) 27يَ ْعلَ ُم ما بَ ْي َن أ َ ْيد ِ
ِيه ْم َوما َخ ْلفَ ُه ْم َوال يَ ْ
شفَعُ َ يَ ْع َملُ َ
ون ) ( 28 ش ِفقُ َ
ُم ْ
ارتَضى »في الشفاعة يوم القيامة ،فأذن تعالى في السؤال قوله تعالى َ «:وال يَ ْشفَعُونَ ِإ َّال ِل َم ِن ْ
وهو ال يأذن وفي نفسه أن ال يقبل سؤال السائل .
ص 129
129
[سورة األنبياء ( : ) 21آية ] 30
ش ْي ٍء ض كانَتا َرتْقا فَفَت َ ْقنا ُهما َو َجعَ ْلنا ِم َن ا ْل ِ
ماء ُك هل َ ت َو ْاأل َ ْر َ سماوا ِ ِين َكفَ ُروا أ َ هن ال ه
أ َ َولَ ْم يَ َر الهذ َ
ون ( ) 30 ي ٍ أ َ فَال يُ ْؤ ِمنُ َ
َح ّ
« كانَتا َرتْقا ً »
-الوجه األول -أي غير متميزة «فَفَت َ ْقنا ُهما »أي ميزنا بعضها عن بعض ليميز أعيانها ففتق
األرض بما أخرج فيها من معدن ونبات وحيوان ،فكان إيجادا عند دوران األفالك بعد تقدير
ّللا تعالى قد جعل هذه األرض بعد ما كانت رتقا كالجسم الواحد كما -الوجه الثاني -اعلم أن ه
كانت السماء ،ففتق رتقها وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسماوات ،
فقوله تعالى «:كانَتا َرتْقا ً »أي كل واحدة منهما مرتوقة « ،فَفَت َ ْقنا ُهما »يعني فصل بعضها من
بعض حتى تميزت كل واحدة عن صاحبتها ،
ض ِمثْلَ ُه َّن »أي فصل كل سماء على حدة بعد ما كانت ت َو ِمنَ ْاأل َ ْر ِ سماوا ٍ كما قال َ «:خلَقَ َ
س ْب َع َ
رتقا ،إذ كانت دخانا فإن الحق استوى إلى السماء وكانت واحدة ،ففتقها وسواها سبع سماوات
طباقا ،فدارت بأفالكها وفتق األرض إلى سبع أرضين ،سماء أولى ألرض أولى ،وثانية
لثانية إلى سبع ،
ي ٍ »تنسب عندنا ش ْيءٍ َح ه ولما كان األصل في وجودها الماء لهذا قال َ «:و َجعَ ْلنا ِمنَ ْال ِ
ماء ُك َّل َ
الحياة لكل حي بحسب حقيقة المنعوت بها ،وما في العالم إال حي ،ال كمن ال يرى الحياة إال
في غير الجماد والنامي ،فالجماد في نظرك هو حي في نفس األمر ،وأما الموت فهو مفارقة
حي مدبهر لحي مدبهر ،فالمدبر والمدبر حي ،والمفارقة نسبة عدمية ال وجودية ،إنما هو عزل
عن والية ،فكل شيء حي ،فإن كل شيء مسبح هّلل بحمده ،وهذا الماء هو الماء الذي هو
أصل في وجود كل شيء وبه حياته ،ولحياته وصف بالتسبيح ،وهو غير هذا الماء المركب
ّللا
البسيط المعهود ،فالماء أصل الحياة في األشياء ،فهو سر الحياة ،حتى العرش لما خلقه ه
ما كان إال على الماء ،فسرت الحياة فيه منه ،ومن هذا الماء كانت حياة الجان وهم ال
يشعرون ،وحياة العرش وما حوى عليه من المخلوقات ،
س ِبه ُح ِب َح ْم ِد ِه »فجاء بالنكرة ،وال يسبح إال حي ،وأما الماء ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َّللا يقول َ «:و ِإ ْن ِم ْن َ فإن ه
العنصري فأصله من نهر الحياة الطبيعية الذي فوق األركان ،وهو الذي ينغمس فيه جبريل
كل يوم غمسة ،وينغمس فيه أهل النار إذا خرجوا منها بالشفاعة ،فهو الماء الذي قال تعالى
ي ٍ »ثم سرت منه الحياة في الماء العنصري ،وأما في ش ْيءٍ َح ه فيه َ «:و َجعَ ْلنا ِمنَ ْال ِ
ماء ُك َّل َ
عالم االستحالة فاعلم أن العرش الملك ،وما تم الملك وكمل إال في عالم االستحالة ،وهو عالم
األركان الذي أصله
ص 130
130
الماء ،والماء هو الركن األعظم من العناصر األربعة وهي الماء والهواء والنار والتراب ،
ّللا يصف نفسه بأنه كل يوم في شأن ،فالعالم يستحيل والحق في ولوال عالم االستحالة ما كان ه
شأن حفظ وجود أعيانه يمده بما به بقاء عينه من اإليجاد ،فهو الشأن الذي هو الحق عليه ،
ي ٍ »فالماء أصلش ْيءٍ َح ه فلما كان الماء أصال لكل حي قال تعالى َ «:و َجعَ ْلنا ِمنَ ْال ِ
ماء ُك َّل َ
العناصر واالسطقسات « ، » 1وهو أصل لكل حياة عرضية ال ذاتية ،فبالماء حياة األحياء
ّللا جعل الماء رزقا لكل حي ألنه بارد رطب ،والعالم في عينه لما فيه من سر اإلحياء ،فإن ه
غلبت عليه الحرارة واليبوسة ،وسبب ذلك أن العالم مقبوض عليه قبضا ال يتمكن له االنفكاك
عنه ،ألنه قبض إلهي واجب على كل ممكن ،فال يكون إال هكذا ،واالنقباض في المقبوض
يبس بال شك ،فغلب عليه اليبس ،فهو يطلب بذاته لغلبة اليبس ما يلين به ويرطب ،فتراه
محتاجا من حيث يبسه إلى الرطوبة ،وأما احتياجه إلى البرودة ألن العالم ممكن ال يصح له أن
يكون مطلق الوجود يفعل ما يريد ،وهو يريد هذه المرتبة وال ينال مطلوبه ،فيدركه الغبن
فيحمى ،فتغلب الحرارة عليه فيتأذى ،فيخاف االنعدام فيجنح إلى طلب البرودة ليسكن بها ما
يجده من ألم الحرارة ويحيي بها نفسه ،ويبس القبض الذي هو عليه يطلب الرطوبة ،فنظر
االسم الرزاق في غذاء يحيا به يكون باردا ،ليقابل الحرارة وسلطانها ويكون رطبا فيقابل به
سلطان اليبس ،فوجد الماء باردا رطبا فجعل منه كل شيء حي في كل صنف صنف بما يليق
به ،فكل شيء من الماء عينه ومن الهواء حياته ،حتى حيوان البحر الذي يموت إذا فارق
الماء ما حياته إال بالهواء الذي في الماء ،ألنه مركب ،فيقبل الهواء بنسبة خاصة ،وهو أن
يمتزج بالماء امتزاجا ال يسمى به هواء ،كما أن الهواء المركب فيه الماء وبه يكون مركبا ،
لكن امتزاج الماء به امتزاجا خاصا ال يسمى به ماء ،فإذا كانت حياة الحيوان بهواء الماء مات
عند فقده ذلك الهواء الخاص ،وكذلك حيوان البر إذا غرق في الماء مات ألن حياته بالهواء
الذي مازجه الماء ،ال بالماء الذي مازجه الهواء ،وثم حيوان بري بحري ،وهو حيوان شامل
برزخي ،له نسبة إلى قبول الهواءين ،فيحيى بالهواء كما يحيى البري
) ( 1األسطقس هو األصل بلغة اليونان وكذان العنصر بلغة العرب إال أن إطالق االسطقسات
عليها باعتبار أن المركبات تتألف منها وإطالق العناصر باعتبار أنها تنحل إليها فلوحظ في
إطالق لفظ األسطقس معنى الكون وفي إطالق لفظ العنصر معنى الفساد ( كتاب التعريفات
للجرجاني ) ويقال إن االسطقسات الطبائع األربعة.
ص 131
131
ويحيى في الماء كما يحيى البحري ،وبالهواء تكون حياته في الموضعين ،والماء أصله من
كونه حيا ،ثم قال تعالى «:أ َ فَال يُؤْ ِمنُونَ »أي يصدقون بذلك وبما يرونه من حياة األرض
بالمطر ،وحياة األشجار بالسقي ،حتى الهواء إن لم يكن فيه مائية وإال أحرق ،وإنما قرن به
اإليمان لجواز خالفه عقال ،الذي هو ضد الواقع« أ َ فَال يُؤْ ِمنُونَ »وينظرون في قولنا ِ (:منَ
ماء * )فيعلمون طبع الماء وأثره ،وفيمن يؤثر وما يدفع به ،فيعلم أن العالم موصوف ْال ِ
بنقيض ما يقتضيه الماء فيحكم عليه به ،فإن الواقع في العالم غلبة الحرارة واليبوسة عليه لما
ذكرناه ،فثار عليه سلطان الحرارة واليبس ،فلم تكن حياة إال ببارد رطب فكان الماء .
ص 132
132
[سورة األنبياء ( : ) 21آية ] 33
ون ( ) 33 س َوا ْلقَ َم َر ُك ٌّل ِفي فَلَ ٍك يَ ْ
سبَ ُح َ هار َوالش ْهم َ َو ُه َو الهذِي َخلَ َ
ق الله ْي َل َوالنه َ
[ الزمان ]
الليل والنهار فصال اليوم ،فمن طلوع الشمس إلى غروبها يسمى نهارا ،ومن غروب الشمس
إلى طلوعها يسمى ليال ،وهذه العين المفصلة تسمى يوما ،وأظهر هذا اليوم وجود الحركة
الكبرى ،وما في الوجود العيني إال وجود المتحرك ال غير ،وما هو عين الزمان الذي تطلقه
العرب وتريد به الليل والنهار ،فإن الزمان أمر متوهم ال حقيقة له ،فباختالف الحركات
الفلكية حدث زمان الليل والنهار ،وتعينت السنون والشهور والفصول ،وهذه المعبر عنها
باألزمان ،فالزمان واليوم والليل وفصول السنة كلها أمور عدمية نسبية ال وجود لها في
األعيان ،وكان التوجه من الحق على إيجاد الشمس يخالف توجهه تعالى على إيجاد القمر ،
فلو كان التوجه واحدا عليهما لما اختلفت الحركات ،وهي مختلفة ،فدل أن التوجه الذي حرك
القمر في فلكه ما هو التوجه الذي حرك الشمس وال غيرها من الكواكب واألفالك ،ولو لم يكن
األمر كذلك لكانت السرعة أو اإلبطاء في الكل على السواء ،لذلك قال تعالى ُ «:ك ٌّل ِفي فَلَكٍ
يَ ْسبَ ُحونَ »وبذلك تتميز آثارها ،فاآلثار بال شك مختلفة ،والفلك ال يكون إال مستديرا .واعلم
أن أصغر األيام هي التي نعدها حركة الفلك المحيط ،الذي يظهر في يومه الليل والنهار ،
فأقصر يوم عند العرب وهو هذا ألكبر فلك ،وذلك لحكمه على ما في جوفه من األفالك ،إذ
كانت حركة ما دونه في الليل والنهار حركة قسرية له ،قهر بها سائر األفالك التي يحيط بها ،
ولكل فلك حركة طبيعية تكون له مع الحركة القسرية ،فكل فلك دونه ذو حركتين في وقت
واحد ،حركة طبيعية وحركة قسرية ،ولكل حركة طبيعية في كل فلك يوم مخصوص ،يعد
مقداره باأليام الحادثة عن الفلك المحيط المعبر عنها بقوله ِ «:م َّما تَعُ ُّدونَ »وكلها تقطع في
الفلك المحيط ،فكلما قطعته على الكمال كان يوما لها ،ويدور الدور ،فأصغر األيام منها هو
ثمانية وعشرون يوما مما تعدون ،وهو مقدار قطع حركة القمر في الفلك المحيط .
ص 133
133
[ علة خلق الموت ]
ت » *وهو لقاء هّلل خاص عينه الحق ،إذ هو المشهود في كل حال ، « ُك ُّل نَ ْف ٍس ذا ِئقَةُ ْال َم ْو ِ
ولكن لما عين ما شاء من المواطن وجعله محال للقاء مخصوص رغبنا فيه ،وال نناله إال
ّللا عليه وسلم بين بالخروج من الدار التي تنافي هذا اللقاء وهي الدار الدنيا ،خيهر النبي صلهى ه
البقاء في الدنيا واالنتقال إلى األخرى فقال الرفيق األعلى ،وورد في الخبر أنه من أحب لقاء
ّللا لقاءه ،فلقيه في الموت بما يكرهه ، ّللا كره ه
ّللا لقاءه ومن كره لقاء ه
ّللا يعني بالموت أحب ه ه
وهو أن حجبه عنه وتجلى لمن أحب لقاءه من عباده .ولقاء الحق بالموت له طعم ال يكون في
لقائه بالحياة الدنيا ،فالموت فراغ ألرواحنا من تدبير أجسامنا ،فلها ذوق ال يكون لها إال
بالخروج من دار الدنيا بالموت ال بالحال ،وهو أن يفارق هذا الهيكل الذي وقعت له به هذه
األلفة من حين ولد وظهر به ،بل كان السبب في ظهوره ،ففرق الحق بينه وبين هذا الجسم
لما ثبت من العالقة بينهما ،وهو من حال الغيرة اإللهية على عبيده لحبه لهم ،فال يريد أن
يكون بينهم وبين غيره عالقة ،فخلق الموت وابتالهم به تمحيصا لدعواهم في محبته فقال «:
ّللا من فتن من عباده إال بحكم ما ظهر عليهم من ش ِ هر َو ْال َخي ِْر ِفتْنَةً »وما فتن ه
َونَ ْبلُو ُك ْم ِبال َّ
ّللا على اليد اإللهية الدعاوى فيما يتصرفون فيه أن ذلك الفعل لهم حقيقة أو كسبا ،فلو أطلعهم ه
ّللا ،فما اختبرهم إال الخالقة ورأوا نفوسهم آالت صناعية ال يمكن وقوع غير ذلك لما اختبرهم ه
ليعثروا على مثل هذا العلم فيعصموا من الدعوى فيسعدوا ،لذا قال «َ :و ِإلَيْنا ت ُ ْر َجعُونَ ».
134
134
[سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 38إلى ] 47
ون ع َْن ين ال يَ ُكفُّ َ ِين َكفَ ُروا ِح َ ين ( ) 38لَ ْو يَ ْعلَ ُم الهذ َ ون َمتى هذَا ا ْل َو ْع ُد ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِد ِق َ َويَقُولُ َ
ون ( ) 39بَ ْل تَأْتِ ِ
يه ْم بَ ْغتَة فَت َ ْب َهت ُ ُه ْم فَال ص ُر َ ور ِه ْم َوال ُه ْم يُ ْن َ ظ ُه ِ ار َوال ع َْن ُ ُو ُجو ِه ِه ُم النه َ
س ِخ ُروا ِين َ حاق بِالهذ َ س ٍل ِم ْن قَ ْب ِلكَ فَ َ ئ بِ ُر ُستُه ِْز َ ون ( َ ) 40ولَقَ ِد ا ْ ون َردهها َوال ُه ْم يُ ْن َظ ُر َ ست َ ِطيعُ َ يَ ْ
من بَ ْل ُه ْم ع َْن ِذ ْك ِر الرحْ ِ هار ِم َن ه ُن ) ( 41قُ ْل َم ْن يَ ْكلَ ُؤ ُك ْم ِبالله ْي ِل َوالنه ِ ستَه ِْزؤ َ ِم ْن ُه ْم ما كانُوا ِب ِه يَ ْ
ُون ) ( 42 َر ِبّ ِه ْم ُم ْع ِرض َ
ون ( ) 43بَ ْل ص َحبُ َ س ِه ْم َوال ُه ْم ِمنها يُ ْ ون نَص َْر أ َ ْنفُ ِ ست َ ِطيعُ َ أ َ ْم لَ ُه ْم آ ِل َهةٌ ت َ ْمنَعُ ُه ْم ِم ْن دُو ِننا ال يَ ْ
صها ِم ْن أ َ ْطرافِها ض نَ ْنقُ ُ علَ ْي ِه ُم ا ْلعُ ُم ُر أ َ فَال يَ َر ْو َن أَنها نَأْتِي ْاأل َ ْر َُالء َوآبا َء ُه ْم َحتهى طا َل َ َمت ه ْعنا هؤ ِ
ون ( ) 45 ص ُّم الدُّعا َء إِذا ما يُ ْنذَ ُر َ س َم ُع ال ُّ ون ( ) 44قُ ْل إِنهما أ ُ ْنذ ُِر ُك ْم بِا ْل َوحْ ي ِ َوال يَ ْ أ َ فَ ُه ُم ا ْلغا ِلبُ َ
ين واز َ ض ُع ا ْل َم ِ ين ) َ ( 46ونَ َ ب َر ِبّكَ لَيَقُولُ هن يا َو ْيلَنا إِنها ُكنها ظا ِل ِم َ ستْ ُه ْم نَ ْف َحةٌ ِم ْن عَذا ِ َولَئِ ْن َم ه
كان ِمثْقا َل َحبه ٍة ِم ْن َخ ْر َد ٍل أَت َ ْينا ِبها َوكَفى ِبنا ش ْيئا َو ِإ ْن َ س َ س َط ِليَ ْو ِم ا ْل ِقيا َم ِة فَال ت ُ ْظلَ ُم نَ ْف ٌا ْل ِق ْ
ين ( ) 47 س ِب َحا ِ
[ تجسد المعاني ]
ّللا بأعمال بني آدم مع كونها أعراضا صورا قائمة ،وهو تجسد المعاني ،توضع في يأتي ه
ّللا الموازين يوم القيامة كثيرة ليزن بكل ميزان ما وضع له ، الموازين إلقامة القسط ،وجعل ه
فإن الشرع مثال قد تعبد كل مجتهد بما أداه إليه اجتهاده ،وحرم عليه العدول عن دليله ،فكل
مجتهد متعبد بما أعطاه اجتهاده ،فتوضع الموازين لوزن األعمال ،فيجعل فيها الكتب بما
ّللا عليه وسلم : عملوا ،وآخر ما يوضع في الميزان قول اإلنسان الحمد هّلل ،ولهذا قال صلهى ه
[ الحمد هّلل تمأل الميزان ]
ّللا فيبقى من ملئه تحميدة فتجعل فإنه يلقى في الميزان جميع أعمال العباد إال كلمة ال إله إال ه
فيه فيمتلئ بها ،وسبب ذلك أن كل عمل خير له عمل مقابل من ضده ،فيجعل هذا الخير في
ّللا إال الشرك ،وال يجتمع توحيد وشرك موازنته وال يقابل ال إله إال ه
ص 135
135
ّللا معتقدا لها فما أشرك ،وإن أشرك فما اعتقد ال إله في ميزان أحد ،ألنه إن قال ال إله إال ه
ّللا ما يعاد لها في الكفة األخرى وال ّللا ،فلما لم يصح الجمع بينهما لم يكن لكلمة ال إله إال ه إال ه
يرجحها شيء ،فلهذا ال تدخل الميزان ،وأما المشركون فال نقيم لهم يوم القيامة وزنا ،أي ال
ّللا وكفر بآياته ،فإن قدر لهم وال يوزن لهم عمل وال من هو من أمثالهم ممن كذب بلقاء ه
أعمال خير المشرك محبوطة ،فال يكون لشرهم ما يوازنه ،وأما صاحب السجالت فإنه
ّللا مخلصا فتوضع له في مقابلة شخص لم يعمل خيرا قط ،إال أنه تلفظ يوما بكلمة ال إله إال ه
التسعة والتسعين سجال من أعمال الشر ،كل سجل منها كما بين المغرب والمشرق ،وذلك
ألنه ما له عمل خير غيرها ،فترجح كفتها بالجميع وتطيش السجالت فيتعجب من ذلك ،وال
يدخل الموازين إال أعمال الجوارح شرها وخيرها ،السمع والبصر واللسان واليد والبطن
والفرج والرجل ،وأما األعمال الباطنة فال تدخل الميزان المحسوس ،لكن يقام فيها العدل
س وهو الميزان الحكمي المعنوي ،فلهذا توزن األعمال من حيث ما هي مكتوبة« فَال ت ُ ْ
ظلَ ُم نَ ْف ٌ
شيْئا ً » « َو ِإ ْن كانَ ِمثْقا َل َحبَّ ٍة ِم ْن خ َْر َد ٍل »يعني من العمل« أَتَيْنا ِبها َو َكفى ِبنا حا ِس ِبينَ ».
َ
ص 136
136
ع ِة ُم ْش ِفقُونَ »حتى إن فاستحضار العبد ربه في العبادة عين حضور المعبود له« َو ُه ْم ِمنَ ال َّ
سا َ
كل دابة تصغي يوم الجمعة شفقا من الساعة .
ص 137
137
السالم أنه جاد بنفسه على النار إيثارا لتوحيد ربه ( ،راجع الفتوة في سورة الكهف آية ) 13
ومن صفات الفتيان والفتوة :الفتى ابن الوقت ،مخافة المقت ،ال يتقيد بالزمان ،كما ال
ّللا قال لك أين تذهب ؟
يحصره المكان ،ال تصحب من إذا قلت له :باسم ه
ليس للفتى من الزمان ،إال اآلن ،ال يتقيد بما هو عدم ،بل له الوجود األدوم ،زمان الحال ،
ي ،ألنه الوصي والولي ،الفتيان رؤساء المكانة والمكان ،لهم الحجة ال ينقال ،ال فتى إال عل ه
والسلطان ،والدليل والبرهان ،عليهم قام عماد األمر ،وهم على قدم حذيفة في علم السر ،
لهم التمييز والنقد ،وهم أهل الحل والعقد ،ال ناقض لما أبرموه ،وال مبرم لما نقضوه ،وال
مطنب لما قوضوه ،وال مقوض لما طنبوه ،إن أوجزوا أعجزوا ،وإن أسهبوا أتعبوا ،إليهم
االستناد وعليهم االعتماد ،الفتى هو صاحب الفتوح ،ما عنده جموح ،سهل الهوى واالنقياد ،
ومع هذا فهو مع من زاد بزاد وبغير زاد ،الفتى من ال يزال للعلم طالبا ،ومن الجهل هاربا .
ص 138
138
ألنهم قائلون بكبرياء الحق على آلهتهم التي اتخذوها ،فهذا الذي قاله إبراهيم عليه السالم
صحيح في عقد إبراهيم عليه السالم ،وإنما أخطأ المشركون حيث لم يفهموا عن إبراهيم ما
ّللا تعالى وإقامة ير ُه ْم » ،فكان قصد إبراهيم عليه السالم بكبيرهم ه أراد بقوله «:بَ ْل فَعَلَهُ َكبِ ُ
الحجة عليهم ،وهو موجود في االعتقادين ،وكونهم آلهة ذلك على زعمهم ،والوقف عليه
حسن تام ،وابتدأ إبراهيم بقوله «:هذا »إشارة ابتداء وخبره محذوف يدل عليه قوله « :بَ ْل
ير ُه ْم » ،أو « هذا قولي » فالخبر محذوف يدل عليه مساق القصة «،فَ ْسئَلُو ُه ْم ِإ ْن فَعَلَهُ َك ِب ُ
كانُوا يَ ْن ِطقُونَ »إقامة الحجة عليهم منهم ،فهم يخبرونكم ،ولو نطقت األصنام في ذلك الوقت
ّللا ال إلى إبراهيم ، ّللا هو الكبير العلي العظيم ،ولنسبت الفعل إلى ه العترفوا بأنهم عبيد ،وأن ه
ّللا على معرفته وتسبيحه بحمده ،فال يرون فإنه مقرر أن الجماد والنبات والحيوان قد فطرهم ه
ّللا ،فكان إبراهيم على بينة من ّللا ،ومن كان هذا فطرته كيف ينسب الفعل لغير ه فاعال إال ه
ّللا ،ألنه ما قال لهم سلوهم إال في معرض ربه في األصنام أنهم لو نطقوا ألضافوا الفعل إلى ه
الداللة ،سواء نطقوا أو سكتوا ،فإن لم ينطقوا يقول لهم « :لم تعبدون ما ال يسمع وال يبصر
ّللا قطعنا قطعا ،ال يتمكن ّللا شيئا » وال عن نفسه ،ولو نطقوا لقالوا إن ه وال يغني عنكم من ه
في الداللة أن تقول األصنام غير هذا ،فإنها لو قالت الصنم الكبير فعل ذلك بنا لكذبت ،ويكون
ّللا بكفرهم وردا على إبراهيم عليه السالم ،فإن الكبير ما قطعهم جذاذا ،ولو قالوا تقريرا من ه
ّللا
في إبراهيم إنه قطعنا لصدقوا في اإلضافة إلى إبراهيم وال تلزم الداللة بنطقهم على وحدانية ه
ببقاء الكبير ،فيبطل كون إبراهيم قصد الداللة ،فلم تقع ولم يصدق ( وتلك حجتنا آتيناها
إبراهيم على قومه ) فكانت له الداللة في نطقهم لو نطقوا كما قررنا ،وفي عدم نطقهم لو لم
ّللا عليهم ينطقوا ،ومثل هذا ينبغي أن يكون قصد األنبياء عليهم السالم ،فهم العلماء صلوات ه
،ولهذا قال تعالى :
[ سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 64إلى ] 65
ع ِل ْمتَ ما س ِه ْم لَقَ ْد َ
على ُر ُؤ ِ ون ) ( 64ث ُ هم نُ ِك ُ
سوا َ س ِه ْم فَقالُوا ِإنه ُك ْم أ َ ْنت ُ ُم ال ه
ظا ِل ُم َ فَ َر َجعُوا ِإلى أ َ ْنفُ ِ
ون ) ( 65 ُالء يَ ْن ِطقُ َهؤ ِ
ّللا لمثل هؤالء( أ َ ت َ ْعبُدُونَ ما ت َ ْن ِحتُونَ )فالذين عبدوا من ينطق ويدعي األلوهة فقال ه
ص 139
139
أقرب حاال من عبادة من ال يسمع وال يبصر وال يغني عنهم شيئا ،وهذا قول إبراهيم ألبيه ،
على قَ ْو ِم ِه »وأبوه من قومه فقول وهو الذي قال فيه تعالى َ «:و ِت ْل َك ُح َّجتُنا آتَيْناها ِإبْرا ِه َ
يم َ
الخليل عليه السالم «فَ ْسئَلُو ُه ْم إِ ْن كانُوا يَ ْن ِطقُونَ »من الحجة التي أعطاه ه
ّللا ،ومنها .
ص 140
140
[سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 70إلى ] 73
بار ْكنا ِفيها ض اله ِتي َين ) َ ( 70ونَ هج ْينا ُه َولُوطا ِإلَى ْاأل َ ْر ِ س ِر َ َوأَرادُوا ِب ِه َك ْيدا فَ َجعَ ْلنا ُه ُم ْاأل َ ْخ َ
ين ( َ ) 72و َجعَ ْلنا ُه ْم وب نافِلَة َو ُكالًّ َجعَ ْلنا صا ِل ِح َحاق َويَ ْعقُ َ س َ ين ( َ ) 71و َو َه ْبنا لَهُ إِ ْ ِل ْلعالَ ِم َ
الزكا ِة َوكانُوا لَنا عابِد َ
ِين صال ِة َوإِيتا َء ه ت َوإِقا َم ال ه ُون بِأ َ ْم ِرنا َوأ َ ْو َح ْينا إِلَ ْي ِه ْم فِ ْع َل ا ْل َخ ْيرا ِ
أَئِ همة يَ ْهد َ
( ) 73
فأثنى عليهم ولم يكونوا يؤدون سوى الفرائض .
ص 141
141
ّللا في القصة حكم سليمان فهو ّللا في المسألة ،فحكم ه ّللا ،وعلم سليمان علم ه علما مؤتى ،آتاه ه
ّللا
مصيب بعين الحكم ومصيب في االجتهاد ،وداود مصيب من وجه واحد ،وحكمه من عند ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فإن العلماء آتاه إياه ،فهو بمنزلة المجتهد المخطئ من أمة رسول ه
ّللا عليه وسلم ،وقد قال في المجتهد إذا أخطأ فله أجر وإن أصاب ورثة األنبياء بإطالقه صلهى ه
فله أجران ،ومن رزق الفهم من المحدثات فقد رزق العلم ،وما كل من رزق علما كان
باّلل
ّللا يقع التفاضل بين العلماء ه صاحب فهم ،فالفهم درجة عليا في المحدثات ،وفي الفهم عن ه
،والفهم قوة ال تتصرف إال في المبهمات الممكنات وغوامض األمور ،ويحتاج صاحب الفهم
الطي َْر َو ُكنَّا فا ِع ِلينَ »داود منصوص داو َد ْال ِجبا َل يُ َ
س ِبه ْحنَ َو َّ س َّخ ْرنا َم َع ُ
لمعرفة المواطن َ «،و َ
على خالفته ،ومن أعطي الخالفة أعطي التحكم والتصرف في العالم ،فترجيع الجبال معه
بالتسبيح والطير تؤذن بالموافقة ،فموافقة اإلنسان أولى .
ص 142
142
ّللا في رفع ما نزل به وصبر مثل هذا الصبر فقد قاوم القهر اإللهي ،به عن الشكوى إلى ه
ّللا أعلى منه وأتم ،ولهذا قلنا إن الدعاء ال يقدح وال يقتضي المنازعة ،بل هو
والشكوى إلى ه
أعلى وأثبت في العبودة من تركه ،وأما الرضا والتسليم فهما نزاع خفي ال يشعر به إال أهل
ّللا ال إلى غيره ،بل يجب عليه ذلك ،لما في
ّللا ،لذلك رفع أيوب عليه السالم شكواه إلى ه
ه
ّللا ،واألنبياء عليهم
ّللا من مقاومة القهر اإللهي ،وهو سوء أدب مع هالصبر إن لم يشك إلى ه
ّللا ،فاستجاب له ربه وقال :
السالم أهل أدب ،وهم على علم من ه
ص 143
143
[ سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 86إلى ] 87
غاضبا فَ َظ هن أ َ ْن لَ ْن نَ ْقد َِر
ب ُم ِ ون ِإ ْذ ذَ َه َ
ين ) َ ( 86وذَا النُّ ِ صا ِل ِح َ َوأ َ ْد َخ ْلنا ُه ْم ِفي َرحْ َم ِتنا ِإنه ُه ْم ِم َن ال ه
ين ( ) 87 ظا ِل ِم َ ت أ َ ْن ال إِلهَ إِاله أ َ ْنتَ ُ
س ْبحانَكَ إِ ِنّي ُك ْنتُ ِم َن ال ه ظلُما ِ علَ ْي ِه فَنادى فِي ال ُّ َ
غاضبا ً »كان غضب يونس عليه السالم هّلل ومن أجله ،فلما ذهب َب ُم ِ ون ِإ ْذ ذَه َ « َوذَا النُّ ِ
ّللا فيه ،وما ّللا ال يضيق عليه من سعة رحمة ه علَ ْي ِه »أي ظن أن ه ظ َّن أ َ ْن لَ ْن نَ ْقد َِر َ
مغاضبا« فَ َ
نظر ذلك االتساع اإللهي الرحماني في حق غيره ،فتناله أمته واقتصر به على نفسه ،وكذلك
ّللا به عليه ،بعد أن أسكن بطن ّللا عنه بعد الضيق ليعلم قدر ما أنعم ه فعل الحق ،ففرج ه
ّللا على حالته ،حين كان في بطن أمه من كان يدبره فيه ،وهل كان ّللا لينبهه ه الحوت ما شاء ه
ّللا ال يعرف سوى في ذلك الموطن يتصور منه أن يغاضب أو يغاضب ،بل كان في كنف ه
ت أ َ ْن ربه ،فرده إلى هذه الحالة في بطن الحوت تعليما له بالفعل ال بالقول «،فَنادى فِي ُّ
الظلُما ِ
سبْحان ََك ت »عذرا عن أمته ،أي تفعل ما تريد وتبسط رحمتك على ما تشاء« ُ ال ِإلهَ ِإ َّال أ َ ْن َ
الظا ِل ِمينَ »ما أنت ظلمتني ،وهذا هو التوحيد »حيث كنت« ِإ ِنهي ُك ْنتُ ِمنَ َّ
[ توحيد الغم ]
العشرون في القرآن وهو توحيد الغم ،وهو توحيد المخاطب « أنت » وهو توحيد التنفيس .
ص 144
144
من حيث أنه سبحانه وارث فإنه تعالى قال إنه يرث األرض ومن عليها ،وهكذا اإلشارة في
ّللا في أي كل خير منسوب مضاف مثل خير الصابرين والشاكرين ،ومثل هذا مما ورد عن ه
شرع .
[ سورة األنبياء ( : ) 21اآليات 90إلى ] 91
ت َويَ ْدعُونَناُون فِي ا ْل َخ ْيرا ِ
سارع َ ست َ َج ْبنا لَهُ َو َو َه ْبنا لَهُ يَحْ يى َوأ َ ْ
صلَحْ نا لَهُ َز ْو َجهُ ِإنه ُه ْم كانُوا يُ ِ فَا ْ
وحنا ين ( َ ) 90والهتِي أَحْ َ
صنَتْ فَ ْر َجها فَنَفَ ْخنا فِيها ِم ْن ُر ِ غبا َو َر َهبا َوكانُوا لَنا خا ِ
ش ِع َ َر َ
ين ) ( 91 َو َجعَ ْلناها َوا ْبنَها آيَة ِل ْلعالَ ِم َ
[ روح عيسى ]
روح عيسى منفوخ بالجمع والكثرة ففيه قوى جميع األسماء واألرواح ،فإنه قال فنفخنا بنون
الجمع ،فإن جبريل عليه السالم وهبه لها بشرا سويا ،فتجلى في صورة إنسان كامل فنفخ
ّللا لمن حمده . وهو نفخ الحق ،كما قال على لسان عبده سمع ه
ص 145
145
عليهم نشابهم محمرا دما ،ويحاصر عيسى ابن مريم وأصحابه حتى يكون رأس الثور يومئذ
ّللا وأصحابه ،قالخيرا لهم من مائة دينار ألحدكم اليوم ،قال فيرغب عيسى ابن مريم إلى ه
ّللا عليهم النغف في رقابهم ،فيصبحون فرسى موتى كموت نفس واحدة ،قال ويهبط فيرسل ه
عيسى ابن مريم وأصحابه فال يجد موضع شبر إال وقد مألته زهمتهم ونتنهم ودماؤهم ،قال
ّللا عليهم طيرا كأعناق البخت ،فتحملهم
ّللا وأصحابه ،قال فيرسل ه
فيرغب عيسى إلى ه
ّللا
فتطرحهم بالمهبل ،ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ،ويرسل ه
عليهم مطرا ال يكن منه بيت وال وبر وال مدر ،قال فيغسل األرض ويتركها كالزلقة -إلى
آخر الحديث -قال أبو عيسى هذا حديث غريب حسن صحيح .
ص 146
146
ال يرضى بذلك ينصب للمشرك مثال صورته يدخل معه ليعذب بها ،وال عذاب على كوكب
وال حجر وال شجر وال حيوان ،وإنما يدخلون معهم زيادة في عذابهم حتى يروا أنهم لن يغنوا
ُالء آ ِل َهةً ما َو َردُوها َو ُك ٌّل فِيها خا ِلدُونَ ).
ّللا شيئا ،فيقولون (:لَ ْو كانَ هؤ ِ
عنهم من ه
ص 147
147
[سورة األنبياء ( : ) 21آية ] 103
ُون ( ) 103 عد َ ع ْاأل َ ْكبَ ُر َوتَتَلَقها ُه ُم ا ْل َمال ِئكَةُ هذا يَ ْو ُم ُك ُم الهذِي ُك ْنت ُ ْم تُو َ
ال يَحْ ُزنُ ُه ُم ا ْلفَ َز ُ
[ من ال يحزنهم الفزع األكبر ]
ّللا عليه وسلم إنهم يوم القيامة اعلم أن هّلل عبادا أخفياء ال يعرفهم سواه ،قال فيهم صلهى ه
يكونون على منابر من نور ليسوا بأنبياء وال شهداء ،تغبطهم األنبياء والشهداء ،يعني
بالشهداء هنا الرسل ،فإنهم شهداء على أممهم ،وكان االغتباط من كونهم لم يكونوا رسال
فارتاحوا ،وإن كانت الرسل أرفع مقاما منهم ،فإنهم ال يدخلهم خوف البتة ،فغبط األنبياء
والشهداء إياهم فيما هم فيه من الراحة وعدم الحزن والخوف في ذلك الموطن ،واألنبياء
والرسل وعلماء هذه األمة الصالحون الوراثون درجات األنبياء خائفون وجلون على أممهم ،
وأولئك لم يكن لهم أمم وال أتباع ،وهم آمنون على أنفسهم مثل األنبياء على أنفسهم آمنون ال
ّللا الذين ال يخافون ،ألنهم ما لهم يحزنهم الفزع األكبر من أجل نفوسهم ،فهذه الفئة هم أولياء ه
أمم وال أتباع يخافون عليهم ،فارتفع الخوف عنهم في ذلك اليوم في حق نفوسهم وفي حق
ع ْاأل َ ْكبَ ُر )فقد كانوا مجهولين عند الناس فلم يكونوا غيرهم ،كما قال تعالى (:ال يَ ْح ُزنُ ُه ُم ْالفَزَ ُ
في الدنيا يعرفون ،وال في اآلخرة يطلب منهم الشفاعة ،فهم أصحاب راحة عامة في ذلك
اليوم ،
والوجه اآلخر الذي ذكرناه أنهم لم يكونوا لهم أتباع ،فإذا كان في القيامة جاءت األنبياء
والعلماء خائفة يحزنهم الفزع األكبر في غاية من شدة الخوف على أممهم ال على أنفسهم ،
واألمم والمؤمنون والعامة والعصاة خائفون على أنفسهم لما ارتكبوه من المخالفات ،وهؤالء
ما لهم أتباع يخافون عليهم ،وال ارتكبوا مخالفة توجب لهم الخوف ،فجاءت هذه الطائفة
مستريحة غير خائفة ال على نفوسهم ،وال يحزنهم الفزع األكبر على أممهم ،إذ لم يكن لهم
أمم ،ففي مثل هذا يغبطهم النبيون والشهداء في ذلك الموقف خاصة( َوتَتَلَقَّا ُه ُم ْال َمالئِ َكةُ هذا
عدُونَ ) يَ ْو ُم ُك ُم الَّذِي ُك ْنت ُ ْم تُو َ
أن يرتفع الحزن والخوف فيه عنكم في حق أنفسكم وحق األمم ،إذ لم تكن لكم أمة وال تعرفتم
ألمة مع انتفاع األمة بكم ،ففي هذا الحال تغبطهم األنبياء المتبوعون ،فإذا أدخلوا الجنة
وأخذوا منازلهم تبينت المراتب وتعينت المنازل ،وظهر عليون ألولي األلباب.
ص 148
148
[سورة األنبياء ( : ) 21آية ] 104
ين ( علَ ْينا ِإنها ُكنها فا ِع ِل َ ب كَما بَدَأْنا أ َ هو َل َخ ْل ٍ
ق نُ ِعي ُد ُه َوعْدا َ س ِج ِ ّل ِل ْل ُكت ُ ِ
ي ِ ال ِ ّ يَ ْو َم نَ ْط ِوي ال ه
سما َء َك َط ّ
) 104
[ في اإلعادة ]
ّللا نور نبيك يا جابر .وقال ّللا عليه وسلم في حديث جابر المشهور أول ما خلق ه قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم أنا أول من تنشق عنه األرض -بحث في اإلعادة -قال تعالى َ (:كما بَ َدأْنا صلهى ه
ق نُ ِعي ُدهُ )وقال َ ( :كما بَ َدأ َ ُك ْم تَعُودُونَ )اإلعادة تكرار األمثال في الوجود ،ألن تكرار أ َ َّو َل خ َْل ٍ
العين ليس بواقع لالتساع اإللهي ،ولكن اإلنسان في لبس من خلق جديد ،فهي أمثال يعسر
الفصل فيها لقوة الشبه ،فاإلعادة إنما هي في الحكم ،مثل السلطان يولي واليا ثم يعزله ثم
يوليه بعد عزله ،فاإلعادة في الوالية ،
والوالية نسبة ال عين وجودي ،أال ترى اإلعادة يوم القيامة إنما هي في التدبير ،فإن النبي
ّللا عليه وسلم قد ميز بين نشأة الدنيا ونشأة اآلخرة ،والروح المدبر لنشأة الدنيا عاد إلى صلهى ه
تدبير النشأة اآلخرة ،فهي إعادة حكم ونسبة ال إعادة عين فقدت ثم وجدت ،وأين مزاج من
يبول ويغوط ويتمخط من مزاج من ال يبول وال يغوط وال يتمخط ؟ واألعيان التي هي
الجواهر ما فقدت من الوجود حتى تعاد إليه ،بل لم تزل موجودة العين ،وال إعادة في الوجود
لموجود فإنه موجود ،وإنما هي هيئات وامتزاجات نسبية .
149
لعانا ،أي طرادا ،أي ال تطرد عن رحمتي من بعثتك إليه ،وإنما بعثك رحمة ،أي لترحم
مثل هؤالء ،كأنه يقول له :بدل دعائك عليهم كنت تدعوني لهم .
ّللا تعالى إليه في ذلك لما علم من إجابته إياه إذا دعاه في أمر ،فنهاه عن الدعاء عليهم وأوحى ه
ّللا عليه وسلم حين جرحوه اللهم وسبهم وما يكرهون إبقاء لهم ورحمة بهم ،كما قال صلهى ه
س ْل َ
ناك ِإ َّال َر ْح َمةً اهد قومي إنهم ال يعلمون ثم تال عليه جبريل عليه السالم كالم ربه( َوما أ َ ْر َ
ّللا عليه وسلم في حق المشرك الذي أخبر أنه ال يغفر له ِل ْلعالَ ِمينَ )فعتب الحق رسوله صلهى ه
بهذه اآلية ،وما خص مؤمنا من غيره ،فلم يقل تعالى « للمؤمنين خاصة » فلم يخص الحق
ناك إِ َّال َر ْح َمةً ِل ْلعالَ ِمينَ »أي لترحمهم ،ألنك صاحب القرآن س ْل َ مؤمنا من كافر بل قال« َوما أ َ ْر َ
الذي ينطق بأن رحمتي وسعت كل شيء ،فعم العالم ولم يخص عالما من عالم ،فدخل المطيع
والعاصي والمؤمن والكافر والموحد والمشرك في هذا الخطاب وكل مسمى العالم ،أي
لترحمهم وتدعوني لهم ال عليهم ،فإنك إذا دعوتني لهم ربما وفقتهم لطاعتي ،فترى سرور
عينك وقرتها في طاعة ،وإذا لعنتهم ودعوت عليهم وأجبت دعاءك فيهم لم يتمكن أن آخذهم
إال بأن يزيدوا طغيانا وإثما مبينا ،وذلك كله إنما يكون بدعائك عليهم ،فكأنك أمرتهم بالزيادة
ّللا عليه وسلم لما أدبه به ربه ،فقال ّللا صلهى ه في الطغيان الذي نؤاخذهم به ،فتنبه رسول ه
ّللا عليه وسلم أنه كان ّللا أدبني فأحسن أدبي ،وقد صح عنه صلهى ه صلهى ه
ّللا عليه وسلم إن ه
يقول ( :اللهم اهد قومي فإنهم ال يعلمون ) ونهي عن الدعاء عليهم ،قام ليلة إلى الصباح ال
يز ْال َح ِكي ُم )وهو ت ْالعَ ِز ُيتلو فيها إال قوله تعالى ِ «:إ ْن تُعَ ِذه ْب ُه ْم فَإِنَّ ُه ْم ِعباد َُك َو ِإ ْن ت َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم فَإِنَّ َك أ َ ْن َ
ّللا عليه وسلم مرسل إلى جميع الناس كافة ليرحمهم قول عيسى عليه السالم ،فإنه صلهى ه
بأنواع وجوه الرحمة ،ومن وجوه الرحمة أن يدعو لهم بالتوفيق والهداية ،فال أحد ممن بعث
ّللا
إليه يبقى شقيا ولو بقي في النار فإنها ترجع عليه بردا وسالما ،فإنه من حين بعث رسول ه
ّللا عليهّللا عليه وسلم انطلق على جميع من في األرض من الناس أمة محمد صلهى ه صلهى ه
ّللا أخبر أنه أرسله ّللا عليه وسلم التي أرسل بها ،فإن ه وسلم ،فعمت العالم رحمته صلهى ه
ّللا عليه وسلم بالرحمة ّللا أنه أرسله صلهى ه ليرحم العالم ،وما خص عالما من عالم ،فأعلمنا ه
وجعله رحمة للعالمين ،فمن لم تنله رحمته فما ذلك من جهته ،وإنما ذلك من جهة القابل ،
فهو كالنور الشمسي أفاض شعاعه على األرض ،فمن استتر منه في كن أو ظل جدار فهو
الذي لم يقبل انتشار النور عليه ،وعدل عنه ،فلم يرجع إلى الشمس من ذلك منع ،وكانت هذه
اآلية في الدنيا عنوان حكم اآلخرة ،ألنه إذا كان من
ص 150
150
ّللا عليه وسلم في الدعاء عليهم ،فكيف يكون فعله فيهم إذا تولى أشرك به يعتب رسوله صلهى ه
سبحانه الحكم فيهم بنفسه ،وقد علمنا أنه تعالى ما ندبنا إلى خلق كريم إال كان هو أولى به ،
ّللا بعباده ،ألنهم على كل حال عباده ،معترفون به معتقدون ففي هذه اآلية تنبيه على رحمة ه
لكبريائه ،طالبون القربة إليه ،لكنهم جهلوا طريق القربة ولم يوفوا النظر حقه .
ناك ) وما أرسل إال بالعلم ( ِإ َّال َر ْح َمةً ِل ْلعالَ ِمينَ ) فجعل إرساله رحمة س ْل َ
-وجه آخر َ ( -وما أ َ ْر َ
ت لَ ُه ْم ).
ّللا ِل ْن َ
،فهو علم يعطي السعادة في لين ،قال تعالى (:فَ ِبما َر ْح َم ٍة ِمنَ َّ ِ
ص 151
151
متعلقها الحال الدائم ،والحال له الوجود ،ومن هذه الحضرة اإللهية عنها تقع اإلخبارات
ّللا صلهى ه
ّللا بالماضي والمستقبل ،واأللف والالم في الحق للحق المعهود الذي بعث به رسول ه
ّللا ال يعاملنا إال بما شرع لنا ال بغير ذلك ، عليه وسلم ،أي بما شرعت لي وأرسلتني به ،فإن ه
ّللا عليه وسلم أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق الذي بعثه به بين أال تراه قد أمر نبيه صلهى ه
ق »أي فليكناح ُك ْم ِب ْال َح ه ِ
عباده وبيده ،فقال تعالى آمرا « قل » يا محمد ،وهي قراءة« َربه ِ ْ
حكمك في األمم يوم القيامة بما شرعت لهم وبعثتنا به إليهم .
فإن ذلك مما يراد ،فإنك ما أرسلتنا إال بما تريد حتى يثبت صدقنا عندهم ،وتقوم الحجة عليهم
إذا حكم الحق في كل أمة بما أرسل به نبيه إليهم ،وبهذا تكون هّلل الحجة البالغة ،فما حكم إال
بما شرع وأمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده ،كما كان
حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه ،وأكثر من هذا التنزل اإللهي إلى العباد ما يكون ،
ّللا إال بالحق ،فجعل الحق نفسه في هذه اآلية مأمورا لنبيه عليه السالم ،فإن لفظة وهل يحكم ه
ّللا ما يعامل العبد بأمر إال قد عامل به نفسه ، احكم أمر ،وأمره سبحانه أن يقول له ذلك ،فإن ه
فأوجب على نفسه كما أوجب عليك ،ودخل لك تحت العهد كما أدخلك تحت العهد ،فما أمرك
بشيء هإال وقد جعل على نفسه مثل ذلك ،هذا لتكون له الحجة البالغة ،ووفى بكل ما أوجبه
على نفسه ،وطلب منك الوفاء بما أوجبه عليك ،
أليس هذا من لطفه ؟ أليس هذا من كرمه ؟
ق َوال تَت َّ ِب ِع ْال َهوىقال تعالى جبرا لقلباس ِب ْال َح ه ِاح ُك ْم بَيْنَ النَّ ِ أال تراه تعالى لما قال لنبيه داود« فَ ْ
ق »فيحكم بنفسه تعالى بالحق الذي بعث به رسله اح ُك ْم ِب ْال َح ه ِ
خلفائه « قل » يا محمد« َربه ِ ْ
ليصدقهم عند عبيده فعال بحكمه ،كما صدقهم في حال احتجابه بما أيدهم به من اآليات ،ولما
ه
الظن ، كان األصل في الحكم المشروع غلبة
فإن الحاكم ال يحكم إال بشهادة الشاهد ،وهو ليس قاطعا فيما شهد به من ذلك ،فما اختلف
العلماء في حكم الحاكم بين الخصمين بغلبة الظن ،واختلفوا في حكمه بعلمه ،فكانت غلبة
الظن في هذا النوع أصال متفقا عليه ويرجع إليه ،
وكان العلم في ذلك مختلفا فيه ،والحق تعالى وإن لم يكن عنده إال العلم فإنه يحكم بالشهود ،
ولذلك جاء « قل رب احكم بالحق » أي بما شرعت لي وأرسلتني به ،فمع علمه تعالى يقيم
على خلقه يوم القيامة الشهود ،فال يعاقبهم إال بعد إقامة البينة عليهم مع علمه ،وبهذا قال من
قال :إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه ،أما في العالم فللتهمة بما له
ص 152
152
من الغرض ،وأما في جانب الحق فإلقامة الحجة على المحكوم عليه ،حتى ال يأخذه في
ّللا عليه وسلم ،ولهذا يقول اآلخرة إال بما شرع له من الحكم في الدنيا على لسان رسوله صلهى ه
ق"اح ُك ْم بِ ْال َح ه ِ
الرسول لربه عن أمر ربه" َربه ِ ْ
على ما عان َمن ْال ُم ْست َ ُ
الر ْح ُ
يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم« َو َربُّنَا َّ
صفُونَ »لوال ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول رب احكم بالحق ،فإنه تعالى ما يحكم إال تَ ِ
بالحق
ّللا في الوجود كتابين ،كتابا سماه أ هما ،فيه ما كان قبل إيجاده وما -الوجه الثاني -جعل ه
يكون ،كتبه بحكم االسم المقيت ،فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما
يتكون عنها ،
وكتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة ،فال تزال الكتابة فيه ما دام التكليف
،وبه تقوم الحجة هّلل على المكلفين ،وبه يطالبهم ال باألم ،وهذا هو اإلمام الحق المبين الذي
ق »،اح ُك ْم ِب ْال َح ه ِ
ّللا في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه« ْ يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا ه
يريد هذا الكتاب ،
وهو كتاب اإلحصاء فال يغادر صغيرة وال كبيرة إال أحصاها ،وكل صغير وكبير مستطر ،
وهو منصوص عليه في األم .
ص 153
153
الحسنى تحلى ،فإن األمر جليل مهم ،وخطب ملم ،فزلزلة الساعة ،مذهلة عن الرضاعة ،
ّللا شديد .
مع الحب المفرط في الولد ،وال يلوي أحد على أحد ،فإن عذاب ه
ص 154
154
س ًّمى ث ُ َّم نُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْف ًال )الطفل مأخوذ من الطفل وهو ما ينزل من السماء ما نَشا ُء ِإلى أ َ َج ٍل ُم َ
من الندى غدوة وعشية ،وهو أضعف ما ينزل من السماء من الماء ،فالطفل من الكبار
كالرش والوبل والسكب من أنواع نزول المطر ،ولما كان بهذا الضعف كان مرحوما أبدا (،
ش َّد ُك ْم َو ِم ْن ُك ْم َم ْن يُت َ َوفَّى َو ِم ْن ُك ْم َم ْن يُ َر ُّد ِإلى أ َ ْرذَ ِل ْالعُ ُم ِر ِل َكيْال يَ ْعلَ َم ِم ْن بَ ْع ِد ِع ْل ٍم َ
شيْئا ً ث ُ َّم ِلت َ ْبلُغُوا أ َ ُ
»وذلك ألنه من عالم الطبيعة يتنوع ويستحيل باستحاالتها ،فالمواد التي حصل له منها هذا
العلم استحالت ،فالتحقق العلم بها بحكم التبعية ،
هام َدة ً » ]ض ِ [ « َوت َ َرى ْاأل َ ْر َ
علَ ْي َها ْالما َء »فإذا نكح الجو األرض هام َدة ً »فإن األرض فراش «فَإِذا أ َ ْنزَ ْلنا َ ض ِ « َوت َ َرى ْاأل َ ْر َ
ت ت »تحركت ودبرت الماء في رحمها آثار األنواء الفلكية َ «،و َربَ ْ وأنزل الماء «ا ْهت َ َّز ْ
يج »فأولدها توأمين ، ج بَ ِه ٍت ِم ْن ُك ِهل زَ ْو ٍ »وهو الحمل فحملت شبه حمل المرأة« َوأ َ ْنبَت َ ْ
فضحكت األرض باألزهار ،وإنما كان زوجا من أجل ما يطلبه من النكاح ،إذ ال يكون إال
بين زوجين ،والمخلقة من النبات هو ما سلم من الجوائح ،وغير المخلقة ما نزلت به الجائحة
وّللا على كل شيء قدير. ،ه
ص 155
155
[سورة الحج ( : ) 22اآليات 9إلى ] 10
يق ( ) 9َذاب ا ْل َح ِر ِ
ي َونُذِيقُهُ يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة ع َ
ّللا لَهُ ِفي ال ُّد ْنيا ِخ ْز ٌ
س ِبي ِل ه ِي ِع ْط ِف ِه ِليُ ِض هل ع َْن َ
ثا ِن َ
س بِ َظاله ٍم ِل ْلعَبِي ِد ) ( 10 ذ ِلكَ بِما قَ هد َمتْ يَداكَ َوأ َ هن ه َ
ّللا لَ ْي َ
يقول تعالى في الحديث القدسي « :إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد
ّللا ومن وجد غير ذلك فال يلومن إال نفسه » ،فما نرى من الحق إال ما نحن خيرا فليحمد ه
عليه ،فمن شاء فليعمل ومن شاء ال يعمل ،فإنه ال يرجع إلى اإلنسان إال ما خرج منه ،فاجهد
أن ال يخرج عنك إال ما تحمد رجوعه إليك ،فهذه كلمة نبوية حق كلها فإن العمل ما يعود إال
ّللا عليه وسلم « :ال تكونوا ممن خدعته العاجلة وغرته ّللا صلهى ه على عامله ،قال رسول ه
األمنية واستهوته الخدعة ،فركن إلى دار سريعة الزوال وشيكة االنتقال ،إنه لم يبق من
دنياكم هذه في جنب ما مضى إال كإناخة راكب أو صر حالب ،فعالم تعرجون ،وما ذا
وّللا بما قد أصبحتم فيه من الدنيا كأن لم يكن ،وما تصيرون إليه من تنتظرون ،فكأنكم ه
اآلخرة كأن لم يزل ،فخذوا األهبة ألزوف النقلة ،وأعدوا الزاد لقرب الرحلة ،واعلموا أن
كل امرئ على ما قدهم قادم ،وعلى ما خلهف نادم .
ص 156
156
[سورة الحج ( : ) 22اآليات 15إلى ] 18
ظ ْرماء ث ُ هم ْليَ ْق َط ْع فَ ْليَ ْن ُ
س ِ ب ِإلَى ال ه ّللاُ ِفي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َر ِة فَ ْليَ ْم ُد ْد ِب َ
سبَ ٍ ظ ُّن أ َ ْن لَ ْن يَ ْن ُ
ص َر ُه ه كان يَ ُ
َم ْن َ
ّللا يَ ْهدِي َم ْن يُ ِري ُد ) ( 16إِ هن ت َوأ َ هن ه َ ت بَ ِيّنا ٍظ ( َ ) 15وكَذ ِلكَ أ َ ْن َز ْلناهُ آيا ٍ َه ْل يُ ْذ ِهبَ هن َك ْي ُدهُ ما يَ ِغي ُ
ِين أَش َْركُوا إِ هن ه َ
ّللا يَ ْف ِص ُل وس َوالهذ َ ين َوالنهصارى َوا ْل َم ُج َ صابِئِ َ ِين هادُوا َوال ه ِين آ َمنُوا َوالهذ َ الهذ َ
س ُج ُد لَهُ َم ْن فِي ش ْي ٍء ش َِهي ٌد ( ) 17أ َ لَ ْم ت َ َر أ َ هن ه َ
ّللا يَ ْ ّللا عَلى ُك ِ ّل َ بَ ْينَ ُه ْم يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة ِإ هن ه َ
ير ِم َن ب َو َكثِ ٌ ش َج ُر َوالد َهوا ُّ س َوا ْلقَ َم ُر َوالنُّ ُجو ُم َوا ْل ِجبا ُل َوال ه ض َوالش ْهم ُ ت َو َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ال ه
ّللا يَ ْفعَ ُل ما يَشا ُء ( ) 18 ّللاُ فَما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِر ٍم ِإ هن ه َ ذاب َو َم ْن يُ ِه ِن ه علَ ْي ِه ا ْلعَ ُق َ ير َح ه اس َو َك ِث ٌالنه ِ
[ سجود كل شئ ]
ّللا عليه وسلم صاحب الكشف حيث يرى ما ال نرى« أ َ لَ ْم ّللا تعالى خطابا لمحمد صلهى ه قال ه
تسماوا ِ ّللا يَ ْس ُج ُد لَهُ َم ْن فِي ال َّ ت َ َر »رؤية مشاهدة واعتبار ،لما أشهده سجود كل شيء« أ َ َّن َّ َ
س »في غروبها« َو ْالقَ َم ُر »في محاقه « ش ْم ُ ض »فأطلق وعم ثم فصل فقال« َوال َّ َو َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ
ش َج ُر »في إقامتها على سوقها« َوالد ََّوابُّ َوالنُّ ُجو ُم »في مواقعها« َو ْال ِجبا ُل »في إسكانها« َوال َّ
»في تسخيرها ،فعم األمهات والمولدات وما ترك شيئا من أصناف المخلوقات ،ولم يبعض
فإن كل شيء في العالم يسجد هّلل تعالى من غير تبعيض إال الناس ،
اس »فبعض ولم يقل كلهم ،وهم من ير ِمنَ النَّ ِ فلما وصل بالتفصيل إلى ذكر الناس قال «َ :و َكثِ ٌ
لهم الشهود ،فإنه تعالى قال :كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك ،وشتمني ابن آدم ولم يكن
ينبغي له ذلك ،
ذاب » ،وسبب ذلك أن وكله من حيث نفسه الناطقة بما جعل علَ ْي ِه ْالعَ ُ ير َح َّق َ ولذلك قال َ «:و َكثِ ٌ
ّللا فيها من الفكر ،فسجد هّلل في صورة غير مشروعة ،فأخذ بذلك مع أنه ما سجد إال هّلل في ه
ّللا يَ ْفعَ ُل ما يَشا ُء »فجعل ذلك من مشيئته ،وأشهد ّللاُ فَما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِر ٍم إِ َّن َّ َ المعنى« َو َم ْن يُ ِه ِن َّ
ّللا عليه وسلم سجود كل شيء فما ترك أحدا ،فإنه ذكر من في ّللا سبحانه نبيه صلهى ه ه
ّللا دعا العالم كله إلى معرفته السماوات ومن في األرض فذكر العالم العلوي والسفلي ،فإن ه
ّللا أقامهم بين يديه حين خلقهم ،فأسجدهم فعرفوه في سجودهم ،فلم يرفعوا وهم قيام فإن ه
باّلل ،
ّللا ما عدا الثقلين على معرفة ه رؤوسهم أبدا ،فكل ما سوى ه
ص 157
157
ّللا وعلم بمن تجلى له ،مفطور على ذلك سعيد كله ،فإن تجلي الحق دائم أبدا ،ووحي من ه
فيبادر العبد بالسجود في هذه اآلية ليكون من الكثير الذي يسجد هّلل ال من الكثير الذي حق عليه
ّللا قد وفقه للسجود ولم يحل بينه وبين السجود علم أنه من أهل
العذاب ،فإذا رأى العبد أن ه
العناية الذين التحقوا بمن لم يبعض سجودهم ،فهذه السجدة هي سجود المعادن والنبات سجود
المشيئة ،والحيوان وبعض البشر وعمار األفالك واألركان سجود مشاهدة واعتبار .
ص 158
158
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :احتكار الطعام بم هكة ّللا لم يكتب له وال عليه ،قال رسول ه
من أجل ه
إلحاد فيه ،وكان ابن عباس يسكن الطائف ألجل هذه اآلية احتياطا لنفسه فإن اإلنسان ما في
قوته أن يمنع عن قلبه الخواطر فإنه تعالى ن هكر الظلم ،فخاف مثل ابن عباس وغيره
[ اإلرادة ]
ّللا تعالى إذا أراد إيجاد فعل ما بمقارنة حركة شخص ما بعث -بحث في اْلرادة -اعلم أن ه
إليه رسوله المعصوم وهو الخاطر اإللهي المعلوم ،ولقربه من حضرة االصطفاء هو في غاية
الخفا ،فال يشعر بنزوله في القلب إال أهل الحضور والمراقبة في مرآة الصدق والصفا ،فينقر
في القلب نقرة خفية ،تنبيها لنزول نكتة غيبية ،فمن حكم به فقد أصاب في كل ما يفعله ،
يعول ،وهو نقرونجح في كل ما يعمله ،وذلك هو السبب األول ،عند الشخص الذي عليه ه
الخاطر ،عند أرباب الخواطر ،وهو الهاجس ،عند من هو للقلب سائس ،فإن رجع إليه مرة
أخرى فهو اإلرادة ،فإن عاد ثالثة فهو الهم ،
فإن عاد رابعة فهو العزم ،وال يعود إال لنفوذ أمر جزم ،فإن عاد خامسة فهو النية ،وهو
الذي يباشر الفعل الموجود عن هذه البنية ،وبين التوجه إلى الفعل والفعل يظهر القصد ،
واعلم أن النية إذا كان معناها القصد أصل في إقامة كل بنية ،وليس للحس في النية مدخل
ألنها من وصف العقل المتخيل .
يا كعبة طاف بها المرسلون *** من بعد ما طاف بها المكرمون
ثم أتى من بعدهم عالم *** طافوا بها من بين عال ودون
أنزلها مثال إلى عرشه *** ونحن حافون لها مكرمون
فإن يقل أعظم حاف به *** إني أنا خير فهل تسمعون
وّللا ما جاء بنص وال *** أتى لنا إال بما ال يبين
ه
هل ذاك إال النور حفت به *** أنوارهم ونحن ماء مهين
فانجذب الشيء إلى مثله *** وكلنا عبد لديه مكين
هال رأوا ما لم يروا أنهم *** طافوا بما طفنا وليسوا بطين
لو جرد األلطف منا استوى *** على الذي حفوا به طائفين
ص 159
159
ّللا له العالمين
قدهسهمو أن يجهلوا حق من *** قد سخر ه
ي »جعله نظيرا ومثاال لعرشه ، ّللا تعالى البيت إليه باإلضافة في قوله َ «:و َ
ط ِ هه ْر بَ ْي ِت َ لما نسب ه
وجعل الطائفين به من البشر كالمالئكة الحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ،أي
بالثناء على ربهم تبارك وتعالى .
قلت عند الطواف كيف أطوف *** وهو عن درك سرنا مكفوف
جلمد غير عاقل حركاتي *** قيل أنت المحير المتلوف
انظر إلى البيت نوره يتألأل *** لقلوب تطهرت مكشوف
باّلل دون حجاب *** فبدا سره العلي المنيف
نظرته ه
وتجلى لها من أفق جاللي *** قمر الصدق ما اعتراه خسوف
لو رأيت الولي حين يراه *** قلت فيه مدله ملهوف
يلثم السر في سواد يميني *** أي سر لو أنه معروف
جهلت ذاته فقيل كثيف *** عند قوم وعند قوم لطيف
قال لي حين قلت لم جهلوه *** إنما يعرف الشريف الشريف
عرفوه فالزموه زمانا *** فتوالهم الرحيم الرؤوف
واستقاموا فما يرى قط فيهم *** عن طواف بذاته تحريف
قم فبشر عني مجاور بيتي *** بأمان ما عنده تخويف
إن أمتهم فرحتهم بلقائي *** أو يعيشوا فالثوب منهم نظيف
ص 160
160
يراه عزيزا إن تجلى بذاته *** فليس لمخلوق على حمله وسع
فكنت أبا حفص وكنت عليهنا *** فمني العطاء الجزل والقبض والمنع
ّللا قلب عبده بيتا كريما وحرما عظيما ،ذكر أنه وسعه حين لم -إشارة ال تفسير -لما جعل ه
يسعه سماء وال أرض ،علمنا قطعا أن قلب المؤمن أشرف من هذا البيت ،وجعل الخواطر
تمر عليه كالطائفين ولما كان في الطائفين من يعرف حرمة البيت فيعامله في الطواف به بما
يستحقه من التعظيم والجالل ،ومن الطائفين من ال يعرف ذلك فيطوفون به بقلوب غافلة الهية
ّللا ناطقة ،بل ربهما يطوفون بفضول من القول وزور ،كذلك الخواطر التي وألسنة بغير ذكر ه
ّللا طواف كل طائف للطائف تمر على قلب المؤمن منها مذموم ومنها محمود ،وكما كتب ه
بالبيت على أي حالة كان ،وعفا عنه فيما كان منه ،
ّللا عنها ،ما لم يظهر على ظاهر الجوارح إلى الحس ،فقلب كذلك الخواطر المذمومة عفا ه
العبد المؤمن أعظم علما وأكثر إحاطة من كل مخلوق ،فإنه محل لجميع الصفات ،وارتفاعه
ّللا فيه من المعرفة به ،ّللا لما أودع ه
بالمكانة عند ه
ولما كان للبيت أربعة أركان ،فللقلب خواطر أربعة ،خاطر إلهي وهو ركن الحجر ،وخاطر
ملكي وهو الركن اليمني ،وخاطر نفسي وهو الركن الشامي ،وهذه الثالثة األركان هي
األركان الحقيقية للبيت من حيث أنه مكعب الشكل ،
ّللا
وعلى هذا الشكل قلوب األنبياء مثلثة الشكل ،ليس للخاطر الشيطاني فيها محل ،ولما أراد ه
ما أراد من إظهار الركن الرابع جعله للخاطر الشيطاني ،وهو الركن العراقي ،
باّلل منوإنما جعلنا الخاطر الشيطاني للركن العراقي ،ألن الشارع شرع أن يقال عنده :أعوذ ه
الشقاق والنفاق وسوء األخالق ،
وبالذكر المشروع عند كل ركن تعرف مراتب األركان ،وعلى هذا الشكل المربع قلوب
ّللا رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين المؤمنين ،وما عدا الرسل واألنبياء المعصومين ،ليميز ه
بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها ،
ّللا تعالى أودع في الكعبة كنزا فليس لنبي إال ثالثة خواطر ،إلهي وملكي ونفسي ،وكما أن ه
باّلل ،فشهد هّلل بما شهد به الحق لنفسه من أنه ال إله ّللا في قلب العارف كنز العلم ه كذلك جعل ه
ّللاُ أَنَّهُ ال إِلهَ إِ َّال ُه َو َو ْال َمالئِ َكةُ
ش ِه َد َّ
ّللا ،ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ،فقال تعالى َ (: إال ه
َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم )
باّلل:
فجعلها كنزا في قلوب العلماء ه
فاّلِل بيته قلب عبده المؤمن ، ّ
والبيت بيت اسمه تعالى ،
والعرش مستوى الرحمن ،
ّللا واالسم الرحمن ،فإن مشهد األلوهية أعم ، فبين القلب والعرش في المنزلة ما بين االسم ه
إلقرار
ص 161
161
ّللا ،وأنكر الرحمن ،فإنهم قالوا [ :وما الرحمن ؟ ]
الجميع ،فما أنكر أحد ه
ّللا الحرام تكرار القصد في زمان مخصوص ،كذلك القلب تقصده ولما كان الحج لبيت ه
األسماء اإللهية في حال مخصوص ،إذ كل اسم له حال خاص يطلبه ،فمهما ظهر ذلك الحال
من العبد طلب االسم الذي يخصه ،فيقصده ذلك االسم ،فلهذا تحج األسماء اإللهية بيت القلب
،وقد تحج إليه من حيث أن القلب وسع الحق ،واألسماء تطلب مسماها ،فال بد لها أن تقصد
مسماها ،فتقصد البيت الذي ذكر أنه وسعه السعة التي يعلمها سبحانه ،والعمرة التي هي
الزيارة بمنزلة الزور الذي يخص كل إنسان ،فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه .
فالطائفون بالكعبة كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ،فيلزم الطائف التسبيح في
باّلل العلي العظيم ]
طوافه والتحميد والتهليل وقول [ :ال حول وال قوة إال ه
جسم يطوف وقلب ليس بالطائف *** ذات تص هد وذات ما لها صارف
يدعى وإن كان هذا الحال حليته *** هذا اإلمام الهمام ألهمهم العارف
هيهات هيهات ما اسم الزور يعجبني *** قلبي له من خفايا مكره خائف
ولما كان الحج تكرار القصد سمي تكرار الخواطر حجا .
روي عن إبراهيم الخليل عليه السالم أنه لما بنى البيت أمره ربه تعالى أن يصعد عليه وأن
يؤذن في الناس بالحج ،فقال يا رب وما عسى يبلغ صوتي فأوحى إليه عليك النداء وعلي
ّللا ذلك النداء
البالغ ،فنادى إبراهيم عليه السالم يا أيها الناس إن هّلل بيتا فحجوه ،قال فأسمع ه
عباده ،فمنهم من أجاب ومنهم من لم يجب ،وكانت إجابتهم مثل قولهم بلى حين أشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم ،فمنهم من سارع إلى إجابة الحق وهم الذين يسارعون في الخيرات ،
والقائلون بأن الحج على الفور للمستطيع ،ومنهم من تلكأ في اإلجابة فلم يسرع إال بعد حين ،
وهو الذي يقول الحج مع االستطاعة على التراخي ،
ثم إن الذين أجابوه منهم من كرر اإلجابة ومنهم من لم يكرر ،فمن لم يكرر لم يحج إال واحدة
جاال »يريد على ،ومن كرر حج على قدر ما كرر وله أجر فريضة في كل حجة «،يَأْت ُ َ
وك ِر ً
ِ ْ
ق».
ع ِمي ٍ ضام ٍر يَأتِينَ ِم ْن ُك ِهل فَ ه ٍ
ج َ على ُك ِهل
أرجلهم ال يركبون« َو َ
ص 162
162
[ سورة الحج ( : ) 22آية ] 28
علَى َما َر َزقَ ُه ْم ِم ْن بَ ِهي َم ِة ْاأل َ ْنعَ ِام فَ ُكلُوا ت َ ّللا ِفي أَيه ٍام َم ْعلُو َما ٍ
س َم ه ِ ش َهدُوا َمنَا ِف َع لَ ُه ْم َويَ ْذك ُُروا ا ْ ِليَ ْ
ير ()28 س ا ْلفَ ِق َِم ْن َها َوأ َ ْط ِع ُموا ا ْلبَائِ َ
ّللا عليه وسلم من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم ّللا صلهى ه " ِليَ ْش َهدُوا َمنافِ َع لَ ُه ْم " قال رسول ه
على ما َرزَ قَ ُه ْم ِم ْن بَ ِهي َم ِة ت َ ّللا فِي أَي ٍَّام َم ْعلُوما ٍ
يفسق رجع كيوم ولدته أمه َ «.ويَ ْذ ُك ُروا اس َْم َّ ِ
ير " . س ْالفَ ِق َ
ط ِع ُموا ْالبائِ َ عام »سميت البهائم بهائم إلبهام أمرهم علينا« فَ ُكلُوا ِم ْنها َوأ َ ْ ْاأل َ ْن ِ
ص 163
163
في األوقات كلها وبعد صالة الصبح والعصر ،إال أني أكره الدخول في الصالة حال الطلوع
وحال الغروب إال أن يكون قد أحرم بها قبل حال الطلوع والغروب ،وصفة الطواف أن يجعل
البيت على يساره ويبتدئ فيقبل الحجر األسود إن قدر عليه ،ثم يسجد عليه أو يشير إليه إن لم
يتمكن له الوصول إليه ،ويتأ هخر عنه قليال بحيث أن يدخله في الطواف بالمرور عليه ،ثم
يمشي إلى أن ينتهي إليه يفعل ذلك سبع مرات ،يقبل الحجر في كل مرة ويمس الركن اليماني
الذي قبل ركن الحجر بيده وال يقبله ،فإن كان في طواف القدوم فيرمل ثالثة أشواط ويمشي
أربعة أشواط ،ولكن في أشواط رمله يمشي قليال بين الركنين اليمانين ويقول َ «:ربَّنا آ ِتنا ِفي
ار »إلى أن تفرغ األشواط السبعة ،كل ذلك بقلب ذاب النَّ ِ
ع َ سنَةً َوقِنا َ
سنَةً َوفِي ْاآل ِخ َرةِ َح َ
ال ُّد ْنيا َح َ
ّللا ويتخيل أنه في تلك العبادة كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، حاضر مع ه
باّلل العلي العظيم ،جاء فيلزم التسبيح في طوافه والتحميد والتهليل وقول ال حول وال قوة إال ه
ّللا بالكعبة ،فسأله آدم ما كنتم تقولون في طوافكم في الخبر أن جبريل طاف بآدم حين أنزله ه
ّللا والحمد هّلل وال بهذا البيت ،فقال جبريل عليه السالم كنا نقول في طوافنا بهذا البيت سبحان ه
وّللا أكبر ،فقال آدم لجبريل عليهما السالم وأزيدكم أنا ّللا ه إله إال ه
باّلل ]
[ وال حول وال قوة إال ه
ّللا صلهىفبقيت سنة في الذكر في الطواف لبنيه ولكل طائف به إلى يوم القيامة ،فأخبر رسول ه
ّللا عليه وسلم أن هذه الكلمة أعطيها آدم من كنز من تحت العرش . ه
ّللا لما نسب العرش إلى نفسه وجعله محل االستواء الرحماني جعل المالئكة حافين واعلم أن ه
ّللا
به من حول العرش بمنزلة الحرس حرس الملك والمالزمين بابه لتنفيذ أوامره ،وجعل ه
الكعبة بيته ،ونصب الطائفين به على ذلك األسلوب ،وتميز البيت على العرش وعلى
الضراح وسائر البيوت األربعة عشر بأمر ،ما نقل إلينا أنه في العرش وال في غير هذا من
ّللا في األرض لنبايعه في كل شوط مبايعة رضوان وبشرى البيوت ،وهو الحجر األسود يمين ه
بقبول ما كان منا في كل شوط مما هو لنا أو علينا ،فما لنا فقبول وما علينا فغفران ،فإذا
ّللا سبحانه بالقبول فبايعناه وقبلنا يمينه
انتهينا إلى اليمين الذي هو الحجر استشعرنا من ه
المضافة إليه قبلة قبول وفرح واستبشار ،هكذا في كل شوط ،فإن كثر االزدحام أشرنا إليه
إعالما بأنا نريد تقبيله ،وإعالما بعجزنا عن الوصول إليه وال نقف ننتظر النوبة حتى تصل
إلينا فنقبله ،ألنه لو أراد ذلك منا ما شرع لنا اإلشارة إليه إذا لم نقدر عليه فعلمنا أنه يريد منا
اتصال المشي في السبعة
ص 164
164
األشواط من غير أن يتخللها وقوف إال قدر التقبيل في مرورنا إذا وجدنا السبيل إليه ،وكل
طواف قدوم فيه رمل هكذا السنة لمن أراد أن يتبعها ،وأجمع العلماء على أن الركوع بعد
الطواف من سنن الطواف ،وهو أن يركع ركعتين ،واألولى أن يصلي عند انقضاء كل
أسبوع ( أي سبعة أشواط ) فإن جمع أسابيع فال ينصرف إال عن وتر ،فإن النبي صلهى ه
ّللا
عليه وسلم ما انصرف من الطواف إال عن وتر فإنه انصرف عن سبعة أشواط أو عن طواف
واحد ،فإن زاد فينصرف عن ثالثة أسابيع وهي واحد وعشرون شوطا وال ينصرف عن
أسبوعين ،فإنه شفع ،وباألشواط األربعة عشر شوطا وهي شفع فجاء بخالف السنة في
طوافه من كل وجه ،واألولى أن ال يؤخر الركعتين عن أسبوعهما ،وليصلهما عند انقضاء
األسبوع
-إشارة -طواف القدوم يقابل طواف الوداع ،فهو كاالسم األول واآلخر ،وطواف اإلفاضة
بينهما برزخ ،فلطواف الزيارة وجه إلى طواف الوداع ووجه إلى طواف القدوم ،كالعقل إذا
ّللا باالستفادة ،وطواف الوداع إذا أراد الخروج إلى النفس باإلفادة ،والبرزخ أبدا
أقبل على ه
أقوى في الحكم لجمعه بين الطرفين ،فيتصور في أي صورة شاء ،ويقوم في حكم أي طرف
أراد ،ويجزئ عنهما ،فله االقتدار التام ،والرمل إسراع في نفس الخير إلى الخير فهو خير
في خير .
ص 165
165
لم يعظمها عند ربه ونحن في دار التكليف ،فما فاتنا في هذه الدار من ذلك فاتنا خيره في الدار
اآلخرة
ّللا فَ ُه َو َخي ٌْر لَهُ ِع ْن َد َر ِبه ِه »يعني خيرا له ممن يعظم شعائر ت َّ ِ ظ ْم ُح ُرما ِ -وجه آخر َ «-و َم ْن يُعَ ِ ه
ّللا ،فإن حرمة ّللا إذا جعلنا خير بمعنى أفعل من ،ليميز بين تعظيم الشعائر وتعظيم حرمات ه ه
ّللا ذاتية فهو يقتضي التعظيم لذاته ،بخالف األسباب المعظمة ،فإن الناظر في الدليل ما هو ه
ّللا ألنا نعبر الدليل له مطلوب لذاته ،فينتقل عنه ويفارقه إلى مدلوله ،فلهذا العالم دليل على ه
منه إليه تعالى ،وال ينبغي أن نتخذ الحق دليال على العالم فكنا نجوز منه إلى العالم وهذا ال
ظ ُرونَ »إلى كذا ،وعدهد المخلوقات لتتخذ أدلة عليه ال ليوقف معها يصح قال تعالى «:أ َ فَال يَ ْن ُ
ّللا
ّللا وشعائر ه ،فهذا الفرق بين حرمات ه
ّللا عند ربه أي في – وجه آخر -العامل في ظرف « عند ربه » أي من يعظم حرمات ه
المواطن التي يكون العبد فيها عند ربه كالصالة مثال ،فإن المصلي يناجي ربه فهو عند ربه ،
ّللا في هذا الموطن كان خيرا له ،والمؤمن إذا نام على طهارة فروحه عند فإذا عظم حرمة ه
ّللا فيكون الخير الذي له في مثل هذا الموطن المبشرة التي تحصل ربه ،فيعظم هناك حرمة ه
له في نومه أو يراها له غيره ،والمواطن التي يكون العبد فيها عند ربه كثيرة فيعظم فيها
ّللا في تلك ّللا فليبحث العبد عن المواطن التي يكون فيها عند ربه فيعظم حرمة ه حرمات ه
علَ ْي ُك ْم فَ ْ
اجتَنِبُوا المواطن ،وتعظيمها أن يتلبس بها حتى تعظم« َوأ ُ ِحلَّ ْ
ت لَ ُك ُم ْاأل َ ْنعا ُم ِإ َّال ما يُتْلى َ
ور »ألنه مال بصاحبه عن الحق الذي هو األمر عليه الز ِاجتَنِبُوا قَ ْو َل ُّثان َو ْس ِمنَ ْاأل َ ْو ِ
الر ْج َ
ِه
وزال عن العدل .
ص 166
166
[ سورة الحج ( : ) 22آية ] 32
ب ( ) 32 ّللا فَ ِإنهها ِم ْن ت َ ْق َوى ا ْلقُلُو ِ ذ ِلكَ َو َم ْن يُعَ ِ ّ
ظ ْم شَعا ِئ َر ه ِ
ّللا أعالمه ] [ شعائر ه
ّللا من حيث ّللا أعالمه ،وأعالمه الدالئل الموصلة إليه ،وكل شعيرة منها دليل على ه شعائر ه
ّللا وأبانه ألهل الفهم من عباده ،فيتفاضلون في ذلك على قدر فهمهم ، أمر ما خاص أراده ه
والشعائر ما دق وخفي من الدالئل ،وأخفاها وأدقها في الداللة اآليات المعتادة ،فهي المشهودة
ّللا وتجهل أنت صورته المفقودة ،والمعلومة المجهولة ،فإذا رأيت ما يقال فيه إنه من شعائر ه
من الشعائر ،وال تعلم ما تدل عليه هذه الشعيرة فاعلم أن تلك الشعيرة ما خاطبك الحق بها وال
وضعها لك ،وإنما وضعها لمن يفهمها عنه ،ولك أنت شعيرة أيضا غيرها ،وهي كل ما
تعرف أنها داللة لك عليه ،فقف عندها وقل رب زدني علما ،فيقوى فهمك فيما أنزله ويعلمك
ّللا من حيث ما وضعه الحق دليال ما لم تكن تعلم ،فليس في العالم عين إال وهو من شعائر ه
ّللا وجب تعظيمها ، عليه ،ولما كان الشرف للموجودات إنما هو من حيث داللتها على ه
ّللا فَإِنَّها »أي الشعائر عينها ،وهي ّللا بقوله َ «:و َم ْن يُعَ ِ ه
ظ ْم شَعا ِئ َر َّ ِ فوصف من يعظم شعائر ه
ّللا تعالى في العالم شعائر وأعالما لما يريد تكوينه األعالم والدالالت واألسباب التي وضعها ه
وخلقه من األشياء ،لما سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعضه ،ودل الدليل على
بتوقف وجود بعضه على بعضه ،فالتعظيم لها ضرب من العلم به تعالى ِ «،م ْن ت َ ْق َوى ْالقُلُو ِ
»فمن عظمها فهو تقي في جميع تقلباته ،فإن القلوب من التقليب ،ألنه لما كان الدليل يشرف
ّللا ،فالعالم شريف كله ،فال يحتقر شيء منه وال بشرف المدلول ،والعالم دليل على وجود ه
ّللا
ّللا ما حقره لما علق القدرة بإيجاده ،فما ثم تافه وال حقير ،فإن الكل شعائر ه يستهان ،فإن ه
ّللا .
،فإن احتقار شيء من العالم ال يصدر من تقي يتقي ه
-الوجه الثاني « -فَإِنَّها »يعني العظمة ،والعظمة راجعة لحال المعظم بكسر الظاء اسم فاعل
ب »أي فإن عظمتها من تقوى القلوب ،فإن كل ،لذلك فهي حالة القلب فقال ِ «:م ْن ت َ ْق َوى ْالقُلُو ِ
ّللا ال بعظمته فهو عظيم وهو األدب ،فإنه ال ينبغي أن شيء من العالم إذا نظرته بتعظيم ه
ينسب إلى العظيم إال ما يستعظم ،فإنه تعظم عظمته في نفس من نظره بهذا النظر ،وما قال
سبحانه إن ذلك من تقوى النفوس ،وال من تقوى األرواح ،ولكن قال من تقوى القلوب ،ألن
ّللا في كل اإلنسان يتقلب في الحاالت مع األنفاس ،ومن يتق ه
ص 167
167
ّللا من اإلنسان ،وال يناله إال األقوياء الكمل من الخلق ، تقلب يتقلب فيه فهو غاية ما طلب ه
ّللا أي هي تشعر بما تدل عليه ،وما تكون ألن الشعور بهذا التقليب عزيز ،ولهذا قال شعائر ه
شعائر إال في حق من يشعر بها ،ومن ال يشعر بها وهم أكثر الخلق فال يعظمها ،فإذا ال
ّللا إال في الحج
ّللا في جميع توجهاته وتصرفاته كلها ،ولهذا ما ذكرها ه يعظمها إال من قصد ه
الذي هو تكرار القصد ،ولما كان القصد ال يخلو عنه إنسان كان ذكر الشعائر في آية الحج
ّللا في دار التكليف قد حد لها وذكر المناسك ،وهي متعددة أي في كل قصد ،ثم إن كل شعائر ه
للمكلف في جميع حركاته الظاهرة والباطنة حدودا عمت جميع ما يتصرف فيه روحا وحسا
ّللا »وتعظيمها أي ت َّ ِ بالحكم ،وجعلها حرمات له عند هذا المكلهف ،فقال َ «:و َم ْن يُعَ ِ ه
ظ ْم ُح ُرما ِ
ّللا في الحكم ،وهذا ال يكون إال من تقوى القلوب ،فكل شيء في يبقيها حرمات كما خلقها ه
ّللا ال بد أن يكون مستندا في وجوده إلى حقيقة إلهية ،فمن حقره واستهان به فإنما العالم أوجده ه
ّللا ،ألنه صنعة حكيم ،فال حقر خالقه واستهان به ،ألن كل ما في الوجود حكمة أوجدها ه
يظهر إال ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي ،فمن عمي عن حكمة األشياء فقد جهل ذلك الشيء ،
ومن جهل كون ذلك األمر حكمة فقد جهل الحكيم الواضع له ،وال شيء أقبح من الجهل ،وال
تكون التقوى من جاهل ،والشعائر وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وعظيمة من
ّللا أمر بتعظيمها ،فموجدها وخالقها اآلمر بتعظيمها أكبر منها وأعظم ،وما يقوم حيث إن ه
بحق التعظيم إال من عظمه باستمرار الصحبة ،ال من عظمه عندما فجأه ،ذلك تعظيم الجاهل
،فمن عاين الخلق الجديد لم يزل معظما للشعائر اإللهية .
ص 168
168
ّللا وجالله ،والشعائر
اإلشارات هو بيت اإليمان ،وليس إال قلب المؤمن الذي وسع عظمة ه
هي الدالئل الموصلة إليه تعالى وإلى معرفته .
ص 169
169
[سورة الحج ( : ) 22آية ] 36
واف فَ ِإذا َو َجبَتْ
ص ه علَ ْيها َ ّللا َ
س َم ه ِ ّللا لَ ُك ْم ِفيها َخ ْي ٌر فَ ْ
اذك ُُروا ا ْ َوا ْلبُد َْن َجعَ ْلناها لَ ُك ْم ِم ْن شَعا ِئ ِر ه ِ
ون ( ) 36 شك ُُر َ ُجنُوبُها فَ ُكلُوا ِم ْنها َوأ َ ْط ِع ُموا ا ْلقانِ َع َوا ْل ُم ْعت َ هر كَذ ِلكَ َ
س هخ ْرناها لَ ُك ْم لَعَله ُك ْم ت َ ْ
[ البدن ]
ّللا
ّللا من حيث أمر خاص أراده ه ّللا ،فإن كل شعيرة منها دليل على ه النعم كلها من شعائر ه
ّللا عند كل حليم أواه ،ولم وأبانه ألهل الفهم من عباده ،والبدن هي اإلبل وجعلها من شعائر ه
ّللا لُ ُحو ُمها َوال دِماؤُها َول ِك ْن يَنالُهُ الت َّ ْقوى ِم ْن ُك ْم يكن المقصود منها إال أنتم ،بقوله « :لَ ْن يَنا َل َّ َ
ّللا ،
»فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر » يعني من البدن التي جعلها سبحانه من شعائر ه
ّللا ال من غيره ،يقال قنع قنوعا إذا سأل وهو الذي رفع سؤاله إلى سؤال من ه والقانع السائل وال ه
ّللا فليس بقانع ويخاف عليه من الحرمان والخسران -اعتبار من إشعار ّللا ،ومن سأل غير ه ه
ّللا عليه وسلم قد ذكر في اإلبل أنها شياطين وجعل ذلك علة في البدن -اعلم أن النبي صلهى ه
ّللا ،ألن الكل في قبضة ّللا ال من ه منع الصالة في معاطنها ،والشيطنة صفة بعد من رحمة ه
ّللا ،واإلشعار اإلعالم وال أبعد من شياطين اإلنس والجن ،والهدية بعيدة من ّللا وبعين ه ه
ّللا من أهل المهدى إليه ألنها في ملك المهدي فهي موصوفة بالبعد ،وما يتقرب المتقرب إلى ه
ّللا ،فإن الرسل ما ّللا ليناله رحمة ه ّللا وبعد إلى ه ّللا بأولى من رد من شرد عن باب ه الدعاء إلى ه
ّللا ويسوقوهم إلى محل ّللا ليردوهم إلى ه بعثت بالتوحيد إال للمشركين وهم أبعد الخلق من ه
ّللا عليه وسلم البدن مع ذكره فيها أنها ّللا صلهى ه القرب وحضرة الرحمة ،فلهذا أهدى رسول ه
ّللا إلى حال ّللا عليه وسلم رد البعداء من ه شياطين ،ليثبت عند العالمين به أن مقامه صلهى ه
التقريب ،ثم إنه أشعرها في سنامها األيمن ،وسنامها أرفع ما فيها ،فهو الكبرياء الذي كانوا
ّللا عليه وسلم لنا بأنه من هذه الصفة أتي عليهم عليه في نفوسهم ،فكان إعالما من النبي صلهى ه
ّللا للذين ال يريدون علوا في األرض ،والسنام علو ، ،لنجتنبها ،فإن الدار اآلخرة إنما جعلها ه
ووقع اإلشعار في صفحة السنام األيمن ،فإن اليمين محل االقتدار والقوة ،والصفحة من
ّللا وزال عن كبريائه ّللا يصفح عمن هذه صفته إذا طلب القرب من ه الصفح ،إشعار من أن ه
ّللا عليه وسلم الداللة على إزالة الذي أوجب له البعد ،ألنه أبى واستكبر ،وجعل صلهى ه
الكبرياء في شيطنة البدن جعل النعال في رقابها ،إذ ال يصفع بالنعال إال أهل الهون والذلة ،
ومن كان بهذه المثابة فما بقي فيه كبرياء يشهد ،وعلق النعال في قالئد من عهن وهو الصوف
ون ْال ِجبا ُل َك ْال ِع ْه ِن ) *فإذا كانت هذه صفته كان قربانا من ّللا بقوله َ (:وت َ ُك ُ ليتذكر بذلك ما أراد ه
ّللا ،
التقريب إلى ه
ص 170
170
فحصلت له القربة بعد ما كان موصوفا بالبعد إذ كان شيطانا ،فإذا كانت الشياطين قد أصابتهم
الرحمة فما ظنك بأهل اإلسالم -نحر البدن -خرج أبو داود أن النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم
وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى ،قائمة على ما بقي من قوائمها .
ص 171
171
[سورة الحج ( : ) 22آية ] 40
ض ُه ْم ّللا النه َ
اس بَ ْع َ ّللاُ َولَ ْو ال د َْف ُع ه ِ
ق ِإاله أ َ ْن يَقُولُوا َربُّنَا ه ِين أ ُ ْخ ِر ُجوا ِم ْن د ِ
ِيار ِه ْم ِبغَ ْي ِر َح ّ ٍ الهذ َ
ّللاُ َم ْنص َر هن هّللا َكثِيرا َولَيَ ْن ُ ساج ُد يُ ْذك َُر فِي َها ا ْ
س ُم ه ِ صلَواتٌ َو َم ِ وام ُع َوبِيَ ٌع َو َص ِ ض لَ ُه ِ ّد َمتْ َ بِبَ ْع ٍ
يز ( ) 40 ي ع َِز ٌ ّللا لَقَ ِو ٌّ
ص ُرهُ إِ هن ه َ يَ ْن ُ
ص ُرهُ » ] ّللاُ َم ْن يَ ْن ُ
ص َر َّن َّ[ « َولَيَ ْن ُ
ص ُرهُ »فالحمد هّلل واضع الملل وشارع النحل ،تارة بالوحي وتارة ّللاُ َم ْن يَ ْن ُ « َولَيَ ْن ُ
ص َر َّن َّ
باإللهام ،فوقتا خلف حجاب اإلشراق ووقتا خلف حجاب الظالم ،فأضل وهدى ،وأنجى
وأردى ،وأقام أعالم الضاللة والهدى ،ففصل بها بين األولياء واألعداء ،فجعل الهدى لحزب
السعادة سلما ،ونصب الضاللة لحزب الشقاوة علما ،وأوقع بينهما الفتن والحرب ،في عالم
الشهادة والغيب ،وثبتت في صدورهم الشحناء ،وبدت بينهم العداوة والبغضاء ،فسفكت
الدماء ،واتبعت األهواء ،فالسعيد منا من ناضل عن شرعه المؤيد باآليات ،وقاتل عن
وضعه المقرر بالمعجزات ،والشقي من احتمى بحمى الضالالت ،ودافع عنها بمجرد
الحمايات ،وأعمى نفسه عن مالحظة الصواب ،فيما وقع به الخطاب ،فبادروا إلى نصرة
الدين المكي ،وقاتلوا بما ثبت في نفوسكم من اليقين اليمني ،وقد خاب من طلب أثرا بعد عين
ّللا وإياكم ممن ذب عن شرعه ،ورجع بعد معرفته بعلو مرتبة الصدق إلى المين ،جعلنا ه
المعصوم ،وناضل عن دينه المعلوم .
ص 172
172
[ سورة الحج ( : ) 22اآليات 44إلى ] 46
ير ( ) 44فَكَأ َ ِيّ ْن ِم ْن كان نَ ِك ِ
ف َ ين ث ُ هم أ َ َخ ْذت ُ ُه ْم فَ َك ْي َ
ِب ُموسى فَأ َ ْملَيْتُ ِل ْلكا ِف ِر َ َوأَص ُ
ْحاب َم ْديَ َن َو ُكذّ َ
شي ٍد ( ) 45أ َ فَلَ ْم طلَ ٍة َوقَص ٍْر َم ِشها َوبِئْ ٍر ُمعَ ه ي خا ِويَةٌ عَلى ع ُُرو ِ ي ظا ِل َمةٌ فَ ِه َ قَ ْريَ ٍة أ َ ْهلَ ْكناها َو ِه َ
ون بِها فَ ِإنهها ال ت َ ْع َمى ْاأل َ ْب ُ
صار س َمعُ َ آذان يَ ٌْ ون بِها أ َ ْو
وب يَ ْع ِقلُ َُون لَ ُه ْم قُلُ ٌ ض فَتَك َ يروا فِي ْاأل َ ْر ِ س ُ يَ ِ
ُور ( ) 46 صد ِ وب الهتِي فِي ال ُّ َول ِك ْن ت َ ْع َمى ا ْلقُلُ ُ
[ عماء البصر والقلب ]
وب يَ ْع ِقلُونَ ِبها »ما جعلها عقال إال ليعقل عنه العبد ض فَت َ ُكونَ لَ ُه ْم قُلُ ٌ يروا ِفي ْاأل َ ْر ِ « أ َ فَلَ ْم يَ ِس ُ
ّللا أن العلم تحصيل القلب أمرا ما على حد ما هو عليه ذلك في بها ما يخاطبه بها ،فاعلم أيدك ه
نفسه ،معدوما كان ذلك األمر أو موجودا ،فالعلم هو الصفة التي توجب التحصيل من القلب ،
والعالم هو القلب والمعلوم هو ذلك األمر المحصل ،فالقلب مرآة مصقولة كلها وجه ال تصدأ
أبدا ،فإن أطلق يوما عليها أنها صدئت كما قال عليه السالم إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد
ّللا وتالوة القرآن ،فليس المراد بهذا الصدأ أنه طخاء طلع -الحديث -وفيه أن جالءها ذكر ه
ّللا صدأ باّلل كان تعلقه بغير ه على وجه القلب ،ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم األسباب عن العلم ه
على وجه القلب ألنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب ،ألن الحضرة اإللهية متجلية على
الدوام ال يتصور في حقها حجاب عنا ،فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي
المحمود ألنه قبل غيرها ،عبر عن قبول ذلك الغير بالصدإ والكن والقفل والعمى والران
وغير ذلك ،فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجالء مصقولة صافية ،فكل قلب تجلت فيه
الحضرة اإللهية فذلك قلب المشاهد المكمل العالم ،ومن لم تتجل له من كونها من الحضرة
ّللا
ّللا تعالى -تحقيق -اعلم أن ه ّللا تعالى المطرود من قرب ه اإللهية فذلك هو القلب الغافل عن ه
تعالى ابتلى اإلنسان ببالء ما ابتلى به أحدا من خلقه ،إما ألن يسعده أو يشقيه ،على حسب ما
يوفقه إلى استعماله ،فكان البالء الذي ابتاله به أن خلق فيه قوة تسمى الفكر ،وجعل هذه القوة
خادمة لقوة أخرى تسمى العقل ،وجبر العقل مع سيادته على الفكر أن يأخذ منه ما يعطيه ،
ولم يجعل للفكر مجاال إال في القوة الخيالية وجعل سبحانه القوة الخيالية محال جامعا لما تعطيه
القوة الحساسة ،وجعل له قوة يقال لها المصورة ،فال يحصل في القوة الخيالية إال ما أعطاه
الحس ،أو أعطته القوة المصورة من المحسوسات ،
وذلك
ص 173
173
ألن العقل خلق ساذجا ليس عنده من العلوم النظرية شيء ،وقيل للفكر ميز بين الحق والباطل
الذي في هذه القوة الخيالية ،فينظر بحسب ما يقع له ،فقد يحصل في شبهة ،وقد يحصل في
دليل عن غير علم منه بذلك ،ولكن في زعمه أنه عالم بصور الشبه من األدلة ،وأنه قد حصل
على علم ،ولم ينظر إلى قصور المواد التي استند إليها في اقتناء العلوم فيقبلها العقل منه
ّللا كلهف هذا العقل معرفتهويحكم بها ،فيكون جهله أكثر من علمه بما ال يتقارب ،ثم إن ه
سبحانه ليرجع إليه فيها ال إلى غيره ،ففهم العقل نقيض ما أراد به الحق ،فاستند إلى الفكر
وجعله إماما يقتدى به ،وغفل عن الحق في مراده بالتفكر ،أنه خاطبه أن يتفكر فيرى أن
ّللا ،فيكشف له عن األمر على ما هو عليه ،فلم يفهم كل باّلل ال سبيل إليه إال بتعريف ه علمه ه
ّللا به
ّللا من أنبيائه ،وأوليائه ،فالذي ينبغي للعاقل أن يدين ه عقل هذا الفهم ،إال عقول خاصة ه
ّللا على كل شيء قدير ،نافذ االقتدار ،واسع العطاء ،ليس إليجاده في نفسه أن يعلم أن ه
تكرار ،بل أمثال تحدث في جوهر أوجده ،وشاء بقاءه ،ولو شاء أفناه مع األنفاس« أ َ ْو ٌ
آذان
ّللا عليه ّللا صلهى ه
ْصار »فإنها أدركت بال شك ،قال رسول ه يَ ْس َمعُونَ ِبها فَإِنَّها ال ت َ ْع َمى ْاألَب ُ
وسلم :لوال تزييد في حديثكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع« َول ِك ْن ت َ ْع َمى
ُور »وهي أعين البصائر ،تعمى عن النظر في مقدمات األدلة وترتيبها« صد ِ وب الَّتِي فِي ال ُّ ْالقُلُ ُ
ُور »فبين مكان القلوب ،وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه ،من أن صد ِ وب الَّتِي فِي ال ُّ َول ِك ْن ت َ ْع َمى ْالقُلُ ُ
مركز الروح وهو الخليفة المستخلف على الجسم إنما هو القلب ،فليست اإلشارة للقلب النباتي
فإن األنعام يشاركوننا في ذلك ،لكن للسر المودع فيه وهو الخليفة ،والقلب النباتي قصره ،
ّللا عليه وسلم :إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد قال صلهى ه
سائر الجسد أال وهي القلب ،فالقلب النباتي ال فائدة له إال من حيث هو مكان لهذا السر
المطلوب ،المتوجه عليه الخطاب ،والمجيب إذا ورد السؤال ،والباقي إذا فني الجسم والقلب
النباتي ،فنقول كذلك إذا صلح اإلمام صلحت الرعية وإذا فسد فسدت ،بذا جرت العادة
وارتبطت الحكمة اإللهية ،فالقلب ما دام في الصدور فهو أعمى ألن الصدر حجاب عليه ،فإذا
ّللا أن يجعله بصيرا خرج عن صدره فرأى ،فاألسباب صدور الموجودات ، أراد ه
والموجودات كالقلوب ،فما دام الموجود ناظرا إلى السبب الذي صدر عنه كان أعمى عن
ّللا أن يجعله بصيرا ترك النظر إلى السبب الذي أوجده ّللا الذي أوجده ،فإذا أراد ه شهود ه
ص 174
174
ّللا بصيرا ،فاألسباب
ّللا عنده ،ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده جعله ه ه
كلها ظلمات على عيون المسببات ،وفيها هلك من هلك من الناس ،فالعارفون يثبتونها وال
يشهدونها ،ويعطونها حقها وال يعبدونها ،وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس ،يعبدونها
وال يعطونها حقها ،بل يغصبونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها وال
يثبتونها ،والعالم لم يزل في المعنى تحت تأثير األسباب ،فإن األسباب محال رفعها ،وكيف
وّللا
ّللا ليس له ذلك ،ولكن الجهل عم الناس فأعماهم وحيرهم وما هداهم ،ه يرفع العبد ما أثبته ه
ّللا ،فيهدي به من يشاء من
يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ،بالروح الموحى من أمر ه
عباده ،فقد أثبت الهداية بالروح ،وهذا وضع السبب في العالم ،فالوقوف عند األسباب ال
ّللا ،ولهذا جعل سبحانه األسباب مسببات ألسباب غيرها من األدنى حتى ينافي االعتماد على ه
ّللا سبحانه ،فهو السبب األول ال عن سبب كان به ،فالقلب في الصدور هو ينته فيها إلى ه
الرجوع ال واحد الصدور ،فإنا عن الحق صدرنا من كوننا عنده في الخزائن ،كما أعلمنا
فعلمنا ،فهو صدور لم يتقدهمه ورود ،فالحق المعتقد في القلب هو إشارة إلى القلب ،فاقلب
تجد ما ثبت في المعتقد ،
ُور »
صد ِ فقوله تعالى َ «:ول ِك ْن ت َ ْع َمى ْالقُلُ ُ
وب الَّتِي فِي ال ُّ
على الوجهين الواحد من الوجهين للحصر وهي الصدور المعلومة والثاني للرجوع إلى الحق ،
ومن وجه آخر تعمى القلوب التي في الصدور عن الحق واألخذ به ،فلو كانت غير معرضة
عن الحق مقبلة عليه ألبصرت الحق فأقرت له بالربوبية في كل شيء ،فلما صدرت عن الحق
بكونها ولم تشهده في عينها عميت في صدورها عمن أوجدها ،فإن عمى القلوب أشد من عمى
األبصار ،فإن عمى القلوب يحول بينك وبين الحق ،وعمى البصر الذي لم يرقط صاحبه ليس
يحول إال بينك وبين األلوان خاصة ،ليس له إال ذلك ،وهذا العمى من الحجب التي احتجب
ّللا ،وكذلك الصمم والقفل والكن . بها الخلق عن ه
ص 175
175
وأيام الرب ،ونحن نعلم قطعا أن األماكن التي يكون فيها النهار ستة أشهر والليل كذلك أن
ذلك يوم واحد في حق ذلك الموضع ،فيوم ذلك الموضع ثالثمائة وستون يوما مما نعده .
ص 176
176
وصف الحق نفسه بأنه الهادي ،والهادي هو الذي يكون أمام القوم ليريهم الطريق ،وهو قوله
صراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم »فتقدم تعالى األشياء ليهديها إلى ما فيه سعادتها ،وتأخر عنها على ِ ِ «:إ َّن َر ِبهي َ
يط » ،ليحفظها ممن يغتالها وهو العدم ،فإن العدم يطلبها كما يطلبها بقوله ِ «:م ْن َورائِ ِه ْم ُم ِح ٌ
الوجود ،وهي في محل قابل للحكمين ليس في قوتها االمتناع إال بلطف اللطيف .
ص 177
177
[سورة الحج ( : ) 22آية ] 61
ير ( ) 61 س ِمي ٌع بَ ِص ٌ هار ِفي الله ْي ِل َوأ َ هن ه َ
ّللا َ هار َويُو ِل ُج النه َ ذ ِلكَ ِبأ َ هن ه َ
ّللا يُو ِل ُج الله ْي َل ِفي النه ِ
[ ايالج الليل والنهار]
اعلم أن األيام في الدنيا كل يوم هو ابن اليوم قبله ،وهما توأمان ليلة ونهار ،فالليلة أنثى
والنهار ذكر ،فيتناكحان فيلدان النهار والليل اللذين يأتيان بعدهما ،ويذهب األبوان فإنهما ال
يجتمعان أبدا ،وفي غشيان الليل النهار وإيالج بعضهما في بعض يكون والدة ما يتكون في
كل واحد منهما من األمور والكوائن التي هي من شؤون الحق ،فيكون الليل ذكرا والنهار
أنثى لما يتولهد في النهار من الحوادث ،ويكون النهار ذكرا والليل أنثى لما يتولد في الليل من
الحوادث ،فهذا التوالج إليجاد ما سبق في علمه أن يظهر فيه من األحكام واألعيان في العالم
العنصري ،فنحن أوالد الليل والنهار ،فما حدث في النهار فالنهار أمه والليل أبوه ،وما ولد
في الليل فالليل أمه والنهار أبوه ،وال يزال الحال في الدنيا ما دام الليل والنهار يغشى أحدهما
اآلخر .
ص 178
178
لرحمته بمن في األرض من الناس مع كفرهم بنعمه ،فال تهوي السماء ساقطة واهية حتى
ّللا صورة السماء على اس لَ َرؤ ٌ
ُف َر ِحي ٌم »فيمسك ه ّللا ِبالنَّ ِ
يزول الناس منها ،لذلك تمم« ِإ َّن َّ َ
ّللا
ّللا هّلل ،ألنه ليس في خاطره إال ه
السماء ألجل اإلنسان الموحد الذي ال يمكن أن ينفي فذكره ه
ّللا الواحد األحد ،ولهذا
ّللا ،فليس إال ه
،فما عنده أمر آخر يدعي عنده ألوهية فينفيه بال إله إال ه
ّللا عليه وسلم ال تقوم الساعة حتى ال يبقى على وجه األرض من يقول ّللا صلهى ه
قال رسول ه
ّللا ،فهذا هجير هذا اإلمام الذي يقبض آخرا وتقوم الساعة فتنشق السماء ،فهذا وأمثاله ّللا ه
ه
ّللا ما أمسكها إال من أجله أن تقع على األرض . كان العمد ألن ه
ص 179
179
[ المعرفة تتعلق بأمرين من كل معروف ]
المعرفة تتعلق بأمرين من كل معروف ،األمر الواحد الحق واآلخر الحقيقة ،فالحق من
مدارك العقول من جهة الدليل ،والحقيقة من مدارك الكشف والمشاهدة ،وليس ثم مدرك ثالث
البتة ،فلهذا قال حارثة أنا مؤمن حقا ،فأتى بالمدرك األول فكان عنده مؤيدا بالمدرك الثاني ،
ولكن سكت فقال له النبي عليه السالم فما حقيقة إيمانك ،يرى إن كان عنده المدرك الثاني ،
فأجابه باالستشراف واالطالع والكشف ،فقال له النبي عليه السالم عرفت فالزم ،فال تصح
المعرفة للشيء على الكمال إال بهاتين الحقيقتين الحق والحقيقة ،
ّللا تعالى بأنا عاجزون عن إدراك حق قدره ،فكيف لنا بحقيقة قدره ،وليس القدر فإذا أخبر ه
هنا إال المعرفة بما يقتضيه مقام األلوهية من التعظيم ،ونحن قد عجزنا عنه فأحرى أن نعجز
عن معرفة ذاته جلت وتعالت علوا كبيرا ،فلما عاين المحققون هذا اإلجالل وقطعوا أنهم ال
يقدرون قدره مع ما تقرر عندهم من التعظيم ،وقدر ما هم بالتقصير ،
فعرفوا أنه ليس في وسع المحدثات أن تقدر قدر القديم ،ألن ذلك موقوف على ضرب من
المناسبة الحقيقية ،وال مناسبة في مفاوز الحيرة لهذا الجالل ،
ّللا حق قدره فيما كيهف به نفسه مما ذكره في كتابه وعلى لسان رسوله من صفاته ، وما قدروا ه
فالحق ذكر عن نفسه أن العبد يتحرك بحركة يضحك بها ربه ،ويتعجب منها ربه وتبشبش له
من أجلها ربه ،ويفرح بها ربه ويرضى بها ربه ويسخط بها ربه ،وهذا حكم أثبته الحق ونفاه
دليل العقل ،
عز وجل ،وأنه لو ألزم نفسه اإلنصاف للزم حكم اإليمان فعرفنا أن العقل قاصر عما ينبغي هّلل ه
ّللا ،وال يعدل به عن طريقه الذي والتلقي ،وجعل النظر واالستدالل في الموضع الذي جعله ه
ّللا له ،وهو الطريق الموصل إلى كونه إلها واحدا ال شريك له في ألوهيته ،وال جعله ه
يتعرض لها لما هو عليه في نفسه ،فالحق قد أخبر عن نفسه أنه يجيب عبده إذا سأله ،
ويرضى عنه إذا أرضاه ،ويفرح بتوبة عبده إذا تاب ،فانظر يا عقل لمن تنازع ،فالحق أعلم
بنفسه ،فهو الذي نعت نفسه بهذا كله ،
ص 180
180
ّللا في ذلك لجهلنا بذاته وقد منعنا
ونعلم حقيقة هذا كله بحده وماهيته ،ولكن نجهل النسبة إلى ه
وحذرنا وحجر علينا التفكر في ذاته ،وأنت يا عقل بنظرك تريد أن تعلم حقيقة ذات خالقك ،ال
تسبح في غير ميدانك ،وال تتعد في نظرك معرفة المرتبة ،ال تتعرض للذات جملة واحدة ،
ّللا ال يقبل التقييد ،والعقل
ّللا فليترك عقله ويقدهم بين يديه شرعه ،فإن ه
ومن أراد الدخول على ه
تقييد ،بل له التجلي في كل صورة كما له أن يركبك في أي صورة شاء ،فله سبحانه التحول
ّللا حق قدره ،وما ثم حجاب وال ستر ،فما أخفاه إال ظهوره ،ولو في الصور ،وما قدروا ه
وقفت النفوس مع ما ظهر لعرفت األمر على ما هو عليه ،لكن طلبت أمرا غاب عنها فكان
طلبها عين حجابها ،فما قدرت ما ظهر حق قدره لشغلها بما تخيلت أنه بطن عنها .
س ًال »المالئكة خاصة هي الرسل منهم ،وهم المسلمون مالئكة ، ط ِفي ِمنَ ْال َمال ِئ َك ِة ُر ُ
ص َّللاُ يَ ْ
« َّ
وكل روح ال يعطى رسالة فهو روح ال يقال فيه ملك إال مجازا ،والرسالة في المالئكة دنيا
وآخرة ،ألنهم سفراء الحق لبعضهم وصنفهم ولمن سواهم من البشر في الدنيا واآلخرة «،
اس » *والرسالة في البشر ال تكون إال في الدنيا ،وينقطع حكمها في اآلخرة ،وكذلك َو ِمنَ النَّ ِ
تنقطع في اآلخرة بعد دخول الجنة والنار نبوة التشريع ،والرسالة ال يقبلها الرسول إال بواسطة
روح قدسي أمين ينزل بالرسالة على قلبه ،وأحيانا يتمثل له الملك رجال ،وكل وحي ال يكون
بهذه الصفة ال يسمى رسالة بشرية ،وإنما يسمى وحيا أو إلهاما أو نفثا أو إلقاء أو وجودا ،وال
تكون الرسالة إال كما ذكرنا ،وال يكون هذا الوصف إال للرسول البشري ،وما عدا هذا من
ضروب الوحي فإنه يكون لغير النبي والرسول ،والفرق بين النبي والرسول أن النبي إذا ألقى
إليه الروح ما ذكرناه اقتصر بذلك الحكم على نفسه خاصة ،ويحرم أن يتبع غيره ،فهذا هو
النبي فإذا قيل له بلغ ما أنزل إليك إما لطائفة مخصوصة كسائر األنبياء ،وإما عامة للناس ولم
ّللا عليه وسلم ،لم يكن لغيره قبله ،فسمي بهذا الوجه رسوال ، يكن ذلك إال لمحمد صلهى ه
والذي جاء به رسالة ،وما اختص به من الحكم في نفسه وحرم على غيره من ذلك الحكم هو
نبي مع كونه رسوال ،وأعني بالنبوة هنا نبوة التشريع ،فالرسالة والنبوة
ص 181
181
التي انقطعت هي ه
تنزل الحكم اإللهي على قلب البشر بواسطة الروح .
ص 182
182
ّللا عنّللا قَتَلَ ُه ْم »فكل عمل أضفته إلى هابن ماجة في سننه -قال تعالى «:فَلَ ْم ت َ ْقتُلُو ُه ْم َول ِك َّن َّ َ
ذوق ومشاهدة ،ال عن اعتقاد وحال بل عن مقام وعلم صحيح فقد أعطيت ذلك العمل حقه
ج »تأمل هذه اآلية ِين ِم ْن َح َر ٍ علَ ْي ُك ْم فِي ال هد ِ حيث رأيته ممن هو له« َوما َجعَ َل َ
فإن لها وجهين كبيرين قريبين خالف ما لها من الوجوه ،أي خففت عنكم في الحكم ،وما
أنزلت عليكم ما يحرجكم ،
ّللاُ نَ ْفسا ً ِإ َّال ُو ْسعَها »
ف َّ وينظر إلى هذا قوله تعالى «:ال يُ َك ِله ُ
ّللاُ نَ ْفسا ً ِإ َّال ما آتاها » ف َّ وقوله تعالى «:ال يُ َك ِله ُ
وقوله عليه السالم [ :بعثت بالحنيفية السمحاء ]
وقوله عليه السالم [ :إن الدين يسر ]
فال يكون الحق يراعي اليسر في الدين ورفع الحرج ويفتي المفتي بخالف ذلك ،فإن النفوس
أبت أن تقف عند األحكام المنصوص عليها ،فأثبتت لها علال وجعلتها مقصودة للشارع
وطردتها ،وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة اقتضاها نظر الجاعل
المجتهد ،ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من اإلباحة والعافية ،فكثرت األحكام
بالتعليل وطرد العلة والقياس والرأي واالستحسان ،
ّللا في ذلك رحمة أخرى لنا ،لوال أن الفقهاء ّللا جعل ه وما كان ربك نسيا ،ولكن بحمد ه
ّللا وال رسوله ، حجرت هذه الرحمة على العامة ،بإلزامهم إياها مذهب شخص معين لم يعينه ه
وال دل عليه ظاهر كتاب وال سنة صحيحة وال ضعيفة ،
ومنعوه أن يطلب رخصة في نازلته في مذهب عالم آخر اقتضاه اجتهاده ،وشددوا في ذلك
ّللا عليهوقالوا هذا يفضي إلى التالعب بالدين ،وتخيلوا أن ذلك دين ،وقد قال النبي صلهى ه
ّللا تصدق عليكم فاقبلوا صدقته ] وسلم [ :إن ه
ّللا بها على عباده ،وقد أجمعنا على تقرير حكم المجتهد وعلى تقليد فالرخص مما تصدق ه
العامي له في ذلك الحكم ألنه عنده عن دليل شرعي ،سواء كان صاحب قياس أو غير قائل به
،فتلك الرخصة التي رآها الشافعي في مذهبه على ما اقتضاه دليله ،
وقد قررها الشرع فيمنع المفتي من المالكية المالكي المذهب أن يأخذ برخصة الشافعي التي
تعبده بها الشارع –
وإنما أضفناها إلى الشارع ألن الشرع قررها -بمنعه مما يقتضيه الدليل في األخذ به بأمر ال
يقتضيه الدليل الذي ال أصل له ،وهو ربط الرجل نفسه بمذهب خاص ال يعدل عنه إلى غيره
،
ّللا ،
ويحجر عليه ما لم يحجر الشرع عليه ،وهذا من أعظم الطوام وأشق الكلف على عباد ه
فالذي وسع الشرع بتقرير حكم المجتهدين في هذه األمة ضيقه عوام الفقهاء ،
وأما األئمة مثل أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي فحاشاهم من هذا ،
ص 183
183
ما فعله واحد منهم قط ،وال نقل عنهم أنهم قالوا ألحد اقتصر علينا ،وال قلدني فيما أفتيك به ،
ّللا عنهم ، بل المنقول عنهم خالف هذا رضي ه
ج " رفع الحديث من النفس ِين ِم ْن َح َر ٍ علَ ْي ُك ْم فِي ال هد ِ والوجه اآلخر في قوله تعالى َ ":وما َجعَ َل َ
عند توجه الحكم بما ال يوافق الغرض وتمجه النفس ،فكأنه خاطب المؤمنين ومن وجد الحرج
ليس بمؤمن ،
ج »فلإلنسان إذا توجه ِين ِم ْن َح َر ٍ علَ ْي ُك ْم فِي ال هد ِ
وهذا صعب جدا ،فإذا قال تعالى َ «:وما َجعَ َل َ
عليه حكم بفتيا عالم من العلماء تصعب عليه أن يبحث عند العلماء المجتهدين ،
هل له في تلك النازلة حكم من الشرع أهون من ذلك ،فإن وجده عمل به وارتفع الحرج ،وإن
وجد اإلجماع في تلك النازلة على ذلك الحكم الذي صعب عليه ،قبله إن كان مؤمنا طيب
النفس ،وعادت حزونته سهولة ،
ّللا ،فيصح بذلك عنده إيمانه ،وهي عالمة له على ثبوت ودفعه له قبوال لما حكم عليه به ه
اإليمان عنده ،ولما كان هذا المقام شامخا عسيرا على النفوس نيله ،
ّللا وإنما حكم أقسم بنفسه جل وتعالى عليه ،ولما لم يكن المحكوم عليهم يسمعون ذلك من ه
ّللا وخليفته في األرض ، ّللا الثابت صدقه ،النائب عن ه عليهم بذلك رسول ه
ّللا عليه وسلم ، لذلك أضاف االسم إليه عناية به وشرفا له صلهى ه
ش َج َر بَ ْينَ ُه ْم ث ُ َّم ال يَ ِجدُوا فِي أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َح َرجا ً ِم َّماوك فِيما َ فقال «:فَال َو َر ِبه َك ال يُؤْ ِمنُونَ َحتَّى يُ َح ِ هك ُم َ
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً »
ْت َويُ َ ضي َ قَ َ
س َّما ُك ُم ْال ُم ْس ِل ِمينَ ِم ْن قَ ْب ُل »،
يم ُه َو َ « ِملَّةَ أ َ ِبي ُك ْم ِإبْرا ِه َ
سو ُل فإبراهيم عليه السالم هو أبونا في اإلسالم وهو الذي سمانا مسلمين« َو ِفي هذا ِليَ ُكونَ َّ
الر ُ
ّللا تعالى به إلينا اس »فنشهد نحن على األمم بما أوحى ه علَى النَّ ِش َهدا َء َ علَ ْي ُك ْم َوت َ ُكونُوا ُ ش ِهيدا ً َ َ
من قصص أنبيائه مع أممهم ،فالشهادة بالخبر الصادق كالشهادة بالعيان الذي ال ريب فيه ،
مثل شهادة خزيمة ،بل الشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ،ألن خزيمة لو شهد شهادة
باّلل
اّلل »االعتصام ه ص ُموا ِب َّ ِ صالة َ َوآتُوا َّ
الزكاة َ َوا ْعت َ ِ عين لم تقم شهادته مقام اثنين «،فَأَقِي ُموا ال َّ
ّللا عليه وسلم في االستعاذة « وأعوذ بك منك » هو قوله صلهى ه
ير ". ص ُ فإنه ال يقاومه شيء من خلقه ،فال يستعاذ به إال منه« ُه َو َم ْوال ُك ْم فَنِ ْع َم ْال َم ْولى َونِ ْع َم النَّ ِ
ص 184
184
( )23سورة المؤمنون مكيّة
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ
ّللا ه س ِم ه ِ
ِب ْ
[ سورة المؤمنون ( : ) 23اآليات 1إلى ] 2
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ ّللا ه س ِم ه ِ بِ ْ
ون ( ) 2 شعُ َ
صالتِ ِه ْم خا ِ ون ( ) 1الهذ َ
ِين ُه ْم فِي َ قَ ْد أ َ ْفلَ َح ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
[ الخشوع ]
الخشوع مقام الذلة والصغار ،وهو نعت محمود في الدنيا على قوم محمودين ،وهو نعت
محمود في اآلخرة في قوم مذمومين شرعا بلسان حق ،وهو حال ينتقل من المؤمنين في
اآلخرة إلى أهل العزة المتكبرين الجبارين ،الذين يريدون علوا في األرض من المفسدين في
األرض ،فالمؤمنون في صالتهم خاشعون ،وهم الخاشعون من الرجال والخاشعات من النساء
ّللا لهم مغفرة وأجرا عظيما ،وال يكون الخشوع حيث كان إال عن تجل إلهي على ،الذين أعد ه
القلوب في المؤمن عن تعظيم وإجالل ،وفي الكافر عن قهر وخوف وبطش ،
ّللا إذا تجلى لشيء خشع له ] -أخرجه قال عليه السالم حين سئل عن كسوف الشمس [ إن ه
البزار –
وإذا وقع التجلي حصل الخشوع ،وخشوع كل خاشع على قدر علمه بربه ،وعلمه بربه على
قدر تجليه له .
ص 185
185
[سورة المؤمنون ( : ) 23اآليات 6إلى ]8
ين ( ) 6فَ َم ِن ا ْبتَغى َورا َء ذ ِلكَ فَأُول ِئكَ واج ِه ْم أ َ ْو ما َملَكَتْ أ َ ْيمانُ ُه ْم فَ ِإنه ُه ْم َ
غ ْي ُر َملُ ِ
وم َ ِإاله عَلى أ َ ْز ِ
ع ْه ِد ِه ْم راع َ
ُون ( ) 8 ِين ُه ْم ِألَماناتِ ِه ْم َو َ ُون ( َ ) 7والهذ َ ُه ُم العاد َ
بكالءته .
ص 186
186
على بعض ،وقد تم البدن على التفصيل ،وهو الخلق الترابي اآلدمي ،فهو مسبب عن أشياء
هي أمهات الجسد اآلدمي وهي كثيرة ،انتقل في أطوار العالم من شكل إلى شكل حتى صار
على هذه الصفة ،فالجسد اآلدمي أصله شيء والصورة عرض فيه ،ثم أجمل خلق النفس
الناطقة الذي هو بها إنسان في هذه اآلية
عرفك بذلك أن المزاج ال أثر له في لطيفتك وإن فقال« ث ُ َّم أ َ ْنشَأْناهُ خ َْلقا ً آخ ََر »وهو طور آخر ،ه
لم يكن نصا لكن هو ظاهر ،
ور ٍة ما شا َء َر َّكبَ َك )
ص َ يِ ُ اك فَعَ َدلَ َك ِفي أ َ ه
س َّو َ وأبين منه قوله( فَ َ
ورةٍ ما شا َء َر َّكبَ َك ) ص َ يِ ُ فالظاهر أنه لو اقتضى المزاج روحا خاصا معينا ما قال( فِي أ َ ه
وأي حرف نكرة مثل حرف ( ما ) ،
فإنه حرف يقع على كل شيء ،فأبان لك أن المزاج ال يطلب صورة بعينها ،ولكن بعد
حصولها تحتاج إلى هذا المزاج وترجع به ،فإنه بما فيه من القوى التي ال تدبره إال بها ،فإنه
بقواه لها كاآلالت لصانع النجارة أو البناء مثال ،
ّللا ما خلقك سدى فبيهن لك الحق بهذه اآليات مرتبة جسدك وروحك ،لتنظر وتتفكر فتعتبر أن ه
وإن طال المدى ،
فإن النشأة اإلنسانية مكونة من حس وخيال وعقل ،تجول بكلها أو ببعضها ،
فإما أن يجول اإلنسان بحسه وهو الكشف ،وإما أن يجول بعقله وهو حال فكره وتفكره ،
ّللا للعالم الخلق وجعل نفسه أحسن ألوليته في ذلك ،إذ لواله وإما أن يجول بخياله ،ثم أثبت ه
ما ظهرت أعيان هؤالء الخالقين
س ُن ْالخا ِل ِقينَ " ] ّللاُ أ َ ْح َ
بار َك َّ[ " فَت َ َ
س ُن ْالخا ِل ِقينَ »إثباتا لألعيان ليصح قوله ( ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ ) ّللاُ أ َ ْح َ
بار َك َّفقال« فَت َ َ
*وأثنى على نفسه يعلمك صورة الثناء عليه لتشكره ال لتكفره
ّللا أحسنهم خلقا ،فإنه س ُن ْالخا ِل ِقينَ »تقديرا وإيجادا ،فذكر أن ث هم خالقين ه ّللاُ أ َ ْح َ
بار َك َّ فقال« فَت َ َ
ين ) تعالى نسب الخلق إلى عباده فقال( َو ِإ ْذ ت َ ْخلُ ُق ِمنَ ِ ه
الط ِ
فهو تعالى أحسن الخالقين ألنه تعالى يخلق ما يخلق عن شهود ،والخالق من العباد ال يخلق إال
عن تصور ،يتصور من أعيان موجودة يريد أن يخلق مثلها أو يبدع مثلها ،وخلق الحق ليس
كذلك ،فإنه يبدع أو يخلق المخلوق على ما هو ذلك المخلوق عليه في نفسه وعينه ،
ّللا
فما يكسوه إال حلة الوجود بتعلق يسمى اإليجاد ،فأضاف الحق الحسن إلى الخالقين غير أن ه
أحسن الخالقين ،والخلق من خصوص وصف اإلله ،ومن الناس من يقيم من أعماله وأنفاسه
نشأة ذات روح وجسد ،فبها يكون اإلنسان خالقا ،ويكون الحق أحسن الخالقين ،
ّللا
وهذه الطبقة التي وصفها الحق بالحسن هم أهل اإلحسان ،فإن اإلحسان في العبادة أن تعبد ه
كأنك تراه ،فتعلم من هو الخالق على الحقيقة ،فلما كان
ص 187
187
نعت الخلق من خصوص وصف اإلله ،وقد أضاف الخلق إلى الخلق ،انفرد هو بالنظر إلى
س ُن ْالخا ِل ِقينَ »
ما أثبت من الخلق للخلق باألحسن في قوله« أ َ ْح َ
س ُن ْالخا ِل ِقينَ »ّللاُ أ َ ْح َ وهو معنى قوله« فَت َ َ
بار َك َّ
س ُن ْالخا ِل ِقينَ »والبركة الزيادة ،فزاد ( أحسن ) في قوله « أ َ ْح َ
وقال تعالى في الرد على عبدة األوثان ( أفمن يخلق كمن ال يخلق ) فنفى الخلق عن الخلق ،
فلو لم يرد عموم نفي الخلق عن الخلق لم تقم به حجة على من عبد فرعون وأمثاله ممن أمر
ّللا ،ولم يكن هؤالء ممن يدخل في عموم الخالقين في قوله« من المخلوقين أن يعبد من دون ه
ّللاُ أ َ ْح َ
س ُن س ُن ْالخا ِل ِقينَ »فإنهم لم يتصفوا باإلحسان في الخلق ،ومن وجه آخر« فَت َ َ
بار َك َّ أ َ ْح َ
ْالخا ِل ِقينَ »خلق الناس التقدير ،فللخلق التقدير وليس لهم إمضاؤه ،والخلق
في قوله تعالى( أ َ فَ َم ْن يَ ْخلُ ُق َك َم ْن ال يَ ْخلُ ُق )اإليجاد .
ص 188
188
ّللا بقاءه ،فهو يقهر المنازع ،فال يبقى ما أراد المنازع بقاءه ،والقهر حكم من أحكام
يرد ه
االقتدار .
ص 189
189
تين ( ِ ) 29إ هن ِفي ذ ِلكَ َآليا ٍ باركا َوأ َ ْنتَ َخ ْي ُر ا ْل ُم ْن ِز ِل َ ب أ َ ْن ِز ْل ِني ُم ْن َزال ُم َ
ين ) َ ( 28وقُ ْل َر ّ ِ ظا ِل ِم َال ه
سوال ِم ْن ُه ْم يه ْم َر ُ س ْلنا ِف ِ ين ) ( 31فَأ َ ْر َ ين ( ) 30ث ُ هم أ َ ْنشَأْنا ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم قَ ْرنا آ َخ ِر َ َو ِإ ْن ُكنها لَ ُم ْبت َ ِل َ
ون ) ( 32 غ ْي ُرهُ أ َ فَال تَتهقُ َ ّللا ما لَ ُك ْم ِم ْن إِل ٍه َ أ َ ِن ا ْعبُدُوا ه َ
قاء ْاآل ِخ َر ِة َوأَتْ َر ْفنا ُه ْم فِي ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا ما هذا إِاله ِين َكفَ ُروا َو َكذهبُوا بِ ِل ِ َوقا َل ا ْل َم ََل ُ ِم ْن قَ ْو ِم ِه الهذ َ
ون ( َ ) 33ولَئِ ْن أ َ َط ْعت ُ ْم بَشَرا ِمثْلَ ُك ْم ِإنه ُك ْم ب ِم هما تَش َْربُ َ ون ِم ْنهُ َويَش َْر ُ بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم يَأ ْ ُك ُل ِم هما تَأ ْ ُكلُ َ
ون ( َ ) 35ه ْيهاتَ ون ( ) 34أ َ يَ ِع ُد ُك ْم أَنه ُك ْم ِإذا ِمت ُّ ْم َو ُك ْنت ُ ْم تُرابا َو ِعظاما أَنه ُك ْم ُم ْخ َر ُج َ س ُر َ ِإذا لَخا ِ
ين ) ( 37 ي ِإاله َحياتُنَا ال ُّد ْنيا نَ ُموتُ َونَحْ يا َوما نَحْ ُن ِب َم ْبعُو ِث َ ُون ( ِ ) 36إ ْن ِه َ عد َ َه ْيهاتَ ِلما تُو َ
ص ْرنِي بِما ب ا ْن ُ ين ( ) 38قا َل َر ّ ِ ّللا َكذِبا َوما نَحْ ُن لَهُ بِ ُم ْؤ ِمنِ َ علَى ه ِ افتَرى َ إِ ْن ُه َو إِاله َر ُج ٌل ْ
غثاء ق فَ َجعَ ْلنا ُه ْم ُ ص ْي َحةُ بِا ْل َح ّ ِ ين ( ) 40فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ال ه صبِ ُح هن ناد ِِم َ ع هما قَ ِلي ٍل لَيُ ْ ون ( ) 39قا َل َ َكذهبُ ِ
ين ( ) 42 ين ) ( 41ث ُ هم أ َ ْنشَأْنا ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم قُ ُرونا آ َخ ِر َ ظا ِل ِم َ فَبُ ْعدا ِل ْلقَ ْو ِم ال ه
سولُها سلَنا تَتْرا ُك هل ما جا َء أ ُ همة َر ُ س ْلنا ُر ُ ون ( ) 43ث ُ هم أ َ ْر َ ستَأ ْ ِخ ُر َ ق ِم ْن أ ُ هم ٍة أ َ َجلَها َوما يَ ْ س ِب ُ ما ت َ ْ
س ْلنا ُموسى ون ( ) 44ث ُ هم أ َ ْر َ ِيث فَبُ ْعدا ِلقَ ْو ٍم ال يُ ْؤ ِمنُ َ ض ُه ْم بَ ْعضا َو َجعَ ْلنا ُه ْم أَحاد َ َكذهبُو ُه فَأَتْبَ ْعنا بَ ْع َ
ست َ ْكبَ ُروا َوكانُوا قَ ْوما عا ِل َ
ين ين ( ِ ) 45إلى ِف ْرع َْو َن َو َمال ِئ ِه فَا ْ طان ُم ِب ٍ س ْل ٍ ون ِبآيا ِتنا َو ُ هار َ َوأَخا ُه ُ
ُون ( ) 47فَ َكذهبُو ُهما ( ) 46فَقالُوا أ َ نُ ْؤ ِم ُن ِلبَش ََر ْي ِن ِمثْ ِلنا َوقَ ْو ُم ُهما لَنا عابِد َ
ص 190
190
ُون ( َ ) 49و َجعَ ْلنَا ا ْب َن َم ْريَ َم تاب لَعَله ُه ْم يَ ْهتَد َ سى ا ْل ِك َ ين ( َ ) 48ولَقَ ْد آت َ ْينا ُمو َ فَكانُوا ِم َن ا ْل ُم ْهلَ ِك َ
ت س ُل ُكلُوا ِم َن ال ه
ط ِيّبا ِ ين ( ) 50يا أَيُّ َها ُّ
الر ُ ت قَ ٍ
رار َو َم ِع ٍ آو ْينا ُهما ِإلى َر ْب َو ٍة ذا ِ َوأ ُ همهُ آيَة َو َ
ون ( واحدَة َوأَنَا َربُّ ُك ْم فَاتهقُ ِ
ع ِلي ٌم ( َ ) 51وإِ هن ه ِذ ِه أ ُ همت ُ ُك ْم أ ُ همة ِ ون ََوا ْع َملُوا صا ِلحا إِ ِنّي بِما ت َ ْع َملُ َ
ون ( ) 53 ب بِما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِر ُح َ طعُوا أ َ ْم َر ُه ْم بَ ْينَ ُه ْم ُزبُرا ُك ُّل ِح ْز ٍ ( 52فَتَقَ ه
ب ِبما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِر ُحونَ »وما وقع ذلك إال من تعشق كل نفس بما هي عليه ،فلو تبيهن « ُك ُّل ِح ْز ٍ
لكل حزب مآله وما له ،لفرح من ينبغي له أن يفرح ،وحزن من ينبغي له أن يحزن ،
ب ِبما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِر ُحونَ »وكل له شرب معلوم ،وسيردون فيعلمون ،كأنهم ما سمعوا( « ُك ُّل ِح ْز ٍ
س ُجو ِد ) ع ْونَ إِلَى ال ُّ ق َويُ ْد َ ع ْن سا ٍ َف َ يَ ْو َم يُ ْكش ُ
ب بِما لَ َد ْي ِه ْم فَ ِر ُحونَ »إن العارفين كما هم اليوم يكونون غدا ، -إشارة ال تفسير ُ «-ك ُّل ِح ْز ٍ
أجسامهم في الجنان ،وقلوبهم في حضرة الرحمن .
ص 191
191
ّللا عليهم بأنهم مشفقون ،للتغير الذي يقوم بنفوسهم عند رؤية الموجب لذلك ،
ّللا ،أثنى ه
طاعة ه
واإلشفاق مأخوذ من الشفق الذي هو حمرة بقية ضوء الشمس إذا غربت ،أو إذا أرادت
الطلوع .
ص 192
192
النهاية بعين الموافقة والهداية« َو ُه ْم لَها سا ِبقُونَ »على نجب األعمال إلى مرضاته كما قال(
ض ُل ْال َك ِب ُ
ير ) ّللا ذ ِل َك ُه َو ْالفَ ْ َو ِم ْن ُه ْم سا ِب ٌق ِب ْال َخيْرا ِ
ت ِبإِ ْذ ِن َّ ِ
والمسارعة في الخيرات هي كونه ال يتصرف في مباح ،بل هو في الواجبات ،فإذا خطر له
فرض قام إليه بال شك ،وإذا خطر له خاطر في مندوب فليحفظ أول الخاطر ،فإنه قد يكون
من إبليس فيثبت عليه ،فإذا خطر له أن يتركه إلى مندوب آخر هو أعلى منه وأولى فال يعدل
عن األول ،وليثبت عليه ويحفظ الثاني ،ويفعل األول وال بد ،فإذا فرغ منه شرع في الثاني
ليفعله أيضا ،
فهو في خير على كل حال ،ويرجع الشيطان خاسئا حيث لم يتفق له مقصوده ،ومن جهة
أخرى فإن المغفرة ال تصح إال بعد حصول فعل الخير الموجب لها ،فنحن نسارع في
الخيرات إلى المغفرة ،ولما كانت المسارعة إلى الخيرات وفي الخيرات تتضمن المشقة
ّللا هذه المشقة رحمة ،إما في باطن اإلنسان ،وهو والتعب ،ألن سرعة السير تشق ،أعقب ه
فتصرفه المحبة فال يحس بالمشقة وال بالتعب في رضى ه ّللا االلتذاذ بالطاعات ، الذي رزقه ه
المحبوب ،وإن كان بناء هذا الهيكل يضعف عن بعض التكاليف ،فإن الحب يهونه ويسهله ،
وإما في اآلخرة فال بد من الراحة ،ومن وصل إلى تحصيل الخير المحض ،
وهو قوله تعالى :كنت سمعه وبصره وأمثال هذا ،فقد وصل إلى السعادة األبدية ،وهو
الوصول المطلوب .
193
سماواتُ ت ال ه ق أ َ ْهوا َء ُه ْم لَفَ َ
س َد ِ ون ( َ ) 70ولَ ِو اتهبَ َع ا ْل َح ُّ كار ُه َ ق ِ ق َوأ َ ْكث َ ُر ُه ْم ِل ْل َح ّ ِبَ ْل جا َء ُه ْم ِبا ْل َح ّ ِ
ُون ) ( 71 يه هن بَ ْل أَت َ ْينا ُه ْم ِب ِذ ْك ِر ِه ْم فَ ُه ْم ع َْن ِذ ْك ِر ِه ْم ُم ْع ِرض َ ض َو َم ْن ِف ِ َو ْاأل َ ْر ُ
ين ( َ ) 72وإِنهكَ لَت َ ْدعُو ُه ْم إِلى ِص ٍ
راط ج َر ِبّكَ َخ ْي ٌر َو ُه َو َخ ْي ُر ه
الر ِازقِ َ سأَلُ ُه ْم َخ ْرجا فَ َخرا ُ أ َ ْم ت َ ْ
ون ( َ ) 74ولَ ْو َر ِح ْمنا ُه ْم راط لَنا ِكبُ َ ص ِ ون بِ ْاآل ِخ َر ِة ع َِن ال ِ ّ ِين ال يُ ْؤ ِمنُ َ يم ) َ ( 73وإِ هن الهذ َ ست َ ِق ٍُم ْ
ب فَ َما ون ( َ ) 75ولَقَ ْد أ َ َخ ْذنا ُه ْم ِبا ْلعَذا ِ ط ْغيانِ ِه ْم يَ ْع َم ُه َ ش ْفنا ما ِب ِه ْم ِم ْن ض ٍ ُّر لَلَ ُّجوا فِي ُ َو َك َ
ُون ) ( 76 ض هرع َ ستَكانُوا ِل َر ِبّ ِه ْم َوما يَت َ َ ا ْ
ون ( َ ) 77و ُه َو الهذِي أ َ ْنشَأ َ لَ ُك ُم س َ شدِي ٍد ِإذا ُه ْم ِفي ِه ُم ْب ِل ُ ب َ علَ ْي ِه ْم بابا ذا عَذا ٍ َحتهى ِإذا فَتَحْ نا َ
ض َوإِلَ ْي ِه ون ( َ ) 78و ُه َو الهذِي ذَ َرأ َ ُك ْم فِي ْاأل َ ْر ِ شك ُُر َ صار َو ْاأل َ ْفئِ َدةَ قَ ِليال ما ت َ ْ س ْم َع َو ْاأل َ ْب َ ال ه
ون) ( 80 هار أ َ فَال ت َ ْع ِقلُ َ
الف الله ْي ِل َوالنه ِ اختِ ُ ون ( َ ) 79و ُه َو الهذِي يُحْ يِي َويُ ِميتُ َولَهُ ْ تُحْ ش َُر َ
للعقل نور يدرك به أمورا مخصوصة ،ولإليمان نور به يدرك كل شيء ما لم يقع مانع ،
فبنور العقل تصل إلى معرفة األلوهية وما يجب لها ويستحيل ،وما يجوز منها فال يستحيل
وال يجب ،وبنور اإليمان يدرك العقل معرفة الذات وما نسب الحق إلى نفسه من النعوت .
ص 194
194
وصف العرش بالعظيم جرما وقدرا .
ص 195
195
[سورة المؤمنون ( : ) 23اآليات 97إلى ] 101
ون ( َ ) 98حتهى ب أ َ ْن يَحْ ض ُُر ِ ين ( َ ) 97وأَعُوذُ ِبكَ َر ّ ِ هياط ِ
ت الش ِ ب أَعُوذُ ِبكَ ِم ْن َه َمزا ِ َوقُ ْل َر ّ ِ
ون ( ) 99لَعَ ِلّي أ َ ْع َم ُل صا ِلحا فِيما ت َ َر ْكتُ َكاله إِنهها َك ِل َمةٌ ار ِجعُ ِ ب ْإِذا جا َء أ َ َح َد ُه ُم ا ْل َم ْوتُ قا َل َر ّ ِ
ور فَال أ َ ْن َ
ساب بَ ْينَ ُه ْم ص ِ ون ( ) 100فَ ِإذا نُ ِف َخ فِي ال ُّ خ إِلى يَ ْو ِم يُ ْبعَث ُ َ ُه َو قائِلُها َو ِم ْن َورائِ ِه ْم بَ ْر َز ٌ
ون ) ( 101 يَ ْو َمئِ ٍذ َوال يَتَسا َءلُ َ
ّللا تعالى ( :اليوم ) يعني يوم القيامة ( أضع ّللا عليه وسلم :يقول ه ّللا صلهى ه يقول رسول ه
نسبكم وأرفع نسبي أين المتقون ) .
ص 196
196
ّللا
ّللا تعالى هذا هو كالم الملك عن ه بعده ،فال أشد عليهم عذابا من هذا الخطاب ،وخطاب ه
ّللاُ يَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة )
ّللا تعالى عباده شرف ،قال تعالىَ ( :وال يُ َك ِله ُم ُه ُم َّ
تعالى ،ألن كالم ه
وقد يكون خطابا من الحق لهم وهم في النار ،فخاطبهم وهم يسمعون .
ص 197
197
على العاصي إما باألخذ وإما بالمغفرة ،والرجوع على الطائع باإلحسان ،ولما كان الحكم
ّللا
ّللا أكثر رجوعا إلى العباد من العباد إليه ،فإن رجوع العباد إلى ه
للمشيئة اإللهية كان ه
باّلل .
ّللا إال ه
ّللا ،فما رجعوا إلى ه
بإرجاع ه
ص 198
198
مؤاخذ وإن أخطأ ،فما كان الخطأ له مقصودا ،وإنما كان قصده إصابة الحق على ما هو عليه
وّللا أوسع وأجل األمر ،فالحق عند اعتقاد كل معتقد بعد اجتهاده ،إال أن المراتب تتفاضل ،ه
وأعظم أن ينحصر في صفة تضبطه ،ومن استند إلى معبود موضوع فإنما استند إليه بظنه ال
بعلمه ،فلذلك أخذ به فشقي ،إال أن يعطي المجهود من نفسه في نفي الشريك ،فلم يعط فكره
وال نظره وال اجتهاده نفيه جملة واحدة ،ولم يبعث إليه رسول ولم تصل إليه دعوته ،فإن
جماعة من أهل النظر قالوا بعذر من هذه حالته ،وهو مأجور في نفس األمر مع أنه مخطئ ،
وليس بصاحب ظن ،بل هو قاطع ال عالم ،والقطع على الشيء ال يلزم أن يكون عن علم ،
ّللا تعالى« ال بُ ْرهانَ لَهُ بِ ِه »
بل ربما يستروح من قول ه
ّللا يعذره ،وال شك أن المجتهد الذي أخطأ في اجتهاده في األصول يقطع أنه على برهان أن ه
ّللا تعالى
فيما أداه إليه اجتهاده ونظره ،وإن كان ليس ببرهان في نفس األمر ،فقد يعذره ه
لقطعه بذلك عن اجتهاد ،كما قطع الصاحب أنه رأى دحية وكان المرئي جبريل ،فهذا قاطع
على غير علم فاجتهد فأخطأ ،وقد رأى بعض العلماء أن االجتهاد يسوغ في الفروع واألصول
ّللا جهد
،فإن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران ،وهذه اآلية تعطي النظر في معرفة ه
االستطاعة ،أصاب في ذلك المجتهد أو أخطأ ،بعد بذل الوسع في االجتهاد في ذلك ،فقد
ّللا مجازاة أصحاب البراهين الصحيحة ، يعتقد المجتهد فيما ليس ببرهان أنه برهان ،فيجازيه ه
وقد نبه سبحانه على ما يفهم منه ما ذكرناه بهذه اآلية بقوله« ال بُ ْرهانَ لَهُ بِ ِه »
يريد بالبرهان هنا في زعم الناظر ،فإنه من المحال أن يكون ث هم دليل في نفس األمر على إله
آخر ،فإنه في نفس األمر ليس إال إله واحد ،ولم يبق إال أن تظهر الشبهة بصورة البرهان
فيعتقد أنها برهان ،وليس في قوته أكثر من هذا ،فهو في زعمه أنه برهان ،ولم يكن برهانا
ّللا ما كلف نفسا إال ما آتاها ،وهو أمر يتفاضل فيه في نفس األمر فهو قد وفهى وسعه ،فإن ه
الناس فقال« فَإِنَّما ِحسابُهُ ِع ْن َد َر ِبه ِه »هل وفهى ما آتاه من النظر في ذلك أم ال ؟
« ِإنَّهُ ال يُ ْف ِل ُح ْالكافِ ُرونَ »وليس الكافر إال من علم ثم ستر ،وإن لم يعلم فما هو كافر ،فهذه
ّللا يتجاوز
ّللا بمن الحت له شبهة في إثبات الكثرة فاعتقد أنها برهان ،بأن ه اآلية رحمة من ه
عنه ،فإنه بذل وسعه في النظر ،وما أعطته قوته غير ذلك ،فليس للمشركين عن نظر أرجى
ّللا
ّللا من هذه اآلية ،وبقي الوعيد في حق المقلدين ،فبهم ألحق الشقاء ،حيث أهلهم ه في عفو ه
للنظر وما نظروا
ص 199
199
وال فكروا وال اعتبروا ،فإنه ما هو علم تقليد ،فالمخطئ مع النظر أولى وأعلى من اإلصابة
والمصيب مع التقليد ،إال في ذات الحق فإنه ال ينبغي أن يتصرف مخلوق فيها بحكم النظر
الفكري ،وإنما هو مع الخبر اإللهي فيما يخبر به عن نفسه ال يقاس عليه ،وال يزيد وال
ينقص وال يتأول ،وال يقصد بذلك القول وجها معينا ،بل يعقل المعنى ويجهل النسبة ،ويرد
ّللا فيها ،ثم أمر نبيه .
العلم بالنسبة إلى علم ه
ص 200
200
ّللا على لسان
ّللا لمن حمده ] أن ذلك القول هو قول ه في صورة مخلوق ،كما قال في [ سمع ه
عبده ،فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل ،فوقع
ّللا ،
التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول ه
وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة
ّللا بعبده في صورة المخلوق تكون مخلوق ،فتعيهن التفاضل واألفضلية بالمحال ،إال أن رحمة ه
عظيمة ،فإنه يرحم عن ذوق ،فيزيل برحمته ما يجده الراحم من األلم في نفسه من هذا
المرحوم ،والحق ليس كذلك ،فرحمته خالصة ال يعود عليه منها إزالة ألم ،فهو خير
ّللا مطلقة .
الراحمين ،فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة ه
ص 201
201
ّللا يقول َ «:وال تَأ ْ ُخ ْذ ُك ْم »يعني والة األمور« الرأفة اللوم حيث عدل بها عن ميزانها ،فإن ه
ّللا »اعلم أن الرأفة من القلوب مثل جبذ وجذب ، ِين َّ ِِب ِهما َرأْفَةٌ ِفي د ِ
كذلك رأف ورفأ ،وهو من اإلصالح وااللتئام ،فالرأفة التئام الرحمة بالعباد ،ولذلك نهى
عنها في إقامة الحدود ال كل الحدود ،وإنما ذلك في حد الزاني والزانية ،فيؤدي ذلك إلى
ّللا جزاؤه ، ّللا الذي شرع ودين ه الفتور في إقامة ح هد ه
ثم قال ِ «:إ ْن ُك ْنت ُ ْم تُؤْ ِمنُونَ ِب َّ ِ
اّلل »
فخص ألنه ث هم من يؤمن بالباطل« َو ْاليَ ْو ِم ْاآل ِخ ِر »يقول :وتؤمنون بإقامة ه
ّللا حدوده في اليوم ه
اآلخر ،
كأنه يقول لوالة األمور :طهروا عبادي في الدنيا قبل أن يفضحوا على رؤوس األشهاد ،
عذابَ ُهما طائِفَةٌ ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ ».
ولذلك قال في هؤالء َ «:و ْليَ ْش َه ْد َ
ينبه أن أخذهم في اآلخرة على رؤوس األشهاد ،فتعظم الفضيحة ،فإقامة الحدود في الدنيا
أستر ،فأمر الوالي بإقامة الحد نكاال من الزاني كما هو نكال في حق السارق ،وبيهن ذلك ،
وإقامة الحد إذا لم يكن نكاال فإنه طهارة ،وإن كان نكاال فال بد فيه من معقول الطهارة ألنه
يسقط عنه في اآلخرة بقدر ما أخذ به في الدنيا ،فسقط عن الزاني النكال وما سقط عن السارق
،فإن السارق قطعت يده وبقي مقيدا بما سرق ألنه مال الغير ،فقطع يده زجر وردع لما
يستقبل ،وبقي حق الغير عليه فلذلك جعله نكاال ،والنكل القيد ،
فما زال من القيد مع قطع يده وما تعرض في حد الزاني إلى شيء من ذلك ،وقد ورد في
الخبر أن ما سكت عن الحكم فيه بمنطوق فهو عافية ،أي دارس ال أثر له وال مؤاخذة فيه ،
ّللا له إقامة الحد ،فال ينبغي أن يقوم به غضب عند تعدي واعلم أن غير الحاكم ما عيهن ه
ّللا عليه وسلم من حيث ما هو حاكم ، ّللا صلهى ه الحدود ،فليس ذلك إال للحكام خاصة ولرسول ه
ّللا منه فهو غضب نفس وطبع أو والقاضي إن بقي معه الغضب على المحدود بعد أخذ حق ه
ألمر في نفسه لذلك المحدود ،ما هو غضب هّلل ،
ّللا ،فال يغفل الحاكم عند إقامة الحدود ّللا ،فإنه ما قام في ذلك مراعاة لحق ه فلذلك ال يأجره ه
عن النظر في نفسه ،وليحذر من التشفي الذي يكون للنفوس ،فإن وجد لذلك تشفيا فيعلم أنه ما
ّللا ،
قام في ذلك هّلل وما عنده فيه خير من ه
وإذا فرح بإقامة الحد على المحدود إن لم يكن فرحه له لما سقط عن ذلك الحد في اآلخرة من
المطالبة وإال فهو معلول ،فمن غضب هّلل وكان حاكما وأقام الحد يزول عنه الغضب على ذلك
الشخص عند الفراغ منه ،ويرجع لذلك المحدود رحمة كله.
202
202
[سورة النور ( : ) 24اآليات 3إلى ] 4
علَى الزا ِنيَةُ ال يَ ْن ِك ُحها ِإاله ٍ
زان أ َ ْو ُمش ِْركٌ َو ُح ِ ّر َم ذ ِلكَ َ الزا ِني ال يَ ْن ِك ُح ِإاله زا ِنيَة أ َ ْو ُمش ِْركَة َو ه ه
ين َج ْلدَةش َهدا َء فَاجْ ِلدُو ُه ْم ثَمانِ َت ث ُ هم لَ ْم يَأْتُوا بِأ َ ْربَعَ ِة ُصنا ِ ون ا ْل ُمحْ َ ين ( َ ) 3والهذ َ
ِين يَ ْر ُم َ ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ون ) ( 4 سقُ َ َوال ت َ ْقبَلُوا لَ ُه ْم شَهادَة أَبَدا َوأُولئِكَ ُه ُم ا ْلفا ِ
ّللا في رمي المحصنات وإن صدقوا ،فجلد الرامي إنما كان لرميه اعلم أن العقوبة قد أوقعها ه
ولكونه ما جاء بأربعة شهداء ،وقد يكون الشهداء شهداء زور في نفس األمر وتحصل العقوبة
بشهادتهم في المرمي فيقتل ،وله األجر التام في األخرى مع ثبوت الحكم عليه في الدنيا ،
وعلى شهود الزور والمفتري العقوبة في األخرى ،وإن حكم الحق في الدنيا بقوله وشهادة
شهود الزور فيه .
ص 203
203
بعلمي إذا كنت ممن يقول بذلك ،استنبت في الحكم من ال علم له باألمر ،وتركت الحكم فيه ،
وهذا هو الوجه الصحيح عندي ،والذي أعمل به وإن كان في النفس منه شيء ،وهذا عندي
في الحكم في األموال ،
وأما الحكم في األبدان فال أحكم إال بعلمي إذا علمت البراءة ،فإن لم تكن البراءة وعلمت
صدق المفتري حكمت بالشهود وتركت علمي ،فالحاكم ال يجوز له أن يخالف علمه أصال ،
وذلك في األموال وأما في األبشار فما يجب عليه إمضاء الحكم على المحكوم عليه.
ص 204
204
ش َهدا َء »كما قرر في الحكم ،وكان الرامي في تلك القضية الخاصة علَ ْي ِه ِبأ َ ْربَعَ ِة ُ
" لَ ْو ال جا ُؤ َ
داء فَأُول ِئ َك ِع ْن َد َّ ِ
ّللا ُه ُم ْالكا ِذبُونَ ". كاذبا فيها« فَإِ ْذ لَ ْم يَأْتُوا ِبال ُّ
ش َه ِ
قوله « أولئك » يحتمل يريد بهذه اإلشارة هذه القضية الخاصة أو يريد عموم الحكم في ذلك.
ص 205
205
ّللا عنه لمسطح في قضية اإلفك ،وقد حلف أبو بكر نزلت هذه اآلية في توعد أبي بكر رضي ه
أن ال يعطي مسطحا ما كان يعطيه ،فنزلت اآلية« َوال يَأْت َ ِل »أي ال يحلف« أُولُوا ْالفَ ْ
ض ِل ِم ْن ُك ْم
سعَ ِة »يعني في الرزق« أ َ ْن يُؤْ تُوا »يعطوا« أ ُو ِلي ْالقُ ْربى »ذوي ّللا« َوال َّ»من له مال رزقه ه
ّللاُ لَ ُك ْم » ّللا َو ْليَ ْعفُوا َو ْليَ ْ
صفَ ُحوا أ َ ال ت ُ ِحبُّونَ أ َ ْن يَ ْغ ِف َر َّ سبِي ِل َّ ِ الرحم « َو ْال َمسا ِكينَ َو ْال ُم ِ
هاج ِرينَ فِي َ
ّللا لي ،وأعاد ما كان خصصه ّللا عنه بعد سمعها :بلى إني أحب أن يغفر هفقال رضي ه
لمسطح وكفهر عن يمينه ،ففي الوعيد إذا لم يكن حدا مشروعا وكان لك الخيار فيه وعلمت أن
ّللا ،فلك أن ال تفي به وأن تتصف بالخلف فيه ،
تركه خير من فعله عند ه
ّللا عليه وسلم [ :من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأتفقد قال صلهى ه
الذي هو خير ]
وقال الشاعر :
وإني إذا أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
[ العقوبة بالكفارة ]
وإنما عوقب بالكفارة ألنه أمر بمكارم األخالق واليمين على ترك فعل الخير ،وهذا الترك من
وّللا فعهال لما يريد ال يقاس بالمخلوق وال يقاس المخلوق
مذام األخالق ،فعوقب بالكفارة ،ه
عليه ،وإنما األدلة الشرعية أتت بأمور تقرر عندنا منها أنه يعامل عباده باإلحسان وعلى قدر
ظنهم به ،فتبين أنه سبحانه ما يحمد خلقا من مكارم األخالق إال وهو تعالى أولى به بأن يعامل
به خلقه ،وال يذ هم شيئا من سفساف األخالق إال وكان الجناب اإللهي أبعد منه.
ص 206
206
[ سورة النور ( : ) 24اآليات 23إلى ] 24
ت لُ ِعنُوا ِفي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َر ِة َولَ ُه ْم ع ٌ
َذاب ع َِظي ٌم ( ت ا ْل ُم ْؤ ِمنا ِ ت ا ْلغا ِفال ِ صنا ِ ون ا ْل ُمحْ َ ِين يَ ْر ُم َ ِإ هن الهذ َ
ون ( ) 24 ِيه ْم َوأ َ ْر ُجلُ ُه ْم بِما كانُوا يَ ْع َملُ َ سنَت ُ ُه ْم َوأ َ ْيد ِ علَ ْي ِه ْم أ َ ْل ِ ) 23يَ ْو َم ت َ ْ
ش َه ُد َ
[ على من يقع العذاب ]
فما منك جزء إال وهو عالم ناطق ،فال يحجبنك أخذ سمعك عن نطقه ،فال تقل يوما :
أنا وحدي ،ما أنت وحدك ولكنك في كثرة منك ،والجسم ال يأمر النفس ،إال بخير ،ولهذا
تشهد على النفس يوم القيامة جلود الجسم وجميع جوارحه ،وفي هذه اآلية اإلخبار بعلم
جوارح اإلنسان باألشياء فإن العمل للجوارح والنية للنفس ،
والجوارح ال تدري هل هذا العمل مشروع أم غير مشروع ،ولذلك إذا شهدت الجوارح
والجلود بما وقع منها من األعمال على النفس المدبرة لها ،ما تشهد بوقوع معصية وال طاعة
وإنما شهادتها بما عملته ،
وّللا يعلم حكمه في ذلك العمل ، ه
ْ
علَ ْي ِه ْم أَل ِسنَت ُ ُه ْم َوأ َ ْيدِي ِه ْم َوأ َ ْر ُجلُ ُه ْم ِبما كانُوا يَ ْع َملُونَ "
ولهذا إذا كان يوم القيامة " ت َ ْش َه ُد َ
يعني بها ،ولم يشهدوا بكون ذلك العمل طاعة وال معصية ،فإن مرتبتهم ال تقتضي ذلك ،وما
سمي ذلك النطق شهادة إال تجوزا ،فالجوارح تشهد بالفعل ما تشهد بالحكم ،فإنها ما تفرق بين
الطاعة المشروعة والمعصية ،فإنها مطيعة بالذات ال عن أمر ،فبقي الحكم هّلل تعالى فيأخذه
ابتداء من غير نطق الجوارح ،فما وقعت المخالفة من الجوارح إال من حركة المريد تحريكها
محركها ،فإنه ما من جارحة إال وهي مسبحة ه ،فهي مجبورة طائعة بالذات ،شاهد عدل على
هّلل مقدسة لجالله ،غير عالمة بما تصرفها فيه نفسها المدبرة لها ،
ّللا تعالى عبادته والوقوف بهذه الجوارح وبعالم ظاهره عندما حد له ،فلو المكلهفة التي كلهفها ه
علمت الجوارح ما تعلمه النفس من تعيين ما هو معصية وما هو طاعة ما وافقت على مخالفة
أصال ،فإنها ما تعاين شيئا من الموجودات إال مسبحا هّلل مقدسا لجالله ،
غير أنها قد أعطيت من الحفظ القوة العظيمة ،فال تصرفها النفس في أمر إال وتحتفظ على
ذلك األمر وتعلمه ،والنفس تعلم أن ذلك طاعة ومعصية ،وذلك يدل على أن الجوارح
ارتبطت بالنفس الناطقة ارتباط الملك بمالكه ،فال تشهد إال باألجنبية ،إذ ال بد من شهود عليه
،وإن لم يكن على ما قلناه وكان عين الشاهد عين المشهود عليه ،فهو إقرار ال شهادة ،
ص 207
207
ّللا تعالى أنه إقرار بل ذكر أنها شهادة ،فإذا وقع اإلنكار يوم القيامة عند السؤال من وما ذكر ه
ّللا لها :نبعث عليك شاهدا من نفسك ،فتقول في نفسها :من يشهد علي ؟ هذه النفس ،يقول ه
ّللا :هل نرى ربنا يوم القيامة خرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال [ :قالوا يا رسول ه ه
ّللا عليه وسلم :والذي نفسي بيده ال تضارون في رؤية ربكم ،فيلقى ّللا صلهى ه ؟ قال رسول ه
العبد فيقول :أي قل :ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل واإلبل وأذرك ترأس
وتربع ؟ فيقول :بلى يا رب ؟ فيقول :أفظننت أنك مالقي ؟
فيقول :آمنت بك وبكتابك وبرسلك ،وصليت وصمت وتصدقت ،ويثني بخير ما استطاع ،
فيقول :هاهنا إذا ،قال ثم يقال له :اآلن نبعث شاهدا عليك ،ويتفكر في نفسه ،من ذا الذي
يشهد علي ؟
فيختم على فيه ويقال لفخذه :انطقي ،فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ،وذلك ليعذر من
ّللا عليه ]
نفسه وذلك المنافق ،وذلك الذي سخط ه
ّللا تعالى الجوارح عن تلك األفعال التي صرفها فيها ،فيقول للعين :قولي فيما صرفك فيسأل ه
،فتقول له :
يا رب نظر بي إلى أمر كذا وكذا ،وتقول األذن :أصغى بي إلى كذا وكذا ،وتقول اليد :
بطش بي في كذا وكذا ،يعني في غير حق فيما حرم عليه البطش فيه ،وتقول الرجل :
ص َر َو ْالفُؤا َد ُك ُّل أُولئِ َك كانَ
س ْم َع َو ْالبَ َ
كذلك والجلود كذلك واأللسنة كذلك وجميع الجوارح ( ِإ َّن ال َّ
ّللا له :هل تنكر شيئا من ذلك ؟ ع ْنهُ َم ْسؤ ًُال ) فيقول ه َ
ّللا :ألم أقل لك فيحار ،ويقول :ال ؛ والجوارح ال تعرف ما الطاعة وال المعصية ،فيقول ه
على لسان رسولي وفي كتبي ال تنظر إلى كذا ،وال تسمع كذا ،وال تسع إلى كذا ،وال تبطش
بكذا ؟
ويعين له جميع ما تعلق من التكليف بالحواس ،ثم يفعل كذلك في الباطن فيما حجر عليه من
سوء الظن وغيره ؛ فعليك بحفظ الجوارح ،فإنه من أرسل جوارحه أتعب قلبه ،فهذه اآلية
ّللا لنا أن كل جزء فينا شاهد عدل مزكى مرضي ،وذلك بشرى خير لنا ،ولكن إعالم من ه
أكثر الناس ال يعلمون صورة الخير فيها ،فإن األمر إذا كان بهذه المثابة يرجى أن يكون المآل
ّللا أجل وأعظم وأعدل من أن يعذب مكرها مقهورا ، إلى خير وإن دخل النار ،فإن ه
يمان )
اإل ِ وقد قال ( :إِ َّال َم ْن أ ُ ْك ِرهَ َوقَ ْلبُهُ ُم ْ
ط َمئِ ٌّن بِ ْ ِ
وقد ثبت حكم المكره في الشرع ،وعلم حد المكره الذي اتفق عليه والمكره الذي اختلف فيه ،
وهذه الجوارح من المكرهين المتفق عليهم أنهم مكرهون ،فتشهد هذه األعضاء بال شك على
النفس المدبرة لها السلطانة عليها ،والنفس
ص 208
208
ّللا عن حدوده والمسئولة عنها ،وهي مرتبطة بالحواس والقوى ال انفكاك هي المطلوبة عند ه
لها عن هذه األدوات الجسمية الطبيعية العادلة الزكية المرضية المسموع قولها ؛ وال عذاب
تحس باآلالم المحسوسة لسريان الروح ه للنفس إال بواسطة تعذيب هذه الجسوم ،وهي التي
الحيواني فيها ،وعذاب النفس بالهموم والغموم وغلبة األوهام واألفكار الرديئة ،وما ترى في
رعيتها مما تحس به من اآلالم ويطرأ عليها من التغييرات ،كل صنف بما يليق به من العذاب
،وقد أخبر بمآلها إليمانها إلى السعادة ،لكون المقهور غير مؤاخذ بما جبر عليه ،فاإلنسان
سعيد من حيث نشأته الطبيعية ومن حيث نشأة نفسه الناطقة بانفراد كل نشأة عن صاحبتها ،
وبالمجموع ظهرت المخالفة ،فما عذبت الجوارح باأللم إال إلحساسها باللذة فيما نالته من حيث
حيوانيتها ،وال عمل للنفوس إال بهذه األدوات ،
وال حركة في عمل لألدوات إال باألغراض النفسية ،فكما كان العمل بالمجموع وقع العذاب
بالمجموع ،ثم تقضي عدالة األدوات في آخر األمر إلى سعادة المؤمنين ،فيرتفع العذاب
الحسي ،ثم يقضى حكم الشرع الذي رفع عن النفس ما همت به ،فيرتفع أيضا العذاب
المعنوي عن المؤمن ،فال يبقى عذاب معنوي وال حسي على أحد من أهل اإليمان ،
وبقدر قصر الزمان في الدار الدنيا بذلك العمل لوجود اللذة فيه -وأيام النعيم قصار -تكون
الدراكة مع قصر الزمان المطابق لزمان العمل ،فإن مدة العذاب على النفس الناطقة الحيوانية ه
أنفاس الهموم طوال ،فما أطول الليل على أصحاب اآلالم وما أقصره بعينه على أصحاب
اللذات والنعيم ،فزمان الشدة طويل على صاحبه وزمان الرخاء قصير ،
يمس الجوارح من النار وأنواع العذاب فأما الجوارح ه فإذا عذبت النفس في دار الشقاء فبما
فتستعذب جميع ما يطرأ عليها من أنواع العذاب ،
ولذا سمي عذابا ألنهها تستعذبه كما يستعذب ذلك خزنة النار حيث تنتقم هّلل ،وكذلك الجوارح
ّللا محال لالنتقام من تلك النفس التي كانت تحكم عليها ،واآلالم تختلف على حيث جعلها ه
النفس الناطقة بما تراه في ملكها وبما تنقله إليها الروح الحيواني ،
الحس ينقل للنفس اآلالم في تلك األفعال المؤلمة ،والجوارح ما عندها إال النعيم الدائم في
ه فإن
جهنم ،مثل ما هي الخزنة عليه ممجدة هّلل تعالى مستعذبة لما يقوم بها من األفعال ،
كما كانت في الدنيا ،فيتخيل اإلنسان أن العضو يتألم إلحساسه في نفسه باأللم وليس كذلك إنما
هو المتألم بما تحمله الجارحة ،
ص 209
209
يحس به ،ولوه فتبين لك إن كنت عاقال .من يحمل األلم منك ومن يحس به ممن ال يحمله وال
كانت الجوارح تتألم ألنكرت كما تنكر النفس ،وما كانت تشهد عليه ،فقد علمت يا أخي من
يعذهب منك ومن يتنعم وما أنت سواك ،فال تجعل رعيتك تشهد عليك فتبوء بالخسران ،وقد
ّللا الملك فيقال لك :ما فعلت برعيتك ؟ والك ه
أال ترى الوالي الجائر إذا أخذه الملك وعذبه عند استغاثة رعيته به كيف تفرح الرعية باالنتقام
من واليها ؟
كذلك الجوارح يكشف لك يوم القيامة عن فرحها ونعيمها بما تراه في النفس التي كانت تدبرها
ّللا عظيمة عند الجوارح ، في واليتها عليها ،ألن حرمة ه
س ْمعُ ُك ْم َوال أَب ُ
ْصار ُك ْم َوال ُجلُو ُد ُك ْم ). قال تعالى َ (:وما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْستَتِ ُرونَ أ َ ْن يَ ْش َه َد َ
علَ ْي ُك ْم َ
ص 210
210
الطيبات مع الطيبين ،فإنه من أ ههل لشيء فقد أهل له ذلك الشيء .
ص 211
211
[ سورة النور ( : ) 24آية ] 31
صار ِه هن َويَحْ فَ ْظ َن فُ ُرو َج ُه هن َوال يُ ْبد َ
ِين ِزينَت َ ُه هن ِإاله ما َظ َه َر ِم ْنها ض َن ِم ْن أ َ ْب ِ ض ْ ت يَ ْغ ُ َوقُ ْل ِل ْل ُم ْؤ ِمنا ِ
ِين ِزينَت َ ُه هن إِاله ِلبُعُولَتِ ِه هن أ َ ْو آبائِ ِه هن أ َ ْو ِ
آباء بُعُولَتِ ِه هن ض ِر ْب َن بِ ُخ ُم ِر ِه هن عَلى ُجيُوبِ ِه هن َوال يُ ْبد َ َو ْليَ ْ
ناء بُعُولَتِ ِه هن أ َ ْو إِ ْخوانِ ِه هن أ َ ْو بَنِي إِ ْخوانِ ِه هن أ َ ْو بَنِي أ َ َخواتِ ِه هن أ َ ْو نِسائِ ِه هن أ َ ْو ما أ َ ْو أ َ ْبنائِ ِه هن أ َ ْو أ َ ْب ِ
ِين لَ ْم يَ ْظ َه ُروا عَلى
ط ْف ِل الهذ َ الرجا ِل أ َ ِو ال ِ ّ غ ْي ِر أُو ِلي ْ ِ
اْل ْربَ ِة ِم َن ِ ّ ين ََملَكَتْ أ َ ْيمانُ ُه هن أ َ ِو التها ِب ِع َ
ّللا َج ِميعا أَيُّ َها
ين ِم ْن ِزينَتِ ِه هن َوتُوبُوا ِإلَى ه ِ ض ِر ْب َن ِبأ َ ْر ُج ِل ِه هن ِليُ ْعلَ َم ما يُ ْخ ِف َ
ساء َوال يَ ْ ت ال ِنّ ِ ع َْورا ِ
ون ( ) 31 ون لَعَله ُك ْم ت ُ ْف ِل ُح َ
ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
[ التوبة ]
التوبة قرين الحوبة ،عالمتها الندم ،مما جرى به القدم ،وتعلق به العلم في القدم ،ثم أقلع
ّللا عباده المؤمنين بالتوبة ، ّللا َج ِميعا ً أَيُّ َها ْال ُمؤْ ِمنُونَ »أمر ه فرجع ،عندما سمع« َوتُوبُوا ِإلَى َّ ِ
والتوبة تختلف باختالف المقامات ،فمنهم من رجع إليه من نفسه ،والعارف رجع إليه منه ،
والعلماء رجعوا إليه من رجوعهم إليه ،والعا همة رجعت من المخالفات إلى الموافقة ،وح هد
التوبة ترك الزلة في الحال والندم على ما فات ،والعزم على أنه ال يعود لما رجع عنه عند
ّللا بعد ذلك ما يريد ،والندم توبة وهو الركن األعظم ،وميم الندم علماء الرسوم ،ويفعل ه
منقلبة عن باء ،مثل الزم والزب ،وهو أثر حزنه على ما فاته يسمى ندبا ،والندب األثر ،
ّللا على عبده مقطوعا لها بالقبول ، فقلبت ميما وجعلت ألثر الحزن خاصة ؛ ولما كان توبة ه
وتوبة العبد في محل اإلمكان ،
ّللا فيها ،فالعارفون يسألون لما فيها من العلل وعدم العلم باستيفاء حدودها وشروطها وعلم ه
من ربهم أن يتوب عليهم ،وحظهم من التوبة االعتراف والسؤال ال غير ذلك ،فهذا معنى
ّللا َج ِميعا ً » قوله« َوتُوبُوا إِلَى َّ ِ
ّللا بطريق العهد أي ارجعوا إلى االعتراف والدعاء ،كما فعل أبوكم آدم ،فإن الرجوع إلى ه
ّللا فيه خطر عظيم ،فإنه إن كان قد بقي عليه شيء من المخالفة ،فال وهو ال يعلم ما في علم ه
بد من نقض ذلك العهد ،فالتوبة
ص 212
212
التي طلب منا إنما هي صورة ما جرى من آدم عليه السالم ،أما العزم على عدم العودة كما
ّللا بكل وجه ،فإنه ال يخلو أن يكون يشترطه علماء الرسوم في حد التوبة فهو سوء أدب مع ه
ّللا فيه أنه ال يقع منه زلة في المستأنف أم ال ،فإن كان عالما بذلك فال فائدة في عالما بعلم ه
ّللا إلى ذلك وكان ممن قضى العزم على أن ال يعود بعد علمه أنه ال يعود ،وإن لم يعلم وعاهد ه
ّللا أنه يعود ،فعزمه بعد العلم أنه
ّللا وميثاقه ،وإن أعلمه ه
ّللا عليه أن يعود ،ناقض عهد ه ه
يعود مكابرة ،فعلى كل وجه ال فائدة للعزم في المستأنف ال لذي العلم وال لغير العالم ،
فالناصح نفسه من سلك طريقة آدم عليه السالم ،والتوبة المشروعة من المقامات المستصحبة
ّللا تعالى بالتوبة إال المؤمنين بقوله «:
إلى حين الموت ما دام مخاطبا بالتكليف ،ولم يأمر ه
ّللا َج ِميعا ً أَيُّ َها ْال ُمؤْ ِمنُونَ »وأيه بغير ألف لحكمة أخفاها يعرفها العالم وال يشعر بها
َوتُوبُوا إِلَى َّ ِ
المؤمن ،فهي باأللف هاء التنبيه إذا قال أيها المؤمنون ،وهي بغير األلف هي هويته ،قرأها
الكسائي برفع هاء « أيه » وحذف الواو اللتقاء الساكنين ،
يقول :هو المؤمنون ألنه المؤمن ،وما يسمع نداء الحق إال بالحق ،والسامع مؤمن
والسامعون كثيرون ،فهو المؤمنون .
ساء »ليست العورة في المرأة إال السوءتين ،وإن أمرت المرأة بالستر فهو ت ال ِنه ِ
ع ْورا ِ« َ
مذهبنا لكن ال من كونها عورة ،وإنما ذلك حكم مشروع ورد بالستر ،وال يلزم أن يستر
الشيء لكونه عورة ،والوجه والكفان من المرأة ما هما بعورة ،ويبعد أن يكون القدمان عورة
تستر .
ص 213
213
ض ِل ِه »روي أن بعض الصالحين لم ّللاُ ِم ْن فَ ْ " َو ْليَ ْست َ ْع ِف ِ
ف الَّذِينَ ال يَ ِجدُونَ ِنكاحا ً َحتَّى يُ ْغ ِنيَ ُه ُم َّ
يكن له شيء من الدنيا ،فتزوج فجاءه ولد وما أصبح عنده شيء فأخذ الولد
ّللا ،فقيل له :زنيت ؟ وخرج ينادي به :هذا جزاء من عصى ه
ّللا يقول في كتابه العزيز َ «:و ْليَ ْست َ ْع ِف ِ
ف الَّذِينَ ال يَ ِجدُونَ نِكاحا ً َحتَّى يُ ْغنِيَ ُه ُم قال :ال إنما سمعت ه
ّللا وتزوجت وأنا ال أجد نكاحا فافتضحت ،فرجع إلى منزله ض ِل ِه »فعصيت أمر ه ّللاُ ِم ْن فَ ْ َّ
بخير كثير .
ض"] ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ّللاُ نُ ُ
ور ال َّ [ " َّ
ض »ال نقول فيه كما قال المفسرون معناه منور أو ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ّللاُ نُ ُ
ور ال َّ -الوجه األول َّ «-
هاد ،فذلك له اسم خاص وهو الهادي الذي هداهم إلباءة حمل األمانة ،وإلى اإلتيان بالطاعة
ألمره ،وأما هنا فما قال :إال أنه نور السماوات واألرض ،والنور النفور ،ويؤيد ذلك التشبيه
بالمصباح على الوصف الخاص ،فإن مثل هذا النور المصباحي ينفر ظلمة الليل ،
بل هو عين نفور ظلمة الليل مع بقاء الليل ليال ،فإنه ليس من شرط وجود الليل وجود الظلمة،
وإنما عين الليل غروب الشمس إلى حين طلوعها سواء أعقب المحل نور آخر سوى نور
الشمس أو ظلمة ،
فقد يكون الليل وال ظلمة كما أنه قد يكون النهار وال ضوء ،فإن النهار ليس إال زمان طلوع
الشمس إلى غروبها وإن طلعت مكسوفة فال يزول الحكم عن كون النهار موجودا ،ولما فصل
الحق إضافة النور إلى السماوات وهو ما غاب من القوى
ص 214
214
ّللا تعالى :إنه عين نفورها وعال ،وإلى األرض وهو ما ظهر من القوى الحسية ودنا ،قال ه
عن ذاتها ،فلم يشهد إال هو ،فهو عين السماوات واألرض ،فإن الخلق ظلمة وال يقف للنور
فإنه ينفرها ،
والظلمة ال ترى النور ،وما ث هم إال نور الحق ،فمن النور ما يدرك به وال يدرك في نفسه ،
والنور ال يرى أبدا ،والظلمة وإن حجبت فإنها مرئية للمناسبة التي بينها وبين الرائي ،فإنه ما
ّللا عليه وسلم يقول في دعائه : ّللا صلهى ه
ث هم ظلمة وجودية إال ظلمة األكوان ،فكان رسول ه
ّللا عليه وسلم يطلب بهذا الدعاء أن يكون الحق بصره ّللا صلهى ه واجعلني نورا ،فكان رسول ه
حتى يراه به ،
ّللا عليه وسلم [ :نور أنهى أراه ] فإنه ما رآه مني إال هويته ،وظلمتي ال ولهذا قال صلهى ه
ض »فهو الذي أنارت به العقول العلوية ،وهو قوله : ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ّللاُ نُ ُ
ور ال َّ تدركه ،فقال« َّ
ض» السماوات ،والصور الطبيعية وهو قوله « َو ْاأل َ ْر ِ
ور »تسمى الحق بالنور ولم يتسم بالظلمة إذ كان النور وجودا والظلمة ّللاُ نُ ُ
-الوجه الثاني َّ «-
عدما ،وإذ كان النور ال تغالبه الظلمة بل النور الغالب ،كذلك الحق ال يغالبه الخلق بل الحق
ت »وهي ما سماوا ِ
الغالب ،فسمى نفسه نورا ،فهو أصل الموجودات كلها من اسمه النور« ال َّ
ض »وهي ما سفل ،فاألجسام الطبيعية أصلها النور ،والطبيعة نور في أصلها ، عال « َو ْاأل َ ْر ِ
فأول موجود العقل وهو القلم وهو نور إلهي إبداعي ،وأوجد عنه النفس وهو اللوح المحفوظ ،
ّللا ،وما زالت األشياء تكثف حتى وهي دون العقل في النورية للوساطة التي بينها وبين ه
انتهت إلى األركان والمولدات ،وبما كان لكل موجود وجه خاص إلى موجده به كان سريان
النور فيه ،وبما كان له وجه إلى سببه به كان فيه الظلمة والكثافة ما فيه ،فلهذا كان األمر
كلما نزل أظلم وأكثف ،
فأين منزلة العقل من منزلة األرض ؟ كم بينهما من الوسائط ؟
واإلنسان آخر مولد فهو آخر األوالد ،مركب من حمأ مسنون صلصال ،فيه من األنوار
ّللا من
المعنوية والحسية والزجاجية ما فيه ،مما ال تجده في غيره من المولدات بما أعطاه ه
القوى الروحانية ،فما قبلها إال بالنورية التي فيه ،فلو ال النورية التي في األجسام الكثيفة ما
صح للمكاشف أن يكشف ما خلف الجدران وما تحت األرض ،
فال يدرك الشيء إن لم يكن فيه نور يدرك به من ذاته ،وهو عين وجوده واستعداده بقبول
إدراك األبصار بما فيها من األنوار له ،واختص اإلدراك بالعين عادة ،وإنما اإلدراك في
نفسه إنما هو لكل شيء ،فكل شيء يدرك بنفسه وبكل شيء أال ترى الرسول صلهى ه
ّللا عليه
وسلم كيف كان يدرك من خلف ظهره كما
ص 215
215
كان يدرك من أمامه ،ولم يحجبه كثافة عظم الرأس وعروقه وعظامه وعصبه ومخه ،وذلك
ّللا إياها ولبعض األشخاص ،ومن هذا نعلم أن خلق األجسام خرق عادة لقوة إلهية أعطاه ه
الطبيعية أصلها من النور ،ولذلك إذا عرف اإلنسان كيف يصفهي جميع األجسام الكثيفة
الظلمانية أبرزها شفافة للنورية التي هي أصل ،
ّللا وبقي على مثل الزجاج إذا خلص من كدورة رمله يعود شفافا ،وما ترى جسما قط خلقه ه
أصل خلقته مستقيما قط ،ما يكون أبدا إال مائال لالستدارة ،ال من جماد وال من حيوان وال
سماء وال أرض وال جبل وال ورق وال حجر ،وسبب ذلك ميله إلى أصله وهو النور
-الوجه الثالث -لوال النور ما ظهر للممكنات عين ،ولوال ما أنت في نفسك ذو نور عقلي ما
عرفته وذو نور بصري ما شهدته ،فما شهدته إال بالنور ،وما ث هم نور إال هو ،فما شهدته وال
عرفته إال به ،فهو نور السماوات من حيث العقول ،واألرض من حيث األبصار ،وما جعل
عز وجل صفة نوره إال بالنور الذي هو المصباح ،وهو نور أرضي ال سماوي ،فشبه ّللا هه
نوره بالمصباح ألنه لوال نزوله إلينا ما عرفناه .
فلو ال النور لم تشهده عين *** ولوال العقل لم يعرفه كون
فبالنور الكوني واإللهي كان ظهور الموجودات التي لم تزل ظاهرة له في حال عدمها ،كما
هي لنا في حال وجودها ،فنحن ندركها عقال في حال عدمها وندركها عينا في حال وجودها ،
والحق يدركها عينا في الحالين ،فلو ال أن الممكن في حال عدمه على نور في نفسه ما قبل
الوجود وال تميز عن المحال ،فبنور إمكانه شاهده الحق ،وبنور وجوده شاهده الخلق ،
فبين الحق والخلق ما بين الشهودين ،فالحق نور في نور ،والخلق نور في ظلمة في حال
عدمه ،وأما في وجوده فهو نور على نور ،ألنه عين الدليل على ربه ،ولما كان الحق ال
ّللا لنا المثل ،وجعل لنا مثل نوره في يتمكن أن يشهد ويعلم إال بضرب مثل ،لهذا ضرب ه
السماوات واألرض
ي يُوقَ ُد ِم ْن َ
ش َج َرةٍ ب د ِ هُر ٌّ الزجا َجةُ َكأَنَّها َك ْو َك ٌ صبا ُح فِي ُزجا َج ٍة ُّ صبا ٌح ْال ِم ْ « َك ِم ْشكاةٍ فِيها ِم ْ
س ْسهُ ٌ
نار ضي ُء َولَ ْو لَ ْم ت َ ْم َ بار َك ٍة زَ ْيتُونَ ٍة ال ش َْرقِيَّ ٍة َوال غ َْر ِبيَّ ٍة يَكا ُد زَ ْيتُها يُ ِ
ُم َ
ّللا في الزيت لبقاء النور ، "والزيت مادة األنوار ،وهو مثل لإلمداد بالنور اإللهي الذي أودع ه
ّللاُ ِلنُ ِ
ور ِه " ور يَ ْهدِي َّ على نُ ٍ ور َ ّللا عنه " :نُ ٌ ثم ثم قال الشيخ ابن عطاء هللا رضي ه
ّللاُ ْاأل َ ْمثا َل »فجعله ضرب ب َّ من هذين النورين ،فيعلم المشبه والمشبه به« َم ْن يَشا ُء َويَض ِْر ُ
مثل للتوصيل ،ويجوز في ضرب األمثال المحال الذي ال يمكن وقوعه ،فكما
ص 216
216
ال يكون المحال الوجود وجودا بالفرض ،كذلك ال يكون الخلق حقا بضرب المثل ،فما هو
موجود بالفرض قد ال يصح أن يكون موجودا بالعين ،ولو كان عين المشبه ضرب المثل ،
لما كان ضرب مثل إال بوجه ،فال يصح أن يكون هنا ما وقع به التشبيه وضرب المثل
موجودا إال بالفرض ،فعلمنا بضرب هذا المثل أننا في غاية البعد منه تعالى في غاية القرب
أيضا ،ولهذا قبلنا ضرب المثل ،فجمعنا بين القرب والبعد ،وهو القريب البعيد ،قريب
بالمثل بعيد بالصورة ،
باّلل تعالى في ألن فرض الشيء ال يكون كهو وال عين الشيء ،فهذه اآلية من أسرار المعرفة ه
ّللا حفظه دائما لفني ارتباط اإلله بالمألوه والرب بالمربوب ،فإن المربوب والمألوه لو لم يتول ه
ّللا العالم
من حينه ،إذ لم يكن له حافظ يحفظه ويحفظ عليه بقاءه ،فمن فهم هذه اآلية علم حفظ ه
،فهو روح العالم الذي يستمد منه حياته ،
ّللا عن العالم في الغيب انعدم العالم ، ض » فلو احتجب ه ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ّللاُ نُ ُ
ور ال َّ قال تعالى َّ «:
فمن هنا االسم الظاهر حاكم أبدا وجودا ،واالسم الباطن علما ومعرفة ،فباالسم الظاهر أبقى
العالم ،وباالسم الباطن عرفناه ،وباالسم النور شهدناه ،ثم مثهل فقال َ «:مث َ ُل نُ ِ
ور ِه َك ِم ْشكا ٍة
صبا ٌح »وهو النور أي صفة نوره صفة المصباح ولم يقل صفة الشمس ، »وهي الكوة« فِيها ِم ْ
فإن اإلمداد في نور الشمس يخفى ،بخالف المصباح فإن الزيت والدهن يمده لبقاء اإلضاءة ،
ش َج َرةٍ »نسبة الجهات إليها نسبة واحدة ،منزهة عن االختصاص فهو باق بإمداد دهني ِ «،م ْن َ
بحكم جهة ،وهو قوله« ال ش َْرقِيَّ ٍة َوال غ َْر ِبيَّ ٍة »وهذا اإلمداد من نور السبحات الظاهرة من
وراء سبحات العزة والكبرياء والجالل ،فما ينفذ من نور سبحات هذه الحجب هو نور
السماوات واألرض ،ومثله كمثل المصباح ،والنور الذي في الدهن معلوم غير مشهود ،
وضوء المصباح من أثره يدل عليه ،وعلى الحقيقة ما هو نور وإنما هو سبب لبقاء النور
واستمراره ،فالنور العلمي منفهر ظلمة الجهل من النفس ،فإذا أضاءت ذات النفس أبصرت
ارتباطها بربها في كونها وفي كون كل كون ،وجعل هذا النور في مشكاة وزجاجة مخافة
الهواء أن يحيره ويشتد عليه فيطفيه ،فكأن مشكاته وزجاجته نشأته الظاهرة والباطنة ،فإنهما
ّللا الليل والنهار ال يفترون -فنور من حيث هما معصومان ،فإنهما من الذين يسبحون بحمد ه
سراج أد هل على الحق من نور الشمس عند الناظرين بمشاهدتهم المادة التي بها بقاؤه -وأنزل ال ه
األنوار ما يفتقر إلى مادة وهو المصباح ،فإذا أنزل الحق نوره في التشبيه إلى مصباح وهو
ص 217
217
نور مفتقر إلى مادة تمده وهي الدهن ،فما هو أعلى منه من األنوار أقرب إلى التشبيه وأعلى
في التنزيه ،وإنما أعلمنا الحق بذلك وجاء بكاف الصفة في قوله« َك ِم ْشكا ٍة » إلى آخر اآلية ،
ّللا عليه إعالما أنه نور كل نور ،بل هو كل نور ،وشرع لنا طلب هذه الصفة ،فكان صلهى ه
وسلم يقول [ :واجعلني نورا ]
ّللا وإنما عيهن ّللا المثل في هذه اآلية لالسم ه ّللا عليه وسلم ،وما ضرب ه وكذلك كان صلهى ه
ض »فضرب المثل بالمصباح لذلك االسم ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ سبحانه اسما آخر ،وهو قوله« نُ ُ
ور ال َّ
النور المضاف إلى السماوات واألرض ،أي هكذا فافعلوا ،وال تضربوا األمثال هّلل فإني ما
ضربتها ،فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إال أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ،
ّللا في هذه اآلية ،فإنه تعالى هنا لم فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك االسم الخاص ،كما فعل ه
يطلق على نفسه اسم النور المطلق الذي ال يقبل اإلضافة
ض »ليعلمنا ما أراد بالنور هنا ،فأثهر حكم التعليم واإلعالم في ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ور ال َّوقال «:نُ ُ
النور المطلق اإلضافة ،فقيدته عن إطالقه بالسماوات واألرض ،فلما أضافه نزل عن درجة
النور المطلق في الصفة ،
ور ِه »أي صفة نوره ،يعني المضاف إلى السماوات واألرض كمشكاة ،إلى أن فقال َ «:مث َ ُل نُ ِ
ذكر المصباح ومادته ،
وأين صفة نور السراج -وإن كان بهذه المثابة -من صفة النور الذي أشرقت به السماوات
واألرض ؟
فعلهمنا سبحانه في هذه اآلية األدب في النظر في أسمائه إذا أطلقناها عليه باإلضافة كيف نفعل
ور ِه َم ْن يَشا ُء ّللاُ ِلنُ ِ
،وإذا أطلقناها عليه بغير اإلضافة كيف نفعل ،مثل قوله « :يَ ْهدِي َّ
»فأضاف النور هنا إلى نفسه ال إلى غيره ،وجعل النور المضاف إلى السماوات واألرض
هاديا إلى معرفة نوره المطلق ،كما جعل المصباح هاديا إلى نوره المقيد باإلضافة ،وتمم
ّلل ْاأل َ ْمثا َل ِإ َّن
اس »ونهانا في موطن آخر فقال( فَال تَض ِْربُوا ِ َّ ِ ّللاُ ْاأل َ ْمثا َل ِللنَّ ِ
ب َّوقال «َ :ويَض ِْر ُ
ّللا اسم جامع لجميع األسماء اإللهية ،محيط بمعانيها كلها ، ّللا يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال ت َ ْعلَ ُمونَ )فإن ه
َّ َ
وضرب األمثال يخص اسما واحدا معينا ،فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إال أن نعين
ّللا في اسما خاصا ينطبق المثل عليه ،فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك االسم الخاص كما فعل ه
ّللا تعالى إخبارا بما هو األمر عليه هذه اآلية ،وهذا مثل ضربه ه
ي يُوقَ ُد ب د ِ هُر ٌّالزجا َجةُ َكأَنَّها َك ْو َك ٌ
صبا ُح فِي ُزجا َج ٍة ُّ صبا ٌح ْال ِم ْ ور ِه َك ِم ْشكاةٍ فِيها ِم ْ فقال َ «:مث َ ُل نُ ِ
بار َك ٍة زَ ْيتُونَ ٍة ال ش َْرقِيَّ ٍة َوال غ َْر ِبيَّ ٍة »
ش َج َرةٍ ُم َ ِم ْن َ
فالمشكاة والزجاجة والمصباح والزيت أربعة ،مثل على الوجود القائم على التربيع ،وهو
للحق كالبيت القائم على
ص 218
218
أربعة أركان ،توقد من شجرة هويته ،مباركة فهي ال شرقية وال غربية ،ال تقبل الجهات ،
ومباركة في خط االعتدال منزهة عن تأثير الجهات ؛ وعن هذه الزيتونة يكون الزيت وهو
المادة لظهور هذا النور ،فالخامس لألربعة هو الهوية وهو الزيتونة المنزهة عن الجهات كنهى
ه
كالمعز عنها بالشجرة ،من التشاجر ،وهو التضاد لما تحمله هذه الهوية من األسماء المتقابلة
والمذ هل والضار والنافع ؛ فهي الخزانة لإلمداد اإللهي للوجود الظاهر كله ،إمدادا باطنا بطون
الزيت في الشجرة ،وقولنا مثل على الوجود القائم على التربيع ،فإن الحصر منع أن يكون
سوى هذه األربعة ،
باط ُن ) فهي أربعة ال خامس لها إال هويته ، الظا ِه ُر َو ْال ِ
فهو القائل تعالى ُ (:ه َو ْاأل َ َّو ُل َو ْاآل ِخ ُر َو َّ
على نُ ٍ
ور نار نُ ٌ
ور َ ضي ُء َولَ ْو لَ ْم ت َ ْم َ
س ْسهُ ٌ فما ث هم في العالم حكم إال من هذه األربعة« يَكا ُد زَ ْيتُها يُ ِ
»نور المصباح ظاهر يمده نور باطن في زيت ،أي نور من نور ،فأبدل حرف من بعلى لما
يفهم به من قرينة الحال ،وقد تكون على على بابها ،فإن نور السراج الظاهر يعلو حسا على
نور الزيت الباطن وهو المم هد للمصباح ،فلو ال رطوبة الدهن تمد المصباح لم يكن للمصباح
ذلك الدوام ،وكذلك إمداد التقوى للعلم العرفاني الحاصل منها في قوله تعالى َ (:واتَّقُوا َّ َ
ّللا
َويُعَ ِله ُم ُك ُم َّ
ّللاُ )
-الوجه الثاني -هّلل في قلب العبد عينان :
عين بصيرة تنظر بالنور الذي يهدي به وهو علم اليقين ،وعين اليقين تنظر بالنور الذي يهدي
إليه وهو نور اليقين ،فإذا اتصل النور الذي يهدي به بالنور الذي يهدي إليه ،عاين اإلنسان
ملكوت السماوات واألرض ،والحظ سر القدر كيف تحكم في الخالئق ،وهو قوله تعالى «:
ور ِه َم ْن يَشا ُء »وهو نور اليقين الذي تنظر به ّللاُ ِلنُ ِ
ور »لذلك قال تعالى «:يَ ْهدِي َّ على نُ ٍ نُو ٌر َ
عين اليقين
-الوجه الثالث -نور الشرع صورة سراج مصباح ال تحركه األهواء لكونه في مشكاة ،
ومشكاته الرسول ،فهو محفوظ من األهواء التي تطفيه ،وذلك المصباح في زجاجة قلبه ،
وجسمه المصباح واللسان ترجمته ،واإلمداد اإللهي زيته ،والشجرة حضرة إمداده ،فقال
اس )وهو الشرع الموحى ور »وهو النور المجعول( َو َجعَ ْلنا لَهُ نُورا ً يَ ْم ِشي ِب ِه ِفي النَّ ِ تعالى «:نُ ُ
ور »وهو النور الذاتي ،فاجتمع نور البصر مع النور الخارج وهو الشرع« يَ ْهدِي على نُ ٍ به« َ
ّللا على النور اآلخر ور ِه َم ْن يَشا ُء »وهو أحد النورين ،والنور الواحد مجعول بجعل ه ّللاُ ِلنُ ِ َّ
فهو حاكم عليه ،والنور المجعول عليه هذا النور متلبس به مندرج فيه ،فال حكم إال للنور
المجعول وهو الظاهر ،وهذا حكم نور الشرع على نور العقل.
ص 219
219
فليس له سوى التسليم فيه *** وليس له سوى ما يصطفيه
فإن أولته لم تحظ منه *** بعلم في القيامة ترتضيه
ور »بصر التوفيق والهداية ،فإذا على نُ ٍ ور »نور الشرع« َ على نُ ٍ ور َ -الوجه الرابع «-نُ ٌ
اجتمع النوران بان الطريق بالنورين ،فلو كان واحدا لما ظهر له ضوء ،وال شك أن نور
ّللا بصيرته الشرع قد ظهر كظهور نور الشمس ،ولكن األعمى ال يبصره ،كذلك من أعمى ه
لم يدركه فلم يؤمن به ،ولو كان نور عين البصيرة موجودا ولم يظهر للشرع نور بحيث أن
يجتمع النوران فيحدث الضوء في الطريق لما رأى صاحب نور البصيرة كيف يسلك ،ألنه في
طريق مجهولة ال يعرف ما فيها وال أين تنتهي به من غير دليل موقهف ،ولما كان القرب
بالسلوك والسفر إليه ،لذلك كان من صفته النور لنهتدي به في الطريق ،فإنه لوال ما دعاك
وبيهن لك طريق القربة وأخذ بناصيتك فيها ما تمكن لك أن تعرف الطريق التي تقرب منه ما
هي ،ولو عرفتها لم يكن لك حول وال قوة إال به
ض »الذي مثله بالمصباح شبهه النور اإللهي بنور ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ -الوجه الخامس «-نُ ُ
ور ال َّ
المصباح وإن بعدت المناسبة ،ولكن اللسان العربي يعطي التفهم بأدنى شيء من متعلقات
التشبيه ،فتكون المعارف على حسب ما وقع به التشبيه ،ألن المعارف متنوعة بالذي يريد
صاحبها ،منها يدل عليه بأمر يناسبه -من وجه ما -مناسبة لطيفة لداللة غيبية ،كما قال «:
صبا ٌح »بشروطه من الزجاجة ،التنزيه الذي هو الجسم الشفاف َمث َ ُل نُ ِ
ور ِه َك ِم ْشكاةٍ فِيها ِم ْ
الصافي ،فكان قوله في الزجاجة مقام الصفا ،في المشكاة مقام الستر من األهواء ،فلم تصبه
بار َك ٍة »وهو اإلمداد« ال ش َْرقِيَّ ٍة َوال غ َْر ِبيَّ ٍة مقاالت القائلين فيه بأفكارهم «يُوقَ ُد ِم ْن َ
ش َج َرةٍ ُم َ
»في مقام االعتدال ال تميل عن غرض إلى شرق فيحاط بها علما ،وال إلى غرب فلم تعلم
ور »وجود على وجود ،وجود عيني على وجود مفتقر . على نُ ٍ ور َ رتبتها« نُ ٌ
ّللا نور تعالى أن يماثله *** نور وقد الح لي في نار نبراس ه
لو قال خلق به من دون خالقه *** لكفروه وما في القول من باس
ألنه مثل لو قلته قيل هل *** لداء هذا الذي قد قال من آسي
ّللا له األمثال ،فيشهد الجامع بين المثل وبين ما ضرب فالولي هو من يعرف ما ضرب ه
ص 220
220
له ذلك المثل ،فهو عينه من حيث ذلك الجامع ،وما هو عينه من حيث ما هو مثل ،ولذلك
ور ِه »الممثهل به« َم ْن
ّللاُ »بما ضربه لعباده من هذا النور بالمصباح« ِلنُ ِ قال تعالى «:يَ ْهدِي َّ
ع ِلي ٌم » ّللاُ بِ ُك ِهل َ
ش ْيءٍ َ ّللاُ ْاأل َ ْمثا َل ِللنَّ ِ
اس َو َّ ب َّ
يَشا ُء َويَض ِْر ُ
ّللا كالمصباح منفهذا مصباح مخصوص ما هو كل مصباح ،فال ينبغي أن يقال :إن نور ه
كونه يكشف المصباح كل ما انبسط عليه نوره لصاحب بصر ،
ّللا ما ذكر ما ذكره من شروط هذا المصباح ونعوته وصفاته الممثل به مثل هذا ال يقال :فإن ه
ّللا يعلم كيف يضرب األمثال - سدى ،فمثل هذا المصباح هو الذي يضرب به المثل ،فإن ه
قراءة -العارف يقف في التالوة على مصباح
صبا ُح فِي ُزجا َج ٍة »فيكون حديثه مع المصباح ال مع النور اإللهي ،واآلية مثل ثم يقول ْ «:ال ِم ْ
وّللا هو النور ألنه نور السماوات ّللا ،ه
لقلب المؤمن التقي النقي الورع ،فليس له عامر إال ه
باّلل ،وما بقي من الكالمواألرض ،فمثل القلب بالمشكاة فيها مصباح وهو النور ،نور العلم ه
فإنما هو من تمام كمال النور الذي وقع به التشبيه ،ما هو من التشبيه ،فال تغلط فتخطئ
الطريق إلى ما أبان الحق عنه في هذه اآلية ،فالقلب مشبه بالمشكاة والمشكاة الكوة
ّللا عليه وسلم في المنام فقلت :قوله تعالى « ّللا صلهى ه -تفسير من مبشرة -رأيت رسول ه
بار َك ٍة زَ ْيتُونَ ٍة »إلى آخر اآلية ،ما هذه الشجرة ؟ فقال :كنهى عن نفسه ش َج َرةٍ ُم َيُوقَ ُد ِم ْن َ
سبحانه ،لذلك نفى عنها الجهات ،فإنه ال يتقيد بالجهات ،والغرب والشرق كناية عن الفرع
ّللا خالق المواد وأصلها ،ولوال هو ما كانت -في كالم طويل وتفصيل واضح واألصل ،فهو ه
.
221
»ّلل« ِفي َها »في المساجد ،فهل ترفع عن س ِبه ُح »يصلي« لَهُ ه يجوز من العمل في البيوت« يُ َ
دخول الكفار فيها ،هي مسئلة خالف فيما يحرم من ذلك ،وأما تنزيهها عن ذلك على جهة
ّللاُ أ َ ْن ت ُ ْرفَ َع »أي أمر وحمله على الوجوب منع من الندب فال خالف فيه ،فمن خرج« أَذِنَ َّ
دخول الكفار جميع المساجد المشركين وغيرهم ،وأما المسجد الحرام الذي بمكة فقد ورد
النص بأن ال يقربه مشرك وأنه نجس ،فمن علل المنع بالنجاسة وجعل النجاسة لكفره وعلهل
المسجد لكونه مسجدا منع الكفار كيفما كانوا من جميع المساجد ،ومن رأى أن ذلك خاص
خص بالذكر وأن ما عدا المشرك وإن كان كافرا ال يتنزل منزلته منع ه بالمسجد الحرام ،ولهذا
ت »وجوز الدخول فيه لمن دخول المشرك المسجد الحرام وكل مسجد لقوله تعالى «:فِي بُيُو ٍ
ليس بمشرك ،ومن أخذ بالظاهر ولم يعلل منع المشرك خاصة من المسجد الحرام خاصة ،
ّللا عليه وسلم حبس في المسجد في المدينة ثمامة بن أثال حين أسر وهو فإن النبي صلهى ه
مشرك وهو األوجه ،ولم يمنع غير المشرك من المسجد الحرام ومن المساجد ،ومنع المشرك
ّللاُ أ َ ْن ت ُ ْرفَ َع »إال أن يقترن بذلك أمر وحالة فال من سائر المساجد أولى لقوله تعالى «:أَذِنَ َّ
بأس ،وأما قوله تعالى في سورة البقرة «:أُول ِئ َك ما كانَ لَ ُه ْم أ َ ْن يَ ْد ُخلُوها ِإ َّال خا ِئ ِفينَ »ففيه
إباحة الدخول للكفار في المساجد على هذه الحالة من ظهور اإلسالم عليهم .
ص 222
222
ّللا
ّللا ،كما قالت عائشة عن رسول ه ّللا ،ألن التجارة على الحد المرسوم اإللهي من ذكر ه ه
ّللا على كل أحيانه ،مع كونه يمازح العجوز والصغير« ّللا عليه وسلم :إنه كان يذكر ه صلهى ه
ّللا »أي ال يلهيهم ع ْن ِذ ْك ِر َّ ِ َوال بَ ْي ٌع »فالتجارة أن يبيع ويشتري معا ،والبيع أن يبيع فقط « َ
ّللا وهو حاجب الباب ،فقال ّللا حين سمعوا المؤذن في هذا البيت يدعو إلى ه شيء عن ذكر ه
لهم :
ي على الصالة ] أي أقبلوا على مناجاة ربكم ،فهؤالء الرجال بادروا من بيعهم وتجارتهم [ح ه
المعلومة في الدنيا إلى هذا الذكر عندما سمعوه ،ورد :المسجد بيت كل تقي ،فأضافه تعالى
ّللا تعالى ؛ واعلم أن القائلين باألسباب إذا اعتمدوا إلى المتقين من عباده وقد كان مضافا إلى ه
ّللا لحقوا باألخسرين أعماال ،وإذا أثبتوا األسباب واعتمدوا على عليها وتركوا االعتماد على ه
ّللا فيها ،فأولئك األكابر من الرجال الذين ال تلهيهم ّللا ولم يتعدوا فيها منزلتها التي أنزلها ه ه
ّللا ،وأثبت لهم الحق الرجولة في هذا الموطن ،ومن شهد له الحق تجارة وال بيع عن ذكر ه
ب فِي ِهالزكا ِة يَخافُونَ يَ ْوما ً تَتَقَلَّ ُ يتاء َّصال ِة َو ِإ ِ
قام ال َّ
بأمر فهو على حق في دعواه إذا ادعاه« َو ِإ ِ
ّللا عليهم بالخوف ،فالتحقوا بالمإل األعلى في هذه الصفة ، ْصار »الخائفون أثنى ه وب َو ْاألَب ُ ْالقُلُ ُ
فإنه قال فيهم ( :يَخافُونَ َربَّ ُه ْم ِم ْن فَ ْوقِ ِه ْم َويَ ْفعَلُونَ ما يُؤْ َم ُرونَ )فمن كان بهذه المثابة تميز مع
ّللا خوفهم منه ،ولما ّللا أنهم خافوا اليوم لما يقع فيه لكون ه المأل األعلى ،ومن أدبهم مع ه
ّللا عليهم بأنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب واألبصار ،فهذا خوف تحققوا بهذا األدب أثنى ه
ّللا
ب )فأهل األدب مع ه سو َء ْال ِحسا ِ الزمان ،وأما خوف الحال فهو قوله تعالى َ (:ويَخافُونَ ُ
وفقوا له حيث وفقهم ،فإن كثيرا من الناس ال يتفطنون لهذا األدب وال يعرجون على ما خوفوا
ّللا إلى رسوله موسى عليه السالم : باّلل ،أوحى ه به من األكوان وعلهقوا أمرهم ه
ّللا ، -فأمره يا موسى خفني وخف نفسك -يعني هواك -وخف من ال يخافني -وهم أعداء ه
ّللا ،فمشاهدة العقاب تمنع من اإلدالل ،قال تعالى (: بالخوف من غيره ،فامتثل األدباء أمر ه
ْصار )وقال( يَخافُونَ َربَّ ُه ْم ِم ْن فَ ْوقِ ِه ْم). وب َو ْاألَب ُب فِي ِه ْالقُلُ ُ
يَخافُونَ يَ ْوما ً تَتَقَلَّ ُ
223
ّللاُ يَ ْر ُز ُق َم ْن يَشا ُء ِبغَي ِْر ِحسا ٍ
ب " َويَ ِزي ُد ُه ْم ِم ْن فَ ْ
ض ِل ِه »تلك الزيادة من جنات االختصاص« َو َّ
"عليه .
224
ّللا ،لما تقطعت به األسباب ،وتغلقت دون مطلوبه األبواب ،رجع إلى من بيده ملكوت إلى ه
ّللا ،هذا فعله مع أحباه ،يردهم إليه اضطرارا واختياراكل شيء ،وهو كان المطلوب به من ه
ّللا التي فرضها عليها ،وأنها المتصرفة عن ،كذلك أرواح المحبين يحسبونها قائمة بحقوق ه
ّللا ،محبة هّلل ،وشوقا إلى مرضاته ،ليراها حيث أمرها ، أمر ه
فإذا كشف لها الغطاء واحتد بصرها ،وجدت نفسها كالسراب في شكل الماء ،فلم تر قائما
ّللا عين ما تخيلت أنه عينها ،فذهبتّللا تعالى ،فوجدت ه ّللا إال خالق األفعال ،وهو ه
بحقوق ه
عينها عنها ،وبقي المشهود الحق بعين الحق ،كما فني السراب عن السراب ،والسراب
مشهود لنفسه وليس بماء ،كذلك الروح موجود في نفسه وليس بفاعل
باّلل مثل معرفتك بالسراب ]
[ معرفتك ه
-إشارة ال تفسير -إذا جئت إلى السراب لتجده كما أعطاك النظر لم تجده في شيئيته ما
باّلل مثل معرفتك بالسراب أنه ماء ،فإذا به ليس ماء وتراهأعطاك النظر ،كذلك معرفتك ه
ّللا ،فالعجز عنّللا وتحققت بالمعرفة عرفت أنك ما عرفت ه العين ماء ،فكذلك إذا قلت عرفت ه
باّلل يأخذ في النظر في العلم به ،فيفيده تقييد
معرفته هو المعرفة به ،فإن المتعطش إلى العلم ه
تنزيه أو تشبيه ،فإذا كشف الغطاء وهو حال وصول الظمآن إلى السراب لم يجده كما قيده
ّللا عنده غير مقيد بذلك التقييد الخاص ،بل له اإلطالق في التقييد ،فوفاه
فأنكره ،ووجد ه
حسابه أي تقديره ،فكأنه أراد صاحب هذا الحال أن يخرج الحق من التقييد فقال له الحق بقوله
«:فَ َوفَّاهُ ِحسابَهُ »ال يحصل لك في هذا المشهد إال العلم بي أني مطلق عن التقييد .
ص 225
225
ّللاُ لَهُ نُورا ً " ] [" َو َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
ّللاُ لَهُ نُورا ً » « َو َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
ور »في القيامة -الوجه األول «-نُورا ً »هنا من إيمانه« فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
ور »وهو العلم ،والظلمة الجهل ، ّللاُ لَهُ نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
-الوجه الثاني َ «-و َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
ض »وهو جهل ضها فَ ْوقَ بَ ْع ٍ ظلُ ٌ
مات بَ ْع ُ ّللا تعالى هنا في هذه اآلية بالظلمات فقال ُ «: وشبهه ه
على جهل ،وهو من جهل وال يعلم أنه جهل ،فنفى عنه أنه يقارب رؤية يده ،فكيف أن يراها
؟ وأدخل اليد هنا دون غيرها ألنها محل وجود االقتدار ،وبها يقع اإليجاد ،أي إذا أخرج
اقتداره ليراه لم يقارب رؤيته لظلمة الجهل ،ألنه لو رآه لرآه عين االقتدار اإللهي ،فظلمة
الليل ظلمة الطبع ،وظلمة البحر ظلمة الجهل وهو فقد العلم ،وظلمة الفكر ظلمة الموج ،
وظلمة الموج المتراكم ظلمة تداخل األفكار في الشبه ،وظلمة السحاب ظلمة الكفر ،فمن جمع
هذه الظلمات فقد خسر خسرانا مبينا
ور »لوال النور ما وجد للممكن عين ّللاُ لَهُ نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
-الوجه الثالث – " َو َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
ّللاُ لَهُ نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
ور ّللا على ذلك بقوله «َ :و َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ وال اتصف بالوجود ،فنبهنا ه
»فالنور المجعول في الممكن ما هو إال وجود الحق ألنه هو النور ،وقد قال تعالى (َ :ك َم ْن
ج ِم ْنها )وهو ما بقي من الممكنات في شيئية ثبوتها ،ال حكم لها خار ٍْس بِ ِ ت لَي َ َمثَلُهُ فِي ُّ
الظلُما ِ
في الوجود الحق ،فأزال الحق بنوره ظلمة الكون الحادث
-الوجه الرابع -لما كان األمر سفرا وسلوكا ،اجتمع نور البصر مع النور من خارج وهو
نور الشرع ،فكشف ما في الطريق من المهالك والحيوانات المضرة ،فاجتنب كل ما يخاف
ّللاُ لَهُ نُورا ً
منها ويحذر ،وسلك محجة بيضاء ما فيها مهلك وال حيوان مضر« َو َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
ور »بعد أن ظهر مصباح الشرع لم ينطف وال زال ،فمن استدبره وأعرض عنه فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ
مشى في ظلمة ذاته ،وتلك الظلمة ظلمته فيكون ممن جنى على نفسه بإعراضه عن الشرع
واستدباره ،فهذا حكم من ترك الشرع واستقل بنظره .
ص 226
226
ّللا عليه وسلم الذي أشهده وأراه ،فهو لنا إيمان فإنا ما رأينا ،فالمخاطب بهذه اآلية نبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم عيان ،فإنه صاحب الكشف حيث يرى ما ال نرى« أ َ َّن َّ َ
ّللا وهو لمحمد صلهى ه
ض »وهذا تسبيح فطري ذاتي عن تجل إلهي ،فانبعثوا إلى ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ س ِبه ُح لَهُ َم ْن فِي ال َّ يُ َ
ّللا فيها« َو َّ
الطي ُْر الثناء عليه من غير تكليف بل اقتضاء ذاتي ،وهي العبادة الذاتية التي أقامهم ه
ّللا وإياك أن البهائم أمم من جملة األمم ،لها تسبيحات تخص كل جنس ت »اعلم أيدنا ه صافَّا ٍ
َ
وصالة مثل ما لغيرها من المخلوقات ؛ فتسبيحهم ما يعلمونه من تنزيه خالقهم ،وأما صالتهم
ّللا ويسمعه من فلهم مع الحق مناجاة خاصة ،فكل شيء من المخلوقات له كالم يخصه يعلمه ه
ّللا سمعه إلدراكه ،وجميع ما يظهر من الحيوان من الحركات والصنائع التي ال تظهر إال فتح ه
من ذي عقل وفكر وروية ،وما يرى في ذلك من األوزان تدل على أن لهم علما في أنفسهم
بذلك كله ،ثم نرى منهم أمورا تد هل على أنهم ما لهم ما لإلنسان من التدبير العام ،فتعارضت
عند الناظرين في أمرهم األمور ،فانبهم أمرهم ،وربما سموا لذلك بهائم من إبهام األمر ،وما
أتي على من أتي عليه إال من عدم الكشف ،لذلك فال يعرفون من المخلوقات إال قدر ما
ّللا كل » أي كل يشاهدون منهم ،فالحيوانات كلها عندنا ذوات أرواح وعقول تعقل عن ه
صالتَهُ » ع ِل َم َهؤالء« قَ ْد َ
ّللا عليه بنفس وجوده ّللا من قوله صالته ،أي صالة ه -الوجه األول -الضمير يعود على ه
ورحمته به في ذلك
ّللا من جميع المخلوقات :ملك وإنسان -الوجه الثاني -الصالة تضاف إلى كل ما سوى ه
ّللا الصالة في هذه اآلية وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعيهنت له ،فأضاف ه
إلى الكل« ت َ ْس ِبي َحهُ »الضمير يعود في تسبيحه على « كل » أي ما يسبح ربه به وهو صالته
له ،والتسبيح في لسان العرب الصالة .
ّللا بن عمر وهو من العرب -وكان ال يتنفل في السفر -فقيل له في ذلك ،فقال : قال عبد ه
س ْب ُع َو ْاأل َ ْر ُ
ض َو َم ْن فِي ِه َّن ) ( َو ِإ ْن س ِبه ُح لَهُ ال َّ
سماواتُ ال َّ لو كنت مسبحا أتممت ؛ وقال تعالى (:ت ُ َ
ش ْيءٍ ِإ َّال يُ َ
س ِبه ُح ِب َح ْم ِد ِه ) ِم ْن َ
ّللا ما خلق األشياء من أجل األشياء ،وإنما خلقها ليسبحه كل جنس من -الوجه الثالث -إن ه
الممكنات بما يليق به من صالة وتسبيح ،لتسري عظمته في جميع األكوان وأجناس الممكنات
وأنواعها وأشخاصها ،فالكل له تعالى ملك ،
ّللا تعالى خلق األشياء له ال لنا ،وأعطى كل شيء خلقه ،وبإعادة الضمير ولذلك نقول :إن ه
ّللا وصف الحق نفسه بالصالة ،وما وصف نفسه بالتسبيح ،فع هم بهذه اآلية في صالته على ه
ص 227
227
ّللا هي رحمته .
العالم األعلى واألسفل وما بينهما برحمته ،فإن صالة ه
ص 228
228
[ سورة النور ( : ) 24آية ] 45
شي عَلى ِرجْ لَ ْي ِن َو ِم ْن ُه ْم شي عَلى بَ ْط ِن ِه َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْم ِ ماء فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْم ِ
ق ُك هل دَابه ٍة ِم ْن ٍ ّللاُ َخلَ َ َو ه
ِير ( ) 45 ش ْي ٍء قَد ٌ ّللا عَلى ُك ِ ّل َ ّللاُ ما يَشا ُء إِ هن ه َ ق ه شي عَلى أ َ ْربَ ٍع يَ ْخلُ ُ َم ْن يَ ْم ِ
ِير »ال على ما ليس ش ْيءٍ قَد ٌ على ُك ِهل َ ّللا َ طنِ ِه »وهي الحيهات« ِإ َّن َّ َ على بَ ْ « فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْم ِشي َ
بشيء ،فإن ال شيء ،ال يقبل الشيئية ،إذ لو قبلها ما كانت حقيقته ال شيء ،وال يخرج معلوم
عن حقيقته ،فال شيء محكوم عليه بأنه ال شيء أبدا ،وما هو شيء ،محكوم عليه بأنه شيء
شيْئا ً )قال له (: ّللا تعالى فيها ِ (:إذا أَرا َد َ أبدا ،ومن هنا تعلم شيئية األعيان الثبوتية التي قال ه
ُك ْن فَيَ ُك ُ
ون ).
ص 229
229
سولُهُ " الحيف ميل إلى عدم الحق .
علَ ْي ِه ْم َو َر ُ
ّللاُ َ " أ َ ْم يَخافُونَ أ َ ْن يَ ِح َ
يف َّ
ص 230
230
[ أول درجات التكليف ]
أول درجات التكليف إذا كان سبع سنين إلى أن يبلغ الحلم ،والبلوغ بالسن أو اإلنبات أو الحلم
ّللا خلقه كامال
للعاقل ،فيجب التكليف على العاقل إذا بلغ .واعلم أن الروح اإلنساني لما خلقه ه
ّللا الناس عليها ،
ّللا مقرا بربوبيته ،وهو الفطرة التي فطر ه
بالغا عاقال عارفا مؤمنا بتوحيد ه
ّللا له ملكا واستوى عليه ،جعل فيه قوى وآالت ّللا تعالى جعل له في الجسم الذي جعله ه
ثم إن ه
حسية ومعنوية ،وقيل له :خذ العلوم منها وصرفها على حد كذا وكذا ،
وجعلت له هذه اآلالت على مراتب ،فالقوى المعنوية كلها قوى كاملة إال قوة الخيال ،فإنها
خلقت ضعيفة والقوة الحساسة ،وجعلت هاتان القوتان تابعة للجسم ،
فكلما نما الجسم وكبر وزادت كميته كلما تقوى حسه وخياله ،فلم تكن لطيفة اإلنسان من حيث
ذاتها مدركة لما تعطيها هذه القوى إال بوساطتها ،فلو اتفق أن تعطيها هذه القوى المعلومات
ّللا قد
من أول ما يظهر الولد في عالم الحس قبلها الروح اإلنساني قبوال ذاتيا ،أال ترى أن ه
خرق العادة في بعض الناس في ذلك ؟ مثل كالم عيسى في المهد وصبي جريج ،هذا سبب
ّللا ،فلم
تأخير التكليف عن الروح اإلنساني إلى الحلم الذي هو حد كمال هذه القوى في علم ه
يبق عند ذلك عذر للروح اإلنساني في التخلف عن النظر والعمل بما كلفه ربه ،لذا قال تعالى
:
ص 231
231
ّللا العبد إذا دخل بيتا خاليا من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله تعالى «:فَإِذا َدخ َْلت ُ ْم أمر ه
على أ َ ْنفُ ِس ُك ْم »فيكون العبد هنا مترجما عن الحق في سالمه ،ألنه قال «:ت َ ِحيَّةً س ِله ُموا َ
بُيُوتا ً فَ َ
بار َكةً »فجعل الحق العبد رسوال من عنده إلى نفس العبد بهذه التحية المباركة لما ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ّللا ُم َ
ط ِيهبَةً »ألنها طيبة األعراف بسريانها من نفس الرحمن ،فأمرنا ه
ّللا فيها من زوائد الخير« َ
تعالى بالسالم علينا ،وهذا يدلك على أن اإلنسان ينبغي أن يكون في صالته أجنبيا عن نفسه
ّللا الصالحين بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكالم ربه في قوله ( :السالم علينا وعلى عباد ه
ّللا على عبده وأنت ترجمانه إليك ط ِيهبَةً »فهو سالم ه
بار َكةً َ ) فإنه قال «:ت َ ِحيَّةً ِم ْن ِع ْن ِد َّ ِ
ّللا ُم َ
[ -إشارة -المئوف ال حرج عليه ]
ّللا عين بصيرته ، -إشارة -المئوف ال حرج عليه ،والعالم كله مئوف ال حرج عليه لمن فتح ه
علَى ْاألَعْمى َح َر ٌج ولهذا قلنا :مآل العالم إلى الرحمة وإن سكنوا النار وكانوا من أهلها« لَي َ
ْس َ
يض َح َر ٌج »وما ث هم إال هؤالء ،فما ث هم إال مئوف ،فقد علَى ْال َم ِر ِ ج َح َر ٌج َوال َ علَى ْاألَع َْر ِ َوال َ
ّللا الحرج بالعرج العاثر فيه ،فإنه ما ث هم سواه وال أنت ،والمريض المائل إليه ،ألنه ما رفع ه
ث هم موجود يمال إليه إال هو ،واألعمى عن غيره ال عنه ،ألنه ال يتمكن العمى عنه وما ث هم إال
هو ،فالعالم كله أعمى أعرج مريض .
232
) ( 25سورة الفرقان مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ ّللا ّ بسم ّ
[ سورة الفرقان ( : ) 25آية ] 1
يم
الر ِح ِ
من ه الرحْ ِ ّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
ُون ِل ْلعالَ ِم َ
ين نَذِيرا ( ) 1 ع ْب ِد ِه ِليَك َ باركَ الهذِي نَ هز َل ا ْلفُ ْر َ
قان عَلى َ تَ َ
ّللا أنزل الكتاب فرقانا في ليلة القدر ،ليلة النصف من شعبان ] ، [ اعلم أن ه
ّللا أنزل الكتاب فرقانا في ليلة القدر ،ليلة النصف من شعبان ،وأنزله قرآنا في شهر اعلم أن ه
رمضان ،كل ذلك إلى السماء الدنيا ،ومن هناك نزل في ثالث وعشرين سنة فرقانا نجوما ذا
آيات وسور ،لتعلم المنازل ،وتتبين المراتب ،فمن نزوله إلى األرض في شهر شعبان يتلى
فرقانا ،ومن نزوله في شهر رمضان يتلى قرآنا .
ص 233
233
ثم النفس وهو اللوح المحفوظ ،ثم الجسم ،ثم العرش ومقره وهو الماء الجامد والهواء
والظلمة ،ثم مالئكته ،ثم الكرسي ،ثم مالئكته ،ثم األطلس ،ثم مالئكته ،ثم فلك المنازل ،
ثم الجنات بما فيها ،ثم ما يختص بها وبهذا الفلك من الكواكب ،ثم األرض ،ثم الماء ،ثم
الهواء العنصري ،ثم النار ،ثم الدخان وفتق فيه سبع سماوات :
سماء القمر ،وسماء الكاتب ،وسماء الزهرة ،وسماء الشمس ،وسماء األحمر ،وسماء
المشتري ،وسماء المقاتل ،ثم أفالكها المخلوقون منها ،ثم مالئكة النار والماء والهواء
واألرض ،ثم المولدات المعدن والنبات والحيوان ،
ثم نشأة جسد اإلنسان ،ثم ما ظهر من أشخاص كل نوع من الحيوان والنبات والمعدن ،
ثم الصور المخلوقات من أعمال المكلفين وهي آخر نوع ،هذا ترتيبه بالظهور في اإليجاد .
وأما ترتيبه بالمكان الوجودي أو المتوهم ،فالمكان المتوهم المعقوالت التي ذكرناها إلى الجسم
الكل ،ثم العرش ،ثم الكرسي ،ثم األطلس ،ثم المكوكب -وفيه الجنات -ثم سماء زحل ،
ثم سماء المشتري ،ثم سماء المريخ ،ثم سماء الشمس ،ثم سماء الزهرة ،ثم سماء الكاتب ،
ثم سماء القمر ،ثم األثير ،ثم الهواء ،ثم الماء ،ثم األرض .
وأما ترتيبه بالمكانة :
فاإلنسان الكامل ،ثم العقل األول ،ثم األرواح المهيمة ،ثم النفس ،ثم العرش ،ثم الكرسي ،
ثم األطلس ،ثم الكثيب ،ثم الوسيلة ،ثم عدن ،ثم الفردوس ،ثم دار السالم ،ثم دار المقامة ،
ثم المأوى ،ثم الخلد ،ثم النعيم ،ثم فلك المنازل ،ثم البيت المعمور ،ثم سماء الشمس ،ثم
القمر ،ثم المشتري ،ثم زحل ،ثم الزهرة ،ثم الكاتب ،ثم المريخ ،ثم الهواء ،ثم الماء ،ثم
التراب ،ثم النار ،ثم الحيوان ،ثم النبات ،ثم المعدن .
وفي الناس :الرسل ،ثم األنبياء ،ثم األولياء ،ثم المؤمنون ،ثم سائر الخلق .
ّللا عليه وسلم ،ثم أمة موسى عليه السالم ،ثم األمم على منازل وفي األمم :أمة محمد صلهى ه
رسلها ،فنقول بعد هذا اإليجاز :إنه لما شاء سبحانه أن يوجد األشياء من غير موجود ،وأن
يبرزها في أعيانها بما تقتضيه من الرسوم والحدود ،لظهور سلطان األعراض والخواص
والفصول واألنواع واألجناس ،الدافعين شبه الشكوك ،والرافعين حجب االلتباس ،بوسائط
العبارات الشارحة ،والصفات الرسمية والذاتية ،النيرة النبراس ،انجلى في صورة العلم
صور الجواهر المتماثالت واألعراض المختلفات والمتماثالت والمتقابالت ،وفصل بين هذه
الذوات بين المتحيزات منها وغير المتحيزات ،كما انجلى في ذوات األعراض والجواهر
صور الهيئات والحاالت ،بالكيفيات وصور المقادير واألوزان المتصالت
ص 234
234
والمنفصالت بالكميات ،وصور األدوار والحركات الزمانيات ،وصور األقطار واألكوار
المكانيات ،والصور الحافظات الماسكات نظام العالم ،الحامالت أسباب المناقب والمثالب
العرضيات ،وأسباب المدائح أو المذام الشرعيات ،وأسباب الصالح والفساد الوضعيات
الحكميات ،وصور اإلضافات بين المالك والمملوك ،واآلباء واألبناء والبنات ،وصور
التمليك بالعبيد واإلماء الخارجات ،والحسن والجمال والعلم وأمثال ذلك الداخالت ،وصور
التوجهات الفعلية القائمة بالفاعالت ،وصور المنفعالت التي هي بالفعل والفاعالت مرتبطات ،
جالها بالشمس وضحاها والقمر إذا تالها ،والنهار إذا ه
جالها والليل إذا يغشاها ، وقال عندما ه
والسماء وما بناها ،واألرض وما طحاها .
هذه حقائق اآلباء العلويات ،واألمهات السفليات ،ولها البقاء باإلبقاء ،مع استمرار التكوينات
والتلوينات بالتغيير واالستحاالت ،ليثبت عندها علم ما هي الحضرة اإللهية عليه من العزة
والثبات ،فهذا هو الذي أبرز سبحانه من المعلومات ،وال يجوز غير ذلك فإنه لم يبق سوى
الواجبات والمحاالت .
فأول موجود أداره سبحانه فلك اإلشارات إدارة إحاطة معنوية ،وهو أول األفالك الممكنات
المحدثات المعقوالت ،وأول صورة ظهر في هذا الفلك العمائي صور الروحانيات المهيمات ،
الذي منها القلم اإللهي الكاتب العالم في الرساالت ،وهو العقل األول الفياض في الحكميات
واإلنباءات ،وهو الحقيقة المحمدية ،والحق المخلوق به ،والعدل ،عند أهل اللطائف
واإلشارات ،وهو الروح القدسي الكل ،عند أهل الكشوف والتلويحات ،فجعله عالما حافظا
باقيا تاما كامال فياضا كاتبا من دواة العلم ،تحركه يمين القدرة عن سلطان اإلرادة والعلوم
الجاريات إلى نهايات ،وهو مستوى األسماء اإللهيات .
ثم أدار معدن فلك النفوس دون هذا الفلك وهو اللوح المحفوظ في النبوات ،وهو النفس
المنفعلة عند أصحاب اإلدراكات واإلشارات والمكاشفات ،فجعلها باقية تامة غير كاملة
وفائضة غير مفيضة فيض العقل ،فهي في محل القصور والعجز عن بلوغ الغايات ،ثم أوجد
الهباء في الكشف ،والهيولى في النظر ،والطبيعة في األذهان ،ال في األعيان ،فأول صورة
أظهر في ذلك الهباء صور األبعاد الثالثة فكان المكان ،فوجه عليه سبحانه سلطان األربعة
األركان ،فظهرت البروج الناريات والترابيات والهوائيات والمائيات ،فتميزت األكوان ،
وسمى هذا الجسم الشفاف اللطيف المستدير المحيط بأجسام العالم ،العرش العظيم الكريم ،
ص 235
235
واستوى عليه باسمه الرحمن ،استواء منزها عن الحد والمقدار ،معلوما عنده غير مكيف وال
معلوم للعقول واألذهان ،ثم أدار سبحانه في جوف هذا الفلك األول فلكا ثانيا ،سماه الكرسي ،
فتدلت إليه القدمان ،فانفرق فيه كل أمر حكيم بتقدير عزيز عليم ،وعنده أوجد الخيرات
الحسان ،والمقصورات في خيام الجنان ،ثم رتب فيه منازل األمور كلها ،وأحكمها في
روحانيات سخرها وح هكمها بالتأثيرات السبعية من ألف إلى ساعة عن اختالف الملوان ،وجعل
هذه المنازل بين وسط ممزوج ،وطرفي سعد مستقر ،ونحس مستمر ،بنزول المقدر المفرد
اإلنسان ،ثم أدار سبحانه في جوف هذا الفلك الثاني فلكا ثالثا ،وخلق فيه كوكبا سابحا من
الخنس الكنس ،مسخرا فقيرا ،أودع لديه كل أسود حالك ،وقرن به ضيق المسالك ،والوعر
والحزن والكرب والحزن وحسرات الفوت ،وسكرات الموت ،وأسرار الظلمات ،والمفازات
المهلكات ،واألشجار المثمرات ،واألفاعي والحيات ،والحيوانات المضرات ،والحرات
الموحشات ،والطرق الدارسات ،والعنا والمشقات ،وخلق عند مساعدته النفس الكلية الجبال
،لتسكين األرضين المدحيات ،وأسكن في هذا الفلك روحانية خليله إبراهيم عليه السالم ،
عبده ورسوله .
ثم أدار في جوف هذا الفلك فلكا رابعا ،خلق فيه كوكبا سابحا من الخنس الكنس ،أودع لديه
النخل الباسقات ،والعدل في القضايا والحكومات ،وأسباب الخير والسعادات ،والبيض
الحسان المنعمات ،واالعتداالت والتمامات ،وأسرار العبادات والقربات ،والصدقات
البرهانيات ،والصلوات النوريات ،وإجابة الدعوات ،والناظرين إلى الواقفين بعرفات ،
وقبول النسك بموضع رمي الجمرات ،وخلق عند مساعدته النفس الكلية تحليل المياه الجامدات
،وأسكن في هذا الفلك روحانية نبيه موسى عليه السالم عبده ونجيه .ثم أدار في جوف هذا
الفلك فلكا خامسا ،خلق فيه كوكبا سابحا من الخنس الكنس ،أودع لديه حماية المذاهب
بالقواضب المرهفات ،والموازن السمهريات ،وتجميز قدور راسيات ،وملء جفون
كالجوابي المستديرات ،والتعصبات والحميات ،وإيقاع الفتن والحروب بين أهل الهدايات
والضالالت ،وتقابل الشبه المضالت ،واألدلة الواضحات بين أهل العقول السليمة والتخيالت
،وخلق عند مساعدته النفس الكل لتلطيف األهوية السخيفات ،وأسكن في هذا الفلك روح
رسوليه هارون ويحيى عليهما السالم موضحي سبيليه .ثم أدار في جوف هذا الفلك فلكا
سادسا ،
ص 236
236
خلق فيه كوكبا عظيما مشرقا سابحا ،وأودع لديه أسرار الروحانيات ،واألنوار المشرقات ،
والضياءات الالمعات ،والبروق الخاطفات ،والشعاعات النيرات ،واألجساد المستنيرات ،
والمراتب الكامالت ،واالستواءات المعتدالت ،والمعارف اللؤلؤيات واليواقيت العاليات ،
والجمع بين األنوار واألسرار الساريات ،ومعالم التأسيسات ،وأنفاس النور الجاريات ،وخلع
األرواح المدبرات ،وإيضاح األمور المبهمات ،وحل المسائل المشكالت ،وحسن إيقاع
السماع في النغمات ،وتوالي الواردات ،وترادف التنزالت الغيبيات ،وارتقاء المعاني
الروحانيات ،إلى أوج االنتهاءات ،ودفع العلل بالعالالت النافعات ،والكلمات المستحسنات ،
واألعراف العطريات ،وأمثال ذلك مما يطول ذكره ،وخلق عند مساعدته النفس الكل تحريك
الفلك األثير لتسخين العالم بهذه الحركات ،وأسكن في هذا الفلك إدريس النبي ،المخصوص
بالمكان العلي .
ثم أدار في جوف هذا الفلك فلكا سابعا خلق فيه كوكبا سابحا من الخنس الكنس ،أودع لديه
التصوير التام ،وحسن النظام ،والسماع الشهي ،والمنظر الرائق البهي ،والهيبة والجمال ،
واالنس والجالل ،وخلق عند مساعدته النفس الكل تقطير ماء رطب في كل ركن البخارات ،
وأسكن في هذا الفلك روحانية النبي الجميل يوسف عليه السالم .ثم أدار في جوف هذا الفلك
فلكا ثامنا ،خلق فيه كوكبا سابحا من الخنس الكنس ،أودع لديه األوهام واإليهام ،والوحي
واإللهام ،ومهالك اآلراء الفاسدة والقياسات ،واألحالم الرديئة والمبشرات ،واالختراعات
الصناعيات واالستنباطات العمليات ،وما في األفكار من الغلطات واإلصابات ،والقوى
الفاعالت والوهميات ،والزجر والكهانات والفراسات ،والسحر والعزائم والطلسميات ،وخلق
عند مساعدته النفس الكل مزج البخارات الرطبة بالبخارات اليابسات ،وأسكن في هذا الفلك
روحانية روحه وكلمته عيسى عليه السالم عبده ورسوله وابن أمته .ثم أدار في جوف هذا
ّللا لديه الزيادة والنقصان ،والربو الفلك فلكا آخر تاسعا خلق فيه كوكبا سابحا أودع ه
واالستحاالت باالضمحالالت ،وخلق عند مساعدته النفس الكل إمداد المولدات بركن
العصارات ،وأسكن في هذا الفلك روحانية نبيه آدم عليه السالم عبده ورسوله وصفيه ،
وأسكن هذه األفالك المستديرات أصناف المالئكة الصافات التاليات ،فمنها القائمات والقاعدات
،ومنها الراكعات والساجدات ،كما قال تعالى إخبارا عنهم ( َوما ِمنَّا إِ َّال لَهُ َمقا ٌم
ص 237
237
َم ْعلُو ٌم )فهم عمار السماوات ،وجعل منهم األرواح المطهرات ،المعتكفين بأشرف الحضرات
ّللا من التكوينات ،فوكل باألرجاء
،وجعل منهم المالئكة المسخرات ،والوكالء على ما يخلقه ه
الزاجرات واألنباء المرسالت ،وباإللهام واللمات الملقيات ،وبالتفصيل والتصوير والترتيب
المقسمات ،وبالترغيب والترحيب الناشرات ،وبالترهيب الناشطات ،والتشتيت النازعات ،
وبالسوق السابحات ،وباالعتناء السابقات ،وباألحكام المدبرات .
ثم أدار في جوف هذا الفلك كرة األثير ،أودع فيها رجوم المسترقات الطارقات ،ثم جعل دونه
وموج فيه
كرة الهواء أجرى فيه الذاريات العاصفات ،السابقات الحامالت المعصرات ،ه
البحور الزاخرات الكائنات من البخارات المستحيالت ،ويسمى دائرة كرة الزمهرير ،تتعلم
منه صناعة التقطير ،وأمسك في هذه الكرة أرواح األجسام الطائرات ،وأظهر في هاتين
الكرتين الرعود القاصفات ،والبروق الخاطفات ،والصواعق المهلكات ،واألحجار القاتالت
،والجبال الشامخات ،واألرواح الناريات الصاعدات النازالت ،والمياه الجامدات .ثم أدار
في جوف هذه الكرة كرة أودع فيها سبحانه ما أخبرنا به في اآليات البينات ،من أسرار إحياء
الموات ،وأجرى فيها األعالم الجاريات ،وأسكنها الحيوانات الصامتات ،ثم أدار في جوفها
كرة أخرى أودع فيها ضروب التكوينات من المعادن والنباتات والحيوانات ،فأما المعادن
عز وجل ثالث طبقات :منها المائيات والترابيات والحجريات ،وكذلك النبات :منها فجعلها ه
النابتات والمغروسات والمزروعات ،
وكذلك الحيوانات :منها المولدات المرضعات والحاضنات والمعفنات ،ثم كون اإلنسان
مضاهيا لجميع ما ذكرناه من المحدثات ،ثم وهبه معالم األسماء والصفات ،فمهدت له هذه
المخلوقات المعجزات ،ولهذا كان آخر الموجدات ،فمن روحانيته صح له سر األولية في
البدايات ،ومن جسميته صح له اآلخرية في الغايات ،فبه بدأ األمر وختم ،إظهارا للعنايات
وأقامه خليفة في األرض ،ألن فيها ما في السماوات ،وأيده باآليات والعالمات والدالالت
ّللا به
والمعجزات ،واختصه بأصناف الكرامات ،ونصب به القضايا المشروعات ،ليميز ه
الخبيثات من الطيبات ،فيلحق الخبيث بالشقاوات في الدركات ،ويلحق الطيب بالسعادات في
الدرجات ،كما سبق في القبضتين اللتين هما صفتان للذات ،فسبحان مبدئ هذه اآليات ،
وناصب هذه الدالالت ،على أنه واحد قهار األرض والسماوات.
ص 238
238
[ سورة الفرقان ( : ) 25آية ] 3
ض ًّرا َوال نَ ْفعا َوال ُون ِأل َ ْنفُ ِ
س ِه ْم َ ش ْيئا َو ُه ْم يُ ْخلَقُ َ
ون َوال يَ ْم ِلك َ ون ََوات ه َخذُوا ِم ْن دُو ِن ِه آ ِل َهة ال يَ ْخلُقُ َ
ُون َم ْوتا َوال َحياة َوال نُشُورا ) ( 3 يَ ْم ِلك َ
من اتخذ إلها من غير دعوى منه ،بل هو في نفسه عبد ،غير راض بما نسب إليه ،وعاجز
عن إزالة ما ادعي فيه ،فإنه مظلوم حيث سلب عنه هذا المدعي ما يستحقه ،وهو كونه عبدا ،
ّللا له ال لنفسه ،فاتخاذ الشريك من مظالم العباد . فظلمه فينتصر ه
ص 239
239
ع ْوا ُهنا ِل َك ثُبُورا ً »فإن النفوس تكون " َو ِإذا أ ُ ْلقُوا ِم ْنها »يعني من جهنم« َمكانا ً َ
ض ِيهقا ً ُمقَ َّر ِنينَ َد َ
في أشد ألم ،وأضيق حبس ،إذا شقيت وحبست في المكان الضيق ،ألن األرواح من عالم
السعة واالنفساح باألصل ،فإذا انحصرت في هذا العالم الضيق بما اكتسبت كان الضيق عليها
أشد عذابا ،فإن الضيق نقيض الرحمة .والثبور الهالك .
240
[ سورة الفرقان ( : ) 25اآليات 20إلى ] 23
ض ُك ْم واق َو َجعَ ْلنا بَ ْع َ س ِ ُون ِفي ْاأل َ ْ
طعا َم َويَ ْمش َ ون ال ه ين ِإاله ِإنه ُه ْم لَيَأ ْ ُكلُ َ
س ِل َس ْلنا قَ ْبلَكَ ِم َن ا ْل ُم ْر ََوما أ َ ْر َ
ون ِلقا َءنا لَ ْو ال أ ُ ْن ِز َل كان َربُّكَ بَ ِصيرا ( َ ) 20وقا َل الهذ َ
ِين ال يَ ْر ُج َ ون َو َ صبِ ُر َ ض فِتْنَة أ َ ت َ ْ ِلبَ ْع ٍ
عت ُ ًّوا َكبِيرا ( ) 21يَ ْو َم يَ َر ْو َن عت َ ْوا ُ ست َ ْكبَ ُروا فِي أ َ ْنفُ ِ
س ِه ْم َو َ علَ ْينَا ا ْل َمالئِكَةُ أ َ ْو نَرى َربهنا لَقَ ِد ا ْ َ
ون ِحجْ را َمحْ ُجورا ) َ ( 22وقَد ِْمنا ِإلى ما ع َِملُوا ِم ْن ين َويَقُولُ َ ا ْل َمالئِكَةَ ال بُشْرى يَ ْو َمئِ ٍذ ِل ْل ُمجْ ِر ِم َ
ع َم ٍل فَ َجعَ ْلناهُ َهباء َم ْنثُورا ) ( 23 َ
ّللا ؟ّللا :أين ما أعطي لغير ه فمن الغيرة اإللهية أن الناس ينادي مناد فيهم من قبل ه
فيؤتى باألموال الجسام ،والعقار واألمالك ،ثم يقال :أين ما أعطي لوجهي ؟
فيؤتى بالكسر اليابسة ،والفلوس وقطع الفضة المحقرة ،والخليع من الثياب ،فغار الحق لذلك
أن يعطى لوجهه من نعمته مثل ذلك ،فأخذ الصدقة بيده ورباها حتى صارت مثل جبل أحد
ّللا ،فيجعله هباء أكبر ما يكون ،فيظهرها له على رؤوس األشهاد ،ويحقر ما أعطي لغير ه
منثورا .
ص 241
241
ّللا للقضاء والفصل بين عباده يوم القيامة في تجلي القهر وهو إتيانهم في ذلك الغمام إلتيان ه
والرحمة .
[ سورة الفرقان ( : ) 25اآليات 26إلى ] 27
ض ال ه
ظا ِل ُم عَلى سيرا ( َ ) 26ويَ ْو َم يَعَ ُّ
ع ِ علَى ا ْلكافِ ِر َ
ين َ من َو َ
كان يَ ْوما َ لرحْ ِ
ق ِل ها ْل ُم ْلكُ يَ ْو َمئِ ٍذ ا ْل َح ُّ
س ِبيال ( 27 ). سو ِل َ يَ َد ْي ِه يَقُو ُل يا لَ ْيتَنِي ات ه َخ ْذتُ َم َع ه
الر ُ
ظا ِل ُم عَلى يَ َد ْي ِه " وهم الكفار المقلدة ض ال ه " َويَ ْو َم يَعَ ُّ
س ِبيال »
سو ِل َ "يَقُو ُل " القائل منهم « يا لَ ْيت َ ِني ات ه َخ ْذتُ َم َع ه
الر ُ
فإنه قد زالت العداوة العرضية ،فهم الذين بلغتهم دعوة الرسل عليهم السالم فردوها ولم
يعملوا بها .
ص 242
242
ِين َكذهبُوا ِبآيا ِتنا فَ َد هم ْرنا ُه ْم
اذ َهبا ِإلَى ا ْلقَ ْو ِم الهذ َ ون َو ِزيرا ( ) 35فَقُ ْلنَا ْ هار َ َو َجعَ ْلنا َمعَهُ أَخا ُه ُ
ظا ِل ِم َ
ين اس آيَة َوأ َ ْعتَدْنا ِلل ه س َل أ َ ْغ َر ْقنا ُه ْم َو َجعَ ْلنا ُه ْم ِللنه ِ تَد ِْميرا ( َ ) 36وقَ ْو َم نُوحٍ لَ هما َكذهبُوا ُّ
الر ُ
ض َر ْبنا س َوقُ ُرونا بَ ْي َن ذ ِلكَ َكثِيرا ( َ ) 38و ُكالًّ َ الر ِ ّ
ْحاب ه عَذابا أ َ ِليما ( َ ) 37وعادا َوث َ ُمو َد َوأَص َ
لَهُ ْاأل َ ْمثا َل َو ُكالًّ تَبه ْرنا تَتْبِيرا ) ( 39
س ْو ِء أ َ فَلَ ْم يَكُونُوا يَ َر ْونَها بَ ْل كانُوا ال يَ ْر ُج َ
ون َولَقَ ْد أَت َ ْوا َ
علَى ا ْلقَ ْريَ ِة الهتِي أ ُ ْم ِط َرتْ َم َط َر ال ه
سوال ( ِ ) 41إ ْن كا َد ّللاُ َر ُ
ث ه نُشُورا ) َ ( 40و ِإذا َرأ َ ْوكَ ِإ ْن يَت ه ِخذُونَكَ ِإاله ُه ُزوا أ َ هذَا الهذِي بَعَ َ
س ِبيال ( ض ُّل َ ذاب َم ْن أ َ َ
ين يَ َر ْو َن ا ْلعَ َ ون ِح َ ف يَ ْعلَ ُم َ س ْو َ علَ ْيها َو َ لَيُ ِضلُّنا ع َْن آ ِل َه ِتنا لَ ْو ال أ َ ْن َ
صبَ ْرنا َ
علَ ْي ِه َو ِكيال) ( 43 ُون َ ) 42أ َ َرأ َ ْيتَ َم ِن ات ه َخذَ إِل َههُ َهواهُ أ َ فَأ َ ْنتَ تَك ُ
راجع الجاثية آية . 23
عبد الهوى آبق عن ملك مواله *** وليس يخرج عنه فهو تياه
الحر من ملك األكوان أجمعها *** وليس يملكه مال وال جاهه
لما كان الهواء إذا تحرك أقوى المؤثرات الطبيعية في األجسام واألرواح ،لم يكن ث هم أقوى من
ّللا فيه ،
الهواء إال اإلنسان ،حيث يقدر على قمع هواه بعقله الذي أوجده ه
فيظهر عقله في حكمه على هواه ،فإنه لقوة الصورة التي خلق عليها ،الرئاسة له ذاتية ،
ولكونه ممكنا الفقر والذلة له ذاتية ،فإذا غلهب فقره على رئاسته ،فظهر بعبوديته ولم يظهر
لربوبية الصورة فيه أثر ،لم يكن مخلوق أشد منه .
ّللا األرضّللا عليه وسلم قال [ :لما خلق هورد في الخبر عن أنس بن مالك عن النبي صلهى ه
جعلت تميد ،فخلق الجبال فقال بها عليها فاستقرت ،فعجبت المالئكة فقالوا :يا رب هل من
خلقك شيء أشد من الجبال ؟
قال :نعم الحديد ،فقالوا :يا رب
ص 243
243
فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟
قال :نعم النار ،قالوا :يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟
قال :نعم الماء ،قالوا :يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟
قال :نعم الريح ،قالوا :يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟
ّللا من القوة النافذة للهوى ما
قال :ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله [ فأعطى ه
ّللا تعالى ،
يظهر بها على أكثر العقول إال أن يعصم ه
فإن الهوى يقول :أنا اإلله المعبود عند كل موجود ،فإنه يعرض عن العقل وما جاء به النقل ،
وتتبعه الشياطين والشهوة .
244
ْف َم َّد ِ ه
الظ َّل » ] [ " أ َ لَ ْم ت َ َر ِإلى َر ِبه َك َكي َ
الظ َّل »قبض الظل ومدهه من اللطف ما إذا فكر فيه اإلنسان رأى ْف َم َّد ِ ه« أ َ لَ ْم ت َ َر ِإلى َر ِبه َك َكي َ
ّللا دليال على معرفته . عظيم أمر ،ولهذا نصبه ه
الظ َّل »فال يدرك البصر عين امتداده حاال بعد حال ،فإنه ال ْف َم َّد ِ ه
فقال« أ َ لَ ْم ت َ َر ِإلى َر ِبه َك َكي َ
يشهد له حركة مع شهود انتقاله ،فهو عنده متحرك ال متحرك ،وكذلك في فيئه
وهو قوله« ث ُ َّم قَبَضْناهُ ِإلَيْنا قَبْضا ً يَ ِسيرا ً » فمنه خرج ،فإنه ال ينقبض إال إلى ما منه خرج ،
كذلك تشهده العين ،وقد قال تعالى وهو الصادق إنه قبضه إليه ،فعلمنا أن عين ما خرج منه
هو الحق ،ظهر بصورة خلق ،فيه ظل يبرزه إذا شاء ،ويقبضه إذا شاء لكن جعل الشمس
عليه دليال ولم يتعرض لتمام الداللة ،وهو كثافة الجسم الخارج الممتد عنه الظل ،فبالمجموع
كان امتداد الظل ،فهذا شمس ،وهذا جدار ،وهذا ظل ،وهذا حكم امتداد وقبض بفيء
ورجوع إلى ما منه بدأ فإليه عاد ،والعين واحدة ،
فهل يكون شيء ألطف من هذا ؟
فاألبصار وإن لم تدركه فما أدركت إال هو ،فإنه ما أحالنا إال على مشهود بقوله « أ َ لَ ْم ت َ َر ِإلى
الظ َّل »وما مده إال بشمس وذات كثيفة تحجب وصول نور الشمس إلى ما امتد ْف َم َّد ِ ه
َر ِبه َك َكي َ
عليه ظل هذه الذات ،وجهة خاصة ،ثم قبضه كذلك ،فهذه كيفية ما خاطبنا بها أن ننظر إليها
وما قال :فيها فكنا نصرف النظر تألقا إلى الفكر ،ولكن بأداة « إلى » أراد شهود البصر ،
وإن كانت األدوات يدخل بعضها في مكان بعض ،
ولكن ال يعرف ذلك إال بقرائن األحوال ،وهي إذا استحال أن يكون حكم هذه األداة بالوضع
في هذا الموضع ،
علمنا أنها بدل وعوض من أداة ما يستحقه ذلك الموضع ،وهذا معلوم في اللسان ،وبهذا
اللسان أنزل القرآن ،فال بد أن يجري به على ما تواطئوا عليه في لحنهم ،
فقرن الرؤية بـ « إلى » وجعل المرئي الكيف ،فلم يشهد هنا ذات الحق وهو يكيف مد الظل ،
وإنما رأينا مد الظالل عن األشخاص الكثيفة ،التي تحجب األنوار أن تنبسط على األماكن التي
تمتد فيها ظالل هذه األشخاص ،فعلمنا أن الرؤية في هذا الخطاب إنما متعلقها العلم بالكيف
المشهود الذي ذكرناه ،
ّللا سبحانه ال من غيره ،أي أنه لو أراد أن تكون األشخاص الكثيفة منصوبة ، وأن ذلك من ه
واألنوار في جهة منها بمنع تلك األشخاص انبساط النور على تلك األماكن فيسمى منعها ظالال
،أو يقبض تلك الظالل عن االنبساط على تلك األماكن وال يخلق فيها نورا آخر ،
وال ينبسط ذلك النور المحجوب على تلك األماكن لما قصرت إرادته عن ذلك ،كما قال تعالى
«:ث ُ َّم قَبَضْناهُ ِإلَيْنا قَبْضا ً يَ ِسيرا ً »وهو رجوع الظل
ص 245
245
إلى الشخص الممتد منه ببروز النور حتى يشهد ذلك المكان ،فجعل المقبوض إنما كان قبضه
ّللا ال إلى الجدار ،وفي الشاهد وما تراه العين أن سبب انقباض الظل وتشميره إلى جهة إلى ه
الشخص الكثيف إنما هو بروز النور ،
ّللا بضرب مثل الظل ،فأمرنا سبحانه بالنظر إليه ،والنظر إليه معرفته ، فهذه آية الداللة على ه
ولكن من حيث أنه مد الظل ،وهو إظهاره وجود عينك ،وما في المسائل اإللهية ما تقع فيها
الحيرة أكثر وال أعظم من مسئلة األفعال ،فما نظرت إليه من حيث أحدية ذاته في هذا المقام
وإنما نظرت إليه من حيث أحدية فعله في إيجادك في الداللة ،
وهذه اآلية دليل من قال بمنع تجليه سبحانه في األفعال ،أي في نسبة ظهور الكائنات
والمظاهر عن الذات التي تتكون عنها الكائنات ،
ض ) واألمر بينك وبين الحق في الوجود ت َو ْاأل َ ْر ِ وهو قوله تعالى ( :ما أ َ ْش َه ْدت ُ ُه ْم خ َْلقَ ال َّ
سماوا ِ
بين االقتدار اإللهي ،وبين القبول من الممكن ،فقبض الظل إليه ليعرفك بك وبنفسه ،ألنه ما
خرج الظل إال منك ،ولوال أنت لم يكن ظل ،ولوال الشمس أو النور لم يكن ظل ،
وكلما كثف الشخص تحققت أعيان الظالل ،فمهما ارتفع واحد من األمرين ،ارتفع الوجود
الحادث ،كذلك إذا ارتفع العين المشرق أو الجسم الكثيف الحائل عن نفوذ هذا اإلشراق فيه لما
حدث الظل ،
يال » الضمير في عليه يطلب الظل ألنه أقرب مذكور ، علَ ْي ِه َد ِل ً
س َ
ش ْم َ وقوله تعالى« ث ُ َّم َجعَ ْلنَا ال َّ
ّللا المثل في رؤيته يومويطلب االسم الرب ،وإعادته على الرب أوجه ،فإنه بالشمس ضرب ه
القيامة ،
ّللا عليه وسلم [ ترون ربكم كما ترون الشمس بالظهيرة ] فقال على لسان نبيه صلهى ه
أي وقت الظهر ،وأراد عند االستواء بقبض الظل في الشخص في ذلك الوقت لعموم النور
ذات الرائي ،وهو حال فنائه عن رؤية نفسه في مشاهدة ربه ،
ثم قال« ث ُ َّم قَبَضْناهُ ِإلَ ْينا قَبْضا ً يَ ِسيرا ً »وهو عند االستواء ،ثم عاد إلى مده بدلوك الشمس وهو
بعد الزوال ،ألنه في هذا الوقت تثبت له المعرفة بربه من حيث مده الظل ،
وهنا تكون إعادة الضمير من « عليه » على الرب أوجه ،فإنه عند الطلوع يعاين مد الظل ،
فينظر ما السبب في مده ؟
فيرى ذاته حائلة بين الظل والشمس ،فينظر إلى الشمس فيعرف في مده ظله ما للشمس في
ذلك من األثر ،فكان الظل على الشمس دليال في النظر ،وكان الشمس على مد الظل دليال في
األثر .
واعلم أن الممكنات التي أوجدها الحق تعالى هي لألعيان التي تتضمنها حضرة اإلمكان -
وهي برزخ بين حضرة الوجود المطلق والعدم المطلق -بمنزلة الظالالت لألجسام ،بل هي
الظالالت
ص 246
246
الحقيقية ،وهي التي وصفها الحق سبحانه بالسجود له مع سجود أعيانها ،فما زالت تلك
األعيان ساجدة له قبل وجودها ،فلما وجدت ظالالتها ،وجدت ساجدة هّلل تعالى ،لسجود
أعيانها التي وجدت عنها ،من سماء وأرض وشمس وقمر ونجم وجبال وشجر ودواب وكل
موجود ،
ثم لهذه الظالالت -التي ظهرت عن تلك األعيان الثابتة من حيث ما تكونت أجساما -ظالالت
،أوجدها الحق لها دالالت على معرفة نفسها من أين صدرت ،ثم أنها تمتد مع ميل النور
أكثر من حد الجسم الذي تظهر عنه إلى ما ال يدركه طوال ،ومع هذا ينسب إليه ،وهو تنبيه
أن العين التي في البرزخ التي وجدت عنها ال نهاية لها مما تتصف به من األحوال واألعراض
والصفات واألكوان ،
فهو عالم ال يتناهى وما له طرف ينتهي إليه ،فإنه الحضرة الفاصلة بين الوجود المطلق والعدم
المطلق ،وأنت بين هذين الظاللين ذو مقدار ،فأنت موجود عن حضرة ال مقدار لها ،ويظهر
عنك ظل ال مقدار له ،فامتداده يطلب تلك الحضرة البرزخية ،وتلك الحضرة البرزخية هي
ظل الوجود المطلق من االسم النور ،الذي ينطلق على وجوده ،فلهذا نسميها ظال ،ووجود
األعيان ظل ذلك الظل ،والظالالت المحسوسة ظالالت هذه الموجودات في الحس ،ولما كان
الظل في حكم الزوال ال في حكم الثبات ،
وكانت الممكنات وإن وجدت في حكم العدم ،سميت ظالالت ليفصل بينها وبين من له الثبات
المطلق في الوجود ،وهو واجب الوجود ،وبين من له الثبات المطلق في العدم وهو المحال ،
لتتميز المراتب ،فاألعيان الموجودات إذا ظهرت ففي هذا البرزخ هي فإنه ما ت هم حضرة
تخرج إليه ،ففيها تكتسب حالة الوجود ،والوجود فيها متناه ما حصل منه ،واإليجاد فيها ال
ّللا على دوام الخلق والتكوين ،وعلى العين الثابتة ثم ظهورها ينتهي ،فهذا مثل ضربه ه
للوجود :
انظر إلى نقص ظل الشخص فيه إذا *** ما الشمس تعلو فتفني ظله فيه
ذاك الدليل على تحريكه أبدا *** بدأ وفيئا وهذا القدر يكفيه
لو كان يسكن وقتا ما بدا أثر *** في الكون من كن وذاك الحكم من فيه
فالكون من نفس الرحمن ليس له *** أصل سواه فحكم القول يبديه
-اعتبار -ظلك على صورتك ،وأنت على الصورة ،فأنت ظل قام الدليل على أن التحريك
للحق ال لك ،كذلك التحريك لك ال للظل ،غير أنك تعترض
ص 247
247
فلم تعرف قدرك ،وظلك ال يعترض ،فيا من هو ظله أعلم بقدره منه متى تفلح ؟ ما مدهت
ّللا معك ،فأنت الظل وسيقبضك إليه ، الظالل لالستظالل ،وإنما مدهت لتكون سلهما إلى معرفة ه
فمن نظر إلى ظله عرف أن حكمه في الحركة والسكون من أصله ،فأراد الحق منك بهذه اآلية
أن تكون معه كظلك معك من عدم االعتراض عليه فيما يجريه عليك ،والتسليم والتفويض إليه
فيما تصرف فيك به ،وينبهك بذلك أن حركتك عين تحريكه ،وأن سكونك كذلك ،ما الظل
ّللا ،فإن األمر كما شاهدته فهو المؤثر فيك يحرك الشخص ،كذلك فلتكن مع ه
ّللا ]
[ اإلنسان الكامل هو ظل ه
ّللا ،وصورته في الغيبّللا في كل ما سوى ه -من باب اْلشارة -اإلنسان الكامل هو ظل ه
صورة الظل في الشخص الذي امتد عنه الظل ،أال ترى الشخص إذا امتد له ظل في األرض
،أليس له ظل في ذات الشخص الذي يقابله ذلك الظل الممتد ؟
فذلك الظل القائم بذات الشخص المقابل للظل الممتد ذلك هو األمر الذي بقي من اإلنسان ،
ّللا الممدود في الغيب ،ال يمكن خروجه أبدا وهو باطن الظل الممدود ،والظل الذي هو ظل ه
الممدود هو الظاهر ،فظاهر اإلنسان ما امتد من اإلنسان فظهر ،وباطنه ما لم يفارق الغيب
فال يعلم باطن اإلنسان أبدا ،وقبضه قبضا يسيرا عودته إلى غيبه ،فاعتبر في اإلشارة أن
اإلنسان الذي لم يزل يحفظ صورة الحق في نفسه ظل له ،واعلم أن اإلنسان لما كان مثال
الصورة اإللهية ،كالظل للشخص الذي ال يفارقه على كل حال ،غير أنه يظهر للحس تارة ،
ويخفى تارة ،فإذا خفي فهو معقول فيه ،وإذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه ،فاإلنسان
الكامل في الحق معقول فيه ،كالظل إذا خفي في الشمس فال يظهر ،فلم يزل اإلنسان أزال
بأن له بصرا ،فلما مد الظل منه ظهر وأبدا ،ولهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا ه
ْف َم َّد ِ ه
الظ َّل َولَ ْو شا َء لَ َجعَلَهُ سا ِكنا ً »أي ثابتا فيمن هو ظله فال بصورته« أ َ لَ ْم ت َ َر إِلى َر ِبه َك َكي َ
ّللا ،
ّللا ،وال يزال مع ه
يمده ،فال يظهر له عين في الوجود الحسي إال هّلل وحده ،فلم يزل مع ه
ّللا ،فاإلنسان الكامل الذي ال أكمل ّللا ،وما عدا اإلنسان الكامل فهو باق بإبقاء ه فهو باق ببقاء ه
ّللا عليه وسلم ،وهذا الكمال هو الغاية من العالم ،فحاز محمد صلهى ه
ّللا منه هو محمد صلهى ه
عليه وسلم درجة الكمال بتمام الصورة اإللهية ،والكمل من األناسي النازلين عن درجة هذا
ّللا وسالمه عليهم ،ومنزلة محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم من العالم الكمال هم األنبياء صلوات ه
كله منزلة النفس الناطقة من اإلنسان ،التي من دونها ال يكون إنسانا ،فحال العالم قبل ظهوره
ّللا عليه وسلم كان بمنزلة الجسد صلهى ه
ص 248
248
المسوى ،وحال العالم بعد موته بمنزلة النائم ،وحالة العالم ببعثه يوم القيامة بمنزلة االنتباه
ّللا عليه وسلم روح العالم ،وهذه اآلية ضرب مثال على خفاء واليقظة بعد النوم ،فهو صلهى ه
ّللا عليه وسلم في العالم قبل ظهور نشأته الظاهرة ،وبعد انتقاله إلى ّللا صلهى هظهور رسول ه
الرفيق األعلى ،وأنه هو أكمل صورة إلهية في الظهور والخفاء لمن فهم المعنى ،
ّللا عليه وسلم لم يختف من العالم اختفاء عدميا ،بل هو كالظل المندرج في وأنه بقبضه صلهى ه
ّللا عليه وسلم هو اآلن من العالم في صورة المحل الذي هو فيه أصله ،فروح العالم صلهى ه
روح اإلنسان عند النوم ،إلى يوم البعث ،الذي هو مثل يقظة النائم هنا ،
ّللا عليه وسلم في ظهوره روحا وجسما وصورة ومعنى ، فالعالم اليوم بفقد جمعية محمد صلهى ه
نائم ال ميت ،فإنه تعالى ذكر الكيف ،والظل ال يخرج إال على صورة من مد منه ،فخلقه
رحمة ،فم هد الظل رحمة وافية ،فال أعظم رحمة من اإلنسان الكامل ،والنور من الصفات ،
والظل على صورة الذات
-إشارة -ما مد الظالل للراحة ،وإنما مدها لتكون سلما إلى معرفته فأنت ذلك الظل
وسيقبضك إليه .
ص 249
249
[ سورة الفرقان ( : ) 25آية ] 48
ماء ماء َط ُهورا ) ( 48
س ِ َي َرحْ َم ِت ِه َوأ َ ْن َز ْلنا ِم َن ال ه
ح بُشْرا بَ ْي َن يَد ْ
الريا َ َو ُه َو الهذِي أ َ ْر َ
س َل ِ ّ
ّللا خلق الماء طهورا ال ينجسه شيء ] فإذا حصلت النجاسة فيه ّللا عليه وسلم [ إن ه قال صلهى ه
بال شك .
لكنها متميزة عن الماء -بقي الماء طاهرا على أصله ،إال أنه يعسر إزالة النجاسة منه ،فما
أباح الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة استعملناه ،وما منع من ذلك امتنعنا منه ألمر
الشرع ،مع عقلنا أن النجاسة في الماء ،وعقلنا أن الماء طهور في ذاته ال ينجسه شيء ،فما
منعنا الشارع من استعمال الماء الذي فيه النجاسة لكونه نجسا أو تنجس ،وإنما منعنا من
استعمال الشيء النجس لكوننا ال نقدر على فصل أجزائه من أجزاء الماء الطاهر ،فبين
النجاسة والماء برزخ مانع ال يلتقيان ألجله ،ولو التقيا لتن هجس الماء .
ص 250
250
[سورة الفرقان ( : ) 25اآليات 54إلى ] 59
كان َربُّكَ قَدِيرا ( َ ) 54ويَ ْعبُد َ
ُون ِم ْن سبا َو ِصهْرا َو َ ماء بَشَرا فَ َجعَلَهُ نَ َ ق ِم َن ا ْل ِ َو ُه َو الهذِي َخلَ َ
كان ا ْلكافِ ُر عَلى َر ِبّ ِه َظ ِهيرا ) َ ( 55وما أ َ ْر َ
س ْلناكَ إِاله ّللا ما ال يَ ْنفَعُ ُه ْم َوال يَض ُُّر ُه ْم َو َ ُون ه ِ د ِ
سبِيال ( 57 علَ ْي ِه ِم ْن أَجْ ٍر إِاله َم ْن شا َء أ َ ْن يَت ه ِخذَ إِلى َر ِبّ ِه َ شرا َونَذِيرا ( ) 56قُ ْل ما أ َ ْ
سئَلُ ُك ْم َ ُمبَ ِ ّ
ب ِعبا ِد ِه َخ ِبيرا ) ( 58 س ِبّحْ ِب َح ْم ِد ِه َوكَفى ِب ِه ِبذُنُو ِ ي ِ الهذِي ال يَ ُموتُ َو َ علَى ا ْل َح ّ ) َوت َ َو هك ْل َ
من فَ ْ
سئ َ ْل الرحْ ُعلَى ا ْلعَ ْر ِش ه ستَوى َ ست ه ِة أَيه ٍام ث ُ هم ا ْ
ض َوما بَ ْينَ ُهما فِي ِ ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا ِ ق ال ه الهذِي َخلَ َ
ِب ِه َخ ِبيرا ) ( 59
هذه اآلية دليل على أن األيام كانت موجودة بوجود حركة فلك البروج ،وهي األيام المعروفة
ّللا فيه السماوات عندنا ال غير ،فإذا دار فلك البروج دورة واحدة فذلك هو اليوم الذي خلق ه
واألرض ،ثم أحدث الليل والنهار عند وجود الشمس ،ال األيام ،واليوم أربع وعشرون ساعة
ّللا خلق العالم في ستة أيام ،بدأ به ،وقد يسمى النهار وحده يوما بحكم االصطالح واعلم أن ه
يوم األحد ،وفرغ منه يوم الجمعة ،
علَى ْالعَ ْر ِش » « ] [ « ث ُ َّم ا ْستَوى َ
علَى ْالعَ ْر ِش " *فلما كان اليوم السابع من األسبوع وفرغ من العالم كان يشبه * "ث ُ َّم ا ْستَوى َ
المستريح الذي مسه اللغوب ،فاستلقى ووضع إحدى رجليه على األخرى ،
وقال :أنا الملك ؛ كذا ورد في األخبار النبوية ،فالفراغ اإللهي إنما كان من األجناس في الستة
من فَ ْسئ َ ْل ِب ِه »
الر ْح ُ األيام ،وأما أشخاص األنواع فال « َّ
ّللا من نبي وغيره ،ممن الضمير في به يعود على االستواء« َخ ِبيرا ً »وهو العارف من عباد ه
ّللا من عباده ،ألنه قال ):يُؤْ ِتي ْال ِح ْك َمةَ َم ْن يَشا ُء ) والخبير المسؤول يعني كل من حصل شاء ه
له ذلك ذوقا ،وصفته نزول القرآن على قلبه ،فكان قلبه عرشا الستواء القرآن ذوقا ،يعلم
لذوقه وخبرته اتصاف الرحمن باالستواء على العرش ما معناه ،فإذا أردت أن تسأل عن
حقيقة أمر ما ،فاسأل عنه من له فيه ذوق ،ومن ال ذوق له في األشياء فال تسأله فإنه ال
يخبرك إال باسم ما سألت عنه ال بحقيقته.
ص 251
251
[سورة الفرقان ( : ) 25آية ] 60
س ُج ُد ِلما تَأ ْ ُم ُرنا َوزا َد ُه ْم نُفُورا ) ( 60 من أ َ نَ ْ
الرحْ ُ من قالُوا َو َما ه لرحْ ِ س ُجدُوا ِل ه َو ِإذا ِقي َل لَ ُه ُم ا ْ
ّللا ،ولم يعلموا أنه عين الرحمن قيل : لما كان المشركون ال يعلمون للحق إال مسمى ه
إن االسم الرحمن لم يكن عندهم ،وال سمعوا به قبل هذا ،
من » وهو سجود إنعام ال سجود قهر ،قالوا : لر ْح ِ
ّللا عليه وسلم« ا ْس ُجدُوا ِل َّ فلما قال لهم صلهى ه
وما الرحمن ؟
على طريق االستفهام ،وقد قيل :إنهم كانوا يعرفونه مركبا الرحمن الرحيم اسم واحد ،
ّللا ،فإنهمكبعلبك ورام هرمز ،فلما أفرده بغير نسب أنكروه ،ولم تنكر العرب كلمة ه
ّللا ُز ْلفى )فعلموه ،ولما كان الرحمن يعطي االشتقاق من القائلون( ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم إِ َّال ِليُقَ ِ هربُونا إِلَى َّ ِ
الرحمة ،وهي صفة موجودة فيهم ،خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليه من جنسهم ،
فأنكروا وقالوا :
وما الرحمن ؟ لما لم يكن من شرط كل كالم أن يفهم معناه ،
الر ْحمنَ ) لما كان اللفظان راجعين إلى ذات واحدة عوا َّ ّللا أ َ ِو ا ْد ُ
عوا َّ َولهذا قال تعالى ( :قُ ِل ا ْد ُ
،فما أنكره من أنكره -أعني االسم الرحمن -إال للقرب المفرط ،فإنه ال أقرب من الرحمة
باّلل إال لماإلى الخلق ،وما ث هم أقرب إليهم من وجودهم ،ووجودهم رحمة بال شك ،ولم يقروا ه
يتضمنه هذا االسم من الرحمة والقهر ،فعلم ،وجهل الرحمن ،فتخيلوا في الرحمن أنه شريك
هّلل الذي يقرون به ويتزلفون إليه ،
فأنكروا ذلك ولم ينكروا ذلك فيمن نصبوه إلها ،ألنهم عالمون بأسماء من نصبوهم آلهة من
ّللا عليه ّللا ،فعلموا بأسمائهم أنهم ليسوا في الحقيقة في األلوهة مثله ،وقد دلهم صلهى ه دون ه
من أ َ نَ ْس ُج ُد ِلما تَأ ْ ُم ُرنا َوزا َد ُه ْم
الر ْح ُ
وسلم بالسجود للرحمن على عبادة غيب ،فقالوا« َو َما َّ
ّللا الذي بيده االقتدار اإللهي نُفُورا ً »فزادهم هذا االسم نفورا لجهلهم به ،فإنهم ال يعرفون إال ه
ّللا زلفىواألخذ الشديد ،وهو الكبير عندهم المتعالي ،فهم لذلك يعبدون الشركاء ليقربوهم إلى ه
ويشفعوا عنده ،وأخطأ الكفار حيث رأوا أن الرحمن يناقض التكليف ،ورأوا أن األمر
بالسجود تكليف ،فال ينبغي أن يكون السجود لمن هو هذا االسم الرحمن ،لما فيه من المبالغة
في الرحمة ،فلو ذكره باالسم الذي يقتضي القهر ،ربما سارع الكافر إلى السجود خوفا ،كما
ّللا عليه وسلم من رؤساء الجاهلية حيث قال له :يا ّللا صلهى ه صدر من الجبار عند رسول ه
ي م هما جئت به حتى أسمع ؛ فتال عليه ( حم السجدة ) فلما وصل إلى قوله تعالى( محمد أتل عل ه
ضوا فَقُ ْل أ َ ْنذَ ْرت ُ ُك ْم صا ِعقَةً ِمثْ َل صا ِعقَ ِة عا ٍد َوث َ ُمو َد )وهما من العرب ، فَإِ ْن أَع َْر ُ
ص 252
252
وحديثهما مشهور عندهم بالحجاز ،فلما سمع هذه اآلية ارتعدت فرائصه ،واصفر لونه ،
وضرط من شدة ما سمع ومعرفته بذلك ،وقال :هذا كالم جبار ؛ فما زادهم نفورا إال اقتران
التكليف باالسم الرحمن لجهلهم به ،ولو علم هذا الجاهل أن أمره تعالى بالسجود للرحمن ال
يناقض التكليف ،وإنما يناقض المؤاخذة ويزيد في الجزاء بالحسنى لبادر إلى ذلك ،كما بادر
ّللا عليه وسلم(ّللا لنبيه صلهى ه
المؤمن ،كما أن الكفار ما علموا في الغيب إال إلها واحدا ،قال ه
عوا فَلَهُ ْاألَسْما ُء ْال ُحسْنى )فتعجبوا من ذلك غاية العجب
الر ْحمنَ أَيًّا ما ت َ ْد ُ ّللا أ َ ِو ا ْد ُ
عوا َّ عوا َّ َ قُ ِل ا ْد ُ
ّللا ،وأن لكل واحد األسماء الحسنى ،وذلك ل هما ،ألنهم تخيلوا أن مسمى الرحمن ليس هو ه
ّللا بصائرهم ،وكثهف أغطيتهم ،فلم يعقلوا عن ه
ّللا ما أراد بما أنزله -وهذه السجدة أعمى ه
للمؤمن تسمى سجدة االمتياز فإنه يسجدها عندما يتلو ليمتاز عن الكافر المنكر السمه الرحمن
،ويقع االمتياز بين االسم الرحمن وبين العارفين به يوم القيامة بالسجود الذي كان منهم عند
التالوة .
ص 253
253
بصفة ذلك األمر الذي يكلمه به ،كان ذلك ما كان ،فلم يتمكن لهؤالء أن يزيدوا على قولهم
سالما شيئا .
ص 254
254
اعلم أنه لما لم يتمكن للتائب أن يرد عليه وارد التوبة إال حتى ينتبه من سنة الغفلة ،فيعرف ما
هو فيه من األعمال التي مآلها إلى هالكه وعطبه ،خاف ورأى أنه في أسر هواه ،وأنه مقتول
بسيف أعماله القبيحة ،فقال له حاجب الباب اإللهي :قد رسم الملك أنك إذا أقلعت عن هذه
المخالفات ،ورجعت إليه ووقفت عند حدوده ومراسمه ،أنه يعطيك األمان من عقابه ،
ويحسن إليك ويكون من جملة إحسانه أن كل قبيح أتيته يرد صورته حسنة ،ثم أعطاه التوقيع
ّللا ِإلها ً آخ ََر» . . .اآليات ،إلى قوله« ِإ َّال َم ْن اإللهي ،فإذا مكتوب فيه« َوالَّذِينَ ال يَ ْدعُونَ َم َع َّ ِ
ت »وذلك نتيجة العمل الصالح سنا ٍ
س ِيهئا ِت ِه ْم َح َ ع َم ًال صا ِلحا ً فَأ ُ ْول ِئ َك يُبَ ِ هد ُل َّ
ّللاُ َ ع ِم َل َ
تاب َوآ َمنَ َو َ
َ
ّللا سيئاته حسنات ،حتى يود لو أنه أتى جميع الكبائر الواقعة في العالم فيقع التبديل ،فيبدل ه
من العالم ،وهذا من الكرم اإللهي ،فال بد لطائفة من التبديل كبير بكبير ،ومن الناس من
يبدله له بالتوبة والعمل الصالح ،ومن الناس من يبدله له بعد أخذ العقوبة حقها منه ،وسبب
إنفاذ الوعيد في حق طائفة حكم المشيئة اإللهية ،
فإذا انتهت المدة طلبت المشيئة في أولئك تبديل العذاب الذي كانوا فيه بالنعيم المماثل له ،فإن
حكم المشيئة أقوى من حكم األمر ،وقد وقع التبديل باألمر فهو باإلرادة أحق بالوقوع ،ولوال
ما بين السيئ والحسن مناسبة تقتضي جمعهما في عين واحدة يكون بها حسنا سيئا ما قبل
التبديل ،ومثال ذلك :شخص في غاية الجمال طرأ عليه وسخ من غبار ،
فنظف من ذلك الوسخ العارض ،فبان جماله ،ثم كسي بزة حسنة فاخرة ،تضاعف بها جماله
وحسنه ،ولهذا وصف الذنوب بالمغفرة وهي الستر ،وما وصفها بذهاب العين ،وإنما يسترها
بثوب الحسن الذي يكسوها به ،ألنه تعالى ال يرد ما أوجده إلى عدم ،بل يوجد على الدوام وال
ّللا هذا العلم عن بعض عباده ،وأطلع عليه من شاء من عباده ،وهو من علم يعدم .وستر ه
غفُورا ً »
ّللاُ َ
الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا ،ولذلك قال الحق« َوكانَ َّ
-الوجه األول -أي يستر عمن يشاء الوقوف على مثل هذا كشفا
ّللا تعالى إذا قبل توبة عبده -الوجه الثاني -غفورا لذنوبهم السابقة ،أي سترها عنهم ،فإن ه
أنساه ذنبه فلم يذ هكره إياه ،فإنه إن ذكره أحضره بينه وبين الحق ،وهو قبيح الصورة ،فجعل
بينه وبين الحق صورة قبيحة تؤذن بالبعد فهذا فائدة النسيان ،
والستر من الحق على نوعين :
إما أن يستر الذنوب جملة واحدة ،
وإما أن تبدل بحسنة فتحسن صورة تلك السيئة بالتوبة ،فتظهر له حسنة ،وذلك ليسرع العبد
ص 255
255
ّللا« َر ِحيما ً »بذلك الستر ،رحمة به لمعنى علمه سبحانه لم يعيهنه لنا ،في الرجعة إلى ه
والتبديل على وجوه :
ّللا من تلك الكلمة ملكا ،فإن -الوجه األول -اعلم أنه ما من كلمة يتكلم بها العبد إال ويخلق ه
ّللا وتلفظ بتوبته كانت خيرا كان ملك رحمة ،وإن كانت شرا كان ملك نقمة ،فإن تاب إلى ه
ّللا من تلك اللفظة ملك رحمة ،وخلع من المعنى الذي دل عليه ذلك اللفظ بالتوبة الذي قام خلق ه
بقلب ذلك التائب على ذلك الملك الذي كان خلقه من كلمة الشر خلعة رحمة ،وواخى بينه وبين
ّللا ؛ فإن كانت التوبة عامة ،خلع على الملك الذي خلقه من كلمة التوبة ،وهو قوله :تبت إلى ه
كل ملك نقمة كان مخلوقا لذلك العبد من كلمات شره خلع رحمة ،وجعل مصاحبا للملك
المخلوق من لفظة توبته ،فإنه إذا قال العبد :تبت إليك من كل شيء ال يرضيك ؛ كان في هذه
اللفظة من الخير جميعة كل شيء من الشر ،فخلق من هذا اللفظ مالئكة كثيرة بعدد كلمات
الشر التي كانت منه ،فإن اإلنسان أعطي لفظا يدل على األفراد ،وأعطي لفظا يدل على
االثنين ،وأعطي لفظا يدل على الكثرة ،فلفظة كل تدل على الكثرة ،فعلم أن قوله « تبت إلى
ّللا من كذا ، ّللا من كذا ،تبت إلى هّللا من كذا ،تبت إلى هّللا من كل شيء » ،أنه تبت إلى ه ه
ّللا من كلمة الجمع مالئكة بعدد ما تعمه تلك الكلمة ،وإنما قلنا بأن المالئكة فلهذا خلق ه
المخلوقة من كلمة الشر يخلع عليها خلع الخير ،وترجع مالئكة رحمة في حق هذا التائب ،
ويصاحب بينها وبين المالئكة المخلوقة من لفظة التوبة عن ذلك الشر ،لقوله تعالى« فَأ ُ ْولئِ َك
ت »فجعل التبديل في عين السيئة سنا ٍ
س ِيهئاتِ ِه ْم َح َ يُبَ ِ هد ُل َّ
ّللاُ َ
ّللا سيئاته حسنات ، ّللا في أجله بعد توبته فعمل عمال صالحا بدل ه -الوجه الثاني -من أنسأ ه
ّللا فعله بما وفقه إليه من أي ما كان يتصرف به من السوء عاد يتصرف فيه حسنا ،فبدهل ه
طاعته ورحمته ،وغفر له جميع ما كان وقع منه قبل ذلك ،ولم يؤاخذه بشيء منه– .
-الوجه الثالث -في حق أهل الشهود الذي يرون ويشهدون األفعال كلها هّلل ،فما كان من
حسن أضافوه إليه تعالى خلقا فيهم ،وأضافوه إليهم من كونهم محال لظهوره ،وإن كان سيئا
ّللا حسن ما في ذلك المسمى ّللا ،فيريهم ه
ّللا ،فيكونون حاكين قول هأضافوه إليهم بإضافة ه
سوءا بأن يريه عين ما كان يراه سيئة حسنة ،وقد كان حسنها غائبا عنه بحكم الشرع ،فلما
وصل إلى موضع ارتفاع األحكام ،وهو الدار اآلخرة ،رأى عند كشف الغطاء حسن ما في
ّللا ال غيره ،
األعمال كلها ،ألنه ينكشف له أن العامل هو ه
ص 256
256
فهي أعماله تعالى ،وأعماله كلها كاملة الحسن ،ال نقض فيها وال قبح ،فإن السوء والقبح
ّللا سيئاتهم حسنات ،وما ّللا ال أعيانها ،فبدل ه الذي كان ينسب إليها إنما كان ذلك بمخالفة حكم ه
هو إال تبديل الحكم ال تبديل العين ،فمن حكم في نفسه لنفسه ،وندم في يومه على ما فرط فيه
من أمسه ،ليجبر بذلك ما فاته ،ويحيي منه بالندم ما أماته ،فإذا أقامه من قبره ،فذلك أوان
ّللا سيئاته حسنات ،وينقل من أسفل درجاته إلى أعلى الدرجات نشره ،وأوان حشره ،فيبدل ه
،حتى يود لو أنه أتى بقراب األرض خطايا ،أو لو حمل ذنوب البرايا ،لما يعاينه من حسن
التحويل ،وجميل صور التبديل ،فيفوز بالحسنيين ،وهنالك يعلم ما أخفى له فيه من قرة عين
،ففاز في الدنيا باتباع الهوى ،وفي اآلخرة بجنة المأوى ،فمن الناس من إذا حرم رحم ،
وجوزي جزاء من عصم ،فجزاء بعض المذنبين أعظم من جزاء المحسنين ،وال سيما أهل
ّللا يؤتيه من يشاء .لما نزلت هذه اآلية قال الكبائر ،والمنتظرين حلول الدوائر ،وذلك فضل ه
ّللا عنه :ومن لي بأن أوفق إلى العمل الصالح الذي اشترطه علينا وحشي قاتل حمزة رضي ه
في التبديل ؟
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك ِب ِه َويَ ْغ ِف ُر ما دُونَ ذ ِل َك ِل َم ْن يَشا ُء )
فجاءه الجواب ِ (:إ َّن َّ َ
فقال وحشي :وما أدري هل أنا ممن شاء أن يغفر له أم ال ؟
ّللا يَ ْغ ِف ُر طوا ِم ْن َر ْح َم ِة َّ ِ
ّللا ِإ َّن َّ َ ِي الَّذِينَ أَس َْرفُوا َ
على أ َ ْنفُ ِس ِه ْم ال ت َ ْقنَ ُ فجاءه الجواب (:يا ِعباد َ
الر ِحي ُم ) فلما قرأ وحشي هذا قال :اآلن فأسلم ،ولهذا قال حاجب ور َّ وب َج ِميعا ً ِإنَّهُ ُه َو ْالغَفُ ُ
الذُّنُ َ
الباب اإللهي وهو الشارع
[ إن التائب من الذنب كمن ال ذنب له ] فيبدل سيئاته حسنات بالتوبة والعمل الصالح .
ص 257
257
ّللا فيهم (: ّللا ،والتحقوا بهذه الصفة بالمإل األعلى ،الذين قال ه فهي نفوس الكرام من عباد ه
رام بَ َر َر ٍة ) فنعتهم بأنهم كرام ،فكل وصف يلحقك بالمإل األعلى فهو شرف في ِبأ َ ْيدِي َ
سفَ َر ٍة ِك ٍ
حقك .
[ سورة الفرقان ( ) : 25اآليات 73إلى ] 77
ون َربهنا َه ْب ِين يَقُولُ َ ص ًّما َوع ُْميانا ( َ ) 73والهذ َ علَ ْيها ُ ت َر ِبّ ِه ْم لَ ْم يَ ِخ ُّروا َ ِين ِإذا ذُ ِ ّك ُروا ِبآيا َِوالهذ َ
ين ِإماما ( ) 74أ ُ ْولئِكَ يُجْ َز ْو َن ا ْلغُ ْرفَةَ ِبماواجنا َوذُ ِ ّريهاتِنا قُ هرةَ أ َ ْعيُ ٍن َواجْ عَ ْلنا ِل ْل ُمت ه ِق َ
لَنا ِم ْن أ َ ْز ِ
ستَقَ ًّرا َو ُمقاما ( ) 76قُ ْل ما سنَتْ ُم ْ سالما ( ) 75خا ِلد َ
ِين ِفيها َح ُ صبَ ُروا َويُلَقه ْو َن ِفيها ت َ ِحيهة َو َ َ
ُون ِلزاما ( ) 77ف يَك ُ س ْو َ يَ ْعبَؤُا بِ ُك ْم َر ِبّي لَ ْو ال دُعا ُؤ ُك ْم فَقَ ْد َكذه ْبت ُ ْم فَ َ
ص 258
258
نفس األمر ،وقد يكون حديثا بالنسبة إلى وجوده عندك في الحال ،وهو أقدم من ذلك الحدوث
ّللا ،وإن أردت به غير نفي األولية فقد ،وذلك إن أردت بالقدم نفي األولية فليس إال كالم ه
يكون حادثا في نفسه ذلك الشيء عندك ،وقد يكون حادثا بحدوثه عندك ،أي ذلك زمان حدوثه
ّللا ،والكالم صفته فله القدم وإن حدث اإلتيان ،فوصف الحق الذكر بأنه .والذكر كالم ه
ّللا ،فقد كان له محدث ألنه حدث عندهم ،وإن كان قديما في نفس األمر من حيث أنه كالم ه
الوجود وعين المخاطب مفقود ،فكان محدثا عندهم ال في عينه ،فذكر القرآن أمان ،ويجب به
اإليمان أنه كالم الرحمن ،مع تقطيع حروفه في اللسان ،ونظم حروفه فيما رقمه باليراع
البنان ،فحدثت األلواح واألقالم ،وما حدث الكالم ،وحكمت على العقول األوهام ،بما
عجزت عن إدراكه األفهام ،ذكر المخلوق ما يصح قدمه ،ولو ثبت الستحال عدمه ،فالحادث
ال يخلو من الحوادث ،لو حل بالحادث الذكر القديم ،لصح قول أهل التجسيم ،القديم ال يحل
وال يكون محال ،ولو كان محال لكان محال ،فال يوصف بغير وصفه ،فالذكر القديم ذكر
الحق ،وإن حكى ما نطق به الخلق ،كما أن ذكر الحادث ما نطق به لسان الخلق ،وإن تكلم
ضينَ »واإلعراض هو ما يقوم بك ،أو بمن يخاطبك ،أو ع ْنهُ ُم ْع ِر ِ الحق« ِإ َّال كانُوا َ
ه بالقرآن
ّللا إعراضهم عن ذكر الرحمن ،مع العلم منهم بأنه القرآن ،والقرآن كالمه يجالسك ،فذكر ه
وهو الذي حدث عندهم ،فذم تعالى من لم يتلقاه بالقبول .وكالمه علمه ،وعلمه ذاته ،فهو
الذي حدث عندهم فعنه أعرضوا
ث )وقال تعالى« َوما يَأْتِي ِه ْم ِم ْن ِذ ْك ٍر
-إشارة -قال تعالى( ما يَأْتِي ِه ْم ِم ْن ِذ ْك ٍر ِم ْن َر ِبه ِه ْم ُم ْح َد ٍ
ث »فلم يجر السم من أسماء الشقاء ذكر في اإلتيان ،إنما هو رب أو رحمن من ُم ْح َد ٍالر ْح ِ
ِمنَ َّ
،ليعلمنا بما في نفسه لنا ،فالرحمة والنعمة واإلحسان في البدء والعاقبة والمآل .
259
قال هذا الكالم موسى عليه السالم لفرعون وآله ،فإنه لما وقع من موسى عليه السالم ما وقع
ّللا وضعففر إلى النجاة ،التي يمكن أن تحصل له بالفرار ،فإنه علم أن ه من قتل القبطي ه
األسباب ،وجعل لها أثرا في العالم بما يوافق األغراض وبما ال يوافقها ،
وبما يالئم الطبع وبما ال يالئمه ،فرأى أن الفرار من األسباب اإللهية الموضوعة في بعض
المواطن لوجود النجاة ،فهو فرار طبيعي ،ألنه ذكر أن الخوف من السبب جعله يفر ،لكنه
معرى عن التعريف بما ذكرناه من الوضع اإللهي ، ه
فإن هذا كان قبل نبوته ومعرفته بما يريده الحق به .
ويحتمل أن يكون فرار موسى عليه السالم الذي علله بالخوف من فرعون وقومه ،ما كان
ّللا ،
ّللا أن يسلطهم عليه ،إذ له ذلك ،فإنه فعال لما يريد ،وال يدري ما في علم ه خوفه إال من ه
َب ِلي َر ِبهي ُح ْكما ً َو َجعَلَنِي ِمنَ ْال ُم ْر َ
س ِلينَ »فلما فر خوفا من فكان فراره إلى ربه ليعتز به« فَ َوه َ
فرعون ،تلقاه الحق بالنجاة ،وجمع بينه وبين رسول من رسله ،
ّللا به القبط وبني إسرائيلوهو شعيب عليهما السالم ،ثم أعطاه النبوة والحكم ،الذي خاطب ه
أن يكونوا عليه ،فوهبه ربه حكما وعلما ،وجعله من المرسلين إلى من خاف منهم ،
ّللا باآليات البينات ،ليشد منه ما ضعف مما يطلبه حكم الطبيعة في هذه باّلل ،وأيده ه
باالعتزاز ه
النشأة ،فجعله من المرسلين إلى من خاف أن يسلهط عليه ،
وهو فرعون ،فكان موسى عليه السالم خليفة رسوال ،ألن الرسول ال يكون حاكما حتى يكون
خليفة ،وكان ذلك نتيجة الفرار من
ص 260
260
فرعون وآله ،فأنتج له ذلك الفرار الحكم الذي هو اإلمامة والخالفة والرسالة ،مع كون السبب
الموجب الذي ذكره -تحقيق -ال شيء ألطف من الخواطر واألوهام ،وهي الحاكمة على
الكثائف ،لضعف الكثيف وقوة سلطان اللطيف ،الدليل التغير بالخوف ،والمخوف من حلوله
ما له عين وجودية .وقد أحدث الخوف في جسم الخائف حركة الهرب ،وطلب الستر
والمدافعة ،وما وقع شيء إال عين الخوف وهو لطيف .
ص 261
261
وما أوجب علينا أن نخوض فيه خضنا فيه طاعة أيضا ،وما لم يرد فيه تحجير وال وجوب
فهو عافية ،إن شئنا تكلمنا فيه ،وإن شئنا سكتنا عنه ،وهذا ينطبق على أمهات المطالب
ّللا ،أو من رسوله
األربعة :هل ،وما ،وكيف ،ولم ؛ والنهي شرعا ال يكون إال ما يرد من ه
ّللا عليه وسلم ،فمن ادعى التحجير في إطالق هذه العبارات فعليه بالدليل ،واألولىصلهى ه
التوقف عن الحكم بالمنع أو الجواز ،إذ ال حكم إال للشرع فيما يجوز أن يتلفظ به أو ال يتلفظ
به ،يكون ذلك طاعة أو غير طاعة ،والحق سبحانه ال يقال فيه :إن له ماهية ،وإن سئل عنه
« بما » فالجواب بصفة التنزيه ،أو صفة الفعل ال غير ذلك ،
لذلك قال موسى عليه السالم :
« ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُمو ِق ِنينَ »يقول إن استقر في قلوبكم ما يعطيه الدليل والنظر الصحيح من الدهال ،
باّلل
فأخذ موسى عليه السالم -العالم -في التعريف بماهية الحق - ،والرسل عندنا أعلم الخلق ه
-فقال فرعون ،وقد علم أن الحق مع موسى فيما أجابه به ،إال أنه أوهم الحاضرين واستخفهم
،ألن السؤال منه إنما وقع بما طابقه الحق ،وهو قوله( َوما َربُّ ْالعالَ ِمينَ )فما سأله إال بذكر
ض َوما بَ ْينَ ُه َما »فطابق الجوابت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ
العالمين ،فقال موسى عليه السالم« َربُّ ال َّ
السؤال ،فقال فرعون لقومه :
262
لما رأى فرعون أن موسى عليه السالم ما أجابه على حد ما سأل ،ألنه تخيل أن سؤاله هذا
متوجه ،وما علم أن ذات الحق ال تدخل تحت مطلب « ما » ،وإنما تدخل تحت مطلب « هل
» وهل سؤال عن وجود المسؤول عنه هل هو متحقق أم ال ؟ فقال فرعون وقد علم ما وقع فيه
سولَ ُك ُم الَّذِي أ ُ ْر ِس َل ِإلَ ْي ُك ْم »ولوال ما علممن الجهل ،إشغاال للحاضرين لئال يتفطنوا لذلك« ِإ َّن َر ُ
الحق فرعون ما أثبت في هذا الكالم أنه أرسله مرسل ،وأنه ما جاء من نفسه ،ألنه دعا إلى
ون "- غيره ،وكذا نسبه فرعون إلى ما كان عليه موسى بقوله " :لَ َم ْجنُ ٌ
-الوجه األول -أي مستور عنكم فال تعرفونه ،فعرفه موسى بجوابه إياه ،وما عرفه
الحاضرون كما عرفه علماء السحرة ،وما عرفه الجاهلون بالسحر
ون »أي قد ستر عنه عقله ،ألن العاقل سولَ ُك ُم الَّذِي أ ُ ْر ِس َل إِلَ ْي ُك ْم لَ َم ْجنُ ٌ
-الوجه الثاني « -إِ َّن َر ُ
ال يسأل عن ماهية شيء فيجيب بمثل هذا الجواب ،فقال له موسى لقرينة حال اقتضاها
المجلس ،ما قال إبراهيم عليه السالم لنمروذ .
ص 263
263
[ سورة الشعراء ( : ) 26آية ] 31
صا ِد ِق َ
ين ) ( 31 قا َل فَأ ْ ِ
ت ِب ِه ِإ ْن ُك ْنتَ ِم َن ال ه
حتى ال يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم اإلنصاف ،فكانوا يرتابون فيه ،
وهي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه .
ص 264
264
[ سورة الشعراء ( : ) 26اآليات 49إلى ] 80
طعَ هن أ َ ْي ِديَ ُك ْمون َأل ُقَ ِ ّ
ف ت َ ْعلَ ُم َ س ْو َ سِحْ َر فَلَ َ عله َم ُك ُم ال ّ ير ُك ُم الهذِي َ قا َل آ َم ْنت ُ ْم لَهُ قَ ْب َل أ َ ْن آذَ َن لَ ُك ْم ِإنههُ لَ َك ِب ُ
ون ( ) 50إِنها ض ْي َر إِنها إِلى َر ِبّنا ُم ْنقَ ِلبُ َ ين ) ( 49قالُوا ال َ ص ِلّبَنه ُك ْم أَجْ َم ِع َ
الف َو َأل ُ ََوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم ِم ْن ِخ ٍ
س ِر ين ( َ ) 51وأ َ ْو َح ْينا إِلى ُموسى أ َ ْن أ َ ْ نَ ْط َم ُع أ َ ْن يَ ْغ ِف َر لَنا َربُّنا َخطايانا أ َ ْن ُكنها أ َ هو َل ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
ين ) ( 53 ش ِر َ س َل فِ ْرع َْو ُن فِي ا ْل َمدائِ ِن حا ِ ون ( ) 52فَأ َ ْر َ ِب ِعبادِي ِإنه ُك ْم ُمتهبَعُ َ
ون ( ) 56 ون ( َ ) 55و ِإنها لَ َج ِمي ٌع حاذ ُِر َ ظ َ ون ( َ ) 54و ِإنه ُه ْم لَنا لَغائِ ُ ش ْر ِذ َمةٌ قَ ِليلُ َُالء لَ ِ
ِإ هن هؤ ِ
يم ) ( 58 قام ك َِر ٍوز َو َم ٍ ون ( َ ) 57و ُكنُ ٍ عيُ ٍ ت َو ُ فَأ َ ْخ َرجْ نا ُه ْم ِم ْن َجنها ٍ
عان قا َل ين ( ) 60فَلَ هما تَرا َءا ا ْل َج ْم ِ سرائِي َل ( ) 59فَأَتْبَعُو ُه ْم ُمش ِْرقِ َ كَذ ِلكَ َوأ َ ْو َرثْناها بَنِي إِ ْ
ِين ) ( 62فَأ َ ْو َح ْينا إِلى سيَ ْهد ِ ُون ( ) 61قا َل َكاله إِ هن َم ِعي َر ِبّي َ ْحاب ُموسى إِنها لَ ُمد َْرك َ أَص ُ
يم ) ( 63 ط ْو ِد ا ْلعَ ِظ ِق كَال ه كان ُك ُّل فِ ْر ٍ ق فَ َ ض ِر ْب ِبعَصاكَ ا ْلبَحْ َر فَا ْنفَلَ َ ُموسى أ َ ِن ا ْ
ين ( ين ( ) 65ث ُ هم أ َ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِر َ ين ( َ ) 64وأ َ ْن َج ْينا ُموسى َو َم ْن َمعَهُ أَجْ َم ِع َ َوأ َ ْزلَ ْفنا ث َ هم ْاآل َخ ِر َ
الر ِحي ُم ) ( 68 يز ه ين ( َ ) 67و ِإ هن َربهكَ لَ ُه َو ا ْلعَ ِز ُ كان أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ُم ْؤ ِمنِ َ
ِ ) 66إ هن فِي ذ ِلكَ َآليَة َوما َ
ُون ( ) 70 علَ ْي ِه ْم نَبَأ َ ِإ ْبرا ِهي َم ( ِ ) 69إ ْذ قا َل ِأل َ ِبي ِه َوقَ ْو ِم ِه ما ت َ ْعبُد َ َواتْ ُل َ
ُون ) ( 72 س َمعُونَ ُك ْم إِ ْذ ت َ ْدع َ ين ( ) 71قا َل َه ْل يَ ْ قالُوا نَ ْعبُ ُد أَصْناما فَنَ َظ ُّل لَها عا ِك ِف َ
ون ( ) 73 أ َ ْو يَ ْنفَعُونَ ُك ْم أ َ ْو يَض ُُّر َ
ُون ( ) 75أ َ ْنت ُ ْم َوآبا ُؤ ُك ُم ون ( ) 74قا َل أ َ فَ َرأ َ ْيت ُ ْم ما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْعبُد َ قالُوا بَ ْل َو َجدْنا آبا َءنا كَذ ِلكَ يَ ْفعَلُ َ
ِين ( ) 78 ين ) ( 77الهذِي َخلَقَنِي فَ ُه َو يَ ْهد ِ ب ا ْلعالَ ِم َ عد ٌُّو ِلي ِإاله َر ه ون ( ) 76فَ ِإنه ُه ْم َ ْاأل َ ْق َد ُم َ
ين) ( 80 ش ِف ِضتُ فَ ُه َو يَ ْ ين ( َ ) 79و ِإذا َم ِر ْ س ِق ِ َوالهذِي ُه َو يُ ْط ِع ُمنِي َويَ ْ
ص 265
265
[ أدب اإلضافة ]
ومن أدب إبراهيم عليه السالم قوله :
ولم يقل يجوعني .
ولم يقل أمرضني ،فأضاف الفعل المذموم والمكروه في الطبع والعادة والعرف إلى نفسه ،
إيثارا منه لجناب ربه ،حتى ال ينسب إليه ما جرى عليه لسان ذم ،كالذنب ،ولسان كراهة
الطبع ،كالمرض والجوع ،غيرة على الجناب اإللهي ،وفداء له بنفسه ،ثم قال« فَ ُه َو يَ ْش ِف ِ
ين
»فأضاف الشفاء إليه تعالى ،والمرض لنفسه ،وإن كان الكل من عنده ،ولكنه تعالى هو أدهب
ّللا على رسله ،إذ كان المرض ال تقبله النفوس ،والمرض شغل شاغل عن أداء ما أوجب ه
ّللا إلحساسه باأللم ،وهو في محل التكليف ،وما يحس باأللم إال الروح العبد أداءه من حقوق ه
الحيواني ،فيشغل الروح المدبر لجسده عما دعي إليه في هذه الدنيا ،فلهذا أضاف المرض
إليه ،والشفاء للحق ،وذلك من أدب اإلضافة واأللفاظ ،فالشافي مزيل األمراض ،ومعطي
األغراض ،فإن األمراض إنما تظهر أعيانها لعدم ما تطلبه األغراض ،فلو زال الغرض ،
لزال الطلب ،فكان يزول المرض ،
ورد في الخبر عنه صلهى ه
ّللا عليه وسلم أنه قال:
[ أذهب الباس رب الناس ،اشف أنت الشافي ،ال شفاء إال شفاؤك ] وما ث هم شفاء إال شفاؤه ،
فإن الكل
ص 266
266
ين »فنص على الشافي ،وما ذكر شفاء لغيره ،فأزال خلقه ،ولهذا قال الخليل« فَ ُه َو يَ ْش ِف ِ
ّللا في األدوية من الشفاء ،وإزالة األمراض ، إبراهيم عليه السالم االحتمال ،لما جعل ه
ّللا عليه وسلم بقوله [ ال شفاء إال شفاؤك ] أن كل مزيل لمرض ويحتمل أن يريد محمد صلهى ه
ّللا الذي أودعه في ذلك المزيل ،فأثبت األسباب ، إنما هو شفاء ه
ّللا عليه وسلم مع تقرير األسباب ،ألن العالم ما يعرفون ّللا صلهى ه وهذا كان غرض رسول ه
ّللا ،ويحتمل لفظ النبي صلهى ه
ّللا عليه ّللا من غير سبب ،مع اعتقادهم أن الشافي هو ه شفاء ه
ّللا ،فقال ال شفاء إال شفاؤك وسلم إثبات أشفية ،لكن ال تقوم في الفعل قيام شفاء ه
ّللا عليه وسلم ،فلما دخل االحتمال ،كان ّللا صلهى ه
واألول في التأويل أولى بمنصب رسول ه
البيان من هذا الوجه في خبر إبراهيم الخليل عليه السالم ،
ّللا عليه وسلم أن يبيهن أن األشفية التي تكون عند االستعمال أسبابها واقتضى مقام النبي صلهى ه
ّللا ،إذ ال يتمكن رفع األسباب من العالم عادة ، أنها شفاء ه
ّللا ما خلق داء إال وخلق له دواء .وانظر إلى آداب النبوة التي ال يبلغها أدب ، وقد ورد أن ه
ضتُ » فهو نهاية في األدب ،ولم يقل :وإذا أمرضني ،لما كان عند قول الخليل« َو ِإذا َم ِر ْ
المرض عيبا عرفا أضاف المرض إلى نفسه ،إذ كان عيبا عنده ،فجمع عليه السالم في هذه
المسألة بين أدب نسبة المرض إلى نفسه ،وبين األدب في التعريف أن ذلك المرض حكم السم
إلهي من غير تصريح ،لكن بالتضمين واإلجمال ،وأضاف الشفاء إلى ربه إذ كان حسنا
ين »فنسب الشفاء إلى ربه ،ولم ينسب إليه المرض ،ألنه شر في العرف بين فقال« فَ ُه َو يَ ْش ِف ِ
ّللا أن نتبع ملة إبراهيم ،أخبر الناس ،وإن كان في طيه خير في حق المؤمن ،ولما أوحى ه
نبيه بحديث إبراهيم وقوله هذا تعليما له صلهى ه
ّللا عليه وسلم ليتأدب بأدبه ،
ّللا عليه وسلم [ والشر ليس إليك ] ّللا صلهى ه فقال رسول ه
ين »بداية التحقيق فقول الخليل« فَ ُه َو يَ ْش ِف ِ
ّللا عليه وسلم [ ال شفاء إال شفاؤك ] نهاية النهاية ،فهي أت هم واإلتيان وقول النبي صلهى ه
ضتُ »فإن باألمرين أولى وأعم ،ومع هذا القصد من الخليل عليه السالم في قوله« َو ِإذا َم ِر ْ
الظاهر في اللفظ اإلضافة الحقيقية إليه فلذلك قال بعد قوله :
ص 267
267
عرف من غير تصريح ،لكن بالتضمين واإلجمال ولم يسم الخطيئة ما هي « ،يَ ْو َم ال هد ِ
ِين ه
»يقول :يوم الجزاء .
ص 268
268
[ طلب الرسل االجر ]
ّللا اإلنسان ال يسعى إال لنفسه ،ولهذا قرن بسعيه األجر حتى يسعى لنفسه ،بخالف من جعل ه
باّلل مرتبة ،فهم ال أجر له من العالم األعلى واألسفل ،وليس بعد الرسل ومرتبتهم في العلم ه
علَ ْي ِه »المطرقون والمنبهون ،ومع هذا فما منهم من رسول إال قيل له :قل أل همتك« ما أ َ ْسئَلُ ُك ْم َ
*أي على ما بلغتكم« ِم ْن أ َ ْج ٍر » *.
ولما كان أداء الرسائل عمال من المؤدي ألن المرسل استعمله في أداء رسالته لمن أرسله إليه ،
فوجب أجره عليه ،ألن المرسل إليه ما استعمله حتى يجب عليه أجره ،ولهذا قالت الرسل
على َربه ِ ْالعالَ ِمينَ » ي إِ َّال َّللا ،تعريفا لألمم بما هو األمر عليه « إِ ْن أ َ ْج ِر َ ألممها عن أمر ه
*فإنه الذي استخدمه وأرسله ،فاألجر عليه ،فذكروا استحقاق األجر على من يستعملهم ،ولم
يقولوا ذلك إال عن أمره ،
علَ ْي ِه ِم ْن أ َ ْج ٍر » *. فإنه قال لكل رسول« قُ ْل ما أ َ ْسئَلُ ُك ْم َ
[ سورة الشعراء ( 26 ) :اآليات 110إلى ] 130
ون ( ) 111قا َل َوما ِع ْل ِمي ِبما ون ( ) 110قالُوا أ َ نُ ْؤ ِم ُن لَكَ َواتهبَعَكَ ْاأل َ ْرذَلُ َ ّللا َوأ َ ِطيعُ ِ فَاتهقُوا ه َ
ون ) َ ( 113وما أَنَا بِ ِ
طار ِد شعُ ُر َ ون ( ) 112إِ ْن ِحسابُ ُه ْم إِاله عَلى َر ِبّي لَ ْو ت َ ْ كانُوا يَ ْع َملُ َ
ح لَتَكُونَ هن ِم َن ين ( ) 115قالُوا لَئِ ْن لَ ْم ت َ ْنت َ ِه يا نُو ُ ين ( ) 114إِ ْن أَنَا إِاله نَذ ٌ
ِير ُمبِ ٌ ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
افتَحْ بَ ْينِي َوبَ ْينَ ُه ْم فَتْحا َونَ ِ ّجنِي ون ( ) 117فَ ْ ب ِإ هن قَ ْو ِمي َكذهبُ ِ ين ( ) 116قا َل َر ّ ِ وم َ ا ْل َم ْر ُج ِ
ون ) ( 119 ش ُح ِ ين ( ) 118فَأ َ ْن َج ْيناهُ َو َم ْن َمعَهُ فِي ا ْلفُ ْل ِك ا ْل َم ْ ي ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ َو َم ْن َم ِع َ
ين ( ) 121 كان أ َ ْكث َ ُر ُه ْم ُم ْؤ ِمنِ َ
ين ( ِ ) 120إ هن فِي ذ ِلكَ َآليَة َوما َ ث ُ هم أ َ ْغ َر ْقنا بَ ْع ُد ا ْلباقِ َ
ين ( ِ ) 123إ ْذ قا َل لَ ُه ْم أ َ ُخو ُه ْم ُهو ٌد س ِل َ الر ِحي ُم ( َ ) 122كذهبَتْ عا ٌد ا ْل ُم ْر َ يز ه َو ِإ هن َربهكَ لَ ُه َو ا ْلعَ ِز ُ
ون ) ( 124 أ َ ال تَتهقُ َ
علَ ْي ِه ِم ْن أَجْ ٍر إِ ْن ون ) َ ( 126وما أ َ ْ
سئَلُ ُك ْم َ ّللا َوأ َ ِطيعُ ِ ين ( ) 125فَاتهقُوا ه َ سو ٌل أ َ ِم ٌ إِ ِنّي لَ ُك ْم َر ُ
يع آيَة ت َ ْعبَث ُ َ
ون ون ِب ُك ِ ّل ِر ٍين ( ) 127أ َ ت َ ْبنُ َ ب ا ْلعالَ ِم َ ي ِإاله عَلى َر ّ ِ أَجْ ِر َ
ُون ( ( 129 ون َمصانِ َع لَعَله ُك ْم ت َ ْخلُد َ ) َ ( 128وتَت ه ِخذُ َ
ين ) ( 130 شت ُ ْم َجبه ِار َ شت ُ ْم بَ َط ْ َو ِإذا بَ َط ْ
ص 269
269
فإنه ال أحد من المخلوقين أشد بطشا وانتقاما من اإلنسان الحيوان ،وال مخلوق أعظم رحمة
من اإلنسان الكامل ،وإن كان ذا بطش شديد ،فاإلنسان الحيواني أشد بطشا منه ،ألنه يبطش
بما لم يخلق ،فال رحمة له فيه ،والحق يبطش بمن خلق ،فالرحمة مندرجة في بطشه حيث
كان .
ص 270
270
" قا َل ه ِذ ِه ناقَةٌ " يعني ناقة صالح .
ص 271
271
علَّ َمهُ ْالبَيانَ ) علَّ َم ْالقُ ْرآنَ َخلَقَ ْ ِ
اإل ْنسانَ َ الر ْح ُ
من َ لما قال تعالىَّ ( :
فعلهم القرآن أين محله الذي ينزل عليه من العالم ،فنزل على قلب محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،
نزل به الروح األمين الذي هو روح القدس ،والروح هو الملقي إلى القلب علم الغيب على
وجه مخصوص ،فقال تعالى:
ّللا القلب الذي في داخل الجسم في صدره مصحفا وكتابا مرقوما ،تنظر فيه النفس فجعل ه
على قَ ْلبِ َك » *فظهر القرآن في قلبه صلهى ه
ّللا عليه وسلم على الناطقة ،فهذا قوله تعالى« َ
صورة لم يظهر بها في لسانه ،
ص 272
272
سده الخيال
ّللا جعل لكل موطن حكما ال يكون لغيره ،وظهر في القلب أحدي العين ،فج ه فإن ه
سمه ،فأخذه اللسان فصيره ذا حرف وصوت ،وقيد به سمع اآلذان ،ليترجم عن القرآن ، وق ه
ّللا ال عن الرحمن بما علمه الحق من البيان ،الذي لم يقبله إال اإلنسان ،فأبان أنه مترجم عن ه
،لما فيه من الرحمة والقهر والسلطان ،فقال تعالى ( :فَأ َ ِج ْرهُ َحتَّى يَ ْس َم َع َك َ
الم َّ ِ
ّللا (
ّللا عليه وسلم بلسانه أصواتا وحروفا ،سمعها األعرابي بسمع أذنه في ّللا صلهى ه
فتاله رسول ه
حال ترجمته ،فالكالم هّلل بال شك ،والترجمة للمتكلم به ،وال يزال القرآن ينزل على قلوب
ّللا عليه وسلم إلى يوم القيامة ،فنزوله في القلوب جديد ال يبلى ، أمة محمد صلهى ه
ّللا من حين نزوله يتلى حروفا وأصواتا إلى أن يرفع من فهو الوحي الدائم ،فال يزال كالم ه
الصدور ،ويمحى من المصاحف ،فال يبقى مترجم يقبل نزول القرآن عليه فال يبقى اإلنسان
المخلوق على الصورة« ِلت َ ُكونَ ِمنَ ْال ُم ْنذ ِِرينَ »أي المعلمين ،فذكر اإلنذار ،
وهكذا في قوله ( يلقي الروح على من يشاء من عباده لينذر ) من الزجر حيث ساق اإلعالم
بلفظة اإلنذار « ، » 1
فهو إعالم بزجر ،وهو البشير النذير ،والبشارة ال تكون إال عن إعالم ،فغلب في اإلنزال
الروحاني باب الزجر والخوف ،لما قام بالنفوس من الطمأنينة الموجبة إرسال الرسل ،
ّللا من نفوسهم راجعون . ليعلموهم أنهم عن الدنيا إلى اآلخرة منقلبون ،وإلى ه
ص 273
273
بغير لسانه ،ويعرف معاني ما يقرأ ،وإن كانت تلك األلفاظ ال يعرف معانيها في غير القرآن
،ألنها ليست بلغته ،ويعرفها في تالوته إذا كان ممن ينزل القرآن على قلبه عند التالوة .
ص 274
274
[سورة الشعراء ( : ) 26اآليات 215إلى ] 218
ص ْوكَ فَقُ ْل ِإ ِنّي بَ ِري ٌء ِم هما ت َ ْع َملُ َ
ون ( ين ( ) 215فَ ِإ ْن َ
ع َ ض َجنا َحكَ ِل َم ِن اتهبَعَكَ ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ َو ْ
اخ ِف ْ
ين تَقُو ُم ) ( 218 يم ( ) 217الهذِي يَراكَ ِح َ الر ِح ِيز ه علَى ا ْلعَ ِز ِ َ ) 216وت َ َو هك ْل َ
فيعلم حركاتك وسكناتك على التعيين والتفصيل ،وعم جميع أحوالك بقوله تعالى :
ص 275
275
فإن النظم المسمى شعرا من نفخ الشيطان .
[ سورة الشعراء ( : ) 26اآليات 225إلى ] 227
ون ( ) 226إِاله الهذ َ
ِين ون ما ال يَ ْفعَلُ َ ون ( َ ) 225وأَنه ُه ْم يَقُولُ َ أ َ لَ ْم ت َ َر أَنه ُه ْم فِي ُك ِ ّل وا ٍد يَ ِهي ُم َ
ِين َظلَ ُموا سيَ ْعلَ ُم الهذ َ ص ُروا ِم ْن بَ ْع ِد ما ُ
ظ ِل ُموا َو َ ت َوذَك َُروا ه َ
ّللا َكثِيرا َوا ْنت َ َ صا ِلحا ِ آ َمنُوا َوع َِملُوا ال ه
ون ) ( 227 ب يَ ْنقَ ِلبُ َ
ي ُم ْنقَلَ ٍ أَ ه
ّللا عليه وسلم لحسان بن ثابت ،لما أراد أن يهجو قريشا ينافح بذلك عن ّللا صلهى ه قال رسول ه
ّللا عليه ّللا صلهى ه ّللا عليه وسلم ،لما هجته قريش ،وهو منها ،وعلم رسول ه ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا ،لحسن وسلم أن الذي انبعث إليه حسان ابن ثابت من هجاء قريش أن ذلك مما يرضي ه
قصده في ذلك ،
ّللا عليه وسلم ذلك إال لما رأى روح القدس الذي يجيئه ،قد جاء إلى ّللا صلهى ه وما علم رسول ه
ّللا عليه ّللا صلهى ه حسان بن ثابت يؤيده من حيث ال يشعر ،ما دام ينافح عن عرض رسول ه
وسلم ،
ّللا عليه وسلم [ إني منهم ،فانظر ما تقول ،وكيف تقول ،وأت أبا ّللا صلهى ه فقال له رسول ه
ّللا عليه ّللا صلهى ه بكر فإنه أعرف باألنساب ] فيخبرك حتى ال تقول كالما يعود على رسول ه
وسلم ،فتكون قد وقعت فيما وقعوا فيه ،
وّللا ألسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ؛ ألنها ال يعلق بها فقال له حسان ابن ثابت :ه
ص ُروا ّللا َكثِيرا ً َوا ْنت َ َ ت َوذَ َك ُروا َّ َ صا ِلحا ِ شيء من العجين ،قال تعالى« ِإ َّال الَّذِينَ آ َمنُوا َو َ
ع ِملُوا ال َّ
ظ ِل ُموا »فلم يجعل الحق تعالى للشيطان على حسان سبيال ،فإنه كان ينافح بنظمه ِم ْن بَ ْع ِد ما ُ
ي سيَ ْعلَ ُم الَّذِينَ َ
ظلَ ُموا أ َ َّ ّللا عليه وسلم بتأييد الروح القدسي« َو َ ّللا صلهى ه عن عرض رسول ه
ّللا قط بالمآب إليه سوءا ّللا عنده حسن المآب ،وما قرن ه ب يَ ْنقَ ِلبُونَ »وغاية األمر أن ه ُم ْنقَلَ ٍ
ظلَ ُموا أ َ َّ
ي سيَ ْعلَ ُم الَّذِينَ َ تصريحا ،وغاية ما ورد في ذلك في معرض التهديد في الفهم األول« َو َ
ّللا ما لم يكونوا يحتسبون قبل المؤاخذة لمن غفر له ،وبعد ب يَ ْنقَ ِلبُونَ »فسيعلمون من كرم ه ُم ْنقَلَ ٍ
ّللا واسعة ،ونعمته سابغة جامعة ،وأنفس العالم فيها المؤاخذة النقطاعها عنهم ،فرحمة ه
طامعة ،ألنه كريم من غير تحديد ،ومطلق الجود من غير تقييد.
ص 276
276
) ( 27سورة النّمل مكيّة
الرحيم الرحمن ّ ّللا ّ
بسم ّ
[ سورة النمل ( : ) 27اآليات 1إلى ] 4
يم
الر ِح ِمن ه الرحْ ِ
ّللا ه
س ِم ه ِ بِ ْ
صالةَ ون ال هِين يُ ِقي ُم َ ين ( ) 2الهذ َ ين ( ُ ) 1هدى َوبُشْرى ِل ْل ُم ْؤ ِمنِ َ ب ُم ِب ٍآن َو ِكتا ٍ طس تِ ْلكَ آياتُ ا ْلقُ ْر ِ
ون ِب ْاآل ِخ َر ِة َزيهنها لَ ُه ْم أَعْمالَ ُه ْم
ِين ال يُ ْؤ ِمنُ َ الزكاةَ َو ُه ْم ِب ْاآل ِخ َر ِة ُه ْم يُوقِنُ َ
ون ( ِ ) 3إ هن الهذ َ ون ه َويُ ْؤت ُ َ
ون ) ( 4 فَ ُه ْم يَ ْع َم ُه َ
جاء الحق بنون الكناية عن نفسه في قوله «:زَ يَّنَّا » ،ونسب الحيرة إليهم بقوله« يَ ْع َم ُهونَ »أي
ّللا ،فهو تنبيه أن يعتقد ذلك ،وأنه بقضائه يحارون بهذا التزيين لمن ينسبونه ،فال فاعل إال ه
وقدره ،إذ كل شيء بيده.
ص 277
277
[ سورة النمل ( : ) 27آية ] 9
يز ا ْل َح ِكي ُم ( ) 9 يا ُموسى ِإنههُ أَنَا ه
ّللاُ ا ْلعَ ِز ُ
[ تجلى الحق لموسى عليه السالم في عين حاجته ]
فسبحان من عال في نزوله ،ونزل في علوه ،ثم لم يكن واحدا منهما ،ولم يكن إال هما ،ال
إله إال هو العزيز الحكيم ،فيعرف معرفة ال يشهد معروفها ،فإنه سبحانه تجلى لموسى عليه
السالم في عين حاجته ،فلم تكن نارا ،فال يرى الحق إال في االفتقار ،وال يتجلى إال في
صور االعتقادات وفي الحاجات ،وقلنا في ذلك من قصيدة لنا :كنار موسى يراها عين حاجته
* وهي اإلله ولكن ليس يدريه
ص 278
278
ّللا للمرسل إليهم على ّللا ،فمع الدالالت التي نصبها ه على صدق الرسل فيما أخبروا به عن ه
صدق رسله واستيقنوها ،حملهم سلطان الحسد الغالب عليهم ،أن يجحدوا ما هم به عالمون
موقنون بصدقهم ،من حيث الداللة ،ال من حيث نور اإليمان المقذوف في القلب ،فإنه لم
يحصل عندهم من ذلك النور شيء ،فعلم أن اإليمان ال تعطيه إقامة الدليل ،بل هو نور إلهي
ّللا في قلب من شاء من عباده ،وقد يكون عقيب الدليل ،وقد ال يكون هناك دليل أصال ، يلقيه ه
وهؤالء عرفوا الحق ،وجحدوا بما دلهم عليهم ،فهؤالء جاحدون معاندون ،ثم ذكر تعالى
علُ ًّوا »على من أرسل إليهم ،فاندرج في ذلك ظ ْلما ً »أي ظلموا بذلك أنفسهم« َو ُ العلة فقال ُ «:
ّللا من طلب علوا في األرض ،فإنه من رئاسة النفوس ،فقال «:فَا ْن ُ
ظ ْر ّللا فذم ه
علوهم على ه
ْف كانَ عاقِبَةُ ْال ُم ْف ِسدِينَ »ولما كان ال يلزم العالم بالحق اإلقرار به في الظاهر ،وإنما َكي َ
يستلزمه التصديق به في الباطن ،فهو مصدق به وإن كذهبه باللسان ،فقد عمل بما علم ،وهو
التصديق ،لكن ما كل عمل يعطي عموم النجاة ،بل يعطي من النجاة قدرا مخصوصا من
عموم أو خصوص .وأي آية كانت للعرب معجزة مثل القرآن ؟
تاب ِب ْال َح ه ِ
ق ). ّللا ن ََّز َل ْال ِك َ
وقد قال تعالى فيه (:ذ ِل َك ِبأ َ َّن َّ َ
ص 279
279
[ ال ترهب على الضعيف ]
ّللا ،فهم بين سائل في الصالح ،مثل سليمان
األنبياء وإن كانوا صالحين في نفس األمر عند ه
ّللا ،مثل يحيى وعيسى وإبراهيم ومحمد
عليه السالم ،ومشهود له به من الحق بشرى من ه
عليهم السالم ،فإن االسم الصالح من خصائص العبودية
ضاحكا ً ِم ْن قَ ْو ِلها »الضعيف الذي ليس له قوة مقاومتك ،ال ترهب عليه .
ِ -إشارة «-فَتَبَ َّ
س َم
ص 280
280
[ سورة النمل ( : ) 27آية ] 24
س ِبي ِل
ع ِن ال َّ ْطان أَعْمالَ ُه ْم فَ َ
ص َّد ُه ْم َ شي ُ ّللا َوزَ يَّنَ لَ ُه ُم ال َّ
ُون َّ ِ َو َج ْدتُها َوقَ ْو َمها يَ ْس ُجدُونَ ِلل َّ
ش ْم ِس ِم ْن د ِ
فَ ُه ْم ال يَ ْهتَدُونَ ) ( 24
ّللا وصراطه ،ولما كان الخبء النباتي تخرجه الشمس من فصدهم عن السبيل الذي هو قول ه
ّللا فيه من الرطوبة ،فجمع ّللا فيها من الحرارة ،ومساعدة الماء بما أعطى ه األرض بما أودع ه
بين الحرارة ومنفعل البرودة ،حتى ال تستقل الشمس بالفعل ،فظهرت الحياة في الحي
ّللا بإدراك المياه ،كان يرى للماء السلطنة العنصري ،وكان الهدهد -دون الطير -قد خصه ه
على بقية العناصر تعظيما لنفسه ،وحماية لمقامه ،حيث اختص بعلمه ليشهد له بالعلم بأشرف
األشياء ،حيث كان العرش المستوي عليه الرحمن على الماء ،فكان الهدهد يحامي عن مقامه
ّللا منه كل شيء ،ووجد قوما يعبدون الشمس ،وهي على النقيض من طبع الماء ،الذي جعل ه
حي ،وعلم أنه لوال حرارة الشمس ما خرج الخبء ،وأنها مساعدة للماء ،فأدركته الغيرة في
ّللا »ينبه على ُون َّ ِالمنافر فوشى إلى سليمان عليه السالم بعابديها ،وزاد للتغليظ بقوله ِ «:م ْن د ِ
موضع الغيرة ،والشمس وإن أخرجت خبء األرض بحرارتها ،فهي تخبأ الكواكب بإشراقها
،وتظهر المحسوسات األرضية بشروقها ،فلها حالة الخبء واإلظهار ،وبها حد الليل والنهار
،فزاحمت من يخرج الخبء في السماوات واألرض ،ويعلم ما يخفون وما يعلنون ،فابتلى
ّللا الماء فأصبح غورا ،وابتلى الشمس فأمست آفلة ،وفجر العيون فأظهر خبء الماء ،وفار ه
التنور فأظهر خبء الشمس ،فأخرج الخبء في السماوات واألرض فقال الهدهد .
ص 281
281
السماوات ،وهو إخراجه ما ظهر من الكواكب بعد أفولها وخبئها ،ثم يظهرها طالعة من ذلك
ض » ما يخرجه من نباتها ،فالشمس ليس لها ذلك ،بل لظهورها يكون الخبء وفي « ْاأل َ ْر ِ
فاّلل أولى بأن يسجد له من سجودكم للشمس ،فإن خبء ما في السماوات من الكواكب ،ه
ّللا في ّللا كحكم الكواكب في األفول والطلوع ،فطلوعها من الخبء الذي يخرجه ه حكمها عند ه
السماء ،مثل سائر الكواكب .
[ سورة النمل ( : ) 27آية ] 26
يم ) ( 26 ب ا ْلعَ ْر ِش ا ْلعَ ِظ ِّللاُ ال ِإلهَ ِإاله ُه َو َر ُّ
ه
فوسع كل شيء رحمة وعلما ،واستوى على العرش العظيم ،إذ حكم على فلك الشمس بدورته
،وعلى الماء باستقراره وجريته ،فهما في كل درجة في خبء وظهور ،فو هحده الظهور
ّللاُ ال ِإلهَ
بظهوره ،وو هحده الخبء بسدل ستوره ،فعلم سبحانه ما يخفون وما يعلنون ،فهو« َّ
ِإ َّال ُه َو َربُّ ْالعَ ْر ِش ْالعَ ِظي ِم » .وهذا هو التوحيد الثاني والعشرون في القرآن ،
[ توحيد الخبء ]
وهو توحيد الخبء ،وهو من توحيد الهوية ،والسجدة مختلف في موضعها ،فقيل :عند
قوله« ت ُ ْع ِلنُونَ »وقيل :عند قوله« َربُّ ْالعَ ْر ِش ْالعَ ِظ ِيم »وهي سجدة رجحان ،فإن الدليل هنا
ّللا أرجح منه في الداللة على ألوهة الشمس حين اتخذتموها إلها لما ذكرناه . في جناب ه
ص 282
282
الواصل إلى الملك ،خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرفاتهم ،فال يتصرفون إال في أمر
إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التصرف ،فلو تعين على يد من تصل األخبار
إلى ملكهم لصادقوه وأعظموا له الرشا حتى يفعلوا ما يريدون ،وال يصل ذلك إلى ملكهم ،
ُ
ي »ولم تسم من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها فكان قولها« أ ْل ِق َ
ي ِإلَ َّ
تاب َك ِري ٌم »أي يكرم عليها .
وخواص مدبريها ،وبهذا استحقت التقدم عليهم« ِك ٌ
ص 283
283
ب " وهو آصف بن برخيا ] [ " قا َل الَّذِي ِع ْن َدهُ ِع ْل ٌم ِمنَ ْال ِكتا ِ
ب »وهو آصف بن برخيا ،وكان يعلم االسم األعظم ،الذي " قا َل الَّذِي ِع ْن َدهُ ِع ْل ٌم ِمنَ ْال ِكتا ِ
يفعل بالخاصية ،ولوال الكتاب ما علم ذلك ،
ط ْرفُ َك »فظهر بهذا األمر تعظيمايك بِ ِه قَ ْب َل أ َ ْن يَ ْرت َ َّد ِإلَي َْك َ
قال لسليمان عليه السالم «:أَنَا آتِ َ
لقدر سليمان عليه السالم عند أهل بلقيس وسائر أصحابه وما طوي عن سليمان عليه السالم
العلم بهذا االسم ،وإنما طوي عنه اإلذن في التصرف به ،تنزيها لمقامه ،فإنه رسول
مصرف العين إلى من أرسل إليه ،فما ظهر آصف بالقوة على اإلتيان بالعرش دون سليمان
عليه السالم إال ليعلم الحق أن شرف سليمان عظيم ،إذ كان لمن هو حسنة من حسناته هذا
القدر ،فكان ذلك من آصف بن برخيا إعالم الغير ،بأن التلميذ التابع ،إذا كان أمره بهذه
المثابة ،فما ظنك بالشيخ ؟ فيبقى قدر الشيخ مجهوال في غاية التعظيم ،فلو ظهر على سليمان
عليه السالم هذا الفعل ،لتوهم أن هذا غايته ،وظهور هذا الفعل على يد صاحبه أتم في حقه ،
إذ كان هذا التابع مصدقا به ،وقائما في خدمته بين يديه تحت أمره ونهيه ،فيزيد المطلوب
رغبة في هذا الرسول ،إذا رأى بركته قد عادت على تابعيه ،فيرجو هذا الداخل أن يكون له
بالدخول في أمره ما كان لهذا التابع ،والنفس مجبولة على الطمع ،وحب الرئاسة والتقدم«
ط ْرفُ َك »فإنه معلوم بالقدر الزماني ،أن رجوع الطرف إلى الناظر به أسرع قَ ْب َل أ َ ْن يَ ْرت َ َّد ِإلَي َْك َ
من قيام القائم من مجلسه ،ألن حركة البصر في اإلدراك إلى ما يدركه أسرع من قيام حركة
الجسم فيما يتحرك منه ،فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر عين الزمان الذي يتعلق بمبصره
مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور ،فإن زمان فتح البصر زمان تعلقه بفلك الكواكب الثابتة
،وزمان رجوع طرفه إليه هو عين زمان عدم إدراكه ،والقيام من مقام اإلنسان ليس كذلك ،
أي ليس له هذه السرعة.
ص 284
284
[ سورة النمل ( : ) 27اآليات 41إلى ]42
ُون ( ) 41فَلَ هما جا َءتْ ِقي َل أ َ ُون ِم َن الهذ َ
ِين ال يَ ْهتَد َ ظ ْر أ َ ت َ ْهتَدِي أ َ ْم تَك ُ قا َل نَ ِ ّك ُروا لَها ع َْرشَها نَ ْن ُ
هكَذا ع َْرش ُِك قالَتْ كَأَنههُ ُه َو َوأُوتِينَا ا ْل ِع ْل َم ِم ْن قَ ْب ِلها َو ُكنها ُم ْ
س ِل ِم َ
ين ) ( 42
ش ِك ؟ع ْر ُلما قامت لبلقيس شبهة بعد المسافة ،وقيل لها« أ َ ه َكذا َ
ت َ :كأَنَّهُ ُه َو »وما كان إال هو ،ولكن حجبها بعد المسافة ،وحكم العادة ،وجهلها بقدر قالَ ْ
سليمان عليه السالم عند ربه ،فهذا حجبها أن تقول :هو هو ؛
فقالت َ «:كأَنَّهُ ُه َو » وهو هو ،فجهلها أدخل كاف التشبيه فما شبهته إال بنفسه وعينه ال بغيره
،وإنما شوش عليها بعد المسافة المعتاد ،ولو شاهدت االقتدار اإللهي لعلمت أنه هو ،كما كان
هو من غير زيادة ،
فقولهاَ " :كأَنَّهُ ُه َو " حصل لها من وقوفها مع الحركة المعهودة في قطع المسافة البعيدة ،
وعلمت بعد ذلك أنه هو ال غيره ،وهذا القول الذي صدر منها يدل عندي أنها لم تكن كما قيل
متولدة بين اإلنس والجان ،إذ لو كانت كذلك لما بعد عليها مثل هذا ،من حيث علمها بأبيها ،
وما تجده من نفسها من القوة على ذلك ،حيث كان أبوها من الجان على ما قيل .فهذا شهود
حاصل ،وعين مشهودة ،وعلم ما حصل ،ألن متعلق العلم المطلوب هنا إنما هو نسبة هذا
العرش المشهود إليها كما هو في نفس األمر ،ولم تعلم ذلك .
ص 285
285
سلَيْمانَ »فما يمر بشيء من العقائد إال مرت به فكان إسالم بلقيس إسالم سليمان إذ قالت« َم َع ُ
معتقدة ذلك
[ -إشارة -لما قالت بلقيس في عرشها " َكأَنَّهُ ُه َو " ]
-إشارة -لما قالت بلقيس في عرشها« َكأَنَّهُ ُه َو »عثور على علمها بتجديد الخلق في كل
زمان فأتت بكاف التشبيه ،وأراها صرح القوارير كأنه لجة ،وما كان لجة ،كما أن العرش
المرئي ليس عين العرش من حيث الصورة لقول سليمان عليه السالم« نَ ِ هك ُروا لَها َ
ع ْرشَها »،
والجوهر واحد ،وهذا سار في العالم كله أي تجديد الخلق مع األنفاس
ع ْن ساقَيْها " ]
ت َشف َ ْ
[ -إشارة – " َو َك َ
ع ْن ساقَيْها »أي بينت أمرها ،ومنه كشف عن ساق األمر . ت َ شف َ ْ
-إشارة َ «-و َك َ
ص 286
286
ّللا ،ولم يزل اسم المكر عن الذي أقام على األمر الذي كان ال يشعر به أنه مكر ّللا مكر من ه
ه
ّللا في إقامته على ذلك األمر في حقه ،ثم قد يمكر بهم بأمر زائد على مكرهم ،فإنه من ه
أرسله سبحانه نكرة فقال َ ":و َم َك ْرنا َم ْكرا ً " فدخل فيه عين مكرهم ،ومكر آخر زائد على
مكرهم ،ومن المكر اإللهي ما يقصد به ضرر العبد ،ومنه ما ال يقصد به ضرر العبد ،وإنما
يكون لحكمة أخرى ،يكون فيها سعادة العبد ،فإنه لوال المكر الخفي لما صح تكليف ،وال
ّللا إياه األعمال والسمع
ّللا المحمود في الممكور به ،تكليف ه طلب جزاء ،فإنه من مكر ه
ّللا ال
والطاعة له فيما كلف به ،واألمر يعطي في نفسه أن األعمال خلق هّلل في العبد ،وأن ه
يكلف نفسه ،وليس العامل إال هو وهذا قد شعر به بعض الناس ،وأقاموا على العمل وثابروا
عليه ،أعني عمل الخيرات
[ -نصيحة -من اعتمد على غير الحق ،جعل نصرته فيه مكرا من حيث ال يشعر ]
-نصيحة -من اعتمد على غير الحق ،جعل نصرته فيه مكرا من حيث ال يشعر .
ص 287
287
ّللا عليه وسلم في ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ )وقوله صلهى هاألمور ،كما ورد أن آخر دعواهم( أ َ ِن ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
الحمد :إنهها تمأل الميزان ،أي هي آخر ما يجعل في الميزان ،وذلك ألن التحميد يأتي عقيب
األمور ،ففي السراء يقال :الحمد هّلل المنعم المفضل ،
ّللا ،وهو على قسمين ، وفي الضراء يقال :الحمد هّلل على كل حال ؛ والحمد هو الثناء على ه
ثناء عليه بما هو له ،كالتسبيح والتكبير والتهليل ،وثناء عليه بما يكون منه ،وهو الشكر على
ّللا ،فإنه المثني على ما أسبغ من اآلالء والنعم ،وله العواقب فإن مرجع الحمد ليس إال إلى ه
العبد والمثنى عليه ،
ّللا عليه وسلم [ :أنت كما أثنيت على نفسك ] وهو قوله صلهى ه
وهو الذي أثنى به العبد عليه ،فرد الثناء له من كونه مثنيا اسم فاعل ،ومن كونه مثنيا عليه
ّللا
اسم مفعول ،فعاقبة الحمد في األمرين له تعالى .وتقسيم آخر ،وهو أن الحمد يرد من ه
مطلقا ومقيدا في اللفظ ،وإن كان مقيدا بالحال ،فإنه ال يصح في الوجود إطالق فيه ،ألنه ال
بد من باعث على الحمد ،وذلك الباعث هو الذي قيده وإن لم يتقيد لفظا " [،قُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل " ]
ّلل »فلم يقيد ،وأما المقيد فال بد أن يكون مقيدا بصفة فعل ، كأمره في قوله تعالى «:قُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
كقوله ( الحمد هّلل الذي خلق السماوات واألرض )
تاب )( والحمد هّلل فاطر السماوات ) وقد يكون مقيدا ع ْب ِد ِه ْال ِك َ على َ ّلل الَّذِي أ َ ْنزَ َل َوكقوله( ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّلل الَّذِي لَ ْم يَت َّ ِخ ْذ َولَدا ً ). بصفة تنزيه ،كقوله( ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
واعلم أن الحمد لما كان يعطي المزيد للحامد ،علمنا أن الحمد بكل وجه شكر ،كذلك ما
ّللا ،وال نحمده إال بما
أعطى المزيد من األذكار فهو شكر ،فهو حمد كله ،ألنه ثناء على ه
أعلمنا أن نحمده به ،فحمده مبناه على التوقيف ،وقد خالفنا في ذلك جماعة من علماء الرسوم
،ال من العلماء اإللهيين ،فإن التلفظ بالحمد على جهة القربة ال يصح إال من جهة الشرع ،فال
يتمكن أن يقال على جهة القربة وإن عقل أنه خير إال حتى يقول الحق اذكروني ،فإما أن
يطلق بكل ذكر ينسب إليه الحسن في العرف ،وهو من مكارم األخالق ،وإما أن يقيده فيعين
ّللا بما هو فاعل ثناء عرفي يثني به المخلوق على الخالق ،ما لم ينه
ذكرا خاصا فالثناء على ه
عنه إذا كان ذلك الثناء مما يعظم في العالم ،فقد يكون من حيث ما هو فاعل وليس بعظيم في
العالم ،فإذا ذكر بما هذا مثله نكر ،ومثاله أن يقول :الحمد هّلل خالق كل شيء ،فيدخل فيه كل
ه
معظم ومحقهر ،ومثال المعظم في العرف أن تقول :الحمد هّلل الذي خلق السماوات ، مخلوق
ومثل ذلك ،وال ينبغي أن يعين في الثناء خلق المحقر عرفا ،والمستقذر طبعا ،وإن دخل في
عموم كل
ص 288
288
شيء ،ولكن إذا عين ال يقتضيه األدب بل ينسب معيهنه إلى سوء األدب ،أو فساد العقيدة ،مع
صحة ذلك ،والكل منه ونعمته ،ولوال حقارة ذلك بالعرف لم نقل به ،فإني ما أرى شيئا ليس
ّللا به حيث أبرزه في الوجود ،فأعطاه الخير ،فليس عندي بعظيم ،ألني انظر بعين اعتناء ه
عندنا أمر محتقر ،فالكل نعمته ظاهرة وباطنة ،فظاهرة ما شوهد منها ،وباطنة ما علم ولم
ّللا وأهل النظر المستقيم مما ليس
يشهد ،وظاهرة التعظيم عرفا ،وباطنة التعظيم عند أهل ه
طفى »االصطفاء ال يكون إال بعد الخلق ،فإنه على ِعبا ِد ِه الَّذِينَ ا ْ
ص َ سال ٌم َ
بعظيم في الظاهر« َو َ
ما كل خلق مصطفى ،كما أنه ما كل مصطفى نبي ،وكل نبي مصطفى ،والمصطفون
بمنزلة الصفي من المغنم ،وهم نصيب الحق من الخلق .
ص 289
289
االختيار من المختار اضطراريا ،أي ال بد أن يكون مختارا ،فاالضطرار أصل ثابت ال يندفع
يصحب االختيار ،وال يحكم على االضطرار االختيار ،فالوجود كله في الجبر الذاتي ،ال أنه
مجبور بإجبار من غير ،فإن المجبر للمجبور -الذي لوال جبره لكان مختارا -مجبور في
اختياره لهذا المجبور.
ص 290
290
كون القرآن هدى من ك هل آية محكمة ،وكل نص ورد في القرآن مما ال يدخله االحتمال ،وال
يفهم منه إال الظاهر بأول وهلة ،
صاص َحياة ٌ )
ِ ُون )وقوله( َولَ ُك ْم فِي ْال ِق
س إِ َّال ِليَ ْعبُد ِ مثل قوله َ (:وما َخلَ ْقتُ ْال ِج َّن َو ْ ِ
اإل ْن َ
علَى َّ ِ
ّللا ) صلَ َح فَأ َ ْج ُرهُ َ
عفا َوأ َ ْ وقوله( فَ َم ْن َ
وأمثال هذه اآليات مما ال يحصى كثرة« َو َر ْح َمةٌ ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ » *أما كونه رحمة فلما فيه مما
أوجبه الحق على نفسه من الوعد لعباده بالخير والبشرى ،
طوا ِم ْن َر ْح َم ِة َّ ِ
ّللا ) مثل قوله (:ال ت َ ْقنَ ُ
الر ْح َمةَ ) وكل آية رجاء . على نَ ْف ِس ِه َّ ب َربُّ ُك ْم َ وقوله َ ( :كت َ َ
ص 291
291
فال يغضب لذلك االسم ،ألنه يعلم أنه مكتوب في جبينه كتابة ال يمكنه إزالتها ،فيقول الكافر
للمؤمن :نعم أو ال في قضاء ما طلب منه ،بحسب ما يقع ،فكالمها المنسوب إليها ما هو في
العموم سوى ما وسمت به الوجوه بنفختها ،
وإن كان لها كالم مع من يشاهدها أو يجالسها من أي أهل لسان كان ،فهي تكلمه بلسانه من
عرب أو عجم ،
على اختالف اصطالحاتهم ،يعلم ذلك كله ،وقد جاء حديثها في الخبر الصحيح الذي ذكره
مسلم في حديث الدجال ،
حين دلت تميما الداري عليه ،وقالت له :إنه إلى حديثك باألشواق ،وهي اآلن في جزيرة في
البحر الذي يلي جهة الشمال ،وهي الجزيرة التي فيها الدجال ،ثم أخبر تعالى أن طائفة من
العباد ال توقن بذلك وتخرجه بالتأويل عن ظاهره فقال «:أ َ َّن النَّ َ
اس كانُوا بِآياتِنا ال يُوقِنُونَ »
أي ال يستقر اإليمان باآليات التي هذه اآليات منها في قلوبهم ،بل يقبلون ذلك إيمانا ،وطائفة
منهم تتأول ذلك على غير الوجه الذي قصد له .
ص 292
292
االعتدال والثبات والسكون ،غير أن لهم سرعة الحركات في الباطن في كل نفس« َوت َ َرى
ب ».
سحا ِ جام َدة ً َو ِه َ
ي ت َ ُم ُّر َم َّر ال َّ ْال ِجبا َل ت َ ْح َ
سبُها ِ
ص 293
293
ففصل اللسان اآليات وتال بعضها بعضا ،فيسمى اإلنسان تاليا من حيث لسانه ،فإنه المفصل
لما أنزل مجمال .
ص 294
294
تعالى في وحيه هذا إلى أم موسى عليه السالم عند الخوف أن تلقيه من يدها وتخرجه عن
ّللا تعالى يتواله بحفظه ويبقيه برحمته ،أال ترى إلى قوله تعالى( َحتَّى ِإذا أ َ َخذَ ِ
ت حفظها ،فإن ه
علَيْها أَتاها أ َ ْم ُرنا ) اآلية ،فعند زعم القدرة
ظ َّن أ َ ْهلُها أَنَّ ُه ْم قاد ُِرونَ َ
َت َو َ ْاأل َ ْر ُ
ض ُز ْخ ُرفَها َو َّ
ازيَّن ْ
عليها أخذت وزالت .
ّللا حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ، علَ ْي ِه ْال َم ِ
راض َع »ثم إن ه « َو َح َّر ْمنا َ
ّللا لها سرورها به. ليكمل ه
295
295
[سورة القصص ( : ) 28آية ] 13
ق َول ِك هن أ َ ْكث َ َر ُه ْم ال يَ ْعلَ ُم َ
ون ( ع ْينُها َوال تَحْ َز َن َو ِلت َ ْعلَ َم أ َ هن َو ْع َد ه ِ
ّللا َح ٌّ فَ َر َددْنا ُه ِإلى أ ُ ِ ّم ِه َك ْي تَقَ هر َ
) 13
ع ْينُها »بتربيته وتشاهد انتشاءه في حجرها« َوال ت َ ْحزَ نَ ». « فَ َر َد ْدناهُ ِإلى أ ُ ِ هم ِه َك ْي تَقَ َّر َ
ص 296
296
الظهير المعين ،وهو خبير بمن هو له نصير .
ص 297
297
لما علم موسى عليه السالم قدر النساء ومنزلتهن استأجر نفسه في مهر امرأة عشر سنين ،
وأعني بالنساء األنوثة السارية في العالم ،وكانت في النساء أظهر.
ص 298
298
[ سورة القصص ( : ) 28آية ] 30
ش َج َر ِة أ َ ْن يا ُموسى ِإ ِنّي أ َنَا شاط ِئ ا ْلوا ِد ْاأل َ ْي َم ِن ِفي ا ْلبُ ْقعَ ِة ا ْل ُم َ
بار َك ِة ِم َن ال ه ِ فَلَ هما أَتاها نُود َ
ِي ِم ْن
ين ) ( 30 ب ا ْلعالَ ِم َ
ّللاُ َر ُّ
ه
فثبته الخطاب األول بالنداء ألنه خرج على أن يقتبس نارا أو يجد على النار هدى ،وهو قوله
(:لَعَ ِلهي آتِي ُك ْم ِم ْنها ِب َخبَ ٍر ) أي من يدله على حاجته ،فكان منتظرا للنداء ،قد هيأ سمعه
وبصره لرؤية النار ،وسمعه لمن يدله عليها فالشجرة ظهر النور فيها للمكلهم موسى عليه
السالم ،فإنه كان طلب موسى عليه السالم النار ألهله ،ليصلح به عيشهم ،ونودي في شجرة
واديه ،من التشاجر ،وهو مقام تداخل المقامات ،ألنه مشهد للكالم ،والكالم متداخل المعاني
على كثرتها ،فأشبه الشجرة ،فنودي من الشجرة وفي النار ألنها مطلوبه ،فال يتغير عليه
الحال ،فيسرع باإلجابة من غير انتقال من حال إلى حال ،فإن النار تراءت له متعلقة
بالشجرة ،وأهل الكشف الذين يرون الوجود هّلل بكل صورة ،جعلوا الشجرة هي صورة
المتكلم ،كما كان الحق لسان العبد وسمعه وبصره بهويته ال بصفته ،كما يظهر في صورة
تنكر ويتحول إلى صورة تعرف ،وهو هو ال غيره ،إذ ال غير ،فما تكلم من الشجرة إال
الحق فالحق صورة شجرة ،وما سمع من موسى إال الحق فالحق صورة موسى من حيث هو
سامع ،كما هو الشجرة من حيث هو متكلم ،والشجرة شجرة وموسى موسى ال حلول ،ألن
الشيء ال يحل في ذاته ،فإن الحلول يعطي ذاتين ،
ّللا بالوحي كأنه سلسلة على صفوان وهنا إنما هو حكمان -مسئلة -إن المالئكة إذا تكلم ه
ّللا عليه وسلم كان إذا أنزل عليه الوحي كسلسلة على ّللا صلهى ه تصعق المالئكة ،ورسول ه
صفوان يصعق ،
وهو أشد الوحي عليه ،فينزل جبريل على قلبه فيفنى عن عالم الحس ويرغو ويسجى إلى أن
يسرى عنه ،وإنه لينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيتفصد جبينه عرقا ،وموسى
ّللا تكليما بارتفاع الوسائط ،وما صعق وال زال عن حسه ،وقال ّللا عليه وسلم كلمه ه صلهى ه
وقيل له ،وهذا المقام أعظم من مقام الوحي بوساطة الملك ،فهذا الملك يصعق عند الكالم ،
وهذا أكرم البشر يصعق عند نزول الروح بالوحي ،وهذا موسى لم يصعق وال جرى عليه
شيء مع ارتفاع الوسائط ،وصعق لذلك الجبل ؟
اعلم أن موسى لما جاءه النداء بأمر مناسب لم ينكره وثبت ،فلما علم أن المنادي ربه وقد
صح له الثبوت ،وجاء النداء من خارج ال من نفسه ثبت ليوفي األدب حقه في
ص 299
299
االستماع ،فإنه لكل نوع من التجلي حكم ،وحكم نداء هذا التجلي التهيؤ لسماع ما يأتي به ،
فلم يصعق وال غاب عن شهوده ،فإنه خطاب مقيد بجهة ،مسموع بأذن ،وخطاب تفصيلي ،
فالمثبت لإلنسان على حسه وشهود محسوسه قلبه المدبر لجسده ،ولم يكن لهذا الكالم اإللهي
الموسوي توجه على القلب ،فليس للقلب هنا إال ما يتلقاه من سمعه وبصره وقواه حسبما جرت
به العادة ،فلم يتعد الحال حكمه في موسى عليه السالم ،وأما أمر محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم
فهو نزول قلبي وخطاب إجمالي كسلسلة على صفوان ،فاجعل بالك لهذا التشبيه ،فاشتغل
القلب بما نزل إليه ليتلقاه ،فغاب عن تدبير بدنه ،فسمي ذلك غشيا وصعقا ،وكذلك المالئكة .
ص 300
300
[ سورة القصص ( : ) 28اآليات 35إلى ] 38
ون ِإلَ ْيكُما ِبآيا ِتنا أ َ ْنتُما َو َم ِن اتهبَعَ ُك َما س ْلطانا فَال يَ ِصلُ َ ضدَكَ ِبأ َ ِخيكَ َونَجْ عَ ُل لَكُما ُ ع ُش ُّد َ سنَ ُقا َل َ
س ِم ْعنا ت قالُوا ما هذا إِاله سِحْ ٌر ُم ْفتَرى َوما َ ون ( ) 35فَلَ هما جا َء ُه ْم ُموسى بِآياتِنا بَ ِيّنا ٍ ا ْلغا ِلبُ َ
ين ( َ ) 36وقا َل ُموسى َر ِبّي أ َ ْعلَ ُم بِ َم ْن جا َء بِا ْل ُهدى ِم ْن ِع ْن ِد ِه َو َم ْن تَك ُ
ُون بِهذا فِي آبائِنَا ْاأل َ هو ِل َ
ع ِل ْمتُ لَ ُك ْم ِم ْن ِإل ٍه ون ( َ ) 37وقا َل فِ ْرع َْو ُن يا أَيُّ َها ا ْل َم ََل ُ ما َ ظا ِل ُم َ لَهُ عاقِبَةُ الد ِهار ِإنههُ ال يُ ْف ِل ُح ال ه
ظنُّهُط ِل ُع ِإلى ِإل ِه ُموسى َو ِإ ِنّي َأل َ ُ ص ْرحا لَعَ ِلّي أ َ هين فَاجْ عَ ْل ِلي َ ط ِعلَى ال ِ ّ هامان َُ غ ْي ِري فَأ َ ْوقِ ْد ِلي يا َ
ين ) ( 38 ِم َن ا ْلكا ِذ ِب َ
ع ِل ْمتُ لَ ُك ْمباّلل ،لكن الرئاسة وحبها غلب عليه في دنياه قال «ما َ لما كان عند فرعون علم ه
»ولم يقل ( ما علمت للعالم ) لما علم أن قومه يعتقدون فيه أنه إله لهم ،فأخبر بما هو األمر
عليه وصدق في إخباره بذلك ،فإنه علم أنه ليس في علمهم أن لهم إلها غير فرعون ،لذلك
ّللا ،فإنه ادعى غي ِْري »أي في اعتقادكم ،وهو على أي حال قد تكبر على ه قال« ِم ْن ِإل ٍه َ
ّللا بقوله لقومه( أَنَا َربُّ ُك ُم ْاألَعْلى )وما في علمي أن أحدا يقع منه هذا الربوبية لنفسه ونفاها عن ه
علَى القول وهو يجوع ويغوط وأمثال هذا إال فرعون ل هما استخف قومه« فَأ َ ْو ِق ْد ِلي يا ه ُ
امان َ
ّللا الذي يدعو إليه موسى ط ِل ُع إِلى إِل ِه ُموسى »ولم يقل إلى ه ص ْرحا ً لَعَ ِلهي أ َ َّاجعَ ْل ِلي َ ين فَ ْ ِه
الط ِ
ّللا أن يطلق على أحد وما عصم إطالق إله فجعل قوله« ما ّللا عصم لفظ ه عليه السالم ،فإن ه
ط ِل ُع ِإلى ِإل ِه ُموسى َو ِإ ِنهي غي ِْري »ظنا بعد شك أو إثباتا في قوله «:لَعَ ِلهي أ َ َّ ع ِل ْمتُ لَ ُك ْم ِم ْن ِإل ٍه َ َ
ظنُّهُ ِمنَ ْالكا ِذ ِبينَ ». َأل َ ُ
ص 301
301
فإن قيل كيف جعلهم أئمة وقد قال إلبراهيم عليه السالم لما سأله( َو ِم ْن ذُ ِ هريَّ ِتي )قال تعالى له(
الظا ِل ِمينَ )؟ ع ْهدِي َّ
ال يَنا ُل َ
[ أن من نصبه الناس إماما فأئمتهم رجالن :ظالم وعادل ]
فاعلم أن من نصبه الناس إماما فأئمتهم رجالن :ظالم وعادل ،فالعادل هو الذي يقوم فيهم
ّللا ،وهم أئمة الهدى الذين بسنة نبيهم وهديه ،ويسلك بهم أوامر الحق المشروع لهم من عند ه
ّللا ،وطائفة أخرى نصبهم الناس فظلموا وضلوا يأمرون بالقسط من الناس فهم ممن ينال عهد ه
ّللا بحكم تعيينهم باألمر بالتقدم ،ولكن وأضلوا وعدلوا عن الحق ،فهؤالء الذين لم ينالوا عهد ه
ار » بقضائنا ال بأمرنا« َويَ ْو َم ْال ِقيا َم ِة ال
قال تعالى فيهم« َو َجعَ ْلنا ُه ْم أَئِ َّمةً يَ ْدعُونَ إِلَى النَّ ِ
ص ُرونَ ». يُ ْن َ
ص 302
302
[ سورة القصص ( : ) 28اآليات 47إلى ] 55
سوال فَنَت ه ِب َع آيا ِتكَ ِيه ْم فَيَقُولُوا َربهنا لَ ْو ال أ َ ْر َ
س ْلتَ ِإلَ ْينا َر ُ َولَ ْو ال أ َ ْن ت ُ ِصيبَ ُه ْم ُم ِصيبَةٌ ِبما قَ هد َمتْ أ َ ْيد ِ
يي ِمثْ َل ما أُوتِ َق ِم ْن ِع ْندِنا قالُوا لَ ْو ال أُوتِ َ ين ( ) 47فَلَ هما جا َء ُه ُم ا ْل َح ُّ ُون ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
َونَك َ
ون (ران تَظا َهرا َوقالُوا إِنها بِ ُك ٍ ّل كافِ ُر َ ي ُموسى ِم ْن قَ ْب ُل قالُوا سِحْ ِ ُموسى أ َ َولَ ْم يَ ْكفُ ُروا بِما أُوتِ َ
ين ) ( 49فَ ِإ ْن لَ ْم ّللا ُه َو أ َ ْهدى ِم ْن ُهما أَت ه ِب ْعهُ ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِ َ ب ِم ْن ِع ْن ِد ه ِ ) 48قُ ْل فَأْتُوا ِب ِكتا ٍ
ّللا ِإ هن ه َ
ّللا ض ُّل ِم هم ِن اتهبَ َع َهواهُ ِبغَ ْي ِر ُهدى ِم َن ه ِ ون أ َ ْهوا َء ُه ْم َو َم ْن أ َ َ ست َ ِجيبُوا لَكَ فَا ْعلَ ْم أَنهما يَت ه ِبعُ َ يَ ْ
ون ) ( 51 ص ْلنا لَ ُه ُم ا ْلقَ ْو َل لَعَله ُه ْم يَتَذَك ُهر َين ( َ ) 50ولَقَ ْد َو ه ظا ِل ِم َال يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ال ه
قعلَ ْي ِه ْم قالُوا آ َمنها بِ ِه إِنههُ ا ْل َح ُّ
ون ( َ ) 52وإِذا يُتْلى َ تاب ِم ْن قَ ْب ِل ِه ُه ْم بِ ِه يُ ْؤ ِمنُ َ ِين آت َ ْينا ُه ُم ا ْل ِك َ
الهذ َ
صبَ ُروا َويَد َْرؤ َ
ُن ين ( ) 53أُولئِكَ يُ ْؤت َ ْو َن أَجْ َر ُه ْم َم هرت َ ْي ِن بِما َ س ِل ِم َِم ْن َر ِبّنا إِنها ُكنها ِم ْن قَ ْب ِل ِه ُم ْ
ع ْنهُ َوقالُوا لَنا س ِمعُوا الله ْغ َو أَع َْرضُوا َ ون ) َ ( 54وإِذا َ س ِيّئَةَ َو ِم هما َر َز ْقنا ُه ْم يُ ْن ِفقُ َ سنَ ِة ال هِبا ْل َح َ
ين ( (55 علَ ْي ُك ْم ال نَ ْبت َ ِغي ا ْلجا ِه ِل َ سال ٌم َ أَعْمالُنا َولَ ُك ْم أَعْمالُ ُك ْم َ
علَ ْي ُك ْم ال نَ ْبت َ ِغي ْالجا ِه ِلينَ " سال ٌم َ " َوقالُوا لَنا أَعْمالُنا َولَ ُك ْم أَعْمالُ ُك ْم َ
لما يئسوا من إرشادهم وفالحهم سلموا األمر إليه ،واشتغلوا بما يزلفهم لديه ،فأعرضوا شرعا
وسلموا حقيقة ،فأثنى الحق تعالى عليهم لنقتدي بهم ونعرف أنا إذا سلكنا مسلكهم كان لنا
نصيب من ذلك الثناء.
ص 303
303
[ سورة القصص ( : ) 28آية ] 56
ِين ) ( 56 ّللا يَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء َو ُه َو أ َ ْعلَ ُم ِبا ْل ُم ْهتَد َ
ِإنهكَ ال ت َ ْهدِي َم ْن أَحْ بَ ْبتَ َول ِك هن ه َ
ّللا عليه وسلم بعمه أبي طالب أن يؤمن فلم يفعل ،ونفذت فيه ّللا صلهى ه لقد حرص رسول ه
ّللا عليه وسلم« ِإنَّ َك ال ت َ ْهدِي َم ْن أ َ ْحبَب َ
ْت ّللا وحكمه ،وقال تعالى لنبيه صلهى ه سابقة علم ه
باّلل ،ال الهدى بمعنى البيان ،فالهدى »المقصود بالهدى هنا الهدى التوفيقي ،وما توفيقي إال ه
ّللا يَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء »وهو الذي يعطي السعادة لمن قام به ،فهو اختصاص من التوفيقي« َول ِك َّن َّ َ
ص ِب َر ْح َم ِت ِه َم ْن يَشا ُء « َو ُه َو أ َ ْعلَ ُم ِب ْال ُم ْهتَدِينَ » *أي بالقابلين للتوفيق ّللا( يَ ْخت َ ُّ
ه
[ -تحقيق -ال يصح أن يكون كالم اإلنسان مؤثرا في األشياء مطلقا في هذه الدار ،بل محله
الجنان ]
-تحقيق -ال يصح أن يكون كالم اإلنسان مؤثرا في األشياء مطلقا في هذه الدار ،بل محله
ّللا الجنان ،فإنه ال أكبر من محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم وقد قال لعمه أبي طالب :قل ال إله إال ه
ّللا ) في محل المأمور ،وإن كان على بصيرة فيه ، ،فما ظهرت عن نشأة أمره ( ال إله إال ه
ولكنه مأمور أن يأمر ،وهو حريص على األمة ،
ْت »أي إنك ال تقدر على من تريد أن تجعله محالفكان قوله تعالى ِ «:إنَّ َك ال ت َ ْهدِي َم ْن أ َ ْحبَب َ
لظهور ما تريد إنشاءه فيه أن يكون محال لوجود إنشائك فيه ،فقد كان صلهى ه
ّللا عليه وسلم
ّللا ؛ وهو يأبى .
ّللا في أذني أشهد لك بها عند ه يقول لعمه :قل ال إله إال ه
ص 304
304
ّللا وزينة الشيطان وزينة الحياة الدنيا ، احذر من فتنة الحياة الدنيا وزينتها ،وفرق بين زينة ه
إذا جاءت الزينة مهملة غير منسوبة فإنك ال تدري من زيهنها لك ،فانظر ذلك في موضع آخر
واتخذه دليال على ما انبهم عليك ،مثل قوله ( :زَ يَّنَّا لَ ُه ْم أَعْمالَ ُه ْم ) ومثل قولهم ( أفمن زين له
ّللا غير
سوء عمله ) ولم يذكر من زينه ،فتستدل على من زيهنه من نفس العمل ،فزينة ه
محرمة ،وزينة الشيطان محرمة ،وزينة الدنيا ذات وجهين :وجه إلى اإلباحة والندب ،
ّللا حلوة خضرة ،واستخلف فيها ووجه إلى التحريم ،والحياة الدنيا وطن االبتالء ،فجعلها ه
عباده ،فناظر كيف يعملون فيها ،بهذا جاء الخبر النبوي ،فاتق فتنتها وميهز زينتها وقل رب
ّللا إال العالم فهو خير وأبقى ،من حيث أنه ّللا َخي ٌْر َوأَبْقى »وما عند ه
زدني علما َ «،وما ِع ْن َد َّ ِ
أعطى العلم بنفسه للعالم به ،أي من حيث أن العلم تابع للمعلوم ،وهو حكم ال يزال باقيا ،فإن
العلم تابع للمعلوم في الحادث والقديم ،فأعيان العالم محفوظون في خزائنه عنده ،وخزائنه
علمه ،ومختزنه نحن ،فنحن أثبتنا له حكم االختزان ،ألنه ما علمنا إال منا ،
ص 305
305
[ " َو َرب َُّك يَ ْخلُ ُق " ]
« َو َرب َُّك يَ ْخلُ ُق »أي يقدهر ويوجد« ما يَشا ُء »لو كان وجود العالم لذات الحق ال للنسب اإللهية
لكان العالم مساوقا للحق في الوجود ،وليس كذلك ،فالنسب حكم هّلل أزال ،وهي تطلب تأخر
وجود العالم عن وجود الحق ،فيصح حدوث العالم ،وليس ذلك إال لنسبة المشيئة التي هي
مفتاح الغيب ،وسبق العلم بوجوده ،فكان وجود العالم مر هجحا على عدمه ،والوجود المرجح
ال يساوق الوجود الذاتي الذي ال يتصف بالترجيح ،فكل ما سوى الحق عرض زائل وغرض
تار »كذا فعل سبحانه في مائل وإن اتصف بالوجود ،فهو في نفسه في حكم المعدوم « َويَ ْخ ُ
جميع الموجودات ،فاختار من كل أمر في كل جنس أمرا ما ،كما اختار من األسماء الحسنى
ّللا ،واختار من الناس الرسل ،واختار من العباد المالئكة ،واختار من األفالك العرش كلمة ه
،واختار من األركان الماء ،واختار من الشهور رمضان ،واختار من العبادات الصوم ،
ّللا عليه وسلم ،واختار من أيام األسبوع يوم الجمعة ، واختار من القرون قرن النبي صلهى ه
واختار من أحوال السعادة في الجنة الرؤية ،واختار من األحوال الرضى ،واختار من
ّللا ،واختار من الكالم القرآن ،واختار من سور القرآن يس ،واختار من األذكار ال إله إال ه
ّللا أحد ،واختار من أدعيةأي القرآن آية الكرسي ،واختار من قصار المفصل :قل هو ه
األزمنة دعاء عرفة ،واختار من المراكب البراق ،واختار من المالئكة الروح ،واختار من
األلوان البياض ،واختار من األكوان االجتماع ،واختار من اإلنسان القلب ،واختار من
األحجار الحجر األسود ،واختار من البيوت البيت المعمور ،واختار من األشجار السدرة ،
واختار من النساء مريم وآسية ،واختار من الرجال محمدا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،واختار من
الكواكب الشمس ،واختار من الحركات الحركة المستقيمة ،واختار من النواميس الشريعة
المنزلة ،واختار من البراهين البراهين الوجودية ،واختار من الصور الصورة اآلدمية ،لذلك
أبرزها على الصورة اإللهية ،واختار من األنوار ما يكون معه النظر ،واختار من النقيضين
اإلثبات ،ومن الضدين الوجود ،واختار الرحمة على الغضب ،واختار
ص 306
306
ّللا ،واختار من أصناف اإلرادات النية ،
من أحوال أفعال الصالة السجود ،ومن أقوالها ذكر ه
والتحقيق أنه ما ث هم حثالة وال كناسة فإن ربك يخلق ما يشاء ويختار ،والمختار هو المصطفى
ّللا
،فالنفوس نفايس ،فيختار األنفس ويبقي النفيس ،فهذا ما كان من اختيار ه
[ الجبر واالختيار ]
وّللا فعال لما يريد ،فنفى أن تكون لهم -الوجه األول «-ما كانَ لَ ُه ُم ْال ِخيَ َرة ُ »بل هي هّلل ،ه
الخيرة ،وعندنا أن [ ما ] هنا اسم ،وهو في موضع نصب على أنه مفعول بقوله :ويختار
الذي كان لهم الخيرة ،يعني فيه ،فإذا علم العبد ذلك سلهم الحكم فيه هّلل واستسلم ،وكان بحكم
ّللا فيه ،ال بحكم ما يختاره لنفسه في المنشط والمكره ،ويرى أن الكل له فيه وقت ما يمضيه ه
ّللا مثل هذا - ّللا في كل ذلك بخير ،فإن كان وقته يعطي نعمة -وكان عقده مع ه خير ،فيعامله ه
ّللا فيها وأعين عليها ،وإن كان بالء رزق الصبر عليه رزقه الشكر عليها والقيام بحق ه
ّللا له مخرجا من حيث ال يحتسب ،فإذا اقتضى الحق أمرا وكان له بك والرضا به وجعل ه
عناية أجراه عليك ورزقك القيام بحقه
-الوجه الثاني -ال ينبغي للعبد أن يكون له اختيار مع سيده قال تعالى َ «:و َرب َُّك يَ ْخلُ ُق ما
تار ما كانَ لَ ُه ُم ْال ِخيَ َرة ُ »فيما يختاره لهم ،فليس لهم أن يختاروا ،بل يقفون عند يَشا ُء َويَ ْخ ُ
ّللا تعالى -تحقيق الجبر واالختيار -العبد مجبور في المراسم الشرعية ،فإن الشارع هو ه
ّللا فاعل مختار فإن ذلك من أجل قوله :ويختار ، اختياره ،ومع أن ه
وقوله :ولو شئنا ،وال يفعل إال ما سبق به علمه ،وتبدل العلم محال ،وما رأيت أحدا تفطن
لهذا القول اإللهي ،فإن معناه في غاية البيان ،ولشدة وضوحه خفي ،فإنه سر القدر ،ومن
ّللا في كل ما يقضيه ويجريه على عباده وفيهم ومنهم وقف على هذه المسألة لم يعترض على ه
ع َّما يَ ْفعَ ُل َو ُه ْم يُ ْسئَلُونَ ) فالعبد مجبور في اختياره الذي ينسب إليه ، ،ولهذا قال (:ال يُ ْسئ َ ُل َ
وهو أصل يشمل كل موجود ،ال أحاشي موجودا من موجود -نسبة االختيار إلى الحق تعالى
ّللا تعالى حتى يقال :
-يستحيل عندنا أن ينسب الجواز إلى ه
ّللا لك ،ويجوز أن يخلق ويجوز أن ال يخلق ،هذا ّللا لك ويجوز أن ال يغفر ه يجوز أن يغفر ه
ّللا ،ّللا محال ،ألنه عين االفتقار إلى المرجح لوقوع أحد الجائزين ،وما ث هم إال ه على ه
وأصحاب هذا المذهب قد افتقروا إلى ما التزموه من هذا الحكم إلى إثبات اإلرادة حتى يكون
الحق يرجح بها ،وال خفاء بما في هذا المذهب من الغلط ،فإنه يرجع الحق محكوما عليه بما
هو زائد على ذاته ،وهو عين ذات أخرى ،وإن لم يقل فيها صاحب هذا المذهب إن تلك الذات
ص 307
307
الزائدة عين الحق وال غير عينه ،فالذي نقول به :إن هذه العين المخلوقة من كونها ممكنة
تقبل الوجود وتقبل العدم ،فجائز أن تخلق فتوجد ،وجائز أن ال تخلق فال توجد ،فإذا وجدت
ّللا أتم ،ّللا ،يستقيم الكالم ويكون األدب مع ه ّللا ،وإذا لم توجد فبالمر هجح وهو ه
فبالمر هجح وهو ه
ّللاُ ) *و( لَ ْو أَرا َد َّ
ّللاُ بل هو الواجب أن يكون األمر كما قلنا ،وأما احتجاجهم بقوله (:لَ ْو شا َء َّ
) فهو عليهم هذا االحتجاج ال لهم ،لزومية أن لو حرف امتناع المتناع ولوال حرف امتناع
لوجود ،فاإلمكان للممكن هو الحكم الذي أظهر االختيار في المر هجح والذي عند المر هجح أمر
واحد ،وهو أحد األمرين ال غير ،
فما ث هم بالنظر إلى الحق إال أحدية محضة ال يشوبها اختيار ،
أال تراه يقول تعالى :لو شاء كذا لكان كذا ؛ فما شاء فما كان ذلك ،فنفى عن نفسه تعلق
المشيئة ،فنفى الكون عن ذلك المذكور ،فاالختيار تعلق خاص للذات أثبته الممكن إلمكانه في
القبول ألحد األمرين على البدل ،ولوال معقولية هذين األمرين ومعقولية القبول من الممكن ما
ثبت لإلرادة وال لالختيار حكم ،فإن المشيئة اإللهية ما عندها إال أمر واحد في األشياء ،وال
تزال األشياء على حكم واحد معيهن من الحكمين ،فمشيئة الحق في األمور عين ما هي األمور
عليه فزال الحكم ،فإن المشيئة إن جعلتها خالف عين األمر فإما أن تتبع األمر وهو محال ،
وإما أن يتبعها األمر ،وهو محال ،وبيان ذلك أن األمر هو أمر لنفسه كان ما كان ،فهو ال
يقبل التبديل ،فهو غير مشاء بمشيئة ليست عينه ،فالمشيئة عينه ،فال تابع وال متبوع ،فتحفظ
ّللا االختيار في المشيئة ،ألنه محال عليه الجواز ،ألنه محال أن من الوهم ،فمحال على ه
يكون هّلل مرجح يرجح له أمرا دون أمر ،فهو المرجح لذاته ،فالمشيئة أحدية التعلق ال اختيار
فيها ،ولهذا ال يعقل الممكن أبدا إال مر هجحا ،ولذلك أقول بالحكم اإلرادي لكني ال أقول
باالختيار ،فإن الخطاب باالختيار الوارد إنما ورد من حيث النظر إلى الممكن معرى عن
علته وسببيته
[ -نصيحة -ال يثبت العبد لنفسه ما نفاه الحق ]
-نصيحة -ال يثبت العبد لنفسه ما نفاه الحق عنه ،ويختار ما لم يختره له الحق .
308
308
هذا هو التوحيد الثالث والعشرون في القرآن ،
[ توحيد االختيار ]
تار )وهو من توحيد الهوية ،فإن الدليل يعطي وهو توحيد االختيار( َو َرب َُّك يَ ْخلُ ُق ما يَشا ُء َويَ ْخ ُ
ّللا ،
ّللا غيره من حيث نسبة العالم إلى ه أن ال يكون في العالم تفاضل ،وال مختار يفضل عند ه
فإن نسبته واحدة ،ورأينا األمر على غير هذا خرج ،وفي القرآن كثير من تفضيل كل جنس
ّللا ،
ّللا يفضل على سائر الكتب المنزلة وهي كالم ه بعضه على بعض ،حتى القرآن وهو كالم ه
ّللا أنه كالمه بال شك ،فآية الكرسي والقرآن نفسه يفضل بعضه على بعض مع نسبته إلى ه
سيدة آي القرآن ،وهي قرآن ،فعلمنا من هذا أن الحكمة التي يقتضيها النظر العقلي ليست
ّللا في األمور هي الحكمة الصحيحة التي ال تعقل ،وإن كانت ال تعلم بصحيحة ،وأن حكمة ه
فما تجهل ،لكن ال تعيهن بمجرد فكر وال نظر ،فلما رأينا التفاضل واالختيار وقع في العالم
حتى في األذكار اإللهية المشروعة كما ذكرنا ،علمنا أن ث هم أمرا معقوال ما هو عين أعيان
الكائنات ،فإذا بذلك عين المشيئة ،فيها ظهر هذا التفضيل في الواحد ،والتفضيل في
ّللا
المتساوي ،والواحد ال يتصف بالتفضيل ،والمتساوي ال ينعت بالتفضيل ،فعلمنا أن سر ه
مجهول ال يعلمه إال هو ،فوجدناه توحيد االختيار في حضرة السر« ال إِلهَ إِ َّال ُه َو لَهُ ْال َح ْم ُد فِي
ْاألُولى »وهو حمد اإلجمال« َو ْاآل ِخ َرةِ »وهو حمد التفصيل ،فتميزت المحامد في العين
الواحدة فكان حمدها عينها« َولَهُ ْال ُح ْك ُم َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »أي الحكم وهو القضاء ،فالضمير
في« ِإلَ ْي ِه »يعود على الحكم ،فإنه أقرب مذكور ،فال يعود على األبعد ويتعدى األقرب إال
بقرينة حال ،هذا هو المعلوم في اللسان الذي أنزل به القرآن فالقضاء الذي له المضي في
األمور هو الحكم اإللهي على األشياء بكذا ،والقدر ما يقع بوجوده في موجود معين المصلحة
المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود ،فالقضاء يحكم على القدر ،والقدر ال حكم له في القضاء
،بل حكمه في المقدر ال غير بحكم القضاء ،فالقاضي حاكم والمقدهر مؤقت ،ولما أوجد
سبحانه كتابين من كونه سبحانه خلق من كل شيء زوجين ،فالقضاء وهو الحكم للكتاب األول
وهو األم ،ويطلبه حكم الكتاب الثاني وهو القدر الذي به تقوم الحجة َ «،ولَهُ ْال ُح ْك ُم »بالكتاب
األول« َو ِإلَ ْي ِه »إلى هذا الكتاب« ت ُ ْر َجعُونَ ».
ص 309
309
" َو ِم ْن َر ْح َم ِت ِه َجعَ َل لَ ُك ُم اللَّ ْي َل َوالنَّ َ
هار ِلت َ ْس ُكنُوا ِفي ِه »فأعاد الضمير على الليل« َو ِلت َ ْبتَغُوا ِم ْن
ض ِل ِه »يريد في النهار ،فأضمر لما يتضمنه النهار غالبا من الحركات في المعاش وقوام فَ ْ
النفوس ومصالح الخلق وتنفيذ األوامر وإظهار الصنائع وإقامة المصنوعات في نشأتها
وتحسين هيئاتها ،وإن كان الضميران يعودان على المعنى المقصود ،فقد يعمل الصانع بالليل
ويبيع ويشتري بالليل ،كما أنه ينام أيضا ويسكن بالنهار ،ولكن الغالب في األمور هو
المعتبر.
ص 310
310
حزنه ،وإن كان دون ذلك كان الحزن والترح بحسبه -الوجه الثاني -الحزن إذا فقد من القلب
في الدنيا خرب لحصول ضده ،إذ ال يخلو ،والدار الدنيا ال تعطي الفرح لما فيه من نفي
المحبة اإللهية عمن قام به ،فال يزال الحزن دائما أبدا ،وهو مقام مستصحب للعبد ما دام
مكلفا وفي اآلخرة ما لم يدخل الجنة ،فإنه ليس في الوسع اإلمكاني تحصيل جملة األمر ،فال
بد من فوت فال بد من حزن .
الحزن مركبه صعب وغايته *** ذهابه فولهي ه
ّللا من حزنا
قلب الحزين هنا تقوى قواعده *** هناك والغرض المقصود منك هنا
فاّلل ليس يحب الفارح اللسنا
دار التكاليف دار ما بها فرح *** ه
ص 311
311
[ سورة القصص ( : ) 28اآليات 78إلى ]83
ش ُّدون َم ْن ُه َو أ َ َ ّللا قَ ْد أ َ ْهلَكَ ِم ْن قَ ْب ِل ِه ِم َن ا ْلقُ ُر ِ
قا َل ِإنهما أُو ِتيتُهُ عَلى ِع ْل ٍم ِع ْندِي أ َ َولَ ْم يَ ْعلَ ْم أ َ هن ه َ
ج عَلى قَ ْو ِم ِه فِي ِزينَتِ ِه ون ( ) 78فَ َخ َر َ سئ َ ُل ع َْن ذُنُوبِ ِه ُم ا ْل ُمجْ ِر ُم َ ِم ْنهُ قُ هوة َوأ َ ْكث َ ُر َج ْمعا َوال يُ ْ
يم ( َ ) 79وقا َل ظ ع َِظ ٍ ون إِنههُ لَذُو َح ٍ ّ قار ُ
ي ُ ُون ا ْل َحياةَ ال ُّد ْنيا يا لَ ْيتَ لَنا ِمثْ َل ما أُوتِ َ ِين يُ ِريد َ قا َل الهذ َ
صا ِب ُرو َن ( 80 ّللا َخ ْي ٌر ِل َم ْن آ َم َن َوع َِم َل صا ِلحا َوال يُلَقهاها ِإاله ال ه ِين أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َو ْيلَ ُك ْم ث َ ُ
واب ه ِ الهذ َ
كان ِم َن ّللا َوما َ ُون ه ِص ُرونَهُ ِم ْن د ِ كان لَهُ ِم ْن فِئ َ ٍة يَ ْن ُ ض فَما َ دار ِه ْاأل َ ْر َ
س ْفنا ِب ِه َو ِب ِ ) فَ َخ َ
ق ِل َم ْن الر ْز َ
ط ِّ س ُ ون َو ْيكَأ َ هن ه َ
ّللا يَ ْب ُ ِين ت َ َمنه ْوا َمكانَهُ ِب ْاأل َ ْم ِس يَقُولُ َ صبَ َح الهذ َ ين ( َ ) 81وأ َ ْ ال ُم ْنت َ ِص ِر َ
ون ) ( 82 ف بِنا َو ْيكَأَنههُ ال يُ ْف ِل ُح ا ْلكافِ ُر َ س َ علَ ْينا لَ َخ َ
ّللاُ َ يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه َويَ ْقد ُِر لَ ْو ال أ َ ْن َم هن ه
ض َوال فَسادا َوا ْلعاقِبَةُ ِل ْل ُمت ه ِقي َن ( ) 83 علُ ًّوا فِي ْاأل َ ْر ِ ُون ُ ِين ال يُ ِريد َ هار ْاآل ِخ َرةُ نَجْ عَلُها ِللهذ َ تِ ْلكَ الد ُ
َّار ْاآل ِخ َرة ُ »يريد دار السعادة ،فإن في اآلخرة منزل شقاوة ومنزل سعادة ،فالدار « تِ ْل َك الد ُ
علُ ًّوا فِي اآلخرة هنا الجنة خاصة دون النار« ن َْجعَلُها » اي نملكها ملكا« ِللَّذِينَ ال يُ ِريدُونَ ُ
ض َوال فَسادا ً »سواء حصل لهم ذلك المراد أو لم يحصل ،فقد أرادوه وحصل في نفوسهم ْاأل َ ْر ِ
ّللا ذلوال والعبد هو الذليل ،والذلة ال تقتضي العلو ،فمن جاوز قدره ،فإن األرض قد جعلها ه
هلك ،فليس للعبد أن يتصف بأوصاف سيده ال في حضرته وال عند إخوانه من العبيد وإن واله
عليهم ،فالرب رب إلى غير نهاية ،والعبد عبد إلى غير نهاية ،فإن الصفات النفسية ال تكون
مرادة للموصوف فيها ،فمن عال بغيره ولم يكن له حافظ يحفظ عليه علوه سقط وقوتل ،
ّللا منزلته ،ولما كانت فالعالي من أعلى ه
ص 312
312
ّللا منزلته علوه ،ومن عال ّللا -الذي له العلو الذاتي -حفظ على كل من أعلى ه الرفعة من ه
ّللا وأخذه للكبرياء الذي كان عليه في نفسه ،ولهذا قال بنفسه من الجبارين والمتكبرين قصمه ه
َ «:و ْالعاقِبَةُ ِل ْل ُمت َّ ِقينَ » ،أي عاقبة العلو الذي عال به من أراد علوا في األرض يكون للمتقين ،
ّللا العلو في المنزلة في الدنيا واآلخرة ،فأما في اآلخرة فأمر الزم ال بد منه ،ألن
أي يعطيهم ه
ّللا
وعده صدق وكالمه حق ،والدار اآلخرة محل تميز المراتب وتعيين مقادير الخلق عند ه
ومنزلتهم منه تعالى ،فال بد من علو المتقين يوم القيامة ،وأما في الدنيا فإنه كل من تحقق
صدقه في تقواه وزهده ،فإن نفوس الجبارين والمتكبرين تتوفر دواعيهم إلى تعظيمه ،لكونهم
ما زاحموهم في مراتبهم ،فأنزلهم ما حصل في نفوسهم من تعظيم المتقين عن علوهم وقصدوا
خدمتهم والتبرك بهم ،وانتقل ذلك العلو الذي ظهروا به إلى هذا المتقي ،وكان عاقبة العلو
للمتقي والجبار ال يشعر ،ويلتذ الجبار إذا قيل فيه إنه قد تواضع ونزل إلى هذا المتقي ،
فيتخيل الجبار أن المتقي هو األسفل وأن الجبار نزل إليه ،بل علو الجبار انتقل إلى المتقي من
حيث ال يشعر ،ونزل الجبار تحت علو هذا المتقي ،ولو سئل المتقي عن علوه ما وجد عنده
منه شيء ،فثبت أن العلو في اإلنسان إنما هو تحققه بعبوديته ،وعدم خروجه واتصافه بما
ليس له بحقيقة ،فاحذر يا ولي أن تريد علوا في األرض فإن من أراده أراد الوالية ،
ّللا كلمتك فماوقال عليه السالم [ :إنها يوم القيامة حسرة وندامة ] ،والزم الخمول وإن أعلى ه
عز وجل ،والذي يلزمك أعلى إال الحق ،وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق ،فذلك إليه ه
التواضع والذلة واالنكسار ،فإنه إنما أنشأك من األرض فال تعلو عليها فإنها أمك ،ومن تكبر
ّللا فيما أعطاك ،من رفعة في األرض ،بوالية وتقدهم تخدم من على أمه فقد عقهها ،وراقب ه
أجله ويغشى بابك ويلزم ركابك ،فال تبرح ناظرا لعبوديتك وأصلك ،واعلم أن تلك الرفعة
إنما هي للرتبة والمنصب ال لذاتك ،فالذي أوصيك به أنك ال تريد علوا في األرض ،وإن
ّللا إال أن تكون في نفسك صاحب ذلة ومسكنة وخشوع . ّللا ال تطلب أنت من ه أعطاك ه
ص 313
313
س ِيهئ َ ِة فَال يُ ْجزَ ى الَّذِينَ َ
ع ِملُوا " َم ْن جا َء ِب ْال َح َ
سنَ ِة فَلَهُ َخي ٌْر ِم ْنها »وهو عشر أمثالها« َو َم ْن جا َء ِبال َّ
ّللا عليه وسلم [ :إنما هي أعمالكم ترد عليكم ] . ت ِإ َّال ما كانُوا يَ ْع َملُونَ »قال صلهى ه س ِيهئا ِ
ال َّ
ص 314
314
ّللا نفسه عين كل شيء بقوله تعالى «ُ :ك ُّل َ
ش ْيءٍ أن تنسب إلى قديم أو حديث ،نقول :جعل ه
ها ِل ٌك ِإ َّال َو ْج َههُ »ألن السبحات له ،فهي مهلكة ،والمهلك ال يكون هالكا ،فكل شيء هو
ّللا ،فماموجود تشاهده حسا وعقال ليس بهالك ،ألن وجه الشيء حقيقته ،فما في الوجود إال ه
في الوجود إال الخير وان تنوعت الصور ،فكل ما ظهر فما هو إال هو ،لنفسه ظهر ،فما
يشهده أمر وال يكثهره غير ،
ولذلك قال «:لَهُ ْال ُح ْك ُم َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ » أي من يعتقد أن كل شيء جعلناه هالكا ،وما عرف
ما قصدناه إذا رآه ما يهلك ،ويرى بقاء عينه مشهودا له دنيا وآخرة ،علم ما أردنا بالشيء
الهالك ،وأن كل شيء لم يتصف بالهالك فهو وجهي ،فعلم أن األشياء ليست غير وجهي فإنها
لم تهلك ،فرد حكمها إلي ،فهذا معنى قوله َ «:وإِلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »وهو معنى لطيف يخفى على
من لم يستظهر القرآن ،فالعالم لم يزل مفقود العين هالكا بالذات في حضرة إمكانه ،وأحكامه
يظهر بها الحق لنفسه بما هو ناظر من حقيقة حكم ممكن آخر ،
فالعالم هو الممد بذاته ما يظهر في الكون من الموجودات ،وليس إال الحق ال غيره ،وبعبارة
أخرى« لَهُ ْال ُح ْك ُم »وهو ما ظهر في عين األشياء ،
ي ،فيذهب حكم الغير ،فاألحكام في ثم قال َ «:وإِلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »أي مردكم من كونكم أغيارا إل ه
الحق صور العالم كله ،ما ظهر منه وما يظهر ،واألحكام منه ولهذا قال «:لَهُ ْال ُح ْك ُم »ثم
يرجع الكل إلى أنه عينه ،فهو الحاكم بكل حكم في كل شيء حكما ذاتيا ال يكون إال هكذا ،
فسمى نفسه بأسمائه ،فحكم عليه بها ،وسمى ما ظهر به من األحكام اإللهية في أعيان األشياء
ليميز بعضها عن بعض ،
فأعيان العالم ال يقال :إنها عين الحق وال غير الحق ،بل الوجود كله حق ،ولكن من الحق ما
يتصف بأنه مخلوق ،ومنه ما يوصف بأنه غير مخلوق ،لكنه كل موجود ،فإنه موصوف
بأنه محكوم عليه بكذا ،فالكل محكوم عليه ،كما حكمنا على كل شيء بالهالك ،وحكمنا على
وجهه باالستثناء من حكم الهالك ،
ومن ذلك يكون وجه الشيء حقيقته ،فالشيء هنا ما يعرض لهذه الذات ،فإن كان للعارض
وجه فما يهلك في نفسه ،وإنما يهلك بنسبته إلى ما عرض له ،فكل شيء وهو جميع صور
العالم «ها ِل ٌك »موصوف بالهالك يعني من حيث صوره ،فهو هالك بالصورة لالستحاالت ،
ش ْيءٍ »أي كل ما ينطلق عليه اسم شيء ،فهو هالك في ألن هالك خبر المبتدأ الذي هو« ُك ُّل َ
حال اتصافه بالوجود ،كما هو هالك في حال اتصافه بالهالك الذي
ص 315
315
هو العدم ،فال يزال كل شيء هالك كما لم يزل ،لم يتغير عليه نعت وال تغير على الوجود
نعت ،والموصوف بأنه موجود موجود ،والموصوف بأنه معدوم معدوم ،فإن وصف الممكن
بالوجود فهو مجاز ال حقيقة ،ألن الحقيقة تأبى أن يكون موجودا ،فإن العدم للممكن ذاتي ،
أي من حقيقة ذاته أن يكون معدوما« ِإ َّال َو ْج َههُ »
االستثناء هنا استثناء منقطع ،والضمير في وجهه يعود على الشيء ،ووجهه ذاته وعينه
وكونه وحقيقته ،فهي شيئية ذاته ،وهي المستثناة وال بد ،ألن الحقائق ال تتصف بالهالك ،
وإنما يتصف بالهالك األمور العوارض للحقائق من نسبة بعضها إلى بعض ،فكل شيء من
صور العالم هالك من حيث صورته ،إال من حقائقه فليس بهالك ،وال يتمكن أن يهلك ،فهو
غير هالك من حيث وجهه وحقيقته ،فتختلف عليه األحكام باختالف الصور ،فما ث هم إال هالك
وإيجاد في عين واحدة ،ومثال ذلك للتقريب ،أن صورة اإلنسان إذا هلكت ولم يبق لها في
الوجود أثر ،لم تهلك حقيقته التي يميزها الحد ،وهي عين الحد له ،
فنقول :اإلنسان حيوان ناطق ،وال نتعرض لكونه موجودا أو معدوما ،فإن هذه الحقيقة ال
تزال له وإن لم تكن له صورة في الوجود ،فالحقائق في العلم معقوالت ،وهي للحق معلومات
،وللحق وألنفسها معقوالت ،وال وجود لها في الوجود الوجودي وال في الوجود اإلمكاني ،
فيظهر حكمها في الحق فتنسب إليه وتسمى أسماء إلهية ،فينسب إليها من نعوت األزل ما
ينسب إلى الحق ،وتنسب أيضا إلى الخلق بما يظهر من حكمها فيه ،فينسب إليها من نعوت
الحدوث ما ينسب إلى الخلق ،فهي الحادثة القديمة ،واألبدية األزلية ،فالعالم إن نظرت
ش ْيءٍ ها ِل ٌك ِإ َّال
حقيقته وجدته عرضا زائال ،أي في حكم الزوال ،وهو قوله تعالى ُ «:ك ُّل َ
َو ْج َههُ »
ّللا عليه وسلم [ :أصدق بيت قالته العرب قول لبيد :أال كل شيء ما ّللا صلهى ه
وقال رسول ه
ّللا باطل ] يقول ما له حقيقة يثبت عليها من نفسه ،فما هو موجود إال بغيره ،ولذلك قال خال ه
ّللا باطل ] ّللا عليه وسلم [ :أصدق بيت قالته العرب :أال كل شيء ما خال ه صلهى ه
ش ْيءٍ ها ِل ٌك »فإنه ال يبقى حالة أصال في العالم كونية وال إلهية ،وهو قوله -وجه آخر ُ «-ك ُّل َ
تعالى ُ (:ك َّل يَ ْو ٍم ُه َو فِي شَأ ْ ٍن )« إِ َّال َو ْج َههُ »يريد ذاته ،إذ وجه الشيء ذاته ،فال تهلك ،فكل
ما سوى ذات الحق فهو في مقام االستحالة السريعة والبطيئة ،وهو تبدله من صورة إلى
صورة دائما أبدا ،فالضمير في وجهه يعود على الشيء ،فالشيء هالك من حيث صورته ،
غير هالك من حيث وجهه
ص 316
316
وحقيقته ،وليس إال وجود الحق الذي ظهر به لنفسه «.لَهُ ْال ُح ْك ُم »أي لذلك الشيء الحكم في
الوجه ،فتختلف عليه األحكام باختالف الصور« َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »في ذلك الحكم ،أي إلى ذلك
الشيء يرجع الحكم الذي حكم به على الوجه ،فما ثم إال هالك وإيجاد في عين واحدة ،ومن
هذه اآلية ال نثبت إطالق لفظ الشيئية على ذات الحق ،ألنها ما وردت وال خوطبنا بها ،
واألدب أولى ،
ش ْيءٍ ها ِل ٌك ِإ َّال َو ْج َههُ لَهُ ْال ُح ْك ُم َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ "
ّللا ِإلها ً آخ ََر ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو ُك ُّل َ " َوال ت َ ْد ُ
ع َم َع َّ ِ
[ توحيد الحكم ]
هذا هو التوحيد الرابع والعشرون في القرآن ،وهو توحيد الحكم بالتوحيد الذي إليه رجوع
الكثرة إذ كان عينها ،وهو توحيد الهوية« لَهُ ْال ُح ْك ُم »وهو القضاء« َوإِلَ ْي ِه »الضمير في إليه
يعود على الحكم فإنه أقرب مذكور ،فالقضاء الذي له المضي في األمور هو الحكم اإللهي
على األشياء« ت ُ ْر َجعُونَ »أي إلى القضاء .
ص 317
317
ّللا ،فأضاف األلوهة إلى غير مستحقها ،فكذب في دعواه لكثرة األسباب ،
حجابا بينه وبين ه
والذي لم يقل بنسبة األلوهة لألسباب لكنه لم ير إال األسباب وما حصل له من الكشف ما
يخرجه منها مع توحيد األلوهية ،كان ذلك شركا خفيا ال يشعر به صاحبه أنه مشرك .
318
318
[ الذات اإللهية غنية عن العالمين]
اعلم أن الذات غنية عن العالمين ،الملك ما هو غني عن الملك إذ لوال الملك ما صح اسم
الملك ،فالمرتبة تعطي التقييد ال ذات الحق فالمخلوق كما يطلب الخالق من كونه مخلوقا ،
كذلك الخالق يطلب المخلوق من كونه خالقا ،ألنه ال يصح اسم الخالق وجودا وتقديرا إال
بالمخلوق وجودا وتقديرا ،وكذلك كل اسم إلهي يطلب الكون ،مثل الغفور والمالك والشكور
والرحيم وغير ذلك من األسماء ،ولما كان الحق من كونه إلها مرتبطا بالمألوه ارتباط السيادة
بوجود العبد ،فيلزم من حقيقة هذا االرتباط عقال ووجودا تصور المتضايفين ،ولما لم يكن
بين الحق والخلق مناسبة وال إضافة -بل هو الغني عن العالمين ،فال يكون ذلك إال لذات
الحق -فال يربطها كون ،وال تدركها عين ،وال يحيط بها حد ،وال يفيدها برهان ،وجدانها
ع ِن
ي َ غنِ ٌّ في العقل ضروري ،كما أن صفات التعلق التي تدخلها تحت القيد نظري« فَإِ َّن َّ َ
ّللا َ
ْالعالَ ِمينَ »فإن العالمين من العالمة ،والعالمة ال تدل إال على محدود ،فالعالم ال يدل على
العلم بذاته تعالى وإنما يدل على وجوده .
ص 319
319
" ِإنَّ ُه ْم لَكا ِذبُونَ »في هذا القول ،بل هم حاملون خطاياهم ،والذين أضلوهم يحملون أيضا
خطاياهم ،وخطايا هؤالء مع خطاياهم ،وال ينقص هؤالء من خطاياهم من شيء ،يقول
صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة
دون أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ] وهو قوله تعالى :
ص 320
320
اعلم أن الذات اإللهية منزهة عن أن يكون لها بعالم الكون والخلق واألمر مناسبة أو تعلق بنوع
ما من األنواع ،ألن الحقيقة تأبى ذلك ،مع كون أصل األشياء كلها وجود الحق تعالى ،إذ لو
لم يكن هذا األصل اإللهي موجودا ،والحق المخلوق به معقوال ،لما صح هذا الفرع المحدث
الكائن بعد أن لم يكن ،ولما تصور ،فإذا نظرنا العالم على ما هو عليه ،وعرفنا حقيقته
ومورده ومصدره ،ونظرنا ما الحاكم المؤثر في هذا العالم ،نجد أن األسماء الحسنى ظهرت
في العالم كله ظهورا ال خفاء به كليا ،وحصلت فيه آثارها وأحكامها ال بذواتها ولكن بأمثالها
ال بحقائقها لكن برقائقها .
[ بدء الخلق :إيجاز البيان بضرب من اإلجمال ]
إيجاز البيان بضرب من اإلجمال :بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية
الرحمانية ،وال أين يحصرها لعدم التحيز -ومم وجد ؟
وجد من الحقيقة المعلومة التي ال تتصف بالوجود وال بالعدم -وفيم وجد ؟
في الهباء -وعلى أي مثال وجد ؟ على الصورة المعلومة في نفس الحق -ولم وجد ؟
إلظهار الحقائق اإللهية ،فأوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان األسماء ،فإن قدرة بال مقدور ،
ورزاقا بال مرزوق ،ومغيثا بال مغاث ،ورحيما بال مرحوم ،حقائق ه وجودا بال عطاء ،
معطلة التأثير -وما غايته ؟
التخلص من المزجة فيعرف كل عالم حظه من منشئه من غير امتزاج ،فغايته إظهار حقائقه ،
ومعرفة أفالك األكبر من العالم وهو ما عدا اإلنسان ،والعالم األصغر يعني اإلنسان ،روح
العالم وعلته وسببه
ص 321
321
وأفالكه ومقاماته وحركاته وتفصيل طبقاته .
ونظمنا في ترتيب نضد العالم .
الحمد هّلل الذي بوجوده *** ظهر الوجود وعالم الهيمان
والعنصر األعلى الذي بوجوده *** ظهرت ذوات عوالم اإلمكان
من غير ترتيب فال متقدم *** فيه وال متأخر باآلن
حتى إذا شاء المهيمن أن يرى *** ما كان معلوما من األكوان
فتح القدير عوالم الديوان *** بوجود روح ثم روح ثان
ثم الهباء كذا الهيولى ثم جسم قابل *** لعوالم األفالك واألركان
فأداره فلكا عظيما واسمه الع *** رش الكريم ومستوى الرحمن
يتلوه كرسي انقسام كالمه *** فتلوح من أقسامه القدمان
من بعده فلك البروج وبعده *** فلك الكواكب مصدر األزمان
ثم النزول مع الخالء لمركز *** ليقيم فيه قواعد البنيان
فأدار أرضا ثم ماء فوقه *** كرة الهواء وعنصر النيران
من فوقه فلك الهالل وفوقه *** فلك يضاف لكاتب الديوان
من فوقه فلك لزهرة فوقه *** فلك الغزالة مصدر الملوان
من فوقه المريخ ثم المشتري *** ثم الذي يعزى إلى كيوان
ولكل جسم ما يشاكل طبعه *** خلق يسمى العالم النوراني
فهم المالئكة الكرام شعارهم *** حفظ الوجود من اسمه المحسان
فتحركت نحو الكمال فولدت *** عند التحرك عالم الشيطان
ثم المعادن والنبات وبعده *** جاءت لنا بعوالم الحيوان
والغاية القصوى ظهور جسومنا *** في عالم التركيب واألبدان
لما استوت وتعدلت أركانه *** نفخ اإلله لطيفة اإلنسان
وكساه صورته فعاد خليفة *** يعنو له األمالك والثقالن
وبدورة الفلك المحيط وحكمه *** أبدى لنا في عالم الحدثان
في جوف هذا األرض ماء أسودا *** نتنا ألهل الشرك والطغيان
ص 322
322
يجري على متن الرياح وعندها *** ظلمات سخط القاهر الديان
دارت بصخرة مركز سلطانه *** الروح اإللهي العظيم الشأن
ّللا عليه العالم ابتداء ،واعلم أن التفاضل في المعلومات على فهذا ترتيب الوضع الذي أنشأ ه
وجوه ،أعمها التأثير ،فكل مؤثر أفضل من أكثر المؤثر فيه ،من حيث ذلك التأثير خاصة ،
وقد يكون المفضول أفضل منه من وجه آخر ،وكذلك فضل العلة على معلولها ،والشرط على
مشروطه ،والحقيقة على المحقق ،والدليل على المدلول من حيث ما هو مدلول ال من حيث
عينه ،وقد يكون الفضل بعموم التعلق على ما هو أخص تعلقا منه كالعالم والقادر ،ولما كان
الوجود كله فاضال مفضوال ،أدى ذلك إلى المساواة ،وأن يقال :
ال فاضل وال مفضول ،بل وجود شريف كامل ،تام ال نقص فيه ،وال سيما وليس في
المخلوقات على اختالف ضروبها أمر إال وهو مستند إلى حقيقة ونسبة إلهية ،وال تفاضل في
ّللا ،ألن األمر ال يفضل نفسه ،فال مفاضلة بين العالم من هذا الوجه ،وهو الذي يرجع إليه ه
عول أهل الجمع والوجود وبهذا سموا أهل الجمع ألنهم أهل األمر من قبل ومن بعد ،وعليه ه
واح َدة ٌ )فمن كشف األمر على ما هو عليه علم ما عين واحدة كما قال تعالى (َ :وما أ َ ْم ُرنا ِإ َّال ِ
ذكرناه في ترتيب العالم [ راجع سورة الفرقان اآلية . ] 2
ص 323
323
إسحاق عليه السالم موهوب من غير سؤال ،وإسماعيل عليه السالم جمع له بين الكسب
صا ِل ِحينَ
والوهب ،فهو مكسوب من جهة سؤال إبراهيم عليه السالم( َربه ِ هَبْ ِلي ِمنَ ال َّ
وب َو َجعَ ْلنا فِي ذُ ِ هريَّتِ ِه النُّبُ َّوة َ َو ْال ِك َ
تاب ع ِظ ٍيم ) « َويَ ْعقُ َ ْح َ )موهوب من جهة الفداء ( َوفَ َديْناهُ بِ ِذب ٍ
ّللا
ّللا ) أجر التبليغ فآتاه ه َوآتَيْناهُ أ َ ْج َرهُ فِي ال ُّد ْنيا »وهو قول كل نبي ( إن أجري إال على على ه
أجره في الدنيا بأن نجاه من النار ،فجعلها عليه بردا وسالما« َو ِإنَّهُ فِي ْاآل ِخ َرةِ لَ ِمنَ ال َّ
صا ِل ِحينَ
»لألجر ما نقصه كونه في الدنيا قد حصله بما يناله في اآلخرة شيء .ولما كان الصالح من
خصائص العبودية ،وذكر تعالى عن أنبيائه أنهم من الصالحين ،
صا ِل ِحينَ »من أجل الثالثة األمور التي ذكر عن إبراهيم الخليل« َوإِنَّهُ فِي ْاآل ِخ َرةِ لَ ِمنَ ال َّ
صدرت منه في الدنيا ،وهي قوله عن زوجته سارة :إنها أخته بتأويل ،وقوله :إني سقيم
اعتذارا ،وقوله :بل فعله كبيرهم إقامة حجة ،فبهذه الثالثة يعتذر يوم القيامة للناس إذا سألوه
أن يسأل ربه فتح باب الشفاعة ،فلهذا ذكر صالحه في اآلخرة إذ لم يؤاخذه بذلك .
ص 324
324
ين ( ) 31قا َل ِإ هن ِفيها لُوطا ِبا ْلبُشْرى قالُوا ِإنها ُم ْه ِلكُوا أ َ ْه ِل ه ِذ ِه ا ْلقَ ْريَ ِة ِإ هن أ َ ْهلَها كانُوا ظا ِل ِم َ
ين ( َ ) 32ولَ هما أ َ ْن جا َءتْ ام َرأَتَهُ كانَتْ ِم َن ا ْلغا ِب ِر َ قالُوا نَحْ ُن أ َ ْعلَ ُم ِب َم ْن ِفيها لَنُنَ ِ ّجيَنههُ َوأ َ ْهلَهُ ِإاله ْ
ف َوال تَحْ َز ْن إِنها ُمنَ ُّجوكَ َوأ َ ْهلَكَ إِاله ضاق بِ ِه ْم ذَ ْرعا َوقالُوا ال ت َ َخ ْ َ سي َء بِ ِه ْم َو سلُنا لُوطا ِ ُر ُ
ماء بِما س ِ ون عَلى أ َ ْه ِل ه ِذ ِه ا ْلقَ ْريَ ِة ِرجْ زا ِم َن ال ه ين ( ) 33إِنها ُم ْن ِزلُ َ ام َرأَت َكَ كانَتْ ِم َن ا ْلغابِ ِر َ ْ
ون ) َ ( 35و ِإلى َم ْديَ َن أَخا ُه ْم ون ( َ ) 34ولَقَ ْد ت َ َر ْكنا ِم ْنها آيَة بَ ِيّنَة ِلقَ ْو ٍم يَ ْع ِقلُ َ سقُ َ كانُوا يَ ْف ُ
ِين ) ( 36 سد َ ض ُم ْف ِ ار ُجوا ا ْليَ ْو َم ْاآل ِخ َر َوال ت َ ْعث َ ْوا فِي ْاأل َ ْر ِ ّللا َو ْشعَ ْيبا فَقا َل يا قَ ْو ِم ا ْعبُدُوا ه َ ُ
ين ( َ ) 37وعادا َوث َ ُمو َد َوقَ ْد تَبَيه َن لَ ُك ْم ِم ْن دار ِه ْم جا ِث ِم َ صبَ ُحوا ِفي ِ الرجْ فَةُ فَأ َ ْ فَ َكذهبُو ُه فَأ َ َخذَتْ ُه ُم ه
ين ( ) 38 ست َ ْب ِص ِر َ سبِي ِل َوكانُوا ُم ْ ص هد ُه ْم ع َِن ال ه طان أَعْمالَ ُه ْم فَ َ ش ْي ُ َمسا ِكنِ ِه ْم َو َزيه َن لَ ُه ُم ال ه
ض َوما كانُوا ست َ ْكبَ ُروا فِي ْاأل َ ْر ِ ت فَا ْ هامان َولَقَ ْد جا َء ُه ْم ُموسى بِا ْلبَ ِيّنا ِ َ ون َوفِ ْرع َْو َن َو قار َ َو ُ
ين ) ( 39 سا ِب ِق َ
ص ْي َحةُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َخ َ
س ْفنا حاصبا َو ِم ْن ُه ْم َم ْن أ َ َخذَتْهُ ال ه ِ فَ ُكالًّ أ َ َخ ْذنا ِبذَ ْن ِب ِه فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن أ َ ْر َ
س ْلنا َ
علَ ْي ِه
ون ( ) 40 س ُه ْم يَ ْظ ِل ُم َ ّللاُ ِليَ ْظ ِل َم ُه ْم َول ِك ْن كانُوا أ َ ْنفُ َ كان ه ض َو ِم ْن ُه ْم َم ْن أ َ ْغ َر ْقنا َوما َ ِب ِه ْاأل َ ْر َ
ت لَبَيْتُ ت ات ه َخذَتْ بَ ْيتا َو ِإ هن أ َ ْو َه َن ا ْلبُيُو ِ ّللا أ َ ْو ِليا َء َك َمث َ ِل ا ْلعَ ْن َكبُو ِ
ُون ه ِ ِين ات ه َخذُوا ِم ْن د ِ َمث َ ُل الهذ َ
ون ( ) 41 ت لَ ْو كانُوا يَ ْعلَ ُم َ ا ْلعَ ْن َكبُو ِ
يز ا ْل َح ِكي ُم ( ) 42 ش ْي ٍء َو ُه َو ا ْلعَ ِز ُ ُون ِم ْن دُونِ ِه ِم ْن َ ّللا يَ ْعلَ ُم ما يَ ْدع َ إِ هن ه َ
َوتِ ْل َك ْاأل َ ْمثا ُل نَض ِْربُها
ص 325
325
اس َوما يَ ْع ِقلُها ِإاله ا ْلعا ِل ُم َ
ون ( ) 43 ِللنه ِ
[ األمثال ما جاءت مطلوبة ألنفسها ]
األمثال ما جاءت مطلوبة ألنفسها ،وإنما جاءت ليعلم منها ما ضربت له ،وما نصبت من
ّللا العالم الخارج عن اإلنسان إال أجله ،فهي كآيات االعتبار كلها من القرآن ،وما خلق ه
ضرب مثال لإلنسان ،ليعلم أن كل ما ظهر في العالم هو فيه ،واإلنسان هو العين المقصودة ،
فهو مجموع الحكم ،ومن أجله خلقت الجنة والنار ،والدنيا واآلخرة ،واألحوال كلها
والكيفيات ،وفيه ظهر مجموع األسماء اإللهية ،وآثارها " َوما يَ ْع ِقلُها ِإ َّال ْالعا ِل ُمونَ "
ّللا أن العالم من علم علم الظاهر والباطن ،ومن لم يجمع بينهما فليس بعالم اعلم أيدك ه
خصوصي وال مصطفى ،وسبب ذلك أن حقيقة العلم تمنع صاحبها أن يقوم في أحواله بما
يخالف علمه ،فكل من ادعى علما وعمل بخالفه في الحال الذي يجب عليه عقال وشرعا
العمل به فليس بعالم ،وال ظاهر بصورة عالم ،وال تغالط نفسك فإن وبال ذلك ما يعود على
أحد إال عليك ،فإن قلت :قد نجد من يعلم وال يرزق التوفيق للعمل بعلمه ،فقد يكون العلم وال
عمل ،
قلنا :هذا غلط من القائل به ،ولتعلم أن مسمى العلم ينطلق اسمه على ما هو علم وما ليس بعلم
،وما نرى أحدا يتوقف بالعمل فيما يزعم أنه عالم به إال وفي نفسه احتمال ،ومن قام له في
شيء احتمال فليس بعالم به ،وال بمؤمن بمن أخبره بذلك إيمانا يوجب له العلم ،
مع أنك لو سألته لقال لك :ما نشك أن ما جاء به هذا الشخص حق ،يعني الرسول عليه السالم
،وأنا به مؤمن ،
فهذا قول ليس بصحيح إال في وقت دعواه عند بعض الناس ،ثم إذ خلي بفكره قام معه
االحتمال فكان ذلك الذي تخيل أنه علم أمرا عرض له ،فالعلم يعطي العمل من خلف حجاب
ّللا تعالى ما نصب اآليات وكثرها إال ليحصل بها العلم ، رقيق ،أال ترى أن ه
ّللا وتفاصيلها ،ّللا بحكم آيات ه لعلمه أن العلم إذا حصل لزم العمل فالعالم هو صاحب الفهم عن ه
وكل من ادعى علما من غير عمل فدعواه كاذبة إن تعلق به خطاب عمل ،وما تال عليك
سبحانه كالمه إال لتعقل عنه إن كنت عالما.
ص 326
326
فعدم محض ال يعلم وال يجهل وال هو متعلق بشيء ،فإذا فهمت هذا فنقول إن هذه األشياء
الثالثة منها ما يتصف بالوجود لذاته فهو موجود بذاته في عينه ال يصح أن يكون وجوده عن
عدم ،بل هو مطلق الوجود ال عن شيء فكان يتقدم عليه ذلك الشيء ،بل هو الموجد لجميع
األشياء وخالقها ومقدرها ومفصلها ومدبرها ،وهو الوجود المطلق الذي ال يتقيد سبحانه ،
ّللا الحي القيوم العليم المريد القدير الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وهو ه
باّلل تعالى وهو الوجود المقيد المعبر عنه بالعالم :العرش والكرسي والسماوات ومنها موجود ه
العلى وما فيها من العالم والخلق واألرض وما فيها من الدواب والحشرات والنبات وغير ذلك
من العالم ،فإنه لم يكن موجودا في عينه ثم كان ،من غير أن يكون بينه وبين موجده زمان
يتقدم به عليه فيتأخر هذا عنه ،فيقال فيه :بعد أو قبل ،هذا محال ؛
وإنما هو متقدم بالوجود كتقدم أمس على اليوم ،فإنه من غير زمان ألنه نفس الزمان ،فعدم
الزمان لم يكن في وقت ،لكن الوهم يتخيل أن بين وجود الحق ووجود الخلق امتدادا ،
وذلك راجع لما عهده في الحس من التقدم الزماني بين المحدثات وتأخره ،
وأما الشيء الثالث فما ال يتصف بالوجود وال بالعدم وال بالحدوث وال بالقدم ،وهو مقارن
لألزلي الحق أزال فيستحيل عليه أيضا التقدم الزماني على العالم والتأخر ،كما استحال على
الحق وزيادة ألنه ليس بموجود ،فإن الحدوث والقدم أمر إضافي يوصل إلى العقل حقيقة ما .
وذلك أنه لو زال العالم لم نطلق على الواجب الوجود قديما ،وإن كان الشرع لم يجئ بهذا
االسم أعني القديم وإنما جاء باسمه األول واآلخر ،فإذا زلت أنت لم يقل :أوال وال آخرا إذ
الوسط العاقد األولية واآلخرية ليس ث هم ،
فال أول وال آخر ،وهكذا الظاهر والباطن وأسماء اإلضافات كلها ،فيكون موجودا مطلقا من
غير تقييد بأولية أو آخرية ،وهذا الشيء الثالث الذي ال يتصف بالوجود وال بالعدم مثله في
نفي األولية واآلخرية بانتفاء العالم كما كان الواجب الوجود سبحانه ،
وكذلك ال يتصف بالكل وال بالبعض ،وال يقبل الزيادة والنقص وأما قولنا فيه كما استحال على
الحق وزيادة ،فتلك الزيادة كونه ال موجودا وال معدوما ،فال يقال فيه :أول وآخر ،وكذلك
لنعلم أيضا أن هذا الشيء الثالث ليس العالم يتأخر عنه أو يحاذيه بالمكان ،إذ المكان من العالم
،وهذا أصل العالم وأصل الجوهر الفرد وفلك الحياة والحق المخلوق به وكل ما هو عالم من
الموجود المطلق ،وعن هذا الشيء الثالث ظهر العالم ،فهذا
ص 327
327
الشيء هو حقيقة حقائق العالم الكلية المعقولة في الذهن الذي يظهر في القديم قديما ،وفي
الحادث حادثا ،فإن قلت :هذا الشيء هو العالم صدقت وإن قلت :إنه الحق القديم سبحانه
صدقت ،وإن قلت :إنه ليس العالم وال الحق تعالى وأنه معنى زائد صدقت ،كل هذا يصح
عليه ،وهو الكلي األعم الجامع الحدوث والقدم ،وهو يتعدد بتعدد الموجودات ،وال ينقسم
بانقسام الموجودات ،وينقسم بانقسام المعلومات ،وهو ال موجود وال معدوم ،وال هو العالم
وهو العالم ،وهو غير وال هو غير ،
ألن المغايرة في الوجودين والنسبة انضمام شيء ما إلى شيء آخر ،فيكون منه أمر آخر
يسمى صورة ما واالنضمام نسبة ،فهذا الشيء الذي نحن بسبيله ال يقدر أحد أن يقف على
حقيقته عبارة ،لكن نومئ إليه بضرب من التشبيه والتمثيل ،
فنقول :نسبة هذا الشيء الذي ال يحد وال يتصف بالوجود وال بالعدم ،وال بالحدوث وال بالقدم
،إلى العالم كنسبة الخشبة إلى الكرسي والتابوت والمنبر والمحمل ،والفضة إلى األواني
واآلالت التي تصاغ منها كالمكحلة والقرط والخاتم ،فبهذا تعرف تلك الحقيقة ،فخذ هذه
النسبة وال تتخيل النقص فيه كما تتخيل النقص في الخشبة بانفصال المحبرة عنها ،
واعلم أن الخشبة صورة مخصوصة في العودية ،فال تنظر أبدا إال للحقيقة المعقولة الجامعة
التي هي العودية ،فتجدها ال تنقص وال تتبعض ،بل هي في كل كرسي ومحبرة على كمالها
من غير نقص وال زيادة ،وإن كان في صورة المحبرة حقائق كثيرة منها :الحقيقة العودية
واالستطالية والتربيعية والكمية وغير ذلك ،وكلها فيها بكمالها ،وكذلك الكرسي والمنبر ،
وهذا الشيء الثالث هو هذه الحقائق كلها بكمالها ،فسمه إن شئت حقيقة الحقائق ،فالمعقوالت
العشرة وهي الجوهر والعرض والحال والزمان والمكان والعدد واإلضافة والوضع وأن يفعل
تكون الحقيقة التي أوجد الحق من مادتها الموجودات العلويات والسفليات ،فهو وأن ينفعل ،ه
األم الجامعة لجميع الموجودات ،وهي معقولة في الذهن غير موجودة في العين ،وهو أن
تكون لها صورة ذاتية لكنها في الموجودات حقيقة من غير تبعيض وال زيادة وال نقص ،
فوجودها عن بروز أعيان الموجودات قديمها وحديثها ،ولوال أعيان الموجودات ما عقلناها ،
ولوالها ما عقلنا حقائق الموجودات ،فوجودها موقوف على وجود األشخاص ،والعلم
باألشخاص تفصيال موقوف على العلم بها ،إذ من ال يعرفها لم يفرق بين الموجودات .وقال
مثال :إن الجماد والملك والقديم شيء واحد ،إذ ال يعرف الحقائق
ص 328
328
وال بما ذا تتميز الموجودات بعضها عن بعض ،فهي متقدمة في العلم ظاهرة في الموجودات
،فإن أطلق عليها تأخر فلتأخر وجود الشخص ال لعينها ،فهي بالنظر إلى ذاتها كلية معقولة ال
تتصف بالوجود وال بالعدم ،وهي المادة لجميع الموجودات ،فقد ظهرت بكمالها بظهور
الموجودات ،وما بقي شيء يوجد بعد . -راجع سورة األنعام آية ، 73الحجر آية ، 85
سورة النحل آية « - 3إن في ذلك آلية لقوم يؤمنون » .
ص 329
329
" َو ْال ُم ْن َك ِر " وهو ما تنكره القلوب ،وذلك الظاهر للتحريم والتحليل الذي فيها .
ّللا أ َ ْكبَ ُر »
ّللا أ َ ْكبَ ُر » اآلية ]« َولَ ِذ ْك ُر َّ ِ [ « َولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
-الوجه األول -الصالة تشتمل على أقوال وأفعال ،فتحريك اللسان بالذكر من المصلي من
جملة أفعال الصالة ،والقول المسموع من هذا التحريك هو من أقوال الصالة ،وليس في
ّللا ،في حال قيام وركوع وخفض ورفع إال ما يقع به التلفظ من أقوالها شيء يخرج عن ذكر ه
ذكر نفسك بحرف ضمير ،أو ذكر صفة تسأله أن يعطيكها ،مثل :اهدني وارزقني ،ولكن
ّللا سمى القرآن ذكرا وفيه أسماء الشياطين والمغضوب عليهم ، هو ذكر شرعا هّلل ،فإن ه
ّللا ،ّللا فذكرتهم بذكر ه ّللا ،فإنه كالم ه والمتلفظ به يسمى ذكر ه
ّللا »فيها« أ َ ْكبَ ُر »يعني القول فيها أشرف أفعال المكلف ،فإنها فيكون قوله تعالى «َ :ولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
ّللا »فيها« أ َ ْكبَ ُر »أعمالها وأكبر أحوالها ،أي ذكر ه
ّللا تشتمل على أفعال وأقوال ،أي« َولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
ّللا في
أكبر ما فيها ،فهو أكبر من جملة أفعالها ،فإنها تشتمل على أقوال وأفعال ،فذكر ه
الصالة أكبر أحوال الصالة ،قال تعالى (:فَا ْذ ُك ُرونِي أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم َوا ْش ُك ُروا ِلي َوال ت َ ْكفُ ُر ِ
ون
)والفاتحة تجمع الذكر والشكر ،وهي التي يقرؤها المصلي في قيامه ،
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ ) *وهو عين الذكر بالشكر ،إلى كل ذكر فيها وفي فالشكر فيها قوله ْ (:ال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ّللا في حال الصالة وشكره أعظم وأفضل من ذكره سبحانه في غير سائر الصالة ،فذكر ه
ّللا في الصالة أكبر من جميع أفعالها الصالة ،فإن الصالة خير موضوع العبادات ،فذكر ه
ّللا فيها كان جليسك في تلك العبادة ،فإنه أخبر أنه جليس من ذكره وأقوالها ،فإنك إن ذكرت ه
ّللا وبين المصلي في ّللا في الصالة أكبر فيها من أفعالها ،وفيه وقعت القسمة بين ه ،فذكر ه
ّللا من األقوال ،والسجود من األفعال ،ألن الذكر الصالة ،فإن أفضل ما في الصالة ذكر ه
ّللا في الصالة أشرف أجزاء الصالة ،ال أن الذكر أشرف جزء منها وهو أكبر أجزائها ،فذكر ه
من الصالة ،فما كل الصالة ذكر ،فإن فيها الدعاء ،وقد فرق الحق بين الذكر والدعاء ،فقال
:من شغله ذكري عن مسألتي ؛ وهي الدعاء ،فما هو الذكر هنا الذكر الخارج عن الصالة
ّللا
حتى ترجحه على الصالة ،إنما هو الذكر الذي في الصالة ،فينبغي لكل من أراد أن يذكر ه
تعالى ويشكره باللسان والعمل أن يكون مصليا وذاكرا بكل ذكر نزل في القرآن ال في غيره ،
وينوي بذلك الذكر والدعاء الذي في القرآن ليخرج عن العهدة ،فإنه من ذكره بكالمه فقد خرج
ّللا ،ليكون في حال ذكره تاليا لكالمه ، من العهدة فيما ينسب في ذلك الذكر إلى ه
330
فيقول من التسبيحات ما في القرآن ،ومن التحميدات ما في القرآن ،ومن األدعية ما في
ّللا إياه في قوله (: ّللا وبين ذكر ه القرآن ،فتقع المطابقة بين ذكر العبد بالقرآن ألنه كالم ه
ّللا أ َ ْكبَ ُر »يعني في الصالة ،أي الذكر ّللا الذاكر له أيضا َ «،ولَ ِذ ْك ُر َّ ِ فَا ْذ ُك ُرو ِني أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم )فيذكر ه
ّللا لعبده حين يجيب سؤاله والثناء عليه ،أكبر من ذكر العبد ربه فيها ،وذكره الذي يكون من ه
كالمه ،فتكون المناسبة بين الذكرين ،فإن ذكره بذكر يخترعه لم تكن له تلك المناسبة بين
ّللا في ذكره للعبد وبين ذكر العبد ،فإن العبد ما ذكره هنا بما جاء في القرآن وال نواه ، كالم ه
وإن صادفه باللفظ ولكن هو غير مقصود ،ثم إن هذا الذكر بالقرآن جاء في الصالة فالتحق
ح اس َْم َر ِبه َك
س ِبه ِ
ّللا عليه وسلم لما نزلت ( َ ّللا عليه وسلم صلى ه باألذكار الواجبة مثل قوله صلهى ه
330
س ِبه ْح ِباس ِْم َر ِبه َك ْالعَ ِظ ِيم )اجعلوها في ركوعكم ،
ْاأل َ ْعلَى )اجعلوها في سجودكم وقوله في( فَ َ
ّللا أفضل ،فينبغي للمحقق أن يكون ذكره في الصالة باألذكار الواردة واألذكار الواجبة عند ه
في القرآن ،حتى يكون في ذكره تاليا ،فيجمع بين الذكر والتالوة معا في لفظ واحد ،فيحصل
على أجر التالين والذاكرين ،أعني الفضيلة ،وإذا ذكره من غير أن يقصد الذكر الوارد في
القرآن فهو ذاكر ال غير ،فينقصه من الفضيلة على قدر ما نقصه من القصد ،ولو كان ذلك
الذكر في القرآن غير أنه لم يقصده ،وقد ثبت أن األعمال بالنيات ،وإنما المرئ ما نوى ،
ّللا ؛ أن تقصد بذلك التهليل الوارد في القرآن ،مثل قوله تعالى فينبغي لك إن قلت :ال إله إال ه
ّللاُ )وكذلك التسبيح والتكبير والتحميد ،وأنت تعلم أن أنفاس اإلنسان (:فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ ال إِلهَ إِ َّال َّ
نفيسة ،والنفس إذا مضى ال يعود ،فينبغي لك أن تخرجه في األنفس واألعز
ّللا أ َ ْكبَ ُر »هذه اإلضافة تكون من كونه ذاكرا ومن -الوجه الثاني -أن قوله تعالى «َ :ولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
كونه مذكورا ،فهو أكبر الذاكرين ،فذكره نفسه لنفسه بنفسه أكبر من ذكره نفسه بخلقه ،فإنه
ّللا ال ينقطع ،وهو ّللا ما تنفد ،فذكر ه تعالى يذكر نفسه من كونه متكلما ،ولما كانت كلمات ه
صل ألن الكلمات تفصيل ال إجمال فيها ،فذكره أكبر األذكار ،والذكر وإن لم يخرج ذكر مف ه
ّللا قد جعل بعضه أكبر من بعض عنه فإن ه
ّللا فيقول َ «:ولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
ّللا »بهذا االسم -الوجه الثالث -ثم يتوجه فيه قصد آخر من أجل االسم ه
الذي ينعت وال ينعت به ،ويتضمن جميع األسماء الحسنى وال يتضمنه شيء في حكم الداللة«
أ َ ْكبَ ُر »من كل اسم تذكره به سبحانه ؛ من رحيم وغفور ورب وشكور وغير ذلك ،
ص 331
331
ّللا ،لوجود االشتراك في جميع األسماء كلها ،قال فإنه ال يعطي في الداللة ما يعطى االسم ه
ّللا
ّللا عليه وسلم [ :ال تقوم الساعة حتى ال يبقى على وجه األرض من يقول ه ّللا صلهى ه رسول ه
ّللا عليه ّللا صلهى ه ّللا أ َ ْكبَ ُر »فما قال رسول ه
ّللا فيه َ «:ولَ ِذ ْك ُر َّ ِّللا ] وهو الذكر األكبر الذي قال ه ه
ّللا ؛ هذا إذا أخذنا أكبر بطريق أفعل من كذا -راجع الذكر باالسم وسلم :من يقول ال إله إال ه
المفرد سورة األحزاب آية – 41
فإن لم تأخذها على أفعل من كذا فيكون إخبارا عن كبر الذكر من غير مفاضلة بأي اسم ذكر ،
ّللا أ َ ْكبَ ُر
وهو أولى بالجناب اإللهي ،وإن كانت الوجوه كلها مقصودة في قوله تعالى« َولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
ّللا من فرقان وتوراة وزبور وإنجيل وصحيفة عند كل »فإنه كل وجه تحتمله كل آية من كالم ه
عارف بذلك اللسان ،فإنه مقصود هّلل تعالى في حق ذلك المتأول لعلمه اإلحاطي سبحانه بجميع
الوجوه
ّللا هو القرآن ،فاذكره بالقرآن ال تكبره بتكبيرك ، ّللا أ َ ْكبَ ُر »ذكر ه
-الوجه الرابع –" َولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
إذ قد أمرك أن تكبره فقال َ (:و َك ِبه ْرهُ ت َ ْك ِبيرا ً )فإذا كبرت ربك فكبره كما كبر نفسه وال تحكم
على ربك بعقلك
ّللا أ َ ْكبَ ُر »اختلف علماء الشريعة في صفة لفظة التكبير -مسألة -التكبير في الصالة بلفظ« َّ ِ
ّللا أكبر ،ومن قائل يجزئ بغير الصيغة مثل الكبير في الصالة ،فمن قائل ال يجزئ إال لفظة ه
،ومن قائل يجوز التكبير على المعنى كاألجل واألعظم ،واتباع السنة أولى ،
ّللا عليه وسلم يقول [ :صلوا كما رأيتموني أصلي ] وما نقل إلينا قط إال ّللا صلهى ه فإن رسول ه
ّللا أ َ ْكبَ ُر »تواترا ،فال نتحكم بسياق لفظ آخر ،فإنه ال بد لمن يعدل عنه أن يحرم هذا اللفظ« َّ ِ
فائدة ذلك االختصاص ،ويتصف بالمخالفة بال شك ،
ّللا أ َ ْكبَ ُر »في تكبيرة اإلحرام لما خصص حاال من األحوال سماها صالة ،فهو يقول العبد« َّ ِ
ّللا أكبر أن يقيد ربي حال من األحوال ،بل األحوال كلها بيده لم يخرج عنه حال من يقول :ه
األحوال ،فكبره عن مثل هذا الحكم ،وهو كبرياء ال يشاركه فيه كون من األكوان ،ولذلك
ّللا
ّللا عليه وسلم ببنية المفاضلة ،ألن المشركين نسبوا األلوهة لغير ه ّللا صلهى ه جاء رسول ه
ّللا عندهم أتم وأعظم باعترافهم ،فالمفاضلة في األسماء اإللهية إنما هي تعالى ،ونسبتها إلى ه
في المناسبة ال في األعيان ،ال أن الحجارة أفضل ،وال ما نحتوه ،وال ما نسبوا إليه األلوهية
من كوكب وغيره ،ألنه ال مفاضلة في األعيان ،ألنه ليس بين العبد والسيد ،وال الرب
والمربوب ،وال الخالق والمخلوق مفاضلة.
ص 332
332
[ سورة العنكبوت ( : ) 29اآليات 46إلى ] 47
ِين َظلَ ُموا ِم ْن ُه ْم َوقُولُوا آ َمنها ِباله ِذي أ ُ ْن ِز َل
س ُن ِإاله الهذ َي أَحْ َ َوال تُجا ِدلُوا أ َ ْه َل ا ْل ِكتا ِ
ب ِإاله ِباله ِتي ِه َ
تابون ( َ ) 46وكَذ ِلكَ أ َ ْن َز ْلنا إِلَ ْيكَ ا ْل ِك َ إِلَ ْينا َوأ ُ ْن ِز َل إِلَ ْي ُك ْم َوإِل ُهنا َوإِل ُه ُك ْم ِ
واح ٌد َونَحْ ُن لَهُ ُم ْ
س ِل ُم َ
ون ( ُالء َم ْن يُ ْؤ ِم ُن بِ ِه َوما يَجْ َح ُد بِآياتِنا إِاله ا ْلكافِ ُر َ
ون بِ ِه َو ِم ْن هؤ ِ ِين آت َ ْينا ُه ُم ا ْل ِك َ
تاب يُ ْؤ ِمنُ َ فَالهذ َ
)47
فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم ونفاسة وظلما .
ص 333
333
[ سورة العنكبوت ( : ) 29آية ] 51
علَ ْي ِه ْم ِإ هن ِفي ذ ِلكَ لَ َرحْ َمة َو ِذ ْكرى ِلقَ ْو ٍم يُ ْؤ ِمنُ َ
ون ( 51 تاب يُتْلى َ أ َ َولَ ْم يَ ْك ِف ِه ْم أَنها أ َ ْن َز ْلنا َ
علَ ْيكَ ا ْل ِك َ
)
" ِإ َّن فِي ذ ِل َك لَ َر ْح َمةً »بهم فإنا أرسلناك رحمة للعالمين ،فضمنا القرآن جميع ما تعرف األمم
أنه آية على صدق من جاء به ،إذ لم يعلموا منه بقرائن األحوال أنه قرأ وال كتب وال طالع
وال عاشر وال فارق بلده ،بل كان أميا من جملة األميين ،
ّللا بأمور يعرفون أنه ال يعلمها من هو بهذه الصفة التي هو عليها هذا الرسول وأخبرهم عن ه
ّللا ، إال بإعالم من ه
فكان ما جاء في القرآن من ذلك آية كما قالوا وطلبوا ،وكان إعجازه للعرب خاصة إذ نزل
بلسانهم وصرفوا عن معارضته ،أو لم يكن في قوتهم ذلك من غير صرف حدث لهم ،فجاء
القرآن بما جاءت به الكتب قبله ،وال علم له بما جاء فيها إال من القرآن ،
ّللا ألن القرآن من وعلمت ذلك اليهود والنصارى وأصحاب الكتب ،فحصلت اآلية من عند ه
ّللا .عند ه
ص 334
334
َّاي فَا ْعبُد ِ
ُون "] ضي وا ِسعَةٌ فَإِي َ
[ تفسير من باب اْلشارة ِ « :إ َّن أ َ ْر ِ
ّللا ) فهي إضافة خاصة ، ض َّ ِ ضي " فأضافها إليه أشد إضافة من قوله (:أ َ لَ ْم ت َ ُك ْن أ َ ْر ُ " ِإ َّن أ َ ْر ِ
ُون »يعني فيها ،ومما تعطيه هذه اآلية من وجه من الوجوه ثم قال «:وا ِسعَةٌ فَإِي َ
َّاي فَا ْعبُد ِ
ّللا ؟ لطبقة خاصة من المؤمنين أنهم نظروا ما هي أرض ه
ّللا ،فتلك أرضه الخاصة به ،المضافة إليه فقالوا :كل أرض موات ال يكون عليها ملك لغير ه
،البرئة من الشركة فيها ،البعيدة عن المعمور ،فإن األرض الميتة القريبة من العمران يمكن
أن يصل إليها بعض الناس فيحييها فيملكها بإحيائها ،والبعيدة من العمران سالمة من هذا
ّللا بالعبادة فيها إال ولها خصوص وصف ، التخيل ،فقالوا ما أمرنا ه
ّللا ،ففيها نفس الرحمن ، وليس فيها من خصوص األوصاف إال كونها ليس فيها نفس لغير ه
فإذا عبد اإلنسان ربه في مثل هذه األرض وجد أنسا من تلك الوحشة التي كانت له في العمران
،ووجد لذة وطيبا في قلبه وانفراده ،وذلك كله من أثر نفس الرحمن الذي نفهس ه
ّللا به عنه ما
كان يجده من الغم والضيق والحرج في األرض المشتركة ،
وهذا ما أدى بعض العباد إلى السياحة ،فرأوا في هذه األرض من اآليات والعجائب
واالعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لمالك هذه األرض ،
ّللا قلوبهم بأنوار العلوم ،وفتح لهم في النظر في اآليات ،وهي العالمات الدالة على فأنار ه
ّللا تعالى عظمة من انقطعوا إليه وهو ه
-تفسير من باب اْلشارة -ثم لتعلم أيها األخ الولي أن أرض بدنك هي األرض الحقيقية
الواسعة التي أمرك الحق أن تعبده فيها ،وذلك ألنه ما أمرك أن تعبده في أرضه إال ما دام
روحك يسكن أرض بدنك ،فإذا فارقها أسقط عنك التكليف مع وجود بدنك في األرض مدفونا
فيها ،فتعلم أن األرض ليست سوى بدنك ،وجعلها واسعة لما وسعته من القوى والمعاني التي
هاج ُروا فِيها ) ال توجد إال في هذه األرض البدنية اإلنسانية ،وأما قوله (:فَت ُ ِ
ص 335
335
ّللا به ؛ فإن العقل السليم المبرأ من وإن استعملك العقل الذي بيده سراج الشرع نجوت وأنجاك ه
ّللا عين بصيرته إلدراك األمور على ما هي عليه ، صفات النقص والشبه هو الذي فتح ه
ّللا في أرض بدنه الواسعة فعاملها بطريق االستحقاق ،فأعطى كل ذي حق حقه ،ومن لم يعبد ه
ّللا في أرضه التي خلقه منها وما دمت في أرض بدنك الواسعة مع وجود عقلك فما عبد ه
ّللا
وسراج شرعك فأنت مأمور بعبادة ربك ،فهذه األرض البدنية لك على الحقيقة أرض ه
الواسعة التي أمرك أن تعبده فيها إلى حين موتك ،
ضي وا ِسعَةٌ فَإِي َ
َّاي فَا ْعبُد ِ
ُون " ِي الَّذِينَ آ َمنُوا ِإ َّن أ َ ْر ِ
وهو قوله تعالى " :قليا ِعباد َ
ّللا أرض بدنك جعل فيها كعبة وهو قلبك ،وجعل هذا البيت القلبي أشرف -إشارة -لما خلق ه
البيوت في المؤمن ،فأخبر أن السماوات وفيها البيت المعمور ،واألرض وفيها الكعبة ،
ما وسعته وضاقت عنه ،ووسعه هذا القلب من هذه النشأة المؤمنة ،
باّلل سبحانه ،فهذا يدلك على أنها األرض الواسعة ،وأنها أرض والمراد هنا بالسعة العلم ه
عبادتك ،فتعبده كأنك تراه من حيث بصرك ،ألن قلبك محجوب أن يدركه بصرك ،فإنه في
ّللا كأنك تراه في ذاتك كما يليق بجالله ، الباطن منك ،فتعبد ه
وعين بصيرتك تشهده ،فإنه ظاهر لها ظهور علم ،فتراه بعين بصيرتك ،وكأنك تراه من
حيث بصرك ،فتجمع في عبادتك بين الصورتين ،بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال
،وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال ،فتعبده مطلقا ومقيدا ،وليس ذلك لغير
المحرم ،وبيته المعظم المكرم ،فكل من في ه هذه النشأة ،فلهذا جعل هذه النشأة المؤمنة حرمه
ّللا على الغيب إال اإلنسان الكامل المؤمن ،فإنه يعبده على المشاهدة ،وال يكمل الوجود يعبد ه
العبد إال باإليمان ،فله النور الساطع ،بل هو النور الساطع الذي يزيل كل ظلمة ،فإذا عبده
على الشهادة رآه جميع قواه ،فما قام بعبادته غيره ،وال ينبغي أن يقوم بها سواه ،فما ث هم من
حصل له هذا المقام إال المؤمن اإلنساني ،فإنه ما كان مؤمنا إال بربه ،فإنه سبحانه المؤمن .
واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ،وما لك قدم في هذه الدرجة ،فأنا أدلك على ما يحصل لك
ّللا ما خلق الخلق على مزاج واحد ،بل جعله متفاوتبه الدرجة العليا ،وهو أن تعلم أن ه
المزاج ،وهذا مشهود بالبديهة والضرورة ،لما بين الناس من التفاوت في النظر العقلي
واإليمان ،وقد حصل لك من طريق الحق أن اإلنسان مرآة أخيه ،فيرى منه ما ال يراه
الشخص من نفسه إال بواسطة مثله ،
واعلم أن المرائي مختلفة األشكال ،
ص 336
336
وأنها تصير المرئي عند الرائي بحسب شكلها من طول وعرض واستواء وعوج واستدارة ،
ونقص وزيادة وتعدد ،وكل شيء يعطيه شكل تلك المرآة ،وقد علمت أن الرسل أعدل الناس
ّللا في مزاجهمزاجا لقبولهم رساالت ربهم ،وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه ه
من التركيب ،فما من نبي إال بعث خاصة إلى قوم معينين ،ألنه على مزاج خاص مقصور ،
ّللا إال برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ،وال قبل
ّللا عليه وسلم ما بعثه ه وأن محمدا صلهى ه
هو مثل هذه الرسالة إال لكونه على مزاج عام يحوي على مزاج كل نبي ورسول ،فهو أعدل
األمزجة وأكملها ،وأقوم النشآت ،فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي
أن يظهر به لهذه النشأة اإلنسانية ،فاعلم أنك ليس لك ،وال أنت على مثل هذا المزاج الذي
ّللا عليه وسلم ،وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك ،فإنما تظهره لك مرآتك لمحمد صلهى ه
على قدر مزاجها وصورة شكلها ،
وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في العلم بربه في نشأته
،فالزم اإليمان واالتباع ،واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك ،
ّللا تعالى ال بد أن يتجلى لمحمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في مرآته ، فإذا فعلت هذا ،علمت أن ه
وقد أعلمتك أن المرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي ،فيكون ظهور الحق في مرآة محمد
ّللا عليه وسلم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه ،لما هي مرآته عليه ، صلهى ه
ّللا عليه وسلم فقد أدركت منه كماال لم تدركه من حيث فإذا أدركته في مرآة محمد صلهى ه
نظرك في مرآتك ،أال ترى في باب اإليمان وما جاء في الرسالة من األمور التي نسب الحق
لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ،ولوال الشرع واإليمان ما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا
العقلي شيئا البتة ،بل نرده ابتداء ونج ههل القائل به ،فكما أعطاه بالرسالة واإليمان ما قصرت
العقول التي ال إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق ،
كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صلهى
ّللا عليه وسلم أن تدركه في مرآتها ،
ه
وكما آمنت به في الرسالة غيبا ،شهدته في هذا التجلي النبوي عينا ،
فقد نصحتك وأبلغت لك النصيحة ،فال تطلب مشاهدة الحق إال في مرآة نبيك صلهى ه
ّللا عليه
وسلم ،واحذر أن تشهده في مرآتك ،أو تشهد النبي وما تجلى في مرآته في مرآتك ،فإنه
ينزل بك عن الدرجة العالية ،فالزم االقتداء واالتباع ،وال تطأ مكانا ال ترى فيه قدم نبيك ،
فضع قدمك على قدمه ،إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلى ،والشهود الكامل في
المكانة الزلفى ،وقد أبلغت لك النصيحة كما أمرت.
ص 337
337
[سورة العنكبوت ( : ) 29آية ] 57
ُك ُّل نَ ْف ٍس ذا ِئقَةُ ا ْل َم ْو ِ
ت ث ُ هم ِإلَ ْينا ت ُ ْر َجعُ َ
ون ) ( 57
من مات قامت قيامته ،وإن خفيت باألرض قامته ،وما مات أحد إال بحلول أجله ،وما قبض
إال دون أمله ،والفوت في الموت لكل ميت ،فإن الدار الدنيا محل بلوغ األمل ،ما لم يخترمه
األجل ،هي مزرعة اآلخرة فأين الزارع ؟ وفيها تكسب المنافع ،والموت للمؤمن تحفة ،
والنعش له محفة ،ينقله من العدوة الدنيا ،إلى العدوة القصوى ،حيث ال فتنة وال بلوى ،ليس
بخاسر وال مغبون ،من كان أمله المنون ،فإن فيه اللقاء اإللهي ،والبقاء الكياني« ث ُ َّم ِإلَيْنا
ّللا راجع ،ألنه االسم الجامع . ت ُ ْر َجعُونَ »فالكل إلى ه
ص 338
338
ّللا بدار
خفية الحياة ،فانية ذاهبة العين ،متبدلة الصورة والوضع والشكل ،فما سماها ه
الحيوان إال ألن األمر ينكشف فيها للعموم ،فما ترى فيها شيئا إال حيا ناطقا ،بخالف حالك
ّللا بأبصارنا عن إدراك حياة ما
في الدنيا ،فإنه في نفس األمر لكل صورة من العالم روح أخذ ه
تقول عنه إنه ليس بحيوان مما ليس له روح في الشاهد في نظر البصر في المعتاد .
ص 339
339
[ سورة العنكبوت ( : ) 29آية ] 69
ين ( ) 69 س ِن َ ّللا لَ َم َع ا ْل ُمحْ ِ سبُلَنا َو ِإ هن ه َ ِين جا َهدُوا ِفينا لَنَ ْه ِديَنه ُه ْم ُ َوالهذ َ
سبُلَنا » اآلية ] [ « َوالَّذِينَ جا َهدُوا فِينا لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
-الوجه األول -لما كان سبب الجهاد أفعاال تصدر من الذين أمرنا بقتالهم وجهادهم ،وتلك
ّللا خلقا وتقديرا ،فما جاهدنا إال فيه ال في العدو ،وإذا لم يكن عدوا إال بها ، األفعال أفعال ه
سبُلَنا » فإذا جاهدنا فيه ،ولكن بامتثال أمره ،قال« لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
س ِبي ِل ِه )يعني السبيل التي لكم فيها السعادة ، ع ْن َ سبُ َل فَتَفَ َّرقَ ِب ُك ْم َ التي قال فيها َ (:وال تَت َّ ِبعُوا ال ُّ
ّللا ،
وسبيل السعادة هي المشروعة ،فبيهن لنا سبلها ،فندخلها فال نرى مجاهدا ومجاهدا فيه إال ه
سبُلَنا »أي نبين لهم حتى يعلموا فيمن جاهدوا ،فيجاهدون عند فكان قوله تعالى « :لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
ّللا لَ َم َع ْال ُم ْح ِسنِينَ »واإلحسان أن تعبد ه
ّللا ذلك أو ال يجاهدون ،ولذلك تمم اآلية بقوله َ «:و ِإ َّن َّ َ
كأنك تراه ،فإذا رأيته علمت أن الجهاد إنما كان منه وفيه
-الوجه الثاني -الرياضة لنفس اإلنسان والمجاهدة لهيكله ،فبالرياضة تهذبت أخالقه ،
وسهل انقياده ،وبالمجاهدة قل فضوله فظهر له ما فيه من األصول والفروع ،فعلم بالمجاهدة
من هو ؟ ولمن هو ؟
سبُلَنا »فمن علم أن الهداية إلى سبل ه
ّللا في وهذه هي السبل« َوالَّذِينَ جا َهدُوا فِينا لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
الجهاد هرب إلى السلم من الحرب ،وال يجنح إلى السلم إال من كان مشهوده ضعفه أو من
ّللا لَ َم َع ْال ُم ْح ِسنِينَ " كانت العين مشهوده ،ولذا قال« َو ِإ َّن َّ َ
سبُلَنا »فأين أنت ؟ -إشارة َ «-والَّذِينَ جا َهدُوا فِينا لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
بعد الجهاد تتضح السبل ،وعند ذلك يكون السلوك عليها ،وهو سفر ،والسفر قطعة من
العذاب ،فإنه منتقل من عذاب إلى عذاب ،فال راحة .
الروم مكيّة
( ) 30سورة ّ
الرحيم
الرحمن ّّللا ّ
بسم ّ
[ سورة الروم ( : ) 30اآليات 1إلى ] 2
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ ّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
الرو ُم ) ( 2
ت ُّ ألم ( ُ ) 1
غ ِلبَ ِ
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم إذا سمع أن الروم وفي قراءة غلبت بفتح الغين والالم ،وكان رسول ه
قد ظهرت على فارس يظهر السرور في وجهه ،مع كون الروم كافرين به صلهى ه
ّللا عليه
وسلم ،ولكن الرسول لعلمه
ص 340
340
صلهى ه
ّللا عليه وسلم كان منصفا ألنه علم أن مستند الروم لمن استند إليه أهل الحق ،ألنهم أهل
كتاب يؤمنون به ،لكنهم طرأت عليهم شبهة من تحريف أئمتهم ما أنزل عليهم حالت بينهم
وبين اإلقرار واإليمان بنبوة محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم .
ص 341
341
ون ظا ِهرا ِم َن ا ْل َحيا ِة ال ُّد ْنيا َو ُه ْم ع َِن ْاآل ِخ َر ِة ُه ْم
ون ( ) 6يَ ْعلَ ُم َ َول ِك هن أ َ ْكث َ َر النه ِ
اس ال يَ ْعلَ ُم َ
ون) ( 7 غا ِفلُ َ
«يَ ْعلَ ُمونَ ظا ِهرا ً ِمنَ ْال َحياةِ ال ُّد ْنيا »فعملوا بما علموا« َو ُه ْم َ
ع ِن ْاآل ِخ َرةِ ُه ْم غافِلُونَ »فلم يعملوا
لها ،فإنه أغفلهم عنها فنسوا آخرتهم وتركوا العمل لها ،ومنهم الفقهاء الذين يعلمون وال
يعملون ،ويقولون بالظاهر وال يعرفون الباطن ،فإن الرجل الكامل هو الذي أحكم العلم
والعمل ،فجمع بين الظاهر والباطن .
ص 342
342
هو الحق المخلوق به مراتب العالم وأعيانه ،وأبان منازله ،فجعل منه عالم األجسام وعالم
األرواح ،وجعل في النفس اإللهي علة اإليجاد من جانب الرحمة بالخلق ،ليخرجهم من شر
العدم إلى خير الوجود ،فلو تفكر اإلنسان في نفسه وفي الصورة التي خلق عليها ،وكونه ذا
نفس وحروف وكلمات ،ذا ظاهر وباطن ،وتف هكر في كل ما يتعلق بعلم الحروف وما يتكون
عنها من الكلمات ،لعلم أنه الحق وأن اإلنسان الكامل أقامه الحق برزخا بين الحق والعالم ،
فيظهر باألسماء اإللهية فيكون حقا ،ويظهر بحقيقة اإلمكان فيكون خلقا ،وكما أن الحضرة
اإللهية على ثالث مراتب :باطن وظاهر ،ووسط وهو ما يتميز به الظاهر عن الباطن
وينفصل عنه ،وهو البرزخ فله وجه إلى الباطن ووجه إلى الظاهر ،كذلك جعل اإلنسان على
ثالث مراتب ،عقل وحس وهما طرفان ،وخيال وهو البرزخ الوسط بين المعنى والحس« أ َ
َولَ ْم يَتَفَ َّك ُروا فِي أ َ ْنفُ ِس ِه ْم »فيروا اإلنسان الكامل المختصر الظاهر بحقائق الكون كله حديثه
ق» ض َوما بَ ْينَ ُهما »الثالث مراتب« ِإ َّال ِب ْال َح ه ِ
ت َو ْاأل َ ْر َ
سماوا ِ وقديمه« ما َخلَقَ َّ
ّللاُ ال َّ
-الوجه األول -وهو نفس الرحمن ؛
-الوجه الثاني -باعتبار اإلنسان هو المخلوق على الصورة اإللهية ،فيكون اإلنسان الكامل
هو الحق المخلوق به ،أي المخلوق بسببه العالم ،فإن اإلنسان أكمل الموجودات وهو الغاية ،
ولما كانت الغاية هي المطلوبة بالخلق المتقدم عليها ،فما خلق ما تقدم عليها إال ألجلها وظهور
عينها ،ولوالها ما ظهر ما تقدمها ،فالغاية هو األمر المخلوق بسببه ما تقدم من أسباب
ظهوره ،وهو اإلنسان الكامل ؛ وإنما قلنا :الكامل ألن اسم اإلنسان قد يطلق على المشبه به
في الصورة ،وهو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان ،ففي اإلنسان الكامل قوة كل موجود
في العالم وله جميع المراتب ،ولهذا اختص ،ومده بالصورة فجمع بين الحقائق اإللهية وهي
األسماء وبين حقائق العالم ،فإنه آخر موجود ،وما انته لوجوده النفس الرحماني حتى جاء
معه بقوة مراتب العالم كله ،فيظهر باإلنسان ما ال يظهر بجزء جزء من العالم وال بكل اسم
اسم من الحقائق اإللهية ،فكان اإلنسان أكمل الموجودات ،فكل ما سوى اإلنسان خلق إال
س ًّمى »كل أمر حادث في الدنيا قيل أجله كذا في الدنيا ،ألن اإلنسان فإنه خلق وحق« َوأ َ َج ٍل ُم َ
كل ما في الدنيا يجري إلى أجل مسمى فتنتهي فيه المدة باألجل ،فخاتمة ذلك الشيء ما ينتهي
إليه حكمه ،فانتهاء األنفاس في الحيوان آخر نفس يكون منه عند انتقاله إلى البرزخ ،ثم تنتهي
المدة في البرزخ إلى الفصل بينه وبين البعث ،
ص 343
343
ثم تنتهي المدة في القيامة إلى الفصل بينها وبين دخول الدارين ،ثم تنتهي المدة في النار في
حق من هو فيها من أهل الجنة إلى الفصل الذي بين اإلقامة فيها والخروج منها بالشفاعة
والمنة ،ثم تنتهي المدة في عذاب أهل النار الذين ال يخرجون منها إلى الفصل بين حال
العذاب وبين حصول حكم الرحمة التي وسعت كل شيء ،فهم يتنعمون في النار باختالف
أمزجتهم ،ثم ال يبقى بعد ذلك أجل ظاهر بالمدة ،ولكن آجال خفية دقيقة ،وذلك أن المحدث
الدائم العين ،من شأنه تقلب األحوال عليه ليلزمه االفتقار إلى دوام الوجود له دائما ،فال
قاء تفارق أحواله اآلجال ،فال يزال في أحواله بين سابقة وخاتمة« َو ِإ َّن َك ِثيرا ً ِمنَ النَّ ِ
اس ِب ِل ِ
َر ِبه ِه ْم لَكافِ ُرونَ ».
ص 344
344
من مكنون سره ،فلما أكمل هذه األركان ،إلنشاء ما يريد من المعادن والنبات والحيوان ،أقام
النجوم الثابتة ،والبروج الحاكمة ،والكواكب السيارة وحركات أفالكها ،وفتح مسالك أمالكها
،فأقامها فكانت اآلباء العلويات واألمهات السفليات ،فتناكحا بالحقائق الروحانيات ،والرقائق
السماويات ،فتولد بينهما بنات الحكم المعدنيات والنباتيات والحيوانيات ،ثم أنشأ الحق بستانا
ذا أفنان ،فيه من كل وليد وقهرمان ،ومن الجواري الحسان ،والنخيل واألعناب والرمان ،
ضروب ألوان ،تنساب فيها الجداول انسياب الثعابين ،بين تلك األزهار والبساتين ،وابتنى
قصورا من الذهب والفضة البيضاء ،وأسكنها من كل جارية غضاء ،وفرشها بالحرير من
السندس واإلستبرق ،والعبقري المرقق ،وجعل حصاها الياقوت والمرجان والزمرد والجوهر
،وترابها فتيت المسك وأكمامها العنبر ،ثم أنشأ دارا أخرى ذات لهب وسعير ،وبرد
وزمهرير ،وقيود وأغالل ،وسرابيل من قطران ،وأفاعي كأنها البخت ،وأساود عظيمة
الشخت ،وعقارب مكونة من السحت ،وبيوت مظلمة ،ومسالك ضيقة ،وكروب وغموم ،
ومصائب وهموم .
ّللا تعالى مع قدرته ونفوذ إرادته وقوة علمه ،لم يوجد شيئا من المعادن إال بعد خلق فإذا كان ه
ّللا ما أسكنك هذه الدار ،إال لتجعلها دار
هذه األدوات ،وأجرام هذه المسخرات ،فاعلم أن ه
وتعظم من سواك فعدلك ،وصورك فج هملك ، ه اعتبار ،فتتفكر وتعتبر ،وتذكر وتزدجر ،
ووالك وملهكك ،وعلمك وحنهكك ،فإن كنت مطيعا لربك ،عادال في رعيتك ،فستصير إلى
ّللا ،وإن كنت عاصيا جائرا في حكمك ظالما ،فستصير إلى ضيق وعذاب وجحيم النعيم عند ه
ّللا قلبك ،وأنذر قومك ،وطهر ثوبك ،وال يحجبنك سلطان ،فخف ربك وذنبك ،وأصلح مع ه
عادتك ،عن تحصيل أسباب سعادتك ،فإن الدنيا لمحة بارق ،وخيال طارق ،وكم من ملك
مثلك قد ملكها ،ثم رحل عنها وتركها ،وال بد لك من الرحلة عنها إلى اآلخرة ،فإما أن تعمر
ّللا تعالى ما جعلك ملكا على خلقه ( ،كلكم راع وكل درجها ،وإما أن تعمر دركها .واعلم أن ه
راع مسؤول عن رعيته ) وأقامك بين الباطل والحق في مقام حقه ،لقصور قدرته عن إصالح
الخلق وتدبيره ،وتصريفه في إظهار الملك وتسخيره ،وإنما ضرب لك بك مثال في عالم
الفناء ،لتستد هل به على ترتيب الملك اإللهي في دار البقاء ،ولهذا جعل هذه الدنيا ه
ظال زائال ،
وعرضا مائال ،وجعلك
ص 345
345
عنها راحال ،فهي جسر منصوب على بحر الهالك ،وميدان موضوع لمصارع ه
الهالك ،كم
أبادت من القرون الماضية ،واألمم الخالية ،والجبابرة المتألهين الطاغية ،والفضالء
والحكماء ،واألدباء والعقالء ،واألولياء واألنبياء ،فهل ترى لهم من باقية ؟ وأنت على
قارعة مذهبهم ،وعن قريب تلحق بهم ،فإما إلى نعيم في دار الخلود بجوار الصمد ،وإما إلى
عذاب األبد« ُه َو الَّذِي يَ ْب َدؤُا ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُد ُهث ُ َّم ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُونَ »فاجهد في تحصيل أدوات البقاء
والنجاة ،فإن الدنيا متاع قليل واآلخرة خير لمن اتقى ،والعارية مردودة ،وأعمالك بين يديك
وّللا
موجودة غير مفقودة ،في كتاب ال يغادر صغيرة وال كبيرة ،وال عالنية وال سريرة ( ه
يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) فالسعادة كل السعادة في المحافظة على األمور الشرعية ،
والقيام بالحدود الوضعية .
ص 346
346
ب ث ُ هم ِإذا أ َ ْنت ُ ْم بَش ٌَر ت َ ْنت َ ِ
ش ُر َ
ون) ( 20 ون ( َ ) 19و ِم ْن آيا ِت ِه أ َ ْن َخلَقَ ُك ْم ِم ْن تُرا ٍ
َوكَذ ِلكَ ت ُ ْخ َر ُج َ
اعلم أن الحق سبحانه ال يعين لفظا وال يقيد أمرا إال وقد أراد من عباده أن ينظروا فيه من
حيث ما خصصه وأفرده لتلك الحالة ،أو عيهنه بتلك العبارة ،ومتى لم ينظر الناظر في هذه
األمور بهذه العين فقد غاب عن الصواب المطلوب ،فإن النفوس ما تنبعث وتهتز إال لآليات
الخارقة للعادة .واآليات اإللهية منها معتاد وغير معتاد ،والقرآن قد ورد في اآليات المعتادة
كثير ،ومن آياته ،ومن آياته ويذكر أمورا معتادة ،ثم يقول إن في ذلك آليات ،ولكن ال ترفع
العامة بها رأسا لجري العادة الستيالء الغفلة وعدم الحضور. .
[ اآليات المعتادة واآليات غير المعتادة ]
إذا كانت اآليات تعتاد لم يكن *** لها أثر في نفس كل جهول
وما لم تكن تعتاد فهي لديهمو *** إذا نظروا فيها أدل دليل
وأما فحول القوم ال فرق عندهم *** لقد خصصوا منها بأقوم قيل
إذا جاءت اآليات تترى تراهمو *** سكارى لها خوفا بكل سبيل
فسبحان من أحياهمو واصطفاهمو *** وإنهمو فينا أقل قليل
ص 347
347
يَتَفَ َّك ُرونَ »فإن من اآليات ما تغمض بحيث ال يدركها إال من له التفكر السليم ،فيعلمون أنه
ّللا جعل بينهما الحق ،وفائدة هذا التفكر أن اإلنسان إذا تزوج المرأة ووجد السكون إليها وأن ه
ّللا يريد التحامهما ،فإذا ارتفع السكون من أحدهما إلى صاحبه أو المودة والرحمة علم أن ه
منهما وزالت المودة -وهي ثبوت هذا السكون وبهذا سمي الود حبا لثبوته -وزالت الرحمة
ّللا قد أراد طالقهما ،وما يعرف ما من بينهما أو من أحدهما بصاحبه فأعرض عنه ،فيعلم أن ه
ّللا ما جعله آية إال لهم ،هذا المقصود بالتفكر هنا ،ألن ّللا ،فإن ه
قلناه إال أهل التفكر من عباد ه
ّللا محال ،فال يبقى إال التفكر في الكون ،ومتعلق الفكرة التفكر في ذات ه
[ لطيفة :الجمال العرضي حجاب على الجمال المطلق ]
األسماء الحسنى وسمات المحدثات
-لطيفة -اعلم أن الجمال العرضي حجاب على الجمال المطلق ،والحسن البديع الفائق
المحقق ،القائم بذات الحق ،الذي ال يتقيد بالوقت ،وال يدرك بالنعت فقال َ «:و ِم ْن آياتِ ِه أ َ ْن
َخلَقَ لَ ُك ْم ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ُك ْم أ َ ْزواجا ً ِلت َ ْس ُكنُوا ِإلَيْها »فتعشقت نفسها بنفسها ،حتى ال تتعلق بغير جنسها
،فكان يذهب عنها ما كان لها من العز باألمس ،من حسن التقويم والنظام ،ويظهر التيه
عليها ممن نقص عن مقامها ،وتقاصر عن تمامها ،فبقيت بذلك عزتها عليها موقوفة ،وهمم
ت ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ »فمن
غير جنسها إليها بالخدمة مصروفة .لذلك قال تعالى ِ «:إ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ
انحجب عن هذه األرواح المجسدة بهذا الحجاب عن هذا الجمال ،لم يزل في سفال العوال ،
ومن لم ينحجب به صح له المقام العال: .
ص 348
348
ون ()23 ت ِلقَ ْو ٍم يَ ْ
س َمعُ َ هار َوا ْب ِتغا ُؤ ُك ْم ِم ْن فَ ْ
ض ِل ِه ِإ هن ِفي ذ ِلكَ َآليا ٍ َو ِم ْن آيا ِت ِه َمنا ُم ُك ْم ِبالله ْي ِل َوالنه ِ
من نظر إلى حسن نظم القرآن وجمعه ،ولما ذا قدم ما كان ينبغي في النظر العقلي في ظاهر
األمر أن يكون على غير هذا النظم ،فإن النهار البتغاء الفضل والليل للمنام ،تبين له من
خلف ستار هذه اآلية وحسن العبارة عنها الرافعة سترها ،
هار » أمر زائد على ما يفهم منه في العموم بقرائن األحوال في وهو قوله َ «:منا ُم ُك ْم ِباللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ
ّللا نبه بهذه اآلية على أن نشأة اآلخرة الحسية ال ابتغاء الفضل للنهار والمنام لليل ،وهو أن ه
تشبه هذه النشأة الدنياوية ،وأنها ليست بعينها ،بل تركيب آخر ومزاج آخر ،كما وردت به
الشرائع والتعريفات النبوية في مزاج تلك الدار ،وإن كانت هذه الجواهر عينها بال شك ،فإنها
التي تبعثر في القبور وتنشر ،ولكن يختلف التركيب والمزاج بأعراض وصفات تليق بتلك
الدار ال تليق بهذه الدار ،وإن كانت الصورة واحدة في العين والسمع واألذن والفم واليدين
والرجلين بكمال النشأة ،ولكن االختالف بيهن ،فمنه ما يشعر به ويحس ومنه ما ال يشعر به ،
ولما كانت صورة اإلنشاء في الدار اآلخرة على صورة هذه النشأة ،لم يشعر بما أشرنا إليه ،
ولما كان الحكم يختلف عرفنا أن المزاج اختلف ،فهذا الفرق بين حظ الحس والعقل ،فقال
هار » . . .اآلية ] تعالى َ « [:و ِم ْن آياتِ ِه َمنا ُم ُك ْم بِاللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ
هار » ولم يذكر اليقظة وهي من جملة اآليات ،فذكر المنام دون « َو ِم ْن آياتِ ِه َمنا ُم ُك ْم بِاللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ
اليقظة في حال الدنيا ،فدل على أن اليقظة ال تكون إال عند الموت ،وأن اإلنسان نائم أبدا ما
لم يمت ،فذكر أنه في منام بالليل والنهار في يقظته ونومه ،
وفي الخبر [ الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ] أال ترى أنه لم يأت بالباء في قوله تعالى َ «:والنَّ ِ
هار
»واكتفى بباء الليل ،ليحقق بهذه المشاركة أنه يريد المنام في حال اليقظة المعتادة ،فحذفها
مما يقوي الوجه الذي أبرزناه في هذه اآلية ،فالمنام هو ما يكون فيه النائم في حال نومه ،
فإذا استيقظ يقول :
رأيت كذا وكذا ،فدل أن اإلنسان في منام ما دام في هذه النشأة في الدنيا إلى أن يموت ،فلم
يعتبر الحق اليقظة المعتادة عندنا في العموم ،بل جعل اإلنسان في منام في نومه ويقظته كما
ّللا عليه وسلم [ :الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ] أوردناه في الخبر النبوي من قوله صلهى ه
فوصفهم بالنوم في الحياة الدنيا ،والعامة ال تعرف النوم في المعتاد إال ما جرت به العادة أن
ّللا عليه وسلم بل صرح أن اإلنسان في منام ما دام في الحياة يسمى نوما ،فنبه النبي صلهى ه
ّللا بما جاء به في قوله الدنيا حتى ينتبه في اآلخرة ،والموت أول أحوال اآلخرة ،فصدهقه ه
هار »وهو هذا المنام الذي صرح تعالى َ «:و ِم ْن آياتِ ِه َمنا ُم ُك ْم ِباللَّ ْي ِل »وهو النوم العادي« َوالنَّ ِ
ّللا عليه وسلم ،ولهذا ّللا صلهى ه به رسول ه
ص 349
349
جعل الدنيا عبرة جسرا يعبر ،أي تعبر كما تعبهر الرؤيا التي يراها اإلنسان في نومه ،فكما أن
الذي يراه الرائي في حال نومه ما هو مراد لنفسه إنما هو مراد لغيره ،فيعبر من تلك الصورة
المرئية في حال النوم إلى معناها المراد بها في عالم اليقظة إذا استيقظ من نومه ،كذلك حال
اإلنسان في الدنيا ما هو مطلوب للدنيا ،فكل ما يراه من حال وقول وعمل في الدنيا إنما هو
مطلوب لآلخرة ،فهناك يعبر ويظهر له ما رآه في الدنيا ،كما يظهر له في الدنيا إذا استيقظ ما
رآه في المنام ،فالدنيا جسر يعبر وال يعمر ،كاإلنسان في حال ما يراه من نومه يعبهر وال
يع همر ،فإنه إذا استيقظ ال يجد شيئا مما رآه ،من خير يراه أو شر ،وديار وبناء وسفر ،
وأحوال حسنة أو سيئة ،
فال بد أن يعبهر له العارف بالعبارة ما رآه فيقول له :تدل رؤياك لكذا ،على كذا ،فكذلك الحياة
الدنيا منام ،إذا انتقل إلى اآلخرة بالموت لم ينتقل معه شيء مما كان في يده وفي حسه ،من
دار وأهل ومال ،كما كان حين استيقظ من نومه لم ير شيئا في يده مما كان له حاصال في
رؤياه في حال نومه ،
فلهذا قال تعالى :إننا في منام بالليل والنهار ،وفي اآلخرة تكون اليقظة ،
ّللا عين بصيرته وعبر رؤياه هنا قبل الموت أفلح ،ويكون فيها وهناك تعبر الرؤيا ،فمن نور ه
مثل من رأى رؤيا ثم رأى في رؤياه أنه استيقظ ،فيقص ما رآه وهو في النوم على حاله على
بعض الناس الذين يراهم في نومه فيقول :رأيت كذا وكذا ،فيفسره ويعبره له ذلك الشخص
بما يراه في علمه بذلك ،فإذا استيقظ حينئذ يظهر له أنه لم يزل في منام ،في حال الرؤيا وفي
حال التعبير لها ،وهو أصح التعبير ،
وكذلك الفطن اللبيب في هذه الدار مع كونه في منامه يرى أنه استيقظ ،فيعبر رؤياه في منامه
لينتبه ويزدجر ويسلك الطريق األس هد ،فإذا استيقظ بالموت حمد رؤياه ،وفرح بمنامه وأثمرت
ّللا في هذه اآلية اليقظة وذكر المنام ،وأضافه إلينا بالليل
له رؤياه خيرا ،فلهذه الحقيقة ما ذكر ه
والنهار ،وكان ابتغاء الفضل فيه في حق من رأى في نومه أنه استيقظ في نومه فيعبر رؤياه ،
وهي حال الدنيا ،فهذا تفصيل آيات المنام بالليل والنهار واالبتغاء من الفضل ،وجعله« َآليا ٍ
ت
ّللا تعالى قال َ (:وال
ّللا ،فإن ه
ّللا ،فهم أهل الفهم عن ه ِلقَ ْو ٍم يَ ْس َمعُونَ » *أي يفهمون عن ه
ت َ ُكونُوا َكالَّذِينَ قالُوا َ
س ِم ْعنا َو ُه ْم ال يَ ْس َمعُونَ )أي ال يفهمون .
ص 350
350
للعقل نور يدرك به أمورا مخصوصة ،ولإليمان نور به يدرك كل شيء ما لم يقم مانع ،
فبنور العقل تصل إلى معرفة األلوهية وما يجب لها وما يستحيل ،وما يجوز منها فال يستحيل
وال يجب ،وبنور اإليمان يدرك العقل معرفة الذات وما نسب الحق إلى نفسه من النعوت ،
فإن للعقول حدا تقف عنده من حيث ما هي مفكرة ال من حيث ما هي قابلة ،فنقول في األمر
الذي يستحيل عقال :قد ال يستحيل نسبة إلهية كما نقول فيما يجوز عقال :يستحيل نسبة إلهية .
ص 351
351
ابتداء ،فلو عادت هذه النشأة لعاد حكمها معها ،ألن حكم كل نشأة لعينها ،وحكمها ال يعود
ّللا يحفظ عليه ّللا لم ينعدم ،فإن ه فال تعود ،والجوهر عينه ال غيره ،موجود من حين خلقه ه
وجوده بما يخلق فيه مما به بقاؤه ،فاإلعادة إنما هي في كون الحق يعود إلى اإليجاد بالنظر
إلى حكم ما فرغ من إيجاده من هذا المخلوق ،فكلما فرغ ابتداء عاد إلى حكم االبتداء ،هذا
حكم إلهي ال يزول ،فحكم اإلعادة ما خرج حكمها عن الحق ،فحكمها فيه ال في الخلق الذي
ّللا له ،فال يزال الحق يخلق هو المخلوق ،فالعالم بعد وجوده ينتقل في أحوال جديدة يخلقها ه
علَ ْي ِه »وليس هذا الهين عن صعوبة في االبتداء ،ولهذا ويعود إلى الخلق فيخلق« َو ُه َو أ َ ْه َو ُن َ
القول بالمفهوم ضعيف في الداللة ،ألنه ال يكون حقا في كل موضع« َولَهُ ْال َمث َ ُل ْاألَعْلى فِي
ض» ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ
ال َّ
اس )ابتداء ،وإعادتهم ق النَّ ِ ض أ َ ْكبَ ُر ِم ْن خ َْل ِ
ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ -الوجه األول -هو قوله (:لَخ َْل ُق ال َّ
أهون من ابتدائهم ،وابتداؤهم أهون من خلق السماوات واألرض
ض »وما ث هم ت َو ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ -الوجه الثاني «َ -ولَهُ ْال َمث َ ُل ْاألَعْلى »في التجلي الصوري« فِي ال َّ
يز »الذيإال سماء وأرض ،وله المثل األعلى ،فله صورة في كل سماء وأرض« َو ُه َو ْالعَ ِز ُ
ال يرى من حيث هويته« ْال َح ِكي ُم »في تجليه حتى يقال إنه رئي .
ص 352
352
[سورة الروم ( : ) 30آية ] 30
ِين ا ْلقَ ِيّ ُم
ّللا ذ ِلكَ ال ّد ُ
ق هِعلَ ْيها ال ت َ ْبدِي َل ِل َخ ْل ِ ّللا اله ِتي فَ َط َر النه َ
اس َ ِين َح ِنيفا ِف ْط َرتَ ه ِ فَأ َ ِق ْم َوجْ َهكَ ِلل ّد ِ
ون ( ) 30 اس ال يَ ْعلَ ُم َ َول ِك هن أ َ ْكث َ َر النه ِ
[ الفطرة ]
ّللا عن مشاهدة وعيان ، ّللا إلى ه ِين َحنِيفا ً »أي مائال في جميع أحوالك من ه " فَأَقِ ْم َو ْج َه َك ِلل هد ِ
ّللا ،ومن كل ما ينبغي أن يحال عنه عن أمر ّللا وإيثار لجناب ه ّللا عن أمر ه ومن نفسك إلى ه
علَيْها »إن اإليمان األصلي هو الفطرة التي فطر الناس عليها اس َ ط َر النَّ َ ّللا الَّ ِتي فَ َ
ت َّ ِ ط َر َ ّللا« ِف ْ ه
،وهو شهادتهم له سبحانه بالوحدانية في األخذ الميثاقي ،
فكل مولود يولد على ذلك الميثاق ،ولكن لما حصل في حصر الطبيعة بهذا الجسم محل
النسيان جهل الحالة التي كان عليها مع ربهه ونسيها ،فافتقر إلى النظر في األدلة على وحدانية
خالقه ،إذا بلغ إلى الحالة التي يعطيها النظر ،وإن لم يبلغ هذا الحد فحكمه حكم والديه ،فإن
ّللا تعالى منهما تقليدا ،وإن كانا على أي دين كان ألحق بهما ، كانا مؤمنين أخذ بتوحيد ه
فالفطرة التي فطر الناس عليها هي( أ َ لَ ْستُ ِب َر ِبه ُك ْم قالُوا بَلى )فكل مولود يولد على هذه الفطرة
؛ وفطرة كل شيء هو ما يقع به الفصل بين الصور فيقال :هذا ليس هذا ،إذ قد يقال :هذا
ّللا التي فطر الناس عليها كونهم عبيده ،فمن عين هذا من حيث ما يقع به االشتراك ،ففطرة ه
ّللا ،فبقوا على تلك الفطرة في توحيد ّللا الخلق عليها أن ال يعبدوا إال ه أحوال الفطرة التي فطر ه
ّللا ،ولهذا ّللا ،بل جعلوا آلهة على طريق القربة إلى ه ّللا مسمى آخر هو ه ّللا ،فما جعلوا مع ه ه
قال :
ّللا في المحل الذي ّللا ،فما عبد كل عابد إال ه سموهم ؛ فإنهم إذا سموهم بان أنهم ما عبدوا إال ه
نسب األلوهية له ،فصح بقاء التوحيد هّلل الذي أقروا به في الميثاق وأن الفطرة مستصحبة« ال
ّللا»- ق َّ ِت َ ْبدِي َل ِلخ َْل ِ
-الوجه األول -وهو الفطرة وهو ما شهد به هّلل في أول مرة
ّللا »أي التبديل هّلل ليس للخلق تبديل ،وقد يكون معناه ال ق َّ ِ -الوجه الثاني – " ال ت َ ْبدِي َل ِلخ َْل ِ
ّللا كلماته فال تبديل لخلق ،ال تبديل ّللا من كونه أعطى كل شيء خلقه ،وخلق ه تبديل لخلق ه
ّللا ،فهي عبارة ّللا هي كلمات ه ّللا ،وإنما التبديل هّلل ،فيسوغ في هذه اآلية أن خلق ه لكلمات ه
عن الموجودات ،
كما قال في عيسى عليه السالم إنه كلمته ألقاها إلى مريم ،فنفى أن يكون للموجودات تبديل ،
بل التبديل هّلل ،وال سيما وظاهر اآلية يدل على هذا التأويل ،
ص 353
353
ّللا ما فطرنا إال على اإلقرار بربوبيته
ّللا بأن ه
أي ليس لهم في الفطرة تبديل ،وهذه بشرى من ه
ّللا نفى عنهم أن
،فما يتبدل ذلك اإلقرار بما ظهر من الشرك بعد ذلك في بعض الناس ،ألن ه
يكون لهم تبديل في ذلك بل هم على فطرتهم ،وإليها يعود المشرك يوم القيامة عند تبري
الشركاء منهم ،وإذا لم يضف التبديل إليهم فهي بشرى في حقهم بمآلهم إلى الرحمة ،
ّللا على مزاج
وإن سكنوا النار فبحكم كونها دارا ال كونها دار عذاب وآالم ،بل يجعلهم ه
يتنعمون به في النار ،بحيث لو دخلوا الجنة بذلك المزاج تألموا لعدم موافقة مزاجهم لما هي
عليه الجنة من االعتدال .
ص 354
354
ظ َه َر ْالفَسا ُد ِفي ْالبَ ِ هر " من خسف وغير ذلك وقحط ووباء وقتل وأسر « َو ْالبَ ْح ِر »وكذلك في " َ
اس »أي بما ت أ َ ْيدِي النَّ ِ
سبَ ْ
البحر مثل هذا مع غرق وتجرع غصص لزعزع ريح متلفة" ِبما َك َ
عملوا " لنذيقهم بعض الذي عملوا » وهو عين الجزاء وهو في الدنيا ،فيوم الدنيا أيضا هو
يوم الدين أي الجزاء ،لما فيه من إقامة الحدود
لذلك قال تعالى « :لنذيقهم بعض الذي عملوا » وهو عين الجزاء ،وهو أحسن في حق العبد
المذنب من جزاء اآلخرة ،ألن جزاء الدنيا مذ هكر وهو يوم عمل ،واآلخرة ليست كذلك ،
ولهذا قال في الدنيا " لَعَلَّ ُه ْم يَ ْر ِجعُونَ " يعني إلى ه
ّللا بالتوبة ،
فيوم الجزاء أيضا يوم الدنيا كما هو يوم اآلخرة ،وهو في الدنيا أنفع ،فما ابتليت البرية وهي
برية ،إنما هو جزاء ،ما هو ابتداء .
ص 355
355
ص ُر ْال ُمؤْ ِم ِنينَ » اآلية وكيف يظهر الكافرون على المؤمنين ؟ ] علَيْنا نَ ْ [ " َوكانَ َحقًّا َ
ص ُر ْال ُمؤْ ِم ِنينَ »لم يقيد الحق مؤمنا من مؤمن ،بل أوجب على نفسه نصر علَيْنا نَ ْ" َوكانَ َحقًّا َ
ّللا نوعان المؤمنين ،ولم يقل بمن ،بل أرسلها مطلقة وجالها محققة ،فالمؤمنون في كالم ه
باّلل وكفر بالطاغوت وهو الباطل فهم أهل الجنة المعبر عنهم وهم الكافرون ،فنوع آمن ه
باّلل وهو الحق فهم أهل النار المعبر عنهم بالسعداء ،والنوع اآلخر آمن بالباطل وكفر ه
باألشقياء ،
س َك ِب ْالعُ ْر َو ِة ْال ُوثْقى ت َويُؤْ ِم ْن ِب َّ ِ
اّلل فَقَ ِد ا ْست َ ْم َ الطا ُ
غو ِ عز وجل في حق السعداء( فَ َم ْن يَ ْكفُ ْر ِب َّ فقال ه
ّللا نصرهم ،واأللف والالم للعهد والتعريف ،وقال تعالى في ) وهؤالء هم الذين حق على ه
اّلل أُولئِ َك ُه ُم ْالخا ِس ُرونَ )باط ِل َو َكفَ ُروا بِ َّ ِ حق األشقياء ( َوالَّذِينَ آ َمنُوا بِ ْال ِ
فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ،ولكن قد أطلق الحق نصرته هنا للمؤمنين ولم
ّللا تعالى في ظهور المشركين على المؤمنين في أوقات ، يخصص ،وهنا سر من أسرار ه
ّللا ،فما ورد حتى نؤمن به ،إال أن اإليمان إذا قوي في صاحبه بما فتدبره تعثر عليه إن شاء ه
كان ،فله النصر على األضعف ،والميزان يخرج ذلك ،وقولي هذا ما كان لقوله( َوالَّذِينَ
باط ِل )فسماهم مؤمنين ،ولكن تحقق في إيمانهم بالباطل أنهم ما آمنوا به من كونه آ َمنُوا بِ ْال ِ
باطال ،وإنما من كونهم اعتقدوا فيه ما اعتقد أهل الحق في الحق ،فمن هنا نسب اإليمان إليهم
،وبما هو في نفس األمر على غير ما اعتقدوه سماه الحق لنا باطال ،ال من حيث ما توهموه ،
ي
فالنصر أجر اإليمان لذاته ،ولكن يقتضيه المؤمن وهو الذي صفته اإليمان ،وهو سبحانه وف ه
،فال بد من نصر اإليمان ،وال يظهر ذلك إال في المؤمن ،والمؤمن ال يتبعض فيه اإليمان ،
فاعلم ذلك ،وكل من تبعض فيه اإليمان ألجل تعداد األمور التي يؤمن بها ،فآمن المؤمن
ببعضها وكفر ببعضها فليس بمؤمن ،فما خذل إال من ليس بمؤمن ،فإن اإليمان حكمه أن يعم
ّللا ،فإذا ظهر الكافر وال يخص ،فلما لم يكن له وجود عين في الشخص لم يجب نصره على ه
على المؤمن في صورة الحكم الظاهر ،فليس ذلك بنصر الكافر عليه ،وإنما الذي يقابله لما
ولهى ،وأخلى له موضعه ،ظهر فيه الكافر ،وهذا ليس بنصر ،وإذا جعلت األلف والالم في
نصر المؤمنين للجنس ،فمن اتصف باإليمان فهو منصور ،ومن هنا يظهر المؤمنون بالباطل
في أوقات على الكافرين بالطاغوت ،فيجعلون ذلك الظهور نصرا ،ألن النصر عبارة ع همن
ظهر على خصمه ،فمن جعل األلف والالم للجنس جعل إيمان أهل الباطل بالباطل أقوى من
إيمان أهل الحق بالحق ،فالمؤمن من ال يولي الدبر ويتقدم ويثبت حتى يظفر أو يقتل ،ولهذا
ما
ص 356
356
ّللا المؤمن إذا ولهى دبره في القتال لغير قتال أو انهزم نبي قط لقوة إيمانه بالحق ،وقد توعد ه
انحياز إلى فئة تعضده ،
بار َ ،و َم ْن يُ َو ِله ِه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ فقال (:يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا إِذا لَ ِقيت ُ ُم الَّذِينَ َكفَ ُروا زَ ْحفا ً فَال ت ُ َولُّو ُه ُم ْاأل َ ْد َ
ّللا ) فخاطب أهل اإليمان ، ب ِمنَ َّ ِ ض ٍ ُدبُ َرهُ ِإ َّال ُمت َ َح ِ هرفا ً ِل ِقتا ٍل أ َ ْو ُمت َ َح ِيهزا ً ِإلى فِئ َ ٍة فَقَ ْد با َء بِغَ َ
وبقرائن األحوال علمنا أنه تعالى أراد المؤمنين بالحق ،وأرسل اآلية في اللفظ دون تقييد بمن
وقع اإليمان به ،لكن قرائن األحوال تخصص وتعطي العلم المقصود من ذلك ،
غير أن الحق ما أرسلها مطلقة إال ليقيم الحجة على الذين آمنوا بالباطل إذا هزمهم الكافرون
بالطاغوت لما دخلهم من خلل في إيمانهم بالباطل ،
وهو عندنا ليس بنصر ذلك الظهور الذي للمؤمنين بالباطل على الكافرين بالطاغوت ،
وإنما المؤمنون بالحق لما تراءى الجمعان ،كان في إيمانهم خلل ،فأثر فيه الجبن الطبيعي ،
فزلزل أقدامهم فانهزموا في حال حجاب عن إيمانهم بالحق ،
وال شك أن الخصم إذا رأى خصمه انهزم أمامه وفر وأخلى له مكانه ،ال بد أن يظهر عليه
ّللا لهم ،فما انتصروا على المؤمنين بالحق وإنما ويتبعه ،فإن شئت سميت ذلك نصرا من ه
انتصروا على وجه الخلل الذي دخل في إيمانهم واستتر عنهم بالخوف الطبيعي ،فكانوا كفارا
من ذلك الوجه ،
فكان نصرهم نصر الكفار بعضهم على بعض وهم المؤمنون بالباطل ،ألن هؤالء المؤمنين
بالحق آمنوا بما خوفهم به الطبع من القتل وهو باطل ،فآمنوا بالباطل لخوفهم من الموت ؛
ي يرزق ،فل هما آمنوا به أنه موت آمنوا بالباطل ،فهزم أهل الباطل والشهيد ليس بميت فإنه ح ه
أهل الباطل ،وهذا يسمى ظهورا ال نصرا ،
إال إذا جعلت األلف والالم للجنس فتشمل كل مؤمن بأمر ما من غير تعيين ،وليس المؤمن إال
من لم يدخل إيمانه بأمر ما خلل يقدح في إيمانه ،
ّللا ، ّللا في األرض ،ما قام بأحد وال اتصف به إال نصره ه ومن ذلك يعلم أن الصدق سيف ه
ّللا المؤمن الذي لم يدخله خلل في إيمانه على من ألن الصدق نعته والصادق اسمه ،فينصر ه
ّللا يخذله على قدر ما دخله من الخلل ،أي مؤمن كان من المؤمنين دخله خلل في إيمانه ،فإن ه
،فالمؤمن الكامل منصور أبدا ،ولهذا ما انهزم نبي قط وال ولي ،أال ترى يوم حنين لما
ّللا عند ّللا ،ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم فنسوا ه ّللا عنهم توحيد ه ادعت الصحابة رضي ه
ذلك فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا ،مع كون الصحابة مؤمنين بال شك ،ولكن دخلهم الخلل
ّللا
ّللا )فما أذن ه ت فِئَةً َكثِ َ
يرة ً ِبإِ ْذ ِن َّ ِ غلَبَ ْ
ّللا( َك ْم ِم ْن فِئ َ ٍة قَ ِليلَ ٍة َ
باعتمادهم على الكثرة ،ونسوا قول ه
هنا إال للغلبة ،فأوجدها
ص 357
357
ّللا إذا كانت الغلبة للكافرين ّللا ،ومن هنا نكون في راحة مع ه فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن ه
على المسلمين ،فتعلم أن إيمانهم تزلزل ودخله الخلل ،وأن الكافرين فيما آمنوا به من الباطل
والمشركين لم يتخلخل إيمانهم وال تزلزلوا فيه ،فالنصر أخو الصدق حيث كان تبعه ،ولو
كان خالف هذا ما انهزم المسلمون قط ،كما أنه لم ينهزم نبي قط ،وأنت تشاهد غلبة الكفار
ونصرتهم في وقت ،وغلبة المسلمين ونصرتهم في وقت ،والصادق من الفريقين ال ينهزم
جملة واحدة ،بل ال يزال ثابتا حتى يقتل أو ينصرف من غير هزيمة ،ومن تفسير هذه اآلية
بوجه عام أن الموحد إذا أخلص في إيمانه وثبت نصر على قرنه بال شك ،فإذا طرأ عليه خلل
ولم يكن مصمت اإليمان وتزلزل خذله الحق ،وما وجد في نفسه قوة يقف بها لعدوه من أجل
ذلك الخلل فانهزم ،فلما رآه عدوه منهزما تبعه وظهرت الغلبة للعدو على المؤمن ،فما نصر
ّللا العدو وإنما خذل المؤمن لذلك الخلل الذي داخله ،فلما خذله لم يجد مؤيدا فانهزم بالضرورة ه
يتبعه عدوه ،فما هو نصر للعدو وإنما هو خذالن للمؤمن لما ذكرناه .وأما من جهة التحقيق
في هذه اآلية فإنه لما تقرر في نفس المشرك أن الحجر أو الكوكب أو ما كان من المخلوقات
أنه إله ،وهو مقام محترم لذاته ،تعيهن على المشرك احترام ذلك المنسوب إليه ،لكون
المشرك يعتقد أن تلك النسبة إليه صحيحة ولها وجه ،ولما علم سبحانه أن المشرك ما احترم
ذلك المخلوق إال لكونه إلها في زعمه ،نظر الحق إليه ألنه مطلوبه ،فإذا وفهى بما يجب لتلك
النسبة من الحق والحرمة ،وكان أشد احتراما لها من الموحد ،وتراءى الجمعان كانت الغلبة
للمشرك على الموحد ،إذ كان معه النصر اإللهي لقيامه بما يجب عليه من االحترام هّلل وإن
أخطأ النسبة ،وقامت الغفلة والتفريط في حق الموحد فخذل ،ولم تتعلق به الوالية ألنه غير
ي الَّذِينَ آ َمنُوا )وإنما قاتل ليقال ،فما قاتل هّلل ،فأي ّللاُ َو ِل ُّ
مشاهد إليمانه ،إذ يقول تعالى َّ (:
شخص صدق في احترام األلوهية واستحضرها وإن أخطأ في نسبتها ولكن هي مشهوده كان
ّللا نصره واجبا عليه للموحد ،وإنما جعله للمؤمنين بما ينبغي النصر اإللهي معه ،فما جعل ه
لأللوهية من الحرمة ووفهى بها ،فالمؤمن منصور بال شك غير مخذول ،فمن خذل فلينظر من
ص ُر ْال ُمؤْ ِمنِينَ أين خذل ،فسيعدم من ذلك األين اإليمان فإن قوله تعالى َ «:وكانَ َحقًّا َ
علَيْنا نَ ْ
»قول صدق.
ص 358
358
[ سورة الروم ( : ) 30اآليات 48إلى ] 54
سفا فَت َ َرى ا ْل َو ْد َ
ق ف يَشا ُء َويَجْ عَلُهُ ِك َ ماء َك ْي َس ِ طهُ ِفي ال ه س ُسحابا فَيَ ْب ُ ير َ ح فَت ُ ِث ُ الريا َ
س ُل ِ ّ ّللاُ الهذِي يُ ْر ِ ه
ون ( َ ) 48وإِ ْن كانُوا ِم ْن ش ُر َ صاب بِ ِه َم ْن يَشا ُء ِم ْن ِعبا ِد ِه إِذا ُه ْم يَ ْ
ست َ ْب ِ ج ِم ْن ِخال ِل ِه فَ ِإذا أ َ َ يَ ْخ ُر ُ
ضف يُحْ ي ِ ْاأل َ ْر َ ّللا َك ْي َ
ت هِ آثار َرحْ َم ِ ظ ْر إِلى ِ ين ( ) 49فَا ْن ُ س َ قَ ْب ِل أ َ ْن يُنَ هز َل َ
علَ ْي ِه ْم ِم ْن قَ ْب ِل ِه لَ ُم ْب ِل ِ
س ْلنا ِريحا فَ َرأ َ ْوهُ ِير ( َ ) 50ولَئِ ْن أ َ ْر َ ش ْي ٍء قَد ٌ بَ ْع َد َم ْوتِها ِإ هن ذ ِلكَ لَ ُمحْ ي ِ ا ْل َم ْوتى َو ُه َو عَلى ُك ِ ّل َ
ص هم الدُّعا َء ِإذا َوله ْوا س ِم ُع ال ُّ س ِم ُع ا ْل َم ْوتى َوال ت ُ ْ ون ( ) 51فَ ِإنهكَ ال ت ُ ْ صفَ ًّرا لَ َظلُّوا ِم ْن بَ ْع ِد ِه يَ ْكفُ ُر َ ُم ْ
س ِم ُع ِإاله َم ْن يُ ْؤ ِم ُن ِبآيا ِتنا فَ ُه ْم ضاللَ ِت ِه ْم ِإ ْن ت ُ ْ ين ) َ ( 52وما أ َ ْنتَ ِبها ِد ا ْلعُ ْمي ِ ع َْن َ ُم ْد ِب ِر َ
ف قُ هوة ث ُ هم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد قُ هو ٍة ض ْع ٍف ث ُ هم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد َ ض ْع ٍّللاُ الهذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن َ ون ( ) 53ه س ِل ُم َ ُم ْ
ِير ( ) 54 ق ما يَشا ُء َو ُه َو ا ْلعَ ِلي ُم ا ْلقَد ُ ش ْيبَة يَ ْخلُ ُض ْعفا َو َ َ
ض ْعفٍ » . . .اآلية ] ّللاُ الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن َ [ نصيحة وإشارة َّ « :
»فاّلل تعالى خلقنا من ضعف وما خلقنا إال عليه ،فما أنشأ العالم ه ض ْعفٍ ّللاُ الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن َ " َّ
إال منه وعليه ،فخلق اإلنسان فقيرا إلى ربه ،مسكينا ظاهر الضعف والحاجة بلسان الحال
والمقال ،وهكذا الطفل عند والدته ال يقدر على القيام ،فهو طريح قريب إلى أصله وهو
األرض ،وكذا المريض الذي ال يقدر على القيام والقعود ،ويبقى طريحا لضعفه وهو رجوعه
إلى أصله ،فالضعف أصل اإلنسان لكونه ممكنا ،والممكن ال يستطيع أن يدفع عن نفسه
ض ْعفٍ قُ َّوة ً ّللا له قوة عارضة وهو قوله «:ث ُ َّم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد َ الترجيح على كل حال ،ثم جعل ه
»لما نقلنا من حال الطفولة إلى حال الشباب والتكليف ،فهي قوة الشباب ،وذلك حال الفتوة
وفيها يسمى فتى ،وما قرن معها شيئا من الضعف ،فإن الفتوة ليس فيها شيء من الضعف ،
إذ هي حالة بين الطفولة والكهولة ،وهو عمر اإلنسان من زمان بلوغه إلى تمام األربعين من
والدته ،إال أنه مع هذه القوة ال يستقل ،فأمر بطلب المعونة ،
ص 359
359
ّللا تعالى اإلنسان إلى أصله من الضعف ،فإن القوة هّلل جميعا ،والعبد موطنه الضعف ثم ر هد ه
والعبودية ،والضعف مرتبته ،فإنه خلق من ضعف ابتداء ،ور هد إلى الضعف انتهاء ،فقال
ض ْعفا ً »عز وجل «:ث ُ َّم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد قُ َّوةٍ »قوة الشباب« َ ه
ش ْيبَةً »يعني وقارا أي سكونا لضعفه عن الحركة ،فإن يعني ضعف الكهولة إلى آخر العمر« َو َ
الوقار من الوقر وهو الثقل ،فقرن مع هذا الضعف الثاني الشيبة التي هي الوقار ،فإن الطفل
وإن كان ضعيفا فإنه متحرك جدا ،
روي أن إبراهيم عليه السالم لما رأى الشيب قال :يا رب ما هذا ؟ قال :
الوقار ،قال :اللهم زدني وقارا ؛ فالضعف هو أول العالم وآخره ،فإنا ما وجدنا للقوة ذكرا
في األول وال في اآلخر ،بل جاءت في الوسط وهي محل الدعوى الواقعة في اإلنسان ،وإذا
نظرنا في معنى هذا الضعف الذي خلقنا منه لوجدناه عدم االستقالل باإليجاد ،فشرع لنا
االستعانة به في االقتدار ،ثم جعل لنا قوة غير مستقلة ،فإنه لوال أن للمكلف نسبة وأثرا في
العمل ما صح التكليف وال صح طلب المعونة من ذي القوة المتين ،فهو وإن خلقنا من ضعف
فإنه جعل فينا قوة لوالها ما كلفنا بالعمل والترك ،ألن الترك منع النفس من التصرف في
هواها ،وبهذا عمت القوة العمل والترك ،وقرن الشيب بالضعف الذي رجعنا إليه ،ليرينا
بذلك الشيب وهو نور أن ذلك الضعف ما هو ضعف ثان من أجل ما ن هكره ،فهو رجع إلى
الضعف األول ،فكان الضعف الثاني رجوعا إلى األصل ،فسمي هرما ،والشيب للشيخوخة ،
ّللا إلقامة النشأة اآلخرة عليه كما قامت النشأة الدنيا على وهذا الضعف األخير إنما أعده ه
الضعف ،وإنما كان هذا ليالزم اإلنسان ذاته الذلة واالفتقار وطلب المعونة والحاجة إلى خالقه
،ومع هذا كله يذهل عن أصله ويتيه بما يعرض له من القوة ،فإذا استوى قائما وبعد عن
ّللا في
أصله ( وهو األرض ) تفر عن وتجبهر وادعى القوة ،وقال :أنا ؛ فالرجل من كان مع ه
حال قيامه وصحته ،كحاله في اضطجاعه من المرض والضعف وهو عزيز
-نصيحة -االعتناء بالصغير رحمة به لضعفه ،فإذا كبر وكل إلى نفسه ،فإن بقي في كبره
على أصله من الضعف صحبته الرحمة ،وإن تكبر عن أصله وادعى القوة المجعولة فيه بعد
ّللا في كبره برد الضعف إليه ،فاستقذره وليه وتمنى مفارقته ،وفي ضعف ضعفه أضاعه ه
صغره كان يشتهي حياته ويرغب في تقبيله وال يستقذره
ض ْعفٍ قُ َّوة ً »هذا حال وقت نظرك إنض ْعفٍ ث ُ َّم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد َ ّللاُ الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن َ -إشارة َّ «-
ش ْيبَةً »فنكصت على عقبك ،فانظر كيف تكون ؟. نظرت« ث ُ َّم َجعَ َل ِم ْن بَ ْع ِد قُ َّوةٍ َ
ض ْعفا ً َو َ
ص 360
360
[ سورة الروم ( : ) 30اآليات 55إلى ] 60
ُون ( َ ) 55وقا َل ع ٍة كَذ ِلكَ كانُوا يُ ْؤفَك َ غ ْي َر سا َ ون ما لَ ِبثُوا َ ساعَةُ يُ ْق ِ
س ُم ا ْل ُمجْ ِر ُم َ َويَ ْو َم تَقُو ُم ال ه
ث َول ِكنه ُك ْم ُك ْنت ُ ْم ث فَهذا يَ ْو ُم ا ْلبَ ْع ِّللا إِلى يَ ْو ِم ا ْلبَ ْع ِب هِ يمان لَقَ ْد لَبِثْت ُ ْم فِي ِكتا ِاْل َ ِين أُوتُوا ا ْل ِع ْل َم َو ْ ِ
الهذ َ
ون ( َ ) 57ولَقَ ْد ِين َظلَ ُموا َم ْعذ َِرت ُ ُه ْم َوال ُه ْم يُ ْ
ست َ ْعتَبُ َ ون ) ( 56فَيَ ْو َمئِ ٍذ ال يَ ْنفَ ُع الهذ َ ال ت َ ْعلَ ُم َ
ِين َكفَ ُروا ِإ ْن أ َ ْنت ُ ْم ِإاله اس فِي هذَا ا ْلقُ ْر ِ
آن ِم ْن ُك ِ ّل َمث َ ٍل َولَئِ ْن ِجئْت َ ُه ْم ِبآيَ ٍة لَيَقُولَ هن الهذ َ ض َر ْبنا ِللنه ِ
َ
ون ) ( 59 ِين ال يَ ْعلَ ُم َ ب الهذ َ ّللاُ عَلى قُلُو ِ ون ( ) 58كَذ ِلكَ يَ ْطبَ ُع ه ُم ْب ِطلُ َ
ون ( ) 60 ِين ال يُو ِقنُ َ ست َ ِخفهنهكَ الهذ َ ق َوال يَ ْ ّللا َح ٌّص ِب ْر ِإ هن َو ْع َد ه ِ فَا ْ
ص 361
361
[ سورة لقمان ( : ) 31اآليات 8إلى ] 10
ّللا َحقًّا َو ُه َو
ِين ِفيها َو ْع َد ه ِ يم ( ) 8خا ِلد َ ت لَ ُه ْم َجنهاتُ النه ِع ِ ِين آ َمنُوا َوع َِملُوا ال ه
صا ِلحا ِ ِإ هن الهذ َ
ي أ َ ْن ت َ ِمي َد بِ ُك ْم
س َض َروا ِ ع َم ٍد ت َ َر ْونَها َوأ َ ْلقى فِي ْاأل َ ْر ِ
ت بِغَ ْي ِر َ سماوا ِ ق ال ه يز ا ْل َح ِكي ُم ( َ ) 9خلَ َ ا ْلعَ ِز ُ
يم ( ) 10 ماء ماء فَأ َ ْنبَتْنا فِيها ِم ْن ُك ِ ّل َز ْوجٍ ك َِر ٍ س ِ ث فِيها ِم ْن ُك ِ ّل دابه ٍة َوأ َ ْن َز ْلنا ِم َن ال ه َوبَ ه
ع َم ٍد ت َ َر ْونَها »اإلنسان قطب الفلك وهو العمد ،أال تراه إذا انتقل من ت ِبغَي ِْر َسماوا ِ « َخلَقَ ال َّ
الدنيا خربت ،وزالت الجبال وانشقت السماء وانكدرت النجوم ،فاإلنسان هو العين المقصودة
،فهو مجموع الحكم ،ومن أجله خلقت الجنة والنار ،واآلخرة واألحوال كلها والكيفيات ،
وفيه ظهر مجموع األسماء اإللهية وآثارها ،وهو المكلف المختار ،وهو المجبور في اختياره
،وله يتجلى الحق بالحكم والقضاء والفصل ،وعليه مدار العالم كله ،
ومن أجله كانت القيامة ،وبه أخذ الجان ،وله سخر ما في السماوات واألرض ،ففي حاجته
ّللا
يتحرك العالم كله علوا وسفال دنيا وآخرة ،فاإلنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك ه
بوجوده السماء أن تقع على األرض ،فإذا زال اإلنسان الكامل وانتقل إلى البرزخ هوت السماء
ي أ َ ْن ت َ ِمي َد ِب ُك ْم "ض َروا ِس َ وانشقت " َوأ َ ْلقى ِفي ْاأل َ ْر ِ
ّللا بعضها إلى بعض ،فلما خلق ّللا األرض مثل الكرة أجزاء ترابية وحجرية ،وضم ه *خلق ه
ّللا السماء بسط األرض بعد ذلك ليستقر عليها من خلقت له مكانا ، ه
ولذلك مادت ،فخلق سبحانه الجبال فقال بها عليها دفعة واحدة ،فكل ما تراه عاليا شامخا فيها
ّللا به ليسكن ميدها . فهو جبل ووتد ،ثقهلها ه
ص 362
362
[ سورة لقمان ( : ) 31آية ] 12
ي
غ ِن ٌّ س ِه َو َم ْن َكفَ َر فَ ِإ هن ه َ
ّللا َ شك ُْر فَ ِإنهما يَ ْ
شك ُُر ِلنَ ْف ِ ّلِل َو َم ْن يَ ْ
شك ُْر ِ ه ِمان ا ْل ِح ْك َمةَ أ َ ِن ا ْ
َولَقَ ْد آت َ ْينا لُ ْق َ
َح ِمي ٌد ( ) 12
ّللا بعبده إذا أنزل كل حكمة في ّلل »وهنا تظهر عناية ه « َولَقَ ْد آتَيْنا لُ ْقمانَ ْال ِح ْك َمةَ أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِ َّ ِ
موضعها .
ص 363
363
ير » اآلية -األسباب ] ص ُي ْال َم ِ[ أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِلي َو ِلوا ِل َدي َْك ِإلَ َّ
ش ْهرا ً ) على أقل ما يولد من " َو ِفصالُهُ ِفي عا َمي ِْن »وقال تعالى َ (:و َح ْملُهُ َو ِفصالُهُ ثَالثُونَ َ
زمن الحمل ويعيش ،وهو ستة أشهر حمال وسنتان رضاعا على التمام ،وإن أتم الحمل
المعتاد في الغالب وهو تسعة أشهر ،كانت مدة الرضاع حولين إال ربع حول ،وهي إحدى
وعشرون شهرا« أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِلي »من الوجه الخاص ،فقدم نفسه سبحانه ليعرفك أنه السبب
األول واألولى ،ثم عطف وقال« َو ِلوا ِل َدي َْك »وذلك في مقام إيجاد عين العبد ،حيث كان
إيجاده عند سبب اجتماع والديه بالنكاح وتعبهما في إيجاده ،فقال « َو ِلوا ِل َدي َْك »من الوجه
ّللا عندها لتنسبها إليه سبحانه ،ويكون لها عليك فضل السببي وهي األسباب التي أوجدك ه
التقدم بالوجود خاصة ،ال فضل التأثير ،ألنه في الحقيقة ال أثر لها وإن كانت أسبابا لوجود
اآلثار ،فبهذا القدر صح لها الفضل ،وطلب منك الشكر ،وشكرهما هو أن تنسبهما إلى
ش َّد ِذ ْكرا ً )في قوله( فَا ْذ ُك ُروا َّ َ
ّللا ) *« مالكهما وموجدهما «،أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِلي »هو قوله( أ َ ْو أ َ َ
ّللا حقيقة ،وشكر السبب عن أمر َو ِلوا ِل َدي َْك »هو قوله« َك ِذ ْك ِر ُك ْم آبا َء ُك ْم »ففي هذه اآلية شكر ه
ّللا من لم يشكر الناس ] ّللا عليه وسلم [ :ال يشكر ه ّللا عبادة من حيث أمرهم بشكره قال صلهى ه ه
ّللا هو المعطي لم يشكر غيره إال بأمره ، فمن علم أن ه
ّللا ،ولذلك قال بعد أن شرك« ِإلَ َّ
ي ير »فالعامل في الكل حقا وخلقا ه ص ُ ي ْال َم ِولذلك تمم فقال« ِإلَ َّ
شرك في الشكر . ير »فوحد بعد أن ه ص ُْال َم ِ
ص 364
364
[سورة لقمان ( : ) 31آية ] 16
ض يَأ ْ ِ
ت ت أ َ ْو ِفي ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ص ْخ َر ٍة أ َ ْو ِفي ال ه ي ِإنهها ِإ ْن تَكُ ِمثْقا َل َحبه ٍة ِم ْن َخ ْر َد ٍل فَتَك ُْن ِفي َ يا بُنَ ه
ير ( ) 16 يف َخبِ ٌّللا لَ ِط ٌّللاُ إِ هن ه َ
بِ َها ه
[ الرزق مضمون وهو لمن يأكله ال لمن يجمعه -تنبيه ]
ينبه الحق بهذه اآلية على أن الرزق مضمون ،ال بد أن يوصله للعبد ،فإن رزقه ورزق
ّللا ،
عياله ال بد أن يأت به ه
ّللا عليه وسلم [ :لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ] كما أنه لن تموت نفس حتى قال صلهى ه
يأتيها أجلها المسمى ،وسواء كان الرزق قليال أو كثيرا ،
ي إِنَّها إِ ْن ت َكُ ِمثْقا َل َحبَّ ٍة ِم ْن خ َْر َد ٍل »أي أينما كانت مثقال هذه الحبة فيقول لقمان البنه «:يا بُنَ َّ
ص ْخ َرةٍ »أي عند ذي قلب قاس ال شفقة له على خلق من الخردل لقلتها بل خفائها« فَت َ ُك ْن فِي َ
ّللا ،
ه
ش ُّد قَس َْوة ً ) ي َك ْال ِح َ
جار ِة أ َ ْو أ َ َ ت قُلُوبُ ُك ْم ِم ْن بَ ْع ِد ذ ِل َك فَ ِه َ قال تعالى (:ث ُ َّم قَ َ
س ْ
روي في النبوة األولى أن هّلل تعالى تحت األرض صخرة صماء ،في جوف تلك الصخرة
ّللا قد جعل له فيها غذاء ، حيوان ال منفذ له في الصخرة ،وأن ه
ّللا ويقول :سبحان من ال ينساني على بعد مكاني ؛ يعني من الموضع الذي تأتي وهو يسبح ه
ّللا في سباحة الكواكب ت »بما أودع ه سماوا ِ ّللا« أ َ ْو فِي ال َّ
منه األرزاق ،ال على بعد مكانها من ه
في أفالكها من التأثيرات في األركان لخلق أرزاق العالم أو األمطار أيضا ،فإن السماء في
لسان العرب :المطر ،قال الشاعر :
ض »بما فيها من القبول إذا سقط السماء بأرض قوم ؛ يعني بالسماء هنا المطر« أ َ ْو ِفي ْاأل َ ْر ِ
والتكوين لألرزاق ،فإنها محل ظهور األرزاق ،كذلك الكوكب يسبح في الفلك وعن سباحته
يكون ما يكون في األركان األمهات من األمور الموجبة للوالدة ،فأينما كان مثقال هذه الحبة«
ّللاُ »ولم يقل يأت إليها ،ومن هذا يستدل أن صاحب الرزق من يأكله ال من يجمعه ، ت ِب َها َّ يَأ ْ ِ
ّللا يأتي به ،فهو تعالى اآلتي برزقك إليك حيث كنت وكان رزقك ،فهو يعلم موضعك فإن ه
يف »أي هو أخفى أن يعلم ويوصل إليه -أي إلى العلم ّللا لَ ِط ٌومقرك ويعلم عين رزقك« ِإ َّن َّ َ
ير »للطفه بمكان من يطلب تلك الخردلة منه ،لما له من الحرص به -من حبة الخردل« َخبِ ٌ
على دفع ألم الفقر عنه ،فإن الحيوان ما يطلب الرزق إال لدفع اآلالم ال غير
-تنبيه –
ّللا بهذا التعريف لتأتيه أنت بما كلفك أن تأتيه به ،فإنك ترجوه فيما تأتيه به وال يرجوك نبهنا ه
فيما أتاك به ،فإنه غني عن العالمين وأنت من الفقراء إليه ،فإتيانك إليه بما
ص 365
365
كلفك اإلتيان به آكد في حقك أن تأتي به ،الفتقارك وحاجتك لما يحصل لك من المنفعة بذلك .
ص 366
366
ت ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ ) .
ِم ْنهُ ِإ َّن ِفي ذ ِل َك َآليا ٍ
فأدخل الحق العالم كله أجمع تحت تسخير هذا اإلنسان األرفع ،فما من مأل أعلى إال به مستعل
،وما من مأل أدنى إال يتضرع إليك ويبتهل ،فهم بين مستغفر لك ومص هل عليك ،وملك سالم
يوصله من الحق تعالى إليك ،وإذا كان السيد الحق يصلي عليك فكيف بمالئكته ؟ وإذا كان
ناظرا إليك فما ظنك بخليقته ؟ وما من فاكهة ونعمة عند تناهيها إال متضرعة لك خاضعة أن
ّللا من المنافع فيها ،فما في الوجود كله حقيقة وال دقيقة إال ومنك إليها تؤدي لك ما أودع ه
ومنها إليك رقيقة ،فانظر أين مرتبتك في الوجود ؟ فالعالم كله على الحقيقة أيها اإلنسان تحت
ّللا لإلنسان ومن أجله وسخر له ، تسخيرك ،إذ سلم من نظرك وتدبيرك ،فإن كل شيء خلقه ه
ّللا من حاجته إليه ،فهو فقير إلى كل شيء ليس له غنى عنه ، لما علم ه
ّللا له العالم كله ،فما من حقيقة صورية في العالم األعلى واألسفل إال وهي ولذلك استخدم ه
ّللا إياه لتوصله إليه« َوأ َ ْسبَ َغ َ
علَ ْي ُك ْم ناظرة إلى هذا اإلنسان نظر كمال ،أمينة على سر أودعها ه
ّللا عظيمة ظاهرة وباطنة ،فظاهرة ما شوهد منها ،وباطنة ما باطنَةً »كل نعم ه نِعَ َمهُ ظا ِه َرة ً َو ِ
ّللا وأهل النظر المستقيم مما علم ولم يشهد ،وظاهرة التعظيم عرفا وباطنة التعظيم عند أهل ه
ّللا به حيث ليس بعظيم في الظاهر ،فال أرى شيئا ليس عندي بعظيم ،ألني انظر بعين اعتناء ه
أبرزه في الوجود ،فأعطاه الخير ،فليس عندنا أمر محتقر ،فالكل نعمته ظاهرة وباطنة ،وقد
أسبغها على عباده ،وكم من نعمة هّلل أخفاها شدة ظهورها ،واستصحاب كرورها على المنعم
عليه ومرورها ،ومن النعم الباطنة المعارف والعلم به .
ص 367
367
فإن العبادة ال تصح من غير شهود ،وإن صح العمل فالعمل غير العبادة ،فإن العبادة ذاتية
للخلق ،والعمل عارض من الحق عرض له ،فتختلف األعمال منه وفيه والعبادة واحدة
س َك بِ ْالعُ ْر َوةِ ْال ُوثْقى »أي التي ال تتصف باالنخرام ،فكان عمل العبد في مقام العين« فَقَ ِد ا ْست َ ْم َ
الشهود من حيث قوله تعالى [ :كنت سمعه وكنت بصره وكنت يده ]
ّللا َرمى )فأرجع الحق هذا التفصيل كله إلى عين ْت ِإ ْذ َر َمي َ
ْت َول ِك َّن َّ َ وقوله تعالى َ (:وما َر َمي َ
ور ». ّللا عاقِبَةُ ْاأل ُ ُم ِ
واحدة فقال َ «:و ِإلَى َّ ِ
ص 368
368
الممكنات وهي ال تتناهى ،وما ال يتناهى ال ينفد وال يحصره الوجود ،من حيث ثبوته ال ينفد
،فإن خزانة الثبوت ال تعطي الحصر ،فإنه ليس التساعها غاية تدرك ،فكلما انتهيت في
ّللا في
وهمك في اتساعها إلى غاية فهو من وراء تلك الغاية ،ومن هذه الخزانة تظهر كلمات ه
الوجود على التتالي والتتابع أشخاصا بعد أشخاص ،وكلمات إثر كلمات ،والبحار واألقالم من
ّللا التي هي العالم هي نفس الرحمن ،ولهذا جملة الكلمات ،والمادة التي ظهرت فيها كلمات ه
عبهر عنه بالكلمات ،
ّللا ،وصدرت هذه الكلمات عن تركيب يعبر عنه في فقيل في عيسى عليه السالم :إنه كلمة ه
ّللا كن ،وعنها تنشأ الكائنات ،وقد أخبرّللا كلها عن كلمة هاللسان العربي بلفظة كن ،فكلمات ه
ّللا أنه ما من شيء يريد إيجاده إال يقول له كن ،وجاء بلفظة كن ألنها لفظة وجودية ،فنابت ه
مناب جميع األوامر اإللهية ،فتظهر أعيان الكلمات وهو المعبر عنها بالعالم بكلمة كن ،
فالكلمة ظهورها في النفس الرحماني ،والكون ظهورها في العماء ،فيما هو للنفس يسمى
ّللا ال تنفد وهي
كلمة وأمرا ،وبما هو في العماء يسمى كونا وخلقا وظهور عين ؛ فكلمات ه
ّللا التي ال تنفد أبدا .
أعيان موجوداته ،والوجود كله كلمات ه
واعلم أن فائدة الكالم اإلفهام بالمقاصد للسامعين ،واألحوال مفهمة وهي الكالم ،وال يخلو
موجود أن يكون على حال ما ،فحاله عين كالمه ،ألنه المفهم الذي ينظر إليه ما هو عليه في
وقته ،فال لسان أفصح من لسان األحوال ،وقرائن األحوال تفيد العلوم التي تجيء بطريق
العبارات ،والعبارات من جملة األحوال ،فانطلق في االصطالح اسم الكالم على العبارات .
« ُك ٌّل »يثبت إلى وقت معين ثم يزول حكمه ال عينه ،فإنه تعالى قال «:يَ ْج ِري إِلى أ َ َج ٍل
س ًّمى »فإذا بلغ جريانه األجل زال جريانه وإن بقي عينه .
ُم َ
ّللا تعالى جعل لكل صورة في العالم أجال تنتهي إليه في الدنيا واآلخرة ، واعلم أن ه
ص 369
369
ّللا الدوام والبقاء ،قال تعالى «:إال األعيان القابلة للصور فإنه ال أجل لها ،بل لها منذ خلقها ه
س ًّمى »فجاء بكل وهي تقتضي اإلحاطة والعموم ، ُك ٌّل يَ ْج ِري ِإلى أ َ َج ٍل ُم َ
وقد قلنا :إن األعيان القابلة للصور ال أجل لها ،فبما ذا خرجت عن حكم« ُك ٌّل »؟
قلنا :ما خرجت وإنما األجل الذي للعين إنما هو ارتباطها بصورة من الصور التي تقبلها ،
فهي تنتهي في القبول لها إلى أجل مسمى ،وهو انقضاء زمان تلك الصورة ،فإذا وصل
ّللا في هذا االرتباط انعدمت الصورة وقبلت العين صورة أخرى ،فقد األجل المعلوم عند ه
جرت األعيان إلى أجل مسمى في قبول صورة ما ،كما جرت الصورة إلى أجل مسمى في
ّللا لكل
ثبوتها لتلك العين الذي كان محل ظهورها ،فقد عم الكل األجل المسمى ،فقد قدر ه
شيء أجال ،في أمر ما ينتهي إليه ،ثم ينتقل إلى حالة أخرى يجري فيها أيضا إلى أجل مسمى
خالق على الدوام مع األنفاس ،فمن األشياء ما يكون مدة بقائه زمان وجوده وينتهي ّللا ه
،فإن ه
ّللا ذلك
إلى أجله في الزمان الثاني من زمان وجوده ،وهي أقصر مدة في العالم ،وفعل ه
ّللا تعالى ،فلو بقيت زمانين فصاعدا التصفت ليصح االفتقار مع األنفاس من األعيان إلى ه
ّللا في تلك المدة ،وهذه مسئلة يقول بها األشاعرة من المتكلمين ،وموضع بالغنى عن ه
اإلجماع من الكل في هذه المسألة التي ال يقدرون على إنكارها الحركة ،
إال طائفتين :
من يجعل الحركة نسبة ال وجود لها وهو الباقالني من المتكلمين ،وأصحاب الكمون والظهور
القائلون به ،وإن قال القائلون بالكمون والظهور بذلك فإنهم تحت حيطة« ُك ٌّل »بهذا المذهب ،
فإنه قد جرى في كمونة إلى أجل مسمى ،وهو زمان ظهوره ،فقد انقضت مدة كمونة ،وال
يلزم من جريانهم إلى األجل أن المراد عدمهم ،بل يجوز أن يكون له العدم ،ويجوز أن يكون
االنتقال مع بقاء العين الموصوفة بالجري ،
ويجوز أن يكون منه أجل يعدمه ،ومنه ما يكون له أجل بانتقاله يعدمه ،وهو الذي نذهب إليه
ونقول به ،فإنه ال بد لكل شيء من غاية ،واألشياء ال يتناهى وجودها فال تنتهي غاياتها ،
فاّلل يجدد في كل حين أشياء ،وكل شيء له غاية تلك الغاية أجله المسمى ،فليس األجل إال ه
ألحوال األعيان ،واألعيان غايتها عين ال غاية.
ص 370
370
ير »بماي »في شأنه وذاته عما يليق بسمات الحدوث وصفات المحدثات« ْال َك ِب ُ ّللا ُه َو ْالعَ ِل ُّ
" أ َ َّن َّ َ
نصبه المشركون من اآللهة ،ولهذا قال الخليل في معرض الحجة على قومه ،مع اعتقاده
ّللا هو الذي كسر األصنام المتخذة آلهة حتى جعلها جذاذا ،مع دعوى عابديها الصحيح أن ه
ّللا ُز ْلفى )فنسبوا الكبر له تعالى على آلهتهم ،فقال إبراهيم بقولهم( ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
ير ُه ْم هذا فَ ْسئَلُو ُه ْم ِإ ْن كانُوا يَ ْن ِطقُونَ )فلو نطقوا العترفوا بأنهم عبيد ،
عليه السالم( بَ ْل فَعَلَهُ َك ِب ُ
ّللا هو الكبير العلي العظيم . وأن ه
ص 371
371
قوله تعالىَ " :ويَ ْعلَ ُم ما ِفي ْاأل َ ْر ِ
حام »فإنه الخالق ما فيها وهو قوله تعالى ( يَ ْعلَ ُم ال ِ ه
س َّر )
* فإن السر النكاح .
ص 372
372
ين " وهو الماء الذي استقر في رحم المرأة . " ِم ْن ماءٍ َم ِه ٍ
[ سورة السجدة ( : ) 32آية ] 9
صار َو ْاأل َ ْفئِ َدةَ قَ ِليال ما ت َ ْ
شك ُُر َ
ون ( ) 9 س ْم َع َو ْاأل َ ْب َ ث ُ هم َ
س هواهُ َونَفَ َخ فِي ِه ِم ْن ُر ِ
وح ِه َو َجعَ َل لَ ُك ُم ال ه
ّللا
س َّواهُ »فبعد تسوية أرض البدن وقبوله لالشتعال بما فيه من الرطوبة والحرارة ،نفخ ه « ث ُ َّم َ
ْصار َو ْاأل َ ْفئِ َدة َ »وهي القوى
س ْم َع َو ْاألَب َ فيه فاشتعل ،فكان ذلك االشتعال روحا له« َو َجعَ َل لَ ُك ُم ال َّ
يال ما ت َ ْش ُك ُرونَ ». والمعاني التي ال توجد إال في هذه األرض البدنية اإلنسانية« قَ ِل ً
ص 373
373
[ سورة السجدة ( : ) 32اآليات 14إلى ] 15
ون ( ) 14 سينا ُك ْم َوذُوقُوا ع َ
َذاب ا ْل ُخ ْل ِد ِبما ُك ْنت ُ ْم ت َ ْع َملُ َ فَذُوقُوا ِبما نَ ِ
سيت ُ ْم ِلقا َء يَ ْو ِم ُك ْم هذا ِإنها نَ ِ
ست َ ْكبِ ُر َ
ون ( سبه ُحوا بِ َح ْم ِد َر ِبّ ِه ْم َو ُه ْم ال يَ ْ س هجدا َو َ ِين إِذا ذُ ِ ّك ُروا بِها َخ ُّروا ُ إِنهما يُ ْؤ ِم ُن بِآياتِنَا الهذ َ
) 15
" ِإنَّما " إن حرف تحقيق وتنكير« يُؤْ ِم ُن ِبآياتِنَا »يقول :إن الذي يصدق بآياتنا أنها آيات نصبن
،لها دالالت على وجودنا وصدق أرسالنا ،ما هي عن همم نفوسهم هم« الَّذِينَ ِإذا ذُ ِ هك ُروا ِبها
»والتذكر ال يكون إال عن علم غفل عنه أو نسيان من عاقل ،
س َّجدا ً »
يقول :إنها مدركة بالنظر العقلي أنها دالالت على ما نصبناها عليه« خ َُّروا ُ
سبَّ ُحوا بِ َح ْم ِد َر ِبه ِه ْم »
فإذا ذكروا بها وقعوا على وجوههم « َو َ
فنزهوا ربهم بما نزه به نفسه على ألسنة رسلهم« َو ُه ْم ال يَ ْست َ ْكبِ ُرونَ »ولم يعطهم العلم األنفة
عن ذلك ،فيفرق بين مدارك عقله وما يعطيه نظره وبين ما يعطيه إيمانه ،فينزه ربه إيمانا
وعقال ،ويأخذ العلم والحكمة حيث وجدها .
ص 374
374
ما زلت أسهر باكيا *** حتى بكاني مضجعي
شهدت بذلك زفرتي *** وسنا النجوم الطلهع
قوله « :وتسرعي بتشرعي » أي إنك ناديتني باإلسراع فيما شرعت ،وقد فعلته ،فهو أيضا
من شهودي على صدق دعواي ،وقوله « :حتى بكاني مضجعي » أي ومن الشهود مضجعي
حيث تجافى جنبي عنه ،فكنت ممن قيل فيهم في معرض الثناء اإللهي« تَتَجافى ُجنُوبُ ُه ْم َ
ع ِن
ْال َم ِ
ضاج ِع ».
ص 375
375
ار ُكلهما أَرادُوا أ َ ْن يَ ْخ ُر ُجوا ِم ْنها أ ُ ِعيدُوا ِفيها َو ِقي َل لَ ُه ْم ذُوقُوا سقُوا فَ َمأْوا ُه ُم النه ُ َوأ َ هما الهذ َ
ِين فَ َ
ب ْاأل َ ْكبَ ِر ب ْاألَدْنى د َ
ُون ا ْلعَذا ِ ون ( َ ) 20ولَنُذِيقَنه ُه ْم ِم َن ا ْلعَذا ِ َذاب النه ِار الهذِي ُك ْنت ُ ْم ِب ِه ت ُ َك ِذّبُ َ
ع َ
ع ْنها ِإنها ِم َن ا ْل ُمجْ ِر ِم َ
ين ض َت َر ِبّ ِه ث ُ هم أَع َْر َ
ون ( َ ) 21و َم ْن أ َ ْظلَ ُم ِم هم ْن ذُ ِ ّك َر ِبآيا ِ لَعَله ُه ْم يَ ْر ِجعُ َ
ون) ( 22 ُم ْنت َ ِق ُم َ
اإلعراض عن اآليات التي نصبها الحق دالئل عليه دليل على عدم اإلنصاف واتباع الهوى
ّللا ما لم يكن يحتسب
المردي ،وهو علة ال يبرأ منها صاحبها بعد استحكامها حتى يبدو له من ه
،فعند ذلك يريد استعمال الدواء فال ينفع ،كالتوبة عند طلوع الشمس من مغربها ،ال ينفع
نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ،واإليمان عند حلول البأس وعند
االحتضار والتيقن بالمفارقة .
ص 376
376
[ سورة السجدة ( : ) 32آية ] 27
ج ِب ِه َز ْرعا تَأ ْ ُك ُل ِم ْنهُ أ َ ْنعا ُم ُه ْم َوأ َ ْنفُ ُ
س ُه ْم أ َ ض ا ْل ُج ُر ِز فَنُ ْخ ِر ُ
ق ا ْلما َء ِإلَى ْاأل َ ْر ِ أ َ َولَ ْم يَ َر ْوا أَنها نَ ُ
سو ُ
ون ( ) 27 فَال يُ ْب ِص ُر َ
[ جميع الحواس ال تخطئ أبدا ]
إن العين ال تخطئ أبدا ،ال هي وال جميع الحواس ،فإن إدراك الحواس إدراك ذاتي ،وال
تؤثر العلل الظاهرة العارضة في الذاتيات ،وإدراك العقل على قسمين :إدراك ذاتي هو فيه
كالحواس ال يخطئ ،وإدراك غير ذاتي ،وهو ما يدركه باآللة التي هي الفكر وباآللة التي هي
الحس ،فالخيال يقلد الحس فيما يعطيه ،والفكر ينظر في الخيال فيجد األمور مفردات فيحب
أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل ،فينسب بعض المفردات إلى بعض ،فقد يخطئ في
النسبة األمر على ما هو عليه وقد يصيب ،فيحكم العقل على ذلك الحد فيخطئ ،فالعقل مقلد ،
ولهذا اتصف بالخطإ ،وقد حصرت اآليات في السمع والبصر ،فإما شهود وإما خبر .
ص 377
377
ون ِم ْن ُه هن أ ُ همها ِت ُك ْم َوما َجعَ َل أ َ ْد ِعيا َء ُك ْم أ َ ْبنا َء ُك ْم ذ ِل ُك ْم قَ ْولُ ُك ْم ِبأ َ ْفوا ِه ُك ْم
َجعَ َل أ َ ْزوا َج ُك ُم الاله ِئي تُظا ِه ُر َ
س ِبي َل) ( 4 ق َو ُه َو يَ ْهدِي ال ه ّللاُ يَقُو ُل ا ْل َح ه
َو ه
سبِي َل "أي يبينه لتمشي عليه فإنه الكفيل . " َو ُه َو يَ ْهدِي ال َّ
ص 378
378
أ َ ْنفُ ِس ِه ْم َوأ َ ْزوا ُجهُ أ ُ َّمهات ُ ُه ْم »وقال ِ (:إنَّ َما ْال ُمؤْ ِمنُونَ ِإ ْخ َوة ٌ ) -
إشارة ثانية -الحق أولى بعباده المضافين إليه المميزين من غيرهم ،وهم الذين لم يزالوا
عباده في حالة االضطرار واالختيار ،من نفوسهم ،وما هو مع من لم يضف إليه بهذه المثابة
ّللا ال يتعدى قسمه . ،فلكل عالم حظ معلوم من ه
ص 379
379
باّلل ]
ّللا ،وهو قوله المشروع [ :ال حول وال قوة إال ه فإن الصادق هو ه
فإذا كانت القوة به -وهي الصدق -فإضافتها إلى العبد إنما هو من حيث إيجادها فيه وقيامها
به ،وإن قال عند سؤال الحق إياه عن صدقه :إنه لما صدق في فعله أو قوله في الدنيا ،لم
باّلل كان منه ،كان صادقا في الجواب عند السؤال ،ونفعه ذلك عند يحضر في صدقه أن ذلك ه
ّللا في ذلك الموطن وحشر مع الصادقين ،وصدق في صدقه ، ه
ع ْن ِ
ص ْدقِ ِه ْم »فإذا ثبت لهم جازاهم به وهو قوله تعالى «: لهذا قال تعالى ِ «:ليَ ْسئ َ َل ال َّ
صا ِدقِينَ َ
ص ْد ِق ِه ْم »
صا ِد ِقينَ ِب ِ
ّللاُ ال َّ
ي َِّليَ ْج ِز َ
-إشارة -من ال قدم له عند الحق ال صدق له ،ومن ال صدق له سقط حظه من الحق ،
والصدق مسؤول عنه ،فكيف غير الصدق ؟ ! .
ص 380
380
ّللا
قول الصديق األكبر :العجز عن درك اإلدراك إدراك ؛ فما رأى شيئا عند ذلك إال ورأى ه
قبله ،فرجوعهم سفر القتناص علوم لم ينالوها في العروج ،فما لهم غاية يقفون عندها ،فهم
يظهرون في كل مرتبة بما تقتضيه تلك المرتبة ،
وإذا تكمل العبد كانت المراتب عنده على السواء ،ومتى نسبت الشخص إلى مقام بعينه فقد
رجحته في ذلك المقام ،
وإذا كان حكمه في كل مقام حكمه في الباقي كان ذلك عظيما .
نفي المقام هو المكان وإنه *** لليثربي بسورة األحزاب
من كان فيه يكون مجهوال لذا *** ما ناله أحد بغير حجاب
رب المكان هو الذي يدعى إذا *** دعي الرجال بسيد األحباب
وله الوسيلة ال تكون لغيره *** وهو المقدهم من أولي األلباب
وهو اإلمام وما له من تابع *** وهو المصرف حاجب الحجاب
اعلم أن عبور المقامات واألحوال هو من خصائص المحمديين ،وال يكون إال ألهل األدب ،
جلساء الحق على بساط الهيبة مع األنس الدائم ،ألصحابه االعتدال والثبات والسكون ،غير
أن لهم سرعة الحركات في الباطن في كل نفس ،
مر السحاب ،إن تجلهى لهم الحق في صورة محدودة فترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر ه
أطرقوا ،فرأوه في إطراقهم مقلبا أحوالهم على غير الصورة التي تجلى لهم فيها فأورثهم
اإلطراق ،فهم بين تقييد وإطالق ،ال مقام يحكم عليهم ،فإنه ما ث هم ،فهم أصحاب مكان في
بساط النشأة ،
وهم أصحاب مكانة في عدم القرار ،فهم من حيث مكانتهم ومن حيث مكانهم ثابتون ،فهم
بالذات في مكانهم وهم باألسماء في مكانتهم ،والمكان ثبوت في المكانة ،فمن األسماء لهم
المقام المحمود ،والمكانة الزلفى في اليوم المشهود ،والزور والوفود ،
ومن الذات لهم المكان المحدود والمعنى المقصود والثبات على الشهود وحالة الوجود ،
ورؤيته في كل موجود ،في سكون وخمود ،واألمر الحقيقي للمكانة فإنه ال يصح الثبوت على
أمر واحد في الوجود ،
فالمكان ثبوت في المكانة كما نقول في التمكين :إنه تمكين في التلوين ،ال أن التلوين يضاد
التمكين .
-نصيحة -ال راحة مع الخلق ،فارجع إلى الحق فهو أولى بك ،إن عاشرتهم على ما هم
عليه بعدت منه ،فإنهم على ما ال يرضاه ،وإن لم تعاشرهم وقعوا فيك ،فال راحة.
ص 381
381
[سورة األحزاب ( : ) 33اآليات 14إلى ] 21
سيرا ( َ ) 14ولَقَ ْد س ِئلُوا ا ْل ِفتْنَةَ َآلت َ ْوها َوما تَلَبهثُوا ِبها ِإاله يَ ِ طارها ث ُ هم ُ علَ ْي ِه ْم ِم ْن أ َ ْق َِولَ ْو د ُِخلَتْ َ
سؤُال ( ) 15قُ ْل لَ ْن يَ ْنفَعَ ُك ُم ا ْل ِف ُ
رار ّللا َم ْ
ع ْه ُد ه ِ
كان َ ْبار َو َ ون ْاألَد َ ّللا ِم ْن قَ ْب ُل ال يُ َولُّ َ كانُوا عا َهدُوا ه َ
ون إِاله قَ ِليال ( ) 16قُ ْل َم ْن ذَا اله ِذي يَ ْع ِص ُم ُك ْم ِم َن ه ِ
ّللا ت أ َ ِو ا ْلقَتْ ِل َوإِذا ال ت ُ َمتهعُ َ إِ ْن فَ َر ْرت ُ ْم ِم َن ا ْل َم ْو ِ
ّللا َو ِليًّا َوال نَ ِصيرا ( ) 17قَ ْد ُون ه ُِون لَ ُه ْم ِم ْن د ِ سوءا أ َ ْو أَرا َد ِب ُك ْم َرحْ َمة َوال يَ ِجد َ ِإ ْن أَرا َد ِب ُك ْم ُ
س ِإاله قَ ِليال ) ( 18 ون ا ْلبَأ ْ َ
ين ِ ِْل ْخوانِ ِه ْم َهلُ هم ِإلَ ْينا َوال يَأ ْت ُ َ ين ِم ْن ُك ْم َوا ْلقائِ ِل َ ّللاُ ا ْل ُمعَ ّ ِوقِ َ
يَ ْعلَ ُم ه
علَ ْي ِه ِم َنُور أ َ ْعيُنُ ُه ْم كَالهذِي يُ ْغشى َ ون ِإلَ ْيكَ تَد ُظ ُر َ ف َرأ َ ْيت َ ُه ْم يَ ْن ُ علَ ْي ُك ْم فَ ِإذا جا َء ا ْل َخ ْو ُ ش هحة َ أَ ِ
علَى ا ْل َخ ْي ِر أُولئِكَ لَ ْم يُ ْؤ ِمنُوا فَأَحْ بَ َط ه
ّللاُ ش هحة َ سنَ ٍة ِحدا ٍد أ َ ِ سلَقُو ُك ْم بِأ َ ْل ِ ف َ ب ا ْل َخ ْو ُ ت فَ ِإذا ذَ َه َ ا ْل َم ْو ِ
ت ْاألَحْ ُ
زاب زاب لَ ْم يَ ْذ َهبُوا َوإِ ْن يَأ ْ ِون ْاألَحْ َ سبُ َ سيرا ( ) 19يَحْ َ علَى ه ِ
ّللا يَ ِ كان ذ ِلكَ َ أَعْمالَ ُه ْم َو َ
ون ع َْن أ َ ْنبائِ ُك ْم َولَ ْو كانُوا فِي ُك ْم ما قاتَلُوا إِاله قَ ِليال ( 20 سئَلُ َ ب يَ ْ ُون فِي ْاألَعْرا ِ يَ َودُّوا لَ ْو أَنه ُه ْم باد َ
ّللا َكثِيرا ( ّللا َوا ْليَ ْو َم ْاآل ِخ َر َوذَك ََر ه َ كان يَ ْر ُجوا ه َسنَةٌ ِل َم ْن َ س َوةٌ َح َ ّللا أ ُ ْ
سو ِل ه ِ كان لَ ُك ْم فِي َر ُ ) لَقَ ْد َ
) 21
ص 382
382
ّللا عليه ّللا صلهى ه على نكاح الهبة أن ذلك خالص له مشروع ،وهو حرام علينا ،وقال رسول ه
ّللا أُس َْوة ٌ َح َ
سنَةٌ » ّللا تعالى يقول «:لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم ِفي َر ُ
سو ِل َّ ِ وسلم [ خذوا عني مناسككم ] فإن ه
ّللا منا في ّللا عليه وسلم عن مراد ه وقال [ :من رغب عن سنتي فليس مني ] فأبان بفعله صلهى ه
العبادات ،
ّللا عليه وسلم [ :العلماء ورثة األنبياء ] ّللا صلهى ه
وقال رسول ه
فاعلم أن الورث على نوعين :معنوي ومحسوس ،
فالمحسوس منه ما يتعلق باأللفاظ واألفعال وما يظهر من األحوال ،فأما األفعال فإن ينظر
ّللا عليه وسلم يفعله مما أبيح للوارث أن يفعله اقتداء به - ّللا صلهى هالوارث إلى ما كان رسول ه
ال مما هو مختص به عليه السالم مخلص له في نفسه ومع ربه -وفي عشرته ألهله وولده
وقرابته وأصحابه وجميع العالم ،
ّللا عليه وسلم ،الموضحة لما ّللا صلهى ه ويتبع الوارث ذلك كله في األخبار المروية عن رسول ه
كان عليه في أفعاله من صحيحها وسقيمها ،فيأتيها كلها على ح هد ما وردت ال يزيد عليها وال
ينقص منها ،وإن اختلفت فيها الروايات فليعمل بكل رواية ،وقتا بهذه ووقتا بهذه ولو مرة
واحدة ،ويدوم على الرواية التي ثبتت ،وال يخ هل بما روي من ذلك وإن لم يثبت من جهة
الطريق فال يبالي ،إال أن يتعلق بتحليل أو تحريم فيغلب الحرمة في حق نفسه فهو أولى به ،
فإنه من أولي العزم ،وما عدا التحليل أو التحريم فليفعل بكل رواية ،وإذا أفتى -إن كان من
أهل الفتيا -وتتعارض األدلة السمعية بالحكم من كل وجه ،ويجهل التاريخ وال يقدر على
الجمع ،فيفتي بما هو أقرب لرفع الحرج ،ويعمل هو في حق نفسه باألشد فإنه في حقه األس هد
ّللا عليه وسلم في ّللا صلهى ه ،وهذا من الورث اللفظي فإنه المفتى به ،فيصلي صالة رسول ه
ليله ونهاره ،وعلى كيفيتها في أحوالها وكمياتها في أعدادها ،ويصوم كذلك ،ويعامل أهله
من مزاح وج هد كذلك ،ويكون على أخالقه في مأكله ومشربه وما يأكل وما يشرب ،كأحمد بن
حنبل فإنه كان بهذه المثابة ،روينا عنه أنه ما أكل البطيخ حتى مات ،وكان يقال له في ذلك
فيقول :
ّللا عليه وسلم ،وك هل ما كان من فعل لم يجد فيه ّللا صلهى هما بلغني كيف كان يأكله رسول ه
ّللا عليه وسلم فعله بكيفية خاصة ،وإن كان من الكميات ّللا صلهى هحديثا يبين فيه أن رسول ه
ّللا عليه وسلم ،كان يصوم حتى بكمية خاصة ولكن ورد فيه حديث فاعمل به ،كصومه صلهى ه
نقول :إنه ال يفطر ،ويفطر حتى نقول :إنه ال يصوم ،ولم يوقت الراوي فيه توقيتا ،فصم
أنت كذلك وأفطر كذلك ،وأكثر من صوم شعبان وال تت هم صوم شهر قط بوجه من الوجوه إال
شهر رمضان ،وكل صوم أو فعل مأمور به وإن لم يرو فيه فعله فاعمل به ألمره ،وهذا
ّللا:
معنى قول ه
ص 383
383
ّللا فَات َّ ِبعُو ِني يُ ْح ِب ْب ُك ُم َّ
ّللاُ ) ( ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
سنَةٌ »ما لم يخصص ّللا أُس َْوة ٌ َح َ ّللا يقول «:لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم ِفي َر ُ
سو ِل َّ ِ فلتتبعه في كل شيء ألن ه
شيئا من ذلك بنهي عن فعله ،
ّللا عليه وسلم [ :صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقال في الحج [ خذوا عني وقال صلهى ه
مناسككم ] وإن حججت فإن قدرت على الهدي فادخل به محرما بالحج أو العمرة ،وإن
حججت مرة أخرى فادخل أيضا إن قدرت على الهدي محرما بالحج ،وإن لم تجد هديا فاحذر
أن تدخل محرما بالحج ،
ولكن ادخل متمتعا بعمرة مفردة ،فإذا طفت وسعيت فحل من إحرامك الحل كله ،ثم بعد ذلك
أحرم بالحج وانسك نسيكة كما أمرت ،
واعزم على أن ال تخ هل بشيء من أفعاله وما ظهر من أحواله مما أبيح لك من ذلك ،والتزم
ّللا ما آدابه كلها جهد االستطاعة ،ال تترك شيئا من ذلك إذا ورد مما أنت مستطيع عليه ،فإن ه
كلفك إال وسعك ،فابذله وال تترك منه شيئا ،فإن النتيجة لذلك عظيمة ال يقدر قدرها ،وهي
ّللا إياك ،وقد علمت حكم الحب من المحب -الحديث – محبة ه
وأما الورث المعنوي فما يتعلق بباطن األحوال من تطهير النفس من مذام األخالق وتحليتها
ّللا عليه وسلم من ذكر ربه على كل أحيانه ،وليس إال بمكارم األخالق ،وما كان عليه صلهى ه
الحضور والمراقبة آلثاره سبحانه في قلبك وفي العالم ،فال يقع في عينك وال يحصل في
سمعك وال يتعلق بشيء قوة من قواك ،إال ولك في ذلك نظر واعتبار إلهي ،تعلم موقع
ّللا عليه وسلم فيما روت عنه عائشة ّللا صلهى ه الحكمة اإللهية في ذلك ،فهكذا كان حال رسول ه
،وكذلك إن كنت من أهل االجتهاد في االستنباط لألحكام الشرعية ،فأنت وارث نبوة شرعية
،فإنه تعالى قد شرع لك في تقرير ما أدى إليه اجتهادك ودليلك من الحكم ،أن تشرعه لنفسك
ّللا لك فيه ، وتفتي به غيرك إذا سئلت ،وإن لم تسأل فال ،فإن ذلك أيضا من الشرع الذي أذن ه
ّللا ،ومن الورث المعنوي ما يفتح عليك به من الفهم في ما هو من الشرع الذي لم يأذن به ه
ّللا تعالى إال ليتمم ّللا عليه وسلم ما بعثه ه الكتاب وفي حركات العالم كله ،فالرسول صلهى ه
مكارم األخالق ،فأحواله كلها مكارم أخالق ،فهو مبين لها بالحال وهو أتم وأعدل وأمضى
في الحكم من القول . :
[ سورة األحزاب ( : ) 33اآليات 22إلى ] 23
سولُهُ َوما زا َد ُه ْم ّللاُ َو َر َُق ه صد َسولُهُ َو َ ع َدنَا ه
ّللاُ َو َر ُ زاب قالُوا هذا ما َو َ ون ْاألَحْ َ َولَ هما َرأ َ ا ْل ُم ْؤ ِمنُ َ
علَ ْي ِه فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَضى ص َدقُوا ما عا َهدُوا ه َ
ّللا َ ين ِرجا ٌل َ س ِليما ( ِ ) 22م َن ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ ِإاله ِإيمانا َوت َ ْ
نَحْ بَهُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْنت َ ِظ ُر َوما بَ هدلُوا ت َ ْبدِيال) ( 23
ص 384
384
ِيال »في أخذ الميثاق الذي أخذ عليهم ،فوفوا به ،وقيل فيهم :صدقوا ،ألنهم " َوما بَ َّدلُوا ت َ ْبد ً
غالبوا فيه وفي الوفاء به الدعاوى المركوزة في النفوس ،التي أخرجت بعض من أخذ عليه
ّللا في الوفاء
ّللا ،فليس الرجل إال من صدق مع ه الميثاق أو أكثره عن الوفاء بما عاهد عليه ه
ّللا في األرض ،ما قام بأحد وال اتصف به إال نصره" بما أخذ عليه ،والصدق سيف ه
[ فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَضى ن َْحبَهُ » اآلية ]
ّللا ،ألن الصدق نعته ،والصادق اسمه ،فقوله تعالى «:فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَضى ن َْحبَهُ »أي من وفي ه
بعهده ،وهو العهد الخالص في أخذ الميثاق ،فإن النحب العهد« َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْنت َ ِظ ُر »ألن العبد
باّلل«
ّللا لعلمه هّللا يفعل ما يريد ،فال يأمن مكر ه ما دام في الحياة الدنيا ال يأمن التبديل ،فإن ه
ّللا منهم ،فما أعظم بشارتها من آية ،وال بلغ ِيال »هللف رجال بهذه المثابة جعلنا ه َوما بَ َّدلُوا ت َ ْبد ً
ّللا
ّللا من العشرة ،صح عن رسول ه إلينا تعيين أحد من أهل هذه الصفة إال طلحة بن عبيد ه
ّللا عليه وسلم أنه قال [ :هذا ممن قضى نحبه ] وهو في الحياة الدنيا فأمن من التبديل . صلهى ه
ص 385
385
إذا كانت اليد بالنواصي أنزلت العصم من الصياصي ،ولم تغنها ما عندها من الصياصي .
القنوت هو الطاعة هّلل ورسوله ،واألجر هنا للعمل الصالح الذي عملته ،وكان مضاعفا للعمل
ّللا عليه وسلم ،في مقابلة قوله تعالى في حقهن «:يا نِسا َء ّللا صلهى ه الصالح ومكانة رسول ه
ض ْعفَي ِْن». ف لَ َها ْالعَ ُ
ذاب ِ ع ْ
ش ٍة ُمبَ ِيهنَ ٍة يُضا َ
فاح َ ي ِ َم ْن يَأ ْ ِ
ت ِم ْن ُك َّن ِب ِ النَّ ِب ه
ص 386
386
[سورة األحزاب ( : ) 33آية ] 32
ض ْع َن ِبا ْلقَ ْو ِل فَيَ ْط َم َع الهذِي ِفي قَ ْل ِب ِه ست ُ هن كَأ َ َح ٍد ِم َن ال ِنّ ِ
ساء ِإ ِن اتهقَ ْيت ُ هن فَال ت َ ْخ َ ي ِ لَ ْ
يا ِنسا َء النه ِب ّ
ض َوقُ ْل َن قَ ْوال َم ْع ُروفا ) ( 32 َم َر ٌ
كالم المرأة يثير الشهوة بالطبع ،وال سيما إن كان في كالمها خضوع وانكسار ،وفي خيال
وّللا قد نهاهن عن الخضوع في القول ،ففي هذه اآلية السامع أنها أنثى وفي قلبه مرض ،ه
إباحة كالم النساء الرجال على وصف خاص .
ص 387
387
فإنما ينسب إليهم من حيث اعتقاد الذي ينسبه ،ألنه رجس بالنسبة إليه ،وذلك الفعل عينه
ّللا سبحانه نبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ارتفع حكم الرجس عنه في حق أهل البيت ،فطهر ه
بالمغفرة من الذنوب ودخل الشرفاء أوالد فاطمة كلهم ومن هو من أهل البيت مثل سلمان
ّللا
الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه اآلية من الغفران ،فهم المطهرون اختصاصا من ه
ّللا به ،وال يظهر حكم هذا الشرف ّللا عليه وسلم وعناية ه وعناية بهم ،لشرف محمد صلهى ه
ألهل البيت إال في الدار اآلخرة ،فإنهم يحشرون مغفورا لهم ،وأما في الدنيا فمن أتى منهم
ّللا تعالى في قوله «: باّلل وبما أنزله أن يصدق هحدا أقيم عليه ،وينبغي لكل مسلم مؤمن ه
ّللا تعالى أنه طهرهم وأذهب عنهم ط ِ هه َر ُك ْم ت َ ْ
ط ِهيرا ً »فأخبر ه س أ َ ْه َل ْالبَ ْي ِ
ت َويُ َ ع ْن ُك ُم ِ ه
الر ْج َ ِليُ ْذ ِه َ
ب َ
ّللا لهم في
الرجس ،وخبره صدق ،وهذا يدل على عصمة أهل البيت في حركاتهم ،وحفظ ه
ّللا قد عفا عنهم فيه ، ذلك ،وليس ذلك لغيرهم ،فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت أن ه
ّللا بتطهيره وذهاب فال ينبغي لمسلم أن يلحق المذمة بهم ،وال ما يشنأ أعراض من قد شهد ه
ّللا بهم ،فبالنسبة لحقوقنا الرجس عنه ،ال بعمل عملوه وال بخير قدموه ،بل سابق عناية من ه
وما لنا أن نطالبهم به ،فنحن مخيرون إن شئنا أخذنا وإن شئنا تركنا ،والترك أفضل عموما ،
فكيف في أهل البيت ؟ فإذا نزلنا عن طلب حقوقنا وعفونا عنهم في ذلك ،أي فيما أصابوا منا
ّللا عليه وسلم ما طلب ّللا اليد العظمى والمكانة الزلفى ،فإن النبي صلهى ه كانت لنا بذلك عند ه
ّللا إال المودة في القربى ،وفيه سر صلة الرحم ،ومن لم يقبل سؤال نبيه فيما منها عن أمر ه
سأل فيه مما هو قادر عليه بأي وجه يلقاه غدا أو يرجو شفاعته ؟ وهو ما أسعف نبيه صلهى ه
ّللا
أخص قرابته ،وأرجو ه عليه وسلم فيما طلب منه من المودة في قرابته ،فكيف بأهل بيته ؟ فهم
أن يكون عقب علي بن أبي طالب وسلمان تلحقهم العناية كما ألحقت أوالد الحسن والحسين
ّللا عليه وسلم : وعقبهم وموالي أهل البيت لقوله صلهى ه
ّللا واسعة واعلم أن الشياطين ألقت إلى أهل البدع واألهواء [ مولى القوم منهم ] فإن رحمة ه
أصال صحيحا ال يشكون فيه ،ثم طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم حتى ضلوا ،وأكثر ما
ظهر ذلك في الشيعة وال سيما اإلمامية منهم ،فدخلت عليهم شياطين الجن أوال بحب أهل
ّللا ،وكذلك هو ،لو وقفوا البيت واستفراغ الحب فيهم ،ورأوا أن ذلك من أسنى القربات إلى ه
وال يزيدون عليه ،إال أنهم تعدوا من حب أهل البيت إلى طريقين :منهم من تعدهى إلى بغض
الصحابة وسبهم حيث لم يقدموهم ،وتخيلوا أن أهل البيت أولى بهذه المناصب
ص 388
388
الدنيوية ،فكان منهم ما قد عرف واستفاض ،وطائفة زادت إلى سب الصحابة القدح في
ّللا جل جالله ،حيث لم ينصوا ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم وفي جبريل عليه السالم وفي ه رسول ه
على رتبتهم وتقديمهم في الخالفة ،حتى أنشد بعضهم [ ما كان من بعث األمين أمينا ]
وهذا كله واقع من أصل صحيح ،وهو حبه أهل البيت ،أنتج في نظرهم فاسدا فضلوا وأضلوا
،فانظر ما أدى إليه الغلو في الدين ،أخرجهم عن الح هد فانعكس أمرهم إلى الضد -إشارة -إذا
ّللا في كتابه لنا ،فما ظنك بأهل القرآن
ّللا بأهل البيت النبوي المحمدي كما ذكر ه
كانت عناية ه
ّللا وخاصته ؟ وأقل األهلية في ذلك حمل حروفه محفوظة في الصدور ،فإن الذين هم أهل ه
تخلهق بما حمل وتحقق به وكان من صفاته فبخ على بخ ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :سلمان منها ّللا تعالى بسلمان الفارسي أن قال فيه رسول ه
ومن عناية ه
ّللا بهذه المثابة بأن يشرف المضاف إليهم بشرفهم ،أهل البيت ] وإذا كانت منزلة مخلوق عند ه
ّللا تعالى هو الذي اجتباهم وكساهم حلة الشرف ،كيف يا وليوشرفهم ليس ألنفسهم ،وإنما ه
بمن أضيف إلى من له الحمد والمجد والشرف لنفسه وذاته ؟ فهو المجيد سبحانه وتعالى ،
فالمضاف إليه من عباده الذين هم عباده ،وهم الذين ال سلطان لمخلوق عليهم في اآلخرة ،وما
تجد في القرآن عبادا مضافين إليه سبحانه إال السعداء خاصة ،وجاء اللفظ في غيرهم بالعباد ،
فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم القائمين بحدود سيدهم الواقفين عند مراسمه ؟ فشرفهم
أعلى وأتم .
ص 389
389
[سورة األحزاب ( : ) 33آية ] 35
تصادِقا ِ ين َوال ه صا ِد ِق َت َوال ه ين َوا ْلقا ِنتا ِ ت َوا ْلقا ِن ِت َ ين َوا ْل ُم ْؤ ِمنا ِت َوا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ
س ِلما ِ ين َوا ْل ُم ْس ِل ِم َِإ هن ا ْل ُم ْ
صائِ ِم َ
ين ت َوال ه ين َوا ْل ُمت َ َ
ص ّدِقا ِ ص ِ ّدقِ َت َوا ْل ُمت َ َ شعا ِ ين َوا ْلخا ِ ش ِع َت َوا ْلخا ِ صابِرا ِ ين َوال ه صابِ ِر َ َوال ه
ّللاُ لَ ُه ْم َم ْغ ِف َرة
ع هد ه ت أَ َ ّللا َكثِيرا َوالذها ِكرا ِ ين ه َ ت َوالذها ِك ِر َ ين فُ ُرو َج ُه ْم َوا ْلحافِظا ِ ت َوا ْلحافِ ِظ َ صائِما ِ َوال ه
َوأَجْ را ع َِظيما ( ) 35
ت » . . .اآلية طبقات األولياء] [ « ِإ َّن ْال ُم ْس ِل ِمينَ َو ْال ُم ْس ِلما ِ
ّللا بهذه النعوت سدى ، ّللا أقواما من النساء والرجال بصفات ومنزلة ،فما نعتهم ه نعت ه
والمتصفون بهذه األوصاف قد طالبهم الحق بما تقتضيه هذه الصفات ،وما تثمر لهم من
ّللا باإلسالم وهو ت »وهؤالء توالهم ه ّللا ،فقال تعالى «:إِ َّن ْال ُم ْس ِل ِمينَ َو ْال ُم ْس ِلما ِ المنازل عند ه
ّللا ال غير ،فإذا وفهى العبد اإلسالم بجميع لوازمه وشروطه انقياد خاص لما جاء من عند ه
وقواعده فهو مسلم ،وإن انتقص شيئا من ذلك فليس بمسلم فيما أخ هل به من الشروط ،
ّللا عليه وسلم [ :المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ] ّللا صلهى ه قال رسول ه
واليد هنا بمعنى القدرة ،أي سلم المسلمون مما هو قادر على أن يفعل بهم مما ال يقتضيه
ّللا فيهم ،فأتى باألعم ،وذكر اللسان ألنه قد يؤذي بالذكر من ال اإلسالم ،من التعدي لحدود ه
يقدر على إيصال األذى إليه بالفعل ،وهو البهتان هنا خاصة ال الغيبة ،فإنه قال :المسلمون
ولو قال :الناس لدخلت الغيبة وغير ذلك من سوء القول ،فلم يثبت الشارع اإلسالم إال لمن
سلم المسلمون ،وهم أمثاله في السالمة ،فالمسلمون هم المعتبر في هذا الحديث ،وهم
المقصود ،فإن المسلمين ال يسلمون من لسان من يقع فيهم إال حتى يكونوا أبرياء مما نسب
إليهم ،ولذلك فسرناه بالبهتان ،
ّللا عليه وسلم قال [ :إذا قلت في أخيك ما ليس فيه فذلك البهتان ،وفي رواية فإن النبي صلهى ه
فقد بهته ] فخاب سهمك الذي رميته به ،فإنه ما وجد منفذا ،فإنك نسبت إليه ما ليس هو عليه
ّللا مسلمين ،فمن وقع فيمن هذه صفته فليس بمسلم ،ألن ذلك الوصف الذي وصف ،فسماهم ه
المسلم به ورماه به ولم يكن المسلم محال له عاد على قائله ،فلم يكن الرامي له بمسلم ،فإنه ما
سلم مما قال إذ عاد عليه سهم كالمه الذي رماه به ،
ّللا عليه وسلم [ :من قال ألخيه كافر فقد باء به أحدهما ] قال صلهى ه
اس قالُوا أ َ نُؤْ ِم ُن وقال تعالى في حق قوم قيل لهم ِ (:آمنُوا َكما آ َمنَ النَّ ُ
ص 390
390
سفَها ُء َول ِك ْن ال يَ ْعلَ ُمونَ ) ّللا فيهم ( أَال ِإنَّ ُه ْم ُه ُم ال ُّ
سفَها ُء ) قال هَكما آ َمنَ ال ُّ
فأعاد الصفة عليهم لما لم يكن المسلمون المؤمنون أهل سفه ،فليس المسلم إال من سلم من
جميع العيوب األصلية والطارئة ،فال يقول في أحد شرا وال يؤثر فيه إذا قدر عليه شرا أصال
ّللا عليه ،وليس إقامة الحدود بشر فإنه خير فال يخرجه ذلك عن اإلسالم ،فإن النبي صلهى ه
وسلم اشترط سالمة المسلمين ،ومن آذاك ابتداء عن قصد منه فليس بمسلم ،
فإنك ما سلمت منه ،
ّللا عليه وسلم يقول [ :من سلم المسلمون ] فال يقدح القصاص في اإلسالم ، والنبي صلهى ه
فإنك ما آذيت مسلما من حيث آذاك ،فإن المسلم ال يؤذي المسلم ،بل أسقط القصاص في الدنيا
القصاص في اآلخرة ،فقد أنعم عليه بضرب من النعم ،فإن عفا وأصلح ولم يؤاخذه وتجاوز
ّللا
ّللا ،بشرط ترك المطالبة في اآلخرة ،وحق ه عن سيئته فذلك المقام العالي وأجره على ه
ثابت قبله ألنه تعدى حده ،فقدح في إسالمه قدر ما تعدى ،فإن قيل :إن عصى المسلم ربه في
غير المسلم هل يكون مسلما بذلك أم ال ؟
سولَهُ لَعَنَ ُه ُم َّ
ّللاُ ِفي ال ُّد ْنيا ّللا يقول ِ (:إ َّن الَّذِينَ يُؤْ ذُونَ َّ َ
ّللا َو َر ُ قلنا :ال يكون مسلما ،فإن ه
َو ْاآل ِخ َرةِ ) والمسلم ال يكون ملعونا ،
ّللا وحده ،قلنا :كل فلقائل أن يقول :هنا بالمجموع كانت اللعنة ،ونحن إنما قلنا :من آذى ه
ّللا من القول ما ّللا وحده في زعمه فقد آذى المسلمين ،فإن المسلم يتأذى إذا سمع في ه من آذى ه
ّللا ما ال يليق به ال يليق به ،فهو مؤاخذ من جهة ما تأذى به المسلمون ،من قولهم « » 1في ه
،فإن قيل :فإن لم يعرف ذلك المسلمون منه حتى يتأذوا من ذلك ،
قلنا :حكم ذلك حكم الغيبة ،فإنه لو عرف من اغتيب تأذى ،وهو مؤاخذ بالغيبة فهو مؤاخذ
ّللا وإن لم يعرف بذلك مسلم ، بإيذائه ه
ّللا ] ،فالمسلم من كان بهذه المثابة ، ّللا عليه وسلم [ :ال أحد أصبر على أذى من ه قال صلهى ه
ّللا
ت »المؤمنون والمؤمنات توالهم ه وهو السعيد المطلق وقليل ما هم َ «:و ْال ُمؤْ ِمنِينَ َو ْال ُمؤْ ِمنا ِ
باإليمان الذي هو القول والعمل واالعتقاد ،وحقيقته االعتقاد شرعا ولغة ،وهو في القول
والعمل شرعا ال لغة ،فالمؤمن من كان قوله وفعله مطابقا لما يعتقده في ذلك الفعل ،فأولئك
ّللا عليه وسلم [ :المؤمن من ّللا صلهى ه ّللا لهم مغفرة وأجرا عظيما ،قال رسول ه من الذين أعد ه
أمنه الناس على أموالهم ]
يخص مؤمنا وال مسلما ، ه ّللا عليه وسلم [ :المؤمن من أمن جاره بوائقه ] ولم وقال صلهى ه
بل قال :الناس والجار من غير تقييد ،فإن المسلم قيهده بسالمة المسلمين ،ففرق بين المسلم
ص 391
391
والمؤمن بما قيده به وبما أطلقه ،فعلمنا أن لإليمان خصوص وصف ،وهو التصديق تقليدا
من غير دليل ،ليفرق بين اإليمان والعلم ،والمؤمن الذي اعتبره الشرع من أهل هذه اآلية له
عالمتان في نفسه إذا وجدهما كان من المؤمنين ،
العالمة الواحدة أن يصير الغيب له كالشهادة ،من عدم الريب فيما يظهر على المشاهد لذلك
األمر الذي وقع به اإليمان ،من اآلثار في نفس المؤمن كما يقع في نفس المشاهد له ،فيعلم أنه
مؤمن بالغيب ،والعالمة الثانية أن يسري األمان منه في نفس العالم كله ،
فيأمنوه على القطع على أموالهم وأنفسهم وأهليهم ،من غير أن يتخلل ذلك األمان تهمة في
أنفسهم من هذا الشخص ،وانفعلت ألمانته النفوس ،فذلك هو المشهود له بأنه من المؤمنين ،
ومهما لم يجد هاتين العالمتين فال يغالط نفسه وال يدخلها مع المؤمنين ،
س ُه ْم َوأ َ ْموالَ ُه ْم )ّللا ا ْشتَرى ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ أ َ ْنفُ َ قال تعالىِ ( :إ َّن َّ َ
ت »هم الذين فمن ادعى اإليمان وزعم أن له نفسا يملكها فليس بمؤمن« َو ْالقانِتِينَ َو ْالقانِتا ِ
ّللا بالقنوت ،وهو الطاعة هّلل في كل ما أمر به ونهى عنه ،وهذا ال يكون إال بعد توالهم ه
ّلل قا ِن ِتينَ ) أي طائعين فأمر بطاعته ، نزول الشرائع ،قال تعالىَ ( :وقُو ُموا ِ َّ ِ
والساجدون هّلل على قسمين :منهم من يسجد طوعا ،ومنهم من يسجد كرها ،
فالقانت يسجد طوعا ،وتصحيح طاعتهم هّلل وقنوتهم أن يكون الحق لهم بهذه الموازنة ،كما
قال ( :فَا ْذ ُك ُرونِي أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم )
ي شبرا تقربت إليه ذراعا ] فالحق مع العبد على قدر ما هو العبد مع الحق ، [ ومن تقرب إل ه
ّللا به من األجر ّللا ،ال من حيث ما وعده ه ّللا من حيث ما هو عبد ه ومن شرط القانت أن يطيع ه
والثواب لمن أطاعه ،وأما األجر الذي يحصل للقانت ،
فذلك من حيث العمل الذي يطلبه ال من حيث الحال الذي أوجب له القنوت ،
ت ِم ْن ُك َّن ِ َّ ِ
ّلل ّللا عليه وسلم َ (:و َم ْن يَ ْقنُ ْ ّللا صلهى ه ّللا تعالى في القانتات من نساء رسول ه قال ه
سو ِل ِه َوت َ ْع َم ْل صا ِلحا ً نُؤْ تِها أ َ ْج َرها َم َّرتَي ِْن َو َر ُ
)فاألجر هنا للعمل الصالح الذي عملته ،وكان مضاعفا في مقابلة
ض ْعفَي ِْنذاب ِ ف لَ َها ْالعَ ُ ع ْ ش ٍة ُمبَ ِيهنَ ٍة يُضا َ ت ِم ْن ُك َّن ِب ِ
فاح َ ي ِ َم ْن يَأ ْ ِ قوله تعالى في حقهن (:يا ِنسا َء النَّ ِب ه
)
ّللا عليه وسلم ولفعل الفاحشة ،كذلك ضوعف األجر للعمل الصالح ّللا صلهى ه لمكانة رسول ه
ّللا عليه وسلم ،وبقي القنوت معرى عن األجر ،فإنه أعظم من ّللا صلهى ه ومكانة رسول ه
األجر فإنه ليس بتكليف ،وإنما الحقيقة تطلبه ،وهو حال يستصحب العبد في الدنيا واآلخرة ،
والقنوت مع العبودية في دار التكليف ال مع األجر ،ذلك هو القنوت المطلوب ،والحق إنما
ينظر للعبد في طاعته بعين باعثه على تلك الطاعة ،
ولهذا قال تعالى آمرا:
ص 392
392
ّلل قا ِن ِتينَ ) ولم يسم أجرا ،وال جعل القنوت إال من أجله ال من أجل أمر آخر« ( َوقُو ُموا ِ َّ ِ
ّللا بالصدق في أقوالهم وأفعالهم ت » هم الذين توالهم ه صادِقا ِ صا ِد ِقينَ َوال َّ َوال َّ
علَ ْي ِه ) فهذا من صدق أحوالهم ،والصدق في القول ّللا َص َدقُوا ما عا َهدُوا َّ َ فقال تعالى ِ (:رجا ٌل َ
معلوم وهو ما يخبر به ،وصدق الحال ما يفي به في المستأنف ،وهو أقصى الغاية في الوفاء
ألنه شديد على النفس فال يقع الوفاء به في الحال والقول إال من األشداء األقوياء ،وال سيما
في القول ،فإنك لو حكيت كالما عن أحد كان بالفاء فجعلت بدله واوا لم تكن من هذه الطائفة ،
تعرف السامع أنك نقلت فانظر ما أغمض هذا المقام وما أقواه ،فإن نقلت الخبر على المعنى ه
على المعنى ،فتكون صادقا من حيث إخبارك عن المعنى عند السامع ،وال تسمى صادقا من
حيث نقلك لما نقلته ،
فإنك ما نقلت عين لفظ من نقلت عنه ،وال تسمى كاذبا فإنك قد عرفت السامع أنك نقلت المعنى
،فأنت مخبر للسامع عن فهمك ال عمن تحكي عنه ،فأنت صادق عنده في نقلك عن فهمك ،ال
عن الرسول أو من تخبر عنه أن ذلك مراده بما قال ،
فالصدق في المقال عسير جدا ،قليل من الناس من يفي به ،إال من أخبر السامع أنه ينقل على
المعنى فيخرج من العهدة ،فالصدق في الحال أهون منه إال أنه شديد على النفوس ،فإنه
يراعي جانب الوفاء لما عاهد من عاهد عليه ،
ّللا الجزاء بالصدق والسؤال عنه فقال ( :ليجزي الصادقين بصدقهم ) وقد قرن ه
ّللا فيما وعدهم به«ولكن بعد أن يسأل الصادقين عن صدقهم ،وجزاؤهم به هو صدق ه
ّللا على
ّللا بالصبر ،وهم الذين حبسوا نفوسهم مع ه ت »هؤالء توالهم ه صا ِبرا ِصا ِب ِرينَ َوال َّ َوال َّ
ّللا جزاءهم على ذلك من غير توقيت ، طاعته من غير توقيت ،فجعل ه
ب ) فما وقهت لهم فإنهم لم يوقتوا ،فعم صابِ ُرونَ أ َ ْج َر ُه ْم بِغَي ِْر ِحسا ٍ
فقال تعالى (:إِنَّما يُ َوفَّى ال َّ
صبرهم جميع المواطن التي يطلبها الصبر ،فكما حبسوا نفوسهم على الفعل بما أمروا به ،
حبسوها أيضا على ترك ما نهوا عن فعله ،فلم يوقتوا فلم يوقهت لهم األجر ،وهم الذين أيضا
ّللا في رفعها عنهم ،بدعاء حبسوا نفوسهم عند وقوع الباليا والرزايا بهم عن سؤال ما سوى ه
الغير أو شفاعة أو طب ،إن كان من البالء الموقوف إزالته على الطب ،
ّللا في رفع ذلك البالء عنهم ،أال ترى إلى أيوب عليه وال يقدح في صبرهم شكواهم إلى ه
اح ِمينَ ) ومع هذا أثنى ت أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ ي الض ُُّّر َوأ َ ْن َ
سنِ َ
السالم سأل ربه رفع البالء عنه بقوله َ (:م َّ
ّللا في رفع الضرر عليه بالصبر وشهد له به ،فلو كان الدعاء إلى ه
ص 393
393
ّللا به على أيوب بالصبر وقد أثنى عليه ورفع البالء يناقض الصبر المشروع المطلوب لم يثن ه
ّللا أن ال يسأل العبد رفع البالء عنه ،ألن فيه رائحة من مقاومة به ،بل من سوء األدب مع ه
القهر اإللهي بما يجده من الصبر وقوته ،
وهذا ال يناقض الرضا بالقضاء ،فإن البالء إنما هو عين المقضي ال القضاء ،فيرضى
ت» ّللا في رفع المقضي عنه ،فيكون راضيا صابرا « َو ْالخا ِش ِعينَ َو ْالخا ِشعا ِ بالقضاء ويسأل ه
ّللا بالخشوع من ذل العبودية القائم بهم ،لتجلي سلطان الربوبية على قلوبهم في قوم توالهم ه
ّللا لهم في قلوبهم في هذه الدار الدنيا ،فينظرون إلى الحق سبحانه من طرف خفي ،يوجده ه
ّللا ،فمن كانت حالته الحالة ،خفي عن إدراك كل مدرك إياه ،بل ال يشهد ذلك النظر منهم إال ه
هذه في الدار الدنيا من رجل أو امرأة فهو الخاشع وهي الخاشعة ،فيشبه القنوت من وجه إال
أن القنوت يشترط فيه األمر اإللهي ،والخشوع ال يشترط فيه إال التجلي الذاتي ،
وكلتا الصفتين تطلبهما العبودية ،فال يتحقق بهما إال عبد خالص العبودية والعبودة ،
وله حال ظاهر في الجوارح التي لها الحركات ،وحال باطن في القلوب ،فيورث في الظاهر
سكونا ويؤثر في الباطن ثبوتا ،والقنوت يورث في الظاهر بحسب ما ترد به األوامر من
حركة وسكون ،فإن كان القانت خاشعا فحركته في سكون وال بد إن ورد األمر بالتحرك ،
ويورث القنوت في الباطن انتقاالت أدق من األنفاس ،متوالية مع األوامر اإللهية الواردة عليه
في عالم باطنه ،فالخاشع في قنوته في الباطن ثبوته على قبول تلك األوامر الواردة عليه من
غير أن يتخللها ما يخرجها عن أن تكون مشهودة لهذا الخاشع ،
ّللا« َو ْال ُمت َ َ
ص ِ هدقِينَ فالخاشع والقانت خشوعه وقنوته أخوان متفقان في الموفقين من عباد ه
ّللا فيه مما افتقر إليه خلق ّللا بجوده ليجودوا بما استخلفهم ه ت »وهم الذين توالهم ه َو ْال ُمت َ َ
ص هدِقا ِ
باّلل ،فالكلمة الطيبة صدقة ، ّللا الخلق إليهم لغناهم هّللا ،فأحوج ه ه
ولما كان حالهم التعمل في اإلعطاء ال العمل ،دل على أنهم متكسبون في ذلك ،لنظرهم أن
ذلك ليس لهم وإنما هو هّلل ،فال يدعون فيما ليس لهم ،فال منة لهم في الذي يوصلونه إلى
ّللا من جميع الحيوانات ،وكل متغذ عليهم لكونهم مؤدين أمانة كانت بأيديهم الناس أو إلى خلق ه
أوصلوها إلى مستحقيها ،
فال يرون أن لهم فضال عليهم فيما أخرجوه ،وهذه الحالة ال يمدحون بها إال مع الدوام
ّللا باإلمساك الذي يورثهم ت » قوم توالهم ه صائِما ِ
صائِ ِمينَ َوال َّ
والدءوب عليها في كل حال« َوال َّ
ّللا تعالى عن كل شيء أمرهم الحق أن يمسكوا الرفعة عند ه
ص 394
394
عنه أنفسهم وجوارحهم ،فمنه ما هو واجب ومندوب ،والصوم المعهود داخل فيه ،والمقام
ّللا ،فإن الصوم هو الرفعة ،قال الشاعر األكمل لمن تحقق بهذا اإلمساك ،فأورثه الرفعة عند ه
ت »وهو خصوص :إذا صام النهار وهجر ؛ أي ارتفع النهار « َو ْالحافِ ِظينَ فُ ُرو َج ُه ْم َو ْالحافِظا ِ
ّللا ،من عموم حفظ حدود ه
ّللاُ لَ ُه ْم َم ْغ ِف َرة ً »أي سترا ،ألن الفرج عورة تطلب الستر ،فهو إنباء ولهذا قال فيهم «:أ َ َ
ع َّد َّ
عن حقيقة والحافظون فروجهم على طبقتين :منهم من يحفظ فرجه عما أمر بحفظه منه وال
يحفظه مما رغب في استعماله ،ألمور إلهية وحكم ربانية أظهرها إبقاء النوع على طريق
القربة ،ومنهم من يحفظ فرجه إبقاء على نفسه لغلبة عقله على طبعه ،وغيبته عما سنه أهل
السنن من الترغيب في ذلك ،فإن انفتح له عين وانفرج له طريق إلى ما تعطيه حقيقة الوضع
المرغب في النكاح فذلك صاحب فرج فلم يحفظه الحفظ الذي أشرنا إليه ،وأما صاحب الشرع
الحافظ به فال بد له من الفتح ،ولكن إذا اقترنت مع الحفظ الهمة« َوالذَّا ِك ِرينَ َّ َ
ّللا َكثِيرا ً
ّللا بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم ، ت »وهم الذين توالهم ه َوالذَّا ِكرا ِ
قال تعالى ( :فَا ْذ ُك ُرو ِني أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم )
وقال [ :من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،ومن ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منه ]
ّللا
ّللا جليسهم ،لهذا ختم ه والذكر أعلى المقامات كلها ،ولما كان الذاكرون أعلى الطوائف ألن ه
ّللا ،ذكرانهم وإناثهم ،فالذاكر هو الرجل الذي له بجلسائه وبذكرهم صفات المقربين من أهل ه
ّللا تعالى مع الذاكرين له بمعية اختصاص ،وما ث هم الدرجة على غيره من أهل المقامات ،فإن ه
إال مزيد علم ،به يظهر الفضل ،فكل ذاكر ال يزيد علما في ذكره بمذكوره فليس بذاكر ،وإن
ذكر بلسانه ،ألن الذاكر هو الذي يعمه الذكر كله ،فذلك هو جليس الحق ،فال بد من حصول
الفائدة ،ألن العالم الكريم الذي ال يتصور فيه بخل ال بد أن يهب جليسه أمرا لم يكن عنده ،إذ
ليس هنالك بخل ينافي الجود ،فلم يبق إال المحل القابل ،وال يجالس إال ذو محل قابل ،فذلك
ّللا من حيث االسم الذي يذكرونه به ، هو جليس الحق ،وهم على الحقيقة جلساء ه
ّللا كثيرا
ّللا بعد الذاكرات شيئا ،فالذاكرون ه وهذه مسئلة ال يعرفها كثير من الناس ،وما ذكر ه
والذاكرات آخر الطوائف ،ليس بعدهم أحد له نعت يذكر ،فختم بهم جلساءه ،
وقوله تعالى َ «:كثِيرا ً »أي في كل حال ،هذا معنى الكثير ،فإنه من الناس من يكون له هذه
الحالة في أوقات ما ،ثم ينحجب ،ومن ذلك أن كل صفة علوية إلهية ال تنبغي إال هّلل ويكون
ص 395
395
باّلل يذلون تحت
مظهرها في المخلوقين ( مثل الغنى والعزة والجبروت ) ،فإن العلماء ه
باّلل ،وأعلى الذكر أن نذكره
سلطانها وال تحجبهم المظاهر عنها وال يعرف ذلك إال العلماء ه
بكالمه من حيث علمه بذلك ال من حيث علمنا ،فيكون هو الذي يذكر نفسه ال نحن« أ َ َ
ع َّد َّ
ّللاُ
ّللا لهم المغفرة واألجر العظيم قبل وقوع الذنب المقدر لَ ُه ْم َم ْغ ِف َرة ً َوأ َ ْجرا ً َ
ع ِظيما ً »هؤالء أعد ه
عليهم عناية منه ،فد هل ذلك على أنهم من العباد الذين ال تضرهم الذنوب التي وقعت منهم
بالقدر المحتوم ،ال انتهاكا للحرمة اإللهية ،وقد ورد في الصحيح في الخبر اإللهي [ اعمل ما
شئت فقد غفرت لك ] .
ص 396
396
ّللا تعالى نبيه بنكاح زوجة من تبناه ] [ ابتلى ه
ّللا عليه وسلم بنكاح زوجة من تبناه ،وكان لو فعله عند العرب مما يقدح ّللا نبيه صلهى ه
ابتلى ه
ّللا تعالى إال ليتمم مكارم األخالق ،فأحواله كلها مكارم ّللا ،وما بعثه ه في مقامه ،وهو رسول ه
أخالق ،فهو مبين لها بالحال ،والرجل الكامل واقف مع ما تمسك عليه المروءة العرفية حتى
ّللا الحتم ،فإنه بحسب ما يؤمر ،فإن كان عرضا نظر إلى قرائن األحوال ،فإن يأتي أمر ه
كانت قرينة الحال تخيره بقي على األمر العرفي الذي يشهد له بمكارم األخالق ،
ّللا َوخات َ َم النَّ ِب ِيهينَ )فهو واقف مع ولذلك قال (:ما كانَ ُم َح َّم ٌد أَبا أ َ َح ٍد ِم ْن ِرجا ِل ُك ْم َول ِك ْن َر ُ
سو َل َّ ِ
ّللا لهم عن العلة
ّللا عليه وسلم حتى ال ترد دعوة الحق ،فأبان ه ّللا ،وكانت خشيته صلهى ه حكم ه
في ذلك ،وهو رفع الحرج عن المؤمنين في مثل هذا الفعل ،وكل معلل علهه الحق فإنه واقع ،
ّللا واقع . كما أنه كل ترج من ه
ص 397
397
ّللا تعالى عنه أن
ّللا عليه وسلم أنه أبو زيد بن حارثة ،نفى ه ّللا صلهى ه
لما ادهعي في رسول ه
يكون أبا ألحد من رجالنا ،لرفع المناسبة وتمييزا للمرتبة ،ففصل بينه وبينهم بالرسالة والختم
ّللا عليه وسلم ما عاش له ولد ذكر من ظهره تشريفا له ،لكونه سبق في علم ،أال تراه صلهى ه
ّللا أنه خاتم النبيين .
ه
ّللا عليه وسلم :الذكور منهم :القاسم ،وبه كان يكنهى ،ثم الطيب ،ثم الطاهر -أوالده صلهى ه
ّللا عنها ،غير سيدنا إبراهيم عليه ّللا ،وجميع أوالده عليهم السالم من خديجة رضي ه ،وعبد ه
السالم فأمه مارية القبطية ،سريته صلهى ه
ّللا عليه وسلم« َوخات َ َم النَّ ِب ِيهينَ »فثبت بهذه اآلية أن
محمدا صلهى ه
ّللا عليه وسلم آخر األنبياء ،
ّللا عليه وسلم [ :كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ] فبطن كونه خاتم النبيين في هذا قال صلهى ه
الحديث ،وكان من ظهوره نبيا وآدم بين الماء والطين أن استفتح به مراتب البشر ،
ّللا نور نبيك يا جابر ]
فقال [ أول ما خلق ه
ّللا به النبيين بعد بعثته صلهى ه
ّللا عليه وسلم ببشريته ، وختم ه
إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فال نبي بعدي وال رسول ] فظهر كونه خاتم النبيين بقوله [ :ه
يعني أن الرسالة -وهي البعثة إلى الناس بالتشريع لهم -والنبوة قد انقطعت ،
ّللا حكم يكون عليه ليس هو شرعنا الذي جئنا به ،فال رسول أي ما بقي من يشرع له من عند ه
بعدي يأتي بشرع يخالف شرعي إلى الناس ،وال نبي فال نبوة تشريع بعده وال نبي يكون على
شرع ينفرد به عند ربه يكون عليه ،فصرح أنه خاتم نبوة التشريع ،
ولو أراد غير ما ذكرناه لكان معارضا لقوله [ :إن عيسى عليه السالم ينزل فينا حكما مقسطا
يؤمنا بنا ]
أي بالشرع الذي نحن عليه ،وال نشك فيه أنه رسول ونبي ،فعلمنا أنه صلهى ه
ّللا عليه وسلم
أراد أنه ال شرع بعده ينسخ شرعه ،ودخل بهذا القول كل إنسان في العالم من زمان بعثته إلى
يوم القيامة ،فإن كان عيسى عليه السالم بعده ،وهو من أولي العزم والرسل وخواص األنبياء
ولكن زال حكمه عن هذا المقام لحكم الزمان عليه الذي هو لغيره ،
فينزل فينا وليا وارثا خاتما ذا نبوة مطلقة ،يشركه فيها األولياء المحمديون ،قد حيل بينه وبين
نبوة التشريع والرسالة ،وال ولي بعده أي عيسى عليه السالم بنبوة مطلقة ،كما أن محمدا
ّللا عليه وسلم خاتم النبوة نبوة التشريع خاصة . صلهى ه
ص 398
398
لوال كتاب سابق فيكمو *** نبذتمو لفعلكم بالعرا
ما شرع الرحمن أذكاره *** إال لكي تعصمكم كالعرى
ألنها أعصم ما يتقى *** لما به الرحمن قد قدهرا
تعوذوا منه به أسوة *** بسيد يعلم ما قررا
ّللا ]
ّللا ه [ الذكر باالسم المفرد :ه
ّللا
ّللا ،فينبغي للذاكر إذا ذكر ه ّللا ال يضاهيه شيء من كل كالم مقرب إلى ه واعلم أن كالم ه
ّللا به ليكون متى ذكره أن يحضر في ذكره ذلك ذكرا من األذكار الواردة في القرآن ،فيذكر ه
ّللا والّللا به نفسه ،فال يحمد ه قارئا في الذكر ،وإذا كان قارئا فيكون حاكيا للذكر الذي ذكر ه
يسبحه وال يهلله إال بما ورد في القرآن عن استحضار منه لذلك -بحث في الذكر باالسم
ّللا بالكثرة من شيء إال من الذكر ،فقال «:ا ْذ ُك ُروا َّ َ
ّللا ِذ ْكرا ً َكثِيرا ً » المفرد -ما أمر ه
ّللا َكثِيرا ً َوالذَّا ِكرا ِ
ت) وقال َ (:والذَّا ِك ِرينَ َّ َ
ّللا »ّللا خاصة معرى عن التقييد ،فقال« ا ْذ ُك ُروا َّ َ وما أتى الذكر قط إال باالسم ه
ّللا أ َ ْكبَ ُر )
وما قال :بكذا وقال َ (:ولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
وما قال :بكذا ،ومثل ذلك من اآليات التي أمر فيها بالذكر ،
وقال تعالى :في الحديث القدسي [ من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ،ومن ذكرني في مأل
ذكرته في مأل خير منه »
ّللا خاصة ، ّللا ِذ ْكرا ً َكثِيرا ً »هو تكرار هذا االسم ولم يذكر إال االسم ه فقوله تعالى «:ا ْذ ُك ُروا َّ َ
ّللا
ّللا عليه وسلم [ :ال تقوم الساعة حتى ال يبقى على وجه األرض من يقول ه وقد قال صلهى ه
ّللا ] ه
فأتى به مرتين ولم يكتف بواحدة ،وأثبت بذلك أنه ذكر على االنفراد ،ولم ينعته بشيء ،
نزل إليهم ،فلو ال ّللا عليه وسلم مأمور أن يبيهن للناس ما ه وس هكن الهاء من االسم ،وهو صلهى ه
ّللا له حفظ العالم الذي يكون فيه هذا الذكر ،لم يقرن بزواله زوال الكون ّللا ه
أن قول اإلنسان ه
الذي زال منه ،وهو الدنيا ،
ّللا أ َ ْكبَ ُر )
وقال تعالى َ (:ولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
ّللا صلهى فلهذا الذكر المفرد إنتاج أمر عظيم في قلب الذاكر به ال ينتجه غيره وما قيد رسول ه
ّللا في هذا الحديث بأمر زائد على هذا اللفظ ،ألنه ذكر الخاصة من عباد ّللا عليه وسلم االسم ه ه
ّللا بهم عالم الدنيا ،وكل دار يكونون فيها ؛ فإذا لم يبق منهم أحد لم يبق للدنيا ّللا الذين يحفظ ه ه
ّللا باق في ذلك الوقت ،ولكن ّللا من أجله ،فتزول وتخرب وكم من قائل ه سبب حافظ يحفظها ه
ما هو ذاكر باستحضار ،فال يعتبر اللفظ دون استحضار ،
وقد قال بعض العلماء بالرسوم :إنه لم ير هذا الذكر الرتفاع الفائدة عنده فيه ،إذ كل مبتدأ ال
بد له من خبر ،
فيقال له :ال
ص 399
399
يلزم ذلك في اللفظ ،بل له خبر ظاهر ال في اللفظ ،كإضافة إلى تنزيه أو ثناء بفعل ،ومعلوم
أنه إذا ذكر أمر ما ،وكرر على طريق التأكيد له ،أنه يعطي من الفائدة ما ال يعطيه من ليس
ّللا
ّللا ذكر لفظة ه له هذا الحكم ،فمن هذه اآلية وأمثالها ومن الحديث الذي ذكرناه ،ر هجح أهل ه
ّللا ،وذكر لفظه ( هو ) على األذكار التي تعطي النعت ،ووجدوا لها فوائد ؛ ه
واعلم أن الذكر ليس بأن تذكر اسمه ،بل لتذكر اسمه من حيث ما هو مدح له وحمد ،إذ
ّللا نفس
ّللا ه
ّللا بذكرهم هالفائدة ترتفع بذكر االسم من حيث داللته على العين ،وما قصد أهل ه
داللة اللفظ على العين ،وإنما قصدوا هذا االسم أو الهو ،من حيث أنهم علموا أن المسمى بهذا
االسم أو هذا الضمير هو من ال تقيده األكوان ومن له الوجود التام ،فإحضار هذا في نفس
ّللا لم ينتجالذاكر عند ذكر االسم بذلك وقعت الفائدة ،فإنه ذكر غير مقيد ،فإذا قيده بال إله إال ه
ّللا لم يتمكن أن يحضر إال مع حقيقة ما يعطيه له إال ما تعطيه هذه الداللة ،وإذا قيده بسبحان ه
باّلل ،وكل ذكر مقيد ال ينتج إال ما تقيد به ، ّللا أكبر ،وال حول وال قوة إال ه التسبيح ،وكذلك ه
ّللا أنه ما يعطيه إالال يمكن أن يجني منه ثمرة عامة ،فإن حالة الذاكر تقيده ،وقد عرفنا ه
بحسب حاله في قوله [ :إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ] -الحديث –
ّللا وحدها أو ضميرها من غير تقييد ،فما قصدوا لفظة دون فلهذا رجحت الطائفة ذكر لفظة ه
استحضار ما يستحقه المسمى ،وبهذا يكون ذكر الحق عبده باسم عام لجميع الفضائل الالئقة
ّللا ،فالذكر من العبد باستحضار والذكر من به ،التي تكون في مقابلة ذكر العبد ربه باالسم ه
الحق بحضور ،ألنا مشهودون له معلومون ،وهو لنا معلوم ال مشهود ،فلهذا كان لنا
االستحضار وله الحضور
– شروط الذكر -قوله تعالى [:شروط الذكر ] ا ْذ ُك ُروا َّ َ
ّللا ِذ ْكرا ً َك ِثيراً .ما قيهد حال طهارة من
ّللا إال على طهر ،أو قال : ّللا عليه وسلم [:إني كرهت أن أذكر ه حال ،فكما قال النبي صلهى ه
على طهارة ]
ّللا عليه وسلم [ :الحمد هّلل على كل حال ] فقد قال صلهى ه
ّللا على جميع أحواله ال ّللا عليه وسلم يذكر ه ّللا عنها [ :كان النبي صلهى ه وقالت عائشة رضي ه
تمنعه إال الجنابة ]
ّللا ال يختص بالقول فقط ،بل تصرف العبد إذا رزق التوفيق في لذلك فإن الذكر في طريق ه
ّللا تعالى من واجب أو مندوب إليه ،ويسمى ذلك جميع حركاته ،ال يتحرك إال في طاعة ه
ذكرا هّلل ،أي لذكره في ذلك الفعل أنه هّلل بطريق القربة سمي ذكرا ،
ّللا على كل أحيانه ] ّللا عليه وسلم [ :إنه كان يذكر ه ّللا صلهى ه
لذلك قالت عائشة عن رسول ه
فع همت جميع أحواله
ص 400
400
في يقظة ونوم وحركة وسكون ،تريد أنه ما تصرف وال كان على حال من األحوال إال في
ّللا ،فذلكّللا فجميع الطاعات كلها من فعل وترك إذا فعلت أو تركت ألجل ه أمر مقرب إلى ه
ّللا ذكر فيها ومن أجله فعلت أو تركت على حكم ما شرع فيها ، ّللا أي ه
من ذكر ه
[ إشارة للعارفين :الغيرة ]
باّلل -إشارة للعارفين -يغار أكثر أهل الطريق وال سيما
وهذا هو ذكر الموفقين من العلماء ه
ّللا بين العامة ،فيذكرونه بقلوب غافلة عن الحضور عما يجب هّلل أهل الورع منهم أن يذكر ه
من التعظيم ،وقد أخطئوا في ذلك ،فإن القلب وإن غفل عن الذكر الذي هو حضوره مع
ّللا من لسان هذا الذاكر ،فخطر بالقلبالمذكور ،فإن اإلنسان من كونه سميعا قد سمع ذكر ه
ووعى ما جاء به هذا الذاكر ،ولم يجئ إال بذكر اللسان الذي وقع بالسمع ،فجرد له هذا القلب
ّللا بلسانه موافقة لذكر ذلك المذ هكر له ،والقلب
ما يناسبه من الذاكرين منه وهو اللسان ،فذكر ه
مشغول في شأنه الذي كان فيه ،مع أنه لم يشتغل عن تحريك اللسان بالذكر ،فلم يشغله شأن
ّللا عن غفلة قط ،وما بقي إال حضور باستفراغ له أو حضور بغير عن شأن ،فما ذكر أحد ه
استفراغ ،بل بمشاركة ،ولكن زمان أمره اللسان بالذكر ما هو زمان اشتغاله بغيره ،فما
ذكره غافل قط أي عن غفلة في حال أمر القلب اللسان بالذكر إال في حال ذكر اللسان ،ثم إن
ّللا لماللسان قد وفهى حقه في العالنية من الذكر ،فإنه من األشياء المسبحة هّلل ،فمن غار على ه
يعرفه ،وإنما يغار له ال عليه .
ص 401
401
مسمى الصالة يضاف إلى ثالثة وإلى رابع ثالثة بمعنيين ،بمعنى شامل وبمعنى غير شامل ،
ّللا وصف نفسه فتضاف الصالة إلى الحق بالمعنى الشامل ،والمعنى الشامل هو الرحمة ،فإن ه
اح ِمينَ ) بالرحيم ووصف عباده بها فقال (:أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ » . . .اآلية] ص ِلهي َ ّللا عليه وسلم ُ « [:ه َو الَّذِي يُ َ ّللا صلهى ه وقال رسول ه
ّللا من عباده الرحماء ] [ إنما يرحم ه
علَ ْي ُك ْم »أي يرحمكم بأن يخرجكم من الظلمات إلى النور ،يقول ص ِلهي َ قال تعالى ُ «:ه َو الَّذِي يُ َ
من الضاللة إلى الهدى ،ومن الشقاوة إلى السعادة ،وتضاف إلى المالئكة بمعنى الرحمة
واالستغفار والدعاء للمؤمنين ،
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ »فصالة المالئكة ما ذكرناها ، ص ِلهي َ قال تعالى ُ «:ه َو الَّذِي يُ َ
عز وجل في حق المالئكة( َويَ ْست َ ْغ ِف ُرونَ ِللَّذِينَ آ َمنُوا (ويقولون ( :فَا ْغ ِف ْر ِللَّذِينَ تابُوا ّللا ه قال ه
ت )اللهم استجب فينا صالح دعاء المالئكة ، س ِيهئا ِ ذاب ْال َج ِح ِ
يم َوقِ ِه ُم ال َّ ع َ س ِبيلَ َك َوقِ ِه ْم َ َواتَّبَعُوا َ
وتضاف الصالة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء واألفعال المخصوصة المعلومة شرعا ،
صالة َ )فجمع البشر هذه المراتب المسماة صالة ،قال تعالى آمرا لناَ ( :وأ َ ِقي ُموا ال َّ
ّللا من جميع المخلوقات ملك وإنسان وحيوان ونبات *وتضاف الصالة إلى كل ما سوى ه
ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعيهنت له ،
ت ُك ٌّل قَ ْد َ
ع ِل َم صافَّا ٍالطي ُْر َض َو َّ ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ س ِبه ُح لَهُ َم ْن فِي ال َّ قال تعالى (:أ َ لَ ْم ت َ َر أ َ َّن َّ َ
ّللا يُ َ
صالتَهُ َوت َ ْس ِبي َحهُ )
َ
علَ ْي ُك ْم »فتفسيره ص ِلي َه َّ
فأضاف الصالة إلى الكل والتسبيح ،أما قوله تعالى هنا «ُ :ه َو الذِي يُ َ
من وجوه
علَ ْي ُك ْم »الصالة المنسوبة إلى الحق هي رحمته بعباده ، ص ِلهي َ -الوجه األول ُ «-ه َو الَّذِي يُ َ
فأخبر أنه يصلي علينا ،والمفهوم من هذا أمران :
األمر الواحد أنه يصلي علينا فينبغي لنا أن نذكره بالمدح والثناء ونصلي له بكرة وأصيال ،
ّللا فإنه يصلي عليكم ،فإنه لما أمرنا بالذكر والصالة قال واألمر اآلخر أنكم إذا صليتم وذكرتم ه
ّللا تعالى ،صلى علَ ْي ُك ْم »فصالتنا وذكرنا له سبحانه بين صالتين من ه ص ِلهي َ ُ «:ه َو الَّذِي يُ َ
علينا فصلينا فصلى علينا ،فمن صالته األولى علينا صلينا له ،
ومن صالته الثانية علينا كانت السعادة لنا بأن جنينا ثمرة صالتنا له وذكرنا ،
لذلك جاءت إقامة الصالة المفروضة بالفعل الماضي [ قد قامت الصالة ]
ّللا على العبد ليقوم العبد إلى الصالة ،فيقيم بقيامه نشأتها أراد قيام صالة ه
علَ ْي ُك ْم »أي يؤخر ذكره عن ذكركم ص ِلهي َ -الوجه الثاني– " ُه َو الَّذِي يُ َ
ص 402
402
حتى تذكروه ،قال تعالى (:فَا ْذ ُك ُرو ِني أ َ ْذ ُك ْر ُك ْم )
ّللا عليه وسلم مخبرا عن ربه [ :من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن وقال صلهى ه
ذكرني في مأل ذكرته في مأل خير منه ]
فهو المصلي عن سابق ذكر العبد ،وال تذكرونه حتى يوفقكم ويلهمكم ذكره ،فيذكركم بذكره
إياكم ،فتذكرونه به أو بكم ،فيذكركم بكم وبه
ّللا عليه وسلم في عروجه إلى المقام الذي ال يتعداه -الوجه الثالث -لما وصل الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم الرفرف ،فنزل عن البراق وليس في قوته أن يتعداه ،تدلى إلى الرسول صلهى ه
البراق واستوى على الرفرف ،وصعد به الرفرف وفارقه جبريل ،فسأله الصحبة فقال :إنه
ال يطيق ذلك ؛ وقال له َ (:وما ِمنَّا إِ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم )
ّللا عليه وسلم إلى مقامه الذي ال يتعداه الرفرف ، ولما وصل المعراج الرفرفي بالرسول صلهى ه
ز هج به في النور زجة غمره النور من جميع نواحيه ،ولم ير معه أحدا يأنس به وال يركن إليه
ّللا وعبده ،فأعطته ،وقد أعطته المعرفة أنه ال يصح األنس إال بالمناسب ،وال مناسبة بين ه
ّللا عليه وسلم هذه المعرفة الوحشة النفراده بنفسه ،وهذا مما يدلك أن اإلسراء كان صلهى ه
ّللا
ّللا عليه وسلم ،ألن األرواح ال تتصف بالوحشة وال االستيحاش ،فلما علم ه بجسمه صلهى ه
منه ذلك وكيف ال يعلمه وهو الذي خلقه في نفسه ؟ !
وطلب عليه السالم الدنو بقوة المقام الذي هو فيه ،فنودي بصوت يشبه صوت أبي بكر ،
فحن لذلك وأنس به ،وتعجب من ذلك اللسان في ذلك تأنيسا له إذ كان أنيسه في المعهود ،ه
الموطن ،وكيف جاءه من العلو وقد تركه باألرض ؟
وقيل له في ذلك النداء [ :يا محمد قف ،إن ربك يصلي ] فأخذه لهذا الخطاب انزعاج وتعجب
ص ِلهي َ
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ ّللا تعالى فتال عليه في ذلك المقام« ُه َو الَّذِي يُ َ ،كيف تنسب الصالة إلى ه
ّللا ،فسكن روعه مع كونه ور »فعلم ما المراد بنسبة الصالة إلى ه ت ِإلَى النُّ ِ ِليُ ْخ ِر َج ُك ْم ِمنَ ُّ
الظلُما ِ
سبحانه ال يشغله شأن عن شأن ،ولكن قد وصف نفسه بأنه ال يفعل أمرا حتى يفرغ من أمر
غ لَ ُك ْم أَيُّهَ الثَّقَ ِ
الن ) سنَ ْف ُر ُ
آخر فقال َ (:
فمن هذه الحقيقة قيل له [ :قف إن ربك يصلي ] أي ال يجمع بين شغلين ،يريد بذلك العناية
وّللا
ّللا عليه وسلم ،حيث يقيمه في مقام التفرغ له ،فهو تنبيه على العناية به ،ه بمحمد صلهى ه
أجل وأعلى في نفوس العارفين به من ذلك ،فإن الذي ينال اإلنسان من المتفرغ إليه أعظم
وأمكن من الذي يناله ممن ليس له حال التفرغ إليه ،ألن تلك األمور تجذبه عنه ،فهذا في
حال النبي عليه السالم وتشريفه ،فكان معه في هذا المقام بمنزلة ملك استدعى بعض عبيده
ليقربه ويشرفه ،فلما دخل حضرته وقعد في منزلته طلب أن ينظر إلى
ص 403
403
الملك في األمر الذي وجه إليه فيه ،فقيل له :تربص قليال فإن الملك في خلوته يعزل لك خلعة
ّللا بقوله تعالى ُ «:ه َو سر له صالة ه تشريف يخلعها عليك ،فما كان شغله عنه إال به ،ولذلك ف ه
علَ ْي ُك ْم »فشرف بأن قيل له :إنما غاب عنك من أجلك وفي حقك -الوجه الرابع - ص ِلهي َ الَّذِي يُ َ
يِ ) علَى النَّبِ هصلُّونَ َ علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ »عموما وقال ِ (:إ َّن َّ َ
ّللا َو َمالئِ َكتَهُ يُ َ ص ِلهي َ « ُه َو الَّذِي يُ َ
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُص ِلهي َ خصوصا بخصوص صالة ،وقد جاء بالمالئكة في قوله ُ «:ه َو الَّذِي يُ َ
علَ ْي ُك ْم »ثم قال ِ «:ليُ ْخ ِر َج ُك ْم »بعد ما ذكرنا وفصل بنا بين صالته وبين المالئكة ،بقوله« َ
ّللا وبين المالئكة في الصالة على »فأفرد الخروج إليه ،وما جاء بضمير جامع يجمع بين ه
ّللا عليه وسلم من ي ِ ) فعمنا كلنا والنبي صلهى ه علَى النَّبِ ه صلُّونَ َ
المؤمنين كما فعل في قوله (:يُ َ
علَ ْي ُك ْم »وأفرد نفسه في ذلك ثم قال «َ :و َمالئِ َكتُهُ »فأفرد ص ِلهي َ
جملتنا بقوله ُ «:ه َو الَّذِي يُ َ
ّللا عليه وسلم ،فلجميع الخلق توحيد الصالة المالئكة بالصالة على العباد وفيهم النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم وحده فيما أخبرنا به ، وخص النبي صلهى ه ه ّللا وتوحيد الصالة من المالئكة ، من ه
وأما قوله« َو َمالئِ َكتُهُ »أي أيضا يصلون عليكم بما قد شرع لها من ذلك وهو قوله( َربَّنا
ش ْيءٍ َر ْح َمةً َو ِع ْلما ً )اآلية فصالة المالئكة علينا كصالتنا على الجنازة سواء لمن ت ُك َّل ََو ِس ْع َ
ور »ابتداء منه الظلُما ِ
ت إِلَى النُّ ِ عقل ،فهي شفاعة ،ثم قال «ِ :ليُ ْخ ِر َج ُك ْم »بالم السبب« ِمنَ ُّ
ت) ومنهة ،وبدعاء المالئكة وهو قولهم َ (:وقِ ِه ُم ال َّ
س ِيهئا ِ
فإن السيئات ظلمات ،فمنهم من يخرج من ظلمات الجهل إلى نور العلم ،ومن ظلمات
المخالفة إلى نور الموافقة ،ومن ظلمات الضالل إلى نور الهدى ،ومن ظلمات الشرك إلى
نور التوحيد ،ومن ظلمات الشقاء والتعب إلى نور السعادة والراحة ،فكما أن الصالة اإللهية
وهي عموم رحمته بمخلوقاته ،كذلك صالة المالئكة تامة الخلقة ،فإنها دعت للذين تابوا
ت )فعمت ،فما بقي أمر إال دخل في صالة المالئكة من طائع س ِيهئا ِ
وقالت أيضا( َوقِ ِه ُم ال َّ
وعاص على أنواع الطاعات والمعاصي ،
ثم قال َ «:وكانَ ِب ْال ُمؤْ ِمنِينَ »أي المصدقين« َر ِحيما ً »أي رحمهم لما صدقوا به من وجوده
الذي هو أعم من التصديق بالتوحيد ،فإنه يندرج بعد اإليمان بالوجود اإللهي كل ما يجب به
اإليمان على طبقاته ثم قال :
ص 404
404
سال ٌم »أي إذا وقع اللقاء بشر بالسالمة أنه ال يشقى بعد اللقاء أبدا ، .هللف " ت َ ِحيَّت ُ ُه ْم يَ ْو َم يَ ْلقَ ْونَهُ َ
رجال يلقونه في الحياة الدنيا ويبشرون بالسالم ،وث هم من يلقاه إذا مات ،وث هم من يلقاه عند
البعث ،وث هم من يلقاه في تفاصيل مواقف القيامة على كثرتها ،ومنهم من يلقاه بعد دخول النار
ّللا بالسالم فال يشقى بعد ذلك اللقاء ،فلهذا جعل وبعد عذابه فيها ،ومتى وقع اللقاء حيهاه ه
السالم عند اللقاء ،ولم يعين وقتا مخصوصا لتفاوت الطبقات في لقائه ،فآخر الق يلقاه المؤمن
ع َّد لَ ُه ْم أ َ ْجرا ً َك ِريما ًبوجوده خاصة ،فإنه قال ِ (:ب ْال ُمؤْ ِمنِينَ )ولم يقيد فال نقيد ،ثم قال َ «:وأ َ َ
ّللا إلها إلى ما هو »كل أجر على قدر ما عنده من اإليمان ،وأقلهم أجرا ،المؤمن بوجود ه
ّللا رحمته بخلقه ،وصالة الحق كائنة على كل موجود وهي عموم أعظم في اإليمان ،فصالة ه
رحمته بمخلوقاته .
ص 405
405
[ سورة األحزاب ( : ) 33اآليات 47إلى ] 50
ين َو َد ْع أَذا ُه ْم ين َوا ْل ُمنا ِف ِق َضال َك ِبيرا ) َ ( 47وال ت ُ ِط ِع ا ْلكا ِف ِر َ ّللا فَ ْين ِبأ َ هن لَ ُه ْم ِم َن ه ِ ش ِر ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ
َوبَ ِ ّ
ت ث ُ هم ِين آ َمنُوا إِذا نَ َكحْ ت ُ ُم ا ْل ُم ْؤ ِمنا ِ اّلِل َو ِكيال ( ) 48يا أَيُّ َها الهذ َ ّللا َوكَفى بِ ه ِ علَى ه ِ َوت َ َو هك ْل َ
س ِ ّر ُحو ُه هن علَ ْي ِه هن ِم ْن ِع هد ٍة ت َ ْعتَدُّونَها فَ َم ِت ّعُو ُه هن َو َ سو ُه هن فَما لَ ُك ْم َ َطله ْقت ُ ُمو ُه هن ِم ْن قَ ْب ِل أ َ ْن ت َ َم ُّ
ور ُه هن َوما َملَكَتْ ي ِإنها أَحْ لَ ْلنا لَكَ أ َ ْزوا َجكَ الالهتِي آت َ ْيتَ أ ُ ُج َ سراحا َج ِميال ( ) 49يا أَيُّ َها النه ِب ُّ َ
ت خاالتِكَ الالهتِي ها َج ْر َن ت خا ِلكَ َوبَنا ِ ع هماتِكَ َوبَنا ِ ت َ ع ِ ّمكَ َوبَنا ِ ت َ علَ ْيكَ َوبَنا ِ ّللاُ َ يَ ِمينُكَ ِم هما أَفا َء ه
صة لَكَ ِم ْن د ِ
ُون ست َ ْن ِك َحها خا ِل َ ي أ َ ْن يَ ْ
ي ِ ِإ ْن أَرا َد النه ِب ُّسها ِللنه ِب ّ ام َرأَة ُم ْؤ ِمنَة ِإ ْن َو َهبَتْ نَ ْف َ َمعَكَ َو ْ
علَ ْيكَ َح َر ٌ
ج ُون َواج ِه ْم َوما َملَكَتْ أ َ ْيمانُ ُه ْم ِل َك ْيال يَك َ علَ ْي ِه ْم فِي أ َ ْز ِ ضنا َ ع ِل ْمنا ما فَ َر ْ ين قَ ْد َ ا ْل ُم ْؤ ِمنِ َ
غفُورا َر ِحيما ( ) 50 ّللاُ َ كان هَو َ
ّللا عليه وسلم ] ّللا صلهى ه [ نكاح الهبة خاص برسول ه
ّللا عليه وسلم ،وهو له ّللا صلهى ه هذه اآلية نص على نكاح الهبة أن ذلك خالص لرسول ه
ّللا عليه وسلم ،ألنه لما لم يكن في مشروع وهو حرام علينا ،فهذا مما اختص به محمد صلهى ه
األنكحة أفضل من نكاح الهبة ،ألنه ال عن عوض كاالسم الواهب الذي يعطي لينعم ،اختص
ّللا صلهى ّللا عليه وسلم ،فنكاح الهبة خاص لرسول ه به لفضله أفضل الخلق وهو محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم حرام على األمة بال خالف . ه
ص 406
406
زوجات النبي الالتي كان يساوي بينهن في القسمة أربع :عائشة وحفصة وأم سلمة وزينت
بنت جحش .
ص 407
407
وليس في الحضرات من يعطي التنبيه على أن الحق معنا بذاته في قوله َ (:و ُه َو َمعَ ُك ْم أَيْنَ ما
ُك ْنت ُ ْم )إال هذا االسم الرقيب وهذه الحضرة ،ألنه على الحقيقة من الرقبى ،والرقبى أن تملك
رقبة الشيء بخالف العمرى ،فإذا ملكت رقبة الشيء تبعته صفاته كلها وما ينسب إليه ،
على ُك ِهل َ
ش ْيءٍ » والرقيب اسم فاعل« َ
*وهو المرقب عليه ،فإنه المشهود لكل شيء ،فيرقب العبد في جميع حركاته وسكناته ،
ويرقبه العبد في جميع آثاره في قلبه وخواطره وحركاته وحركات ما خرج عنه من العالم ،
فأسعد العبيد من يراقب سيده مراقبة سيده إياه ،فيراقب الحق مراقبة عبده لمن يراقب ،فيكون
ّللا مع
معه بحيث يرى منه ،ومن ملك المراقبة كان له التصرف كيف شاء في المراقب ،فإن ه
مسرح العين في تصرفه ه عبده حيث كان ،فالعبد وإن كان مقيدا بالشرع ،فإن الشرع قد جعله
،ويحمده الميزان ويذمه ،والمراقب معه أينما كان من محمود ومذموم .
ص 408
408
وهو رؤية عباده في حركاتهم وتصرفاتهم ،فشهوده لكل شيء هو إحسانه ،فإنه بشهوده
يحفظه من الهالك .
ص 409
409
ّللا عليه وسلم النبي من مقام صالة المالئكة على النبي ،ثم أمرنا تعالى أن نصلي عليه صلهى ه
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً »فأمرنا أن نصلي عليه بمثل هذه الصالة صلُّوا َ
علَ ْي ِه َو َ فقال «:يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا َ
الجامعة بصالتنا عليه ،والصالة على النبي في الصالة وغيرها دعاء من العبد المصلي لمحمد
ّللا عليه وسلم بظهر الغيب ،وقد علهمنا كيف نصلي عليه أي كيف ندعو له ،وقد أمرنا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ أنهأن ندعو له بالوسيلة والمقام المحمود ،وقد ورد في الصحيح عنه صلهى ه
ّللا
من دعا بظهر الغيب قال له الملك ولك بمثله وفي رواية ولك بمثليه ] فشرع ذلك رسول ه
ّللا عليه وسلم وأمر بها ليعود هذا الخير من الملك على المصلي عليه من أمته صلهى ه
ّللا صلهى ه
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً »فأكده بالمصدر ،فقد يحتمل أن يريد
عليه وسلم ،وأمر بالسالم عليه بقوله َ «:و َ
بذلك السالم المذكور في التشهد ،ويحتمل أن يريد به السالم من الصالة ،أي إذا فرغتم من
ّللا عليه وسلم فسلموا من صالتكم تسليما « ، » 1فالصالة على الصالة على النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم في التشهد فرض ،والتعوذ من األربع المأمور بها في التشهد واجب النبي صلهى ه
،وهي أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا وفتنة الممات ومن فتنة
ّللا
ّللا عليه وسلم بالتعوذ منها لكان االقتداء برسول ه المسيح الدجال ،ولو لم يأمر النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم أولى ،إذ كان التعوذ منها من فعله ،فكيف وقد انضاف إلى فعله أمره صلهى ه
أمته بذلك ؟
ّللا عليه وسلم أنه كان يسلم ّللا صلهى ه
وأما التسليم من الصالة فهو واجب ،والثابت عن رسول ه
ّللا أن ّللا عليه وسلم عن كيفية الصالة التي أمرهم ه ّللا صلهى ه تسليمتين ،سأل المؤمنون رسول ه
ّللا عليه وسلم [ :قولوا :اللهم صل على محمد ّللا صلهى ه يصلوها عليه ،فقال لهم رسول ه
وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ] أي مثل صالتك على إبراهيم
ّللا صلهى وعلى آل إبراهيم ،ويظهر من هذا الحديث فضل إبراهيم عليه السالم على رسول ه
ّللا أمرنا بالصالة ّللا عليه وسلم ،إذ طلب أن يصلي عليه مثل الصالة على إبراهيم ،فاعلم أن ه ه
ّللا عليه وسلم ،ولم يأمرنا بالصالة على آله في القرآن ،وجاء اإلعالم ّللا صلهى ه على رسول ه
ّللا عليه وسلم إيانا الصالة عليه بزيادة الصالة على اآلل ،فما طلب ّللا صلهى ه في تعليم رسول ه
ّللا عليه مثل صالته على إبراهيم من حيث أعيانهما ،فإن ّللا عليه وسلم الصالة من ه صلهى ه
يخص بها نبي قبله ال ه خص بأمور لم
ه ّللا عليه وسلم أتم ،إذ قد ّللا صلهى ه
العناية اإللهية برسول ه
ّللا عليه مثل
إبراهيم وال غيره ،وذلك من صالته تعالى عليه ،فكيف يطلب الصالة من ه
صالته على إبراهيم من حيث عينه ؟ إنما المراد من ذلك أن الصالة على الشخص قد تصلى
عليه من حيث عينه
ص 410
410
ومن حيث ما يضاف إليه غيره ،فكأن الصالة عليه من حيث ما يضاف إليه غيره هي الصالة
من حيث المجموع ،إذ للمجموع حكم ليس للواحد إذا انفرد .واعلم أن آل الرجل في لغة
باّلل المؤمنون به
العرب هم خاصته األقربون ،وخاصة األنبياء وآلهم هم الصالحون ،العلماء ه
ّللا ،ومرتبة النبوة والرسالة قد ارتفعت في ،وقد علمنا أن إبراهيم كان من آله أنبياء ورسل ه
ّللا له
ّللا عليه وسلم في أمته نبي يشرع ه ّللا صلهى ه
الشاهد في الدنيا ،فال يكون بعد رسول ه
ّللا عليه وسلم وال رسول ،وما منع المرتبة وال حجرها من حيث ال بخالف شرع محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم فيمن حفظ القرآن ،إن النبوة قد أدرجت بين تشريع وال سيما وقد قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وقال في المبشرات إنها جزء من أجزاء النبوة ، جنبيه أو كما قال صلهى ه
فوصف بعض أمته بأنهم قد حصل لهم المقام وإن لم يكونوا على شرع يخالف شرعه ،وقد
أن عيسى عليه السالم ينزل فينا حكما مقسطا عدال ّللا عليه وسلم -ه علمنا -بما قال لنا صلهى ه
ّللا ونبيه ،وهو ينزل بعده ،فله
فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ،وال نشك قطعا أنه رسول ه
ّللا ،وما له مرتبة التشريع عند نزوله ،فعلمنا بقولهعليه السالم مرتبة النبوة بال شك عند ه
ّللا عليه وسلم إنه [ ال نبي بعدي وال رسول ] وأن النبوة قد انقطعت والرسالة ،إنما صلهى ه
ّللا من
يريد بهما التشريع ،فلما كانت النبوة أشرف مرتبة وأكملها ،ينتهي إليها من اصطفاه ه
عباده ،علمنا أن التشريع في النبوة أمر عارض بكون عيسى عليه السالم ينزل فينا حكما من
غير تشريع ،وهو نبي بال شك ،فخفيت مرتبة النبوة في الخلق بانقطاع التشريع ،ومعلوم أن
آل إبراهيم من النبيين والرسل الذين كانوا بعده ،مثل إسحاق ويعقوب ويوسف ومن انتسل
ّللا ،أراد
منهم من األنبياء والرسل بالشرائع الظاهرة الدالة على أن لهم مرتبة النبوة عند ه
ّللا عليه وسلم أن يلحق أمته -وهم آله العلماء الصالحون منهم -بمرتبة النبوة ّللا صلهى ه
رسول ه
ّللا وإن لم يشرعوا ،ولكن أبقى لهم من شرعه ضربا من التشريع ،فقال [ :قولوا :اللهم عند ه
صل على محمد وعلى آل محمد ] أي صل عليه من حيث ما له آل [ كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم ] أي من حيث أنك أعطيت آل إبراهيم النبوة تشريفا إلبراهيم ،فظهرت
ي وعلى آلي بأن تجعل لهم مرتبة نبوتهم بالتشريع ،وقد قضيت أن ال شرع بعدي ،فص هل عل ه
ّللا عليه وسلم أن ألحق آلهّللا صلهى هالنبوة عندك ،وإن لم يشرعوا ،فكان من كمال رسول ه
باألنبياء في المرتبة ،وزاد على إبراهيم بأن شرعه ال ينسخ ،وبعض شرائع إبراهيم ومن
ّللا عليه وسلم الصالة عليه ّللا صلهى هبعده نسخت الشرائع بعضها بعضا ،وما علهمنا رسول ه
ّللا ،
على هذه الصورة إال بوحي من ه
ص 411
411
ّللا ،وأن الدعوة في ذلك مجابة ،فقطعنا أن في هذه األمة من لحقت درجته درجة وبما أراه ه
ّللا عليه وسلم وأكد بقوله ّللا صلهى ه
ّللا ال في التشريع ،ولهذا بيهن رسول ه األنبياء في النبوة عند ه
ّللا رسوله صلهى ه
ّللا [ :فال رسول بعدي وال نبي ] فأكد بالرسالة من أجل التشريع ،فأكرم ه
عليه وسلم بأن جعل آله شهداء على أمم األنبياء ،كما جعل األنبياء شهداء على أممهم ،ثم أنه
خص هذه األمة أعني علماءها ،بأن شرع لهم االجتهاد في األحكام ،وقرر حكم ما أداه إليه ه
اجتهادهم ،وتعبدهم به وتعبد من قلدهم به ،كما كان حكم الشرائع لألنبياء ومقلديهم ،ولم يكن
ّللا وحي علماء هذه األمة في اجتهادهم ،كما مثل هذا ألمة نبي ما لم يكن بوحي منزل ،فجعل ه
ّللاُ )فالمجتهد ما حكم إال بما أراه اس بِما أ َ َ
راك َّ قال لنبيه صلهى ه
ّللا عليه وسلم ِ (:لت َ ْح ُك َم بَيْنَ النَّ ِ
ّللا في اجتهاده ،فهذه نفحات من نفحات التشريع ما هو عين التشريع ،فآلل محمد صلهى ه
ّللا ه
ّللا ،تظهر في اآلخرة ،وما عليه وسلم ،وهم المؤمنون من أمته العلماء ،مرتبة النبوة عند ه
لها حكم في الدنيا إال هذا القدر من االجتهاد المشروع ،فلم يجتهدوا في الدين واألحكام إال
ّللا ،فإن اتفق أن يكون أحد من أهل البيت بهذه المثابة من العلم واالجتهاد بأمر مشروع عند ه
ولهم هذه المرتبة كالحسن والحسين وجعفر وغيرهم من أهل البيت ،فقد جمعوا بين األهل
ّللا عليه وسلم هم أهل بيته خاصة ،ليس هذا عند العرب واآلل ،فال تتخيل أن آل محمد صلهى ه
،فإن اآلل ال يضاف بهذه الصفة إال للكبير القدر في الدنيا واآلخرة ،فلهذا قيل لنا قولوا [ :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ] أي من حيث ما ذكرناه ال من
حيث أعيانهما خاصة دون المجموع ،فهي صالة من حيث المجموع ،وذكرناه ألنه تقدم
ّللا عليه وسلم قد ثبت أنه سيد ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،فرسول ه ّللا صلهى ه
بالزمان على رسول ه
ّللا ،كيف تحمل الصالة عليه كالصالة على الناس يوم القيامة ،ومن كان بهذه المثابة عند ه
ّللا عليه وسلم أنهإبراهيم من حيث أعيانهما ؟ فلم يبق إال ما ذكرناه ،روي عن النبي صلهى ه
قال [ :علماء هذه األمة كأنبياء سائر األمم ] وفي رواية [ أنبياء بني إسرائيل ] وإن كان إسناد
هذا الحديث ليس بالقائم ،ولكن أوردناه تأنيسا للسامعين أن علماء هذه األمة قد التحقت
باألنبياء في الرتبة ،وتلخيص ما ذكرناه هو أن يقول المصلي [ اللهم صل على محمد ] بأن
تجعل آله من أمته [ كما صليت على إبراهيم ] بأن جعلت آله أنبياء ورسال في المرتبة عندك ،
[وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ] بما أعطيتهم من التشريع والوحي ،فأعطاهم
الحديث فمنهم المحدثون ،وشرع لهم االجتهاد وقرره حكما شرعيا ،
ص 412
412
ّللا عنه ( أي الشيخ
فأشبهت األنبياء في ذلك -وهذا التفسير عن واقعة إلهية ،يقول رضي ه
األكبر ) .
وهذه مسئلة عظيمة جليلة القدر ،لم نر أحدا ممن تقدمنا تعرض لها وال قال فيها مثل ما وقع
ّللا في عباده أخفياء ال يعرفهم سواه لنا في هذه الواقعة ،إال إن كان وما وصل إلينا ،فإن ه
-وجه آخر -لكي ننال ما ناله إبراهيم عليه السالم من الخلة على قدر ما يعطيه حالنا ،قال
لنا [ :قولوا :اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ] والمؤمنون آله
ّللا صلهى ه
ّللا عليه [ كما صليت على إبراهيم ] وما اختص به إال الخلة ،فلما دعونا بها لرسول ه
ّللا عنه علينا عشرا ،فقام تعالى عن ّللا دعاءنا فيه لنتخذ عنده يدا بذلك ،فصلى ه وسلم أجاب ه
ّللا عليه وسلم بالمكافأة ،عناية منه به عليه السالم وتشريفا لنا ،حيث لم تكمل نبيه صلهى ه
المكافأة في ذلك لملك وال غيره ،
ّللا فيما دعوناه فيه لنبيه صلهى
ّللا عليه وسلم عن ذلك لما حصلت اإلجابة من ه فقال النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :لو كنت متخذ خليال التخذت أبا بكر خليال ،ولكن صاحبكم ] يعني نفسه ه
ّللا ] ولو صحت له هذه الخلة من قبل دعاء أمته له بذلك لكان غير مفيد صالتنا عليه [ خليل ه
،أي دعاءنا له بذلك ،وحكم الخلة ما ظهر هنا ،وإنما يظهر ذلك في اآلخرة ،ففي اآلخرة
تنال الخلة لظهور حكمها هناك ،وأما الذي يظهر منها هنا لوامع تبدو وتؤذن بأنه قد أ ههل لها
واعتنى به
ّللا أن تكون لمخلوق على مخلوق منة لتكون المنة هّلل ،فما خلق مخلوقا -تحقيق -من غيرة ه
إال وجعل لمخلوق عليه يدا بوجه ما ،
فإن أراد الفخر مخلوق على مخلوق لما كان منه إليه ،نكس رأسه ما كان من مخلوق آخر إليه
باّلل ال يخطر لهم ذلك ،لمعرفتهم بحقائق األمور وما ،واألنبياء والرسل والكمل من العلماء ه
ّللا به العالم ،وما يستحقه جالله مما ينبغي أن يفرد به وال يشارك فيه ،فنصب األسباب ربط ه
ّللا عليه وسلم(وأوقف األمور بعضها على بعض لما تقتضيه الحكمة ،فقال لرسوله صلهى ه
س َك ٌن لَ ُه ْم )فهذا فخر ويد ومنة ،يتعرض فيها علة ومرض ،ولكن صالت َ َك َعلَ ْي ِه ْم ِإ َّن َ
ص ِهل َ
َو َ
ّللا نبيه من ذلك ،فجعل سبحانه في مقابلة هذه العلة دواء كما هي أيضا دواء لما هو لها عصم ه
علَ ْي ِه »فإن افتخرنا بالصالة عليه على طريق صلُّوا َ
دواء ،فقال تعالى «:يا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا َ
تصور في الجواز العقلي أن يمتن بصالته ه المنة ،وجدناه قد صلى علينا حين أمر بذلك ،وان
علينا ،منعته من ذلك صالتنا عليه أن يذكر هذا ،مع كونه السيد األعظم ،ولكن لم يترك له
سبحانه المنة على خلقه ،ليكون هو سبحانه المنعم الممتن على عباده بجميع ما هم فيه ،وما
ّللا من الوفاء يكون منهم في حق ه
ص 413
413
[إشارة :مراتب الرجال في التسليم من الصالة ]
س ِله ُموا ت َ ْس ِليما ً »يريد به السالم من الصالة .اعلم أن
بعهوده -إشارة -من قوله تعالى َ «:و َ
المسلهم من صالته رجالن ،لهما طريقان ،فإن كانا في شخص واحد فقد جمعت له الحقيقتان ،
فالعالي من سلهم لكونه انفصل عن أمر ما إلى أمر ما ،إلى اسم ما ،عن اسم آخر ،فيكون
سالم توديع وإقبال ،إما من جليل إلى جالل ،أو من جميل إلى جمال ،والدون من سلهم على
الرحمن وعلى األكوان ،فسالمه على الرحمن النفصاله ،وسالمه على األكوان لرجوعه إليهم
واتصاله ،ولهذا ال يسلم المصلي على يساره إال إذا جاوره مثله ،فيظهر فيه ظلهه ،ومن خرج
عن هاتين الحقيقتين لم يصح سالمه ،وال قبل كالمه ،فإنه لم يكن عند الحق فينفصل عنه
بسالم ،ولم يغب عن الكون فيسلهم عليه عند اإللمام ،وهذه صالة العوام ،بريئة من الكمال
والتمام ،ليس لها انتظام وال التحام .
ص 414
414
ّللا أعظم الجزاء ،فال أرفع ممن -صورة الشاكي -ليدفعوا عنه ذلك األذى ،فيكون لهم من ه
ّللاُ ِفي ال ُّد ْنيا َو ْاآل ِخ َر ِة »أي أبعدهم ، سولَهُ لَعَنَ ُه ُم َّ ّللا أذى« ِإ َّن الَّذِينَ يُؤْ ذُونَ َّ َ
ّللا َو َر ُ يدفع عن ه
عذابا ً ُم ِهينا ً »لو واللعنة البعد ،وسببه وقوع األذى منهم ،فوجبت عليهم اللعنة « َوأ َ َ
ع َّد لَ ُه ْم َ
كان األمر كما يتوهمه من ال علم له من عدم مباالة الحق بأهل الشقاء ،ما وقع األخذ بالجرائم
ّللا نفسه بالغضب ،وال كان البطش الشديد ،فهذا كله من المباالة والتهمم ،وال وصف ه
بالمأخوذ ،إذ لو لم يكن له قدر ما عذب وال استع هد له ،وقد قال في أهل الشقاءَ " :وأ َ َ
ع َّد لَ ُه ْم
عذابا ً ُم ِهينا ً ".
َ
ص 415
415
حملت جنازتها على نعش ،ومنهن زينب بنت خزيمة وهي أم المساكين ،وهي من عبد مناف
ابن هالل بن عامر بن صعصعة ،توفيت في حياته عليه السالم ،ومنهن ميمونة بنت الحارث
ّللا بن هالل بن عامر بن صعصعة ،وهي ابن حرب بن بحر بن الحرص بن رومية بن عبد ه
التي وهبت نفسها للنبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،وقيل الواهبة نفسها خولة بنت حكيم السلمي ،
وقيل :
أم شريك ،وقيل :زينب بنت جحش ،ومنهن جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث
بن عابد بن مالك بن المصطلق بن خزاعة ،سباها النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم في غزوة
ي بن أخطب ،من بني النضير ،سباها يوم خيبر المريسيع وتزوج بها ،ومنهن صفية بنت حي ه
ّللا عليه وسلم بال خالف ،ومات صلهى ه
ّللا عليه فهؤالء إحدى عشر امرأة دخل بهن صلهى ه
وسلم عن تسع منهن :ميمونة ،وسودة ،وصفية ،وجويرية ،وأم حبيبة ،وعائشة ،وحفصة
،وأم سلمة ،وزينب بنت جحش ،ومات في حياته منهن :خديجة بنت خويلد ،وزينب بنت
خزيمة أم المساكين .
بناته صلهى ه
ّللا عليه وسلم :أكبرهن رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ،ثم فاطمة .
466
416
[سورة األحزاب ( : ) 33اآليات 68إلى ] 69
ب َوا ْلعَ ْن ُه ْم لَ ْعنا َك ِبيرا ) ( 68يا أَيُّ َها الهذ َ
ِين آ َمنُوا ال تَكُونُوا كَالهذ َ
ِين َربهنا آ ِت ِه ْم ِض ْعفَ ْي ِن ِم َن ا ْلعَذا ِ
ّللا َو ِجيها ) ( 69 كان ِع ْن َد ه ِ
ّللاُ ِم هما قالُوا َو َ آذَ ْوا ُموسى فَبَ هرأَهُ ه
كانت براءة موسى بفرار الحجر بثوب موسى عليه السالم حتى بدت لقومه سوأته ،ليعلموا
ّللا إياه بذلك ؟
كذبهم فيما نسبوه إليه ،أترى فرار الحجر هل كان عن غير أمر ه
ّللا »لهذه البراءة« َو ِجيها ً ». ّللا« فَبَ َّرأَهُ َّ
ّللاُ ِم َّما قالُوا َوكانَ ِع ْن َد َّ ِ بل كان بوحي من ه
ص 467
417
ض َو ْال ِجبا ِل » . . .اآلية ]
ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ علَى ال َّ ضنَا ْاألَمانَةَ َ
ع َر ْ[" ِإنَّا َ
ضنَا ْاألَمانَةَ ،وأي أمانة أعظم من النيابة عن الحق في عباده ،فال يصرفهم إال بالحق ع َر ْ« ِإنَّا َ
ض َو ْال ِجبا ِل »كانت َو ْاأل َ ْر ِ علَى ال َّ
سماوا ِ ،فال بد من الحضور الدائم ومن مراقبة التصريف« َ
عرض األمانة على السماوات واألرض والجبال بوحي يناسبها ،مثل قوله تعالى :
( وأوحى في كل سماء أمرها )« فَأَبَيْنَ أ َ ْن يَ ْح ِم ْلنَها »ألنها كانت عرضا ال أمرا ،
فلهذا أبت السماوات واألرض القبول ،لعلمها أنها تقع في الخطر ،فال تدري ما يؤول إليها
ّللا لمن حملها ، أمرها في ذلك ،وأبين أن يحملنها من أجل الذم الذي كان من ه
ّللا وصف حاملها بالظلم والجهل ببنية المبالغة ،فإن حاملها ظلوم لنفسه ،جهول بقدر وهو أن ه
األمانة « َوأ َ ْشفَ ْقنَ ِم ْنها »أي خفن أن ال يقمن بحقها ،فاستبرأن ألنفسهن ،
فهل ترى إباية السماوات واألرض والجبال عن حمل األمانة وإشفاقهن منها ،عن غير علم
ّللا فيها ؟ وعلمهم بالفرق بين العرض بقدر األمانة وما يؤول إليه أمر من حملها فلم يحفظ حق ه
واألمر ،
فلما كان عرض تخيير احتاطوا ألنفسهم وطلبوا السالمة ،ولما أمرهم الحق تعالى باإلتيان
فقال للسماوات واألرض (
ّللا ،وحذرا أن يؤتى بهما على كره ، ط ْوعا ً أ َ ْو َك ْرها ً قالَتا أَتَيْنا طائِ ِعينَ )طاعة ألمر ه ائْتِيا َ
وّللا ،بل الحمل لألمانة كان لمجرد الجهل من الحامل ، ّللا لجهلها ؟ ال ه أترى إباية من ذكر ه
ّللا بالجهل على المبالغة فيه والظلم لنفسه فيها لغيره إال الحامل لها وهو اإلنسان ، وهل نعت ه
ّللا أن
فعلمت األرض ومن ذكر قدر األمانة وأن حاملها على خطر ،فإنه ليس على يقين من ه
ّللا بالعرض أنه يريد ميزان العقل ،فكان عقل األرض يوفقه ألدائها إلى أهلها ،وعلمت مراد ه
ّللا عليهم ،فإن
والجبال والسماء أوفر من عقل اإلنسان ،حيث لم يدخلوا أنفسهم فيما لم يوجب ه
طلب حمل األمانة كان عرضا ال أمرا ،وجعل بعض علماء الرسوم هذه اإلباية واإلشفاق حاال
ال حقيقة ،وكذلك قوله عنهما( قالَتا أَتَيْنا طائِ ِعينَ )قول حال ال خطاب ،
وهذا كله ليس بصحيح ،وال مراد في هذه اآليات ،بل األمر على ظاهره كما ورد ،وهكذا
سان »عرضا أيضا لما وجد في نفسه من قوة الصورة التي اإل ْن ُيدركه أهل الكشف« َو َح َملَ َها ْ ِ
ّللا آدم على صورته أطلق عليه جميع أسمائه الحسنى ،وبقوتها خلق عليها ،ألنه لما خلق ه
حمل األمانة المعروضة ،وما أعطته هذه الحقيقة أن يردها كما أبت السماوات واألرض
وال » ظلُوما ً َج ُه ً والجبال حملها« ِإنَّهُ كانَ َ
باّلل عين الجهل به ، وال »ألن العلم ه ظلُوما ً »لو لم يحملها « َج ُه ً -الوجه األول ِ «-إنَّهُ كانَ َ
فالعجز عن درك اإلدراك إدراك
ص 418
418
عرض بنفسه إلى أمر عظيم إذا كان عارفا ظلُوما ً »لنفسه حيث ه -الوجه الثاني ِ «-إنَّهُ كانَ َ
وال »وذلك لجهل اإلنسان ذلك بقدر األمانة ،وإذا لم يوفق ألدائها كان ظالما لنفسه ولغيره« َج ُه ً
ّللا فيه من
من نفسه وبقدر ما تحمل وحمل ،وإن كان عالما بقدرها فما هو عالم بما في علم ه
ّللا فيه ،ألنه جهل هل يؤدي األمانة إلى أهلها أم ال التوفيق إلى أدائها ،بل هو جهول كما شهد ه
؟ فكان قبول اإلنسان األمانة اختيارا ال جبرا ،فخان فيها ألنه وكل إلى نفسه وخذل ،
ّللا عليه وسلم [ :من طلب اإلمارة وكل إليها ،ومن أعطيها من غير ّللا صلهى هقال رسول ه
ّللا به ملكا يسدده ] ّللا أو وكل ه طلب بعث ه
ت إِلى أ َ ْه ِلها ) فما حملها أحدّللا يَأ ْ ُم ُر ُك ْم أ َ ْن ت ُ َؤدُّوا ْاألَمانا ِ
فقال لنا تعالى لما حملنا األمانة ( إِ َّن َّ َ
ّللا إال اإلنسان ،
من خلق ه
وال يخلو إما أن يحملها عرضا أو جبرا ،فإن حملها عرضا فقد خاطر بنفسه ،
وإن حملها جبرا فهو مؤد لها على كل حال ،ومن ذلك نعلم أن من العالم ما هو مجبور فيما
كلهف حمله ،وهو المعبر عنه بفرائض األعيان وفرائض الكفاية ،ما لم يقم به واحد فيسقط
الفرض عن الباقي ،
ومن العالم ما لم يجبر في الحمل وإنما عرض عليه ،فإن قبله فما قبله إال لجهله بقدر ما حمل
من ذلك ،كاإلنسان لما عرضت عليه األمانة وحملها ،كان لذلك ظلوما لنفسه جهوال بقدرها ،
والسماوات واألرض والجبال لما عرضت عليهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ،لمعرفتهن
بقدر ما حملوا ،فلم يظلموا أنفسهم ،فما وصف أحد من المخلوقات بظلمه لنفسه إال اإلنسان ،
فكان خلق السماوات واألرض أكبر من خلق الناس في المنزلة ،
فإنهن كن أعلم بقدر األمانة من اإلنسان فبهذا كن أيضا أكبر من خلق الناس في المنزلة من
ّللا لما عرض عليه األمانة وقبلها العلم ،فإنهن ما وصفن بالجهل كما وصف اإلنسان ،فإن ه
كان بحكم األصل ظلوما جهوال ،فإنه خوطب بحملها عرضا ال أمرا ،فإن حملها جبرا أعين
عليها ،
فكان اإلنسان ظلوما لنفسه جهوال ،يعني بقدر األمانة ،فهي ثقيلة في المعنى وإن كانت خفيفة
في التحمل ،فكانت السماوات واألرض والجبال في هذه المسألة أعلم من اإلنسان ،ولم تكن
في الحقيقة أعلم ،وإنما اإلنسان لما كان مخلوقا على الصورة اإللهية ،
ّللا من القوة بما ذكرناه ،فهان عليه حملها ،ثم وكان مجموع العالم ،اغتر بنفسه وبما أعطاه ه
إنه رأى الحق قد أ ههله للخالفة من غير عرض عليه مقامها ،فتحقق أن األهلية فيه موجودة ،
ولم تقو السماوات على االنفراد وال األرض على االنفراد وال الجبال على االنفراد قوة جمعية
اإلنسان ،فلهذا أبين أن يحملنها وأشفقن منها ،
ص 419
419
وما علم اإلنسان ما يطرأ عليه من العوارض في حملها ،فسمي بذلك العارض خائنا ،فإنه
مجبول على الطمع والكسل ،وما قبلها إال من كونه عجوال ،فلو فسح الحق له في الزمان
حتى يفكر في نفسه ،وينظر في ذاته وفي عوارضه ،لبان له قدر ما عرض عليه ،فكان يأبى
كما أبته السماء وغيرها ممن عرضت عليه ،ومن األمانة التي حملها اإلنسان الصفات اإللهية
،وهي على قسمين :
صفة إلهية تقتضي التنزيه ،كالكبير والعلي ،
وصفة إلهية تقتضي التشبيه ،كالمتكبر والمتعالي ،
وما وصف الحق به نفسه مما يتصف به العبد ،فمن جعل ذلك نزوال من الحق إلينا جعل
األصل للعبد ،ومن جعل ذلك للحق صفة إلهية ال تعقل نسبتها إليه لجهلنا به ،كان العبد في
اتصافه بها يوصف بصفة ربانية في حال عبوديته ،فيكون جميع صفات العبد التي يقول فيها
ال تقتضي التنزيه ،هي صفات الحق تعالى ال غيرها ،غير أنها لما تلبس بها العبد انطلق
عليها لسان استحقاق للعبد ،واألمر على خالف ذلك ،وهذا هو الذي يرتضيه المحققون ،وهو
قريب إلى األفهام إذا وقع اإلنصاف ،وذلك أن العبد ما استنبطه وال وصف الحق به ابتداء من
نفسه ،وإنما الحق وصف بذلك نفسه على ما بلهغت رسله وما كشفه ألوليائه ،ونحن ما كنا
نعلم هذه الصفات إال لنا ال له بحكم الدليل العقلي ،فلما جاءت الشرائع بذلك ،وقد كان هو ولم
نكن نحن ،علمنا أن هذه الصفات هي له بحكم األصل ،ثم سرى حكمها فينا منه ،فهي له
حقيقة وهي لنا مستعارة ،إذ كان وال نحن ،فاإلنسان ظلوم بما غصب من هذه الصفات من
حيث جعلها لنفسه حقيقة ،جهول بمن هي له وبأنها غصب في يده ،فمن أراد أن يزول عنه
وصف الظلم والجهالة فليرد األمانة إلى أهلها ،واألمر المغصوب إلى صاحبه ،واألمر في
ذلك هين جدا ،والعامة تظن أن ذلك صعب وليس كذلك .
ص 420
420
) ( 34سورة سبا مكيّة
الرحيم الرحمن ّ ّللا ّ بسم ّ
[ سورة سبإ ( : ) 34اآليات 1إلى ] 2
يمالر ِح ِ
من هالرحْ ِ
ّللا ه س ِم ه ِ بِ ْ
ض َولَهُ ا ْل َح ْم ُد فِي ْاآل ِخ َر ِة َو ُه َو ا ْل َح ِكي ُم ا ْل َخ ِب ُ
ير ت َوما فِي ْاأل َ ْر ِ سماوا ِ ّلِل الهذِي لَهُ ما فِي ال ه ا ْل َح ْم ُد ِ ه ِ
ج فِيها َو ُه َو ماء َوما يَ ْع ُر ُس ِ ج ِم ْنها َوما يَ ْن ِز ُل ِم َن ال ه ض َوما يَ ْخ ُر ُ ( ) 1يَ ْعلَ ُم ما يَ ِل ُج فِي ْاأل َ ْر ِ
ور ( ) 2الر ِحي ُم ا ْلغَفُ ُ ه
[ إشارة ال تفسير :على اإلنسان أن يعلم ما يلج في أرض طبيعته ]
ّللا فيها حين -إشارة ال تفسير -على اإلنسان أن يعلم ما يلج في أرض طبيعته من بذر ما بذر ه
سواها وعدلها ،وما يخرج منها من العبارات عما فيها ،واألفعال العملية الصناعية على
مراتبها ،ألن الذي يخرج عن األرض مختلف األنواع ،وذلك زينة األرض ،فما يخرج عن
أرض طبيعة اإلنسان وجسده فهو زينة له ،من فصاحة في عبارة وأفعال صناعية محكمة ،
كما يعلم ما ينزل من سماء عقله ،بما ينظر فيه من شرعه في معرفة ربه ،وذلك هو التنزيل
اإللهي على قلبه ،وما يعرج فيها من كلمه الطيب على براق العمل الصالح الذي يرفعه إلى
صا ِل ُحب )وهو ما خرج من األرض( َو ْالعَ َم ُل ال َّ صعَ ُد ْال َك ِل ُم َّ
الط ِيه ُ ّللا ،كما قال تعالى ِ (:إلَ ْي ِه يَ ْ ه
يَ ْرفَعُهُ )وهو ما أخرجته األرض أيضا ،فالذي ينزل من السماء هو الذي يلج في األرض ،
والذي يخرج من األرض ،وهو ما ظهر عن الذي ولج فيها ،هو الذي يعرج في السماء ،
فعين النازل هو عين الوالج ،وعين الخارج هو عين العارج .
ص 422
421
" َويَ َرى الَّذِينَ أُوتُوا ْال ِع ْل َم الَّذِي أ ُ ْن ِز َل ِإلَي َْك ِم ْن َر ِبه َك ُه َو ْال َح َّق ".
وانسب إلى الباري ما قال وما * جاء به شرع ولكن ابتدأ
مما لو أن العقل يبقى وحده * ما قاله معتقدا وقدها
فإن يكن بعد سؤال قاله * فهو دواء وهو بالبرهان دا
فالحق ما قرره الشرع ولو * دل على كل محال وبدا
فالمؤمن الحق بهذا مؤمن * وكل من أوله قد اعتدى
ألنه ظن وبعض الظن قد * يكون إثما قائدا نحو الردى
يز ْال َح ِمي ِد »فإن معاملة الحق وعبادته ال تدرك باالجتهاد ،بل بما
راط ْالعَ ِز ِ
ص ِ « َويَ ْهدِي إِلى ِ
يشرعه الحق ويبيهنه ،لما كان قدره مجهوال وما ينبغي لجالله غير معلوم .
ص 422
422
[إشارة :القلوب القاسية يلينها الزجر والوعيد ]
داو َد ِمنَّا فَض ًْال
« َولَقَ ْد آتَيْنا ُ
-الوجه األول -لما كانت عطاياه تعالى لألنبياء والرسل عليهم السالم اختصاصا إلهيا ،فهي
مواهب ليست جزاء ،وال يطلب عليها منهم جزاء فإعطاؤه إياهم على طريق اإلنعام
داو َد ِمنَّا فَض ًْال »فلم يقرن به جزاء يطلبه منه واإلفضال ،قال تعالى في حق داود « َولَقَ ْد آتَيْنا ُ
،وال أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ،
داو َد ِمنَّا فَض ًْال »أي معرفة به سبحانه ال يقتضيها عمله ،فلو -الوجه الثاني َ « -ولَقَ ْد آتَيْنا ُ
سلَيْمانَ
داو َد ُ
اقتضاها عمله لكانت جزاء ،ووهب له فضال سليمان عليه السالم فقال ( َو َو َهبْنا ِل ُ
) « يا ِجبا ُل أ َ ه ِوبِي َمعَهُ َو َّ
الطي َْر »
-لغة :ال يكون ما بعد النداء أبدا إال منصوبا ،إما لفظا وإما معنى ،ولهذا عطف بالمنصوب
على الموضع
الطي َْر »بالنصب ،عطفا على موضع الجبال وإن كان مرفوعا في اللفظ في قوله تعالى َ «:و َّ
في أوقات ،ولهذا قرئ أيضا والطير بالرفع ؛ قال تعالى في حق داود فيما أعطاه على طريق
اإلنعام عليه ترجيع الجبال معه بالتسبيح ،فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها ،وكذلك الطير«
َوأَلَنَّا لَهُ ْال َحدِي َد » -إشارة َ «-وأَلَنَّا لَهُ ْال َحدِي َد »القلوب القاسية يلينها الزجر والوعيد تليين النار
الحديد ،وإنما الصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة ،فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار وال
ّللا ،أي ال يتهقى الشيء إال تلينها ،وما أالن له الحديد إال لعمل الدروع الواقية ،تنبيها من ه
بنفسه ،ألن الدرع يتهقى بها السنان والسيف والسكين والنصل ،فاتقيت الحديد بالحديد ،فجاء
الشرع المحمدي ب [ أعوذ بك منك ] فهذا روح تليين الحديد ،فهو المنتقم الرحيم .
ص 423
423
لما طلب الحق الشكر على العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ،ليشكر اآلل على
ما أنعم به على داود ،فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال ،وفي حق آله غير ذلك لطلب
ش ْكرا ً »هذا هو الشكر العملي ببذل ما عندهم من المعاوضة ،فقال تعالى «:ا ْع َملُوا آ َل ُ
داو َد ُ
ّللا على المحتاجين من عباده ،فإن الشكر منه لفظي وعلمي وعملي . نعم ه
ور » اآلية ] ش ُك ُِي ال َّ [ « َوقَ ِلي ٌل ِم ْن ِعباد َ
ور » ش ُك ُ « َوقَ ِلي ٌل ِم ْن ِعباد َ
ِي ال َّ
ّللا ببنية
يعني المبالغة في الشكر لجهلهم بالنعم أنها نعم يجب الشكر عليها ،والشكور من عباد ه
ّللا في حقهم وفي حق عباده نعمة إلهية ّللا ،الذين يرون جميع ما يكون من ه المبالغة هم خاصة ه
سرهم ذلك أم ساءهم فهم يشكرون على كل حال ،وهذا الصنف قليل بالوجود ،سواء ه
ّللا إيانا بقلتهم ،فإنهم يعملون ما تعيهن على جميع األعضاء والقوى الظاهرة وبتعريف ه
ّللا تعالى ،
والباطنة في كل حال بما يليق به ،وفي كل زمان بما يليق به ،مما أمر به ه
ّللا حق الشكر ،وذلك بأن يرى النعمة منه ،ذكر ابن ماجة والمبالغة في الشكر هو أن يشكر ه
في سننه حديثا وهو
ّللا سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى اشكرني حق الشكر ،فقال موسى عليه السالم : [ أن ه
ومن يقدر على ذلك يا رب ؟
فقال له :إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني ]
فمن ال يرى النعمة إال منه فقد شكره حق الشكر ،أال تراها من األسباب التي سدلها بينك وبينه
ّللا بما يكون
عند إرداف النعم ،وهذا هو الشكر العلمي ،وأما الشكر اللفظي فهو الثناء على ه
ّللا على المسمى نعمة في العرف خاصة ، منه ،وأما الشاكرون من العباد فهم الذين يشكرون ه
ّللا قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تنفل حتى ّللا عليه وسلم بأن ه ّللا صلهى ه شر رسول ه لما ب ه
تورمت قدماه ،فسئل في ذلك فقال [ :أفال أكون عبدا شكورا ] وعبادة الشكر عبادة مغفول
ور »وما بأيدي الناس من عبادة الشكر على ش ُك ُ عنها ،ولهذا قال تعالى «َ :وقَ ِلي ٌل ِم ْن ِعباد َ
ِي ال َّ
ّللا يزيدون على مثل هذا النعماء إال قولهم :الحمد هّلل والشكر هّلل ،لفظ ما فيه كلفة ،وأهل ه
ش ْكرا ً »ولم يقل قولوا ، اللفظ العمل باألبدان والتوجه بالهمم ،قال تعالى «:ا ْع َملُوا آ َل ُ
داو َد ُ
واألمة المحمدية أولى بهذه الصفة من كل أمة ،إذ كانت خير أمة أخرجت للناس فقال تعالى
ور »ببنية المبالغة ،ليعم شكر التكليف وشكر التبرع ،فشكر التبرع ش ُك ُ ِي ال َّ «َ :وقَ ِلي ٌل ِم ْن ِعباد َ
ّللا عليه وسلم ،وشكر التكليف ما وقع به األمر [ أفال أكون عبدا شكورا ] قول النبي صلهى ه
ّللا ) وبين الشكرين ما بين الشكورين. ّللا ) ( واشكروا نعمة ه مثل ( واشكروا ه
ص 424
424
[ سورة سبإ ( : ) 34اآليات 14إلى ] 19
ت ا ْل ِج ُّن سأَتَهُ فَلَ هما َخ هر تَبَيهنَ ِ ض تَأ ْ ُك ُل ِم ْن َ علَ ْي ِه ا ْل َم ْوتَ ما َدله ُه ْم عَلى َم ْو ِت ِه ِإاله دَابهةُ ْاأل َ ْر ِ ض ْينا َ فَلَ هما قَ َ
س َكنِ ِه ْم آيَةٌ سبَ ٍإ فِي َم ْ كان ِل َين ( ) 14لَقَ ْد َ ب ا ْل ُم ِه ِ ب ما لَبِثُوا فِي ا ْلعَذا ِ ون ا ْلغَ ْي َأ َ ْن لَ ْو كانُوا يَ ْعلَ ُم َ
ور ( ) 15 غفُ ٌ ب َ شك ُُروا لَهُ بَ ْل َدةٌ َط ِيّبَةٌ َو َر ٌّ شما ٍل ُكلُوا ِم ْن ِر ْز ِ
ق َر ِبّ ُك ْم َوا ْ ين َو ِتان ع َْن يَ ِم ٍ َجنه ِ
ش ْي ٍء س ْي َل ا ْلعَ ِر ِم َوبَ هد ْلنا ُه ْم ِب َجنهت َ ْي ِه ْم َجنهت َ ْي ِن ذَوات َ ْي أ ُ ُك ٍل َخ ْم ٍط َوأ َثْ ٍل َو َ
علَ ْي ِه ْم َ س ْلنا َ فَأَع َْرضُوا فَأ َ ْر َ
ور ( َ ) 17و َجعَ ْلنا بَ ْينَ ُه ْم جازي ِإاله ا ْل َكفُ َ سد ٍْر قَ ِلي ٍل ( ) 16ذ ِلكَ َج َز ْينا ُه ْم ِبما َكفَ ُروا َو َه ْل نُ ِ ِم ْن ِ
ينآم ِن َ ي َوأَيهاما ِ يروا ِفيها لَيا ِل َ س ُ س ْي َر ِ بار ْكنا ِفيها قُرى ظا ِه َرة َوقَد ْهرنا ِفي َها ال ه َوبَ ْي َن ا ْلقُ َرى اله ِتي َ
ِيث َو َم هز ْقنا ُه ْم ُك هل ُم َم هز ٍ
ق س ُه ْم فَ َجعَ ْلنا ُه ْم أَحاد َ فارنا َو َظلَ ُموا أ َ ْنفُ َ
س ِ ) ( 18فَقالُوا َربهنا با ِع ْد بَ ْي َن أ َ ْ
ُور ( ) 19 شك ٍ صبه ٍار َ ت ِل ُك ِ ّل َ إِ هن فِي ذ ِلكَ َآليا ٍ
ق »هم أهل سبأ ،وتفرقهم معلوم . « َو َم َّز ْقنا ُه ْم ُك َّل ُم َم َّز ٍ
ص 425
425
ّللا للعالم إنما هو لبقاء الثناء عليه بلسان المحدثات ،
يحفظ على كل شيء حكم التغيير ،وحفظ ه
بالتنزيه عما هي عليه من االفتقار ،فلم يكن الحفظ لالهتمام به وال للعناية ،بل ليكون مجاله ،
وليظهر أحكام أسمائه ،والحفظ ال يكون إال ممن ال يغالب على محفوظه وال يقاوى على
باّلل ،وال يزال حافظا له ،فلو انقطع الحفظ لزال العالم .
حفظه ،فال يزال العالم محفوظا ه
ص 426
426
ال في دخول الجنة ،ألنه ما ث هم دار ثالثة ،إنما هي جنة أو نار ،وذلك أنه إن سأل في دخول
ّللا يقبل سؤاله فيه ،ولكن قد يرى في الطريق أهواال عظاما ،فلهذا ينبغي الجنة ال غير فإن ه
ّللا من صلى عليه مما يحول بينه وبين العافية أن تكون شفاعة المصلي في أن ينجي ه
وّللا أسأل لنا وإلخواننا إذا جاء أجلنا أن يكون واستصحابها له ،فإن ذلك أنفع في حق الميت ،ه
المصلي علينا عبدا محبوبا عند ربه ،يكون الحق سمعه وبصره ولسانه ،لنا وإلخواننا
وأوالدنا وآبائنا وأهلينا ومعارفنا وجميع المسلمين من الجن واإلنس ،آمين بعزته وكرمه .
ّللا وإياك بروح منه أن المالئكة أرواح في أنوار أو لو أجنحة ،وأن نزول الوحي واعلم أيدنا ه
على قلوب المالئكة ،والقلب هو المدبر للجسد ،فاشتغل القلب بما نزل إليه ليتلقاه فغاب عن
ّللا بالوحي على صورة خاصة وتعلقت به تدبير بدنه ،فسمي بذلك غشيا وصعقا ،فإذا تكلم ه
أسماعهم كأنه سلسلة على صفوان ،وهو وحي إجمالي ،
ّللا عليه وسلم عن المالئكة في طريان هذا الحال فقال [ :إن المالئكة إذا وقد أخبر النبي صلهى ه
ّللا بالوحي كأنه سلسلة على صفوان ،ضربت المالئكة بأجنحتها خضعانا -أي لهذا تكلم ه
ّللا ثم ينادون فيفيقون ] التشبيه -فتصعق المالئكة ،وهو أشد الوحي ،فيصعقون ما شاء ه
ع ْن قُلُوبِ ِه ْم )وهو إفاقتهم من صعقتهم ،وهنا يقع ع َوهو قوله تعالى في حقهم َ (:حتَّى إِذا فُ ِ هز َ
ّللا عنهم التفصيل فيما أجمل ،فأخبر ه
-الوجه األول «-قالُوا ما ذا قا َل َربُّ ُك ْم »وهنا وقف ،فيقول بعضهم لبعض وهو قوله تعالى«
قالُوا ْال َح َّق »وهو من قول المالئكة– .
-الوجه الثاني « -قالُوا ما ذا ؟ »وهنا وقف ،فاستفهموا بعد صعقتهم أي يقول بعضهم
لبعض« ما ذا ؟ » « قا َل »أي فيقول بعضهم
أو قال القائل َ «:ربُّ ُك ْم »وهنا وقف ،إعالما بأن كالمه عين ذاته ،
فيقول بعضهم وهو قوله «:قالُوا »لهذا القائل« ْال َح َّق »أي الحق يقول ،بالنصب ،أي قال
الحق كذا علمناه
-الوجه الثالث -لما أفاقوا وزال الخطاب اإلجمالي المشبه وزالت البديهة «قالُوا ما ذا ؟
»وهنا وقف ،ثم يجيبهم فقال لهم َ «:ربُّ ُك ْم »وهو قوله " :قا َل َربُّ ُك ْم " ،فما صعقوا عند هذا
القول بل ثبتوا و( قالُوا ْال َح َّق ( أي قال الحق ،أي قال ربنا القول الحق ،يعنون ما فهموه من
ي ْال َكبِ ُ
ير " الوحي أو قوله «قا َل َربُّ ُك ْم »أو هما معا وهو الصحيح« َو ُه َو ْالعَ ِل ُّ
ي »عن هذا النزول« ْال َكبِ ُ
ير -الوجه األول -أن يكون هذا من قول المالئكة قالوا« َو ُه َو ْالعَ ِل ُّ
»عن هذا التشبيه في هذه النسبة ،وهي كسلسلة على صفوان ،
ير »عن هذا ي ْال َك ِب ُ
أي« َو ُه َو ْالعَ ِل ُّ
ص 427
427
التشبيه ،ولكن هكذا نسمع ،فجاءوا في ذكرهم باالسم العلي في كبريائه إن كان من قولهم ،
ير »أو يكون حكاية الحق عن قولهم ،والعالون ي ْال َك ِب ُ ّللا« َو ُه َو ْالعَ ِل ُّ فإنه محتمل أن يكون قول ه
ت ِمنَ ْالعا ِلينَ )
ت أ َ ْم ُك ْن َّللا فيهم إلبليس لما أبى السجود( أ َ ْست َ ْكبَ ْر َ الذين قال ه
هم الذين قالوا لهؤالء المالئكة الذين أفاقوا« َربَّ ُك ُم »
*وهم الذين نادوهم ،وهم العالون ،فلهذا جاء باالسم العلي ،فمن علم أن للمالئكة قلوبا أو علم
ّللا تعالى ما أسمعهم في الوحي الذي أصعقهم إال ما يناسب من الوحي ( القلوب ما هي علم أن ه
باّلل على بعضهم ،وهو ُك َّل يَ ْو ٍم ُه َو ِفي شَأ ْ ٍن ) ومن هذه اآلية علمنا بتفاضل المالئكة في العلم ه
باّلل ،قولهم َ (:وما ِمنَّا إِ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم ) أي في العلم ه
وذلك لما ورد من االستفهام في قول من قال منهم« ما ذا »
*وقد رفعت التهمة عنهم فيما بينهم ،وتصديق بعضهم بعضا ،وانصباغ بعضهم بما عند
باّلل ،فيفيد بعضهم بعضا ،وذلك قوله بعض مما يكون عليه ذلك البعض من صورة العلم ه
عنهم ":قالُوا ْال َح َّق " ابتداء ،ولم ينازعوا عندما قال لهم المسؤول« َربَّ ُك ُم »
ش ْي ٌء ) فلم يروه إال في الهوية ،وهي ما غاب عنهم من الحق في ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
* ،ثم أقيموا في( لَي َ
عين ما تجلى ،وتلك الهوية هي روح صورة ما تجلى ،فنسبوا إليها أعني إلى الهوية من(
ي» ش ْي ٌء )العلو فقالوا َ «:و ُه َو ْالعَ ِل ُّ ْس َك ِمثْ ِل ِه َلَي َ
ير » *من الكبرياء عن الحصر ،فهو العظيم بذاته ، *عن التقييد في صورة ما تجلى لهم« ْال َكبِ ُ
بخالف األسباب المعظمة ،وهو الكبير واضع األسباب ،وأمرنا بتعظيمها ،ومن ال عظمة له
ذاتية لنفسه فعظمته عرض في حكم الزوال ،فالكبير على اإلطالق من غير تقييد وال مفاضلة
ّللا
هو ه
-الوجه الثاني -في هذه اآلية انته كالم المالئكة عند قوله «:ما ذا قا َل َربُّ ُك ْم قالُوا ْال َح َّق »ثم
ّللا ال من قول المالئكة ،أي ير »فهو من قول ه ي ْال َكبِ ُ ّللا َ «:و ُه َو ْالعَ ِل ُّ يقول تعالى :أي فقال ه
ّللا تعالى . هذه النسبة من حيث هويته ،ومن هذه اآلية يظهر عجز المالئكة عن معرفة ه
ص 428
428
من الفتح اإللهي النصر على األعداء والقهر لهم ،والرحمة باألولياء والعطف عليهم .
ص 429
429
والطين ]فأعلم بنبوته ،فكان الرسل واألنبياء عليهم السالم نوابه حتى ظهوره بجسمه صلهى
ّللا عليه وسلم أوال ،نسب ّللا عليه وسلم ،فإنه ل هما لم يتقدم في عالم الحس وجود عينه صلهى ه ه
ّللا عليه وسلم ،وإن كان مفقود كل شرع إلى من بعث به ،وهو في الحقيقة شرع محمد صلهى ه
العين من حيث ال يعلم ذلك ،كما هو مفقود العين اآلن وفي زمان نزول عيسى عليه السالم ،
ّللا عليه وسلم والحكم بشرعه ،فجميع الشرائع التي كانت في األمم فهي شرائع محمد صلهى ه
بأيدي نوابه ،فإنه المبعوث إلى الناس كافة ،وما يلزم رؤية شخصه ،فكما و هجه في زمان
ظهور جسمه عليا ومعاذا إلى اليمن لتبليغ الدعوة ،كذلك و هجه الرسل واألنبياء إلى أممهم من
ّللا تعالى ،فالناس أمته من آدم إلى يوم حين كان نبيا وآدم بين الماء والطين ،فدعا الكل إلى ه
القيامة ،وجميع الرسل نوابه بال شك ،فلما ظهر بنفسه لم يبق حكم إال له ،وال حاكم إال رجع
ّللا بشرعه جميع الشرائع فال يخرج هذا النسخ ما تقدم من الشرائع أن تكون إليه ،وأما نسخ ه
ّللا عليه وسلم في القرآن ّللا قد أشهدنا في شرعه الظاهر المنزل به صلهى ه من شرعه ،فإن ه
والسنة النسخ ،مع إجماعنا واتفاقنا على أن ذلك المنسوخ شرعه الذي بعث به إلينا ،فنسخ
بالمتأخر المتقدم ،فكان تنبيها لنا هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة على أن نسخه لجميع
الشرائع المتقدمة ال يخرجها عن كونها شرعا له ،وكان نزول عيسى عليه السالم في آخر
الزمان حاكما بغير شرعه أو بعضه الذي كان عليه في زمان رسالته ،وحكمه بالشرع
المحمدي المقرر اليوم دليال على أنه ال حكم ألحد اليوم من األنبياء عليهم السالم مع وجود ما
ّللا عليه وسلم في شرعه ،ويدخل في ذلك ما هم عليه أهل الذمة من أهل الكتاب ، قرره صلهى ه
ما داموا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ،فإن حكم الشرائع على األحوال فخرج من هذا
المجموع كله أنه ملك وسيد على جميع بني آدم ،وأن جميع من تقدمه كان ملكا له وتبعا ،
والحاكمون فيه نواب عنه ،فبعثته العامة إشعار بأن جميع ما تقدمه من الشرائع بالزمان إنما
هو من شرعه ،فنسخ ببعثته منها ما نسخ وأبقى منها ما أبقى ،كما نسخ ما قد كان أثبته حكما
ّللا عليه وسلم [ :ال تفضلوني ] ،فإن قيل فقوله صلهى ه
ّللا فضله ،فإن ذلك ليس لنا ،وإن كان قد ورد ( أُولئِ َك الَّذِينَ فالجواب :نحن ما فضلناه بل ه
ّللاُ فَ ِب ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه )
َه َدى َّ
ّللا ،
لما ذكر األنبياء عليهم السالم فهو صحيح ،فإنه قال فبهداهم وهداهم من ه
[ جميع الشرائع هي شرع محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم بأيدي نوابه ]
ّللا عليه وسلم ،أي الزم شرعك الذي ظهر به نوابك من إقامة الدين وال وهو شرعه صلهى ه
تتفرقوا فيه ،فلم يقل :فبهم اقتده ،وفي قوله َ (:وال تَتَفَ َّرقُوا فِي ِه )تنبيه على أحدية الشرائع ،
ص 430
430
وقوله (:اتَّبَ َع ِملَّةَ ِإبْرا ِه َ
يم َح ِنيفا ً )
ّللا ال من غيره ،وانظر قوله *وهو الدين ،فهو مأمور باتباع الدين ،فإن الدين إنما هو من ه
عليه السالم [ :لو كان موسى حيا ما وسعه إال أن يتبعني ] فأضاف االتباع إليه ،وأمر صلهى
ّللا عليه وسلم باتباع الدين وهدى األنبياء ال بهم ،فإن اإلمام األعظم إذا حضر ال يبقى لنائب ه
من نوابه حكم إال له ،فإذا غاب حكم النواب بمراسمه ،فهو الحاكم غيبا وشهادة ،ومن ذلك
ّللا الحكم في كلماتهّللا ،فقد آتاه ه
ّللا عليه وسلم أوتي جوامع الكلم ،والعالم كلمات ه كونه صلهى ه
،وع هم وختم به الرسالة والنبوة ،كما بدأ به باطنا ختم به ظاهرا ،فله األمر النبوي من قبل
ومن بعد
-نصيحة -اعلم أن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رساالت ربهم ،وكل شخص منهم قبل
ّللا في مزاجه من التركيب ،فما من نبي إال بعث خاصة إلى قوم من الرسالة قدر ما أعطاه ه
ّللا عليه وسلم ما بعثه إال برسالة معينين ،ألنه على مزاج خاص مقصور وإن محمدا صلهى ه
عامة إلى جميع الناس كافة ،وال قبل مثل هذه الرسالة إال لكونه على مزاج يحوي على مزاج
كل نبي ورسول ،
فهو أعدل األمزجة وأكملها وأقوم النشآت ،فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما
ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة اإلنسانية ،
ّللا عليه وسلم ،وأن الحق فاعلم أنك ليس لك وال أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد صلهى ه
مهما تجلى لك في مرآة قلبك فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها ،
ّللا عليه وسلم في العلم بربه في نشأته وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صلهى ه
،فالزم اإليمان واالتباع ،واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك ،
ّللا عليه وسلم في مرآته ،ّللا تعالى ال بد أن يتجلى لمحمد صلهى ه فإذا فعلت هذا علمت أن ه
والمرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي ،فيكون ظهور الحق في مرآة محمد صلهى ه
ّللا
عليه وسلم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه ،لما هي مرآته عليه ،
ّللا عليه وسلم فقد أدركت منه كماال لم تدركه من حيث فإذا أدركته في مرآة محمد صلهى ه
نظرك في مرآتك ،أال ترى في باب اإليمان وما جاء في الرسالة من األمور التي نسب الحق
لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ؟
ولوال الشرع واإليمان به لما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا البتة ،بل نرده ابتداء
ونج ههل القائل به ،فكما أعطاه بالرسالة واإليمان ما قصرت العقول التي ال إيمان لها عن
إدراكها ذلك من جانب الحق ،
كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صلهى
ّللا عليه وسلم أن تدركه في مرآتها ،وكما آمنت به في الرسالة غيبا شهدته في هذا التجلي ه
النبوي عينا ،فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ،فال تطلب مشاهدة الحق
ص 431
431
إال في مرآة نبيك صلهى ه
ّللا عليه وسلم ،واحذر أن تشهده في مرآتك ،أو تشهد النبي وما تجلى
في مرآته من الحق في مرآتك ،فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية ،
فالزم االقتداء واالتباع ،وال تطأ مكانا ال ترى فيه قدم نبيك ،فضع قدمك على قدمه إن أردت
أن تكون من أهل الدرجات العلى والشهود الكامل في المكانة الزلفى ،
وّللا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . وقد أبلغت لك في النصيحة كما أمرت ،ه
ص 432
432
ّللا ،ليس للعقل فيها حكم بوجه من الوجوه ،فإذا شرع الشارع ّللا ال تعلم إال من ه القربات إلى ه
القربات فهي على حد ما شرع ،وما منع من ذلك أن يكون قربة فليس للعقل أن يجعلها قربة ،
ع ِملُوا َو ُه ْم فِي
ف بِما َ ع ِم َل صا ِلحا ً فَأُولئِ َك لَ ُه ْم َجزا ُء ال ِ ه
ض ْع ِ لذلك قال تعالى «:إِ َّال َم ْن آ َمنَ َو َ
ت ِآمنُونَ » -إشارة -لم يحصل له أمان الغرفة ،إال من قنع في شربه بالغرفة ،فمن ْالغُ ُرفا ِ
اغترف نال الدرجات ،ومن شرب ليرتوي ع همر الدركات ،فما ارتوى من شرب ،وروي من
اغترف غرفة بيده وطرب .
-الوجه األول -اإلنفاق إهالك ،ومن أهلك شيئا فقد فقده ،وفي« يُ ْخ ِلفُهُ »قراءتان :بفتح الياء
ّللا يخلفه بهويته ،فإنه ما ينفق حتى يشهد العوض ، وضمها ،فبالفتح ما أنفقتم من شيء فإن ه
ّللا عنده ،فهو يخلفه ،
فهو إذا فقد الشيء لم يجده ،وإذا لم يجده وجد ه
ّللا ،وبالضم كما عاد الضمير على ّللا ِع ْن َدهُ )فحيث فنيت األسباب يوجد ه
وهو قوله َ (:و َج َد َّ َ
فاّلل مخلف ،ومن أيقن بالخلف الشيء من يخلفه ال يخلف إال مثله ال عينه ،فإذا أنفق اإلنسان ه
جاد باألعطية ،وحتى على قراءة الضم فإنه يفيد المعنى األول ،فأي سبب يكون للمنفق بعد
اإلنفاق يسد مسد ما أنفقه ،من أمر ظاهر أو باطن ،حتى اليقين أو االستغناء عن األمر الذي
كان يصل إليه بذلك الذي أنفقه في عين تحصيله لذلك الشيء ،فهو مجعول من هوية الحق ،
أو هوية الحق ،فانظر يا أخي كيف جعل هويته خلفا من نفقتك ،وإنك أحييت من تصدقت
ّللا به حياة أبدية ،ألنه إن لم يكن الحق حياتك فال حياة ،فإن قلت :لو كان ذلك عليه فأحياك ه
لنصب الياء ورفع الالم ،قلنا :الهوية عين الذات ،والهوية تخلف الشيء المتصدق به باسم
إلهي تكون به حياة ذلك المنفق ،وأسماؤه
ص 433
433
خرج مسلم
ليست غيره ،ولكن هكذا تقع العبارة عنها لما يعقل في ذلك من اختالف النسب ،ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :ما من يوم يصبح فيه في صحيحه عن أبي هريرة قال :قال رسول ه
العباد إال وملكان ينزالن يقول أحدهما :اللهم أعط منفقا خلفا ،ويقول اآلخر :اللهم أعط
ممسكا تلفا ] ومعنى ذلك الحديث أن الملك اآلخر الذي يقول :اللهم أعط ممسكا تلفا ،أي ما «
» 1أعطيت المنفق حتى يتلف ماله مثل صاحبه ،
فكأنه يقول :اللهم ارزق الممسك اإلنفاق حتى ينفق ،فإن كنت لم تقدهر في سابق علمك أن
ينفقه باختياره ،فاتلف ماله حتى تأجره فيه أجر المصاب فيصيب خيرا ،فإن المالئكة لسان
خير ،فال تدعو المالئكة بالشر على المؤمنين ،فهو دعاء خير بكل وجه -الوجه الثاني «-
َوما أ َ ْنفَ ْقت ُ ْم ِم ْن َ
ش ْيءٍ فَ ُه َو يُ ْخ ِلفُهُ »إن أنفق ليبتني مجدا في ألسنة الخلق فهو لما أنفق .
ص 434
434
ّللا في كونه ما أمرك ّللا ،إذا رأيت من فعل ه واح َدةٍ »وهي أن تقوم من أجل ه ظ ُك ْم ِب ِ " قُ ْل ِإنَّما أ َ ِع ُ
ّلل َمثْنى َوفُرادى »فقوله في القيام مثنى ، أن تقوم له فيه ،إما غيرة وإما تعظيما «أ َ ْن تَقُو ُموا ِ َّ ِ
ّللا ،فقمت هّلل بكتاب أو سنة ،ال تقوم عن باّلل ورسوله ،فإنه من أطاع الرسول قد أطاع ه ه
باّلل خاصة أو لرسوله خاصة ، هوى نفس وال غيرة طبيعية وال تعظيم كوني« َوفُرادى »إما ه
ّللا عليه وسلم [ :ال أرى أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول : كما قال صلهى ه
وّللا لمثل القرآن أو أكثر ] ي قرآنا ؛ إنه ه أتل به عل ه
ّللا فيه الروح ّللا عليه وسلم [ أو أكثر ] في رفع المنزلة ،فإن القرآن بينه وبين ه فقوله صلهى ه
ّللا إليه ،ومعلوم أن القرب في اإلسناد أعظم من البعد فيه ،ولو األمين ،والحديث من ه
بشخص واحد ينقص في الطريق ،فبهذا كان الحديث أكثر من القرآن ،وغايته أن يكون إذا
ّللا عليه وسلم إلى األكثرية إال واألمر ّللا صلهى ه نزل عن هذه الطبقة مثله ،وما عدل رسول ه
أكثر بال شك ،فال ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب أو السنة
وقد يكون قوله َ «:مثْنى »يريد به التعاون في القيام هّلل تعالى في ذلك األمر ،وصورة التعاون
أن الشرع في نفس األمر أنكر هذا الفعل ممن صدر عنه عليه ،فينبغي للعالم المؤمن أن يقوم
المشرع في ذلك فيعينه ،فيكون اثنان هو والشرع ،وفرادى أن يكون هذا المنكر ال يعلم ه مع
أنه معين للشرع في إنكاره ووعظه ،فيقول قد انفردت بهذا األمر ،وما هو إال معين للشرع
وللملك الذي يقول بلمته للفاعل ال تفعل ،إذ يقول له الشيطان بلمته افعل ،فيكون مع الملك
ّللا به أن ينهاه ّللا به أن ينهاه فيما كلفه ه مثنى ،فإن الملك مكلهف بأن ينهى العبد الذي قد ألزمه ه
عنه ،فيساعده اإلنسان على ذلك ،فيكون ممن قام هّلل في ذلك مثنى ،ويكون هذا الوعظ مع
ّللا عليه وسلم مثنى« ث ُ َّم تَتَفَ َّك ُروا ما ِب ِ
صاح ِب ُك ْم ِم ْن ِجنَّ ٍة ِ ،إ ْن ُه َو ِإ َّال نَذ ٌ
ِير ّللا صلهى ه وعظ رسول ه
شدِي ٍد »وال تكون الفكرة إال في دليل على صدقه أنه رسول من عند ه
ّللا ، ب َ عذا ٍ ي َ لَ ُك ْم بَيْنَ يَ َد ْ
وهذا يعني أنه يوصل إلى معرفة الرسول بالدليل .
[ سورة سبإ ( ) : 34آية ] 47
ش ِهي ٌد) ( 47 ش ْيءٍ َعلى ُك ِهل َّللا َو ُه َو َعلَى َّ ِ سأ َ ْلت ُ ُك ْم ِم ْن أ َ ْج ٍر فَ ُه َو لَ ُك ْم ِإ ْن أ َ ْج ِر َ
ي ِإالَّ َ قُ ْل ما َ
ص 435
435
سأ َ ْلت ُ ُك ْم ِم ْن أ َ ْج ٍر فَ ُه َو لَ ُك ْم » اآلية ]
[ "قُ ْل ما َ
ي ِإ َّال سأ َ ْلت ُ ُك ْم ِم ْن أ َ ْج ٍر »فيما بلغه عن ه
ّللا إليهم« فَ ُه َو لَ ُك ْم » « ِإ ْن أ َ ْج ِر َ -الوجه األول «-قُ ْل ما َ
ّللا »فإنه تعالى هو الذي استخدمه في التبليغ .واعلم أن أجر التبليغ على قدر ما ناله في علَى َّ ِ َ
البالغ من المشقة من المخالفين له من أمته التي بعث إليها ،ولما قاساه ،وال يعلم قدر ذلك من
ّللا تعالى له المنة على عباده بأن هداهم لإليمان برسله ،فوجب ّللا ،واعلم أن ه كل رسول إال ه
ّللا عليه وسلم عليه ّللا عنهم بأن جعل أجر رسوله صلهى ه ّللا وحالوة الرسول ،فيضمنها ه شكر ه
ّللا به ،وذلك على نوعين ،وضم في ذلك األجر ما يجب على المؤمنين من الحالوة لما هداهم ه
ّللا تعالى فضهل ّللا ،فإن ه :النوع الواحد على قدر معرفتهم بمنزلته ممن أرسله إليهم وهو ه
بعضهم على بعض ،والنوع الثاني على قدر ما جاء به في رسالته ،مما هو بشرى لصاحب
ّللا ،فما كان ينبغي أن يقابله به ذلك الرجل هو تلك الصفة التي من قامت به كان سعيدا عند ه
الذي يعطيه الحق ،فإن ساوى حال المؤمن قدر الرسالة كان ،وإن قصر حاله عما تقتضيه
ّللا يكرمه ،ال ينظر إلى جهل الجاهل بتعظيم قدرها ،فيوفيه تلك الرسالة من التعظيم فإن ه
الحق تعالى على قدر علمه فيها ،فانظر ما للرسول عليه السالم من األجور ،فأجر التبليغ
أجر استحقاق ،وأما من سأل من الصحابة عن أمر من األمور ،مما لم ينزل فيه قرآن ،فنزل
ّللا عنه فيه ، فيه قرآن من أجل سؤاله ،فإن للرسول على ذلك السائل أجر استحقاق ينوب ه
ّللا
ّللا ،وأما من رد رسالته من أمته التي بعث إليها فإن له عند ه زائدا على األجر الذي له من ه
ّللا أيضا على عدد من رد ذلك أيضا أجر المصيبة ،وللمصاب فيما يحب أجر ،فأجره على ه
من أمته ،بلغوا ما بلغوا ،وله من أجر المصاب أجر مصائب العصاة ،فإنه نوع من أنواع
الرزايا في حقه ،فإنه ما جاء بأمر يطلب العمل به ،إال والذي يترك العمل به قد عصى ،
ّللا الوفاء به لكل رسول -الوجه الثاني «- فللرسول أجر المصيبة والرزية ،وهذا كله على ه
ّللا عليه وسلم بفضيلة لم ّللا تعالى اختص محمدا صلهى ه سأ َ ْلت ُ ُك ْم ِم ْن أ َ ْج ٍر فَ ُه َو لَ ُك ْم »فإن ه
قُ ْل ما َ
ينلها غيره من الرسل ،
علَ ْي ِه ِم ْن أ َ ْج ٍر )
فإنه تعالى قال لكل رسول( قُ ْل ما أ َ ْسئَلُ ُك ْم َ
ّللا عليه وسلم إلى حكم الرسل قبله *وعاد فضل هذه الفضيلة على أمته ،ورجع حكمه صلهى ه
ّللا ،فأمره الحق أن يأخذ أجره الذي له على رسالته من أمته ،وهو أن في إبقاء أجره على ه
ّللا عليه وسلم أن يقول ألمته ( ال أ َ ْسئَلُ ُك ْم َ
علَ ْي ِه يوادوا قرابته ،فبعد أن قال تعالى لنبيه صلهى ه
أ َ ْجرا ً ) أي على تبليغ ما جئت به إليكم ( ِإ َّال ْال َم َو َّدة َ فِي ْالقُ ْربى )ولم يقل إنهه ليس له أجر على
ّللا وال إنهه
ه
ص 437
436
يسر به فقيل له بعد هذا :قل ألمتك ّللا ،وذلك ليجدد له النعم بتعريف ما ه بقي له أجر على ه
علَى َّ ِ
ّللا »فما أسقط سأ َ ْلت ُ ُك ْم ِم ْن أ َ ْج ٍر فَ ُه َو لَ ُك ْم ِإ ْن أ َ ْج ِر َ
ي ِإ َّال َ أمرا ما قاله رسول ألمته« قُ ْل ما َ
األجر عن أمته في مودتهم للقربى ،وإنما رد ذلك األجر بعد تعيينه عليهم ،فعاد ذلك األجر
ّللا عليه وسلم ،فيعود فضل المودة على أهل المودة ّللا صلهى ه عليهم الذي كان يستحقه رسول ه
ّللا .
ّللا عليه وسلم من األجر إال ه ّللا صلهى ه ،فما يدري أحد ما ألهل المودة في قرابة رسول ه
ص 437
437
ض ) إذ الفطرة هي ت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ ّللاُ نُ ُ
ور ال َّ ض »هو قوله تعالى َّ (: ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ فاط ِر ال َّ
ِ
النور الذي تشق به ظلمة الممكنات ويقع به الفصل بين الصور ،
فيقال :هذا ليس هذا ،إذ قد يقال :هذا عين هذا من حيث ما يقع به االشتراك ،والعالم كله
وّللا مظهرها .
سماء وأرض ليس غير ذلك ،وبالنور ظهرت ،ه
فهو نورها ،ففطر السماء واألرض به ،فبه تميزت األشياء وانفصلت وتعينت في ظهورها ،
فما تميزت األعيان في وجودها إال بالفطرة التي فصلت بين العين ووجودها ،وهو من أغمض
باّلل ،كشفه ما يتعلق به علم العلماء ه
س ًال " . . .اآلية -أجنحة المالئكة ] [ " جا ِع ِل ْال َمالئِ َك ِة ُر ُ
س ًال »المالئكة من المألكة وهي الرسالة« أُو ِلي أ َ ْجنِ َح ٍة عسير وزمانه يسير« جا ِع ِل ْال َمالئِ َك ِة ُر ُ
ق ما يَشا ُء »المالئكة أو لو أجنحة على طبقاتها في األجنحة ، ع يَ ِزي ُد فِي ْالخ َْل ِ َمثْنى َوث ُ َ
الث َو ُربا َ
فأعالهم أقلهم أجنحة ،وأقلهم أجنحة من له جناحان ،فمن المالئكة من له جناحان إلى ستمائة
جناح إلى ما فوق ذلك ،وأجنحة المالئكة للنزول ال للصعود ،وأجنحة األجسام العنصرية
للصعود ال للنزول ،ألن المالئكة تجري بطبعها الذي عليه صورة أجسامها إلى أفالكها التي
عنها كان وجودها ،فإذا نزلت إلى األرض نزلت طائرة بتلك األجنحة ،
وهي إذا رجعت إلى أفالكها ترجع بطبعها بحركة طبيعية وإن حركت أجنحتها ،حتى إنهها لو
لم تحرك أجنحتها لصعدت إلى مقرها ومقامها بذاتها ،وأجسام الطير العنصري يحرك جناحه
للصعود ،ولو ترك تحريك جناحه أو بسطه لنزل إلى األرض بطبعه ،
فما يبسط جناحه في النزول إال للوزن في النزول ،ألنه إن لم يزن في نزوله وبقي على طبعه
تأذى من نزوله لقوة حكم الطبع ،فحركة الجناح في النزول حركة حفظ .
ّللا تعالى ما جعل لألرواح أجنحة إال للمالئكة منهم ،ألنهم السفراء من حضرة األمر واعلم أن ه
إلى خلقه ،فال بد لهم من أسباب يكون لهم بها النزول والعروج ،فإن موضوع الحكمة يعطي
هذا ،فجعل لهم أجنحة على قدر مراتبهم في الذي يسرون به من حضرة الحق أو يعرجون
إليه من حضرة الخلق ،فهم بين الخلق واألمر يترددون ،
ولذلك قالوا َ (:وما نَتَن ََّز ُل ِإ َّال ِبأ َ ْم ِر َر ِبه َك ) فإذا نزلت هذه السفرة على القلوب فإن رأتها قلوبا
طاهرة قابلة للخير أعطتها من علم ما جاءت به على قدر ما يسعها استعدادها ،وإن رأتها
قلوبا دنسة ليس فيها خير نهتها عن البقاء على تلك الحال وأمرتها بالطهارة بما نص لها
ّللا ،وإن باّلل فبالعلم به مما يطلبه الفكر وجاء به الخبر النبوي عن ه الشارع ،إن كان في العلم ه
كان في األكوان فبعلم األحكام واعتقاداتها ،
ص 438
438
واعلم أنه ليس لمخلوق كسب وال تعمل في تحصيل مقام لم يخلق عليه ،بل قد وقع الفراغ من
ذلك ،فجميع األحوال اختصاص ،والكسب اختصاص ،
فإذا علمت هذا علمت أن المالئكة ما لها كسب بل هي مخلوقة في مقاماتها ال تتعداها ،فال
تكتسب مقاما وإن زادت علوما ولكن ليس عن فكر واستدالل ،
ألن نشأتهم ال تعطي ذلك مثل ما تعطيه نشأة اإلنسان ،
والقوى التي هم عليها المالئكة المعبر عنها باألجنحة ،وقد صح في الخبر أن جبريل له
ستمائة جناح ،فهذه القوى الروحانية ليس لها في كل ملك تصرف فيما فوق مقام صاحبها ،
مثل الطائر عندنا الذي يهوي سفال ويصعد علوا ،وأجنحة المالئكة إنما تنزل بها إلى من هو
دونها ؛ وليس لها قوة تصعد بها فوق مقامها ،
فإذا نزلت بها من مقامها إلى ما هو دونه رجعت علوا من ذلك الذي نزلت إليه إلى مقامها ال
تتعداه ،فما أعطيت األجنحة إال من أجل النزول كما أن الطائر ما أعطي الجناح إال من أجل
الصعود ،فإذا نزل نزل بطبعه وإذا عال عال بجناحه ،والملك على خالف ذلك ،
إذا نزل نزل بجناحه وإذا عال عال بطبعه ،وأجنحة المالئكة للنزول إلى ما دون مقامها
والطائر جناحه للعلو إلى ما فوق مقامه ،وذلك ليعرف كل موجود عجزه وأنه ال يتمكن له أن
ّللا إياها ،
يتصرف بأكثر من طاقته التي أعطاه ه
ّللا بالكمال في اإلطالق ،لذلك قال
فالكل تحت ذل الحصر والتقييد والعجز ،لينفرد جالل ه
ِير ». على ُك ِهل َ
ش ْيءٍ قَد ٌ تعالى مت همما« ِإ َّن َّ َ
ّللا َ
ص 439
439
[سورة فاطر ( : ) 35آية ] 3
ض ال ماء َو ْاأل َ ْر ِ
س ِ ّللا يَ ْر ُزقُ ُك ْم ِم َن ال ه ق َ
غ ْي ُر ه ِ علَ ْي ُك ْم َه ْل ِم ْن خا ِل ٍّللا َ
اذك ُُروا ِن ْع َمتَ ه ِاس ْ يا أَيُّ َها النه ُ
ُون ) ( 3 إِلهَ إِاله ُه َو فَأَنهى ت ُ ْؤفَك َ
ّللا خالق والعبد مخلوق ،ولما كان العابد في أصل كونه مفتقرا أجمع الرب والمربوب على أن ه
إلى سبب فلم يخرج عن حقيقته ،وسببه رزقه الذي به بقاء عينه ،فتخيله المحجوب في
األسباب الموضوعة ،وهو تخيل صحيح أنه في األسباب الموضوعة ،لكن بحكم الجعل ال
ماء »بما ينزل منها من أرزاق س ِ ّللا الذي يرزقكم« ِمنَ ال َّ بحكم ذاتها ،فجاعل كونها رزقا هو ه
ض »بما يخرج منها من أرزاق األجسام ،فهو الرزاق الذي بيده الرزق ، األرواح« َو ْاأل َ ْر ِ
ّللا يَ ْر ُزقُ ُك ْم ِمنَ
غي ُْر َّ ِ
ق َ علَ ْي ُك ْم ه َْل ِم ْن خا ِل ٍ
ّللا َ اس ا ْذ ُك ُروا نِ ْع َم َ
ت َّ ِ فقال تعالى منبها« يا أَيُّ َها النَّ ُ
ض ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو فَأَنَّى تُؤْ فَ ُكونَ » ماء َو ْاأل َ ْر ِ
س ِ ال َّ
[ توحيد العلة ]
فهذا هو التوحيد الخامس والعشرون في القرآن ،وهو توحيد العلة ،وهو من توحيد الهوية ،
لو لم يو هحد بالعلة كما يو هحد بغيرها لم يكن إلها ،ألن من شأن اإلله أن ال يخرج عنه وجود
ّللا
ّللا الحجب على بعض أبصار عباد ه شيء ،إذ لو خرج عنه لم يكن له حكم فيه ،فلما أرسل ه
ولم يدركوا إال مسمى الرزق ال مسمى الرزاق ،
قالوا هذا ،فقيل لهم ما هو هذا ،هو في هذا مجعول من الذي خلقكم ،فكما خلقكم هو رزقكم ،
فال تعدلوا به ما هو له ومنه ،فأنتم ومن اعتمدتم عليه سواء ،فال تعتمدوا على أمثالكم .
ص 440
440
ّللا يا مساكين ،فإنكم من طين خلقتم ،وأخاف أن تطبخ النار إليهم ،وهو يقول لهم :أطيعوا ه
هذه األواني فتردها ف هخارا ،فهل رأيتم قط آنية من طين تكون فخارا من غير أن تطبخها نار ؟
يا مساكين ال يغرنكم إبليس بكونه يدخل النار معكم ،
ّللا من نار ،ّللا يقول ( َأل َ ْم َأل َ َّن َج َهنَّ َم ِم ْن َك َو ِم َّم ْن تَبِعَ َك ِم ْن ُه ْم أ َ ْج َم ِعينَ ) إبليس خلقه ه
وتقولون :ه
فهو يرجع إلى أصله ،وأنتم من طين تتحكم النار في مفاصلكم ،يا مساكين انظروا إلى إشارة
الحق في خطابه إبليس بقوله َ (:أل َ ْم َأل َ َّن َج َهنَّ َم ِم ْن َك )وهنا وقف ،وال تقرأ ما بعدها ،
نار )فمن دخل بيته وجاء إلى ج ِم ْن ٍ مار ٍ ان ِم ْن ِ فقال له َ (:ج َهنَّ َم ِم ْن َك )وهو قوله َ (:خلَقَ ْال َج َّ
داره واجتمع بأهله ما هو مثل الغريب الوارد عليه ،فهو راجع إلى ما به افتخر ،قال (:أَنَا
نار ) *فسروره رجوعه إلى أصله ،وأنتم يا مناحيس تفتخر بالنار طينتكم َخي ٌْر ِم ْنهُ َخلَ ْقتَنِي ِم ْن ٍ
،فال تسمعوا من إبليس ،وال تطيعوا واهربوا إلى محل النور تسعدوا ،يا مساكين أنتم عمي
ما تبصرون الذي أبصره أنا.
ص 441
441
ض ُّل َم ْن يَشا ُء »أي يحيره في مثل هذا ،حيث وصفه عن نفسه ،ولذا قال تعالى «:فَإِ َّن َّ َ
ّللا يُ ِ
بالسيهئ والحسن ،فإن سوء العمل ما كان يتصف بالحسن بالرؤية حتى قبل العمل صفة الحسن
في وجه من الوجوه الوجودية ،
فهو سوء بالخبر حسن بالرؤية ،فكأن الرؤية ال تصدق الخبر ،وشاهد الرؤية أقطع ،والناس
يطلبون أن يصدهق الخبر الخبر والخبر الرؤية ،ولم نر أحدا يطلب أن يصدق الخبر الرؤية
كما يصدق الخبر الخبر ،وهنا كان موطن الحيرة ،
فإنه من المكر اإللهي الذي يعطي الحسن في السوء ،فقال تعالى َ «:ويَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء »أي
يوفق لإلصابة في معنى السوء والحسن لهذا العمل ما معناه ،وكيف ينبغي أن يأخذه ،فإذا
جاءت الزينة مهملة غير منسوبة فإنك ال تدري من زينها لك ،فانظر ذلك في موضع آخر
واتخذه دليال على ما انبهم عليك ،
مثل قوله ( :زَ يَّنَّا لَ ُه ْم أَعْمالَ ُه ْم )
ع َم ِل ِه »ولم يذكر من زينه ،فتستدل على من زينه من نفس سو ُء َ ومثل قوله «:أ َ فَ َم ْن ُز ِيهنَ لَهُ ُ
ّللا غير محرمة ،وزينة الشيطان محرمة ، العمل ،فزينة ه
وزينة الدنيا ذات وجهين:
وجه إلى اْلباحة والندب ووجه إلى التحريم ،فمن أراد أن يعتصم من التزيين فليقف عند
ظاهر الكتاب والسنة ،ال يزيد على الظاهر شيئا ،فإن التأويل قد يكون من التزيين ،فما
ّللا وآمن به ،فهذا متبع ليس للتزيين أعطاه الظاهر جرى عليه ،وما تشابه وكل علمه إلى ه
ض ُّل َم ْن يَشا ُء َويَ ْهدِي َم ْن يَشا ُء » ّللا« فَإِ َّن َّ َ
ّللا يُ ِ عليه سبيل ،وال يقوم عليه حجة عند ه
ت »أي سرا ٍعلَ ْي ِه ْم َح َ فهو الذي يرزق اإلصابة في النظر والذي يرزق الخطأ« فَال ت َ ْذهَبْ نَ ْف ُ
س َك َ
ّللا بسعادة الجميع ، فال تكترث لهم حسرة عليهم ،فهي بشرى من ه
ّللا عليه وسلم وبين إنسانيته ،فهو إنسان في كل حال ، فإنه ما حيل بينه صلهى ه
وال تزول الحسرات عنه -وهو إنسان كامل -إال باطالعه على سعادتهم في المآل ،فال يبالي
من العوارض ،فإن السوء للعمل عارض بال شك والحسن له ذاتي ،وكل عارض زائل وكل
ع ِلي ٌم »ّللا َذاتي باق ال يبرح« ِإ َّن َّ َ
صنَعُونَ » من كل ما يظهر فيكم من األعمال وعنكم ،وفي هذه أي خبير عن ابتالء« بِما يَ ْ
ّللا فيها عبده المؤمن الحجة إذا كان فطنا ،فإن ّللا ،يلقن ه اآلية لطيفة وسر خفي من لطف ه
المحب ما أحب إال ما هو جمال عنده ،ال بد من حكم ذلك ،
ففي هذه اآلية ما رأى العبد سوء عمله حسنا ،وإنما رأى الزينة التي زين له بها ،فإذا كان
يوم القيامة ورأى قبح العمل فر منه ،
فيقال له :هذا الذي كنت تحبه وتتعشق به وتهواه ،
فيقول المؤمن :لم يكن حين أحببته بهذه الصورة وال بهذه الحلية ،أين
ص 442
442
ي؟الزينة التي كانت عليه وحببته إل ه
ترد عليه ،فإني ما تعلقت إال بالزينة ال به ،لكن لما كان محلها كان حبي له بحكم التبع ،
ّللا سوءه حسنا ،ّللا :صدق عبدي لوال الزينة ما استحسنه ،فردوا عليه زينته ،فيبدل ه فيقول ه
ّللا سيئاتهم حسنات )
فيرجع حبه فيه إليه ويتعلق به ( أولئك الذين يبدل ه
ّللا تعالى
ّللا ،فإن ه
ّللا وال كالم المبلغ عن ه
فال ينبغي للمؤمن الكيس أن يهمل شيئا من كالم ه
ع ِن ْال َهوى )
يقول فيه( َوما يَ ْن ِط ُق َ
ّللا ما جاء به إال رحمة بالسامع ،وهو إن كان فطنا كان له ،وإن كان فإن كالم المبلغ عن ه
حمارا كان عليه
-نصيحة -إن اإلنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه ،وإذا صار عنه أجنبيا رآه ،
والنفس إذا التبست بشهوتها وغرضها ،وتعشقت بعلهتها ومرضها ،ال ترى سوى ما هي فيه ،
ولهذا تصطنعه وتصطفيه ،فانظر إلى ما يستقبحه الشرع فاجتنبه ،وإلى ما يستحسنه فبادر
إليه وامتثله ،وال يغرنك غدهار ،مدخول النصيحة غرار ،فعليك باتباع العلم ،واالستسالم
للشيخ فيما و هجه عليك من الحكم ،وطهارة النفس ،ومحاسن األخالق ،وجميل الوفاق
ص 443
443
ّللا من الكفر والسب ،وهي ّللا ،وفيه جميع ما قالت اليهود والنصارى في حق ه القربة إلى ه
كلمات كفر عاد وبالها على قائلها ،وبقيت الكلمات على بابها تتولى يوم القيامة عذاب
أصحابها أو نعيمهم
-الوجه الثاني -إن الكلمة إذا خرجت تجسدت في صورة ما هي عليه من طيب وخبث ،
فالخبيث يبقى فيما تجسد فيه ما له من صعود ،والطيب من الكلم إذا ظهرت صورته وتشكلت
ّللا من عمله براقا - ،فإن كانت الكلمة الطيبة تقتضي عمال وعمل صاحبها بذلك العمل ،أنشأ ه
ّللا صعود رفعة يتميز بها عن الكلم أي مركوبا -لهذه الكلمة ،فيصعد به هذا العمل إلى ه
صا ِل ُح يَ ْرفَعُهُ »أي األعمال تظهر في صورة مراكب الخبيث ،فقوله تعالى َ «:و ْالعَ َم ُل ال َّ
لألرواح الطيبة ،فهو براق الكلم الطيب الذي يسري به إليه تعالى وينزل به عليه ،فإن كانت
األعمال صالحة صعدت ورفعت الروح الطيبة إلى درجاتها حيث كانت من عليين -إشارة -
ب" صعَ ُد ْال َك ِل ُم َّ
الط ِيه ُ ما ث هم إال عبد ورب ،فإليه تصعد وإليك ينزل كما قال ِ ":إلَ ْي ِه يَ ْ
وقال [ :ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ] .
ص 444
444
البياض ،وهو بمنزلة النور الذي يكشف به .
ص 445
445
ّللا إلى الناس لعلمهقد تسمى بكل ما يفتقر إليه في الحقيقة ،ودليلهم هذه اآلية ،وهي تنبيه من ه
ّللا عين فهمه في القرآن وعلم أنه الصدق ّللا ،فمن فتح هبفقرهم إليه ،فإن أحدا ما افتقر إال إلى ه
والحق الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ،علم أن األسباب التي يفتقر إليها
ّللا في هذه اآلية بكل ّللا تعالى ،وقد تسمى ه
اإلنسان إنما هي صور تجل حجبت الخالئق عن ه
ّللا تعالى ،
ما يفتقر إليه ،فكل ما يفتقر إليه فهو اسم ه
إذ ال فقر إال إليه ،وإن لم يطلق عليه لفظ من ذلك فنحن إنما نعتبر المعاني التي تفيد العلوم ،
ّللا ،فما اقتصر عليه من األلفاظ في اإلطالق وأما التحجير في اإلطالق عليه سبحانه فذلك إلى ه
اقتصرنا عليه ،فإنا ال نسميه إال بما سمى به نفسه ،
ّللا ،فالحق تعالى يقبل صفات الخلق ال أسماءه بالتفصيل ، وما منع من ذلك منعناه أدبا مع ه
ولكن يقبلها باإلجمال ،وكونه ال يقبل أسماء العالم بالتفصيل ،أعني بذلك أسماء األعالم ،وما
عدا األسماء األعالم فيقبلها الحق على التفصيل ،
فإن الحق ما له اسم علم ال يدل على معنى سوى ذاته ،فكل أسمائه مشتقة تنزلت له منزلة
األعالم ،وتدل هذه اآلية على سر االقتدار اإللهي في كل شيء ،فال شيء ينفع إال به ،وال
يضر إال به ،وال ينطق إال به ،وال يتحرك إال به ،وحجب العالم بالصور فنسبوا كل ذلك إلى
ّللا حق وهو خبر ،أنفسهم وإلى األشياء ،وكالم ه
ّللا ،فإن في فطرة كل إنسان افتقارا
ومثل هذه األخبار ال يدخلها النسخ ،فال فقر إال إلى ه
ّللا ،
لموجود يستند إليه وهو ه
ّللا ال غيره ،وفي هذه اآليةفيقول الحق للناس :ذلك االفتقار الذي تجدونه في أنفسكم متعلقه ه
تسمى الحق لنا باسم كل ما يفتقر إليه غيرة منه أن يفتقر إلى غيره ،وكان في هذا الخطاب
هجاء للناس ،حيث لم يعرفوا ذلك إال بعد التعريف اإللهي في الخطاب الشرعي على ألسنة
الرسل عليهم السالم ،ومع هذا أنكر ذلك خلق كثير ،وخصوه بأمور معينة يفتقر إليه فيها ،ال
في كل األمور من اللوازم التابعة للوجود ،التي تعرض مع اآلنات للخلق ،
وكان ينبغي لنا لو كنا متحققين بفهم هذه اآلية أن نبكي بدل الدموع دما ،حيث جهلنا هذا األمر
من نفوسنا إلى أن وقع به التعريف اإللهي ،فكيف حال من أنكره وتأوله وخصصه ؟
فإن اإلنسان وإن كان في نفس األمر عبدا ،ويجد في نفسه ما هو عليه من العجز والضعف ،
واالفتقار إلى أدنى األشياء ،والتألم من قرصة البرغوث ،
ويعرف هذا كله من نفسه ذوقا ،ومع هذا فإنه يظهر بالرئاسة والتقدم ،وكلما تمكن من التأثير
في غيره فإنه يؤثر ،ويجد
ص 446
446
ّللا على صورته ،وله تعالى العزة والكبرياء في نفسه طلب ذلك كله وحبه ذلك ،ألنه خلقه ه
والعظمة ،فسرت هذه األحكام في العبد ،فإنها أحكام تتبع الصورة التي خلق عليها اإلنسان
ّللا هم الذين لم يصرفهم خلقهم على الصورة عن الفقر والذلة والعبودية ، وتستلزمها ،فرجال ه
وإذا وجدوا هذا األمر الذي اقتضاه خلقهم على الصورة وال بد ،ظهروا به في المواطن التي
عيهن لهم الحق أن يظهروا بذلك فيها ،
المقرب ال يبقي له القرب والجلوس مع الحق والتحدث معه اسما إلهيا من األسماء المؤثرة ه فإن
في العالم وال من أسماء التنزيه ،وإنما يدخل عليه بالذلة لشهود ه
عزه ،وبالفقر لشهود غناه ،
ي» ّللاُ ُه َو ْالغَنِ ُّ
وبالتهيؤ لنفوذ قدرته« َو َّ
باّلل ]
[ بحث في الغنى ه
ي عليه بهذه الصفة ،فكان االسم-الوجه األول -هو الغني عنكم ،فالغنى هّلل ،وهو المثن ه
ّللا الغني
الغني هّلل ،واإلنسان فقير ،وفقره ال يكون إال إلى ه
ّللا تعالى ال يعلم بالدليل أبدا ،لكن يعلم أنه موجود ي »اعلم أن ه ّللاُ ُه َو ْالغَنِ ُّ
-الوجه الثاني َ «-و َّ
ّللا تعالى وبين خلقه
،وأن العالم مفتقر إليه افتقارا ذاتيا ال محيص عنه البتة ،إذ ال مناسبة بين ه
من جهة المناسبة التي بين األشياء ،وهي مناسبة الجنس أو النوع أو الشخص ،
فليس لنا علم متقدم بشيء فندرك به ذات الحق لما بينهما من المناسبة ،فليس بين الباري
والعالم مناسبة فيعلم بعلم سابق بغيره أبدا ،كما يزعم بعضهم من استدالل الشاهد على الغائب
بالعلم واإلرادة والكالم وغير ذلك ،
ثم يقدسه بعد ما قد حمله على نفسه وقاسه بها« ْال َح ِمي ُد »يعني بأسمائه ،وجاء بالحميد على
وزن فعيل ،فع هم اسم الفاعل بالداللة الوضعية واسم المفعول ،فهو الحامد المحمود ،وإليه
ترجع عواقب الثناء كلها ،وما يثنى عليه إال بنا من حيث وجودنا ،فهو المثنى عليه بكل ما
يفتقر إليه ،
فمن كونه محمودا وهو قول [ :الحمد هّلل ] ال لغيره ،فإنه ما في العالم لفظ ال يدل على ثناء
ّللا أو علىّللا ،فإنه ال يخلو أن يثني المثني على ه البتة ،أعني ثناء جميال ،وأن مرجعه إلى ه
ّللا فما يحمده إال بما يكون فيه
ّللا فحمد من هو أهل الحمد ،وإذا حمد غير ه ّللا ،فإذا حمد ه
غير ه
ّللا إياها وأوجده عليها ،إما في جبلته أو في من نعوت المحامد ،وتلك النعوت مما منحه ه
ّللا ،
تخلقه فتكون مكتسبة له ،وعلى كل وجه فهي من ه
فكان الحق معدن كل خير وجميل ،فرجع عاقبة الثناء على المخلوق بتلك المحامد على من
ّللا ،وما من لفظ يكون له وجه إلى مذموم إال وفيه وجه إلى ّللا ،فال محمود إال ه أوجدها وهو ه
ّللا ،ومن حيث ما هو مذموم ال حكم له ،ألن محمود ،فهو من حيث أنه محمود يرجع إلى ه
مستند
ص 447
447
الذم عدم ،فال يجد متعلقا ،فيذهب ويبقى الحمد لمن هو له ،فال يبقى لهذا اللفظ المعيهن إال
وجه الحمد عند الكشف ،ويذهب عنه وجه الذم ،أي ينكشف له أن ال وجه للذم ،
عز وجل ، ّللا ه فعادت عواقب الثناء إلى ه
فاّلل هو الغني الذي ال يفتقر ،الحميد
وأما من كونه حامدا فمن حيث أنه حمد نفسه بنفسه ،ه
الذي ترجع إليه عواقب الثناء من الحامد والمحمود .ومبدأ الحمد غنى الحق عن العالمين ،
وقدهم الفقر على الغنى في اللفظ ،ألن مبدأ الحمد من الخلق هو االفتقار إلى الحق تعالى ،
وغنى الحق مقدهم في المعنى على فقر الخلق إليه ،فإن الغنى عن الخلق هّلل أزال ،
ّللا من حيث غناه أزال ،واعلم أن الحمد هّلل تمأل الميزان ، والفقر للممكن في حال عدمه إلى ه
ّللا وحمد هّلل ،فما مأل الميزان إال الحمد ، ألنه كل ما في الميزان فهو ثناء على ه
فالتسبيح حمد وكذلك التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم والتوقير والتعزيز ،وأمثال ذلك كله
حمد ،فالحمد هّلل هو العام الذي ال أعم منه ،وكل ذكر فهو جزء منه ،والحمد على ثالثة
أنحاء في التمام والكمال ،وأتمها واحد منها ،
وذلك حمد الحامد نفسه يتطرق إليه االحتمال ،فال يكون له ذلك الكمال ،فيحتاج إلى قرينة
حال وعلم يصدق الحامد فيما حمد به نفسه ،فإنه قد يصف واصف نفسه بما ليس هو عليه ،
وكذلك حكمه إذا حمده غيره يتطرق أيضا إليه االحتمال ،
حتى يستكشف عن ذلك ،فينقص عن درجة اإلبانة والتحقيق ،والحمد الثالث حمد الحمد ،وما
في المحامد أصدق منه ،فإنه عين قيام الصفة به ،فال محمود إال من حمده الحمد ،ال من حمد
نفسه وال من حمده غيره ،فإذا كان عين الصفة عين الموصوف عين الواصف كان الحمد
ّللا ،عين الحامد والمحمود ،وليس إال ه
باّلل -يرى البعض فهو عين حمده سواء أضيف ذلك الحمد إليه أو إلى غيره -بحث في الغنى ه
ّللا
باّلل تعالى من أعظم المراتب ،وحجبهم ذلك عن التحقيق بالتنبيه على الفقر إلى ه أن الغنى ه
باّلل بحكم التضمين ،لمحبتهم في الغنى الذي هو الذي هو صفتهم الحقيقية ،فجعلوها في الغنى ه
خروج عن صفتهم ،والرجل إنما هو من عرف قدره ،وتحقق بصفته ولم يخرج عن موطنه ،
وأبقى على نفسه خلعة ربه ولقبه واسمه الذي لقبه به وسماه ،
ي ْال َح ِمي ُد ".
ّللاُ ُه َو ْالغَنِ ُّ فقال " :أ َ ْنت ُ ُم ْالفُقَرا ُء إِلَى َّ ِ
ّللا َو َّ
باّلل عما سواه ،وليس ذلك عندنا مقاما محمودا ،فإن وكان غاية الغنى في العبد أن يستغني ه
في ذلك قدرا لما سوى الحق ،وتميزا عن نفسه ،فلرعونة النفس وجهالتها أرادت أن تشارك
باّلل ،وتتصف ربها في اسم الغني ،فرأت أن تتسمى بالغني ه
ص 448
448
به حتى ينطلق عليها اسم الغني ،وتخرج عن اسم الفقير ،وهذا من غوائل النفوس المبطونة
ّللا أنه عبد كهو ال فرق ،ويرى أن فيها ،وصاحب مقام العبودة يسري ذوقه في كل ما سوى ه
ّللا
ّللا محل جريان تعريفات الحق له ،فيفتقر إلى كل شيء فإنه ما يفتقر إال إلى ه كل ما سوى ه
ّللا الناس على يديه فهو عن ذلك في نفسه ،وال يرى أن شيئا يفتقر إليه في نفسه ،وإن أفاد ه
ّللا ،غير أنه ال يطلقهبمعزل ،ويرى أن كل اسم تسمى به شيء مما يعطيه فائدة أن ذلك اسم ه
ّللا العالم على قدم واحدة إال في شيء واحد وهو عليه حكما شرعيا وأدبا إلهيا ،فما خلق ه
االفتقار ،فالفقر له ذاتي والغنى له أمر عرضي ،فالعبد له الفقر المطلق إلى سيده ،
والحق له الغنى المطلق عن العالم ،فالعالم المحقق ال يزال األمر الذاتي من كل شيء ومن
نفسه مشهودا له دائما دنيا وآخرة ،فال يزال عبدا فقيرا تحت أمر سيده ،ال يستغني عن ربه ،
ّللا ،
فإن الحقيقة تأبى أن يفتقر إلى غير ه
ّللا على اإلطالق ،والفقر حاصل منهم ،فعلمنا أن الحق قد ّللا أن الناس فقراء إلى ه وقد أخبر ه
ظهر في صورة كل ما يفتقر إليه فيه ،والفقير من يتناول األسباب على أوضاعها الحكمية ال
يخل بشيء منها ،وهو الذي يفتقر إلى كل شيء وإلى نفسه وال يفتقر إليه شيء ،وهو العبد
اس » ّللا يقول من باب الغيرة اإللهية « يا أَيُّ َها النَّ ُ المحض عند المحققين فإن ه
ّللا »فكنهى عن نفسه في هذه اآلية بكل ما يفتقر وما خص مؤمنا وال غيره« أ َ ْنت ُ ُم ْالفُقَرا ُء ِإلَى َّ ِ
إليه ،أي فما افتقرتم إليه من األشياء هو لنا وبأيدينا ،
وما هو لنا ال يطلب إال منا ،فإلينا االفتقار ال إليه ،إذ هو غير مستقل إال بنا ،فما افتقر فقير
ّللا ال تظهر
ّللا ،عرف ذلك الشخص أو لم يعرفه ،وهذا الفقير المتحقق بفقره إلى ه إال إلى ه
ّللا ،فيفتقر إليه من ذلك الوجه فصح له مطلق الفقر ،فإن الذلة باّلل وال بغير ه عليه صفة غنى ه
ّللا تعالى واعتمد
واالفتقار ال تكون من الكون إال هّلل تعالى ،فكل من تذلل وافتقر إلى غير ه
عليه وسكن في كل أمره إليه فهو عابد وثن ،والمفتقر إليه يسمى وثنا ،ويسميه المفتقر إلها«
ي ْال َح ِمي ُد »أي المثنى عليه بصفة الغني عن العالم . ّللاُ ُه َو ْالغَنِ ُّ
َو َّ
ص 449
449
[سورة فاطر ( : ) 35آية ]16
ق َجدِي ٍد ( ) 16 ِإ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم َويَأ ْ ِ
ت ِب َخ ْل ٍ
ق َجدِي ٍد »إيجاد المعدوم ،فإن له االقتدار « إِ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم »إعدام الموجود« َويَأ ْ ِ
ت بِخ َْل ٍ
وّللا
واالقتدار ال يكون عنه إال الوجود ،فأبى االقتدار إال الوجود ،وعلق اإلرادة باإلعدام ،ه
تعالى ال يعدم األشياء القائمة بأنفسها بعد وجودها ،وال يتصف بإعدام أحوالها وال أعراضها
ّللا عليها بعد وجودها ،وإنما األشياء تكون على أحوال ،فتزول تلك األحوال عنها فيخلع ه
أحواال غيرها ،أمثاال كانت أو أضدادا ،مع جواز إعدام األشياء بمسكه اإلمداد بما به بقاء
تأعيانها ،لكن قضى القضية أن ال يكون األمر إال هكذا ،ولذلك قال «:إِ ْن يَشَأ ْ يُ ْذ ِه ْب ُك ْم َويَأ ْ ِ
ق َجدِي ٍد »ولكن ما فعل . بِخ َْل ٍ
ص 450
450
المخالفة وال نور الموافقة .
ص 451
451
ِير »أي يقوم بسياستها لبقاء المصلحة في حقها ،سواء كان في فطرتهم ،أما قوله تعالى «:نَذ ٌ
ذلك الشرع إلهيا أو سياسيا ،على كل حال تقع المصلحة به ،في القرن الذي يظهر فيه ،وذلك
ّللا ال بوحي نزل عليه يعلم به
ّللا وإرادته ،أو نذير بإرادة ه
بالنسبة للبشر ،فهو إما نذير بأمر ه
ّللا ،فما من طائفة إال وهي تحت ناموس شرعي حكمي أو وضع حكمي ،فال أنه من عند ه
تخلو أمة من مخالفة تقع منها لناموسها كان ما كان ،فقد عمت النواميس جميع األمم.
ص 452
452
األمر فيه وراجع إليه ،فليحذر أن يقول :إنه في الكون الخارج ال محالة ،فيثبت عند
المحققين محاله ،ومن لم يفرق بين نفسه وغيره ،فال يميز بين شره وخيره ،فهذا سبب وضع
الشرع ،الموافق للعقل والطبع .
إن الزرقة التي ننسبها إلى السماء ونصفها بها فتلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في
اإلدراك البصري ،كما ترى الجبال إذا بعدت عنك زرقا ،وليس الزرقة إال لبعدها عن نظر
العين ،كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود ،فإذا جئته قد ال يكون كما أبصرته ،فإن
األلوان على قسمين :لون يقوم بجسم المتلون ،ولون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم ألمر
عارض يقوم بين الرائي والمرئي ،مثل هذا ومثل األلوان التي تحدث في المتلون باللون
الحقيقي ،لهيئات تطرأ فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه .
ص 453
453
امتناعه ،فهو الذي يخاف ويرجى ويسأل ويجيب إن شاء وإن شاء ،فهو عزيز عن أن
يتصف بالخوف والرجاء وعن مثل هذا ،وهو أيضا عزيز أي يمتنع أن يؤثر فيه أمر يحول
ور »بما ستر ،وجاء ببنية المبالغة في غف ُ ٌبينه وبين عموم مغفرته على عباده ،ولذلك قال« َ
ّللا وأسراره
الغفران بعمومها ،فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم ،فإنه لما كانت علوم ه
الراجعة إليه تعالى وإلى أسمائه وإلى العالم قد سترها عن الخلق كلهم بالمجموع ،فال يعلم
المجموع وال واحد من الخلق ،لكن له العلم باآلحاد ،فعند واحد ما ليس عند اآلخر ،فهو
بالمجموع حاصل ال حاصل ،فهو حاصل عند المجموع غير حاصل عند واحد ،فعند واحد
غف ُ ٌ
ور ». ع ِز ٌ
يز َ باّلل ما ليس عند اآلخر ،فلذلك قال «:إِ َّن َّ َ
ّللا َ من العلم ه
ص 454
454
المقام العالي ] ،ومنها أن تخفي كونها صدقة فال يعلم المتصدق عليه أنه بين يدي المتصدق ،
ّللا عنه عن النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم قال [ :سبعة خرج البخاري عن أبي هريرة رضي ه
ّللا ،ورجل
ّللا في ظله يوم ال ظل إال ظله ،إمام عادل وشاب نشأ في ( طاعة ) عبادة ه
يظلهم ه
ّللا اجتمعا عليه وتفرقا عليه ،ورجل دعته امرأة
قلبه متعلق بالمساجد ،ورجالن تحابا في ه
ّللا ،ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ،حتى ال تعلم شماله ذات منصب وجمال فقال :إني أخاف ه
ّللا خاليا ففاضت عيناه ]
ما تنفق يمينه ،ورجل ذكر ه
والكامل من الناس يعلن في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه اإلعالن ،ويسر
بها في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق يرجح فيه اإلسرار .
ص 455
455
الوجود هّلل ،فما عنده سوى تنزيه مجرد ،فإذا عقد عليه ،فكل ما أتاه من ربه فخالف عقده ،
ّللا به عصمه قبل فإنه يرده ويقدح في الداللة التي تعضد ما جاءه من عند ربه ،فمن اعتنى ه
اصطفائه من علوم النظر ،واصطنعه لنفسه وحال بينه وبين طلب العلوم النظرية ،ورزقه
ّللا عليه وسلم ،هذا في هذه ّللا صلهى ه
ّللا على لسان رسول ه باّلل وبما جاء من عند ه اإليمان ه
األمة التي عمت دعوة رسولها ،وإن سعد صاحب النظر العقلي فإنه ال يكون أبدا في مرتبة
باّلل إال من حيث إيمانه وتقواه ،وهذا هو وارث األنبياء في هذه الساذج الذي لم يكن عنده علم ه
الصفة ،فهو معهم وفي درجتهم هذه ،فالمصطفى هو الولي ،
ثم قال في المصطفين «:فَ ِم ْن ُه ْم ظا ِل ٌم ِلنَ ْف ِس ِه »ومن ظلم لنفسه حمل األمانة« فَ ِم ْن ُه ْم ظا ِل ٌم ِلنَ ْف ِس ِه
»
وهو آدم ومن كان بهذه المثابة .واعلم أن للنفس حقا فإذا جني عليها وعفوت فأنت الظالم
المصطفى ،
ّللا ،ومنهم ظالم وهو األول من الثالثة ،لم يأخذ لها حقها ممن ظلمها ،وعاد أجرها على ه
ي في الدنيا نؤخره لك لنفسه ،وهو أن يمنعها حقها من أجلها ،أي الحق الذي لك يا نفسي عل ه
إلى اآلخرة ،وبادر هنا إلى الكد واالجتهاد وأخذ بالعزائم ،واجتنب الميل إلى الرخص ،وهذا
كله حق لها ،فهو ظالم لنفسه نفسه من أجل نفسه ،
ولهذا قال فيمن اصطفاهم« فَ ِم ْن ُه ْم ظا ِل ٌم ِلنَ ْف ِس ِه »أي من أجل نفسه ليسعدها ،فما ظلمها إال لها ،
فمن ورثة الكتاب الظالم لنفسه بما يجهدها عليه ،فهو يظلم نفسه فيما لها من الحق لنفسه ،فهو
في الوقت صاحب عذاب وألم ال يريد دفعه عنه ،ألنه استعذبه وهان عليه حمله في جنب ما
يطلبه ،فإنه يطلب سعادته ،وهو ظالم لنفسه أي من أجل نفسه بأنه ال يوفيها حقها ،لنزوله
في العلم عن رتبة من يعلم أن حقائقه التي هو عليها ال تتداخل ،
ّللا
وال تتعدى كل حقيقة مرتبتها ،وال تقبل إال ما يليق بها ،فإن اإلنسان مجموع أمور أنشأه ه
عليها ،طبيعية وروحانية وإلهية ،فال تقبل العين إال السهر والنوم وما يختص بها ،وال تقبل
من الثواب إال المشاهدة والرؤية ،واألذن ال تقبل في الثواب إال الخطاب ،إذ ليس الشهود
للسمع ،
والكامل يسعى لقواه على قدر ما تطلبه ،وهو إمام ناصح لرعيته ليس بغاش لها ،
فإن ظلمها فإنما يظلمها لها في زعمه ،
ّللا أبي الدرداء في حالهما ، وذلك لجهله بما علم غيره من ذلك ،كسلمان الفارسي وأخيه في ه
ّللا عليه وسلم سلمان ،فإنه كان يعطي كل ذي حق حقه ،فيصوم ّللا صلهى ه
فرجح رسول ه
ويفطر ،ويقوم وينام ،وكان أبو الدرداء مع كونه مصطفى ظالما لنفسه ،يصوم فال يفطر ،
ويقوم فال ينام ،هذا هو
ص 456
456
ّللا فقد ظلم ّللا ،ال ظلم يتعدى الحدود اإللهية ،فإن من يتعدى حدود ه ظلم المصطفين من عباد ه
ّللا ،فهو يظلم لها ال يظلمها ،فيعطى كل ذي حق نفسه ،وأما الظالم لنفسه فلعلمه بقدرها عند ه
حقه إال الحق ،فإنه ال يعطيه كل حقه ،بل يعطيه من حقه تعالى ما يسمى به أديبا ،وما ال
يسمى به أديبا يظلمه فيه من أجل نفسه ،حتى يلحق برتبة األنبياء ،فمثل هذا الظلم من الفضل
اإللهي على عبده ،فمن كان مشهده هذا سمي ظالما لنفسه مع أنه مصطفى ،وما أوقفه على
ص ٌد »وهو الذي اقتصد في كل موطن على ذلك إال علمه بالكتاب ،فهو يحكم به َ «،و ِم ْن ُه ْم ُم ْقت َ ِ
ّللا السابقون إلى الخيرات على طريق ما يقتضيه حكم الموطن ال بحكم نفسه ،وهم أهل ه
االقتصاد من إعطاء كل ذي حق حقه ،فمشهد الظالم ما يجب للحق فال ينسبه إليه ،ومشهد
المقتصد المواطن وما تستحق ،فالظالم يدخل في حكم المقتصد ،ولهذا كان المقتصد وسطا ،
ألنه على حقيقة ليست للطرفين ،وفيه حكم الطرفين ،ما يحتاج إليه أو يندرج فيه« َو ِم ْن ُه ْم
ت »وأما السابق بالخيرات فهو الذي يتهيأ لحكم المواطن قبل قدومها عليه ، سا ِب ٌق ِب ْال َخيْرا ِ
وتجتمع هذه األحوال في الشخص الواحد ،فيكون ظالما مقتصدا سابقا بالخيرات« ِبإِ ْذ ِن َّ ِ
ّللا
ير »الضمير من« ُه َو »يعود على السبق الذي ض ُل ْال َك ِب ُ
ّللا« ذ ِل َك ُه َو ْالفَ ْ
»أي كل ذلك بأمر ه
يدل عليه اسم الفاعل ،فالمصطفون عند أولي األلباب ،ثالثة بنص الكتاب ،ظالم لنفسه في
أبناء جنسه ،والثاني مقتصد وعليه المعتمد ،فإنه حكيم الوقت بعيد عن المقت ،والثالث سابق
بالخيرات إلى الخيرات ،وهو الساعي صاحب السمع الواعي ،وأما المقتصد فما زاد على
زاده على قدر اجتهاده ،وأما الظالم فهو المحكوم عليه للحاكم ،فمن ظلم ما حكم ،ومن
اقتصد ما اعتضد ،وقنع واكتفى ،ومن سبق حاز األمر وظفر ،والكتاب قد شمل الجميع ،
وإن كان فيهم األرفع والرفيع ،فالكل وارث فإنه حارث ،وأصحاب السهام متفاضلون ،فمنهم
المقلون ومنهم المكثرون ،فما تميز الرجال إال باألحوال في األعمال ،فكن من شئت من
ّللا عليه وسلم [ العلماء ّللا صلهى ه
هؤالء ،وهؤالء الثالثة هم الورثة الذين قال فيهم رسول ه
ّللا عليه وسلم علما وعمال وحاال ، ّللا صلهى هورثة األنبياء ] والوارث الكامل من ورث رسول ه
فقوله تعالى في الوارث المصطفى إنه ظالم لنفسه يريد حال أبي الدرداء وأمثاله من الرجال ،
الذين ظلموا أنفسهم ألنفسهم ،أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في اآلخرة ،وذلك أن رسول
ّللا عليه وسلم قال [ :إن لنفسك عليك حقا ،ولعينك عليك حقا ] ّللا صلهى ه ه
ص 457
457
فإذا صام اإلنسان دائما وسهر ليله ولم ينم ،فقد ظلم نفسه في حقها وعينه في حقها ،
وذلك الظلم لها من أجلها ،ولهذا قال " :ظا ِل ٌم ِلنَ ْف ِس ِه " فإنه أراد بها العزائم وارتكاب األشد ،
سنة باألمرين ألجل الضعفاء ، لما عرف منها ومن جنوحها إلى الرخص والبطالة ،وجاءت ال ه
ّللا تعالى بقوله «:ظا ِل ٌم ِلنَ ْف ِس ِه » الظلم المذموم في الشرع ،فإن ذلك ليس بمصطفى ، فلم يرد ه
وأما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد ،وهو الذي يعطي نفسه حقها من راحة
الدنيا ،ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها ،في قيامه بين الراحة وأعمال البر
،وهو حال بين حالين ،بين العزيمة والرخصة ،ففي قيام الليل يسمى المقتصد متهجدا ،ألنه
يقوم وينام ،وعلى مثل هذا تجري أفعاله ،وأما السابق بالخيرات وهو المبادر إلى األمر قبل
دخول وقته ليكون على أهبة واستعداد ،وإذا دخل الوقت كان متهيأ ألداء فرض الوقت ،ال
يمنعه من ذلك مانع ،كالمتوضئ قبل دخول الوقت ،والجالس في المسجد قبل دخول وقت
الصالة ،فإذا دخل الوقت كان على طهارة وفي المسجد ،فيسابق إلى أداء فرضه وهي
الصالة ،وكذلك إن كان له مال أخرج زكاته وعيهنها ليلة فراغ الحول ،ودفعها لربها في أول
ساعة من الحول الثاني للعامل الذي يكون عليها ،وكذلك في جميع أفعال البر كلها يبادر إليها
ّللا عليه وسلم لبالل [ :بم سبقتني إلى الجنة ؟ ] فقال :بالل ما أحدثت ،كما قال النبي صلهى ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم :بهما قط إال توضأت ،وال توضأت إال صليت ركعتين ،فقال رسول ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم بين ] فهذا وأمثاله من السابق بالخيرات ،وهو كان حال رسول ه
المشركين في شبابه وحداثة سنه ،ولم يكن مكلهفا بشرع ،فانقطع إلى ربه وتحنث وسابق إلى
ّللا الرسالة . الخيرات ومكارم األخالق ،حتى أعطاه ه
القلب بيت وإن العلم يسكنه *** بالعلم يحيى فال تطلب سوى العلم
ما ثم علم يكون الحق يمنحه *** إال الكتاب لمن قد خص بالفهم
فيه فتبدو علوم كلها عجب *** لكل قلب سليم حائز الحكم
أو سابق أو إمام ظل مقتصدا *** يرجو النجاة فما ينفك عن وهم
إن النجاة لتأتي القوم طائعة *** وتأت قوما إذا جاءت على الرغم
[ إشارة :صح لنا ورث الكتاب ألنه أعطاه لنا من غير اكتساب ]
-إشارة -قال النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ العلماء ورثة األنبياء ]
وقال [ علماء هذه األمة أنبياء سائر
ص 458
458
األمم ] .
الولي يخرج بصورة النبي ،ال ينسخ شريعة ،وال يثبت أخرى ،وال يسأل على تعليمه أجرا
،وإنما صح لنا ورث الكتاب ،لكونه أعطاه لنا من غير اكتساب ،وكل وارث مصطفى ،
ومن سواه على شفا ،وإنما ألحق الوارث منا بالنبي السالف ،ألنه لإللقاء النبوي ذائق ولمقامه
العلي كاشف ،فهي موهوبة ومكسوبة ،وطالبة ومطلوبة .
ص 459
459
ض »وهي محل الخفض ،إذ الخفض ال يليق بالجناب " ُه َو الَّذِي َجعَلَ ُك ْم خَال ِئ َ
ف ِفي ْاأل َ ْر ِ
العالي ،فلهذا أقام له نائبا فيه ليعلم أنه عبد ،فمن الخالفة ثبت أنه عبد فقير ،ما له قوة من
استخلفه ،بل الخالفة خلعت عليه ،يزيلها متى شاء ويجعلها على غيره ،ولو استخلف
اإلنسان في السماء مع وجوده على الصورة لم يشاهد عبوديته في رفعته ،للصورة والمكان
والمكانة ،فربما طغى .
ص 460
460
) ( 36سورة يس مكيّة
الرحيمالرحمن ّّللا ّ
بسم ّ
سورة يس من القرآن قلب القرآن ،ومن قرأها كان كمن قرأ القرآن عشر مرات ،فهي تقوم
مقام القرآن عشر مرات .
[ سورة يس ( : ) 36آية ] 1
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ
ّللا ه
س ِم ه ِ
ِب ْ
يس ) ( 1
نداء مرخم ،أراد يا سيد ،فر هخم ،كما قال :يا أبا هر يا أبا هريرة ،فأثبت له السيادة بهذا
االسم ،وجعله مرخما للتسليم الذي تطلبه الرحمة ،والقطع مما بقي منه في الغيب الذي ال
يمكن خروجه ،فصورته في الغيب صورة الظل في الشخص الذي امتد عنه الظل ،أال ترى
الشخص إذا امتد له ظل في األرض ،أليس له ظل في ذات الشخص الذي يقابله ذلك الظل
الممتد ؟ فذلك الظل القائم بذات الشخص المقابل للظل الممتد ،ذلك هو األمر الذي بقي من
ّللا الممدود في الغيب ،ال يمكن خروجه أبدا ،وهو باطن الظل الممتد اإلنسان ،الذي هو ظل ه
ّللا في
،والظل الممدود هو الظاهر ،فال غيب أكمل من غيب اإلنسان الكامل الذي هو ظل ه
ّللا ،فأظهره من النفس الرحماني الخارج من قلب القرآن سورة كل ما سوى ه
ص 461
461
ّللا للوجود ،
يس ،فال غيب أكمل من غيب اإلنسان وهو على صورة موجده ،فلما أبرزه ه
أبرزه على االستقامة وأعطاه الرحمة ،ففتح به مغاليق األمور علوا وسفال ،فأمد األمثال بذاته
،وأمد غير األمثال بمثله .
ص 462
462
المحفوظ ال محو فيه ،كل أمر فيه ثابت ،وهو الذي يرفع إلى الحق ،وأما الذي بأيدي الكتبة
ّللا عليه وسلم لما ذكر حديث اإلسراء فقال [ :حتى ظهرت لمستوى أسمع -وهو قوله صلهى ه
فيه صريف األقالم ]
ّللا ،من إثبات ماّللا من عند ه
ّللا وفيه ما يثبت ،على قدر ما تأتي به إليهم رسل ه ففيه ما يمحو ه
شاء ومحو ما شاء ،ثم ينقل إلى الدفتر األعلى ،فيقابل باللوح المحفوظ فال يغادر حرفا ،فتعلم
ّللا قد أحاط بكل شيء علما الكتبة عند ذلك أن ه
-الوجه الثاني -اإلمام المبين هو كتاب فيه ما يتكون عن المكلفين خاصة ،فال تزال الكتابة
فيه ما دام التكليف ،وبه تقوم الحجة هّلل على المكلفين ،وبه يطالبهم ،ال بأم الكتاب الذي فيه
ّللا في كتابه أنه
القضاء ،فهذا اإلمام هو الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى ،الذي أخبرنا ه
أمر نبيه أن يقول لربه :احكم بالحق ،يريد هذا الكتاب ،وهو كتاب اإلحصاء ،فال يغادر
صغيرة وال كبيرة إال أحصاها ،وكل صغير وكبير مستطر -إشارة ال تفسير -إن اإلمام على
الحقيقة المبين من كان كل شيء مأموما به ،وهذا ال يصح في موجود ما لم يصح له المثلية
اللغوية الفرقانية ،فإذا صحت المثلية صح وجود اإلمام ،وإذا صح وجود اإلمام بطلت اإلمامة
ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْي ٌء )وجاء في الخبر في حق غيره ،قال تعالى ( :لَي َ
ّللا آدم على صورته ] [ خلق ه
ض َخ ِليفَةً )فالعالم أسفله وأعاله محصي في اإلنسان ،فسماه وقال تعالى ِ (:إ ِنهي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
البعض اإلمام المبين .
ص 463
463
الطائر الحظ « قالُوا طا ِئ ُر ُك ْم َمعَ ُك ْم »أي حظكم ونصيبكم معكم من الخير والشر .
ص 464
464
سميت مدة استنارة الجو من مشرق الشمس إلى مغربها نهارا التساع النور فيه ،مأخوذ من
النهر الذي هو اتساع الماء في المسيل الذي يجري فيه ،ومدة الظلمة من غروب الشمس إلى
طلوعها هو الليل ،واليوم مجموع الليل والنهار معا ،وأبان سبحانه أن الليل أم النهار ،وأن
النهار متولد عنه ،كما ينسلخ المولود من أمه إذا اخرج منها ،والحية من جلدها
فقال َ «:وآيَةٌ لَ ُه ُم اللَّ ْي ُل نَ ْسلَ ُخ ِم ْنهُ النَّ َ
هار »
فجعل الليل أصال ،والنهار كان غيبا فيه ،ثم سلخ منه النهار كما نسلخ الشاة من جلدها ،فكان
الظهور لليل والنهار مبطون فيه ،وليس معنى السلخ معنى التكوير ،
فالنهار متأخر عن الليل ألنه مسلوخ منه ،ولذلك فإن العرب في الزمان العربي وفي
اصطالحهم وما تواطئوا عليه يقدمون الليل على النهار ،على عكس العجم الذين حسابهم
بالشمس يقدمون النهار على الليل ،
ظ ِل ُمونَ »وإذا حرف يدل على زمان الحال أو ولهم وجه بهذه اآلية وهو قوله «:فَإِذا ُه ْم ُم ْ
االستقبال ،وال يكون الموصوف بأنه مظلم إال بوجود الليل في هذه اآلية ،
فكان النهار غطاء عليه ثم سلخ منه أي أزيل ،فإذا هم مظلمون ،أي ظهر الليل الذي حكمه
الظلمة ،فإذا الناس مظلمون ،
وأعلم الحق تعالى بهذه اآلية أن النور مبطون في الظلمة ،فلو ال النور ما كانت الظلمة ،فإنه
تعالى لم يقل « نسلخ منه النور » إذ لو أخذ منه النور النعدم وجود الظالم ،إن كان أخذ عدم
،وإن كان أخذ انتقال تبعه حيث ينتقل ،إذ هو عين ذاته ،والنهار من بعض األنوار المتولدة
عن شروق الشمس ،فلو ال أن للظلمة نورا ذاتيا لها ما صح أن تكون ظرفا للنهار ،
وال صح أن تدرك ،وهي مدركة ،وال يدرك الشيء إن لم يكن فيه نور ،ويدرك به من ذاته ،
وهو عين وجوده واستعداده بقبول إدراك األبصار بما فيها من األنوار له ،
واختص اإلدراك بالعين عادة ،ومن ذلك نعلم أن الليل ظل النور ،والنهار لما سلخ من الليل
ظهر نورا ،فظهرت األشياء التي كانت مستورة بالليل ،ظهرت بنور النهار ،فلم يشبه النهار
الليل وأشبه النور ،فإنه لو سلخ من الظل جميعه أمر ما لخرج على صورة الظل ،
والظل على صورة ما هو ظل له ،فالخارج من الظل المسلوخ منه على صورة الشخص ،
فلذلك خرج النهار لما سلخ من الليل على صورة النور ،
-تنبيه هذه هي عملية التصوير الشمسي- .
ص 465
465
قرأ ابن مسعود « والشمس تجري ال مستقر لها » وهذا من حكم التقليب ،فترى الشمس التي
هي علة الليل والنهار تجري ال مستقر لها ،ليال وال نهارا ،فإن الشمس ال مستقر لها عند من
علمها وما جهلها ،فيقال :الشمس رجعت في زيادة النهار ونقصه وما عندها رجوع ،بل هي
على طريقها ،فمن أغاليط النفس ،القول برجوع الشمس ،وما رجعت ،وال نزلت وال
ارتفعت ،هي في فلكها سابحة ،غادية رائحة ،غدوها ورواحها حكم البصر ،وما يعطيه في
الكرة النظر ،وقرأ غير ابن مسعود« ِل ُم ْستَقَ ٍ هر لَها »فلها مستقر يراه عين المؤمن في اإليمان
بالخبر ،وكل ذلك صحيح .
ص 466
466
من الشرطين إلى الرشا ،وهي تقديرات وفروض في هذا الجسم ،وال تعرف أعيان هذه
المقادير إال بهذه الكواكب ،كما أنه ما عرفت أنها منازل إال بنزول السيارة فيها ،ولوال ذلك
ما تميزت عن سائر الكواكب إال بأشخاصها ،وكواكب المنازل تتكون من كوكب واحد
كالصرفة ،إلى اثنين كالذراع ،إلى ثالثة كالبطين والشرطين ،إلى أربعة كالجبهة ،إلى
خمسة كالعوالي ،إلى ستة كالدبران ،إلى سبعة كالثريا ،إلى تسعة كالنعائم ،
وليس للثمانية وجود في المنازل ،والسيارة ال نزول لها وال سكون ،بل هي قاطعة أبدا ،وقد
يكون مرورها على عين كواكب المنزلة ،
وقد يكون فوقها وتحتها ،على الخالف الذي في حد المنزلة ما هو ،فسميت منزلة مجازا ،
فإن الذي يحل فيها ال استقرار له ،وإنه سابح كما كان قبل وصوله إليها في سباحته ،فراعى
المسمي ما يراه البصر من ذلك ،فإنه ال يدرك الحركة ببصره إال بعد المفارقة ،فبذلك القدر
يسميها منزلة ،
ّللا لكل كوكب من هذه الكواكب قطعا في الفلك األطلس ، ألنه حظ البصر فغلهبه وجعل ه
ليحصل من الخزائن التي في بروجه وبأيدي مالئكته االثني عشر من علوم التأثير ما تعطيه
حقيقة كل كوكب ،وجعلها على طبائع مختلفة ،
والنور الذي فيها وفي سائر السيارة من نور الشمس ،وبسباحة هذه الكواكب تحدث أفالكا في
ّللا في جوف هذا الفلك سبع سماوات طباقا ،أجساما شفافة ، هذا الفلك أي طرقا ،وجعل ه
وجعل في كل سماء منها كوكبا وهي الجواري ،منها القمر في السماء الدنيا ،وأوحى في كل
سماء أمرها ،
وجعل إمضاء األمور التي أودعها السماوات في عالم األركان عند سباحة هذه الجواري ،
وجعلهم نوابا متصرفين بأمر الحق لتنفيذ هذه األمور التي أخذوها من خزائن البروج في السنة
بكمالها ،وقدهر لها المنازل المعلومة التي في الفلك المكوكب ،
ّللا بين السماء السابعة
وجعل لها اقترنات وافتراقات ،كل ذلك بتقدير العزيز العليم ،وجعل ه
والفلك المكوكب كراسي عليها صور كصور الثقلين ،وستور مرفوعة بأيدي مالئكة مطهرة
ليس لهم إال مراقبة تلك الصور ،وبأيديهم تلك الستور ،
فإذا نظر الملك إلى الصورة قد سمجت وتغيرت عما كانت عليه من الحسن أرسل الستر بينها
ّللا مراقبا تلك الصورة ،
وبين سائر الصور ،فال يعرفون ما طرأ ،وال يزال الملك من ه
فإذا رأى تلك الصورة قد زال عنها ذلك القبح وحسنت رفع الستر فظهرت في أحسن زينة ،
وتسبيح تلك الصور وهؤالء األرواح الملكية الموكلة بالستور
[ سبحان من
ص 467
467
أظهر الجميل وستر القبيح ]
وخلق تعالى في كل سماء عالما من األرواح والمالئكة يعمرونها ،فأما المالئكة فهم السفراء
النازلون بمصالح العالم ،وما يحدث عن حركات الكواكب كلها وعن حركة األطلس ال علم
لهؤالء السفرة بذلك حتى تحدث ،فلكل واحد منهم مقام معلوم ال يتعداه ،
ّللا تعالى ،كل ذلك تقدير من العزيز العليم .
وباقي العالم شغلهم التسبيح والصالة والثناء على ه
الفلك ال يكون إال مستديرا ،ففي كل سماء فلك وهو الذي تحدثه سباحة كوكب ذلك السماء ،
فالكواكب تسبح في أفالكها ،لكل فلك كوكب ،فعدد األفالك بعدد الكواكب ،لذلك قال تعالى
َ «:و ُك ٌّل فِي فَلَكٍ يَ ْسبَ ُحونَ »
واألفالك لوال سباحة الكواكب ما ظهر لها عين في السماوات ،فهي فيها كالطرق في األرض
،يحدث كونها طريقا بالماشي فيها ،فهي أرض من حيث عينها ،
وطريق من حيث المشي فيها ،ودل ذلك على أن الكواكب السابحة تقطع في الثابتة ،
والثابتة والسابحة تقطع في الفلك المحيط ،فدل على أن الكواكب الثابتة تقطع في فلك البروج
األطلس ،والفلك الشيء المستدير ،
فالكواكب تقطع في فلك واحد وهو فلك البروج ،ولكل واحد منها فلك يخصه يسبح فيه ،ال
يشاركه فيه غيره ،وهكذا كل موجود له طريق يخصه ال يسلك عليها أحد غيره روحا وطبعا
،فال يجتمع اثنان في مزاج واحد أبدا ،
وال يجتمع اثنان في منزلة واحدة أبدا ،فاألمر في جميع المخلوقات وإن جمعهم مقام فإنه
يفرقهم مقام
س يَ ْنبَ ِغي لَها أ َ ْن ت ُ ْد ِر َك ْالقَ َم َر »في علو المرتبة والشرف ، -إشارة ال تفسير َ «-ال ال َّ
ش ْم ُ
فالشمس تشير إلى عالم الشهادة والقمر إلى عالم الغيب ،فإن آية القمر ممحوة عن العالم
ّللا في
الظاهر ،وآية الشمس ظاهرة ،فكان ذلك للعارفين تقوية لكتم آياتهم التي أعطاهم ه
بواطنهم وأجراها فيهم.
ص 468
468
ون ) ( 45 َو ِإذا ِقي َل لَ ُه ُم اتهقُوا ما بَ ْي َن أ َ ْيدِي ُك ْم َوما َخ ْلفَ ُك ْم لَعَله ُك ْم ت ُ ْر َح ُم َ
ين ( َ ) 46و ِإذا ِقي َل لَ ُه ْم أ َ ْن ِفقُوا ِم هما ع ْنها ُم ْع ِر ِض َ ت َر ِبّ ِه ْم ِإاله كانُوا َ يه ْم ِم ْن آيَ ٍة ِم ْن آيا ِ َوما تَأ ْ ِت ِ
ضال ٍل ّللاُ أ َ ْطعَ َمهُ إِ ْن أ َ ْنت ُ ْم إِاله فِي َِين آ َمنُوا أ َ نُ ْط ِع ُم َم ْن لَ ْو يَشا ُء ه ِين َكفَ ُروا ِللهذ َ ّللاُ قا َل الهذ َ َر َزقَ ُك ُم ه
واحدَة
ص ْي َحة ِ ون إِاله َ ظ ُر َ ين ( ) 48ما يَ ْن ُ ون َمتى هذَا ا ْل َو ْع ُد إِ ْن ُك ْنت ُ ْم صا ِدقِ َ ين ) َ ( 47ويَقُولُ َ ُمبِ ٍ
ون ) ( 50 ون ت َ ْو ِصيَة َوال ِإلى أ َ ْه ِل ِه ْم يَ ْر ِجعُ َ ست َ ِطيعُ َ ون ) ( 49فَال يَ ْ تَأ ْ ُخذُ ُه ْم َو ُه ْم يَ ِخ ِ ّ
ص ُم َ
ون) ( 51 سلُ َ ث ِإلى َر ِبّ ِه ْم يَ ْن ِ ور فَ ِإذا ُه ْم ِم َن ْاألَجْ دا ِ ص ِ َونُ ِف َخ فِي ال ُّ
ص 469
469
[سورة يس ( : ) 36آية ] 52
ون ( ) 52 ق ا ْل ُم ْر َ
سلُ َ ص َد َ الرحْ ُ
من َو َ قالُوا يا َو ْيلَنا َم ْن بَعَثَنا ِم ْن َم ْرقَدِنا هذا ما َو َ
ع َد ه
« هذا »لها وجه تعلق إلى« ما» ،ووجه إلى« َم ْرقَدِنا ».
ص 470
470
[سورة يس ( : ) 36اآليات 58إلى ] 59
تازوا ا ْليَ ْو َم أَيُّ َها ا ْل ُمجْ ِر ُم َ
ون ( ) 59 ام ُيم ( َ ) 58و ْ
ب َر ِح ٍسال ٌم قَ ْوال ِم ْن َر ّ ٍ
َ
[ طوائف أهل النار ]
المجرمون هم الذين يدخلون النار باالستحقاق خاصة ،بأن يكونوا أهال لسكنى هذه الدار التي
هي جهنم ،من جن وإنس ،وهم أهلها الذي يعمرونها فال يخرجون منها أبدا ،ولهذا يقال لهم
تازوا ْاليَ ْو َم أَيُّ َها ْال ُم ْج ِر ُمونَ »أي أهل االستحقاق الذين يستحقون سكنى هذه يوم القيامة« َو ْام ُ
الدار ،يمتازون عن الذين يخرجون منها بشفاعة الشافعين وسابق العناية اإللهية في الموحدين
إلى الدار اآلخرة وهي الجنة ،فإنه ما عدا المجرمين وإن دخلوا النار فال بد أن يخرجوا منها
ّللا عليهم ،وهم الذين ما عملوا خيرا قط ،وهؤالء المجرمون أربع بشفاعة الشافعين ،أو بمنة ه
ّللا كفرعون وأمثاله ممن طوائف ،كلها في النار ال يخرجون منها ،وهم المتكبرون على ه
ّللا ،وكذلك نمرود وغيره ،والطائفة الثانية المشركون ،وهم ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن ه
ّللا إلها آخر ،والطائفة الثالثة المعطلة وهم الذين نفوا اإلله جملة واحدة فلم الذين يجعلون مع ه
يثبتوا إلها للعالم ،والطائفة الرابعة المنافقون وهم الذين أظهروا اإلسالم من إحدى هذه
الطوائف للقهر الذي حكم عليهم ،فخافوا على دمائهم وأموالهم وذراريهم ،وهم في نفوسهم
على ما هم عليه من اعتقاد ،فهؤالء أربعة أصناف هم الذين هم أهل النار ال يخرجون منها
ّللا أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : من جن وإنس ،قالت عائشة :يا رسول ه
نعم إذا كثر الخبث بالمدينة ،فيعم الهالك الصالح والطالح ،ويمتازون في القيامة .
ص 471
471
[الجوارح شاهد مصدق يوم القيامة ]
كن في كل زمان صاحب علم وعمل ،وهو الذي حرضك الشرع عليه وأمرك به ،وندبك إليه
ّللا تعالى
،فاسع في نجاة نفسك ونجاة رعيتك بتمشيتهم على الطريقة الواضحة الشرعية ،فإن ه
يقيمهم يوم القيامة شهداء لك بالعدل وحسن النقيبة والسيرة والمعاشرة ،وإن عدلت بهم إلى
طريق المخالفات والمحظورات انعكس عليك ،وأوقفهم الحق يوم القيامة شهداء عليك بقبح
السيرة وسوء المعاشرة ،فالجوارح شاهد مصدهق يوم القيامة لمن تشهد عليه أو له ،فإن الجسم
الذي تولدت عنه النفس الناطقة له من الحق أنها ما دامت مدبرة له ال تحرك جوارحه إال في
ّللا على لسان الشارع لها ،فهذا ما يستحقه
ّللا تعالى ،في األماكن واألحوال التي عيهنها ه
طاعة ه
الجسم على النفس الناطقة لما له عليها من حق الوالدة ،فمن النفوس من هو ابن بار فيسمع
ّللا ،ومن النفوس ما هو ابن عاق فال يسمع وال يطيع ، ألبويه ويطيع ،وفي رضاهما رضى ه
فالجسم ال يأمر النفس إال بخير ،ولهذا يشهد على ابنه يوم القيامة جلود الجسم وجميع جوارحه
،فإن هذا االبن قهرها وصرفها حيث يهوى ،فلو ال شهادة المرء على نفسه بما شهدت به
جلوده وجوارحه ما ثبت كتاب وال كان حكم ،وما عذب من اعترف ،فإن الكرم اإللهي ال
يقتضيه ،والجوارح رعية ما هي الوالي فشكت الوالي .
ص 472
472
بعثناه به« ِإ َّال ِذ ْك ٌر »ألنه أخذه عن مجالسة من الحق لما شاهده ،حين جذبناه وغيبناه عنه
وأحضرناه بنا عندنا ،فكنا سمعه وبصره ،ثم رددناه إليكم لتهتدوا به في ظلمات الجهل
والكون ،فكنا لسانه الذي يخاطبكم به ،
آن »أي جمع أشياء كانثم أنزلنا عليه مذ هكرا يذكره بما شاهده ،فهو ذكر له لذلك« َوقُ ْر ٌ
ين »أي ظاهر له ،شاهدها عندنا« ُم ِب ٌ
صل ،في عين الجمع ،لعلمه بأصل ما شاهده ما فيه لغز وال رمز كما هو في الشعر ،فهو مف ه
ّللا عليه وسلم ،فما أخذه عن شعور وعاينه في ذلك التقريب األنزه األقدس الذي نال منه صلهى ه
،
فإنه كل ما عيهنه صاحب الشعور في المشعور به فإنه حدس -ولو وافق األمر ويكون علما -
فما هو على بصيرة ،وهذا هو الفرق بين العلم والشعور ،فحظ الشعور من العلم أن تعلم أن
خلف الباب أمرا ما على الجملة ،ال يعلم ما هو ،وأما العلم فال يكون حصوله إال عن كشف
بعد فتح الباب ،يعطيه الجود اإللهي ويبديه ويوضحه .
ص 473
473
ت أ َ ْيدِينا »واأليدي ليست سوى أيدي األسباب ،فهي إضافة تشريف ،ال بل ع ِملَ ْ
اإللهي « ِم َّما َ
تحقيق ،يقال :ضرب األمير اللص ،وقطع األمير يد السارق ،
وإنما وقع القطع من يد بعض الوزعة ،واألمر بالقطع من األمير ،فنسب القطع إلى األمير ،
فأضاف هنا عمل الخلق إلى األيدي اإللهية وع هم األسماء اإللهية بالنون من أيدينا ،
وذلك لتمام التشريف الذي شرف به آدم عليه السالم في إضافة خلقه إلى يديه« أ َ ْنعاما ً »وهي
ّللا ،بخالف اإلنسان الحيواني ،فإنه من إنعامه عليهم« فَ ُه ْم لَها ما ِل ُكونَ »فملكوها بتمليك ه
ّللا عليه بذلك ،فيتصرف في المخلوقات اإلنسان يملكها عند نفسه بنفسه ،غافال عن إنعام ه
الحيوان بحكم التبعية ،ويتصرف اإلنسان الكامل فيها بحكم التمليك اإللهي ،فتصرفه فيها بيد
ت أ َ ْيدِينا »فجمعع ِملَ ْ
ّللا ،فكل مخلوق في العالم فمضاف خلقه إلى يد إلهية ،ألنه قال ِ «:م َّما َ ه
كل يد خالقة في العالم ،فهي يده ،يد ملك وتصريف .
ص 474
474
يحصل في نفسه أنه أفضل منها ؟ !
ّللا ما يعرف األمور إال من شهدها ذوقا وعاينها ،
فو ه
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا قال رسول ه
ّللا عليه وسلم على حسن استعدادهم وسوء استعدادنا ، ] فانظر في تنبيهه صلهى ه
حتى أنه من كان بهذه المثابة من الفكرة من الموت فغايته أن يحصل له استعداد البهائم ،وهو
ثناء على من حصل في هذا المقام وارتفاع في حقه ،
ّللا أن تشاركها فيوكيف ينظر البهائم دون اإلنسان في االحتقار ،وغاية الثناء عليك من ه
صفتها .
ص 475
475
حيث خاصم فيما هو ظاهر الظلم فيه ،وليس إال الربوبية ،وهل رأيتم عبدا يخاصم ربه إال إذا
خرج عن عبوديته وزاحم سيده في ربوبيته ؟ .
ص 476
476
ّللا ال يعصى إذا ورد بغير الوسائط ،فاألمر اإللهي ال يخالف اإلرادة اإللهية ،فإنها فإن أمر ه
داخلة في حدهه وحقيقته ،
وإنما وقع االلتباس من تسميتهم صيغة األمر -وليست بأمر -أمرا ،والصيغة مرادة بال شك ،
فأوامر الحق إذا وردت على ألسنة المبلغين فهي صيغ األوامر ال األوامر ،فتعصى ،وقد
يأمر اآلمر بما ال يريد وقوع المأمور به ،
ون »شيْئا ً أ َ ْن يَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُك ُ ّللا« ِإذا أَرا َد َ فما عصى أحد قط أمر ه
لم يكن لألعيان في حال عدمها شيء من النسب إال السمع ،فكانت األعيان مستعدة في ذواتها
في حال عدمها لقبول األمر اإللهي إذا ورد عليها بالوجود ،فلما أراد بها الوجود قال لها« ُك ْن
ّللا تعالى ،بالكالم
»فكانت وظهرت في أعيانها ،فكان الكالم اإللهي أول شيء أدركته من ه
الذي يليق به سبحانه ،
واألصل ثبوت العين ال وجودها ،ولم تزل بهذا النعت موصوفة ،وبقبولها سماع الخطاب إذا
خوطبت منعوتة ،فهي مستعدة لقبول نعت الوجود ،مسارعة لمشاهدة المعبود ،فلما قال لها
في حال عدمها« ُك ْن »كانت ،فبانت بنفسها وما بانت
-بحث –
السماع اإللهي هو أول مراتب الكون ،وبه يقع الختام ،فأول وجود الكون بالسماع ،وآخر
انتهائه من الحق السماع ،ويستمر النعيم في أهل النعيم والعذاب في أهل العذاب ،فأما في
ّللا فامتثل ،فظهر عينه في الوجود مكون فإنما ظهر عن قول كن ،فأسمعه ه ابتداء كون كل ه
وكان عدما ،فسبحان العالم بحال من قال له :كن فكان ،فأول شيء ناله الممكن مرتبة
السماع اإللهي ،فإن كن صفة قول ،قال تعالى ِ (:إنَّما قَ ْولُنا )والسماع متعلقه القول .وأما في
ون )فخاطبهم وهم يسمعون ،وأما في حق أهل سؤُا فِيها َوال ت ُ َك ِله ُم ِ االنتهاء في حق الكفار( ْ
اخ َ
الجنة فبعد الرؤية والتجلي الذي هو أعظم النعم عندهم في علمهم ،
فيقول [ :هل بقي لكم شيء ؟ فيقولون :يا ربنا وأي شيء بقي لنا ؟
نجيتنا من النار ،وأدخلتنا الجنة ،وملكتنا هذا الملك ،ورفعت الحجاب بيننا وبينك فرأيناك ،
وأي شيء بقي يكون عندنا أعظم مما نلناه ؟
فيقول سبحانه :رضاي عنكم فال أسخط عليكم أبدا ]
فأخبرهم بالرضا ودوامه وهم يسمعون ،فذلك أعظم نعيم وجدوه ،فختم بالسماع كما بدأ ،ثم
استصحبهم السماع دائما ما بين بدايتهم وغاية مراتب نعيمهم ،فطوبى لمن كانت له أذن واعية
لما يورده الحق في خطابه .
[ سورة يس ( : ) 36آية ] 83
ون) ( 83 ش ْي ٍء َو ِإلَ ْي ِه ت ُ ْر َجعُ َ
حان الهذِي ِبيَ ِد ِه َملَكُوتُ ُك ِ ّل َ فَ ُ
س ْب َ
ص 477
477
صافّات مكيّة) ( 37سورة ال ّ
الرحيم
الرحمن ّ ّللا ّ
بسم ّ
[ سورة الصافات ( : ) 37آية ] 1
يم الر ِح ِمن ه الرحْ ِ
ّللا ه
س ِم ه ِ
بِ ْ
صفًّا ) ( 1 ت َصافها ِ
َوال ه
صفًّا »وهم المالئكة صافَّا ِ
ت َ ّللا تعالى ،فقال «َ :وال َّ
ّللا تعالى بالمالئكة التي تصف عند ه أقسم ه
ّللا األفالك المستديرات ،فهي ع همار السماء الرابعة ،أو هم أصناف المالئكة التي أسكنها ه
الصافات التاليات ،فمنها القائمات والقاعدات ،ومنها الراكعات الساجدات ،كما قال تعالى
إخبارا عنهم( َوما ِمنَّا إِ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم )فهم عمار السماوات .
ص 478
478
ّللا السماوات من رتقها ودارت ،كانت شفافة في ذاتها وجرمها حتى ال تكون سترا لما وراءها ه
،فأدركنا باألبصار ما في الفلك الثامن وهو فلك الكواكب الثابتة ،فيتخيل أنها في السماء الدنيا
ألن البصر ال يدركها هإال فيها ،فوقع الخطاب بحسب ما تعطيه الرؤية .
ص 479
479
اط ّللا فَا ْهدُو ُه ْم ِإلى ِصر ِ ُون ( ِ ) 22م ْن د ِ
ُون ه ِ ِين َظلَ ُموا َوأ َ ْزوا َج ُه ْم َوما كانُوا يَ ْعبُد َ احْ ش ُُروا الهذ َ
ون ) ( 25 ص ُر َ ون ( ) 24ما لَ ُك ْم ال تَنا َ س ُؤلُ َ يم ( َ ) 23و ِقفُو ُه ْم ِإنه ُه ْم َم ْ ا ْل َج ِح ِ
ون ( ) 27قالُوا إِنه ُك ْم ُك ْنت ُ ْم ض يَتَسا َءلُ َ ض ُه ْم عَلى بَ ْع ٍ ون ( َ ) 26وأ َ ْقبَ َل بَ ْع ُ س ِل ُم َ بَ ْل ُه ُم ا ْليَ ْو َم ُم ْ
ست َ ْ
س ْل ٍ
طان علَ ْي ُك ْم ِم ْن ُ كان لَنا َ ين ( َ ) 29وما َ ين ( ) 28قالُوا بَ ْل لَ ْم تَكُونُوا ُم ْؤ ِمنِ َ تَأْتُونَنا ع َِن ا ْليَ ِم ِ
ين ) ( 30 بَ ْل ُك ْنت ُ ْم قَ ْوما طا ِغ َ
ين ( ) 32فَ ِإنه ُه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ فِي ون ) ( 31فَأ َ ْغ َو ْينا ُك ْم ِإنها ُكنها غا ِو َ علَ ْينا قَ ْو ُل َر ِبّنا ِإنها لَذائِقُ َ ق َ فَ َح ه
ين ) ِ ( 34إنه ُه ْم كانُوا ِإذا ِقي َل لَ ُه ْم ال ِإلهَ ِإاله ُون ( ِ ) 33إنها كَذ ِلكَ نَ ْفعَ ُل ِبا ْل ُمجْ ِر ِم َ شت َ ِرك َ ب ُم ْ ا ْلعَذا ِ
ون) ( 35 ست َ ْكبِ ُر َ ّللاُ يَ ْ
ه
ص 480
480
ّللا ا ْل ُم ْخلَ ِص َ
ين ) ( 40 ِإاله ِعبا َد ه ِ
يم ( ) 43عَلى ت النه ِع ِ
ون ( ِ ) 42في َجنها ِ ق َم ْعلُو ٌم ( ) 41فَوا ِكهُ َو ُه ْم ُم ْك َر ُم َ
أُول ِئكَ لَ ُه ْم ِر ْز ٌ
ين ) ( 45 علَ ْي ِه ْم بِكَأ ْ ٍس ِم ْن َم ِع ٍ
طاف َ
ين ( ) 44يُ ُ س ُر ٍر ُمتَقابِ ِل َ
ُ
ون ( َ ) 47و ِع ْن َد ُه ْم ِ
قاصراتُ ع ْنها يُ ْن َزفُ َغ ْو ٌل َوال ُه ْم َ ين ( ) 46ال فِيها َ بَ ْيضا َء لَذه ٍة ِللش ِهاربِ َ
ين) ( 48 ف ِع ٌ ال ه
ط ْر ِ
فبالحياء قصر الطرف ،فهن قاصرات الطرف ،فال يشاهدن في نظرهن أحسن من أزواجهن.
ص 481
481
الدرك من النار ،فإذا سقط اإلنسان من العمل بما أمر فلم يعمل ،كان ذلك الترك لذلك العمل
واء ْال َج ِح ِيم »فاالطالع على
س ِ عين سقوطه إلى ذلك الدرك ،قال تعالى «:فَ َّ
اطلَ َع فَ َرآهُ ِفي َ
الشيء من أعلى إلى أسفل ،والسواء حد الموازنة على االعتدال ،فما رآه إال في ذلك الدرك
الذي في موازنة درجته ،فإن العمل الذي نال به هذا الشخص تلك الدرجة تركه هذا الشخص
اآلخر الذي كان قرينه في الدنيا بعينه .
ص 482
482
وبغير حساب ،من أمور ملذة وأمور مؤلمة ،دنيا وآخرة ،وخلقنا وخلق فينا من يطلب
الجزاء الملذ وينفر بالطبع عن الجزاء المؤلم .
ص 483
483
ين ( ) 82 ين ( ) 81ث ُ هم أ َ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِر َِإنههُ ِم ْن ِعبا ِدنَا ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ
يم ( ِ ) 84إ ْذ قا َل ِأل َ ِبي ِه َوقَ ْو ِم ِه ما ذا س ِل ٍ
ب َشيعَ ِت ِه َ ِْل ْبرا ِهي َم ( ِ ) 83إ ْذ جا َء َربههُ ِبقَ ْل ٍ َو ِإ هن ِم ْن ِ
ين ) ( 87 ب ا ْلعالَ ِم َ ُون ( ) 86فَما َظنُّ ُك ْم بِ َر ّ ِ ّللا ت ُ ِريد َ ُون ) ( 85أ َ إِ ْفكا آ ِل َهة د َ
ُون ه ِ ت َ ْعبُد َ
س ِقي ٌم) ( 89 وم ( ) 88فَقا َل إِ ِنّي َ فَنَ َظ َر نَ ْظ َرة فِي النُّ ُج ِ
إشارة إلى حكمة علوية صدرت من االسم الحكيم .
ص 484
اإلنسان بما هو جسم ،وإنما العمل فيه لقواه ،وقد أخبر أن العمل الذي يظهر من اإلنسان
المضاف إليه أنه هّلل خلق ،فاألعمال خلق هّلل مع كونها منسوبة إلينا ،
فلم ينسبها إليه من جميع الوجوه ،وأضاف العمل إلينا بهذا الحكم مع كون ذلك العمل خلقا له
وإبداعا ،
ّللا ،
ومن ذلك تعلم أن ظاهر الشريعة ستر على حقيقة حكم التوحيد بنسبة كل شيء إلى ه
فأنت مكلهف من حيث وجود عينك ،محل للخطاب ،وهو العامل بك من حيث أنه ال فعل لك ،
إذ الحدث ال أثر له في عين الفعل ،ولكن له حكم في الفعل ،
484
إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون ال يعمله الحق إال بوجود المتحرك والساكن ،فإن
الحق تعالى عن الحركة والسكون أو يكون محال لتأثيره في نفسه ،
فقوله تعالى َ «:وما ت َ ْع َملُونَ » أثبت بالضمير ،ونفى بالفعل الذي هو خلق ،أي خلق ما
تعملون ،
فالعمل لك والخلق هّلل ،فنسب العمل إليهم وإيجاده هّلل تعالى ،فإن أفعال العباد وإن ظهرت
ّللا ما ظهر لهم فعل أصال ،والخلق قد يكون بمعنى اإليجاد ويكون بمعنى التقدير ، منهم لوال ه
كما أنه قد يكون بمعنى الفعل ،وما أضاف الحق إليه تعالى عين ما أضافه إليك إال لتعلم أن
األمر الواحد له وجوه ،فمن حيث ما هو عمل أضافه إليك ويجازيك عليه ،
ومن حيث هو خلق هو هّلل تعالى ،فالعمل لك والخلق هّلل ،وبين الخلق والعمل فرقان في
ّللا الفعل للعبد ونسب الناس الفعل للمخلوق ،وإن كان الحق أصاره إلى المعنى واللفظ ،فنسب ه
ذلك فصار ،فنسبة صار تجعل الفعل للعبد ،ونسبة أصار تجعل الفعل هّلل ،
وظهور الفعل من العبد المخلوق باالختيار والقصد والمباشرة حقيقة مشهودة للبصر ،والفعل
من المخلوق من كون الحق أصاره إلى ذلك فكان له كاآللة للفاعل ،
واآللة هي المباشرة للفعل ،وينسب الفعل لغير اآللة بصرا وعقال ،وبهذا القدر تعلق الجزاء
والتكليف لوجود االختيار من اآللة ،وهي مسئلة دقيقة في غاية الغموض ،وال دليل في العقل
يخرج الفعل عن العبد ،وال جاء به نص من الشارع ال يحتمل التأويل ،
ّللا ،وليس للعبد وال
ّللا ،ووجود أسبابها كلها باألصالة من ه فاألفعال من المخلوقين مقدرة من ه
لمخلوق فيها باألصالة مدخل إال من حيث ما هو مظهر لها ،
ومظهر اسم فاعل واسم مفعول ،فما عمل أحد إال ما أ ههل له ،ممن كبهره أو هلله ،وما هو إال
من حيث أنه محل لظهوره ،وفتيلة لسراجه ونوره ،
ّللا ) ّللا تعالى (:فَأ َ ِج ْرهُ َحتَّى يَ ْس َم َع َك َ
الم َّ ِ يقول ه
ّللا لمن حمده ]
ويقول وهو القائل على لسان عبده [ :سمع ه
ويقول [ :كنت سمعه الذي يسمع به
ص 485
485
وبصره ولسانه ويده ورجله وغير ذلك ]
قوال شافيا ،ألنه ذكر أحكامها فقال [ :الذي يبطش بها ويسعى بها ويتكلم به ويسمع به
ويبصر به ويعلم ]
ومعلوم أنه يسمع بسمعه أو بذاته يسمع ،وعلى كل حال فجعل الحق هويته عين سمع عبده
وبصره ويده وغير ذلك ،
ِس لَ َك )والجن يقول (:أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ )
ِك َونُقَ هد ُس ِبه ُح ِب َح ْمد َوالملك مع علمه بذلك يقول َ (:ون َْح ُن نُ َ
*والرسول يقول ( :ما قلت لهم إال ما أمرتني به )
ومن الناس من يقول (:أ َ إِنَّا لَ َم ْردُودُونَ فِي ْالحافِ َرةِ )والسماوات واألرض والجبال تأبى وتشفق
من حمل األمانة وتقول :
( أتينا طائعين ) وقال الهدهد ( :أحطت ) علما ( بما لم تحط به ) وقالت نملة (:يا أَيُّ َها النَّ ْم ُل
ْمان َو ُجنُو ُدهُ ) سلَي ُ ا ْد ُخلُوا َمسا ِكنَ ُك ْم ال يَ ْح ِط َمنَّ ُك ْم ُ
علَ ْي ِه ْم أ َ ْل ِسنَت ُ ُه ْم َوأ َ ْيدِي ِه ْم َوأ َ ْر ُجلُ ُه ْم )
ّللا (:يَ ْو َم ت َ ْش َه ُد َ
وقال ه
ش ْيءٍ ) طقَ ُك َّل َ ّللاُ الَّذِي أ َ ْن َ طقَنَا َّ وقالت الجلود (:أ َ ْن َ
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه ) ش ْيءٍ إِ َّال يُ َ وقال َ (:وإِ ْن ِم ْن َ
فما ترك شيئا من المخلوقات إال وأضاف الفعل إليه ،فما في العالم إال من نسب الفعل إليه ،
باّلل أن الفعل هّلل ال لغيره ، أي إلى نفسه ،مع علم العلماء ه
ّللاُ َخلَقَ ُك ْم َوما ت َ ْع َملُونَ »فأضاف العمل إليهم وهو خالقه وموجده ،أعني العمل وّللا يقول َ «:و َّ ه
،فهذه المسألة ال يتخلص فيها توحيد أصال ،ال من جهة الكشف وال من جهة الخبر ،فاألمر
مربوط بين حق وخلق ،وما ث هم عقل يد هل على خالف هذا ،وال خبر إلهي في شريعة تخلص
الفعل من جميع الجهات إلى أحد الجانبين ،وما ث هم إال كشف وشرع وعقل ،وهذه الثالثة ما
خلصت شيئا وال يخلص أبدا دنيا وال آخرة
ّللا سبحانه -من باب اْلشارة ال التفسير -قال أهل اإلشارة « ما » هنا نافية .فمن كرم ه
ّللا ورسوله ،وما بأيديهم من وتعالى أن يخلق في عباده طاعته ويثني عليهم بأنهم أطاعوا ه
الطاعة شيء ،غير أنهم محل لها ،فمن كرمه أنه أثنى عليهم بخلق هذه الصفات واألفعال
فيهم ومنهم ،ثم أثنى عليهم بأن أضاف ذلك كله إليهم ،إذ كانوا محال للصفات المحمودة شرعا
،فهذه أعظم آية وردت في ثبوت الحيرة في العالم ،فمن وقف مع المقالة المشروعة وجعل
لها الحكم على ما أعطاه النظر العقلي من نقيض ما دل عليه الشرع ،
ّللا له فرقانا يفرق به بين فذلك السالم الناجي ،ومن زاد على الوقوف العمل بالتقوى ،جعل ه
أصحاب النحل والملل وما تعطيه األدلة العقلية ،التي تزيل حكم الشرع عند القائل بها ،
فيتأولها ليردها إلى دليل عقله ،فهو على خطر وإن أصاب ،فعليك بفرقان التقوى فإنه عن
شهود وصحة وجود
ّللاُ َخلَقَ ُك ْم َوما ت َ ْع َملُونَ » فهو العامل ] [ لطيفة « َو َّ
ّللاُ َخلَقَ ُك ْم َوما -لطيفة َ «-و َّ
ص 486
486
ت َ ْع َملُونَ »فهو العامل ،فالعارف يبذل المجهود وهو على بينة من ربه أن ه
ّللا هو العامل لما هو
العبد له عامل ،ولوال ذلك ما كان التكليف ،فال بد من نسبة في العمل للعبد ،فالنسبة إلى
الخلق والعمل للحق ،فهو تشريف ،
أعني إضافة العمل إليه ،سواء شعر بذلك العبد أو لم يشعر .واعلم أنه ما من عمل إال وهو
ّللا وتوحيده ،
أمر وجودي ،وما من أمر وجودي إال وهو داللة على وجود ه
سواء كان ذلك األمر مذموما عرفا وشرعا أو محمودا عرفا وشرعا ،والتوحيد المؤثر في
ّللا من جميع الوجوه ،فال يبالي فيما يظهرإزالة حكم الشريعة كمن ينسب األفعال كلها إلى ه
عليه من مخالفة أو موافقة ،فمثل هذا التوحيد يجب التنزيه منه لظهور هذا األثر ،
ّللا ،فاألعمال خلق هّلل مع كونها منسوبة إلينا ،فلم تنسب إليه
فإنه خرق للشريعة ورفع لحكم ه
ّللا تعالى خلق األفعال كلها ،ثم قسمها إلى محمود ومذموم ،فانظر حيث من كل الوجوه ،فإن ه
يقيمك ،فإن أقامك في مذموم فاعلم أنك في الوقت ممقوت ،
فاستدرك باإلزالة والتفرغ واإلنابة ،وإذا أقامك في محمود فاعلم أنك في الوقت محبوب ،فإن
فعلت ما ال يرضي الحق منك فارجع على نفسك بالمذمة والتقصير ،فأنت مأجور في هذه
الشركة ،بل هو حقيقة التوحيد ،فإن توحيدا بغير أدب ليس بتوحيد ،فإن لم تر العيب من
نفسك ،وال رجعت عليها بالذم ،وال ندمت على فعلك ،لم يصح لك توبة ،وإذا لم تتب لم تكن
محبوبا وال تنفعك تلك الحقيقة في الدنيا وال في اآلخرة
ّللا كنت راشدا ]
[ إشارة :إذا تركت ما هّلل عند ه
-إشارة -كما أن اإلنسان إذا ترك ما للناس عند الناس أحبه الناس ،كذلك إذا تركت ما هّلل عند
ّللا ولم تطمع فيه ،وال أضفت شيئا إلى نفسك من جميع أفعالك ،كنت على الحقيقة زاهدا ه
وعلى التوحيد راشدا .
ص 487
487
[لم ابتلي إبراهيم عليه السالم بذبح ابنه]
اعلم أن رؤيا األنبياء وحي ،ولكنه إذا رأى صاحب الرؤيا سواء كان نبيا أو غير نبي األمر
كما هو في نفسه فليس بحلم ،وإنما ذلك كشف ال حلم ،
سواء كان في نوم أو يقظة ،كما أن الحلم قد يكون في اليقظة كما هو في النوم ،كصورة دحية
التي ظهر بها جبريل عليه السالم في اليقظة ،فدخلها التأويل ،وال يدخل التأويل النصوص ،
فالحلم في النوم يفسد المعنى عن صورته ،ألنه ألحقه بالحس وليس بمحسوس حتى يراه من ال
علم له بأصله فيحكم عليه بما رآه من الصورة التي رآه عليها ،ويجيء العارف بذلك فيعبر
تلك الصورة إلى المعنى الذي جاءت له وظهر بها ،فيردها إلى أصلها ،
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم كما أفسد الحلم العلم فأظهره في صورة اللبن وليس بلبن ،فرده رسول ه
بتأويل رؤياه إلى أصله وهو العلم ،فجرد عنه تلك الصورة ،كذلك قول إبراهيم البنه وقد رأى
أنه يذبح ابنه ،فأخذ بالظاهر على أن األمر كما رآه ،وما كان إال الكبش ،
وهو الذبح العظيم ظهر في صورة ابنه ،فرأى أنه يذبح ابنه فذبح الكبش ،
فهو تأويل رؤياه على غير علم منه قال إبراهيم عليه السالم البنه
نام أ َ ِنهي أ َ ْذبَ ُح َك »والمنام حضرة الخيال ،فلم يعبرها وكان كبشا ظهر في «إِ ِنهي أَرى فِي ْال َم ِ
صورة ابن إبراهيم عليه السالم في المنام ،فصدق إبراهيم الرؤيا ،ألن األنبياء يعطون العلم
في مرائيهم ،العلم في نفس الرؤيا ،فيستغنون عن التأويل لوجود النص في الخطاب البرزخي
،ولذلك لم يحتج إبراهيم إلى تأويل ،
بل قال ِ «:إ ِنهي أَرى فِي ْال َم ِ
نام أ َ ِنهي أ َ ْذبَ ُح َك »
ولذلك قال تعالى َ (:وفَ َديْناهُ )يعني تلك الصورة ،وهي ابنه التي رآها إبراهيم عليه السالم ،
صا ِل ِحينَ )
ولما بشر إبراهيم عليه السالم في إجابة دعائه في قوله َ (:ربه ِ هَبْ ِلي ِمنَ ال َّ
وّللا غيور ،فابتاله بذبحه وهو أشد عليه من ابتالئه ّللا سواه ،ه شر به ألنه سأل من ه ابتلي فيما ب ه
بنفسه ،وذلك أنه ليس له في نفسه منازع سوى نفسه ،
فبأدنى خاطر يردها فيقل جهاده ،وابتالؤه بذبح ابنه ليس كذلك ،لكثرة المنازعين فيه ،فيكون
جهاده أقوى ،ولما ابتلي بذبح ما سأله من ربه ،وتحقق نسبة االبتالء وصار بحكم الواقعة ،
شر بإسحاق عليه السالم من غير سؤال ، فكأنه قد ذبح وإن كان حيا ،ب ه
فجمع له بين الفداء وبين البدل مع بقاء المبدل منه ،فجمع له بين الكسب والوهب ،فالذبح
مكسوب من جهة السؤال وموهوب من جهة الفداء ،فإن فداءه لم يكن
ص 464
488
مسؤوال ،وإسحاق موهوب ،فلما كان إسماعيل قد جمع له بين الكسب والوهب في العطاء ،
فكان مكسوبا موهوبا ألبيه فكانت حقيقة كاملة ،لذلك كان محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في صلبه
،فكانت في شريعتنا ضحايانا فداء لنا من النار .
ص 465
489
ّللا
ّللا وهو ال يشعر ،فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر ،فجعل ه عند ه
ه
وعظمه وجعله فداء ولد إبراهيم ،نبي ابن نبي ،فليس في الكبش قيمة روح نبي مكرم ،
الحيوان بهذا االعتبار أرفع درجة من الغنم ،وهي ضحايا هذه األمة .
فداء نبي ذبح ذبح لقربان *** وأين ثؤاج كبش من نوس إنسان
ّللا العظيم عناية *** بنا أو به لم أدر من أي ميزان ه
وعظمه ه
وال شك أن البدن أعظم قيمة *** وقد نزلت عن ذبح كبش لقربان
فيا ليت شعري كيف ناب بذاته *** شخيص كبيش عن خليفة رحمان
ص 490
490
ين ( ِ ) 131إنههُ ِم ْن ِعبا ِدنَا ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ
ين س ِن َ ين ( ِ ) 130إنها كَذ ِلكَ نَجْ ِزي ا ْل ُمحْ ِ س َسال ٌم عَلى ِإلْيا ِ َ
ع ُجوزا ين ( ِ ) 134إاله َ ين ( ِ ) 133إ ْذ نَ هج ْينا ُه َوأ َ ْهلَهُ أَجْ َم ِع َ ( َ )132و ِإ هن لُوطا لَ ِم َن ا ْل ُم ْر َ
س ِل َ
ين ) ( 137 صبِ ِح َ علَ ْي ِه ْم ُم ْ
ون َين ( َ ) 136وإِنه ُك ْم لَت َ ُم ُّر َ ين ( ) 135ث ُ هم َد هم ْرنَا ْاآل َخ ِر َ فِي ا ْلغابِ ِر َ
ون) ( 138 َوبِالله ْي ِل أ َ فَال ت َ ْع ِقلُ َ
أي تعلمون منهم في الصباح ما تعلمون منهم في الليل ،فالليل والصباح عندهم سواء في
العبرة ،فهذا معنى قوله« أ َ فَال ت َ ْع ِقلُونَ ».
ص 491
491
[ سورة الصافات ( : ) 37آية ]147
ُون ) ( 147 ف أ َ ْو يَ ِزيد َ
س ْلنا ُه ِإلى ِمائ َ ِة أ َ ْل ٍ
َوأ َ ْر َ
ّللا تعالى ،فلما نزل الحق في جماله في هذه اآلية
فجاء بأو التي للشك ،وهذا محال على ه
مباسطة معنا ،والشك منوط بنا ،فقام للعبد ضرب من المناسبة ،فإن كان العبد جاهال حمل
ربه على نفسه ووصفه بالشك فض هل ،وإن كان محققا هرب إلى قوله تعالى( َوأ َ ْحصى ُك َّل
ع َددا ً )فوقف على سر ذلك ،وألحق الشك بالرؤية البشرية المعتادة على الخطاب ش ْيءٍ َ َ
المتعارف بين العرب بالكثرة ،فيعود الشك على المخلوق ،وإن أراد إحصاء العدد وأراد أن
ينزه نفسه من غير الوجه الذي نزه بارئه ،فليأخذها على إرادة الكثرة ال عن العدد ،وإن كانت
ال تخلو عن عدد محقق ،ولكن لم يرد القائل هنا اإلعالم بتعيين العدد ،وإنما تعلقت اإلرادة
باإلعالم بالكثرة ،فهذه الصيغة إذا كانت المتعارفة بين المرسل إليهم ال يريدون بها الوقوف
على عدد محقق .
ص 492
492
ّللا ،فحكموا عليه بأنه اصطفى البنات
جعلت هذه الطائفة هّلل ما يكرهون ،فقالوا المالئكة بنات ه
على البنين ،فتوجه عليهم الحكم باإلنكار في حكمهم ،مع كونهم يكرهون ذلك لنفوسهم .
ص 493
493
[إشارة :من قول المالئكة ( َوما ِمنَّا ِإ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم ) ]
فمنهم أهل العروج بالليل والنهار ،من الحق إلينا ومنا إلى الحق ،في كل صباح ومساء ،وما
يقولون إال خيرا في حقنا ،ومنهم المستغفرون لمن في األرض ،ومنهم المستغفرون للمؤمنين
لغلبة الغيرة اإللهية عليهم كما غلبت الرحمة على المستغفرين لمن في األرض ،ومنهم
الموكلون بإيصال الشرائع ،ومنهم أيضا الموكلون باللمات ،ومنهم الموكلون باإللهام وهم
يكونالموصلون العلوم إلى القلوب ،ومنهم الموكلون باألرحام ،ومنهم الموكلون بتصوير ما ه
ّللا في األرحام ،ومنهم الموكلون بنفخ األرواح ،ومنهم الموكلون باألرزاق ،ومنهم الموكلون ه
ّللا بإجرائه مالئكة ،كما منهم ّللا في العالم إال وقد و هكل ه باألمطار ،وما من حادث يحدث ه
أيضا الصافات والزاجرات والتاليات والمقسمات والمرسالت والناشرات والنازعات
والناشطات والسابقات والسابحات والملقيات والمدبرات ،وهم جميعا تحت سلطان الوالة
ّللا في خلقه ،ومن ذلك في عروج الرسول االثني عشر ،مالئكة البروج ،فإنهم ينفذون أوامر ه
ّللا عليه وسلم لما وصل إلى المقام الذي ال يتعداه البراق ،وليس في قوته أن يتعداه ، صلهى ه
تدلى إلى الرسول الرفرف فنزل عن البراق واستوى على الرفرف وصعد به الرفرف ،
وفارقه جبريل ،فسأله الصحبة فقال :إنه ال يطيق ذلك ،وقال له« َوما ِمنَّا إِ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم
ّللا كل صنف بعضه على بعض ،فاعترفت المالئكة بأن لهم حدودا يقفون »فبالمقامات فضل ه
عندها ال يتعدونها ،وذلك أن كل واحد منهم على شريعة من ربه متعبد بعبادة خاصة ،ومن
ذلك يعلم أن المالئكة مع كونها لها مقامات معلومة ال تتعداها ،لها الترقي بالعلم ال بالعمل ،
ّللا تعالى أنه علهمهم األسماء على لسان آدم عليه السالم ،فزادهم علما إلهيا لم يكن وقد عرفنا ه
عندهم -إشارة -اعلم أن المالئكة قالت« َوما ِمنَّا ِإ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم »وهكذا كل موجود ما عدا
ّللا مقامات الثقلين ،وإن كان الثقالن أيضا مخلوقين في مقامهما ،غير أن الثقلين لهما في علم ه
معينة مقدرة عنده غيبت عنهما ،إليها ينتهي كل شخص منهما بانتهاء أنفاسه ،فآخر نفس هو
مقامه المعلوم الذي يموت عليه ،ولهذا دعوا إلى السلوك فسلكوا
ص 494
494
علوا بإجابة الدعوة المشروعة ،وسفال بإجابة األمر اإلرادي من حيث ال يعلمون إال بعد وقوع
المراد ،فكل شخص من الثقلين ينتهي في سلوكه إلى المقام المعلوم الذي خلق له ،
ومنهم شقي وسعيد ،وكل موجود سواهما فمخلوق في مقامه فلم ينزل عنه ،
ّللا ال شقاء
فلم يؤمر بسلوك إليه ألنه فيه ،من ملك وحيوان ونبات ومعدن ،فهو سعيد عند ه
يناله ،
فقد دخل الثقالن في قول المالئكة « َوما ِمنَّا ِإ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم »عند ه
ّللا ،وال يتمكن لمخلوق
ّللا ممكن ،
من العالم أن يكون له علم بمقامه إال بتعريف إلهي ،ال بكونه فيه ،فإن كل سوى ه
ومن شأن الممكن أن ال يقبل مقاما معينا لذاته ،وإنما ذلك لمرجحه بحسب ما سبق في علمه به
،
ولذلك يقال في الثقلين :إن المقامات مكاسب ،وهي استيفاء الحقوق المرسومة شرعا على
التمام ،فإذا قام العبد في األوقات بما تعين عليه من المعامالت وصنوف المجاهدات
والرياضات التي أمره الشارع أن يقوم بها ،وعيهن نعوتها وأزمانها وما ينبغي لها ،وشروطها
التمامية والكمالية الموجبة صحتها ،فحينئذ يكون صاحب مقام .
ص 495
495
عن ذاته ،ولم يصرح باسم إلهي معيهن منصوص عليه ،اكتفاء بتسميتهم جندا ،
واألجناد ال تكون إال للملك ،فاإلضافة إليه سبحانه من اسمه الملك ،فهم عبيد الملك ،
وبيهن أنهم أهل عدة ،إذ كانت العدة من خصائص األجناد التي تقع بها الغلبة على األعداء ،
واألعداء الذين في مقابلة هؤالء األجناد الشياطين واألهواء والمصارف المذمومة كلها ،
وسلطانهم الهوى ،
وعدة هؤالء الجند التقوى والمراقبة والحياء والخشية والصبر واالفتقار ،
والميدان الذي يكون فيه المصاف والمقابلة إذا تراءى الجمعان بينهم وبين األعداء ،هو العلم
في حق بعض األجناد ،
واإليمان في حق بعضهم ،والعلم واإليمان معا في حق الطبقة الثالثة من الجند ،
ّللا ،
واآللة التي يدفع بها العدو المنازع هو الدليل القطعي من جهة النظر عند العلماء بتوحيد ه
أو بخرق العادة عند أهل اإليمان الذين لهم علم ضروري يجدونه في أنفسهم ،فتقوم لهم خرق
ّللا وأعداءهم كما يدفعه صاحب الدليل العوائد مقام األدلة للعالم ،فيدفعون بخرق العوائد أعداء ه
،وكل شخص يقدر على دفع عدو بآلة تكون عنده فهو من جنده سبحانه وتعالى ،الذين لهم
الغلبة والقهر ،
وهو التأييد اإللهي الذي به يقع ظهورهم على األعداء ،وأما قوله تعالى «:لَ ُه ُم ْالغا ِلبُونَ
»الذين ال يغلبون ؛ فمنهم الريح العقيم ،
ومنهم الطير التي أرسلت على أصحاب الفيل ،وكذلك كل جند ليس لمخلوق فيه تصرف ،
ّللا عليه وسلم [ :نصرت بالصبا ] قال صلهى ه
وقال [ :نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر ]
وتختلف الجند ،فإن جند الرياح ما هي جند الطير ،ما هي جند المعاني الحاصلة في نفوس
األعداء كالروع والجبن ،ومنته كل جند إلى فعله الذي و هجه إليه من حصار قلعة وضرب
مصاف أو غارة أو كبسة ،كل جند له خاصية في نفس األمر ال يتعداها ،قال تعالى في
علَ ْي ِه ِإ َّال َجعَلَتْهُ َك َّ
الر ِم ِيم )وقال ت َ ش ْيءٍ أَت َ ْ جارةٍ )وقال في الريح( ما تَذَ ُر ِم ْن َ الطير( ت َ ْر ِمي ِه ْم ِب ِح َ
ْب يُ ْخ ِربُونَ بُيُوت َ ُه ْم ِبأ َ ْيدِي ِه ْم ). ف ِفي قُلُو ِب ِه ُم ُّ
الرع َ في الرعب( َوقَذَ َ
ص 496
496
وإال أغار ،وكان يتلو إذا لم يسمع أذانا [ إنا إذا نزلنا بساحة قوم ،فساء صباح المنذرين ]
فلو أجمع أهل مدينة على ترك سنة وجب قتالهم ،ولو تركها واحد لم يقتل .
ص 497
497
قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراقف
شبهوا استواء الحق على العرش باستواء بشر على العراق ،واستواء بشر محدث ،فشبهوه
صفُونَ »من حيث نظرهم ، ع َّما يَ ِ
بالمحدث ،والقديم ال يشبه المحدث ،فقال تعالى تنزيها« َ
باّلل ال يقبل التحول إلى الجهل وال الدخول عليه ،وما من دليل واستدلوا بعقولهم أن العلم ه
عقلي إال ويقبل الدخل والشبهة ،ولهذا اختلف العقالء ،
فكل واحد من المخالفين عنده دليل مخالفه شبهة لمخالفه ،لكونه خالف دليل هذا اآلخر ،فعين
أدلتهم هي عين شبهاتهم ،فأين الحق ؟ وأين الثقة ؟
وأصل الفساد إنما وقع من حيث ح هكموا الخلق على الحق الذي أوجدهم ،فمن وصف الحق
إنما وصف نفسه ،وال يعرف منه إال نفسه ،ألن رب العزة ال يعيهنه وصف ،وال يقيده نعت ،
وال يدل على حقيقته اسم خاص ،
وإن لم يكن الحكم ما ذكرناه فما هو رب العزة ،فإن العزيز هو المنيع الحمى ،ومن يوصل
إليه بوجه ما من وصف أو نعت أو علم أو معرفة فليس بمنيع الحمى ،
باّلل سبحانه ، صفُونَ »فالعلم بالسلب هو العلم ه ع َّما يَ ِ
ولذلك عمم بقوله« َ
وّلل األسماء ما له الصفات ،فإنه تنزه عن الصفة ال عن االسم ،فالحق سبحانه ال يعرف في ه
ليس كمثله شيء ،وفيما ذكره في سورة اإلخالص ،
صفُونَ » وفي عموم قوله بالتسبيح الذي هو التنزيه« َربه ِ ْال ِع َّزةِ َ
ع َّما يَ ِ
والعزة تقتضي المنع أن يوصل إلى معرفته ،وإن كان تعبدنا بما وصف به نفسه شرعا ،
فنقرره في موضعه ونقوله كما أمرنا به على جهة القربة إليه ،
وما ظفر باألمر إال من جمع بين التنزيه والتشبيه ،فقال بالتنزيه من وجه عقال وشرعا ،وقال
بالتشبيه من وجه شرعا ال عقال ،
ّللا ،فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، والشهود يقضي بما جاءت به الرسل إلى أممها في ه
فكل واصف فإنما هو واقف مع نعت مخصوص ،
ّللا نفسه عن ذلك النعت من حيث تخصيصه ،ال من حيث أنه له ،فإن له أحدية فينزه ه
المجموع ال أحدية كل واحد من المجموع ،
والواصف إنما يصفه بأحدية كل واحد من المجموع ،فهو المخاطب أعني من نعته بذلك ،
صفُونَ »لذلك ما ورد خبر بالصفات ،لما فيها من اآلفات سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّزةِ َ
ع َّما يَ ِ بقوله« ُ
،أال ترى من جعله موصوفا ،
كيف يقول :إن لم يكن كذلك كان مئوفا ،وما علم أن الذات إذا قام كمالها على الوصف ،فإنه
حكم عليها بالنقص الخالص الصرف ،من لم يكن كماله لذاته ،افتقر بالدليل في الكمال إلى
صفاته ،وصفاته ما هي عينه ،فقد جهل
ص 498
498
صفُونَ »فأوقف العالم سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّز ِة َ
ع َّما يَ ِ القائل :إن الصفة كونه ،فقال تعالى ُ «:
في مقام الجهل والعجز والحيرة ،ليعرف العارفون ما طلب منهم من العلم به ،وما ال يمكن
أن يعلم ،فيتأدبون وال يتجاوزون مقاديرهم ،كما قالت اليهود في الخبر النبوي المشهور :من
كون الحق يضع األرض يوم القيامة على إصبع والسماوات على إصبع -الحديث –
ّللا حق قدره ) ّللا عليه وسلم ( ما قدروا ه فقرأ النبي صلهى ه
فصاحب علم النظر الواقف مع عقله ،المتحكم على الحق بدليله ،هيهات أن يدرك األلوهية ،
وأين األلوهية من الكون ؟ !
وأين المحدث من حضرة العين ؟ !
كيف يدرك من له شبه من ال شبه له ؟ للعقل عقل مثله ،وليس للحق حق مثله ،محال وجود
ذاتين وإلهين ،ال يشبه شيئا ،وال يتقيد بشيء ،وال يحكم عليه شيء ،بل ما يضاف إليه إال
بقدر ما تمس حاجة الممكن المقيهد إليه ،فالعقل ما عرفه ،كيف يلتمس بأمر هو خلقه عاجزا
فقيرا مستمدا ؟
ْس َك ِمثْ ِل ِه
صفُونَ »( لَي َ سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّز ِة َ
ع َّما يَ ِ ّللا عن إدراك المدركين علوا كبيرا« ُ تعالى ه
ير )فال يطلب بالعقول ،ما ال يصح إليه الوصول ص ُ س ِمي ُع ْالبَ ِ
ش ْي ٌء َو ُه َو ال َّ
َ
-الوجه الثاني -اعلم أن عين العبد ال تستحق شيئا من حيث عينه ،ألنه ليس بحق أصال ،
والحق هو الذي يستحق ما يستحق ،فجميع األسماء التي في العالم ويتخيل أنها حق للعبد حق
هّلل ،فاالستحقاق بجميع األسماء الواقعة في الكون الظاهرة الحكم إنما يستحقها الحق ،والعبد
يتخلق بها ،وليس للعبد سوى عينه ،
وال يقال في الشيء :إنه يستحق عينه ،فإن عينه هويته ،فال حق وال استحقاق ،وكل ما
عرض أو وقع عليه اسم من األسماء إنما وقع على األعيان من كونها مظاهر ،فما وقع اسم
إال على وجود الحق في األعيان ،واألعيان على أصلها ال استحقاق لها ،
ّللا ،فهو المسمى فالوجود هّلل وما يوصف به من أية صفة كانت إنما المسمى بها هو مسمى ه
بكل اسم والموصوف بكل صفة والمنعوت بكل نعت ،
صفُونَ »من أن يكون له شريك في األسماء كلها ، سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّز ِة َ
ع َّما يَ ِ ولذلك قال ُ «:
ّللا ،
ّللا ،أسماء أفعاله أو صفاته أو ذاته ،فما في الوجود إال ه فالكل أسماء ه
واألعيان معدومة في عين ما ظهر فيها ،فالصفات هّلل حقيقة جهلنا معناها بالنسبة إليه ،
وعرفنا معناها بالنسبة إلينا ،من وجه معرفتنا بمعناها إذا نسبت إلينا ،
ومن كون الباري اتصف بها على طريقة مجهولة عندنا ،فال نعرف كيف ننسبها إليه لجهلنا
بذاته ،فتكون أصال فيه عارضة فينا ،فال نستحق شيئا ال
ص 499
499
ّللا
من أسمائه وال مما نعتقد فيها أنها أسماؤنا ،وهذا موضع حيرة ومزلة قدم ،إال لمن كشف ه
عن بصيرته ،
ّللا تجوزا ،
فقوله تعالى فيما وصف به نفسه مما هو عند النظار صفة للخلق حقيقة وأخذوه في ه
من جوع وظمأ ومرض وغضب ورضى وسخط وتعجب وفرح وتبشبش ،إلى قدم ويد وعين
وذراع ،
ّللا على ألسنة الرسل ،وما ورد من ذلك في الكالم وأمثال ذلك ،مما وردت به األخبار عن ه
ّللا المعبر عنه بصحيفة وقرآن وفرقان وتوراة وإنجيل وزبور ، المنسوب إلى ه
فاألمر عند المحققين أن هذه كلها صفات حق ال صفات خلق ،
وأن الخلق اتصف بها مزاحمة للحق ،كما اتصف العالم أيضا بجميع األسماء اإللهية الحسنى
،فالكل أسماؤه من غير تخصيص ،هذا مذهب المحققين فيه فإنه صادق ،
ولهذا نحن في ذلك على التوقيف ،فال نصفه إال بما وصف به نفسه ،وال نسميه إال بما سمى
به نفسه ،ال نخترع له اسما ،وال نحدث له حكما ،وال نقيم به صفة
صفُونَ »هي حضرة ال تقبل التنزيه وال ع َّما يَ ِسبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّز ِة َ
-الوجه الثالث ُ «-
التشبيه ،فيتنزه عن الحد بنفي التنزيه الذي كان يتخيله المنزه ،فإن التنزيه يحدهه ويشير إليه
ويقيده ،ويتنزه عن المقدار بنفي التشبيه
-الوجه الرابع -التسبيح تنزيه ما هو ثناء بأمر ثبوتي ،ألنه ال يثنى عليه إال بما هو أهل له
،وما هو له ال يقع فيه المشاركة ،وما أثني عليه إال بأسمائه ،
وما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إال وللعبد التخلق به واالتصاف به على قدر ما ينبغي له ،
فلما لم يتمكن في العالم أن يثنى عليه بما هو أهله ،جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شيء ،
س ِبه ُح بِ َح ْم ِد ِه )أي بالثناء الذي يستحقه وهو أهله ، ولهذا أضاف الحمد إليه فقال( يُ َ
صفُونَ » سبْحانَ َر ِبه َك َربه ِ ْال ِع َّزةِ َ
ع َّما يَ ِ وليس إال التسبيح ،فإنه سبحانه يقول« ُ
والعزة المنع من الوصول إليه بشيء من الثناء عليه الذي ال يكون إال له ،عما يصفون ،وكل
مثن واصف ،فذكر سبحانه تسبيحه على كل حال ومن كل عين .
ص 500
500
ينزلهم منزلتهم ،فإنهم ما انقادوا إليهم من حيث أعيانهم ،فإنهم أمثالهم ،وإنما انقادوا إلى الذي
جاءوا من عنده ،ونقلوا عنه ما أخبر به عن نفسه على ما يعلم نفسه ،ال على تأويل من وصل
ّللا ،فيقف الناظر موقف التسليم لما ورد ،مع فهمه ّللا فيه إال بإعالم ه
إليه ذلك ،فال يعلم مراد ه
فيه أنه على موضوع ما ،هو في ذلك اللسان الذي جاء به هذا الرسول ال بد من ذلك ،ألنه ما
جاء به بهذا اللسان إال لنعرف أنه على حقيقة ما وضع له ذلك اللفظ في ذلك اللسان ،ولكن
تجهل النسبة ،فنسلم إليه علم النسبة مع عقلنا األدلة بالوضع االصطالحي في ذلك اللحن
س ِلينَ »أي واجب عليهم علَى ْال ُم ْر َ
الخاص ،فننقاد إليه كما انقاد المرسلون ،ولهذا قال« َ
االنقياد بقوله « وسالم » فنكون أمثالهم ،ث هم قال :
( ) 38سورة ص مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ
ّللا ّ
بسم ّ
[ سورة ص ( : ) 38آية ] 1
يم
الر ِح ِ من ه الرحْ ِ
ّللا هس ِم ه ِ
بِ ْ
آن ذِي ال ِذّ ْك ِر ( ) 1
ص َوا ْلقُ ْر ِ
[ حرف الصاد ]
أقسم الحق تعالى عند ذكر حرف الصاد بمقام جوامع الكلم ،فإن الصاد حرف من حروف
الصدق ،والصون ،والصورة ،فهو حرف شريف عظيم ،وتضمنت هذه السورة
ص 501
501
من أوصاف األنبياء عليهم السالم ومن أسرار العالم كله الخفية عجائب وآيات ،وكل من له
نصيب من هذه السورة يحصل له من بركات األنبياء عليهم السالم المذكورين في هذه السورة
،ويلحق األعداء الكفار ما في هذه السورة من البؤس ال من المؤمنين .
ص 502
502
بعدم المعارضة ،وقوله « النور المبين » و « علم اليقين »
س ِل ِم ْن قَ ْب ِل َك ). يريد قوله تعالى ( ما يُقا ُل لَ َك ِإ َّال ما قَ ْد ِقي َل ِل ُّ
لر ُ
ص 503
503
ّللا ُز ْلفى )فهم يعلمون أنهم نصبوهم آلهة ،ولهذا ّللا عنهم ( ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ حكى ه
وقع الذم عليهم بقوله( أ َ ت َ ْعبُدُونَ ما ت َ ْن ِحتُونَ ؟ ) واإلله من له الخلق واألمر من قبل ومن بعد .
ّللا »أن يطلق على أحد ،وما عصم لفظ إله ،فكثرت اآللهة ّللا تعالى عصم لفظ « َّ ِ واعلم ه
أن ه
وّللا واحد معروف ال يجهل ، في العالم لقبولها التنكير ،ه
ّللا ُز ْلفى )
أقرت بذلك عبدة اآللهة فقالت (:ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
وما قالت :إلى إله كبير هو أكبر منها ؛ ولهذا أنكروا ما جاء به صلهى ه
ّللا عليه وسلم في
ّللا ،ولو أنكروه ما كانوا
القرآن والسنة من أنه إله واحد من إطالق اإلله عليه ،وما أنكروا ه
مشركين ،فبمن يشركون إذا أنكروه ؟
واحدا ً ؟ »باّلل ،فقالوا «:أ َ َجعَ َل ْاآل ِل َهةَ إِلها ً ِ فما أشركوا إال بإله ال ه
ّللا ليس عند المشركين بالجعل . ّللا ؟ فإن ه وما قالوا :أجعل اآللهة ه
ومن ذلك قول السامري( هذا ِإل ُه ُك ْم َو ِإلهُ ُموسى ) في الجعل ،ولم يقل :هذا ه
ّللا الذي يدعوكم
ط ِل ُع ِإلى ِإل ِه ُموسى ) إليه موسى ؛ وقول فرعون( لَعَ ِلهي أ َ َّ
ّللا الذي يدعو إليه موسى عليه السالم ؛ ولم يقل :إلى ه
غي ِْري ). ع ِل ْمتُ لَ ُك ْم ِم ْن إِل ٍه َ
وقال (:ما َ
ص 504
504
الموهوب له ،ويبتدئ بإعطاء الوجود لكل عين ،ولما كان الوهب له تعالى ذاتيا فإنه ال يقدح
في غناه عن كل شيء ،فكان العزيز الوهاب ،فإنه عز أن يكون غناه علة لشيء ،ألن العلة
تطلب معلولها ،والوهب ليس كذلك ،فإنه امتنان على الموهوب له ،والوهاب هو الذي يعطي
لينعم ال لطلب شكر وال عوض .
ص 505
505
[ سورة ص ( : ) 38اآليات 19إلى ] 20
ب ( ) 20 ش َددْنا ُم ْل َكهُ َوآت َ ْينا ُه ا ْل ِح ْك َمةَ َوفَ ْ
ص َل ا ْل ِخطا ِ اب ( َ ) 19و َُورة ُك ٌّل لَهُ أ َ هو ٌ
ط ْي َر َمحْ ش ََوال ه
[ الحكمة ،ومن هم الحكماء على الحقيقة ]
الحكمة علم تفصيلي عملي ،والعلم بالمجمل علم تفصيلي ،فإنه فصله عن العلم التفصيلي ،
ولوال ذلك لم يتميز المجمل من المفصل ،فمن الحكمة العلم بالمجمل والتجميل والمفصل
والتفصيل ،والحكمة صفة تحكم ويحكم بها وال يحكم عليها ،
فصرفته ،ال من حكم الحكمة ،فإنه من حكم الحكمة له المشيئة ه فإن الحكيم من حكمته الحكمة
فيها ،
ومن حكمته الحكمة فهي المصرفة له ،وإذا قامت الصفة بالموصوف أعطته حكمها عطاء
واجبا ،
ّللا تعالى على داود بأن آتاه الحكمة فقال َ «:وآتَيْناهُ ْال ِح ْك َمةَ »عمال بإعطاء كل ذي حق فامتن ه
حقه ،
وال يفعل ذلك حتى يعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق ،وليس إال بتبيين الحق له ذلك ،
ّللا تعالى فأعطاه الحكمة« ولذلك أضافه إليه تعالى فقال َ «:وآتَيْناهُ ْال ِح ْك َمةَ »وهي هبة من ه
ّللا ،
صل في علم ه ب »في المقال ،وهو من الحكمة ،واألمر كله مف ه ص َل ْال ِخطا ِ َوفَ ْ
ّللا إجمال ،وإنما وقع اإلجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر ،فمن كشف التفصيل في ما عند ه
ّللا الحكمة وفصل الخطاب ،وليس إال عين اإلجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه ه
ّللا من كل وجه فقد أوتي الحكمة وفصل الرسل والورثة خاصة ،فإنه من أوتي الفهم عن ه
الخطاب ،وهو تفصيل الوجوه والمرادات من الكالم ،وفصل الخطاب من المقال ،
وسلطانه في قلت وقال ،والقول يطلب السمع ،ويؤذن بالجمع ،فالحكيم يجري مع كل حال
وموطن بحسب ذلك الحال وذلك الموطن ،فإنه لفصل الخطاب موطن ،تعطي الحكمة
لصاحبها أن ال يظهر منه في ذلك الموطن إال فصل الخطاب ،
وهو اإليجاز في البيان في موطنه ،لسامع خاص لذي حال خاص ؛ واإلسهاب في البيان في
موطنه ،لسامع خاص ذي حال خاص ،ومراعاة األدنى أولى من مراعاة األعلى ،
فإن ذلك من الحكمة ،فإن الخطاب لإلفهام ،فإذا كرر المتكلم الكالم ثالث مرات حتى يفهم
ّللا للناس يراعي األدنى ، ّللا عليه وسلم فيما يبلغه عن ه ّللا صلهى ه
عنه ،كما كان كالم رسول ه
ما يراعي من فهم من أول مرة ،فيزيد صاحب الفهم في التكرار أمورا لم تكن عنده ،
أفادها إياه التكرار ،واألدنى الذي لم يفهم فهم األول فهم بالتكرار ما فهمه األول بالقول األول
،أال ترى العالم الفهم المراقب
ص 506
506
أحواله يتلو المحفوظ عنده من القرآن ،فيجد في كل تالوة معنى لم يجده في التالوة األولى ،
والحروف المتلوة هي بعينها ما زاد فيها شيء ،وال نقص ،وإنما الموطن والحال تجدد ،وال
بد من تجدده ،فإن زمان التالوة األولى ما هو زمان التالوة الثانية ،فالحكماء على الحقيقة هم
ّللا الرسل واألنبياء واألولياء ،ال الحكماء باللقب ،إال أن الحكماء باللقب أقرب إلى العلم
أهل ه
من غيرهم .
ص 507
507
بابه «أَنَّما فَتَنَّاهُ »أي اختبرناه ،فإن الفتنة في اللسان االختبار ،تقول العرب :فتنت الفضة
ّللا ،بل ما على النار أي اختبرتها ؛ والفتنة االبتالء ،وليس االبتالء مما يحط درجة العبد عند ه
اس بِ ْال َح ه ِ
ق اح ُك ْم بَيْنَ النَّ ِ
ّللا إال األمثل فاألمثل من عباده ،فإن الحق أوصى داود بقوله (:فَ ْ يبتلي ه
ّللا الحائل بينه وبين َوال تَتَّبِ ِع ْال َهوى )« فَا ْست َ ْغفَ َر َربَّهُ »فاستغفر داود ربهه أي طلب الستر من ه
الهوى المضل ليتصل به ،فيؤثر في الحكم الذي أرسل به ،فطلب طلبا مؤكدا الستر من ربه ،
ّللا فيما طلب ناب »ورجع إلى ه فإن االستفعال يؤذن بالتوكيد« َوخ ََّر را ِكعا ً »ووقع خاضعا« َوأ َ َ
ال لحوله وقوته ،فكان سقوطه إلى األرض اختيارا قبل أن تسقطه األهواء ،فكان ركوعه
ّللا وستره ، رجوعا إلى أصله من نفسه ،فهو عين الستر الذي طلبه في االستغفار ،فعصمه ه
سه .
فما خر داود عن زلة أتى بها ،بل رجوعا إلى أ ه
ص 508
[ داود عليه السالم نص على خالفته باالسم ومع ذلك نهي عن اتباع الهوى ] .
ض »لمن تقدمك أو نيابة عنا ؛ وصرح الحق بالخالفتين داو ُد ِإنَّا َجعَ ْل َ
ناك َخ ِليفَةً ِفي ْاأل َ ْر ِ "يا ُ
على التعيين في حق آدم وداود عليهما السالم ،
ض َخ ِليفَةً )يريد آدم وبنيه ، فقال تعالى في خالفة آدم (:إِ ِنهي جا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
ض »وسبب ذلك لما لم داو ُد ِإنَّا َجعَ ْل َ
ناك َخ ِليفَةً فِي ْاأل َ ْر ِ وقال تعالى في داود عليه السالم« يا ُ
يجعل في حروف اسم داود حرفا من حروف االتصال جملة واحدة ،
508
فما في اسمه حرف يتصل بحرف آخر من حروف اسمه ،فكان داود عليه السالم في داللة
ّللا بخالفته في القرآن في
اسمه عليه ،أشبه بني آدم بآدم في داللة اسمه عليه ،فصرح ه
األرض كما صرح بخالفة آدم في األرض ،فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ،
وحروف داود كذلك ،إال أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم الذي يقبل االتصال القبلي
ّللا به آخرا حتى ال يتصل به حرف سواه ، والبعدي ،فأتى ه
وجعل قبله واحدا من الحروف الستة التي ال تقبل االتصال البعدي ،فأخذ داود من آدم ثلثي
مرتبة األسماء ( األلف والدال ) ،
ّللا داود في هذه اآلية
ّللا عليه وسلم ثلثيه أيضا ،وهو الميم والدال .وشرف ه وأخذ محمد صلهى ه
بتعيينه باسمه في الخالفة في األرض ،وجمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به ،وهذا
شرف لم يجمع ألبيه آدم ال في تعيينه باالسم ،
وال جمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به كما حصل لداود عليه السالم في هذه اآلية ،
وذلك جبرا لقلب داود عليه السالم بعد أن جحد آدم الستين سنة التي أعطاها له ،
ّللا به من النفاسة
ّللا أراد تأديب داود عليه السالم لما يعطيه الذكر الذي سماه ه ورغم ذلك فإن ه
ّللا به عليه ،
على أبيه ،وال سيما وقد تقدم من أبيه في حقه ما تقدم من الجحد لما امتن ه
ّللا بذكر اسمه في الخالفة ،قال له من أجل ما ذكرناه من تطرق النفاسة التي في فلما جبره ه
ق »الذي أوحيت به إليك وأنزلته عليك ، اس بِ ْال َح ه ِ
اح ُك ْم بَيْنَ النَّ ِ
طبع هذه النشأة« فَ ْ
ّللا وإنفاذ كلماته ال غير« َوال
أي احكم بما يقتضيه أمر الحق المشروع ،وهو تمشية أوامر ه
تَت َّ ِب ِع ْال َهوى »وهو ما خالف شرعك ،وهو إرادة النفوس التي يخالفها حكم الحق ،فيحتمل قوله
تعالى« َوال تَت َّ ِب ِع ْال َهوى »يعني هوى نفسه ،أي ال تحكم بكل ما يخطر لك ،ويحتمل ال تتبع
ّللا به إليك ،
هوى أحد يشير عليك بخالف ما أوحى ه
فإنه تعالى قال« َوال تَتَّبِ ِع ْال َهوى »ولم يقل تعالى :هواك ،أي ال تحكم بما يهوى
ص 509
509
كل أحد منك ،فإنه لو كان هوى غيره نهي أن يتبعه ،فاتبعه ،فما يتبعه إال بهوى نفسه ،
فطاوع نفسه في ذلك ،فلذلك تعين أنه أراد بالهوى نفسه ال غيره ،وهو أن يأمره بمخالفة ما
ّللا به أن يفعله أو ينهاه عنه ،فقوله تعالى َ «:وال تَتَّبِ ِع ْال َهوى »يعني محابك ،بل اتبع أمره ه
ّللا له
محابي وهو الحكم بما رسمته لك ،فشغله ذلك الحذر عن الفرح بما حصل له من تعيين ه
باسمه ،ولكن حصل له الفرح وأخذ حظه منه قبل أن يصل إليه زمان« َوال تَت َّ ِب ِع ْال َهوى
ّللا ،وهو ما شرعه لدار القرار التي ّللا ،فأمره بمراقبة سبيل ه ّللا »ال عن ه س ِبي ِل َّ ِع ْن َ ضلَّ َك َ فَيُ ِ
ع ْن َ
س ِبي ِل َّ ِ
ّللا ضلَّ َك َ هي محل سعادتك ،فكان قوله تعالى لخليفته داود عليه السالم «:فَيُ ِ
عة ًّللا تعالى يقول ِ (:ل ُك ٍهل َجعَ ْلنا ِم ْن ُك ْم ِش ْر َ ّللا لك على الخصوص ،فإن ه »وهو ما شرعه ه
َو ِم ْنهاجا ً )والهوى يحيرك ويتلفك ،ويع همي عليك السبيل الذي شرعته لك وطلبت منك المشي
عليه ،وهو الحكم به ،فالهوى هنا محاب اإلنسان ،فأمره الحق بترك محابه إذا وافق غير
الطريق المشروعة له ،ألن الهوى يهوي بمتبعه عن درجة الخالفة التي أ ههلت لها وأ ههلت لك ،
ع ْن َ
س ِبي ِل ضلُّونَ َ فالرجل هو الذي رأى الحق حقا فاتبعه ،وحكم الهوى وقمعه ِ «،إ َّن الَّذِينَ يَ ِ
ّللا اتباع الهوى« ّللا »وهو ما شرعه لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله ،والضالل عن سبيل ه َّ ِ
وّللا أعلم يوم الدنيا ،حيث لم يحاسبوا نفوسهم ب »يحتمل ه سوا يَ ْو َم ْال ِحسا ِ شدِي ٌد بِما نَ ُ ذاب َع ٌ لَ ُه ْم َ
ّللا عليه وسلم [ :حاسبوا أنفسكم قبل أن ّللا صلهى ه فيه ،فإن النسيان الترك ،يقول رسول ه
تحاسبوا ] فإن يوم الدنيا أيضا هو يوم الدين ،أي يوم الجزاء لما فيه من إقامة الحدود ،ليذيقهم
بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ،ولم يقل تعالى لداود عليه السالم :فإنك إن ضللت عن
ّللا لك عذاب شديد ؛ فتلطف به في الخطاب ثانيا . سبيل ه
[ سورة ص ( : ) 38آية ] 27
ظ ُّن الَّذِينَ َكفَ ُروا فَ َو ْي ٌل ِللَّذِينَ َكفَ ُروا ِمنَ النَّ ِ
ار باطالً ذ ِل َك َ ض َوما بَ ْينَ ُهما ِ سما َء َو ْاأل َ ْر َ َوما َخلَ ْقنَا ال َّ
باط ًال »فما هي عبث فإن الخالق ض َوما بَ ْينَ ُهما ِ سما َء َو ْاأل َ ْر َ
«) َ ( 27وما َخلَ ْقنَا »أي قدهرنا« ال َّ
ّللا ،لذلك حكيم ،فإذا قدرها فما تكون عبثا وال باطال ،فإن ذلك لحكمة فيها يعلمها من علهمه ه
ار». ظ ُّن الَّذِينَ َكفَ ُروا فَ َو ْي ٌل ِللَّذِينَ َكفَ ُروا ِمنَ النَّ ِقال «:ذ ِل َك َ
ص 510
510
[ سورة ص ( : ) 38اآليات 28إلى ]29
ض أ َ ْم نَجْ عَ ُل ا ْل ُمت ه ِق َ
ين كَا ْلفُ هج ِار ( ِين ِفي ْاأل َ ْر ِ سد َ ت كَا ْل ُم ْف ِ ِين آ َمنُوا َوع َِملُوا ال ه
صا ِلحا ِ أ َ ْم نَجْ عَ ُل الهذ َ
ب ) ( 29 باركٌ ِليَ هدبه ُروا آياتِ ِه َو ِليَتَذَك َهر أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ تاب أ َ ْن َز ْلناهُ إِلَ ْيكَ ُم َ
ِ ) 28ك ٌ
ّللا عليه وسلم يخاطب به ثالث ّللا صلهى ه ّللا في حق ما أنزل من القرآن إن رسول ه يقول ه
ّللا ال
طبقات من الناس ،فهو في حق طائفة ( بالغ ) يسمعون حروفه إيمانا بها أنها من عند ه
يعرفون غير ذلك -سورة إبراهيم آية -52
وطائفة تاله عليها« ِليَ َّدب َُّروا آيا ِت ِه »أي يتفكروا فيها وفي معاني القرآن ،حتى يعلموا أن اآلتي
بها لم يأت بها من نفسه ،بل هي من عند مرسله سبحانه ،
وتدبر القرآن من كونه قرآنا وفرقانا ،فللقرآن موطن ،وللفرقان موطن ،فقم في كل موطن
ّللا ،فإنها ال تشهد إال بصدق ، باستحقاقه تحمدك المواطن ،والمواطن شهداء عدل عند ه
ب »أرباب العقول ما كانوا قد علموه قبل ، وطائفة ثالثة قال فيها« َو ِليَتَذَ َّك َر أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
فإن التذكر ال يكون إال عن علم غفل عنه أو نسيان من عاقل ،أي ما جاءوا بما تحيله األدلة
الغامض إدراكها ،فإنها لب الدالالت ،فينتبهون من نوم غفلتهم ويتذكرون بعقولهم ما كانوا قد
نسوه ،
وهذا يدلك على أنهم كانوا على علم متقدم في شيئية الثبوت وأخذ العهد ،فمن باب اإلشارة
سمي هذا الجنس بالناس ،اسم فاعل من النسيان معرفا باأللف والالم ،ألنه نسي أن الحق
ّللا صلهى ه
ّللا سمعه وبصره وجميع قواه في حال كونه كله نورا ،وهو المقام الذي سأله رسول ه
عليه وسلم من ربه أن يقيم فيه أبدا ،
ّللا من أسمائه النور ،بل هو النور ،للحديث الثابت [ نور أنهى فقال [ :واجعلني نورا ] فإن ه
أراه ] فلما لم يتذكر الناسي هذه الحال ،وهو في نفسه عليها غافل عنها ،خاطبه الحق مذكرا
ب »ما كانوا قد نسوه . له بها في القرآن الذي تعبده بتالوته« ِليَ َّدب َُّروا آياتِ ِه َو ِليَتَذَ َّك َر أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
511
[ سورة ص ( : ) 38اآليات 31إلى ] 32
صا ِفناتُ ا ْل ِجيا ُد ( ) 31فَقا َل ِإ ِنّي أَحْ بَبْتُ ُح ه
ب ا ْل َخ ْي ِر ع َْن ِذ ْك ِر َر ِبّي ي ِ ال ه
ش ّعلَ ْي ِه ِبا ْلعَ ِ
ض َِإ ْذ ع ُِر َ
ب ( ) 32 وارتْ بِا ْل ِحجا ِ َحتهى ت َ َ
ع ْن ِذ ْك ِر َر ِبهي " ] [ قول سليمان عليه السالم " أ َ ْحبَبْتُ ُحبَّ ْال َخي ِْر َ
ع ْن ِذ ْك ِر َر ِبهي »ألنه سماه خيرا ،والخير يقول سليمان عليه السالم« ِإ ِنهي أ َ ْحبَبْتُ ُحبَّ ْال َخي ِْر َ
ع ْن ِذ ْك ِر َر ِبهي »إياه بالخيرية أحببته ،فأحب عليه السالم حب الخير ، ّللا فقال َ «: منسوب إلى ه
ّللا إياه ،أو حب الخير من حيث وصف الخير بالحب ،والخير وحب الخير إما أن يريد حب ه
ال يحب إال األخيار ،فإنهم محل وجود عينه ،فكذلك سليمان عليه السالم قال « :أ َ ْحبَبْتُ ُحبَّ
ْال َخي ِْر »أي أنا في حبي كالخير في حبه ،ولهذا لما توارت بالحجاب ،أعني الصافنات الجياد ،
اشتاق إليها ،ألنه فقد المحل الذي أوجب له هذه الصفة الملذوذة ،فإنها كانت مجلى له فقال .
ص 512
512
إذا رآها هل يحبها عن ذكر ربه لها ؟ أو هل يحبها لعينها ؟
فأخبر صلهى ه
ّللا عليه وسلم أنه أحبها عن ذكر ربه إياها ،النفسها ،مع حسنها وجمالها
وحاجته إليها ،وهي جزء من الملك الذي طلب أن ال ينبغي ألحد من بعده ،فأجابه الحق إلى
ما سأل في المجموع ،
عطاؤُنا ».
ورفع الحرج عنه فقال له [:بحث الفرق بين األجسام واألجساد ]« هذا َ
ص 513
513
ّللا ؟
أترى سليمان عليه السالم سأل ما يحجبه عن ه
اب »فما أليقت ْال َو َّه ُّللا ؟ هيهات ،بل هي صفة كمالية سليمانية« ِإنَّ َك أ َ ْن َأو سأل ما يبعده عن ه
هذا االسم بهذا السؤال
-إشارة -ارغب في ملك ال ينبغي لسواك ،أي ال يكون ملكك سواك ،بل يكون ملكك
عبوديتك ،فتكون أنت عين ملكك ،وتكون نفسك في ملكك تردها وتحكم عليها ،فهذا هو
الملك الذي ال يشارك فيه ،فلمثل هذا فليعمل العاملون ،وفي مثله فليتنافس المتنافسون
-لطيفة -ال يعرف لذة االتصاف بالعبودية إال من ذاق اآلالم عند اتصافه بالربوبية واحتياج
ّللا أرزاق العباد على يديه حسا ، الخلق إليه ،مثل سليمان عليه السالم حين طلب أن يجعل ه
فجمع ما حضره من األقوات في ذلك الوقت ،فخرجت دابة من دواب البحر فطلبت قوتها ،
فقال لها :خذي من هذا قدر قوتك في كل يوم ،فأكلته حتى أتت على آخره ،
ّللا يعطيني كل يوم مثل هذا عشر مرات ،وغيري من فقالت :زدني فما وفيت برزقي ،فإن ه
الدواب أعظم مني وأكثر رزقا ،
فتاب سليمان عليه السالم إلى ربه ،وعلم أنه ليس في وسع المخلوق ما ينبغي للخالق تعالى ،
ّللا ملكا ال ينبغي ألحد من بعده ،فاستقال من سؤاله حين رأى ذلك ،واجتمعت فإنه طلب من ه
الدواب عليه تطلب أرزاقها من جميع الجهات ،فضاق لذلك ذرعا ،
ّللا تمم هذه النعمة ّللا سؤاله وأقاله ،وجد من اللذة لذلك ما ال يقدر قدره ،ثم إن ه فلما قبل ه
لسليمان عليه السالم بدار التكليف فقال .
ص 514
514
[ سورة ص ( : ) 38اآليات 37إلى ] 38
ين ِفي ْاألَصْفا ِد ) ( 38
ين ُمقَ هر ِن َ
اص ( َ ) 37وآ َخ ِر َ اء َو َ
غ هو ٍ ين ُك هل بَنه ٍ
هياط َ
َوالش ِ
ثم قال تعالى لسليمان عليه السالم إتماما لنعمته عليه .
ص 515
515
[سورة ص ( : ) 38آية ] 43
ب ) ( 43 َو َو َه ْبنا لَهُ أ َ ْهلَهُ َو ِمثْلَ ُه ْم َمعَ ُه ْم َرحْ َمة ِمنها َو ِذ ْكرى ِألُو ِلي ْاأل َ ْلبا ِ
ّللا هذا من
ّللا ،وال قاوم االقتدار اإللهي بصبره ،وعلم ه لما لم يناقض الصبر الشكوى إلى ه
ّللا أهله ومثلهم معهم ،وجعل الحق تعالى ذكرى لنا وله عليه أيوب عليه السالم ،أعطاه ه
ّللا تعالى بأيوب عليه السالم فيما نذره تعليما لنا ،ليتميز في الموفين بالنذر السالم ،ورفق ه
فقال .
َث »ال تعود لسانك الحنث ،وبر يمينك ولو بالضغث ، ض ْغثا ً فَاض ِْربْ ِب ِه َوال ت َ ْحن ْ " َو ُخ ْذ ِبيَد َ
ِك ِ
ّللا عليه وسلم لسترهم عما يعرض وهو قبضة الحشيش ،وجعلت الكفارة في أمة محمد صلهى ه
لهم من العقوبة في الحنث ،والكفارة عبادة واألمر بها أمر بالحنث إذا رأى خيرا مما حلف
عليه ،فراعى اإليمان« ِإنَّا َو َج ْدناهُ صابِرا ً »ال يرفع اسم الصبر عن العبد إذا حل به بالء فسأل
ّللا تعالى في رفع ذلك البالء ، ه
ّللا عليه فقال «: اح ِمينَ )وأثنى ه
الر ِت أ َ ْر َح ُم َّ ي الض ُُّّر َوأ َ ْن َ
سنِ َكما فعل أيوب عليه السالم فقال َ (:م َّ
ِإنَّا َو َج ْدناهُ صا ِبرا ً نِ ْع َم ْالعَ ْب ُد »فما قص الحق عليك أمر أيوب عليه السالم إال لتهتدي بهداه ،
إذا كان الرسول سيد البشر يقال له( أُول ِئ َك الَّذِينَ َه َدى َّ
ّللاُ فَ ِب ُهدا ُه ُم ا ْقت َ ِد ْه )فما ظنك بالتابع ؟
ولذلك إذا ابتالك الحق بضر فاسأله رفعه عنك ،وال تقاومه بالصبر عليه ،وما سماك صابرا
اب »أي إال لكونك حبست نفسك عن سؤال غير الحق في كشف الضر الذي أنزله بك« ِإنَّهُ أ َ َّو ٌ
ر هجاع إلينا فيما ابتليناه به ،وأثنى عليه بالعبودية ،
ّللا
ّللا ال تقدح في الصبر ،بل من آداب العبودية الشكوى إلى ه وهذا يدل على أن الشكوى إلى ه
ّللا في رفع البالء أو دفعه في رفع الضر والبالء ،فليس الصبر حبس النفس عن الشكوى إلى ه
ّللا ،والركون إلى ذلك ،وإنما الصبر حبس النفس عن الشكوى إلى غير ه
ّللا آدم على صورته ] » [ إشارة :أعظم الفتن الخبر « خلق ه
ّللا بها اإلنسان تعريفه إياه بأن خلقه على صورته ، الغير -إشارة -أعظم الفتن التي فتن ه
ليرى هل يقف مع عبوديته وإمكانه ؟
أو يزهو من أجل مكانة صورته ؟
إذ ليس له من الصورة إال حكم األسماء ،فيتحكم في العالم تحكم المستخلف القائم بصورة
الحق على الكمال وكذلك
ص 516
516
ّللا عليه وسلم يحكيه عن ربه :إن العبد إذا تقرب إلى من تأييد هذه الفتنة ،قول النبي صلهى ه
ّللا بالنوافل أحبه ،فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ،وذكر اليد ه
والرجل -الحديث –
وإذا علم العبد أنه بهذه المثابة يسمع بالحق ويبصر بالحق ويبطش بالحق ويسعى بالحق ال
بنفسه ،وبقي مع هذا النعت اإللهي عبدا محضا فقيرا ،ويكون شهوده من الحق وهو بهذه
المثابة ،كون الحق ينزل إلى عباده بالفرح بتوبتهم ،والتبشيش لمن يأتي إلى بيته ،والتعجب
من الشاب الذي قمع هواه ،واتصافه بالجوع نيابة عن جوع عبده ،
وبالظمإ نيابة عن ظمأ عبده ،وبالمرض نيابة عن مرض عبده ،مع علمه بما تقتضيه عزة
ربوبيته وكبريائه في ألوهيته ،فما أثر هذا النزول في جبروته األعظم وال في كبريائه األنزه
األقدم ،
كذلك العبد إذا أقامه الحق نائبا فيما ينبغي للرب تعالى يقول العبد :ومن كمال الصورة التي
قال إنه خلقني عليها أن ال يغيب عني مقام إمكاني ،ومنزلة عبوديتي ،وصفة فقري وحاجتي
،كما كان الحق في حال نزوله إلى صفتنا حاضرا في كبريائه وعظمته ،
فيكون الحق مع العبد إذا وفهى بهذه الصفة ،يثني عليه بأنه نعم العبد إنه أواب ،حيث لم يؤثر
فيه هذه الوالية اإللهية وال أخرجته عن فقره واضطراره ؛ ومن تجاوز حدهه في التقريب
ّللا والمقت ،فاحذر نفسك فإن الفتنة باالتساع أعظم من انعكس إلى الضد ،وهو البعد من ه
الفتنة بالحرج والضيق ،فإن كنت صاحب غرض ،
وتحس بمرض وألم فاحبس نفسك عن الشكوى لغير من آلمك بحكمه عليك ،كما فعل أيوب
عليه السالم ،وهو األدب اإللهي الذي علمه أنبياءه ورسله ،فإنه ما آلمك وحكم عليك بخالف
غرضك إال لتسأله في رفع ذلك عنك ،
ّللا مع اإلحساس بالبالء وعدم موافقة الغرض فقد قاوم القهر اإللهي ، فإن من لم يشك إلى ه
ّللا في رفعه ال إلى غيره ،ويبقى عليه اسم الصبر كما قال فاألدب كل األدب في الشكوى إلى ه
تعالى في رسوله أيوب عليه السالم« ِإنَّا َو َج ْدناهُ صا ِبرا ً »في وقت االضطراب والركون إلى
ّللا ،إال إلينا ،ال إلى سبب من األسباب .
األسباب ،فلم يضطرب وال ركن إلى شيء غير ه
فإنه ال بد طبعا عند اإلحساس من االضطراب وتغير المزاج ،بخالف اآلالم النفسية إذا وردت
األمور التي من شأنها أن تتألم النفوس عند ورودها ،فقد يتلقاها بعض العباد وال أثر لها فيه
أحس بها تحرك لها طبعا ،إال إن شغله عنها أمر يزيل ه على ظاهره ،واألمور المؤلمة إذا
ّللا عليهما.
إحساسه ،وكالمنا في ذلك مع اإلحساس كأيوب وذي النون سالم ه
ص 517
517
[سورة ص ( : ) 38اآليات 45إلى ] 47
صار ( ِ ) 45إنها أ َ ْخلَصْنا ُه ْم ِبخا ِل َ
ص ٍة وب أُو ِلي ْاأل َ ْيدِي َو ْاأل َ ْب ِ حاق َويَ ْعقُ َس َ اذك ُْر ِعبادَنا ِإ ْبرا ِهي َم َو ِإ َْو ْ
يار ( )47 ص َطفَ ْي َن ْاأل َ ْخ ِِذ ْك َرى الد ِهار ) َ ( 46وإِنه ُه ْم ِع ْندَنا لَ ِم َن ا ْل ُم ْ
[ معنى المصطفين األخيار ]
ّللا بالخيرة قال تعالى (: يار »وهم الذين توالهم ه المصطفون من بين الخالئق باجتبائه« ْاأل َ ْخ ِ
أُولئِ َك لَ ُه ُم ْال َخيْراتُ )
جمع خيرة وهي الفاضلة من كل شيء ،والفضل يقتضي الزيادة على ما يقع فيه االشتراك مما
ال يشترك فيه من ليس من ذلك الجنس .
باّلل على فاألخيار كل من زاد على جميع األجناس بأمر ال يوجد في غير جنسه ،من العلم ه
طريق خاص ال يحصل إال ألهل ذلك الجنس ،ثم في هذا الجنس العالم بهذا العلم الخاص الذي
به سموا أخيارا منهم من أعطي اإلفصاح عما علمه ،ومنهم من لم يعط اإلفصاح عما علمه
في نفسه ،فالذي أعطي اإلفصاح أخير ممن هو دونه ،وهو المستحق بهذا االسم ،فإن الخير
بالكسر الكالم ،يقال :في فالن كرم وخير ،أي كرم وفصاحة ،فإذا أعطي الفصاحة عما
عنده اهتدى به من سمع منه فكانت المنفعة به أتم ،فكان أفضل من غيره ،ولهذا ورد في
أوصاف المرسلين ،ألن الرسول ال بد أن يكون مؤيدا بالنطق ،ليبين لمن أرسل إليه ما أرسل
به إليه ،فهم األخيار أصحاب هذه الفضيلة .
ص 518
518
يقول أهل النار هذا القول عندما ال يرون من كانوا يعدونهم من األشرار ،وهو من دخل النار
من أمة محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم التي بعث إليها في مشارق األرض ومغاربها ،فال تخلد أمة
ّللا صلهى محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم في النار ،فال يبقى في النار موحد ممن بعث إليه رسول ه
ّللا عليه وسلم .
ه
ص 519
519
الصالة في الجماعات ،وإسباغ الوضوء في المكاره ،والتعقيب « » 1في المساجد إثر
الصلوات ] فمعنى ذلك أي هذه األعمال أفضل ؟
ومعنى أفضل على وجهين :
ّللا من هذه األعمال ،الواحد أي األعمال أحب إلى ه
والوجه اآلخر أي األعمال أعظم درجة في الجنة للعامل بها ،فنزاع المالئكة هنا في األولى ؛
وقد ورد اختصام مالئكة الرحمة ومالئكة العذاب في الشخص الذي مات بين القريتين ؛
ومن اختصام المأل األعلى أن مالئكة التوحيد والوحدات -وهم من مالئكة العرش الذين ال
يرون إال الكلمة الواحدة وهي الرحمة العامة -إذا جمعهم مع المقسمات -وهم من مالئكة
الكرسي أي المقسمات أمرا الذين ال يشهدون إال انقسام الكلمة إلى رحمة وغضب -إذا جمعهم
مجلس واحد وجرت بينهما مفاوضات في األمر اختصما ،
ألنهما على النقيض ،وهذا من جملة ما يختصم فيه المأل األعلى ،فيقول الصنف الواحد
بالوحدة ،ويقول اآلخر باالنقسام والثنوية .
فالخصام من حكم المالئكة ألنها تحت حكم الطبيعة ،ولوال أن المأل األعلى له جزء من
الطبيعة ،ومدخل من حيث هيكله النوري ،ما وصفهم الحق بالخصام ،وال يختصم المأل
األعلى إال من حيث المظهر الطبيعي الذي يظهر فيه ،كظهور جبريل في صورة دحية ،
وكذلك ظهورهم في الهياكل النورية المادية ،وهي هذه األنوار التي تدركها الحواس ،فإنها ال
تدركها إال في مواد طبيعية عنصرية ،وأما إذا تجردت عن هذه الهياكل فال خصام وال نزاع ،
إذ ال تركيب .
ولنبين أوال سبب االختصام فنقول :هذه اآلية مما يدل على أن المالئكة من عالم الطبيعة
مخلوقون ،مثل األناسي غير أنهم ألطف ،كما أن الجن ألطف من اإلنسان مع كونهم من نار
من مارجها ،والنار من عالم الطبيعة ،فكذلك المالئكة عليهم السالم من عالم الطبيعة ،وهم
ع همار األفالك والسماوات ،فإنهم يختصمون ،والخصام من الطبيعة ألنها مجموع أضداد ،
والمنازعة والمخالفة هي عين الخصام ،وال يكون إال بين ضدين ،فلو ال أن المالئكة في
ّللا عنهم أنهم يختصمون ،نشأتها على صورة نشأتنا ،أي أن نشأتها عنصرية ،ما ذكر ه
والخصام ال يكون إال مع األضداد ،فالمالئكة عليهم السالم لو لم تكن األنوار التي خلقت منها
موجودة من الطبيعة ،مثل السماوات التي عمرتها هؤالء المالئكة ،فإنها كانت دخانا ،فكانت
ّللا ع همار
السماوات أجساما شفافة ،ألن كمية الحرارة واليبس فيه أكثر من الرطوبة ،وخلق ه
كل فلك من طبيعة فلكه ،فلذلك
ّللا.
) ( 1التعقيب هو الجلوس في المسجد بعد الفراغ من الصالة لذكر ه
ص 520
520
كانت المالئكة من عالم الطبيعة ،وإن كانت أجسامهم نورية فمن نور الطبيعة ،كنور السراج
،فأثر فيهم حكم الطبيعة الخصام لما فيها من التقابل والتضاد ،والضد والمقابل منازع لمقابله
،فهذه هي الحقيقة التي أورثتهم الخصومة ،ونعتوا بأنهم يختصمون ألن الخصام ال يكون إال
فيمن ركب من الطبائع لما فيها من التضاد ،فال بد فيمن يتكون عنها أن يكون على حكم
األصل ،فالنور الذي خلقت منه المالئكة نور طبيعي ،فكانت فيها الموافقة من وجه والمخالفة
من وجه ،فهذا سبب اختالف المأل األعلى فيما يختصمون فيه .ومما دعا المأل األعلى إلى
الخصام التخيير في الكفارات ،والتخيير حيرة فإنه يطلب األرجح أو األيسر ،وال يعرف ذلك
ّللا يعلمهم بما هو األفضل عنده من هذه األعمال واألحب إليه ما تنازعوا ، إال بالدليل ،فلو أن ه
ّللا
ولو أنهم يكشفون ارتباط درجات الجنان بهذه األعمال لحكموا بالفضيلة لألعلى منها ،وإنما ه
سبحانه غيهب عنهم ذلك ،فهم في هذه المسألة بمنزلة علماء البشر إذا قعدوا في مجلس مناظرة
فيما بينهم في مسئلة من الحيض الذي ال نصيب لهم فيه ،بخالف المسائل التي لهم فيها نصيب
،وإنما قلنا ذلك ألن الكفارات إنما هي إلحباط ما خالف فيه المكلف ربه من أوامره ونواهيه ،
ّللا ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون به ،وماّللا لهم بالعصمة أنهم ال يعصون ه والمالئكة قد شهد ه
بلغنا أن عندهم نهي ،وإذا لم يعصوا وكانوا مطيعين فليس لهم في أعمال الكفارات قدم ،فهم
يختصمون فيما ال قدم لهم فيه ،وكذلك ما بقي من األعمال التي ال قدم لهم فيها ،فهم مطهرون
فال يتطهرون فال يتصفون في طهارتهم باإلسباغ واإلبالغ في ذلك وغير اإلسباغ ،وكذلك
المشي إلى مساجد الجماعات لشهود الصلوات ليس لهم هذا العمل ،فإن قلت :فإنهم يسعون
إلى مجالس الذكر ،
ويقول بعضهم لبعض :هلموا إلى بغيتكم .
فاعلم أن الذكر ما هو عين الصالة ،ونحن إنما نتكلم في عمل خاص في الجماعة ليس لهم فيه
دخول مثل ما لبني آدم ،فإنهم ليسوا على صور بني آدم بالذات ،وإنما لهم التشكل فيهم ،وقد
ّللا عليه وسلم الصلوات بالفعل ،وتلك من جبريلّللا صلهى ه
علم جبريل عليه السالم رسول ه
حكاية يحكيها للتعليم والتعريف باألوقات ؛ وأما التعقيب إثر الصلوات فإنما ذلك للمصلين على
هذه الهيئة المخصوصة التي ليست للمالئكة ،فما اختصموا في أمر هو صفتهم ،فلهذا ضربنا
مسئلة الحيض مثال ،وسبب ذلك أن المالئكة تدعو بني آدم في لماتها إلى العمل الصالح
وترغبهم في األفضل ،فلهذا اختصمت في األفضل حتى تأمرهم به .وأما
ص 521
521
ّللا عليه وسلم كفارات جمع كفهارة ببنية المبالغة ،إنباء بذلك على أنه لصورة العمل قوله صلهى ه
الواحد أنواع كثيرة من البالء ،وأن الكفارات إنما شرعت لتكون حجابا بين العبد وبين ما
عرض إليه نفسه من حلول الباليا بالمخالفات التي عملها ،مأمورا كان بذلك العمل أو منهيا ه
عنه ،فكانت الكفارات عواصم من القواصم ،كما أن للشيء الواحد وإن لم يكن معصية
كفارات مختلفة ،مثل الحاج يحلق رأسه ألذى يجده ،أو المتمتع أو المظاهر أو من حلف على
ي عمل مكفر فعل سقط عنه اآلخر يمين فرأى خيرا منها ،فإن مثل هذا له كفارات مختلفة ،أ ه
،فقام هذا العمل الواحد مقام ما بقي مما سقط عنه ،فيتصور خطاب المالئكة أي كفارات
التخيير أولى بأن يفعل ،أو لما ذا تكون كفارة وما عمل شيئا تجب أن تتوجه فيه العقوبة حتى
تكون هذه الكفارة تدفعه ،فالمأل األعلى يختصمون في مثل هذا أيضا ،ولكي تخرج من
الحيرة فإذا خيرك الحق في أمور فانظر إلى ما قدم منها بالذكر فاعمل به ،فإنه ما قدمه حتى
تهمم به وبك ،فكأنه نبههك على األخذ به ،فما تزول الحيرة عن التخيير إال باألخذ بالمتقدم ،
صفا َو ْال َم ْر َوة َ ِم ْن
ّللا عليه وسلم حين أراد السعي في حجة الوداع( ِإ َّن ال َّ ّللا صلهى ه
تال رسول ه
ّللا به ] فبدأ بالصفا ،وهذا عين ما أمرتك به إلزالة حيرة شَعا ِئ ِر َّ ِ
ّللا )ثم قال [ :أبدأ بما بدأ ه
ّللا أسوة حسنة ،والظاهر من هذه اآلية في هذا األمر أن التخيير ،لقد كان لكم في رسول ه
المالئكة لهم نظر فكري يناسب خلقهم ،فإنه لما نبهت الشريعة باختصام المأل األعلى علمنا أنه
من عالم الطبيعة ،وأن للطبيعة في المالئكة أثرا كما أن لألركان في أجسام المولدات أثرا ،
فإن أردت أن ترفعه عنها ،وتنزله منزلتها منها ،فقل :الختالف األسماء ،وهذا أوضح ما
يكون من اإليماء .
ص 522
522
فاستحق اسم البشر دون غيره من األعيان ،وسرت هذه الحقيقة في البنين فلم يوجد أحد منهم
إال عن مباشرة ،حتى في وجود عيسى عليه السالم لما تمثهل لها الروح بشرا سويا ،فجعله
واسطة بينه تعالى وبين مريم في إيجاد عيسى ،تنبيها على المباشرة بقوله (:بَشَرا ً َ
س ِويًّا ).
ّللا سبحانه المالئكة بالسجود لمعلمهم سجود أمر -كسجود الناس إلى الكعبة -وتشريف ،
فأمر ه
ال سجود عبادة ،فهذا السجود كالتواضع والخضوع ،واإلقرار بالسبق والفخر والشرف
ص 523
523
ّللا سبحانه ،ودليل قاطع على ثبوتوالتقدم له ،كتواضع التلميذ لمعلمه ،وذلك تشريف من ه
إرادته ،يختص برحمته من عباده من يشاء ،فلما نفخ فيه الروح األنزه ،والسر الحاكم المتأله
،عرفت المالئكة حينئذ قدر هذا البيت األعلى ،والمحل األشرف األسنى ،فأوقفهم الحق بين
يديه طالبين ،وأمرهم فوقعوا له ساجدين .
وقد عرفنا الحق أن سبب الحياة في صور المولدات إنما هو النفخ اإللهي ،وهو النفس الذي
ّللا به اإليمان فأظهره ،
أحيا ه
قال صلهى ه
ّللا عليه وسلم [ :إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن ] فحييت بذلك
ص 524
524
النفس الرحماني صورة اإليمان في قلوب المؤمنين واألحكام المشروعة ،وهذا الروح المنفوخ
ّللا ،فال يراه إال به ،وال يسمع كالمه إال به ،فإنه يتعالى
هو السر الذي عند المخلوق من ه
ويتقدس أن يدرك إال به ،فكل العناصر تجتمع على هذا السر اإللهي وتشتمل عليه ،وبه
سبهحت الصورة بحمده ،وحمدت ربها إذ ال يحمده سواه ،ولو حمدته الصورة من حيث هي ال
من حيث هذا السر لم يظهر الفضل اإللهي وال االمتنان على هذه الصورة ،وقد ثبت االمتنان
له على جميع الخالئق ،فثبت أن الذي كان من المخلوق هّلل من التعظيم والثناء إنما كان من
ذلك السر اإللهي ،ففي كل شيء من روحه ،وليس شيء فيه ،فالحق هو الذي حمد نفسه ،
وسبح نفسه ،وما كان من خير إلهي لهذه الصورة عند ذلك التحميد والتسبيح فمن باب المنة ال
من باب االستحقاق الكوني ،فإن جعل الحق له استحقاقا فمن حيث أنه أوجب
ص 525
525
الملوك ال بين الرعايا ،فلما أنزلهم الحق منزلته في الملك ،علمنا أنه لوال ث هم مناسبة تقتضيه
ما كان هذا ،فإذا المناسبة في أصل الخلقة ،
واله وملهكه وجعله خليفة عنه ،فما كانت وحي ) فهو ه وهي قوله تعالى َ (:ونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ
الرسل إال إلى والته ،فهذه إشارة إلى أن النفس الناطقة هي المخاطبة من الحق بواسطة
الرسول ،ولما كانت صورة اإلنسان األول المخلوق باليدين على الصورة اإللهية الجامعة ،
وتوجه عليها الرحمن بنفسه ،
ونفخ فيها روحا من أمره ،فحمل اإلنسان األول في تلك النفخة علم األسماء اإللهية التي لم
يحملها صورة العقل أول مخلوق ،فخرج على صورة الحق ،وفيه انته حكم النفس ،إذ ال
أكمل من صورة الحق ،
وحي فَقَعُوا لَهُ ِ
ساجدِينَ ) س َّو ْيتُهُ َونَفَ ْختُ فِي ِه ِم ْن ُر ِ
فقال تعالى (:فَإِذا َ
س َج َد ْال َمالئِ َكةُ ُكلُّ ُه ْم أ َ ْج َمعُونَ ».
« فَ َ
ص 526
526
عز وجل خلق جنة عدن بيده ،وكتب التوراة بيده ،وغرس شجرة طوبى بيده ،وخلق آدم ّللا ه
ه
الذي هو اإلنسان بيديه ]
ّللا آلدم في خلقه بين يديه ،علمنا أنه قد أعطاه صفة الكمال فخلقه كامال جامعا ، فلما جمع ه
ولهذا قبل األسماء كلها ؛ وقد وردت األخبار واآليات بتوحيد اليد اإللهية وتثنيتها وجمعها ،
وما ثنهاها إال في خلق آدم عليه السالم وهو اإلنسان الكامل ،
وال شك أن التثنية برزخ بين الجمع واإلفراد ،بل هي أول الجمع ،والتثنية تقابل الطرفين
بذاتها ،فلها درجة الكمال ،ألن المفرد ال يصل إلى الجمع إال بها ،والجمع ال ينظر إلى
المفرد إال بها ،فباإلنسان الكامل ظهر كمال الصورة ،
ّللا ،وهو البيت المعمور بالحق لما فهو قلب لجسم العالم الذي هو عبارة عن كل ما سوى ه
وسعه وال يسوغ هنا حمل اليدين على القدرة لوجود التثنية ،وال على أن تكون اليد الواحدة
النعمة ،واألخرى يد القدرة ،فإن ذلك سائغ في كل موجود ،فال شرف آلدم بهذا التأويل ،فال
ي »خالف ما ذكرناه مما يصح به التشريف ، بد أن يكون لقوله« ِبيَ َد َّ
ّللا كمال هذه النشأة اإلنسانية جمع لها بين يديه ،وأعطاها جميع حقائق العالم ، فإنه لما أراد ه
وتجلى لها في األسماء كلها ،فحازت الصورة اإللهية ،والصورة الكونية وجعلها روحا للعالم
،وجعل أصناف العالم له كاألعضاء من الجسم للروح المدبر له ،
فلو فارق العالم هذا اإلنسان مات العالم ،كما يتعطل الدنيا بمفارقة اإلنسان ،فالدار الدنيا
جارحة من جسد العالم الذي اإلنسان روحه ،ولكونه جامعا قابل الحضرتين بذاته ،فصحت له
الخالفة ،وتدبير العالم وتفصيله ،فإذا لم يحز إنسان رتبة الكمال فهو حيوان ،تشبه صورته
ّللا ما خلق أوال من هذا النوع إال الكامل وهو آدم عليه الظاهرة صورة اإلنسان ،فإن ه
ين )وكذلك ت »في نظرك ؟ بقوله (:أَنَا َخي ٌْر ِم ْنهُ َخلَ ْقتَنِي ِم ْن ٍ
نار َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ السالم «أ َ ْست َ ْكبَ ْر َ
ت »؟ ّللا أخبر عنه أنه استكبر فقوله تعالى« أ َ ْست َ ْكبَ ْر َ كان ،فإن ه
ت ِمنَ ْالعا ِلينَ »أي أنك في نفس على من هو مثلك يعني عنصريا« أ َ ْم ُك ْن َ
[ العالون من المالئكة ]
األمر خير منه فكنت من العالين عن العنصر ،ولست كذلك ،ويعني بالعالين من عال بذاته
ّللا
عن أن يكون عنصريا في نشأته النورية العنصرية وإن كان طبيعيا ،فهو علو المكانة عند ه
ّللا الذين لم يدخلوا تحت ،فهنا ظهر جهل إبليس ،وقد يريد بالعالين المالئكة المهيمة في جالل ه
األمر بالسجود ،فهم المهيمون الكروبيون ،وهم أرواح ما هم مالئكة ،فإن المالئكة هم الرسل
من هذه األرواح ،كجبريل عليه السالم وأمثاله ،فإن األلوكة هي الرسالة في
ص 527
527
ّللا ما ذكر أنه خاطب لسان العرب ،ولم تدخل األرواح المهيمة فيمن خوطب بالسجود ،فإن ه
إال المالئكة ،
ّللا خلق آدم ّللا ،ال تعلم أن ه ت ِمنَ ْالعا ِلينَ »وهم هذه األرواح المهيمة في جالل ه فقال «:أ َ ْم ُك ْن َ
باّلل ،أي هل أنت من هؤالء الذين ذكرناهم فلم تؤمر بالسجود ؟ وال شيئا لشغلهم ه
فالعالون هم العابدون بالذات ال باألمر ،ما أمروا بالسجود ألنهم ما جرى لهم ذكر في تعريف
ّللا إيانا ،ومن العالين اللوح والقلم فال يتمكن لهم إنكار آدم اإلنسان الكامل ، ه
والقلم قد سطره ،واللوح قد حواه ،
سطر رتبته وما يكون منه ،واللوح قد علم علم ذوق ما خطه القلم فيه ، فإن القلم لما سطره ه
ّللا خلقها في العماء وهيهمها في جالله ،ثم خلق الخلق فشغلهم وأما األرواح المهيمة فإن ه
ّللا خلق أحدا ، هيمانهم في جالل جماله أن يروا سواه ،فهم الذين ال يعرفون أن ه
ّللا لذاته فأعالهم الحق أن يكون شيء من الخلق لهم مشهودا وال نفوسهم ،فهم عبيد اختصهم ه
،والتجلي لهم دائم ،وهم فيه هائمون ال يعلمون ما هم فيه ،فهم ال يشهدون علو الحق ،ألنه
ال يشهد علو الحق إال من شهد نفسه ،
وهم في أنفسهم غائبون ،فهم أرفع األرواح العلوية ،وكل روح ال يعطي رسالة فهو روح ،
ال يقال فيه :ملك إال مجازا .
فالعالون ليسوا بمالئكة من حيث االسم ،فإنه موضوع للرسل منهم خاصة ،فمعنى المالئكة
الرسل ،وهو من المقلوب وأصله مألكة ،واأللوكة الرسالة والمألكة الرسالة ،فما تختص
ّللا للمالئكة( بجنس دون جنس ،ولهذا دخل إبليس في الخطاب باألمر بالسجود لما قال ه
ا ْس ُجدُوا )
ّللا فأبى ،فالرسالة جنس حكم يعم *ألنه ممن كان يستعمل في الرسالة فهو رسول ،فأمره ه
األرواح الكرام البررة السفرة والجن واإلنس ،من كل صنف من أرسل ،فكان قوله تعالى
ي »بحسب ما يليق بجالله على جهة التشريف اإللهي إلبليس« ما َمنَعَ َك أ َ ْن ت َ ْس ُج َد ِلما َخلَ ْقتُ ِبيَ َد َّ
الذي خص به آدم بخلقه بيديه ،إذ اليد بمعنى القدرة ال شرف فيها على من شرف عليه ،
واليد بمعنى النعمة مثل ذلك ،فإن النعمة والقدرة عمت جميع الموجودات ،فال بد أن يكون
لقوله بيدي أمر معقول له بخصوص وصف بخالف هذين وهو المفهوم من لسان العرب الذي
نزل القرآن بلغتهم ،
ت ِمنَت أ َ ْم ُك ْن َفإذا قال صاحب اللسان :إنه فعل هذا بيده ،فالمفهوم منه رفع الوسائط «أ َ ْست َ ْكبَ ْر َ
ْالعا ِلينَ »على طريق االستفهام بما هو به عالم ،ليقيم شهادته على نفسه بما ينطق به .
ّللا قادر أن يكون ّللا ،فإن ه
-مسئلة -هذه اآلية من أدل األدلة على إثبات األسباب عند ه
ص 528
528
آدم ابتداء من غير تخمير وال توجه يديه وال تسوية وال تعديل لنفخ روح ،بل يقول له :
كن فيكون ،ومع هذا خمر طينته بيديه وسواه وعدله ،ثم نفخ فيه الروح ،وعلمه األسماء ،
وأوجد األشياء على ترتيب .فقال إبليس .
ص 529
529
ّللا يحفظه ،فال يستطيع الوصول عليه بما يخرجه عن دينه وعلمه ،وجد في تلك الجهة وجه ه
ّللا سؤاله فقال له ( :ا ْذهَبْ )اآلية رقم 63سورة
إليه بالوسوسة .ولما سأل إبليس ذلك أجاب ه
اإلسراء -يعني إلى ما سألته مني ،وذكر له جزاءه وجزاء من اتبعه من اإلنس ،فكان جزاء
الشيطان أن رده إلى أصله الذي منه خلقه ،والذي اتبعه كذلك ،فقال .
( ) 39سورة ّ
الزمر مكيّة
الرحيم
الرحمن ّ
ّللا ّ
بسم ّ
[ سورة الزمر ( : ) 39آية ] 1
يم
الر ِح ِ
من هالرحْ ِ
ّللا ه س ِم ه ِبِ ْ
يز ا ْل َح ِك ِ
يم) ( 1 ّللا ا ْلعَ ِز ِ ت َ ْن ِزي ُل ا ْل ِكتا ِ
ب ِم َن ه ِ
ص 530
530
ّللا تعالى فهو بحسب ما يليق بجالله من غير تكييف وال تشبيه وال تصور ، كل ما ينسب إلى ه
بل كما تعطيه ذاته وما ينبغي أن ينسب إليها من ذلك ( ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو ) « ْالعَ ِز ُ
يز »
*فال يصل أحد إلى العلم وال إلى الظفر بحقيقته« ْال َح ِكي ُم » *الذي نزل لعباده في كلماته ه
فقرب
البعيد في الخطاب لحكمة أرادها تعالى .
ص 531
531
العبد من المخلصين ،ويكون الدين بهذا الحكم مستخلصا من حد من يعطي المشاركة فيه ،
ّللا من بني آدم من ظهورهمفيميل العبد به عن الشريك ،والعهد الخالص هو الذي لما أخذ ه
ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ،ثم ولد كل بني آدم على الفطرة ،
ّللا عليه وسلم [ :كل مولود يولد على الفطرة ] وهو قوله صلهى ه
وهو الميثاق الخالص لنفسه ،الذي ما ملكه أحد غصبا فاستخلص منه ،بل لم يزل خالصا
لنفسه في نفس األمر طاهرا مطهرا ،فإذا ولد المولود ونشأ محفوظا قبل التكليف ،ولم يرزأ
في عهده هذا بشيء مما ذكرناه آنفا ،فبقي عهده على أصله خالصا ،
وهو الدين الخالص -ال المخلص -من غير شوب خالطه حتى يستخلصوه منه ،فهو صاحب
العهد الخالص فال يشقى ،وأهل العهد الخالص على منابر ال يحزنهم الفزع األكبر على
نفوسهم وال على أحد ،ألنهم لم يكن لهم تبع في الدنيا ،وكل من كان له تبع في الدنيا فإنه وإن
أمن على نفسه فإنه ال يأمن على من بقي وعلى تابعه ،لكونه ال يعلم هل قصر وفرط فيما أمر
به أم ال ؟ فيحزنه الفزع األكبر عليه
ص »أي المستخلص من أيدي ربوبية األكوان ،وال يكون ذلك ِين ْالخا ِل ُ -الوجه الثاني « -ال هد ُ
ّللا إذا اعتنى بهم استخلصهم من ربوبية األسباب ،فإذا إال من المخلصين بفتح الالم ،فإن ه
استخلصهم كانوا مخلصين بكسر الالم فالدين الخالص ال يشوبه شيء من عمل ألجل ثواب أو
ّللا في إتيانه إن
ّللا إن كان واجبا ،أو إتيان ما رغب ه خوف عقاب ،وإنما يقصد امتثال أمر ه
كان تطوعا.
ّللا ُز ْلفى " وهم الذين يجعلون مع
" َوالَّذِينَ ات َّ َخذُوا ِم ْن دُونِ ِه أ َ ْو ِليا َء ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم ِإ َّال ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
ّللا إلها آخر . ه
ّللا بالغيب عين عبادته بالشهادة ،فإن اإلنسان وكل عابد ال يصح أن ّللا أن عبادة ه اعلم أيدك ه
يعبد معبوده إال عن شهود ،إما بعقل أو ببصر أو بصيرة ،فالبصيرة يشهده العابد بها فيعبده ،
وإال فال تصح له عبادة ،فما عبد إال مشهودا ال غائبا ،
ّللا كأنك تراه ] فأمره باالستحضار وأمره بتصوره في ّللا عليه وسلم [ :اعبد ه لذلك قال صلهى ه
ّللا على العباد تنزيهه وال تخيله ،وإنما حجر عليه أن يكون محسوسا الخيال مرئيا ،فما حجر ه
له ،وأعظم من الشرك ال يكون ،
ّللا ُز ْلفى » فما عبدوا الشركاء ألعيانهم ،فإن وقد قال المشرك« ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم إِ َّال ِليُقَ ِ هربُونا إِلَى َّ ِ
ّللا تعالى ،
ّللا أبدا ،فما أخذوا لكونهم عبدوهم ،فإن المشرك ما جحد ه العبادة هّلل ال تكون لغير ه
بل أقر به وأقر له بالعظمة والكبرياء على من اتخذه قربة إليه ،فلو ال وضع اسم األلوهية على
الشريك ما عبدوه ،فإن نفوس األناسي باألصالة تأنف من عبادة المخلوقين ،وال سيما
ص 532
532
ّللا ،ال يتعبدهم مخلوق ،فما من أمثالها ،فأصحبوا عليها االسم اإللهي حتى ال يتعبدهم غير ه
باّلل في وضع هذا االسم على المخلوق إال التنزيه هّلل الكبير المتعالي ، جعل المشرك يشرك ه
ولكن ال بد من أخذ المشركين لتعديهم باالسم غير محله وموضعه ،ولم يرد عليه أمر بذلك من
ّللا ال يأمر خلقه وال يصح أن يأمر ّللا ،ومن المحال أن ترد عبادة وإن ورد سجود ،فإن ه ه
خلقه بعبادة مخلوق ،ويجوز أن يأمرنا بالسجود للمخلوق ،فمن سجد عبادة لمخلوق عن أمر
ّللا كان طاعة وسعد ّللا فقد شقي ،ومن سجد غير عابد لمخلوق عن أمر ه ّللا أو عن غير أمر ه ه
ّللا فما وقعت المؤاخذة إال لكون ما وقع ّللا في قلبه إلى ه ،فإن المشرك وإن أفرد عظم عظمة ه
ّللا ،في حق أشخاص معينين ،ونقل االسم إلى أولئك األشخاص ،فمن من ذلك عن غير أمر ه
هذا يعلم أنه ال يصح شرك عام وال تعطيل عام ،وإنما هي أسماء سموها أطلقوها على أعيان
ّللا ،فأخذوا بعدم التوقيف ،والسبب في نسبة األلوهية لهذه محسوسة وموهومة عن غير أمر ه
الصور المعبودة ،هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق تجلى لهم في مظهر من المظاهر
اإللهية ،فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور ،ومن قوة بقائهم على الفطرة أنهم ما
عبدوه على الحقيقة في الصور ،وإنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقريب
كالشفعاء ،ومن ذلك نعلم أن العالم لم يزل في حال عدمه مشاهدا لواجب الوجود ،ولهذا لم
ينكره أحد من الممكنات في حال وجوده ،إال أن هذا الموجود اإلنساني وحده من بين العالم
أشرك بعضه به ممن غلب عليه حجاب الطبع ،وهو ما اعتاد أن يسمع ويطيع ويعبد باألصالة
إال لرب يشهده ،وقد صير ذلك المعبود حجاب الطبع غيبا له ،فاتخذ ما اتخذ من الموجودات
التي يشهدها ويراها ،إما من العالم السماوي كالكواكب ،وإما من العالم األسفل كالعناصر أو
ما تولد عنها ،ربا يعبده على المشاهدة التي اعتادها ،وسكنت نفسه بها إليه ،وتوهم في نظره
ّللا ه
عز أن ذلك المتخذ إلها يشهد الحق ،وأنه أقرب إليه منه ،فعبهد نفسه له خدمة ليقربه إلى ه
ّللا عنهم أنهم قالوا« ما نَ ْعبُ ُد ُه ْم »يعني اآللهة التي اتخذوها للعبادة« ِإ َّال
وجل ،كما أخبر ه
ّللا ُز ْلفى »فأكدوه بزلفى ،واتخذوهم شهداء ولذا قال تعالى ( :وادعوا شهداءكم ِليُقَ ِ هربُونا ِإلَى َّ ِ
إن كنتم صادقين ) حيث زعموا أنها تشهد لهم أنهم على الحق ،ورغم أن المشركين جعلوا
العظمة والكبرياء هّلل ،وجعلوا اآللهة التي اتخذوها كالسدنة والحجاب ،فإن قرائن األحوال تدل
على القطع بمؤاخذتهم ،لكونهم اتخذوها عن
ص 533
533
نظرهم ال عن وضع إلهي ،ولم يفرقوا بين ما هو وضع هّلل في خلقه وبين ما وضعوه ألنفسهم
من أنفسهم ،مثال ذلك ،ما وضعه الحق لعباده من تقبيل الحجر األسود والسجود ،وجعل
الكعبة قبلة ،إلى غير ذلك ،فيقال للمشركين :وإن كنتم ما عبدتم كل من عبدتموه إال بتخيلكم
أن األلوهة صفته ،فما عبدتم غيرها ،ليس األمر كذلك ،فإنكم شهدتم على أنفسكم أنكم ما
ّللا زلفى ،فأقررتم مع شرككم أن ث هم إلها كبيرا ،هذه اآللهة خدمتكم
تعبدونها إال لتقربكم إلى ه
ّللا ،فهذه دعوى بغير برهان ،فإذ وقد اعترفوا أنهم عبدوا الشريك ليقربهم إياها تقربكم من ه
ّللا زلفى ،فتح القائل على نفسه باب االعتراض عليه ،بأن يقال له :ومن أين علمتم أن إلى ه
ّللا هذه المكانة بحيث أن جعلها معبودةهذه الحجارة أو غيرها لها عند ه
ص 534
534
وما له ظهور إال من الصاحبة التي هي األم ،فيكون االصطفاء في حق الصاحبة ،أو يكون
يعلق االصطفاء للبنوة ؟ فذلك التبني ال البنوة ،فنفى تعلق اإلرادة باتخاذ الولد ،واإلرادة ال
تتعلق إال بمعدوم ،فإن لو حرف امتناع ،ولكنه امتناع شيء المتناع غيره ،فإذا جاء حرف ال
بعد لو كان لو حرف امتناع لوجود ،ولم يأت في هذه اآلية ال ،فنفى أن تتعلق اإلرادة باتخاذ
الولد ،ولم يقل :أن يلد ولدا ؛ فإنه يقول ( لم يلد ) والولد المتخذ يكون موجود العين من غير
أن يكون ولدا ،فيتبنى بحكم االصطفاء ،والتقريب في المنزلة أن ينزله من نفسه منزلة الولد
من الوالد الذي يكون عليه والدة ،والحقيقة تمنع الوالدة والتبني ،ألن النسبة مرتفعة عن
ّللا لجميع الخلق نسبة واحدة ال تفاضل فيها ،إذ التفاضل يستدعي الذات ،والنسبة اإللهية من ه
الكثرة ،فلهذا أتى بلفظة لو ولم يجعل بعدها لفظة ال ،فكان حرف امتناع ،أي لم يقع ذلك وال
صاحبَةً َوال َولَدا ً )بعد ِ يقع ،المتناع الذات أن توصف بما ال تستحقه ،ولهذا قال( َما ات َّ َخذَ
قوله( َوأَنَّهُ تَعالى َج ُّد َر ِبهنا )فوصفه بالعلو عن قيام هذا الوصف لعظمة الرب المضاف إلى
ّللا ؟ فكيف بالذات من المربوب بالذكر ،فكيف بالرب من غير إضافة لفظية ؟ فكيف باالسم ه
غير اسم ؟ فجاء بحرف لو فدل على االمتناع ،
فلم يكن من الوجهين :ال التبني وال اصطفاء الصاحبة ،وأعظم من هذا التنزيه ال يكون ،
وهذه اآلية دليل على أن قدرة الحق مطلقة على إيجاد المحال لو شاء وجوده ،كما ذكره عن
طفى ص َ ّللاُ أ َ ْن يَت َّ ِخذَ َولَدا ً َال ْ
نفسه ما هو محال في العقل بما يعطيه دليله ،فقال تعالى «:لَ ْو أَرا َد َّ
ِم َّما يَ ْخلُ ُق ما يَشا ُء »فألحقه بالنسبة إلى المشيئة اإللهية بدرجة اإلمكان ،والعقل قد دل على أن
ذلك محال ،ال من كونه لم يرده ،فكانت هذه اآلية أولها جرح ،جرح به العقل في صحة دليله
ّللاُ ْال ِ
واح ُد سبْحانَهُ »أي هو المنزه « ُه َو َّ ليبطله ،ثم داوى ذلك الجرح في آخر اآلية بقوله« ُ
ْالقَ َّها ُر »
-الوجه األول -أن يكون ألحديته ثان –
ّللا تعالى لو أراد إيجاد ما هو محال الوجود لنفسه الوجه الثاني -ذهب بعض الناس إلى أن ه
ألوجده ،وإنما لم يوجده لكونه ما أراد وجود المحال الوجود ،فصاحب هذا القول يقول :إن
الحق أعطى المحال محاله والواجب وجوبه والممكن إمكانه ،فهذا القائل ال يدري ما يقول ،
فإنه سبحانه واجب الوجود لنفسه ،فهو كما قال القائل :أراد أن يعربه فأعجمه ،فإنه أراد أن
ينسب إليه تعالى نفوذ االقتدار ،ولم يعلم متعلق االقتدار ما هو ؟ فعلهقه بما ال يقتضيه ،وصير
الحق
ص 535
535
ّللا تعالى « لو أراد أن يتخذ
من قبيل الممكنات من حيث ال يشعر ،فإن قلت :فما فائدة إخبار ه
ولدا » فعلق اإلرادة بالمحال لنفسه ؟ فكيف أدخله تحت نفي تعلق اإلرادة التي ال يدخل تحتها
إال الممكن ،وهو الذي أشار إليه هذا الذي جهلناه وخطأناه في قوله ؟ فاعلم أن هذا من غاية
الكرم اإللهي ،حيث أنه قد سبق في علمه إيجاد مثل هذا الشخص من فساد العقل الذي قد
قضى به له في قسمه ،فلما قضى بهذا ،علم أن عقله ال بد أن يعتقد مثل هذا ،وهو غاية
ّللا تعالى بنفي تعلق اإلرادة بالمحال الوقوع لنفسه ،فيأخذ الكامل العقل منباّلل ،فأخبر ه
الجهل ه
ذلك نفي تعلق اإلرادة بما ال يصح أن تتعلق به ،ويأخذ منه هذا الضعيف العقل أنه سبحانه
لوال ما قال :لو ،وإال كان يفعل ،فيستريح إلى ذلك وال ينكسر قلبه ،حيث أراد نفوذ االقتدار
ّللا
ّللا به عليه فيزيد شكرا ،حيث لم يجعل ه اإللهي وقصد خيرا ،وليعلم الكامل العقل ما فضله ه
ّللا قد فضله عليه بدرجة لم ينلها من قصر عقله هذاعقله مثل هذا الناقص العقل ،فيعلم أن ه
ّللا على
ّللا يقدر على المحال ،والذي ينبغي أن يقال :إن ه
القصور ،ولذلك قالت جماعة :إن ه
ّللا ،والقدرة تطلب محلها الذي تتعلق به ،فالعالم العاقل يعلم متعلق
كل شيء قدير ،كما قال ه
كل نسبة فيضيفها إليها .
ص 536
536
[ إشارة :ال يتمكن لإلنسان المشي في ظلمة باطنه إال بسراج العلم ]
ق »وهو الخلق في الرحم" ون أ ُ َّمها ِت ُك ْم خ َْلقا ً ِم ْن بَ ْع ِد خ َْل ٍ
ط ِ" يَ ْخلُقُ ُك ْم ِفي بُ ُ
ث »ظلمة الرحم وظلمة المشيمة وظلمة البطن . ظلُما ٍ
ت ثَال ٍ فِي ُ
-إشارة -إذا ولد اإلنسان اندرجت ظلمته فيه ،فكان ظاهره نورا وباطنه ظلمة ،فال يتمكن
له المشي في ظلمة باطنه إال بسراج العلم ،إن لم يكن له هذا السراج فإنه ال يهتدي« ذ ِل ُك ُم َّ
ّللاُ
ص َرفُونَ »هذا هو التوحيد السابع والعشرون في القرآن ، َربُّ ُك ْم لَهُ ْال ُم ْلكُ ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو فَأَنَّى ت ُ ْ
وهو توحيد اإلشارة ،فما في الكون مشار إليه إال هو« فَأَنَّى ت ُ ْ
ص َرفُونَ »
ألن اإلشارة ال تقع من المشير إال ألمر حادث عنده ،وإن لم يكن في عينه في نفس األمر
حادثا ،ولكنه يعلم أنه حدث عنده ،وما يحدث أمر عند من يحدث عنده ،إال وال بد أن يجهل
أمره عندما يحدث عنده ،لشغله بحدوثه عنده وأثره فيه ،فيشير إليه في ذلك الوقت وفي تلك
الحالة رفيقه ،وهو على نوعين - :
إذ ما له رفيق سوى اثنين -إما عقله السليم وإما شرعه المعصوم ،وما ث هم إال هذا ،ألنه ما ث هم
من يقول له في هذه اإلشارة«
ّللاُ َربُّ ُك ْم لَهُ ْال ُم ْلكُ ال إِلهَ إِ َّال ُه َو »إال أحد هذين القرينين ،إما العقل السليم أو الشرع ذ ِل ُك ُم َّ
المعصوم ،وما عدا هذين فإنه يقول له خالف ما قال هذان القرينان ،فيقول له :هذا الدهر
وتصرفه ،
ويقول اآلخر :هذه الطبيعة وأحكامها ،ويقول اآلخر :هذا حكم الدور ،فيصرفه كل قائل إلى
ّللا من يشاء ويهدي من يشاء ص َرفُونَ »فيضل ه ما يراه ،فهو قول هذين القرينين« فَأَنَّى ت ُ ْ
بالقرآن .
ص 537
537
ّللا من سفساف األخالق ،وما لنا من األمر يَ ْرضى ِل ِعبا ِد ِه ْال ُك ْف َر »وكذا كل عمل ال يرضي ه
ّللا ،فهي مرادةاإللهي إال صيغة األمر ،وهي من جملة المخلوقات في لفظ الداعي إلى ه
ضهُ لَ ُك ْم »وكذا كل عمل
ّللا ،فتنبه واعتبر« َوإِ ْن ت َ ْش ُك ُروا يَ ْر َ
معلومة كائنة في فم الداعي إلى ه
ّللا من مكارم األخالق ،فتتبع الشرع تعلم كل صفة علق الذم بها فاجتنبها . يرضي ه
ص 538
538
ّللا ممن استوى خوفه ّللا ،وأول داخل عليه أهل الذكر ،جعلنا ه مفتوحا ،يدخل عليه أهل ه
ورجاؤه في الحياة الدنيا إلى حين موته عند االحتضار ،فيغلب رجاؤه على خوفه« قُ ْل ه َْل
ت لَي َ
ْس يَ ْست َ ِوي الَّذِينَ يَ ْعلَ ُمونَ َوالَّذِينَ ال يَ ْعلَ ُمونَ »وهو قوله تعالى َ (:ك َم ْن َمثَلُهُ فِي ُّ
الظلُما ِ
ج ِم ْنها )خار ٍ
بِ ِ
باّلل أسنى الكرامات ،ألن موطنه الدنيا وهو المطلوب ،وبه تقع المنفعة ولو لم اعلم أن العلم ه
يعمل به ،فالعلماء هم اآلمنون من التلبيس ،فإن العلم أسنى تحفة وأعظم كرامة ،ولو قامت
عليك به الحجة ،فإنه يجعلك تعترف وال تحاجج ،فإنك تعلم ما لك وما عليك وما له ،وما أمر
ّللا عليه وسلم أن يطلب منه الزيادة من شيء إال من العلم ،ألن الخير كله ّللا تعالى نبيه صلهى ه ه
فيه ،وهو الكرامة العظمى ،والبطالة مع العلم أحسن من الجهل مع العمل ،وال أعني بالعلم
باّلل والدار اآلخرة ،وما تستحقه الدار الدنيا وما خلقت له وألي شيء وضعت ،حتى إال العلم ه
يكون اإلنسان من أمره على بصيرة حيث كان ،فال يجهل من نفسه وال من حركاته شيئا ،
ّللا شقاوة ّللا وهو السعادة ،وإذا أراد ه والعلم صفة إحاطية إلهية ،فهي أفضل ما في فضل ه
العبد أزال عنه العلم ،فإنه لم يكن العلم له ذاتيا بل اكتسبه ،وما كان مكتسبا فجائز زواله ،
ويكسوه حلة الجهل ،فإن عين انتزاع العلم جهل ،وال يبقى عليه من العلم إال العلم بأنه قد
ّللا تعالى عليه هذا العلم بانتزاع العلم لما تعذب ،فإن الجاهل انتزع عنه العلم ،فلو لم يبق ه
الذي ال يعلم أنه جاهل فارح مسرور ،لكونه ال يدري ما فاته ،فلو علم أنه قد فاته خير كثير
يسو
ما فرح بحاله ولتألم من حينه ،فما تألم إال بعلمه ما فاته أو مما كان عليه فسلبه ،لذلك لم ه
تعالى بين الذين يعلمون والذين ال يعلمون ،فإنه ما وضع حكما إال ليستعمل في محكوم عليه
ولو لم يرد استعماله لكان عبثا ،ولو لم يوجد من يستعمل فيه ذلك الحكم ومن يعمل به لكان
أيضا عبثا وقد أخبر سبحانه وتعالى عباده بشرف العلم حيث وصف به نفسه ،فبالعلم الشرف
التام ،وليس في الصفات أعم تعلقا منه ،لتعلقه بالواجبات والجائزات والمستحيالت ،وغيره
من الصفات ليس كذلك ،
واعلم أن الشرف الذي للعلم شرفان :من حيث ذاته ،ومن حيث معلومه ،
فالذي له من حيث ذاته ،كونه يوصلك إلى حقيقة الشيء على ما هي عليه ،ويزيل عنك
أضداده إذا قام بك ،كالجهل بذلك المعلوم والظن والشك والغفلة وما ضاده ،والذي له من
حيث معلومه فمعلومه يكسبه ذلك الشرف ،فكما أن بعض المعلومات أشرف من بعض ،
كذلك بعض العلوم
ص 539
539
أشرف من بعض ،فكثير بين من قام به العلم بأوصاف الحق تعالى وأفعاله ،وبين من قام به
العلم بأن زيدا في الدار وخالدا في السوق ،فكما أنه ليس بين المعلومين مناسبة في الشرف ،
ّللا سبحانه وتعالى مدح كذلك العلمان ،فهذا هو الشرف الطارئ على العلم من المعلوم ،ثم إن ه
من قامت به صفة العلم وأثنى عليه ،ووصف بها عباده كما وصف نفسه في غير موضع من
ّللاُ أَنَّهُ ال ِإلهَ ِإ َّال ُه َو َو ْال َمالئِ َكةُ َوأُولُوا ْال ِع ْل ِم قائِما ً ِب ْال ِقس ِ
ْط ش ِه َد َّ
الكتاب العزيز ،كقوله تعالى َ (:
)فأخبر تعالى أن العلماء هم الموحدون على الحقيقة ،والتوحيد أشرف مقام ينته إليه ،وليس
وراءه مقام إال التشبيه والتعطيل ،فمن زلهت قدمه عن صراط التوحيد رسما أو حاال وقع في
الشرك ،فمن زلت قدمه في الرسمي فهو مؤبد الشقاء ال يخرج من النار أبدا ،ال بشفاعة وال
بغيرها ،ومن زلت قدمه في الحالي فهو صاحب غفلة ،يمحوها الذكر وما شاكله ،فإن
ّللا وعنايته ،وليس الفرع كذلك ،وكقوله أيضا جل بمن ه األصل باق يرجى أن يجبر فرعه ،ه
علَّ ْمناهُ ِم ْن لَ ُدنَّا ِع ْلما ً )وهو علم اإللهام ،فالعالم أيضا ثناؤه في صاحب موسى عليه السالم( َو َ
ّللا ِم ْن ِعبا ِد ِه ْالعُلَما ُء )فالعالم صاحب صاحب إلهام وأسرار ،وكقوله تعالى ِ (:إنَّما يَ ْخشَى َّ َ
ّللا العالم الخشية ،وكقوله تعالى َ (:وما يَ ْع ِقلُها ِإ َّال ْالعا ِل ُمونَ )فالعالم أيضا صاحب الفهم عن ه
الرا ِس ُخونَ فِي ْال ِع ْل ِم )فالعالم هو الراسخ الثابت ّللا وتفاصيلها ،وكقوله تعالى َ (:و َّ بحكم آيات ه
الذي ال تزيله الشبه وال تزلزله الشكوك ،لتحققه بما شاهده من الحقائق بالعلم ،وكقوله تعالى
علَما ُء بَنِي ِإسْرائِي َل )فالعلماء هم الذين علموا الكائنات قبل (:أ َ َولَ ْم يَ ُك ْن لَ ُه ْم آيَةً أ َ ْن يَ ْعلَ َمهُ ُ
ّللا تعالى نبيه وجودها ،وأخبروا بها قبل حصول أعيانها ،وهي الصفة الشريفة التي أمر ه
ّللا عليه وسلم بالزيادة منها ،فقال تعالى َ (:وقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً )ولم يقل له ذلك محمدا صلهى ه
في غيره من الصفات ،وإنما أكثرنا هذا في العلم ،ألن في زماننا قوما ال يحصى عددهم ،
غلب عليهم الجهل بمقام العلم ،ولعبت بهم األهواء حتى قالوا :إن العلم حجاب ؛ ولقد صدقوا
وّللا حجاب عظيم ،يحجب القلب عن الغفلة والجهل وأضداده ،فما في ذلك لو اعتقدوه ،أي ه
ّللا بالحظ الوافر منها ،وكيف ال يفرح بهذه الصفة ويهجر من أجلها أشرفها من صفة ،حبانا ه
الكونان ،ولها شرفان كبيران عظيمان ؟
ّللا سبحانه وصف بها نفسه ،والشرف اآلخر أنه مدح بها أهل خاصته من الشرف الواحد أن ه
من علينا سبحانه ولم يزل مانها بأن جعلنا ورثة أنبيائه فيها ،فقال أنبيائه ومالئكته ،ثم ه
ص 540
540
ّللا عليه وسلم [ :العلماء ورثة األنبياء ] واعلم أن حد العلم وحقيقته المطلقة معرفة صلهى ه
الشيء على ما هو عليه ،والمفيدة العمل به ،وهو الذي يعطيك السعادة األبدية ،وال تخالف
فيه ،وكل من ادعى علما من غير عمل به ،فدعواه كاذبة إن تعلق به خطاب للعمل ،وإذا
تحقق ما أردناه وما أشرنا إليه ،فليقل من شاء ما شاء ،وكل حجة تناقض ما أشرنا إليه
وّللا غفور رحيم .واعلم أن العلم نور من أنوار ّللا ومغفرة ،ه
فداحضة ،وعلى قائلها توبة من ه
ّللا تعالى يقذفه في قلب من أراده من عباده ،قال تعالى( أ َ َو َم ْن كانَ َميْتا ً فَأ َ ْحيَيْناهُ َو َجعَ ْلنا لَهُ ه
اس )وهو العلم ،وهو معنى قائم بنفس العبد ،يطلعه على حقائق األشياء نُورا ً يَ ْم ِشي ِب ِه ِفي النَّ ِ
،وهو للبصيرة كنور الشمس للبصر مثال ،بل أتم وأشرف ،وأجناس العلوم كثيرة :منها علم
النظر وعلم الخبر وعلم النبات وعلم الحيوان وعلم الرصد إلى غير ذلك من العلوم ،ولكل
جنس من هذه العلوم وأمثالها فصول تقومها وفصول تقسمها ،فلننظر ما نحتاج إليه في أنفسنا
مما تقترن به سعادتنا ،فنأخذه ونشتغل به ،ونترك ما ال نحتاج إليه احتياجا ضروريا ،مخافة
ّللا تعالى ،والذي نحتاج إليه من فصول هذه فوت الوقت ،حتى تكون األوقات لنا إن شاء ه
األجناس فصالن :فصل يدخل تحت جنس النظر وهو علم الكالم ،ونوع آخر يدخل تحت
جنس الخبر وهو الشرع ،والمعلومات الداخلة تحت هذين النوعين التي نحتاج إليها في
تحصيل السعادة ثمانية :وهي الواجب والجائز والمستحيل والذات والصفات واألفعال وعلم
السعادة وعلم الشقاوة ،فهذه الثمانية واجب طلبها على كل طالب نجاة نفسه ،وعلم السعادة
والشقاوة موقوف على معرفة ثمانية أشياء أيضا ،منها خمسة أحكام :وهي الواجب
والمحظور والمندوب والمكروه والمباح ،وأصول هذه األحكام ثالثة ال بد من معرفتها :
الكتاب والسنة المتواترة واإلجماع ،ومعرفة هذه األشياء ال بد منها ،والناس في تحصيلها
على مرتبتين :عالم ومقلد لعالم ،فإذا علمها الطالب وصح نظره فيها توجهت عليه وظائف
التكليف ،فاختصت من اإلنسان بثمانية أعضاء :العين واألذن واللسان واليد والبطن والفرج
والرجل والقلب ،والعلم بتكليفات هذه األعضاء هو العلم باألعمال القائدة إلى السعادة إذا عمل
بها ،ولما كان أصل السعادة موافقتنا للحق تعالى فيما أمر به ونهى ،وموافقته التوحيد في
باطن العبد بنفي األغيار ،فإن أول ما يجب عليك -إن رزقت الموافقة والتوفيق -العلم
باألمور التي مهدناها ،فإذا علمتها توجه عليك العمل بها ،وإن كان طالب العلم في عمل من
حيث
ص 541
541
طلبه ،ولكن يعطيك العلم العمل بأمور أخر توجه عليك بها خطاب الشارع ،كما أن العلم لم
يصح طلبه إال بالعلم ،فمن حصل له العلم باألحكام التي يحتاج إليها في مقامه ،فال يكثر مما
ال يحتاج إليه ،فإن التكثير مما ال حاجة فيه سبب في تضييع الوقت عما هو أهم ،وذلك أنه
يعول أن يلقي نفسه في درجة الفتيا في الدين -ألن في البلد من ينوب عنه في ذلك - من لم ه
حتى ال يتعين عليه طلب األحكام كلها في حق الغير ،طلب فضول العلم ؛ فيأخذ منها ما توجه
عليه في الوقت من علم تكليف ذلك الوقت ،والعلم الذي يعم كل إنسان في الحال عند البلوغ
على أحد أنواعه وشروطه من اإلسالم وسالمة العقل ،علم العقائد بواضحات األدلة وإن كانت
فطرته تعطي النظر والنجح فيه ،ومن لم يكن ذلك في فطرته -وكان جامدا -يخاف عليه إن
فتح له باب النظر إليراد شبهات الملحدة ،فمثل هذا يعطى العقائد تقليدا مسلمة ،ويزجر عن
يعرف بقواعد النظر إن أراده في ذلك العلم بأشد الزجر ،فإذا صحت عقيدته بالعلم أو التقليد ،ه
عرف ترتب عليه أن يعرف أوقات العبادات ،فإذا دخل وقت الصالة مثال تعين اإلسالم ،فإذا ه
عليه أن يعرف الطهارة وما تيسر من القرآن ،ثم يعلم الصالة ،ال يحتاج إلى غير هذا ،فإذا
أدركه رمضان وجب عليه أن ينظر في علم الصيام ،فإن أخذه الحج وجب عليه حينئذ علمه ،
فإن كان له مال وحال عليه الحول تعين عليه علم زكاة ذلك الصنف من المال ال غير ،فإن
باع واشترى وجب عليه علم البيوع والمصارفة ،وهكذا سائر األحكام ال تجب عليه إال عندما
يتعلق به الخطاب ،فذلك وقت الحاجة إليها ،فإن قيل :يضيق الوقت عن نيل علم ما خوطب
به في ذلك الوقت ،قلنا :
لسنا نريد عند حلول الوقت المعيهن ،وإنما نريد بقربه بحيث أن يكون له من الزمان قدر ما
يحصل ذلك العلم المخاطب به ،ويدخل عقيبه وقت العمل ،وهكذا ينبغي أن تقرأ العلوم
وتنظر المعارف ،ويربط اإلنسان نفسه بما فيه سعادته ونجاته ،وليعمر أوقاته بما هو أولى به
،وليحذر العبد أن تفتح له خزائن الغفالت تصرفه في المباحات ،وليمألها بالذكر وأشباه
المندوبات ،وهذا ال يصح له ما لم يعرف الواجبات حتى يسرع إليها ويؤديها ،والمحظورات
حتى يجتنبها ،والمندوبات حتى يرغب فيها والمكروهات حتى يحفظ نفسه منها ،والمباحات
باّلل من الغفلة ،وتحقيق هذه المعاني التي هي أم األحكام أصول الفقه ،ويعرف حتى يتعوذ ه
ّللا
أيضا ما تحت كل واحد منها على التشخيص مما يلزمه كما تقدم ،ومعرفة هذا من كتاب ه
ص 542
542
ّللا عليه وسلم وإجماع العلماء ،فإذا عرفت هذا والزمت العمل ّللا صلهى ه
تعالى وسنة رسول ه
فأنت الموفق السعيد فال يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون « ِإنَّما يَتَذَ َّك ُر أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
ب
»هذا إعالم بأنهم علموا ثم طرأ النسيان على بعضهم ،فمنهم من استمر عليه حكم النسيان ،
ّللا فنسيهم ،ومنهم من ذ هكر فتذ هكر ،وهم أولو األلباب وهم أرباب العقول التي لها ألباب فنسوا ه
ّللا ،مما ال يقبله ،وهو الفهم فيما يرد على العقول ،بما فيها من صفة القبول لما يرد من ه
العقل الذي ال لب له من حيث فكره ،فمن رزق الفهم فقد رزق العلم ،وما كل من رزق العلم
كان صاحب فهم .
ص 543
543
[سورة الزمر ( : ) 39اآليات 15إلى ] 17
يه ْم يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة أَال
س ُه ْم َوأ َ ْه ِل ِ
س ُروا أ َ ْنفُ َ ين الهذ َ
ِين َخ ِ س ِر َ شئْت ُ ْم ِم ْن دُو ِن ِه قُ ْل ِإ هن ا ْلخا ِفَا ْعبُدُوا ما ِ
ف ظلَ ٌل ذ ِلكَ يُ َخ ّ ِو ُ ظلَ ٌل ِم َن النه ِار َو ِم ْن تَحْ تِ ِه ْم ُ ين ( ) 15لَ ُه ْم ِم ْن فَ ْوقِ ِه ْم ُ ران ا ْل ُمبِ ُ
س ُ ذ ِلكَ ُه َو ا ْل ُخ ْ
غوتَ أ َ ْن يَ ْعبُدُوها َوأَنابُوا إِلَى ه ِ
ّللا لَ ُه ُم ِين اجْ تَنَبُوا ال ه
طا ُ ون ( َ ) 16والهذ َ ّللاُ بِ ِه ِعبا َدهُ يا ِعبا ِد فَاتهقُ ِ ه
ش ْر ِعبا ِد ) ( 17 ا ْلبُشْرى فَبَ ِ ّ
اإلنسان ما دام حيا إذا كان كافرا يرجى له اإلسالم ،وإذا كان مسلما يخاف عليه الكفر ،فإن
شر ،ومع البشرى يرتفع الخوف لصدق المخبر ، الدنيا ما هي دار طمأنينة لمخلوق ما لم يب ه
ويبقى الحكم للحياء والخشوع ،والبشرى إظهار عالمة حصولها في البشرة .
ص 544
544
ّللا «أُول ِئ َك الَّذِينَ
الخاصة ،تكن ممن جمع له القرآن فاجتمع عليه ،وتكن من الذين هداهم ه
ّللاُ »أي وفقهم بما أعطاهم من البيان إلى معرفة الحسن واألحسن ،وبيهن لهم الحسن من هَدا ُه ُم َّ
ب »بما حفظهم من االستمداد لبقاء ذلك من القبيح ،فشهد لهم الوهاب« َوأُولئِ َك ُه ْم أُولُوا ْاأل َ ْلبا ِ
نوره ،فعقلوا ما أردنا ،وهو من لب الشيء المصون بالقشر ،فيعني بأولي األلباب
المستخرجين لبه األمر المستور بالقشر صيانة له ،فإن العين ال تقع إال على الحجاب ،
والمحجوب ألولي األلباب ،فهم الغواصون على خفايا األمور وحقائقها ،المستخرجون
كنوزها ،والحالهون عقودها ورموزها ،والعالمون بما تقع به اإلشارات في الموضع الذي ال
تسمح فيه العبارات ،فحسن القول يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ،ويقف بك على
المعاني الغامضة فيوضحها لك ،وعالمة من علم أحسن القول االتباع لما دل عليه ذلك القول
،فيقابل الطول بالطول ،هل جزاء اإلحسان إال اإلحسان .
ص 545
545
ماء مستحيل من أبخرة كثيفة ،قد أزال التقطير ما كان تعلق به من الكثافة ،والماء اآلخر ماء
لم يبلغ من اللطافة هذا المبلغ ،وهو ماء العيون واألنهار ،فإنه ينبع من األحجار ممتزجا
بحسب البقعة التي ينبع بها ويجري عليها ،ويختلف طعمه فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج
ومنه مر زعاف ،وماء الغيث على حالة واحدة ،ماء نمير خالص سلسال سائغ شرابه .
ص 546
546
محسوس ،وتحقيق ذلك ما قررناه ،ويؤكد ذلك وضع الوزر ،الذي معناه إزالة أثر االنحراف
الذي هو من خصائص الشيطان عنه على أثر ذلك ،وشرح الصدر في سورة ألم نشرح« فَ ُه َو
ور ِم ْن َر ِبه ِه »من سلك على شرع األنبياء والرسل ،ولم يتعد حدود ما قرروه ،واتقوا
على نُ ٍ َ
ّللا ،فهم على نور من ربهم .
ّللا ولزموا األدب مع ه ه
ص 547
547
ّللا عليه وسلم مع الحق سبحانه تعالى مع قطعه بأنه يموت ،فإن انظر إلى أدب الرسول صلهى ه
ت َو ِإنَّ ُه ْم َم ِيهتُونَ »كيف استثنى لما أتى البقيع ووقف على القبور وسلهم ّللا يقول له ِ «:إنَّ َك َم ِيه ٌ ه
عليهم قال [ :وإنا إن شاء هللا بكم الحقون ] فاستثنى في أمر مقطوع به ،فبقي على األصل
ّللا تعالى لقوله (: ّللا ،لما أتى في قوله [ الحقون ] باسم الفاعل استثنى امتثاال ألمر ه أدبا مع ه
ّللاُ )والموت أشرف من القتل ،فإنه صفة ش ْيءٍ ِإ ِنهي فا ِع ٌل ذ ِل َك غَدا ً ِإ َّال أ َ ْن يَشا َء َّ َوال تَقُولَ َّن ِل َ
ّللا عليه وسلم ،ألن األكابر ال يتميزون بخرق العوائد ،فهم مع الناس عموما األشرف صلهى ه
في جميع أحوالهم بظواهرهم ،وصحبة الرفيق األعلى أولى ،والرفيق بعبده أرفق ،وهو عليه
أشفق ،اختار الرفيق ،من أبان الطريق ،وهو بالفضل حقيق ،خيهر فاختار ،ورحل عنا
وسار ،ليلحق بالمتقدم السابق ،ويلتحق به المتأخر الالحق ،فلعلمه بأنه ال بد من االجتماع ،
ّللا عليه وسلم لم يمت قلبه] ّللا صلهى ه اختار[ تحقيق :كما أنه لم ينم قلب رسول ه
الخروج من الضيق إلى االتساع
-تحقيق –
ّللا عليه وسلم [ :كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ] يريد أن العلم بنبوته حصل له قال صلهى ه
وآدم بين الماء والطين ،واستصحبه ذلك إلى أن أوجد جسمه ،فلم يشرك كما أشرك أهله حتى
ّللا على كل أحيانه ، بعث للناس كافة ،فكان يذكر ه
ّللا عليه وسلم عن نفسه وهو الصادق [ إنه تنام عينه وال ينام قلبه ] فأخبر عن قلبه وقال صلهى ه
ّللا يقول له أنه ال ينام عند نوم عينه عن حسه ،فكذلك موته إنما مات حسا كما نام حسا ،فإن ه
ّللا ،وحياته ت »وكما أنه لم ينم قلبه لم يمت قلبه ،فاستصحبته الحياة من حين خلقه ه ِ «:إنَّ َك َم ِيه ٌ
إنما هي مشاهدة خالقه دائما ال تنقطع ،فهذه حياته من غير موت معنوي وإن مات حسا .
[ سورة الزمر ( ) : 39اآليات 31إلى ] 33
ْق
صد ِ ّللا َو َكذه َ
ب بِال ِ ّ علَى ه ِ ب َ ون ) ( 31فَ َم ْن أ َ ْظلَ ُم ِم هم ْن َكذَ َ ث ُ هم إِنه ُك ْم يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة ِع ْن َد َر ِبّ ُك ْم ت َ ْخت َ ِص ُم َ
ق ِب ِه أُولئِكَ ُه ُم ص هد َ
ْق َو َ
صد ِ ين ( َ ) 32والهذِي جا َء ِبال ِ ّ س فِي َج َهنه َم َمثْوى ِل ْلكافِ ِر َ ِإ ْذ جا َءهُ أ َ لَ ْي َ
ون ) ( 33 ا ْل ُمتهقُ َ
ّللا عليه وسلم في هذه اآلية بالذي جاء بالصدق ،فهو كنهى سبحانه وتعالى عن محمد صلهى ه
ص َّدقَ بِ ِه »وهو اآلخر الصديق ،فالخبر ال يكون أبدا إال من األول ، األول الصادق« َو َ
والتصديق ال يكون أبدا إال من اآلخر ،فالصدق متعلقه الخبر ومحله الصادق ،وليس بصفة
ألصحاب األدلة ،وال للعلماء الذين آمنوا بما أعطتهم اآليات والمعجزات من األدلة على صدق
دعواه ،
ص 548
548
فذلك علم ،والصدق نور يظهر على قلب العبد ،يصدق به هذا المخبر ،ويكشف بذلك النور
أنه صدق ،ويرجع عنه برجوع المخبر ،ألن النور يتبع المخبر حيث مشى ،والصدق بالدليل
ليس هذا حكمه ،إن رجع المخبر لم يرجع لرجوعه ،فإن األحكام المشروعة أخبار إلهية
يدخلها النسخ ،والتصديق يتبع الحكم ،فيثبت ما دام المخبر يثبته ،ويرفعه ما دام المخبر
يرفعه ،والمخبر صادق في الحالتين ،ولذلك تمم فقال «:أُولئِ َك ُه ُم ْال ُمتَّقُونَ »المفلحون
الباقون بهذا الحكم .
ص 550
«
549
ّللا في حياته في دار نامها »وهو من توفاه ه ت ِفي َم ِ س ِحينَ َم ْو ِتها َوالَّ ِتي لَ ْم ت َ ُم ْ
ّللاُ يَت َ َوفَّى ْاأل َ ْنفُ َ
َّ
الدنيا ،أي آتاه من الكشف ما يأتي الميت عند االحتضار ،إذ كانت الوفاة عبارة عن إتيان
»فاّلل يمسك نفس الذي قضى عليه الموت في النوم ه ت علَ ْي َها ْال َم ْو َ
الموت «فَيُ ْم ِسكُ الَّتِي قَضى َ
إذا هو نام ( وهي النفس اإلنسانية الناطقة ) « َويُ ْر ِس ُل ْاأل ُ ْخرى »وهي النفس الحيوانية« ِإلى
ت ِلقَ ْو ٍم يَتَفَ َّك ُرونَ * » المتفكر ناظر
س ًّمى » *وهو وقت قبض الروح« ِإ َّن فِي ذ ِل َك َآليا ٍ أ َ َج ٍل ُم َ
إلى قوة مخلوقة فيصيب ويخطئ ،وإذا أصاب يقبل دخول الشبهة عليه بالقوة التي أفادته
اإلصابة ،فهو بين البصر والبصيرة ،لم يبق مع البصر وال يخلص للبصيرة .
ص 551
550
[سورة الزمر ( : ) 39اآليات 46إلى ] 47
ب َوالشهها َد ِة أ َ ْنتَ تَحْ ُك ُم بَ ْي َن ِعبا ِدكَ ِفي ما كانُوا ض عا ِل َم ا ْلغَ ْي ِت َو ْاأل َ ْر ِسماوا ِ فاط َر ال ه قُ ِل الله ُه هم ِ
الفتَد َْوا بِ ِه ِم ْنض َج ِميعا َو ِمثْلَهُ َمعَهُ ْ ِين َظلَ ُموا ما فِي ْاأل َ ْر ِ ون ( َ ) 46ولَ ْو أ َ هن ِللهذ َ فِي ِه يَ ْخت َ ِلفُ َ
ون ) ( 47 سبُ َّللا ما لَ ْم يَكُونُوا يَحْ ت َ ِ ب يَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة َوبَدا لَ ُه ْم ِم َن ه ِ
وء ا ْلعَذا ِ س ِ ُ
ّللا ما لَ ْم يَ ُكونُوا يَ ْحت َ ِسبُونَ » اآلية ] [ " َوبَدا لَ ُه ْم ِمنَ َّ ِ
ّللا ما لَ ْم يَ ُكونُوا يَ ْحت َ ِسبُونَ
البدا هو أن يظهر ما لم يكن ظهر ،فقال تعالى َ «:وبَدا لَ ُه ْم ِمنَ َّ ِ
»فع هم ،فبدا لكل طائفة تعتقد أمرا ما مما األمر ليس عليه نفي ذلك المعتقد ،وما تعرض في
اآلية بما انتفى ذلك ،هل بالعجز أو بمعرفة النقيض ؟ وكال األمرين كائن في الدار اآلخرة ففي
ّللا كذا وكذا ،فإذا انكشف الغطاء ،رأى صورة الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن ه
معتقده وهي حق فاعتقدها ،وانحلت العقدة فزال االعتقاد وعاد علما بالمشاهدة ،وبعد احتداد
البصر ال يرجع كليل النظر ،فيبدو لبعض العبيد باختالف التجلي في الصور عند الرؤية
ّللا »في هويته« ما لَ ْم خالف معتقده ،ألنه ال يتكرر ،فيصدق عليه في الهوية« َوبَدا لَ ُه ْم ِمنَ َّ ِ
يَ ُكونُوا يَ ْحت َ ِسبُونَ »فيها قبل كشف الغطاء ،أما في الجزاء فقوله تعالى «َ :وبَدا لَ ُه ْم ِمنَ َّ ِ
ّللا ما
لَ ْم يَ ُكونُوا يَ ْحت َ ِسبُونَ »شائعة في الشقي والسعيد ،ففي السعيد ،فيمن مات على غير توبة وهو
يقول بإنفاذ الوعيد ،فيغفر له فكان الحكم للمشيئة ،فسبقت بسعادتهم ،فتبين لهم عند ذلك أنهم
ّللا تعالى عندما يلقاه المؤمنون يستحيون اعتقدوا في ذلك خالف ما هو ذلك األمر عليه ،فإن ه
ّللا من الخير ما لم يكونوا منه لما عاملوه به من المخالفة ألوامره تعالى ،فبدا لهم من ه
يحتسبون من مكارم األخالق ،فإن األدلة الشرعية أتت بأمور تقرر عندنا منها :أنه يعامل
عباده باإلحسان ،وعلى قدر ظنهم به ،فإن الحق هو الخير المحض الذي ال شر فيه ،وما
سنوا ظنكم برب هذه صفته ،وحققوا رجاءكم بمعروف هذه يبدو من الخير إال الخير ،فح ه
ّللا لقاءهم ،ومع معرفته ،وأما المجرمون فعند ما يلقونه يخافون منه ،فلقوه على كره فكره ه
هذه الكراهة فال بد من اللقاء للجزاء ،كان الجزاء ما كان ،فإنهم لما استيقظوا من نوم غفلتهم
،ووصلوا إلى منزل وحطوا عن رحالهم ،طلبوا ما
ص 551
551
قصدوه ،فقيل لهم :من أول قدم فارقتموه ،فما ازددتم منه إال بعدا ،فيقولون :يا ليتنا نرد ،
وال سبيل إلى ذلك ،فلهذا وصفوا بالحجاب عن ربهم الذي قصدوه بالتوجه على غير الطريق
الذي شرع لهم ،فقال تعالى :
ص 552
552
ألنه أضافهم إليه مع كونهم مسرفين ،على اإلطالق في اإلسراف ،ونهاهم أن يقنطوا من
ّللا باإلضافة إليه ،واإلضافة إليه تشريف« الَّذِينَ ّللا ،فهؤالء العبيد المذكورون ذكرهم ه رحمة ه
على أ َ ْنفُ ِس ِه ْم »وما ذكر سرفا من سرف ،فع هم جميع حاالت المسرفين في السرف ، أَس َْرفُوا َ
واإلسراف خروج عن الحد والمقدار ،فأسرفوا على أنفسهم وتجاوزوا حدود سيدهم ،وجاء
باالسم الناقص الذي يعم كل مسرف مع إضافة العباد إليه ،ألنهم عباده ،وكفى شرفا شرف
ّللا »فإن الذي أزاغكم إصبع الرحمن ،فإن قلب طوا ِم ْن َر ْح َم ِة َّ ِ ّللا تعالى« ال ت َ ْقنَ ُ
اإلضافة إلى ه
ّللا للرحمة خلقكم ولهذا تسمى بالرحمن ، العبد بين إصبعي الرحمن يقلبه كيف يشاء ،فإن ه
واستوى به على العرش ،وأرسل أكمل الرسل وأجلهم قدرا وأعمهم رسالة رحمة للعالمين ،
ّللا وسعت كل شيء ،وأنتم من األشياء ،فنهاك عن القنوط ،وما نهاك عنه يجب ورحمة ه
عليك االنتهاء عنه ،ثم أخبر وخبره صدق ال يدخله نسخ ،فإنه لو دخله نسخ لكان كذبا ،
وب َج ِميعا ً »وصف ه
ّللا الذنوب بالمغفرة ّللا يَ ْغ ِف ُر الذُّنُ َ
ّللا محال ،فقال ِ «:إ َّن َّ َ والكذب على ه
ّللا وكرمه على عبيده ،فهو يسترها وهي الستر ،وما وصفها بذهاب العين ليظهر فضل ه
بثوب الحسن الذي يكسوها به ،ألنه تعالى ال يرد ما أوجده إلى عدم ،بل يوجد على الدوام وال
يعدم ،فالقدرة فعالة دائما ،فهو ال يمحو الذنوب بل يبدلها بالحسنى ،فيكسو الذنب حلة الحسن
،وهو هو بعينه ،واعلم أن الذنوب من حكم االسم اآلخر ،ألن ذلك األمر بمنزلة الذنب من
الرأس ،متأخرة عنه ،ألن أصله طاعة ،فإنه ممتثل للتكوين إذ قيل له كن ،فما وجد إال
مطيعا ،ثم عرض له بعد ذلك مخالفة األمر المسمى ذنبا ،فأشبه الذنب في التأخر ،والعرض
ال بقاء له ،وإن كان له حكم في حال وجوده ولكن يزول ،فهذا يدلك على أن المآل إلى
ّللا ،ولو بعد حين ،ثم إن للذنب من معنى الذنب صفتين شريفتين ،إذا علمها السعادة إن شاء ه
ّللا ،وذلك أن ذنب الدابة له صفتان شريفتان :ستر عورتها ، اإلنسان عرف منزلة الذنب عند ه
ّللا ومغفرته ،وشبه ذلك مما ال وبه تطرد الذباب عنها بتحريكها إياه ،وكذلك الذنب فيه عفو ه
يشعر به ،م هما يتضمنه من األسماء اإللهية يطرد عن صاحبه أذى االنتقام والمؤاخذة ،وهما
بمنزلة الذباب الذي يؤذي الدابة ،
ّللا بقوم يذنبون فيغفر لهم ] ولم يقل فيعاقبهم قال تعالى في الحديث القدسي [ لو لم تذنبوا لجاء ه
،فغلهب المغفرة وجعل لها الحكم ،فقال «:إِ َّن َّ َ
ّللا يَ ْغ ِف ُر الذُّنُ َ
وب َج ِميعا ً »وما خص
ص 553
553
ذنبا من ذنب ،كما لم يخص إسرافا من إسراف ،كما لم يخص في إرسال محمد صلهى ه
ّللا
عليه وسلم عالما من عالم ،فكما جاء بالمغفرة والرحمة في حق التائب وصاحب العمل
ّللا تعالى الصالح ،جاء بهما في حق المسرفين الذين لم يتوبوا ،ونهاهم عن القنوط ،وما قرن ه
مغفرته هنا حين أطلقها بتوبة وال عمل صالح ،وأكد ذلك بقوله« َج ِميعا ً »مع ارتفاع القنوط أو
مع وجوده ،فما أبقى شيئا من الذنوب ،فال يتسرمد العذاب ،وهذا عموم رحمة وعفو ومغفرة
ّللا ال يَ ْغ ِف ُر أ َ ْن يُ ْش َر َك ِب ِه )
،وهو خبر ال يدخله النسخ ،فيجمع بين قوله هذا وبين قوله( ِإ َّن َّ َ
ّللا ،ثم يحكم عليه إصبع الرحمن فيئول إلى الرحمن ،وأمور *فيؤاخذ على الشرك ما شاء ه
أخر من الزيغ مما دون الشرك يغفر منها ما يغفر بعد العقوبة ،وهم أهل الكبائر الذين
يخرجون من النار بالشفاعة بعد ما رجعوا حمما ،مع كونهم ليسوا بمشركين ،واإليمان بذلك
واجب ،ومنها ما يغفر ابتداء من غير عقوبة ،فال بد من المآل إلى الرحمة ،ولو قال تعالى
ّللا قد تكون المغفرة قبل األخذ هنا :إن الرحمن لم يعذب أحدا من المسرفين .فلما جاء باالسم ه
ّللا بقوله« ِإنَّهُ ُه َو »فجاء بالضمير الذي يعود عليه« ْالغَفُ ُ
ور وقد تكون بعد األخذ ،ولذلك ختم ه
الر ِحي ُم »
َّ
-الوجه األول -من كونه سبقت رحمته غضبه ،فبالغ وما خص إسرافا من إسراف وال دارا
من دار ،فال بد من شمول الرحمة والمغفرة على من أسرف على نفسه ،فالذي غفر هو
الغفور الرحيم لذاته ،فإنه جاء باأللف والالم للشمول في عمارة الدارين ،فال بد من شمول
الرحمة ،وجاء بالرحيم آخرا أي مآلهم وإن أخذوا إلى الرحمة ،فجمع الحق لهؤالء العبيد
ّللا ،بين شرف اإلضافة الذين أسرفوا على أنفسهم ،الذين نهاهم سبحانه أن يقنطوا من رحمة ه
إليه وبشرهم أنه يغفر الذنوب جميعا ،ولم يعين وقتا ،فقد تكون المغفرة سابقة لبعض العبيد ،
الحقة لبعض العبيد ،هذا إذا قصد العبد فعل الذنب معتقدا أنه ذنب ،فكيف حال من لم يتعمد
ّللا من المؤمنين ،فإنهم ال إتيان الذنب ؟ ومن حكم الرحمة اجترأ من اجترأ على مخالفة أوامر ه
ّللا
يقنطون من رحمة ه
الر ِحي ُم »لما كان عذر العالم مقبوال في نفس األمر ،لكونهم -الوجه الثاني ِ «-إنَّهُ ُه َو ْالغَفُ ُ
ور َّ
ّللا مآل الجميع إلى الرحمة ،فهو الغفور لما ستر من ذلك مجبورين في اختيارهم ،لذلك جعل ه
عن قلوب من لم يعلمه بصورة األمر ،رحمة به ألنه الرحيم في غفرانه ،لعلمه بأن مزاجه ال
يقبل
[ تحقيق :طمع إبليس في شموله بالرحمة ]
ّللا لزاد ّللا من عين المنة ،ولو قنط من رحمة ه -تحقيق -هذا وأمثاله أطمع إبليس في رحمة ه
عصيانه عصيانا ،وإن كانت
ص 554
554
دار النار مسكنه ألنه من أهلها ،وإن حارت عليه أوزار من اتبعه ممن هو من أهل النار ،فما
ّللا ال انقطاع له ،ألنه خارج عن الجزاء الوفاق حمل إال ما هو منقطع بالغ إلى أجل ،وفضل ه
ّللا ال تخص محال من محل وال دارا من دار ،بل وسعت كل شيء ،وأكثر من هذا ،ورحمة ه
اإلفصاح اإللهي في مآل عباده إلى الرحمة ما يكون ،مع عمارة الدارين الجنة وجهنم ،وأن
ّللا ال مانع له ،وإنما االسم المانع إنما
لكل واحد منهما مألها ،ال يخرجون منها ،فعطاء ه
متعلقه أن نعيم زيد ممنوع عن عمرو ،كما أن نعيم عمرو ممنوع عن زيد ،فهذا حكم المانع
ال أنه يمنع شمول الرحمة ،واإليمان يقطع بصدق هذا القول الذي جاء في هذه اآلية ،ولكن ال
يظهر حكمه مشاهدة عين إال في المسرفين وهم المذنبون ،فكأنه تعالى قال لهم :
اعصوا حتى تعرفوا ذوقا صدق قولي في مغفرتي ؛ وإذا كان أمير المؤمنين المأمون يقول :
لو علم الناس حبي في العفو لتقربوا إلي بالجرائم ،وهو مخلوق ،فما ظنك بالكريم المطلق
ّللا التوبة ،وإياك والدعوى ،
ّللا لهم من غير توبة ،وث هم قوم يعطيهم هالكرم ؟ فث هم قوم يغفر ه
فحيث كانت الدعوى كان االختبار ،ومن وصف نفسه بأمر توجه عليه االختبار ،وإذا ادعيت
فليكن دعواك بحق ،وانتظر البالء أي االختبار ،وإن لم تدع فهو أولى بك .
عم بالغفران أصحاب الذنوب *** بعد أخذ وابتداء للعموم
غير أن األمر قد قسمه *** بين سكنى في جنان وجحيم
وكال الصنفين في رحمته *** في التذاذ دائم فيه مقيم
زمهرير عند محرور جدى *** » « 1وحرور عند مقرور نعيم
ليكون الكل في رحمته *** إنه قال هو البر الرحيم
فقد يكون غفرانه ابتداء ،وبعد أخذ ،وهذا يجب اإليمان به .
555
ّللا ]
[ جنب ه
س يا َحس َْرتى »اآلية ،فأنث ، النفس عند العرب تذكر وتؤنث ،كما قال تعالى «:أ َ ْن تَقُو َل نَ ْف ٌ
ْت بِها )بتاء مفتوحة خطاب فقال( بَلى قَ ْد جا َءتْ َك )بكاف مكسورة خطاب المؤنث( آياتِي فَ َكذَّب َ
ّللا »فتعلم ما فاتها ب َّ ِ طتُ فِي َج ْن ِ على ما فَ َّر ْ س يا َحس َْرتى َ المذكر والعين واحدة «أ َ ْن تَقُو َل نَ ْف ٌ
من اإليمان بالرسول واتباع سنهته ،فإنه إذا كانت الصورة التي يتجلى فيها الحق هي ظلة غمام
ّللا عليه وسلم ،ومما يدل على ذلك ّللا صلهى ه ّللا ،وجنبها سنة رسول ه الشريعة ،فرأسها كتاب ه
سنَ سنَ ما أ ُ ْن ِز َل ِإلَ ْي ُك ْم ِم ْن َر ِبه ُك ْم )مع قوله في أثناء السورة( َّ
ّللاُ ن ََّز َل أ َ ْح َ قوله تعالى ( َوات َّ ِبعُوا أ َ ْح َ
ّللا عليه وسلم ،ألنه ال ينطق عن الهوى إن ّللا وكذا سنة رسوله صلهى ه ث )فعلم أنه كتاب ه ْال َحدِي ِ
ّللا عليه وسلم حذر هو إال وحي يوحى ،فلما مهد األمر بالمتابعة لكتابه وسنة رسوله صلهى ه
ّللا »وذلك ب َّ ِ طتُ فِي َج ْن ِ على ما فَ َّر ْ من إتيان عذابه قبل ذلك ومن قول النفس« يا َحس َْرتى َ
ّللا عليه وسلم .والجنب جنبان :جنب حسي كالصريح في أن الجنب هو سنة رسوله صلهى ه
ّللا بن سالم ّللا الحكيم الترمذي بسنده إلى عبد ه وجنب معنوي حقيقي ،وقد روى أبو عبد ه
ّللا معه على العرش ،وذلك يتخرج ّللا عليه وسلم يجلسه ه ّللا عنه ،أن النبي صلهى ه رضي ه
ّللا تعالى فيها ظلة غمامة ،وهي أنوار آياته ،وفي تلك الصورة على أن الصورة التي يتجلى ه
ّللا وسنة ّللا عليه وسلم يتجلى ألمته في ظل سنته ،وكتاب ه يتجلى على العرش ،ونبينا صلهى ه
ّللا ،فمن ّللا ،محمد رسول ه ّللا عليه وسلم ال يفترقان ،كما ال تفارق ال إله إال ه رسوله صلهى ه
هاهنا صحت المجالسة له مع ربه على عرشه ،ووضح بهذا حسرة النفوس التي شقيت
ّللا تعالى ،ألنها تشهد هنالك حقيقة معية ربه له تعالى بمخالفته على تفريطها في جنب ه
ّللا عليه وسلم ، ومجالسته .وألنهم كانوا يسخرون من الذين آمنوا في اتباعهم لرسوله صلهى ه
اخ ِرينَ »وبقولها : س ِ أردفت حسرتها بقولها« َوإِ ْن ُك ْنتُ لَ ِمنَ ال َّ
ص 556
556
[سورة الزمر ( : ) 39اآليات 59إلى ] 60
ين ( َ ) 59ويَ ْو َم ا ْل ِقيا َم ِة ت َ َرى ست َ ْكبَ ْرتَ َو ُك ْنتَ ِم َن ا ْلكا ِف ِر َ بَلى قَ ْد جا َءتْكَ آيا ِتي فَ َكذه ْبتَ ِبها َوا ْ
ين ) ( 60 س فِي َج َهنه َم َمثْوى ِل ْل ُمت َ َك ِبّ ِر َ س َو هدةٌ أ َ لَ ْي َ علَى ه ِ
ّللا ُو ُجو ُه ُه ْم ُم ْ ِين َكذَبُوا َالهذ َ
ّللا تعالى ذلك دواء لألرواح ،لتقف مع ضعف مزاجها هذا مآل المتكبرين وصفتهم ،ذكر ه
األقرب في ظهور عينها وهو البدن ،وال تظهر في قوتها األصلية التي لها من النفخ اإللهي ،
ّللا بما ذكر من وصف المتكبرين فخوفها ه فإنها إن فعلت ذلك لم يكن شيء أشد تكبرا منها ،ه
ومآلهم واسوداد وجوههم .
ص 557
557
ّللا عليه وسلم ال يشرك ،فالمقصود من أشرك من أمته ت »وقد علم أنه صلهى ه«لَ ِئ ْن أ َ ْش َر ْك َ
فهذه صفته ،فإنه المخاطب والمقصود أمته ،وهذا مثل قولهم :إياك أعني فاسمعي يا جارة ،
فإنه معلوم أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،وهو على بينة من ربه في مآله ،فعلمنا
ّللا صلهى ه
ّللا بقرائن األحوال أنه المخاطب ،والمراد غيره ال هو ،والوحي كان قبل رسول ه
عليه وسلم ولم يجيء خبر إلهي أن بعده وحيا ،كما ذكر في هذه اآلية ولم يذكر وحيا بعده ،
ع َملُ َك ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم «لَيَ ْحبَ َ
ط َّن َ وإن لم يلزم هذا فسبيل الوحي انقطع بموت رسول ه
»كسائر العبادات من الصوم والصالة ،لم يكن ذلك مشروعا لعدم الشرط المصحح وهو
اإليمان .
ص 558
558
الضعيفة من التشبيه والتجسيم ،عند ورود اآليات واألخبار التي تعطي من وجه ما من
وجوهها ذلك ،ثم قال بعد هذا التنزيه الذي ال يعقله إال العالمون « َو ْاأل َ ْر ُ
ض َج ِميعا ً قَ ْب َ
ضتُهُ
»عرفنا من وضع اللسان العربي أن يقال :فالن في قبضتي ،يريد أنه تحت حكمي .وإن كان
ليس في يدي منه شيء البتة ،ولكن أمري فيه ماض وحكمي عليه قاض ،مثل حكمي على ما
ملكته يدي حسا وقبضت عليه ،وكذلك أقول :مالي في قبضتي ،أي في ملكي وأني متمكن
في التصرف فيه ،أي ال يمنع نفسه مني ،فإذا صرفته ففي وقت تصرفي فيه ،كان أمكن لي
أن أقول :هو في قبضتي ،لتصرفي فيه ،وإن كان عبيدي هم المتصرفون فيه عن إذني ،
ّللا تعالى ،عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها ،وهو فلما استحالت الجارحة على ه
ملك ما قبضت عليه في الحال وإن لم يكن لها ،أعني للقابض فيما قبض عليه شيء ،ولكن
ض »في الدار اآلخرة هو في ملك القبضة قطعا ،فهكذا العالم في قبضة الحق تعالى« َو ْاأل َ ْر ُ
تعيين بعض األمالك ،كما تقول :خادمي في قبضتي ،وإن كان خادمي من جملة من في
قبضتي ،فإنما ذكرته اختصاصا لوقوع نازلة « واليمين » عندنا محل التصريف المطلق
القوي ،فإن اليسار ال يقوى قوة اليمين ،فكنى باليمين عن التمكن في الطي ،فهي إشارة إلى
تمكن القدرة من الفعل ،فوصل إلى إفهام العرب بألفاظ تعرفها وتسرع بالتلقي لها ،
قال الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمين
وليس للمجد راية محسوسة ،فال تتلقاها جارحة يمين ،فكأنه يقول :لو ظهر للمجد راية
محسوسة ،لما كان محلها أو حاملها إال يمين عرابة األوسي ،أي صفة المجد به قائمة وفيه
كاملة ،فلم تزل العرب تطلق ألفاظ الجوارح على ما ال يقبل الجارحة الشتراك بينهما من
طريق المعنى .
ص 559
559
علَّ َم ْالقُ ْرآنَ من َ الر ْح ُ
من المصاحف ،فال يبقى مترجم يقبل نزول القرآن عليه من قوله تعالى (َّ :
علَّ َمهُ ْالبَيانَ )فإذا بقيت صورة جسم اإلنسان مثل أجسام الحيوان ،وزالت َخلَقَ ْ ِ
اإل ْنسانَ َ
الصورة اإللهية بالتجريد ،
ّللا خلق آدم على صورته ] نفخ في وهي صورة اإلنسان الكامل الذي قال فيه الحق [ إن ه
الصور ،فصعق من في السماوات واألرض إلى يوم النشور ،وهو يوم الظهور ،الذي ال
ضد له ،
ت »يحتمل أن تكون المالئكة ، سماوا ِص ِعقَ َم ْن ِفي ال َّ
ور فَ َ ص ِ وأما قوله تعالى َ «:ونُ ِف َخ ِفي ال ُّ
ض »فالصعق يقع على من في السماوات واألرض ويحتمل أن تكون األرواح« َو َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ
،بما في ذلك أرواح البشر التي سبق أن فارقت األجساد ،فيصعق العالم أصحاب السماع« إِ َّال
ّللاُ »من خلقه ومن هذه األرواح ،لذلك لم يكن األجل المسمى َم ْن شا َء َّ
س ًّمى ِع ْن َدهُ )هو الموت ،ألنه استثنى ال يصعقون فال يموتون ،فإما في قوله تعالى َ (:وأ َ َج ٌل ُم َ
أن يكونوا على حقائق ال تقبل الموت ،فيكون استثناء منقطعا ،وإما أن يكونوا على مزاج
يقبل الموت ولكن لم يسمعوا النفخ ،فلم يدركهم فلم يصعقوا ،فيكون استثناء متصال «ث ُ َّم نُ ِف َخ
فِي ِه أ ُ ْخرى »فثنهى النفخ ،وتسمى نفخة البعث ونفخة الفزع ،فيفيقون ويفزعون إلى ربهم ،
والمالئكة ليست لهم آخرة ،فإنهم ال يموتون فيبعثون ،ولكن صعق وإفاقة« فَإِذا ُه ْم قِيا ٌم
ّللا عليه وسلم عن الصور :ما هو ؟ ّللا صلهى ه ظ ُرونَ » -بحث في الصور -سئل رسول ه يَ ْن ُ
ّللا عليه وسلم [ :هو قرن من نور ألقمه إسرافيل ] فأخبر أن شكله شكل القرن ، فقال صلهى ه
ّللا سبحانه إذا قبض األرواح من فوصف بالسعة والضيق ،فإن القرن واسع ضيق ،ولتعلم أن ه
هذه األجسام الطبيعية -حيث كانت -والعنصرية ،أودعها صورا جسدية في مجموع هذا
القرن النوري ،فجميع ما يدركه اإلنسان بعد الموت في البرزخ من األمور ،إنما يدركه بعين
الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها ،وهو إدراك حقيقي ،ومن الصور هنالك ما هي
مقيدة عن التصرف ،ومنها ما هي مطلقة كأرواح األنبياء كلهم وأرواح الشهداء ،ومنها ما
يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار ،ومنها ما يتجلى للنائم في حضرة الخيال التي هي
فيه ،وهو الذي تصدق رؤياه أبدا ،وكذلك قوم فرعون يعرضون على النار في تلك الصور
غدوة وعشية ،وال يدخلونها ،فإنهم محبوسون في ذلك القرن وفي تلك الصورة ،ويوم القيامة
يدخلون أشد العذاب ،وهو العذاب المحسوس ال المتخيل ،الذي كان لهم في حال موتهم
بالعرض ،وكل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه محبوس في صور
ص 560
560
[ بحث في الحشر ]
أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من تلك الصور في النشأة اآلخرة -بحث في الحشر -اعلم أن
ّللا حين أوجده مدبرا لصورة طبيعية حسية له ،سواء كان في الدنيا أو الروح اإلنساني أوجده ه
في البرزخ أو في الدار اآلخرة أو حيث كان ،فأول صورة لبستها الصورة التي أخذ عليه فيها
الميثاق باإلقرار بربوبية الحق عليه ،ثم إنه حشر من تلك الصورة إلى هذه الصورة الجسمية
الدنياوية ،وحبس بها في رابع شهر من تكوين صورة جسده في بطن أمه إلى ساعة موته ،
فإذا مات حشر إلى صورة أخرى من حين موته إلى وقت سؤاله ،فإذا جاء وقت سؤاله حشر
من تلك الصورة إلى جسده الموصوف بالموت ،فيحيا به ويؤخذ بأسماع الناس وأبصارهم عن
ّللا تعالى بالكشف عن ذلك من نبي أو ولي من الثقلين ، حياته بذلك الروح ،إال من خصه ه
وأما سائر الحيوان فإنهم يشاهدون حياته وما هو فيه عينا ،ثم يحشر بعد السؤال إلى صورة
أخرى في البرزخ يمسك فيها -بل تلك الصورة هي عين البرزخ ،والنوم في ذلك على السواء
-إلى نفخة البعث ،فيبعث من تلك الصورة ويحشر إلى الصورة التي كان فارقها في الدنيا إن
كان بقي عليه سؤال ،فإن لم يكن من أهل ذلك الصنف حشر إلى الصورة التي يدخل بها الجنة
،والمسؤول يوم القيامة إذا فرغ من سؤاله حشر في الصورة التي يدخل بها الجنة أو النار ،
وأهل النار كلهم مسؤولون ،فإذا دخل السعداء الجنة واستقروا فيها ثم دعوا إلى الرؤية
وبادروا ،حشروا في صورة ال تصلح إال للرؤية ،فإذا عادوا حشروا في صورة تصلح للجنة
،وفي كل صورة ينسى صورته التي كان عليها ،ويرجع حكمه إلى حكم الصورة التي انتقل
إليها وحشر فيها ،فإذا دخل سوق الجنة ورأى ما فيه من الصور ،فأية صورة رآها
واستحسنها حشر فيها ،فال يزال في الجنة دائما يحشر من صورة إلى صورة إلى ما ال نهاية
له ،ليعلم بذلك االتساع اإللهي ،ولو تفطنت لعرفت أنك اآلن كذلك ،تحشر في كل نفس في
صورة الحال التي أنت عليها ،ولكن يحجبك عن ذلك رؤيتك المعهودة ،وإن كنت تحس
بانتقالك في أحوالك التي عليها تتصرف في ظاهرك وباطنك ،ولكن ال تعلم أنها صور لروحك
تدخل فيها في كل آن وتحشر فيها ،واعلم أن األرواح لما كانت حياتها ذاتية لها لم يصح فيها
موت البتة ،ولما كانت الحياة في األجسام بالعرض قام بها الموت والفناء ،فإن حياة الجسم
الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في األرض من الشمس ،فإذا مضت الشمس
تبعها نورها وبقيت األرض مظلمة ،
ص 561
561
كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه ،تبعته الحياة المنتشرة منه في
الجسم الحي ،وبقي الجسم في صورة الجماد في رأى العين ،فيقال :مات فالن ؛ وتقول
الحقيقة :
تارة ً أ ُ ْخرى )كما رجع الروح أيضا رجع إلى أصله ( ِم ْنها َخلَ ْقنا ُك ْم َوفِيها نُ ِعي ُد ُك ْم َو ِم ْنها نُ ْخ ِر ُج ُك ْم َ
إلى أصله حتى البعث والنشور ،ويكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق ،فتلتئم أجزاؤه
وتتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جدا ،تحرك األعضاء للتأليف ،اكتسبته من التفات الروح ،فإذا
استوت البنية وقامت النشأة الترابية ،تجلى له الروح بالرقيقة اإلسرافيلية في الصور المحيط ،
فتسري الحياة في أعضائه ،فيقوم شخصا سويا كما كان أول مرة« ث ُ َّم نُ ِف َخ فِي ِه أ ُ ْخرى فَإِذا ُه ْم
قِيا ٌم يَ ْن ُ
ظ ُرونَ ».
ص 562
562
وباب الحطمة ،وباب لظى ،وباب الحامية ،وباب الهاوية ،وسميت األبواب بصفات ما
ّللا .
وراءها مما أعدت له ،ووصف الداخلون فيها بما ذكر ه
ص 563
563
-الوجه األول -المالئكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إال في العماء الذي ظهر فيه
ّللا تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ،فإنهم العرش ،وهؤالء المالئكة خلقهم ه
إليه يتوجهون وعليه يعولون ،وحوله يحومون وبه يطوفون ،وحيثما كانوا فإليه يشيرون ،
فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ،رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه
،يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ،ألن موجد الكون ال جهة له يشار إليها ،وال أينية له
يقصدونها ،وال كيفية له يعرفونها ،فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ،
وألداء طاعته ،لضلوا في طلبهم ،فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ،ال محال
لذاته ،وأوجد الوجود ال لحاجة إليه ،وإنما هو إظهار ألسمائه وصفاته
-الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به المالئكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن
ّللا به
،فإن الثاني قد عمر الخالء ،وإنما العرش الذي تحف به المالئكة هو العرش الذي يأتي ه
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ »عند الفراغللفصل والقضاء يوم القيامة ،ولذلك تمم اآلية بقوله« َوقِي َل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
من القضاء ،فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية األمالك ،وذلك بأرض المحشر ونسبة
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم العرش إلى تلك األرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول ه
ق» ي بَ ْينَ ُه ْم بِ ْال َح ه ِ
ض َ ،من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع َ «،وقُ ِ
اعلم أن الحكم للرحمة ،ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ،وإنما تأتي الرحمة في القيامة
ليشهد األمر ،حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ،تولت الرحمة الحكم
ّلل َربه ِ ْالعالَ ِمينَ » -إشارة -من قام بالالم وحده ،ووقف على
فيه إلى غير نهاية« َو ِقي َل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
ما حصل عنده ،وجاوزه إلى مطلعه وحده ،ولم ير مثله وال ضده ،وملك وعيده ووعده ،
وأمن قربه وبعده ،وعرف أنه ال يأتي أحد بعده ،قال :الحمد هّلل الذي صدقنا وعده – شرح
[ إشارة :من قام بالالم وحده ]
هذه اإلشارة -قوله « من قام بالالم وحده » يريد أن الالم للفناء ،فيكون القائم الحق ال هو ،
باّلل » فقد
ألنك تقول « الحمد هّلل » فجعلته حامدا لنفسه ،قائما بحمده ،وإذا قلت « الحمد ه
جعلت الباء لالستعانة ،فالالم له ،والباء لنا ،
ولذلك قال :العلماء لي والعارفون بي « - » 1قوله « ووقف على ما حصل عنده » يعني
تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ،قوله «
ولم ير مثله وال ضده » يعني لشغله بربه ،أو بموازنة نفسه مع ربه فيما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) ( 1راجع كتابنا شرح كلمات الصوفية « ،أبو العباس بن العريف الصنهاجي » ص 310
.
ص 564
564
و هجه عليها ،قوله « وملك وعيده ووعده » أي لم يؤثر فيه ال رغبة وال رهبة ،أي ال صفة
حكمت عليه ،فهو عبد ذات ال عبد صفة ،قوله « وأمن قربه وبعده »
أي لم يتأثر لألسماء المؤثرات في القرب والبعد ،وأما الوعد والوعيد فآلثار األسماء ،
وقوله « وعرف أنه ال يأتي أحد بعده » أي ال يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ،وإنما
يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال :الحمد هّلل الذي صدقنا وعده.
565
المراجع
- 1كتاب الفتوحات المكية -طبعة الميمنية .
` -كتاب الشاهد .
- 3كتاب تلقيح األذهان .
- 4إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن
- 5كتاب عنقاء مغرب .
- 6كتاب النجاة من حجب االشتباه .
- 7كتاب ذخائر األعالق ترجمان األشواق .
- 8كتاب التنزالت الموصلية .
- 9كتاب عقلة المستوفز .
- 10كتاب التدبيرات اإللهية .
- 11كتاب المشاهد القدسية .
- 12كتاب فصوص الحكم .
- 13كتاب نقش الفصوص .
- 14كتاب روح القدس في محاسبة النفس .
- 15كتاب اإلسرا إلى مقام األسرى .
- 16كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار .
- 17كتاب القسم اإللهي .
- 18كتاب اإلعالم بإشارات أهل اإللهام .
- 19كتاب رد اآليات المتشابهات إلى اآليات المحكمات .
- 20كتاب مواقع النجوم.
566
566
- 21كتاب التراجم
- 22كتاب الجالل والجمال .
- 23كتاب الشأن .
- 24ديوان الشيخ األكبر .
- 25كتاب الوصية .
- 26كتاب إنشاء الجداول والدوائر .
- 27كتاب األمر المحكم المربوط .
- 28كتاب مسامرة األبرار ومحاضرة األخيار .
- 29كتاب تاج الرسائل .
- 30كتاب شعب اإليمان .
- 31كتاب شجرة الكون ( المعراج ) .
- 32كتاب المسائل .
- 33كتاب الكتب .
- 34كتاب مسائل ابن سودكين.
567
مراجع جمع آيات رحمة من الرحمن
سورة الكهف
) ( 1ف ح ) 6 ( 93 / 3ف ح ) 7 ( 410 / 3ف ح ) 10 ( 433 / 4ف ح 233 / 2
) ( 13ف ح - 233 / 2ح - 243 ، 242 ، 241 / 1كتاب الشاهد ( ) 17ف ح / 2
) 252 ( 18ف ح ) 22 ( 546 / 3ف ح - 545 / 3ح - 336 / 4ح - 345 / 3
كتاب تلقيح األذهان ( ) 24ف ح - 261 / 2ح ) 25 ( 85 / 3ف ح ) 28 ( 9 / 2ف
ح 3 / 18 -ح - 149 / 2ح - 18 / 3ح - 149 / 2ح - 20 ، 18 / 3ح - 170 / 4
ح - 220 / 3ح - 152 / 4كتاب الشاهد ( ) 29ف ح - 18 / 3إيجاز البيان آية - 121
ح - 220 / 3ح ) 30 ( 265 / 2ف ح - 388 / 3ح - 34 ، 117 / 4إيجاز البيان آية
) 32 ( 145ف ح ) 36 ( 679 / 2ف ح ) 42 ( 679 / 2كتاب الشاهد ( ) 45ف ح
- 297 / 4ح ) 46 ( 302 / 2ف ح ) 47 ( 125 / 4ف ح / 492 ( 48 ) 3ف ح 1
) 49 ( 309 /ف ح ) 50 ( 406 / 3ف ح - 367 / 3ح - 134 / 1إيجاز البيان آية
) 51 ( 35كتاب عنقاء مغرب -ف ح - 606 ، 70 / 2ح / 296 - 4ح - 70 / 2ح 1
- 195 /ح - 289 / 4إيجاز البيان آية - 164ف ح / 557 - 3ح ) 54 ( 137 / 2ف
ح ) 57 ( 217 ، 436 ، 217 / 3ف ح ( 60 ) 440 / 4ف ح - 439 ، 24 / 2كتاب
النجاة ( ) 62ف ح - 397 / 1كتاب النجاة ( ) 63ف ح - 393 / 1كتاب النجاة ( ) 64
ف ح ) 65 ( 397 / 1ف ح - 393 / 1ح / 644 - 2ح - 336 / 3ح 153 ، 55 / 4
-ح - 158 ، 76 / 2كتاب ذخائر األعالق -ف ح - 558 / 3ح - 158 ، 41 / 2ح 4
- 153 /ح - 420 / 2ح - 153 / 4ح - 644 ، / 1142ح - 558 / 3ح 406 / 3
-ح - 420 / 2ح ) 66 ( 31 / 1ف ح / 262 ( 67 ) 2ف ح ) 68 ( 19 / 2ف ح
- 41 / 2ح - 199 / 1ح - 51 / 2ح / 199 - 1ح - 19 / 2ح - 199 / 1ح / 2
) 70 ( 261 ، 489 ، 261 ، 19ف ح / 427 ( 73 ) 4ف ح ) 74 ( 345 / 4ف ح
- 79 / 2ح - 432 / 4ح ( 77 ) 605 ، 260 / 2ف ح ) 78 ( 261 / 2ف ح / 2
) 79 ( 262ف ح
568
) 80 ( 481 / 2ف ح ) 81 ( 59 / 4ف ح ) 82 ( 393 / 1ف ح / 386 - 4ح / 1
- 393ح - 261 ، 489 ، 261 ، 79 ، 261 / 2ح - 319 / 4ح / 205 - 1كتاب
النجاة -ف ح - 403 / 4ح ) 86 ( 450 / 3كتاب ذخائر األعالق ) ( 89كتاب ذخائر
األعالق ( ) 98ف ح ) 104 ( 330 / 3ف ح - 250 / 4كتاب التنزالت الموصلية (
) 105ف ح - 315 / 1ح - 266 / 2كتاب عقلة المستوفز ) ( 107ف ح ( 142 / 3
) 109ف ح - 90 / 2كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح ( 110 ) 459 ، / 3902ف ح 3
- 50 ، 225 /ح - 664 / 1ح - 23 ، 225 ، 23 ، 337 ، 191 ، 225 / 3كتاب
النجاة -كتاب المشاهد -ف ح - 221 / 2ح 355 - ، 478 / 3ح - 221 / 1ح / 3
- 355 ، 478ح - 536 / 4ح - 221 / 2ح - 477 / 3ح 2 / 581 .
سورة مريم
) ( 2ف ح ) 3 ( 153 / 4ف ح ) 4 ( 417 / 2ف ح ( 5 ) 475 / 2فصوص الحكم
فص ) 6 ( 20فصوص الحكم فص ) 7 ( 20نقش الفصوص -ف ح - 417 / 2ح / 3
- 346فصوص الحكم فص - 20ح - 415 / 4نقش الفصوص -ح ( 8 ) 346 / 3ف
ح ) 9 ( 509 / 3ف ح - 254 / 3ح - 167 / 4ح - 254 / 3روح القدس -ف ح 1
/ 202 -ح - 672 / 2ح - 254 / 3ح - 672 / 2ح ) 11 ( 10 / 4كتاب تلقيح
األذهان ( ) 12ف ح - 446 / 1ح ) 15 ( 415 ، 117 ، 235 / 4ف ح ، / 893
( 17 ) 347ف ح - 223 / 1ح - 472 ، 470 / 2ح - 390 / 3ح - 70 / 2ح 1 /
) 223 ( 18فصوص الحكم فص ) 19 ( 15فصوص الحكم فص - 15ف ح 405 / 2
-ح - 182 / 3ح - 138 / 1ح - 182 / 3ح - 405 / 2ح ) 20 ( 237 / 1كتاب
النجاة -كتاب اإلسراء ( ) 21ف ح - 458 / 1ح - 56 / 2ح ) 22 ( 458 / 1ف ح 2
) 23 ( 689 /ف ح - 514 / 3ح - 491 / 2ح ) 25 ( 11 / 3ف ح - 417 / 2ح
- 116 / 4كتاب النجاة -كتاب اإلسراء ( ) 28ف ح ) 29 ( 347 / 3ف ح ، / 2791
- 280ح ) 30 ( 116 ، 411 ، 336 / 4ف ح - 387 / 2ح - 116 / 4ح / 2
) 387 ( 31ف ح - 116 / 4ح - 116 / 1ح - 387 / 2ح - 116 / 4ح 596 / 1
-ح - 387 / 2ح - 116 / 4ح - 387 / 2ح - 116 / 4ح ) 32 ( 387 / 2ف ح
/ 596 - 1ح - 116 / 4ح - 596 / 1ح - 387 / 2ح - 116 / 4ح - 387 / 2ح
/ 89 ( 33 ) - 3كتاب األعالق -كتاب التنزالت الموصلية /الباب - 49ف ح / 347 3
-ح - 287 / 2ح
569
- 116 / 4ح - 387 / 2كتاب التنزالت الموصلية ( ) 39ف ح - 316 / 1ح / 352 4
-ح - 300 ، 641 ، 316 / 1ح ) 40 ( 481 ، 468 / 3ف ح - 317 / 4ح / 3
( 41 ) 516 ، 503ف ح - 91 / 2ح ) 44 ( 106 / 4ف ح ) 45 ( 207 / 3ف ح
/ 511 - 1ح - 48 / 4ح ) 52 ( 207 / 3ف ح - 375 / 2ح ) 53 ( 406 / 4
فصوص الحكم فص - 24ف ح - 217 ، 263 / 4ح ) 56 ( 585 / 1ف ح - 50 / 3
كتاب اإلسفار عن نتائج األسفار -ف ح - 348 / 3كتاب اإلسفار ( ) 57ف ح 445 / 2
-ح - 341 / 3ح - 170 / 2ح - 348 / 3كتاب النجاة -كتاب اإلسراء ) ( 58ف ح 1
) 61 ( 511 /كتاب ذخائر األعالق ( ) 62ف ح - 724 / 1ح - 564 / 3كتاب
األعالق ( ) 63ف ح - 302 / 1ح ) 64 ( 402 / 4ف ح - 256 / 2إيجاز البيان آية
- 99ف ح - 187 / 1ح - 334 / 3ح - 638 / 2ح - 400 / 3كتاب األعالق -ف ح
) 67 ( 685 / 2ف ح - 415 / 3ح - 13 ، 95 ، 62 ، 95 ، 686 ، 95 ، 686 / 2
كتاب القسم اإللهي -ف ح - 433 / 4ح ) 68 ( 736 / 1كتاب القسم اإللهي ( ) 71ف
ح - 315 / 1ح - 440 / 3ح - 623 / 1ح ) 85 ( 440 / 3ف ح - 41 / 3ح / 4
- 37ح - 156 / 2ح - 269 / 1ح - 213 ، 41 / 3ح / 210 - 1ح - 213 / 3ح
- 210 / 1ح - 87 / 2ح - 736 / 1ح - 210 / 1ح / 31 - 3ح - 269 / 1ح / 1
) 86 ( 210فصوص الحكم /فص ) 91 ( 10ف ح ( 93 ) 166 / 3ف ح ، 27 / 2
- 617 ، 516ح ) 96 ( 539 / 3ف ح . 337 / 2
سورة طه
ف ح ) 5 ( 206 ، 86 / 4ف ح - 88 / 1ح - 692 / 2ح - 61 / 3ح - 44 / 1ح 3
/ 444 -ح - 408 / 4ح - 242 / 2كتاب التنزالت الموصلية -ف ح - 102 / 2ح 3
- 232 ، / 431كتاب عقلة المستوفز -كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح / 390 - 2ح / 3
- 109 ، 101ح - 540 / 1ح - 363 ، 420 ، 101 / 3كتاب اإلعالم ) ( 6ف ح / 4
- 243ح - 437 / 2ح - 526 / 3ح ) 7 ( 274 / 4إيجاز البيان آية - 34ف ح / 2
- 686 ، 412ح - 372 / 4ح - 128 ، 686 ، 412 / 2ح 4 / 353 -ح - 373 / 3
ح ) 8 ( 412 / 2ف ح - 412 / 2ح - 323 / 1ح - 465 ، / 3253ح - 99 / 1ح
- 447 / 3ح - 99 / 1ح - 163 ، 42 ، 163 / 1ح / 441 - 3ح - 163 / 1ح / 3
- 441ح ) 10 ( 344 / 4ف ح - 301 / 3كتاب اإلسفار -ح ) 11 ( 336 / 3ف ح
570
( 12 ) 2 / 269ف ح - 119 / 3ح - 192 / 1كتاب رد اآليات المتشابهات -ف ح 1
) / 193 ( 13ف ح ) 14 ( 413 / 2ف ح - 413 / 2ح ( 17 50 ، 412 ، 41 / 4
)ف ح ) 18 ( 277 / 2ف ح ) 19 ( 277 / 2ف ح ) 20 ( 277 / 2ف ح 277 / 2
-ح ) 1 / 234 ( 21ف ح - 277 / 2ح - 234 / 1ح - 277 / 2ح - 234 / 1كتاب
اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 22كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 25ف ح / 132 ( 35 ) 3
ف ح ) 39 ( 134 / 3كتاب رد اآليات المتشابهات -كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 40
كتاب فصوص الحكم /فص ) 41 ( 25ف ح ) 44 ( 32 / 3ف ح - 406 ، 3 / 472ح
- 276 / 2ح - 264 / 3ح - 276 / 2ح - 533 ، 264 / 3ح - 276 ، 2 / 411ح
- 264 / 3ح - 411 ، 276 ، 411 / 2ح - 264 / 3ح ( 45 ) 46 ، / 4302ف ح
) 46 ( 533 ، 264 / 3ف ح - 486 / 2ح - 323 / 4ح ( 48 ) 118 ، / 5332
ف ح ) 49 ( 533 / 3ف ح - 90 / 2ح ) 50 ( 533 / 3ف ح / 90 - 2ح 291 / 4
- 274 ،ح - 220 / 3ح - 274 / 4ح - 95 / 2ح - 505 / 3ح - 679 / 1ح / 3
- 449ح - 244 / 2ح - 405 / 3ح - 454 ، 109 / 2ح / 184 - 1ح ، 96 / 2
- 45 ، 60 ، 217 ، 97ح - 274 / 4ح - 446 / 3ح - 672 / 2ح - 306 / 1ح 2
- 60 ، 96 ، 60 /ح - 405 / 3ح - 263 / 4ح - 269 / 2ح 3 / 398 -ح / 2
- 299 ، 654ح ) 52 ( 533 / 3ف ح ) 53 ( 317 ، 533 / 3ف ح ( 248 / 3
) 54ف ح - 39 ، 465 / 2ح ) 55 ( 347 / 4كتاب عقلة المستوفز -ف ح 415 / 4
-ح - 526 / 1ح - 250 / 3ح ) 66 ( 527 ، 526 / 1ف ح / 234 - 1ح / 2
- 311ح - 109 / 4ح - 576 / 2ح - 288 ، 507 / 3ح - 311 / 2ح 3 / 288 -
ح - 109 / 4ح ) 67 ( 108 / 3ف ح ) 68 ( 158 ، 235 / 1كتاب رد اآليات
المتشابهات -ف ح ) 69 ( 235 / 1ف ح - 235 ، 158 ، 235 / 1ح / 567 - 2ح
- 235 ، 158 / 1كتاب مواقع النجوم ( ) 70ف ح - 235 / 1ح ( 72 ) 410 / 2
كتاب فصوص الحكم /فص ) 73 ( 25ف ح - 686 / 1ح ) 74 ( 107 / 4ف ح 3 /
) 245 ( 75ف ح ) 77 ( 314 / 4إيجاز البيان آية ) 78 ( 51إيجاز البيان آية ( 51
) 79ف ح - 612 / 2كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 81ف ح / 297 - 1ح 169 / 2
( ) 82ف ح ) 83 ( 476 / 1كتاب اإلسفار ( ) 84كتاب اإلسفار -كتاب اإلسراء -كتاب
النجاة ( ) 85كتاب اإلسفار -ف ح ( 86 ) 584 / 1كتاب اإلسفار ( ) 88كتاب اإلسفار -
كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 89ف ح ) 90 ( 413 / 2كتاب اإلسفار ( ) 91كتاب
اإلسفار ( ) 93كتاب اإلسفار ( ) 94ف ح -277 / 2
571
فصوص الحكم /فص - 24كتاب اإلسفار -ف ح ) 95 ( 277 / 2كتاب اإلسفار ) ( 96
كتاب اإلسفار -ف ح - 237 ، 168 / 1ح - 346 / 3فصوص الحكم /فص - 15ف ح
/ 237 ( 97 ) 1ف ح - 413 / 2فصوص الحكم /فص ) 98 ( 24ف ح ( 413 / 2
) 99ف ح ) 101 ( 94 / 3ف ح ) 102 ( 77 / 3ف ح ) 107 ( 306 ، 305 / 1
ف ح / 219 - 2ح ) 108 ( 439 ، 486 / 3ف ح - 511 / 2ح - 439 / 3ح / 1
- 493 ، 313 ، 453ح ) 110 ( 431 / 4كتاب األعالق -ف ح - 307 / 2ح / 1
- 345ح / 376 - 3ح ) 111 ( 671 / 2ف ح - 671 ، 182 / 2ح - 166 / 1
كتاب التنزالت الموصلية ( ) 114ف ح - 83 / 1ف ح - 400 / 4ح - 83 / 1ح / 4
- 400ح - 166 ، / 831ح - 400 ، 54 / 3ح - 83 / 1كتاب مواقع النجوم -ف ح
- 612 ، 117 ، 612 / 2ح - 166 / 1ح - 117 / 2ح - 151 / 3ح - 671 / 2ح
430 - ، 22 / 4ح - 399 ، 151 / 3ح - 44 / 2ح - 166 / 1ح - 498 / 2ح / 1
- 57ح - 552 ، 213 ، / 552 2ح - 676 / 1ح - 203 / 2ح - 729 / 1ح / 3
- 457ح / 166 - 1ح - 562 / 3ح - 531 / 2ح - 351 / 3ح ) 115 ( 430 / 4
ف ح - 381 ، 156 ، / 3813كتاب اإلسفار -ف ح - 407 / 2ح ) 119 ( 663 / 1
كتاب اإلسراء ( ) 120ف ح ) 121 ( 565 ، 467 / 2ف ح - 430 / 4ح - 381 / 3
كتاب اإلسفار -ف ح - 381 / 4ح - 407 / 2ح - 351 / 3ح - 523 / 1ح / 4
- 306ح ) 122 ( 86 / 2ف ح - 751 / 1ح - 141 / 2ح - 656 / 1ح 141 / 2
-ح / 230 - 4ح - 656 / 1ح - 230 / 4ح - 141 / 2ح - 656 / 1ح - 365 / 4
كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 125كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 126كتاب رد اآليات
المتشابهات ( ) 130ف ح ) 131 ( 419 ، 95 ، 419 / 4ف ح 481 ( ، 125 / 4
) 132ف ح ) 134 ( 542 / 1ف ح ) 135 ( 16 / 4كتاب المشاهد .سورة األنبياء
) ( 1ف ح - 48 - 380 / 3كتاب التراجم ( ) 2ف ح - 226 / 4إيجاز البيان -ف ح 3
- 365 /ح - 239 / 2ح - 315 / 4ح - 239 / 2ح - 315 / 4ح - 367 / 1ح / 4
- 226ح - 367 ، 551 / 1ح - 63 / 2ح - 365 / 3ح - 402 / 4كتاب األعالق -
ف ح - 428 ، 63 / 2ح - 363 / 4ح - 190 / 2ح ) 7 ( 127 / 3ف ح 2 / 190
) ( 8ف ح ) 16 ( 149 ، 133 / 1ف ح ) 17 ( 415 / 2ف ح - 163 / 3ح
572
) 19 ( 93 / 4ف ح ) 20 ( 93 / 4ف ح - 67 / 3كتاب عقلة المستوفز -ف ح / 1
500 -ح ) 22 ( 108 ، 89 / 2إيجاز البيان -ف ح - 619 / 2ح - 680 / 1ح / 2
619 -ح - 262 / 1ح - 13 / 4ح - 289 / 2ح - 13 / 4كتاب التدبيرات اإللهية -
ف ح ) 23 ( 137 ، 80 / 3ف ح - 240 / 4ح - 405 / 1كتاب الجالل والجمال -ف
ح - 560 ، 64 / 2ح ) 25 ( 364 / 4ف ح ) 28 ( 414 / 2ف ح / 414 ( 29 2
)ف ح ) 30 ( 137 ، 136 ، 437 ، 136 / 4ف ح - 293 / 1إيجاز البيان -ف ح 2
- 455 /ح - 140 / 1إيجاز البيان -ف ح - 293 / 1ح 332 ، / 2931 ، / 3243
-ح - 174 / 2ح - 133 / 1ح 219 - ، 174 ، 219 ، 452 / 2ح - 356 / 4ح 2
- 462 /ح - 219 / 4ح ) 31 ( 436 / 2عقلة المستوفز ) ( 33ف ح ، 291 / 1
- 265ح - 438 / 3ح - 265 / 1ح - 433 / 2ح / 121 ( 35 ) 1ف ح 351 / 2
-ح ) 37 ( 126 / 4ف ح ) 47 ( 427 / 4ف ح - 646 ، 645 ، 183 / 2ح / 1
) 48 ( 294 ، 315ف ح ) 49 ( 107 / 2ف ح - 375 / 3ح ) 2 / 65 ( 50ف ح
) 58 ( 65 / 2كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 60ف ح / 243 - 1ح - 233 / 2ح 4
) 63 ( 357 /ف ح - 243 / 1ح - 323 / 4ح / 243 - 1ح - 323 / 4ح 350 / 3
-ح - 243 / 1ح - 350 / 3ح - 243 / 1ح / 350 - 3ح - 323 / 4ح ( 243 / 1
) 65ف ح ) 67 ( 409 / 2ف ح ( 68 ) 310 / 3ف ح ) 69 ( 243 / 1ف ح / 1
- 746 ، 723 ، 45ح ) 73 ( 307 / 4ف ح ( 78 ) 17 / 2كتاب اإلسراء -كتاب
النجاة ( ) 79فصوص الحكم -كتاب تلقيح األذهان -ف ح - 121 / 3كتاب نقش
الفصوص ( ) 83ف ح - 29 / 2ح - 216 / 4ح ) 2 / 343 ( 84ف ح - 29 / 2ح
- 143 / 4كتاب اإلعالم ( ) 87ف ح - 414 / 2ح - 210 / 1ح - 414 / 2ح / 1
- 212ح ) 88 ( 412 / 2كتاب نقش الفصوص -ف ح - 356 / 4ح - 412 / 2كتاب
نقش الفصوص ( ) 89ف ح ) 91 ( 27 / 4ف ح / 199 ( 96 ) 4ف ح ( 330 / 3
) 98ف ح - 591 / 2ح - 118 / 3إيجاز البيان آية ) 99 ( 25ف ح 100 ( 725 / 1
) ف ح ) 101 ( 725 / 1ف ح - 725 / 1ح / 118 ( 102 ) 3ف ح ، 506 / 3
- 118ح ) 103 ( 641 ، 259 / 1ف ح - 546 / 1ح 3 / 51 -ح - 546 / 1ح 2
- 81 ، 510 /ح - 546 / 1ح - 125 / 2ح - 51 / 3ح - 655 / 1ح - 532 / 2ح
- 546 / 1ح ) 104 ( 125 / 2كتاب تلقيح األذهان -ف ح ) 105 ( 471 / 2كتاب
التراجم -ح ) 107 ( 27 / 2ف ح / 411 - 2ح - 567 ، 519 / 3ح - 127 / 2ح
573
- 519 ، 3 / 567ح - 215 / 1ح - 163 / 4ح - 127 / 2ح ، 93 ، 116 / 3
- 398ح - 210 / 1ح - 519 ، 568 ، 567 / 3ح - 127 / 2ح ، 144 ، 143 / 3
- 519ح ) 108 ( 420 ، 411 / 2ف ح ) 112 ( 735 / 1ف ح - 92 ، 52 / 2ح
- 235 / 4ح - 92 / 2ح - 579 / 1ح - 235 / 4ح - 579 / 1ح ، 76 ، 364 / 3
- 364ح - 26 / 4ح - 597 / 1ح - 476 / 3ح - 54 / 4ح . 112 / 3
سورة الحج
) ( 2ف ح ) 5 ( 388 ، 337 / 4ف ح - 247 ، 248 / 3ح - 109 / 2ح 332 / 1
536 - ،ح - 40 / 2ح - 415 / 4إيجاز البيان -ف ح - 517 / 3إيجاز البيان آية 23
-ف ح - 415 / 4ح ) 7 ( 517 / 3إيجاز البيان آية ) 8 ( 67ف ح / 152 ( 10 ) 3
ف ح ) 18 ( 543 ، 453 / 4ف ح - 511 ، 368 / 1ح - 328 / 2ح / 511 - 1ح
- 305 / 2ح - 130 / 3ح - 511 ، 247 / 1ح - 130 / 3ح - 305 / 2ح / 4
- 306ح - 511 / 1ح - 328 / 2ح - 407 / 4ح - 305 / 2ح ( 25 ) 511 / 1
ف ح - 480 / 4ح - 380 / 3ح - 35 ، 521 / 4كتاب التنزالت الموصلية ( ) 26ف
ح ) 27 ( 702 ، 699 ، 666 ، 48 ، 47 ، 665 ، 50 / 1ف ح / 747 - 1ح 9 / 4
( ) 28ف ح - 735 / 1ح ) 29 ( 488 / 3ف ح - 590 ، 685 ، 721 / 1ح / 3
- 230ح - 718 / 1ح - 520 / 3ح ( 30 ) 702 ، 708 ، 718 / 1ف ح 115 / 4
-ح - 527 / 3ح - 399 / 1ح - 115 / 4ح ) 31 ( 229 / 3ف ح / 57 - 4ح / 3
) 32 ( 485ف ح - 109 ، 413 ، 109 / 4ح - 527 / 3ح - 672 / 2ح 398 / 1
-ح - 6 / 4ح - 672 / 2ح - 527 / 3ح - 589 / 1ح - 527 / 3ح - 540 / 2ح
- 527 / 3ح - 672 / 2ح - 527 / 3ح - 398 / 1ح ( 33 ) 413 / 4ف ح / 1
) 34 ( 588إيجاز البيان آية - 4ف ح ) 35 ( 36 / 2ف ح / 36 ( 36 ) 2ف ح / 1
- 564ح - 339 / 4ح ) 37 ( 754 ، 753 ، 588 / 1ف ح ، 754 ، / 5881
- 588ح - 6 / 4ح ) 40 ( 598 / 2كتاب التنزالت الموصلية ) ( 41ف ح ( 33 / 2
) 46ف ح - 6 / 4ح - 125 ، 91 / 1إيجاز البيان آية - 8ف ح - 101 ، 13 / 3
إيجاز البيان -ف ح - 83 / 4كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 652 / 2ح ، 340 / 4
- 185ح - 13 / 3ح - 389 / 4ح ( 47 ) 213 / 3ف ح - 62 / 3ح - 441 / 2ح
) 52 ( 62 ، 548 / 3ف ح / 379 ( 54 ) 3 - 655 ، 515 / 1ف ح 55 ( 92 / 3
) ف ح ) 60 ( 564 / 3ف ح - 379 / 4ح ( 61 ) 122 / 3ف ح -548 ، 561 / 3
574
كتاب الشأن ( ) 62كتاب فصوص الحكم -ف ح - 54 / 3فصوص الحكم ( ) 65ف ح
( 74 ) 438 ، / 4363كتاب الجالل والجمال -ف ح - 407 / 4ح - 515 / 3ح / 4
) 407 ( 75ف ح ) 77 ( 258 ، 257 ، 254 / 2ف ح - 511 / 1الديوان - 217 /
ف ح ) 78 ( 511 / 1ف ح - 148 / 2كتاب القسم اإللهي -ف ح - 620 / 1ح / 2
685 -كتاب القسم اإللهي -ف ح - 50 / 3ح . 85 / 4
سورة المؤمنون
) ( 2ف ح - 193 / 2ح ) 3 ( 501 / 1ف ح ) 8 ( 38 / 2ف ح ) 10 ( 39 / 2ف
ح ) 11 ( 27 / 4ف ح ) 12 ( 27 / 4ف ح ) 13 ( 331 / 1ف ح - 310 / 2ح 1
) / 331 ( 14كتاب روح القدس -ف ح - 331 / 1ح - 473 / 3ح - 345 / 2ح / 1
434 -روح القدس -ف ح - 39 / 2ح - 101 / 3ح - 86 / 4ح ، 471 ، 511 / 2
511 -كتاب الشاهد -كتاب نقش الفصوص ( ) 18ف ح ) 27 ( 365 / 3ف ح / 1
) 493 ( 53كتاب المشاهد -ف ح ) 57 ( 402 / 4ف ح ) 60 ( 37 / 2ف ح / 4
) 164 ( 61ف ح - 421 / 4ح - 4 / 1ح - 39 / 2ح - 421 / 4ح ، 453 / 1
- 453 ، 284ح ) 80 ( 556 / 3ف ح ) 86 ( 44 / 1ف ح ) 88 ( 436 / 2ف ح
( 91 ) 405 ، 528 ، / 2843ف ح ) 96 ( 579 / 2ف ح ) 101 ( 24 / 4ف ح
/ 237 ( 107 ) 4ف ح ) 108 ( 351 / 3كتاب عقلة المستوفز -إيجاز البيان آية 174
-ف ح ) 109 ( 4 / 3ف ح ) 115 ( 553 / 3ف ح - 415 / 2ح 374 ، 306 / 3
) ( 116ف ح ) 117 ( 436 ، 415 / 2ف ح - 71 / 3ح - 409 / 2ح - 309 / 3
ح - 405 / 1ح - 412 ، 477 ، 412 ، 559 ، 612 / 2ح ، 309 ، 94 ، 285 / 3
) 94 ( 118ف ح . 553 ، 285 / 3
سورة النور
) ( 2ف ح - 635 / 1ح - 304 / 4ح - 334 / 3ح - 304 ، 234 / 4إيجاز البيان
آية - 55ف ح - 304 / 4ح ) 4 ( 334 / 3ف ح ) 9 ( 562 / 2ف ح / 524 - 1ح
- 181 ، 180 / 3ح ) 10 ( 654 / 1ف ح ) 11 ( 302 / 4ف ح - 510 / 3ح / 4
) 13 ( 425ف ح ) 15 ( 562 / 2ف ح ) 16 ( 540 / 2ف ح ( 22 ) 68 / 4ف ح
- 47 / 4إيجاز البيان آية - 224ف ح - 47 / 4ح ) 24 ( 285 / 1كتاب التراجم -ف
ح - 171 / 3ح - 560 ، 451 / 2ح - 436 / 4ح - 75 ، 510 / 3ح 4 / 62 -ح
- 75 / 3ح - 474 / 4ح - 75 / 3ح - 474 / 4ح - 75 / 3ح / 474 - 4ح
575
1 / 559 -ح - 510 / 3ح - 559 / 1ح ) 25 ( 75 / 3ف ح - 380 / 2ح / 4
( 26 ) 436ف ح - 264 / 4كتاب مواقع النجوم ( ) 27ف ح ) 28 ( 473 / 4ف ح
/ 473 ( 30 ) 4ف ح - 531 / 1ح - 125 / 4ح ) 31 ( 338 ، 339 / 1كتاب
مواقع النجوم -ف ح - 143 ، 142 ، 139 / 2ح ) 33 ( 408 ، 523 ، 408 / 1ف
ح / 487 ( 35 ) 4ف ح - 39 / 4ح - 432 / 2ح - 217 / 1ح - 647 / 2ح / 3
- 392ح 1 / 740 -ح - 65 ، 392 / 3ح - 154 / 2ح - 659 / 1ح - 154 / 2ح
- 393 ، / 3941ح - 198 / 3ح - 193 / 1ح - 198 / 3ح - 193 / 1كتاب
التدبيرات اإللهية -ف ح - 357 / 3ح - 313 / 4ح - 687 / 2ح - 192 / 1كتاب
األعالق -ف ح - 434 / 1الديوان - 136 /ف ح - 345 / 4ح - 421 / 4كتاب
المبشرات ( ) 36ف ح - 541 / 1إيجاز البيان آية ) 37 ( 116إيجاز البيان آية - 3ف
ح - 10 / 4ح - 541 / 1ح - 10 / 4ح - 541 / 1ح - 38 ، 611 / 2كتاب
التدبيرات اإللهية ( ) 38ف ح - 309 / 1كتاب نقش الفصوص ( ) 39ف ح ، 338 / 2
- 455 ، 268كتاب األعالق -ف ح - 268 / 2كتاب األعالق -ف ح 531 ، 455 / 2
-ح - 573 / 1كتاب األعالق -ف ح - 338 / 2كتاب األعالق -ف ح 127 ، 338 / 2
-ح ) 40 ( 454 / 3ف ح - 619 ، 660 / 2ح / 243 - 3ح - 660 ، 659 / 2ح
- 276 / 3ح - 312 / 4ح ) 41 ( 357 / 3ف ح / 276 - 3ح - 328 / 2ح / 1
- 386ح - 328 / 2ح - 488 / 3ح 386 - ، 540 ، 721 / 1ح - 200 / 2ح / 1
) 43 ( 540ف ح - 402 / 2ح - 396 / 4ح 632 ( 44 ) ، 402 / 2ف ح / 4
) 45 ( 396 ، 159ف ح - 171 / 2كتاب األعالق ( ) 50ف ح ) 58 ( 434 / 4ف
ح - 594 / 1ح ) 61 ( 691 / 2ف ح - 429 / 1ح - 126 / 2ح . 435 / 4
سورة الفرقان
) ( 1ف ح ) 2 ( 94 / 3ف ح ) 3 ( 444 ، 443 / 3ف ح ) 13 ( 241 / 3ف ح
/ 391 - 3كتاب عقلة المستوفز -كتاب األعالق ( ) 17كتاب األعالق ( ) 19ف ح / 4
) 185 ( 23ف ح ) 24 ( 589 / 1ف ح ) 25 ( 322 / 1ف ح - 4 / 3إيجاز البيان
آية ) 26 ( 210كتاب عقلة المستوفز -ف ح ) 43 ( 270 / 3ف ح ، 451 ، / 2262
( 44 ) 583ف ح - 489 / 3ح - 149 / 4ح ) 45 ( 489 / 3ف ح / 238 - 4ح
- 607 / 2ح - 224 / 4ح - 458 / 1ح - 606 ، 607 / 2ح - 224 / 4ح / 1
- 458ح - 269 ، 47 / 3كتاب التراجم -ف ح -435 ، 374 / 4
576
ح 3 / 279 -ح - 281 ، 187 ، 186 ، 190 / 3ح - 374 / 4كتاب الشاهد ( ) 47
ف ح ) 48 ( 237 / 1ف ح ) 53 ( 518 / 3ف ح ) 59 ( 453 / 3ف ح - 140 / 1
ح - 12 ، / 11 4ح - 431 / 3ح - 391 / 2ح ) 60 ( 300 ، 128 / 3ف ح / 3
- 310ح - 411 / 2ح - 512 / 1ح - 411 / 2ح - 108 / 1ح - 310 ، 430 / 3
ح / 411 - 2ح - 512 / 1ح - 310 / 3ح ) 63 ( 512 / 1ف ح - 267 / 1ح / 2
- 105ح ) 64 ( 203 / 4ف ح ) 65 ( 17 / 2ف ح ) 67 ( 339 / 2ف ح / 3
- 183ح / 342 - 1ح ) 70 ( 17 / 2ف ح - 255 / 1ح - 123 / 4ح - 352 / 3
ح - 141 / 2ح - 240 / 4ح - 352 / 3ح - 639 ، 141 ، 492 ، 141 / 2ح / 4
- 34 ، 27ح - 403 / 3ح - 34 / 4ح - 639 / 2ح 72 ( 417 ، 256 ، 255 / 1
) ف ح .37 ، / 6202
سورة الشعراء
) ( 5ف ح - 63 / 2ح - 367 / 1إيجاز البيان آية - 22ف ح - 129 / 4كتاب
األعالق -ف ح - 77 / 2ح - 357 ، 363 / 4ح - 127 / 3ح - 129 / 4ح / 742
( 21 ) 329 ، 74 ، 190 ،ف ح - 155 / 2ح - 125 ، 264 / 3ح - 183 / 4ح
- 125 ، 3 / 264ح - 183 / 4ح - 155 / 2ح ) 22 ( 420 / 2ف ح ( 155 / 2
) 23ف ح - 20 / 4ح - 90 / 3ح - 194 / 1ح ) 24 ( 175 / 4ف ح ( 20 / 4
) 25ف ح ) 26 ( 20 / 4ف ح ) 27 ( 20 / 4ف ح - 90 / 3ح ) 28 ( 20 / 4
كتاب المشاهد -كتاب النجاة -ف ح ) 30 ( 20 / 4فصوص الحكم /فص ( 31 ) 25
فصوص الحكم ( ) 32فصوص الحكم ( ) 46ف ح - 235 / 1فصوص الحكم ) ( 48
فصوص الحكم -ف ح ) 78 ( 235 / 1ف ح ) 79 ( 204 / 1ف ح ) 80 ( 204 / 1
ف ح - 204 ، 1 / 672ح - 275 / 4ح - 393 / 1ح - 275 ، 97 / 4ح 393 / 1
( ) 82ف ح ) 99 ( 393 / 1ف ح ) 101 ( 298 / 1ف ح ) 109 ( 686 / 1ف ح
( 130 ) 168 ، / 1203ف ح ) 155 ( 281 / 3ف ح ) 193 ( 727 / 1ف ح / 3
- 108ح ( 194 ) 568 ، 2 / 71ف ح - 108 ، 157 / 3ح - 427 / 4ح 568 / 2
-ح / 427 - 4ح ) 197 ( 93 ، 94 / 3كتاب مواقع النجوم ( ) 214ف ح 610 / 2
) ( 218ف ح ) 219 ( 322 / 3ف ح ) 224 ( 102 ، 34 / 2ف ح 227 ( 51 / 4
) ف ح / 403 - 2ح - 51 / 4ح .391 / 3
577
سورة النمل
) ( 4ف ح - 150 ، 197 ، 150 / 2إيجاز البيان آية ) 8 ( 212ف ح - 256 / 3ح
- 70 / 2ح - 256 / 3كتاب التنزالت الموصلية ( ) 9ف ح 277 - ، 269 ، 74 / 2ح
) 10 ( 119 / 3كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ( ) 14ف ح - 138 / 4ح 3 / 243 -ح
- 526 / 4ح - 83 / 3ح - 374 ، 306 / 2ح - 354 / 1إيجاز البيان آية - 7ف ح 3
- 83 /ح - 28 / 2ح - 243 / 3ح ) 16 ( 526 / 4ف ح / 154 ( 19 ) 3ف ح 1
- 230 /كتاب النجاة ( ) 21كتاب النجاة ( ) 23كتاب األعالق ( ) 24إيجاز البيان آية
- 12ف ح ) 25 ( 415 / 2ف ح ) 26 ( 512 / 1ف ح - 415 / 2ح ( 512 / 1
) 27ف ح ) 29 ( 359 / 4كتاب فصوص الحكم /فص ) 30 ( 16كتاب اإلسراء -
كتاب النجاة ( ) 40ف ح - 73 / 4ح - 120 /كتاب نقش الفصوص -ف ح - 120 / 2
كتاب فصوص الحكم /فص ) 42 ( 16ف ح / 664 - 1ح - 15 / 2ح - 496 / 1ح 2
- 495 ، 483 /ح - 496 / 1ح ( 43 ) 495 / 2ف ح ) 44 ( 483 / 2كتاب
فصوص الحكم /فص - 16كتاب نقش الفصوص -كتاب األعالق ( ) 50إيجاز البيان آية
- 16ف ح - 536 / 2ح - 362 / 1ح / 530 - 2ح - 145 / 4ح - 530 / 2ح / 4
- 145كتاب الشاهد ( ) 59ف ح - 96 / 4ح ) 62 ( 118 / 2ف ح 503 ، 507 / 1
-ح - 4 / 3ح ) 63 ( 687 / 1ف ح / 4 ( 77 ) 3ف ح ) 82 ( 96 / 3ف ح / 3
) 88 ( 258ف ح ) 89 ( 386 ، 345 / 2ف ح ) 91 ( 170 / 3ف ح ( 757 / 1
) 92ف ح . 94 / 3
سورة القصص
) ( 7ف ح - 78 / 2كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 9كتاب فصوص الحكم /فص ( 25
) 10كتاب فصوص الحكم ( ) 12كتاب فصوص الحكم ( ) 13كتاب فصوص الحكم (
) 15ف ح - 362 / 1ح ) 17 ( 470 / 2ف ح ) 28 ( 386 / 4ف ح ( 256 / 3
) 29ف ح - 215 ، 256 / 3كتاب النجاة ( ) 30ف ح - 215 / 3كتاب األعالق -ف
ح - 70 / 4ح ) 34 ( 215 / 3ف ح - 349 / 3كتاب النجاة ( ) 38ف ح ، / 1783
- 355ح - 301 / 1ح - 136 / 4ح - 178 / 3ح ) 41 ( 136 / 4إيجاز البيان آية
) 44 ( 122ف ح ) 46 ( 195 / 3كتاب األعالق ( ) 55كتاب مواقع النجوم ( ) 56ف
ح - 314 ، 180 / 4ح - 498 ، 14 / 3ح - 181 / 2ح ( 57 ) 60 / 4ف ح / 2
- 604كتاب التراجم ( ) 60ف ح - 107 ، 494 / 4ح ) 68 ( 6 / 1ف ح - 539 / 2
ح - 397 / 3ح - 169 / 2ح - 417 / 4ح - 539 ، 417 / 2ح - 405 ، 1 / 385
ح
578
- 201 ، 4 / 30ح - 375 ، 356 / 3ف مقدمة - 41 /إيجاز البيان آية ) 70 ( 195
ف ح - 416 / 2ح ) 73 ( 112 / 3ف ح ) 75 ( 207 ، 493 ، 207 / 1ف ح / 4
) 350 ( 76ف ح - 440 ، 128 / 4ح ) 77 ( 187 ، 186 / 2ف ح - 344 / 2ح
/ 349 - 3ح - 114 / 4ح ) 83 ( 459 / 3ف ح - 383 / 1ح - 244 / 4ح / 1
173 -ح - 244 / 4ح - 173 / 1ح - 57 / 3ح - 753 / 1ح - 57 / 3كتاب
الوصية -ف ح - 458 / 4كتاب الوصية ( ) 84ف ح - 170 / 3ح ( 86 ) 175 / 1
ف ح ) 88 ( 386 / 4ف ح - 417 / 4ح - 417 / 2ح - 419 / 3ح - 100 / 2ح
- 419 ، / 373 3ح - 417 / 4ح - 419 / 3ح - 99 / 2ح - 255 / 3ح ، 99 / 2
224 -ح - 349 / 4ح - 443 ، 419 ، 255 / 3ح - 313 / 2ح - 255 / 3ح / 2
- 416 ، 99ح . 112 / 3
سورة العنكبوت
) ( 2ف ح ) 3 ( 248 / 3ف ح ) 4 ( 249 / 3ف ح ) 6 ( 473 ، 252 / 3ف ح
/ 72 - 3ح - 226 / 2ح ) 8 ( 160 / 3كتاب المشاهد القدسية ( ) 12ف ح / 303 1
-ح - 195 / 3ح ) 13 ( 650 / 2ف ح - 77 / 3إيجاز البيان آية ) 14 ( 49ف ح 3
) 20 ( 50 /كتاب إنشاء الدوائر -ف ح - 120 ، 118 / 1كتاب عقلة المستوفز ( ) 27
كتاب اإلسفار -ف ح ) 29 ( 230 ، 723 / 1ف ح ) 38 ( 252 / 3ف ح ( 149 / 2
) 43ف ح - 189 / 1ح - 243 ، 242 ، 417 / 3كتاب مواقع النجوم ( ) 44كتاب
إنشاء الدوائر ( ) 45ف ح - 111 / 4ح - 119 / 2ح - 421 ، / 5421ح 119 / 2
-ح - 542 / 1ح - 119 / 2ح - 257 ، 462 ، 542 / 1ح 2 / 119 -ح 462 / 1
-ح - 169 / 2ح - 257 ، 650 ، 543 ، 542 / 1ح / 111 - 4ح 543 ، 542 / 1
- 257 ،ح - 119 ، 400 ، 119 / 2ح - 438 / 3ح - 404 ، / 1192ح 413 / 1
- 415 ،ح ) 47 ( 494 / 3كتاب فصوص الحكم فص ( 50 ) 10ف ح ( 145 / 3
) 51ف ح ) 52 ( 145 / 3ف ح ) 56 ( 284 ، 133 ، 325 / 4ف ح ، 247 / 3
) 57 ( 250 ، 249 ، 224ف ح ) 64 ( 352 / 4ف ح - 317 / 1ح 2 / 86 -ح 3
- 244 /ح ) 65 ( 451 / 4ف ح ) 67 ( 208 / 1إيجاز البيان آية ) 69 ( 126ف ح
- 148 ، 145 ، 148 / 2ح - 412 / 4كتاب األمر المحكم المربوط .سورة الروم
) ( 2ف ح - 60 / 1ح ) 3 ( 592 / 2ف ح ) 4 ( 60 / 1ف ح ( 362 ، 290 / 1
)8فح
579
- 396 ، 2 / 390ح ) 9 ( 512 / 3ف ح ) 11 ( 443 / 4كتاب التنزالت الموصلية (
) 17ف ح ) 18 ( 539 / 1ف ح ) 20 ( 539 / 1ف ح - 498 ، 460 / 1الديوان /
) 21 ( 148ف ح - 428 / 2ح - 18 / 3ح - 206 / 1ح 557 - ، 428 / 2كتاب
التنزالت الموصلية ( ) 22ف ح ) 23 ( 419 / 2ف ح ( 24 208 ، 206 ، 207 / 1
)ف ح ) 27 ( 44 / 1ف ح - 289 / 4ح - 149 / 2ح ، 363 ، 116 ، 326 / 3
( 28 ) 116إيجاز البيان آية - 10كتاب األعالق ( ) 29ف ح / 48 ( 30 ) 4ف ح / 1
- 722ح - 616 / 2ح - 70 / 2ح - 24 / 3ح 534 - ، 69 / 2ح - 347 / 4ح 3
- 230 ، 255 ، 117 /ح ) 41 ( 534 / 2ف ح ( 47 ) 391 ، 476 ، 261 / 4ف
ح - 328 / 3ح - 325 ، 283 / 4ح - 167 / 3ح - 283 / 4ح - 328 / 3ح / 2
- 247كتاب التراجم ( ) 54ف ح - 281 / 4ح - 213 / 1ح 4 / 11 -ح - 275 / 1
ح - 282 ، 11 ، 281 / 4ح - 241 / 1ح - 11 / 4ح / 275 - 1ح - 29 / 2ح 3
- 379 /ح - 282 / 4ح - 241 / 1ح 281 - ، 11 ، 281 / 4ح - 213 ، 275 / 1
ح - 415 / 4كتاب الشاهد .
سورة لقمان
) ( 7ف ح ) 10 ( 25 / 4كتاب التراجم -ف ح ) 11 ( 459 ، 418 ، 417 / 3ف ح
4 / 289 -كتاب عنقاء مغرب ( ) 12ف ح ) 13 ( 217 / 2كتاب فصوص الحكم فص
23 -كتاب نقش الفصوص -ف ح - 354 / 3ح - 241 / 4ح ، 241 ، 355 / 3
( 14 ) 355إيجاز البيان آية - 233ف ح - 171 / 3ح - 142 / 1كتاب األعالق -ف
ح 3 / 171 -ح - 142 / 1إيجاز البيان آية - 200ف ح - 204 / 2ح - 309 / 4ح
2 / 204 -ح ) 15 ( 64 / 1ف ح - 506 / 1ح - 114 / 4ح - 359 / 3ح / 4
) 114 ( 18ف ح ) 20 ( 342 / 2ف ح - 38 / 3كتاب إنشاء الدوائر -ف ح / 60 1
-ح ) 22 ( 256 ، 350 ، 97 / 4ف ح ) 26 ( 118 / 4ف ح ( 27 ) 265 / 3كتاب
رد اآليات المتشابهات -ف ح - 65 / 4ح - 525 / 3ف ح - 65 ، 166 / 4ح 3 /
525 -ح - 552 ، 423 ، 459 ، 90 / 2ح ) 29 ( 436 / 1ف ح 639 ، 552 / 2
-ح ) 30 ( 246 / 3ف ح ) 31 ( 322 / 4ف ح - 696 / 1ح ( 33 ) 564 / 3ف
ح ) 34 ( 238 / 1ف ح . 412 / 2
سورة السجدة
) ( 2ف ح ) 8 ( 63 / 1ف ح ) 12 ( 250 / 3ف ح - 485 / 3ح ) 13 ( 170 / 2
فح
580
580
) 4 / 426 ( 15ف ح ) 16 ( 512 / 1ف ح - 89 ، 17 / 2كتاب اإلسراء -كتاب
النجاة ( ) 17ف ح - 538 / 3ف ح - 117 ، 89 / 2ح - 542 / 3الديوان ( 148 /
) 22ف ح ) 26 ( 440 / 4ف ح ) 27 ( 115 / 3ف ح - 628 / 2ح . 351 / 3
سورة األحزاب
) ( 4ف ح - 731 / 1ح ) 5 ( 332 / 4ف ح ) 6 ( 437 / 4كتاب تلقيح األذهان -ف
ح ) 7 ( 229 / 3ف ح - 58 / 4كتاب النجاة ( ) 8ف ح 249 - ، 468 ، 249 / 3ح
- 28 / 2كتاب الشاهد ( ) 13ف ح - 407 / 1كتاب األعالق -كتاب النجاة -كتاب
المشاهد -ف ح - 386 / 2كتاب الشاهد ( ) 21ف ح 456 - ، 397 / 4ح - 153 / 3
ح - 711 / 1ح - 501 / 3ح ) 23 ( 181 / 4ف ح - 10 / 4ح 3 / 328 -ح / 4
) 24 ( 57ف ح ) 26 ( 28 / 2ف ح ) 29 ( 340 / 4ف ح / 460 ( 30 ) 1ف ح
) 31 ( 27 / 2ف ح ) 32 ( 27 / 2ف ح ) 33 ( 486 / 1ف ح / 126 - 2ح / 1
- 196ح - 126 / 2ح - 196 / 1ح - 513 / 2ح - 196 / 1إيجاز البيان آية - 231
ف ح - 282 ، 196 / 1كتاب اإلسفار -ف ح ) 34 ( 197 / 1ف ح ) 35 ( 365 / 4
ف ح - 30 ، 397 ، 30 ، 29 ، 26 ، 23 / 2ح - 474 ، 457 / 3ح - 397 / 2ح
- 212 / 3ح ) 36 ( 23 ، 397 ، 30 / 2ف ح ( 37 ) 106 ، 122 / 4ف ح / 4
) 38 ( 302 ، 181 ، 180كتاب القسم اإللهي -ف ح ( 40 ) 181 / 4ف ح 513 / 3
-ح - 181 / 4كتاب المسامرات -ف ح - 513 / 3ح - 48 / 2ح - 513 / 3ح / 2
) 41 ( 48ف ح - 539 / 1الديوان - 107 /ف ح - 461 / 4ح - 229 / 2ح / 3
- 299ح - 229 / 2ح - 299 / 3ح - 229 ، 228 / 2ح / 36 - 4ح - 713 / 1ح
) 42 ( 36 / 4ف ح ) 43 ( 539 / 1ف ح 754 - ، 539 ، 386 / 1ح - 119 / 2
ح - 190 / 4ح - 119 / 2ح - 54 / 3ح 539 ( 46 ) ، 540 ، 539 / 1ف ح / 1
- 642ح - 111 / 3ح ) 50 ( 664 ، 462 / 1ف ح - 153 / 3ح - 146 / 1ح 3
- 512 /ح ) 51 ( 637 / 1كتاب المسامرات ( ) 52ف ح / 193 - 2إيجاز البيان آية
- 221ف ح - 193 / 2كتاب المسامرات -ف ح - 208 / 2ح - 73 / 4ح - 208 / 2
ح - 455 / 1ح ) 53 ( 254 / 4ف ح ) 55 ( 356 / 4ف ح ) 56 ( 344 / 2ف ح
( 57 ) 540 ، 722 ، 546 ، 544 ، 431 ، 387 ، 481 ، 539 ، 529 ، 539 / 1
ف ح - 730 / 1ح - 317 / 4ح - 680 ، 356 / 1ح - 206 / 2ح - 317 / 4ح 3
- 36 /ح - 317 / 4ح - 36 / 3ح - 318 / 4ح 730 - ، 612 / 1ح 463 / 3
581
) ( 58ف ح ) 59 ( 381 / 3ف ح - 408 / 1كتاب المسامرات ( ) 67ف ح / 1
( 69 ) 340ف ح ) 70 ( 241 ، 490 / 3ف ح - 238 / 1ح ) 71 ( 241 / 3ف ح
/ 241 ( 72 ) 1ف ح - 185 / 4ح - 58 / 2ح - 138 / 4ح - 629 / 2ح / 4
185 - ، 292ح - 333 ، 2 ، 490 / 3ح - 185 / 4ح - 170 / 2ح - 185 / 4ح
- 2 / 3ح - 519 / 2ح - 2 / 3ح - 138 / 4ح - 630 ، 20 ، 421 / 2ح / 1
. 691
سورة سبأ
) ( 2ف ح ) 6 ( 458 / 3ف ح ) 10 ( 246 / 2كتاب فصوص الحكم فص - 17كتاب
نقش الفصوص -ف ح - 593 / 2فصوص الحكم فص ) 13 ( 17كتاب فصوص الحكم
فص - 17ف ح - 202 / 2ح - 242 / 4ح - 564 / 3ح - 202 / 2ح - 242 / 4ح
/ 202 - 2ح - 503 / 1كتاب نقش الفصوص ( ) 19كتاب األعالق ( ) 21ف ح / 2
- 182ح ) 23 ( 405 ، 120 / 3ف ح - 528 / 1ح - 159 / 4ح - 215 / 3ح 4
/ 195 -ح - 215 / 3ح - 195 / 4ح - 215 / 3ح - 255 / 2ح - 215 / 3ح 2
/ 14 -ح - 195 / 4ح - 78 / 2ح - 195 / 4ح - 215 / 3ح - 195 / 4ح / 2
255 -ح - 159 / 4ح - 399 / 1ح - 215 / 3ح - 195 / 4ح ) 26 ( 78 / 2ف
ح ) 2 / 588 ( 28ف ح - 143 / 3ح - 221 / 4ح - 134 / 2ح - 135 / 1ح 2
/ 139 -ح - 135 / 1ح - 134 / 2ح - 135 / 1ح - 139 / 2ح - 135 / 1ح 2
- 134 ، 138 ، / 134ح - 135 / 1ح - 413 / 3ح - 135 / 1ح ، 413 / 3
( 37 ) 251ف ح - 452 / 1ح ) 39 ( 351 / 4ف ح - 148 / 4ح ، 571 / 1
) 46 ( 576ف ح - 563 ، 561 / 3ح ) 47 ( 620 / 2ف ح . 23 / 4
سورة فاطر
) ( 1ف ح - 568 / 1ح - 67 ، 70 / 2ح ) 4 ( 54 ، 385 ، 261 / 3ف ح / 4
) 310 ( 3ف ح ) 6 ( 417 ، 166 / 2ف ح ) 8 ( 249 / 1ف ح - 388 / 3ح / 4
- 141 ، 150 ، 141ح - 494 / 4ح - 309 / 3ح - 141 / 2ح - 270 / 4كتاب
تاج الرسائل ( ) 10ف ح - 191 / 1ح - 33 / 3ح - 191 / 1ح - 228 / 4ح / 3
- 523 ، 33ح ) 12 ( 296 / 2إيجاز البيان آية - 11ف ح - 453 / 2ح / 390 ( 3
) 13ف ح ) 15 ( 357 / 4ف ح - 601 ، 263 / 2ح - 35 / 3ح - 249 / 4ح / 2
- 469ح - 196 / 4ح - 544 / 3ح - 228 / 1ح - 601 ، 263 / 2ح ، / 124
- 212ح
ص 582
582
2 / 63 -ح - 35 / 3ح - 92 / 1ح - 263 / 2ح - 212 ، 286 / 4ح - 405 / 3
ح 4 / 286 -ح - 100 / 2ح - 286 / 4ح - 272 ، 19 ، 272 ، 19 / 3ح / 2
- 16ح - 228 / 1ح - 63 / 2ح - 262 / 1ح - 200 / 2ح - 262 / 1ح / 2
- 590ح 3 / 460 -الديوان ) 16 ( 194 /إيجاز البيان آية - 21ف ح ، 169 / 2
( 18 ) 539ف ح ) 19 ( 160 / 2ف ح ) 20 ( 121 / 3ف ح ) 24 ( 539 / 1
كتاب عنقاء مغرب -إيجاز البيان الفاتحة آية - 4ف ح - 352 ، 50 ، 491 / 3ح / 1
147 -ح ) 25 ( 388 ، 153 / 3كتاب التنزالت الموصلية ( ) 27ف ح ( 459 / 3
) 28ف ح - 383 / 1ح - 130 / 4ح - 193 / 2ح - 360 / 1ح - 322 / 3ح 4
- 130 ، / 54ح - 322 / 3ح ) 29 ( 131 ، 5 / 4ف ح ( 590 ، 579 ، 573 / 1
) 30ف ح ) 32 ( 202 / 2ف ح - 417 / 4ح - 402 / 3ح - 9 ، 360 ، 136 / 2
ح 4 / 417 -ح - 136 / 2ح - 424 / 4ح - 160 ، 532 / 2ح - 73 / 4ح / 3
104 -ح - 395 ، 417 ، 395 ، 354 ، 164 ، 73 / 4ح - 22 / 2ح - 352 / 4
كتاب التنزالت الموصلية ( ) 35ف ح - 338 / 4ح ) 37 ( 321 / 1ف ح ( 243 / 3
) 39ف ح ) 42 ( 643 / 2ف ح . 226 / 3
سورة يس
ف ح - 172 / 2ح ) 1 ( 464 / 1ف ح - 693 / 2ح ) 10 ( 279 / 3ف ح / 3
( 12 ) 278ف ح - 287 / 4ح - 180 / 1ح - 287 ، 83 / 4ح ) 19 ( 112 / 3
ف ح / 377 ( 37 ) 2ف ح - 141 ، 388 / 1كتاب الشأن -ف ح ، 716 ، 141 / 1
- 660ح - 647 / 2ح ) 38 ( 12 / 3ف ح - 396 ، 198 / 4ح - 493 / 3ح / 4
396 ( 39 ) ، 377ف ح - 111 / 3ح - 440 / 2ح - 436 / 3ح - 440 / 2ح 3
- 436 /ح - 431 / 2ح ) 40 ( 438 ، 436 / 3ف ح - 443 ، 433 / 2ح / 1
- 141ح / 53 - 3عقلة المستوفز ( ) 51ف ح ) 52 ( 66 / 3إيجاز البيان آية 57 ( 3
) ف ح ) 59 ( 641 / 1ف ح - 220 / 3ح - 301 ، 298 ، 302 / 1ح - 220 / 3
ح / 301 - 1إيجاز البيان آية ) 65 ( 31كتاب التدبيرات اإللهية -ف ح - 412 / 1ح 3
- 171 /ح ) 69 ( 419 / 4ف ح - 274 / 2ح - 458 / 3ح - 56 / 1ح / 458 3
-ح - 56 / 1إيجاز البيان آية - 149ف ح - 458 / 3ح - 56 / 1ح / 58 ( 70 ) 3
كتاب تلقيح األذهان ( ) 71ف ح - 294 / 3ح - 297 / 4ح ( 73 ) 294 / 3ف ح 2
- 465 /ح ) 77 ( 490 / 3ف ح ) 82 ( 355 / 3ف ح - 588 / 2ح ، / 424 4
- 430ح
ص 583
583
- 741 ، 1 / 168ح 4 / 3
سورة الصافات
) ( 1ف ح - 448 / 1ح ) 2 ( 446 / 3كتاب عقلة المستوفز -ف ح ) 3 ( 446 / 3
ف ح ) 6 ( 257 ، 256 / 2ف ح - 548 / 3كتاب اإلسفار ( ) 7ف ح ( 8 516 / 1
)ف ح ) 10 ( 531 / 3ف ح ) 35 ( 450 / 2ف ح ) 48 ( 417 / 2ف ح / 4
356 -ح ) 55 ( 530 / 1ف ح ) 56 ( 679 / 2ف ح ) 57 ( 679 / 2كتاب مواقع
النجوم ( ) 60ف ح ) 61 ( 113 / 4ف ح ) 64 ( 113 / 4كتاب اإلسراء ( ) 67ف
ح ) 89 ( 565 / 3كتاب اإلسراء ( ) 95ف ح ) 96 ( 612 / 2ف ح 20 ، 213 / 4
-ح - 348 / 1كتاب عقلة المستوفز -ف ح - 378 ، 347 / 1ح - 396 / 2ح / 4
227 -ح - 727 ، 171 / 1ح - 350 / 4ح - 212 ، 211 ، 566 / 3ح - 89 / 2
ح - 410 ، 126 / 4ح - 203 / 2ح - 348 / 1كتاب مواقع النجوم -كتاب التدبيرات
اإللهية ( ) 102ف ح - 240 / 4فصوص الحكم -كتاب النجاة -كتاب اإلسفار ( ) 103
كتاب النجاة ( ) 105كتاب فصوص الحكم ( ) 106كتاب فصوص الحكم -إيجاز البيان آية
) 107 ( 50ف ح - 629 / 1ح - 240 / 4كتاب فصوص الحكم -ف ح ، 564 / 1
) 138 ( 596ف ح ) 145 ( 240 / 1ف ح ( 146 ) 212 / 1كتاب نقش الفصوص (
) 147كتاب الجالل والجمال ( ) 148كتاب الجالل والجمال -ف ح ) 150 ( 415 / 2
ف ح ) 153 ( 367 / 3ف ح ) 158 ( 162 / 3ف ح / 367 ( 164 ) 3ف ح / 1
- 296ح - 184 ، 54 / 3ح - 255 / 2ح - 258 / 1ح / 385 ( 166 ) 2ف ح 2
) 171 ( 520 /ف ح ) 173 ( 535 ، 334 / 2ف ح - 140 / 3ح ( 42 ، 35 / 2
) 177ف ح ) 180 ( 338 / 1ف ح - 536 / 3ح - 344 ، 697 / 1ح - 536 / 3
ح - 401 / 2ح - 536 / 3ح - 542 / 2ح - 93 / 1ح - 412 / 4ح - 580 / 2ح
- 372 ، 132 / 4كتاب األعالق -ف ح - 372 / 4ح - 53 / 2ح 3 / 538 -ح / 2
- 283ح ) 181 ( 148 / 3ف ح ) 182 ( 537 ، 196 / 3ف ح 196 ، / 537 3
.سورة ص
) ( 1ف ح ) 3 ( 71 / 1ف ح ) 4 ( 350 / 4كتاب اإلسراء -كتاب النجاة ) ( 5ف ح
- 590 / 2إيجاز البيان آية - 163ف ح - 106 ، 254 / 4ح 409 - ، 590 / 2ح / 3
- 248 ، 94ح - 591 ، 590 / 2ح - 254 / 4ح ) 7 ( 178 / 3ف ح 2 / 417 -
كتاب النجاة ( ) 9ف ح ) 15 ( 57 / 2ف ح ( 16 ) 190 / 3الديوان ) 17 ( 93 /ف
ح
ص 584
584
2 / 468 -كتاب فصوص الحكم فص ) 18 ( 17ف ح ) 20 ( 471 / 4ف ح 269 / 2
-ح 4 / 258 -ح - 456 / 3فصوص الحكم -ف ح - 269 / 2ح - 456 / 3ح / 4
- 258 ، 338 ، 25ح ) 24 ( 240 / 1ف ح - 305 / 2ح - 655 ، 133 / 4ح / 1
- 513ح - 155 / 4ح - 513 / 1ح - 155 / 4كتاب تلقيح األذهان ( ) 26ف ح / 2
96 -ف ح - 155 / 4ح - 191 / 3ح - 107 ، 155 / 4ح - 96 / 2ح ، 138 / 3
- 138 ، 364ح - 336 / 2ح - 191 / 3ح - 107 ، 48 / 4ح ، 308 ، 336 / 2
404 -ح - 476 / 4ح ) 27 ( 191 / 3ف ح ) 29 ( 191 / 3ف ح ، 513 / 1
- 504ح - 472 / 3ح ) 30 ( 618 ، 401 ، 513 / 1كتاب فصوص الحكم ( ) 32
ف ح / 207 ( 33 ) 2كتاب النجاة -الديوان - 440 /ف ح ) 34 ( 207 / 2ف ح / 2
- 544 ، 207ح - 133 / 1كتاب تلقيح األذهان -ف ح - 544 / 2ح ( 35 186 / 3
)ف ح - 585 / 1كتاب نقش الفصوص -ف ح - 585 ، 584 ، 585 / 1كتاب النجاة
-ف ح ) 36 ( 173 / 1ف ح - 585 / 1ح - 450 / 2كتاب فصوص الحكم فص ( 16
) 39ف ح - 585 / 1كتاب نقش الفصوص -ف ح ) 40 ( 188 / 2ف ح ( 207 / 2
) 42كتاب فصوص الحكم فص - 18كتاب نقش الفصوص ( ) 43كتاب نقش الفصوص (
) 44كتاب اإلسراء -كتاب نقش الفصوص -ف ح - 206 / 2ح - 408 / 4ح ، 29 / 2
- 189 ، 206ح ) 47 ( 143 / 4ف ح ) 62 ( 36 ، 39 / 2ف ح ( 64 ) 126 / 2
إيجاز البيان آية - 36ف ح ) 65 ( 299 / 1ف ح - 619 / 2ح ) 69 ( 323 / 4ف ح
- 251 / 2ح - 26 / 3ح - 391 / 4ح - 586 / 1ح - 432 / 3ح - 586 / 1ح 2
/ 93 -ح - 26 / 3ح - 651 / 2ح - 447 / 4ح - 26 / 3ح - 472 / 2ح / 26 3
-ح - 408 / 4ح - 26 / 3ح - 408 / 4ح - 26 / 3ح - 391 / 4ح / 137 - 3ح
) 71 ( 391 / 4ف ح - 70 / 2ح - 410 / 4ح ) 72 ( 70 / 2كتاب عقلة المستوفز -
ف ح - 751 / 1كتاب التدبيرات اإللهية ( ) 73ف ح - 426 / 2ح - 168 / 1ح / 4
- 279 ، 278ح ) 74 ( 426 / 2ف ح ) 75 ( 426 / 2ف ح / 4 - 2ح ، 351 / 3
- 291ح - 122 / 1ح - 67 / 2ح - 295 / 3ح 468 - ، 4 / 2ح - 291 / 3كتاب
فصوص الحكم -ف ح - 312 / 4ح - 137 ، 291 / 3ح - 174 ، / 4682ح / 4
- 245ح - 70 ، 255 / 2ح ) 76 ( 300 / 3ف ح ( 82 ) 468 / 2ف ح 368 / 3
-ح ) 83 ( 718 / 1ف ح - 467 / 2ح ) 85 ( 368 ، 381 / 3ف ح - 368 / 3ح
.134 / 1
ص 585
585
سورة الزمر
) ( 1ف ح ) 2 ( 310 / 2ف ح - 362 / 1ح - 591 / 2ح ) 3 ( 345 / 4ف ح 4
/ 57 -ح - 221 / 2إيجاز البيان آية - 196ف ح - 301 / 1ح ، 377 ، 376 / 3
- 308 ، 243 ، 77 ، 376إيجاز البيان آية - 25ف ح - 308 / 3ح 408 ، 409 / 2
-ح ) 4 ( 178 / 3ف ح - 579 / 2ح - 162 / 3ح - 92 / 4ح - 162 / 3ح 4 /
93 -ح - 580 / 2ح - 162 / 3ح - 614 ، 580 / 2ح ) 5 ( 84 / 3ف ح / 1
395 -كتاب عقلة المستوفز ( ) 6ف ح - 62 / 2ح - 265 / 3ح ) 7 ( 418 / 2ف ح
- 182 / 4ح ) 8 ( 359 / 1كتاب التدبيرات اإللهية ( ) 9ف ح - 312 ، / 1524ح
- 370 / 2ح - 478 ، 245 / 3ح - 145 / 4كتاب مواقع النجوم -ف ح ، 120 / 3
) 10 ( 121ف ح - 539 / 3ح ) 14 ( 28 / 2ف ح ) 17 ( 468 / 3ف ح / 1
- 537ح ) 18 ( 70 / 2كتاب مواقع النجوم -ف ح - 105 / 4كتاب التنزالت الموصلية
-ف ح - 39 / 2ح - 339 / 1ح ) 19 ( 417 ، 105 / 4ف ح ، 217 ، / 58 3
( 21 ) 240ف ح ) 22 ( 332 / 1كتاب شعب اإليمان -ف ح / 82 ( 28 ) 3إيجاز
البيان المقدمة ( ) 30ف ح - 634 / 1ح - 356 ، 415 / 4ح / 109 ( 33 ) 2ف ح
- 644 / 2ح ) 42 ( 218 / 3ف ح - 37 / 2ح - 507 / 4ح / 111 ( 45 ) 3
إيجاز البيان الفاتحة - 3ف ح ) 47 ( 328 / 3ف ح 619 - ، 55 / 2كتاب فصوص
الحكم فص - 12ف ح - 278 / 3ح - 277 / 4ح - 285 / 1ح - 277 ، / 3464ح
) 52 ( 532 / 1ف ح ) 53 ( 224 / 4ف ح - 446 / 4ح - 183 ، 148 / 3ح / 4
- 4ح - 171 / 2ح - 567 ، 183 / 3ح - 446 / 4ح - 171 / 2ح ، 567 / 3
- 183ح - 240 ، 446 / 4ح - 734 / 1ح - 393 ، 567 / 3ح / 304 - 4ح / 3
- 183 ، 353 ، 388ح - 171 / 2ح - 148 / 3ح - 304 ، 446 / 4ح ، 183 / 3
- 148 ، 567ح - 4 / 4ح - 309 / 3إيجاز البيان الفاتحة - 3ف ح - 433 / 3ح / 4
- 4ح - 353 / 3ح - 239 / 4الديوان ) 56 ( 152 /ف ح / 289 - 3ح - 278 / 2
كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 59 - 58كتاب رد اآليات المتشابهات ( ) 60ف ح / 1
) 62 ( 276ف ح ) 63 ( 369 / 3ف ح / 266 ( 65 ) 4ف ح - 410 ، 138 / 2ح
- 238 / 3إيجاز البيان ( ) 67ف ح / 419 - 4كتاب األعالق -ف ح - 115 / 2ح 1
) 68 ( 95 /ف ح - 135 ، 108 / 3ح 2 / 41 -ح - 22 / 3ح - 587 / 2ح / 3
- 22 ، 190ح - 160 / 4ح - 316 / 1ح - 627 / 2ح ) 69 ( 55 / 1ف ح / 2
) 71 ( 485ف ح
ص 586
586
) 1 / 303 ( 73ف ح ) 74 ( 303 / 1ف ح - 180 / 4إيجاز البيان آية - 36ف ح
) 2 / 87 ( 75ف ح - 431 ، 420 / 3كتاب شجرة الكون -ف ح - 436 / 2ح / 3
492 -كتاب اإلسراء -كتاب النجاة.
ص 587
587
فهرس الجزء الثالث
سورة الكهف
ّللا 3
إشارة -أحسن زينة على األرض رجال ه
بحث في الفتوة 4
ْت ِم ْن ُه ْم فِرارا ً » . . .اآلية 6 علَ ْي ِه ْم لَ َولَّي َ
ت َ اطلَ ْع َ« لَ ِو َّ
س َك َم َع الَّذِينَ يَ ْدعُونَ َربَّ ُه ْم ِب ْالغَداةِ » . . .اآلية 8 ص ِب ْر نَ ْف َ« َوا ْ
ّللا 11 نصيحة -اصبر نفسك مع أحباب ه
ّللا ال يضيع أجر من أحسن عمال 12 تحقيق :إن ه
عدم تجلي الحق في األفعال وهو تعلق القدرة بالمقدور 17
إشارة -مجمع البحرين 19
إشارة -لم كان الدليل حوتا ؟ 19
عبْدا ً ِم ْن ِعبادِنا » . .اآلية 20 تفسير من باب اإلشارة «:فَ َو َجدا َ
استدراك -العلم وسوء الخلق ال يجتمعان 22
مراتب العلوم :علم العقل -علم األحوال -علم األسرار 22
حكمة تأخير االستثناء على الفعل 26
من كان وقته الكشف أنكر عليه ولم ينكر هو على أحد 27
ع ْن أ َ ْم ِري »أدب اإلضافة 29 قول الخضر« َوما فَعَ ْلتُهُ َ
إشارة :سفينتك مركبك فاخرقه بالمجاهدة 30
يأجوج ومأجوج 32
ت َر ِبهي » . . .اآلية 33 « قُ ْل لَ ْو كانَ ْالبَ ْح ُر ِمدادا ً ِل َك ِلما ِ
588
588
شرف العالم بعضه على بعض بالمراتب 34
ّللا عليه وسلم أن يقول« قُ ْل ِإنَّما أَنَا بَش ٌَر ِمثْلُ ُك ْم » *؟ ّللا صلهى ه إشارة :لم أمر الحق رسول ه
35
تحقيق :إخالص العمل هّلل من الشرك 37سورة مريم
ذكر الرحمة العبد 38
اسم يحيى عليه السالم 39
تعجب زكريا عليه السالم ورد الحق عليه 40
دقيقة :لم غلب على أمة عيسى القول بالصورة 44
خروج عيسى عليه السالم على صورة جبريل في المعنى واالسم والصورة 44
نقصان المرأة عن الرجل في العلم باألحدية الذاتية 45
مدة حمل عيسى عليه السالم ،والشاهدان ببراءة أمه 46
هارونَ »47
ت ُ قول بني إسرائيل لمريم عليها السالم «:يا أ ُ ْخ َ
ي * » . . .اآلية 49 علَ َّ
سال ُم َ
قول عيسى عليه السالم َ «:وال َّ
يوم الحسرة 50
صفة الصدهيق 52
ّللا فال تناجه إال بكالمه 54 نصيحة :إذا ناجيت ه
الوهب 54
إدريس عليه السالم ما مات إلى اآلن 56
الجنات الثالث :جنة األعمال ،وجنة االختصاص ،وجنة الميراث 58
نصيحة :ينبغي لك أن تحزن على ما يفوتك من جنة األعمال 58
تنزل األرواح واستنزالها 59
ّللا في اإلنسان علم كل شيء 60 أودع ه
ّللا في شيئية وجودك على حالك إذ لم تكن شيئا 61 نصيحة :كن مع ه
الحشر الروحاني والجسماني 62
589
589
الصراط يوم القيامة هو علم الشريعة في الدنيا 63
كيف يحشر المتقون إلى الرحمن ؟ 64
حكم العبادة للممكن في حال عدمه أمكن فيه منها في حال وجوده 66سورة طه
الرحمن على العرش استوى 67
المسألة األولى :األلفاظ التي تعطي التشبيه والتجسيم 67
المسألة الثانية :في االستواء 69
المسألة الثالثة :في معنى العرش 70
المسألة الرابعة :في تفسير اآلية 71
س َّر َوأ َ ْخفى »اآلية 72 إشارة :قراءة ألبي العباس العريبي «72يَ ْعلَ ُم ال ِ ه
التوحيد السادس عشر وهو توحيد اإلبدال 73
األسماء الحسنى كلها للمرتبة 74
تجلي الحق لموسى عليه السالم في صورة النار 76
إشارة :خلع النعلين 78
التوحيد السابع عشر وهو توحيد االستماع وهو توحيد األناية 78
تفسير من باب إشارة :اإلنيتان المتميزتان 79
األعيان ال تنقلب 80
إشارة :سنعيدها سيرتها األولى 81
إشارة :تخرج بيضاء من غير سوء 81
إشارة :إلقاء موسى في التابوت وفي اليم 82
إيمان فرعون -قوله تعالى «:لَعَلَّهُ يَتَذَ َّك ُر أ َ ْو يَ ْخشى »84
قوله تعالى لموسى وهارون عليهما السالم« ِإنَّنِي َمعَ ُكما أ َ ْس َم ُع َوأَرى »85
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ » . . .اآلية 86 توحيد «-الَّذِي أَعْطى ُك َّل َ
590
590
ّللا تعالى العقل خلقه 91 رقيقة -إعطاء ه
« ِم ْنها َخلَ ْقنا ُك ْم َو ِفيها نُ ِعي ُد ُك ْم » . . .اآلية 93
فعل الساحر 94
س فِي نَ ْف ِس ِه ِخيفَةً ُموسى »اآلية 95 « فَأ َ ْو َج َ
صنَعُوا »اآلية 96 ف ما َ ق ما فِي يَ ِمينِ َك ت َ ْلقَ ْ « َوأ َ ْل ِ
إشارة :من ألقى نفسه في بحر إرادة مواله توالها بلطف حكمته 97
ّللاُ َخي ٌْر َوأَبْقى »اآلية 98 « َو َّ
المحروم كل المحروم من ال يعلق همته هنا بتحصيل المعالي من األمور 99
نسبة األفعال إلى المخلوقين فيها إشكال 100
ِك » . . .اآلية 101 إشارة «:قا َل فَإِنَّا قَ ْد فَتَنَّا قَ ْو َم َك ِم ْن بَ ْعد َ
سو ِل »اآلية 104 ضةً ِم ْن أَث َ ِر َّ
الر ُ ضتُ قَ ْب َ
إشارة :حياة القلوب في اتباع الشرائع «102فَقَبَ ْ
التوحيد الثامن عشر وهو توحيد السعة وهو توحيد التنزيه 105
« خا ِلدِينَ ِفي ِه » . . .اآلية أي في حمل الوزر ال في العذاب 106
طونَ بِ ِه ِع ْلما ً »اآلية 108 توحيد َ «-وال يُ ِحي ُ
الوحي وحيان :وحي قرآن ووحي فرقان َ «109وقُ ْل َربه ِ ِز ْدنِي ِع ْلما ً »اآلية 109
ّللا 112 تحقيق :الدعاء من العبد إظهار االفتقار إلى ه
ي » . . .اآلية 112 ع ِه ْدنا ِإلى آ َد َم ِم ْن قَ ْب ُل فَنَ ِس َ « َولَقَ ْد َ
االجتهاد ال يسوع مع وجود النص في المسألة 113
األمر اإللهي ال يخالف اإلرادة 114
لوال خطيئة آدم ما ظهرت سيادته في الدنيا 115
ضعف القول بتسرمد العذاب 116
ص 591
591
النساء زهرة حيث كن 118
« َو ِر ْز ُق َر ِبه َك َخي ٌْر َوأَبْقى »اآلية 118
صوا » . . .اآلية 120 ص فَت َ َربَّ ُتوحيد «-قُ ْل ُك ٌّل ُمت َ َر ِبه ٌ
سورة األنبياء
وصف الذكر وهو القرآن بأنه محدث وهو قديم 121
ما هي األجساد ؟ 123
هار ال يَ ْفت ُ ُرونَ »اآلية 125 س ِبه ُحونَ اللَّ ْي َل َوالنَّ َ« يُ َ
الدليل العقلي على أحدية الخالق وهو مستند اإلمام الواحد 126
تحقيق :من احتج عليك بما سبق فهي حجة ال تنفع قائلها 128
التوحيد التاسع عشر وهو توحيد االقتدار والتعريف ،توحيد اإلناية 128
تحقيق :كما أن لكل أجل كتاب فلكل عمل جزاء 129
ي ٍ »اآلية 130 ش ْيءٍ َح ه ماء ُك َّل َ « َو َجعَ ْلنا ِمنَ ْال ِ
تنفس األسماء بالهواء المذاب في الماء وأثر الرطوبة الجوية في الحياة 131
الزمان أمر متوهم ال حقيقة له 133
ّللا الموت تمحيصا لدعوى عباده في محبته 134 خلق ه
تجسد المعاني 135
فتوة إبراهيم عليه السالم -ومن صفات الفتوة 137
قول إبراهيم عليه السالم« بَ ْل فَعَلَهُ َك ِب ُ
ير ُه ْم »138
النار تحرق بحقيقتها ال بصورتها 140
إشارة :إذا لم تراقب خواطرك فإنها تتصرف فيما ال ينبغي 141
الفهم درجة عليا في المحدثات 142
ّللا ال تقدح في الصبر 142 الشكوى إلى ه
إشارة :الصبر مقاومة وهو سوء أدب في حق الكامل 143
592
592
التوحيد العشرون وهو توحيد الغم وهو توحيد المخاطب « أنت » 144
وحنا »اآلية 145 قوله تعالى عن مريم عليها السالم« فَنَفَ ْخنا ِفيها ِم ْن ُر ِ
يأجوج ومأجوج 145
ع ْنها ُم ْبعَدُونَ »اآلية 147 ت لَ ُه ْم ِمنَّا ْال ُحسْنى أُولئِ َك َ سبَقَ ْ « ِإ َّن الَّذِينَ َ
من هم الذين ال يحزنهم الفزع األكبر ؟ 148
بحث في اإلعادة 149
ناك ِإ َّال َر ْح َمةً ِل ْلعالَ ِمينَ »اآلية 149 س ْل َ« َوما أ َ ْر َ
ق » . . .اآلية 151 اح ُك ْم بِ ْال َح ه ِ« قا َل َربه ِ ْ
سورة الحج
ت »اآلية 154 علَ ْي َها ْالما َء ا ْهت َ َّز ْ
ت َو َربَ ْ هام َدة ً فَإِذا أ َ ْنزَ ْلنا َ
ض ِ « َوت َ َرى ْاأل َ ْر َ
داك » . . .اآلية 156 ت يَ َ « ذ ِل َك ِبما قَ َّد َم ْ
ّللا عليه وسلم سجود كل شيء 157 ّللا تعالى محمدا صلهى ه أشد ه
بحث في اإلرادة 159
إشارة :قلب العبد كالكعبة تطوف به الخواطر 161
نصيحة :ال تزد في العهود ويكفيك ما جبرت عليه 163
إشارة :طواف القدوم وطواف الوداع 165
ّللا وتعظيمها 167 شعائر ه
صفات المخبتين 169
اعتبار من إشعار البدن 170
ص ُرهُ »اآلية 172 ّللاُ َم ْن يَ ْن ُ ص َر َّن َّ« َولَيَ ْن ُ
ُور »اآلية 173
صد ِوب الَّتِي فِي ال ُّ ْصار َول ِك ْن ت َ ْع َمى ْالقُلُ ُ « فَإِنَّها ال ت َ ْع َمى ْاألَب ُ
هار فِي اللَّ ْي ِل » *اآلية 178 هار َويُو ِل ُج النَّ َ « يُو ِل ُج اللَّ ْي َل فِي النَّ ِ
المعرفة تتعلق بأمرين الحق والحقيقة 180
حق الجهاد 182
593
593
رفع الحرج عن األمة 183
سورة المؤمنون
س ُن ْالخا ِل ِقينَ »اآلية 187
ّللاُ أ َ ْح َ
بار َك َّ الخشوع «185فَت َ َ
إشارة :العارفون كما هم اليوم يكونون غدا 191
المشفقون 191
« َوالَّذِينَ يُؤْ تُونَ ما آت َ ْوا َوقُلُوبُ ُه ْم َو ِجلَةٌ »اآلية 192
التوحيد الحادي والعشرون توحيد الحق وهو توحيد الهوية 198
ّللا إِلها ً آخ ََر ال بُ ْرهانَ لَهُ بِ ِه »اآلية 198ع َم َع َّ ِ« َو َم ْن يَ ْد ُ
اح ِمينَ » *200 مسئلة :قوله تعالى« َخي ُْر َّ
الر ِ
سورة النور
حد الزنا 201
حكم الحاكم بعلمه 203
الفرق بين التواب الرحيم وبين التواب الحكيم 204
حكمة العقوبة بالكفارة 206
على من يقع العذاب ،على النفس الناطقة أم على الجوارح 207
ّللا الطيبين للطيبات من كونه طيبا 210 جعل ه
حد التوبة 212
ض »اآلية 214 ت َو ْاأل َ ْر ِ
سماوا ِ ور ال َّّللاُ نُ ُ« َّ
قراءة 221
تفسير من مبشرة 221
لحوق النساء بالرجال في درجة الكمال 222
األكابر من الرجال 223
594
594
تحقيق :كل ما يعطيه الحس من المغاليط ،إنما الغلط للحاكم 224
تفسير من باب اإلشارة -الذين ستروا محبتهم 224
باّلل مثل معرفتك بالسراب 225 إشارة :معرفتك ه
ور »اآلية 226 ّللاُ لَهُ نُورا ً فَما لَهُ ِم ْن نُ ٍ « َو َم ْن لَ ْم يَ ْجعَ ِل َّ
ّللا عليه وسلم تسبيح من في السماوات واألرض 226 ّللا صلهى ه رؤية رسول ه
صالتَهُ َوت َ ْس ِبي َحهُ »اآلية 227 ع ِل َم َ « ُك ٌّل قَ ْد َ
السحاب وأنواع البروق 228
أول درجات التكليف 231
إشارة :المئوف ال حرج عليه 232
سورة الفرقان
ّللا تعالى الكتاب فرقانا في ليلة النصف من شعبان 233 أنزل ه
ش ْيءٍ فَقَد ََّرهُ ت َ ْقدِيرا ً »اآلية -العماء وخلق العالم 233 « َو َخلَقَ ُك َّل َ
ْت َم ِن ات َّ َخذَ ِإل َههُ هَواهُ »اآلية 243 « أ َ َرأَي َ
الظ َّل » . . .اآلية 245 ْف َم َّد ِ ه « أ َ لَ ْم ت َ َر إِلى َر ِبه َك َكي َ
اعتبار :أنت ظل قام الدليل على أن التحريك للحق ال لك 247
ّللا 248 إشارة :اإلنسان الكامل هو ظل ه
ّللا تعالى من مد الظل 249 إشارة :معرفة ه
إشارة :الليل لباس ألهل المحبة يسترهم 249
دور البحر في تصفية الهواء 250
«ثم استوى على العرش فسأل به خبيرا » اآلية 251
سجدة االمتياز للمؤمن 252
عباد الرحمن 253
ت »اآلية 254 سنا ٍ س ِيهئاتِ ِه ْم َح َ « فَأ ُ ْولئِ َك يُبَ ِ هد ُل َّ
ّللاُ َ
595
595
سورة الشعراء
ث »اآلية 258 من ُم ْح َد ٍ
الر ْح ِ« َوما يَأ ْ ِتي ِه ْم ِم ْن ِذ ْك ٍر ِمنَ َّ
تحقيق :الخواطر واألوهام هي الحاكمة على الكثائف 261
حال الشمس في كل لحظة هو شروق واستواء وغروب 263
تفسير من باب اإلشارة 264
من أدب اإلضافة -ومعنى الحديث [ ال شفاء إال شفاؤك ] 266
طلب الرسل األجر من رب العالمين 269
ّللا عليه وسلم وأمته 272 نزول القرآن على قلب محمد صلهى ه
الفرق بين نزول القرآن على قلب النبي ونزوله على قلب الولي 273
إشارة :القلب إذا سجد ال يرفع أبدا 275
ّللا واسعة ونعمته سابغة جامعة 276سورة النمل رحمة ه
نصيحة :ج هل الخير في السعي على الغير 277
تجلي الحق تعالى لموسى عليه السالم في عين حاجته 278
إشارة :لم قلبت العصا ثعبانا 278
إشارة :ال ترهب على الضعيف 280
إشارة :ال تعمل إال عن بينة من ربك 280
التوحيد الثاني والعشرون وهو توحيد الخبء 282
تقديم اسم سليمان عليه السالم شرع وقته 283
الذي أتى بالعرش هو آصف بن برخيا 284
إشارة :من قول بلقيس« َكأَنَّهُ ُه َو »286
ع ْن ساقَيْها »286 ت َشف َ ْ
إشارة :من فعل بلقيس« َو َك َ
نصيحة :من اعتمد على غير الحق جعل نصرته فيه مكرا 287
596
596
ّلل * » . . .اآلية 288 « َوقُ ِل ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ
تحقيق :كل مخلوق االضطرار يصحبه دائما ألنه حقيقته 289
ت ْالبَ ِ هر َو ْالبَ ْح ِر » . . .اآلية 290 إشارة «:أ َ َّم ْن يَ ْهدِي ُك ْم فِي ُ
ظلُما ِ
دابة األرض التي تخرج في آخر الزمان 291
ّللا 292
إشارة :من خصائص المحمديين من أهل ه
سورة القصص
سلطان الوحي أقوى من أن يقاوم 294
األدب في نسبة األفعال 296
إشارة :إذا جئت إلى الحق فال تترك منك مع الكون شيئا 298
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم وبين كالم الحق مسئلة :الفرق بين أثر نزول الوحي على رسول ه
لموسى عليه السالم 299
إشارة :ال تطلب ردءا سواه 300
األئمة رجالن ظالم وعادل 302
تحقيق :خطأ من قال إذا خرج الكالم من القلب وقع في القلب 304
تحقيق :الزاهد والعارف 305
«وربك يخلق من يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة » اآلية 306
تحقيق الجبر واالختيار :العبد مجبور في اختياره 307
نسبة االختيار إلى الحق تعالى 307
نصيحة :ال يختار العبد ما لم يختره له الحق 308
التوحيد الثالث والعشرون وهو توحيد االختيار 309
ّللا ال يُ ِحبُّ ْالفَ ِر ِحينَ »اآلية -الحزن في الدنيا 310 « ِإ َّن َّ َ
ّللاُ ِإلَي َْك »اآلية 311 سنَ َّ « َوأ َ ْح ِس ْن َكما أ َ ْح َ
« َو ْالعاقِبَةُ ِل ْل ُمت َّ ِقينَ » *اآلية -عدم العلو في األرض 312
ش ْيءٍ ها ِل ٌك ِإ َّال َو ْج َههُ »اآلية -وحدة الوجود 314 « ُك ُّل َ
ص 597
597
التوحيد الرابع والعشرون وهو توحيد الحكم بالتوحيد 317
سورة العنكبوت
اس أ َ ْن يُتْ َر ُكوا أ َ ْن يَقُولُوا آ َمنَّا َو ُه ْم ال يُ ْفتَنُونَ »اآلية 317
ب النَّ ُ « أ َ َح ِس َ
وجه في سبق الرحمة 318
الذات اإللهية غنية عن العالمين 319
بدء الخلق :إيجاز البيان بضرب من اإلجمال 321
إسحاق عليه السالم موهوب ،وإسماعيل عليه السالم جمع له بين الكسب والوهب 324
األمثال ما جاءت مطلوبة ألنفسها 326
الحق المخلوق به 327
كون الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر 329
ّللا أ َ ْكبَ ُر »اآلية 330 « َولَ ِذ ْك ُر َّ ِ
مسألة :التكبير في الصالة 332
ضي وا ِسعَةٌ فَإِي َ
َّاي فَا ْعبُدُو ِن »335 تفسير من باب اإلشارة ِ «:إ َّن أ َ ْر ِ
إشارة :قلبك هو الكعبة في أرض بدنك 336
ّللا عليه وسلم أعدل األمزجة وأكملها 337 محمد صلهى ه
سبُلَنا »اآلية 340 « َوالَّذِينَ جا َهدُوا فِينا لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
إشارة :السفر قطعة من العذاب 340
سورة الروم
على الج همل 341
الحق المخلوق به 342
اآليات المعتادة واآليات غير المعتادة 347
598
598
« َو ِم ْن آيا ِت ِه أ َ ْن َخلَقَ لَ ُك ْم ِم ْن أ َ ْنفُ ِس ُك ْم أ َ ْزواجا ً »اآلية 347
لطيفة :الجمال العرضي حجاب على الجمال المطلق 348
هار » . . .اآلية 349 « َو ِم ْن آياتِ ِه َمنا ُم ُك ْم بِاللَّ ْي ِل َوالنَّ ِ
بدء الخلق واإلعادة 351
القول بالمفهوم ضعيف في الداللة 352
ّللا »اآلية 353 ق َّ ِ الفطرة «353ال ت َ ْبدِي َل ِلخ َْل ِ
ما ابتليت البرية وهي برية ،إنما هو جزاء ،ما هو ابتداء 355
ص ُر ْال ُمؤْ ِمنِينَ »اآلية وكيف يظهر الكافرون على المؤمنين ؟ 356 علَيْنا نَ ْ « َوكانَ َحقًّا َ
تالزم النصر مع الصدق 358
ّللاُ الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن َ
ض ْعفٍ » . . .اآلية 360 نصيحة وإشارة َّ «:
سورة لقمان
اإلنسان الكامل قطب الفلك وهو العمد 362
الشرك ظلم عظيم لمن اتهخذ إلها من غير دعوى منه 363
ير »اآلية -األسباب 364 ص ُ ي ْال َم ِ « أ َ ِن ا ْش ُك ْر ِلي َو ِلوا ِل َدي َْك إِلَ َّ
الرزق مضمون وهو لمن يأكله ال لمن يجمعه -تنبيه 365
ّللا عظيمة ظاهرة وباطنة 367 كل نعم ه
ّللا ؟ 368 ما هي كلمات ه
س ًّمى »اآلية 369 « ُك ٌّل يَ ْج ِري ِإلى أ َ َج ٍل ُم َ
سورة السجدة
ال حكم ألداة لو 373
ضاج ِع »اآلية ،إشارة من باب يحبهم ويحبونه 374 ع ِن ْال َم ِ « تَتَجافى ُجنُوبُ ُه ْم َ
قرة العين 375
ذكر أخبار القرون الماضية 376
599
599
جميع الحواس ال تخطئ أبدا 377
سورة األحزاب
إشارة :األب في الوالدة الدينية 378
إشارة :الحق أولى بعباده المضافين إليه 379
ص ْدقِ ِه ْم »اآلية 379 ع ْن ِ صا ِدقِينَ َ « ِليَ ْسئ َ َل ال َّ
قام لَ ُك ْم »380 ب ال ُم َ إشارة «:يا أ َ ْه َل يَثْ ِر َ
نصيحة :ال راحة مع الخلق فارجع إلى الحق فهو أولى بك 381
سنَةٌ »اآلية 382 ّللا أُس َْوة ٌ َح َ
سو ِل َّ ِ « لَقَ ْد كانَ لَ ُك ْم فِي َر ُ
« فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَضى ن َْحبَهُ »اآلية 385
ت » . . .اآلية 387س أ َ ْه َل ْالبَ ْي ِ ع ْن ُك ُم ِ ه
الر ْج َ ب َ ّللاُ ِليُ ْذ ِه َ
« ِإنَّما يُ ِري ُد َّ
ت » . . .اآلية طبقات األولياء 390 « ِإ َّن ْال ُم ْس ِل ِمينَ َو ْال ُم ْس ِلما ِ
ّللا ؟ 396
ّللا تعالى :ومن يعص الرسول فقد عصى ه لم لم يقل ه
ّللا تعالى نبيه بنكاح زوجة من تبناه 397 ابتلى ه
ّللا 399 ّللا ه
الذكر باالسم المفرد :ه
شروط الذكر 400
إشارة للعارفين :الغيرة 401
علَ ْي ُك ْم َو َمالئِ َكتُهُ » . . .اآلية 402 ص ِلهي َ « ُه َو الَّذِي يُ َ
ّللا عليه وسلم سراج منير 405 الرسول صلهى ه
ّللا عليه وسلم 406 ّللا صلهى ه نكاح الهبة خاص برسول ه
ش ْيءٍ َرقِيبا ً »اآلية 407 على ُك ِهل َ ّللاُ َ
« َوكانَ َّ
ّللا عليه وسلم بمرتبة لم تعط ألحد سواه 409 تميز النبي صلهى ه
ّللا عليه وسلم كالصالة على إبراهيم 410 ما معنى الصالة على النبي صلهى ه
ّللا أن تكون المنة هّلل وحده 413 تحقيق :من غيرة ه
إشارة :مراتب الرجال في التسليم من الصالة 414
ص 600
600
ّللا عليه وسلم وبناته 415 أزواج النبي صلهى ه
ض َو ْال ِجبا ِل » . . .اآلية 417 ت َو ْاأل َ ْر ِ علَى ال َّ
سماوا ِ ضنَا ْاألَمانَةَ َ ع َر ْ « ِإنَّا َ
سورة سبأ
إشارة ال تفسير :على اإلنسان أن يعلم ما يلج في أرض طبيعته 421
إشارة :القلوب القاسية يلينها الزجر والوعيد 423
ور »اآلية 424 ش ُك ُ « َوقَ ِلي ٌل ِم ْن ِعباد َ
ِي ال َّ
يظ »اآلية 425 ش ْيءٍ َح ِف ٌ على ُك ِهل َ « َو َرب َُّك َ
الصالة على الميت شفاعة من المصلي عليه 426
فزع على قلوبهم » . . .اآلية 426 «حتى إذا ه
اس »اآلية -شمول الرسالة المحمدية من آدم عليه السالم إلى يوم س ْل َ
ناك ِإ َّال َكافَّةً ِللنَّ ِ « َوما أ َ ْر َ
القيامة 429
ّللا عليه وسلم بأيدي نوابه 430 جميع الشرائع هي شرع محمد صلهى ه
ّللا عليه وسلم أكمل ظهور وأعدله 431 نصيحة -ظهور الحق في مرآة محمد صلهى ه
إشارة :من اغترف نال الدرجات 433
المالئكة لسان خير على المؤمنين ال تدعو عليهم بشر 434
ّللا عليه وسلم [ :إن الحديث لمثل القرآن أو أكثر ] الحديث 435 قوله صلهى ه
سأ َ ْلت ُ ُك ْم ِم ْن أ َ ْج ٍر فَ ُه َو لَ ُك ْم »اآلية 436 " قُ ْل ما َ
سورة فاطر
الفرق بين العين ووجودها 438
س ًال » . . .اآلية -أجنحة المالئكة 438 « جا ِع ِل ْال َمالئِ َك ِة ُر ُ
إمساك الحق تعالى عطاء 439
التوحيد الخامس والعشرون وهو توحيد العلة 440
إشارة :حكمة من أحد عقالء المجانين 440
601
601
نصيحة :اإلنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه 443
إشارة :ما ث هم إال عبد ورب 444
تسمية الحق باسم كل ما يفتقر إليه 445
باّلل 448
بحث في الغنى ه
الخلق كله أمم ،وفي كل أمة نذير من جنسها 451
سبب وضع الشريعة في العالم 452
سبب زرقة السماء ،وأثر البعد في التلوين العارض 453
كل عالم لم تظهر عليه ثمرة علمه وال حكم عليه علمه فليس بعالم 453
صدقة السر وصدقة العلن 454
الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات 455
إشارة :صح لنا ورث الكتاب ألنه أعطاه لنا من غير اكتساب 458
سورة يس« يس »اآلية 461
602
إشارة :اإلمام المبين 463
نظرية التصوير الشمسي 465
قراءة ابن مسعود « والشمس تجري ال مستقر لها » 466
بحث في فلك المنازل 466
إشارة :ال الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر 468
من أين ضل القائلون بالتناسخ ؟ 469
حشر األجسام في اآلخرة 470
طوائف أهل النار 471
الجوارح شاهد مصدق يوم القيامة 472
علَّ ْمناهُ ال ِ ه
ش ْع َر » . . .اآلية 472 « َوما َ
المستغرقون بهذه الدار الدنيا أموات غير أحياء 473
602
603
كل يد خالقة في العالم هي يد الحق ،يد ملك وتصريف 474
اإلنسان بيهن الخصومة ،ظاهر بها 475
األمر اإللهي أمران ،بالواسطة وبرفع الوسائط 476
بحث -السماع اإللهي هو أول مراتب الكون 477
سورة الصافات
الشهب هي ذوات األذناب 479
التوحيد السادس والعشرون وهو توحيد التعجب 480
نصيحة :ال تصاحب إال من ترى معه الزيادة في دينك 482
توحيد الفعل ال يخلص ،ال كشفا وال شرعا وال عقال 485
وّللا خلقكم وما تعملون 486 إشارة ال تفسير :ه
ّللاُ َخلَقَ ُك ْم َوما ت َ ْع َملُونَ »فهو العامل 487 لطيفة« َو َّ
ّللا كنت راشدا 487 إشارة :إذا تركت ما هّلل عند ه
لم ابتلي إبراهيم عليه السالم بذبح ابنه 488
إشارة :بادر إبراهيم إلى ضيافة ربه بولده 489
لم يولد أحد من ولد آدم والدتين سوى يونس عليه السالم 491
س ْلناهُ ِإلى ِمائ َ ِة أ َ ْلفٍ أ َ ْو يَ ِزيدُونَ »كيف جاء الحق بلفظ أو وهي للشك ؟ 492 « َوأ َ ْر َ
إشارة :من قول المالئكة( َوما ِمنَّا ِإ َّال لَهُ َمقا ٌم َم ْعلُو ٌم )494
« َو ِإ َّن ُج ْن َدنا لَ ُه ُم ْالغا ِلبُونَ »اآلية 495
تنزيه الحق عن وصف الواصفين 497
هّلل األسماء ما له الصفات 498
إشارة :الحمد هّلل 501
سورة ص
حرف الصاد 501
603
604
ّللا تعالى عليه 502
ّللا عليه وسلم ومنة ه إشارة :في حق الرسول صلهى ه
اإلله ال يكون بالجعل 503
ب »504 يز ْال َو َّها ِ
قوله تعالى ْ «:العَ ِز ِ
الحكمة ،ومن هم الحكماء على الحقيقة 506
إشارة :ضرب مثال لألسماء اإللهية المائة 508
داود عليه السالم نص على خالفته باالسم ومع ذلك نهي عن اتباع الهوى 509 .
قول سليمان عليه السالم« أ َ ْحبَبْتُ ُحبَّ ْال َخي ِْر َ
ع ْن ِذ ْك ِر َر ِبهي »512
ق »اآلية 512 ق َو ْاألَعْنا ِ سو ِط ِفقَ َمسْحا ً بِال ُّي فَ َ علَ َّ
« ُردُّوها َ
بحث الفرق بين األجسام واألجساد 513
إشارة :أرغب في ملك ال ينبغي لسواك 514
لطيفة :لذة االتصاف بالعبودية 514
ّللا ال تقدح في الصبر 516 الشكوى إلى ه
ّللا آدم على صورته » 516 إشارة :أعظم الفتن الخبر « خلق ه
معنى المصطفين األخيار 518
اختصام المأل األعلى 519
سجود المالئكة آلدم عليه السالم 523
تحقيق :تقسيم األمر إلى حق وخلق 524
إشارة :أثر المزاج في الروح 525
العالون من المالئكة 527
سورة الزمر
ّللا ُم ْخ ِلصا ً لَهُ ال هدِينَ »اآلية 531 « فَا ْعبُ ِد َّ َ
الدين الخالص 531
ّللا ،وقولك :إله 534 فرق بين قولك :ه تحقيق :ه
أيوجد المحال ؟ 535
604
605
إشارة :ال يتمكن لإلنسان المشي في ظلمة باطنه إال بسراج العلم 537
الرجاء يتلو الخوف 538
فضل العلم وأنه أسنى الكرامات 539
ب »اآلية 543 صابِ ُرونَ أ َ ْج َر ُه ْم بِغَي ِْر ِحسا ٍ « ِإنَّما يُ َوفَّى ال َّ
سنَهُ »اآلية 544« الَّذِينَ يَ ْست َ ِمعُونَ ْالقَ ْو َل فَيَت َّ ِبعُونَ أ َ ْح َ
ْالم » . . .اآلية 546 إلس ِ ص ْد َرهُ ِل ْ ِ
ّللاُ َ « أ َ فَ َم ْن ش ََر َح َّ
ّللا صلهى ه
ّللا عليه وسلم لم يمت قلبه 548 تحقيق :كما أنه لم ينم قلب رسول ه
الصدق متعلقه الخبر ومحله الصادق 548
ّللا تعالى لجناب المؤمنين 550 تحقيق :إيثار ه
ّللا ما لَ ْم يَ ُكونُوا يَ ْحت َ ِسبُونَ »اآلية 551 « َوبَدا لَ ُه ْم ِمنَ َّ ِ
شمول الرحمة 552
تحقيق :طمع إبليس في شموله بالرحمة 554
ّللا 556 جنب ه
القبضة واليمين 558
بحث في الصور 560
بحث في الحشر 561
لغة :ذكر واو العطف وحذفها 563
إشارة :من قام بالالم وحده 564
605
606