Professional Documents
Culture Documents
الحوار المسيحي
الحوار المسيحي
عرض في موضوع:
الحوار المسيحي
السنة الجامعية:
1443-1444ه
2022-2023م
الحوار املسيحي
مقدمة
إن اختالف الناس هو مدخل للتواصل و التعارف و تناول الخبرة و التجربة و التعاون و عمران الكون ،و قد
خلق هللا البشر مختلفين و قبائل ليتعارفوا ،بل رسالة الديان موجهة للخالص الجماعي الذي يتم به عمران
الدنيا ،و عمل جاد للسواعد ،و هذا جوهر الهداية التي بعثت بها الرسل و لتثبيتها الكتب السماوية .
ولعل أصل التوحيد بين الديانات السماوية الثالث ،لم يمنع االختالف حول العديد من الطقوس التدينية
(مثال الركوع والسجود املوجودين في السالم كانوا موجودين في الطقوس املسيحية الشرقية)...
و في خضم هذا التأثر و التأثير و على مدى العقود املاضية رصدت تغيرات تفاعلية كبيرة حادة ،واتجاهات
عميقة املدى و املعنى ،ينصب اتجاهها نحو االتجاه الكوني "العوملة" ،إال أنه ال يمكننا التعميم على هذه
النقاشات أنها كانت تصب في نفس النمط و الهداف و املتجسد عموما في تبوء الحوار ،بقدر ما كان فقط
نوع من ارهاصات أولية أو شكل من النقاشات و املجادالت الطاغي عليها النقد عموما و االنتقاد و ردود
الفعل و التي يمكن تسجيل أبرزها في الصدد ،ما كان في عهد يوحنا الدمشقي الذي وصفه املؤرخ فليب في
كتابه " تاريخ سوريا ولبنان و فلسطين" أنه إبراز مفاخر الكنسية ،و موس ى بن ميمون ،و أبو عيس ى الوراق (رد
على انتقاد النصارى ) و آخرون الذين حاولوا أن يسموا بهذه املجادالت كنوع من الحوارات تبدو في الظاهر
بغطاء ديني أال انها في باطن المر ال تقف على ما هو ديني وحسب إنما تبطن لسياقات و تيارات سياسية
واقتصادية واجتماعية ..تحاول كل منهما تقييم في نهائية ما تؤمن به وال تقبل على أيمانه أي أضافة أو تنقيح.
إن سيرورة تتبع العملية السريرية للحوار عامة و للحوار الديني بشكل خاص ال يعدو إال ضرب من املحال،
كونه لم يقف على حدود ما هو داخلي (بين الحقل الديني و فرقه) ،بقدر ما تجوزه إلى عتبة ما هو خارجي مع
الديان الخرى خاصة منها السماوية.
و على هذا املنطلق فقد شكل الحوار املسيحي هو الخر وجها بارزا ضمن سلسلة الدعوات الداعية إلى ذلك
سواء على املستوى الداخلي كآلية االمتصاص من شأنه أن يوسع هوة الفرق امللتوية تحت إطار الدين املسيحي
أو سواء دعوات على املستوى الخارجي تعود جذورها الى سنة 1959ملا دعا البابا الثالث و العشرين للتحضير "
ملؤتمر الفاتيكان الثاني ،الذي كان انعقاده سنة ،1962غير أن النشاط الفعلي للحوار املسيحي خاصة على
املستوى الخارجي (االسالمي _ اليهودي)كان في فترة الثمانينات حيث أرست لفكرة و مسألة الحوار بين
الديان،هذه الفكرة التي وجدت طريقها كذلك ضمن منشورات البابوي العام سنة .1991
غير أنه ،و أن كان ال بد من إطار زمني يسمح برسم حدود االستيعاب للظاهرة املدروسة ،فإن يستحسن
العودة لإلرهاصات الكثر خصوبة و حضورا ،لتلكم الظروف التي لم تندمل سيرورتها بعد ،و الحديث هنا
يقودنا لسنة 1991إبان انتهاء حرب الخليج ،بحيث كشف استقصاء اعتمدته الواليات املتحدة المريكية في
أبريل 1993عن أرقام توضح الشرخ الذي يطال التواصل و الحوار الثقافي للعالم املسيحي سواء داخليا او
على املستوى الخارجي (العالم اليهودي و العالم االسالمي) و تزامن هدا التقرير بتزامن صدور مقال صدام
الحضارات لصموئيل هنتنغتون الذي أكد فيه البعد الصراعي على كافة املستويات و الحقول و السياسيات
بين الحضارات نتيجة الطبيعة الثقافية.
و بالتالي بدا و ال بد من أجل احقاق تواصل مؤسس على احترام االختالفات الثقافية و تجاوز كل النتوءات
أن نرتكن لشرط قوي و قيمة تتمثل في الحوار كونه قيمة محمودة ،قيمة روحية و ثقافية تشجع على التسامح
و ازدراء الراء املتباعدة ،إضافة انه لطاملا شكل مكون جوهري ضمن الرساالت السماوية و املوصوفة عبر
مواقف و لغة النبياء..
ين َآم ُنوا َو َّالذ َ
ين َه ُادوا َو َّ
الن َ
ص َار ٰى فالرجوع إلى القرآن الكريم الية 61من سورة البقرة قوله تعالى "إ َّن َّالذ َ
ِ ِ ِ
َ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ً َ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ ٌ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ نَ
اَّلل واليو ِم ال ِخ ِر وع ِمل ص ِالحا فلهم أجرهم ِعند ِرب ِهم وال خوف علي ِهم وال هم يحزنو " والص ِاب ِئين من آمن ِب ِ
نجدها تمهيدا واضحا لخارطة طريق الحوار و للوحدة بين جميع أصناف املجتمعات السالمية و الغير
السالمية،فهو واجب روحي ،يساهم في تعزيز قيم أكتر كونية بتعبير فرانسوا يورغا في كتابه l islamisme en
face
و غير بعيد عن السياق و الظرفية فبالرجوع الى سنه 17يونيو 1995بستوكهلم في السويد عبرت وزيرة
شؤون خارجية" لينا ييلم والن"خالل مؤتمر euro -islamان غاية اللقاء هو إقامة حوار بين الثقافات
موصول الى فهم متبادل و احترام كل االطراف .هو نفس املؤتمر باملناسبة الذي وجه فيه صاحب الجاللة امللك
الحسن الثاني رحمه هللا رسالته التي ألقاها مستشاره عبد الهادي بوطالب ،مجددا جاللته الدعوه الى
الوربيين إلى إظهار تسامح و موضوعية أكتر تجاه االسالم.
و أمام هذه املحطات املتشعبة من مخاض ارهاصات الدعوات و املؤتمرات أضحى الحوار شائكا أكتر منه
من اي وقت ،و آلية ال مفر منها لتجاوز ماض ي الترسبات و النزاعات و إزالة اللثام عن مختلف الفروقات التي
من شأنها ان توسع قاعده االحتواء.
ان الحوار اخذ مساحة أكبر في جوانب عالقة املسيحية سواء بنفسها أو على املستوى الخارجي ،غير أنه لم
يكن دائما حلو املذاق لم يخل من عنف جدالي كما أشرنا سابقا لدرجة يمكن ان نصطلح عليه ما اصطلح
عليه الباحث التونس ي عبد املجيد الشرفي انه نوع من الخطابات املتوازنة ذات الحوارات العقيمة الهادفة إلى
اقناع الطرف الثاني بنمط من التدين غير انه ال يمكننا ان نتغافل عموما انه شكال انفتاحا و قناة لتبادل
النقاشات ..
1أهمية املوضوع:
*يكتس ي املوضوع أهمية كونه احد املواضيع التي ال تخرج و إطار مجزوءة النظريات العامة الدبلوماسية
الدينية
*بل أكثر ،من ذلك كونه أضحت إلزاميا إدراكه في ظل سياق الحوار مع الديان السماوية لتجاوز التعصب.
*أن اهمية املوضوع محاولة لرسم بعض خيوط االرهاصات التاريخية و احيانا مقاربة مقارنة في ذات املوضوع
لرصد و استحضار ارهاصات و بواعث و تعاريف ،
*بل إن الحوار في مختلف الديان بمختلف صورها و تمظهراتها و عقائدها و طقوسها ظل عموما ظاهرة
متجذرة في نزعة الفرد ،و ذلك من أجل تأثيث النسيج االجتماعي و تحقيق التوازن النفس ي و تعزيز اللحمة
الجماعية
الهداف:
يظل الهدف السمى من محاولة بحثنا هو تسليط الضوء ملا يمكن رصده وذكره وفق البعاد والزوايا التي
يتأطر فيها العرض
-التعرف وتعريف الحوار مع رصد الدالالت املرتبطة بالسياقات والظرفية و املفاهيم القريبة له
-محاولة المساك بالعراقيل وأوجه ومواقف الشكالية.
الشكالية:
اختزلنا إشكالية العرض في السئلة التية:
_ما هو الحوار ؟
-ما هو الحوار املسيحي ؟
_ماهي ابراز السياقات أو الظرفية لظهور الحوار خاصة في الحقل املسيحي .
_ما هي دوافع و أهداف الحوار املسيحي؟
_و ماهي ابراز تحدياته و العراقيل التي تحول دون تحقيق حوار بناء متماسك؟
-ولبيان مالمح الحوار املسيحي ،نتطرق ملراحل تطور الحوار السالمي املسيحي ونقف على بعض
النماذج.
بالضافة إلى إشكاالت فرعية أخرى..
تصميم املوضوع:
من أجل تقديم صورة متماسكة للبحث ،سنركز على تصميم قسمناه إلى قسمين :أحدهما لدراسة الحوار
املسيحي من حيث إرهاصاته عبر التطور التاريخي القريب ،فيما املباحث الخرى سنركز فيها على الهداف و
النتائج و كذلك إرساء لبعض املعيقات التي تحول دون تحقيق حوار بناء..
كل هذا سنحاول معالجته وفق نهج ومنهج تاريخي وصفي كونه القرب والصلح لنا في بداية البحث على أن
يكون عرض بمنهج استقرائي يقوم على عرض تلك الحوارات في فترات من الزمن .
وعليه فالتصميم سيكون على الشاكلة التية:
املبحث الول :بواعث ودوافع الحوار املسيحي وأهدافه.
املبحث الثاني :معيقات ونتائج الحوار املسيحي.
املبحث الثالث :تاريخ الحواراإلسالمي املسيحي ،نماذجه ،ونتائجه
لكن قبال يجب التنبيه ،دائما هناك مرادفات قد تعترينا من حين إلى آخر في البحث ،كونها تشكل مفاهيم
مفتاح للموضوع .
تعريف املصطلحات:
ا لحوار لغة :له معاني تدور في مجملها حول معنى الرجوع و املراجعة و السرد،و جاء في لسان العرب "الحور"
بفتح الحاء و تسكين الواو هو الرجوع عن الش يء إلى الش يء .و حار إلى الش يء و عنه .و الحور :هو النقصان
بعد الزيادة لنه رجوع من حال الى حال .ومنه املحاورة :وهي املجاورة
والتحاور هو التجاوب ،ومنه قوله عز وجل " " فقال لصاحبه وهو يحاوره " أي يراجعه الكالم ويحاوره
أما اصطالحا فالحوار :هو محادثة بين شخصين أو فريقين حول موضوع محدد لكل منهما وجهة نظر خاصة به
هدفها الوصول إلى الحقيقة وإلى أكبر قدر من التطابق في وجهات النظر بعيدا عن الخصومات والتعصب و
بطريقة تعتمد على العلم و العقل مع استعداد كل الطرفين لقبول الحقيقة و لو ظهرت على يد الطرف الخر 1
1الحواراالسالمي املسيحي املبادئ ،التاريخ املوضوعات ،االهداف رسالة لنيل شهادة املاجستيرلبسام وارووعجك ص )20
املناظرة :هو مصطلح قريب االتفاق إلى مفهوم الحوار ،بل تشكل نوعا منه والتي تعتمد على الدقة العلمية
والشروط املنطقية أكثر من اعتماد الحوار على ذلك.
واملناظرة في االصطالح له معان كثيرة ،أبرزها "علم باحث على أحوال املتخاصمين ،ليكون ترتيب البحث بينهما
على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما 2
و كلمة املناظرة لم يرد ذكرها مطلقا في القران ،و عليه يمكن عموما القول ان الحوار ليس هو املناظرة التي
تستلزم وجود التضاد بين املتناظرين ،لالستدالل على إثبات أمر يتخاصمان فيه نفيا و إيجابا بغية الوصول
إلى الصواب ،في حين أن الحوار كما أشرنا أنه بمنأى عن وجود التضاد بين املتحاورين أو الخصومة بينهما.
املناقشة :
النقش في اللغة معناه :الحفر والنوع كما يشير ذلك لسان العرب
و يأتي النقاش أيضا بمعنى :املحاسبة و االستقصاء..
ومنه املناقشة كنوع من التجاوز بين شخصين أو طرفين ،و كالهما يقوم على استقصاء الحساب و تعرية
الخطاء و إحصائها و يكون هذا االستقصاء الصادر عن مصلحة احد الطرفين فقط الذي يستقص ي محصيا
و مستوعبا على ماله على الطرف الخر ..
الجدال :يشير عموما إلى شدة الخصومة و القدرة عليها و املجادلة املخاصمة..
و قد ظهر الجدال لدى الفالسفة خاصة السفسطائيين (مفكرون غرباء سكنوا اثينا في النصف الثاني ق/م
)حيث اعتمد على الجمال الكالمي و قوة الخطاب و القوانين الجدالية و الكالمية
أما سقراط فكان عكس هؤالء ،كان يعني بالجمال العقلي هو توليد الفكار و جعل الحقيقة غايتها .
و قد ذكر مصطلح الجدال في القرآن 29مرة في مواضع عدة و في سياقات القضايا املتعددة العامة منها و
الخاصة حول النسان و الحياة و القضايا الفكرية ..
املسيحية :مصطلح مشتق من كلمة املسيح التي يراد بها لغة امرار اليد على الش ى ء الساحل متل مسح الرأس
من املاء أو الجبين من العرق 3
و املسيح هو لقب سيدنا عيس ى ابن مريم عليه السالم و ليس اسما له ،و معناه الصديق و قد ورد ذكره في
القرآن الكريم،و منه مصطلح املسيحية و هي كلمة أطلقت على أتباع املسيح في القرن الثالث امليالدي في مجمع
نيقية سنه 325م ،و من ثم أصبح مصطلح املسيحية الكثر اعتمادا في العصر الحاضر على حساب كلمة
النصرانية التي تستعمل في القرآن و الحديث و التي ذكرت في ما يقارب أحد عشر موضعا ...
11أنور محمد :اإلسالم واملسيحية في مواجهة اإلرهاب والتطرف .الحوارال املواجهة ص 52-51بتصرف
ً
كما يبدو الحوارأحيانا وكأنه زائدة من زو ائد االجتماع والسياسة والدين ،أو إنه شغل من ال شغل له أو
ً
شغل املنفيين من طوائفهم ،ألن والءهم السياس ي -الطائفي منقوص ..من هنا تأتي اإلعاقة أيضا ،أي من
ً
غياب املؤسسات الحوارية الناظمة ،أو وجود مؤسسات تعلن الحوار وتبيع أمورا اخرى ،اكثرها محرمات.
وتتحول الى قاطعة بين الحوار بما هو شأن املستقبل وبين املعنيين به أكثر ،من األجيال التي صارت تعرف
أكثر وتقلق أكثر ...وعليه فإننا بحاجة الى ورشة أو «ورش» تبني وتراكم وتوظف وتحصن وتنمي وتطحن
ً ً ُ
وتعجن وتخبز وتطعم فكرأو وعيا وأخالقا وعالئق ...وتصوب املساركلما تعرج.
فال شك في ان الطليعة العلمية هي التي تبلور آليات الحوار وأولوياته ومنتجاته ،ولكنها ال تستطيع ذلك
وحدها ،بل بالتعاون والحوار اليومي مع من تشتغل لهم ،أعني املساحة الشعبية املعنية بخبرات الحوار
وضرائب انقطاعه ،التي ال يجوز التحاور بالنيابة عنها ،بل مع اإلصغاء غلى نبضها ،وأسئلتها ومخاوفها
ورجائها.
إن الحوارثقافة ..وهنا نالحظ انه على مرالتاريخ ،كان العلماء املسلمون واملسيحيون متناظرين متكافئين
في نوعية وكمية الحوارات التي قاموا بها ...أما اآلن فهناك وفرة ملحوظة في عدد املسيحيين العارفين
باإلسالم على اختالف أغراضه ،مقابل قلة في عدد املسلمين العارفين باملسيحية واملسيحيين .وهذا ينطبق
ً
على حالة التعارف بين أهل املذاهب االسالمية ،كفراغ كان مشغوال بالسجال في لحظة ،واآلن يمأله
متصدون له بما يبلغ باالختالف الحيوي الى الخالف الدموي .حيث يقف في كثير من األحيان دون نجاحه
أمام مجموعة من العوائق التي نلخصها فيما يلي:
أوال االنطباع التكفيري املتبادل والتراشق بالهرطقة:
في عالم التسابق حول حيازة املجد واألسبقية الفكرية والعقائدية والثقافية و إثبات مصداقية الهوية
القومية ،والدينية ،وتدعيما لنظرية اإللغائية أو اإلقصائية للطرف النظير ،واستناد ملا جاء في القرآن
الكريم من الطبيعي أن يكون "هناك انطباع لدى بعض املسلمين أن النصارى كافرين أو مشركين و هناك
انطباع لدى بعض النصارى أن اإلسالم نوع من الهرطقة وال يمت إلى السماء بصلة"12
املسيحية بعيون إسالمية :ورد في القرآن الكريم مجموعة من اآليات املكفرة لبعض الفئات املسيحية التي
يتنافى اعتقادها مع املعتقد اإلسالمي- .يرون املسيحيين من زاوية واحدة هي زاوية النقد واالستهجان.
-ينظراملسلمين للكنيسة ورجالها أنها تتجاوز مهام الدين ومظاهرالعبادة إلى أمور السياسة والعالقات بين
الدول- .اعتقاد املسلمين أن املسيحيين خانوا رسالة املسيح عليه السالم التي جاء بها اإلسالم بعيون
مسيحية - :اعتباراملسيحية للدين اإلسالمي هرطقة منشقة عن الدين.
12محمد حسين فضل هللا ،في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي ،ص .34
-وصف املسلمين في ملحمة روالند أنهم الشعب الذي ال يروي تعطشه لسفك الدماء والذي لعنه رب
السماء - .اإلسالم نوع من العنصرية والتشدد في إطالق األحكام التعسفية بنظرة ذاتية نرجسية.
-اإلسالم في العصور الوسطى عقيدة ابتدعها محمد ،دينا جنسيا ،واتهام أتباع الدين بالتعصب واإلرهاب.
ثانيا طبيعة املعتقدات والتشريعات:
طبيعة املعتقدات والتشريعات :لكل ديانة سواء كانت سماوية أو وضعية معتقدات تؤمن بها وتسلم لها
ونظام تشريعي ننتظم بأحكامه ومبادئه ،وهذا ما ينطبق على كال الديانتين واستقراء معتقدات و تشريعات
"املسيحية -اإلسالم" يتولد النظرفي ذلك اختالف بين وواضح بينهما في هذين املجالين ،فاإلسالم يقوم على
التوحيد الخالص ويشمل الوحدة في الكينونة ،أما املسيحية تقوم على التثليث عموما.
-تقوم املسيحية على املثالية وتصور اإلنسان على غير حقيقته وو اقعه ،واإلسالم يقوم على الو اقعية
واالعتراف بما في اإلنسان .
ثالثا الصدامات الحضارة الثقافية
رابعا مظالم املاض ي :أو الصدامات القديمة سياسيا وعسكريا
خامسا املعيقات الحياتية الو اقعية (املعاصرة)
سادسا االنغالق الفكري واألساليب البدائية
سابعا األطراف الخارجية أو العائق األجنبي:
حيث أن من بين املعيقات أمام الحواراملسيحي مع اإلسالم كنموذج نجد:
نظرة الغرب املسيحي (الكاثوليكي) التقليدية لإلسالم على أنه هرطقة دينية مسيحية ،والتي ظلت سائدة إلى
حدود انعقاد املجمع الفاتيكاني الثاني سنة ( )1965-1962حيث تم االعتراف باإلسالم دينا رسميا يعبد هللا
ُ
الحقيقي .كما أن حوار األديان ،كما يفهمه الغرب ،لم يكن دائما بريئا .إذ كثيرا ما كانت تحركه أهداف
تبشيرية ،وكانت تنظم لهذه الغاية مؤتمرات مثلما هو الحال بالنسبة للمؤتمرالثاني ملجلس الكنائس العاملي
الغربي الذي انعقد في إيفانستون بالواليات املتحدة .وقد جاء في تقريرهذا املؤتمرما يلي“ :إن نهضة األديان
غيراملسيحية ،ونشراأليديولوجيات الجديدة يفرض منهاجا جديدا لعملنا التبشيري .ففي عديد من البلدان
خصوصا آسيا و إفريقيا ،تزداد هذه النهضات الدينية قوة بواسطة القومية وأحيانا ما تقدم نفسها كأساس
فعال لإلصالحات االجتماعية.13
13وليم سليمان :الحواربين األديان ،الهيئة املصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،1976 ،ص 13
التقصيرالكبيرالذي يعاني منه الغرب األوروبي في معرفة اآلخر .فمعرفته باآلخرمحدودة كما أشارإلى ذلك
هانس كينغ14.
انطالق حوار األديان في التصور الغربي من مبدأ وحدة األديان من شأنه أن يؤدي إلى طمس الهوية
اإلسالمية .وهذا ما أشارإليه أنور الجندي حينما قال“ :إن على علماء املسلمين أن يردوا تماما فكرة
التقريب بين األديان ألنها تعني االعتراف باألديان بوضعها الحالي ،الذي تختلف فيه عن حقيقتها التي
أنزلت بها وحتى ال يظن الناس أن هذه األديان صحيحةُ ،ويسلم املسلمون بصحتها .وهذا معناه أن
اإلسالم لم يأت بجديد بعد اليهودية والنصرانية.15
الدعوة إلى توسيع حوار األديان ليشمل األديان غير السماوية يتعارض مع املوقف اإلسالمي الذي ال
يعترف بالديانات الوضعية مثل البوذية والهندوسية…
املوقف العدائي للغرب اتجاه اإلسالم ،خاصة مع مقولة الخطر اإلسالمي التي نظر لها التيار
االستشراقي الجديد ممثال في برنارد لويس وصامويل هانتنغتون 16وفوكاياما 17هذا إلى جانب
التحريض الذي تشنه وسائل اإلعالم الغربية باحتر افية كبيرة ضد اإلسالم واملسلمين.
تنامي الحركات األصولية في العالم اإلسالمي التي أصبحت حسب التصور الغربي تهدد املصالح
األوروبية واألمريكية ،خاصة بعد أحداث 11سبتمبر 2001الشهيرة ،وما تلتها من أحداث عنف في
مناطق مختلفة من العالم.
ترويج مناهج التعليم في بعض دول العالم العربي واإلسالمي ملفاهيم تتناقض مع دعوة الغرب لحوار
األديان .ومن هنا نفهم الدعوات الغربية املتكررة التي تحث صراحة بعض دول العالم العربي
واإلسالمي على تغييرمناهجها التعليمية.
– تقسيم العالم وفق منظور الفقه اإلسالمي قديما إلى دار اإلسالم ودار الحرب 18ال يتناسب مع
الو اقع املعاصرومن شأنه إذا ما لم تتم مراجعته مجددا أن تترتب عنه ،كما يرى ذلك منيرالقادري19
l’allemand, Joseph- Hans king et autres : Le christianisme et les autres religions, trad Feishauer, éd le Seil, Paris, 1986, p7614
15أنور الجندي :الحواربين األديان ،مجلة مناراإلسالم ،ع ،3السنة ،1987ص89-88
16صامويل هانتنغتون ,كتاب صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العاملي الذي صدرسنة 1996
17فوكوياما صاحب املقالة التي تحمل عنوان ” نهاية التاريخ الصادرة سنة .1989وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته املثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992
بعنوان ” نهاية التاريخ واإلنسان "
18بخصوص تحديد مفهوم داراإلسالم ودارالحرب يمكن الرجوع إلى هيربرت بوسه :أسس الحوارفي القرآن الكريم .دراسة في عالقة اإلسالم باليهودية
واملسيحية ،ترجمة أحمد محمود هويدي ،املجلس األعلى للثقافة ،2005 ،القاهرة179-178-177 ،
- 19منيرالقادري :و اقع املسلمين بالغرب .من أجل اجتهاد متنور لسياق متغير ،مجلة اإلحياء ،ع ،26نونبر2007
انطالقا من بعض املعيقات التي أتينا على ذكرها يبقى نجاح حواراألديان اإلسالمي الغربي واملسيحي
على وجه الخصوص رهينا بتقديم تنازالت من كال الطرفين شريطة أال تمس جوهر العقيدة في
الديانتين معا ،وبإيجاد حلول عادلة لبعض القضايا السياسية العالقة .وفي جميع الحاالت فإن
حوار األديان ،وإن لم ينجح دائما في تحقيقه جميع أهدافه ،فإنه ُيمهد ،على األقل ،الظروف لبث
أجواء الثقة بين أفراد املجتمع الدولي.
خالصة القول إن معيقات حوار األديان متعددة .لكن ال يمكن أن ننفي وجود نخبة من املفكرين
الغربيين الذين أبانوا عن رغبة أكيدة في فتح قنوات الحوار بين األديان ،وذلك اعتمادا على معايير
بعد من الصورة النمطية أخالقية وقيم إنسانية مشتركة .غير أن هذه النخبة نفسها لم تتخلص ُ
ُ
لإلسالم .وهنا يجدر بنا أن نشير إلى هانس كينغ الذي اشتهر بانفتاحه على اإلسالم ،وتسليمه بنبوة
محمد صلى هللا عليه وسلم ،و إيمانه بأن رسالته من عند هللا وأن القرآن موحى من هللا .لكن في
املقابل ال يجد أي حرج في اعتبار القرآن الكريم وحي هللا باملضمون وليس بالنص على غرار التوراة
واإلنجيل .ومن ثم يرى ضرورة إخضاع القرآن الكريم لدراسة نقدية تاريخية قياسا على مناهج نقد
الكتاب املقدس .وفي دعوته هذه نداء صريح لفصل الدين عن الدولة في املجتمعات اإلسالمية ألن
الربط بينهما هو أحد أسباب تخلف املسلمين منطلقا من تجربة املسيحية عندما كانت السلطة
الزمنية مرتبطة بالكنيسة ،و أثرذلك على أوروبا في العصور الوسطى .مما أدى إلى ثورة على الكنيسة
سرعان ما انتهت بفصل الدين عن الدولة.20
املطلب الثاني :نتائج الحواراملسيحي:
-1القيام بواجب الدعوة لدين هللا تعالى:
حيث يعتبرالحواروسيلة من وسائل القيام بواجب الدعوة ونشراإلسالم والتعريف به وبيان قيمه
ومبادئه ،ففي عهد النبي صلى هللا عليه وسلم أسلم النجاش ي مباشرة بعد سماعه للكالم الحجة
املعجزفي حواره مع جعفربن أبي طالب ،وكذا إسالم سلمان الفارس ي الذي عاصرخمسة أساقفة في
بالد متفرقة21..
- 20هيثم مزاحم :التوحيد والنبوة والقرآن في حواراملسيحية واإلسالم (السيد الشاهد) ،مجلة االجتهاد ،ع ،1996 ، 32-31ص 296
21الحوارفي اإلسالم ،ذ عبدهللا بن الحسين املوجان ،مركز الكون ،جدة ،ط ،1،2006ص 198
بكاملها ..وعلى هذا األساس اعتمد املسلمون لغة الحواروبحثوا في العلم الذي يؤسسون عليه
تواصلهم مع أتباع الديانات األخرى...
واملجادلة التي أجراها الرسول صلى هللا عليه وسلم مع عدي بن حاتم الطائي والذي اعتنق
النصرانية و انتهت باعتناقه لإلسالم ،تعد دراسة جيدة في هذا العلم22
يقول "آدم ميتز" في كتابه" :عصرالنهضة في اإلسالم"" :كان تسامح املسلمين في حياتهم مع اليهود
والنصارى -وهو تسامح لم يسمع بمثله في العصور الوسطى -سببا في أن لحق بمباحث علم الكالم،
ش يء لم يكن قط من مظاهر العصور الوسطى وهو علم مقارنة األديان"23
22مقارنة األديان ،طارق خليل السعدي ،دارالعلوم العربية ،بيروت لبنان ،ط ،2006 ، 1ص26
23نفس املرجع ص 28
24الحوارفي اإلسالم ص 210
25الحوارفي اإلسالم ص 307
26في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي ،محمد حسين فضل هللا ،داراملالك ،بيروت ،لبنان ،ط ،2005 ،3ص 456
27في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي ،ص50
اإلسالمية ،كما أن املسيحية بمفهومها العميق املطروح في الساحة ،ليست لها خطة سياسية حتى
تناقض الخطة السياسية اإلسالمية"28
"فالرؤية اإلسالمية العقدية والفكرية -والتي تجسدت في تاريخنا الحضاري و اقعا معاشا عبر
القرون -ترى أن األصل والسنة والقاعدة والقانون ،هو التنوع والتمايز واالختالف ،فالواحدية فقط
للذات اإللهية ،..ذلك هو القانون التكويني الذي يسود ويحكم كل عوالم املخلوقات"29
ليس هناك شك ،في أن مثل هذا الحوار ،سيكون له أثره اإليجابي على كال الطرفين ،فمن ناحية
سيكون دعما آلراء بعض املستشرقين الغربيين املعتدلين ليتصبح هذه اآلراء فيما بعد تيارا سائدا في
الغرب يكون له أثره في تصحيح نظرته لإلسالم ،ومن جهة أخرى ترشيد املثقفين املسلمين والتخفيف من
حدة اندفاعهم وإعادتهم للمو اقف اإلسالمية الصحيحة32.
من جهة أخرى ،نجد أن املسلمين بذلوا جهودا كبيرة في مجال دفع الشبهات عن اإلسالم ،من خالل
العديد من املؤلفات واالنتاجات الفكرية ،الغرض منها تصحيح النظرة عن اإلسالم لفتح قنوات
للحوارمع الديانات األخرى دون أحكام مسبقة و افتراءات جاهزة ،ومن أمثلة ذلك ،نجد أبو الوليد
الباجي في رسالته التي رد فيها على الراهب الفرنس ي في وقته ،بعد أن بعث الراهب رسالة إلى ملك
األندلس يدعوه فيها إلى النصرانية ،وقد تضمنت رسالة الباجي :إبطال التثليث و إثبات نبوة محمد
صلى هللا عليه وسلم.
ومن األمثلة أيضا ،أحمد القرافي في كتابه" :األجوبة الفاخرة على األسئلة الفاجرة "يرد فيها على
شبهات النصارى ويثبت فضل اإلسالم وكماله34.
-8التنصير:
رغم ما تمت اإلشارة إليه من إيجابيات الحواراإلسالمي املسيحي ،إال أن له نتيجة ال ينبغي أن تعيق
سبيل تحقيق هذه القيمة اإلنسانية الحميدة.
فاملسيحيون يعترفون -فيما نشروه من أبحاث ومناقشات مؤتمر كولورادو سنة 1978م -بأن هذا
الحوارعندهم ،هو سبيل وآلية ومقدمة من مقدمات التنصير ،أي أنه ليس الغرض هو التعايش بين
الفرقاء املتمايزين في العقائد والتشريعات ،بل هو وسيلة لغاية كبرى هي التنصر35.
فبدال من مواجهة القساوسة إلسالم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،يهربون إلى مواريث
وبقايا ثقافة الخر افات والسحرة والشياطين .فتنصح بروتوكوالتهم "بالدخول إلى -املسلمين -من
هذه األبواب ،وليس من باب الجدال حول العقائد التي جاء بها اإلسالم ...وكذلك يخططون النتهاز
فرص وجود الشباب املسلم الذين يدرسون في املجتمعات الغربية ،بعيدا عن املقومات واإلمكانات
التي تساعدهم على حماية القيم اإلسالمية و أيضا تحت الضغوط املادية وعوامل التحلل
واالنحالل ،فيتحدثون -في بروتوكوالتهم -عن ضرورة التوسل بهذه الظروف الالدينية والالأخالقية
لتحويل الشباب عن إسالمه وتبشيره بالنصرانية ليصبح فيما بعد مشتال لزرعها في املجتمعات
اإلسالمية36.
إضافة إلى ذلك نقف على حوارالرسول صلى هللا عليه وسلم لعداس عقب خروجه من الطائف
ولقائه مع الجارود بن عمرو الذي كان زعيما لقومه يعتنق النصرانية وحواره مع عدي بن حاتم
الطائي..
-3رسالة الرسول صلى هللا عليه وسلم للنجاش ي ملك الحبشة
يستفاد من هذه األمثلة:
-األدب النبوي الرفيع في معاملة املسيحيين وسعة صدره ،وذلك بسماح النبي صلى هللا عليه
وسلم للوفد املسيحي -نصارى نجران -بالصالة في مسجده الشريف.
-ردود الفعل التي أبداها هرقل ،والذي كان يأخذ الجزية من النجاش ي ،تبين أن الخوف من
فقدان املكتسبات املادية واملالية غالبا ما تكون عائقا في وجه الحوار.
-الحذرمن االنحر افات في الحوارمن خالل تطرق النبي صلى هللا عليه وسلم لتوضيح كل
القضايا والحقائق التي يريد بعض أهل الكتاب أن يلبسوها عليه وعلى دعوته.
-استخدام النبي صلى هللا عليه وسلم لألسلوب العقلي في الحوارمع املسيحيين وذلك بقوله
لعدي" :هل تعلم من إله سوى هللا؟ وقوله« :وتعلم شيئا أكبرمن هللا؟"..
يستفاد من هذه املرحلة ،حماية الصحابة من ظلم قريش من طرف ملك مسيحي،يدل على
العالقة املتميزة التي كانت تربط املسيحيين واملسلمين ،إضافة إلى اعتماد الصحابة على القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة مرجعا لحواراملسيحيين ،فضال عن عدم املبادرة إلى العنف
كآلية لتدبيرالصراع آنذاك..
الفرع الثالث :حوارالتابعين وتابع التابعين للمسيحيين
من امثلة ذلك:
-حوارهارون الرشيد وطبيبه الخاص ورغبته في إسالمه ،حيث قال له :ما يمنعك من اإلسالم؟
قال :قوله تعالى" وروح منه" فعظم ذلك على الرشيد وجمع له العلماء ،فأجاب قوم من
خراسان،فأخبرهم الرشيد بذلك فأجابوا بقوله تعالى« :وسخر لكم ما في السماوات وما في
األرض جميعا منه" فذهب الرشيد إلى الطبيب وقال :إن كان" روح منه «يفهم منه أن عيس ى
عليه السالم بعض من هللا ،وجب أن تكون السماوات واألرض ،فانقطع النصراني ولم يجب
فأسلم وخرج هارون الرشيد40
يستفاد من هذه األمثلة في هذه املرحلة ،أن الحواركان يعتمد على الحجة والبرهان النقلي
والعقلي وليس إلى العنف والتطرف ،وأن جل املواضيع املرتبطة بهذه الحوارات كانت مواضيع
عقدية خاصة ما تعلق بنسبة عيس ى عليه السالم إلى هللا تعالى.
الفرع الرابع :حواراملسلمين مع املسيحيين ما بعد التابعين إلى مطلع القرن العشرين
ما يميزهذه املرحلة هو أن الدافع إلى الحوارهو إدراك حقيقة املعتقدات وتصحيح ما فيها من
التباس ،إضافة إلى أن وجود املسلمين واملسيحيين وتعايشهم في بعض البقاع دليل على طبيعة
هذه العالقة املبنية على الحواروالتواصل ،ومن نماذج ذلك:
-حواربين مسلم وبعض املسيحيين حول قضية النسخ ،حيث ادعى املسيحيون امتناع النسخ
للشرائع واألحكام ،فقال لهم املسلم :أتعرفون أن أوالد آدم عليه السالم كانوا يتزوجون
إخوانهم ،فقالوا :نعم ،فقال:فما حكم إنجيلكم؟ قاال :تحريم ذلك عليهم،قال:هذا هو حقيقة
النسخ من غير مزيد ،فانقطعوا42
املطلب الثاني :مؤتمرات وندوات الحواراإلسالمي املسيحي من بداية القرن العشرين إلى أواخر
الثمانينات
تعتبر مؤتمرات الحواراإلسالمي املسيحي من أكثرما سجله تاريخ القرن العشرين على مستوى
الحوارات الجماعية بين الديانتين ،حيث تم بحث العديد من القضايا وتبادل األفكاروالحقائق
واملعلومات والخبرات التي تزيد من معرفة كل طرف باآلخربطريقة موضوعية ،تبين ما قد يكون
بينهما من تالق أو اختالف مع احتفاظ كل طرف بمعتقداته في جو من االحترام املتبادل واملعاملة
بالتي هي أحسن بعيدا عن نوازع التشكيك ومقاصد التجريح 43خاصة وأن الجهات املنظمة
لهذه اللقاءات هي عبارة عن مؤسسات حكومية وتجمعات دينية مثل الفاتيكان وجمعيات
الدعوة اإلسالمية وغيرها.
هذا وقد مرالحواراإلسالمي املسيحي من خالل املؤتمرات بمرحلتين:
-املرحلة األولى :تبتدئ من مطلع القرن العشرين إلى سنة ،1962حيث تميزت هذه املرحلة
بالدعوة إلى الحوارمن طرف املسيحيين بقيادة "لويس ماسينيون" من خالل إسهاماته العلمية
ونشاطاته السياسية التي تعتبرمن أهم العوامل املؤثرة في التحول املسيحي الكاثوليكي اتجاه
اإلسالم في القرن العشرين ،كما تميزت هذه املرحلة باألحداث الصعبة التي مرت منها الدولة
-تكليف فريق من الباحثين املسيحيين بدراسة 250كتابا مدرسيا وحصرالعبارات التي تقدم
اإلسالم ونبيه بشكل مغلوط تمهيدا لتصحيحها..
خاتمة:
خالصة ما يمكن قوله ،هو أنه ال يوجد خالف في أن فكرة حوار األديان قديمة قدم األديان نفسها ،وذلك
بسبب حاجة األفراد والجماعات إلى الحوار لتفادي الحروب الدينية ،وإلشاعة األمن والتعايش و إرساء
قواعد للناس ،وقد قدمت كل الحضارات خالل مرحلة ازدهارها نماذج من هذا الحوار خاصة بين دينها و
ديانات أخرى.
فالحوار بكل ما يحمله من ثقل ابستمولوجي ،ظل و ال يزال من املفاهيم الجوهرية الكثيرة التداول في
مختلف الحقول بما فيها املجال الديني عامة و الحقل املسيحي بوجه أخص،و الذي تبلور بأشكال عديدة
تتجسد كما نعلم في الجدال اإلسالمي املسيحي ،و املسيحي اليهودي ...و في املناظرات الدينية ،وفي الكتب،
واملناقشات ...وفي ما يمكن أن ندرجها اآلن ضمن ما ُيعرف في العصرالحديث بعلم مقارنة األديان .
غير أنه يجب التنبيه عليه كون مصطلح حوار الحضارات بمفهومه الواسع يظل االبن الشرعي لحقبة
القرن العشرين الذي لم يعرف نشاطا متزايدا إال في ظل تسعينات القرن املاض ي،فهو إذن محصلة عوامل
كثيرة منها نهاية الصراع األيدبولوجي الذي أعقب سقوط املعسكر الشرقي /االشتراكي،و صعود دور األديان
في املجتمعات املعاصرة .و هو ما كان قد تنبه اليه الفيلسوف الفرنس ي "اندريه مالرو " حينما وسم ثمانينات
القرن املاض ي و في أوج ازدهاراملذاهب االشتراكية ،و تعالي الفكرالعلماني كونه عصراألديان ،بل تزامن هذا
الوصم بالطرفة النوعية التي شهدتها وسائل اإلعالم و التواصل ،دون إغفال مقولة " صدام الحضارات"
لصامويل فيليبس هنتنجتون و التي كثرعنها لغط و ردو د فعل .
والجديرباالنتباه هوأن الحواروصفا وتحليال ونقدا ،لم يكن حكرا على حقل دون آخر ،بل هناك حوارات
كثيرة دبجتها أقالم لألقليات من أهل الكتاب ،هذه األقليات التي لم يحول دون مشاركتها الفعالة في الجدال
الديني هو الدافع املستميت عن ديانتها التي ينتسبون اليها ،و متل ذلك يظهر في الحقل املسيحي " الحوار
املسيحي " الذي انخرط و احتل مكانه في األدب الديني و خاصة بما كتبه علماؤهم و أثاروه من ردود فعل على
طروحات خصومهم من علماء امللل اآلخرين عامة ،و علماء الديانات التوحيدية بوجه خاص ،غير أن هذا
الحوار لم يتأسس بمنأى عن املعيقات املتعددة ،رغم وجود نخبة من املفكرين الغربيين الذين أبانوا عن