Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 23

‫ماستر الدبلوماسية الدينية (الفوج الرابع)‬

‫وحدة النظرية العامة للدبلوماسية الدينية‬

‫عرض في موضوع‪:‬‬
‫الحوار المسيحي‬

‫إعداد الطلبة ‪:‬‬

‫سعاد برادة ‪ -‬سمية اللي‬


‫عبد الكريم لقصيصر‪ -‬إسماعيل لحلو‬
‫عبد اإلله الزراد‬

‫السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪1443-1444‬ه‬

‫‪2022-2023‬م‬
‫الحوار املسيحي‬
‫مقدمة‬
‫إن اختالف الناس هو مدخل للتواصل و التعارف و تناول الخبرة و التجربة و التعاون و عمران الكون‪ ،‬و قد‬
‫خلق هللا البشر مختلفين و قبائل ليتعارفوا‪ ،‬بل رسالة الديان موجهة للخالص الجماعي الذي يتم به عمران‬
‫الدنيا ‪،‬و عمل جاد للسواعد ‪،‬و هذا جوهر الهداية التي بعثت بها الرسل و لتثبيتها الكتب السماوية ‪.‬‬
‫ولعل أصل التوحيد بين الديانات السماوية الثالث‪ ،‬لم يمنع االختالف حول العديد من الطقوس التدينية‬
‫(مثال الركوع والسجود املوجودين في السالم كانوا موجودين في الطقوس املسيحية الشرقية)‪...‬‬
‫و في خضم هذا التأثر و التأثير و على مدى العقود املاضية رصدت تغيرات تفاعلية كبيرة حادة ‪،‬واتجاهات‬
‫عميقة املدى و املعنى‪ ،‬ينصب اتجاهها نحو االتجاه الكوني "العوملة"‪ ،‬إال أنه ال يمكننا التعميم على هذه‬
‫النقاشات أنها كانت تصب في نفس النمط و الهداف و املتجسد عموما في تبوء الحوار ‪،‬بقدر ما كان فقط‬
‫نوع من ارهاصات أولية أو شكل من النقاشات و املجادالت الطاغي عليها النقد عموما و االنتقاد و ردود‬
‫الفعل و التي يمكن تسجيل أبرزها في الصدد ‪،‬ما كان في عهد يوحنا الدمشقي الذي وصفه املؤرخ فليب في‬
‫كتابه " تاريخ سوريا ولبنان و فلسطين" أنه إبراز مفاخر الكنسية ‪،‬و موس ى بن ميمون ‪،‬و أبو عيس ى الوراق (رد‬
‫على انتقاد النصارى ) و آخرون الذين حاولوا أن يسموا بهذه املجادالت كنوع من الحوارات تبدو في الظاهر‬
‫بغطاء ديني أال انها في باطن المر ال تقف على ما هو ديني وحسب إنما تبطن لسياقات و تيارات سياسية‬
‫واقتصادية واجتماعية‪ ..‬تحاول كل منهما تقييم في نهائية ما تؤمن به وال تقبل على أيمانه أي أضافة أو تنقيح‪.‬‬
‫إن سيرورة تتبع العملية السريرية للحوار عامة و للحوار الديني بشكل خاص ال يعدو إال ضرب من املحال‪،‬‬
‫كونه لم يقف على حدود ما هو داخلي (بين الحقل الديني و فرقه) ‪،‬بقدر ما تجوزه إلى عتبة ما هو خارجي مع‬
‫الديان الخرى خاصة منها السماوية‪.‬‬
‫و على هذا املنطلق فقد شكل الحوار املسيحي هو الخر وجها بارزا ضمن سلسلة الدعوات الداعية إلى ذلك‬
‫سواء على املستوى الداخلي كآلية االمتصاص من شأنه أن يوسع هوة الفرق امللتوية تحت إطار الدين املسيحي‬
‫أو سواء دعوات على املستوى الخارجي تعود جذورها الى سنة ‪ 1959‬ملا دعا البابا الثالث و العشرين للتحضير "‬
‫ملؤتمر الفاتيكان الثاني‪ ،‬الذي كان انعقاده سنة ‪ ،1962‬غير أن النشاط الفعلي للحوار املسيحي خاصة على‬
‫املستوى الخارجي (االسالمي _ اليهودي)كان في فترة الثمانينات حيث أرست لفكرة و مسألة الحوار بين‬
‫الديان‪،‬هذه الفكرة التي وجدت طريقها كذلك ضمن منشورات البابوي العام سنة ‪.1991‬‬
‫غير أنه ‪،‬و أن كان ال بد من إطار زمني يسمح برسم حدود االستيعاب للظاهرة املدروسة ‪،‬فإن يستحسن‬
‫العودة لإلرهاصات الكثر خصوبة و حضورا ‪ ،‬لتلكم الظروف التي لم تندمل سيرورتها بعد ‪،‬و الحديث هنا‬
‫يقودنا لسنة ‪ 1991‬إبان انتهاء حرب الخليج ‪،‬بحيث كشف استقصاء اعتمدته الواليات املتحدة المريكية في‬
‫أبريل ‪1993‬عن أرقام توضح الشرخ الذي يطال التواصل و الحوار الثقافي للعالم املسيحي سواء داخليا او‬
‫على املستوى الخارجي (العالم اليهودي و العالم االسالمي) و تزامن هدا التقرير بتزامن صدور مقال صدام‬
‫الحضارات لصموئيل هنتنغتون الذي أكد فيه البعد الصراعي على كافة املستويات و الحقول و السياسيات‬
‫بين الحضارات نتيجة الطبيعة الثقافية‪.‬‬
‫و بالتالي بدا و ال بد من أجل احقاق تواصل مؤسس على احترام االختالفات الثقافية و تجاوز كل النتوءات‬
‫أن نرتكن لشرط قوي و قيمة تتمثل في الحوار كونه قيمة محمودة ‪،‬قيمة روحية و ثقافية تشجع على التسامح‬
‫و ازدراء الراء املتباعدة‪ ،‬إضافة انه لطاملا شكل مكون جوهري ضمن الرساالت السماوية و املوصوفة عبر‬
‫مواقف و لغة النبياء‪..‬‬
‫ين َآم ُنوا َو َّالذ َ‬
‫ين َه ُادوا َو َّ‬
‫الن َ‬
‫ص َار ٰى‬ ‫فالرجوع إلى القرآن الكريم الية ‪ 61‬من سورة البقرة قوله تعالى "إ َّن َّالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َّ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ً َ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ ٌ َ َ ْ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ نَ‬
‫اَّلل واليو ِم ال ِخ ِر وع ِمل ص ِالحا فلهم أجرهم ِعند ِرب ِهم وال خوف علي ِهم وال هم يحزنو "‬ ‫والص ِاب ِئين من آمن ِب ِ‬
‫نجدها تمهيدا واضحا لخارطة طريق الحوار و للوحدة بين جميع أصناف املجتمعات السالمية و الغير‬
‫السالمية‪،‬فهو واجب روحي ‪،‬يساهم في تعزيز قيم أكتر كونية بتعبير فرانسوا يورغا في كتابه ‪l islamisme en‬‬
‫‪face‬‬
‫و غير بعيد عن السياق و الظرفية فبالرجوع الى سنه ‪ 17‬يونيو ‪ 1995‬بستوكهلم في السويد عبرت وزيرة‬
‫شؤون خارجية" لينا ييلم والن"خالل مؤتمر ‪ euro -islam‬ان غاية اللقاء هو إقامة حوار بين الثقافات‬
‫موصول الى فهم متبادل و احترام كل االطراف‪ .‬هو نفس املؤتمر باملناسبة الذي وجه فيه صاحب الجاللة امللك‬
‫الحسن الثاني رحمه هللا رسالته التي ألقاها مستشاره عبد الهادي بوطالب ‪،‬مجددا جاللته الدعوه الى‬
‫الوربيين إلى إظهار تسامح و موضوعية أكتر تجاه االسالم‪.‬‬
‫و أمام هذه املحطات املتشعبة من مخاض ارهاصات الدعوات و املؤتمرات أضحى الحوار شائكا أكتر منه‬
‫من اي وقت‪ ،‬و آلية ال مفر منها لتجاوز ماض ي الترسبات و النزاعات و إزالة اللثام عن مختلف الفروقات التي‬
‫من شأنها ان توسع قاعده االحتواء‪.‬‬
‫ان الحوار اخذ مساحة أكبر في جوانب عالقة املسيحية سواء بنفسها أو على املستوى الخارجي ‪،‬غير أنه لم‬
‫يكن دائما حلو املذاق لم يخل من عنف جدالي كما أشرنا سابقا لدرجة يمكن ان نصطلح عليه ما اصطلح‬
‫عليه الباحث التونس ي عبد املجيد الشرفي انه نوع من الخطابات املتوازنة ذات الحوارات العقيمة الهادفة إلى‬
‫اقناع الطرف الثاني بنمط من التدين غير انه ال يمكننا ان نتغافل عموما انه شكال انفتاحا و قناة لتبادل‬
‫النقاشات ‪..‬‬
‫‪ 1‬أهمية املوضوع‪:‬‬
‫*يكتس ي املوضوع أهمية كونه احد املواضيع التي ال تخرج و إطار مجزوءة النظريات العامة الدبلوماسية‬
‫الدينية‬
‫*بل أكثر‪ ،‬من ذلك كونه أضحت إلزاميا إدراكه في ظل سياق الحوار مع الديان السماوية لتجاوز التعصب‪.‬‬
‫*أن اهمية املوضوع محاولة لرسم بعض خيوط االرهاصات التاريخية و احيانا مقاربة مقارنة في ذات املوضوع‬
‫لرصد و استحضار ارهاصات و بواعث و تعاريف ‪،‬‬
‫*بل إن الحوار في مختلف الديان بمختلف صورها و تمظهراتها و عقائدها و طقوسها ظل عموما ظاهرة‬
‫متجذرة في نزعة الفرد ‪،‬و ذلك من أجل تأثيث النسيج االجتماعي و تحقيق التوازن النفس ي و تعزيز اللحمة‬
‫الجماعية‬
‫الهداف‪:‬‬
‫يظل الهدف السمى من محاولة بحثنا هو تسليط الضوء ملا يمكن رصده وذكره وفق البعاد والزوايا التي‬
‫يتأطر فيها العرض‬
‫‪ -‬التعرف وتعريف الحوار مع رصد الدالالت املرتبطة بالسياقات والظرفية و املفاهيم القريبة له‬
‫‪ -‬محاولة المساك بالعراقيل وأوجه ومواقف الشكالية‪.‬‬
‫الشكالية‪:‬‬
‫اختزلنا إشكالية العرض في السئلة التية‪:‬‬
‫_ما هو الحوار ؟‬
‫‪-‬ما هو الحوار املسيحي ؟‬
‫_ماهي ابراز السياقات أو الظرفية لظهور الحوار خاصة في الحقل املسيحي ‪.‬‬
‫_ما هي دوافع و أهداف الحوار املسيحي؟‬
‫_و ماهي ابراز تحدياته و العراقيل التي تحول دون تحقيق حوار بناء متماسك؟‬
‫‪ -‬ولبيان مالمح الحوار املسيحي‪ ،‬نتطرق ملراحل تطور الحوار السالمي املسيحي ونقف على بعض‬
‫النماذج‪.‬‬
‫بالضافة إلى إشكاالت فرعية أخرى‪..‬‬
‫تصميم املوضوع‪:‬‬
‫من أجل تقديم صورة متماسكة للبحث‪ ،‬سنركز على تصميم قسمناه إلى قسمين ‪ :‬أحدهما لدراسة الحوار‬
‫املسيحي من حيث إرهاصاته عبر التطور التاريخي القريب ‪،‬فيما املباحث الخرى سنركز فيها على الهداف و‬
‫النتائج و كذلك إرساء لبعض املعيقات التي تحول دون تحقيق حوار بناء‪..‬‬
‫كل هذا سنحاول معالجته وفق نهج ومنهج تاريخي وصفي كونه القرب والصلح لنا في بداية البحث على أن‬
‫يكون عرض بمنهج استقرائي يقوم على عرض تلك الحوارات في فترات من الزمن ‪.‬‬
‫وعليه فالتصميم سيكون على الشاكلة التية‪:‬‬
‫املبحث الول‪ :‬بواعث ودوافع الحوار املسيحي وأهدافه‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬معيقات ونتائج الحوار املسيحي‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تاريخ الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬نماذجه‪ ،‬ونتائجه‬
‫لكن قبال يجب التنبيه‪ ،‬دائما هناك مرادفات قد تعترينا من حين إلى آخر في البحث‪ ،‬كونها تشكل مفاهيم‬
‫مفتاح للموضوع ‪.‬‬
‫تعريف املصطلحات‪:‬‬
‫ا لحوار لغة ‪ :‬له معاني تدور في مجملها حول معنى الرجوع و املراجعة و السرد‪،‬و جاء في لسان العرب "الحور"‬
‫بفتح الحاء و تسكين الواو هو الرجوع عن الش يء إلى الش يء ‪.‬و حار إلى الش يء و عنه ‪.‬و الحور ‪ :‬هو النقصان‬
‫بعد الزيادة لنه رجوع من حال الى حال ‪ .‬ومنه املحاورة‪ :‬وهي املجاورة‬
‫والتحاور هو التجاوب‪ ،‬ومنه قوله عز وجل " " فقال لصاحبه وهو يحاوره " أي يراجعه الكالم ويحاوره‬
‫أما اصطالحا فالحوار‪ :‬هو محادثة بين شخصين أو فريقين حول موضوع محدد لكل منهما وجهة نظر خاصة به‬
‫هدفها الوصول إلى الحقيقة وإلى أكبر قدر من التطابق في وجهات النظر بعيدا عن الخصومات والتعصب و‬
‫بطريقة تعتمد على العلم و العقل مع استعداد كل الطرفين لقبول الحقيقة و لو ظهرت على يد الطرف الخر ‪1‬‬

‫و البد إذن للحوار من أركان تناط به أبرزها‪:‬‬


‫‪-‬و جود طرفين‪.‬‬
‫‪-‬وجود موضوع محدد‪.‬‬
‫‪-‬وجود هدف الحوار املتمثل عموما في إظهار الحقيقة أو على تطابق أكبر من وجهات نظر ‪.‬‬
‫‪-‬البعد عن التعصب و الخصومة و فرض الراي و االعتماد على العلم و العقل ‪.‬‬
‫و قد ورد املصطلح في مواضع في القران أبرزها‪:‬‬
‫َ ُ َ ُ َ ُر ُ َ َ َ ْ َ ُ َ ً َ َ‬ ‫ََ َ َُ َ ََ‬
‫نك َماال َوأ َع ُّز ن َف ًرا﴾‬ ‫ص ِاح ِب ِه وهو يح ِاو ه أنا أكثر ِم‬ ‫ال ل َ‬
‫في سورة الكهف الية ‪ ﴿ 34‬وكان له ث َم ٌر فق َ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َُ ُ‬
‫اب ث َّم ِمن ُّنط َف ٍة ث َّم‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫صاح ُب ُه َو ُه َو ُي َحاو ُر ُه َأ َك َف ْر َت ب َّالذي َخ َل َق َ‬
‫ك‬ ‫ال َل ُه َ‬
‫و من نفس السورة االية ‪َ ﴿37‬ق َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َ ً‬
‫اك َر ُجال﴾‬‫سو‬
‫و لن مفهوم الحوار ذو حموالت ثقيلة من املعاني‪ ،‬إلى درجة تداخلها أحيانا بمفاهيم عدة‪ ،‬فإنه من‬
‫الضروري الوقوف على بعض املفاهيم التي من شأنها أن تأخذ صورته و إن كانت ال تجسده‪ ،‬و من أبرزها‪:‬‬

‫‪ 1‬الحواراالسالمي املسيحي املبادئ ‪،‬التاريخ املوضوعات ‪،‬االهداف رسالة لنيل شهادة املاجستيرلبسام وارووعجك ص ‪)20‬‬
‫املناظرة‪ :‬هو مصطلح قريب االتفاق إلى مفهوم الحوار‪ ،‬بل تشكل نوعا منه والتي تعتمد على الدقة العلمية‬
‫والشروط املنطقية أكثر من اعتماد الحوار على ذلك‪.‬‬
‫واملناظرة في االصطالح له معان كثيرة‪ ،‬أبرزها "علم باحث على أحوال املتخاصمين‪ ،‬ليكون ترتيب البحث بينهما‬
‫على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما ‪2‬‬

‫و كلمة املناظرة لم يرد ذكرها مطلقا في القران‪ ،‬و عليه يمكن عموما القول ان الحوار ليس هو املناظرة التي‬
‫تستلزم وجود التضاد بين املتناظرين‪ ،‬لالستدالل على إثبات أمر يتخاصمان فيه نفيا و إيجابا بغية الوصول‬
‫إلى الصواب ‪،‬في حين أن الحوار كما أشرنا أنه بمنأى عن وجود التضاد بين املتحاورين أو الخصومة بينهما‪.‬‬
‫املناقشة ‪:‬‬
‫النقش في اللغة معناه‪ :‬الحفر والنوع كما يشير ذلك لسان العرب‬
‫و يأتي النقاش أيضا بمعنى‪ :‬املحاسبة و االستقصاء‪..‬‬
‫ومنه املناقشة كنوع من التجاوز بين شخصين أو طرفين‪ ،‬و كالهما يقوم على استقصاء الحساب و تعرية‬
‫الخطاء و إحصائها و يكون هذا االستقصاء الصادر عن مصلحة احد الطرفين فقط الذي يستقص ي محصيا‬
‫و مستوعبا على ماله على الطرف الخر ‪..‬‬
‫الجدال ‪ :‬يشير عموما إلى شدة الخصومة و القدرة عليها و املجادلة املخاصمة‪..‬‬
‫و قد ظهر الجدال لدى الفالسفة خاصة السفسطائيين (مفكرون غرباء سكنوا اثينا في النصف الثاني ق‪/‬م‬
‫)حيث اعتمد على الجمال الكالمي و قوة الخطاب و القوانين الجدالية و الكالمية‬
‫أما سقراط فكان عكس هؤالء ‪،‬كان يعني بالجمال العقلي هو توليد الفكار و جعل الحقيقة غايتها ‪.‬‬
‫و قد ذكر مصطلح الجدال في القرآن ‪ 29‬مرة في مواضع عدة و في سياقات القضايا املتعددة العامة منها و‬
‫الخاصة حول النسان و الحياة و القضايا الفكرية ‪..‬‬
‫املسيحية‪ :‬مصطلح مشتق من كلمة املسيح التي يراد بها لغة امرار اليد على الش ى ء الساحل متل مسح الرأس‬
‫من املاء أو الجبين من العرق ‪3‬‬

‫و املسيح هو لقب سيدنا عيس ى ابن مريم عليه السالم و ليس اسما له ‪،‬و معناه الصديق و قد ورد ذكره في‬
‫القرآن الكريم‪،‬و منه مصطلح املسيحية و هي كلمة أطلقت على أتباع املسيح في القرن الثالث امليالدي في مجمع‬
‫نيقية سنه ‪ 325‬م ‪،‬و من ثم أصبح مصطلح املسيحية الكثر اعتمادا في العصر الحاضر على حساب كلمة‬
‫النصرانية التي تستعمل في القرآن و الحديث و التي ذكرت في ما يقارب أحد عشر موضعا ‪...‬‬

‫‪ 2‬املرجع السابق ص ‪21‬‬

‫‪( 3‬لسان العرب ‪)98/13‬‬


‫املبحث الول ‪ :‬دوافع و أهداف الحوار املسيحي‬
‫املطلب الول ‪ :‬دوافع الحوار املسيحي‪:‬‬
‫إن ما يدعو املسيحيين للحوارهو بعض املنطلقات والدو افع العقدية والسياسية والثقافية واالجتماعية‬
‫والفكرية والو اقعية‪ ،‬والتي يجدوا فيها سببا كافيا للتحاور مع غيرهم ألنها تحثهم بطريقة مباشرة وغير‬
‫مباشرة على الحوار‪ ،‬ومن هذه املنطلقات والدو افع‪:‬‬
‫‪ -1‬االنجيل وقيم التواصل والتسامح‪:‬‬
‫وردت في االنجيل بعض قيم املودة والتفاهم مع اآلخر‪ ،‬تدعو إلى معاملة الغيرمعاملة حسنة‬
‫باعتباره من الجنس البشري‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬ممارسة املسيح عليه السالم للحوار‪:‬‬
‫تشهد األناجيل األربعة على ممارسة املسيح عليه السالم للحوارحيث كان كثيراملحاورة لألطراف املحيطة‬
‫من حوله ‪ ،‬سواء كانوا من تالميذه و أتباعه‪ ،‬أو من أعدائه اليهود ‪ ،‬أو أناس آخرين ينتمون إليه بطريقة أو‬
‫بأخرى ‪ ،‬وهذا يدل على أن املسيح عليه السالم ‪ ،‬كان يؤمن بالحوارطريقا إلى الدعوة والتفاهم و إحالل‬
‫الود والتسامح والوئام بين أطراف املجتمع مهما تنوعت ثقافاتها و أفكارها وعقائدها ومبادئها‪ ،‬و أنه ما من‬
‫سبيل آخرإلحداث هذه األلفة وااللتحام بين أبناء الوطن الواحد أو األمة الواحدة غيرتبادل األفكارواآلراء‬
‫ووجهات النظر املختلفة سعيا إلى القضاء على الفتنة والتفرقة ‪4‬‬

‫ب‪ -‬السالم وحسن املعاملة‪:‬‬


‫جاءت في األناجيل بعض النصوص على لسان املسيح عليه السالم‪ ،‬تدعو إلى السالم وحسن معاملة الغير‬
‫ولو كان مسيئا‪ ،‬والعفو عن املعتدين وعدم الرد عليهم باملثل إذا تسلطوا أو ظلموا أو بغوا ‪ ،‬فتحا لباب‬
‫الحوارمع اآلخر‪ ،‬وفي هذا الشأن نقرأ في إنجيل متى " سمعتم أنه قيل ‪ :‬أحب قريبك ‪ ،‬و أبغض عدوك ‪ ،‬أما‬
‫أنا فأقول لكم ‪ :‬أحبوا أعداءكم وصلوا ألجل الذين يضطهدونكم" متى (‪)5/44.43‬‬
‫بناء على هذه النصوص عالجت املسيحية مشكلة السالم‪ ،‬وجرت هذه املعالجة في حياة املسيح عالجا‬
‫روحيا خلقيا‪ ،‬فدعت إلى الحب وزهدت في كل ما يؤدي إلى اقتتال الناس وخصامهم ‪ 5‬والدعوة إلى السالم‬
‫اتجاه اآلخرين والعفو عنهم ومحبتهم‪ ،‬بادرة أساسية ال مناص منها للتعايش معهم ‪ ،‬وتطبيقا لهذه املبادئ‬
‫الواردة في األناجيل تحاور املسيحيون مع غيرهم قديما وحديثا ‪.‬‬
‫‪ -2‬املجمع الفاتيكاني الثاني (‪1965-1962‬م) واالنفتاح على الديانات األخرى‪:‬‬
‫يمثل املجمع الفاتيكاني الثاني نقطة تحول مهمة ‪ ،‬ومنعرجا خطيرا في تاريخ الديانة املسيحية‪ ،‬إذ أنه‬
‫يعتبرالعامل األساس ي الذي دفع باملسيحيين إلى االعتراف باآلخر ككيان موجود له مكانته في هذا العالم إلى‬
‫جانب الوجود املسيحي ‪ ،‬وذلك من خالل الدعوة إلى الحوارمع غيراملسيحيين من مختلف الديانات‬
‫‪ 4‬د‪.‬اسماعيل بن التومي عريف‪ ،‬الحواراإلسالمي املسيحي ص ‪87‬‬
‫‪ 5‬املرجع نفسه ص ‪90‬‬
‫واملذاهب األخرى ‪ ،‬واالنفتاح على الجميع من خالل التواصل معهم ودمجهم في دائرة الخالص اإلالهي عن‬
‫طريق أديانهم ‪ ،‬وبالتالي إبطال فكرة ومعتقد‪ ،‬أن ال خالص خارج الكنيسة أو خارج املسيحية ‪،‬كما كان سائدا‬
‫في العصور املاضية ‪ ،‬وهو املجلس العاملي الحادي والعشرون للكنيسة الرومانية الكاثوليكية ‪ ،‬والذي دعا‬
‫إلى عقده البابا يوحنا الثالث حيث أصدروثيقة رسمية بتاريخ ‪ 25‬ديسمبر ‪ 1962‬م‪ ،‬افتتح املجلس رسميا يوم‬
‫‪ 11‬أكتوبر‪ 1962‬في احتفال مهيب بحضور ‪ 2540‬عضوا يمثلون الكنيسة ‪ ،‬وجمهور غفيرمن املدعوين‬
‫الرسميين وجماهيرالشعب ‪ ،‬وهذا ما أضفى عليه صبغة العاملية ‪ ،‬إذ كان للحضور من متلف بقاع العالم‬
‫على اختالف طوائفهم ومذاهبهم طعما خاصا في تغذية أفكارومقررات وجلسات املجمع‪.‬‬
‫وبعد وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرون في يناير‪ 1963‬م تابع املجلس البابا بولس السادس الذي عقد‬
‫أربع جلسات استمرت حتى ‪ 8‬من دجنبر‪1965‬م‪ ،‬إذ أعلن في هذا اليوم عن اختتام فعاليات هذا املجمع في‬
‫حفل بهيج كذلك‪ ،‬وأصدراملجتمعون بيانا ضم عدة مقررات كانت حصيلة أربع سنوات من البحث والنظر‪.‬‬
‫ومن هذه املقررات نجد تلك التي تحدد العالقة بين الكنيسة والديانات غيراملسيحية‪ ،‬وهذا من البنود‬
‫املهمة التي تدعو دعوة صريحة للحوارمع غيراملسيحيين حيث تضمن خمسة محاور أو موضوعات وهي‪:‬‬
‫• مقدمة عامة عن العصرالحاضر‪.‬‬
‫• مختلف الديانات غيراملسيحية‪.‬‬
‫• الديانة اإلسالمية‪.‬‬
‫• الديانة اليهودية‪.‬‬
‫• األخوة الشاملة التي تنفي كل تمييز‪.‬‬
‫وبالنظرفي هذا التصريح يتبين لنا بوضوح تام تغير وجهة نظرالكنيسة اتجاه األديان األخرى‪ ،‬تلك النظرة‬
‫القاصرة على انحصارالخالص داخل الدين املسيحي‪ ،‬مما يعد انفتاحا على العالم الخارجي بصورة عامة‪6.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أهداف الحواراملسيحي‪:‬‬


‫من املعلوم أن لتكل اللقاءات التي تجمع بين املسيحيين وغيرهم من أتباع الديانات األخرى في سبيل الحوار‬
‫أهداف ومقاصد تعقد ألجلها والتي من بينها‪:‬‬
‫‪ -1‬التبشيرباملسيحية‪:‬‬
‫على الرغم من كون رسالة املسيح عيس ى عليه السالم‪ ،‬رسالة خاصة ببني إسرائيل ال تخرج عن‬
‫هذا النطاق‪ ،‬إال أن االنجيل في شكله الحالي احتوى على نصوص صريحة تخالف هذه الحقيقة ‪،‬‬
‫فتنص على مشروعية نشرالدين املسيحي في شتى بقاع املعمورة ‪ ،‬وهذا ما يفسرلنا عاملية هذه‬
‫الديانة "املسيحية " اليوم‪ ،‬ونجد من تلك النصوص ما جاء في إنجيل مرقس من قول يسوع املسيح‬
‫لتالميذه وهو يحثهم على هذا األمر" اذهبوا إلى العالم كله ‪ ،‬وأعلنوا البشارة إلى الناس أجمعين"‬
‫(مرقس ‪.)15-16‬‬

‫‪ 6‬إسماعيل التومي ‪ ،‬ص ‪91،92،93‬‬


‫واستنادا إلى ذلك انطلق املسيحيون إلى التبشيربدينهم‪ ،‬سالكين في ذلك شتى الوسائل‬
‫واألساليب ‪ ،‬والتي منها الحوار‪ ،‬وذلك أنهم ملا فشلوا في تحقيق غرضهم هذا بتلك الوسائل‬
‫واألساليب املادية واملعنوية ‪ ،‬لجأوا إلى الحوارالذي استحدثه التبشيرو اتخذه كأسلوب جديد‬
‫يتسلل من خالله إلى الديانات األخرى قصد تنصيرها‪ ،‬وقد أكد بابا بولس السادس عشرعلى الحوار‬
‫ودعا إلى األخذ به كأسلوب للتبشيربين أصحاب الديانات األخرى ‪ ،‬وبخاصة املسلمين إليجاد‬
‫عالقات وود وسالم مع أصحاب هذه الديانات تكون مدخال للتبشير‪ ،‬لذلك وجه رسالة في ‪ 6‬غشت‬
‫‪1964‬م إلى املجمع الفاتيكاني الثاني ‪ ،‬دعا فيها إلى الحوارمع أتباع الديانات غيراملسيحية ‪ ،‬و إيجاد‬
‫عالقات وطيدة معهم‪ ،‬فكانت هذه الرسالة إيذانا بمرحلة جديدة من مراحل العمرالكنيس ي في‬
‫مجال التبشير‪ ،7‬والتبشيرتحت عباءة الحواريعد تطورا جديدا في عمل الكنيسة ‪ ،‬ظهرتحديدا في‬
‫منتصف القرن العشرين بعد انعقاد املجمع الفاتيكاني الثاني " ‪ ،"1965-1962‬تحت شعارالتقارب‬
‫والتفاهم والعيش املشترك ‪ ،‬وهذا التطور الجديد في أسلوب التبشير عند املسيحيين هدفه‬
‫استعادة مجد املسيحية التي نكست أعالمها في هزائمها املتتالية ‪ ،‬خاصة أن املجتمع الغربي يحمل‬
‫تصورا سلبيا عن الكنيسة في شتى العصور ‪ ،‬ال سيما مع ظهور حركة خطيرة تهدد كيان الكنيسة‪،‬‬
‫بل وكيان املسيحية بكل ما فيها‪ ،‬تمثلت في الدخول املتوالي في اإلسالم من املسيحيين وغيرهم‪. 8‬‬
‫وفي عام ‪ 1984‬م صدرت عن الكنيسة وثيقة عنونها‪" :‬حواروبشارة" واملالحظ على هذه الوثيقة‬
‫أنها تربط ربطا وثيقا بين الحواروالتبشير‪ ،‬وهذا يدل على أن مهمة الحوارفي رأي الكنيسة هو‬
‫التبشير‪9.‬‬

‫‪ -2‬مواجهة اإللحاد واملادية‪:‬‬


‫إن اإللحاد واملادية عنصران متكامالن فيما بينهما‪ ،‬فالشعوب الغارقة في املاديات هي تلك التي ال تعرف‬
‫وحيا إالهيا يضبط سلوكها ونمط حياتها‪ ،‬وبهذا فهي أرض خصبة لنمو بذور اإللحاد ‪ ،‬وهما – أي‬
‫اإللحاد واملادية – من أسباب اختالل التوازن في املجتمعات وفساد الشعوب ‪ ،‬كما أنهما سبب في‬
‫إحداث العرج في البالد التي تدين بهما ‪ ،‬إذ يفقدانها الجانب الروحي الذي هو مكمل للجانب املادي‪،‬‬
‫وبهما معا تستقيم الحياة‪ ،‬ويسود التوازن في املجتمعات اإلنسانية‪.‬‬
‫وملا كان خطراإللحاد واملادية بهذا الوصف‪ ،‬فال بد من مواجهتهما بكل األساليب وشتى الطرق من‬
‫طرف األديان ذات الوحي السماوي اإلالهي‪ ،‬وهذا بالفعل ما سعى إليه املسلمون واملسيحيون على حد‬
‫سواء‪ ،‬إذ خصصوا بعض املؤتمرات التي جمعت بينهما في ظل الحوارملحارتهما ‪ ،‬وتخليص شعوبهما‬
‫منهما ‪ ،‬ألنهما ينافيان رسالة السماء التي ينتمي إليها كل من اإلسالم واملسيحية‪. 10.‬‬

‫‪ 7‬عبد الودود شلبي ‪ :‬الحواربين األديان ‪ ،‬أسراره وخفاياه ص ‪14‬‬


‫‪ 8‬عبد الرحيم السلمي‪ :‬الحواربين األديان ‪ ،‬حقيقته و أنواعه ص ‪2‬‬
‫‪ 9‬زينب عبد العزيز ‪ :‬الفاتيكان واإلسالم ص ‪ "29‬بتصرف"‬
‫‪ 10‬محمد قطب ‪ :‬اإلنسان بين املادية واإلسالم ص ‪11‬‬
‫‪ -3‬مواجهة االستكبارواإلرهاب وتحقيق السالم العاملي‪:‬‬
‫يشهد العالم حالة فوض ى عارمة وموجة عنف عاتية في كثيرمن املناطق‪ ،‬منذ أمد بعيد وال يزال‬
‫هذا الوضع الخطيريتطور يوما بعد يوم‪ ،‬وهو ما يفسر كثرة الحروب والنزاعات اإلقليمية والدولية ‪،‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك تعيش عدة شعوب ضروبا شتى من الظلم والقهرواالستضعاف بسبب ما يمارس‬
‫عليها من تسلط وعذاب من قبل االستكبارالعاملي أو الطغيان السياس ي الذي تتزعمه بعض الدول‬
‫الغربية ذات القوتين العسكرية واالقتصادية ‪ ،‬من أجل السيطرة على جميع بلدان العالم وتحقيق‬
‫مناطق نفوذ أوسع‪ ،‬وهو األمرالذي يتنافى وتعاليم األديان السماوية التي تحث على السالم واألمن‬
‫واللين والرفق واملعاملة بالحسنى ‪ ،‬واملسيحية كاإلسالم تتبنى جملة من القيم األخالقية والروحية‬
‫النبيلة ‪ ،‬مما يجعلهما معنيتين أكثرمن سواهما بمواجهة كل طغيان واستكبارمهما كان مصدره‪.‬‬
‫وال شك أن للمسيحية دور هام في محاولة القضاء على اإلرهاب و إزالته‪ ،‬ألنها ديانة تنبذ العنف‬
‫والتطرف ‪ ،‬كما تبغض الظلم واالستبداد‪ ،‬وهي بذلك تكرس ثقافة السلم والتسامح في املجتمعات‬
‫وتدعو إلى العفو والصفح‪ ،‬كما أن لها محاوالت كثيرة بخصوص مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬إيمان منها و‬
‫إحساسا بخطورة هذه الظاهرة على الفرد واملجتمع‪ ،‬وكمثال على الجهود التي بذلتها من أجل ذلك‬
‫نورد كلمة البابا شنودة الثالث عن اإلرهاب وضرورة مواجهته‪ ،‬حيث قال ‪ " :‬أن التطرف ال يقبله أحد‬
‫ألنه ضد الحق الخالص ‪ ،‬وهو خروج عن الحق ‪ ،‬ولكن ما يزعج البالد والعباد أن هذا التطرف‬
‫مصحوب بالعنف ولم يعد مجرد فكريناقش ‪ ،‬و إنما هو فكريصحبه عنف‪ ،‬ونحن جميعا ال نقبل‬
‫العنف ‪،‬ومن هنا كانت الوسيلة األولى ملعالجة العنف هي التوعية في األسرة واملدرسة والجامعة‬
‫والصحافة والكتب واملؤلفات واملساجد والكنائس‪ ،‬نريد أن يشعراإلنسان أن مبادئ الدين تمنعه من‬
‫االعتداء وتعلمه احترام مشاعر الغير و أحاسيسهم"‪11‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬معيقات ونتائج الحواراملسيحي‪:‬‬


‫املطلب األول‪ :‬معيقات الحواراملسيحي‪:‬‬
‫يسعى دعاة الحوار‪ ،‬من مسلمين ومسيحيين‪ ،‬في الوقت الحاضر‪ ،‬وهم يتناولون القضايا الهامة الراهنة‪،‬‬
‫ً‬
‫إلى تأسيس أرضية معرفية لحوارعلمي أوضح منهجا‪ ،‬وتواصل ثقافي أكبرفائدة‪ُ ،‬يخرج الفكرمن الصراع إلى‬
‫ً‬
‫التحاور واالعتراف بحق اآلخرفي التعبيرعن رأيه‪ ،‬وينضج الخالف ليغدو اختالفا يرفد الفكربالتنوع والرؤى‬
‫املتكاملة‪ ،‬كما يهدف الحوارإلى كسرالحواجزبين التيارات الفكرية املتعددة وإلغاء احتكارات املعرفة وتعويد‬
‫العقل على الحوار وقبول اآلخر‪ ،‬واالستماع لوجهة نظره ومناقشته فيها واستيالد أفكار جديدة تنشط‬
‫الحركة الثقافية وتنمي اإلبداع‪.‬‬

‫‪ 11‬أنور محمد‪ :‬اإلسالم واملسيحية في مواجهة اإلرهاب والتطرف‪ .‬الحوارال املواجهة ص ‪ 52-51‬بتصرف‬
‫ً‬
‫كما يبدو الحوارأحيانا وكأنه زائدة من زو ائد االجتماع والسياسة والدين‪ ،‬أو إنه شغل من ال شغل له أو‬
‫ً‬
‫شغل املنفيين من طوائفهم‪ ،‬ألن والءهم السياس ي ‪ -‬الطائفي منقوص‪ ..‬من هنا تأتي اإلعاقة أيضا‪ ،‬أي من‬
‫ً‬
‫غياب املؤسسات الحوارية الناظمة‪ ،‬أو وجود مؤسسات تعلن الحوار وتبيع أمورا اخرى‪ ،‬اكثرها محرمات‪.‬‬
‫وتتحول الى قاطعة بين الحوار بما هو شأن املستقبل وبين املعنيين به أكثر‪ ،‬من األجيال التي صارت تعرف‬
‫أكثر وتقلق أكثر‪ ...‬وعليه فإننا بحاجة الى ورشة أو «ورش» تبني وتراكم وتوظف وتحصن وتنمي وتطحن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وتعجن وتخبز وتطعم فكرأو وعيا وأخالقا وعالئق‪ ...‬وتصوب املساركلما تعرج‪.‬‬
‫فال شك في ان الطليعة العلمية هي التي تبلور آليات الحوار وأولوياته ومنتجاته‪ ،‬ولكنها ال تستطيع ذلك‬
‫وحدها‪ ،‬بل بالتعاون والحوار اليومي مع من تشتغل لهم‪ ،‬أعني املساحة الشعبية املعنية بخبرات الحوار‬
‫وضرائب انقطاعه‪ ،‬التي ال يجوز التحاور بالنيابة عنها‪ ،‬بل مع اإلصغاء غلى نبضها‪ ،‬وأسئلتها ومخاوفها‬
‫ورجائها‪.‬‬
‫إن الحوارثقافة‪ ..‬وهنا نالحظ انه على مرالتاريخ‪ ،‬كان العلماء املسلمون واملسيحيون متناظرين متكافئين‬
‫في نوعية وكمية الحوارات التي قاموا بها‪ ...‬أما اآلن فهناك وفرة ملحوظة في عدد املسيحيين العارفين‬
‫باإلسالم على اختالف أغراضه‪ ،‬مقابل قلة في عدد املسلمين العارفين باملسيحية واملسيحيين‪ .‬وهذا ينطبق‬
‫ً‬
‫على حالة التعارف بين أهل املذاهب االسالمية‪ ،‬كفراغ كان مشغوال بالسجال في لحظة‪ ،‬واآلن يمأله‬
‫متصدون له بما يبلغ باالختالف الحيوي الى الخالف الدموي‪ .‬حيث يقف في كثير من األحيان دون نجاحه‬
‫أمام مجموعة من العوائق التي نلخصها فيما يلي‪:‬‬
‫أوال االنطباع التكفيري املتبادل والتراشق بالهرطقة‪:‬‬
‫في عالم التسابق حول حيازة املجد واألسبقية الفكرية والعقائدية والثقافية و إثبات مصداقية الهوية‬
‫القومية‪ ،‬والدينية‪ ،‬وتدعيما لنظرية اإللغائية أو اإلقصائية للطرف النظير‪ ،‬واستناد ملا جاء في القرآن‬
‫الكريم من الطبيعي أن يكون "هناك انطباع لدى بعض املسلمين أن النصارى كافرين أو مشركين و هناك‬
‫انطباع لدى بعض النصارى أن اإلسالم نوع من الهرطقة وال يمت إلى السماء بصلة"‪12‬‬

‫املسيحية بعيون إسالمية‪ :‬ورد في القرآن الكريم مجموعة من اآليات املكفرة لبعض الفئات املسيحية التي‬
‫يتنافى اعتقادها مع املعتقد اإلسالمي‪- .‬يرون املسيحيين من زاوية واحدة هي زاوية النقد واالستهجان‪.‬‬
‫‪ -‬ينظراملسلمين للكنيسة ورجالها أنها تتجاوز مهام الدين ومظاهرالعبادة إلى أمور السياسة والعالقات بين‬
‫الدول‪- .‬اعتقاد املسلمين أن املسيحيين خانوا رسالة املسيح عليه السالم التي جاء بها اإلسالم بعيون‬
‫مسيحية‪ - :‬اعتباراملسيحية للدين اإلسالمي هرطقة منشقة عن الدين‪.‬‬

‫‪ 12‬محمد حسين فضل هللا‪ ،‬في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -‬وصف املسلمين في ملحمة روالند أنهم الشعب الذي ال يروي تعطشه لسفك الدماء والذي لعنه رب‬
‫السماء‪ - .‬اإلسالم نوع من العنصرية والتشدد في إطالق األحكام التعسفية بنظرة ذاتية نرجسية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسالم في العصور الوسطى عقيدة ابتدعها محمد‪ ،‬دينا جنسيا‪ ،‬واتهام أتباع الدين بالتعصب واإلرهاب‪.‬‬
‫ثانيا طبيعة املعتقدات والتشريعات‪:‬‬
‫طبيعة املعتقدات والتشريعات‪ :‬لكل ديانة سواء كانت سماوية أو وضعية معتقدات تؤمن بها وتسلم لها‬
‫ونظام تشريعي ننتظم بأحكامه ومبادئه‪ ،‬وهذا ما ينطبق على كال الديانتين واستقراء معتقدات و تشريعات‬
‫"املسيحية ‪ -‬اإلسالم" يتولد النظرفي ذلك اختالف بين وواضح بينهما في هذين املجالين‪ ،‬فاإلسالم يقوم على‬
‫التوحيد الخالص ويشمل الوحدة في الكينونة‪ ،‬أما املسيحية تقوم على التثليث عموما‪.‬‬
‫‪ -‬تقوم املسيحية على املثالية وتصور اإلنسان على غير حقيقته وو اقعه‪ ،‬واإلسالم يقوم على الو اقعية‬
‫واالعتراف بما في اإلنسان ‪.‬‬
‫ثالثا الصدامات الحضارة الثقافية‬
‫رابعا مظالم املاض ي‪ :‬أو الصدامات القديمة سياسيا وعسكريا‬
‫خامسا املعيقات الحياتية الو اقعية (املعاصرة)‬
‫سادسا االنغالق الفكري واألساليب البدائية‬
‫سابعا األطراف الخارجية أو العائق األجنبي‪:‬‬
‫حيث أن من بين املعيقات أمام الحواراملسيحي مع اإلسالم كنموذج نجد‪:‬‬
‫نظرة الغرب املسيحي (الكاثوليكي) التقليدية لإلسالم على أنه هرطقة دينية مسيحية‪ ،‬والتي ظلت سائدة إلى‬
‫حدود انعقاد املجمع الفاتيكاني الثاني سنة (‪ )1965-1962‬حيث تم االعتراف باإلسالم دينا رسميا يعبد هللا‬
‫ُ‬
‫الحقيقي‪ .‬كما أن حوار األديان‪ ،‬كما يفهمه الغرب‪ ،‬لم يكن دائما بريئا‪ .‬إذ كثيرا ما كانت تحركه أهداف‬
‫تبشيرية‪ ،‬وكانت تنظم لهذه الغاية مؤتمرات مثلما هو الحال بالنسبة للمؤتمرالثاني ملجلس الكنائس العاملي‬
‫الغربي الذي انعقد في إيفانستون بالواليات املتحدة‪ .‬وقد جاء في تقريرهذا املؤتمرما يلي‪“ :‬إن نهضة األديان‬
‫غيراملسيحية‪ ،‬ونشراأليديولوجيات الجديدة يفرض منهاجا جديدا لعملنا التبشيري‪ .‬ففي عديد من البلدان‬
‫خصوصا آسيا و إفريقيا‪ ،‬تزداد هذه النهضات الدينية قوة بواسطة القومية وأحيانا ما تقدم نفسها كأساس‬
‫فعال لإلصالحات االجتماعية‪.13‬‬

‫‪ 13‬وليم سليمان‪ :‬الحواربين األديان‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1976 ،‬ص ‪13‬‬
‫التقصيرالكبيرالذي يعاني منه الغرب األوروبي في معرفة اآلخر‪ .‬فمعرفته باآلخرمحدودة كما أشارإلى ذلك‬
‫هانس كينغ‪14.‬‬

‫انطالق حوار األديان في التصور الغربي من مبدأ وحدة األديان من شأنه أن يؤدي إلى طمس الهوية‬
‫اإلسالمية‪ .‬وهذا ما أشارإليه أنور الجندي حينما قال‪“ :‬إن على علماء املسلمين أن يردوا تماما فكرة‬
‫التقريب بين األديان ألنها تعني االعتراف باألديان بوضعها الحالي‪ ،‬الذي تختلف فيه عن حقيقتها التي‬
‫أنزلت بها وحتى ال يظن الناس أن هذه األديان صحيحة‪ُ ،‬ويسلم املسلمون بصحتها‪ .‬وهذا معناه أن‬
‫اإلسالم لم يأت بجديد بعد اليهودية والنصرانية‪.15‬‬
‫الدعوة إلى توسيع حوار األديان ليشمل األديان غير السماوية يتعارض مع املوقف اإلسالمي الذي ال‬
‫يعترف بالديانات الوضعية مثل البوذية والهندوسية…‬
‫املوقف العدائي للغرب اتجاه اإلسالم‪ ،‬خاصة مع مقولة الخطر اإلسالمي التي نظر لها التيار‬
‫االستشراقي الجديد ممثال في برنارد لويس وصامويل هانتنغتون ‪ 16‬وفوكاياما ‪ 17‬هذا إلى جانب‬
‫التحريض الذي تشنه وسائل اإلعالم الغربية باحتر افية كبيرة ضد اإلسالم واملسلمين‪.‬‬
‫تنامي الحركات األصولية في العالم اإلسالمي التي أصبحت حسب التصور الغربي تهدد املصالح‬
‫األوروبية واألمريكية‪ ،‬خاصة بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬الشهيرة‪ ،‬وما تلتها من أحداث عنف في‬
‫مناطق مختلفة من العالم‪.‬‬
‫ترويج مناهج التعليم في بعض دول العالم العربي واإلسالمي ملفاهيم تتناقض مع دعوة الغرب لحوار‬
‫األديان‪ .‬ومن هنا نفهم الدعوات الغربية املتكررة التي تحث صراحة بعض دول العالم العربي‬
‫واإلسالمي على تغييرمناهجها التعليمية‪.‬‬
‫– تقسيم العالم وفق منظور الفقه اإلسالمي قديما إلى دار اإلسالم ودار الحرب‪ 18‬ال يتناسب مع‬
‫الو اقع املعاصرومن شأنه إذا ما لم تتم مراجعته مجددا أن تترتب عنه‪ ،‬كما يرى ذلك منيرالقادري‪19‬‬

‫أحكاما وسلوكيات تسيرعكس ما فيه صالح اإلسالم واملسلمين‪.‬‬

‫‪l’allemand, Joseph- Hans king et autres : Le christianisme et les autres religions, trad Feishauer, éd le Seil, Paris, 1986, p7614‬‬
‫‪ 15‬أنور الجندي‪ :‬الحواربين األديان‪ ،‬مجلة مناراإلسالم‪ ،‬ع‪ ،3‬السنة ‪ ،1987‬ص‪89-88‬‬
‫‪ 16‬صامويل هانتنغتون ‪ ,‬كتاب صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العاملي الذي صدرسنة ‪1996‬‬
‫‪ 17‬فوكوياما صاحب املقالة التي تحمل عنوان ” نهاية التاريخ الصادرة سنة ‪ .1989‬وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته املثيرة للجدل في كتاب أصدره عام ‪1992‬‬
‫بعنوان ” نهاية التاريخ واإلنسان "‬

‫‪ 18‬بخصوص تحديد مفهوم داراإلسالم ودارالحرب يمكن الرجوع إلى هيربرت بوسه‪ :‬أسس الحوارفي القرآن الكريم‪ .‬دراسة في عالقة اإلسالم باليهودية‬
‫واملسيحية‪ ،‬ترجمة أحمد محمود هويدي‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪ ،2005 ،‬القاهرة‪179-178-177 ،‬‬
‫‪ - 19‬منيرالقادري‪ :‬و اقع املسلمين بالغرب‪ .‬من أجل اجتهاد متنور لسياق متغير‪ ،‬مجلة اإلحياء‪ ،‬ع‪ ،26‬نونبر‪2007‬‬
‫انطالقا من بعض املعيقات التي أتينا على ذكرها يبقى نجاح حواراألديان اإلسالمي الغربي واملسيحي‬
‫على وجه الخصوص رهينا بتقديم تنازالت من كال الطرفين شريطة أال تمس جوهر العقيدة في‬
‫الديانتين معا‪ ،‬وبإيجاد حلول عادلة لبعض القضايا السياسية العالقة‪ .‬وفي جميع الحاالت فإن‬
‫حوار األديان‪ ،‬وإن لم ينجح دائما في تحقيقه جميع أهدافه‪ ،‬فإنه ُيمهد‪ ،‬على األقل‪ ،‬الظروف لبث‬
‫أجواء الثقة بين أفراد املجتمع الدولي‪.‬‬
‫خالصة القول إن معيقات حوار األديان متعددة‪ .‬لكن ال يمكن أن ننفي وجود نخبة من املفكرين‬
‫الغربيين الذين أبانوا عن رغبة أكيدة في فتح قنوات الحوار بين األديان‪ ،‬وذلك اعتمادا على معايير‬
‫بعد من الصورة النمطية‬ ‫أخالقية وقيم إنسانية مشتركة‪ .‬غير أن هذه النخبة نفسها لم تتخلص ُ‬
‫ُ‬
‫لإلسالم‪ .‬وهنا يجدر بنا أن نشير إلى هانس كينغ الذي اشتهر بانفتاحه على اإلسالم‪ ،‬وتسليمه بنبوة‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬و إيمانه بأن رسالته من عند هللا وأن القرآن موحى من هللا‪ .‬لكن في‬
‫املقابل ال يجد أي حرج في اعتبار القرآن الكريم وحي هللا باملضمون وليس بالنص على غرار التوراة‬
‫واإلنجيل‪ .‬ومن ثم يرى ضرورة إخضاع القرآن الكريم لدراسة نقدية تاريخية قياسا على مناهج نقد‬
‫الكتاب املقدس‪ .‬وفي دعوته هذه نداء صريح لفصل الدين عن الدولة في املجتمعات اإلسالمية ألن‬
‫الربط بينهما هو أحد أسباب تخلف املسلمين منطلقا من تجربة املسيحية عندما كانت السلطة‬
‫الزمنية مرتبطة بالكنيسة‪ ،‬و أثرذلك على أوروبا في العصور الوسطى‪ .‬مما أدى إلى ثورة على الكنيسة‬
‫سرعان ما انتهت بفصل الدين عن الدولة‪.20‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬نتائج الحواراملسيحي‪:‬‬
‫‪ -1‬القيام بواجب الدعوة لدين هللا تعالى‪:‬‬
‫حيث يعتبرالحواروسيلة من وسائل القيام بواجب الدعوة ونشراإلسالم والتعريف به وبيان قيمه‬
‫ومبادئه‪ ،‬ففي عهد النبي صلى هللا عليه وسلم أسلم النجاش ي مباشرة بعد سماعه للكالم الحجة‬
‫املعجزفي حواره مع جعفربن أبي طالب‪ ،‬وكذا إسالم سلمان الفارس ي الذي عاصرخمسة أساقفة في‬
‫بالد متفرقة‪21..‬‬

‫‪ -2‬نشأة علم األديان وتطوره‪:‬‬


‫علم مقارنة األديان‪ ،‬الذي يفتخراملسلمون بابتكاره‪ ،‬يعد من العلوم التي تطورت نتيجة الحوار‬
‫املبني على االعتراف باآلخربدل إقصائه‪ ،‬فالديانات التي سبقت اإلسالم لم تكن تعترف ببعضها ‪ ،‬بل‬
‫تعتبرالديانة األخرى ضالال و انحر افا وجب محاربته‪ ،‬أما الدين اإلسالمي حدد موقفه من هذه‬
‫الديانات واعتبرنفسة الحلقة الخيرة لها مكمال ملا جاءت به ‪ ،‬وأضاف تشريعات تحتاج إليها اإلنسانية‬

‫‪ - 20‬هيثم مزاحم‪ :‬التوحيد والنبوة والقرآن في حواراملسيحية واإلسالم (السيد الشاهد)‪ ،‬مجلة االجتهاد‪ ،‬ع ‪ ،1996 ، 32-31‬ص ‪296‬‬
‫‪ 21‬الحوارفي اإلسالم‪ ،‬ذ عبدهللا بن الحسين املوجان‪ ،‬مركز الكون‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪ ،1،2006‬ص ‪198‬‬
‫بكاملها‪ ..‬وعلى هذا األساس اعتمد املسلمون لغة الحواروبحثوا في العلم الذي يؤسسون عليه‬
‫تواصلهم مع أتباع الديانات األخرى‪...‬‬
‫واملجادلة التي أجراها الرسول صلى هللا عليه وسلم مع عدي بن حاتم الطائي والذي اعتنق‬
‫النصرانية و انتهت باعتناقه لإلسالم‪ ،‬تعد دراسة جيدة في هذا العلم‪22‬‬

‫يقول "آدم ميتز" في كتابه‪" :‬عصرالنهضة في اإلسالم"‪" :‬كان تسامح املسلمين في حياتهم مع اليهود‬
‫والنصارى‪ -‬وهو تسامح لم يسمع بمثله في العصور الوسطى‪ -‬سببا في أن لحق بمباحث علم الكالم‪،‬‬
‫ش يء لم يكن قط من مظاهر العصور الوسطى وهو علم مقارنة األديان"‪23‬‬

‫‪ -3‬نشرالحضارة العربية في الغرب‪:‬‬


‫عمل العلماء املسيحيون جاهدين على ترجمة الكتب العربية في الفلسفة والعلوم ‪...‬حيث كان‬
‫لرئيس أساقفة طليطلة وغيره‪ ،‬الفضل في إخراج ترجمات مبكرة لبعض الكتب العلمية العربية‪ ،‬بعد‬
‫االقتناع بأن العرب يمتلكون مفاتيح قدرعظيم من تراث العالم الكالسيكي‪.24‬‬
‫ولذلك كان من نتائج هذه الحركة أن أصبحت هناك عالقات ولقاءات بين اإلسالم والغرب من‬
‫خالل املؤسسات العلمية التي قامت في األندلس‪ ،‬حيث جاء أبناء الغرب من الجزر البريطانية ومن‬
‫فرنسا واألراض ي املنخفضة وغيرها‪ ،‬يأخذون عن املسلمين علومهم‪ ،‬وعادوا بها إلى بالدهم ليجعلوها‬
‫منطلق نهضتهم العلمية والصناعية والحضارية‪25‬‬

‫‪ -4‬حفظ عقيدة أتباع الديانتين‪:‬‬


‫اإلسالم من مبادئه عدم الدخول في صراع مسلح مع املسيحية‪ ...‬بل يكون الصراع بين املفاهيم‬
‫املسيحية واإلسالمية في تفاصيل الالهوت أو غيرذلك من القضايا العقدية صراعا فكريا‪.‬‬
‫فخلق مناخ ثقافي وروحي للتفاهم بين املسلمين واملسيحيين واالطالع على القواعد املشتركة أو‬
‫البحث في املصالح املشتركة في مواجهة اإللحاد العقدي‪.26‬‬
‫‪ -5‬تحقيق مبدأ التعارف والتعايش‪:‬‬
‫التجربة التاريخية لإلسالم مع اليهود والنصارى ‪ ،‬دلت على أن قضية التعايش بين املسلمين و أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬هي قضية متجذرة في الو اقع‪ ،‬فاليهود والنصارى كانوا موجودين في املنطقة منذ نشأ‬
‫اإلسالم و انتشرحتى وقتنا الحاضر‪ ،‬واملشاكل والصراعات التي وقت بين الديانات هي أحداث‬
‫عارضة وطارئة قد تحدث بين أهل الديانة نفسها كما هو الشأن في كل املجتمعات‪"27 ،‬فال نعتقد أن‬
‫الطرح اإلسالمي يناقض الطرح املسيحي ‪ ،‬ألن املسيحية ليست لها شريعة حتى تناقض الشريعة‬

‫‪ 22‬مقارنة األديان‪ ،‬طارق خليل السعدي‪ ،‬دارالعلوم العربية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪ ،2006 ، 1‬ص‪26‬‬
‫‪ 23‬نفس املرجع ص ‪28‬‬
‫‪ 24‬الحوارفي اإلسالم ص ‪210‬‬
‫‪ 25‬الحوارفي اإلسالم ص ‪307‬‬
‫‪ 26‬في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬محمد حسين فضل هللا‪ ،‬داراملالك‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2005 ،3‬ص ‪456‬‬
‫‪ 27‬في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬ص‪50‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬كما أن املسيحية بمفهومها العميق املطروح في الساحة‪ ،‬ليست لها خطة سياسية حتى‬
‫تناقض الخطة السياسية اإلسالمية"‪28‬‬

‫"فالرؤية اإلسالمية العقدية والفكرية‪ -‬والتي تجسدت في تاريخنا الحضاري و اقعا معاشا عبر‬
‫القرون‪ -‬ترى أن األصل والسنة والقاعدة والقانون‪ ،‬هو التنوع والتمايز واالختالف‪ ،‬فالواحدية فقط‬
‫للذات اإللهية‪ ،..‬ذلك هو القانون التكويني الذي يسود ويحكم كل عوالم املخلوقات"‪29‬‬

‫‪ -6‬إظهارحقيقة اإلسالم في املجتمعين اإلسالمي والغربي‪:‬‬


‫على صعيد املجتمع اإلسالمي يتم التذكيربأن صورة النصارى في الدولة اإلسالمية واملجتمع‬
‫اإلسالمي والثقافة اإلسالمية منذ العهد النبوي وحتى عصرنا الراهن‪ ،‬كانت في مجملها التطبيق‬
‫والتجسيد للموقف القرآني ‪..‬حيث قررت لهم كامل املساواة في الحقوق والواجبات في إطاراألمة‬
‫الواحدة والرعية الواحدة‪ ،‬لهم ما للمسلمين وعليهم ما على املسلمين‪ 30،‬وبهذه الرؤية يتم وضع حد‬
‫للتعصب والتطرف املس يء لصورة اإلسالم ‪.‬‬
‫أما على صعيد املجتمع الغربي‪ ،‬فالغرض من إطالق التسميات " الدين املحمدي" واملحمديين" على‬
‫اإلسالم واملسلمين‪ ،‬هو غرس االعتقاد الخاطئ في األذهان بأنها تتعلق بعقائد منتشرة بفعل اإلنسان ‪،‬‬
‫وليس هلل ‪-‬في نظراملسيحيين‪-‬أي مكان‪ ،‬فغالبية املثقفين الغربيين وفالسفتهم وخاصة املستشرقون ‪،‬‬
‫يعنون بمقومات اإلسالم الفلسفية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬وال يتساءلون عن ماهية الوحي اإلسالمي‬
‫ويعتمدون على مقولة ثابتة عندهم تقول ‪،‬بأن محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬استند على ما سبقه ‪،‬‬
‫وينفون عليه اتصاله بأي وحي ‪31.‬‬

‫ليس هناك شك‪ ،‬في أن مثل هذا الحوار‪ ،‬سيكون له أثره اإليجابي على كال الطرفين‪ ،‬فمن ناحية‬
‫سيكون دعما آلراء بعض املستشرقين الغربيين املعتدلين ليتصبح هذه اآلراء فيما بعد تيارا سائدا في‬
‫الغرب يكون له أثره في تصحيح نظرته لإلسالم‪ ،‬ومن جهة أخرى ترشيد املثقفين املسلمين والتخفيف من‬
‫حدة اندفاعهم وإعادتهم للمو اقف اإلسالمية الصحيحة‪32.‬‬

‫‪ -7‬دفع الشبهات واالفتراءات عن اإلسالم واملسلمين‪:‬‬


‫الوثيقة التي صدرت عن أمانة سرالفاتيكان ووزعت فيما بعد على املجمع الفاتيكاني الثاني لغير‬
‫املسيحيين‪ ،‬فيها توجيهات للحواربين املسيحيين واملسلمين ‪،‬مثال على عمق التغير في املو اقف‬
‫الرسمية ‪ ،‬حيث دعت إلى تنحية الصورة البالية املوروثة عن املاض ي ‪ ،‬أو املشوهة ببعض األوهام‬
‫واالفتراءات التي كانت لدى املسيحيين عن اإلسالم‪ ،‬فقد أصرت على أخطاء املاض ي وتلح على‬

‫‪ 28‬في آفاق الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬ص‪51‬‬


‫‪ 29‬اإلسالم واآلخر‪ ،‬محمد عمارة‪ ،‬مكتبة الشروق ‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫‪ 30‬اإلسالم واآلخر‪ ،‬محمد عمارة‪ ،‬مكتبة الشروق‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫‪ 31‬التوراة واالنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬موريس بوكاي‪ ،‬ترجمة شيخ حسن خالد‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،3،1990‬ص‪14‬‬
‫‪ 32‬االستشراق والخلفية الفكرية‪ ،‬ص‪159‬‬
‫وحدانية اإليمان باهلل‪ ،‬وتذكرباملفاجئة العظيمة التي أدهش بها الكاردينال سامعيه باملحاضرة التي‬
‫ألقاها سنة ‪1969‬م في جامع األزهرحين أعلن هذه األفكار‪ ،‬كما تذكربتوجيهات أمانة سرالفاتيكان‬
‫سنة ‪1967‬م‪،‬التي دعت املسيحيين إلى تهنئة املسلمين بانتهاء صيام شهر رمضان‪ ،‬و أقرت أنه قيمة‬
‫دينية أصيلة‪33.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬نجد أن املسلمين بذلوا جهودا كبيرة في مجال دفع الشبهات عن اإلسالم‪ ،‬من خالل‬
‫العديد من املؤلفات واالنتاجات الفكرية‪ ،‬الغرض منها تصحيح النظرة عن اإلسالم لفتح قنوات‬
‫للحوارمع الديانات األخرى دون أحكام مسبقة و افتراءات جاهزة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ‪ ،‬نجد أبو الوليد‬
‫الباجي في رسالته التي رد فيها على الراهب الفرنس ي في وقته‪ ،‬بعد أن بعث الراهب رسالة إلى ملك‬
‫األندلس يدعوه فيها إلى النصرانية‪ ،‬وقد تضمنت رسالة الباجي ‪ :‬إبطال التثليث و إثبات نبوة محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن األمثلة أيضا‪ ،‬أحمد القرافي في كتابه‪" :‬األجوبة الفاخرة على األسئلة الفاجرة "يرد فيها على‬
‫شبهات النصارى ويثبت فضل اإلسالم وكماله‪34.‬‬

‫‪ -8‬التنصير‪:‬‬
‫رغم ما تمت اإلشارة إليه من إيجابيات الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬إال أن له نتيجة ال ينبغي أن تعيق‬
‫سبيل تحقيق هذه القيمة اإلنسانية الحميدة‪.‬‬
‫فاملسيحيون يعترفون ‪-‬فيما نشروه من أبحاث ومناقشات مؤتمر كولورادو سنة ‪1978‬م‪ -‬بأن هذا‬
‫الحوارعندهم‪ ،‬هو سبيل وآلية ومقدمة من مقدمات التنصير‪ ،‬أي أنه ليس الغرض هو التعايش بين‬
‫الفرقاء املتمايزين في العقائد والتشريعات‪ ،‬بل هو وسيلة لغاية كبرى هي التنصر‪35.‬‬

‫فبدال من مواجهة القساوسة إلسالم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬يهربون إلى مواريث‬
‫وبقايا ثقافة الخر افات والسحرة والشياطين‪ .‬فتنصح بروتوكوالتهم "بالدخول إلى ‪-‬املسلمين‪ -‬من‬
‫هذه األبواب‪ ،‬وليس من باب الجدال حول العقائد التي جاء بها اإلسالم‪ ...‬وكذلك يخططون النتهاز‬
‫فرص وجود الشباب املسلم الذين يدرسون في املجتمعات الغربية‪ ،‬بعيدا عن املقومات واإلمكانات‬
‫التي تساعدهم على حماية القيم اإلسالمية و أيضا تحت الضغوط املادية وعوامل التحلل‬
‫واالنحالل‪ ،‬فيتحدثون ‪-‬في بروتوكوالتهم‪ -‬عن ضرورة التوسل بهذه الظروف الالدينية والالأخالقية‬
‫لتحويل الشباب عن إسالمه وتبشيره بالنصرانية ليصبح فيما بعد مشتال لزرعها في املجتمعات‬
‫اإلسالمية‪36.‬‬

‫‪ 33‬التوراة واالنجيل والقرآن والعلم‪ ،‬ص‪15-14‬‬


‫‪ 34‬الحوارفي اإلسالم ص‪310‬‬
‫‪ 35‬اإلسالم واآلخر‪ ،‬ص‪127‬‬
‫‪ 36‬اإلسالم واآلخر‪،‬ص‪125‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تاريخ الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬نماذجه‪ ،‬ونتائجه‬
‫املطلب األول‪ :‬تاريخ الحواراإلسالمي املسيحي منذ عصرالنبوة إلى القرن العشرين‪:‬‬
‫سنحاول في هذا املطلب‪ ،‬عرض بعض النماذج واألمثلة املختصرة‪ ،‬التي نراها تفي بالغرض في سياق‬
‫حديثنا عن الحوارمع املسيحية وأهميته‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حوارالنبي صلى هللا عليه وسلم مع املسيحيين‪:‬‬
‫‪ -1‬لقاء النبي صلى هللا عليه وسلم مع ورقة بن نوفل‪:‬‬
‫يعتبرورقة بن نوفل واحدا من أربعة نفرالذين فارقوا قرشا في عبادتهم‪ ،‬وصارعلما من أعالم اهل‬
‫الكتاب في مكة املكرمة‪ ،‬وملا نزل الوحي على الرسول صلى هللا عليه وسلم وذهبت به خديجة رض ي‬
‫هللا عنها إليه‪ ،‬وأخبرته بما وقع‪ ،‬قال له‪" :‬والذي نفس ي بيده إنك لنبي هذه األمة‪ ،‬ولقد جاءك‬
‫الناموس األكبر الذي جاء موس ى‪37"..‬‬

‫‪ -2‬لقاء النبي صلى هللا عليه وسلم مع وفد نصارى نجران‪:‬‬


‫في السنة السابعة للبعثة‪ ،‬قدم على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم نحو عشرين رجال من النصارى‪،‬‬
‫فجلسوا إليه وكلموه وسألوه عما أرادوا‪ ،‬فحاورهم صلى هللا عليه وسلم ودعاهم إلى اإلسالم وتال‬
‫عليهم القرآن الكريم‪ ،‬فاستجابوا إليه وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم‬
‫من أمره‪38‬‬

‫إضافة إلى ذلك نقف على حوارالرسول صلى هللا عليه وسلم لعداس عقب خروجه من الطائف‬
‫ولقائه مع الجارود بن عمرو الذي كان زعيما لقومه يعتنق النصرانية وحواره مع عدي بن حاتم‬
‫الطائي‪..‬‬
‫‪ -3‬رسالة الرسول صلى هللا عليه وسلم للنجاش ي ملك الحبشة‬
‫يستفاد من هذه األمثلة‪:‬‬
‫‪ -‬األدب النبوي الرفيع في معاملة املسيحيين وسعة صدره‪ ،‬وذلك بسماح النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم للوفد املسيحي ‪-‬نصارى نجران‪ -‬بالصالة في مسجده الشريف‪.‬‬
‫‪ -‬ردود الفعل التي أبداها هرقل‪ ،‬والذي كان يأخذ الجزية من النجاش ي‪ ،‬تبين أن الخوف من‬
‫فقدان املكتسبات املادية واملالية غالبا ما تكون عائقا في وجه الحوار‪.‬‬
‫‪ -‬الحذرمن االنحر افات في الحوارمن خالل تطرق النبي صلى هللا عليه وسلم لتوضيح كل‬
‫القضايا والحقائق التي يريد بعض أهل الكتاب أن يلبسوها عليه وعلى دعوته‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام النبي صلى هللا عليه وسلم لألسلوب العقلي في الحوارمع املسيحيين وذلك بقوله‬
‫لعدي‪" :‬هل تعلم من إله سوى هللا؟ وقوله‪« :‬وتعلم شيئا أكبرمن هللا؟"‪..‬‬

‫‪ 37‬السيرة النبوية (‪ )223/1-2‬الحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬ص‪111‬‬


‫‪ 38‬السيرة النبوية (‪،)292/2-1‬وهداية الحيارى(ص‪)33‬‬
‫هذه املثلة وغيرها تبين‪ ،‬نهج الرسول صلى هللا عليه وسلم للحوارمع النصرانية وتقريرذلك في‬
‫سيرته‪ ،‬ليصبح منهجا أصيال يؤسس لهذه العالقة‪...‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬حوارالصحابة مع املسيحيين‪ :‬من أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الحوارات املنسوبة لعلي بن أبي طالب رض ي هللا عنه‪ ،‬حيث أن االطالع على هذه الحوارات‬
‫وقراءة مضمونها بتمعن‪ ،‬ال يمكن بحال من األحوال نسبتها لعلي رض ي هللا عنه ملا فيها من‬
‫تنقيص وحط من مكانة الصحابة العلمية واألدبية‪ ،‬خاصة وأن املواضيع التي تطرقت إليها هي‬
‫مواضيع فلسفية لم يكن الكالم قد تطرق إليها بعد‬
‫كما ورد في كتاب البداية والنهاية البن كثيرأنه اصطف جيش املسلمين وجيش الروم قبيل‬
‫معركة اليرموك فخرج خرجة من الصف ونادى خالد بن الوليد‪ ،‬فأتاه فقال جرجة‪ :‬يا خالد‬
‫أخبرني فأصدقني وال تكذبني فإن الحرال يكذب‪ ،‬وال تخادعني فإن الكريم ال يخادع املسترسل‬
‫باهلل هل أنزل هللا على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه‪ ،‬فالتسله على أحد إال هزمتم؟‬
‫قال ‪:‬ال‪،‬قال‪:‬فيم سميت سيف هللا؟ قال خالد‪ :‬إن هللا بعث فينا نبيه فدعانا فنفرنا منه‪،‬ثم إن‬
‫هللا هدانا فبايعناه فقال لي‪:‬أنت سيف من سيوف هللا فسميت سيف هللا‪ ،‬قال جرجة‪ :‬يا خالد ‪،‬‬
‫إلى ما تدعوني ‪،‬قال ‪ :‬إلى شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا‪39‬‬

‫يستفاد من هذه املرحلة‪ ،‬حماية الصحابة من ظلم قريش من طرف ملك مسيحي‪،‬يدل على‬
‫العالقة املتميزة التي كانت تربط املسيحيين واملسلمين‪ ،‬إضافة إلى اعتماد الصحابة على القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية الشريفة مرجعا لحواراملسيحيين‪ ،‬فضال عن عدم املبادرة إلى العنف‬
‫كآلية لتدبيرالصراع آنذاك‪..‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬حوارالتابعين وتابع التابعين للمسيحيين‬
‫من امثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬حوارهارون الرشيد وطبيبه الخاص ورغبته في إسالمه‪ ،‬حيث قال له‪ :‬ما يمنعك من اإلسالم؟‬
‫قال ‪ :‬قوله تعالى" وروح منه" فعظم ذلك على الرشيد وجمع له العلماء ‪،‬فأجاب قوم من‬
‫خراسان‪،‬فأخبرهم الرشيد بذلك فأجابوا بقوله تعالى‪« :‬وسخر لكم ما في السماوات وما في‬
‫األرض جميعا منه" فذهب الرشيد إلى الطبيب وقال‪ :‬إن كان" روح منه «يفهم منه أن عيس ى‬
‫عليه السالم بعض من هللا ‪،‬وجب أن تكون السماوات واألرض ‪،‬فانقطع النصراني ولم يجب‬
‫فأسلم وخرج هارون الرشيد‪40‬‬

‫‪ 39‬البداية والنهاية(ج‪-7‬ص‪ )12‬الحواراإلسالمي املسيحيص‪170‬‬


‫‪ 40‬عيون املناظرات(ص‪ )207‬وروح املعاني(ص‪)25/6‬‬
‫‪ -‬حوارابن الطالع ونصراني في قرطبة‪ ،‬حيث ورد أن نصرانيا قدم قرطبة فالتقاه ابن الطالع‬
‫فقال له النصراني‪ :‬ما تقول في عيس ى؟ فقال ابن الطالع‪ :‬لعلك تريد املبشربمحمد؟ فانقطع‬
‫النصراني‪ ،‬ألنه إن أنكر كذب إنجيله وكفر بعيس ى‪ ،‬وإن أقر بعيس ى لزمه الدخول في اإلسالم‪41‬‬

‫يستفاد من هذه األمثلة في هذه املرحلة‪ ،‬أن الحواركان يعتمد على الحجة والبرهان النقلي‬
‫والعقلي وليس إلى العنف والتطرف‪ ،‬وأن جل املواضيع املرتبطة بهذه الحوارات كانت مواضيع‬
‫عقدية خاصة ما تعلق بنسبة عيس ى عليه السالم إلى هللا تعالى‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬حواراملسلمين مع املسيحيين ما بعد التابعين إلى مطلع القرن العشرين‬
‫ما يميزهذه املرحلة هو أن الدافع إلى الحوارهو إدراك حقيقة املعتقدات وتصحيح ما فيها من‬
‫التباس‪ ،‬إضافة إلى أن وجود املسلمين واملسيحيين وتعايشهم في بعض البقاع دليل على طبيعة‬
‫هذه العالقة املبنية على الحواروالتواصل ‪،‬ومن نماذج ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬حواربين مسلم وبعض املسيحيين حول قضية النسخ‪ ،‬حيث ادعى املسيحيون امتناع النسخ‬
‫للشرائع واألحكام‪ ،‬فقال لهم املسلم‪ :‬أتعرفون أن أوالد آدم عليه السالم كانوا يتزوجون‬
‫إخوانهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪:‬فما حكم إنجيلكم؟ قاال‪ :‬تحريم ذلك عليهم‪،‬قال‪:‬هذا هو حقيقة‬
‫النسخ من غير مزيد‪ ،‬فانقطعوا‪42‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مؤتمرات وندوات الحواراإلسالمي املسيحي من بداية القرن العشرين إلى أواخر‬
‫الثمانينات‬
‫تعتبر مؤتمرات الحواراإلسالمي املسيحي من أكثرما سجله تاريخ القرن العشرين على مستوى‬
‫الحوارات الجماعية بين الديانتين‪ ،‬حيث تم بحث العديد من القضايا وتبادل األفكاروالحقائق‬
‫واملعلومات والخبرات التي تزيد من معرفة كل طرف باآلخربطريقة موضوعية‪ ،‬تبين ما قد يكون‬
‫بينهما من تالق أو اختالف مع احتفاظ كل طرف بمعتقداته في جو من االحترام املتبادل واملعاملة‬
‫بالتي هي أحسن بعيدا عن نوازع التشكيك ومقاصد التجريح‪ 43‬خاصة وأن الجهات املنظمة‬
‫لهذه اللقاءات هي عبارة عن مؤسسات حكومية وتجمعات دينية مثل الفاتيكان وجمعيات‬
‫الدعوة اإلسالمية وغيرها‪.‬‬
‫هذا وقد مرالحواراإلسالمي املسيحي من خالل املؤتمرات بمرحلتين‪:‬‬
‫‪ -‬املرحلة األولى‪ :‬تبتدئ من مطلع القرن العشرين إلى سنة ‪ ،1962‬حيث تميزت هذه املرحلة‬
‫بالدعوة إلى الحوارمن طرف املسيحيين بقيادة "لويس ماسينيون" من خالل إسهاماته العلمية‬
‫ونشاطاته السياسية التي تعتبرمن أهم العوامل املؤثرة في التحول املسيحي الكاثوليكي اتجاه‬
‫اإلسالم في القرن العشرين‪ ،‬كما تميزت هذه املرحلة باألحداث الصعبة التي مرت منها الدولة‬

‫‪ 41‬الديباج املذهب‪ ،‬ص‪.275‬‬

‫‪ 42‬عيون املناظرات‪ ،‬ص‪299‬‬


‫‪ 43‬يوسف الحسن‪ ،‬الحواراإلسالمي املسيحي‪:‬الفرص والتحديات‪،‬الطبعة األولى‪،‬ص‪13‬‬
‫العثمانية والدول العربية املستعمرة متمثلة بالخيانة الفرنسية البريطانية للشريف الحسين بن‬
‫علي و إنشاء الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي‪ ،‬ولعل دعوات الحوارهذه جاءت وسيلة‬
‫ترضية وامتصاص ملا سببه من غضب وحقد عربي إسالمي‪.‬‬
‫‪ -‬املرحلة الثانية‪ :‬يمكن اعتبارها االنطالقة الفعلية للحواراإلسالمي املسيحي واستمراريته‬
‫ونماؤه‪ ،‬فاملجمع الفاتيكاني الثاني الذي انعقد ما بين ‪ 1965-1962‬يشكل االنطالقة األولى‬
‫لظاهرة الحواراإلسالمي املسيحي وأهمية التقارب بين الديانتين‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬نشيرإلى بعض املؤتمرات التي تم عقدها بين املسيحيين واملسلمين‪:‬‬
‫❖ املؤتمرالعاملي لألديان‪ :‬عقد في لندن سنة ‪1926‬م بإشراف املجلس العاملي لألديان وكان‬
‫أغلب املشاركين فيه مسيحيين ومسلمين‪ ،‬وقد وجهت الدعوة إلى شيخ األزهرالذي‬
‫اعتذرعن الحضور و أرسل من يلقي رسالته نيابة عنه‪ ،‬ولم تسجل أية معلومات عن‬
‫املواضيع التي تم التطرق إليها في هذا املؤتمر‪.‬‬
‫❖ حوارالقاهرة باسم‪ :‬حواردارالسالم سنة ‪1950‬م‪ :‬كان الحوارعبارة عن لقاءات نظمت‬
‫في القاهرة بإشراف الكنيسة الكاثوليكية في مصربتوجيه من الفاتيكان بروما ‪،‬ثم‬
‫انتقلت هذه اللقاءات إلى العديد من الدول منها املغرب و الهند وباكستان و اندونيسيا‬
‫وفرنسا وقد اعتبرت هذه اللقاءات بداية بطيئة للحواراإلسالمي املسيحي‪ ،‬خاصة مع قلة‬
‫املشاركين فيها‪...‬‬
‫❖ املؤتمراإلسالمي املسيحي األول ‪1954‬م‪ :‬عقد املؤتمرفي بيروت بدعوة و إشراف جمعية‬
‫أصدقاء الشرق األوسط األمريكية‪ ،‬وكان من مخرجاته‪ ،‬تقديرالقيم الروحية في اإلسالم‬
‫واملسيحية‪ ،‬القيم الروحية للعائلة اإلسالمية واملسيحية‪ ....‬سبل تعاون اإلسالم‬
‫واملسيحية لنقل القيم الروحية‪.. .‬هذا وقد وجهت انتقادات كثيرة لهذا املؤتمروللجهة‬
‫الداعية له‪...‬خاصة و أنه لم يتعرض للقضية الفلسطينية‪ ،‬وال إلى موضوع الالجئين‬
‫العرب في املخيمات‪..‬‬
‫❖ املؤتمراإلسالمي املسيحي الدولي الثاني ‪1977‬م ‪ :‬عقد هذا املؤتمربإسبانيا بدعوة‬
‫وإشراف من جمعية الصداقة اإلسالمية املسيحية في إسبانيا‪ ،‬تميزاملؤتمر بغياب‬
‫مؤسسة األزهروالفاتيكان‪ ،‬وقد كان الهدف هو تعميق الفهم بين املسلمين واملسيحيين‬
‫وتبديد املخاوف بين الديانتين‪...‬‬
‫هذا وقد قدمت محاضرات مهمة في هذا املؤتمر ‪،‬مثل الدراسة التي تقدم بها باحث‬
‫مسيحي تتعلق بشرح السبب الذي يدفع املسيحيين لعدم اإليمان بنبوة محمد صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪،‬إضافة إلى اعتراف رئيس أساقفة إسبانيا بأن العقيدة املسيحية التي يؤمن‬
‫بها املسيحيون هي عقيدة مجهولة ال يدرك أسرارها حتى املسيحيون أنفسهم‪ .،‬كما‬
‫أصدرت عن املؤتمرعدة توصيات من أبرزها‪:‬‬
‫‪ -‬االعتراف من قبل الجانب املسيحي بأن اإلسالم دين سماوي‪ ،‬و ان محمد صلى هللا عليه وسلم‬
‫نبي من عند هللا ‪44‬‬

‫‪ -‬تكليف فريق من الباحثين املسيحيين بدراسة ‪ 250‬كتابا مدرسيا وحصرالعبارات التي تقدم‬
‫اإلسالم ونبيه بشكل مغلوط تمهيدا لتصحيحها‪..‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫خالصة ما يمكن قوله ‪ ،‬هو أنه ال يوجد خالف في أن فكرة حوار األديان قديمة قدم األديان نفسها‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب حاجة األفراد والجماعات إلى الحوار لتفادي الحروب الدينية‪ ،‬وإلشاعة األمن والتعايش و إرساء‬
‫قواعد للناس ‪ ،‬وقد قدمت كل الحضارات خالل مرحلة ازدهارها نماذج من هذا الحوار خاصة بين دينها و‬
‫ديانات أخرى‪.‬‬
‫فالحوار بكل ما يحمله من ثقل ابستمولوجي‪ ،‬ظل و ال يزال من املفاهيم الجوهرية الكثيرة التداول في‬
‫مختلف الحقول بما فيها املجال الديني عامة و الحقل املسيحي بوجه أخص‪،‬و الذي تبلور بأشكال عديدة‬
‫تتجسد كما نعلم في الجدال اإلسالمي املسيحي ‪،‬و املسيحي اليهودي ‪...‬و في املناظرات الدينية ‪،‬وفي الكتب‪،‬‬
‫واملناقشات ‪...‬وفي ما يمكن أن ندرجها اآلن ضمن ما ُيعرف في العصرالحديث بعلم مقارنة األديان ‪.‬‬
‫غير أنه يجب التنبيه عليه كون مصطلح حوار الحضارات بمفهومه الواسع يظل االبن الشرعي لحقبة‬
‫القرن العشرين الذي لم يعرف نشاطا متزايدا إال في ظل تسعينات القرن املاض ي‪،‬فهو إذن محصلة عوامل‬
‫كثيرة منها نهاية الصراع األيدبولوجي الذي أعقب سقوط املعسكر الشرقي‪ /‬االشتراكي‪،‬و صعود دور األديان‬
‫في املجتمعات املعاصرة‪ .‬و هو ما كان قد تنبه اليه الفيلسوف الفرنس ي "اندريه مالرو " حينما وسم ثمانينات‬
‫القرن املاض ي و في أوج ازدهاراملذاهب االشتراكية ‪،‬و تعالي الفكرالعلماني كونه عصراألديان ‪،‬بل تزامن هذا‬
‫الوصم بالطرفة النوعية التي شهدتها وسائل اإلعالم و التواصل ‪،‬دون إغفال مقولة " صدام الحضارات"‬
‫لصامويل فيليبس هنتنجتون و التي كثرعنها لغط و ردو د فعل ‪.‬‬
‫والجديرباالنتباه هوأن الحواروصفا وتحليال ونقدا ‪،‬لم يكن حكرا على حقل دون آخر‪ ،‬بل هناك حوارات‬
‫كثيرة دبجتها أقالم لألقليات من أهل الكتاب ‪ ،‬هذه األقليات التي لم يحول دون مشاركتها الفعالة في الجدال‬
‫الديني هو الدافع املستميت عن ديانتها التي ينتسبون اليها ‪،‬و متل ذلك يظهر في الحقل املسيحي " الحوار‬
‫املسيحي " الذي انخرط و احتل مكانه في األدب الديني و خاصة بما كتبه علماؤهم و أثاروه من ردود فعل على‬
‫طروحات خصومهم من علماء امللل اآلخرين عامة ‪،‬و علماء الديانات التوحيدية بوجه خاص‪ ،‬غير أن هذا‬
‫الحوار لم يتأسس بمنأى عن املعيقات املتعددة‪ ،‬رغم وجود نخبة من املفكرين الغربيين الذين أبانوا عن‬

‫‪ 44‬املؤتمر اإلسالمي املسيحي في قرطبة‪ ،‬مجلة العربي العدد‪223‬ص‪42‬‬


‫رغبة أكيدة في فتح قنواته " الحوار "بين األديان‪ ،‬وذلك اعتمادا على معايير أخالقية وقيم إنسانية مشتركة‬
‫تشكل انزيمات لخلق روح التواصل و نبذ كل أشكال التعصب و العنف‪،‬غير أن هذه النخبة نفسها لم‬
‫ُ‬ ‫تتخلص ُ‬
‫بعد من الصورة النمطية لإلسالم‪،‬وهنا يجدربنا أن نشيرإلى هانس كينغ الذي اشتهربانفتاحه على‬
‫اإلسالم‪ ،‬وتسليمه بنبوة محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬و إيمانه بأن رسالته من عند هللا وأن القرآن موحى من‬
‫هللا‪ ،‬لكن في املقابل ال يجد أي حرج في اعتبار القرآن الكريم وحي هللا باملضمون‪ ،‬وليس بالنص على غرار‬
‫التوراة واإلنجيل‪...‬و قس على ذلك من األمثلة التي و إن كانت ال تعرقل الحوار إال أنها تظهر املخاض العسير‬
‫الذي مر به الحواربين ألم الجدال ‪،‬و تأرجح ردود فعل املناظرات و املناقشات و التي كانت في األخير تصب في‬
‫اتجاه واحد هو تجسيد في الظاهرملبدأ الحوار‪ ،‬إال أنها في عمقها كانت تبطئ تحقيق غايته وإذابة الترسبات‬
‫السلبية التي جاء الحوار من أجل إزالتها ‪،‬لكن عموما تظل آلية مكاسبها أكبر من معيقاتها ‪،‬و نجاعتها في‬
‫تحقيق أهداف بصورة تدريجية ملسألة التعايش بين األفراد ‪ ،‬و محاولة إنتاج و قياس مدى التأثر و التأثير‬
‫الحاصل بين األطراف‪.‬‬
‫ومنذ العهود القديمة‪ ،‬إلى حدود الوقت الراهن‪ ،‬نظمت العديد من املؤتمرات سواء في العالم املسيحي أو‬
‫اإلسالمي وغيره‪ ..‬فكان سرعان ما يتخذ القرارفي اإلشكال املطروح آراء متعددة في الغالب تتخذ اتجاه مؤيد‬
‫يرى أن الحوار ضرورة ال مناص منه من أجل تجاوز حالة السلبية وسكونية األفكار املسبقة ذات النظرة‬
‫املتشرذمة ما بين األطراف املتحاورة‪ ...‬و في املقابل‪ ،‬اتجاه معارض‪ ،‬ال يؤمنون على اإلطالق بجدوى الحوار‬
‫ألنه حسب رأيهم حوار قائم على عدم التكافؤ و نوع من الجدال العقيم الذي يخطو بخطى مستقيمان‬
‫متوازيان لن يلتقيان‪...‬لكن عموما الحوار املسيحي بكل إرهاصاته استطاع أن يحقق األهداف و يؤطر‬
‫للغايات وفق ما يسمح لتجاوز كل التحديات‪.‬‬

You might also like