Professional Documents
Culture Documents
7c14a824-17cb-4638-a2e9-10446f3627d7
7c14a824-17cb-4638-a2e9-10446f3627d7
ُ تعبر
الدراسات المنشورة ال ّ
ّ
أي جزء منه أو ختزينه يف نطاق استعادة املعلومات
سمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو ّمجيع احلقوق حمفوظة .ال ُي َ
بأي شكل من األشكال أو رفعه عىل شبكة اإلنرتنت دون إذن خطي سابق من النارش .حقوق امللكية أو نقله ّ
فإن حقوقخاصة رشعًا وقانونًا ،وطب ًقا لقرار َممع الفقه اإلسالمي يف دورته اخلامسة ّ
ّ حقوق هي الفكرية
الترصف فيها ،فال جيوز االعتداء عليها.
ُّ حق
التأليف واالخرتاع أو االبتكار َم ُصونة رشعًا ،وألصحاهبا ّ
هذه البحوث تعبر عن رأي كاتبيها ،وال تعبر بالضرورة عن رأي دائرة اإلفتاء العام
المشرف العام
سماحة الشيخ عبد الكريم سليم الخصاونة
رئيس التحرير
الدكتور أحمد إبراهيم الحسنات
أعضاء التّحرير
جائـي ّا)
(مرتبون ه ً
الدكتور جميل فريد أبو سارة
الدكتور حسان عوض أبو عرقوب
الدكتور صفوان محمد رضا عضيبات
الدكتور محمد يونس الزعبي
المحرّرون
الدكتور جاد اهلل بسام صالح
الدكتور معاذ خالد قدورة
السر
أمانة ّ
الشيخ محمد أمين غالية
الدكتور مناف توفيق مريان
الهيئة الاستشار ية
جائـي ّا)
(مرتبة ه ً
األستاذ الدكتور أسامة الفقير /األردن
األستاذ الدكتور تقي الدين العثماني /باكستان
األستاذ الدكتور حاتم العوني /السعودية
األستاذ الدكتور شوقي عالم /مصر
األستاذ الدكتور عبد الحق حميش /الجزائر
األستاذ الدكتور عبد اهلل الفواز /األردن
األستاذ الدكتور عبد الملك السعدي /العراق
األستاذ الدكتور عجيل النشمي /الكويت
األستاذ الدكتور عدنان العساف /األردن
األستاذ الدكتور عزمي طه السيد /األردن
األستاذ الدكتور عماد عبد الكريم الخصاونة /األردن
األستاذ الدكتور فاروق حمادة /المغرب
األستاذ الدكتور محمد أكرم الل الدين /ماليزيا
األستاذ الدكتور محمد الرواشدة /األردن
األستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء /اإلمارات
األستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين /األردن
األستاذ الدكتور مصطفى البغا /سوريا
دراسات العدد
القراءات القرآنية الشاذة وأثرها في الأحكام الشرعية عند أئم ّة الشافعية ،دراسة
أصولية فقهية
83 مرزوق محمد الشرفات ونشأت نايف الحوري .............................................
d
8
تعر يف بمجلة الفتوى والدراسات الإسلامية
ـ مجلة الفتوى والدراسات اإلسالمية مجلة علمية متخصصة مح ّكمة تصدر بمقتضى
الفقرة (هـ) من المادة ١٢من قانون اإلفتاء رقم ٤١لسنة ٢٠٠٦وتعديالته ،وتُعنى بنشر
مالسإلا تاساردلاو ىوتفلا ةلجمب فيرعت
9
7ـ أن يوافق الباحث على نقل حقوق النشر الورقي واإللكتروني للمجلة.
8ـ يكون قرار نشر البحث في وسائل النشر الورقية واإللكترونية ملزمًا.
* تحتفظ المجلة بالحق في عدم نشر أي بحث دون إبداء األسباب ،ويُعد قرارها نهائيًّا.
بفاصلة ،ثم رقم الصفحة .مثال :عزمي طه السيد أحمد ،المقصدان العلمي واألخالقي لمعاني
أسماء اهلل الحسنى عند الغزالي ،مجلة المنارة للبحوث والدراسات ،جامعة آل البيت ،المجلد
( )10العدد 1994 ،1م ،ص.45
ً
كامل متبوعًا بفاصلة، هـ ـ المخطوطات :يتم التوثيق على النحو اآلتي :اسم المؤلف
ثم عنوان المخطوط ً
كامل (مطبوعًا بخط غامق) متبوعًا بفاصلة ،ثم رقم المخطوط متبوعًا
بفاصلة ،ثم مكان المخطوط ،ثم رقم الصفحة (أو الورقة) مع بيان الوجه أو الظهر المأخوذ
منه االقتباس باستخدام الرمزين (و) و(ظ) على التوالي .مثال :ابن حجر العسقالني (توفي
852هـ = 1449م) ،ذيل الدرر الكامنة ،مخطوط رقم ،649المكتبة ،التيمورية ،ورقة 54
(وجه).
d
11
صلة السمع والبصر بالعقل والقلب ومرادفاتهما في القرآن ا�لكريم
دراسة تحليلية ميدانية
د .محمد عبد الرحمن بني عامر*
ملخص للبحث
دكتوراه في التفسير وعلومه ،مفتي محافظة الزرقاء ،دائرة اإلفتاء العام. *
12
Abstract
I have dealt with in this research the topic of the connection of hearing and
sight with the mind and the heart and the words corresponding to them by tracing the
Qur’anic verses that talked about this topic, and studying them in a scientific study
according to the objective approach, and this research came in an introduction, an
introductory study, three main topics and a conclusion, so I talked in the introduc-
tion about literature The study, and I have talked in the introductory study about the
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
meaning of hearing and sight in language and convention, about giving preference to
hearing over the sight, and about people of hearing and collecting eyes in the verses
of the Noble Qur’an.And between the mind, and in the second topic I talked about the
connection of hearing and sight with the heart through mentioning the Qur’an verses
in which God made the link between hearing and sight and the heart, and in the third
topic I talked about the connection of hearing and sight with words that are equivalent
to the mind and the heart. Their meaning is to a large extent from their meaning. They
concern us in this research, the core, the thought and the heart, and the close connec-
tion between all of these members was clarified and recorded in the conclusion the
most important results that I reached through this search
13
المقدمة
الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عو ًجا ،فأنار به الطريق ،وأوضح به
كتاب ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ،والصالة والسالم على رسول الهدى
ٌ السبيل،
14
مشكلة الدراسة :
رغم ما حظيت به اآليات القرآنية المتعلقة بالسمع والبصرمن اهتمام المفسرين وغيرهم،
ورغم ما حظيت به اآليات القرآنية المتعلقة بالعقل والقلب من االهتمام كذلك ،فإن اإلشكالية
المطروحة هي :هل هناك صلة بين السمع والبصر وبين العقل والقلب واأللفاظ المرادفة
لهما؟ وكيف تحدث القرآن الكريم عن هذه الصلة؟ هذا ما سيحاول البحث اإلجابة عنه.
d
16
التمهيد
الخبر وأسمعه
َ «حس» األذن ،مصدر َس ِم َع سمعًا وسماعًا ،تقول :س َّمعه
ّ السمع لغة:
َّ َ
إياه ،ورجل س ّماع؛ إذا كان كثير االستماع لما يقال وينطق به ،وفي التنزيلَ ﴿ :سم ٰ ُعون
ۡ َ
واس َّمع :أصغى ،وفي التنزيل:ِب ﴾ [المائدة ،]42 :وس َّمع به :أسمعه القبيح ،وتس َّمع إليه َّ ل ِلكذ ِ
َ َ ۡ َ َۡ َ َّ
وسمعت له:
ُ وسمعت إليه
ُ ﴿ لا ي َ َّس َّم ُعون إِلى ٱل َمل ِإ ٱلأعۡل ٰى ﴾ [الصافات ،]8 :يقال :تس ّمعت إليه
َ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ ۡ َ
كلّه بمعنًى ،قال تعالى﴿ :وقال ٱلذِين كفروا لا تسمعوا ل ِهٰذا ٱلقرء ِ
ان﴾ [فصلت.)1(»]26 :
الجرجاني هو« :قوة مُودَعةٌ في العصب المفروش
ُّ عرفه
أما في االصطالح؛ فالسمع كما َّ
في مقعر الصماخ تدرك بها األصوات بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى
الصماخ»( ،)2وعرفه األصفهاني بأنه« :قوة في األذن به تدرك األصوات»( ،)3فالسمع بهذه
المعنى هو حاسة وهبها اهلل تعالى لإلنسان؛ ليتمكن بها من إدراك الكالم واألصوات.
َ َ ُُ وقد عبر القرآن الكريم بالسمع عن األذن تارة نحوَ ﴿ :خ َت َم َّ ُ
ٱلل عَل ٰى قلوب ِ ِه ۡم َوعَل ٰى َس ۡمعِ ِه ۡمۖ﴾
ُ َ َ [البقرة ،]7 :وتارة عن فعله كالسماع نحو﴿ :إ َّن ُه ۡم َعن َّ
ٱلس ۡمعِ ل َم ۡع ُزولون﴾ [الشعراء ،]212 :وتارة ِ ِ
عن الفهم نحوَ ﴿ :س ِم ۡع َنا َو َع َص ۡي َنا﴾ [البقرة ،]93 :أي فهمنا ولم نأتمر لك ،وقولهَ ﴿ :س ِم ۡع َنا
َ
َوأ َط ۡع َنا﴾ [البقرة ،]285 :أي فهمنا وارتسمنا ،وكل موضع أثبت اهلل السمع للمؤمنين أو نفاه عن
تحريه؛ فالقصد به إلى تصور المعنى والتفكر به»( ،)4فخصائص َّ
السمع الكافرين أو حث على ِّ
الممدوح في القرآن الكريم هي :الفهم لما يُلقى ،واالستجابة لألوامر ،واالنتهاء عن الموانع،
فإذا تخلَّف الفهم أو الطاعة واالستجابة كان النَّفي للسمع ،وهذا في ح ِّق المؤمنين والكافرين.
وتبصره :نظر
َّ وبصرا وبصارةً وأبصره
ً وأما البصر لغة فهو« :حس العين؛ يقال :بصر به
وأبصرت الشيءَ :رأيته»( ،)5والبصر :العلم بالشيء ،يقال :فالن بصير بكذا؛ أي علي ٌم
ُ إليه،
َ َ ۡ ۡ ََ
به ،ويقال للجارحة الناظرة :بصر ،نحو قوله تعالى﴿ :كلمِۭح بِٱلبص ِر﴾ [القمر« ،]50 :ويقال
للقوة التي في الجارحة :بصر ،ويقال لقوة القلب المدركة :بصر وبصيرة ،نحو قوله تعالى:
َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ ََۡ َ ٞ ۡ َ ٓ َ َ َ ۡ
ِيد﴾ [ق ،]22 :وجمع البصر :أبصار ،وجمع البصيرة:
﴿فكشفنا عنك غِطاءك فبصرك ٱليوم حد
بصائر»(.)6
17
عرفه الجرجاني بأنه« :القوة المودعة في العصبتين المجوفتين
أما البصر اصطال ًحا؛ فقد َّ
اللتين تتالقيان ثم تفترقان ،فيتأديان إلى العين تد ِرك بها األضواء واأللوان واألشكال»،
المبصرات»( ،)7والفرق بين العين والبصر
َ وعرفه الفيومي بأنه« :النور الذي تدرك به الجارحة
َ
والنظر والرؤية ،أن العين آلة البصر وهي الحدقة ،والبصر اسم للرؤية ،قال تعالىَ ﴿ :وت َرى ٰ ُه ۡم
َ َ َ ُ َ َ
نظ ُرون إِل ۡي َك َو ُه ۡم لا ُي ۡب ِص ُرون﴾ [األعراف ،]198 :فالك ّفار يحدقون في النبي ﷺ غير أنّهم ال ي
يبصرون ،أي :ال يدركون فضله ،وال ينتفعون بالنظر إليه ،وال بالهدى المرسل به ،والنظر
18
ثانيًا :السمع أهم في توصيل نتائج العقول إلى الغير« ،فالسمع كأنه سبب الستكمال
العقل بالمعارف ،والبصر ال يوقفك إال على المحسوسات»(.)11
الست ،وفي النور والظلمة ،بينما ال تدرك
ّ ثالثًا :السمع يدرك المسموعات من الجهات
القوة الباصرة إال في جهة المقابلة وبواسطة شعاع أو ضياء ،فتحصيل السمع للمعرفة أكثر
من تحصيل البصر ،وما تم نفعه زاد فضله ،وإلى هذا المعنى أشار اآللوسي بقوله« :ولعل
سبب تقديم السمع على البصر مشاركته للقلب في التصرف في الجهات الست ،وال ينطبق
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
أفضلية السمع على البصر لتقدمه عليه( ،)16وفي تفسيره لنفس اآلية يقول ابن عاشور« :وفي
تقديم السمع على البصر في مواقعه من القرآن دليل على أنه أفضل فائدة لصاحبه من البصر؛
19
َ ۡ ُ َّ َ ۡ َ ُ َ َ َ
فإن التقديم مؤذن بأهمية المقدَّم» ،كما احتجوا بقوله تعالى﴿ :ومِنهم من يست ِمعون إِل ۡيكۚ
()17
َ َ ُ ْ َ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ ُ ُّ َّ َ َ ۡ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ ُ َّ َ ُ ُ َ ۡ َ َ َ َ َ َ
نت ت ۡهدِي ٱل ُع ۡم َي َول ۡو كانوا لا أفأنت تس ِمع ٱلصم ولو كانوا لا يع ِقلون * ومِنهم من ينظر إِليكۚ أفأ
َ
ُي ۡب ِص ُرون﴾ [يونس]43 ،42 :؛ قالوا« :فلما قرن اهلل تعالى ب َذهاب السمع ذَهاب العقل ،ولم يقرن
َ
دليل على أ ّن السمع أفضل»( ،)18وذهب البعض ـ كابن بذهاب النَّظر إال ذهاب البصر ،كان ً
قتيبة ـ إلى أن البصر أفضل ،قالوا« :إن أعلى النعيم لذةً وأفضله منزلةً ،النظر إلى اهلل تعالى
في دار اآلخرة،وهذا إنما ينال بالبصر ،وهذه وحدها كافية في تفضيله ،والبصر مقدمة القلب
20
َۡ األبصار بصيغة الجمع؛ كقوله تعالى﴿ :أَ َّمن َي ۡمل ُِك َّ
ٱلس ۡم َع َوٱلأبۡ َص ٰ َر﴾ [يونس ،]31 :وقوله
َۡۡ َۡ َ َ
ٱلس ۡم َع َوٱلأبۡ َص ٰ َر َوٱلأف ِـٔ َدةَ ۚ﴾ [الملك ،]23 :وهذا مضطرد في جميع آيات ُ
ك ُم َّ تعالىَ ﴿ :و َج َعل ل
القرآن الكريم باستثناء آية واحدة أُفرد فيها البصر.
وقد أشار بعض المفسرين إلى هذا الموضوع ،وذكروا له أسبابًا مختلفة ،يقول الرازي:
«إنما جمع األبصار وو ّحد السمع لوجوه؛ أحدها :أنه و ّحد السمع؛ ألن لكل واحد منهم
سمعًا واحدًا ،كما يقال :أتاني برأس الكبشين ،يعني رأس كل واحد منهما ،يفعلون ذلك إذا
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
أمنوا اللبس ،فإذا لم يؤمن كقولك فرسهم وثوبهم ،وأنت تريد الجمع رفضوه ،الثاني :أن
فروعيالسمع مصدر في أصله ،والمصادر ال تجمع ،يقال :رجالن صوم ،ورجال صومُ ،
األصل ،الثالث :أن نقدر مضافًا محذوفًا؛ أي :وعلى حواس سمعهم ،الرابع :قال سيبويه:
إنه وحد لفظ السمع إال أنه ذكر ما قبله وما بعده بلفظ الجمع ،وذلك يدل على أن المراد منه
ت إلَى ُّ ُ ۡ ُ ُ ّ َ ُّ ُ َ
ٱلنورِۖ ﴾ [البقرة.)21(»]257 : أيضا ،قال تعالى﴿ :يخ ِرجهم مِن ٱلظلم ٰ ِ ِ
الجمع ً
أما اآللوسي فلم يرتض هذا التعليل؛ فهو يقول« :والقول بأنه وحد السمع لألمن من
اللبس ،وألنه مصدر والمصادر ال تجمع ليس بشيء ،وأدنى من هذا عندي تقدير مضاف
مثل :وحواس سمعهم» ،ويرجح اآللوسي إفراد السمع وجمع األبصار «لالختصار والتفنن
وكثيرا ما يعتبر
ً مع اإلشارة إلى نكتة؛ وهي أن مد َركاته نوع واحد ومد َركات األبصار مختلفة،
البلغاء مثل ذلك ،وقيل :إن وحدة اللفظ تدل على وحدة مس ّماهُ ـ وهو الحاسة ـ ووحدتها
تد ُّل على قلة مد َركاتها»(.)22
اآللوسي فيما ذهب إليه من كون السمع مصد ًرا ليس سببًا
َّ صاحب المنار
ُ ويوافق
إلفراده؛ ألن البصر ً
أيضا مصدر ،ومع ذلك جاء مجموعًا ،ويرى أن سبب إفراد السمع هو
بصرات كثيرة ،والسمع ال يدرك إال الصوت،
قلة مد َركاته بخالف األبصار ،ألن أنواع ال ُم َ
وليس في الكالم عند النقل طريق من العلم اليقيني إال التواتر ،بخالف ما نقطع فيه بالضرورة
من طريق العقل والبصر ،فهو كثير؛ فالعقول واألبصار بمنزلة ينابيع كثيرة تنبجس من ك ّل منها
عيون للعلم مختلفة ،بخالف السمع فإنه ينبوع واحد ال اختالف فيما يصدر عنه؛ فالحاصألن
جمعت ،وأما
العقول واألبصار تتصرف في مُد َركات كثيرة ،فكأنها صارت بذلك كثيرة ف ُ
السمع فال يد ِرك إال شيئًا واحدًا فأُفرد(.)23
ويشير ابن عاشور إلى لطيفة أخرى في إفراد السمع وجمع األبصار؛ وهي أن األبصار
متفاوتة التعلق بالمرئيات التي فيها دالئل الوحدانية في اآلفاق ،وفي األنفس ،فلكل بصر
21
ح ُّظه من االلتفات إلى اآليات المعجِ زات والعبر والمواعظ ،فلما اختلفت أنوا ُع ما تتعلق
به ُجمعت ،وأما األسماع فإنما كانت تتعلق بسماع ما يُل َقى إليها من القرآن ،فالجماعات إذا
سمعوا القرآن سمعوه سماعًا متساويًا ،وإنما يتفاوتون في تدبره ،والتدبر من عمل العقول،
فلما اتحد تعلقها بالمسموعات ُجعلت سمعًاواحدًا(.)24
أما من الوجهة الوظيفية؛ فإن إفراد السمع وجمع األبصار من أدلة اإلعجاز في أسلوب
القرآن الكريم؛ فحاسة السمع تستقبل األصوات الصادرة من جميع الجهات ،بينما ال ترى
d
22
المبحث الأول
صلة السمع والبصر بالعقل والقلب
23
ُ َ َّ ُ َ َََ
المضارع وعلى سبيل االستفهام ﴿ أفلا َي ۡعقِلون ﴾ ،أو التقرير ﴿ ل ِق ۡو ٖم َي ۡعقِلون ﴾ ،أو النفي
ُ َ َ
﴿ لا َي ۡعقِلون ﴾ ،أما األلفاظ األخرى التي تد ّل على النشاط العقلي بصفة عامة مثل التفكر
والتدبّر والعلم وغيرها؛ فقد وردت مئات المرات.
لقد أوضح القرآن الكريم الصلة بين السمع والبصر وبين العقل ،والناظر في اآليات
القرآنية التي ربطت بين السمع والبصر وبين العقل يتبين له أن السمع والبصر هما نافذتان يُطل
اإلنسان من خاللهما على العلم والمعرفة ،فهما يشاركان العقل في عملية المعرفة واإلدراك،
يم﴾ [البقرة ،]7 :وقوله تعالى﴿ :أفرءيت م ِن ٱتخذ إِلههۥ هوىه وأضله ٱلل على اب َع ِظ ٞ
ۢ َ ۡ َّ َ َ َ َ َّ َ َٰ ٗ َ َ َ َۡ َ ۡ
ٱللِۚ أفلا تَذك ُرون﴾ َ
عِل ٖم َوخ َت َم عَل ٰى َس ۡمعِهِۦ َوقلبِهِۦ َو َج َعل عَل ٰى بَ َص ِره ِۦ غ
ِش َوة ف َمن َي ۡهدِيهِ ِمن بع ِد
[الجاثية ،]23 :والختم على القلب هو أال يفهم شيئًا ،وال يخرج منه شيء كأنه طبع ،فال تعقل
وال تعي شيئًا ،قال أبو إسحاق« :معنى ختم وطبع في اللغة واحد ،وهو التغطية على الشيء
واالستيثاق من أن ال يدخله شيء ،والخاتم ما يوضع على الطينة»(.)46
ففي اآلية األولى وبعد أن ذكر اهلل المؤمنين وأوصافهم في أول سورة البقرة ذكر بعدهم
الذين كفروا ،وذكر من أوصافهم أنهم ال يُجدي معهم اإلنذار نفعًا ،ثم ذكر بعد ذلك العقوبة
التي عاقبهم بها بسبب كفرهم ،أال وهي الختم على قلوبهم وأسماعهم ،والتغشية على
أبصارهم؛ فعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل ﷺ« :إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا
كانت نقطة سوداء في قلبه ،فإن تاب ونزع صقل قلبه ،فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه ،فذلك
َ َّ َ ُ ْ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ ُ ُ
كس ُِبون﴾ [المطففين،)47(»]14 : ل ثناؤه﴿ :كلاۖ بَ ۜل َران عَل ٰى قلوب ِ ِهم ما كانوا ي
الران الذي قال ج َّ
فأخبر ﷺ أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها ،وإذا أغلفتها أتاه حينئ ٍذ الختم الذي
َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ُ
وخص القلب َّ ٱلل عَل ٰى قلوب ِ ِه ۡم َوعَل ٰى َس ۡمعِ ِه ۡمۖ ﴾، ذكره اهلل تبارك وتعالى في قوله تعالى﴿ :ختم
والسمع بالختم؛ أل ّن األدلة السمعية ال تستفاد إال من جهة السمع ،واألدلة العقلية ال تستفاد
خصها بالذكر ،وقدم سبحانه الختم على القلوب هنا أل ّن اآلية إال من جانب القلب ،ولهذا َّ
تقرير لعدم اإليمان؛ فناسب تقديم القلوب ألنها مح ُّل اإليمان ،والسمع واألبصار طرق
وآالت له ،وأعاد ج َّل شأنه الجا َّر لتكون أد َّل على شدّة الختم في الموضعين(.)48
ويعلّل صاحب المنار سبب استعمال الختم مع القلب والسمع ،والغشاوة مع البصر؛
«بأن الختم من شأنه أن يكون على المكان المستور وهكذا موضع حمل السمع ،وموضع
ُص إدرا ُك اإلبصار
اإلدراك من العقل ،وأما البصر فالحاسة منه ظاهرة منكشفة»( ،)49ولما اخت َّ
بجهة المقابلة ُجعل المانع عن فعلها الغشاوة المختصة بتلك الجهة ،وأما سبب االقتصار على
هذه األعضاء «فألنها طرق العلم؛ فالقلب محل العلم ،وطريقه إما السماع أو الرؤية»(.)50
27
َ َ َ َ ۡ َ َ َّ َ َ َ ٰ َ ُ َ َ ٰ ُ َ َ َ َّ ُ َّ ُ َ ۡ
ٱلل عَل ٰى عِل ٖم أما في اآلية الثانية؛ وهي قوله تعالى﴿ :أفرءيت م ِن ٱتخذ إِلههۥ هوىه وأضله
ۢ ۡ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َٰ ٗ َ َ َ َۡ َ َ
ن َبع ِد ٱللِۚ أفلا تذك ُرون﴾ [الجاثية: ِش َوة ف َمن َي ۡهدِيهِ ِم َوخ َت َم عَل ٰى َس ۡمعِهِۦ َوقلبِهِۦ َو َج َعل عَل ٰى بَ َص ِره ِۦ غ
ٞ
،]23فقد قدم السمع على القلوب؛وذلك ألنه ذكر قبلها األسماع المعطلة ،قال تعالىَ ﴿ :و ۡيل
َّ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ َّ ُ ُّ ُ ۡ َ ۡ ٗ َ َ َّ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ّ ۡ ُ َ َ ٰ َۡ َ ُ َ َ ّ ُ ّ َ َّ َ
اب ذ
ِ ٍ ع ب هرشِ ب ف اۖ ه ع م س ي م ل نأ ك ارِ ب ك ت س م ر ص
ِ ي مث ِ ه ي ل ع ىٰ ل ت ت ِ ٱلل ت
ِ ايء ع م س ي * ِيم
اك أ ٖ
ث ل ِك ِل أف ٍ
َ
ِيم﴾ [الجاثية ،]8-7 :فالذي يسمع آياتاهلل ويعاند وكأنه لم يسمع شيئًا استحق الختم على أ ٖل
سمعه ً
أول ،بخالف آية البقرة التي قدم فيها القلوب على السمع،فقد ذكر في البقرة أن اإلنذار
ص ُّموا عن سماع الح ِّق صفات الكفر في الجاثية أشد تمكنًا منهم( ،)53فهؤالء الكافرون لما َ
آذانهم ،وأغلقوا عن النظر في آيات اهلل تعالى أبصارهم؛ كانوا بمنزلة من لم يسمع ولم يبصر؛
ألنهم أعرضوا عن استخدام هذه الوسائل في الوصول إلى الحق والعمل به.
ُ ْ َ ٰٓ َ
ك ٱلَّذ َ
ِين َط َب َع َّ ُ
ٱلل ثانيًا :الطبع على القلوب واألسماع واألبصار في قوله تعالى﴿ :أولئ ِ
ۡ ُ َ ُ َ َ َ ُُ
عَل ٰى قلوب ِ ِه ۡم َو َس ۡمعِ ِه ۡم َوأبۡ َص ٰ ِره ِۡمۖ َوأ ْو ٰٓلئ ِ َك ُه ُم ٱل َغٰفِلون﴾ [النحل ،]108 :والطبع على القلوب هو
الختم عليها فال تعي شيئًا( ،)54والطبع والختم عند أهل اللغة بمعنى واحد( ،)55وأكثرهما
شدة في المنع هو الطبع على القلب؛ في أنه يصبح سجية تتطبع بها أخالق الكافر وسلوكه،
28
وهو بذلك يعطل مداركه وحواسه ويطمسها حتى يصير كأنه قد غيرها لشدة جحوده وعناده
ومكابرته وجهله؛ النطماس بصره وبصيرته ،فهو أصم أبكم أعمى ،ال إحساس عنده وال
مشاعر ،ال فرق بينه وبين األنعام إال في الشكل والهيئة ،يقول الفخر الرازي« :إن الطبع
والختم عبارة عن حصول الداعية للكفر المانعة من حصول اإليمان...وقال الحسن :الطبع
عبارة عن بلوغ القلب في الميل في الكفر إلى الح ِّد الذي كأنه مات عن اإليمان»(.)56
فهذه اآلية تتحدث عن أولئك الذين ارتدوا عن اإليمان وشرحوا بالكفر صد ًرا ،وآثروا
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
الحياة الدنيا على اآلخرة ،فبينت أن اهلل تعالى قد ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم؛
فال يستطيعون بعدها سماع الحق وال رؤية البراهين الدالة عليه؛ ألن الطبع قد يمتد على
أولئك الذيـن يتمادَون في كفرهم حتى يشمل سمعهم وأبصارهم ،وعندئذ يكونون في غفلة
ۡ ُ َ ُ َ
تامة ،وقوله تعالىَ ﴿ :وأ ْو ٰٓلئ ِ َك ُه ُم ٱل َغٰفِلون﴾؛ أي :هم «الكاملون في الغفلة ال أح َد أغف ُل
منهم؛ ألن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها»(.)57
وقد بين اهلل عز وجل أنه بسبب استهزاء المنافقين بهذا الدين وتكبرهم عن اتباع الرسول ﷺ
واتباعهم أهواءهم في الدنيا؛ عاقبهم بالطبع على قلوبهم؛ فال تفقه وال تعي ،قال تعالى:
ً ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َّ َ ُ ُ ْ ۡ ۡ ْ َ َ َ َ
﴿ َوم ِۡن ُهم َّمن ي َ ۡس َت ِم ُع إِل ۡيك َح َّت ٰٓى إِذا خ َر ُجوا م ِۡن عِندِك قالوا ل ِلذ
ِين أوتوا ٱلعِل َم َماذا قال َءان ِفا ۚ أ ْو ٰٓلئِك
َّ ْ َ ٓ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ُ
ٱلل عَل ٰى قلوب ِ ِه ۡم َوٱت َب ُع ٓوا أ ۡه َوا َء ُه ۡم﴾ [محمد ،]16 :فقد جاءت هذه اآلية بعد الحديث عن ٱلذِين طبع
صفات المرتدين وأحوالهم ،حيث اعتبر اإلسالم أن ك َّل مَن كفر باهلل بعد إيمانه فقد ارتكب
جريمة عظيمة؛ ألنه عرف اإليمان وذاق حالوته ،ثم ارتد عنه إيثا ًرا للحياة الدنيا على اآلخرة،
وقد عاقب اهلل المرتدين بالعقاب الشديد والعذاب األليم في اآلخرة والحرمان من الهداية،
ووصمهم بالغفلة وانطماس القلوب والسمع واألبصار ،وحكم عليهم بأنهم في اآلخرة هم
الخاسرون؛ أل ّن العقيدة ال يجوز أن تكون موضع مساومة وحساب للربح والخسارة ،ومتى
آمن القلب باهلل؛ فال يجوز أن يدخل عليه مؤثر من مؤثرات هذه األرض»(.)58
ثالثًا :أخذ السمع والبصر والختم على القلوب ،في قوله تعالى﴿ :قُ ۡل أَ َر َء ۡي ُت ۡم إ ۡن أَ َخ َذ َّ ُ
ٱلل ِ
َٰ ُ ۡ ََۡ ُ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ ُ َّ َ َ ۡ َّ ۡ ُ َ ُ َۡ َ ُ
تَس ۡمعك ۡم َوأبص ٰ َرك ۡم َوخت َم عل ٰى قلوبِكم م ۡن إِل ٰ ٌه غي ُر ٱللِ يَأتِيكم بِهِۗ ٱنظر كيف نص ِرف ٱٓأۡلي ِ
ُ َ ُ
ث َّم ُه ۡم يَ ۡصدِفون﴾ [األنعام ،]46 :أي :قل يا محمد لهؤالء المعاندين المكابرين :أخبروني ماذا
يمكن أن تفعلوا إن سلبكم اهلل نعمة السمع التي هي وسيلة الستماع الحق والخير ،ونعمة
البصر التي هي وسيلة لرؤية اآليات الدالة على وحدانية اهلل ،وختم على قلوبكم التي هي
مح ُّل العقل والفهم ،وعندها لن تستطيعوا أن تعقلوا األمور وتفهموها؛أل ّن القلب سبب
إمداد العقل بق ّوة اإلدراك.
29
لقد دعانا القرآن الكريم إلى تصور ما سيح ُّل بمن فقد هذه النعمة؛ ليدرك مدى قيمتها،
فإن اإلنسان ال يدرك قيمة النعمة غالبًا إال إذا فقدها ،أو فقد جزءًا منها ،ويحدثنا اإلمام
الغزالي عمن فقد نعمتي السمع والبصر فيقول« :فكر فيمن انعدم عنده البصر والسمع ،وما
يناله من الصعاب؛ فإنه ال ينظر أين يضع قدمه ،وال يدري ما بين يديه ،وال يفرق بين األلوان،
وال يدري هجوم آفة أو عدو ،وال سبيل له أن يتعلم أكثر الصناعات ،وأما من عدم السمع،
فإنه يفقد روح المخاطبة والمحاورة ،ويُع َدمُ لذة األصوات المستحسنة ،وتع ُظ ُم المؤون ُة
30
كان اإلدرا ُك لألصوات وفهم الكالم قائ ًما؛ فالعمل بمو َجبه مُتخلف عنه ،وهذا قطع للغاية
من الخطاب باألمر أو النَّهي.
رابعًا :األكنة على القلوب والوقر في األذن والحجاب على األعين؛ وذلك في قوله
َ ۡ ۡ َ ٞ َ ۡ َ َٓ َ َ َ َ ُ ْ ُُ َُ َ
اب فٱع َمل ك َّنةٖ ّم َِّما ت ۡد ُعونا إِل ۡيهِ َوف ِ ٓي َءاذان َِنا َوق ٞر َو ِم ۢن بَ ۡين َِنا َو َب ۡين ِك حِج
وبنا ف ِ ٓي أ ِتعالى﴿ :وقالوا قل
َ َ ُ َ َّ
ّ ُ َ َ
والك ُّن :السترة والجمع أکنان ،قال تعالىَ ﴿ :وجعل لكم م َِن ِ إِن َنا َع ٰ ِملون﴾ [فصلت،]5 :
ً َ َ َ َۡ ََ ُُ َ ۡ َ ٗ ۡ
ك َّنة﴾ ٱل ِج َبا ِل أكنٰنا﴾ [النحل ]81 :واألكنة :األغطية ،قال اهلل تعالىَ ﴿ :وجعلنا عل ٰى قلوب ِ ِه ۡم أ ِ
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
[األنعام ،]25 :والواحد كنان( ،)63فاألكنة هي تراكم الذنوب على القلب حتى تغطيه وتستره،
فتمنعه من االستجابة والهداية واإليمان.
وقد ذكر القرآن في هذه اآلية ثالثة موانع تمنعهم من االستجابة واتباع الرسول ﷺ ،وهي:
َ َ ۡ
األكنة على القلوب ،والوقر في األذن ،والحجاب الحاجز بينهم وبينه ،قال تعالىَ ﴿ :وِإذا ق َرأ َت
َ َ َ َۡ ََ ُُ ۡ َ ً َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َّ َ َ ُ ۡ ُ َ
ك َّنة أن
ورا * وجعلنا عل ٰى قلوب ِ ِهم أ ِ ِج ٗابا َّم ۡس ُت ٗ ون بٱٓأۡلخ َِرة ِ ح َ
ٱلقرءان جعلنا بينك وبين ٱلذِين لا يؤمِن ِ
ك في ٱلۡ ُق ۡر َءان َو ۡح َدهُۥ َول َّ ۡوا ْ عَل َ ٰٓى أَ ۡد َبٰره ِۡم ُن ُف ٗ
َ ۡ َ ُ ُ َ َ َ ۡ َ ۡ ٗ َ َ َ َ ۡ َ َ َّ َ
ورا﴾ [اإلسراء،]46 45 : ِ ِ يفقهوه وف ِ ٓي ءاذان ِ ِهم وقر ۚا وِإذا ذكرت رب ِ
يقول الرازي« :إ ّن ذلك حجاب يخلقه اهلل تعالى في عيونهم ،بحيث يمنعهم ذلك الحجاب عن
َ
رؤية النبي ﷺ ،وذلك الحجاب شيء ال يراه أحد؛ فكان مستو ًرا من هذا الوجه ،وقوله ﴿أن
َۡ
َيفق ُهوهُ﴾ أي :لئال يفقهوه ،ومعلوم أنهم كانوا عقالء سامعين فاهمين ،فعلمنا أن المراد منعهم من
اإليمان ،ومنعهم من سماع القرآن ،بحيث ال يقفون على أسراره ،وال يفهمون دقائقه وحقائقه(.)64
ۡ َ َ
وآية اإلسراء هذه تشبه قوله تعالى في سورة األنعامَ ﴿ :وم ِۡن ُهم َّمن ي َ ۡس َت ِم ُع إِل ۡيك ۖ َو َج َعل َنا
اذانِه ۡم َو ۡق ٗرا َوِإن يَ َر ۡوا ْ ُك َّل َءايَة لَّا يُ ۡؤم ُِنوا ْ ب َهاۖ َح َّت ٰٓى إ َذا َجا ٓ ُء ََ َ ٰ ُ ُ ۡ َ َّ ً َ َ ۡ َ ُ ُ َ َ َ
وك ِ ِ ٖ ۚ كنة أن يفقهوه وف ِ ٓي ء ِ على قلوب ِ ِهم أ ِ
َ ۡ َ ٓ َّ ْ َّ ُ َ ُ َ َ ُ ُ
ِين﴾ [األنعام ،]25 :ويذكر الزمخشري ير ٱلأ َّول َ س ِط ُ ك َف ُر ٓوا إ ِ ۡن َهٰ َذا ٓ إِلا أ َ ٰ
َ َ
جٰدِلونك َيقول ٱلذِين ي
في سبب نزول هذه اآلية أنه «اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وعتيبة وشيبة وأبو جهل
وأضرابهم يستمعون تالوة رسول اهلل ﷺ فقالوا للنضر :يا أبا قتيلة ،ما يقول محمد؟ فقال:
والذي جعلها بيته ـ يعني الكعبة ـ ما أدري ما يقول ،إال أنه يحرك لسانه ويقول أساطير األولين
مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية ،فقال أبو سفيان :إني أراه ح ًّقا ،فقال أبو جهل :كال،
فنزلت»( ،)65ويقول سيد قطب« :إن هذه اآليات تصور حال المشركين وهم يستمعون القرآن
الكريم مع َّطلي اإلدراك مطموسي الفطرة ،معاندين مكابرين ،يجادلون رسول اهلل ﷺ وهم
على هذا النحو من االستغالق والعناد ،وهذه النماذج البشرية التي تستمع ولكنها ال تفقه،
كأن ليس لها قلوب تدرك ،وكأن ليس لها آذان تسمع ،نماذج موجودة في كل جيل وفي كل
31
قبيل ،وفي كل زمان وفي كل مكان ،إنهم أناس من بني آدم ،ولكنهم يسمعون القول وكأنهم
ال يسمعونه ،كأن آذانهم صماء ال تؤدي وظيفتها ،وكأن إدراكهم في ِغالف ال تنفذ إليه
مدلوالت ما سمعته اآلذان ،وأعينهم ترى كذلك ،ولكن كأنها ال تبصر ،أو كأن ما تبصره ال
يصل إلى قلوبهم وعقولهم ،وهذا يعبر عن قضاء اهلل فيهم ّ
بأل يتلقى إدراكهم هذا الحق وال
يفق ُههّ ،
وبأل تؤدي أسماعهم وظيفتها فتنقل إلى إدراكهم ما تسمع من هذا الحق فتستجيب
له مهما يرون من دالئل الهدى وموجبات اإليمان ،غير أن هؤالء لم يتجهوا إلى الهدى
d
32
المبحث الثاني
صلة السمع والبصر بمرادفات العقل والقلب
الل ّ ُ ّ
ب المطلب الأولُ :
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
33
َ ُ ُ ْ َۡۡ ُ َ
َ َ َ ٰ ُ ُ َّ ُ َ ْ َ ُ ۡ ْ َّ ُ َ
ۡ َ َُٓ ْ َ َ َ َ ۡ َ َ َ َّ
ۡ َ ُ َ َۡ َ ُ َّ
﴿ ٱلذِين يست ِمعون ٱلقول فيتبِعون أحسنه ۚۥ أو ٰٓلئِك ٱلذِين هدىهم ٱللۖ وأو ٰٓلئِك هم أولوا ٱلألبٰ ِ
ب﴾
َ ُ ُ ْ َۡۡ
َ ْ َ ُ ۡ ْ ُ َ
ب﴾ أي :العقول [الزمر ،]18 :يقول العالمة السعدي« :قوله تعالى﴿ :وأو ٰٓلئِك هم أولوا ٱلألبٰ ِ
عرفوا الحس َن من غيره ،وآثروا ما يَنبغي إيثاره على ما سواه،الزاكية ،و ِمن لبِّهم وحزمهم أنّهم َ
وهذا عالمة العقل ،بل ال عالمة للعقل سوى ذلك ،فإ ّن الذي ال يميِّز بين األقوال حسنها
الصحيحة ،أو الذي يميِّز لكن غلبَت شهوتُه عقلَه ،فبقي عقلُه وقبيحها ليس من أهل العقول َّ
تابعًا لشهوته فلم ي ْؤثِر األحس َن؛ كان ناقص العقل»(.)72
34
َ َٓ َ َ ۡ َ ََ ۡ َ َ َُ ُ ُّ ُ َ َ ً
وس ٰى ف ٰ ِرغا ۖ إِن كادت ل ُت ۡبدِي بِهِۦ ل ۡولابين القلب والفؤاد في قوله تعالى﴿ :وأصبح فؤاد أ ِم م
َ َّ َ ۡ َ َ َ ٰ َ ۡ َ َ ُ َ
ون م َِن ٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ
ِين﴾ [القصص ،]10 :وقيل :القلوب واألفئدة قريبان من أن ربطنا على قلبِها ل ِتك
السواء ،و ُك ِّر َر ذكرهما الختالف اللفظتين تأكيدًا(.)79
وقد قرن اهلل سبحانه وتعالى بين السمع والبصر وبين الفؤاد في عدة آيات؛ كقوله
ۡ َ َۡۡ َۡ َ َ َ ََ َ ُ
ٱلس ۡم َع َوٱلأبۡص ٰ َر َوٱلأف ِـٔ َدةَ ﴾ [النحل ،]78 :وقوله تعالىَ ﴿ :و َج َعل َنا ل ُه ۡم
ك ُم َّ تعالى﴿ :وجعل ل
َۡ َ
َس ۡم ٗعا َوأبۡ َص ٰ ٗرا َوأف ِـٔ َد ٗة﴾ [األحقاف ،]26 :وقد اختص اإلنسان وتميز عن باقي الكائنات باألفئدة
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
التي هي الخاصية التي صار بها اإلنسان إنسانًا ،وهي قوة اإلدراك والتمييز والمعرفة التي
استخلف بها اإلنسان في هذه األرض ،والتي بها األمانة التي أشفقت من حملها السماوات
واألرض والجبال ،أمانة اإليمان االختياري ،واالهتداء الذاتي ،واالستقامة اإلرادية على
منهج اهلل القويم.
وقد ورد لفظ الفؤاد مرادفًا للفظ القلب في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا(،)80
وهو ال يقل في أهميته عن القلب في تعبيره عن العقل الواعي المدرك ،وكذلك يعبر عن
الصلة المترابطة القوية بينه وبين السمع والبصر في اإلدراك والمسؤولية والشكر هلل تعالى.
ومن بين اآليات الخمس عشرة التي جاء فيها ذكر الفؤاد في القرآن الكريم ،هناك ثمان
حاست َِي السمع والبصر ،وهذا يد ُّل على اشتراك الفؤاد مع هاتين
آيات ذكر فيها الفؤاد مع َّ
الحاستين في اكتساب العلم والمعرفة ،ما يدل على عظيم الصلة بينهما ،فقد جعل اهلل سبحانه
بين السمع والبصر والفؤاد عالقة وارتبا ًطا ونفو ًذا يقوم به بعضها مقام بعض ،ولهذا يقرن
كثيرا في كتابه ،وهذا من عناية الخالق سبحانه بكمال هذه الصورة البشرية؛
سبحانه بينهما ً
لتقوم كل حاسة منها مقام الحاسة األخرى ،وتفيد فائدتها في الجملة ال في كل شيء(،)81
ويمكن أن نالحظ هذا االشتراك من خالل اآلتي:
ومحاسب يوم القيامة عما
َ أول :مسؤولية السمع والبصر والفؤاد :فالسمع مسؤول ً
سمعه من لغو الكالم وباطله ،ومسؤول كذلك عن عدم استماعه لدعوة الحق ،والبصر
مسؤول ً
أيضا عما اقترفه ،والفؤاد ـ مركز اإلدراك ومحل القبول والرفض لما يسمع ويبصرـ
ومحاسب ً
أيضا. َ مسؤول
ۡ ُ َ َ ُ ُّ ُ َ َ ۡ وقد أوضح اهلل تعالى تلك المسؤولية بقوله﴿ :إ َّن َّ
ٱلس ۡم َع َوٱل َب َص َر َوٱلفؤاد كل أ ْو ٰٓلئِك ِ
ٗ َ َ
كان َع ۡن ُه َم ۡس ُـٔولا﴾ [اإلسراء ،]36 :وأصل القفو مأخوذ من :قفوت أثر فالن أقفو قف ًوا؛ إذا
35
ِ
تقتف ما ال علم لك به من قول أو فعل، تتبعت أثره ،فقوله :وال تقف «أي :وال تتبع وال
َ
وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما ال يكون معلوما»( ،)82وفي اآلية فائدتان؛ األولى:
أن العلوم إما مستفادة من الحواس أو من العقول ،أما القسم األول فإليه اإلشارة بذكر السمع
والبصر؛ فإن اإلنسان إذا سمع شينًا ورآه فإنه يرويه ويخبر عنه ،وأما القسم الثاني :فهو العلوم
المستفادة من العقل ،وهي قسمان :البديهية والكسبية ،وإلى العلوم العقلية اإلشارة بذكر
الفؤاد ،والفائدة الثانية :ظاهر اآلية يدل على أن هذه الجوارح مسؤولة ،وفيه وجوه ،الوجه
36
َ ََٔ َ ُ َ َۡ ُ َ َّ َۡۡ
ك ۡم تشك ُرون﴾ [النحل ،]78 :فقد ذكر اهلل تعالى في هذه اآلية بعض مظاهر قدرته وٱلأف ِـدة لعل
ومنته على عباده ،وهي إخراجهم من بطون أمهاتهم ال يعلمون ،فاإلنسان ُخلق في مبدأ
الفطرة وهو ٍ
خال من العلم ،والفهم ،واإلدراك ،ثم زوده اهلل تعالى بالمعارف والعلوم ،فهيأ
له مفاتيح المعرفة من السمع الذي يسمع به األصوات ويدركها ،والبصر الذي يبصر به
األشخاص واألشياء ،والفؤاد الذي يعي به األمور؛ ليشكر اهلل عليه باستعمال كل عضو فيما
خلق من أجله ،وليتمكن من عبادة ربه ،ويطيعه في أمره»( ،)85وإلى هذا المعنى أشار النسفي
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
بقوله« :وما ركب فيكم هذه األشياء إال آالت إلزالة الجهل الذي ُولدتم عليه ،واجتالب
العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه»( ،)86ويقول سبحانه في آية أخرى:
َ َۡ ُ َ ٗ َۡۡ َۡ َ َ َ َ َّ
ٱلس ۡم َع َوٱلأبۡ َص ٰ َر َوٱلأف ِـٔ َدةَ ۚ قل ِيلا َّما تشك ُرون﴾ [المؤمنون ،]78 :فاهلل تعالى ُ
ك ُم َّ ﴿ َو ُه َو ٱلذ ٓ
ِي أنشأ ل
خص السمع واألبصار واألفئدة؛ ألنه يتعلق بها المنافع الدينية والدنيوية ما ال يتعلق
َّ «إنما
بغيرها ،ومقدمة منافعها أن يعملوا أسماعهم وأبصارهم في آيات اهلل وأفعاله ،ثم ينظروا
ََٓ
خلقت له فهو بمنزلة عادمها ،كما قال تعالى﴿ :فما ويستدلوا بقلوبهم ،ومن لم يُعملها فيما ُ
َّ ۡ َ ُ ْ َۡ َ ُ َ َ َٓ َۡ َ ُ َٓ َۡ َ ُ ّ َ َ ۡ َ َۡ
أغن ٰى عن ُه ۡم َس ۡم ُع ُه ۡم َولا أبص ٰ ُره ۡم َولا أف ِـٔدت ُهم مِن ش ۡي ٍء إِذ كانوا يجحدون أَـِبي ٰ ِ
ت ٱللِ﴾ [األحقاف:
،]26ومقدمة شكر النعمة فيها اإلقرار بالمن ِعم بها ،وأن ال يجعل له ندًّا وال شري ًكا»(،)87
َ ٗ َۡۡ َۡ َ َ َ ََ َ ُ ََ َ ُ
ٱلس ۡم َع َوٱلأبۡص ٰ َر َوٱلأف ِـٔ َدةَ ۚ قل ِيلا
ك ُم َّ أيضا﴿ :ث َّم َس َّوى ٰ ُه َونفخ فِيهِ مِن ُّرو ِ
حهِۖۦ وجعل ل وقال تعالى ً
َۡ َ ُ ۡ ُ َ َّ ٓ َ َ َ ُ ۡ َ َ َ َ َ ُ َّ َ ۡ ُ ُ َ
ٱلس ۡم َع َوٱلأبۡص ٰ َر
ك ُم َّ أيضا﴿ :قل هو ٱلذِي أنشأكم وجعل لون﴾ [السجدة ،]9 :وقال ً ما تشكر
َ ُ ۡ َ ٗ َ َۡۡ
َوٱلأف ِـٔ َدةَ ۚ قل ِيلا َّما تشك ُرون﴾ [الملك ،]23 :فاهلل تعالى جعل لنا هذه القوى الستعمالها في
طاعة اهلل ع ّز وجل ،ولنشكره سبحانه على أن وهبنا هذه النعم ،من خالل استخدام هذه النعم
َ َۡ ُ َ ٗ
في مرضاته سبحانه وتعالى ،وقوله تعالى﴿ :قل ِيلا َّما تشك ُرون﴾ أي :قلما تستعملون هذه
القوى التي أنعم اهلل بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره»(.)88
d
37
الخاتمة
علي بإتمام هذا البحث ،فإني أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل عملي
بعد أن م َّن اهلل تعالى َّ
خالصا لوجهه الكریم ،وسأذكر بإيجاز أهم النتائج التي توصلت إليها،
ً هذا ،وأن يجعله
38
يقبل الشك ،أما سمع المع ِرضين عن صراط اهلل وأبصا ُرهم فال تؤمن بما وراء هذه الحياة؛
ألنهم قد عطلوها عن أداء دورها ،وهم بتعطليهم لهاقد اختاروا ألنفسهم منزلة دون منزلة
البهائم.
سابعًا :على الرغم من أهمية السمع والبصر والعقل والقلب في المعرفة واإلدراك،
فإن هذه الوسائل ليست هي المصدر الوحيد للمعرفة ،كما أن هدايتها غير كافية إلسعاد
اإلنسانية؛ ولذا فال بد من اقتران هدايتها بهداية الوحي.
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
d
39
المصادر والمراجع
ـ•ابن الجوزي ،عبد الرحمن بن علي (ت597هـ = 1200م) ،صيد الخاطر ،تحقيق :ناجي الطنطاوي،
دار الفكر ،دمشق1398 ،هـ = 1978م.
40
ـ•بليل ،عبد الكريم ،المفاهيم المفتاحية لنظرية المعرفة في القران الكريم ،المعهد العالمي للفكر
اإلسالمي1436 ،هـ = 2015م.
ـ•البيضاوي ،عبد اهلل بن عمر (ت685هـ = 1286م) ،أنوار التنزيل وأسرار التأويل ،تحقيق :محمد
عبد الرحمن المرعشلي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
ـ•الترمذي ،محمد بن عيسى (ت279هـ = 892م) ،الجامع الصحيح ،تحقيق :تحمد محمد شاكر ،مطبعة
عيسى البابي الحلبي ،مصر1398 ،هـ = 1978م.
ـ•خليل ،عماد الدين ،حول إعادة تشكيل العقل المسلم ،كتاب األمة ،مطابع الدوحة الحديثة ،الدوحة،
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
1403هـ = 1983م.
ـ•الرازي ،أحمد بن فارس بن زكريا (ت1005 = 395م) ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبد السالم
هارون ،دار الفكر1399 ،هـ = 1979م.
ـ•رضا ،محمد رشيد (ت1354هـ = 1935م) ،تفسير المنار ،القاهرة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،
1990م.
ـ•الزحيلي ،وهبة بن مصطفى ،التفسير المنير ،دار الفكر المعاصر ،دمشق ،ط1418 ،2هـ.
ـ•الزمخشري محمود بن عمر بن أحمد (ت538هـ = 1144م) ،الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،
دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط1407 ،3هـ.
ـ•السامرائي ،فاضل ،التعبير القرآني ،دار الكتب ،بغداد1989 ،م.
ـ•سعادة ،رضا ،أين يوجد عقل اإلنسان ،في قلبه أم في دماغه؟ مجلة نور اإلسالم ،العدد ،237أغسطس
.2019
ـ•السعدي ،عبد الرحمن بن ناصر ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،مؤسسة الرسالة ،ط،1
1420هـ = 2000م.
ـ•الشرقاوي ،محمد ،تأمالت حول وسائل اإلدراك في القرآن الكريم ،عالم الكتب ،الرياض1402 ،هـ =
1982م.
ـ•صبح ،علي مصطفى ،التصوير القرآني ،مجلة الوعي اإلسالمي ،أبو ظبي ،العدد ،203ذو القعدة
1401هـ= سبتمبر 1989م.
ـ•الطبري ،محمد بن جرير (ت310هـ = 922م) ،جامع البيان عن تأويل القرآن ،تحقيق :أحمد محمد
شاكر ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط2000 ،1م.
ـ•عبد الباقي ،محمد فؤاد ،المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم ،دار الفكر ،بيروت1401 ،هـ =
1992م.
ـ•الغزالي ،محمد بن محمد (ت505هـ = 1111م) ،الحكمة في مخلوقات اهلل ،تحقيق :محمد رشيد
قباني ،دار إحياء العلوم1398 ،هـ = 1978م.
41
ـ•معارج القدس في معرفة مدارج النفس ،مطبعة الميناء ،القاهرة.
ـ•الفخر الرازي ،محمد بن عمر بن حسين (ت606هـ = 1209م) ،مفاتيح الغيب ،دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ،ط1420 ،3هـ.
ـ•الفيروز آبادي ،محمد بن يعقوب (ت1414 = 817م) ،القاموس المحيط ،تحقيق :مكتب تحقيق التراث
في مؤسسة الرسالة ،مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،ط1426 ،8هـ = 2005م.
ـ•الفيروزآبادي ،محمد بن يعقوب (ت817هـ = 1414م) ،بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز،
تحقيق :محمد علي النجار ،لجنة إحياء التراث اإلسالمي ،القاهرة ،ط1416 ،1هـ= 1996م.
d
42
الهوامش
(((1ابن منظور ،محمد بن مكرم بن علي (ت711هـ = 1311م) ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،ط،3
1414هـ ،ج 8ص.165-162
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
(((2الجرجاني ،علي بن محمد بن علي (ت816هـ = 1414م) ،التعريفات1403 ،هـ = 1983م ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط ،1ص.26
(((3الراغب األصفهاني ،الحسين بن محمد (ت502هـ = 1109م) ،المفردات في غريب القرآن ،تحقيق:
صفوان عدنان الداودي ،دار القلم ،بيروت ،ط1412 ،1هـ ،ج 1ص.425
(((4الفيروز آبادي ،محمد بن يعقوب (ت1414 = 817م) ،بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز،
تحقيق :محمد علي النجار ،لجنة إحياء التراث اإلسالمي ،القاهرة ،ط1416 ،1هـ = 1996م ،ج3
ص.258
(((5ابن منظور ،لسان العرب ،ج 4ص.64
(((6الفيروز آبادي ،بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ،ج 2ص.222
(((7الفيومي ،أحمد بن محمد بن علي (ت770هـ = 1368م) ،المصباح المنير في غريب الشرح الكبير،
المكتبة العلمية ،بيروت ،ج 1ص.50
(((8ابن القطان ،علي بن محمد بن عبد الملك (ت628هـ = 1221م) ،النظر في أحكام النظر ،تحقيق:
شريف أبو العال العدوي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ص.17
(((9الكردي ،راجح عبد الحميد ،نظرية المعرفة بين اإلنسان والفلسفة ،المعهد العالمي للفكر اإلسالمي،
1992م ،ص.502
((1(1بليل ،عبد الكريم ،المفاهيم المفتاحية لنظرية المعرفة في القرآن الكريم ،المعهد العالمي للفكر
اإلسالمي1436 ،هـ = 2015م ،ص.510-509
((1(1الفخر الرازي ،محمد بن عمر بن حسين (ت606هـ = 1209م) ،مفاتيح الغيب ،ط ،3دار إحياء
التراث العربي ،بيروت1420 ،هـ ،ج 2ص.295
((1(1اآللوسي ،محمود شكري (ت1270هـ = 1854م) ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع
المثاني ،تحقيق :علي عبد الباري عطية ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1415 ،1هـ ،ج 1ص.138
((1(1كنجو ،خالص جلبي ،الطب محراب اإليمان ،دار الكتب العربية ،دمشق ـ بيروت ،ط1416 ،7هـ =
1993م ،ج 1ص.171
((1(1ينظر :صبح ،علي مصطفى ،التصوير القرآني ،مجلة الوعي اإلسالمي ،أبو ظبي ،العدد ،203ذو
القعدة 1401هـ = سبتمبر 1989م ،ص.85
((1(1من هذه المزايا أيضا ما أشار إليه األطباء من بعض أسرار تقديم السمع على البصر من الناحية الطبية،
ومن ذلك:
43
أ .أن جهاز السمع يتطور جنينيا قبل جهاز البصر ،حيث يتكامل جهاز السمع في الشهر الخامس من
حياة الجنين ،بينما ال يتكامل نضج العينين إال بعد والدة الجنين.
ب .أن مراكز السمع تأتي قبل مراكز البصر في المخ ،وكما أن صفة (بكم) تقع دائ ًما في آيات القرآن
الكريم بين صفتي (صم وعمي) فقد ثبت أن مركز البيان في المخ يقع كذلك بين مركزي السمع
والبصر.
ج العين مسؤولة عن وظيفة البصر ،أما األذن فمسؤولة عن وظيفتي السمع والتوازن ،حيث يوجد في
األذن الداخلية مادة هالمية رقيقة هي المسؤولة عن توازن اإلنسان.
44
((2(2الماوردي ،علي بن محمد بن حبيب (ت450هـ = 1058م) ،أدب الدنيا والدين ،تحقيق :مصطفى
السقا ،المكتبة الثقافية ،بيروت ،ص.20
((3(3سعادة ،رضا ،أين يوجد عقل اإلنسان ،في قلبه أم في دماغه؟ مجلة نور اإلسالم ،العدد ،237أغسطس
.2019
((3(3عبد الباقي ،محمد فؤاد ،المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم ،دار الفكر ،بيروت1401 ،هـ =
1992م ،ص.122-121
((3(3خليل ،عماد الدين ،حول إعادة تشكيل العقل المسلم ،كتاب األمة1403 ،هـ = 1983م ،مطابع
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
45
((4(4الرازي ،مفاتيح الغيب ،ج 2ص.295
((4(4رضا ،تفسير المنار ،ج 1ص.123
((5(5البيضاوي ،عبد اهلل بن عمر (ت685هـ = 1286م) ،أنوار التنزيل وأسرار التأويل ،تحقيق :محمد
عبد الرحمن المرعشلي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط1418 ،1هـ ،ج 1ص.43
((5(5السامرائي ،فاضل ،التعبير القرآني ،دار الكتب ،بغداد1989 ،م ،ص.62-61
((5(5الرازي ،مختار الصحاح ،ص.188
((5(5السامرائي ،التعبير القرآني
46
((7(7الرازي ،مختار الصحاح ،ص.242
((7(7الفيروز آبادي ،القاموس المحيط ،ج 12ص.586
((7(7عبد الباقي ،المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم ،ص.525
((7(7ابن عاشور ،التحرير والتنوير ،ج 7ص.243
((7(7الرازي ،مختار الصحاح ،ص.233
((7(7البخاري ،محمد بن إسماعيل (ت256هـ = 869م) ،صحيح البخاري ،تحقيق :محمد زهير بن ناصر
الناصر ،دار طوق النجاة ،ط1422 ،1هـ ،كتاب المغازي ،باب قدوم األشعريين ،حديث رقم (.)4388
ميركلا نآرقلا يف امهتافدارمو بلقلاو لقعلاب رصبلاو عمسلا ةلص
d
47
التجارة المعاصرة بالذهب في ميزان الفقه الإسلامي
أ.د .محمد نعيم ياسين*
الملخص
Nowadays, gold trading has become the most prevalent of all types of trad-
ing; however, it involves the danger of committing violations of Sharia and harming
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
communal economy. This paper will shed light on one aspect of these violations and
harms.
In gold trading, the Prophet (Blessings and peace be upon him) stressed that two
conditions must be met. First, equality in weight and making payment on the spot.
The paper will show that many contracts of this trading fail to achieve these two con-
ditions or one of them. This is because the parties of contract rely on what they have
called “constructive grasping”, which isn`t actual grasping, in addition to considering
crafted gold as non-usurious commodity in which equality in weight isn`t conditioned
based on the opinion of some jurists.
The paper arrives at the conclusion that these contracts are usurious or involve
the suspicion of usury and concludes with a number of gold trading transactions con-
ducted in banks as well as the ruling of Sharia on them based on the aforementioned.
49
التجارة المعاصرة بالذهب في ميزان الفقه الإسلامي
ينطلق كثير من العلماء الملتزمين حول التعامل بالذهب من أحاديث الرسول ﷺ التي
لت فيها الكيفيات الشرعيّة لمبادلة الذهب بجنسه أو بغير جنسه من األثمان األخرى،
ص ْف ُ ِّ
وقد قسمتُ بحثي إلى ثلاثة أقسام كل منها في مبحث خاص :
األول :ما يتعلق بشرط التقابض ،وبخاصة ما جرى حوله النقاش كالقبض الحكمي ،وما
يكفي لتحقق هذا الشرط ،ويدخل في ذلك «الشيك» بأنواعه ،والقيد المصرفي ،وأساليب
أخرى قد تستعمل في الوفاء واالستيفاء.
والثاني :موقع شرط التماثل من أشكال الذهب التي يتعامل بها الناس ،ويدخل فيه قضية
الذهب المصوغ.
والثالث :بعض تعامالت المصارف في الذهب.
d
50
المبحث الأول
شرط التقابض في بيع الذهب
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
قضية البحث في هذا القسم هو مدى صالحيّة ما يُس َّمى بالقبض الحكمي؛ وصوره
المستحدثة لتحقيق التقابض المشترط في المبادالت التي تقع بين الذهب وسائر األثمان.
ويرى طائفة من العلماء أن معظم هذه الصور المستحدثة من القبض الحكمي تصلح
لذلك؛ كـ« :الشيك» والقيد المصرفي وغيرهما ،وهذا الرأي يتبناه كثير من العلماء المعاصرين،
شتر ُ
ط فيه التقابض في خالفًا لطائفة أخرى ذهبت إلى عدم صالحية القبض الحكمي فيما يُ َ
كثير من البحوث أدلة كل فريق( ،)1وأما رأيي فسيُعرف بتأمُّل المطالب
لت ٌ فص ْ
المجلس ،وقد َّ
التالية:
51
تحقق لهم أهواءَهم ومصالحهم الخاصة على حساب مصالح األمة؛ فتلقفوا عقد الصرف،
ب فيها النقودُ عن ذلك وبنَوا عليه أنواعًا من التِّجارات التي ت ُ ِد ُّر عليهم األموال ،وتُح َ
ج ُ
المقصد الكبير الذي ذكرناه؛ حيث جعلوها أداة خاصة تدور في حركة ذاتية حول نفسها،
واستحدثوا أسواق العمالت والمتاجرة بها ،وال يُقصد منها سوى تحقيق أرباح شخصية
ال أثر لها في اإلنتاج واالستثمار ،وإنما مدارها على زيادة أسعار العمالت ونقصها ،وقصر
وظائفها على مبادلة بعضها ببعض؛ بِناءً على مجازفات ومخاطرات محسوبة بطرق ال كفاية
52
ولتنظر يا أخي لترى أن هؤالء الذين يشترون الذهب وسائر العمالت باألوامر المباشرة
اإللكترونية وغيرها ،ويقيَّد لهم المبل ُغ الذي وضعوه أو أضافوه أو ح ِّول لهم ،إنما يبتغون من
حا فائق السرعة يُرضي بعض شهواتهم الجامحة في جمع المال وتكثيره،
هذه العمليات رب ً
وال يعود بالنفع على األمة من قريب أو بعيد؛ ألنهم إذا جمعوا المال من طريق سهل ال جهد
فيه وال تفكير إال القليل؛ أدمنوا على هذا الطريق ،ولم تقبل نفوسهم بذل أي جه ٍد في صناعة
أو تجارة أو زراعة ونحو ذلك؛ ألن تجارة الذهب والعمالت إنما هي مبايعات على الورق
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
للكسب عن طريق فروق األسعار بين تلك األثمان ،وليس ألطرافها أية رغبة في قبض ما
يبيعون ويشترون ،وهي مراهنات على أسعار معايير القيم المالية ،حتى صار العالم «كازينو»
ر ْحبًا يُرا َه ُن فيه على العمالت واألسهم ،وهي مراهنات تدور كالدوالب ال تتوقف ،ويشترك
فيها ماليين الالعبين ،وتعويلها على تقلب األسعار التي يحركها في كثير من األحيان تالعب
كبار الالعبين عن طريق صفقات وهمية وإشاعات ونشر معلومات مضللة ،وهي عند كثير من
علماء االقتصاد ال تختلف عن ال ِقمار ،وينتج عنها ثراء فاحش لطائفة قليلة جدًّا ،وخسارات
مخيفة لكثير من الناس ،وتعطيل للنقد عن القيام بوظيفته ،بل تالعب بها ،حتى صار النقد
مؤشرا مجنونًا لقيم األشياء ،وثمرة ذلك كله ضمو ُر اإلنتاج ،وقلّةُ التوليد للسلع والمنافع
ً
والخدمات ،وبالتالي زيادة تكاليف المعيشة على عامة الناس إال شراذم قليلة(.)3
وخالصة القول :أن فتح الباب على مصراعيه لتجار العمالت والمضاربة بها ،أو التيسير
عليهم في هذا المجال يؤدي إلى مفاسد عامة ،وأن المصلحة العامة هي في التضييق على
هذا النوع من التجارة ،وأ ّن أحك َم وسيل ٍة لتحقيق ذلك هو االلتزام بظاهر التوجيه النبوي في
التعامل بالذهب والفضة واألثمان ،وهو التقابض الفعلي قبل التفرق ،وعدم منحهم رخصة
القبض الحكمي بما يشتمل عليه من الشيكات والقيد المصرفي وبطاقات االئتمان.
ولكن هذا الباب إذا فُتح في السلع والخدمات واستيراد الحاجيات والضروريات
والكماليات مما لم يشترط ديننا الحنيف فيه التقابض قبل التفرق؛ يمكن أن يكون سببًا
لالزدهار؛ وال يظهر فيه شيء من المفاسد السابقة.
53
ماسة للتقدير ،سواء أكان في جهة اإليجاب أو جهة السلب ،وأن يكون ذلك التقدير كافيًا
ّ
وأل يترتب عليه ضرر أكبر من عدمه(،)5في إشباع الحاجة التي اقتضته ،وإزالة الضررّ ،
والذي قدمناه من البيان يؤكد أن القبض الحكمي كالذي يكون بقبض «الشيك» ،أو بالقيد
المصرفي ،أو الحوالة منفردة أو مجتمعة مع الوكالة والكفالة ،أو غير ذلك مما ال ينطبق عليه
اسم القبض في اللغة وال في االصطالح ،وأن ضرره في مبادلة األموال الربوية بعضها ببعض
أكبر من نفعه ،وأن نفعه إنما يظهر في األموال األخرى.
ومن جهة أخرى؛ فإ ّن الدين الذي تدل عليه ورقة «الشيك» َّ
معرض قبل قبض محتواه
لعوارض تحول دون صرفه ،كما في الحجز على أموال مصدِّره ،أو إفالس ،وهذا يجعل
الدائن (البائع للذهب) واحدًا من الديانة يتقاسم معهم موجودات المدين بالنسبة ،وقد يتأخر
دين «الشيك» في ذلك عن بعض الديون القوية.
54
«الشيك» أو اآلمر بالقيد المصرفي ،وإنما على اعتبار ذلك وسيلةً من وسائل استيفاء الحقوق،
وليس جميع أساليب استيفاء الحقوق تصلح أن تكون ً
قبضا فيما يُشترط فيه التقابض ،وحتى
هذا األخير يمكن أن يقال فيه :العرف على أن االستيفاء في حالة «الشيك» والقيد المصرفي
موقوف على القبض الحقيقي ،وقبل ذلك فإن العرف يقف في جانب المستفيد لو حدث
مانع من تمام االستيفاء.
فإن قيل :هذا تضيي ٌق على التجار والمصارف والعمالء ،كان الجواب أن الرسول ﷺ
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
أراد هذا التضييق؛ لمنع مفاسد عامة مدمرة ،سبق بيان جانب منها في المالحظة األولى.
مجرد الثقة
وال يصح ـ في رأيي ـ االعتماد في حصول التقابض في التعامل بالذهب على َّ
مشتري
َ ِ
عوضه؛ فلو أن واالطمئنان الحاصلَين ألطراف العقد في المص ِرف بالوصول إلى
يصح عقد الصرف هذا ،بالرغم من ثقة البائع
َّ الذهب أعطى لبائعه رهنًا كبيت أو سيارة ،لم
بأن ح َّقه محفوظ وضمانه بين يديه ،وليست الطمأنينة الحاصلة لبائع الذهب في هذه الصورة
بأق َّل من «شيك» يُع َطى له مصدقًا كان أو غير مصدق ،ويبقى مع ذلك بعيدًا عن تحقق شرط
التقابض ،ولو كانت الثقة بين األطراف كافية في تحقق شرط التقابض لما أمر الرسول ﷺ
أصحابه بنقض العقود التي أبرموها بينهم ولم يحصل فيها التقابض؛ لما يعلمه عليه الصالة
والسالم من توفر الثقة بين أصحابه( ،)9وليست على األقل بأدنى من ثقة الناس بالمصارف،
َ ۡ َّ َۡ
كتف بقوله تعالى﴿ :فل ُي َؤ ّ ِد ٱلذِي ٱؤتُ ِم َن أ َم ٰ َن َت ُهۥ﴾ [ البقرة.]283 :
ول ِْ
المطلب الرابع :القبض الحكمي لا يحقق شرط التقابض في الأموال الربو ية
شك فيها؛ وهي أن تطبيق المسلَّمات الفقهية والعقلية واللغوية يوصل إلى نتيجة ال ّ
قبضا حقيقيًّا ،وأ ّن
تلك األساليب التحويلية للديون وإحالل دائن مح َّل دائن ال تكون ً
جميع من اعتبروها قبضاَ قالوا :هي قبض اعتباري ،وإنه في قوة القبض الحقيقي ،ويقوم
مقامه.
وقد قدمنا في المطلب الثاني أن تقدير وجود المعدوم وانعدام الموجود معروف
ولكن أحدًا منهم لم يُس ِّو بين الحقيقي والحكمي في بناء
َّ في الشريعة وعند الفقهاء،
األحكام؛ إذ صرحوا بأن الحكمي يخضع في تقديره للحاجة ،وأنه يقدر بقدرها ،بخالف
الحقيقي ،واألحكام التي تبنى على الحكمي هي أحكام استثنائية ،ونرى أنه ال يجوز
اختراع االعتباري أو الحكمي بحرية مطلقة ،وأرى أن أجناس األموال الربوية ـ وهي
55
ل اشتراط التقابض الفوري ،وذُكرت في السنة الصحيحة بالنص عليها بأسمائها
مح ُّ
المعروفة في كل مكان وزمان ـ ال ينفع في التعامل بها إال بالقبض الحقيقي ،وال يكفي
فيها القبض االعتباري؛ لسببين:
األول :أن ذلك اجتهاد في مورد النص الذي يُفيد بصورة قطعية وجوب التقابض
الحقيقي الفوري في مبادالت الذهب؛ لما ورد في األحاديث الصحيحة هذا الوجوب
بمفردات يصعب تأويلها بالقبض الحكمي ،مثل قوله عليه الصالة والسالم «يدًا بيد» ،وجعل
56
المطلب الخامس :أركان القبض وآثاره لا وجود لها في القبض الحكمي في الأموال الربوية
القبض له ركنان ،وآثار تترتب عليه ،أهمها :نقل الضمان ،أما الركنان فهما:
األول :تعيين المقبوض أو تمييزه .الثاني :االستيالء على ما جرى تعيينه أو تمييزه ،وهذان
الركنان أشار إليهما الشيخ عبد اهلل بن منيع في كتابه( :بحوث في االقتصاد اإلسالمي)(،)17
كما نقلهما عن بعض الفقهاء القدامى كاإلمام أبي حامد الغزالي.
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
فسر الشيخ الفاضل الركن األول بأنه يمكن تحققه بالتعيين الوصفي؛ بأن يذكر
لكن َّ
قدره وجنسه ،وال يشترط تحديد الذات الذي يمكن أن يقع بالقبض الحقيقي أو باإلشارة
الحسية إليه أو بذكر اس ٍم عَل ٍم عليه خاص به ،وال يطلق على شيء آخر ،وإن كان مشتر ًكا
معه بالقدر والجنس( ،)18ومن البدهي أن التحديد بالذات في الذهب ال يقع إال بالقبض
الحقيقي ،وال يقع باألساليب األخرى .وأي تحديد بالوصف في عقود المعاوضة ال يكون
ً
قبضا ،ويظل الموصوف شيئًا في ذمة الملتزم.
أما الركن الثاني؛ وهو أن يكون الشيء المحدد بالذات تحت سلطان المستحق ،وقد
فسره بعض المعاصرين بتمكن المستحق من الوصول إلى حقه في أي وقت( ،)19والحقيقة َّ
لسبب يعود إليه؛
ٍ أن التمكن من الفعل ليس هو الفع َل نفسه ،ومن يتمكن قد يفعل وقد ال يفعل
كأن يمزق «الشيك» ،أو يعود لغيره؛ كأن تحجز الدولة على محتواه أو على القيد المصرفي
أو على المصرف كله ،ومن يتمكن من المشي ال يكون ماشيًا حتى يمشي بالفعل ،وكل فعل
إذا تمكن الشخص منه ال يعد ً
فاعل له حتى يباشره وينتهي منه.
وأما األثر المترتب على القبض؛ فهو نقل الضمان إلى القابض ،بحيث إذا هلك هلك
عليه؛ وهو معنى ما ذكرناه من وجوب انتفاء المديونية بحصول القبض ،وما عبر عنه ابن
قدامة بقوله« :أن ال يبقى عُلق ٌة بين المتعاقدين» ،وقد تقدم أن القبض الحكمي بجميع صوره
ال يترتب عليه انتقال الضمان ،سواء أكان «شي ًكا» أو قيدًا مصرفيًا أو بطاقة ائتمان ،وهكذا
فإن القبض الحكمي الذي طغى على معامالت التجار والمصارف ال يستوفي أركان القبض،
وال تترتب عليه آثاره؛ فليس فيه تحديد لذات محددة يستولي القابض عليها ،وتصبح تحت
ضمانه إن هلكت هلكت عليه ،ولم يشاركه في الضمان أحد.
سيقال ـ وقد قيل ـ :تلك مقومات وآثار القبض الحقيقي ،وأما القبض الحكمي فال يلزم
أن يكون له تلك األركان ،وال أن ينقل الضمان ،وإنما يأخذ شرعيته من العرف والحاجة(،)20
57
فرضا أن األمور االفتراضية التي تُسمى حكمية أو اعتبارية ال يصح افتراضها إال
لكن قدمنا ً
إذا اجتمع فيها مع الحاجة عدم مصادمتها للنصوص ،وال تربو مفاسدها على مصالحها ،وال
ً
فضل عن أن تزيد عليها. تعطى في بناء األحكام عليها ِمث َل ما يقابلها من األمور الحقيقية،
وإني أرى أن مسلك االفتراض وبناء األحكام على مقتضاه؛ إذا أسرفنا في التوسع فيه
فإنه طريق من الطرق غير المباشرة إلى تحريف الدِّين ومصادرة بعض ثوابته؛ فما أعجبك
ً
افتراضا ،وبنيت عليه ما تريد ،فوصلت إلى مرادك من افترضت له
َ منه أخذته ،وما لم يعجبك
d 58
المبحث الثاني
التعامل بالذهب المصوغ
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
المطلب الأول :النصوص الواردة في بيع الذهب لا تحتمل التأو يل بالقبض الحكمي
تحريم الربا في الذهب والفضة جاء في النص الشرعي عا ًّما بلفظ الذهب والفضة،
ووردت نصوص صحيحة وصريحة تؤكد هذا العموم ،مثل قوله ﷺ« :وزنًا بوزن تبره
وعينه»()26؛ فالمدار على وزن الذهب في أي وضع كان فيه ،والتبر هو الذهب قبل تصفيته
من شوائبه ،والعين مادة الذهب الخالص ،وقد تطلق على المضروب ،والراجح أنها عنصر
الذهب الخالص.
59
وعلى أية حال ،فالمضروب ـ وهو الدينار ـ كان من الذهب الخالص ،وقول
الرسول ﷺ« :تبره وعينه» يشبه أن يقال« :عيار 14وعيار 24من الذهب» ،والفرق بينهما
قد يزيد على الفرق بين العيارين المذكورين ،وما جاء في بعض الروايات« :الدينار بالدينار
والدرهم بالدرهم )27(»...إنما أريد به المعيار الوزني؛ فقد كان الدينار والدرهم يمثالن وزنًا
معروفًا متف ًقا عليه عند الناس ،فذكره في الحديث من هذه الحيثية ،ولم يكن المقصود شكله
وسكته ،بدليل ما ورد في األحاديث األخرى «وزنًا بوزن» بعد قوله« :الذهب بالذهب»،
60
ـ وروى مسلم في كتاب المساقاة عن فضالة بن عبيد رضي اهلل عنه قال :أُتي رسول اهلل ﷺ
وهو بخيبر بقالدة فيها خرز وذهب ،وهي من المغانم تُباعُ ،فأمر رسول اهلل ﷺ بالذهب في
القالدة فن ُ ِز َع وحده ،ثم قال لهم رسول اهلل ﷺ« :الذهب الذهب وزنًا بوزن»(.)32
المطلب الثاني :دلالة النصوص على ضرورة التضييق في مبادلات الأموال الربو ية
تلك األخبار الصحيحة عن رسول اهلل ﷺ ،وعن أصحابه رضوان اهلل عليهم ،واضحةٌ
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
في داللتها على أن الشارع الحكيم أراد أن يكون التعامل بالذهب ،وكذلك األثمان األخرى
بيعًا وشراء في نطاق ضيق جدًّا ،إذا كان مبادلة بعضها ببعض؛ فجعل له مسربًا واحدًا هو
مسرب التماثل والتقابض ،وجعل ذلك ح ًّقا هلل تعالى ال يصح االتفاق على ما يخالفه ،وأن
المقصود هو جنس الذهب بعمومه وشموله ،وكيفما كان وضعه.
ولكن ذلك الوضوح لم يصل إلى درجة القطع؛ ألن إمامين من أئمة اإلسالم توصال
بنظرهما في األدلة والواقع إلى أن الشرع يسمح بالتفاضل والنسيئة في بيع الذهب بمثله ،أو
بنقد آخر في حالة واحدة؛ هي الحالة التي يكون الذهب فيها مصو ًغا ،وقد تقدم ذكر أدلة هذا
القول ،فال بد من مناقشة تلك األدلة ومعرفة مدى قوتها في الداللة على استثناء المصوغ من
شرطي التماثل والتقابض:
ـ فأما قولهم :المصوغ من الذهب هو من جنس السلع ،ال األثمان ،وال يدخل في النهي
حاضرا أو نسيئة ،وأن الذي تناوله النص هو الدينار (الذهب المسكوك)
ً ً
متفاضل عن بيعه
فقط ،حيث حملوا النص المطلق على المقيد ،فحملوا الذهب على الدينار كما تقدم.
شر َط ِي
فإن هذا الحمل يتعارض مع األخبار الصحيحة التي ورد فيها النص على شمول ْ
التماثل والتقابض لكل نوع من أنواع الذهب ،وفي أي شكل ش َّكله اإلنسان ،وورد في ذلك
النص على اآلنية المصوغة من الذهب ،وعلى الحلي ،وقد تقدم ذكر هذه النصوص.
والقياس على إخراج الحلي من حكم زكاة الذهب قياس مع الفارق؛ وهو أن النصوص
األخرى قيدت وجوب الزكاة في الذهب وغيره بأن ال يكون من الحاجات األصلية ،فاعتبر
فريق من الفقهاء التزين حاجة أصلية للمرأة ،فأدخلوها في الخاص ،وأخرجوها من عموم
الذهب ،وأما المصوغ فلم يرد فيه ما يدل على إخراجه من األموال الربوية ،وأن حكمها
قاصر على الدينار والدرهم ،بل وضحت النصوص أنهما لفظان لم يُ َرد خصوص االسم
فيها ،وإنما خصوص الوزن الذي يمثالنه ،كما لو قيل :أربعة غرامات ذهبًا بأربعة مثلها،
61
وذلك مهما كان اسم ذلك الوزن؛ فالدينار الذي ورد في مجموع النصوص يراد فيه المعيار
حتى أجاز جماعة من الفقهاء استئجاره للوزن به ال لشيء آخر ،وهو كذلك كما لو قال:
(الصاع بالصاع) .فإن قيل :هما مختلفان؛ ألن الدينار مسكوك وليس كذلك الصاع ،كان
هذا القول حجة على المخالفين وليس لهم؛ ألنه يعني أن ما وردت عليه الصنعة ،وهي
التماثل والتقابض،
ِ السكة في الدينار ،يظل ً
مال ربويًّا يراعى في مبادلته مع األثمان َش ْرطا
وكأن النصوص الواردة في بيع الذهب وشرائه جاءت في مراتب ثالث من حيث العموم
62
شيئًا من الذهب لم يعد مسكو ًكا ،وهذا لعمري فيه مخالفة واضحة لما تقتضيه النصوص
الصحيحة الصريحة من األحاديث الشريفة وأخبار الصحابة رضوان اهلل عليهم ،والتي ذكرنا
طائفة منها فيما سبق.
ولعل الخلل هو في كيفية االستدالل ـ وعلى التحديد( :متى يُحمل المطلق على
المقيد ،أو يحمل العام على الخاص) ـ فإن مما تعلمناه عن علماء األصول األقدمين
تخصيصا؛
ً والمعاصرين أن إفْرادَ فر ٍد من أفراد العام بحكمه ـ أي بحكم العام ـ ال يكون
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
حيث ال منافاة بين الحكم على العام وبين الحكم على أفراده بنفس الحكم ،وشرط
التخصيص المنافاة ،بل قالوا :إن إفراد فر ٍد من أفراد العام بحكم العام فيه تأكيد دخوله في
العموم ،وفيه نفي الحتمال تخصيصه في المستقبل ،وضربوا لهذا ً
مثل أن الرسول ﷺ
قال« :أيما أهاب دبغ فقد َط ُهر»()33؛ فهو عام لجلد الشاة والبقرة واإلبل وغيرهما من
مأكول اللحم وغير مأكوله ،ويدخل فيه ً
أيضا جلد المذبوحة وجلد الميتة ،وكما في
المثال أن الرسول ﷺ مر بشاة ميتة ،فقال« :هال أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به»،
فقالوا :إنها ميتة .فقال ﷺ« :إنما ُحرم أكلها»()34؛ وفيه إفرادٌ لبعض أفراد العام وهو الشاة
بحكمه ،وهو الطهارة بالدبغ؛ فال يكون فيه تخصيص ،وكذلك قالوا في المطلق والمقيد،
وأنه كالعام والخاص في هذه المسألة ،وأن ذكر بعض جزئيات المطلق بعده بحكمه ال
تقيده(.)35
وظني أن االستدالل بحديث« :الدينار بالدينار» على قصر النهي عن التفاضل والنسيئة
على الدينار بحجة حمل المطلق على المقيد ليس في محله ،وإنما هو مؤكد لحكم المطلق
في المقيد ،وإال فإن هذا االستدالل لو صح لوجب اعتبار الذهب بجميع أشكاله في هذه
فضل وال ربا نسيئة.
ٍ األيام كأي سلعة ال يجري فيه ربا
غير أن أمر هذه القضية ال ينتهي عند هذا الحد؛ ألن طائفة أخرى من األخبار واآلثار
الصريحة جاءت خاصة في تحريم مبادلة الذهب والفضة إال بالتماثل والتقابض عند اتحاد
الجنس ،والتقابض إذا اختلف ،وكان موضعها اآلنية من الذهب والمصوغ من الذهب ً
أيضا،
فأعطيت حكم العام «الذهب بالذهب» .وقد أوردها مالك في الموطأ وأورد بعضها مسلم
في صحيحه؛ فهذا مؤشر يشير إلى صحة رأينا في االستدالل المعتمد عليه في بيع المصوغ
وإخراجه من حكم العام أو المطلق.
63
المطلب الثالث :غياب الدافع لقول ابن تيمية وابن القيم في هذه الأيام
وهو أننا نسلم بأن ما حرم سدًّا للذريعة يُباح سدًّا للحاجة الماسة ،وأرى أن هذا هو
الدافع األساس الجتهاد اإلمامين ،وأرادا جعل الجواز حك ًما أصليًّا وليس استثنائيًّا ،فقاال:
إنه صار بالصنعة سلعة.
ولكن القول بالحاجة مسوغ لما ُح ِّرمَ سدًّا للذريعة إذا أمكن تصورها في عهد اإلمامين،
فإنها ال تكاد تكون موجودة في عصرنا؛ ولتقريب المعنى وصورة المسألة ،فلنفترض أن
64
أو ثياب ،وتكليف االستصناع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر ،والحيل باطلة في
الشرع.)36(»...
فانظر إلى الصورة الواقعية التي كانت في عهد ابن القيم وأوصلها إلينا؛ فإنها صورة
َج َّس َد فيها حاجة الناس من ّ
ملك الذهب إلى الشراء به من الحلي ونحوها ،ولو أن ابن القيم
كان موجودًا في زماننا ،ورأى أن مالك الذهب يمكنه بسهولة وبدون حرج أن يحص َل على
يشتري منه الذهب بنقد
َ أية عملة يشتري بها ما يشاء من الحلي ،بل إن التاجر نفسه يمكن أن
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
البلد ،وبيعه في اللحظة نفسها ما يريد من الحلي؛ لو رأى هذا اليسر في بيع الذهب بالنقود
وشراء الحلي بها؛ لما أفتى بفتح باب التفاضل بين الحلي والذهب.
65
ً
مؤجل؛ ألن ذلك يفتح الباب الخطورة في تبادل هذه األموال أن يُج َع َل العوضان أو أحدهما
لزيادة العوض المؤجل مقابل األجل ،وهي أنواع استراتيجية من األموال ال يسمح اإلسالم
بفتح أي باب لالستغالل في تبادلها؛ العتماد الناس عليها في أقواتهم أو في قياس القيم التي
تنطوي عليها السلع التي بين أيديهم.
والذي يظهر لي أن المشرع اإلسالمي يهدف إلى دفع الناس إلى تداول السلع األخرى
من غير األموال الربوية ،وعدم اإلكثار من تداول تلك األموال بأجناسها؛ وذلك أنه ال فائدة
المطلب الخامس :ضعف الاستدلال بالتحول الذي يطرأ على الذهب المصوغ
وهناك مسا ٌر في النظر الفقهي يمكن أن يؤدي إلى النتيجة نفسها؛ أعني بطالن اعتبار
الصياغة في الذهب سببًا لتحويله من مال ربوي إلى سلعة غير ربوية يمكن التفاضل في
مبادلتها بالذهب ،ويمكن تأخير تسليمها أو تسليم ثمنها ،كما في بقية السلع.
66
وننطلق في بيان هذا المسار من السؤال عن المعنى الذي يمكن أن يبنى عليه ذلك
التحول في حكم الذهب؛ فالظاهر من أقوال أصحاب هذا الرأي أن المعنى المؤثر في هذا
األمر هو دخول عناصر لها قيمة مادية على مادة الذهب؛ فحولته إلى سلعة غير ربوية.
ويرد على هذا التأويل أن الذهب في الواقع له أشكا ٌل كثيرة ،وليس من شكل إال دَ َخلَهُ
نوع من الصناعة والجهد المبذول ،على تفاوت في قدر الجهود واألشياء المضافة إلى عنصر
الذهب؛ فأول ما يستخرج هذا العنصر من مناجمه يُبذ ُل فيه جه ٌد مقدر ماديًّا ،ثم يُب َذ ُل جهد
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
إضافي تستعمل فيه األيدي واألجهزة لتنقيته من الشوائب ،فيتحول التبر إلى النقرة (العين)
بجهود إنسانية لها قيمة مادية بال شك ،ثم يُضرب الذهب العين ليصير نقدًا مسكو ًكا ،وهذا
يحتاج إلى جهد ونفقات وأدوات ،ثم يُصن َ ُع من الذهب وحدات مختلفة من حيث نقاؤها،
اص ُط ِل َح على تسميتها بأرقام تدل على درجة نظافتها من الشوائب ،مثل،21 ،22 ،24( :
)... 14 ،18إلخ .وكل واحدة من هذه الوحدات المتفاوتة في نقائها لها درجات من حيث
الكمال فما دونه ،وكل درجة يُبذ ُل فيها أنواع من الجهود المقدرة بالمال ،وتختلف في
مقاديرها بال شك ،وكل منها يمر في مستوى خاص من الصناعة والصياغة ،ثم يُصنع من هذه
الدرجات أو من عين الذهب أشكال من الكتل الذهبية؛ كالسبائك واألونصات والليرات
ح ِل ُّي واآلنيةُ
وغيرها ،وك ٌّل له نصيبه من الصناعة والصياغة ،ثم يصنع من هذا العنصر ال ُ
بأشكالها المختلفة ،وتتفاوت فيها َك ِّميّةُ الذهب ،واإلضافات المضافة عليها من أشياء أخرى
غير الذهب ،ويجمعها أن الذهب فيها يُمز َُج مع غيره ،ويجتمع معه اجتماع اقتران ،كما هو
في كل مخلوط أو مزيج ،وليس اجتماع تفاعل كيماوي يتشكل منه مركب جديد يستحيل
إلى شيء جديد ينزع عنه اسمه (الذهب) ،بل يظل للذهب اسمه وخصائصه ،وال يختلف في
هذه الصور إال في الشكل والصاحب المصاحب.
والمقصود من هذا التصوير أن مشهد التداول اإلنساني للذهب يشير إلى أنه في معظم
أوضاعه ال يكون خاليًا من شكل من أشكال الصناعة والتحويل واإلضافة ،وأن القول بأن
الصياغة تحوله من ثمن إلى سلعة غير ربوية يمكن أن ينطوي على إعطاء هذا الوصف
للذهب بجميع أشكاله ،وقد ُوجد من قال بهذا في هذا الزمان؛ وربما استدلوا ً
أيضا بأن الناس
تخلت عن استعمال الذهب معيا ًرا لقيم األشياء ووسي ًطا للتبادل( ،)38وصار في وضعه
ْ قد
رأي يصادر النصوص الصحيحة الواضحة
الجديد كالبالتين وسائر المعادن الثمينة ،وهو ٌ
في داللتها ،ويعارض إجماع الفقهاء في موقفهم من تلك النصوص ،ويؤدي إلى فوضى
67
ً
وخفضا ،واستعماله مرو ًجا وسمسا ًرا لسلع تافهة تلصق به ،باإلضافة إلى أن بالذهب رفعًا
اعتباره مجرد سلعة يخرجه من وعاء الزكاة إن لم يستعمل في التجارة؛ ألنه سيكون مجرد
سلعة من عروض ال ِقنية ،وهناك آثار أخرى تصادر أحكامًا أخرى ربطت في الفقه بالذهب
ً
مقبول باعتباره ثمنًا ،وإذا أضفت إلى هذا ما نبهنا إليه في مسألة اعتبار القيد المصرفي ً
قبضا
ً
مجال واسعًا الصطياد في التعامل بالذهب َك ُملت الفوضى وتعكرت المياه ،وصارت
المكاسب المحرمة ،وإفساد عالم التجارة على وجه هذه األرض.
68
الملتصق بغيره ،ولكنه يقضي حاجته بما حصل عليه من الذهب الخالص ،وحم ُل الجوا ِز
على صورة دون صورة ـ وكالهما يح ِم ُل علةَ الحكم ـ تح ُّكم.
ب ـ وأما قولهم :إن حديث القالدة مضطرب ،فيُرد عليه بأن االضطراب الذي يُشار إليه
كان في مبلغ الثمن ،وال يؤثر على أصل الحكم المعبر عنه في الحديث بقول النبي ﷺ في
هذا البيع« :الذهب بالذهب وزنًا بوزن» ،على أن هذا الحديث قد تأكد بأخبار أخرى موقوفة
في حكم المرفوعة ،كخبر ابن عمر مع الصائغ ،وحديث يحيى بن سعد ،وما كان يفعله سعد
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
d
69
المبحث الثالث
تطبيقات مصرفية في التعامل بالذهب
ً
70
لكن صاحب هذا القول أضاف فرقًا آخر ،أراه أكثر ً
تأثيرا من األول وأكثر ظهو ًرا؛ وهو
أن آثار القبض الحكمي تظهر في النقد الورقي بصورة أكبر مما تظهر في الذهب؛ حيث
يتمكن من قُيدت بحسابه من التصرف بما قيد له بأكثر مما يتمكن في الذهب المقيد له ،وقد
يُعقب على هذا بأن القبض الحقيقي يتيح للقابض من التصرف بما قبض أكثر من القبض
الحكمي؛ فوجب أ ْن يترتب على هذا الفرق فرق في اعتبار القبض الحكمي ،وعدم اعتباره
في مجاالت دون أخرى.
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
71
المنيع في تحريم هذا النوع من التعامل بالذهب ،وعلل ذلك بضعف ثقة الناس في وجود
الذهب الذي يشترونه ،والحقيقة أنهم ال يسألون عن وجوده في أكثر األحيان ،وال يقصدون
الحصول عليه وقبضه ،وإنما تحصيل األرباح بالتصرف في تلك األنواع من الصكوك أو
الشهادات ،ويمكن أن يقال :إن هذا هو العرف السائد في هذا النوع من حسابات الذهب،
فهل يؤخذ بهذا العرف؟! ولذلك فإن األولى هو في التعليل المذكور؛ وهي شراء ذهب
موصوف غير مقبوض.
72
2ـ إذا كان الذهب موجودًا بالفعل في المص ِرف ،ويُتعامَ ُل ببيعه وشرائه؛ فإن كان يبيعه
بنقد ،فالصحيح من ذلك أن يقع التقابض بين المص ِرف والعميل ،وتعيين المبيع وهو الذهب
يكون بتمييزه عن غيره بتحديد القطعة برقم أو ختم خاص بها ،وتحديد وزنها ،أو أي شيء
آخر يميزها عن غيرها ويراه المشتري أو وكيله ،ويسجل ذلك في عقد البيع؛ فإذا تعين المبيع
كان قبض الثمن إما بدفعه إلى المص ِرف ،أو بتحويل قدره إلى حساب البنك ،وبالحصول
على إقرار من البنك بأنه تسلم ثمن ذلك الذهب المبيع المعين ،ويذكر قدر الثمن ،وبهذا
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
يحصل بيع الذهب بالنقد ،ثم لمشتري الذهب بعد ذلك خياراته؛ فإما أن يأخذ ذهبه ويضعه
حيث يشاء ،وإما أن يودعه في خزائن البنك على النحو المعروف في الفقه اإلسالمي ،وإما
أن يجعله في حساب جا ٍر بحيث يعتبر ً
قرضا للبنك ،ويالحظ هنا أن أي مسار يختاره مشتري
ً
منفصل عن أول عقد؛ وهو عقد شراء الذهب المعين ،وأن يكون بعد الذهب يجب أن يكون
يسحب منه ما يشاء
َ تمام ذلك العقد ،ثم لصاحب الذهب إذا وضعه في حساب في البنك أن
من الذهب المماثل لما أودعه ،وله أن يضيف عليه أو يسحب بعضه؛ حيث هو قرض يدخل
في ملكية المقترض ،ويخرج من ملكية المق ِرض ،وله أن ال يقرضه للبنك ،ولكن يجعله
في وديعة استثمارية يكون المصرف فيها مضاربًا والمودع صاحب رأس مال هو الذهب،
وهنا يظل الذهب مملو ًكا لصاحبه ،فإن اشترى به المص ِرف شيئًا بحكم الوكالة المتضمنة
في المضاربة كان هذا الشيء مل ًكا لصاحب الذهب ،ثم في نهاية المضاربة توزع األرباح
بحسب االتفاق.
3ـ إذا كان الذهب موجودًا في المص ِرف ،لكنه إذا اشترى منه العميل يتم تقييده في
حسابه من غير تعيين للقطع الذهبية المشتراة بما يميز ذاتها ،وال يراها المشتري ،وإنما
تقيد في حسابه باسمه؛ فبناء على اعتبار القيد المصرفي ً
قبضا ينبغي أن يجوز ذلك ،ويعتبر
عرفَ القطعة التي دخلت في ملكه (لو دخلت)،
المشتري كأنه قبض الذهب ،وإن لم يره وال َ
والحقيقة أن بيع األثمان بل المثليات جميعًا باالقتصار على ذكر أوصاف المبيع دون تحديد
ٍ
موصوف في الذمة ،وهو ال يتحقق به القبض الذي ورد ذكره في األحاديث ذاته يكون بي َع
الصحيحة« :يدًا بيد» «هاء وهاء» «وزنًا بوزن».
وأغلب ظني أن األعراف ال ترد على األلفاظ الشرعية الخاصة الصريحة التي ال تحتمل
التأويل؛ فال يتصور بيع المحدد بوصفه يدًا بيد في مجلس العقد ،ويمكن أن يقبل ذلك فيما
لم يشترط الشرع فيه أن يكون يدًا بيد.
73
ومن صور معامالت الذهب المعين المكان في المصارف :الصورة المسماة (الذهب
برسم البيع) ،حيث يحصل تاجر الذهب من المص ِرف على كمية محددة من الذهب يحفظها
في محله التجاري ،وتبقى مل ًكا للمص ِرف ،وتكون أمانة في يد ذلك التاجر ،ولكنها أمانة
مضمونة عليه ،ويُلزمه المص ِرفُ بإيداع مبلغ نقدي يزيد على ثمن ذلك الذهب في حساب
محجوز ال يجوز السحب منه وما في حكمه ،ويظل كذلك إلى أن تجرى تصفية هذه الصفقة،
والسؤال هو :هل يجوز للمصارف اإلسالمية وعمالئهم من تجار الذهب أن يتعاملوا بهذه
ربح بشراء الذهب وبيعه للزبون ،وفي البنوك التجارية تكون له فوائد ،وعلى فرض عدم
وجود الفائدة الربوي ِة ،فإنه يبقى ً
قرضا سيئًا جر نفعًا ،وفيه شبهة الربا ،وهذا النظر التحليلي
يشير إلى رجحان تحريم هذه الصيغة من التعامل ،وال يظهر أن مص ِرفًا يقبل بتطهير هذه
المعاملة من المخالفة األولى والثالثة.
4ـ في الصورة السابقة إذا لم يكن مع التاجر المبلغ المطلوب إيداعه ،يعطيه المص ِرف
ً
قرضا يكمل به المبلغ الذي يشترطه البنك؛ فالبنك يقرضه ليقرض هو البنك ويحقق شرطه،
وهذه الحالة أكثر بُعدًا عن األصول الشرعية؛ إذ فيها من المخالفات ما في الصورة السابقة،
ويضاف إليها اشتراط المقرض ،ـ وهو البنك ـ أن يقرضه المقترض ما أخذه من البنك ،وال
شك في أن هذين قرضان كل منهما يجر نفعًا للمقترض.
5ـ ومن المعامالت المص ِرفية التي تجري في الذهب ما يسمى بالقروض الذهبية؛ وهي
إقراض المص ِرف لتاجر الذهب كمية محددة من الذهب إلى مدة معلومة ،ويرد التاجر مثل
الذهب الذي أخذه ،ولكن يشترط عليه المص ِرف أن يضع مبل ًغا ال يقل عن قيمة الذهب الذي
أقرضه للتاجر ،إما في حساب جا ٍر أو حساب وديعة ،ويكون هذا المبلغ محجوبًا عن صاحبه
في أي تصرف ،فإن لم يتمكن من دفع المبلغ وفتح الحساب لم يقبل المص ِرف إقراضه إال
إذا ضمنته شركة تأمين لصالح المص ِرف ،وتكون أقساط التأمين على التاجر.
وبالنظر في جزئيات هذه العملية نجد ما يأتي:
أـ إقراض المص ِرف للتاجر بدون فائدة في أصله عمل مشروع بشرط أن ال يجر منفعة.
ب ـ وكذلك فتح حساب جار أو وديعة.
ج ـ الحكم السابق ـ وهو الجواز ـ يكون إذا كانت هذه العقود منفصلة ،ولم يكن أحدها
شر ًطا لآلخر ،والحال هنا أن هذه قروض متبادلة ،ولكل طرف منفعة في قرضه؛ فهي قروض
75
ً
قروضا حسنة؛ فإن كان المبلغ المشروط ُوضع في حساب تجر منفعة للمقرض ،فليست
قرضا مقابل قرض؛ ألن الحساب الجاري يعتبر ً
قرضا يتصرف البنك فيه تصرف جا ٍر كان ً
المالك ،وأما إن وضع في حساب وديعة ،فهو كذلك قرض ذهب بمنفعة للبنك ،وحتى
الجزء الذي ال يستثمر من الوديعة بالشرط يعتبر ً
قرضا.
وحاصل ما تقدم مخالفة هذا النوع من التعامل ألصل شرعي ،وهو خلوه من الربا أو
شبهة الربا ،فهو حرام ال يصح التعامل به إال أن يصف َو من أسباب التحريم التي أشرنا إليها،
d
76
النتائج
ـتجارة الذهب يجب أن يلتزم فيها التجار بشرطين شدد عليهما رسول اهلل ﷺ؛ وهما
التماثل الكمي والتقابض الفوري.
ـما يسمى بالقبض الحكمي هو قبض غير حقيقي ،وهو محض افتراض أُعطي من
الرخص واالمتيازات ما يزيد عن القبض الحقيقي من غير ضرورة أو حاجة ماسة.
ـالتزام التقابض الفعلي قبل التفرق في التعامل بالذهب والفضة واألثمان ،وعدم الترخص
بالقبض الحكمي بما يشتمل عليه من الشيكات والقيد المصرفي وبطاقات االئتمان.
ـيمكن االعتماد على القبض الحكمي في السلع والخدمات ،واستيراد الحاجيات
والضروريات والكماليات مما لم يشترط ديننا الحنيف فيه التقابض قبل التفرق.
ـاعتبار الذهب المصوغ سلعة غير ربوية ال يشترط فيها التماثل غير صحيح ،وهو
اعتماد على قول بعض الفقهاء في عصور غابرة كانت فيها حاجة ماسة لمن أرادت
من النساء شراء حلي لها ،وليس معها سوى ذهب غير مصوغ ،وال يجوز القياس على
مثل هذه الجزئية.
ـتجارة الذهب بصورها المختلفة مما يدخل في الربا أو شبهته ،سواء في صيغة ما
يُسمى بمعامالت الذهب غير معين المكان ،وصيغة معامالت الذهب المعين المكان
في المصارف.
d
77
المراجع
ـ•ابن السبكي ،األشباه والنظائر ،ط ،1بيروت ،دار الكتب العلمية1999 ،م.
ـ•ابن العربي ،عارضة األحوذي بشرح صحيح الترمذي ،مكتبة المعارف ،بيروت.
78
ـ•الشربيني ،الخطيب ،مغني المحتاج ،دار الفكر.
ـ•الشنقيطي ،دراسة شرعية ألهمية العقود المالية المستحدثة ،ط ،2مكتبة العلوم والحكم ،المدينة المنورة.
ـ•عبد الباقي ،محمد فؤاد ،اللؤلؤ والمرجان ،المطبعة العصرية ،الكويت1977 ،م.
ـ•العطار ،حاشية العطار على جمع الجوامع ،دار الكتب العلمية.
ـ•قاسم ،يوسف ،نظرية الضرورة في الفقه الجنائي اإلسالمي والقانون الجنائي الوضعي ،دار النهضة
العربية ،القاهرة.
ـ•القرافي ،الذخيرة ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت1994 ،م.
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
ـ•القرافي ،الفروق ،ط ،1دار السالم ،القاهرة2001 ،م ،وطبعة دار إحياء الكتب العربية1344 ،هـ.
ـ•القره داغي ،علي ،القبض :صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها ،بحث مقدم لمؤتمر يجمع الفقه
اإلسالمي ،جدة ،الدورة السادسة ،العدد السادس.
ـ•القري ،محمد ،تقرير علمي منشور على شبكة اإلنترنت ،موقع مركز أبحاث فقه المعامالت اإلسالمية،
10شوال 1434هـ.
ـ•قنديل ،مجاهد هشام ،الثمنية ومناسبتها ألحكام الذهب والفضة في الشريعة اإلسالمية ،رسالة ماجستير،
جامعة القرآن الكريم ،الخرطوم ،عام 2003م.
ـ•اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء ،برئاسة عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز.
ـ•مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،ط ،1دار الفكر المعاصر ،بيروت.
ـ•المصري ،رفيق ،فشل األسواق المالية (البورصة) ،نشر دار المكتبي.
ـ• ،...موقف الشريعة اإلسالمية.
ـ•المقري ،القواعد ،تحقيق أحمد بن عبد اهلل بن حميد ،جامعة القرى ،مكة المكرمة.
ـ•المنيع ،عبد اهلل بن سليمان ،تعليق على بحث (أحكام بيع وشراء حلي الذهب والفضة) المنشور في
مجلة االقتصاد اإلسالمي ،مجلد 1997 ،9م.
ـ•بحوث في االقتصاد اإلسالمي ،مكة المكرمة ،من الموقع الرسمي للشيخ عبد اهلل سليمان المنيع.
ـ•موقع (إسالم ويب) ،فتوى رقم ،126193تاريخ النشر .2009/8/17
ـ•موقع (اإلسالم سؤال وجواب) ،المشرف العام محمد صالح المنجد ،تاريخ النشر 2009/1/3
و.2019/4/12
ـ•نادي خبراء المال ،سلبيات أسواق المال2015/8/23 ،م.
ـ•الندوي ،علي ،جمهرة القواعد والضوابط الفقهية ،دار عالم المعرفة1999 ،م.
ـ•النملة ،عبد الكريم ،المهذب في أصول الفقه المقارن ،ط ،1مكتبة الرشد ،الرياض.
ـ•النووي ،صحيح مسلم بشرح النووي ،المطبعة المصرية ومكتبتها.
ـ•هيتو ،محمد حسن ،الوجيز في أصول التشريع اإلسالمي ،مؤسسة الرسالة.
d
79
الهوامش
(((1انظر :الشحي ،يوسف بن عمر ،قواعد التقديرات الشرعية وتطبيقاتها في المعامالت المالية ،رسالة
دكتوراه ،ص 224و 223و 235و ،236الشنقيطي ،دراسة شرعية ألهم العقود المالية المستحدثة،
ج 1ص 402و .403القره داغي ،علي ،بحث القبض :صوره وبخاصة المستجدة منها ،ص 589وما
80
في أجناس األموال الربوية في أحاديث رواه البخاري ومسلم .انظر :ابن الملقن ،التوضيح لشرح
الجامع الصحيح ،ج 14ص 82 ،79وج 16ص.91
((1(1رواه البخاري في كتاب البيوع باب التجارة بالبُ ّر.
((1(1شرح صحيح البخاري.
((1(1العين.
((1(1رواه مسلم ،صحيح مسلم ،كتاب المساقاة ،باب الصرف.
((1(1رواه البخاري ومسلم ،ونصه في البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول اهلل ﷺ قال« :ال
السإلا هقفلا نازيم يف بهذلاب ةرصاعملا ةراجتلا
تبيعوا الذهب بالذهب إال مثال بمثل ،وال تُش ّفوا بعضها على بعض وال تبيعوا ال َو ِرق بال َو ِرق إال ً
مثل
بمثل ،وال تُش ّفوا بعضها على بعض ،وال تبيعوا منها غائبًا بناجز» انظر :عبد الباقي ،محمد فؤاد ،اللؤلؤ
والمرجان ،رقم الحديث 1021ص.386
((1(1ابن حبان ،الصحيح ،حديث رقم 4920
((1(1القرافي ،الفروق ،ج 1ص .340السرخسي ،المبسوط ،ج 26ص .136الزركشي ،المنثور في
القواعد ،ج 1ص .236الشربيني ،مغني المحتاج ،ج 2ص .324ابن نجيم ،األشباه والنظائر ،ص.135
ابن قدامة ،المغني ،ج 5ص 221وج 6ص.604
((1(1المنيع ،عبد اهلل بن سليمان ،بحوث في االقتصاد اإلسالمي ،الموقع الرسمي للشيخ عبد اهلل بن
سليمان المنيع.
((1(1المرجع ذاته.
((1(1البوطي ،البيوع الشائعة وأثر ضوابط المبيع في شرعيتها ،ص .80حماد ،نزيه ،قضايا فقهية معاصرة
في المال واالقتصاد.
((2(2مجمع الفقه اإلسالمي ،قرار رقم ،6/4/55مجلة المجمع ،العدد السادس1990 ،م.
((2(2العز بن عبد السالم ،القواعد الكبرى ،ج 2ص .153القرافي ،شرح تنقيح الفصول ،ص .456علي
حيدر ،درر الحكام ،ج 2ص 216وما بعدها.
((2(2انظر بحث أحكام بيع وشراء الذهب والفضة على موقع:
https://iei.kau.edu.sa/Files/121/Files/153891_IEI،VOL،12،06،BinMani.pdf
وقد نقل جواز بيع الذهب والفضة دون تماثل وال تقابض عن ابن تيمية وابن القيم في كتاب االختيارات
الفقهية ،وكتاب إعالم الموقعين ،وكتاب المقنع ،وكتاب الفروع ،وكتاب اإلنصاف ،وكشاف القناع وغيرها.
((2(2المرجع ذاته.
((2(2األشقر ،محمد سليمان ،تعليق على بحث رفيق يونس المصري ،عام 2000م .المنيع ،عبد اهلل
سليمان ،تعليق على بحث (أحكام بيع وشراء حلي الذهب والفضة) المنشور في مجلة االقتصاد
اإلسالمي ،مجلد ،1997/9ص.68 ،37
((2(2ابن القيم ،إعالم الموقعين ،جـ 2ص ،159ص.163
((2(2البخاري ،الصحيح ،حديث رقم 2178
((2(2رواه أبو داود في كتاب البيوع ،باب الصرف.
81
((2(2الباجي ،المنتقى ،ج 4ص.260
((2(2رواه مالك في الموطأ ،انظر هامش المنتقى شرح الموطأ ،ج 4ص.260
((3(3المرجع ذاته.
((3(3المرجع ذاته.
((3(3الترمذي ،الجامع الصحيح ،حديث رقم ،1728وقال :حديث حسن صحيح
((3(3الراوي فضالة بن عبيد ،األلباني ،المصدر إرواء الغليل ،رقم .1356أخرجه أبو داود،3354 ،
وأحمد .23984 ،انظر الدرر السنية ،الموسوعة الحديثية ،https://www.dorar.net/hadithورواه
d
82
القراءات القرآنية الشاذة وأثرها في الأحكام الشرعية عند أئم ّة الشافعية
دراسة أصولية فقهية
د .مرزوق محمد الشرفات*
ملخص البحث
يدور محور الموضوع على القراءات القرآنية الشاذة؛ من حيث مفهومها وحجيتها
وضوابطها وأحكامها عند أئ ّمة الشافعية ،ومن ث َّم بيان أثر الخالف األصولي والفقهي
في القراءات الشاذة ،وصحة القراءة بها في الصالة وخارجها ،وكذلك بيان أثر القراءات
الشاذة على الفروع الفقهية عند أئ ّمة الشافعية.
الكلمات المفتاحية :القراءات ،الشاذة ،حجية ،ضوابط.
84
المقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على سيد المرسلين ،محمد بن عبد اهلل،
وعلى آله وصحبه أجمعين.
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
وبعد،
فشريعتنا اإلسالمية بكافة أحكامها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ الستنادها
ً
تفصيل وبيانًا ،وبالرغم من اتفاقهم إلى أصول ثابتة ،انبرى لبيانها العلماء األجالء ورث ُة األنبياء
على مجمل األصول التي تُبنى عليها األحكام ،وتُستمد منها الفروع والمسائل الفقهية ،فإن
هناك خالفًا في بعض هذه األصول ،من حيث اعتمادها لبناء األحكام عليها ،ومن بين هذه
األصول اعتبار القراءات العشر وما وراءها والتي تُعرف بالقراءات (الشاذة).
مشكلة الدراسة :تكمن إشكالية البحث في محاولة اإلجابة ع ّما يلي:
ـما حقيقة القراءات السبع والمشهورة والشاذة عند القراء ،وعند فقهاء الشافعية وأصوليِّيهم؟
ـما الفرق بين القراءات المعتبرة والشاذة من حيث جواز تالوتها والتعبد بها في الصالة
تاءارقا
85
ـتقديم صورة واضحة وإزالة اإلشكال من خالل اعتبار القراءات وضوابطها وحجيتها
عند الشافعية ،وأثرها على التطبيقات الفقهية.
86
ـ ذكر التطبيقات الفقهية في كتب المذهب الشافعي.
ـ عزو األقوال إلى أصحابها.
ـ تخريج األحاديث من مصادرها الرئيسة.
ـ ذكر النتائج والتوصيات والمراجع والمصادر.
المصادروالمراجع.
ل
d
87
المبحث الأول
القراءات القرآنية تعر يفها وأقسامها
88
وعليه؛ فإ ّن تعريف القراءات يدور حول ما نُسب إلى أحد ال ُقراء المعتبرين والمشهورين
من القراءات المعتبرة ،واختالفهم في أداء اللفظ بالتشديد والتخفيف والحذف واإلثبات
وغيره ،ويطلق لفظ القراءة على صنيع القراء في أداء النص القرآني وتالوتهم له؛ لذلك
تنوعت القراءات بحسب ذلك ،فيقال :قراءة عاصم ،وقراءة حمزة ،وقراءة نافع ،وهكذا(.)8
ويبدو أن التعريف األشمل لمعنى القراءات هو تعريف ابن الجزري؛ الشتماله على
عناصر مهمة؛ كبيان االختالف في القراءات ،من حيث حقيقتها ومواضعها ،وبيان اشتراط
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
ف َ َهــــ ِذ ِه الثَّالثــةُ األ ْركا ُن إسنادًا ُه َو ال ُقرآ ُن ـح ْ صـ َّ
َو َ
ُشــ ُذوذَهُ ل َ ْو أنّهُ فِي َّ
ل
وصحة السند تعني التواتر؛ وهو ما رواه جماعة كذا إلى منتهاه ،بحيث يفيد العلم من
غير تعيين عدد؛ هذا هو الصحيح ،وقيل بالتعيين ،واختلفوا فيه ،فقيل :ستة ،وقيل :اثنا عشر،
وقيل :عشرون ،وقيل :أربعون ،وقيل :سبعون ،وهذه ال خالف في صحتها ،فيتعبد بتالوتها
وتصح الصالة بها(.)11
قال مصطفى البغا في تعريف القراءة المتواترة« :ما رواه جمع عن جمع ال يمكن
تواطؤهم على الكذب عن مثلهم .مثاله :ما اتفقت الطرق في نقله عن السبعة ،وهذا هو
الغالب في القراءات»(.)12
الثاني :القراءات المشهورة( :)13هي التي وافقت العربية والرسم العثماني ،واستفاض
نقلها وتلقاها األئمة بالقبول ،إال أنها لم تبلغ درجة التواتر ،وهي ما وراء السبع ،تتمة العشر؛
وهي ثالث :قراءة يعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع.
89
قال ابن الجزري« :ما صح سنده بنقل العدل الضابط عن الضابط كذا إلى منتهاه ،ووافق
العربية الرسم ،وهذا على ضربين :ضرب استفاض نقله ،وتلقاه األئمة بالقبول كما انفرد به
بعض الرواة ،وبعض الكتب المعتبرة أو كمراتب القراء في المد ونحو ذلك ،فهذا صحيح
مقطوع به أنه منزل على النبي ﷺ من األحرف السبعة كما نبين حكم المتلقى بالقبول ،وهذا
الضرب يُلحق بالقراءة المتواترة ،وإن لم يبلغ مبلغها»(.)14
الثالث :القراءات الشاذة؛ وهي القراءة المنقولة من غير تواتر واستفاضة ،ولكن صح
d
90
المبحث الثاني
الخلاف الأصولي والفقهي عند أئمة الشافعية في حجية وضوابط القراءة الشاذة
المطلب الأول :حجية القراءة الشاذة في الأحكام الشرعية عند أئمة الشافعية
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
تبين أن القراءة الشاذة هي ما اختل فيها ركن من أركان القراءة الصحيحة ،وال خالف
في عدم حجية القراءة الشاذة إن كان سندها ضعي ًفا أو كانت موضوعة؛ لعدم اعتبارها ً
أصل
وفرعًا ،وإنما الخالف فيما صح سنده عن الصحابة رضوان اهلل عليهم ،هل هو حجة في
األحكام الشرعية عند أئمة الشافعية؟
اختلف أئمة الشافعية في الاحتجاج بالقراءة الشاذة في الأحكام الشرعية على قولين :
خبرا آحاديًّا ال قرآنًا،تجري مجرى الخبر عن النبي ﷺ ،أو األثر
يحتج بهالكونها ً
ُّ األول:
غيرها مما هو أقوى
تخالف رسم المصحف ،وال توج َد َُ عن الصحابة ،والشرط في ذلك ّأل
ٌ ُ َ َ
الذين ُي َط َّوقون ُه ف ِْدية) [البقرة ]184 :مع أن مذهبه
َ يحتج بقراءة ابن عباس( :وعَلى
َّ منها؛ ولذلك لم
تاءارقا
وجوب الفدية كما نص عليه في المختصر( ،)18ونسب هذا القول إلى اإلمام الشافعي في
ل
أحد قوليه ،وهو قول البويطي وتابعه جمهور األصحاب وأبو حامد الماوردي ،والروياني،
وأبو الطيب ،والقاضي الحسين ،والمحاملي ،والرافعي ،وكثير من المتأخرين كالرملي ،وابن
حجر ،والسبكي ،والشربيني ،والعمراني ،وابن يونس شارح التنبيه»( ،)19قال ابن حجر:
«وهو المعتمد»( ،)20وص َّ
حح تاج الدين السبكي إجراءه مُجرى اآلحاد ،ويمكن االستدالل
على ذلك بأن الناقل للقراءة الشاذة ـ وهو الصحابي ـ أنه قد سمع ذلك من النبي ﷺ؛ وبالتالي
النبي ﷺ ،فإن كان قرآنًا
ِّ فالمنقول عن رسول اهلل ﷺ إما أن يكون قرآنًا أو يكون ً
خبرا عن
أيضا ،أل ّن خبر الواحد الثقة قد
خبرا عن النبي ﷺ فيجب العمل به ً وجب العمل به ،وإن كان ً
اتفق العلماء على العمل به ،وك ُّل ما وجب العمل به فهو ُح ّ
جة(.)21
ومما ير ِّجح جانب االحتجاج بها :أ ّن القراءة الشاذة ال تكون أق َّل من خبر الواحد أو قول
البر
الصحابي ،وكالهما حجة؛ فلذلك يكون العمل بها واجبًا ،وهذا المذهب ذكره ابن عبد ِّ
إجماعًا(.)22
91
الثاني :ال يحتج بها ،ونُسب هذا القول إلى اإلمام الشافعي في أحد قوليه ،وذكر إلكيا
الطبري أن القراءة الشاذة مردودة ال يجوز إثباتها في المصحف ،وهذا ال خالف فيه بين
العلماء( ،)23والقشيري ،وابن السمعاني ،والجويني ،حيث قال« :ظاهر مذهب الشافعي
تواترا ال يسوغ االحتجاج بها ،وال تنزل منزلة الخبر الذي
ً أن القراءة الشاذة التي لم تنقل
ينقله آحاد من الثقات»( ،)24واآلمدي وإليه ذهب الغزالي في المنخول( ،)25وجزم النووي
أن القراءة الشاذة ال يحتج بها ،وال يكون لها حكم الخبر عن رسول اهلل ﷺ؛ ألن ناقلها لم
92
وكذلك فقد نص رحمه اهلل تعالى على االحتجاج بالقراءة الشاذة في كتابه «األم» في
َّ ُ ُ ّ َ ّ ُ َّ ُ
وهن ل ِق ُب ِل تفسيره لألقراء بأنها األطهار ،حيث قال« :تال النبي ﷺ( :إذا طلقتم النِساء فطل ِق
ِهن) [الطالق ،]1 :فأخبر رسول اهلل ﷺ عن اهلل عز وجل أن العدة ع َِّدتِه َّن) ،أو (في ُق ُبل ع َِّدت َّ
ِ ِ
َّ َّ ُ ُ َّ ُ ّ
طاهرا؛ ألنها حينئ ٍذ تستقبل ً الطهر دون الحيض ،وقرأ( :فطل ِقوهن ل ِقب ِل عِدت ِ ِهن) ،أن تطلق
ً
حائضا لم تك ْن مستقبلة عدتها إال بعد الحيض(.)29 عدتها ،ولو طلقت
ولما كان اإلمام الشافعي ال يحتج في بعض المواطن بالقراءة الشاذة ،كما في قراءة
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
تتابعات) لعبد اهلل بن مسعود رضي اهلل تعالى عنه ،ويحتج بها في مواطن أخرى؛ فقد أوجب
ٍ ( ُم
ً
إشكال يحتاج إلى تبيين موقف اإلمام الشافعي رحمه اهلل تعالى في ذلك وتحريره ،وقد هذا
انبرى لهذا الزركشي ،فقال« :والذي يفصل عن هذا اإلشكال أن ال يطلق القول في ذلك،
بل يقال :ال يخلو إما أن تكون القراءة الشاذة وردت لبيان حكم أو البتدائه ،فإن وردت لبيان
َ
حكم ،فهي عنده حجة ،كحديث عائشة في الرضاع وقراءة ابن مسعود( :أيْمان ُهما) [المائدة،]38 :
ُ
تتابعات)؛ فليس بحجة
ٍ وقوله( :ل ِق ُب ِل ع َِّدت ِ ِه َّن) ،وإن وردت ابتداء حكم ،كقراءة ابن مسعودُ ( :م
إال أنه قد قيل :إنها لم تثبت عن ابن مسعود ،ويدل له ما رواه الدارقطني بإسناد صحيح عن
تتابعات) [البقرة ،]196 :فسقطت ( ُمتتابعات) ،أو يقال: ُ
فصيام ثلاثةِ أيا ٍم ُمعائشة :كان مما أُنزل( :
ٍ
تفسيرا فهي حجة كقراءة ابن مسعود:
ً تفسيرا أو حك ًما ،فإ ْن وردت
ً القراءة الشاذة إما أن ترد
ّ ٌ ٌ َُ
تاءارقا
العصر) [البقرة ،]238 :وإن وردت حك ًما؛ فال يخلو إما أن يعارضها دليل آخر أم ال ،فإن عارضها
ِ
َ
تتابعات)
ٍ
ُ
فصيام ثلاثةِ أيا ٍم ُم فمن لم ي ْجد
فالعمل للدليل كقراءة ابن مسعود في صيام المتمتعَ ( :
[البقرة ،]196 :فقد صح أنه عليه الصالة والسالم قال« :إن شئت فتابع أو ال» ،وإن لم يعارضها
دليل آخر فللشافعي قوالن ،كوجوب التتابع في صوم الكفارة»(.)30
ومن خالل االطالع على حجة المانعين بعدم حجية القراءة الشاذة لكونها لم تثبت
قرآنيتها؛ فال تثبت حجيتها في األحكام ،فالزيادة على النص القرآني مردودة ،ومن قال
بحجيتها استند إلى كونها جاءت مفصلة ومبينة بمقصود الشارع ،وهو يجري عليها مجرى
الخبر الواحد بالضوابط التي ستأتي في المطلب الثاني.
وقصد الزركشي ببيان الحكم الشرعي أن الحكم قد استقر أصله ،ولكنه مجمل ،فال
بد له من بيان ،والشافعية تحتج بالقراءة الشاذة إذا كانت مبينة للحكم اتفاقًا ،ولهم ولغيرهم
اختالف في القراءة الشاذة إذا كانت مبتدئة للحكم؛ أي :مؤسسة له(.)31
93
المطلب الثاني :ضوابط حجية القراءة الشاذة المعتبرة في الأحكام عند أئمة الشافعية
من خالل استقراء النصوص األصولية والفقهية عند أئمة الشافعية ممن احتج بالقراءة
الشاذة؛ تبين لنا أنه ال بد من ضوابط للعمل بالقراءة الشاذة في األحكام ،ومن خالل النصوص
المذكورة عند األصوليين وفقهاء الشافعية في حجية القراءة الشاذة؛وصلنا إلى مجموعة من
الضوابط ،وهي كاآلتي:
الضابط األول :أ ْن تكون القراءة الشاذة ثابتة وصحيحة؛ لتجري مجرى خبر اآلحاد
الصالة والسالم قال« :إن شئت فتابع أو ال»( ،)36وإن لم يعارضها دليل آخر فللشافعي قوالن،
كوجوب التتابع في صوم الكفارة» .انتهى(.)37
94
الضابط الثالث :أال تتعارض القراءة الشاذة مع عموم اآليات المتواترة والمشهورة ،أو
صحيح ،كما سيأتي في مسألة تتابع الصيام في كفارة اليمين.
ٍ نبوي
ٍّ نص
ٍّ
تفسيرا من الصحابي بالرأي واالجتهاد؛ ألن قول
ً الضابط الرابع :أال تكون القراءة الشاذة
الصحابي فيما كان بالرأي واالجتهاد وله مخالف ليس حجة في أصول الشافعية.
الضابط الخامس :أال تكون القراءة الشاذة نسخت حك ًما كما في تتابع الصيام في كفارة
اليمين؛ فآية اليمين نسخت متتابعات تالوة وحك ًما ،فال يستدل بها بخالف آية السرقة ،فإنها
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
المطلب الثالث :أثر الخلاف في حجية أقسام القراءات القرآنية على الفروع الفقهية
عند أئمة الشافعية
اقتصرنا في هذا المطلب على أربعة مسائل فقط لالختصار:
ال يمنع االحتساب بالقراءة على ظاهر المذهب ،وإن كان فيها زيادة كلمة أو كان فيها تغيير
المعنى فتلك القراءة تجري مجرى أثر عن الصحابة أو خبر عن رسول اهلل ﷺ؛ فإن كان عمدًا
تبطل الصالة ،وإن كان سه ًوا فإنه يسجد للسهو»(.)47
ونقل الزركشي في «البحر المحيط» عن السخاوي قوله« :ذكره شيخنا أبو الحسن
السخاوي في كتاب جمال القراء قوله« :بأن هذه الثالثة يعقوب وخلف وأبو جعفر يزيد بن
القعقاع غير متواترة ضعيف جدًّا ،وقد ذكر البغوي في تفسيره «اإلجماع على جواز القراءة
بها»(.)48
ويُفهم من كالم السخاوي والبغوي وغيرهم كالقاضي حسين والروياني وجالل الدين
المحلي والسبكي والزركشي بجواز القراءة بالقراءات العشر في الصالة وخارجها ،وهو قول
تاءارقا
كما اعتبر المخالفون صحة القراءة بالثالثة تتمة العشر بأن ال يكون فيها تغيير معنى ،وال
زيادة حرف ،وال نقصان حرف لوقوع الخالف فيها.
97
لكن ثبت حكمه والعمل به ،فالقراءة الشاذة تنزل منزلة الخبر ،وقيل :يكفي ثالث رضعات
الرضع ُة أ ِو ْ
الرضع ِ
َتان»( ،)51وإنما قدم مفهوم الخبر األول على حر ُم ْ
لمفهوم خبر مسلم« :ال ت ُ َ
هذا العتضاده باألصل ،وهو عدم التحريم»(.)52
وأجاب الماوردي على المعترضين من أئمتنا بقوله« :المنسوخ ينقسم ثالثة أقسام:
قسم نسخت تالوته وحكمه؛ كالذي روي أن ً
رجل قام في الليل ليقرأ سورة فلم يقدر
عليها ،ثم سأل آخر عليها فلم يقدر عليها ،فأتى جميعهم رسول اهلل ﷺ فأخبروه بذلك،
[البقرة.]196 :
ذكر العمراني الخالف بين أئمة الشافعية في وجوب العمرة في «البيان» قوله« :أما
العمرة :فهل تجب؟ فيه قوالن:
األول :قال في القديم :ال تجب ،وال أر ِّخ ُ
ص بتركها لمن قدر عليها.
وبه قال مالك ،وأبو حنيفة ،وهو قول الشعبي ،وروي ذلك عن ابن مسعود من الصحابة؛
لما روى جابر« :أن رجال سأل النبي ﷺ ،فَقا َل :يا َر ُسو َل اهللِ ال ُع ْمرةُ واجِ بةٌ؟ قا َل« :الَ ،وأ ْن
حج إلى ك»( ،)55وروى سراقة بن مالك أن النبي ﷺ قال« :دَ َخلَ ِ
ت ال ُع ْمرةُ فِي ال َ ت َ ْعتَ ِم َر َخيْ ٌر ل َ َ
يَ ْو ِم ال ِقيام ِة»( ،)56وأراد :أن وجوبها دخل في وجوب الحج؛ وألنها نسك ال تختص بوقت
معين ،فلم تكن واجبة بالشرع ،كطواف القدوم.
والثاني :قال في الجديد :هي واجبة ،وبه قال من الصحابة :ابن عمر ،وابن عباس،
وجابر ،ومن التابعين :عطاء ،وابن المسيب ،وسعيد بن جبير ،والدليل عليه ق َ ْولُه تَعالَى:
98
ۡ ْ ۡ َ
﴿ َوأت ُِّموا ٱلحَ َّج َوٱل ُع ۡم َرةَ ِ َّلِۚ﴾ [البقرةُ ،]196 :روي عن ابن عمر ،وابن عباس :أنهما كانا يقرآن:
ح َّج والعُمرةَ ِ
هلل» [البقرة ،]196 :والقراءة الشاذة تجري مجرى أخبار اآلحاد»(.)57 «وأقي ُموا ال َ
وذكر الرازي في التفريق بين أقيموا وأتموا في أن اإلقامة للوجوب ابتداءً بخالف
اإلتمام فيكون عند التلبس بالعمل ،فإن قراءةُ ( :
وأقيموا) وإن كانت شاذة فهي جارية مجرى
خبر الواحد ،وهو صالح لترجيح تأويل على تأويل على نحو ما ذكره في تفسيره(.)58
اختلف أئمة الشافعية في وجوب التتابع في كفارة اليمين ،والظاهر من مذهبهم استحباب
التتابع فيها؛ ككفارة الظهار والقتل ،وكذلك خرو ًجا من الخالف.
وفي القديم عند اإلمام الشافعي وقول ال ُمزَني بلزوم التتابع.
ُ
فصيام ُ ُ
فصيام ثلاثةِ أيّا ٍم ُم
تتابعات) ،وقراء ِة أ ّ
بي( : ٍ واستد ّل ال ُمزَني بقراء ِة ابن مسعود( :
ثلاثةِ أيّا ٍم ُمتتابع ٍة) [المائدة ،]89 :وخالف معظ ُم الشافعية القو َل القديم وقو َل ال ُمزني؛ ألن
االحتجاج بالقراءة الشاذة ضابطها أن تضاف إلى التنزيل؛ أي :القرآن الكريم ،أو إلى النبي
بي رضي اهلل عنهما ،وقالوا:إنها ُ
عليه الصالة والسالم ،وهو على خالف قراءة ابن مسعود وأ ّ
نُسخت تالوةً وحك ًما»(.)59
تاءارقا
خبر الواحد ،إذا أضيفت إلى التنزيل ،وإلى سماعها من الرسول ﷺ ،فأما إذا أطلقت
جرت مجرى التأويل دون التنزيل ،ثم لو سلمت لحملت على االستحباب وإطالقها على
الجواز»(.)60
وقال الشربيني« :ال يجب تتابعها في األظهر إلطالق اآلية .والثاني يجب؛ ألن ابن مسعود
تتابعات ،)...وأجيب :بأن آية اليمين نسخت متتابعات تالوة وحك ًما»(.)61
ٍ قرأ( :ثلاثةِ أيّا ٍم ُم
d
99
النتائج
d
100
التوصيات
ـاالهتمام بالقراءات من حيث اعتبارها وحجيتها في األحكام عند غير الشافعية؛ ألن
غالب البحوث لم تحظ بالدقة الكافية من حيث معالجة الخالفات الفقهية.
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
ـوضع ضوابط القراءات الشاذة وبيانها عند باقي األئمة من الحنفية والمالكية والحنابلة.
ـ ذكر صور التطبيقات الفقهية في القراءات الشاذة عند غير الشافعية.
d
تاءارقا
ل
101
المصادر والمراجع
ـ•ابن الرفعة ،أحمد بن محمد بن علي األنصاري ،أبو العباس ،نجم الدين(ت710هـ) ،كفاية النبيه في
شرح التنبيه ،المحقق :مجدي محمد سرور باسلوم ،دار الكتب العلمية ،ط2009 ،1م.
102
ـ•الجيزاني،محمد بن حسين بن حسن ،معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ،دار ابن الجوزي،
ط1427 ،5هـ.
ـ•الدارقطني ،أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي
(ت 385هـ) ،سنن الدارقطني ،حققه وضبط نصه وعلق عليه :شعيب األرناؤوط ،حسن عبد المنعم
شلبي ،عبد اللطيف حرز اهلل ،أحمد برهوم ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ـ لبنان ،ط1424 ،1هـ = 2004م.
ـ•الدمياطي ،أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني ،شهاب الدين الشهير بالبناء (ت1117هـ)،
إتحاف فضالء البشر في القراءات األربعة عشر ،المحقق :أنس مهرة ،دار الكتب العلمية ـ لبنان،
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
وشركاه ،ط.3
ل
ـ•الزركشي ،أبو عبد اهلل بدر الدين محمد بن عبد اهلل بن بهادر (ت794هـ) ،البحر المحيط في أصول الفقه،
دار الكتبي ،ط1414 ،1هـ = 1994م.
ـ• ،...تشنيف المسامع بجمع الجوامع لتاج الدين السبكي ،دراسة وتحقيق :د سيد عبد العزيز ـ د .عبداهلل
ربيع ،مكتبة قرطبة للبحث العلمي وإحياء التراث ،توزيع المكتبة المكية ،ط1418 ،1هـ = 1998م.
ـ• ،...البرهان في علوم القرآن ،المحقق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،ط1376 ،1هـ = 1957م ،دار إحياء
الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه.
ـ•السيوطي ،عبد الرحمن بن أبي بكر ،جالل الدين (ت911هـ) ،اإلتقان في علوم القرآن ،المحقق :محمد
أبو الفضل إبراهيم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،الطبعة1394 :هـ = 1974م.
ـ•الشافعي ،أبو عبد اهلل محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف
المطلبي القرشي المكي (ت04هـ) ،األم ،دار المعرفة ـ بيروت ،بدون طبعة1410 ،هـ =1990م.
ـ•الشربيني ،شمس الدين ،محمد بن أحمد الخطيب الشافعي (ت977هـ) ،مغني المحتاج إلى معرفة
معاني ألفاظ المنهاج ،دار الكتب العلمية ،ط1415 ،1هـ = 1994م.
103
ـ• ،...اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ،المحقق :مكتب البحوث والدراسات ،دار الفكر ـ بيروت.
ـ•العمراني ،أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم اليمني الشافعي (ت558هـ) ،البيان في مذهب
اإلمام الشافعي ،المحقق :قاسم محمد النوري ،دار المنهاج ـ جدة ،ط1421 ،1هـ = 2000م.
ـ•الغزالي ،أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت505هـ) ،المنخول من تعليقات األصول ،حققه وخرج
نصه وعلق عليه :الدكتور محمد حسن هيتو ،دار الفكر المعاصر ـ بيروت ،دار الفكر ـ دمشق ،ط،3
1419هـ = 1998م.
ـ•غزالن ،عبدالوهاب ،البيان في مباحث علوم القرآن ،القاهرة ،دار التأليف ،مصر.
d
104
الهوامش
(((1ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :عبدالسالم هارون ،دار الفكر ،بيروت ،1979 ،باب القاف
والراء ،ج ،5ص.79
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
(((2ابن منظور ،محمد بن مكرم بن علي ،أبو الفضل ،جمال الدين األنصاري الرويفعي اإلفريقي
(ت711هـ) ،لسان العرب ،دار صادر ـ بيروت ،ط1414 ،3هـ ،باب (قرأ)،ج ،1ص .24
(((3الزَّبيدي ،مح ّمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني ،أبو الفيض ،المل ّقب بمرتضى (ت1205هـ) ،تاج
العروس من جواهر القاموس ،المحقق :مجموعة من المحققين ،دار الهداية ،باب (قرأ) ص،370ج.1
(((4الزركشي ،أبو عبد اهلل بدر الدين محمد بن عبد اهلل بن بهادر (ت794هـ) ،البرهان في علوم القرآن،
المحقق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،ط1376 ،1هـ = 1957م ،دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي
الحلبي وشركائه ،ج ،1ص.318
(((5ابن الجزري ،شمس الدين أبو الخير ،محمد بن محمد بن يوسف (ت833هـ) ،منجد المقرئين ومرشد
الطالبين ،دار الكتب العلمية ،ط1420 ،1هـ = 1999م ،ص.9
(((6الدمياطي ،أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني ،شهاب الدين الشهير بالبناء (ت1117هـ)،
إتحاف فضالء البشر في القراءات األربعة عشر ،المحقق :أنس مهرة ،دار الكتب العلمية ـ لبنان ،ط،3
2006م = 1427هـ ،ص.6
تاءارقا
(((7ال ُّز ْرقاني ،محمد عبد العظيم (ت1367هـ) ،مناهل العرفان في علوم القرآن ،مطبعة عيسى البابي الحلبي
ل
105
يثبت به قرآن .انظر :السيوطي ،عبد الرحمن ابن أبي بكر ،جالل الدين(ت911هـ) ،اإلتقان في علوم
القرآن ،المحقق :محمد أبو الفضل إبراهيم ،الناشر :الهيئة المصرية العامة للكتاب ،الطبعة1394 :هـ =
1974م ،ج ،1ص.261
((1(1ابن الجزري ،منجد المقرئين ومرشد الطالبين ،ص .19السيوطي،اإلتقان في علوم القرآن ،ج،1
ص.264
((1(1ابن الجزري ،منجد المقرئين ،ص.19
((1(1الزركشي،البرهان في علوم القرآن ،ج ،1ص.332
106
((2(2الشافعي ،أبو عبد اهلل محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف
المطلبي القرشي المكي (ت04هـ) ،األم ،دار المعرفة ـ بيروت ،بدون طبعة1410 ،هـ =1990م،
ج ،5ص.224
((3(3الزركشي ،البحر المحيط ،ج ،2ص.226 -225
((3(3ن ّوال ،آسية ،االحتجاج بالقراءات القرآنية الشاذة ،رسالة ماجستير ،جامعة محمد بوقرة بومرداس،
الجزائر2015 ،م ،ص.26
((3(3الماوردي ،أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت450هـ) ،الحاوي الكبير
ّمئأ دنع ةيعرشلا ماكحألا يف اهرثأو ةذاشلا ةينآرقلا
في فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني ،المحقق :الشيخ علي محمد معوض ـ الشيخ
عادل أحمد عبد الموجود ،دار الكتب العلمية ،بيروت ـ لبنان ،ط1419 ،1هـ = 1999م ،ص ،34ج.4
تفسيرا من قبيل الرأي واالجتهاد ،ومن المعلوم بعدم حجية قول الصحابي في
ً ((3(3والمقصود أن يكون
أصول الشافعية إن كان من قبيل الرأي واالجتهاد وليس حديثًا مرفوعًا.
((3(3ابن قاضي شهبة ،بدر الدين أبو الفضل محمد بن أبي بكر األسدي الشافعي (874 -798هـ) ،بداية
المحتاج في شرح المنهاج ،عُني به :أنور بن أبي بكر الشيخي الداغستاني ،بمساهمة :اللجنة العلمية
بمركز دار المنهاج للدراسات والتحقيق العلمي ،دار المنهاج للنشر والتوزيع ،جدة ـ المملكة العربية
السعودية ،ط1432 ،1هـ = 2011م ،ص ،398ج.4
((3(3الدراقطني ،أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي
(ت385هـ) ،سنن الدارقطني ،حققه وضبط نصه وعلق عليه :شعيب االرنؤوط ،حسن عبد المنعم
شلبي ،عبد اللطيف حرز اهلل ،أحمد برهوم ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ـ لبنان ،ط1424 ،1هـ = 2004م،
باب (القبلة للصائم) ،رقم الحديث( ،)2316ص،170ج.3
تاءارقا
((3(3الدارقطني ،سنن الدارقطني ،باب (قبلة الصائم) ،رقم الحديث( )2329ص،173ج .3وهذا قياس
ل
على قضاء اإلفطار في رمضان ،ولم نقف على نص الحديث في كفارة اليمين.
((3(3الزركشي،البحرالمحيط ،ص ،226ج.2
((3(3الشربيني ،شمس الدين ،محمد بن أحمد الخطيب (ت977هـ) ،اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع،
المحقق :مكتب البحوث والدراسات ،دار الفكر ـ بيروت ،ص ،606ج.2
((3(3ابن الرفعة ،أحمد بن محمد بن علي األنصاري ،أبو العباس ،نجم الدين (ت710هـ) ،كفاية النبيه في
شرح التنبيه ،المحقق :مجدي محمد سرور باسلوم ،دار الكتب العلمية ،ط2009 ،1م ،ص ،13ج.15
((4(4الزركشي ،البحر المحيط ،ج ،2ص.223
((4(4الزرقاني ،محمد عبد العظيم (ت1367هـ) ،مناهل العرفان في علوم القرآن ،مطبعة عيسى البابي
الحلبي وشركاه ،ط ،3ج ،1ص.441
((4(4الزركشي ،البرهان ،ص،258ج1
((4(4الجزري ،النشر في القراءات العشر،ج ،1ص.44
((4(4النووي ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف (ت676هـ) ،المجموع شرح المهذب ،دار الفكر،
ص ،392ج.3
107
((4(4ابن الرفعة ،كفاية التنبيه ،ص ،408ج.2
((4(4اإلسنوي ،جمال الدين عبد الرحيم (ت 772هـ) ،المهمات في شرح الروضة والرافعي ،اعتنى به:
أبو الفضل الدمياطي ،أحمد بن علي (مركز التراث الثقافي المغربي ـ الدار البيضاء ـ المملكة المغربية)،
(دار ابن حزم ـ بيروت ـ لبنان) ،ط1430 ،1هـ = 2009م ،ص،52ج.3
((4(4الروياني ،أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل (ت 502هـ) ،بحر المذهب (في فروع المذهب
الشافعي) ،المحقق :طارق فتحي السيد ،دار الكتب العلمية ،ط2009 ،1م ،ص ،261ج.2
((4(4الزركشي ،المحيط ،ص ،219ج.2
108
استئجار الأرحام وأحكامه في الفقه الإسلامي
د .أحمد عيد الحسيني الشواف
(*)
ملخص البحث
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
من األمور المعهودة منذ القدم لدى البشر حب الولد ،والسعي في تحصيله ،والعقم
مرض يمكن عالجه أو التغلب عليه ما أمكن ،إال أن هناك حاالت ال يمكن وجود
الحمل معها؛ كفقدان الرحم ،أو استئصال المبايض ،أو مرضهما ،أو أي ضرورة أخرى؛
فظهر ما يسمى باألم البديلة ،أو استئجار الرحم ،فتأتي من ال تنجب وتستأجر رحم
امرأة ،تحمل مكانها الولد مقابل مبلغ مالي ،أو تبرعًا منها ،ثم تأخذ من ال تنجب الول َد
من صاحبة الرحم المستأجرة بعد ذلك ،والشريعة اإلسالمية بما لها من مرونة وشمول،
ترحب بكل ما هو جديد في البحث العلمي بشرط عدم اإلضرار باألسرة والمجتمع.
وقد أثارت مسألة تأجير األرحام خالفًا ُخلُقيًّا وفقهيًّا ،سواء في المجتمعات
المسلمة أو غير المسلمة ،من أجل ذلك أعددت هذه الدراسة؛ لمعرفة الحكم الشرعي
لهذه النازلة ،بدأتها بمقدمة اشتملت على أهمية البحث ،وأهدافه ،وسبب اختياره،
ثم قسمت الخطة إلى ثالثة مباحث؛ تكلمت في المبحث األول عن المقصود بتأجير
األرحام واألسباب الدافعة له وصوره ،وفي المبحث الثاني تكلمت عن الحكم الشرعي
لصور استئجار األرحام ،وفي المبحث الثالث تكلمت عن أثر إجارة الرحم على نسب
الطفل المولود ،ثم أنهيته بخاتمة اشتملت على أبرز النتائج.
وتوصلت إلى أنه تتعدد صور استئجار األرحام ويختلف الحكم حسب كل قسم:
القسم األول :أن تكون اللقيحة من الزوجين؛ فقد اختلف الفقهاء فيه على ثالثة
أقوال ،وقد رجحنا القول بالتحريم.
القسم الثاني :أن تكون اللقيحة من أحد الزوجين واآلخر أجنبي ،وقد اتفق المعاصرون
على القول بحرمة هذا القسم.
القسم الثالث :أن تكون اللقيحة من غير الزوجين ،وقد اتفق المعاصرون على القول
بحرمة هذا القسم.
الكلمات المفتاحية :تأجير األرحام ،األم البديلة ،الرحم البديل ،الحمل البديل،
التبرع بالرحم.
(*) مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بطنطا ،جامعة األزهر.
109
Returning goods due to deficiency
Abstract
I started this research with the title “Returning goods due to deficiency” be-
cause it is a very important topic that our righteous forefathers have spent a lot of
efforts to define, reveal the defects of returning the product and related rules. For
example, when the commodity falls down causing a defect for the buyer, increas-
ing or reducing its price and whether the product is returned immediately or after
110
مقدمة
الحمد هلل وحده ،والصالة والسالم على من ال نبي بعده ،وعلى آله وصحبه الطيبين
الطاهرين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
أما بعد،
فإن اهلل تبارك وتعالى فطر اإلنسان على حب الولد ،وجعله من أعظم النعم التي يرغب
ۡ َ ُ َ ۡ َ ُ َ َ ُ ۡ َ َ ٰ ُّ ۡ
ٱلدن َياۖ﴾ بها اإلنسان ،وجعله أيضا زينة الحياة الدنيا ،قال اهلل تعالى﴿ :ٱلمال وٱلبنون زِينة ٱلحيوة ِ
[الكهف]46 :؛ لذا فإن نفوس البشر غالبًا تتطلع إلى تحصيل الولد.
والعقم مرض يمكن عالجه أو التغلب عليه ما أمكن ،إال أن هناك حاالت ال يمكن
وجود الحمل معها؛ كفقدان الرحم ،أو استئصال المبايض ،أو مرضهما ،أو أي ضرورة
أخرى ،فظهر ما يسمى باألم البديلة ،أو استئجار الرحم ،فتأتي من ال تنجب وتستأجر رحم
امرأة ،تحمل مكانها الولد مقابل مبلغ مالي ،أو تبرعًا منها ،ثم تأخذ مَن ال تنجب الول َد من
صاحبة الرحم المستأجرة بعد ذلك.
والشريعة اإلسالمية بما لها من مرونة وشمول ،ترحب بكل ما هو جديد في البحث العلمي
بشرط عدم التعارض مع نصوصها القطعية أو اإلجماع ،وعدم اإلضرار باألسرة والمجتمع.
وقد أثارت مسألة تأجير األرحام خالفًا ُخلُقيًا وفقهيًّا ،سواء في المجتمعات المسلمة
أو غير المسلمة.
ولما كان الحكم على الشيء فرعًا عن تصوره؛ فال بد ً
أول من بيان حقيقة المسألة،
وتوضيح التصور الطبي لها ،ثم معرفة وبيان األسباب الدافعة لهذه العملية ،ثم توضيح صورها،
ثم تبيين الحكم الشرعي لكل صورة ،موض ًحا آراء المعاصرين وما ورد عليها من مناقشات،
ً
متوصل بذلك إلى الرأي الراجح من وجهة نظري ،وأسأل اهلل العون والسداد والتوفيق.
أهمية الموضوع :
1ـإن مسألة استئجار األرحام لها مساس بحياة الفرد والمجتمع ،وتحتاج إلى معرفة
األحكام الشرعية المتعلقة بها.
2ـلجوء العديد من األفراد إلى األطباء إلجراء عملية استئجار األرحام؛ لذا كانت هناك
حة للوقوف على حقيقة المسألة وطرقها ،ثم بيان الحكم الشرعي لها. ضرورة مل ّ
111
3ـارتباط الموضوع بمقصد مهم من مقاصد الشريعة اإلسالمية؛ وهو حفظ النسل،
وحفظ النسب.
3ـ ماهر حامد الحولي ،اإلخصاب خارج الجسم مع استئجار الرحم ،الجامعة اإلسالمية،
غزة2009 ،م.
4ـ إسالم نايل المجالي ،استئجار األرحام بين اإلباحة والتحريم ،رسالة ماجستير مقدمة
لكلية الدراسات العليا ـ الجامعة األردنية2015 ،م.
5ـ تأجير األرحام وأثره في نظر الشريعة والطب والقانون ،ساجدة طه محمود ،بحث
ألقي في مؤتمر كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة كربالء2010 ،م.
6ـ رشدي شحاتة أبو زيد ،تأجير األرحام في الفقه اإلسالمي ،بحث منشور بمجلة
حقوق حلوان للدراسات القانونية واالقتصادية.
7ـ تأجير األرحام ،حقيقته ،وصوره ،وحكمه ،محمد بن عبد اهلل اللحيدان ،بحث منشور
بمجلة البحوث القانونية واالقتصادية بكلية الحقوق بالمنوفية ،مجلد ،12العدد ،31عام2010م.
ـ أوجه االتفاق بين الدراسات السابقة والدراسة الحالية:
تتفق الدراسات السابقة مع دراستي بشكل عام في تناولهما لموضوع استئجار األرحام،
وقد استفدت منها ومن بعض مصادرها التي ترتبط بالموضوع.
ـ أوجه االختالف بين الدراسات السابقة والدراسة الحالية:
1ـ التوسط في عرض المسائل من الناحية الطبية ،والناحية الفقهية؛ ذلك أن أغلب
األبحاث السابقة منها ما يتوسع في الجانب الطبي فيصعب على الدارسين في الجانب الشرعي
فهمه ،ومنهم من يتوسع في الجانب الفقهي الشرعي فيصعب على الدارسين في الجانب
الطبي فهمه ،فقمت بالتوسط في المجالين حتى ألبي رغبة الدارسين من الجانبين.
2ـ استقصاء أغلب ما كتب في هذا الموضوع باالطالع على العديد من األبحاث،
والرسائل العلمية ،والمجالت العلمية ،والندوات المتخصصة في هذا الموضوع ،والرجوع
إلى فتاوى دور اإلفتاء في القضية.
113
3ـ هناك العديد من األبحاث التي تطرقت لمسائل قد تُخ ِر ُج البحث عن موضوعه؛ فمنها
ما أسهب في أحكام اإلجارة وشروطها وأركانها ،ومنها ما أسهب في تفصيل مراحل نمو
الجنين داخل الرحم وأطواره ،ومنها ما استطرد في النشأة التاريخية لمسألة تأجير األرحام،
بينما قمت في دراستي بالتركيز على لب المسألة ،والبعد عن االستطرادات التي ال تفيد.
4ـ أغلب األبحاث لم تتكلم عن أثر إجارة الرحم على نسب الطفل المولود ،بينما
ركزت في دراستي على هذه اإلشكالية وحلولها.
ُ
وفى هذا المبحث سأقوم بتعريف تأجير األرحام ،ثم ذكر األسباب الداعية لهذه العملية،
ثم بيان صورها ،وذلك في مطلبين:
المطلب األول :تعريف تأجير األرحام.
المطلب الثاني :أسباب تأجير األرحام ،وصوره.
116
حا خارجيًّا في وعاء
ـ وقيل« :هو تلقيح ماء رجل (النطفة) بماء امرأة (البويضة) تلقي ً
اختبار ،ثم زرع هذه البويضة الملقحة (اللقيحة) في رحم امرأة أخرى تتطوع بحملها حتى
والدة الجنين ،أو مقابل أجر معين»(.)13
تصور العملية:
هي عبارة عن حل طبي يتم اللجوء إليه لمساعدة النساء غير القادرات على الحمل
واإلنجاب؛ بسبب مشاكل صحية ،حيث تتم عملية اإلخصاب خارج الجسم ،بتلقيح بويضة
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
المرأة بماء زوجها ـ غالبًا ـ في المختبر قبل أن تتم زراعة واحدة أو أكثر من تلك البويضات
المخصبة في رحم امرأة متطوعة أو مستأجرة؛ لتنمو وتستكمل فترة الحمل ،وفي هذه الحالة
يطلق على المرأة المتطوعة أو المستأجرة اسم األم البديلة ،بينما تكون صاحبة البويضة هي
األم البيولوجية.
وتسمية العملية باإلجارة هنا خرجت مخرج الغالب؛ إذ قد يتم األمر بدون أجر ،على
سبيل التبرع ،وهنا تسقط صفة اإلجارة؛ لذلك يفضل تسميتها بالرحم البديل.
معنى البديل :حلول شخص مكان آخر في عمل من األعمال ،والمراد هنا حلول امرأة
مكان أخرى لتنوب عنها في حمل بيضتها الملقحة َطوا َل مدة الحمل(.)14
يعرف الرحم البديل بأنه :عقد (أو وعد) تتعهد بمقتضاه امرأة بشغل رحمها
وعلى ذلك َّ
بأجر أو بدونه بحمل ناشئ عن أمشاج مخصبة صناعيًّا لزوجين استحال عليهما اإلنجاب
لفساد رحم الزوجة(.)15
ويشار إلى أن هنالك العديد من المصطلحات التي أطلقها العلماء على عملية استئجار
األرحام ،نذكر منها :الرحم الظئر ـ المضيفة ـ الحاضنة ـ األم البديلة أو المستعارة أو األم
بالوكالة -الرحم المستأجر(.)16
المطلب الثاني :أسباب تأجير الأرحام وصوره
أول ًا :الأسباب الدافعة إلى تأجير الأرحام
هناك العديد من األسباب الدافعة إلى تأجير األرحام منها على سبيل المثال:
1ـ الفشل المتكرر لإلنجاب مع كون المبيض سلي ًما(.)17
2ـالحفاظ على مكانتها في المجتمع؛ كأن تكون صاحبة منصب في المجتمع ،وغير
ذلك من األسباب(.)18
117
3ـ األمراض التي قد تصيب األم ،كتسمم الحمل.
4ـ استئصال الرحم ألحد األسباب الطبية.
5ـ األمراض الوراثية التي قد تؤدي إلى وفاة الجنين.
6ـ ضعف الرحم ،وعدم القدرة على تحمل الجنين فترة الحمل.
7ـ حفاظ المرأة على رشاقتها وصحتها(.)19
118
ً
مستأصل ،أو به خلل بحيث ال يفرز بويضات، وهذا يحصل عندما يكون مبيض الزوجة
لكن الرحم سليم(.)23
القسم الثالث :أن تكون اللقيحة من غير الزوجين.
ويندرج تحت هذا القسم صورتان:
الصورة األولى :أن تؤخذ نطفة رجل أجنبي (متبرع بالنطفة) ،مع بويضة امرأة أجنبية
(متبرعة بالبويضة) ،ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة ثالثة.
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
وذلك عندما يكون رحم المرأة الثالثة سلي ًما ،لكنها ال تفرز البويضات ،وزوجها
عقيم(.)24
الصورة الثانية :أن تؤخذ نطفة رجل أجنبي (متبرع بالنطفة) ،مع بويضة امرأة أجنبية
(متبرعة بالبويضة) ،ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة ثالثة (متبرعة بالحمل) لصالح امرأة
رابعة(.)25
d
119
المبحث الثاني
الحكم الشرعي لصور استئجار الأرحام
120
ويقول الشيخ مصطفى الزرقا« :ال يمكن القول باستحقاق عقوبة حد الزنا التي لم
يوجبها الشرع إال في حالة الزنا بمعناه الحقيقي ،وإنما تستوجب هذه العملية المحظورة من
التلقيح الصناعي عقوبة تعزيرية بما يكفي الزجر»(.)29
باب المتاجرة بالنُّطف واألرحام ،وشراء
فتح ِ
2ـ س ّد الذرائع :ألن في هذه العملية َ
األرحام اآلدمية؛ فكان من نتائج هذه العملية وجود شركات لتأجير األرحام ،وبنوك للمني،
وسماسرة لذلك ،واالستغالل المادي ألصحاب الحاجات ،واصطباغ األمومة بالصبغة
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
121
أدلتهم:
1ـ القياس على اإلرضاع؛ بجامع أن ً
كل من الرحم المستأجرة واإلرضاع يقومان بتغذية
الجنين والطفل ،فكما جاز تمليك منفعة الثدي فيما يفرزه من لبن ينبت اللحم وينشز العظم
في اإلرضاع؛ فيجوز تمليك منفعة الرحم فيما يفرزه من أمشاج(.)37
يجاب عن ذلك:
َ ُ َ ُ ُ َ ۡ َ
أ ـ أن الرضاع ثبت جوازه بنص شرعي ،قال اهلل تعالى﴿ :فإن ۡأرض ۡع َن لك ۡم فـٔاتوه َّن
122
يجاب عن ذلك:
أ ـ لو سلمنا بهذه الحاجة بالنسبة إلى المرأة صاحبة البويضة؛ فإننا ال نسلّم بها في حق
صاحبة الرحم البديل؛ ألنها ليست الزوجة التي بحاجة إلى األمومة(.)42
ب ـ على الرغم من شرف األمومة فإنها ال تصل إلى حالة الضرورة ،بحيث إذا لم
تتحقق أشرف اإلنسان على الهالك ،كما أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ،وهناك
العديد من المفاسد المترتبة على استئجار األرحام(.)43
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
4ـ انعدام أي احتمال الختالط األنساب؛ ألن البويضة الملقحة بالحيوان المنوي ال
يمكن تلقيحها مرة أخرى(.)44
يجاب عن ذلك :بأن هذه حقيقة معروفة ال إشكال فيها ،لكن المشكلة في إمكانية
حدوث حمل آخر من زوج صاحبة الرحم المستأجرة(.)45
القول الثاني :التفرقة؛ وذلك على النحو التالي:
لو كانت الرحم المستأجرة ألجنبية فيحرم ذلك ،أما لو كانت الرحم المستأجرة لزوجته
الثانية فيجوز ذلك بشروط ،أهمها أن يجتنب الزوج وطء زوجته الثانية في الفترة األولى من
الحمل ،وذلك لتفادي اختالط األنساب.
قال بذلك مجمع الفقه اإلسالمي في دورته السابعة( ،وقد رجع عنه في دورته الثامنة(،)46
والشيخ التسخيري ،وعمر األشقر( ،)47والشيخ عبد اهلل البسام في قوله األول(.)48
أدلتهم على الحرمة إن كانت الرحم المستأجرة ألجنبية هي أدلة القول الثالث ،وستأتي.
أدلتهم على القول بالجواز لو كانت الرحم المستأجرة لزوجته الثانية:
نفس أدلة القول األول ،ويضاف إليها:
1ـ أنه ال وجود الختالط األنساب بالنسبة للزوج وال للزوجة ،وذلك لوحدة األبوة(،)49
كما أن من أجازوا ذلك اشترطوا أن يجتنب الزوج وطء زوجته الثانية في الفترة األولى من
الحمل ،وذلك لتفادي اختالط األنساب.
يجاب عن ذلك:
ـ بأن وحدة األبوة ال تغني عن وحدة األمومة ،واحتمال اختالط األنساب قائم ،فهل
المولود لصاحبة البويضة أم لصاحبة الرحم؟ وسوف يرث الولد من أيهما؟
123
ـ كما أن عقد الزواج لكل واحدة منهما مستقل عن اآلخر؛ فال يملك الزوج التالعب
بنسب أطفاله من أمهاتهم ،فينسب من يشاء لمن يشاء(.)50
ـ كما أن مسألة االعتزال في الفترة األولى من الحمل فيها تحريم لما أحله اهلل.
ـ كما أنه لو سقطت اللقيحة وحدث حمل طبيعي ،فيحدث نزاع على المولود.
2ـ أن زراعة البويضة الملقحة بماء الزوج داخل رحم الزوجة الثانية لهذا الزوج ال
أيضا زوجة لصاحب النطفة ،وهو تنطوي تحت معنى الزنا؛ ألن صاحبة الرحم البديل هي ً
124
وتأجير األرحام على أي صورة كانت يخرج عن حفظ الفروج ،فإدخال مني غير الزوج
أو بويضة غير الزوجة في فرج امرأة حتى ولو كانت زوجة ثانية ال يعد من حفظ الفروج.
3ـ أن تأجير األرحام فيه شبه من نكاح االستبضاع.
ونكاح
ٌ عن عائشة رضي اهلل عنها قالت« :النكاح في الجاهليّة كان على أربعة أنحا ٍء...
فالن فاستبضعي منه، ٍ الر ُج ُل يقو ُل المرأته إذا ط ُهرت من طمثها :أرسلي إلى
آخر :كان ُّ
الر ُجل الّذي تستبض ُع منه ،فإذا
يمسها أبدًا ،حتى يتبيّن حملُها من ذلك ّ
ويعتزلُها زو ُجها وال ُّ
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
125
الحملين ،والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام ،وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن
الحكم في الحالة المذكورة ،وبعد مناقشة الموضوع وتبادل اآلراء فيه قرر المجمع سحب
حالة الجواز الثالثة المذكورة في األسلوب المشار إليه في قرارات المجمع الصادر في هذا
الشأن في الدورة السابعة.
وقد حصل هذا ً
فعل؛ ففي ألمانيا تبين بالفحص أن اللقيحة التي زرعت في رحم مستعار
ً
حمل طبيعيًّا من زوجها ،واضطرت إلى التنازل عن لم تعلق ،وإنما حملت تلك المرأة
126
ـ المفاسد المترتبة على هذه العملية ،منها:
1ـ اصطباغ األمومة بالصبغة التجارية ،ولقد عانى المجتمع الغربي عمليًّا من ذلك؛ فقد
انتشرت المراكز التجارية المختصة لتأجير األرحام ،حيث أصبحت المرأة فعليًّا آلة تستأجر،
وتحولت األرحام إلى سوق تجاري للربح المادي(.)75
2ـ األضرار النفسية للمولود وتشتُّت مشاعره حينما يعلم أن له أمَّين ،أمًّا بالحمل ،وأمًّا
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
صاحبة البويضة(.)76
3ـ االعتداء على المجتمع؛ ألن الجنين الناتج بهذه الطريقة سيولد ومعه مشاكل شرعية،
وقانونية(.)77
ومن أهداف الشريعة اإلسالمية سد األبواب التي تؤدي إلى حدوث النزاع والخالف
بين أفراد المجتمع ،وكل ما يؤدي إلى حدوث نزاع بين األفراد يكون غير جائز شرعًا ،وتأجير
األرحام سيؤدي في الغالب إلى حدوث هذا النزاع بين المرأتين ،أيهما األم؟ هل هي صاحبة
البويضة الملقحة ،أم هي التي حملت وولدت(.)78
وأحكام المحاكم في مختلف الدول تضاربت عند حدوث نزاع قانوني؛ فمن الدول من
حكم بالمولود لصاحبة البويضة ،ومنهم من حكم به لصالح صاحبة الرحم المستأجرة ،ثم
لو ذهبت صاحبة الرحم المستأجرة بعد الوالدة وقيدت المولود باسمها فما الحل؟ بالطبع
ً
وأيضا لو قررت صاحبة الرحم المستأجرة سيحدث نزاعات بينها وبين صاحبة البويضة،
إجهاض نفسها ،فهل يحق لها ذلك؟ أم أن لصاحبة البويضة منعها؟ ثم إذا حدث إجهاض
ً
تعويضا ،أم أن لصاحبة بالفعل ،فهل ينتهي التزام صاحبة الرحم المستأجرة أم أن عليها
ً
استكمال لاللتزام األول؟ وهل يحق لصاحبة الرحم المستأجرة البويضة إجراء األمر مرة ثانية
()79
السفر ألماكن بعيدة ،أم لصاحبة البويضة منعها؟
وهناك أم بديلة طالبت بستة أضعاف القيمة المتفق عليها بسبب انقسام الزيجوت
الذي وضع فيها 6توائم ،فلم يستطع الزوج السداد ،فلجأت لإلجهاض ،فرفع الزوج قضية
تعويض ،ورفعت هي دعوى مضادة لما مثَّله ما حدث من خطر على حياتها ،وهناك زوج
طالب بتعويض ربع مليون دوالر من األم البديلة؛ ألن الولد ولد معوقًا بسبب إدمان األم
البديلة(.)80
127
خريطة توضيحية لحكم عملية تأجير األرحام
القول األول :جواز الحمل عن طريق الرحم المستأجرة مطل ًقا سواء كانت أجنبية ،أو زوجة
أخرى ،وهذا ما ذهب إليه عبد المعطى بيومي ،محمد األعظمي ،عبد الصبور شاهين.
القول الثاني :لو كانت الرحم المستأجرة ألجنبية فيحرم ذلك ،أما لو كانت الرحم المستأجرة
لزوجته الثانية فيجوز ذلك بشروط ،قال بذلك مجمع الفقه اإلسالمي في دورته السابعة( :وقد رجع
عنه في دورته الثامنة) ،والشيخ التسخيري ،وعمر األشقر ،والشيخ عبد اهلل البسام في قوله األول.
القول الثالث( :وهو الراجح) حرمة استئجار الرحم مطل ًقا ،سواء كانت أجنبية أو زوجة ثانية،
قال بذلك مجمع الفقه اإلسالمي في دورته الثالثة ،1986والمجمع الفقهي اإلسالمي بمكة في
دورته الثامنة ،1985والمجمع الفقهي التابع للمنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية ،ومجمع البحوث
اإلسالمية بإجماع أعضائه ،ودار اإلفتاء المصرية ،ود .علي جمعة ،والشيخ جاد الحق مفتي مصر
األسبق ،والشيخ عبد اهلل البسام في قوله الثاني ،وبكر أبو زيد ،أحمد الحداد مفتي دبي ،ود .محمد
الهواري ،ود .هند الخولي ،ود .ماهر الحوالي ،ود .كريمة جبر ،ود .رشدي أبو زيد ،وغيرهم.
d
128
المبحث الثالث
أثر إجارة الرحم على نسب الطفل المولود
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
سبق أن قد ذكرنا حكم تأجير األرحام ،وقلنا :إن هناك صو ًرا متف ًقا على تحريمها،
وصو ًرا مختل ًفا في حكمها ،وهذه األخيرة رجحنا القول بحرمتها.
ولكن لو حدثت هذه العملية ونتج عنها ولد؛ فمن أهم اآلثار المترتبة على اإلنجاب،
طبيعيًّا كان أو صناعيًا ،مسألة نسب هذا الولد ،فإلى أي المرأتين ينسب؟ هل لصاحبة
البويضة ،أم لصاحبة الرحم المستأجرة؟ وإلى أي األبوين ينسب؟ هل لصاحب النطفة ،أم
لزوج صاحبة الرحم المستأجرة؟
سوف نتكلم هنا عن مسألة النسب من الجهتين (األبوة ،واألمومة) بغض النظر عن
مشروعية الوسيلة ،ثم عن دور البصمة الوراثية في إثبات النسب ،وذلك في مطالب:
المطلب األول :النسب من جهة األمومة.
المطلب الثاني :النسب من جهة األبوة.
المطلب الثالث :حكم االستفادة من البصمة الوراثية ( )DNAفي إثبات النسب.
المطلب الأول :النسب من جهة الأمومة
اختلف العلماء المعاصرون في ثبوت النسب للطفل الناشئ من عملية تأجير األرحام
على قولين:
القول األول :أن األم الحقيقية هي صاحبة البويضة ،وهو رأي أغلبية أعضاء مجمع
الفقه اإلسالمي( ،)81وأغلب المعاصرين :د .مصطفي الزرقا( ،)82د .محمد البار( ،)83د.
هاشم جميل ،عبد المحسن صالح( ،)84د .كريمة جبر( ،)85د .ساجده طه( ،)86د .عبد السالم
السكري( ،)87وغيرهم كثير.
الشبرا َملِّسي في «حاشيته» حين قال« :أفه َم أنه لو أل َق ِ
ت امرأةٌ قرره قدي ًما اإلمام َّ وهذا ما ّ
مُضغةً أو علقةً فاستدخلتها امرأة أُخرى حرةٌ أو أمةٌ فحلّتها الحياةُ واستمرت حتى وضعتها
المرأةُ ولدًا ال يكو ُن ابنًا للثانية»(.)88
أدلتهم:
1ـ عن أبي هريرة ،أ ّن َر ُسو َل اهللِ ﷺ ،قال« :ال َول َ ُد لِل ِف ِ
راش»(.)89
129
وجه الداللة :ال معنى للفراش إال الزوجية الصحيحة القائمة بين الرجل والمرأة؛ بِناء
على عقد زواج صحيح ،بين ماء الرجل وبويضة المرأة(.)90
ُّ ۡ َۡ َُۡ ُ َّ ٓ َ ُ َ نظر ٱلۡإ َ ٰ ُ َّ ُ َ
ََۡ ُ
نسن مِم خل ِق * خل ِق مِن ما ٖء داف ِٖق * يخرج ِم ۢن بي ِن ٱلصل ِ
ب 2ـ قال تعالى﴿ :فلي ِ ِ
َ َّ َ ٓ
ب﴾ [الطارق]7-5 :؛ فأصل خلق اإلنسان من ماء الرجل وبويضة زوجته. وٱلترائ ِ ِ
3ـ أثبت العلم أن الجنين بعد زراعته في رحم األم المستعارة؛ فإنه أشبه ما يكون بطفل
تغذى من غير أمه( ،)91فالجنين بعد زرعه لن يستفيد من المستأجرة غير الغذاء ،والرحم
132
القول األول :يجوز االستفادة من البصمة الوراثية في إثبات النسب ،وهو ما ذهب إليه
المجمع الفقهي اإلسالمي( ،)112والندوة الفقهية بالمنظمة اإلسالمية للعلوم الطبية(،)113
وذلك تفريعًا على قول جمهور الفقهاء القائلين بجواز القيافة عند التنازع على النسب.
القول الثاني :عدم جواز االستفادة من البصمة الوراثية في إثبات النسب ،وهو قول
خليفة الكعبي( ،)114وزيدان حمد عباس( ،)115وذلك تفريعًا على قول الحنفية القائلين بعدم
جواز إثبات النسب بالقيافة عند التنازع على النسب.
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
وال مجال هنا لذكر أدلة كل قول ومناقشاته ،فالمسألة فيها رسائل وأبحاث عديدة ،وما يُ ِه ُّمنا
هنا هو القول الراجح ،ومدى إمكانية االستفادة من البصمة الوراثية ( )DNAفي إثبات النسب.
الراجح :أنه يجوز االستفادة من البصمة الوراثية في إثبات النسب ،بشروط وضوابط
معينة ،ذكرها المجمع الفقهي اإلسالمي في قراره؛ فقد جاء في قرار المجمع الفقهي اإلسالمي
برابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة ،بشأن البصمة الوراثية ومجاالت االستفادة ما يلي:
ً
أول ... :ثانيًا :إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب ال بد أن يحاط بمنتهى الحذر
والحيطة والسرية؛ ولذلك ال بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية ...
خامسا :يجوز االعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحاالت اآلتية:
ً
أ ـ حاالت التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ،سواء
أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء األدلة أو تساويها ،أو كان بسبب االشتراك في
وطء الشبهة ونحوه.
ب ـ حاالت االشتباه في المواليد في المستشفيات ،ومراكز رعاية األطفال ونحوها،
وكذا االشتباه في أطفال األنابيب.
وتندرج مسألة إجارة الرحم تحت االشتراك في وطء الشبهة ،وتحت االشتباه في أطفال
األنابيب( .)116وبناء عليه؛ فاألصل أن الولد ينسب إلى الوالدين الحقيقيين صاحب النطفة،
وصاحبة البويضة؛ إال إن حدث تنازع وأثبت الطب عن طريق ( )DNAغير ذلك ،فيؤخذ بقول
أهل الطب؛ الحتمال سقوط اللقيحة ،أو الحتمال علوق نطفة من الزوج وحدوث حمل قبل
زرع اللقيحة من غير الزوج.
d
133
الخاتمة
134
الصورة الثانية :أن تؤخذ نطفة رجل أجنبي (متبرع بالنطفة) ،مع بويضة امرأة أجنبية
(متبرعة بالبويضة) ،ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة ثالثة (متبرعة بالحمل) لصالح امرأة
رابعة.
وقد اتفق المعاصرون على القول بحرمة هذا القسم.
3ـ بالرغم من القول بالحرمة في جميع الصور ،إال أنه لو حدثت هذه العملية ونتج عنها
ولد؛ فقد اختلفت األقوال في نسبه من جهة األمومة ،ومن جهة األبوة.
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
وقد رجحنا أن الولد ينسب إلى الوالدين الحقيقيين؛ صاحب النطفة (جهة األبوة)،
وصاحبة البويضة (جهة األمومة).
ثانيًا :التوصيات
1ـ أوصي الباحثين في متابعة المستجدات العلمية للوصول للحكم الشرعي فيها؛
ليكون الناس على بصيرة من أمور دينهم.
2ـ أوصي الجهات المنوطة بضرورة نشر التوعية فيما يتعلق بهذه المسألة ،ال سيما وأنها
حديثة النشأة؛ وذلك بعقد مؤتمرات ودورات توعوية من شأنها أن توضح اآلثار المترتبة
على هذه العملية.
3ـ أوصي الدول بوضع قوانين صارمة لتجريم عمليات تأجير األرحام ،وتحديد
عقوبات صارمة لهذا الفعل.
4ـ أوصي بإغالق باب االجتهاد أمام األفراد في مثل هذه القضايا ،وأال يتكلم فيها إال
المتخصصون من أهل العلم ،في أماكن الفتوى الرسمية المعتمدة ،وال يسير الناس خلف
اإلعالم ،أو خلف الغرب ،في مثل هذه القضايا الخطيرة.
5ـ أوصي وزارة الصحة بتشكيل لجان علمية وأخالقية ،مدعومة بفتاوى رسمية معتمدة
في مراكز العقم لمتابعة ومراقبة هذه المراكز.
d
135
فهرس المراجع
ـ•ابن حجر ،أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ،فتح الباري شرح صحيح البخاري،
دار المعرفة ،بيروت1379 ،هـ.
136
ـ•الترمذي ،محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك ،أبو عيسى (ت279هـ) ،سنن الترمذي ،دار
الغرب اإلسالمي ـ بيروت1998 ،م.
ـ•توفيق ،إسالم نايل ،استئجار األرحام بين اإلباحة والتحريم ،رسالة ماجستير بكلية الدراسات العليا،
الجامعة األردنية ،عام 2015م.
ـ•جبر ،كريمة عبود ،استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مجلة أبحاث كلية التربية األساسية ،المجلد
،9العدد ،3عام 2010م.
ـ•حبيشي ،طه ،تأجير األرحام بين اتجاهات العلم وحتمية الدين ،مكتبة رشوان2001 ،م.
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
ـ•حسن ،عائشة أحمد سالم ،األحكام المتصلة بالحمل في الفقه اإلسالمي ،المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر ،بيروت2008 ،م.
ـ•حمزة ،محمد محمود ،إجارة األرحام بين الطب والشريعة اإلسالمية ،دار الكتب العلمية2007 ،م.
ـ•الحولي ،ماهر حامد ،اإلخصاب خارج الجسم مع استئجار الرحم ،الجامعة اإلسالمية ،غزة2009 ،م.
ـ•الخولي ،هند ،تأجير األرحام في الفقه اإلسالمي ،بحث منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية
والقانونية ،مجلد 27لسنة 2011م.
ـ•الخياط ،عبد العزيز ،حكم العقم في اإلسالم ،وزارة األوقاف ،األردن1981 ،م.
ـ•الدمشقي ،عرفان بن سليم ،التلقيح االصطناعي وأطفال األنابيب ،المكتبة العصرية2006 ،م.
ـ•زهرة ،محمد المرسي ،اإلنجاب الصناعي أحكامه القانونية وحدوده الشرعية ،جامعة الكويت2009 ،م.
ـ•زوزو ،فريدة صادق عمر ،وسائل اإلنجاب االصطناعية ،مجلة الجزيرة ،مجلد ،7العدد ،2لعام 2006م.
ـ•الزيلعي ،عثمان بن علي بن محجن البارعي ،فخر الدين (ت743هـ) ،تبيين الحقائق ،المطبعة الكبرى
بوالق1313 ،هـ.
ـ•السحماوي ،هيام إسماعيل ،إيجار األرحام دراسة مقارنة ،دار الجامعة الجديدة2013 ،م.
ـ•السكري ،عبد السالم عبد الرحيم ،التلقيح االصطناعي بين الحل والحرمة ،مطبعة حمادة الحديثة1995 ،م.
ـ•سالمة ،زياد ،التلقيح الصناعي وأطفال األنابيب ،دار البيارق ـ بيروت1996 ،م.
ـ•الشربيني ،شمس الدين ،محمد بن أحمد (ت977هـ) ،مغني المحتاج ،دار الكتب العلمية1994 ،م.
ـ•الشويرخ ،سعد بن عبد العزيز ،أحكام التلقيح غير الطبيعي ،كنوز إشبيليا2009 ،م.
ـ•الشيرازي ،أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف (ت476هـ) ،المهذب في فقه اإلمام الشافعي ،دار
الكتب العلمية ،د.ت.
ـ•الصالحي ،شوقي زكريا ،التلقيح الصناعي بين الشريعة اإلسالمية والقوانين الوضعية ،دار النهضة
العربية2001،م.
ـ•الصاوي ،أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي( ،ت1241هـ) ،حاشية الصاوي على الشرح الصغير،
دار المعارف1241 ،هـ.
ـ•طاهر ،طالل ناجح ،الرحم المستأجرة (األم البديلة) رؤية شرعية ،مجلة الكلية اإلسالمية ،جامعة
النجف ،سنة النشر 2016م ،المجلد ،2العدد .40
137
ـ•طه ،محمود أحمد ،اإلنجاب بين التحريم والمشروعية ،منشأة المعارف2008 ،م.
ـ•عبد الدايم ،حسني ،عقد إجارة األرحام بين الحظر واإلباحة ،دار الفكر الجامعي2007 ،م.
ـ•عبد السميع ،حسني ،موقف الشريعة اإلسالمية من تأجير األرحام ،مكتبة نانسي2006 ،م.
ـ•عبد المبدي ،جهاد محمود ،عمليات نقل وتأجير األعضاء البشرية دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون،
مكتبة القانون واالقتصاد بالرياض2014 ،م.
ـ•علي ،عارف ،دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة ،دار النفائس2009 ،م.
ـ•الفيومي ،أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي (ت770هـ) ،المصباح المنير ،المكتبة العلمية،
d
138
الهوامش
(((1ابن منظور ،محمد بن مكرم بن على ،أبو الفضل ،جمال الدين (ت711هـ) ،لسان العرب ،دار صادر،
بيروت1414 ،هـ ،مادة (أج ر).10 :4 ،
(((2ابن فارس ،أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي ،أبو الحسين (ت395هـ) ،مقاييس اللغة،
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
دار الفكر 1979م ،مادة (أج ر) ،62 :1 ،الفيومي ،أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي
(ت770هـ) ،المصباح المنير ،المكتبة العلمية ،بيروت ،د.ت ،مادة (أج ر).5 :1 ،
(((3الشربيني ،شمس الدين ،محمد بن أحمد (ت977هـ) ،مغني المحتاج ،دار الكتب العلمية1994 ،م،
.438 :3
(((4الخطيب الشربيني ،مغني المحتاج.438 :3 ،
(((5قال ابن رشد :اإلجارة جائزة عند جميع فقهاء األمصار .ابن رشد ،بداية المجتهد.5 :4 ،
(((6الفيومي ،المصباح المنير ،مادة (ر ح م).223 :1 ،
(((7الهروي ،محمد بن أحمد بن األزهري ،أبو منصور (ت370هـ) ،تهذيب اللغة ،دار إحياء التراث العربي،
بيروت2001 ،م ،باب (ح ر م).34 :5 ،
(((8تهذيب اللغة ،باب (ح ر م).34 :5 ،
(((9البار ،محمد علي ،خلق اإلنسان بين الطب والقرآن ،الدار السعودية للنشر والتوزيع1983 ،م ،ص.37
(10) https://www.webteb.com/uterus
((1(1حسن ،عائشة أحمد سالم ،األحكام المتصلة بالحمل في الفقه اإلسالمي ،المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر ،بيروت2008 ،م ،ص.106
((1(1الشويرخ ،سعد بن عبد العزيز ،أحكام التلقيح غير الطبيعي ،كنوز إشبيليا2009 ،م.34 :2 ،
((1(1الخولي ،هند ،تأجير األرحام في الفقه اإلسالمي ،بحث منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم
االقتصادية والقانونية ،مجلد 27لسنة 2011م ،ص.278
((1(1منصور ،عبد الحليم ،تأجير األرحام في ضوء قواعد الحالل والحرام ،المكتب الجامعي الحديث،
2013م ،ص.33
((1(1عبد الدايم ،حسني ،عقد إجارة األرحام بين الحظر واإلباحة ،دار الفكر الجامعي2007 ،م ،ص.247
((1(1توفيق ،إسالم نايل ،استئجار األرحام بين اإلباحة والتجريم ،رسالة ماجستير بكلية الدراسات العليا،
الجامعة األردنية ،عام 2015م ،ص.13
((1(1هند الخولي ،تأجير األرحام في الفقه اإلسالمي ،مج ،27ع ،3ص.278
((1(1محمد البار ،طفل األنبوب والتلقيح الصناعي ،ص.56
((1(1إسالم نايل توفيق ،استئجار األرحام بين اإلباحة والتجريم ،ص.19
139
((2(2الصالحي ،شوقي زكريا ،التلقيح الصناعي بين الشريعة اإلسالمية والقوانين الوضعية ،دار النهضة
العربية2001 ،م ،ص ،76البار ،محمد علي ،أخالقيات التلقيح االصطناعي ،الدار السعودية للنشر
والتوزيع1987 ،م ،ص.96
((2(2النتشة ،محمد عبد الجواد ،المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة اإلسالمية ،مجلة الحكمة،
2001م ،177 :1 ،األشقر ،عمر ،دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة ،دار النفائس ،ص.812
((2(2حمزة ،محمد محمود ،إجارة األرحام بين الطب والشريعة اإلسالمية ،دار الكتب العلمية2007 ،م،
ص ،166زوزو ،فريدة صادق عمر ،وسائل اإلنجاب االصطناعية ،مجلة الجزيرة ،مجلد ،7العدد،2
140
((3(3عارف علي ،دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة.811 :2 ،
((3(3هند الخولي ،تأجير األرحام في الفقه اإلسالمي ،مج ،27ع ،3ص.290
((4(4ابن مصطفى ،عيسى ،الرحم البديل واآلثار المترتبة عليه ،المجلة العربية لألبحاث والدراسات في
العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،مجلد ،11عدد ،2عام 2019م ،ص.465
((4(4إسالم نايل توفيق ،استئجار األرحام بين اإلباحة والتحريم ،ص ،32الهواري ،محمد علي ،مدى
مشروعية استئجار األرحام في الشريعة اإلسالمية ،مجلة علوم الشريعة والقانون بالجامعة األردنية،
المجلد ،35العدد ،2عام 2008م ،ص.462
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
141
((5(5عبد اهلل البسام ،أطفال األنابيب ،مجلة المجمع اإلسالمي الدورة الثانية ،العدد ،2ج ،1ص.260
((5(5بكر أبو زيد ،طرق اإلنجاب ،بحث مقدم إلى مجمع الفقه اإلسالمي ،ص.17
((6(6عبد المبدى ،جهاد محمود ،عمليات نقل وتأجير األعضاء البشرية دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون،
ص.267
((6(6محمد على الهواري ،مدى مشروعية استئجار األرحام في الشريعة اإلسالمية ،مج ،35ع ،2ص.468
((6(6هند الخولي ،تأجير األرحام في الفقه اإلسالمي ،مج ،27ع ،3ص.293
((6(6ماهر حامد الحولي ،اإلخصاب خارج الجسم مع استئجار الرحم ،ص.19
142
((8(8مصطفى الزرقا ،طفل األنبوب ،ص.63
((8(8محمد البار ،طفل األنبوب والتلقيح الصناعي ،ص.68
((8(8كريمة عبود جبر ،استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مج ،9ع ،3ص.254
(ً (8(8
نقل عن كريمة عبود جبر ،استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مج ،9ع ،3ص.256
((8(8ساجدة طه محمود ،تأجير األرحام وأثره في نظر الشريعة والطب والقانون ،بحث ألقي في مؤتمر كلية
العلوم اإلسالمية ،جامعة كربالء2010 ،م ،ص.25
((8(8السكري ،عبد السالم عبد الرحيم ،التلقيح االصطناعي بين الحل والحرمة ،مطبعة حمادة الحديثة،
لسإلا هقفلا يف هماكحأو ماحرألا راجئتسا
1995م ،ص.143
((8(8الشبراملسي ،أبو الضياء نور الدين بن علي ،حاشية الشبراملسي.431 :8 ،
((8(8صحيح البخاري ،كتاب :الحدود ،باب :للعاهر الحجر ،165 :8 ،برقم ( ،)6818صحيح مسلم،
كتاب :الرضاع ،باب :الولد للفراش ،وتَوقي ُّ
الشبُهات ،1081 :2 ،برقم ( ،)1458أبو هريرة.
((9(9آل وقيان ،نايف بن عمار ،استئجار الرحم حقيقته ـ دوافعه ـ حكمه ،بحث منشور على الشبكة الدولية
لإلنترنت ،ص.11
((9(9طاهر ،طالل ناجح ،الرحم المستأجرة (األم البديلة) رؤية شرعية ،مجلة الكلية اإلسالمية ،جامعة
النجف ،سنة النشر 2016م ،المجلد ،2العدد.520 :2 ،40
((9(9هاشم ،جميل ،زراعة األجنة في ضوء الشريعة اإلسالمية ،بحث منشور مجلة الرسالة اإلسالمية
1989م ،التابعة لديوان الوقف السني وزارة األوقاف ،بغداد ،ص.84
((9(9طالل ناجح طاهر ،الرحم المستأجرة (األم البديلة) رؤية شرعية.523 :2 ،
((9(9زهرة ،محمد المرسي ،اإلنجاب الصناعي أحكامه القانونية وحدوده الشرعية ،جامعة الكويت،
2009م ،ص ،286اإلسالم والمشكالت الطبية المعاصرة ،ص.481
((9(9سالمة ،زياد ،أطفال األنابيب بين العلم والشريعة ،ذات السالسل ،الكويت ،ص.139
((9(9الخياط ،عبد العزيز ،حكم العقم في اإلسالم ،وزارة األوقاف ،األردن1981 ،م ،ص.45
(ً (9(9
نقل عن محمد بن عبد اهلل اللحيدان ،تأجير األرحام ،حقيقته ،وصوره ،وحكمه ،ص.418
((9(9محمد خالد ،األحكام الطبية المتعلقة بالنساء ،ص ،104كريمة عبود جبر ،استئجار األرحام واآلثار
المترتبة عليه ،مج ،9العدد ،3ص.254
((9(9عيسى بن مصطفى ،الرحم البديل واالثار المترتبة عليه ،ص.468
((1(10كريمة عبود جبر ،استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مج ،9العدد ،3ص.257
((1(10األم البديلة ،قضايا طبية معاصرة.831 :2 ،
((1(10كريمة عبود جبر ،استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مجلد ،9العدد ،3ص.256
((1(10علي ،عارف ،دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة ،دار النفائس2009 ،م.839 :2 ،
((1(10تأجير األرحام وأثره في نظر الشريعة والطب والقانون ،ص.25
((1(10كريمة عبود جبر ،استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مجلد ،9العدد ،3ص.256
((1(10عيسى بن مصطفى ،الرحم البديل واالثار المترتبة عليه ،ص.468
143
نقل عن :الرحم البديل واآلثار المترتبة عليه ،ص ،8 46كريمة عبود جبر، ((1(10عيسى بن مصطفىً ،
استئجار األرحام واآلثار المترتبة عليه ،مجلد ،9العدد ،3ص ،255تأجير األرحام وأثره في نظر
الشريعة والطب والقانون ،ص.21
ج ُر ،165 :8 ،برقم ( ،)6818صحيح مسلم، ح َ((1(10صحيح البخاري ،كتاب :الحدود ،باب :لِلْعا ِه ِر ال َ
هات ،1081 :2 ،برقم ( ،)1458أبو هريرة. الشبُ ِ كتاب :الرضاع ،باب :الولد للفراش ،وت َ َوقِّي ُّ
((1(10عبد اهلل بن زايد ،الحكم اإلقناعي في إبطال التلقيح االصطناعي ،مجلة الفقه اإلسالمي ،دورة ،2
.313 :1
d
144