Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 49

‫وزاره التعلٌم العالً والبحث العلمً‬

‫جامعـــــــــــــة دٌالــــــــــــــــــى‬
‫كلٌة العلوم االسالمٌة‬
‫قسم العقٌدة والفكر االسالمً‬

‫اسرار االعجاز ف القران الكرٌم‬


‫تفسٌر الرازي لسورة الفاتحة انموذجا‬

‫بحث تقدمت به الطالبة دعاء حسن عباس‬


‫الى مجلس كلٌة العلوم االسالمٌة قسم العقٌدة والفكر االسالمً جامعه دٌالى وهو‬
‫جزء من متطلبات نٌل شهادة البكالورٌوس‬

‫بإشراف‬

‫انذكرٕر شاكز يحًٕد يٓذي‬

‫‪٤٢٤٤‬‬ ‫‪ْ٣٦٦٥‬ـ‬
‫((وُنوحا إِ ْذ َن َ ِ‬
‫َىمَ ُو‬ ‫اد ٰى م ْن قَ ْب ُل فَ ْ‬
‫استَ َج ْب َنا لَ ُو فَ َن َّج ْي َناهُ َوأ ْ‬ ‫َ ً‬
‫ِم َن ا ْل َك ْر ِب ا ْل َع ِظ ِيم))‬

‫صدق اهلل العمي العظيم‬

‫(األنبياء ‪ ،‬اآلية‪)67:‬‬

‫أ‬
‫اإلىــــداء‬
‫أىدي ثمرة جيدي المتواضع‪:‬‬
‫إلى‬

‫الشمعة التي احترقت لتضيء لي دروب الحياة‪ ،‬إلى مصدر الحنان ومنبع االمان‪ ،‬إلى‬
‫من تحت قدمييا ننال الجنان‪...‬‬
‫أمي الحنونة‬
‫من غذاني حبيم طوال عمري‪ ،‬جواىر حياتي ونبض الحب في قمبي‪...‬‬
‫أخواتي‬
‫كل اصدقائي‪ ،‬الى كل زمالئي‪ ،‬الى كل من ذكرىم قمبي ولم يذكرىم قممي‪...‬‬

‫الباحثة‬

‫ب‬
‫شكر وامتنان‬

‫تظى هللا انزحًٍ انزحٍى‪ٔ ،‬انحًذ هلل رب انعانًٍٍ انذي ٔفقُا‬


‫ٔأعاَُا عهى إَٓاء ْذا انثحث ٔانخزٔج تّ تٓذِ انصٕرج‬
‫انًركايهح‪ ،‬فثاأليض انقزٌة تذأَا يظٍزذُا انرعهًٍٍح َٔحٍ َرحظض‬
‫انطزٌق تزْثح ٔارذثاك‪ ،‬فزأٌُا أٌ ( انرخصص ) ْذفا طايٍا‬
‫ٔحثا ٔغاٌح ذظرحق انظٍز ألجهٓا‪ٔ .‬اَطالقا يٍ يثذأ أَّ ال ٌشكز‬
‫هللا يٍ ال ٌشكز انُاص‪ ،‬فإَُا َرٕجّ تانشكز انجشٌم نهذكرٕر‬
‫(انذكرٕر شاكز يحًٕد يٓذي) انذي رافقُا فً يظٍزذُا إلَجاس‬
‫ْذا انثحث ٔكاَد نّ تصًاخ ٔاضحح يٍ خالل ذٕجٍٓاذّ‬
‫ٔاَرقاداذّ انثُاءج ٔانذعى األكادًًٌ‪ ،‬كًا َشكز عائهرً انرً‬
‫صثزخ ٔذحًهد يعُا ٔرفذذُا تانكثٍز يٍ انذعى عهى جًٍع‬
‫األصعذج‪َٔ ،‬شكز األصذقاء ٔاألحثاب ٔكم يٍ قذو نًا انذعى‬
‫انًادي أٔ انًعُٕي ‪.‬‬

‫الباحثة‬

‫جـ‬
‫المحتوٌات‬

‫الصفحة‬ ‫المحتوٌات‬ ‫ت‬

‫الوجاهٌة‬ ‫‪1‬‬

‫أ‬ ‫اآلٌة القرآنٌة‬ ‫‪2‬‬

‫ب‬ ‫االهداء‬ ‫‪3‬‬

‫جـ‬ ‫الشكر والعرفان‬ ‫‪4‬‬

‫د‬ ‫المحتوٌات‬ ‫‪5‬‬

‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬ ‫‪6‬‬

‫‪15-2‬‬ ‫المبحث االول السٌرة الذاتٌة الرازي‬ ‫‪7‬‬

‫‪24-16‬‬ ‫المبحث الثانً تعرٌف االعجاز لغة واصطالحا‬ ‫‪8‬‬

‫‪31-25‬‬ ‫المبحث الثالث تمهٌد عن سورة الفاتحة‬ ‫‪9‬‬

‫‪44-32‬‬ ‫المبحث الرابع مواطن االعجاز فً سورة الفاتحة من‬ ‫‪11‬‬


‫خالل سٌرة الرازي‬
‫‪42‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫‪11‬‬

‫‪44-42‬‬ ‫المصادر‬ ‫‪12‬‬

‫‪13‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد هلل حمدا كثي ار طيبا لتوفيقيو لنا لكتابة ىذا البحث فيذا الموضوع مف أىـ‬

‫المواضيع التي يجب عمى اإلنساف تعمميا فأرجو أف أكوف قد وفقت لكتابتو وأف يناؿ‬

‫رضاكـ واعجابكـ الحمد هلل الذي بدونو ما كتب قممي وما نطؽ لساني وما تعمـ‬

‫عقمي وما كنت انا عمى ما عميو وال وفقت ليذه الكتابة أو أسردت عف ىذا الموضوع‬

‫شيئا والصالة والسالـ عمى نبيو الكريـ فصيح المساف أشرؼ اجمعيف ‪.‬‬

‫وعميو تـ تقسـ البحث الى اربع مباحث المبحث األوؿ‪ .‬السيرة الذاتية لمرازي‬

‫المبحث الثاني‪ .‬تعريؼ االعجاز لغة واصطالحا‬

‫المبحث الثالث ‪ .‬تمييد عف سورة الفاتحة‬

‫المبحث الرابع ‪ .‬مواطف اإلعجاز في سورة الفاتحة مف خالؿ تفسير الرازي‬

‫‪1‬‬
‫المبحث االول‬

‫السيرة الذاتية الرازي‬

‫ىو أبو بكر محمد بف يحيى بف زكريا الرازي‪ ،‬مف عمماء القرف الثالث اليجري‪،‬‬

‫والدته‪:‬‬

‫ولد بمدينة الري جنوبي طيراف بفارس في سنة ٕٓ٘‪ ٕ٘ٔ-‬ىػ ‪-ٕ٘ٓ( ٛٙ٘-ٛٙٗ /‬‬

‫ٔ‬
‫ٗ‪ .)ٛٙ‬وسمي بالرازي نسبة إلى ىذه المدينة‪.‬‬

‫سيرته‪:‬‬

‫ينتمي أبو بكر الرازي إلى القرف الثالث اليجري‪ .‬فمقد تنقؿ في معيشتو بيف مدينة الري‬

‫وبغداد ثـ استقر بو الحاؿ في بغداد في زمف الخميفة العباسي المقتدر باهلل جعفر بف‬

‫المعتضد عضد الدولة‪ ،‬أىتـ الرازي بأمور كثيرة منيا عالقة البيئة بالسالمة‪ .‬واستخدـ‬

‫تمؾ الموىبة عندما استشاره الخميفة "المعتضد باهلل" عف الموقع الذي مف الممكف بناء‬

‫مستشفى فيو‪ ،‬وبذكائو قاـ الرازي بتوزيع قطع مف المحـ في أماكف مختمفة مف ضواحي‬

‫مدينة بغداد‪ ،‬وانتظر عدة أياـ‪ ،‬بعدىا طاؼ عمى األماكف التي وضع القطع فييا ليرى‬

‫تأثير الجو والزمف عمييا‪ ،‬فإذا تَمِفَ ْ‬


‫ت القطعة بسرعة اعتبر أف ىذه المنطقة ال تصمح‬

‫‪ 1‬جزاع‪ ،‬طه (‪ ) 2001‬فلسفة األخالق عند أيب بكر الرازي‪ ،‬املورد‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪-‬دائرة الشؤون الثقافية‬

‫‪2‬‬
‫إلقامة المستشفى‪ ،‬أما إذا ظمت قطعة المحـ كما ىي دوف أف يصيبيا التمؼ‪ ،‬أو تأخرت‪،‬‬

‫فيذا دليؿ عمى طيب ىواء المنطقة‪ ،‬وصالحيتيا إلقامة المشروع‪ .‬وعندما أنشأ الخميفة‬

‫مستشفى الري (عاـ ‪ٕٜٛ-ٕٜٚ‬ىػ ‪ ٜٕٓ -ٜٕٛ/‬ـ) جمع أشير األطباء (فاؽ عددىـ‬

‫ثـ انتقى‬
‫المائة طبيب)‪ ،‬واختار خمسيف منيـ ليكونوا طاقـ المستشفى فكاف الرازي منيـ‪ّ ،‬‬

‫ونظر لميارتو وخبرتو جعمو رئيساً‬


‫اً‬ ‫عشرة أطباء كرؤساء لألقساـ فكاف الرازي أبرزىـ‪،‬‬

‫ألطباء المستشفى‪.‬‬

‫عمؿ الرازي في بداية حياتو بالصرافة‪ ،‬وكاف يحب الموسيقى و يضرب عمي العود‬

‫ويغني وينظـ الشعر في صغره‪ .‬اعتبر المؤرخوف القدامى ىذه الموىبة ميزة مف ميزات‬

‫الرازي‪ ،‬ومقدرة خاصة‪ .‬ولكنو تػرؾ الغنػاء عندما التح ػى وجيػو قائال‪ " :‬كؿ غناء يخرج‬
‫ٔ‬
‫مف بيف شارب ولحية ال يستظرؼ‪".‬‬

‫كاف الرازي مف أعظـ األطباء المسمميف في العصور الوسطى‪ ،‬تتممذ في عموـ الطب‬

‫عمى يد عمي بن زين الطبري (صاحب أوؿ موسوعة طبية عالمية "فردوس الحكمة")‪،‬‬

‫والفمسفة عمى يد البمخي‪ .‬وكاف الرازي متقناً لمينة الطب‪ ،‬عارفاً بأوضاعيا وقوانينيا‪،‬‬

‫حتى اشتير وأصبح معروفاً فأخذوا الطمبة وطالبي العمـ مف جميع الجيات يقصدونو‬

‫‪ 1‬آيزن‪ ،‬على (‪ )1936‬كيمياء الرازي‪ ،‬جملة اجملمع العلمي العريب‪ ،‬اجملمع العلمي العريب‬

‫‪3‬‬
‫لكي يتعمموا منو وكاف يصر عمى طالبو أف يواصموا الدراسات العميا في الطب إلث ارء‬

‫ذلؾ الميداف مف العموـ حيث أصبح بعد ذلؾ مرجع ًا أساسياً لمعظـ الحاالت المرضية‬

‫ٔ‬
‫الصعبة والمستعصية لذلؾ لقب "بجالينوس العرب"‪.‬‬

‫شهرته‪:‬‬

‫قاؿ عنو النديم في كتابو الفيرست‪ " :‬كاف الرازي أوحد دىره‪ ،‬وفريد عصره‪ ،‬قد جمع‬

‫المعرفة بعموـ القدماء سيما الطب"‪.‬‬

‫ويصفو ابف أبي أصيبعة في كتابو "عيوف األنباء في طبقات األطباء" بقولو‪ " :‬كاف‬

‫الرازي ذكياً فطناً رءوفا بالمرضى‪ ،‬مجتيداً في عالجيـ وفي برئيـ بكؿ وجو يقدر عميو‪،‬‬

‫مواظباً لمنظر في غوامض صناعة الطب والكشؼ عف حقائقيا وأسرارىا وكذلؾ في‬

‫غيرىا مف العموـ بحيث انو لـ يكف لو دأب وال عناية في جؿ أوقاتو إال في االجتياد‬

‫والتطمع فيما قد دونو األفاضؿ مف العمماء في كتبيـ‪".‬‬

‫وبسبب شيرتو واتقانو لمينة الطب أُطمقت عميو ألقاب عديدة منيا‪ :‬أمير األطباء‪ ،‬أبقراط‬

‫العرب‪ ،‬منقذ المؤمنيف‪ .‬كما وصؼ عمي أنو جالينوس العرب‪ ،‬و قيؿ عنو " كاف الطب‬

‫متفرقا فجمعو الرازي‪".‬‬

‫‪ 1‬آيزن‪ ،‬على ‪ .‬املرجع السابق‬

‫‪4‬‬
‫ويعد الرازي مف ابرز األطباء المسمميف مف ناحية األصالة في البحث حتى أطمؽ عميو‬

‫"أبو الطب العربي"‪ ،‬وكاف مف رواد البحث التجريبي في العموـ الطبية‪.‬‬

‫مف أبرز ما قيؿ عنو عند وفاتو مجسداً بذلؾ براعتو في عموـ الطب " كاف الطب‬

‫ٔ‬
‫معدوما فأوجده أبقراط"‪ ،‬وميتاً فأحياه جالينوس‪ ،‬ومشتتاً فجمعو الرازي"‪.‬‬

‫اظبا‬
‫يصا عمى القراءة ومو ً‬
‫كاف ذكياً ذو ذاكرة قوية ال يضيع وقتاً إال في التعمـ‪ ،‬وكاف حر ً‬

‫عمييا ومدوناً كؿ ما يق أر وخاصة في المساء‪ ،‬فقد كاف يضع سراجو في مشكاة عمى‬

‫حائط يواجيو‪ ،‬ويناـ في فراشو عمى ظيره ممس ًكا بالكتاب حتى إذا ما غمبو النعاس وىو‬

‫يق أر سقط الكتاب عمى وجيو فأيقظو ليواصؿ القراءة مف جديد‪.‬‬

‫يقوؿ النديـ في كتابو الفيرست‪ " :‬ما دخمت عميو قط إال رأيتو ينسخ‪ ،‬إما يسود أو يبيض‬

‫وكاف في بصره رطوبة لكثرة أكمو لمباقمي‪ .‬وعمى في آخر عمره"‪.‬‬

‫وظؿ طواؿ حياتو بيف تمؾ والتصنيؼ‪ ،‬حتى قيؿ إنو إنما فقد بصره مف كثرة القراءة‪،‬‬

‫ومف إجراء التجارب الكيميائية في المعمؿ‪ )ٕ( .‬إال أف بعض المؤرخيف يقولوف غير‬

‫ذلؾ فيقوؿ "ابف خمكاف" في كتابو "وفيات األعياف" أف الرازي‪ " :‬صنؼ لمممؾ منصور‬

‫بف نوح الساماني صاحب خراساف‪ ،‬كتاب ًا في إثبات صناعة الكيمياء‪ ،‬وقصده بو مف‬

‫‪ 1‬محارنة‪ ،‬نشأت (‪ ) 1998‬الرازي الطبيب أبو بكر حممد بن زكريا الرازي‪ ،‬الرتاث العريب‪ ،‬احتاد الكثاب العرب‬

‫‪5‬‬
‫بغداد فدفع لو الكتاب‪ ،‬فأعجبو‪ ،‬وشكره‪ ،‬وحباه بألؼ دينار‪ .‬وقاؿ لو‪ :‬أردت أف تخرج ىذا‬

‫الذي ذكرت في الكتاب إلى الفعؿ‪ ،‬فقاؿ لو الرازي‪ :‬إف ذلؾ يحتاج إلى المؤف‪ ،‬ويحتاج‬

‫إلى آالت وعقاقير صحيحة‪ ،‬وفي إحكاـ صنعة ذلؾ كمو‪ ،‬وكؿ ذلؾ كمفة‪ .‬فقاؿ لو‬

‫منصور‪ :‬كؿ ما احتجت إليو مف اآلالت أو العقاقير أو غيرىا ومما يميؽ بالصناعة‪،‬‬

‫احضره لؾ كامالً حتى تخرج ما ضمنتو كتابؾ ىذا إلى العمؿ‪ .‬فمما رأى إصرار‬

‫المنصور أذعف ولكنو يقاؿ أنو عجز عف العمؿ‪ .‬فقاؿ لو منصور‪ :‬ما اعتقدت أف حكيماً‬

‫يرضى بتخميد الكذب في كتب ينسبيا إلى الحكمة‪ ،‬يشغؿ بيا قموب الناس‪ ،‬ويتعبيـ فيما‬

‫ال يعود عمييـ مف ذلؾ منفعة‪ .‬ثـ قاؿ لو‪" :‬لقد كافأناؾ عمى قصدؾ وتعبؾ بما صار‬

‫إليؾ مف األلؼ دينار‪ ،‬وال بد مف معاقبتؾ عمى تخميد الكذب"‪ ،‬فحمؿ السوط عمى رأسو‪،‬‬

‫ثـ أمر أف يضرب بالكتاب حتى يتقطع‪ ،‬ثـ جيزه وسيره إلى بغداد‪ .‬فكاف ذلؾ الضرب‬

‫سبباً لنزوؿ الماء في عينيو‪ ،‬الذي سبب لو العمى‪ .‬وقاؿ‪" :‬قد أريت الدنيا" يذكر أنو قيؿ‬

‫لو‪" :‬اقدح يا رازي ‪:‬فأجاب‪ ،‬ال قد أبصرت مف الدنيا حتى مممت منيا‪ ،‬فال حاجة لي إلى‬

‫ٔ‬
‫العينيف‪".‬‬

‫‪ 1‬محارنة‪ ،‬نشأت املرجع السابق‬

‫‪6‬‬
‫مؤلفاته‪:‬‬

‫حيث إنو أمتاز بكثرة الكتابة والتدويف فمقد كثرت مؤلفات الرازي وتعددت كما كانت‬

‫مؤلفاتو شاممة تجمع فييا مف عموـ اليوناف والينود باإلضافة إلى أبحاثو المبتكرة وآرائو‬

‫ومالحظاتو فمو ٕٕٓ كتاب ومخطوط ومقاؿ في مختمؼ جوانب العموـ‪ ،‬ضاع جزء‬

‫كبير منيا وبقى بعض منيا متوفر حالياً في المكتبات الغربية‪ .‬شممت مؤلفاتو (‪)٘ٙ‬‬

‫كتاباً في الطب‪ )ٖٖ( ،‬كتاباً في الطبيعيات‪ )ٚ( ،‬كتب في المنطقيات‪ )ٔٓ( ،‬كتب في‬

‫الرياضيات والنجوميات‪ )ٔٚ( ،‬كتاباً في الفمسفة‪ )ٙ( ،‬كتب في ما وراء الطبيعة‪)ٔٗ( ،‬‬

‫كتاباً في اإللييات‪ )ٕٔ( ،‬كتاباً في الكيمياء‪ )ٚ( ،‬في الشروح و التراخيص‬

‫واالختصارات‪ ،‬و(ٔٔ) كتابا في مواضيع وفنوف متنوعة وقد امتازت مؤلفات الرازي‬

‫جميعيا بالعممية والموضوعية حيث حاوؿ االبتعاد منيا عف المصطمحات الغامضة‪ ،‬أو‬

‫الخرافات التي كانت شائعة في تمؾ العصور‪ .‬إف كتب الرازي في الكيمياء غنية‬

‫بالمعمومات التي جعمت مؤرخو العموـ يصنفونو "بمؤسس الكيمياء الحديثة في الشرؽ‬

‫ٔ‬
‫والغرب"‪.‬‬

‫‪ 1‬آيزن‪ ،‬على ‪ .‬املرجع السابق‬

‫‪7‬‬
‫كما ألؼ كتب طبية مطولة‪ ،‬ترجـ عدد منيا إلى الالتينية‪ ،‬وظمت كمراجع أساسية‬

‫لدراسة الطب في أوربا حتى القرف )ٔٔىػ ‪ ٔٚ‬ـ)‪ ،‬ولمؤلفاتو الطبية أكبر األثر في‬

‫االرتقاء بيذا العمـ وتطويره‪ ،‬حيث كانت لو إنجازات عديدة فييا‪.‬‬

‫إف مف أعظـ كتبو "تاريخ الطب وكتاب المنصوري في الطب و كتاب األدوية المفردة"‬

‫الذي يتضمف الوصؼ الدقيؽ لتشريح أعضاء الجسـ‪ .‬وكتاب "الجامع" و"الكافي "‬

‫و"المدخؿ" و"الممكي" و"الفاخر" إال أف كتابي (الحاوي والمنصوري) يعتبراف عمى رأس‬

‫مؤلفاتو والييما يعود الفضؿ في شيرتو وذيوع صيتو في جميع البمداف‪ .‬وكتاب "سر‬

‫األسرار" ىو و"الحاوي" يعتبر مف أعظـ كتب الطب التي ألفيا‪ ،‬ومف المؤلفات األخرى‬

‫األسرار في الكيمياء الذي كاف مرجعاً في مدارس أوروبا مدة طويمة‪ ،‬وكتابو في الحصبة‬

‫والجدري الذي عرض فيو أعراض المرضيف والتفرقة بينيما‪ ،‬كما لو كتاب مف ال يحضره‬

‫طبيب المعروؼ باسـ طب الفقراء وفيو شرح الطرؽ المعالجة في غياب الطبيب منا‬

‫ٔ‬
‫يعدد األدوية المنتشرة التي يمكف الحصوؿ عمييا بسيولة‪.‬‬

‫ينسب الرازي الشفاء إلى آثار التفاعالت الكيميائية في أجساـ المرضى (ٖ)‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الباقي‪ ،‬أمحد (‪ )2006‬أبو بكر حممد بن زكريا الرازي‪ ،‬املورد‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪-‬دائرة الشؤون الثقافية‬

‫‪8‬‬
‫إال أف الرازي لـ يغفؿ أخالقيات الطبيب فمقد كاف معروفا عنو أنو كاف يؤمف بسرية‬

‫المينة‪ ،‬حيث ذكر ذلؾ في كتابو "في محنة الطبيب وتعيينو" وكتاب "أخالؽ الطبيب"‬

‫الذي شرح فيو العالقة اإلنسانية بيف الطبيب والمريض وبيف المريض والطبيب والعالقة‬

‫المينية التي تربط األطباء بعضيـ ببعض‪ ،‬وبينيـ وبيف الحكاـ‪.‬‬

‫و من أعظم و أشهر كتبه الطبية ‪:‬‬

‫‪ -1‬تاريخ الطب‬

‫حيث جمع فيو مقتطفات مف مصنفات اإلغريؽ و العرب‪ .‬ولقد قاـ الطبيب الييودي‬

‫بصقمية فرج بف سالـ في عاـ ‪ٕٜٔٚ‬ـ بترجمتو إلى الالتينية‪.‬‬

‫بحث الرازي في ىذا الكتاب أمراض الرأس و أوجاع العصب و التشنج‪ ،‬كما عني فيو‬

‫ٔ‬
‫بأمراض العيوف و األنؼ و األسناف باإلضافة إلى أمور أخرى‪.‬‬

‫‪ -2‬كتاب المنصوري‬

‫‪ 1‬عبد الباقي‪ ،‬أمحد املرجع السابق‬

‫‪9‬‬
‫كتب الرازي كتاب المنصوري في عمـ الطب وذلؾ لممنصور بف إسحاؽ صاحب‬

‫خراساف‪ ،‬وىو كتاب مختص ار نسبيا إال انو كاف مؤث ار في الطب سواء في الدولة‬

‫اإلسالمية أو األوروبية حيث ظؿ األطباء في أوروبا يعتمدوف عميو حتى القرف السابع‬

‫عشر اليجري‪ ،‬جعمو الرازي في عشرة أبواب في الطب‪ .‬ذكر الرازي في القسـ الثامف أو‬

‫التاسع منو تجارب أجراىا عمى الحيوانات الختبار أساليب جديدة في العالج و لمكشؼ‬

‫عف فاعميو بعض األدوية‪ ،‬و ذلؾ قبؿ أف يجربيا عمى اإلنساف‪ .‬ولقد كاف ىذا الجزء مف‬

‫الكتاب يوزع منفصال تحت اسـ ‪.Liber nouns ad Almansorem‬‬

‫كما ضـ ىذا الكتاب وصفا دقيقا لتشريح أعضاء الجسـ كمو(ٖ‪ )ٗ,‬وطبع ألوؿ مرة في‬

‫"ميالنو "عاـ ‪ٛٛٙ‬ىػ ٔ‪ ٔٗٛ‬ـ‪ ،‬وأعيد طبعو مرات عديدة‪ ،‬وترجمت أجزاء منو إلى‬

‫ٔ‬
‫الفرنسية واأللمانية‪ .‬وكذلؾ إلى الالتينية بواسطة جيرارد في عاـ ‪ٔٔٛٚ‬ـ‪.‬‬

‫‪ -3‬كتاب الحاوي في الطب‬

‫يعتبر أجمؿ كتب الرازي وأعظميا في صناعة الطب‪ ،‬حيث يعتبر موسعو شاممو في‬

‫الطب‪ .‬لقد َّ‬


‫سجؿ فيو ممحقات عديدة لمؤلفيف في الطب اليندي والفارسي واإلغريقي‬

‫والعربي‪ .‬يقع الكتاب في ثالثيف جزءا تتضمف ذكر األمراض ومداواتيا مما ىو موجود‬

‫في سائر الكتب الطبية التي صنفيا السابقوف ومف أتى بعدىـ حتى أيامو‪ .‬ومما يدؿ‬

‫‪ 1‬أمني‪ ،‬وديع (‪ ) 2006‬ابو بكر الرازي الطبيب الفيلسوف‪ ،‬أدب ونقد‪ ،‬حزب الثجمع الوطين الثقدمي الوحدوي‬

‫‪11‬‬
‫عمى خمقو وأمانتو العممية والتزامو بآداب المينة أنو كاف ينسب كؿ شيء نقمو إلى‬

‫ٔ‬
‫صاحبو‪.‬‬

‫وقد سماه (الرازي) الحاوي ألف كتابو ىذا يعد موسوعة عممية طبية تحوي كؿ الكتب‬

‫مجمدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫واألقاويؿ الطبية القديمة مف أىؿ صناعة الطب‪ ،‬ويقع في عشريف‬

‫والمادة الرئيسية في كتاب "الحاوي في الطب" ىي مذكرات شخصية سجؿ الرازي فييا‬

‫آراءه الخاصة‪ ،‬وقصص مرضاه‪ ،‬حيث دوف فيو أكثر مف ٓٓٓٔ حالو مف الحاالت‬

‫السريرية التي قاـ بمتابعتيا و تسجيؿ مالحظاتو و تجاربو الشخصية مع المرضي لدعـ‬

‫النظريات السابقة أو لدحضيا حيث كانت ىذه المعمومات قيمو جدا لكؿ األطباء في‬

‫عصره ومف أتوا بعده (‪ ، )ٙ‬ويوحي ترتيب المادة العممية في ىذه المذكرات بأف الرازي‬

‫كاف يدوف مالحظاتو في كراسات يضعيا في حافظات‪ .‬وكانت كؿ حافظة مف حافظات‬

‫ٕ‬
‫األوراؽ مخصصة لموضوع مف الموضوعات الطبية‪.‬‬

‫‪ 1‬أمني‪ ،‬وديع ‪ ،‬املرجع السابق‬


‫‪ 2‬جزاع‪ ،‬طه املرجع سابق‬

‫‪11‬‬
‫كتابو الحاوي في عمـ التداوي ترجـ إلى الالتينية وطبع ألوؿ مرة في بريشيا في شماؿ‬

‫وىو أضخـ كتاب طبع بعد اختراع المطبعة‬ ‫إيطاليا عاـ ٔ‪ٜٛ‬ىػ ‪ ٔٗٛٙ -‬ـ‬

‫ار في البندقية في القرف ٓٔىػ ‪ ٔٙ-‬ـ‪ .‬وقسـ كتاب الحاوي في‬


‫مباشرةأعيد طبعو مرًا‬

‫الطبعة الالتينية إلى خمسة وعشريف مجمدا‪ .‬تتضح ميارة الرازي في ىذا المؤلؼ الضخـ‬

‫وتتجمى دقة مالحظاتو وغ ازرة عممو وقوة استنتاجو‪.‬‬

‫إال إف بعض المؤرخيف يقولوف إف الرازي لـ يتـ الكتاب بنفسو و لكف تالميذه ىـ الذيف‬

‫أكمموه‪ ،‬حيث ذكر أنو بعد وفاة الرازي قاـ ركف الدولة في عاـ ‪ٖٕٚ‬ىػ‪ٜٖٜ/‬ـ بشراء‬

‫مذكرات الحاوي مف خديجة شقيقة الرازي وطمب مف طمبة الرازي أف يقوموا بوضع ىذه‬

‫المذكرات في طريقة تسمسمية تحت عناويف لألمراض المختمفة مع أجزاء منفصمة عف‬

‫مادة األدوية (يعادؿ حجـ الكتاب وفصولو ٖٕ جزء مف الطبعات الحديثة في الكتب)‪.‬‬

‫أحدى أقدـ المخطوطات ليذا الكتاب موجود في المكتبة الوطنية لمطب في بريطانيا وىو‬

‫ذلؾ الجزء الخاص بأمراض الجياز اليضمي‪ .‬وكذلؾ الصفحة األخيرة مف الكتاب‬

‫المذكور فيو بأف تاريخ االنتياء مف تدويف ىذا الكتاب كاف في ‪ ٜٔ‬ذي القعدة ‪ ٗٛٚ‬ىػ‬

‫‪12‬‬
‫الموافؽ ٖٓ نوفمبر ٗ‪ .ٜٔٓ‬تعتبر ىذه المخطوطة ىي ثالث أقدـ مخطوطة عربية طبية‬

‫ٔ‬
‫محفوظة إلي يومنا ىذا‪.‬‬

‫يكدس وريقات في صندوؽ‬


‫تذكر خديجة شقيقة الرازي الحديث التالي‪ :‬كاف شقيقي ّ‬

‫خاص‪ ،‬حكمت عميو بالتفاىة‪ ،‬لكنني بعد وفاتو‪ ،‬أخرجت ما في الصندوؽ‪ ،‬فإذا محتواه‬

‫يقع في ثالثيف جزءاً‪ ،‬أطمؽ عميو األطباء (كتاب الحاوي) ألنو جمع فيو األمراض‪ ،‬كما‬

‫جمع في شخصو اختصاص األطباء في كؿ مجاؿ‪.‬‬

‫‪ -4‬الجدري والحصبة‬

‫في رسالتو الرائعة في "الجدري والحصبة" يقوـ بوصؼ ىذيف المرضيف ووضع‬

‫التشخيص ليما‪ .‬حيث تعتبر األولى مف نوعيا بالنسبة ليذه األنواع مف األمراض‪،‬‬

‫وأوصى باالنتباه أثناء الفحص‪ ،‬إلى القمب والنبض والتنفس والمفرزات والح اررة العالية‬

‫التي ترافؽ ىذه األمراض‪ ،‬كما أكد عمى حماية العينيف والوجو والفـ لتحاشي التقرحات‪.‬‬

‫تـ إعادة طباعة ىذا الكتاب أربع مرات بيف عامي ٖٓ‪ٜ‬ىػ‪ٜٔٗٛ -‬ـ‪ ،‬وٖ‪ٕٔٛ‬ىػ‪-‬‬

‫ٕ‬
‫‪ٔٛٙٙ‬ـ‬

‫‪ -8‬كتاب" في الفصد والحجامة"‬

‫‪ 1‬جزاع‪ ،‬طه املرجع سابق‬


‫‪ 2‬ابن أيب أصيبعة‪ ،‬عيون االنباء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ 8-317 :1‬وانظر السرية الفلسفية للرازي طبع القاهرة ‪1936‬‬

‫‪13‬‬
‫كاف الرازي يؤمف بأف الفصد مفيد لعالج بعض األمراض‪ .‬غير ما ذكره أرسطوطاليس‬

‫مف مدرسة اإلسكندرية القديمة‪( ،‬مف القرف الثالث إلى القرف الرابع ‪ -‬ؽ‪ .‬ـ)‪ ،‬ثـ تالميذ‬

‫أرسطوطاليس حيث كانوا جميعا يمنعوف مف الفصد‪ ،‬ظنا منيـ بأنو يجمب المرض‪.‬‬

‫واذا أمعنا النظر في قوؿ الرازي‪" :‬وأخبرني مف كنت أق أر عميو أف المأموف افتصد" ثـ‬

‫قولو "وخبرني بعض مف كنت أتعمـ عنو الفصد" لستدلمنا عمى أف الرازي درس الطب‬

‫عمى أستاذ طيب‪ ،‬ولكنو تعمـ الفصد عند فصاد مف غير األطباء‪ ،‬ممف كانوا يمارسوف‬

‫"أعماؿ الطب الجزئية‪".‬‬

‫ومن كتبه الطبية األخرى‪:‬‬

‫‪ -‬المنصوري في التشريح‬

‫‪ -‬الحصى في الكمى والمثانة‬

‫‪ -‬عمؿ المفاصؿ والنقرس وعرؽ النسا‬

‫‪ -‬منافع األغذية‬

‫‪-‬سر الطب‬

‫‪-‬المدخؿ إلى الطب‬

‫‪ -‬الكافي في الطب‬

‫‪ -‬القولنج)الشمؿ((ٕ)‬

‫‪14‬‬
‫‪-‬الجامع الكبير‬

‫‪-‬سر األسرار‬

‫‪-‬المرشد‬

‫‪-‬صيدلة الطب‬

‫مؤلفاته في عمم الطبيعيات‬

‫مجدا‪ ،‬يعتمد عمى البحث واالستق ارء والتجربة والمشاىدة‬


‫ً‬ ‫طبيعيا‬
‫ً‬ ‫عالما‬
‫ً‬ ‫كاف الرازي‬

‫العممية‪ ،‬باإلضافة إلى الرؤية العقمية والبصيرة الواعية وسعة األفؽ‪.‬‬

‫فقد كتب الرازي عدة مؤلفات في "الييولي" المادة وتوصؿ منذ وقت مبكر إلى أف المادة‬
‫تتركب مف أجزاء صغيرة‪ ،‬تنقسـ بدورىا إلى أجزاء دقيقة‪ ،‬تنتيي إلى أجزاء غاية في‬
‫ٔ‬
‫الدقة ال تقبؿ التجزئة‪ ،‬وىو ما يطمؽ عميو اليوـ “الذرات"‬
‫وفاته‪:‬‬
‫عاما‬
‫ىناؾ روايات عديدة عف وفاه الرازي واألرجح انو توفي في الري عف عمر ستيف ً‬
‫في ٘ مف شعباف ٖٔٔىػ ‪ ٜٔ‬مف نوفمبر ٖٕ‪ٜ‬ـ‪ .‬إال اف تاريخ وفاتو تتواتر فبعض‬
‫المؤرخيف القدامى يذكر‪ ٖٖٔ/‬ىػ‪ /‬واآلخر‪ ٖٕٓ /‬ىػ‪ .،/‬ىذا وتذكر رواية أخري عف ابف‬
‫أبي أصيبعة إنو قتؿ خنقا‪ ،‬ولـ يمت ميتة عادية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابننن النننده‪ ،‬الفارسننة‪ ،‬القنناهرة ‪ 1929‬ص‪ ،34-429‬ولسننليمان بننن حسننان بننن جلج ن ‪ ،‬طبقننات األطبنناء وا كمنناء‪،‬‬
‫حتقيق فؤاد سيد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬معاد اآلثار الفرنسي‪ 1955 ،‬ص‪77‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫تعريف االعجاز لغة واصطالحا‬

‫أوال‪ :‬مفهوم االعجاز‪:‬‬

‫تعريؼ اإلعجاز لغة واصطالحا‪:‬‬

‫تعريف اإلعجاز لغة‪:‬‬

‫قاؿ ابف فارس في مقاييس المغة‪( :‬ع ج ز) العيف والجيـ والزاء أصالف صحيحاف‪ ،‬يد ؿ‬
‫ٔ‬
‫أحدىما عمى الضعؼ‪ ،‬واآلخر عمى مؤخر الشيء‪.‬‬

‫ومدار مادة ((عجز)) في المغة عمى التأخر عف الشيء‪ ،‬والقصور عف فعمو‪ ،‬ومنو داللة‬
‫اإلعجاز عمى (الفوت والسبؽ)‪ ،‬وعدـ القدرة عمى اإلدراؾ‪.‬‬

‫تعريف اإلعجاز اصطالحا‪:‬‬

‫اإلعجاز في االصطالح ىو‪" :‬إثبات القرآف عجز الخمؽ عف اإلتياف بما تحداىـ بو"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شروط اإلعجاز المسمَّم بها‪:‬‬

‫لكي يتـ اإلعجاز ويتحقؽ التسميـ بو البد مف توافر شروط ثالثة في األمر المعجز‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يوجد التحدي به‪:‬‬

‫‪ 1‬لسان العرب ‪ ،‬ابن منظور‪ :‬مادة (عجز)‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫فيو الذي يدفع إلى المعارضة مف الخصـ‪ ،‬وبغير ىذا ال يكترث أحد لدعواه‪ ،‬عمى‬
‫خطورتيا‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن يوجد المقتضي لممعارضة من الخصوم‪:‬‬

‫كالدفاع عف معتقداتيـ‪ ،‬وما ورثوه عف آبائيـ‪ ،‬وما تواضعوا عميو مف نظـ حياتيـ‪،‬‬
‫وقواعد عباداتيـ ومعامالتيـ‪ .‬فمف جاء بدعوة تعارض ىذا كمو‪ ،‬وتسفو كؿ ما ىـ عميو‪،‬‬
‫وترمييـ بالضالؿ والغي‪ ،‬كاف مف الطبيعي أف توجد البواعث لمعارضتو‪ ،‬وخصوصا‬
‫ٔ‬
‫عند تحدييـ ‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن تنتفي الموانع من معارضته‪:‬‬

‫فمو ظير إنساف يدعي النبوة في أستراليا مثال‪ ،‬وادعى أف معجزتو كتاب عربي أنزؿ‬
‫عميو‪ ،‬وىو يتحدى بعضا مف العرب أف يأتوا بمثمو‪ ،‬ولـ يتقدـ أحد لمعارضتو‪ ،‬لـ يثبت‬
‫اإلعجاز بذلؾ‪ ،‬لوجود الموانع التي تمنع القادريف عمى المعارضة مف مقابمة التحدي لبعد‬
‫مكانيـ منو ‪.‬‬

‫وقد توافت ىذه الشروط الثالثة في إعجاز القرآف ‪.‬‬

‫فقد وجد التحدي بأبمغ صورة‪ :‬تحداىـ أوال أف يأتوا بقراف مثمو‪( :‬فميأتوا بحديث مثمو إف‬
‫كانوا صادقيف) (الطور‪ .)ٖٗ :‬ثـ تحداىـ أف يأتوا بعشر سور مثمو مفتريات‪( :‬أـ يقولوف‬

‫‪ 1‬مفردات الفاظ القرآن ‪ ،‬الراغب اإلصفااين‪ :‬مادة (عجز)‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫افتراه قؿ فاتوا بعشر سور مثمو مفتريات وادعوا مف استطعتـ مف دوف اهلل إف كنتـ‬
‫صادقيف) ىود ٖٔ‬

‫ثـ تحداىـ أف يأتوا بسورة مف مثمو‪( :‬أـ يقولوف افتراه قؿ فاتوا بسورة مف مثمو وادعوا مف‬
‫استطعتـ مف دوف اهلل إف كنتـ صادقيف) يونس‪ٖٛ‬‬

‫وىذا كمو في القرآف المكي‪ .‬ومع ىذا كمو عجزوا عف المعارضة‪ ،‬وىـ فرساف البياف‪،‬‬
‫ورجاؿ البالغة والفصاحة‪ ،‬والقراف يخمب ألبابيـ‪ ،‬ويؤثر في عقوليـ وقموبيـ‪ ،‬وال يممكوف‬
‫إال أف يقولوا‪( :‬ال تسمعوا ليذا القرآف والغوا فيو لعمّكـ تغمبوف )‬

‫وأكد ذلؾ تجديد التحدي في العيد المدني‪ ،‬ففي سورة البقرة دعاىـ إلى التوحيد‪ ،‬ثـ قاؿ‪:‬‬
‫(واف كنتـ في ريب مما نزلنا عمى عبدنا فاتوا بسورة مف مثمو‪ ،‬وادعوا شيداءكـ مف دوف‬
‫اهلل إف كنتـ صادقيف‪ .‬فاف لـ تفعموا ولف تفعموا فاتّقوا النار التي وقودىا الناس والحجارة‬
‫أعدت لمكافريف) البقرة ٖٕ‪.ٕٗ-‬‬

‫فينا سجؿ عمييـ أنيـ لف يفعموا‪ ،‬بيذه الصيغة المستقبمية‪ .‬وفي ىنا اقوى حافز ليـ عمى‬
‫المعارضة‪ ،‬لو كاف لدييـ ما يعارضوف بو‪ ،‬بؿ بذلوا األنفس واألمواؿ‪ ،‬وقاتموا وقُتموا‪ ،‬ولـ‬
‫ٔ‬
‫يستجيبوا لمتحدي‪.‬‬

‫وبيذا غمبوا وانقطعوا‪ ،‬وحؽ عمييـ قوؿ اهلل تعالى‪( :‬قؿ لئف اجتمعت االنس والجف عمى‬
‫أف يأتوا بمثؿ ىذا القرآف الياتوف بمثمو ولو كاف بعضيـ لبعض ظييرا) اإلسراء‪.ٛٛ :‬‬

‫‪ 1‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حممد مرتضى الزبيدي ‪ :‬مادة(عجز)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫خصائص اإلعجاز‪:‬‬

‫أ‪-‬الفصاحة في ألفاظ القرآن الكريم‪:‬‬

‫أوؿ ما يالقيؾ ويسترعي انتباىؾ مف أسموب القرآف الكريـ خاصية تأليفو الصوتي في‬
‫شكمو وجوىره‪:‬‬

‫شكؿ القرآف الكريـ‪:‬‬

‫فبالنسبة لمشكؿ ما عميؾ سوى أف تدع القارئ المجود يق أر القرآفُ يرتمو حؽ ترتيمو نازال‬
‫بنفسو‬

‫قصيا ال تسمع‬
‫عمى ىوى القرآف‪ ،‬وليس نازال بالقرآف عمى ىوى نفسو‪ .‬ثـ انتبذ منو مكانا ّ‬
‫وغناتيا‪ ،‬واتّصاالتيا‬
‫فيو جرس حروفو‪ ،‬ولكف تسمع حركاتيا وسكناتيا‪ ،‬ومداتيا ّ‬
‫وسكتاتيا‪ ،‬ثـ ألؽ سمعؾ إلى ىذه المجموعة الصوتية‪ ،‬وقد جردت تجريدا واُرسمت‬
‫ساذجة في اليواء‪ .‬فستجد نفسؾ منيا بإزاء لحف عجيب ال تجده في كالـ آخر لوُ جرد‬
‫ٔ‬
‫ىذا التجريد‪ ،‬وُ جود ىذا التجويد‪.‬‬

‫جوىر القرآف الكريـ‪:‬‬

‫فإنؾ إذا ما اقتربت بأذنؾ قميال قميال‪ ،‬فطرقَت‬


‫وأما بالنسبة لجوىر ىذا التّأليؼ الصوتي‪ّ ،‬‬
‫سمعؾ جواىر حروفو خارجة مف مخارجيا الصحيحة؛ فاجأتؾ منو ل ّذة أخرى في نظـ‬
‫تمؾ الحروؼ ورصفيا وترتيب أوضاعيا فيما بينيا‪ :‬ىذا ينقر وذاؾُ يصفّر‪ ،‬وثالث ييمس‬
‫النفس‪ ...‬وىمـ جرا‪ ،‬فترى‬
‫النفس وآخر يحتبس عنده ّ‬
‫ورابع يجير‪ ،‬وآخر ينزلؽ عميو ّ‬

‫‪ 1‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حممد مرتضى الزبيدي ‪ :‬مادة(عجز)‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الجماؿ المُّغوي ماثال أمامؾ في مجموعة مختمفة مؤتمفة ال كركرة وال ثرثرة‪ ،‬وال رخاوة وال‬
‫معاضمة‪ ،‬ولنضرب لؾ مثال مف ىذا التناسؽ الصوتي في القرآف شكال وجوى ار بقولو‬
‫تعالى‪( :‬وقالوا تاهلل تفتأ تذكر يوسؼ حتى تكوف َحرضاً أو تكوف مف اليالكيف≪ (يوسؼ‬
‫النطؽ معا‬
‫٘‪ ،)ٛ‬فنالحظ أف اآلية الكريمة جمعت كممات ثقيمة عمى السمع وثقيمة عمى ّ‬
‫مثؿ كممات (تاهلل‪ ،‬تفتأ‪ ،‬تذكر‪ ،‬حرضا )‪ ،‬جاءت تمؾ األلفاظ خشنة اإليقاع لتصور ما‬
‫في قموب قائمييا مف ٍ‬
‫غمظة وخشونة‪ ،‬فيـ إخوة يوسؼ الذيف ألقوه في الجب؛ ىذه األلفاظ‬
‫مناسبة لحاؿ مشاعرىـ تجاه أخييـ يوسؼ وتجاه حزف أبييـ عميو‪.‬‬

‫النطؽ فإذا ىي‬


‫مف ناحية أخرى‪َ ،‬نظمت اآلية الكريمة تمؾ الكممات الخشنة عمى السمع و ّ‬
‫نغـ عذب وسمس‪ ،‬وال شؾ في أف ذلؾ مف ضروب اإلعجاز في َّ‬
‫النظـ ال يستطيع أف‬
‫ٔ‬
‫يأتي بمثمو البشر‪.‬‬

‫ولقد كاف مف الممكف أف يستعمؿ النص القرآني ألفاظاً أَرؽ منيا عمى السمع وأخؼ عمى‬
‫المساف‪:‬‬

‫فكممة‪ :‬تاهلل‪ :‬التَّاء أقؿ حروؼ القسـ استعماال‪ ،‬وكاف مف الممكف أف تستعمؿ كممة "واهلل"‬
‫أو كممة "باهلل"‪ ،‬والواو والباء أخؼ في مخارج الحروؼ مف التّاء‪.‬‬

‫ولكف النظـ القرآني حوليا إلى جممة ليا جرس صوتي مقبوؿ وايقاع جميؿ‪ ..‬وكيؼ؟‬
‫التاء مف الحروؼ المتفجرة‪ ،‬واذا كانت مفتوحة زادت قُوة انفجارىا‪ ،‬ولكفُ يقمّؿ مف‬
‫انفجارىا وقوع سكوف بعدىا‪ ،‬ألف السكوف بعدىا يمنع انفجار حرؼ التّاء مف طرؼ‬
‫المساف واألسناف والشفتيف‪.‬‬

‫‪ 1‬الشفا بثعريف حقوق املصطفى (صلى اهلل عليه )‪ ،‬القاضي عياض‪ ’،349 ،1:‬حتقيق االُسثاذ علي حممد البجاوي‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫لذلؾ نالحظ أف الكممات الثالث التي ابتدأت بحرؼ التّاء كاف عقب كؿ تاء منيا‬
‫سكوف‪ ،‬ـّ ما منع االنفجار في الجرس الصوتي والمَّحف الموسيقي‪ ،‬وحوؿ خشونة المَّفظ‬
‫إلى سالسة ورقَّة‪( :‬تاهلل تَفتَأ تذكر يوسؼ) كؿ تاء بعدىا سكوف‪.‬‬

‫ب‪ -‬البالغة في معاني القرآن الكريم‪:‬‬

‫إذا نفذت مف ىذا النظاـ المفظي إلى ذلؾ النظاـ المعنوي‪ ،‬تجمى لؾ ما ىو أبيى وأبير‪،‬‬
‫ألننا في كالـ‬
‫ولقيؾ منو ما ىو أروع وأبدع‪ .‬ومف ذلؾ‪" :‬البياف واإلجماؿ" في القرآف‪ّ ،‬‬
‫البشر نجد تصوي ار لمعنى محدد واحد‪ ،‬أما في كممات الوحي اإلليي في القرآف الكريـ‬
‫والحديث النبوي‪ ،‬فنجد تصوي ار لمعديد مف المعاني‪ ،‬وتبيانا لمكثير مف أوجو العمـ‪ ،‬فالكممة‬
‫في القرآف والحديث كالجوىرة‪ ،‬ليا أوجو متعددة‪ ،‬إلى أي و ٍجو نظرت رأيت نو ار مبينا‬
‫وعمما عظيما‪ ،‬يختمؼ عما رأيت في ما لو نظرت إلى وجو آخر منيا‪ ،‬فإذا نظر‬

‫وتدبروىا؛ لرآى كؿ واحد منيـ فييا معنى غير المعنى‬


‫عدد مف الباحثيف إلى كممة قرآنية ّ‬
‫الذي رآه الباحث اآلخر؛ ألف كؿ واحد منيـ نظر إلى وجو مف أوجو الجوىرة لـ يره‬
‫غيره‪ ،‬وتختمؼ اآلراء واألقواؿ فييا‪ ،‬ومع ذلؾ فكؿ ىذه األوجو المختمفة صحيح! ألنيا‬
‫أوجو مختمفةَ َّبينتيا كممة واحدة‪ ،‬وكمما ارتقى عمـ اإلنساف‪ ،‬واتّسع فكره‪ ،‬استطاع أف‬

‫‪21‬‬
‫ينيؿ مف العمـ في كممات القرآف العظيـ‪ ،‬ما لـ ينيمو السابقوف‪ ،‬وال تنتيي معاني كممات‬
‫ٔ‬
‫القرآف‪ ،‬وال تنضب‪.‬‬

‫نأخذ مثال يوضح لنا ىذا المفيوـ حيث يقوؿ اهلل تعالى‪( :‬واهلل يرزؽ مف يشاء بغير‬
‫حساب) البقرة‪ّ ٕٕٔ :‬إنو حؽ ويقيف‪ ،‬ولكنو فيو أقواال مختمفة ومعاني متعددة‪.‬‬

‫‪-‬يرى منيا قارئ‪ :‬أف اهلل تعالى يرزؽ مف يشاء بغير محاسب يحاسبو‪.‬‬

‫‪-‬يرى منيا قارئ آخر‪ :‬أف اهلل تعالى يرزؽ مف يشاء بغير تقتير‪ ،‬فخزائنو ال‬
‫تفنى‪ - .‬ويرى منيا قارئ ثالث‪ :‬أف اهلل يرزؽ مف يشاء رزقا ال تقع تحت حساب أو‬
‫حصر‪ .‬كؿ ىذه المعاني المختمفة صحيحة‪ ،‬ف ُكمُّيا أوجو متعددة مف العمـ‪ ،‬في كممة‬
‫ٕ‬
‫قرآنية واحدة ‪.‬‬

‫وكثير مف اآليات القرآنية جاءت في أسموب بالغي عجيب ال نجده في كالـ البشر‪،‬‬
‫نأخذ مثاال عمى ذلؾ قولو تعالى‪ ≫ :‬وأوحينا إلى أـ موسى أف أرضعيو‪ ،‬فإذا خفت عميو‬
‫فالقيو في اليـ وال تخافي وال تحزني‪ّ ،‬إنا رادوه إليؾ وجاعموه مف المرسميف) القصص ‪.ٚ‬‬

‫في ىذه اآلية الكثير مف أوجو اإلعجاز‪ ،‬إال ّأننا نذكر منيا وجيا واحدا مف وجوه‬
‫اإلعجاز وىو ّأنيا آية واحدة نجد فييا‪ :‬أمريف ونيييف وخبريف وبشارتيف ‪.‬‬

‫‪ 1‬اإلتقان يف علوم القرآن ‪.116 ،2 :‬‬


‫‪ 2‬علوم القرآن ‪ ،‬حممد باقر ا كيم‪ ،127 :‬ونسب الثعريف للشايد الصدر‬

‫‪22‬‬
‫ج‪ -‬صورة َّ‬
‫النظم‪:‬‬

‫وباإلضافة إلى كوف المعاني في القرآف مسوقة عمى أبمغ سياؽ‪ ،‬فإف كؿ ما ذكره منيا‬
‫مسوؽ كذلؾ عمى أتـ نظاـ وأحسنو وأكممو؛ ألنو إذا كانت الجمؿ في كالـ البشر ترتبط‬
‫بحروؼ العطؼ‪ ،‬لكننا نجدىا في القرآف غير ذلؾ‪ ،‬فيناؾ جمؿ متعددة في القرآف الكريـ‬
‫ال تربطيا حروؼ عطؼ‪ ،‬وىي مع ذلؾ ترتبط ببعضيا ارتباطا وثيقا كما ترتبط لبنات‬
‫البنياف وكما تأتمؼ خاليا الجسـ وترتبط ببعضيا البعض في تكامؿ وشموؿ وانسجاـ ‪.‬‬

‫نق أر مثال قولو تعالى في أوؿ سورة الرحمف‪( :‬الرحمف‪ ،‬عمـ القرآف‪ ،‬خمؽ اإلنساف‪ ،‬عمّمو‬
‫البياف‪ ،‬الشمس والقمر بحسباف) الرحمف ٔ‪ ٘-‬ال يوجد حرؼ عطؼ واحد يربط ىذه‬
‫الجمؿ الخمس‪ ،‬ومع ذلؾ نجدىا مرتبطة مع بعضيا البعض في المعنى ارتباطا وثيقا‪،‬‬
‫ٔ‬
‫وكأنيا جممة واحدة‪.‬‬

‫استيمت اآلية بالقوؿ‪( :‬الرحمف) والرحمف منو كؿ الرحمة والنعـ والخير لموجود جميعا‪،‬‬
‫وأجؿ ىذه النعـ عمى العباد ىي كممات اهلل عز وجؿ وعممو‪( :‬عمـ القراف) ومف كممات‬
‫اهلل تعالى كاف الوجود كمو‪ ،‬فكؿ‬

‫مف في الوجود إنما خمؽ بكممة مف اهلل عز وجؿ‪ ،‬وأكرـ المخموقات عند اهلل ىو‬
‫اإلنساف‪( :‬خمؽ االنساف)‪ ،‬ولما كاف القرآف ىو مصدر العمـ واليداية وأف اإلنساف إنما‬
‫خمقو اهلل تعالى ليعبده عمى عمـ وعمى ىدى مف اهلل تعالى‪ ،‬قاؿ تعالى‪ ≫ :‬عممو‬

‫‪ 1‬علوم القرآن ‪ ،‬حممد باقر ا كيم‬

‫‪23‬‬
‫البياف ≪ وبعد ذلؾ عدد أنواع المخموقات األخرى التي سخرىا ليذا اإلنساف في دقة‬
‫وحساب ثابت‪( :‬الشمس والقمر بحسباف)‪.‬‬

‫واجماال‪ ،‬فإف العمماء قد تحدثوا عف لغة القرآف المعجزة فأجمعوا عمى ّأنيا لغة تخرؽ‬
‫العادة وتخرج عمى اإللؼ‪ ،‬وىا ىو الباقالني في مؤلفو "إعجاز القرآف" يقوؿ عنيا‪( :‬إف‬
‫إعجازه في نظمو وتأليفو وذلؾ أف نظمو عمى تصرؼ وجوىو واختالؼ مذاىبو خارج‬
‫عف المعيود مف نظاـ جميع كالميـ ومبايف لممألوؼ مف ترتيب خطابيـ‪ ،‬وعمى اختالؼ‬
‫ما يتصرؼ فيو مف الوجوه الكثيرة يجعؿ المختمؼ كالمؤتمؼ‪ ،‬والمتبايف كالمتناسب وىذا‬
‫أمر عجيب يخرج بو الكالـ عف حد العادة ويتجاوز العرؼ)‪ .‬عمى أف قارئ القرآف‬
‫المتدبر لو يممس بيسر ىذه الجوانب المتعددة مف مظاىر إعجازه المغوي‪ ..‬إعجاز في‬
‫موقع الكممة مف السياؽ‪ ..‬وىيئتيا مف االشتقاؽ وبنائيا في التصريؼ‪ ..‬وحركتيا في‬
‫اإلعراب‪ ..‬وجرسيا في الصوت‪ ..‬وظالليا في الخياؿ‪ ..‬ووحييا في البياف‪ ..‬واعجاز في‬
‫اإلحكاـ تجعؿ التضاد توافقا‪ ..‬والتبايف تجانسا‪ ..‬والتنافر تجاذبا‪ ،‬والترادؼ آحادا‪،‬‬
‫والتكرار أصالة‪ ،‬والحذؼ ذك ار وابانة‪.‬‬

‫النظـ‬
‫فالكممات والجمؿ كميا مترابطة ترابطا تاما بدوف حروؼ عطؼ‪ ،‬وذلؾ مف روعة ّ‬
‫القرآني‪ ،‬الذي ال يستطيع أف يأتي بمثمو بشر؛ بحيث يحؽ لنا –عندئذ‪ -‬أف نؤكد بدوف‬
‫تردد أنو مف الناحية المغوية البحثة‪ ،‬كاف ظيور القرآف خمقا لمغة جديدة‪ ،‬وألسموب جديد‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫تمهيد عن سورة الفاتحة‬

‫فإف اهلل أنزؿ كتابو وجعمو ىدى لممتقيف ‪ ،‬الذيف أغمقوا أبواب الشيوات والشبيات فاتقوا‬

‫بذلؾ غضب رب األرض والسماوات فجزاىـ اهلل بأف يسر ليـ سبؿ طاعتو وفتح ليـ فى‬

‫الدنيا واآلخرة أبواب جنتو فإف فى الدنيا جنة مف لـ يدخميا لـ يدخؿ جنة اآلخرة والجزاء‬

‫مف جنس العمؿ قاؿ سبحانو ( ىذا ذكر واف لممتقيف لحسف مآب جنت عدف مفتحة ليـ‬

‫(ٔ)‬
‫وجعؿ سبحانو السعادة فى القرب منو ومالزمتو وجعؿ الشقاوة فى البعد‬ ‫األبواب )‬

‫عنو ومباعدتو فقاؿ سبحانو [ وننزؿ مف القراف ما ىو شفاء ورحمة لممؤمنيف وال يزيد‬

‫(ٕ)‬
‫وقاؿ أيضا [ ومف أعرض عف ذكرى فإف لو معيشة ضنكا‬ ‫الظالميف إال خسا ار ]‬

‫ونحشره يوـ القيامة أعمى قاؿ رب لـ حشرتني أعمى وقد كنت بصي ار قاؿ كذلؾ أتتؾ‬

‫آياتنا فنسيتيا وكذلؾ اليوـ تنسى ] وجعمو أحسف حديث تسمعو اآلذاف إلى يوـ القيامة‬

‫(ٖ)‬
‫فقاؿ [ اهلل نزؿ أحسف الحديث كتابا متشابيا مثانى‬

‫‪ 1‬سورة ص أية ‪05 – 94‬‬


‫‪ 2‬االسراء ‪28‬‬
‫‪ 3‬طه ‪481 – 480- 489‬‬

‫‪25‬‬
‫بالخيرية لمف تعممو وعممو فقاؿ رسوؿ اهلل ( خيركـ مف تعمـ القراف‬ ‫وحكـ رسوؿ اهلل‬

‫وعممو ) رواه البخارى وأخبر عميو السالـ عف شفاعة القراف ألىمو فقاؿ ( اق أروا القراف‬

‫فانو يأتى يوـ القيامة شفيعا ألصحابو ) (ٔ) وأخبر النبي بأف الرفعة الحقيقية فى رفعة‬

‫(( إف اهلل يرفع بيذا‬ ‫أىؿ القرآف وأف الميانة ىى ميانة مف حط قدره القراف قاؿ‬

‫الكتاب أقواما ويضع بو أخريف ) (فالقراف حياة القموب وبيجة النفوس يحيا بو العبد أىنأ‬

‫لحظات حياتو يييـ فى رياضو ويسبح فى جنانو ‪ .‬فيتنفس نسيميا الزكي ويبيج عينيو‬

‫بألوانيا الباىرة ويسمع أصوات أغصانيا المطربة فتكاد القموب تطير ‪ .‬قيؿ ألحدىـ أال‬

‫تناـ قاؿ ‪ :‬إف آيات القراف أطرف النوـ مف عيني ‪ ،‬ما أخرج مف أعجوبة إال دخمت فى‬

‫أخرى نعـ أييا الحبيب يأخذؾ كتاب اهلل فى جوالت وجوالت ترداد آفاؽ السماء تجوؿ‬

‫فى جنبات األرض واألحياء ‪ ،‬يقؼ بؾ عند زىرات الحقوؿ ويصعد بؾ الى مدارات‬

‫الكواكب والنجوـ يفتح بصرؾ وبصيرتؾ الى غاية إحكاـ واتقاف ما لو مثيؿ يكشؼ لؾ‬

‫أسرار الخمؽ والتكويف وييديؾ الى الحكمة مف اإلنشاء والتصوير ‪.‬‬

‫فترى نفسؾ بعيف البصيرة إنسانا ضعيفا ضئيال فى ىذه األرض وكذلؾ األرض تبدو‬

‫ضئيمة فى ىذا الخصـ مف الفضاء واألفالؾ ؛ والكوف بمجراتو ونجومو يبدو ضئيال فى‬

‫‪ 1‬الزمر ‪82‬‬

‫‪26‬‬
‫محيط السماء الدنيا والسماء الثانية أعظـ مف السماء األولى وىكذا السماوات السبع ؛‬

‫وىف بالنسبة لمكرسي كحمقة فى فالة أي صحراء والكرسي فى العرش كحمقة فى فالة‬

‫(( ما السماوات السبع فى الكرسي إال كحمقة فى ممقاة بأرض فالة‬ ‫قاؿ رسوؿ اهلل‬

‫(ٔ)‬
‫وفضؿ العرش عمى الكرسي كفضؿ تمؾ الفالة عمى تمؾ الحمقة ))‬

‫ولعؿ ىذا مف أسرار اآليات التي وردت في أخر سورة الحشر حيث ذكر سبحانو أف ىذا‬

‫القرآف لو نزؿ عمى جبؿ لخشع لو وتصدع ثـ أردؼ ىذه اآلية بثالث آيات بيا صفات‬

‫الرحمف وأسماؤه وكأف اهلل يريد أف ينبو العبد الى ىذه الحقيقة الغائبة وىى أف االنتفاع‬

‫با لقرآف وأثره في القموب وحصوؿ المذة التامة عند تالوتو كؿ ىذا مرىوف بتعظيـ العبد‬

‫ربو ومعرفتو بموالة وىذا التعظيـ وتمؾ المعرفة إنما ييتدي إلييا مف أسمائو تعالى‬

‫وصفاتو والى ىذه الحقيقة أشار صاحب الظالؿ بقولو (( الحياة فى ظالؿ القرآف نعمة‬

‫ال يعرفيا إال مف ذاقيا والحمد هلل لقد ًّ‬


‫مف اهلل عمى بيا فترةً مف الزمف عشت فييا أسمع‬

‫إلى بيذا القرآف أنا العبد القميؿ الصغير أى تكريـ لإلنساف ىذا التكريـ الجميؿ‬
‫اهلل يتحدث َّ‬

‫‪ )0( 1‬صحيح عن أبى ذر السلسلة الصحيحة لأللباني ج‪ 4‬ص‪ 472‬رقم ‪ 454‬ط المكتم االسمممى‬
‫الطبعة الثالثة ‪ 4952‬هـ‬

‫‪27‬‬
‫؛ أي رفعة لمعمر يرفعيا ىذا التنزيؿ أى مقاـ كريـ يتفضؿ بو عمى اإلنساف خالقو الكريـ‬

‫(ٔ)‬
‫ومف ثـ عشت فى ظالؿ القرآف ىادى ىادئ النفس مطمئف السريرة ))‬

‫(( فضؿ سورة الفاتحة ))‬

‫نبو سبحانو وتعالى عمى فضؿ الفاتحة فقاؿ [ ولقد ءاتينؾ سبعاً مف المثانى والقرآف‬

‫(ٕ)‬
‫والسبع المثانى ىى الفاتحة عمى أصح األقواؿ وىى سبع آيات نزلت بمكة‬ ‫العظيـ ]‬

‫بعد سورة المدثر قالو ابف عباس وقتادة ورجحو ابف كثير وقيؿ نزلت مرتيف مرة بمكة‬

‫ومرة بالمدينو وذكر ابف كثير أف كمماتيا خمس وعشروف كممو وحروفيا مائة وثالثة‬

‫عشر حرفاً والقرآف العظيـ المذكور فى اآلية ىو الفاتحة أيضاً حيث حوت محاور القرآف‬

‫وقضاياه األساسية )) ودليؿ ذلؾ ما رواه البخاري عف أبى سعيد بف المعمى قاؿ ‪ :‬مر‬

‫وأنا أصمى فدعاني فمـ آتو حتى صميت ثـ أتيت فقاؿ ما منعؾ أف تأتيني‬ ‫بى النبى‬

‫فقمت ‪ :‬كنت أصمى فقاؿ ‪ :‬ألـ يقؿ اهلل [ يأييا الذيف أمنوا استجيبوا هلل ولمرسوؿ ] ثـ قاؿ‬

‫أال أعممؾ أعظـ سورة فى القرآف قبؿ أف أخرج مف المسجد فذىب النبى ليخرج فذكرتو‬

‫‪ 1‬فممى ظممم القممر ن سممي قط م رحمممه هللا جممـ ‪ 4‬ص‪ 44‬ط ار الشممرو الطبعممة السممابعة عشممرة ‪-‬‬
‫‪4445‬‬
‫‪ 2‬سورة الحجر ‪27‬‬

‫‪28‬‬
‫ف قاؿ ‪ :‬الحمد هلل رب العالميف ىى السبع المثانى والقرآف العظيـ الذى أوتيتو )) (ٔ) ومما‬

‫اذ سمع‬ ‫ورد فى فضميا أيضاً حديث ابف عباس قاؿ بينما جبريؿ قاعد عند النبى‬

‫نقيضا مف فوقو فرفع رأسو فقاؿ ‪ :‬ىذا باب مف السماء فتح اليوـ لـ يفتح قط اال اليوـ‬

‫ونزؿ منو ممؾ لـ ينزؿ قط إال اليوـ فسمـ وقاؿ ‪ :‬أبشر بنوريف أوتيتيما لـ يؤتيما نبي‬

‫قبمؾ فاتحة الكتاب وخواتيـ سورة البقرة لف تق أر بحرؼ منيا إال أعطيتو ))‪ .‬رواه مسمـ‬

‫قاؿ شارحو والمعنى أف مف قرأىما بإخالص أعطاه اهلل ما فى اآليات مف اليداية‬

‫والمغفرة والسعادة فى الدنيا واآلخرة ) وعف أبى ىريرة عف رسوؿ اهلل قاؿ يقوؿ اهلل‬

‫تعالى ‪ :‬قسمت الصالة بيني وبيف عبدى نصفيف فنصفيا لى ونصفيا لعبدي ولعبدي ما‬

‫سأؿ إذا قاؿ العبد الحمد هلل رب العالميف قاؿ اهلل ‪ :‬حمدنى عبدى واذا قاؿ العبد ‪:‬‬

‫الرحمف الرحيـ قاؿ اهلل ‪ :‬أثنى عمى عبدى واذا قاؿ ‪ :‬مالؾ يوـ الديف قاؿ اهلل ‪ :‬مجدني‬

‫عبدي واذا قاؿ ‪ :‬إياؾ نعبد واياؾ نستعيف قاؿ اهلل ‪ :‬ىذا بيني وبيف عبدى ولعبدي ما‬

‫سأؿ فإذا قاؿ اىدنا الصراط المستقيـ صراط المذيف أنعمت عمييـ غير المغضوب عمييـ‬

‫وال الضاليف قاؿ اهلل ىذا لعبدي ولعبدي ما سأؿ )) الشرع وقضاياه األساسية مما جعميا‬

‫بمكانة ليست لغيرىا مف السور يقوؿ اإلماـ ابف القيـ ٕ(( ونحف بعوف اهلل ننبو عمى‬

‫‪ 1‬الفتح ج‪ 2‬ص‪ 1‬رق ‪9979‬‬


‫‪ 2‬هتذيب مدارج السالكني ص‪ 16‬جملد ‪ 1‬راجعه حممد بيومى ط مكثبة اإلميان ‪ 1418‬هن ‪1997 -‬م‬

‫‪29‬‬
‫فضؿ القرآف وىدايتو بالكالـ عمى فاتحة الكتاب وأـ القراف وعمى بعض ما تضمنتو ىذه‬

‫السورة مف المطالب العالية وما تضمنتو كذلؾ مف الرد عمى الطوائؼ المبتدعة وما‬

‫تضمنتو مف منازؿ السائري ف ومقامات العارفيف والفرؽ بيف وسائميا وغاياتيا وبياف أنو ال‬

‫يقوـ غير ىذه السورة مقاميا ولذلؾ لـ ينزؿ اهلل فى التوراة وال فى اإلنجيؿ وال فى القراف‬

‫مثميا واهلل المستعاف )) ويقوؿ أيضا رحمة اهلل (( أوؿ ىذه السورة رحمة وأوسطيا ىداية‬

‫وأخرىا نعمة وحظ العبد مف النعمة عمى قدر حظو مف اليداية وحظو مف اليداية عمى‬

‫قدر حظو مف الرحمة فعاد األمر كمو الى نعمتو ورحمتو والنعمة والرحمة مف لوازـ‬

‫روبيتو ومتى تحققت فى العبد معانى الفاتحة مف عمـ ومعرفة وعمؿ وحاؿ فقد فاز مف‬

‫الكماؿ بأوفر نصيب وصارت عبوديتو هلل عبودية الخاصة المذيف ارتفعت درجاتيـ عف‬

‫(ٔ)‬
‫ويقوؿ صاحب الظالؿ فى معرض كالمو عف الفاتحة (( إف فى‬ ‫عواـ المتعبديف ))‬

‫ىذه السورة مف كميات العقيدة اإلسالمية و كميات التصور اإلسالمي وكميات المشاعر‬

‫والتوجييات ما يشير الى طرؼ مف حكمة اختيارىا لمتكرار في كؿ ركعة وبطالف كؿ‬

‫صالة ال تذكر فييا )) (ٖ) ويقوؿ العالمة عبدالرحمف السعدى مشيدا بفضميا إذ جمعت‬

‫ما لـ يجمعو غيرىا عمى قمة ألفاظيا (( وقد اشتممت السورة الكريمة عمى توحيد الربوبية‬

‫فى قولو تعالى [ رب العالميف ] )) وعمى توحيد األلوىية في قولو تعالي ((إياؾ نعبد))‬

‫‪ 1‬تهذي م ارج السالكين ص‪ 41‬مجل ‪ 4‬راجعه محم بيومى ط مكتبة اإليمان ‪ 4942‬هـ ‪4447 -‬‬

‫‪31‬‬
‫وعمي توحيد األسماء والصفات دؿ عميو لفظ الحمد إذ ال يحمد إال مف ثبت لو صفات‬

‫الكماؿ بغير تعطيؿ وال تأويؿ وال تشبيو وعمى اثبات النبوة فى قولو تعالى [ اىدنا‬

‫الصراط المستقيـ ] وذلؾ ممتنع بغير رسالة وعمى الجزاء عمى األعماؿ فى قولو ((‬

‫مالؾ يوـ الديف )) وعمى اثبات القدر وأف العبد فاعؿ عمى الحقيقة فى قولو اىدنا‬

‫(ٔ)‬
‫ويعنى بإثبات القدر اف العبد يسأؿ ربو اليداية ألنو يعمـ أف‬ ‫الصراط المستقيـ ))‬

‫اليداية بمشيئتو ونسبة اليداية‬

‫لمعبد فمعناىا أنو كذلؾ لو مشيئة فى ذلؾ فاهلل ىاديو والعبد ميتد واهلل أعمـ ويقوؿ‬

‫الشيخ أبوالحسف الندوى‬

‫فى كتابو‬

‫األركاف األربعة مشي ار الى عجيب أمر الفاتحة حيث توافقا مع فتر الخمؽ ونفوسيـ عمى‬

‫اختالؼ طبقاتيـ وتفنف حاجاتيـ (( تأمؿ في سورة الفاتحة التي ىي الدرة الفريدة في‬

‫المعجزات السماوية وقطعو رائعة مف القطع البيانية لو اجتمع أذكياء العالـ وأدباء األمـ‬

‫وعمماء النفس وقادة اإلصالح وزعماء الروحانية‬

‫العممممة عب م الرحمن السممع‬ ‫‪ 1‬تيسممير الكممري الممرحمن فممى تفسممير كممم المنممان ج‪ 4‬ص‪ 9‬تمميلي‬
‫مراجعة عمء السعي ط ار الفكر بيروت ‪ 4940‬هـ ‪4440‬‬

‫‪31‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫مواطن اإلعجاز في سورة الفاتحة من خالل تفسير الرازي‬

‫ومف ىذا المنطمؽ نتطرؽ إلى الحديث عف الوجوه البالغية التي وردت في سورة الفاتحة‪،‬‬

‫وىي موضوع ىذا العرض‪.‬‬

‫ٔ‬
‫دالالت التسمية‪ :‬سورة الفاتحػة‪:‬‬

‫سورة الفاتحة مف السور ذات األسماء الكثيرة أنياىا صاحب االتقاف إلى نيؼ وعشريف‬

‫بيف ألقاب وصفات جرت عمى ألسنة القراء مف عيد السمؼ‪ ،‬فأما تسميتيا فاتحة الكتاب‬

‫فقد ثبتت في السنة في أحاديث كثيرة منيا قوؿ النبي صمى اهلل عميو وسمـ ‪«:‬ال صالة‬

‫لمف ال يق أر بفاتِحة ِ‬
‫الك ِ‬
‫تاب»‪ .‬وفاتحة مشتقة مف الفتح وىو إزالة حاجز عف مقصود‪،‬‬

‫ولوجو فصيغتيا تقتضي أف موصوفيا شيء يزيؿ حاجزا‪ ،‬وليس مستعمال في حقيقتو بؿ‬

‫مستعمال في معنى أوؿ الشيء تشبييا لألوؿ بالفاتح؛ ألف الفاتح لمباب ىو أوؿ مف‬

‫يدخؿ‪ ،‬فقيؿ الفاتحة في األصؿ مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة‪ ،‬وانما سمي أوؿ الشيء‬

‫بالفاتحة إما تسمية لممفعوؿ بالمصدر اآلتي عمى وزف مبدأ المصدر‪ ،‬واما عمى اعتبار‬

‫‪ 1‬حممد عبد املنعم خفاجي و د‪ .‬عبد العزيز شرف‪ ،‬حنو بالغة جديدة‪ ،‬بريوت‪ :‬مكثبة غريب‪ ،2009 ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪32‬‬
‫الفاتحة اسـ فاعؿ ثـ جعمت اسما ألوؿ الشيء؛ إذ بذلؾ األوؿ يتعمؽ الفتح بالمجموع‪،‬‬

‫فاألصؿ فاتح الكتاب وأدخمت عميو ىاء التأنيث داللة عمى النقؿ مف الوصفية إلى‬

‫االسمية‪ ،‬أي إلى معاممة االسـ في الداللة عمى ذات معينة ال عمى ذي وصؼ مثؿ‬

‫الغائبة في قولو تعالى‪« :‬وما مف غائبة في السماء واألرض إال في كتاب مبيف»‪.‬‬

‫النمؿ‪.ٚٚ‬‬

‫ففاتحة الكتاب وصؼ و ِ‬


‫صؼ بو مبدأ القرآف وعومؿ معاممة األسماء الجنسية‪ ،‬ثـ أضيؼ‬ ‫َ ْ ُ‬

‫إلى الكتاب ثـ صار ىذا المركب عمما بالعممية عمى ىذه السورة‪.‬وقد سميت بأـ القرآف‪،‬‬

‫ومفتَتَحو فكأنما ىي أصمو‬


‫وذكروا لتسميتيا بذلؾ وجوىا ثالثة‪« :‬أحدىا أنيا مبدأ القرآف ُ‬

‫ومنشؤه‪ ،‬يعني افتتاحو الذي ىو وجود أوؿ أجزاء القرآف قد ظير فييا‪ ،‬فجعمت كاألـ‬

‫ٔ‬
‫لمولد في أنيا األصؿ والمنشأ‪.‬‬

‫الثاني أف محتوياتيا تشتمؿ عمى أنواع مقاصد القرآف‪ ،‬وىي ثالثة أنواع‪ :‬الثناء عمى اهلل‬

‫ثناء جامعا لوصفو بجميع المحامد وتنزييو مف جميع النقائص‪ ،‬وإلثبات تفرده باإلليية‬

‫واثبات البعث والجزاء‪ ،‬وذلؾ مف قولو ( الحمد هلل) إلى قولو ( ممؾ يوـ الديف)‪ ،‬واألوامر‬

‫والنواىي مف قولو ( صراط الذيف) إلى آخرىا»‪.‬‬

‫‪ 1‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.125‬‬

‫‪33‬‬
‫«الثالث أنيا تشتمؿ معانييا عمى جميع معاني القرآف مف الحكـ النظرية واألحكاـ‬

‫العممية‪ ،‬فإف معاني القرآف إما عموـ تقصد معرفتيا‪ ،‬واما أحكاـ يقصد منيا العمؿ بيا‪.‬‬

‫وأما تسميتيا بالسبع المثاني فيي تسمية ثبتت بالسنة‪ ،‬ففي صحيح البخاري عف أبي‬

‫سعيد ابف المعمى أف رسوؿ اهلل صمى اهلل عميو وسمـ قاؿ‪“ :‬الحمد هلل رب العالميف” ىي‬

‫السبع المثاني والقرآف العظيـ الذي أوتيتو‪ .‬ووجو تسميتيا بذلؾ أنيا سبع آيات باتفاؽ‬

‫ٔ‬
‫القراء والمفسريف»‪.‬‬

‫وقد وضعت سورة الفاتحة في أوؿ السور ألنيا تنزؿ منيا منزؿ ديباجة الخطبة أو‬

‫الكتاب مع ما تضمنتو مف أصوؿ مقاصد القرآف‪ ،‬وذلؾ شأف الديباجة مف براعة‬

‫االستيالؿ‪ .‬وىي سورة مكية وآياتيا سبع ؛ حيث إنيا أوؿ القرآف في الترتيب ال في‬

‫النزوؿ‪« ،‬وىي عمى قصرىا ووجازتيا قد حوت معاني القرآف العظيـ واشتممت عمى‬

‫مقاصده األساسية باإلجماؿ‪ ،‬فيي تتناوؿ أصوؿ الديف وفروعو‪ ،‬تتناوؿ العقيدة والعبادة‬

‫والتشريع واالعتقاد باليوـ اآلخر‪ ،‬واإليماف بصفات اهلل الحسنى وافراده بالعبادة‪،‬‬

‫واالستعانة والدعاء والتوجو إليو عز وجؿ بطمب اليداية إلى الديف الحؽ والصراط‬

‫‪ 1‬حممد أمحد املرشدي وإخوانه‪ ،‬األدب و النصوص والبالغة‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعارف‪ ،2009 ،‬ص ‪.232-229‬‬

‫‪34‬‬
‫المستقيـ‪ ،‬والتضرع إليو بالتثبيت عمى اإليماف ونيج سبيؿ الصالحيف‪ ،‬وتجنب طريؽ‬

‫المغضوب عمييـ وال الضاليف‪ ،‬وفييا األخبار عف قصص األمـ السابقيف‪ ،‬واالطالع‬

‫عمى معارج السعداء ومنازؿ األشقياء‪ ،‬وفييا التعبد بأمر اهلل سبحانو ونييو‪ ،‬إلى غيرىا‬

‫مف المقاصد واألغراض واألىداؼ»‪.‬‬

‫سورة الفاتحة وأوجو اإلعجاز البالغي‪:‬‬

‫ابتدأت السورة الكريمة بالبسممة‪« ،‬وىي اسـ لكممة باسـ اهلل‪ ،‬صيغ ىذا االسـ عمى مادة‬

‫مؤلفة مف حروؼ الكممتيف ( باسـ) و ( اهلل) عمى طريقة تسمى النحت‪ ،‬وىو صوغ فعؿ‬

‫ٍ‬
‫ماض عمى زنة فعمؿ مؤلفة مادتو مف حروؼ جممة‪ ،‬أو حروؼ مركب إضافي مما‬

‫ينطؽ بو الناس‪ ،‬اختصا ار عف ذكر الجممة كميا‪ ،‬بقصد التخفيؼ لكثرة دوراف ذلؾ عمى‬

‫األلسنة»‪.‬‬

‫وأشار البقاعي ( ت ٘‪ ٛٛ‬ىػ) في كتابو نظـ الدرر في تناسب اآليات والسور‪ :‬إلى‬

‫قولة لمحرالي‪ ،‬في تفسيره في غريب ألفاظ البسممة حيث قاؿ ‪«:‬إف الباء معناىا أظيره‬

‫اهلل سبحانو مف حكمة التسبيب “االسـ”؛ ظيور ما غاب أو غمض لمقموب بواسطة‬

‫اآلذاف عمى صورة األفراد‪( ،‬اهلل) اسـ ما تعنو إليو القموب عند موقؼ العقوؿ فتألو فيو‬

‫‪35‬‬
‫الرحمف) شامؿ الرحمة لكافة‬
‫أي تتحير فتتأليو وتميو بو‪ ،‬أي تغني بو عف كؿ شيء ‪َّ (،‬‬
‫ٔ‬
‫ما تناولتو الربوبية‪ ( ،‬الرحيـ) خاص الرحمة بما ترضاه اإلليية»‬

‫الحمد ِ‬
‫هلل) أنو المستحؽ لجميع المحامد ال لشيء غير ذاتو الحائز‬ ‫ولما أثبت بقولو‪ُ (« :‬‬

‫لجميع الكماالت‪ ،‬أشار إلى أنو يستحقو أيضا مف حيث كونو ربا مالكا منعما فقاؿ (‬

‫رب)»[ ‪ ،‬فالحمد هلل جممة خبرية لفظا إنشائية معنى‪ ،‬وفي قولو ( هلل) فف االختصاص‬

‫لمداللة عمى أف جميع المحامد مختصة بو فمما كاف الحاؿ بيذه المثابة استعمؿ لفظ‬

‫ٕ‬
‫الحمد لتوسطو مع الغيبة في الخبر‪ ،‬ولـ يقؿ الحمد لؾ ‪.‬‬

‫وأشار بقولو‪( «:‬العالميف) إلى ابتداء الخمؽ تنبييا عمى االستدالالت بالمصنوع عمى‬

‫الصانع وبالبداءة عمى اإلعادة كما ابتدأ التوراة بذلؾ»‪« ،‬وىو وصؼ السـ الجاللة‪ ،‬فإنو‬

‫بعد أف أسند الحمد إلى اسـ ذاتو تعالى تنبييا عمى االستحقاؽ الذي عقب بالوصؼ وىو‬

‫الرب ليكوف الوصؼ متعمقا بو أيضا ألف وصؼ المتعمؽ متعمؽ أيضا»ولما كانت مرتبة‬

‫الربوبية ال تستجمع الصالح إال بالرحمة أَتْبع ذلؾ بصفتي‪ ( « :‬الرحمف الرحيـ) وىما‬

‫‪ 1‬حممد أمحد املرشدي املرجع السابق‬


‫‪ 2‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئ اإلعجاز والرسالة الشافية وأسرار البالغة (دار املكثبة‪ :‬بريوت‪ ،‬بدون الثاريخ) ص ‪223‬‬

‫‪36‬‬
‫وصفاف مشتقاف مف رحـ» ‪ ،‬وذلؾ ترغيبا في لزوـ حمده وىي تتضمف تثنية تفصيؿ ما‬

‫شممو الحمد أصال فأصؿ الرحمة مف مقولة االنفعاؿ وآثارىا مف مقولة الفعؿ‪« ،‬فإذا‬

‫وِ‬
‫صؼ موصوؼ بالرحمة كاف معناه حصوؿ االنفعاؿ المذكور‪ ،‬واذا أخبر عنو بأنو رحـ‬ ‫ُ‬

‫غيره فيو عمى معنى صدر عنو أثر مف آثار الرحمة‪ ،‬إذ ال تكوف تعدية فعؿ رحـ إلى‬

‫المرحوـ إال عمى ىذا المعنى فميس لماىية الرحمة جزئيات وجودية‪ ،‬فوصؼ اهلل تعالى‬

‫بصفات الرحمة في المغات ناشئ عمى مقدار عقائد أىميا فيما يجوز عمى اهلل ويستحيؿ‪،‬‬

‫وبيذا الصدد قاؿ الجميور‪ « :‬إف الرحماف أبمغ مف الرحيـ بناء عمى أف زيادة المبنى‬

‫ٔ‬
‫تؤذف بزيادة المعنى»‪.‬‬

‫ولما كاف الرب المنعوت بالرحمة قد ال يكوف مالكا‪ ،‬وكانت الربوبية ال تتـ إال بالممؾ‬

‫المفيد لتماـ التصرؼ‪ ،‬وكاف المالؾ قد ال يكوف مالكا‪ ،‬وال يتـ ممكو إال بالممؾ المفيد‬

‫لمعزة‪ ،‬المقروف بالييبة المثمرة لمبطش والقير‪ ،‬المنتج لنفوذ األمر أتبع ذلؾ بقولو ( ممؾ‬

‫يوـ الديف) ترىيبا مف سطوات مجده‪ ،‬وذلؾ إشارة إلى أنو ولي التصرؼ في الدنيا‬

‫واآلخرة ‪ ،‬وكممة ممؾ ترجع تصاريفيا إلى معنى الشدة والضبط ويوـ الديف في الظاىر‬

‫ىو يوـ ظيور انفراد الحؽ‪ ،‬بإمضاء المجازاة حيث تسقط دعوى المدعيف‪ ،‬وىو أوؿ يوـ‬

‫‪ 1‬عبد القاهر اجلرجاين املرجع السابق‬

‫‪37‬‬
‫الحشر إلى الخمود فاألبد‪ .‬فمما استجمع األمر استحقاقا وتحبيبا وترغيبا وترىيبا‪ ،‬كاف مف‬

‫شأف كؿ ذي لب اإلقباؿ عميو وقصر اليمـ عميو‪ ،‬فقاؿ عادال عف أسموب الغيبة‪ ،‬إلى‬

‫الخطاب ليذا مقدما لموسيمة عمى طمب الحاجة ألنو أجدر باالجابة ( ّإياؾ)؛ أي يا مف‬

‫ىذه الصفات صفاتو نعبد إرشادا ليـ إلى ذلؾ‪ ،‬وقد كاف قولو تعالى‪ ( « :‬إياؾ نعبد)‬

‫التفاتا ألف ما سبؽ م ف أوؿ السورة إلى قولو إياؾ نعبد‪ ،‬تعبير باالسـ الظاىر وىو اسـ‬

‫الجاللة وصفاتو ‪ ،‬وألىؿ البالغة عناية بااللتفات ألف فيو تجديد أسموب التعبير عف‬

‫المعنى بعينو»‪ .‬ومعنى (نعبد) كما ورد في قولة الحرالي‪ «:‬تبمغ الغاية في أنحاء‬

‫التذلؿ»‪ ،‬وأعقبو بقولو مكر ار لمضمير حثًّا عمى المبالغة في طمب العوف ( واياؾ‬

‫نستعيف) إشارة إلى أف عبادتو ال تتييأ إال بمعونتو والى أف مالؾ ىذه اليداية بيده‪.‬‬

‫فانظر كيؼ ابتدأ سبحانو بالذات ثـ دؿ عميو باألفعاؿ ثـ رقي إلى الصفات ثـ رجع إلى‬

‫الذات إيماء إلى أنو األوؿ واآلخر المحيط‪« ،‬فمما حصؿ الوصوؿ إلى شعبة مف عمـ‬

‫األفعاؿ والصفات عمـ االستحقاؽ لألفراد بالعبادة فعمـ العجز عف الوفاء بالحؽ فطمب‬

‫ٔ‬
‫االعانة»‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد القاهر اجلرجاين املرجع السابق‬

‫‪38‬‬
‫وقد قدـ الضميرلحصر العبادة واالستعانة بالية وحده وقدمت العبادة عمى االستعانة ألف‬

‫االستعانة ثمرتيا‪ ،‬واعادة إياؾ مع الفعؿ الثاني تفيد أف كال مف العبادة واالستعانة‬

‫مقصود بالذات‪ .‬وقد أتى بنوف الجمع في ( نعبد ) و ( نستعيف) والمتكمـ واحد‪ .‬وأشار‬

‫بقولو‪ (:‬اىدنا الصراط المستقيـ) «تمقينا ألىؿ لطفو وتنبييا عمى محؿ السموؾ الذي ال‬

‫وصوؿ بدونو‪ ،‬وىذا الصراط األكمؿ وىو المحيط المترتب عمى الضالؿ الذي يعبر بو‬

‫عف حاؿ مف ال وجية لو» ‪ ،‬والصراط مستعار لمعنى الحؽ الذي يبمغ بو مدركو إلى‬

‫الفوز برضى اهلل‪ ،‬والمستقيـ اسـ فاعؿ وىو الذي ال عوج فيو‪ ،‬وىنا استعارة تصريحية‬

‫حيث شبو الديف الحؽ بالصراط المستقيـ الذي ليس بو أدؽ انحراؼ‪« ،‬ووجو الشبو‬

‫بينيما أف اهلل سبحانو وتعالى واف كاف متعاليا عف األمكنة لكف العبد الطالب الوصوؿ ال‬

‫بد لو مف قطع المسافات‪ ،‬ومس اآلفات ليكرـ بالوصوؿ والموافاة»‬

‫ثـ أكد سبحانو وتعالى اإلخبار بأف ذلؾ لف يكوف إال بإنعامو منبيا بيذا التأكيد الذي‬
‫أفاده االبداؿ عمى عظمة ىذا الطريؽ‪ ،‬فقاؿ‪ (« :‬صراط الذيف أنعمت عمييـ) أشار ىنا‬
‫إلى أف االعتصاـ بو في اتباع رسمو‪ ،‬ولما كاف سبحانو عاـ النعمة لكؿ موجود عدوا‬
‫كاف أو وليا‪ ،‬وكاف حذؼ المنعـ بو إلرادة التعميـ مف باب تقميؿ المفظ لتكثير المعنى‪،‬‬
‫فكاف مف المعموـ أف محط السؤاؿ بعض أىؿ النعمة وىـ أىؿ الخصوصية»‪ ،‬ثـ إف‬
‫اختيار وصؼ الصراط المستقيـ بأنو صراط الذيف أنعمت عمييـ دوف بقية أوصافو ‪،‬‬
‫وذلؾ تمييد البساط لإلجابة وىذا ما يسمى بالتفسير بعد اإلبياـ‪ .‬ثـ أتبع «( غير‬

‫‪39‬‬
‫المغضوب عمييـ)ٔ أي الذيف تعامميـ معاممة الغضباف لمف وقع عميو غضبو وتعرفت ”‬
‫غير” لتكوف صفة لمذيف بإضافتيا إلى الضد فكاف مثؿ الحركة غير السكوف‪ ،‬ولما كاف‬
‫المقصود مف “غير ” النفي ألف السياؽ لو‪ ،‬وانما عبر بيا دوف أداة استثناء داللة عمى‬
‫بناء الكالـ بادئ بدء ‪ ،‬عمى إخراج المتمبس بالصفة وصونا لمكالـ عف إفياـ أف ما يعد‬
‫أقؿ ودوف ال‪ ( ،‬وال الضاليف) عمـ مقدار النعمة عمى القسـ األوؿ وأنو ال نجاة إال‬
‫باتباعي ـ‪ ،‬وأف مف حاد عف سبيميـ عامدا أو مخطئا شقي ليشمر أولو الجد عف ساؽ‬
‫العزـ وساعد الجيد في اقتفاء آثارىـ لمفوز بحسف جوارىـ في سيرىـ وقرارىـ»‪ .‬فمما‬
‫صار يذكر الغضب جاء بالمفظ منحرفا عف ذكر الغاضب فأسند إليو النعمة لفظا وروي‬
‫ٕ‬
‫عنو لفظ الغضب تحننا ولطفا‪.‬‬

‫ونجد في ال سورة حضو ار لمتسجيع مف قبيؿ (الرحيـ‪ /‬المستقيـ) ( نستعيف ‪ /‬الضاليف)‪ ،‬ثـ‬
‫الفواصؿ المؤثرة في النفس القائمة عمى اتفاؽ مخارج الحروؼ أحيانا ( الرحمف‪ /‬الديف‪/‬‬
‫نستعيف‪ ،‬حيث يوجد تنويع في فواصؿ السورة مف قبؿ الحروؼ ما بيف النوف والميـ ‪.‬وقد‬
‫اشتممت كممات السورة وتراكيبيا عمى أسرار بالغية جعمتيا في قمة البالغة واإلعجاز‬

‫‪ 1‬عبد القاهر اجلرجاين املرجع السابق‪.‬‬


‫‪ 2‬د‪ .‬مكننارم حممننود الننديرد‪ ،‬الروافنند األدبيننة ‪ ،‬عصننر صنندر اإلسننالم‪ ،‬القنناهرة‪ :‬جامعننة األزهننار كليننة الدراسننات اإلسننالمية‬
‫والعربية‪ ،1993 ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪41‬‬
‫الخاتمة‬

‫الحمد هلل تعالى الذي وفقنا في تقديـ ىذا البحث‪ ،‬وىا ىي القطرات األخيرة في مشوار‬

‫ىذا البحث‪ ،‬وقد كاف البحث يتكمـ عف (اسرار االعجاز في القراف الكريـ تفسير الرازي‬

‫لسورة الفاتحة انموذجا)‪ ،‬وقد بذلنا كؿ الجيد والبذؿ لكي يخرج ىذا البحث في ىذا‬

‫الشكؿ‪.‬‬

‫ويعد الرازي مف ابرز األطباء المسمميف مف ناحية األصالة في البحث حتى أطمؽ عميو‬

‫مف أبرز ما قيؿ ‪".‬أبو الطب العربي"‪ ،‬وكاف مف رواد البحث التجريبي في العموـ الطبية‬

‫عنو عند وفاتو مجسداً بذلؾ براعتو في عموـ الطب " كاف الطب معدوما فأوجده أبقراط"‪،‬‬

‫وميتاً فأحياه جالينوس‪ ،‬ومشتتاً فجمعو الرازي ‪ .‬إف مف أعظـ كتبو "تاريخ الطب وكتاب‬

‫المنصوري في الطب و كتاب األدوية المفردة" الذي يتضمف الوصؼ الدقيؽ لتشريح‬

‫أعضاء الجسـ‪ .‬وكتاب "الجامع" و"الكافي" و"المدخؿ" و"الممكي" و"الفاخر" إال أف كتابي‬

‫(الحاوي والمنصوري) يعتبراف عمى رأس مؤلفاتو والييما يعود الفضؿ في شيرتو وذيوع‬

‫صيتو في جميع البمداف ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المصادر‬

‫جزاع‪ ،‬طو (ٕٔٓٓ) فمسفة األخالؽ عند أبي بكر الرازي‪ ،‬المورد‪ ،‬و ازرة الثقافة‬ ‫ٔ‪.‬‬

‫واإلعالـ ‪-‬دائرة الشؤوف الثقافية‬

‫آيزف‪ ،‬عمى (‪ )ٜٖٔٙ‬كيمياء الرازي‪ ،‬مجمة المجمع العممي العربي‪ ،‬المجمع‬ ‫ٕ‪.‬‬

‫العممي العربي‬

‫حمارنة‪ ،‬نشأت (‪ )ٜٜٔٛ‬الرازي الطبيب أبو بكر محمد بف زكريا الرازي‪ ،‬التراث‬ ‫ٖ‪.‬‬

‫العربي‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‬

‫عبد الباقي‪ ،‬أحمد (‪ )ٕٓٓٙ‬أبو بكر محمد بف زكريا الرازي‪ ،‬المورد‪ ،‬و ازرة الثقافة‬ ‫ٗ‪.‬‬

‫واإلعالـ ‪-‬دائرة الشؤوف الثقافية‬

‫أميف‪ ،‬وديع (‪ )ٕٓٓٙ‬ابو بكر الرازي الطبيب الفيمسوؼ‪ ،‬أدب ونقد‪ ،‬حزب‬ ‫٘‪.‬‬

‫التجمع الوطني التقدمي الوحدوي‬

‫ابف أبي أصيبعة‪ ،‬عيوف االنباء‪ ،‬مرجع سابؽ‪ ،‬جٔ‪ ٛ-ٖٔٚ :‬وانظر السيرة‬ ‫‪.ٙ‬‬

‫الفمسفية لمرازي طبع القاىرة ‪ٜٖٔٙ‬‬

‫‪42‬‬
‫كتاب ما الفرؽ‪ ،‬لمرازي لمفروؽ بيف األمراض‪ ،‬تحقيؽ وتقيـ وشرح صديقنا الزميؿ‬ ‫‪.ٚ‬‬

‫د‪ .‬سمماف قطاية‪ ،‬جامعة حمب‪ ،‬معيد التراث‪( ٜٔٚٛ ،‬انظر خاصة‬

‫ابف النديـ‪ ،‬الفيرست‪ ،‬القاىرة ‪ ، ٜٕٜٔ‬ولسميماف بف حساف بف جمجؿ‪ ،‬طبقات‬ ‫‪.ٛ‬‬

‫األطباء والحكماء‪ ،‬تحقيؽ فؤاد سيد‪ ،‬القاىرة‪ ،‬معيد اآلثار الفرنسي‪ ٜٔ٘٘ ،‬ص‪ٚٚ‬‬

‫مفردات الفاظ القرآف ‪ ،‬الراغب اإلصفياني‪ :‬مادة (عجز‪).‬‬ ‫‪.ٜ‬‬

‫تاج العروس مف جواىر القاموس‪ ،‬محمد مرتضى الزبيدي ‪ :‬مادة(عجز‪).‬‬ ‫ٓٔ‪.‬‬

‫ٔٔ‪ .‬الشفا بتعريؼ حقوؽ المصطفى (صمى اهلل عميو )‪ ،‬القاضي عياض‪’،ٖٜٗ ،ٔ:‬‬
‫تحقيؽ االُستاذ عمي محمد البجاوي‪.‬‬

‫ٕٔ‪ .‬اإلتقاف في عموـ القرآف ‪.ٔٔٙ ،ٕ :‬‬

‫ٖٔ‪ .‬عموـ القرآف ‪ ،‬محمد باقر الحكيـ‪ ،ٕٔٚ :‬ونسب التعريؼ لمشييد الصدر‬

‫ٗٔ‪ .‬صحيح عف أبى ذر السمسمة الصحيحة لأللباني جٔ رقـ ‪ ٜٔٓ‬ط المكتب‬


‫االسالمى الطبعة الثالثة ٖٓٗٔ‬

‫٘ٔ‪ .‬تيسير الكريـ الرحمف فى تفسير كالـ المناف جٔ تأليؼ العالمة عبدالرحمف‬

‫السعدى مراجعة عالء السعيد ط دار الفكر بيروت ٘ٔٗٔ ىػ ٘‪ٜٜٔ‬ـ‬

‫‪43‬‬
‫‪ .ٔٙ‬محمد عبد المنعـ خفاجي و د‪ .‬عبد العزيز شرؼ‪ ،‬نحو بالغة جديدة‪ ،‬بيروت‪:‬‬

‫مكتبة غريب‪ ،ٕٜٓٓ ،‬ص‬

‫‪ .ٔٚ‬د‪ .‬مكارـ محمود الديرى‪ ،‬الروافد األدبية فى عصر صدر اإلسالـ‪ ،‬القاىرة‪ :‬جامعة‬

‫األزىار كمية الدراسات اإلسالمية والعربية‪،ٜٜٖٔ ،‬‬

‫‪ .ٔٛ‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬دالئؿ اإلعجاز والرسالة الشافية وأسرار البالغة (دار‬

‫المكتبة‪ :‬بيروت‪ ،‬بدوف التاريخ) ص ٖٕٕ‬

‫‪44‬‬

You might also like