Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫مقدمة‬

‫هذا الكتيب يجيب ببساطة عن بعض اﻷسئلة التي كثيرا ما يطرحها الشباب في اجتماعاتهم الكنسية‪.‬‬
‫مثﻼﹰ‪ :‬لماذا تجسد السيد المسيح؟ وهل هذا يتعارض مع طبيعة الﻼهوت وقداسته؟ وما هي اﻷهداف‬
‫وراء هذه العقيدة المسيحية الهامة‪ ،‬سواء من جهة خﻼص اﻹنسان من الخطية أو انكسار سطوة الشيطان عن‬
‫البشرية‪ ،‬أو التعارف على إلهنا المحب‪ ،‬وقد جاءنا في مذود متواضع حبا بنا‪.‬‬
‫وهذه الكلمات البسيطة هي إهداء متواضع لوليد المذود‪،‬‬
‫في عيد ميﻼده المجيد‪ ،‬ونرجو أن يكون لها فائدة بصلوات قداسة البابا شنودة الثالث وسائر اﻷحبار‬
‫اﻷجﻼء‪.‬‬
‫ونعمة الرب تشملنا جميعا‪.‬‬
‫اﻷنبا موسى‬
‫اﻷسقف العام‬
‫‪ -١‬لماذا التجسد؟‬
‫سؤال هام هو المسيحية كلها‪ :‬سؤال طالما أثير في كل مكان وزمان‪ .‬سؤال استدعى أن يسطر‬
‫الوحي اﻹلهي على يدي معلمنا يوحنا الحبيب إنجيله ورسائله‪ ،‬ليوضح لنا حتمية التجسد لخﻼص البشرية‪،‬‬
‫واستحالة الخﻼص دون اﻹيمان بتجسد ا الكلمة‪ .‬ففي إنجيل معلمنا يوحنا يستهل الوحي حديثه بالتحليق في‬
‫آفاق الﻼهوت العليا‪" :‬في البدء‪ -‬أي في اﻷصل‪ ،‬ومنذ اﻷزل‪ -‬كان الكلمة‪ ،‬والكلمة كان عند ا ‪ ،‬وكان ا‬
‫الكلمة" )يو ‪ (١ :١‬ثم يقود‪" :‬والكلمة صار جسدا" )أي اتخذ له جسدا فهو لم يكف عن كونه كلمة ا (‪ ،‬وحل‬
‫بيننا‪" ،‬ورأينا مجده" )يو ‪.(١٤ :١‬‬
‫وفى رسائل معلمنا يوحنا يعتبر الرسول )بوحي من ا طبعا( أن‪" :‬كل روح يعترف بيسوع المسيح‬
‫أنه جاء في الجسد‪ ،‬هو من ا ‪ ،‬وكل روح ﻻ يعترف بيسوع المسيح أنه جاء في الجسد فليس من ا ‪ .‬وهذا‬
‫أن يبقى‬ ‫هو روح ضد المسيح‪ ،‬الذي سمعتم أنه يأتي واﻵن هو في العالم" )‪ ١‬يو ‪ .(٣-٢ :٤‬ولقد قصد ا‬
‫يوحنا الحبيب‪ ،‬الذي طالما اتكأ على صدر السيد المسيح‪ ،‬حتى نهاية القرن اﻷول شاهدا أمينﹰا على الفكر‬
‫الﻼهوتي المسيحى السليم كما تسلمه من الرب نفسه‪ .‬فبينما استشهد بقية اﻻثني عشر وحتى بولس الرسول‬
‫قبيل سنة ‪ ٧٠‬ميﻼدية‪ ،‬بقى يوحنا الحبيب حتى نهاية القرن اﻷول تقريبا لتثبيت العقيدة المسيحية السليمة في‬
‫مواجهة العديد من الهرطقات مثل‪:‬‬
‫‪ -١‬هرطقة الغنوسيين‬
‫الذين تصوروا أن الخﻼص يمكن بالمعرفة العقﻼنية حيث كلمة ‪ Know= Gnoses‬أي يعرف‪.‬‬
‫وقالوا أن التأمل العقﻼني يطهر النفس ويخلصها‪ .‬وأن السيد المسيح مجرد إنسان حل عليه روح علوي‪.‬‬
‫وإذا سلمنا بهذا فقدنا كل شيء‪ ،‬فالخﻼص بالعقل يلغي ضرورة التجسد والفداء‪ .‬وأن يكون المسيح‬
‫إنسانﹰا فمعني ذلك أن من فدانا محدود‪ ،‬ففداؤه ناقص‪ .‬لهذا رفضت الكنيسة هذه البدعة الخطيرة‪.‬‬
‫‪ -٢‬هرطقة التهود‬
‫التي سادت لفترة على حياة بعض اليهود الداخلين إلى المسيحية‪ -‬حيث لم يستطيعوا التحرر بسرعة‬
‫من أمجاد العبادة القديمة الشكلية وطقوسها وفرائضها الرمزية‪ .‬فانبرى لهم معلمنا بولس الرسول ليوضح لهم‬
‫أمجاد المسيح والمسيحية‪ ،‬خصوصا في رسالته إلى العبرانيين التي مفتاحها هو كلمة "أفضل"‪ .‬فالسيد المسيح‬
‫أفضل من المﻼئكة بما ﻻ يقاس )ص ‪ ،(٢ :١‬وأفضل من موسى )ص ‪ ،(٣‬ومن يشوع )ص ‪ ،(٤‬ومن هرون‬
‫)ص ‪ ،(٥‬ووعده هو اﻷثبت )ص ‪ ،(٦‬وذبيحته كانت ترمز إليها تقدمة ملكي صادق )ص ‪ :(٧‬وكهنوته أفضل‬
‫من كهنوت هرون )ص ‪ ،(٨‬وعهده أفضل من العهد القديم )ص ‪ ،(٩‬وأقداسه أفضل من أقداس الهيكل )ص‬
‫‪،(١٠‬واﻹيمان به هو سر خﻼص اﻵباء )ص ‪ ،(١١‬وناموسه أكمل من ناموس موسى)‪ ،(١٢‬ودمه أفضل من‬
‫دم الذ بائح )ص ‪.(١٣ ،١٠‬‬
‫‪ -٣‬هرطقة الدوسيتيين‬
‫الذين تصوروا جسد السيد المسيح غازيا وخياليا‪ ،‬معتقدين أن المادة ﻻ يليق أن تدخل إلى حياة ا ‪.‬‬
‫وهى البدعة التي تجددت فيما بعد بواسطة أوطاخي‪ ،‬وما زالت أصداؤها ترن في التساؤﻻت حول التجسد إذ‬
‫يتساءلون‪:‬‬
‫)ا( هل التجسد ضد طبيعة ا ؟‬
‫)ب( هل التجسد ضد قداسة ا ؟‬
‫)ج( هل التجسد ضد قدرة ا ؟‬
‫)د( لماذا التجسد‪ ...‬ألم يكن هناك حل آخر سواه؟‬
‫)ه( ما مدلول التجسد في حياتنا؟‬
‫وهذه اﻷسئلة الهامة يجب أن نستوعب إجابات عليها لعدة أسباب‪:‬‬
‫أوﻻﹰ‪ :‬للتثبت من إيماننا الصخري‪ ،‬الذي تحطمت على صخرته كل الهرطقات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لندعم إخوتنا في المسيح على أساس المعرفة اﻷساسية الﻼزمة للخﻼص‪ ،‬إذ يقول الكتاب‬
‫المقدس‪" :‬هلك شعبي من عدم المعرفة"‪.‬‬
‫ثالثﹰا‪ :‬ﻷن التخلي عن عقيدة التجسد هو بعينه التخلي عن نصيبنا في المسيح وفى الملكوت‪ .‬فما دام‬
‫ا يستنكف أن يتخذ له جسدا إذن‪ ،‬فهو لن يسكن فينا‪ ،‬وهذا هو الهﻼك بعينه‪ ،‬إذ كيف نحيا معه في الملكوت‬
‫ونحن ﻻ نشبهه قط‪.‬‬
‫لهذا قال الرسول‪" :‬عظيم هو سر التقوى ا ظهر في الجسد" )‪ ١‬تي ‪ .(١٦ :٣‬فالتجسد إذن هو سر‬
‫التقوى اﻹنسانية‪ ،‬وبالتالي الخﻼص اﻷبدي‪.‬‬

‫‪ -٢‬هل التجسد يتعارض مع طبيعة ا ؟‬


‫روح بسيط خالد‪ ،‬غير مركب‪ ،‬وﻻ‬ ‫يتصور البعض أن التجسد يتعارض مع طبيعة ا ‪ ،‬ﻷن ا‬
‫مادي‪ ،‬وﻻ يصح أن يأخذ صورا حسية‪ ،‬مرئية أو مسموعة أو محسوسة‪ .‬فهل هذا التفكير سليم؟ وما خطورة‬
‫هذه الفكرة على البشرية وعلى خﻼصها؟‬
‫‪ -١‬نظرة خاطئة للمادة‪:‬‬
‫ﻻ يتجسد‪ -‬تخص بين طياتها نظرة خاطئة وخطيرة إلي المادة‪ .‬أليست المادة‬ ‫هذه الفكرة‪ -‬أن ا‬
‫منها وسيلة يعلن بها عن روحانيته‬ ‫بكل صورها إحدى مخلوقات ا ؟! ما الغضاضة إذن في أن يتخذ ا‬
‫واختفائه وعلوه‪ ،‬لبشر حسيين وضعفاء؟! إن فكرة نجاسة المادة ليست سليمة إيمانيا‪ ،‬وترجع في أصولها إلى‬
‫فكر وثني وهندوسي‪ ،‬يتصور أن اﻹنسان روح محبوسة في جسد‪ ،‬هو لها مثل سجن قابض‪ .‬وهم بذلك‬
‫يعذبون أجسادهم بالمسامير‪ ،‬وينهكونها بأصوام مفرطة متطرفة‪.‬‬
‫شيئًا دنسا؟! أليست أجسادنا من صنع يده؟ أﻻ تحوي أجسادنا أسرار الخلق‪ ،‬وتحمل‬ ‫هل يخلق ا‬
‫النقص أو النقيصة‪،‬‬ ‫أعمق اﻷدلة وأصدقها على وجود الخالق اﻷعظم؟ ﻻ يصح أن ننسب إلى أعمال ا‬
‫في الفردوس بنفس جسده الحالي ولكنه اختار أن يستمع إلى غواية‬ ‫اﻹنسان خلق مقدسا‪ ،‬وعاش مع ا‬
‫الشيطان فسقط في براثنه‪ .‬فالخطأ إذن دخل إلي جسده فيما بعد‪ ،‬وإلى روحه وكيانه كله‪ .‬أما اﻹنسان ككل‪،‬‬
‫وكخليقة ا في اﻷساس‪ ،‬فكان "حسنﹰا جدا" )تك ‪ (٣١ :١‬ولعل هذا هو السبب في أن تتمسك كنائسنا التقليدية‬
‫باستخدام المادة في اﻷسرار المقدسة‪ ،‬كالماء في المعمودية‪ ،‬والزيت في الميرون ومسحة المرضى‪ ،‬والخبز‬
‫والخمر في التناول‪ ،‬لتؤكد لنا أن كل شيء خلقه ا مقدس‪ ،‬وأن المشكلة هي في "سوء اﻻستخدام" وليس في‬
‫المادة نفسها‬
‫‪ -٢‬نظرة خاطئة إلى ا ‪:‬‬
‫ا بالفعل روح بسيط قدوس‪ ،‬ماليء السماء واﻷرض والتجسد ﻻ يغير من طبيعته‪ .‬وﻻ داعي ﻷن‬
‫حينما يتخذ جسدا‪ ،‬أو يسمعنا صوتﹰا أو يرينا نورا ﻻ يكف عن كونه‬ ‫نخشى من التجسد على طبيعته‪ .‬فا‬
‫الروح البسيط الخالد القدوس‪ ،‬ماليء السماء واﻷرض‪ .‬إنه لم "يتحول" إلي جسد‪ ...‬حاشا! إنه فقط "اتخذ‬
‫جسدا"‪ .‬فهل في هذا مشكلة؟ أليس هو قادر على ذلك؟‬
‫وهناك تشبيهات كثيرة لهذا اﻷمر‪ :‬مثﻼﹰ الجو كله من حولنا يموج باﻹرسال اﻹذاعي والتليفزيوني‪،‬‬
‫موجات مرسلة من القاهرة وتنتشر في الجو إلى كل بﻼد الجمهورية‪ .‬ﻻ نراها وﻻ نسمعها بالعين واﻷذن‬
‫المجردتين‪ ،‬وﻻبد من جهاز يستقبلها ويجسدها‪ .‬وإذا استقبلناها في جهاز لدينا‪ ،‬ﻻ يعني ذلك أننا استنقذناها‪ ،‬أو‬
‫احتكرناها في جهازنا هذا‪ ،‬فهي ﻻ تكف عن اﻻنتشار في أجواء مصر كلها‪ .‬ومن هذا التشبيه نرى‪:‬‬
‫‪ -١‬أن هناك موجات موجودة‪ ،‬ﻻ نراها وﻻ نسمعها دون أن يلغي ذلك أنها موجودة بالفعل‪ .‬والقياس‬
‫مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الموجود في كل مكان وزمان دون أن نراه بعيون الجسد‪.‬‬
‫‪ -٢‬إن هذه الموجات غير المحسوسة يمكن أن تﹸحس وتﹸرى من خﻼل تجسيدها في جهاز‪ .‬والقياس‬
‫مع الفارق بالنسبة إلى إلهنا العظيم الذي هو روح سامية‪ ،‬ويمكن أن يتخذ صورا حسية كالنار أو الصوت أو‬
‫النور أو الجسم البشري‪.‬‬
‫‪ -٣‬إن تجسد هذه الموجات في جهاز‪ ،‬ﻻ يعني انسحابها من الجو‪ ،‬وانحصارها في هذا الجهاز‪.‬‬
‫وكذلك فإنه حين اتخذ ا جسد إنسان‪ ،‬لم يكف عن كونه اﻹله ماليء السماء واﻷرض‪ .‬لهذا قال السيد المسيح‬
‫له المجد‪ " :‬ليس أحد صعد إلى السماء‪ ،‬إﻻ الذي نزل من السماء ابن اﻹنسان الذي هو في السماء " )يو ‪:٣‬‬
‫‪.(١٣‬‬
‫وما قلناه عن الموجات اﻹذاعية نقوله عن الطاقة الكهربائية فهي تتجسد في مصباح دون أن‬
‫هو الذي خلق المادة‬ ‫يحتكرها هذا المصباح‪ ،‬وهكذا‪ ...‬إذن فالتجسد ﻻ يتعارض مع طبيعة ا ‪ ،‬إذ أن ا‬
‫مقدسة‪ ،‬والمادة لن تحده بأي حال إذا ما اتخذها وسيلة يعلن لنا بها عن ذاته‪.‬‬

‫وقدرته؟‬ ‫‪-٣‬هل التجسد يتعارض مع قداسة ا‬


‫يتصور البعض أن التجسد ربما يتعارض مع قداسة ا وقدرته‪ ...‬فيقولون مثﻼﹰ‪ :‬هل من المعقول أن‬
‫إلهنا العظيم القدوس المتعالي ينزل إلي بطن العذراء ويأخذ جسد إنسان‪ ،‬ويأكل ويشرب وينام ويصير كواحد‬
‫منا؟! أليس في ذلك تلويث لقداسة ا ؟!‬
‫يرد القديس أثناسيوس الرسولي‪ -‬أعظم من كتب عن سر التجسد‪ -‬فيشبه إلهنا العظيم بالشمس‪ ،‬إذ‬
‫نلمس فيها شبها من خالقها‪ ،‬في سموها وطهرها وجبروتها ودفئها ولزومها للحياة‪ ...‬فلو سطعت الشمس على‬
‫كومة من القمامة‪ ،‬أتتدنس الشمس‪ ،‬أم أنها تطهر هذه الكومة من القمامة دون أن تتلوث هي؟! كذلك إلهنا‬
‫العظيم‪ ،‬حين يسكن فينا‪ ،‬لن يتدنس بنا‪ ،‬بل بالحري يطهرنا بطهره‪ ...‬نعم يطهرنا دون أن يتدنس!‬
‫يشرق بنوره وبروحه‬ ‫وهذه الحقيقة لم تستجد بالتجسد اﻹلهي‪ ،‬بل بالحري نحياها كل يوم‪ ...‬فا‬
‫القدوس‪ ،‬على البشرية الخاطئة‪ ،‬منذ اﻷزمنة السحيقة‪ ،‬يعمل فيها‪ ،‬ويهديها‪ ،‬ويطهرها‪ ،‬دون أن يتدنس‪ .‬فماذا‬
‫استجد إذن؟ أليس ا في كل مكان‪ ،‬وفي كل زمان‪ ،‬وفي كل إنسان مهما كان خاطئًا؟ هل يخلو منه مكان؟‬
‫غير محدود‪ ،‬ويستحيل أن تخلو منه أحشاء اﻹنسان أيا كان؟‬ ‫مهما كان هذا المكان دنسا؟ هل نسينا أن ا‬
‫ألسنا به نحيا ونتحرك ونوجد؟ إذن فالتجسد ﻻ يتعارض مع قداسة ا الذي إذ يتخذ جسدا يظهر به ﻻ يتدنس‬
‫بل يقدسه‪ .‬الجديد هو أن ا ارتأى أن يأخذ ما لنا‪ ،‬ليعطينا ما له‪ .‬وأنه أحبنا في المسيح‪ ،‬ليتحد بنا ونتحد به‪.‬‬
‫رضى بالسكنى وسط البشر‪ ،‬وفي قلوبهم‪ ،‬ليطهرهم من الخطايا‪ ،‬ويجدد طبيعتهم الساقطة ويحملهم على‬
‫منكبيه فرحا‪ .‬و يعود بهم إلى السماء‪ .‬إذن التجسد ﻻ يتعارض مع قداسة ا ‪ ،‬وفى نفس الوقت حتمي لقداسة‬
‫اﻹنسان‪ ...‬كيف؟‬
‫عظيم هو سر التقوى‬
‫إن تجسد ا هو بالحقيقة سر التقوى‪ :‬أى سر التقوى اﻹنسانية‪ ،‬وبدونه ﻻ تكون التقوى وﻻ القداسة‪.‬‬
‫والسبب ببساطة أن طبيعتنا فسدت بعد سقوط آدم وحواء‪ ،‬وكان ﻻبد من تجديدها وإعادة خلقة اﻹنسان وصنعه‬
‫مرة ثانية‪ .‬فما كان من الممكن أن يتم هذا التجديد إﻻ بسكنى ا في قلوبنا وتقديسه لطبيعتنا من الداخل‪ .‬وهذا‬
‫سر اﻷسرار في المسيحية‪ ،‬فهي ﻻ تكتفي بتقديم النصائح الخيرة والشرائع الطيبة واﻷوامر والنواهي‪ .‬كﻼ‪،‬‬
‫هي ببساطة تجعل إلهنا العظيم الذي سكن في أحشاء العذراء‪ ،‬يسكن في أحشائنا جميعا فيطهرنا ويخلصنا‬
‫ثانية‪" :‬إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" )‪ ٢‬كو ‪ (١٧ :٥‬إذن فالتجسد ﻻ يضر بقداسة ا ‪ ،‬ولكنه‬
‫أساسي لقداستنا نحن‪...‬‬
‫وهل التجسد يتعارض مع قدرة ا ؟‬
‫هذا غير معقول‪ ،‬لسبب بسيط‪ ،‬أن ا كلي القدرة‪ ،‬القدرة قادرعلى كل شيء‪ .‬إن الشيء الوحيد الذي‬
‫ﻻ يوافق طبيعة الرب أن يعمله هو الخطية ﻷنها خارجة عن طبيعته‪ ،‬وهو منزه عن الشر‪ .‬وخارج هذا اﻷمر‬
‫"هل يستحيل على الرب شيء؟" )تك ‪(١٤ :١٨‬‬
‫إذا كانت أرواح الصديقين تظهر لنا في أشكال حسية كما ظهرت أم النور على قباب كنيستها‬
‫بالزيتون‪ ،‬أفهل يكون هذا صعبا على الخالق الحافظ‪ ،‬القادر على كل شيء؟ وإن كانت المﻼئكة تظهر‬
‫للقديسين في هيئة حسية‪ ،‬فهل من الصعب أن يتخذ ا جسدا ويظهر لنا؟ إن التجسد هو سر خﻼص اﻹنسان‪،‬‬
‫وهو يتعارض مع طبيعة ا القدوسة القادرة‪ .‬وهكذا يأتي السؤال‪:‬‬
‫حل لمشكلة اﻹنسان خﻼف التجسد؟‬ ‫ولماذا كل هذا؟ لماذا التجسد من اﻷساس؟ أفلم يكن أمام ا‬
‫ما أهداف التجسد؟ هذا ما سنتابعه في الفصل القادم إن شاء ا ‪.‬‬

‫‪ -٤‬ما هي أهداف التجسد؟‬


‫كانت هناك مشاكل خطيرة أساسية وفرعية‪ -‬أمام البشرية بعد سقوطها‪ ،‬ولم يكن هناك حل آخر‬
‫سوى أن يتجسد ا الكلمة‪ ،‬ليحل هذه المشاكل التي يستحيل أن يحلها غير ا ذاته‪ .‬وهذه المشاكل هي‪:‬‬
‫‪ -١‬مشكلة التعرف على ا ‪:‬‬
‫فا روح غير محدود‪ ،‬واﻹنسان ملتصق بالمادة ومحدود‪ .‬فهل يبقى ا عاليا في سمائه بعيدا عن‬
‫رغم محدوديته‬ ‫اﻹنسان الملتصق بالمادة والحسيات؟ وهل من المستطاع أن يصعد اﻹنسان إلى سماء ا‬
‫وضعفه‪ .‬وهكذا تجسد "كمعلم حكيم"‪ -‬بحسب تعبير القديس أثناسيوس‪ -‬ليصير قريبا منا ومحسوسا لدينا‪.‬‬
‫‪ -٢‬مشكلة موت اﻹنسان‪:‬‬
‫وهي المشكلة الجوهرية واﻷساسية‪" .‬أجرة الخطية هي موت" )رو ‪ .(٢٣ :٦‬هذا حكم إلهي ﻻ رجعة‬
‫فيه‪ .‬ليس ﻷنه مجرد إدانة غاضبة على الشر‪ ،‬بل ﻷن هذا هو المآل الطبيعي للنفس الساقطة‪ ،‬إنها في الموت‬
‫تسعى وإلي الموت اﻷبدي تسير‪ .‬من يجدد النفس والروح؟ ومن يقيم اﻷجساد بعد دفنها وانحﻼلها؟ ومن‬
‫يعطيها أن تتحول إلى أجساد نورانية؟ ليس سوى ا قطعا‪.‬‬
‫‪ -٣‬فساد الطبيعة البشرية‪:‬‬
‫رغم أنه‬ ‫سقط اﻹنسان‪ ،‬وتلوثت طبيعته‪ ،‬وأصابها الفساد‪ .‬وكان من الممكن طبعا أن يسامحه ا‬
‫حذره من العصيان‪ .‬لكن المشكلة لم تكن في رغبة ا أن يصفح أو ﻻ يصفح‪ ،‬بل في طبيعة اﻹنسان‪ ،‬ومن‬
‫يجددها له مرة أخرى‪ ،‬بعد ما أصابها من فساد‪ .‬وهذا العمل يستحيل على اﻹنسان الساقط‪ ،‬وعلى أي نبي أو‬
‫مﻼك‪ ،‬فالكل مخلوق ومحدود‪ ،‬وخلق اﻹنسان من جديد محتاج إلى الخالق نفسه‪.‬‬
‫‪ -٤‬مشكلة سطوة الشيطان‪:‬‬
‫لقد أخضع اﻹنسان نفسه بنفسه تحت سطوة الشيطان‪ ،‬فقبض عليه وضغط عليه‪ ،‬وحتى عند موت‬
‫اﻷبرار كانوا ينزلون إلى الهاوية‪ ،‬وإذا كان الفردوس مغلقﹰا‪ ،‬وكان إبليس يقبض على نفوسهم هناك‪ .‬ترى‪ ،‬من‬
‫يستطيع أن يطلق البشرية من قبضة إبليس‪ ،‬سواء اﻷحياء على اﻷرض‪ ،‬أو اﻷرواح البارة التي في الجحيم؟‬
‫من يستطيع أن يقتحم هذا المجهول‪ ،‬ليفك أسر المسبيين؟ يستحيل أن يفعل هذا سوى ا نفسه‪.‬‬
‫فلندرس هذه اﻷهداف بشيء من التفصيل‪.‬‬

‫‪ -٥‬بالتجسد‪ ....‬عرفنا ا‬
‫ﻻ شك أن هناك تناقض جذري بين طبيعة ا وطبيعة اﻹنسان‪ .‬فا روح بسيط خالد يمﻸ كل مكان‬
‫سرمدي )أزلي أبدى( غير محدود وﻻ مدرك وﻻ متغير بينما اﻹنسان غير ذلك تماما‪ .‬إنه مخلوق على صورة‬
‫ا في الحرية والبر والعقل ويتمتع بعنصر الروح التي تفكر فيما وراء المادة والطبيعة‪ ...‬لكنه محدود وله‬
‫بداية‪،‬‬
‫فوق إدراك البشر من جهة العقل أو الحواس‪ ،‬ولهذا تميل كنيستنا‬ ‫وهذا التسامي اﻹلهي يجعل ا‬
‫القبطية‪ ،‬والﻼهوت الشرقي دوما إلى استخدام اﻷسلوب السلبي في التعبير عن إلهنا العظيم أي اﻷسلوب الذي‬
‫ما ﻻ يتناسب مع صفاته أكثر مما يورد من صفات إيجابية عنه تعالى‪ .‬فنقول في القداس‬ ‫ينفي عن ا‬
‫الغريغوري مثﻼﹰ‪" .‬الذي ﻻ ينطق به‪ ،‬غير المرئي‪ ،‬غير المحوى‪ ،‬غير المبتديء‪ ،‬اﻷبدي‪ ،‬غير الزمني الذي‬
‫ﻻ يحد‪ ،‬غير المفحوص‪ ،‬غير المستحيل‪ ،‬خالق الكل‪ ،‬مخلص الجميع"‪ .‬وهنا نﻼحظ النفي المتكرر‪ ،‬لما ﻻ‬
‫يتناسب مع ا ‪ ،‬وإثبات لبعض الصفات القليلة التي ينفرد بها ا كاﻷبدي‪ ،‬الخالق‪ ،‬المخلص‪.‬‬
‫من هنا لزم التجسد‪:‬‬
‫متساميا فوق اﻹدراك البشرى‪ ،‬بحيث أن من يدخل إليه ما يسميه الﻼهوتيون‬ ‫ﻷنه إذا كان ا‬
‫"الضباب اﻹلهي" )‪ ...(Divine darkness‬ﻷن نور ا يبهر العين فتبدو عمياء ﻻ تراه‪ .‬نقول‪ ،‬إذا كان ا‬
‫متساميا فوق الطبيعة البشرية إلى هذه الدرجة غير المحدودة‪ ،‬فهل تبقى اﻷمور هكذا؟ كيف يتعرف إليه‬
‫اﻹنسان الضعيف الحسي ؟ كيف يقترب إليه؟ وكيف يتصاعد إلي عرشه اﻷعلى وهو تراب كثيف ورماد‬
‫خاطيء؟ إنها بالحقيقة مشكلة هامة!‬
‫محاوﻻت يائسة‪:‬‬
‫ولقد حاول‪ ،‬الكثيرون منذ سقوط آدم أن يقتربوا إلى ا ‪ ،‬فارتدوا أمام القول الرهيب‪" :‬اﻹنسان ﻻ‬
‫يراني ويعيش" )خر ‪ .(٢٠ :٣٣‬ولما حاول موسى أن يرى "مجد" الرب‪ ،‬خبأه الرب في مغارة‪ ،‬وستر عليه‬
‫بيده‪ ،‬وأجاز "جودته" أمامه‪ .‬ولما اكتشف منوح أبو شمشون أنه رأى الرب في رؤيا صرخ قائﻼﹰ‪" :‬نموت ﻷننا‬
‫رأينا ا " )قض ‪ .(٢٢ :١٣‬وهكذا عاشت البشرية أجياﻻﹰ تلهث وراء هذه الرؤيا دون جدوى‪ .‬وكان ا يتكلم‬
‫إلى البشر قديما عن طريق أنبيائه الذين يلهمهم بكﻼمه ويتراءى لهم في صور محسوسة للحظات‪ :‬كامتﻼء‬
‫الخيمة بالضباب‪ ،‬أو الصوت القادم من العليقة المشتعلة‪ ،‬أو الرؤى واﻷحﻼم‪ .‬وهكذا بقى ا عاليا في سمائه‪،‬‬
‫واﻹنسان هابطﹰا في طين اﻷرض وظلمة الحسيات‪.‬‬
‫وجاء الحل‪:‬‬
‫وذلك حين تجسد الكلمة اﻹلهية في صورة إنسان كقول الرسول "ا بعد ما كلم اﻵباء باﻷنبياء قديما‬
‫بأنواع وطرق كثيرة‪ ،‬كلمنا في هذه اﻷيام اﻷخيرة في ابنه‪ ،‬الذي جعله وارثﹰا لكل شيء‪ ،‬الذي به أيضا عمل‬
‫العالمين" )عب ‪ .(٢-١ :١‬ولنﻼحظ هنا الفرق بين حرفي الجر "ب" و"في"‪ .‬فا كان يكلمنا باﻷنبياء وأخيرا‬
‫كلمنا في ابنه‪ .‬أي أنه أعلن نفسه لنا جسديا في صورة إنسان مثلنا في كل شيء ما خﻼ الخطية‪ .‬وهكذا صار‬
‫اﻹله غير المرئي مرئيا‪ ،‬وغير المحسوس محسوسا‪ ،‬دون أن يكف عن كونه اﻹله الروح الماليء كل مكان‬
‫وزمان‪ ،‬المتعالي على كل اﻷذهان‪.‬‬
‫المعلم الصالح‪:‬‬
‫ويشبه القديس أثناسيوس إلهنا في تجسده بالمعلم الصالح‪ ،‬الذي ﻻ ينتظر من تﻼميذه أن يرتفعوا إلي‬
‫مستواه‪ ،‬بل ينزل هو إلى مستواهم ليعرفهم مقاصده وتعاليمه‪ .‬وهذا هو الوضع المنطقي والمقبول‪ .‬أما أن‬
‫يبقى ا في علياء سمائه‪ ،‬وينتظرنا حتى نتصاعد إليه رغم ضعفنا و ﹸترابيتنا‪ ،‬فهذا هو عين المستحيل‪.‬‬
‫من هنا تجسد الرب ليقترب إلينا نحن الضعفاء‪ ،‬وليتحدث إلينا باللغة التي نفهمها‪ ،‬حتى يعلن لنا‬
‫حبه‪ ،‬ويعرفنا بشخصه‪ ،‬ويقودنا بنعمته إلى سمائه‪.‬‬

‫‪ -٦‬بالتجسد ‪ ...‬تم الفداء‬


‫لم يهدف إلهنا العظيم بتجسده أن نتعرف عليه وحسب‪ ،‬بل قصد أن يفدينا من موت الخطية ويعتقنا‬
‫من سلطانها الخطير‪ .‬فكيف كان ذلك؟ سقط أبونا آدم‪ ،‬وكانت سقطته غيرمحدودة حيث أنها كانت موجهة إلى‬
‫إلهنا غير المحدود‪ .‬كما أنها أورثت الجنس البشري طبيعة فاسدة‪ ،‬فلم ينتج عنها سوى المزيد من الخطايا في‬
‫اﻷجيال المتعاقبة وهكذا صارت خطية الجنس البشري غير محدودة من حيث نوعها وكمها‬
‫ما الحل إذن؟‬
‫هناك أكثر من احتمال‪:‬‬
‫أمام الشيطان الذي‬ ‫كلمته ويميت اﻹنسان‪ ،‬وينتهي كل شيء لكن هذا معناه هزيمة ا‬ ‫‪ -١‬ينفذ ا‬
‫أفسد له عمل يديه‪ .‬ما الحكمة من خلق اﻹنسان إذن‪ ،‬مادام سيسقط في الموت منذ البداية؟‬
‫)المحبة(‬ ‫اﻹنسان‪ ،‬فهو محب ورحوم‪ .‬ولكن هذا يعني أن تتجلى إحدى كماﻻت ا‬ ‫‪ -٢‬يسامح ا‬
‫بينما تتضاءل صفة أخرى )العدل(‪ .‬وهذا باﻹضافة إلى أن المشكلة ﻻ تكمن فقط في مسامحة اﻹنسان الساقط‪،‬‬
‫ولكن في مداواة آثار السقوط‪ ،‬أي فساد الطبيعة اﻹنسانية‪ .‬ما قيمة أن يسامحني ا عما سلف‪ ،‬دون أن يجدد‬
‫ويقدس طبيعتي‪ .‬حتى تنتصر على الخطيئة وتصير في شركة مع طبيعته القدوسة؟‬
‫فادٍ لفداء اﻹنسان فمن جهة ينفذ فيه حكم الموت‪ ،‬ومن جهة أخرى تنال‬ ‫‪ -٣‬إذن‪ ،‬فليرسل ا‬
‫البشرية الغفران‪ .‬ولكن ما المطلوب من هذا الفادي؟‬
‫مواصفات الفادي المطلوب‪:‬‬
‫إن مهمة الفادي خطيرة‪ ،‬فهو ﻻبد أن تتوافر فيه صفات معينة مثل‪:‬‬
‫‪ -١‬يجب أن يكون الفادي إنسانﹰا‪ ،‬فاﻹنسان هو الذي سقط‪ ،‬والفادي سيمثله في حمل القصاص‪.‬‬
‫‪ -٢‬ويجب أن يموت هذا الفادي‪ ،‬ﻷن "أجرة الخطية هي موت" )رو ‪ ،(٢٣ :٦‬وﻷن حكم ا على‬
‫آدم‪ ،‬وحواء كان هو الموت "موتﹰا تموتا" )تك ‪.(١٨ :٢‬‬
‫‪ -٣‬ولكن هذا الفادي يجب أن يكون غير محدود‪ ،‬ليستطيع وفاء الدين غير المحدود على اﻹنسان‪،‬‬
‫وذلك‪ -‬كما ذكرنا‪ -‬ﻷن الخطية كانت موجهة ضد ا غير المحدود‪ ،‬وﻷن البشرية كلها ساهمت بنصيب في‬
‫هذا الدين فصار ضخما جدا‪.‬‬
‫‪ -٤‬كذلك يجب أن يكون الفادي بﻼ خطية‪ ،‬ﻷن فاقد الشيء ﻻ يعطيه‪ ،‬إذ كيف يفدينا وهو خاطيء‬
‫يحتاج لمن يفديه؟‬
‫‪ -٥‬ويجب أن يكون خالقﹰا ﻷن المطلوب منه ليس فقط الغفران‪ ،‬ولكن تجديد خلقة اﻹنسان‪ ،‬بالروح‬
‫القدس‪.‬‬
‫وأمام هذه المواصفات كان ﻻبد من التجسد‪ ،‬لماذا؟‬
‫التجسد هو الحل‪:‬‬
‫ﻷن أقنوم الكلمة‪ ،‬الحكمة اﻹلهية‪ ،‬حينما اتخذ له جسدا وحل بيننا صار قادرا أن يفدي اﻹنسان‪،‬‬
‫محققﹰا كل المواصفات المطلوبة‪:‬‬
‫أ‪ -‬فبناسوته‪ :‬هو إنسان‪ ،‬يموت‪.‬‬
‫ب‪ -‬وبﻼهوته‪ :‬هو غير محدود‪ ،‬بﻼ خطية‪ ،‬خالق‪.‬‬
‫وهكذا استطاع رب المجد أن يحل مشكلة فساد الطبيعة البشرية‪ ،‬بأن "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي‬
‫له"‪ .‬أي أنه حمل خطايانا‪ ،‬وبررنا ببره كما أنه أخذ جسدنا بﻼ خطية‪ ،‬وأعطانا شركة طبيعته اﻹلهية‪.‬‬
‫هل هناك حل آخر؟ مستحيل!‬

‫‪ -٧‬بالتجسد‪ ...‬سقط الشيطان‬


‫الشيطان كائن حي‪ ،‬وشخصية حقيقية‪ .‬وهو في اﻷساس رئيس مﻼئكة سقط مع طغمة في فترة‬
‫اﻻختبار التي كانت لهذه المخلوقات الروحية‪ .‬وقصة سقوطه مدونة في الكتاب المقدس في مواضع عديدة‬
‫أهمها‪:‬‬
‫إشعياء ‪" :١٤‬كيف سقطتِ من السماء يا زهرة بنت الصبح‪ .‬كيف قطعت إلي اﻷرض يا قاهر‬
‫اﻷمم‪ .‬وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات‪ ،‬أرفع كرسي فوق الكواكب‪ ،‬أصير مثل العلي‪ ،‬لكنك انحدرت‬
‫إلى الهاوية‪ ،‬إلى أسافل الجب" )إش ‪.(١٥-١٢ :١٤‬‬
‫رؤيا ‪" :١٢‬وحدثت حرب في السماء ميخائيل ومﻼئكته‪ ،‬حاربوا التنين وحارب التنين ومﻼئكته‪ ،‬ولم‬
‫يقووا‪ ،‬فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء‪ .‬فطرح التنين العظيم‪ ،‬الحية القديمة‪ ،‬المدعو إبليس والشيطان‪،‬‬
‫الذي يضل العالم كله‪ ،‬طرح إلى اﻷرض‪ ،‬وطرحت معه مﻼئكته )رؤ ‪.(٧ :١٢‬‬
‫كان يعرف أن الشيطان سيسقط‬ ‫بسقوط الشيطان؟ أو بالحري مادام ا‬ ‫ولكن‪ ...‬لماذا سمح ا‬
‫فلماذا خلقه من اﻷساس؟ وبعد أن سقط لما تركه وهو يعلم أنه سيسقط اﻹنسان؟ لماذا الشيطان؟‬
‫ﻻ يريد مخلوقات تابعة‪،‬‬ ‫الشيطان هو المفتاح الوحيد لموضوع حرية اﻻختيار لدى اﻹنسان‪ .‬ا‬
‫ولكنه يريد مخلوقات حرة‪ .‬لذلك أعطى فترة اختبار للمﻼئكة حين خلقهم‪ ،‬تاركﹰا لهم حرية اﻻختيار‪ ،‬بين أن‬
‫يكونوا معه‪ ،‬أو أن يرفضوا ذلك‪ .‬وهكذا اختار الشيطان أن يستقل عن ا ‪ ،‬ونسى المسكين أن نوره مستمد‬
‫من النور اﻹلهي‪ .‬وإنه يستحيل أن ينير من ذاته‪ .‬فانقطعت فرصة إنارته وصار كتلة من الظﻼم ومن هنا‬
‫استحالت توبته فهو مسئول عن تصرفه مسئولية كاملة‪ ،‬لم يتقدم أحد ليغريه‪ .‬كما أنه صار ظﻼما كله‪ ،‬فليس‬
‫هناك أدنى أمل في توبته أو خﻼصه‪.‬‬
‫أو للشيطان‪ ،‬حسبما أراد‪ .‬فإذا اختار أن‬ ‫أما اﻹنسان‪ ،‬فكانت أمامه أيضا حرية اﻻختيار‪ ،‬أن يحيا‬
‫سيكون ذلك بمحض حريته‪ ،‬وليس بقهر من الخالق‪ .‬إنها الحرية التي خلقنا ا عليها‪ ،‬ويحب لنا أن‬ ‫يحيا‬
‫أن الذي دفع ثمن هذه الحرية‪ ،‬وديون ذلك السقوط اﻹنساني هو ا نفسه‪ ،‬فهو لم يسمح‬ ‫نمارسها‪ .‬وشكرا‬
‫بسقوطنا على يد إبليس ثم يتركنا لنخلص أنفسنا بأنفسنا‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬رأى أننا في ضعفنا تم إغراؤنا‪ ،‬فنزل‬
‫لفدائنا‪ ،‬وسحق الشيطان‪.‬‬
‫كيف سقط الشيطان؟‬
‫على عود الصليب‪ ،‬ظن الشيطان أنه انتهى من السيد المسيح‪ .‬فلقد كان متحيرا فيه‪ ،‬وكان الرب‬
‫يخفي ﻻهوته عنه‪ .‬مرة يظهر له صفة من صفات الﻼهوت إذ يجده يخلق عينﹰا ﻷعمى‪ ،‬ويقيم ميتﹰا بعد أن‬
‫أنتن‪ ،‬ويغفر الخطايا‪ ،‬ويجدد القلوب‪ ،‬ومرة أخرى يظهر له صفة من صفات الناسوت فيجوع ويعطش وينام‪.‬‬
‫وكان الرب يفعل كل ذلك "تدبيريا" لكي يكمل الشيطان خطته ويقلب اليهود والرومان عليه‪ ،‬فيقتلونه‬
‫بالصليب‪ .‬وكان الرب يهدف إلى هذه الغاية‪ ،‬ﻷنه على الصليب انفصلت نفسه اﻹنسانية عن جسده اﻹنساني‪،‬‬
‫غير أن ﻻهوته كان متحدا بكليهما‪ .‬فالرب شابهنا في ناسوت كامل‪ :‬جسد‪ +‬نفس‪ +‬روح إنسانية‪ .‬ولما نزلت‬
‫النفس اﻹنسانية إلى الجحيم كأنفس القديسين السابقين على الفداء )ﻷن الفردوس كان مغلقﹰا(‪ ،‬ظن الشيطان أنه‬
‫سيقبض عليه كبقية أرواح القديسين ولكنه صعق إذ وجد هذه النفس متحدة بالﻼهوت‪ .‬وانسحق الشيطان أمام‬
‫السيد المسيح الذي أحدث ثورة في الجحيم بين اﻷنفس المنتظرة لفدائه‪ ،‬وخرج بها غالبا‪ ،‬وفتح لها باب‬
‫الفردوس وأودعها فيه بفرحة عارمة‪.‬‬
‫وهكذا تمت الكلمة التي قالها الرب‪" :‬رأيت الشيطان ساقطﹰا مثل البرق من السماء"‪" ،‬رئيس هذا العالم‬
‫آتٍ‪ ،‬وليس له فيﱠ شيء" )يو ‪ ،١٨ :١٠‬يو ‪ .(٣٠ :١٤‬وهكذا صار لنا إمكانية النصرة عليه‪" :‬إله السﻼم‬
‫سيسحق الشيطان تحت أقدامكم سريعا" )رو ‪.(٢٠ :١٦‬‬
‫فلم يعد لنا حجة أن نجعل من الشيطان الشماعة التي نعلق عليها خطايانا اﻵن‪ ،‬فهو يعرض دون أن‬
‫إلى ما ﻻ نهاية ﻷنه اختار ذلك بنفسه‬ ‫يفرض‪ ،‬وقد فقد سلطانه علينا إلى اﻷبد‪ ،‬تمهيدا ليوم سيعذبه فيه ا‬
‫وبكبريائه المرة‪.‬‬
‫ونحن اﻵن في الملك اﻷلفي نتمتع بنصرة عليه‪ ،‬إذ نقوم مع الرب من قبور الخطية "استيقظ أيها‬
‫النائم وقم من بين اﻷموات‪ ،‬فيضيء لك المسيح" )أف ‪" ،(١٤: ٥‬أقامنا معه" )أف ‪ .(٦ :٢‬وذلك تمهيدا للقيامة‬
‫الثانية قيامة اﻷجساد ‪ ،‬لنحيا مع الرب إلى اﻷبد‪.‬‬

‫‪ -٨‬بالتجسد‪ ...‬انتهت مشكلة الشر واﻷلم‬


‫ﻻحظنا مما سبق أن التجسد كان طريقﹰا إلى أهداف عديدة منها‪:‬‬
‫‪ -١‬التعرف على ا الروح‪ ،‬إذ اتخذ جسدا‪ ،‬فصار من الممكن أن نتعرف عليه‪ ،‬وأن نسمع صوته‪.‬‬
‫‪ -٢‬إتمام الفداء‪ ،‬فبالتجسد حصلنا على الفادي المناسب‪ ،‬القادر أن يموت عنا بناسوته‪ ،‬وأن يقوم‬
‫ﻷجلنا بﻼهوته‪.‬‬
‫‪ -٣‬سقوط الشيطان‪ ،‬فلقد سحقه الرب بالصليب‪ ،‬وسبى سباياه داخﻼﹰ بهم في ظفر إلى الفردوس‪.‬‬
‫يبقى أن ندرك أن التجسد أنهى مشكلتي الشر واﻷلم من حياة البشرية‪.‬‬
‫مشكلة الشر‪:‬‬
‫صار اﻹنسان‪ -‬بسبب السقوط‪ -‬يعاني أمرين‪:‬‬
‫‪ -١‬الطبيعة التي فسدت بالخطية‪.‬‬
‫‪ -٢‬الحكم الذي صدر ضده بالسقوط‪.‬‬
‫لكن الرب بتجسده حل هاتين المشكلتين‪ ،‬إذ مات عنا على الصليب‪ ،‬فانتهى الحكم الذي كان علينا‪،‬‬
‫واتحد بجسدنا‪ ،‬فأعاد خلقتنا وطهرنا فسادها‪ .‬وهكذا‪ -‬بالمعمودية‪ -‬دفنا مع المسيح‪ ،‬ثم قمنا معه في حياة‬
‫جديدة‪ .‬أو كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي‪ ،‬صرنا كقشة سهلة الحريق‪ ،‬ولكنها إذ أحيطت بمادة‬
‫اﻹسبتوس غير القابلة لﻼشتعال‪ ،‬صارت في مأمن من حريق الدينونة‪ .‬ومن هنا صار اﻻتحاد با ممكنﹰا‪ ،‬من‬
‫خﻼل الحياة اليومية معه‪ ،‬والتناول المستمر من جسده ودمه اﻷقدسين‪.‬‬
‫ويشبه القديس أثناسيوس عملية تجديد خلقة اﻹنسان بملك له ابن وحيد‪ .‬وإذ أوشك اﻻبن على السفر‬
‫طلب الملك من فنان عظيم أن يرسم له صورة ابنه الحبيب‪ ،‬فخرجت الصورة بديعة جدا‪ .‬وسافر اﻻبن‪،‬‬
‫وحدث للصورة ما أفسدها‪ .‬ولما أراد اﻷب استعادة صورة ابنه طلب الفنان عودة اﻻبن من الخارج ليرسم‬
‫الصورة من جديد‪ .‬وبالفعل عاد اﻻبن مرة ثانية‪ ،‬وأعاد الرسام الصورة إلى أصلها دون أن يمزق اللوحة التي‬
‫فسدت حيث أنها كانت تحمل في اﻷصل صورة اﻻبن ويقول القديس أثناسيوس أن هذا ما فعله ا معنا‪ ،‬جاء‬
‫إلينا‪ ،‬وأعاد رسم الصورة على نفس طبيعتنا الساقطة دون أن يفني هذه الخلقة اﻷولى التي حملت يوما ما‬
‫صورته اﻹلهية‪.‬‬
‫وهكذا أعيدت خلقة اﻹنسان‪ ،‬وصار من الممكن ﻻ أن تغفر له خطاياه فحسب‪ ،‬بل أن يتجدد حسب‬
‫صورة خالقه "إذ خلعتم اﻹنسان العتيق مع أعماله‪ ،‬ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه"‬
‫)كو ‪.(١٠-٩ :٣‬‬
‫وقد شبه ا ذلك في العهد القديم بالفخاري الذي صنع من الطينة وماء‪ ،‬وإذ لم يكن كما يريد‪ ،‬أعاد‬
‫صنعه ثانية بعد أن فسد‪ .‬وقال الرب "هوذا كالطين بيد الفخاري‪ ،‬هكذا أنتم بيدي" )إرميا ‪ .(١٠-١ :١٨‬لذلك‬
‫فالمسيحية هي الدين الوحيد الذي يتحدث عن إعادة خلقة اﻹنسان وتجديد طبيعته‪ ،‬وهذا عمل ﻻ يقدرعليه‬
‫سوى الخالق‪.‬‬
‫مشكلة اﻷلم‪:‬‬
‫وكما عالج الرب بتجسده مشكلة الشر‪ ،‬عالج مشكلة اﻷلم‪ .‬فاﻷلم كان في الماضي عقابا على‬
‫الخطيئة‪ ،‬ولكننا إذ تبررنا بالمسيح‪ ،‬صار اﻷلم شركة معه‪ ،‬وهبة منه‪" .‬ﻷنه قد وهب لكم ﻷجل المسيح ﻻ أن‬
‫تؤمنوا به فقط‪ ،‬بل أن تتألموا ﻷجله" )في ‪ .(٢٩ :١‬ولذلك فالرسل "ذهبوا فرحين من أمام المجمع ﻷنهم‬
‫حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" )أع ‪.(٤١ :٥‬‬
‫نعم‪ ،‬فاﻷلم لم يعد عقوبة‪ ،‬ﻷن السيد نفسه تألم دون خطيئة‪ ،‬وكانت آﻻمه آﻻما فدائية‪ ،‬إذ "حمل‬
‫خطايانا في جسمه على الخشبة" )‪ ١‬بط ‪ .(٢٤: ٢‬وصارت آﻻمنا كلها‪ -‬فيما عدا اﻵﻻم الناتجة عن ارتكاب‬
‫خطايا‪ -‬آﻻما فيها تعزية وتنقية وتكميل وبنيان وشركة وفطام عن اﻷرضيات‪.‬‬
‫لذلك يقول الرسول بولس‪" :‬أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي ﻷجل جسده الذي هو الكنيسة"‬
‫)كو ‪ .(٣٤ :١‬نعم‪ ،‬فالكنيسة هي جسد المسيح‪ ،‬الرب هو الرأس والمؤمنون هم اﻷعضاء" وكما دفع الرأس‬
‫نصيبه من اﻵﻻم‪ ،‬وجب على اﻷعضاء أن تدفع نصيبها منها فاﻷلم إذن‪ -‬المرض والخسارة المادية واﻷدبية‬
‫وآﻻم الموت والكوارث الطبيعية وغير ذلك‪ -‬لم يعد عقوبة الخطيئة‪ ،‬بل شركة مع المصلوب‪.‬‬
‫وطوبى للنفس التي تدرك غاية اﻷلم وبركاته فﻼ تضجر منه‪ ،‬بل بالحري ترضى به‪ ،‬وتشكر عليه‪،‬‬
‫فهي تدرك أن اﻷلم‪:‬‬
‫‪ -١‬ينقينا من شوائب الخطيئة والبر الذاتي‪.‬‬
‫‪ -٢‬يزكينا أمام ا والناس إذ نحتمل بشكر‪.‬‬
‫‪ -٣‬ويقينا من ضربات الكبرياء كشوكة بولس‪.‬‬
‫‪ -٤‬ويفطمنا عن اﻷرضيات لنطلب أورشليم السمائية‪ ،‬ونستعد لحياتنا اﻷبدية‪.‬‬
‫وهكذا صار التجسد حﻼﹰ جذريا لكل مشاكل اﻹنسان‪ ،‬ومعبرا وحيدا للخﻼص منها‪ ،‬واﻻإتحاد با ‪،‬‬
‫والتطلع للخلود‪.‬‬

‫‪ -٩‬تشبيهات القديس أثناسيوس عن التجسد‬


‫وخير ما ننهي به هذه الدراسة المبسطة‪ ،‬التشبيهات التي أوردها القديس أثناسيوس الرسولي عن‬
‫التجسد اﻹلهي‪ ،‬ليشرح بها لنا أبعاد هذه العقيدة الهامة‪ .‬وهذه بعضها‪:‬‬
‫‪ -١‬تشبيه الملك‪:‬‬
‫لو تصورنا أن ملكﹰا اختار مدينة في مملكته وسكن فيها‪ .‬إذن‪ ،‬فسوف تكون هذه المدينة هي‬
‫العاصمة‪ .‬وستكون لها كرامة خاصة‪ .‬كما أن سكنى الملك في أحد بيوتها هو سكنى في كل البيوت‪.‬‬
‫ولو فرضنا أن سكان المدينة أهملوا في حراستها‪ ،‬فبدأ اﻷعداء يطغون اﻷسوار ويهاجمون اﻷهالي‪،‬‬
‫هل سيسكت الملك على ذلك قائﻼﹰ هم المسئولون؟ أم أنه سيهب لنجدتهم دفاعا عن هيبة المملكة‪ ،‬ومعتبرا أن‬
‫اﻹساءة ﻷحد رعاياه إساءة له شخصيا؟‬
‫حين سكن في أحشاء العذراء مريم إنما رضى بذلك أن‬ ‫هذا بالضبط ما حدث في التجسد‪ ...‬فا‬
‫يسكن في كل البشر‪ ،‬وهذا شيء طبيعى ﻷن ا في كل مكان وﻻ يحده شيء‪.‬‬
‫ومع أن البشر أهملوا في حراسة طبيعتهم البشرية وسمحوا للشيطان‪ .‬بأن يطغاها‪ ،‬إﻻ أن ذلك لم‬
‫يجعل ا يتخلى عنا بل بالحري هب لنجدتنا‪ ،‬وجاء إلينا ليخلصنا‪.‬‬
‫‪ -٢‬تشبيه الفنان‪:‬‬
‫لو تصورنا أبا له ابن وحيد‪ ،‬وهذا اﻻبن سيسافر طويﻼﹰ‪ .‬استدعى اﻷب فنانﹰا مبدعا وطلب منه أن‬
‫يرسم ﻻبنه صورة جميلة يراه فيها أثناء غيبته‪ .‬وبالفعل تم ذلك‪ .‬وبعد فترة سقطت على هذه الصورة أشياء‬
‫شوهتها تماما‪ .‬فإذا يفعل اﻷب‪ ،‬واﻻبن قد سافر فعﻼﹰ؟‪ ...‬استدعى الفنان طالبا منه تجديد الصورة‪ ،‬ولكن الفنان‬
‫طلب عودة اﻻبن من الخارج ليعيد الرسم‪ .‬ولما عاد اﻻبن أراد الفنان أن يمزق الصورة المشوهة ويرسم‬
‫صورة جديدة‪ .‬لكن اﻷب اعترض بشدة قائﻼﹰ له‪ :‬جدد لي الصورة القديمة وﻻ تمزقها ﻷنها كانت تحمل لي‬
‫كل يوم صورة ابني الحبيب "وهكذا أعاد الفنان الملهم رسم الصورة في نفس الصفحة القديمة"‪.‬‬
‫وما معنى ذلك؟‬
‫إن ا قد خلقنا على صورته ومثاله‪ .‬فلما شوهنا هذه الصورة نزل بنفسه وأعاد الصورة إلى أصلها‬
‫دون أن يفني البشرية ويخلق بشرية جديدة‪ ...‬فيا لعظم حكة ا ومحبته لنا!!‬
‫‪ -٣‬تشبيه المعلم‪:‬‬
‫إن المعلم الصالح والكبير ﻻ ينتظر أن يتصاعد الصغير إليه‪ ،‬بل يتنازل هو إليه‪ ،‬وهكذا يلتقي به‬
‫ويشرح له ما يريد‪ .‬لهذا نزل الرب من السماء إذ مستحيل أن نصعد إلى السماء بدونه‪.‬‬
‫‪ -٤‬تشبيه القشة واﻹسبستوس‪:‬‬
‫شبه القديس أثناسيوس الرسولي الطبيعة البشرية بقشة قابلة للحريق )بالخطية والدينونة(‪ .‬لكننا إذا‬
‫غلفنا هذه القشة بمادة اﻹسبستوس الغير قابلة لﻼشتعال حافظنا عليها من هذه النيران‪ .‬وهكذا اﻹنسان حين‬
‫"يلبس الرب يسوع" يتقي نار الدينونة وهﻼك اﻷبدية‪ ،‬ويحفظه الرب ﻷبدية سعيدة معه‪.‬‬
‫على‬ ‫وهكذا عبر القديس أثناسيوس عن أهداف التجسد خﻼل هذه التشبيهات الجميلة "شكر‬
‫عطيته التي ﻻ يعبر عنها" )كورنثوس الثانية ‪.(١٥ :٩‬‬

You might also like