الفروق الفردية وخطاب التكليف

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 29

‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬


‫غزالة نوري بن عاشور‬
‫طالبة دكتوراه يف الفقه وأصوله‪ ،‬كلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة قطر‬
‫‪gb2000552@student.qu.edu.qa‬‬

‫صالح قادر الزنكي‬


‫أستاذ أصول الفقه‪ ،‬ورئيس قسم الفقه وأصوله‪ ،‬كلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة قطر‬
‫‪salih.alzanki@qu.edu.qa‬‬

‫تاريخ القبول‪2021/9/6 :‬‬ ‫تاريخ التحكيم‪2021/1/30 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2020/12/6 :‬‬

‫ملخص البحث‬

‫أهداف البحث‪ :‬يسعى البحث إىل الوقوف عىل مدى مراعاة اخلطاب الرشعي التكليفي‪ ،‬للفروق الفردية‪ ،‬وعىل ما إذا‬
‫كانت هذه الفروق ّ‬
‫حمل نظر واعتبار يف األحكام التكليفية‪.‬‬
‫منهج البحث‪ :‬اعتمد البحث املنهج الوصفي التحلييل؛ بتناول عدد من األحكام التكليفية يف أبواب فقهية خمتلفة‪،‬‬
‫ومراعاهتا للفروق الفردية‪ ،‬يف أربعة من مظاهرها‪.‬‬
‫النتائج‪ :‬انتهى البحث إىل أن الرشيعة قد راعت يف األحكام التكليفية الفروق عىل املستويات اجلسمية‪ ،‬والعقلية‪،‬‬
‫واإلدراك ّية حق رعايتها‪ ،‬حتقي ًقا للعدل الترشيعي بني املكلفني‪ ،‬وأن عدم مراعاهتا يدخل احلرج والضيق عىل املك ّلف‪.‬‬
‫الفروق الفردي َة‪ّ ،‬‬
‫وأنا مبدأ أصيل فيه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أصالة البحث‪ :‬تظهر قيمة البحث العلمية يف تكريس مراعاة الترشيع اإلسالمي‬
‫متقدم عىل النظريات الرتبوية التي تنظر لذلك وتدعو إليه‪.‬‬

‫الكلامت املفتاح ّية‪ :‬خطاب الرشع‪ ،‬الفروق الفردية‪ ،‬األحكام التكليفية‪ ،‬خطاب التكليف‪ ،‬العدل الترشيعي‬

‫لالقتباس‪ :‬غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي «الفروق الفردية وخطاب التكليف»‪ ،‬جملة كلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬املجلد ‪،٤١‬‬
‫العدد ‪.٢٠٢٣ ،١‬‬
‫‪https://doi.org/10.29117/jcsis.2023.0348‬‬

‫© ‪ ،202٣‬غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‪ ،‬جملة كلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬دار نرش جامعة قطر‪ .‬تم نرش هذه املقالة البحثية وف ًقا لرشوط‬
‫‪ .Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0)t‬وتسمح هذه الرخصة باالستخدام غري التجاري‪،‬‬
‫وينبغي نسبة العمل إىل صاحبه‪ ،‬مع بيان أي تعديالت عليه‪ .‬كام تتيح حرية نسخ‪ ،‬وتوزيع‪ ،‬ونقل العمل بأي شكل من األشكال‪ ،‬أو بأية وسيلة‪ ،‬ومزجه وحتويله‬
‫والبناء عليه‪ ،‬طاملا ُينسب العمل األصيل إىل املؤلف‪https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0- .‬‬

‫‪101‬‬
‫ صالح قادر الزنكي‬،‫غزالة نوري بن عاشور‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

The Islamic Prescriptive Discourse on Individual Differences


Gazala Nouri Ben Ashur
PhD Student, Qatar University, Qatar
gb2000552@student.qu.edu.qa

Salih Qadir Al-Zanki


Professor of the Principles of Islamic Jurisprudence, Head of the Department of Islamic Jurisprudence and its
Principles, Qatar University, Qatar
salih.alzanki@qu.edu.qa

Received: 6/12/2020 Reviewed: 1/30/2021 Accepted: 6/9/2021

Abstract
Purpose: This study investigates how the Islamic legal prescriptive discourse considers individual differences
and whether these differences are given sufficient observation and consideration in the prescriptive rulings.
Methodology: The study applies the descriptive analytical approach, tackling a number of Islamic
provisions in different doctrines and their views of four aspects of individual differences.
Findings: Among the main conclusions of the study, we find that Sharia effectively considers the
physical, mental, and cognitive differences in its prescriptive rulings. Such consideration is an aspect of
the accomplishment of Sharia justice by legislators. In addition, disregarding these differences would be
sufficient cause for legislators to become embarrassed and distressed.
Originality: The scientific value of the study is that we prove that the prescriptive legal rulings consider
individual differences and that this process is a genuine principle in Islamic legislation that predated the
emergence of the educational theories that advocate it.

Keywords: Legal discourse; Individual differences; Prescriptive rulings; Prescriptive discourse; Legislating
justice

Cite this article as: Gazala Nouri Ben Ashur, Salih Qadir Al-Zanki “The Islamic Prescriptive Discourse on Individual Differences”,
Journal of College of Sharia and Islamic Studies, Volume 41, Issue 1, (2023).
https://doi.org/10.29117/jcsis.2023.0348

© 2022, Sultan Ibrahim Al-Hashemi. Published in Journal of College of Sharia and Islamic Studies. Published by QU Press. This
article is published under the terms of the Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International (CC BY-NC 4.0),
which permits non-commercial use of the material, appropriate credit, and indication if changes in the material were made.
You can copy and redistribute the material in any medium or format as well as remix, trans.form, and build upon the material,
provided the original work is properly cited. The full terms of this licence may be seen at
https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0/

102
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫المقدمة‬

‫احلمد هلل الذي ختم الرشائع برشيعة اإلسالم‪ ،‬وجعلها تام ًة كامل ًة صاحل ًة لكل زمان ومكان‪ ،‬مستوفي ًة حلاجات‬
‫الناس‪ ،‬راعي ًة ملصاحلهم يف املعاش واملآل‪ ،‬والصالة والسالم عىل املبعوث رمح ًة للعاملني‪ ،‬وعىل آله وصحبه أمجعني‪ ،‬وبعد‪.‬‬

‫فإنه ملا كانت الرشيعة اإلسالمية عام ًة للناس مجي ًعا‪ ،‬وكانت حكمة اهلل قاضي ًة باالختالف والتنوع بينهم‪ ،‬فإهنم وإن‬
‫كانوا متشاهبني من وجوه عديدة إال أهنم يتاميزون من وجوه أخرى كثرية‪ ،‬منها؛ الشكيل احليس كاللون والوزن والطول‬
‫وغريها‪ ،‬ومنها‪ :‬النفيس واإلدراكي كدرجة الذكاء والصفات االنفعالية‪ ،‬كالغضب واخلوف واجلرأة وغريها‪ ،‬فإهنا قد‬
‫راعت ما بينهم من تفاوت وفروق يف خطاهبا التكليفي‪َ ،‬ملا ابتنت عليه الرشيعة من عدل ومراعاة ألحوال املكلفني‪ ،‬وهو‬
‫ما حتاول هذه الورقة البحثية دراسته‪ ،‬وذلك ببحث مدى مراعاة الفروق الفردية بني املكلفني يف خطاب التكليف‪ ،‬ويأيت‬
‫منسجم مع تلك الفروق كل حسب حاله‪.‬‬
‫ً‬ ‫احلكم‬

‫أهداف البحث‪:‬‬

‫هتدف الدراسة إىل بيان مدى مراعاة الفروق الفردية يف األحكام التكليفية‪ ،‬فعدل الشارع سبحانه يقتيض أن تكون‬
‫األحكام التكليفية متناسب ًة مع قدرات املكلفني‪ ،‬كام هتدف إىل بيان املجاالت التي روعيت فيها الفروق الفردية يف‬
‫أساسا ومنطل ًقا يف االجتهادات الفقهية املعارصة‪.‬‬
‫اخلطاب التكليفي‪ ،‬ومن ثم رضورة السري عىل هذا النهج‪ ،‬واختاذه ً‬

‫أمهية البحث‪:‬‬

‫تتجىل أمهية هذه الدراسة يف أمور‪ ،‬منها؛ أهنا من الدراسات البينية التي تتناول موضو ًعا مشرتكًا بني ِع ِ‬
‫لمني‪ ،‬فيام‬
‫بات يعرف اليوم بتنافذ املعارف‪ ،‬أو عبور التخصصات‪ ،‬ولذلك أمهيته يف االستفادة من العلوم املختلفة‪ .‬أن األحكام‬
‫ً‬
‫وصول ملرضاة اهلل ‪ ،‬فال ختفى أمهية بحث ما يتعلق بامتثال‬ ‫التكليفية هي التي يتجىل فيها تطبيق املكلف للرشع‬
‫املكلف هلذه األحكام‪ .‬كام أن مما هتتم به هذه الدراسة إبراز العدل الترشيعي يف مراعاة الفروق بني األفراد فيام كلفهم اهلل‬
‫تعاىل به‪ ،‬وإظهار اإلعجاز الترشيعي يف مراعاة ذلك قبل مئات السنني من ظهور النظريات الرتبوية احلديثة التي تؤكد‬
‫أمهية مراعاهتا ورضورهتا‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‪:‬‬

‫تبحث هذه الدراسة مسألة مراعاة الرشيعة يف أحكامها التكليفية للفروق الفردية‪ ،‬وتناولت يف سبيل ذلك نامذج من‬
‫أحكامها التكليفية بالدراسة‪ ،‬للتوصل إىل مدى مراعاة هذه الفروق الفردية يف اخلطاب التكليفي‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫أسئلة الدراسة‪:‬‬

‫تروم الدراسة اإلجابة عن األسئلة التالية‪ :‬ما املراد بالفروق الفردية وخطاب التكليف؟ وما الفروق الفردية املراعاة‬
‫يف اخلطاب التكليفي؟ وكيف ميز اخلطاب التكليفي بني املكلفني حسب الفروق الفردية بينهم؟ وما أثر هذه املراعاة عىل‬
‫األحكام من حيث التخفيف‪ ،‬أو الزيادة‪ ،‬أو نحو ذلك؟ ثم هل عدم مراعاة الفروق الفردية يف خطاب التكليف يؤثر‬
‫سل ًبا عىل أدائها‪ ،‬أو عىل املكلفني؟‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫اتبعت الدراسة املنهج الوصفي التحلييل؛ من خالل دراسة نامذج خمتارة‪ ،‬وبيان أقوال العلامء فيها‪ ،‬وبيان وجه مراعاة‬
‫الفروق الفردية فيها‪ ،‬وإن كان يف املسألة أكثر من قول ُبني أكثرها تواف ًقا مع مبدأ مراعاة الفروق بني املكلفني‪ ،‬عىل أن‬
‫وسانحا لإلجابة‬
‫ً‬ ‫البحث تناول نامذج من أبواب فقهية متعددة‪ ،‬وذلك بحسب ما سمحت له طبيعته‪ ،‬وبام يكون كاف ًيا‬
‫عن األسئلة البحثية‪.‬‬

‫حدود الدراسة‪:‬‬

‫عرضية مؤقتة من مرض‪ ،‬أو سفر‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬ويكون مؤقتًا ثم يزول‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫ألسباب َ‬ ‫قد تقع الفوارق بني الناس‬
‫يكون سم ًة فردي ًة للشخص مستمرة معه‪ ،‬وهذه األعراض قد راعتها الرشيعة‪ ،‬فرشعت هلا الرخص‪ ،‬أو األحكام‬
‫االستثنائية‪ ،‬وهو ما يطلق عليه األصوليون الرخص يف مقابل األحكام األصلية (العزائم)‪ ،‬وهي أحكام تراعي حال‬
‫املكلف يف ظرف استثنائي معني‪ ،‬رمح ًة من الشارع به‪ ،‬ورع ًيا لظرفه‪ ،‬ثم إذا زال هذا العذر عاد للحكم األصيل؛ وال‬
‫يدخل هذا النوع من األحكام يف موضوع الدراسة‪ ،‬بل املراد بالبحث الفروق الفردية التي هي بمثابة سامت وصفات‬
‫شخصية شبه الزمة للفرد‪ ،‬كام أهنا تناولت ما يتعلق باخلطاب التكليفي دون ما هو من باب اخلطاب الرشعي الرتبوي‪،‬‬
‫أو اإلرشادي الذي ليس بتكليف‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫فيام يتعلق بمراعاة الفروق الفردية يف اخلطاب التكليفي أو كيفية تعامل األحكام التكليفية مع الفروق الفردية‪ ،‬مل‬
‫تقف الدراسة عىل كتاب‪ ،‬أو بحث‪ ،‬أو مقال تناول موضوع الدراسة قيد البحث‪ ،‬أما ما يتعلق بدراسة الفروق الفردية‬
‫يف غري اخلطاب التكليفي‪ ،‬فثمة دراسات ومن أمهها صلة باملوضوع‪:‬‬

‫‪ -1‬سالفة حممد توفيق الرشايري‪ ،‬الفروق الفردية يف الرتبية اإلسالمية‪ ،‬جامعة الريموك‪ ،‬كلية الرشيعة والدراسات‬
‫اإلسالمية‪1993 ،‬م‪ ،‬رسالة ماجستري غري مطبوعة‪ ،‬وهذه الدراسة تناولت الفروق الفردية من اجلانب الرتبوي‪،‬‬

‫‪104‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫وبالتحديد أثر الفروق الفردية بني املتعلمني يف الرتبية من منظور إسالمي‪ ،‬وقد تناول الفصل األول من الدراسة‬
‫طبيعة الفروق الفردية يف الكتاب والسنة‪ ،‬ويف الفصل الثاين تناول جماالت الفروق الفردية يف القرآن واحلديث‬
‫من إيامنية وانفعالية وعقلية‪ ...‬وغريها‪ ،‬ويف الفصل الثالث عرضت الدراسة ملجموعة من املر ّبني املسلمني ببيان‬
‫آرائهم الرتبوية املتعلقة بالفروق الفردية‪ ،‬ويف الفصل األخري حديث عن بعض املامرسات العملية ملراعاة الفروق‬
‫الفردية يف مؤسسات التعليم اإلسالمي‪ ،‬وتسعى هذه الدراسة إىل حماولة تقيص الفروق الفردية يف مؤسسات‬
‫التعليم اإلسالمي‪ ،‬ويف آراء بعض املر ّبني املسلمني عرب العصور اإلسالمية املختلفة‪ ،‬وإبراز هذا اجلانب يف الرتبية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وبيان سبقهم إليه‪ ،‬وهذه الدراسة تتناول مراعاة الفروق الفردية من الناحية الرتبوية‪.‬‬

‫‪-2‬صالح بن أمحد رضا‪ ،‬جامعة األزهر‪« ،‬السنة النبوية والفروق الفردية»‪ ،‬املجلة العلمية لكلية أصول الدين والدعوة‪،‬‬
‫الزقازيق‪2004 ،‬م‪ ،‬وقد تناول البحث أربعة عنارص‪ ،‬األول منها للتعريف بالفروق الفردية‪ ،‬وحاول الثاين تبيني‬
‫الفروق الفردية يف السنة‪ ،‬وتناول أحاديث نبوية تبني سبق النبي ﷺ لتقرير مبدأ الفروق‪ ،‬وسعى الثالث إىل إظهار‬
‫اعتبار النبي ﷺ للفروق الفردية بذكر بعض املواقف من السرية‪ ،‬وهدف املبحث الرابع إىل استعراض الفروق‬
‫بني اجلنسني‪ ،‬وعرض نامذج من األحاديث التي تقوم عىل اعتبار الفروق بني اجلنسني‪ ،‬وتسعى الدراسة ً‬
‫إمجال إىل‬
‫التأصيل ملبدأ مراعاة الفروق الفردية من السنة النبوية‪.‬‬

‫‪-3‬نعيم أسعد الصفدي وعبد اللطيف مصطفى األسطل‪« ،‬الفروق الفردية يف ضوء الرتبية النبوية»‪ ،‬جملة جامعة‬
‫األزهر‪ ،‬غزة‪2010 ،‬م‪ ،‬تضمن هذا البحث مبحثني‪ ،‬األول بعنوان‪ :‬أهم األساليب التي استخدمها النبي ﷺ‬
‫ملراعاة الفروق الفردية‪ ،‬والثاين بعنوان‪ :‬مراعاة النبي ﷺ للفروق الفردية عند الناس‪ ،‬وقد تناول هذا املبحث‬
‫مجل ًة من األحاديث التي تبني مراعاة النبي ﷺ للفروق الفردية‪.‬‬

‫‪-4‬هاين بن حسن اليامين‪ ،‬منهج السنة النبوية يف مراعاة الفروق الفردية وتطبيقاته الرتبوية يف املدرسة االبتدائية‪،‬‬
‫جامعة أم القرى‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬قسم الرتبية اإلسالمية املقارنة‪ ،‬رسالة ماجستري غري مطبوعة‪1426 ،‬هـ‪ ،‬وتقوم‬
‫هذه الدراسة عىل بيان منهج السنة النبوية يف التعامل مع الفروق الفردية‪ ،‬والتطبيقات التي يمكن اإلفادة منها يف‬
‫ضوء ذلك‪.‬‬

‫‪-5‬حممد بن سعيد الغامدي‪ ،‬الفروق الفردية يف السنة النبوية‪ ،‬دراسة حديثية‪ ،‬جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪،‬‬
‫كلية أصول الدين‪ ،‬قسم السنة وعلومها‪ ،‬رسالة دكتوراه غري مطبوعة‪1427 ،‬هـ‪2007/‬م‪ .‬تقوم هذه الدراسة‬
‫عىل مجع األحاديث املتعلقة بالفروق الفردية ودراستها‪ ،‬وتناول الباحث مجل ًة من املواقف من السرية النبوية التي‬
‫تظهر مراعاة النبي ﷺ للفروق الفردية‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫وهذه الدراسات كام تبني تتناول جانب مراعاة الفروق الفردية يف السرية النبوية من خالل دراسة األحاديث الواردة‬
‫يف ذلك‪ ،‬ومل تتعرض ملراعاة الشارع للفروق الفردية يف األحكام التكليفية التي هي غاية هذه الدراسة وهدفها‪.‬‬

‫المبحث األول‪( :‬إطار نظري)‪ :‬مدخل إلى موضوع الدراسة‬

‫اختالف الناس فيام بينهم من سنن اهلل يف خلقه‪ ،‬وقد دلت آيات قرآنية عىل هذا االختالف بينهم‪ ،‬منها قوله تعاىل‪:‬‬
‫ون و ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿و َر َف ْعنَا‬
‫ون﴾ [الزمر‪ ،]9 :‬وأشارت يف بعضها إىل احلكمة من ذلك‪َ :‬‬ ‫الذي َن َل َي ْع َل ُم َ‬ ‫﴿ ُق ْل َه ْل َي ْست َِوي الذي َن َي ْع َل ُم َ َ‬
‫ات لي ِ‬
‫تخ َذ َب ْع ُض ُهم َب ْع ًضا ُس ْخ ِريا َو َر ْ َ‬ ‫ض درج ٍ‬
‫ون﴾ [الزخرف‪ ،]32 :‬وهذا‬ ‫ي َم ُع َ‬
‫ح ُت َر ِّب َك َخ ْ ٌي مما َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َب ْع َض ُه ْم َف ْو َق َب ْع ٍ َ َ َ‬
‫االختالف والتنوع سبب التكامل بني البرش (‪ ،)1‬وقد تناولت الفلسفات القديمة مسألة االختالف والفروق بني الناس‪،‬‬
‫يتأهل كل منهم للقيام به‪ ،‬والتمييز والتفاضل بني الناس بسبب هذه االختالفات‪ ،‬وتعددت النظرات يف معيار‬ ‫وما ّ‬
‫العرق‪ ،‬وكذا الفروق من‬ ‫هذا التفاضل‪ ،‬ومل جيعل اإلسالم الفروق بني األفراد من الناحية اخللقية كاختالف اللون‪ ،‬أو ِ‬
‫َ‬
‫حيث احلالة االقتصادية سب ًبا للتفضيل بينهم‪ ،‬بل معيار التفاضل يف اإلسالم التقوى ﴿إِن َأك َْر َمك ُْم ِعندَ اهللِ َأ ْت َقاك ُْم﴾‬
‫أهيا الناس‪َ ،‬أل إِن ربكم واحد‪ ،‬وإِن َأباكم‬‫[احلجرات‪ ،]13 :‬وحتصيل التقوى أمر ممكن من كل املكلفني‪ ،‬قال ﷺ‪َ « :‬يا َ‬
‫بالتقوى»(‪.)2‬‬
‫َ‬ ‫عرب‪َ ،‬و َل ألَ َ‬
‫محر عىل َأسود‪ ،‬وال أسو َد عىل َأمحر إال‬ ‫لعرب َع َل َأعجمي‪َ ،‬و َل لعجمي َع َل ِ‬
‫واحد‪َ ،‬أل ال فضل ِ‬

‫وقد نوع اخلطاب التكليفي من أبواب الطاعات بام يتناسب مع كل مكلف‪ ،‬فلكل منهم أن يستزيد‪ ،‬ويتطوع من‬
‫أفعال‪ ،‬وهبذا‬ ‫ٍ‬
‫ونواه‪ ،‬وملا كانت األوامر ً‬ ‫أوامر‬ ‫ً‬
‫وميول‪ ،‬فالتكليف الرشعي ينقسم إىل‬ ‫هذه األبواب بام يتناسب معه قدرة‬
‫َ‬
‫مقدرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ختتلف قدرة املكلفني عىل االمتثال هلا‪ ،‬روعي هذا املعنى يف اخلطاب الرشعي التكليفي‪ ،‬وكان جانب االستطاعة‬
‫وقد وضح النبي ﷺ هذا األصل بقوله‪« :‬دعوين ما تركتكم‪ ،‬إنام أهلك من كان قبلكم سؤاهلم واختالفهم عىل أنبيائهم‪،‬‬
‫فإذا هنيتكم عن يشء فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(‪ .)3‬وقد عنيت الدراسات احلديثة يف علم النفس‬
‫ختصصا‪ ،‬له موضوعاته ومباحثه وجماله املعريف املسمى‪ :‬علم النفس الفارق‪ ،‬وهو جمال معريف‬
‫ً‬ ‫هبذا املوضوع‪ ،‬وغدا‬
‫يتعلق بالبحث يف نواحي االتفاق واالختالف‪ ،‬بني األفراد ُبغية فهمها‪ ،‬وتوجيهها وتنظيمها يف قوانني ونظريات‪ ،‬تصلح‬
‫للتعميم والتنبؤ(‪.)4‬‬

‫((( أبو حممد احلسني بن مسعود البغوي‪ ،‬تفسري البغوي‪ ،‬حتقيق عبد الرزاق املهدي (بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.159‬‬
‫((( أمحد بن حممد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬أحاديث رجال من أصحاب النبي ﷺ‪ ،‬حتقيق شعيب األرنؤوط وآخرون (بريوت‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2001/‬م)‪ ،‬ج‪ ،38‬ص‪ ،474‬رقم‪ ،23489 :‬من حديث أيب نرضة‪ ،‬قال شعيب األرناؤوط‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫((( حممد بن إسامعيل البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب االقتداء بسنن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬تعليق مصطفى ديب البغا‬
‫(بريوت‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪1407 ،3‬هـ‪1987/‬م)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،2658‬رقم‪6858 :‬؛ مسلم بن احلجاج النيسابوري‪ ،‬املسند الصحيح‪ ،‬كتاب ّ‬
‫احلج‪،‬‬
‫احلج مرة يف العمر‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي (بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪[ ،‬د‪.‬ت])‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،975‬رقم‪ ،1337 :‬من حديث‬
‫باب فرض ّ‬
‫أيب هريرة ‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫((( أمحد الزعبي‪ ،‬علم نفس الفروق الفردية وتطبيقاهتا الرتبوية (دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1428 ،1‬هـ‪2007/‬م)‪ ،‬ص‪.24 ،23‬‬

‫‪106‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫تأسيسا نظريا لالنتقال منه إىل املبحث‬


‫ً‬ ‫وتسعى الدراسة إىل توضيح عدد من املفاهيم االصطالحية املرتبطة هبا؛ لتكون‬
‫التطبيقي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الفروق الفردية‬

‫مؤثرا ً‬
‫فاعل عىل حتصيل الفرد‬ ‫اهتمت الدراسات الرتبوية والنفسية املعارصة بدراسة الفروق بني األفراد باعتبارها ً‬
‫العلمي وإنتاجه‪ ،‬وطريقة تعامله مع املشكالت وظروف احلياة املختلفة‪ ،‬وال سيام تأثري الفروق بني األفراد يف العملية‬
‫التعليمية‪ ،‬وكذا يف ميادين العمل واإلنتاج؛ إذ يظهر تأثري الفروق الفردية يف التاميز بني األفراد بشكل واضح‪ .‬وهم‬
‫يعنون هبا إذ يطلقوهنا‪« :‬الصفات التي يتميز هبا كل إنسان عن غريه‪ ،‬سواء أكانت تلك الصفات جسمية‪ ،‬أو عقلية‪،‬‬
‫مستوى معني يف الصفات‪ ،‬فإن مقدار‬
‫ً‬ ‫أو مزاجية‪ ،‬أو يف سلوكه النفيس‪ ،‬أو االجتامعي»(‪ ،)1‬وبام أن األفراد يشرتكون يف‬
‫الزيادة أو النقصان يف معدل صفة ما‪ ،‬هو الذي يميز بني فرد وآخر؛ ولذلك تُعرف الفروق الفردية بأهنا‪« :‬االنحرافات‬
‫الفردية عن املتوسط العام للمجموعة يف صفة‪ ،‬أو أخرى من صفات الشخصية والتي من خالهلا نميز الفرد عن األفراد‬
‫اآلخرين»(‪.)2‬‬

‫وتتجىل مظاهر الفروق الفردية بني األفراد يف الصفات اجلسمية باالختالف يف الطول والوزن والقوة اجلسمية‬
‫وغريها من الصفات‪ ،‬ويف الصفات االنفعالية كميل البعض إىل االنطواء‪ ،‬واآلخر إىل االنفتاح والتواصل‪ ،‬وكذا التاميز‬
‫أيضا يف القدرات العقلية كالتنوع يف درجة الذكاء والقدرة‬
‫بني األفراد يف درجة االنفعال بني الثبات والتهيج‪ ،‬كام تظهر ً‬
‫وآخر وتتسم بأهنا‪ :‬ثابتة إىل حد كبري‪ ،‬فهي ليست صفات آنية‪،‬‬
‫َ‬ ‫عىل االبتكار وغريها‪ ،‬وهذه الصفات متيز بني كل فرد‬
‫أو عرضية طارئة عىل الفرد‪ ،‬وإن كانت نسبة الثبات ختتلف بني الفروق الفردية‪ً ،‬‬
‫فمثل درجة الثبات يف الفروق يف‬
‫الصفات العقلية أكرب من درجة ثبات الفروق يف السامت االنفعالية(‪ ،)3‬فهي إ ًذا صفات يمكن تغيريها إىل حد ما‬
‫وليست ثابت ًة كليا‪« ،‬ويرى العلامء أن معظم الصفات النفسية يمكن أن ختضع للتغيري طاملا أن اإلنسان يتمتع بقدرة عالية‬
‫عىل التعلم»(‪ ،)4‬وقد أرشد إىل هذا النبي ﷺ يف قوله‪« :‬إنام العلم بالتعلم‪ ،‬وإنام احللم بالتحلم»(‪)5‬؛ ففيه توجيه إىل أن‬
‫هذه الصفة النفسية وهي احللم‪ ،‬يمكن أن تنال وتكتسب‪ ،‬فهي قابلة للتغري بالزيادة‪ ،‬ومنه قوله ﷺ لرجل سأله الوصية‪:‬‬
‫«ال تغضب»(‪ ،)6‬فهذا إرشاد إىل أنه يمكن التدرب لتغيري هذه الصفات االنفعالية‪ ،‬وهي أقل الفروق الفردية ثباتًا كام‬

‫((( أمحد الزعبي‪ ،‬سيكولوجية الفروق الفردية وتطبيقاهتا الرتبوية (الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪1436 ،2‬هـ‪2015/‬م)‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫((( سليامن اخلرضي الشيخ‪ ،‬سيكولوجية الفروق الفردية يف الذكاء (عامن‪ :‬دار املسرية‪ ،‬ط‪1437 ،6‬هـ‪2016/‬م)‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫((( الشيخ‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫((( الطرباين‪ ،‬املعجم األوسط‪ ،‬باب من اسمه إبراهيم‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،118‬رقم‪ ،2663 :‬عن أيب الدرداء ‪ ،‬قال األلباين‪ :‬حسن‪ .‬صحيح اجلامع‪.‬‬
‫((( البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب احلذر من الغضب‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2267‬رقم‪ ،5765 :‬عن أيب هريرة ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫أيضا بأهنا ختتلف من جهة الكم أكثر منها يف النوع‪ ،‬إذ ال يوجد شخص معدوم الذكاء‬
‫تقدم‪ ،‬كام تتسم الفروق الفردية ً‬
‫أمورا تقديري ًة‬ ‫ً‬
‫مثل‪ ،‬وهذه الفروق وإن كانت ختضع للقياس عن طريق قياس آثارها يف ترصفات األفراد إال أهنا تبقى ً‬
‫افرتاضي ًة ال يمكن قياسها بصورة يمكن بعدها تصنيف الناس إىل أصناف متاميزة حمددة متا ًما(‪ ،)1‬ومع ذلك يمكن عند‬
‫قياس الفروق الفردية لألشخاص بحساب متوسط درجات هذه الفروق لفئة معينة من الناس(‪ ،)2‬لتقام الدراسات‬
‫من ثم عىل هذه الفئة‪ ،‬كام أشارت الدراسات إىل أهنّا ختتلف من حيث املدى‪ ،‬وأن أكرب تشتت بينها يوجد يف السامت‬
‫االنفعالية‪ ،‬وأقل مدى يوجد يف الصفات اجلسمية(‪ ،)3‬كام أهنا تتأثر بعدة عوامل أمهها العوامل البيئية والوراثية(‪.)4‬‬

‫وتظهر أمهية دراسة الفروق الفردية يف أننا عند فهمها يمكننا البناء عليها ومراعاهتا يف شتى املجاالت العلمية منها‬
‫واالجتامعية؛ إذ يمكن االنتفاع باملواهب املتنوعة املوجودة لدى األفراد لتطوير املجتمع؛ وذلك باالستفادة منه بصورة‬
‫تطبيقية يف تنظيم العالقات االجتامعية واملهنية واإلدارية وتوزيع األدوار بني أعضاء املجتمع‪ ،‬كام أن دراسة الفروق‬
‫الفردية تعني عىل التكيف مع األفراد اآلخرين استنا ًدا إىل تلك الفروق(‪ ،)5‬فدراسة الفروق الفردية اليوم ليس رض ًبا من‬
‫الرتف املعريف؛ إذ التعقيد الذي وصل إليه املجتمع املعارص‪ ،‬وكثرة األدوار التي حتتاج إىل معرفة َمن األنسب للقيام هبا‪،‬‬
‫أمرا مهام لبناء املجتمع وحتقيق التوافق بينهم(‪ ،)6‬ويف املقابل عدم االعتناء بمراعاة الفروق بني‬
‫جعل دراسة هذه الفروق ً‬
‫األفراد واستثامر ذلك يف حتسني تعلمهم وأدائهم املهني وحماولة تكييفهم يف املجتمع‪ ،‬له رضر عىل الفرد نفسه من حيث‬
‫توافقه النفيس‪ ،‬وعىل املجتمع من حيث تطويره وبناؤه‪.‬‬
‫وقد تعامل اإلسالم من خالل خطابه التكليفي مع هذه الفروق بعدله‪ ،‬فلم ينظر إليها عىل أهنا أمر حيتاج لعالج‪ ،‬أو‬
‫هو أمر خارج عن ميزان الطبيعة‪ ،‬فينبغي حماولة تقليله بقدر اإلمكان(‪ ،)7‬وكذلك مل يتجاهله‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فهو ينظر‬
‫هلذا التفاوت والتنوع عىل أنه نعمة ومصدر إثراء‪ ،‬وآية من آيات اهلل‪ ،‬به يتحقق التكامل يف املجتمع‪ ،‬ويؤدي كل فرد دوره‬
‫باتساق وتوافق‪ ،‬فمن ذلك استحبابه بذل اجلاه خدمة ملصالح اآلخرين وإعانة هلم(‪ ،)8‬ويف هذا مراعاة الختالف املكانة‬

‫((( الزعبي (سيكولوجية الفروق الفردية‪ ،)...‬ص‪.27‬‬


‫‪(2) Williamson, Jeanine M. Teaching to individual differences in science and engineering librarianship: Adapting library instruc-‬‬
‫‪tion to learning styles and personality characteristics, (Amsterdam: Elsevier Ltd, 2017), 1st ed, p. 2.‬‬
‫((( الشيخ‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫((( حممد أبو صعيليك‪« ،‬الفروق الفردية والتعلم»‪ ،‬جملة رسالة الرتبية‪ ،‬ع‪2002( 2‬م)‪ ،‬ص‪37-35‬؛ الزعبي (سيكولوجية الفروق الفردية‪،)...‬‬
‫ص‪.39 ،38‬‬
‫((( أسعد رشيف األمارة‪ ،‬سيكولوجية الفروق الفردية علم النفس الفارقي (عامن‪ :‬دار صفاء‪ ،‬ط‪1435 ،1‬هـ‪2014/‬م)‪ ،‬ص‪.21 ،16‬‬
‫((( الشيخ‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫((( يقول الرياموي‪ :‬إنه عن طريق علم النفس الفارق يمكننا التخطيط لضبط هذه الفروق بالتقليل منها بني األفراد والتقريب بينهم‪ ،‬مما ُيمتن اللحمة‬
‫االجتامعية‪ ،‬الرياموي‪ ،‬حممد عودة‪ ،‬سيكولوجية الفروق الفردية واجلمعية يف احلياة النفسية (عامن‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م)‪ ،‬ص‪ ،48-40‬وال‬
‫يبدو أن ما يتميز به األفراد من صفات شخصية هو سبب عدم متاسك املجتمع‪ ،‬نعم إن أراد بذلك التقريب بينهم يف القيم ونحوها‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫((( مجال زيد الكيالين‪« ،‬ثمن اجلاه يف الفقه اإلسالمي»‪ ،‬جملة كلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬مج‪ ،36‬ع‪1439( 1‬هـ‪2018/‬م)‪،‬‬
‫ص‪.122‬‬

‫‪108‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫االجتامعية بني األفراد‪ ،‬فمنهم صاحب اجلاه والنفوذ‪ ،‬ومنهم الضعيف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خطاب التكليف‬

‫التكليف لغ ًة‪ :‬األمر بام يشق عليك(‪ ،)1‬ومعنى التكليف يف اصطالح األصوليني ال خيرج عن املعنى اللغوي‪ ،‬من حيث‬
‫الداللة عىل الطلب واإللزام‪ ،‬إال أنه خيتص بام كان تكلي ًفا من الشارع فهو‪« :‬إلزام مقتىض خطاب الرشع»(‪ ،)2‬ويالحظ‬
‫أن هذا التعريف مل يميز بني قسمي احلكم الرشعي؛ إذ مقتىض خطاب الرشع هو احلكم الرشعي‪ ،‬وهو بدوره ينقسم‬
‫إىل حكم تكليفي وحكم وضعي‪ ،‬والذي يعنينا يف هذا البحث هو احلكم التكليفي لتعلق خطاب التكليف به‪ ،‬و ُيعرف‬
‫اصطالحا بأنه‪« :‬خطاب الرشع املتعلق بأفعال املكلفني باالقتضاء‪ ،‬أو التخيري»(‪ ،)3‬وبنا ًء عليه فاألحكام التكليفية مخسة؛‬
‫ً‬
‫ألن اخلطاب إما أن يكون جاز ًما‪ ،‬أو ال يكون‪ ،‬وإن كان جاز ًما‪ ،‬فإما أن يكون طلب فعل فاإلجياب‪ ،‬أو طلب ترك‬
‫فالتحريم‪ ،‬وإن كان غري جازم‪ ،‬فإما أن يكون الطرفان (الفعل والرتك) متساويني‪ ،‬فاإلباح ُة‪ ،‬أو ّ‬
‫يرتجح جانب الفعل‬
‫فالندب‪ ،‬أو جانب الرتك فالكراهة(‪ ،)4‬ويكون إطالق التكليف عىل اإلباحة من باب التغليب؛ إذ ال كُلفة يف اإلباحة‪ ،‬فال‬
‫(‪.)5‬‬
‫ينطبق عليها املفهوم االصطالحي للتكليف؛ ألن املكلف يف سعة لعدم املؤاخذة‬

‫فاخلطاب التكليفي هو الذي يرتتب عليه الواجبات واملحرمات وسائر األحكام التي يناط هبا الثواب والعقاب‪،‬‬
‫وعىل أساس معنى التكليف يتحقق اجلزاء عىل الفعل‪ ،‬أو الرتك‪ ،‬وإن كان يف التكليف معنى الكلفة إال أهنا ال خترج عن‬
‫َلف‬ ‫َلف َن ْف ًسا إِال ُو ْس َع َها﴾ [األعراف‪َ ،]42 :‬‬
‫﴿ل ُيك ُ‬ ‫احلد املستطاع للمكلف‪ ،‬فال يدخله يف احلرج والعنت‪َ ،‬‬
‫﴿ل ُنك ُ‬
‫مها للخطاب‪،‬‬ ‫أهل للتكليف(‪ ،)6‬بأن يكون ً‬
‫عاقل فا ً‬ ‫اهللُ َن ْف ًسا إِال َما آت َ‬
‫َاها﴾ [الطالق‪ ،]7 :‬ولذا فإنه يشرتط فيه أن يكون ً‬
‫وقادرا عىل الفعل‪ ،‬وأن يكون من كسبه‪ ،‬إ ًذا فاخلطاب التكليفي ال يتعلق بام ليس من كسب اإلنسان‪ ،‬وما هو خارج‬
‫ً‬
‫عن وسعه‪ ،‬والفروق الفردية كام سبق صفات تتأثر بعوامل البيئة والوراثة‪ ،‬ومتزج بني اجلانب املكتسب وغريه‪ ،‬وإذا‬

‫((( حممد بن يعقوب الفريوز آبادي‪ ،‬القاموس املحيط‪ ،‬حتقيق حممد نعيم العرقسويس وآخرون (بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1426 ،8‬هـ‪2005/‬م)‪،‬‬
‫جذر (ك‪ .‬ل‪ .‬ف)؛ حممد بن حممد الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬حتقيق جمموعة من املحققني (دار اهلداية‪[ ،‬د‪.‬ت])‪ ،‬جذر (ك‪ .‬ل‪ .‬ف)‪.‬‬
‫((( حممد بن أمحد ابن النجار‪ ،‬رشح الكوكب املنري‪ ،‬حتقيق حممد الزحييل‪ ،‬نزيه محاد (الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪1418 ،2‬هـ‪1997/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.436‬‬
‫((( حممد بن عبد اهلل الزركيش‪ ،‬البحر املحيط‪ ،‬حتقيق عبد القادر العاين (الكويت‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬ط‪1413 ،2‬هـ‪1992/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.117‬‬
‫((( حممد بن عيل الشوكاين‪ ،‬إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول‪ ،‬حتقيق أمحد عزو عناية (بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1419‬هـ‪1999/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.25‬‬
‫((( أمحد بن إدريس القرايف‪ ،‬الفروق‪ ،‬حتقيق عمر حسن القيام (بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1424 ،1‬هـ‪2003/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.361‬‬
‫((( أهلية اإلنسان رشعًا‪ ،‬هي صالحيته لوجوب احلقوق املرشوعة له وعليه‪ ،‬وتنقسم إىل أهلية الوجوب‪ ،‬وكل آدمي يولد له ذمة صاحلة للوجوب‪،‬‬
‫وأهلية األداء‪ ،‬وهي تتعلق بقدرتني‪ :‬قدرة الفهم وذلك بالعقل‪ ،‬وقدرة العمل وذلك بالبدن‪ ،‬عبد العزيز بن أمحد البخاري‪ ،‬كشف األرسار (بريوت‪:‬‬
‫دار الكتاب اإلسالمي‪[ ،‬د‪.‬ت])‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،248 ،237‬وأهلية األداء هي املقصودة هنا يف البحث؛ ألنه يف هاتني القدرتني تظهر الفروق الفردية يف‬
‫األداء‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫أيضا اعتبار ما بني األفراد من فروق يف القدرات‬


‫راعت الرشيعة طبيعة اإلنسان عمو ًما يف التكليف‪ ،‬فإن عدهلا يستلزم ً‬
‫والصفات ووضع األحكام التي تتناسب وهذا التنوع‪.‬‬

‫ومتيز دراسات علم النفس الفارق بني ثالثة أنواع من الفروق(‪:)1‬‬

‫‪-1‬الفروق بني األفراد من حيث القدرات والصفات‪ ،‬وهو املراد يف هذا البحث‪.‬‬

‫‪-2‬الفروق يف داخل الفرد الواحد؛ إذ الفرد نفسه خيتلف يف قدراته‪ ،‬فقد يكون ضعي ًفا يف القدرة اللغوية‪ ،‬متفو ًقا‬
‫يف القدرة الرياضية ً‬
‫مثل‪ ،‬ودراسة الفروق داخل الفرد تفيد يف تنمية جوانب القوة لديه وتوجيهه مهنيا وتربويا‬
‫بام يتالءم معه‪ ،‬ومن حيث مراعاة هذا اجلانب يف األحكام التكليفية‪ ،‬فهو حيتاج لبحث وتفصيل ال تسعه هذه‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫‪-3‬الفروق بني اجلامعات(‪ ،)2‬وذلك لدراسة ما بينها من فروق يف السلوك والعمليات العقلية والعمليات االنفعالية‪،‬‬
‫فلكل مجاعة ثقافتها وتقاليدها االجتامعية‪ ،‬وهي تنعكس بدورها عىل سلوك األفراد‪ ،‬وقد راعت الرشيعة هذه‬
‫الفروق بينهم‪ ،‬ويظهر ذلك يف اعتبار األعراف واالعتداد هبا‪ ،‬وذلك يف املسائل التي يكون الختالف تقاليد‬
‫تيسريا عىل الناس‬
‫ً‬ ‫اجلامعات أثر فيها‪ ،‬كاألعراف التي تنزل منزلة الرشوط يف بعض املعامالت‪ ،‬فراعتها الرشيعة‬
‫ومراعا ًة للفروق بني اجلامعات فيام اعتادوه يف ختاطبهم ومعامالهتم‪.‬‬

‫وقد راعت الرشيعة الفروق بني األفراد ‪-‬وإن مل يذكر األصوليون رصاح ًة هذا االعتبار‪ ،‬إال أننا نجد بعض‬
‫اإلشارات الدالة عىل مراعاة االختالف بني املكلفني – من ذلك ما ن ّظر له الشاطبي (ت ‪790‬هـ) يف موضوع حتقيق‬
‫املناط اخلاص يف االجتهاد‪ ،‬حيث قال‪« :‬وهو النظر فيام يصلح لكل مكلف يف نفسه‪ ،‬بحسب وقت دون وقت‪ ،‬وحال‬
‫دون حال‪ ،‬وشخص دون شخص‪ ،‬إذ النفوس ليست يف قبول األعامل اخلاصة عىل وزان واحد‪ ،‬كام أهنا يف العلوم‬
‫والصنائع كذلك»(‪ ،)3‬واالجتهاد يف حتقيق املناط اخلاص بكل مكلف يعني النظر إىل املكلف نظر ًة خاص ًة‪ ،‬فاخلطاب‬
‫التكليفي مناسب للمكلفني يف املتوسط العام الذي يشرتك فيه اجلميع‪ ،‬وطبيعة التنوع البرشي تستلزم أن تكون هناك‬
‫خصوصية لكل مكلف من حيث صفاته الشخصية‪ ،‬وهذا هو معنى مراعاة الفروق الفردية‪« ،‬فهو حيمل عىل كل نفس‬
‫من أحكام النصوص ما يليق هبا‪ ،‬بنا ًء عىل أن ذلك هو املقصود الرشعي يف تلقي التكاليف»(‪ ،)4‬وإضاف ًة إىل هذا التوجيه‬

‫((( األمارة‪ ،‬ص‪.26 ،25‬‬


‫كبريا يف الفروق الفردية‪ ،‬بينام يرى‬
‫دورا ً‬
‫((( يرى البعض أن اختالف العرق عامل مؤثر يف الفروق الفردية بني اجلامعات‪ ،‬وهؤالء الذين يعطون للوراثة ً‬
‫أنصار البيئة أن هذه الفروق ترجع لعوامل أخرى‪ ،‬الزعبي (علم نفس الفروق الفردية‪ ،)...‬ص‪.65 ،64‬‬
‫((( الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موسى‪ ،‬املوافقات (القاهرة‪ :‬دار ابن ع ّفان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1997/‬م)‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.25‬‬
‫((( املرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.25‬‬

‫‪110‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫الرصيح من الشاطبي إىل مراعاة الفروق بني املكلفني وما عليه حال كل منهم‪ ،‬الذي يعد أظهر توجيه أصويل يف هذا‬
‫اخلصوص‪ ،‬نجد إشارات من بعض األصوليني تدل عىل اعتبار الفروق بني املكلفني يف األحكام التكليفية‪ ،‬من ذلك‬
‫قول ابن عقيل (‪513‬هـ)‪« :‬أحوال املكلفني خمتلفة غاية االختالف‪ ،‬وهلذا خالف اهلل سبحانه بينهم يف التكاليف بحسب‬
‫اختالف أحواهلم»(‪ ،)1‬ويالحظ أنه جاء يف سياق االستدالل عىل أن أفعال النبي ﷺ ال يثبت وجوهبا من جهة العقل‪،‬‬
‫قار لدهيم‪ ،‬ومل يكن موضع خالف أو جتاذب من الناحية النظرية‪،‬‬
‫أمر ٌ‬
‫وإنام يكون ذلك من جهة السمع‪ ،‬فدل ذلك عىل أنه ٌ‬
‫ً‬
‫استدالل عىل أمر آخر‪ ،‬كام أن جل احلديث عن االختالف يف أحوال املكلفني يتجه نحو االختالف يف األمور‬ ‫بل جاء‬
‫العارضة كاملرض والسفر‪ ،‬ونحومها مع اإلشارة أحيانًا إىل االختالف يف السامت الشخصية الثابتة‪ ،‬أو شبه الثابتة‪ ،‬ولعل‬
‫هذا امللحظ من أبرز ما ميز التناول األصويل‪ ،‬فيام يتعلق بالفروق بني املكلفني‪ ،‬ففي النص السابق البن عقيل وضح باملثال‬
‫اختالف أحوال املكلفني بذكر االختالف بني الذكور واإلناث مما استلزم االختالف بينهم يف األحكام‪ ،‬واالختالف بني‬
‫املسافر‪ ،‬واحلارض‪ ،‬وغريها‪ ،‬ويف الدرس الرتبوي احلديث نجده يرتكز عىل السامت الشخصية‪ ،‬ال األمور العارضة‬
‫للشخص‪ ،‬مع مزيد تنظري وتفصيل يف أنواع هذه السامت ودرجات الفروق بني األفراد فيها ونسبة ثباهتا‪ ..‬إلخ‪ ،‬مما يعد‬
‫من طبيعة تطور العلوم وزيادة ختصصها‪ ،‬فإذا أخذنا هبذا املدلول يتبني أن تناول األصويل ملفهوم الفروق أو االختالف‬
‫بني املكلفني أوسع من املراد بالفروق الفردية يف علم النفس الرتبوي؛ ولعل هذا راجع إىل موضوع كل علم‪ ،‬فعلم‬
‫األصول ثمرته الوصول إىل األحكام الرشعية العملية يف كل ال ّظروف واألحوال الطارئ منها والعادي‪ ،‬ولكل املكلفني‬
‫باختالف صفاهتم‪ ،‬ففهم طبيعة اإلنسان أمر أسايس لفهم املكلف الذي يمتثل أوامر اهلل تعاىل(‪ ،)2‬وإن كان غالب احلديث‬
‫عن مراعاة الفروق يف األحكام بني ال ّظروف العادية وال ّظروف الطارئة املراعاة للمكلفني‪ ،‬إال أن الفروق بني املكلفني‬
‫أيضا‪ ،‬وسيأيت يف املبحث التايل أن األحكام الرشعية التكليفية املبثوثة يف خمتلف األبواب الفقهية تنظر للفروق‬
‫مراعاة ً‬
‫الفردية باهتامم‪ ،‬ومتيز بني املكلفني بنا ًء عليها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نماذج من مراعاة الفروق الفردية في األحكام الشرعية‬

‫نامذج من أبواب فقهية متنوعة راعت فيها الرشيعة الفروق الفردية يف األحكام‪ ،‬وهي تتنوع بحسب‬
‫يف هذا املبحث ُ‬
‫ما يتناسب وهذه الفروق‪.‬‬

‫((( أبو الوفاء عيل بن عقيل‪ ،‬الواضح يف أصول الفقه‪ ،‬حتقيق عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي (بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪1999/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،4‬ص‪.157‬‬
‫‪(2) Mohd Hilmi Ramli, 2020. “Al-Taftāzānī’s Sources of Knowledge in Sharḥ Al-Talwīḥ ‘alā Al-Tawḍīḥ Li Matn Al-Tanqīḥ Fī‬‬
‫‪Uṣūl Al-Fiqh”. Afkar: Jurnal Akidah &Amp; Pemikiran Islam 22 (2), 2020, p. 162. https://doi.org/10.22452/afkar.vol22no2.5.‬‬

‫‪111‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫(‪)1‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفروق في الجنس‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل قد ساوى بني املرأة والرجل يف أصل التكليف ويف اجلزاء عىل األعامل‪َ ﴿ ،‬م ْن َعم َل َص ً‬
‫الا‬
‫ون﴾ [النحل‪ ،]97 :‬ومع‬ ‫من َذك ٍَر َأ ْو ُأن َث ٰى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َف َلن ُْح ِي َين ُه َح َيا ًة َطي َب ًة ۖ َو َلن َْج ِز َي ُنه ْم َأ ْج َر ُهم بِ َأ ْح َس ِن َما كَانُوا َي ْع َم ُل َ‬
‫َالُن َث ٰى﴾ [آل عمران‪،]36 :‬‬
‫﴿و َل ْي َس الذك َُر ك ْ‬
‫نظرا لطبيعة كل منهام‪َ ،‬‬
‫ذلك هناك بعض األحكام اختلف فيها اجلنسان ً‬
‫واختالف اجلنس من العوامل املؤثرة عىل الصفات الشخصية؛ التي تنعكس بدورها عىل الترصفات وطرق التعامل مع‬
‫خمتلف املواقف وال ّظروف ومع طبيعة الوظائف التي تالئم كال منهام‪ ،‬وهذا االختالف بني اجلنسني أمر اقتضته احلكمة‬
‫يؤهله للقيام بوظائف يصعب عىل‬
‫اإلهلية‪ ،‬ويستلزمه حصول التكامل بينهام‪ ،‬فلكل من املرأة والرجل من الصفات ما ّ‬
‫اآلخر القيام هبا‪ ،‬ولذا نجد هذه الفروق قد روعيت يف بعض التكاليف الرشعية التي يكون هلذا الفرق أثر يف أدائها‪،‬‬
‫بحيث تتالءم مع خصائص كل منهام‪ ،‬ومن العدل مراعاة هذه ال ّظروف وتنزيل التكليف بام يتناسب معها‪ ،‬ومن هذه‬
‫األحكام‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬اختالف نصاب الشهادة عىل الد ْين بني الرجال والنساء‬

‫الشهدَ ِاء َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫رجالك ُْم َفإِن ْمل َيكُونَا َر ُج َل ِْي َف َر ُج ٌل َوا ْم َر َأتَان من ت َْر َض ْو َن م َن َ‬
‫ِ‬
‫است َْش ِهدُ وا َش ِهيدَ ْي ِن من َ‬
‫﴿و ْ‬
‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫اها ْالُ ْخ َر ٰى﴾ [البقرة‪ ،]282 :‬فجعل اهلل الشهادة عىل الد ْين متحقق ًة برجلني‪ ،‬أو برجل واحد‬ ‫كر إِ ْحدَ ُ َ‬ ‫تَضل إِ ْحدَ ُ َ‬
‫اها َفت َُذ َ‬
‫ِ‬
‫كر إِ ْحدَ ُ َ‬
‫اها ْالُ ْخ َر ٰى﴾‬ ‫وامرأتني‪ ،‬فجعل امرأتني يف مقابل الرجل‪ ،‬ويف اآلية تعليل هلذا االختالف ﴿ َأن تَضل إِ ْحدَ ُ َ‬
‫اها َفت َُذ َ‬
‫راجع إىل االختالف يف الضبط‪ ،‬وأن املرأة يف الغالب يكثر منها النسيان‪ ،‬فيام ليس‬
‫ٌ‬ ‫[البقرة‪ ،]282 :‬فسبب اختالف احلكم‬
‫هلا شأن خاص واهتامم به‪ ،‬ومعلوم أن احلكم يبنى عىل الغالب دون النادر‪ ،‬وذلك احتيا ًطا حلفظ الشهادة من التحريف(‪،)2‬‬
‫ويف هذا مراعاة للفروق الفردية بني اجلنسني‪ ،‬وإذا نظرنا حلكم اآلية بالتفصيل الذي أوضحه ابن تيمية (ت ‪728‬هـ)‪،‬‬
‫وأكده ابن القيم (ت ‪756‬هـ)‪ ،‬وهو أن اآلية فرقت بني شهادهتام يف مقام اإلشهاد؛ أي‪ :‬التحمل‪ ،‬ومل يرد التفريق بينهام‬
‫صاحب احلق إىل الطريق األكمل للتوثق زياد ًة يف االحتياط للحقوق‪،‬‬
‫َ‬ ‫يف مقام األداء أمام القايض(‪ ،)3‬وأرشدت اآلية‬
‫وقد أوردت عدة أمور تفصيلية لتوثيق الشهادة منها‪ :‬األمر بالكتابة‪ ،‬وأن يميل الذي عليه احلق‪ ،‬وغريها‪ ،‬وكان منها‬
‫اإلرشاد إىل اإلشهاد برجلني‪ ،‬أو برجل وامرأتني‪ ،‬وقد ورد تعليل ذلك يف اآلية الكريمة؛ بأنه إذا ضلت إحدامها؛ أي‪:‬‬

‫((( بات هذا األمر وهو إثبات اختالف الفروق الفردية بني اجلنسني من احلقائق الثابتة يف الدراسات الرتبوية والنفسية‪ .‬األمارة‪ ،‬سيكولوجية الفروق‬
‫الفردية‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫((( حممد بن جرير الطربي‪ ،‬جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬حتقيق أمحد شاكر (بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪2000/‬م)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪67 ،66‬؛‬
‫حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير (تونس‪ :‬الدار التونسية للنرش‪1984 ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.109‬‬
‫((( حممد بن أيب بكر ابن القيم‪ ،‬الطرق احلكمية يف السياسة الرشعية‪ ،‬حتقيق حممد غازي (القاهرة‪ :‬مطبعة املدين‪[ ،‬د‪.‬ت])‪ ،‬ص‪.104 ،103‬‬

‫‪112‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫نسيت‪ ،‬تذكرها األخرى(‪ ،)1‬وصاحب احلق يف أي جمال‪ ،‬إذا أراد أن يستوثق حلقه‪ ،‬فالعقل يقتيض أن يستعني بأصحاب‬
‫اخلربة والدراية‪ ،‬هذا هو الوضع الطبيعي‪ ،‬وهذا ما أرشد إليه القرآن‪ ،‬وليس يف هذا عدم اعتداد بشهادة املرأة مطل ًقا‪ ،‬أو‬
‫اعتبارها نصف شهادة الرجل يف كل األحوال؛ إذ شهادهتا مقبولة يف األداء‪« ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬القرآن مل يذكر‬
‫الشاهدين والرجل واملرأتني يف طرق احلكم التي حيكم هبا احلاكم‪ ،‬وإنام ذكر النوعني من البينات يف الطرق التي حيفظ هبا‬
‫اإلنسان حقه»(‪ ،)2‬فأداء الشهادة يقبل من الرجل واملرأة بحسب ما يتبني للقايض‪ ،‬كام أن شهادهتا مقبولة منفردة يف بعض‬
‫األمور كالرضاع‪ ،‬وعيوب النساء؛ وهي أمور قريبة من مزاولة النساء وما متارسه غال ًبا وتعايشه؛ ولو كانت شهادهتا ال‬
‫تقبل إطال ًقا لكان يف هذا احلكم انتقاص من إنسانيتها‪ ،‬وال أدل عىل بطالن ذلك من قبول رواية املرأة للحديث‪ ،‬فال‬
‫فرق يف هذا بني اجلنسني‪ ،‬واحلديث دين‪ ،‬فأي يشء يمكن أن يكون أخطر وأهم منه‪ ،‬وهبذا يظهر أن التفريق بني شهادهتا‬
‫وشهادة الرجل إنام كان يف املوضع الذي يظهر فيه تأثري الفرق بينهام‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬وجوب النفقة عىل الرجل دون املرأة‬

‫أوجب الرشع النفقة للمرأة يف خمتلف مراحل حياهتا؛ فأوجب نفقتها بنتًا عىل أبيها‪ ،‬وزوج ًة عىل زوجها‪ ،‬وأما عىل‬
‫ابنها‪ ،‬ومل يوجب عليها النفقة عىل غريها‪ ،‬ولو كانت ذات مال‪ ،‬فنفقة الزوجة واجبة عىل زوجها(‪ ،)3‬ومل يوجب عليها‬
‫النفقة عىل زوجها‪ ،‬وال عىل أوالدها إذا كان هلم أب(‪ ،)4‬كام أوجب عىل األب النفقة عىل األبناء‪ ،‬وجعله آكد يف البنت‪ ،‬إذ‬
‫قادرا عىل الكسب‪ ،‬أما البنت ف ُيطالب بالنفقة عليها إىل أن تتزوج(‪.)5‬‬
‫إنه ينفق عىل الولد إىل أن يكون ً‬
‫ويف عدم إلزامها بالنفقة ومطالبة غريها بالنفقة عليها‪ ،‬تقدير للفروق الفردية بني املرأة والرجل؛ وذلك ملا يرتتب عىل‬
‫إلزامها بالنفقة من تكليف هلا‪ ،‬وحتميلها ما يدخلها يف املشقة‪ ،‬فالسعي يف طلب الرزق يرتتب عليه ما ال خيفى من بذل‬
‫اجلهد والوقت‪ ،‬بصورة ال حتتملها قدراهتا عىل وجه الكامل‪ ،‬فأسقط عنها ما يستلزمه وجوبه عليها من العنت واملشقة‪،‬‬
‫وأنيط احلكم بالرجل فهو األقدر بام يتصف به من قدرات عىل حتمل هذا التكليف‪.‬‬

‫((( ُفرس نسيان املرأة هلذه األمور بأهنا عادة ال تنشغل بأمور املعامالت املالية وال حترض جمالسها‪ ،‬فتكون هبذا أقل ضب ًطا هلا‪ ،‬وقد أثبتت بعض الدراسات‬
‫املعارصة وجود اختالفات فسيولوجية بني الرجل واملرأة تنعكس عىل اختالفهام يف طرق أداء بعض الوظائف‪ ،‬ومنها التذكر ملثل هذه املعامالت‪ ،‬وأيا‬
‫يكن فإن سبب جعل شهادة املرأة نصف شهادة الرجل ورد يف اآلية ً‬
‫معلل بخشية النسيان‪ ،‬فهو من باب االحتياط للحقوق دف ًعا للنزاع املحتمل‪ ،‬وما‬
‫أكثره يف القضايا املالية كام يشهد بذلك واقعنا املعارص‪.‬‬
‫((( ابن القيم‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫((( أبو بكر بن مسعود الكاساين‪ ،‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع (بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪1982 ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪15‬؛ عبد اهلل بن أمحد ابن قدامة‪،‬‬
‫املغني (القاهرة‪ :‬مكتبة القاهرة‪1388 ،‬هـ‪1964/‬م)‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.195‬‬
‫((( عيل بن حممد املاوردي‪ ،‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ ،‬حتقيق عيل معوض وعادل عبد املوجود (بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1419‬هـ‪1999/‬م)‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪477‬؛ ابن قدامة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪212 ،211‬؛ أمحد بن إدريس القرايف‪ ،‬الذخرية‪ ،‬حتقيق حممد حجي وآخرون (بريوت‪:‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م)‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.213‬‬
‫((( ابن قدامة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.215‬‬

‫‪113‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫فهي رشيعة كاملة تراعي مصالح العباد وما يتوافق مع قدراهتم وطبيعتهم يف كل جزئية من جزئياهتا‪ ،‬عىل هيئة تُن ّظم‬
‫واجبات كل فرد بام يتالءم معه‪ ،‬فيضمن قيامه هبا عىل الوجه األكمل حتقي ًقا لالستقرار والنمو يف املجتمع املسلم‪ ،‬وهذا‬
‫متييزا سلبيا ضدهن‪ ،‬بل هو متييز إجيايب ومراعاة للفروق‪ ،‬كام ينبغي أن‬
‫بخسا حلقوق النساء‪ ،‬أو ً‬
‫ينبغي أن ال ُيفهم أن ثمة ً‬
‫ً‬
‫مقبول‪،‬‬ ‫أمرا‬
‫ال نفرق بني القول بمراعاة الفروق الفردية يف علم دون علم‪ ،‬ففي علم النفس الفارق‪ ،‬تكون هذه الفروق ً‬
‫شجع عىل مراعاهتا‪ ،‬ولكن يف علوم الرشيعة وأحكامها‪ ،‬مراعاة تلك الفروق تُتخذ ذريع ًة للنيل منها‪ ،‬وادعاء ظلمها‪،‬‬
‫بل ُي ّ‬
‫وهضمها حلقوق املرأة‪ ،‬فأين املوضوعية العلمية املطلوبة!‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الفروق في القدرة الجسمية‬

‫من املسلم به أن الناس ليسوا سوا ًء يف القدرة اجلسمية ودرجة ضبط النفس‪ ،‬فهم عىل صفات خمتلفة ودرجات‬
‫متفاوتة‪ ،‬ففيهم الضعيف والقوي ومتوسط احلال؛ لذا نجد اخلطاب الترشيعي يف بعض التكاليف البدنية يراعي هذه‬
‫الفروق‪ ،‬فريفق بالضعيف‪ ،‬ويضع التكليف يف املتوسط الذي يستطيعه اجلميع‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أمر النبي ﷺ اإلمام بالتخفيف يف الصالة‬

‫أمر النبي ﷺ اإلمام بأن يراعي الفروق اجلسمية بني املأمومني‪ ،‬فأمره بالتخفيف يف الصالة «إذا صىل أحدكم للناس‬
‫فليخ ّفف‪ ،‬فإن منهم الضعيف والسقيم والكبري‪ ،‬وإذا صىل أحدكم لنفسه فليطول ما شاء»(‪.)1‬‬
‫فالضعيف ضعيف اخللقة‪ ،‬والسقيم من كان به مرض(‪ ،)2‬ويف احلديث ترصيح وبيان واضح بأن العلة يف حكم‬
‫التخفيف‪ ،‬إنام هي ملراعاة الفروق الفردية بني املأمومني‪ ،‬فأرشد اإلمام إىل التخفيف بام يتناسب مع من هو أدنى يف القدرة‬
‫اجلسمية حتى يتأتى للجميع حتصيل فضل اجلامعة يف تأدية هذه العبادة العظيمة‪ ،‬فإنه ال شك أن املصيل يتشوف إىل زيادة‬
‫الثواب بالتطويل يف صالته التي هي أول القربات وأعظم الطاعات‪ ،‬إال أنه يف صالة اجلامعة ُيالحظ معنى آخر وهو‬
‫وجود مجاعة املصلني‪ ،‬وتفاوهتم يف قدراهتم‪ ،‬فيكون يف التطويل إدخال للضعيف منهم والسقيم يف احلرج‪ ،‬مما قد يؤدي‬
‫إىل تضييع معنى اخلشوع يف الصالة‪ ،‬أو حتى عدم احلرص عىل املبادرة إىل حضورها‪.‬‬
‫وقد جاء يف هذا املعنى حديث آخر عن أيب مسعود األنصاري ‪ ‬قال فيه‪« :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬إين‬
‫ّ‬
‫ألتأخر عن صالة الصبح من أجل فالن مما يطيل بنا‪ ،‬قال‪ :‬فام رأيت النبي ﷺ غضب يف موعظة قط أشد مما غضب‬
‫يومئذ‪ ،‬فقال‪ :‬يأهيا الناس إن منكم من ّفرين‪ ،‬فأيكم أم الناس فليوجز‪ ،‬فإن من ورائه الكبري والضعيف وذا احلاجة»(‪،)3‬‬
‫((( البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اجلامعة واإلمامة‪ ،‬باب إذا صىل لنفسه فليطول ما شاء‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،248‬حديث رقم‪.671 :‬‬
‫((( حممد بن عيل الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬حتقيق عصام الدين الصبابطي (القاهرة‪ :‬دار احلديث‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ ‪1993/‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.163‬‬
‫والسجود‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،842‬رقم‪076 :‬؛ ومسلم؛‬‫الركوع ّ‬‫البخاري‪ ،‬كتاب اجلامعة واإلمامة‪ ،‬باب ختفيف اإلمام يف القيام وإمتام ّ‬
‫ّ‬ ‫((( البخاري‪ ،‬صحيح‬
‫ّ‬
‫الصالة يف متام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،043‬رقم‪ ،664 :‬واللفظ له‪.‬‬ ‫الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف ّ‬‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب ّ‬

‫‪114‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫فبالتخفيف بام يراعي الضعيف يتحقق له فضل اجلامعة دون إيقاعه يف حرج؛ إذ ال جيوز له التخلف عن اإلمام فينقطع‬
‫عن اجلامعة إذا دخل فيها‪.‬‬
‫ولتعلق النهي عن التطويل بالفروق الفردية بينهم من حيث القدرة اجلسدية‪ ،‬فقد بني العلامء أنه خيتلف باختالف‬
‫ً‬
‫تطويل عند آخرين‪ ،‬فهو أمر يمكن لإلمام تقديره‪ ،‬قال ابن دقيق العيد‪:‬‬ ‫ً‬
‫تطويل عند البعض ال يكون‬ ‫املأمومني‪ ،‬فام يكون‬
‫«ملا ذكرت العلة وجب أن يتبعها احلكم‪ ،‬فحيث يشق عىل املأمومني التطويل‪ ،‬ويريدون التخفيف يؤمر بالتخفيف‪،‬‬
‫وحيث ال يشق‪ ،‬أو ال يريدون التخفيف ال يكره التطويل‪ ،‬وعن هذا قال الفقهاء‪ ،‬أنه إذا علم من املأمومني أهنم يؤثرون‬
‫التطويل طول‪ ،‬كام إذا اجتمع قوم لقيام الليل فإن ذلك وإن شق عليهم فقد آثروا ودخلوا عليه»‬
‫(‪.)1‬‬

‫أيضا‬
‫وقد عد البعض أن األمر بالتخفيف ال يتعلق فقط بمراعاة الفروق الفردية من حيث القدرة اجلسمية‪ ،‬بل ً‬
‫ً‬
‫تطويل قد ال يكون كذلك عند آخرين‪ ،‬ولذلك‬ ‫ُينظر إىل الفروق الفردية من حيث الدرجة اإليامنية‪ ،‬فام يعده البعض‬
‫البعض الضعف بأنه ضعف بالعلة‪ ،‬أو اهلمة(‪ ،)2‬فاهلمة بالتطويل يف الصالة ختتلف باختالف اإليامن من شخص‬
‫ُ‬ ‫َفرس‬
‫آلخر‪ ،‬وقد ُأثر عن النبي ﷺ أنه كان يصيل بأصحابه بطوال السور‪ ،‬مع أمره اإلمام بالتخفيف‪ ،‬وكذلك روي التطويل‬
‫بالقراءة يف الصالة عن أيب بكر وعمر وعثامن وعيل ‪ ،)3(‬وذلك راجع حلال املأمومني من خلفهم‪ ،‬قال ابن عبد الرب‬
‫(ت ‪463‬هـ)‪« :‬وما أشك‪ -‬أهنم‪ -‬كانوا يعرفون من حرص من خلفهم عىل التطويل ما محلهم عليه أحيانًا»(‪ .)4‬عىل أنه‬
‫ختفيف ال خيرج عن مقاصد الصالة وعن إقامتها تام ًة بأركاهنا وواجباهتا وسننها؛ أي‪ :‬أال ُيل التخفيف بالصالة نفسها‪،‬‬
‫أخف الناس صال ًة يف متام»(‪.)5‬‬
‫ّ‬ ‫وقد وصف أنس ‪ ‬صالة النبي ﷺ بقوله‪« :‬كان من‬
‫كام أن يف األمر بالتخفيف يف الصالة‪ ،‬تدريب عىل االلتفات إىل حال الضعيف فيهم‪ ،‬وترك األنانية حتى يف العبادة‪،‬‬
‫بعضا‪ ،‬ويتأمل أحدهم بام يتأمل به اآلخر‪ ،‬ويراعي بعضهم‬
‫ويف ذلك حماولة إىل إجياد جمتمع متآزر متعاون‪ ،‬يساند بعضهم ً‬
‫بعضا‪.‬‬
‫ً‬
‫ثان ًيا‪ :‬النهي عن القبلة للصائم‬

‫الصوم من العبادات التي تُعني عىل ضبط النفس‪ ،‬ويرتقي هبا املؤمن إىل درجات التقوى واملراقبة هلل ‪ ،‬وهي أحد‬
‫أركان اإلسالم‪ ،‬وملا كان الناس متفاوتني يف درجة ضبط دوافعهم؛ فقد هنى النبي ﷺ عن أن يق ّبل الصائم‪ ،‬وذلك سدا‬

‫((( حممد بن عيل ابن دقيق العيد‪ ،‬إحكام األحكام رشح عمدة األحكام‪ ،‬حتقيق مصطفى شيخ ومدثر سندس (بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1426‬هـ‪2005/‬م)‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫((( عيل بن حممد اهلروي‪ ،‬مرقاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيح (بريوت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪2002/‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.872‬‬
‫((( يوسف بن عبد اهلل ابن عبد الرب‪ ،‬االستذكار‪ ،‬حتقيق عبد املعطي أمني قلعجي (دمشق‪ :‬دار قتيبة‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪1993/‬م)‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.177‬‬
‫((( املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.177‬‬
‫الصبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،250‬رقم‪ ،676 :‬ومسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪،‬‬
‫الصالة عند بكاء ّ‬
‫أخف ّ‬
‫ّ‬ ‫البخاري‪ ،‬كتاب اجلامعة واإلمامة‪ ،‬باب من‬
‫ّ‬ ‫البخاري‪ ،‬صحيح‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫ّ‬
‫الصالة يف متام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،342‬رقم‪ ،469 :‬واللفظ له‪.‬‬
‫األئمة بتخفيف ّ‬
‫كتاب اإليامن‪ ،‬باب أمر ّ‬

‫‪115‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫لذريعة ما قد يؤدي إىل فساد صومه‪ ،‬وخص الشاب بالنهي‪ ،‬عن عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪« -‬أنه ﷺ ّ‬
‫رخص يف القبلة‬
‫والشاب يفسد صومه»(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫للشاب‪ ،‬وقال‪ :‬الشيخ يملك إربه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للشيخ‪ ،‬وهو صائم‪ ،‬وهنى عنها‬
‫للشاب‪ ،‬وذلك بحسب الغالب‪ ،‬وهذا هو سبب التفريق بينه وبني‬
‫ّ‬ ‫وقد علل النبي ﷺ النهي بعدم ضبط النفس‬
‫الشيخ‪ ،‬ولذا فقد أجاز له ذلك النتفاء العلة يف حالته‪ ،‬وهذا التفريق من النبي ﷺ فيه رعاية واضحة للفروق الفردية‪،‬‬
‫فليس كل املكلفني سواء يف ضبط دوافعهم‪ ،‬ولذا فال ُيسوى يف احلكم بني من يملك نفسه بمن ليس يف حاله‪ ،‬ولكل منهام‬
‫حكمه املناسب‪ ،‬واملفيض إىل حتقيق الغاية التي ُشع ألجلها الصوم من ضبط للنفس‪ ،‬وامتثال ألمر الشارع‪ ،‬وحصول‬
‫للتقوى‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل دوران احلكم مع علته‪ ،‬فقد ذهب العلامء إىل أنه يف حكم الشيخ من كان يف مثل حاله يف ضبط النفس‪،‬‬
‫والشاب خرج خمرج الغالب‪ ،‬فلو انعكس األمر انعكس احلكم «واألصل أن ال ُقبلة مل يكرهها من‬
‫ّ‬ ‫وأن التعبري بالشيخ‬
‫كرهها إال ملا ُيشى أن تولده عىل الصائم من التطرق إىل اجلامع عىل كل صائم»(‪ ،)2‬واختلف العلامء فيمن غلب عىل ظنه‬
‫أال ينزل‪ ،‬هل يكره يف حقه التقبيل يف الصيام احتيا ًطا للصوم‪ ،‬أم أنه ال يكره له ذلك؛ ألن القبلة إنام تكره خشية اإلنزال‬
‫وإفساد الصوم‪ ،‬فإن أمن ذلك فال تكره(‪ ،)3‬وهذا القول الثاين هو الذي تظهر فيه مراعاة الفروق الفردية‪ ،‬فال يكره ملن‬
‫يعلم أنه يضبط نفسه‪ ،‬كام ورد به التفريق يف احلديث السابق‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الفروق في مستوى التدين‬

‫خيتلف األفراد من حيث الدرجة الدينية‪ ،‬وهو عامل يتأثر بالبيئة بام فيها من دواعي وحوافز لاللتزام وبالعكس‪ ،‬كام‬
‫أنه مؤثر رئيس يف تكوين سامت الفرد وقيمه وترتيب أولوياته التي هي من اجلوانب التي تظهر فيها ما بني األفراد من‬
‫نظرا ملا له من أثر يف إدراك الفرد وتصوره للمواقف‬
‫فروق‪ ،‬والفرق يف مستوى التدين يدخل ضمن الفروق الفردية ً‬
‫املختلفة‪ ،‬وتوجيهه للتعامل معها‪ ،‬كام سيظهر من األمثلة أنه مالحظ وحمل نظر يف األحكام التكليفية‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬قبول النبي ﷺ االقتصار عىل الفرائض من حديث عهد باإلسالم‬
‫عن طلحة بن عبيد اهلل ‪ ‬قال‪« :‬جاء رجل إىل رسول اهلل ﷺ من أهل نجد ثائر الرأس‪ ،‬يسمع دوي صوته‪ ،‬وال يفقه‬
‫ما يقول حتى دنا‪ ،‬فإذا هو يسأل عن اإلسالم‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ «مخس صلوات يف اليوم والليلة»‪ ،‬فقال‪ :‬هل عيل‬

‫((( البيهقي‪ ،‬سنن البيهقي‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب كراهية القبلة ملن حركت القبلة شهوته‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،232‬رقم‪ ،7873:‬شعيب األرنؤوط‪ :‬رجاله ثقات‪،‬‬
‫رخص‬‫فرخص له‪ ،‬وأتاه آخر فسأله فنهاه‪ ،‬فإذا الذي ّ‬ ‫وفيه انقطاع‪ ،‬وأخرج أبو داود عن أيب هريرة ‪« :‬أن ً‬
‫رجل سأل النبي ﷺ عن املبارشة للصائم ّ‬
‫شاب»‪ ،‬أول كتاب الصوم‪ ،‬باب كراهيته للشاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،62‬رقم‪ ،2387 :‬شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫له شيخ‪ ،‬والذي هناه ّ‬
‫((( ابن عبد الرب‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.62‬‬
‫((( املاوردي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪440 ،439‬؛ ابن قدامة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.127‬‬

‫‪116‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫غريها؟ قال‪ »:‬ال إال أن تطوع»‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬وصيام رمضان»‪ ،‬قال‪ :‬هل عيل غريه؟ قال‪« :‬ال إال أن تطوع»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عيل غريها؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬إال أن تطوع»‪ ،‬قال‪ :‬فأدبر الرجل وهو يقول‪ :‬ال أزيد وال‬
‫وذكر له رسول اهلل ﷺ الزكاة‪ ،‬قال‪ :‬هل ّ‬
‫أنقص‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬أفلح إن صدق»‬
‫(‪.)1‬‬

‫وقد وصف النبي ﷺ السائل بالفالح بعد إخباره باالقتصار عىل هذه الفرائض إن صدق فيام التزم به رغم حرصه‬
‫ﷺ عىل بيان النوافل‪ ،‬وكل أبواب اخلري والطاعة ألصحابه عىل أتم ما تكون به تأدية األمانة‪ ،‬فكان حيثهم عىل الطاعة‪،‬‬
‫وير ّغبهم فيها كقوله لعبد اهلل‪« :‬نعم الرجل عبد اهلل لو كان يصيل من الليل»(‪.)2‬‬
‫وقد اقترص النبي ﷺ عىل هذه الفروض لألعرايب مراعا ًة لشخصه‪ ،‬فهو يف أول إسالمه‪ ،‬فلم يكن حاله كحال‬
‫الصحابة الذين عاشوا مع النبي ﷺ يف املدينة‪ ،‬فقد كان معهم يقومهم وينصحهم‪ ،‬وكانوا يف أعىل درجات اإليامن‪ ،‬ولذا‬
‫وتيسريا عليه‪،‬‬
‫ً‬ ‫نظرا إىل حداثة عهده باإلسالم‪ ،‬ختفي ًفا له‬
‫كان من حسن تبليغه صىل اهلل عليه وسلم أنه بدأ له بالفرائض ً‬
‫ثم إذا اطمئن قلبه باإليامن فله أن يزيد ما شاء‪ ،‬قال ابن العريب (ت ‪543‬هـ)‪« :‬إنام قال له النبي ﷺ ذلك؛ ألنه كان أول‬
‫ما أسلم‪ ،‬فأراد أن يطمئن فؤاده عليها‪ ،‬وبعد ذلك يفعل هو سواها مما يظهر من ترغيب اإلسالم»(‪.)3‬‬
‫عظيم‪ ،‬كام أن من داوم عىل ترك‬ ‫وليس املراد باحلديث جواز ترك السنن مطل ًقا‪ ،‬فمن تركها فقد فوت عىل نفسه ً‬
‫خريا ً‬
‫نقصا يف دينه(‪ ،)4‬وإنام أثبت له النبي ﷺ أنه أتى بام عليه‪ ،‬وليس فيه أنه إذا أتى معه باملندوب ال‬
‫يشء من السنن كان ذلك ً‬
‫مفلحا‪ ،‬بل فالحه باملندوب مع الواجب أوىل‬
‫(‪.)5‬‬
‫ً‬ ‫يكون‬
‫ِ‬
‫التدين‪ ،‬وحكم ٌة يف التعامل مع املخا َطب بحسب حاله والتدرج‬ ‫ويف هذا مراعا ٌة للفروق يف الدرجة اإليامنية ومستوى‬
‫صدرا سريغب‬
‫ً‬ ‫يف ذلك‪ ،‬فاقترص له عىل ما به نجاته وفالحه إن أمته‪ ،‬ثم بعد أن تسهل عليه هذه الفرائض ويرشح باإليامن‬
‫أيضا يف تعامله مع من هو حديث عهد باإلسالم‪ ،‬فيسرتشد‬ ‫يف أن يتن ّفل ويزداد ً‬
‫فالحا‪ ،‬ويف هذا إرشاد للداعي واملفتي ً‬
‫باهلدي النبوي الكريم يف كل من حاله مثل حاله‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬اختالف قبول النبي ﷺ التصدق بكل املال‬
‫اختلف قبول النبي ﷺ التصدق بكل املال؛ إذ قبل من أيب بكر ‪ ‬التصدق بكل ماله(‪ ،)6‬يف حني مل يقبل ذلك من‬

‫((( البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اإليامن‪ ،‬باب الزكاة من اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،25‬رقم‪.46 :‬‬
‫التهجد‪ ،‬باب فضل قيام الليل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،378‬رقم‪.1070 :‬‬ ‫ّ‬ ‫((( البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬أبواب‬
‫((( حممد بن عبد اهلل ابن العريب‪ ،‬القبس يف رشح موطأ مالك بن أنس‪ ،‬حتقيق حممد عبد اهلل ولد كريم (بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م)‪،‬‬
‫ص‪.368‬‬
‫((( أمحد بن عمر القرطبي‪ ،‬املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬حتقيق حميي الدين مستو وآخرون (دمشق‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1996/‬م)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪166‬؛ حممد بن عيل ابن دقيق العيد‪ ،‬رشح األربعني النووية (بريوت‪ :‬مؤسسة الريان‪ ،‬ط‪1424 ،6‬هـ‪2003/‬م)‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫احلجاج (بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬ط‪1392 ،2‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.167‬‬ ‫((( حييى بن رشف النووي‪ ،‬املنهاج رشح صحيح مسلم بن ّ‬
‫((( أبو داود سليامن بن األشعث السجستاين‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب يف الرخصة يف ذلك ‪-‬أي‪ :‬أن خيرج الرجل من ماله‪ ،‬حتقيق حممد حميي‬
‫الدين عبد احلميد (بريوت‪ :‬دار الفكر‪[ ،‬د‪.‬ت])‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،526‬رقم‪ ،1678 :‬شعيب األرنؤوط‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫كعب بن مالك ‪ ،‬عن كعب بن مالك ‪ ‬قال‪« :‬قلت يا رسول اهلل إن من توبتي أن أنخلع من مايل صدقة إىل اهلل وإىل‬
‫رسوله ﷺ قال‪ :‬أمسك عليك بعض مالك‪ ،‬فهو خري لك‪ ،‬قلت‪ :‬فإين أمسك سهمي الذي بخيرب» (‪ ،)1‬وهذا االختالف‬
‫يف موقفه صىل اهلل عليه وسلم راجع الختالف األشخاص يف درجة اإليامن‪ ،‬ويف سياق بيان سبب قبول النبي ﷺ من‬
‫أيب بكر ‪ ‬كل ماله‪ ،‬وعدم قبول ذلك من كعب ‪ ‬يقول الشاطبي‪« :‬والناس يف ذلك خمتلفون باختالف أحواهلم يف‬
‫االتصاف بأوصاف التوكل املحض واليقني التام»(‪.)2‬‬
‫فالنبي ﷺ راعى الفروق يف الصفات الشخصية‪ ،‬حتى ال يترضر من يريد التصدق بكل ماله؛ إذ إنه ليس من اهلني‬
‫أن جيود اإلنسان ويتصدق بكل ماله‪ ،‬فهي مرتبة حتتاج إىل إيامن عميق‪ ،‬ولذا ملا علم النبي ﷺ من أيب بكر ‪ ‬متام التوكل‬
‫واإليامن َقبِل منه ذلك‪.‬‬
‫وعليه ذهب بعض العلامء إىل أن إمساك اإلنسان ما حيتاجه من مال أوىل من إخراجه كله‪ ،‬وذلك بحسب حاله‪ ،‬فإن‬
‫رب‪ ،‬ويصرب أهله عليه‪ ،‬فجائز له أن‬
‫كان ممن يصرب عىل التصدق بكل ماله‪ ،‬وبلغ درجة اإليثار عىل نفسه‪ ،‬وعلم أنه يص ُ‬
‫وشجعه عىل‬
‫ّ‬ ‫يتصدق بكل ماله‪ ،‬وإال فاألوىل أن يرتك شي ًئا منه(‪ ،)3‬وال يكلف نفسه بأن يتصدق به مجي ًعا لورود ما أعانه‬
‫ذلك يف احلال‪ ،‬فيترضر بعد ذلك يف املآل‪ ،‬لذا مل يكلف الشارع به ابتدا ًء‪.‬‬
‫كام فرس بعض الفقهاء االختالف يف بعض األحكام‪ ،‬كاالختالف يف نقض الوضوء باملس‪ ،‬بإرجاعه إىل الفروق‬
‫يف مستوى التدين‪ ،‬حيث فرق بني من وصل إىل مستوى إيامين ٍ‬
‫عال‪ ،‬ومن هو دونه‪ ،‬فجعل القول بعدم نقض الوضوء‬
‫باملس خاصا بمن هو عىل درجة عالية من التدين‪ ،‬والقول بالنقض ملن هو أقل منه درجة؛ إذ من هو عىل درجة عالية من‬
‫االلتزام أملك لنفسه(‪.)4‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬فروض الكفاية مظهر من مظاهر مراعاة الفروق الفردية‬

‫فالفرض ُيقسم من حيث الفاعل املطلوب منه الفعل إىل فرض عيني‪ ،‬وفرض كفائي‪ ،‬فالفرض العيني هو الذي جيب‬
‫عىل كل مكلف بعينه القيام به‪ ،‬أما فرض الكفاية فهو ما مل ُيطلب من كل مكلف القيام به‪ ،‬بل ُيكتفى فيه بقيام البعض‪،‬‬
‫ولكن قصد الشارع أن يقوم به البعض الذين حيصل هبم املقصد الرشعي من الطلب‪ ،‬دون احلاجة لقيام اجلميع به‪،‬‬

‫((( البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوصايا‪ ،‬باب إذا تصدق‪ ،‬أو أوقف بعض ماله‪ ،‬أو بعض رقيقه‪ ،‬أو دوا ّبه فهو جائز‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،1013‬رقم‪:‬‬
‫‪2606‬؛ مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب التوبة‪ ،‬باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،2120‬رقم‪ ،2769 :‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫((( الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.70‬‬
‫((( عيل بن عيل احلنفي صدر الدين‪ ،‬التنبيه عىل مشكالت اهلداية‪ ،‬حتقيق عبد احلكيم حممد شاكر وأنور أبو زيد (الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1424‬هـ‪2003/‬م)ج‪ ،4‬ص‪490 ،489‬؛ أمحد بن حممد القسطالين‪ ،‬إرشاد الساري لرشح صحيح البخاري (القاهرة‪ :‬املطبعة الكربى األمريية‪،‬‬
‫الرشد‪ ،‬ط‪1423 ،2‬هـ‪2003/‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.430 ،429‬‬ ‫ط‪1323 ،7‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪29‬؛ ابن بطال‪ ،‬رشح صحيح البخاري ّ‬
‫(الرياض‪ :‬مكتبة ّ‬
‫الوهاب بن أمحد الشعراين‪ ،‬امليزان الكربى (القاهرة‪ :‬مصطفى البايب احللبي وأوالده‪ ،‬ط‪[ ،1‬د‪.‬ت])‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫((( عبد ّ‬

‫‪118‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫ومصلحته مصلحة عامة‪ ،‬وال تتحقق املصلحة العامة املقصودة من الفرض الكفائي عىل الوجه األكمل الذي رشعت‬
‫ألجله إال إذا أتى بالفعل من هو أهل له؛ وأقدر من غريه عىل القيام به واإلبداع فيه عىل أتم وجه؛ إذ بذلك ُيتصور‬
‫التحقق األمثل للمصلحة املرجوة من ترشيعه ابتدا ًء‪ ،‬وقد نص عىل ذلك الشاطبي عندما قرر‪« :‬أن الطلب وارد عىل‬
‫البعض‪ ،‬وال عىل البعض كيف كان‪ ،‬ولكن عىل من فيه أهلية القيام بذلك الفعل املطلوب‪ ،‬ال عىل اجلميع عمو ًما»(‪.)1‬‬
‫وال خيفى ما يف هذا اخلطاب التكليفي الكفائي من مراعاة واضحة للفرورق الفردية(‪ ،)2‬فال يتعني طلبه إال ِمن تو ّفرت‬
‫فيهم القدرة واألهلية لذلك الفعل املطلوب‪ ،‬وغري القادر يلزمه متكني من هلم القدرة للقيام به(‪ ،)3‬وهبذا ُ َتصل املصلحة‬
‫التي ألجلها ُشعت هذه الفروض الكفائية عىل الوجه املطلوب؛ بتعينها عىل من تو ّفرت فيهم الكفاءة وبتمكينهم من‬
‫القيام هبا‪.‬‬
‫وقد ورد اخلطاب التكليفي بالعديد من الفروض الكفائية؛ ومنها‪ :‬فرضية طلب العلم عىل وجه الكفاية(‪َ ﴿ )4‬ف َل ْو َل‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫قهوا ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾ [التوبة‪ ،]123 :‬ورد‬ ‫ي َذ ُر َ‬ ‫الدين َول ُينذ ُروا َق ْو َم ُه ْم إِ َذا َر َج ُعوا إِ َل ْي ِه ْم َل َع ُ‬
‫له ْم َ ْ‬ ‫َن َف َر من كُل ف ْر َقة من ُْه ْم َطائ َف ٌة ل َي َت َف ُ‬
‫اخلطاب لطائفة من املسلمني‪ ،‬بالنفر لطلب العلم وجو ًبا عىل الكفاية‪« ،‬أي عىل املقدار الكايف لتحصيل املقصد من ذلك‬
‫اإلجياب»(‪ ،)5‬واملكلفون خماطبون هبذا الفرض بحسب ما هتيأ هلم من قدرات عىل العلم والتحصيل‪.‬‬
‫ومنها الصناعات واحلرف التي حتتاج إىل قدرات ومهارات خاصة‪ ،‬فالناس ليسوا عىل وزان واحد يف القدرة عىل‬
‫القيام هبا‪ ،‬كام أهنا أمور ال غنى عنها لقيام املجتمع وصالح أفراده‪ ،‬ولذا فقد نص بعض العلامء كابن تيمية عىل وجوهبا‬
‫قادرا عليها‪ ،‬ومل يوجد غريه‪ ،‬فلإلمام أن جيربه‪ ،‬وهذا ألنه كفؤ‪ ،‬واختص بالقدرة عليها‪ ،‬فتعينت يف حقه‬
‫عينًا عىل من كان ً‬
‫بنا ًء عىل مراعاة الفروق الفردية(‪.)6‬‬

‫((( الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.278‬‬


‫((( واملراد منها هنا ما حيتاج منها خلربات وقدرات وسامت معينة‪ ،‬كالتعليم وخمتلف املهن واحلرف والوظائف اإلدارية والتنظيمية املختلفة‪ ،‬أما ما يتعلق‬
‫واضحا بحسب الفروق الفردية‪.‬‬
‫ً‬ ‫منها بالتكاليف التي يشرتك اجلميع يف القدرة عليها كصالة اجلنائز‪ ،‬فال يظهر فيها التاميز بني األفراد‬
‫((( الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪284‬؛ حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬مقاصد الرشيعة‪ ،‬حتقيق حممد احلبيب ابن اخلوجة (الدوحة‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية‪1425 ،‬هـ‪2004/‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.394‬‬
‫((( أي‪ :‬القدر الزائد عىل الفرض العيني‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬حتقيق أمحد الربدوين وإبراهيم أطفيش (القاهرة‪:‬‬
‫دار الكتب املرصية‪ ،‬ط‪1384 ،2‬هـ‪1964/‬م)‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.295‬‬
‫((( ابن عاشور (التحرير‪ ،)...‬ج‪ ،11‬ص‪.61‬‬
‫((( أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬حتقيق أنور الباز وعامر اجلزار (القاهرة‪ :‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪1426 ،3‬هـ‪ ،)2005/‬ج‪ ،28‬ص‪.82‬‬

‫‪119‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫ومن مراعاة الفروق الفردية يف فروض الكفاية‪ ،‬تقديم النبي ﷺ ً‬


‫بالل ‪ ‬لألذان(‪ )1‬ووصفه بأنه «أندى صوتًا»(‪،)2‬‬
‫وقد قيل يف معنى قوله ﷺ أندى‪ :‬أرفع وأعىل‪ ،‬وقيل‪ :‬أحسن وأعذب(‪ ،)3‬وأيا يكن فقد خصه النبي ﷺ للقيام هبذا‬
‫التكليف الرشعي لقدرة يف صوته متيز هبا‪ ،‬وجعلته أوىل من غريه‪ ،‬ولو ُحل معنى «أندى صوتًا» عىل أنه أرفع وأعىل‪،‬‬
‫تكون مراعاة الفروق الفردية متعل ًقة بأمر أسايس للفعل‪ ،‬وهو إسامع الناس وإعالمهم‪ ،‬الذي هو مقصد رئيس من‬
‫األذان‪.‬‬
‫أما إذا محل عىل معنى أعذب وأحسن‪ ،‬فتكون هنا مراعاة الفروق الفردية متعلق ًة بأمر حتسيني جتمييل للفعل‪ ،‬فاإلعالم‬
‫حرص النبي ﷺ عىل هذا اجلانب التحسيني حتى ُيؤدى األذان عىل أكمل وجه‬ ‫أدون يف احلُسن‪ ،‬ولكن ِ‬
‫يقع ولو بصوت َ‬
‫بمكبات الصوت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأحسنه‪ ،‬وعىل املعنى األول‪ ،‬فال يكون هناك وجه ملراعاة هذا الفرق يف وقتنا احلارض لالستغناء عنه‬
‫ٍ‬
‫رواية‪« :‬أندى وأمد صوتًا»(‪.)4‬‬ ‫أما عىل املعنى الثاين فيستمر طلب مراعاته‪ ،‬وال مانع أن يكون املراد املعنيني‪ ،‬وقد ورد يف‬

‫وهبذا يتبني أن مبدأ ترشيع الفروض الكفائية‪ ،‬يقوم عىل مراعاة الفروق الفردية بني املكلفني يف شتى النواحي‪:‬‬
‫النفسية والعقلية واجلسمية واالنفعالية وغريها‪ ،‬فيكون اإلنسان مكل ًفا بام يتناسب مع قدراته‪ ،‬وما يمكنه إجادته من‬
‫هذه الفروض‪ ،‬وهي متعددة متنوعة‪ ،‬وختتلف القدرات املطلوبة لكل منها‪ ،‬وعليه فال يمكن وضع معيار واحد هلا‪ ،‬كام‬
‫أن كل مكلف سيجد ما يتالءم معه فيها‪ ،‬وهبذا فيكون التنوع واالختالف‪ ،‬سب ًبا للتوافق والتكامل بني الناس‪ ،‬ويف هذا‬
‫تظهر جلي ًة حكمة اهلل ‪ ‬يف تنوعهم‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫بعد أن بحثت الدراسة ما يتعلق بنظر التكليف الرشعي إىل التفاوت بني املكلفني يف السامت الشخصية شبه الثابتة‬
‫للفرد‪ ،‬واملستمرة معه‪ .‬وكيف تعاملت مع االنحرافات عن املتوسط العام يف هذه السامت بالزيادة أو النقص‪ ،‬وتناوهلا‬
‫نامذج من األحكام التكليفية‪ ،‬انتهت الدراسة إىل عدد من النتائج والتوصيات اآلتية‪:‬‬

‫((( هذا عىل رأي من ذهب إىل أنه فرض كفاية‪ ،‬وقد اختُلف يف حكمه عىل أقوال‪ ،‬منها‪ :‬أهنا سنة مؤكدة‪ ،‬أو فرض كفاية‪ ،‬ابن قدامة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪،302‬‬
‫‪303‬؛ حييى بن رشف النووي‪ ،‬املجموع رشح املهذب‪ ،‬حتقيق حممد نجيب املطيعي (جدة‪ :‬مكتبة اإلرشاد‪[ ،‬د‪.‬ت])‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.88‬‬
‫((( أمحد‪ ،‬مسند اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،‬مسند املدنيني‪ ،‬ج‪ ،26‬ص‪ ،402‬رقم‪ ،16478 :‬قال شعيب األنؤوط‪ :‬إسناده حسن؛ أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪،‬‬
‫كتاب الصالة‪ ،‬باب كيف األذان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،189‬رقم‪ ،499 :‬قال األلباين‪ :‬حسن صحيح؛ حممد بن عيسى الرتمذي‪ ،‬سنن الرتمذي‪ ،‬أبواب الصالة‪،‬‬
‫باب ما جاء يف بدء األذان‪ ،‬حتقيق أمحد حممد شاكر وآخرون (القاهرة‪ :‬رشكة مصطفى البايب احللبي‪ ،‬ط‪1395 ،2‬هـ‪1975/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪،359‬‬
‫رقم‪ ،189 :‬بلفظ‪« :‬أندى وأمد صوتًا»‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫((( أبو حممد حممود بن أمحد العيني‪ ،‬رشح سنن أيب داود‪ ،‬حتقيق خالد بن إبراهيم املرصي (الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪1999/‬م)‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫ص‪.424‬‬
‫((( سبق خترجيها‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬النتائج‪:‬‬

‫‪ -1‬راعت الرشيعة اإلسالمية الفروق الفردية يف التكليف عىل كل املستويات اجلسمية‪ ،‬واالنفعالية‪ ،‬واإلدراكية‪.‬‬

‫‪ -2‬متثل الفروق الفردية االنحرافات عن املتوسط الذي يشرتك فيه العدد األكرب من األفراد‪ ،‬وقد راعت الرشيعة‬
‫االنحراف بالزيادة‪ ،‬أو النقص يف هذه الصفة‪ ،‬أو تلك‪ ،‬وذلك بأن قدمت من يتفوق يف صفة ما للمكان املناسب‬
‫الذي يمكنه من العطاء والتميز‪ ،‬ويظهر ذلك يف فروض الكفاية‪ ،‬وراعت األضعف يف صفة ما بتيسري احلكم‬
‫التكليفي عليه بام جيعل االمتثال يف مقدوره ووسعه‪.‬‬

‫‪ -3‬مراعاة الفروق الفردية يكون لصالح الفرد نفسه‪ ،‬وكذا لصالح املجموع‪ ،‬فراعت الرشيعة كال اجلانبني‪.‬‬

‫حارضا يف املامرسات االجتهادية واإلفتائية؛ إذ مراعاهتا‬


‫ً‬ ‫‪ -4‬هذا اجلانب من الترشيع اإلسالمي ينبغي أن يكون‬
‫حتمي املكلف من الوقوع يف احلرج والضيق‪ ،‬فيرتك التكليف‪ ،‬أو يؤديه وهو له كاره‪ ،‬كام حيمي الرشيعة من‬
‫التقهقر يف حياة الناس‪ ،‬إذا كانت غري متسقة مع ما هم عليه من فروق يف صفاهتم وقدراهتم‪.‬‬

‫‪ -5‬عدم مراعاة الفروق الفردية له أثره السلبي عىل من كان يف احلد األدنى يف هذا الفرق أو ذاك‪ ،‬وكذا عىل من كان‬
‫أيضا‪ ،‬كام يف العديد من الفروض الكفائية‪.‬‬
‫يف احلد األعىل‪ ،‬بتفويت اخلري الكثري عليه‪ ،‬بل عىل جمتمعه ً‬

‫‪ -6‬االعتداد بالفروق الفردية بني األفراد املختلفني يف الصفات والقدرات‪ ،‬حيقق العدل بام يعني املوازنة بني اجلميع‪،‬‬
‫وإعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬ولو مل تُراع الفروق الفردية يف التكليف الرشعي‪ ،‬لكانت مساوا ًة م ِ‬
‫فضي ًة إىل ظلم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الضعيف وحتميله ما ال يستطيع‪ ،‬لذا فالرشيعة جاءت بالعدل ال املساواة‪ ،‬فاملساواة يف التكليفات بني املختلفني‬
‫يف الصفات والقدرات ظلم‪ ،‬بينام العدل بينهم وتقدير حال كل منهم حكمة وإنصاف‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التوصيات‬

‫يويص البحث باآليت‪:‬‬

‫‪ -1‬ينبغي يف الفتوى رعاية اجلانب اخلاص باملكلف‪ ،‬يف حدود الفروق الفردية‪ ،‬فكام تراعى عنارص اختالف الزمان‬
‫واملكان‪ ،‬فكذا ينبغي مراعاة املكلف نفسه يف حدود اخلطاب التكليفي‪ ،‬كمراعاة الفروق حلديثي العهد باإلسالم‬
‫وغريهم‪.‬‬

‫‪ -2‬دراسة األحكام الرشعية من منظور مراعاة الفروق الفردية فيام ختتلف فيه األحكام بني املكلفني؛ ألن ذلك‬
‫يساعد عىل جتلية األفهام‪ ،‬وإزالة االلتباس لدى من قد يشكل عليهم ما ُينسب إىل األحكام الرشعية من ظلم‬

‫‪121‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫لبعض أو جلنس‪.‬‬

‫‪ -3‬عىل الباحثني وطلبة العلم املزاوجة يف دراساهتم وأبحاثهم بني العلوم الرشعية والعلوم اإلنسانية؛ ألن هذه‬
‫النقلة ختدم البحث العلمي وتقربه أكثر من الواقع والقارئ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫المصادر والمراجع‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬العربية‬

‫ابن العريب‪ ،‬حممد بن عبد اهلل‪ .‬القبس يف رشح موطأ مالك بن أنس‪ .‬حتقيق حممد عبد اهلل كريم‪ .‬بريوت‪ :‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪1992 ،‬م‪.‬‬

‫ابن القيم‪ ،‬حممد بن أيب بكر‪ .‬الطرق احلكمية يف السياسة الرشعية‪ .‬حتقيق حممد غازي‪ .‬القاهرة‪ :‬مطبعة املدين‪[ ،‬د‪.‬ت]‪.‬‬

‫ابن النجار‪ ،‬حممد بن أمحد‪ .‬رشح الكوكب املنري‪ .‬حتقيق حممد الزحييل ونزيه محاد‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1418‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬

‫الرشد‪ ،‬ط‪1423 ،2‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬ ‫ابن بطال‪ ،‬عيل بن خلف‪ .‬رشح صحيح البخاري‪ّ .‬‬
‫الرياض‪ :‬مكتبة ّ‬
‫ابن تيمية‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم‪ .‬جمموع الفتاوى‪ .‬حتقيق أنور الباز وعامر اجلزار‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪1426 ،3‬هـ‪/‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬

‫ابن حنبل‪ ،‬أمحد بن حممد‪ .‬مسند اإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬حتقيق شعيب األرناؤوط وآخرون‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2001/‬م‪.‬‬

‫ابن دقيق العيد‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬إحكام األحكام رشح عمدة األحكام‪ .‬حتقيق مصطفى شيخ ومدثر سندس‪ .‬بريوت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪1426 ،‬هـ‪2005 /‬م‪.‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر‪ .‬التحرير والتنوير‪ .‬تونس‪ :‬الدار التونسية للنرش‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫ــــــــــ‪ .‬مقاصد الرشيعة‪ .‬حتقيق حممد احلبيب ابن اخلوجة‪ .‬الدوحة‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪1425 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬

‫ابن عبد الرب‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل‪ .‬االستذكار‪ ،‬حتقيق عبد املعطي قلعجي‪ .‬دمشق‪ :‬دار قتيبة‪1414 ،‬هـ‪1993 /‬م‪.‬‬

‫ابن قدامة‪ ،‬عبد اهلل بن أمحد‪ .‬املغني‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة القاهرة‪1388 ،‬هـ‪1968 /‬م‪.‬‬

‫أبو الوفاء‪ ،‬عيل بن عقيل‪ .‬الواضح يف أصول الفقه‪ .‬حتقيق عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪1999/‬م‪.‬‬

‫أبو صعيليك‪ ،‬حممد أمحد‪« .‬الفروق الفردية والتعلم»‪ ،‬جملة رسالة الرتبية‪ ،‬ع‪2002( 2‬م)‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫غزالة نوري بن عاشور‪ ،‬صالح قادر الزنكي‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

‫األلباين‪ ،‬نارص الدين‪ .‬صحيح اجلامع‪ .‬بريوت‪ :‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1408 ،3‬هـ‪1988 /‬م‪.‬‬

‫ــــــــــ‪ .‬صحيح سنن أيب داود‪ .‬الكويت‪ّ :‬‬


‫مؤسسة غراس للنّرش والتّوزيع‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪2002 /‬م‪.‬‬

‫األمارة‪ ،‬أسعد رشيف‪ .‬سيكولوجية الفروق الفردية علم النفس الفارقي‪ .‬عامن‪ :‬دار صفاء‪1435 ،‬هـ‪2014 /‬م‪.‬‬

‫البخاري‪ ،‬عبد العزيز بن أمحد‪ ،‬كشف األرسار رشح أصول البزدوي‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪[ ،‬د‪.‬ت‪.].‬‬

‫البخاري‪ ،‬حممد بن إسامعيل‪ .‬اجلامع الصحيح‪ .‬تعليق‪ :‬مصطفى ديب البغا‪ .‬بريوت‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1407‬هـ‪1987/‬م‪.‬‬

‫البغوي‪ ،‬احلسني بن مسعود‪ .‬تفسري البغوي‪ .‬حتقيق عبد الرزاق املهدي‪ .‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث‪1420 ،‬هـ‪.‬‬

‫البيهقي‪ ،‬أمحد بن احلسني‪ .‬سنن البيهقي الكربى‪ .‬مكة املكرمة‪ :‬دار الباز‪1414 ،‬هـ‪1994/‬م‪.‬‬

‫الرتمذي‪ ،‬حممد بن عيسى‪ .‬سنن الرتمذي‪ ،‬حتقيق أمحد شاكر وآخرون‪ .‬القاهرة‪ :‬رشكة مصطفى البايب احللبي‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1395‬هـ‪1975/‬م‪.‬‬

‫الرميل‪ ،‬حممد حلمي‪« .‬مصادر املعرفة عند التّفتازاين يف رشح التّلويح عىل التّوضيح ملتن التّنقيح يف أصول الفقه»‪ ،‬أفكار‪:‬‬
‫ّ‬
‫جم ّلة العقيدة والفكر اإلسالمي‪ ،‬مج‪ ،22‬ع‪2020( 2‬م)‪.‬‬
‫‪https://doi.org/10.22452/afkar.vol22no2.5‬‬

‫الرياموي‪ ،‬حممد عودة‪ .‬سيكولوجية الفروق الفردية واجلمعية يف احلياة النفسية‪ .‬عامن‪ :‬دار الرشوق‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫الزبيدي‪ ،‬حممد بن حممد‪ .‬تاج العروس‪ .‬حتقيق جمموعة من املحققني‪ .‬دار اهلداية‪[ ،‬د‪.‬ت‪.].‬‬

‫الزركيش‪ ،‬حممد بن عبد اهلل‪ .‬البحر املحيط‪ .‬حتقيق عبد القادر العاين‪ .‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪،‬‬
‫ط‪1413 ،2‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬

‫الزعبي‪ ،‬أمحد حممد‪ .‬سيكولوجية الفروق الفردية وتطبيقاهتا الرتبوية‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪1436 ،2‬هـ‪2015/‬م‪.‬‬

‫ــــــــــ‪ .‬علم نفس الفروق الفردية وتطبيقاهتا الرتبوية‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪1428 ،‬هـ‪2007/‬م‪.‬‬

‫الشاطبي‪ ،‬إبراهيم بن موسى‪ .‬املوافقات‪ .‬القاهرة‪ :‬دار ابن ع ّفان‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1997/‬م‪.‬‬

‫الوهاب بن أمحد‪ .‬امليزان الكربى‪ .‬القاهرة‪ :‬مصطفى البايب احللبي وأوالده‪[ ،‬د‪.‬ت‪.].‬‬
‫الشعراين‪ ،‬عبد ّ‬

‫الشوكاين‪ ،‬حممد بن عيل‪ .‬إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول‪ .‬حتقيق أمحد عناية‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪1999/‬م‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد ‪-41‬العدد ‪1444 – )١‬هـ ‪ 2023/‬م‪ ،‬علمية محكمة‪ ،‬جامعة قطر‬

‫ــــــــــــ‪ .‬نيل األوطار‪ .‬حتقيق عصام الدين الصبابطي‪ .‬القاهرة‪ :‬دار احلديث‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ‪1993/‬م‪.‬‬

‫الشيخ‪ ،‬سليامن اخلرضي‪ .‬سيكولوجية الفروق الفردية يف الذكاء‪ .‬عامن‪ :‬دار املسرية‪ ،‬ط‪1437 ،6‬هـ‪2016 /‬م‪.‬‬

‫صدر الدين‪ ،‬عيل بن عيل احلنفي‪ .‬التنبيه عىل مشكالت اهلداية‪ .‬حتقيق عبد احلكيم شاكر وأنور أبو زيد‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة‬
‫الرشد‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬

‫الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬جامع البيان يف تأويل القرآن‪ .‬حتقيق أمحد شاكر‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1420 ،‬هـ‪2000/‬م‪.‬‬

‫العيني‪ ،‬حممود بن أمحد‪ .‬رشح سنن أيب داود‪ .‬حتقيق خالد بن إبراهيم‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة الرشد‪1420 ،‬هـ‪1999 /‬م‪.‬‬

‫الفريوز آبادي‪ ،‬حممد بن يعقوب‪ .‬القاموس املحيط‪ .‬حتقيق حممد نعيم العرقسويس وآخرون‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ط‪1426 ،8‬هـ‪2005/‬م‬

‫القرايف‪ ،‬أمحد بن إدريس‪ .‬الذخرية‪ .‬حتقيق حممد حجي وآخرون‪ .‬بريوت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫ــــــــــ‪ .‬الفروق‪ .‬حتقيق عمر القيام‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬

‫القرطبي‪ ،‬أمحد بن عمر‪ .‬املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪ .‬حتقيق حميي الدين مستو وآخرون‪ .‬دمشق‪ :‬دار ابن‬
‫كثري‪1417 ،‬هـ‪1996/‬م‪.‬‬

‫القرطبي‪ ،‬حممد بن أمحد‪ .‬اجلامع ألحكام القرآن‪ .‬حتقيق أمحد الربدوين وإبراهيم أطفيش‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الكتب املرصية‪،‬‬
‫ط‪1384 ،2‬هـ‪1964/‬م‪.‬‬

‫القسطالين‪ ،‬أمحد بن حممد‪ .‬إرشاد الساري لرشح صحيح البخاري‪ .‬القاهرة‪ :‬املطبعة الكربى األمريية‪ ،‬ط‪1323 ،7‬هـ‪.‬‬

‫الكاساين‪ ،‬أبو بكر بن مسعود‪ .‬بدائع الصنائع يف ترتيب الرشائع‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫الكيالين‪ ،‬مجال زيد‪« .‬ثمن اجلاه يف الفقه اإلسالمي»‪ ،‬جملة كلية الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬مج‪ ،36‬ع‪1‬‬
‫(‪1439‬هـ‪2018/‬م)‪.‬‬

‫املاوردي‪ ،‬عيل بن حممد‪ .‬احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي‪ .‬حتقيق عيل معوض وعادل عبد املوجود‪ .‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪1419 ،‬هـ‪1999/‬م‪.‬‬

‫مسلم‪ ،‬ابن احلجاج النيسابوري‪ .‬املسند الصحيح‪ .‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي‪ .‬بريوت‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪،‬‬
‫[د‪.‬ت]‪.‬‬

‫النووي‪ ،‬حييى بن رشف‪ .‬املجموع رشح املهذب‪ .‬حتقيق حممد نجيب املطيعي‪ .‬جدة‪ :‬مكتبة اإلرشاد‪[ ،‬د‪.‬ت‪.].‬‬

‫‪125‬‬
‫ صالح قادر الزنكي‬،‫غزالة نوري بن عاشور‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

.‫هـ‬1392 ،2‫ ط‬،‫ دار إحياء الرتاث العريب‬:‫ بريوت‬.‫احلجاج‬


ّ ‫ املنهاج رشح صحيح مسلم بن‬.‫ــــــــــ‬
.‫م‬2002/‫هـ‬1422 ،‫ دار الفكر‬:‫ بريوت‬.‫ مرقاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيح‬.‫ عيل بن حممد‬،‫اهلروي‬

‫ األجنبية‬:‫ثان ًيا‬

References:

Abū al-Wafāʼ, ʻAlī B. ʻAqīl, al-Wāḍiḥ fī ʼuṣūl al-fiqh, (in Arabic), taḥqīq: ʻAbd Allāh ibn ʻAbd al-Muḥsin
al-Turky, Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 1999, 1st ed.
Abū Ṣuʻaylīk, Muḥammad Aḥmad, “al-Furūq al-fardiyah wa al-taʻlīm”, (in Arabic), Risālat al-Tarbiyah
journal, 2002(2).

Al-Albānī, Nāṣir al-Dīn, Ṣaḥīḥ al-Jāmiʻ, (in Arabic), Beirut: al-Maktab al-Islāmī, 1988, 3rd ed.

–––, Ṣaḥīḥ Sunan Abī Dāwūd, (in Arabic), al-Kuwayt: Muʼassasat Ghirās linnashr wālttawzyʻ, 2002, 1st ed.
Al-Qurṭubī, Aḥmad B. ʻUmar, al-Mufhim li mā ʼUshkila min Talkhīṣ Kitāb Muslim, (in Arabic), taḥqīq:
Muḥyī al-Dīn Mistū wa ākharūn, Dimashq: Dār Ibn Kathīr, 1996, 1st ed.
Al-Qurṭubī, Muḥammad B. Aḥmad, al-Jāmiʻ li Aḥkām al-Qurʼān, (in Arabic), taḥqīq: Aḥmad al-Baraddūnī
wa Ibrāhīm Aṭfīsh, al-Qāhirah: Dār al-Kutub almiṣryyah, 1964, 2nd ed.
Al-ʼAmārah, Asʻad Sharīf, Saykūlūjīyat al-Furūq al-Fardiyah ʻilm al-Nafs al-Fāriqī, (in Arabic), ʻAmmān:
Dār Ṣafāʼ, 2014, 1st ed.
Al-ʻAynī, Maḥmūd B. Aḥmad, Sharḥ Sunan Abī Dāwūd, (in Arabic), taḥqīq: Khālid B. Ibrāhīm, al-Riyāḍ:
Maktabat al-Rushd, 1999, 1st ed.
Al-Baghawī, al-Ḥusayn B. Masʻūd, Tafsīr al-Baghawī, (in Arabic), taḥqīq: ʻAbd al-Razāq al-Mahdī, Beirut:
Dār ʼIḥyāʼ al-Turāth, 1420 AH, 1st ed.
Al-Bayhaqī, Aḥmad B. al-Ḥusayn, Sunan al-Bayhaqī al-Kubrá, (in Arabic), Makkah al-Mukaramah: Dār
al-Bāz, 1994.
Al-Bukhārī, ʻAbd al-ʻAzīz B. Aḥmad, Kashf al-Asrār Sharḥ ʼUṣūl al-Bazdawī, (in Arabic), Beirut: Dār al-
Kitāb al-ʼslāmī.
Al-Bukhārī, Muḥammad B. Ismāʻīl, al-Jāmiʻ al- Ṣaḥīḥ,(in Arabic), taḥqīq: Muṣṭafá Dīb al-Bughā, Beirut:
Dār Ibn Kathīr, 1987, 3rd ed.
Al-Fayrūzʼābādī, Muḥammad B. Yaʻqūb, al-Qāmūs al-muḥīṭ, (in Arabic), taḥqīq: Muḥammad Naʻīm
alʻIrqswsy wa ʼākharūn, Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 2005, 8th ed.
Al-Harawī, ʻAlī B. Muḥammad, Mirqāt al-Mafātīḥ Sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ, (in Arabic), Beirut: Dār al-
Fikr, 2002, 1st ed.
Al-Kāsānī, Abū Bakr B. Masʻūd, Badāʼiʻ al- Ṣanāʼiʻ fī Tartīb al-Sharāʼiʻ, (in Arabic), Beirut: Dār al-Kitāb

126
‫ جامعة قطر‬،‫ علمية محكمة‬،‫ م‬2023/ ‫هـ‬1444 – )١ ‫العدد‬-41 ‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية (المجلد‬

al-ʻArabī, 1982.
Al-Kīlānī, Jamāl Zaid, Thaman al-Jāh fī al-Fiqh al-Islāmī, “The Value of Status in Islamic Law” (in Arabic),
Journal of College of Sharia and Islamic Studies, vol. 36, issue 1, 2018.
Al-Māwardī, ʻAlī B. Muḥammad, al-Ḥāwī al-Kabīr fī Fiqh Madhhab al-Imām Al-Shāfiʻī, (in Arabic),
taḥqīq: ʻAlī Muʻawwaḍ wa ʻĀdil ʻAbd al-Mawjūd, Beirut: Dār al-Kutub alʻIlmīyah 1999, 1st ed.
Al-Nawawī, Yaḥyá B. Sharaf, al-Majmūʻ Sharḥ al-Muhadhab, (in Arabic), taḥqīq: Muḥammad Najīb al-
Muṭīʻī, Jiddah: Maktabat al-Irshād.
–––, al-Minhāj sharḥ Ṣaḥīḥ Muslim ibn al-Ḥajjāj, (in Arabic), Beirut: Dār ʼIḥyāʼ al-Turāth al-ʻArabī, 1392
AH, 2nd ed.
Al-Qarāfī, Aḥmad B. Idrīs, al-Dhkhyrah, (in Arabic), taḥqīq: Muḥammad Ḥajjī wa ākharūn, Beirut: Dār
al-Gharb alʼslāmī, 1994, 1st ed.
–––, al-Furūq, (in Arabic), taḥqīq: ʻUmar al-Qayyām, Beirut: Muʼassasat alrrsālh, 2003, 1st ed.
Al-Qasṭalānī, Aḥmad B. Muḥammad, Irshād al-Sāry li sharḥ Ṣaḥīḥ al-Bukhārī, (in Arabic), al-Qāhirah: al-
Maṭbaʻah al-Kubrá alʼAmīrīyah, 1323 AH, 7th ed.
Al-Rymāwy, Muḥammad ʻAwdah, Saykūlūjīyat al-Furūq al-Fardyyah wāljmʻyah fī al-ḥayāh al-Nafsyah,
(in Arabic), ʻAmmān: Dār al-shurūq, 1994, 1st ed.
Al-Shaʻrāny, ʻAbd al-Wahhāb B. Aḥmad, al-Mīzān al-Kubrá, (in Arabic), al-Qāhirah: Muṣṭafá al-Bābī
al-Ḥalabī wa Awlāduh, 1st ed.
Al-Shāṭiby, Ibrāhīm B. Mūsá, al-Muwāfaqāt, (in Arabic), al-Qāhirah: Dār Ibn ʻAffān, 1997, 1st ed.
Al-Shawkāny, Muḥammad B. ʻAlī, Irshād al-Fuḥūl ilá Taḥqīq al-Haqq min ʻIlm al- ʼuṣūl, (in Arabic),
taḥqīq: Aḥmad ʻInāya, Beirut: Dār al-Kitāb al-ʻArabī, 1999, 1st ed.

–––, Nayl al-awṭār, (in Arabic) taḥqīq: ʻIṣām al-Dīn al-Ṣabābiṭī, al-Qāhirah: Dār al-ḥadīth, 1993, 1st ed.
Al-Shaykh, Sulaymān al-Khuḍarī, Saykūlūjīyat, al-Furūq al-Fardiyah fī al-dhakāʼ, (in Arabic), ʻAmmān:
Dār al-Masīrah, 2016, 6th ed.
Al-Ṭabary, Muḥammad B. Jarīr, Jāmiʻ al-Bayān fī Taʼwīl al-Qurʼān, (in Arabic), taḥqīq: Aḥmad Shākir,
Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 2000, 1st ed.
Al-Tirmidhy, Muḥammad B. ʻĪsá, Sunan al-Tirmidhy, (in Arabic), taḥqīq: Aḥmad Shākir wa ākharūn,
al-Qāhirah: Sharikat Muṣṭafá al-Bābī al-Ḥalabī, 1975AD, 2nd ed.
Al-Zabydy, Muḥammad B. Muḥammad, Tāj al-ʻarūs, (in Arabic), taḥqīq: majmūʻah min al-muḥaqqiqīn,
Dār al-Hidāyah.
Al-Zuʻby, Aḥmad Muḥammad, ʻIlm Nafs al-Furūq al- Fardiyah wa taṭbīqātuhā al-Tarbawiyah, (in Arabic),
Dimashq: Dār al-Fikr, 2007AD, 1st ed.
–––, Saykūlūjīyat al-Furūq al-Fardiyah wa Taṭbīqātuhā al-Tarbawiyah, (in Arabic), al-Riyāḍ: Maktabat

127
‫ صالح قادر الزنكي‬،‫غزالة نوري بن عاشور‬ ‫الفروق الفردية وخطاب التكليف‬

al-Rushd, 2015, 2nd ed.


Ibn ʻAbd al-Barr, Yūsuf B. ʻAbd Allāh, al-ʼIstidhkār, (in Arabic), taḥqīq: ʻAbd al-Muʻṭī Qalʻajī, Dimashq:
Dār Qutaybah, 1993, 1st ed.
Ibn al-Qayyim, Muḥammad B. Abī Bakr, al-Ṭuruq al-Ḥukmiyah fī al-Siyāsah al-Sharʻīyah, (in Arabic),
taḥqīq: Muḥammad Ghāzī, (al-Qāhirah: Maṭbaʻat al-madanī.
Ibn al-ʻArabī, Muḥammad B. ʻAbd Allāh, al-Qabas fī sharḥ Muwaṭṭaʼ Mālik ibn Anas, (in Arabic), taḥqīq:
Muḥammad ʻAbd Allāh Karīm, Beirut: Dār al-Gharb alʼslāmī, 1992, 1st ed.
Ibn al-Najār, Muḥammad ibn Aḥmad, Sharḥ al-Kawkab al-munīr, (in Arabic), taḥqīq: Muḥammad Al-
Zuḥaylī wa Nazīh Ḥammād, Alrryāḍ: Maktabat al-ʻUbaykān, 1997, 2nd ed.
Ibn ʻĀshūr, Muḥammad al-Ṭāhir, al-Taḥrīr wa al-Tanwīr, (in Arabic), Tūnis: al-Dār al-Tūnisyya, 1984.
–––, Maqāṣid al-Sharīʻa, (in Arabic), taḥqīq: Muḥammad al-Ḥabīb B. al-Khūjah, al-Dawḥa: Wizārat al-
Awqāf wa al-shʼūn al-ʼslāmiyah, 2004.

Ibn Baṭṭāl, ʻAlī B. Khalaf, Sharḥ Ṣaḥīḥ al-Bukhārī, (in Arabic), al-Riyāḍ: Maktabat alrrshd, 2003, 2nd ed.
Ibn Daqīq al-ʻĪd, Muḥammad B. ʻAlī, Iḥkām al-Aḥkām Sharḥ ʻUmdat al-Aḥkām, (in Arabic), taḥqīq:
Muṣṭafá Shaykh, mudathar Sundus, Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 2005, 1st ed.
Ibn Ḥanbal, Aḥmad B. Muḥammad, Musnad al-Imām Aḥmad ibn Ḥanbal, (in Arabic), taḥqīq: Shuʻayb
al-Arnaʼūṭ, waʼākharūn, (Beirut: Muʼassasat al-Risālah, 2001), 1st ed.
Ibn Qudāmah, ʻAbd Allāh B. Aḥmad, al-Mughnī, (in Arabic), al-Qāhirah: Maktabat al-Qāhirah, 1968m.
Ibn Taymīyah, Aḥmad B. ʻAbd al-Ḥalīm, Majmūʻ al-Fatāwá, (in Arabic), taḥqīq: Anwar al-Bāz wa ʻĀmir
Al-Jazzār, Al-Qāhirah: Dār al-Wafāʼ, 2005, 3rd ed.
Muslim B. al-Ḥajjāj, al-Musnad al-Ṣaḥīḥ, (in Arabic), taḥqīq: Muḥammad Fuʼād ʻAbd al-Bāqī, Beirut: Dār
ʼIḥyāʼ al-Turāth alʻArabī.

Ramli, Mohd Hilmi. 2020. “Al-Taftāzānī’s Sources of Knowledge in Sharḥ Al-Talwīḥ ‘alā Al-Tawḍīḥ Li
Matn Al-Tanqīḥ Fī Uṣūl Al-Fiqh”. Afkar: Jurnal Akidah &Amp; Pemikiran Islam 22 (2):155-204.
https://doi.org/10.22452/afkar.vol22no2.5.
Ṣadr al-Dyn, ʻAlī B. ʻAlī al-Ḥanafī, al-Tanbyh ʻalá Mushkilāt al-Hidāyah, (in Arabic), taḥqīq: ʻAbd al-
Ḥakīm Shākir wa ʼAnwr Abū Zayd, al-Riyāḍ: Maktabat al-Rushd, 2003, 1st ed.

Williamson, Jeanine M. Teaching to individual differences in science and engineering librarianship: Adapt-
ing library instruction to learning styles and personality characteristics, Amsterdam: Elsevier Ltd,
2017, 1st ed.

128
© 2023. This work is published under
https://creativecommons.org/licenses/by-nc/4.0/ (the “License”).
Notwithstanding the ProQuest Terms and Conditions, you may use this
content in accordance with the terms of the License.

You might also like