Professional Documents
Culture Documents
ملف بيدياف
ملف بيدياف
السنـــــــــة الجامعيـــــــــــــة
2024/2023
1
مقدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
إف قياـ الجريمة بأركانيا طبقا لمشروعية النصوص القانونية عمى السموؾ المنحرؼ
لإلنساف الذي يشكؿ جريمة بمفيومي القانوني ،فإنو يرتب البحث في تحديد المسؤولية عف تمؾ
الجريمة لتسميط الجزاء المناسب ليا ،بمعنى نوع الجزاء المناسب لكؿ جريمة مرتكبة بالنظر الى
طبيعة المسؤولية المترتبة عنيا.
وعميو فإف البحث وتحديد المسؤولية الجزائية ىو موضع الوسط ،اي انو الحؽ عمى
ارتكاب الجريمة وسابؽ عمى توقيع الجزاء المناسب ليا.
2
ثانيا :التعريف التشريعي
ليس مف اختصاص التشريع وضع تعريفات كقاعدة عامة ،مف منطمؽ انيا متروكة
لمفقو ،لذلؾ نجد انو ال التشريع الجزائري وال التشريعات المقارنة وضعت تعريفا لممسؤولية
الجنائية ،سوى اإلشارة في نصوص متفرقة إلى بعض أحكاميا ،وأغمب ىذه النصوص يتعمؽ
بموانع المسؤولية
ثالثا :التعريف الفقيي
لقد تعددت التعاريؼ الفقيية في تعريؼ المسؤولية الجنائية نورد أىميا عمى ضوء
ىذا التعريؼ بالنظر الى العناصر التي اشتمميا:
(صالحية الشخص لتحمل الجزاء ،الجنائي المقرر لمجريمة التي ارتكبيا)
ومنو نجد ىذه الخصائص االستمزامية ليا:
/01أف المسؤولية في جوىرىا أثر أو جزاء جنائي نتيجة االخالؿ ،أو السموؾ المنحرؼ
لمشخص.
/02أف الجزاء الجنائي ال يقتصر فحسب عمى العقوبة بؿ يشمؿ التدبير االحترازي.
/03أنو ال مسؤولية جنائية بدوف جريمة فالجريمة ( الركف الشرعي لمجريمة)
/04صالحية الشخص ،مفاد ذلؾ أف توافر شرط المسؤولية يستمزـ بأف يكوف الشخص
المسؤوؿ جنائيا مدركا مختا ار حاؿ ارتكابو لمجريمة واال انتفت عنو المسؤولية الجنائية.
الفصل الثاني :أساس المسؤولية الجنائية ( بالنسبة لممشرع الجزائري)
لقد أقاـ المشرع الجزائري المسؤولية الجنائية عمى أساس حرية االختيار ،والتي يقصد
بيا المقدرة عمى المفاضمة بيف البواعث المختمفة وتوجيو اإلرادة وفقا إلحداىا ،فيي قدرة الجاني
عمى سموؾ الطريؽ المطابؽ لمقانوف والطريؽ المخالؼ لو وتفضيمو ىذا األخير ،لكنيا حرية
3
مقيدة تستتبع بوضع تدابير وقائية مف تدابير األمف لمحاالت التي تمتنع فييا قياـ المسؤولية
الجنائية أو في حاالت انتقاصيا.
وعميو المشرع الجزائري في االخذ بأساس المسؤولية الجنائية أخذ بحرية االختيار كأصؿ
وبيف تقيد حرية االختيار كاستثناء سوآءا بانتفاء المسؤولية أو انتقاصيا مف خالؿ فرض تدابير
احت ارزية مف تدابير االمف ( وىو ما يعبر عنو بالخطورة االجرامية ) ،منو نجد المادة / 49ؼ/
1ؽ ع ج عمى أنو (ال توقع عمى القاصر الذي لم يكتمل ثالثة عشرة سنة إال تدابير الحماية
أو التربية ) ،كما أف المشرع الجزائري خفؼ المسؤولية الجنائية عند انتقاص حرية االختيار
لدى الجاني وخير القاضي الجنائي بيف األخذ بعقوبة مخففة أو بتدبير أمف إذا كاف الجاني
صبيا تتراوح سنو بيف ( 13و 18عاـ) حيث نصت المادة / 49ؼ 2 /ؽ ع ج ،عمى أنو :
" ...ويخضع القاصر الذي يبمغ سنو 13إلى 18عاـ إما لتدابير الحماية أو التربية أو
لعقوبات مخففة ." ...
وعميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو
نقوؿ أف األصؿ العاـ ألساس المسؤولية الجنائية في التشريع الجزائري ىو حرية
االختيار وأنو استثناء مف ىذا األصؿ يكوف أساس المسؤولية الجنائية ىو الخطورة اإلجرامية
في حاالت محددة ينص عمييا المشرع صراحة ونظ ار ألف تمؾ الحاالت قميمة ،فإف االتجاه
الغالب في الفقو يذىب إلى أف األساس التقميدي لممسؤولية الجنائية القائـ عمى حرية االختيار
ىو ما يعتنقو المشرع الجزائري وأف تمؾ المسؤولية تنتفي بالنسبة لمشخص المجنوف والطفؿ
الغير مميز مع التسميـ في نفس الوقت بإمكانية توقيع تدابير أمف عمييما لمواجية خطورتيما
اإلجرامية ،ولحماية المجتمع دوف االعتراؼ بوجود أساس آخر يبرر توقيع تمؾ التدابير عمييـ
عمى الرغـ مف تسميميـ بأف تمؾ التدابير ىي إحدى صورتي الجزاء الجنائي وأنو مف بيف
شروط الحكـ بيا ضرورة وقوع جريمة احتراما لمبدأ شرعية الجرائـ والعقوبات.
4
الفصل الثالث :خصائص المسؤولية الجنائية
أوال :االنسان محل المسؤولية الجنائية
القاعدة المستقر عمييا في العصر الحديث في مختمؼ التشريعات المقارنة ىي أنو ال
يسأؿ جزائيا غير اإلنساف ألنو الكائف الوحيد الذي يمكف أف يفيـ نصوص القانوف وما تتضمنو
مف أوامر ونواىي مف جية ،ومف جية اخرى األفعاؿ التي تجرميا القوانيف ال يتصور صدورىا
مف غير اإلنساف.
6
وعميو تمتنع المسؤولية الجنائية ،وقد واكب المشرع الجزائري ىذا المبدأ عمى غرار باقي
التشريعات المقارنة.
وعميو يمكف القوؿ إذا توافر لدى الجاني اإلدراؾ أو التمييز واالختيار بالتحديد السابؽ
وقت ارتكاب الجريمة قامت مسؤوليتو عنيا ،واذا انتقص قدر حرية االختيار انتقصت
المسؤولية الجنائية ،واذا انعدـ اإلدراؾ ( أو التمييز) أو حرية االختيار انعدمت المسؤولية
الجنائية عمى ىذا األساس ،ولكف ىذا ال يمنع مف اتخاذ التدابير الجنائية الالزمة لمواجية
الخطورة اإلجرامية الكامنة في شخص مرتكب الجريمة.
ثالثا :الخطورة االجرامية
ىناك من يعرفيا:
حالة نفسية يحتمل من صاحبيا أن يكون مصد ار لجريمة مستقبمة.
ومن يعرفيا:
استعداد يتواجد لدى الشخص يكون من المحتمل إقدامو عمى ارتكاب جرائم
مستقبمة.
ومن يعرفيا:
احتمال ارتكاب المجرم لجريمة تالية ،اي جريمة أخرى.
مف ىذه التعاريؼ نالحظ أف الخطورة اإلجرامية مجرد احتماؿ ،او نوع مف التوقع
منصرؼ إلى المستقبؿ ،وموضوع ىذا التوقع ىو جريمة تصدر عف نفس الشخص الذي ارتكب
جريمة سابقة.
7
الفصل الخامس :موانــــــــع المسؤوليــــــــة الجنائيــــــــــــة
ىي أوضاع أو أحواؿ أو أسباب تعترض سبيؿ المسؤولية الجنائية فتعدميا أو تخفؼ
منيا وىذه العوارض أو الموانع بعضيا طبيعي مثؿ صغر السف وبعضيا مؤقت أو عارض
مثؿ الجنوف واإلكراه ...
وتتميز موانع المسؤولية بأنيا شخصية عمى خالؼ األفعاؿ المبررة التي تعتبر أسبابا
موضوعية وانيا ال تزيؿ الصفة الجرمية عف الفعؿ المجرـ إذ يبقى غير مشروع ،بعكس األفعاؿ
المبررة التي تزيؿ تمؾ الصفة بحيث يصبح الفعؿ مشروعا.
جدير بالذكر أف توافر أحد موانع المسؤولية ينتج عنو اإلعفاء مف العقوبة فقط ويكوف
بالتالي ممكنا مع توافرىا توقيع تدبير احترازي باإلضافة إلى التعويض المدني ،وىذا عمى
العكس مف األفعاؿ المبررة التي تزيؿ كؿ مف المسؤولية الجنائية والمدنية ( فال توقع عقوبة وال
تدبير احترازي وال تعويض مدني ).
ىذا وأف وموانع المسؤولية شخصية يستفيد منيا مف توافرت لديو فقط دوف سائر
المساىميف معو ،عمى عكس األفعاؿ المبررة التي ىي موضوعية يستفيد منيا كؿ مف ساىـ
فييا فاعال كاف أـ شريكا.
ولقد نص المشرع الجزائري ،في الفصؿ الثاني مف الباب الثاني مف الكتاب األوؿ مف قانوف
العقوبات عمى موانع المسؤولية الجنائية وحصرىا في ثالث حاالت عمى التوالي:
-الجنون في المادة 47ق ع،
-اإلكراه في المادة 48ق ع،
-صغر السن في المادة 49ق ع .
8
أوال
الجنــــــــــــــــــــــون
يقصد بو لغويا ،ذىاب العقؿ أو فساده أو عدـ القدرة عمى التحكـ في التصرفات
واألفعاؿ وتقدير عواقبيا.
ويقصد بو طبيا انحطاط تدريجي وبات في الممكات العقمية ،أو ىو عدـ قدرة
الشخص عمى التوفيؽ بيف أفكاره وشعوره وبيف ما يحيط ألسباب عقمية.
ويقصد بو في معناه العاـ كؿ عاىة أو آفة تصيب العقؿ وتخرج بو عف حالتو
الطبيعية ،وىي بيذا المعنى مفيوـ شامؿ يدخؿ فيو الجنوف ويتسع لصور أخرى ال تعد
جنونا بالمعنى الطبي ولكنيا تناؿ مف العقؿ وتضعؼ مف قدرة الشخص عمى اإلدراؾ
واالختيار ،وعاىات العقؿ بعضيا دائـ ومستمر ال يفيؽ منيا المصاب بيا ،وبعضيا
متقطع أو دوري تصيبو في فترات دورية تتخمميا أوقات إفاقة.
عمى ضوء ما سبؽ ال بد مف إعطاء نص المادة 47ؽ ع تفسي ار واسعا حتى يشمؿ
كؿ حاالت االضطراب في القوى العقمية التي يزوؿ بيا التميز وحرية ،أي مف كاف في
حالة تفقده الوعي وتجعمو غير قادر عمى التمييز في أفعالو.
الجدير الذكر أف ما يجب مالحظتو ىو أف مدلوؿ المادة 47نصت عمى حكـ مف
فقد إدراكو واختياره فقدا تاما ،أما ناقصي اإلدراؾ واالختيار وىـ طائفة أنصاؼ المجانيف
أو الشواذ الذيف لـ يصؿ تأثير المرضى لدييـ إلى حد إلغاء إدراكيـ واختيارىـ فالمشرع
الجزائري لـ ينص عمى تنظيـ مسؤولية ىؤالء األشخاص.
وعميو ما حكـ ناقصي اإلدراؾ واالختيار في التشريع الجزائري؟ المشرع الجزائري لـ
يتعرض لحؿ مشكمة مسؤولية ىذه الفئة مف المجرميف أي الشواذ ،وعميو فإنو ليس أماـ
القاضي عند عرض إحدى ىذه الحاالت عميو إال الرجوع لمقواعد العامة في المسؤولية تمؾ
القواعد التي تقضي بأف مف انتقص إدراكو واختياره ينبغي أف تنقص مسؤوليتو بنفس
القدر ،ولما كانت نصوص التشريع الجزائري خالية مف بياف حدود ىذه المسؤولية الناقصة
أو الجزئية فميس أماـ القاضي إذف مف سبيؿ إال تطبيؽ الظروؼ القضائية المخففة،
9
ويترتب عمى ذلؾ أف المجرـ الشاذ يسأؿ جنائيا ( مسؤولية مخففة وتوقع عميو عقوبة
مخففة.
كما تشترط المادة 47ؽ ع ج صراحة " :وجود الجنوف وقت ارتكاب الفعؿ
اإلجرامي" ،وىذه العبارة كما يرى بعض الفقياء المعاصريف ليا معنياف:
معنى زمني ومعنى سببي:
معاصر لمفعؿ المجرـ.
ا أما المعنى الزمني فإف العبارة تعني أف يكوف االضطراب العقمي
أما المعنى السببي فإف العبارة تعني أف يكوف لالضطراب أو الخمؿ صمة أو عالقة
بالجريمة
ىذا واف الجنوف لكي ينتج أثره في عدـ توقيع العقوبة يجب أف يثبت انو كاف موجودا
( أو قائما ) لحظة ارتكاب الفعؿ اإلجرامي ،وأنو كاف النتيجة المباشرة لتأثير المرض العقمي
عمى إرادة الجاني ،وشرط معاصرة الجنوف لزمف ارتكاب النشاط اإلجرامي ،غير اف ىذا ال
يعني أف ليس لمجنوف أثر لو وقع بعد ارتكاب الجريمة ففي ىذه الحالة ىناؾ عدة افتراضات
منيا :
/01وقوع الجنون بعد الجريمة وقبل المحاكمة :الجنػوف الالحػؽ عمػى ارتكػاب الجريمػة ال أثػر
ل ػػو عم ػػى المس ػػؤولية الجنائي ػػة ،ف ػػي ى ػػذه الحال ػػة يح ػػوؿ الجن ػػوف الط ػػارئ دوف اتخ ػػاذ اإلجػ ػراءات
القانونية ومحاكمة المتيـ إذ ال يجوز محاكمتو إال بعد أف يشفى.
/02وقوع الجنون أثناء المحاكمة :فالجنوف يوقؼ المحاكمة إذ ال يجوز محاكمة مف ال
يستطيع الدفاع عف نفسو أو الحكـ عمى مف ال يفيـ العقاب.
/03وقوع الجنون بعد الحكم باإلدانة :ففي ىذه الحالة يجب وقؼ تنفيذ العقوبة حتى يتـ
شفاءه فالمحكوـ عميو المصاب بجنوف ال يجدي تنفيذ العقوبة فيو لعدـ إمكانية تحقؽ أغراضيا
فيو ويكوف تنفيذىا أو االستمرار فييا مجرد قسوة ليس ليا ما يبررىا.
10
أما فيما يخص موضوع إثبات الحالة العقمية التي يكوف عمييا المتيـ وقت ارتكاب
الجريمة أي معرفة ما إذا كاف يتمتع أو ال يتمتع بكامؿ قواه العقمية ىذه الميمة مف الوسائؿ
الفنية التي يجوز لممحكمة أف تستعيف فييا برأي أىؿ الخبرة أي طبيب مختص في األمراض
العقمية ،وقد اىتـ المشرع الجزائري بموضوع الخبرة ونص عمييا ضمف قانوف اإلجراءات
الجزائية في المواد مف 143إلى ،156فعمى الخبير العقمي أف يبيف أف المتيـ مصاب بخمؿ
عقمي أو نفسي وتحت تأثير ىذا المرض ارتكب فعمو ا رـ .وبأف المتيـ حالتو خطرة أي ىو
خطير عمى التمتع بسبب ما يعانيو مف مرض قد يؤدي بو إلى ارتكاب جرائـ أخرى إف لـ
يعالج ،وىؿ المتيـ قابؿ لتحمؿ العقوبة الجزائية بمعنى ىؿ ىو قادر عمى فيـ بأف التمتع
يرفض تصرفو ويعاقبو عميو فإذا كاف الجواب بال فيو غير قادر عمى ذلؾ ،فيذا يعني أننا أماـ
مجنوف طبقا ألحكاـ 47ق ع ج ،وبالتالي غير قابؿ لتحمؿ العقوبة.
وفي األخير عمى الخبير العقمي أف يوضح ما إذا كاف المتيـ قابؿ لمعالج والعودة
لممجتمع مرة ثانية ألف اليدؼ مف إجراء الخبرة العقمية عمى المتيـ ليس فقط تقدير درجة
المسؤولية الجنائية بؿ أيضا توقيع العالج المناسب لو.
ىذا ويحرر الخبير عند انتياء أعماؿ الخبرة تقرير ،ويجب أف يشتمؿ عمى وصؼ ما
قاـ بو مف أعماؿ ونتائجيا ،ويشيد بقيامو شخصيا بمباشرة ىذه األعماؿ ويوقع عمى تقريره وىو
ما تنص عميو المادة / 153ف 1 /إ ج ج ،والخبير ينتيي مف فحصو إلى إحدى نتيجتيف:
إما أف المتيـ شخص عادي أو انو مريض عقميا وعميو فالقاضي بناء عمى ذلؾ يقدر درجة
مسؤوليتو ،وىي مسؤولية كاممة في الحالة األولى ،وانتفاء المسؤولية تماما في الحالة الثانية.
وما تجدر اإلشارة إليو أف المشرع الجزائري جعؿ ندب الخبراء سواء في مرحمة التحقيؽ
أو في مرحمة الحكـ يكوف بناء عمى طمب النيابة العامة أو مف طرؼ القاضي نفسو أو مف
الخصوـ.
11
واف ىذا األثر المتعمؽ بالجنوف تحدده المادتيف 47ؽ ع ج و 21ؽ ع ج ،فتنص
المادة 47ؽ عمى أنو " :ال عقوبة عمى مف كاف في حالة جنوف وقت ارتكاب الجريمة دوف
اإلخالؿ بأحكاـ الفقرة 2مف المادة ،" 21وتنص المادة 21ؽ ع ج عمى أنو:
"الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية لألمراض العقمية ىو وضع الشخص بناء عمى أمر أو
حكـ أو قرار قضائي في مؤسسة مييأة ليذا الغرض بسبب خمؿ في قواه العقمية قائـ وقت
ارتكاب الجريمة أو اعتراه بعد ارتكابيا.
يمكف أف يصدر األمر بالحجز القضائي بموجب أي أمر أو حكـ أو قرار بإدانة المتيـ
أو العفو عنو أو ببراءتو أو انتفاء وجو الدعوى ،غير أنو في الحالتيف األخيرتيف ،يجب أف
تكوف مشاركتو في الوقائع المادية ثابتة ..." .فعبارة " ال عقوبة " الواردة في المادة 47تدؿ
بوضوح عمى امتناع عقاب الجنوف أو المصاب بخمؿ عقمي إذا ارتكب جريمتو وقت اإلصابة
بجنوف والذي يفقده اإلدراؾ أو االختيار ،والنص صريح في االمتناع العقاب ال امتناع
المسؤولية في ىذه الحالة .
ومع ذلؾ فإف الفقو جرى عمى القوؿ بأف عبارة " ال عقوبة " ،أو "يعفى مف العقاب "
تفيد امتناع المسؤولية الجنائية ،عمى أساس أف امتناع العقاب ىو النتيجة النيائية المتناع
المسؤولية الجنائية وعمى أساس أف الجنوف يعدـ اإلدراؾ واالختيار أو يعدـ أحدىما فتخمؼ أحد
شرطي المسؤولية أوكمييما تنتفي معو المسؤولية الجنائية تبعا لذلؾ .وتمتنع المسؤولية الجنائية
عف الجريمة أيا كانت طبيعتيا ( جناية جنحة أو مخالفة ) ،كما تمتنع تمؾ المسؤولية في أية
مرحمة تكوف عمييا الدعوى ،فإذا كانت الدعوى مازالت في طور التحقيؽ فعمى جية التحقيؽ
أف تتوقؼ عف السير في الدعوى وتصدر ،قرار بانتفاء وجو الدعوى ( أمر ) أما إذا كانت في
مرحمة المحاكمة وجب عمى المحكمة أف تصدر حكما بالبراءة ،ويجب عمى الجية التي
أصدرت الحكـ ،أف تصدر ق ار ار بالحجز القضائي فالحجز القضائي كتدبير مف تدابير األمف
12
في التشريع الجزائري الذي تنص عميو المادة 21ق ع ج ( السابقة الذكر ) أي كتدبير
احترازي ،ييدؼ المشرع الجزائري مف وراءه إلى عالج الجاني مف خطورتو اإلجرامية وحماية
المجتمع مف تمؾ الخطورة لذلؾ كاف الحكـ بالحجز القضائي مف اختصاص القضاء ال غير
باعتبار أف القاضي ىو الحارس األميف لمحريات الفردية وقد تطمب المشرع الجزائري في المادة
21ق ع ج ثبوت االشتراؾ المادي في الواقعة اإلجرامية لمشخص المصاب بخمؿ عقمي
المحكوـ عميو بالبراءة أو بعدـ وجود وجو إلقامة الدعوى ،كما أوجب المشرع أف يخضع
الشخص المراد وضعو في الحجز القضائي لمفحص الطبي لمتأكد مف ثبوت الخمؿ العقمي،
فسبب توقيع التدبير ىو الخطورة اإلجرامية التي يكوف عمييا.
وخالصة القول أن الشخص المصاب بخمل عقمي في التشريع الجزائري إن كان يعفى
من العقاب فيو يبقى مسؤوال جنائيا عمى أساس الخطورة اإلجرامية كأساس استثنائي
لممسؤولية الجنائية.
ثانيــــــــــــا
االكـــــــراه
تنص المادة 48ق ع ج عمى أنو " :ال عقوبة عمى مف اضطرتو إلى ارتكاب
الجريمة قوة ال قبؿ لو بدفعيا.
ينصرؼ تعريؼ اإلكراه المادي الذي يعدـ اإلرادة تماما ،عف اإلكراه المعنوي الذي ينقص أو
يضيؽ مف حرية اإلرادة ،فأييما يعتبر مانع مسؤولية جنائية يا ترى ؟
حيث يعرؼ اإلكراه المادي قوة مادية تشؿ اإلرادة أو تعدميا بصفة مؤقتة أو عارضة
وتفقد اإلنساف سيطرتو عمى أعضاء جسمو ،وقد تدفع بو إلى ماديات االجراـ.
أما اإلكراه المعنوي فيو قوة إنسانية توجو إلى نفسية إنساف فتضغط عمى إرادتو وتحممو
عمى ارتكاب جريمة تحت تأثير الخوؼ مف خطر أو ضرر جسيـ وشيؾ الوقوع ،ويتضح مف
13
ىذا التعريؼ أف اإلكراه المعنوي يعتمد عمى الخوؼ أو التيديد في التأثير عمى نفسية الخاضع
لو.
حسب المادة 48ؽ ع ج يشترط في اإلكراه بنوعيو المادي والمعنوي شرطاف:
/01أن تكون القوة التي صدر عنيا اإلكراه غير متوقعة،
/02أال يمكن دفع ىذه القوة.
أثــــــــــــر االكراه عمى المسؤولية الجنائية
متى ثبت توافر شرطي اإلكراه فإنو يمتنع عقاب المكره عف الجريمة التي ارتكبيا
وىذا ما عبرت عنو المادة 48ؽ ع حيف نصت عمى أنو ":ال عقوبة...".
وعبارة ال عقوبة إذا كانت مفيومة بالنسبة لإلكراه المعنوي بمعنى إذا توافر شرطي
اإلكراه المعنوي عمى النحو السابؽ بيانو والذي يضغط عمى إرادة المكره إال أنو ال يعدميا ولكف
حرية االختيار لديو تضيؽ عمى نحو كبير ال يكوف أمامو إال تنفيذ الجريمة التي أكره عمييا ،
وفقد حرية االختيار عمى ىذا النحو يفقد المسؤولية الجنائية أحد شروطيا مما تنتفي معو تمؾ
المسؤولية ،فإف األمر ال يكوف كذلؾ في اإلكراه المادي بحيث إذا توافر شرطي اإلكراه المادي
عمى النحو السابؽ ،فإف الماديات اإلجرامية التي تصدر عف المكره ماديا ال يصدؽ عمييا
وصؼ الجريمة النتفاء الركف المادي والمعنوي وال تنسب إليو وال يسأؿ عنيا جنائيا .
ولذلؾ فإف نص المشرع الجزائري في المادة 48عمى أنو " ال عقوبة " في حالة اإلكراه المادي
في تقديرنا غير دقيؽ إذ الحقيقة أنو " ال جريمة " النتفاء الركف المادي والركف المعنوي النعداـ
إرادة المكره ماديا فال يتوافر السموؾ اإلرادي الذي ىو قواـ الركف المادي وال اإلرادة التي ىي
جوىر الركف المعنوي.
14
ثالثا :صغر السن
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 48عمى أنو " ال عقوبة " في حالة اإلكراه المادي
في تقديرنا غير دقيؽ إذ الحقيقة أنو " ال جريمة " النتفاء الركف المادي والركف المعنوي النعداـ
إرادة المكره ماديا فال يتوافر السموؾ اإلرادي الذي ىو قواـ الركف المادي وال اإلرادة التي ىي
جوىر الركف المعنوي ،وىذا ما أخذ بو المشرع في المادة 49قانوف عقوبات والتي تنص عمى
أنو :ال توقع عمى القاصر الذي لـ يكمؿ الثالثة عشرة ( ) 13إال تدابير الحماية أو التربية...
ويخضع القاصر الذي يبمغ سنو مف 13إلى 18عاما إما لتدابير الحماية أو
التربية أو لعقوبات مخففة " .
جدير بالذكر أف المادة 56مف قانوف حماية الطفؿ تنص عمى أنو ":ال يكوف محال
لممتابعة الجزائرية الطفؿ الذي لـ يكمؿ 10سنوات، ... " .ىذا النص يقرر صراحة امتناع قياـ
مسؤولية الطفؿ الجنائية الذي لـ يكمؿ 10سنوات مف عمره وتفسير ذلؾ يعود إلى أف الطفؿ
في ىذه السف ال يتمتع باإلدراؾ وال يممؾ القدرة عمى التمييز بيف الخير والشر.
المسؤولية الجزائية لمشخص المعنوي
إف مسؤولية الشخص المعنوي ذاتو باعتباره شخصا قانونيا متمي از عف ممثمو ىؿ
يمكف أف يسأؿ عف ىذه األفعاؿ وتوقع عميو العقوبات المقررة ليا قانونا ؟ .لإلجابة عمى ذلؾ
انقسـ الفقو إلى رأييف أحدىما ينكر تمؾ المسؤولية واآلخر يسمـ بوجودىا ولكؿ رأي مبرراتو .
الرأئ االول :المنكرون لممسؤولية الجزائية لمشخص المعنوي:
ذىب رأي في الفقو إلى أف الشخص المعنوي ال يسأؿ جنائيا عف الجرائـ التي تقع
مف ممثمو والتي ارتكبيا لحساب الشخص المعنوي ولمصمحتو وانما تقع تمؾ المسؤولية عمى
عاتؽ الشخصي الطبيعي أي ممثؿ الشخص المعنوي شخصيا عمى أساس أف الجريمة وقعت
منو شخصيا ،وال يتصور وقوعيا أو نسبتيا إلى الشخص المعنوي ويستند في ذلؾ إلى ما يمي:
15
مبرراتـــــــــــــــــو :
الشخص المعنوي أو االعتباري ىو في واقع األمر مجرد مجاز أو حيمة قانونية ،عديـ
اإلرادة ال يستطيع أف يتصرؼ أو يصدر منو نشاط بنفسو ،بؿ بواسطة مف يقوـ بتمثيمو
قانونا ومف ثـ ال يمكف أف يدعى عميو جنائيا بؿ مدنيا فحسب في شخص ممثمو .
أف القوؿ بقياـ مسؤولية الشخص المعنوي يصطدـ بنظاـ العقوبة ،فالعقوبة في جوىرىا
ألـ يصيب مف توقع عميو وتحقؽ غرضيا في ردع الجناة أو العامة أو في تأىيؿ
المجرميف ،وال يتصور تحقيؽ ىذه األىداؼ إال بالنسبة لمشخص الطبيعي الذي يتمتع
باإلدراؾ واإلرادة ،وىو ما يفتقده الشخص المعنوي .
معظـ العقوبات الجنائية ال يمكف تطبيقيا عمى الشخص المعنوي ،كالعقوبات السالبة
لمحرية ( السجف والحبس ) وعقوبة اإلعداـ.
الري الثاني :المؤيدون لممسؤولية الجنائية لمشخص المعنوي
أ
إف رأي المحدثيف مف الفقياء ذىب إلى االعتراؼ بإمكاف قياـ المسؤولية الجنائية
لمشخص المعنوي ويروف أف حجج التي ساقيا أنصار الرأي السابؽ ليست قطعية ويردوف
عمييا الواحدة تموى األخرى عمى النحو االتي:
قوؿ أصحاب ىذا الرأي فإف صاغ ذلؾ عند أصحاب نظرية الفرض والمجاز فإنو غير
مقبوؿ عند أصحاب نظرية الحقيقة ،وىي النظرية السائدة في الفقو الحديث والتي ترى
بأف لمشخص المعنوي وجودا حقيقيا ولو إرادة قانونية وانكار ىذه اإلرادة ينجـ عنو إنكار
مسؤوليتو المدنية أي إمكانية الشخص المعنوي في التعاقد وااللتزاـ ،وىذا القوؿ يتناقض
مع قواعد القانوف التي تعترؼ لمشخص المعنوي بالشخصية القانونية كما أنو فيو إىدار
بمصالح أساسية لممجتمع فاألشخاص المعنوية تمعب دو ار رئيسيا في نشاطو العاـ
والخاص.
16
أما الرأي القائؿ بأف العقوبات التي يعرفيا القانوف في مجموعيا ال يمكف تطبيقيا عمى
الشخص المعنوي فيذا القوؿ ال يصدؽ عمى العقوبات المالية كالغرامة والمصادرة التي
يمكف تطبيقيا عمى الشخص المعنوي فيو صاحب ذمة مالية يستطيع المشرع حرمانو
مف بعض عناصرىا ،أما اإلعداـ والعقوبات السالبة لمحرية كالحبس والسجف التي توقع
عمى الشخص الطبيعي ففي الوسع أف يكوف ليا ما يقابميا بالنسبة لمشخص المعنوي
فاإلعداـ يقابمو عقوبة حؿ الشخص المعنوي ،والعقوبات السالبة لمحرية يقابميا بالنسبة
لمشخص المعنوي الوضع تحت الحراسة أو تضييؽ دائرة النشاط المسموح بو.
موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجنائية
أخذ المشرع الجزائري بالمسؤولية الجنائية لمشخص المعنوي أو االعتباري صراحة
اعترؼ المشرع الجزائري صراحة بمسؤولية الشخص االعتباري المعنوي بموجب المادة
51مكرر مف ؽ ع ج والتي تنص عمى أنو " :باستثناء الدولة والجماعات المحمية
واألشخاص المعنوية الخاضعة لمقانوف العاـ ،يكوف الشخص المعنوي مسؤوال جزائيا عف
الجرائـ التي ترتكب لحسابو مف طرؼ أجيزتو أو ممثميو الشرعييف عندما ينص القانوف
عمى ذلؾ.
إف المسؤولية الجزائية لمشخص المعنوي ال تمنع مساءلة الشخص الطبيعي
كفاعؿ أصمي أو كشريؾ في نفس األفعاؿ ،إال أف اعترافو بالمسؤولية الجنائية
لألشخاص المعنوي ليس مطمقا ،وانما يمزـ لقياميا ضرورة توافر شروط ثالثة أشارت
إلييا المادة 51مكرر:
/01أف ترتكب الجريمة مف طرؼ أجيزتو أو ممثميو الشرعييف ،أي يجب أف تقع مف
أحد المنتسبيف قانونا إلى الشخص المعنوي.
17
/02أف ترتكب تمؾ الجريمة باسـ الشخص المعنوي ولحسابو وىي ال تكوف كذلؾ إال إذا
كانت األفعاؿ التي تتكوف منيا الجريمة تدخؿ في اختصاص مرتكبيا وفقا لمنظاـ
القانوني الذي يحكـ الشخص المعنوي ،وكاف اليدؼ مف الفعؿ المجرـ جمب منفعة
لمشخص المعنوي.
/03أال يكوف الشخص المعنوي مف األشخاص المعنوية الخاضعة لمقانوف العاـ والدولة
والجماعات المحمية.
جدير بالذكر إف قياـ المسؤولية الجنائية عمى عاتؽ الشخص المعنوي إذا ما
توافرت شروطيا ال تستبعد مسؤولية األشخاص الطبيعييف الذيف يرتكبوف الجرائـ باسمو
ولحسابو سواء أكانوا فاعميف أصمييف أـ شركاء.
18