Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫المركــــــــــــــز الجامعــــــــــــــي عبد المـــو مرسمــــــــــــــي بتيبـــــــــــــــــــــازة‬

‫معيــــــــــد الحقـــــــــــــوق والعمــــــــــوم السياسيــــــــــة‬

‫ألقيت عمى طمبة السنة االولى ماستر‬


‫تخصص قانون جنائي وعموم جنائية‬

‫من إعداد الدكتور‪ :‬قاسمي سمير‬


‫أستاذ محاضر قسم ب‬

‫السنـــــــــة الجامعيـــــــــــــة‬

‫‪2024/2023‬‬
‫‪1‬‬
‫مقدمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬

‫إف قياـ الجريمة بأركانيا طبقا لمشروعية النصوص القانونية عمى السموؾ المنحرؼ‬
‫لإلنساف الذي يشكؿ جريمة بمفيومي القانوني‪ ،‬فإنو يرتب البحث في تحديد المسؤولية عف تمؾ‬
‫الجريمة لتسميط الجزاء المناسب ليا‪ ،‬بمعنى نوع الجزاء المناسب لكؿ جريمة مرتكبة بالنظر الى‬
‫طبيعة المسؤولية المترتبة عنيا‪.‬‬

‫وعميو فإف البحث وتحديد المسؤولية الجزائية ىو موضع الوسط‪ ،‬اي انو الحؽ عمى‬
‫ارتكاب الجريمة وسابؽ عمى توقيع الجزاء المناسب ليا‪.‬‬

‫فال تقوم المسؤولية الجنائية حيث ال تقع الجريمة‪ ،‬وال يوقع‬


‫الجزاء الجنائي حيث تنتفي المسؤولية‬
‫حيث تنتفي المسؤولية الجنائية‬
‫الفصل االول‪ :‬مفيوم المسؤولية الجنائية‬
‫لقد تعدد التعاريؼ بيف تيارات المغة والتشريع والفقو‪ ،‬وعميو نوجز كؿ منيا عمى النحو‬
‫االتي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬التعريف المغوي‬
‫يقصد بالمسؤولية بوجو عاـ ‪ :‬حاؿ أو صفة مف يسأؿ عف أمر تقع عميو تبعتو ‪:‬‬
‫يقاؿ أنا بريء مف مسؤولية ىذا العمؿ‪ ،‬كما تطمؽ أخالقيا عمى التزاـ الشخص بما يصدر عنو‬
‫قوال أو عمال‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعريف التشريعي‬
‫ليس مف اختصاص التشريع وضع تعريفات كقاعدة عامة‪ ،‬مف منطمؽ انيا متروكة‬
‫لمفقو‪ ،‬لذلؾ نجد انو ال التشريع الجزائري وال التشريعات المقارنة وضعت تعريفا لممسؤولية‬
‫الجنائية‪ ،‬سوى اإلشارة في نصوص متفرقة إلى بعض أحكاميا‪ ،‬وأغمب ىذه النصوص يتعمؽ‬
‫بموانع المسؤولية‬
‫ثالثا‪ :‬التعريف الفقيي‬
‫لقد تعددت التعاريؼ الفقيية في تعريؼ المسؤولية الجنائية نورد أىميا عمى ضوء‬
‫ىذا التعريؼ بالنظر الى العناصر التي اشتمميا‪:‬‬
‫(صالحية الشخص لتحمل الجزاء‪ ،‬الجنائي المقرر لمجريمة التي ارتكبيا)‬
‫ومنو نجد ىذه الخصائص االستمزامية ليا‪:‬‬
‫‪ /01‬أف المسؤولية في جوىرىا أثر أو جزاء جنائي نتيجة االخالؿ‪ ،‬أو السموؾ المنحرؼ‬
‫لمشخص‪.‬‬
‫‪ /02‬أف الجزاء الجنائي ال يقتصر فحسب عمى العقوبة بؿ يشمؿ التدبير االحترازي‪.‬‬
‫‪ /03‬أنو ال مسؤولية جنائية بدوف جريمة فالجريمة ( الركف الشرعي لمجريمة)‬
‫‪ /04‬صالحية الشخص‪ ،‬مفاد ذلؾ أف توافر شرط المسؤولية يستمزـ بأف يكوف الشخص‬
‫المسؤوؿ جنائيا مدركا مختا ار حاؿ ارتكابو لمجريمة واال انتفت عنو المسؤولية الجنائية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أساس المسؤولية الجنائية ( بالنسبة لممشرع الجزائري)‬
‫لقد أقاـ المشرع الجزائري المسؤولية الجنائية عمى أساس حرية االختيار‪ ،‬والتي يقصد‬
‫بيا المقدرة عمى المفاضمة بيف البواعث المختمفة وتوجيو اإلرادة وفقا إلحداىا‪ ،‬فيي قدرة الجاني‬
‫عمى سموؾ الطريؽ المطابؽ لمقانوف والطريؽ المخالؼ لو وتفضيمو ىذا األخير‪ ،‬لكنيا حرية‬

‫‪3‬‬
‫مقيدة تستتبع بوضع تدابير وقائية مف تدابير األمف لمحاالت التي تمتنع فييا قياـ المسؤولية‬
‫الجنائية أو في حاالت انتقاصيا‪.‬‬
‫وعميو المشرع الجزائري في االخذ بأساس المسؤولية الجنائية أخذ بحرية االختيار كأصؿ‬
‫وبيف تقيد حرية االختيار كاستثناء سوآءا بانتفاء المسؤولية أو انتقاصيا مف خالؿ فرض تدابير‬
‫احت ارزية مف تدابير االمف ( وىو ما يعبر عنو بالخطورة االجرامية )‪ ،‬منو نجد المادة ‪/ 49‬ؼ‪/‬‬
‫‪ 1‬ؽ ع ج عمى أنو (ال توقع عمى القاصر الذي لم يكتمل ثالثة عشرة سنة إال تدابير الحماية‬
‫أو التربية )‪ ،‬كما أف المشرع الجزائري خفؼ المسؤولية الجنائية عند انتقاص حرية االختيار‬
‫لدى الجاني وخير القاضي الجنائي بيف األخذ بعقوبة مخففة أو بتدبير أمف إذا كاف الجاني‬
‫صبيا تتراوح سنو بيف (‪ 13‬و‪ 18‬عاـ) حيث نصت المادة ‪/ 49‬ؼ‪ 2 /‬ؽ ع ج ‪ ،‬عمى أنو ‪:‬‬
‫"‪ ...‬ويخضع القاصر الذي يبمغ سنو ‪ 13‬إلى ‪ 18‬عاـ إما لتدابير الحماية أو التربية أو‬
‫لعقوبات مخففة ‪." ...‬‬
‫وعميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو‬
‫نقوؿ أف األصؿ العاـ ألساس المسؤولية الجنائية في التشريع الجزائري ىو حرية‬
‫االختيار وأنو استثناء مف ىذا األصؿ يكوف أساس المسؤولية الجنائية ىو الخطورة اإلجرامية‬
‫في حاالت محددة ينص عمييا المشرع صراحة ونظ ار ألف تمؾ الحاالت قميمة‪ ،‬فإف االتجاه‬
‫الغالب في الفقو يذىب إلى أف األساس التقميدي لممسؤولية الجنائية القائـ عمى حرية االختيار‬
‫ىو ما يعتنقو المشرع الجزائري وأف تمؾ المسؤولية تنتفي بالنسبة لمشخص المجنوف والطفؿ‬
‫الغير مميز مع التسميـ في نفس الوقت بإمكانية توقيع تدابير أمف عمييما لمواجية خطورتيما‬
‫اإلجرامية‪ ،‬ولحماية المجتمع دوف االعتراؼ بوجود أساس آخر يبرر توقيع تمؾ التدابير عمييـ‬
‫عمى الرغـ مف تسميميـ بأف تمؾ التدابير ىي إحدى صورتي الجزاء الجنائي وأنو مف بيف‬
‫شروط الحكـ بيا ضرورة وقوع جريمة احتراما لمبدأ شرعية الجرائـ والعقوبات‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬خصائص المسؤولية الجنائية‬
‫أوال‪ :‬االنسان محل المسؤولية الجنائية‬
‫القاعدة المستقر عمييا في العصر الحديث في مختمؼ التشريعات المقارنة ىي أنو ال‬
‫يسأؿ جزائيا غير اإلنساف ألنو الكائف الوحيد الذي يمكف أف يفيـ نصوص القانوف وما تتضمنو‬
‫مف أوامر ونواىي مف جية‪ ،‬ومف جية اخرى األفعاؿ التي تجرميا القوانيف ال يتصور صدورىا‬
‫مف غير اإلنساف‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬شخصية المسؤولية الجنائية‬


‫‪ /01‬القاعدة العامة‬
‫مف المسمـ بو أف العقوبة شخصية ال يقضي بيا إال عمى مف تقررت مسؤوليتو‬
‫الجنائية عف الجريمة التي ارتكبيا ‪ ،‬ومف المسمـ بو أيضا في التشريعات الجنائية الحديثة أف‬
‫المسؤولية الجنائية شخصية ال يتحمميا إال مف أرتكب الجريمة أو ساىـ فييا بوصفو فاعال أو‬
‫شريكا وتطبيقا لذلؾ ال يسأؿ الشخص عف جريمة ارتكبيا غيره‪.‬‬
‫‪ /02‬االستثناء عن القاعدة العامة ( المسؤولية الجزائية عن فعل الغير)‬
‫إذا كاف المشرع الجزائري يأخذ بشخصية المسؤولية الجنائية كقاعدة عامة فإننا نسجؿ‬
‫خروجو عمى ىذه القاعدة أحيانا مثال في مجاؿ اإلعالـ تنص المادة ‪ 115‬من القانون‬
‫العضوي ‪ 05/12‬المتعمق باإلعالم عمى أنو ( يتحمل المدير مسؤولية النشرية أو مدير‬
‫جياز الصحافة االلكترونية‪ ،‬وكذا صاحب الكتابة أو الرسم مسؤولية كل كتابة أو رسم يتم‬
‫نشرىما من طرف نشرية دورية أو صحافة إلكترونية) ‪ ،‬عمى ضوء ىذا النص نالحظ أف‬
‫المشرع الجزائري في قانوف اإلعالـ يقرر المسؤولية الجنائية عف فعؿ‪ ،‬فيقرر مسؤولية المدير‬
‫مسؤوؿ النشرية ومدير جياز الصحافة اإللكترونية ومدير خدمة االتصاؿ السمعي البصري إلى‬
‫جانب صاحب الخبر الكتابة أو الرسـ ىذه المسؤولية الجنائية مفترضة فييـ‪ ،‬فالقانوف أنشأ‬
‫‪5‬‬
‫في حؽ ىؤالء قرينة قانونية قاطعة ال يجوز إثبات عكسيا‪ ،‬بأنيـ يعمموف بكؿ ما تنشره النشرية‬
‫الدورية أو الصحافة اإللكترونية وكؿ خبر تـ بثو مف قبؿ خدمة االتصاؿ السمعي البصري أو‬
‫عبر االنترنت‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬شروط المسؤولية الجنائية‬
‫أوال ‪ :‬االدراك أو التميز‬
‫يقصد بذلؾ المقدرة عمى فيـ ماىية الفعؿ وطبيعتو وتوقع اآلثار التي مف شأنو‬
‫إحداثيا‪ ،‬وىذه المقدرة تنصرؼ إلى ماديات الفعؿ وليس تكييؼ الفعؿ مف الناحية القانونية‬
‫فالعمـ بالقانوف مفترض فتتعمؽ بكيانو وعناصره كما تنصرؼ كذلؾ إلى آثاره وما يترتب عميو‬
‫مف خطورة عمى حقوؽ معينة يكفؿ ليا المشرع الجنائي حمايتو‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حرية االختيار‬
‫ينصرؼ معنى ذلؾ الى قدرة الجاني عمى تحديد الوجية التي تتخذىا إرادتو ‪ ،‬أي‬
‫مقدرتو عمى دفع إرادتو في وجية بعينيا مف الوجيات المختمفة التي يمكف أف تتخذىا‪ ،‬ولكف‬
‫حرية الجاني في االختيار ليست مطمقة بؿ ىي مقيدة بالعوامؿ التي تحيط بو عند ارتكابو الفعؿ‬
‫المجرـ ومقدار ما تركتو لو ىذه العوامؿ مف التحكـ في تصرفاتو‪ ،‬وتحديد ىذا القدر متوقؼ‬
‫عمى تطبيؽ القواعد المستمدة مف الخبرة اإلنسانية العامة التي تحدد مقدار تحكـ اإلنساف في‬
‫تصرفاتو وىو المقدار الذي اصطمح أفراد المجتمع عمى اشتراطو لكي يوصؼ اإلنساف عند‬
‫تصرفو بأنو حر في االختيار‪.‬‬
‫جدير بالذكر أف المشرع الجزائري لـ يحدد الشروط الواجب توافرىا حتى تكوف اإلرادة‬
‫معتبرة قانونا أي لـ يتطمب صراحة وجوب توافر شرطي التميز وحرية االختيار‪ ،‬بؿ اكتفى‬
‫ببياف الحاالت التي تنتفي فييا ىذه الشروط كميا أو بعضيا فتتجرد اإلرادة مف قيمتيا القانونية‬

‫‪6‬‬
‫وعميو تمتنع المسؤولية الجنائية‪ ،‬وقد واكب المشرع الجزائري ىذا المبدأ عمى غرار باقي‬
‫التشريعات المقارنة‪.‬‬
‫وعميو يمكف القوؿ إذا توافر لدى الجاني اإلدراؾ أو التمييز واالختيار بالتحديد السابؽ‬
‫وقت ارتكاب الجريمة قامت مسؤوليتو عنيا‪ ،‬واذا انتقص قدر حرية االختيار انتقصت‬
‫المسؤولية الجنائية‪ ،‬واذا انعدـ اإلدراؾ ( أو التمييز) أو حرية االختيار انعدمت المسؤولية‬
‫الجنائية عمى ىذا األساس‪ ،‬ولكف ىذا ال يمنع مف اتخاذ التدابير الجنائية الالزمة لمواجية‬
‫الخطورة اإلجرامية الكامنة في شخص مرتكب الجريمة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الخطورة االجرامية‬
‫ىناك من يعرفيا‪:‬‬
‫حالة نفسية يحتمل من صاحبيا أن يكون مصد ار لجريمة مستقبمة‪.‬‬
‫ومن يعرفيا‪:‬‬
‫استعداد يتواجد لدى الشخص يكون من المحتمل إقدامو عمى ارتكاب جرائم‬
‫مستقبمة‪.‬‬
‫ومن يعرفيا‪:‬‬
‫احتمال ارتكاب المجرم لجريمة تالية‪ ،‬اي جريمة أخرى‪.‬‬
‫مف ىذه التعاريؼ نالحظ أف الخطورة اإلجرامية مجرد احتماؿ‪ ،‬او نوع مف التوقع‬
‫منصرؼ إلى المستقبؿ‪ ،‬وموضوع ىذا التوقع ىو جريمة تصدر عف نفس الشخص الذي ارتكب‬
‫جريمة سابقة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬موانــــــــع المسؤوليــــــــة الجنائيــــــــــــة‬
‫ىي أوضاع أو أحواؿ أو أسباب تعترض سبيؿ المسؤولية الجنائية فتعدميا أو تخفؼ‬
‫منيا وىذه العوارض أو الموانع بعضيا طبيعي مثؿ صغر السف وبعضيا مؤقت أو عارض‬
‫مثؿ الجنوف واإلكراه ‪...‬‬
‫وتتميز موانع المسؤولية بأنيا شخصية عمى خالؼ األفعاؿ المبررة التي تعتبر أسبابا‬
‫موضوعية وانيا ال تزيؿ الصفة الجرمية عف الفعؿ المجرـ إذ يبقى غير مشروع‪ ،‬بعكس األفعاؿ‬
‫المبررة التي تزيؿ تمؾ الصفة بحيث يصبح الفعؿ مشروعا‪.‬‬
‫جدير بالذكر أف توافر أحد موانع المسؤولية ينتج عنو اإلعفاء مف العقوبة فقط ويكوف‬
‫بالتالي ممكنا مع توافرىا توقيع تدبير احترازي باإلضافة إلى التعويض المدني‪ ،‬وىذا عمى‬
‫العكس مف األفعاؿ المبررة التي تزيؿ كؿ مف المسؤولية الجنائية والمدنية ( فال توقع عقوبة وال‬
‫تدبير احترازي وال تعويض مدني )‪.‬‬
‫ىذا وأف وموانع المسؤولية شخصية يستفيد منيا مف توافرت لديو فقط دوف سائر‬
‫المساىميف معو‪ ،‬عمى عكس األفعاؿ المبررة التي ىي موضوعية يستفيد منيا كؿ مف ساىـ‬
‫فييا فاعال كاف أـ شريكا‪.‬‬
‫ولقد نص المشرع الجزائري ‪ ،‬في الفصؿ الثاني مف الباب الثاني مف الكتاب األوؿ مف قانوف‬
‫العقوبات عمى موانع المسؤولية الجنائية وحصرىا في ثالث حاالت عمى التوالي‪:‬‬
‫‪ -‬الجنون في المادة ‪ 47‬ق ع‪،‬‬
‫‪ -‬اإلكراه في المادة ‪ 48‬ق ع‪،‬‬
‫‪ -‬صغر السن في المادة ‪ 49‬ق ع ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أوال‬
‫الجنــــــــــــــــــــــون‬
‫يقصد بو لغويا‪ ،‬ذىاب العقؿ أو فساده أو عدـ القدرة عمى التحكـ في التصرفات‬
‫واألفعاؿ وتقدير عواقبيا‪.‬‬
‫ويقصد بو طبيا انحطاط تدريجي وبات في الممكات العقمية‪ ،‬أو ىو عدـ قدرة‬
‫الشخص عمى التوفيؽ بيف أفكاره وشعوره وبيف ما يحيط ألسباب عقمية‪.‬‬
‫ويقصد بو في معناه العاـ كؿ عاىة أو آفة تصيب العقؿ وتخرج بو عف حالتو‬
‫الطبيعية‪ ،‬وىي بيذا المعنى مفيوـ شامؿ يدخؿ فيو الجنوف ويتسع لصور أخرى ال تعد‬
‫جنونا بالمعنى الطبي ولكنيا تناؿ مف العقؿ وتضعؼ مف قدرة الشخص عمى اإلدراؾ‬
‫واالختيار‪ ،‬وعاىات العقؿ بعضيا دائـ ومستمر ال يفيؽ منيا المصاب بيا‪ ،‬وبعضيا‬
‫متقطع أو دوري تصيبو في فترات دورية تتخمميا أوقات إفاقة‪.‬‬
‫عمى ضوء ما سبؽ ال بد مف إعطاء نص المادة ‪ 47‬ؽ ع تفسي ار واسعا حتى يشمؿ‬
‫كؿ حاالت االضطراب في القوى العقمية التي يزوؿ بيا التميز وحرية‪ ،‬أي مف كاف في‬
‫حالة تفقده الوعي وتجعمو غير قادر عمى التمييز في أفعالو‪.‬‬
‫الجدير الذكر أف ما يجب مالحظتو ىو أف مدلوؿ المادة ‪ 47‬نصت عمى حكـ مف‬
‫فقد إدراكو واختياره فقدا تاما‪ ،‬أما ناقصي اإلدراؾ واالختيار وىـ طائفة أنصاؼ المجانيف‬
‫أو الشواذ الذيف لـ يصؿ تأثير المرضى لدييـ إلى حد إلغاء إدراكيـ واختيارىـ فالمشرع‬
‫الجزائري لـ ينص عمى تنظيـ مسؤولية ىؤالء األشخاص‪.‬‬
‫وعميو ما حكـ ناقصي اإلدراؾ واالختيار في التشريع الجزائري؟ المشرع الجزائري لـ‬
‫يتعرض لحؿ مشكمة مسؤولية ىذه الفئة مف المجرميف أي الشواذ‪ ،‬وعميو فإنو ليس أماـ‬
‫القاضي عند عرض إحدى ىذه الحاالت عميو إال الرجوع لمقواعد العامة في المسؤولية تمؾ‬
‫القواعد التي تقضي بأف مف انتقص إدراكو واختياره ينبغي أف تنقص مسؤوليتو بنفس‬
‫القدر‪ ،‬ولما كانت نصوص التشريع الجزائري خالية مف بياف حدود ىذه المسؤولية الناقصة‬
‫أو الجزئية فميس أماـ القاضي إذف مف سبيؿ إال تطبيؽ الظروؼ القضائية المخففة‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫ويترتب عمى ذلؾ أف المجرـ الشاذ يسأؿ جنائيا ( مسؤولية مخففة وتوقع عميو عقوبة‬
‫مخففة‪.‬‬
‫كما تشترط المادة ‪ 47‬ؽ ع ج صراحة ‪ " :‬وجود الجنوف وقت ارتكاب الفعؿ‬
‫اإلجرامي"‪ ،‬وىذه العبارة كما يرى بعض الفقياء المعاصريف ليا معنياف‪:‬‬
‫معنى زمني ومعنى سببي‪:‬‬
‫معاصر لمفعؿ المجرـ‪.‬‬
‫ا‬ ‫أما المعنى الزمني فإف العبارة تعني أف يكوف االضطراب العقمي‬
‫أما المعنى السببي فإف العبارة تعني أف يكوف لالضطراب أو الخمؿ صمة أو عالقة‬
‫بالجريمة‬
‫ىذا واف الجنوف لكي ينتج أثره في عدـ توقيع العقوبة يجب أف يثبت انو كاف موجودا‬
‫( أو قائما ) لحظة ارتكاب الفعؿ اإلجرامي‪ ،‬وأنو كاف النتيجة المباشرة لتأثير المرض العقمي‬
‫عمى إرادة الجاني‪ ،‬وشرط معاصرة الجنوف لزمف ارتكاب النشاط اإلجرامي‪ ،‬غير اف ىذا ال‬
‫يعني أف ليس لمجنوف أثر لو وقع بعد ارتكاب الجريمة ففي ىذه الحالة ىناؾ عدة افتراضات‬
‫منيا ‪:‬‬
‫‪ /01‬وقوع الجنون بعد الجريمة وقبل المحاكمة‪ :‬الجنػوف الالحػؽ عمػى ارتكػاب الجريمػة ال أثػر‬
‫ل ػػو عم ػػى المس ػػؤولية الجنائي ػػة ‪ ،‬ف ػػي ى ػػذه الحال ػػة يح ػػوؿ الجن ػػوف الط ػػارئ دوف اتخ ػػاذ اإلجػ ػراءات‬
‫القانونية ومحاكمة المتيـ إذ ال يجوز محاكمتو إال بعد أف يشفى‪.‬‬
‫‪ /02‬وقوع الجنون أثناء المحاكمة‪ :‬فالجنوف يوقؼ المحاكمة إذ ال يجوز محاكمة مف ال‬
‫يستطيع الدفاع عف نفسو أو الحكـ عمى مف ال يفيـ العقاب‪.‬‬
‫‪ /03‬وقوع الجنون بعد الحكم باإلدانة‪ :‬ففي ىذه الحالة يجب وقؼ تنفيذ العقوبة حتى يتـ‬
‫شفاءه فالمحكوـ عميو المصاب بجنوف ال يجدي تنفيذ العقوبة فيو لعدـ إمكانية تحقؽ أغراضيا‬
‫فيو ويكوف تنفيذىا أو االستمرار فييا مجرد قسوة ليس ليا ما يبررىا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أما فيما يخص موضوع إثبات الحالة العقمية التي يكوف عمييا المتيـ وقت ارتكاب‬
‫الجريمة أي معرفة ما إذا كاف يتمتع أو ال يتمتع بكامؿ قواه العقمية ىذه الميمة مف الوسائؿ‬
‫الفنية التي يجوز لممحكمة أف تستعيف فييا برأي أىؿ الخبرة أي طبيب مختص في األمراض‬
‫العقمية‪ ،‬وقد اىتـ المشرع الجزائري بموضوع الخبرة ونص عمييا ضمف قانوف اإلجراءات‬
‫الجزائية في المواد مف ‪ 143‬إلى ‪ ،156‬فعمى الخبير العقمي أف يبيف أف المتيـ مصاب بخمؿ‬
‫عقمي أو نفسي وتحت تأثير ىذا المرض ارتكب فعمو ا رـ ‪ .‬وبأف المتيـ حالتو خطرة أي ىو‬
‫خطير عمى التمتع بسبب ما يعانيو مف مرض قد يؤدي بو إلى ارتكاب جرائـ أخرى إف لـ‬
‫يعالج‪ ،‬وىؿ المتيـ قابؿ لتحمؿ العقوبة الجزائية بمعنى ىؿ ىو قادر عمى فيـ بأف التمتع‬
‫يرفض تصرفو ويعاقبو عميو فإذا كاف الجواب بال فيو غير قادر عمى ذلؾ‪ ،‬فيذا يعني أننا أماـ‬
‫مجنوف طبقا ألحكاـ ‪ 47‬ق ع ج‪ ،‬وبالتالي غير قابؿ لتحمؿ العقوبة‪.‬‬
‫وفي األخير عمى الخبير العقمي أف يوضح ما إذا كاف المتيـ قابؿ لمعالج والعودة‬
‫لممجتمع مرة ثانية ألف اليدؼ مف إجراء الخبرة العقمية عمى المتيـ ليس فقط تقدير درجة‬
‫المسؤولية الجنائية بؿ أيضا توقيع العالج المناسب لو‪.‬‬
‫ىذا ويحرر الخبير عند انتياء أعماؿ الخبرة تقرير‪ ،‬ويجب أف يشتمؿ عمى وصؼ ما‬
‫قاـ بو مف أعماؿ ونتائجيا‪ ،‬ويشيد بقيامو شخصيا بمباشرة ىذه األعماؿ ويوقع عمى تقريره وىو‬
‫ما تنص عميو المادة ‪/ 153‬ف‪ 1 /‬إ ج ج ‪ ،‬والخبير ينتيي مف فحصو إلى إحدى نتيجتيف‪:‬‬
‫إما أف المتيـ شخص عادي أو انو مريض عقميا وعميو فالقاضي بناء عمى ذلؾ يقدر درجة‬
‫مسؤوليتو‪ ،‬وىي مسؤولية كاممة في الحالة األولى‪ ،‬وانتفاء المسؤولية تماما في الحالة الثانية‪.‬‬
‫وما تجدر اإلشارة إليو أف المشرع الجزائري جعؿ ندب الخبراء سواء في مرحمة التحقيؽ‬
‫أو في مرحمة الحكـ يكوف بناء عمى طمب النيابة العامة أو مف طرؼ القاضي نفسو أو مف‬
‫الخصوـ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫واف ىذا األثر المتعمؽ بالجنوف تحدده المادتيف ‪ 47‬ؽ ع ج و ‪ 21‬ؽ ع ج ‪ ،‬فتنص‬
‫المادة ‪ 47‬ؽ عمى أنو ‪ " :‬ال عقوبة عمى مف كاف في حالة جنوف وقت ارتكاب الجريمة دوف‬
‫اإلخالؿ بأحكاـ الفقرة ‪ 2‬مف المادة ‪ ،" 21‬وتنص المادة ‪ 21‬ؽ ع ج عمى أنو‪:‬‬
‫"الحجز القضائي في مؤسسة استشفائية لألمراض العقمية ىو وضع الشخص بناء عمى أمر أو‬
‫حكـ أو قرار قضائي في مؤسسة مييأة ليذا الغرض بسبب خمؿ في قواه العقمية قائـ وقت‬
‫ارتكاب الجريمة أو اعتراه بعد ارتكابيا‪.‬‬
‫يمكف أف يصدر األمر بالحجز القضائي بموجب أي أمر أو حكـ أو قرار بإدانة المتيـ‬
‫أو العفو عنو أو ببراءتو أو انتفاء وجو الدعوى ‪ ،‬غير أنو في الحالتيف األخيرتيف ‪ ،‬يجب أف‬
‫تكوف مشاركتو في الوقائع المادية ثابتة‪ ..." .‬فعبارة " ال عقوبة " الواردة في المادة ‪ 47‬تدؿ‬
‫بوضوح عمى امتناع عقاب الجنوف أو المصاب بخمؿ عقمي إذا ارتكب جريمتو وقت اإلصابة‬
‫بجنوف والذي يفقده اإلدراؾ أو االختيار‪ ،‬والنص صريح في االمتناع العقاب ال امتناع‬
‫المسؤولية في ىذه الحالة ‪.‬‬
‫ومع ذلؾ فإف الفقو جرى عمى القوؿ بأف عبارة " ال عقوبة " ‪ ،‬أو "يعفى مف العقاب "‬
‫تفيد امتناع المسؤولية الجنائية‪ ،‬عمى أساس أف امتناع العقاب ىو النتيجة النيائية المتناع‬
‫المسؤولية الجنائية وعمى أساس أف الجنوف يعدـ اإلدراؾ واالختيار أو يعدـ أحدىما فتخمؼ أحد‬
‫شرطي المسؤولية أوكمييما تنتفي معو المسؤولية الجنائية تبعا لذلؾ ‪ .‬وتمتنع المسؤولية الجنائية‬
‫عف الجريمة أيا كانت طبيعتيا ( جناية جنحة أو مخالفة )‪ ،‬كما تمتنع تمؾ المسؤولية في أية‬
‫مرحمة تكوف عمييا الدعوى ‪ ،‬فإذا كانت الدعوى مازالت في طور التحقيؽ فعمى جية التحقيؽ‬
‫أف تتوقؼ عف السير في الدعوى وتصدر‪ ،‬قرار بانتفاء وجو الدعوى ( أمر ) أما إذا كانت في‬
‫مرحمة المحاكمة وجب عمى المحكمة أف تصدر حكما بالبراءة ‪ ،‬ويجب عمى الجية التي‬
‫أصدرت الحكـ ‪ ،‬أف تصدر ق ار ار بالحجز القضائي فالحجز القضائي كتدبير مف تدابير األمف‬

‫‪12‬‬
‫في التشريع الجزائري الذي تنص عميو المادة ‪ 21‬ق ع ج ( السابقة الذكر ) أي كتدبير‬
‫احترازي‪ ،‬ييدؼ المشرع الجزائري مف وراءه إلى عالج الجاني مف خطورتو اإلجرامية وحماية‬
‫المجتمع مف تمؾ الخطورة لذلؾ كاف الحكـ بالحجز القضائي مف اختصاص القضاء ال غير‬
‫باعتبار أف القاضي ىو الحارس األميف لمحريات الفردية وقد تطمب المشرع الجزائري في المادة‬
‫‪ 21‬ق ع ج ثبوت االشتراؾ المادي في الواقعة اإلجرامية لمشخص المصاب بخمؿ عقمي‬
‫المحكوـ عميو بالبراءة أو بعدـ وجود وجو إلقامة الدعوى‪ ،‬كما أوجب المشرع أف يخضع‬
‫الشخص المراد وضعو في الحجز القضائي لمفحص الطبي لمتأكد مف ثبوت الخمؿ العقمي‪،‬‬
‫فسبب توقيع التدبير ىو الخطورة اإلجرامية التي يكوف عمييا‪.‬‬
‫وخالصة القول أن الشخص المصاب بخمل عقمي في التشريع الجزائري إن كان يعفى‬
‫من العقاب فيو يبقى مسؤوال جنائيا عمى أساس الخطورة اإلجرامية كأساس استثنائي‬
‫لممسؤولية الجنائية‪.‬‬
‫ثانيــــــــــــا‬
‫االكـــــــراه‬
‫تنص المادة ‪ 48‬ق ع ج عمى أنو ‪ " :‬ال عقوبة عمى مف اضطرتو إلى ارتكاب‬
‫الجريمة قوة ال قبؿ لو بدفعيا‪.‬‬
‫ينصرؼ تعريؼ اإلكراه المادي الذي يعدـ اإلرادة تماما‪ ،‬عف اإلكراه المعنوي الذي ينقص أو‬
‫يضيؽ مف حرية اإلرادة‪ ،‬فأييما يعتبر مانع مسؤولية جنائية يا ترى ؟‬
‫حيث يعرؼ اإلكراه المادي قوة مادية تشؿ اإلرادة أو تعدميا بصفة مؤقتة أو عارضة‬
‫وتفقد اإلنساف سيطرتو عمى أعضاء جسمو‪ ،‬وقد تدفع بو إلى ماديات االجراـ‪.‬‬
‫أما اإلكراه المعنوي فيو قوة إنسانية توجو إلى نفسية إنساف فتضغط عمى إرادتو وتحممو‬
‫عمى ارتكاب جريمة تحت تأثير الخوؼ مف خطر أو ضرر جسيـ وشيؾ الوقوع‪ ،‬ويتضح مف‬

‫‪13‬‬
‫ىذا التعريؼ أف اإلكراه المعنوي يعتمد عمى الخوؼ أو التيديد في التأثير عمى نفسية الخاضع‬
‫لو‪.‬‬
‫حسب المادة ‪ 48‬ؽ ع ج يشترط في اإلكراه بنوعيو المادي والمعنوي شرطاف‪:‬‬
‫‪ /01‬أن تكون القوة التي صدر عنيا اإلكراه غير متوقعة‪،‬‬
‫‪ /02‬أال يمكن دفع ىذه القوة‪.‬‬
‫أثــــــــــــر االكراه عمى المسؤولية الجنائية‬
‫متى ثبت توافر شرطي اإلكراه فإنو يمتنع عقاب المكره عف الجريمة التي ارتكبيا‬
‫وىذا ما عبرت عنو المادة ‪ 48‬ؽ ع حيف نصت عمى أنو‪ ":‬ال عقوبة‪...".‬‬
‫وعبارة ال عقوبة إذا كانت مفيومة بالنسبة لإلكراه المعنوي بمعنى إذا توافر شرطي‬
‫اإلكراه المعنوي عمى النحو السابؽ بيانو والذي يضغط عمى إرادة المكره إال أنو ال يعدميا ولكف‬
‫حرية االختيار لديو تضيؽ عمى نحو كبير ال يكوف أمامو إال تنفيذ الجريمة التي أكره عمييا ‪،‬‬
‫وفقد حرية االختيار عمى ىذا النحو يفقد المسؤولية الجنائية أحد شروطيا مما تنتفي معو تمؾ‬
‫المسؤولية‪ ،‬فإف األمر ال يكوف كذلؾ في اإلكراه المادي بحيث إذا توافر شرطي اإلكراه المادي‬
‫عمى النحو السابؽ‪ ،‬فإف الماديات اإلجرامية التي تصدر عف المكره ماديا ال يصدؽ عمييا‬
‫وصؼ الجريمة النتفاء الركف المادي والمعنوي وال تنسب إليو وال يسأؿ عنيا جنائيا ‪.‬‬
‫ولذلؾ فإف نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 48‬عمى أنو " ال عقوبة " في حالة اإلكراه المادي‬
‫في تقديرنا غير دقيؽ إذ الحقيقة أنو " ال جريمة " النتفاء الركف المادي والركف المعنوي النعداـ‬
‫إرادة المكره ماديا فال يتوافر السموؾ اإلرادي الذي ىو قواـ الركف المادي وال اإلرادة التي ىي‬
‫جوىر الركف المعنوي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثالثا‪ :‬صغر السن‬
‫لقد نص المشرع الجزائري في المادة ‪ 48‬عمى أنو " ال عقوبة " في حالة اإلكراه المادي‬
‫في تقديرنا غير دقيؽ إذ الحقيقة أنو " ال جريمة " النتفاء الركف المادي والركف المعنوي النعداـ‬
‫إرادة المكره ماديا فال يتوافر السموؾ اإلرادي الذي ىو قواـ الركف المادي وال اإلرادة التي ىي‬
‫جوىر الركف المعنوي‪ ،‬وىذا ما أخذ بو المشرع في المادة ‪ 49‬قانوف عقوبات والتي تنص عمى‬
‫أنو‪ :‬ال توقع عمى القاصر الذي لـ يكمؿ الثالثة عشرة ( ‪ ) 13‬إال تدابير الحماية أو التربية‪...‬‬
‫ويخضع القاصر الذي يبمغ سنو مف ‪ 13‬إلى ‪ 18‬عاما إما لتدابير الحماية أو‬
‫التربية أو لعقوبات مخففة " ‪.‬‬
‫جدير بالذكر أف المادة ‪ 56‬مف قانوف حماية الطفؿ تنص عمى أنو ‪":‬ال يكوف محال‬
‫لممتابعة الجزائرية الطفؿ الذي لـ يكمؿ ‪ 10‬سنوات‪، ... " .‬ىذا النص يقرر صراحة امتناع قياـ‬
‫مسؤولية الطفؿ الجنائية الذي لـ يكمؿ ‪ 10‬سنوات مف عمره وتفسير ذلؾ يعود إلى أف الطفؿ‬
‫في ىذه السف ال يتمتع باإلدراؾ وال يممؾ القدرة عمى التمييز بيف الخير والشر‪.‬‬
‫المسؤولية الجزائية لمشخص المعنوي‬
‫إف مسؤولية الشخص المعنوي ذاتو باعتباره شخصا قانونيا متمي از عف ممثمو ىؿ‬
‫يمكف أف يسأؿ عف ىذه األفعاؿ وتوقع عميو العقوبات المقررة ليا قانونا ؟‪ .‬لإلجابة عمى ذلؾ‬
‫انقسـ الفقو إلى رأييف أحدىما ينكر تمؾ المسؤولية واآلخر يسمـ بوجودىا ولكؿ رأي مبرراتو ‪.‬‬
‫الرأئ االول‪ :‬المنكرون لممسؤولية الجزائية لمشخص المعنوي‪:‬‬
‫ذىب رأي في الفقو إلى أف الشخص المعنوي ال يسأؿ جنائيا عف الجرائـ التي تقع‬
‫مف ممثمو والتي ارتكبيا لحساب الشخص المعنوي ولمصمحتو وانما تقع تمؾ المسؤولية عمى‬
‫عاتؽ الشخصي الطبيعي أي ممثؿ الشخص المعنوي شخصيا عمى أساس أف الجريمة وقعت‬
‫منو شخصيا‪ ،‬وال يتصور وقوعيا أو نسبتيا إلى الشخص المعنوي ويستند في ذلؾ إلى ما يمي‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫مبرراتـــــــــــــــــو ‪:‬‬
‫‪ ‬الشخص المعنوي أو االعتباري ىو في واقع األمر مجرد مجاز أو حيمة قانونية‪ ،‬عديـ‬
‫اإلرادة ال يستطيع أف يتصرؼ أو يصدر منو نشاط بنفسو‪ ،‬بؿ بواسطة مف يقوـ بتمثيمو‬
‫قانونا ومف ثـ ال يمكف أف يدعى عميو جنائيا بؿ مدنيا فحسب في شخص ممثمو ‪.‬‬
‫‪ ‬أف القوؿ بقياـ مسؤولية الشخص المعنوي يصطدـ بنظاـ العقوبة‪ ،‬فالعقوبة في جوىرىا‬
‫ألـ يصيب مف توقع عميو وتحقؽ غرضيا في ردع الجناة أو العامة أو في تأىيؿ‬
‫المجرميف‪ ،‬وال يتصور تحقيؽ ىذه األىداؼ إال بالنسبة لمشخص الطبيعي الذي يتمتع‬
‫باإلدراؾ واإلرادة‪ ،‬وىو ما يفتقده الشخص المعنوي ‪.‬‬
‫‪ ‬معظـ العقوبات الجنائية ال يمكف تطبيقيا عمى الشخص المعنوي‪ ،‬كالعقوبات السالبة‬
‫لمحرية ( السجف والحبس ) وعقوبة اإلعداـ‪.‬‬
‫الري الثاني‪ :‬المؤيدون لممسؤولية الجنائية لمشخص المعنوي‬
‫أ‬
‫إف رأي المحدثيف مف الفقياء ذىب إلى االعتراؼ بإمكاف قياـ المسؤولية الجنائية‬
‫لمشخص المعنوي ويروف أف حجج التي ساقيا أنصار الرأي السابؽ ليست قطعية ويردوف‬
‫عمييا الواحدة تموى األخرى عمى النحو االتي‪:‬‬
‫‪ ‬قوؿ أصحاب ىذا الرأي فإف صاغ ذلؾ عند أصحاب نظرية الفرض والمجاز فإنو غير‬
‫مقبوؿ عند أصحاب نظرية الحقيقة‪ ،‬وىي النظرية السائدة في الفقو الحديث والتي ترى‬
‫بأف لمشخص المعنوي وجودا حقيقيا ولو إرادة قانونية وانكار ىذه اإلرادة ينجـ عنو إنكار‬
‫مسؤوليتو المدنية أي إمكانية الشخص المعنوي في التعاقد وااللتزاـ‪ ،‬وىذا القوؿ يتناقض‬
‫مع قواعد القانوف التي تعترؼ لمشخص المعنوي بالشخصية القانونية كما أنو فيو إىدار‬
‫بمصالح أساسية لممجتمع فاألشخاص المعنوية تمعب دو ار رئيسيا في نشاطو العاـ‬
‫والخاص‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ ‬أما الرأي القائؿ بأف العقوبات التي يعرفيا القانوف في مجموعيا ال يمكف تطبيقيا عمى‬
‫الشخص المعنوي فيذا القوؿ ال يصدؽ عمى العقوبات المالية كالغرامة والمصادرة التي‬
‫يمكف تطبيقيا عمى الشخص المعنوي فيو صاحب ذمة مالية يستطيع المشرع حرمانو‬
‫مف بعض عناصرىا‪ ،‬أما اإلعداـ والعقوبات السالبة لمحرية كالحبس والسجف التي توقع‬
‫عمى الشخص الطبيعي ففي الوسع أف يكوف ليا ما يقابميا بالنسبة لمشخص المعنوي‬
‫فاإلعداـ يقابمو عقوبة حؿ الشخص المعنوي‪ ،‬والعقوبات السالبة لمحرية يقابميا بالنسبة‬
‫لمشخص المعنوي الوضع تحت الحراسة أو تضييؽ دائرة النشاط المسموح بو‪.‬‬
‫موقف المشرع الجزائري من المسؤولية الجنائية‬
‫أخذ المشرع الجزائري بالمسؤولية الجنائية لمشخص المعنوي أو االعتباري صراحة‬
‫اعترؼ المشرع الجزائري صراحة بمسؤولية الشخص االعتباري المعنوي بموجب المادة‬
‫‪ 51‬مكرر مف ؽ ع ج والتي تنص عمى أنو ‪ " :‬باستثناء الدولة والجماعات المحمية‬
‫واألشخاص المعنوية الخاضعة لمقانوف العاـ ‪ ،‬يكوف الشخص المعنوي مسؤوال جزائيا عف‬
‫الجرائـ التي ترتكب لحسابو مف طرؼ أجيزتو أو ممثميو الشرعييف عندما ينص القانوف‬
‫عمى ذلؾ‪.‬‬
‫إف المسؤولية الجزائية لمشخص المعنوي ال تمنع مساءلة الشخص الطبيعي‬
‫كفاعؿ أصمي أو كشريؾ في نفس األفعاؿ‪ ،‬إال أف اعترافو بالمسؤولية الجنائية‬
‫لألشخاص المعنوي ليس مطمقا‪ ،‬وانما يمزـ لقياميا ضرورة توافر شروط ثالثة أشارت‬
‫إلييا المادة ‪ 51‬مكرر‪:‬‬
‫‪ /01‬أف ترتكب الجريمة مف طرؼ أجيزتو أو ممثميو الشرعييف ‪ ،‬أي يجب أف تقع مف‬
‫أحد المنتسبيف قانونا إلى الشخص المعنوي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ /02‬أف ترتكب تمؾ الجريمة باسـ الشخص المعنوي ولحسابو وىي ال تكوف كذلؾ إال إذا‬
‫كانت األفعاؿ التي تتكوف منيا الجريمة تدخؿ في اختصاص مرتكبيا وفقا لمنظاـ‬
‫القانوني الذي يحكـ الشخص المعنوي‪ ،‬وكاف اليدؼ مف الفعؿ المجرـ جمب منفعة‬
‫لمشخص المعنوي‪.‬‬
‫‪ /03‬أال يكوف الشخص المعنوي مف األشخاص المعنوية الخاضعة لمقانوف العاـ والدولة‬
‫والجماعات المحمية‪.‬‬
‫جدير بالذكر إف قياـ المسؤولية الجنائية عمى عاتؽ الشخص المعنوي إذا ما‬
‫توافرت شروطيا ال تستبعد مسؤولية األشخاص الطبيعييف الذيف يرتكبوف الجرائـ باسمو‬
‫ولحسابو سواء أكانوا فاعميف أصمييف أـ شركاء‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like