‫وﺿﻊ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ‬

‫اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺷﺎﻛﺮ اﻟﺸﺮﯾﻒ‬

‫ﺑﺎﺣﺚ ﺷﺮﻋﻲ ﺑﻤﺠﻠﺔ اﻟﺒﯿﺎن‬

‫‪1‬‬
 ‫وﺿﻊ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺷﺎﻛﺮ اﻟﺸﺮﯾﻒ‬
‫ﺑﺎﺣﺚ ﺷﺮﻋﻲ ﺑﻤﺠﻠﺔ‬
‫اﻟﺒﯿﺎن‬
‫ﺗﻘﺪﯾﻢ‪:‬‬
‫ﻣﻨﺬ ﻋﻘﺪﯾﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ‪ -‬ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻤﻨﺼﺮم‪ -‬أو أزﯾﺪ ﻗﻠﯿﻼ ﺑﺪأ اﻟﺤ ﺪﯾﺚ ﯾﻜﺜ ﺮ ﻋ ﻦ‬
‫أوﺿ ﺎع اﻷﻗﻠﯿ ﺎت وأﺧ ﺬ ﯾﺘﺒﻠ ﻮر ﺣﺘ ﻰ ﺻ ﺎر ﻟﻔ ﻆ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻣﺼ ﻄﻠﺤﺎ ﻟ ﮫ ﺗﻌﺮﯾﻔ ﮫ‬
‫اﻟﺨ ﺎص ﺑ ﮫ وﻛ ﺬﻟﻚ اﻟﻐﺎﯾ ﺎت اﻟﺘ ﻲ ﯾﺴ ﻌﻰ واﺿ ﻌﻮا ھ ﺬا اﻟﻤﺼ ﻄﻠﺢ ﻟﺘﺤﻘﯿﻘﮭ ﺎ‬
‫وﺗﺮوﯾﺠﮭ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻌ ﺎﻟﻢ ﻣ ﻦ وراء ذﻟ ﻚ‪ ،‬وﻗ ﺪ اﺳ ﺘﻐﻠﺖ ﺣﻜﻮﻣ ﺎت اﻟ ﺪول اﻟﻘﻮﯾ ﺔ ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺎﺿﺮ)أﻣﺮﯾﻜﺎ واﻟﺪول اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ( اﻟﺮاﻏﺒﺔ ﻓﻲ إﻋﺎدة اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﻣﺮة أﺧﺮى ورﻗﺔ اﻷﻗﻠﯿﺎت وﻣﺎ ﺗﺜﯿﺮھﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان ﺑﺤﺠﺔ اﻟﺤﻔﺎظ‬
‫ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘ ﻮق اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ﻣﻔﮭ ﻮم ﺣﻘ ﻮق اﻹﻧﺴ ﺎن ذرﯾﻌ ﺔ ﻟﻠﻀ ﻐﻂ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﺣﻜﻮﻣ ﺎت اﻟ ﺪول اﻟﻤﻌﻨﯿ ﺔ واﻟﺘ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ ﺷ ﺌﻮﻧﮭﺎ اﻟﺪاﺧﻠﯿ ﺔ ﻟﺘﺤﻘﯿ ﻖ اﻟﻤﺼ ﺎﻟﺢ‬
‫اﻻﺳ ﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻜﺒ ﺮى ﻟﺘﻠ ﻚ اﻟ ﺪول اﻟﻄﺎﻣﻌ ﺔ‪ ،‬وﻓ ﻲ ھ ﺬه اﻟﻮرﻗ ﺔ ﻧﺤ ﺎول أن ﻧﻘ ﻮم‬
‫ﺑﻤﻘﺎرﺑﺔ ﻟﻤﻔﮭﻮم " اﻷﻗﻠﯿﺎت" وﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ أو ﯾﺮﺗﺒﻂ ﺑ ﮫ ﻣ ﻦ ﺗﺼ ﻮرات أو أﺣﻜ ﺎم ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻮﺻﻔﮫ ﺷﺮﯾﺤﺔ ﻣﻦ ﺷﺮاﺋﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر إﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﺗﻌﺮﯾﻒ اﻷﻗﻠﯿﺎت‪:‬‬
‫اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻣﻦ ﻟ ﺪن آدم ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﺴ ﻼم إﻟ ﻰ ﯾﻮﻣﻨ ﺎ ھ ﺬا ﺗﻨﻮﻋ ﺖ وﺗﻌ ﺪدت ﻓ ﻲ اﻷﻋ ﺮاق‬
‫واﻷﺟﻨ ﺎس واﻷﻟ ﻮان واﻟﻠﻐ ﺎت وﻓ ﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ واﻟﺘﺼ ﻮرات وﻛ ﺬﻟﻚ ﻓ ﻲ اﻷﻋﻤ ﺎل‬
‫واﻟﺴﻠﻮك‪ ،‬وﺗﺒﻌﺎ ﻟﺬﻟﻚ ﺗﻮزع اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺘﺼﻨﯿﻔﺎت واﺧﺘﻠ ﻒ ﺗﻌ ﺪادھﻢ زﻣﺎﻧﯿ ﺎ‬
‫وﻣﻜﺎﻧﯿﺎ‪ ،‬ﻓﻌﺮق ﯾﻜﺜﺮ ﺗﻌﺪاده ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺑﯿﻨﻤﺎ ﯾﻘﻞ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن آﺧ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟﻔﺘ ﺮة اﻟﺰﻣﻨﯿ ﺔ‬
‫ﻧﻔﺴ ﮭﺎ‪ ،‬وﻋ ﺮق آﺧ ﺮ ﻗ ﺪ ﯾﻜﺜ ﺮ ﻓ ﻲ زﻣ ﺎن ﺑﯿﻨﻤ ﺎ ﯾﻘ ﻞ ﻓ ﻲ زﻣ ﺎن آﺧ ﺮ ﻓ ﻲ اﻟﺒﻘﻌ ﺔ‬
‫اﻟﺠﻐﺮاﻓﯿ ﺔ ﻧﻔﺴ ﮭﺎ ‪ ،‬وﻗ ﻞ ﻣﺜ ﻞ ذﻟ ﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴ ﺒﺔ ﻟﻠﻌﻘﺎﺋ ﺪ واﻟﺘﺼ ﻮرات واﻷﺟﻨ ﺎس‬
‫واﻟﻠﻐ ﺎت‪ ،‬ﻓﺄﺻ ﺒﺤﻨﺎ ﻧﺠ ﺪ ﻋﻠ ﻰ اﻻﻣﺘ ﺪاد اﻟﺘ ﺎرﯾﺨﻲ واﻟﺠﻐﺮاﻓ ﻲ ﻛ ﺘﻼ ﺑﺸ ﺮﯾﺔ ﻗ ﺪ‬
‫ﺗﻤﺤﻮرت ﺣﻮل ﻋﺪة ﻗﻮاﺳﻢ ﻣﺸ ﺘﺮﻛﺔ ﻓﯿﻤ ﺎ ﺑﯿﻨﮭ ﺎ وﺗﺘﻤﯿ ﺰ ﺑﮭ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻮﻗ ﺖ ﻧﻔﺴ ﮫ ﻋ ﻦ‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻋ ﺎت أﺧ ﺮ‪ ،‬وﻗ ﺪ ﺟ ﺮى اﻻﺻ ﻄﻼح اﻟﻤﻌﺎﺻ ﺮ أن ﯾﻄﻠ ﻖ ﻋﻠ ﻰ أﺣ ﺪى ﺗﻠ ﻚ‬
‫اﻟﻜﺘﻞ ﻟﻔﻆ " اﻷﻗﻠﯿﺔ" اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻣﺤﺪدات‪0‬‬

‫ﻣﺤﺪدات ﻣﻔﮭﻮم اﻷﻗﻠﯿﺔ‪:‬‬

‫ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻔﻈﺔ أﻗﻠﯿﺔ ﻟﻐﺔ إﻟﻰ ﻣﺎدة ﻗﻠ ﻞ وﺑ ﺎﻟﺮﺟﻮع ﻟﮭ ﺬه اﻟﻤ ﺎدة ﻓ ﻲ اﻟﻤﻌ ﺎﺟﻢ ﻧﺠ ﺪ أﻧﮭ ﺎ‬
‫ﺗﻨ ﺘﻈﻢ ﺛﻼﺛ ﺔ ﻣﻌ ﺎن‪ :‬ﻓﻤﻨﮭ ﺎ ﻣﻌﻨ ﻰ اﻟﻘِﻠْ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ھ ﻲ ﺿ ﺪ اﻟﻜﺜ ﺮة ﻗ ﺎل اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪":‬‬
‫واذﻛﺮوا إذ ﻛﻨﺘﻢ ﻗﻠﯿﻼ ﻓﻜﺜﺮﻛﻢ" ﻗ ﺎل ﻓ ﻲ اﻟﻠﺴ ﺎن ‪ ":‬اﻟﻘِﻠْ ﺔ ﺧ ﻼف اﻟﻜﺜ ﺮة"‪ ،1‬وﻣﻨﮭ ﺎ‬
‫ذھﺎب اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻗﺎل أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮ ﻗﻮل اﺑ ﻦ ﻣﺴ ﻌﻮد "اﻟﺮﺑ ﺎ وأن ﻛﺜ ﺮ ﻓﮭ ﻮ إﻟ ﻰ‬
‫‪ 1‬ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب‪563/11‬‬
‫‪2‬‬
‫ﻗُﻞ" ﻗﺎل‪ :‬ھﻮ وإن ﻛﺜﺮ ﻓﻠﯿﺴﺖ ﻟﮫ ﺑﺮﻛﺔ"‪ 2‬وﻛﺬﻟﻚ ﻗﺎل اﻟﺰﻣﺨﺸ ﺮي‪ " :‬اﻟﻘُ ﻞ واﻟﻘِﻠ ﺔ‬
‫ﻛﺎﻟﺬﱡل واﻟﺬﱢﻟﺔ ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ ﻣﻤﺤﻮق اﻟﺒﺮﻛﺔ"‪ 3‬وﻗ ﺎل ﻓ ﻲ اﻟﻠﺴ ﺎن ‪ ":‬وﻓ ـﻲ ﺣ ﺪﯾﺚ اﺑ ﻦ‬
‫ﻣﺴﻌﻮد‪ :‬اﻟﺮﱢﺑﺎ‪ ،‬وإِن ﻛَﺜُﺮ‪ ،‬ﻓﮭﻮ إِﻟـﻰ ﻗُﻞَ؛ ﻣﻌﻨﺎه إِﻟـﻰ ﻗِﻠﱠﺔ أَي أَﻧﮫ وإِن ﻛﺎن زﯾﺎدة ﻓ ـﻲ‬
‫اﻟ ـﻤﺎل ﻋ ﺎﺟﻼً ﻓﺈﻧ ﮫ ﯾَ ﺆُول إِﻟ ـﻰ اﻟ ﻨﻘﺺ‪ ،‬ﻛﻘﻮﻟ ﮫ‪ :‬ﯾﻤ ـﺤَﻖ اﷲ اﻟﺮﱢﺑ ﺎ وﯾُﺮْﺑ ـﻲ‬
‫اﻟﺼﱠ ﺪَﻗﺎت"‪ ،4‬وﻣﻨﮭ ﺎ اﻟﻀ ﻌﺔ واﻟﺪوﻧﯿ ﺔ‪ :‬ﻗ ﺎل ﻓ ﻲ اﻟﻠﺴ ﺎن ‪ ":‬اﻟﻘُ ﻞ ﻣ ﻦ اﻟﺮﺟ ﺎل‪:‬‬
‫اﻟﺨﺴﯿﺲ اﻟﺪﯾﻦ"‪ 5‬وﻣﻦ اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻠﻄﯿﻔﺔ أن اﻻﺗﺠﺎھﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻓ ﻲ ﺑﯿ ﺎن ﻣﻔﮭ ﻮم‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺔ وﺗﻌﺮﯾﻔﮭﺎ ﺗﻜﺎد ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻤﻔﮭﻮم اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻟﮫ ﻓﯿﮭ ﺎ ﺛﻼﺛ ﺔ‬
‫اﺗﺠﺎھﺎت‪ :‬اﺗﺠﺎه ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻌﺪد وﺑﻨﺎء ﻋﻠﯿﮫ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ اﻷﻗﻞ ﻋﺪدا‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺴ ﺒﺔ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋ ﺔ اﻷﺧ ﺮى اﻷﻛﺜ ﺮ ﻋ ﺪدا واﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﺗﻌ ﺮف اﻷﻗﻠﯿ ﺔ أﻧﮭ ﺎ‪":‬‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻋ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺴ ﻜﺎن ﻟﮭ ﻢ ﻋ ﺎدة ﺟﻨﺴ ﯿﺔ اﻟﺪوﻟ ﺔ ﻏﯿ ﺮ أﻧﮭ ﻢ ﯾﻌﯿﺸ ﻮن ﺑ ﺬاﺗﯿﺘﮭﻢ‬
‫وﯾﺨﺘﻠﻔ ﻮن ﻋ ﻦ ﻏﺎﻟﺒﯿ ﺔ اﻟﻤ ﻮاﻃﻨﯿﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺠ ﻨﺲ أو اﻟﻠﻐ ﺔ أو اﻟﻌﻘﯿ ﺪة أو اﻟﺜﻘﺎﻓ ﺔ أو‬
‫اﻟﺘﺎرﯾﺦ أو اﻟﻌﺎدات أو ﻛﻞ ذﻟﻚ«‪ ،‬وأﯾﻀﺎ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻻﺗﺠ ﺎه ھ ﻲ‪» :‬أي ﻃﺎﺋﻔ ﺔ‬
‫ﻣ ﻦ اﻟﺒﺸ ﺮ اﻟﻤﻨﺘﻤ ﯿﻦ إﻟ ﻰ ﺟﻨﺴ ﯿﺔ دوﻟ ﺔ ﺑﻌﯿﻨﮭ ﺎ ﻣﺘ ﻰ ﺗﻤﯿ ﺰ ﻋ ﻦ أﻏﻠﺒﯿ ﺔ اﻟﻤ ﻮاﻃﻨﯿﻦ‬
‫اﻟﻤﻜ ﻮﻧﯿﻦ ﻟﻌﻨﺼ ﺮ اﻟﺴ ﻜﺎن ﻓ ﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿ ﺔ ﻣ ﻦ ﺣﯿ ﺚ اﻟﻌﻨﺼ ﺮ أو اﻟ ﺪﯾﻦ أو‬
‫اﻟﻠﻐﺔ«‪،6‬وﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ھﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻨﻔﻮذ واﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ‬
‫و اﺗﺠﺎه ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻘﻮة واﻟﺴﯿﻄﺮة واﻟﺘﺄﺛﯿﺮ وﺑﻨﺎء ﻋﻠﯿﮫ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭ ﺎ‬
‫اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻷﺿﻌﻒ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺳﯿﻄﺮة ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﻘﯿﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻷﻗ ﻮى‬
‫اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻜﻮن ﻣﻨﮭﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﺗﻌ ﺮف اﻷﻗﻠﯿ ﺔ أﻧﮭ ﺎ " ﻣﺠﻤﻮﻋ ﺔ ﻣ ﻦ‬
‫اﻷﺷﺨﺎص ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻟﮭﺎ اﻟﺴﯿﻄﺮة أو اﻟﮭﯿﻤﻨﺔ‪ ،‬ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺠﻨﺴﯿﺔ اﻟﺪوﻟﺔ إﻻ أﻧﮭﺎ‬
‫ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺠﻨﺲ أو اﻟﺪﯾﺎﻧﺔ أو اﻟﻠﻐﺔ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺸﻌﺐ‪ ،‬وﺗﺼﺒﻮ إﻟ ﻰ ﺣﻤﺎﯾ ﺔ‬
‫ﺛﻘﺎﻓﺘﮭ ﺎ وﺗﻘﺎﻟﯿ ﺪھﺎ وﻟﻐﺘﮭ ﺎ اﻟﺨﺎﺻ ﺔ"‪ 7‬وﻣ ﻦ اﻟﻤﻤﻜ ﻦ أن ﺗﻜ ﻮن ھ ﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ ھ ﻲ‬
‫اﻷﻛﺜﺮ ﻋ ﺪدا ﻓ ﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ‪ ،‬واﺗﺠ ﺎه ﯾﻨﻈ ﺮ إﻟ ﻰ اﻟﻤﻜﺎﻧ ﺔ واﻟﺮﻓﻌ ﺔ واﻟﻮﺟﺎھ ﺔ وﺑﻨ ﺎء‬
‫ﻋﻠﯿ ﮫ ﯾﻨﻈ ﺮ إﻟ ﻰ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻋﻠ ﻰ أﻧﮭ ﺎ اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ اﻟﻤﺴﺘﻀ ﻌﻔﺔ ﻣﮭﻀ ﻮﻣﺔ اﻟﺤﻘ ﻮق اﻟﺘ ﻲ‬
‫ﯾﻨﻈ ﺮ إﻟﯿﮭ ﺎ ﻧﻈ ﺮة دوﻧﯿ ﺔ واﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﺗﻌ ﺮف اﻷﻗﻠﯿ ﺔ أﻧﮭ ﺎ "ﻣﺠﻤﻮﻋ ﺔ ﻣ ﻦ‬
‫ﻣﻮاﻃﻨﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺑﻘﯿﺔ ﻣﻮاﻃﻨﯿﮭﺎ ﻣ ﻦ ﺣﯿ ﺚ اﻟﺠ ﻨﺲ أو اﻟ ﺪﯾﻦ أو اﻟﻠﻐ ﺔ أو‬
‫اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﻘﺒﻊ ﻓﻲ ذﯾﻞ اﻟﺴﻠﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ " وﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﺗﻜ ﻮن ھ ﺬه اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ ھ ﻲ‬
‫اﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﻌﺪد‪ ،‬وﻗﺪ ﯾﻈﮭﺮ أن ﺗﻜ ﻮن اﻟﻨﻈ ﺮة إﻟ ﻰ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻣ ﻦ وﺟﮭ ﺔ اﻟﻘ ﻮة‬
‫واﻟﺘ ﺄﺛﯿﺮ وﻣ ﻦ وﺟﮭ ﺔ اﻟﻤﻜﺎﻧ ﺔ ﻣﺘﻼزﻣ ﺔ ﻣ ﻦ ﺣﯿ ﺚ اﻟﻮاﻗ ﻊ ﻓ ﻲ أﻏﻠ ﺐ اﻷﺣﯿ ﺎن‬
‫واﻷﺣﻮال ﻟﻠﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻣ ﻦ ﻧﺎﺣﯿ ﺔ اﻟﻌ ﺪد‪ ،‬إذ ﻏﺎﻟﺒ ﺎ ﻣ ﺎ ﺗﻜ ﻮن اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ اﻟﻌﺪدﯾ ﺔ ھ ﻲ‬
‫اﻷﻗﻮى ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ واﻟﻮﺟﺎھﺔ‪ -‬إﻻ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﯿﻞ اﻟﻨﺎدر‪ ،-‬وﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ﻓﺈﻧ ﮫ ﯾﻤﻜﻨﻨ ﺎ‬
‫‪ 2‬اﻟﻐﺮﯾﺐ ﻻﺑﻦ ﺳﻼم ‪92/4‬‬
‫‪ 3‬اﻟﻔﺎﺋﻖ‪222/3‬‬
‫‪ 4‬اﻟﻠﺴﺎن‪563/11‬‬
‫‪ 5‬اﻟﻠﺴﺎن ‪564/11‬‬
‫‪ 6‬اﻟﻤﻠﻒ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺒﯿﺎن ﻟﻠﺼﺤﺎﻓﺔ واﻟﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ ﻋﺪد اﻟﺠﻤﻌﺔ ‪ 10‬ذواﻟﻘﻌﺪة ‪1424‬ھـ ‪ 2 -‬ﯾﻨﺎﯾﺮ‪-2004‬‬
‫اﻟﻌﺪد ‪659‬‬
‫‪ 7‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‬
‫‪3‬‬
‫ﺗﻌﺮﯾ ﻒ " اﻷﻗﻠﯿ ﺔ" ‪ :‬أﻧﮭ ﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋ ﺔ ﻣ ﻦ ﻣ ﻮاﻃﻨﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ‪ -‬أﯾ ﺔ دوﻟ ﺔ‪ -‬ﺗﺸ ﻜﻞ أﻗﻠﯿ ﺔ‬
‫ﻋﺪدﯾﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻌﺪاد ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻤﻮاﻃﻨﯿﻦ ﺗﺘﻤﯿ ﺰ ﻋ ﻨﮭﻢ إﻣ ﺎ ﻋﺮﻗﯿ ﺎ أو ﻗﻮﻣﯿ ﺎ أو دﯾﻨﯿ ﺎ أو‬
‫ﺛﻘﺎﻓﯿﺎ أو ﻟﻐﻮﯾﺎ أو ﻛﻞ ذﻟﻚ ‪ ،‬وھﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟﺐ اﻷﻋﻢ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺿﻌﻒ أو ﻧﻘﺺ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘ ﻮة أو اﻟﻤﻜﺎﻧ ﺔ ﺗ ﺆﺛﺮ ﻋﻠ ﻰ وﺿ ﻌﮭﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳ ﻲ واﻻﺟﺘﻤ ﺎﻋﻲ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ" وﻣ ﻦ‬
‫اﻟﺒ ﯿﻦ أن ھ ﺬا اﻟﻤﻌﻨ ﻰ اﻻﺻ ﻄﻼﺣﻲ ﻟﻸﻗﻠﯿ ﺎت ﻻ وﺟ ﻮد ﻟ ﮫ إﻻ ﻓ ﻲ ﻇ ﻞ اﻟﻮﺣ ﺪة‬
‫اﻟﺴﯿﺎﺳ ﯿﺔ اﻟﺘ ﻲ ﯾﻄﻠ ﻖ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ ﻟﻔ ﻆ " دوﻟ ﺔ " واﻟﺘ ﻲ ﺗﻔ ﺮض ﺳ ﻠﻄﺎﻧﮭﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺟﻤﯿ ﻊ‬
‫اﻟﻘﺎﻃﻨﯿﻦ ﻹﻗﻠﯿﻢ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ ‪ ،‬وأﻣﺎ ﺧﺎرج إﻃ ﺎر اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻘﻮﻣﯿ ﺔ ﻓ ﻼ ﻣﻌﻨ ﻰ ﻟﻠﺤ ﺪﯾﺚ‬
‫ﻋﻦ اﻷﻗﻠﯿﺎت ؛ ﻓﺈن ﻛﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﺮﻗﯿﺔ أو ﻟﻐﻮﯾﺔ أو دﯾﻨﯿﺔ ﺗﻜﻮن وﺣﺪة ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ‪.‬‬

‫ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻷﻗﻠﯿﺎت‪:‬‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻣﻊ ﺷﻌﻮرھﺎ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﯾﺰ اﻟﻌﺮﻗﻲ أو اﻟﺪﯾﻨﻲ أو اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻋﻦ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﺮى‬
‫أن ﻟﮭﺎ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﺗﺠﺎه اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ‪ ،‬وھﺬه اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺗﺮﺗﺒﻂ ارﺗﺒﺎﻃﺎ وﺛﯿﻘ ﺎ ﺑﻮﺿ ﻊ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ‬
‫ﻓ ﻲ ھ ﺬه اﻟﺒﻠ ﺪة أو ﺗﻠ ﻚ‪ ،‬وھ ﻲ ﻟﯿﺴ ﺖ ﺑﺎﻟﻀ ﺮورة ﻣﻄﺎﻟ ﺐ واﺣ ﺪة ﺑﺎﻟﻨﺴ ﺒﺔ ﻟﺠﻤﯿ ﻊ‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬وإن ﻛ ﺎن ﯾﻐﻠ ﺐ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ اﻟﺘﻘ ﺎرب اﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ﺗﻘ ﺎرب‬
‫اﻷوﺿﺎع ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أن ھﺬه اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ھﻲ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮫ‬
‫اﻟﻌﻤﻮم وﻟﯿﺴﺖ ﻣﻄﺎﻟﺐ أﻗﻠﯿﺔ ﻣﺤ ﺪدة ) إذ إن ﺑﻌﻀ ﮭﺎ ﯾﺘﻌ ﺎرض ﻣ ﻊ ﺑﻌ ﺾ ﺑﺤﺴ ﺐ‬
‫وﺿﻊ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﮭﺎ ( ﻓﻤﻦ أھﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ‪:‬‬
‫‪ .1‬اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﮭﻮﯾﺔ‪0‬‬
‫‪ .2‬اﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ‪0‬‬
‫‪ .3‬اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﺘﺎم ‪0‬‬
‫‪ .4‬اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺬاﺗﻲ‪0‬‬
‫‪ .5‬إﻟﻐﺎء ﻗﻮاﻧﯿﻦ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ واﻟﺘﻤﯿﯿﺰ‪0‬‬
‫‪ .6‬اﻻﻧﺪﻣﺎج اﻟﺘﺎم ﻓﻲ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ‪0‬‬
‫ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻷﻗﻠﯿﺎت‪:‬‬
‫ﯾﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد اﻷﻗﻠﯿﺎت ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻨﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺘﺒﺎﯾﻦ واﻟﺘﻤﺎﯾﺰ ﻋﻦ اﻷﻏﻠﺒﯿ ﺔ‪-‬إذا ﻟ ﻢ ﯾ ﺘﻢ‬
‫اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻌﺪل‪ -‬ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻛﺜﯿﺮة ﻣﻦ أھﻤﮭﺎ‪ :‬ﺗﻔﺘﯿﺖ وﺣﺪة اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ‪،‬‬
‫وﻧﺸ ﻮء اﻟﻤﺼ ﺎدﻣﺎت ﺑ ﯿﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ واﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ‪ ،‬وﻣﺤﺎوﻟ ﺔ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ اﻻﻧﻔﺼ ﺎل أو‬
‫اﻻﺳﺘﻘﻼل‪ ،‬واﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ أﻋﺪاء اﻷﻏﻠﺒﯿ ﺔ)اﻷﻣ ﺔ(ﻓﺎﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻋﺮﺿ ﺔ ﻟﻼﺧﺘ ﺮاق ﻣ ﻦ‬
‫ﻗﺒﻞ اﻷﻋﺪاء‪.‬‬
‫وﻗ ﺪ ﺣﺎوﻟ ﺖ ﺑﻌ ﺾ اﻷﻧﻈﻤ ﺔ اﻟﻤﺴ ﺘﺒﺪة اﻟﺘﻐﻠ ﺐ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺸ ﺎﻛﻞ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻋ ﻦ ﻃﺮﯾ ﻖ‬
‫ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﻟﻐﺎء اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﯿﮭﺎ وﻟ ﯿﺲ ﻋ ﻦ ﻃﺮﯾ ﻖ اﻟﺘﻌ ﺎون واﻟﺘﻔ ﺎھﻢ ﻣﻌﮭ ﺎ‬
‫واﻻﻟﺘﻘ ﺎء ﻋﻠ ﻰ ﻛﻠﻤ ﺔ ﺳ ﻮاء‪ ،‬ﻓﻘﺎﻣ ﺖ ﺑ ﺄﻣﻮر ﻛﺜﯿ ﺮة ﻣﻨﮭ ﺎ‪ ،:‬إﻧﻜ ﺎر وﺟ ﻮد اﻷﻗﻠﯿ ﺎت‪،‬‬
‫واﻟﺘﮭﻤ ﯿﺶ‪ ،‬واﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ‪ ،‬وﻋ ﺪم اﻻﻋﺘ ﺮاف ﺑﻠﻐ ﺎﺗﮭﻢ وﺛﻘﺎﻓ ﺎﺗﮭﻢ‪ ،‬واﻟﺘﺸ ﺘﯿﺖ واﻟﺘﮭﺠﯿ ﺮ‪،‬‬
‫واﻟﺘﺼ ﻔﯿﺎت واﻟﻘﻤ ﻊ‪ ،‬واﻟﻄ ﺮد واﻟﻨﻔ ﻲ‪ ،‬واﻟﻤﺤﺎﻛﻤ ﺎت واﻟﺴ ﺠﻮن‪ ،‬واﻟﺤﺮﻣ ﺎن ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﻮﻇ ﺎﺋﻒ اﻟﺤﻜﻮﻣﯿ ﺔ اﻟﻤﮭﻤ ﺔ‪ ،‬واﻹﺑﻌ ﺎد ﻋ ﻦ اﻟﻘ ﻮات اﻟﻤﺴ ﻠﺤﺔ واﻟﺸ ﺮﻃﺔ‪ ،‬ﻏﯿ ﺮ أن‬
‫‪4‬‬
‫ھﻨﺎك أﻧﻈﻤﺔ ﺗﺮﻓﻊ ﺷﻌﺎرات ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن واﻻﻋﺘﺮاف ﺑ ﺎﻵﺧﺮ ﺣﺎوﻟ ﺖ اﺳ ﺘﯿﻌﺎب‬
‫اﻷﻗﻠﯿ ﺎت واﻻﺳ ﺘﻔﺎدة ﻣﻨﮭ ﺎ ودﻣﺠﮭ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ أو إﻗﺎﻣ ﺔ اﻟﻌﻼﻗ ﺎت ﻣﻌﮭ ﺎ ﻋﻠ ﻰ‬
‫أﺳﺎس ﻣﻦ اﻟﺘﻮازي واﻟﻤﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻮﺿ ﻊ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ وﻣﻜﺎﻧﺘﮭ ﺎ‪ ،‬وذﻟ ﻚ ﻋ ﻦ ﻃﺮﯾ ﻖ اﻟﻠﺠ ﻮء‬
‫إﻟ ﻰ ﺧﯿ ﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﯿ ﺔ اﻟ ﺬي ﯾﻘ ﻮم ﺑﺘﺤﯿﯿ ﺪ دور اﻟ ﺪﯾﻦ ﺑﺤﯿ ﺚ ﻻ ﯾﺘ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ ﺷ ﺌﻮن‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ‪ ،‬وﻛ ﺬﻟﻚ اﻟﻠﺠ ﻮء إﻟ ﻰ ﺧﯿ ﺎر اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﯿ ﺔ اﻟ ﺬي ﯾﻘ ﻮم ﺑﺘﺤﯿﯿ ﺪ دور اﻟﻠﻐ ﺔ‬
‫واﻟﻌﺮق واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪ ،‬وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ ﻓﻲ ھﺬه اﻟ ﺪول ھ ﻲ اﻟﻌﻼﻗ ﺔ اﻷﺳﺎﺳ ﯿﺔ اﻟﺘ ﻲ‬
‫ﺗﺮﺑﻂ ﺑﯿﻦ ﺟﻤﯿ ﻊ ﻣ ﻮاﻃﻨﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻤﻌﯿﻨ ﺔ ﺑﺼ ﺮف اﻟﻨﻈ ﺮ ﻋ ﻦ اﻻﻧﺘﻤ ﺎءات اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ‬
‫واﻟﻌﺮﻗﯿﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ وﻏﯿﺮھﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ھﺬا اﻟﺤﻞ رﻏﻢ ﻧﺠﺎﻋﺘﮫ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣ ﻦ اﻟ ﺒﻼد اﻟﺘ ﻲ‬
‫ﺗﻮﺻ ﻒ ﺑﺄﻧﮭ ﺎ ﻣﺘﻘﺪﻣ ﺔ إﻻ أن ﻋﻠﯿ ﮫ ﺛ ﻼث ﻣﺆاﺧ ﺬات‪ :‬اﻷوﻟ ﻰ‪ :‬إﺿ ﺎﻋﺔ اﻟ ﺪﯾﻦ‬
‫وإزاﺣﺘﮫ ﻋﻦ اﻟﺘﺪﺧﻞ أو اﻟﺘ ﺄﺛﯿﺮ ﻓ ﻲ اﻟﺤﯿ ﺎة‪ ،‬وھ ﺬا ﯾﻌﻨ ﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴ ﺒﺔ ﻟﻠﻤﺴ ﻠﻢ أن ﯾﮭﺠ ﺮ‬
‫اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ ﻋﻠ ﻰ ﻣﺴ ﺘﻮى اﻻﻟﺘ ﺰام واﻟﺘﺼ ﺮﻓﺎت واﻻﺣﺘﻜ ﺎم ﻣﻤ ﺎ ﯾﻜ ﻮن ﻟ ﮫ ﺧﻄﻮرﺗ ﮫ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﺪﯾﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﮫ ﺣﯿﺚ ﻗﺪ ﯾﺨﺮﺟﮫ ذﻟﻚ ﺧﺎرج ﺣﻈﯿﺮة اﻟﺪﯾﻦ‪.‬‬
‫اﻟﺜﺎﻧﯿ ﺔ‪:‬أن اﻷﺣ ﺰاب اﻟﺴﯿﺎﺳ ﯿﺔ اﻟﻤﻨﺒﺜﻘ ﺔ ﻋ ﻦ اﻟﺤ ﻞ اﻟ ﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﻲ ﻗ ﺪ ﺗﻜ ﻮن وﺳ ﯿﻠﺔ‬
‫ﻟﺘﺄﻛﯿﺪ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ واﻟﻠﻐﻮﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﺼﺒﺢ اﻟﺘﺼﻮﯾﺖ وﺳ ﯿﻠﺔ ﻟﺘﺄﻛﯿ ﺪ اﻟﮭﻮﯾ ﺔ‬
‫واﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﮭ ﺎ ﺑ ﺪﯾﻼ ﻋ ﻦ اﻻﻧ ﺪﻣﺎج ﻓ ﻲ اﻟﻤﻮاﻃﻨ ﺔ‪ ،‬ﻛﻤ ﺎ ﻗ ﺪ ﺗﻜ ﻮن اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﯿ ﺔ ھ ﻲ‬
‫اﻟﻮﺳ ﯿﻠﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿ ﺔ اﻟﻤﺸ ﺮوﻋﺔ ﻓ ﻲ إﺟﺤ ﺎف اﻷﻏﻠﺒﯿ ﺔ ﺑﺤﻘ ﻮق اﻷﻗﻠﯿ ﺔ‪ ،‬إذ أن اﻟﻤﺒ ﺪأ‬
‫اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﻲ ﯾﺒﯿﻦ أن اﻟ ﺬي ﯾﺤﺼ ﻞ ﻋﻠ ﻰ اﻷﻏﻠﺒﯿ ﺔ ھ ﻮ اﻟ ﺬي ﯾﻤﺜ ﻞ ﺳ ﯿﺎدة اﻟﺸ ﻌﺐ‪،‬‬
‫واﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﺴﯿﺎدة ﻓﺈن ﻟﮫ أن ﯾﺴﻦ ﻣ ﺎ ﺷ ﺎء ﻣ ﻦ اﻟﻘ ﻮاﻧﯿﻦ‪ ،‬ﻓﻔ ﻲ ﻇ ﻞ أﻗﻠﯿ ﺔ ﻻ‬
‫ﯾﺘﺠ ﺎوز ﺗﻌ ﺪادھﺎ ﻣ ﺜﻼ ‪ %5‬أو ﻧﺤ ﻮا ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﺗﻜ ﻮن اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﯿ ﺔ وﺳ ﯿﻠﺔ ﻟﻔ ﺮض‬
‫دﯾﻜﺘﺎﺗﻮرﯾﺔ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻠﯿﺔ‬
‫اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ‪ :‬أن ھﺬا اﻟﺤﻞ وإن ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدا ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﺔ أو اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﻓﺈﻧ ﮫ ﺣ ﻞ‬
‫ﻇﺎھﺮي ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣ ﻦ وﺟﻮھ ﮫ أو ﺑﻌﻀ ﮭﺎ ‪ ،‬وﯾﻤﻜﻨﻨ ﺎ أن ﻧ ﺪرك ذﻟ ﻚ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌ ﺔ ﺣﺎﻟ ﺔ‬
‫اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻤﺴ ﻠﻤﺔ ﻓ ﻲ اﻟ ﺒﻼد اﻟﻐﺮﺑﯿ ﺔ ‪ ،‬ﻓ ﺮﻏﻢ أن ﺑﻌ ﺾ ھ ﺬه اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﺗﻌ ﺪ ﻣ ﻦ‬
‫ﻣﻮاﻃﻨﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪول وﺗﺘﻤﺘﻊ ﻇﺎھﺮﯾﺎ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﺘ ﻲ ﯾﺘﻤﺘ ﻊ ﺑﮭ ﺎ اﻟﻤ ﻮاﻃﻦ‪ ،‬إﻻ أﻧ ﮫ ﻻ‬
‫زاﻟﺖ ھﻨﺎك ﺗﻔﺮﻗﺔ وﻟﻮ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿ ﺔ‪ ،‬أو ﻧﻔﺴ ﯿﺎت اﻟﺸ ﻌﻮب‪،‬‬
‫إذ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ أن ﺗﻐﯿﺮ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ ﻧﻈﺮة اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﺠﺎه‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻢ وﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻮاﻃﻨﺎ‪ ،‬ﻓﺤﺘﻰ اﻵن ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻣﻦ ﻣ ﻮاﻃﻨﻲ ھ ﺬه اﻟ ﺪول ﯾﺤﺘ ﻞ‬
‫ﻣﻜﺎﻧ ﺎ ﻣﺮﻣﻮﻗ ﺎ أو ﻣﻨﺼ ﺒﺎ ﻣﮭﻤ ﺎ ﻣ ﻦ ﻣﻨﺎﺻ ﺐ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻌﻠﯿ ﺎ‪ ،‬ﻣﻤ ﺎ ﯾ ﺪل ﻋﻠ ﻰ وﺟ ﻮد‬
‫اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ اﻟ ﺪﯾﻨﻲ ﻓ ﻲ ﺗﻠ ﻚ اﻟ ﺒﻼد اﻟﻤﺘﻘﺪﻣ ﺔ ﺧﺎﺻ ﺔ ﻓ ﻲ ﻣﻘﺎﺑ ﻞ اﻹﺳ ﻼم‪ ،‬ھ ﺬا ﻣﻠﺨ ﺺ‬
‫ﺳﺮﯾﻊ ﻟﻮﺿﻊ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺪوﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ اﻟﺤﺎﺿﺮ ‪ ،‬ﻓﻜﯿ ﻒ ﺗﻌﺎﻣﻠ ﺖ‬
‫ﺷﺮﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼم ﻣﻊ ﻣﻮﺿﻮع اﻷﻗﻠﯿﺎت؟ھﺬا ﻣﺎ ﺳﻨﻌﺮض ﻟﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺤﺚ إن ﺷﺎء‬
‫اﷲ ‪ ،‬وﯾﺘﻮﻗﻊ أن ﯾﻐﻄﻲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ‪:‬‬
‫‪ -1‬ﻗﻮاﻋﺪ أو أﺻﻮل ﻋﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع‪.‬‬
‫‪ -2‬أﻧﻮاع اﻷﻗﻠﯿﺎت‪.‬‬
‫‪ -3‬اﻷﻗﻠﯿﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻤﺎﯾﺰ واﻻﻧﺪﻣﺎج‪.‬‬
‫‪5‬‬
 ‫‪ -4‬اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ‬
‫‪ -5‬اﻷﻗﻠﯿﺎت وﺗﻮﻟﻲ اﻟﻮزارة‪:‬‬
‫‪ -6‬ﺗﺤﯿﺰ اﻷﻗﻠﯿﺔ وﺗﺠﻤﻌﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن‪:‬‬
‫‪ -7‬اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻟﺠﮭﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ‪:‬‬
‫‪ -8‬اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻹدارة‪:‬‬
‫‪ -9‬اﻷﻗﻠﯿﺎت وﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﺼﻮﺻﯿﺎت‪:‬‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ واﻟﺘﮭﻤﯿﺶ‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫وﻟﻤ ﺎ ﻛ ﺎن اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ھﻤ ﺎ أﺻ ﻞ اﻷﺻ ﻮل اﻟﻠ ﺬان ﯾﻌﺘﻤ ﺪ ﻋﻠﯿﮭﻤ ﺎ ﻓ ﻲ ﺗﻘﺮﯾ ﺮ‬
‫اﻷﺣﻜ ﺎم‪ ،‬ﻓ ﺈن اﻟﺒﺤ ﺚ ﯾﺠ ﺮي ﻋﻠ ﻰ ھ ﺬه اﻟﻘﺎﻋ ﺪة ﻣ ﻊ اﻻﺳ ﺘﻌﺎﻧﺔ واﻻﺳﺘﺮﺷ ﺎد ﺑﻔﮭ ﻢ‬
‫ﺳﻠﻒ ھﺬه اﻷﻣﺔ وﺧﺎﺻﺔ زﻣﻦ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺷﺪة وﺻﺪر اﻹﺳﻼم ‪ ،‬ﻣﻊ اﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻲ‬
‫اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ أﻗﻮال أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﻌﺒﺮا ﻋﻦ اﻟﺘﺸﺮﯾﻊ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﻄﺎﻟ ﺐ ﺑ ﮫ‬
‫اﻷﻣﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ وﻗﺖ وﻣﻜﺎن‪ ،‬وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺠﺰﺋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ ﺣﻠﻮﻻ‬
‫وﻗﺘﯿﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻮاﻗﻌﮭﺎ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ‪ ،‬واﻟﺘﻔﺮﯾﻖ ﺑﯿﻦ اﻷﻣﺮﯾﻦ ﻣﮭﻢ‬
‫ﺟﺪا ‪ ،‬إذ اﻟﺘﺸﺮﯾﻊ اﻟﻌﺎم ھﻮ ﺷﺮع اﷲ ودﯾﻨ ﮫ ﻻ ﯾﻤﻠ ﻚ أﺣ ﺪ ﺗﻐﯿﯿ ﺮه أو ﺗﺒﺪﯾﻠ ﮫ ‪ ،‬ﺑﯿﻨﻤ ﺎ‬
‫اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺠﺰﺋﯿﺔ ﺗﻤﺜﻞ اﻻﺟﺘﮭﺎد اﻟﺬي ﯾﺤﺎول أن ﯾﻄﺒﻖ اﻟﻨﺺ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺤﻘﻘ ﺎ‬
‫ﻷﻣﺮﯾﻦ‪:‬اﻷول‪ :‬اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻟﻨﺺ وﻋﺪم اﻟﺨﺮوج ﻋﻠﯿﮫ‪ ،‬واﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﺮاﻋﺎة ﺧﺼﻮﺻﯿﺔ‬
‫ذﻟ ﻚ اﻟﻮاﻗ ﻊ ﺑﻤ ﺎ ﻻ ﯾﺘﻌ ﺎرض ﻣ ﻊ اﻟﻨﺼ ﻮص‪ ،‬وﻣ ﻦ اﻟﺒ ﯿﻦ أﻧ ﮫ ﻓ ﻲ ھ ﺬه اﻟﺤﺎﻟ ﺔ إذا‬
‫اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻓﺈن اﻟﺘﻄﺒﯿ ﻖ أﯾﻀ ﺎ ﯾﺨﺘﻠ ﻒ‪ ،‬ﻟﻜ ﻦ اﻟﻮاﻗ ﻊ اﻟ ﺬي‬
‫ﯾﻌ ﻮل ﻋﻠﯿ ﮫ ﻓ ﻲ ﺗﻐﯿﯿ ﺮ اﻟﺘﻄﺒﯿ ﻖ ھ ﻮ اﻟﻮاﻗ ﻊ اﻟﻨ ﺎﺗﺞ ﻋ ﻦ ﺗﻄ ﻮر اﻟﺤﯿ ﺎة ﻓ ﻲ أﺷ ﻜﺎﻟﮭﺎ‬
‫ووﺳﺎﺋﻠﮭﺎ وﻟﯿﺲ اﻻﺧﺘﻼف اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ اﻟﻤﻌﺼﯿﺔ واﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﺸ ﺮع اﷲ ‪ ،‬وھ ﺬا أوان‬
‫اﻟﺸﺮوع ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺼﻮد ‪ ،‬ﻧﺴﺄل اﷲ ﺑﻌﻮﻧﮫ وﻣﻨﮫ وﻛﺮﻣﮫ اﻟﺘﻮﻓﯿ ﻖ واﻟﺴ ﺪاد وأن ﯾﻌ ﯿﻦ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻤﺎم‪.‬‬

‫ﻗﻮاﻋﺪ وأﺻﻮل ﻋﺎﻣﺔ‪:‬‬

‫ﯾﺤﺴ ﻦ ﺑﻨ ﺎ أن ﻧﻘ ﺪم ھﻨ ﺎ ﺑﻌ ﺾ اﻟﻘﻮاﻋ ﺪ واﻷﺻ ﻮل اﻟﻌﺎﻣ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﯾﻜﻔ ﻞ اﻟﺘ ﺬﻛﺮ ﻟﮭ ﺎ‬
‫وﻣﺮاﻋﺎﺗﮭ ﺎ أن ﯾﻈ ﻞ اﻟﺒﺤ ﺚ ﻓ ﻲ إﻃ ﺎره اﻟﺴ ﻠﯿﻢ ﺑﺤﯿ ﺚ ﻻ ﯾﺨ ﺮج ﻋ ﻦ ﺣ ﺪوده‬
‫اﻟﺼﺤﯿﺤﺔ وﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﻣﻌﯿﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﮭﻢ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺠﺰﺋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﯾﺨﺘﻠﻂ اﻷﻣﺮ ﻓﯿﮭﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎﻇﺮﯾﻦ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﯾﺮى راﺑﻄﺎ ﯾﺮﺑﻂ ﺑﻌﻀﮭﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻤﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮاﻋﺪ‬
‫ﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ -1‬اﻹﺳﻼم دﯾﻦ اﻟﺤﻖ اﻟﺬي ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻓﺔ اﻹﯾﻤﺎن ﺑﮫ واﻟﺪﺧﻮل ﻓﯿﮫ واﺗﺒﺎﻋ ﮫ‬
‫وھﻮ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﻘﯿﺖ ﻋﻠ ﻰ ﺻ ﻔﺎﺋﮭﺎ وﻧﻘﺎﺋﮭ ﺎ ﻟ ﻢ ﺗﺸ ﺒﮭﺎ ﺷ ﺎﺋﺒﺔ ﻓﻠ ﻢ‬
‫ﯾﺪﺧﻠﮭﺎ ﺗﺤﺮﯾﻒ أو ﺗﺰﯾﯿ ﻒ‪ ،‬وﻟ ﺬا ﻓ ﺈن اﻷﺣﻜ ﺎم اﻟﺘ ﻲ اﺷ ﺘﻤﻠﺖ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ أﺻ ﻮل‬
‫اﻹﺳ ﻼم ) اﻟﻜﺘ ﺎب واﻟﺴ ﻨﺔ ( ھ ﻲ أﺣﻜ ﺎم ﺻ ﺤﯿﺤﺔ ﺷ ﺮﻋﮭﺎ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ وھ ﻮ‬
‫ﯾﺤﺒﮭﺎ وﯾﺤﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﮭﺎ وﯾﺜﯿﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬وﯾﺒﻐﺾ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﮭ ﺎ أو ﺗﺮﻛﮭ ﺎ ﻛﻤ ﺎ‬
‫ﯾﺒﻐﺾ ﻣﺨﺎﻟﻔﯿﮭﺎ أو ﺗﺎرﻛﯿﮭﺎ وﯾﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -2‬ﻛ ﻞ ﻛﺘ ﺐ اﻟﺮﺳ ﺎﻻت اﻟﺴ ﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻹﺳ ﻼم دﺧﻠﮭ ﺎ اﻟﺘﺤﺮﯾ ﻒ واﻟﺘﺒ ﺪﯾﻞ‬
‫واﻟﺘﺰﯾﯿ ﻒ ﻓ ﺎﺧﺘﻠﻂ ﻓﯿﮭ ﺎ اﻟﺤ ﻖ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃ ﻞ وﻟ ﻢ ﺗﻌ ﺪ أﺻ ﻮل ﺗﻠ ﻚ اﻟﺮﺳ ﺎﻻت )‬
‫اﻟﺘﻮراة واﻹﻧﺠﯿﻞ ( اﻟﻤﻮﺟﻮدة اﻵن ﻓﻲ أﯾﺪي اﻟﯿﮭﻮد واﻟﻨﺼ ﺎرى ﺗﻤﺜ ﻞ ﻛﻠﻤ ﺔ‬
‫اﷲ أو وﺣﯿﮫ اﻟﺼﺎﻓﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﯾﺪﺧﻠﮫ ﺗﻐﯿﯿﺮ أو ﺗﺒﺪﯾﻞ‪ ،‬ﻟﺬا ﻓﻼ ﯾﺤﻞ اﺗﺒﺎع ﺗﻠ ﻚ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻻت ﻟﻤﻦ ﺑﻠﻐﺘﮫ دﻋﻮة اﻹﺳﻼم‪.‬‬
‫‪ -3‬اﻹﺳﻼم ﻟﯿﺲ ﺟﻨﺴﯿﺔ أو ﻗﻮﻣﯿﺔ وﻟﻜﻨﮫ ﻋﻘﯿ ﺪة وﻋﻤ ﻞ ﻛ ﻞ ﻣ ﻦ آﻣ ﻦ وﻋﻤ ﻞ ﺑ ﮫ‬
‫ﻓﮭ ﻮ ﻣﺴ ﻠﻢ ﻣ ﻦ أي ﺟ ﻨﺲ أو ﻗ ﻮم ﻛ ﺎن‪ ،‬ﻓﺎﻹﺳ ﻼم ﻟ ﯿﺲ ﺣﻜ ﺮا ﻋﻠ ﻰ ﻗ ﻮم‬
‫ﻣﻌﯿﻨ ﯿﻦ‪ ،‬أو أﻧ ﮫ ﻣ ﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻨﺴ ﯿﺔ ﻣﻌﯿﻨ ﺔ‪ ،‬أو ﻣﻜ ﺎن ﻣ ﺎ‪ ،‬أو ﻟﻐ ﺔ أو ﺛﻘﺎﻓ ﺔ‪،‬‬
‫وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﻜﻮن ﻣﺴﻠﻤﺎ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮل ﻓﯿ ﮫ وﺷ ﮭﺎدة ﺷ ﮭﺎدة‬
‫اﻟﺤﻖ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺗﻮﻗﻒ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻓﻘﺔ أﺣﺪ أو اﻋﺘﺮاﻓﮫ ﺑﺬﻟﻚ أو ﺗﺴﺠﯿﻠﮫ ﻓ ﻲ‬
‫وﺛﯿﻘﺔ رﺳﻤﯿﺔ‪ ،‬وﻣﻦ ﻏﯿﺮ أن ﯾﺆﺛﺮ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺟﻨﺴﯿﺘﮫ أو ﻟﻐﺘﮫ أو إﻗﻠﯿﻤﮫ اﻟ ﺬي‬
‫ﯾﻨﺘﻤﻲ إﻟﯿﮫ ‪.‬‬
‫‪ -4‬ھﺪاﯾﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ وإرﺷﺎدھﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﮭﺎج اﻹﺳﻼم ودﻋﻮﺗﮭ ﺎ إﻟﯿ ﮫ وﺑ ﺬل اﻟﻤﺠﮭ ﻮد‬
‫ﻓﻲ ذﻟﻚ وﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﺸﺎق وﺗﺠﺎوز اﻟﻌﻘﺒ ﺎت واﺗﺨ ﺎذ اﻟﻮﺳ ﺎﺋﻞ اﻟﻤﺤﻘﻘ ﺔ ﻟ ﺬﻟﻚ ‪،‬‬
‫ﻣﮭﻤﺔ اﻧﯿﻄﺖ ﺑﺄﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﻢ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺬﻟﻚ‪.‬‬
‫‪ -5‬اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻮن أﻣ ﺔ واﺣ ﺪة ﻣ ﻦ دون اﻟﻨ ﺎس ﻻ ﺗﻔ ﺮﻗﮭﻢ اﻷﻟ ﻮان أو اﻟﻠﻐ ﺎت أو‬
‫اﻷﻗﻮام أو اﻟﺒﻠﺪان‬
‫‪ -6‬ﻻ إﻛﺮاه ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﺠﺒ ﺮ ﻛ ﺎﻓﺮ أﺻ ﻠﻲ ﻋﻠ ﻰ أن ﯾﻐﯿ ﺮ دﯾﻨ ﮫ وﯾ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻻ ﯾﻀﯿﻖ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ‪.‬‬
‫‪ -7‬اﻟﻌﺪل ﻗﯿﻤﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﯿﻢ اﻟﺘ ﻲ ﺣﺮﺻ ﺖ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ وأﻛ ﺪﺗﮭﺎ ﺳ ﻮاء‬
‫ﻣﻊ اﻟﻤﻮاﻓﻖ أو اﻟﻤﺨﺎﻟﻒ‪ ،‬وﻣﻊ اﻟﻘﺮﯾﺐ واﻟﺒﻌﯿﺪ وﻣ ﻊ اﻟﺼ ﺪﯾﻖ واﻟﻌ ﺪو‪ ،‬وﻗ ﺪ‬
‫رﺑﻂ اﻟﺸﺮع ﺑﯿﻦ اﻟﻌﺪل واﻟﺘﻘﻮى ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺤﻘﻖ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺘﻘ ﻮى إذا ﻛ ﺎن‬
‫ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ اﻟﻌﺪل ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ":‬وﻻ ﯾﺠﺮﻣﻨﻜﻢ ﺷﻨﺌﺎن ﻗ ﻮم ﻋﻠ ﻰ أﻻ ﺗﻌ ﺪﻟﻮا‬
‫اﻋ ﺪﻟﻮا ھ ﻮ أﻗ ﺮب ﻟﻠﺘﻘ ﻮى" ﻓﻤ ﻊ وﺟ ﻮد اﻟﺸ ﻨﺌﺎن وھ ﻮ اﻟﻜ ﺮه واﻟ ﺒﻐﺾ ﻓ ﺈن‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﺄﻣﻮر ﺑﺎﻟﻌﺪل‪.‬‬
‫‪ -8‬ﻟﻢ ﯾﻜﺘﻒ اﻹﺳﻼم ﺑﺈﯾﺠﺎب اﻟﻌﺪل وإﻧﻤﺎ ﺣﺾ ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺴﺎن اﻟﺬي ھ ﻮ اﻟﺘﻨﻔ ﻞ‬
‫واﻟﺰﯾﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﺟﺐ ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ":‬إن اﷲ ﯾﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻹﺣﺴﺎن" ‪.‬‬
‫‪ -9‬اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺎﻟﻌﮭﻮد واﻟﻌﻘﻮد اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻘﺪ ﺣﺘﻰ وإن ﻛ ﺎن ذﻟ ﻚ ﻣ ﻊ اﻷﻋ ﺪاء ﻓﻘ ﺪ ﻗ ﺎل‬
‫اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ":‬أوﻓﻮا ﺑﺎﻟﻌﻘﻮد" وﻗﺎل‪ ":‬إن اﷲ ﻻ ﯾﺤﺐ اﻟﺨﺎﺋﻨﯿﻦ" ‪.‬‬
‫‪ -10‬اﻟﻨﮭﻲ ﻋﻦ اﻟﻈﻠﻢ واﻟﺒﻐ ﻲ ﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﯾﺚ اﻟﻘﺪﺳ ﻲ‪ ":‬ﯾ ﺎ ﻋﺒ ﺎدي إﻧ ﻲ‬
‫ﺣﺮﻣﺖ اﻟﻈﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ وﺟﻌﻠﺘﮫ ﺑﯿﻨﻜﻢ ﻣﺤﺮﻣﺎ ﻓﻼ ﺗﻈﺎﻟﻤﻮا"‪ 8‬ﻓﺎﻟﻈﻠﻢ ﻣﺤﺮم‬
‫وﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻸﻋﺪاء‪.‬‬
‫ھﺬه ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﻧﺼﻄﺤﺒﮭﺎ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻜﻲ ﺗﻘ ﻮد اﻟﻤﺴ ﯿﺮة‬
‫وﺗﻌﺼﻤﮭﺎ ﺑﺈذن اﷲ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ اﻟﺰﻟﻞ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب رﻗﻢ‬
‫‪7‬‬
 ‫ﻟﻔﻆ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻹﺳﻼﻣﻲ‪:‬‬
‫ﻻ ﯾﻜﺎد ﯾﻌﺜﺮ اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ اﻟﺘﺮاث اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻠﻔﻆ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻤﻌﻨ ﻰ‬
‫اﻟﻤﺴ ﺘﺨﺪم ﻓﯿ ﮫ اﻟﯿ ﻮم‪ ،‬ﻟﻜ ﻦ ھ ﺬا ﻻ ﯾﻌﻨ ﻲ أﻧ ﮫ ﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ ھﻨ ﺎك أﻗﻠﯿ ﺎت ﻓ ﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ‪ ،‬أو أﻧﮫ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ دراﺳﺔ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﻔﻘﮫ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ ،‬ﺑ ﻞ ﻛﺎﻧ ﺖ ھﻨ ﺎك ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﻮاﻗ ﻊ أﻗﻠﯿ ﺎت ﺑ ﺒﻌﺾ اﻟﻤﻌ ﺎﻧﻲ اﻟﻤﻮﺟ ﻮدة اﻟﯿ ﻮم‪ ،‬ﻛﻤ ﺎ ﺗﻤ ﺖ دراﺳ ﺔ أوﺿ ﺎع ﺗﻠ ﻚ‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻷﺣﻜﺎم اﻟﻤﺘﻌﻠﻘ ﺔ ﺑﮭ ﺎ وﻟﻜ ﻦ ﺗﺤ ﺖ أﺳ ﻤﺎء أﺧ ﺮى ھ ﻲ أوﻓ ﻖ وأدل ﻋﻠ ﻰ‬
‫اﻟﻤﻘﺼ ﻮد ﻣ ﻦ ﻟﻔ ﻆ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻛﻤ ﺎ ﺳ ﯿﺄﺗﻲ‪ ،‬وﻗ ﺪ ﺗﻌﺎﻣ ﻞ اﻹﺳ ﻼم ﻣ ﻊ ﻇ ﺎھﺮة اﻷﻗﻠﯿ ﺔ‬
‫اﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ﺷ ﺮﻋﮫ اﻟﻤﺸ ﺒﻊ ﺑﺎﻟﻌ ﺪل واﻹﺣﺴ ﺎن ﻓﻨ ﺘﺞ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ اﻟﺨﯿ ﺮ واﻻﺳ ﺘﻘﺮار‬
‫ﻟﻠﺪوﻟﺔ وﻟﻸﻗﻠﯿﺔ ﻓﻲ آن واﺣﺪ‪.‬‬
‫أﻧﻮاع اﻷﻗﻠﯿﺎت‪:‬‬
‫ﻋﻨﺪﻣﺎ أرﺳﻞ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ رﺳﻮﻟﮫ ﻣﺤﻤﺪا ﺑﺎﻟﮭﺪى ودﯾﻦ اﻟﺤﻖ ﻟﯿﻈﮭ ﺮه ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺪﯾﻦ‬
‫ﻛﻠ ﮫ دﻋ ﺎ ﻗﻮﻣ ﮫ أوﻻ ﻓ ﻲ ﻣﻜ ﺔ ﺛ ﻢ ﺑ ﺪأ ﻓ ﻲ ﺗﻮﺳ ﯿﻊ ﻣﺠ ﺎل اﻟ ﺪﻋﻮة‪ ،‬وﻗ ﺪ ﻋﺎرﺿ ﮫ‬
‫اﻟﻤﺸﺮﻛﻮن ﻓﻲ أول اﻷﻣﺮ وﺗﻌﺮض ھ ﻮ وأﺗﺒﺎﻋ ﮫ ﻟﻜﺜﯿ ﺮ ﻣ ﻦ ﻣﻀ ﺎﯾﻘﺎت اﻟﻤﺸ ﺮﻛﯿﻦ‬
‫ﺗﺤﻤ ﻞ ھ ﻮ وﻣ ﻦ‬ ‫وﺗﻌﻨﺘﮭﻢ وإﯾﺬاﺋﮭﻢ اﻟﺸ ﺪﯾﺪ ﻟﻀ ﻌﻔﺎء اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ‪ ،‬ﻟﻜ ﻦ اﻟﺮﺳ ﻮل‬
‫ﻣﻌ ﮫ وﺻ ﺒﺮوا ﺣﺘ ﻰ ﻓ ﺘﺢ اﷲ ﻋﻠ ﯿﮭﻢ واﻧﺘﺸ ﺮ اﻹﺳ ﻼم وﻋ ﻢ ﻧ ﻮره ﺟﻨﺒ ﺎت اﻷرض‬
‫وﻗﺎﻣﺖ دوﻟﺔ اﻹﺳ ﻼم اﻟﺘ ﻲ ﺷ ﻤﻠﺖ اﻟﻌﺪﯾ ﺪ ﻣ ﻦ اﻷﻗ ﺎﻟﯿﻢ اﻟﻌﺮﺑﯿ ﺔ )ﺟﺰﯾ ﺮة اﻟﻌ ﺮب (‬
‫وﻏﯿﺮ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ )واﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮب أﻛﺜﺮھﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﺑﻌﺪ ( ‪ ،‬وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻹﺳﻼم‪-‬ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘﻮاﻋﺪ واﻷﺻﻮل‪ -‬ﻻ ﯾﻜﺮه أﺣﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﯿ ﮫ اﻣﺘﺜ ﺎﻻ ﻟﻠﺘﻮﺟﯿ ﮫ اﻟﻘﺮآﻧ ﻲ ‪ ":‬ﻻ‬
‫إﻛﺮاه ﻓﻲ اﻟﺪﯾﻦ ﻗﺪ ﺗﺒﯿﻦ اﻟﺮﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﻲ" ﻓﻘﺪ ﻇﻠﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﻦ اﻷﻗﻮام اﻟﻜﺎﻓﺮة‬
‫ﻓ ﻲ اﻟ ﺒﻼد اﻟﻤﻔﺘﻮﺣ ﺔ ﻣﺤﺘﻔﻈ ﺔ ﺑ ﺪﯾﻨﮭﺎ وﻟ ﻢ ﺗ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻼم‪ ،‬واﻧﻘﺴ ﻤﺖ اﻷرض‬
‫ﺑ ﺬﻟﻚ إﻟ ﻰ ﺟ ﺰأﯾﻦ‪ :‬ﺟ ﺰء ﺳ ﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻮن وأﻗ ﺎﻣﻮا ﻓﯿ ﮫ دﯾ ﻨﮭﻢ وﺑﻨ ﻮا ﻋﻠﯿ ﮫ‬
‫وھ ﻲ ﻣ ﺎ ﻋ ﺮف ﻓ ﻲ‬ ‫دوﻟ ﺘﮭﻢ ﻛﻤ ﺎ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ ﻛﺘ ﺎب رﺑﮭ ﻢ وﺳ ﻨﺔ ﻧﺒﯿ ﮫ ﻣﺤﻤ ﺪ‬
‫اﻻﺻﻄﻼح اﻟﺸ ﺮﻋﻲ ﺑ ـ"دار اﻹﺳ ﻼم "‪ ،‬وﺟ ﺰء ﯾﺴ ﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﻜ ﺎﻓﺮون ﺑ ﻨﻈﻤﮭﻢ‬
‫وﺷ ﺮﻛﮭﻢ وأﺿ ﺎﻟﯿﻠﮭﻢ وھ ﻲ ﻣ ﺎ ﻋ ﺮف ﻓ ﻲ اﻻﺻ ﻄﻼح اﻟﺸ ﺮﻋﻲ ﺑ ـ" دار اﻟﻜﻔ ﺮ"‪،‬‬
‫ﻓﺪار اﻹﺳﻼم ھﻲ اﻟﺪار )اﻹﻗﻠﯿﻢ ( اﻟﺘﻲ ﯾﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن أو ﺗﺤﻜﻤﮭﺎ ﺷﺮﯾﻌﺔ‬
‫اﻹﺳ ﻼم وﻟ ﻮ ﻛ ﺎن اﻟﻤﺴ ﻠﻤﻮن ﻓﯿﮭ ﺎ أﻗ ﻞ ﻋ ﺪدا ﻣ ﻦ ﻏﯿ ﺮھﻢ‪ ،‬ودار اﻟﻜﻔ ﺮ ھ ﻲ اﻟ ﺪار‬
‫)اﻹﻗﻠﯿﻢ ( اﻟﺘ ﻲ ﯾﺴ ﯿﻄﺮ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ اﻟﻜ ﺎﻓﺮون أو ﺗﺤﻜﻤﮭ ﺎ ﺷ ﺮاﺋﻌﮭﻢ اﻟﻜ ﺎﻓﺮة وإن ﻛﺎﻧ ﺖ‬
‫أﻋﺪادھﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﻗﻠﯿﻠﺔ‪.9‬‬
‫وﻣﺮادﻧﺎ ﺑﺎﻷﻗﻠﯿﺔ ھﻨﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﺤﺚ " ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻷﺷﺨﺎص ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﯿﺴﺖ‬
‫ﻟﮭﺎ اﻟﺴﯿﻄﺮة أو اﻟﺘﺤﻜﻢ أو اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻧﻈﺮا ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺘﮭﺎ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ دﯾﻨﮭﻢ )اﻹﺳﻼم( أو‬
‫ﻋﻘﯿﺪﺗﮭﻢ)ﻋﻘﯿﺪة أھﻞ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ( أﺧ ﺬا ﻣ ﻦ اﻟﻤﻌﻨ ﻰ اﻟﻠﻐ ﻮي اﻟﻤﺘﻘ ﺪم اﻟ ُﻘ ﻞ ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﺮﺟﺎل‪ :‬ﺧﺴﯿﺲ اﻟﺪﯾﻦ"‪ ،‬وإن ﻛﺎﻧﺖ أﻋﺪادھﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﯿﺮھ ﺎ‪ ،‬واﻧﻄﻼﻗ ﺎ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ‬
‫‪ 9‬اﻧﻈﺮ ﺑﺪاﺋﻊ اﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻟﻠﻜﺎﺳﺎﻧﻲ ‪ 131-130/7‬واﻧﻈﺮ اﻷم ﻟﻠﺸﺎﻓﻌﻲ‪ 279/4‬واﻧﻈﺮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ وﺧﺼﺎﺋﺺ دار اﻹﺳﻼم‬
‫ودار اﻟﻜﻔﺮ د‪/‬ﻋﺎﺑﺪ اﻟﺴﻔﯿﺎﻧﻲ ‪55-53‬‬
‫‪8‬‬
‫ﻓﺈﻧ ﮫ ﯾﻤﻜﻨﻨ ﺎ أن ﻧﻤﯿ ﺰ ھﻨ ﺎ ﻧ ﻮﻋﯿﻦ ﻣ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت‪ :‬اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ )أﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻤﻠ ﻞ(‪،‬‬
‫واﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ )أﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻨﺤ ﻞ( ‪ ،‬و اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ ﻓ ﻲ ﺑ ﻼد اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‬
‫ﻧﻮﻋﺎن‪:‬أﻗﻠﯿﺔ ذات إﻗﺎﻣﺔ داﺋﻤﺔ‪ ،‬وأﻗﻠﯿﺔ ذات إﻗﺎﻣ ﺔ ﻣﺆﻗﺘ ﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻣ ﺎ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ذات اﻹﻗﺎﻣ ﺔ‬
‫اﻟﺪاﺋﻤﺔ ﻓﮭﻢ أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ‪ ،‬وأﻣﺎ اﻷﻗﻠﯿﺔ ذات اﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻤﺆﻗﺘﺔ ﻓﮭﻢ اﻟﻤﺴﺘﺄﻣﻨﻮن‪ ،‬أﻣﺎ ﺑﻘﯿﺔ‬
‫اﻟﻜﻔﺎر ﻓﻲ دار اﻟﺤﺮب ﻓﻼ ﯾﺪﺧﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﺤ ﺪﯾﺚ ﻋ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ ﻷن إﻗ ﺎﻣﺘﮭﻢ‬
‫ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ دار اﻹﺳﻼم ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﻛﻔﺎر اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﯿﻨﮭﺎ وﺑ ﯿﻦ دار اﻹﺳ ﻼم ﻣﻌﺎھ ﺪة‬
‫أو ﺻﻠﺢ أو ھﺪﻧﺔ ﻓﻼ ﯾﺪﺧﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻷﻧﮭ ﺎ ﻛﯿ ﺎن ﻣﺘﻤﯿ ﺰ ﻻ ﯾﺘﺒ ﻊ‬
‫دار اﻹﺳﻼم‪.‬‬

‫أ‪-‬اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ )أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ واﻟﻤﺴﺘﺄﻣﻨﻮن(‪:‬‬

‫أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ ھﻢ اﻟﻜﻔﺎر اﻟﺬﯾﻦ أﺑﻮا اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ دﯾ ﻦ اﻹﺳ ﻼم ﻟﻜ ﻨﮭﻢ رﻏﺒ ﻮا ﻓ ﻲ اﻟﺒﻘ ﺎء‬
‫ﻓ ﻲ دار اﻹﺳ ﻼم واﻟﺘﻤﺘ ﻊ ﺑﺤﻤﺎﯾ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻟﮭ ﻢ ﻓ ﻲ دﯾ ﻨﮭﻢ ودﻣ ﺎﺋﮭﻢ وأﻣ ﻮاﻟﮭﻢ‬
‫وأﻋﺮاﺿﮭﻢ‪ ،‬ﺳﻮاء ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ أھﻞ ﺗﻠ ﻚ اﻟ ﺒﻼد اﻟﻤﻔﺘﻮﺣ ﺔ أو ﻗ ﺪﻣﻮا ﻣ ﻦ دﯾ ﺎر اﻟﻜﻔ ﺮ‬
‫راﻏﺒ ﯿﻦ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ ﺑﻨ ﺎء ﻋﻠ ﻰ ﻋﻘ ﺪ ﯾﻌﻘ ﺪ ﺑﯿ ﻨﮭﻢ وﺑ ﯿﻦ دوﻟ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﯾﻌ ﺮف ﺑﻌﻘ ﺪ‬
‫اﻟﺬﻣﺔ‪ 10‬ﺣﯿﺚ ﯾﺮﺗﺐ ھﺬا اﻟﻌﻘ ﺪ ﺣﻘﻮﻗ ﺎ وواﺟﺒ ﺎت ﻋﻠ ﻰ اﻟﻄ ﺮﻓﯿﻦ ﯾﻨﺒﻐ ﻲ اﻟﻮﻓ ﺎء ﺑﮭ ﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻛﻠﯿﮭﻤﺎ‪ ،‬وﯾﺪﺧﻞ ﻓﻲ ھﺆﻻء اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺠ ﻮز أن ﯾﻌﻘ ﺪ ﻟﮭ ﻢ ﻋﻘ ﺪ اﻟﺬﻣ ﺔ‪ :‬أھ ﻞ اﻟﻜﺘ ﺎب‬
‫اﻟﯿﮭ ﻮد واﻟﻨﺼ ﺎرى‪ ،‬وﯾﻠﺤ ﻖ ﺑﮭ ﻢ ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ اﻟﻤﺠ ﻮس ﻋﺒ ﺪة اﻟﻨﯿ ﺮان ‪ ،‬ﻗ ﺪ ﺛﺒﺘ ﺖ‬
‫اﻟﻨﺼ ﻮص ﺑ ﺬﻟﻚ واﻧﻌﻘ ﺪ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻹﺟﻤ ﺎع ‪ ،‬أﻣ ﺎ ﻣ ﻦ ﻋ ﺪاھﻢ ﻣ ﻦ ﻋﺒ ﺪة اﻷوﺛ ﺎن ﻓﻘ ﺪ‬
‫اﺧﺘﻠﻒ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺸﺄﻧﮭﻢ ھﻞ ﯾﺠﻮز أن ﺗﻌﻘﺪ ﻟﮭﻢ اﻟﺬﻣﺔ أم ﻟ ﯿﺲ أﻣ ﺎﻣﮭﻢ إﻻ اﻹﺳ ﻼم‬
‫أو اﻟﺤﺮب ‪ ،‬وﻗﺪ رﺟﺢ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ دﺧ ﻮل ﻋﺒ ﺪة اﻷوﺛ ﺎن ﻓ ﯿﻤﻦ ﯾﺠ ﻮز أن‬
‫ﺗﻌﻘﺪ ﻟﮭﻢ اﻟﺬﻣﺔ‪ ، 11‬وھﻮ اﻟﺬي ﯾﻌﻀﺪه اﻟﺪﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺒﯿﻦ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺚ ﺑﺮﯾﺪة رﺿ ﻲ‬
‫اﷲ ﻋﻨ ﮫ ﻣﺮﻓﻮﻋ ﺎ وﻓﯿ ﮫ ‪ ":‬وإذا ﻟﻘﯿ ﺖ ﻋ ﺪوك ﻣ ﻦ اﻟﻤﺸ ﺮﻛﯿﻦ ﻓ ﺎدﻋﮭﻢ إﻟ ﻰ ﺛ ﻼث‬
‫ﺧﺼﺎل أو ﺧﻼل ﻓﺄﯾﺘﮭﻦ ﻣﺎ أﺟﺎﺑﻮك ﻓﺎﻗﺒﻞ ﻣﻨﮭﻢ وﻛﻒ ﻋﻨﮭﻢ إﻟﻰ أن ﯾﻘ ﻮل‪ :‬ﻓ ﺈن ھ ﻢ‬
‫أﺑ ﻮا ﻓﺴ ﻠﮭﻢ اﻟﺠﺰﯾ ﺔ ﻓ ﺈن ھ ﻢ أﺟ ﺎﺑﻮك ﻓﺎﻗﺒ ﻞ ﻣ ﻨﮭﻢ وﻛ ﻒ ﻋ ﻨﮭﻢ"‪ ،12‬ﻓﻌﻤ ﻢ ﺑﻠﻔ ﻆ‬
‫اﻟﻤﺸ ﺮﻛﯿﻦ وﻟ ﻢ ﯾﺴ ﺘﺜﻦ ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﻣﺸ ﺮﻛﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺸ ﺮﻛﯿﻦ‪ ،‬وأﻣ ﺎ اﻟﻤﺴ ﺘﺄﻣﻨﻮن‪ :‬ﻓﮭ ﻢ‬
‫اﻟﻜﻔﺎر ﻣﻦ أھﻞ دار اﻟﺤﺮب أو دار اﻟﺼﻠﺢ اﻟﺬﯾﻦ أﺑﻮا اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ورﻏﺒﻮا‬
‫ﻓ ﻲ دﺧ ﻮل دار اﻹﺳ ﻼم ﻟﮭ ﺪف ﻣﺆﻗ ﺖ ﻻ ﯾﺠﻤﻌ ﻮن إﻗﺎﻣ ﺔ ﺑ ﻞ ﯾﺨﺮﺟ ﻮن ﺑﻌ ﺪ اﻟﻤ ﺪة‬
‫اﻟﻤﻌﻄﺎة ﻟﮭﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻦ أﻣﱠﻨﮭﻢ إﻟﻰ ﺑﻼدھﻢ ‪ ،‬وھﺆﻻء أﻧﻮاع ﻣﻨﮭﻢ‪:‬اﻟﺮﺳ ﻞ ‪ ،‬اﻟﺘﺠ ﺎر‬
‫‪ ،‬اﻟﻤﺴ ﺘﺠﯿﺮون وﻃ ﺎﻟﺒﻮ ﺣﺎﺟ ﺔ‪ ،‬وﻻ ﺷ ﻚ أن اﺳ ﺘﻌﻤﺎل ﻟﻔ ﻆ " أھ ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ " و "‬
‫اﻟﻤﺴﺘﺄﻣﻦ" أوﻟﻰ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻔﻆ "اﻷﻗﻠﯿﺔ" ﻷن اﻷﺧﯿﺮ ﻻ ﯾﺤﻤ ﻞ أﯾ ﺔ دﻻﻟ ﺔ‬
‫ذات ﻗﯿﻤﺔ أﺧﻼﻗﯿﺔ ﺑﻞ ﯾﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﯾﺪل ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ واﻻﻏﺘ ﺮاب ﻋﻨ ﮫ ﻣﻤ ﺎ‬
‫ﯾﻜﻮن ﻣﺪﻋﺎة ﻟﻠﺘﻨﺎﻓﺮ‪ ،‬ﺑﯿﻨﻤﺎ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻓ ﻲ اﻟﺸ ﺮع ﺗﺤﻤ ﻞ دﻻﻻت ذات ﻗ ﯿﻢ‬

‫‪10‬‬
‫اﻧﻈﺮ اﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ ‪122-121/7‬‬
‫‪ 11‬اﻧﻈﺮ أﺣﻜﺎم أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ‪90-87/1‬‬
‫‪ 12‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻟﺠﮭﺎد واﻟﺴﯿﺮ رﻗﻢ ‪3261‬‬
‫‪9‬‬
‫أﺧﻼﻗﯿﺔ ﺗﺴﺎھﻢ ﻓﻲ اﺣﺘﺮام ﺗﻠ ﻚ اﻟﻌﻘ ﻮد واﻟﻮﻓ ﺎء ﺑﮭ ﺎ‪ ،‬ﻛﻤ ﺎ ﻗ ﺎل أھ ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ‪) :‬اﻟﺬﻣ ﺔ‪:‬‬
‫اﻷﻣﺎن ﻓﻲ ﻗﻮﻟﮫ " وﯾﺴﻌﻰ ﺑﺬﻣﺘﮭﻢ أدﻧﺎھﻢ " و أَذَﻣﱠﮫُ أﺟﺎره(‪ 13‬وﻓﻲ اﻟﻠﺴ ﺎن‪ ):‬اﻟﺬﱢﻣﱠ ﺔ‬
‫و اﻟﺬﱢﻣﺎم‪ ،‬وھﻤﺎ ﺑﻤﻌﻨﻰ اﻟﻌَﮭْﺪ واﻷَﻣ ﺎنِ واﻟﻀ ﻤﺎنِ واﻟ ـﺤُﺮْﻣَﺔِ واﻟ ـﺤﻖ‪ ،‬وﺳُ ﻤﱢﻲَ أَھ ﻞ‬
‫اﻟﺬﱢﻣﱠﺔِ ذِﻣﱠﺔِ ﻟﺪﺧﻮﻟﮭﻢ ﻓـﻲ ﻋﮭﺪ اﻟـﻤﺴﻠـﻤﯿﻦ وأَﻣﺎﻧﮭﻢ(‪ 14‬واﻟﻤﺴ ﺘﺄﻣﻦ ھ ﻮ اﻟ ﺬي أﻋﻄ ﻲ‬
‫ﻟﮫ اﻷﻣﺎن )اﻟﺬي ھﻮ ﺿﺪ اﻟﺨﻮف( ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﮫ وﻣﺎﻟﮫ وﻋﺮﺿ ﮫ ودﯾﻨ ﮫ‪ ،‬وھ ﻮ ﻗﺮﯾ ﺐ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻌﻨﻰ "اﻟﺬﻣﺔ " واﻟﻔﺮق ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ ﻓ ﻲ اﻻﺻ ﻄﻼح ﻣ ﻦ وﺟﮭ ﯿﻦ ‪:‬أن ﻋﻘ ﺪ اﻟﺬﻣ ﺔ ﻻ‬
‫ﯾﻌﻘﺪه إﻻ اﻹﻣﺎم أو ﻧﺎﺋﺒﮫ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻋﻘﺪ اﻷﻣﺎن ﯾﺠﻮز أن ﯾﻘﻊ ﻋﻘﺪه ﻣ ﻦ آﺣ ﺎد اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‪،‬‬
‫وأن ﻋﻘﺪ اﻟﺬﻣﺔ ﻣﺆﺑﺪ ﺑﯿﻨﻤﺎ ﻋﻘﺪ اﻷﻣﺎن ﻣﺆﻗﺖ‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﺠ ﻮز أن ﯾﻌ ﺪ اﻟﻤﺮﺗ ﺪون ﻣ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺘ ﻲ ﯾﺴ ﻤﺢ ﺑﻮﺟﻮدھ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ‪ ،‬ﻷن اﻟﻤﺮﺗﺪ‪-‬ﺳﻮاء وﻟﺪ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم أو ﻛﺎن ﻛﺎﻓﺮا ﻓﺄﺳﻠﻢ‪ -‬إذا ﻟ ﻢ ﯾﺮﺟ ﻊ‬
‫وﯾﺘﻮب إﻟﻰ اﷲ ﻣﻤﺎ وﻗﻊ ﻓﯿﮫ ﻓﻼ ﯾﺠﻮز إﻗﺮاره ﺑﺠﺰﯾﺔ أو ﻋﮭﺪ أو أﻣﺎن أو ﻏﯿﺮ ذﻟﻚ‬
‫وﻟﯿﺲ أﻣﺎﻣﮫ إﻻ اﻟﺘﻮﺑﺔ أو اﻟﻘﺘﻞ‪.‬‬

‫ﻋﻘﺪ اﻟﺬﻣﺔ‪:‬‬
‫ھﻮ ﻋﻘﺪ ﺑﯿﻦ اﻟﻜﻔﺎر اﻷﺻﻠﯿﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺠﻮز إﻗﺮارھﻢ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﺑﯿﻦ اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﯾﻠﺘﺰم ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﺑﺄداء اﻟﺠﺰﯾﺔ ) وھﻲ ﻣﻘﺪار ﻣﺎﻟﻲ أو ﻣﺎ ﯾﻘﺎﺑﻠ ﮫ‬
‫ﯾ ﺆدى ﻟﺪوﻟ ﺔ اﻹﺳ ﻼم ( ﻛﻤ ﺎ ﯾﻠﺘﺰﻣ ﻮن ﺑ ﺈﺟﺮاء أﺣﻜ ﺎم اﻹﺳ ﻼم ﻋﻠ ﯿﮭﻢ ﻓ ﻲ ﻏﯿ ﺮ‬
‫ﻋﻘﺎﺋﺪھﻢ وﻋﺒﺎداﺗﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﮭﻢ وﻻ ﯾﻤﺘﻨﻌﻮن ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬وﯾﻜﻮن ﻟﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ذﻟ ﻚ‬
‫اﻷﻣﺎن واﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﯾﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎء ﻟﻸﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻼدھﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﺎﻗﺪوھﻢ ﻋﻠﯿ ﮫ‬
‫أن اﻟﺮﺳﻮل ﺣﺮض اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﮭﻢ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ ﻓﻘﺎل‪ " :‬ﻣﻦ ﻗﺘﻞ‬
‫ﻧﻔﺴﺎ ﻣﻌﺎھﺪا ﻟﻢ ﯾ ﺮح راﺋﺤ ﺔ اﻟﺠﻨ ﺔ وإن رﯾﺤﮭ ﺎ ﻟﯿﻮﺟ ﺪ ﻣ ﻦ ﻣﺴ ﯿﺮة أرﺑﻌ ﯿﻦ ﻋﺎﻣ ﺎ"‬
‫وﻗﺪ ﺑﻮب ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻓﻲ ﺻﺤﯿﺤﮫ ﺑﻘﻮﻟﮫ‪ :‬ﺑﺎب إﺛ ﻢ ﻣ ﻦ ﻗﺘ ﻞ ذﻣﯿ ﺎ ﺑﻐﯿ ﺮ ﺟ ﺮم‪،15‬‬
‫ﻗﺎل اﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﮫ‪ ":‬واﻟﻤﺮاد ﺑﮫ ﻣﻦ ﻟﮫ ﻋﮭﺪ ﻣﻊ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﺳ ﻮاء ﻛ ﺎن ﺑﻌﻘ ﺪ‬
‫ﺟﺰﯾ ﺔ أو ھﺪﻧ ﺔ ﻣ ﻦ ﺳ ﻠﻄﺎن أو أﻣ ﺎن ﻣ ﻦ ﻣﺴ ﻠﻢ"‪ 16‬وﻗ ﺎل ‪ ":‬أﻻ ﻣ ﻦ ﻗﺘ ﻞ ﻧﻔﺴ ﺎ‬
‫ﻣﻌﺎھﺪا ﻟ ﮫ ذﻣ ﺔ اﷲ وذﻣ ﺔ رﺳ ﻮﻟﮫ ﻓﻘ ﺪ أﺧﻔ ﺮ ﺑﺬﻣ ﺔ اﷲ ﻓ ﻼ ﯾ ﺮح راﺋﺤ ﺔ اﻟﺠﻨ ﺔ وإن‬
‫رﯾﺤﮭﺎ ﻟﯿﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﯿﺮة ﺳﺒﻌﯿﻦ ﺧﺮﯾﻔﺎ "‪ 17‬وھﺬا ﻋﻤﺮ رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﮫ وھﻮ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻓﺮاش اﻟﻤﻮت ﯾﻘﻮل ‪ ":‬أوﺻﻲ اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻌ ﺪي ﺑﺎﻟﻤﮭ ﺎﺟﺮﯾﻦ اﻷوﻟ ﯿﻦ ﺧﯿ ﺮا‬
‫أن ﯾﻌﺮف ﻟﮭﻢ ﺣﻘﮭﻢ وأن ﯾﺤﻔﻆ ﻟﮭﻢ ﺣﺮﻣﺘﮭﻢ وأوﺻ ﯿﮫ ﺑﺎﻷﻧﺼ ﺎر ﺧﯿ ﺮا واﻟ ﺬﯾﻦ‬
‫ﺗﺒ ﻮؤوا اﻟ ﺪار واﻹﯾﻤ ﺎن أن ﯾﻘﺒ ﻞ ﻣ ﻦ ﻣﺤﺴ ﻨﮭﻢ وﯾﻌﻔ ﻰ ﻋ ﻦ ﻣﺴ ﯿﺌﮭﻢ‪ ،‬وأوﺻ ﯿﮫ‬
‫ﺑﺬﻣ ﺔ اﷲ وذﻣ ﺔ رﺳ ﻮﻟﮫ أن ﯾ ﻮﻓﻰ ﻟﮭ ﻢ ﺑﻌﮭ ﺪھﻢ وأن ﯾﻘﺎﺗ ﻞ ﻣ ﻦ وراﺋﮭ ﻢ وأن ﻻ‬
‫‪ 13‬ﻣﺨﺘﺎر اﻟﺼﺤﺎح‪ ،94/1‬ﻗﺎﻟﮫ أﺑﻮ ﻋﺒﯿﺪ‬
‫‪ 14‬ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب ‪221/12‬‬
‫‪ 15‬أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻛﺘﺎب اﻟﺪﯾﺎت رﻗﻢ ‪6403‬‬
‫‪ 16‬ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري ‪259/12‬‬
‫‪ 17‬أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺘﺮﻣﺬي ﻛﺘﺎب اﻟﺪﯾﺎت رﻗﻢ ‪ 1323‬وﻗﺎل ‪ :‬ھﺬا ﺣﺪﯾﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﯿﺢ‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ﯾﻜﻠﻔﻮا ﻓﻮق ﻃﺎﻗﺘﮭﻢ"‪18‬ﻓﮭﻮ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺸﺪﯾﺪ ﻟﻢ ﯾﻔﺘ ﮫ أن ﯾﻮﺻ ﻲ اﻟﺨﻠﯿﻔ ﺔ ﻣ ﻦ‬
‫ﺑﻌﺪه ﺑﺄھ ﻞ اﻟﺬﻣ ﺔ وﯾﺠﻌ ﻞ اﻟﻮﺻ ﯿﺔ ﺑﮭ ﻢ ﺑﺠ ﻮار وﺻ ﯿﺘﮫ ﺑﺎﻟﺴ ﺎﺑﻘﯿﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻤﮭ ﺎﺟﺮﯾﻦ‬
‫واﻷﻧﺼ ﺎر‪ ،‬وﯾ ﻨﺺ ﻓ ﻲ وﺻ ﯿﺘﮫ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻮﻓ ﺎء ﺑﻌﮭ ﺪھﻢ وﺣﻤ ﺎﯾﺘﮭﻢ واﻟ ﺬب ﻋ ﻨﮭﻢ ‪،‬‬
‫واﻟﺮﻓﻖ ﺑﮭﻢ‪.‬‬

‫ب‪-‬اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ)اﻟﻔﺮق اﻟﻀﺎﻟﺔ(‪:‬‬

‫ﻛﺎﻧﺖ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم أﺣﺪ ﻧﺘ ﺎﺋﺞ ﺷ ﺮﯾﻌﺔ اﻟﺠﮭ ﺎد ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﯿﻞ اﷲ ‪،‬‬
‫ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن وﺟﻮدھﻢ ﻣﺒﻜﺮا أدرﻛﮫ رﺳﻮل اﷲ ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻷﻣﺮ ﻓﻲ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ‬
‫ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ إذ ﺗﺄﺧﺮ ﻇﮭﻮرھﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻛﺘﺠﻤﻊ أو اﺗﺠ ﺎه وإن وﺟ ﺪ‬
‫ﻣ ﻨﮭﻢ آﺣ ﺎد وأﻓ ﺮاد ﻗﺒ ﻞ ذﻟ ﻚ‪ ،‬ﻷن ﻇﮭ ﻮرھﻢ ﻓ ﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘ ﺔ ﻛ ﺎن ﻧﺘﯿﺠ ﺔ ﻻﺟﺘﻤ ﺎﻋﮭﻢ‬
‫وﻗﯿﺎﻣﮭﻢ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﺤﺮاف ﻓﻲ ﻓﮭ ﻢ اﻹﺳ ﻼم واﻟﻌﻤ ﻞ ﺑ ﮫ‪ ،‬ﻓﻠ ﻢ ﯾﻜ ﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺘﺼ ﻮر أن‬
‫ﯾﻈﮭ ﺮوا ﻋﻠ ﻰ ھ ﺬا اﻟﻮﺟ ﮫ ﻣﺒﻜ ﺮا ﻓ ﻲ ﺣﯿ ﺎة اﻟﺮﺳ ﻮل ﺑ ﻞ ﺗ ﺄﺧﺮ ﻇﮭ ﻮرھﻢ إﻟ ﻰ‬
‫ﻗ ﺪ أﺷ ﺎر إﻟ ﻰ ھ ﺬه اﻷﻗﻠﯿ ﺎت‬ ‫أواﺧ ﺮ اﻟﺨﻼﻓ ﺔ اﻟﺮاﺷ ﺪة ‪ ،‬وإن ﻛ ﺎن اﻟﺮﺳ ﻮل‬
‫ﺑﻘﻮﻟﮫ‪ ":‬أﻻ إن ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻜﺘﺎب اﻓﺘﺮﻗﻮا ﻋﻠﻰ ﺛﻨﺘﯿﻦ وﺳﺒﻌﯿﻦ ﻣﻠﺔ وإن ھﺬه‬
‫اﻟﻤﻠ ﺔ ﺳ ﺘﻔﺘﺮق ﻋﻠ ﻰ ﺛ ﻼث وﺳ ﺒﻌﯿﻦ ﺛﻨﺘ ﺎن وﺳ ﺒﻌﻮن ﻓ ﻲ اﻟﻨ ﺎر وواﺣ ﺪة ﻓ ﻲ اﻟﺠﻨ ﺔ‬
‫وھ ﻲ اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ "‪ ،19‬وﻗ ﺪ ﻇﮭ ﺮت ﺗﻠ ﻚ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻓﯿﻤ ﺎ ﻋ ﺮف ﻓ ﻲ اﻻﺻ ﻄﻼح‬
‫اﻟﺸﺮﻋﻲ ﺑﺎﻟﻔﺮق اﻟﻀﺎﻟﺔ‪ ،‬أو أھﻞ اﻻﻓﺘ ﺮاق‪ ،‬أو أھ ﻞ اﻟﺒ ﺪع‪ ،‬ﻓﻜ ﺎن ﻣ ﻨﮭﻢ اﻟﺨ ﻮارج‬
‫واﻟﺸﯿﻌﺔ واﻟﻘﺪرﯾﺔ واﻟﺮاﻓﻀﺔ واﻟﻤﺮﺟﺌﺔ واﻟﺠﮭﻤﯿﺔ واﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ إﻟ ﻰ ﻣﺴ ﻤﯿﺎت ﻛﺜﯿ ﺮة‬
‫ﻣﺴﻄﻮرة ﻓﻲ ﻛﺘﺐ اﻟﻔﺮق‪ ،‬ﻣﺼﺪاﻗﺎ ﻟﻘﻮل رﺳﻮل اﷲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،‬وﻗﺪ ﻛﺎﻧ ﺖ ھﻨ ﺎك‬
‫أﺳ ﺒﺎب ﻛﺜﯿ ﺮة ﻟﻈﮭ ﻮر ھ ﺬه اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ أھﻤﮭ ﺎ‪ :‬اﺗﺒ ﺎع اﻟﺸ ﮭﻮات اﻟﺘ ﻲ ﺳ ﺒﺒﮭﺎ‬
‫ﺗﺤﻜ ﻢ اﻟﮭ ﻮى‪ ،‬واﺗﺒ ﺎع اﻟﺸ ﺒﮭﺎت اﻟﺘ ﻲ ﺳ ﺒﺒﮭﺎ ﻏﻠﺒ ﺔ اﻟﺠﮭ ﻞ‪ ،‬وﺗﻘﻠﯿ ﺪ ﻏﯿ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‬
‫اﻟ ﺬي ﺳ ﺒﺒﮫ اﻟﺘ ﺄﺛﺮ ﺑﺜﻘﺎﻓ ﺎت اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ وﺗﺮﺟﻤ ﺔ ﻛﺘ ﺒﮭﻢ إﻟ ﻰ اﻟﻠﺴ ﺎن اﻟﻌﺮﺑ ﻲ‪،‬‬
‫وﻓﻲ أوﻗﺎﺗﻨﺎ اﻟﺰﻣﻨﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ واﻟﻤﻌﺎﺻﺮة ﻇﮭﺮت ﻣﺴﻤﯿﺎت ﺟﺪﯾﺪة وھﻲ ﺗﺸﺘﺮك ﻣﻊ‬
‫أھﻞ اﻻﺑﺘﺪاع واﻟﺘﻔﺮق ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻷﺻ ﻮل واﻟﻤﻨ ﺎھﺞ ﻛﺎﻟﻌﺼ ﺮاﻧﯿﯿﻦ واﻟﺤ ﺪاﺛﯿﯿﻦ‬
‫واﻟﻌﻠﻤﺎﻧﯿﯿﻦ واﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﯿﻦ واﻟﯿﺴ ﺎرﯾﯿﻦ واﻻﺷ ﺘﺮاﻛﯿﯿﻦ‪ ،‬ﻏﯿ ﺮ أﻧﮭ ﻢ داﺧ ﻞ ﻛ ﻞ ﻣﺴ ﻤﻰ‬
‫أﻃﯿﺎف ﻛﺜﯿ ﺮة إذ ﻛﻼﻣﮭ ﻢ ﻟ ﯿﺲ واﺣ ﺪا‪ ،‬ﺑ ﻞ ﻓ ﻲ ﻛ ﻞ ﻓﺮﯾ ﻖ ﺗﺒﺎﯾﻨ ﺎت واﺳ ﻌﺔ‪ ،‬وﻓ ﯿﮭﻢ‬
‫ﻏﻼة ﻟﮭﻢ أﻓﻜﺎر وأﻗﻮال ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻣﻊ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺷ ﺨﺺ واﺣ ﺪ أﺑ ﺪا‪ ،‬ﺣﯿ ﺚ ﯾﻮﺟ ﺪ‬
‫ﻓﯿﮭﻢ ﻣ ﻦ ﯾﺼ ﺮح ﺑ ﺮﻓﺾ ﻣﻨ ﺎھﺞ اﻟﺴ ﻠﻒ وﻣ ﺎ أﺟﻤﻌ ﺖ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻷﻣ ﺔ‪ ،‬واﻟ ﺪﻋﻮة إﻟ ﻰ‬
‫ﻣﻨﺎھﺞ ﺟﺪﯾﺪة وﻓﻘﮫ ﺟﺪﯾﺪ ﯾﺨ ﺎﻟﻒ اﻟﻤﺴ ﺘﻘﺮ اﻟﻤﺠﻤ ﻊ ﻋﻠﯿ ﮫ ﻣ ﻦ دﯾ ﻦ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﺗﺤ ﺖ‬
‫دﻋﻮى اﻟﺘﺠﺪﯾﺪ‪ ،20‬وھﻨﺎك ﺑﺪع ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎدات ﺗﻘﻊ ﻣﻦ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻨ ﺎس ﻏﯿ ﺮ أﻧﮭ ﺎ ﻻ‬

‫‪ 18‬أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻛﺘﺎب اﻟﺠﻨﺎﺋﺰ رﻗﻢ ‪1305‬‬

‫‪ 19‬أﺧﺮﺟﮫ أﺑﻮ داود ﻛﺘﺎب اﻟﺴﻨﺔ رﻗﻢ ‪ 3981‬ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻣﻌﺎوﯾﺔ وﻧﺤﻮه رﻗﻢ ‪ 3980‬ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة‪،‬‬
‫وأﺧﺮﺟﮫ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ ﻛﺘﺎب اﻟﻔﺘﻦ رﻗﻢ ‪ 3982‬ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻋﻮف ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ‪ ،‬وﻧﺤﻮه رﻗﻢ ‪ 3983‬ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ‪،‬‬
‫وأﺧﺮﺟﮫ أﺣﻤﺪ رﻗﻢ ‪ 8046‬ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ أﺑﻲ ھﺮﯾﺮة‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﺧﺮج أﺣﻤﺪ أﯾﻀﺎ ﺣﺪﯾﺚ ﻣﻌﺎوﯾﺔ وﺣﺪﯾﺚ أﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ‪،‬‬
‫وأﺧﺮﺟﮫ اﻟﺪارﻣﻲ ﻣﻦ ﺣﺪﯾﺚ ﻣﻌﺎوﯾﺔ ﻛﺘﺎب اﻟﺴﯿﺮ ‪2406‬‬
‫‪ 20‬اﻧﻈﺮ ﺗﺠﺪﯾﺪ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﯾﻨﻲ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﺄﺻﯿﻞ واﻟﺘﺤﺮﯾﻒ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺷﺎﻛﺮ اﻟﺸﺮﯾﻒ‬
‫‪11‬‬
‫ﺗﺨﺮﺟﮭﻢ ﻣﻦ زﻣﺮة ﻣﺠﻤ ﻮع اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ وﺗ ﺪﺧﻠﮭﻢ ﻓ ﻲ ﻋ ﺪاد اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ ﻷﻧﮭ ﺎ‬
‫ﺑﺪع ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﻤﻌﺎﺻﻲ واﻟﺴﯿﺌﺎت ﻻ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻻﻓﺘﺮاق ﻓﻲ اﻻﻋﺘﻘﺎدات‪.‬‬

‫ج‪-‬اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ واﻟﻌﺮﻗﯿﺔ‪:‬‬

‫ھ ﻲ أﻗﻠﯿ ﺎت ﻣ ﻦ ﺣﯿ ﺚ اﻟﻠﻔ ﻆ ﻓﻘ ﻂ دون اﻟﻤﻌﻨ ﻰ إذ ﻻ ﯾﺘﺮﺗ ﺐ ﻋﻠ ﻰ ھ ﺬا اﻟﻨ ﻮع أﯾ ﺔ‬
‫أﺣﻜﺎم ﺧﺎﺻ ﺔ ﺑﮭ ﻢ ﺑ ﻞ ھ ﻢ ﯾ ﺪﺧﻠﻮن ﻓ ﻲ ﻏﻤ ﺎر اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﯾﺠ ﺮي ﻋﻠ ﯿﮭﻢ ﻣ ﺎ ﯾﺠ ﺮي‬
‫ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﺎﺋﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ ﻟ ﻢ ﺗﺮﺗ ﺐ ﻋﻠ ﻰ ھ ﺬه اﻟﺘﻘﺴ ﯿﻤﺎت أﯾ ﺔ أوﺿ ﺎع أو‬
‫أﺣﻜ ﺎم ‪ ،‬وإﻧﻤ ﺎ ﺗﺘﺮﺗ ﺐ اﻷﺣﻜ ﺎم ﺑﻨ ﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻟ ﺪﯾﻦ ﻓﺎﻟﻤﺴ ﻠﻢ ﻓ ﻲ أي إﻗﻠ ﯿﻢ ﻣ ﻦ أﻗ ﺎﻟﯿﻢ‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻷﻗﻠﯿﺔ )اﺻ ﻄﻼﺣﺎ( وإن ﻛﺎﻧ ﺖ ﺟﻨﺴ ﯿﺘﮫ ﻣﻐ ﺎﯾﺮة ﻟﺠ ﻨﺲ‬
‫أﺑﻨﺎء اﻹﻗﻠﯿﻢ أو ﻟﻐﺘﮫ ﻣﻐﺎﯾﺮة ﻟﻠﻐﺘﮭﻢ أو ﻟﻮﻧﮫ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﻮﻧﮭﻢ ﻓﮭﻮ داﺧﻞ ﻓﻲ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ‪،‬‬
‫إذ ھﻮ ﯾﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق ﻛﻠﮭﺎ اﻟﺘ ﻲ ﯾﺘﻤﺘ ﻊ ﺑﮭ ﺎ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ ﻛﻤ ﺎ ﺗﺠ ﺐ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻻﻟﺘﺰاﻣ ﺎت‬
‫ﻛﻠﮭ ﺎ اﻟﺘ ﻲ ﯾﻠﺘ ﺰم ﺑﮭ ﺎ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ‪ ،‬وھ ﺬا أﻣ ﺮ ﻗ ﺪ ﻋﻤ ﺖ ﺑ ﮫ اﻟﻨﺼ ﻮص وﺗﺼ ﺮﻓﺎت‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻲ أزﻣﻨﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺮاﺷﺪة ‪ ،‬ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺼﻮص اﻟﺘ ﻲ دﻟ ﺖ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ﻗﻮﻟ ﮫ‬
‫ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪ ":‬ﯾ ﺎ أﯾﮭ ﺎ اﻟﻨ ﺎس إﻧ ﺎ ﺧﻠﻘﻨ ﺎﻛﻢ ﻣ ﻦ ذﻛ ﺮ وأﻧﺜ ﻰ وﺟﻌﻠﻨ ﺎﻛﻢ ﺷ ﻌﻮﺑﺎ وﻗﺒﺎﺋ ﻞ‬
‫ﻟﺘﻌﺎرﻓﻮا إن أﻛﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎﻛﻢ" ﻓﺬﻛﺮت اﻵﯾﺔ اﺧﺘﻼف اﻟﻨﺎس وﺗﻤﺎﯾﺰھﻢ ﻟﻜﻨﮭﺎ‬
‫ﻟ ﻢ ﺗﺠﻌ ﻞ ھ ﺬه اﻷﺷ ﯿﺎء ﻣﻌﯿ ﺎرا ﺗﺘﺮﺗ ﺐ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻷﺣﻜ ﺎم وإﻧﻤ ﺎ اﻟﻤﻌﯿ ﺎر ھ ﻮ اﻹﯾﻤ ﺎن‬
‫ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﮫ وﺳﻂ أﯾﺎم اﻟﺘﺸﺮﯾﻖ ‪ ":‬ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﻨﺎس‬ ‫وﺗﻘﻮى اﷲ وﻗﺪ ﻗﺎل رﺳﻮل اﷲ‬
‫أﻻ إن رﺑﻜﻢ واﺣﺪ وإن أﺑﺎﻛﻢ واﺣﺪ أﻻ ﻻ ﻓﻀ ﻞ ﻟﻌﺮﺑ ﻲ ﻋﻠ ﻰ أﻋﺠﻤ ﻲ وﻻ ﻟﻌﺠﻤ ﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺑﻲ وﻻ ﻷﺣﻤﺮ ﻋﻠﻰ أﺳﻮد وﻻ أﺳﻮد ﻋﻠﻰ أﺣﻤ ﺮ إﻻ ﺑ ﺎﻟﺘﻘﻮى أﺑﻠﻐ ﺖ ﻗ ﺎﻟﻮا‬
‫ﺑﻠ ﻎ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ ‪ "..‬اﻟﺤ ﺪﯾﺚ‪ 21‬وﻓ ﻲ ھ ﺬا اﻟﻤﻌﻨ ﻰ وردت أﺣﺎدﯾ ﺚ‬
‫ﻛﺜﯿﺮة‪ ،‬وﻗﺪ ﺟﺎء ﻗﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ إھﺪار ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺑﻄﺔ اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ ﺣﯿﻨﻤﺎ ﻗ ﺎل‪ ":‬وآﺧ ﺮﯾﻦ‬
‫ﻓﻌﻦ أﺑﻲ ھﺮﯾ ﺮة رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﮫ‬ ‫ﻣﻨﮭﻢ ﻟﻤﺎ ﯾﻠﺤﻘﻮا ﺑﮭﻢ" وﻗﺪ ﻓﺴﺮھﺎ رﺳﻮل اﷲ‬
‫ﻗﺎل‪ ":‬ﻛﻨﺎ ﺟﻠﻮﺳ ﺎ ﻋﻨ ﺪ اﻟﻨﺒ ﻲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ وﺳ ﻠﻢ إذ ﻧﺰﻟ ﺖ ﻋﻠﯿ ﮫ ﺳ ﻮرة اﻟﺠﻤﻌ ﺔ‬
‫ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮأ "وآﺧﺮﯾﻦ ﻣﻨﮭﻢ ﻟﻤﺎ ﯾﻠﺤﻘﻮا ﺑﮭﻢ" ﻗﺎل رﺟﻞ‪ :‬ﻣﻦ ھﺆﻻء ﯾ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ؟ ﻓﻠ ﻢ‬
‫ﯾﺮاﺟﻌﮫ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺳﺄﻟﮫ ﻣ ﺮة أو ﻣ ﺮﺗﯿﻦ أو ﺛﻼﺛ ﺎ ﻗ ﺎل‪ :‬وﻓﯿﻨ ﺎ‬
‫ﺳﻠﻤﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ ﻗﺎل ﻓﻮﺿﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﯾﺪه ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻤﺎن ﺛﻢ ﻗ ﺎل ﻟ ﻮ‬
‫ﻛﺎن اﻹﯾﻤﺎن ﻋﻨﺪ اﻟﺜﺮﯾﺎ ﻟﻨﺎﻟﮫ رﺟﺎل ﻣﻦ ھﺆﻻء "‪ 22‬ﻓﮭﺬا ﺳﻠﻤﺎن اﻟﻔﺎرﺳﻲ وھ ﻮ ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﺠﻨﺲ أو اﻟﻌﺮق اﻟﻔﺎرﺳﻲ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻗ ﺪ ﻗﯿ ﻞ ﻓﯿ ﮫ أﻧ ﮫ " ﻣ ﻨﮭﻢ " و‬
‫ﻗﺎل اﻟﺮﺳﻮل ﻓ ﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑ ﻞ ﻋ ﻦ أﻗ ﺎرب ﻟ ﮫ ‪ ":‬ﺟﮭ ﺎرا ﻏﯿ ﺮ ﺳ ﺮ ﯾﻘ ﻮل‪ :‬أﻻ إن آل‬
‫أﺑﻲ ﯾﻌﻨﻲ ﻓﻼﻧﺎ ﻟﯿﺴﻮا ﻟ ﻲ ﺑﺄوﻟﯿ ﺎء إﻧﻤ ﺎ وﻟﯿ ﻲ اﷲ وﺻ ﺎﻟﺢ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﯿﻦ "‪23‬وھ ﺬا ﺑ ﻼل‬
‫ﺑ ﻦ رﺑ ﺎح رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﮫ وھ ﻮ ﺣﺒﺸ ﻲ وﻣ ﻊ ذﻟ ﻚ ﻓﮭ ﻮ ﯾﺘﺴ ﻨﻢ ﻣﻜﺎﻧ ﺔ ﻋﺎﻟﯿ ﺔ‬
‫ﻣﺮﻣﻮﻗ ﺔ ﺣﯿ ﺚ ﯾﻘ ﻮم ﺑ ﺄداء وﻇﯿﻔ ﺔ ﻋﻈﯿﻤ ﺔ ﻋﻨ ﺪ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ وھ ﻲ اﻟﻨ ﺪاء ﻟﻠﺼ ﻼة‪،‬‬

‫‪ 21‬أﺧﺮﺟﮫ أﺣﻤﺪ ﻣﺴﻨﺪ اﻷﻧﺼﺎر رﻗﻢ ‪22391‬‬

‫‪ 22‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ رﻗﻢ ‪4619‬‬
‫‪ 23‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻹﯾﻤﺎن رﻗﻢ ‪316‬‬
‫‪12‬‬
‫وﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﻋﯿ ﺮ أﺑﻮاﻟ ﺪرداء أﺣ ﺪ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﺑﻠﻮﻧ ﮫ ﻗ ﺎﺋﻼ ﻟ ﮫ ﯾ ﺎ اﺑ ﻦ اﻟﺴ ﻮداء ﻗ ﺎل ﻟ ﮫ‬
‫اﻟﺮﺳ ﻮل ‪ ":‬إﻧ ﻚ اﻣ ﺮؤ ﻓﯿ ﻚ ﺟﺎھﻠﯿ ﺔ"‪ 24‬ﻓﺄھ ﺪرت اﻟﻨﺼ ﻮص اﻟﺘﻔﺮﯾ ﻖ ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻠﻐ ﺎت أو اﻷﻟ ﻮان أو اﻟﻌ ﺮق أو اﻟﺠﻨﺴ ﯿﺎت ﻣﻤ ﺎ ﯾﻌﻨ ﻲ ﻋ ﺪم‬
‫اﻻﻋﺘﺪاد ﺑﮭﺬه اﻷﻣ ﻮر ﻓ ﻲ ﻣﯿ ﺰان اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ ﻛﻤﻘﯿ ﺎس ﻟﺘﺼ ﻨﯿﻒ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ‪ ،‬وﻟ ﻢ ﺗﻜﺘ ﻒ‬
‫اﻟﻨﺼﻮص ﺑﮭﺬا اﻟﻘﺪر ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺘﻔﻀﯿﻞ واﻟﻤﻜﺎﻧﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ‪ ،‬وإﻧﻤﺎ ﺣﺘ ﻰ ﻓ ﻲ ﻣﺠ ﺎل‬
‫ﯾﻘ ﻮل ﻓﯿﻤ ﺎ ﺗﺮوﯾ ﮫ ﻋﻨ ﮫ أم اﻟﺤﺼ ﯿﻦ ‪ ":‬ﺗﻘ ﻮل‬ ‫اﻟﻘﯿ ﺎدة واﻟﺤﻜ ﻢ ﻓﮭ ﺬا رﺳ ﻮل اﷲ‬
‫ﺣﺠﺠﺖ ﻣﻊ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ وﺳ ﻠﻢ ﺣﺠ ﺔ اﻟ ﻮداع ﻗﺎﻟ ﺖ ﻓﻘ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ‬
‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﻮﻻ ﻛﺜﯿﺮا ﺛﻢ ﺳﻤﻌﺘﮫ ﯾﻘﻮل إن أﻣﺮ ﻋﻠﯿﻜﻢ ﻋﺒﺪ ﻣﺠﺪع ﺣﺴﺒﺘﮭﺎ‬
‫ﻗﺎﻟ ﺖ أﺳ ﻮد ﯾﻘ ﻮدﻛﻢ ﺑﻜﺘ ﺎب اﷲ ﻓﺎﺳ ﻤﻌﻮا ﻟ ﮫ وأﻃﯿﻌ ﻮا "‪ 25‬وھ ﺬا ﻋﻤ ﺮ رﺿ ﻲ اﷲ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﮫ وﻗﺪ ﻟﻘﻲ ﻧﺎﻓﻊ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﺎرث ﺑﻌﺴﻔﺎن وﻛﺎن ﻋﻤ ﺮ ﯾﺴ ﺘﻌﻤﻠﮫ واﻟﯿ ﺎ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻤﺎ رآه ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ﻣﺤﻞ وﻻﯾﺘﮫ ﺑﺎدره ﺑﺎﻟﺴﺆال ﻓﻘﺎل‪ :‬ﻣﻦ اﺳﺘﻌﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ أھﻞ‬
‫اﻟﻮادي؟ ﯾﺮﯾﺪ ﻣﻜﺔ‪ ،‬ﻓﻘ ﺎل‪:‬اﺳ ﺘﻌﻤﻠﺖ اﺑ ﻦ أﺑ ﺰى‪ ،‬وﻟﻤ ﺎ ﻛ ﺎن ھ ﺬا اﻟﺸ ﺨﺺ ﻣﺠﮭ ﻮﻻ‬
‫ﻋﻨﺪ ﻋﻤﺮ ﺳﺄﻟﮫ ﻗﺎﺋﻼ‪ :‬وﻣﻦ اﺑﻦ أﺑﺰى؟ ﻗﺎل‪:‬ﻣﻮﻟﻰ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﯿﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻜ ﺄن ﻋﻤ ﺮ رﺿ ﻲ‬
‫اﷲ ﻋﻨ ﮫ ﻟ ﻢ ﯾﺮﻗ ﮫ أن ﯾﺠﻌ ﻞ ﻣ ﻮﻟﻰ ﻻ ﺗﻤﯿ ﺰ ﻟ ﮫ أﻣﯿ ﺮا ﻋﻠ ﻰ ﻗ ﺮﯾﺶ‪ ،‬وھ ﻢ ﺧﻼﺻ ﺔ‬
‫اﻟﻌﺮب‪ ،‬ﻓﻘﺎل ﻛﺎﻟﻤﺘﻌﺠﺐ‪ :‬ﻓﺎﺳﺘﺨﻠﻔﺖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻣﻮﻟﻰ! ﻗﺎل ﻧﺎﻓﻊ‪-‬ﻣﻘﺪﻣﺎ اﻟﻤﺴﻮﻏﺎت ﻟﻤﺎ‬
‫ﻓﻌﻞ‪ :-‬إﻧﮫ ﻗﺎرئ ﻟﻜﺘﺎب اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ وإﻧﮫ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻔﺮاﺋﺾ‪ ،‬ﻋﻨ ﺪھﺎ ﻗ ﺎل ﻋﻤ ﺮ‪ :‬أﻣ ﺎ‬
‫إن ﻧﺒﯿﻜﻢ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺪ ﻗﺎل‪ :‬إن اﷲ ﯾﺮﻓﻊ ﺑﮭ ﺬا اﻟﻜﺘ ﺎب أﻗﻮاﻣ ﺎ وﯾﻀ ﻊ ﺑ ﮫ‬
‫آﺧ ﺮﯾﻦ"‪ 26‬وﻗ ﺪ ﺟ ﺎء اﻟﻨﮭ ﻲ ﻋ ﻦ اﻟﻌﺼ ﺒﯿﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤ ﺔ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﻨﺎﺻ ﺮ واﻟﺘﻌﺎﺿ ﺪ ﻋﻠ ﻰ‬
‫‪ ":‬ﻣ ﻦ ﻗﺘ ﻞ ﺗﺤ ﺖ راﯾ ﺔ‬ ‫أواﺻﺮ اﻟﺪم أو اﻟﻠﻐﺔ أو ﻣﺎ ﺷﺎﺑﮫ ذﻟﻚ ﻓﻘ ﺪ ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل‬
‫‪27‬‬
‫ﻋﻤﯿﺔ ﯾ ﺪﻋﻮ ﻋﺼ ﺒﯿﺔ أو ﯾﻨﺼ ﺮ ﻋﺼ ﺒﯿﺔ ﻓﻘﺘﻠ ﺔ ﺟﺎھﻠﯿ ﺔ " ﻓ ﺈذا ذھﺒﻨ ﺎ إﻟ ﻰ اﻟﺘ ﺎرﯾﺦ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ وﺟﺪﻧﺎ ﻛﺜﯿﺮا ﻣﻦ رﺟﺎﻻت اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻘﯿ ﺎدة ﻣﻤ ﻦ ﻟ ﻢ ﯾﻜ ﻦ ﻣ ﻦ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ ﺑ ﻞ‬
‫ﻛﺎن ﻣﻤﻦ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻟﻔ ﻆ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻓ ﻲ اﻟﻌﺼ ﺮ اﻟﺤﺎﺿ ﺮ‪ ،‬ﻓﻌﻠ ﻰ ﺳ ﺒﯿﻞ‬
‫اﻟﻤﺜﺎل ﻻ اﻟﺤﺼﺮ ھ ﺬا أﺑﻮﺣﻨﯿﻔ ﺔ اﻟﻔﻘﯿ ﮫ اﻟﻜﺒﯿ ﺮ ﻟ ﯿﺲ ﻣ ﻦ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿ ﺔ وﻛ ﺬﻟﻚ‬
‫أﻣﯿ ﺮ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﯿﻦ ﻓ ﻲ اﻟﺤ ﺪﯾﺚ اﻹﻣ ﺎم اﻟﺒﺨ ﺎري‪ ،‬وﻛ ﺬﻟﻚ اﻹﻣ ﺎم ﻣﺴ ﻠﻢ واﻟﺘﺮﻣ ﺬي‬
‫واﻟﻨﺴ ﺎﺋﻲ وأﺑ ﻮ داود واﺑ ﻦ ﻣﺎﺟ ﮫ وﻏﯿ ﺮھﻢ ﻛﺜﯿ ﺮ‪ ،‬وھ ﺬا ﻋ ﺎﻟﻢ اﻟﻨﺤ ﻮ اﻟﻌﺮﺑ ﻲ ﺑ ﻼ‬
‫ﻣﺪاﻓﻊ ﺳﯿﺒﻮﯾﮫ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻌ ﺮب ‪ ،‬وھ ﺬا ﺻ ﻼح اﻟ ﺪﯾﻦ اﻷﯾ ﻮﺑﻲ ﻣ ﻦ أﺷ ﮭﺮ اﻟﻘ ﺎدة‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓ ﻲ ﺗ ﺎرﯾﺦ اﻟﺤ ﺮوب اﻟﺼ ﻠﯿﺒﯿﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻌ ﺮق اﻟﻜ ﺮدي وﻟ ﯿﺲ ﻣ ﻦ اﻟﻌ ﺮب‪،‬‬
‫وھ ﺬا ﻗﻄ ﺰ ﺑﻄ ﻞ ﻋ ﯿﻦ ﺟ ﺎﻟﻮت اﻟ ﺬي ھ ﺰم اﻟﺘﺘ ﺎر وھ ﻢ ﻣ ﻦ أﺷ ﺮ اﻟﺨﻠﯿﻘ ﺔ ﻛ ﺎن ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ‪ ،‬ﺑﻞ ھﺬا ﻃﺎرق ﺑﻦ زﯾﺎد ﻓﺎﺗﺢ اﻷﻧﺪﻟﺲ ھﻮ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﺑﺮ وﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﻌ ﺮب‪،‬‬
‫واﻟﻘﺎﺋﻤ ﺔ ﻃﻮﯾﻠ ﺔ ﺟ ﺪا وإﻧﻤ ﺎ ذﻛﺮﻧ ﺎ ذﻟ ﻚ ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﺒﯿﻞ اﻟﺘﻨﺒﯿ ﮫ ﻻ اﻟﺤﺼ ﺮ‪ ،‬وﻣ ﻦ ھﻨ ﺎ‬
‫ﯾﺘﺒﯿﻦ ﺑﻼ أدﻧﻰ ﺷﻚ أن اﻟﺘﺒﺎﯾﻨﺎت اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ أو اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ أو اﻟﻠﻮﻧﯿﺔ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﻌ ﻮل ﻋﻠﯿﮭ ﺎ‬
‫اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﮫ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﺟﺪا ﻓﻲ ﻧﻈﺎم اﻹﺳﻼم أن ﯾﻜﻮن اﻟ ﻮاﻟﻲ‬
‫‪ 24‬أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻛﺘﺎب اﻹﯾﻤﺎن رﻗﻢ ‪ 29‬وﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻹﯾﻤﺎن رﻗﻢ ‪3139‬‬
‫‪ 25‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻹﻣﺎرة رﻗﻢ ‪ 3422‬و أﺧﺮج اﻟﺒﺨﺎري ﻧﺤﻮه ﻛﺘﺎب اﻷﺣﻜﺎم رﻗﻢ ‪6609‬‬
‫‪ 26‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب ﺻﻼة اﻟﻤﺴﺎﻓﺮﯾﻦ رﻗﻢ ‪1353‬‬
‫‪ 27‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻹﻣﺎرة رﻗﻢ ‪3340‬‬
‫‪13‬‬
‫ﻋﻠ ﻰ إﻗﻠ ﯿﻢ ﻣ ﻦ اﻷﻗ ﺎﻟﯿﻢ ﻣ ﻦ إﻗﻠ ﯿﻢ آﺧ ﺮ‪ ،‬أو ﯾﻨﺘﻤ ﻲ إﻟ ﻰ ﻗﻮﻣﯿ ﺔ ﻣﻐ ﺎﯾﺮة‪ ،‬أو ﻟ ﻮن‬
‫ﻣﺨﺘﻠﻒ‪ ،‬وإن ﻛﺎن اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳ ﺔ اﻟﺸ ﺮﻋﯿﺔ أن ﯾ ﺆﻣﺮ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨ ﺎس ﻣ ﻦ‬
‫ﯾﺄﻟﻔﻮﻧﮫ وﯾﻠﺘﻔﻮن ﺣﻮﻟﮫ وﯾﻜﻮﻧﻮن ﻟﮫ أﻃﻮع‪ ،‬وﻗﺪ ﺟﺮت ﻃﺒﺎﺋﻊ اﻟﻨﺎس أن ﺗﻜﻮن أﻛﺜ ﺮ‬
‫ﻣﯿﻼ ﻟﻤﻦ ﯾﺸﺎﺑﮭﮭﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻤﻈﮭ ﺮ اﻟﻌ ﺎم أو ﯾ ﻮاﻓﻘﮭﻢ ﻣ ﻦ ﺣﯿ ﺚ اﻟﻌﻘﺎﺋ ﺪ واﻟﺘﺼ ﻮرات‪،‬‬
‫ﻓﺈذا وﺟﺪ ﺷﺨﺼ ﺎن ﺻ ﺎﻟﺤﺎن ﻟﻺﻣ ﺎرة ﻣ ﻦ أﺻ ﺤﺎب اﻻﻋﺘﻘ ﺎد اﻟﺼ ﺤﯿﺢ ﻓ ﺈن ﺗﻮﻟﯿ ﺔ‬
‫إذا ﺟ ﺎءه ﻗ ﻮم‬ ‫اﻟﻤﺸ ﺎﺑﮫ ﻟﻠﻘ ﻮم أﻓﻀ ﻞ ﻣ ﻦ ﺗﻮﻟﯿ ﺔ ﻏﯿ ﺮه‪ ،‬وﻗ ﺪ ﻛ ﺎن رﺳ ﻮل اﷲ‬
‫ﻣﺴﻠﻤﯿﻦ أﻣﱠﺮ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺮﺗﻀﻮﻧﮫ ﻗﺒﻞ اﻹﺳﻼم‪ ،‬وﻣﻤﺎ ﺗﻘﺪم ﯾﺘﺒﯿﻦ أن اﻷﻗﻠﯿﺎت‬
‫اﻟﻠﻐﻮﯾ ﺔ واﻟﻌﺮﻗﯿ ﺔ واﻟﻠﻮﻧﯿ ﺔ ﻗ ﺪ اﻧ ﺪﻣﺠﺖ ﻓ ﻲ اﻷﻣ ﺔ اﻧ ﺪﻣﺎﺟﺎ ﺣﻘﯿﻘﯿ ﺎ وﻟ ﯿﺲ اﻧ ﺪﻣﺎﺟﺎ‬
‫ﺻ ﻮرﯾﺎ ﻻ ﯾﺘﻌ ﺪى اﻟﻤﻈﮭ ﺮ اﻟﺨ ﺎرﺟﻲ‪ ،‬ﻓﻘ ﺪ ﻛﺎﻧ ﺖ اﻟﻤﺴ ﺎواة ﺣﻘﯿﻘﯿ ﺔ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻤﺘ ﻊ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﺘﻲ ﻛﻔﻠﺘﮭﺎ اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ وﻓﻲ ﺗﺤﻤﻞ اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت اﻟﺘﻲ أوﺟﺒﺘﮭ ﺎ ﻋﻠ ﯿﮭﻢ ‪ ،‬وھ ﺬا‬
‫اﻷﻣﺮ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻘﻮم ﺑﮫ أﯾﺔ ﻓﻜﺮة أو ﻣ ﻨﮭﺞ ﻣ ﻦ اﻟﻤﻨ ﺎھﺞ اﻟﺪاﻋﯿ ﺔ ﻟﻠﺤﻔ ﺎظ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﺣﻘﻮق اﻷﻗﻠﯿﺎت أو ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن‪ ،‬إذ ﺟﻞ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺗﺤﻘﯿﻘﮫ ھﻮ إﺻﺪار ﺑﻌﺾ‬
‫اﻟﺘﺸ ﺮﯾﻌﺎت ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ‪ ،‬واﻟﺘ ﻲ ﻟ ﻢ ﺗ ﺰد ﻓ ﻲ أﺣﯿ ﺎن ﻛﺜﯿ ﺮة ﻋ ﻦ أن ﺗﻜ ﻮن ﺣﺒ ﺮا ﻋﻠ ﻰ‬
‫ورق‪ ،‬واﻷﻣﺜﻠﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻛﺜﯿ ﺮة‪ ،‬وﯾﻜﻔ ﻰ أن ﻧ ﺬﻛﺮ ﻣ ﺎ ﺗﺘﻌ ﺮض ﻟ ﮫ ﻧﺴ ﺎء اﻷﻗﻠﯿ ﺎت‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﺤ ﺪﯾﺚ ﻋ ﻦ ﺣﻘ ﻮق اﻷﻗﻠﯿ ﺎت وﻋ ﻦ ﻋ ﺪم‬
‫ﺟﻮاز اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ اﻟﺪﯾﻨﻲ‪ ،‬وھﻦ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ ﯾﺠﺒﺮن ﺟﺒﺮا وﻗﺴﺮن ﻗﺴ ﺮا ﺑﻤﻘﺘﻀ ﻰ‬
‫اﻟﻘ ﻮاﻧﯿﻦ ﻋﻠ ﻰ ﺧﻠ ﻊ اﻟﺤﺠ ﺎب وﻋ ﺪم ارﺗﺪاﺋ ﮫ‪ ،‬ﻟﻘ ﺪ اﺗﺨ ﺬت ﻣﻘﻮﻟ ﺔ اﻟﺤﻔ ﺎظ ﻋﻠ ﻰ‬
‫اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﯿﺔ ﻣﺴﻮﻏﺎ ﻟﻤﻨﻊ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ﻣﻦ ﺣﻘﮭﻦ اﻟﻤﺸﺮوع ﻓﻲ ارﺗﺪاء اﻟﺤﺠﺎب‪،‬‬
‫ﻛﻤﺎ اﺗﺨﺬت اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ ﺳﻠﻤﺎ ﻹﺻ ﺪار اﻟﺘﺸ ﺮﯾﻊ اﻟﻤﻠ ﺰم اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﺑ ﺬﻟﻚ‪ ،‬وﻟﻔ ﺮض‬
‫دﻛﺘﺎﺗﻮرﯾﺔ اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻠﯿﺔ‪.‬‬

‫اﻷﻗﻠﯿﺎت ﺑﯿﻦ اﻻﻧﺪﻣﺎج واﻟﺘﻤﺎﯾﺰ‪:‬‬

‫ھﻨﺎك ﻋﻮاﻣﻞ ﺳﻮاء ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻷﻗﻠﯿﺔ أو ﻣﻦ ﺟﺎﻧ ﺐ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ ﺗ ﺪﻋﻮ وﺗﺴ ﺎﻋﺪ ﻋﻠ ﻰ‬
‫اﻧ ﺪﻣﺎج اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻓ ﻲ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ‪ ،‬ﻛﻤ ﺎ أن ھﻨ ﺎك ﻋﻮاﻣ ﻞ ﺗ ﺪﻋﻮ أﯾﻀ ﺎ وﺗﺴ ﺎﻋﺪ ﻋﻠ ﻰ‬
‫اﻻﺧ ﺘﻼف واﻟﺘﻤ ﺎﯾﺰ ‪ ،‬ﻓﻌﻮاﻣ ﻞ اﻻﻧ ﺪﻣﺎج ﻣ ﻦ ﺟﺎﻧ ﺐ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻛﺜﯿ ﺮة ﻣ ﻦ أھﻤﮭ ﺎ‬
‫ﺷ ﻌﻮرھﺎ أن اﺧﺘﻼﻓﮭ ﺎ وﺗﻤﺎﯾﺰھ ﺎ ﻋ ﻦ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ ﻟ ﯿﺲ ﻋ ﺎﻣﻼ ﺣﺎﺳ ﻤﺎ ﻓ ﻲ ﺣﺼ ﻮﻟﮭﺎ‬
‫ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘﻮﻗﮭ ﺎ أو ﻣﺴ ﺎواﺗﮭﺎ ﺑﺎﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ‪ ،‬ﻓﮭ ﻲ ﻣ ﻦ ﺛ ﻢ ﻻ ﺗﺤ ﺮص ﻋﻠ ﻰ اﻟﺒﻘ ﺎء أو‬
‫اﻟﺤ ﺮص ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﻤﺎﯾﺰ‪،‬وﺧﺎﺻ ﺔ ﻓ ﻲ اﻷﻧﻈﻤ ﺔ اﻟﻌﺎدﻟ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﻣ ﻊ ﻃﺒﻘ ﺎت‬
‫وﺷﺮاﺋﺢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻌﺪل واﻟﻘﺴﻂ‪ ،‬وأﻣ ﺎ اﻟﻌﻮاﻣ ﻞ اﻟﺘ ﻲ ﺗﺴ ﺎﻋﺪ ﻋﻠ ﻰ اﻻﻧ ﺪﻣﺎج ﻣ ﻦ‬
‫ﺟﺎﻧﺐ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ﻓﻌﻠﻤﮭﺎ ﺑﺄن ﻣﻮﻗﻔﮭﺎ ﻣ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻟ ﯿﺲ ﻣ ﻦ ﺑ ﺎب اﻟﻔﻀ ﻞ واﻹﺣﺴ ﺎن‪،‬‬
‫وإﻧﻤﺎ ھﻮ ﺣﻖ ﻛﻔﻠﺘﮫ ﻟﮭﻢ اﻟﺘﺸﺮﯾﻌﺎت‪ ،‬إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ رﺣﺎﺑﺔ ﺻﺪر اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ وﺣﺮﺻﮭﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺂﻟﻒ‪ ،‬وھﺬا ﯾﻔﺴﺮ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻷول ﻓﻲ ﺻ ﺪر اﻹﺳ ﻼم ﺣﯿ ﺚ‬
‫ﻟﻢ ﺗﻈﮭﺮ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻷﻗﻠﯿﺎت رﻏﻢ وﺟﻮدھ ﺎ‪ ،‬ﺑ ﻞ ذاﺑ ﺖ ﻛﺜﯿ ﺮ ﻣ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت واﻧ ﺪﻣﺠﺖ‬
‫ﻓ ﻲ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ ) اﻟﻌ ﺮب(‪ ،‬وﺗﻐﻠﺒ ﺖ ﻋﻮاﻣ ﻞ اﻟﺘﻮﺣ ﺪ واﻻﺗﻔ ﺎق ﺑ ﻞ واﻻﻧ ﺪﻣﺎج ﻋﻠ ﻰ‬
‫‪14‬‬
‫ﻋﻮاﻣﻞ اﻻﻧﻌﺰال واﻻﺑﺘﻌﺎد‪ ،‬وذﻟﻚ أن اﻹﺳﻼم ﯾﻮﺣﺪ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﯾﺴﺎوي ﺑﯿﻨﮭﻢ‪،‬‬
‫وﻻ ﯾﻌﺘ ﺪ ﺑﺘﻠ ﻚ اﻟﻔﺮوﻗ ﺎت اﻟﻘﺎﺋﻤ ﺔ ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس اﻟﻤﻤﯿ ﺰات اﻟﺠﺴ ﻤﯿﺔ أو اﻟﻠﻐﻮﯾ ﺔ أو‬
‫اﻟﻔﯿﺰﯾﺎﺋﯿﺔ أو اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ‪ ،‬وﯾﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺟﻤﯿﻌ ﺎ ﻋﻠ ﻰ أﻧﮭ ﻢ إﺧ ﻮة‪ ،‬وﻗ ﺪ ﺗﺮﺗ ﺐ‬
‫ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ أن ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻼد اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﯾﻮﻣﺎ ﻣﺎ ﺑﻼدا ﻋﺮﺑﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ‬
‫ﻓﺠﻤﯿﻊ اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة اﻟﯿﻮم ﺑﺎﺳﺘﺜﺎء ﺟﺰﯾ ﺮة اﻟﻌ ﺮب ﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ ﻋﺮﺑﯿ ﺔ ﻗﺒ ﻞ‬
‫ذﻟﻚ ﻛﻤﺼﺮ واﻟﺴﻮدان واﻟﺸ ﺎم واﻟﻌ ﺮاق وﺑ ﻼد اﻟﻤﻐ ﺮب وإﻧﻤ ﺎ ﺗﻌﺮﺑ ﺖ ﺑﻌ ﺪ اﻟﻔ ﺘﺢ‬
‫اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﮭﺎ‪ ،‬وﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﻈﺮ إﻟ ﻰ ﻣﺜ ﺎل ﻣﺒﻜ ﺮ ﺟ ﺪا ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ وھ ﻲ ﻗﻀ ﯿﺔ‬
‫اﻟﻤﺆاﺧﺎة ﺑﯿﻦ اﻷﻧﺼﺎر أﺻﺤﺎب اﻟﺒﻠﺪ اﻷﺻﻠﯿﯿﻦ ﯾﺜﺮب ) اﻟﻤﺪﯾﻨﺔ( وﺑﯿﻦ اﻟﻤﮭ ﺎﺟﺮﯾﻦ‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺔ اﻟﻘﺎدﻣ ﺔ ﻣ ﻦ ﺑﻼدھ ﺎ ﻣﮭ ﺎﺟﺮة إﻟ ﻰ اﷲ ورﺳ ﻮﻟﮫ ﻗ ﺪ ﺗﺮﻛ ﺖ دﯾﺎرھ ﺎ وأﻣﻮاﻟﮭ ﺎ‬
‫ﻓﺠﺎءت ﻓﻘﯿ ﺮة ﻟ ﯿﺲ ﻣﻌﮭ ﺎ ﺷ ﻲء‪ ،‬ﻓﻜ ﺎن اﻷﻧﺼ ﺎري ﯾﺸ ﺎﻃﺮ أﺧ ﺎه اﻟﻤﮭ ﺎﺟﺮي ﻣﺎﻟ ﮫ‬
‫وﻋﻘ ﺎره ﺣﺘ ﻰ أن أﺣ ﺪھﻢ ﻟﯿﻄﻠ ﻖ إﺣ ﺪى زوﺟﺘﯿ ﮫ ﺣﺘ ﻰ ﯾﺘﺰوﺟﮭ ﺎ أﺧ ﻮه اﻟﻤﮭ ﺎﺟﺮي‬
‫وھ ﻮ أﻋﻈ ﻢ ﻣ ﺎ ﯾﻜ ﻮن اﻻﻧ ﺪﻣﺎج واﻻﻣﺘ ﺰاج‪ ،‬وﻗ ﺪ ﺣ ﺪث ذﻟ ﻚ ﺑﻤﺤ ﺾ اﻹﯾﻤ ﺎن‬
‫واﻟﺮﻏﺒﺔ وﻟﯿﺲ ﺑﺎﻟﻘﮭﺮ أو اﻟﺮھﺒﺔ‪ ،‬وھﺬا اﻻﻣﺘ ﺰاج واﻻﻧ ﺪﻣﺎج ﻟ ﻢ ﯾﻜ ﻦ ﯾﻌﻨ ﻲ زوال‬
‫اﻟﺨﺼﻮﺻ ﯿﺎت واﻟﺘﻤ ﺎﯾﺰات اﻟﻤﺤﻤ ﻮدة‪ ،‬ﻓﻘ ﺪ ﻇ ﻞ اﻷﻧﺼ ﺎري أﻧﺼ ﺎرﯾﺎ ﻛﻤ ﺎ ﻇ ﻞ‬
‫وﻻ ﺧﻠﻔﺎؤه ﻣﻦ ﺑﻌ ﺪه ﻓ ﻲ اﻟﻘﻀ ﺎء ﻋﻠ ﻰ‬ ‫اﻟﻤﮭﺎﺟﺮي ﻣﮭﺎﺟﺮﯾﺎ وﻟﻢ ﯾﺴﻊ اﻟﺮﺳﻮل‬
‫ھﺬه اﻟﺘﺴﻤﯿﺎت ﻷﻧﮭﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻟﻢ ﯾﺸﺮع اﻟﻘﻀ ﺎء‬
‫ﻋﻠﯿﮭﺎ أو إﻟﻐﺎؤھ ﺎ ﺑ ﻞ ﻗ ﺎل اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪ ":‬ﯾ ﺎ أﯾﮭ ﺎ اﻟﻨ ﺎس إﻧ ﺎ ﺧﻠﻘﻨ ﺎﻛﻢ ﻣ ﻦ ذﻛ ﺮ وأﻧﺜ ﻰ‬
‫وﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺷﻌﻮﺑﺎ وﻗﺒﺎﺋﻞ ﻟﺘﻌﺎرﻓﻮا إن أﻛﺮﻣﻜﻢ ﻋﻨﺪ اﷲ أﺗﻘﺎﻛﻢ" ﻓﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﯿﮭﺎ وأﻇﮭﺮ‬
‫اﻻﻣﺘﻨ ﺎن ﺑﻮﺟﻮدھ ﺎ‪ ،‬ﻟﻜﻨ ﮫ ھ ﺬب ﻣﻤ ﺎ ﯾﻤﻜ ﻦ أن ﯾﻮﺟ ﺪ ﻣﻌﮭ ﺎ ﻣﻤ ﺎ ﯾﻀ ﺮ ﻓﻨﮭ ﻰ ﻋ ﻦ‬
‫اﻟﻌﺼﺒﯿﺔ وﻋﻦ اﻟﺘﻨﺎﺻﺮ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ آﺻ ﺮة اﻟ ﺪم‪ ،‬وﻟ ﺬﻟﻚ ﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﺣ ﺪﺛﺖ ﻣﺸ ﺎدة ﺑ ﯿﻦ‬
‫رﺟﻞ ﻣﮭﺎﺟﺮي ﻛﺎن ﯾﻤﺰح ﻣﻊ رﺟﻞ ﻣﻦ اﻷﻧﺼ ﺎر وﻗ ﺎل اﻷﻧﺼ ﺎري‪ :‬ﯾ ﺎ ﻟﻸﻧﺼ ﺎر‬
‫ﯾﺴﺘﻨﺼ ﺮ ﺑﺮھﻄ ﮫ‪ ،‬وﻗ ﺎل اﻟﻤﮭ ﺎﺟﺮي‪ :‬ﯾ ﺎ ﻟﻠﻤﮭ ﺎﺟﺮﯾﻦ ﯾﺴﺘﻨﺼ ﺮ ﺑﺮھﻄ ﮫ‪ ،‬ﻗ ﺎل ﻟﮭ ﻢ‬
‫‪ ":‬ﻣ ﺎ ﺑ ﺎل دﻋ ﻮى أھ ﻞ اﻟﺠﺎھﻠﯿ ﺔ‪-‬ﺛ ﻢ ﻟﻤ ﺎ اﺳﺘﻔﺴ ﺮھﻢ ﻋ ﻦ ﺳ ﺒﺐ ذﻟ ﻚ‬ ‫اﻟﺮﺳ ﻮل‬
‫‪28‬‬
‫اﻟﺘﻨﺎدي‪-‬ﻗﺎل‪ :‬دﻋﻮھﺎ ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺧﺒﯿﺜﺔ" وﻓﻲ رواﯾﺔ " ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻣﻨﺘﻨﺔ" وھﺬا ﺑﻌﻜﺲ ﻣ ﺎ إذا‬
‫ﻟ ﻢ ﺗﺸ ﻌﺮ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﺑﺎﻷﻣ ﺎن ﻋﻠ ﻰ ﻧﻔﺴ ﮭﺎ واﻟﺤﺼ ﻮل ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘﻮﻗﮭ ﺎ ﻓﺈﻧﮭ ﺎ ﺗﺨﺸ ﻰ ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﺬوﺑﺎن ﻓﻲ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ إذا ﺗﺨﻠﺖ ﻋﻦ ﺧﺼﻮﺻﯿﺎﺗﮭﺎ‪ ،‬ﻟﺬﻟﻚ ﻓﮭﻲ ﺗﺠﺘﮭﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈ ﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﻤﯿﺰھﺎ ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺗﻤ ﺖ ﻋﻤﻠﯿ ﺔ اﻻﻧ ﺪﻣﺎج ﺑﻨ ﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻻﻗﺘﻨ ﺎع وﺗ ﻮﻓﺮ ﺷ ﺮوط ذﻟ ﻚ‬
‫ﻛﺎن ھﺬا ﻣ ﻦ أﻛﺒ ﺮ اﻷﺳ ﺒﺎب ﻓ ﻲ ﺗ ﺂﻟﻒ اﻟﻤﺠﺘﻤ ﻊ وﺗﻤﺎﺳ ﻜﮫ ‪ ،‬أﻣ ﺎ إذا ﺣ ﺪﺛﺖ ﻋﻤﻠﯿ ﺔ‬
‫اﻟﺪﻣﺞ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺗﻮﻓﺮ ﺷﺮوﻃﮭﺎ‪ ،‬أو ﺣﺪﺛﺖ ﺑﺎﻟﻘﮭﺮ واﻟﻌﻨ ﻒ أوﺷ ﻚ أن ﯾﻌ ﻮد اﻟﺘﻤ ﺎﯾﺰ‬
‫أﺷﺪ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻤﺠﺮد زوال اﻟﻤﺆﺛﺮ اﻟﻀﺎﻏﻂ‪ ،‬وﻣﺸﺎﻛﻞ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ أو اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ‬
‫وﻏﯿﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺒﺮز إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد ﺑﮭﺬا اﻟﺸﻜﻞ إﻻ ﻣﻊ ﺗﻔﺘﺖ اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫وﺗﻤﺰﻗﮭ ﺎ وﺿ ﯿﺎع ﻣﻌ ﺎﻧﻲ اﻟﺨﻼﻓ ﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿ ﺔ‪-‬وإن ﻇﻠ ﺖ أزﻣﺎﻧ ﺎ ﺑﺎﻗﯿ ﺔ ﻣ ﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿ ﺔ‬
‫اﻟﺸﻜﻠﯿﺔ‪-‬وﻗ ﺪ زاد ذﻟ ﻚ ﺑﺼ ﻮرة ﻗﻮﯾ ﺔ ﻣ ﻊ ﻗﯿ ﺎم اﻟ ﺪول اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﯿ ﺔ ﻋﻠ ﻰ أﻧﻘ ﺎض دوﻟ ﺔ‬
‫اﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ،‬واﺳﺘﻌﻤﺎر ﺗﻠ ﻚ اﻟ ﺪول ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ اﻟ ﺪول اﻟﻐﺮﺑﯿ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺑ ﺪأت ﻓ ﻲ اﻟ ﻨﻔﺦ ﻓ ﻲ‬
‫‪ 28‬أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻛﺘﺎب اﻟﻤﻨﺎﻗﺐ رﻗﻢ ‪ 3257‬وﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻟﺒﺮ واﻟﺼﻠﺔ رﻗﻢ ‪4682‬‬
‫‪15‬‬
‫أﺗﻮن ھﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﺗﻀﺨﯿﻤﮭﺎ‪ ،‬إن اﻟﻈﻠﻢ أو اﻟﺘﮭﻤﯿﺶ اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻘﺎل إﻧﮫ وﻗ ﻊ‬
‫ﻋﻠ ﻰ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻓﯿﻤ ﺎ ﻣﻀ ﻰ ﻣ ﻦ اﻟﺰﻣ ﺎن ﻟ ﻢ ﯾﻜ ﻦ إﻻ ﻇﻠﻤ ﺎ وﺗﮭﻤﯿﺸ ﺎ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤ ﻊ ﻛﻠ ﮫ‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺔ واﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ اﻟﻤﺴﺘﺒﺪة‪ ،‬ﻓﺎﻟﻈﻠﻢ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻔﺌ ﺔ‬
‫ھﻮ ﻧﻔﺴﮫ اﻟﻮاﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ‪ ،‬وذﻟ ﻚ ﻧﺘﯿﺠ ﺔ اﻟﺒﻌ ﺪ أو اﻟﺘﻐﺎﻓ ﻞ ﻋ ﻦ اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ‪ ،‬وإن ﻣﻤ ﺎ‬
‫ﯾﺬھﺐ ﺑﮭﺬه اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﯾﻨﻘﻀﮭﺎ ﻣﻦ أﺳﺎﺳﮭﺎ ‪ :‬اﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﺸﺮﯾﻌﺔ اﻹﺳﻼم واﻟﻌﻤﻞ ﺑﮭ ﺎ‪،‬‬
‫وﻧﺸﺮ أﺣﻜﺎﻣﮭﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس وﺗﻄﺒﯿﻘﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﯿﻊ وﻓﻖ ﺗﺸﺮﯾﻌﮭﺎ اﻟﺬي ﻻ ﯾﻔﺮق ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬وإن اﻟﺤﻠﻮل اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ إﻓﺴﺎد اﻟﺪﯾﻦ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﯿﺔ أو اﺳ ﺘﯿﺮاد‬
‫اﻟﻨﻤ ﻮذج اﻟ ﺪﯾﻤﻮﻗﺮاﻃﻲ ﻟﺤ ﻞ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻤﺸ ﻜﻠﺔ ھ ﻲ أﻓﻜ ﺎر ﺿ ﺎﻟﺔ ﺷ ﺎردة ﺗﺰﯾ ﺪ أوار‬
‫اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﻻ ﺗﻘﻮم ﺑﺤﻠﮭﺎ‪ ،‬ﻓﮭﻲ ﻛﻤﻦ ﯾﺤﺎول إﻃﻔﺎء اﻟﺤﺮﯾﻖ ﺑﺴﻜﺐ اﻟﻨﻔﻂ ﻋﻠﯿﮫ‪ ،‬وإذا‬
‫ﻛﺎن ﻟﻨﺎ أن ﻧﻘﺪم ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﻓﻌﻠﮫ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻓﺈﻧﻨ ﺎ ﻧﻮﺻ ﻲ ﺑﻤ ﺎ ﯾﻠ ﻲ‪:‬إﻓﺴ ﺎح‬
‫اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻮى واﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎت ﻟﻠﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﮭﺎ وﻣﻤﺎرﺳ ﺔ ﺧﺼﻮﺻ ﯿﺎﺗﮭﺎ‬
‫) ﻓﻲ ﺣﺪود اﻟﻤﺴﻤﻮح ﺑﮫ ﺷﺮﻋﺎ ( ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺿﻐﻄﮭﺎ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻨﻤ ﻮذج‬
‫اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ‪ ،‬وﻋ ﺪم اﻟﺘﻀ ﯿﯿﻖ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﺘﻜﻠﻢ ﺑﻠﻐﺎﺗﮭ ﺎ اﻟﺨﺎﺻ ﺔ وﺗﻌﻠﯿﻤﮭ ﺎ‬
‫ﻷﺑﻨﺎﺋﮭﻢ ‪) ،‬وأﻣﺎ ﻗﯿﺎم اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﺘﻌﻠﯿﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻐﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ واﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﮭﻲ ﻗﻀﯿﺔ‬
‫ﻣﺼﻠﺤﯿﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ إﻣﻜﺎﻧﺎت اﻟﺪوﻟﺔ وﺣﺎﺟﺘﮭﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻠﻐﺔ واﻟﻔﺎﺋﺪة اﻟﻌﺎﻣ ﺔ اﻟﺮاﺟﻌ ﺔ‬
‫ﻣ ﻦ ﺗﻌﻠﯿﻤﮭ ﺎ(‪ ،‬وﻓ ﺘﺢ ﺑ ﺎب اﻟﻮﻇ ﺎﺋﻒ ﻓ ﻲ ﺟﻤﯿ ﻊ اﻟﻤﺠ ﺎﻻت ﺑﺤﯿ ﺚ ﺗﻜ ﻮن اﻟﻜﻔ ﺎءة‬
‫واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻷھﺪاف ﻣ ﻊ اﻟﺼ ﻼح ھ ﻲ اﻟﻤﻌﯿ ﺎر‪ ،‬واﻻﺑﺘﻌ ﺎد ﻋ ﻦ اﺳ ﺘﺨﺪام‬
‫وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻣﺞ اﻟﻘﺴﺮي واﻟﻘﮭﺮ ﻷن ذﻟ ﻚ ﺳ ﺮﻋﺎن ﻣ ﺎ ﯾ ﺰول ﺑ ﺰوال اﻟﻘ ﻮة اﻟﻤ ﺆﺛﺮة‪،‬‬
‫وﻋﺪم اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺗﻮزﯾ ﻊ اﻻﻧﺘﺸ ﺎر اﻟﺠﻐﺮاﻓ ﻲ ﻟﻠﺘ ﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠ ﻰ ﺗﺠﻤﻌ ﺎﺗﮭﻢ ﺳ ﻮاء‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺸﺘﯿﺖ واﻟﺘﻔﺮﯾﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ واﺳﻌﺔ‪ ،‬أو ﺑﺎﻟﺤﺼﺮ واﻟﺘﻀﯿﯿﻖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن واﺣ ﺪ ‪،‬‬
‫وإذا ﻛﺎﻧ ﺖ ﺗﻠ ﻚ اﻷﻗﻠﯿ ﺔ ﻣﻮﺟ ﻮدة ﻋﻠ ﻰ ﺑﻘﻌ ﺔ ﺟﻐﺮاﻓﯿ ﺔ واﺣ ﺪة ﺑﻤﻌﻨ ﻰ أﻧﮭ ﺎ ﻟﯿﺴ ﺖ‬
‫ﻣﻨﺘﺸ ﺮة ﻓ ﻲ أرﺟ ﺎء اﻟﺪوﻟ ﺔ ﻓ ﺈن اﻷوﻟ ﻰ أن ﯾﻌﮭ ﺪ ﻓ ﻲ إدارﺗﮭ ﺎ ﻣ ﻦ ﺣﯿ ﺚ اﻟﺘﻌﻠ ﯿﻢ‬
‫واﻟﻘﻀﺎء واﻹﻣﺎﻣﺔ واﻟﺸﺮﻃﺔ وﻧﺤﻮ ذﻟﻚ إﻟﻰ اﻷﻓﺮاد اﻟﻤﺆھﻠﯿﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﻣ ﻦ ھ ﺬه‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺔ‪ ،‬وإذا اﺣﺘﺎﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ واﻟﻤﺴﺎﻋﺪة إﻣﺎ ﻟﻌ ﺪم اﻟﻜﻔﺎﯾ ﺔ أو ﻋ ﺪم اﻟﺨﺒ ﺮة أو‬
‫ﻋﺪم اﻟﻤﺆھﻼت اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﯿﮭﺎ ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ أن ﯾﻘﻮم ﺑﺬﻟﻚ أﻧﺎس ﯾﺼﻠﺤﻮن ﻟ ﺬﻟﻚ ﻣ ﻦ‬
‫ﻏﯿ ﺮ ھ ﺬه اﻷﻗﻠﯿ ﺔ إذ "اﻟﻤﺆﻣﻨ ﻮن أﺧ ﻮة " وﻻ ﯾﺼ ﻠﺢ أن ﺗﻜ ﻮن اﻟﺴﯿﺎﺳ ﺔ اﻟﻌﺎﻣ ﺔ‬
‫اﻟﻤﺘﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ أن ﺗﺪار ھﺬه اﻷﻗﻠﯿﺎت ﺑﺄﻓﺮاد ﻣﻦ ﺧﺎرﺟﮭﺎ ﺣﺘﻰ وإن وﺟﺪ ﻓﯿﮭﺎ‬
‫اﻟﻤﺆھﻠﻮن اﻟﺼﺎﻟﺤﻮن ﻟﻺدارة‪ ،‬ﻓﺈن ھﺬا ﻣﻤﺎ ﯾﺨﺎﻟﻒ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ‪.‬‬

‫ﻗﻀﺎﯾﺎ اﻷﻗﻠﯿﺎت ) اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ واﻟﻌﻘﺪﯾﺔ (‪:‬‬

‫وإذ ﺗﺒﯿﻦ ﺑﻤﺎ ﺗﻘﺪم أن اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻠﻐﻮﯾﺔ واﻟﻌﺮﻗﯿ ﺔ وﻧﺤﻮھ ﺎ )اﻟﻤﺴ ﻠﻤﺔ اﻟﺘ ﻲ ﻟ ﻢ ﺗﺘﻤﯿ ﺰ‬
‫ﺑﺎﻋﺘﻘ ﺎد ﻓﺎﺳ ﺪ ( ﻻ ﯾﺨ ﺮج أﺻ ﺤﺎﺑﮭﺎ ﻋ ﻦ اﻟ ﺪﺧﻮل ﻓ ﻲ اﻷﺣﻜ ﺎم اﻟﻌﺎﻣ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻌ ﻢ‬
‫ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻧﻘﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ ھﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ واﻟﻌﻘﺪﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -1‬اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ دوﻟ ﺔ ذات ﻋﻘﯿ ﺪة وﻟﮭ ﺎ رﺳ ﺎﻟﺔ ‪ ،‬ورﺳ ﺎﻟﺘﮭﺎ ﻟﯿﺴ ﺖ ﻗﺎﺻ ﺮة ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﺗﻮﻓﯿﺮ اﻟﺮﻓﺎھﯿﺔ ورﻏﺪ اﻟﻌﯿﺶ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻟﺪﻧﯿﺎ ﻷﻓﺮادھ ﺎ‪ ،‬وإﻧﻤ ﺎ ھ ﻲ ﻣﻜﻠﻔ ﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤ ﻞ‬
‫وﻓ ﻖ ھ ﺬه اﻟﻌﻘﯿ ﺪة وﺗﺒﻠﯿ ﻎ ﺗﻠ ﻚ اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ إﻟ ﻰ ﻛ ﻞ ﻣ ﻦ ﯾﻤﻜ ﻦ أن ﺗﺼ ﻞ إﻟ ﯿﮭﻢ‪ ،‬وھ ﺬا‬
‫ﯾﺘﻄﻠﺐ ﺟﮭﺪا ﻛﺒﯿﺮا وﺑﺬﻻ ﻋﻈﯿﻤﺎ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﯿﮫ اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﮭﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ‬
‫ﻟﺒﻠﻮغ ھﺬه اﻟﻐﺎﯾﺔ‪ ،‬وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ أﻧﮫ ﻻ ﯾﻘﻮم ﺑﮭﺬه اﻟﻤﮭﻤﺔ وﻻ ﯾﻘ ﺪر ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ إﻻ ﻣ ﻦ‬
‫ھﻮ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﮭﺬه اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻌﺘﻘ ﺪ ﻟﮭ ﺎ‪ ،‬ﻣﺴ ﺘﻌﺪ ﻟﻠﺒ ﺬل واﻟﻌﻄ ﺎء ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﯿﻠﮭﺎ‪ ،‬ﯾ ﺮى ﻓ ﻲ‬
‫ﻧﺸﺮھﺎ وﺗﺒﻠﯿﻐﮭﺎ اﻟﻔﻼح ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ واﻟﻔﻮز ﻓﻲ اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﻟﺬا ﻛﺎن ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﻤﻨﻄﻘﯿﺔ‬
‫أﻻ ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﺪوﻟﺔ إﻻ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن ﺑﺮﺳﺎﻟﺘﮭﺎ‪ ،‬وﻣﻦ ھﻨﺎ ﯾﺘﺒﯿﻦ أن وﻟﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻻ‬
‫ﯾﺠ ﻮز أن ﯾﻜ ﻮن ﻣﻤ ﻦ ﻻ ﯾﺆﻣﻨ ﻮن ﺑﮭ ﺬه اﻟﺮﺳ ﺎﻟﺔ‪ ،‬أو ﻣﻤ ﻦ ﯾﻔﮭﻤﻮﻧﮭ ﺎ ﻓﮭﻤ ﺎ ﻓﺎﺳ ﺪا‬
‫ﯾﺨﺮج ﺑﮭﺎ ﻋﻦ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟ ﺎءت ﻟ ﮫ‪ ،‬وھ ﺬا ﯾﻌﻨ ﻲ أن اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ أو اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ‬
‫)اﻟﻤﻘﺒﻮل وﺟﻮدھﺎ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ( ﻻ ﯾﺴﻤﺢ ﻟﮭﺎ ﺑﺘ ﻮﻟﻲ ھ ﺬا اﻟﻤﻨﺼ ﺐ‪ ،‬ﻷﻧﮭ ﺎ‬
‫ﻏﯿ ﺮ ﻣﺆﺗﻤﻨ ﺔ ﻋﻠ ﻰ ھ ﺬا اﻷﻣ ﺮ ‪ ،‬وﺗﻜﻠﯿﻔﮭ ﺎ ﺑﺘ ﻮﻟﻲ اﻷﻣ ﺮ‪ ،‬ﯾﻌﻨ ﻲ أﺣ ﺪ أﻣ ﺮﯾﻦ‪ :‬إﻣ ﺎ‬
‫ﺗﻜﻠﯿﻔﮭﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ واﻟﺴ ﻌﻲ ﻓ ﻲ ﻧﺼ ﺮة ﻣ ﺎ ﯾﻨ ﺎﻗﺾ أو ﯾﺨ ﺎﻟﻒ دﯾﻨﮭ ﺎ أو ﻋﻘﯿ ﺪﺗﮭﺎ وھ ﺬا‬
‫ﯾﻌﺪ إﻛﺮاھﺎ‪ ،‬وإﻣﺎ اﻟﺘﻔﺮﯾﻂ ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺪوﻟﺔ وإﺿﺎﻋﺘﮭﺎ وﻛﻼ اﻷﻣﺮﯾﻦ ﻏﯿﺮ ﻣﻘﺒﻮل‪،‬‬
‫ﯾﻘﻮل ﻣﺤﻤﺪ أﺳﺪ رﺣﻤ ﮫ اﷲ ‪ ":‬إﻧﻨ ﺎ ﯾﺠ ﺐ أﻻ ﻧﺘﻌ ﺎﻣﻰ ﻋ ﻦ اﻟﺤﻘ ﺎﺋﻖ ﻓ ﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺘﻮﻗ ﻊ‬
‫ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻏﯿﺮ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﮭﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺰﯾﮭﺎ ﻣﺨﻠﺼﺎ وﻓﯿﺎ ﻣﺤﺒﺎ ﻟﺒﻼده ﻣﺘﻔﺎﻧﯿﺎ ﻓ ﻲ ﺧﺪﻣ ﺔ‬
‫ﻣﻮاﻃﻨﯿ ﮫ أن ﯾﻌﻤ ﻞ ﻣ ﻦ ﺻ ﻤﯿﻢ ﻓ ﺆاده ﻟﺘﺤﻘﯿ ﻖ اﻷھ ﺪاف ]اﻻﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿ ﺔ[ ﻟﻺﺳ ﻼم‬
‫وذﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻮاﻣﻞ ﻧﻔﺴﯿﺔ ﻣﺤﻀﺔ ﻻ ﻧﺴ ﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﺘﺠﺎھﻠﮭ ﺎ‪ ،‬إﻧﻨ ﻲ أذھ ﺐ إﻟ ﻰ ﺣ ﺪ‬
‫اﻟﻘﻮل أﻧﮫ ﻟ ﯿﺲ ﻣ ﻦ اﻹﻧﺼ ﺎف أن ﻧﻄﻠ ﺐ ﻣﻨ ﮫ ذﻟ ﻚ‪ ،‬ﻟ ﯿﺲ ھﻨ ﺎك ﻓ ﻲ اﻟﻮﺟ ﻮد ﻧﻈ ﺎم‬
‫]أﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ[ ﺳﻮاء ﻗﺎم ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس اﻟ ﺪﯾﻦ أو ﻏﯿ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ اﻷﺳ ﺲ اﻟﻔﻜﺮﯾ ﺔ ﻣ ﻦ‬
‫ﻧﻮعٍ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺮﺿﻰ ﺑﺄن ﯾﻀﻊ ﻣﻘﺎﻟﯿﺪ أﻣﻮره ﻓﻲ ﯾﺪ ﺷﺨﺺ ﻻ ﯾﻌﺘﻨﻖ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘ ﻲ‬
‫ﯾﻘﻮم ﻋﻠﯿﮭﺎ ھﺬا اﻟﻨﻈﺎم"‪ 29‬وﻣﻦ ھﺬا اﻟﻤﻨﻄﻠﻖ أﯾﻀﺎ ﻓﻼ ﺗﻘﺒﻞ ﻣﺸﺎرﻛﺘﮭﻢ ﻓ ﻲ اﺧﺘﯿ ﺎر‬
‫ﻣﻦ ﯾﻘﻮم ﺑﮭ ﺬا اﻷﻣ ﺮ ﻣ ﻦ ﺻ ﺎﻟﺢ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬ﻷﻧﮭ ﻢ ﻗ ﺪ ﻻ ﯾﺨﺘ ﺎرون اﻟﺼ ﺎﻟﺢ ﻟﺘ ﻮﻟﻲ‬
‫اﻷﻣ ﺮ وإﻧﻤ ﺎ ﯾﺨﺘ ﺎرون ﺣﺴ ﺐ ﻣﺼ ﺎﻟﺤﮭﻢ أو ﻋﻘﺎﺋ ﺪھﻢ‪ ،‬وﻗ ﺪ ﻻ ﯾ ﺪرﻛﻮن ﺗﺤﺪﯾ ﺪ‬
‫اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻟﺘﻮﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﻷن ﻣﻘﺎﯾﯿﺴﮭﻢ ﻓﻲ اﻻﺧﺘﯿﺎر ﻟﯿﺴﺖ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ‬
‫اﻹﺳ ﻼﻣﯿﺔ اﻟﺘ ﻲ ھ ﻲ ﻛ ﻞ ﺷ ﻲء ﻓ ﻲ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻹﺳ ﻼﻣﯿﺔ‪ ،‬وﻣ ﺎ ﺟ ﺎء ﻓ ﻲ اﻟﻨﺼ ﻮص‬
‫اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ وﻛﻼم أھﻞ اﻟﻌﻠﻢ دال ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻛﺮﻧﺎه ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ":‬ﯾﺎ أﯾﮭﺎ اﻟﺬﯾﻦ آﻣﻨ ﻮا‬
‫أﻃﯿﻌﻮا اﷲ وأﻃﯿﻌﻮا اﻟﺮﺳﻮل وأوﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﻣﻨﻜﻢ" وﻗﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪ ":‬وإذا ﺟ ﺎءھﻢ أﻣ ﺮ‬
‫ﻣﻦ اﻷﻣﻦ أو اﻟﺨﻮف أذاﻋﻮا ﺑﮫ وﻟﻮ ردوه إﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮل وإﻟﻰ أوﻟﻲ اﻷﻣ ﺮ ﻣ ﻨﮭﻢ‪"..‬‬
‫اﻵﯾﺔ ﻓﺪﻟﺖ اﻵﯾﺘﺎن ﻋﻠﻰ أن وﻟﻲ اﻷﻣﺮ إﻧﻤﺎ ﯾﻜﻮن ﻣ ﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﯿﻦ اﻟﻌ ﺪول ﻟ ﯿﺲ ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﻜﺎﻓﺮﯾﻦ وﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﺗﻔﻘ ﺖ ﻛﻠﻤ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬وﻗ ﺪ ﺣﻜ ﻰ اﻹﺟﻤ ﺎع ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ ﻏﯿ ﺮ‬
‫واﺣ ﺪ ﻣ ﻦ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء‪ ،‬ﻗ ﺎل اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﻋﯿ ﺎض رﺣﻤ ﮫ اﷲ‪ ":‬أﺟﻤ ﻊ اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﻋﻠ ﻰ أن‬
‫اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻻﺗﻨﻌﻘﺪ ﻟﻜﺎﻓﺮ وﻋﻠﻰ أﻧﮫ ﻟﻮ ﻃﺮأ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻜﻔﺮ اﻧﻌﺰل"‪ 30‬وﻧﻘﻞ اﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ﻋ ﻦ‬

‫‪ 29‬ﻣﻨﮭﺎج اﻹﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻢ ص‪84-83‬‬

‫‪ 30‬ﺷﺮح اﻟﻨﻮوي ﻋﻠﻰ ﺻﺤﯿﺢ ﻣﺴﻠﻢ ج‪ 12 :‬ص‪229 :‬‬
‫‪17‬‬
‫اﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬر ﻗﻮﻟﮫ‪ ":‬أﺟﻤﻊ ﻛﻞ ﻣﻦ ﯾﺤﻔﻆ ﻋﻨﮫ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ أن اﻟﻜ ﺎﻓﺮ ﻻ وﻻﯾ ﺔ ﻟ ﮫ‬
‫ﻋﻠ ﻰ ﻣﺴ ﻠﻢ ﺑﺤ ﺎل "‪ 31‬وﻛ ﺬﻟﻚ اﻟﻤﺴ ﻠﻢ ﻏﯿ ﺮ اﻟﻌ ﺪل ﻓ ﻼ ﺗﺠ ﻮز ﺗﻮﻟﯿﺘ ﮫ اﺧﺘﯿ ﺎرا‪، 32‬‬
‫ﺳ ﻮاء ﻛﺎﻧ ﺖ ﻋ ﺪم ﻋﺪاﻟﺘ ﮫ ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ اﻟﻔﺴ ﻖ واﻟﻈﻠ ﻢ أو ﻣ ﻦ ﻗﺒ ﻞ اﻻﺑﺘ ﺪاع وﻣﻔﺎرﻗ ﺔ‬
‫اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺨ ﺎرﺟﻲ أو اﻟﺮاﻓﻀ ﻲ أو اﻟﺠﮭﻤ ﻲ أو اﻟﻘ ﺪري وﻧﺤ ﻮھﻢ ﻻ ﯾﺠ ﻮز أن‬
‫ﺗﻌﻘﺪ ﻟﮭﻢ اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﯿﺎر‪ ،‬وھﺬا اﻟﻤﻨﻊ ﻟﯿﺲ ﻗﺎﺻﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﻮﻻﯾﺔ اﻟﻜﺒﺮي ﻓﺈن‬
‫اﻟﻮﻻﯾﺎت ﺟﻤﯿﻌﮭﺎ ﯾﺸﺘﺮط ﻟﮭﺎ اﻹﺳﻼم واﻟﻌﺪاﻟﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺷ ﺮوط أﺧ ﺮى‪ ،‬ﻓﻤ ﻦ ﻟ ﻢ‬
‫ﯾﺘﺤﻘﻖ ﺑﮭ ﺬه اﻟﺸ ﺮوط ﻓ ﻼ ﺗﺠ ﻮز ﺗﻮﻟﯿﺘ ﮫ‪ ،‬وھ ﺬا ﯾﻨﻄﺒ ﻖ ﻋﻠ ﻰ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ ﻛﻤ ﺎ‬
‫ﯾﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ -2‬ﺗﻮﻟﻲ اﻟﻮزارة‪:‬‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ ھﻮ ﺷﺨﺺ ﯾﺴﺎﻋﺪ وﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﻓﯿﻤﺎ ﺗﺤﻤﻠ ﮫ ﻣ ﻦ أﻣﺎﻧ ﺔ اﻟﻘﯿ ﺎدة‪ ،‬وﯾﺸ ﯿﺮ ﻋﻠﯿ ﮫ‬
‫ﺑﻤ ﺎ ﯾ ﺮاه ﻣ ﻦ اﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ وﯾﺸ ﺪ ﻣ ﻦ أزره ﻋﻨ ﺪ اﻟﻤﮭﻤ ﺎت‪ ،‬وﻗ ﺪ ﯾﻔ ﻮض وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ‬
‫وزﯾﺮه ﻓﻲ ﺗ ﺪﺑﯿﺮ أﻣ ﻮر ﻣ ﺎ اﺳ ﺘﻮزره ﻓﯿ ﮫ ﺣﺘ ﻰ ﯾ ﺪﺑﺮه ﻋﻠ ﻰ رأﯾ ﮫ ووﻓ ﻖ اﺟﺘﮭ ﺎده‪،‬‬
‫ﻓﯿﻜ ﻮن ﻟ ﮫ اﻻﺳ ﺘﻘﻼل ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ‪ ،‬وﻗ ﺪ ﯾﻌﮭ ﺪ إﻟﯿ ﮫ ﺑﺘﻨﻔﯿ ﺬ ﻣ ﺎ ﯾ ﺪﺑﺮه وﻟ ﻲ اﻷﻣ ﺮ وﻓ ﻖ‬
‫اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﺎت واﻷواﻣﺮ اﻟﺘﻲ ﯾﺼﺪرھﺎ إﻟﯿﮫ أو وﻓﻖ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻤﻌﻤﻮل ﺑﮭﺎ واﻟﺘﻲ ﯾﻨﺒﻐﻲ‬
‫ﻋﻠﯿ ﮫ اﻻﻟﺘ ﺰام ﺑﮭ ﺎ وﻋ ﺪم ﻣﺠﺎوزﺗﮭ ﺎ‪ ،‬وﯾﺸ ﺎر ﻟﻸوﻟ ﻰ ﻋﻠ ﻰ أﻧﮭ ﺎ وزارة ﺗﻔ ﻮﯾﺾ‬
‫وﯾﺸﺎر ﻟﻠﺜﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ وزارة ﺗﻨﻔﯿﺬ‪ ،‬وﻣ ﻦ اﻟﻤﻤﻜ ﻦ أن ﯾﻘ ﺎل إن ﻏﺎﻟﺒﯿ ﺔ اﻟ ﻮزارات‬
‫اﻟﯿ ﻮم إن ﻟ ﻢ ﯾﻜ ﻦ ﺟﻤﯿﻌﮭ ﺎ وزارات ﺗﻨﻔﯿ ﺬ وﻟ ﯿﺲ وزارات ﺗﻔ ﻮﯾﺾ إذ اﻷﻣ ﻮر ﻓ ﻲ‬
‫اﻟ ﻮزارة إﻧﻤ ﺎ ﺗﺴ ﯿﺮ وﻓ ﻖ اﻟﻘ ﻮاﻧﯿﻦ واﻟﻠ ﻮاﺋﺢ اﻟﻤﻨﻈﻤ ﺔ ﻟﻌﻤ ﻞ اﻟ ﻮزارة‪ ،‬ﻓﺠ ﻞ ﻋﻤ ﻞ‬
‫اﻟﻮزﯾﺮ ﻣﻘﺼﻮر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻨﻔﯿﺬ‪ ،‬وﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﯿﮫ ﻣﻦ ﺗﺪﺑﯿﺮ ﻓﮭﻮ ﺗ ﺪﺑﯿﺮ ﻓ ﻲ إﻃ ﺎر اﻟﺘﻨﻔﯿ ﺬ‪،‬‬
‫وأﯾﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻓﺈن اﻹﺳﻼم واﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻣﻄﻠﻮﺑﺎن ﻓﯿﻤﻦ ﯾﺘﻮﻟﻰ ھ ﺬه اﻟ ﻮزارة ﺳ ﻮاء‬
‫ﻛﺎﻧ ﺖ وزارة ﺗﻔ ﻮﯾﺾ أو وزارة ﺗﻨﻔﯿ ﺬ‪ ،‬ووزارة اﻟﺘﻨﻔﯿ ﺬ ﻋﻨ ﺪ أھ ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ ﺣﻜﻤﮭ ﺎ‬
‫أﺿﻌﻒ ﻣﻦ ﺣﻜ ﻢ وزارة اﻟﺘﻔ ﻮﯾﺾ وﺷ ﺮوﻃﮭﺎ أﻗ ﻞ‪ ،‬ﻧﻈ ﺮا ﻟﻼﺧ ﺘﻼف ﺑ ﯿﻦ ﻃﺒﯿﻌ ﺔ‬
‫اﻷﻣ ﺮﯾﻦ‪ ،‬وﻗ ﺪ ذﻛ ﺮ اﻟﻤ ﺎوردي ﻓ ﻲ أوﺻ ﺎف وزﯾ ﺮ اﻟﺘﻨﻔﯿ ﺬ ﺳ ﺒﻌﺔ أوﺻ ﺎف ﻗ ﺎل‪":‬‬
‫واﻟﺴ ﺎﺑﻊ أن ﻻ ﯾﻜ ﻮن ﻣ ﻦ أھ ﻞ اﻷھ ﻮاء ﻓﯿﺨﺮﺟ ﮫ اﻟﮭ ﻮى ﻣ ﻦ اﻟﺤ ﻖ إﻟ ﻰ اﻟﺒﺎﻃ ﻞ‬
‫وﯾﺘ ﺪﻟﺲ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﻤﺤ ﻖ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺒﻄ ﻞ ﻓ ﺈن اﻟﮭ ﻮى ﺧ ﺎدع اﻷﻟﺒ ﺎب وﺻ ﺎرف ﻟ ﮫ ﻋ ﻦ‬
‫اﻟﺼﻮاب"‪ 33‬أﻣﺎ ﺷﺮوط وزارة اﻟﺘﻔﻮﯾﺾ ﻓﮭﻲ أﺷﺪ وﻗ ﺪ ذﻛﺮھ ﺎ اﻟﻤ ﺎوردي ﻓﻘ ﺎل‪":‬‬
‫وﯾﻌﺘﺒﺮ ﻓﻲ ﺗﻘﻠﯿﺪ ھﺬه اﻟﻮزارة ﺷﺮوط اﻹﻣﺎﻣﺔ إﻻ اﻟﻨﺴﺐ وﺣﺪه ﻷﻧﮫ ﻣﻤﻀﻲ اﻵراء‬
‫وﻣﻨﻔ ﺬ اﻻﺟﺘﮭ ﺎد ﻓﺎﻗﺘﻀ ﻰ أن ﯾﻜ ﻮن ﻋﻠ ﻰ ﺻ ﻔﺎت اﻟﻤﺠﺘﮭ ﺪﯾﻦ ‪ ،‬وﯾﺤﺘ ﺎج ﻓﯿﮭ ﺎ إﻟ ﻰ‬
‫ﺷﺮط زاﺋﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﺮوط اﻹﻣﺎﻣﺔ وھﻮ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻦ أھﻞ اﻟﻜﻔﺎﯾﺔ ﻓﯿﻤﺎ وﻛﻞ إًﻟﯿﮫ"‪،34‬‬
‫وھ ﺬا ﻣﻤ ﺎ ﯾﺒ ﯿﻦ أن اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ أو اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ ﻟ ﯿﺲ ﻟﮭ ﺎ أن ﺗﺸ ﻐﻞ ھ ﺬا اﻟﻤﻨﺼ ﺐ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻲ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﻤﺎوردي رﺣﻤﮫ اﷲ رﻏﻢ ﻛﻼﻣﮫ ﻋﻦ اﻟﻮﺻ ﻒ اﻟﺴ ﺎﺑﻊ ﻟ ﻮزﯾﺮ اﻟﺘﻨﻔﯿ ﺬ‬
‫‪ 31‬أﺣﻜﺎم أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ‪787/2‬‬
‫‪ 32‬اﺧﺘﯿﺎرا ‪ :‬ﺑﻐﯿﺮ ﺿﺮورة أو إﻟﺠﺎء أو ﻗﮭﺮ‬
‫‪ 33‬اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ص ‪29‬‬
‫‪ 34‬اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ص ‪25‬‬
‫‪18‬‬
‫إﻻ أﻧﮫ ذﻛﺮ أﻧﮫ" ﯾﺠﻮز أن ﯾﻜﻮن ھﺬا اﻟﻮزﯾﺮ ﻣﻦ أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ"‪ ، 35‬وﻟﻌ ﻞ اﻟ ﺬي دﻋ ﺎ‬
‫اﻟﻤ ﺎوردي رﺣﻤ ﮫ اﷲ ﻟ ﺬﻟﻚ ھ ﻮ ﺗﺼ ﻮﯾﺮه ﻟﮭ ﺬا اﻟﻨ ﻮع ﻣ ﻦ اﻟ ﻮزارة ﻋﻠ ﻰ أﻧ ﮫ ﻟ ﯿﺲ‬
‫وﻻﯾﺔ " ﻓﮭﻮ ﻣﻌﯿﻦ ﻓﻲ ﺗﻨﻔﯿﺬ اﻷﻣﻮر وﻟﯿﺲ ﺑﻮال ﻋﻠﯿﮭﺎ وﻻ ﻣﺘﻘﻠﺪا ﻟﮭﺎ"‪ 36‬وذﻟ ﻚ ﻟﻤ ﺎ‬
‫ﺗﻘ ﺮر ﻋﻨ ﺪه أن اﻟﻮﻻﯾ ﺔ ﻻ ﯾﺠ ﻮز ﻋﻘ ﺪھﺎ ﻟﻐﯿ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻢ‪ ،‬ﻟﻜ ﻦ اﻟﻤ ﺎوردي ﻣ ﻊ ذﻟ ﻚ‬
‫ﻣﺤﺠ ﻮج ﺑﺎﻟﻨﺼ ﻮص اﻟﺸ ﺮﻋﯿﺔ اﻟﺘ ﻲ ﺗﻨﮭ ﻰ ﻋ ﻦ ذﻟ ﻚ وﻣﺤﺠ ﻮج ﺑﻌﻤ ﻞ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء‬
‫اﻟﺮاﺷﺪﯾﻦ وأﺻﺤﺎب اﻟﺴﯿﺮة اﻟﻤﺴﺘﻘﯿﻤﺔ ﻣ ﻦ اﻟﺨﻠﻔ ﺎء اﻷﻣ ﻮﯾﯿﻦ أو اﻟﻌﺒﺎﺳ ﯿﯿﻦ‪،37‬وﻗ ﺪ‬
‫رد ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﺠ ﻮﯾﻨﻲ اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ رﺣﻤ ﮫ اﷲ ﺑﻜ ﻼم ﺷ ﺪﯾﺪ ﻓﻘ ﺎل‪":‬ذﻛ ﺮ ﻣﺼ ﻨﻒ اﻟﻜﺘ ﺎب‬
‫اﻟﻤﺘﺮﺟﻢ ﺑﺎﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ أن ﺻﺎﺣﺐ ھﺬا اﻟﻤﻨﺼﺐ ﯾﺠﻮز أن ﯾﻜﻮن ذﻣﯿﺎ‪ ،‬وھﺬه‬
‫ﻋﺜﺮة ﻟﯿﺲ ﻟﮭﺎ ﻣﻘﯿﻞ‪ ،‬وھﻲ ﻣﺸﻌﺮة ﺑﺨﻠﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺼﯿﻞ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺜﻘﺔ‬
‫ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ رﻋﺎﯾﺘﮭﺎ‪ ،‬وﻟﯿﺲ اﻟﺬﻣﻲ ﻣﻮﺛﻮﻗﺎ ﺑﮫ ﻓﻲ أﻓﻌﺎﻟﮫ وأﻗﻮاﻟﮫ وﺗﺼ ﺎرﯾﻒ أﺣﻮاﻟ ﮫ‪،‬‬
‫ورواﯾﺘ ﮫ ﻣ ﺮدودة وﻛ ﺬﻟﻚ ﺷ ﮭﺎدﺗﮫ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬ﻓﻜﯿ ﻒ ﯾﻘﺒ ﻞ ﻗﻮﻟ ﮫ ﻓﯿﻤ ﺎ ﯾﺴ ﻨﺪه‬
‫وﯾﻌﺰﯾﮫ إﻟﻰ إﻣﺎم اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ" ﺛ ﻢ ذﻛ ﺮ ﺑﻌﻀ ﺎ ﻣ ﻦ اﻷدﻟ ﺔ إﻟ ﻰ أن ﯾﻘ ﻮل‪ ":‬وﻗ ﺪ ﻧ ﺺ‬
‫اﻟﺸ ﺎﻓﻌﻲ رﺣﻤ ﺔ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ أن اﻟﻤُﺘ ﺮﺟِﻢ اﻟ ﺬي ﯾﻨﮭ ﻲ إﻟ ﻰ اﻟﻘﺎﺿ ﻲ ﻣﻌ ﺎﻧﻲ ﻟﻐ ﺎت‬
‫اﻟﻤ ﺪﻋﯿﻦ ﯾﺠ ﺐ أن ﯾﻜ ﻮن ﻣﺴ ﻠﻤﺎ ﻋ ﺪﻻ رﺿ ﯿﺎ وﻟﺴ ﺖ أﻋ ﺮف ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ ﺧﻼﻓ ﺎ ﺑ ﯿﻦ‬
‫‪38‬‬
‫ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻗﻄﺎر ﻓﻜﯿﻒ ﯾﺴﻮغ أن ﯾﻜﻮن اﻟﺴﻔﯿﺮ ﺑﯿﻦ اﻹﻣﺎم واﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺎر"‬

‫‪-3‬ﺗﺤﯿﺰ اﻷﻗﻠﯿﺔ وﺗﺠﻤﻌﮭﻢ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن‪:‬‬

‫اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ ھ ﻢ ﻣ ﻦ أھ ﻞ دار اﻹﺳ ﻼم‪ ،‬وﻟﮭ ﻢ اﻟﺤﺮﯾ ﺔ‬
‫ﻓﻲ أن ﯾﺴﻜﻨﻮا ﻓ ﻲ أﯾ ﺔ ﻧﺎﺣﯿ ﺔ أرادوا‪ ،‬وﯾﻈﻌﻨ ﻮا ﻋﻨﮭ ﺎ ﻣﺘ ﻰ ﻣ ﺎ أرادوا وﯾﻨﺰﻟ ﻮا ﻓ ﻲ‬
‫ﻣﻜﺎن آﺧﺮ ﻛﯿﻔﻤﺎ ﺷﺎءوا‪ ،‬وﻟﮭﻢ أن ﯾﺘﺠﻤﻌﻮا ﻓﻲ أﯾﺔ ﺑﻘﻌﺔ ﻣ ﻦ ﺑﻘ ﺎع اﻟﺪوﻟ ﺔ ﻻ ﯾﺤﺠ ﺮ‬
‫ﻋﻠﯿﮭﻢ ذﻟﻚ وﻻ ﯾﻤﻨﻌﻮن ﻣﻨﮫ‪ ، 39‬إﻻ أن ﯾﻈﮭﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ رﯾﺒ ﺔ وﯾُﺨ ﺎف ﻣ ﻨﮭﻢ اﻟﺨﯿﺎﻧ ﺔ‬
‫ﻓ ﺈﻧﮭﻢ ﻓ ﻲ ھ ﺬه اﻟﺤﺎﻟ ﺔ ﯾﺘ ﺎﺑﻌﻮن‪ ،‬وإذا ﺛﺒ ﺖ ﻋﻠ ﯿﮭﻢ ﺷ ﻲء ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﺑﻮﺳ ﺎﺋﻞ اﻹﺛﺒ ﺎت‬
‫اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ﻓﺈﻧﮭﻢ ﯾﻤﻨﻌﻮن ﻣﻦ ذﻟ ﻚ وﻻ ﯾﻤﻜﻨ ﻮن ﻣﻨ ﮫ‪ ،‬وﯾﺤﺎﺳ ﺒﻮن ﺑﻤﻘﺘﻀ ﻰ اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺴﺘﺤﻘﮫ أﻋﻤﺎﻟﮭﻢ وﺗﺼﺮﻓﺎﺗﮭﻢ‪ ،‬وﻗﺪ اﻧﺤﺎز ﺑﻌﺾ اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ ﻋﮭ ﺪ رﺳ ﻮل‬
‫اﷲ وﻗ ﺎﻣﻮا ﺑﺒﻨ ﺎء ﻣﺴ ﺠﺪ ﺑ ﺰﻋﻢ ﻣﺴ ﺎﻋﺪة اﻟﻀ ﻌﻔﺎء ﻋﻠ ﻰ اﻟﺼ ﻼة ﻓ ﻲ اﻟﺠﻤﺎﻋ ﺔ‬
‫"ﻓﻘ ﺎﻟﻮا‪ :‬ﯾ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ إﻧ ﺎ ﻗ ﺪ ﺑﻨﯿﻨ ﺎ ﻣﺴ ﺠﺪا ﻟ ﺬي اﻟﻌﻠ ﺔ واﻟﺤﺎﺟ ﺔ واﻟﻠﯿﻠ ﺔ اﻟﻤﻄﯿ ﺮة‬
‫واﻟﻠﯿﻠ ﺔ اﻟﺸ ﺎﺗﯿﺔ"‪ 40‬و" ﻗ ﺎﻟﻮا‪ :‬ﯾ ﺎ رﺳ ﻮل اﷲ رﺑﻤ ﺎ ﺟ ﺎء اﻟﺴ ﯿﻞ ﯾﻘﻄ ﻊ ﺑﯿﻨﻨ ﺎ وﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﻮادي‪ ،‬وﯾﺤﻮل ﺑﯿﻨﻨﺎ وﺑﯿﻦ اﻟﻘ ﻮم‪ ،‬ﻓﻨﺼ ﻠﻲ ﻓ ﻲ ﻣﺴ ﺠﺪﻧﺎ‪ ،‬ﻓ ﺈذا ذھ ﺐ اﻟﺴ ﯿﻞ ﺻ ﻠﯿﻨﺎ‬
‫‪ 35‬اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ص ‪30‬‬
‫‪ 36‬اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ص‪29-28‬‬
‫‪ 37‬اﻧﻈﺮ أﺣﻜﺎم أھﻞ اﻟﺬﻣﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ‪ ،‬ﺗﺤﻄﯿﻢ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ص‪110-108‬‬
‫‪ 38‬ﻏﯿﺎث اﻷﻣﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﯿﺎث اﻟﻈﻠﻢ ص ‪116-114‬‬
‫‪ 39‬وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﺎ ﻣﻨﻌﺖ ﻣﻨﮫ اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ ﻛﺪﺧﻮل اﻟﺤﺮم ﻗﺎل اﻟﻤﺎوردي‪ ":‬ﻟﯿﺲ ﻟﺠﻤﯿﻊ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻒ دﯾﻦ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ‬
‫ذﻣﻲ أو ﻣﻌﺎھﺪ أن ﯾﺪﺧﻞ اﻟﺤﺮم ﻻ ﻣﻘﯿﻤﺎ وﻻ ﻣﺎرا ﺑﮫ وھﺬا ﻣﺬھﺐ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ وأﻛﺜﺮ اﻟﻔﻘﮭﺎء وﺟﻮز أﺑﻮ ﺣﻨﯿﻔﺔ‬
‫دﺧﻮﻟﮭﻢ إﻟﯿﮫ إذا ﻟﻢ ﯾﺴﺘﻮﻃﻨﻮه" اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ص ‪ 170‬وأﻣﺎ اﻟﺤﺠﺎز‪-‬دون اﻟﺤﺮم‪ -‬ﻓﻼ ﯾﺴﺘﻮﻃﻨﮫ ﻣﺸﺮك ﻣﻦ‬
‫ذﻣﻲ أو ﻣﻌﺎھﺪ ‪ ،‬وإن ﺟﺎز ﻟﻤﻦ ﻗﺪم ﻣﻨﮭﻢ ﺗﺎﺟﺮا أو ﺻﺎﻧﻌﺎ ﻣﻘﺎم ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم ﯾﺨﺮﺟﻮن ﺑﻌﺪ اﻧﻘﻀﺎﺋﮭﺎ ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﺮ‬
‫رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ واﺳﺘﻘﺮ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺤﻜﻢ اﻧﻈﺮ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ص ‪171‬‬
‫‪ 40‬ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ اﻟﻄﺒﺮي ‪22/11‬‬
‫‪19‬‬
‫ﻣﻌﮭﻢ "‪41‬وﻟﻜﻦ ﺣﻘﯿﻘ ﺘﮭﻢ ﻛﺎﻧ ﺖ ﻣﻐ ﺎﯾﺮة ﻟ ﺬﻟﻚ وإﻧﻤ ﺎ ﻛﺎﻧ ﺖ ﻟﻺﺿ ﺮار ﻛﻤ ﺎ ذﻛ ﺮ اﷲ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ذﻟﻚ ﻋﻨﮭﻢ " واﻟ ﺬﯾﻦ اﺗﺨ ﺬوا ﻣﺴ ﺠﺪا ﺿ ﺮارا وﻛﻔ ﺮا وﺗﻔﺮﯾﻘ ﺎ ﺑ ﯿﻦ اﻟﻤ ﺆﻣﻨﯿﻦ‬
‫ﻣ ﻦ اﻟﺼ ﻼة ﻓﯿ ﮫ وأﻣ ﺮ‬ ‫وإرﺻﺎدا ﻟﻤﻦ ﺣ ﺎرب اﷲ ورﺳ ﻮﻟﮫ" ﻓﻤﻨ ﻊ اﷲ رﺳ ﻮﻟﮫ‬
‫أﺻﺤﺎﺑﮫ ﺑﮭﺪم ھ ﺬا اﻟﻤﺴ ﺠﺪ وإﺣﺮاﻗ ﮫ‪ ،‬ﻓ ﺈذا ﺗﺒ ﯿﻦ أن ھ ﺬه اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻗ ﺪ‬ ‫اﻟﺮﺳﻮل‬
‫اﻧﺤ ﺎزت إﻟ ﻰ ﻣﻜ ﺎن أو ﺑﻘﻌ ﺔ ﺑﻘﺼ ﺪ اﻹﺿ ﺮار ﺑﺎﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻓ ﻼ ﯾﻤﻜﻨ ﻮن ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ‪،‬‬
‫وﻟﯿﺲ ﻓﻲ ھﺬا ﻇﻠﻢ ﻟﮭﻢ ﻷن ھ ﺬا ﻣ ﻦ ﺑ ﺎب ﻣﻨ ﻊ اﻟﻀ ﺮر‪ ،‬واﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ ﺗﻤﻨ ﻊ اﻟﻀ ﺮر‬
‫ﻋ ﻨﮭﻢ وﻋ ﻦ ﻏﯿ ﺮھﻢ‪ ،‬ﻗ ﺎل رﺳ ﻮل اﷲ ‪":‬ﻻ ﺿ ﺮر وﻻ ﺿ ﺮار"‪ ،42‬وﻓ ﻲ ﻋﮭ ﺪ‬
‫اﻟﺨﻠﯿﻔ ﺔ اﻟﺮاﺷ ﺪ ﻋﻠ ﻲ رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﮫ ﺧﺮﺟ ﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔ ﺔ اﻟﺘ ﻲ ﻋﺮﻓ ﺖ ﺑﺎﺳ ﻢ‬
‫اﻟﺨﻮارج وﺗﻤﯿﺰوا ﻋﻦ ﺑﻘﯿﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﺗﺤﯿﺰوا إﻟﻰ ﻣﻜﺎن ﻟﻜﻦ ﻋﻠﯿﺎ ﻟ ﻢ ﯾﺠﻌ ﻞ ذﻟ ﻚ‬
‫داﻋﯿ ﺎ ﻟﻘﺘ ﺎﻟﮭﻢ أو ﻣﺤ ﺎرﺑﺘﮭﻢ ﺣﺘ ﻰ ﯾﺴ ﻔﻜﻮا اﻟ ﺪم اﻟﺤ ﺮام‪ ،‬ﻓﺮاﺳ ﻠﮭﻢ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﮫ‬
‫وأرﺳ ﻞ إﻟ ﯿﮭﻢ ﻣ ﻦ أھ ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ ﺣﺒ ﺮ اﻷﻣ ﺔ وﺗَﺮْﺟُﻤ ﺎن اﻟﻘ ﺮآن ﻋﺒ ﺪ اﷲ ﺑ ﻦ ﻋﺒ ﺎس‬
‫ﻟﯿﻨﺎﻇﺮھﻢ وﯾﺰﯾ ﻞ اﻟﺸ ﺒﮭﺔ ﻋ ﻨﮭﻢ وﯾﻮﺿ ﺢ ﻟﮭ ﻢ اﻟﻤﺤﺠ ﺔ ﻓﺮﺟ ﻊ ﻛﺜﯿ ﺮ ﻣ ﻨﮭﻢ‪ ،‬وﺑﻘﯿ ﺖ‬
‫ﻣﻨﮭﻢ ﺑﻘﯿﺔ أﻓﺴﺪوا ﻓﻲ اﻷرض وﺳﻔﻜﻮا اﻟﺪم اﻟﺤ ﺮام ﻓﻠ ﻢ ﯾﻘ ﺎﺗﻠﮭﻢ وﻟﻜ ﻦ أرﺳ ﻞ إﻟ ﯿﮭﻢ‬
‫ﯾﻄﻠﺐ ﻣﻨﮭﻢ اﻟﻘﺼﺎص ﻓﻠﻤﺎ رﻓﻀ ﻮا ﻋﻨ ﺪ ذﻟ ﻚ ﻗ ﺎﺗﻠﮭﻢ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﮫ وﺟﻨ ﺪه‪ ،‬وﻗ ﺪ‬
‫ذﻛﺮ اﻟﺒﯿﮭﻘﻲ ﻓﻲ ﺳﻨﻨﮫ ﻗﺼﺔ اﻟﺨ ﻮارج وﺑ ﻮب ﻋﻠﯿﮭ ﺎ ﺑﻘﻮﻟ ﮫ " ﺑ ﺎب اﻟﻘ ﻮم ﯾﻈﮭ ﺮون‬
‫رأي اﻟﺨﻮارج ﻟ ﻢ ﯾﺤ ﻞ ﺑ ﮫ ﻗﺘ ﺎﻟﮭﻢ"‪ 43‬أي ﻣﺠ ﺮد اﻟ ﺘﻜﻠﻢ واﻻﻋﺘﻘ ﺎد ﻟ ﺮأي اﻟﺨ ﻮارج‬
‫ﻓﺈﻧﮫ وإن ﻛﺎن ﺧﻄﺄ وﺿﻼﻻ إﻻ إﻧﮫ ﻻ ﯾﺤﻞ ﻗﺘ ﺎﻟﮭﻢ ﺑﻤﺠ ﺮد ذﻟ ﻚ ﻣ ﺎ ﻟ ﻢ ﯾﻔﻌﻠ ﻮا ﻓﻌ ﻼ‬
‫ﯾﺴﺘﻮﺟﺐ اﻟﻘﺘﺎل‪ ،‬وﻗﺪ ذﻛﺮ اﻟﻘﺼﺔ ﻣﺮة أﺧﺮى وﺑﻮب ﻋﻠﯿﮭﺎ ﺑﻘﻮﻟ ﮫ" ﺑ ﺎب اﻟﺨ ﻮارج‬
‫ﯾﻌﺘﺰﻟﻮن ﺟﻤﺎﻋ ﺔ اﻟﻨ ﺎس وﯾﻘﺘﻠ ﻮن واﻟ ﯿﮭﻢ ﻣ ﻦ ﺟﮭ ﺔ اﻹﻣ ﺎم اﻟﻌ ﺎدل ﻗﺒ ﻞ أن ﯾﻨﺼ ﺒﻮا‬
‫‪44‬‬
‫إﻣﺎﻣﺎ وﯾﻌﺘﻘﺪوا وﯾﻈﮭﺮوا ﺣﻜﻤﺎ ﻣﺨﺎﻟﻔ ﺎ ﻟﺤﻜﻤ ﮫ ﻛ ﺎن ﻓ ﻲ ذﻟ ﻚ ﻋﻠ ﯿﮭﻢ اﻟﻘﺼ ﺎص"‬
‫وﻗ ﺪ ذﻛ ﺮ اﺑ ﻦ ﺗﯿﻤﯿ ﺔ ﻗﺼ ﺘﮭﻢ ﻓ ﻲ اﻟﻔﺘ ﺎوى ﻓﻘ ﺎل‪ ":‬ﺧﺮﺟ ﺖ اﻟﺨ ﻮارج ﻋﻠ ﻰ أﻣﯿ ﺮ‬
‫اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ وﻓﺎرﻗﻮه وﻓ ﺎرﻗﻮا ﺟﻤﺎﻋ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ إﻟ ﻰ ﻣﻜ ﺎن ﯾﻘ ﺎل‬
‫ﻟﮫ ﺣﺮوراء ﻓﻜﻒ ﻋﻨﮭﻢ أﻣﯿﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ وﻗ ﺎل ‪ :‬ﻟﻜ ﻢ ﻋﻠﯿﻨ ﺎ أن ﻻ ﻧﻤ ﻨﻌﻜﻢ ﺣﻘﻜ ﻢ ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﻔﻲء وﻻ ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ إﻟﻰ أن اﺳ ﺘﺤﻠﻮا دﻣ ﺎء اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ وأﻣ ﻮاﻟﮭﻢ ﻓﻘﺘﻠ ﻮا ﻋﺒ ﺪ‬
‫اﷲ ﺑﻦ ﺧﺒﺎب وأﻏﺎروا ﻋﻠﻰ ﺳﺮح اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ؛ ﻓﻌﻠﻢ ﻋﻠﻲ أﻧﮭﻢ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ اﻟﺘ ﻲ ذﻛﺮھ ﺎ‬
‫رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﺣﯿﺚ ﻗﺎل ‪ " :‬ﯾﺤﻘﺮ أﺣ ﺪﻛﻢ ﺻ ﻼﺗﮫ ﻣ ﻊ ﺻ ﻼﺗﮭﻢ‬
‫وﺻﯿﺎﻣﮫ ﻣﻊ ﺻﯿﺎﻣﮭﻢ وﻗﺮاءﺗﮫ ﻣ ﻊ ﻗ ﺮاءﺗﮭﻢ ﯾﻘ ﺮءون اﻟﻘ ﺮآن ﻻ ﯾﺠ ﺎوز ﺣﻨ ﺎﺟﺮھﻢ‬
‫ﯾﻤﺮﻗﻮن ﻣﻦ اﻟﺪﯾﻦ ﻛﻤﺎ ﯾﻤﺮق اﻟﺴﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺮﻣﯿﺔ آﯾﺘﮭﻢ ﻓﯿﮭﻢ رﺟﻞ ﻣﺨﺪج اﻟﯿ ﺪ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ‬
‫ﺑﻀ ﻌﺔ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ ﺷ ﻌﺮات "‪ 45‬وﻓ ﻲ رواﯾ ﺔ ‪ " :‬ﯾﻘﺘﻠ ﻮن أھ ﻞ اﻹﺳ ﻼم وﯾ ﺪﻋﻮن أھ ﻞ‬
‫اﻷوﺛﺎن " ﻓﺨﻄﺐ اﻟﻨﺎس وأﺧﺒﺮھﻢ ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻣ ﻦ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ وﺳ ﻠﻢ‬
‫وﻗﺎل ‪ :‬ھﻢ ھﺆﻻء اﻟﻘﻮم ﻗﺪ ﺳﻔﻜﻮا اﻟﺪم اﻟﺤﺮام وأﻏ ﺎروا ﻋﻠ ﻰ ﺳ ﺮح اﻟﻨ ﺎس ﻓﻘ ﺎﺗﻠﮭﻢ‬
‫‪41‬‬
‫ﺗﻔﺴﯿﺮ اﺑﻦ ﺟﺮﯾﺮ اﻟﻄﺒﺮي ‪ 25/11‬واﻧﻈﺮ أﯾﻀﺎ أﺣﻜﺎم اﻟﻘﺮآن ﻟﻠﺠﺼﺎص‪367/4‬‬
‫‪ 42‬أﺧﺮﺟﮫ أﺣﻤﺪ رﻗﻢ ‪ 2719‬واﺑﻦ ﻣﺎﺟﮫ ﻛﺘﺎب اﻷﺣﻜﺎم رﻗﻢ‪2331‬‬
‫‪ 43‬ﺳﻨﻦ اﻟﺒﯿﮭﻘﻲ ‪148/8‬‬
‫‪ 44‬ﺳﻨﻦ اﻟﺒﯿﮭﻘﻲ اﻟﻜﺒﺮى ج ‪ 8‬ص ‪184‬‬
‫‪45‬‬
‫أﺧﺮﺟﮫ اﻟﺒﺨﺎري ﻛﺘﺎب اﻟﻤﻨﺎﻓﺐ رﻗﻢ ‪ 3341‬وﻓﻲ ﻋﺪة ﻣﻮاﺿﻊ أﺧﺮ وأﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻟﺰﻛﺎة رﻗﻢ ‪1765‬‬
‫‪20‬‬
‫ووﺟﺪ اﻟﻌﻼﻣ ﺔ ﺑﻌ ﺪ أن ﻛ ﺎد ﻻ ﯾﻮﺟ ﺪ ﻓﺴ ﺠﺪ ﷲ ﺷ ﻜﺮا"‪ 46‬وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل اﻟﻤ ﺎوردي ﻧﺤ ﻮ‬
‫ذﻟ ﻚ ﺣﯿ ﺚ ﯾﻘ ﻮل‪ ":‬ﻓ ﺈذا اﻋﺘﺰﻟ ﺖ ھ ﺬه اﻟﻔﺌ ﺔ اﻟﺒﺎﻏﯿ ﺔ أھ ﻞ اﻟﻌ ﺪل وﺗﺤﯿ ﺰت ﺑ ﺪار‬
‫ﺗﻤﯿﺰت ﻓﯿﮭﺎ ﻋﻦ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ ﺣﻖ وﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻋﻦ ﻃﺎﻋ ﺔ ﻟ ﻢ‬
‫‪47‬‬
‫ﯾﺤﺎرﺑﻮا ﻣﺎ أﻗﺎﻣﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ وﺗﺄدﯾﺔ اﻟﺤﻘﻮق"‬

‫‪-4‬اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻟﺠﮭﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ‪:‬‬

‫اﻟﺠﮭﺎد ﻓﻲ ﺳﺒﯿﻞ اﷲ ﻓﺮﯾﻀﺔ ﻣﻦ ﻓﺮاﺋﺾ اﻟﺪﯾﻦ وﻋﺒﺎدة ﻣ ﻦ اﻟﻌﺒ ﺎدات اﻟﺘ ﻲ ﻃﻮﻟ ﺐ‬
‫ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن‪ ،‬وﺷﺄن اﻟﻌﺒ ﺎدات ﻓ ﻲ اﻹﺳ ﻼم أن ﯾﺸ ﺘﺮط ﻓ ﻲ اﻟﺘﻜﻠﯿ ﻒ ﺑﮭ ﺎ اﻹﺳ ﻼم‬
‫ﻓﻼ ﯾﻜﻠﻒ ﺑﮭﺎ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﻠﻢ‪ ،‬وﻛﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﺼ ﺢ أداؤھ ﺎ ﻣ ﻦ ﻏﯿ ﺮ اﻟﻤﺴ ﻠﻢ‪ ،‬وﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ‬
‫ﻓ ﺈن اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ ﻻ ﯾﺘﻮﺟ ﮫ إﻟﯿﮭ ﺎ اﻟﺨﻄ ﺎب ﺑﺎﻟﺠﮭ ﺎد رﻏ ﻢ أﻧﮭ ﺎ ﺗﻘ ﯿﻢ ﻓ ﻲ دار‬
‫اﻹﺳﻼم وﺗﺘﻤﺘ ﻊ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎﯾ ﺔ ﻓﯿﮭ ﺎ‪ ،‬وﻗ ﺪ ﺑ ﯿﻦ رﺳ ﻮل اﷲ ذﻟ ﻚ ﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﺟ ﺎءه ﻣﺸ ﺮك‬
‫ﯾﻌﺮض ﻋﻠﯿﮫ اﻟﺨﺮوج ﻣﻌﮫ ﻟﻠﺠﮭﺎد ﺗﻘﻮل ﻋﺎﺋﺸﺔ زوج اﻟﻨﺒﻲ " ﺧﺮج رﺳﻮل اﷲ‬
‫ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻗﺒﻞ ﺑﺪر ﻓﻠﻤ ﺎ ﻛ ﺎن ﺑﺤ ﺮة اﻟ ﻮﺑﺮة أدرﻛ ﮫ رﺟ ﻞ ﻗ ﺪ ﻛ ﺎن ﯾ ﺬﻛﺮ‬
‫ﻣﻨﮫ ﺟﺮأة وﻧﺠﺪة ﻓﻔﺮح أﺻﺤﺎب رﺳﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ وﺳ ﻠﻢ ﺣ ﯿﻦ رأوه ﻓﻠﻤ ﺎ‬
‫أدرﻛﮫ ﻗﺎل ﻟﺮﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳ ﻠﻢ ﺟﺌ ﺖ ﻷﺗﺒﻌ ﻚ وأﺻ ﯿﺐ ﻣﻌ ﻚ ﻗ ﺎل ﻟ ﮫ‬
‫رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ وﺳ ﻠﻢ ﺗ ﺆﻣﻦ ﺑ ﺎﷲ ورﺳ ﻮﻟﮫ ﻗ ﺎل ﻻ ﻗ ﺎل ﻓ ﺎرﺟﻊ ﻓﻠ ﻦ‬
‫أﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﻤﺸﺮك ﻗﺎﻟﺖ ﺛﻢ ﻣﻀﻰ ﺣﺘﻰ إذا ﻛﻨﺎ ﺑﺎﻟﺸﺠﺮة أدرﻛ ﮫ اﻟﺮﺟ ﻞ ﻓﻘ ﺎل ﻟ ﮫ ﻛﻤ ﺎ‬
‫ﻗﺎل أول ﻣﺮة ﻓﻘﺎل ﻟﮫ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿﮫ وﺳﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل أول ﻣﺮة ﻗﺎل ﻓﺎرﺟﻊ ﻓﻠﻦ‬
‫أﺳﺘﻌﯿﻦ ﺑﻤﺸﺮك ﻗﺎل ﺛﻢ رﺟﻊ ﻓﺄدرﻛﮫ ﺑﺎﻟﺒﯿﺪاء ﻓﻘﺎل ﻟﮫ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل أول ﻣﺮة ﺗﺆﻣﻦ ﺑ ﺎﷲ‬
‫ورﺳﻮﻟﮫ ﻗﺎل ﻧﻌﻢ ﻓﻘﺎل ﻟﮫ رﺳ ﻮل اﷲ ﺻ ﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯿ ﮫ وﺳ ﻠﻢ ﻓ ﺎﻧﻄﻠﻖ"‪ 48‬وھ ﺬه ھ ﻲ‬
‫اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺎﻻت اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ وﻓ ﻖ ﺷ ﺮوط ﺣ ﺪدھﺎ أھ ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ‬
‫ﯾﺠﻮز اﻻﺳ ﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﮭ ﻢ ﻣ ﻦ ﻏﯿ ﺮ إﺟﺒ ﺎر ﻟﮭ ﻢ ﻋﻠ ﻰ ذﻟ ﻚ‪ ،‬وﻋﻠ ﻰ أن ﯾﻜﻮﻧ ﻮا ﺗﺤ ﺖ ﯾ ﺪ‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻼ ﯾﺴﺘﺒﺪون ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺑﻞ ھ ﻢ ﺧﺎﺿ ﻌﻮن ﻟﻘﯿ ﺎدة اﻟﺠ ﯿﺶ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ‪،49‬وأﻣ ﺎ‬
‫اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ ﻓﮭ ﻢ ﻣﻄ ﺎﻟﺒﻮن ﺑﺎﻟﺠﮭ ﺎد واﺑﺘ ﺪاﻋﮭﻢ ﻓ ﻲ اﻟ ﺪﯾﻦ ﻻ ﯾﺴ ﻘﻂ ﻋ ﻨﮭﻢ‬
‫اﻟﻔﺮﯾﻀﺔ ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪ ":‬ﻛﺘﺐ ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻟﻘﺘﺎل وھﻮ ﻛﺮه ﻟﻜ ﻢ" وھ ﺬه اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ ﺗﺸ ﻤﻞ‬
‫ﺟﻤﯿ ﻊ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻓ ﻼ ﯾﺨ ﺘﺺ ﺑﮭ ﺎ أھ ﻞ اﻟﻌ ﺪل دون أھ ﻞ اﻷھ ﻮاء‪ ،‬وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل ﻋﻠ ﻲ‬
‫رﺿﻲ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﮫ ﻓﻲ ﺣﺪﯾﺜﮫ ﻟﻠﺨﻮارج‪-‬وھﻢ أھﻞ اﻟﻔﺮﻗﺔ واﻻﺑﺘ ﺪاع ‪":‬ﻟﻜ ﻢ ﻋﻠﯿﻨ ﺎ‬
‫ﺛﻼث ﻻ ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ ﻣﺴﺎﺟﺪ اﷲ أن ﺗﺬﻛﺮوا ﻓﯿﮭﺎ اﺳ ﻢ اﷲ‪ ،‬وﻻ ﻧﻤ ﻨﻌﻜﻢ اﻟﻔ ﻲء ﻣ ﺎ ﻛﺎﻧ ﺖ‬
‫أﯾﺪﯾﻜﻢ ﻣﻊ أﯾﺪﯾﻨﺎ‪ ،‬وﻻ ﻧﺒﺪؤﻛﻢ ﺑﻘﺘﺎل"‪ 50‬وﻣﻮﺿﻊ اﻟﺪﻻﻟﺔ ﻗﻮﻟ ﮫ رﺿ ﻲ اﷲ ﻋﻨ ﮫ" وﻻ‬
‫ﻧﻤﻨﻌﻜﻢ اﻟﻔﻲء ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﯾﺪﯾﻜﻢ ﻣﻊ أﯾﺪﯾﻨﺎ" ﻓﮭ ﻮ ﻟ ﻢ ﯾﻤ ﻨﻌﮭﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻘﺘ ﺎل ﻓ ﻲ ﺳ ﺒﯿﻞ اﷲ‬

‫‪ 46‬ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى‪33-32/13‬‬
‫‪47‬‬
‫اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﯿﺔ ‪63‬‬
‫‪ 48‬أﺧﺮﺟﮫ ﻣﺴﻠﻢ ﻛﺘﺎب اﻟﺠﮭﺎد واﻟﺴﯿﺮ رﻗﻢ ‪3388‬‬
‫‪49‬‬
‫اﻧﻈﺮ ﻧﯿﻞ اﻷوﻃﺎر ﻟﻠﺸﻮﻛﺎﻧﻲ ‪ 265-264/7‬واﻟﻤﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﻔﻘﮭﯿﺔ‪151-150/8‬‬
‫‪ 50‬ﺳﻨﻦ اﻟﺒﯿﮭﻘﻲ اﻟﻜﺒﺮى ج ‪ 8‬ص ‪184‬‬

‫‪21‬‬
‫وﻟﻢ ﯾﺤﺮﻣﮭﻢ ﻣﻨﮫ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﯾﺴﺘﺜﻨﻰ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﮭﺎد ﻣ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ ﻣ ﻦ‬
‫ﯾﻜﻮن ﺧﺮوﺟﮫ ﺿﺮرا ﻋﻠﻰ اﻟﺠ ﯿﺶ اﻟﻤﺠﺎھ ﺪ‪ ،‬ﻛﻤ ﻦ ﻋ ﺮف ﻋﻨ ﮫ ﻣ ﻦ ﯾﻜ ﻮن وﺟﮭ ﮫ‬
‫وﻧﺼ ﯿﺤﺘﮫ ﻷﻋ ﺪاء اﻷﻣ ﺔ‪ ،‬وﻣ ﻦ وﺟ ﺪت ﻣ ﻨﮭﻢ اﻟﺨﯿﺎﻧ ﺔ وﻛﺎﻟﺠﺒﻨ ﺎء اﻟﻀ ﻌﻔﺎء اﻟ ﺬﯾﻦ‬
‫ﯾﺒﺜﻮن روح اﻹﺣﺒﺎط واﻟﮭﺰﯾﻤﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﻮس اﻟﺠﯿﺶ‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن ھﻨ ﺎك ﻣ ﻦ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت‬
‫ﻣﻦ ﻋﺮف ﻋﻨﮭﻢ ﺧﯿﺎﻧﺘﮭﻢ ﻟﻸﻣ ﺔ وإﻋﺎﻧ ﺔ أﻋ ﺪاﺋﮭﺎ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ وﺗﺠﺴﺴ ﮭﻢ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ ﻟﻤﺼ ﻠﺤﺔ‬
‫اﻟﻌ ﺪو‪ ،‬وﺑ ﺬر ﺑ ﺬور اﻟﺨ ﻼف واﻟﺸ ﻘﺎق ﺑ ﯿﻦ اﻟﻤﺠﺎھ ﺪﯾﻦ‪ ،‬ﻓ ﻼ ﯾُﻤﻜﱠ ﻦ ھ ﺆﻻء ﻣ ﻦ‬
‫اﻟﺨﺮوج ﻟﻠﺠﮭﺎد ﻷن ﺧﺮوﺟﮭﻢ ﺷﺮ ووﺑﺎل ﻋﻠ ﻰ اﻟﺠ ﯿﺶ اﻟﻤﻘﺎﺗ ﻞ وﻗ ﺪ ﺟ ﺎءت آﯾ ﺎت‬
‫ﻓﻲ ﻛﺘﺎب اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻣﻨﻊ ﺧﺮوج ﻣﻦ ﯾﻜﻮن ﻓﻲ ﺧﺮوﺟﮫ اﻟﻀ ﺮر ﻣ ﻦ ذﻟ ﻚ ﻗﻮﻟ ﮫ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ":‬ﻓَﺈِن رﱠﺟَﻌَ ﻚَ اﻟﻠّ ﮫُ إِﻟَ ﻰ ﻃَﺂﺋِﻔَ ﺔٍ ﻣﱢ ﻨْﮭُﻢْ ﻓَﺎﺳْ ﺘَﺄْذَﻧُﻮكَ ﻟِﻠْﺨُ ﺮُوجِ ﻓَﻘُ ﻞ ﻟﱠ ﻦ ﺗَﺨْﺮُﺟُ ﻮاْ‬
‫ﻣَﻌِ ﻲَ أَﺑَ ﺪًا وَﻟَ ﻦ ﺗُﻘَ ﺎﺗِﻠُﻮاْ ﻣَﻌِ ﻲَ ﻋَ ﺪُو‪‬ا إِﻧﱠﻜُ ﻢْ رَﺿِ ﯿﺘُﻢ ﺑِ ﺎﻟْﻘُﻌُﻮدِ أَوﱠلَ ﻣَ ﺮﱠةٍ ﻓَﺎﻗْﻌُ ﺪُواْ ﻣَ ﻊَ‬
‫اﻟْﺨَﺎﻟِﻔِﯿﻦَ" ﻓﻘﺪ ﻣﻨﻊ اﷲ اﻟﺴﻤﺎح ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﻘﯿﻦ ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻟﻠﺠﮭﺎد ﻋﻘﻮﺑ ﺔ ﻟﮭ ﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺗﺨﻠﻔﮭ ﻢ‬
‫ﻓﻲ ﺧﺮوﺟﮫ ﻟﻐﺰوة ﺗﺒﻮك‪ ،‬وﻗﺪ ﺑ ﯿﻦ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‬ ‫وﻗﻌﻮدھﻢ ﻋﻦ ﻧﺼﺮة رﺳﻮل اﷲ‬
‫أن ﺧ ﺮوج ﻣﺜ ﻞ ھ ﺆﻻء ﻓﯿ ﮫ اﻟﻀ ﺮر اﻟﻜﺒﯿ ﺮ ﻓﻘ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪ ":‬ﻟَ ﻮْ ﺧَﺮَﺟُ ﻮاْ ﻓِ ﯿﻜُﻢ ﻣﱠ ﺎ‬
‫زَادُوﻛُ ﻢْ إِﻻﱠ ﺧَﺒَ ﺎﻻً وﻷَوْﺿَ ﻌُﻮاْ ﺧِﻼَﻟَﻜُ ﻢْ ﯾَﺒْﻐُ ﻮﻧَﻜُﻢُ اﻟْﻔِﺘْﻨَ ﺔَ وَﻓِ ﯿﻜُﻢْ ﺳَ ﻤﱠﺎﻋُﻮنَ ﻟَﮭُ ﻢْ وَاﻟﻠّ ﮫُ‬
‫ﻋَﻠِﯿﻢٌ ﺑِﺎﻟﻈﱠﺎﻟِﻤِﯿﻦَ" ﻛﻤﺎ ﻣﻨﻊ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﺮوج اﻷﻋﺮاب ﻟﻠﻘﺘﺎل ﻓ ﻲ ﺧﯿﺒ ﺮ ﻋﻘﻮﺑ ﺔ ﻟﮭ ﻢ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻠﻔﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج ﻟﻠﺤﺪﯾﺒﯿﺔ ﻓﻘﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ":‬ﺳَﯿَﻘُﻮلُ اﻟْﻤُﺨَﻠﱠﻔُﻮنَ إِذَا اﻧﻄَﻠَﻘْ ﺘُﻢْ إِﻟَ ﻰ‬
‫ﻣَﻐَﺎﻧِﻢَ ﻟِﺘَﺄْﺧُﺬُوھَﺎ ذَرُوﻧَﺎ ﻧَﺘﱠﺒِﻌْﻜُﻢْ ﯾُﺮِﯾﺪُونَ أَن ﯾُﺒَﺪﱢﻟُﻮا ﻛَﻠَﺎمَ اﻟﻠﱠﮫِ ﻗُﻞ ﻟﱠﻦ ﺗَﺘﱠﺒِﻌُﻮﻧَﺎ ﻛَﺬَﻟِﻜُﻢْ ﻗَ ﺎلَ‬
‫اﻟﻠﱠﮫُ ﻣِﻦ ﻗَﺒْﻞُ ﻓَﺴَﯿَﻘُﻮﻟُﻮنَ ﺑَﻞْ ﺗَﺤْﺴُﺪُوﻧَﻨَﺎ ﺑَﻞْ ﻛَﺎﻧُﻮا ﻟَﺎ ﯾَﻔْﻘَﮭُﻮنَ إِﻟﱠ ﺎ ﻗَﻠِﯿﻠً ﺎ" وﻗ ﺪ ﻧ ﺺ ﻛﺜﯿ ﺮ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﻋﺪم ﺟﻮاز اﻟﺴ ﻤﺎح ﻟﻠﻤﺨ ﺬل ﺑ ﺎﻟﺨﺮوج ﻣ ﻊ اﻟﺠ ﯿﺶ ﻗ ﺎل اﻟﻘﺮﻃﺒ ﻲ‬
‫ﻓﻲ ﺗﻔﺴﯿﺮه ﻵﯾ ﺎت ﻣﻨ ﻊ اﻟﻤﻨ ﺎﻓﻘﯿﻦ ‪ ":‬وھ ﺬا ﯾ ﺪل ﻋﻠ ﻰ أن اﺳﺘﺼ ﺤﺎب اﻟﻤﺨ ﺬل ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﻐﺰوات ﻻ ﯾﺠﻮز"‪ 51‬وﻗﺎل ﻓﻲ اﻟﻤﺒ ﺪع ‪ ":‬وﯾﻤﻨ ﻊ اﻟﻤﺤ ﺬل وھ ﻮ اﻟ ﺬي ﯾﻔﻨ ﺪ اﻟﻨ ﺎس‬
‫ﻋﻦ اﻟﻐﺰو وﯾﺰھﺪھﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﺮوج إﻟﯿﮫ‪ ،‬واﻟﻤﺮﺟ ﻒ وھ ﻮ اﻟ ﺬي ﯾﺤ ﺪث ﺑﻘ ﻮة اﻟﻜﻔ ﺎر‬
‫وﺿﻌﻔﻨﺎ ﻟﻘﻮﻟﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ "وﻟﻜﻦ ﻛﺮه اﷲ اﻧﺒﻌﺎﺛﮭﻢ ﻓﺜﺒﻄﮭﻢ وﻗﯿﻞ اﻗﻌﺪوا ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻋﺪﯾﻦ ‪...‬‬
‫" اﻵﯾ ﺔ اﻟﺘﻮﺑ ﺔ‪ ،‬وﻛ ﺬا ﯾﻤﻨ ﻊ ﻣُﻜﺎﺗ ﺐ ﺑﺄﺧﺒﺎرﻧ ﺎ‪ ،‬ورام ﺑﯿﻨﻨ ﺎ ﺑ ﺎﻟﻔﺘﻦ وﻣﻌ ﺮوف ﺑﻨﻔ ﺎق‬
‫‪52‬‬
‫وزﻧﺪﻗﺔ؛ ﻷن ھﺆﻻء ﻣﻀﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻓﻠ ﺰم اﻹﻣ ﺎم ﻣ ﻨﻌﮭﻢ إزاﻟ ﺔ ﻟﻠﻀ ﺮر"‬
‫وﻗﺎل اﻟﻐﺰاﻟﻲ ‪ ":‬وأﻣ ﺎ اﻟﻤﺨ ﺬل اﻟ ﺬي ﯾﻀ ﻌﻒ اﻟﻘﻠ ﻮب وﯾﻜﺜ ﺮ اﻷراﺟﯿ ﻒ ﻓﯿﺨ ﺮج‬
‫ﻋﻦ اﻟﺼﻒ إذا ﺣﻀﺮ ﻓﺈن ﺷﺮه ﻋﻈﯿﻢ‪ ،‬وﻻ ﯾﺴﺘﺤﻖ اﻟﺴ ﮭﻢ واﻟﺮﺿ ﺦ وإن ﺣﻀ ﺮ‪،‬‬
‫وھ ﻮ أﻗ ﻞ ﻣ ﺎ ﯾﻌﺎﻗ ﺐ ﺑ ﮫ "‪ 53‬وﻗ ﺎل اﻟﻨ ﻮوي‪ ":‬اﻟﻤﺨ ﺬل ﻟﻠﺠ ﯿﺶ ﯾﻤﻨ ﻊ اﻟﺨ ﺮوج ﻣ ﻊ‬
‫اﻟﻨﺎس وﺣﻀﻮر اﻟﺼ ﻒ‪ ،‬ﻓ ﺈن ﺣﻀ ﺮ ﻟ ﻢ ﯾﻌ ﻂ ﺳ ﮭﻤﺎ وﻻ رﺿ ﺨﺎ"‪ 54‬وﻗ ﺪ ﻗ ﺎل أﺑ ﻮ‬
‫ﻟﻠﺬﯾﻦ ﻗ ﺎﺗﻠﮭﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻤﺮﺗ ﺪﯾﻦ ﻟﻤ ﺎ أﻇﮭ ﺮوا‬ ‫ﺑﻜﺮ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﮫ ﺧﻠﯿﻔﺔ رﺳﻮل اﷲ‬
‫اﻟﺘﻮﺑ ﺔ واﻟﻌ ﻮدة‪ :‬اﺧﺘ ﺎروا إﻣ ﺎ اﻟﺤ ﺮب اﻟﻤﺠﻠﯿ ﺔ وإﻣ ﺎ اﻟﺴ ﻠﻢ اﻟﻤﺨﺰﯾ ﺔ‪ ،‬ﻗ ﺎﻟﻮا‪ :‬ھ ﺬه‬
‫اﻟﺤﺮب اﻟﻤﺠﻠﯿﺔ ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻨﺎھﺎ ﻓﻤﺎ اﻟﺴ ﻠﻢ اﻟﻤﺨﺰﯾ ﺔ؟ ﻓﻘ ﺎل رﺿ ﻲ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻋﻨ ﮫ ﻟﮭ ﻢ‬
‫‪ 51‬ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ‪18/8‬‬
‫‪ 52‬اﻟﻤﺒﺪع‪335/3‬‬
‫‪ 53‬اﻟﻮﺳﯿﻂ ‪17/7‬‬
‫‪ 54‬روﺿﺔ اﻟﻄﺎﻟﺒﯿﻦ ‪378/6‬‬
‫‪22‬‬
‫ﻛﻼﻣ ﺎ ﻛ ﺎن ﻣﻤ ﺎ ﺟ ﺎء ﻓﯿ ﮫ" ﺗﻨ ﺰع ﻣ ﻨﻜﻢ اﻟﺤﻠﻘ ﺔ واﻟﺴ ﻼح وﺗﻤﻨﻌ ﻮن ﻣ ﻦ رﻛ ﻮب‬
‫اﻟﺨﯿﻞ" أي ﻋﺪم ﺗﻤﻜﯿﻨﮭﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﺼ ﻮل ﻋﻠ ﻰ اﻟﺴ ﻼح واﻟﻘ ﻮة وﻋ ﺪم اﻟﻤﺸ ﺎرﻛﺔ ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﺠﮭﺎد‪ ،‬ﻷﻧﮭﻢ ﻣﻮﺿﻊ رﯾﺒﺔ وﻋﺪم ﺛﻘﺔ‪ ،‬ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﯿﻤﯿﺔ رﺣﻤﮫ اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻣﻌﻠﻘ ﺎ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ذﻟﻚ‪ ":‬ﻓﮭﺬا اﻟﺬي ﻓﻌﻠﮫ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺑﺄوﻟﺌ ﻚ اﻟﻤﺮﺗ ﺪﯾﻦ ﺑﻌ ﺪ ﻋ ﻮدھﻢ إﻟ ﻰ اﻹﺳ ﻼم ﯾﻔﻌ ﻞ‬
‫ﺑﻤﻦ أﻇﮭﺮ اﻹﺳﻼم واﻟﺘﮭﻤﺔ ﻇﺎھﺮة ﻓﯿﮫ‪ ،‬ﻓﯿﻤﻨﻊ أن ﯾﻜﻮن ﻣﻦ أھ ﻞ اﻟﺨﯿ ﻞ واﻟﺴ ﻼح‬
‫‪55‬‬
‫واﻟﺪرع اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺒﺴﮭﺎ اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﺔ"‬

‫‪-5‬اﻷﻗﻠﯿﺎت واﻹدارة‪:‬‬
‫ﻗﺪ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻹدارة ﻣﻌ ﺎﻧﻲ اﻟﻮﻻﯾ ﺔ وﻗ ﺪ ﻻ ﺗﻮﺟ ﺪ ﻓﯿﮭ ﺎ ﺗﻠ ﻚ اﻟﻤﻌ ﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻓﺄﻣ ﺎ اﻹدارة‬
‫اﻟﺘﻲ ﻻﺗﻮﺟﺪ ﻓﯿﮭﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﺈﻧﮫ ﯾﺠﻮز أن ﯾﻌﮭﺪ ﻟﻸﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻓ ﻲ اﻟﻘﯿ ﺎم ﺑﮭ ﺎ‪،‬‬
‫وذﻟﻚ ﻣﺜﻞ اﻹدارة اﻟﻔﻨﯿﺔ اﻟﺘﺨﺼﺼﯿﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺄس ﻓﻲ اﺳ ﺘﺨﺪاﻣﮭﻢ ﻓﯿﻤ ﺎ ﻟ ﯿﺲ ﻟﮭ ﻢ ﻓﯿ ﮫ‬
‫ﺳﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﯾﻜﻮﻧ ﻮا ﺗﺤ ﺖ أﯾ ﺪﯾﮭﻢ‪ ،‬ﻓﻘ ﺪ اﺳ ﺘﺨﺪم رﺳ ﻮل اﷲ‬
‫ﻓ ﻲ اﻟﮭﺠ ﺮة دﻟ ﯿﻼ ﻣﺄﻣﻮﻧ ﺎ ﻣ ﻦ اﻟﻜﻔ ﺎر ﯾﺪﻟ ﮫ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻄﺮﯾ ﻖ وﻛ ﺬﻟﻚ اﺳ ﺘﺨﺪم ﺑﻌ ﺾ‬
‫أﺳ ﺮى ﻏ ﺰوة ﺑ ﺪر ﻣ ﻦ اﻟﻤﺸ ﺮﻛﯿﻦ ﻓ ﻲ ﺗﻌﻠ ﯿﻢ أﺑﻨ ﺎء اﻷﻧﺼ ﺎر اﻟﻜﺘﺎﺑ ﺔ وﺟﻌ ﻞ ذﻟ ﻚ‬
‫ﻓﺪاءھﻢ‪ ،‬وأﻣﺎ اﻟﻮﻻﯾﺔ أو ﻣﺎ ﻓﯿﮫ اﻃﻼع ﻋﻠﻰ أﺳﺮار اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻓﻠﯿﺲ ﻟﮭ ﻢ أن ﯾﺘﻮﻟ ﻮا‬
‫ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺷ ﯿﺌﺎ‪ ، 56‬وأﻣ ﺎ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ " ﻓﮭ ﺆﻻء أﻗﺴ ﺎم ‪ :‬أﺣ ﺪھﺎ اﻟﺠﺎھ ﻞ اﻟﻤﻘﻠ ﺪ‬
‫اﻟﺬي ﻻ ﺑﺼﯿﺮة ﻟﮫ ﻓﮭﺬا ﻻ ﯾﻜﻔﺮ وﻻ ﯾﻔﺴﻖ وﻻ ﺗﺮد ﺷﮭﺎدﺗﮫ وﻻﯾﻤﻨﻊ ﻣ ﻦ اﻻﺳ ﺘﻌﺎﻧﺔ‬
‫ﺑﮫ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻤﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺆال وﻃﻠﺐ اﻟﮭﺪاﯾﺔ وﻣﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤ ﻖ‬
‫ﻟﻜﻨﮫ ﯾﺘﺮك ذﻟﻚ اﺷﺘﻐﺎﻻ ﺑﺪﻧﯿﺎه وﻣﻌﺎﺷﮫ ﻓﮭﺬا ﻣﻔﺮط ﻣﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﻮﻋﯿ ﺪ ‪ ،‬آﺛ ﻢ ﺑﺘ ﺮك ﻣ ﺎ‬
‫وﺟﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﺗﻘﻮى اﷲ ﺑﺤﺴﺐ اﺳﺘﻄﺎﻋﺘﮫ‪ ،‬ﻓﺈن ﻏﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻋ ﺔ واﻟﮭ ﻮى‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﮭﺪى ردت ﺷﮭﺎدﺗﮫ وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬وإن‬
‫ﻏﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ واﻟﮭﺪى ﻣﺎ ﻓﯿﮫ ﻣﻦ اﻟﺒﺪﻋﺔ واﻟﮭﻮى ﺟﺎز اﺳﺘﻌﻤﺎﻟﮫ ﻓﻲ أﻣ ﻮر‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﻣﻦ ﯾﻌﺮف اﻟﺤﻖ وﯾﺘﺒﯿﻦ ﻟﮫ اﻟﮭﺪى ﺑﻌﺪ اﻟﺴ ﺆال واﻟﻄﻠ ﺐ ﻓﯿﺘ ﺮك‬
‫ذﻟﻚ ﺗﻘﻠﯿﺪا وﺗﻌﺼ ﺒﺎ ﻷﺻ ﺤﺎﺑﮫ‪ ،‬أو ﺑﻐﻀ ﺎ وﻣﻌ ﺎداة ﻟﻤﺨ ﺎﻟﻔﮭﻢ‪ ،‬ﻓﮭ ﺬا أﻗ ﻞ أﺣﻮاﻟ ﮫ أن‬
‫ﯾﻜﻮن ﻓﺎﺳ ﻘﺎ وﺗﻜﻔﯿ ﺮه ﻣﺤ ﻞ اﺟﺘﮭ ﺎد‪ ،‬ﻓ ﺈن ﻛ ﺎن ﻣﻌﻠﻨ ﺎ داﻋﯿ ﺔ ردت ﺷ ﮭﺎدﺗﮫ وﻓﺘﺎوﯾ ﮫ‬
‫وأﺣﻜﺎﻣ ﮫ‪ ،‬وﻟ ﻢ ﺗﻘﺒ ﻞ ﻟ ﮫ ﺷ ﮭﺎدة وﻻ ﻓﺘ ﻮى وﻻ ﺣﻜ ﻢ وﻻ ﯾﺴ ﺘﻌﺎن ﺑ ﮫ ﻓ ﻲ أﻣ ﻮر‬
‫اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ إﻻ ﻋﻨ ﺪ ﻋ ﺪم اﻟﻘ ﺪرة ﻋﻠ ﻰ ﺗﻨﻔﯿ ﺬ ذﻟ ﻚ‪ ،‬أو ﻋﻨ ﺪ اﻟﻀ ﺮورة ﻛﺤ ﺎل ﻏﻠﺒ ﺔ‬
‫ھﺆﻻء واﺳﺘﯿﻼﺋﮭﻢ"‪ 57‬وﻗﺎل اﺑﻦ ﻣﻔﻠﺢ‪ ":‬ﺗﺤ ﺮم اﻻﺳ ﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄھ ﻞ اﻷھ ﻮاء ﻓ ﻲ ﺷ ﻲء‬
‫ﻣﻦ أﻣﻮر اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻷﻧﮭﻢ أﻋﻈﻢ ﺿﺮرا ﻟﻜﻮﻧﮭﻢ دﻋﺎة" ‪ 58‬ﻓﻌﻠ ﻞ ذﻟ ﻚ ﺑﻜ ﻮﻧﮭﻢ دﻋ ﺎة‬
‫أي ﯾﺪﻋﻮن اﻟﻨﺎس إﻟﻰ ﺑﺪﻋﺘﮭﻢ‪ ،‬ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﯾﻜﻦ داﻋﯿﺔ ﻟﻢ ﯾﺠﺮ ﻋﻠﯿ ﮫ اﻟﺤﻜ ﻢ اﻟﺴ ﺎﺑﻖ؛ إذ‬
‫ﻟ ﯿﺲ ﻣ ﻦ ﻛ ﺎن ﻣﺼ ﺮا ﻋﻠ ﻰ اﻟﺒ ﺪع داﻋﯿ ﺎ إﻟﯿﮭ ﺎ ﻛﻤ ﻦ ﻛ ﺎن ﺳ ﺎﻛﺘﺎ‪ ،‬وﯾﻨﺒﻐ ﻲ ﻋ ﺪم‬
‫اﻟﻤﺴﺎرﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻔﯿﺮ ﺑﻞ ﯾﻨﺒﻐﻲ اﻟﺘﺄﻧﻲ واﻟﺘﺮﯾﺚ واﺳﺘﯿﻀﺎح اﻷﻣﻮر ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﻜﻮن‬
‫‪ 55‬ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻔﺘﺎوى ‪158/35‬‬
‫‪56‬‬
‫اﻧﻈﺮ ﺗﺤﻄﯿﻢ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺷﺎﻛﺮ اﻟﺸﺮﯾﻒ ‪110- 107‬‬
‫‪ 57‬اﻟﻄﺮق اﻟﺤﻜﻤﯿﺔ ﻻﺑﻦ اﻟﻘﯿﻢ ﺑﺘﺼﺮف ﯾﺴﯿﺮ ص ‪146-145‬‬
‫‪58‬‬
‫اﻟﻤﺒﺪع‪ ،337/3‬اﻹﻧﺼﺎف ﻟﻠﻤﺮداوي‪134/4‬‬
‫‪23‬‬
‫اﻹﻗﺪام ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﺒﯿﻨﺔ ﻻ ﺗﺪاﺧﻠﮭﺎ اﻟﺸﻜﻮك‪ ،‬وﻗﺪ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﺒﺎرﻛﻔﻮري ﻋ ﻦ اﻟﻘ ﺎري‬
‫ﻗﻮﻟﮫ ‪ ":‬اﻟﺼﻮاب ﻋﻨﺪ اﻷﻛﺜﺮﯾﻦ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺴﻠﻒ واﻟﺨﻠﻒ أﻧﺎ ﻻ ﻧﻜﻔﺮ أھ ﻞ اﻟﺒ ﺪع‬
‫واﻷھ ﻮاء إﻻ إن أﺗ ﻮا ﺑﻤﻜﻔ ﺮ ﺻ ﺮﯾﺢ ﻻ اﺳ ﺘﻠﺰاﻣﻲ ﻷن اﻷﺻ ﺢ أن ﻻزم اﻟﻤ ﺬھﺐ‬
‫ﻟ ﯿﺲ ﺑ ﻼزم وﻣ ﻦ ﺛ ﻢ ﻟ ﻢ ﯾ ﺰل اﻟﻌﻠﻤ ﺎء ﯾﻌ ﺎﻣﻠﻮﻧﮭﻢ ﻣﻌﺎﻣﻠ ﺔ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻓ ﻲ ﻧﻜ ﺎﺣﮭﻢ‬
‫وإﻧﻜﺎﺣﮭﻢ واﻟﺼﻼة ﻋﻠ ﻰ ﻣﻮﺗ ﺎھﻢ ودﻓ ﻨﮭﻢ ﻓ ﻲ ﻣﻘ ﺎﺑﺮھﻢ ﻷﻧﮭ ﻢ وإن ﻛ ﺎﻧﻮا ﻣﺨﻄﺌ ﯿﻦ‬
‫ﻏﯿﺮ ﻣﻌﺬورﯾﻦ ﺣﻘﺖ ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻔﺴ ﻖ واﻟﻀ ﻼل إﻻ أﻧﮭ ﻢ ﻟ ﻢ ﯾﻘﺼ ﺪوا ﺑﻤ ﺎ ﻗ ﺎﻟﻮه‬
‫اﺧﺘﯿﺎر اﻟﻜﻔﺮ وإﻧﻤﺎ ﺑﺬﻟﻮا وﺳﻌﮭﻢ ﻓﻲ إﺻﺎﺑﺔ اﻟﺤﻖ ﻓﻠﻢ ﯾﺤﺼﻞ ﻟﮭﻢ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻟﺘﻘﺼﯿﺮھﻢ‬
‫ﺑﺘﺤﻜﯿﻢ ﻋﻘﻮﻟﮭﻢ وأھﻮﯾﺘﮭﻢ وإﻋﺮاﺿﮭﻢ ﻋﻦ ﺻﺮﯾﺢ اﻟﺴﻨﺔ واﻵﯾﺎت ﻣﻦ]ﻏﯿﺮ[ ﺗﺄوﯾ ﻞ‬
‫ﺳﺎﺋﻎ‪ ،‬وﺑﮭﺬا ﻓﺎرﻗﻮا ﻣﺠﺘﮭﺪي اﻟﻔﺮوع ﻓﺈن ﺧﻄﺄھﻢ إﻧﻤﺎ ھﻮ ﻟﻌﺬرھﻢ ﺑﻘﯿﺎم دﻟﯿﻞ آﺧ ﺮ‬
‫ﻋﻨﺪھﻢ ﻣﻘﺎوم ﻟﺪﻟﯿﻞ ﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻦ ﺟﻨﺴﮫ ﻓﻠﻢ ﯾﻘﺼﺮوا‪ ،‬وﻣﻦ ﺛﻢ أﺛﯿﺒ ﻮا ﻋﻠ ﻰ اﺟﺘﮭ ﺎدھﻢ‬
‫"‪ ،59‬وھﺬه اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ ﯾﻨﺒﻐﻲ اﻟﺴﻌﻲ ﻓﻲ إزاﻟﺔ أﺧﻄﺎﺋﮭﻢ وﺟﮭﻠﮭ ﻢ ﻋ ﻦ ﻃﺮﯾ ﻖ‬
‫اﻟ ﺪﻋﻮة اﻟﻮاﺿ ﺤﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤ ﺔ واﻟﻤﻮﻋﻈ ﺔ اﻟﺤﺴ ﻨﺔ‪ ،‬وﻧﺸ ﺮ اﻟﻌﻠ ﻢ اﻟﺼ ﺤﯿﺢ ﺑﯿ ﻨﮭﻢ‪،‬‬
‫وﻣﻨ ﺎﻇﺮة ﻣ ﻦ ﯾﺤﺴ ﻦ اﻟﻤﻨ ﺎﻇﺮة ﻣ ﻨﮭﻢ ﻣﻨ ﺎﻇﺮة ﻣ ﻦ ﯾﺮﯾ ﺪ ھ ﺪاﯾﺘﮭﻢ وإﺧ ﺮاﺟﮭﻢ ﻣ ﻦ‬
‫ﻇﻠﻤﺎت اﻻﺑﺘﺪاع واﻟﺘﻔﺮق إﻟﻰ ﻧﻮر اﻟﺴﻨﺔ واﻟﺠﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻻ ﻣﻨﺎﻇﺮة ﻣﻦ ﯾﺮﯾ ﺪ إﻓﺤ ﺎﻣﮭﻢ‬
‫وﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺤﺠﺔ وﻛﻔﻰ‪ ،‬وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺜﻞ ھﺬه اﻟﻤﻨﺎﻇﺮات ذات ﺟﺪوى إذا ﺗﻤ ﺖ ﻣﺜﻨ ﻰ‬
‫ﻣﺜﺘﻰ أو ﻧﺤﻮا ﻣﻦ ذﻟﻚ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا أﻗﯿﻤﺖ اﻟﺤﺠﺔ وأزﯾﻠﺖ اﻟﺸﺒﮭﺔ وﻟﻢ ﯾﺒﻖ إﻻ ﻣﺠ ﺮد‬
‫اﻟﻌﻨﺎد واﻹﺻﺮار ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻓﺈﻧﮭﻢ واﻟﺤﺎﻟﺔ ھﺬه ﯾﻌﺎﻗﺒﻮن اﻟﻤﻌﺎﻗﺒ ﺔ اﻟﺸ ﺮﻋﯿﺔ اﻟﺘ ﻲ‬
‫ﺗﻨﺎﺳﺐ ذﻟﻚ‪.‬‬

‫‪-6‬اﻷﻗﻠﯿﺎت وﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ اﻟﺨﺼﻮﺻﯿﺎت‪:‬‬

‫اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ دوﻟﺔ ﻋﻘﺪﯾ ﺔ ﻣ ﻦ واﺟﺒﺎﺗﮭ ﺎ ﺣﺮاﺳ ﺔ اﻟ ﺪﯾﻦ وﺳﯿﺎﺳ ﺔ اﻟ ﺪﻧﯿﺎ ﺑ ﮫ‪ ،‬وﻻ‬
‫ﺗﻘﺘﺼ ﺮ ﻣﮭﻤﺘﮭ ﺎ ﻋﻠ ﻰ ﺗ ﻮﻓﯿﺮ رﻏﯿ ﻒ اﻟﺨﺒ ﺰ ﻛﻤ ﺎ ﯾﻘ ﺎل‪ ،‬أو ﺣﺘ ﻰ ﺗﺤﻘﯿ ﻖ رﻓﺎھﯿ ﺔ‬
‫اﻟﺸ ﻌﺐ وﺟﻌﻠ ﮫ ﯾﺤﯿ ﺎ ﺣﯿ ﺎة رﻏﯿ ﺪة ‪ ،‬ﻟ ﺬﻟﻚ ﻓ ﺈن ﻗﻀ ﯿﺔ ﺣﺮﯾ ﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿ ﺮ ﻋ ﻦ‬
‫اﻟﺨﺼﻮﺻﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ أو اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ ﻻ ﺑﺪ أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ھﺬا اﻟﻤﻨﻈﺎر‪ ،‬ﻟﻜ ﻦ‬
‫ھﺬه اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﯾﻨﻈﺮ إﻟﯿﮭﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺧ ﻼل ﻣﻨﻈ ﺎر ﻏﯿ ﺮ ﺻ ﺤﯿﺢ إذ ﯾ ﺮون أن‬
‫ﻣ ﻦ ھ ﺬه اﻟﺤﺮﯾ ﺔ أن ﺗﺘﻤﺘ ﻊ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ ﺑﺤﺮﯾ ﺔ اﻟ ﺪﻋﻮة إﻟ ﻰ ﻋﻘﺎﺋ ﺪھﺎ ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ‪ ،‬وھﺬا ﻻ ﺷﻚ ﺗﺼﻮر ﻓﯿﮫ ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ ﻛﺒﯿﺮة‪ ،‬إذ ﻣﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺮﯾﺔ اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋ ﻦ ﺧﺼﻮﺻ ﯿﺎﺗﮭﺎ ﺑﻨﺸ ﺮ ذﻟ ﻚ ﺑ ﯿﻦ اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ‪ ،‬ﺑ ﻞ ھ ﺬا ﻓﯿ ﮫ ﺗﻌ ﺪٍ ﻛﺒﯿ ﺮ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﺣﻘﻮق اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ‪ ،‬ﺑﻞ إﻧﮫ ﻣﺪﻋﺎة ﻟﻠﺘﮭﯿﯿﺞ واﻻﺣﺘ ﺮاب اﻟ ﺪاﺧﻠﻲ إذ أن اﻷﻛﺜﺮﯾ ﺔ وھ ﻲ‬
‫وارﺛﺔ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺤﻖ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﺒﻞ ﺑﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻀ ﺎﻟﺔ ﺑﻨﺸ ﺮ ﺿ ﻼﻟﮭﺎ ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬ﻓﻜﺎن اﻟﺴﻤﺎح ﻟﮭﻢ ﺑﺎﻟﻘﯿﺎم ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ أﺣﺪ أھ ﻢ أﺳ ﺒﺎب ﻋ ﺪم اﻻﺳ ﺘﻘﺮار ﻓ ﻲ‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﻛﺎن ﻣﻨﻌﮭﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ إﺿﺎﻓﺔ إﻟ ﻰ أﻧ ﮫ واﺟ ﺐ ﺷ ﺮﻋﻲ ﻣ ﺪﻋﺎة ﻟﻼﺳ ﺘﻘﺮار‬
‫وﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻣﻦ ﻏﻀﺒﺔ اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ‪ ،‬وﻣﻦ اﻟﻌﺠﺐ أن اﻷﻛﺜﺮﯾﺔ ﻟﻮ دﻋ ﺖ‬
‫ﺑﯿﻦ اﻷﻗﻠﯿﺔ ﻟﻨﺸﺮ دﯾﻨﮭﺎ ﻟﻌﺪوا ذﻟﻚ ﻣ ﻦ اﻟﺘﻌ ﺪي ﻋﻠ ﻰ ﺣﻘ ﻮق اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﻣ ﻊ أن دﻋ ﻮة‬
‫‪59‬‬
‫ﺗﺤﻔﺔ اﻷﺣﻮذي ج ‪ 6‬ص ‪302‬‬
‫‪24‬‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ إﻟﻰ اﻋﺘﻨﺎق اﻹﺳﻼم ھﻮ دﻋﻮة إﻟﻰ اﻟﺪﯾﻦ اﻟﺼ ﺤﯿﺢ اﻟ ﺬي‬
‫ﯾﺤﺒ ﮫ اﷲ وﯾﺮﺿ ﺎه‪ ،‬ودﻋ ﻮة اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻟﻐﯿ ﺮھﻢ ھ ﻲ ﻓ ﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘ ﺔ ﻣ ﻦ ﻗﺒﯿ ﻞ اﻟﺨﯿ ﺮ‬
‫واﻟﻤﻌﺮوف اﻟﺬي ﯾﻘﺪﻣﻮﻧﮫ ﻟﮭﺪاﯾ ﺔ اﻟﻀ ﺎﻟﯿﻦ ﻣ ﻦ اﻟﻨ ﺎس‪ ،‬واﻟﻤﻌﻨ ﻰ اﻟﺼ ﺤﯿﺢ ﻟﺤﺮﯾ ﺔ‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺔ اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ ﻋﻦ ﺧﺼﻮﺻﯿﺎﺗﮭﺎ أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻜ ﺮه ﻋﻠ ﻰ ﺗﻐﯿﯿ ﺮ دﯾﻨﮭ ﺎ‪ ،‬وأﻧ ﮫ‬
‫ﯾﺴﻤﺢ ﻟﮭﺎ ﺑﻤﻤﺎرﺳ ﺔ ﺷ ﻌﺎﺋﺮ دﯾﻨﮭ ﺎ ﻛﻤ ﺎ ﯾﺴ ﻤﺢ ﻟﮭ ﺎ ﺑﺘﻌﻠ ﯿﻢ ذﻟ ﻚ ﻷوﻻدھ ﻢ‪ ،‬ﻷن ﻋﻘ ﺪ‬
‫اﻟﺬﻣ ﺔ ﻣﺒﻨ ﻲ ﻋﻠ ﻰ ﺿ ﻤﺎن ﺣ ﺮﯾﺘﮭﻢ ﻓ ﻲ ﻣﻤﺎرﺳ ﺔ ﺷ ﻌﺎﺋﺮ دﯾ ﻨﮭﻢ‪ ،‬وﻋ ﺪم اﻟﺘ ﺪﺧﻞ ﻓ ﻲ‬
‫ﺧﺼﻮﺻﯿﺎت دﯾﻨﮭﻢ‪ ،‬وإن ﻛﺎن ﻻ ﯾﺠﻮز ﻟﻠﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﺔ أن ﺗﺪﻓﻊ راﺗﺒﺎ ﻣﻦ ﺑﯿﺖ ﻣﺎل‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻟﻤﻦ ﯾﻘﻮم ﺑﺘﻌﻠﯿﻢ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ دﯾﻨﮭ ﺎ‪ ،‬وأﻣ ﺎ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾ ﺔ ﻓ ﺈن ھ ﺬه‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺎت ﻣﺴﻠﻤﺔ وﻣﻦ ﺛﻢ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﻹﺳﻼم ﻛﻤﺎ أراده اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ ،‬وﻛﻤﺎ‬
‫أﻧﺰﻟﮫ ﻋﻠﻰ رﺳﻮﻟﮫ ﻣﺤﻤﺪ وﻟﺬا ﻓﺈن دوﻟﺔ اﻹﺳﻼم ﻻ ﯾﺠ ﺐ ﻋﻠﯿﮭ ﺎ ﺗﻌﻠ ﯿﻢ ﻣ ﺬاھﺒﮭﻢ‬
‫اﻟﺒﺪﻋﯿ ﺔ أو ﻧﺸ ﺮھﺎ‪ ،‬ﺑ ﻞ ﻻ ﯾﺠ ﻮز ﻟﮭ ﺎ ذﻟ ﻚ ﻷن ﻣﮭﻤﺘﮭ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟﺤﻔ ﺎظ ﻋﻠ ﻰ اﻹﺳ ﻼم‬
‫وﺗﺒﻠﯿﻐﮫ ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﯿﻦ‪.‬‬

‫‪-7‬اﻷﻗﻠﯿﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ واﻟﺘﮭﻤﯿﺶ‪:‬‬

‫اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ واﻟﺘﮭﻤﯿﺶ ﻟﻔﻈﺎن ﯾﺴﺘﺨﺪﻣﺎن ﺑﻜﺜﺮة ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮع اﻷﻗﻠﯿ ﺎت وﯾﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﻣﻌﮭﻤ ﺎ‬
‫ﻓﻲ أﺣﯿﺎن ﻛﺜﯿﺮة ﻋﻠﻰ أﻧﮭﻤﺎ ﻣﺘﺮادﻓﺎن وﻟﯿﺲ اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﯾ ﺮاد ﺑ ﮫ اﻟﻔﺼ ﻞ‬
‫ﺑﯿﻦ اﻷﺷﯿﺎء‪ ،‬وأﻣﺎ اﻟﺘﮭﻤﯿﺶ ﻓﯿﺮاد ﺑﮫ اﻹھﻤ ﺎل‪ ،‬وﻻ ﯾﻨﺒﻐ ﻲ ﺗﮭﻤ ﯿﺶ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت ﺳ ﻮاء‬
‫ﻛﺎﻧ ﺖ دﯾﻨﯿ ﺔ أو ﻋﻘﺪﯾ ﺔ ﺑ ﻞ ﯾﻨﺒﻐ ﻲ أن ﺗﻌﻄ ﻰ ﺣﻘﮭ ﺎ وأن ﯾ ﺘﻢ اﻟﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﻣﻌﮭ ﺎ ﺑﺎﻟﻌ ﺪل‪،‬‬
‫وﺗﺎرﯾﺨﻨﺎ اﻹﺳ ﻼﻣﻲ ﺣﺎﻓ ﻞ ﺑﺎﻟﻌ ﺪل ﻣ ﻊ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت وإﻋﻄﺎﺋﮭ ﺎ ﺣﻘﻮﻗﮭ ﺎ ‪ ،‬ﻟﻜ ﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ‬
‫أﻣﺮ آﺧﺮ إذ ﺣﻘﯿﻘﺔ اﻷﻣﺮ أﻧﮫ ﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺎن ﻋﻠ ﻰ وﺟ ﮫ اﻷرض إﻻ وﻓﯿ ﮫ ﺗﻤﯿﯿ ﺰ ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﻨﺎس‪ ،‬ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻌﻄﻰ ﻣﺜﻼ اﻟﻌﺎﻟﻢ أو اﻟﻄﺒﯿﺐ أو اﻟﻤﮭﻨ ﺪس راﺗﺒ ﺎ ﯾﺘﺴ ﺎوى ﻣ ﻊ‬
‫راﺗﺐ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﻨﻈﺎﻓﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻤﮭﻨ ﺔ اﻟﻮاﺣ ﺪة ﯾﺤ ﺪث اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ واﻟﺘﻔﺎﺿ ﻞ ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس ﻃﺒﯿﻌ ﺔ اﻟﻤﮭﻤ ﺔ واﻟﺠﮭ ﺪ اﻟﻤﺒ ﺬول واﻟﺨﺒ ﺮة وﻏﯿ ﺮ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ‬
‫اﻷﻣ ﻮر‪ ،‬وﻟﻜ ﻦ اﻟﻤﺸ ﻜﻠﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿ ﺔ أن ﯾ ﺘﻢ اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ ﺑ ﯿﻦ اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس ﻏﺒ ﺮ‬
‫ﺻ ﺤﯿﺢ‪ ،‬ﻓ ﺎﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس أﻣ ﻮر ﻻ دﺧ ﻞ ﻟﻺﻧﺴ ﺎن ﻓﯿﮭ ﺎ ﺗﻤﯿﯿ ﺰ ﻏﯿ ﺮ ﺻ ﺤﯿﺢ‬
‫ﻛﺎﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻠﻮن أو اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﻌﺮق‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﻨﺎﺷﻲء ﻋﻦ‬
‫أﻓﻌﺎل اﻟﻨﺎس وﺗﺼﺮﻓﺎﺗﮭﻢ وﻣﺎ ﻛﺴﺒﺘﮫ أﯾﺪﯾﮭﻢ ﻓﮭ ﺬا ﺗﻤﯿﯿ ﺰ ﯾﻘ ﻮم ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس ﺻ ﺤﯿﺢ‬
‫وﻣﺤﺎوﻟﺔ إﻟﻐﺎء اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻌﻤﻞ ھﻮ إﻓﺴﺎد ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ‪ ،‬وﻻ ﯾﻘﺒﻞ أﺣﺪ ﺑﺬﻟﻚ‬
‫وﻟﻦ ﺗﺴﺘﻘﯿﻢ ﺑﮫ اﻟﺤﯿﺎة ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﮫ ﻣﺴ ﻠﻤﮫ وﻛ ﺎﻓﺮه ﻗ ﺎﺋﻢ ﻋﻠ ﻰ اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس‬
‫اﻟﻌﻤﻞ ﻷن إﻟﻐﺎءه ﯾﻌﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﮫ‪ ،‬وﻻ ﺷﻚ أن اﻹﯾﻤﺎن ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻜﯿﻒ ﯾﻘﺒ ﻞ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻮل أن ﯾُﻠﻐﻰ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻹﯾﻤﺎن‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﺪﯾﻦ واﻻﻋﺘﻘﺎدات ﻋﻤ ﻞ‬
‫ﻣﻦ ﻛﺴﺐ اﻹﻧﺴﺎن‪ ،‬واﻟﺪﯾﻦ ﻣﻨﮫ ﺣﻖ وﻣﻨﮫ ﺑﺎﻃﻞ‪ ،‬وﻣﻨ ﮫ إﯾﻤ ﺎن وﻣﻨ ﮫ ﻛﻔ ﺮ ‪ ،‬ﻓﻠ ﻮ ﻟ ﻢ‬
‫ﯾﻜﻦ ھﻨﺎك ﺗﻤﯿﯿﺰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻹﯾﻤﺎن ﻟﻜﺎن ﻓﻲ ھﺬا أﻋﻈﻢ اﻟﻈﻠﻢ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﺴﺎوى ﺑ ﯿﻦ‬
‫اﻟﺤ ﻖ واﻟﺒﺎﻃ ﻞ‪ ،‬وﺑ ﯿﻦ اﻟﻜﻔ ﺮ واﻹﯾﻤ ﺎن‪ ،‬ﻟ ﺬﻟﻚ ﻛﺎﻧ ﺖ ﻣﺴ ﺄﻟﺔ اﻟ ﻮﻻء واﻟﺒ ﺮاء ﻣ ﻦ‬
‫اﻷﻣﻮر اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ ﻓﻲ اﻹﺳ ﻼم وھ ﻲ ﻓ ﻲ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭ ﺎ ﺗﻤﯿﯿ ﺰ ﺑ ﯿﻦ اﻟﺤ ﻖ واﻟﺒﺎﻃ ﻞ‪ ،‬وﺑ ﯿﻦ‬
‫‪25‬‬
‫اﻹﯾﻤﺎن واﻟﻜﻔﺮ وﻋﺪم اﻟﻤﺴ ﺎواة ﺑﯿﻨﮭﻤ ﺎ‪ ،‬وﻻ ﺗﻔﺴ ﺪ اﻟﺤﯿ ﺎة ﺑﺸ ﻲء أﻛﺜ ﺮ ﻣ ﻦ ﻓﺴ ﺎدھﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺴﻮﯾﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺤﻖ واﻟﺒﺎﻃﻞ‪ ،‬ﻏﯿﺮ أن ھ ﺬا اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ ﻟ ﯿﺲ ﺗﻤﯿﯿ ﺰا أﺑ ﺪﯾﺎ ﻷﻧ ﮫ ﻻ ﯾﻘ ﻮم‬
‫ﻋﻠ ﻰ أﻣ ﻮر ﻻ دﺧ ﻞ ﻟﻺﻧﺴ ﺎن ﻓﯿﮭ ﺎ ﻛ ﺎﻟﻠﻮن واﻟﺠ ﻨﺲ واﻟﻘ ﻮم‪ ،‬وإﻧﻤ ﺎ ھ ﻮ ﻗ ﺎﺋﻢ ﻋﻠ ﻰ‬
‫ﻋﻤﻞ ﻛﺴﺒﻲ ﯾﻤﻜ ﻦ ﻟﻜ ﻞ أﺣ ﺪ أن ﯾﺴ ﻌﻰ أو ﯾﻘ ﻮم ﺑﺘﻐﯿﯿ ﺮه‪ ،‬ﻓﺒﺈﻣﻜ ﺎن اﻟﻜ ﺎﻓﺮ أن ﯾﺴ ﻠﻢ‬
‫وﺑﺈﻣﻜﺎن أھﻞ اﻟﻔ ﺮق أن ﯾﻌ ﻮدوا ﻟﻠﺴ ﻨﺔ‪ ،‬وﺑ ﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﻜ ﻮن ھﻨ ﺎك ﺗﻤﯿﯿ ﺰ ﺑﺎﻟﻨﺴ ﺒﺔ ﻟﮭ ﻢ‬
‫وذﻟ ﻚ ﺑﻌﻜ ﺲ اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ اﻟﺒﺎﻃ ﻞ اﻟﻘ ﺎﺋﻢ ﻋﻠ ﻰ ﺻ ﻔﺎت ﻻزﻣ ﺔ ﻓ ﻲ اﻹﻧﺴ ﺎن ﻻ ھ ﻲ ﻣ ﻦ‬
‫ﻛﺴﺒﮫ وﻻ ﯾﻘﺪر ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮھﺎ‪ ،‬ﻓﺴﯿﻈﻞ ھﺬا اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﻗﺎﺋﻤﺎ دون وﺟﻮد ﺑﺎرﻗﺔ أﻣﻞ ﻓ ﻲ‬
‫اﻧﺘﮭﺎﺋﮫ‪ ،‬وﻗﺪ دل ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻋﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن آﯾﺎت ﻛﺜﯿ ﺮة ﻣ ﻦ‬
‫ﻛﺘ ﺎب اﷲ ﺗﻌ ﺎﻟﻰ ﻓﻘ ﺎل ﻋ ﺰ ﻣ ﻦ ﻗﺎﺋ ﻞ‪ ":‬أﻓﻨﺠﻌ ﻞ اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻛ ﺎﻟﻤﺠﺮﻣﯿﻦ" وﻗ ﺎل‬
‫ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪ ":‬ﻗ ﻞ ھ ﻞ ﯾﺴ ﺘﻮي اﻟ ﺬﯾﻦ ﯾﻌﻠﻤ ﻮن واﻟ ﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﻌﻠﻤ ﻮن" وﻗ ﺎل ﺗﻌ ﺎﻟﻰ‪ ":‬ﻻ‬
‫ﯾﺴ ﺘﻮي أﺻ ﺤﺎب اﻟﻨ ﺎر وأﺻ ﺤﺎب اﻟﺠﻨ ﺔ" وﻗ ﺎل‪ ":‬أم ﺣﺴ ﺐ اﻟ ﺬﯾﻦ اﺟﺘﺮﺣ ﻮا‬
‫اﻟﺴﯿﺌﺎت أن ﻧﺠﻌﻠﮭﻢ ﻛﺎﻟﺬﯾﻦ آﻣﻨﻮا وﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت ﺳﻮاء ﻣﺤﯿ ﺎھﻢ وﻣﻤ ﺎﺗﮭﻢ ﺳ ﺎء‬
‫ﻣﺎ ﯾﺤﻜﻤﻮن" وﻏﯿﺮ ذﻟﻚ ﻣﻦ اﻵﯾﺎت‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻣﯿﺰت اﻷدﻟﺔ اﻟﺸ ﺮﻋﯿﺔ ﺑ ﯿﻦ اﻟﻨ ﺎس ﻋﻠ ﻰ‬
‫أﺳﺎس اﻹﯾﻤﺎن ﻓﻲ أﺳﻤﺎﺋﮭﻢ وأﺣﻜﺎﻣﮭﻢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ وﻓﻲ اﻵﺧ ﺮة‪ ،‬وﻻ ﯾﻨﺒﻐ ﻲ ﻷﺣ ﺪ أن‬
‫ﯾﻐﺘ ﺮ ﺑﻤ ﺎ ھ ﻮ ﻗ ﺎﺋﻢ ﻓ ﻲ دول اﻟﻐ ﺮب ﻋﻨ ﺪﻣﺎ ﻣﻨﻌ ﻮا اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ اﻟﻘ ﺎﺋﻢ ﻋﻠ ﻰ أﺳ ﺎس‬
‫اﻟ ﺪﯾﻦ‪،60‬ﻓﺈﻧﻤ ﺎ ذﻟ ﻚ ﻟﮭ ﻮان اﻟ ﺪﯾﻦ ﻋﻨ ﺪھﻢ ﺣﯿ ﺚ ﻻ ﯾﺴ ﺘﺤﻖ أن ﯾﻜ ﻮن ﻋ ﺎﻣﻼ ﻣ ﻦ‬
‫ﻋﻮاﻣ ﻞ اﻟﺘﻤﯿﯿ ﺰ‪ ،‬وﻟﻌ ﻞ ذﻟ ﻚ راﺟ ﻊ ﻋﻨ ﺪھﻢ إﻟ ﻰ ﻣ ﺎ وﺟ ﺪوه ﻓ ﻲ دﯾ ﻨﮭﻢ ﻣ ﻦ اﻟﻔﺴ ﺎد‬
‫واﻷﺑﺎﻃﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻗﺒﻮﻟﮭ ﺎ‪ ،‬وﻷن اﻟ ﺬي ﻓ ﻲ ھ ﺬه اﻟ ﺪول ﻟ ﯿﺲ أﻛﺜ ﺮ ﻣ ﻦ رﻏ ﺪ‬
‫اﻟﻌﯿﺶ‪ ،‬ﻟﻜﻨﮭﻢ ﻻ ﯾﻘﯿﻤﻮن ﺣﻘﺎ أو ﯾﺮﻓﻌﻮﻧﮫ وﻻ ﯾﺮﻓﻀ ﻮن ﺑ ﺎﻃﻼ أو ﯾﻀ ﻌﻮﻧﮫ إﻻ ﻣ ﺎ‬
‫ﻓﯿﮫ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﻟﮭﻢ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﻖ واﻟﺒﺎﻃﻞ ﻋﻨﺪھﻢ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺢ واﻟﻤﻨﺎﻓﻊ اﻟﺘﻲ ﯾﺠﻨﻮﻧﮭﺎ ﻣ ﻦ‬
‫وراء ذﻟﻚ ﺣﺴﺐ اﻟﻤﺬھﺐ اﻟﻨﻔﻌﻲ ) اﻟﺒﺮاﺟﻤﺎﺗﻲ ( اﻟﺬي ﯾﺴ ﯿﺮون ﻋﻠﯿ ﮫ‪ ،‬وﺗ ﺎرﯾﺨﮭﻢ‬
‫اﻟﻘﺪﯾﻢ واﻟﺤﺪﯾﺚ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺣﺘﻠﻮا ﻛﺜﯿﺮا ﻣ ﻦ اﻟ ﺪول ﺑﻐﯿ ﺮ ﻣﺴ ﻮغ‪ :‬ﻓ ﺄﻛﻠﻮا‬
‫ﺧﯿﺮاﺗﮭ ﺎ وﻧﮭﺒ ﻮا ﺛﺮواﺗﮭ ﺎ‪ ،‬وﺳ ﺎﻣﻮا أھﻠﮭ ﺎ ﺳ ﻮء اﻟﻌ ﺬاب‪ :‬ﻓﻘﺘﻠ ﻮا اﻟﺮﺟ ﺎل ورﻣﻠ ﻮا‬
‫اﻟﻨﺴﺎء وﯾﺘﻤﻮا اﻷﻃﻔ ﺎل‪ ،‬وأﻓﺴ ﺪوا ﻓ ﻲ اﻷرض وﻧﺸ ﺮوا ﻓﯿﮭ ﺎ اﻟﺮذاﺋ ﻞ واﻟﻤﻮﺑﻘ ﺎت‪،‬‬
‫ﻓﻲ أﻣﻮر ﻛﺜﯿﺮة ﯾﺼﻌﺐ ﺣﺼﺮھﺎ‪ ،‬ﻓﻤ ﺎ ﻗ ﺪﻣﺖ ھ ﺬه اﻷﻧﻈﻤ ﺔ ﻟﻺﻧﺴ ﺎﻧﯿﺔ ﻣ ﻦ اﻟ ﺪﻣﺎر‬
‫واﻟﻔﺴﺎد واﻟﻈﻠﻢ‪ ،‬أﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻤﺎ ﻗﺪﻣﺘﮫ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل واﻟﺤﺮﯾﺔ واﻹﻋﻤﺎر‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ‬
‫ﻓ ﻲ دﯾﻨﻨ ﺎ ﻻ ﯾﻌﻨ ﻲ اﻟﻈﻠ ﻢ وﻻ إﺿ ﺎﻋﺔ اﻟﺤﻘ ﻮق‪ ،‬ﺳ ﻮاء ﺣﻘ ﻮق اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺪﯾﻨﯿ ﺔ أو‬
‫اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻌﻘﺪﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻈﻠﻢ ﺣﺮام ﺣﺘ ﻰ ﻣ ﻊ اﻷﻋ ﺪاء وﻻ ﯾﺒﯿﺤ ﮫ ﺷ ﻲء ‪ ،‬ﻓﻤ ﻊ إﻗﺮارﻧ ﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﺘﻤﯿﯿﺰ اﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻹﯾﻤﺎن ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻨﺒﻐﻲ أن ﯾﻨﺎل ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﺣﻘﮫ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﻣ ﺎ‬
‫ﺷﺮع اﷲ ﻣﻦ ﻏﯿﺮ ﺑﺨﺲ‪.‬‬

‫وﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم‪:‬‬
‫إن ﻣﺸ ﺎﻛﻞ اﻷﻗﻠﯿ ﺎت اﻟﺘ ﻲ ﺑ ﺪأت ﺗﻈﮭ ﺮ ﻓ ﻲ ﺑ ﻼد اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ ﻟ ﻢ ﺗﻜ ﻦ إﻻ ﻧﺘﯿﺠ ﺔ‬
‫اﻻﺣﺘﻼل اﻟﺬي وﻗﻌﺖ ﺗﺤﺘﮫ أﻏﻠﺒﯿﺔ دول اﻟﻤﺴ ﻠﻤﯿﻦ‪ ،‬ﺛ ﻢ ﻇﮭ ﻮر اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﻘﻮﻣﯿ ﺔ ﺑﻌ ﺪ‬
‫‪60‬‬
‫ﻣﻊ اﻟﻌﻠﻢ أن اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ اﻟﺪﯾﻨﻲ ﻋﻨﺪھﻢ ﻣﻮﺟﻮد ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﻃﺮﻓﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع‬
‫‪26‬‬
‫اﻻﺳﺘﻘﻼل وﻣﺎ ﻧ ﺘﺞ ﻋ ﻦ ذﻟ ﻚ ﻣ ﻦ ﺿ ﻌﻒ دوﻟ ﺔ اﻟﺨﻼﻓ ﺔ وﺗﻔﻜﻜﮭ ﺎ وزوال اﻟﺮاﺑﻄ ﺔ‬
‫اﻟﺪﯾﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﯾﺮﺗﺒﻂ ﺑﮭﺎ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﺟﻤﯿﻌﮭﻢ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺸ ﻜﻠﺔ ﺗﺘﻌﻠ ﻖ ﺑﺎﻷﻗﻠﯿ ﺎت‬
‫ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻹﺳﻼم؛ إذ اﻷﻗﻠﯿﺎت اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﯿﮭ ﺎ ﺟﻤﯿﻌﮭ ﺎ ﻣ ﻦ‬
‫رﻋﺎﯾﺎھ ﺎ ﺳ ﻮاء ﻛﺎﻧ ﺖ أﻗﻠﯿ ﺎت دﯾﻨﯿ ﺔ أو أﻗﻠﯿ ﺎت ﻋﻘﺪﯾ ﺔ وھ ﻲ ﺗﺨﻀ ﻊ ﻟﻠﺘﺸ ﺮﯾﻌﺎت‬
‫اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﯿﮭﺎ‪ ،‬وھﻲ إﻣﺎ أﻣﻮر ﺟﺎءت ﺑﮭﺎ اﻟﻨﺼﻮص وإﻣ ﺎ اﺟﺘﮭ ﺎد ﺳ ﺎﺋﻎ ﻷھ ﻞ اﻟﻌﻠ ﻢ‬
‫ﻣﺒﻨ ﻲ ﻋﻠ ﻰ اﻟﻨﺼ ﻮص وﻣ ﺮاع ﻓﯿ ﮫ ﺗﺤﻘﯿ ﻖ ﻣﻘﺎﺻ ﺪ اﻟﺸ ﺮﯾﻌﺔ ﻓ ﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣ ﻞ ﻣ ﻊ‬
‫اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﯿﻦ‪:‬وھﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﻣﺮﯾﻦ اﻷول‪ :‬دﻋﻮﺗﮭﻢ إﻟﻰ اﻟﺤ ﻖ وﻣﺤﺎوﻟ ﺔ إﻗﻨ ﺎﻋﮭﻢ ﺑ ﮫ‬
‫واﻻﺟﺘﮭﺎد ﻓﻲ ذﻟ ﻚ وﺗﯿﺴ ﯿﺮ أﺳ ﺒﺎﺑﮫ ﻣ ﻦ ﻏﯿ ﺮ إﻛ ﺮاه أو إﺟﺒ ﺎر‪ ،‬واﻟﺜ ﺎﻧﻲ‪ :‬ﻣﻌ ﺎﻣﻠﺘﮭﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﺪل وﻋﺪم اﻟﻈﻠﻢ ﻟﮭﻢ أو اﻟﺘﻌﺪي ﻋﻠﯿﮭﻢ ﻋﻨﺪ اﺳﺘﺤﻜﺎم اﻟﺨﻼف وﻓﻖ ﻣﺎ ﺗﺮﺷﺪ إﻟﯿ ﮫ‬
‫اﻟﺸﺮﯾﻌﺔ‪ ،‬واﷲ اﻟﻤﻮﻓﻖ ﻟﻜﻞ ﺧﯿﺮ‪.‬‬

‫‪27‬‬