Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫المحور الثاني‪ :‬الرغبة واإلرادة‬

‫الطرح اإلشكالي‪:‬‬

‫تعبر الرغبة عن ذلك النزوع والميل التلقائي والواع نحور غاية معروفة أو متخيلة‪ ،‬وهذا القول‬
‫يجعل من الرغبة رغبة أساسها الوعي واإلرادة‪ ،‬إال أن اهناك رغبات ال واعية والشعورية‪ ،‬تخرج‬
‫واإلرادة‪ ،‬وهذا المعطى هو ما يدفعنا إلى مساءلة الرغبة والبحث في حقيقتها‬‫عن نطاق الوعي ٍ‬
‫وعن عالقتها باإلرادة‪ ،‬وإن كانت الرغبة اإلنسانية نابعة من إرادته أم أنها تبقى خارج نطاق‬
‫إرادته‪.‬‬
‫فما عالقة الرغبة باإلرادة؟ هل ترتبط الرغبة باإلرادة وتنتج عنها أم أنها تبقى خارج نطاق‬
‫اإلرادة؟‬

‫‪ - 1‬تحليل نص إرنست بلوك‪:‬‬


‫إشكال النص‪:‬‬

‫كيف تتحدد عالقة الرغبة بكل من األمل واإلرادة؟ وكيف يمكن التمييز بين األمل واإلرادة؟‬
‫وهل اإلرادة رغبة قابلة للتنفيذ؟‬

‫أطروحة النص‪:‬‬

‫يميز إرنست بلوك بين سلبية الرغبة حينما تقترن بمجرد األمل‪ ،‬وبين إيجابيتها حينما تقترن‬
‫باإلرادة‪ .‬فاألمل يجعل الرغبة حبيسة الخيال وغير معقولة أحيانا‪ ،‬في حين توفر اإلرادة للرغبة‬
‫شروط وعناصر التحقق الفعلي على أرض الواقع‪ ،‬كما تجعلها معقولة في ذاتها‪ .‬إن اإلرادة إذن‬
‫هي رغبة قابلة للتنفيذ‪.‬‬

‫البنية المفاهيمية للنص‪:‬‬

‫الرغبة ↔ األمل‪ :‬حينما تقترن الرغبة باألمل تظل بعيدة عن العمل والنشاط الفعلي‪ ،‬وتبقى في‬
‫حدود التمني والحلم‪.‬‬

‫الرغبة ↔ اإلرادة‪ :‬تأجج الرغبة من حماس اإلرادة وتمثل طاقة نفسية لتحريكها‪ ،‬بينما تجعل‬
‫اإلرادة الرغبة قابلة للتنفيذ وتوفر لها أسباب التحقق واإلنجاز الفعليين‪.‬‬

‫األمل ↔ اإلرادة‪ :‬األمل سلبي ويرتبط بالخيال والتمني كما ال يكون معقوال أحيانا‪ ،‬بينما اإلرادة‬
‫إيجابية وتتضمن العمل‪ ← .‬تتميز اإلرادة إذن بعنصرين أساسين هما المعقولية والواقعية‪ ،‬فهي‬
‫تفترض عنصر العقل والوعي مما يجعلها خاصية إنسانية‪ ،‬كما تتطلب األسباب والشروط الكفيلة‬
‫بتحقيقها على أرض الواقع‪.‬‬

‫األساليب الحجاجية‪:‬‬

‫اعتمد صاحب النص على أسلوبين حجاجيين رئيسيين من أجل التمييز بين األمل واإلرادة‬
‫‪-‬أسلوب المثال وقد قدم صاحب النص ثالثة أمثلة رئيسية‪:‬‬
‫مثال الشخخخص الذی يتمنى أن يكون الطقس جميال غدا‪ :‬وقد أراد إرنسخخت بلوك أن يوضخ من ‪:‬‬
‫خالل هذا المثال طبيعة األمل‪ ،‬وكيف أنه يظل في نطاق التمني وال يتحقق واقعيا‪.‬‬
‫مثال الشخخخخص الذی يتمنى عودة ميت إلى الحياة‪ :‬أراد صخخخاحب النص أن يوضخخخ لنا في هذا‬
‫المثال المعقولية األمل مثال ألناس ضخخعاف الشخخخصخخية أو مترددين ومتخاذلين‪ :‬فهؤالء ذوو آمال‬
‫وتمنيخات‪ ،‬لكن تنقصخخخخخهم اإلرادة‪ .‬فخالهرض من هخذا المثخال إذن هو التمييز بين األمخل واإلرادة‪ ،‬إذ‬
‫يخظخخخل األول حخبخيخس الختخمخنخي والخخخيخخخال‪ ،‬بخيخنخمخخخا تخرقخى الخثخخخانخيخخخة إلخى مسخخخ ختخوع الخواقخع والختخحخقخق‬
‫الفعلي‪.‬‬
‫‪-‬أسلوب المقارنة حيث نجد في الفقرة األخيرة مقارنة بين األمل واإلرادة يمكن توضحها كما يلي‪:‬‬

‫خصائص اإلرادة‬ ‫خصائص األمل‬

‫القلة‬ ‫الكثرة‬
‫توفر الوسائل‬ ‫انعدام الوسائل‬
‫القصر‬ ‫الطول‬
‫الواقع‬ ‫الخيال‬
‫رغبة قابلة للتنفيذ‬ ‫رغبة غير قابلة للتنفيذ‬
‫إيقاع سريع‬ ‫إيقاع بطيء‬
‫رغبة محددة بدقة‬ ‫رغبة غير محدودة بدقة‬
‫رغبات معقولة‬ ‫رغبات غير معقولة في الهالب‬

‫‪ - 2‬موقف جاك الكان‪:‬‬


‫يرع الطبيب النفساني جاك الكان بأن الرغبة ال شعورية وتنفرد من سلطة الذات والعقل‪ ،‬ولعل‬
‫بنيتها الخاصة والمستقلة وآثارها في الذات‪ ،‬ويقول بأن الرغبة ترفع إلى أبعد حد‪ ،‬درجة اللذة‬
‫واالستمتاع خارج منطقة الوعي واإلرادة‪.‬‬
‫إن وجود الرغبة‪ ،‬في نظر جاك لكان‪ ،‬مرتبط بوجود الالشعور حيث ل سلطة للذات على ذاتها‪ ،‬كما أن‬
‫الرغبة ما هي إل استمتاع للجسد الموشوم بالتوترات والضغوطات الجنسية الدفينة والمنسية‪.‬‬

‫‪ -3‬موقف آرثر شوبنهاور‪:‬‬


‫يرع شوبنهاور أن اإلرادة تتولد عن الحاجة والحرمان والمعاناة‪ ،‬واإلنسان ال يشبع رغباته‬
‫بشكل نهائي؛ فما إن يشبع رغبة حتى تتولد عنها رغبة جديدة‪ ،‬وهذا األمر يعود إلى اإلرادة التي‬
‫تتميز بالسعي والبحث المتواصل عن رغبات جديدة‪ ،‬مما يجعل اإلنسان ال ينعم بالراحة أبدا‪ ،‬ويجعل‬
‫إمكانية الحصول على السعادة مسألة مستحيلة‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬الرغبة والسعادة‬
‫تأطير إشكالي‪:‬‬

‫يختلف الناس في تمثلهم للسعادة‪ ،‬بين من يقصرها على حسن العيش‪ ،‬من حياة مرفهة‪ ،‬وامتالك‬
‫لألموال والثروات‪ ،‬وتلبية كاملة للرغبات‪ ،‬وتشيع لها‪ ،‬وتحقيق اللذة والمتعة في مختلف أشكالها‬
‫وتجلياتها وقد نجد الختالف بين األفراد‪ ،‬فالمريض يرى السعادة في الصحة‪ ،‬والفقير يراها في‬
‫المال‪ ،‬والوحيد يراها في األنس والصداقة‪.‬‬

‫يظهر إذن أن التمثل الجتماعي يهيمن عليه المعنى المادي‪ ،‬الذي يقترن بإرضاء رغبات وشهوات‬
‫الجسد‪ ،‬والستمتاع باللذة والرغبة بكل أشكالها‪ .‬وفي لسان العرب نجد‪ :‬سعد‪ ،‬السعد‪ ،‬بمعنى اليمن‬
‫والخير‪ ،‬وسعد سعدا فهو سعيد‪ ،‬وسعد فهو مسعود‪ ،‬وهو نقيض النحس والشقاوة‪ ،‬ويكتسب اليمن‬
‫أي الخير دللتين‪ :‬األولى تشير إلى ما هو مادي محسوس‪ ،‬وتتمثل في اإلرضاء واإلشباع‪ ،‬أما‬
‫الدللة الثانية‪ ،‬فتشير إلى ما هو عقلي‪ ،‬وتتمثل في التدبير‪ .‬وتتحدد السعادة من الناحية الفلسفية‬
‫كحالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للذات‪ ،‬يتسم بالقوة والثبات‪ ،‬ويتميز عن اللذة للحظيتها‪ ،‬وعن‬
‫الفرح لحركيته‪ ،‬ويبدو من هذا أن المسألة الفلسفية تتحدد عبر مستويين‪:‬‬

‫‪ -‬مستوى مادي هل السعادة هي مادية ترتبط بكل ما يحقق اإلرضاء المادي من رغبات‪ ،‬وامتالك‬
‫للخيرات والصحة والنفوذ‪.‬‬

‫‪ -‬مستوى مجرد يتعلق بكل ما يحقق اللذة العقلية‪ ،‬من معرفة وعلم‪ ،‬أم أنها تتجاوز هذا وذاك لترتبط‬
‫باللذة الروحية والوجدانية‪.‬‬
‫أمام هذه المفارقة يمكننا طرح اإلشكال التالي‪ :‬فهل يمكن حصر السعادة فيما ما هو مادي حسي أم‬
‫أنها ترتبط بما هو عقلي روحي؟ وهل تحقيق الرغبات يحقق السعادة أم يولد الشقاء؟‬

‫المواقف الفلسفية‪:‬‬

‫‪- 3‬موقف رونيه ديكارت‬ ‫‪ -2‬موقف بن مسكويه‬ ‫‪ -1‬موقف أبيقور‬

‫يؤكد ديكارت على أن رغبات‬ ‫يرع المفكر العربي المسخلم أن اإلنسخان‬ ‫يرع الفيلسخخخخوف اليوناني هناك عالقة‬
‫االنسان متعددة ومتناقضة في نفس‬ ‫السخخخخوی هو الذی يتعالى عن الرغبات‬ ‫وطيخدة بين الرغبخة واللخذة‪ ،‬إذ ال يجخب‬
‫اآلن‪ ،‬وذلك بسبب تعدد موضوعاتها‪،‬‬ ‫والشخخهوات والملذات الحسخخية‪ .‬ويظهر‬ ‫البحث عن شخخخيء إال إذا كان يحقق لنا‬
‫لكن بالرغم من ذلك‪ ،‬يوجد ضمن هذه‬ ‫ذلك في كتابه “تهذيب األخالق وتطهير‬ ‫متعخخة ولخخذة‪ .‬واللخخذة عنخخد أبيقور هي‬
‫الرغبات ما يمن اإلنسان شعورا‬ ‫األعراق‪ ،‬ففي هخخذا الكتخخاب ينتقخخد ابن‬ ‫الخخخيخر الخرئخيسخخخخخي والخطخبخيخعخي‪ ،‬وهخي‬
‫وإحساسا عظيما بما يبهج في هذه‬ ‫مسخخخخكويه العامة من الناس‪ ،‬ذلك أنهم‬ ‫مقيخاس كخل سخخخخخعخادة‪ ،‬وتتمثخل في دفع‬
‫الحياة‪ ،‬وأسمى مستويات هذا‬ ‫الخذين يجعلون من اللخذات البخدنيخة غخايخة‬ ‫األلم والخوف والسخخخخخعي وراء تحقيق‬
‫اإلحساس هو الحب‪ ،‬فعاطفة الحب‬ ‫الهخايخات وأسخخخخخاس تحقيق السخخخ خعخادة‪،‬‬ ‫سخخالمة الجسخخم وطمأنينة النفس‪ .‬لذلك‬
‫كرغبة متولدة عن االبتهاج‪ ،‬هي ما‬ ‫وبشخخخ خبخهخهخم بخخخالخخخنخخخازيخر والخخخنخخخافخس‬ ‫يبخخدو أن اللخخذة بمفهومهخخا األبيقوری‬
‫يمكن أن يبعث السعادة في حياة‬ ‫والديدان وخسائس الحيوانات‪.‬‬ ‫حسخخخخخخخخخخخخيخخخخخخخة وروحخخخخخخخيخخخخخخخة‬
‫اإلنسان‪ ،‬ومن خالل ذلك يمكن القول إن‬ ‫إذن فخابن مسخخخخخكويخه يرع أن طريقخة‬ ‫معا‪.‬‬
‫هناك عالقة تالؤم ووحدة بين الرغبة‬ ‫السخخخخخعخادة‪ ،‬وطريق الكمخال‪ ،‬ليس هو‬
‫والسعادة‪.‬‬ ‫طريق الملذات والشخخخهوات والرغبات‪،‬‬
‫بل هو االمتناع عنها ولجمها‪.‬‬
‫خالصة تركيبية‪:‬‬
‫خالصة القول‪ ،‬أن طبيعة العالقة بين الرغبة والسعادة عالقة متعددة األوجه‪ ،‬فالرغبة قد تكون‬
‫أساس تحقيق السعادة‪ ،‬خاصة إذا استطاع اإلنسان تحصينها ببعد أخالقي‪ .‬لكن إشباع الرغبات قد‬
‫يكون سبيال للشقاء والتعاسة‪ ،‬وخاصة إذا كان هذا اإلشباع على حساب القيم‬
‫واألخالقية‪.‬‬

You might also like