Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫حاكم صالح في كتابه األيديولوجيا وَتمثيالُتها الَف لسفية في الفكِر العراقي الحديث ‪ 90‬عامًا من‬

‫البيئات التنافسية المتصارعة‬

‫‪ - 29‬أكتوبر ‪2016 -‬‬

‫بغداد ـ «القدس العريب»‪ :‬يسعى الكاتب واملرتجم علي حاكم صاحل إىل فهم حتوالت األيديولوجيا يف‬
‫الفكر العراقي املعاصر من خالل قراءة الواقع التارخيي واملعريف والفلسفي هلذا الفكر بدءا منذ تأسيس‬
‫الدولة العراقية وصوال إىل املرحلة الراهنة اليت مثلت خالصة أكثر من مثانني عاما من هذه التحوالت‪.‬‬
‫ويشري حاكم يف كتابه «األيديولوجيا ومَت ثيالهُت ا الَف لسفية‪ ..‬يف الفكِر العراقي اَحلديث»‪ ،‬الذي صدر‬
‫مؤخرًا‪ ،‬إىل أنه يف السنوات األخرية‪ ،‬انعطَف العراقيون ينظرون يف أنفِس هم‪ ،‬ويتأملون تارَخيهم‬
‫احلديث‪ ،‬ويقلبون صَف حاِته‪ ،‬ويطرحون تساؤالت عديدة‪ ،‬يدور حمورها حول سبب‪ ،‬أو أسباب‪ ،‬فشل‬
‫العراق احلديث دولة وجمتمعا‪ .‬وهذه الدراسة استندت إىل فرضية أساسية مفادها أن قدرا واسعا من‬
‫الفكر العراقي اهنمك بعد قيام ما يسمى باحلكم الوطين‪ ،‬على حنو طبيعي ومتوقع‪ ،‬يف البحث عن‪،‬‬
‫والتفكري يف‪ ،‬النظام السياسي االجتماعي‪ .‬وال شك يف أن تأسيس الدولة العراقية كان نتيجة تضافر‬
‫عوامل داخلية وخارجية‪ ،‬وأيا كان االجتاه الذي مييل له الرأي يف هذا الصدد‪ ،‬فإنه ملن املؤكد أن‬
‫العراقيني اضطلعوا هم أنفسهم شيئا فشيئا يف البحث عن النظام السياسي االجتماعي املناسب‪ ،‬والعمل‬
‫بطرق عديدة على تثبيته وتكريسه والدفاع عنه‪ .‬بدأ األمُر خطوات وإجراءات ومطالبات بسيطة‬
‫ومتهيدية‪ ،‬يف طبيعة احلال‪ ،‬ونضج حلوال ورؤى يف بيئة تنافسية ومتصارعة‪ ،‬فاألمر مل يكن منذ البداية‬
‫رهَن خياراِت العراقيني فقط‪ ،‬ومل يكونوا هم أنفسهم متجهني اجتاها واحدا فقط‪ .‬ويف شروط تارخيية‬
‫حملية ودولية تبلورت خطابات عاجلت املسألة السياسية االجتماعية جزئيا أو كليا‪ ،‬ضمنيا أو صراحة‪،‬‬
‫بصورة مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬وصبت مجيعها يف‪ ،‬أو دارت يف فلك‪ ،‬اجتاهات متباينة هي االجتاهات‬
‫األيديولوجية الرئيسية‪ ،‬اليت تنتخُبها الدراسة تعبريا عن الفكر العراقي‪ ،‬وتزيد عليها متثيالهتا الفلسفية‪.‬‬
‫قسم حاكم دراسته إىل متهيد (األيديولوجيا والفلسفة)‪ ،‬ومثانية فصول‪ :‬الدولة العراقية احلديثة‪ :‬البداية‬
‫والشرعية‪ ،‬سردية األمة العربية‪ ،‬أيديولوجيا حزب البعث العريب االشرتاكي‪ ،‬الفكرة املاركسية‬
‫واأليديولوجيا الشيوعية‪ ،‬املاركسية منهجا ورؤية‪ ،‬الفكرة اإلسالمية من اإلصالح إىل األيديولوجيا‬
‫الثورية‪ ،‬بناء الفكرة اإلسالمية نظريا‪ ،‬االجتماع العراقي هوية وطنية‪ .‬غري أن التساؤل الرئيسي الذي‬
‫سعت الدراسة لطرحه‪ ،‬هو‪ :‬ما نوع اإلجابات واخلطط اليت طرحت وما طبيعُتها وغاياهتا؟ وهل كان‬
‫العراق‪ ،‬اإلنسان واجملتمع‪ ،‬موضوعا لإلصالح والبناء والتطوير فعال‪ ،‬أم أنه ُأمهَل لصاحل تشييد‬
‫مؤسسات ونظام سياسي خدمت مشروعات مزقت‪ ،‬يف النهاية‪ ،‬اجملتمع العراقي وغيبت إنساَنه؟‬
‫ويف حماولة من حاكم لفهم الرتابط بني األيديولوجيا ومتثيالهتا الفلسفية‪ ،‬يرى أن األيديولوجيا‬
‫والفلسفة تفرتض إحدامها األخرى‪ ،‬الفلسفُة هي إحدى متثيالت األيديولوجيا وصورها‪ ،‬وختتلف‬
‫بطبيعتها عن التمثيالت األيديولوجية األخرى‪ .‬تتعلق األيديولوجيا بالُبعد العملي والتطبيقي لألساس‬
‫النظري الفلسفي‪ .‬فاأليديولوجيا هي اإلجابات املختلفة واملتنوعة اليت قدمها أفراد أو فئات أو أحزاب‬
‫عن السؤال الناظم للفكِر العراقي يف برامج ومشروعات متفاوتة ومتباينة ضمت السياسي واالجتماعي‬
‫يف وحدة واحدة‪ ،‬أما الفلسفي فهو األساس النظري‪ ،‬الضمين أو الصريح‪ ،‬الذي يشكل جزءا من وعي‬
‫اإلجابة أو ال وعيها‪.‬‬
‫مبينا أن اإلجاباُت الكربى اليت ُقدمت عن مسألة النظام السياسي االجتماعي توزعت على أربع‬
‫إجابات؛ ثالث منها هي سرديات‪ ،‬أو أيديولوجيات‪ ،‬كربى‪ :‬القومية العربية‪ ،‬واملاركسية‪،‬‬
‫واإلسالمية؛ هي إجابات كربى ألهنا تفسرياٌت للماضي واحلاضر واملستقبل‪ ،‬ومشروعاٌت صممت‪،‬‬
‫نظريا‪ ،‬ما «جيب» أن تكون عليه حياة العراقيني‪ ،‬ورمست صراعاهُت ا تاريخ الدولة العراقية‪ ،‬وانغمرت‬
‫جهود فلسفية‪ ،‬بطريقتها اخلاصة‪ ،‬يف متثيل هذه األيديولوجيات‪ .‬وبطبيعة احلال‪ ،‬ليس سوى أيديولوجيا‬
‫القومية العربية اليت نفذت منطَق «الواجب» على أرض الواقع‪ ،‬وبقيت األخريتان نظريتني‪ ،‬ولكن هذا‬
‫ال مينع من التدقيق يف هذا املنطق الوجويب‪ ،‬الذي انتظمهم مجيعا َعرب قراءة األفكار‪ .‬وجيب التأكيد هنا‬
‫أنه ما من واحدة من هذه األيديولوجيات ُبنيت يف فردوس‪ ،‬فجميعها ظهرت وانبنت يف واقع زاخر‬
‫بالتنافس والتصارع‪ ،‬وتشكل منطُق كل واحدة منها على وفق ذلك‪ .‬وكانت مكونات هذه املنطقيات‬
‫متشاهبة أو حىت متطابقة‪.‬‬
‫ومثة إجابة رابعة‪ ،‬هي الوطنية العراقية‪ ،‬اليت َعمدت إىل بناء اهلوية ليس َعرب البناء النظري اجملرد‪ ،‬أو‬
‫البناء املاهوي الثابت‪ ،‬وال َعرب وضع تعريفات وعناصر ومقومات متييزية‪ ،‬وليس َعرب جتاهل االجتماع‬
‫العراقي‪ ،‬بل كان منطلقها وغايتها اإلنسان العراقي‪ ،‬والوجود االجتماعي‪ ،‬واملشكلة االجتماعية‬
‫العراقية‪ ،‬اليت هي سياسية من حيث أسباهبا وطبيعتها وامتداداهتا‪ .‬هذا ال يعين أن هلا منطقا خاصا تتميز‬
‫به بشكل حاد عن غريها من االجتاهات األيديولوجية‪ ،‬فلرمبا تداخلت حدودها ومكونات خطاباهتا‪،‬‬
‫ولكن ما كان مييزها هو أهنا انتهجت الواقعية االجتماعية يف التفكري يف النظام االجتماعي العراقي‪،‬‬
‫ومتيزت هذه اإلجابُة‪ ،‬أيضا‪ ،‬عن تلك األيديولوجيات بأهنا مل تشكل تيارا واحدا ومستمرا‪ ،‬وحىت‬
‫تعبرياهتا السياسية كانت حمدودة‪ ،‬وكانت صياغاهتا الفلسفية نقدية تناثرت يف مواقف وآراء‪ ،‬ومل‬
‫تتكون كنظرية تامة متكاملة‪ ،‬وهذه‪ ،‬هي طبيعة كل توجه اجتماعي يدعو إىل اإلصــالح الوطــين‬
‫معـ ـتــمدا الواقعية والعلمية ال احل ـمــاسة الثورية الشعاراتية وال التوقعات اليوتوبية‪.‬‬
‫وخيلص حاكم إىل أنه يف مجيع األيديولوجيات الرئيسية القومية واملاركسية واإلسالمية مثة تفاوت بني‬
‫الفكر وموضوعه املفرتض‪ ،‬فاجته الفكر إىل موضوعات يتومهها ويتخيلها وحيلم هبا ضمن آلياته‬
‫اخلاصة‪ ،‬ومن مث يفرض نتائج ما توصل إليه على الواقع العراقي‪ ،‬املوضوع املفرتض‪ ،‬كعينة اختبارية‪:‬‬
‫أيديولوجيات تفكر مبنطق كلي ال يقيم للخصوصية احمللية اعتبارا‪ ،‬تنطبق مقوالهتا على كل واقع على‬
‫حد سواء‪ ،‬إىل منطق قومي‪ ،‬كان جل مهه بناء أمة متخيلة‪ ،‬وتصيري الواقع على وفق ذلك‪ ،‬إىل منطق‬
‫ديين مشويل‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬كغريه من أيديولوجيات‪ ،‬يضع على عاتقه الوصاية على اجملتمع‪ ،‬ويزعم‬
‫امتالك احلقيقة‪ ،‬وعلى أساس فهمه هلذه احلقيقة‪ ،‬جيب أن ُيصاغ الواقع االجتماعي‪ ،‬فضال عما خيرتمه‬
‫من انقسام طائفي جوهري‪ .‬وتنامت رفقة ذلك ختييالت بطولية‪ ،‬وألقى أيديولوجيون عراقيون على‬
‫أنفسهم مهمات أوسع من قدراهتم وقابلياهتم‪ ،‬وختيلوا أنفسهم بروسيا العرب‪ .‬وكان ذلك شبه نسق‬
‫فكري اندرج فيه أغلب القوميني تقريبا‪ .‬وبالتأكيد ما كان هلذه التخييالت أن تفعل شيئا لوال وجود‬
‫قوة مادية اقتصادية عسكرية عززهتا‪ ،‬وأسهمت قبل ذلك بنشوئها وانتشارها أيديولوجيا‪ ،‬ولكن أيضا‬
‫أسهمت يف استنفادها وحتوهلا‪ ،.‬يف األخري‪ ،‬عوامل اهنيار الدولة نفسها‬
‫مضيفا أنه يف الوقت الذي مل جيد فيه امللك فيصل األول العراقيني أمة واحدة‪ ،‬مضت أيديولوجيات‬
‫تتخيل أمة وتسعى إىل حتقيقها يف اخليال‪ ،‬أما الواقع احلسي الذي يعيشون فيه‪ ،‬فكان ومها بالنسبة هلم‪،‬‬
‫ال يصح التفكري فيه‪ ،‬حىت بلغ األمر بأحدهم‪ ،‬سعدون محادي‪ ،‬أن أنكَر الزمَن احلاضر وعده جمرد‬
‫نقطة رياضية‪ .‬وكانت هذه هي املعضلة احلقيقية‪ ،‬اليت شخصها املفكر العراقي الواقعي علي الوردي‪،‬‬
‫الذي رأى ببصريته الثاقبة منذ مخسينيات القرن العشرين املآالت الكارثية اليت تقودنا إليها‬
‫أيديولوجيات وأفكار سادت املناخ الفكري وهيمنت عليه كخيارات فكرية هنائية ووحيدة‪.‬‬
‫وينتهي حاكم يف دراسته إىل أن هذا احلكم يصدق على الكتابة الفلسفية يف العراق‪ ،‬عانيا بذلك تلك‬
‫اليت كانت متثيالت أليديولوجيات‪ ،‬وحنن مهما حبثنا اليوم فلن جند فيها ولو نصا فلسفيا واحدا يلقي‬
‫الضوء علينا حنن العراقيني‪ ،‬ألن للفلسفة يف العراق تارخيا آخر (أو ال تاريخ هلا باألحرى) ال صلة له‬
‫بتاريخ العامل االجتماعي الذي ظهرت فيه‪ ،‬فتارخيها رمبا يواكب أو يلتحق بتواريخ أخرى خارجية‪،‬‬
‫ويسري يف ظلها كنسخة باهتة ال معىن هلا‪ .‬إن جهود ياسني خليل‪ ،‬مثال‪ ،‬لبناء نظرية للعلم يف جمتمع ال‬
‫ينتج العلم‪ ،‬وقراءة الرتاث العريب على وفق ذلك‪ ،‬وحتديد فعالية الفلسفة على الطريقة العلمية املعاصرة‬
‫هو مسعى ال تاريخ وطنيا له‪ ،‬بل يتصل بتاريخ آخر يف أمكنة أخرى‪ ،‬وال يعين الفكر العراقي بشيء‬
‫ال من قريب وال من بعيد‪ .‬وحينما نتناوله اليوم‪ ،‬فإنه لن يتحدث إلينا إال كما يتحدث نص مرتجم‬
‫عن االنكليزية أو األملانية‪.‬‬
‫املمارسة السياسية االجتماعية وحدها معيار هنائي وأساسي للتحقق من مدى مالءمة احللول والقيم‬
‫الفكرية‪ ،‬وهي امليدان الوحيد لنجاعة اخلطط الفكرية النظرية‪ ،‬اليت تعمل‪ ،‬نظريا و‪/‬أو فعليا‪ ،‬على‬
‫صياغة واقع جمتمع معني‪ .‬وهذا أمر ميكن بلوغه من خالل التفكري العلمي واجلماعي واحلر‪ ،‬وهي‬
‫شروط ثالثة غابت عن توجهات الفكر يف العراق احلديث‪ ،‬وحل حملها تفكري أحادي حزيب فئوي‬
‫رغبوي‪ .‬ومل تكن القنوات اليت جرى عربها الفكر العراقي غري اإلثنية والطائفية‪ ،‬واحلزبية الضيقة‪،‬‬
‫واأليديولوجيا كبؤرة للنظر والتنظري‪ ،‬وما عدا ذلك من قيم املدينة واملدنية والتحضر والوطنية العراقية‬
‫احلقيقية قد قمعت بقسوة‪ ،‬وأمهلت‪ ،‬وضاع صوهتا يف ضجيج أيديولوجيا اليمني واليسار على حد‬
‫سواء‪ .‬ويف ظل بيئة فكرية كهذه قلقة ومريبة وغري مستقرة ومناورة كان من الطبيعي أال ينمو فكر‬
‫فلسفي عقالين‪ ،‬فارتفع صوت التفلسف املتحزب‪ ،‬وبلغ حدود الدعاية الفجة‪ .‬واستحال االجتماع‬
‫العراقي حياة ال اجتماعية‪.‬‬
‫علي حاكم صاحل‪« :‬األيديولوجيا ومَت ثيالهُت ا الَف لسفية‪ ..‬يف الفكِر العراقي اَحلديث»‬
‫دار الكتاب اجلديد‪ ،‬بريوت ‪2016‬‬
‫‪ 400.‬صفحة‬

‫علي حاكم صاحل يف كتابه «األيديولوجيا ومَت ثيالهُت ا الَف لسفية‪ ..‬يف الفكِر العراقي احلديث»‪ 90 :‬عامًا‬
‫من البيئات التنافسية املتصارعة‬

You might also like