قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية ...

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫قصة العلوم الطبية‬

‫في الحضارة‬
‫االسالمية‬
‫تأليف‬
‫د‪ .‬راغب السرجاني‬
‫مقدمة‬

‫إن الحمد هلل‪ ,‬نحمده ونستعين به و نستهديه و نستغفره ‪ ,‬و نعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫و من سيئات أعمالنا‪ ,‬انه من يهد اهلل فال مضل له و من يضلل فال هادي له ‪ ,‬و أشهد أن‬
‫‪ .‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ,‬و أن محمدا عبده و رسوله‬

‫‪,‬اما بعد‬

‫بداية قبل الشروع في دراسة هذا الكتاب المعنون بقصة العلوم الطبية في الحضارة االسالمية للدكتور راغب‬
‫السرجاني ‪ ,‬سنقوم بتقديم فكرة شاملة حوله ‪ ,‬والتي تتمحور حول الحضارة االسالمية ‪ ,‬التي هي منذ القدم‬
‫عرفت بكونها حضارة شامخة راقية لم تترك مجاال اال و تركت فيه اثرا و بصمة ‪ ,‬اذ جعلت من القرأن و‬
‫السنة دستورا لها و من العلوم المختلفة كالفيزياء ‪ ,‬الكيمياء ‪ ,‬الرياضيات ‪ ,‬علم الفلك ‪ ,‬و الطب الخ‪ .‬سبال‬
‫إلقامة أمورها و تيسير شؤونها و سياسة رعيتها و هذا ما جعل عن الحضارة العريقة حضارة ال تنسى و ال‬
‫احد يستطيع أن يحذفها و يمحوها من ذاكرة أي إنسان على وجه األرض ‪ ,‬إنها حضارة ال نظير لها ‪ ,‬حضارة‬
‫إذا قورنت بالحضارة الغربية األوربية الحالية ‪,‬فسنجدها بالفعل كانت حضارة و قوة دولة و نهضة حقيقية‬
‫عادلة ليست كنظيرتها الغربية ‪ ,‬اد هذه االخيرة ليست سوى حضارة استعمارية استثمارية قامت بسفك الدماء و‬
‫‪.‬نهب الثروات‬

‫الباب األول‬
‫علم الطب في الحضارة االسالمية‬
‫يعد الطب من أوسع جماالت العلوم احلياتية اليت اكن للمسلمني فهيا إسهامات ابرزة عىل مدار عصور حضارهتم‬
‫الزاهرة ‪ ,‬و اكنت تكل اإلسهامات عىل حنو غري مسبوق مشوال و متزيا و تصحيحا للمسار ‪ ,‬حىت ليخيل للمطلع‬
‫‪ .‬عىل هذه اإلسهامات اخلادلة أكن مل يكن هناك طب قبل حضارة املسلمني‬
‫و جتلت روعة اإلسهامات اإلسالمية يف خترجي حشد عظمي من العبقرايت الطبية النادرة ‪ ,‬اليت اكن لها بعد هللا‬
‫‪.‬الفضل الكبري يف تغيري مسار الطب اجتاها اخر اتبعت املسري عىل هنجه أجيال األطباء إىل يوم هذا‬
‫‪:‬سنتناول يف هذا الباب هده احلقيقة‪ ,‬و ذلكل من خالل الفصول التالية‬
‫الفصل االول‪ :‬الطب قبل اإلسالم‬ ‫‪‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المسلمون و تطور علم الطب‬ ‫‪‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬اهم إسهامات المسلمين الطبية‬ ‫‪‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬المستشفيات في الحضارة اإلسالمية‬ ‫‪‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬البعد اإلنساني في الطب عند المسلمين‬ ‫‪‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬الطب الوقائي في اإلسالم‬ ‫‪‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬شهادات غير المسلمين على عظمة الحضارة الطبية‬ ‫‪‬‬

‫الفصل االول ‪ :‬الطب قبل اإلسالم‬


‫ظهر الطب بظهور االلم عند اإلنسان إ ذ أ صبح هذا ا أل خير يبحث عن عالج أل لمه بمختلف الطرق ‪,‬‬
‫فاعتمد وصفات طب يعية تسكن أ لمه ‪ ,‬اصبحت متداولة بينهم ‪ .‬و يمكن ان نتناول نبذة عن وضع و‬
‫‪ :‬اتريخ الطب قبل اإلسالم من خالل المباحث التالية‬

‫املبحث األ ول‪ :‬الطب عند قدماء املرصيني‬


‫املبحث الثاين‪ :‬الطب عند البابليني‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الطب عند الصينيني‬
‫املبحث الرابع‪ :‬الطب عند الهنود‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬الطب عند اليواننيني‬
‫املبحث السادس‪ :‬الطب عند الرومان‬
‫املبحث السابع ‪ :‬الطب عند العريب قبل اإلسالم‬

‫المبحث األول‬
‫الطب عند قدماء المصريين‬
‫تعد الشعوب المصرية من أقدم الشعوب التي مارست الطب ووصلت فيه الى مستوى‬
‫رفيع ‪ ,‬لقد ابدعوا في كل من التشخيص‪ ,‬عصر االمراض ‪ ,‬التحنيط ‪ ,‬التشريح ‪ ,‬الجراحة ‪ .‬و‬
‫كان هذا مرتبطا ارتباطا وثيقا بالمعابد ‪ ,‬لوجود ألهه لشفاء االمراض و منهم االلهة ايزيس التي‬
‫كانت تعتبر مصدر لشفاء االمراض و كانوا يعبدونها و يتضرعون لها لتشفي االمراض‬
‫المستعصية ‪ .‬و ال نغفل دور الكهنة في ممارسة الطب ‪ ,‬الن قديما كان قدماء المصريين بان‬
‫المرض في صفة روح شريرة سكنت جسم االنسان و لمعالجتها يقتضي االستعانة بالتعاويذ و‬
‫التهائم و المعابد و احيانا بالسحر ‪ ,‬و المستحضرات الطبية المستخلصة من االعشاب و الحيوان؛‬
‫تستعمل كعوامل لطرد هذه االرواح الشريرة من جسم االنسان ‪ .‬كما ان قدماء المصريين دونوا‬
‫معلوماتهم و معارفهم الطبية على اوراق البردي ‪ ،‬و منها البردية المتعلقة باألمراض النسائية ‪ ،‬و‬
‫بردية اخرى تختص باألمراض الجراحية ‪ ،‬و بردية ابيرس التي اكثر موضوعاتها في الطب‬
‫الباطني و العقاقير الطبية ‪ ،‬و تشريح جسم االنسان و التعرف على وظيفة القلب‪.‬‬
‫و نهاية فان المصريين القدماء حتى لو كانوا قد مارسوا الطب على اساس عملية و منهجية احيانا‬
‫‪ ،‬اال ان علمهم ما زال يخلله نوع من الطالسم و التعاويذ و السحر ‪ ،‬و ما زالت تلعب فيه الكهنة‬
‫دورا كبيرا الى حالنا هذا ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الطب عند البابليين‬
‫الطب عند البابليين كمثل الطب عند المصريين ‪ ،‬فهم ايضا كان طبهم يشوبه نوع من الكهانة و‬
‫السحر ‪ ،‬و المرض بالنسبة لهم كان مرضا الهيا على خطيئة تم ارتكابها من طرف المريض ؛‬
‫فالكاهن او الساحر لم يكن يحاسب عل أي خطا يرتكبه في عالج مريضه عكس الطبيب الجراح‬
‫يعاقب و تقطع ايديه عند ارتكابه اي خطأ في عالج مريضه ‪ ،‬حتى لو اقتضى منه قدرا كبيرا‬
‫من المال لسجن ‪ .‬و كل هذه العقوبات و الخدمات الطبية فرضت من طرف شريعة حمورابي‪.‬‬
‫و لقد ذكر في وادي الرافدين ثالث مذاهب للمعالجة ‪ ،‬اوال؛ المعالجة بالنصح و يسمى الطب‬
‫الوقائي ‪.‬ثانيا؛ المعالجة بتشخيص المرض ووصف االدوية النباتية و الحيوانية و المعدنية و هذا‬
‫يسمى الطب المزاجي الطبيعي ‪.‬ثالثا؛ المعالجة بالسحر و الطالسم و هذا ما يعرف بالطب‬
‫النفسي‪ .‬لقد نفر االطباء من تناول المسكرات واستخدموا المس ‪ ،‬و عرفوا الجراحة و استعملوا‬
‫الحشيش و األفيون للتخدير عند اجراء العمليات ‪ ،‬و كان اهل المريض اذا ما عجزوا عند‬
‫معالجته يتم وضعه في اماكن عامة لعل يمر احد قد اصيب مثله فيصف له العالج الذي شفاه‪ .‬و‬
‫ختاما لموضوع الطب عند البابليين فإن الطابع الغالب على طبهم هو الكهنوت و السحر‬
‫العتقادهم بأن نتيجة األمراض التي تصيبهم مصدرها غضب االلهة أو نتيجة للسحر و تأثيره‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫الطب عند الصيني‬
‫الطب الصيني امتاز عما كان لدى األمم السابقة لخلو طبهم من الخزعبالت و الخرافيات التافهة ‪،‬‬
‫بحيث كان اول باحث صيني اسمه شان نوتج المشهور باسم االمبراطور فيويو ‪ ،‬كان خواص‬
‫النباتات حيت كان يختبر تأثيرها على نفسه ‪ ،‬و خالصة فإن الطب الصيني أحسن بكثير من ما‬
‫كان قديما ‪ ،‬كما قدموا اعماال كثيرة في مجال الطب الباطني ‪ ،‬و اكتشفوا بعض اآلالت الجراحية‬
‫البسيطة ‪ ،‬كما عرفوا ايضا النبض و ما يحصل له عند التغييرات بسبب المرض ‪ ،‬و كان في‬
‫اعتقادهم ان من اسباب هذه االمراض هو وجود الحر و البرد و الجفاف و الرطوبة ‪ .‬لذلك‬
‫وضعوا تقديرات ألمراض الصدر و الرئتين؛ تأتي دائما في فصل الشتاء ‪ ،‬بينما الحميات تحصل‬
‫في الخريف ‪،‬و االمراض النفسية تحصل في فصل الربيع ‪ ،‬اما االمراض الجلدية فتظهر في‬
‫فصل الصيف ‪.‬و خالصة القول فالطب الصيني كان بعيدا كل البعد عن الخرافات و الخزعبالت‬
‫‪ .‬كالسحر و الكهنة و ما جاوره ‪ ،‬واعتمدوا على الوخز باإلبر في عالج معظم المرضى‬

‫المبحث الرابع‬
‫الطب عند الهنود‬
‫الطب عند الهنود قديما كان أيضا مزدوجا بالخرافات و األساطير فهذا ما عرفوا به ‪ ،‬لكنهم‬
‫اشتهروا بالجراحة بأنواعها المختلفة ‪ ،‬و كان في معتقدهم ان كل العلل تولد مع اإلنسان و تظهر‬
‫نتيجة ذنب أو فساد االخالط ‪ .‬و هناك بعض العالجات و االرشادات التي أفادت الهنود و من‬
‫األمثلة على ذلك ‪ :‬التلقيح ضد الجذري ‪ ،‬ممارسة عمليات التجميل ‪ ،‬ترقيع الجلد و التوليد عن‬
‫طريق البطن "العملية القيصرية" ‪ ،‬رتق الفتوق ‪ ،‬استخراج الحصى من اإلحليل ا و المثانة ‪،‬بثر‬
‫األعضاء ‪ ،‬تحضير السموم و مضاداتها ‪ ،‬استخدام الضغط و لدهون الحارة إليقاف نزيف الدم ‪،‬و‬
‫الكي لنفس الغرض‪ .‬و رغم كل هذا التقدم و التوسع الذي عرفه الهنود في ميدان الطب البشري‬
‫إال ان هناك لمسات خيالية و شعوذة ‪.‬و لقد بدأت مدونات الطب الهندي بكتاب اترافا فيدا ‪ ،‬في‬
‫هذا الكتاب نجد قائمة شاملة ألمراض مقرونة بأعراضها ‪ ،‬لكنها محاطة بشكل كبير بالسحر و‬
‫التعزيم ‪ ،‬إضافة إلى ان الهند ما زالوا يعتمدون طرائق الطب القديم في وصف األمراض و‬
‫عالجها و نجد في كتاب رج فيدا نحو الف اسم من أسماء هذه األعشاب ‪ ،‬و هو يحبذ الماء على‬
‫‪ .‬انه حير عالج لمعظم االمراض‬

‫المبحث الخامس‬
‫الطب عند اليونانيين‬
‫الطب اليوناني بقي أمدا طويال خاضعا للخزعبالت و التجارب الخشنة و ال شك أنهم أخدوا الكثير‬
‫من معارفهم الطبية عن كل من القدماء و المصريين و البابليين ‪ .‬بحيث اهتم أطباء اليونان بنتاج‬
‫األمم السابقة عليهم و المجاورة لهم ‪ ،‬لدى فدرسوا أعمالهم في مجال الطب عن كثب و زادوا‬
‫على طب هذه الحضارة الكثير ‪ .‬و لقد كان اليونان فخرا ألنها أنجبت أبقراط الذي يعتبر من‬
‫عمالقة الطب الذين أنجبتهم اإلنسانية ‪ .‬و لقد اعتمد أهل اليونان طريقين ‪.‬الطريقة األولى تعالج‬
‫المرضى بالكهانة و السحر و هذه المهنة كانوا يتوارثونها و يضنون بها عامة الناس ‪ ،‬و ينسبون‬
‫األمراض الى أعمال الشياطين ‪ ،‬و العالج إلى اعمال اآللهة‪ ،‬الطريقة الثانية اشتغلت بالطب على‬
‫أساس أنه فرع من الطب الطبيعي ‪ ،‬واهتموا بالتشخيص الوصفي و هذا يعتبر اتجاه أو مسلك‬
‫الفالسفة ‪.‬و قد ذكر الدومييلي في كتابه العلم عند العرب و اثره في تطور العلم العالمي ‪.‬ان طب‬
‫اليونان حقق مستوى جيد و ملحوظ في العلم ‪ ،‬عكس طب األمم لهم ‪ .‬بيد ان الطب لم يقف فقط‬
‫في خطوات نموه عند المبادئ العامة للتشخيص و التنبؤ باألعراض و اآلراء الموجهة في‬
‫الجراحة ‪ ،‬انما عظمت تورته باالبتكارات العلمية الخاصة ‪ ،‬كاالبتكارات في التشريح ‪ ،‬علم‬
‫‪.‬‬ ‫الصحيح‬ ‫الطبي‬ ‫التفكير‬ ‫أساس‬ ‫تعد‬ ‫التي‬ ‫األعضاء‬ ‫وظائف‬
‫في األخير يتضح أن‪ ،‬الطب اليوناني الزال يعتمد على الخزعبالت و التجارب الخشنة ؛ ألن هذا‬
‫متوارث بين األجيال بين كل جيل و جيل إال أنهم حصلوا تقدما كبيرا اثار نوعا من الدهشة ؛‬
‫عندما تحرروا من الطب الذي تديره المعابد و الكهنة و بدأ أبقراط الذي له الفضل في تحريرهم و‬
‫علمية‪.‬‬ ‫أسس‬ ‫على‬ ‫المبنية‬ ‫الطبية‬ ‫البحوث‬ ‫في‬ ‫البدأ‬
‫و الجدير بالذكر أن المسلمين قاموا بترجمة إنتاج أبقراط الطبي العلمي و من عمل على وثيرته‬
‫من األطباء اليونانيين ‪ ،‬فطوروا في منهج أبقراط ‪ ،‬و جعل من علم الطب علما مشاعا بين جميع‬
‫‪.‬أفراد الشعب ‪ ،‬حتى وصل هذا العلم الحيوي إلى مستوى عال‬
‫المبحث السادس‬
‫الطب عند الرومان‬
‫اشتهر الرومانيون باستعمال الحمية و الرياضة و الحمامات الساخنة بدل العقاقير المختلفة إال في‬
‫الحاالت التي ال بد فيها من إجراء العملية الجراحية ‪ ،‬كما نالوا سمعة جيدة في استخدام الموسيقى‬
‫و بعض المهدئات و الرياضة لعالج االمراض العقلية ‪ .‬و روما بقيت طيلة الستة قرون األولى‬
‫بعد حكم اليونانيين من غير طبيب يعمل بالقواعد العلمية في هذه الصنعة ‪ ،‬فكانوا يعتمدون على‬
‫التعاويذ و النصائح التقليدية التي تصل اليهم على لسان األطباء الوافدين الى البالد‪ .‬و من اشهر‬
‫االطباء في العصور الرومانية و الذين كانت ألعمالهم عالقة بالطب اإلسالمي الطبيب جالينوس‬
‫و هو يوناني عاش في العصر الروماني ‪ ،‬و يجيئ اسمه بعد ابقراط علما و شهرة ‪.‬و لقد جمع‬
‫اثار ابقراط في الطب و حفظها من الضياع ‪ ،‬و لقد ترجم المسلمون كتبه في عصر الترجمة ‪ ،‬و‬
‫يقول ابن خلدون ‪:‬إمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من األقدمين جالينوس و تأليفه هي‬
‫‪ .‬األمهات التي اقتدى بها جميع األطباء بعده‬

‫المبحث السابع‬
‫الطب عند العرب قبل اإلسالم‬
‫لقد كان التطبيب في عصر الجاهلية ذا شعبتين ‪ :‬فهناك شعبة تقوم في جوهرها على الكي بالن ار و‬
‫استئصال االطراف الفاسدة الخ‪ ،...‬و التداوي بشرب العسل ‪ ،‬و منقوع بعض األعشاب النباتية ‪ ،‬و‬
‫اللجوء الى التهائم و التعاويذ على يد الكهان العرافين ‪.‬و هناك شعبة احرى تق وم في عالجه ا على‬
‫الحمية ‪ ،‬ز على إسداء النصيحة وليدة الخبرة مثل قولهم ‪ :‬المعدة بين الداء ‪ ،‬و الحمية رأس الدواء‬
‫و القديد مهلك ألكله ‪.‬فالعرب في الجاهلية كانوا يستعملون أدوية بسيطة و أش ربة طبيعي ة ‪ ،‬ل ديهم‬
‫معرفة قليلة ح ول الطب التجري بي و العق اقير و المعالج ات بالض مد واس تخدام األغذي ة و بعض‬
‫األدوي ة النباتي ة ؛ كالعس ل ال ذي يعت بر أس اس العالج ألم راض البطن ‪ ،‬و ث ارة أخ رى يقوم ون‬
‫بعمليات جراحية صغيرة ؛ مثل الحجامة و الكي و الب ثر و الفص د و الحمي ة ‪ ،‬ل ذلك فق د ن رى ان‬
‫العرب في عصرهم لم تكن لهم معرفة طبي ة غ ير م ا اختزنت ه ذاك رة الحكم اء و ق اموا الش عراء‬
‫‪ .‬بتدوينه في قصائدهم‬
‫و ختاما ‪ ،‬يمكن القول أن الطب العربي قبل اإلسالم كان طبا ينتقل بالممارسة و التعليم شفاها من‬
‫جيل إلى جيل ‪ ،‬و قد أضافت إليه األعوام خبرة بعد اخرى ‪.‬و الذي أثار الدهشة أن الطب عند‬
‫الجاهليين من الناحية السلبية كان يقوم على تجارب علمية بسيطة ‪ ،‬و استخدام العالج بالشعوذة و‬
‫السحر و الطالسم و الدجل ‪ ،‬و نسب األمراض إلى الشياطين ‪ ،‬و استئصال األطراف الفاسدة ‪ .‬و‬
‫كل هذه األشياء التي قاموا بها الجاهليين لم نر مثله على اإلطالق في حضارة اإلسالم‪ ،‬إنما كان‬
‫‪.‬هناك طب جديد و منهج مغاير‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المسلمون و علم الطب‬


‫قبل مبعث الرسول صىل هللا عليه و سمل اكنت ممارسة الطب يف اجلزيرة العربية أ كرث شيوعا بني العراقيني و فئة املامرسة‬
‫احملربني ‪ ،‬حيث أن هؤالء العرافيني و السحرة اكنوا يفرتون عىل الناس بقدرهتم عىل عالج مجيع األ مراض لكهنم يف احلقيقة‬
‫يتجهون للشعوذة و السحر أي األ عامل اخلشنة ‪ ،‬إال أ ن هؤالء العرافني حضوا مباكنة عالية من حيث الاحرتام و التقدير من‬
‫طرف الناس أما فئة املامرسني اجملربني فاكنوا يع متدون اليك و احلجامة يف العالج ‪ ،‬ابإلضافة إىل األعشاب الطبية ‪ ،‬ليأيت‬
‫اإلسالم و يطور مما اكن تع متد عليه هؤالء الكهنة و املشعوذين يف جمال الطب‪ ،‬حفرم اإلسالم لك من السحر و الشعوذة و‬
‫حذر الناس مهنا واعترب السحرة و الكهنة من الاكفرين و هنى عن استخدام املسكرات و هبذا يكون اإلسالم فتح اباب عىل‬
‫مرصاعيه للطب القامئ عىل القياس و التجربة العلمية حيث جند أو بعبارة أخرى نل متس ذكل من خالل املباحث التالية‪:‬‬
‫املبحث األ ول‪ :‬من هدي اإلسالم يف ممارسة الطب‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬املسلمون و تطور عمل الطب‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬مهنج إساليم فريد دلراسة الطب‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫من هدي اإلسالم في ممارسة الطب‬

‫من المبادئ التي قامت عليها حضارة اإلسالم أنها جمعت بين الروح الجسم و أن العناية‬
‫بالجسم الحتياجاته أمر ضروري ال مفر منه‪ ،‬و مع أنه ليس من مهمات األنبي‪QQ‬اء عليهم الص‪QQ‬الة و‬
‫السالم أن يعلموا الناس الطب و ال القيام بإيضاح العلوم الكونية؛ ألن ذلك كتروك لمجهود اإلنسان‬
‫و تج‪QQ‬اربهم العلمي‪QQ‬ة إال أنن‪QQ‬ا نج‪QQ‬د مجموع‪QQ‬ة من األح‪QQ‬اديث أو النص‪QQ‬ص النبوي‪QQ‬ة تفتح المج‪QQ‬ال أم‪QQ‬ام‬
‫المسلمين ليتعلمو الطب و لعل من النصوص النبوية البارزة‪ ،‬عن جابر رضي هللا عنه عن‬
‫الرسول صلى هللا عليه و سلم أنه قال‪ " :‬لكل داء دواء فإن أصيب دواء الداء برأ بإذن هللا عز و‬
‫جل " ‪ ،‬و في حديث اخر رواه أسامة بن شريك رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫و سلم‪ " :‬تداووا فإن هللا لم يضع داء إال وضع له دواء غير داء واحد الهرم "‪ .‬و كان الرسول‬
‫صلى هللا عليه و سلم يأمر بالتداوي و العالج و يأمر باإلتقان في مجال الطب‪ ،‬حيث روي اإلمام‬
‫مالك أن رجال من الصحابة أصيب بجرح فنادى الرسول صلى هللا عليه و سلم على رجلين من‬
‫بني أنهار‪ ،‬فنظروا إليه فسألهما الرسول (ص) أيكما أطب أي من منكم أنهر في الطب فقاال أو‬
‫في الطب خير يا رسول هللا ؟ فقال أنزل الدواء الذي أنزل األدواء يعني هللا‪ ،‬حيث كان يحكم على‬
‫من عالج مريضا فاداه و لم يكن و لم يكن معروف من طرف الناس فهو من يتحمل المسؤولية‬
‫عكس الطبيب المعروف بإتقانه لعمله‪ ،‬روي عبد هللا بن عمر أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم‬
‫قال ‪ :‬من تطبب و ال يعلم من طب فهو ضامن أي المكلف‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫المسلمون و تطور العلم‬

‫إن المسلمون لم يقفوا فقط في حدود الطب النبوي بل حاولوا أن يطوروا من معارفهم‪،‬‬
‫بل أدركوا أن العلوم الدنيوية و الطب أحدهما تحتاج إلى النظر و التجارب و الوقوف على ما‬
‫خلفت األمم األخرى‪ ،‬و ذلك بدافع االستزادة من كل ما هو نافع فقد أخد األطباء المسلمين في‬
‫التعرف على الطب اليوناني من خالل البالد اإلسالمية المفتوحة‪ ،‬كما أن الخلفاء اصبحوا‬
‫يستقدمون األطباء الروم الذين سرعان ما أخذ عنه األطباء المسلمون‪ ،‬و نشطوا في تجربة كل ما‬
‫وقع تحت أيديهم من مؤلفات طبية و لعل هذا يعتبر من أعظم أحداث العصر األموي‪ ،‬فاستقرت‬
‫العالقة األموية وازدهرت وورثت علوم المعاجم من الفرس و الروم بعد انهيار دولهم‪ ،‬فترجمت‬
‫كل كتب الحضارة السابقة من إغريقية و فارسية لتعتبر حدثا مهما من الناحية الحضارية‪ ،‬ألنها‬
‫فتحت بابا للعلماء العرب و المسلمون ألول مرة حيث كان الطب االسالمي في األول يعتمد على‬
‫تعليمات الرسول (ص) باإلضافة إلى عالجات طبية باألعشاب و الكي و الحجامة‪ ،‬فلما كان‬
‫األطباء المسلمون يتعرفون على الطب اليوناني في المدرسة اإلسكندرية‪ ،‬كانوا بتدوينه و ترجمته‬
‫إلى العربية حتى جاء العصر العباسي و كان لألطباء المسلمين معارفهم الخاصة‪ ،‬حيث لم يتوقفوا‬
‫فقط عن الكتب التي حصلوا عليها من طرف الحضارة السابقة‪ ،‬فلوال العرب و المسلمين الذين‬
‫قاموا بترجمة كل هذه الكتب و السعي في الحصول عليها ال كانت هذه الكنوز طعما شائعا‬
‫للحضارات‪ ،‬ألن معظم هذه الكتب كانت حبيسة في الكهوف و المغارات و روايات النسيان في‬
‫بعض الخزائن‪ ،‬ليأتوا العرب و المسلمون و يصححوا كل األخطاء التي كانت في السابق حيث‬
‫ازدهر علم الطب و بنيت المستشفيات واشتهرت أسماء المعة في الطب‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫منهج إسالمي فريد لدراسة الطب‬

‫لم تأتي كل إنجازات و إسهامات المسلمين في مجال الطب عن عشوائية بل عن جهود و‬


‫مثابرة‪ ،‬كما اعتمدوا على ثالث مناهج التي كانت سببا لهذا النجاح الملموس‪ .‬الخاصية األولى‪:‬‬
‫االنفتاح على الغير‪ ،‬فالحضارة اإلسالمية عرفت انفتاحا في أمور العلوم الحياتية عكس‬
‫الحضارات األحرى‪ .‬فكان العلماء المسلمين ينظرون إلى العلوم الحياتية كميراث إنساني عام‬
‫تستفيد فيه كل أمة من تجارب األمم األخرى‪ ،‬بحيث أن العلماء المسلمين يعدون الطب من أشرف‬
‫العلوم اإلنسانية بعد العلوم الشرعية ألن الناس بحاجة إليها‪ .‬أما الخاصية الثانية‪ :‬فيعتمد فيها‬
‫على التجريب و التطبيقات الواقعية و هذه الخاصية هي التي ميزت المنهج الحضاري عند‬
‫المسلمين في الطب‪ ،‬و ذلك العتمادهم على التجربة و المشاهدة و الفروض؛ بمعنى أنه لم يكن‬
‫منهجا فلسفيا نظريا بحتا‪ ،‬و إنما اعتمد بشكل رئيسي على التجارب العلمية و التطبيقات الواقعية‪،‬‬
‫بحيث اعتمد األطباء المسلمون منهجا تجريبيا في علم الطب‪ ،‬كانوا يقومون بتجربة طرق مختلفة‬
‫و متعددة للعالج‪ ،‬واهتموا أيضا بتسجيل المالحظات يحددون فيها كل الحاالت المرضية التي لم‬
‫يسبق التعامل معها من قبل للبحث و التطوير وابتكار عالج مناسب‪ ،‬بقول ابن سينا العالمة‬
‫اإلسالمي المتميز "‪...‬و تعهدت المرضى؛ فانفتح علي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة‬
‫ما ال يوصف "‪ .‬أما الخاصية الثالثة‪ :‬التي تتمحور حول أهمية الضوابط الشرعية في العالج‪ .‬و‬
‫هذه الخاصية فريدة من نوعها ألنها ميزت المنهج اإلسالمي في دراسة الطب عن باقي المناهج؛‬
‫في كل مناهج األرض في جميع العلوم تبتكر و تنفذ دون ضابط شرعي أو دليل إلهي‪ ،‬حيث أن‬
‫األطباء المسلمون على سبيل المثال يحترمون القاعدة الشرعية األصلية لقوله (ص) " إن هللا أنزا‬
‫الداء و الدواء و جعل لكل داء دواء‪ ،‬فتداووا و ال تداووا بحرام ‪ .‬و من هنا لم يكن مقبوال أبدا‬
‫عندهم أن يعالجوا مرضا بخمر أو نجاسة‪ ،‬فهذه الخصائص عظيمة و فريدة سلكت مسارا نحو‬
‫التطور في علم الطب‪ ،‬في ظل الحضارة اإلسالمية و ميزت المنهج اإلسالمي في دراسة الطب‬
‫عن غيره من المناهج و تمكنوا من ترسيخ أصول لهذا العلم العظيم‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬أهم إسهامات المسلمين الطبية‬
‫سنتحدث يف ه‪±±‬ذا الفص‪±±‬ل عن إسهامات املسلمني الطبي‪±±‬ة ال‪±±‬يت تفوق‪±±‬وا فهيا تفوق‪±±‬ا عظامي ‪ ،‬مما جعلهم يتخط‪±±‬ون عمل‬
‫اليوانن اليت نقلوها إلهيم ‪ ،‬و لقد تعمقوا و ابتكروا علوما جديدة كعمل وظائف األ عض‪±‬اء‪ ،‬عمل الصحة‪ ،‬فن األ دوي‪±‬ة‪،‬‬
‫و امجلي‪±±‬ل أن‪±±‬ه م‪±±‬ازال جل األ دوي‪±±‬ة ال‪±±‬يت تستعمل ق‪±±‬دميا تستعمل إىل حد الان‪ .‬و ابتك‪±±‬روا مجموعة من الاستعامالت‬
‫لعمليات اجلراحة‪ .‬ذلكل الفض‪±±‬ل لنجاهحم اكن حلس‪±±‬ن نتاجئه‪±±‬ا ‪ ،‬بيامن اكنت معاط‪±±‬اة الطب خيضعون لطق‪±±‬وس كهنوتي‪±±‬ة‬
‫ميارسها رجال ادلين‪.‬‬
‫و قب‪±±‬ل الرشوع يف احلديث عن إسهامات و إجنازات العلامء املسلمني يف العل‪±±‬وم الطبي‪±±‬ة‪ ،‬جيب اإلش‪±±‬ارة إىل‬
‫نقطتني مس‪±±‬ألتني‪ :‬فاملس‪±±‬أةل األ وىل؛ أن اترخي الع‪±±‬رب قب‪±±‬ل اإلسالم‪ ،‬مل يكن هيمت هبذا اجملال حىت ظه‪±±‬ر اإلسالم و‬
‫أ حدث نقةل عرصية و علمي‪±±‬ة هائةل و غري وض‪±±‬ع الع‪±±‬رب يف اجلزيرة العربي‪±±‬ة‪ ،‬و أحدث فهام جدي‪±±‬دا يف لك من‪±±‬ايح‬
‫احلي‪±±‬ا‪ .‬حىت ظه‪±±‬ر م‪±±‬ا ميكن تسميته ابلتخص‪±±‬ص يف تن‪±±‬اول ف‪±±‬روع الطب اخملتلف‪±±‬ة‪ ،‬اكلطب اجلرايح‪ ،‬طب العي‪±±‬ون‪،‬‬
‫طب األ طف‪±±‬ال‪ ،‬طب الترشحي‪ ،‬الطب النفيس‪ ،‬و م‪±±‬ا يتب‪±±‬ع ذكل من تط‪±±‬ور ط‪±±‬رق العالج واكتش‪±±‬اف ادلواء‪ .‬أم‪±±‬ا‬
‫املس‪±‬أةل الثاني‪±±‬ة؛ فسنقف عن‪±±‬د أمه إسهامات و إجنازات املسلمني يف العل‪±±‬وم الطبي‪±±‬ة خالل العرص اذلي عاش‪±±‬وا في‪±±‬ه‬
‫سابقا و املاكنة اليت وصلت إليه األ مم اجملاورة يف هذه العلوم‪.‬‬
‫و يف صفحات هذا الفصل جنيل بعضا من هذه اإلسهامات‪ .‬و ذكل من خالل املباحث التالية‪:‬‬
‫املبحث األ ول‪ :‬اجلراحة‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الترشحي‬
‫املبحث الثالث‪ :‬طب العيون‬
‫املبحث الرابع‪ :‬طب األ طفال‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬النساء و الوالدة‬
‫املبحث السادس‪ :‬الطب النفيس‬
‫املبحث السابع‪ :‬األ مراض و العالجات‬

‫المبحث األول‬
‫الجراحة‬
‫لقد ظهر علم الجراحة مع بداية الدولة اإلسالمية حيث كانوا يستعملون "صناعة اليد" التي‬
‫من اختصاص الحالقين و الحجامين الذين يقومون بعمليات جراحية بسيطة كالكي‪ ،‬الفصد‪ ،‬البثر‪.‬‬
‫كل هذه المعلومات و اإلرشادات استنبطوها من األطباء الذين كانوا يستقون معلوماتهم الجراحية‬
‫مما كتبه أبقراط و بولس و جالينوس و غيرهم‪ .‬لكن هذه العملية التقليدية لم تدم طويال لظهور‬
‫قسم من عباقرة المسلمين الذين ساروا نحو مسار التطور و التجدد و اإلبداع‪ .‬لقد كان الرازي أول‬
‫من فرق بين الجراحة و غيرها من الموضوعات الطبية‪ ،‬الذي جعل لها أساس قائما على‬
‫التشريح‪ .‬لهذا فالمسلمون أبدعوا بشكل كبير في مجال الجراحة حيث أنهم أول من تمكن من‬
‫استخراج المثانة لدى النساء عن طريق المهبل‪ ،‬و توصلوا إلى وصف دقيق لعملية نزيف الدم؛‬
‫وجسدت هذه العملية في إحدى العائالت و تم عالجها بنجاح‪ ،‬و نجحوا أيضا في عملية إيقاف‬
‫نزيف الدم بريط الشرايين الكبيرة‪ .‬و لقد تمكنوا من إجراء العمليات الجراحية في كل موضع من‬
‫البدن‪ ،‬و طوروا في جراحة األسنان و تقويمها و جراحة العين‪ ،‬و برعوا في عملية قدح الماء‬
‫األزرق من العين و كانت نتائجها مضمونة‪ ،‬حيث استطاعوا أن يجدوا أكثر من ست طرق‬
‫الستخراج الماء من العين‪ .‬و الزهراوي كان أول من نجح في عملية فتح الحنجرة أي القصبة‬
‫الهوائية‪ ،‬و هذه العملية أجراها على أحد خدمه‪ .‬حقا لقد أبدع المسلمون بشكل رهيب في مجال‬
‫الجراحة‪ ،‬حيث كانوا من أوائل من أشاروا إلى ما يسمى االن بجراحة التجميل؛ أبرزوا كيفية هذه‬
‫الجراحة في الشفة‪ ،‬األنف‪ ،‬األذن ‪...‬الخ‪ ،‬كما مارسوا المسلمون الجراحون إجراء العمليات‬
‫الناجحة في البطن‪ ،‬المجاري البولية‪ ،‬الوالدة القيصرية‪ ،‬تجبير الكسور‪ ،‬و عمليات األنف و األذن‬
‫و الحنجرة و تقول زيجريد هونكه‪ :‬إن الرازي علم تالمذته كيفية تخييط الجروح بشكل داخلي ال‬
‫يترك شيئا منها‪ ،‬و التدريس المثمن نسبة إلى ثمانية في جراحات البطن و كيفية التخييط بإبرتين و‬
‫خيط واحد مثبت بهما‪ .‬لقد كان الفضل الكبير للمسلمين الجراحين الذين توصلوا إلى أساليب‬
‫تطهير الجروح و تطويرهم من اليات الجراحة و أدواتها واستخدام التخدير في العمليات و‬
‫اإلنعاش و طوروا هذه األسس عما نقلوه من األمم األخرى‪.‬‬

‫أدوات الجراحة‪:‬‬

‫اخترع المسلمون الجراحون أدوات و اليات جديدة للجراحة‪ ،‬ليست كالتي كانوا يستعملونها االمم‬
‫السابقون قديما‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬

‫الدست ‪ :‬و هو يشبه الحقيبة التي تحفظ فيها المباضع و هذه المباضع أنواع تختلف أشكاله‬
‫باختالف الوظائف التي تؤديها و لنتطرق لبعض منها‪ :‬مبضع شق الجلد‪ ،‬و هو حاد الطرفين‪،‬‬
‫يستخدم في حالة فتح مكان في الجلد فوق الشرايين حتى يتمكن الجراح من ربطها‪ .‬و المبضع‬
‫المعطوف؛ يكون أحد طرفيه حادا و يستخدم الستئصال اللوزتين‪ ،‬و من األدوات التي استخدمت‬
‫اللوزتين المقطع و يشبه المقص بطرفيه المعطوفين‪ .‬و المباضع الشوكية؛ و هي نوعان‪ :‬أحدهما‬
‫يستخدم لبزل البطن في جالة الورم ليسمح إدخال أنبوب دقيق لسحب الماء و االخر يشق به‬
‫الناسور‪ .‬مبضع فتح األورام؛ الستخراج الصديد و القيح المتجمع فيها‪ ،‬و هو ذو نصل مستدير‪ .‬و‬
‫المبضع األملس؛ يستخدم في قطع الظفرة وهي تنبت لحمة تبنت عند المآقي من العين‪ .‬مضبع‬
‫األذن؛ لقطع ما يسقط في األذن من أجسام غريبة‪ .‬مضبع الشق العجاني؛ يستخدم لشق العجان و‬
‫هو الدبر و ما فوقه الستخراج الحصاة‪ .‬و مضبع الفصد؛ و هو مبضع عريض ذو نصل يشبه‬
‫ورقة نبات االس؛ يستخدم لفصد العروق‪ .‬و مضبع أملس الحافتين؛ و يستخدم لفتح األذن التي قد‬
‫تسد إما من جراء جسم خارجي أو لزيادة تنبث فيها‪.‬‬

‫الصنانير‪ :‬و هي أنواع أيضا منها؛ البسيط ذو المخطاف الواحد‪ ،‬و المركب ذو المخطافين أو‬
‫الثالثة مخاطيف الخ‪ ،...‬و صنانير خاصة بخلع بقايا السن المكسور و هناك أيضا أدوات خاصة‬
‫لخلع األسنان و األضراس الكالليب‪ ،‬منها ما يستخدم الستخراج ما ينشب في الحلق من أجسام‬
‫غريبة‪ .‬و هناك أنابيب كانت تتخذ من الريش أو تصنع من الفضة و النحاس أو الحديد و هناك‬
‫مجموعة من األنابيب لكل أنبوب وظيفة يؤديها؛ فهناك أنبوب لقطع الثملة‪ ،‬و هناك أنبوب هوام‬
‫األذن الخ‪ ،...‬و هناك أيا بعض اآلالت كانت تستعملها القابالت في التوليد و هو اللولب‪ .‬و لقد‬
‫اعتمد الجراحون المسلمون أيضا المحاجم و المحاقن‪ ،‬فالمحاجم على ثالثة أشكال‪ :‬منها الصغير‬
‫و المتوسط و الكبير‪ ،‬و تصنع من النحاس أز من الصيني مدورة أسطوانية تستخدم لقطع النزيف‪.‬‬
‫أما المحاقن فهي نوعان؛ كبير و صغير‪ ،‬و تستخدم الصغيرة لألطفال و تصنع من الفضة أو‬
‫النحاس أو الصيني‪.‬و لقد استخدم المسلمون الجراحون أيضا أدوات دقيقة الستئصال األورام و‬
‫الناسور أو لقطعها و من ذلك؛ البريد و هو أداة كالمسبار‪ ،‬كما استخدموا المدس؛ و هو ألة‬
‫كالمورد لجس واستقصاء األورام‪ .‬و مما استخدم في جراحة األورام المشرط؛ و هو الة تشق بها‬
‫األورام‪ ،‬و هناك المكبس المجوف‪ .‬ووظيفتها كبس اللسان ليتمكن الجراح من رؤية الحلق و‬
‫الكشف عن أورامه‪ .‬و هناك أيضا أدوات استخدمت في جراحة الناسور‪ ،‬أيضا المسبار المثقوب‪.‬‬
‫و من أدوات جراحة األورام أيضا الكاوية وهي أنوا‪ :‬الكاوية المسمارية؛ و تكوى بها بواسير‬
‫الشرج و الرحم‪ ،‬و الكاوية األنبوبية؛ التي تكوى بها األضراس‪ ،‬و الكاوية الهاللية؛ الطرف التي‬
‫تكوى بها الفتوق الخ‪ ،...‬من الكاويات‪ .‬أما في جراحة العيون و األنف و األذن و الحنجرة‪ ،‬فقد‬
‫أبدعوا في استخدام اليات عديدة‪ ،‬و من ذلك‪ :‬أنهم استخدموا البريد؛ و هو شديدة الصالبة لثقب‬
‫الملتحمة دون التعمق في الثقب‪ .‬و بعدها استخدموا المقدح؛ و يستعمل بعد إجراء الثقب‪ ،‬ثم‬
‫استخدموا القصبة؛ تستعمل في رفع جفن العين أثناء العملية‪ .‬إضافة إلى بعض األدوات التي‬
‫استخدمت في جراحة العظام البيرم؛ و هي تستخدم لرد العظام المكسورة الناتئة على الجلد و‬
‫تسويتها‪ ،‬كما استعملوا نوعا من المثاقب لثقب العظام‪.‬‬

‫التخدير و االنعاش‪:‬‬

‫لم يقتصر المسلمون الجراحون فب مجال الجراحة فقط على إجراء عمليات لم تجر مثلها من‬
‫قبل‪ ،‬واكتشاف أدوات جراحية جديدة فحسب‪ ،‬بل اخترعوا طرقا أخرى أضافوها إلى هذا العلم‬
‫مثل علم التخدير و االنعاش‪ ،‬و يعود الفضل للمسلمين الذين اعتبروا أول من اكتشفوا المرقد‬
‫"المبنج" و هم من استعملوا التخدير ألول مرة عن طريق االستنشاق‪ ،‬و لقد كان هذا االكتشاف‬
‫فتحا في مجال الطب الجراحي‪ ،‬وأفضل بكثير مما كانوا يستعملونه الهنود و الرومان و اإلغريق‪،‬‬
‫الذين كانوا يجبرون مرضاهم على تناول المشروبات المسكرة لتخفيف االالم‪ .‬إلى جانب اكتشافهم‬
‫الكبير وهو المرقد‪ ،‬جربوا أدوية مبنجة لتخفيف االالم للذين خضعوا للعمل الجراحي أو الذين‬
‫سيخضعون لها و من ذلك؛ اللفاح‪ ،‬القنب الهندي‪ ،‬الشوكران‪ .‬أما االنعاش‪ ،‬فرغم أن المسلمين لم‬
‫يتوسعوا فيه كثيرا و ليست لهم خبرة واسعة فيه إال أنهم عرفوا مبادئه‪ ،‬فكانوا يدفعون كميات من‬
‫الهواء عبر الرئتين بالضغط المتناوب‪ ،‬واستخدموا في ذلك المنفاخ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫التشريح‬
‫لق‪QQ‬د ص‪QQ‬رح األطب‪QQ‬اء المس‪QQ‬لمون ب‪QQ‬أن الج‪QQ‬راح ينبغي أن يك‪QQ‬ون عالم‪QQ‬ا بالتش‪QQ‬ريح و وظ‪QQ‬ائف‬
‫األعض‪QQ‬اء و مواض‪QQ‬عها ليتجنب في فتح الم‪QQ‬واد قط‪QQ‬ع األعض‪QQ‬اء و أط‪QQ‬راف العض‪QQ‬ل و االوت‪QQ‬ار و‬
‫األلياف‪ .‬و لقد ترجموا مجموعة من الكتب لجالينوس في التشريح‪ :‬اختصار كتاب م‪Q‬ارنيس‪ ،‬و في‬
‫تش‪QQ‬ريح الحي‪QQ‬وان الحي و الميت‪ ،‬و علم أبق‪QQ‬راط في التش‪QQ‬ريح‪ ،‬و تش‪QQ‬ريح ال‪QQ‬رحم و العين و االت‬
‫الصوت‪ ،‬و هذه الترجمات التي قاموا بها المسلمون ساعدتهم كثيرا واستفادوا منها الكث‪QQ‬ير في علم‬
‫الجراحة‪ .‬و عملوا في تشريح عيون الحيوانات و التي أيضا استفادوا منها خبرة‪ ،‬رغم أن األطب‪QQ‬اء‬
‫المسلمون لم يقوموا بعمليات في تشريح الجسد ريما ألسباب دينية أو إنسانية أو اجتماعي‪QQ‬ة‪ ،‬و لكن‬
‫هناك من صرحوا أنهم مارس‪QQ‬وا ذل‪QQ‬ك س‪QQ‬را‪ .‬و هن‪QQ‬اك دليلين يؤك‪QQ‬دان على ذل‪QQ‬ك؛ أوال أنهم وص‪QQ‬فوا‬
‫أجزاء الجسم البشري كالعين‪ ،‬القلب‪ ،‬الكبد‪ ،‬الرحم‪ ،‬وصفا بالغ الدق‪QQ‬ة‪ ،‬و ثاني‪QQ‬ا أنهم خرج‪QQ‬وا ب‪QQ‬آراء‬
‫تخالف و تنتقد األطباء اليونانيين‪ ،‬و بينوا خطأهم في بعض ما ذهبوا إليه‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫طب العيون‬
‫لقد أطلق اسم الكحالة على طب العيون و كانوا يسمون المشتغلين به من األطباء باسم‬
‫الكحالين‪ ،‬و لقد ترجم المسلمون ما توصلوا به من كتب علم الكحالة من الهند و اليونان و‬
‫الرومان كما فعلوا أيضا في علم الجراحة‪ ،‬إلى جانب ما تم التوصل إليه في إجراء العمليات‬
‫الجراحية لقدح الماء األزرق‪ ،‬و قاموا بإجراء عمليات جراحية لقدح الماء األبيض "الساد"‬
‫وابتكروا فيها أيضا ست طرق؛ كانت إحداهما بواسطة المص؛ كانوا يستخدمون في ذلك أنبوبا‬
‫زجاجيا رقيقا يدخلونه من مقدمة العين و يفتتون به العدسة المقدمة ثم تمتص هذه العدسة بعد‬
‫ذلك‪ .‬و قد ألف المسلمون أيضا العديد من كتب طب العيون و جراحتها و مداواتها و من أشهر‬
‫كتب الكحالة‪ :‬كتاب عشر مقاالت في العين لحنين بن إسحاق‪ ،‬و يعد هذا الكتاب بداية للمسلمين‬
‫في علم الكحالة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫طب األطفال‬
‫اهتم األطباء المسلمين بهذا التخصص و كانوا ملمين إلماما طبيا بهذا النوع من الطب إلى جانب‬
‫درايتهم و تخصصاتهم الطبية األخرى‪ .‬و قد اهتموا بمراحل حياة الطفل منذ مولده و لم يكن هناك‬
‫اختالف كبير بين تقسيمهم و تقسيم المحدثين‪ .‬فلقد اهتموا بكل ما يخص األطفال‪ ،‬حتى أنه وضع‬
‫كتابا خصصه للمولودين في سبعة أشهر و كيفية رعايتهم‪ ،‬و بحثوا في اإلرضاع و المرضع‪ ،‬كما‬
‫اتفقوا على أن لبن األم هو األفضل للطفل و أجود أنواع الحليب و هذا ما يقرره الطب الحديث‪،‬‬
‫حتى أنهم بحثوا فيما ينبغي تناول المرضع في فترة الرضاعة و نصح المرضع بالتوقف عن‬
‫اإلرضاع في حاالت معينة‪ ،‬و هذا بالضبط ما يؤيده الطب الحديث أما مدة االرضاع فقد حددوها‬
‫بعامين‪ ،‬و لعلهم اهتدوا في ذلك بما ورد في القران‪ ":‬و الوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين‬
‫أن يتم الرضاعة "‪ .‬واشترطوا على أن يكون الفطام في موسم اعتدال الطقس؛ فال يكون في‬
‫الصيف القائظ و الشتاء القارس‪ .‬كما تمت اإلشارة إلى أن الطفل إن أراد أن يتدرب على المشي‬
‫فال يمكن من الحركات العنيفة؛ و ال يجوز أن يحمل على المشي و القعود قبل انبعاثه إليه بالطبع؛‬
‫فيصيب ساقيه و صلبه افة‪.‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫النساء و الوالدة‬
‫لقد توسع األطباء المسلمون في هذا المجال توسعا كبيرا فتحدثوا عن اضطرابات الطمث‬
‫و الدورة الشهرية و عن االالم المرافقة لذلك‪ ،‬و تشريح الرحم و أمراضه و كتب الرازي في‬
‫أمراض النساء و الوالدة‪ ،‬و ضمن ابن سينا الجزء الثالث من قانونه الحادي و العشرين كامال‬
‫مفصال عن أمراض النساء و الوالدة‪ ،‬و قد شرح ابن سينا و غيره الية الوالدة و كيفية خروج‬
‫الجنين طبيعيا و الوالدة الغير الطبيعية‪ ،‬و لقد أجرى األطباء المسلمون عمليات قيصرية ناجحة‬
‫بحثوا فيها وبحثوا في الحمل و الرضع‪ ،‬و تطور الجنين داخل الرحم بعد اإلخصاب‪ ،‬كل هذا‬
‫بحثوا فيه و توسعوا فيه وأعطوا النصائح التي يجب اتخادها إزاء كل هذا‪ .‬كما شخصوا أعراض‬
‫ما نسميه حاليا بالحمل الكاذب " الرحا "‪ ،‬و بينوا الصفات التشريحية المرضية له‪ ،‬و أحدثوا‬
‫موضوعا عن عسر الوالدة و بينوا أن ذلك يعود إلى واحد من‪ :‬الحامل‪ ،‬الجنين‪ ،‬الرحم‪ ،‬القابلة‪،‬‬
‫أسباب |أخرى‪ ،‬و بينوا تفاصيل كل واحد منها في عسر الوالدة‪.‬‬

‫المبحث السادس‬
‫الطب النفسي‬
‫كان الطب النفسي قديما في تاريخه المتعثر الطويل يواجهون الكثير من الصعوبات كاإلنكار و‬
‫الجحود‪ ،‬حيث كانوا األوربيون يقيدون المجانين بسالسل و كانوا يعالجونهم بالضرب عند ارتفاع‬
‫أصواتهم بالصراخ أي أنهم يتعرضون للعنف في حالة من حاالت الطب النفسي‪ ،‬حتى ظهر‬
‫األطباء و العلماء المسلمون الذين أسدوا معروفا في هذا المجال و لم يقتصروا على العالج‬
‫العضوي فحسب بل تعداه إلى العالج النفسي لذلك خصصوا جناحا في كل مستشفى كبير‬
‫لألمراض العصبية و العقلية‪ .‬و قد أشار الرازي على أهمية العامل النفسي في العالج و لقد كان‬
‫أول من توصل إلى األصول النفسية لالتهاب المفاصل الروماتزمي و قد بحث كثيرا في هذا‬
‫التخصص و بين أعراض كل حالة نفسية و عواملها ومسبباتها‪ ،‬و شخص بعض الحاالت‪ ،‬و قد‬
‫كتب بعض األطباء رسائل و مؤلفات في الصحة النفسية كمثال؛ كتب ابن ميمون رسالة سماها "‬
‫الرسالة األفضلية " تبحث عن الحاالت النفسية المختلفة كالغضب‪ ،‬السرور‪ ،‬الحزن و أثرها على‬
‫الصحة‪.‬‬

‫المبحث السابع‬
‫األمراض و العالجات‬
‫الفصل الرابع‪ :‬المستشفيات في الحضارة اإلسالمية‬
‫أشار الكاتب في هذا الفصل إلس‪QQ‬هامات المس‪QQ‬لمين في مج‪QQ‬ال الطب ال‪QQ‬تي ال تحص‪QQ‬ى و ال‬
‫تع‪QQ‬د‪ ،‬و أن لهم الس‪QQ‬بق في ه‪QQ‬ذا المج‪QQ‬ال خاص‪QQ‬ة في بن‪QQ‬اء المستش‪QQ‬فيات ال‪QQ‬تي ك‪QQ‬انت تس‪QQ‬مى س‪QQ‬ابقا‬
‫البيمارستانات‪ ،‬فالمستشفيات كان منها الثابت و منها المتنقل بالقرى‪ ،‬و في عهد الس‪QQ‬لطان محم‪QQ‬ود‬
‫السلجوقي كانت تحمل على الجمال؛ و قد يصل في بعض األحيان ع‪QQ‬دد الجم‪QQ‬ال إلى ‪ ،40‬كم‪QQ‬ا أن‬
‫المستشفيات الثابتة في المدن وصلت إلى درجة راقية و أش‪QQ‬هرها العض‪QQ‬دي في بغ‪QQ‬داد ال‪QQ‬ذي أنش‪QQ‬ئ‬
‫سنة ‪ 371‬هجري‪Q‬ة‪ ،‬و المستش‪Q‬فى المنص‪Q‬وري الكب‪Q‬ير بالق‪Q‬اهرة ال‪Q‬ذي أس‪Q‬س س‪Q‬نة‪ 683‬هجري‪Q‬ة‪ ،‬و‬
‫المستشفى النوري بدمشق الذي أسس سنة ‪ 549‬هجرية‪ ،‬كما أن في قرطبة وحدها كان هناك أزيد‬
‫من ‪ 50‬مستشفى‪ ،‬و قد قسمت هذه المستشفيات حس‪QQ‬ب التخص‪QQ‬ص‪ ،‬فلم تكن فق‪QQ‬ط دورا للعالج ب‪QQ‬ل‬
‫كانت كليات طب حقيقة يتلقى الطالب دروس‪QQ‬هم من خالل قاع‪QQ‬ة ال‪QQ‬درس و تج‪QQ‬ربتهم في حج‪QQ‬رات‬
‫المستش‪QQ‬فى‪ ،‬و في اخ‪QQ‬ر البرن‪QQ‬امج يع‪QQ‬د لهم امتح‪QQ‬ان لني‪QQ‬ل إج‪QQ‬ازتهم في الف‪QQ‬رع ال‪QQ‬ذي تخص‪QQ‬ص في‪QQ‬ه‬
‫باإلض‪QQ‬افة إلى ض‪QQ‬مها لمك‪QQ‬اتب ض‪QQ‬خمة كمكتب‪QQ‬ة ابن طول‪QQ‬ون بالق‪QQ‬اهرة ك‪QQ‬انت ت‪QQ‬زرع بج‪QQ‬انب ه‪QQ‬ذه‬
‫البيمارستانات مزارع األعشاب الطبي‪Q‬ة و النبات‪Q‬ات العالجي‪Q‬ة لتجنب الع‪Q‬دوى داخله‪Q‬ا‪ ،‬كم‪Q‬ا أن ك‪Q‬ل‬
‫مريض يدخل في عنبر خ‪Q‬اص بمرض‪Q‬ه و يمنح ل‪Q‬ه مالبس جدي‪Q‬دة و ين‪Q‬ام على س‪Q‬ريره الخ‪Q‬اص و‬
‫إمالءات جديدة و أدوات خاصة‪ ،‬و هذا عكس ما نجده بالمستشفى الذي أنشئ في ب‪QQ‬اريس بق‪QQ‬رون‬
‫بعد و الذي كان يفتقر إلى أبسط شروط الوقاية و النظاف‪Q‬ة و الراح‪Q‬ة‪ ،‬و من أعظم المستش‪Q‬فيات في‬
‫اإلسالم " مستشفى المنصوري " الذي أنشأه المنصوري سيف الدين‪ " ،‬مستشفى مراكش " الذي‬
‫أنش‪QQ‬أه يوس‪QQ‬ف يعق‪QQ‬وب ‪ ،‬إض‪QQ‬افة إلى المستش‪QQ‬فيات المتخصص‪QQ‬ة في مستش‪QQ‬فى العي‪QQ‬ون و الج‪QQ‬ذام‬
‫واألمراض العقلية‪ .‬كما أشارت المستشرقة األلمانية زيغريد هونكه ‪ ، sigrid hunke‬المستشفيات‬
‫آنذاك كانت بمثابة نصب تذكارية للعبقرية العربي‪QQ‬ة‪ ،‬فالمس‪QQ‬لمون ك‪QQ‬ان األس‪QQ‬بق من الغ‪QQ‬رب في ه‪QQ‬ذا‬
‫البناء بتسعة قرون على األقل و بلغوا تحقيق التكافل االجتماعي‪.‬‬

‫الفصل الخامس‪ :‬البعد اإلنساني للطب عند المسلمين‬


‫فبعد حديثنا في الفصل السابق عن إنجازات و إبداعات المسلمين في مجال العلوم‬
‫الطبية‪ .‬فإن هذا الفصل الذي بصدد دراسته يتناول بعدا هاما و هو البعد اإلنساني و الذي يكمن‬
‫في احترام اإلنسان بصفة عامة و السعي لرفع المعاناة عنه‪ ،‬فلقد اهتم األطباء المسلمين بهذا‬
‫البعد‪ ،‬فالتشريع االسالمي يسعى لرفع الحرج عن المريض ألنه مكرم اذ يهتم برعايته حين‬
‫مرضه حتى لو لم يكن مسلما فاألطباء كانوا يتعاملون مع المريض على أنه إنسان في أزمة و من‬
‫الواجب مساعدته نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا دون التفرقة و بنفس المستوى‪ ،‬فبمجرد دخول‬
‫المريض يفحص ثم يكتب له العالج إذا كان مرضه خفيفا أما إذا كان مستعصيا يؤخذ اسمه و‬
‫يدخل المستشفى و يخصص له سريرا لوحده و يعطى له الدواء و أطيب الطعام و مبلغا من المال‬
‫حتى يصبح قادرا على العمل بعدها و خير مثال؛ توجيه أبي الرازي لتالميذه بمعالجة الفقراء‬
‫بنفس االهتمام و العناية التي يعالجون بها األغنياء و األمراء‪ ،‬و هذا االهتمام لم يقتصر على مدن‬
‫الدول االسالمية بل طال حتى للسجناء الذين يجدون الرعاية الطبية الكافية ألنهم بشر‪ ،‬و كانت‬
‫األوقات الخيرية تهتم بتغطية احتياجات المستشفيات و اإلنفاق على طالب الطب المتدربين‪ ،‬و‬
‫كانت بعض األوقاف توظف اثنين يمران بالمستشفيات يوميا فيتحدثان بجانب المريض حديثا‬
‫خافتا يسمعه المريض دون أن يراهما و يحيل له من خالل حديثهما بتحسن حالته و هذا ما يعرف‬
‫بخداع المريض لرفع معنوياته‪ ،‬كما أن األمراء و الخلفاء كانوا يفتقدون المرضى بدورهم و قد‬
‫راع الشرع حقوق المريض في العالج إذ سمح للرجل بعالج المرأة أو أن يبحث المريض عن‬
‫عالج عند غير المسلمين إذا تعذر وجوده عندهم و للحفاظ على حياته و صحته و هذا ال نجده‬
‫أكيد إال في التشريع اإلسالمي‪.‬‬

‫الفصل السادس‪ :‬الطب الوقائي في اإلسالم‬


‫أبدع المنهج اإلسالمي في مجال الوقاية من األمراض‪ ،‬و حرص اإلسالم على‬
‫سالمة النفس و الجسد من أجل سالمة المجتمع و دعا إلى الطهارة و الغسل خاصة األعراض‬
‫التي تكثر فيها األمراض أو الوسخ كما أمر الرسول صلى هللا عليه و سلم و كما أوصى المسلمين‬
‫بحماية أنفسهم من أثار الطعام الزائدة و التخمة و أمرهم بنظافة األطعمة و األشربة و االبتعاد عن‬
‫كل شيء يضر صحتهم الجسدية و النفسية كالخمر و المخدرات لما لها من أثار‪ ،‬كما حرم هللا عز‬
‫و جل الفواحش كالزينة و العالقات الغير المشروعة نظرا لضررها على صخة المسلمين و تناقل‬
‫األمراض الجسدية و حرم أكل الميتة لخطورتها‪ ،‬واهتم اإلسالم بالصحة النفسية للمرء و دعا‬
‫بالرفق و الرحمة و حسن الخلق و نسيان األخطاء األخرين و الصفح و الرضا و هذا ما يسمو و‬
‫يرفع من أخالق المسلم ‪ ،‬كما تجاوز ذلك ليهتم بما يلبس من ثياب و أثرها على صاحبها و مع من‬
‫يعيش و يحتكون به في حياته اليومية كما أن التوحيد يقرن بنظافة اإلنسان‪ ،‬باإلضافة إلى االعتماد‬
‫على الحجر الصحي أثناء انتشار األوبئة و لم يكتفي هذا المنهج بالتداوي بل كان يوضح أبسط‬
‫الوسائل للوقاية من األمراض و تراه يقول " فر من المجذوم كما تفر من األسد " لهذا حث هذا‬
‫المنهج على الوقاية من األمراض بهدف إسعاد األخرين و أخد أجر عظيم لمن ساهم في منع‬
‫انتشار الطاعون و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على روعة المنهج التشريعي في الطب‬
‫الوقائي لإلسالم‪.‬‬

‫الفصل السابع‪ :‬شهادات المسلمين على عظمة الحضارة‬


‫الطبية‬
‫شهد العديد من الغربيين على عظمة الحضارة اإلسالمية و ما قدمته‬
‫للبشرية في مونت جميري ولت ‪ ، William Montgomery Walt‬أشاد بابن سينا في الطب‬
‫وابن رشد و لقد اعتبر سيديو ‪ sudaio‬األطباء العرب من الرجال الممتازين على الدوام فكتب‬
‫ابن سينا و الرازي سيطرت على مدارسهم لزمن طويل كما شهد مايرهوف ‪ Mayer Hof‬على‬
‫أن الطب عند المسلمين عبارة عن موسوعات منتظمة صنفت فيها معارف القدماء تصنيفا دقيقا و‬
‫لقد أشار بيربورمان ‪ Per bruman‬أن إنجازات العرب في الطب ال يستطيع احد إنكارها و هذا‬
‫ما دفعه لتأليف كتاب الطب اإلسالمي في القرون الوسطى حيث استعرض دور المستشفيات‬
‫اإلسالمية و تقديمها الخدمة الطبية للجميع بغض النظر عن ديانتهم و إسهامهم في مداواة أهم‬
‫األمراض و غيرهم الكثير من الشهادات‪.‬‬

You might also like