Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 382

‫‌‬

‫‌‬
‫‌‬

‫الجمهورية الجزائـرية الديمقراطية الشعبية‬


‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬
‫جامعة عبد الحميد ابن باديس – مستغانم‪-‬‬
‫كلية اآلداب والفنون‬ ‫‌‬
‫قـسم اللغة العربية وآدابها‬ ‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬ ‫‌‬
‫‌‬

‫االنزياح اللغوي في مقامات الحريري‬ ‫‌‬


‫‌‬
‫‌‬

‫أطروحة علمية مقدمة لنيل شهادة دكتوراه العلوم‬


‫‌‬
‫شعبة‪ :‬لغة عربية تخصّص‪ :‬البالغة واألسلوبية‬ ‫‌‬
‫‌‬

‫إشـراف‪‌ :‬‬ ‫‌‬ ‫‌‬ ‫‌‬ ‫إعداد الطالبة‪:‬‬


‫‌‬
‫األسـتاذالدكتىر‪:‬الجٍاللً بن ٌشى‪.‬‬ ‫‌‬ ‫‌فتٍحة بن ٌحٍى‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫أعضاء لجنة المناقشة‬ ‫‌‬
‫جاهعت‌وهراى‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌رئٍســـا ‌‬ ‫أ‪.‬د‌عبذ‌الحلٍن‌بي‌عٍسى‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‬ ‫‌‬
‫‌‬
‫أ‪.‬د‌الجٍاللً‌بي‌ٌشو‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌جاهعت‌هستغاًن‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌هشرفا‌وهق ّررا ‌‬ ‫‌‬
‫أ‪.‬د‌عوار‌ساسً‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌جاهعت‌البلٍذة‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌عضوا‌هٌاقشا ‌‬ ‫‌‬
‫‌‬
‫أ‪.‬د‌أحوذ‌جالٌلً‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌الوركس‌الجاهعً‌بالٌعاهت‌‌‌‌‌عضوا‌هٌاقشا ‌‬ ‫‌‬
‫د‪‌.‬لخضر‌العسّال‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌جاهعت‌هستغاًن‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌عضوا‌هٌاقشا ‌‬ ‫‌‬
‫د‪‌.‬هحوذ‌سعٍذي‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌جاهعت‌هستغاًن‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌عضوا‌هٌاقشا ‌‬

‫السنة الجامعٍة‪2102 :‬م‪2102/‬م‬ ‫‌‬

‫‌أ‬
‫‌‬

‫‌‬

‫‌ب‬
‫مق ّدمة‬

‫‌ج‬
‫مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ذبربة الكتابة ُب أساسها ذبربة لغة‪ ،‬وقد اكتست الكتابة ُب اؼبقامات أنبّية كربى باعتبارىا مثّلت فرتة‬
‫اؼبؤىلة على‬
‫اختمار التّجربة النّثرية العربية القديبة اؼبكتوبة منها على اػبصوص‪ ،‬فاؼبقامة من النّصوص ّ‬
‫السياؽ الثّقاُب‬
‫فيو‪-‬األقل من ناحية ّ‬
‫ّ‬ ‫ضخما‪،‬وقد مثلّت ‪ -‬الذي ظهرت‬
‫كي ربتوي تراثا شعريا ونثريا ً‬
‫مقامات اغبريري بناء لغويا فبيّزا انبىن على تفجري طاقات اللّغة‪ ،‬وجعلها تضيف إٔب نفسها ومن‬
‫ص‬
‫الشعرية ؽبذا النّ ّ‬
‫فعاؿ ُب شحن ال ّدفقة ّ‬
‫داخلها عنصرا آخر ىو اإليقاع‪ ،‬الذي أسهم بشكل ّ‬
‫صنّف ُب خانة النّصوص النّثرية – ليس من‬ ‫بنص ‪ُ -‬‬
‫الشعرية ّ‬
‫النّثري‪ ،‬وىو ما ُيب ّكننا من ربط البنية ّ‬
‫ناحية اإلمكانات اإليقاعية فحسب وإّمبا بإمكانات أخرى تركيبية وداللية‪.‬‬

‫لعل من بني األسئلة اليت يُثريىا القارئ‪:‬‬


‫و ّ‬
‫خاصة إذا أخذنا ُب‬
‫الفّن أف وبمل مبلمح إنزياحية اللّغة ُب متنو؟ ّ‬
‫ص النّثري ّ‬
‫ىل يبكن ؽبذا النّ ّ‬
‫عني االعتبار أ ّف ىذه اللّغة تش ّكل ىيكلو وأ ّّنا سبثّل شخصية ذات سيادة ُب اؼبقامة‪.‬‬
‫الفّن ُب اؼبقامات‬
‫الفّن لبلنزياح قاصرا ونسبيا إذا نفيناه من النّثر ّ‬
‫أال يبكن أف يكوف التّحديد ّ‬
‫الرتكيبية واإليقاعية ُب‬
‫الشعر وحده‪ ،‬وؼباذا ال ينهض االنزياح اللّغوي بوظيفتو ال ّداللية و ّ‬
‫وقصرناه على ّ‬
‫الرمزية واليت يكوف من اؼبكابرة إنكارىا أو‬
‫كبل الفنّني فيكشف عن اإلوباءات اعبمالية واالجتماعية و ّ‬
‫نص وبمل مبلمح فنّية‪.‬‬
‫أي ّ‬
‫إقصاءىا من ّ‬
‫إ ّف طُغياف األسلوب اللّغوي ُب اؼبقامة واعتمادىا على اللّغة فقط‪ ،‬اليت تقوـ ببناء ىيكلها‬
‫بشكل متني ليس للهنات فيها نصيب ‪ٍ،‬ب تساوؽ موجات ىذه اللّغة ُب إيقاع قصري ومتواتر مع إفراز‬
‫ص واالنزياح اللّغوي‬
‫الصلة بني ىذا النّ ّ‬
‫اؼبعاين اعبليّة وال ّدالالت اإلوبائية اؼبختلفة‪ ،‬قد جعلنا نربط ّ‬
‫الذي يُع ّد بؤرة ال ّدراسات األسلوبية وجوىرىا‪،‬حيث يعد من أكثر الظواىر األسلوبية تردداً وأوسعها‬
‫انتشاراً ُب النص اؼبقامي‪.‬‬
‫متفرد فنّػيّا‪،‬‬
‫ص اؼبقامي عند اغبريري بعآب أديب لغوي ّ‬
‫كل ذلك توضيح مدى ارتباط النّ ّ‬
‫وغايتنا ّ‬
‫حيث يتميّز عن غريه من الفنوف األخرى خبصوصيات على مستوى األدوات اعبمالية‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫اؼبوقف االجتماعي واإلنساين‪ ،‬فأردنا الوقوؼ على صور االنزياح وأبعاده الداللية واعبمالية ُب التعبري‬

‫‌د‬
‫مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اؼبقامي‪ ،‬باعتباره ظاىرة ببلغية أسلوبية تربز وجها من وجوه ال ّدالالت اإلوبائية واللّغوية اؼبتوفّرة ُب‬
‫ص النّثري الذي يرتكز على اإلمتاع واإلقناع؛ اإلمتاع اؼبستند إٔب النّحت ُب جسد اللّغة وما‬
‫ىذا النّ ّ‬
‫تزخر بو من عناصر انزياحية صبالية‪،‬واإلقناع اؼبدعوـ بإيباف عميق بقدرة اؼبقامة على تشخيص وإبراز‬
‫الوعي الثّقاُب واالنتقادي لصاحب اؼبقامة ّاذباه عصره دبا يسمح بتصحيح اؼبسار الفكري وتأصيل‬
‫القيم اػبلقية داخل اإلنساف العريب‪.‬‬
‫ص اؼبقامي للحريري بال ّدراسة وأفرغنا فيو جهدنا لعلّنا نصل منو ِرضبًا ؾبفوة ؼبا‬
‫وقد آثرنا النّ ّ‬
‫الشيء الكثري‪ ،‬فأردنا أف نفتح‬ ‫الصنعة واألالعيب اللّغوية ّ‬
‫أسند إليو من صفات التّعقيد واؼببالغة ُب ّ‬
‫ونوضح اإلوباءات ونستخرج الكنوز اؼبضمرة ُب‬ ‫االّتامات لنجلي ال ّدالالت ّ‬
‫نصا مغلقا على ىذه ّ‬ ‫ّ‬
‫عمق ذلك كلّو‪ ،‬فألفيناىا صندوقا سحريّا يفتحو القارئ ليستنبط منو أشياء شبينة‪ ،‬ووفرة من الثّروات‬
‫اؼبتؤللئة –كما يقوؿ عبد الفتّاح كليطو‪.-‬‬
‫وقع اختيارنا على نصوص اغبريري اؼبقامية ألنبّيتها ُب األدب العريب القدًن حيث أقبل عليها‬
‫الصيت ما جعلها مثاال ًبّ‬
‫اػباص والعجمي قبل العريب فشرحت وترصبت‪ ،‬وكاف ؽبا من ّ‬
‫ّ‬ ‫العاـ قبل‬
‫ّ‬
‫كل من أنتج داخل جنس اؼبقامات‪.‬‬
‫احتذاؤه من طرؼ ّ‬
‫صي ىو‪:‬‬
‫أىم دواعي اختيارنا ؽبذا األمبوذج النّ ّ‬
‫لعل ّ‬
‫و ّ‬
‫بالشعر وحده حيث حظي بال ّدراسة والتّحليل‬ ‫ّأوال‪ :‬عناية الباحثني ُب ؾباؿ األسلوبية ّ‬
‫الفّن ‪-‬وىو شبرة األقبلـ‪ -‬فلم تنشط لو أقبلـ ال ّدارسني ُب‬
‫األسلويب بشكل كبري ج ّدا‪ّ ،‬أما النّثر ّ‬
‫بالشعر وحده‬
‫ال ّدراسات األسلوبية إال قليبل ذلك أ ّّنم ربطوا االنزياح الذي وبدث ُب ضوء نظاـ اللّغة ّ‬
‫الشعرية"‪.‬‬
‫خاصة ما جاء بو "جاف كوىن" ُب كتابو "بنية اللّغة ّ‬
‫مستندين ُب ذلك إٔب حبوث غربية ّ‬
‫ص النّثري اؼبقامي من خبلؿ لغتو مقاربة أسلوبية‬ ‫فكانت جرأة منّا أف حاولنا مقاربة النّ ّ‬
‫للبحث عن خصائصو الفنّػيّة واعبمالية اليت سبيّزه عن النّصوص النّثرية األخرى‪.‬‬
‫تنص‬
‫ص اؼبقامي قديبا وحديثا من أحكاـ ّ‬
‫ثانيا‪ :‬اإلسهاـ ُب دحض وتفنيد ما أشيع حوؿ النّ ّ‬
‫على فراغو ال ّدالٕب وعلى تقليديتو وذبسيده الكبطاط األدب‪.‬‬

‫‌ٍ‬
‫مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫األوؿ بكاملو‬
‫خصصنا الفصل ّ‬ ‫قسمناه إٔب أربعة فصوؿ؛ حيث ّ‬ ‫ّأما عن خطّة البحث فقد ّ‬
‫لعرض ومناقشة مفاىيم األسلوب قديبا وحديثا عند العرب والغرب‪ ،‬وحاولنا أيضا بلورة مفاىيم تتّصل‬
‫دبوضوع األسلوبية تارىبا ومنهجا دبنظور عريب وغريب أيضا‪.‬‬
‫عرض ؼبفهوـ التّشكيل األسلويب من ؿباوره اؼبتع ّددة فكاف‪:‬‬
‫تؤب التّ ّ‬
‫ّأما الفصل الثّاين فقد ّ‬
‫ّأوؽبا‪ :‬ؿبور االختيار‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬ؿباور اػبطاب الثّبلثة (اؼبخ ِ‬
‫اطب واؼب َخاطَب واػبطاب)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َُ‬
‫وثالثها‪ :‬ؿبور اؼبقاـ‪.‬‬
‫تؤب بياف أنبّية أسلوب االنزياح اللّغوي ُب ال ّدراسات األسلوبية‬
‫و ّأما الفصل الثّالث فقد ّ‬
‫العربية والغربية‪ ،‬ودوره ُب استكناه ال ّدالالت اػبفيّة ُب النّصوص‪.‬‬
‫ص اؼبقامي للحريري من‬
‫وختمنا البحث بفصل رابع عاعبنا فيو ظاىرة االنزياح اللّغوي ُب النّ ّ‬
‫مستويات ثبلث‪:‬‬
‫‪ -1‬اؼبستوى ال ّدالٕب‪.‬‬
‫الرتكييب‪.‬‬
‫‪ -2‬اؼبستوى ّ‬
‫الصوٌب‪.‬‬
‫‪ -3‬اؼبستوى اإليقاعي و ّ‬
‫وسيبلحظ القارئ أنّنا ُب دراستنا ؽبذه اؼبستويات ٓب نقف عند مقامات بعينها بل استفدنا‬
‫السبب ُب ذلك أ ّف من ظبات ال ّدراسات األسلوبية ّأّنا ذات طابع مشوٕب‬
‫من ـبتلف نصوصو اؼبقامية و ّ‬
‫حّت تتّصف ال ّدراسة بال ّدقّة واؼبوضوعية‪.‬‬
‫لنتاج األديب بأكملو ّ‬
‫تتوخى ربقيق ىدفني اثنني‪:‬‬
‫إ ّف اؼبزاوجة بني النّظري والتّطبيقي ُب دراستنا ىذه ّ‬
‫أىم رموزه الببلغية‬
‫ّأوؽبا‪ :‬ؿباولة متابعة الفكر األسلويب النّقدي القدًن واؼبعاصر فبثّبل ُب أحد ّ‬
‫الرجوع ُب‬
‫واألسلوبية‪ ،‬ومعرفتو معرفة مباشرة من خبلؿ اؼبفاىيم اؼبتع ّددة لؤلسلوب واالنزياح‪ٍ ،‬بّ ّ‬
‫وتصورات متباينة قصد قراءتو وإغنائو‬
‫تزودنا برؤى ومفاىيم ّ‬ ‫مرحلة ثانية إٔب تراثنا الّنثري العريب‪ ،‬وقد ّ‬
‫للشعر كفؤ‬
‫الفّن ىو ن ّد ّ‬
‫الشعر انطبلقا من أ ّف النّثر ّ‬
‫واالنطبلؽ منو ُّدؼ ذبديده وجعلو ُب مستوى ّ‬
‫لو‪.‬‬
‫‌و‬
‫مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وُّذا نتم ّكن من ربديد األطر الفنّػيّة واألساليب اللّغوية اليت سبتاز ُّا لغة اؼبقامات اغبريرية‪،‬‬
‫اؼبتفردة ومدى قدرّتا‬
‫لنتبني مدى الثّبوت واالنزياح ُب قواعدىا‪ ،‬واستعماالّتا‪ ،‬فندرؾ خصائص لغتها ّ‬ ‫ّ‬
‫الرؤى واؼبواقف‪.‬‬
‫ُب بلورة ّ‬
‫ّأما اؼبرمى الثّاين فهو تطبيق منهج وصفي ربليلي ُب دراسة النّصوص اؼبقامية للحريري‬
‫ربوالت‬
‫ص النّثري اؼبقامي وما يبتاز بو من ّ‬
‫باالعتماد على األسلوبية ومعطياّتا لنستوضح شعريّة النّ ّ‬
‫الرتكيبية أو اإليقاعية‪ ،‬وذلك انطبلقا من سعي األسلوبية للكشف عن قوانني‬
‫سواء ُب البىن ال ّداللية أو ّ‬
‫اإلبداع ُب بنية اػبطاب األديب بوصفو نصا ذا ٍ‬
‫معاف متع ّددة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لعل أنبّها « شرح مقامات‬
‫ولتحقيق أىداؼ البحث استندنا إٔب ؾبموعة من اؼبصادر واؼبراجع ّ‬
‫مهمة شرح النّصوص وتذييل ألفاظها ىذا‬ ‫سهل علينا ّ‬‫الشريشي؛ حيث ّ‬ ‫اغبريري» أليب العبّاس ّ‬
‫ؿبمد عبد اعبليل‪ ،‬وُب اعبانب النّظري كاف االستناد‬
‫ص النّثري » إلببلغ ّ‬
‫باإلضافة إٔب‪ « ،‬شعرية النّ ّ‬
‫إٔب « علم األسلوب مفاىيمو وإجراءاتو » لصبلح فضل‪ ،‬وكتاب «حيوية اللّغة » ألضبد معلوؼ‬
‫وتشعباتو‪.‬‬
‫وغريىا من اؼبراجع اليت أنارت لنا دروب البحث ّ‬
‫فإين آمل أف أكوف قد ُوفّقت ُب ربقيق ولو نزر يسري فبّا كنت أصبو إٔب ربقيقو‬
‫وبعد ىذا كلّو ّ‬
‫ألنوه بتشجيعات وتوجيهات األستاذ اؼبشرؼ‬ ‫أستغل ُب األخري اؼبقاـ واؼبقاؿ ّ‬
‫ُب ىذه ال ّدراسة‪ ،‬و ّ‬
‫وإرشاداتو القيّمة واليت كانت ٕب حافزا إلسباـ ىذا البحث على ىيئتو اغباضرة فللّو اغبمد من قبل ومن‬
‫السداد ُب القوؿ والعمل‪.‬‬
‫بعد ونسألو التّوفيق و ّ‬

‫الطالبة‪ :‬فتيحة بن يحيى‬


‫‪3102‬ـ‬ ‫تلمساف يوـ‪ 32 :‬ماي‬
‫اؼبوافق لػ‪ 02 :‬رجب ‪0121‬ىػ‪.‬‬

‫‌ز‬
‫الفصل األول‬
‫األسلوب واألسلوبية‬
‫أوال ‪ :‬ماىية األسلوب‬
‫ثانيا‪ :‬مصطلح األسلوب عند العرب القدامى‬
‫ثالثا‪ :‬مصطلح األسلوب عند العرب المحدثين‬
‫رابعا‪ :‬مصطلح األسلوب عند الغربيين‬
‫خامسا‪ :‬األسلوب بوصفو علماً‬
‫سادسا‪ :‬األسلوبية المصطلح والموضوع‬
‫سابعا‪ :‬اتّجاىات األسلوبية‬

‫‪0‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫أوال‪ :‬ماهية األسلوب‬


‫أ‪ /‬األسلوب لغة‪:‬‬
‫كل طريق فبت ّد فهو أسلوب‬
‫للسطر من النّخيل أسلوب و ّ‬
‫يقوؿ ابن منظور ُب اللّساف‪ « :‬يُقاؿ ّ‬
‫قاؿ‪:‬واألسلوب الطريق والوجو واؼبذىب‪ ،‬ويقاؿ أنتم ُب أسلوب سوء وهبمع أساليب‪ .‬واألسلوب‪:‬‬
‫الفن‪ ،‬ويقاؿ أخذ فبلف ُب أساليب من القوؿ أي أفانني منو‪،‬‬
‫بالض ّم‪ّ :‬‬
‫الطريق تأخذ فيو واألسلوب‪ّ ،‬‬
‫متكربا»‪.1‬‬
‫وإف أنفو لفي أسلوب إذا كاف ّ‬
‫وُب أساس الببلغة‪ « :‬سلبو ثوبو‪ ،‬وىو سليب‪ ،‬وأخذ سلب القتيل وأسبلب القتلى ولبست‬
‫السبلب‪ ،‬وىو اغبداد‪ ،‬وسلكت أسلوب فبلف‪ :‬طريقتو‪ ،‬وكبلمو على أساليب حسنة »‪.2‬‬
‫الثكلى ّ‬
‫وُب اؼبعجم الوسيط‪« :‬األسلوب الطريق‪ ،‬ويقاؿ‪ :‬سلكت أسلوب فبلف ُب كذا طريقتو‪ ،‬ومذىبو‪،‬‬
‫واألسلوب طريقة الكاتب ُب كتابتو‪ ،‬واألسلوب الفن‪ ،‬يقاؿ أخذنا ُب أساليب من القوؿ‪ :‬فنوف‬
‫ف من النّخيل واعبمع أساليب»‪.3‬‬
‫الص ّ‬
‫متنوعة‪ ،‬واألسلوب ّ‬
‫ب‪ /‬األسلوب اصطالحا‪:‬‬
‫يدؿ األسلوب على‬
‫ُوب ّدد معجم "األسلوبية" مصطلح األسلوب كما يأٌب‪ُ « :‬ب أبسط معانيو ّ‬
‫الرسم‬
‫طريقة التّعبري ُب الكتابة أو الكبلـ مثلما أف ىناؾ طريقة ُب عمل أشياء معيّنة مثل اللّعب أو ّ‬
‫منمق ‪ onate‬أو عن كبلـ شخص ما بأنّو ذو‬ ‫بأّنا ذات أسلوب ّ‬‫ورّدبا نتح ّدث عن كتابة شخص ّ‬
‫أسلوب ىزٕب ‪ ، conic‬وبالنّسبة لبعض النّاس‪ ،‬فإ ّف لؤلسلوب دالالت إوبائية تقييمية فيمكن أف‬
‫يكوف جيّدا أو رديئا »‪.4‬‬

‫‪1‬لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪1992( ،1‬ـ)‪ ،‬ما ّدة (سلب)‪.‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار بيروت للطّباعة‪ ،‬ص ‪.304‬‬
‫أساس البالغة ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المعجم الوسيط‪( ،‬إبراىيم مصطفى‪ ،‬أحمد حسن الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪ ،‬محمد علي النّ ّجار )‪ ،‬تركيا‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬ج‪ ،1‬مادة‬
‫(سلب)‪.‬‬
‫‪4‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬المغرب ‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪2002( 1‬ـ)‪،‬ص ‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫واؼبعىن اؼبرتتّب عن ىذا التّعريف أف ىناؾ أساليب ـبتلفة فهناؾ أسلوب ُب ترتيب‬
‫الديكور‪،‬وأسلوب ُب اللّباس‪ ،‬وأسلوب ُب الطّبخ ‪،‬وأسلوب ُب اغبياة‪ ،‬لكن ىذه األساليب ال يبكن‬
‫أف تكوف موضوعا للدراسات األسلوبية لكنها يبكن أف تكوف موضوعا للسيميائيات‪.‬‬
‫ّأما "معجم اؼبصطلحات األدبية اؼبعاصرة" فريّكز على اؼبعاين اآلتية‪:‬‬
‫وبيل األسلوب ضمنيا على مفهوـ يعارض دبوجبو‪ ،‬االستعماؿ الفردي واإلبداعي‬ ‫‪-0‬‬
‫للكبلـ اؼبألوؼ‪.‬‬
‫الرتكيبات‪.‬‬
‫األسلوب ىو طريقة عمل ووسيلة تعبري عن الفكر بواسطة الكلمات و ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪1‬‬
‫السردية للكاتب‬
‫الشخصية و ّ‬‫واألسلوب لغة استكفائية تغوص ُب اؼبيتولوجيا ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫والواضح أ ّف ىذه اؼبعاين تفتقر إٔب االستقصاء ال ّدقيق لكلمة أسلوب ودالالّتا النّظرية‪.‬‬
‫فيعرؼ األسلوب بأنّو‪ « :‬طريقة وضع‬ ‫ّأما "معجم اؼبصطلحات األدبية "إلبراىيم فتحي" ّ‬
‫الصياغة والتّعبري ُب لغة الكتابة أو لغة‬
‫األفكار ُب كلمات»‪ ،‬وبأنّو‪« :‬مبط لو خصوصيتو ُب ّ‬
‫اغبديث»‪.‬‬
‫لنص أديب واؼبتعلّقة بشكل التعبري أكثر من تعلّقها بالفكرة‬
‫وبأنّو أيضا‪« :‬اػبصائص اؼبميّزة ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص األديب بتوصيلها»‪.‬‬
‫اليت يقوـ النّ ّ‬
‫ورّدبا يكوف "معجم مصطلحات األدب" ىو الذي ح ّدد مفهوما واضحا لؤلسلوب واألسلوبية‬
‫حّت العصر‬
‫على ح ّد سواء حيث حرص مؤلّفو على تتبّع اؼبصطلحني وداللتهما منذ عصر أرسطو ّ‬
‫اغبديث‪ ،‬فهو يقوؿ أ ّف‪:‬‬
‫ص ونوايا كاتبو‪.‬‬
‫‪ /0‬األساليب اختيارات ـبتلفة بني وسائل التعبري اليت ربتّمها طبيعة النّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫تتنوع حسب نظم ـبتلفة أدبية واجتماعية ونفسية وآلية‪.‬‬
‫‪ /3‬أف األساليب ّ‬
‫ّأما "علي صبيل سلّوـ" و"حسن نور ال ّدين" فقد وقفا على معىن األسلوب فح ّدداه ببساطة بأنو‪:‬‬

‫‪1‬معجم المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬سعيد علوش‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط(‪1985‬ـ)‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪ 2‬معجم المصطلحات األدبية‪ ،‬إبراىيم فتحي‪ ،‬تونس‪ ،‬المؤسسة العربية للنّاشرين المتّحدين‪ ،‬ط(‪1988‬ـ)‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 3‬معجم مصطلحات األدب‪ ،‬مجدي وىبة وكامل المهندس‪ ،‬بيروت مكتبة لبناف‪ ،‬ط‪1984( 2‬ـ)‪ ،‬ص‪.35-34‬‬
‫‪2‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫قصتو‪ ،‬ومنهم من قاؿ‪ :‬ىو‬


‫القاص ّ‬
‫الشاعر شعره و ّ‬
‫اػباص الذي يطبع بو الكاتب كتابتو و ّ‬
‫ّ‬ ‫«الطّابع‬
‫الرتاكيب»‪.1‬‬
‫يصب فيو كل واحد منّا فكره وعاطفتو‪ ،‬واؼبنواؿ الذي تنسج فيو ّ‬
‫القالب الذي ّ‬
‫وبتعبري آخر‪« :‬األسلوب ىو الطّريقة اليت يعتمدىا األديب ُب تأليف كبلمو للتّعبري عن اؼبعاين‬
‫تقمصها ألفاظا»‪.2‬‬
‫ال ّدائرة ُب نفسو‪ ،‬منذ إشراقها ُب ذىنو إٔب ّ‬
‫إف اؼبفاىيم اليت شرحت األسلوب اشتملت على مصطلحات متباينة من حيث اللّفظ لكنها‬
‫ذات معىن واحد وترتبط كلّها باألسلوب‪ ،‬فالطّريقة والنّمط واػبصائص التّعبريية رب ّدد نوعو على‬
‫أساس النّاحية الفنّيةّ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مصطلح األسلوب في الدّراسات العربية القديمة‪.‬‬


‫أسهم العرب القدامى ُب تعريف األسلوب فطرحوا ربديدات ومفاىيم عديدة لو‪ ،‬وىي أقواؿ‬
‫وربديدات جاءت متناثرة ىنا وىناؾ ضمن دراساّتم الببلغية والنّقدية واألدبية كما احتوّتا الكتب‬
‫اليت تتعلّق بتفسري وإعجاز القرآف‪ ،‬وقد اتصل موضوع األسلوب ُب ىذه البحوث بقضايا متع ّددة‬
‫الشعراء‪ ،‬فبّا جعل اآلراء‬
‫الشكل واؼبضموف وقضية النّظم‪ ،‬واؼبوازنة بني ّ‬ ‫كقضية اللّفظ واؼبعىن أو ّ‬
‫تتشعب واألحكاـ زبتلف من ناقد أو عآب إٔب آخر‪.‬‬
‫ّ‬
‫فقد حاوؿ "ابن قتيبة"(ت‪372‬ىػ) التّو ّغل عمقا ُب ذات األسلوب من خبلؿ تأويل مشكل‬
‫القرآف‪،‬حيث يربط بني كياف األسلوب والطّرائق الفنّية ُب صياغة اؼبعاين‪ ،‬حبيث يكوف لكل مقاـ‬
‫مقاؿ‪ ،‬إذ يقوؿ‪« :‬وإّمبا يعرؼ فضل القرآف من كثر نظره‪ ،‬واتسع علمو‪ ،‬وفهم مذاىب العرب وافتناّنا‬
‫يفّت فيختصر تارة إرادة‬
‫ُب األساليب‪ ...‬فاػبطيب إذا ارذبل كبلما‪ٓ ...‬ب يأت بو من واد واحد بل َ ّ‬
‫حّت يغمض على‬ ‫وىبفي بعض معانيو ّ‬
‫ويكرر تارة إرادة التّوكيد‪ُ ،‬‬
‫التخفيف‪ ،‬ويطيل تارة إرادة اإلفهاـ‪ّ ،‬‬
‫حّت يفهمو بعض األعجميني‪ ،‬ويشري إٔب الشيء ويكىن عنو الشيء‬
‫السامعني‪ ،‬ويكشف بعضها ّ‬
‫أكثر ّ‬
‫وتكوف عنايتو بالكبلـ على حسب اغباؿ وقدر اغبفل وكثرة اغبشد وجبللة اؼبقاـ»‪.3‬‬

‫‪ 1‬ال ّدليل إلى البالغة وعروض الخليل‪ ،‬على جميل سلّوـ وحسن نور الدين‪ ،‬بيروت دار العلوـ العربية‪ ،‬ط‪1997(3‬ـ)‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪3‬تأويل مشكل القرآف‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬تحقيق أحمد صقر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة دار التّراث ط‪1973(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪1‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وُّذا يكوف ابن قتيبة قد ربط األسلوب وطرؽ أداء اؼبعىن ُب نسق ـبتلفة حبيث يكوف لكل مقاـ‬
‫مهمة ىي‪:‬‬
‫مقاؿ فتع ّدد األساليب راجع إٔب ثبلثية ّ‬
‫‪ /0‬اؼبوقف واختبلفو (مقتضى اغباؿ)‪.‬‬
‫‪ /3‬طبيعة اؼبوضوع (خطبة‪ ،‬رسالة‪ ،‬شعر‪)...‬‬
‫‪ /2‬مقدرة اؼبتكلّم وفنّيتو ُب األداء الكبلمي‪.‬‬
‫ص األديب ككل وٓب يقصر ربطو ىذا‬‫نص ابن قتيبة أنّو‪«:‬ربط األسلوب بالنّ ّ‬
‫واؼببلحظ أيضا من ّ‬
‫باعبملة الواحدة‪ ،‬وما يتخلّلو من خصائص ببلغية من حيث اإلهباز واإلطناب ومن حيث اإليضاح‬
‫‪1‬‬
‫واإلُّاـ ومن حيث التّصريح والتّضمني»‪.‬‬
‫وىو يتح ّدث ضمن اؼبوضوع نفسو عن أساليب التّعبري اؼبختلفة فيقوؿ‪ٍ« :‬ب ال يأٌب بالكبلـ كلّو‬
‫وبالغث‬
‫ّ‬ ‫كل التّهذيب‪ ،‬ومص ّفى كل التّصفية بل ذبده يبزج ويشوب ليدؿ بالنّاقص على الوافر‪،‬‬
‫مه ّذبا ّ‬
‫السمني‪ ،‬ولو جعلو كلّو حبرا واحدا لبخسو ُّاءه‪ ،‬وسلبو ماءه»‪.2‬‬
‫على ّ‬
‫ربوالت تكسر التّوقّع وذبتاز اؼبعاين اؼبباشرة‬
‫ص – حسب رأيو – تتأثّر من إببلغيتو عرب ّ‬
‫فقيمة النّ ّ‬
‫صرفات‬
‫ربقيقا لل ّداللة اإلضافية واعبمالية‪ ،‬وىو ما يؤّكده ابن األثري أيضا ُب ربطو األسلوب بأوجو التّ ّ‬
‫ُب اؼبعىن واالفتناف فيها‪ ،‬حيث يورد أبياتا عبرير ىجا فيها الفرزدؽ يقوؿ‪:‬‬
‫‪3‬‬ ‫ليُ ال َكتَائِف وارتَِقاعُ ِ‬
‫الم ْر َج ِل‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫الم َكا ِرِـ والعُال‬ ‫أَل َْهى أبَ َ‬
‫اؾ َعن َ‬

‫ار‬ ‫وج َد ال َكتيف ذَ ِخيرةً في قَػ ْب ِرهِ وال َكلبتاف ج ِم ْعن ِ‬


‫شً‬ ‫والمي َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫شار‬
‫رمةٌ أ ْع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صدع م ْر ُجل أو إ ْف تَػ ْلثُم بُ َ‬ ‫ص َداهُ‪ ،‬إذَا تَ َ‬
‫يَػ ْبكي َ‬
‫‪4‬‬
‫قَالَت‪ :‬وَكيف تُػ َرقّ ُع األَ ْكيَار‬ ‫ارنا‬ ‫ِ‬
‫قاؿ ال َفرزدؽ َرقعي أ ْكي ػَ َ‬

‫شركة المصرية العالمية للنّشر‪ ،‬ط‪1994(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬تأويل مشكل القرآف‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬ص‪13‬‬


‫الصاوي‪ ،‬الجزء ‪ ،01‬منشورات دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ص ‪.447‬‬
‫‪3‬شرح ديواف جرير‪ ،‬محمد إسماعيل عبد اهلل ّ‬
‫‪4‬ديواف جرير‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪،‬ص‪.156‬‬
‫‪5‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫يقوؿ ابن األثري(ت‪221‬ىػ) معلّقا على ىذه األبيات‪:‬‬


‫« فانظر أيّها الواقف على كتايب ىذا إٔب ىذه األساليب اليت تصرؼ فيها جرير وأدارىا على‬
‫ىجاء الفرزدؽ بالقني‪ ،‬فقاؿ إف أباه شغل عن اؼبكارـ بصناعة القيوف‪ٍ ،‬ب قاؿ إنّو يبكي عليو ويندبو‬
‫الربمة األعشار اليت يصلحها‪.1»...‬‬
‫بعد اؼبوت اؼبرجل و ُ‬
‫الشاعر‪ ،‬ومقدرتو الفنية على صياغة‬
‫الربط بني األسلوب وشخصية ّ‬
‫وابن األثري ُّذا الكبلـ يؤّكد ّ‬
‫اؼبعاين‪ ،‬وعرض الفكرة ُب أساليب متميّزة وطريقة فريدة‪ ،‬وقد أورد ابن األثري أمثلة من شعر الفرزدؽ‬
‫للشاعرين ضمن فكرة واحدة‪.‬‬ ‫صرفات وطرؽ التّمايز األسلويب ّ‬‫ليوضح أوجو التّ ّ‬
‫وشعر جرير ّ‬
‫وقد أفرد بعض القدماء ُب حبثهم عن مفهوـ لؤلسلوب مؤلّفات ُب ىذا اَّاؿ اذبهت إٔب مباينة‬
‫أسلوب القرآف الكرًن لغريه من األساليب وكاف الباقبلين(‪ 112 -‬ىػ) من أكثر النّػ ّقاد إدراكا ؽبذه‬
‫اغبقيقة إذ يقوؿ‪« :‬وقد بيّػنّا – ُب اعبملة – مباينة أسلوب نظم القرآف صبيع األساليب‪ ،‬وأ ّف لو أسلوبا‬
‫‪2‬‬
‫يوضح مكمن اإلعجاز ُب ىذه اؼبباينة‬
‫تصرفو عن أساليب الكبلـ اؼبعتاد» ‪ٍ ،‬ب ّ‬
‫ىبتص بو‪ ،‬ويتميّز ُب ّ‬
‫ّ‬
‫تبني‪ -‬خبروجو عن أصناؼ كبلمهم‪ ،‬وأساليب خطاُّم‪ -‬أنّو خارج‬
‫اؼبتأمل ّ‬
‫تأملو ّ‬
‫إذ يقوؿ‪« :‬فهذا إذا ّ‬
‫عن العادة وأنّو معجز»‪ ،3‬وقد ربط بعض تبيانو ؽبذه اغبقيقة بني أسلوب القرآف اػباص باعتباره جنسا‬
‫كبلميا وسبيّزه عن األجناس الكبلمية اليت عرفها العرب فيقوؿ‪« :‬ونظم القرآف جنس متميّز وأسلوب‬
‫متخصص وقبيل عن النّظري متخلّص»‪.4‬‬‫ّ‬
‫ويعلّق ؿبمد عبد اؼبطّلب على ىذا الكبلـ قائبل‪ «:‬ومن خبلؿ ىذا اغبديث عن أسلوب القرآف‬
‫تفرد القرآف بالنّظم‬
‫الرجل بني األسلوب والنّوع األديب لكي يكوف ذلك دعامتو ُب إثبات ّ‬ ‫يربط ّ‬
‫الشعراء ويستخدموّنا ُب شعرىم »‪.5‬‬
‫الصناعة اليت يعرفها ّ‬
‫العجيب اؼبخالف لضروب ّ‬

‫‪ 1‬المثل السائر ‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬تحقيق أحمد الحوفي وبدوى طبانة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مطبعة نهضة مصر‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.280‬‬
‫‪ 2‬إعجاز القرآف‪ ،‬القاضي أبي بكر الباقالني‪،‬تحقيق أحمد صقر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار المعارؼ‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ 4‬نفسو‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ 5‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪2‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ينصب على ربطو بالغرض أو اؼبوضوع ‪ ،‬فكلّما تع ّددت‬‫ّ‬ ‫ّأما اػبطّايب ففهمو لؤلسلوب‬
‫اؼبوضوعات الّيت يطرقها األديب تع ّددت األساليب وتش ّكلت بطبيعة ىذا اؼبوضوع‪ ،‬فيتح ّدث عن‬
‫الشعراء ُب الغرض الشعري الواحد إذ يقوؿ‪ «:‬وىاىنا وجو آخر‬
‫اؼبعارضات واؼبوازنات واؼبقاببلت بني ّ‬
‫يدخل ُب ىذا الباب‪ ،‬وليس دبحض اؼبعارضة ولكنو نوع من اؼبوازنة بني اؼبعارضة واؼبقابلة‪ ،‬وىو أف‬
‫الشاعرين ُب أسلوب من أساليب الكبلـ وواد من أوديتو فيكوف أحدنبا أبلغ ُب وصف ما‬
‫هبري أحد ّ‬
‫كاف ببالو من اآلخر ُب نعت ما ىو بإزائو ‪،‬وذلك مثل أف تتأمل شعر أيب داود واإليادي والنّابغة‬
‫الش ّماخ ُب وصف اغبٌمر‪،‬‬
‫اعبعدي ُب صفة اػبيل‪ ،‬وشعر األعشى واألخطل ُب نعت اػبمر‪ ،‬وشعر ّ‬
‫وصاؼ ؼبا يضاؼ إليو من أنواع األمور‪ ،‬فيقاؿ‪ :‬فبلف أشعر ُب بابو و مذىبو من‬
‫كل واحد منهم ّ‬
‫فإف ّ‬
‫فبلف ُب طريقتو اليت ذىبها ُب شعره »‪.1‬‬
‫تتضمن ُب جوىر صناعتها تع ّددية ُب اؼبتّجهات‬
‫واؼبعىن من قولو ىذا أف التّع ّددية ُب األساليب ّ‬
‫توحدت اؼبقاصد‬‫واألغراض واؼبوضوعات ‪،‬وذلك ال يتح ّقق ُب بياف اؼبفاضلة األسلوبية إال إذا ّ‬
‫واألغراض واَّاالت‪ ،‬فإف اغبكم حينذاؾ يكوف ؼبن ىو أكثر دقّة ُب صناعتو التّعبريية وطريقتو الفنّػيّة‬
‫الصناعة الفنّية‪.2‬‬
‫متفردا باعتماد خصائص ّ‬ ‫ّأما إذا اختلفت اؼبقاصد فاؼبنشئ ينظر إٔب إبداعو ّ‬
‫الزـبشري(ت‪525‬ىػ) ُب كتابو‬
‫وُب إدراؾ معىن األسلوب وماىيتو نتوقّف مع رأي جار ا﵁ ّ‬
‫خاصية أسلوبية ؽبا دورىا ُب إبراز اؼبعىن وأسلوب‬
‫الكشاؼ حيث رب ّدث عن أسلوب التّمثيل باعتباره ّ‬
‫ّ‬
‫ْح ْم ُد‬
‫السامع انطبلقا من اآليات القرآنية ُب قولو تعأب‪﴿ :‬ال َ‬ ‫االلتفات ودوره ُب تقوية اؼبعىن والتّأثري ُب ّ‬
‫اؾ نَػ ْعب ُد وإِي َ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ين (‪ )2‬الر ْح َم ِن الرِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين (‪)5‬‬ ‫اؾ نَ ْستَع ُ‬ ‫يم (‪َ )3‬مالك يَػ ْوـ الدي ِن (‪ )4‬إِي َ ُ َ‬ ‫للو َرب ال َْعالَم َ‬
‫ضػ ِ‬
‫وب َعلَْي ِه ْم َوَال الضاليػ َن‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم غَْي ِر ال َْمغْ ُ‬
‫ين أَنْػ َع ْم َ‬ ‫صرا َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْى ِدنَا الص َرا َ‬
‫ط الذ َ‬ ‫يم (‪َ )6‬‬ ‫ط ال ُْم ْستَق َ‬
‫‪3‬‬
‫(‪.﴾ )7‬‬

‫‪ 1‬بياف إعجاز القرآف‪ ،‬ضمن ثالث رسائل في إعجاز القرآف ‪ ،‬للرماني و الخطابي وعبد القاىر الجرجاني‪ ،‬تحقيق محمد خلف اهلل ومحمد‬
‫زغلوؿ سالـ القاىرة ‪،‬دار المعارؼ ‪،‬ط‪،3‬ص (‪.)66-65‬‬
‫‪2‬ينظر‪:‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬عماف‪ ،‬دار صفاء للنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪2002( 1‬ـ)‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫‪ 3‬سورة الفاتحة‪ ،‬اآلية من(‪01‬إلى ‪.)07‬‬
‫‪7‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫فإذا قلت‪ٓ :‬ب عدؿ عن لفظ الغيبة عن الغيبة إٔب لفظ اػبطاب‪ ،‬قلت‪:‬ىذا يسمى االلتفات‬
‫ُب علم البياف‪.‬وقد يكوف من اػبطاب إٔب الغيبة‪ ،‬ومن الغيبة إٔب التّكلّم كقولو تعأب‪ُ ﴿ :‬ى َو ال ِذي‬
‫ِ‬ ‫ْك وجرين بِ ِهم بِ ِر ٍ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اءتْػ َها ِر ٌ‬
‫يح‬ ‫يح طَيبَة َوفَ ِر ُحواْ ب َها َج َ‬ ‫سيػ ُرُك ْم في الْبَػر َوالْبَ ْح ِر َحتى إِذَا ُكنتُ ْم في الْ ُفل َ َ َ ْ َ‬
‫يُ َ‬
‫ين لَوُ الدي َن لَئِ ْن‬ ‫ِِ‬ ‫ُحي َ ِ‬‫اف وظَنُّواْ أَنػهم أ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ف وجاءىم الْمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ب ِه ْم َد َع ُواْ اللوَ ُم ْخلص َ‬ ‫ُْ‬ ‫ج من ُكل َم َك َ‬ ‫َعاص ٌ َ َ َ ُ ُ َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َنج ْيتَػنَا م ْن َىذه لَنَ ُكونَن م َن الشاك ِر َ‬
‫‪1‬‬
‫وتصرفهم فيو «ألف‬ ‫ّ‬ ‫الكبلـ‬ ‫ُب‬ ‫افتناّنم‬ ‫عادة‬ ‫على‬ ‫وذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫ين﴾‬ ‫أ َ‬
‫السامع‪،‬وإيقاظا لئلصغاء‬
‫الكبلـ إذا نقل من أسلوب إٔب أسلوب كاف ذلك أحسن‪ ،‬تطرية لنشاط ّ‬
‫‪2‬‬
‫إليو من إجرائو على أسلوب واحد‪».‬‬
‫فمقياس األسلوب عنده يبدو مرتبطا دبا وبملو من التّش ّكبلت اغبيوية الّيت يقيمها تفاعل‬
‫مؤشرات الطّاقة‬‫ذبسد دينامية األلواف الببلغية ُب تعبريىا عن اؼبراد‪« ،‬فالقدرة ُب ّ‬ ‫األبنية حيث ّ‬
‫الصياغية داخل حدود ال ّدائرة اؼبعرفية لدى اؼبنشئ ىي اليت تفرض التّباين ُب األساليب والتّن ّقل من‬
‫ّ‬
‫أسلوب إٔب أسلوب »‪ ،3‬وىو ما يُربز وجو اغبسن ُب الكبلـ ويؤثّر ُب نشاط الساّمع‪.‬‬
‫الزـبشري ىذا اؼبنحى ُب فهمو لؤلسلوب ودوره ُب الكشف عن وجوه اغبسن ُب قولو‬ ‫ويُؤّكد ّ‬
‫اىم من ن ِذي ٍر من قَػ ْبلِ َ‬
‫ك لَ َعل ُه ْم‬ ‫نذ َر قَػ ْوًما ما أَتَ ُ‬ ‫ْح ُّق ِمن رب َ‬
‫ك لِتُ ِ‬
‫تعأب‪﴿:‬أ َْـ يَػ ُقولُو َف افْػتَػ َراهُ بَ ْل ُى َو ال َ‬
‫الزـبشري‪«:‬وىذا أسلوب صحيح ؿبكم»‪.5‬‬
‫ّ‬ ‫فيقوؿ‬‫‪4‬‬
‫يَػ ْهتَ ُدو َف﴾‬
‫خاصية أسلوبية ؽبا دورىا ُب إبراز اؼبعىن وذبلية‬
‫الزـبشري أسلوب التّمثيل باعتباره ّ‬
‫كما يُعاِب ّ‬
‫اؼبتوىم ُب معرض اؼبتي ّقن‪ ،‬والغائب كأنّو شاىد‪،‬ويقوؿ‬ ‫حّت يبدو اؼبتخيّل ُب صورة ا﵀ ّقق و ّ‬ ‫اغبقائق ّ‬
‫ض وال ِ‬
‫ْجبَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫معلّقا على اآلية القرآنية ُب قولو تعأب‪﴿ :‬إِنا َع َر ْ‬
‫اؿ‬ ‫ضنَا األ ََمانَةَ َعلَى الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وما َج ُهوال﴾‪« ،6‬وكبو ىذا الكبلـ‬ ‫نسا ُف إِنوُ َكا َف ظَلُ ً‬ ‫فَأَبَػ ْي َن أَف يَ ْحم ْلنَػ َها َوأَ ْش َف ْق َن م ْنػ َها َو َح َملَ َها ا ِإل َ‬

‫‪ 1‬سورة يونس‪ ،‬اآلية ‪.22‬‬


‫شاؼ‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1977(1‬ـ)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص(‪.)64/63/62‬‬
‫ينظر‪ :‬الك ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.109‬‬


‫السجدة ‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫سورة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬ا‬
‫الزمخشري‪ ،‬ج‪،3‬ص ‪.240‬‬
‫شاؼ‪ّ ،‬‬
‫لك ّ‬
‫‪ 6‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬
‫‪5‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫كثري ُب لساف العرب‪ ،‬وما جاد القرآف إالّ على طرقهم وأساليبهم‪ ...‬كذلك تصوير عظم األمانة‬
‫وصعوبة أمرىا وثقل ؿبملها والوفاء ُّا‪ ،‬فإف قلت‪ ،‬قد علم وجو التّمثيل ُب قوؽبم للذي ال يثبت على‬
‫الرأيني وتركو اؼبعىن‬
‫وترجحو بني ّ‬ ‫رأي واحد‪ :‬أراؾ تُق ّدـ ِرجبل ّ‬
‫وتؤخر أخرى‪،‬ألنّك مثّػلْت حالو ُب سبيّلو ّ‬
‫يرتدد ُب ذىابو فبل هبمع رجليو للمعىن ُب وجهو»‪.1‬‬
‫على أحدنبا حباؿ من ّ‬
‫الزـبشري ُب رؤيتو لؤلسلوب بقولو‪«:‬من الواضح أ ّف‬
‫ؿبمد عبد اؼبطّلب منهج ّ‬ ‫وضح ّ‬ ‫ويُ ّ‬
‫الرتكيب النّحوي من‬
‫ص القرآين يستند إٔب مناىج البحث الببلغي من ناحية‪ ،‬و ّ‬
‫الزـبشري ُب ربليلو للنّ ّ‬
‫ّ‬
‫كل مستوى من مستويات دراستو‪ ،‬ؿباوال الوصوؿ على أقصى‬ ‫كل ذلك ُب ّ‬ ‫ناحية ثانية‪ ،‬وأفاد من ّ‬
‫الرصد اؼبوضوعي للخصائص األسلوبية أحيانا أخرى رابطا بني‬
‫درجة من التّذوؽ االنطباعي أحيانا‪ ،‬و ّ‬
‫خاصة»‪.2‬‬
‫عامة والقرآين ّ‬
‫ص األديب ّ‬
‫التّأثري االنفعإب لدى اؼبتل ّقي واػبصائص التّعبريية ُب النّ ّ‬
‫الزـبشري حيث ربط ىو اآلخر بني‬ ‫الس ّكاكي(ت‪232‬ىػ) ُب نظرتو لؤلسلوب اذباه ّ‬ ‫و ّاذبو ّ‬
‫وبني مدى تأثريه‬
‫وضمو إٔب علم اؼبعاين‪ّ ،‬‬
‫ص فتح ّدث عن االلتفات ّ‬ ‫اػباصية التّعبرييّة ُب النّ ّ‬
‫األسلوب و ّ‬
‫وخاصية أخرى غري االلتفات وىي خروج الكبلـ‬ ‫ّ‬ ‫ووضح معىن األسلوب‬‫السامع‪ّ ،‬‬ ‫أيضا ُب اؼبتل ّقي و ّ‬
‫على خبلؼ مقتضى الظّاىر دبا وبويو من أفانني ببلغية‪ ،‬حبيث يواجو اؼبخاطَب بغري ما يتوقّع وظبّى‬
‫ىذه الطّريقة "األسلوب اغبكيم" إذ يقوؿ ‪«:‬أعّن إخراج الكبلـ ال على مقتضى الظّاىر بأساليب‬
‫متفنّنة‪ ،‬إذ ما من مقتضى كبلـ ظاىر ّإال وؽبذا النّوع مدخل فيو جبهة من جهات الببلغة على ما نػُبّو‬
‫لكل من تلك‬ ‫الصناعة‪ ،‬ونرشد إليو تارة بالتّصريح وتارة بالفحوى‪ ،‬و ّ‬
‫على ذلك منذ اقتنينا بشأف ىذه ّ‬
‫يتسرب من أفانني سحرىا‪ ،‬وال كاألسلوب اغبكيم فيها‪ ،‬وىو تل ّقي‬
‫األساليب عرؽ ُب الببلغة ّ‬
‫اؼبخاطَب بغري ما يتل ّقى »‪.3‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.277‬‬
‫شاؼ‪ّ ،‬‬
‫الك ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫الس ّكاكي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪2000(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫واؼبقصود باألسلوب اغبكيم ىو «تل ّقي اؼبخاطب بغري ما يرتقّب حبمل كبلمو على خبلؼ‬
‫السائل بغري ما يتطلّب بتنزيل سؤالو منزلة غريه تنبيها على أنّو‬
‫مراده تنبيها على أنّو األؤب بالقصد أو ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبهم لو‪».‬‬
‫األؤب حبالة أو ّ‬
‫الصناعة من تصريح وتضمني‬
‫إ ّف الببلغة دبا ربويو من سحر الكبلـ و أفانني القوؿ‪ ،‬ومداخل ّ‬
‫الس ّكاكي وىو الّذي‬
‫وغري ذلك‪ ،‬وىي أساليب كثرية تتوازى و" األسلوب اغبكيم" الّذي أّبّ عليو ّ‬
‫فيحرؾ نشاطو ويُربزه ُب معرض اؼبسحور‪«،‬ىذا‬
‫يُوحي دبباغتة ومفاجأة اؼبخاطب بغري ما يتوقّع‪ّ ،‬‬
‫السامع ما سلبو حكم الوقور‪ ،‬وأبرزه ُب معرض‬
‫فحرؾ من نشاط ّ‬
‫األسلوب اغبكيم لرّدبا صادؼ اؼبقاـ ّ‬
‫حّت آثر أف ُوبسن على أف‬
‫وسل سخيمتو ّ‬ ‫اػبارجي ّ‬
‫ّ‬ ‫اغبجاج لذلك‬
‫اؼبسحور‪ ،‬وىل أالَف شكيمة ّ‬
‫اغبجاج بالقيد ُب قولو‪":‬ألضبلنّك على األدىم‪ ،‬فقاؿ‬
‫توعده ّ‬
‫يُسيء غري أف سحره ُّذا األسلوب؟ إذ ّ‬
‫متغابيا‪ :‬مثل األمري وبمل على األدىم واألشهب»‪.2‬‬

‫متوصبل أف يريو بألطف وجو أ ّف امرئ مثلو ُب مسند االمرة‬


‫مربزا وعيده ُب معرض الوعد‪ّ ،‬‬
‫وعد‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫اؼبطاعة خليق بأف ي ِ‬
‫ص َف َد وأف يَع َد ال أف يُ َ‬
‫صف َد ال أف يُ ْ‬
‫ُْ‬
‫ّأما نظرة عبد القاىر اعبرجاين(ت‪170‬ىػ) لؤلسلوب فبل تنفصل عن النّظم‪ ،‬فهو يطابق‬
‫تنوعا لغويًّا فرديًّا يصدر عن وعي واختيار من حيث إمكانية ىذه التّ ّنوعات ُب‬
‫بينهما حيث يبثّبلف ّ‬
‫أي وجو‬
‫أف تصنع نسقا وترتيبا يعتمد على معايري لغوية (كبوية) ؛ إذ أ ّف توإب األلفاظ ُب النّطق على ّ‬
‫لكل‬
‫صد اؼببدع إؿ التّأليفات الفنّػيّة بأسلوُّا الّذي يبيّزىا؛ حبيث يكوف ّ‬
‫ال يصنع نسقاً ‪ ،‬وإّمبا يصنعو قَ ْ‬
‫بالشعر وتقديره وسبييزه‬
‫الشعراء وأىل العلم ّ‬
‫ىبتص بو‪« ،‬واعلم أ ّف االحتذاء عند ّ‬ ‫غرض ومعىن أسلوب ّ‬
‫الضرب من النّظم والطّريقة فيو‪ -‬فيعمد‬
‫الشاعر ُب معىن لو وغرض أسلوبا ‪-‬واألسلوب ّ‬
‫أف يبتدئ ّ‬

‫وتطورىا‪ ،‬أحمد مطلوب‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬ط‪2007(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.120‬‬


‫معجم المصطلحات البالغية ّ‬
‫‪1‬‬

‫الس ّكاكي ‪ ،‬ص‪.140‬‬


‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫وتطورىا‪ ،‬أحمد مطلوب‪ ،‬ص‪.120‬‬


‫ينظر‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪01‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫شاعر آخر إٔب ذلك األسلوب فيجيء بو ُب شعره فيشبّو دبن يقطع من أديبو نعبل على مثاؿ نعل قد‬
‫قطعها صاحبها‪ ،‬فيقاؿ قد احتذى على مثالو»‪.1‬‬

‫والنّظم ُب حقيقتو عند اعبرجاين ليس تركيب األلفاظ أو نظمها‪،‬و إّمبا ىو تصوير ونظم اؼبعاين‬
‫تصور أف تعرؼ للّفظ موضعا من غري أف تعرؼ‬
‫وؾبسدة ؽبا‪«:‬فبل يُ ّ‬
‫كل شيء ؛إذ األلفاظ عاكسة ّ‬
‫قبل ّ‬
‫الرتتيب ُب اؼبعاين‬
‫تتوخى ّ‬
‫تتوخى ُب األلفاظ من حيث ىي ألفاظ ترتيباً ونظماً‪ ،‬وأنّك ّ‬
‫معناه‪ ،‬وال أف ّ‬
‫وقفوت ُّا آثارىا‪ ،‬وأنّك إذا فرغت من ترتيب‬
‫وتُعمل الفكر ىناؾ‪ ،‬فإذا ًبّ لك ذلك أتبعتها األلفاظ ْ‬
‫اؼبعاين ُب نفسك ‪ٓ،‬ب ربتج إٔب أف تستأنف فكراً ُب ترتيب األلفاظ‪ ،‬بل ذبدىا ترتتّب لك حبكم ّأّنا‬
‫خدـ للمعاين‪ ،‬وتابعة ؽبا‪ ،‬والحقة ُّا‪ ،‬وأ ّف العلم دبواقع اؼبعاين ُب النّفس‪ ،‬علم دبواقع األلفاظ ال ّدالّة‬
‫عليها ُب النّطق »‪.2‬‬
‫وُب ىذا القوؿ نبلحظ إصرار عبد القاىر اعبرجاين على أ ّف اؼبعاين ىي اليت تُ ِ‬
‫وجد اللّفظة أل ّف‬
‫معني ىو الذي يشحنها‪،‬‬
‫تدؿ ُب ذاّتا‪ ،‬وإّمبا ربيلك إٔب مضموف ّ‬
‫اؼبفردة ىي« اصطبلح واتّفاؽ ال ّ‬
‫فاأللفاظ ال قيمة ؽبا ُب ذاّتا وإّمبا ُب عبلقتها األسلوبية بني سابقاّتا و الحقاّتا من الكلمات‪ ،‬فهي‬
‫‪3‬‬
‫مولودة على الفطرة ‪،‬فالعبلقة األسلوبية ىي اليت ربدد فصاحتها أو عدـ فصاحتها»‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ويبكن توضيح العبلقة الوثيقة بني النظم واألسلوب باؼبخطّط اآلٌب‪:‬‬

‫‪ 1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬تعليق محمود محمد شاكر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪2004( 5‬ـ)‪ ،‬ص(‪.)468،469‬‬
‫‪2‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪3‬مجلة عالمات في النّقد‪" ،‬االجتهادات النّقدية المفضية لدراسة األسلوب لدى عبد القاىر الجرجاني من خالؿ كتاب [دالئل اإلعجاز ]"‪،‬‬
‫بشرى تاكفراست ‪،‬النادي الثقافي‪ ،‬جدة‪ ،‬المجلّد ‪ ،17‬العدد‪2008( 67‬ـ)‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪ 4‬األسلوبية وثالثية الدوائر‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪00‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫المبػ ػ ػ ػػدع‬

‫الوعــــاًً‬ ‫األلفـــــــاظ‬

‫معاييرو قواعد القدرة النحوية‬

‫خاصة‬ ‫طرائق خاصة في ترتيب المعاني‬


‫ترتيبات ّ‬ ‫انزياحات‬

‫األسػػلوب‬

‫المتػػل ّقي‬

‫بالكل والنّظم يتح ّقق حسب رأيو‬


‫ّ‬ ‫إ ّف عبلقة النّظم باألسلوب عند اعبرجاين ىي عبلقة اعبزء‬
‫بطرؽ منها‪:‬‬

‫‪03‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫‪ /0‬إدراؾ اؼبعاين النّحويّة‪.‬‬


‫‪ /3‬استغبلؿ اإلدراؾ ُب حسن االختيار والتّأليف‪.‬‬
‫‪ /2‬تنسيق ىذه التّأليفات الفنّػيّة بأسلوب متميّز‪.‬‬
‫ولتوضيح ىذا يقوؿ اعبرجاين إ ّف ‪«:‬األلفاظ اؼبفردة اليت ىي أوضاع اللّغة ٓب توضع لتعرؼ معانيها ُب‬
‫يضم بعضها إٔب بعض فيعرؼ فيما بينها من قواعد »‪.1‬‬
‫لكن ألف ّ‬
‫أنفسها‪ ،‬و ّ‬
‫إ ّف العملية اإلبداعية عند عبد القاىر اعبرجاين تقوـ على اختيار و ٍاع لؤلسلوب«فمطلب‬
‫التأثري مداره االببلغية اليت تستند إٔب االختيار الذي يكسر الوجو األوٕب ليعطي البىن ذبلّياّتا بتكثيف‬
‫حوالت بالتّح ّكم‬
‫اػبطاب حبثا عن فتنة األسلوب‪ ،‬ويقع االختيار ضمن سياؽ كلّي‪ ،‬يرصد عبلقة التّ ّ‬
‫ال ّذاٌب‪ ،‬وىذا ما هبعل القيم التّعبرييّة تش ّكل تناسقها ال ّدالٕب بناء على التّتابع اؼبفضي لتمايز‬
‫ملحوظ»‪.2‬‬
‫وقد أ ّكد عبد القاىر اعبرجاين على عملية الوعي ُب تركيب األسلوب عندما رب ّدث عن‬
‫االستعارة اليت قاؿ بشأّنا‪ «:‬أ ّف ؽبا أساليب كثرية ومسالك دقيقة ـبتلفة»‪.3‬‬
‫إذ جعلها من مقتضيات النّظم وعنو ْرب ُدث وبو تكوف‪ ،‬وقد ّبني تع ّدد أساليب النّظم فأشار‬
‫وتشعبها ىذا باإلضافة إٔب حديثو عن‬
‫إٔب االستعارة كوجو من وجوىو‪ ،‬وأ ّكد على دقّة أساليبها ّ‬
‫التّمثيل والكناية‪ ،‬وسائر ضروب اَّاز‪ ،‬وىو بروايتو ىذه ترؾ للمبدع حرية اختيار األسلوب الذي‬
‫يناسب موضوعو فقاؿ‪«:‬وليس ؼبا شأنو أف هبيء على ىذا الوصف ح ّدا وبصره وقانوف وبيط بو‪ ،‬كأف‬
‫شّت وأكباء ـبتلفة»‪.4‬‬
‫هبيء على وجوه ّ‬
‫ويبكن إصباؿ رؤية عبد القاىر اعبرجاين لؤلسلوب ُب النّقاط اآلتية‪:‬‬
‫تركيب األسلوب يكوف عن وعي واختيار من قبل اؼبنشئ‪.‬‬ ‫‪-0‬‬

‫‪ 1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني ‪ ،‬ص ‪.539‬‬


‫صي وقراءة في‬
‫‪ 2‬اللغة العربية وآدابها (مجلة)‪ ،‬جامعة مؤتة‪ ،‬األردف‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪"،‬النظرية األسلوبية مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫التّشكيل " العدد‪2007( ،3‬ـ) ‪،‬ص ‪.254‬‬
‫‪ 3‬أسرار البالغة في علم البياف‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬تحقيق محمد رشيد رضا‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار إحياء العلوـ‪ ،‬ط‪1992(1‬ـ)‪،‬ص ‪.87‬‬
‫دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني ‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪02‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الصافية‬
‫الروحانية والعقوؿ ّ‬
‫ارتباط مفهوـ األسلوب باالستعارة اليت ال ينطق ُّا إال ذوو ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫متفرد يبيّز األسلوب ويزيده صباال‪.‬‬
‫وتكوف ذات شكل ّ‬
‫ربط األسلوب بطريقة أداء اؼبعىن على وجو التّمثيل‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫تفنّن اؼببدع ُب أساليبو للتّأثري ُب اؼبتل ّقي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫نظر إٔب األسلوب من جهة اػبصائص التّعبريية فجعلو على صلة بأمباط من األداء ُب‬ ‫‪-5‬‬
‫تركيب العبارة؛ حيث يقوـ عادة على نظم العبلقات بني الكلمات ٍبّ بني اعبمل‪ُ ،‬ب‬
‫شكل اكبراؼ على اؼبستوى اؼبألوؼ ُب التّعبري فتتش ّكل باالستعارة واَّاز والتّشبيو‬
‫ذبسده اؼبقدرة الفنّية اإلبداعية لؤلديب‪.‬‬
‫والتّمثيل والكناية وىو ما ّ‬
‫وُّذا يكوف األسلوب عند اعبرجاين معاين أو أفكار تُنظم ‪،‬أوتصوير ذىّن ؽبذه األفكار أو‬
‫الرتاكيب اللّغوية وصياغتها لتجسيد ىذه‬ ‫بتعبري آخر ىندسة داخلية ؽبما بإضافة األلفاظ و ّ‬
‫اؼبعاين‪،‬فاألسلوب وفق ىذه النّظرية ىو«نظم أو تأليف أو تصوير اؼبعاين ُب ال ّذىن ٍبّ استغبلؿ‬
‫‪1‬‬
‫اإلمكانات اللّغوية والنّحوية للتّعبري عنها أو ذبسيدىا »‪.‬‬
‫كل ىذا أ ّف اعبرجاين قد ربط مفهوـ األسلوب بالنّظم تنظريا وتطبيقا من‬
‫وما نستخلصو من ّ‬
‫فاغبق‪-‬عنده‪ -‬أنّنا ال نطلب الل ّفظ حباؿ‪ ،‬و إّمبا نطلب اؼبعىن‪ ،‬وطاؼبا وقعنا‬
‫حيث نظم اؼبعاين وترتيبها‪ّ ،‬‬
‫اػباصة ُب ترتيب اؼبعاين‪ ،‬وما‬
‫ينصب على الطّريقة ّ‬
‫ّ‬ ‫على اؼبعىن‪ ،‬فاللّفظ بإزاء النّظر‪ ،‬فاألسلوب ‪-‬إذا‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫ربويو ىذه الطّريقة من إمكانات كبوية سبيّز ضربا عن ضرب‪ ،‬وأسلوبا عن أسلوب‪.‬‬
‫خاصا لدراسة األسلوب ُب كتابو‪"،‬منهاج‬
‫وقد أورد حازـ القرطاجّن(ت‪215‬ىػ) منهجا ًّ‬
‫البلغاء وسراج األدباء" معتمدا ُب ذلك على رؤية اعبرجاين للنّظم ومفهوـ األسلوب عند أرسطو‪.‬‬
‫حيث جعل اطّراد اؼبعاين وتناسقها صورة تعكس مفهوـ األسلوب‪ّ ،‬أما النّظم فكاف من وجهة نظره‬
‫منسوبا إٔب تآلف األلفاظ « األسلوب وبصل عن كيفية االستمرار ُب أوصاؼ جهة من جهات‬
‫غرض القوؿ وكيفية االطّراد من أوصاؼ جهة إٔب جهة‪ ،‬فكاف دبنزلة النّظم ُب األلفاظ الذي ىو‬

‫‪ 1‬عالمات في النقد (مجلة)‪(،‬في سبيل إيجاد مفهوـ واضح لألسلوب) بومعزة رابح ‪ ،‬المجلد‪،17‬العدد‪2008( 67‬ـ)‪،‬ص‪.199‬‬
‫محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫ينظر‪ :‬البالغة واألسلوبية‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪01‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫صورة كيفية االستمرار ُب األلفاظ والعبارات واؽبيئة اغباصلة عن كيفية النّقلة من بعضها إٔب بعض‪،‬‬
‫وما يعتمد فيها من ضروب الوضع وأكباء الرتتيب‪ ،‬فاألسلوب ىيئة ربصل عن التّأليفات اؼبعنوية‪،‬‬
‫والنّظم ىيئة ربصل عن التّأليفات اللّفظيّة»‪.1‬‬
‫وُّذا ال يكوف النّظم سوى تراكم أللفاظ تش ّكل انسجامها وفق النّظم اإليقاعي ألصوات‬
‫ص‪ ،‬وتتع ّدد بدالالت الفصوؿ اؼبرّكبة منها اؼبعاين ا﵀اكاة‪ ،‬فػ«األسلوب ىيئة ربصل وفق‬
‫موسيقى النّ ّ‬
‫عري واغبالة «النّفسية‬
‫الش ّ‬
‫الشعريّة أو الغرض ّ‬
‫االنسجاـ اغبادث بني اؼبسلك اؼبتّبع اؼبوافق للطّريقة ّ‬
‫وسط بينهما»‪.2‬‬ ‫الرقّة أو التّ ّ‬
‫لقاصد القوؿ ا﵀ ّددة دبيل إٔب اػبشونة أو ّ‬
‫يتح ّدد مفهوـ األسلوب لدى القرطاجّن ُب النّقاط اآلتية‪:‬‬
‫يسمى باالطّراد ُب اؼبعاين‪.‬‬
‫ىبتص بالتّأليفات اؼبعنوية أو ما ّ‬
‫‪ /0‬إنّو يشمل جانبا من البناء اللّغوي ّ‬
‫الصياغة‪.‬‬
‫فخص األوؿ بالتّعبري والثّاين بوسائل ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ /3‬فصل بني األسلوب والنّظم‬
‫‪ /2‬ارتباطو ُب اغبسن القوٕب بوحدة الكبلـ (الوحدة العضوية) ‪.‬‬
‫الشعرية ‪،‬و أساليبها والتّعريف دبآخذ‬
‫‪ /1‬ربطو لؤلسلوب باعبنس األديب حيث رب ّدث عن الطّرؽ ّ‬
‫الشعراء ُب ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫فسر اإلعجاز بأنّو‬
‫سوى بني النّظم واألسلوب عندما تناوؿ إعجاز القرآف الكرًن؛ حيث ّ‬ ‫‪ّ /5‬‬
‫ظاىرة ُب اطراد أسلوبو من الفصاحة والببلغة وىو ما يندرج ربت دائرة النّظم‪.‬‬
‫تردد بني‬
‫وعليو فحازـ القرطاجّن ٓب يثبت على اذباه واحد ُب ربديد معىن األسلوب‪ ،‬بل ّ‬
‫ورده فيما بعد إٔب اعبنس أو النّوع األديب ٍب‬
‫ربديدات ثبلثة حيث ربطو ُب البداية بالتّأليفات اؼبعنوية‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫أدخلو ُب مفهوـ الفصاحة والببلغة‪.‬‬
‫الصياغة اللّفظيّة‪ ،‬فيقوؿ‪«:‬قاؿ‬
‫وينحو ابن رشيق القريواين(ت‪122‬ىػ) بنظرتو لؤلسلوب منحى ّ‬
‫الشعر ما رأيتو متبلئم األجزاء‪ ،‬سهل اؼبخارج فتعلم بذلك أنّو أفرغ إفراغا‬
‫أبو عثماف اعباحظ أجود ّ‬

‫‪1‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬حازـ القرطاجني‪ ،‬تحقيق محمد الحبيب بن خوجة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪1966( 2‬ـ)‪،‬ص(‪.)364/363‬‬
‫‪ 2‬اللفظ والمعنى في التفكير النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬األخضر جمعي‪ ،‬دمشق‪ ،‬اتحاد كتّاب العرب‪2001( ،‬ـ)‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫ينظر‪ :‬البالغة واألسلوبية‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪05‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫واحدا‪ ،‬وسبك سبكا واحدا‪ ،‬فهو هبري على اللّساف كما هبري ال ّدىاف ‪ ،‬وإذا كاف الكبلـ على ىذا‬
‫وحلى ُب فهم‬
‫وخف ؿبتملو‪ ،‬وقرب فهمو‪ ،‬وعذب النّطق بو‪َ ،‬‬
‫األسلوب الذي ذكره اعباحظ ل ّذ ظباعو ّ‬
‫الل ّّساف النّطق بو‪ ،‬وؾبّتو اؼبسامع فلم‬
‫السامع‪ ،‬فإذا كاف متنافرا متباينا عسر حفظو‪ ،‬وثقل على ّ‬
‫ّ‬
‫يستقر فيها منو شيء »‪.1‬‬
‫ّ‬
‫الروح باعبسم يضعف بضعفو‬
‫ويقوؿ أيضا‪«:‬اللّفظ جسم وروحو اؼبعىن‪ ،‬وارتباطو بو كارتباط ّ‬
‫اختل بعض اللّفظ كاف نقصاً للشعر وىجنة عليو‪ ،‬كما يعرض لبعض‬‫بقوتو‪ ،‬فإذا سلم اؼبعىن و ّ‬
‫ويقوى ّ‬
‫ىبتل إالّ من‬
‫الروح وال ذبد معىن ّ‬
‫الشلل والعور وما أشبو ذلك من غري أف تذىب ّ‬
‫األجساـ من العرج و ّ‬
‫اختل اللّفظ صبلة وتبلشى‪ٓ ،‬ب يصح لو معىن‪،‬‬
‫جهة اللّفظ وجريو فيو على غري الواجب‪ ،‬وكذلك إف ّ‬
‫‪2‬‬
‫ألنّنا ال قبد روحا ُب غري اعبسم البتة»‬
‫وىو ُّذا الكبلـ وب ّدد شروطا لؤلسلوب الكبلمي بتبلحم األجزاء وتبلزـ األلفاظ مع معانيها‬
‫‪،‬أما إذا‬
‫السامع لرتديده وحفظو ّ‬
‫وىو ما ُوبدث سهولة ُب اؼبخرج وعذوبة ُب النّطق وحبلوة ُب فهم ّ‬
‫كاف متنافرا ومتباينا ُب ألفاظو ومعانيو‪ ،‬فسيثقل على اللّساف النّطق بو فتمقتو األظباع فبل يؤثّر‬
‫يتجزأ عند ىذا النّاقد وبذلك ال يبكن أف يكوف‬ ‫كل ال ّ‬ ‫فيها‪،‬فاللّفظ واؼبعىن أو العبارة والفكرة ّ‬
‫األسلوب ُب اؼبفهوـ اغبقيقي عنده ىو العبارة وحدىا وإّمبا ىو العبارة مرتبطة باؼبعىن ال انفصاؿ بني‬
‫االثنني‪.‬‬
‫الشعر ووجو تعلّمو‬
‫ّأما ابن خلدوف(ت‪515‬ىػ) فيتناوؿ األسلوب من زاوية صناعة ّ‬
‫الشعر‪ -‬وما يريدوف ُّا ُب‬
‫الصناعة –صناعة ّ‬
‫فيقوؿ‪«:‬ولنذكر ىنا سلوؾ األسلوب عند أىل ّ‬
‫الرتاكيب أو القالب الذي يفرغ فيو‪،‬‬
‫إطبلقهم‪ ،‬فاعلم ّأّنا عبارة عندىم عن اؼبنواؿ الذي ينسج فيو ّ‬
‫وال يرجع إٔب الكبلـ باعتبار إفادتو أصل اؼبعىن الذي ىو وظيفة اإلعراب‪ ،‬وال باعتبار إفادتو كماؿ‬
‫الرتكيب الذي ىو وظيفة الببلغة والبياف وال باعتبار الوزف كما استعملتو العرب فيو‬
‫اؼبعىن من خواص ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬وإّمبا يرجع إٔب صورة‬
‫الصناعة ّ‬
‫الذي ىو وظيفة العروض‪ ،‬فهذه العلوـ الثبلثة خارجة عن ىذه ّ‬

‫محمد قرقزاف‪،‬ج‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪1988( 1‬ـ)‪ ،‬ص ‪.441‬‬


‫شعر ونقده‪ ،‬ابن رشيق القيرواني‪ ،‬تحقيق ّ‬
‫‪ 1‬العمدة في صناعة ال ّ‬
‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.441‬‬
‫‪02‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الصورة ينتزعها ال ّذىن من‬


‫خاص‪ ،‬وتلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫للرتاكيب اؼبنتظمة كلّية باعتبار انطباقها على تركيب‬
‫ذىنية ّ‬
‫الصحيحة عند‬‫الرتاكيب ّ‬ ‫صريىا ُب اػبياؿ كالقالب واؼبنواؿ‪ٍ ،‬بّ ينتقي ّ‬
‫الرتاكيب وأشخاصها‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫أعياف ّ‬
‫حّت‬
‫رصا كما يفعلو البنّاء ُب القالب والنّ ّساج ُب اؼبنواؿ‪ّ ،‬‬
‫فريصها فيها ًّ‬
‫العرب باعتبار اإلعراب والبياف ّ‬
‫الصحيحة باعتبار ملكة‬‫الصورة ّ‬‫الرتاكيب الوافية دبقصود الكبلـ‪ ،‬ويقع على ّ‬ ‫يتّسع القالب حبصوؿ ّ‬
‫زبتص بو وتوجد فيو على أكباء ـبتلفة»‪.1‬‬
‫فن من الكبلـ أساليب ّ‬
‫لكل ّ‬
‫اللّساف العريب فيو‪ ،‬فإ ّف ّ‬
‫نستشف من كبلـ ابن خلدوف ع ّدة مبلحظات أنبّها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ويبكن أف‬
‫‪ -0‬أعطى لؤلسلوب مفهوما ذىنيا خالصا كونو صورة سبؤل النّفس‪.‬‬
‫الصورة ال ّذىنيّة ىو ما يستم ّده األديب من ذخريتو اللّغوية وفق معايري كبوية وببلغية‬
‫‪ -3‬مصدر ّ‬
‫وصرفية ‪ ،‬وىو ما يؤّكد تبلحم النّظاـ اللّغوي‪.‬‬
‫‪ -2‬ربط ابن خلدوف بني ماىية األسلوب والقدرة اللّغوية لدى الفرد من خبلؿ فبارستو اغبياتية‬
‫عما يريد ُب اؼبناسبات اؼبختلفة وىو ما ظبّاه تشومسكي بػ"اؼبعرفة‬
‫داخل اؼبنظومة االجتماعية وتعبريه ّ‬
‫اللّغوية"‪.‬‬
‫اؼبوحدة‪ ،‬حيث يبكن أف تش ّكل النّماذج‬
‫‪ -1‬أخذ األسلوب عنده شكل الظّاىرة االجتماعية ّ‬
‫كل األفراد ضمن ضوابط لغوية وأخرى سلوكية ‪.‬‬
‫الكبلمية ألفراد اَّتمع مبوذجا مثاليا َوبتذي بو ّ‬
‫الشعر والنّثر معتمدا على‬
‫‪ -5‬ربط ابن خلدوف أيضا بني األسلوب والنّوع األديب ففصل بني ّ‬
‫كل نوع من حيث التّشكيل اللّغوي والبناء العروضي‪.‬‬
‫خصائص ّ‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب‬ ‫السياؽ اللّغوي وما يرتبط بو من‬
‫الصلة الوثيقة بني ماىية األسلوب و ّ‬
‫‪ -2‬رب ّدث عن ّ‬
‫واؼبخاطَب ومقتضى اغباؿ واؼبقاـ من إطناب وإهباز وحذؼ وإثبات‪.‬‬
‫وقد استقر اؼبفهوـ اؼبصطلحي لؤلسلوب بعد حازـ القرطاجّن و ما أدٔب بو ُب كتابو "منهاج‬
‫البلغاء وسراج األدباء" وما أتى بو ابن خلدوف من ربديد ؽبذا اؼبصطلح أيضا؛ حيث وصفو الكثريوف‬
‫بأنّو مفهوـ دقيق ومقبوؿ قياسا إٔب عصره‪ ،‬إذ يقوؿ صبلح فضل‪«:‬ومن الواضح أ ّف ىذا اؼبفهوـ‬

‫‪ 1‬المقدمة ‪ ،‬ابن خلدوف‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الجيل للنشر‪( ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪،‬ص ‪.632‬‬


‫‪07‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الرتكييب ال ّدقيق لؤلسلوب إّمبا ىو اصطبلحي ال لغوي ويسبق بقروف دخوؿ األسلوب ُب اؼبصطلح‬
‫ّ‬
‫النّقدي األورويب»‪.1‬‬
‫الرتاث النّقدي القدًن‬
‫وُّذا نكوف قد ق ّدمنا صورة لبعض ما قيل بشاف مصطلح األسلوب ُب ّ‬
‫‪2‬‬
‫زبص ىذه الطّروحات‪:‬‬
‫مهمة ّ‬
‫ويبكن إصباؿ ىذه اإلشارة إٔب قضايا ّ‬
‫مرة واحدة عند عبد القاىر اعبرجاين وإف كاف ٓب يقصد اغبديث‬
‫‪ -0‬استعمل مصطلح األسلوب ّ‬
‫فعرفو ووضع لو ح ّدا‪ ،‬وجاء ذلك جبملة معرتضة ُب ثنايا حديثو عن االحتذاء‪.‬‬
‫عنو‪ ،‬وإّمبا صادفو ّ‬
‫‪-3‬أوقف حازـ القرطاجّن قسما كامبل –ضمن كتابو منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ -‬لدراسة‬
‫قارا من مصطلحات النّقد القدًن‪.‬‬
‫األسلوب‪ ،‬فأصبح مصطلحا ًّ‬
‫اؼبهمة ُب مق ّدمة ابن خلدوف ُب فصل"‬
‫‪-2‬رب ّددت لؤلسلوب معاؼبو اللّغوية واالصطبلحية ّ‬
‫الشعر"‪.‬‬
‫صناعة ّ‬
‫يتوىم خروجو فيو‬
‫‪-1‬نظر العرب إٔب األسلوب من زاوية اؼبظهر الذي ىبرج فيو‪ ،‬أو الّذي ّ‬
‫الضرب من القوؿ‪ ،‬أو الطّريقة أو اؼبنواؿ أو القالب‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬فعدُّوه ّ‬
‫كل‬
‫‪-5‬ربط العرب بني تع ّدد األساليب واالفتناف فيها وطرؽ العرب ُب أداء اؼبعىن حبيث يكوف ل ّ‬
‫ىبصو من إطناب أو إهباز أو حذؼ او إثبات‪ .3»...‬فتع ّدد‬ ‫لكل مقاـ أسلوب ّ‬ ‫مقاـ مقاؿ« ّ‬
‫األساليب راجع على اختبلؼ اؼبوقف‪ ،‬وطبيعة اؼبوضوع ومقدرة اؼبتكلّم وفنّيتو‪.‬‬
‫ص وما يتميّز بو من خصائص ببلغية من اإلهباز‬
‫‪-2‬قد سبت ّد طبيعة األسلوب لتمثيل النّ ّ‬
‫واإلطناب واإليضاح والتصريح واإلُّاـ‪.‬‬
‫لكل أسلوب‬
‫الرتاكيب ومن حيث أ ّف ّ‬ ‫‪-7‬تتمثّل ُب األسلوب العبلقات النّحوية من حيث ّ‬
‫الشعر والنّثر‪ ،‬وُّذا ربطوا بني األسلوب والنّظم‪.‬‬
‫اػباصة ُب استخداـ ىذا النّحو ُب ّ‬
‫طريقتو ّ‬

‫شروؽ‪ ،‬ط‪1988( 1‬ـ)‪ ،‬ص ‪.94‬‬


‫علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫(الرؤية والتطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬األردف‪ ،‬دار الميسرة‪ ،‬ط‪2007(1‬ـ)‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫ينظر‪ :‬األسلوبية ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المقدمة‪ ،‬ابن خلدوف‪ ،‬ص‪.629‬‬


‫‪05‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫السياؽ حديثهم عن االلتفات وأسلوب‬


‫اػباصية التّعبريية‪ ،‬فجاء ُب ىذا ّ‬
‫الربط بني األسلوب و ّ‬
‫‪ّ -5‬‬
‫التّمثيل‪ ،‬واألسلوب اغبكيم‪.‬‬
‫‪-9‬اختلف النّػ ّقاد ُب ربديدىم ؼبعىن األسلوب فقد وصلوه بالتّأليفات اؼبعنوية تارة وباعبنس‬
‫األديب تارة أخرى وبالفصاحة والببلغة ُب أحايني أخرى‪.‬‬
‫اىتم النّػ ّقاد القدامى بالتّناسب بوصفو مبدأ من مبادئ تقوًن األسلوب‪ ،‬فتح ّدثوا عن‬‫‪ّ -01‬‬
‫اىتموا أيضاً‬
‫السجع‪ ،‬واعبناس ومراعاة النّظري‪ ،‬واالستطراد‪ ،‬واؼبزاوجة‪ ،‬والطّباؽ واؼبقابلة‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬
‫السياقية القائمة على التّق ّدًن والتّأخري واغبذؼ‪ ،‬والتّكرار‪ ،‬وااللتفات‪ ،‬وجعلوا من‬
‫باالكبرافات ّ‬
‫التّناسب واالكبراؼ من اؼببادئ اعبمالية اليت وبتكم إليها األسلوب أحياناً‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬األسلوب في الدّراسات العربية الحديثة والمعاصرة‪.‬‬


‫تع ّددتوجهات النّظرُب عصرنا إٔب ما جاء بو النّقد العريب القدًن من آراء حوؿ األسلوب وما‬
‫يتعلّق بو‪ ،‬ففي الوقت الذي اكتفى بعض الباحثني بعرض ما قيل عن مصطلح األسلوب ُب القدًن‪،‬‬
‫عما جاءت بو ال ّدراسات اغبديثة وفيما يأٌب نورد بعض‬
‫قبد من يعترب أ ّف ىذه اؼبفاىيم ال زبتلف كثريا ّ‬
‫التّعريفات لبعض ال ّدارسني‪:‬‬
‫‪ -0‬يقوؿ سعد مصلوح ُب تعريفو لؤلسلوب بعد مقارنتو بني صبلة من اآلراء بأنّو‪« :‬استعماؿ‬
‫خاص للغة يقوـ على استخداـ عدد من اإلمكانات واالحتماالت اؼبتاحة والتّأكيد عليها ُب‬ ‫ّ‬
‫مقابل إمكانات واحتماالت أخرى ‪،‬وأ ّف الوسيلة األساسية لتمييزه إّمبا ىي اؼبقارنة سواء أكانت‬
‫مقارنة صروبة أو ضمنية»‪.1‬‬
‫ويستند ُب مفهومو ىذا على اؼبقارنة اليت تشكل حسب رأيو الوسيلة اؼبنهجيّة النّاجعة للتّمييز بني‬
‫األساليب اليت استخدمت فيها احتماالت عديدة انطبلقا من االكبراؼ واإلضافة والتّضمني‬
‫السياؽ‪.‬‬
‫بتنوع البيئة و ّ‬
‫تتنوع ّ‬
‫السمات اللّغوية الّيت ّ‬
‫و ّ‬

‫‪ 1‬األسلوب (دراسة لغوية إحصائية)‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬القاىرة‪ ،‬عالم الكتب (د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪09‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الصورة اللّفظية الّيت ىي ّأوؿ ما يُلقي‬


‫الشايب مفهوما لؤلسلوب قاؿ فيو‪ّ «:‬‬ ‫‪ -3‬وقد طرح أضبد ّ‬
‫من الكبلـ ال يبكن أف ربىي مستقلّة ‪ ،‬وإّمبا يرجع الفضل ُب نظامها اللّغوي الظّاىر إٔب نظاـ‬
‫تكوف‬
‫آخر معنوي انتظم وتألّف ُب نفس الكاتب أو اؼبتكلّم فكاف بذلك أسلوباً معنويًّا‪ٍ ،‬بّ ّ‬
‫الروح‪ ،‬ومعىن‬
‫التّأليف اللّفظي على مثالو وصار ثوبو الّذي لبسو أو جسمو إذا كاف اؼبعىن ىو ّ‬
‫يتكوف ُب العقل قبل أف هبري‬
‫منسقة وىو ّ‬
‫ىذا أ ّف األسلوب معاف مرتبة قبل أف يكوف ألفاظا ّ‬
‫بو اللّساف أو هبري بو القلم»‪.1‬‬
‫مفصبل القوؿ قي طرؽ صناعتو‬ ‫اػباصة ُب دراسة األسلوب‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫شايب ذبربتو‬
‫وقد عرض أحمد ال ّ‬
‫وقوتو وؾباالت اإلبداع فأورده بثبلثة تعريفات ىي‪:‬‬
‫وعناصره ّ‬
‫أ‪ -‬فن من الكبلـ يكوف قصصا أو حواراً‪ ،‬أو تشبػها أو ؾبازا‪ ،‬أو كناية أو تقريرا ِ‬
‫أوحكماً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأمثاال‪.‬‬
‫ب‪ -‬طريقة الكتابة أو طريقة اإلنشاء‪ ،‬أو طريقة اختيار األلفاظ وتأليفها للتّعبري ُّا عن‬
‫اؼبعاين قصد اإليضاح والتأثري‪.‬‬
‫يعرب ُّا عن اؼبعاين‪ ،‬أو نظم الكبلـ وتأليفو ألداء‬
‫الصورة اللّفظية الّيت ّ‬
‫ج‪ -‬األسلوب ىو ّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبنسقة ألداء اؼبعاين‪.‬‬
‫األفكار وعرض اػبياؿ‪ ،‬أو العبارات اللّفظية ّ‬
‫وضح عبد القادر عبد اعبليل ىذه التّعريفات الثّبلثة بقولو‪« :‬وعلى ىذا األساس‪ ،‬فإ ّف‬ ‫ويُ ّ‬
‫خاصية التّع ّدد وىو ينهض‬
‫األسلوب باعتباره منجزاً لغوياً فإنّو رؤية الفكر ورؤية اؼبتل ّقي لو‪ ،‬لذا ضبل ّ‬
‫على مرتكزات بيانية ثبلثة‪ :‬التّفكري والتّصوير‪ ،‬والتّعبري»‪.3‬‬
‫خاصة‬
‫لكل أسلوب صورة ّ‬ ‫الشايب باإلضافة إٔب ىذه اإليضاحات أ ّف « ّ‬ ‫وقد اعترب أضبد ّ‬
‫تبني طريقة تفكريه وكيفية نظره إٔب األشياء وتفسريه ؽبا وطبيعة انفعاالتو»‪،4‬ويعلّق عبد‬
‫بصاحبو ّ‬

‫شايب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة النّهضة المصرية‪ ،‬ط‪1966( 6‬ـ)‪ ،‬ص(‪.)49-44-41‬‬


‫األسلوب (دراسة تحليلية ألصوؿ األساليب األدبية)‪ ،‬أحمد ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪:‬نفسو‪ ،‬ص (‪.)49-44-41‬‬


‫‪ 3‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫شايب‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫األسلوب (دراسة تحليلية ألصوؿ األساليب األدبية )‪ ،‬أحمد ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫السبلـ على ىذا القوؿ‪«:‬ومعىن ذلك أ ّف األسلوب ىو فلسفة ال ّذات ُب الوجود وإذ ىو كذلك فبل‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫يكوف إالّ ُمغرقاً ُب ال ّذاتية سباماً»‪.‬‬
‫الشايب لؤلسلوب ُب ؿبورين أساسني‪:‬‬
‫وتنحصر معاعبة أضبد ّ‬
‫ا﵀ور األوؿ‪ :‬اختبلؼ األساليب‪ :‬ويرجع ذلك إٔب أمرين اثنني نبا‪:‬‬
‫عما ُب نفسو‪،‬علما‬
‫ليعرب بو ّ‬
‫الفن الذي ىبتاره الكاتب ّ‬
‫اؼبوضوع‪ :‬فهو بالنّسبة إليو ىو‪ّ «:‬‬ ‫‪-0‬‬
‫اػباص‬
‫ّ‬ ‫فلكل منها أسلوبو‬
‫قصة‪ ،‬أو رسالة أو خطابة‪ّ ،‬‬
‫أو أدبا‪ ،‬نظما أو نثرا أو مقاال أو ّ‬
‫الذي يُبلئم طبيعتو»‪.2‬‬
‫الكاتب‪ :‬ىبتلف الكتّاب ُب أذواقهم وطبائعهم ومشاعرىم وانفعاالّتم وطريقة تفكريىم‬ ‫‪-3‬‬
‫عما‬
‫يعربوف ُّا ّ‬
‫بالضرورة اختبلفهم ُب األساليب اليت ّ‬
‫وتصويرىم لؤلشياء‪ ،‬ويتّبع ذلك ّ‬
‫الصور واَّازات اليت يستخدموّنا وما إٔب ذلك من أدوات‬
‫ُب أنفسهم وُب ألواف ّ‬
‫التّعبري‪.‬‬

‫ا﵀ور الثّػاين‪:‬صفات األسلوب‪:‬‬


‫الشايب صفات األسلوب ُب ثبلث أوردىا بالعربية واالقبليزية على النّحو التّإب‪:‬‬
‫ُهبمل أضبد ّ‬
‫‪ -0‬الوضوح ‪ clearness‬لقصد اإلفهاـ‪.‬‬
‫القوة ‪ force‬لقصد التّأثري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫السرور‪.‬‬
‫اعبَ َماؿ ‪ Beauty‬لقصد اإلمتاع و ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫يعرب عن األفكار اإلنسانية ُب صيغ ـبتلفة‪ ،‬باعتباره‬ ‫وُّذا يبكن اعتبار األسلوب فنّاً كبلميا ّ‬
‫مادتو وترسيخها‪ ،‬وأدباً باعتباره الكيفية اليت تصاغ ُّا اللّغة‬
‫الفّن لتوضيح ّ‬
‫الطّريقة اليت ينتهجها العمل ّ‬
‫خاصا وبمل دالالت صبالية فبيّزة‪.‬‬
‫اؼبنطوقة واؼبكتوبة لتوظيفها توظيفاً ًّ‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪2006( 5‬ـ)‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ّأما أحمد درويش ُب كتابو "دراسة األسلوب بني اؼبعاصرة والتّاريخ" فقد اقتصر على ربديد‬
‫مصطلح األسلوب لغويّا فيما ىو يتح ّدث عن العبلقة بينو وبني مصطلح األسلوبية من النّاحية‬
‫العاـ يبكن أف تطلق على‪ :‬النّظاـ‬
‫التّارىبية فقاؿ‪« :‬فكلمة األسلوب من حيث معناىا اللّغوي ّ‬
‫والقواعد العامة حيث نتح ّدث مثبل عن أسلوب اؼبعيشة لدى شعب ما‪ ،‬أو أسلوب العمل لدى‬
‫عما سواه فهناؾ اغبديث‬
‫صباعة معيّنة‪ ،‬ويبكن أف يُعىن باألسلوب اػبصائص الفردية اليت ُسبيّز شيئًا ّ‬
‫خاص‪ ،‬أو التّمتّع بأسلوب كبلسيكي ُب‬
‫موسيقي ّ‬‫ّ‬ ‫معني‪ ،‬أو اؼبيل إٔب ظباع أسلوب‬
‫عن أسلوب كاتب ّ‬
‫أثاث اؼبنزؿ»‪.1‬‬
‫عاـ وٓب يربطو‬
‫و الواضح أف ىذا اؼبفهوـ يفتقر إٔب التّدقيق فقد رب ّدث عن األسلوب بشكل ّ‬
‫ص أو العمل األديب‪.‬‬
‫بالنّ ّ‬
‫وُب تعريف آخر لؤلسلوب يربط صاحبو بينو وبني اإلوباء قائبل‪«:‬ليس األسلوب معىن مباشرا‪،‬‬
‫ص‪ ،‬وىو شيء غري ذلك‬ ‫بالصوت‪ ،‬ورسم بالكلمة وإوباء بالعبارة‪ ،‬وصورة يبيّنها النّ ّ‬‫إنّو موسيقى ّ‬
‫أيضا‪ ،‬ولذا تظهر فيو خافية النّفس من غري توقع‪ ،‬وإرادة التّعبري على غري اؼبعهود‪ ،‬كما تظهر بو رغبة‬
‫القوؿ بشكل ـبالف‪ ،2‬وقد مثّل للحالة األؤب بقوؿ شاعر‪:‬‬
‫ت أَ ِط ػ ُير‬
‫لَ َعلِي إِلَى َمن قَ ْد َىويْ ُ‬ ‫ناحو‬ ‫ِ‬
‫ب ال َقطَا ىل َمن يُعير َج َ‬
‫ِ‬
‫أس ْر َ‬
‫و للحالة الثانية بقوؿ اؼبتنيب(ت‪251‬ىػ)‪:‬‬
‫نور َكا َف فاَرقَػ َها َكأنّ َما فَق ُده ف ِي ِج ْس ِمها ُس ْق ػ ُم‬
‫س ٌ‬ ‫اج َع الش ْم َ‬
‫ور َ‬
‫َ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫ث يَبتَسم‬
‫ث ّإال َح ْي ُ‬ ‫ط الغَْي ُ‬
‫َما يَ ْس ُق ُ‬ ‫ك ل ِي ِم ْن عارض ملك‬ ‫ب ْْرقُ َ‬
‫وال َح َ‬
‫َ‬
‫أما اغبالة الثّالثة فمثلّها بقوؿ أيب سبّاـ(ت‪320‬ىػ)‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫ػوـ‬ ‫از َ ِ‬
‫اؿ ْيهذي بالمواىب دائبا َحتى ظَنَ ػنا أنو َم ْح ُم ػ ُ‬‫َم َ‬

‫‪1‬دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث‪ ،‬أحمد درويش‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار غريب‪( ،‬د‪،‬ت)‪(،‬د‪،‬ط)‪،‬ص ‪.20‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬األسلوبية وتحليل الخطاب منذر عياشي‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار المحبّة‪( ،‬د‪،‬ط)‪2009( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪3‬شرح ديواف المتنبي‪ ،‬وضعو عبد اهلل البرقوقي‪ ،‬ج‪ ،4‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪( ،‬د‪،‬ت)‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪4‬شرح ديواف أبي تماـ ‪،‬الخطيب التبريزي‪،‬تقديم راجي األسمر‪،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت(د‪،‬ت)‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬ص‪147‬‬
‫‪33‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫واألسلوب من منظور ىذا القوؿ‪ ،‬طريقة فنّػيّة إوبائيّة للتّعبري عن اؼبعاين واألفكار ُب بنية تدعى‬
‫اؼبتفردة بشكل غري مسبوؽ ـبالف‬
‫ص" ؛ إذ يُربز بو اؼبؤلّف اؼبفاجئة غري اؼبتوقّعة والقدرة التّعبريية ّ‬
‫"النّ ّ‬
‫الفّن‪.‬‬
‫يرتدد باستمرار‪ ،‬وىو ما يش ّكل معطيات توحي باعبمالية ُب العمل ّ‬
‫ؼبا ىو ّ‬
‫السالـ المس ّدي فإّنو حاوؿ –بعد حديثو اؼبسهب عن األسلوبية وأصوؽبا الغربية‪-‬‬
‫ّأما عبد ّ‬
‫اغبس اللّغوي‬
‫أف هبعل من األسلوب ظاىرة وجودية يعمل التّفكري األسلويب –الذي يعتمد على ّ‬
‫الفّن‬
‫الفّن‪ -‬على ثباّتا‪ ،‬وأ ّف التّمييز بني أسلوب وآخر ىو شيء وبب اإلقرار بو« ذلك أف اغبدس ّ‬
‫و ّ‬
‫تفرد"أسلوب"‬
‫ك ُب إمكانية سبيز "أسلوب" ّما عن "أسلوب" آخر‪ ،‬وال ُب إمكانية ّ‬
‫للش ّ‬
‫ال يرتؾ ؾباال ّ‬
‫شخص عن"أسلوب" شخص آخر»‪.1‬‬
‫بأي حاؿ من األحواؿ تعريفا دقيقا وشامبل‬
‫إال أ ّف ىذه النّظرة لؤلسلوب ال يبكن اعتبارىا ّ‬
‫ؼبصطلح األسلوب؛ ألنّو قد حاوؿ حصر ىذا اؼبصطلح ضمن ركائزه الثبلث متعاضدة‬
‫ومتفاعلة‪«.‬وإذا فحص الباحث ما تراكم من تراث التّفكري األسلويب وش ّقو دبقطع عمودي ىبرؽ‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب واؼبخاطَب واػبطاب وليس‬ ‫الزمنية اكتشف أنّو يقوـ على ركح ثبلثي دعائمو ىي‬
‫طبقاتو ّ‬
‫الركائز الثبلث أو ثبلثتها متعاضدة‬
‫من نظرية ُب ربديد األسلوب إال اعتمدت إيبستيميا إحدى ىذه ّ‬
‫متفاعلة»‪.2‬‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب أو اؼبنشئ‬ ‫الرؤية نورد موقفو كامبل لتتّضح لنا الفكرة باعتبار‬
‫ولتوضيح ىذه ّ‬
‫تتنزؿ نظرية ربديد األسلوب منزلة لوحة اإلسقاط الكاشفة ؼبخبآت شخصية اإلنساف‬
‫يقوؿ‪«:‬وىكذا ّ‬
‫ضمن‪ ،‬فاألسلوب جسر إٔب مقاصد صاحبو من‬
‫صرح وما ّ‬ ‫ما ظهر منها ُب اػبطاب وما بطن‪ ،‬ما ّ‬
‫مقومات شخصيتو ال الفنّية فحسب بل الوجودية مطلقاً»‪.3‬‬
‫حيث أنّو قناة العبور إٔب ّ‬
‫فاألسلوب من وجهة نظره ىي مرآة عاكسة لشخصية اؼبؤلّف ولصورة فكره إٔب اغب ّد الذي‬
‫الباث‪.‬‬
‫سبتزج فيو تلقائية األسلوب‪ ،‬وال ّذات اؼبربزة لو فهو نغم شخصية ّ‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.49‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪3‬نفسو‪،‬ص ‪.50‬‬
‫‪32‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ِ‬
‫اؼبخاطب قبده يعرج إٔب اغبديث عن‬ ‫وبعد مناقشتو لدالالت ربديد األسلوب اعتمادا على‬
‫ؿبور آخر ىو اؼبخاطَب أو اؼبتل ّقي«ولئن تراءت لنا بعض مراسيم الكشف اؼبوضوعي ُب طَْرِؽ ؿبور‬
‫وزبص كما أسلفنا اؼبخاطَب‬ ‫الرحى فإ ّف ىذه اؼبعآب ستدقق ُب تناولنا ال ّدعامة الثّانية‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫اؼبخاطب‪ ،‬قطب ّ‬
‫اؼبتقبّل»‪.1‬‬
‫ويعّن ىذا أ ّف األسلوب ال يستقيم إال إذا تش ّكل وفق ؿباوره الثبلثة مرتابطة وُب دراستو‬
‫لل ّدعامة الثّانية‪ ،‬يقوؿ‪ «:‬ويعمد الفكر األسلويب إٔب منهج اختياري ُب إثبات حضور اؼبتقبّل ُب عملية‬
‫بعامة "يُكيّف" صيغة خطابو حبسب أصناؼ‬
‫اإلببلغ‪ ،‬فإذا استندنا إٔب التّجربة اىتدينا إٔب أف اؼبتكلّم ّ‬
‫الذين ىباطبهم‪ ،‬وىذا "التّكيّف"‪ ،‬أو التّأقلم ليس اصطناعا‪ ،‬ألنّو عفوي قلّما يصاحبو الوعي اؼبدرؾ‪،‬‬
‫الصغري ‪-‬تلقائيا‪ -‬دبا ال ىباطب بو الكبري صياغة‬
‫وعلى ىذا اؼبستند ترى الواحد منّا ىباطب ّ‬
‫الرجل دبا ال ىباطب اؼبرأة‪ ،‬وتراه أيضا ىباطب من" يسموه" ُب منازؿ اَّتمع‬
‫ومضمونا‪ ،‬وتراه ىباطب ّ‬
‫وتقديرات سلّم القيم فيو دبا ال ىباطب بو من يدنوه»‪.2‬‬
‫إذا يصوغ اؼبتكلّم التعبري واػبطابات بالكيفية اليت تتناسب وأصناؼ اؼبستمعني‪ ،‬فيكوف‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫ستفز دبجرد مضموف ّ‬
‫وبرؾ ُب اؼبتقبّل نوازع وردود فعل ما كاف ؽبا أف تُ ّ‬
‫اػبطاب عامل استفزاز ّ‬
‫لوال اصطباغ اػبطاب بألواف ريشة األسلوب اؼبناسب‪.‬‬
‫ص‬
‫ّأما ا﵀ور الثّالث الذي يدور حولو مفهوـ األسلوب كما يرى اؼبس ّدي فهو اػبطاب«إ ّف النّ ّ‬
‫ص ذاتو‪ ،‬لذلك يستطيع األسلوب أف ينفصل عن‬ ‫إف كاف وليد لصاحبو فإ ّف األسلوب ىو وليد النّ ّ‬
‫الرحم بينهما حضورية ُب غبظيت اإلبداع واإليقاع‪،‬وىذا اؼبنظار ُب ربديد‬
‫اؼبؤلّف اؼبخاطَب أل ّف رابطة ّ‬
‫مقومات الظّاىرة اللّغوية ُب خصائصها البارزة ونواميسها اػبفية‬
‫ماىية األسلوب يستم ّد ينابيعو من ّ‬
‫»‪.3‬‬

‫السالـ المس ّدي ‪ ،‬ص‪.63‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪31‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫إ ّف ربديد األسلوب انطبلقا من الظّاىرة اللّغوية أنشأ منهجا ُب تعريف لؤلسلوب باالعتماد‬
‫ص بنيويا « فبّا هبعل العبلمة اؼبميّزة لنوعية مظهر الكبلـ داخل حدود‬
‫على خصائص انتظاـ النّ ّ‬
‫السمة إّمبا ىي شبكة تقاطع ال ّدواؿ باؼبدلوالت‪ ،‬وؾبموع عبلئق بعضها ببعض ومن‬ ‫اػبطاب وتلك ّ‬
‫ص ومن ذاّتا أسلوبو »‪.1‬‬
‫تتكوف البيئة النّوعية للنّ ّ‬
‫ذلك كلّو‪ّ ،‬‬
‫لقد وقف الكثري من الباحثني من ىذا اؼبفهوـ لؤلسلوب موقف اؼبؤيّد حيث رّكزوا على ربديد‬
‫الركائز الثبلثة اليت ذكرناىا آنفا واليت سنفصل فيها ُب موضع آخر‪.‬‬
‫ماىيتو انطبلقا من ّ‬
‫ـبصص القسمات« األسلوب اػبالص‬
‫األوؿ ّ‬ ‫ّأما فايز ال ّداية فقد ّ‬
‫وزع األسلوب على قطبني ّ‬
‫الرصيد النّقدي واألصوؿ األدبية‪ ،‬فيفيد األديب منها شاعرا‬ ‫يضم أقساما ؽبا قوالبها ُب ّ‬‫وىو الذي ّ‬
‫الشعورية‪ ،‬وكذلك يأتلف مع قيمو الثّقافية والفنّية‪ ،‬ونعّن‬
‫وكاتبا‪ ،‬بقدر يتوافق وزوايا ا ّلرؤية ُب ذباربو ّ‬
‫الرتكيب اللّغوي‪ ،‬واإليقاع واؼبوسيقى‪ ،‬وأبعاد البنية الفنّية‬
‫الصورة الفنّية وصباليات ّ‬
‫باألسلوب اػبالص‪ّ :‬‬
‫‪2‬‬
‫الرواية واؼبسرحية»‬
‫للقصة و ّ‬
‫اػباصة ّ‬
‫ّ‬
‫الرأي وبصر مفهوـ األسلوب ُب اػبصائص التّعبريية اليت تتوافق مع رؤية الكاتب‬
‫وقبد ىذا ّ‬
‫وقيمو الثّقافية والفنّية‪.‬‬
‫عامة من وجهة نظره فينقسم إٔب قسمني‪:‬‬
‫ّأما األسلوب ّ‬
‫ىامني نبا التّجربة‬
‫الرؤية ُب أعمالو‪ ،‬و إنّنا لنميّز ىنا بني أمرين ّ‬
‫‪« -0‬زبري األديب لزوايا ُّ‬
‫ويتممو»‪.3‬‬
‫يكمل اآلخر ّ‬
‫الرؤية وإف يكن كل منهما ّ‬ ‫الشعورية واؼبوقف ُب األدب وزاوية ّ‬
‫ّ‬
‫الشعورية مع اؼبواقف اليت يعيشها األديب مع ذاتو أو مع اآلخرين‪ ،‬أو مع الكوف فيحيا‬
‫وتتبلور التّجربة ّ‬
‫حّت يصبح جزءا منها متأثّرا وفاعبل وصاحب ُرؤية يتأثّر ويؤثّر‬
‫ويتقلب من خبلؿ ىذه التّجارب ّ‬
‫بشكل فبيّز ُب قوالب شعرية أو نثرية‪.‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.72‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫الصورة الفنّية في األدب العربي‪ ،‬فايز ال ّداية‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪2003(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫جماليات األسلوب‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪35‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫العامة‪« :‬يكمن ُب األبعاد ال ّداللية اليت تتجلّى‬


‫‪ّ -3‬أما اعبانب الثّاين من األسلوب ُب النّظرة ّ‬
‫ُب العمل األديب‪ ،‬ونقصد ُّا العآب الذي تصنعو األلفاظ أو تعطيو لونا يباين األلواف األخرى عند‬
‫األدباء»‪.1‬‬
‫وُب ىذا اعبزء ُحصر األسلوب ُب األبعاد ال ّداللية للعمل األديب؛ حيث قبد لكل كاتب حدساً فنّيا‬
‫ومعرفيا ورغبة تش ّكل كلّها لتخري الكلمات اؼبناسبة للموقف واؼبوضوع اؼبراد صياغتو‪ ،‬وتتبلقح اعبوانب‬
‫ال ّداللية مع اػبصائص األسلوبية والنّفسية لتؤلّف مصدرا وبمل طابع شخصية األديب الثقافية‬
‫والنّفسية‪.‬‬
‫وىو ما يدؿ على أف شبّة أسلوبا فنّيا خالصا يسمو فوؽ كل األساليب حيث يستقي منو‬
‫الشعورية‪.‬‬
‫األديب ما وبلو لو من خصائص تعبريية تتوافق مع رؤيتو وقيمو وذبربتو ّ‬
‫ّأما سمير أحمد معلوؼ‪:‬‬
‫فيتكلّم عن األسلوب من وجهة لغوية حيث يشري إٔب أ ّف«م ِ‬
‫ستعمل اللّغة عليو أف يعي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القواعد اليت هبب مراعاّتا ُب صياغتها واستعماؽبا‪ٍ ،‬بّ يتّخذ لنفسو أسلوبا ُب استعماؽبا يستند إٔب‬
‫‪2‬‬
‫كل إنساف يتكلّم لغة معيّنة قادر‪ُ ،‬ب كل‬
‫ّ‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫نبلحظ‬ ‫فنحن‬‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫لو‬‫و‬ ‫بق‬ ‫تلك‬ ‫رؤيتو‬ ‫ويوضح‬ ‫ىذه القواعد»‬
‫وتفهم وإدراؾ عدد ال متناه من صبل لغتو ٓب يسبق لو ُب الظّاىر لفظ‬ ‫آف وبصورة عفوية صياغة ّ‬
‫أكثرىا أو ظباعها من قبل‪ .‬وىذا اإلنساف يتّبع ُب الواقع قواعد معينة يعود إليها بصورة طبيعية عندما‬
‫يتكلّم لغتو‪ .‬وىذه القواعد بال ّذات يبلكها اإلنساف ُب ذاتو‪ ،‬وتتيح لو أف يربط اؼبعاين القائمة ُب ذىنو‬
‫دبجموعة اإلشارات الصوتية اليت ينطلق ُّا للتعبري عن اؼبعاين»‪.3‬‬
‫الرأي يشري إٔب أ ّف األسلوب ال يستقيم إال إذا استند ُب صياغتو إٔب قواعد اللّغة أو ما‬
‫وىذا ّ‬
‫يعرفو بأنّو‬
‫يسمى بالكفاية اللّغوية اليت تتميّز –كما يقوؿ‪ -‬الباحث نفسو عن األداء الكبلمي الذي ّ‬
‫ّ‬
‫«االستعماؿ اآلين للّغة ضمن سياؽ معني»‪.4‬‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫‪ 2‬حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬سمير أحمد معلوؼ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب العرب‪1996( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.269‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪32‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ويظهر ىذا الفرؽ بني اؼبظهرين ُب كوف األداء الكبلمي ال ىبلو من بعض االكبرافات عن‬
‫الضمنية للّغة‪.‬‬
‫قوانني اللّغة إذ وبوي أيضا الكثري من اؼبظاىر الطّفيلية قياسا إٔب تنظيم القواعد ّ‬
‫الرؤية لؤلسلوب وضمن اغبديث عن اَّاز األسلويب يضع ح ّدا فاصبل ؽبذا‬
‫وانطبلقا من ىذه ّ‬
‫اؼبصطلح قائبل بأنّو‪«:‬طريقة اؼبتكلّم ُب صياغة معانيو ضمن قواعد اللّغة وأصوؽبا‪ ،‬تلك القواعد‬
‫واألصوؿ اليت أتاحت للمتكلّم مستوى فرديّاً يستند إٔب مستوى لغوي صباعي‪ ،‬كما أتاحت لل ّدارس‬
‫حوالت اليت طرأت على الكبلـ قياسا على معيار أصيل صباعي فكانت دراستهم‬
‫القدرة على فهم التّ ّ‬
‫للمجاز –ُب حقيقة األمر‪ -‬دراسة لؤلسلوب اللّغوي كما تب ّدى لدى العرب الذين أخذت عنهم‬
‫حوالت ال ّداللية اليت قد تطرأ على ألفاظ اللّغة حني توضع ُب سياقات‬
‫اللّغة‪ ،‬كما كانت دراسة التّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫لغوية ـبتلفة»‬
‫و إذا ّازبذ اؼبتكلم لنفسو أسلوبا وفق منطلق االلتزاـ بقواعد اللّغة وأصوؽبا أفاد من ذلك‬
‫مسائل منها‪:‬‬
‫تتاح للمتكلّم فرصة صياغة أسلوب فردي يربز فيو طاقتو وشخصيتو وفنيتو ُب‬ ‫‪-0‬‬
‫التّعبري‪،‬وذلك استنادا إٔب مستوى لغوي صباعي‪.‬‬
‫يسمى باؼبستوى اللّغوي‬
‫ّازباذ القواعد اللّغوية مصدر للمتكلّم ُب صياغة معانيو‪ ،‬وىو ما ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫اعبماعي‪.‬‬
‫حوالت اليت طرأت على الكبلـ وفهمها باالرتكاز على‬ ‫دراسة التّ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫القواعد اللّغوية اعبماعية‪ ،‬كاَّاز الذي درسو العرب دراسة أسلوبية لغوية‪ ،‬واألمر نفسو‬
‫حوالت ال ّداللية لؤللفاظ ضمن سياقات متباينة‪ .‬وىذا يُنبئ إٔب ح ّد بعيد إٔب‬
‫بالنّسبة للتّ ّ‬
‫أ ّف اكبرافات اللّغة عن القواعد األساسية ال يُع ّد وال وبصى لكنّو ُب الوقت نفسو إشراقة‬
‫السامع‪.‬‬
‫صبالية ؽبا‪ ،‬ومتن ّفسا للقارئ و ّ‬
‫حوالت أو لِنَػ ُقل االنزياحات اليت زبالف ىذه‬
‫وُّذا تكوف القواعد اللّغوية أساسا لدراسة التّ ّ‬
‫القواعد‪ ،‬وىنا يبكننا التّمييز بني النّظاـ اللّغوي والنّظاـ األسلويب حيث يٌصنّف ىذا األخري بأنو غري‬

‫‪1‬حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬سمير أحمد معلوؼ‪ ،‬ص ‪.271‬‬
‫‪37‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫يؤسس اللّغة على خبلؼ القاعدة من جهة وال يُعطي للنّسق الذي يستحدثو ثباتا‬ ‫معياري ؛ إذ ّ‬
‫قاعديا أو ّقوة معيارية من جهة أخرى‪ ،‬وىو ُّذا اؼبعىن ال يُقاس عليو‪ ،‬أل ّف القاعدة فيو تقوـ على‬
‫ـبالفة القاعدة واالنزياح عنها‪ .‬فلغة األسلوب سبلك طاقة تشكيلية حيث سبارس عملها إبداعا وخلقا‪،‬‬
‫ص كائنا صبوحا وفلوتا ‪.1‬‬
‫وربيل النّ ّ‬
‫‌‬

‫‪ 1‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫‪35‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫رابعا‪ :‬األسلوب في الدّراسات الغربية الحديثة‬


‫كل باحث‬
‫عرفو ّ‬
‫اختلفت ّاذباىات الغربيني ُب تعريفهم لؤلسلوب وتع ّددت اؼبفاىيم‪ ،‬حيث ّ‬
‫االذباه الذي ينتمي إليو‪.‬‬
‫اػباصة أو ّ‬
‫انطبلقا من رؤيتو ّ‬
‫‪ -1‬مفهوـ األسلوب لدى بيفوف(‪:)Georges Louis Leclerc,Comte de Buffon‬‬
‫يقوؿ الكونت بوفوف‪«:‬إ ّف اؼبعارؼ والوقائع واالكتشافات تتبلشى بسهولة‪ ،‬وقد تنتقل من‬
‫شخص آلخر‪ ،‬ويكتسبها من ىم أعلى مهارة فهذه األشياء تقوـ خارج اإلنساف‪ّ ،‬أما األسلوب فهو‬
‫يتغري»‪.1‬‬
‫اإلنساف نفسو فاألسلوب إذف ال يبكن أف يزوؿ وال ينتقل وال ّ‬
‫اصو النّفسية‬
‫ص وخو ّ‬
‫وىو ُّذا اؼبفهوـ يشري إٔب مقولة لؤلسلوب تتعلّق بشخصية مؤلّف النّ ّ‬
‫الزماف واؼبكاف‪.‬‬
‫بتغري ّ‬
‫وأنّو ال يتغري وال يتب ّدؿ ّ‬
‫‪ -2‬مفهوـ األسلوب لدىمارسيل بروست)‪: (Marcel Proust‬‬
‫إ ّف األسلوب ليس بأيّة حاؿ زينة وال زخرفا‪ ،‬كما يعتقد بعض النّاس‪ ،‬كما أنّو ليس مسألة‬
‫اػباص الذي يراه كل منّا دوف‬
‫ّ‬ ‫الرؤية تكشف عن العآب‬
‫خاصية ّ‬
‫الرسم‪ ،‬إنّو ّ‬‫تكتيك‪«:‬إنّو مثل اللّوف ُب ّ‬
‫سواه»‪.2‬‬
‫يشبّو ىذا التّعريف األسلوب باأللواف اليت يعتمدىا الفنّاف انطبلقا من رؤيتو الفردية الختيارىا‬
‫إبداعي أديب تتش ّكل‬
‫ّ‬ ‫اػباص‪ ،‬فكذلك ىي األساليب ّإّنا خلق‬ ‫ّ‬ ‫وتوزيعها؛ حيث يكشف لنا عاؼبو‬
‫ص‪ ،‬وبذلك تصبح األساليب‬ ‫اػباصة ُب اختيار وتوزيع أساليبو ُب النّ ّ‬
‫صبالياتو انطبلقا من رؤية األديب ّ‬
‫ؿبورا أساسيا ُب فهم شخصية و أثار اؼبؤلّف‪.‬‬
‫‪ -3‬مفهوـ األسلوب لدىشارؿ بالي)‪: (Charles Bally‬‬
‫اؼبؤسس األوؿ لعلم األسلوب ُب العصر اغبديث فقد نقل درس‬‫ّأما شارؿ بإب الذي يُع ّد ّ‬
‫مستقل عرؼ بال ّدرس األسلويب أو األسلوبية‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫األسلوب من ال ّدرس الببلغي إٔب ميداف‬

‫‪ 1‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.96‬‬


‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪39‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫اػباص‪ ،‬ويتجلّى موقفو ىذا ُب معاعبتو‬


‫ّ‬ ‫فهو يرى ُب األسلوب حدثا لغويا يفصح عنو شكلو‬
‫الرجل نفسو" إذ يقوؿ‪«:‬إنّنا ال نعرتض على ىذه اغبقيقة‬ ‫الشائع " األسلوب ىو ّ‬ ‫لقوؿ" بيفوف" ّ‬
‫ولكنّها تستطيع أف ذبعلنا نعتقد أننا إذا درسنا أسلوب "بلزاؾ" ‪-‬مثبل‪ -‬فإنّنا ندرس األسلوبية الفردية‬
‫ىوة ال يبكن ذباوزىا بني استعماؿ الفرد للكبلـ ُب‬
‫فثمة ّ‬
‫لبلزاؾ‪ ،‬وسيكوف ىذا األمر خطأ عظيما ّ‬
‫الظروؼ العامة اليت تشرتؾ فيها ؾبموعة لسانية‪ ،‬واالستعماؿ الذي يقوـ بو شاعر أو روائي أو كاتب‬
‫من الكتّاب‪ ،‬فَػَر ُجل األدب يصنع من اللّغة استعماال إراديا ومقصودا‪ ،‬ويستعمل اللّغة بقصد‬
‫صبإب»‪.1‬‬
‫ويرى من ىذا اؼبنطلق أ ّف‪«:‬األسلوب ىو ؾبموعة من عناصر اللّغة اؼبؤثّرة عاطفيّا على اؼبستمع‬
‫أو القارئ»‪ ،2‬فأصل األسلوب عنده ىو إضافة ملمح تأثريي ذو ؿبتوى عاطفي إٔب التّعبري‪،‬فالتّأثري‬
‫إذف ضروري ُب األسلوب وال يبكن أف يتح ّقق ّإال لغويا‪.‬‬
‫‪ -1‬مفهوـ األسلوب لدىستانداؿ(‪:)Henri Beyle Stendhal‬‬
‫معني صبيع اؼببلبسات الكفيلة بإحداث التأثري‬
‫يرى أ ّف األسلوب‪«:‬ىو أف تضيف إٔب فكر ّ‬
‫الذي ينبغي ؽبذا الفكر أف وبدثو»‪.3‬‬
‫تتحوؿ إٔب كلمات يبثّها اؼبتكلّم ليعطي تأثريا‬
‫تتجسد ُب ال ّذىن قبل أف ّ‬
‫ّ‬ ‫واؼبعىن أ ّف الفكرة‬
‫الفعالية والتأثري اؼبعرُب قبل أف تتّصل بالنّاحية‬
‫معرفيا ‪،‬وُّذا تصبح وظيفة األسلوب مقتصرة على ّ‬
‫اعبمالية‪.‬‬
‫‪ -5‬مفهوـ األسلوب لدىجودماف (‪:)Goodman‬‬
‫ّأما جودماف فيشري إٔب أ ّف‪ « :‬أناشيد"ميلتوف" ليس ؽبا أسلوب فهي أقواؿ ؿبتدمة وملتزمة‬
‫بشكل شخصي‪ ،‬وبوسعنا أف نقوؿ إنّو ليس ىناؾ أسلوب على ثبلث وجهات ‪-‬إحداىا‪ -‬وىي اليت‬
‫تنطبق على "ميلتوف" تشري إٔب أ ّف قوال قديرا قد يبدو ؿبايدا من النّاحية الفنّية لصاّب ما فيو من فكر‬

‫‪ 1‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬ص ‪.32‬‬


‫‪2‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وشعور‪ُ ،‬ب الوقت الذي يع ّد فيو ىذا اػبيار نفسو تعبريا عن موقف‪ ،‬والوجهة الثّانية أف تكوف الكتابة‬
‫غري أدبية‪ ،‬إذ ال يستطيع مؤلّف أف يُقيم عبلقة بينو وبني قولو مطلقا وىنا ال يكوف شبّة أسلوب‪ّ ،‬أما‬
‫الشعر السيئ حيث يصبح اغبرماف من األسلوب ُب واقع األمر نتيجة‬
‫الوجهة الثّالثة فتنطبق على ّ‬
‫اختبلط أساليب كثرية»‪.1‬‬
‫الشكل اللّغوي‪ ،‬ويب ّد القارئ‬
‫فاألسلوب لو قيمة مستقلّة عن اؼبضموف‪ ،‬إذ تقتصر أنبّيتو على ّ‬
‫بل ّذة مستقلّة ـبتلفة سباماً عن اؼبادة اليت يعاعبها القوؿ‪ ،‬ووبيل ىذا اؼبفهوـ إٔب اآلٌب‪:‬‬
‫فصل اللّحاء اػبارجي لؤلسلوب عن اللّب ال ّداخلي للفكر ‪ ،‬فالقوؿ يكوف أحيانا مفيدا‬ ‫‪-0‬‬
‫فكريًّا وشعوريا لكنّو ال أسلوب لو‪ ،‬وانتفاء اػباصيّة األسلوبية منو يُع ّد ُب الوقت نفسو‬
‫تعبريٌ عن موقف‪.‬‬
‫ؿبسنات‬
‫يقر ىذا القوؿ بوجود فكر سابق للّغة‪ ،‬إذ أ ّف القوؿ يبكن أف يكتمل بإضافة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫الراقي‪.‬‬
‫الفّن ّ‬
‫تكمل العمل ّ‬
‫ا﵀سنات اعبمالية الّيت ّ‬
‫لغوية أو بديعية وىي ّ‬
‫اعتبار األشكاؿ اَّازية ؿبورا أساسيا ُب صناعة األسلوب‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -6‬مفهوـ األسلوب لدىموريو (‪:)Moreh‬‬
‫وقبد موريو يستعرض ثبلثة مفاىيم لؤلسلوب‪:‬‬
‫الشخصية الفردية ُب الكتابة األدبية‪.‬‬
‫اص ّ‬‫«اػبو ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫طريقة عرض األفكار لغويا‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الشخصي باؼبطلق لدى الكاتب العظيم ُب مشاىده اؼبكثّفة الكربى اليت‬
‫امتزاج اعبانب ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫تشري إليو»‪.2‬‬
‫مهما لصياغة األسلوب‪ ،‬لذلك رّكز على النّظم‬
‫وىو هبعل من العاطفة القوية األصلية مصدرا ّ‬
‫الشخصي الذي بدا وكأنّو شيء جوىري إذ األسلوب‪ -‬من منطلق ىذه التّعريفات الثّبلث‪ -‬البد أف‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪20‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫يكوف فرديا‪ ،‬ألنّو التّعبري عن طريقة اإلحساس الفردية وىو بذلك يربط بني أسلوب الكاتب وشعوره‬
‫عرب عنو‪.‬‬
‫اػباص ّاذباه ما يُ ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -7‬مفهوـ األسلوب لدىروالف بارث(‪:)Rolan Barthes‬‬
‫الراقية ويعتربنبا ـبالفني ؼبفهوـ‬
‫يقرتح ىذا الباحث وضع تعريف لؤلسلوب يتناسب مع الكتابة ّ‬
‫اللّغة العادية إذ يقوؿ‪ « :‬األسلوب لغة تتميّز باالكتفاء ال ّذاٌب وتغرس جذورىا ُب أسطورة اؼبؤلّف‬
‫السريّة‪ ،‬لكي تولد من خبلؽبا التش ّكبلت األؤب للكلمات فهو ُب حقيقة األمر ظاىرة طبيعية‬
‫ال ّذاتية ّ‬
‫تشبو طبيعة البذور‪،‬و يهدؼ إٔب نقل اغبالة واؼبزاج ليستزرعها ُب نفس القارئ»‪.1‬‬
‫ومقابل األسلوب الذي يعتربه فرديا يتكلّم عن الكتابة اليت ربمل ظبة اعبماعية حيث هبعلها‬
‫نتيجة القصدية واالختيار ويبيّز بني ثبلثة أنواع منها‪:‬‬
‫عرؼ األدب‬
‫الكتابة "إشارة"‪ :‬و تشمل صبيع األشكاؿ األدبية بأجناسها و ّاذباىاّتا‪ ،‬حيث يُ ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫قصة‪ ،‬أنا قصيدة‪ ...‬أو مسرحية ىذا باإلضافة إٔب القوؿ اؼبزيّن‪ ،‬فالعمل اؼبقنع‬
‫وكأنّو يقوؿ أنا ّ‬
‫بالشكل يشري إٔب نفسو ‪،‬وىنا يربز علم اعبماؿ الذي وب ّدد نوع الكتابة‪.‬‬
‫ّ‬
‫اػباصة حيث سبارس الكتابة باعتبارىا قيمة متميّزة‪ ،‬حيث‬
‫الكتابة "قيمة"‪ُ :‬ب لغة النّظم ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫خاص وبيل إٔب قيمتها ُب اَّتمع‪.‬‬
‫كل كلمة معىن ّ‬
‫ربوي ّ‬
‫السياسية أو االجتماعية اليت‬
‫الكتابة "التزاـ"‪ :‬وىي الكتابة اليت نشأت نتيجة الظّروؼ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫اؼبتحررة من األسلوب‪.‬‬
‫ولّدت وعيا أدبيا قبم عنو ظهور لوف من الكتابة اؼبناضلة ّ‬
‫تعني جنسو األديب‬
‫نص ما –كما يشري بارث‪ -‬ىذه ال ّدالالت الثبلث حيث يصبح إشارة ّ‬
‫وقد وبوي ّ‬
‫‪2‬‬
‫معني‪.‬‬
‫وقيمة دبضمونو الكامن وراء الكلمات‪ ،‬والتزاما بقدر ما يؤّكد بشكلو االنتماء لنظاـ ّ‬

‫‪1‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.103‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪23‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫‪ -8‬مفهوـ األسلوب لدىريفاتػير)‪:(Michael Riffaterre‬‬


‫كل شكل مكتوب فردي‪ ،‬ذي قصد‬ ‫ويعرؼ األسلوب بقولو‪«:‬يفهم من األسلوب األديب ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر أو‬
‫أديب‪ ،‬أي أسلوب مؤلف ما‪ ،‬أو باألحرى أسلوب عمل أديب ؿب ّدد يبكن أف نطلق عليو ّ‬
‫‪،‬وحّت أسلوب مشهد واحد»‪.1‬‬
‫ص ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫ويعلّق شارحا تعريفو إذ يقوؿ‪«:‬إ ّف ىذا التّعريف ؿبدود للغاية كاف من األفضل أف نقوؿ بدال‬
‫اؼبادي‬
‫حّت يشمل اآلداب الشفاىية اليت يستمر اغبفاظ ّ‬
‫من" شكل مكتوب" كل "شكل دائم" ّ‬
‫فك شفراّتا‪.2»...‬‬
‫اص شكليّة ذبعل من اؼبيسور ّ‬
‫عليها بوجود خو ّ‬
‫ّأما قولو‪ :‬ذو قصد أديب‪ ،‬فليس معناه اؼبضموف أو أنّو يبيّز بني األدب اعبيّد والرديء‪ ،‬ولكنّو يعّن‬
‫اص‪:‬‬
‫ؾبرد رصف للكلمات‪ ،‬ومن ىذه اػبو ّ‬
‫ص ذبعل منو عمبل أدبيا وليس ّ‬
‫أ ّف بعض خصائص النّ ّ‬
‫قصة‪.‬‬
‫شكل الطّباعة وشكل الوزف وعبلمات األجناس األدبية‪ ،‬والعناوين الفرعية مثل رواية أو ّ‬
‫ويعود لتعريف األسلوب بقولو‪«:‬وىنا نفهم من األسلوب كل إبراز وتأكيد‪ ،‬سواء كاف تعبرييا‬
‫أو عاطفيا أو صباليا‪ ،‬يُضاؼ إٔب اؼبعلومات اليت تنقلها البيئة اللّغوية‪ ،‬دوف تبديل للمعىن الذي يقوؿ‬
‫تعرب عنو وأ ّف األسلوب يؤّكده »‪.3‬‬
‫أف اللّغة ّ‬
‫يوضح قائبل‪«:‬رّدبا كاف من األوضح‬
‫ويعترب ريفاتري ىذا التّعريف بعيدا عن اؼبهارة البلّزمة لذلك ّ‬
‫األدؽ أف نقوؿ إ ّف األسلوب ىو الربوز الذي تفرضو بعض غبظات تعاقب الكلمات ُب اعبمل على‬
‫و ّ‬
‫فك شفرتو دوف أف يتّضح أنّو داؿ‬
‫للنص‪ ،‬وال يبكن ّ‬
‫انتباه القارئ بشكل ال يبكن حذفو دوف تشويو ّ‬
‫بالتعرؼ فيو على شكل أديب ‪،‬أو شخصية اؼبؤلّف وعليو نقوؿ إ ّف اللّغة‬
‫نفسر ذلك ّ‬
‫وفبيّز‪ ،‬فبّا هبعلنا ّ‬
‫تعرب واألسلوب يُربز ‪.4».‬‬
‫ّ‬
‫مهمة اللّغة وما األسلوب ّإال‬
‫الربط بني اللّغة واألسلوب؛ إذ التّعبري ىو ّ‬
‫الرأي ّ‬
‫فمنطلق ىذا ّ‬
‫إظهار ؽبذا التّعبري‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪2‬نفسو ‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫ص‪ ،‬فنس ستيوارت‪ ،‬ترجمة المركز الثقافي للتعريب و التّرجمة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الكتاب الحديث‪(،‬د‪،‬ط) (‪2009‬ـ)‪،‬ص‪.107‬‬
‫األسلوبية وتحليل النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.111‬‬


‫‪22‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫‪ -9‬األسلوب لدى ىنريش بليث(‪:)Heinrich Blythe‬‬


‫ص"‬
‫رب ّدث عن ظاىرة األسلوب ُب كتابو" الببلغة واألسلوبية كبو مبوذج سيميائي لتحليل النّ ّ‬
‫قسمها ُب‬
‫حيث استطاع أف يصنّف اؼبفاىيم اليت أعطيت ؽبذا اؼبصطلح رغم تضارُّا وتعقيداّتا‪ ،‬وقد ّ‬
‫‪1‬‬
‫تتشعب إٔب شعب فرعية‪ ،‬انطبلقا من مبوذج التّواصل‪:‬‬
‫أربع اذباىات ّ‬
‫االتجاىات األسلوبية‬
‫في ضوء نموذج التّواصل‬

‫تركيب عناصر‬ ‫الرتكيز على عنصر واحد‬


‫مبوذج التّواصل‪.‬‬ ‫الرسالة‪ ،‬نظاـ اللّغة)‬
‫(اؼبرسل‪ ،‬اؼبتل ّقي‪ّ ،‬‬

‫الرسالة)‬
‫(اؼبوضع ّ‬ ‫األسلوبية(اؼبرسل)‬ ‫السجبلت‬
‫أسلوب ّ‬ ‫االتجاه التعبيري االتجاه المحاكاتي‬
‫السيميائية(األسلوب ىو ّالرجل)(مقرتح اؼبؤلّف)‬
‫االتجاه التأثيرياالتجاه التّأليفي‬
‫ص اللّغوية)‬
‫(اؼبتل ّقي)التأثري ُب اؼبتل ّقي (بنية النّ ّ‬

‫السياؽ أسلوبية االنزياح أسلوبية اإلحصاء‬


‫أسلوبية ّ‬ ‫ص باؼبوضوع‬
‫عبلقة النّ ّ‬

‫وال ينكر ىنريش بليث ارتباط كلمة األسلوب ببعض اؼبظاىر اؼبشرتكة بني صبيع اَّاالت ‪ :‬األسلوب‬
‫السياقية‬
‫لقي‪ ،‬وأسلوبية االنزياح واألسلوبية ّ‬
‫الشفوي‪ ،‬والكتايب‪ ،‬واألسلوب األديب‪ ،‬أسلوبية التّ ّ‬
‫ّ‬
‫ولذلك يقوؿ‪:‬‬
‫‪« -‬األسلوب يبثّل اختيارا بني م ّدخر من اإلمكانيات»‪.‬‬
‫خاصية فردية»‪.‬‬
‫‪« -‬األسلوب ّ‬

‫‪1‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬ىنريش بليث‪ ،‬ترجمة محمد العمري‪ ،‬ص‪52‬‬


‫‪21‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬
‫‪1‬‬
‫‪« -‬األسلوب ىو نتيجة اؼبعايري واؼبواصفات ومنطلقاّتا»‪.‬‬
‫اؼبدوف أعبله يبثّل رؤيتو لبلذباىات اليت بىن عليها الباحثوف مفهومهم لؤلسلوب حيث‬
‫فاؼبخطّط ّ‬
‫نظروا لؤلسلوب‪:‬‬
‫االذباه التّعبريي‬
‫وجو الفكري وىو ما يشمل ّ‬
‫باعتباره تعبري عن شخصية الكاتب (اؼبرسل)‪.‬التّ ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫الرجل نفسو)‪.‬‬
‫لؤلسلوب والذي ُربط دبفهوـ بيفوف اؼبشهور (األسلوب ىو ّ‬
‫االذباه التّأثّري العاطفي لؤلسلوب حيث‬
‫باعتبار اؼبتل ّقي‪ :‬أو كأثر ُب القارئ وىو ما يشمل ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫يربط ىذا األخري باؼبقوالت االقناعية (التّعليم واإلمتاع والتّأثر)‪.‬‬
‫االذباه ا﵀اكاٌب‪ ،‬حيث يدور حوؿ العبلقة بني األسلوب‬
‫ص‪ :‬وىو ما يشمل ّ‬ ‫باعتبار النّ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫واؼبوضوع اؼبمثّل بو‪.‬‬
‫باعتباره تأليف خاص للّغة‪ :‬وىو ما يشمل اال ّذباه التّأليفي‪ ،‬ويتعلّق األمر دبعاعبة األسلوب‬ ‫‪-1‬‬
‫داؿ لعناصر لسانية‪ .‬وارتبط ُّذا اؼبفهوـ ظهور نزعات أسلوبية‬
‫على أنّو اختيار وتنظيم وتوزيع ّ‬
‫‪2‬‬
‫السياؽ‪ ،‬واألسلوبية اإلحصائية‪.‬‬
‫من أنبّها أسلوبية االنزياح وأسلوبية ّ‬
‫االذباىات اليت مثّلها للكثري من الباحثني يُربز لنا"ىنريش‬
‫صورات و ّ‬
‫بعد نقده البلّذع ؽبذه التّ ّ‬
‫مهمة أنبلت ُب‬
‫السجبلّت ويرى أ ّف ىناؾ نقطة ّ‬ ‫اػباص؛ حيث يتح ّدث عن أسلوبية ّ‬
‫ّ‬ ‫تصوره‬
‫بليث" ّ‬
‫صورات األربعة إذ يقوؿ‪ «:‬ونقصد من ذلك أ ّف صبيع العوامل التّواصلية تساىم ُب إظهار‬ ‫التّ ّ‬
‫السنن‪ ،‬والعبلقة‪ ،‬مع الواقع وقناة اإلرساؿ ‪...‬إْب »‪ ،3‬ويرى أ ّف النّظرية‬
‫األسلوب‪ :‬اؼبرسل‪ ،‬واؼبتل ّقي‪ ،‬و ّ‬
‫يوضح‬
‫السجبلت ٍبّ ّ‬
‫الوحيدة اليت يبكنها أف تستوعب ع ّدة عوامل تواصلية ىي نظرية ّ‬
‫تنوع الكبلـ حبسب االستعماؿ»‪.4‬‬
‫جل يعّن ّ‬
‫الس ّ‬
‫قائبل‪«:‬و ّ‬

‫‪ 1‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬ىنريش بليث‪ ،‬ترجمة محمد العمري‪ ،‬ص‪.52‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪:‬نفسو‪ ،‬ص(‪.)62-52‬‬
‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫محمد العمري‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫البالغة واألسلوبية ‪ ،‬ىنري بليث‪ ،‬ترجمة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وىذا يسمح بتقسيم ثبلثي مبلئم ىو كاآلٌب‪:‬‬


‫ص واؼبوضوع‪.‬‬
‫حقل اػبطاب‪ :‬العبلقة بني النّ ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫نوع اػبطاب‪ :‬العبلقة بني اللّغة اؼبكتوبة واللّغة اؼبنطوقة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫فحوى اػبطاب‪ :‬العبلقة بني اؼبرسل واؼبخاطَب(اؼبتل ّقي) ُب بعض مقامات التّفاعل‬ ‫‪-2‬‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫السيميائي‪ 1‬لؤلسلوب كما يأٌب‪:‬‬
‫ويبكن إبراز نظرة ىذا الباحث لنموذج التّحليل ّ‬
‫السيميو‪ -‬تركيبي‬
‫النّموذج ّ‬

‫التّداوؿ (نموذج تداولي)‬ ‫ال ّداللة(نموذج للواقع)‬ ‫التركيب (نموذج نحوي)‬


‫(الصور التّداولية)‬
‫ّ‬ ‫الصور السيميو‪ -‬داللية‬
‫ّ‬ ‫الصور السيميو‪-‬تركيبية‬
‫ّ‬

‫الصور اآلتية‪:‬‬
‫تنتج عبر العمليات اللّسانية في المستويات اللّسانية ّ‬

‫نصائية‬
‫صور ّ‬ ‫صور خطّية‬ ‫صور داللية‬ ‫صور تركيبية‬ ‫صور مورفولوجية‬ ‫صور فنولوجية‬

‫عالقة المجاورة‬ ‫عالقة التّشابو‬


‫(الكناية)‬ ‫(االستعارة)‬

‫‪1‬ينظر‪:‬نفسو‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪22‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫‪ -01‬مفهوـ األسلوب لدى عند بييرجيرو( ‪:)Pierre Giraud‬‬


‫يرى ىذا الباحث من خبلؿ كتابو" األسلوبية" أ ّف األسلوب ىو«طريقة للتّعبري عن الفكر‬
‫بوساطة اللّغة»‪.1‬‬
‫ّإال أنّو يرى بعد طرحو ؽبذا التّعريف البسيط أنّو يضع البحث أماـ ع ّدة عقبات فيف ّكك‬
‫الكلمات اليت وبتويها ىذا اؼبفهوـ لكلمة األسلوب ويقوؿ‪«:‬إ ّف كلمة"طريقة" ىي نفسها غامضة وإ ّف‬
‫كلمة "تعبري" تصبح مع ّقدة ج ّدا‪ ،‬ما إف رباوؿ أف ربلّل فئات التّعبري وأمباطو‪ ،‬لكن ىل هبب أف نقرأ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫عرب عن الفكر أو عن فكرة‪ ،‬أسئلة كثرية تقدونا بعيدا ج ّداً»‪.‬‬
‫كل من الفكر واللّغة واسع ج ّدا يشمل صبيع وجوه النّشاط اإلنساين ُب اغبياة عرب‬
‫فمفهوـ ّ‬
‫ويتعني‬
‫التّاريخ‪ ،‬ويتّجو التّعقيد بالتّحديد ُب كلميت "طريقة" و"تعبري" إذ يتّسماف باللّبس والتّعقيد ّ‬
‫‪3‬‬
‫لتوضيحهما ربليل مراتب التّعبري وكيفيات توظيفو‪ .‬فكيف نفهم " التّعبري عن الفكر"؟‬
‫يعرفو بأنّو‪«:‬اؼبظهر الذي ُب اػبطاب ينجم عن اختيار وسائل التّعبري واليت بدورىا‬
‫كما ّ‬
‫رب ّددىا مقاصد اؼبتكلّم أو الكاتب وطبيعتو»‪.4‬‬
‫كل أسلوب بطبيعة التّعبري ومصادره أو مظاىره‬
‫ويصنّف بيري جريو األساليب حيث يربط ّ‬
‫فوجد‪:‬‬
‫ّأوال‪ :‬حدود التّعبري‪:‬زبتلف تعاريف األسلوب –كما يراىا بيري جريو‪ -‬تبعا لتناولنا التّعبري باؼبعىن‬
‫‪5‬‬
‫الواسع ؽبذه الكلمة أو تناولنا لو ضمن اتفاؽ ؿبدود‪.‬‬
‫فن الكاتب باؼبعىن التّقليدي ىو استخداـ أدوات التّعبري استخداما واعيا لغايات‬
‫إ ّف ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫صبالية وأدبية ‪.‬‬

‫‪ 1‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ترجمة منذر عيّاشي‪ ،‬دمشق‪ ،‬مركز اإلنماء الحضاري‪( ،‬د‪،‬ط)‪1994 (،‬ـ)‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫ص واألسلوبية(بين النّظرية والتّطبيق)‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب العرب‪( ،‬د‪،‬ط)‪2000(،‬ـ)‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫ينظر‪ :‬النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ترجمة منذر عيّاشي‪ ،‬ص ‪.139‬‬


‫‪ 5‬ينظر‪ :‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫يعرب عرب ىذا‬


‫الشعوري‪ ،‬وىو ّ‬
‫طبيعة الكاتب‪ :‬وتكوف ُب االختيار العفوي وغري ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫االختيار عن مزاج اإلنساف وذبربتو‪.‬‬
‫كل أوضاعو‪.‬‬
‫كلية العمل‪ :‬وىي موقف اإلنساف ُب ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫فتتضمن قيما وبتويها اػبطاب‬
‫ّ‬ ‫ّأما حدود أدوات التّعبري‪ -‬كما ُوب ّددىا بيري جريو‪-‬‬
‫األديب؛حيث ّأّنا تُرتجم اؼبوقف العفوي للكاتب أو األثر الذي نريد إحداثو ُب اؼبتلقي وىي‪:‬‬
‫‪ -0‬قيم مفهومية‪ :‬أسلوب واضح ومنطقي وسليم‪.‬‬
‫قيم تعبريية‪ :‬أسلوب نزؽ‪ ،‬طفوٕب‪ ،‬ريفي‪...‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪1‬‬
‫قيم انطباعية‪ :‬أسلوب حاسم‪ ،‬ساخر‪ ،‬مضحك‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫ثانيا‪ :‬مصادر التّعبري‪:‬بالنّسبة ؼبصادر التّعبري فريجعها بيري جريو إٔب‪:‬‬


‫اص النّفسانية والفيسيولوجية‪ :‬أسلوب اؼبزاج‪ ،‬واعبنس‪ ،‬والعمر‪ ،‬وأسلوب القلق‪،‬‬
‫اػبو ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫والتّشاؤـ‪ ،‬والفرح‪...‬‬
‫اػبواص االجتماعية‪ :‬أسلوب حسب الطّبقات‪ ،‬واؼبهن‪ ،‬واألرياؼ‪...‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اص الوظائفية‪ :‬أسلوب أديب وإدراكي‪ ،‬وخطايب‪...‬‬
‫اػبو ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ثالثا‪ :‬أوجو التّعبري أو مظاىره‪:‬‬
‫الشكل‪:‬االهبازي‪ ،‬االستطرادي‪ ،‬التّصويري‪.‬‬
‫من حيث ّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬من حيث اعبوىر أو اؼبضموف‪ :‬األسلوب اللّ ّني‪ ،‬اغبزين‪ ،‬القوي‪...‬‬
‫ج‪ -‬من حيث تعبريية اؼبتكلّم‪ :‬يكوف األسلوب شاعريا‪ ،‬تقليديا‪ ،‬قديبا‪...‬‬
‫‪ -11‬مفهوـ األسلوب لدىليو سبتزر(‪:)Léo Spitzer‬‬
‫السمات‬
‫صمم بتأثري مباشر من "كارؿ فوسلر"‪ ،‬نقدا مبنيا على ّ‬ ‫يع ّد ىذا الباحث ّأوؿ من ّ‬
‫وخاصة ُب ميداف علم ال ّداللة وعُرؼ عنو أنّو دعا‬
‫ّ‬ ‫األسلوبية للعمل‪ ،‬وقد نفذ نشاطو ُب ميادين ع ّدة‬
‫إٔب تكوين نظرية أصيلة ُب األسلوبية‪ٍ ،‬بّ إّنو رفض التّقسيم التّقليدي بني دراسة اللّغة ودراسة األدب‬
‫الشكل اللّساين أو ُب األسلوب نفسو‪.‬‬
‫وحبث عن اؼبفتاح ُب أصالة ّ‬
‫‪1‬ينظر‪ :‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ويرصد ىذا الباحث عبلقات التّعبري باؼبؤلّف لتدخل من خبلؿ ىذه العبلقة ُب حبث‬
‫ونصو األديب؛‬
‫خاصة ُب ضوء العبلقة القائمة بني اؼبؤلّف ّ‬
‫يتوجو دبوجبها األسلوب وجهة ّ‬
‫األسباب اليت ّ‬
‫ربوؿ ُب نفسية‬
‫إذ يقوؿ‪«:‬إ ّف االكبراؼ األسلويب الفردي عن ّنج قياسي‪ ،‬الب ّد أف يكشف عن ّ‬
‫الشكل جديدا‪،‬‬‫العصر‪،‬ربوؿ شعر بو الكاتب وأراد أف يرتصبو إٔب شكل لغوي‪ ،‬والب ّد أف يكوف ىذا ّ‬
‫ّ‬
‫السواء‪ ،‬ومن اؼبسلّم بو أف ربديد بداية ذبديد‬
‫فبل يبكن ربديد اػبطوة التّارىبية نفسيا ولغويا على ّ‬
‫لغوي يكوف أسهل بالنّسبة للكتّاب اؼبعاصرين‪ ،‬ألنّنا نعرؼ أساسهم اللّغوي أكثر فبّا نعرؼ أساس‬
‫‪1‬‬
‫الكتّاب اؼبتق ّدمني»‪.‬‬
‫صمم ضمن‬
‫فاألسلوب عنده اكبراؼ عن النّهج القياسي اؼبعروؼ‪ ،‬فدراسة األسلوب الفردي ّ‬
‫يتلخص فيما يأٌب‪:‬‬
‫منظور ّ‬
‫اػباصة بفرد من األفراد‪.‬‬
‫دراسة اللّغة ودراسة صبيع العادات اللّسانية ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫دراسة الكبلـ واللّساف ُب سياقو أي ضمن حالتو‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ويبكن أف نقوؿ أ ّف دراسة األسلوب عند سبتزر تبدأ باللّغة لتنتهي بالنّفس مستكشفة عرب اللّغة‬
‫عني‪ ،‬فهو يربط بني األسلوب ونفسية الكاتب‪ٍ .‬بّ يتساءؿ‬
‫أسلوُّا الذي ينجلّى عنو وضع نفسي ُم ّ‬
‫اػباصة؟»‪ ،‬وقد انطوت أسلوبية سبيتزر‬
‫عني من خبلؿ لغتو ّ‬ ‫فيقوؿ‪« :‬ىل يبكن أف مبيّز نفسية كاتب ُم ّ‬
‫مهمة لدراسة األسلوب ىي كاآلٌب‪:2‬‬
‫على مبادئ ّ‬
‫ص تكشف عن شخصية مؤلّفو‪.‬‬
‫معاعبة النّ ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫األسلوب انعطاؼ شخصي عن االستعماؿ العادي للغة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ص‪.‬‬
‫فكر الكاتب غبمة ُب سباسك النّ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ص ضروري لل ّدخوؿ ُب عاؼبو اغبميم‪.‬‬
‫التّعاطف مع النّ ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫للسيّاب)‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المركز العربي الثّقافي‪ ،‬ط‪2002(1‬ـ)‪ .‬ص‪.35‬‬
‫البنى األسلوبية (دراسة في أنشودة المطر ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪29‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫‪ -12‬مفهوـ األسلوب لدىروماف جاكبسوف (‪:)Roman Jakobson‬‬


‫الشكلية وضع نظريتها اللّسانية وأسهم ُب بلورة الفكر األسلويب ‪ ،‬ونادى دب ّد‬
‫يع ّد رائد اؼبدرسة ّ‬
‫اىتم بنظرية الببلغة عند عبد‬
‫جسر بني ال ّدراسات اللّغوية والنّقد األديب بال ّدراسة األسلوبية‪ ،‬كما ّ‬
‫صورات الببلغية القديبة‪ُ ،‬ب ضوء علم اللغة اغبديث ونظريات‬‫القاىر اعبرجاين‪ ،‬وأعاد صياغة التّ ّ‬
‫السيميولوجيا‪.‬‬
‫ست وظائف للكبلـ منطلقا من نظرية االتّصاؿ أو اإلخبار ومن جهاز التّخاطب‬
‫وقد ح ّدد ّ‬
‫كل منها وظيفة‪:‬‬
‫تؤدي ّ‬
‫ال ّذي يتألّف من ستّة عناصر ّ‬
‫‪ -0‬اؼبرسل _ التّعبري‪.‬‬
‫السياؽ_ اؼبرجع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫الرمز_ تأكيد التّطابق بني طرُب التّخاطب‪.‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -1‬اؼبرسل إليو_ الفهم‪.‬‬
‫‪ -5‬الوسيلة_ النّقل‪.‬‬
‫الشعر‪.‬‬
‫الرسالة_ اإلنشاء و ّ‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫كل‬
‫الرسالة بني اؼبرسل واؼبرسل إليو؛ حيث أ ّف ّ‬ ‫سبر ُّا ّ‬
‫توضح اؼبراحل اليت ّ‬
‫وىذه خطّة ذبسيدية ّ‬
‫‪1‬‬
‫بالضرورة ىذه العناصر سواء كاف اتّصاال مباشرا أو غري مباشر‪.‬‬
‫اتّصاؿ بشري لغوي وبمل ّ‬
‫المرجع (المحتوى)‬

‫المستقبل(المرسل إليو)‬ ‫النّاقل‬ ‫الرسالة‬


‫ّ‬ ‫النّاقل‬ ‫المرسل (التّعبير)‬
‫شعر‬
‫اإلنشاء وال ّ‬

‫الهواء الحامل لصوت‬


‫من الفم إلى األذف‬
‫شفرة (اللّغة)‬
‫ال ّ‬ ‫المسجلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والكتابة‬

‫‪ 1‬دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث‪ ،‬أحمد درويش‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫‪11‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫باث (اؼبرسل)‬
‫يتكوف من ّ‬
‫كل عملية زباطب حبسب ىذا النموذج جهاز أدىن ّ‬
‫إذ تقتضي ّ‬
‫ومستقبل(مرسل إليو) وناقل‪.‬‬
‫اَّردة ُب‬
‫اؼبتصورات ّ‬
‫الرتكيب‪ ،‬أي صياغة اؼبفاىيم و ّ‬ ‫الباث‪ :‬فهو اؼبتكلّم ويقوـ بعملية ّ‬
‫فأما ّ‬‫ّ‬
‫اغبسية بواسطة األداة اللّسانية‪.‬‬
‫نسق كبلمي ؿبسوس‪ ،‬ينقل عرب القناة ّ‬
‫الرتكيب تنطلق من‬
‫و ّأما اؼبستقبل‪ :‬وىو اؼبخاطَب فيقوـ بعملية التّفكيك‪ ،‬واؼببلحظ أ ّف عملية ّ‬
‫حسي‬
‫اَّرد لتجسيمو ُب قالب كبلمي ؿبسوس بينما تنطلق عملية التّفكيك من موضوع ّ‬
‫اؼبتصور ّ‬
‫ّ‬
‫اَّردة‪.‬‬
‫إلرجاعو إٔب مدلوالتو ّ‬
‫تؤسس فيها القاعدة على عنصري االختيار والتّوزيع وتسجيل‬ ‫وانطبلقا من نظريتو للّغة الّّت ّ‬
‫للصور اؼبنتجة يأٌب تعريفو لؤلسلوب بأنّو‪ « :‬إسقاط ؿبور االختيار على‬
‫االحتماالت اؼبرجعية اؼبتع ّددة ّ‬
‫ؿبور التّوزيع»‪.1‬‬
‫وُب ضوء ىذا التّعريف فإ ّف«األسلوب يتح ّدد بأنّو تطابق عبدوؿ االختيار على جدوؿ التّوزيع‪،‬‬
‫فبّا يفرز انسجاما بني العبلقات االستبدالية اليت ىي عبلقات غيبية يتح ّدد اغباضر منها بالغائب‬
‫الركنية وىي عبلقات حضورية سبثّل تواصل سلسلة اػبطاب حسب أمباط بعيدة عن العفوية‬
‫والعبلقات ّ‬
‫‪2‬‬
‫واالعتباط»‪.‬‬
‫اؼبتحولة اليت تكثف‬
‫وقد ّبني تعريف جاكبسوف أ ّف ربليل األساليب يكشف أمباطا من البىن ّ‬
‫نصا أدبيّا إبداعيا‪،‬‬
‫ص اللّغوي ّ‬
‫الرسالة اللّغوية‪ ،‬وذبعل من النّ ّ‬
‫الشعرية واعبمالية على ّ‬
‫ىيمنة الوظيفة ّ‬
‫فاللّغة تش ّكل نظاما ؿبكما يستثمر طرؽ االبتكار للنّفاذ إٔب اؼبعىن بتغيري وحدة ترتيب اؼبفردات من‬
‫‪3‬‬
‫يثمن فرادة التّعبري‪.‬‬
‫نصي ّ‬
‫صبيع جهاّتا لتكوين جامع ّ‬
‫تشعبا والتباسا وتعقيدا‬
‫ومن خبلؿ ما سبق يبكن القوؿ أف مصطلح األسلوب أصبح أكثر ّ‬
‫يعرب عنو ُب إطار لفظي ؿب ّدد‪ ،‬ورّدبا كاف ذلك من ال ّدواعي اليت‬
‫عند األوروبّيني ا﵀دثني ‪ ،‬من أ ّف ّ‬

‫‪ 1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ينظر‪ :‬مجلة اللغة العربية وآدابها‪"،‬النّظرية األسلوبية"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬حوليات الجامعة األردنية‪ ،‬العدد ‪ ،3‬ص ‪.256‬‬
‫‪10‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وتطور قضاياه‪ ،‬فمعىن األسلوب ال يزاؿ يبدو‬


‫يسمى باألسلوبية أو علم األسلوب ّ‬
‫ّأدت إٔب نشوء ما ّ‬
‫سره وتدرؾ حقيقتو وىو ما دفع "روالف بارت" إٔب‬
‫ؿبري تلهث األفكار وراءه لتعرؼ ّ‬
‫غامضاً كأنّو لغز ّ‬
‫بيعة‪،‬يتم التّمتّع ُّا دوف أف يلتمس ؽبا‬
‫ّ‬ ‫الزىر القادمة من الطّ‬
‫القوؿ بأ ّف األسلوب‪« :‬أشبو بنفحة ّ‬
‫‪1‬‬
‫بالضرورة معىن»‪.‬‬
‫ّ‬
‫إ ّف االنشغاؿ بالبحث عن ماىية مصطلح األسلوب وجوىره‪ ،‬وطريقة تكوينو قديبا وحديثا قد‬
‫الفن»‪ ،‬وىو ما‬
‫خلص إٔب أ ّف األسلوب دبعناه اللّغوي ىو‪ «:‬الطّريق اؼبمت ّد أو اؼبذىب أو الوجهة أو ّ‬
‫تفرعت عنو معظم التّعريفات اليت أتت على توضيح مفهوـ األسلوب من حيث ارتباطو بلغة التّعبري‬‫ّ‬
‫حّت الوصوؿ‬ ‫يتم بناؤىا على مراحل ّ‬
‫اللّفظي اإلنساين‪" ،‬فالطّريق أو اؼبسلك" تساىم ُب تركيبو عناصر ّ‬
‫إٔب ّنايتو‪:‬‬
‫الربط بني نقطتني أو ىدفني‪:‬‬
‫‪ -0‬فكرة ّ‬
‫يتجسد من خبلؿ توليد فكرة معيّنة من بني أفكار كثرية ـبتزنة ُب ال ّذىن ُب ؿباولة‬
‫وىو ما ّ‬
‫وتكونت ُب النّفس‪،‬‬
‫إليصاؽبا إٔب الغري‪ ،‬وقد يلجأ الكاتب أو اؼبتكلّم إٔب نقل ذبربة وجدانية تفاعلت ّ‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب واؼبخاطَب ونبا النّقطتني اؼبقصودتني أو اؽبدفني‪.‬‬ ‫الربط بني‬
‫فيتم ّ‬
‫ّ‬
‫الربط‪:‬‬
‫‪ -3‬رسم صورة ذىنية مبلئمة ؽبيئة وشكل ىذا التّوصيل أو ّ‬
‫يتم تصوير عناصر وأجزاء ىذه الفكرة أو التّجربة من قبل صاحبها وترتيبها ُب ال ّذىن‬
‫ّ‬
‫الشكل الذي يراد إبرازىا فيو‪ ،‬وذلك ُّندستها وتصميمها داخليا ووضعها ُب قالب‬
‫أو اؼبخيلة على ّ‬
‫معني‪.‬‬
‫ذبريدي ذىّن وإعدادىا للخروج من ال ّذىن بشكل ّ‬
‫الربط‪:‬‬
‫الصاغبة اؼبناسبة لتحقيق وتنفيذ فكرة ّ‬
‫‪ -2‬اختيار اؼبواد ّ‬
‫بعد التّصوير والتّخيّل ىبتار اؼبؤلّف ما يناسب فكرتو أو ذبربتو وما يتبلءـ مع ما يريد إيصالو‬
‫أصح انتقاء قوالب وتراكيب لفظية معيّنة من‬
‫من أفكار أو انفعاالت وأحاسيس إٔب الغري‪ ،‬ودبعىن ّ‬

‫‪ 1‬عالمات في النّقد(مجلة)‪" ،‬في سبيل إيجاد مفهوـ واضح لألسلوب"‪ ،‬رابح بومعزة‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪13‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ص ّوره‬
‫مفردات اللّغة وإخراجها من ؾباؽبا االفرتاضي إٔب االستخداـ الفعلي بتصميمها وبناءىا وفق ما تَ َ‬
‫وجسده اػبياؿ‪.‬‬
‫ال ّذىن ّ‬
‫التّنفيذ ُب وضع اؼبواد اؼبناسبة ُب اؼبكاف اؼبناسب‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫معني‪ ،‬أو صياغة تتّفق مع‬
‫الرتاكيب اللّغوية اليت ًبّ انتقاؤىا ُب نسق ّ‬
‫وذلك بوضع األلفاظ و ّ‬
‫اغبسي اؼبرئي أو اؼبسموع‪ ،‬فتكتمل بذلك‬
‫يتم ذبسيد الفكرة أو التّجربة ُب العآب ّ‬
‫قواعد اللّغة‪،‬وبذلك ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصورة اغبقيقية لؤلسلوب‪.‬‬
‫صور لؤلفكار واؼبعاين‪ٍ ،‬بّ كيفية تنسيق‬
‫وُّذا يصبح األسلوب ىو طريقة التّوليد واالنتقاء والتّ ّ‬
‫الربط بني عناصرىا ُب ال ّذىن‪ ،‬وذبسيد ىذا التّنسيق ُب القالب اللّفظي‪.‬‬
‫أجزاءىا و ّ‬

‫خامسا‪ :‬األسلوب بوصفه علما‬


‫شائعا بكثرة ُب الدراسات الببلغية وىو أسبق ُب الوجود كمصطلح‬
‫يعترب األسلوب مصطلحا ً‬
‫من النّاحية التّارىبية من مصطلح األسلوبية الذي ٓب يظهر إال ُب بداية القرف العشرين‪ ،‬مع ظهور‬
‫علما يدرس لذاتو ‪،‬أو يوظّف ُب خدمة‬
‫ال ّدراسات اللّغوية اغبديثة اليت ّقررت أف تتّخذ من األسلوبية ً‬
‫لبلذباىات اؼبختلفة واؼبناىج اؼبتع ّددة ُب‬
‫التّحليل األديب أو التّحليل النّفسي أو االجتماعي تبعا ّ‬
‫البحث وال ّدراسة‪.‬‬
‫الضيّقة اليت كانت رباصره ضمن الببلغة ُب كونو بسيطا أو‬
‫وقد زبطّى األسلوب تلك ال ّدائرة ّ‬
‫تطورت ونضجت منهجا‬ ‫سهبل أو ساميا إٔب دائرة العلمية من خبلؿ علم اللّسانيات بعد أف ّ‬
‫يشق طريقو عرب ذبديد مبلؿبو اؼبنهجية‬
‫اؼبهمة ُب بنائها التّكويّن فبدأ ّ‬
‫ومتّجها‪ ،‬فأصبح أحد الفروع ّ‬
‫حّت أضحى موضوع ىذا العلم متع ّدد اؼبستويات ـبتلف‬
‫من خبلؿ ال ّدراسات واألحباث اليت ق ّدمت‪ّ ،‬‬
‫االذباىات‪.‬‬
‫متنوع األىداؼ و ّ‬
‫اؼبشارب واالىتمامات ّ‬
‫ّأما طبيعة العبلقة القائمة بني األسلوب واألسلوبية فيعود إٔب لوف ال ّدراسات األسلوبية ذاّتا‪،‬‬
‫الزاوية وعملت‬‫ويتح ّدد ذلك من خبلؿ «ارتباطها بال ّدراسات اللّغوية حيث رظبت خطاىا من ىذه ّ‬

‫‪ 1‬عالمات في النّقد (مجلة)‪" ،‬في سبيل إيجاد مفهوـ واضح لألسلوب"‪ ،‬رابح بومعزة‪ ،‬ص (‪.)206-205‬‬
‫‪12‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫اؼبادة الكبلمية اليت تصلح لكي تدور حوؽبا "دراسة أسلوبية"؛ ذلك أف ىذه ال ّدراسة‬
‫على ربديد ّ‬
‫معني منذ البدء وأف يكوف متميّزا عن الكبلـ العادي‪ ،‬وقد‬
‫فّن ّ‬
‫تقتضي أف يكوف الكبلـ ذا مستوى ّ‬
‫وجدت األسلوبية نفسها تعود إٔب "األسلوب" ليساعدىا على التّصنيف بني مستويات الكبلـ‬
‫اؼبختلفة‪ ،‬وىو دور يتشابو مع ال ّدور القدًن الذي كاف يقوـ بو األسلوب مع الببلغة وىو دور معياري‬
‫‪1‬‬
‫على حني أ ّف ال ّدور اغبديث يقوـ على أساس "وصفي" خاص‪».‬‬
‫الرأسية بني اؼبصطلحني ّأما بالنّسبة للعبلقة األفقية بينهما فتتح ّدد‬
‫كاف ىذا التّحديد للعبلقة ّ‬
‫كل مصطلح‪.‬‬ ‫برصد العبلقات بني ؾبموعة من النّقاط اؼبتجاورة‪ ،‬ورصد دوائر اؼبعىن اليت تدخل ضمن ّ‬
‫الزاوية أ ّف «ال ّدائرة اليت تغطّيها كلمة "األسلوب" ىي‬
‫حيث يرى "أضبد درويش" من ىذه ّ‬
‫‪2‬‬
‫أوسع وأمشل من تلك اليت تغطّيها كلمة "األسلوبية"»‪.‬‬
‫فكلمة أسلوب من حيث اؼبعىن اللّغوي العاـ‪ ،‬يبكن أف تُطلق على‪:‬‬
‫العامة (أسلوب معيشة – أسلوب عمل)‪.‬‬
‫النّظاـ والقواعد ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫اػبصائص الفردية اليت سبيّز شخصا عن سواه (اؼبيل إٔب أسلوب موسيقي‪،‬أسلوب كاتب‬ ‫‪-3‬‬
‫معني‪)...‬‬
‫ّ‬
‫فإذا كانت ىذه دائرة اؼبعىن لكلمة أسلوب فإ ّف ال ّدائرة اليت ربتلّها األسلوبية أضيق بكثري؛ إذ‬
‫تعّن«الوصوؿ إٔب وصف وتقييم علمي ؿب ّدد عبماليات التّعبري ُب ؾباؿ ال ّدراسات األدبية واللّغوية على‬
‫‪3‬‬
‫خاص وال تكاد تتع ّداىا إٔب غريىا من اَّاالت »‪.‬‬
‫كبو ّ‬
‫تطورت واتّضحت معاؼبها على ضوء األسلوب باعتبار أ ّّنا‬ ‫لكن الواضح أ ّف األسلوبية قد ّ‬
‫تتح ّدد بكوّنا سبثّل البُعد اللّساين لو‪ ،‬فجوىر األثر األديب ال يبكن فهمو والولوج إليو إالّ عرب صياغاتو‬
‫الرخاـ‬
‫ؿبل ّ‬
‫ربل من التّعبري ّ‬
‫االببلغية «ذلك أنّو إذا كانت األسلوبية تتعامل مع اللّغة على أساس ّأّنا ّ‬

‫‪1‬ينظر‪:‬دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث‪ ،‬أحمد درويش‪ ،‬ص‪.19‬‬


‫‪2‬ينظر‪:‬دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث‪ ،‬أحمد درويش‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪11‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫معني منو‪ ،‬وصل إٔب درجة معيّنة من األداء‬


‫كل تعبري‪ ،‬بل مع لوف ّ‬
‫فإّنا ال تتعامل مع ّ‬
‫من النّحت ّ‬
‫‪1‬‬
‫األديب »‪.‬‬
‫ويش ّكل األسلوب ىذا األداء األديب اؼبميّز‪ ،‬لذلك عُ ّد اؼبنطلق اؼببدئي ُب ربديد التّفكري‬
‫األسلويب وبالتّإب توجيو «منحى األسلوبية كبو علم ربليلي وصفي يرمي إٔب إدراؾ اؼبوضوعية ُب حقل‬
‫‪2‬‬
‫السلوؾ اللّساين ذا مفارقات عمودية»‪.‬‬
‫إنساين عرب منهج عقبلين يكشف البصمات اليت ذبعل ّ‬
‫فظهور مصطلح األسلوبية –كما يشري إٔب ذلك"أضبد درويش"‪ٓ« -‬ب يُلغ مصطلح‬
‫‪3‬‬
‫"األسلوب"‪ ،‬وإّمبا رب ّددت للمصطلح القدًن دائرة ووظيفة ُب إطار اؼبصطلح اعبديد»‪.‬‬
‫السبلـ اؼبس ّدي ىذه العبلقة حينما حصر ؾباؿ البحث واالستقراء وضبطو‬
‫وقد أوضح عبد ّ‬
‫توجو معرُب منظوره بسيط مباشر ينبثق من ركن زاوية العلم نفسو‪ ،‬وىوربديد‬
‫حبقل التّحديدات كبو ّ‬
‫‪4‬‬
‫األسلوبية‪ ،‬ولو منظور مرّكب غري مباشر ومداره ربديد موضوع العلم الذي ىو األسلوب ذاتو‪.‬‬
‫وُّذا الوصف تصبح األسلوبية سببًا ُب نشأة مصطلح آخر مرادؼ ؽبا ىو علم األسلوب‬
‫الرتكيبية‪ ،‬ويستند على نظاـ ـبصوص‪،‬‬
‫«الذي أصبح من العلوـ اليت تعتمد منهجية ؿب ّددة ُب عبلقاتو ّ‬
‫‪5‬‬
‫ؤدي اللّغة ُب كيانو وظائف معيّنة »‪.‬‬
‫حيث تُ ّ‬
‫ّأما منحاه فهو « علم لغوي يبحث ُب الوسائل اللّغوية اليت تُكسب اػبطاب االعتيادي‪،‬أو‬
‫مهمة ربديد الظّاىرة إٔب دراستها دبنهجية‬
‫لشعرية‪ ،‬فتميّزه من غريه وتتع ّدى ّ‬
‫األديب خصائصو التّعبريية وا ّ‬
‫علمية لغوية ويَػعُ ّد األسلوب ظاىرة لغوية ُب األساس يدرسها ضمن نصوصو»‪.6‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث‪ ،‬أحمد درويش‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫‪3‬دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث‪ ،‬أحمد درويش‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫ينظر‪:‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪6‬الفكر العربي المعاصر(مجلّة)‪" ،‬األسلوبية"‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬العدد ‪1982( ،25‬ـ)‪ ،‬ص‪.249‬‬
‫‪15‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وظبَت و ْارتَقت لتصل إٔب مصاؼ العلوـ‬


‫صرحا شاـبًا َ‬
‫وُب الوقت الذي بنت فيو األسلوبية ً‬
‫فتنافسها تارة‪ ،‬وتغ ّذيها وتتبلقح معها تارة أخرى‪ ،‬قبد من الباحثني من يرفض علميتها لع ّدة أسباب‬
‫قبملها فيما يأٌب‪:‬‬
‫ّأولها‪ :‬نابع من طبيعة ال ّدراسات األسلوبية نفسها؛ إذ ال يبكن أف تتش ّكل من ؾبموعة‬
‫تتحوؿ إٔب علم‬
‫اػبصائص الفردية ُب الكياف اللّغوي ومن النّصوص قوانني ومنهجية ووسائل عمل ّ‬
‫‪1‬‬
‫قائم بذاتو لو استقبلليتو ومنهجيتو وأدواتو التحليلية وأىدافو‪.‬‬

‫ثانيها‪ :‬أ ّف األسلوبية ّ‬


‫ؾبرد وسيلة للتّعبري عن الظّاىرة اللّغوية مع قدرّتا الواضحة على التّعامل مع‬
‫تؤسس‬
‫حّت اآلف ُب أف تثبت ّأّنا علم قائم بذاتو‪ ،‬وال أف ّ‬
‫ص األديب إذ‪ٓ « :‬ب تنجح األسلوبية ّ‬‫النّ ّ‬
‫توصلت إٔب إثبات أ ّّنا قادرة على‬
‫اؽبوية‪ ،‬ومستقلّة ال ّذات‪ ،‬ولكنّها إٔب جانب ذلك ّ‬
‫منطلقات واضحة ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص األديب من وجهات ـبتلفة »‪.‬‬
‫التّعامل مع النّ ّ‬
‫ثالثها‪:‬أ ّف األسلوبية مرتبطة بال ّدراسات اللّغوية‪ٍ ،‬بّ استفاد منها النّػ ّقاد ُب دراسة النّ ّ‬
‫ص وربليلو‪،‬‬
‫ص فهي‬ ‫وبناء على ذلك فإ ّّنا ذبمع بني اؼبنهج العلمي ُب دراسة اللّغة واؼبنهج النّقدي ُب دراسة النّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫إذف ذبمع بني اؼبنهج والعلم‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬األسلوبية المصطلح والموضوع‬


‫وحّت القديبة حوؿ ظاىرة األسلوب تعاريف كثرية وـبتلفة‪ ،‬قدمت ُب‬
‫أفرزت البحوث اغبديثة ّ‬
‫النّهاية أساسا لربوز نظرية أسلوبية شاملة ىدفها العاـ ىو وضع مناىج ؿب ّددة للبحث ُب األساليب‪،‬‬
‫الربط بني ـبتلف العلوـ وذلك للتّداخل اؼبوجود‬
‫وما تنطوي عليو من ظبات أساسية ع ّدت ركيزة ُب ّ‬
‫استقرت علما قائما بذاتو‪ -‬وعلوـ أخرى مقرتنة ُّا كاللّسانيات والببلغة‬
‫بني األسلوبية ‪-‬بعد أف ّ‬
‫والنّقد وغريىا‪...‬‬

‫العدد‪ ،)1984( ،1‬ص‪.219‬‬


‫‪ 1‬مجلة فصوؿ‪" ،‬األسلوبية "‪ ،‬كماؿ أبو ديب‪ ،‬المجلد ‪َ ،6‬‬
‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫للسكاكي أنموذجا)‪ ،‬إعداد ميس خليل محمد عودة‪( ،‬ماجستير)‪،‬‬
‫تأصيل األسلوبية في الموروث النّقدي والبالغي‪( ،‬كتاب مفتاح العلوـ ّ‬
‫‪3‬‬

‫جامعة النّجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪ ،‬ص‪.05‬‬


‫‪12‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫عرفها معجم اؼبصطلحات األدبية‬


‫ونقف على ربديد مصطلح األسلوبية بداية مع اؼبعاجم حيث ّ‬
‫بأّنا‪:‬‬
‫اؼبعاصرة ّ‬
‫‪ -0‬درس موضوعو دراسة األساليب‪ ،‬وميزات التّعبري اللّغوية‪.‬‬
‫يتوزع‬
‫تتوصل إٔب توضيح واضح ؼبوضوعها درسا مشلوال‪ ،‬حيث ّ‬ ‫‪ -3‬تعترب األسلوبية اليت ٓب ّ‬
‫السردية‪.‬‬
‫السيميائية وال ّداللة و ّ‬
‫الشاعرية و ّ‬
‫حقل ال ّدراسة بني اللّسانيات التّعبريية والببلغة و ّ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -2‬بناء عقلي يتوفّر على غاية‪.‬‬
‫وتقودنا ىذه التّوضيحات إٔب القوؿ بأ ّف األسلوبية دراسة لؤلساليب و التّعبريات اللّغوية اؼبختلفة‬
‫السيميائية‪...‬‬
‫لعل أنبّها اللّسانيات والببلغة و ّ‬
‫واللّغة‪ ،‬و ّأّنا تتقاطع مع حقوؿ معرفية وعلمية أخرى ّ‬
‫فيقسم األسلوبية إٔب مباحث ع ّدة ىي‪:‬‬
‫ّأما معجم مصطلحات األدب ّ‬
‫ص ونوايا كاتبو‪.‬‬
‫‪ -0‬دراسة األساليب بوصفها اختيارات ـبتلفة بني وسائل التّعبري اليت ربتّمها طبيعة النّ ّ‬
‫‪ -3‬تصنيف األساليب حسب نظم ـبتلفة بعضها أديب وبعضها اجتماعي وبعضها اآلخر نفسي‪.‬‬
‫وحّت الوصوؿ إٔب الغرض منو‪.‬‬
‫‪ -2‬علم وظائف األسلوب مع دراستو منذ نشأة التّعبري ّ‬
‫الرتكييب‪.‬‬
‫‪ -1‬علم بناء األسلوب ّ‬
‫‪2‬‬
‫العامة‪.‬‬
‫‪ -5‬نقد األسلوب ُب نصوص ؿب ّددة بصرؼ النّظر عن قواعده ّ‬
‫داؿ مرّكب‬
‫استقر ترصبة لو ُب العربية لنقف على ّ‬
‫وننطلق ُب تعريف مصطلح األسلوبية الذي ّ‬
‫السبلـ‬
‫ليكوف بذلك مصطلح "أسلوبية"‪ ،‬يقوؿ عبد ّ‬‫جذره"أسلوب" ‪ style‬والحقتو "ية" ‪ّ ique‬‬
‫اؼبس ّدي بعد وقوفو على األصل والبلّحقة‪ «:‬وخصائص األصل تقابل انطبلقا أبعاد البلّحقة‪،‬‬
‫ىبتص بو البعد العلمي‬
‫ّ‬ ‫زبتص فيما‬
‫ّ‬ ‫فاألسلوب ذو مدلوؿ إنساين ذاٌب وبالتّإب نسيب‪ ،‬والبلّحقة‬
‫العقلي‪ ،‬وبالتّإب اؼبوضوعي‪ ،‬ويبكن ُب كلتا اغبالتني تفكيك ال ّداؿ االصطبلحي إٔب مدلوليو دبا يطابق‬

‫‪1‬معجم المصطلحات األدبية المعاصرة‪ ،‬سعيد علوش‪ ،‬ص‪.114‬‬


‫‪2‬معجم مصطلحات األدب‪ ،‬وىبة وجدي‪ ،‬ص ‪. 544‬‬
‫‪17‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫تعرؼ األسلوبية بداىة بالبحث عن األسس‬


‫عبارة‪ :‬علم األسلوب (‪)Science de style‬لذلك ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبوضوعية إلرساء علم األسلوب »‪.‬‬
‫ووبيل ىذا التّعريف إٔب أ ّف‪:‬‬
‫األسلوب ىو اعبوىر واؼببدأ الذي قامت عليو ال ّدراسة األسلوبية حيث أ ّّنا «تعتّن بدراسة أسلوب‬
‫ص والنّظر إٔب دراسة األسلوب ُب سياؽ اغبديث األديب الذي ينطلق من مواصفات أبرزىا ال ّداللة‬
‫النّ ّ‬
‫والتّعبري والتّأثري »‪ ،2‬ووبمل ىذا األسلوب الذي اعتنت بو األسلوبية صفات اإلنسانية وال ّذاتية‬
‫الصفات‬
‫والنّسبية‪ّ .‬أما الحقتو"ية"(‪ )ique‬فتمثّل البعد العلمي والعقلي واؼبوضوعي وتش ّكل ىذه ّ‬
‫سمى "باألسلوبية" اليت سبثّل البحث عن األسس اؼبوضوعية إلرساء‬
‫ؾبتمعة بني األسلوب والحقتو ما يُ ّ‬
‫علم األسلوب ويبكن توضيح ىذا التّعريف بالبياف اآلٌب‪:‬‬

‫‪ +‬ية‬ ‫األسلوب‬

‫‪ +‬اؼبوضوعية‬ ‫ال ّذاتية‬


‫‪+‬العقلية‬ ‫النّسبية‬
‫‪+‬العلمية‬ ‫اإلنسانية‬

‫علم األسلوب‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص(‪.)32-31‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.78‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ىبص الكائن البشري بصفة‬


‫وتتح ّدد اإلنسانية وال ّذاتية لؤلسلوب من اعبانب اللّغوي الذي ّ‬
‫وربركاّتما‪.‬‬
‫خاصة وطريقة مزاوجتو بني الفكر واللّغة وربديده ؼبواقع األنا واألنت ّ‬
‫عامة واؼبنشئ بصفة ّ‬
‫ّ‬
‫ّأما البعد اؼبوضوعي فيتح ّقق باللّغة ذاّتا باعتبارىا أداة الفهم والتّوصيل‪ .‬وبالتّإب فإ ّف التّزاوج‬
‫بني البعدين ىو الّذي يُسهم ُب بلورة األسلوبية والنّهوض ُّا كعلم قائم بذاتو‪.‬‬
‫السبلـ اؼبس ّدي ُب شرح مصطلح األسلوبية فيضيف أ ّف « اؼبنطلقات اؼببدئية ُب‬
‫ويتدرج عبد ّ‬
‫ّ‬
‫ربديد األسلوبية لو بعد لساين ؿبض يستند إٔب ازدواجية اػبطاب بني شبكة من ال ّدواؿ تكشف عند‬
‫يتعني ُّا‪ ،‬وىذا اؼبعطى ىو الذي هبعل األسلوبية‬ ‫يتعني إال ُّا وال ّ‬
‫االستنطاؽ عن شحنة داللية ال ّ‬
‫تتح ّدد بكوّنا البُعد اللّساين لظاىرة األسلوب طاؼبا أ ّف جوىر األثر األديب ال ُيبكن النّفاذ إليو إال عرب‬
‫‪1‬‬
‫صياغاتو اإلببلغية »‪.‬‬
‫وُّذا اؼبعىن تصبح األسلوبية العلم الذي يعّن بدراسة األسلوب أو التّش ّكل اإلبداعي‬
‫ص عرب صياغاتو اإلببلغية‪.‬‬
‫للكبلـ‪،‬من خبلؿ الولوج إٔب النّ ّ‬
‫بأّنا‪«:‬علم‬
‫لعل اؼبس ّدي قد استخلص توضيحاتو لؤلسلوبية من مفهوـ ريفاتري الذي ح ّددىا ّ‬
‫و ّ‬
‫القارة ُب إرساء‬
‫يعّن بدراسة اآلثار األدبية دراسة موضوعية‪ ،‬وىي لذلك تعّن بالبحث عن األسس ّ‬
‫السياؽ اؼبضموين رباورا‬
‫علم األسلوب وىي تنطلق من اعتبار األثر األديب بنية ألسنية تتحاور مع ّ‬
‫‪2‬‬
‫خاصا »‪.‬‬
‫ًّ‬
‫بتفحص أدواتو وأنواع تشكيبلتو الفنّػيّة‪ ،‬وىي‬
‫ص ُب ذاتو ّ‬ ‫وىي بذلك تقوـ على دراسة النّ ّ‬
‫تفحص‬
‫كل شيء‪ ،‬فتحاوؿ ّ‬ ‫ص األديب بوصفو رسالة لغوية قبل ّ‬
‫صية بتناوؿ النّ ّ‬
‫تتميّز من بقية اؼبناىج النّ ّ‬
‫نسيجو اللّغوي وغايتها « سبكني القارئ من إدراؾ انتظاـ خصائص األسلوب الفّن إدراكا نقديا مع‬
‫‪3‬‬
‫الوعي دبا رب ّققو تلك اػبصائص من غايات وظائفية »‪.‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫الرسمية‪،‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬حوليات الجامعة التونسية‪ ،‬المطابع ّ‬
‫محاوالت في األسلوبية الهيكلية‪ ،‬ميكائيل ريفاتير‪ ،‬ترجمة دوالس‪ ،‬تقديم عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫تونس العدد ‪1993(.10‬ـ)‪ ،‬ص‪.273‬‬


‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.277‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الشعرية والنّعوت واَّازات واإليقاع وما فيو‬


‫الصور ّ‬
‫وتتلخص ىذه اػبصائص األسلوبية ُب « ّ‬
‫الشعر وعلى الغموض وتوظيف األساطري واغبِكم واألمثاؿ‪.‬‬
‫من جناس وأصوات على النّظاـ ولغة ّ‬
‫وغري ذلك فبّا يستوعب مباحث الببلغة القديبة ويتجاوزىا إٔب مكتشفات األلسنية »‪.1‬وىو ما يشري‬
‫إٔب أف األسلوبية « علم ألسّن حديث يدرس القوؿ ومنو األديب من زاوية تعبرييتو اللّغوية‪ ...‬أي أنّو‬
‫الرتاكيب النّحوية وصور البياف‬
‫يدرس اؼبظهر االفصاحي لظاىرة اػبطاب اللّغوي من األلفاظ و ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬والبنية اليت تصري إليها‪ ،‬والفعل الكبلمي الذي وراءىا واالقتضاء ُب ذلك واليت ُب ؾبموعها‬
‫و ّ‬
‫تساعد ُب الكشف عن األسلوب »‪.2‬‬
‫مهمة تشري إٔب ؾباالّتا وتشتمل على‪:‬‬
‫ويصل بنا ىذا التّعريف لؤلسلوبية إٔب معطيات ّ‬
‫دراسة القوؿ بشكل عاـ (العادي أو النّفعي)‪.‬‬ ‫‪-0‬‬
‫(الفّن أو األديب)‪.‬‬
‫دراسة القوؿ األديب ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫الشكلي‬
‫وترتّكز ال ّدراسة من ىذين اعبانبني ُب الوقوؼ على اؼبظهر االفصاحي أو اؼبظهر ّ‬
‫للخطاب اللّغوي من‪:‬‬
‫‪ -0‬األلفاظ‪.‬‬
‫الرتاكيب النّحوية‪.‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫‪ -2‬صور البياف‪.‬‬
‫الشعرية‪.‬‬
‫‪ّ -1‬‬
‫الشكل أو مفهوـ األداة؛ ذلك ّأّنا تشمل صبيع‬
‫‪ -5‬البنية‪ :‬ىي مفهوـ أكثر اتّساقا من مفهوـ ّ‬
‫تتضمن العناصر اؼبغرية وغري‬
‫الصوت وانتهاء باؼبوضوع‪ ،‬كما ّأّنا ّ‬
‫ص األديب بدءًا من ّ‬
‫أوجو النّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫اؼبغرية على ح ّد سواء‪.‬‬

‫‪ 1‬األسلوبية في النّقد العربي الحديث‪ ،‬فرحاف بدري الحربي‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬المجلّد ‪ ،3‬العدد‪ ،3‬سنة‬
‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ " ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫(‪2007‬ـ)‪ ،‬ص ‪.264‬‬


‫ص واألسلوبية‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫‪ -2‬الفعل الكبلمي‪ :‬الذي ىو اؼبلفوظ اؼبتح ّقق من قبل متكلّم ؿب ّدد ُب سياؽ ؿب ّدد‪ ،‬والذي ال‬
‫‪1‬‬
‫مؤسساتيا‪.‬‬
‫ؾبرد أداة تواصلية بل فعبل اجتماعيا وسلوكا فرديا أو ّ‬
‫تكوف اللّغة معو ّ‬
‫ص‪ ،‬وصفا يكشف عن طرائق‬ ‫وبذلك تصبح األسلوبية « وصفا للبىن اليت يتوفّر عليها النّ ّ‬
‫اؼبتمخضة عن تلك الطّرائق‪ّ ،‬إّنا وصف يندفع ليشمل‬
‫ّ‬ ‫القوؿ‪،‬ومن شبّة فهي كشف عن اػبصائص‬
‫‪2‬‬
‫اؼبناحي اعبمالية»‪.‬‬
‫فاألسلوبية إذف ىي ؾبموعة اإلجراءات اليت ترتبط – على كبو وثيق – فيما بينها حبيث‬
‫ص‪.‬‬
‫يتحسس البىن األسلوبية ُب النّ ّ‬
‫تؤلّف نظاماً استشعاريا ّ‬
‫حوالت إٔب عآب‬ ‫موجهة التّ ّ‬
‫ص ّ‬ ‫وتستند األسلوبية إٔب ؾبموعة إجراءاّتا «لتتوغّل ُب بنية النّ ّ‬
‫صي فيزخر‬‫حوالت بأفق التّشكيل النّ ّ‬ ‫وىج ُب تشكيل البنية‪ ،‬وتعصف التّ ّ‬ ‫فرد اؼببّن على دينامية التّ ّ‬
‫التّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫باغبيوية اليت ذبتاح مرايا البياف »‪.‬‬
‫عرفها بيري جريو بأ ّّنا «علم التّعبري وىي نقد لؤلساليب الفردية »‪ 4.‬واؼبقصود باألساليب‬‫ويُ ّ‬
‫الرتكيب‬ ‫ِ‬
‫الصانع اغبقيقي لعملييت االختيار و ّ‬
‫لكل ـباطب باعتباره ّ‬ ‫الفردية اؼبظاىر األسلوبية اؼبميّزة ّ‬
‫الشخصي اؼبتميّزين غري القابلني للتّكرار‪.‬‬
‫ّ‬
‫اؼبتحوؿ للّغة‪ ،‬وىي دراسة للعمل‬
‫ّ‬ ‫ا‪:‬أّنا « دراسة اللّغة وىي دراسة الكائن‬ ‫أيض ّ‬
‫ويقوؿ ً‬
‫اإلبداعي‪ ،‬ودراسة للعمل ال ّذاٌب اؼببدع للعمل اإلبداعي‪ّ ،‬إّنا التقاط للحظات ىاربة من خبلؿ تركيب‬
‫‪5‬‬
‫تبنّتو الكتابة إٔب األبد »‪.‬‬
‫فاألسلوبية علم يقوـ على «دراسة التّعبري عن الفكر من خبلؿ اللّغة »‪ 6.‬الّيت تتجلّى‬
‫وتتلوف بأشكاؿ متع ّددة‪ ،‬وكأ ّّنا‬
‫تتحوؿ ّ‬
‫مواصفاّتا ُب كوّنا لغة موحية منحرفة عن النّمط اؼبألوؼ ّ‬

‫‪ 1‬سياؽ الحاؿ في الفعل الكالمي ‪ ،‬مقاربة تداولية‪ ،‬سامية بن يامنة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة وىراف‪ ،‬الجزائر‪2012( ،‬ـ)ص‪.124‬‬
‫‪ 2‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ ،‬مقاؿ بعنواف" مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص ‪.09‬‬


‫‪ 5‬نفسو‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫‪ 6‬النّقد واألسلوبية بين النّظرية والتّطبيق‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬منشورات اتّحاد كتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪1989( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.296‬‬
‫‪50‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الصور واؽبيئات مش ّكلة بذلك فضاء مغايرا للتّوقّع ومقاربا للتّشتّت‬


‫شّت ّ‬ ‫كائن ىارب يتن ّكر ُب ّ‬
‫مؤسسة إلببلغية اػبطاب‪ ،‬وىو ما‬ ‫عزز تش ّكبلت صبالية لئلبداع ّ‬
‫مؤسسا على اؼبفاجأة‪ ،‬فبّا يُ ّ‬
‫ومعطى ّ‬
‫ص اللّغوي وبياف مبلحظ التّمايز‬
‫متنوعة ؼبعرفة النّ ّ‬
‫تعمل عليو األسلوبية حيث« تق ّدـ منهجيات صبالية ّ‬
‫اليت يأتلف عليها كما تسهم ُب اكتناه ذبلّيات الظّاىرة اللّغوية واستنطاؽ مراتبها دبا يقتضي امتحاف‬
‫‪1‬‬
‫القوانني اليت تتش ّكل منها‪».‬‬
‫ينصب على اللّغة األدبية أل ّّنا سبثّل التّ ّنوع‬
‫ّ‬ ‫و ىو ما يوحي إٔب أ ّف التّناوؿ األسلويب إّمبا «‬
‫الفردي اؼبتميّز ُب األداء دبا فيو من وعي واختيار ودبا فيو من انزياح عن اؼبستوى العادي اؼبألوؼ‬
‫خببلؼ اللّغة العادية اليت تتميّز بالتّلقائية‪ ،‬واليت يتبادؽبا األفراد بشكل دائم وغري متميّز»‪.2‬‬
‫موضحا ما قالو ُب أنّو ليس اؼبعىن إقامة حواجز صلبة بني لغة‬
‫ويضيف ؿبمد عبد اؼبطّلب ّ‬
‫شك‪ -‬من الثّانية فتقيم منها أبنية‬
‫األدب ولغة التّخاطب العادي أل ّف األؤب تستم ّد وجودىا –ببل ّ‬
‫وتراكيب جديدة ُب الصوت والكلمة واعبملة‪ٍ ،‬بّ القطعة بأكملها‪ ،‬فلغة األدب ىي اليت رب ّدد‬
‫اإلمكانات التّعبريية اعبمالية اليت توجد بشكل اعتباطي ُب لغة اػبطاب فتفيد منها ُب إبداعات‬
‫‪3‬‬
‫جديدة ال تنتهي‪.‬‬
‫الشحن العاطفي ُب اػبطاب‪-‬بوجو العموـ‪ -‬من‬‫فاألسلوبية من منظوره تأٌب لتتبّع مبلمح ّ‬
‫الرتكييب الذي نلمسو ُب‬
‫حيث استخداـ اللّغة بشكل متج ّدد ىبتلف إٔب ح ّد بعيد عن ذلك النّمط ّ‬
‫اػبطاب النّفعي العادي‪.‬‬
‫ويصل ُب األخري إٔب نتيجة مفادىا أ ّف «علم اللّغة يدرس ما يقاؿ ُب حني أ ّف األسلوبية ىي‬
‫اليت تدرس كيفية ما يقاؿ مستخدمة الوصف والتّحليل ُب آف واحد »‪.4‬‬

‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.259‬‬


‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ " ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.186‬‬


‫البالغة واألسلوبية‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.186‬‬


‫ينظر‪:‬البالغة واألسلوبية ‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.186‬‬


‫‪53‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الفّن من بقية‬ ‫عما يتميّز بو الكبلـ ّ‬


‫ويبلور جاكبسوف مفهومو لؤلسلوبية ُب كوّنا «حبث ّ‬
‫مستويات اػبطاب ّأوال ومن سائر أصناؼ الفنوف اإلنسانية ثانيا »‪ .1‬واؼبعىن من ذلك أ ّف ال ّدراسة‬
‫الرفيعة اؼبستوى دوف بقية اػبطابات األخرى‪.‬‬
‫الفّن والنّصوص األدبية ّ‬
‫األسلوبية زبتصر على الكبلـ ّ‬
‫عامة ىي« ال ّدراسة التّكيّفية اليت يكوف عليها اؼبنتج القوٕب‪ ،‬حيث تظهر‬
‫واألسلوبية بصفة ّ‬
‫‪2‬‬
‫حولت القيم اللّسانية إٔب قيم صبالية »‪.‬‬
‫ص‪ ،‬بعد أف ّ‬‫صورّتا على مستوى النّ ّ‬
‫بأّنا‪:‬‬
‫وقد عرفت أيضا ّ‬
‫‪ « -0‬نظاـ يعىن بالكبلـ من حيث ىو منتِج لنظامو‪ ،‬وليس بالقواعد ِ‬
‫اؼبنتجة للكبلـ »‪ ،3‬واؼبعىن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫من ذلك أ ّف األسلوبية ىي حبث ألساليب الكبلـ وال عبلقة ؽبا بقواعده اليت يقوـ عليها‪.‬‬
‫وجو العلمي اؼبنظم للّغة اإلنسانية مكتوبة أو ملفوظة »‪ ،4‬لكنّها ال تقوـ‬
‫‪ -3‬األسلوبية‪ :‬ىي «التّ ّ‬
‫فسر بأ ّف‬
‫بإعداد قواعد مسبّقة حبيث يصبح األسلوب ُب دائرّتا ىو اؼبنجز بالفعل‪ ،‬وىو ما يُ ّ‬
‫األسلوبية علم قائم بذاتو‪ ،‬إذ ّازبذت مسارا علميا منظّما لدراسة اللّغة اإلنسانية اؼبكتوبة منها‬
‫واؼبنطوقة‪.‬‬
‫موزعا على مبدأ‬
‫‪ -2‬األسلوبية‪ « :‬علم يدرس اللّغة ضمن نظاـ اػبطاب‪ ،‬وىي علم يدرس اػبطاب ّ‬
‫ىوية األجناس األدبية »‪ ،5‬لذلك كانت األسلوبية دراسة للمنطوقات واؼبكتوبات اؼبتّسمة‬
‫تتوزع على‬
‫متنوعة ّ‬
‫باسرتاتيجيات وقواعد حبث سبثّل اؼبمارسات‪ ،‬وتؤلّف بانتظاـ موضوعات ّ‬
‫أجناس أدبية ـبتلفة‪.‬‬
‫الرتكيب‪ 6‬إذ تعمد إٔب البحث عن‬
‫‪ -1‬األسلوبية‪ :‬علم التّعبري(علم اإلنشاء) وعلم البناء وعلم ّ‬
‫ص اليت تتّسم بالتّعبريية واالنفعالية‪.‬‬
‫اؼبنجزات األسلوبية ُب دائرة النّ ّ‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.122‬‬


‫‪ 3‬مقاالت في األسلوبية‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬منشورات اتّحاد كتّاب العرب‪ ،‬سنة(‪1990‬ـ)‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪ 5‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪6‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫‪52‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ص‪ ،‬حيث تعمد إٔب‬ ‫‪ -5‬األسلوبية‪ :‬ىي« متابعة خيوط العبلقة بني ال ّداؿ واؼبدلوؿ ُب ؿبتوى النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ص من‬‫ّ‬ ‫الن‬
‫ّ‬ ‫بو‬ ‫زخر‬‫ي‬ ‫ؼبا‬ ‫داللية‬ ‫اءة‬
‫ر‬ ‫ق‬ ‫فهي‬ ‫الرسالة واؼبتل ّقي »‪.‬‬
‫ؿباكمة ثبلثية أبعادىا‪ :‬اؼببدع و ّ‬
‫ومهمة‬
‫ص ّ‬ ‫السامع أو القارئ من خبلؿ النّ ّ‬
‫أساليب إبداعية تش ّكلت بوحي من اؼببدع للتّأثري ُب ّ‬
‫ص واؼببدع واؼبتل ّقي‪.‬‬
‫كل من النّ ّ‬
‫األسلوبية تتجلّى ُب البحث عن تأثريات ّ‬
‫متنوعة ُب دائرّتا واليت ال يتح ّقق وجودىا ُب‬
‫‪ -2‬األسلوبية‪ :‬ىي ؿباولة « الوقوؼ على معطيات ّ‬
‫اإلنتاج األديب إال من خبلؿ ؿباور ثبلثة‪:‬‬
‫ؿبور القيم والوقائع التّعبريية‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬ؿبور اؼبستويات األدائية ودرجاّتا التّأثريية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ج‪ -‬ؿبور ا﵀يط (اَّاؿ االجتماعي)»‪.‬‬
‫‪ -7‬ألسلوبية‪« :‬العلم الذي يعّن بدراسة األسلوب أو التّش ّكل اإلبداعي للكبلـ »‪ ،3‬وُب ربديدىا‬
‫لب ىذه‬
‫األوٕب لؤلسلوبية قامت عشتار داوود بعرض ؾبموعة من التّعاريف لؤلسلوب باعتباره ّ‬ ‫ّ‬
‫قارا ألنّو ينم عن‬
‫ال ّدراسة غري ّأّنا خلصت ُب األخري إٔب أنّو أي األسلوب « شيء متج ّدد وليس ّ‬
‫ص‪ ،‬إذ القبض على حصيلة ذاؾ التّفاعل ال يعّن إّناء التّوقّعات بقدر‬ ‫تفاعل دائم بني بىن النّ ّ‬
‫اؼبستمر وراء تع ّدد زوايا النّظر إٔب األسلوب‪ ،‬وتضارب‬
‫ّ‬ ‫ربويره اؼبستمر ؽبا‪ ،‬ويقف ىذا التّحوير‬
‫اآلراء اؼبستقاة بإزاء ذلك إٔب ال ّدرجة اليت يصبح معها القبض على مفهوـ ؿب ّد ٍد لو أمرا ُب غاية‬
‫الصعوبة»‪.4‬‬
‫ّ‬
‫بكل ما ربويو ىذه الكلمة من مشوؿ لل ّدراسة األسلوبية‬
‫ص ّ‬ ‫ٍبّ تقوؿ‪ « :‬إ ّف إخضاع أسلوب النّ ّ‬
‫القوة الكامنة كلّيا‬
‫من االستحالة دبكاف رب ّققو‪ ،‬ألنّو ليس ىناؾ من قراءة مفردة بإمكاّنا ألف تستنزؼ ّ‬
‫‪5‬‬
‫فيو »‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫‪2‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.124‬‬
‫شعرية‪ ،‬عشتار داود‪ ،‬دار مجدالوي للنّشر والتوزيع‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪2007(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫األسلوبية ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬نفسو ‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪5‬نفسو‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ككل وإّمبا كانت‬


‫فال ّدراسة األسلوبية من منظور ىذه الباحثة ال يبكن أف تشمل األسلوب ّ‬
‫الرتكيز‬
‫ص دوف اإلحاطة بو وىي بذلك تذىب إٔب أ ّف البحث األسلويب يتّجو إٔب ّ‬
‫توسيعا لفهم النّ ّ‬
‫السمات أيضا وب ّددىا الباحثوف‬
‫تستحق ال ّدراسة غري أ ّف ىذه ّ‬
‫ّ‬ ‫السمات اليت‬
‫على نقاط دوف غريىا من ّ‬
‫توجو إليو جدواىا‬
‫بضوابط ومعايري وعموما « فدراسة الظّاىرة األسلوبية نفسها وتأثريىا على من ّ‬
‫‪1‬‬
‫ضئيلة للغاية إذ ال يبكن الوصوؿ فيو إٔب نتائج حاظبة »‪.‬‬
‫تتحرؾ ُب حقل اؼبنتج اللّساين وتدور معو ُب حيّز‬
‫ويتّجو باحثوف آخروف إٔب أ ّف األسلوبية « ّ‬
‫كل لغة‬
‫ؿبيط دائرة قضاياىا اللّغة والكبلـ‪ ،‬فاللّغة اإلنسانية بوصفها ظاىرة وأداة ربكمها قوانني‪ ،‬ول ّ‬
‫اؼبادة اؼبعجمية‪ ،‬وميداف اتّصاؽبا‬
‫معني يتميّز باػبصوصية‪ ،‬وركنا ىذا النّظاـ القواعد النّحوية‪ ،‬و ّ‬
‫نظاـ ّ‬
‫بالفكر‪ ،‬والكبلـ ظاىر ذبسيد اللّغة ولو وجهاف‪ :‬منطوؽ ومكتوب وكبلنبا يتّصل بعمق ُب الوجداف‬
‫تنوعا ُب عروضو على مستوى‬ ‫البشري‪ ،‬واألسلوبية تتّصل بالكبلـ باعتباره حيّز وجودىا الذي يق ّدـ ّ‬
‫الشعرية والنّثرية‪ ،‬وىذا الكبلـ ال يبكن أف ىبضع إٔب بياف ربليلي بعيدا عن اللّغة وإف‬
‫ص بني ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ش ّكلت بعده اعبوىر »‪.‬‬
‫وُّذا تتح ّدد ثبلث مستويات للحدث اللّساين ىي‪:‬‬
‫اؼبادة اػباـ اليت يقتطع جزء منها دبشرط الكبلـ‪.‬‬
‫اللّغة‪ :‬وىي ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫الكبلـ‪ :‬الكيفية الفردية لبلستخداـ اللّغوي منطوقا كاف أو مكتوبا‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫األسلوب‪ :‬ىو االستخداـ الفعلي للّغة ومن ٍبّ للكبلـ عرب عملية التّأسلب‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ 1‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.124‬‬


‫‪2‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص(‪.)130-129‬‬
‫‪55‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫عملية التأسلب‬

‫اللغت ‌‬
‫‌‬
‫الكالم‬
‫األسلوب‬

‫تتم عرب الكبلـ‪ ،‬وأنّو يتّسم‬‫وتتح ّدد عبلقة األسلوب باللّغة بأ ّّنا عبلقة غري مباشرة ّ‬
‫باػبصوصية والفردية فوجود األسلوب مرّتن بوجود اللّغة واؼبنطقي ُب ىذه العبلقة أ ّف دخوؿ اللّغة‬
‫ص تستحيل تلقائيا إٔب ظبة‬
‫ص مرّتن بوجود األسلوب أيضا‪ ،‬إذف فأية ظبة لغوية تدخل ُب النّ ّ‬
‫عآب النّ ّ‬
‫ص‪ ،‬وتش ّكل الطّريقة‬
‫تغري داللة النّ ّ‬
‫ؤدي إٔب ّ‬
‫الرتكيبية واالستغناء عنها يُ ّ‬
‫الصياغة ّ‬‫أسلوبية من خبلؿ ّ‬
‫الصياغية خصوصية ىي اليت سبثّل أساس ال ّدراسة األسلوبية‪.‬‬
‫ّ‬
‫خاصة ُب صياغة‬
‫إ ّف ىذه اػبصوصية والفردية تتعلّق من جهة باؼببدع؛ حيث أ ّف لو طريقة ّ‬
‫الكبلـ زبتلف عن صياغات مبدعني آخرين‪ ،‬فاألسلوب ىو اإلنساف نفسو كما يقوؿ "بوفوف "‬
‫توجو‬
‫عترب مركز ّ‬
‫ومن ناحية أخرى تأخذ اػبصوصية والفردية منحى آخر؛ إذ تتّصل باإلبداع الذي يُ َ‬
‫األسلوبية حيث أنّو «مسار ال متناىي‪ ،‬إذ يُنتج اؼببدع على ضوء اؼبقاييس اؼبعيارية للّغة وضرورات‬
‫خاصة‪ ،‬وطعم لوين وصبإب متميّز دبجاوزة اؼبواصفات اؼبألوفة‪ ،‬ودبا‬
‫العدوؿ أساليب متع ّددة ؽبا نكهة ّ‬
‫يبتلكو من قدرة ابتكارية وطرائق تقنية‪ ،‬تعينو على التّعامل مع األدوات اللّغوية ُب دوائر أحياز الفكر‬
‫اؼبنتظمة »‪.1‬‬
‫اؼبادة اؼبستخدمة‪،‬‬
‫فاألسلوبية تضطلع باؼبنتج األديب ذا القيمة اإلهبابية إبداعا من حيث ّ‬
‫فرد والتّميّز)‪.‬‬
‫ص ضمن قطبني مركزيني نبا (التّ ّ‬
‫وطريقة معاعبتها ُب دائرة النّ ّ‬

‫‪1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪52‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ص‬
‫السمات اليت سبيّز النّ ّ‬
‫بأّنا «علم وصفي يعّن ببحث اػبصائص و ّ‬
‫ومن ٍَبّ عرفت األسلوبية ّ‬
‫‪1‬‬
‫األديب بطريقة التّحليل اؼبوضوعي لؤلثر األديب الذي تتمحور حولو ال ّدراسة األسلوبية »‪.‬‬
‫كل ىذه التّعريفات ربيل إٔب أ ّف األسلوبية أو علم األسلوب ىو دراسة اػبصائص اللّغوية‬
‫إ ّف ّ‬
‫يتحوؿ اػبطاب عن سياقو اإلخباري إٔب الوظيفة التّأثريية واعبمالية‪.‬‬
‫اليت ُّا ّ‬
‫وُّذا تصبح األسلوبية منهجا وعلما قائما بذاتو؛ إذ كاف العتمادىا على الظّواىر اللّغوية‬
‫عظيم األثر ُب فهم النّصوص وربليلها‪ ،‬وىذا ال يعّن ّأّنا فبزوجة بال ّدراسات اللّغوية فهي زبتلف عنها‬
‫‪،‬إذ ّأّنا ال تعتمد على اللّغة فحسب وإّمبا تتع ّدى ذلك إٔب كيفية استخداـ اللّغة ُب خدمة أفكار‬
‫‪2‬‬
‫ص‬
‫اؼببدع وآرائو فهي «ربليل لرتاكيب النّصوص ربليبل لغويا»‪ .‬وتبقى األسلوبية « مفيدة ُب فهم النّ ّ‬
‫األديب واستكشاؼ ما فيو من جوانب صبالية‪ ،‬وذلك دبا يتيح لل ّدارس من قدرة على التّعامل مع‬
‫االستخدامات اللّغوية‪ ،‬ودالالّتا ُب العمل األديب‪ ،‬وُّذا التّفاعل مع اػبواص األسلوبية اؼبميّزة‬
‫‪3‬‬
‫اصو الفنّية »‪.‬‬
‫ص وخو ّ‬
‫ْش َفة بطريقة علمية سليمة تتّضح مبلمح النّ ّ‬
‫اؼب ْستَك َ‬
‫ُ‬
‫سابعا‪ :‬ا ّتجاهات األسلوبية‬
‫كل ّاذباه لو آراؤه وأفكاره‬
‫وتفرعت إٔب مشارب و ّاذباىات متع ّددة ّ‬
‫تنوعت ال ّدراسات األسلوبية ّ‬
‫ّ‬
‫االذباىات ُب ما يأٌب‪:‬‬
‫اليت سبيّزه عن غريه‪ ،‬ويبكن إصباؿ ىذه ّ‬

‫‪ .1‬األسموبية التّعبيرية‪:‬‬
‫االذباه من األسلوبية بقطبو شارؿ بإب (‪ ،)0917-0525‬الذي ح َد األسلوب‬
‫ارتبط ىذا ّ‬
‫انطبلقا من اللّسانيات فاألسلوب عنده «ؾبموعة من الوحدات اللّسانية اليت سبارس تأثريا معيّنا ُب‬
‫مستمعها أو قارئها»‪ ،4‬وُّذا كاف ىدؼ األسلوبية يتمحور حوؿ اكتشاؼ القيم اللّسانية اؼبؤثّرة ذات‬
‫يعرؼ علم األسلوب بأنّو «العلم الذي يدرس وقائع التّعبري اللّغوي من ناحية‬
‫الطّابع العاطفي فهو ّ‬

‫‪ 1‬األسلوبية (مدخل نظري ودراسة تطبيقية)‪ ،‬فتح اهلل احمد سليماف‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ 2‬حيوية اللّغة‪ ،‬سمير أحمد معلوؼ‪ ،‬ص‪.317‬‬
‫ص األدبي"‪ ،‬خليل عودة‪ ،‬المجلّد ‪ ،02‬العدد‪1994( ،08‬ـ)‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫مجلّة النّجاح لألبحاث "المنهج األسلوبي في دراسة النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫‪57‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الشعورية من خبلؿ اللّغة‪ ،‬وواقع اللّغة عرب ىذه‬


‫ؿبتواىا العاطفي‪ ،‬أي التّعبري عن واقع اغبساسية ّ‬
‫‪1‬‬
‫اغبساسية »‪.‬‬
‫بغض النّظر عن مستواىا يتح ّدد بطبيعة نظرية اللّغة بوصفها‬
‫وشحن اللّغة بالتّػيّار العاطفي ّ‬
‫ؾبرد أبنية من القواعد فهو « ٓب يعمد إٔب التّقسيم اؼبألوؼ للظّاىرة‬
‫مؤسسة اجتماعية وليست ّ‬ ‫ّ‬
‫الكبلمية الذي دبوجبو تكوف لدينا لغة اػبطاب النّفعي‪ ،‬ولغة اػبطاب األديب وىو تقسيم أفقي‪ ،‬وإذ‬
‫يرغب بإب عن ىذا التّقسيم يُصنّف الواقع اللّغوي تصنيفا آخر‪ ،‬فريى اػبطاب نوعني‪ :‬ما ىو حامل‬
‫كل االنفعاالت »‪ ،2‬ذلك أ ّف اؼبتكلّم‬
‫لذاتو غري مشحوف البتّة‪ ،‬وما ىو حامل للعواطف واػبلجات و ّ‬
‫حبسب بإب «قد يضفي على معطيات الفكر ثوبا موضوعيا عقليا مطابقا جهد اؼبستطاع للواقع‪،‬‬
‫متنوعة‪ -‬عناصر عاطفية قد تكشف صورة األنا ُب‬
‫ولكنّو ُب أغلب األحياف يضيف إليها‪-‬بكثافات ّ‬
‫مردىا حضور أشخاص آخرين أو استحضار خياؿ‬ ‫تغريىا ظروؼ اجتماعية ّ‬
‫صفائها الكامل‪ ،‬وقد ّ‬
‫كل مظاىرىا وجها فكريا ووجها عاطفيا‪،‬ويتفاوت الوجهاف‬
‫اؼبتكلّم ؽبم‪ ،‬فاللّغة ُب الواقع تكشف ُب ّ‬
‫كثافة حبسب ما للمتكلّم من استعداد فطري‪ ،‬وحبسب وسطو االجتماعي واغبالة اليت يكوف فيها‬
‫»‪.3‬‬
‫بعامة إذ تعىن باعبانب‬
‫الشحن ُب اػبطاب ّ‬
‫وتقوـ األسلوبية بعد ذلك بدور « التّتبّع لبصمات ّ‬
‫الشعورية اليت يشحن ُّا اؼبتكلّم‬
‫العاطفي ُب الظّاىرة اللّغوية‪ ،‬وتقف نفسها على استقصاء الكثافة ّ‬
‫‪4‬‬
‫خطابو ُب استعمالو النّوعي »‪.‬‬
‫لذلك ح ّدد بإب حقل األسلوبية «بظواىر تعبري الكبلـ‪ ،‬وفعل ظواىر الكبلـ على اغبساسية‪،‬‬

‫ّأما معدّنا فما يقوـ ُب اللّغة من وسائل تعبريية تُ ِربز اؼبفارقات العاطفية واإلرادية واعبمالية بل ّ‬
‫حّت‬

‫‪ 1‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫األسلوب و األسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Traité de stylistique française,Charles Bally – paris tincksrsk. 3eme ed (1951) p12.‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الشائعة التّلقائية قبل أف تربز ُب األثر‬


‫االجتماعية‪ ،‬والنّفسية‪ ،‬فهي إذف تنكشف ّأوال ُب اللّغة ّ‬
‫‪1‬‬
‫الفّن»‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعليو فقد استبعد ىذا الباحث عن أسلوبيتو اللّغة األدبية وعمد إٔب ما ىو يومي ومتداوؿ‪،‬أي أنّو‬
‫ومهمة األسلوبية عنده تتجلّى ُب « البحث عن عبلقة التّفكري بالتّعبري‪ ،‬وإبراز‬
‫نظر إٔب اللّغة بشكل عاـ ّ‬
‫اعبهد الذي يبذلو اؼبتكلّم ليوفّق بني رغبتو ُب القوؿ وما يستطيع قولو فاإلنساف ‪ -‬حسب رأيو ‪ -‬كائن‬
‫عاطفي تنطبع عاطفتو على لغتو‪ ،‬واللّغة منغرسة ُب اَّتمع من ّدسة ُب ثناياه‪ ،‬لذلك كاف حريصا –كلّما‬
‫حّت أ ّف اؼبتكلّم يف ّكر ُب اؼبتل ّقي باعتبار أ ّف اػبطاب‬
‫استعملها‪ -‬على أف يستعمل ما يتي ّقن أنّو يبلّغ فكرتو‪ّ ،‬‬
‫الرقابة‬
‫الرغبة الفردية ُب التّعبري ونوع من ّ‬
‫اللّغوي شيء ُمدرؾ ال ينفصل عن مدركو‪ ،‬وىذا يعّن أنّو واقع بني ّ‬
‫‪2‬‬
‫يتحرؾ »‪.‬‬
‫تفرضها بنية الفضاء الذي يُقاؿ فيو و ّ‬
‫خاصة دبختلف وسائل التّعبري اليت ُب‬
‫فأسلوبية التّعبري ىي «دراسة لقيم تعبريية وانطباعية ّ‬
‫متغريات أسلوبية‪ ،‬أي ترتبط بوجود أشكاؿ ـبتلفة للتّعبري عن‬
‫حوزة اللّغة‪ ،‬وترتبط ىذه القيم بوجود ّ‬
‫‪3‬‬
‫فكرة واحدة »‪.‬‬
‫وُّذا يش ّكل اؼبضموف الوجداين للّغة موضوع أسلوبية بإب‪ ،‬حيث أثبت ىذا األخري شرعية‬
‫الصيغ‬
‫انبثاؽ األسلوبية كعلم يبحث ُب أمباط التّعبري اليت تق ّدمها اللّغة فهي حبسب رأيو «صبلة ّ‬
‫‪4‬‬
‫ص وتكثفو وتكشف عن طبيعة اؼبنشئ وطبيعة تأثريه على اؼبتل ّقي »‪.‬‬
‫اللّسانية اليت تثري النّ ّ‬
‫ويوضح بري جريو دبثاؿ كيفية ال ّدراسة األسلوبية للنّصوص من وجهة نظر التّعبريية عند شارؿ‬
‫ّ‬
‫أصرح‪":‬يا للمسكني" ففي ىذا التّعبري من‬
‫بإب فيقوؿ‪ « :‬فأنا عندما يػُْن َمى إٕب وقوع حادث ما ّ‬
‫وجهة نظر لسانية أمرين‪:‬‬
‫ؼ‪.‬‬
‫تعجيب مرتبط بالنّربوالثّاين‪َ :‬ح ْذ ٌ‬
‫األوؿ‪ :‬نداء ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ 2‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ 3‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ 4‬التّركيب اللّغوي لألدب‪ ،‬عبد البديع لطفي‪ ،‬مكتبة النّهضة المصرية‪ ،‬ط‪1970(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫‪59‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫عجب واغبذؼ أداتاف"للتّعبري" عن انفعاؿ عاطفي يشري فيو‬


‫ّأما من وجهة نظر األسلوبية‪ ،‬فالتّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ىو"الشفقة"‪ ،‬و ّأّنا تبقى على مستوى التّعبري»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السياؽ إٔب أ ّف اؼبقصود من ذلك‬
‫ّ‬
‫يوضح بو بري جريو أسلوبية التّعبري عند شارؿ بإب‪ :‬فجاء ُب قولو‪ّ «:‬أما‬
‫ّأما اؼبثاؿ الثّاين الذي ّ‬
‫الصغري؟ ىل ستصب غضبك أبدا على صهرؾ‬
‫بعد كيف تسيطر يا ضباي العزيز على ىذا اليأس ّ‬
‫‪2‬‬
‫ذي الق ّفة اؼبثقوبة؟»‪.‬‬
‫حيث يرّكز بإب على تعبري "الق ّفة اؼبثقوبة" فيشرح ىويتها أو معناىا بأ ّّنا‪" :‬اؼبس ِرؼ‬
‫ُ‬
‫اؼبب ّذر"‪،‬وىذا ما يش ّكل قيمتو اإليصالية‪:‬‬
‫ّأما على مستوى القيمة األسلوبية فهو يعّن ما يلي‪:‬‬
‫أ ّف ىذا التّعبري عبارة عن استعارة ذات مضموف واقعي وؿبسوس ىباطب اػبياؿ‬ ‫‪-0‬‬
‫حب ّدة‪.‬‬
‫أ ّف طبيعتو تنتج أثرا مضحكا‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫خاصة بني اؼبتكلّمني‪.‬‬
‫أنّو ينتسب إٔب اللّغة اؼبألوفة‪ ،‬ويفرتض شبّة عبلقات اجتماعية ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫وُّذا يكوف اىتماـ بإب بال ّدراسة اليت ظبّيت عنده بعلم األسلوب منصبّا على« لغة صبيع‬
‫النّاس دبا تعكسو من أفكار خالصة‪ ،‬بل من عواطف ومشاعر واندفاعات وانفعاالت‪ ،‬أي أ ّف‬
‫كل النّاس كوسيلة للتّعبري والفعل وقد اختار ؽبذا ذلك اؼبصطلح‪ ،‬ألنّو يشري إٔب أساس‬
‫موضوعها لغة ّ‬
‫‪3‬‬
‫صبيع اإلجراءات اليت تستخدـ ُب األسلوب »‪.‬‬
‫القوة التّعبريية‬
‫ّأما عن األسباب اليت ّأدت ببإب إٔب ىذا التّش ّدد ُب ربط األسلوبية دبكامن ّ‬
‫فريده الباحثوف إٔب صبلة من األسباب‪ «:‬حيث أ ّّنا‬
‫العاطفية واالنفعالية ُب اللّغة على صبيع مستوياّتا ّ‬
‫ال تبحث عن شرعية لوجودىا إال ُب اػبطاب اللّساين أينما كاف‪ ،‬فهي إذف مطلقة الوجود حيثما كاف‬
‫‪4‬‬
‫مرده إٔب أنّو « تتلمذ على‬
‫الكبلـ » ‪ ،‬وقد علّل بعض الباحثني ّاذباه بإب إٔب ىذا اؼبنحى إٔب سبب ّ‬

‫‪1‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ 3‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫كل لغة مهما كاف تصنيفها‬


‫العامة تأكيده أ ّف ّ‬
‫يد سوسري الذي كانت من أبرز نظرياتو ُب اللّسانيات ّ‬
‫أي نظاـ لغوي آخر‪،‬وكاف من نتائج ىذه النّظرية‬
‫يفضلو معياريا ّ‬
‫اؼبعياري ُب اَّتمع يقوـ على نظاـ ال ّ‬
‫أف أزالت اغبواجز القائمة ُب العرؽ اللّغوي بني لغات سامية وأخرى وضيعة‪ ،‬أوبني مستوى شريف‬
‫من لغة ما ومستويات متدحرجة من نفس تلك اللّغة‪،‬وإذ َك َسر األستاذ اغبدود اغباصرة لعلم اللّغة‬
‫فأصبح ؾباؿ اللّسانيات شامبل للغة اػبطاب دبا ُب ذلك من ؽبجات ولغات مهن ومواضعات بعض‬
‫تفضل فيها لغة العُرؼ األديب‪،‬‬
‫كل تلك اللّغات دبا ؽبا من حيوية عميقة اغبظوة ّ‬
‫األقواـ‪ ،‬بل أصبحت ّ‬
‫أشعت عليو ال ّدراسة اللّسانية‬
‫أشع ُّا على ما ّ‬
‫فقد َع َمد التّلميذ إٔب عملية مطابقة فابتكر األسلوبية و ّ‬
‫‪1‬‬
‫بعامة »‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا كانت اللّسانيات ىي البحث العلمي للّغة إال أ ّف دراستها ُب ذاّتا ال يُع ّد من علم‬
‫يتم‬
‫خاص ُّا‪ « :‬حيث ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسلوب ُب شيء ما ٓب تنطلق ‪-‬كما يشري صبلح فضل‪ -‬من منظور‬
‫الشعوري ُب اللّغة‪ ،‬على أف يكوف ذلك‬
‫القوة التّعبريية وارتباطها باعبانب العاطفي ّ‬
‫اختيار درجة ّ‬
‫‪2‬‬
‫بشكل منتظم على مستوى الصوتيات واؼبعجم والنّحو وال ّداللة وقضايا اَّاز »‪.‬‬
‫وُّذا يكوف بإب قد وضع أعمدة علم األسلوب التّعبريي نظريا‪ ،‬حيث تتوفّر فيو دعائم‬
‫كل القيم اإلخبارية ُب اغبديث اللّغوي‪ ،‬يربز أبعادا ثبلثة‪ :‬بُعدا‬
‫التّفكري األسلويب اغبديث‪ « ،‬فانصهار ّ‬
‫‪3‬‬
‫دالليا وبُعدا تعبرييا وبُعدا تأثرييا »‪.‬‬
‫ويوضح ؿبمد عبد اؼبطّلب ىذه األبعاد بقولو‪ « :‬ويتّضح البُعد التّعبريي من خبلؿ قدرة‬
‫ّ‬
‫عما يعتمل ُب صدره‪ ،‬حبيث يطلق خباره اغببيس ُب ّاذباه‬
‫اؼبتكلّم ُب اإلفصاح عن مشاعره لكي يُنفٍّس ّ‬
‫وجو إليو الكبلـ لدفعو إٔب فعل‬
‫بالرتكيز على من يُ ّ‬
‫من يتح ّدث إليو‪ُ ،‬ب حني يتّضح البُعد التّأثريي ّ‬
‫‪4‬‬
‫ؾبرد اإلعبلـ أواإلببلغ»‪.‬‬
‫معني‪ ،‬وىذاف البُعداف ىبتلفاف عن البُعد الوظيفي الذي يقتصر على ّ‬
‫ّ‬

‫سالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.38‬‬


‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪3‬‬

‫محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.211‬‬


‫البالغة واألسلوبية ‪ّ ،‬‬
‫‪4‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وحولت مفهوـ‬‫ومن ٍبّ إ ّف ىذه األبعاد الثّبلثة ىي اليت أفرزت فيما بعد أسلوبية جديدة ّ‬
‫يوضحو كراسو ‪-‬أحد أتباع بإب‪-‬‬
‫الفّن أي مفهوـ اعبمالية وىو الذي ّ‬ ‫التّعبريية إٔب مفهوـ اغبدث ّ‬
‫حسو وال عن تأويلو‬
‫يتسىن ألحد أف يناقضنا إف كبن أ ّكدنا أ ّف الكاتب ال يفصح عن ّ‬
‫بقولو‪ «:‬ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫للوجود ّإال إذا ُم ّد دبعاوؿ مبلئمة‪ ،‬وليس لؤلسلويب من عمل سوى فحص تلك اؼبعاوؿ »‪.‬‬
‫الشعورية والعاطفية‬
‫عرب الكاتب أو اؼببدع عن انفعاالتو وحاجاتو ّ‬
‫فمجاؿ التّناقض ؿبسومإذا ّ‬
‫مهمة األسلويب حينئذ‬
‫أو عن أفكاره وآرائو بوسائل تستند إٔب أسلوب وبمل بصمات صبالية‪ ،‬وتكوف ّ‬
‫ىي الوقوؼ على ىذه البصمات اليت وبملها العمل األديب‪ ،‬فاألسلوبية ‪-‬وفق ىذا القوؿ‪ -‬ؿباولة‬
‫ص قِيَ ًما فنّية وصبالية‬
‫صد نقاط الفرادة لتكشف عن البىن األسلوبية اؼبتميّزة ‪ ،‬اليت تضفي على النّ ّ‬
‫َر ْ‬
‫خاصة تكوف باعثا على التّحليل األسلويب‪.‬‬
‫وظبات ّ‬
‫غري أ ّف ما يبيّز علم األسلوب –من وجهة نظر شارؿ بإب‪ -‬ويعطيو االستقبلؿ ُب اؼبنهج‬
‫الزاوية باعبانب الوجداين الذي رّكز‬
‫خاصة تتعلّق ىذه ّ‬
‫دراستو للظّواىر اللّغوية منظورا إليها من زاوية ّ‬
‫عليو عند دراستو لظواىر الكبلـ‪.‬‬
‫اػباصة‪،‬‬
‫وُّذا الطّرح اكتسبت األسلوبية مشروعيتها بوصفها علما مستقبل لو أىدافو وغاياتو ّ‬
‫االذباه على النّحو اآلٌب‪:‬‬
‫كما لو ؾباالتو ومنهجيتو ُب البحث ويبكن تلخيص فبيّزات ىذا ّ‬
‫متنوعة‪ ،‬وقد تناولت بال ّدراسة‬
‫‪ -0‬اتّكأت األسلوبية التّعبريية الوصفية على معطيات لغوية ّ‬
‫وصف ظواىر النّظاـ اللّغوي بالوقوؼ على اؼبستويات اللّغوية كلّها‪.‬‬
‫‪ -3‬بلغ اؼبنهج الوصفي قدرات كبرية ُب الوصف والتّحليل معتمدا بشكل أساس على‬
‫النّاحية الفكرية والعاطفية للتّعبري اللّغوي‪ ،‬حيث أ ّكد بإب أ ّف «دراسة العبلقة القائمة بني‬
‫خاص ُب اللّغة اؼبنطوقة تكشف أ ّف شبّة عبلقة‬
‫الصيغة اليت تساؽ على كبو ّ‬
‫ا﵀توى العاطفي و ّ‬
‫الرتكيبية للتّعبري‬
‫الصيغة وما تثريه من عاطفة أيّا كاف نوعها‪ ،‬وعليو فالصيّغة ّ‬
‫أسلوبية بني ىذه ّ‬
‫اللّغوي ترتبط بنزعة عاطفية كامنة فيو‪ ،‬وىو ؾباؿ من ؾباالت ال ّدراسات األسلوبية»‪.2‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.39‬‬


‫األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫(الرؤية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫األسلوبية ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الصادرة عن اغبياة الواقعية أساس علم‬‫‪ -2‬جعل بإب من اللّغة التّلقائية الطّبيعية ّ‬
‫كل مستويات االستعماؿ ُب اللّغة‪ ،‬لذاؾ‬
‫األسلوب‪ ،‬وبذلك رب ّدد حقل األسلوبية عنده على ّ‬
‫ص األديب من ؾباؿ حبثو النشغالو بوصف وربليل الوقائع اللّغوية اؼبعاشة‪ ،‬ألنّو‬
‫استبعد بإب النّ ّ‬
‫الشعور والعواطف‪.‬‬
‫رأى فيها أ ّّنا أكثر تعبريا وإفصاحا عن وقائع ّ‬
‫‪ -1‬ارتبط بإب ارتباطا وثيقا بعلم اللّغة وميدانو‪ ،‬وىو ما ساعده على تتبّع العبلقة بني‬
‫الفكر والتّعبري من خبلؿ الوقائع اللّغوية اليت ربمل بني طيّاّتا شحنات داللية ذات منحى‬
‫وجداين وعاطفي ّازبذه بإب ؾباال رحبا لعلم األسلوب‪ ،‬غري أ ّف تركيزه على النّزعة اللّغوية‬
‫الصرفية وما تنطوي عليو من جوانب انفعالية ووجدانية أبعده عن االىتماـ بالنّواحي اعبمالية‬
‫ّ‬
‫ُب أسلوبيتو‪.‬‬
‫‪ -5‬فسح بإب ُب أجزاء أعمالو مكانا متواضعا لل ّدراسة األسلوبية األدبية وىو ما انفتحت‬
‫الذي دعا إٔب "علم أسلوب‬ ‫برونو‪Brounou‬‬ ‫على إثره دراسات لؤلسلوب األديب على يد‬
‫( ‪Bally‬‬ ‫تطبيقي" يهدؼ إٔب قراءة ؿب ّددة للغّة األدبية اعتمادا على مبادئ "شارؿ بإب"‬
‫الذي زاد أ ّف‬ ‫"كريستو"(‪)Christou‬‬ ‫وتتوأب ال ّدراسات بعد ذلك على يد‬ ‫‪)Charles‬‬

‫يتم بدقّة‬
‫«العمل األديب ىو ؾباؿ علم األسلوب اؼبمتاز‪ ،‬إذ أ ّف اختياره للعناصر األسلوبية ّ‬
‫‪1‬‬
‫وإرادة واعية»‪.‬‬

‫‪ .2‬األسموبية ال ّنفسية‪:‬‬
‫مؤسس ىذه األسلوبية ليو سبيتزر(‪ )1960-1887()Léospitzer‬أف يُقيم جسرا بني‬
‫حاوؿ ّ‬
‫وتفرده ُب طريقة الكتابة‪ ،‬وىو ما ينتج خصوصية‬
‫خاص باؼببدع ّ‬
‫فاىتم بشكل ّ‬
‫نفسية الكاتب وأسلوبو ّ‬
‫السمات األسلوبية‪.‬‬
‫تؤدي إٔب الكشف عن شخصية صاحبها من خبلؿ ربليل ّ‬
‫وسبيّزا ُب أسلوبو ّ‬
‫وجو وصل ىذا الباحث إٔب نتائج جيّدة ُب ؾباؿ البحث األسلويب مستندا‬
‫وانطبلقا من ىذا التّ ّ‬
‫‪ ،)1952‬إٔب‬ ‫كروتشو(‪-1888()BenedettoCroce‬‬ ‫ُب ذلك إٔب اؼبرجعية الفرويدية ونظرة بنديتو‬

‫‪1‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.41‬‬


‫‪22‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫اللّغة باعتبارىا تعبريا فنّيا خبلّقا عن ال ّذات ًبّ تأثّره بنظريات ‪-‬اللّساين اإليطإب نببولت‬
‫(‪–)Humboldt‬واللّسانية‪،‬كارؿ فوسبلؿ(‪.)Carl Voslal‬‬
‫الشخصي لكنّو‬ ‫ذوؽ ّ‬‫أىم ّاذباىات التّحليل األسلويب‪ ،‬إذ يعتمد على التّ ّ‬
‫يبثّل منهج سبيتزر ّ‬
‫ص إٔب القارئ ؽبذا يطلق عليو منهج ال ّدائرة‬ ‫وبرص على أف يعكس اؼبثريات اليت تصل من النّ ّ‬
‫ص حركة متبادلة ومستديبة‬
‫ص ذاتو‪ ،‬إذ قراءة النّ ّ‬
‫الفيلولوجية‪ ،‬ووقود تلك اغبركة ىو اؼبفهوـ القرائي للنّ ّ‬
‫بني ال ّذات واؼبوضوع‪.‬‬
‫ويقوـ منهجو الفيلولوجي ‪ philological‬كما اصطلح عليو على ثبلث مراحل أساسية‪:‬‬
‫متكررة‬
‫متمرس تتوفّر فيو التّجربة واؼبوىبة ّؼبرات ّ‬ ‫المرحلة األولى‪:‬قراءة النّ ّ‬
‫ص من قبل ناقد ّ‬
‫للعثور على ظبة أسلوبية بارزة‪.‬‬
‫السمة األسلوبية البارزة‪.‬‬
‫السيكولوجية لتفسري ّ‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬ؿباولة اكتشاؼ ّ‬
‫اػباصية ّ‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬العودة إٔب النّ ّ‬
‫ص والتّنقيب عن مظاىر أخرى لبعض اػبصائص العقلية‪.‬‬
‫فعلى خطى ىذه اؼبراحل ترصد أسلوبية ليوسبيتزر«عبلقات التّعبري باؼبؤلّف لتدخل من خبلؿ‬
‫خاصة ُب ضوء دراسة العبلقات‬
‫يتوجو دبوجبها األسلوب وجهة ّ‬
‫ىذه العبلقة ُب حبث األسباب اليت ّ‬
‫صو األديب‪ ،‬وىي بذلك تبحث عن روح اؼبؤلّف ُب لغتو فتمزج بني ما ىو نفسي وما‬
‫بني اؼبؤلّف ون ّ‬
‫‪1‬‬
‫ىو لساين »‪.‬‬
‫تتم خبطوات ع ّدة ويبقى على‬ ‫إذف فاإلجراءات اليت ظبّاىا سبيتزر "ال ّدائرة الفيلولوجية"‪ّ ،‬‬
‫تردد « فالطّريق العملي الوحيد ىو القراءة‪،‬وإعادة القراءة‬
‫مفسرا وشارحا أف يقرأ دوف ّ‬
‫اإلنساف بوصفو ّ‬
‫حّت ال يلبث أف يتجلّى‬
‫اغبل‪ّ ،‬‬
‫بصرب وبصرية ‪،‬ويقني برغبة توشك أف تكوف ميتافيزيقية ُب الوصوؿ إٔب ّ‬
‫‪2‬‬
‫اػباص اؼبنشود »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لنا ىذا اؼبلمح‬
‫ص ىو‪-‬كما يراه سبيتزر‪ -‬عبلمة معروفة لو أنبّية أسلوبية‪،‬لذا‬
‫اػباص ُب النّ ّ‬
‫ّ‬ ‫واؼبلمح اعبزئي‬
‫ليتم االقتناع بو ومن شبّة مقارنتو بعبلمات أسلوبية‬ ‫ينبغي فحصو منهجيا بالقراءة اؼبتأنّية‪ّ ،‬‬

‫‪ 1‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫‪ 2‬علم األسلوب مبادئو وإجراءاتو‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫مكونة من مبلحظة منعزلة يهتدي إليها القارئ بفطنتو تتبعها قناعة بأ ّف ىذه‬
‫مشاُّة‪«.‬فال ّدائرة إذف ّ‬
‫سر األسلوب‪ ،‬وىي سبثّل روح العمل األديب ُب مشوليتو على افرتاض أ ّف‬
‫الظّاىرة اؼبنعزلة يكمن فيها ُّ‬
‫‪1‬‬
‫ص ذاتو »‪.‬‬
‫ىذه الظّاىرة ال بد أف تدعّمها مبلمح أسلوبية أخرى ُب النّ ّ‬
‫اػباص قد انطلق من سطح‬
‫ّ‬ ‫ويبدو أ ّف "ليو سبيتزر" ُب إغباحو على القراءة واستخراج اؼبلمح‬
‫ص اػبارجي للوصوؿ إٔب مركزه أي بتحليل تركييب ين ُفذ من خبللو إٔب األفكار «فاألسلوبية تقتضي‬
‫النّ ّ‬
‫ص إٔب لبّو من أجل الكشف عن نفسية اؼبؤلّف من خبلؿ بناه‬
‫تلك اغبركة جيئة وذىابا من سطح النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫نصو اإلبداعي‪ ،‬وىذا يش ّكل نوعا من اإلغباح الذي يرمي إٔب غاية ؿب ّددة »‪.‬‬
‫اللّسانية ُب ّ‬
‫وتتح ّدد غاية ليوسبيتزر ُب مستويني رئيسيني نبا‪:‬‬
‫‪ -0‬اؼبستوى النّفسي‪:‬حيث ينطلق الباحث من مقولة "بوفوف" نفسو ليح ّدد من خبلؿ‬
‫الرتكيبة النّفسية اليت جعلتو يوظّف أدوات لغوية تتش ّكل‬
‫األسلوب نفسية الكاتب وميولو‪ ،‬و ّ‬
‫بطريقة معيّنة‪ ،‬فهو يبحث عن روح الكاتب من خبلؿ الظاّىرة اللّغوية‪ ،‬وبذلك يسعى إٔب‬
‫خاصة أفرزت إنتاجا لغويا‬
‫متفردة بتجربة نفسية ّ‬
‫النّفاذ إٔب عمق ال ّذات اؼبنتجة بوصفها ذاتا ّ‬
‫الصلة بني األثر وصاحبو‪.‬‬
‫يوضح أبعاد "أسلوبية الفرد" واليت توثّق ّ‬
‫فبيّزا‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫فمبدأ العمل إذف ىو الوقوؼ على اؼبظهر اػبارجي للعمل وأفكاره‪ ،‬وصبع تفاصيلو ودقائقو‬
‫أو جزيئاتو ليتبلور من خبلؿ ذلك ميزة خبلّقة تكوف حاضرة ُب نفس اؼببدع‪.‬‬
‫وبتل الفرد موقعا أوسع من نفسو ىو اَّتمع والعصر‬
‫‪ -3‬اؼبستوى االجتماعي والتّارىبي‪ّ :‬‬
‫الزماف من خبلؿ ربليل نفسية اؼببدع‬
‫لذلك حاوؿ ليوسبيتزو الوقوؼ على ذبليات اؼبكاف و ّ‬
‫يقوؿ شازوبنسكي(‪ « :)Hazobinski‬تطمح أسلوبية سبيتزر إٔب إدراؾ الواقع النّفساين‬
‫الروح اعبماعية أيضا‪ ،‬فاستقراء الواقع النّفسي للمبدع القائم على ربليل أسلوبو‬
‫وإٔب ربديد ّ‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫‪ 2‬علم األسلوب مبادئو وإجراءاتو‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الفّن واألخبلقي‬
‫يبكن أف يتّسع ليفضي بشكل أو بآخر إٔب ربديد الواقع التّارىبي واؼبناخ ّ‬
‫‪1‬‬
‫»‪.‬‬
‫وبذلك يبكن اعتبار الغايات اليت يرمي إليها سبيتزر آنية وزمانية معا‪:‬‬
‫آنية‪ :‬تتمثّل ُب رصد الظّاىرة األسلوبية اعبمالية كما تتجلّى على سطح األثر‪.‬‬
‫زمانية‪ :‬تفتك بزماـ اؼببادرة ُب اؼبرحلة اآلنية وتلغيها وتنطلق من ثبلثة مراحل ىي‪:‬‬
‫‪ -0‬ربط األثر بصاحبو من خبلؿ اػبصائص األسلوبية‪.‬‬
‫‪ -3‬وضع األثر ُب مناخو االجتماعي والثّقاُب‪.‬‬
‫حوالت اغبضارية والفلسفية‬
‫ظل التّ ّ‬
‫‪ -2‬النّظر إٔب األسلوب دبا ىو ظاىرة أدبية ُب ّ‬
‫‪2‬‬
‫والتّارىبية‪.‬‬
‫وؾبمل القوؿ فإ ّف مشروع أسلوبية سبيتزر قاـ مناىضا ألسلوبية بإب "التّعبريية"‪ ،‬حيث رّكز‬
‫وتتفرد دببلمح أسلوبية وقيم صبالية فكانت موضوعا لل ّدراسة‪،‬‬
‫الراقية اليت تتميّز ّ‬
‫على النّصوص األدبية ّ‬
‫اػباصة بروح اؼببدع ومن شبّة الولوج إٔب الوجهة االجتماعية اؼبرتبطة بروح اعبماعة‪.‬‬
‫من الوجهة النّفسية ّ‬

‫‪ .3‬األسموبية البنيوية‪:‬‬
‫االذباه جسرا فبدودا باللّسانيات البنيوية اليت تعتمد أساسا على دراسات "دي‬ ‫عد ىذا ّ‬ ‫يُ ُّ‬
‫ص لذاتو باعتباره بنية مغلقة ومن ىنا‪ ،‬قبد أ ّف ىذه‬
‫سوسري" اللّغوية‪ ،‬وتعكف البنيوية على دراسة النّ ّ‬
‫الشعري أو األديب بشكل عاـ‪ ،‬إذ‬
‫ص ّ‬ ‫األسلوبية قد اختزلت إجراءاّتا ُب النّظر إٔب البىن اللّسانية ُب النّ ّ‬
‫ؾبردا فحسب‪ ،‬بل ُب‬
‫«رباوؿ كشف اؼبنابع اغبقيقية للظّاىرة األسلوبية‪ ،‬ليس ُب اللّغة بوصفها نظاما ّ‬
‫‪3‬‬
‫عبلقة عناصرىا ووظائفها »‪.‬‬

‫(الرؤية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬ص ‪.118‬‬


‫األسلوبية ّ‬
‫‪1‬‬

‫(الرؤية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬ص ‪.119‬‬


‫ينظر‪ ،‬األسلوبية ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬نفسو‪،‬ص (‪.)63-62‬‬
‫‪22‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫وقد َسبَثَل ىذا اؼبنظور ُب مقرتحات مدرسة براغ حيث «عُنيت األسلوبية التّشيكية بصياغة‬
‫‪1‬‬
‫الصوت واؼبعىن واؼبضموف»‪.‬‬
‫يتضمن ّ‬
‫ص بوصفو كلية بنيوية ّ‬
‫نظرية أسلوبية تبىن على مفهوـ النّ ّ‬
‫اؼبهم ؽبذه اؼبدرسة ُب نظرية األساليب يكمن ُب تقدًن مفهوـ األسلوب‬
‫وقد كاف اإلسهاـ ّ‬
‫اؼبوضوعي‪ ،‬أو التّحديد اؼبنهجي لؤلساليب اؼبوضوعية‪ ،‬حيث تبىن ىذه النّظرية على افرتاض أف بعض‬
‫ص يبكن أف تستم ّد من الظّروؼ اليت تتجاوز مستوى الفرد لعملية‬ ‫عامة للنّ ّ‬
‫اػبصائص اللّفظية ال ّ‬
‫االتّصاؿ من خبلؿ‪:‬‬
‫للرسالة (وظيفتها)‪.‬‬
‫العاـ ّ‬
‫‪ -0‬الغرض ّ‬
‫العاـ)‪(،‬مباشر‪ /‬غري مباشر)‪.‬‬
‫صإب(اػباص‪ّ /‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬اؼبوقف االتّ‬
‫‪ -2‬شكل اللّغة اؼبستخدـ (شفهي‪ /‬مكتوب)‪.‬‬
‫للضرورات االتّصالية‬
‫وىي ظروؼ تعمل على صياغة األسلوب بطريقة ذبعل التّعبري مبلئما ّ‬
‫اؼبتميّزة‪ .‬وعليو فقد نظرت مدرسة براغ إٔب األدب بوصفو بنية‪ ،‬دبعىن أنّو ؾبموعة من العبلمات‬
‫اؼبرتابطة‪ ،‬وليس كأداة أو شكل‪ ،‬واستنادا إٔب ىذه النّظرية فإ ّف منهج ىذه األسلوبية يقوـ على ثبلث‬
‫منطلقات ىي‪:‬‬
‫الشكل‪.‬‬‫‪ّ -0‬‬
‫‪ -3‬الوظيفة‪.‬‬
‫السياؽ‪.‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫ّأما األسلوبية البنيوية «فتُعىن بوظائف اللّغة على حساب أيّة اعتبارات أخرى‪ ،‬واػبطاب األديب‬
‫نص يضطلع بدور إببلغي ووبمل دالالت ؿب ّددة »‪ 2.‬ووب ّددىا الباحثوف ُب ؾباؿ‬ ‫ُب منظورىا ّ‬
‫ص‪ ،‬فهي‬
‫الرتكيبة األساسية للنّ ّ‬
‫ال ّدراسات األسلوبية بأ ّّنا «النّظر إٔب الظّواىر األسلوبية كجزء من البنية و ّ‬
‫كنص لغوي‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬ ‫تعتمد ‪ -‬من ناحية – على التّحليل ال ّدقيق عبزئيات العمل األديب ّ‬
‫‪3‬‬
‫على اكتشاؼ العبلقات بني ىذه اعبزئيات‪ ،‬وما يُع ّد منها مهيمنا وما يُع ّد فرعيّاً »‪.‬‬

‫‪1‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم ‪ ،‬ص (‪.)63-62‬‬


‫الس ّد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.82‬‬
‫األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬نور ال ّدين ّ‬
‫‪2‬‬

‫السعودية‪ ،‬ط‪1985( ،1‬ـ)‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫اتّجاىات البحث األسلوبي‪ ،‬عيّاد شكري‪ ،‬مقاالت مترجمة‪ ،‬دار العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫االذباه باحثاف بارزاف نبا‪:‬‬


‫وقد مثّل ىذا ّ‬
‫روماف جاكبسوف‪.‬‬ ‫‪-0‬‬
‫مكائيل ريفاتري‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -1‬روماف جاكبسوف‪:‬اتّكأ ىذا الباحث على مبدأ االتّصاؿ ُب تأسيس أسلوبيتو التّواصلية اليت‬
‫تعّن « التّعبري عن الفكرة بالكلمة اؼبنطوقة أو اؼبكتوبة باالعتماد على نشاط لغوي مرسل من اؼبتكلّم‬
‫‪1‬‬
‫ونشاط فباثل من اؼبتل ّقي »‪.‬‬
‫اؼبؤسسني لؤلسلوبية البنيوية اليت ذبعل من األسلوب ميدانا رحبا للبحث‬
‫وبذلك الطّرح كاف من بني ّ‬
‫‪2‬‬
‫بست وظائف‪:‬‬
‫وال ّدراسة ‪ ،‬حيث وضع نظرية التّواصل وح ّدد وظائف اللّغة ّ‬
‫تعرب عن عواطفو ومشاعره‪.‬‬
‫الباث ّ‬
‫الرتكيز على ّ‬
‫الوظيفة االنفعالية‪ّ :‬‬ ‫‪-0‬‬
‫الوظيفة االفهامية‪ :‬تركيز على اؼبتل ّقي والتّأثري فيو‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الرسالة وما ربيل عليو‪.‬‬
‫السياؽ حيث رب ّدد العبلقة بني ّ‬
‫الرتكيز على ّ‬
‫‪ -2‬الوظيفة اإلحالية‪ّ :‬‬
‫الشيفرة‪.‬‬
‫السنن أو ّ‬
‫الرتكيز على ّ‬
‫‪ -1‬الوظيفة اؼباورائية اللّغوية‪ّ :‬‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫الشعرية‪ :‬ترّكز على ّ‬
‫‪ -5‬الوظيفة ّ‬
‫بالشكل اآلٌب‪:‬‬
‫ويبكن سبثيلها ّ‬

‫السٍاق ‪Contexte‬‬

‫الىظٍفة المرجعٍة ‪La Fonction‬‬


‫‪réferontielle (denotative,‬‬
‫)‪cognitive‬‬

‫المستقبل (المرسل إلٍه)‬ ‫الرسالة ‪Méssage‬‬ ‫الباث(المرسل)‬


‫‪Destinataire‬‬ ‫‪Destinateur‬‬

‫الىظٍفة االفهامٍة‬ ‫الىظٍفة اإلنشائٍة ‪La Fonction‬‬ ‫الىظٍفة التّعبٍرٌة االنفعالٍة‬


‫‪Fonction expressive‬‬
‫‪Fonction Conative‬‬ ‫‪Poetique‬‬ ‫(الرؤية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫األسلوبية ّ‬
‫‪1‬‬
‫)‪(emotive‬‬
‫محمد بلّوحي‪ ،‬منشورات اتّحاد كتاب العرب‪،‬‬
‫ينظر‪ :‬مجلّة التّراث العربي‪" ،‬األسلوب بين التّراث البالغي العربي واألسلوبية الحديثة "‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫صلة ‪Contact‬‬ ‫ال ّ‬
‫دمشق‪ ،‬العد ‪2004( ،95‬ـ)‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪25‬‬
‫الىظٍفة االنتباهٍة ‪La Fonction‬‬
‫‪Phatique‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫الفن اللّغوي األديب‪،‬‬


‫الشعرية‪ ،‬لكوّنا أبرز وظائف ّ‬
‫الرتكيز على الوظيفة ّ‬
‫وقد غلبت على دراساتو ّ‬
‫ص‬
‫تؤدي وظائف صبالية أو أدبية للنّ ّ‬
‫بالرسالة من حيث ىي رسالة لغوية ّ‬
‫وّتتم ىذه الوظيفة ربديدا ّ‬
‫ّ‬
‫ص بوصفها غاية ُب ذاّتا ال وسيلة‪« ،‬‬‫إضافة إٔب الوظائف األخرى‪ ،‬وذلك أ ّّنا ترّكز على لغة النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫فّن إّمبا ىي دراسة لؤلسلوب »‪.‬‬
‫الرسالة اللّفظية بوصفها عمل ّ‬
‫فدراسة ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬بصورة خاطئة‬
‫الشعر تقوـ الوظيفة ّ‬
‫يقوؿ جاكبسوف معلّقا على ىذه الوظيفة‪ُ « :‬ب ّ‬
‫الشعر ال نصل إٔب اغبقيقة‬
‫بالرتكيز على اؼبرسلة كما ىي على حساب الوظيفة اؼبرجعية‪ ،‬فنحن ُب ّ‬
‫ّ‬
‫الشعرية غاية ُب‬
‫الرخاـ بالنّسبة للنّ ّحات‪ ،‬فاللّغة ّ‬
‫مادة بناء كما ّ‬
‫من خبلؿ اللّغة‪ ،‬بل إ ّف اللّغة تصبح ّ‬
‫ذاّتا‪ ،‬ولست وسيلة »‪.2‬‬
‫ويبكن تلخيص مبادئ جاكبسوف األسلوبية فيما يأٌب‪:‬‬
‫ص باعتباره منظومة أحادية ُب عبلقاّتا ونظامها‪.‬‬
‫ّتتم أسلوبيتو بالبنية الكلّية للنّ ّ‬
‫‪ّ -0‬‬
‫ص يقوؿ‪ «:‬هبب أف نقرأ قصيدة كما نشاىد‬‫السطحية والبنية العميقة للنّ ّ‬
‫‪ -3‬االىتماـ بالبنية ّ‬
‫كل عنصر باآلخر‪.‬‬
‫ككل حبيث كب ّدد جيّدا عبلقات ّ‬‫لوحة‪ ،‬أي أف نفهمها ّ‬

‫‪1‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫المؤسسة الجامعية لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبناف‪ ،‬ط‪1993(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.252‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬النّظرية األلسنية عند روماف جاكبسوف‪،‬‬
‫‪29‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫كما أنّو ال يبكن أف نفصل أثناء مشاىدتنا وربليلنا للوحة فنّية بني األشكاؿ واأللواف‪ ،‬كذلك ال‬
‫بالرتكيز على صوره دوف إيقاعو وىكذا »‪.1‬‬
‫ص دوف معانيو أو ّ‬
‫يبكن االىتماـ بألفاظ النّ ّ‬
‫الشعري من حيث ىندستو ومفرداتو وتراكيبو؛ حيث يبكن‬
‫ص ّ‬ ‫ق ّدـ منهجو ربليبل شامبل للنّ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ص‪.‬‬
‫الصيغة الغالبة ُب النّ ّ‬
‫لل ّدارس الوقوؼ على ّ‬
‫السياقية ُب تشكيل‬
‫اىتم بشكل واضح بناحية ال ّداللية لؤللفاظ وعبلقاّتا‪ ،‬وأثر العبلقات ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫الشعري‪.‬‬
‫ص ّ‬ ‫الشكلي وال ّدالٕب ُب النّ ّ‬
‫صية ومدى التّفاعل اغباصل بني اعبانب ّ‬
‫البنية النّ ّ‬
‫الشعرية وبالغ ُب االىتماـ ُّا انطبلقا من كوّنا وظيفة جوىرية‬
‫رّكز جاكبسوف على الوظيفة ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫تامة بني جدوٕب االختيار‬
‫مهما ُب تنظيم الكبلـ‪ ،‬وتتجلّى أنبّيتها ُب مطابقة ّ‬
‫بلغت دورا ّ‬
‫والتّوزيع‪.‬‬
‫تنوع ظروؼ االتّصاؿ اللّغوي‪ ،‬واختبلؼ‬
‫تدرس األسلوبية الوظيفية اختيار البدائل باعتماد ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫خاصة اللّفظية منها وما وراء اللّفظ‪.‬‬
‫السياقات ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪71‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫مايكل ريفاتير‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ص باعتباره ضربا من التّواصل‪ ،‬وبذلك‬ ‫يقوـ موضوع ال ّدراسة األسلوبية عند ريفاتري على النّ ّ‬
‫ص‪ ،‬غري أ ّف‬
‫عىن ىذا الباحث بالوظيفة االتّصالية ُب معاينتو لؤلسلوب انطبلقا من اؼببدع والقارئ والنّ ّ‬
‫الربط بني األسلوبية و نظرية التّل ّقي‪ ،‬فاألسلوبية‬
‫انصب على القارئ من خبلؿ ّ‬‫ّ‬ ‫اىتمامو وتركيزه‬
‫حرية اإلدراؾ‬
‫بالنّسبة لو « علم يهدؼ إٔب الكشف عن العناصر اؼبميّزة اليت ُّا يستطيع اؼبؤلّف مراقبة ّ‬
‫‪1‬‬
‫لدى القارئ واليت ُّا يفرض وجهة نظره على الفهم واإلدراؾ»‪.‬‬
‫وعليو فالقارئ من وجهة نظر ريفاتري عنصر أساسي ُب ربديد األسلوب‪ ،‬ومن شبّة ُب ربديد‬
‫موضوع األسلوبية الذي يتح ّدد بأنّو « تلك العناصر اؼبستخدمة لغرض فرض طريقة تفكري اؼبسنن‬
‫ُ‬
‫السنن‪ ،‬دبعىن ّأّنا ال تدرس فعل التّواصل‪ ،‬كإنتاج خالص لسلسلة لفظية‪،‬ولكن باعتبارىا‬
‫على مف ّكك ّ‬
‫حامبل لبصمات شخصية اؼبتكلّم وملزما النتباه اؼبرسل إليو‪ ،‬فهي إذف تدرس اؼبردودية اللّسانية عندما‬
‫‪2‬‬
‫يتعلّق األمر بتبليغ شحنة قويّة من اػبرب »‪.‬‬
‫لعل ما يبيّز ّاذباه ريفاتري ىو رؤيتو اؼبنفردة ُب أ ّف الواقعة اللّسانية تكتسي ظبات أسلوبية‬
‫و ّ‬
‫ص والقارئ‪،‬‬
‫تتم بني النّ ّ‬
‫فتتحوؿ إٔب واقعة أسلوبية‪ ،‬وال تدرؾ ىذه الوقائع إال عرب عبلقة جدلية ّ‬ ‫ّ‬
‫ص وحده أو ُب القارئ وحده‪.3‬‬
‫وليست ُب النّ ّ‬
‫طور ىذا الباحث عملية التّل ّقي لتصبح دبثابة معيار لتحديد األسلوبية اليت يتوفّر عليها‬
‫وقد ّ‬
‫تذوقو اعبمإب وميولو‬
‫ص وذلك بإنتاج إجراءات أسلوبية تستند إٔب أحكاـ القارئ باالعتماد على ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫األدبيّة وربصيلو ال ّدراسي‪ ،‬باإلضافة إٔب مؤثّرات أخرى‪.‬‬
‫مقومات ّاذباه ريفاتري ُب‪:‬‬
‫ويبكن إصباؿ ّ‬
‫الفّن اؼبتميّز حبيث ال يكوف‬
‫الفرادة‪ :‬وتتعلّق بالتّجربة األدبية ومدى إنتاجها للعمل ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫ظن القارئ فتجعلو‬
‫ؾبرد كلمات متتابعة وإّمبا وبمل لغة غري متوقّعة؛ إذ ُزبيّب بعبلقاّتا ّ‬
‫ص ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫محاوالت في األسلوبية الهيكلية‪ ،‬مايكل ريفاتير‪ ،‬ترجمة عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬معايير تحليل األسلوب‪ ،‬ريفاتير مايكل‪ ،‬ترجمة‪ ،‬حميد الحميداني‪ ،‬منشورات دراسات ساؿ‪ ،‬دار النّجاح الجديدة‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫ط‪1993(1‬ـ)‪،‬ص‪.66‬‬
‫‪3‬ينظر‪:‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪70‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ص فريد دائما ُب جنسو‪ ،‬وىذه الفرادة‬


‫يفك شفراّتا‪ ،‬وداللتها « فالنّ ّ‬
‫مشدودا إليها مرتبطا ُّا ّ‬
‫‪1‬‬
‫ىي التّعريف األكثر بساطة‪ ،‬وىو الذي يبكن أف نعطيو لؤلدبية »‪.‬‬
‫السياؽ‪ :‬وىو عبارة عن نسق لغوي يقطعو عنصر غري متوقّع وينشأ نتيجة ؽبذا‬ ‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪2‬‬
‫السياؽ إٔب نوعني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وينقسم‬ ‫سمى باؼبثري األسلويب‬
‫تضاد يُ ّ‬
‫االقتحاـ ّ‬
‫السياؽ اؼبولّد للتّضاد داخل الوحدة األسلوبية‪ ،‬وىو ذو وظيفة‬
‫السياؽ األصغر‪:‬ىو ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪3‬‬
‫بنيوية وتكمن أنبيتو ُب ارتباطو بالعنصر اؼبقابل « داخل حيّز ؿب ّدد »‪.‬‬
‫ذلك‪:‬‬ ‫مثاؿ‬ ‫األسلويب‬ ‫باؼبسلك‬ ‫سمى‬
‫يُ ّ‬ ‫ما‬ ‫السياؽ‬
‫و ّ‬ ‫االكبراؼ‬ ‫ويش ّكل‬
‫عيونػػك شوكػػة ُب قلػػيب‬

‫‪ ‬تضاد‪ /‬مسلك أسلويب‬ ‫نسق أصغر ‪ ‬ـبالفة‬


‫السياؽ األصغر ُب‪:‬‬
‫وتتلخص خصائص ّ‬
‫ّ‬
‫وظيفتو بنيوية حيث يُع ّد طرفا ُب ؾبموعة ثنائية تتفاعل عناصرىا فيما بينها‪.‬‬ ‫‪-0‬‬
‫حدوث التّأثري يتح ّدد بوجود الطّرفني‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪4‬‬
‫ؿبصور مكانيا وؿبكوـ بعبلقتو بالطّرؼ اآلخر‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫السياؽ األكرب‪ :‬وىو نوعاف ‪:‬‬
‫ب‪ّ -‬‬
‫يقع فيو قطع الكبلـ بعنصر غري متوقّع ٍبّ يعود الكبلـ إٔب نظامو وصورتو ىي‪:‬‬ ‫‪-0‬‬
‫سياؽ ‪ ‬إجراء أسلويب ‪ ‬سياؽ‪.‬‬
‫واسأؿ‪ ‬القرية ‪ ‬اليت كنّا فيها والعري اليت اقبلنا فيها‪...‬‬
‫األوؿ دبفهوـ التّشبّع (‪ )Saturation‬وصورتو ىي‪:‬‬
‫مشتق من ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫سياؽ ‪ ‬إجراء أسلويب ‪ ‬انطبلؽ إٔب سياؽ جديد ‪ ‬إجراء أسلويب‪.‬‬

‫محمد بن يحيى‪ ،‬ص ‪.45‬‬


‫محاضرات في األسلوبية‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪:‬نفسو‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫الرؤية والتّطبيق‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫األسلوبية ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪73‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫ػباصية أسلوبية تتناسب تناسبا عكسيا مع تواترىا؛ إذ كلّما‬


‫والتّشبّع معناه‪ :‬أ ّف الطّاقة التّأثريية ّ‬
‫اػباصية ضعفت قدرة األساليب على بناء التّخالف‪.‬‬ ‫تكررت نفس ّ‬ ‫ّ‬
‫ت ِ‬
‫آمنَةً ُّمط َْمئِنةً يَأْتِ َيها ِرْزقُػ َها َرغَ ًدا من ُكل‬ ‫ب اللوُ َمثَالً قَػ ْريَةً َكانَ ْ‬ ‫ومثالو ُب قولو تعأب﴿ َو َ‬
‫ض َر َ‬
‫وع وال َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َك ٍ‬
‫صنَػعُو َف﴾‪.1‬‬ ‫ْخ ْوؼ بِ َما َكانُواْ يَ ْ‬ ‫ْج ِ َ‬ ‫اس ال ُ‬ ‫اف فَ َك َفر ْ ِ‬
‫ت بأَنْػعُ ِم اللو فَأَذَاقَػ َها اللوُ لبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهما ُب بلورة الظّاىرة األسلوبية‪ ،‬وتنتج‬ ‫اىتم ريفاتري بعنصر اؼبفاجأة باعتباره ؿب ّد ًدا ّ‬ ‫‪ -2‬اؼبفاجأة‪ّ :‬‬
‫اؼبفاجأة عن اؼبثري األسلويب الغري متوقّع ويكوف تأثريىا أعمق على اؼبتل ّقي‪ ،‬وُّا يتح ّدد مفهوـ‬
‫انصب اىتماـ ريفاتري على البحث عنو ُب النّصوص باعتبار أ ّف لو تأثريا بالغا‬
‫ّ‬ ‫االكبراؼ الذي‬
‫على اؼبتل ّقي‪.‬‬
‫الرسالة نفسها‪،‬‬
‫وإذا كاف جاكبسوف قد بىن موضوعيتو ُب التّحليل من خبلؿ التّشديد على ّ‬
‫ص دوف مراعاة لعوامل خارجية أخرى فإ ّف ريفاتري قد حاوؿ أف يرسم‬
‫دبعىن ربليل البىن اللّسانية ُب النّ ّ‬
‫بالرتكيز على استجابات القارئ‪ ،‬اليت وإف تكن ُب‬
‫طريقا جديدا ومنهجا مبتكرا ُب ال ّدراسة األسلوبية ّ‬
‫جوىرىا ذاتية إال أ ّف منابعها لسانية ُب األصل‪.‬‬

‫‪ .4‬األسموبية اإلصحائيية‪:‬‬
‫الرياضية حبيث « يتم ّكن الباحث من ربقيق‬ ‫تعتمد ىذه األسلوبية على اؼبقاربة اإلحصائية ّ‬
‫السمات واػبصائص اللّغوية اليت‬
‫البعد اؼبوضوعي بتحديد اؼببلمح األساسية لؤلساليب‪ ،‬أو التّمييز بني ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص ورودا عشوائيا »‪.‬‬
‫السمات اليت ترد ُب النّ ّ‬
‫اص أسلوبية و ّ‬
‫يبكن اعتبارىا خو ٌّ‬
‫ويرمي التّشخيص األسلويب اإلحصائي إٔب ربقيق أىداؼ ح ّددىا سعد مصلوح فيما يأٌب‪:‬‬
‫ص يكشف عن اػبصائص األسلوبية فيو‪.‬‬
‫الوصف اإلحصائي األسلويب للنّ ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫ص‪.‬‬
‫التّحليل اإلحصائي للنّ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪3‬‬
‫اغبكم التّقويبي‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪1‬سورة النّحل‪.112 /‬‬


‫‪2‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عالم الفكر‪" ،‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة"‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬المجلّد ‪ ،20‬العدد ‪ ،03‬ص‪.120‬‬
‫‪72‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫يعرفو بري جريوبأنّو‪:‬‬


‫وقد ق ّدـ بعض الباحثني مفاىيم لؤلسلوب سبت بصلة إٔب اإلحصاء إذ ّ‬
‫‪1‬‬
‫متوسط انزياح ؾبموعة‬‫ّ‬ ‫«‬ ‫و‪:‬‬‫ّ‬‫ن‬‫بأ‬ ‫كوىن‬ ‫جاف‬ ‫فو‬
‫يعر‬
‫ّ‬ ‫كما‬ ‫كميا بالقياس إٔب معيار »‪.‬‬
‫«انزياح يُعرؼ ّ‬
‫القصائد الذي سيكوف من اؼبمكن نظريّا االعتماد عليو لقياس مع ّدؿ شاعرية أيّة قصيدة كيفما كانت‬
‫‪2‬‬
‫»‪.‬‬
‫وؽبذين التّعريفني داللة إحصائية واضحة‪ ،‬وىو ما يُشري إٔب أ ّف الكثري من الباحثني قد مالوا‬
‫الرئيسية الستخداـ‬
‫إٔب استخداـ اؼبنهج اإلحصائي ُب كثري من األحياف‪ ،‬وقد كاف من ال ّدوافع ّ‬
‫اإلحصاء ُب ال ّدراسات األسلوبية ىو« إضفاء اؼبوضوعية على ال ّدراسة نفسها‪ ،‬وكذا ؿباولة زبطّي‬
‫‪3‬‬
‫حّت تشخيصو »‪.‬‬
‫معني أو ّ‬
‫عوائق سبنع من استجبلء مدى رفعة أسلوب ّ‬
‫مهمة من األسلوبية اإلحصائية ومدى تطابقها مع دراسة‬ ‫ص اآلٌب جوانب ّ‬
‫ويوضح النّ ّ‬
‫ّ‬
‫متأصلة ُب النّمط ال ّذاٌب من التّحليل‪ ،‬ولكي نكافح من أجل نوع‬
‫األسلوب « ولتجنّب مشكبلت ّ‬
‫أكثر علمية وموضوعية من ال ّدراسة فإ ّف عددا من األسلوبيني ق ّدموا ‪ -‬خبلؿ العقود القليلة اؼباضية –‬
‫كميا من ال ّدراسة مستخدمني أدوات التّحليل اإلحصائي‪ ،‬وـبتربين اعبوانب القابلة لئلحصاء من‬
‫نوعا ّ‬
‫النّصوص اؼبختلفة‪ ،‬ومقارنني إيّاىا باؼبعايري الكتشاؼ أيّة اختبلفات سبثّل االكبراؼ الفردي عن‬
‫اؼبعيار‪ ،‬أو عن ال ّدرجة االعتيادية لبلكبراؼ العشوائي الذي وبدث – على األرجح – ُب عيّنات‬
‫‪4‬‬
‫ـبتلفة من ؾبموعة معيّنة من النّصوص »‪.‬‬
‫ص قبد أ ّف اإلحصاء ىو العلم الذي يدرس االنزياحات؛ إذ ىو«اؼبنهج‬
‫وانطبلقا من ىذا النّ ّ‬
‫الذي يسمح دببلحظتها وقياسها وتأويلها‪ ،‬لذلك فهو ال يتواىن عن فرض نفسو كأداة من األدوات‬
‫‪5‬‬
‫حجة للقاء األسلوبية‬
‫ّ‬ ‫تقديبو‬ ‫ُب‬ ‫كوىن‬ ‫جاف‬ ‫عليو‬ ‫د‬‫ك‬‫ّ‬‫يؤ‬ ‫ما‬ ‫وىو‬ ‫‪،‬‬ ‫األكثر فعالية ُب دراسة األسلوب »‬
‫عامة‪،‬فمن اعبائز تطبيق نتائج اإلحصاء‬
‫باإلحصاء يقوؿ‪ « :‬لكوف األسلوبية ىي علم االنزياحات ّ‬

‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ترجمة محمد الولي ومحمد العمري‪ ،‬دار توبقاؿ‪ ،‬للنّشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1986(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ 3‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪ 5‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫‪71‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية‬

‫متوسط تردد االنزياحات اليت‬


‫الشعريّة وقتها قابلة للقياس‪ ،‬إذ تربز ّ‬
‫على األسلوبية لتصبح الواقعة ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشعرية بالنّظر إٔب النّثر »‪.‬‬
‫تق ّدمها اللّغة ّ‬
‫غري أ ّف استخداـ اإلحصاء ُب دراسة األسلوب قضية ـبتلف عليها ‪-‬كما يشري إٔب ذلك بري‬
‫جريو‪ -‬واالعرتاض اؼبق ّدـ يتجلّى ُب أ ّف «األسلوب واقعة فردية ونوعية‪ ،‬ولتعقيدىا ال يبكن إدخاؽبا‬
‫‪2‬‬
‫كمية للتّحليل اإلحصائي »‪.‬‬
‫ؾبردة و ّ‬
‫ُب أيّة فئة ّ‬
‫فهناؾ أمور ُب الواقع تتعلّق باألسلوب يصعب على اغبساب ‪ ،‬أو مبلحظتها أو التّدقيق فيها‬
‫حّت اإليقاعية ال ّدقيقة‪ ،‬وىو ما يفقد‬
‫كالظّبلؿ الوجدانية‪ ،‬واألضداد اؼبوحية والتّأثريات االنفعالية ‪،‬أو ّ‬
‫ال ّدراسة األسلوبية مصداقيتها وىدفها اؼبنشود‪.‬‬
‫إ ّف تع ّدد اآلراء واختبلفها حوؿ األسلوب وطريقة دراستو وربديده ىو ما ّأدى أيضا إٔب بسط‬
‫القوؿ حوؿ األسلوبية وموضوعها‪ ،‬وبالتّإب تع ّددت ّاذباىاّتا ومناىجها‪ ،‬ففضبل عن التّصنيف الذي‬
‫السيميائية واألسلوبية‬
‫﵀نا إليو لؤلسلوبية فإ ّف شبّة تصنيفات عديدة أخرى نذكر منها‪ :‬األسلوبية ّ‬
‫الكمية وغريىا من‬
‫السجبلت وأسلوبية األغراض وأسلوبية األشكاؿ واألسلوبية ّ‬ ‫اللّسانية وأسلوبية ّ‬
‫فعاؿ ُب إثراء ال ّدراسات والبحوث ُب ىذا اَّاؿ‪.‬‬
‫اؼبسميات اليت سانبت بشكل ّ‬
‫ّ‬

‫‌‬
‫‌‬

‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص ‪.133‬‬


‫‪75‬‬
‫الفصل ّ‬
‫الثاني‬

‫ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريات‬

‫ّأوال‪ :‬ماىية التّشكيل األسلوبي‬


‫ثانيا‪ :‬التّشكيل األسلوبي ومحاور الخطاب‬
‫ثالثا‪ :‬التّشكيل األسلوبي ونظرية االختيار‬
‫رابعا‪ :‬التّشكيل األسلوبي ونظرية المقاـ‬

‫‪72‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ّأوال‪ :‬ماهية ال ّتشكيل األسلوبي‪:‬‬


‫تش ّكل اللّغة نظاما ؿبكما وفق قواعد وأسس تستثمر طرُب االبتكار واإلبداع األديب للنّفاذ إٔب‬
‫يتضمن فرادة التّعبري‪،‬لذلك‬
‫نصي ّ‬ ‫اؼبعىن بتغيري وحدة ترتيب اؼبفردات من صبيع جهاّتا لتكوين جامع ّ‬
‫وجدنا اىتماما بالغا من قِبل الباحثني ُب اللّسانيات أو األسلوبية لدراسة ذبلّيات الظّاىرة اللّغوية من‬
‫حيث طرؽ وصيغ الكبلـ وىيأت التّش ّكل وصوره الوظيفية‪ ،‬ذلك «أ ّف الكشف عن ذبلّيات اؼبعىن‬
‫يتم عرب صيغ االنتظاـ اللّساين حبثا عن خفايا الظّاىرة اللّغوية وطرؽ االرتقاء ُّا إٔب التّشكيل‬
‫ّ‬
‫األسلويب ا﵀ ّقق ؼبستويات البياف»‪.1‬‬
‫نص مستندا ُب ذلك إٔب‬
‫والتّشكيل األسلويب ُب جوىره عمل إبداعي يقوـ بو اؼبنشئ إلنتاج ّ‬
‫اؼبتغريات األسلوبية ‪ ،‬ويقوـ ىذا التّشكيل على صبلة من ا﵀اور األساسية اليت ؽبا ارتباط وثيق‬
‫صبلة من ّ‬
‫الشيوع‪ٍ ،‬بّ ما يتيح ذلك من انزياحات وإضافات‬
‫مع بعضها البعض‪ ،‬وأنبّها االختيار والتّوزيع و ّ‬
‫وتضمينات ‪ ،‬وقد ّبني ذلك سعد مصلوح ُب معرض حديثو عن الفرؽ بني التشكيل األسلويب و‬
‫التّشخيص األسلويب حيث قاؿ‪« :‬التّشكيل األسلويب عمل يقوـ بو اؼبنشئ ّأما التّحليل األسلويب‬
‫ص‪ّ ،‬أما ىدؼ الثّاين فهو الكشف عن اؽبوية‬ ‫فنشاط ربليلي يقوـ بو الباحث‪ ،‬وىدؼ األ ّوؿ إنتاج النّ ّ‬
‫صورات اإلجرائية اؼبنهجية‪،‬‬
‫مادة الثّاين فالتّ ّ‬
‫اؼبتغريات األسلوبية‪ّ ،‬أما ّ‬
‫األوؿ ىي ّ‬
‫ومادة ّ‬
‫ص‪ّ ،‬‬‫األسلوبية للنّ ّ‬
‫الشيوع‪ ،‬فبلب ّد أف يقابل ذلك من جهة‬
‫وكما يقوـ التّشكيل األسلويب على ؿباور االختيار والتّوزيع و ّ‬
‫ص؛ أي‬
‫اؼبتغريات األسلوبية بأف تكوف خصائص أسلوبية مائزة للنّ ّ‬
‫الباحث عمل يكشف عن أجدر ّ‬
‫تلك اليت يبكن أف توصف بأ ّّنا اختيارات للمنشئ وعن درجات شيوع ىذه االختيارات وأمباط‬
‫توزيعها »‪.2‬‬

‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬المجلّد ‪ ،3‬العدد‪ ،3‬سنة‬


‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ " ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫(‪2007‬ـ)‪ ،‬ص‪.257‬‬
‫‪ 2‬عالم الفكر‪ " ،‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة"‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬المجلد ‪،20‬العدد‪ ،3‬وزارة اإلعالـ‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬سنة (‪1989‬ـ)‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪77‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫دبتغريات أسلوبية ُب ضوء مستويات بيانية زبتلف باختبلؼ مقتضى‬


‫تتش ّكل االببلغية إذف ّ‬
‫اغباؿ دبا يرتتّب عنو نوع النّظم الذي يناسبو‪ ،‬وّتيمن األشكاؿ األسلوبية على وجوه تشكيل النّسق‪،‬‬
‫فبّا يكسبو أسلوبا صباليا‪.‬‬
‫باؼبتغريات األسلوبية؛ إذ‬
‫مادتو األساسية اليت ُح ّدد اظبها ّ‬
‫يتم التّشكيل األسلويب باالستناد إٔب ّ‬
‫ّ‬
‫السمات اللّغوية اليت يعمل فيها اؼبنشئ باالختيار أو االستبعاد و بالتّكثيف أو‬ ‫ىي «ؾبموعة من ّ‬
‫اؼبتغريات األسلوبية خصائص‬
‫ص وحينئذ تصبح ّ‬ ‫اػبلخلة باتّباع طرؽ ـبتلفة ُب التّوزيع ليش ّكل ُّا النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫بأّنا «أنساؽ لغوية سواء أكانت لفظية أومعنوية أو‬
‫فبيّزة ”‪ ، "stylistié features‬وىي تعرؼ أيضا ّ‬
‫خاصة وفبيّزة‬
‫جراء ذلك قيماً صبالية ّ‬
‫خاص ضمن نظاـ اللّغة الكلّي‪ ،‬وتكتسب ّ‬
‫تركيبية‪ ،‬زبضع لنظاـ ّ‬
‫‪2‬‬
‫مكونات أسلوبية»‪.‬‬
‫ذبعل منها ّ‬
‫واؼبقصود باألنساؽ «ؾبموعة العناصر اؼبرتابطة واؼبتفاعلة واؼبتمايزة»‪ ،3‬اليت تتشاكل وتنسجم‬
‫وتتبلقى داخل النظاـ األسلويب منتجة أنظمة لغوية‪ ،‬وُّذا يبكن اعتبار األنساؽ ال ّداخلة ضمن بناء‬
‫باؼبكونات‬
‫يسمى ّ‬ ‫يؤدي تشاكلها وانسجامها وتفاعلها إٔب تشكيلو‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫األسلوب أنساقا أسلوبية ّ‬
‫‪4‬‬
‫باؼبتغريات األسلوبية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مصلوح‬ ‫سعد‬ ‫عليو‬ ‫اصطلح‬ ‫ما‬ ‫أو‬ ‫األسلوبية‪.‬‬
‫اؼبتغريات واليت اعترب ذكرىا على سبيل التّمثيل‪ ،‬وأ ّّنا‬
‫وفيما يلي تصنيف سعد مصلوح ؽبذه ّ‬
‫‪5‬‬
‫اؼبكونات شيوعا وسريورة ُب البحث األسلويب‪.‬‬
‫من أكثر ّ‬
‫عمم على‬‫اؼبدوف؛ إذ ال يبكن أف تُ ّ‬
‫ص ّ‬ ‫الشكلية‪ :‬ينصرؼ ُمعظمها إٔب النّ ّ‬ ‫اؼبتغريات ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫ص على الورؽ‬ ‫الصورة الطّباعية‪ ،‬أو التّدوينية اليت يظهر ُّا النّ ّ‬
‫الشفهي أو اإللقاء‪ ،‬ويعاِب ّ‬
‫األداء ّ‬

‫‪1‬عالم الفكر‪ " ،‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة"‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫محمد عبابنة‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫التّفكير األسلوبي‪ ،‬سامي ّ‬
‫‪2‬‬

‫شعب واالنسجاـ)‪ ،‬جماؿ بن دحماف‪ ،‬منشورات ‪ top édition‬الدار البيضاء‪،‬‬


‫شعري (التّ ّ‬
‫األنساؽ ال ّذىنية في الخطاب ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫ط‪2009(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.154‬‬
‫محمد عبابنة‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫ينظر‪ :‬التّفكير األسلوبي‪ ،‬سامي ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ 5‬عالم الفكر‪ " ،‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة"‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪75‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اؼبتغريات الشكلية‬
‫ومظاىر التّشكيل اعبمإب للحروؼ دبا ىي َك ٌم فيزيقي يُدرؾ بالبصر‪ ،‬ومن ّ‬
‫مايلي‪:‬‬
‫الشطرين)‪.‬‬
‫الشعر من النّثر (نظاـ البيت و ّ‬
‫التّشكيبلت اليت سبيّز ّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫اغبر])‪.‬‬
‫الشعر ّ‬
‫الشعر العمودي‪ّ ،‬‬
‫الصفحة‪ّ [،‬‬
‫ب‪ -‬توزيع األبيات (األسطر على ّ‬
‫الصفحة‪.‬‬
‫ج‪ -‬نظاـ الفراغات على ّ‬
‫فنوف البديع القائمة على التّصحيف والتّحريف‪.‬‬ ‫د‪-‬‬

‫ىػ‪ -‬طوؿ الكلمة (باعتبار عدد اغبروؼ)‪.‬‬


‫و‪ -‬طوؿ اعبملة (باعتبار عدد الكلمات)‪.‬‬
‫الرتقيم أو الوقف‪.‬‬
‫عبلمات ّ‬ ‫ز‪-‬‬
‫الصوتية‪:‬‬
‫اؼبتغريات ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫أ‪ -‬أنواع اؼبقاطع (اؼبفتوحة‪ /‬اؼبغلقة)‪.‬‬
‫ب‪ -‬التّشاكل اؼبقطعي‪.‬‬
‫ج‪ -‬الكلمات اؼبوحية‪.‬‬
‫أنساؽ نرب الكلمات (أشكاؿ الوزف العروضي)‪.‬‬ ‫د‪-‬‬
‫السجع‪ -‬اعبناس‪.‬‬
‫ىػ‪ّ -‬‬
‫نظاـ القافية‪.‬‬ ‫و‪-‬‬
‫تشاكل البدايات‪.‬‬ ‫ز‪-‬‬
‫ح‪ -‬حسن الوقع لؤلصوات‪.‬‬
‫الصوائت‪.‬‬
‫الصوامت و ّ‬
‫ط‪ -‬انسجاـ وسباثل ّ‬
‫الصرفية‪:‬‬
‫اؼبتغريات ّ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫أقساـ الكبلـ(اسم‪ ،‬فعل‪ ،‬صفة‪ ،‬ظرؼ)‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫الصرفية (األفعاؿ‪ ،‬اعبموع‪ ،‬اؼبصادر‪ ،‬اؼبشت ّقات)‪.‬‬
‫الصيغ ّ‬
‫ب‪ّ -‬‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الصيغ‪.‬‬
‫ج‪ -‬مبتكرات ّ‬
‫الرتكيبية‪:‬‬
‫اؼبتغريات ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫أ‪ -‬اؼبرّكبات النّحوية‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنواع اعبمل (اظبية‪ ،‬فعلية‪ ،‬بسيطة‪ ،‬مع ّقدة‪ ،‬إنشائية‪ ،‬خربية)‪.‬‬
‫ج‪ -‬صبيع مباحث علم اؼبعاين ُب الببلغة العربية‪.‬‬
‫للصورة (تشبيو‪ ،‬استعارة‪ ،‬ؾباز‪.)...‬‬
‫الرتكييب ّ‬
‫د‪ -‬البعد ّ‬

‫لص ّحة النّحوية‪.‬‬


‫ىػ ‪ -‬ا ّ‬
‫اؼبتغريات ال ّداللية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫الوحدات اؼبعجمية‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫تنوع اؼبفردات (قديبة‪ ،‬دخيلة‪ ،‬حديثة)‪.‬‬
‫ب‪ّ -‬‬
‫ج‪ -‬الثّروة اللّفظية‪.‬‬
‫د‪ -‬طريقة توزيع اؼبفردات‪.‬‬
‫للصورة بأنواعها‪.‬‬
‫ىػ ‪ -‬البعد ال ّدالٕب ّ‬
‫البعد ال ّدالٕب للفنوف البديعية‪.‬‬ ‫ز‪-‬‬
‫اؼبتغريات ما فوؽ اعبملة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-6‬‬
‫طوؿ الفقرات وتوزيعها‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ص وانغبلقو‪.‬‬
‫ب‪ -‬انفتاح النّ ّ‬
‫الربط بني اعبمل‪.‬‬
‫ج‪ّ -‬‬
‫د ‪ -‬اؼبعلومات اؼبق ّدمة‪.‬‬
‫ىػ‪ -‬مع ّدؿ ورود اؼبعلومات‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اؼبتغريات غري ثابتة‪ ،‬إذ تتب ّدؿ وفقا للظّروؼ واؼبقتضيات ومن كاتب إٔب آخر‬
‫وتبقى ىذه ّ‬
‫ورّدبا عند الكاتب نفسو‪ .‬وقد أورد سعد مصلوح ؾبموعة من اؼببلحظات لدى استنتاجو ؽبذه‬
‫‪1‬‬
‫اؼبتغريات يبكن تلخيصها ُب اآلٌب‪:‬‬
‫ّ‬
‫وتأمل لعدد غري قليل من ال ّدراسات‪.‬‬
‫األوؿ‪ :‬أ ّف ىذه القائمة ىي ؿبصلة رصد ّ‬
‫ّ‬
‫الثّاين‪ :‬أ ّف ىذه القائمة ليست جامعة وال مانعة‪ ،‬فيمكن للمجتهد أف يضيف إليها أو ينقص‬
‫تأملو ُب النّصوص‪.‬‬
‫يؤديو إليو ّ‬
‫منها أو يُع ّدؿ من العبلقات بني وحداّتا دبا ّ‬
‫نص واحد أو ؾبموعة من‬
‫اؼبتغريات اؼبذكورة ُب ّ‬
‫الثّالث‪ :‬ال يبكن للمنشئ أف يستخدـ صبيع ّ‬
‫يتم بالتّمييز بني األساليب‪.‬‬
‫النّصوص‪ ،‬وإّمبا يتح ّقق التّشكيل األسلويب باختيار عدد منها ّ‬
‫تتم ُب نسيج متشابك مع ّقد على صبيع اؼبستويات‬‫الراّبػع‪:‬أ ّف التّشكيل األسلويب عملية مرّكبة ّ‬
‫الرتكيبية واؼبعجمية ُب ٍ‬
‫آف معاً‪.‬‬ ‫الصرفية و ّ‬
‫ّ‬ ‫الصوتية و ّ‬
‫ّ‬
‫اؼبتغريات ال ّداللية‬
‫وربتل ّ‬‫اػبامس‪ :‬أ ّف اؼبستويات اؼبذكورة تتفاوت ُب مدى طواعيتها للتّشكيل‪ّ ،‬‬
‫الصوتية فهي األكثر خضوعا لنظاـ‬ ‫الرتكيبية‪ّ ،‬أما ّ‬
‫الصرفية و ّ‬
‫اؼبتغريات ّ‬
‫قمة القابلية للتّشكيل‪ ،‬تليها ّ‬
‫ّ‬
‫الشاعر ُب التّشكيل األسلويب صعبة بالقياس إٔب غريه من اؼبنشئني‪ ،‬وُّا‬
‫مهمة ّ‬
‫اللّغة‪ ،‬ومن ىنا تبدو ّ‬
‫الشعرية‪.‬‬
‫الشعراء ُب قدراّتم ّ‬
‫يتفاوت ّ‬
‫متغريات أسلوبية معيّنة‪ ،‬ال ينفي إمكاف وقوع أبداؽبا أو‬
‫نص ما على ّ‬
‫السادس‪ :‬أ ّف القوؿ بقياـ ّ‬
‫ّ‬
‫ص نفسو‪ ،‬أو ُب غريه من نصوص اؼبنشئ الواحد‪ ،‬وإّمبا الفيصل ُب تقوًن‬
‫اؼبتغريات ُب النّ ّ‬
‫نقائضها من ّ‬
‫الشيوع وطرؽ التّوزيع‪.‬‬
‫دورىا ُب التّشكيل األسلويب ىو لدرجة ّ‬
‫الرتكيب‪ :‬ىي العوامل الثّبلثة اليت رب ّدد متضافرة التّشكيل‬ ‫السابع‪ :‬أ ّف االختيار والتّوزيع و ّ‬
‫ّ‬
‫ص اؼبعتاد‪.‬‬
‫ص‪ ،‬وُّا تتح ّقق مفارقة النّ ّ‬
‫النّهائي ألسلوب النّ ّ‬

‫‪1‬عالم الفكر‪ " ،‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة"‪ ،‬سعد مصلوح‪،‬ص (‪.)114-113‬‬
‫‪50‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ثانيا‪:‬ال ّتشكيل األسلوبي ومحاور الخطاب‬


‫وجهات‬‫األوؿ عددا ال بأس بو من التّعريفات لؤلسلوب من ـبتلف التّ ّ‬ ‫أحصينا ُب الفصل ّ‬
‫العربيّة والغربيّة‪ ،‬وقد رصد ويلي ساندرز ‪ُ willy sanders‬ب كتابو" نظرية األسلوب اللسانية"‬
‫كل‬
‫الزاوية اليت ينظر منها ّ‬
‫مرد التّع ّدد ُب التّعريفات يعود إٔب ّ‬
‫لعل ّ‬
‫شبانية وعشرين تعريفا لؤلسلوب‪ ،‬و ّ‬
‫الركائز الثبلث‬
‫باحث ُب دراستو لؤلسلوب‪ ،‬حيث ما من نظرية إالّ واعتمدت ُب أصوؽبا إحدى ّ‬
‫(اؼبخاطَب و ِ‬
‫اؼبخاطب واػبطاب) أو ثبلثتها متعاضدة متفاعلة‪.‬‬
‫موحدة‬
‫موجهة من اؼبنشئ إٔب اؼبتل ّقي تستخدـ فيها شفرة لغوية ّ‬
‫ص األديب ىو رسالة لغوية ّ‬
‫فالنّ ّ‬
‫الصرفية والنّحوية‬
‫الصوتية و ّ‬
‫بينهما ويقتضي ىذا أف يكوف كبلنبا على معرفة باألمباط والعبلقات ّ‬
‫تكوف نظاـ اللّغة‪.‬‬
‫وال ّداللية اليت ّ‬
‫ِ‬
‫المخئطب‪:‬‬ ‫‪ .1‬نظرية األسموب من زاوية‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب‪ /‬اؼبرسل وذلك بالتّوحيد بني اؼبنشئ‬ ‫يقوـ ىذا اؼبنظور ُب تعريف األسلوب بالنّظر إٔب‬
‫عن دخائلو ويضع اؼبس ّدي‬ ‫ومعربا‬
‫وأسلوبو حبيث يصبح ىذا األخري كاشفا عن مكنونات صاحبو ّ‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب ال ّدعامتني‬ ‫دعامة‬ ‫زاوية النّظر إٔب األسلوب من منشئو ُب اؼبق ّدمة حيث يقوؿ‪«:‬وتتق ّدـ‬
‫الرسالة اللّغويّة من‬
‫األخريني ُب النّشأة الوجودية وُب تارىبية األسلوب‪ّ ،‬أما ُب النّشأة اؼبطلقة فؤل ّف ّ‬
‫تصورا وخلقا وإبرازا للوجود‪ ،‬و ّأما من حيث زمنية التّاريخ فؤل ّف ربديد‬
‫حيث حدوثها تنبثق من منشئها ّ‬
‫اؼبخاطب مغرؽ ُب القدـ يتخطّى حواجز األسلوبية اؼبعاصرة إٔب ببلغة‬ ‫ِ‬ ‫األسلوب باعتماد عنصر‬
‫اليوناف ومن بعدىم »‪ ،1‬وتتجلّى ىذه النّظرية وفق ع ّدة مظاىر ىي‪:‬‬
‫القسم األ ّوؿ‪ :‬األسلوب ىو قواـ التّفكير عند صاحبو‪:‬‬
‫تتم بأسلوب مؤثّر يتأثّر لو‬
‫الشعرية ىي عملية تواصل ّ‬ ‫الصناعة ّ‬‫تنبّو حازـ القرطاجّن إٔب أ ّف ّ‬
‫الشاعر‬
‫للسامع من لفظ ّ‬ ‫الشاعر كما يتأثّر ؼبقصده فينقل ىذا األثر إٔب اؼبتل ّقي وىو أف «تتمثّل ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫‪53‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وتصورىا‪ ،‬أو‬
‫اؼبخيّل أو معانيو أو أسلوبو ونظامو‪ ،‬وتقوـ ُب خيالو صورة أو صور ينفعل لتخيّلها ّ‬
‫تصور شيء آخر ُّا‪ ،‬انفعاال إٔب غري رؤية إٔب جهة من االنبساط أو االنقباض»‪.1‬‬
‫ّ‬
‫تطرؽ إٔب نظرية األسلوب وعبلقتها باؼبنشئ؛ حيث يرى‬
‫ومفاد ىذه النّظرة أ ّف حازـ القرطاجّن ّ‬
‫السامع‬
‫الشاعر ألسلوبو فيتخيّلو ٍبّ يعكس األسلوب ىذا األثر فيتمثّل ّ‬
‫أ ّف شبة سلسلة تبدأ من تأثّر ّ‬
‫الشاعر ويعكس صورة‬
‫ذلك‪ ،‬وينبسط إٔب قبوؿ األشياء أو ينقبض عنها‪ .‬فيجسد األسلوب مقاصد ّ‬
‫السامع ويتأثّر ؼبقتضاىا كما يتأثّر ؼبعانيو‪.2‬‬
‫ألحاسيسو فيتمثلها ّ‬
‫عرب تعبريا كامبل عن‬
‫فاألسلوب على ىذا االعتبار‪ :‬الكاشف لنمط التفكري عند صاحبو‪ ،‬إذ يُ ٍّ‬
‫ويبني كيفية نظره إٔب األشياء وتفسريه ؽبا‪ ،‬وطبيعة‬
‫شخصيتو‪ ،‬ويعكس أفكاره وصفاتو اإلنسانية‪ّ ،‬‬
‫انفعاالتو فبّا يؤّكد ذاتية األسلوب‪.‬‬
‫وىذا اؼبنحى ىو وريث النّظريات الكبلسيكية ُب النّقد األديب‪ ،‬إذ ىو خبلصة نظرية بيفوف الذي‬
‫اَّسمة عبوىر األسلوب‪ ،‬فما األسلوب سوى ما نضفي على أفكارنا من‬
‫يرى«أ ّف اؼبعاين وحدىا ىي ّ‬
‫نسق وحركة»‪ ،3‬ويؤّكد ىذا اؼبنحى شوبنهاور ‌(‪8861 – 8788‬ـ)(‪ )Schopenhauer‬حينما يقوؿ عنو‬
‫أنّو «مظهر الفكر»‪.4‬‬
‫إ ّف ربديد ماىية األسلوب انطبلقا من فكر صاحبو ىو ما ارتكز عليو أفبلطوف أيضا‪ ،‬على‬
‫يتم ُب شكل‬ ‫الشكل‪ ،‬والتّعبري على الفكرة ّ‬
‫كل فكرة الب ّد أف تكوف كاملة ُب اؼبضموف و ّ‬
‫أساس أ ّف ّ‬
‫يسمى أسلوبا‪ ،‬وىكذا يكوف األسلوب صفة حتمية متميّزة‬‫يتم ُّا التّعبري ىي ما ّ‬
‫معني والطّريقة اليت ّ‬
‫ّ‬
‫يتم التّعبري عنو باألسلوب‪.5‬‬
‫للتّعبري‪ ،‬فبل يبكن أف يكوف للفكر وجود خارجي إذا ٓب ّ‬

‫‪1‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬حازـ القرطاجني‪ ،‬ص ‪.89‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬التفكير األسلوبي‪ ،‬سامي محمد عبابنة‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪2007( 1‬ـ)‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫األسلوبية و األسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عيّاشي‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ 5‬ينظر‪ :‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫عرب عنو نيوماف(‪ )Newman‬أيضا بقولو‪«:‬إ ّف األسلوب ىو التّفكري باللّغة»‪،1‬دبعىن‬ ‫وىو ما ّ‬


‫أ ّف األسلوب يرتبط ارتباطا وثيقا بأفكار اؼببدع وأ ّف األساليب زبتلف وتتع ّدد بتع ّدد اؼببدعني أيضا‪.‬‬
‫يبتلك اؼببدع اؼبقدرة على نقل أفكاره ُب أشكاؿ وطرؽ متنوعة‪ ،‬فاألسلوب إذف ظبة شخصية‬
‫لصاحبو تظهر طريقة تفكريه وموقفو ونظرتو إٔب األشياء وتفسريه ؽبا باتّباع خواص معيّنة ُب األداء‬
‫تتكرر‪.‬‬
‫اللّغوي فهو ظاىرة ال يبكن أف ّ‬
‫القسم الثّاني‪ :‬األسلوب ىو شخصية صاحبو‬
‫يعتمد اؼبظهر الثّاين من مظاىر ربديد ماىية األسلوب من زاوية منشئو على ربط األسلوب‬
‫بشخصية صاحبو إذ«ال يقتصر التناظر على تقريب صورة األسلوب من صور فكر باثّو‪ ،‬وإّمبا يغدو‬
‫األسلوب ىو ذاتو شخصية صاحبو وىو ح ّد من النّماذج زبتلط فيو تلقائية األسلوب وال ّذات اؼبفرزة‬
‫لو»‪.2‬‬
‫فاألسلوب انطبلقا من ىذه اؼبقولة ىو اؼبرآة اليت تعكس نفسية وشخصية اؼبؤلّف؛ حيث‬
‫يبكن االطّبلع على ظروفو اػبارجية وعبلقاتو مع ىذه الظّروؼ اليت تسهم ُب تش ّكل األسلوب بصورة‬
‫كالسعادة ال يبكن أف ىبطّئها أحد إذا صادفها ُب إنساف سعيد‬
‫غري مباشرة‪« ،‬فاألسلوب األديب ّ‬
‫يرتدد غبظة ُب إدراؾ ىذه اغبقيقة فيو‪ ،‬وأسلوب الكاتب‬
‫فاإلنساف عندما يقرأ لكاتب ذي أسلوب ال ّ‬
‫ىو صورتو موسومة ُب أحرؼ وكلمات»‪.3‬‬
‫السعيد الذي تعكس‬
‫فمبلمح األسلوب تتب ّدى من الوىلة األؤب شأّنا ُب ذلك شأف اإلنساف ّ‬
‫مبلؿبو سعادتو؛ إذ ىو مظهر الكاتب الذي يرتسم من خبلؿ األحرؼ والكلمات‪.‬‬
‫يتفرد بو‪ ،‬ويكوف داالّ‬
‫لكل إنساف ؿبصولو اللّغوي اػباص الّذي يصوغو ليش ّكل بو أسلوبا ّ‬
‫و ّ‬
‫الشخصية»‪ ،‬وإذا كانت ىذه الظّاىرة موجودة ُب‬
‫بالسمة ّ‬
‫عليو‪ ،‬إذ يقوؿ أفبلطوف‪«:‬األسلوب شبيو ّ‬
‫اغبديث العاـ للتّخاطب فهي تتجلّى أيضا ُب ؾباؿ األدب والكتابة فنجد الكاتب أو اؼبؤلّف يصوغ‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪ 2‬األسلوبية‪ ،‬بيرجيرو‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪ 3‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫أسلوبو بشكل فردي ينبئ عن ظباتو ومبلؿبو‪ ،‬حّت أنّو يبكن أف نعرفو بو كما نعرفو دببلمح وجهو‪،‬‬
‫اصو‪،‬وىذا يعّن‬‫وخاصية من خو ّ‬
‫ّ‬ ‫فغالبا ما تكوف ىناؾ خيارات أسلوبية سبثّل عبلمة ألسلوب منشئها‬
‫بكل بساطة –كما يقوؿ بري جريو‪ -‬أنّو « يبكن ألفكار اػبطاب وجوىره أف تُؤخذ من مؤلّفها‪ ،‬بينما‬
‫ّ‬
‫يتحوؿ وال أف يهدـ‪ ،‬وال أف‬
‫اصو‪ ،‬وال يبكن أف ّ‬
‫خاصية من خو ّ‬
‫الشكل الذي أعطاه ؽبا‪ ،‬فهو لو ّ‬
‫ّ‬
‫يقلّد»‪.1‬‬
‫الشائع «رابع‬
‫مرات» عوضا عن التّعبري ّ‬
‫للرافعي إيثارات فبيّزة مثل قولو‪« :‬آخر أربع ّ‬
‫فقد كاف ّ‬
‫خاصة من مثل قولو‪ّ «:‬أما قبل» نظريا للتّعبري« ّأما بعد»‪ ،‬وىذا يعّن‬ ‫مرة»‪ ،‬كما كانت لو ابتكارات ّ‬‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫وىًرا وَكيَانًا»‪.‬‬ ‫أ ّف«األسلوب ىو الكاتب نفسو خ ْلقا َ ِ‬
‫وج َ‬
‫وش ْخصيَةً َ‬ ‫َ‬
‫الشخصيات األدبية اؼبعروفة‬
‫وقد ال يعسر علينا ‪-‬ببعض اػبربة‪ -‬معرفة أسلوب شخصية من ّ‬
‫قديبا أو حديثا من خبلؿ فقرة نسمعها أو نقرأىا إف كانت للجاحظ أو للهمذاين أو لطو حسني‪،‬أو‬
‫اؼبنفلوطي ‪ ،‬فإذا خفيت علينا بعض معآب شخصية الع ّقاد‪ ،‬فإنّنا ندرؾ من كتاباتو طبيعة اعب ّد‬
‫الرتفيو‪ ،‬وإّمبا ليعلّم ويوقظ ويُقلق‪ ،‬وفهم‬
‫الصرامة‪ ،‬والعمق ُب التّفكري‪ ،‬فهو ال يكتب بغرض التّسلية و ّ‬
‫و ّ‬
‫أسلوبو يتطلّب الكثري من اعبهد والعناء‪.‬‬
‫يتسىن ؼبن كاف‬
‫وُب ىذا يقوؿ دي لوفر(‪«:)DeLouvre‬إ ّف األسلوب الفردي حقيقة دبا أنّو ّ‬
‫الشعر إف كانت لراسني أـ لكورناي‪ ،‬وأف يبيّز صفحة من النّثر‬
‫لو بعض اػبربة أف يبيّز عشرين بيتا من ّ‬
‫إف كانت لبلزاؾ أـ لستانداؿ »‪.3‬‬
‫كل‬
‫ومقومات أسلوبو‪ّ «:‬‬ ‫اػباصة للمؤلّف ّ‬
‫السمات ّ‬ ‫الشايب" إٔب تناظر معرُب بني ّ‬ ‫ووبيل "أضبد ّ‬
‫كونتها‬
‫إنساف ّأمة واحدة فيما يصلو باغبياة متأثّرا ومؤثّرا‪ ،‬ذلك ألنّو شخصية وحده فطرىا ا﵁ فبتازة‪ ،‬و ّ‬
‫خاصة وكانت ىي ىذا الفرد اؼبمتاز‪،‬‬‫مبلبسات بعينها‪ ،‬فاستقامت ذات طبيعة ؿبدودة‪ ،‬وخطّة ّ‬
‫يعرب عن شخصيتو تعبريا صادقا يصف ذبارُّا ونزعاتو ومزاجها وطريقة‬
‫ونتيجة ذلك أ ّف األديب حني ّ‬

‫‪ 1‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫نفسو‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪2‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.49‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اتّصاؽبا باغبياة ينتهي بو األمر إٔب أسلوب أديب فبتاز ُب طريقة التّفكري والتّصوير والتّعبري وىو‬
‫‪1‬‬
‫اؼبشتق من نفسو ىو‪ ،‬من عقلو وعواطفو وخيالو ولغتو»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األسلوب‬
‫وقدكشف النّقد القدًن عن عبلقة األسلوب بصاحبو ففي معرض حديث القاضي اعبرجاين‬
‫الشعراء يتح ّدث عن األسلوب الذي يتّصف بضيق ُب األلفاظ وتعقيد ُب الكبلـ‪ ،‬ووعورة ُب‬
‫عن ّ‬
‫وخلقا وأ ّف سبلمة األسلوب ورقّتو قد تنبئ عن رقّة صاحبو‬
‫اػبطاب فيُظهر جبلفة صاحبو ُخلقا َ‬
‫يتوعر منطق غريه‪ ،‬وإّمبا‬
‫فريؽ شعر أحدىم ويصلب شعر اآلخر ويسهل لفظ أحدىم و ّ‬ ‫وربضره « ّ‬
‫ّ‬
‫ذلك حبسب اختبلؼ الطّبائع‪ ،‬وتركيب اػبلق فإ ّف سبلمة اللّفظ تتّبع سبلمة الطّبع‪ ،‬ودماثة الكبلـ‬
‫بقدر دماثة اػبِلقة وأنت ذبد ذلك ظاىرا ُب أىل عصرؾ وأبناء زمانك ‪ ،‬وترى اعباُب اعبِلف منهم َكُّز‬
‫اػبطاب‪،‬حّت إنّك رّدبا وجدت ألفاظو ُب صوتو ونغمتو‪ ،‬وُب جرسو‬
‫ّ‬ ‫األلفاظ مع ّقد الكبلـ‪ ،‬وعر‬
‫وؽبجتو »‪.2‬‬
‫وقد ربط الباقبلين أيضا بني األسلوب وشخصية اؼبنشئ‪ ،‬وأشار إٔب التّمايز ُب األساليب‬
‫الشخصيات وإمكانية إدراؾ ىذا االختبلؼ وتعيني شخصية اؼبتكلّم من خبلؿ‬
‫واختبلفها باختبلؼ ّ‬
‫‪3‬‬
‫أسلوبو‪.‬‬
‫القسم الثّالث‪ :‬األسلوب ىو عبقرية صاحبو‪.‬‬
‫الصلة بني األسلوب وشخصية صاحبو إٔب مسار آخر أكثر‬ ‫وجو الّذي ناد بتوطيد ّ‬‫سار التّ ّ‬
‫عمقا‪ ،‬إذ طابق اؼبنظّروف بني األسلوب وعبقرية الكاتب‪ ،‬وربديد األسلوب وفق ىذا اؼبعيار يكوف كما‬
‫السبلـ اؼبس ّدي‪«:‬شرارة نوعية ال ينفذ إليها الفاحص إال بطريق اغبدس‪ ،‬وىو من أجل‬
‫يقوؿ عبد ّ‬
‫عرب عنو»‪ ،4‬وىو« اشتقاؽ األديب من األشياء ما يتبلءـ وعبقريتو »‪ ،5‬فاألسلوب‬
‫س وال يُ ّ‬
‫ذلك ُوب ّ‬
‫اليت تربز عبقرية اإلنساف وبراعتو فيما يكتب أو‬
‫يطلق على ما ندر ودؽ من خصائص اػبطاب ّ‬
‫شايب‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫األسلوب‪ ،‬أحمد ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬الوساطة بين المتنبّي وخصومو‪ ،‬تحقيق وشرح أو الفضل إبراىيم‪ ،‬وعلي محمد البجاوي‪ ،‬بيروت‪ ،‬منشورات المكتبة العصرية‪ ،‬ص (‪-17‬‬
‫‪.)18‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬إعجاز القرآف‪ ،‬الباقالني‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ 5‬نفسو‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫لعل أنبّها االختيار واالنتقاء ال ّدقيق للكلمات والعبارات‬


‫ؼبقومات ّ‬
‫يلفظ‪ ،‬وزبضع ال ّدقّة والندرة ّ‬
‫يفسر قوؿ دالمبري(‪«:)Dalamber‬يقاؿ ُب األسلوب أنّو أوصاؼ اػبطاب األكثر‬‫واؼبعاين‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫تسجل عبقرية أو موىبة الكاتب أو اؼبتكلّم‪ ،‬ويفهم‬
‫خصوصية‪ ،‬واألكثر صعوبة واألكثر ندرة‪ ،‬واليت ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصعوبة‬
‫فرد و ّ‬
‫ّ‬ ‫كالت‬
‫ّ‬ ‫خصائص‬ ‫فيو‬ ‫رت‬‫ف‬
‫ّ‬‫تو‬ ‫إذا‬ ‫من ىذا أ ّف األسلوب يبثّل عبقرية الكاتب أو اؼبتكلّم»‬
‫والنّدرة‪.‬‬
‫فرد ُب األسلوب «وُّذا صار األسلوب تعبريا عن‬
‫ويُضيف مؤّكدا على فكرة العبقرية والتّ ّ‬
‫عبقرية فردية‪ ،‬وٓب يعد تأقلما مع شكل مثإب‪ ،‬ولكن مع شكل عفوي للفكرة يكوف جوىريا ُب الفرد‬
‫كسلوكو أو كطبعو‪ ،‬ومثالنا ُب ذلك مثل زارع التّػ ّفاح‪ ،‬إ ّف أسلوبو يتجلّى ُب إنتاج التّػ ّفاح وليس ُب‬
‫تصنيعو أو ُب اختيار شكلو أو لونو ضمن تصنيفات ؾبّردة من أصناؼ الفواكو »‪.2‬‬
‫وُب ؾباؿ التّطابق بني األسلوب والعبقرية قبد ربليل النّشاط اإلبداعي الذي يعتمد على ثبلثة‬
‫أنواع من الوظائف النّفسية‪ ،‬واليت تقوـ بدورىا ُب عملية االبتكار‪:‬‬
‫اػباصة باإلدراؾ واؼبعرفة‪ ،‬وعلى أساسها يقوـ أي نشاط‬
‫ّ‬ ‫الوظيفة األؤب‪ :‬ؾبموعة الوظائف‬
‫الفن واألدب أو العلم‪.‬‬
‫ابتكاري ُب ّ‬
‫الوظيفة الثّانية‪ :‬ؾبموعة الوظائف اإلنتاجية‪ ،‬وىي اليت تدخل ُب غبظات اإلنتاج لدى العبقري‬
‫وتقوـ على عناصر ثبلثة‪:‬‬
‫بالراحة‪.‬‬
‫الشعور ّ‬
‫‪-1‬األصالة‪ :‬ومن فبيّزاّتا التّجديد‪ ،‬وىي تتوافق مع ّ‬
‫السرعة اليت تتيح للفرد اؼببدع استدعاء أكرب عدد من‬
‫السهولة أو ّ‬
‫‪ – 2‬الطّبلقة‪ :‬واؼبقصود ُّا ّ‬
‫األلفاظ أو األفكار أو التّخيّبلت‪.‬‬
‫‪ -3‬اؼبرونة‪ :‬القدرة على التّغري أماـ اؼبشكبلت‪.‬‬
‫الوظيفة الثّالثة‪ :‬وىي وظيفة التّقوًن‪ ،‬وتساعد على تقوًن األشياء ‪.‬‬

‫‪1‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫‪2‬السابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ِ‬
‫اؼبخاطب بأنّو‪ :‬البصمة‬ ‫والتّسليم دببدأ التّطابق بني األسلوبية والعبقرية هبعلنا قبمل تعريفو باعتبار‬
‫اؼبميّزة الفردية للمبدع‪ ،‬واليت تعكس فكره وشخصيتو ومشاعره وصفاتو‪.‬‬
‫لكن إذا كاف اإلبداع اؼبخالف للمألوؼ اللّغوي من صنع عبقرية اؼبنشئ فبلبد أنّو خارج عن‬
‫تعرب‬
‫ومرد ذلك إٔب العبقرية اليت سبثّل نوعا من البلّعقبلنية‪ ،‬واليت ّ‬
‫إرادتو واختياره‪ ،‬فهو مدفوع إليو دفعا ّ‬
‫الشيء من ذباوز اؼبعقوالت‪ ،‬ونتيجة لذلك ال يكوف التّعبري‬ ‫عن مبط غري عادي من التّفكري يبدو فيو ّ‬
‫عن ىذه العبقرية إالّ دبا ىو غري معتاد أو منتظر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الصلة الوثيقة بني األسلوب وصاحبو من منطلقني واضحني نبا‪:‬‬
‫ويقودنا ىذا إٔب التّأكيد على ّ‬
‫اؼبعرفة اإلدراكية‪ :‬واليت سبثّل طبيعة األسلوب ذاتو‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يتجسد ُب صياغة األلفاظ والعبارات‬
‫ّ‬ ‫الفّن‪ ،‬والذي‬
‫شخصية اؼببدع‪ :‬وسبيّزىا ُب األداء ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫والفقرات والنّصوص‪.‬‬

‫وإذا كاف األسلوب يعكس شخصية اؼبنشئ وفكره ويكشف عن انفعاالتو وخباياه‪ ،‬حبيث‬
‫للشخصيّة وبالتّإب ينحو إٔب التّعبري عن اؼبواقف النّفسية لدى اؼبتكلّم‪ ،‬فإ ّف شبّة‬
‫يصبح صورة صادقة ّ‬
‫‪2‬‬
‫اعرتاضات واجهت ىذا اؼبفهوـ يلخصها فتح ا﵁ أضبد سليماف ُب النّقاط التّالية‪.‬‬
‫أ ّف التّحليل األسلويب قد يُسبق بتحليبلت عقائدية ونفسية وفكرية وفلسفية‬ ‫‪-1‬‬
‫وٕب أعناؽ‬ ‫ِ‬
‫الزائف ّ‬
‫للمخاطب‪ٍ ،‬بّ تأٌب التّحليبلت األسلوبية عن طريق اإلثبات ّ‬
‫النّصوص والعبارات‪ ،‬كي تثبت ما سبق استخبلصو من نتائج‪.‬‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب وعقيدتو؛إذ‬ ‫يعرب‪ُ-‬ب بعض األحياف‪ -‬تعبريا دقيقا عن نفسية‬
‫أ ّف األسلوب ال ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫يلجأ إٔب إخفاء مشاعره وأفكاره اؼبذىبية خوفا أو ىربا أو رياء‪ ،‬فبل ينطبق ما يدور ُب‬
‫خلده على ما ينطق بو لذلك قيل«إّمبا يتكلّم اإلنساف ليخفي ما يدور ُب ذىنو وما‬

‫‪ 1‬األسلوبية‪ ،‬مدخل نظري ودراسة تطبيقية‪ ،‬فتح اهلل أحمد سليماف‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط(‪2004‬ـ)‪ ،‬ص (‪.)15-14‬‬
‫‪ 2‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫زبتلج بو خواطره»‪ ،1‬كافرتاض صلة ضرورية بني صنعات أسلوبية معينة ‪،‬وحاالت معيّنة‬
‫للعقل قد تظهر أمرا ونبيا‪.‬‬
‫خاصة بصاحبو‬
‫كل أسلوب دالالت نفسية وفكرية وعقائدية ّ‬ ‫ليس ضروريا أف وبمل ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫فّن فقط‪.‬‬
‫فقد ىبلو من أي مضامني‪ ،‬ويستلزـ األمر التّعامل مع األسلوب دبعيار ّ‬

‫‪ .2‬نظرية األسموب من زاوية المتمقّي‪:‬‬


‫تقوـ ىذه النّظريّة على كوف اػبطاب مهما كاف أدبيّا أو عاديا‪ ،‬فبلبد من أف يكوف لو مسار‬
‫ِ‬
‫فاؼبخاطب ال يكتب لذاتو وإّمبا يكتب لقارئ أو ىباطب سامعاً‪،‬فاؼبنشئ‬ ‫كبو شخص يتل ّقفو ويفهمو‪،‬‬
‫موجها ؽبا‪ ،‬إذف فحضور اؼبتقبّل أواؼبرسل‬
‫يعرب عن ذاتو وال يكتب ؽبا‪ ،‬فإنشاؤه نابع من نفسو وليس ّ‬
‫ّ‬
‫إليو ُب عملية اإلببلغ ضرورة حتمية تستند إٔب التجربة وبالتّإب فاؼبتكلّم يكيّف صيغة خطابو دبا‬
‫تظل ماثلة‬
‫لكل مقاـ مقاؿ‪ ،‬وىباطب اإلنساف دبا يبلئمو‪ ،‬أي أ ّف صورة اؼبتل ّقي ّ‬
‫يبلءـ اؼبتل ّقي«فيجعل ّ‬
‫‪2‬‬
‫أماـ اؼبرسل‪ ،‬سواء كاف موجودا بالفعل أو ُب ال ّذىن»‪.‬‬
‫تتم مع مراعاة اإلحساس اللّغوي‬
‫ووفق ىذه النّظرية فإ ّف ربديد مفهوـ األسلوب ّ‬
‫للمتل ّقي‪،‬لذلك يكوف اؼببدع إذا ما حاوؿ الكتابة معنيا بأمرين‪:3‬‬
‫عما ذبود بو قرائحو وإظهار‬ ‫األوؿ‪ :‬أنّو يريد الكشف عن إحساساتو وانفعاالتو‪ ،‬والتّعبري ّ‬ ‫ّ‬
‫الشكل األديب اؼببلئم‪ ،‬فتصبح عملية التّعبري دبثابة استبطاف لل ّذات اؼبنشئة‪.‬‬
‫مشاعره ُب ّ‬
‫وبس دبا يبدعو ولن يشعر بو إالّ بوجود‬
‫الثّاين‪ :‬أف يدرؾ أ ّف ىناؾ متل ّقيا ؼبا يكتب‪ ،‬فاؼبنشئ لن ّ‬
‫متلق‪ ،‬وبغري اؼبستقبل يصبح الكاتب كمن ُوبادث نفسو‪.‬‬
‫ّ‬
‫إذف فطبيعة اؼبتلقي حاضرة حضورا بيّنا ُب العملية اإلبداعية‪ ،‬إذ أ ّف تأقلم اؼببدع مع من يكتب‬
‫ؽبم أو مع من ىباطبهم ىو تأقلّم عفوي ال يصحبو الوعي اؼبدرؾ‪ ،‬وعلى ىذا تراه ال يتح ّدث مع‬
‫طفل مثلما يتح ّدث مع شخص بالغ‪ ،‬أو مع شخص مث ّقف مثل حديثو مع شخص جاىل‪ ،‬كما أ ّف‬

‫‪ 1‬داللة األلفاظ‪ ،‬إبراىيم أنيس‪ ،‬االنجلو المصرية‪ ،‬ط‪1991( 6‬ـ)‪،‬ص (‪.)11-10‬‬


‫‪2‬األسلوبية‪ ،‬مدخل نظري ودراسة تطبيقية‪ ،‬فتح اهلل احمد سليماف‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫لكل مكاف‬
‫لكل زماف حديث‪ ،‬كما أنّو ّ‬
‫التّسلسل ُب طرؽ التّعبري ؿبكوـ بإطار االتّصاؿ نفسو؛ حيث ّ‬
‫حديث‪ ،‬فاػبطبة األكاديبية‪ ،‬ليست كخطبة االجتماع العاـ‪ .‬على اعتبار أنّو ضغط ُمسلّط‪.‬‬
‫وبذلك ًبّ ربديد ماىية األسلوب من قبل اؼبنظّرين وا﵀لّلني‪ ،‬فاعتربوه ضغطا مسلّطا على‬
‫الضاغطة على ما يزيل عن اؼبتقبّل حريّة‬
‫اؼبتقبّل؛حبيث ال يُلقى اػبطاب إالّ وقد ّتيّأ فيو من العناصر ّ‬
‫الزاوية ىو‪َ «:‬حكم القيادة ُب مركب اإلببلغ ألنو‬
‫ردود الفعل‪ ،‬وُّذا يكوف األسلوب من منظور ىذه ّ‬
‫‪1‬‬
‫السامع ثوب رسالتو ُب ؿبتواىا من خبلؿ صياغتها»‪.‬‬
‫ذبسيد لعزيبة اؼبتكلّم ُب أف يَكْسو ّ‬
‫فالتّأثري الذي يثريه األسلوب من خبلؿ أشكاؿ التّناسب والتّقابل ىبلق ُب نفس اؼبتل ّقي‬
‫ص فقط‪ ،‬ولكنّها القارئ‬
‫بالرضى ؼبا يقرأه أو يسمعو إذ «الظّاىرة األدبية ليست ىي النّ ّ‬
‫ارتياحا وشعورا ّ‬
‫ص»‪.2‬‬
‫أيضا باإلضافة إٔب ؾبموع ردود فعلو إزاء النّ ّ‬
‫اؼبهمة االنفعالية لؤلسلوب قب ّدىا بصياغات ـبتلفة ُب نقدنا القدًن‪ ،‬حيث يرى أبو‬
‫وىذه ّ‬
‫اؼبوجو ال ّدقيق وأ ّف اؼبنفعة ربدث مع مراعاة األحواؿ‬
‫ىبلؿ العسكري أ ّف الفهم يأنس من الكبلـ ّ‬
‫واؼبقامات « وينبغي أف تعرؼ أقدار اؼبعاين‪ ،‬فتوازف بينها وبني أوزاف اؼبستمعني وبني أقدار اغباالت‪،‬‬
‫تقسم أقدار اؼبعاين على أقدار اغباالت‪ ،‬وأقدار‬
‫كل حاؿ مقاما‪ ،‬حّت ّ‬ ‫لكل طبقة كبلما‪ ،‬و ّ‬
‫فتجعل ّ‬
‫لكل مقاـ من اؼبقاؿ‪،‬‬
‫اؼبستمعني على أقدار اغباالت‪ ،‬واعلم أ ّف اؼبنفعة مع موافقة اغباؿ‪ ،‬وما هبب ّ‬
‫فإف كنت متكلّما‪ ،‬أو احتجت إٔب عمل خطبة لبعض من تصلح لو اػبطب أوقصيدة لبعض ما يراد‬
‫العَرض والكوف والتّأليف واعبوىر‪ ،‬فإ ّف ذلك ُىجنة‬
‫ط ألفاظ اؼبتكلّمني‪ ،‬مثل اعبسم و َ‬
‫لو القصيد‪ ،‬فتَ َخ ّ‬
‫»‪.3‬‬
‫‪ -‬وقواـ ىذا إغباح أيب ىبلؿ العسكري على معرفة منزلة اؼبعاين وتقديرىا حبيث رب ّقق االنسجاـ‬
‫والتّناسب الذي يتوازف مع اؼبستمعني ؽبا مع مراعاة اغباالت واؼبقامات ُب ذلك‪ ،‬فعملية‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.64‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬محاضرات في األسلوبية‪ ،‬محمد بن يحيى‪ ،‬مطبعة مزوار‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2010(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫شعر)‪ ،‬أبي ىالؿ العسكري‪ ،‬تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراىيم‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫كتاب الصناعتين(الكتابة وال ّ‬
‫‪3‬‬

‫ط‪2006( 1‬ـ)‪،‬ص‪.125‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ص لعقلية ونفسية‬
‫اؼبطابقة اليت هبب أف يكوف عليها الكبلـ مع مقتضى اغباؿ تعّن مطابقة النّ ّ‬
‫السامعني‪.‬‬
‫القارئني أو ّ‬
‫وتقوـ ىذه العملية وفق مقولة العسكري على األساس اآلٌب‪:‬‬
‫أقدار اؼبستمعني‬ ‫أقدار اؼبعػاين‬ ‫أقدار الكبلـ‬
‫‪ 2‬ػ ػ ػ ػ ‪ 3.‬ػ ػ ػ ػ‬ ‫‪1‬ػػػػ ‪.‬‬
‫أقدار اغبػاالت‬ ‫أقدار اؼبقامات‬ ‫أقدار اؼبعاين‬

‫السياؽ يروي أنّو‬


‫وبتحقيقها تصل العملية التّواصلية إٔب أعلى درجاّتا من اإلهبابية ‪،‬وُب ىذا ّ‬
‫الشعراء غبضرتو‬
‫ؼبا فرغ اؼبعتصم من بناء قصره‪ ،‬جلس فيو‪ ،‬وصبع النّاس من أىلو‪ ،‬وأصحابو ودعا ّ‬
‫الشاعر ّأوؿ اؼبنشدين‪:‬‬
‫فقاؿ إسحاؽ بن إبراىيم ّ‬
‫يا لَْيت ِشعري َما ال ِذي أبْالَؾ‪.‬‬ ‫فم َحاؾ‬ ‫ِ ِ‬
‫يَا داَ ُر غَيػ َرؾ البلَى َ‬
‫تطري من ىذا‬
‫الشعراء ُب اعباىلية‪ ،‬إال أ ّف اػبليفة قد ّ‬
‫فهو وإف سار ُب ىذا البيت على عادة ّ‬
‫السامعني‪.‬‬
‫وتطري النّاس أيضا من قولو وانقبضت صدور ّ‬‫اإلنشاد ّ‬
‫الرّمة أيضا عندما أنشد ُب حضرة عبد اؼبلك بن‬ ‫وُب مراعاة أقدار اغباالت ما يروى عن ذي ّ‬
‫مرواف قولو‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫كأنّو من ُكلى َم ْفرية َس ِرب‬ ‫سكب‬‫ما باؿ َعينك م ْنها الماء يػ ْن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬

‫فتوىم أنّو خاطبو فقاؿ لو بلغة زاجرة وما سؤالك‬


‫وكانت بعني اؼبلك ريشة‪،‬وىي تدمع أبدا‪ّ ،‬‬
‫عن ىذا يا جاىل؟‬
‫ص األديب بأسلوب قادر على ربقيق ىذا التّناسب واالنسجاـ‬
‫فبلبد واغباؿ ىذه أف يق ّدـ النّ ّ‬
‫ص‪.‬‬
‫بصفتو النّظاـ الذي زبضع لو لغة النّ ّ‬
‫الشاعر‬
‫ّأما ابن طباطبا فيدعو إٔب التّلطيف ُب تناوؿ اؼبعاين«والتّلطيف عمل أسلويب يقوـ بو ّ‬
‫ص »‪.2‬‬ ‫السامع وقبولو للنّ ّ‬
‫ألسلبة اؼبعاين وتقديبها‪ ،‬فيح ّقق من خبلؿ ذلك استحساف ّ‬

‫‪1‬ديواف ذي الرمة ‪،‬شرح عبد الرحمن المصطاوي‪،‬دار المعرفة بيروت ‪،‬ط‪2006(1‬ـ)‪،‬ص‪.11‬‬


‫‪ 2‬التّفكير األسلوبي‪ ،‬سامي محمد عبابنة‪ ،‬ص‪.253‬‬
‫‪90‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الع ّي ُم َق ّوًما‬
‫ويقوؿ عن ذلك أيضا «إذا كاف الكبلـ الوارد على الفهم منظوما مص ّفى من َك َدر َ‬
‫الصواب‪ ،‬لفظا ومعىن وتركيبا‪ ،‬اتّسعت‬ ‫من أ ََود اػبطأ أو اللّحن‪ ،‬ساؼبا من َحور التّأليف‪ ،‬موزونا دبيزاف ّ‬
‫طرقو‪ ،‬ولطفت مواعبو فقبلو الفهم وارتاح لو وأنس بو »‪.1‬‬
‫وقد ربط أبو بكر الباقبلين بني األسلوب واؼبتل ّقي‪ ،‬حيث أشار إٔب أنبّية الرباعة الفنّية ُب‬
‫انتقاء األلفاظ والعبارات وصياغتها واستخدامها لتصوير اؼبعاين واألفكار بشكل يش ّد القارئ ويثري‬
‫إعجابو إذ يقوؿ ُب ىذا اؼبعىن ‪«:‬موافقة األلفاظ البديعة بعضها بعضا ُب اللّطف والرباعة‪ ،‬وذلك أنّو‬
‫زبري‬
‫زبري األلفاظ للمعاين اؼبتداولة اؼبألوفة واألسباب ال ّدائرة بني النّاس‪ ،‬أسهل وأقرب من ّ‬ ‫قد علم أ ّف ّ‬
‫األلفاظ ؼبعاف مبتكرة وأسباب مؤسسة مستحدثة‪ ،‬فإذا برع اللّفظ ُب اؼبعىن البارع كاف ألطف وأعجب‬
‫اؼبتكرر »‪.2‬‬
‫من أف يوجد اللّفظ البارع ُب اؼبعىن اؼبتداوؿ ّ‬
‫يتبني فضلو ورجحاف فصاحتو بأف تُذكر منو الكلمة ُب تضاعيف‬ ‫ٍبّ يقوؿ‪ «:‬ىو أ ّف الكبلـ ّ‬
‫وتتشوؽ إليها النّفوس‪ ،‬ويرى وجو رونقها باديا‬ ‫ّ‬ ‫كبلـ‪ ،‬أو تُقذؼ ما بني شعر‪ ،‬فتأخذىا األظباع‬
‫‪3‬‬
‫غامرا سائر ما تقرف بو كال ّد ّرة اليت ترى ُب سلك من خرز وكالياقوتة ُب واسطة العقد »‪.‬‬
‫وُّذا تتح ّدد ماىية األسلوب من زاوية اؼبتل ّقي إٔب صبلة من العناصر اؼبرّكبة أبرزىا فكرة التأثري‬
‫تتفرع عنها ببلغة اإلقناع« باعتبارىا شحنة‬ ‫السابقة‪ ،‬وىي الفكرة اليت ّ‬‫اليت أشرنا إليها من خبلؿ اآلراء ّ‬
‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫اؼبخاطب ضبل ـباطبو على التّسليم دبدلوؿ رسالتو»‪.‬‬ ‫منطقية وباوؿ فيها‬
‫ويتعلّق ُّذا اؼبفهوـ أيضا ببلغة اإلمتاع « باعتبارىا سعيا حثيثا كبو جعل الكبلـ قناة تعربه‬
‫وربل ؿبلّو نفحات‬ ‫اؼبواصفات التّعاطفية‪ ،‬فتضيء عندئذ اعبدوؿ اؼبنطقي العقبلين ُب اػبطاب‪ّ ،‬‬
‫االرتياح الوجداين وتستقطب أخريا فكرة اإلثارة »‪.5‬‬
‫وقد ًبّ التّمييز بني الببلغتني على أساس « ـباطبة األؤب للعقل عن طريق الربىنة واغبجاج‬
‫وـباطبة األخرى للعاطفة عن طريق صباؿ العبارة ورقّة األسلوب»‪6.‬وُب ىذا اؼبعىن أيضا قبد بري جريو‬

‫الرياض‪1985( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.09‬‬


‫شعر‪ ،‬محمد بن طباطبا العلوي تحقيق‪ ،‬محمد عبد العزيز بن ناصر المانع‪ ،‬دار العلوـ‪ّ ،‬‬
‫عيار ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬إعجاز القرآف‪ ،‬محمد بن الطّيب الباقالني‪ ،‬ص‪.63‬‬


‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ 5‬نفسو‪ ،‬ص ‪.65‬‬


‫‪ 6‬اللّغة والخطاب‪ ،‬عمر أوكاف‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪93‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫يعترب أ ّف «األسلوب ؾبموعة ألواف يُصبغ ُّا اػبطاب ليصل بفضلها إٔب إقناع اآلخر وإمتاعو وش ّد‬
‫انتباىو وإثارة خيالو»‪.1‬‬
‫تتم اؼبزاوجة بني اعبانب اإلقناعي واعبانب االمتاعي دبّا يولّد عملية اإلثارة‪ ،‬وقد بدا‬ ‫وُّذا ّ‬
‫ريفاتري مهموما باستجابات القارئ اؼبتصاعدة‪ ،‬حيث انشغل دبا يستدعي اىتماـ اؼبتل ّقي ُب أكثر‬
‫صوره إثارة إذ « ال ّدراسة األسلوبية ُب نظر ريفاتري ىي دراسة األدوات األسلوبية‪ ،‬اليت يبكن تعريفها‬
‫مهم‪،‬‬
‫ص اليت ربوؿ بني القارئ وبني االستدالؿ أو التّنبّؤ بأي ملمح ّ‬ ‫على ّأّنا تلك اآلليات داخل النّ ّ‬
‫ص ُب حني يقتضي عدـ القدرة على التّنبّؤ أف يرّكز‬ ‫أل ّف إمكانية التّنبّؤ قد تسفر عن قراءة سطحية للنّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص ىو من تَػ َفتَح وعيو‬ ‫الرسالة» ‪.‬فقارئ النّ ّ‬ ‫ص وتتوافق كثافة التّل ّقي مع كثافة ّ‬
‫القارئ اىتمامو على النّ ّ‬
‫للمدرؾ اؼبتاح ليعيد تشكيلو دبا أمكن وىذا موقف ال يشرتط القراءة والكتابة بقدر ما يشرتط الدراية‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫واليقظة ‪.‬‬
‫فيحث‬
‫ّ‬ ‫ص نظرة ريفاتري للتّأثريات ُب اؼبتل ّقي حيث وب ّدد أثر الكبلـ ُب اؼبتقبّل‪،‬‬‫ويشرح ىذا النّ ّ‬
‫الزخارؼ والتّحسينات ‪،‬واليت ربوؿ دوف فهم‬ ‫بشكل خاص على دراسة األدوات األسلوبية اؼبتمثّلة ُب ّ‬
‫تتضمنو من دالالت‪ .‬وُّذا يكوف‬ ‫الرسالة فيو وبني ما ّ‬ ‫ص فهما عميقا هبعلو يوازي بني أثر ّ‬ ‫القارئ للنّ ّ‬
‫اغبديث عن األسلوب ‪ -‬من وجهة نظر ريفاتري ‪ -‬من زاوية اؼبتل ّقي ىو «دبثابة اغبديث عن غبظات‬
‫ُب خربة القراءة ‪،‬حيث ًبّ تشويش االىتماـ ألف توقّعا قد خاب بظهور عنصر غري متنبأ بو»‪،4‬و ىذا‬
‫السياؽ األسلويب»‬ ‫ضرب من اغبديث يتّصل بنظرية االكبراؼ أو االنزياح وىو ما قصد بو ريفاتري« ّ‬
‫يتم ربطيمو فجأة بعنصر ٓب يكن ُب اغبسباف‪ّ ،‬أما‬ ‫السياؽ األسلويب ىو مبوذج لساين ّ‬ ‫حني يقوؿ‪ّ « :‬‬
‫يفسر على أنّو‬ ‫مزؽ اؼبفاجئ هبب أالّ ّ‬ ‫التّناقض النّاتج عن ىذا التّداخل فهو ا﵀ ّفز األسلويب إف ىذا التّ ّ‬
‫‪5‬‬
‫عنصر تفكيكي»‪.‬‬
‫وعلى ىذا األساس نادى ريفاتري باالعتماد على األحكاـ اليت يبديها القارئ ‪ ،‬باعتباره ُـبِربا‬
‫ص‪،‬‬ ‫ومصدرا للتّحليل األسلويب‪ ،‬انطبلقا من االستجابات اليت نتجت من منبّهات كامنة ُب صلب النّ ّ‬

‫‪ 1‬األسلوبية‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫ص‪ ،‬فنش ستيوارت‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫األسلوبية وتحليل النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬مجلة عالمات في النّقد‪" ،‬االستلهاـ مفهومو وضوابطو وحدوده"‪ ،‬أشرؼ فوزي صالح‪ ،‬ص‪.298‬‬
‫‪ 4‬نفسو ‪ ،‬ص‪.298‬‬
‫ص‪ ،‬فنش ستيوارت‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫األسلوبية وتحليل النّ ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الزاوية‪ «:‬إنّو إبراز عناصر سلسلة الكبلـ ‪،‬وضبل القارئ على‬ ‫إذ يقوؿ ُب تعريفو لؤلسلوب من ىذه ّ‬
‫خاصة »‪.1‬‬
‫ص‪ ،‬وإذا حلّلها وجد ؽبا دالالت سبييزية ّ‬ ‫شوه النّ ّ‬
‫االنتباه إليها ‪،‬حبيث إذا غفل عنها ّ‬
‫ص‪ ،‬ومعايشة ذبربتو‬ ‫ويضاؼ إٔب صميم ىذه الفكرة من اعبانب التّأثريي تفاعل القارئ مع النّ ّ‬
‫ص‬‫بكل ما انبثق عن النّ ّ‬‫دبا وبويو من أفكار وانفعاالت ومواقف و ّاذباىات‪ ،‬وُّذا ينفتح ذىنو ّ‬
‫هبسد فكرة التّواصل بني األنا واألنت من خبلؿ‬ ‫فيحاوؿ أف يبلورىا وفق فهمو وإحساسو‪ ،‬فهو ما ّ‬
‫الوسيط اللّغوي‪ ،‬وُب ىذا اؼبعىن يقوؿ فلوبري()‪ُGustave flaubert‬ب تعريفو لؤلسلوب من أنّو‪:‬‬
‫ووبُُّز متقبّلها»‪.2‬‬
‫«سهم يُرافق الفكرة َ‬
‫اؼبتذوؽ‬
‫ص‪ ،‬فإ ّف القارئ ّ‬ ‫الشاعر خالقا للنّ ّ‬
‫السياؽ نفسو يقوؿ حسن صبعة‪«:‬وإذا كاف ّ‬ ‫وُب ّ‬
‫ويعمقها ُب نفوس األجياؿ دوف اف‬ ‫مرة فينتهي منو إٔب ما يُغّن تلك التّجربة‪ّ ،‬‬ ‫مرة بعد ّ‬ ‫اؼبرىف يتل ّقاه ّ‬
‫‪3‬‬
‫يشوه صورّتا اغبقيقية»‪.‬‬
‫ّ‬
‫يضمن خطابو عناصر لغوية من شأّنا‬ ‫ِ‬
‫فاؼبخاطَب موجود ُب اػبطاب وىو ما هبعل اؼبخاطب ّ‬
‫الشحن ُب اػبطاب ومدى قباعتها‬ ‫يلح الكثري من األسلوبيني على مبدأ طاقة ّ‬ ‫أف تؤثّر فيو‪ ،‬لذا ّ‬
‫يفسر قوؿ أحد الباحثني وىو يتح ّدث‬ ‫وفاعليتها ُب إصابة مكامن اغبساسية لدى القارئ‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫عن مبدأ اإليصاؿ اػبارجي ُب تعريف األسلوب فيقوؿ‪« :‬اللّغة بناء مفروض على األديب من اػبارج‬
‫واألسلوب ؾبموعة من اإلمكانيات رب ّققها اللّغة‪ ،‬ويستغّل أكرب قدر فبكن منها الكاتب النّاجح أو‬
‫السبل‬
‫يهمو تأدية اؼبعىن فحسب‪ ،‬بل يَبغي إيصاؿ اؼبعىن بأوضح ّ‬ ‫صانع اعبماؿ اؼباىر‪ ،‬الذي ال ّ‬
‫‪4‬‬
‫وأحسنها وأصبلها‪ ،‬وإذا ٓب يتح ّقق ىذا األمر فشل الكاتب وانعدـ معو األسلوب»‪.‬‬
‫وُّذا يصبح أساس تعريف األسلوب ىو« مقياس اؼبفاجأة تبعاً لردود الفعل‪ ،‬ومعدف اؼبفاجأة‬
‫نص اػبطاب»‪ ،5‬وىذا‬ ‫ومولدىا ىو اصطداـ القارئ بتتابع صبلة اؼبوافقات جبملة اؼبفارقات ُب ّ‬
‫يكشف أثر األسلوب األديب على النّفوس وقدرتو على ضبلها على فعل وانفعاؿ من خبلؿ ما وب ّققو‬
‫من انسجاـ ومبلءمة ُب النّفس اإلنسانية‪ ،‬وىو ما أشار إليو عبد القاىر اعبرجاين ُب حديثو عن‬
‫الشاعر متلقيو‪ ،‬وُب ما ىبيّل إليو‬
‫فجؤ بو ّ‬
‫الصنعة وأثرىا على اؼبتل ّقي إذ يقوؿ‪«:‬وىو أثر يتجلّى فيما يَ ُ‬ ‫ّ‬

‫‪1‬السابق‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫‪2‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪،‬ص‪.237‬‬
‫‪3‬المسبار في النّقد والبالغة‪ ،‬حسن جمعة‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب العرب‪ ،‬دمشق‪2003( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪4‬األلسنية العربية‪ ،‬ريموف طحاف‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1972( 2‬ـ)‪،‬ص(‪.)117-116‬‬
‫‪5‬نفسو‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وربركهم‪ ،‬وتفعل فعبل شبيها‬ ‫ّتز اؼبمدوحني ّ‬ ‫وتروعهم‪ ،‬والتّخييبلت اليت ّ‬ ‫للسامعني ّ‬‫الصور اليت تروؽ ّ‬ ‫من ّ‬
‫‪1‬‬
‫دبا يقع ُب نفس النّاظر إٔب التّصاوير اليت يش ّكلها اغبذاؽ بالتّخطيط والنّقش‪ ،‬أو بالنّحت والنّقر»‬
‫يتجسد إالّ بإصابة اػبطاب‬‫والواقع أف ربديد ماىية األسلوب انطبلقا من فرضية اؼبخاطَب ال ّ‬
‫نص ببل قارئ وال خطاب ببل سامع وىو‬ ‫لعل أنبّها أف ال ّ‬ ‫مرماه ُب نفس اؼبتقبّل‪ ،‬وؽبذا أبعاد أخرى ّ‬
‫ص‪ ،‬وؼباىية األسلوب الذي ال يبقى من تعريف لو‬ ‫يؤّكد أ ّف «التّل ّقي ىو دبثابة انقداح شرارة الوجود للنّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫إالّ كونو كائنا منشودا منذ غبظة النّشأة »‬
‫ص ُب ذاتو‪ ،‬وإّمبا ننظر إليو وكبن ُب حضرة إنساف يف ّكر‬ ‫فبل يكفي أف ننظر إٔب أسلوب النّ ّ‬
‫ويشعر‪.‬‬
‫اػباصة‪ -‬مرتكز ال ّداللة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نص لغتو‬
‫لكل ّ‬‫تظل اللّغة اؼبوحية الفجائية اؼبثرية‪-‬وإف كاف ّ‬ ‫وُّذا ّ‬
‫الروحية‪ ،‬واؼبتعة‬
‫سواء أكانت تعبريية أـ مرجعية أـ بدائية أـ اتصالية‪ ،‬وفيها تكمن اإلثارة اعبمالية و ّ‬
‫الرتاكيب‬‫الصور و ّ‬
‫ال ّذاتية‪ ،‬والّيت تلّح كلّها على أنبية القيم اعبمالية األخرى كاؼبوسيقى والوزف واإليقاع و ّ‬
‫اؼبادة موحية فجائية‬
‫لعل ما نقصده باللّغة ىو األسلوب‪ ،‬وبالتإب يشرتط أف تكوف ىذه ّ‬ ‫والعاطفة‪ ،‬و ّ‬
‫ص األديب‪.‬‬
‫وفبيّزة كوّنا ؿبور ال ّداللة ومصدر اإلثارة واؼبتعة اعبمالية ُب النّ ّ‬
‫لكل مقاـ مقاؿ" ومقولةّ "مراعاة مقتضى اغباؿ فيما يقاؿ" كاف‬ ‫وما يستخلص ىو أ ّف مقولة" ّ‬
‫ؽبما أثر بالغ ُب ربديد ماىية األسلوب من زاوية اؼبتل ّقي‪ ،‬إذ ذبعبلنو ؿبور العملية اإلببلغية‬
‫واإلبداعية‪ ،‬فاؼبنشئ يدور حوؿ ىذا ا﵀ور لتأثري على اؼبخاطَب من النّاحية اليت يرى فيها تناسبا مع‬
‫نفسيتو‪.‬‬

‫ص)‪:‬‬
‫‪ .3‬األسموب من زاوية(الخطئب ‪ -‬ال ّن ّ‬
‫ص عنده‬ ‫ص من ال ّداللةاالشتقاقية "‪"texte‬واليت تعّن النّسيج‪ ،‬والنّ ّ‬
‫ينطلق بارت ُب تعريفو للنّ ّ‬
‫معني حبيث أنّو يفرض شكبل يكوف على قدر اؼبستطاع ثابتا‬ ‫منسقة ُب تأليف ّ‬ ‫«نسيج كلمات ّ‬
‫ص من حيث أنّو نسيج‪ ،‬فهو مرتبط بالكتابة‪ ،‬ويشاطر‬ ‫موضحا‪« :‬إ ّف النّ ّ‬
‫ووحيدا»‪ٍ 3‬بّ يشرح ذلك ّ‬
‫التّأليف اؼبنجز بو ىالتو الروحية‪ ،‬وذلك ألنّو بصفتو رظبا باغبروؼ‪ ،‬فهو إوباء بالكبلـ‪ ،‬وكذلك‬

‫‪1‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.342‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫ص واألسلوبية بين النّظرية والتّطبيق‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬منشورات اتّحاد كتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط(‪2000‬ـ) ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫تكرر ُب ال ّدراسات العربية‪ ،‬حيث أ ّف‬ ‫أقره بارت قد ّ‬ ‫بتشابك النّسيج »‪.1‬ومصطلح النّسيج الذي ّ‬
‫الكبلـ عند العرب ىو نسيج على شاكلة النّسيج اؼبوشى من الربود والديباج‪.‬‬
‫ص أصلو منتهى‬ ‫وُب لساف العرب جاء ُب مادة"نص" ما يوحي دبعاف اؼبصطلح وداللتو «النّ ّ‬
‫نصا‪ ،‬جعل بعضو على بعض فنصصت اغبديث رفعتو‪ ،‬ونصصت‬ ‫ونص اؼبتاع ّ‬
‫الشيء ومبلغ أقصاه‪ّ ،‬‬
‫النّاقة استخرجت أقصى سريىا‪.2»...‬‬
‫ص أف يكوف صبلة ‪،‬كما يبكن أف يكوف كتابا‬ ‫ص يقوؿ‪«:‬يبكن للنّ ّ‬ ‫وُب تعريف تودوروؼ للنّ ّ‬
‫تاما‪،‬وىو يُعرؼ باستقبلليتو وانغبلقو»‪.3‬‬ ‫ّ‬
‫الربط بني كبلـ‬‫ّأما جوليا كريستيفا فتقوؿ بأنّو‪«:‬جهاز لساين يعيد توزيع نظاـ اللّغة‪ ،‬بواسطة ّ‬
‫السابقة عليو أو اؼبتزامنة‬
‫تواصلي يهدؼ إٔب اإلخبار اؼبباشر‪ ،‬وبني أمباط عديدة من اؼبلفوظات ّ‬
‫‪4‬‬
‫معو»‪.‬‬
‫كل بنية لغوية تتماثل ُب أفق الوعي‪ ،‬فتستثري الفهم أو اغبوار أو اإلضافة‪،‬أو‬ ‫ص إذف ىو« ّ‬ ‫فالنّ ّ‬
‫الكل ؾبتمعاً»‪.5‬‬
‫فرع أو التّكامل أو ّ‬ ‫التّكملة أو اعبدؿ أو التّ ّ‬
‫ص وفق ىذه التّعريفات طاقة تعبريية للمبدع يربز من خبلؽبا إبداعاتو‪ ،‬فهو بصمة اؼبنشئ‬ ‫فالنّ ّ‬
‫ص وىل‬ ‫مادة صياغية وحركة نسيجية‪ ،‬فما ما موقع األسلوب من النّ ّ‬ ‫الضاغطة دبا يش ّكلو من ّ‬ ‫وقوتو ّ‬‫ّ‬
‫ص؟‬
‫يعد األسلوب فرعا من النّ ّ‬
‫ص‪ ،‬ومن ذلك رؤية شارؿ بإب حيث حصر مدلوؿ‬ ‫ما يراه الباحثوف أ ّف األسلوب ىو وليد النّ ّ‬
‫تفجر الطّاقات التّعبريية الكامنة ُب صميم اللّغة خبروجها من عاؼبها االفرتاضي إٔب حيّز‬ ‫األسلوب ُب ّ‬
‫اؼبوجود اللّغوي‪ ،‬فاألسلوب حبسبو ىو«االستعماؿ ذاتو فكأ ّف اللّغة ؾبموعة شحنات معزولة‪،‬‬
‫واألسلوب ىو إدخاؿ بعضها ُب تفاعل مع البعض اآلخر كما ُب ـبرب كيماوي»‪.6‬‬

‫‪1‬نفسو ‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫‪2‬لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬مادة (نص)‪.‬‬
‫‪3‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫ص واألسلوبية‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫النّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬مجلة عالمات في النّقد‪" ،‬االستلهاـ مفهومو وضوابطو وحدوده"‪ ،‬أشرؼ فوزي صالح‪ ،‬ص‪.298‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وربديد األسلوب من ىذا اؼبنظور يظهر لنا أنبّية اللّغة ُب التّعبري األسلويب‪ ،‬فاللّغة إذا كانت ُب‬
‫طيات اؼبعاجم زبتلف عن كوّنا مستعملة ُب صياغات ـبتلفة‪ ،‬وُّذا يتح ّدد لنا مستويني ُب التّعامل‬
‫مع اللّغة‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬ساكن‪ ،‬ويتمثّل ُب وجودىا قبل خروجها إٔب حقل االستعماؿ اػبارجي أو‬ ‫اؼبستوى ّ‬
‫إٔب التّفاعل كما أشار إٔب ذلك شارؿ بإب‪.‬‬
‫متحرؾ‪ ،‬ويقصد بو اللّغة حني زبرج من كوامن اؼبعجم إٔب تأدية وظيفتها‬ ‫اؼبستوى الثاين‪ّ :‬‬
‫‪1‬‬
‫الصرفية‪.‬‬
‫اإلخبارية مستخدمة ُب ذلك القواعد النّحوية و ّ‬
‫‪2‬‬
‫فالنّظاـ اللّغوي ينقسم إٔب مستويني‪.‬‬
‫مستوى اللّغة‪ :‬قواعد البنية األساسية للّغة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مستوى اػبطاب‪ :‬حالة استخداـ اللّغة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫وينقسم ىذا اػبطاب إٔب قسمني‪:‬‬


‫اػبطاب العادي(النّفعي)‪ :‬الذي يعتمد على اؼبباشرة‪ ،‬وىو وبادث العقل واؽبدؼ منو التّبادؿ‬ ‫‪-1‬‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب لذا ال وبتاج إٔب‬ ‫النّفعي‪ ،‬إذ استخدامو للّغة ؿبدود يقتصر على ما يليب رغبات‬
‫جهد فكري ليفهم اؼبقصود منو‪ ،‬فاؽبدؼ فيو ىو إيصاؿ اؼبضموف بشكل واضح ومباشر‪.‬‬
‫يبس‬ ‫ِ‬
‫األديب(الفّن)‪ :‬يصدر عن ملكة لدى منشئو‪ ،‬ىباطب الوجداف ويسعى إٔب أف ّ‬
‫ّ‬ ‫اػبطاب‬ ‫‪-2‬‬
‫مسا‪ ،‬سامعا كاف أو قارئا‪ ،‬فاستخداـ اللّغة فيو يتميّز باختيار األلفاظ‬
‫إحساس متل ّقيو ّ‬
‫اؼبناسبة واؼبعاين اؼببتكرة‪ ،‬ووبتاج إٔب إمعاف الفكر وإعماؿ العقل لفهم اؼبراد منو‪ ،‬واؽبدؼ من‬
‫ىذا اػبطاب التّأثري ُب اؼبخاطب‪.‬‬

‫‪ 1‬األسلوبية (مدخل نظري ودراسة تطبيقية)‪ ،‬فتح اهلل سليماف‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫‪ 2‬األسلوبية (مدخل نظري ودراسة تطبيقية)‪ ،‬فتح اهلل سليماف‪ ،‬ص(‪.)17-16‬‬
‫‪97‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اللّغة‬
‫خطاب نفعي(عادي)‬ ‫النّظاـ اللّغوي‬
‫فّن (أديب)‬
‫خطاب ّ‬ ‫اػبطاب (الكبلـ)‬

‫وقد نشأ عن ىذا التّفسري لنظاـ اللّغة ربديد مفهوـ األسلوب باالتكاء على خصائص نظاـ‬
‫الصرفية‪ ،‬واؼبعجمية‪ ،‬وما يش ّكل البنية‬
‫ص بنيويا‪ ،‬لتبياف العبلقات بني وحداتو اؼبختلفة‪ ،‬النّحوية‪ ،‬و ّ‬
‫النّ ّ‬
‫ص األديب‪ ،‬وىو«ما هبعلو العبلمة اؼبميّزة لنوعية مظهر الكبلـ داخل حدود اػبطاب‪ ،‬وتلك‬
‫العامة للنّ ّ‬
‫ّ‬
‫تتكوف‬
‫السمة إّمبا ىي شبكة تقاطع ال ّدواؿ باؼبدلوالت‪ ،‬وؾبموع عبلئق بعضها ببعض‪ ،‬ومن ذلك كلّو ّ‬
‫ّ‬
‫ص وىي ذاّتا أسلوبو»‪.1‬‬
‫البنية النّوعية للنّ ّ‬
‫ومكوناتو اليت تتبلحم تبلضبا بيّنا‬
‫ص برتابطاتو وعبلقاتو ّ‬‫فاألسلوب وفق ىذا القوؿ ىو النّ ّ‬
‫يُفضي إٔب فهم ؿبتواه والوقوؼ على قواعده ونُظمو اؼبنهجية‪.‬‬
‫عينياً عبزء من أجزاء اللّغة‪ ،‬وإّمبا ىو من خصائص انتظاـ ىذه‬
‫وُّذا ال يعترب «األسلوب ملكا ْ‬
‫تظل رىينة‬
‫الكل‪ ،‬وىذه اؼبلكية ّ‬‫ّ‬ ‫اؼبرّكبات للخطاب‪ ،‬معىن ذلك أنّو ملك مشاع بني أجزاء‬
‫‪2‬‬
‫ص األديب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫للن‬
‫ّ‬ ‫غوية‬‫ل‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫اؼبعطيات‬ ‫خبلؿ‬ ‫من‬ ‫د‬ ‫يتجس‬
‫ّ‬ ‫األسلوب‬ ‫«‬‫ف‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫اؼبقصود‬
‫و‬ ‫االئتبلؼ»‪.‬‬
‫كل‬
‫تؤسس عاؼبا قائما بذاتو حبيث تتّصل فيو ّ‬
‫باعتبار ىذه اللّغة نظاما من العبلقات اؼبغلق على نفسو ّ‬
‫وحدة أو تركيبة دبا هباورىا‪ ،‬ويُوافقها أو ُىبالفها مكتفية بنفسها اعتمادا على ىذه العبلقات الرتكيبية‬
‫»‪.3‬‬
‫ويورد بعض الباحثني أ ّف ربديد األسلوب يبكن أف يكوف من زاوية عبلقة األلفاظ بعضها‬
‫يوضح‬
‫تتنزؿ فيو‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫ببعض وكذا من خبلؿ عبلقة ؾبموعة األلفاظ جبملة اعبهاز اللّغوي الذي ّ‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.73‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.247‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الرسالة اليت ربملها العبلقات اؼبوجودة بني العناصر اللّغوية ال‬


‫التّعريف الذي يقوؿ بأ ّف «األسلوب ىو ّ‬
‫ص والكبلـ»‪.1‬‬
‫ُب مستوى اعبملة‪ ،‬وإّمبا ُب مستوى إطار أوسع منها كالنّ ّ‬
‫ص كلّو‪،‬‬
‫ويذىب باحث آخر وىو "ىياؼبسلف" إٔب توسيع داللة األسلوب ليشمل النّ ّ‬
‫داؿ‬
‫ويصبح أداة من أدوات التّخاطب متميّزة عن األداة اللّسانية األؤب‪ ،‬فإذا باألسلوب ُب نفسو ّ‬
‫السياؽ ّأما مدلوؿ ذلك ال ّداؿ فهو ما وبدث لدى‬
‫يستند إٔب نظاـ إببلغي متّصل بعلم دالالت ّ‬
‫للرسالة‪.‬‬
‫القارئ من انفعاالت صبالية تصحب إدراكو ّ‬
‫ويورد مثاال عن ذلك من أ ّف تعبري اإلنساف عن فكرة معيّنة شعرا بدؿ التّعبري عنها نثرا يع ّد‬
‫‪2‬‬
‫تغريت صياغتو واتّصل بنظاـ ببلغي آخر‪.‬‬
‫ص قد ّ‬ ‫تنبيها للمخاطب إٔب أ ّف النّ ّ‬
‫ص األديب ُب ذاتو‬
‫‪ -‬وقد أتت دراسة جاكبسوف للعمل األديب أُكلَها حينما قصد إٔب دراسة النّ ّ‬
‫يقوؿ‪« :‬إ ّف ىدؼ علم األدب ليس ىو األدب ُب عمومو‪ ،‬وإّمبا أدبيتو‪ ،‬أي تلك العناصر‬
‫ا﵀ ّددة اليت ذبعل منو عمبل أدبيا‪ ،‬وؽبذا فعلى النّاقد األديب أالّ يُعىن يبحث اؼببلمح اؼبميّزة‬
‫لؤلدب»‪.3‬‬

‫الرسالة اللّفظية‪-‬بالنّسبة عباكبسوف‪ -‬بوصفها عمبل فنّػيًّا‪ ،‬إّمبا ىي دراسة لؤلسلوب‬ ‫فدراسة ّ‬
‫ص باعتباره خطابا تَرّكب ُب ذاتو ولذاتو‪.‬‬
‫الذي يبثّل الوظيفة اؼبركزية اؼبنظّمة للنّ ّ‬
‫تصور سبازج كامل‪ ،‬وتطابق تاـ بني األدب ومبدعو‪ ،‬أو بني األدب‬ ‫وعلى ىذا ال يبكن ّ‬
‫ومتقبّلو‪ ،‬إذ إ ّف العمل األديب يتجاوز ما عداه‪ ،‬ويُعطي لنفسو وجودا مستقبلّ حبيث ترتاجع أماـ ىذا‬
‫االستقبلؿ اػبلفيات النّفسية واالجتماعية والتّارىبية للمبدع وللمتل ّقي على ح ّد سواء‪.‬‬
‫اػباصة بو‪ ،‬حيث يشتمل على شبكة‬
‫ص أصبحت ترتّكز داخل حدوده ّ‬
‫وعليو فإ ّف دراسة النّ ّ‬
‫يكوف ُب النّهاية‬
‫ص‪ ،‬فبّا ّ‬
‫متكاملة من ال ّدواؿ واؼبدلوالت‪ ،‬وؾبموعة من العبلقات اؼبتشابكة ُب النّ ّ‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.73‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪:‬نفسو‪ ،‬ص ‪.74‬‬


‫‪3‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.247‬‬
‫‪99‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ص‪ ،‬ىي بعينها أسلوبو‪ ،1‬فبموجب النّظر إٔب‪«:‬البىن األسلوبية اؼبهيمنة ومقاربتها على‬
‫صورة بنائية للنّ ّ‬
‫خاصية كلّية‬
‫تتمخض عنها سوؼ يتح ّدد مفهوـ األسلوب بوصفو ّ‬ ‫مستوى العبلقات اللّسانية اليت ّ‬
‫متموضعة ُب العبلقات بني الوحدات اللّسانية»‪.2‬‬
‫ص ُب كلّيتو»‪3.‬وإذا وصل مفهوـ‬
‫وعلى ىذا األساس ُح ّدد األسلوب بأنّو«النّظاـ الفريد للنّ ّ‬
‫ص‪.‬‬
‫األسلوب إٔب ىذا اؼبستوى فإنّو يقرتب بشكل كبري من بنية النّ ّ‬
‫واؼبقصود من ذلك كلّو أ ّف اؼبدخل الوظيفي لدراسة األسلوب بوصفو واقعة لسانية حبتو ربمل‬
‫خصائص فبيّزة‪ ،‬ومن ٍبّ فهي واقعة أسلوبية‪ ،‬وبذلك يكوف األسلوب «عنصر لغوي ينظر إليو من‬
‫‪4‬‬
‫معني»‪.‬‬
‫حيث استخدامو ألغراض أدبية ُب عمل ّ‬
‫وُب ىذا اؼبعىن يورد ؿبمد عبد اؼبطّلب كبلما عن صياغة القصيدة باعتبارىا نوعا أدبيا ويقوؿ‪:‬‬
‫اػباصة عندما زبرج من بني يدي صاحبها لتصبح ملك أيدينا‪،‬‬
‫«فالقصيدة مثبل‪ ،‬تصبح َخلقا لو كينونتو ّ‬
‫معني‪ ،‬ولكنّها‬
‫اؼبنسقة على كبو ّ‬‫وتفسريىا أو فهمها ال ىبضع ؼببدعها‪ ،‬فهي ؾبموعة من األلفاظ اؼبرتبطة و ّ‬
‫خاصة‪ ،‬ؽبا حيويتها‪ ،‬وؽبا فعاليتها‪ ،‬وىذا‬
‫تكونت على ىذا النّحو تكوف قد اكتسبت شخصية ّ‬ ‫حني ّ‬
‫‪5‬‬
‫اػباص لؤللفاظ ىو الذي ينشئ العبلقات اعبديدة اليت تتمثّل لنا ُب صور التّعبري اؼبختلفة»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االرتباط‬
‫وقد أصبع بعض الباحثني على أ ّف جاكبسوف كاف لو الفضل ُب عقلنة منحى ربديد األسلوب‬
‫قارا يتمثّل ُب أ ّف اغبدث اللّساين ىو تركيب‬
‫الشعرية للكبلـ‪ ،‬حيث«استعمل معطى لسانيا ّ‬
‫أو الوظيفة ّ‬
‫الرصيد‬
‫الزمن ومتطابقتني ُب الوظيفة‪ ،‬ونبا اختيار اؼبتكلّم ألدواتو التّعبريية من ّ‬
‫عمليتني متواليتني ُب ّ‬
‫صرؼ ُب‬
‫اؼبعجمي للّغة‪ٍ ،‬بّ تركيبو ؽبا تركيبا تقتضي بعضو قوانني النّحو‪ ،‬وتسمح ببعضو اآلخر سبل التّ ّ‬
‫االستعماؿ‪ ،‬فاألسلوب يتح ّدد بأنّو توافق بني العمليتني‪ ،‬أي تطابق عبدوؿ االختيار على جدوؿ‬
‫‪6‬‬
‫التّوزيع »‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪:‬السابق ص (‪.)249-248‬‬
‫‪ 2‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪3‬نفسو ‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪ 5‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪011‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫فمحور اؼبمارسة اللّسانية ُب نظر جاكبسوف نبا االختيار والتّوزيع أو التّأليف؛ إذ يستند‬
‫التّأليف إٔب التّماثل‪ ،‬ويستند التّوزيع إٔب ربط الوحدات اللّسانية اؼبنتقاة وتأليفها ُب متوالية لسانية‪،‬‬
‫الشعرية بإسقاط مبدأ التّماثل الذي ىو جزء من ؿبور االختيار على ؿبور التّأليف‪،‬‬ ‫وتقوـ الوظيفة ّ‬
‫‪1‬‬
‫فيتحوؿ ىذا اؼببدأ إٔب أداة أو وسيلة تسهم ُب تأليف اؼبتوالية اللّسانية‪.‬‬
‫ّ‬
‫عرؼ‬
‫وإضافة ؼبا جاء بو جاكبسوف وؿباولة لتطوير نظريتو حوؿ مبدأ االختبار والتّوزيع‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫األسلوب بأنّو« رسالة أنشأّتا شبكة من التّوزيع قائمة على مبدأ االحتماؿ والتّوقّع»‪.‬‬
‫تفرع عنو مستويني ـبتلفني من‬
‫ويقصد من ىذا اؼبفهوـ أ ّف مبدأ االختيار ُب نسج اػبطاب قد ّ‬
‫حيث اؼباىية والنّشأة‪ ،‬ونبا غبظة اإلبداع وزمن سبكو وُّذا«ال يُع ّد األسلوب آين الوجود‪ ،‬وإّمبا ىو ُب‬
‫‪3‬‬
‫صريورة زمانية تتطابق مع جدلية ال ّديبومة»‪.‬‬
‫فاؼبؤلّف ىبتار وينتقي من األلفاظ اليت يتوفّر عليها معجمو اللّغوي ما يبلئم موضوعو‪ٍ ،‬بّ يبدأ‬
‫ُب توزيعها وتأليفها ُب صيغ تنسجم وتتناسب مع اؼبوضوع اؼبراد‪ ،‬وىذه العملية سبثّل غبظة اإلبداع‬
‫للمخاطب؛ إذ ينسج ويسبك أسلوبو ضمن زمن ىذه اللّحظة‪ ،‬وىو ُب الوقت نفسو يضع‬ ‫ِ‬ ‫بالنّسبة‬
‫فيتجسد عندئذ مبدأ االحتماؿ والتّوقّع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نصب عينيو أنّو ُب حضرة إنساف يف ّكر ويشعر‬
‫االختيار والتّوزيع‬

‫السبك‬
‫غبظة اإلبداع وزمن ّ‬

‫االحتمػاؿ والتّوقّػع‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص ‪.70‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪010‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ِ‬
‫اؼبخاطب إالّ أ ّف دراستو األسلوبية ارتكزت على‬ ‫فبالرغم من ربيّزه إٔب القارئ أو‬
‫ّأما ريفاتري ّ‬
‫ص فريد دائما ُب جنسو‪ ،‬وىذه الفرادة‪-‬كما‬ ‫ص ُب بعض األحياف حيث يرى أ ّف « النّ ّ‬ ‫الرسالة أو النّ ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫يبدو ٕب‪ -‬ىي التّعريف األكثر بساطة‪ ،‬وىو الذي يبكن أف نعطيو لؤلدبية »‪.‬‬
‫ص ومن‬
‫نصا تكوف دائما فريدة‪ ،‬ونتيجة لذلك تنتقل الفرادة إٔب النّ ّ‬
‫فالتّجربة األدبية اليت تنتج ّ‬
‫الصدد «الفرادة اليت نعطيها اسم األسلوب‪ ،‬والّيت ًبّ خلطها ردحا‬
‫شبّة إٔب األسلوب ويقوؿ ُب ىذا ّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبسمى الكاتب »‪.‬‬
‫طويبل مع الفرد اؼبفرتض ّ‬
‫ص» ويعلّق‬
‫وضمن ىذه النّظرية يعلن ريفاتري ُب األخري قائبل أ ّف «األسلوب ُب الواقع ىو النّ ّ‬
‫منذر عياشي على ىذه األقواؿ دببلحظتني‪:‬‬
‫ص‪،‬أو‬
‫الشخص ليصبح شيئا من أشياء النّ ّ‬
‫األؤب‪ :‬أ ّف األسلوب ىبرج من كونو بصمة من بصمات ّ‬
‫الرجل ‪-‬كما ذىب إٔب ذلك بيفوف‪.-‬‬
‫الشخص أو ّ‬
‫ص نفسو‪ ،‬وليس ّ‬
‫أدؽ ليصبح ىو النّ ّ‬
‫دبعىن ّ‬
‫ص عنده‬
‫الثانية‪ :‬أ ّف ىذا األمر عند ريفاتري دبنزلة الشيء الذي يدور حوؿ نفسو‪ ،‬إذ أ ّف مفهوـ النّ ّ‬
‫ص‪ ،‬ودبا أ ّف األدبية ال تقوـ‬
‫يرتبط بأدبيتو‪ ،‬واألدبية ترتبط بالفرادة والفرادة أسلوب‪ ،‬واألسلوب ىو النّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫كنص‪.‬‬
‫ص من األدبية يرفع عنو صفتو ٍّ‬
‫إالّ ضمن ىذا األخري‪ ،‬فإ ّف خلو النّ ّ‬
‫ص األديب ُب حاجة دائمة و أكيدة إٔب أسلوبو‬
‫وما يستنتج من ىاتني اؼببلحظتني ىو أ ّف «النّ ّ‬
‫لنص إالّ ُب أسلوبو‪ ،‬وال وجود ألسلوب إالّ ُب فرادتو‪ ،‬وُّذا ترتبط‬
‫يتقرر وجوده‪ ،‬فبل وجود ّ‬ ‫فيها ّ‬
‫‪4‬‬
‫ص باألسلوب »‪.‬‬ ‫ص‪ ،‬كما يرتبط النّ ّ‬
‫الفرادة واألدبية بالنّ ّ‬
‫بالرغم من‬
‫ص ّ‬ ‫لقد بقي ريفاتري ؿبافظا على مبدئو ُب دراسة األسلوب مستندا على بنية النّ ّ‬
‫السمة‬
‫إدخالو القارئ ُب التّحليل األسلويب‪ ،‬وما ُيبيّز ّاذباىو ىو أنّو يرى الواقعة اللّسانية تكتسي ّ‬
‫ص والقارئ‪،‬‬
‫فتتحوؿ إٔب واقعة أسلوبية ‪،‬وىذه األخرية إّمبا تدرؾ بالعبلقة اعبدلية بني النّ ّ‬
‫ّ‬ ‫األسلوبية‬
‫يعرؼ األسلوب من ىذا اؼبنظور فيقوؿ‪«:‬وأعّن‬ ‫ص وحده أو ُب القارئ وحده‪ ،‬وىو ّ‬ ‫وليست ُب النّ ّ‬
‫‪ 1‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪150‬‬
‫‪4‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫‪013‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫كل شكل مكتوب فردي ذي مقصدية أدبية‪ ،‬دبعىن أسلوب مؤلّف أو باألحرى‬ ‫باألسلوب األديب ّ‬
‫حّت أسلوب مقطع قابل للعزؿ‪ ،‬وىذا التّعريف ؿبدود ج ّدا فعوض شكل‬
‫أسلوب نتاج أديب معزوؿ أو ّ‬
‫الشفوية‪،‬‬
‫حّت يبكن احتواء أساليب اآلداب ّ‬ ‫مكتوب‪ ،‬ينبغي من األفضل وضع عبارة‪ :‬شكل ثابت ّ‬
‫ص‪ ،‬ولكن على‬
‫اؼبادي على الوحدة الفيزيائية للنّ ّ‬
‫وصفة الثّبات ىذه ليست ببساطة نتيجة اغبفاظ ّ‬
‫الشأف بالنّسبة‬
‫حل رموزه‪ ،‬مثلما ىو ّ‬
‫ص؛ حبيث يكوف ّ‬
‫األصح نتيجة حضور خصائص شكلية ُب النّ ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫يتعرؼ عليو »‪.‬‬
‫إٔب تقسيمو‪ ،‬أمرا مضبوطا وثابتا وقاببل ألف ّ‬
‫ص األدبية دبعىن‬
‫ص ُب ذاتو وعلى مقصدية النّ ّ‬‫وىذا التّعريف لريفاتري« يُش ّدد على النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫فّن»‪.‬‬
‫خصائصو اليت يتمظهر عربىا بوصفو بنية متميّزة ذات طابع ّ‬
‫‪3‬‬
‫وىنا يبكن اإلشارة إٔب النّقاط اآلتية‪:‬‬
‫ؾبرد كلمات متابعة‪.‬‬
‫ص عمبل فنّيا متميّزا‪ ،‬ال ّ‬
‫‪ -1‬الب ّد أف يكوف النّ ّ‬
‫ظن‬
‫ص األديب مسرودا من لغة نتوقّع حضورىا‪ ،‬بل ىو مبّن على عبلقات زبيّب ّ‬ ‫‪ -2‬ال يكوف النّ ّ‬
‫القارئ‪ ،‬وذبعل لو مساحة واسعة للتّوقّع‪.‬‬
‫الشكلية لؤلدب‪ ،‬وعلى تلك البنية يرتسم فعل الكاتب‪ ،‬وتظهر النتوءات‬
‫‪ -3‬األسلوب ىو البنية ّ‬
‫يشوش ُّا فعل القارئ‪.‬‬
‫اليت ّ‬
‫‪ -4‬يربط ريفاتري بني األسلوبية ونظرية التّل ّقي‪ ،‬وبذلك يصبح األسلوب ذلك اإلبراز الذي يفرض‬
‫يشوه‬
‫السلسلة التّعبريية‪ ،‬حبيث ال يستطيع حذفها دوف أف ّ‬
‫على انتباه القارئ بعض عناصر ّ‬
‫مهمة وفبيّزة‪.‬‬
‫ص‪ ،‬وال يستطيع أف يرتجم رموزىا دوف أف هبدىا ّ‬
‫النّ ّ‬
‫يتوجو وعليو يريد أف يسيطر‪ ،‬وىي أمور حاضرة ُب‬ ‫نصو القارئ‪ ،‬فإليو ّ‬
‫‪ -5‬إ ّف غاية الكاتب من ّ‬
‫ص على كبو يثري انتباه القارئ‪.‬‬
‫ذىن الكاتب‪ ،‬لذلك فالوجو األسلويب يكوف مرّكبا ُب النّ ّ‬

‫‪1‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ 3‬األسلوبية (الرواية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬دار الميسرة‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪2007(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫‪012‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ص والقارئ‪ّ ،‬أما‬
‫‪ -6‬يعتمد التّحليل األديب والوقوؼ على األسلوب بشكل واضح على النّ ّ‬
‫ص فأمور ىامشية‪.‬‬
‫الكاتب ومرجع النّ ّ‬
‫ص بعيدا عن مبدعو وقارئو فإنّنا‬
‫وانطبلقا من اآلراء اؼبتناثرة حوؿ أح ّقية نسبة األسلوب إٔب النّ ّ‬
‫ص لغويا من خبلؿ نسق ألفاظو ىو الذي وب ّدد طبيعة فهمنا ألسلوبو‪،‬‬ ‫نفهم أ ّف « إدراكنا لعآب النّ ّ‬
‫للرسالة اإلبداعية لتتبّع ما وبدث بينها من‬ ‫اؼبكونة ّ‬
‫مهمة األسلويب ىي ذبزئة العناصر ّ‬ ‫وُّذا تكوف ّ‬
‫‪1‬‬
‫الفعالة»‪.‬‬
‫اػباصة اغبيوية ّ‬
‫الشخصية ّ‬ ‫تفاعل حّت اكتسبت ىذه ّ‬
‫ص‪ ،‬قوامو صورة ربصل ُب اؼبعىن ناصبة عن‬ ‫وبذلك يبكن القوؿ أ ّف األسلوب أثر من آثار النّ ّ‬
‫النّظاـ اللّغوي لو‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ال ّتشكيل األسلوبي ونظرية االختيار‬


‫خاصة ُب البياف عن ‪ ،‬وكشفا عن‬
‫ترصد النّظرية األسلوبية اؼبظاىر اعبمالية للّغة حبثا عن أوجو ّ‬
‫خاصة تتيح‬
‫التّش ّكبلت واؼببلمح اعبمالية‪ ،‬اليت ذبعل من ىذه اللّغة لعبة تعتمد إمكانات تعبريية ّ‬
‫يوضح القيم التّأثريية واإلبداعية‪ ،‬اليت وبتكم إليها ُب اإلبانة عن‬
‫ص على كبو ّ‬
‫للمبدع تشكيل النّ ّ‬
‫مقصده‪.‬‬
‫وتأخذ ىذه النّظرية موقعها انطبلقا من شبكة العبلقات اليت ربتكم إليها ذبلّيات العناصر‬
‫فالرتكيب اللّغوي ىو ائتبلؼ األجزاء ُب تناسق‬
‫تؤديها« ّ‬
‫اللّغوية ُب تناسق يكفل ضبطا مع الوظيفة اليت ّ‬
‫موقعي مداره انسجاـ الكلمة ُب اؼبوقع األشكل ُّا»‪.2‬‬
‫وانطبلقا من ىذا التّحديد يتب ّدى لنا أ ّف اللّغة تتوفّر على ذخرية من األلفاظ والبىن النّحوية‬
‫اؼبختلفة‪ ،‬وأ ّف األسلوب ىو كيفية توظيف وتشكيل ىذه اؼبفردات والبىن ومن ىنا نظر إٔب األسلوب‬
‫بوصفو اختيار" ‪ "choie‬يقوـ بو اؼبنشئ لسمات لغوية معينة من بني قائمة االحتماالت اؼبتاحة ُب‬
‫اللّغة‪.‬‬

‫‪ 1‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.251‬‬


‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ " ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪011‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وىو ما وبيل إٔب أ ّف ىناؾ قائمة أبداؿ متاحة‪ ،‬وىي ما يُعمل فيها اؼبنشئ فكره باالختيار‬
‫واالستبعاد‪ ،‬كما يشري إٔب ذلك سعد مصلوح‪ ،1‬حيث يستخدـ اؼبرسل ُب إنتاج رسالتو إمكانات‬
‫الصرفية والنّحوية واؼبعجمية‬
‫ىائلة توفّرىا لو اللّغة ُب عملية التّواصل‪ ،‬وىو ما يتجلّى ُب الوحدات ّ‬
‫الشكل‪ ،‬واعبنس األديب بيد أ ّف ىذا االختيار ليس مطلقا‪ ،‬إذ ربكمو ؾبموعة‬
‫الرتكيبية باإلضافة إٔب ّ‬‫وّ‬
‫يتدخل اؼبوقف الذي يعيشو‬
‫أنبها‪ :‬قواعد النّظاـ اللّغوي وطبيعة اؼبقاـ‪ ،‬إذ ّ‬
‫من الظّروؼ ا﵀يطة بو لعل ّ‬
‫اؼببدع ُب توجيو اختيار اؼببدع توجيها قسريا‪ ،‬فالتّ ّنوع األسلويب الذي يقع نتيجة عملية االختيار ُوبدث‬
‫توخيا للّغة االنفعالية اليت تقودىا الببلغة‪.‬‬
‫مرد على النّسق ّ‬
‫أثرا صباليا ىبتلس التّ ّ‬
‫توخيا القتناص أساليب‬ ‫حوالت ّ‬ ‫إ ّف ببلغة االختيار رب ّقق التّفاوت الذي ينتج عن لعبة التّ ّ‬
‫الصورة والعبارة استنادا‬
‫ص‪ ،‬وبالتّإب فهذه العملية «تتسلّط على عناصر الفكرة و ّ‬‫الفرادة ُب تشكيل النّ ّ‬
‫الصياغات دبا تراه أليق دبوضوع الكبلـ»‪.2‬‬
‫تصرؼ ُب ّ‬
‫إٔب ّ‬
‫فاالختيار أمر يفرتض أف يقوـ بو اؼبنشئ على كافّة مستويات التّواصل بدرجات متفاوتة‪ .‬ومن‬
‫ٍبّ فهو ليس ؿبض اختبار لغوي فحسب‪ ،‬بل ؿبكوـ من جهة بإمكانات اؼبقاؿ ومن جهة أخرى‬
‫دبقتضيات اؼبقاـ (‪.)contexte de situation‬‬
‫خاصاً للّغة‬
‫إ ّف ربديد ماىية األسلوب انطبلقا من فكرة االختيار يقود إٔب اعتباره استعماال ّ‬
‫يقوـ على استخداـ عدد من اإلمكانات واالحتماالت اؼبتاحة‪ ،‬وتأكيدىا ُب مقابل إمكانات‬
‫واحتماالت أخرى فهو «انتقاء" ‪ "selection‬يقوـ بو اؼبنشئ لسمات لغوية معيّنة بغرض التّعبري‬
‫السمات على ظبات‬ ‫ويدؿ ىذا االختيار أو االنتقاء على إيثار اؼبنشئ وتفضيلو ؽبذه ّ‬
‫معني‪ّ ،‬‬
‫عن موقف ّ‬
‫معني ىي الّيت تش ّكل أسلوبو الّذي يبتاز بو عن غريه‬
‫اػباصة دبنشئ ّ‬
‫أخرى بديلو‪ ،‬وؾبموعة االختيارات ّ‬
‫‪3‬‬
‫من اؼبنشئني »‪.‬‬

‫‪1‬ينظر مجلة عالم الفكر‪ " ،‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة"‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫شايب‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫األسلوب‪ ،‬أحمد ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬األسلوب‪ ،‬دراسة إحصائية‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص‪.38‬‬


‫‪015‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ .1‬االختيئر عند ال ّنقّئد القدمئء‪:‬‬


‫وجد النّػ ّقاد القدماء أ ّف عملية االختيار ىي ضرورة ال ب ّد منها ُب تشكيل األساليب‪ ،‬وىو ما‬
‫اىتماـ واضح ُّذه اؼبسألة لدى العرب باإلشارة‬
‫ظهر جليّاً من خبلؿ تعليقاّتم النقدية‪ ،‬حيث ظهر ّ‬
‫لعبلقة األسلوب باالختيار‪.‬‬
‫وقد وردت أمثلة منثورة ُب الكتب النّقدية تتناسب وإغباح النّػ ّقاد على اختيار العبارات‬
‫واأللفاظبدقّة و عناية حبيث تتوافق مع الغرض واؼبوقف واؼبستمع‪.‬‬
‫ومن ىذه األمثلة قوؿ جرير ـباطبا عبد اؼبلك بن مرواف‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ك بِالرَو ِ‬
‫اح‬ ‫ص ْحبُ َ‬ ‫ِ‬ ‫أَتَ ْ‬
‫َعشيَةَ َىم َ‬ ‫صا ٍح‬
‫اد َؾ غَْيػ ُر َ‬
‫ص ُحو بَ ْل فُػ َؤ ُ‬
‫فقاؿ لو عبد اؼبلك بن مرواف‪ :‬بل فؤادؾ يا ابن الفاعلة‪.2‬‬
‫وو ّجو عبرير أيضا نقد الذع حينما أنشد فقاؿ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ِ ‪3‬‬
‫لَ ْو ِش ْئ ُ‬
‫ت َساقَ ُك ْمِإلي قَطينًا‬ ‫َىذا ابْن َعمي في ِد َم ْش َق َخلِي َفةً‬
‫إذ قاؿ‪ :‬ما زاد ابن اؼبراغة على أف جعلّن شرطيا‪ ،‬أما إنّو لو قاؿ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫إٕب قطينا‪ ،‬لسقتهم إليو كما قاؿ»‬
‫«لو شاء ساقكم ّ‬
‫ومصطلح االختيار ىذا ورد ُب أكثر من موضع من الكتب النّقدية القديبة‪ ،‬منها كتاب‬
‫الصناعتني البن ىبلؿ العسكري حيث يتح ّدث عن الكبلـ اؼبتبلئم وعن اعبزؿ اؼبختار من الكبلـ‬ ‫ّ‬
‫وزبري األلفاظ وإبداؿ بعضها من بعض يوجب‬ ‫ويورد فصبل كامبل ُب سبييز الكبلـ معنا ولفظا يقوؿ‪ّ «:‬‬
‫التئاـ الكبلـ‪ ،‬وىو من أحسن نعوتو وأزين صفاتو‪ ،‬فإف أمكن مع ذلك منظوما من حروؼ سهلة‬
‫اؼبخارج كاف أحسن لو وأدعى للقلوب إليو‪ ،‬وإف اتفق لو أف يكوف موقعو ُب اإلطناب واإلهباز أليق‬

‫‪1‬ديواف جرير‪،‬ص‪76‬‬
‫الصاوي‪،‬ج‪،1‬بيروت‪ ،‬منشورات دار مكتبة الحياة‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫شرح ديواف جرير‪ ،‬عبد اهلل ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص‪.579‬‬
‫‪ 4‬األغاني‪ ،‬أبي الفرج األصفهاني‪،‬ج‪،8‬دار الثّقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1971( 3‬ـ)‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪012‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫أحق باؼبقاـ واغباؿ كاف جامعا للحسن‪ ،‬بارعا ُب الفضل‪ ،‬وإف بلغ مع ذلك أف تكوف موارده‬
‫دبوقعو‪ ،‬و ّ‬
‫تنبيك عن مصادره‪ ،‬و ّأولو يكشف قناع آخره‪ ،‬كاف قد صبع ّناية اغبسن‪ ،‬وبلغ أعلى مراتب التّماـ»‪.1‬‬
‫وىو ُب ىذا القوؿ يتح ّدث عن وجوب اختيار األلفاظ وانتقائها بدقّة وعناية فائقة‪ ،‬أل ّف ذلك‬
‫يسهل عملية التئاـ الكبلـ‪ ،‬فيصبح ىذا االلتئاـ ىو الوجو اغبسن لصفات اغبديث‬
‫من شأنو أف ّ‬
‫يتم بطرؽ‪:‬‬
‫وربقيق ذلك ّ‬
‫‪ -1‬نظم األلفاظ من حروؼ سهلة اؼبخارج‪.‬‬
‫‪ -2‬أف يتّصف الكبلـ باإلهباز واإلطناب‪.‬‬
‫‪ -3‬أف يوافق اؼبقاـ واغباؿ‪.‬‬
‫‪ -4‬أف تكوف موارده تُنبيك عن مصادره‪.‬‬
‫‪ -5‬أف تكشف بدايتو قناع آخره‪.‬‬

‫الشروط صبع ‪-‬حسب رأي العسكري ‪ّ -‬ناية اغبسن‪ ،‬وبلغ أعلى‬


‫فإذا صيغ الكبلـ وفق ىذه ّ‬
‫مراتب التّماـ‪.‬‬
‫وقد أورد العسكري أمثلة عن االختيار‪ ،‬وما يؤوؿ عنو من التئاـ الكبلـ ُب مثل قولو‪:‬‬
‫«أخربين أبو أضبد‪ ،‬قاؿ‪ :‬كنت أنا وصباعة من أحداث بغداد فبّن يتعاطى األدب لبتلف إٔب‬
‫الشعر‪ ،‬فقاؿ لنا يوما‪ :‬إذا وضعتم الكلمة مع لَْف ِقها كنتم شعراء‪ٍ ،‬بّ قاؿ‪:‬أجيزوا‬
‫ُمدرؾ نتعلّم منو علم ّ‬
‫كل واحد من اعبماعة بشيء ٓب يرضو‪،‬فقلت‪ :‬وإ ْف‬ ‫َِ‬
‫ىذا البيت‪ :‬أَال إمبَا الدُّنيا َمتَاعُ غُُرور‪ .‬وأجازه ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص ُدوٍر‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ىذا ىو اعبيّد اؼبختار»‪.‬‬ ‫َعظُ َمت ُب أَنْػ ُف ٍ‬
‫س َو ُ‬
‫فاؼبختار من الكبلـ ُب عرؼ العسكري ىو ما كاف «سهبل جزال ال يشوبو شيء من كبلـ‬
‫‪3‬‬
‫العا ّمة وألفاظ اغبشوية‪ ،‬وما ٓب ىبالف فيو وجو االستعماؿ»‪.‬‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبي ىالؿ العسكري‪ ،‬ص ‪.130‬‬


‫كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬السابق ‪،‬ص ‪.131‬‬


‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪017‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وقد أ ّكد النّػ ّقاد القدماء على عملية االختيار من خبلؿ حديثهم عن الببلغة‪ ،‬حيث أشاروا‬
‫إٔب أنّو عنصر جوىري‪ ،‬وؿبوري ُب عملية اإلبداع ففي عرض ؼبفهوـ الببلغة تركيز على ىذا العنصر‬
‫وذكر ألنبّيتو من ذلك قوؽبم‪:‬‬
‫متخري اللّفظ ال يكلّم سيّد‬
‫‪ -1‬الببلغة أف يكوف اػبطيب رابط اعبأش‪ ،‬ساكن اعبوارح‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫السوقة‪.‬‬
‫األمة‪ ،‬وال اؼبلوؾ بكبلـ ّ‬
‫األمة بكبلـ َ‬
‫ّ‬
‫الزيّات‪ ‬حني استوزره‬
‫ؿبمد بن عبد اؼبلك ّ‬
‫وقد ورد ُب كتاب العمدة أيضا أ ّف البحرتي قد مدح ّ‬
‫ووصف ببلغتو‪ ،‬فجاء مصطلح االختيار ضمن شعره حيث قاؿ‪:2‬‬
‫َىجنَت ِش ْعر جروٍؿ ولبِ ِ‬
‫يد‬ ‫فصلَْتها ال َقػ َػوافي‬ ‫ٍ‬
‫ََْ َ‬ ‫ومعاف لَ ْو َ‬ ‫َ‬
‫عقي ِػد‬
‫وتجنّبن ظُلمة الت ِ‬
‫َْ‬ ‫ارا‬
‫الـ اختيَ ً‬‫تعمل ال َك ِ‬ ‫ُح ْز َف ُم ْس َ‬
‫المرادِ البَعيِ ِػد‬ ‫ِ‬
‫َف بو غاَية ُ‬ ‫رؾ‬‫ػب فأ ْد ْ‬ ‫كبػ َػن ال َقري َ‬
‫َوَر ْ‬
‫‪3‬‬
‫وزبريه أصعب من صبعو وتأليفو ‪.‬‬
‫زبري اللّفظ‪ّ ،‬‬ ‫‪ -2‬مدار الببلغة على ّ‬
‫وما يُفهم من ىذه التّعريفات أ ّف عملية االختيار أساسية وؿبورية ُب بناء األسلوب‪ ،‬سواء‬
‫ص‪.‬‬‫أكاف ذلك على صعيد الكلمة أـ على صعيد العبارة‪ ،‬أـ على صعيد البناء الكلّي للنّ ّ‬
‫وقد ورد ُب مؤلّفات عبد القاىر اعبرجاين حديث عن االختيار حيث يقوؿ‪« :‬من اؼبعلوـ أ ّف‬
‫الصفة‪،‬وينسب فيو الفضل واؼبزية‬
‫ال معىن للعبارات وسائر ما هبري ؾبراىا‪ ،‬فبّا يفرد فيو اللّفظ بالنّعت و ّ‬
‫تربجها ُب صورة ىي‬
‫إليو دوف اؼبعىن غري وصف الكبلـ حبسن ال ّداللة وسبامها فيما لو كانت داللة ًبّ ّ‬
‫ظ األوفر من ميل القلوب‪ ،‬وال‬
‫أحق بأف تستوٕب على ىوى النّفس وتناؿ اغب ّ‬
‫أُّى وأزين وأعجب و ّ‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبي ىالؿ العسكري‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪‬‬
‫عصره‪ ،‬توفي ببغداد نحو‬
‫شعراء المعروفين في ْ‬
‫الزيّات‪ ،‬وّزر للمعتصم والواثق وكاف من الكتّاب وال ّ‬
‫محمد بن عبد الملك ّ‬
‫أبو جعفر ّ‬
‫(‪233‬ىػ‪874،‬ـ)‪.‬‬
‫شعر وآدابو‪ ،‬ابن رشيق القيرواني‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪ 2‬العمدة في محاسن ال ّ‬
‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص(‪.)149-148‬‬
‫‪015‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫أصح لتأديتو‪ ،‬وزبتار لو اللّفظ‬


‫جهة الستعماؿ ىذه اػبصاؿ غري أف يأٌب اؼبعىن من اعبهة اليت ىي ّ‬
‫‪1‬‬
‫أخص بو وأكشف عنو وأًبّ لو‪ ،‬وأحرى بأف يكسبو نُببل‪ ،‬ويظهر فيو مزيةً »‪.‬‬
‫الذي ىو ّ‬
‫لب وجوىر توضيح اؼبعاين‪ ،‬وذلك بأف‬
‫ص أف عملية االختيار ىي ّ‬
‫يستشف من ىذا النّ ّ‬
‫ّ‬ ‫وما‬
‫يكوف اختيار اللّفظ على أسس ىي‪:‬‬
‫يتحرى اؼبؤلّف ال ّدقّة ُب اختيار اللّفظ اؼبناسب للمعىن الذي يريده‪.‬‬
‫‪ -1‬التّخصيص‪ :‬حبيث ّ‬
‫جلي‪.‬‬
‫يوضح ىذا اللّفظ اؼبختار اؼبعىن ويظهره بشكل ّ‬
‫‪ -2‬الكشف‪ :‬وذلك بأف ّ‬
‫‪ -3‬اإلسباـ‪ :‬وىو ما وبيل إٔب أ ّف سباـ ودقّة االختيار ىو إسباـ للمعىن وتأدية لو‬
‫‪ -4‬أف يكسبو صباال وذلك بأف يستوٕب على مكامن القلوب‪.‬‬
‫عما سبقو من اؼبعاين‪.‬‬
‫‪ -5‬يظهر فيو مزية‪ :‬دبعىن أف يكوف ىذا اؼبعىن فبيّزا وفيو فرادة ّ‬
‫ووب ّدد اعبرجاين ُب عملية االختيار ىذه شروطا تسبق دخوؿ الكلمة ُب التّأليف‬
‫الصورة اليت يكوف ُّا‬
‫فيقوؿ‪«:‬وينبغي أف ينظر إٔب الكلمة قبل دخوؽبا ُب التّأليف‪ ،‬وقبل أف تصري إٔب ّ‬
‫أوتعجبا‪ ،‬وتؤٌب ُب اعبملة معىن من اؼبعاين اليت ال سبيل إٔب‬
‫الكبلـ إخبارا أو أمرا أو ّنيا أواستخبارا ّ‬
‫يتصور أف يكوف بني اللّفظني تفاضل ُب‬
‫بضم كلمة إٔب كلمة وبناء لفظة على لفظة‪ ،‬ىل ّ‬
‫إفادّتا إالّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫أدؿ على معناىا الّذي وضعت لو من صاحبتها على ما ىي موسومة بو »‪.‬‬
‫حّت تكوف ىذه ّ‬
‫ال ّداللة ّ‬
‫تتم‬
‫يوضح أ ّف عملية االختيار ىي سابقة لعملية التّأليف‪ ،‬الّيت ّ‬
‫ونص عبد القاىر اعبرجاين ّ‬‫ّ‬
‫كوف سياقا وىذا ما هبعل التّفاضل بني األلفاظ فبكنا‪،‬حيث‬ ‫بضم الكلمات بعضها إٔب بعض‪ ،‬فبّا يُ ّ‬
‫ّ‬
‫أدؿ على اؼبعىن الذي وضعت لو‬ ‫تتجلّى قيمة ال ّداللة‪ ،‬فيصبح باإلمكاف اختيار اللّفظة اليت تكوف ّ‬
‫حيث أف «مدار اؼبفاضلة ُب استخداـ الكلمة ُب سياقها اؼبناسب ضمن تناسق ال ّدالالت على الوجو‬
‫الذي يقتضيو األسلوب »‪.3‬‬

‫‪ 1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.43‬‬


‫‪2‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني ‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ " ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪019‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وقد تنبّو اعبرجاين إٔب تباين األساليب ُب التّعبري عن اؼبقصد وفق النّظم اؼبستخدـ «وأنّو كما‬
‫الشيء نظريه واَّانس لو‬
‫حّت يفوؽ ّ‬
‫يفضل ىناؾ النّظم والتّأليف‪ٍ ...‬بّ يعظم الفضل وتكثر اؼبزية ّ‬
‫ّ‬
‫يفضل بعض الكبلـ بعضاً »‪.1‬‬
‫الشديد كذلك ّ‬‫وحّت تتفاوت القيم التّفاوت ّ‬
‫درجات كبرية‪ّ ،‬‬
‫حرية اختيار األسلوب الذي يناسب موضوعو‬ ‫وبني أيضا تع ّدد أساليب النّظم فرتؾ للمبدع ّ‬
‫ّ‬
‫فقاؿ‪« :‬وليس ؼبا شأنو أف هبيء مع ىذا الوصف ح ّد وبصره و قانوف وبيط بو‪ ،‬كأف هبيء على وجوه‬
‫شّت وأكباء ـبتلفة‪.2‬‬
‫ّ‬
‫ملمحا إٔب عنصر‬
‫الصناعة اللّفظية" طريقة الكاتب ُب صياغتو ّ‬ ‫وقد صبع ابن األثري ُب"باب ّ‬
‫الصناعة اللّفظية وبتاج ُب تأليفو إٔب ثبلثة أشياء‪:‬‬
‫االختيار ُب قولو‪ «:‬إ ّف صاحب ّ‬
‫تتخري وتنتقي قبل النّظم‪.‬‬
‫األوؿ‪ :‬اختيار األلفاظ اؼبفردة وحكم ذلك حكم الآللئ اؼبب ّددة‪ ،‬فإ ّّنا ّ‬
‫ّ‬
‫كل كلمة مع أختها اؼبشاكلة ؽبا‪ ،‬لئبل هبيء الكبلـ قلقاً نافراً عن مواضعو‪ ،‬وحكم‬ ‫الثاّين‪ :‬نظم ّ‬
‫كل لؤلؤة منو بأختها اؼبشاكلة ؽبا‪.‬‬
‫ذلك حكم العقد اؼبنظوـ ُب اقرتاف ّ‬
‫الثّالث‪ :‬الغرض اؼبقصود من ذلك الكبلـ على اختبلؼ أنواعو‪ ،‬وحكم ذلك حكم اؼبوضع الذي‬
‫الرأس‪ ،‬وتارة هبعل قبلدة ُب العنق وتارة هبعل شنفا‬
‫يوضع فيو العقد اؼبنظوـ فتارة هبعل إكليبل على ّ‬
‫‪3‬‬
‫زبصو‪» .‬‬
‫لكل موضع من ىذه اؼبواضع ىيئة من اغبسن ّ‬
‫ُب األذف و ّ‬
‫وأشار حازـ القرطاجّن أيضا إٔب أنبّية االختيار من خبلؿ حديثو عن تفاوت بني األساليب‬
‫الشعراء يقوؿ‪« :‬وىذا االمتياز يكوف بأحد طريقتني‪ّ :‬إما بأف يُؤثِر ُب شعره أبدا اؼبيل إٔب جهة ٓب‬
‫عند ّ‬
‫شعرىم‪،‬وإما بأف ال يسلك أبدا‬
‫ّ‬ ‫يُؤثِر النّاس اؼبيل إليها‪ ،‬وٓب يأخذوا فيها َمؤخذه‪ ،‬فيتميّز شعره ُّذا عن‬
‫ُب صبيع اعبهات الّيت يبيل بكبلمو إليها مذىب شاعر واحد ولكن يقتفي أثر واحد ُب اؼبيل إٔب جهة‬
‫‪4‬‬
‫وأثر آخر ُب اؼبيل إٔب جهة أخرى »‪.‬‬

‫‪1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص ‪.35‬‬


‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ /1 ،‬ص ‪.210‬‬
‫ينظر‪ :‬المثل ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬حازـ القرطاجني‪ ،‬ص‪.354‬‬


‫‪001‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫يوضح‬
‫الصياغة‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫الشعراء ُب طريقة ّ‬
‫فقد استطاع حازـ أف يكتشف أ ّف ىناؾ سبايز بني ّ‬
‫أ ّف أسلوُّم ّنج سبيل االختيار لذلك جاءت أساليبهم متفاوتة وـبتلفة‪ ،‬حبيث يُعرؼ األديب من‬
‫تتنوع حبسب مسالك‬
‫الشعر ّ‬
‫الشعرية‪«:‬إ ّف أساليب ّ‬‫تنوع األساليب ّ‬
‫خبلؿ كتابتو‪ ،‬وىو ما ُوبيل إٔب ّ‬
‫الشعر وحبسب تصعيد النّفوس فيها إٔب حزونة اػبشونة أو تصويبها‬
‫كل طريقة من طرؽ ّ‬ ‫الشعراء ُب ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الرقّة أو سلوكها مذىبا وسطاٌ بني ما ال َف وما خشن من ذلك»‪.‬‬
‫إٔب سهولة ّ‬
‫ويضيف إٔب ذلك أ ّف‪« :‬النّظم ُب األلفاظ الذي ىو صورة كيفية االستمرار ُب األلفاظ‬
‫والعبارات‪ ،‬واؽبيئة اغباصلة عن كيفية النّقلة من بعضها البعض‪ ،‬وما يعتمد فيها من ضروب الوضع‬
‫‪2‬‬
‫الرتتيب»‪.‬‬
‫وأكباء ّ‬
‫يدؿ على مقصد االختيار ضمن حديثو عن الببلغة اليت‬ ‫الرازي حديثا ّ‬ ‫وقد أورد فخر ال ّدين ّ‬
‫الرتكيب فتحقيق القوؿ فيو‪ :‬أ ّف الكبلـ اؼبنظوـ‬
‫تتعلّق باؼبفردات يقوؿ‪ّ « :‬أما الببلغة العائدة إٔب النّظم و ّ‬
‫ال ؿبالة مرّكب من مفردات وتلك اؼبفردات أمكن ترّكبها على وجو يفيد ذلك اؼبعىن اؼبقصود‪ ،‬وأمكن‬
‫للرتكيب اؼبفيد مراتب كثرية‪:‬‬
‫تركيبها على وجو ال يفيد ذلك اؼبقصود‪ٍ ،‬بّ ّ‬
‫الرتكيب‪ ،‬حبيث يبتنع أف يوجد ما ىو أش ّد تناسبا واعتد اآلٌب إفادة ذلك‬
‫‪ -1‬أف يقع ذلك ّ‬
‫اؼبعىن منو‪.‬‬
‫أقل تناسبا منو ػبرج عن كونو مفيدا لذلك اؼبعىن‪ ،‬وبني ىذين‬
‫‪ -2‬أف يقع على وجو لو صار ّ‬
‫الطّرفني مراتب متباينة تكاد تكوف غري متناىية واختيار أحسنها يقتضي الفصاحة ُب‬
‫‪3‬‬
‫النّظم »‬

‫الرتاكيب اؼبناسبة للمعىن على ضرورة الفصاحة ُب النّظم‪،‬والنّظم‬


‫الرازي اختيار ّ‬
‫بىن فخر ال ّدين ّ‬
‫عنده ىو اؼبعرفة بأحواؿ النّحو‪ ،‬واختيار اؼبعاين عنده سابق الختيار األلفاظ‪ ،‬فاؼبعىن وبصل ُب ال ّذىن‬
‫ّأوال ٍبّ يُرتجم على اللّساف باللّفظ اؼبناسب لو‪.‬‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص‪.354‬‬
‫‪ 2‬نفسو ‪ ،‬ص‪.354‬‬
‫الرازي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مطبعة اآلداب والمؤيّد‪1317( ،‬ىػ)‪،‬ص‪.33‬‬
‫نهاية اإليجاز‪ ،‬فخر ال ّدين ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪000‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫إ ّف ىذه اؼبقوالت تلّح على أ ّف ببلغة االختيار ىي عنصر جوىري وأساسي ُب بناء األسلوب‬
‫خباصية الفرادة ُب تشكيل‬
‫ربوالت لغوية تسعى لبلستئثار ّ‬
‫إذ ُّا وبصل التّفاوت الذي ينجم عن ّ‬
‫النّصوص‪.‬‬

‫الدراسئت الصحديثة‪:‬‬
‫‪ .2‬أسموب االختيئر في ّ‬
‫عرؼ األسلوب ُب كثري من ال ّدراسات النّقدية اغبديثة على أنّو اختيار‪ ،‬وقد أخذ ىذا اؼبفهوـ‬
‫يُ ّ‬
‫مساحات واسعة من مناقشات ال ّدراسة األسلوبية الّيت ترى أ ّف نظاـ اللّغة يق ّدـ إمكانات ىائلة من‬
‫معني‪ ،‬وقد‬
‫الرتاكيب دبختلف أوجهها للمبدع ولو أف يستخدمها للتّعبري عن حالة أو موقف ّ‬
‫األلفاظ و ّ‬
‫مؤسس على مبادئ‬
‫فُ ّسر األسلوب من وجهة نظر ىذه ال ّدراسات بأنّو «عدوؿ عن الكبلـ العادي ّ‬
‫‪1‬‬
‫االختيار»‪.‬‬
‫الضرب‬
‫دبعىن أنّو طريقة اختيار األلفاظ وتأليفها للتّعبري ُّا عن اؼبعاين قصد اإليضاح والتّأثري أو ّ‬
‫‪2‬‬
‫من النّظم والطّريقة فيو‪.‬‬
‫‪)Léo‬حيث يقوؿ‪« :‬األسلوب ىو اؼبمارسة العملية‬ ‫سبيتزر(‪Spitzer‬‬ ‫وىذا ما أشار إليو‬
‫اؼبنهجية ألدوات اللّغة»‪ ،3‬فباؼبمارسة واالستخداـ الفعليني ألدوات اللّغة يظهر التّشكيل األسلويب‬
‫وتتب ّدى اختيارات اؼببدع‪.‬‬
‫ّأما ماروزوا(‪ )Maroswa‬فيح ّدد األسلوب على أنّو «موقف يتّخذه اؼبستعمل للّغة كتابة أو‬
‫‪4‬‬
‫مشافهة فبّا تعرضو عليو من وسائل»‪.‬‬
‫الرأي موقف يتّخذه اؼبنشئ اذباه اإلمكانات التّعبريية اؼبتاحة الّيت‬
‫فاألسلوب حسب ىذا ّ‬
‫توفّرىا اللّغة فيستغلّها لئلبانة عن مقصده كتابيا أو شفويا‪.‬‬

‫‪ 1‬التّفكير البالغي عند العرب‪ ،‬حمادي صمود‪ ،‬منشورات كلّية اآلداب‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪1994(2‬ـ)‪ ،‬ص ‪.265‬‬
‫شايب‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫ينظر‪ :‬األسلوب‪ ،‬أحمد ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬األسلوبية واألسلوب عبد السالـ المسدي‪ ،‬ص‪.59‬‬


‫‪ 4‬نفسو‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪003‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ويؤّكد ذلك بقولو‪«:‬األسلوب اختيار الكاتب ؼبا من شأنو أف ىبرج بالعبارة من حيادىا‬
‫‪1‬‬
‫اؼبهمة اليت زبرج‬
‫الصفر إٔب خطاب يتميّز بنفسو»‪ .‬فاالختيار ُب رأيو ىو الوسيلة ّ‬
‫وينقلها من درجتها ّ‬
‫ببعض األلفاظ والعبارات من عزلتها وحيادىا‪ ،‬لتنتقل من كوّنا ال شيء إٔب كوّنا خطاب قائم بذاتو‬
‫لو فرادتو وفبيّزاتو‪.‬‬

‫ويوضح قابيالنبز(‪ )Kabaanbz‬ىذه النّظرة أكثر ّ‬


‫فيقرر أ ّف األسلوب «ينضوي على تفضيل‬ ‫ّ‬
‫اإلنساف بعض طاقات اللّغة على بعضها اآلخر ُب غبظة ؿب ّددة من غبظات االستعماؿ»‪ 2.‬ووبمل‬
‫ىذا اؼبفهوـ بني طيّاتو معىن اؼبفاضلة بني تركيب وآخر ولفظ وآخر‪ ،‬ويرتبط ىذا التّفضيل بلحظة‬
‫زمنية معيّنة من غبظات االستعماؿ وىو ما وبيل لئلشارة للمقاـ‪.‬‬

‫وىناؾ تعريف آخر ينحو باألسلوب إٔب أنّو «اختيار لقاموس لغوي ّأوال ٍبّ اختيار للعبلقات‬
‫‪3‬‬
‫بني عناصر القاموس ثانيا»‪.‬‬

‫واؼبعىن من ىذا اؼبفهوـ أ ّف اؼببدع يلجأ ؼبعجمو اللّغوي ليختار منو ؾبموعة من األلفاظ اليت‬
‫يعرب عنو‪ٍ ،‬بّ يربط بني ىذه اَّموعات اللّفظية بعبلقات كبوية ‪،‬أي اختيار‬
‫ربيل للغرض الذي يريد أف ّ‬
‫األلفاظ ٍبّ تركيبها ُب صبل مفيدة‪ .‬حبيث تتعأب النّظم على العناصر اؼبؤلّفة لو‪ ،‬فرتتّب الكلمات وفق‬
‫‪4‬‬
‫القوانني الّيت ربتكم إليها خصوصية التّشكيل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫فصل فيها صبلح فضل على النحو اآلٌب‪:‬‬
‫وُيبكن أف وبدث االختيار بطرائق ـبتلفة ّ‬

‫البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.60‬‬


‫‪ 3‬مجلّة دراسات أدبية‪ " ،‬أسلوب االختيار في ال ّدراسات األسلوبية"‪ ،‬سامية محصوؿ‪ ،‬دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،10‬سنة(‪2011‬ـ)‪،‬‬
‫ص‪.126‬‬
‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫ينظر‪ :‬المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها‪ " ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ 5‬األسلوب مبادئو وإجراءاتو‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.117‬‬


‫‪002‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ -1‬اختيار قصد التّواصل‪ :‬إذ يسعى اؼبتكلّم إٔب ربقيق غرضو من الكبلـ لئلببلغ أو ال ّدعوة أو‬
‫ص األديب فيكوف ىدفو صباليا ؿبضاً‪.‬‬
‫اإلقناع‪ ،‬أواإلعبلـ‪ّ ،‬أما النّ ّ‬
‫‪ -2‬اختيار موضوع الكبلـ‪ :‬حيث ىبتار اؼبتكلّم اؼبوضوعات الّيت يريد أف يتناوؽبا‪ ،‬وُّذا وبصر‬
‫إمكاناتو االختيارية‪ ،‬فإذا كاف يريد أف يتح ّدث عن جواد فبوسعو أف ىبتار بني كلمات‬
‫جواد‪ ،‬حصاف‪ ،‬فرس‪...‬لكنّو سيستبعد كلمة مهر مثبل‪.‬‬
‫مهم ليكوف التّواصل ناجحاً‬
‫الرمز اللّساين ّ‬
‫الشفرة أو ّ‬
‫الشفرة اللّغوية‪ :‬إ ّف اختيار ّ‬
‫‪ -3‬اختيار ّ‬
‫ومهم ُب العملية التّواصلية‪.‬‬
‫فانتقاء اللّغة اؼبناسبة للمستوى وللموضوع ضروري ّ‬
‫‪ -4‬االختيار النّحوي‪ :‬إذ ىبتار اؼبتح ّدث أبنية لغوية زبضع لقواعد كبوية إجبارية ُب صياغتها‪،‬‬
‫ص واتساقو وانسجامو‪ ،‬ىذا‬
‫السياؽ العاـ للنّ ّ‬
‫ويتم تركيبها وفق ّ‬
‫النّفي‪ ،‬االستفهاـ‪ّ ...‬‬
‫باإلضافة إٔب‪:‬‬
‫ص‪.‬‬
‫‪ -5‬اختيار ال ّداللة‪ :‬حبيث تتناسب وزبدـ ال ّداللة الكربى أو الكلّية للنّ ّ‬
‫حّت وإف توافق ترادفيا مع لفظ‬
‫اػباصة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫فكل لفظ لو داللتو‬‫‪ -6‬اختيار األلفاظ واؼبفردات‪ّ :‬‬
‫فمس مثبل‬
‫تتفرع إٔب دالالت جزئية ّ‬‫آخر‪ ،‬إذ تشرتؾ اؼبرتادفات ُب ال ّداللة الكلية لكنّها ّ‬
‫لكل منها استعماؿ دالٕب‬
‫حسس" لكن ّ‬‫س" ألفاظ تشرتؾ ُب معىن "التّ ّ‬
‫و"ج َ‬
‫س" َ‬‫و"لَ َم َ‬
‫معني‪ ،‬وما ينطبق على األلفاظ يقاؿ على اغبروؼ ووضعيتها ضمن‬
‫خاص ضمن سياؽ ّ‬
‫الكبلـ‪.‬‬

‫وتتّصل عملية االختيار اتّصاال وثيقا بعملية التّل ّقي من جانب القارئ‪ ،‬إذ يشري‬
‫كراسو(‪ُ)Krassó‬ب مناظرتو بني نشأة ظاىرة األسلوب ومبدأ استعماؿ اللّغة ُب االختيار إٔب أ ّف‬
‫قانوف االختيار ليس وقفاً على الظّاىرة الفنّية ُب تعريف اغبدث اللّساين‪ ،‬وإّمبا ىو عقد من الوعي‬
‫‪1‬‬
‫بعامة‪.‬‬
‫الباث واؼبتقبّل ُب جهاز التّخاطب ّ‬
‫اؼبشرتؾ بني ّ‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.60‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪001‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫السبلـ اؼبس ّدي على ىذه النّظرية بقولو‪« :‬ففرضية االختيار ُب ربديد ماىية‬
‫ويُعلّق عبد ّ‬
‫األسلوب تفضي بنا إٔب اعتبار األسلوب جسرا ثانويا يُقاـ على جسر أصلي‪ ،‬فإذا كاف اغبدث‬
‫الباث واؼبتقبّل مطلقا‪ ،‬فإ ّف األسلوب كظاىرة وجودية مستقلّة بذاّتا يضاؼ‬
‫اللّساين رباط الوصل بني ّ‬
‫إٔب اعبهاز اإلببلغي ليكوف حبل األسباب بني دوافع اػبطاب ُب أصل نشأتو وغاياتو الوظائفية‪،‬‬
‫ومعىن ذلك أ ّف اغبدث اللّساين تركيب لعبلمات اللّغة ُب معادلة من ال ّدرجة األؤب بينما يكوف‬
‫لعل خري ما يفصح عن ىذا اؼبدلوؿ أف نعترب أ ّف‬
‫األسلوب تركيبا ؽبا ُب معاعبة من ال ّدرجة الثّانية‪ ،‬و ّ‬
‫‪1‬‬
‫األسلوب نظاـ عبلمي ُب صلب نظاـ عبلمي آخر»‪.‬‬
‫فاألسلوب وفق ىذه النّظرة لوف من اللّغة ُب لغة أخرى وربديد ماىية األسلوب تتأتّى من‬
‫الرتكيز‬
‫الباث ُب صياغة اغبدث اللّساين لتحقيق اإلببلغية للمتقبل و ّ‬
‫كونو نتاج عن اختيارات يقوـ ُّا ّ‬
‫الباث‪ ،‬وىي عملية تغدو‬
‫على االختيار ضروري «لتحقيق الفهم من اؼبتل ّقي واإلفهاـ من اؼببدع أو ّ‬
‫ص فإذا كاف‬
‫ؿبورية وأساسية‪ ،‬أل ّف االختيار ال يلغي شخصية اؼبتل ّقي إذ يدخل ُب صراع لفهم النّ ّ‬
‫االختيار موفقا فإ ّف عنصر الفهم سيتح ّقق»‪.2‬‬
‫متنوعا لتحويبلت ؾب ّددة توصل ُب‬
‫الرتكييب تطبيقا ّ‬
‫وعليو فقد يصبح األسلوب« على اؼبستوى ّ‬
‫النّهاية إٔب أوجو تعبريية »‪.3‬‬
‫ويعرؼ األسلوب أيضا باالستناد إٔب مبدأ االختيار بأنّو‪:‬‬
‫ّ‬
‫نص عن طريق اختيار إمكانيات كبوية ومعجمية من الثّروة اللّغوية على كبو فردي‬‫‪«-1‬إنشاء ّ‬
‫‪4‬‬
‫وتكرار حتمي‪».‬‬
‫لكل مرسل«ومركزية األسلوب‬
‫فسر فردية األسلوب الّيت تعّن اؼبظهر األسلويب اؼبميّز ّ‬
‫وىو ما يُ ّ‬
‫الشخصي اؼبتميّزين‬
‫الرتكيب ّ‬
‫الصانع اغبقيقي لعملييت االختيار و ّ‬
‫الفردي ناصبة عن كوف األسلوب ىو ّ‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص ‪.60‬‬


‫(الرؤية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫األسلوبية ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬تحقيق خالد محمود جمعة‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.164‬‬
‫‪005‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫كل الظّروؼ‬
‫معني إمكانات لغوية وأسلوبية معروضة أمامو ُب ّ‬
‫غري القابلني للتّكرار‪ ،‬كاستعماؿ فرد ّ‬
‫النّفسية واؼبقامية واؼبقتضيات االجتماعية »‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫السائدة عند مؤلّف ما»‪.‬‬
‫لذلك ع ّد األسلوب أيضا‪« :‬شكبل من أشكاؿ التّحويبلت االختيارية ّ‬
‫كما ع ّد أيضا شكبل من أشكاؿ استعماؿ بدائل لغوية مناسبة وؿب ّددة استعماال متواترا‬
‫ألغراض تعبريية ؿب ّددة‪.‬‬
‫ووبتكم مبدأ االختيار إٔب عاملني‪:‬‬
‫‪ -1‬العوامل ال ّذاتية(‪ :)Subjective‬وتشتمل اإليثارات اللّغوية للمنشئ وتكوينو النّفسي وطابع‬
‫خاصة تتعلّق‬
‫تتدخل فيها عوامل ّ‬
‫تفكريه ومهاراتو األسلوبية‪ ،‬فاالختيارات اللّغوية لؤللفاظ واؼبعاين ّ‬
‫باؼببدع‪ ،‬حيث تؤثر شخصيتو تأثريا قويّا ُب ألواف انتقاءاتو اللّفظية أو اؼبعنوية فتضيف إليها مزايا‬
‫تصور ما ُب نفسو من انفعاالت تطبع العبارات واأللفاظ الّيت خلقها‪ ،‬وألّفها‬ ‫خاصة‪ ،‬فهي ّ‬
‫ّ‬
‫الرتاكيب‬
‫الصور و ّ‬
‫الصادؽ وأسلوبو اؼبميّز‪ ،‬وتأثر العوامل ال ّذاتية على « الكلمات و ّ‬
‫فتصبح صداه ّ‬
‫‪3‬‬
‫والعبارات مع طيف موسيقي عاـ ىو ُب األصل من عبقرية اؼبنشئ وموسيقى نفسو»‪.‬‬
‫‪ -2‬العوامل اؼبوضوعية‪ :)Objective( :‬وتشمل ؿب ّددات اؼبقاـ (‪ )Contex‬وىي عوامل مستقلّة‬
‫السبلـ اؼبس ّدي حينما‬
‫عن اؼبنشئ‪ ،‬وإف كانت سبارس تأثريىا من خبللو‪ ،‬وىو ما أشار إليو عبد ّ‬
‫رب ّدث عن الطّاقة التّعبريية حيث أبرز أ ّف اللّسانيني قد ّقرروا ضمن نظرياّتم ال ّداللية اغبديثة أ ّف‬
‫«طاقة التّعبري‪-‬وُّا رب ّدد اللّغة‪ -‬مزدوجة ُب ذاّتا‪ ،‬فمنها جدوؿ تصروبي ومنها جدوؿ إوبائي‪،‬‬
‫الرصيد اللّغوي‪ ،‬و ّأما الثّاين‬
‫األوؿ فيستم ّد قدرتو اإلخبارية من ال ّدالالت ال ّذاتية َّموع ّ‬
‫فأما ّ‬‫ّ‬
‫متنوعة عرب اخرتاقها لطبقات التّاريخ‬
‫السياقية اليت ربملها اللّغة بكثافات ّ‬‫فيستم ّدىا من ال ّدالالت ّ‬
‫‪4‬‬
‫ومنازؿ اَّتمع »‪.‬‬

‫‪ 1‬السابق ص‪.164‬‬
‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫شايب‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫األسلوب‪ ،‬أحمد ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪002‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ويستظهر سعد مصلوح رأيا لػ"لوبو مواردوليجيل"('‪ )LoboMoardoljugill‬يورد فيو‬


‫احتماالت نظرية ثبلثة للعبلقة بني العوامل ال ّذاتية واؼبوضوعية ىي‪:‬‬
‫اػباصة خضوعا مطلقا فينحي بذلك أثر‬
‫األوؿ‪ :‬أف ىبضع االختيار عند اؼبنشئ اليثارتو ّ‬
‫االحتماؿ ّ‬
‫‪context styleFree‬‬ ‫اؼبتحرر من سيطرة اؼبقاـ‬
‫العوامل اؼبوضوعية وينتج ىذا االحتماؿ‪ :‬األسلوب ّ‬
‫تاما‬
‫اػباصة كبتا ُمطلقا‪ ،‬وىبضع خضوعا ّ‬
‫االحتماؿ الثّاين‪ :‬أف يكبت اؼبنشئ ابتكاراتو وإيثاراتو ّ‬
‫ؼبا يبليو عليو اؼبقاـ‪ ،‬وبذلك ّتيمن العوامل اؼبوضوعية‪ ،‬وتنحى العوامل ال ّذاتية وينتج ىذا‬
‫‪.)context bound‬‬ ‫(‪style‬‬ ‫االحتماؿ "األسلوب اػباضع لسيطرة اؼبقاـ"‬
‫االحتماؿ الثّالث‪ :‬أف يضبط اؼبنشئ اختياراتو تبعا ؼبتطلّبات اؼبقاـ وىي عوامل موضوعية تتجاوز‬
‫تفرده وخصوصية أسلوبو‬
‫سيطرة الفرد(‪ ،)supra individual context‬ؿبافظا ُب آف معا على ّ‬
‫الّيت سبيّزه من غريه من سائر اؼبنشئني‪.‬‬
‫وُب ىذا األسلوب‬ ‫‪style Contexte sensitive‬‬ ‫اغبساس‬
‫وينتج ىذا االحتماالألسلوب ّ‬
‫يستجيب اؼبنشئ ُب اختياراتو للعوامل اؼبوضوعية والعوامل ال ّذاتية على وجو التّبلزـ‪ ،‬ويكوف االختيار ىنا‬
‫‪1‬‬
‫األعم ُب أكثر األحواؿ‪.‬‬
‫السابقني‪ ،‬وىو االحتماؿ الغالب ّ‬
‫عمبل مرّكبا إذا ما قيس باالحتمالني ّ‬
‫وعموما واستنادا إٔب ىذه االحتماالت فإ ّف عملية االختيار تشي « دبسألة اقرتاف ال ّذاٌب‬
‫باؼبوضوعي ُب صياغة سبنح البىن فرادة تستم ّدىا من النّسيج الكلّي »‪.2‬‬
‫لعل أشهر تعريف متداوؿ بني الباحثني لؤلسلوب بوصفو اختيارا ىو ما أورده صبلح فضل‬
‫و ّ‬
‫‪3‬‬
‫من أنّو «ؿبصلة ؾبموعة من االختيارات بني عناصر اللّغة القابلة للتّبادؿ»‪.‬‬
‫وقد علّق عليو بقولو‪«:‬فاألسلوب يُولد نتيجة النتقاء اؼبؤلّف من بني إمكانات اللّغة االختيارية‬
‫اليت تقوـ بينها عبلقة التّبادؿ فبّا هبعل من اؼبيسور مبلحظة الفوارؽ األسلوبية ُب نصوص تنتمي لنفس‬
‫‪4‬‬
‫تؤدي صبيعها ا﵀توى اإلعبلمي ذاتو بأشكاؿ ـبتلفة»‪.‬‬
‫اللّغة عندما ّ‬

‫‪1‬مجلة عالم الفكر‪ " ،‬من الجغرافية اللّغوية إلى الجغرافية األسلوبية"‪ ،‬سعد مصلوح‪،‬المجلد‪ ،22‬العدد‪3‬و‪1994( ،4‬ـ)‪،‬المجلس الوطني‬
‫للثّقافة والفنوف‪ ،‬الكويت‪،‬ص‪.21‬‬
‫صي وقراءة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.254‬‬
‫ّّ‬‫ن‬‫ال‬ ‫ماسك‬‫الت‬
‫ّ‬ ‫الكتناه‬ ‫بنائية‬ ‫بة‬‫ر‬‫مقا‬ ‫"‬ ‫وآدابها‪،‬‬ ‫‪2‬المجلة األردنية في اللغة العربية‬
‫‪ 3‬علم األسلوب مبادئو وإجراءاتو‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪007‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وقد ربط صبلح فضل مفهوـ األسلوب بوصفو اختيارا بنظرية التّوصيل«على اعتبار أ ّف النّظاـ‬
‫اللّغوي يتيح للمتكلّم فرصا عديدة‪ ،‬وإمكانات ـبتلفة للتّعبري عن واقع ؿب ّدد‪ ،‬مع مبلحظة مدى ما‬
‫حرية حقيقية ُب اختياراتو‪ ،‬إذ أ ّف عمليات االختيار ؿبكومة بالظّروؼ اؼبختلفة‬
‫يتمتّع بو الكاتب من ّ‬
‫أعلى»‪.1‬‬ ‫مستوى‬ ‫على‬
‫يتم‬
‫ّ‬ ‫الّيت يبكن تفسريىا بدورىا على أ ّّنا اختيار‬
‫واال ختيار عملية واعية إذ ينتقي اؼبنشئ كلماتو وعباراتو وتراكيبو بعناية فائقة وعليو فقد نظر إٔب‬
‫‪2‬‬
‫ويفسر االنتقاء‬
‫ّ‬ ‫األسلوب بأنّو«اختيار واع يسلّطو اؼبؤلّف على ما توفّره اللّغة من سعة وطاقات»‪.‬‬
‫الشخصية اليت استخدمتو‪،‬‬
‫الرتاكيب ّقوة األسلوب الذي يكتسب صبالو من طبيعة ّ‬ ‫الواعي األلفاظ و ّ‬
‫حيث ُربدث العبارات واأللفاظ اؼبختارة أثرىا ُب النّفوس‪ ،‬وٓب تكن لتحدث ىذا الوقع لو ٓب تصدر‬
‫وتعرب عن ذبربتو ورؤيتو بشكل يُؤثّر أيضا ُب اؼبتل ّقي‪.‬‬
‫عن وعي اؼببدع‪ ،‬إذ ُسبثّل ّ‬
‫اصة ُّا‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫إ ّف انتقاء كلمة دوف غريىا من مرتادفات كثرية تربز إوباءاّتا وظبلؽبا اػب ّ‬
‫الشاعر سبلمة ابن جندؿ‪:‬‬ ‫ذلك ما أورده يوسف أبو الع ّدوس عن قوؿ ّ‬
‫ِ‬ ‫أَو َدى الشباب حم ِْيدا ذُو التػع ِ‬
‫اج ِ‬
‫أَ ْودى وذَلك ٌ‬
‫شأو غ ْيػ ُر َمطْلُوب‬ ‫يب ‪‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ض اليَػ َعاقِيب‬
‫لَ ْو َكا َف يُ ْد ِرُكو َرْك َ‬ ‫ب يَطْلبُػو ‪‬‬ ‫َولَى َحثِيثاً َ‬
‫وىذا الش ْيػ ُ‬
‫فِيو نَلػَ ّذ َ‬ ‫اب الّ ِذي َم ْجد َع َواقِبُو‬
‫‪3‬‬
‫شيب‬
‫ات لل ّ‬
‫وال ل ّذ َ‬ ‫‪‬‬ ‫أَ ْو َدى الشبَ ُ‬

‫ليعرب بصدؽ عن ذبربتو ورؤيتو‪،‬‬


‫مرات ّ‬
‫تكررت ثبلث ّ‬
‫الشاعر عن وعي كلمة أودى اليت ّ‬
‫اختار ّ‬
‫لقوة داللتها ُب تأدية‬
‫وكاف بإمكانو أف ينتقي كلمات أخرى مرادفة ؽبذه الكلمة لكنّو آثر "أودى" ّ‬
‫اؼبعىن وش ّدة وقعها ُب التّأثري واإليضاح‪.‬‬
‫الشيب فتجلّت أمامو ؾبموعة من‬
‫ليحل ؿبلّو ّ‬
‫الشباب وزوالو ّ‬
‫يصور انقضاء ّ‬ ‫فقد أراد أف ّ‬
‫تعرب عن ىذا اؼبعىن منها‪:‬‬
‫األلفاظ اليت ّ‬

‫‪1‬علم األسلوب مبادئو وإجراءاتو‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.116‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬ديواف ابن سالمة بن جندؿ‪ ،‬سالمة بن جندؿ‪ ،‬تحقيق فخر ال ّدين قباوة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1987( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪005‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ذىب‬
‫انقضى‬
‫ؤب‬
‫ّ‬
‫الشباب‬
‫ّ‬ ‫ؿبور االستبداؿ‬ ‫ىلك‬
‫أفل‬
‫غاب‬
‫زاؿ‬
‫مضى‬
‫أودى‬
‫الرتاكيب‬
‫ؿبور ّ‬ ‫‪...‬‬
‫قارا يتمثّل ُب أ ّف‬
‫وىو ما أومأ إليو جاكبسوف ُب ربديد األسلوب حيث استغل معطى لسانيا ّ‬
‫الزمن ومتطابقتني ُب الوظيفة ونبا اختيار اؼبتكلّم‬
‫اغبدث اللّساين ىو تركيب عمليتني متواليتني ُب ّ‬
‫الرصيد اؼبعجمي للّغة ٍبّ تركيبو ؽبا تركيبا يتماشى مع قوانني النّحو وضرورات‬
‫ألدواتو التّعبريية من ّ‬
‫‪1‬‬
‫االستعماؿ‪.‬‬
‫أي اتّصاؿ لغوي فيو تآزر بني عوامل‬
‫وعليو فقد الحظ الباحثوف منهم موريس وجاكبسوف أ ّف ّ‬
‫متع ّددة ىي دبثابة شروط أساسية لبلختيار األسلويب ومنها‪:2‬‬
‫متّصل (مرسل‪ ،‬كاتب‪/‬متكلّم)‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫يرسل إٔب اؼبتل ّقي (مستقبل‪ ،‬قارئ‪/‬مستمع)‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫كل اؼبعطيات النّفسية واالجتماعية لشخصيتهما‪.‬‬
‫مع ّ‬
‫عرب قناة (وسيلة مادية‪ :‬رموز كتابية‪ /‬أمواج صوتية)‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫_ إشارة بوصفها حاملة معلومة (خرب‪ ،‬رسالة‪ ،‬اؼبكتوب‪ /‬اؼبنطوؽ)‪.‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.76‬‬


‫ينظر‪ :‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ترجمة خالد محمود جمعة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2003(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.126‬‬
‫‪009‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫_ نظاـ رمزي (اإلمكانات اللّغوية)‪.‬‬


‫_ تشري إٔب إشارة ؿب ّددة (أشياء‪ ،‬موضوع اغبديث‪ /‬الكتابة)‪.‬‬
‫_ اؼبقاؿ الكبلمي‪ ،‬مقاـ ثقاُب واجتماعي‪.‬‬

‫موقف اتصإب‪ /‬اجتماعي‬


‫مستمع‬ ‫متكلّم‬
‫متل ّقي‬ ‫مرسل‬
‫قارئ‬ ‫الرمز‬
‫ّ‬ ‫كاتب‬
‫المعلومة‬

‫يفسر‬
‫الرتميز‪ّ /‬‬
‫يفك ّ‬
‫يتل ّقى‪ّ /‬‬ ‫ينتقي‪/‬يرمز‪/‬ينقل‬
‫يفيفيفسر‬
‫ّ‬ ‫يي‬

‫النّظاـ اللّغوي‬
‫الرتميز)‬
‫(آلية االتّصاؿ و ّ‬

‫الرتميز الّيت‬
‫الصوتية ُب اؼبرحلة األؤب من عملية ّ‬
‫للمكونات ال ّداللية والنّحوية و ّ‬
‫ّ‬ ‫يندرج االنتقاء‬
‫ين ّفذىا اؼبتكلّم إلرساؿ إشارات مسموعة يعتمد عليها اؼبستمع ُب فهم اؼبعلومات بعد تفكيكها‬
‫وربليلها‪.‬‬
‫واالنتقاء ىو جانب واحد من عمل ؿبدود ومرتابط ُب عملية االتّصاؿ اللّغوي‪ ،‬الّذي يبقى‬
‫قسم االنتقاء إٔب مرحلتني‪:‬‬
‫جانبو اآلخر ُب التّنسيق‪ ،‬ؽبذا ّ‬
‫األؤب‪ :‬اختيار إصبإب للمكونّات األسلوبية‪.‬‬

‫‪031‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الثانية‪ :‬اختيار من بني إمكانيتني تدخبلف ُب عبلقة استبدالية ؼبا بينهما من عبلقة تشابو تتباين‬
‫الرتادؼ‪ ،‬وينضوي «االنتقاء بني البدائل على إمكانية التّعويض عن‬
‫درجتو بني التّطابق والتّشابو و ّ‬
‫لؤلوؿ من ناحية وـبتلفا عنو من ناحية أخرى‪ ،‬واغبقيقة أ ّف‬
‫أحدنبا باآلخر‪ ،‬فبّا يكوف مساويا ّ‬
‫االنتقاء واالستبداؿ نبا وجهاف لعملية واحدة بعينها »‪.1‬فعندما ننتقي يعّن أنّنا نستبدؿ كلمة بأخرى‬
‫أيضا‪.‬‬
‫تؤديو ىاتاف العمليتاف ُب اللّغة إدراكا‬
‫وقد أدرؾ فرديناف دي سوسري ال ّدور اعبوىري الذي ّ‬
‫جليّاً‪ ،‬لذلك رّكز ُب أحباثو على قضية التّسلسل عند التّأليف‪ ،‬والّيت «تستبعد إمكانية اعبمع بني‬
‫‪2‬‬
‫الرتكيب الذي تتجلّى وظيفتو ُب ا ّلربط بني‬
‫عنصرين دفعة واحدة » ‪ ،‬حيث يأٌب دور التّنسيق و ّ‬
‫الصبلت ال ّداللية اؼبقالية‪.‬‬
‫فيتضمن ّ‬
‫ّ‬ ‫عناصر لغوية مفردة وجعلها ُب صبل مفيدة‬
‫وعلى ىذا األساس ميّز الباحثوف ُب ال ّدراسات األسلوبية بني نوعني من االختيار‪:‬‬
‫اختيار ؿبكوـ باؼبوقف واؼبقاـ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اختيار تتح ّكم فيو مقتضيات التّعبري اػبالصة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫األوؿ فهو اختيار نفعي ‪ ،pragmatique sélection‬إذ يؤثّر فيو اؼبتكلّم كلمة أو‬ ‫ّأما النّوع ّ‬
‫عبارة على أخرى‪ ،‬ألنّو يرى ّأّنا مطابقة للحقيقة‪ ،‬أو ألنّو يريد أف يضلّل سامعو أويتفادى االصطداـ‬
‫‪3‬‬
‫حبساسيتو اذباه عبارة أو كلمة معيّنة‪.‬‬
‫فاالنتقاء ىنا ؿبكوـ بتقييد حرية اؼبتكلّم‪ ،‬والقوؿ باستحالة اغبصر ليس سوى قيمة نظرية‬
‫«ذلك أ ّف االتّصاؿ ال يهدؼ إٔب إنتاج التّتابعات اللّفظية‪ ،‬بل يهدؼ إٔب نقل معلومة ؿب ّددة يرمي‬
‫إليها اؼبرسل برسالتو من قريب أو بعيد‪ ،‬وؽبذا يقف أماـ الثّوابت ال ّداللية ُب اؼبقولة اللّغوية‪ ،‬أو أماـ ما‬
‫‪4‬‬
‫دبادتو اللّغوية وىو ما يطلق عليو اسم االنتقاء النّفعي»‪.‬‬
‫يريد التّعبري عنو ّ‬

‫‪ 1‬أساسيات اللّغة‪ ،‬روماف جاكبسوف وموريس ىالة‪ ،‬ترجمة سعيد الغانمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬ط‪2008(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪ 2‬محاضرات في علم اللّغة العاـ‪ ،‬فارديناف ديسوسير‪ ،‬ترجمة‪ ،‬يوسف عزيز‪ ،‬العراؽ‪ ،‬ط(‪1988‬ـ)‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪4‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫‪030‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اؼبتغريات النّفعية»‪ .1‬وتتأتّى النّفعية ُب‬


‫لذلك جاء ُب إحدى تعاريف األسلوب أنّو «خبلصة ّ‬
‫ص‪ٍ ،‬ب األخذ بعني االعتبار‬
‫االختيار األسلويب من جهة مراعاة سلوؾ اؼبتكلّم واؼبستمع أثناء إنتاج النّ ّ‬
‫ص‪.‬‬
‫أيضا الظّروؼ اليت ينتج فيها ىذا النّ ّ‬
‫ّأما النّوع الثّاين فهو االختيار النّحوي ‪ ،grammatical sélection‬واؼبقصود بو القواعد اللّغوية‪،‬‬
‫الصرفية‪ ،‬وال ّداللية ونظم اعبملة ووبدث ىذا االنتقاء «حيث يؤثّر اؼبتكلّم كلمة على‬
‫الصوتية و ّ‬
‫ّ‬
‫أدؽ ُب توصيل ما يريد‪،‬ويندرج ربت ىذا النّوع من‬
‫أصح عربية و ّ‬
‫ألّنا ّ‬
‫كلمة أو تركيبا على تركيب ّ‬
‫االختيار كثري من اؼبوضوعات الببلغية اؼبعروفة كالفصل والوصل والتّقدًن والتّأخري وال ّذكر‬
‫‪2‬‬
‫واغبذؼ»‪.‬‬
‫وُب منحى ىذا التّقسيم لبلختيار أشار انكفست (‪ )Anqvist‬إٔب عدـ إمكانية اعتبار كل‬
‫اختيار أسلوبًا‪ ،‬فميّز بني االنتقاء األسلويب وغري األسلويب عند اختيار ما ىو صحيح كبويّا من بني‬
‫اؼبكونات اؼبختلفة للّغة فقاؿ «يبدو أف االختيار األسلويب ىو اختيار بني وحدات تكاد تتساوى‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫دالليا‪ ،‬و ّأما غري األسلويب فقد يكوف انتقاء بني دالالت متع ّددة»‪.‬‬
‫لعل انكفست يريد من رأيو ىذا أ ّف االختيار يش ّكل مسحة أسلوبية إذا كاف دقيقا‬ ‫و ّ‬
‫الصلة‬
‫يعرب عن ذبربتو وفكرتو فتوثق بذلك ّ‬
‫ومبدعا؛حيث تستبدؿ كلمة بأخرى‪ ،‬وينتقي الكاتب ما ّ‬ ‫ُ‬
‫بينو وبني ال ّداللة الّيت يريد أف يُوصلها إٔب اؼبتل ّقي‪ ،‬حيث يستدعي اؼبعىن –الذي يدور ُب ذىن‬
‫الصياغة ربقيقا القرتاف الكبلـ وترتيبو دبا يكفل‬
‫اؼبتكلّم‪ -‬اللّفظ الّذي يناسبو وفق اختيار لطرؽ ّ‬
‫الروابط ال ّداللية الّيت تكسب اػبطاب ظباتو التّعبريية ُب إطار التّوظيف اعبمإب اؼبناسب‬‫تشكيل ّ‬
‫ؤدي إفراز شحنات تأثريية ىدفها اإلببلغية أو التّوصيل الذي يستند إٔب االختيار‬
‫ؼبقتضى اغباؿ‪ ،‬فبّا يُ ّ‬
‫يوضح البنيات بنسق اػبطاب حبثا عن فتنة األسلوب‪ ،‬وبذلك يُصبح االختيار عملية جوىرية‬ ‫الذي ّ‬
‫أصح يعترب االختيار ىو األسلوب نفسو ؼبا لو من صلة وثيقة بذاتية‬
‫ُب بناء األسلوب‪ ،‬أو بعبارة ّ‬
‫اؼببدع ووعيو وباؼبتل ّقي وردود فعلو‪.‬‬

‫األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص‪.39‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسو ص‪.39‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ص‪.133‬‬


‫‪033‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫رابعا‪ :‬ال ّتشكيل األسلوبي ونظرية المقام‪:‬‬


‫‪ .1‬مئهية المقئم‪:‬‬
‫اىتم الباحثوف ُب الببلغة واألسلوب قديبا وحديثا بإبراز ماىية اؼبقاـ ودوره ُب ذبلية اؼبقاؿ‬
‫ّ‬
‫وتوضيح تشابكاتو وداللتو الظّاىرة والباطنة وعبلقتو الوطيدة باألسلوب‪ ،‬حيث ارتبطت الكثري من‬
‫تعريفات ىذا األخري باألسلوب نورد بعضا منها‪:‬‬
‫األسلوب ىو الطّريقة «الطّريقة ال ّذاتية اليت تشري إٔب كيفية اختيار الفرد ُب سياؽ ما ومقاـ ما‬ ‫‪-1‬‬
‫فبّا بني يديو من وسائل لغوية »‪.1‬‬
‫تبني كيفية اختيار العناصر اؼبفردة من النّظاـ اللّغوي وبناءىا ُب‬
‫األسلوب «حركة حتمية مؤّكدة ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫مرحلة ؿب ّددة من تطوير اللّغة ألغراض اختيارية ؿب ّددة وُب ؾباالت ؿب ّددة من التّعامل‬
‫االجتماعي »‪.2‬‬
‫ارتبطت ىذه التّعاريف دببدأ االختيار واذبهت اذباىا وظيفيا من منطلق عملي يأٌب ضمن حاجة‬
‫عامة‪.‬‬
‫خاصة تتوافق مع اؼبعايري االجتماعية واؼبقاـ بصفة ّ‬
‫الكبلـ‪ ،‬واؽبدؼ منو اختيار عناصر لغوية ّ‬
‫فاألسلوب بوصفو اختيارا من اإلمكانيات اللّغوية ال ىبضع من النّاحية الظاىرة للقيود الّيت‬
‫تتم‬
‫حّت ّ‬
‫ونصيا ّ‬
‫الضرورية اجتماعيا وثقافيا ّ‬
‫تنشأ عن معايري النّظاـ اللّغوي فقط‪ ،‬بل إنّو ىبضع للقيود ّ‬
‫اؼبطابقة األسلوبية مع ىذه اؼبقتضيات‪.‬‬
‫كل ما وبيط باؼبوقف الكبلمي من ظروؼ ومبلبسات وىو ما عُرؼ بسياؽ‬ ‫ويُقصد باؼبقاـ ّ‬
‫لكل كلمة مع‬
‫لكل مقاـ مقاؿ‪ ،‬و ّ‬ ‫اغباؿ لدى الغربيّني يقوؿ سبّاـ حساف‪« :‬وحني قاؿ الببلغيوف ّ‬
‫كل اللّغات ال ُب‬
‫صاحبتها مقاـ‪ ،‬وقعوا على عبارتني من جوامع الكلم تصدقاف على دراسة اؼبعىن ُب ّ‬
‫السواء‪ ،‬وٓب يكن‬
‫كل الثّقافات على ّ‬
‫العربية الفصحى فقط‪ ،‬وتصلحاف للتّطبيق ُب إطار ّ‬

‫‪ 1‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪032‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪context of‬‬ ‫"مالينوفسكي"(‪ )Malinoveski‬وىو يصوغ مصطلحو ّ‬


‫الشهري سياؽ اغباؿ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ situation‬يعلم أنّو مسبوؽ إٔب مفهوـ ىذا اؼبصطلح بألف سنة أو ما فوقها »‪.‬‬
‫الصرفية‬
‫السياؽ أنّو «يبدأ باللّغة من حيث مبانيها ّ‬
‫ويرى الباحث نفسو ُب توضيحو ؼبفهوـ ّ‬
‫وعبلقاّتا النّحوية ومفرداّتا اؼبعجمية‪ ،‬وتشمل ال ّدالالت بأنواعها من عرقية إٔب عقلية إٔب طبيعية‪ ،‬كما‬
‫الرتاث‪،‬‬
‫حسية ونفسية واجتماعية كالعادات والتّقاليد‪ ،‬ومأثورات ّ‬
‫تشمل على اؼبقاـ دبا فيو من عناصر ّ‬
‫حبق‪ ،‬أل ّف الفرؽ بني‬
‫السياؽ كربى القرائن ّ‬ ‫وكذلك العناصر اعبغرافية والتّارىبية فبّا هبعل قرينة ّ‬
‫الرتبة‬
‫الربط و ّ‬
‫االستدالؿ ُّا على اؼبعىن وبني االستدالؿ بالقرائن اللّفظية النّحوية كالبنية واإلعراب و ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص»‪.‬‬
‫ص واالعتداد بروح النّ ّ‬
‫والتّضاـ ىو فرؽ بني االعتداد حبرفية النّ ّ‬
‫السياؽ ينقسم إٔب قسمني‪:‬‬
‫ص أ ّف ّ‬
‫وفحوى ىذا النّ ّ‬
‫ىبص دائرة اللّغة وما يتعلّق ُّا من كبو وصرؼ ومعجم وصوت وداللة وتركيب‪ ،‬وىو ما‬
‫‪ -1‬قسم ّ‬
‫بالسياؽ اللّغوي‪.‬‬
‫يسمى ّ‬
‫ّ‬
‫ىبص دائرة اؼبعرفة وما يتعلّق ُّا من ظروؼ نفسية واجتماعية وعناصر جغرافية وتارىبية‪،‬‬
‫‪ -2‬قسم ّ‬
‫بالسياؽ غري اللّغوي‪.‬‬
‫وىو ما يطلق عليو ّ‬
‫ص وذلك‬
‫ويعترب االستدالؿ على اؼبعىن بالقسم الثّاين –وفق ما يرى سبّاـ حساف‪ -‬دبثابة روح النّ ّ‬
‫ألنبيتو وخصوصيتو ُب ربليل النّصوص والوقوؼ على معانيها‪.‬‬
‫يفسر بأ ّف ىناؾ فرقا‬
‫السياؽ أعم من اؼبقاـ‪ ،‬وىو ّ‬ ‫حساف أ ّف ّ‬
‫لتماـ ّ‬
‫ص ّ‬ ‫يوضح ىذا النّ ّ‬
‫كما ّ‬
‫السياؽ سياقاف خارجي وداخلي ّأما اؼبقاـ فبل يكوف إالّ خارجيا‪ ،‬أي أنّو يرتبط‬
‫بينهما باعتبار أ ّف « ّ‬
‫بالسياؽ ال ّداخلي ؼبلفوظ اػبطاب أمبل‬
‫اىتموا ّ‬
‫بالسياؽ اػبارجي‪ ،‬ومن ىنا رأينا الببلغيني القدامى قد ّ‬
‫ّ‬
‫ُب الوقوؼ على طبيعة العبلقات اليت تسهم ُب إنتاجو وتتح ّكم ُب بنيتو وداللتو‪ ،‬وما ربدثو التّغيريات‬
‫عربوا عنو دبفهوـ‬
‫اىتموا بسياؽ آخر‪ ،‬خارج اػبطاب ّ‬
‫الرتكيب ُب داللة اػبطاب‪ ،‬كما ّ‬
‫اليت تشمل ّ‬

‫‪ 1‬اللّغة العربية ومعناىا ومبناىا‪،‬تماـ حساف‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬منشورات دار الثّقافة‪ ،‬سنة(‪2001‬ـ)‪ ،‬ص‪.372‬‬
‫حساف‪،‬ج‪ ،1‬القاىرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ط‪2000(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫تماـ ّ‬
‫ص القرآني‪ّ ،‬‬
‫البياف في روائع القرآف‪ ،‬دراسة لغوية أسلوبية للنّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪031‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫يتوخوف من ورائو الوقوؼ على القرائن اػبارجية اليت تُسهم بشكل كبري ُب ربديد ال ّداللة‬
‫اؼبقاـ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫وتوضيحها »‪.‬‬
‫كل عامل يؤثّر ُب تفسري‬
‫السياؽ وأ ّف ىذا األخري وبتوي على ّ‬
‫وُّذا يصبح اؼبقاـ جزءا من ّ‬
‫اؼبكونة للموقف الكبلمي أو اغباؿ الكبلمية»‪ 3.‬وأف ارتباط اؼبقاـ‬
‫ّ‬ ‫العناصر‬ ‫صبلة‬ ‫«‬ ‫أوىو‬ ‫‪،‬‬‫‪2‬‬
‫التّعبري‬
‫بالقسم اػبارجي للملفوظ يعّن أنّو جزء منو وىو ُّذا يتّخذ سبظهرات ـبتلفة تتح ّدد ُب‪:‬‬
‫‪ -1‬زماف اػبطاب ومكانو‪.‬‬
‫‪ -2‬وضع اؼبلقي (اؼبتكلّم)‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -3‬اؼبتل ّقي وأفق انتظاره‪.‬‬
‫السياؽ ومصطلح اغباؿ فيما أظبوه بسياؽ‬ ‫وقد صبع الباحثوف الغربيوف بني مصطلح ّ‬
‫اغباؿ(‪ )context of situation‬وكاف مالينوفسكي (‪ )Malinoveski‬العآب األنثروبولوجي ىو من‬
‫استخدـ ىذا اؼبصطلح ليدؿ على نظريتو الّيت تدعو إٔب ضرورة وضع الكلمات ُب سياقها الّذي‬
‫استخدمت أو نطقت فيو‪ ،‬ألنّو كفيل ببياف معناىا ببل لبس أو غموض‪.4‬‬

‫وطوروه حيث يرى فريث (‪ ،)firth‬أ ّف الوصوؿ إٔب ربليل‬


‫تبىن الباحثوف الغربيوف ىذا اؼبصطلح ّ‬
‫وقد ّ‬
‫معاين النّصوص يستلزـ‪:‬‬
‫كل ربليل لغوي على سياؽ اغباؿ‪.‬‬
‫‪ -1‬أف يعتمد ّ‬
‫‪ -2‬ربديد بنية الكبلـ اؼبدروس‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫يتبني نوع الوظيفة الكبلمية‪.‬‬
‫‪ -3‬أف ّ‬

‫ص‪ ،‬عبد الواسع الحميري‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع‪ ،‬بيروت ط‪2010(1‬ـ)‪،‬ص‪.118‬‬
‫في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Contextuafism in possibilities and limitation of pragmatics procceding of the‬‬
‫‪conference en pragmatics urbino,july,by herman parret, amsterdam john benjamins‬‬
‫‪B.V 1981 p13.‬‬
‫السعراف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬طبعة سنة(‪1999‬ـ)‪ ،‬ص‪.252‬‬ ‫علم اللّغة‪(،‬مق ّدمة للقارئ العربي)‪ ،‬محمود ّ‬
‫‪3‬‬

‫نجار‪ ،‬األردف‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ط‪2011(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫ينظر‪ ،‬نظرية المقاـ عند العرب في ضوء البراغماتية‪ ،‬مناؿ سعيد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Papers in linguistics, john firth oxford university press london (1964),pp(194) .‬‬
‫‪035‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫السياؽ عند ىؤالء الباحثني بنظرية الرباغماتية الّيت تعّن«دراسة العبلقات بني‬
‫ويرتبط مفهوـ ّ‬
‫السياؽ تلك العبلقات القائمة على فهم اللّغة‪ ،‬وىي عبارة تستخدـ للفت االنتباه إٔب حقيقة‬
‫اللّغة و ّ‬
‫كل شيء فهم‬
‫ؾبرد معرفة معاين الكلمات اؼبلفوظة ُب تركيب‪ ،‬فقبل ّ‬
‫أ ّف فهم لفظة يتطلّب أكثر من ّ‬
‫‪1‬‬
‫اللّفظة يتطلّب االستنتاج الّذي يربط ما يقاؿ دبا يفرتض أف يعّن أو دبا قيل من قبل»‪.‬‬
‫ينصب اىتماـ الرباغماتية على معاعبة اؼبعىن ودراستو ُب إطار عبلقتو باؼبتح ّدث ُب مقاـ‬
‫ّ‬ ‫لذا‬
‫السياؽ و ىو أحد أىدافها الّيت ال هبادؽبا فيها واحد من‬
‫معني‪ ،‬وبذلك يكوف تركيزىا على طبيعة ّ‬
‫ّ‬
‫السياؽ «حجر األساس ُب علم اؼبعىن‪ ،‬وقد قادت‬ ‫علمائها‪ ،‬وهبعل "أولمػاف" (‪ )Ullman‬نظرية ّ‬
‫الشأف »‪.2‬‬
‫بالفعل إٔب اغبصوؿ على ؾبموعة من النّتائج الباىرة ُب ىذا ّ‬
‫حساف على مصطلح سياؽ اغباؿ الّذي ورد عند الغربيني بقولو‪« :‬أجد لفظ اؼبقاـ‬
‫ويُعلّق سبّاـ ّ‬
‫عما أفهمو من اؼبصطلح اغبديث سياؽ اغباؿ(‪ )context of situation‬الّذي‬
‫أعرب بو ّ‬
‫أصلح ما ّ‬
‫يستعملو اللّسانيوف ا﵀دثوف »‪.3‬‬
‫السياؽ واؼبقاـ والفرؽ بينهما قبد أنفسنا أيضا أماـ مصطلح آخر‪،‬‬
‫وُب أثناء معاعبتنا لقضية ّ‬
‫وتكرر بشكل مكثّف أيضا ُب ال ّدراسات الببلغية العربية‬
‫بالسياؽ‪ّ ،‬‬
‫اقرتف دبفاىيم الغربيني عندما ربط ّ‬
‫السياؽ واؼبقاـ؟‬
‫من خبلؿ عبارة مراعاة مقتضى اغباؿ‪ ،‬فما ىو اغباؿ؟ ىل ىو نفسو ّ‬
‫يوضح ىذا اؼبصطلح ىو ما ورد ُب رسالة بشر بن اؼبعتمر؛ حيث أشار إٔب اغباؿ واؼبقاـ‬
‫ما ّ‬
‫اػباصة‪،‬وكذلك‬
‫ّ‬ ‫بصفة وجيزة لكنّها مكثّفة دالليا فيقوؿ‪«:‬واؼبعىن ليس يشرؼ بأف يكوف من معاين‬
‫الصواب‪ ،‬وإحراز اؼبنفعة‪ ،‬مع موافقة‬
‫الشرؼ على ّ‬
‫العامة‪ ،‬وإّمبا مدار ّ‬
‫ليس يتّضع بأف يكوف من معاين ّ‬
‫اغباؿ‪ ،‬وما هبب لكل مقاـ من اؼبقاؿ »‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Pragmatics, stephen .c.levinson, combridge university, press london, (1983),p21.‬‬
‫‪2‬دور الكلمة في اللّغة‪ ،‬استفن أولماف‪ ،‬ترجمة كماؿ بشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار غريب‪ ،‬ط‪1962( 1‬ـ)‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫حساف‪،‬القاىرة ‪،‬الهيئة المصرية العلمية للكتاب‪1982( ،‬ـ)‪،‬ص‪.339‬‬
‫تماـ ّ‬
‫األصوؿ‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫السالـ ىاروف‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.136‬‬


‫البياف والتبيين‪ ،‬الجاحظ‪ ،‬تحقيق عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪032‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫العامة‪،‬‬
‫اػباصة وال تتّضع كوّنا من معاين ّ‬
‫ّ‬ ‫الشرؼ أل ّّنا من معاين‬
‫فاؼبعاين ال تكتسب ظبة ّ‬
‫الشرؼ ىو االلتزاـ بقواعد اللّغة وإصابة القصد مع موافقة‬
‫فالتّصنيف ال يرفع من شأّنا‪ ،‬وإّمبا مدار ّ‬
‫اؼبقاـ للحاؿ واؼبقاـ‪.‬‬
‫ٓب يشر ابن اؼبعتمر ُب ىذا القوؿ إٔب اغباؿ فحسب‪ ،‬وإّمبا زاد عليو كلمة مقاـ‪ ،‬ويبكن اعتبار‬
‫اغبي الذي ينتج فيو الكبلـ‪ ،‬وما قد يطرحو من اعتبارات طارئة البُ ّد أف تُؤخذ‬
‫أنّو يريد باغباؿ«اؼبوقف ّ‬
‫‪1‬‬
‫فسر بأ ّف‬‫ي‬
‫ُ ّ‬ ‫ما‬ ‫‪،‬وىو‬ ‫بعني االعتبار‪ّ ،‬أما اؼبقاـ فيشمل ما تقتضيو طبيعة موضوع الكبلـ من القوؿ»‬
‫اغباؿ ليس ىو اؼبقاـ‪ ،‬وال اؼبقاـ ىو اغباؿ وإّمبا لكل منهما شأف وخصوصية‪ ،‬فمصطلح اغباؿ وإف‬
‫أعم منو وأمشل‪ ،‬ذلك أنّو «خاص‬
‫لسياؽ واؼبقاـ إالّ أنّو ىبتلف عنهما من حيث ّأّنما ّ‬
‫كاف قريبا من ا ّ‬
‫ىبص اؼبتكلّم‬
‫كونو فبّا يتعلّق بوضع اإلنساف ُب عبلقتو بذاتو أو بعاؼبو ال ّداخلي دبعىن أنّو فبّا ّ‬
‫الفرد»‪.2‬فهناؾ«أحواؿ ينظر فيها إٔب اؼبتكلّم‪ ،‬أي أ ّف اؼبتكلّم يكيّف كبلمو ُب بعض األحياف استجابة‬
‫وبس ُّا»‪.3‬‬
‫غبالتو ىو الّيت ّ‬
‫الشعورية لو كاتبا كاف أو شاعرا‪ ،‬وما يطرأ عليو من انفعاالت‬
‫إذ يتعلّق األمر بالتّجربة ّ‬
‫للشعر‪«:‬‬
‫وخلجات نفسية مصاحبة لعملية اإلبداع‪ ،‬يقوؿ خليل مردـ بك واصفا حالتو أثناء نظمو ّ‬
‫خاص أشعر ُب ّأوؿ األمر حباؿ غري اغباؿ‬
‫الشعر‪ ،‬و ّاذبهت إٔب موضوع ّ‬
‫فإذا ارتاحت نفسي إٔب قوؿ ّ‬
‫‪4‬‬
‫ويتطور شعوري باألشياء ونظري إليها وفقا ؽبذا اغباؿ الطارئ »‪.‬‬
‫اؼبعتاد ّ‬
‫السياؽ والفرؽ بينهما ىو «فرؽ ما بني‬
‫فاغباؿ إذف جزء من اؼبقاـ كما أ ّف اؼبقاـ جزء من ّ‬
‫السلوؾ نفسو »‪ ،5‬وعليو فاؼبقاـ‬
‫السلوكي و ّ‬
‫السكوف واغبركة‪ ،‬أو مابني اؼبعيار والتّطبيق و بني النّمط ّ‬
‫ّ‬
‫ومتحوؿ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثابت ّأما اغباؿ فطارئ‬
‫ويبكننا توضيح االرتباط القائم بني ىذه اؼبصطلحات وفق ىذه الطّروحات بالبياف اآلٌب‪:‬‬

‫‪ 1‬سياؽ الحاؿ في الفعل الكالمي(مقاربة تداولية)‪ ،‬سامية بن يامنة‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ، ،‬جامعة وىراف‪( ،‬الجزائر)‪2012( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫ص‪ ،‬عبد الواسع الحميري‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫الستّار حسين زموط‪ ،‬مطبعة الحسن اإلسالمية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1992(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.28‬‬


‫من سمات التّراكيب عبد ّ‬
‫‪3‬‬

‫شعر خاصة‪ ،‬مصطفى سويف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬ط‪1970(3‬ـ)‪ ،‬ص‪.215‬‬


‫األسس النّفسية لإلبداع الفنّي في ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫حساف‪ ،‬المجلّد ‪ ،7‬العدد‪1987(،3‬ـ)‪.29 ،‬‬


‫تماـ ّ‬
‫مجلة فصوؿ ‪"،‬المصطلح البالغي القديم في ضوء البالغة العربية"‪ّ ،‬‬
‫‪5‬‬

‫‪037‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫السياؽ(القرينة الكبرى)‬
‫ّ‬

‫داخلي(بنية اللّغة وعالقتها) خارجي (المقاـ)‬

‫المتل ّقي‬ ‫المتكلّم‬ ‫مكاف‬ ‫زماف‬ ‫الظّروؼ‬ ‫الصرفية المعجمية ال ّداللية‬


‫ّ‬ ‫الصوتية النّحوية‬
‫ّ‬
‫الخطاب الخطاب‬ ‫والمالبسات‬

‫شعورية)‬
‫(التّجرية ال ّ‬ ‫الموقف الحي للكالـ الحػاؿ‬

‫وُّذا نكوف أماـ مصطلحات متقاربة من حيث اؼبعىن ومتباعدة من حيث الوظيفة ّاذباه‬
‫الصياغة األسلوبية للكبلـ وقراءة النّصوص‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويذىب البعض إٔب أ ّف اؼبقاـ واغباؿ أمر واحد وأنّو «ما يدعو اؼبتكلّم إٔب إيراد خصوصية ُب‬
‫‪1‬‬
‫ككل وما يل ّفو من مبلبسات وظروؼ طارئة أو‬
‫الرتكيب» ‪.‬وىذه اػبصوصية تتعلّق باؼبوقف الكبلمي ّ‬
‫ّ‬
‫غري طارئة‪.‬‬
‫واؼبقاـ من ىذه النّظرة لو دينامية ٓب ينسبها إليو الببلغيوف‪ ،‬فهو ليس إطاراً وال قالباً‪ ،‬وإّمبا ىو‬
‫السامع والكبلـ نفسو‬
‫اؼبتحرؾ االجتماعي الّذي يَعترب اؼبتكلّم جزءا منو‪ ،‬كما يعترب ّ‬
‫«صبلة اؼبوقف ّ‬

‫السياؽ عند البالغيين مالمحو وتطبيقاتو"‪ ،‬مسعود بودوخة‪ ،‬العدد‪2008(،111‬ـ)‪ ،‬منشورات اتحاد كتاب العرب‪،‬‬
‫مجلّة التّراث العربي‪ّ " ،‬‬
‫‪1‬‬

‫دمشق‪ ،‬ص‪.246‬‬
‫‪035‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫كل جوانب االتّصاؿ من اإلنساف واَّتمع والتّاريخ واعبغرافيا والغايات‬


‫وغري ذلك فبّا لو صلة باؼبتكلّم و ّ‬
‫‪1‬‬
‫واؼبقاصد »‪.‬‬
‫واستنادا إٔب ما سبق تقريره تصبح فكرة اؼبقاـ مركز ال ّداللة الوضعية من حيث كانت مربزة‬
‫للجانب االجتماعي‪ ،‬الّذي تظهر فيو العبلقات واألحداث والظّروؼ اؼبفضية إليراد الكبلـ على‬
‫‪2‬‬
‫صورة ـبصوصة‪.‬‬
‫الصياغة‬
‫توجو ّ‬
‫وُّذا تكوف الظّروؼ ا﵀يطة باؼبتكلّم واؼبتل ّقي اجتماعيا ونفسياً ىي الّيت ّ‬
‫بالسياؽ غري‬
‫يسمى ّ‬
‫خاصة ترتبط بأحداث خارجة عن نطاؽ اللّغة‪ ،‬وىو ما ّ‬ ‫الكبلمية لرتد على صورة ّ‬
‫اللّغوي وقد ورد ُب تعريف األسلوب أنّو «ؾبموع ما ُب الكبلـ من بدائل اختيارية‪ ،‬تأٌب على شكل‬
‫‪3‬‬
‫احتماالت ترادفية يرتبط استعماؽبا دبعايري اجتماعية ؿب ّددة لعرض واقعة أو حدث لغوي»‪.‬‬
‫السياؽ غري اللّغوي بأنّو «ؾبموعة الظّروؼ اليت ربيط باغبدث الكبلمي ابتداء من‬
‫عرؼ ّ‬
‫وقد ّ‬
‫الصغر»‪ ،4‬وىو ما ُوبيل إٔب أ ّف‬
‫حّت اؼبرسل إليو دبواصفاّتم وتفصيبلّتم اؼبتناىية ُب ّ‬
‫اؼبرسل والوسط ّ‬
‫عزؿ أطراؼ الكبلـ عن األحداث ا﵀يطة ُّم ‪ -‬مهما صغرت قيمتها‪ -‬ىو ابتعاد عن اؼبعىن اغبقيقي‬
‫ص وعن القيمة الفنّية لو‪ ،‬لذلك كاف اؼبقاـ أحد موازين الببلغة ال ّدقيقة ُب سوؽ الكبلـ وأ ّف أي‬
‫للنّ ّ‬
‫‪5‬‬
‫الصياغة وقيمتها الفنّية‪.‬‬
‫اكبدار سالب عن منطقتو يفضي إٔب التّشويو ُب لوف ّ‬
‫‪6‬‬
‫لذلك «كلّما راعى اؼبنتج للخطاب مقامات اػبطاب كاف أقرب إٔب اإلقناع واإلمتاع »‪.‬‬
‫إذ تعترب قاعدة اإلقناع واإلمتاع وجها من وجوه اػبطاب الببلغي العريب وغاية من غاياتو‪،‬‬
‫حّت ُوب ّقق أىدافو ومقاصده‪،‬‬
‫لذلك ينحو التّشكيل األسلويب منحا ببلغيا مستندا إٔب نظرية اؼبقاـ ّ‬
‫وتبقى صلتو وثيقة باػبطاب الببلغي الّذي قاـ أساسا على فكرة إعجاز القرآف انطبلقا من عبارة‬

‫حساف‪ ،‬ص‪.338‬‬
‫تماـ ّ‬
‫األصوؿ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص ‪.308‬‬


‫ينظر‪ :‬البالغة واألسلوبية‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ترجمة خالد محمود جمعة‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪4‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪5‬ينظر نفسو‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫محمد مفتاح‪ ،‬المجلد‪ ،3‬العدد‪2009( ،35،‬ـ)‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫مجلّة عالمات في النّقد‪" ،‬بعض خصائص الخطاب"‪ّ ،‬‬
‫‪6‬‬

‫‪039‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫لكل مقاـ مقاؿ حيث أ ّف «إدراؾ األسرار الببلغية ال يكوف إالّ بعد ربديد اؼبقاـ الذي نزلت فيو‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ليتسىن بعد ذلك الوقوؼ على مبلءمة اآليات ؼبا استلزمو اؼبقاـ» ‪.‬‬
‫اآليات‪ّ ،‬‬
‫وىو ما ُوبيل إٔب أ ّف اآليات القرآنية الكريبة إّمبا نزلت وصيغت وفقا ؼبا استلزمو اؼبقاـ اؼبوجب‬
‫لذلك‪.‬‬
‫ّتتم الببلغة بكيفية بناء الكبلـ ودخوؿ ؿبراب العملية االتّصالية وبالتّإب ِ‬
‫فصلتها وثيقة بعملية‬ ‫ّ‬
‫كل ما يبلغ بو اؼبعىن قلب‬
‫نصو‪ « :‬الببلغة ّ‬
‫التّشكيل األسلويب‪ ،‬وقد قاؿ عنها العسكري ما ّ‬
‫السامع‪،‬فتم ّكنو ُب نفسو كتم ّكنو ُب نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن »‪ 2‬أو ىي «إيصاؿ‬
‫ّ‬
‫اؼبعىن إٔب القلب ُب أحسن صورة من اللّفظ »‪ 3.‬وبذلك يتجلّى لنا ارتباط مفهوـ الببلغة وفحواىا‬
‫بالتّشكيل األسلويب من حيث‪:‬‬
‫ليستقر ُب قلب سامعو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التّبليغ للمعىن‬ ‫‪-1‬‬
‫السامع وإقناعو‪.‬‬
‫التّأثري ُب ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫صياغتو ُب صورة مقبولة ومعرض حسن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اختيار األلفاظ اؼببلئمة للمعىن‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الصياغة اللّفظية واختيار ما يُبلئم اؼبعىن ضمن التّشكيل األسلويب ونظرية اؼبقاـ‪ ،‬إذ‬
‫وتندرج ّ‬
‫الزاوية االتّصالية مع ال ّدرس الببلغي الغريب الّذي صاغ ـبطّطو‬‫يتّفق ال ّدرس الببلغي العريب من ّ‬
‫التّواصلي جاكبسوف ويقوـ على ستّة عناصر‪:‬‬
‫الصيغة‬
‫الشفرة والذي يب ّكن بيانو على ّ‬
‫السياؽ وقناة االتّصاؿ و ّ‬
‫الرسالة و ّ‬
‫_ اؼبرسل واؼبتل ّقي‪ ،‬و ّ‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪1‬المدخل إلى دراسة البالغة‪ ،‬فتحي فريد‪ ،‬مكتبة النّهضة المصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،)1978( ،‬ص‪.107‬‬
‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫كتاب ّ‬
‫‪2‬‬

‫الرّماني‪ ،‬تحقيق محمد خلف اهلل ومحمد زغلوؿ سالـ‪ ،‬دار المعارؼ‪،‬‬
‫النّكت في إعجاز القرآف‪،‬ضمن ثالث رسائل في إعجاز القرآف‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫القاىرة‪ ،‬ط‪1976(3‬ـ)‪ ،‬ص‪.69‬‬


‫‪021‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫السياؽ‬

‫الرسالة‬ ‫المرسل‬
‫المتلقي‬
‫كتابة‬ ‫قناة االتصاؿ‬ ‫مشافهة‬

‫الشفرة‬

‫أمااؼبخطّطالتّواصليلدىالعربفهوموصولباؼبقامواؼبقالواؼبعنىعلىالنّحواآلٌب‪:‬‬

‫المقاـ‬

‫المقاؿ‬ ‫المرسل‬
‫المتلقي‬

‫كتابة‬ ‫قناة االتصاؿ‬ ‫مشافهة‬

‫المعنى‬
‫المقصود‬
‫ذلك‬ ‫وفق‬ ‫فالببلغة‬
‫السامع بواسطة رسالة منطوقة من خبلؿ قناة اتّصاؿ ُب‬
‫الشفرة إٔب ّ‬
‫ىي‪«:‬عمل اؼبتكلّم على إيصاؿ ّ‬
‫معني»‪.1‬‬
‫مقاـ ّ‬
‫وُّذا يظهر التّشكيل األسلويب جامعاً لثبلثية اؼبقاـ واؼبعىن واؼبقاؿ وفق وظائف اللّغة‪ ،‬ويبكن‬
‫نوضح ذلك من خبلؿ نظرية "ىاليداي"(‪ )Halliday‬اليت ّبني حيثياّتا "سعد مصلوح" ُب‬ ‫أف ّ‬
‫‪2‬‬
‫دراساتو اإلحصائية لؤلسلوب وعبلقتو باؼبقاـ‪ّ ،‬أما الوظائف الّيت أ ّّب عليها ىذا الباحث فتتمثّل ُب‪:‬‬

‫حساف‪ ،‬المجلّد ‪ ،7‬العدد ‪1987( ،3‬ـ)‪ ،‬ص‪.27‬‬


‫تماـ ّ‬
‫مجلّة فصوؿ‪" ،‬المصطلح البالغي القديم في ضوء البالغة الحديثة"‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬دراسة في المفهوـ والوظيفة‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص (‪.)119-118‬‬
‫‪020‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫يتضمنو اؼبوقف من تقوًن لؤلحداث‬


‫وعما ّ‬
‫وتتلخص ُب التّعبري عن التّجربة ّ‬
‫صورية‪ّ :‬‬
‫‪ -1‬الوظيفة التّ ّ‬
‫واألشخاص واألفكار من جوانب تأثريية عاطفية‪.‬‬
‫‪ -2‬الوظيفة التّعاملية‪ :‬تتمثّل ُب دور اؼبتكلّم ُب مقاـ الكبلـ‪ ،‬وما يلزـ بو نفسو من قيم وأعراؼ ُب‬
‫تعاملو مع اآلخرين‪ ،‬وتُعني ىذه الوظيفة على تأسيس العبلقات االجتماعية وربديد الفئات‬
‫تقوي شخصية الفرد لتم ّكنو من االتّصاؿ باآلخرين والتّعامل معهم‪.‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬كما ّ‬
‫زبتص ببناء اغبدث اللّغوي (اؼبقاؿ) باختيار اعبمل اؼبناسبة للمقاـ ولقوانني‬
‫صية‪ّ :‬‬ ‫‪ -3‬الوظيفة النّ ّ‬
‫النّحو‪ ،‬ولتنظيم ا﵀توى بطريقة منطقية تتّسق مع عملية االتّصاؿ‪.‬‬

‫اؼبكوف‬
‫تتكامل ىذه الوظائف لتقوـ من خبلؿ نظرية كبوية للّغة معيّنة بإقامة عبلقات بني ّ‬
‫اؼبكونني االجتماعي واللّغوي‪.‬‬
‫كل من ّ‬ ‫ال ّدالٕب و ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشكل اآلٌب العبلقة بني ثبلثية التّشكيل األسلويب‪:‬‬
‫ويبني ّ‬
‫ّ‬
‫خ ػػاص‬ ‫ع ػػاـ‬

‫المقاؿ‬ ‫مقاـ من النوع "أ"‬


‫المقامات‬

‫معنى محدد‬ ‫المعاني‬

‫النظاـ اللغوي‬ ‫وظائف اللغة‬ ‫وجوه استعماؿ‬


‫اللغة‬
‫اختيار "‪"1‬‬ ‫تصورية‬

‫اختيار "‪"2‬‬ ‫تعاملية‬

‫اختيار "‪"3‬‬ ‫نصية‬

‫‪1‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب‪ ،‬دراسة في المفهوـ والوظيفة‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪023‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ويفسر ىذا البياف بأ ّف اؼبتكلّم يعمد إٔب ما ىو عاـ فيقوـ بعزؿ عدد ؿبدود من ؾبموع‬
‫ّ‬
‫الرسم يشري إٔب مقاـ واحد مقاـ"أ")‪..‬‬‫اؼبقامات اؼبمكنة (و ّ‬
‫‪ -1‬اختيار مقاـ واحد من ؾبموع اؼبقامات(العاـ)‪ ،‬فيعزؿ عدد ؿبدود منها ؼبقاـ "أ"‪.‬‬
‫‪ -2‬اختيار ما يناسب اؼبقاـ اؼبختار من اؼبعاين‪.‬‬
‫‪ -3‬اختيار وجو واحد من وجوه االستعماالت اللّغوية اؼبمكنة دبا يناسب ما وقع اختياره من مقاـ‬
‫ومعىن‪.‬‬

‫ُّذه االختيارات الثبلثة تتح ّدد الوظائف اللّغوية ودورىا‪ ،‬حيث تصبح ىذه الوظائف آلية‬
‫تتحوؿ ُّا اؼبعاين إٔب نظم كبوية‪ٍ ،‬بّ إٔب مباف كبويّة ليدخل صبيع ما وقع عليو اختيار اؼبنشئ ُب دائرة‬
‫ّ‬
‫كل وظيفة من الوظائف الثّبلثة دبنح إجراء اختيارات معيّنة من النّظاـ اللّغوي‬
‫"خاص"‪ ،‬فتقوـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ما ىو‬
‫معني‪.‬‬
‫تتم صياغتو وفق مقاـ ّ‬
‫للغة معيّنة ومن ذلك كلّو يتش ّكل اؼبقاؿ الذي ّ‬
‫يتسىن لنا الوقوؼ على التّشكيل األسلويب من منطلق نظرية اؼبقاـ عند العرب فإنّنا نورد‬
‫وحّت ّ‬
‫ّ‬
‫نصاً لبشر بن المعتمر ّ‬
‫يوضح فيو عبلقة اؼبقاـ بالتّشكيل األسلويب يقوؿ اغبافظ على لسانو‪«:‬وينبغي‬ ‫ّ‬
‫لكل طبقة من‬
‫أف تعرؼ أقدار اؼبعاين فتُوازف بينها وبني أقدار اؼبستمعني‪ ،‬وبني أقدار اغباالت فتجعل ّ‬
‫ويقسم أقدار‬
‫يقسم أقدار الكبلـ على أقدار اؼبعاين ّ‬
‫حّت ّ‬ ‫لكل حالة من ذلك مقاماً‪ّ ،‬‬‫ذلك كبلما‪ ،‬و ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبعاين على أقدار اؼبقامات وأقدار اؼبستمعني على أقدار تلك اغباالت»‪.‬‬
‫فالكبلـ وما يقتضيو من تش ّكبلت أسلوبية – وفق ىذا الوصف‪ -‬ىبتلف ويتفاوت بدرجات‬
‫متنوعة وؿب ّددة‪ ،‬وتتح ّدد ىذه األقدار انطبلقا من معطيات ىي‪:‬‬
‫وبنسب ّ‬
‫‪ -1‬أقدار اؼبعاين‪ :‬زبتلف اؼبعاين حبسب اؼبوضوعات واألغراض لذلك هبنح اؼبخاطب إٔب إصابة‬
‫يعرب عن‬
‫ض ِع األلفاظ موضعها أالّ ّ‬
‫اؼبعىن الذي يتبلءـ مع الغرض يقوؿ "ابن سناف اػب ّفاجي"‪« :‬ومن َو ْ‬

‫البياف والتّبيين‪ ،‬الجاحظ‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.144‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪022‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اؼبدح باأللفاظ اؼبستعملة ُب ال ّذ ّـ‪ ،‬وال ُب ال ّذ ّـ باأللفاظ اؼبعروفة للمدح‪ ،‬بل يستعمل ُب صبيع‬
‫األغراض األلفاظ البلئقة بذلك الغرض ُب موضع اعب ّد ألفاظو وُب موضع اؽبزؿ ألفاظو »‪.1‬‬
‫"السكاكي" أيضا ُب "مفتاح العلوـ" إٔب ضرورة مناسبة اعبمع بني بعض األلفاظ دوف‬
‫وقد أشار ّ‬
‫بعض بالنّظر إٔب كوّنا تنتمي إٔب حقل واحد يعرؼ من خبلؿ اػبلفيات االجتماعية والثّقافية‬
‫الفن إٔب التّنبو ألنواع ىذا اعبامع وليتيقظ ؽبا‪...‬‬
‫فقاؿ‪«:‬ولصاحب علم اؼبعاين فضل احتياج ُب ىذا ّ‬
‫فمن أسباب ذبمع بني صومعة وقنديل وقرآف‪ ،‬ومن أسباب ذبمع بني دسكرة وإبريق وخبلف »‪ٍّ 2.‬ب‬
‫ف ُخلِ َق ْ‬
‫ت‪َ ،‬وإِلَى‬ ‫يضرب لذلك مثبل من القرآف الكرًن ُب قولو تعأب﴿أَفَال يَنظُُرو َف إِلَى ا ِإلبِ ِل َك ْي َ‬
‫ت﴾‪.3‬‬ ‫ف ُس ِط َح ْ‬ ‫ت‪َ ،‬وإِلَى األ َْر ِ‬
‫ض َك ْي َ‬ ‫ف نُ ِ‬
‫صبَ ْ‬ ‫اؿ َك ْي َ‬ ‫ت‪ ،‬وإِلَى ال ِ‬
‫ْجبَ ِ‬ ‫السماء َكي َ ِ‬
‫ف ُرف َع ْ َ‬ ‫َ ْ‬

‫« فمن ٓب يكن من األعراب أو يعرؼ ما يتعلّق حبياّتم وما عليو معاشهم‪ ،‬فإنّو يستغرب ىذا‬
‫السماء واعبباؿ واألرض‪ ،‬وذلك لبعد البعري عن َجنَابِو ُب مقاـ النّظر‪ٍ ،‬ب لبعده ُب‬
‫اعبمع بني اإلبل و ّ‬
‫‪4‬‬
‫السماء وبعد خلقو عن رفعو وكذا البواقي»‪.‬‬
‫خيالو عن ّ‬
‫السياؽ االجتماعي يزوؿ عجبو من اعبمع بني‬
‫عرؼ على حياة العرب االجتماعية وإدراؾ ّ‬
‫وبالتّ ّ‬
‫ىذه األشياء‪ ،‬وذلك إذا نظر إٔب أ ّف «أىل الوبر إذا كاف مطعمهم ومشرُّم وملبسهم من اؼبواشي‬
‫كانت عنايتهم مصروفة –ال ؿبالة‪ -‬إٔب أكثرىا نفعاً‪ٍ ،‬بّ إذا كاف انتفاعهم ُّا ال يتحصل إالّ بأف‬
‫السماء‪ٍ ،‬بّ إذا كانوا‬
‫ترعى وتشرب كاف جل مرمى غرضهم نزوؿ اؼبطر‪ ،‬وأىم مسارح النّظر عندىم ّ‬
‫‪5‬‬
‫يتحصنوف فيو فبل مأوى إالّ اعبباؿ »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مضطرين إٔب مأوى يأويهم وإٔب حصن‬
‫ّ‬

‫محمد علي صبح وأوالده‪1969( ،‬ـ)‪،‬ص‪.153‬‬


‫الصعيدي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة ّ‬
‫سر الفصاحة‪ ،‬ابن سناف الخ ّفاجي‪ ،‬شرح وتصحيح عبد المتعاؿ ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬

‫السكاكي‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬سورة الغاشية‪.)17،18،19،20( /‬‬


‫السكاكي‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ 5‬نفسو‪ ،‬ص ‪.168‬‬


‫‪021‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وُّذا صبعت األلفاظ واؼبعاين إٔب بعضها ُب مقاـ دوف آخر‪ ،‬وقد ال يسوغ لنا اعبمع بينها إذا‬
‫فلكل كلمة مع صاحبتها مقاـ‬
‫السياؽ‪ ،‬وىو ما عناه الّسكاكي بقولو‪ٍ« :‬بّ إذا َشرعت ُب الكبلـ ّ‬
‫تغ ّري ّ‬
‫»‪.1‬‬
‫االذباه البياين الّذي يقوـ على أساس االحتكاـ‬
‫ىاـ ُب التّفسري‪ ،‬وىو ّ‬
‫ومن أجل ىذا قاـ ّاذباه ّ‬
‫إٔب سياؽ النّصوص واالىتداء بو ُب توضيح معاين القرآف‪ ،‬فمعرفة أقدار اؼبعاين تقتضي‪:‬‬
‫‪ -‬توجيو الكبلـ كبو الغرض اؼبقصود‪.‬‬
‫‪ -‬اؼبناسبة بني األلفاظ واغبقل الّذي ينتمي إليو‪.‬‬
‫‪ -‬التّنبّو للمبلبسات االجتماعية والثّقافية واؼبعرفية‪.‬‬
‫‪ -2‬أقدار اؼبستمعني‪ :‬زبتلف طبيعة اؼبستمعني باختبلؼ مستوياّتم االجتماعية والثّقافية لذا كاف إيراد‬
‫خاصة إذا كاف مدار الكبلـ على اإلفهاـ «فالواجب تقسيم‬
‫اؼبعاين موازنا ألقدار اؼبستمعني‪ّ ،‬‬
‫السوقة‪،‬والبدوي بكبلـ البدوي‪،‬‬
‫السوقي بكبلـ ّ‬
‫طبقات الكبلـ على طبقات النّاس‪ ،‬فيخاطب ّ‬
‫عما يعرفو إٔب ما ال يعرفو‪ ،‬فتذىب فائدة الكبلـ وتعدـ منفعة اػبطاب »‪ ،2‬وىو‬
‫وال يتجاوز بو ّ‬
‫الغيب »‪.3‬‬
‫كي يباين خطاب ّ‬
‫ما أشار إليو القزويّن حينما قاؿ‪« :‬وخطاب ال ّذ ّ‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب أسلوب كبلمو دبا يناسب اؼبخاطَب‪ ،‬وُب ذلك يشري‬ ‫لذلك كاف األؤب أف يكيّف‬
‫أبو ىبلؿ العسكري ُب باب"فيما وبتاج الكاتب إٔب ارتسامو وامتثالو ُب مكاتباتو" إذ يقوؿ‪« :‬وأف‬
‫فتفرؽ بني من تكتب إليو بصفة‬
‫الرؤساء والنّظراء والغلماف والوكبلء‪ّ ،‬‬
‫تعرؼ مقدار اؼبكتوب إليو من ّ‬
‫السبلمة‪ ،‬وبني من تكتب إليو برتكها إجبلال وإعظاما وبني من تكتب إليو"أنا أفعل كذا"‬
‫اغباؿ وذكر ّ‬
‫‪4‬‬
‫وبني من تكتب إليو"كبن نفعل كذا" "فأنا" من كبلـ اإلخواف واألشباه‪ ،‬و"كبن" من كبلـ اؼبلوؾ »‪.‬‬
‫خاص ىبتلف باختبلؼ‪:‬‬
‫الرسائل‪ -‬حسب العسكري ‪ -‬لو مبط ّ‬
‫فأسلوب كتابة ّ‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫كتاب ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬اإليضاح‪ ،‬القزويني‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫كتاب ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪025‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ -1‬اؼبرسل إليو إذا كاف‪:‬‬


‫‪ -‬ملكا‪ :‬ترؾ وصف اغباؿ وال ّدخوؿ ُب اؼبوضوع مباشرة إجبلال وإعظاما‪.‬‬
‫السبلمة‪.‬‬
‫غبلما‪...‬وصف اغباؿ وذكر ّ‬
‫‪ -‬أخا أو نظريا أو ً‬
‫لئلخواف واألشباه‬ ‫الصياغة‪ - :‬أنا‬
‫‪ -2‬طريقة ّ‬
‫للملوؾ‬ ‫‪ -‬كبن‬
‫للخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬اؼبوضوع‪ - :‬التّقيّد باؼبوضوع بالنّسبة‬
‫للعامة‪.‬‬
‫‪ -‬اغبريّة ُب اؼبوضوع‪ :‬بالنّسبة ّ‬
‫الرتاكيب‪.‬‬
‫متلق إٔب آخر من حيث استخداـ األلفاظ أو ّ‬ ‫الصياغة من ّ‬
‫وبذلك زبتلف طريقة ّ‬
‫ّأما إذا كاف الكبلـ مشافهة فهذا لو خصوصية أيضاً عند العسكري‪«:‬فينبغي للمتكلّم أف يتكلّم‬
‫بفاخر الكبلـ ونادره‪ ،‬ورصينو‪ ،‬وؿبكمو عند من يفهمو عنو ويقبلو منو فبّن يعرؼ اؼبعاين واأللفاظ‬
‫الصناعة‪ ،‬ال كمن استطرؼ شيئا منها‪ ،‬فنظر‬
‫علما شافيا لنظره ُب اللّغة واإلعراب واؼبعاين على جهة ّ‬
‫فيو نظرا غري كامل‪ ،‬أو أخذ من أطرافو‪ ،‬وتناوؿ من أطراره فتجلّى باظبو وخبل من وظبو‪ ،‬فإذا ظبع ٓب‬
‫يفقو وإذا سئل ٓب ينقو‪ ،‬وإذا تكلّم عند من ىذه صفتو ذىبت فائدة كبلمو وضاعت منفعة ِ‬
‫منطقو‪،‬‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫العامي إذا كلّمتو بكبلـ العلّية سخر منك وزرى عليك»‪.‬‬
‫أل ّف ّ‬
‫يوجو لو الكبلـ الفاخر النّادر‬
‫ص أنبّية من حيث معرفة صفات اؼبستمع الذي ّ‬‫وؽبذا النّ ّ‬
‫الرصني ا﵀كم وتتجلّى صفاتو ُب‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬الفهم والقبوؿ‪.‬‬
‫‪ -2‬اؼبعرفة التّ ّامة والعلم باؼبعاين واأللفاظ‪.‬‬
‫الصناعة‪.‬‬
‫‪ -3‬التّدبّر وال ّدراسة بقواعد اللّغة واإلعراب واؼبعاين على جهة ّ‬
‫ص أنبّية تعكس الوجو اآلخر لصفات اؼبستمع الغري مناسب للكبلـ الفاخر النّادر‬‫وللنّ ّ‬
‫الرصني وا﵀كم وتتجلّى صفاتو ُب‪:‬‬
‫ّ‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص (‪.)34-33‬‬


‫كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪022‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ -1‬أخذ الكبلـ على وجو الطّرافة لبعده عن فهمو واستيعابو‪.‬‬


‫‪ -2‬النّظر فيو نظرة نقص من حيث الفهم‪.‬‬
‫‪ -3‬أخذ بعض جوانب الكبلـ دوف كلّو‪.‬‬
‫السماع دوف فهم أو استيعاب‪.‬‬
‫‪ّ -4‬‬
‫ومن كانت ىذه صفاتو اعترب الكبلـ على ىذا النحو طرافة فينتقص النّظر فيو بعيدا عن وجوه‬
‫حّت إذا ظبعو ٓب يفقو وإذا ُسئل عنو ٓب يفهمو‪ ،‬فالكبلـ مع‬
‫الفهم والتّدقيق ألخذه بأطراؼ الكبلـ ّ‬
‫ىذه الفئة من النّاس مضيعة للفائدة ومنطق الكبلـ‪ ،‬أل ّف العامي إذا كلّمتو بكبلـ العلّية سخر منك‬
‫العامة‪ :‬مب كنتم تنتقلوف‬
‫وىو ما أورده العسكري فقاؿ‪« :‬كما روي عن بعضهم أنّو قاؿ لبعض ّ‬
‫باغبمالني‪ ،‬ولو قاؿ لو أي شيء كاف نقلكم؟ لسلم من سخريتو‪،‬‬
‫البارحة؟ يعّن على النّبيذ‪ ،‬فقاؿ‪ّ :‬‬
‫كل فريق دبا يعرفوف ويتجنّب ما هبهلوف »‪.1‬‬
‫فينبغي أف ىباطب ّ‬
‫الصفات تفضي إٔب تنويع الكبلـ‬‫الشخصيات و ّ‬ ‫‪-2‬أقدار الكبلـ‪ :‬إ ّف اختبلؼ الطّبائع و ّ‬
‫الصياغية ُب‬
‫توجهات ومشارب اؼبستمعني لذلك تع ّددت التّشكيبلت األسلوبية والطّرائق ّ‬ ‫حبسب ّ‬
‫وزبري لفظو‪ ،‬وإصابة معناه وجودة مطالعو‪،‬‬
‫التّعبري «فالكبلـ وبسن بسبلستو‪ ،‬وسهولتو‪ ،‬ونصاعتو‪ّ ،‬‬
‫ولني مقاطعو‪ ،‬واستواء تقاسيمو‪ ،‬وتعادؿ أطرافو وتشابو أعجازه ُّواديو‪ ،‬وموافقة مآخريه ؼبباديو‪ ،‬مع‬
‫حّت ال يكوف ؽبا ُب األلفاظ أثر‪ ،‬فتجد اؼبنظوـ مثل اؼبنثور ُب سهولة‬
‫قلّة ضروراتو بل عدمها أصبل‪ّ ،‬‬
‫مطلعو وجودة مقطعو‪ ،‬وحسن رصفو وتأليفو وكماؿ صوغو وتركيبو‪ ،‬فإذا كاف الكبلـ كذلك كاف‬
‫بالقبوؿ حقيقاً وبالتّح ّفظ خليقاً »‪.2‬‬
‫فهذه صفات الكبلـ اعبيّد الذي يتناسب مع من يفهمو ويقبَػلُو « فالوحشي من الكبلـ‬
‫السوقي »‪ ،3‬ىو ما ُوبيل إٔب أ ّف التّنويع ُب‬
‫السوقي رطانة ّ‬
‫يفهمو الوحشي من النّاس‪ ،‬كما يفهم ّ‬
‫"الرسالة العذراء"‪ « :‬وإذا‬
‫الكبلـ ضروري حسب نوعية اؼبخاطبني يقوؿ ابن اؼب ّدبر(ت ‪371‬ىػ) ُب ّ‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري ‪ ،‬ص (‪.)34-33‬‬


‫كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.53‬‬


‫‪ 3‬البياف والتّبيين‪ ،‬الجاحظ‪.144/1 ،‬‬
‫‪027‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الشعراء وأواسط النّاس‬‫احتجت إٔب ـباطبة اؼبلوؾ والوزراء والعلماء والكتّاب واػبطباء واألدباء‪ ،‬و ّ‬
‫‪1‬‬
‫وسوقتهم‪ ،‬فخاطب كبلًّ على قدر أُّتو وجبللتو‪ّ ،‬‬
‫وعلوه وارتفاعو‪ ،‬وفطنتو »‪.‬‬
‫فإذا كاف الكبلـ قد صبع صفات اعبماؿ واغبسن وبعد عن أ ِ‬
‫َود النّظم والتّأليف كاف متقبّبل‬
‫الصواب‪ ،‬ويهرب‬
‫من الفهم « فالفهم يأنس من الكبلـ باؼبعروؼ ويسكن إٔب اؼبألوؼ‪ ،‬ويصغي إٔب ّ‬
‫ويتأخر عن اعباُب الغليظ‪ ،‬وال يقبل الكبلـ اؼبضطرب إالّ الفهم‬
‫من ا﵀اؿ‪ ،‬وينقبض عن الوخم‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫الرؤية الفاسدة »‪.‬‬
‫اؼبضطرب و ّ‬
‫السامع لدى بعض ال ّدارسني فاغباؿ عند‬
‫‪– 1‬أقدار اغباالت‪ :‬ترتبط اغباالت باؼبتكلّم أو ّ‬
‫صاحبة للحدث الكبلمي ُب عملية االتصاؿ من جهة أخرى‪،‬‬ ‫اعباحظ متعثّرة ومبتدلة من جهة وم ِ‬
‫ُ‬
‫يقوؿ اعباحظ‪ « :‬وصبيع أصناؼ ال ّدالالت على اؼبعاين من لفظ أو غري لفظ‪ ،‬طبسة أشياء ال تنقص‬
‫تسمى (نُصبة)‪ ،‬والنُّصبة ىي‬
‫ط‪ٍ ،‬بّ اغباؿ اليت ّ‬
‫الع ْق ُد‪ٍ ،‬ب اػب ّ‬
‫وال تزيد‪ّ :‬أوؽبما اللّفظ ٍبّ اإلشارة‪ٍ ،‬بّ َ‬
‫قصر عن تلك ال ّدالالت»‪.3‬‬
‫اغباؿ ال ّدالة‪ ،‬الّيت تقوـ مقاـ تلك األصناؼ‪ ،‬وال تُ ّ‬
‫تتم عن طريقها العملية التّواصلية وقد ح ّددىا ُب‬
‫ويوضح اعباحظ ُب قولو ىذا الوسائل والقنوات اليت ّ‬
‫ّ‬
‫طبسة أشياء‪:‬‬
‫الصوتية اليت ترتبط بفكرة ؿب ّددة ارتباطا وضعيًّا‪.‬‬
‫‪ -1‬اللّفظ‪ :‬وىو البنية ّ‬
‫بالرأس أو بالعني أو باغباجب‪ ،‬أو باؼبنكب وتأخذ أوضاعاً ـبتلفة إذا‬
‫‪ -2‬اإلشارة‪ :‬وتكوف باليد أو ّ‬
‫السيف‪ ،‬واإلشارة واللّفظ شريكاف‪.‬‬
‫الشخصاف‪ ،‬وبالثّوب و ّ‬
‫تباعد ّ‬
‫‪ -3‬العقد‪ :‬وىو ضرب من اغبساب يكوف بأصابع اليدين يقاؿ لو حساب اليد‪.‬‬
‫الرسم باغبروؼ على الورؽ‪.‬‬ ‫‪ُّ -4‬‬
‫اػبط‪ :‬الكتابة و ّ‬
‫وتبني صبيع دالالّتا‪.‬‬
‫‪ -5‬اغباؿ‪ :‬وىي النّصبة اليت تقوـ مقاـ األصناؼ اؼبذكورة ّ‬

‫‪ 1‬العقد الفريد‪ ،‬ابن عبد ربّو‪ ،‬تحقيق عبد المجيد الترحيني‪،‬الجزء‪ ،4‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1997( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.262‬‬
‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫كتاب ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬البياف والتّبيين‪ ،‬الجاحظ‪.76 /1 ،‬‬


‫‪025‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫معني فتُنبِئك حالو دبا يريد‬


‫فاغباؿ أو النّصبة ىي ما يكوف عليو اإلنساف الّذي يريد أف يتكلّم بكبلـ ّ‬
‫يد‪ ،‬وكأ ّف حاؿ ىذا اإلنساف ىي عبلمة ما يريد أف يفهمو‬ ‫بقوؿ أو يشري بإشارة ٍ‬
‫قولو دوف أف يتل ّفظ ٍ‬
‫النّاس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫يوضح وظيفة‬
‫لذلك قيل« ّأما النّصبة فهي اغباؿ النّاطقة بغري اللّفظ واؼبشرية بغري اليد »‪ٍ .‬بّ ّ‬
‫اغباؿ ودوره ُب معرفة شخصيات النّاس بقولو‪ «:‬ولو كاف النّاس يعرفوف ُصبلة اغباؿ ُب فضل‬
‫كل ما زبلّج ُب صدورىم‪ ،‬ولََو َجدوا من برد‬
‫االستبانة‪ ،‬وصبلة اغباؿ ُب صواب التّبيني ألعربوا عن ّ‬
‫كل حاؿ سوى حاؽبم‪ ،...‬ولكنّهم من بني مغمور باعبهل ومفتوف‬ ‫اليقني ما يُغنيهم عن اؼبنازعة إٔب ّ‬
‫‪2‬‬
‫بالعُجب‪ ،‬ومعدوؿ باؽبوى عن باب التثبت ومصروؼ بسوء العادة عن فضل التّعلّم »‪.‬‬
‫عرب اإلنساف‬
‫مهم ُب كشف واستظهار‪ ،‬وتوضيح ما ىو مكبوت إذا ما ّ‬
‫فاغباؿ ُب رأي اعباحظ ّ‬
‫عن عواطفو‪ ،‬وانفعاالتو بصدؽ دوف منازعة أو تصنّع‪ ،‬وىو ما وبيل إٔب أ ّف للحاؿ عبلقة وطيدة باعبوانب‬
‫خاصا كونو فبّا يتعلّق بوضع اإلنساف ُب عبلقتو بذاتو أو‬
‫النّفسية والوجدانية للمتكلّم « لذلك كاف اغباؿ ًّ‬
‫‪3‬‬
‫ومتحوؿ »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ىبص اؼبتكلّم الفرد‪ ،‬فهو طارئ‬
‫بعاؼبو ال ّداخلي دبعىن أنّو فبّا ّ‬
‫الزواؿ كبو‪ :‬حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة‪،‬‬
‫وقد قيل عن اغباؿ ّإّنا‪ « :‬كيفية سريعة ّ‬
‫‪4‬‬
‫تسمى ملكة»‪.‬‬
‫رسخ ّ‬ ‫تسمى حاال وبعد أف تُ ّ‬
‫رسخ ّ‬ ‫واؽبيئة النّفسانية ّأوؿ حدوثها قبل أف تُ ّ‬
‫بالزماف اغباضر‪ ،‬إذ ىي األمور الّيت دعت إٔب إيراد الكبلـ‬
‫متغرية أل ّف ؽبا عبلقة ّ‬
‫فاألحواؿ ّ‬
‫على وجو ـبصوص وكيفية معيّنة ُب زماف ؿب ّدد‪.‬‬
‫لكل تلك األقدار‪ ،‬إذ ىو ُب الوعي الببلغي « ُصبّا ِع عملية‬
‫وبذلك يُصبح اؼبقاـ جامعا ّ‬
‫‪5‬‬
‫التّواصل اإلنساين أو بوصفو ما يستدعي عملية التّكلّم‪ ،‬ويفرض شروط الكبلـ »‪.‬‬

‫‪1‬البياف والتّبيين‪ ،‬الجاحظ‪.81/1 ،‬‬


‫‪ 2‬نفسو‪.84/1 ،‬‬
‫المؤسسة الجامعية لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ص‪ ،‬عبد الواسع الحميري‪ ،‬بيروت‪ ،‬مجد‬
‫في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫ط‪2010(1‬ـ)‪،‬ص‪.119‬‬
‫‪ 4‬نفسو‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫ص‪ ،‬عبد الواسع الحميري‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪029‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫لذلك قبد الببلغيني ينظروف إليو باعتبار أنّو قد يكوف مقاـ تكلّم أو مقاـ خطاب أو مقاـ‬
‫سبلّق‪.‬‬
‫ّأما من حيث الوعي التّداوٕب‪ ،‬أي حيث ينظر إٔب التّداولية بوصفها « العلم الذي يدرس تأثري‬
‫اؼبقاـ ُب معاين ملفوظات األقواؿ »‪ ،1‬فإ ّف األصل ُب اؼبقاـ أنّو يتألّف من‪:‬‬
‫‪ -1‬عنصر اؼبشاركني ُب القوؿ‪( :‬اؼبتكلّم واؼبستمع)‪.‬‬
‫‪ -2‬مكاف القوؿ‪.‬‬
‫‪ -3‬زماف القوؿ‪.‬‬
‫‪ -4‬ىدؼ القوؿ والغاية منو‪.‬‬
‫‪ -5‬موضوع القوؿ‪.‬‬
‫‪ -6‬جنس اػبطاب الذي يدور حولو القوؿ‪.‬‬
‫‪ -7‬قناة التّعبري واللّهجة اؼبستخدمة فيو‪.‬‬
‫‪ -8‬قواعد توزيع الكبلـ‪.‬‬
‫‪ -9‬معارؼ اؼبشاركني عن العآب ومعرفة بعضهم بعضا ومعرفة اػبلفية الثّقافية للمجتمع الذي انبثق‬
‫فيو اػبطاب‪.‬‬
‫مهمتاف ّاذباه ارتباطها باؼبقاـ‪:‬‬
‫وبذلك يتّضح أ ّف للتّداولية ّ‬
‫اؼبتضمنة ُب األقواؿ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اؼبهمة‪ ،‬وذلك ىو ربليل األعماؿ‬
‫ربديد األعماؿ اللّغوية ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫‪2‬‬
‫يعرب عنها جبملة معطاة‪.‬‬
‫َي القضايا ّ‬
‫تعيني خصائص سياؽ التّل ّفظ الّذي وب ّدد أ ُّ‬ ‫‪-2‬‬

‫الشكل األسلويب‬
‫إ ّف اختبلؼ وتفاوت وتنّوع أحواؿ اؼبتكلّمني ىو الّذي وب ّدد اؼبقاـ وبالتّإب ّ‬
‫للكبلـ‪ ،‬وىذا يتوافق مع قدراّتم على التّفاعل واالنسجاـ واالستجابة أو اعبدؿ خبلؿ عملية التّواصل‬
‫باإلضافة إٔب تباين دوافعهم الكامنة خلف عملية التّكلّم‪ ،‬وىو ما يفضي إٔب صياغة أساليب تتناسب‬
‫متنوعة‪:‬‬
‫مع ىذا التّفاوت واالختبلؼ حيث تربز لنا تش ّكبلت أسلوبية ّ‬
‫‪ 1‬مجلّة جذور‪" ،‬من آليات تحليل الخطاب" صابر الحباشة‪ ،‬العدد‪ ،22‬المجلد ‪2005( ،10‬ـ)‪ ،‬ص‪.332‬‬
‫محمد الحبّاشة‪ ،‬األردف‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ط‪2011(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫األسلوبية والتّداولية (مدخل لتحليل الخطاب)‪ ،‬صابر ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪011‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ -1‬يكوف مقاـ التّكلّم دبثابة موضع سلطوي من طرؼ واحد ويتجلّى من خبلؿ أسلوب اػبطاب‬
‫اؼبنربي‪.‬‬
‫‪ -2‬يكوف موضعا لتبادؿ الكبلـ بني أكثر من طرؼ (األسلوب اغبواري)‪.‬‬
‫الرسائل)‪.‬‬
‫‪ -3‬يكوف موضعا لتل ّقي الكبلـ وإلقائو (أسلوب ّ‬
‫دخل‬
‫‪ -4‬يكوف موضعا لتل ّقي األقواؿ وإلقائها إٔب اآلخرين كما ىي‪ ،‬أو كما قيلت من قبل(دوف التّ ّ‬
‫بزيادة أو نقص) (أسلوب الوصايا)‪.‬‬
‫‪ -5‬يكوف موضعا إللقاء الكبلـ الواجب إلقاؤه كبو من يتكلّم معهم (الوعظ واإلرشاد‪.1)...‬‬
‫تنوع ُب األساليب‪ ،‬وىو ما يُربز صلة الكبلـ‬
‫الصيغ الكبلمية يتش ّكل لدينا أيضا ّ‬ ‫وُّذا التّ ّنوع ُب ّ‬
‫بالعآب اػبارجي مكاناً وزماناً وأشخاصاً فاؼبقاـ يتش ّكل عرب األصناؼ التّالية بعضها مع بعض‪:‬‬
‫تتضمن‪:‬‬
‫السامع) ّ‬
‫األطراؼ اؼبشاركة ُب العملية التّواصلية (اؼبتكلّم و ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫‪2‬‬
‫اؼبؤسس من قبل متكلّم يتمتّع بصبلحيات معيّنة »‪.‬‬
‫الفعل الكبلمي‪ :‬وىو« الفعل ّ‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬الفعل غري الكبلمي‪:‬‬
‫األشياء اؼبتعلّقة باؼبوضوع‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫وقع الفعل الكبلمي‪ :‬اعبانب التّأثّري‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫قناة التّواصل‬ ‫‪-4‬‬

‫ص‪ ،‬عبد الواسع الحميري‪ ،‬ص‪.119‬‬


‫ينظر‪ :‬آفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫المتضمنة في القوؿ بين الفكر المعاصر والتراث العربي‪ ،‬مسعود صحراوي‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة باتنة‪2003( ،‬ـ)‪،‬ص‪.83‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬األفعاؿ‬
‫‪010‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪.2‬المقوالت البالغية في ضوء نظرية المقئم‪:‬‬


‫يعرب عن ذلك بدقّة‪ ،‬حبيث إذا كانت دالالت األلفاظ‬
‫خاص ّ‬
‫يستند اؼبقاـ إٔب تشكيل أسلويب ّ‬
‫ضمن ىذا التّشكيل وضعية على حسب عُرؼ اللّغة فقط‪ ،‬فإ ّف ذلك مرتبط بعلم اؼبعاين ّأما إذا كانت‬
‫بالصنعة العقلية حبيث تتباين وضوحا وخفاء فهذا‬
‫تؤديها تلك اؼبطابقة ذات صلة ّ‬
‫تلك األساليب الّيت ّ‬
‫ىبص علم البياف «إذ زبتلف فيو األساليب بني االرتفاع واؽببوط حسب حظّها من الوضوح واػبفاء‬
‫ّ‬
‫ىبصها‬
‫من حقيقة وؾباز ومن تشبيو واستعارة أو كناية‪ ،‬فتتفاوت األساليب البيانية حبسب اؼبقاـ الّذي ّ‬
‫‪1‬‬
‫»‪.‬‬
‫ّأما الوجو الثّالث فهو وجو ربسني أساليب الكبلـ وتزيينها مع مراعاة وضوح ال ّداللة وكماؿ‬
‫الفائدة‪ ،‬وىو مقاـ مطلوب ليحصل للحدث الكبلمي رونقو ليزيد ُب ل ّذة االستماع واالستمتاع‪ ،‬وىذا‬
‫يقودنا إٔب تتبّع فنوف الببلغة مقاميًّا لتوضيح أوجو التّشكيل األسلويب دبقتضاىا حبيث يكوف‪:‬‬
‫فبثبل للجانب اإليصإب للمعىن‪.‬‬ ‫علم اؼبعاين‬
‫فبثّبل للجانب الكشفي اإليضاحي للمعىن‪.‬‬ ‫علم البياف‬
‫فبثّبل للجانب التّحسيّن للمعىن‪.‬‬ ‫علم البديع‬
‫تجليات المقاـ في علم المعاني‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫تتنزؿ ُب الكبلـ‬
‫ومتحولة ّ‬
‫ّ‬ ‫أ﵀نا ُب حديثنا عن اؼبقاـ واغباؿ أ ّف خصوصية ىذا األخري طارئة‬
‫لعل ىذا لو عبلقة بعلم‬
‫حينما يستعمل اؼبتكلّم العناصر اللّغوية الّيت يتمظهر من خبلؽبا القوؿ‪ ،‬و ّ‬
‫عرؼ بأنّو «تتبّع خواص تراكيب الكبلـ ُب اإلفادة‪ ،‬وما يتّصل ُّا من استحساف وغريه‪،‬‬
‫اؼبعاين الذي ّ‬
‫ليحرتز بالوقوؼ عليها عن اػبطأ ُب تطبيق الكبلـ على ما يقتضي اغباؿ ذكره »‪.2‬‬
‫للرتاكيب الكبلمية‪ ،‬ىو البحث عن مطابقة األساليب اللّغوية‬
‫لعل الغاية من ىذا التّتبّع ّ‬
‫و ّ‬
‫ؼبقتضيات األحواؿ واؼبقامات‪.‬‬

‫‪ 1‬نظرية المقاـ عند العرب في ضوء البراغماتية‪ ،‬مناؿ سعيد نجار‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ 2‬مفتاح العلوـ‪ ،‬السكاكي‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪013‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫السكاكي‪ ،‬إذ يقوؿ بأنّو‪« :‬العلم الذي‬


‫ّأما تعريف القزويّن لعلم اؼبعاين فهو شبيو دبا قالو ّ‬
‫‪1‬‬
‫يُعرؼ بو أحواؿ اللّفظ العريب الّيت ُّا يطابق مقتضى اغباؿ »‪.‬‬
‫وتكشف لنا ىذه التّعاريف مدى ارتباط ىذا العلم بالنّحو‪ ،‬باإلضافة إٔب توضيح طبيعتو‬
‫ووظيفتو ُب التّعبري عن اؼبقاصد واألفكار تعبريا يتبلءـ مع األحواؿ واؼبقامات انطبلقا من‪:‬‬
‫يتم ربط اؼبعاين بعضها ببعض‪:‬إالّ«بوجود اسرتاتيجيات‬
‫الص ّحة النّحوية‪ :‬حبيث ال ّ‬
‫العناية جبوانب ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫‪2‬‬
‫الص ّحة النّحوية»‪.‬‬
‫جامدة تستند إٔب اؼبقاـ منها ّ‬
‫الصياغة الفنّية ال ّدقيقة لؤلسلوب‪.‬‬
‫تقدًن ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ -3‬اؼبراعاة التّ ّامة عبوانب اغباؿ واؼبقاـ‪ :‬قاؿ شاعر‪:‬‬


‫ويل‬ ‫ِ‬ ‫ت؟ قُ ُ ِ‬ ‫قاَؿ لِي‪َ :‬ك ْي َ‬
‫وحز ٌف طَ ُ‬‫هر َدائ ٌم ُ‬
‫سٌ‬ ‫لت َعليلٌ َ‬ ‫ف أنْ َ‬
‫فلضيق اؼبقاـ ىنا أحجم الفاعل عن إطالة الكبلـ‪ ،‬حيث حذؼ اؼبسند إليو بسبب اغبالة‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب والّيت تستدعي عدـ اإلطالة والتّقدير"أنا عليل"‪.‬‬ ‫يبر ُّا‬
‫اؼبرضية الّيت ّ‬
‫مهمة علم اؼبعاين من حيث ينتهي علم النّحو‪ :‬فقولنا "زيد منطلق"‪ ،‬و"اؼبنطلق زيد"‪ ،‬و"زيد‬ ‫‪ -4‬تبدأ ّ‬
‫مكونة كبويّاً من مبتدأ وخرب لكن مدلوالّتا اؼبعنوية زبتلف وىذا‬
‫ىو اؼبنطلق" ىي تراكيب ّ‬
‫الرتاكيب األسلوبية ىي ما يكشف لنا عنو علم اؼبعاين‪.‬‬
‫التّفاوت ُب معاين ّ‬
‫السياقات‪ ،‬وما يقتضيو اؼبقاـ غبدوثها‬
‫يدرس األحواؿ النّحوية من حيث حركتها الفنّية داخل ّ‬ ‫‪-5‬‬

‫الصياغية وأحواؽبا التّعبريية‪.‬‬


‫وفبارستها ّ‬
‫نص القزويّن ىي اؼبقاـ أو اؼبوقف الذي هبب أف يضع اؼبنشئ كبلمو على صورتو‪.‬‬
‫اغباؿ ُب ّ‬ ‫‪-6‬‬

‫الرتاكيب‬
‫مقتضى اغباؿ‪ :‬ىو األسلوب الذي ينسج على منوالو اؼبنشئ ويصوغ ألفاظو ويصنع ؽبا ّ‬ ‫‪-7‬‬

‫خاصة ُب الكبلـ زائدة على أصل معناه‪ ،‬قد اقتضاىا اغباؿ‬


‫لتتناسب مع اغباؿ إذ ىو« صورة ّ‬
‫واستدعاىا اؼبقاـ »‪3.‬‬

‫‪1‬اإليضاح في علوـ البالغة‪ ،‬الخطيب القزويني‪ ،‬مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح‪ ،‬القاىرة (‪1971‬ـ‪ ،).‬ص‪.74‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Seven sins of pragmatics, theses obout speech act theory , dorothea franch urbino,‬‬
‫‪1979, p233 .‬‬
‫المكرمة‪ ،‬ط‪1992(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫ّ‬ ‫‪3‬علم البالغة‪ ،‬أحمد مصطفى المراغي‪ ،‬دار إحياء التّراث اإلسالمي‪ ،‬م ّكة‬
‫‪012‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ؾبسدا صورة أدبية‬‫ّأما أحواؿ اللّفظ فهي التّشكيبلت األسلوبية الفنّية الّيت يتموضع فيها اللّفظ ّ‬ ‫‪-8‬‬

‫الرداءة‪ ،‬أل ّف‬


‫صبالية‪ ،‬إذ «ال ربظى اؼبفردة باىتماـ لذاّتا وال تسلّط عليها أضواء اغبكم باعبودة أو ّ‬
‫الرتاكيب إٔب جانب الوحدات‬
‫تؤدي دورا متميّزا داخل منظومة ّ‬
‫قيمتها اعبمالية ال تدرؾ إالّ وىي ّ‬
‫اللّغوية األخرى »‪ 1.‬وتتجلّى من خبلؿ استخداـ التّقدًن والتّأخري‪ ،‬والتّعريف والتّنكري واغبذؼ‬
‫والذكر‪ ،‬واإلظهار واإلضمار‪ ،‬والفصل والوصل‪ ،‬واإلهباز واإلطناب‪ ،‬وتتأتّى وظيفة علم اؼبعاين ُب‬
‫حوالت دالليا وتوضيح صبالياّتا؛ إذ ىو« علم الوقوؼ على صباليات‬
‫حبث أسرار ىذه التّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫الرتاكيب وحركة خبليا اؼبفردات داخل ؿبيطها »‪.‬‬
‫ّ‬

‫بكل جزئياتو على دراسة ىذه اؼبراعاة‪ ،‬وكيفية توفريىا ُب‬


‫وىو ُّذا قائم على «مراعاة اؼبقاـ إذ يعتمد ّ‬
‫اىتم ُّا الببلغيوف ىي الظّروؼ واؼببلبسات اليت‬
‫األسلوب ليصل إٔب درجة اعبودة واإلتقاف‪ ،‬واؼبعاين الّيت ّ‬
‫خاصة ُب التّعبري وتأليف اعبملة »‪.3‬‬
‫بالسامع حيث تستدعي ىذه الظّروؼ طريقة ّ‬
‫ربيط ّ‬
‫بكل عناصره‪ ،‬حيث‬
‫غريات الّيت يفرضها اؼبقاـ ّ‬
‫وبذلك يكوف التّشكيل األسلويب مستندا إٔب التّ ّ‬
‫لكل مقاـ مقاؿ‪ ،‬فلمقاـ التّوكيد أسلوب‪ ،‬وؼبقاـ‬
‫بتنوع اؼبقامات تطبيقا ؼببدأ ّ‬ ‫تتنوع األساليب ّ‬
‫ّ‬
‫اإلخبارأسلوب يقوؿ القزويّن‪« :‬و ّأما ببلغة الكبلـ فهي مطابقتو ؼبقتضى اغباؿ مع فصاحتو‪،‬ومقتضى‬
‫اغباؿ ـبتلف‪ ،‬فإ ّف مقامات الكبلـ متفاوتة فمقاـ التّنكري يباين مقاـ التّعريف‪ ،‬ومقاـ اإلطبلؽ يباين‬
‫مقاـ التّقييد‪ ،‬ومقاـ التّقدًن يباين مقاـ التّأخري‪ ،‬ومقاـ ال ّذكر يباين مقاـ اغبذؼ ومقاـ القصر يباين‬
‫مقاـ ِخبلفو ومقاـ الفصل يباين مقاـ الوصل‪ ،‬ومقاـ اإلهباز يباين مقاـ اإلطناب واؼبساواة‪ ،‬وكذلك‬
‫‪4‬‬
‫الغيب »‪.‬‬
‫خطاب ال ّذكي يباين خطاب ّ‬

‫‪1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.230‬‬


‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫‪3‬نظرية المقاـ عند العرب في ضوء البراغماتية‪ ،‬مناؿ سعيد نجار‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪4‬اإليضاح في علوـ البالغة‪ ،‬الخطيب القزويني‪ ،‬ص(‪.)11،12‬‬
‫‪011‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫وعليو فالقصد من علم اؼبعاين مبلئمة مقتضى اغباؿ دبا يناسبو من أسلوب واستنباط ما‬
‫يستفاد من الكبلـ ضمنا دبعرفة القرائن‪ ،‬فصياغة األساليب ال تستقيم إالّ دبراعاة اؼبقاـ‪ ،‬كما أ ّف‬
‫فهمها واستنباطها ال يستقيم إال دبراعاة ذلك أيضا‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تجلّيات المقاـ في علم البياف‪:‬‬

‫تتعلّق كلمة "البياف" بالكشف واإليضاح لتجلية اؼبعاين اؼبخبوءة وتأكيدىا ُب صور‪ ،‬وقد‬
‫اقرتنت ُّا كلمة علم لل ّداللة على فرع من فروع الببلغة القصد منو «إيراد اؼبعىن الواحد بطرؽ ـبتلفة‬
‫‪1‬‬
‫السكاكي بأنّو‪«:‬علم يعرؼ بو إيراد اؼبعىن الواحد بطرؽ ـبتلفة‬
‫ّ ّ‬ ‫فو‬
‫عر‬ ‫وقد‬ ‫ُب وضوح ال ّداللة عليو »‪.‬‬
‫بالزيادة ُب وضوح ال ّداللة عليو وبالنّقصاف‪ ،‬ليحرتز بالوقوؼ على ذلك عن اػبطأ ُب مطابقة الكبلـ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫لتماـ اؼبراد »‪.‬‬
‫واؼبقصود من ذلك أ ّف أساليب الكبلـ زبتلف ٍبّ تتّضح من طريق إٔب طريق‪ ،‬حيث أ ّف اؼبعىن‬
‫الواحد يرد بطريقة التّشبيو‪ ،‬وبطريقة اَّاز وأخرى باالستعارة أو الكناية‪ ،‬واختيار األسلوب البياين‬
‫السياؽ ُب‬
‫األنسب للوفاء دبطابقة الكبلـ ىو مدار ىذا العلم ُب إيضاح اؼبقصود وتبيانو‪ ،‬ويتجلّى أثر ّ‬
‫الصور البيانية ال يبكن فيها االعتماد على ظاىر اللّفظ وحده الستخبلص اؼبعىن‪،‬‬
‫علم البياف ُب كوف ّ‬
‫وال ّداللة فيو أف يعرؼ اؼبعاين اؼبعجمية لؤللفاظ‪ ،‬وىو ما بيّنو عبد القاىر اعبرجاين حني قاؿ‪ « :‬أنت‬
‫تعرؼ اؼبعىن من طريق اؼبعقوؿ دوف طريق اللّفظ‪ ،‬أال ترى أنّك ؼبا نظرت إٔب قوؽبم"ىو كثري رماد‬
‫الضيافة‪ٓ ،‬ب تعرؼ ذلك من اللّفظ‪ ،‬ولكنّك عرفتو بأف‬ ‫ِ‬
‫القدر" وعرفت منو ّأّنم أرادوا أنّو كثري القرى و ّ‬
‫الرماد‪ ،‬فليس إالّ‬
‫رجعت إٔب نفسك فقلت‪ :‬إنّو كبلـ قد جاء عنهم ُب اؼبدح‪ ،‬وال معىن للمدح بكثرة ّ‬
‫الضيافة‪،‬‬
‫الرماد على أنّو تُنصب لو القدور الكثرية‪ ،‬ويُطبخ فيها للقرى و ّ‬
‫أ ّّنم أرادوا أف يَدلّوا بكثرة ّ‬
‫الرماد ال‬
‫وذلك ألنّو إذا كثر الطّبخ ُب القدور كثر إحراؽ اغبطب ربتها‪ ،‬وإذا كثر إحراؽ اغبطب كثر ّ‬
‫‪3‬‬
‫ؿبالة »‪.‬‬

‫‪1‬اإليضاح في علوـ البالغة‪ ،‬الخطيب القزويني‪ ،‬ص ‪.326‬‬


‫السكاكي‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.274‬‬


‫‪015‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫يعرب‬
‫الزماف واؼبكاف الّذي قيل فيو‪ ،‬كما أنّو ّ‬
‫الشك أنّو يتناسب مع البيئة و ّ‬
‫ّ‬ ‫فطرح ىذا األسلوب‬
‫الزمن ذلك أنّو « متولّد من عبلقة‬
‫ضمنيًّا عن مقاـ اؼبدح غري أ ّف معناه قابل للتّع ّدد والتّعبري مع مضي ّ‬
‫خاصة بني اؼبتكلّم واؼبتل ّقي وبني اؼبدلوالت وبني اؼبقاـ اغبضاري واالجتماعي والثّقاُب الذي تولّدت فيو‬
‫ّ‬
‫الزمن »‪ 1.‬لذلك فقد وبسن ىذا‬ ‫متغرية مع مضي ّ‬
‫ىذه العبارات‪ ،‬فهذه العناصر صبيعها متضافرة ّ‬
‫تتحصل‬
‫األسلوب ُب وقت ما ال وبسن ُب آخر‪ «.‬فاللّغة ربتوي على طرؽ كثرية ألداء اؼبعىن الواحد و ّ‬
‫طور التّارىبي‪ ،‬واختبلؼ البيئات والثّقافات اليت أثّرت ُب تكوينها‪ ،‬واختبلؼ اعبهات‬
‫ىذه الطّرؽ نتيجة التّ ّ‬
‫الرتاكيب‪ ،‬إذا‬
‫الشيء الواحد‪ ،‬وىذا ّأدى إٔب ما يفضل كثريا عن حاجتها من األلفاظ و ّ‬
‫الّيت ينظر منها إٔب ّ‬
‫السيف واألسد ُب اللّغة العربية خري شاىد على ذلك‪،‬‬
‫الرسالة‪ ،‬وكثرة أظباء ّ‬
‫نظرنا إٔب الغرض العملي من ّ‬
‫‪2‬‬
‫الرتاكيب »‪.‬‬
‫الصيغ و ّ‬
‫وكما تتع ّدد اؼبفردات ألداء اؼبعىن الواحد تتع ّدد ّ‬
‫الشعورية الّيت يعيشها‬
‫وتعكس النّصوص الفنّية ُب األدب العريب إشعاعا يبثّل اؼبقاـ والتّجارب ّ‬
‫يتوخاه مستعمل اللّغة من ضروب األساليب البيانية‪ ،‬إّمبا سببو‬
‫كل ما ّ‬
‫الشاعر أو األديب لذلك «كاف ّ‬
‫ّ‬
‫قلّة اؼبعاين‪ ،‬الّيت ُب النّفس ولطائف اؼبقاصد الّيت يريد بلوغها باللّفظ فبل معترب إالّ ىذا وإالّ كاف تكثري‬
‫‪3‬‬
‫األلفاظ ضوضاء صوتية ال يعت ّد ُّا»‪.‬‬
‫الصور فعكست اغبياة الّيت‬
‫وقد وردت ىذه النّصوص مفعمة باغبيوية والتّنويع ُب األساليب و ّ‬
‫بكل حيثياّتا «فإذا اتّفق تشبيو ال تتل ّقاه بالقبوؿ‪ ،‬أو حكاية تستغرُّا فاحبث عنو ون ّقر‬
‫وبياىا اؼببدع ّ‬
‫أدؽ‬
‫عن معناه‪ ،‬فإنّك ال تعدـ أف ذبد ربتو خبيئة إذا أثرّتا عرفت فضل القوـ ُّا‪ ،‬وعلمت أ ّّنم ّ‬
‫‪4‬‬
‫طبعا‪ ،‬من أف يلفظوا بكبلـ ال معىن ربتو »‪.‬‬
‫فاؽبدؼ من صياغة الكبلـ على ضروب البياف ليس إقامة عبلقات عقلية بني مشبّو ومشبّو‬
‫بو؛ وإّمبا ىو التّنويع ُب أشكاؿ وقوالب أسلوبية بيانية تطاوع رغبة اؼبتكلّم ُب التّعبري دبا يتكيّف مع‬

‫نجار‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫نظرية المقاـ عند العرب‪ ،‬منا سعيد ّ‬
‫‪1‬‬

‫صمود‪ ،‬العدد‪1993( 24‬ـ)‪،‬ص‪.38‬‬


‫حمادي ّ‬
‫المجلّة العربية الثّقافية‪ ،‬مقاؿ بعنواف" النّقد وقراءة التّراث عودة إلى مسألة النّظم"‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬اللّغة واإلبداع‪( ،‬مبادئ علم األسلوب العربي)‪ ،‬شكري عياد‪ ،‬مطبعة انترناشيوناؿ‪ ،‬مدينة الصحفيين‪ ،‬ط‪1988(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫شعر‪ ،‬ابن طباطبا‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫عيار ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪012‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫اغباالت واؼبواقف واؼبقامات الّيت وبياىا‪ ،‬وبذلك تصبح ىذه األساليب البيانية «عبارة عن أفانني‬
‫‪1‬‬
‫الصدور »‪.‬‬
‫التّعبري عن األحاسيس الكامنة ُب ّ‬
‫متحركة‬
‫لذلك تقوـ وظيفة علم البياف على تسهيل التّشكيل األسلويب عرب كلمات ترسم لوحة ّ‬
‫ومتن ّقلة ُب اؼبكاف الّذي تدور فيو‪ ،‬فهذا الثّراء ُب عطاء الكلمات يفتح اَّاؿ واسعا‬
‫متنامية ومتتالية ُ‬
‫للتّصوير األديب دبا يستجيب إٔب ٍ‬
‫رغبة ُب كشف ذبارب األدباء وعواؼبهم‪.‬‬
‫اؼبعتز من‬
‫الرومي‪« :‬ؼبا ال تأٌب بصورة تضاىي ما وبفل بو شعر عبد ا﵁ بن ّ‬ ‫وقد ُسئل ابن ّ‬
‫بالزينة والفخامة‪ ،‬فقاؿ ؾبيباً‪ :‬بأ ّف ُكبلًّ منّا ّ‬
‫يصور ما ُب بيتو فهو‬ ‫وفضة وأشكاؿ بديعة ترفل ّ‬
‫ذىب ّ‬
‫اؼبعتز ُب تصويره حامبل مبلمح بيتو‬
‫ينعم ُب قصوره دبا ال أملكو وال يقع ربت يدي »‪ ،‬وفبّا برع ابن ّ‬
‫نصو‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وترفو ما ّ‬

‫تح ػ ِ‬
‫ػت الثّػُػ َػريا‬ ‫الَ ِ‬
‫ح م ْن ْ‬
‫َ‬ ‫‪‬‬ ‫لمػا‬
‫وَكأ ّف البػ ػ ػَػ ْد َر َ‬
‫يح ْْ ػ ػػيَا‬
‫ٍج يُف ػَػدى َو َ‬ ‫‪‬‬ ‫ػل فِي تَػا‬‫ك أقْبػَػ ػ َ‬ ‫َملِ ٌ‬
‫يػ ْفت ػػح فاَهُ ِألَك ػل عُن ُقػ ِ‬
‫ػود‬ ‫اغر َش ػ ِرهٍ‬ ‫يتلو الثُّريا َكف ػ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫‪‬‬ ‫َ ُ َ َ‬

‫الرتؼ والبحبوحة ُب العيش من خبلؿ ىذه‬ ‫ينم عن ّ‬‫الشاعر من تشبيهات متع ّددة ّ‬ ‫فما أبرزه ّ‬
‫الصفة ُب البيت"شره"‪ ،‬فاآلكل ليس بائسا إّمبا اختري أكوال يبحث عن اللّذيذ والفريد ال على ما يس ّد‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصور واأللفاظ الّيت صاغها‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫أسلوبو‬ ‫تشكيل‬ ‫اختار‬ ‫قد‬ ‫اؼبعتز‬ ‫ابن‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫قبد‬ ‫األساس‬ ‫ىذا‬ ‫وعلى‬ ‫رمقو‪.‬‬
‫الرتؼ والنّعيم‪ ،‬فاؼبقاـ ىنا قد ح ّدد نوع التّشكيل األسلويب الذي‬
‫من البيئة اؼبعاشة والّيت تنم عن ّ‬
‫يتناسب مع القائل وواقعو‪.‬‬

‫نجار‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫نظرية المقاـ عند العرب‪ ،‬مناؿ سعيد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪:‬جماليات األسلوب‪ ،‬فايز ال ّداية‪ ،‬ص‪.97‬‬


‫‪017‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫يصور اعبانب اآلخر من ؿبيطو فيقوؿ‪:‬‬


‫الرومي ّ‬
‫بينما نرى ابن ّ‬
‫صر‬
‫ك الل ْم ِح بالبَ َ‬
‫دحو الرقَاقةَ َو ْش َ‬
‫‪ ‬يَ ُ‬ ‫ت بو‬ ‫س الَ أَ َ‬
‫نس خبّازا َم َرْر ُ‬ ‫ما أَنْ َ‬
‫اء َكال َقم ػَػر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َما ْبي َن ُرْؤيتها في َكفو كػَ َػرةً ‪َ ‬و ْبي َن ُرْؤيت َها قَػ ْوَر َ‬
‫إالّ بمق َدار ما ت ْنداَحُ َدائ ػِػرةٌ ‪ ‬فِي ص ْفحة ِ ِ ِ‬
‫الماء يَرمي فيو بِ َ‬
‫‪1‬‬
‫الح َجر‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فالشاعر يصف لنا اػببّاز وطريقتو ُب صنع اػببز من الواقع‪ ،‬وىو بذلك قد استقى ىذه‬
‫ّ‬
‫للصور ُب‬
‫الصور من اؼبقاـ الذي عايشو‪ ،‬والفرؽ واضح بني التّشكيل األسلويب ّ‬
‫الرتاكيب و ّ‬
‫األلفاظ و ّ‬
‫اغبي ُب رسم‬
‫الرومي‪ ،‬فكبلنبا عمد إٔب براعة التّصوير التّمثيلي ّ‬
‫أبيات ابن اؼبعتز وبني أبيات ابن ّ‬
‫كل منهما‪،‬‬
‫الصياغة واختيار األلفاظ اليت تناسب بيئة ّ‬
‫وربوالتو إالّ أ ّّنما اختلفا ُب ّ‬
‫اؼبشهد جبزئياتو ّ‬
‫فاؼبقاـ ىو الذي ح ّدد التّشكيل األسلويب اؼببلئم للتّعبري‪.‬‬
‫كل ما يدور ُب‬
‫وذبمع وظيفة البياف بني التّشكيل األسلويب أيضا‪ ،‬وبني اإليضاح والكشف عن ّ‬
‫أروقة اؼبنشئ من دالالت وأفكار عن طريق «تراكيب أسلوبية تقوـ على وصفات لئلصابة واعبماؿ وال ّدقّة‬
‫السمع َح ِريّة‬
‫الرتّىل‪ ،‬وال تتفتّت عند اللّمس‪ ،‬طيّبة اؼبذاؽ‪ ،‬رقيقة على ّ‬
‫بلغة سليمة متوازنة ال تشكو من ّ‬
‫الرصد الواعي‪ ،‬والقدرة على‬ ‫باإلصغاء‪ ،‬تتجاذُّا عناصر الفعل األديب النّاضج ُب درجة التّكيّف‪ ،‬و ّ‬
‫الصفر الببلغية‪ ،‬يتميّز بالثّراء واغبضور الواعي‪ ،‬عرب تقنية‬
‫اإليصاؿ بأسلوب يبتعد عن الوقوع ُب درجة ّ‬
‫‪2‬‬
‫متق ّدمة توفّر للمتل ّقي العيش ُب حضور ثنائية اإلمتاع واإلقناع »‪.‬‬
‫يوضح خصوصيتها ُب إقامة عبلقات بني األلفاظ‬ ‫ىذا الوصف ال ّدقيق لؤلساليب البيانية ّ‬
‫فرد وتصوغ اؼبعاين بطريقة خبلبة تستل ّذىا األنفس وتطرب ؽبا اآلذاف ؽبذا يشبّهها‬
‫تتّسم بالتّميّز والتّ ّ‬
‫عبد القاىر اعبرجاين باألصباغ الّيت يصنع منها الفنّاف صورتو والنّ ّساج نسيجو‪ ،3‬لذا قبد اؼببدع يلجأ‬
‫تتضمن فضبل إالّ إذا‬
‫كل ىذه األساليب ال ّ‬
‫إٔب التشبيو ٍبّ إٔب االستعارة ٍبّ إٔب اَّاز وىكذا‪ ...‬و ّ‬

‫الرومي‪ ،‬تحقيق‪ ،‬كامل كيالني‪ ،‬القاىرة‪ ،‬المكتبة التّجارية‪( ،‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.341‬‬


‫‪1‬ديواف ابن ّ‬
‫‪2‬األسلوبية وثالثية الدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪015‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫أسندت واستنبطت من اؼبقاـ الّذي وردت فيو لذلك ذىب "سعد مصلوح" إٔب أ ّف األساليب البيانية‬
‫ص‪ ،‬ولكنّها ال‬
‫يتضمنو وتساعد كثريا ُب فهم النّ ّ‬
‫الرتكيب وما ّ‬
‫باعتبارىا أشكاال ببلغية تنتج عن طبيعة ّ‬
‫‪1‬‬
‫ص أل ّف دراسة أغفلت مقامات تلك األساليب‪.‬‬
‫تساعد ُب فهم ؾبمل العبلقات اؼبشكلة للنّ ّ‬
‫يفسر اختبلؼ‬
‫يتضمنو أي دبقتضى اؼبقامات واألحواؿ ّ‬
‫الرتكيب وما ّ‬
‫فإنتاج الكبلـ وفق طبيعة ّ‬
‫األساليب الّيت تعّن أيضا معاف متفاوتة وأحواؿ متباينة‪ ،‬وىو« ما يربط اؼبقاـ باؼبقاؿ على كبو يتح ّدد‬
‫‪2‬‬
‫فيو اؼبقاؿ باؼبقاـ‪ ،‬ويستكشف فيو اؼبقاـ من خبلؿ اؼبقاؿ »‪.‬‬
‫يؤدي إٔب‪:‬‬
‫فارتباط اؼبقاـ باؼبقاؿ ّ‬
‫تتم التّشكيبلت األسلوبية وفق خصوصية يفرضها اؼبقاـ الّذي‬
‫‪ -1‬ربديد اؼبقاؿ باؼبقاـ‪ :‬حيث ّ‬
‫معني‪.‬‬
‫بكل عناصره الكيفية الّيت هبب أف يصاغ ُّا أسلوب ّ‬
‫يتح ّكم ووب ّدد ّ‬
‫ويتم ىذا عند ربليلنا للنّصوص ُب ؿباولة للوقوؼ على استجبلء‬
‫‪ -2‬استكشاؼ اؼبقاـ باؼبقاؿ‪ّ :‬‬
‫معني ووفق مقامات معيّنة ىي الّيت تكشف لنا اؼبقاـ‬
‫معانيها‪ ،‬فالتّشكيبلت األسلوبية على كبو ّ‬
‫خاصة ُب ال ّدراسات ال ّداللية واألسلوبية‬
‫ماسة إٔب ىذين األمرين ّ‬
‫الّذي قيل فيو الكبلـ‪ .‬واغباجة ّ‬
‫الرتاث القدًن‪.‬‬
‫اؼبدونة ُب ّ‬
‫للنّصوص ّ‬
‫الشعراء واألدباء أسرار‬
‫وقد كشفت ال ّدراسات النّفسية من خبلؿ ولوجها لعوآب بعض ّ‬
‫الشاعر"خليل مردـ‬
‫اإلبداع‪ ،‬والكيفية الّيت سبّت ُّا التّشكيبلت األسلوبية ألعماؽبم ونشري ىنا إٔب ّ‬
‫يوضح‬ ‫بك" الّذي رب ّدث عن ذباربو ّ‬
‫الشعورية وكيف يربطها باؼبوقف واغباؿ واؼبقاـ ُب كياف تصويري ّ‬
‫جببلء عبلقة األساليب البيانية دبقاماّتا‪ ،‬حيث يقوؿ‪ « :‬أشعر بوجود صلة بني أحداث حياٌب‬
‫الواقعية‪ ،‬وبني ما يرد ُب قصائدي من أحداث وصور‪ ،‬وذلك أف ما وبدث ٕب أوأشاىده أو أظبعو أو‬
‫أطالعو يرتؾ بعضو ُب نفسي آثارا ـبتلفة منها ما يكمن‪ ،‬ومنها ما يزداد رسوخاً ومبالغة يوما بعد ٍ‬
‫يوـ‪،‬‬ ‫ً‬
‫الشعر‪ ،‬و ّاذبهت إٔب موضوع‬‫واؼب َشاىد منها أكثر تأثريا وأش ّد رسوخا‪ ،‬فإذا ارتاحت نفسي إٔب قوؿ ّ‬
‫ُ‬
‫ويتطور شعوري باالستياء ونظري إليها وفقا ؽبذه‬
‫خاص أشعر ُب ّأوؿ األمر حباؿ غري اغباؿ اؼبعتاد ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬ينظر‪ :‬ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب (بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة )‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬ص‪.120‬‬
‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪019‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫بالشجي‪ ،‬وتتنبّو نفسي إٔب تلك‬


‫اغباؿ الطّارئ‪ ،‬فيزداد استحساين للحسن واعتزازي للمطرب وتأثّري ّ‬
‫الراسخة منها شيئا بعد شيء‪ ،‬وسب ّدين وأنا أنظم على أشكاؿ ـبتلفة‪،‬‬ ‫وتتجسم ّ‬
‫ّ‬ ‫الصور الكامنة‪،‬‬
‫ّ‬
‫الساعة على أنّّن أكاد أجزـ بأ ّف كثريا من‬
‫ت ّ‬ ‫إٕب ُب كثري منها ّأّنا بِْن ُ‬
‫وىبيّل ّ‬
‫وترتاءى ٕب بأزياء جديدة‪ُ ،‬‬
‫علي ُّا أثناء الكتابة دبا ٓب أكن أتوقّعو‪ ،‬فاالستسبلـ للهواجس‬ ‫الرتاكيب واأللفاظ يفتح ّ‬‫اؼبعاين و ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصور واؼبعاين اعبديدة »‪.‬‬
‫يفسح للخياؿ آفاقا واسعة‪ ،‬ويَفجؤ بينابيعو عجيبة من ّ‬
‫تصور‬
‫الشاعر بألفاظ وتراكيب ّ‬
‫الرأي الكيفية اليت ترد ُّا اؼبعاين وكيف يصوغها ّ‬ ‫ويوضح ىذا ّ‬
‫ّ‬
‫اغبياة الواقعية دبختلف سبظهراّتا اغبديثة اؼبرئية والسمعية و الثّقافية والنّفسية «ما وبدث ٕب أو‬
‫أشاىده أو أظبعو أو أطالعو يرتؾ بعضو ُب نفسي آثارا ـبتلفة » فهذه التّمظهرات تتفاعل ُب نفسية‬
‫الرسوخ والعمق والتّأثري لتم ّده ُب األخري دبنظومات على أشكاؿ ـبتلفة وصور‬
‫الشاعر بني ّ‬
‫ّ‬
‫يلخصو أعرايب بقولو‪«:‬ىو شيء ذبيش بو صدورنا فنقذفو على ألسنتنا»‪.‬‬
‫متنوعة‪،‬وىذا الوصف ّ‬
‫ّ‬
‫الشعورية‬
‫ونرى جبانب ىذا أ ّف اؼبتكلّم أو اؼببدع ال يلجأ إٔب األساليب البيانية لنقل التّجربة ّ‬
‫بشيء من ال ّدقّة ُب وصف األحاسيس واالنفعاالت‪ ،‬وبالتّإب توضيحها والكشف عنها‪ ،‬وإّمبا يلجأ‬
‫يسمى "اإلشراؽ الفجائي" للعبلقة بني الفكرة واألسلوب البياين حيث‬ ‫إٔب ذلك ؼبفاجأة اؼبتل ّقي دبا ّ‬
‫«يعمد إٔب اػبروج باللّغة عن الوجو اؼبألوؼ كبو تفرد ينماز بالتّكوثر البياين الّذي يقتضي اإلمتاع‬
‫‪2‬‬
‫واؼبؤانسة »‪.‬‬
‫خاصية‬
‫كل ّ‬ ‫واالكبراؼ عن اؼبألوؼ يش ّكل بالنّسبة للمتل ّقي صدمة نفسية‪ :‬حبيث أ ّف« قيمة ّ‬
‫أسلوبية تتناسب مع ح ّدة اؼبفاجئة الّيت ربدثها تناسبا طرديا؛ فكلّما كانت غري منتظرة كاف وقعها‬
‫‪3‬‬
‫على نفس اؼبتل ّقي أعمق »‪.‬‬

‫خاصة‪ ،‬مصطفى سويف ‪،‬القاىرة‪ ،‬دار المعرؼ ط‪1970( 3‬ـ)‪ ،‬ص‪.215‬‬


‫شعر ّ‬
‫األسس النّفسية لإلبداع الفنّي في ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫صي وقراءة التّشكيل)‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.254‬‬


‫النّظرية األسلوبية‪( ،‬مقاربة بنائية ال كتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.86‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪051‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الزـبشري أيضا حيث يقوؿ‪ :‬إ ّف « الكبلـ إذا نُقل من أسلوب إٔب أسلوب كاف‬
‫وىو ما يراه ّ‬
‫وزبتص‬ ‫السامع‪ ،‬وإيقاظا لئلصغاء إليو من إجرائو على أسلوب واحد‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ذلك أحسن تَطْريَة لنشاط ّ‬
‫‪1‬‬
‫مواقعو بفوائد »‪.‬‬
‫وما ورد ُب ىذا القوؿ يشري أ ّف اغبديث وفق الوترية نفسها دوف تغيري أو تنويع ُب األساليب‬
‫يشعر القارئ باؼبلل والكآبة؛ ما يصرؼ ذىنو عن االنتباه والفهم‪ ،‬وىو ما يتوفّر ُب األسلوب البياين‬
‫زبتص ىذه األخرية «برتبة فوؽ إفهاـ اؼبعىن‪ُ ،‬رتبة مشلها االمتياز‬
‫عاـ؛ إذ ّ‬
‫خاص والببلغة بوجو ّ‬
‫بوجو ّ‬
‫ُب التّعبري ومطابقتو للمقاـ‪ ،‬وافتناف اؼبتكلّم ُب التّعبري والتّصوير ليضفي من أسلوبو على مقالو حلّة من‬
‫يتأملوا معو صباؿ ُرؤاه‪ ،‬وبراعة خيالو فيهدىد أو ير ّج مشاعرىم أو‬
‫السامعني إٔب أف ّ‬
‫نور وُّاء‪ ،‬ذبتذب ّ‬
‫‪2‬‬
‫يُثري عقوؽبم »‪.‬‬
‫وبذلك تصبح األساليب البيانية أوضح ُب التّعبري من أساليب اغبقيقة العتبارات أنبّها‪:‬‬
‫بالشاىد وال ّدليل‪.‬‬
‫‪ّ -1‬قوة داللتها على اؼبقصود ّ‬
‫تعبري عن اؼبعاين العقلية بأخرى ؿبسوسة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫اعتمادىا على اؼبقاـ ُب صياغتها األسلوبية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫التّأثري ُب القلوب قبل األظباع‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫ج ‪ -‬تجلّيات المقاـ في علم البديع‪:‬‬

‫للرتاث الببلغي؛ إذ يُع ّد ىذا األخري إثراءً لؤللفاظ واؼبفردات‪،‬‬


‫يبت علم البديع بصلة وثيقة ّ‬ ‫ّ‬
‫حيث أضحت اللّفظة معو فنّا يتعامل مع ال ّدالالت األسلوبية‪ ،‬فينسج بقصد اإلثارة والغرابة واعبماؿ‪،‬‬
‫عرفو اػبطيب القزويّن بقولو‪« :‬ىو علم يعرؼ بو وجوه ربسني الكبلـ‪ ،‬بعد رعاية تطبيقو على‬‫وقد ّ‬
‫‪3‬‬
‫مقتضى اغباؿ ووضوح ال ّداللة »‪.‬‬
‫قسمو إٔب قسمني‪:‬‬
‫وقد ّ‬

‫الزمخشري‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫أساس البالغة‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫نجار‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫نظرية المقاـ عند العرب‪ ،‬مناؿ سعيد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬اإليضاح في علوـ البالغة‪ ،‬الخطيب القزويني‪ ،‬ص‪.477‬‬


‫‪050‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ -1‬قسم معنوي‪ :‬ويشمل الطّباؽ واؼبقابلة ومراعاة النّظري‪ ،‬التّورية‪ ،‬اؼببالغة‪...‬‬


‫السجع‪ ،‬االقتباس‪ ،‬التّضمني‪ ،‬لزوـ ما ال يلزـ‪.‬‬
‫‪ -2‬قسم لفظي‪ :‬اعبناس‪ّ ،‬‬
‫ؼبهمة البديع من أنّو وجو لتحسني الكبلـ وذلك بعد‬
‫موضحاً وؿب ّددا ّ‬
‫ويأٌب ىذا التّعريف ّ‬
‫اعتبارين أساسني نبا‪:‬‬
‫ّأوال‪ :‬اؼبطابقة ؼبقتضى اغباؿ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وضوح ال ّداللة‪.‬‬
‫فاغبُسن ُب الكبلـ البليغ شيء مطلوب وقد أشار أبو ىبلؿ العسكري إٔب ذلك ُب تعريفو‬
‫السامع فتم ّكنو ُب نفسو كتم ّكنو ُب نفسك‪ ،‬مع صورة‬
‫كل ما تبلّغ بو اؼبعىن قلب ّ‬
‫للببلغة فقاؿ‪ّ « :‬‬
‫‪1‬‬
‫مقبولة ومعرض حسن »‪.‬‬
‫للصورة اؼبقبولة‪ ،‬واأللفاظ اغبسنة‬
‫السامع نتيجة حتمية ّ‬
‫فقد جعل سب ّكن اؼبعىن من نفس ّ‬
‫الصورة شرطا ُب الببلغة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويوضح ذلك أيضا عندما يقوؿ‪« :‬وإّمبا ُجعلَتَا حسن اؼبعرض وقبوؿ ّ‬
‫اؼبتخرية ّ‬
‫ّ‬
‫يسم بليغا‪ ،‬وإف كاف مفهوـ اؼبعىن مكشوؼ اؼبغزى‪،‬‬
‫رضو خلقا ٓب ّ‬
‫وم ْع ُ‬
‫أل ّف الكبلـ إذا كانت عبارتو رثّة َ‬
‫‪2‬‬
‫زبري اللّفظ ُب حسن اإلفهاـ »‪.‬‬
‫فبلب ّد من ّ‬
‫يوضح عبد القاىر اعبرجاين ُب ىذا القوؿ أسبقية اؼبعىن على اللّفظ ُب ؿباولة منو لتأكيد أنبّية‬
‫ّ‬
‫السجع وغرينبا من‬ ‫ربسني الكبلـ واالحتفاء بو‪ ،‬إذا كاف يتناسب مع اؼبعىن اؼبراد حبيث يرد التّجنيس و ّ‬
‫ا﵀سنات عن طواعية دوف تصنّع من اؼبتكلّم‪ ،‬وإّمبا ؼببلءمة تلك التّزيينات للمعىن وحسب‪ ،‬واؼببلحظ‬
‫ّ‬
‫الصوتية اإليقاعية اػبالصة‪.‬‬
‫أ ّف اؼبعىن يعظّم شأنو دائما ويرقى إذا ما صاحبتو اؼبؤثّرات ّ‬
‫وُّذا اؼبنحى تكوف مباحث البديع‪« :‬ذات عبلقة بتحسني الكبلـ وتزيينو؛ أي أ ّّنا ترتبط‬
‫‪3‬‬
‫وروية اختيارا»‪.‬‬
‫وىبتار على بصرية ّ‬
‫عادة بالكبلـ ذي الببلغة العالية الذي يُع ّد إعدادا‪ُ ،‬‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.10‬‬


‫‪3‬فواصل اآليات القرآنية (دراسة بالغية داللية)‪ ،‬السيد خضر‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪2000(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪053‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫واغبديث عن االختيار ىنا يتوافق مع ضرورة اختيار األصوات والكلمات الّيت تتناسب مع‬
‫ت نافرة وناشزة‪«.‬فأحيانا يأٌب اؼبتكلّم أديبا أو شاعرا بكلمة تتّفق‬
‫اؼبقاـ ووبتاج إليها اؼبوقع وإالّ بَ َد ْ‬
‫‪1‬‬
‫إيقاعا مع ما قبلها وما بعدىا ل ّكنها تفشل وال يتأتّى سد اؼبوقع الّذي وضعت لو »‪.‬‬
‫ا﵀سنات‬
‫ؤدي إٔب اإلخبلؿ باؼبعىن وزعزعتو عن الغاية اؼبطلوبة‪ ،‬لذلك تستند ّ‬
‫والفشل ال ّدالٕب يُ ّ‬
‫السياؽ واؼبعىن‪ ،‬فإذا ما جيء ُّا لغرض التّشاكل اللّفظي دوف اىتماـ باؼبعىن صارت‬‫البديعية إٔب ّ‬
‫بكل‬
‫اػباص ّ‬
‫ّ‬ ‫فكل لفظ ىبتلف عن اآلخر من حيث تركيبو وأثره ُب اعبملة‪ ،‬ذلك أ ّف ل ّلرتكيب‬
‫مذمومة ّ‬
‫لفظة وبنيتها وجرسها وما ربملو من داللة إوبائية أثرا ُب صباؽبا وتَقبُّل النّفس ؽبا‪ ،‬وتسهم بذلك ُب‬
‫فعالية أكرب وقدرة أقوى على التّأثري واإلثارة‪ ،‬كما أ ّف غبسن تأليفها وصياغتها مع‬
‫ص ومنحو ّ‬
‫إقباح النّ ّ‬
‫ص حبلوة ويضاعف من قدرتو على التّأثري واإلثارة واغبيوية‪.‬‬
‫أخواّتا ُب اعبملة ما يزيد النّ ّ‬
‫سرا ىو‬
‫للسجع ّ‬
‫السجع ُب الكبلـ‪« :‬واعلم أ ّف ّ‬
‫وىو ما يؤّكده ابن األثري متح ّدثا عن قيمة ّ‬
‫كل واحدة من‬
‫خبلصتو اؼبطلوبة فإذا عُري الكبلـ اؼبسجوع منو فبل يعت ّد بو أصبل‪ ،‬وىو أف تكوف ّ‬
‫السجعتني اؼبزدوجتني مشتملة على معىن غري اؼبعىن ّاؿ قلبلفىاالقذي اشتملت عليو أختها‪ ،‬فإذا كاف‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبعىن فيهما سواء فهو التّطويل بعينو »‪.‬‬
‫السجع ىو ذبلية اؼبعىن وتأكيده بأف ال يُعاد تكرار اؼبعىن نفسو ُب‬
‫فالسّر الكامن خلف ّ‬ ‫ّ‬
‫السجع والغاية منو‪.‬‬
‫ال ّسجعتني اؼبزدوجتني‪ ،‬وإّمبا يتباين اؼبعىن وذلك ىو نتاج ّ‬
‫ؤدي دورا‬
‫قوي ُب تصوير اؼبعىن وتوصيلو‪ ،‬إنّو «يُ ّ‬
‫فالسجع الذي يتطلّبو اؼبقاـ ىو الّذي لو أثر ّ‬
‫ّ‬
‫السياؽ اللّغوي‪ ،‬بل يؤثّر تأثريا كثريا ُب تشكيل ال ّدالالت ويشحنها بانفعاالت غري عادية‪،‬‬
‫هما ُب ّ‬
‫ُم ّ‬
‫الصارـ‬
‫ذبعل ؽبا ُب عرؼ األسلوبيني خصوصية ذباوز االنطباع الذي ربدثو اللّغة ُب سياقها اؼبوضوعي ّ‬
‫‪3‬‬
‫»‪.‬‬
‫للسجع اؼبرغوب اعتبارات منها‪:‬‬
‫وُّذا اؼبنحى يصبح ّ‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪.214/1 ،‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪2‬‬

‫محمد يونس عبد العاؿ‪ ،‬العدد‪1411(،2‬ىػ)‪ ،‬ص‪.139‬‬


‫السجع" ّ‬
‫السعودية‪ " ،‬من قضايا ّ‬
‫مجلّة‪ ،‬ال ّدارة ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪052‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫الرتاكيب على الوجو الّذي يبلءـ مقاـ الكبلـ فػ ينبغي أف‬


‫اختيار مفردات األلفاظ واختيار ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫حارة طنّانة رنّانة‪ ،‬ال غثّة وال باردة‪ ،‬وأعّن بقوٕب" غثّة‬
‫تكوف األلفاظ اؼبسجوعة «حلوة ّ‬
‫السجع نفسو من غري نظر إٔب مفردات األلفاظ‬ ‫باردة" أف صاحبها يصرؼ نظره إٔب ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبسجوعة وما يشرتط ؽبا من اغبسن‪ ،‬وال إٔب تركيبها‪ ،‬وما يشرتط لو من اغبسن »‪.‬‬
‫أف يكوف اللّفظ فيو تابعا للمعىن‪ ،‬ال أف يكوف اؼبعىن فيو تابعا للّفظ أل ّف ذلك سيحدث‬ ‫‪-2‬‬

‫تشويها ُب ال ّداللة‪.‬‬
‫السجية دوف تكلّف أو تصنّع وذلك أعلى درجات الكبلـ‪.‬‬
‫أف يكوف ؿبموال على الطّبع و ّ‬ ‫‪-3‬‬

‫السجعتني اؼبزدوجتني ُب اؼبعىن‪.‬‬


‫‪ -4‬اختبلؼ ّ‬
‫خاصة دوف‬
‫السجع لضرورة ّ‬ ‫الرسوؿ ‪-‬صلى ا﵁ عليو وسلّم‪ -‬يُكثر من استعماؿ ّ‬ ‫وكاف ّ‬
‫الكهاف"‪ .‬ومن أحاديثو اؼبسجوعة ما ورد عن‬
‫تكلّف‪ ،‬وّنى عن اإلكثار منو كما كاف يفعل ُب "سجع ّ‬
‫الرسوؿ صلّى ا﵁ عليو وسلم‪«:‬يا أيها النّاس أفشوا السبلـ‪ ،‬واطعموا الطّعاـ‪ِ ،‬‬
‫وصلوا األرحاـ‪ ،‬وصلّوا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫باللّيل والنّاس نياـ‪ ،‬تدخلوا اعبنّة بسبلـ » ‪.‬‬
‫السجعات ُب ىذا اغبديث واقعة مواقعها وفيها اعبماؿ والببلغة‪ ،‬واؼبعىن يطلبها سباما‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬
‫صل ا﵁ عليو وسلّم إٔب إنشائها قصد إحداث‪:‬‬ ‫قصد النّيب ّ‬
‫‪ -1‬األثر اعبمإب‪.‬‬
‫ىزا‪.‬‬
‫ّتزىم األلواف البيانية اعبميلة ّ‬
‫معرفتو للمخاطبني الّذين ّ‬ ‫‪-2‬‬

‫الرتسيخ ُب العقوؿ غبفظها والعمل ُّا‪.‬‬


‫التّأثري ُب النّفوس و ّ‬ ‫‪-3‬‬

‫السجع أيضا حيث ح ّدده "ابن األثري" باتّفاؽ اللّفظ‬


‫ّأما اعبناس فشروطو متطابقة مع ّ‬
‫واختبلؼ اؼبعىن‪ ،3‬فإذا اتّفق اللّفظ دوف اختبلؼ اؼبعىن فهذا ليس من التّجنيس ُب شيء وقد ظبّاه‬
‫"الرتديد" ومثاؿ ذلك قوؿ شاعر‪:‬‬
‫علماء الببلغة ّ‬

‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪.193/1 ،‬‬


‫المثل ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬سنن ابن ماجة‪،‬الحافظ أبي عبد اهلل ابن ماجة‪ ،‬تحقيق فؤاد عبد الباقي‪،‬ج‪،2‬المكتبة العلمية لبناف‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.1083‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪.244 /1 ،‬‬
‫ينظر‪ :‬المثل ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪051‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫ُر ُسوما ِمن بُ َكائِي فِي ُّ‬


‫الر ُسوـ‬ ‫أظُ ُّن ال َد ْمع ِفي َخدي َس ْيبػ َقى‬

‫ّأما ُب قوؿ آخر‪:‬‬


‫الو ْجد‬ ‫ِ ِ‬ ‫فالَ َدمعَ ما لم ي ْجر في إثْػ ِره َدـ والَ وج ٌد ما ِ‬
‫لم تَعي َع ْن ص َفة َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫ْ َ ََ‬
‫ودٍـ" وىو جناس ناقص‪ ،‬لو بعد صوٌب تزييّن لكنّو ُب الوقت نفسو قد‬
‫"دم ٍع َ‬
‫فاعبناس ًبّ بني َ‬
‫يبر ُّا اإلنساف‪.‬‬
‫ووضحو فاللّفظتاف عبلمتاف من عبلمات اغبزف واألٓب الّيت ّ‬
‫أٓبّ باؼبعىن ّ‬
‫وىكذا يكوف البديع بلونيو اللّفظي واؼبعنوي قمينا بتأكيد اؼبعىن وتوضيحو مع اؼببلئمة للمقاـ‬
‫اؼبسميات‬
‫السجع‪ ،‬أو سوى ذلك من ّ‬
‫الصدر أو ّ‬
‫رد العجز على ّ‬
‫الرازي‪« :‬فالبديع بالتّجنيس أو ّ‬
‫يقوؿ ّ‬
‫الرواء »‪.1‬‬
‫أوال وأخريا ؿباولة ػبلق صباؿ ‪،‬وإبداع حسن‪ ،‬وإهباد من ألواف البهاء و ّ‬
‫الرازي ‪ -‬ال يكوف عبثا‪ ،‬إذ اؼبعىن من اعبماؿ ىنا ىو‬
‫فتجميل الكبلـ –الّذي قصد إليو ّ‬
‫ا﵀سنات اؼبعنوية‪:‬‬
‫التّعبري عن الغرض الّذي يهدؼ إليو‪ ،‬وُّذا تكوف الغاية من ّ‬
‫‪ -1‬ربسني اؼبعىن ُب ح ّد ذاتو‪.‬‬
‫اإلفادة ُب ربسني اللّفظ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ا﵀سنات اللّفظية فالغاية منها أيضا‪.‬‬


‫ّأما ّ‬
‫‪ -1‬ربسني اللّفظ ّأوال ُب ح ّد ذاتو‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلفادة ُب ربسني اؼبعىن‪.‬‬

‫سبس‬
‫تتكوف للمتل ّقي ل ّذتاف‪ ،‬ل ّذة صوتية موسيقية إيقاعية ّ‬
‫وُّذا الغرض اؼبزدوج لكبل اللّونني « ّ‬
‫سبس‬
‫ا﵀سنات اللّفظية‪ ،‬ول ّذة داللية مقامية ّ‬
‫الشكل اػبارجي للمقاؿ وبدثها التّناغم الّذي توجده ّ‬‫ّ‬
‫فإما تستدعي‬
‫الرتكيب ال ّداخلي للمقاـ‪ ،‬إذ تبحث عن اؼبعىن اؼبخفي وراء تشابك صوٌب صيغي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصنعة وثانيهما بسبب اؼبعىن»‪.‬‬
‫وإما تنسج اؼبعاين األلفاظ‪ ،‬و ّأوؽبما بغرض ّ‬
‫األلفاظ اؼبعاين‪ّ ،‬‬
‫وُب كلمة توجز قضيّة التّعامل مع اؼبقاـ لبلص إٔب ع ّدة نتائج تتعلّق بػ‪:‬‬

‫الرازي‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫نهاية اإليجاز في دراية اإلعجاز‪ ،‬فخر ال ّدين ّ‬
‫‪1‬‬

‫نجار‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫نظرية المقاـ عند العرب‪ ،‬مناؿ سعيد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪055‬‬
‫الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات‬

‫‪ -1‬أنّو إذا كاف مدار الببلغة على مطابقة الكبلـ للمقاـ‪ ،‬فإ ّف ما وبدث ىو اإلدراؾ ال ّدقيق للفروؽ‬
‫بني التّشكيبلت األسلوبية الّيت تفرزىا اغباالت واؼبقامات اؼبختلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬إف االلتزاـ باؼبقتضيات اؼبناسبة للخطاب ىو الّذي يوفّر القدرة للمتكلّم ػبلق اعبماؿ ُب‬
‫يسهل عملية اإلمتاع‬
‫الكلمة واألسلوب على صبيع اؼبستويات‪ ،‬وبالتّإب التّأثري ُب العواطف دبا ّ‬
‫واإلقناع‪.‬‬
‫‪ -3‬يُصاغ الكبلـ وفق اؼبقاـ مراعيا اؼبتكلّم بذلك ع ّدة أمور كأقدار الكبلـ وأقدار اؼبستمعني وأقدار‬
‫ص ُب مستواه اعبمإب‪.‬‬
‫األحواؿ وكذا أقدار اؼبعاين‪ ،‬فيكشف بذلك اؼبزية الّيت وب ّققها النّ ّ‬
‫يهتم علم اؼبعاين ببناء األساليب ُب ضوء االعتبارات اؼبتعلّقة باؼبتل ّقي الّذي يفرتض أف يكوف‬
‫‪ّ -4‬‬
‫اؼبتنوعة أيضا دبا يُناسب اؼبتكلّم‬
‫ُب مقاـ يقتضي أسلوبا معيّنا‪ ،‬كما تُصاغ األساليب البيانية ّ‬
‫يهتم علم‬
‫لعل أنبّها اإلقناع واإلمتاع‪ ،‬بينما ّ‬
‫الشعورية‪ ،‬وما يرومو من مقاصد وحاالت‪ّ ،‬‬
‫وحالتو ّ‬
‫البديع دبقاـ ربسني الكبلـ – لفظا ومعىن‪ -‬وتزيينو دبا يتوافق مع ميوؿ اؼبتل ّقي وجنوحو للتّأثّر‬
‫باؼبظاىر اعبمالية اؼبختلفة‪.‬‬

‫ولبلص إٔب أ ّف رصد التّشكيل األسلويب اغبيوي ُب النّصوص يقوـ على التّفاعل بني األبنية‪،‬‬
‫هبسد دينامية األلواف الببلغية ُب تعبريىا عن اؼبراد‪ ،‬ويش ّكل التّنظيم اإلببلغي مستوى وظيفيا‬
‫فبّا ّ‬
‫متفردة تش ّكل لغة التّجاوز‪.‬‬
‫يستقي من اؼبعىن سحر الطّرافة وفق ىيئة ّ‬

‫‪052‬‬
‫الفصل ّ‬
‫الثالث‬

‫أسلوبية االنزياح‬

‫أوال‪ :‬مفهوـ االنزياح‬


‫ثانيا‪ :‬االنزياح عند العرب القدامى‬
‫ثالثا‪ :‬االنزياح عند الغرب‬
‫رابعا‪ :‬االنزياح عند العرب المحدثين‬

‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬

‫‪057‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ىاما ُب تشكيل العمل اإلبداعي األديب انطبلقا من مبادئ نظرية االختيار‬


‫تع ّد اللّغة عنصرا ّ‬
‫وتفردا من‬
‫ونظرية اؼبقاـ باإلضافة إٔب التّسليم بوجود ؿباور اػبطاب‪ ،‬وىذا ما يبنحها خصوصية ّ‬
‫النّاحية األسلوبية ألفاظا وتراكيبا وصيغا‪ ،‬وتزداد أنبّية ىذه اللّغة كلّما انزاح ُّا اؼببدع عن اؼبألوؼ‬
‫فرد والتّميّز‪ ،‬وسبثّل النّظرية‬
‫فعمد إٔب التّغيري ُب استخداـ األساليب اللّغوية‪ ،‬الّيت سبنحو كثريا من التّ ّ‬
‫األسلوبية منهجية مبلئمة للولوج إٔب خفايا اللّغة وأسرارىا وذلك من منطلق أ ّف األسلوبية «حبث عن‬
‫خاص‬
‫ّ‬ ‫اؼبعىن اإلضاُب الّذي هبعل اللّغة لعبة صبالية تعتمد اػبفاء ُب تشكيل التّجاوز ربقيقا لتموقع‬
‫فرد »‪.1‬‬
‫اؼبؤسس على التّ ّ‬
‫يقوده العدوؿ ّ‬
‫يبني ذبلّيات األسلوب ُب قدرتو على التّعبري‬
‫فالتّجاوز الّذي رب ّققو اللّغة عرب مسارىا التّعبريي ّ‬
‫يوضح أ ّف األسلوبيةتؤلّف توظيفا‬
‫ص اإلبداعي‪ ،‬وىذا ّ‬‫عن اؼبعىن والكشف عن مستويات ال ّداللة ُب النّ ّ‬
‫خاصا لئلمكانات التّعبريية وفق اختيار إوبائي يبنح األلفاظ فرادة تشرؽ من خبلؽبا البىن ويتح ّقق ىذا‬
‫ّ‬
‫اإلشراؽ باالنزياح الذي يُع ّد ظاىرة ذات أبعاد داللية وإوبائية تثري ال ّدىشة واؼبفاجأة « فحضوره ُب‬
‫متوىجة ومثرية تستطيع أف سبارس سلطة على القارئ من خبلؿ عنصر اؼبفاجأة‬ ‫ص هبعل اللّغة ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص صباليا واإلسهاـ ُب تقديبو رؤية‬
‫ّ‬ ‫بالن‬
‫ّ‬ ‫تقاء‬
‫ر‬ ‫اال‬ ‫ُب‬ ‫ا‬‫مهم‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫أث‬ ‫ياح‬
‫ز‬ ‫لبلن‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫يوحي‬ ‫ما‬ ‫وىو‬ ‫والغرابة »‬
‫وتشكيبل وتنويعا‪.‬‬

‫ّأوال‪:-‬مفهوم االنزياح‬
‫اح‬
‫(زيَ َح)‪ ،‬يقوؿ ابن منظور‪َ «:‬ز َ‬ ‫أ‪ -‬المفهوـ اللّغوي‪ :‬يعود االنزياح ُب أصلو اللّغوي إٔب ّ‬
‫مادة َ‬
‫اح ذىب وتباعد »‪.3‬‬‫وزيُوحاً‪َ ،‬وزوبَاناً‪ ،‬وانْػَز َ‬ ‫الشيء يَِز ُ‬
‫يح‪َ ،‬زوباً ُ‬ ‫ّ‬
‫الشيء‬
‫وتنحى وتباعد‪،‬و ّ‬
‫احا زاؿ ّ‬
‫ّأما ُب اؼبعجم الوسيط فقد ورد‪َ «:‬زا َح عن اؼبكاف‪َ ،‬زْو ًحا َوزَو ً‬
‫‪4‬‬
‫اح‪ ،‬زاَؿ‪ ،‬وتبَاعد »‪.‬‬
‫َزْو ًحا‪ :‬أبعده‪ ،‬وانْػَز َ‬

‫‪1‬المجلّة األردنية‪" ،‬النّظرية األسلوبية"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص‪.251‬‬


‫‪ 2‬مؤتة للبحوث وال ّدراسات‪"،‬االنحراؼ مصطلحا نقديا"‪ ،‬موسى ربايعة‪ ، ،‬المجلّد ‪ ،10‬العدد‪ ،04‬سنة (‪1995‬ـ)‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪3‬لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬ما ّدة (زيح)‪.‬‬
‫‪4‬المعجم الوسيط‪ ،‬مجموعة من المؤلّفين‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬تركيا‪ ،‬مادة(زاح)‪.‬‬
‫‪055‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫الزواؿ‬
‫السابقني أ ّف معاين االنزياح تقوـ على االبتعاد وال ّذىاب و ّ‬‫ويُفهم من التّعريفني ّ‬
‫حوؿ عن طريق أو منهج أوعن‬ ‫الرتؾ‪ ،‬والتّغيري والتّ ّ‬
‫تدؿ على اػبروج و ّ‬
‫والتّنحي‪،‬وىي كلّها مفاىيم ّ‬
‫الشيء اؼبألوؼ إٔب غريه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن ىنا فاستخداـ كلمة االنزياح ُب اللّغة ىو خروج عن اؼبألوؼ فيها أو ترؾ للقواعد‬
‫السائدة إٔب طرؽ أخرى‬
‫اؼبعيارية فيها‪ ،‬وبذلك يكوف االنزياح اللّغوي ىو خروج عن طريقة التّعبري ّ‬
‫أكثر إثارة وإبداعا‪.‬‬
‫ب‪-‬المفهوـ االصطالحي‪:‬‬
‫عٍُّرؼ ُب كتاب اؼبصطلحات اللّسانية والببلغية تعريفا ببلغيا بعدما عٍُّرؼ لسانيا فقيل‪ّ «:‬أما‬
‫االستعماؿ الثّاين ؽبذا اؼبصطلح فإنّو يرتبط بعلم األسلوب ويعّن اػبروج عن أصوؿ اللّغة وإعطاء‬
‫الكلمات أبعادا داللية غري متوقّعة‪ ،‬وؽبذا اؼبصطلح ُب العربية ع ّدة مرادفات »‪ ،1‬وىذا اؼبفهوـ‬
‫االصطبلحي يشري ُب بدايتو إٔب ارتباط االنزياح بعلم األسلوب‪ّ ،‬أما معناه فهو اػبروج عن أصوؿ‬
‫حوؿ عن اللّغة اؼبعيارية إٔب لغة تعطي األلفاظ أبعادا داللية أكثر إثارة ودىشة للمتل ّقي‪.‬‬
‫اللّغة أو التّ ّ‬
‫عما ىو‬
‫عرؼ بأنّو «استعماؿ اؼببدع للّغة مفردات وتراكيب وصور استعماال ىبرج ُّا ّ‬
‫كما يُ ّ‬
‫‪2‬‬
‫وقوة جذب وأسر»‪.‬‬‫تفرد وإبداع ّ‬
‫ؤدي ما ينبغي لو أف يتّصف بو من ّ‬
‫معتاد ومألوؼ حبيث يُ ّ‬
‫إ ّف إثارة الظّاىرة األسلوبية للقارئ واالنزياح أحد مظاىرىا إّمبا تنبثق عن اؼبفاجأة الّيت وبسها‬
‫ربوؿ أو‬
‫كل ّ‬ ‫ص‪ ،‬ويتّسع االنزياح اللّغوي ليشمل ّ‬ ‫من اكبراؼ األسلوب عن سياقو اللّغوي ُب بنية النّ ّ‬
‫اكبراؼ ُب نسق التّعبري ال يتب ّدؿ بو جوىر اؼبعىن‪ ،‬وإّمبا ُوبدث بو نوع من اإلثارة لدى اؼبتل ّقي نتيجة‬
‫ضاد النّاجم عن االختبلؼ اغبادث من اخرتاؽ النّظاـ‪ ،‬وىو اخرتاؽ غري متوقّع لدى القارئ لذلك‬
‫التّ ّ‬
‫قبده يتفاجأ ويستثار‪.‬‬

‫شعرية‪ ،‬بوطراف محمد الهادي وآخروف‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب الحديث‪2008( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫المصطلحات اللّسانية والبالغية واألسلوبية وال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد محمد ويس‪ ،‬ص‪.07‬‬


‫‪059‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫فيعرفو بأنّو « اكبراؼ الكبلـ عن نسقو اؼبألوؼ وىو حدث لغوي‪ ،‬يظهر‬
‫الس ّد ّ‬
‫ّأما نور ال ّدين ّ‬
‫عرؼ على طبيعة األسلوب األديب‪ ،‬بل يبكن اعتبار‬
‫ُب تشكيل الكبلـ وصياغتو ويبكن بواسطتو التّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫االنزياح ىو األسلوب األديب ذاتو »‪.‬‬
‫وذىب فيلي ساندريس إٔب أ ّف االنزياح « ىو خروج فردي عن اؼبعيار لصاّب اؼبواقف الّيت‬
‫ص»‪.2‬‬
‫يتصورىا النّ ّ‬
‫ّ‬
‫السائد أو اؼبتعارؼ عليو قياسا ُب االستعماؿ رؤية ولغة وصياغة‬
‫فهو «خروج التّعبري عن ّ‬
‫وتركيبا »‪.3‬‬
‫جرؤ عليها ُب األداء اإلبداعي‪ ،‬حبيث‬
‫وبعبارة أخرى االنزياح ىو « اخرتاؽ مثالية اللّغة والتّ ّ‬
‫اؼبثإب‪ ،‬أو إٔب العدوؿ عن‬
‫اليت عليها النّسق اؼبألوؼ و ّ‬ ‫الصياغة ّ‬
‫يفضي ىذا االخرتاؽ إٔب انتهاؾ ّ‬
‫‪4‬‬
‫عما عليو ىذا النّسق »‪.‬‬
‫الصوٌب وال ّدالٕب ّ‬
‫مستوى اللّغة ّ‬
‫ج‪ -‬مصطلحاتو‪ :‬لقد ذباذبت ىذا اؼبصطلح وتعلّقت بدائرتو مصطلحات وأوصاؼ كثرية‪،‬فمنها‬
‫يبت بصلة إٔب ال ّدراسات العربية ومنها ما يبدو غريب اؼبنشأ أصبل‪.‬‬
‫ما ّ‬
‫‪5‬‬
‫السبلـ اؼبس ّدي طائفة منها ىي كاآلٌب‪:‬‬
‫فأما اؼبصطلحات فقد أورد عبد ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬االنزياح ‪. l’écart‬‬
‫‪ -2‬التّجاوز ‪l’abus‬‬
‫‪ -3‬االكبراؼ ‪.la déviation‬‬
‫‪ -4‬االختبلؿ ‪. la distorsion‬‬
‫‪ -5‬اإلطاحة ‪.la subvertion‬‬
‫‪l’infraction‬‬ ‫‪ -6‬اؼبخالفة‬

‫الس ّد‪،‬ج‪ ،1‬الجزائر‪ ،‬دار ىومة( ‪1997‬ـ)‪ ،‬ص‪.179‬‬


‫األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬نور ال ّدين ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬نحو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ترجمة خالد جمعة‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪3‬أطياؼ الوجو الواحد‪-‬في النّظريّة والتطبيق –نعيم اليافي‪،‬دمشق‪ ،‬منشورات إتحاد الكتاب العرب‪،‬ط (‪1997‬ـ) ‪،‬ص‪92‬‬
‫‪4‬االنزياح في الخطاب النّقدي و البالغي عند العرب‪ ،‬رشيد ال ّددة عبّاس‪ ،‬تدقيق ودراسة محمد فوزي حمزة‪،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‬
‫ط‪2009(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪5‬األسلىبٍة واألساوب ‪،‬عبد السالم المسدي ‪ ،‬ص‪80‬‬
‫‪021‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫‪le scandale‬‬ ‫‪ -7‬اؼبناعة‬


‫‪le viol‬‬ ‫‪ -8‬االنتهاؾ‬
‫الس ّن ‪la violation de normes‬‬
‫‪ -9‬خرؽ ّ‬
‫‪ -11‬اللّحن ‪.l’incorrection‬‬
‫‪ -11‬العصياف ‪la transgression‬‬
‫‪ -12‬التّحريف ‪l’altération‬‬
‫ىذه باإلضافة إٔب مصطلحات أخرى كاعبسارة اللّغوية‪ ،‬والغرابة واالبتكار واػبلق والكسر‬
‫واإلخبلؿ‪.‬‬
‫الزخم من اؼبصطلحات والّيت تنسب كلّها إٔب الغرب‬
‫يقوؿ أضبد ؿبمد ويس معلّقا على ىذا ّ‬
‫بقولو‪«:‬وسنرى وشيكا أف ىذه اؼبصطلحات ذباوز األربعني مصطلحا‪ ،‬فلئن كاف ؽبذه الكثرة من‬
‫تأصلو ُب ال ّدراسات الغربية قبل‬
‫داللة‪ ،‬فإّمبا تشري إٔب مدى أنبّية ما وبملو ىذا اؼبفهوـ‪ ،‬وإٔب ّ‬
‫‪1‬‬
‫كل اؼبصطلحات اؼبتعلّقة بو الّيت ذكرناىا ىي‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫اح‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫االن‬ ‫مصطلح‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ح‬ ‫يوض‬
‫ّ‬ ‫القوؿ‬ ‫وىذا‬ ‫العربية»‪.‬‬
‫ذات أصوؿ غربية وأشار ُب جهة أخرى من كتابو إٔب مصطلحات ذات أصوؿ عربية منها شجاعة‬
‫الصرؼ واالتساع ‪...‬‬
‫العربية و ّ‬
‫ومع ىذه الكثرة ُب عدد اؼبصطلحات اؼبرتصبة فقد انفرد مصطلح االنزياح – من حيث‬
‫التّ ّنوع‪ -‬بألفاظ غري الئقة دبصطلح نقدي أو مفهوـ أديب لو أنبّية كبرية ُب ال ّدراسات األسلوبية‬
‫الشناعة‪ ،‬العصياف‪ ،‬االنتهاؾ‪ ،‬الفضيحة‪ ،‬اػبرؽ واعبنوف‪...‬‬
‫اغبديثة‪ ،‬وكانت تسمية مصطلحات مثل‪ّ :‬‬
‫ويذكر أضبد مبارؾ اػبطيب سببني اثنني إلطبلؽ مثل ىذه التّسميات ‪:‬‬
‫الرفيعة ُب‬
‫ّأوؽبما‪ :‬سوء الفهم الّذي قوبل بو مفهوـ االنزياح‪ ،‬ذلك أنّو يبثّل اغبالة اإلبداعية ّ‬
‫الفّن‪ ،‬وحالة كهذه من اعبور والعسف لن تقابل دبثل ىذه اؼبصطلحات الّيت تفصح عن‬ ‫الشعر والنّثر ّ‬
‫ّ‬

‫المؤسسة الجامعية لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪ ،)2005(1‬ص‪.33‬‬


‫ّ‬ ‫‪ 1‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد محمد ويس‪ ،‬مجد‬
‫‪020‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫لعل ىذا وحده دليل كاؼ على اعبهل باؼبصطلح‪،‬ولذلك‬


‫بأخص ما ُب األسلوبية‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫ازدراء واستهانة‬
‫‪1‬‬
‫فقد ولدت ىذه التّسميات ميّتة وٓب تتجاوز أصحاُّا‪.‬‬
‫فاؼبصطلح كاف جديدا فاختلفت ترصباتو وتسمياتو وتع ّددت‪ ،‬و لسوء فهمو ُب البداية‬
‫السريورة وال ّذيوع لغرابتها‪.‬‬
‫ظ من ّ‬
‫استبعدت ىذه اؼبصطلحات من التّداوؿ وٓب يكن ؽبا ح ّ‬
‫بغض النّظر عن فاعليتو وقابليتو‬
‫ثانيهما‪ :‬ىو أ ّف اؼبشكلة كانت ُب إهباد اؼبصطلح ّأوال ّ‬
‫للصمود‪،‬ومدى صبلحيتو أماـ االختبارات اؼبعرفية ُب ميداف العمل النّقدي واألسلويب‪ ،‬وقد قبم عن‬
‫ّ‬
‫ذلك جهود فردية غري منسقة وغري عابئة بكفاية اؼبصطلح النّقدية فأوردت ىذا العدد اؽبائل من‬
‫‪2‬‬
‫التّسميات‪.‬‬
‫فالرتكيز على ترصبة اؼبصطلح قد زاد من ح ّدة اؼبشكلة وتفاقمها فكاف األؤب بالباحثني ُب ىذا‬
‫ّ‬
‫الفعاؿ ؽبذا اؼبفهوـ دالليا وىو ما أشار إليو ضبّادي صمود « إ ّف‬
‫اَّاؿ البحث ُب سبل االستعماؿ ّ‬
‫االكتفاء بنقل اؼبصطلح دوف االنتباه إٔب ؾباؿ استعمالو‪ ،‬واغبقوؿ ال ّداللية واؼبفهومية الّيت يعطيها‬
‫‪3‬‬
‫وبكم على عبلقتنا بو بال ّسطحية ويضعها ُب موضع من بيده آلة هبهل مأتاىا »‪.‬‬
‫ويضيف صبلح فضل إٔب ىذين العاملني عامل آخر فيقوؿ‪ « :‬إ ّّنا كلمات ذات إوباءات‬
‫‪4‬‬
‫متأت من أ ّف ىذه‬
‫الرفض ٍّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫لعل‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫الرافضة ؽبا »‬
‫يربر بعض ردود الفعل ّ‬ ‫أخبلقية موسومة فبّا ّ‬
‫اؼبصطلحات ارتبطت بالبنية الثّقافية الّيت أفرزّتا فهي عصارة ؼب ّادة كثيفة‪ ،‬زبتزؿ ذبارب تلك البنية‬
‫السعي حثيثا للكشف عن مصطلح عريب صميم يتوافق مع الثّقافة‬ ‫وؽبذه االعتبارات وغريىا كاف ّ‬
‫واغبضارة العربية‪ ،‬ويكوف أقدر على التّعبري عنها كما ىو اغباؿ ُب مصطلح العدوؿ الّذي يرتادؼ مع‬
‫مصطلح االنزياح معىن وداللة وكاف استعمالو شائعا ُب ال ّدراسات العربية اللّغوية والببلغية والنّقدية‬
‫وحّت اغبديثة‪.‬‬
‫القديبة ّ‬

‫شعري عند المتنبّي‪ ،‬أحمد مبارؾ الخطيب‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪2009(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫ينظر‪،‬االنزياح ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬ينظر‪ :‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.32‬‬


‫حمادي صمود‪ ،‬يونيو (‪1993‬ـ)‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫عالمات في النّقد‪" ،‬نموذج انحسار المجاؿ ال ّداللي"‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫ص"‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬المجلس الوطني للثّقافة‪ ،‬الكويت‪1992( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.621‬‬


‫عالم المعرفة(مجلّة) ‪"،‬بالغة الخطاب وعلم النّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪023‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ويأٌب اختيار مصطلح االنزياح لدى بعض الباحثني لؤلسباب اآلتية‪:‬‬


‫الشائعة ُب النّقد العريب اغبديث ُربيل على أحكاـ‬
‫‪ -1‬إ ّف عددا كبريا من االستخدامات ّ‬
‫اَّردة الّيت‬
‫الصفة الوصفيّة ّ‬
‫قيمية‪،‬تتداخل أحيانا مع اؼبعايري األخبلقيّة‪ ،‬األمر الذي يُسقط ّ‬
‫ينبغي أف تكوف قواـ اؼبصطلح‪ .‬وىذا ما يُؤّكده الياُب بقولو‪ «:‬وقد آثرنا استخداـ االنزياح‬
‫‪ Ecart‬ليس ألنّو األكثر شيوعا ودورانا على األلسنة‪ ،‬وإّمبا ألنّو خببلؼ سواه وبمل داللة‬
‫سبت إٔب القيمة‪ ،‬والسيما األخبلقية منها بصلة »‪.1‬‬
‫توصيفيّة ال ّ‬
‫الشارحة‬
‫‪ -2‬كما أ ّف عددا كبريا من تلك االستعماالت ُيبكن تصنيفها ُب باب االستخدامات اللّغويّة ّ‬
‫االصطبلحي اؼبضبوط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للمفهوـ أو عبانب منو‪ ،‬من دوف أف ترتقي إٔب مستوى االستخداـ‬
‫‪ -3‬ويُضاؼ إٔب ذلك أ ّف بعض تلك االستخدامات يُشري إٔب سياقات غري نقديّة‪ ،‬أو يتداخل مع‬
‫‪2‬‬
‫ب أو علم النّفس‪.‬‬
‫حقوؿ معرفية أخرى‪ ،‬كالطّ ّ‬
‫األىم من ذلك كلّو ىو أ ّف أغلب تلك االستخدامات ليس ذا دالالت مفهوميّة قادرة على‬
‫‪ -4‬و ّ‬
‫اإلحاطة ُّذا اؼبصطلح‪.‬‬
‫قد أورد "أضبد ؿبمد ويس " سببا صوتيا ُب سياؽ تفضيلو ؽبذا اؼبصطلح‪ ،‬إذ يقوؿ‪ «:‬إذا‬ ‫‪-5‬‬

‫الصوٌب وما فيو من‬


‫صح أ ّف جرس اللّفظ ُيبكن أف يكوف لو تعلّق بداللتو‪ ،‬فإ ّف تشكيل االنزياح ّ‬
‫ّ‬
‫غوي من التّباعد‬
‫م ّد‪ ،‬من شأنو أف يبنح اللّفظ بُعدا إوبائيا يتناسب مع ما يعنيو ُب أصل جذره اللّ ّ‬
‫كل واحد مهما م ّدا‪ ،‬بيد أنّو م ّد ال يتبلءـ مع ما‬
‫يتضمن ّ‬
‫وال ّذىاب‪ ،‬ح ّقاً إ ّف االكبراؼ والعدوؿ ّ‬
‫تعنيو الكلمة من معىن‪ٍ .‬بّ إ ّف الفعل منهما يفتقر إٔب ذلك اؼب ّد الّذي ينطوي عليو "انزياح"‪ .‬وىذا‬
‫الشاعر أو الكاتب ينزاح‪ ،‬فهو إذف‬ ‫فعل مطاوع ينطوي ِضمنا على فعل آخر وراءه جعل ّ‬
‫يستدعي حبثا عن سبب ؽبذا االنزياح‪ .‬وإذا كاف األمر نفسو موجودا ُب االكبراؼ فليس موجودا‬
‫ُب (عدؿ) من العدوؿ»‪.3‬‬

‫‪1‬أطياؼ الوجو الواحد(في النّظريّة والتّطبيق)‪ ،‬نعيم اليافي‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات اتّحاد كتّاب العرب ط(‪1997‬ـ)‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪2‬ينظر‪:‬االنزياح في منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد محمد ويس‪ ،‬ص (‪.)52،66‬‬
‫ينظر‪ ،‬االنزياح في منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬ص‪.65‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪022‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫السبلـ اؼبس ّدي االنتباه إٔب إمكاف إحياء مصطلح العدوؿ للمفهوـ‬
‫ومن جهة أخرى لفتعبد ّ‬
‫الرتصبة ألنّو غري‬
‫األجنيب وذلك ُب كتابو "األسلوبية واألسلوب"إذ يقوؿ‪ «:‬مصطلح (‪ )Lecart‬عسري ّ‬
‫متصوره‪ ،‬لذلك ٓب يرض بو كثري من ّرواد اللّسانيات واألسلوبية فوضعوا مصطلحات بديلة‬
‫مستقر ُب ّ‬
‫ّ‬
‫عنو‪ ،‬وعبارة انزياح ترصبة حرفية للفظة (‪ )Ecart‬على أ ّف اؼبفهوـ ذاتو قد يبكن أف نصطلح عليو بعبارة‬
‫التّجاوز أو كبيي لو لفظة عربية استعملها الببلغيوف ُب سياؽ ؿب ّدد وىي عبارة العدوؿ‪ ،‬وعن طريقة‬
‫‪1‬‬
‫التّوليد اؼبعنوي قد نصطلح ُّا على مفهوـ للعبارة األجنبية »‪.‬‬
‫يدؿ على أ ّف مصطلح االنزياح األجنيب ومصطلح العدوؿ العريب متوافقاف من‬
‫وىذا الكبلـ ّ‬
‫عامة‪،‬ومع أ ّف اؼبسدي ٓب يستعمل‬
‫الصياغة ألغراض فنّية ّ‬
‫النّاحية اؼبعنوية‪ ،‬إذ كبلنبا إجراء يلحق ّ‬
‫مصطلح العدوؿ على اإلطبلؽ واستعمل مصطلح االنزياح (‪ُ)Lecart‬ب دراساتو‪ ،‬غري أنّو ٓب يبكث‬
‫طويبل على ىذا اؼبصطلح ليستعمل (العدوؿ)‪ ،‬وقد ُسئل عن ذلك فأجاب أنّو استعمل « االنزياح‬
‫متصور إجرائي طارئ على‬
‫مرة وكاف يقصد إٔب إبراز ظبة اعب ّدة من حيث ىو ّ‬
‫ترصبة لفهوـ‪ّ Lecart‬أوؿ ّ‬
‫سنن التّأليف ُب اللّغة العربية‪ٍ ،‬بّ جاء مصطلح العدوؿ إحياء ؼبصطلح ببلغي تراثي ٓب يعد هبر ؿباذير‬
‫‪2‬‬
‫االلتباس»‪.‬‬
‫يدؿ عليها ليست جبديدة؛ إذ‬
‫اليت ّ‬
‫فمصطلح االنزياح وإف كاف حديث النّشأة إالّ أ ّف الظّاىرة ّ‬
‫اىتمت‬
‫وبكل اػبطابات اَّازية دبا فيها اػبطاب القرآين‪ ،‬وقد ّ‬
‫ّ‬ ‫ىو لصيق بال ّدراسات األسلوبية‬
‫ال ّدراسات العربية القديبة خبصوصيات ىذه الظّاىرة‪ ،‬وإف عربت عنها دبصطلحات أخرى تابعة‬
‫السائد آنذاؾ كالعدوؿ وااللتفات وشجاعة العربية‪ ،‬وغريىا من اؼبصطلحات‬‫للسياؽ الثّقاُب العاـ ّ‬‫ّ‬
‫واؼبفاىيم اؼبرتبطة بالبيئة واغبضارة العربية‪.‬‬

‫السالـ المس ّدي‪،‬ص ‪.124‬‬


‫األسلوب و األسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬محمد أحمد ويس‪ ،‬ص‪.46‬‬


‫‪021‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ثانيا‪:‬االنزياح عند العرب القدامى‪:‬‬


‫للرتاث الفكري العريب القدًن ذبعلنا نقف عند مصطلحات مرادفة ؼبصطلح‬
‫اؼبتمعنة ّ‬
‫إ ّف قراءتنا ّ‬
‫ترددت كثريا‬
‫اليت ّ‬
‫االنزياح اغبديث النّشأة‪،‬ويش ّكل العدوؿ األسلويب إحدى ىذه اؼبصطلحات اللّغوية ّ‬
‫ُب كتابات القدماء لتكشف عن وجوه متع ّددة من البحث األسلويب عندىم‪ ،‬غري أ ّف ىذا االستعماؿ‬
‫ظل ُب شكل اجتهادات متناثرة‬ ‫ظل سطحيا‪ ،‬إذ ٓب يرؽ لنظرية أسلوبية عربية وإّمبا ّ‬‫للمصطلح ّ‬
‫الرتاث الببلغي والنّقدي والنّحوي واللّغوي؛ حيث أشار أىل العلم –لغويّوف وكبّاة‬
‫حفظتها لنا كتب ّ‬
‫الزـبشري وبن األثري والعلوي‪ ،‬وىو ما‬
‫ومفسروف وببلغيّوف‪ -‬إٔب بعض ومضاتو الكاشفة كابن جّن و ّ‬
‫ّ‬
‫الرتاث‪ ،‬حيث اطّرد العلماء على استخدامو ُب مؤلّفاّتم دبسميات ـبتلفة‬
‫يوحي بأصل الفكرة ُب ّ‬
‫متّفقة ال ّداللة وقد كاف ىدفهم من العدوؿ غالبا‪:‬‬
‫وسع ُب اؼبعىن‪.‬‬
‫‪ -1‬التّ ّ‬
‫‪ -2‬اإلهباز واالختصار‪.‬‬
‫‪ -3‬اؼبناسبة‪.‬‬
‫‪ -4‬مشاكلة اؼبقاطع‪.‬‬
‫‪ -5‬مراعاة الفواصل‪.‬‬
‫‪ -6‬تأكيد اؼبعىن‪.‬‬
‫السامع ومفاجأتو‪.‬‬
‫‪- 7‬التّأثري ُب ّ‬
‫يدؿ على اؼبيل واالنصراؼ‬ ‫و«العدوؿ ُب معناه اللّغوي قريب ج ّدا من معىن االنزياح‪ ،‬إذ ّ‬
‫َي ِء‪ ،‬يَػ ْع ِد ُؿ َع ْدال َوعُ ُدوال‪َ ،‬ح َاد َع ِن الطَِر ِيق‪َ ،‬ج َار‬ ‫ِ‬
‫حيث جاء ُب لساف العرب َع َد َؿ َعن الش ْ‬
‫وماؿ»‪،1‬ووبيل ىذا اؼبعىن إٔب أ ّف العدوؿ واالنزياح من أكثر اؼبصطلحات فباثلة لذلك كثر استخدامها‬
‫ُب النّقد اؼبعاصر‪ ،‬وُب ؾباؿ األسلوبية حيث يلتقياف حوؿ مفهوـ واحد يسعى بو أصحابو إٔب ضبط‬
‫اػباصية ا﵀ ّددة لؤلسلوب األديب‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة (عدؿ)‪.‬‬


‫‪025‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫السنن‬
‫ؼ بأنّو «ؾباوزة ّ‬ ‫كما يقرتف مفهوـ العدوؿ االصطبلحي دبفهوـ االنزياح حيث عٍُّر َ‬
‫اؼبألوفة بني النّاس ُب ؿباوراّتم وضروب معامبلّتم لتحقيق ظبة صبالية ُب القوؿ سبتّع القارئ وتطرب‬
‫نصا أدبيّا»‪.1‬‬
‫السامع وُّا يصري ّ‬
‫ّ‬
‫وسع من دائرة العدوؿ ليشمل ا﵀اورات وضروب اؼبعامبلت وىو ما يُفهم منو‬ ‫وىو تعريف ّ‬
‫اعبنس األديب‪ ،‬وىناؾ تعريف آخر أيضا للعدوؿ يقوؿ بأنّو « ـبالفة الكبلـ لصياغتو اللّغوية األصلية‬
‫‪2‬‬
‫يدؿ على« إرادة لفظ فيعدؿ عن‬
‫اؼبفرتضة لتحقيق قيمة صبالية أو داللة ببلغية » ‪،‬كما أ ّف معناه ّ‬
‫‪3‬‬
‫بالصرؼ سواء أكاف ُب اغبركات أو ُب األصوات‬
‫يسمى أيضا ّ‬
‫ّ‬ ‫ما‬ ‫وىو‬ ‫اللّفظ الذي نريد إٔب آخر‪».‬‬
‫الرتاكيب‪.‬‬
‫الصيغ أو ُب ّ‬
‫أو ُب ّ‬

‫‪ .1‬االنزيئح عند المّغويين وال ّنصحئّة‪:‬‬


‫استخدـ سيبويو(ت‪051‬ىػ) مصطلح العدوؿ دبعىن "االتّساع" والّذي يراد بو اَّاز‪ ،‬واَّاز‬
‫لوف من العدوؿ من حيث ىو خروج عن األصل‪ ،‬إذ ىو اكبراؼ باؼبعىن عن اغبقيقة لفائدة أولنكتة‬
‫ببلغية‪ ،‬لذلك قبده قد أفرد أبوابا كاملة للحديث عن االتساع ُب الكبلـ لئلهباز واالختصار‪ ،‬كما أ ّف‬
‫الشعر دوف سائر الكبلـ منها‪:‬‬
‫لو أبوابا ُب بياف العدوؿ ُب لغة ّ‬
‫الشعر‪.‬‬
‫‪ -1‬باب ما وبتمل ّ‬
‫الشعر وال هبوز ُب الكبلـ‪.‬‬
‫‪ -2‬باب ما هبوز ُب ّ‬
‫الشعراء ُب غري النّداء اضطرارا‪.‬‬
‫رطبت ّ‬ ‫‪ -3‬باب ما ّ‬
‫‪4‬‬
‫‪ -4‬باب وجوه القواُب ُب اإلنشاء‪.‬‬
‫وىذه األبواب ؽبا صلة وثيقة باالنزياح من وجوه ـبتلفة تركيبا وداللة وإيقاعا‪ ،‬ويقوؿ ُب‬
‫باب«استعماؿ الفعل ُب اللّفظ ال ُب اؼبعىن التّساعهم ُب الكبلـ واإلهباز واالختصار»‪ ،‬ومثلو ُب‬

‫‪1‬رؤية في العدوؿ عن النّمطية في التّعبير االدبي‪ ،‬عبد الموجود متولّي بهنسي‪( ،‬د‪،‬د)‪ ،‬ط‪1993(1‬ـ)‪،‬ص‪.05‬‬
‫‪2‬جامعة ّأـ القرى‪(،‬مجلّة) ‪" ،‬العدوؿ في البيئة التّركيبية‪ ،‬قراءة في التراث البالغي"‪ ،‬إبراىيم منصور التّركي‪ ،‬المجلد ‪ ،19‬العدد ‪،40‬‬
‫(‪1428‬ىػ)‪ ،‬ص‪.550‬‬
‫الرشيد‪1986( ،‬ـ)‪.‬‬
‫المقتصد في شرح اإليضاح‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬تحقيق كاظم بحر المرجاف‪ ،‬دار ّ‬
‫‪3‬‬

‫السالـ محمد ىاروف‪ ،‬ج‪،1‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1988(3‬ـ)‪ ،‬ص ‪.176‬‬


‫الكتاب‪ ،‬سيبويو‪ ،‬تحقيق عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪022‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُرواْ َك َمثَ ِل الذي يَػ ْنع ُق بِ َما الَ يَ ْس َم ُع إِال ُد َعاء َون َداء ُ‬
‫ص ٌّم‬ ‫وجل ﴿ َوَمثَ ُل الذ َ‬
‫عز ّ‬ ‫االتساع قولو ّ‬
‫الراعي‪ -‬وإّمبا ُشبّهوا باؼبنعوؽ بو ‪،‬وإّمبا‬ ‫ّ‬ ‫وىو‬ ‫–‬ ‫ينعق‬ ‫دبا‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫شب‬
‫ُ ّ‬ ‫ي‬ ‫فلم‬‫«‬ ‫‪،‬‬‫‪1‬‬
‫بُ ْك ٌم عُ ْم ٌي فَػ ُه ْم الَ يَػ ْع ِقلُو َف﴾‬
‫ومثَل الّذين كفروا كمثل النّاعق واؼبنعوؽ بو الّذي ال يسمع‪ ،‬ولكنّو جاء على سعة‬ ‫اؼبعىن‪ :‬مثَلكم َ‬
‫‪2‬‬
‫الكبلـ واإلهباز لعلم اؼبخاطَب باؼبعىن»‪.‬‬
‫يصرح باظبو‪ ،‬وىو يقوـ على‬
‫وىذا يدخل ربت التّشبيو التّمثيلي الّذي أورده سيبويو دوف أف ّ‬
‫بالراعي مع الغنم‪ ،‬ولكنّو‬
‫تشبيو شيئني بشيئني كما ىو متح ّقق ُب اآلية‪ ،‬حيث شبّو ال ّداعي والك ّفار ّ‬
‫فدؿ ما ذُكَِر على َما ُح ِذ َ‬
‫ؼ‪.‬‬ ‫الراعي من اؼبشبّو بو (ينعق) ّ‬
‫اكتفى بذكر الك ّفار من اؼبشبّو و ّ‬
‫الرتاكيب الّيت خرجت عن مبطيّتها وعدؿ‬ ‫وؾبمل القوؿ أ ّف رؤية سيبويو للعدوؿ قد صبعت جل ّ‬
‫عن أصلها ُب األداء اللّغوي ربت ما أَظباه باالتّساع‪ ،‬فيشمل ذلك اَّاز واالستعارة والتّشبيو ‪...‬لكن‬
‫تلميحو إٔب ىذه اعبزئيات كاف ُمهماّ لل ّدراسات الّيت تلتو‪.‬‬
‫الفراء وأيب عبيدة وابن قتيبة‪.‬‬
‫كل من ّ‬
‫الرؤية اليت ربطت العدوؿ باَّاز ّ‬
‫حيث تأثّر ُّذه ّ‬
‫الفراء(ت‪317‬ىػ) مصطلح اَّاز دبعىن العدوؿ عندما يُعدؿ من التّثنية إٔب اعبمع يقوؿ‬
‫فتناوؿ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف َخ ْ ِ‬
‫ُب قولو تعأب‪َ ﴿:‬ى َذ ِ‬
‫ب‬
‫ص ُّ‬ ‫ت لَ ُه ْم ثِيَ ٌ‬
‫اب من نا ٍر يُ َ‬ ‫ص ُموا في َرب ِه ْم فَالذ َ‬
‫ين َك َف ُروا قُط َع ْ‬ ‫ص َماف ا ْختَ َ‬
‫يم﴾‪ٓ ،3‬ب« يقل اختصما أل ّّنما صبعاف ليسا برجلني»‪،4‬وُب مواضع أخرى‬ ‫ِ‬
‫وس ِهم ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْحم ُ‬
‫من فَػ ْوؽ ُرُؤ ُ َ‬
‫الفراء أمثلة من القرآف يوازف بينها وبني سنن العرب وطرقهم ُب الكبلـ‪ ،‬وهبعلها وسيلة لرتجيح‬
‫يسوؽ ّ‬
‫بعض القراءات القرآنية وطريقا من طرؽ العدوؿ‪.‬‬

‫‪1‬سورة البقرة‪ /‬اآلية ‪.171‬‬


‫‪2‬الكتاب‪ ،‬سيبويو‪ ،‬ج‪ /1‬ص ‪.212‬‬
‫‪3‬سورة الحج‪ /‬اآلية ‪..05‬‬
‫الفراء‪ ،‬تحقيق محمد علي النّجاّرو أحمد يوسف نجاتي‪ ،‬الجزء‪ ،2‬عالم الكتب بيروت‪ ،‬ط‪1983(3‬ـ)‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫معاني القرآف‪ّ ،‬‬
‫‪4‬‬

‫‪027‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫اؼ م َقاـ رب ِو جنتَ ِ‬


‫اف﴾‪ 1‬و« إّمبا ثنانبا ألجل‬ ‫ِ‬
‫من ذلك تعليقو على قولو تعأب‪َ ﴿ :‬ول َم ْن َخ َ َ َ َ َ‬
‫الشعر لو‬
‫الشعر‪ ،‬و ّ‬ ‫الفاصلة‪ ،‬رعاية للّيت قبلها والّيت بعدىا على ىذا الوزف‪ ...‬والعرب تفعل ذلك ُب ّ‬
‫‪2‬‬
‫الزيادة والنّقصاف فيحتمل ما ال وبتملو الكبلـ »‪.‬‬
‫قواؼ يقيمها الوزف و ّ‬
‫كل عدوؿ أو اكبراؼ عن مقتضى الظّاىر من اَّاز ويبثّل‬
‫ّأما أبو عبيدة (ت‪301‬ىػ)‪ :‬فيجعل ّ‬
‫لذلك بقولو‪« :‬ومن ؾباز ما جاء لفظو لفظ الواحد الّذي لو صبع منو‪ ،‬ووقع معىن ىذا الواحد على‬

‫اب ثُم ِمن نُّطْ َف ٍة ثُم ِم ْن َعلَ َق ٍة ثُم يُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْفالً‬


‫اعبميع»‪ 3‬قاؿ تعأب‪ُ ﴿:‬ى َو ال ِذي َخلَ َق ُكم من تُػر ٍ‬
‫َ‬
‫سمى َولَ َعل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثُم لِتبػلُغُوا أَ ُشد ُكم ثُم لِت ُكونُوا ُشي ً ِ‬
‫َجالً ُّم َ‬
‫وخا َومن ُكم من يُػتَػ َوفى من قَػ ْب ُل َولتَْبػلُغُوا أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬
‫تَػ ْع ِقلُو َف﴾‪ُ ،4‬ب موضع أطفاال‪.‬‬
‫ومن «ؾباز ما جاء ُب لفظ خرب اعبميع على لفظ الواحد قولو تعأب‪﴿:‬إِف تَػتُوبَا إِلَى الل ِو‬
‫ين َوال َْمالئِ َكةُ‬ ‫ِِ‬ ‫ت قُػلُوب ُكما وإِف تَظَاىرا َعلَي ِو فَِإف اللو ىو موالهُ و ِجب ِريل و ِ‬
‫صال ُح ال ُْم ْؤمن َ‬
‫َ َُ َْ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫صغَ ْ ُ َ َ‬ ‫فَػ َق ْد َ‬
‫ك ظَ ِه ٌير﴾‪ُ ،5‬ب موضع ظهراء »‪.6‬‬ ‫بَػ ْع َد َذلِ َ‬
‫ات ِمن‬
‫كما تناوؿ العدوؿ من اعبمع إٔب اإلفراد ومثّل لذلك بقولو تعأب‪﴿ :‬وجعلْنَا فِ َيها جن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬
‫وف‪ ،‬لِيَأْ ُكلُوا ِمن ثَ َم ِرهِ َوَما َع ِملَْتوُ أَيْ ِدي ِه ْم أَفَال يَ ْش ُك ُرو َف﴾‪، 7‬‬
‫اب وفَجرنَا فِ َيها ِمن الْعي ِ‬
‫ْ ُُ‬ ‫ن ِخ ٍ‬
‫يل َوأَ ْعنَ ٍ َ ْ‬
‫ىذا ؾباز قوؿ العرب يذكروف االثنني ٍب يقتصروف على خرب أحدنبا وقد أشركوا ذلك فيو‪ ،‬وُب القرآف‬
‫اس بِالْب ِ‬ ‫الرْىب ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ِل‬‫اؿ الن ِ َ‬‫اف لَيَأْ ُكلُو َف أ َْم َو َ‬ ‫آمنُواْ إِف َكثِ ًيرا م َن األ ْ‬
‫َحبَا ِر َو ُّ َ‬ ‫ُب قولو تعأب‪﴿:‬يَا أَيُّػ َها الذ َ‬
‫ين َ‬

‫الرحمن‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬


‫سورة ّ‬
‫‪1‬‬

‫الفراء‪ ،‬الجزء ‪ ، 03‬ص‪.118‬‬


‫معاني القرآف‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫محمد فؤاد سركين‪ ،‬الجز‪ ،1‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪279‬‬


‫مجاز القرآف‪ ،‬أبو عبيدة‪ ،‬تحقيق ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.67‬‬


‫‪5‬سورة التّحريم‪ ،‬اآلية ‪.04‬‬
‫‪ 6‬مجاز القرآف‪ ،‬أبو عبيدة‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪7‬سورة يس‪ ،‬اآليتاف (‪.)35-34‬‬
‫‪025‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫يل الل ِو فَػبَش ْرُىم‬


‫ب َوال ِْفضةَ َوالَ يُ ِنف ُقونَػ َها فِي َسبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يَ ْكن ُزو َف الذ َى َ‬
‫ويص ُّدو َف َعن سبِ ِ ِ ِ‬
‫يل اللو َوالذ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫اب أَلِ ٍ‬
‫يم﴾‪.1‬‬ ‫بِ َع َذ ٍ‬
‫وسار ابن قتيبة (ت‪372‬ىػ) على الطّريق نفسو ُب معاعبتو لظاىرة العدوؿ ُب اػبطاب القرآين‬
‫مقاربا بينو وبني طرؽ العرب ُب الكبلـ‪ «:‬وللعرب ؾبازات ُب الكبلـ‪ ،‬ومعناىا طرؽ القوؿ ومآخذه‬
‫ففيها االستعارة‪ ،‬والتّمثيل‪ ،‬والقلب‪ ،‬والتّقدًن‪ ،‬والتّأخري‪ ،‬واغبذؼ والتّكرار‪،‬واإلخفاء واإلظهار‪،‬‬
‫والتّعريض واإلفصاح‪ ،‬والكناية واإليضاح‪ ،‬وـباطبة الواحد ـباطبة اعبميع‪ ،‬واعبميع خطاب الواحد‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وبكل ىذه اؼبذاىب نزؿ القرآف »‪.‬‬
‫والواحد واعبميع خطاب االثنني ّ‬
‫وقد ساؽ لذلك أمثلة وأدرجها ُب باب بعنواف "ـبالفة ظاىر اللّفظ معناه"‪ ،‬يقوؿ‪ « :‬ومنو واحد‬
‫وف﴾‪[ 3‬فاؼبعىن ىؤالء ضيوُب] وقولو‪:‬‬ ‫ضح ِ‬ ‫اؿ إِف َى ُؤالء َ ِ‬ ‫يُراد بو صبيع كقولو تعأب‪﴿ :‬قَ َ‬
‫ضْيفي فَالَ تَػ ْف َ ُ‬
‫رب العاؼبينوقولو تعأب‪﴿:‬ثُم‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫و‬ ‫رس‬ ‫ا‬‫ن‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ال‬‫و‬‫فق‬ ‫‪:‬‬ ‫اؼبعىن‬‫و‬‫‪4‬‬
‫ين﴾‬ ‫ِ‬ ‫تعأب﴿فَأْتِيَا ِف ْر َع ْو َف فَػ ُقوال إِنا َر ُس ُ‬
‫وؿ َرب ال َْعالَم َ‬
‫‪6‬‬
‫نُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْفال﴾‪،5‬والعرب تقوؿ‪ :‬فبلف كثري ال ّدرىم وال ّدينار يريدوف ال ّدراىم وال ّدنانري»‪.‬‬
‫الصوٌب يقوؿ‪«:‬وإّمبا هبوز ُب‬ ‫وقد زاد على ذلك ابن قتيبة باإلشارة إٔب العدوؿ ُب اعبانب ّ‬
‫اؾ َما ِىيَ ْو﴾‪7‬وألفا كقولو تعأب﴿إِ ْذ َجا ُؤوُكم‬ ‫للسكت كقولو تعأب‪َ ﴿:‬وَما أَ ْد َر َ‬ ‫رؤوس اآلي أف نزيد ىاء ّ‬
‫اج َر َوتَظُنُّو َف بِالل ِو‬
‫ت الْ ُقلُوب الْحنَ ِ‬
‫ُ َ‬
‫صار وبػلَغَ ِ‬
‫ت األَبْ َ ُ َ َ‬ ‫َس َف َل ِمن ُك ْم َوإِ ْذ َزاغَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من فَػ ْوق ُك ْم َوم ْن أ ْ‬
‫الظُّنُونَا﴾‪ 8‬أو حذؼ ياء كقولو تعأب﴿ َوالل ْي ِل إِ َذا يَ ْس ِر﴾‪9‬وذلك لتستوي رؤوس اآلي على مذاىب‬

‫‪1‬سورة التّوبة‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬


‫‪2‬تأويل مشكل القرآف‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬تحقيق السيد أحمد صقر‪ ،‬مكتبة دار التّراث‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ ،)1973(2‬ص(‪.)21-20‬‬
‫‪3‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.68‬‬
‫شعراء‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬
‫سورة ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.05‬‬


‫سورة ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪6‬تأويل مشكل القرآف‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬ص (‪.)285-284‬‬


‫‪7‬سورة القارعة‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫‪8‬سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫‪9‬سورة الفجر‪ ،‬اآلية ‪.04‬‬
‫‪029‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫العرب ُب الكبلـ إذا ًبّ فآذنت بانقطاعو وابتداء غريه‪ ،‬أل ّف ىذا ال يزيل معىن عن جهتو وال يزيد وال‬
‫‪1‬‬
‫ينقص »‪.‬‬
‫وما يبلحظ من أقواؿ ىؤالء اللّغويني ّأّنا تتّفق ُب نظرّتا لظاىرة االنزياح ذلك أ ّّنم ينطلقوف‬
‫من قاعدة ساروا على ّنجها ُب حبوثهم‪ ،‬وىي أ ّف القرآف جاء على سنن العربية‪ ،‬وأ ّف لغة العرب‬
‫دعموا ُحججهم‬
‫متنوعة للعدوؿ‪ ،‬ذلك أ ّّنا من االتّساع ما ليس لسائر اللّغات وقد ّ‬
‫عرفت أبوابا وطرقا ّ‬
‫بأدلّة من نّصوص قرآنية وأخرى شعرية‪.‬‬
‫مؤشرا للجمالية والتّأثري ُب اؼبتل ّقي‪ ،‬دبا‬
‫والبحث ُب أصل العدوؿ ىذه الظّاىرة الفنّػيّة الّيت تُع ّد ّ‬
‫ص يقودنا للوقوؼ عند صاحب اػبصائص ابن‬
‫يُتيحو من إجراءات فنّية ُب التّشكيل األسلويب ُب النّ ّ‬
‫جّن(ت‪293‬ىػ)‪ ،‬حيث ورد ىذا اؼبصطلح بشكل صريح ُب كبلمو ودبا يتّفق مع اؼبصطلحات الفنّية‬
‫ّ‬
‫واإلجرائية لو حيث يقوؿ‪ « :‬من تكثري اللّفظ لتكثري اؼبعىن للعدوؿ عن معتاد حالو‪ ،‬وذلك فُعاؿ ُب‬
‫يع‪،‬فلما كانت فعيل ىي الباب‬
‫وسراع أبلغ من سر ّ‬ ‫معىن فَعيل‪ ،‬كبو طُواؿ‪ ،‬فهو أبلغ معىن من طويل‪ُ ،‬‬
‫فعاال‪ ،‬واؼبعىن اعبامع بينهما خروج كل‬ ‫ِ‬
‫اؼبطّرد وأريدت اؼببالغة عُدلت إٔب فُعاؿ فضارعت فُعاؿ بذلك ّ‬
‫فبالزيادة‪ ،‬و ّأما فُعاؿ فباالكبراؼ بو عن فعيل»‪.2‬‬
‫فعاؿ ّ‬‫واحد منهما على أصلو‪ّ ،‬أما ّ‬
‫وقد تنبّو ابن جّن أيضا إٔب «أ ّف االستعارة تسبح ُب فضاء يتيح ؽبا االتّساع وذباوز اؼبألوؼ ُب‬
‫اؼبتحرر والنّزوع كبو نظم ـبصوص»‪،3‬ومن‬
‫تعديل ظبات البنية وفق عبلقات ٓب تُعهد‪ ،‬قوامها العدوؿ ّ‬
‫ذلك قولو‪«:‬أال ترى أنّو هبوز على ىذا أف يقوؿ‪:‬‬
‫زادىا َش ْك َوايَا إالّ تَ َدلُّالَ‬
‫فَ َما َ‬ ‫ت إل ْيػها حبي المتغَ ِ‬
‫لغال‬
‫‪‬‬ ‫َش َك ْو ُ َ ُ ُ‬
‫ىبص اعبواىر‬
‫فيصف باؼبتغلغل ما ليس ُب أصل اللّغة أف يوصف بالتّغلغل‪ ،‬إّمبا ذلك وصف ّ‬
‫الشيء ال ب ّد أف يتجاوز مكانا إٔب آخر‪ ،‬وذلك تفريغ مكاف وشغل‬
‫األحداث أال ترى أف اؼبتغلغل ُب ّ‬
‫زبص ُب اغبقيقة األعياف ال األحداث‪ ،‬فهذا وجو اتّساع »‪.4‬‬
‫مكاف‪ ،‬وىذه أوصاؼ ّ‬
‫‪1‬تفسير غريب القرآف‪ ،‬ابن قيبة‪ ،‬ص‪.440‬‬
‫‪2‬الخصائص‪ ،‬أبو الفتح عثماف ابن جني‪ ،‬تحقيق محمد علي النّ ّجار‪،‬ج‪ ،3‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1957( 2‬ـ)‪ ،‬ص (‪.)271-270‬‬
‫صي وفرادة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص‪.284‬‬
‫المجلّة األردنية‪" ،‬التّماسك النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬الخصائص‪ ،‬ابن جنّي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.446‬‬


‫‪071‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫جّن أيضا أ ّف كثري من أنواع اَّاز من باب شجاعة العربية من ا﵀ذوؼ‬ ‫وقد أشار ابن ّ‬
‫اسأ َِؿ الْ َق ْريَةَ التِي ُكنا فِ َيها َوال ِْع َير التِي‬
‫الزيادات والتّقدًن والتّأخري وغريىا ويبثّل بقولو تعأب‪َ ﴿:‬و ْ‬
‫وّ‬
‫‪1‬‬ ‫أَقْػبػلْنَا فِيها وإِنا لَ ِ‬
‫كيد)أما االتّساع فؤلنّو استعمل‬ ‫صادقُو َف﴾ فيو اؼبعاين الثبلثة(االتّساع والتّشبيو والتّو ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يصح ُب اغبقيقة سؤالو ‪.2‬‬
‫السؤاؿ مع ما ال ّ‬
‫لفظ ّ‬
‫استدؿ على‬ ‫وؼبح أيضا إٔب وقوع اؼبفرد موقع اعبمع وقاؿ أنّو شائع عند العرب فَ ٍ‬
‫اش ُب اللّغة و ّ‬
‫اب ثُم ِمن نُّطْ َف ٍة ثُم ِم ْن َعلَ َق ٍة ثُم يُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْفالً ثُم‬
‫ذلك بقولو تعأب‪ُ ﴿:‬ى َو ال ِذي َخلَ َق ُكم من تُػر ٍ‬
‫َ‬
‫سمى َولَ َعل ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِتبػلُغُوا أَ ُشد ُكم ثُم لِت ُكونُوا ُشي ً ِ‬
‫َجالً ُّم َ‬ ‫وخا َومن ُكم من يُػتَػ َوفى من قَػ ْب ُل َولتَْبػلُغُوا أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫تَػ ْع ِقلُو َف﴾‪3‬أي أطفاال‪ ،‬وعلّق عليو بقولو‪ «،‬وحسن لفظ الواحد ىنا شيء آخر أيضا‪ ،‬وذلك أنّو‬
‫موضع إضعاؼ للعباد وإقبلؿ ؽبم‪ ،‬فكاف لفظ الواحد لقلّتو أشبو باؼبوضع من لفظ اعبماعة‪ ،‬أل ّف‬
‫‪4‬‬
‫كل حاؿ أقوى من الواحد فاعرؼ ذلك»‪.‬‬
‫اعبماعة على ّ‬
‫يوضح أ ّف االنتقاؿ من اؼبفرد إٔب اعبمع لو معاف خفيّة حيث يشحن األسلوب‬
‫وىذا التّعليل ّ‬
‫ويوضحو‪ ،‬باإلضافة إٔب أنّو يُسهم ُب إضفاء ؼبسات صبالية عليو وغاية ذلك االختصار‬
‫ّ‬ ‫ويقويو‬
‫ّ‬
‫والتّخفيف‪.‬‬
‫جّن عند استعماؿ اغبروؼ بعضها مكاف بعض‪ ،‬وىو لوف من‬ ‫وُب موضع آخر يقف ابن ّ‬
‫العدوؿ‪ « :‬ولسنا ندفع أف يكوف ذلك كما قالوا‪ ،‬ولكنّا نقوؿ‪ :‬إنّو يكوف ؼبعناه ُب موضع دوف موضع‬
‫‪5‬‬
‫كل حاؿ فبل»‪.‬‬
‫كل موضع وعلى ّ‬
‫فأما ُب ّ‬
‫على حسب األحواؿ ال ّداعية إليو واؼبوسوغة لو‪ّ ،‬‬
‫ومثاؿ ذلك قولو تعأب‪ ﴿ :‬فَا ْد ُخلِي فِي ِعب ِ‬
‫ادي‪َ ،‬وا ْد ُخلِي َجنتِي﴾‪ 6‬معناه مع عبادي فعدؿ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫من "مع" إٔب حرؼ "ُب" والعدوؿ من استعماؿ "ٓب" إٔب " ل ّػما " ‪ .‬كقولو تعأب‪ ﴿ :‬قَالَت األَ ْع َر ُ‬
‫اب‬

‫‪1‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.82‬‬


‫‪2‬ينظر‪ :‬الخصائص‪ ،‬ابن جنّي ‪،‬ج‪ ،2‬ص(‪.)447-446‬‬
‫‪3‬سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.67‬‬
‫‪4‬الخصائص‪ ،‬ابن جنّي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.202‬‬
‫نفسو‪ ،‬ص‪.306‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬سورة الفجر‪ ،‬اآليتين(‪.)30-29‬‬


‫‪070‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ُف فِي قُػلُوبِ ُك ْم َوإِف تُطيعُوا اللوَ َوَر ُسولَوُ‬
‫َسلَ ْمنَا َولَما يَ ْد ُخ ِل ا ِإل َ‬
‫ِ‬
‫آمنا قُل ل ْم تُػ ْؤمنُوا َولَكن قُولُوا أ ْ‬
‫َ‬
‫يم ﴾‪ ،1‬أي معناه "ٓب يدخل اإليباف ُب قلوبكم"‪.‬‬ ‫ال يلِ ْت ُكم من أَ ْعمالِ ُكم َشيئًا إِف اللو غَ ُف ِ‬
‫ور رح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫السياؽ‬
‫يلح ُب استعماؿ اغبروؼ بعضها مكاف بعض على مراعاة ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫جّن ُب ىذا النّ ّ‬
‫وابن ّ‬
‫وقرائن األحواؿ أنبّية كربى ُب توجيو اؼبعىن والوقوؼ على ببلغة استعماؿ اغبرؼ‪.‬‬
‫اعبر " ُب " معناه الوعاء أو الظّرفية حقيقة أو ؾبازا وىي األصل فيو فحقيقتو كبو قولو‬
‫فحرؼ ّ‬
‫ات فَ َمن تَػ َعج َل فِي يَػ ْوَم ْي ِن فَالَ إِثْ َم َعلَْي ِو َوَمن تَأَخ َر فَال إِثْ َم‬ ‫ود ٍ‬ ‫تعأب‪َ ﴿:‬واذْ ُك ُرواْ اللوَ فِي أَي ٍاـ م ْع ُد َ‬
‫وؾبازه كبو قولو تعأب‪َ ﴿ :‬ولَ ُك ْم فِي‬ ‫َعلَْي ِو لِ َم ِن اتػ َقى َواتػ ُقواْ اللوَ َوا ْعلَ ُموا أَن ُك ْم إِلَْي ِو تُ ْح َ‬
‫‪2‬‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ش ُرو َف﴾‬
‫اب لَ َعل ُك ْم تَػتػ ُقو َف﴾‪ّ ،3‬أما إف خرجت عن ىذا األصل‪ ،‬فقد انزاحت‬ ‫اص َحيَاةٌ يَاْ أُولِي األَلْبَ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫الْق َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫جّن‬
‫السياؽ واألحواؿ ال ّداعية إٔب ذلك‪ ،‬كما أشار إٔب ذلك ابن ّ‬
‫إٔب معاف أخرى متع ّددة ترد حسب ّ‬
‫نصو اؼبذكور حيث يرى أ ّف تناوب اغبروؼ بعضها مكاف بعض أمر ال ىبضع لقياس بل ىبضع‬ ‫ُب ّ‬
‫وحّت الغربيّني‬
‫اؼبفسرين والببلغيني ّ‬
‫مسوغة لو‪ ،‬وىي أفكار استفيد منها الحقا من النّ ّحاة و ّ‬ ‫ألحواؿ ّ‬
‫ضمن نظرية اؼبقاـ‪ ،‬أو الرباغماتية‪.‬‬
‫جّن أنواعا عديدة من االنزياحات حيث يرى أ ّف من شجاعة العربية‬
‫وعموما فقد عاِب ابن ّ‬
‫كل ذلك على سبيل اَّاز واالتّساع «وإّمبا‬
‫أف يقع اؼبفرد مكاف اعبمع‪ ،‬واغبرؼ مكاف حرؼ آخر ّ‬
‫يقع اَّاز ويع ّدؿ إليو عن اغبقيقة ؼبعاف ثبلثة وىي االتّساع والتّوكيد والتّشبيو فإ ّف عُدـ ىذه األوصاؼ‬
‫‪4‬‬
‫كانت اغبقيقة البتّو »‪.‬‬
‫اؼبتصور اؼبثإب‪ّ ،‬أما اَّاز فهو االستعماؿ العدوٕب ومهما قيل عن ىذين‬ ‫ّ‬ ‫فاغبقيقة ُب رأيو‬
‫وتشعبها ورباورىا وذبادؽبا‬
‫اؼبستويني فإ ّف العدوؿ عن األصل « تولّد ذاٌب ُب اللّغة يرتبط بتولّد األفكار ّ‬
‫وأنّو ال وبكم بشرعية العدوؿ إالّ إذا أضاؼ فضبل ومزية »‪.5‬‬

‫‪1‬سورة الحجرات‪ ،‬اآلية ‪.14‬‬


‫‪2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.203‬‬
‫‪3‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.179‬‬
‫‪4‬الخصائص‪ ،‬ابن جنّي ‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.444‬‬
‫السعدني‪ ،‬منشأة المعارؼ‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫شعر‪ ،‬مصطفى ّ‬
‫العدوؿ أسلوب تراثي في نقد ال ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪073‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫جّن على ظواىر انزياحية من ال ّداللة اغبقيقة إٔب دالالت أخرى‬


‫وىكذا انطوى حبث ابن ّ‬
‫جوز‬
‫ؾبازية‪ ،‬فقدـ ؼبن جاء بعده إنتاجا وفريا للبحث األسلويب ُب باب ما ظبّاه شجاعة العربية الّيت ّ‬
‫عما هبيش ُب قلبو من انفعاالت وأحاسيس «بل َمثَػلُوُ عندي‬
‫الضرورات للتّعبري ّ‬
‫للشاعر ارتكاب ّ‬
‫فيها ّ‬
‫الضروس حاسرا من غري احتشاـ‪ ،‬فهو وإف كاف ملوما ُب‬ ‫َمثَل ُؾبرى اعبُ ُموح ببل عباـ‪ ،‬ووارد اغبرب ّ‬
‫‪1‬‬
‫عنفو وّتالكو‪ ،‬فإنّو مشهود لو بشجاعتو وفيض منّتو »‪.‬‬
‫لعل ىذا ما قاد بعض البحوث اغبديثة واؼبعاصرة ُب ؾباؿ ال ّدراسات األسلوبية إٔب تصنيف‬ ‫و ّ‬
‫جوز‬
‫الضرورة دبعىن التّ ّ‬
‫الشعر اعتبارا من أ ّف « ّ‬
‫الشعرية ضمن االنزياح اإليقاعي ُب ّ‬
‫الضرورة ّ‬
‫مستويات ّ‬
‫السبيل للكشف عن أسرار العمل األديب نفسو والوصوؿ‬ ‫سرىا‪ ،‬بل ظهر ّأّنا ّ‬
‫الشعرية أو ّ‬
‫ىي أساس ّ‬
‫‪2‬‬
‫تفهما كامبل »‪.‬‬
‫تفهمو ّ‬
‫إٔب ّ‬
‫ّأما ابن فارس (ت‪295‬ىػ) فقد أطاؿ اغبديث عن سنن العرب ُب أشعارىم وـباطباّتم‪،‬وقاده‬
‫توسع العرب ُب استعماؿ اَّاز‪ ،‬وىو ما ٓب يوجد عند العجم ُب لغاّتم يقوؿ ‪ «:‬أين‬
‫ىذا إٔب ذكر ّ‬
‫السعة ما للّغة العرب»‪ ،3‬وىو ُب كتابو يورد بعض ما جاء من سنن العرب‪،‬‬ ‫لسائر اللّغات من ّ‬
‫كاغبذؼ واالختصار‪ ،‬وذكر اعبمع واؼبراد واحد وـباطبة الواحد بلفظ اعبميع‪ ،‬وخطاب الواحد بلفظ‬
‫اؼبهمة الّيت‬
‫الشاىد إٔب الغائب وغريىا من القضايا ّ‬
‫االثنني‪ ،‬والتّقدًن والتّأخري‪ ،‬وربويل اػبطاب من ّ‬
‫تدؿ على ُرؤية ثاقبة لقواعد اػبطاب فبّا وباوؿ اؼبعاصروف رصده وتنظيمو ُب تبياف دور اؼبتكلّم‬
‫ّ‬
‫واؼبتل ّقي والظّروؼ ا﵀يطة ُّما‪.‬‬
‫كل القضايا الّيت ذكرىا‬
‫تامة ُب ّ‬
‫وقد تابع الثّعاليب( ت‪ 139‬ىػ) ُب "فقو اللّغة" ابن فارس متابعة ّ‬
‫الشعيب ُب كبلـ لو ُب ؾبلس عبد اؼبلك بن‬
‫من سنن العرب‪ ،‬يقوؿ ُب إجراء االثنني ؾبرى اعبمع‪ «:‬قاؿ ّ‬
‫وجل‬
‫عز ّ‬‫مرواف رجبلف جاؤوين فقاؿ عبد اؼبلك‪ :‬غبنت يا شعيب قاؿ ياأمري اؼبؤمنني‪ٓ ،‬ب أغبن مع قوؿ ا﵁ ّ‬

‫‪1‬الخصائص‪ ،‬ابن جنّي ‪،‬ج‪ ،2‬ص ‪.394‬‬


‫محمد‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫السيّد إبراىيم ّ‬
‫شعرية‪( ،‬دراسة أسلوبية)‪ّ ،‬‬
‫ضرورة ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫الصاحبي في فقو اللّغة‪ ،‬أحمد بن فارس‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عمر فاروؽ الطّبّاع‪ ،‬مكتبة المعارؼ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1993( 1‬ـ)‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪072‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ب ِمن فَػ ْو ِؽ‬


‫ص ُّ‬ ‫ت لَ ُه ْم ثِيَ ٌ‬
‫اب من نا ٍر يُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُموا في َرب ِه ْم فَالذ َ‬
‫ين َك َف ُروا قُط َع ْ‬ ‫اف َخ ْ ِ‬
‫ص َماف ا ْختَ َ‬
‫﴿ َى َذ ِ‬
‫‪1‬‬ ‫وس ِهم ال ِ‬‫ِ‬
‫يم﴾ فقاؿ عبد اؼبلك‪ :‬للّو ّ‬
‫‪2‬‬
‫درؾ يافقيو العراقيني قد شفيت وكفيت »‪.‬‬ ‫ْحم ُ‬
‫ُرُؤ ُ َ‬
‫ربوؿ أسلويب أو اكبراؼ عن‬
‫كل ّ‬‫سمى عدوال عند اللّغويني والنّ ّحاة‪ّ :‬‬
‫وعليو يُصبح االنزياح أو ما يُ ّ‬
‫تصب ُب‬
‫يتغري جوىر اؼبعىن ؛وقد أوضحو ىؤالء بصفات ـبتلفة لكنّها ّ‬
‫النّمط األصلي للكبلـ‪ ،‬حبيث ال ّ‬
‫معىن واحد فذكروا سنن العرب والعدوؿ واالتّساع واَّاز وىي تتمحور حوؿ‪:‬‬
‫وسع ُب اؼبعىن‪.‬‬
‫‪ -0‬العدوؿ بالكبلـ من مبط إٔب مبط آخر من أمباط التّ ّ‬
‫‪ -3‬العدوؿ من سياؽ الكبلـ إٔب سياؽ آخر‪.‬‬
‫وعلى ضوء ىذه ال ّدراسات يظهر االنزياح باؼبفهوـ القدًن كخاصية تعبريية تتميّز بطاقتها اإلوبائية‬
‫حوؿ من أسلوب إٔب آخر ُب حاالت ذكرىا ىؤالء‬
‫واعبمالية‪ ،‬من حيث كاف بناؤه يعتمد على التّ ّ‬
‫الباحثوف من ضمنها‪:‬‬
‫‪ .0‬العبلمات اإلعرابية‪.‬‬
‫الضمائر من حيث التّكلّم واػبطاب والغيبة‪.‬‬
‫‪ّ .3‬‬
‫‪ .2‬العدد من حيث اإلفراد والتّثنية واعبمع‪.‬‬
‫‪ .1‬النّوع من حيث التّذكري والتّأنيث‬
‫‪ .5‬التّعيني من حيث التّعريف والتّنكري‪.‬‬

‫المفسرين‪:‬‬
‫‪ .2‬االنزيئح لدى البالغيين و ّ‬
‫دبسميات ـبتلفة اللّفظ لكنّها مرتادفة اؼبعىن‬
‫اؼبفسرين ّ‬
‫شاع مصطلح العدوؿ عند الببلغيني و ّ‬
‫ـ"الصرؼ"‪ ،‬أو "االنصراؼ" وااللتفات‪ ،‬واػبروج على مقتضى الظّاىر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومتّفقة ال ّداللة‪ ،‬فاستُخد ّ‬
‫اؼبستمرة ُب‬
‫ّ‬ ‫واػبروج عن األصل‪ ،‬والتّ ّلوف‪ ،‬ويعكس ىذا التّ ّنوع ُب اؼبصطلحات اجتهادات العلماء‬
‫اؼبادة اللّغوية واؼبعجمية للعدوؿ يدور‬
‫الزخم ُب ّ‬
‫ال ّدرس الببلغي‪ ،‬وُب التّفسري كما يوحي أيضا بأ ّف ّ‬

‫‪1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬


‫السقا‪،‬مطبعة مصطفى الحلبي وأوالده‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪،‬ط‪ ،)1981(3‬ص‪.366‬‬
‫وسر العربية‪ ،‬أبو منصور الثّعالبي‪ ،‬تحقيق محمد ّ‬
‫فقو اللغة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪071‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫حوؿ عن اؼبألوؼ أو اػبروج عن مبط من أمباط اللّغة‬


‫حوؿ ؿبور دالٕب واحد ىو اؼبيل واالكبراؼ والتّ ّ‬
‫األصلية ُب نسقها اؼبثإب‪.‬‬
‫حوالت اللّغوية واالكبرافات‪،‬‬
‫وإذا كانت بعض جهود اللّغويني والنّ ّحاة قد ترّكزت على رصد التّ ّ‬
‫الّيت مشلت اللّغة مع اإلشارة دائما واإلغباح على اؼبثاؿ ُب االستعماؿ اللّغوي حرصا على مبدأ اؼبعيارية‬
‫الصفة ىي‬
‫الفّن للّغة‪ ،‬ىذه ّ‬
‫اىتموا برعاية‪ « :‬صفة اؼبخالفة ُب االستخداـ ّ‬
‫ُب اللّغة فإ ّف الببلغيني قد ّ‬
‫‪1‬‬
‫اليت ربكم اللّغة العاديّة »‪.‬‬
‫معني من القواعد واؼبعايري اؼبثالية ّ‬
‫اؼبغايرة أو االكبراؼ على كبو ّ‬
‫فنجد عبد القاىر اعبرجاين(ت‪170‬ىػ) قد استخدـ لفظ العدوؿ كثريا وربط بينو وبني‬
‫عما يوجبو أصل اللّغة‪ ،‬وصف بأنّو ؾباز على معىن أ ّّنم‬
‫مصطلح اَّاز يقوؿ‪ «:‬وإذا عُدؿ باللّفظ ّ‬
‫جازوا بو موضعو األصلي أو جاز ىو مكانو الّذي ُوضع فيو ّأوال »‪.2‬‬
‫ويضيف ُب باب "التّقدًن والتّأخري" ُب سياؽ العدوؿ إٔب التّقدًن وببلغتو « اعلم أنّو إذا كاف‬
‫وحّت ال وبتاج ُب العلم بأ ّف‬
‫حّت ال يُشكل‪ّ ،‬‬
‫الشيء أنّو ال ُوبتمل إالّ الوجو الّذي ىو عليو ّ‬
‫بيّنا ُب ّ‬
‫الصواب إٔب فكر ورويّة فبل مزية‪ ،‬وإّمبا تكوف اؼبزية وهبب الفضل إذا احتمل ُب ظاىر‬
‫ذلك ح ّقو وأنّو ّ‬
‫اغباؿ غري الوجو الّذي جاء عليو وجها آخر‪ٍ ،‬بّ رأيت النّفس تنبو عن ذلك الوجو اآلخر‪ ،‬ورأيت‬
‫الّذي جاء عليو حسنا وقبوال تع َدمها إذا أنت تركتو إٔب الثّاين‪ ،‬ومثالو قولو تعأب‪َ ﴿ :‬و َج َعلُواْ لِل ِو‬
‫ص ُفو َف﴾‪3‬ليس ِخبَاؼ‬ ‫ات بِغَْي ِر ِعل ٍْم س ْبحانَوُ وتَػعالَى َعما ي ِ‬
‫ْجن و َخلَ َق ُهم و َخرقُواْ لَوُ بنِين وبػنَ ٍ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ََ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُش َرَكاء ال َ‬
‫أخرت‪،‬‬ ‫الشركاء حسنا وروعة ومأخذا ُب القلوب‪ ،‬أنت ال ذبد شيئا منو إ ْف أنت ّ‬ ‫أ ّف لتقدًن ّ‬
‫الصورة اؼببهجة‪ ،‬واؼبنظر الرائق‬
‫اعبن شركاء ﵁ " وأنّك ترى حالك حاؿ من نقل عن ّ‬ ‫فقلت"وجعلوا ّ‬
‫السبب ُب ذلك أ ّف للتّقدًن فائدة‬
‫الشيء الغفل الّذي ال ربلى منو بكثري طائل ‪ ،‬و ّ‬
‫واغبسن الباىر إٔب ّ‬
‫‪4‬‬
‫شريفة ومعىن جليبل ال سبيل إليو مع التّأخري»‪.‬‬

‫‪1‬نظرية اللّغة في النّقد العربي‪ ،‬راضي عبد الحكيم‪ ،‬مطبوعات المجلس األعلى للثّقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪2003(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.209‬‬
‫‪2‬أسرار البالغة‪ ،‬بد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.485‬‬
‫‪3‬سورة األنعاـ‪ ،‬اآلية ‪.100‬‬
‫‪4‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.286‬‬
‫‪075‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫اعبن‬
‫الرتكييب فيقوؿ‪ « :‬إنّا وإف كنّا نرى صبلة اؼبعىن وؿبصولو أ ّّنم جعلوا ّ‬
‫يوضح ىذا العدوؿ ّ‬
‫ٍبّ ّ‬
‫شركاء وعبدوىم مع ا﵁ تعأب وكاف ىذا اؼبعىن وبصل مع التّأخري حصولو مع التّقدًن فإ ّف تقدًن‬
‫"الشركاء" يفيد ىذا اؼبعىن ويفيد معو معىن آخر‪ ،‬وىو أنّو ما كاف ينبغي أف يكوف ﵁ شريك‪،‬ال من‬
‫ّ‬
‫اعبن شركاء ﵁" ٓب يُفد ذلك وٓب يكن فيو شيء أكثر من‬
‫"جعلوا ّ‬
‫أخر فقيل ُ‬
‫اعبن‪ ،‬وإذا ّ‬
‫اعبن وال غري ّ‬
‫ّ‬
‫اعبن مع ا﵁ تعأب »‪.1‬‬
‫بأّنم عبدوا ّ‬
‫اإلخبار عنهم ّ‬
‫يتبني‬
‫وعلى ضوء ىذا اؼبثاؿ وغريه من األمثلة الّيت أوردىا اعبرجاين ُب كتابيو األسرار وال ّدالئل ّ‬
‫الرتكييب وغريه من االنزياحات‪ ،‬حيث ع ّده ميزة‬ ‫كل اغبرص على االىتماـ باالنزياح ّ‬ ‫أنّو كاف حريصا ّ‬
‫الرقّة ومسبّب االستمتاع‪ ،‬فقد فهم اعبرجاين أ ّف‬
‫كبرية ُب النّصوص‪ ،‬إذ يُصبح أصل الفائدة ومبعث ّ‬
‫وبرض اؼببدع‬‫خاصا يبكن الوصوؿ من خبللو إٔب ظبات أسلوبية ّ‬
‫حوؿ ُب اللّغة يبثّل نظاما ّ‬
‫مبدأ التّ ّ‬
‫فّن أو اكبراُب‪.‬‬
‫الرتاكيب أحدنبا مبطي واآلخر ّ‬
‫عليها‪ ،‬وذلك بالتّمييز بني نوعني من ّ‬
‫ّأما فنّية وصبالية النّوع األخري فتتأتّى باؼبقارنة بني الوجهني العادي واؼبنحرؼ‪ ،‬وغاية ىذه اؼبقارنة‬
‫ىي الوقوؼ على التّماثل ُب ال ّداللة على ذات اؼبعىن‪ ،‬فأصل اؼبعىن ُب اؼبثاؿ الّذي ذكره اعبرجاين واحد"‬
‫اعبن‬
‫"الشركاء" على ّ‬ ‫اعبن شركاء ﵁" غري أ ّف العبارة األؤب بتقدًن ّ‬
‫اعبن "‪،‬و"وجعلوا ّ‬
‫وجعلوا ﵁ شركاء ّ‬
‫ارتقت باؼبعىن إٔب أعلى اؼبستويات فوضحت« قدرة اللّغة على التّأثري والعدوؿ وامتبلؾ اغبيوية اؼبؤلّفة‬
‫معربة‬
‫الصورة النّمطية ّ‬
‫الرصيد اؼبعجمي‪ ،‬وتتع ّدى ّ‬
‫ص‪ ،‬فهي تعيد إنتاج ّ‬
‫لبلنفعاؿ الوجداين ُب سياؽ ل ّذة النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبؤسس على خصوصية التّشكيل ومزايا التّميّز األسلويب»‪.‬‬
‫عن البياف ّ‬
‫صرؼ ُب ىيكل ال ّداللة للخروج‬
‫الرتتيب وإحداث اػبلل ُب قاعدة االستبداؿ ظبح «بالتّ ّ‬
‫فتغيري ّ‬
‫‪3‬‬
‫عن اؼبألوؼ ونقل الكبلـ من ال ّدائرة النّفعية إٔب ال ّدائرة اعبمالية »‪.‬‬
‫كما أشار اعبرجاين إٔب فائدة ومعىن آخر وىو إبراز كلمة أو نكتة لتوجيو التفات اؼبتل ّقي إليها‬
‫حسا لغويا ولطفا عاليا‪.‬‬
‫ومن ٍبّ فهذا اإلجراء األسلويب يتطلّب ّ‬

‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص‪.287‬‬
‫صي وفرادة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص‪.274‬‬
‫اللغة العربية األردنيّة(مجلّة) ‪" ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.254‬‬
‫‪072‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫حوؿ من داللة اللّفظ ومعناه إٔب معىن اؼبعىن‬


‫ىذا وقد استخدـ اعبرجاين لفظ العدوؿ دبعىن التّ ّ‬
‫ُب قولو‪ « :‬الكبلـ على ضربني‪ ،‬ضرب أنت تصل منو إٔب الغرض بداللة اللّفظ وحده (خرج زيد)‬
‫وضرب آخر أنت ال تصل منو إٔب الغرض بداللة اللّفظ وحده‪ ،‬ولكن يدلّك اللّفظ على معناه الّذي‬
‫يقتضيو موضوعو ُب اللّغة ٍبّ ذبد لذلك اؼبعىن داللة ثانية تصل ُّا إٔب الغرض‪َ ،‬أو ال ترى أنّك إذا‬
‫يدؿ اللّفظ‬
‫لكن ّ‬
‫ؾبرد اللّفظ و ّ‬
‫الضحى" فإنّك ال تفيد غرضك الّذي تعّن من ّ‬ ‫قلت ُب اؼبرأة‪ ":‬نؤوـ ّ‬
‫السامع من ذلك اؼبعىن على سبيل االستدالؿ معىن ثانيا‪ ،‬ىو‬
‫على معناه الّذي يوجبو ظاىره‪ٍ ،‬بّ يعقل ّ‬
‫غرضك‪ ،‬وإذ قد عرفت ىذه اعبملة فها ىنا عبارة ـبتصرة‪ ،‬وىي أف تقوؿ اؼبعىن ومعىن اؼبعىن تعّن‬
‫باؼبعىن‪ :‬اؼبفهوـ من ظاىر اللّفظ والّذي تصل إليو بغري واسطة‪ ،‬وبػ"معىن اؼبعىن" أف تعقل من اللّفظ‬
‫‪1‬‬
‫معىن‪ٍ ،‬بّ يُفضي بك ذلك اؼبعىن إٔب معىن آخر »‪.‬‬
‫إ ّف العدوؿ عن األصل ىو ما هبعل اللّفظ قاصرا عن أداء اؼبعىن ما يصل إٔب فهم داللة اؼبعىن‬
‫دبعىن آخر‪ ،‬واغبديث عن "معىن اؼبعىن" لو عبلقة دبفهوـ االتّساع والتّخييل باعتبارنبا عنصراف فاعبلف‬
‫ُب صناعة األسلوب اَّازي‪ ،‬الّذي يُع ّد ظبة بارزة من ظبات اإلبداع األديب‪ ،‬وتتجلّى أنبّية التّخييل ُب‬
‫« ربطيم عبلقات الواقع وبناء عبلقات جديدة ٓب تكن من قبل حيث يتعأب على حدود اؼبنطق‬
‫‪2‬‬
‫عرفو عبد القاىر اعبرجاين بأنّو « الّذي‬
‫ّ‬ ‫لذلك‬ ‫‪،‬‬ ‫كل اؼبعايري»‬
‫فيسبح ُب فضاء يفوؽ اؼبألوؼ ويتخطّى ّ‬
‫‪3‬‬
‫منفي »‪.‬‬
‫ال يبكن أف يُقاؿ أنّو صدؽ‪ ،‬وأ ّف ما أثبتو ثابت وما نفاه ٌّ‬
‫عرب عن اآلراء واألفكار ُب ىيئة‬
‫الصور واستثمار اللّغة دبا ىبدـ الغرض ويُ ّ‬
‫فدوره ىو اخرتاع ّ‬
‫وسع والتّخييل ما جعل التّأليف فيو بني‬
‫خارجة عن اؼبألوؼ فقولنا مثبل‪" :‬اختلست النّظر" فيو من التّ ّ‬
‫جدوٕب اختيار متنافرين‪ ،‬حيث نسبنا االختبلس إٔب النّظر وىو تباين أحدث عدوال عن النّمط‬
‫األصلي للّغة‪.‬‬

‫‪1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص(‪.)263-262‬‬


‫صي وفرادة التّشكيل"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫اللغة العربية األردنيّة(مجلّة )‪" ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.231‬‬


‫‪077‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫اؿ رب إِني وىن الْعظ ِ‬


‫ْم مني َوا ْشتَػ َع َل الرأْ ُ‬
‫س َش ْيبًا َولَ ْم‬ ‫ََ َ َ ُ‬ ‫وكذلك األمر بالنّسبة لقولو تعأب‪﴿:‬قَ َ َ‬
‫الرأس وىو أمر يدعو إٔب ال ّدىشة والغرابة‪ ،‬فما‬ ‫ّ‬ ‫إٔب‬ ‫شتعاؿ‬ ‫اال‬ ‫أسند‬ ‫حيت‬ ‫‪1‬‬
‫ك َرب َش ِقيا﴾‬
‫أَ ُكن بِ ُد َعائِ َ‬
‫للشيب ونبا أمراف متنافراف‪.‬‬
‫سبب استعارة االشتعاؿ ّ‬
‫الشموؿ‪ ،‬وأنّو قد شاع‬
‫الرأس الّذي ىو أصل اؼبعىن ّ‬
‫الشيب ُب ّ‬
‫السبب «أف يفيد مع ؼبعاف ّ‬
‫فإ ّف ّ‬
‫الرأس"‬
‫وعم صبلتو وىذا ما ال يكوف إذا قيل "اشتعل شيب ّ‬
‫فيو وأخذه من نواحيو‪ ،‬وأنّو قد استقربو ّ‬
‫‪2‬‬
‫الرأس"»‪.‬‬
‫أو"الشيب ُب ّ‬
‫ّ‬
‫الرأس" ىو ما يولّد اللّ ّذة اعبمالية الّيت انبثقت‬
‫و"الشيب"و" ّ‬
‫ّ‬ ‫فالتّباين اؼبوجود بني "االشتعاؿ"‬
‫يدؿ على أ ّف" معىن‬
‫ص للجرجاين ّ‬
‫من جدلية االختبلؼ اؼبفضي إٔب التّجانس واالئتبلؼ‪ ،‬وىذا النّ ّ‬
‫اؼبعىن" ال يكوف ُب اللّغة اؼبعيارية‪ ،‬وإّمبا يكوف ُب استخدامات اللّغة اػبارجة عن النّمط اؼبألوؼ وقد‬
‫تفردىا خبفاء هبتاح التّجلّي‪،‬وُّذه‬
‫زبطّت نظرتو تلك إٔب « كسر البىن اؼبألوفة ونسج بىن سبايز زبتلس ّ‬
‫وتتضمن عدوؿ التّعبري عن اؼبكاشفة إٔب وجود االتّساع غري‬
‫ّ‬ ‫الفكرة ترّتن ال ّداللة بعبلقات خفيّة‪،‬‬
‫ا﵀دود ُب أداء اؼبعىن »‪.3‬‬
‫ويرتبط ىذا االتّساع عند بعض الباحثني كالقاضي اعبرجاين(ت‪293‬ىػ) باالستعارة حيث‬
‫يتوصل إٔب‬
‫صرؼ‪ ،‬وُّا ّ‬
‫وسع والتّ ّ‬
‫فأما االستعارة فهي أحد أعمدة الكبلـ وعليها اؼبعوؿ ُب التّ ّ‬
‫يقوؿ‪ّ «:‬‬
‫تزيني اللّفظ وربسني النّظم والنّثر »‪4.‬ذلك أ ّف دور التّشكيل االستعاري ىو نقل داللة األلفاظ من‬
‫وتوسع ُب دائرة التّ ّأمل بُغية الكشف‬
‫الوجو الظّاىري إٔب وجو آخر يعيد البىن عن أصلها كبو انفتاح ّ‬
‫اؼبؤدي إٔب االنزياح‬
‫حوؿ ّ‬ ‫متنوع من ال ّدالالت اعتمدت التّ ّ‬
‫عن عبلقات جديدة‪ ،‬والتّو ّغل ُب فضاء ّ‬
‫األسلويب‪.‬‬

‫‪1‬سورة مريم‪ ،‬اآلية ‪.04‬‬


‫‪2‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫صي وفرادة التّشكيل‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫اللغة العربية األردنيّة(مجلّة) ‪ ،‬مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬الوساطة‪ ،‬الجرجاني‪ ،‬ص‪.428‬‬


‫‪075‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫دبسمى آخر ىو "االلتفات" وقد‬ ‫الزـبشري (ت‪525‬ىػ) فقد استخدـ مصطلح االنزياح ّ‬ ‫ّأما ّ‬
‫خاص معتمدا ُب ذلك على اؼبنهج‬ ‫ّ‬ ‫توسع ُب بياف فائدتو ُب الكشف عن ببلغة القرآف بشكل‬ ‫ّ‬
‫اح فَػتُثِ ُير َس َحابًا‬ ‫ِ‬
‫الكشاؼ‪ ،‬إذ يقوؿ‪ُ «:‬ب قولو تعأب‪َ ﴿:‬واللوُ الذي أ َْر َس َل الريَ َ‬ ‫التّحليلي ضمن كتابو ّ‬
‫ور ﴾‪ 1‬فإف قلت‪ٓ :‬ب جاء(فتثري)‬ ‫ش ُ‬ ‫ض بَػ ْع َد َم ْوتِ َها َك َذلِ َ‬
‫ك النُّ ُ‬ ‫ِ‬
‫َحيَػ ْيػنَا بِو األ َْر َ‬ ‫فَس ْقنَاهُ إِلَى بػلَ ٍد مي ٍ‬
‫ت فَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الربّانية وىكذا يفعلوف بفعل‬ ‫على اؼبضارع دوف ما قبلو وما بعده؟ قلت‪ :‬ليحكي اغباؿ على القدرة ّ‬
‫تنوع وسبيّز وخصوصية حباؿ تستغرب أو تَػ ُه ُم اؼبخاطب أو غري ذلك »‪.2‬‬
‫فيو ّ‬
‫يوضح عدوؿ اػبطاب من اؼباضي"أ َْر َس َل" إٔب اؼبضارع "تُثري" وىو ما ُيبثّل الفعل كأنّو‬
‫ص ّ‬ ‫فالنّ ّ‬
‫واقع وماثل ومشاىد لدى اؼبتل ّقي‪ٍ .‬بّ العدوؿ من اؼبضارع (تثري) إٔب اؼباضي(فسقناه) فيجعل اؼبتوقّع ُب‬
‫الزـبشري ُب ربليلو‬
‫للزمن ُب حكم الواقع لدفع اؼبخاطَب إٔب التّي ّقن منو‪ ،‬وىو ما دفع ّ‬
‫النّسق الطّبيعي ّ‬
‫وتفسريه للقرآف إٔب تعليل ببلغة العدوؿ أو االلتفات ‪-‬كما اصطلح على تسميتو‪ -‬بأف فيو إيقاظا‬
‫للسامع وتطرية لو إذ ينقلو من أسلوب إٔب أسلوب للتّأثري فيو ودفع اؼبلل عنو‪.‬‬
‫ّ‬
‫الزـبشري ُب كبلمو عن اؼبطابقات الّيت سبثّل النّسق اللّغوي اؼبثإب ُب األداء‬
‫وىكذا يبضي ّ‬
‫ليقارب بينها وبني الكبلـ اؼبعدوؿ إليو‪ ،‬حيث يُصبح االلتفات بالنّسبة إليو « ظاىرة أسلوبية تعتمد‬
‫على انتهاؾ ىذا النّسق بانتقاؿ الكبلـ من صيغة إٔب صيغة ومن خطاب إٔب غيبة‪ ،‬ومن غيبة إٔب‬
‫‪3‬‬
‫خطاب‪ ،‬إٔب غري ذلك من أنواع االلتفاتات »‪.‬‬
‫الس ّكاكي (ت ‪232‬ىػ) كاف من أكثر الببلغيني إشارة إٔب التّ ّنوع األسلويب ُب‬ ‫ويبدو أ ّف ّ‬
‫مهمة كالتّقدًن والتّأخري واإلهباز واإلطناب واَّاز‪ ،‬والتّشبيو‬
‫ص األديب‪ ،‬فقد وقف عند قضايا ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫سمى ىذا النّقل التفاتا عند علماء اؼبعاين‬‫وجعلها من االلتفاتات الّيت ربدث ُب الكبلـ يقوؿ‪« :‬ويُ ّ‬

‫‪1‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.09‬‬


‫الزمخشري‪ ،‬الجزء‪ ،03‬ص‪.301‬‬
‫شاؼ‪ّ ،‬‬
‫الك ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬محمد عبد المطّلب‪ ،‬ص‪.277‬‬


‫‪079‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫والعرب يستكثروف منو ويروف أ ّف الكبلـ إذا انتقل من أسلوب إٔب أسلوب أدخل ُب القبوؿ عند‬
‫‪1‬‬
‫السامع‪ ،‬وأحسن تطرية لنشاطو»‪.‬‬
‫ّ‬
‫الس ّكاكي ُب نقلو ؼببحث االلتفات من البديع إٔب علم اؼبعاين الشتمالو على‬
‫وتبدو براعة ّ‬
‫توضحت‬
‫الرتكيب –وىي االنتقاؿ من أسلوب إٔب آخر‪ -‬يُراعي فيها مقتضى اغباؿ‪ ،‬كما ّ‬ ‫خاصية ُب ّ‬
‫ّ‬
‫وسع من دائرّتا فيما مثّل بو من قولو امرئ القيس‪:‬‬ ‫رؤيتو لعمليّة العدوؿ حيث ّ‬
‫الخلِ ُّي ولَػ ْم تَػ ْرقُػ ِد‬
‫اـ َ‬‫ونَ َ‬ ‫‪‬‬ ‫ك باإلثْ ِم ِد‬ ‫طاو َؿ لَْيػلُ َ‬
‫تَ َ‬
‫العائِ ِر‪ ،‬األَ ْرَمػ ِد‬ ‫ِِ‬
‫َكلَْيػلَة ذي َ‬ ‫‪‬‬ ‫ت لَوُ لَْيػلَةٌ‬
‫ات وباتَ ْ‬ ‫وبَ َ‬
‫ِ‪2‬‬ ‫وذلِ َ ِ‬
‫َو ُخبػ ْرتُوُ َع ْن أَبي األَ ْسػ َود‬ ‫‪‬‬ ‫اءني‬ ‫ك م ْنػنَبٍَإ َجػ َ‬
‫فظاىر اغبديث كاف يقتضي البدء بلساف اؼبتكلّم‪ ،‬فالعدوؿ ىنا ليس بالنّسبة لكبلـ سابق‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وإّمبا بالنّسبة لؤلصل الّذي هبب أف يكوف عليو الكبلـ وُّذا يدخل التّجريد ُب ؾباؿ االلتفات‪.‬‬
‫الضمائر ُب أبياتو (ـباطب‪ ،‬غائب‪ ،‬متكلّم)‪ ،‬وىي تشري‬
‫الشاعر ثبلثة أنواع من ّ‬
‫فقد استعمل ّ‬
‫سمى‬
‫األوؿ للمخاطب‪ ،‬وىذا ما يُ ّ‬
‫الضمرياف ُب البيت ّ‬
‫الشاعر نفسو و ّ‬
‫كلّها إٔب شخص واحد ىو ّ‬
‫الشعر‪،‬‬
‫الشاعر من نفسو شخصا آخر ُىباطبو‪ ،‬وىي طريقة مستخدمة ُب ّ‬
‫بالتّجريد ومعناه أف ُهبّرد ّ‬
‫الضمري ُب البيتني التّاليني ويُع ّد ظبة أسلوبية‬
‫ويتغري ّ‬
‫الشعريّة ّ‬
‫لذلك ع ّدىا الباحثوف جزءا من اللّغة ّ‬
‫وسبثيلها يكوف كاآلٌب‪:‬‬
‫نسق‪ -‬ـبالفة تبتدئ نسقا جديدا – ـبالفة‬
‫خاصة كما لو تأثري على القارئ ‪،‬حيث أ ّف االنتقاؿ من‬
‫وىذا التّغيري ُب تشكيل األسلوب لو داللة ّ‬
‫للصياغة‪.‬‬
‫السطحي ّ‬
‫الضمري على اؼبستوى ّ‬
‫ضمري إٔب ضمري آخر مغاير وبدث اىتزازا ُب مرجعيّة ّ‬
‫السكاّكي يبيل إٔب توسيع نطاؽ النّسق اؼبثإب الّذي يبثّل االلتفات عدوال‬
‫وُّذا يتّضح أ ّف ّ‬
‫يوسع دائرة النّمط ليشمل ىذا البُعد‬ ‫عنها‪،‬فليست القاعدة عنده « ما يبثّلو ظاىر العبارة وإّمبا ّ‬

‫الس ّكاكي‪ ،‬ص‪.137‬‬


‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫الرحمن المصطاوي‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪2004(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫ديواف امرئ القيس‪ ،‬اعتنى بو وشرحو‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫الس ّكاكي‪ ،‬ص(‪.)87-86‬‬


‫ينظر‪ :‬مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪051‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫اؼبيتافيزيقي للّغة البعد اؼبعتمد على التّقدير أيضا إمعانا ُب تسجيل اػببلؼ‪ ،‬وتعميق فجوة االكبراؼ‬
‫بني اؼبقولة النّحوية واألسلوب البليغ »‪.1‬‬
‫قضية العدوؿ ُب مبحث االلتفات الّذي يرى فيو‬ ‫ّأما ابن األثري( ت‪227‬ىػ) فقد حصر ّ‬
‫ضابطا ؿب ّددا ُب الكبلـ‪ ،‬و يكوف حبسب مواقعو ُب الببلغة وموارده ُب اػبطاب «فالنّاظر إّمبا يعرؼ‬
‫كل موضع يكوف فيو‪ ،‬فيعرؼ قدر ببلغتو باإلضافة إٔب ذلك‬
‫حسن مواقع االلتفات إذا نظر ُب ّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبوضع بعينو»‪.‬‬
‫يتم فيو ربويل اػبطاب من صيغ‬ ‫فإبداعية االلتفات تتجلّى ُب كوّنا أسلوبا دالليا وانتقاليا‪ّ ،‬‬
‫الشحنة اعبمالية واالببلغية بالنّظر إٔب‬
‫معيّنة إٔب صيغ أخرى ـبتلفة عنها‪ ،‬وىذا االنتقاؿ ىو ما يولّد ّ‬
‫اؼبوضع الّذي يكوف فيو ذلك أ ّف معناه« التّعبري عن معىن بطريقة من الطّرؽ الثبلثة‬
‫‪3‬‬
‫(التّكلّم‪،‬الغيبة‪،‬اػبطاب) بعد التّعبري عنو بطريق آخر »‪.‬‬
‫وىذا التّعريف يشري إٔب « أ ّف الكبلـ بدأ بأحد الطّرؽ الثّبلثة‪ٍ ،‬بّ عدؿ عنها إٔب طريق‬
‫األوؿ‬
‫زبص الطّريق ّ‬
‫الرتكيبية الّيت ّ‬
‫آخر‪،‬وقد رب ّقق ىذا العدوؿ من خبلؿ اكبراؼ الكبلـ عن البىن ّ‬
‫‪4‬‬
‫زبص الطّريق اعبديد الّذي عُدؿ إليو »‪.‬‬
‫واختياره ُب تركيبتو ّ‬
‫والغرض اؼبوجب الستعماؿ ىذا األسلوب ال هبري على وترية واحدة‪ ،‬وإّمبا ىو مقصور على‬
‫العناية باؼبعىن اؼبقصود لذلك قاؿ ابن األثري‪ «:‬إ ّف العدوؿ عن صيغة من األلفاظ إٔب صيغة أخرى ال‬
‫‪5‬‬
‫يكوف إالّ لنوع خصوصية اقتضت ذلك »‪.‬‬

‫‪ 1‬اللّغة في النّقد العربي‪ ،‬عبد الحكيم راضي‪ ،‬ص‪.250‬‬


‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.173‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬اإليضاح في علوـ البالغة‪ ،‬القزويني‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫شريعة واللّغة العربية وآدابها(مجلّة) ‪ " ،‬العدوؿ في البنية التّركيبية قراءة في التّراث البالغي"‪ ،‬إبراىيم بن منصور‬
‫جامعة ّأـ القرى لعلوـ ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫التّركي‪ ،‬المجلّد ‪ ،19‬العدد‪1428( 40‬ىػ)‪ ،‬ص‪.571‬‬


‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء‪ ،02‬ص‪.172‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪050‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫بالضمائر واألزمنة‬
‫وتتجلّى فنّية االلتفات ُب اؼبهارة االختبلسية الّيت ُيبارسها األسلوب وتلتبس ّ‬
‫الصياغة من جهة‪ ،‬وبداللة القراءة والتّقبّل من جهة‬
‫فيصبح االلتفات أسلوبا مرتبطا بال ّداللة واؼبعىن و ّ‬
‫‪1‬‬
‫كل موضع يكوف فيو »‪.‬‬
‫أخرى « فالنّاظر إّمبا يعرؼ حسن مواقع االلتفات إذا نظر ُب ّ‬
‫تصورىا للحالة‬
‫تتحوؿ إٔب فاعلية إنتاجية ُب ّ‬
‫فكما زبلق الكتابة إبداعيتها‪ ،‬فإ ّف القراءة أيضا ّ‬
‫الّيت يكوف عليها اػبطاب عرب انتقالو من صيغة إٔب صيغة غري متشاُّة‪ ،‬ومن سياؽ تعبري يعكسو‬
‫قسم ابن األثري االلتفات إٔب ثبلثة أقساـ ىي‪:‬‬
‫الرتكييب إٔب سياؽ مغاير‪ ،‬وقد ّ‬
‫الشكل ّ‬
‫ّ‬
‫ْح ْم ُد لِل ِو َرب‬
‫األوؿ‪ :‬االنتقاؿ من الغيبة إٔب اػبطاب ومن شواىده قولو تعأب‪﴿:‬ال َ‬ ‫‪ -1‬القسم ّ‬
‫ين﴾‪ ،2‬عدؿ فيها عن الغيبة‬ ‫اؾ نَػ ْعب ُد وإِي َ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اؾ نَ ْستَع ُ‬ ‫ين‪ ،‬الر ْح َم ِن الرح ِيم‪َ ،‬مالك يَػ ْوـ الدي ِن‪ ،‬إِي َ ُ َ‬
‫ال َْعالَم َ‬
‫رب العاؼبني) إٔب اػبطاب« (إيّاؾ نعبد وإيّاؾ نستعني)‪ ،‬أل ّف اغبمد دوف العبادة‪ ،‬أال تراؾ‬ ‫(اغبمد ﵁ ّ‬
‫لتوسطو مع الغيبة ُب اػبرب‬ ‫ِ‬
‫فلما كانت اغباؿ كذلك‪ ،‬استعمل لفظ اغبمد ّ‬ ‫ربمد نَظ َريَؾ وال تعبده‪ّ ،‬‬
‫اليت ىي أقصى الطّاعات قاؿ‪ :‬إيّاؾ نعبد‪،‬‬ ‫فقاؿ‪ :‬اغبمد ﵁‪ ،‬وٓب يقل اغبمد لك وؼبا صار إٔب العبادة ّ‬
‫‪3‬‬
‫عز اظبو‪ -‬باالنتهاء إٔب ؿبدود منها»‪.‬‬
‫تقربا منو – ّ‬
‫فخاطب بالعبادة إصراحا ُّا‪ ،‬و ّ‬
‫ين‬ ‫صرا َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬االنتقاؿ من اػبطاب إٔب الغيبة ُب قولو تعأب‪ِ ﴿:‬‬
‫ط الذ َ‬ ‫يم‪َ ،‬‬‫ط ال ُْم ْستَق َ‬ ‫اىدنَا الص َرا َ‬
‫‪4‬‬ ‫ض ِ‬
‫فصرح باػبطاب ل ّػما ذكر النّعمة‪ٍ ،‬بّ‬ ‫ّ‬ ‫«‬ ‫‪،‬‬ ‫ين﴾‬
‫وب َعلَْي ِه ْم َوالَ الضال َ‬ ‫ت َعلَْي ِه ْم غَْي ِر ال َْم ْغ ُ‬
‫أَنْػ َع ْم َ‬
‫قرب من ا﵁ بذكر نعمو‪،‬‬ ‫األوؿ موضع التّ ّ‬ ‫األوؿ‪ ،‬أل ّف ّ‬
‫قاؿ‪( :‬غري اؼبغضوب عليهم) عطفا على ّ‬
‫فلما صار إٔب ذكر الغضب جاء باللّفظ منحرفا عن ذكر الغاضب‪ ،‬فأسند النّعمة إليو لفظا وَزَوى‬
‫ّ‬
‫‪5‬‬
‫الرتكيب األسلويب ىو‬‫عنو لفظ الغضب ربنّنا ولطفا» ‪.‬واؽبدؼ اؼبعنوي من ىذا العدوؿ ُب ىذا ّ‬
‫ِ‬
‫اؼبخاطب‪.‬‬ ‫تعظيم شأف‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬الجزء ‪ ،02‬ص‪.173‬‬


‫‪2‬سورة الفاتحة‪ ،‬اآليات(‪.)5-4-3-2‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء‪ ،02‬ص‪.170‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬سورة الفاتحة‪ ،‬اآليتاف (‪.)07-06‬‬


‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء‪ ،02‬ص‪.171‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪053‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫القسم الثّاين‪ :‬العدوؿ عن الفعل اؼبستقبل إٔب فعل األمر وعن الفعل اؼباضي إٔب فعل‬ ‫‪-2‬‬

‫وسع ُب أساليب الكبلـ‬


‫األمر‪:‬يقوؿ ابن األثري‪ « :‬وليس االنتقاؿ فيو من صيغة إٔب صيغة طلبا للتّ ّ‬
‫فقط‪ ...‬وإّمبا يقصد إليو تعظيما غباؿ من أجري عليو الفعل اؼبستقبل‪ ،‬وتفخيما ألمره والض ّد من‬
‫‪1‬‬
‫ذلك فيمن أجري عليو فعل األمر »‪.‬‬
‫ود َما ِج ْئتَػنَا بِبَػيػنَ ٍة َوَما‬
‫ومن شواىد العدوؿ عن اؼبضارع إٔب األمر قولو تعأب‪ ﴿ :‬قَالُواْ يَا ُى ُ‬
‫اؾ بػعض آلِهتِنا بِس ٍ‬ ‫ين‪ ،‬إِف نػ ُق ُ ِ‬‫ك وما نَ ْحن لَ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫وء‬ ‫وؿ إال ا ْعتَػ َر َ َ ْ ُ َ َ ُ‬ ‫ك ب ُم ْؤمن َ‬ ‫نَ ْح ُن بتَا ِركي آل َهتنَا َعن قَػ ْول َ َ َ ُ‬
‫اؿ إِني أُ ْش ِه ُد اللوَ َوا ْش َه ُدواْ أَني بَ ِريءٌ مما تُ ْش ِرُكو َف﴾‪.2‬‬
‫قَ َ‬
‫الزمن‬
‫السبلـ‪ -‬فكانت صيغتها ّ‬ ‫قصة سيّدنا ىود – عليو ّ‬ ‫ترد اآلية ُب سياؽ سرد ّ‬
‫اغباضر‪،‬حيث بدأت باستخداـ صيغة اؼبضارع (أشهد) حني ذُكر لفظ اعببللة (ا﵁) إلفادة أ ّف إشهاد‬
‫اؽبوة‬
‫الشرؾ صحيح ثابت‪ٍ ،‬بّ تتباعد اؼبواقف بني الطّرفني (ىود وقومو)‪ ،‬وتتّسع ّ‬‫ا﵁ على الرباءة من ّ‬
‫فيتم االنتقاؿ إٔب صيغة األمر (واشهدوا) الّيت تستلزـ طرفني‪ :‬آمر مطاع (النّيب ىود) ومأمور‬
‫بينهما ّ‬
‫ضعيف(قوـ ىود)‪ ،‬واالنتقاؿ إٔب صيغة األمر أفاد حدوث اعبفاء التّ ّاـ والتّهاوف لدينهم وآؽبتهم‬
‫‪3‬‬
‫جسد األسلوب العدوٕب بصياغتو اؼبخالفة ؼبقتضى الظّاىر مواقف الطّرفني اؼبتباعدين‪.‬‬
‫اؼبزعومة ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ّأما العدوؿ عن الفعل اؼباضي إٔب األمر فيقوؿ فيو ابن األثري‪« :‬وإّمبا يفعل ذلك توكيدا ؼبا‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫وى ُك ْم‬ ‫أجري عليو فعل األمر دبكاف العناية بتحقيقو كقولو تعأب‪﴿ :‬قُ ْل أ ََم َر َربي بالْق ْسط َوأَق ُ‬
‫يمواْ ُو ُج َ‬
‫ودو َف﴾‪.5»4‬‬ ‫ِِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َما بَ َدأَ ُك ْم تَػعُ ُ‬
‫ين لَوُ الد َ‬
‫عن َد ُكل َم ْسجد َوا ْدعُوهُ ُم ْخلص َ‬
‫كل مسجد" فعدؿ عن ذلك إٔب‬ ‫وكاف تقدير الكبلـ "أمر ريب بالقسط وبإقامة وجوىكم عند ّ‬
‫الصبلة من ْأوكد فرائض ا﵁ على عباده‪.‬‬
‫فعل األمر‪ ،‬لغاية توكيده ُب نفوسهم ذلك أ ّف ّ‬

‫‪ 1‬السابق‪ ،‬الجزء ‪.179 ،02‬‬


‫‪ 2‬سورة ىود‪ ،‬اآليتاف (‪.)54-53‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء‪ ،02‬ص ‪.179‬‬
‫ينظر‪ :‬المثل ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬سورة األعراؼ‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬


‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء ‪ ،02‬ص‪.179‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪052‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫األوؿ قولو‬
‫القسم الثّالث‪ :‬اإلخبار عن اؼباضي باؼبستقبل وعن اؼبستقبل باؼباضي ومن شواىد ّ‬ ‫‪-3‬‬

‫ضرًة إِف اللوَ لَ ِط ٌ‬ ‫تعأب‪﴿ :‬أَلَم تَػر أَف اللو أ ِ‬


‫يف‬ ‫صبِ ُح األ َْر ُ‬
‫ض ُم ْخ َ‬ ‫َنز َؿ م َن الس َماء َماء فَػتُ ْ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َخبِ ٌير﴾‪.1‬‬
‫ـبضرة" وٓب يقل‬‫ّ‬ ‫فقد عدؿ عن الفعل اؼباضي "أنزؿ" إٔب اؼبستقبل "فتصبح األرض‬
‫"فأصبحت" عطفا على "أنزؿ"‪ ،‬والفائدة من ذلك أ ّف أثر اؼبطر يبقى زمانا بعيدا ّأما إنزاؿ اؼباء‬
‫يشع ُب النّفوس الطّمأنينة على دواـ أرزاقهم‪ ،‬وىكذا يُصبح‬
‫فيمضي وجوده‪ ،‬واستمرار األرض خضراء ّ‬
‫اإلخبار عن اغبدث اؼباضي بفعل اؼبستقبل ذا مغزى صبإب وببلغي ؿبض‪ ،‬إذ يب ّكن اؼبتل ّقي من‬
‫‪2‬‬
‫كأّنا ماثلة أماـ ـبيلتو ليعايشها بنفسو فيكوف كأنّو حاضريتفاعل معها‪.‬‬
‫استحضار صورة اغبدث و ّ‬
‫ّأما شاىد اعبزء الثّاين أي عن صيغة اؼبضارع إٔب صيغة اؼباضي فقولو تعأب‪َ ﴿:‬ويَػ ْوَـ يُن َف ُخ فِي‬
‫ين﴾‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫ات َوَمن فِي األ َْر ِ‬
‫ع من فِي السماو ِ‬
‫ض إِال َمن َشاء اللوُ َوُكلٌّ أَتَػ ْوهُ َداخ ِر َ‬ ‫ََ‬ ‫الصوِر فَػ َف ِز َ َ‬
‫ُّ‬
‫يقوؿ ابن األثري معلّقا على ىذا العدوؿ ‪ «:‬إّمبا قاؿ (ففزع) بلفظ اؼباضي بعد قولو [ينفخ]‬
‫يدؿ على وجود الفعل‬
‫وىو اؼبستقبل لئلشعار بتحقيق الفزع‪ ،‬وأنّو كائن ال ؿبالة أل ّف الفعل اؼباضي ّ‬
‫‪4‬‬
‫وكونو مقطوعا بو »‪.‬‬
‫فطوره ونقلو إٔب ؾباؿ أوسع من سابقيو‬
‫وىكذا قبد ابن األثري قد أكثر اغبديث عن االلتفات ّ‬
‫وتشعب دالالتو‬
‫الرتكيب‪ ،‬كما كشف عن أسراره ولطائفو ّ‬ ‫تاما بني ثنائية االختيار و ّ‬
‫فأحدث تآلفا ّ‬
‫الرؤية بذلك على أ ّف االلتفات ينظر إليو بوصفو عدوؿ من تركيب إٔب تركيب‪،‬‬
‫فتوضحت ّ‬ ‫ودقائقو‪ّ ،‬‬
‫وغاية ىذا العدوؿ ىو ربقيق اؼبعاين اإلببلغية واعبمالية‪.‬‬
‫وما يبكن قولو‪ :‬أ ّف شبّة نوعاف من العدوؿ عند النّحويني والببلغيني‪.‬‬
‫الرتكيب‪.‬‬
‫عدوؿ ُب اؼببىن‪ :‬وىو عدوؿ عن ظاىر اللّفظ و ّ‬ ‫‪-0‬‬

‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.63‬‬


‫سورة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬ينظر‪ :‬جماليات االلتفات‪ ،‬عز ال ّدين إسماعيل‪ ،‬منشورات النادي األدبي الثّقافي‪ ،‬ج ّدة ‪1988( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.892‬‬
‫‪3‬سورة النّمل‪ ،‬اآلية ‪.87‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء‪ ،02‬ص‪.185‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪051‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫عدوؿ ُب اؼبعىن‪ :‬وىو عدوؿ عن ظاىر اؼبعىن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬


‫جل اىتماماّتم إٔب ىذين النّوعني من العدوؿ ونفذوا منها إٔب‬
‫الببلغيوف واللّغويوف ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد صرؼ‬
‫ص القرآين‪ ،‬ذلك أ ّف نظاـ عربية القرآف يبتاز باغبيوية واؼبرونة؛ إذ‬
‫مبلمح صبالية وأسلوبية من خبلؿ النّ ّ‬
‫اؼبخاطب واػبطاب وكلّما زاد ضبل الكبلـ بعضو على‬ ‫يضيق ويتّسع حبسب اغباجة واؼبستوى اللّغوي و ِ‬
‫اؼبختصوف بأسلوب القرآف‬
‫ّ‬ ‫كل إنساف إالّ‬
‫بعض بُعدا بلغ دقّة داللية و ّأدى أسرار بيانية ال يفهمها ّ‬
‫كالزـبشري ُب تفسريه‪.‬‬
‫وأصحاب ال ّذائقة الفنّية ّ‬
‫وفبّا يتّضح لنا أ ّف الببلغيّني ال يعتدوف من حيث القيمة اعبمالية إالّ دبا يبثّل عدوال عن أصل‬
‫معىن الكبلـ‪ ،‬دبعىن أ ّف البحث الببلغي عند العرب يرتكز على مقولتني نبا‪ :‬األصل اؼبألوؼ‪ٍ ،‬بّ‬
‫وتلونو‪،‬وتصلو حبالة اؼبخاطَب‬
‫العدوؿ عنو« مع بياف مراتب العدوؿ وآثاره اعبمالية الّيت تتّصل باؼبعىن ّ‬
‫‪1‬‬
‫ُب غالب األحياف وحبالة اؼبتكلّم ُب القليل منها »‪.‬‬
‫وقد الحظ ابن قيم اعبوزية أثناء انشغالو بال ّدراسات القرآنية مباينة اػبطاب القرآين للخطاب‬
‫فسر‬
‫يضم مباحث لغوية وكبويّة وببلغية وفقهيّة وتفسريية‪ ،‬ف ّ‬
‫البشري ُب كتابو "بدائع الفوائد" الّذي ّ‬
‫وترددت كثريا ُب ىذا‬
‫اندست ّ‬ ‫ص القرآين ُب ضوء مفهوـ العدوؿ‪ ،‬وذلك من خبلؿ عبارات ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫وتأمل –رضبك‬
‫الكتاب منها "قاؿ كذا وٓب يقل كذا"‪" ،‬عدؿ عن ىذه العبارة إٔب ألطف عبارة"‪ّ " ،‬‬
‫السّر ُب عدولو سبحانو وتعأب عن كذا إٔب كذا"‪.‬‬
‫ا﵁‪ّ -‬‬
‫كل‬
‫يقوؿ ‪ُ «:‬ب ذكر اؼبفرد واعبمع وأسباب اختبلؼ العبلمات ال ّدالّة على اعبمع واختصاص ّ‬
‫ؿبل بعبلمتو ووقوع اؼبفرد موقع اعبملة وعكسو‪ ،‬وأين ُوبسن مراعاة األصل وأين ُوبسن العدوؿ عنو ىذا‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫اؼبفضلة على سائر األمم »‪.‬‬
‫سر ىذه اللّغة العظيمة القدر ّ‬
‫فصل نافع ج ّدا يطّلعك على ّ‬
‫فالقوؿ يُشري إٔب وجود مستويني لغويني متمايزين‪:‬‬
‫األوؿ‪ -‬أين ُوبسن مراعاة األصل‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬عبد المطّلب محمد‪ ،‬ص‪.270‬‬


‫‪ 2‬بدائع الفوائد‪ ،‬شمس ال ّدين بن قيم الجوزية‪ ،‬مراجعة محمد عبد القادر الفاضلي‪ ،‬وأحمد عوض أبو الشباب‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪2001(1‬ـ)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.132‬‬
‫‪055‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫وثانيهما‪ -‬أين ُوبسن العدوؿ عنو (فرع عن ىذا األصل) و« ُّذا يكوف اغبديث عن العدوؿ‬
‫‪1‬‬
‫كمية العدوؿ ومداه ُب األسلوب »‪.‬‬
‫يفرتض وجود مبط معياري ثابت للّغة يبكن أف تُقاس إليو ّ‬
‫فيُصبح العدوؿ عند ابن قيّم اعبوزية‪ « :‬خروج عن أصل لغوي مفرتض‪ ،‬ومبط معياري ثابت‪،‬‬
‫ربقيقا ألىداؼ فنّية وصبالية ودالالت لطيفة بديعة‪ ،‬كما أنّو منبّو أسلويب يُثري االىتماـ ويدعو إٔب‬
‫‪2‬‬
‫التّ ّأمل »‪.‬‬
‫تتضمن العدوؿ عن األصل كما ُب تفسريه لقولو تعأب‪:‬‬ ‫ويتوقّف ابن قيّم عند آيات كثرية ّ‬
‫ت فَػ ُه َو يَ ْش ِفي ِن﴾‪ ،3‬وقولو‬
‫ضُ‬‫﴿ال ِذي َخلَ َقنِي فَػ ُه َو يَػ ْه ِدي ِن‪َ ،‬وال ِذي ُى َو يُط ِْع ُمنِي َويَ ْس ِقي ِن‪َ ،‬وإِذَا َم ِر ْ‬
‫اد بِ ِه ْم َربُّػ ُه ْم َر َش ًدا﴾‪.4‬‬ ‫تعأب أيضا ﴿ َوأَنا ال نَ ْد ِري أَ َش ٌّر أُ ِري َد بِ َمن فِي األ َْر ِ‬
‫ض أ َْـ أ ََر َ‬
‫وتركيزه جاء على الفعلني "إذا مرضت" و"أُريد" حيث وجد ّأّنما ينحواف كبوا ُمغايرا ؼبا ىو‬
‫متوقّع‪،‬وصيغتهما ـبالفة ألصل مفرتض فالفعل "إذا مرضت" يأٌب مستندا إٔب ضمري اؼبتكلّم (إبراىيم‬
‫وجل (خلقّن‪ ،‬يهدين‪ ،‬يسقني‪ ،‬يشفني‪،‬يُطعمّن)‬
‫عز ّ‬ ‫السبلـ) وسط أفعاؿ جاءت ُمسندة إٔب ا﵁ ّ‬
‫عليو ّ‬
‫وكذلك الفعل"أُريد" بّن للمجهوؿ ُ‬
‫وحذؼ فاعلو‪ ،‬واألصل أف يُبىن للمعلوـ واغبكمة الّيت اقتضت‬
‫‪5‬‬
‫وجل‪.‬‬
‫عز ّ‬‫أدب ُب اػبطاب مع ا﵁ ّ‬
‫ذلك العدوؿ ىي التّ ّ‬
‫خاص وطريقة معهودة ال وبيد عنها وىي «أ ّف أفعاؿ‬
‫ّ‬ ‫يدؿ على أ ّف للقرآف أسلوب‬
‫وىذا ما ّ‬
‫الرضبة واعبود تُضاؼ إٔب ا﵁ سبحانو وتعأب فيذكر فاعلها منسوبة إليو‪ ،‬وال ينبّن الفعل‬
‫اإلحساف و ّ‬
‫معها للمفعوؿ‪ ،‬فإذا جيء بأفعاؿ العدؿ واعبزاء والعقوبة ُحذؼ الفاعل وبّن الفعل معها للمفعوؿ‬
‫‪6‬‬
‫أدبا ُب اػبطاب وإضافتو إٔب ا﵁ أشرؼ فسمى أفعالو »‪.‬‬
‫وأبرز أنواع العدوؿ الّيت ذكرىا اؼبؤلّف ُب بدائعو ثبلثة ىي‪:‬‬

‫‪1‬ندوة ال ّدراسة المصطلحية والعلوـ اإلسالمية‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد اهلل " العدوؿ في بدائع الفوائد البن القيّم الجوزية" محمد‬
‫بوحمدي الجزء‪ ،01‬مطبعة المعارؼ الجديدة‪ ،‬الرباط‪1993( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.168‬‬
‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫شعراء‪ ،‬اآليات (‪)80-79-78‬‬
‫سورة ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫الجن‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬


‫سورة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬ينظر‪ :‬بدائع الفوائد‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.25‬‬


‫‪6‬بدائع الفوائد‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.25‬‬
‫‪052‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫‪ -0‬العدوؿ اؼبعجمي‪.‬‬
‫الرتكييب‪.‬‬
‫‪ -3‬العدوؿ ّ‬
‫الصرُب‪.‬‬
‫‪ -2‬العدوؿ ّ‬
‫أ‪-‬العدوؿ المعجمي‪:‬‬
‫ويقصد بو إيثار كلمة على أخرى‪ ،‬تنتمياف إؿ ؾباؿ دالٕب واحد‪ ،‬وتشرتكاف ُب اؼبعىن العاـ‬
‫ضع ُك ُّل َذ ِ‬
‫ات َح ْم ٍل َح ْملَ َها‬ ‫ت َوتَ َ ُ‬ ‫ض َع ٍة َعما أ َْر َ‬
‫ض َع ْ‬ ‫منها قولو تعأب‪َْ ﴿:‬يوـ تَػرونَػ َها تَ ْذ َىل ُك ُّل مر ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َْ‬
‫اب الل ِو َش ِدي ٌد﴾‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫ارى َولَكن َع َذ َ‬ ‫س َك َ‬
‫ِ‬
‫ارى َوَما ُىم ب ُ‬ ‫اس ُس َك َ‬
‫َوتَػ َرى الن َ‬
‫كل مرضعة" إٔب قولو‬ ‫السّر البديع ُب عدولو سبحانو‪ ،‬عن " ّ‬ ‫يقوؿ‪«:‬وتأمل رضبك ا﵁ تعأب ّ‬
‫"ذات ضبل"‪ ،‬فإ ّف اغبامل قد تُطلق على اؼبهيّئة للحمل‪ ،‬وعلى من ىي ُب ّأوؿ ضبلها ومباديو‪ ،‬فإذا‬
‫قيل‪ :‬ذات ضبل ٓب يكن إالّ ؼبن ظهر ضبلها وصلح للوضع كامبل أو سقط كما يُقاؿ‪ :‬ذات ولد‪ ،‬فأتى‬
‫‪2‬‬
‫الرضاعة دوف التّهيّؤ ؽبا»‪.‬‬
‫اؼبرضعة بالتّاء الّيت رب ّقق فعل ّ‬
‫ُب ُ‬
‫فذات اغبمل «أبلغ ُب ال ّداللة وأوَب باؼبراد وأنسب للمقاـ أل ّف فيها إشارة إٔب رب ّقق وجود‬
‫اغبمل وقبولو للوضع »‪.3‬‬
‫ب‪-‬العدوؿ التّركيبي‪:‬‬
‫كشف ابن قيّم اعبوزية عن علل بديعة ُب اختيار بعض األساليب النّحويّة دوف البعض اآلخر‬
‫ربوؿ ُب‬
‫قل أو صغر ينتج عنو ّ‬ ‫كل تغيري مهما ّ‬
‫لكل تركيب من اؼبعاين ما ليس لغريه‪ ،‬وأ ّف ّ‬
‫وبني أ ّف ّ‬‫ّ‬
‫السبلـ ُب االبتداء بالتّحيّة وتأخريه ُب‬
‫ال ّداللة وينقلها من واد إٔب واد‪ ،‬ومنها ربليلو وتفسريه لتقدًن ّ‬
‫الرّد‪.‬‬
‫ّ‬
‫شرع على األحياء واألموات‬ ‫يقوؿ‪« :‬وىنا نكتة بديعة ينبغي التّفطّن ؽبا‪ ،‬وىي أ ّف ال َسبلـ ّ‬
‫بتقدًن اظبو على اؼبسلّم عليهم ألنّو دعاء خبري‪ ،‬واألحسن ُب دعاء اػبري أف يتق ّدـ ال ّدعاء بو على‬

‫‪1‬سورة الحج‪ ،‬اآلية ‪.01‬‬


‫‪2‬بدائع الفوائد‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.26‬‬
‫‪3‬ندوة ال ّدراسات المصطلحيّة‪ " ،‬العدوؿ في بدائع الفوائد البن قيم الجوزية" محمد بوحمدي‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫‪057‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ت إِنوُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َََ‬ ‫ين ِم ْن أ َْم ِر الل ِو َر ْح َم ُ‬


‫ت الل ِو وبػرَكاتُوُ َعلَْي ُكم أ َْىل الْبػ ْي ِ‬ ‫ِ‬
‫اؼبدعو لو كقولو تعأب‪ ﴿:‬قَالُواْ أَتَػ ْع َجب َ‬
‫وح فِي‬ ‫‪2‬‬ ‫ح ِمي ٌد م ِجي ٌد﴾‪ 1‬وقولو تعأب أيضا‪ ﴿:‬سالـ َعلَى إِبػر ِ‬
‫الـ َعلَى نُ ٍ‬ ‫يم﴾ وقولو تعأب أيضا ﴿ َس ٌ‬ ‫اى‬
‫َْ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬
‫صبَػ ْرتُ ْم فَنِ ْع َم عُ ْقبَى الدا ِر﴾‪.4‬‬
‫الـ َعلَْي ُكم بِ َما َ‬
‫ين﴾ ‪ ،‬وقاؿ أيضا‪َ ﴿:‬س ٌ‬
‫‪3‬‬ ‫ِ‬
‫ال َْعالَم َ‬
‫ك‬‫بالشّر فيق ّدـ فيو اؼبدعو عليو على اؼبدعو بو غالبا كقولو تعأب‪َ ﴿ :‬وإِف َعلَْي َ‬ ‫ّأما ال ّدعاء ّ‬
‫ك الل ْعنَةَ إِلَى يَػ ْوِـ الدي ِن ﴾‪.6‬وقولو تعأب‬ ‫ِ‬
‫لَ ْعنَتِي إِلَى يَػ ْوـ الدي ِن ﴾ ‪ ،‬وقولو تعأب أيضا‪َ ﴿ :‬وإِف َعلَْي َ‬
‫‪5‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا‪َ ﴿ :‬وِم َن األَ ْعر ِ‬


‫ص بِ ُك ُم الد َوائَِر َعلَْي ِه ْم َدائَِرةُ الس ْوء َواللوُ‬
‫اب َمن يَػتخ ُذ َما يُنف ُق َم ْغ َرًما َويَػتَػ َرب ُ‬ ‫َ‬
‫يم﴾‪.»7‬‬ ‫س ِم ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫وسر ذلك وا﵁ أعلم أ ّف ُب ال ّدعاء‬ ‫بالسبلـ فيقوؿ‪ّ «:‬‬ ‫ٍبّ يشرح فائدة العدوؿ إٔب االبتداء ّ‬
‫السمع بذكر‬
‫للسمع لفظو فيبدأ ّ‬
‫باػبري ق ّدموا اسم ال ّدعاء ا﵀بوب الّذي تشتهيو األنفس وتطلبو‪ ،‬ويل ّذ ّ‬
‫السرور والفرح‬
‫السمع‪ ،‬فيحصل لو من ّ‬
‫بتصوره فيفتح لو القلب و ّ‬
‫االسم ا﵀بوب اؼبطلوب‪ ،‬ويبدأ القلب ّ‬
‫بالسبلـ‪ ،‬وأما ُب ال ّدعاء عليو ففي تقدًن‬
‫الرتاحم الّذي ىو اؼبقصود ّ‬
‫حاب والتّواد و ّ‬
‫ما يبعث على التّ ّ‬
‫اؼبدعو عليو إيذانا باختصاصو بذلك ال ّدعاء‪ ،‬وأنّو عليو وحده كأنّو قيل لو‪ :‬ىذا عليك وحدؾ ال‬
‫عم بو ال ّداعي كاف‬
‫كل ما ّ‬
‫السامعوف‪ ،‬خببلؼ ال ّدعاء باػبري فإ ّف اؼبطلوب عمومو‪ ،‬و ّ‬
‫يشرتؾ فيو ّ‬
‫أفضل»‪.8‬‬
‫الصرفي‪:‬‬
‫ج‪-‬العدوؿ ّ‬

‫‪1‬سورة ىود‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬


‫الصافّات‪ ،‬اآلية ‪.109‬‬
‫سورة ّ‬
‫‪2‬‬

‫الصافّات‪ ،‬اآلية ‪.79‬‬


‫سورة ّ‬
‫‪3‬‬

‫الرعد‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬


‫سورة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬سورة ص‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬


‫‪6‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬
‫‪7‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.98‬‬
‫‪ 8‬بدائع الفوائد‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.200‬‬
‫‪055‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫وضح أ ّف للّفظة القرآنية‬


‫الصرؼ وقضاياه‪،‬ف ّ‬
‫ناقش ابن قيّم اعبوزية عدوال يبت بصلة إٔب ّ‬
‫السماء‪،‬والظّلمات‬‫شّت كاإلفراد والتّثنية واعبمع والتّعريف والتّنكري‪ ،‬ومثاؽبا األرض و ّ‬
‫الواحدة عوارض ّ‬
‫كل‬
‫اغبق وسبل الباطل‪ ،‬ووٕب اؼبؤمنني وأولياء الكافرين‪ ،‬وقد الحظ ُب ّ‬ ‫والنّور واؼبشرؽ واؼبغرب‪ ،‬وسبيل ّ‬
‫ما أتى بو من القرائن أنّو ال يعدؿ عن جهة إٔب جهة إالّ التماسا ؼبعىن ما‪ ،‬ومن ذلك إفراده للفظة‬
‫اغبق فقد أفردت النّور‬
‫النّور وصبعو للظّلمات « ؼبا كانت الظّلمة دبنزلة طرؽ الباطل والنّور دبنزلة طريق ّ‬
‫وصبعت الظّلمات وعلى ىذا جاء قولو‪﴿:‬الل ُهولِ ُّي ال ِذين آمنُوا ي ْخ ِرج ُهم ِمن الظُّلُم ِ‬
‫ات إِلَى النُّوِر ۖ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اب النا ِر ۖ‬
‫َص َح ُ‬‫كأ ْ‬‫ات ۖ أُوَٰلَئِ َ‬
‫وت ي ْخ ِرجونَػ ُهم ِمن النُّوِر إِلَى الظُّلُم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا أ َْوليَا ُؤ ُى ُم الطاغُ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬
‫َوالذ َ‬
‫وٕب الّذين آمنوا وىو ا﵁ الواحد األحد‪ ،‬وصبع الّذين كفروا لتع ّددىم‬
‫ّ‬ ‫د‬‫فوح‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫ُى ْم فِ َيها َخالِ ُدو َف﴾‬
‫اغبق وطريقو‬
‫ووحد النّور وىو دينو ّ‬
‫وكثرّتم‪ ،‬وصبع الظّلمات وطرؽ الظّبلؿ والغىن لكثرّتا واختبلفها‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫اؼبستقيم الّذي ال طريق إليو سواه»‪.‬‬
‫ص القرآين مبيّنا صبالياتو‬
‫وىكذا يبضي ابن قيم اعبوزية ُب توضيح أنبّية العدوؿ من خبلؿ النّ ّ‬
‫وتتغري من لفظة إٔب أخرى‬ ‫وتفرده من حيث األسلوب والببلغة واختبلؼ اؼبعاين ودالالّتا الّيت تتج ّدد ّ‬
‫ّ‬
‫السياؽ يقوؿ‪ «:‬وانظر إٔب أسرار الكتاب وعجائبو وموارد ألفاظو صبعا وإفرادا وتقديبا‬ ‫ُب إطار فاعلية ّ‬
‫‪3‬‬
‫وتأخريا إٔب غري ذلك من أسراره‪ ،‬فللّو اغبمد واؼبنّة ال وبصي أحد من خلقو تثاء عليو »‪.‬‬
‫وُّذا يُصبح العدوؿ أو االنزياح ُب عُرؼ اللّغويّني والببلغيّني خروج عن اؼبعايري األصلية للّغة‬
‫بانتهاؾ نظاـ قواعدىا واالكبراؼ عن أمباطها وأعرافها وتقاليدىا دبا يسمح بتفجري طاقات اإلوباء‬
‫والتّعبري‪ ،‬ذلك أ ّف سعة اؼبعىن وتأثّره باؼبؤثّرات النّفسيّة واؼبقاميّة‪ ،‬ووضوح حقائقو وتعقيداتو يتطلّب‬
‫عرب عنها تعبريا تعجز عنو اللّغة ُب مستواىا‬
‫الرسالة الّيت يرسلها اؼببدع ويُ ّ‬
‫نظاما لغويا مرنا يستوعب ّ‬
‫السائد‪.‬‬
‫النّمطي ّ‬

‫‪1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.257‬‬


‫‪2‬بدائع الفوائد‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.146‬‬
‫‪3‬بدائع الفوائد‪ ،‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.142‬‬
‫‪059‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫تصور‬
‫وربوؿ الكبلـ فبّا كاف عليو ُب مألوؼ ّ‬‫فالعدوؿ على ىذا حركية فاعلة تفيد انتقاؿ ّ‬
‫السحر‪ ،‬وىذا التعبري رحلة كبو الكشف عن بنيات غائبة ال تُ ْدرؾ من‬
‫السامع إٔب انتظاـ جديد غايتو ّ‬
‫ّ‬
‫للصياغة‬
‫ظاىر اػبطاب‪ ،‬ولكنّها تستنبط باؼبقاربة‪ ،‬حني ذبد اللّغة نفسها ُب اؼبفرتؽ الّذي يكفل ّ‬
‫إوباءات تشكيلية ال يبكن تقديرىا‪.‬‬
‫لعل ىذا ما‬
‫ويتم ىذا التّشكيل اللّغوي عرب األسلوب الّذي يُوصف بأنّو انزياح عن اؼبعيار‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫يتحرؾ ُب حدودىا‪ ،‬وىي حرية شديدة التّ ّنوع ترتبط‬
‫اغبرية الّيت يستطيع اؼببدع أف ّ‬
‫يَطرح مبلغ ومدى ّ‬
‫وترو لذلك كانت ظباتو صبالية بامتياز‪.‬‬
‫أساسا بالبنية والقصد‪ ،‬إذ العدوؿ اختيار متعمد مدروس بعناية ّ‬

‫ثالثا‪ :‬مفهوم االنزياح في الدّراسات الغربية الحديثة‪:‬‬


‫دبهمة رصد اؼبظاىر اعبمالية واإلبداعية ُب اللّغة األدبيّة‪ ،‬حبثا عن‬
‫تضطلع النّظرية األسلوبية ّ‬
‫تفردىا وسبيّزىا‪ ،‬وتبياف العبلقات اػبفيّة القائمة على‬
‫اػباصة الّيت تُكسب العناصر اللّغوية ّ‬
‫ّ‬ ‫السمات‬
‫ّ‬
‫ص بالنّزوع عن اؽبيكل اللّغوي اؼبألوؼ‪،‬‬ ‫مبدأ اؼبشاكلة واالختبلؼ‪ ،‬وكشف مبلؿبها ُب تشكيل النّ ّ‬
‫ويتح ّقق ىذا التّشكيل البلمألوؼ باالنزياح األسلويب الّذي يش ّكل قاعدة أساسية وجوىرية ُب‬
‫ال ّدراسات األسلوبية ذلك أ ّف األسلوب اكبراؼ عن لغة اؼبواضعة باعتباره مبطا متميّزا عنها « فإذا‬
‫األوٕب ‪ ،‬فإ ّف ال ّدراسة اللّغوية لؤلسلوب تبحث عن كيفيات ىذا‬
‫كانت لغة اؼبواضعة ىي اؼبعيار ّ‬
‫لب ال ّدراسات األسلوبية الّيت تكشف عن طبيعة ىذا‬
‫خاصا بو يكوف ىو ّ‬
‫وتؤسس درسا ّ‬
‫االكبراؼ‪ّ ،‬‬
‫التّباين واالكبراؼ »‪.1‬‬
‫الصلة ُب أحباثها بني‬
‫وقد ش ّكلت ىذه النّظرة لؤلسلوب ؿبور ال ّدراسات الغربية الّيت وثّقت ّ‬
‫كل عمل مكتوب‪،‬‬ ‫األسلوب واالنزياح انطبلقا من مقولة فالريي ‪Valery‬عن االنزياح إذ يقوؿ‪ «:‬إ ّف ّ‬
‫كل إنتاج من منتجات اللّغة وبوي آثارا أو عناصر فبيّزة‪ ،‬ؽبا خصائص سوؼ ندرسها‪ ،‬وسأطلق‬ ‫و ّ‬
‫الشعريّة‪ ،‬فعندما ينحرؼ الكبلـ اكبرافا معيّنا عن التّعبري اؼبباشر؛ أي‬
‫عليها مؤقّتا وصف اػبصائص ّ‬
‫ؤدي بنا ىذا االكبراؼ إٔب االنتباه بشكل ما إٔب دينا إٔب دنيا‬
‫أقل طرؽ التّعبري حساسيّة‪ ،‬وعندما يُ ّ‬
‫عن ّ‬
‫‪ 1‬الجامعة اإلسالمية(مجلّة)‪"،‬مقاربة أسلوبية لشعر عز ال ّدين مناصرة ديواف جفرا نموذجا"‪ ،‬يوسف رزقة‪ ،‬المجلد ‪ ،10‬العدد‪ ،02‬سنة‬
‫غزة‪ ،‬فلسطين‪ ،‬ص‪.334‬‬
‫(‪2002‬ـ)‪ّ ،‬‬
‫‪091‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫الرقعة الف ّذة‪ ،‬ونشعر‬


‫من العبلقات اؼبتميّزة عن الواقع العملي اػبالص‪ ،‬فإنّنا نرى إمكانية توسيع ىذه ّ‬
‫‪1‬‬
‫مو »‪.‬‬
‫طور والنّ ّ‬
‫بأنّنا وضعنا يدنا على معدف كرًن نابض باغبياة قد يكوف قادرا على التّ ّ‬
‫وعلى ىذا األساس اعترب االنزياح منهجا قادرا على خلق مستويات داللية وصبالية وإببلغية‬
‫األوٕب حبثا عن التّأثري والتّشويق‪ ،‬فهو –كما يُشري‪" -‬معدف كرًن نابض‬
‫تتجاوز اؼبستوى الوضعي ّ‬
‫تنوع ال حدود لو فهو «منهجية‬
‫باغبياة" من حيث أنّو ّنج موصل إلنتاج قيم داللية تكشف عن ّ‬
‫‪2‬‬
‫لتشكيل اللّغة صباليا وفق اخرتاؽ اؼبألوؼ»‪.‬‬
‫وقد خلق فالريي من خبلؿ نظرتو تلك أجواء واسعة للبحث واالستقصاء‪ ،‬حيث نقل جوف‬
‫الشعر لغة داخل لغة‪ ،‬ونظاـ لغوي جديد ينبّن على‬
‫كوىن"‪ "Jean cohen‬عبارة عميقة وىي « أ ّف ّ‬
‫أنقاض من القدًن‪ ،‬وبو يتش ّكل مبط من ال ّداللة جديد وسبيل ذلك ىو البلّمعقولية‪ ،‬إذ ّأّنا ىي‬
‫للشاعر أف يعربىا إذا ما كاف يرغب ُب أف وبمل اللّغة على أف تقوؿ ما ال‬
‫الطّريق اغبتميّة الّيت ينبغي ّ‬
‫يبكن أف تقولو بالطّرؽ العادية أبدا »‪.3‬‬
‫تتحوؿ من شكلها النّمطي اؼبعقوؿ إٔب شكل‬ ‫فاؼبفتاح التّفسريي للّغة ىو اللّغة نفسها‪ ،‬حيث ّ‬
‫مغاير ال معقوؿ ِ‬
‫لتكسر التّوقّع وتُكسب الكبلـ جاذبية وصباال ال يُكتسب بالطّرؽ العادية اؼبألوفة‪.‬‬
‫وزبطّت مقولة فالريي (‪ُ )Valery‬ب االنزياح صاحبها لتصبح عامبل مشرتكا ُب كثري من‬
‫وجهات اؼبنهجيّة اؼبختلفة واؼبدارس النّقديّة‪.‬‬
‫التّ ّ‬
‫وعمق فكرة االنزياح الباحث ليوسبيتزر حيث عمد –كما‬
‫وجو ّ‬ ‫لعل ّأو ؿ من ابتدأ ىذا التّ ّ‬
‫و ّ‬
‫ط ربت العبارات الّيت‬
‫للرويات الفرنسية اغبديثة إٔب وضع خ ّ‬
‫يقوؿ عن نفسو‪ُ -‬ب أوقات مطالعتو ّ‬
‫الشائع‪ٍ ،‬بّ وجد بعد اؼبقارنة بني معظم ىذه‬
‫لفتت انتباىو‪ ،‬وبدت منزاحة انزياحا بيّنا عن االستعماؿ ّ‬
‫العبارات نوعا من التّبلقي‪ ،‬ومن ٍبّ فقد راح يبحث عن أصل روحي ونفسي مشرتؾ ؽبذه االنزياحات‬
‫ُب نفس الكاتب‪.‬‬

‫الرؤيا اإلبداعية‪ ،‬ىاسكل بلوؾ‪ ،‬ىيرماف سالنجر‪ ،‬ترجمة أسعد حليم‪ ،‬مكتبة النّهضة‪ ،‬مصر‪1966( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬

‫صي وفرادة التشكيل" عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص‪.253‬‬


‫اللّغة العربية األردنيّة(مجلّة) ‪ ،‬مقاؿ بعنواف "التّماسك النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ترجمة محمد الولي ومحمد العمري‪ ،‬دار توبقاؿ للنّشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1986(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪090‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ويقوـ عمل ليوسبيتزر حوؿ االنزياح على مراحل ىي‪:‬‬


‫الشائع‪.‬‬
‫‪ -0‬العثور على االنزياح ُب األسلوب قياسا على االستعماؿ ّ‬
‫‪ -3‬تقديره واعتباره ظبة فبيّزة‬
‫‪ -2‬اؼببلءمة بينو وبني روح األثر األديب‪.‬‬
‫‪ -1‬استنباط اػبصائص الفردية للعبقرية اؼببدعة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عامة من نزعات العصر‪.‬‬
‫‪ -5‬ربديد نزعة ّ‬
‫اػباصة للكاتب تتأتّى من حركة انتقاؿ النّاقد من الوقائع اللّسانية إٔب‬
‫ّ‬ ‫السمات‬
‫فاستقراء ّ‬
‫السطح إٔب العمق‪ « ،‬فاالكبراؼ األسلويب الفردي عن ّنج‬ ‫اغباالت النّفسية؛ دبعىن االنتقاؿ من ّ‬
‫‪2‬‬
‫تصور‬
‫ربوؿ ُب نفسية العصر » ‪ ،‬كما أ ّف « التّجربة ال ّداخلية للكاتب ّ‬
‫قياسي الب ّد وأف يكشف عن ّ‬
‫عما وبدث فيو»‪.3‬‬
‫العصر أو تنبئ ّ‬
‫اػباصية‬
‫ّ‬ ‫ومن ىنا سعى ىذا الباحث إٔب ّازباذ مفهوـ االنزياح سبيبل ُب معاعبة وربديد‬
‫األسلوبية‪ ،‬ليكشف عن كثافة عمقها ودرجة قباعتها ُب استثمار الطّاقات الكامنة ُب الوجو اؼبرصود‬
‫اػبفي من اللّغة‪.‬‬
‫أو ّ‬
‫مربر ما كاف‬
‫فعرفو بأنّو «غبن ّ‬
‫ّأما تودوروؼ فقد نظر لؤلسلوب اعتمادا على مبدأ االنزياح ّ‬
‫‪4‬‬
‫يوجد لو أ ّف اللّغة األدبية كانت تطبيقا كلّيّا لؤلشكاؿ النّحويّة األؤب »‪.‬‬
‫فاالنزياح ُب نظره غبن مربّر‪ ،‬إذ يتجاوز النّحو كبو البلّكبو فيضيء طاقة اللّغة ُب التّشكيل‬
‫صي ليزخر باغبيوية وصوال إٔب البىن التّأثريية‪ ،‬لذلك ّقرر أ ّف االستعماؿ اللّغوي ؿبصور ُب ثبلثة‬
‫النّ ّ‬
‫أضرب من اؼبمارسات وىي‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -0‬اؼبستوى النّحوي‪.‬‬
‫‪ -3‬اؼبستوى البلّكبوي‪.‬‬

‫محمد ويس‪ ،‬ص‪.88‬‬


‫‪1‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد ّ‬
‫‪2‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫محمد ويس‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪3‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد ّ‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫األسلوببة واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪093‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫‪ -2‬اؼبستوى اؼبرفوض‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫يتصرؼ فيو‪.‬‬
‫وُيبثّل اؼبستوى الثّاين بالنّسبة لتودوروؼ أروبية اللّغة ُب ما يَ َس ُع اإلنساف أف ّ‬
‫الروسيّة اىتماما بالغا باالنزياح ُب اللّغة األدبية‪ ،‬فاألدب بالنّسبة إليها‬
‫الشكبلنية ّ‬
‫وتوٕب ّ‬
‫وربوؿ عن استخداـ اللّغة استخداما منطقيّا‬‫«استخداـ خاص للّغة‪ ،‬وىو اكبراؼ عن اللّغة العاديّة ّ‬
‫وتقليديا إٔب استخداـ قائم على ا﵀اكاة واأليقونية »‪.2‬‬
‫كل ما ىو مألوؼ‬
‫الروس نظرّتم إذ استبعدوا ّ‬ ‫الشكبلنيوف ّ‬
‫ىذه القاعدة ىي الّيت بىن عليها ّ‬
‫سمى دببدأ التّغريب‪ ،‬وىو مفهوـ ظهر عند ناقد‬
‫وتقليدي من اللّغة األدبية‪ ،‬ورّكزوا اىتمامهم على ما يُ ّ‬
‫من ن ّقاد ىذه اؼبدرسة وىو "شكلوفسكي"(‪ )0951-0592‬حيث يرى أ ّف ‪:‬‬
‫حاسة اغبياة والتّجربة ووبملنا‬
‫الفن إذ ينزع األلفة عن األشياء وقد غدت مألوفة تنعش فينا ّ‬
‫« ّ‬
‫‪3‬‬
‫على تل ّقي األشياء تلقيا جديدا »‪.‬‬
‫للشيء اؼبعتاد إٔب أمر غريب يػُ َق ّدـ‬
‫الشعرية ربويل ّ‬
‫الصورة ّ‬
‫االذباه ّ‬
‫لذلك اعترب الباحثوف ُب ىذا ّ‬
‫ربت ضوء جديد‪ ،‬ويوضع ُب سياؽ غري متوقّع حبيث ىبلق اؼبفاجأة والغرابة ُب ذىن اؼبتل ّقي‪.‬‬
‫الصورة منزاحة وصعبة‬
‫الصورة ىي جعل ّ‬
‫الشعر اؼبتوفّرة على ىذه ّ‬
‫ومن ىنا أصبحت وظيفة ّ‬
‫الشعر إٔب لغة غريبة‬
‫تتحوؿ ُب ّ‬
‫ومتشعبة ُب تصاريف األداء اللّغوي فاللّغة اليومية – حسب رأيهم – ّ‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫للشعر‪.‬‬
‫الشكلي ّ‬
‫ّإما صوتيا أو معجميا أو دالليا وىذا ىو األساس ّ‬
‫الشكبلنيني‪ُ -‬ب البحث عن اللّغة‬
‫ويغوص "موكاروفسكي"(‪- )Mukarovesky‬وىو من ّ‬
‫الشعرية عن اللّغة اؼبعيارية ىي اكبرافها عن‬
‫السمة الّيت سبيّزاللّغة ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬لينتهي إٔب أ ّف ّ‬
‫اؼبعيارية واللّغة ّ‬
‫الشعرية‬
‫الضرائر ّ‬
‫خاص وصيغ كبوية ظبّاىا ّ‬
‫عما سبتاز بو من معجم ّ‬
‫قانوناللّغة اؼبعيارية وخرقها لو فضبل ّ‬
‫‪5‬‬
‫‪.Poetisms‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.82‬‬


‫يُنظر‪ :‬األسلوببة واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫محمد ويس‪ ،‬ص ‪.92‬‬


‫االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد ّ‬
‫‪2‬‬

‫محمد ويس‪ ،‬ص‪.93‬‬


‫االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد ّ‬
‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬ ‫‪4‬‬

‫شعرية" ترجمة ألفت كماؿ الروبي ‪ ،‬المجلد ‪ ،05‬العدد‪1988( ،01‬ـ)‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫ينظر‪ :‬فصوؿ (مجلة)‪ " ،‬اللّغة المعيارية واللّغة ال ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪092‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫ويقوؿ‪ « :‬إ ّف انتهاؾ قانوف اللّغة اؼبعيارية – االنتهاؾ اؼبنظّم‪ -‬ىو الّذي هبعل االستخداـ‬
‫الشعر‪ ،‬وكلّما كاف قانوف اللّغة اؼبعيارية أكثر ثباتا‬
‫الشعري للّغة فبكنا ومن دوف ىذا االمكاف لن يوجد ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر ُب تلك اللّغة‪،‬ومن ناحية أخرى‬
‫تنوعا‪ ،‬ومن ٍبّ كثرت إمكانيات ّ‬
‫ُب لغة ما كاف انتهاكو أكثر ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشعر»‪.‬‬
‫تقل إمكانات ّ‬
‫قل الوعي ُّذا القانوف قلّت إمكانيات االنتهاؾ ومن ٍبّ ّ‬
‫كلّما ّ‬
‫الشعر وهبعلو ضرورة لوجوده فثبات قانوف اللّغة اؼبعيارية ىو ما‬
‫يربط الباحث بني االنزياح و ّ‬
‫وتنوعو؛ حيث يسمح ىذا الثّبات دبعرفة أصوؿ اللّغة وقوانينها‪ ،‬بنحتها وتركيبها‬ ‫ُوب ّدد درجة االنزياح ّ‬
‫وفق ذباوزات صياغية فريدة تظهر إمكانياّتا اػبفيّة وأسرارىا العجيبة‪.‬‬
‫ونُرصد مفهوما لبلنزياح لشكبلين آخر وىو "روماف جاكبسوف" من خبلؿ ربديده لؤلسلوب‬
‫‪2‬‬
‫الرأي لغة‬
‫حبق الكبلـ العادي » ‪ ،‬فاألسلوب وفق ىذا ّ‬ ‫إذ يقوؿ‪« :‬األسلوب عنف منظّم مقرتؼ ّ‬
‫خاصة تتّصف بتشويو مقصود اللّغة العاديّة عن طريق العنف اؼبنظّم‪ ،‬وقد أ ّكد ىذا الكبلـ ُب تعريفو‬
‫ّ‬
‫الفّن من بقية مستويات اػبطاب ّأوال‬
‫عما يتميّز بو الكبلـ ّ‬
‫لؤلسلوبية أيضا حيث قاؿ ّأّنا‪ « :‬حبث ّ‬
‫‪3‬‬
‫ومن سائر أصناؼ الفنوف اإلنسانية ثانيا»‪.‬‬
‫تقصي العبلقات البنائية‬
‫خاص بُغية ّ‬
‫الفّن بشكل ّ‬
‫إذ رباوؿ ارتياد أش ّد اؼبناطق إخفاءً ُب العمل ّ‬
‫وذبلية أسرارىا اإلببلغية واعبمالية‪ ،‬وال تنبّن ىذه األسرار واػبفايا إالّ باالنزياح اؼبتمظهر عرب‬
‫خصوصية التّشكيل‪ ،‬وقد حاوؿ التّدقيق أكثر ُب بلورة مفهوـ االنزياح ونعتو" خبيبة االنتظار" من باب‬
‫الشيء دبا يتولّد عنو‪ ،‬ووبيل ىذا التّعريف على عنصر اؼبفاجأة الّيت تتّضح خبروج الكبلـ عن‬
‫تسمية ّ‬
‫اؼبألوؼ‪.‬‬
‫قارا يتمثّل ُب أ ّف اغبدث اللّساين ىو تركيب عمليتني‬
‫استغل "جاكبسوف" معطى لسانيا ّ‬
‫ّ‬ ‫ولقد‬
‫الرصيد اؼبعجمي‬
‫الزمن ومتطابقتني ُب الوظيفة ونبا اختيار اؼبتكلّم ألدواتو التّعبريية من ّ‬
‫متواليتني ُب ّ‬

‫نفسو‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد ويس‪ ،‬ص ‪.97‬‬


‫االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد ّ‬
‫‪2‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪091‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫صرؼ ُب االستعماؿ‬
‫للّغة ٍبّ تركيبو ؽبا تركيبا تقتضي بعضو قوانني النّحو وتسمح ببعضو اآلخر سبل التّ ّ‬
‫وىنا وبدث االنزياح‪.‬‬
‫تصب ُب سياؽ دالٕب واحد ىو‬
‫الشكبلنيّني ّ‬ ‫ويبدو واضحا أ ّف مفاىيم االنزياح لدى بعض ّ‬
‫حوؿ‪ ،‬وبني ا﵀افظة على اؼبعيار‬
‫مستمرا بني الثّبات والتّ ّ‬
‫ّ‬ ‫الشعري يعيش ذباذبا‬
‫القوؿ بأ ّف اػبطاب ّ‬
‫الشعريّة كنوع لغوي يزداد ابتعادا عن اللّغة اؼبعيارية‪ ،‬وإف كانت ىذه‬
‫وخرقو‪ ،‬حيث تتح ّقق اللّغة ّ‬
‫اؼبتعمد‬
‫األخرية ‪ -‬حبسب ىؤالء‪ -‬اػبلفية األساسية للّغة الّيت ينعكس عليها التّعريف اعبمإب ّ‬
‫للمكونات اللّغوية لئلبداع‪.‬‬
‫ّ‬
‫اػباصة بالقوؿ اعبمإب‪ ،‬ىو أنّو يكسر نظاـ‬
‫أىم العناصر ّ‬
‫ّأما ن ّقاد البنيوية فقد أصبعوا على أ ّف ّ‬
‫اإلمكانات اللّغوية الّذي يهدؼ إٔب نقل اؼبعاين العادية‪1.‬وقد احتضن ىذا ّ‬
‫االذباه اللّغة األدبية‬
‫باعتبارىا اكبرافا‪.‬‬
‫وقد حاوؿ "تشومسكي" بدوره ربط النّحو التّوليدي التحويلي بأسلوبية االنزياح من مبدأ‬
‫السامع واؼبتكلّم‪ ،‬بَػْي َد أنّو الحظ أنّو‬
‫مفاده أنّو ينبغي للجملة أف توافق القواعد النّحوية وأف تقبلها أذف ّ‬
‫ُيبكن أف تُوافق اعبملة قواعد النّحو‪ ،‬لكنّها تبدو غري مفهومة معنويّا بسبب من اختبلؿ العبلقات وقد‬
‫الشهري‪ « :‬إف أفكارا خضراء عديبة اللّوف تناـ بعنف »‪.2‬‬
‫أوضح ذلك دبثالو ّ‬
‫فاعبملة صحيحة كبويّا ونظما لكنّها مع ّقدة من حيث داللتها اإلببلغية‪ ،‬فكيف يُسند النّوـ‬
‫واللّوف والعنف لؤلفكار؟‬
‫واتّضح بعد مناقشات واسعة حوؿ ىذه اعبملة إٔب ّأّنا ُخّرجت عن القواعد ال ّداللية‪ ،‬وىي قد‬
‫تُػ َؤَوؿ وتُفهم ولكنّها من منظور دراسات النّحو التّوليدي التّحويلي خارجة على قواعد النّحو وال ّداللة‪،‬‬
‫الشذوذ وميّز بني ثبلثة أنواع من‬
‫وىو ما دفع "تشومسكي" إٔب القبوؿ بوجود درجات ـبتلفة من ّ‬
‫االكبراؼ‪:‬‬
‫عندما تنتهك مرتبة معجمية‪.‬‬ ‫‪-0‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬نظرية البنائية في النّقد األدبي‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬مكتبة االنجلو مصرية ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1980(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.375‬‬
‫محمد ويس‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أحمد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪095‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫متفرع عن مرتبة صارمة‪.‬‬


‫عندما توجد ُمشكلة مع ملمح ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫‪1‬‬
‫عندما تؤثّر اللّغة اؼبنحرفة على قواعد التّحديد االختيارية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وقد استفادت أسلوبية االنزياح من ىذه النّظرة للنّحو التّوليدي من « باب اؼبفارقة بني البنية‬
‫‪2‬‬
‫السطحيّة بأ ّّنا غري كبويّة»‪.‬‬
‫خاصة ُب اغباالت الّيت توصف فيها البنية ّ‬
‫السطحيّة والبنية العميقة ّ‬
‫ّ‬
‫تطورا جذريا على يد "ريفاتري" إذ استخلص منو مقولة‬ ‫تطور مفهوـ االنزياح األسلويب ّ‬‫وقد ّ‬
‫‪3‬‬
‫ص تتح ّدد بتوإب العناصر اؼبرسومة‬
‫ّ‬ ‫للن‬
‫ّ‬ ‫األسلوبية‬ ‫البنية‬ ‫«‬ ‫‪:‬‬‫ف‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫اؼبصطلح‬ ‫ُّذا‬ ‫اؼبقصود‬
‫و‬ ‫التّضاد البنيوي‬
‫‪4‬‬
‫اؼبضاد لو الّذي ال ينفصل عنو»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السياؽ واإلجراء‬
‫ُب مقابل غري اؼبرسومة ُب ؾبموعات ثنائية سبثّل ّ‬
‫ويشري ىذا التّحديد ؼبفهوـ التّضاد البنيوي عند ريفاتري إٔب االنزياح الذي يبثّل بالنّسبة لو‬
‫الصيغ حينا آخر‪ 5.‬فقيمة ىذا التّضاد الّذي يش ّكلو‬‫خروجا عن القواعد حينا وعبوءا إٔب ما ندر من ّ‬
‫االنزياح يكمن ُب نظاـ العبلقات الذي يُقيمو بني عنصرين متقابلني‪ ،‬ويذكر اؼبس ّدي أ ّف ريفاتري «‬
‫وجو إٔب مفهوـ االنزياح من مطاعن سبثّلت ُب ربديد معيار التّعبري الذي ينزاح عنو‬
‫حاوؿ تدارؾ ما ّ‬
‫ص‬
‫السياؽ األسلويب‪ ،‬فيكوف مفهوـ النّمط العادي مرتبطا ُّيكل النّ ّ‬
‫األسلوب‪ ،‬فكاف أف اقرتح مفهوـ ّ‬
‫الصيغ تربز ُب مستويني اثنني‪ :‬أحدنبا يبثّل‬
‫ص من حيث العبارات و ّ‬
‫اؼبدروس‪ ،‬ومعىن ذلك أ ّف بنية النّ ّ‬
‫‪6‬‬
‫النّسيج الطّبيعي وثانيهما يزدوج معو‪ ،‬ويبثّل مقدار اػبروج عن ح ّده »‪.‬‬
‫ويُفهم من ىذا التّحديد أ ّف االنزياح وبصل ضمن اغبدث األسلويب الّذي يقوـ على عنصرين‬
‫همني نبا‪:‬‬
‫ُم ّ‬
‫السياؽ‪.‬‬
‫بنية لغوية يبثّلها ّ‬ ‫‪-1‬‬

‫التّضاد القاطع لنسقو العادي بعنصر غري متوقّع‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫شعر العربي المعاصر"‪ ،‬محمد صالح فضل‪ ،‬المجلد ‪ 22‬العدد‪1994( ،03‬ـ)‪ ،‬المجلس‬
‫تصور كلّي ألساليب ال ّ‬
‫عالم الفكر(مجلة) ‪" ،‬نحو ّ‬
‫‪1‬‬

‫الوطني للثقافة والفنوف‪ ،‬الكويت‪ ،‬ص‪.79‬‬


‫‪2‬نظرية اللّغة في النّقد العربي‪ ،‬راضي عبد الحكيم‪ ،‬ص‪.489‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫‪4‬نفسو ص‪215‬‬
‫الرؤية والتّطبيق‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫ينظر‪ :‬األسلوبية ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪6‬األسلوبية و األسلوب عبد السالـ المسدي‪ ،‬ص‪82‬‬


‫‪092‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫السائد أ ّف‬
‫ويعترب " ريفاتري" االكبراؼ حيلة مقصودة عبلب انتباه القارئ‪ ،‬وكاف االعتقاد ّ‬
‫نسيب‪ ،‬وال يب ّكن ال ّدارس من مقياس‬
‫النّمط العادي ُوب ّدده االستعماؿ غري أ ّف مفهوـ االستعماؿ نفسو ّ‬
‫السياؽ األسلويب" وقد‬
‫سميو" ّ‬
‫موضوعي صحيح‪ ،‬فيقرتح ريفاتري تقويض مفهوـ االستعماؿ دبا يُ ّ‬
‫تبني لو أ ّف طريقة القارئ العمدةتكفي الكتشاؼ‬
‫استقرت عنده فكرة االكبراؼ ال ّداخلي بعد أف ّ‬
‫ّ‬
‫االكبراؼ‪.‬‬
‫حيث‬ ‫‪)Jean Cohen‬؛‬ ‫هما على يد جاف كوىن (‬ ‫تطورا ُم ّ‬
‫وقد اكتسب مفهوـ االنزياح ّ‬
‫الشعر‪ ،‬وقد انبنت نظرية االنزياح عند ىذا الباحث من خبلؿ كتابو "بنية‬
‫اعتربه مسألة جوىرية ُب لغة ّ‬
‫الشعرية " على ثنائية (اؼبعيار‪ /‬االنزياح) ونبا مصطلحاف مرتبطاف بشكل واضح باألسلوبية‪ ،‬و‬
‫اللّغة ّ‬
‫الشعرية دبوضوعها‬
‫يزود ّ‬
‫ُب دراستو تلك يعتقد أ ّف االنزياح ىو « خرؽ لقانوف اللّغة‪ ،‬وىو وحده الّذي ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصورة الببلغية الّيت عرفتها الببلغة منذ القدًن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫ياح‬
‫ز‬ ‫االن‬ ‫بني‬ ‫ىذا‬ ‫يفو‬
‫ر‬ ‫تع‬ ‫ُب‬ ‫بط‬
‫ر‬ ‫وقد‬ ‫اغبقيقي »‪.‬‬
‫ؾبرد زخرؼ زائد‪ ،‬بل إ ّّنا‬‫فالصور الببلغية ُب رأيو ليست ّ‬
‫حيث اعتربىا انزياحات لغوية ّ‬
‫الشعرية الّيت ُىبفيها العآب‪ ،‬تلك‬
‫تفك إسار اغبمولة ّ‬
‫الشعري نفسو‪ ،‬فهي الّيت ّ‬
‫الفن ّ‬
‫تكوف جوىر ّ‬
‫« ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصفر ُب األسلوب‪.‬‬
‫اغبمولة الّيت وبتفظ ُّا النّثر » ‪ .‬الّذي يُع ّد بالنّسبة إليو ال ّدرجة ّ‬
‫الصور الببلغية ودراستها ُب ضوء اؼبعرفة اللّسانية اغبديثة‪ ،‬وىو‬
‫لعل ىذه ؿباولة منو إلحياء ّ‬
‫و ّ‬
‫الشعرية باعتبارىا اكبرافا عن‬
‫الشعر عن لغة النّثر بتشخيصو للّغة ّ‬
‫لح على فصل لغة ّ‬ ‫ُب حبثو ذلك يُ ّ‬
‫فكل صورة زبرؽ قاعدة من قواعد اللّغة أو‬
‫فالشعر عنده انزياح عن معيار ىو قانوف اللّغة‪ّ ،‬‬
‫الكبلـ‪ّ ،‬‬
‫مبدأ من مبادئها‪ ،‬إالّ أ ّف ىذا االنزياح ال يكوف شعريا إالّ إذا كاف ؿبكوما بقانوف هبعلو ـبتلفا عن غري‬
‫اؼبعقوؿ‪ ،‬فالباحث ىنا ُوب ّدد مبلمح االنزياح ودرجاتو فيجعلو ؿبكوما بالفهم من خبلؿ التّأويل‪ ،‬وال‬
‫بالشعر إالّ إذا خضع لعملية تصحيح تعيد لو انسجامو ووظيفتو التّواصلية‪ ،‬فالعملية التّفسريية‬
‫يربطو ّ‬
‫الشعر ذاتية من خبلؿ البحث عن اؼببلءمة الكامنة وراء التّباينات‪ ،‬بينما ُب النّثر تكوف اؼببلءمة‬
‫ُب ّ‬
‫عقلية منطقية‪.‬‬

‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫‪1‬بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪097‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫أىم مظاىر االنزياح الّيت تناوؽبا كوىن ُب كتابو‪:‬‬


‫ومن ّ‬
‫الرسالة برتتيب الكلمات حسب مقتضيات قواعدىا‪،‬ويعمل‬
‫‪ -1‬أ ّف اللّغة تعمل على ضماف سبلمة ّ‬
‫الشعر على تشويشها بالتّقدًن والتّأخري‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشعر ىذا اؼببدأ‬
‫بالقوة وىبرؽ ّ‬
‫‪ -2‬تسند اللّغة العادية إٔب األشياء صفات معهودة فيها بالفعل أو ّ‬
‫حني يُسند إٔب األشياء صفات غري معهودة فيها‪.‬‬
‫تفرؽ بني األنواع وسبيّزىا عن أجناسها‪ ،‬ويتّجو‬
‫تعرفها اعتمادا على صفات ّ‬
‫‪ -3‬رب ّدد اللّغة األشياء و ّ‬
‫زبتص باعبنس‪.‬‬
‫بالصفات الّيت ّ‬
‫الشعراء ّاذباىا ىبرؽ ىذه القاعدة‪ ،‬فيعرؼ النّوع وُيبيّزه ّ‬
‫ّ‬
‫الرتابط بعنصر صوٌب ىو‬
‫دعم ىذا ّ‬
‫بالرتابط ال ّدالٕب والنّحوي‪ ،‬وتُ ّ‬
‫‪ -4‬تعمل اللّغة على تقوية اعبمل ّ‬
‫الرتابط بواسطة التّضمني دبعناه الواسع‬
‫الرتصيع على خرؽ ىذا ّ‬
‫الوقفة‪ ،‬ويعمل النّظاـ أو الوزف و ّ‬
‫‪1‬‬
‫واختبلؼ الوقفة ال ّداللية والنّظمية‪.‬‬
‫ص‪،‬‬
‫وضح جاف كوىن بأفكاره التّنظري الفعلي ؼبفهوـ االنزياح ودوره ُب بناء صباليات النّ ّ‬
‫وقد ّ‬
‫فالشاعر بالنّسبة إليو ُيبارس اػبرؽ جبميع أشكالو‪،‬‬
‫الشعرية ومصدرا ػبرؽ القانوف‪ّ ،‬‬ ‫لب اللّغة ّ‬‫فجعلو ّ‬
‫ص األديب‬
‫وتلك ليس ضباقة يُعاقب عليها‪ ،‬وإّمبا ىي ضرورة ُب فبلكة اللّغة ىدفها إشاعة اعبماؿ ُب النّ ّ‬
‫الشعري‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشعر أيضا وحبثت عن النّسق الّذي تنتظم فيو ـبتلف‬
‫اىتمت صباعة "مو" دبسألة انزياح ّ‬
‫ّ‬
‫العامة"؛ حيث حاولت الغوص‬
‫كل ما يكفل تفسري االنزياح‪ ،‬وذلك من خبلؿ كتاُّا "الببلغة ّ‬
‫الصور و ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصفر»‪.‬‬
‫فعرفتو على أنّو « التّحريف اؼبلموس لدرجة ّ‬
‫ُب أعماؽ مفهوـ االنزياح من الوجهة اللّسانية ّ‬
‫والحظوا أ ّف ىذا اؼبفهوـ يطرح مشكلني‪:‬‬
‫ّأوال‪ :‬ىناؾ ربريفات إرادية تستهدؼ إخفاء عجز ألفاظ اللّغة‪.‬‬
‫الصفر على تقسيم االنزياح إٔب قسمني‪:‬‬
‫ثانيا‪ُ :‬هبربنا مفهوـ درجة ّ‬
‫األوؿ‪ :‬يغطّي اؼبسافة الّيت تفصل ال ّذرات ال ّداللية األساس عن اَّموعات اؼبعجمية اؼبهيّئة‪.‬‬
‫القسم ّ‬

‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ص‪.07‬‬


‫ينظر‪ :‬بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬عالمات في النّقد‪(،‬مجلة)"االنزياح المنطقي من منظور جماعة مو"‪ ،‬الحسن بوجالين‪ ،‬المجلّد ‪ ،17‬العدد ‪ ،67‬سنة (‪2008‬ـ)‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫‪095‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫القسم الثّاين‪ :‬يُغطّي اؼبسافة اإلضافية الّيت ًبّ قطعها ُب ؾباؿ لساين بني تلك اؼبهيّئات‬
‫‪1‬‬
‫والوحدات اؼبعجمية اؼبتبناة ّنائيا‪.‬‬
‫والواقع أ ّف صباعة "مو" انطلقت من اؼبنجز ُب الببلغة القديبة‪ ،‬وىو تصنيف ـبتلف صور االنزياح‬
‫يوضح فعالية النّصوص‬
‫وترتيبها‪ ،‬حيث الحظت أ ّف ربايبلت الببلغيني واألسلوبيني ٓب تق ّدـ تفسريا ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬وطرائق اللّغة الّيت سبيّز األدب لذا ح ّددت ىذه اعبماعة األدب كتحويل للّغة ووظّفت نظرية‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫عامة ربلّل تقنيات ربويل اللّغة وربريفها‪.‬‬
‫لتضم ؾبازات اللّغة‪ ،‬لتأسيس ببلغة ّ‬
‫لبلنزياح ّ‬
‫متنوعة حوؿ مفهوـ االنزياح ومدى ارتباطو بالتّفكري اللّغوي‬
‫وتعكس ىذه اآلراء وجهات نظر ّ‬
‫يبهد الطّريق‬
‫ص األديب حسب مناىج مأخوذة من علم اللّغة‪ ،‬وىذا ّ‬
‫أو باألسلوبية الّيت تعترب وصفا للنّ ّ‬
‫نص لغوي ال ُيبكن سرب أغواره دوف ربليل العبلقات اللّغوية الّيت‬
‫ص األديب ّ‬
‫أماـ فرضية تقوؿ‪ « :‬إ ّف النّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫ينطوي عليها »‪.‬‬
‫الرتكيبية للمفردات اللّغوية الّيت ُهب ّسدىا االنزياح عن‬
‫وتتجلّى ىذه العبلقات ُب اإلمكانات ّ‬
‫النّمط اؼبألوؼ ُب األداء دبا فيو من وعي واختيار‪.‬‬

‫رابعا‪:‬االنزياح عند العرب المحدثين‪:‬‬


‫اىتمت ال ّدراسات األسلوبية اغبديثة‪ -‬وكذا ال ّدراسات األسلوبية العربية‪ -‬باالنزياح باعتباره‬
‫ّ‬
‫عنصرا ىاما يبيّز اللّغة األدبية ويبنحها خصوصية وتفردا ُب تشكيل صباليات النّصوص‪ ،‬واالنزياح ىو‬
‫خروج الكبلـ عن النسق أو النمط اؼبثإب ُب اللّغة‪ ،‬ومفهوـ النّمط يفتح اَّاؿ واسعا أماـ تع ّدد‬
‫‪4‬‬
‫ظواىر التّشكيل اللّغوي الّذي تفرزه حرية عملية االختيار ُب اؼبمارسة اللّغويّة‪.،‬‬
‫وسنحاوؿ رصد ظاىرة االنزياح عند بعض ال ّدارسني العرب ا﵀دثني الّذين كانت رؤيتهم‬
‫ؼبفهوـ االنزياح طبقا ؼبا جاء ُب ال ّدراسات األسلوبية واللّسانيات الغربية إذ حاولت ربديد الواقع‬
‫اللّغوي الّذي يُع ّد دبثابة األصل ٍبّ عملية اػبروج عنو‪.‬‬

‫‪1‬عالمات في النّقد‪(،‬مجلة)"االنزياح المنطقي من منظور جماعة مو"‪ ،‬الحسن بوجالين ‪ ،‬ص‪.167‬‬


‫‪2‬ينظر‪ :‬نفسو ‪ ،‬ص‪.165‬‬
‫‪3‬فصوؿ (مجلة) ‪" ،‬األسلوبية الحديثة محاولة تعريف"‪ ،‬محمود عيّاد‪ ،‬المجلّد ‪ ،01‬العدد‪ ،02‬الهيئة المصرية العا ّمة للكتاب‪ ،‬سنة (‪1981‬ـ)‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫الجزار‪ ،‬أتراؾ للطّباعة والنّشر والتّوزيع‪،‬‬
‫ص في شعر الحداثة)‪ ،‬محمد فكري ّ‬
‫لسانيات االختالؼ‪( ،‬الخصائص الجمالية لمستويات بناء النّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫مصر‪ ،‬ط(‪2001‬ـ)‪ ،‬ص‪.104‬‬


‫‪099‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫المسدي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫السالم‬
‫‪ .1‬االنزيئح عند عبد ّ‬
‫السبلـ اؼبس ّدي فينطلق ُب دراستو لبلنزياح من خطابات الغربيني مبيّنا نظرّتم ؽبذه‬ ‫ّأما عبد ّ‬
‫اػباصية اللّغوية ليصل ُب األخري إٔب أ ّف االنزياح يرتبط حبقوؿ التّفكري اللّساين « وصورة ذلك أنّنا قد‬
‫ّ‬
‫مصب جدولني ونقطة تقاطع ؿبورين‪ّ :‬أوؽبما‬‫ّ‬ ‫نبسط فرضية عمل نعترب ُّا أ ّف الظّاىرة اللّغوية ُب ذاّتا‬
‫الزمن‪ ،‬وثانيهما‬
‫األوؿ وىو األصل بال ّذات و ّ‬‫اعبدوؿ النّفعي وىو اعبدوؿ اػبادـ إذ مداره وضع اللّغة ّ‬
‫اعبدوؿ العارض وىو اعبدوؿ اؼبخدوـ إذ ؿبوره وضع اللّغة الطّارئ‪ ،‬ىذاف اؼبظهراف كبلنبا واقع لغوي‬
‫و ّأوؽبما ُمتنَا ِزٌؿ ويبثّل "قضيّة" اؼبوجود اللّغوي كتجسيد ػبصوصية اغبيواف النّاطق والثّاين ُ‬
‫"متعاؿ" وىو‬
‫‪1‬‬
‫"نقيضة" ذلك اؼبوجود »‪.‬‬
‫لعل ما يقصده اؼبس ّدي من"وضع اللّغة الطّارئ " ىو االنزياح الّذي يقوـ على التّجاوز‬‫و ّ‬
‫خاصا‪ ،‬ينبّن على االمتزاج بني النّقائض والقضايا ُب‬
‫أوالتّعإب على وضع اللّغة األصلي ليش ّكل تأليفا ّ‬
‫الضغط والتّنازؿ وال ّدفع اؼبتعإب‪.‬‬
‫ؤسس على صراع بني ّ‬
‫الظّاىرة اللّغوية‪ ،‬ويُ ّ‬
‫قار بني اللّغة واإلنساف؛ إذ يبدو أنّو‬
‫فمفهوـ االنزياح من وجهة نظره تقوـ على « صراع ّ‬
‫بكل طرائقها وؾبموع نواميسها وكلّية إشكاؽبا كمعطى"موضوعي ما ورائي"‪ ،‬وُب‬
‫يلم ّ‬
‫عاجز عن أف ّ‬
‫لكل‬
‫الوقت نفسو‪ ،‬وىو عاجز أيضا عن أف وبفظ اللّغة مشوليا‪ ،‬وىي كذلك عاجزة عن أف تستجيب ّ‬
‫القوة إٔب الفعل »‪2.‬ليصل ُب األخري إٔب أ ّف االنزياح‬
‫كل كوامنو من ّ‬
‫حاجتو ُب نقل ما يُريد نقلو وإبراز ّ‬
‫ىو احتياؿ اإلنساف على اللّغة وعلى نفسو لس ّد قصوره وقصورىا معا‪.‬‬
‫حوؿ "االنزياح" إٔب صراع بني اللّغة ومستعملها حيث ّبني عجزىا‬ ‫وبذلك يكوف اؼبس ّدي قد ّ‬
‫الصمود والبقاء ربت قيودىا‬
‫عن االستجابة النفعاالتو وتعبرياتو وىواجسو من جهة‪ ،‬وعن عجزه عن ّ‬
‫ك طرؽ احتيالية ملتوية‬ ‫حرية إبداعو وتعبرياتو من جهة ثانية‪ ،‬فكاف أف َسلَ َ‬ ‫وقواعدىا الّيت رب ّد من ّ‬
‫متجاوزا معايريىا وقواعدىا وأصوؽبا لينطلق ُب اإلبداع واإلوبائية‪ ،‬وال يتح ّقق ىذا إالّ باالنزياح الّذي‬
‫صرؼ ُب ىياكل اللّغة وداللتها وأشكاؽبا وتراكيبها دبا يسمح باكبراؼ الكبلـ‬ ‫ىو من منظور اؼبس ّدي تَ َ‬
‫عن النّسق اؼبألوؼ‪.‬‬

‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.83‬‬


‫‪1‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪2‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪311‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫وقتلت اعبماعة‪،‬‬ ‫بت ال َق ْوَـ ُ‬ ‫اػباصية األسلوبية فيقوؿ‪ «:‬فأف تقوؿ‪ :‬ك ّذ ُ‬ ‫يوضح ُّا ىذه ّ‬ ‫ويورد أمثلة ّ‬
‫ْكتاب وقَػفيػنَا ِمن بػع ِدهِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫وسى ال َ َ َ ْ‬ ‫خاصية أسلوبية ّأما قوؿ ا﵁ تعأب﴿ َولََق ْد آتَػْيػنَا ُم َ‬ ‫أي ّ‬ ‫فإنّك ال تعمد إٔب ّ‬
‫وؿ بِ َما الَ تَػ ْه َوى‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬ ‫وح الْ ُق ُد ِ‬ ‫الرس ِل وآتَػْيػنَا ِعيسى ابْن مريم الْبػيػنَ ِ‬
‫ات َوأَي ْدنَاهُ بُِر ِ‬ ‫ِ‬
‫س أَفَ ُكل َما َج َ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ‬ ‫ب ُّ ُ َ‬
‫‪1‬‬
‫استَ ْكَبػ ْرتُ ْم فَػ َف ِريقاً َكذبْػتُ ْم َوفَ ِري ًقا تَػ ْقتُػلُو َف﴾ فيحوي انزياحا أو عدوال عن النّمط ّ‬
‫الرتكييب األصلي‬ ‫س ُك ُم ْ‬
‫أَن ُف ُ‬
‫‪2‬‬
‫الضمري العائد عليو ثانيا(فريقا ك ّذبتموه)»‪.‬‬
‫بتقدًن اؼبفعوؿ بو ّأوال واختزاؿ ّ‬

‫‪ .2‬االنزيئح عند مصحمد الهئدي الطّرابمسي‪:‬‬


‫الشوقيات"‪،‬وىو‬
‫تكلّم "ؿبمد اؽبادي الطرابلسي" عن االنزياح ُب دراستو "خصائص األسلوب ُب ّ‬
‫ربوالت اللّغة « ومضاف‬
‫وإف ٓب يذكر مصطلح االنزياح بشكل مباشر إالّ أنّو أومأ إليو من خبلؿ حديثو عن ّ‬
‫ربوال‬
‫اؼبتحوؿ عن اللّغة ُب الكبلـ عديد األشكاؿ‪ ،‬فقد يكوف ّ‬
‫اؼبتحوؿ عن اللّغة‪ ،‬و ّ‬
‫األسلوب ىي ُب اعبانب ّ‬
‫عامة ُب‬
‫حوؿ عن نسبة ّ‬‫عن قاعدة كبويّة أو بنية صرفية أو وجهة معنوية أو ُب تركيب صبلة كما قد يكوف التّ ّ‬
‫خاص يلحق الظّاىرة‬
‫خاصة أو بفقر ّ‬‫استعماؿ الظّاىرة اللّغويّة ُب عصر من العصور‪ ،‬أو يكوف بشحنة داللية ّ‬
‫اللّغويّة ُب نوع من النّصوص دوف آخر‪.3»...‬‬
‫اؼبتحوؿ عن اللّغة والّذي يتّخذ أشكاال‬
‫ّ‬ ‫ُوب ّدد الطّرابلسي ُب قولو رؤيتو لؤلسلوب من جانبو‬
‫ؤدي إٔب االنزياح عن‬
‫لعل ىذا ما يُ ّ‬
‫ص والعبارة والكلمة صوتا وكبوا وداللة وتركيبا‪ ،‬و ّ‬‫عديدة تطاؿ النّ ّ‬
‫اؼبستوى اؼبألوؼ للّغة‪.‬‬
‫اؼبتحوؿ عن اللّغة نوعاف على‬
‫ويواصل " الطرابلسي" حديثو عن االنزياح فيقوؿ‪ «:‬ويستقطب ّ‬
‫ويضم االستعماالت الّيت شاعت ُب كبلـ منشئ من اؼبنشئني‪ ،‬أو ُب‬
‫ّ‬ ‫المتحوؿ والمشترؾ‬
‫ّ‬ ‫األقل‪،‬‬
‫المتحوؿ‬
‫ّ‬ ‫كبلـ عدد من اؼبنشئني‪ُ ،‬ب عصر من العصور أو ُب نوع خاص من أنواع اإلنشاء‪ ،‬و‬
‫الخاصيشمل االستعماالت الّيت تظهر ىنا وىناؾ فيما يكتب الكتاب وينظم ّ‬
‫الشعراء‪ ،‬وال يكوف ؽبا‬ ‫ّ‬

‫‪1‬سورة البقرة‪.87 ،‬‬


‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص‪.125‬‬
‫‪2‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬عبد ّ‬
‫شوقيات‪ ،‬محمد الهادي الطرابلسي‪ ،‬منشورات الجامعة التّونسية‪ ،‬تونس‪1981( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫خصائص األسلوب في ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪310‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫حّت عند‬
‫ظ من التّواتر معترب ّ‬‫الشيوع والتّواتر عند غري أصحاُّا‪ ،‬بل ال يكوف ؽبا ح ّ‬
‫ظ من ّ‬ ‫حّ‬
‫‪1‬‬
‫عممو أو يندثر »‬
‫حّت يُ ّ‬
‫اػباص ال يربح باب اػبطأ واللّحن ّ‬
‫ّ‬ ‫فاؼبتحوؿ‬
‫ّ‬ ‫أصحاُّا‪،‬‬

‫صحسئن"‪:‬‬
‫تمئم ّ‬
‫‪ .3‬االنزيئح عند" ّ‬
‫وخصص لو فصبل كامبل‬ ‫ّ‬ ‫حساف" عن االنزياح دبصطلح تراثي ىو"العدوؿ"‬ ‫تكلّم "سبّاـ ّ‬
‫اؼبؤشرات األسلوبية " حيث رب ّدث عن األصوؿ ال ّذىنية الّيت وضعها‬ ‫أظباه"األسلوب العدوٕب و ّ‬
‫الباحثوف القدامى لقواعد اللّغة ومبانيها‪ ،‬وأ ّف اػبروج عن استعماالت اللّغة وقواعدىا األصلية قد‬
‫ؤدي إٔب العدوؿ‪.‬‬
‫يُ ّ‬
‫وتقوـ دراستو على مبدأ "استصحاب األصل" و"الرخصة" حيث يذىب إٔب أ ّف البحث ُب‬
‫اؽبيكل البنيوي للّغة العربية قاد ال ّدارسني إٔب ضبط صناعة القواعد انطبلقا من استقراء كبلـ العرب‬
‫توجهات ىي‬
‫ليتم استخراج اؼبعقوؿ من ا﵀سوس وقد أخذ ذلك ثبلث ّ‬
‫الفصيح‪ٍ ،‬بّ مبلحظتو ّ‬
‫العامة‪.‬‬
‫استصحاب األصل والقياس وصبلة من اؼببادئ ّ‬
‫حساف قد جعل العدوؿ إجراء لغوي يتّكئ على استصحاب األصل‪،‬‬
‫وما ُيبكن فهمو أ ّف سبّاـ ّ‬
‫وإمكانية اػبروج عنو بالنّسبة للحروؼ والكلمات واعبمل بشرط أف يكوف ُب أثناء االستعماؿ األديب‬
‫عرفو بأنّو «خروج عن أصل أو ـبالفة‬ ‫وأمن اللّبس أي "اإلفادة" وظبّاه " العدوؿ األسلويب" وقد ّ‬
‫لقاعدة ولكن ىذا اػبروج وتلك اؼبخالفة اكتسبا ُب االستعماؿ األسلويب قدرا من االطّراد ُرقي ُّما‬
‫إٔب مرتبة األصوؿ الّيت يُقاس عليها»‪. 2‬‬
‫عرفت ُب‬
‫إ ّف قضية األصل والفرع واستصحاب األصل واغباؿ ىي أصل كبوي افرتاضي وقد ّ‬
‫بأّنا‪ «:‬إبقاء اللّفظ على ما يستح ّقو ُب األصل عند عدـ دليل النّقل عن األصل»‪.3‬‬
‫االصطبلح ّ‬
‫اؼبتغريات اؼبوجودة ُب اللّغة برسم بياين ّبني‬
‫حساف" لبلنزياح من خبلؿ الثّوابت و ّ‬
‫وقد مثّل"سبّاـ ّ‬
‫من خبللو اؼبناطق اليت وبدث فيها العدوؿ‪:‬‬
‫جانب اؼببىن‬ ‫جانب اؼبعىن‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫الطردعالم الكتب‪،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1993(1‬ـ)‪ ،‬ص ‪.347‬‬
‫منطقةاف ‪،‬‬
‫حس‬
‫تماـ ّ‬
‫ص القرآني)‪ّ ،‬‬
‫اللبس (دراسة لغوية وأسلوبية للنّ ّ‬
‫القرآف‪،‬‬
‫روائعأمن‬
‫‪2‬البياف في إذا‬
‫طلب‪ ،‬اػبفة‬ ‫دائرة أمن اللبس‬
‫ط(تتح ّقق‬
‫‪2000‬ـ)‪،‬‬ ‫إذا ٓب‬
‫عالم الكتب‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫البالغة‪ )،‬تماـدائرةحساف‬
‫سبثل أمن‬
‫وىيلّغة‪،‬‬ ‫أمكن العدوؿ‬
‫ابستيمولوجية للفكر اللّغوي عند العرب‪ ،‬النحو‪ ،‬فقو ال‬ ‫‪3‬األصوؿ‪( ،‬دراسة‬
‫اػب ّفة مع‬ ‫وىي ؾباؿ قواعد‬ ‫اللبس وطلب‬ ‫و ىي ؾباؿ القواعد‬ ‫عن أصل‬ ‫ص‪.126‬‬
‫االستصحاب‬ ‫التصرؼ و ظواىر‬ ‫اػبفة و ىي‬ ‫الفرعية اؼبشروطة و‬ ‫القاعدة‬
‫‪313‬‬
‫لزـ العدوؿ عن‬ ‫العدوؿ عن أصل‬ ‫مسرح القواعد‬ ‫ؾباؿ الرتخص ُب‬
‫األصل‬ ‫الوضع‪.‬‬ ‫األصلية‬ ‫القواعد‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫الشكل ىناؾ إمكانيتني للعدوؿ‪:‬‬


‫وحسب ىذا ّ‬
‫ّأوؽبما‪ :‬أمن اللّبس‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬عدـ رب ّقق اػب ّفة مع االستصحاب‪.‬‬
‫حساف" أ ّف أصل الوضع ذبريد قاـ بو النّ ّحاة ليصلوا بواسطتو‬
‫واغبديث ىاىنا ىو اعتبار"سبّاـ ّ‬
‫إٔب االقتصاد العلمي‪ ،‬بتجنب اػبوض ُب أوابد اؼبفردات وتلك ىي الغاية نفسها اليت يرمي إٔب أصل‬
‫حساف" حديثو عن االقتصاد فيقوؿ‪ «:‬إ ّف االقتصاد ُب جهد اؼبتكلّم ّأدى‬ ‫القاعدة‪ ...‬ويواصل "سبّاـ ّ‬
‫لكن االقتصاد ُب جهد الكاتب ّأدى إٔب االستصحاب‪ ،‬فإذا كاف عمل اؼبتكلّم عدوال‬ ‫إٔب العدوؿ و ّ‬
‫عن األصل فإ ّف عمل الكاتب ردما عدؿ بو اؼبتكلّم إٔب األصل ليؤوؿ بو إٔب االستصحاب »‪.1‬‬
‫كل قرينة طرؽ العدوؿ األسلويب اؼبطّرد عن االعتداد ُّا‪،‬‬
‫حساف" القرائن وأماـ ّ‬
‫كما أورد "سبّاـ ّ‬
‫موضحا ُب ذلك مظاىر االنزياح وطرؽ ورودىا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعليو فإنّنا كباوؿ رسم ىذه األفكار ُب رسم بياين بغية االختصار‪.‬‬
‫األسلوب العدوٕب‬
‫ػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػػ‬

‫التّضاـ‬ ‫الرتبة‬
‫ّ‬ ‫الربط‬
‫اإلعراب ّ‬ ‫البنية‬

‫الرابط‬
‫اؼبراوحة حذؼ ّ‬ ‫االلتفات التّغليب‬ ‫النّقل‬ ‫اإلجراء‬
‫التصنيفي‬

‫‪1‬األصوؿ (دراسة ابستيمولوجية للفكر اللّغوي عند العرب‪ ،‬النحو‪ ،‬فقو اللّغة‪ ،‬البالغة‪ ،)،‬تماـ حساف‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪312‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫اعبملػة‬
‫تشويش رتبة‬ ‫عكس الرتتيب‬ ‫اللّغة‬ ‫التقدًن والتأخري‬ ‫تسخري األلفاظ‬ ‫النيابة‬ ‫التضمني‬
‫األشباه‬ ‫والنشر اؼبشوش الزمّن أو اؼبنطقي‬ ‫لتوليد اؼبعاين‬

‫اإلضمار‬ ‫الوصل‬ ‫التّعريف‬ ‫التّنكري‬ ‫اغبكاية‬

‫ذباىل‬ ‫ذباىل‬ ‫الفصل النحوي‬ ‫االعرتاض‬ ‫الزيادة‬ ‫اغبذؼ‬


‫اؼبناسبة اؼبعجمية‬ ‫االختصاص‬
‫(اَّاز)‬ ‫النحوي‬
‫" رسم بياني لألسلوب العدولي كما ىو عند (تماـ حساف)"‬
‫الرسم يبكن رصد اغباالت اليت وبدث فيها العدوؿ ‪-‬االنزياح‪ -‬من عدوؿ ُب‬
‫من خبلؿ ىذا ّ‬
‫ضاـ والّذي يكوف فيها ذو ظبة صبالية فنّػيّة‪ ،‬تعدى فيها حدود‬ ‫الرتبة‪ ،‬والتّ ّ‬
‫الربط‪ّ ،‬‬
‫البنية‪ ،‬اإلعراب‪ّ ،‬‬
‫مصب اىتماـ علم النّحو إٔب ال ّدراسات اعبمالية ال ّذوقيّة والنّفسية والّيت‬
‫ّ‬ ‫اليت كانت‬
‫اؼبعاين الوظيفية‪ ،‬و ّ‬
‫اىتم ُّا علم اؼبعاين‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ .4‬االنزيئح عند مصحمد العمري‪:‬‬


‫الرتاث‬
‫يرى "ؿبمد العمري" أ ّف نظرية االنزياح باعتبارىا إجراء لغوي قد وجدت بُعدا مه ّما ُب ّ‬
‫بالرتاث‬
‫وسع؛ حيث ربط ىذا الباحث ببلغة االنزياح ّ‬
‫الببلغي العريب باغبديث عن اَّاز والعدوؿ والتّ ّ‬
‫وسع (عند‬
‫االذباىات ُّذه الظّاىرة من اعبانب النّحوي‪،‬إذ قامت على التّ ّ‬
‫وبني اىتماـ ّ‬
‫الببلغي العريب‪ّ ،‬‬
‫السكاكي على رصد‬
‫سيبويو) واَّاز عند (أيب عبيدة) وشجاعة العربية (عند ابن جّن) بينما قاـ عمل ّ‬
‫‪1‬‬
‫األصوؿ وصور اػبروج عنها ربت تأثري اؼبقاـ‪.‬‬
‫للرتاث الببلغي العريب ورؤيتو لبلنزياح يرى أيضا أ ّف ىذه النّظرية ُب صياغتها‬
‫وىو بتتبّعو ّ‬
‫عرب عنو العلماء قديبا عن الغرابة والعجب كما ىو‬
‫اللّسانية اؼبتق ّدمة ليست سوى ؿباولة لتفسري ما ّ‬
‫الشيء ُب غري معدنو أغرب‪ ،‬وكلّما كاف أغرب كاف أبعد ُب‬
‫مبني ُب كبلـ اعباحظ؛ إذ يقوؿ‪ « :‬إ ّف ّ‬
‫ّ‬

‫محمد العمري‪ ،‬ص‪.478‬‬


‫‪1‬البالغة العربية أصولها وامتداداتها‪ّ ،‬‬
‫‪311‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫الوىم‪ ،‬وكلّما كاف أبعد ُب الوىم كاف أطرؼ وكلّما كاف أطرؼ كاف أعجب وكلّما كاف أعجب كاف‬
‫‪1‬‬
‫أبعد »‪.‬‬
‫ؿبمد العمري بني مفهوـ االنزياح عند اؼبتق ّدمني العرب والنّقد األسلويب اغبديث‪ ،‬فم ّد‬
‫ربط ّ‬
‫(الرتاث) واآلخر‬
‫بالرتاث بطريقة صبع فيها بني النّظرية والتّطبيق؛ حيث زاوج بني األنا ّ‬
‫جسور التّواصل ّ‬
‫(الغرب) مع إضافات ُب ؾباؿ التّطبيق واؼبمارسة على النّصوص العربية‪.‬‬

‫‪ .5‬االنزيئح عند "عبد اهلل اولة "‪:‬‬


‫تكلّم "عبد ا﵁ صولة"عن ظاىرة االنزياح ُب حبثو اؼبعنوف بػ‪ ":‬فكرة العدوؿ ُب البحوث‬
‫األسلوبية اؼبعاصرة"‪.‬‬
‫الشعر بشكل أكرب‪،‬‬
‫فاالنزياح عنده خروج الكبلـ عن النّمط اؼبألوؼ وىذا اػبروج يكوف ُب ّ‬
‫الشعر ىو انزياح‪ .‬كما تأثّر الباحث‬
‫ويبدو جليّا أنّو قد تأثّر دبذىب "جوف كوىن" الّذي يرى أ ّف ّ‬
‫باألسلوبيّني الغربيّني ُب ربديدىم ؼبفهوـ االنزياح وخصائصو وعلى رأسهم "ميشاؿ ريفاتري" ويتّضح‬
‫ص باعتباره جهازا ُمغلقا ال يُفضي إٔب العآب اػبارجي إالّ من خبلؿ‬
‫عن النّ ّ‬
‫ذلك جليّا ُب حديثو ّ‬
‫خصائصو األسلوبية مستندا إٔب ظاىرة االنزياح والّذي ينقسم ىو نفسو إٔب نوعني‪:‬‬
‫العامة‪:‬وذلك بأف يبثّل األسلوب تقاببل مع اؼبستوى العادي‬
‫أ‪-‬االنزياح عن اللّغة العادية ّ‬
‫عما يش ّكل‬
‫للكبلـ ويُعترب خرقا لو‪ ،‬ويكوف البحث ُب خصائص ىذا اػبرؽ للواقع األصل حبثا ّ‬
‫الفّن ُب األثر‪ ،‬فما االنزياح سوى خروج عن النّمط التّعبريي اؼبتواضع عليو‪.‬‬
‫أركاف اغبدث ّ‬
‫السياؽ الّذي يبكن حصر خصائص األسلوب ُب‬ ‫ص‪:‬ويتمثّل ُب ّ‬
‫ب‪-‬االنزياح عن لغة النّ ّ‬
‫بالسياؽ الّذي يرد فيو النّمط العادي‪ ،‬وىو نسيج‬
‫نطاقو‪ ،‬فاالنزياح ُب ىذه اغبالة يتح ّدد ّ‬
‫‪2‬‬
‫ص‪ ،‬واػبروج عنو ىو مدار األسلوب ُب ذلك اؼبوطن‪.‬‬
‫اػبطاب أو النّ ّ‬

‫‪1‬البياف والتّبيين‪ ،‬الجاحظ‪ ،‬تحقيق عبد السالـ ىاروف‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫الس ّد‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫ينظر‪ :‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬نور ال ّدين ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪315‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫‪ .6‬االنزيئح عند االح فضل‪:‬‬


‫حرص ىذا الباحث على اغبديث بشكل ُمسهب عن ىذه الظّاىرة اليت ظبّاىا بػ"االكبراؼ"‬
‫وأفرد ؽبا فصبل ُب كتابو "علم األسلوب مبادئو وإجراءاتو"‪ ،‬ربت عنواف االكبراؼ والتّضاد البنيوي‪،‬‬
‫ص؛ حيث جرى‬ ‫اػباصية األسلوبية انطبلقا من النّظرية األسلوبية اؼبتعلّقة بالنّ ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد حاوؿ رصد ىذه‬
‫ص يبكن العثور‬
‫تصور األسلوب كاكبراؼ عن قاعدة خارجة عن النّ ّ‬ ‫االتّفاؽ كما يرى على أ ّف « ّ‬
‫السياؽ العاـ‪ ،‬الّذي ذبري فيو‬
‫نص آخر‪ ،‬على تع ّدد اآلراء واؼببادئ حوؿ اؼبستوى اللّغوي و ّ‬
‫عليها ُب ّ‬
‫‪1‬‬
‫الرصد ال ّدقيق ؼبستوى القاعدة »‪.‬‬
‫ىذه االكبرافات‪ ،‬وكيفية العثور عليها وربديدىا وربليلها‪ ،‬وإمكانية ّ‬
‫يلح على ضرورة ربديد اؼبعايري الّيت ينزاح عنها الكبلـ وتصنيفها‪،‬‬
‫نصو ىذا ّ‬
‫فهو من خبلؿ ّ‬
‫صور يبكن أف يُساىم ُب شرح الكثري من الظّواىر البلفتة ُب النّصوص األدبية‪ ،‬وبالتّإب‬
‫وىذا التّ ّ‬
‫اإلشارة إٔب قيمتها اعبمالية واإلوبائية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬االنزيـاح والمعيـار‬


‫الرتاث اللّغوي والببلغي العريب باػبروج عن النّمط اؼبثإب للّغة‪ٍ ،‬بّ إنّو‬
‫تعلّق االنزياح ُب منظور ّ‬
‫ارتبط ُب ال ّدراسات األسلوبية اغبديثة دبصطلح األسلوب واألسلوبية ّما حذا ببعض األسلوبيني إٔب‬
‫القوؿ بأ ّف األسلوبية « ىي علم االنزياحات اللّغوية »‪.2‬‬
‫وىو ما وبيل إٔب أ ّف ؾباؿ علم األسلوب قد ُحصر ُب دراسة االنزياحات الّيت يتوافر عليها‬
‫ص األديب وتأكيدىا‪ ،‬ذلك أ ّف االنزياح بوصفو أسلوبا جاء ليخدـ فكرة القراءة واػبصوصية ُب‬ ‫النّ ّ‬
‫عما اعتاده النّاس من خطابات ُمتع ّددة‪.‬‬
‫النّصوص؛ حبيث تغدو خطابا مغايرا ّ‬
‫وإذا كاف « األسلوب انزياح عن ؾبموعة من األمباط تعرؼ باؼبعيار »‪ ،3‬وأنّو ُب جوىره‬
‫اؼبتفرعة عن ىذه‬
‫اكبراؼ عن قاعدة ما فهذا يقود حتما إٔب اؼبقارنة قصد اكتشاؼ االنزياحات اللّغوية ّ‬
‫السمات دبجموعة أخرى‬
‫فثمة « مقرتب لؤلسلوب يقوـ على مقارنة ؾبموعة معيّنة من ّ‬
‫القاعدة‪ّ ،‬‬

‫‪ 1‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص ‪.210‬‬


‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪2‬بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪3‬األسلوبية اللّسانية‪ ،‬نيلسإريك أنكفيست‪ ،‬ترجمة أحمد مومن‪ ،‬منشورات جامعة منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪2001( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫‪312‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫نص أو فقرة من اللّغة دبواجهة‬


‫أي ّ‬
‫الشائع وباألحرى فإنّنا نضع ّ‬
‫دبوجب االنزياح‪ ،‬الّذي يُع ّد اؼبقرتب ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبعايري اللّسانية عبنسو أو غبقبتو‪ ،‬وبواجهة اعبوىر اؼبشرتؾ للّغة ككل »‪.‬‬
‫السبلـ‬
‫وعبلقة االنزياح باألسلوب جعلتو عنصرا ثابتا ُب التّفكري األسلويب ‪،‬وىو ما سبثّلو عبد ّ‬
‫قارا ُب التّفكري األسلويب فؤلنّو يستم ّد داللتو‬
‫اؼبس ّدي حيث قاؿ‪ «:‬ولئن استقاـ لو أف يكوف عنصرا ّ‬
‫تصوره من عبلقة ىذا اػبطاب األصغر باػبطاب‬
‫الرسالة وإّمبا يستم ّد ّ‬
‫صوّ‬ ‫ال من اػبطاب األصغر كالنّ ّ‬
‫تصوره ُب ذاتو إذ ىو من اؼبدلوالت البنائية اؼبقتضية‬
‫األكرب وىو اللّغة اليت فيها يسبك‪ ،‬ولذلك تع ّذر ّ‬
‫نتصور انزياحا إالّ عن‬
‫الصغري فكذلك ال ّ‬
‫نتصور الكبري إال ُب طباؽ مع ّ‬
‫بالضرورة‪ ،‬وكما ال ّ‬
‫لنقائضها ّ‬
‫متصور نسيب‬
‫شيء ما‪ ،‬وىذا اؼبسبار األصلي الّذي يقع عنو اػبروج وإليو ينتسب االنزياح ىو ُب ذاتو ّ‬
‫خاص‪ ،‬وقد اصطلحنا‬‫ّ‬ ‫فكل يسمو من منظور‬
‫تذبذب الفكر اللّساين ُب ربديده وبلورة مصطلحاتو‪ّ ،‬‬
‫الشيء بوظيفتو العملية‬
‫عليو ُب حبثنا باالستعماؿ النّفعي للظّاىرة اللّسانية ـبتارين ُب ذلك تسمية ّ‬
‫‪2‬‬
‫وغائيتو الواعية »‪.‬‬
‫مهمة‪:‬‬
‫اؼبتشعبة لبلنزياح إٔب معطيات ّ‬
‫وربيلنا ىذه النّظرة ّ‬
‫ص)‪.‬‬
‫أ ّف االنزياح يرتبط ارتباطا وثيقا باػبطاب األصغر(النّ ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫مادتو‪.‬‬
‫ال يبكن فصلو عن اػبطاب األكرب الّذي ىو اللّغة أل ّّنا ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫ص ثانيا ذبعلو يوصف بأنّو أسلوب‪.‬‬
‫عبلقتو باللّغة ّأوال ٍبّ النّ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫لبلنزياح مدلوال ثنائيا ىبرج عنو وإليو ينتسب ىو اؼبسبار األصلي أو اؼبعيار‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أنبّية االستعماؿ النّفعي أو اؼبعيار ُب ربديد مفهوـ االنزياح وفهمو‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أنبّية االنزياح ُب صياغة العملية اإلبداعية إببلغيا وصباليا‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫صح ما قيل من‬


‫وىنا قبد أنفسنا إزاء قضية صعبة إذ االنزياح قائم على معيار أو قاعدة‪ ،‬فإذا ّ‬
‫أخص ما ُب األسلوب من خصائص‪ ،‬فإ ّف اؼبشكلة تكمن ُب أ ّف األسلوبيّني ٓب يتّفقوا على‬‫ّ‬ ‫أنّو ىو‬
‫يصعب ربديد قاعدتو أو معياره أنّو « مفهوـ ّفرار‪ ،‬وكائن ذو عقل ال‬
‫معيار ؽبذا االنزياح‪ ،‬وأ ّف الّذي ّ‬
‫‪ 1‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫السالـ المس ّدي‪ ،‬ص (‪.)78-77‬‬
‫‪2‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪317‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬
‫‪1‬‬
‫ومتغري ال يثبت على حاؿ‬
‫تصور دقيق »‪ .‬وكونو أيضا مفهوـ مع ّقد ّ‬
‫أي ّ‬‫نستطيع أف قبد لو ُب الواقع ّ‬
‫الصعوبة دبكاف ضبط معياره وربديده‪.‬‬
‫فمن ّ‬
‫وىكذا تثري أنبّية معرفة اؼبعيار ُب ربديد االنزياح األسلويب مشكبلت مع ّقدة؛ إذ ال يبكن‬
‫الوصوؿ إٔب قاعدة ثابتة ومعيّنة ُرب ّدد على ضوئها االنزياحات اؼبتوفّرة ُب اللّغة األدبية‪ ،‬ومن شبّة اغبكم‬
‫بأّنا ذات أسلوب‪ ،‬فإذا ح ّددنا االنزياح بأنّو أسلوب أو أ ّف األسلوب ىو انزياح فهذا‬
‫على ىذه اللّغة ّ‬
‫يضعنا أماـ معضلة أخرى‪،‬وىي أ ّف ىناؾ لغة ربوي أسلوبا وأخرى زبلو منو‪ ،‬و« ال يبكن بأيّة حاؿ‬
‫‪2‬‬
‫من األحواؿ اعبزـ بأ ّف اللّغة غري األدبية زبلو من األسلوب »‪.‬‬
‫اؼبتعمد من قبل اؼبؤلّف‬
‫ص واالبتعاد ّ‬
‫تصور األسلوب بوصفو انزياحا عن اؼبعيار األصلي للنّ ّ‬
‫إ ّف ّ‬
‫أقر بو صبلة من الباحثني ما دعا بري جريو‬ ‫لتحقيق أغراض تعبريية صبالية وإببلغية أمر ّ‬
‫‪3‬‬
‫للمتغريات اللّسانية إزاء اؼبعيار القاعدي »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )PierreGiraux‬إٔب القوؿ بأ ّف األسلوبية « دراسة‬
‫صور ُب شرح العديد من الظّواىر البلّفتة ُب النّصوص األدبية‪ ،‬كما قاد إٔب‬
‫وقد ساعد ىذا التّ ّ‬
‫يتم االكبراؼ‬
‫ؿباولة إقامة مستوى جلي للعبلقة بني طرُب االنزياح بالتّحديد ال ّدقيق للقاعدة الّيت ّ‬
‫عنها‪ ،‬وقد أقيمت ىذه العبلقة على أشكاؿ متباينة ىي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اؼبعيار اللّغوي‪ :‬دبعىن « االستعماؿ الفعلي للّغة »‪ 4.‬حيث يُعتمد على النّظاـ اللّغوي‬
‫تتم بو الكتابة‪ ،‬وىو ما يطلق عليو أيضا النّموذج اؼبثإب الّذي صاغو النّ ّحاة والّذي يبكن‬
‫وقواعده الّيت ّ‬
‫للّغة األدبية أف تنحرؼ عنو‪.‬‬
‫فالواقع أ ّف اللّغة األدبية أوصف بطواعيتها للتّعبري عن االنفعاالت واألحاسيس تستعص على‬
‫مادة ّثرية ُب‬
‫التّقعيد وتأىب أف زبضع لقيود تكبّل إبداعها‪ ،‬لذلك اعترب األسلوبيوف ظاىر االنزياح ّ‬
‫دراسة اللّغة األدبية دراسة وصفية تبتعد عن لغة اؼبعيار الّيت تعترب بالنسبة للكثريين غري ثابتة إذ‬
‫االستخداـ اللّغوي ُب حاؿ دائمة من التّغيري والتّحوير‪.‬‬

‫‪1‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬محمد ويس‪ ،‬ص‪.129‬‬


‫‪2‬البنى األسلوبية‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ 3‬األسلوبية ‪ ،‬بير جيرو‪ ،‬ص‪.08‬‬
‫‪4‬االنحراؼ مصطلحا نقديا‪ ،‬موسى ربايعة‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪315‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫الشعر والنّثر غري أ ّف‬


‫وقد حاوؿ النّ ّحاة وضع قواعد صارمة ال هبوز ذباوزىا أماـ لغة ّ‬
‫الصارـ ال يبكن أف يثبت على حاؿ‪ ،‬إذ يطرأ عليو تغيريات وربويرات تتح ّكم فيها‬
‫االستخداـ اللّغوي ّ‬
‫انفعاالت ومشاعر اؼببدع ُب أحايني كثرية‪ ،‬لذلك كاف اؼبعيار اللّغوي سبيبل لتأكيد ظاىرة االنزياح‬
‫ّاؿ ٌّّب شرع ُب دراستها وربليلها انطبلقا من معيار اللّغة النموذجية‪.‬‬
‫فقد وجد النّػ ّقاد مثبل « أ ّف الوصف باؼبصدر ـبالف لقواعد النّظاـ اللّغوي‪ ،‬إذ الوصف يكوف‬
‫بالصفة وليس باؼبصدر‪ ،‬فدلّوا على ىذا االنزياح واعتربوه خروجا على األصل‪ ،‬الّذي ىو الوصف‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫بالصفة وليس الوصف باؼبصدر‪ ،‬وق ّدموا تعليبلت لتفسري ىذه اغبالة »‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد أورده ابن جّن ربت عنواف « ذباذب اؼبعاين واإلعراب»‪ «:‬فوجد من ذلك ما جرى من‬
‫صروبة قلب‬
‫بالصفة ال َ‬
‫اؼبصادر وصفا كبو قولو‪ :‬ىذا رجل دنف وقوـ رضا‪ ،‬ورجل عدؿ‪ ،‬فإف وصفتو ّ‬
‫‪2‬‬
‫رجل دنِف وقوـ مرضيوف‪ ،‬ورجل عادؿ وىذا ىو األصل »‪.‬‬
‫األوؿ فليزيدؾ‬
‫جّن ىذا االكبراؼ بأمرين أحدنبا صناعي واآلخر معنوي ‪ّ «:‬أما ّ‬ ‫ويُعلّل ابن ّ‬
‫للصفة‪ ...‬و ّأما اؼبعنوي فؤلنّو إذا وصف باؼبصدر صار اؼبوصوؼ كأنّو ُب اغبقيقة‬
‫بشبو اؼبصدر ّ‬ ‫أنسا َ‬
‫‪3‬‬
‫ـبلوؽ من ذلك الفعل‪».‬‬
‫وىذا مثاؿ واحد من صبلة أمثلة كثرية وردت ُب الكتب النّقدية القديبة‪ ،‬وىو ما ينبئ أ ّف من‬
‫خصائص اللّغة األدبية ىو انزياحها عن األصل‪ ،‬أو عن النّموذج اؼبثإب لذلك اعترب اؼبعيار اللّغوي جزء‬
‫من معايري كثرية ح ّددىا األسلوبيوف للوقوؼ على االنزياحات الّيت تتوفّر عليها النّصوص‪.‬‬
‫غري أنّو ال ُيبكن االلتزاـ بقواعد اللّغة‪ ،‬فاغبريّة ُب الكبلـ ؿبكومة بالقدرة على التّوصيل إدراكا‬
‫مرة نتكلّم فيها لكانت‬
‫كل ّ‬
‫أو إوباءا يقوؿ "كوىن "‪ « :‬لو أنّو كاف هبب علينا أف لبرتع الكلّمات ُب ّ‬
‫اللّغة اؼبتميّزة مستحيلة‪ ،‬ولو كاف الكبلـ معناه أف كب ّدد أنفسنا ُب ترديد صبل قيلت من قبل لكانت‬

‫شعري عند المتنبّي‪ ،‬أحمد مبارؾ الخطيب‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬سورية‪ ،‬ط‪2003(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪1‬االنزياح ال ّ‬
‫‪ 2‬الخصائص‪ ،‬ابن جنّي‪ ،‬ج‪ ،03‬ص‪.259‬‬
‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ج‪،03‬ص‪.260‬‬
‫‪319‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫يتضمن‬
‫اػباص ُب غبظة ما وىذا ّ‬
‫ّ‬ ‫عرب عن فكره‬
‫فكل فرد يستخدـ ىذه اللّغة ليُ ّ‬
‫اللّغة اؼبميّزة ال فائدة ؽبا ّ‬
‫حرية التّأليف »‪.1‬‬
‫ّ‬
‫وتتنوع لتشمل ـبتلف التّعبريات سواء تلك الّيت التزمت بقواعد اللّغة‬
‫تتوسع ّ‬
‫فحرية التّأليف ّ‬
‫ّ‬
‫أوتلك الّيت احتوت اكبرافات أسلوبية والتّنويع ُب الكبلـ‪ ،‬ىو ما ُوب ّدد درجة االنزياح من سواىا‪ ،‬إذ‬
‫اإلكثار من األساليب الّيت زبرج عن اؼبألوؼ مناؼ لطبيعة اللّغة والتقيّد بأسلوب واحد مكرر هبعل‬
‫اللّغة فبللة وغري مستساغة‪.‬‬
‫وحوؿ ضرورة تنويع أساليب الكبلـ يقوؿ الزركشي‪« :‬وقاؿ الببلغيوف إ ّف الكبلـ إذا جاء على‬
‫أسلوب واحد وطاؿ ‪...‬حسن تغيري الطريقة»‪ ،2‬فالتنويع ُب مبط الكبلـ كفيل بإبعاده عن اؼبلل‪ ،‬إذ‬
‫الطّرؽ الّيت تؤدي ُّا اللّغة اؼبعاين كثرية وغري ؿبصورة‪ ،‬وتبعاً لذلك تكوف األساليب اؼببتكرة غري‬
‫ؿبدودة أيضا‪.‬‬
‫خاصة يقف عندىا اؼبتكلّم أحيانا ‪،‬وتأٌب بإعماؿ الفكر ُب‬
‫وىو ما يُشري إٔب أ ّف ىناؾ حرية ّ‬
‫اللّغة حبيث ينزاح عن األصل بأساليب متولّدة فتكوف األبنية اللّغوية صدى لؤلبنية العقلية‪.‬‬
‫تتضمن تنويعا ُب األساليب‪ ،‬وىو ما ىبلق ُب بعض األحياف انزياحات ُب‬
‫إذف فحريّة التّأليف ّ‬
‫الرتكيبية وال ّداللية وىو ما أشار إليو روماف جاكبسوف « فحريّة تأليف‬
‫الصوتية و ّ‬
‫ـبتلف اؼبستويات ّ‬
‫وحرية‬
‫الكلمة بدءا من األصوات ؿبصورة‪ ،‬وىي ؿبدودة ُب اؼبواقف اؽبامشية الّيت زبلق فيها الكلمات ّ‬
‫تأليف العبارة بدءا من الكلمات زبضع لقيود أقل‪ ،‬وُب النّهاية فعند حرية تأليف اؼبقاؿ بدءا من‬
‫حرية اؼبتكلّم ُب النّمو اعبوىري‪ ،‬بدرجة ال يبكن معها‬
‫الرتكيب‪ ،‬وتبدأ ّ‬
‫العبارات ينتهي دور قيود قواعد ّ‬
‫تقدير عدد األمباط اؼبمكن تواجدىا »‪.‬‬
‫الصوت إٔب العبارة إٔب‬
‫ليوضح لنا تفاوت مستويات اػبضوع للقيود بدءا من ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫ويأٌب ىذا النّ ّ‬
‫حرية اؼبتكلّم ُب عدـ التزامو بقيود قواعد اللّغة حبيث تنمو تدرهبيا عند تأليفو للمقاؿ‪.‬‬
‫ص‪ ،‬حيث تبدأ ّ‬‫النّ ّ‬
‫ويبكن تلخيص معيار االنزياح وفق رؤية الباحثني ُب ال ّدراسات األسلوبية ُب األمور اآلتية‪:‬‬

‫الزىراء‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪.127‬‬


‫شعر‪ ،‬جوف كوىن‪ ،‬ترجمة أحمد درويش‪ ،‬مكتبة ّ‬
‫‪ 1‬بناء لغة ال ّ‬
‫‪2‬البرىاف في علوـ القرآف‪،‬الزركشي‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراىيم‪،‬ج‪ ،3‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪(،1‬د‪،‬ت) ص‪.325‬‬
‫‪301‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫الشعرية واللّغة النّثرية‪ :‬و يتجلّى ىذا األمر بصورة واضحة عند جاف كوىن الّذي‬
‫‪ -1‬التّفريق بني اللّغة ّ‬
‫السائد‪ ،‬فإنّنا يبكن أف نتّخذ منو اؼبستوى العادي‬
‫يقوؿ‪ « :‬ودبا أ ّف النّثر ىو اؼبستوى اللّغوي ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشعر ؾباوزة تُقاس درجتو إٔب ىذا اؼبعيار »‬
‫وقبعل ّ‬

‫شعرية‪ ،‬جوف كوىن‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪ 1‬بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪300‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫صور برسم بياين ؼبزيد من التّوضيح‪:‬‬


‫وسنحاوؿ التّمثيل ؽبذا التّ ّ‬
‫الشعري(‪)+‬‬
‫القطب ّ‬ ‫القطب النّثري(‪)-‬‬
‫أقصى درجة‬ ‫‪1‬‬
‫القصيدة‬ ‫لغة العلماء‬ ‫درجة الصفر‬
‫الرأي غري دقيق أل ّف ىناؾ انزياحات يبكن أف تظهر ُب لغة األجناس األدبية‬
‫ويبدو أ ّف ىذا ّ‬
‫الشعر؛ إذ إ ّف مظاىر االنزياح من استعارة وؾباز وكناية وحذؼ‬
‫خاصا بلغة ّ‬
‫األخرى‪ ،‬فاالنزياح ٓب يعد ّ‬
‫وتقدًن وتأخري وغريىا قد تتجلّى ُب األعماؿ النّثرية‪ ،‬بشكل يوحي بأ ّف اغب ّد الفاصل بني ما ىو‬
‫مستقر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شعوري وغري شعوري عنصر غري‬
‫اغبس اللّغوي عند اؼبتلقني‪ :‬ومعيار االنزياح وفق ىذا فضفاض غري ُؿب ّدد‪ ،‬إذ يتفاوت‬
‫‪ -2‬اعتماد ّ‬
‫اؼبتل ّقوف ُب ربديد درجات االنزياح وفهمها‪ ،‬يقوؿ شكري عيّاد‪ «:‬وكبن ندرؾ من ّأوؿ وىلة أ ّف‬
‫عده اكبرافا‪،‬‬
‫القارئ يبكن أف يستوقفو تعبري ما ُىبيّل إليو أنّو خارج على اؼبألوؼ بدرجة كافية ليَ َ‬
‫يستدؿ ُّا على شعور الكاتب‪ ،‬أو على اؼبعىن الّذي يريد أف‬
‫ّ‬ ‫ومن ٍبّ يرى فيو ظبة أسلوبية ّقوية‬
‫يُثبتو ُب ذىن اؼبتل ّقي‪ ،‬مع أ ّف قارئا آخر أو ّقراء آخرين يبكن أف ال يتّفقوا معو ُب ذلك‪ ،‬فبديهي‬
‫كل قارئ يتأثّر بطبيعتو ومزاجو‪ ،‬والسيما إذا كاف شبة اختبلؼ بني عصر الكاتب وعصر‬ ‫أ ّف ّ‬
‫الصرب ُب ال ّدارس األسلويب »‪.1‬‬
‫القارئ ؽبذا ش ّدد سبيتزر على صفات األمانة واإلخبلص و ّ‬
‫ومؤداه أ ّف الباحث‬
‫باغبس اللّغوي عند اؼبتل ّقني‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬االعتماد على القارئ العمدة‪ :‬وىو معيار لو ارتباط‬
‫القراء فبّن ؽبم دربة ُب قراءة ىذا اعبنس‬
‫األسلويب يبكن أف يعتمد ُب تعيني االنزياحات على نفر من ّ‬
‫القراء لن تكوف ُب درجة واحدة‪،‬‬
‫األديب أو ذاؾ‪ ،‬وما يُبلحظ على ىذا اؼبعيار أ ّف أحكاـ ىؤالء ّ‬
‫مؤشرا يبكن أف ينطلق ُّا ومنها إٔب دراسة موضوعية‪.‬‬
‫وعلى الباحث أف يأخذ أحكامهم ّ‬
‫ص األديب نفسو ىو اؼبعيار الّذي يُقاس إليو‬
‫ص‪ :‬وذلك بأف نع ّد النّ ّ‬
‫‪ -4‬ربديد االنزياح من داخل النّ ّ‬
‫(السياؽ) يلتمس‬
‫يكمل بو معيار القارئ العمدة ظبّاه ّ‬
‫االنزياح‪ ،‬فقد عبأ (ريفاتري) إٔب معيار آخر ّ‬

‫‪1‬اللّغة واإلبداع‪(،‬مبادئ علم األسلوب العربي)‪ ،‬محمد شكري عياد‪ ،‬ص‪.83‬‬


‫‪303‬‬
‫الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح‬

‫السياؽ واؼبسلك األسلويب؛ إذ إ ّف ىذا األخري‬


‫ص‪ ،‬ويقوـ على العبلقة اؼبتبادلة بني ّ‬
‫من داخل النّ ّ‬
‫عني‪.‬‬
‫الصفة قياسا إٔب سياؽ ُم ّ‬
‫يكتسب ىذه ّ‬
‫السطحية‪ :‬وذلك استنادا إٔب مقوالت‬ ‫‪ -5‬تعيني االنزياح انطبلقا من البنية العميقة والبنية ّ‬
‫(تشومسكي) اللّغوية؛ حيث ذىب إٔب أ ّف معظم اعبمل ؽبا بنيتاف‪ :‬بنية سطحية ظاىرية وأخرى‬
‫ربتية عميقة‪ 1،‬ومن خبل التّمييز بني ىاتني البنيتني يبكن ربديد االنزياح انطبلقا من اؼبعىن‪.‬‬

‫وعموما فقد اقرتح الباحثوف تصنيف االنزياحات ُب طبسة مباذج أساسية أوردىا صبلح فضل‬
‫كاآلٌب‪:2‬‬
‫ص باعتبارىا ظواىر ؿبلية موضعية أو شاملة فاالكبراؼ اؼبوضعي‪ ،‬ىو‬
‫‪– 1‬تبعا لدرجة انتشارىا ُب النّ ّ‬
‫ككل‬
‫ص ّ‬ ‫الشامل فيؤثّر على النّ ّ‬
‫السياؽ (االستعارة مثبل) ّأما االكبراؼ ّ‬
‫ما يُؤثّر على نسبة ؿبدودة من ّ‬
‫(التّكرار مثبل)‪.‬‬
‫تصور‬
‫يتم تصنيف االنزياحات طبقا لعبلقتها بنظاـ القواعد اللّغوية‪ ،‬وذلك من جانبني ّأوؽبا‪ّ :‬‬‫‪ّ –2‬‬
‫تصوره كخرؽ للقواعد اللّغوية‪.‬‬
‫األسلوب كإضافة صبالية ُب بنية شعرية وثانيهما‪ّ :‬‬
‫فيتم التّمييز بني إكبرافات داخلية وأخرى‬
‫ص‪ّ ،‬‬ ‫‪ –3‬تصنيف االنزياحات وفقا للعبلقة بني القاعدة والنّ ّ‬
‫ص ُب‬
‫خارجية‪ ،‬وتتعلّق األؤب بانفصاؿ وحدة لغوية ذات انتشار ؿبدود عن القاعدة اؼبسيطرة على النّ ّ‬
‫ص عن القاعدة اؼبوجودة ُب اللّغة اؼبدروسة‪.‬‬
‫صبلتو‪ّ ،‬أما الثّانية فتتّصل باختبلؼ أسلوب النّ ّ‬
‫يتم التّمييز بني االنزياحات‬
‫‪ -4‬تصنيف االنزياحات طبقا للمستوى اللّغوي الذي تعتمد عليو‪ ،‬وُّذا ّ‬
‫الصرفية واؼبعجمية والنّحوية وال ّداللية‪.‬‬
‫الصوتية و ّ‬
‫اػبطّية و ّ‬
‫الرتكيب ُب الوحدات اللّغوية‪.‬‬
‫‪-5‬تصنيف االنزياحات طبقا لتأثريىا على مبدأي االختيار و ّ‬

‫‪1‬اللّغة واإلبداع‪(،‬مبادئ علم األسلوب العربي)‪ ،‬محمد شكري عياد‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ 2‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص(‪.)211-210‬‬
‫‪302‬‬
‫الفصل الرّابع‬

‫أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقاميللحريري‬

‫مقوماتو‬
‫ّأوال‪:‬فن المقامة أصولو و ّ‬
‫ثانيا‪ :‬االنزياح ال ّداللي‬
‫ثالثا‪ :‬االنزياح التّركيبي‬
‫رابعا‪ :‬االنزياح اإليقاعي‬

‫ومقوماته‬
‫ّ‬ ‫أوال‪ :‬فنّ المقامة أصوله‬
‫‪ -0‬داللة مصطلح اؼبقامة‪:‬‬
‫‪301‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫دلّت كلمة «مقامة» ُب اعباىلية على معىن اَّلس أو من يكوف فيو‪ ،‬واستشهد ببيت زىري‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َوأَنْ ِديٍَة يَػنْتَابُػ َها ال َق ْو ُؿ َوال ْ‬ ‫ِ‬
‫َوفي ِه ْم َم َق َامات ح َ‬
‫‪1‬‬
‫فع ُل‬ ‫م ‪‬‬‫وى ُه ْ‬
‫سا ٌف ُو ُج ُ‬
‫الشخص بني يدي‬ ‫ليدؿ على اؼبوقف الذي كاف يقفو ّ‬ ‫تطور معناىا ُب العصر اإلسبلمي ّ‬ ‫ٍبّ ّ‬
‫اػبليفة أو غريه واعظا‪.‬‬
‫نصو‬
‫العاـ للمقامة ىو اَّلس ما ّ‬
‫الشريشي –شارح مقامات اغبريري‪ -‬إٔب أ ّف اؼبعىن ّ‬
‫يشري ّ‬
‫سمى مقامة وؾبلسا؛‬
‫« واؼبقامات اَّالس‪ ،‬واحدّتا مقامة‪ ،‬واغبديث هبتمع لو وهبلس الستماعو يُ ّ‬
‫‪2‬‬
‫أل ّف اؼبستمعني للمح ّدث ما بني قائم وجالس »‪.‬‬
‫وىو اؼبعىن الذي أشار إليو أيضا "يوسف نور عوض"‪ ،‬عندما تكلّم عن عبلقة اؼبقامة‬
‫باَّلس؛ إذ ال يزاؿ ُب رأيو كثري من العرب ُب منطقة اػبليج العريب يطلقوف على ؾبتمع اؼبسامرة اسم‬
‫سموف بو حديث مسامرّتم أيضا‪.3‬‬
‫«اَّلس»‪ ،‬وىو ما يُ ُّ‬
‫وُّذا ُيبكننا القوؿ إ ّف اؼبقامة –دبعىن اَّلس‪ -‬تضرب جبذورىا ُب عمق التّاريخ‪ ،‬حيث كانت‬
‫السمر ليبل‪ ،‬يُتح ّدث فيها عن قصص اعبا ّف واغبيواف‪،‬‬
‫الصحراء ُب وقت من األوقات مسرحا َّالس ّ‬
‫ّ‬
‫ويتكلّموف باؼبواعظ واألمثاؿ‪.‬‬
‫لقد انطلقت كلمة «مقامة» من منبتها اللّغوي الذي ىو «اَّلس»‪ ،‬كما أشار إٔب ذلك‬
‫‪4‬‬
‫ليستقر مفهومو فنّػيّا واصطبلحيا‬
‫ّ‬ ‫غوي‬‫ل‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫اؼبدلوؿ‬ ‫ىذا‬ ‫تبلور‬ ‫ٍب‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫صاحب لساف العرب‪ ،‬وغريه كثريوف‬
‫الزماف اؽبمذاين‪ ،‬فاستعمل«معناىا تعبريا جامعا لصياغات أدبية أنيقة األسلوب‪ ،‬سياقها‬
‫عند بديع ّ‬
‫‪5‬‬
‫سرد قصصي ومدارىا على الكدية »‪.‬‬
‫الزماف اؽبمذاين‪ ،‬ومن تبله فبّن تأثّر بو وقلّده‪ ،‬ىي «تلك الّيت‬
‫فاؼبقامة كما وصلتنا عن بديع ّ‬
‫ومتسوؿ‪ ،‬ؽبا َرا ٍو وبطل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قصة قصرية بطلها مبوذج إنساين مكد‬
‫ّازبدت شكبل دراميا ٓب يسبق إليو‪ ،‬فهي ّ‬

‫‪1‬ديواف زىير بن أبي سلمى‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنّشر‪1979( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫شريشي‪ ،‬تحقيق عبد المنعم خ ّفاجي‪،‬ج‪ ،1‬ملتزـ الطّبع عبد الحميد أحمد حنفي‪ ،‬ط‪1952(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪2‬شرح مقامات الحريري البصري‪ ،‬أبو العبّاس ال ّ‬
‫عوض‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1979(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.06‬‬
‫فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور َ‬
‫‪3‬ينظر‪ّ :‬‬
‫‪4‬لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة (قَػ َوَـ)‪.‬‬
‫السابع‪ ،‬عزة الغناـ‪ ،‬ال ّدار الفنّية للنّشر والتّوزيع‪( ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫الرابع إلى القرف ّ‬
‫‪5‬الفن القصصي العربي القديم من القرف ّ‬
‫‪305‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫وتقوـ على حدث طريف‪ ،‬مغزاه مفارقة أدبية‪ ،‬أو مسألة دينية‪ ،‬أو مغامرة مضحكة‪ ،‬ربمل ُب داخلها لونا‬
‫‪1‬‬
‫لصنعة اللّفظية والببلغية »‪.‬‬
‫السخرية‪ ،‬وضعت ُب إطار من ا ّ‬
‫من ألواف النّقد أو الثّورة أو ّ‬
‫الشعبية القصرية الّيت كاف ال ّدافع من ورائها تأليفها تفسري اغبياة الّيت‬
‫ّإّنا إذا تلك القصص ّ‬
‫كاف يعيشها النّاس أنذاؾ‪ ،‬وما يكتنفها من مظاىر اجتماعية ـبتلفة‪ ،‬تتخلّلها ُب بعض األحياف‬
‫السلوؾ البشري‪ ،‬وصلة األفراد بعضهم ببعض‪.‬‬
‫تنوه دبظاىر ّ‬
‫عبلقات ّ‬
‫‪-2‬أصوؿ المقامة ونشأتها‪:‬‬
‫القص‪ ،‬شاع وانتشر بوضوح ُب العصر‬ ‫ّ‬ ‫اؼبقامة‪-‬كما أسلفنا ال ّذكر‪ -‬شكل من أشكاؿ‬
‫العبّاسي‪ ،‬وكبن عندما نذكرىا تتبادر إٔب أذىاننا تلك الكتابة اغبسنة التّأليف‪ ،‬األنيقة التّصنيف‪ ،‬والّيت‬
‫تتضمن نكتا أدبية مفيدة‪ ،‬ومواعظ دينية ُمبكية‪ ،‬وأضاحيك فكاىية ُملهية‪.‬‬
‫ّ‬
‫احتل‬
‫والفن اؼبقامي موضوع من اؼبواضيع الكثرية الّيت شغلت الباحثني قديبا وحديثا‪ ،‬وقد ّ‬
‫بذلك منزلة مرموقة ُب ال ّدراسات األدبية والببلغية واللّغوية‪ ،‬باعتباره وبتوي وجوىا صبّة من اغبسن ُب‬
‫أساليبو‪ ،‬وألفاظو وطريقة سرده‪.‬‬
‫لعل أؤب أصوؿ اؼبقامة تلك األحاديث الّيت أنشأىا ابن دريد ُب القرف الثالث اؽبجري‪ ،‬وىو‬
‫و ّ‬
‫العامة الذين ّازبذوا منو‬
‫خاصة بني ّ‬
‫عم فيو وانتشر القصص على نطاؽ واسع ج ّدا‪ّ ،‬‬
‫العصر الذي ّ‬
‫السمر‪.‬‬
‫وسيلة لليإب ّ‬
‫غري أ ّف اؽبدؼ األظبى من وراء تأليف ىذه األحاديث ىو التّعليم‪ ،‬وتلقني النّاشئني أصوؿ‬
‫الشوائب‪،‬‬
‫اللّغة وغريبها‪ ،‬بعدما فسدت وشاع فيها اللّحن‪ ،‬فعمد ابن دريد إٔب ضبل لواء تنقيتها من ّ‬
‫وبالتّإب ّتذيبها ُب شكل بناء قصصي يُثري االىتماـ لسماعو‪ ،‬وترديده غبِِْف ِظو‪ ،‬وُّذا ُوب ّقق اؽبدؼ‬
‫اؼبرجو من القصص أو األحاديث‪.2‬‬
‫ويبدو أ ّف ىذه األحاديث الّيت أخرجها ابن دريد ُب أسلوب شبو قصصي‪ ،‬والّيت كانت غايتها‬
‫الزماف اؽبمذاين إٔب إنشاء قصص أكثر بناء‪ ،‬فإٔب‬
‫األؤب تلقني اللّغة‪ ،‬كانت فاربة وملهمة عقل بديع ّ‬

‫عوض‪ ،‬ص‪.08‬‬
‫فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور َ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬

‫السابع‪ ،‬عزة الغناـ‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫الرابع إلى القرف ّ‬
‫‪2‬ينظر‪:‬الفن القصصي العربي القديم من القرف ّ‬
‫‪302‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫تنوعت بني مدح واكتداء ووعظ‪،‬‬


‫تضمنت أغراضا عديدة ّ‬
‫الصورة‪ّ ،‬‬
‫جانب عرضها اإلنشائي اؼبتكامل ّ‬
‫مشوقة‪ ،‬ىي ُب كثري من األحياف مسبوكة النّسج واؽبيكل‪.‬‬
‫وذلك ُب صيغة فكاىية ّ‬
‫وقد نبّو أبو إسحاؽ اغبصري إٔب تأثّر البديع بابن دريد فقاؿ‪ «:‬وؼبا رأى أبا بكر ؿبمد بن‬
‫ّ‬
‫اغبسني بن دريد األزدي أغرب بأربعني حديثا‪ ،‬وذكر أنّو استنبطها من ينابيع صدره واستنتجها من‬
‫الضمائر‪ ،‬عارضها بأربعمائة مقامة ُب‬
‫معادف فكره‪ ،‬وأبداىا لؤلبصار والبصائر وأىداىا لؤلفكار و ّ‬
‫الكدية تذوب طرفا‪ ،‬وتقطر حسنا‪.1»...‬‬
‫الزماف اؽبمذاين قد أُعجب بأحاديث ابن دريد فاستلهم‬
‫ص إٔب أ ّف بديع ّ‬
‫ولبلص من ىذا النّ ّ‬
‫منها مقاماتو‪ ،‬إالّ أ ّف من الباحثني‪2‬من نفى ىذا التّأثري مبيّنا االختبلؼ الواضح بني األحاديث‬
‫‪3‬‬
‫الشكل‪ ،‬وعن‬
‫واؼبقامات‪ ،‬وُب ىذا اؼبقاـ أشار شوقي ضيف إٔب أ ّف اؽبمذاين قد أخذ عن ابن دريد ّ‬
‫اعباحظ اؼبوضوع‪.‬‬
‫الزماف اؽبمذاين ٓب ينشئ مقاماتو من العدـ‪ ،‬وإّمبا كانت نتيجة‬
‫وُّذا يتجلّى لنا أ ّف بديع ّ‬
‫لعل أنبّها ابن دريد واعباحظ‪ ،‬وذلك من خبلؿ كتابو «البخبلء»‪ ،‬والذي أبدى فيو‬
‫لتأثريات عديدة‪ّ ،‬‬
‫السلوؾ‬
‫وصور ُّ‬
‫بأدؽ تفاصيلها‪ .‬وقد انتهج اؽبمذاين اؼبذىب الواقعي ّ‬
‫براعة فائقة ُب تصوير حياة النّاس ّ‬
‫االجتماعي من خبلؿ مبوذج اؼبكدي‪ ،‬كما فعل اعباحظ قبلو مع مبوذج "البخيل"‪ .4‬ىذا باإلضافة إٔب‬
‫السخرية والفكاىة‪ ،‬وىو ما نلمسو أيضا ُب أخبار‬
‫معاعبة ظاىرة الكدية بطريقة قصصية غنية بعناصر ّ‬
‫وطرائف البخبلء‪.‬‬
‫وإمبا تع ّداه إٔب أثر آخر من آثار اعباحظ‬
‫وٓب يقتصر تأثّر البديع بكتاب البخبلء فحسب‪ّ ،‬‬
‫الرتبيع والتّدوير"‪ ،‬الّيت استقى منها النّزعة التّعليمية‪ ،‬والغرض من ذلك كلّو إظهار‬
‫وىو "رسالة ّ‬
‫الرسائل‬
‫الشبو بني اؼبقامات و ّ‬
‫الصفا‪ ،‬و«وجو ّ‬
‫الفصاحة والعلم‪ ،‬ىذا باإلضافة إٔب تأثّره برسائل إخواف ّ‬

‫‪1‬زىر اآلداب وثمر األلباب‪ ،‬أبو إسحاؽ الحصري‪،‬ج‪ ،1‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪(2‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.261‬‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬القاىرة‪1974( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫القصة المصرية الحديثة‪ ،‬محمد رشدي حسين‪ ،‬الهيئة المصرية ّ‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬أثر المقامة في نشأة ّ‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬المقامة‪ ،‬شوقي ضيف‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط(‪1979‬ـ)‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫عوض‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور َ‬
‫‪ 4‬ينظر‪ّ :‬‬
‫‪307‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫ذبتث أصوؿ‬
‫يتجلّى ُب أ ّف كليهما عمد إٔب تعرية اَّتمع العبّاسي وفضحو سبهيدا لقياـ الثّورة الّيت ّ‬
‫‪1‬‬
‫الفساد فيو »‪.‬‬
‫الفن‬
‫الزماف اؽبمذاين دبن سبقوه من األدباء‪ ،‬إالّ أ ّف الفضل يرجع إليو ُب إنشاء ّ‬
‫ورغم تأثّر بديع ّ‬
‫صرح بو اغبريري ُب مق ّدمة‬
‫اؼبقامي بالوجو الذي وصلنا‪ ،‬وىو إبداع ٓب يسبق إليو أحد من قبل؛ وىو ما ّ‬
‫السبق‪ ،‬فبّا جعل تأثريه فيمن‬
‫الفن األديب‪ ،‬ولو فضل ّ‬
‫مقاماتو‪ ،‬حيث ذكر أ ّف اؽبمذاين ىو ـبرتع ىذا ّ‬
‫جاءوا بعده يبدو جليّا للعياف‪ ،‬و« بعد فإنّو قد جرى ببعض أندية األدب الذي ركدت ُب ىذا العصر‬
‫الزماف وعبلّمة نبذاف‪-‬رضبو ا﵁ تعأب‪ -‬وعزا‬
‫روبو‪ ،‬وخبت مصابيحو؛ ذكر اؼبقامات الّيت ابتدعها بديع ّ‬
‫‪2‬‬
‫الصنعة »‪.‬‬
‫الرتبة ُب ّ‬
‫وعلو ّ‬
‫إٔب أيب الفتح اإلسكندري نشأّتا‪ ،‬وىي ُب غاية الببلغة‪ّ ،‬‬
‫لكن رأي اغبريري والقلقشندي ىذا‪ ،‬ال يُدحض الفكرة القائلة بأ ّف اؽبمذاين قد استقى فكرة‬
‫لعل أنبّها‪ :‬أحاديث ابن دريد‪-‬كما أشرنا‪ -‬إٔب ذلك سابقا‬‫إنشاء اؼبقامات من مصادر تراثية قصصية‪ّ ،‬‬
‫بالرغم من ّأّنا تع ّد أصبل ؽبا‪ ،‬وذلك من حيث‬
‫والّيت ال ينكر بعض الباحثني اختبلفها عن اؼبقامات‪ّ ،‬‬
‫اػبصائص الفنّػيّة‪ .‬وقد رصد أحد الباحثني ىذه االختبلفات بقولو‪ « :‬فاألحاديث فيها روح اغبكاية كما‬
‫ذبدىا ُب اؼبقامات‪ ،‬وذبد فيها ىذا اؼبيل إٔب التّسجيع ُب أثناء الوصف‪ ،‬وإٔب التّسيّط ُب اؼبصطلحات‪ ،‬أو‬
‫الفن ُب اؼبقامات أظهر فيها بطل واحد تدور اغبكاية صبيعها عليو‪ ،‬وفيها‬
‫اؼبرتادفات اللّغوية‪ ،‬إالّ أ ّف ّ‬
‫بالصناعة ىنا سبك اغبكاية ُب اؼبقامة‪ ،‬وما‬
‫صناعة لفظية وبيانية‪ ،‬أرقى منها ُب تلك األحاديث‪ ،‬ونعّن ّ‬
‫تفوؽ اؼبقامات ُب ذكر النّوادر‬
‫السجع وُب أساليب البديع‪ ،‬يُضاؼ إٔب ذلك ّ‬ ‫يقرتف بو من تفنّن ُب ّ‬
‫الزماف وأعبلـ التّاريخ‪ ،‬وما يَعرض فيها من حكم وأمثاؿ‪ ،‬ونكات ولغة وأدب‬
‫واألخبار واإلشارة إٔب وقائع ّ‬
‫‪3‬‬
‫»‪.‬‬
‫خاصة من‬
‫الشكل دوف اؼبوضوع ّ‬ ‫الشبو بني اؼبقامات واألحاديث يقتصر على ّ‬ ‫إذف فوجو ّ‬
‫جانب التّسجيع ُب أثناء الوصف‪ ،‬واعبنوح إٔب اؼبرتادفات واأللفاظ العربية كما ُب ىذا اغبديث‪ «:‬ال‬

‫‪ 1‬نفسو‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫الرسوؿ‪،‬ج‪ ،14‬دار الكتب األخدوية‪ ،‬القاىرة‪1913( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪2‬صبح األعشى‪ ،‬القلقشندي‪ ،‬تحقيق محمد عبد ّ‬
‫تطور األساليب النّثرية في األدب العربي‪ ،‬أنيس المقدسي‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1979(6‬ـ)‪ ،‬ص‪.366‬‬
‫‪ّ 3‬‬
‫‪305‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الع َوف ال َقواَ ِع َد‪ ،‬وال ٍّ‬


‫تورثوا نرياف األحقاد‪ ،‬فيها اؼبتلفة اؼبستأصلة‪،‬‬ ‫الشوارد؛ وال تُلحقوا َ‬
‫نشطوا عقل ّ‬ ‫تُ ّ‬
‫واعبائحة واألليلة‪.1»...‬‬
‫يتبني لنا أ ّف اؼبقامات الّيت اكتملت وظهرت على يد اؽبمذاين ُب القرف الرابع‬
‫ومن ىذا اؼبنظور ّ‬
‫ظل األخبار والنوادر والقصص الشعبية الّيت عرفها العرب قديبا‪ ،‬فقد‬
‫اؽبجري‪ٓ،‬ب تكن لتنشأ إالّ ُب ّ‬
‫السائدة ُب‬
‫العامة ّ‬
‫وصور فيو الظّواىر ّ‬‫السياسية واالجتماعية‪ّ ،‬‬
‫صاغ البديع مبوذجا فنّيا‪ ،‬انتقد بو اغبياة ّ‬
‫‪2‬‬
‫ذلك القرف‪ ،‬وىذا النّموذج ىو أشبو ما يكوف بنموذج عنرتة وشهرزاد وكليلة ودمنة‪.‬‬
‫المقومات الفنّية للمقامة‪:‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫خرجت القصص العربية من سياقها التّارىبية واػبربية‪ ،‬واؼبتمثّلة ُب األحاديث واألخبار‬
‫والنّوادر‪ ،‬والّيت ش ّكلت وجو اغبياة العربية أنذاؾ‪ ،‬إٔب شكل آخر أكثر صباال وأكثر بناء‪ ،‬ويتعلّق األمر‬
‫ؾبرد‬
‫القصة العربية من ّ‬
‫حولت ّ‬ ‫حوؿ اليت ّ‬‫غريات اغبادثة‪ ،‬ونقطة التّ ّ‬
‫باؼبقامة الّيت كانت إحدى مظاىر التّ ّ‬
‫تصور تَطلّعات الفرد واعبماعة ُب عصر شاع فيو االنشطار الطّبقي ما بني أغنياء‬‫خرب يروى إٔب رؤية ّ‬
‫مرتفوف‪ ،‬وفقراء معدموف‪.‬‬
‫الشاملة للواقع االجتماعي‬
‫الصورة ّ‬
‫فقد امتزجت األصوؿ من األحاديث واألخبار اؼبروية مع ّ‬
‫سمى "باؼبقامة" الّيت تداخلت فيها جوانب‬
‫السائد ُب العصر العبّاسي‪ ،‬فنتج عنو ما يُ ّ‬
‫السياسي ّ‬ ‫و ّ‬
‫ُمتع ّددة‪ ،‬ميّزّتا عن سائر الفنوف األدبية األخرى‪ ،‬األمر الذي دفعنا إٔب دراسة ىذه اػبصائص اليت‬
‫صت ُّا اؼبقامة واليت ّقربتها من الفنوف ال ّدرامية اغبديثة‪.‬‬
‫ُخ ّ‬

‫‪ 1‬كتاب األمالي‪ ،‬أبو علي القالي‪،‬ج‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫عوض‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور َ‬
‫ينظر‪ّ :‬‬
‫‪2‬‬

‫‪309‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫‪ 1-3‬الجانب القصصي‪:‬‬
‫ترسخ ُب األذىاف أ ّف ما عرفو العرب من العمل القصصي‪ ،‬ليس سوى أخبار وطرائف ينعدـ فيها‬
‫ّ‬
‫بالقصة باؼبفهوـ اغبديث ؽبا‪ ،‬وأ ّف اؼبقامة على وجو التّحديد ما ىي إالّ‬
‫ّ‬ ‫الفّن‪ ،‬وال صلة ؽبا‬
‫اعبانب ّ‬
‫أالعيب لغوية‪ ،‬وببلغية‪ُ ،‬وباوؿ صاحبها إبراز مقدرتو اللّغوية والبيانية‪.‬‬
‫غري أنّو يبكن القوؿ إ ّف اؼبرحلة اليت ارتبطت بوجود األخبار والنّوادر واألظبار‪ ،‬سبثّل مرحلة التّهيّؤ‬
‫القص العربية؛ إذ يُشري أحد‬‫فن جديد اظبو"اؼبقامة"‪ ،‬والذي اعترب فيما بعد أحد فنوف ّ‬ ‫البياين لظهور ّ‬
‫الزماف اؽبمذاين ُب القرف الرابع اؽبجري‪ ،‬أصبحت لونا من‬
‫الباحثني إٔب أ ّف اؼبقامة من ّأوؿ نشأّتا عند بديع ّ‬
‫تطوراّتا األخرية إٔب أقاصيص مكتملة البناء كما نراىا‬
‫حّت انتهت ُب ّ‬
‫القصة اإلنسانية‪ ،‬وظلّت كذلك ّ‬
‫ألواف ّ‬
‫‪1‬‬
‫عند اؼبويلحي‪ ،‬وؿبمد لطفي صبعة وغرينبا‪.‬‬
‫وربرجوا من إقحامها ضمن الفنوف القصصية‪،‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ ،‬أنكر آخروف قصصية اؼبقامة‪ّ ،‬‬
‫القصة دبفهومها اغبديث‪ ،‬فجعلوا منها ؾبّرد ألفاظ وتراكيب‬
‫حيث اعتربوا ذلك جورا على حقيقة بناء ّ‬
‫تصة بعضها أماـ بعض‪ ،‬والغرض منها إظهار الرباعة اللّغوية والببلغية‪ ،‬وتعليم النّاشئني اللّغة‪ ،‬فهي‬
‫مر ّ‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫القصة ّ‬
‫كل البعد عن مضموف ّ‬
‫بذلك بعيدة ّ‬
‫الشعكة أراء ثبلثة ؼبستشرقني أبدوا رأيهم ُب عبلقة اؼبقامة‬
‫وُب ىذا اؼبقاـ عرض مصطفى ّ‬
‫الراوي والبطل أف يكسب اؼبقامة‬
‫الزماف من ا﵀اورة بني ّ‬
‫األوؿ فيقوؿ‪ «:‬ويبغي بديع ّ‬
‫بالقصة‪ ،‬ف ّأما ّ‬
‫ّ‬
‫نوعا من اغبركة واغبياة‪ ،‬وُب نفس الوقت يتّخذىا ميدانا إلظهار ببلغتو وثقافتو وقدرتو على نظم‬
‫‪2‬‬
‫كل شيء »‪.‬‬
‫الشعر غري أ ّف صدر اؼبقامة ال غناء فيو‪ ،‬وعنصر اؼبخاطرة تافو‪ ،‬واألسلوب ىو ّ‬
‫ّ‬
‫ؾبرد حوار أو عرض بني اؼبلقي‬ ‫الزماف اؽبمذاين عند ىذا اؼبستشرؽ هبعل من اؼبقامة ّ‬ ‫فبديع ّ‬
‫واؼبتل ّقي‪ ،‬وؽبذا قد ينشأ بينهما نوعا من اغبركة اؼبتمثّلة ُب اغبوار‪ ،‬والذي يكسبها أسلوبا ببلغيا‪.‬‬
‫الزماف اؽبمذاين مقاماتو الّيت وضع فيها شخصا خياليا‬
‫الرأي الثّاين‪ « :‬وُب نيسابور أنشأ بديع ّ‬
‫ّأما ّ‬
‫تسولية‪ ،‬وموضوعات أخرى‪ ،‬ومقاماتو‬
‫ابتكره وظبّاه أبا الفتح اإلسكندري‪ ،‬واؼبقامات ربتوي على مبلمح ّ‬

‫القصة المصرية الحديثة‪ ،‬محمد رشدي حسين‪ ،‬ص‪.05‬‬


‫ينظر‪ :‬أثر المقامة في نشأة ّ‬
‫‪1‬‬

‫شعكة‪ ،‬مكتبة القاىرة الحديثة‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬ص(‪.)281-280‬‬


‫الصحفية‪ ،‬مصطفى ال ّ‬
‫القصة العربية والمقالة ّ‬
‫الزماف الهمذاني رائد ّ‬
‫‪2‬بديع ّ‬
‫‪331‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الشيء‪ ،‬ولكنّها مكتوبة بأسلوب بارع‬


‫ُب اغبقيقة أقاصيص نعرؼ فيها األصل اآلري‪ ،‬وىي قصرية بعض ّ‬
‫مرة ُب صورة‬
‫وصعب‪ ،‬حيث يستخدـ الكلمات اللّغوية النّادرة االستعماؿ والبطل اغبديدي الذي يظهره ّ‬
‫‪1‬‬
‫نبطية وأحيانا ُب صورة عربية‪ ،‬وأحيانا مسيحيا‪ ،‬وأحيانا مسلما»‪.‬‬
‫الزماف‪ -‬واليت تدور حوؽبا‬
‫للشخصية ا﵀ورية الّيت ابتكرىا بديع ّ‬ ‫الرأي‪ ،‬يُعطي اؼبستشرؽ ّ‬ ‫ُب ىذا ّ‬
‫وقائع وأحداث اؼبقامة – شأنا كبريا‪ ،‬باإلضافة إٔب تركيزه على أسلوب اؼبقامة وألفاظها الغريبة‪.‬‬
‫قر بإمكانية إقحاـ اؼبقامة ضمن الفنوف القصصية فيقوؿ‪ « :‬وقبد ُب مقامات‬‫الرأي الثّالث يُ ّ‬
‫ّ‬
‫تصور اؽبمذاين بطلو‬
‫ط‪ ،‬وقد ّ‬
‫الساميوف ق ّ‬
‫اؽبمذاين قربا من األسلوب التّمثيلي اؼبسرحي الذي ٓب يستعملو ّ‬
‫مزودا نفسو حبضور ذاكرتو الّيت تسعفو بالببلغة‬ ‫متشردا أفّاقا ينتقل من مكاف إٔب مكاف ّ‬
‫ؿبتاال ماىرا ّ‬
‫كوف وحدة ُمست ّقلة‪ ،‬ولذا فاَّموعة الكاملة رّدبا ينظر‬
‫كل مقامة تُ ّ‬
‫السامعني‪ ...‬و ّ‬
‫الشعر واللّذين يكتسباف ّ‬
‫و ّ‬
‫‪2‬‬
‫كل شيء »‪.‬‬
‫القصة ال شيء واألسلوب ّ‬
‫الشعر‪ ،‬حيث تكوف ّ‬
‫كقصة ربتوي على النّثر و ّ‬
‫إليها ّ‬
‫قر دبسرحة اؼبقامة‬
‫جسد حقيقة التّناقض الذي وقع فيو اؼبستشرؽ‪ ،‬حيث يُ ّ‬ ‫الرأي فيُ ّ‬
‫ّأما ىذا ّ‬
‫القصة‪.‬‬
‫وينكر ُب الوقت نفسو قصصيتها واؼبتعارؼ عليو أ ّف اؼبسرحية ؽبا مبلمح ّ‬
‫األوؿ؛ يُنكر سباما قصصية اؼبقامة‪ ،‬ويعتربىا‬ ‫ىي إذف أراء ـبتلفة ؼبستشرقني ثبلثة حيث نرى ّ‬
‫القصة‪ّ .‬أما الثّاين فيعرتؼ بأنبّية اؼبقامة‬
‫ؾبرد عرض للرباعة اللّغوية والببلغية مع غياب كامل لعناصر ّ‬
‫ّ‬
‫الرأي الثّالث فيناقض نفسو‬
‫بالرغم من استخداـ مؤلّفيها للكلمات اغبوشية الغريبة‪ّ ،‬أما ّ‬
‫كفن قصصي ّ‬
‫ّ‬
‫القصة فيها‬
‫بنفسو‪ ،‬ففي الوقت الذي يع ّدىا نوعا من القصص التّمثيلي‪ ،‬يعود فينكرىا سباما فيقوؿ إ ّف ّ‬
‫كل شيء‪.‬‬
‫ال شيء واألسلوب ىو ّ‬
‫نصو‪ « :‬ولو اتّفق اؼبستشرقوف الثّبلثة على‬
‫الشعكة ُمعلّقا على ىذه اآلراء ما ّ‬
‫ويقوؿ مصطفى ّ‬
‫القصة فيها‪ّ .‬أما وقد اختلفوا‬
‫مرات قبل أف نقوؿ بوجود ّ‬
‫ترددنا ع ّدة ّ‬
‫القصة ُب اؼبقامات ل ُكنّا قد ّ‬
‫إنكار ّ‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص(‪.)281-280‬‬
‫‪2‬نفسو‪ ،‬ص(‪.)281-280‬‬
‫‪330‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الراقية وىي التّمثيلية ٍبّ يعود فينكرىا فهذا أمر يقطع‬


‫بالقصة ّ‬
‫ّ‬ ‫حّت إ ّف أحدىم يعرتؼ‬
‫فيما بينهم ّ‬
‫‪1‬‬
‫القصة الكاملة ُب بعض اؼبقامات »‪.‬‬
‫الفن القصصي‪ ،‬بل ّ‬‫بوجود ّ‬
‫بالقصة ومدى ائتبلؼ عناصرىا‪ ،‬فهذا‬
‫جدؿ حوؿ عبلقة اؼبقامة ّ‬
‫وقد أُثري ُب البحوث العربية ٌ‬
‫القصة واؼبقامة أحيانا واختبلفهما أحيانا أخرى‪ ،‬فهما يأتلفاف‪-‬كما‬
‫قر بائتبلؼ ّ‬
‫ؿبمد رشدي حسن يُ ّ‬
‫للقصة‬
‫ؾبرد سرد أخبار وحكايات‪ ،‬وىبتلفاف حني نعود إٔب التّعريف اغبديث ّ‬
‫القصة ّ‬
‫يرى‪ -‬إذا كانت ّ‬
‫‪2‬‬
‫ووبلّلو العلم »‪.‬‬
‫بأ ّّنا‪« :‬تصوير للحياة سبليو العاطفة ُ‬
‫القصة؛ أل ّف‬
‫الفن اؼبقامي ال ىبتلف كثريا عن ّ‬
‫للقصة فإ ّف ّ‬
‫حّت باؼبفهوـ اغبديث ّ‬ ‫والواقع ّأّنا ّ‬
‫السياسية دبختلف مظاىرىا ُب ذلك العهد‪ ،‬وىي إٔب جانب‬‫اؼبقامة ىي تصوير للحياة االجتماعية و ّ‬
‫ليس"كل‬
‫ّ‬ ‫السائدة أنذاؾ‪ ،‬وقد خلص الباحث ُب األخري إٔب أ ّف‬ ‫ذلك كلّو نتيجة حتمية لؤلوضاع ّ‬
‫‪3‬‬
‫القصة فرع‪.‬‬
‫قصة" فاؼبقامة ُب رأيو ىي أصل‪ ،‬و ّ‬
‫كل مقامة ّ‬
‫قصة مقامة" ولكن" ّ‬
‫ّ‬
‫يبت إٔب‬
‫كل اؼبقامات قصصا؛ أل ّف بعضها ‪-‬كما يقوؿ‪ -‬ال ّ‬
‫الشعكة فبل يعترب ّ‬
‫ّأما مصطفى ّ‬
‫‪4‬‬
‫خاصة تلك اؼبتعلّقة بالوعظ واؼبدح‪.‬‬
‫القصة بصلة ّ‬
‫ّ‬
‫القصة من حوار وأبطاؿ وحوادث وعقد وحركة‬
‫وقد اشتملت بعض اؼبقامات على عناصر ّ‬
‫أقره عبد اؼبالك مرتاض‪ «:‬إ ّف اؼبقامة إف ىي إالّ نوع من القصص ُب األدب العريب فقد‬
‫وىو ما ّ‬
‫القصة‪ ،‬وقد اشتملت على أبطاؿ‪َ ،‬وُوجود أبطاؿ ُب حديث‬
‫اشتملت على اغبوار وىو من عناصر ّ‬
‫كل حاؿ‪ ،‬وقد‬
‫القصة على ّ‬
‫قصة ولو دبفهوـ ما‪ ،‬واألبطاؿ عنصر من عناصر ّ‬
‫معناه أ ّف ىذا اغبديث ّ‬
‫القصة‪ ،‬وقفد اشتملت على حركة وعلى عقدة ُب كثري‬
‫اشتملت على حوادث‪ ،‬واغبوادث من عناصر ّ‬
‫القصة »‪.5‬‬
‫كل ذلك من عناصر ّ‬
‫من اؼبواطن‪ ،‬وعلى ُحبكة أحيانا‪ ،‬و ّ‬

‫شعكة‪ ،‬ص‪.281‬‬
‫الصحفية‪ ،‬مصطفى ال ّ‬
‫القصة العربية والمقالة ّ‬
‫الزماف الهمذاني رائد ّ‬
‫بديع ّ‬
‫‪1‬‬

‫القصة المصرية الحديثة‪ ،‬محمد رشدي حسين‪ ،‬ص‪.22‬‬


‫ينظر‪ :‬أثر المقامة في نشأة ّ‬
‫‪2‬‬

‫القصة المصرية الحديثة‪ ،‬محمد رشدي حسين‪ ،‬ص‪.23‬‬


‫أثر المقامة في نشأة ّ‬
‫‪3‬‬

‫شعكة‪ ،‬ص‪.281‬‬
‫الزماف الهمذاني‪ ،‬مصطفى ال ّ‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬بديع ّ‬
‫شركة الجزائرية ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪1968(1‬ـ‪ ،‬ص‪.)180‬‬
‫القصة في األدب العربي القديم‪ ،‬عبد المالك مرتاض‪ ،‬دار مكتبة ال ّ‬
‫‪ّ 5‬‬
‫‪333‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الفن القصصي قبد ؿبمد غنيمي‬


‫وُب الوقت الذي يتح ّفظ فيو الباحثني من اعتبار اؼبقامة من ّ‬
‫الشعيب العريب إٔب جانب ألف ليلة وليلة‪ ،‬وغريىا من القصص‪« :‬‬
‫ىبلؿ هبعلها ُب مصاؼ القصص ّ‬
‫نعرؼ ُّا‪ ،‬ونتح ّدث عنها من وجهة‬
‫للقصة‪ّ ،‬‬
‫يبت بصلة ّ‬
‫ونوجز القوؿ ُب عيوف األدب العريب قديبا ما ّ‬
‫حي بن‬
‫قصة ّ‬
‫نظر مقارنة وىي ألف ليلة وليلة‪،‬واؼبقامات‪،‬ورسالة التوابع والزوابع ‪،‬ورسالة الغفراف‪ٍ ،‬ب ّ‬
‫‪1‬‬
‫يقظاف »‪.‬‬
‫ىذا باإلضافة إٔب اعتباره إيّاىا أصيلة النّشأة غري مرتصبة كما ىو اغباؿ بالنّسبة أللف ليلة‬
‫وليلة‪ ،‬ويقوؿ ُب تعريفو ؽبا‪ « :‬حكاية قصرية يسودىا شبو حوار درامي‪ ،‬وربتوي على مغامرات يرويها‬

‫َرا ٍو‪ ،‬وىو عيسى بن ىشاـ ُب مقامات بديع ّ‬


‫الزماف‪ ،‬واغبارث بن نبّاـ ُب مقامات اغبريري عن بطل‬
‫السروجي ُب مقامات‬
‫الزماف وأبو زيد ّ‬
‫يقوـ ُّا وىو أبو الفتح االسكندري ُب أكثر مقامات بديع ّ‬
‫‪2‬‬
‫اغبريري »‪.‬‬
‫القص العريب‪ ،‬فخرجوا‬
‫ّ‬ ‫وقد اتّفق أغلب الباحثني اؼبعاصرين على أ ّف اؼبقامة نوع من أنواع‬
‫بتعريفات ؽبا تكاد تتّحد كلّها فهم يقولوف‪ّ ،‬إّنا‪ «:‬حكايات قصرية موضوعة على لساف رجل خيإب‬
‫تنتهي بعربة أو موعظة أو نكتة‪ ،‬واؼبراد ُّا ُب األكثر التّفنّن باإلنشاء وتضمينو األمثاؿ واغبكم »‪.3‬‬
‫وبأ ّّنا «حكاية قصرية أنيقة األسلوب تشتمل على عظة أو ملحة »‪.4‬‬
‫كل منها حوؿ حيلة رجل لكسب شيء من اؼباؿ عن طريق‬
‫بأّنا‪ «:‬حكايات قصرية تدور ّ‬
‫و ّ‬
‫‪5‬‬
‫التّك ّدي‪ ،‬صيغت ُب أسلوب أديب »‪.‬‬
‫وبأّنا‪ « :‬القصص الّيت يودعها الكاتب ما يشاء من فكرة أدبية‪ ،‬أو فلسفية‪ ،‬أو خاطرة‬
‫ّ‬
‫‪6‬‬
‫وجدانية‪ ،‬أو ﵀ة من ﵀ات ال ّدعابة واَّوف »‪.‬‬

‫‪ 1‬األدب المقارف‪ ،‬محمد غنيمي ىالؿ‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط (‪1983‬ـ)‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪2‬األدب المقارف‪ ،‬محمد غنيمي ىالؿ‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪3‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬جرجي زيداف‪ ،‬دار الهالؿ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ج‪ ،2‬ط(‪1957‬ـ)‪ ،‬ص‪.312‬‬
‫الزيات‪ ،‬دار الثّقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪(28‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.458‬‬
‫‪4‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬أحمد حسن ّ‬
‫‪5‬ظهر اإلسالـ‪ ،‬أحمد أمين‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1945(3‬ـ)‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫الرابع الهجري‪ ،‬زكي مبارؾ‪،‬ج‪ ،1‬دار الكتنب المصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1934(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.197‬‬
‫‪6‬النّثر الفنّي في القرف ّ‬
‫‪332‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الروائية على صورة أكرب »‪ ،1‬وىذا معناه‬


‫بأّنا‪ «:‬سبهيد للكتابة ّ‬
‫عرفها اؼبستشرؽ "آدـ متز" ّ‬
‫ويُ ّ‬
‫أ ّف اؼبقامة كانت تش ّكل إرىاصا ألعماؿ قصصية وروائية أكثر عمقا ونضجا فيما بعد‪.‬‬
‫الشيء‬‫القصة ّ‬
‫ىذه التّعريفات للمقامة العربية تكاد تتّفق كلّها‪ ،‬على أ ّف ُّا من خصائص ّ‬
‫الكثري‪ ،‬ومن جهة ثانية نعتقد أ ّف ىذه األقواؿ على دقّة تعريفاّتا فيها من التّعميم ما هبعلنا نقوؿ بأ ّف‬
‫القصة اغبديثة كما أشار إٔب ذلك‬
‫مقومات ّ‬
‫ليست كل اؼبقامات قصص؛ أل ّف منها ما ىو بعيد عن ّ‬
‫قرر أ ّف صبيع اؼبقامات قصص وإالّ كاف ذلك ربيّزا منّا وعنادا‪ ،‬فهناؾ‬
‫الشعكة‪ «:‬وكبن ال نُ ّ‬
‫مصطفى ّ‬
‫قصة‬
‫ؾبرد ّ‬
‫سبت إٔب القصة بسبب‪ ،‬كمقامات الوعظ واؼبدح‪ ،‬ولكن ىناؾ مقامات ليست ّ‬ ‫مقامات ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫الرفيعة‪ ،‬مثل البغدادية واغبلوانية‪ ،‬واؼبضرية »‪.‬‬
‫عادية‪ ،‬بل ىي ُب مراتب القصص ّ‬
‫القصة اغبديثة ومدى ارتباطها‬
‫مقومات ّ‬
‫أىم ّ‬ ‫وانطبلقا من تلك اآلراء كباوؿ أف نقف على ّ‬
‫الشخصيات وحوارىا‬
‫القصة اغبديثة على أركاف ثبلثة ىي اؼبوضوع وفكرتو و ّ‬
‫باؼبقامات‪ .‬حيث تقوـ ّ‬
‫والعقدة وحلّها‪.‬‬
‫‪.1-1-3‬الموضوع‪:‬‬
‫القصة بضرورة مناسبتو للعصر والبيئة اليت تعاِب قضيتها ‪،‬حبيث يكتسب طابعا‬
‫يتقيّد موضوع ّ‬
‫تتفرع عنها أحداث‬
‫إنسانيا بعيدا عن ا﵀لية اليت رب ّد نطاقو‪ ،‬ومن ىذا اؼبوضوع تنبثق الفكرة اليت ّ‬
‫القصة‪ ،‬وقد تناولت اؼبقامات موضوعات عديدة كانت ُب أغلبها عبارة عن مغامرات لطيفة‪ ،‬فيها من‬
‫ّ‬
‫خاصة منها تلك‬
‫بكل مظاىره ّ‬
‫التّفصيل والتّصوير البارع للحياة االجتماعية ما عكس بوضوح الواقع ّ‬
‫فصورت لنا اؼبقامات أسواؽ العبيد وصور‬
‫اؼبتعلّقة بالطّبقية وطغياف الفئة الغنيّة ُب اَّتمع البصري‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫التّقاضي واؼبنازعات‪.‬‬
‫الزبيدية ظاىرة بيع العبيد‪ ،‬حيث وبكي اغبارث بن نبّاـ أنّو‬
‫صور لنا اغبريري ُب اؼبقامة ّ‬
‫وقد ّ‬
‫السوؽ ليبتاع عبدا لو‪ ،‬وإذا برجل قد قبض على َزند غبلـ وىو ينشد شعرا يشيد فيو بالفّت‪،‬‬
‫قصد إٔب ّ‬

‫الرابع الهجري‪ ،‬آدـ ميتز‪ ،‬ال ّدار التونسية للنّشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪1986(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.408‬‬
‫‪1‬الحضارة اإلسالمية في القرف ّ‬
‫شعكة‪ ،‬ص‪.281‬‬
‫الزماف الهمذاني‪ ،‬مصطفى ال ّ‬
‫‪2‬بديع ّ‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬الحريري صاحب المقامات‪ ،‬أحمد أمين مصطفى‪ ،‬الدار المصرية اللبنانية‪ ،‬ط‪1998(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪331‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫اشرتى اغبارث الغبلـ‪ٍ ،‬ب أنشد الفّت أبياتا أعلن فيها أنّو يوسف‪ ،‬وانصرؼ البائع‪ ،‬لينشد الفّت شعرا‬
‫الشاري أماـ القاضي‪ ،‬فيحكم ىذا األخري‬
‫آخر يُعلن فيو أنّو ُحٌّر وليس بعبد‪ ،‬وأخريا يتنازع الفّت و ّ‬
‫‪1‬‬
‫حبرية الغبلـ كوف اغبٍُّر ال يُ ُّ‬
‫سرتؽ‪.‬‬
‫ّأما بالنّسبة لفكرة اؼبقامات‪ ،‬فهي ُب أغلب األحياف مستوحاة أساسا من اغبياة االجتماعية‬
‫للعصر‪ ،‬وتدور أساسا على الكدية اليت الزمت البطل طواؿ عرض اؼبقامات‪ ،‬وقد أراد اؼبؤلف من‬
‫سوؿ‬
‫عمت ُب اَّتمع العبّاسي ودفعت كثريا من األدباء وأولوا النّبوغ إٔب التّ ّ‬
‫صور ظاىرة ّ‬
‫خبلؽبا أف يُ ّ‬
‫والتّك ّدي من أجل العيش‪ ،2‬ىذا فضبل عن مواضيع وأفكار أخرى كاف اؽبدؼ منها عرض مشكبلت‬
‫ذلك العصر‪.‬‬
‫‪.2-1-3‬الشّخصيات والحوار‪:‬‬
‫قصة مهما قصرت من ىذا العنصر‬
‫أي ّ‬
‫بالقصة‪ ،‬إذ ال زبلو ّ‬
‫ّ‬ ‫الشخصيات ارتباطا وثيقا‬
‫ترتبط ّ‬
‫لعل أنبّها على اإلطبلؽ‬
‫مادة بنائها‪ ،‬وقد حفلت اؼبقامات بشخصيات ُمتع ّددة ّ‬
‫اؼبهم الذي يُع ّد ّ‬
‫ّ‬
‫الراوي‪.‬‬
‫شخصية البطل و ّ‬
‫أ‪-‬البطل‪:‬صاغ مؤلّفو اؼبقامات أمبوذجا إنسانيا أرادوا من خبللو ذبلية اغبقائق بالغوص ُب‬
‫السياسية واالجتماعية‬
‫الرئيسي من وراء ذلك كلّو نقد اغبياة ّ‬
‫أعماؽ اَّتمع العبّاسي وقد كاف ىدفهم ّ‬
‫السائدة ُب ذلك العصر‪.‬‬
‫العامة ّ‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وتصوير الظّواىر ّ‬
‫الزماف اؽبمذاين أبا الفتح االسكندري بطبل ؼبقاماتو وأضفى عليو من العبقرية‬
‫وقد اختار بديع ّ‬
‫ما جعلتو مكد بارع اغبيلة واؼبراوغة من أجل كسب العيش‪ ،‬فاستطاع من خبللو أف يستوعب الظّواىر‬
‫السروجي‬
‫اغبيّة ُب اَّتمع العبّاسي‪ .‬وكذلك فعل اغبريري ُب مقاماتو عندما اختار ىو اآلخر أبا زيد ّ‬
‫الرئيسي سواء عند اؽبمذاين أـ اغبريري لو فلسفة واحدة حيث‬
‫بطبل غبكاياتو‪ .‬واؼببلحظ أ ّف البطل ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬مقامات الحريري‪ ،‬ص‪.293‬‬


‫‪2‬ينظر‪ :‬فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور عوض‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪335‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫حي‪ 1‬اجتماعيا وثقافيا حيث أخذت بواقع عصرىا ال ّديّن واألديب‪،‬‬ ‫نعت بأنّو شخصية ؽبا واقع ٌّ‬
‫فتشبّعت بالقرآف واغبديث واألدب واللّغة وىو ما يُشري إليو اغبريري عندما قاؿ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ػب‬ ‫ِع ِ‬
‫لم طُالّبي وحبّذا الطّػلَ ُ‬ ‫والتبح ُر في اؿ‬ ‫رس‬
‫غلي ال ّد ُ‬
‫ُّ‬ ‫و ُش َ‬
‫ولذلك ُوِىب ملكة بيانية كبرية يُقر لو ُّا صبيع النّاس‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ب‬ ‫ورأس مالي ِس ْحر ال َك ِ‬
‫والخطَ ُ‬
‫يض ُ‬ ‫منوُ يُصاغُ ال َقر ُ‬ ‫الـ الذي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كل ؾبتمع تغشاه‪:‬‬ ‫ٍبّ وىو إٔب ىذا شخصية ذات صبلحية اجتماعية تتواءـ مع ّ‬
‫ػجػلػيسػا‬ ‫ِ‬ ‫ت كل َجل ٍ‬
‫يُالئ ُموُ ألرو َؽ ال َ‬ ‫ػيس بػمػا‬ ‫وعاشر ُ‬
‫ْ‬
‫جادة وحازمة وطورا‬
‫الشخصية فتارة فكاىية وتارة أخرى ّ‬
‫وتتنوع اؼبواقف ؽبذه ّ‬
‫وبذلك تتع ّدد ّ‬
‫تقيًّا وآخر عربيدا‪.‬‬
‫بالرغم من ثقافتها وعلمها على اغبيل –كما أشرنا إٔب ذلك‪-‬‬‫وقد بٌنيت شخصية البطل ّ‬
‫خاصة األسرية منها‪،‬‬
‫نت أ ّف أصل اؼبشاكل االجتماعية اقتصادي ؿبض‪ ،‬فاؼباؿ رأس اؼبشكبلت ّ‬ ‫فَػبَػيَ ْ‬
‫اؼبرة‬
‫الصورة ّ‬
‫الصور ُب اؼبقامات إلظهار ّ‬
‫السروجي يتشاجر مع زوجتو أما القاضي لفقرنبا‪ ،‬وتتع ّدد ّ‬
‫فأبو ّ‬
‫بشّت‬
‫الشخصية إؽبا معبودا‪ ،‬تكسبو ّ‬
‫للواقع االجتماعي ُب ذلك العصر‪ ،‬وبذلك يُصبح اؼباؿ عند ىذه ّ‬
‫حّت وإف ّازبذت وسيلتها ُب ذلك علمها وثقافتها بعد أف تأ ّكدت من أ ّف سوؽ العلم كاسدة‪،‬‬
‫الطّرؽ ّ‬
‫‪4‬‬
‫الراحة ببل تعب‪ ،‬ومن ىذا اؼبنظور‬
‫ّ‬ ‫ففيها‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫ميسو‬ ‫سبيبل‬ ‫حاذة‬‫الش‬
‫ّ‬ ‫غري‬ ‫فليس‬ ‫‪،‬‬ ‫وأ ّف التّعليم صناعة بائرة‬
‫مرة تربيرا من واقعها‬
‫كل ّ‬
‫الشخصية اػبداع والكذب‪ ،‬الذي ذبد لو ُب ّ‬ ‫يُصبح من صفات ىذه ّ‬
‫كل ما تق ّدـ‪ ،‬يبدو أ ّف شخصية البطل سبثّل‬
‫االجتماعي الذي َىبدـ األثرياء ويقسوا على الفقراء‪ .‬ومن ّ‬
‫وتلونو‬
‫مبوذجا يكشف من خبلؿ سلبياتو وإهبابياتو‪ ،‬ومن خبلؿ سخريتو وّت ّكمو‪ ،‬ومن خبلؿ خداعو ّ‬
‫اىرتاء البنياف االجتماعي ُب اَّتمع العبّاسي خبلؿ ذلك العهد‪ .‬وبذلك قبد أ ّف شخصية البطل سواء‬

‫الصاوي الجويني‪ ،‬منشأة المعارؼ‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط(‪1972‬ـ)‪ ،‬ص‪.147‬‬


‫ذوؽ األدبي‪ ،‬مصطفى ّ‬
‫‪1‬ينظر‪ :‬ألواف من التّ ّ‬
‫‪2‬المقامة اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪3‬المقامة اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫الصاوي الجويني‪ ،‬ص‪.149‬‬
‫ذوؽ األدبي‪ ،‬مصطفى ّ‬
‫ينظر‪ :‬ألواف من التّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪332‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫ُب مقامات اؽبمذاين أـ اغبريري قد كشفت عن ذاّتا ُب ؾبالني كما أشار إٔب ذلك يوسف نور‬
‫عوض‪:‬‬
‫أوال‪ -‬ؾباؿ ُوب ّقق فيو البطل عبقريتو وضياعو ُب اَّتمع‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ثانيا‪ -‬ؾباؿ ُوب ّقق فيو أ ّف اغبيلة وحدىا ىي الّيت تُغّن صاحبها عن اإلخفاؽ‪.‬‬
‫تكررت ُب بعض اؼبقامات رب ّدث‬
‫وقد طبع أصحاب اؼبقامات بطليهما بأوصاؼ وأخبلؽ ّ‬
‫عنها غنيمي ىبلؿ‪ «:‬وقد يكوف ىذا البطل شجاعا يقتحم أخطارا وينتصر فيها‪ ،‬وقد يكوف ناقدا‬
‫‪2‬‬
‫اجتماعيا أو سياسيا‪ ،‬وقد يكوف فقيها متضلّعا ُب مسائل ال ّدين أو مسائل اللّغة »‪.‬‬
‫بالرغم من شجاعتو وأخبلقو الكريبة أحيانا ال ىبلو من االستهتار واؼبكر واالحتياؿ‬‫وىو ّ‬
‫زي البلغاء والفصحاء؛ فهو«أديب هبيد ُب أسلوبو‬
‫للحصوؿ على اؼباؿ‪ ،‬وطريقتو ُب ذلك التّن ّكر ُب ّ‬
‫‪3‬‬
‫عن بديهة وارذباؿ »‪.‬‬
‫السرد واغبكي‬
‫الرواية عن غريىا من أشكاؿ التّعبري بقدرّتا على جعل طريقة ّ‬ ‫الروايػة‪ّ :‬‬
‫زبتص ّ‬ ‫ب‪ّ -‬‬
‫السرد واغبكي ُذب ٍّم ُل تفاصيل اؼبناخ وتنفذ بو إٔب أعماؽ‬
‫مهما من اػبلق والتّوصيل فطريقة ّ‬
‫جزءا ّ‬
‫‪4‬‬
‫القصة استقى اؽبمذاين ىذا األسلوب اؼبمتع وصبّل بو مقاماتو‪،‬‬‫الرواية ُب ّ‬
‫ّ‬ ‫ية‬‫ّ‬‫وألنب‬ ‫لذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫النّفس‬
‫الرتاجم واألخبار‬
‫الرواية الّيت استم ّدىا من األساليب اػبربية الّيت ملئت ُّا كتب ّ‬
‫فاستخدـ شخصية ّ‬
‫كل مقامة بعبارة‬
‫القص عندما يُفاجئ القارئ ُب ّ‬
‫األوؿ من ّ‬ ‫فهو‪ «:‬يُعلن عن نفسو على طريقة النّمط ّ‬
‫‪5‬‬
‫القص تلك األخبار والنّوادر‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫ؿ‬‫األو‬
‫ّ‬ ‫مط‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫يقة‬
‫ر‬ ‫بط‬ ‫اؼبقصود‬ ‫لعل‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫"ح ّدثّن عيسى بن ىشاـ"»‬
‫الرتاث العريب القدًن‪.‬‬
‫الّيت تسامر ُّا العرب قديبا‪ ،‬واليت وردت إلينا ُب كتب ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور عوض‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪2‬األدب المقارف‪ ،‬محمد غنيمي ىالؿ‪ ،‬ص‪.223‬‬
‫‪ 3‬نفسو‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫‪ 4‬يُنظر‪ :‬األدب العربي تعبيره عن الوحدة والتّ ّنوع‪ ،‬بحوث تمهيدية لمجموعة من الباحثين‪ ،‬إشراؼ عبد المنعم تليمة‪،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‬
‫ط‪1987(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫القص في النّظرية والتّطبيق‪ ،‬نبيلة إبراىيم‪ ،‬دار قباء للطّباعة‪( ،‬د‪،‬ط)‪( ،‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪5‬فن ّ‬
‫‪337‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫جوا واقعيّا يبتزج‬


‫الشعيب أل ّّنا تشيع ّ‬
‫مهمة ُب القصص ّ‬ ‫الرواية" ّ‬
‫وُّذا تكوف « شخصية" ّ‬
‫‪1‬‬
‫دبسحة رومانسية‪ ،‬فتمنح ىذا اللّوف من األدب حبلوتو وصبالو »‪.‬‬
‫الرواية فيها على ال ّدواـ‪ ،‬فما من‬
‫مدونا‪ ،‬استحضر مؤلّفوىا شخصية ّ‬
‫نصا ّ‬
‫واؼبقامات باعتبارىا ّ‬
‫مقامة واحدة زبلو من عبارة"ح ّدثّن عيسى بن ىشاـ" عند اؽبمذاين‪ ،‬و"روى اغبارث بن نبّاـ "‪،‬‬
‫الراوي ُّذه الطّريقة ُب ىذا اللّوف من‬
‫لعل استحضار ّ‬
‫أو"حكى"‪ ،‬أو"أخرب"‪ ،‬أو"ح ّدث"عند اغبريري‪ .‬و ّ‬
‫نصاً مكتوبا « أي أنّو يعمد أال‬
‫ص‪ ،‬فيعتقد أنّو يسمع ّ‬
‫القص يُبعد عن ذىن القارئ حقيقة قراءة النّ ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫الشعيب »‪.‬‬
‫الرتاث ّ‬
‫اغباسة األؤب األساسية ُب عملية استقباؿ ّ‬
‫السمع الّيت تُع ّد ّ‬
‫حاسة ّ‬
‫يُعطّل سباما ّ‬
‫الراوي ُب اؼبقامات بأنبّية كبرية‪ ،‬فاؼبتح ّدث صوت واحد ىو اؽبمذاين‬
‫وبذلك ربظى شخصية ّ‬
‫القاص‪ ،‬حيث يُعلن عن نفسو بعبارة"ح ّدثّن" أو"روى"‪ ،‬أو"أخرب" أو‬
‫ّ‬ ‫أو اغبريري‪ ،‬صوت األنا‬
‫القصة ال يُبقي على صوتو إالّ نبسا»‪ ،3‬فهو يندمج مع‬
‫"حكى"‪ « ،‬ولكنّهإذ يرفض االنسحاب من ّ‬
‫الراوي (عيسى بن‬
‫الراوي ُب وحدة واحدة؛ « ألنّو ال يتح ّدث إٔب من وراء حجاب‪ ،‬لقد أناب عنو ّ‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫السرد القصصي»‪.‬‬
‫ىشاـ أو اغبارث بن نبّاـ) ُب عملية ّ‬
‫اعبو الكامل غبياة البطل‬
‫الراوي يقوـ بعملية سرد أو أداء شفاىي يرتّكز على استحضار ّ‬
‫وكأ ّف ّ‬
‫‪5‬‬
‫اليومية مع صباعتو‪.‬‬
‫بث‬
‫اؼبمهد لظهور شخصية البطل الذي ينوب بدوره عن كاتب اؼبقامة ُب ّ‬
‫فالراوي ىو دبثابة ّ‬
‫ّ‬
‫اؼبغزى اؼبراد إيصالو والكشف عن أخبلؽ وطباع اإلنساف ُب ذلك العصر‪ ،‬وُّذا يكوف أصحاب‬
‫السرد من‬
‫القص وىو ّ‬
‫اؼبقامات قد « ح ّققوا تشكيبل صباليا آخر داخل التّشكيل اؼبتواضع عليو ُب ّ‬
‫‪6‬‬
‫الراوي ال يقتصر دورىا على رواية األحداث‬
‫ّ‬ ‫شخصية‬ ‫ف‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫ىو‬ ‫إليو‬ ‫اإلشارة‬ ‫يبكن‬ ‫وما‬ ‫‪.‬‬ ‫الراوي »‬
‫خبلؿ ّ‬

‫‪1‬فن المقامات بين المشرؽ والمغرب‪ ،‬يوسف نور عوض‪ ،‬ص‪.117‬‬


‫‪2‬األدب العربي تعبيره عن الوحدة والتّ ّنوع‪ ،‬بحوث تمهيدية لمجموعة من الباحثين‪ ،‬إشراؼ عبد المنعم تليمة‪ ،‬ص‪.351‬‬
‫القص في النّظرية والتّطبيق‪ ،‬نبيلة إبراىيم‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫فن ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪5‬يُنظر‪ :‬األدب العربي تعبيره عن الوحدة والتّ ّنوع‪ ،‬بحوث تمهيدية لمجموعة من الباحثين‪ ،‬إشراؼ عبد المنعم تليمة‪ ،‬ص‪.350‬‬
‫القص في النّظرية والتّطبيق‪ ،‬نبيلة إبراىيم‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫فن ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪335‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫القصة‪ ،‬إٔب جانب شخصيات‬ ‫مهمة داخل ّ‬ ‫السرد القصصي فحسب؛ بل تتع ّداه إٔب أداء أدوار ّ‬ ‫و ّ‬
‫عاما حيث ال يشرتكوف إالّ ُب بعض األحداث أو ُب اغبوار‪.‬‬
‫أخرى ثانوية يأٌب اغبديث عنها حديثا ّ‬
‫الشخصيات ُّذا اإلسهاب يقودنا مباشرة إٔب اغبديث عن اغبوار باعتباره‬
‫إ ّف اغبديث عن ّ‬
‫قر بوجود أكثر من وعي داخل‬‫الشخصية وهبليها‪ ،‬فاغبوار ىو الذي يُ ُّ‬
‫يوضح ّ‬
‫الضوء األخضر الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫القصة‪ ،‬ونلمس اغبوار ُب اؼبقامات من خبلؿ تلك اؼبنازعات الّيت كانت ذبري ُب دار القضاء بني‬
‫ّ‬
‫الراوي‪.‬‬
‫القاضي واػبصوـ‪ ،‬وأحيانا أخرى بني البطل و ّ‬
‫ج‪ -‬العقدة وحلّها‪:‬‬
‫حب التّطلّع ومعرفة النّهاية‬
‫قصة من العقدة الّيت تُثري ُب نفس القارئ أو اؼبستمع ّ‬
‫أي ّ‬
‫ال زبلو ّ‬
‫سمى خربا أو حكاية‬
‫قصة؛ إذ كانت تُ ّ‬
‫القصة ّ‬
‫القصة وروعتها‪ ،‬ولوالىا ما ُظبّيت ّ‬
‫«فهي مفتاح صباؿ ّ‬
‫أو سردا »‪ .1‬والعقدة ُب النّصوص اؼبقامية متوفّرة إٔب َح ٍّد ما‪ ،‬حيث تُضفي على اؼبقامة نوعا من‬
‫السريعة واالنتقاؿ والتّشويق الذي ُهب ّسده باؼبفاجأة والوقائع اؼبثرية‪ ،2‬واؼبشكبلت العارضة الّيت ال‬
‫اغبركة ّ‬
‫حل ىذه اؼبصاعب اؼبستعصية « فاؼبقامات‬
‫زبطر على الباؿ‪ ،‬فيعمد بطل اؼبقامات عندئذ إٔب ّ‬
‫تتبلعب تبلعبا كبريا دببدأ التّحويل من التّوازف إٔب البلتوازف أو العكس »‪ .3‬فقد يهتدي البطل إٔب‬
‫حل لو‪ ،‬وللجماعة الّيت هبد نفسو وسطها وقد ال هبد حبل‪.‬‬
‫ّ‬
‫جوا من الفوضى واالضطراب‪ ،‬فينتهز الفرصة ُب‬
‫هبد البطل نفسو أحيانا وسط صباعة تعيش ّ‬
‫الضياع‪ ،‬فإ ّف مكسبو الوحيد ىو‬
‫اعبو ليح ّقق مآربو التّكسبية‪ ،‬ودبا أنّو يعيش ىو اآلخر حالة من ّ‬
‫ىذا ّ‬
‫ىذه الفوضى الّيت تعيشها اعبماعة‪ ،‬وطريقتو ُب ذلك ىي استخداـ ذكائو وحيلو الّيت يصبو من ورائها‬
‫‪4‬‬
‫الرسم التّصويري‪:‬‬
‫عربت عن ىذا البناء نبيلة إبراىيم ُّذا ّ‬
‫إٔب ربقيق اؽبدؼ‪ ،‬وىو كسب اؼباؿ وقد ّ‬
‫أ‪-‬اعبماعة فوضى واضطراب‬
‫الجواعت‬ ‫ب‪-‬اؼبكسب من خبلؿ الفوضى‬
‫‌‌‌فرد ‌‬

‫القصة المصرية الحديثة‪ ،‬محمد رشدي حسين‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫أثر المقامة في نشأة ّ‬
‫‪1‬‬

‫شعكة‪ ،‬ص‪.285‬‬
‫الزماف الهمذاني‪ ،‬مصطفى ال ّ‬
‫ينظر‪:‬بديع ّ‬
‫‪2‬‬

‫القص في النّظرية والتّطبيق‪ ،‬نبيلة إبراىيم‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫فن ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬السابق‪ :‬ص‪.91‬‬
‫‪339‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫أ‪ -‬ضياع الفرد‬


‫ب – اؼبكسب من خبلؿ اغبيلة‬

‫وبل اإلسكندري ومرافقو عيسى بن ىشاـ بقوـ‬


‫ومبثّل لذلك باؼبقامة اؼبوصلية للهمذاين حيث ّ‬
‫قد كوى اعبزع قلوُّم ؼبوت صاحب ال ّدار‪ ،‬فيحاوؿ اإلسكندري استغبلؿ اؼبوقف مع ما يشوبو من‬
‫السواد ِ ْكبلة» ‪-‬أي منفعة‪ -‬فيدخل دار اؼبيت‪ ،‬لينظر إليو وقد‬
‫فوضى لصاغبو فيقوؿ‪ «:‬لنا ُب ىذا ّ‬
‫حي فبل تدفنوه‪ ،‬وأنّو كفيل بتسليمو ؽبم مفتوح العينني بعد‬
‫الرجل ّ‬
‫ُىيّئ ليدفن فيصيح بالقوـ أ ّف ّ‬
‫يومني‪ ،‬فيص ّدقو القوـ وينهالوا عليو باؽبدايا واألمواؿ‪ ،‬إالّ أنّو يقع ُب مصيبة أكرب عندما يعلم اعبميع‬
‫رد اؼبيت للحياة‪.‬‬
‫بأنّو ؿبتاؿ أفّاؾ‪ ،‬وأنّو ال سبيل إٔب ّ‬
‫الراوي‪ ،‬ويُثري تطلّعهم ؼبعرفة ما‬
‫القراء إٔب ّ‬
‫ومن خبلؿ ىذه األحداث استطاع اؽبمذاين أف يش ّد ّ‬
‫سيحدث للبطل بعد أف وضع نفسو ُب ىذه الورطة‪.‬‬
‫القصة‪-‬كما‬
‫ففن ّ‬ ‫بالضرورة توافر األحداث وتطويرىا‪ّ ،‬‬
‫إ ّف وجود العقدة داخل اؼبقامات يعّن ّ‬
‫الشخصيات أيضا‪ ،‬وىو ما ال يبكن ربقيقو ُب اؼبقامة؛ أل ّف‬
‫نعلم‪ -‬وبتاج إٔب تطوير األحداث و ّ‬
‫الشخصيات غري‬
‫الكاتب استعاض عن ذلك بتنويع األحداث واؼبواقع بدؿ تطويرىا‪ .‬وبذلك تصبح ّ‬
‫الشخصية وصفاّتا‪ ،‬الّيت‬
‫الشعيب‪ ،‬أل ّف القارئ على علم بأبعاد ىذه ّ‬
‫نامية ُب ىذا اللّوف من القصص ّ‬
‫كل مقامة‪.‬‬
‫ترتبط ارتباطا وثيقا باؼبأساة الّيت ُيبثّلها البطل ويكشف عنها ُب ّ‬
‫وبالرغم من ىذا كلّو قبد أ ّف اؼبقامة تشتمل على عقدة ولكن بشكل غري واضح‪ ،‬فاألزمات‬
‫ّ‬
‫الّيت اعرتضت طريق البطل ٓب ُرببك بشكل جيّد‪ ،‬وبالتّإب فحلوؽبا بسيطة ُوبيط القارئ ُب كثري من‬
‫األحياف بنهايتها‪.‬‬
‫الفن القصصي أو ىي بداية لنزعة قصصية‪-‬إف‬
‫وخبلصة ما تق ّدـ أ ّف اؼبقامات تدخل ُب إطار ّ‬
‫كل‬
‫صح التّعبري‪ -‬مزجت بني اػبياؿ والواقع‪ ،‬فق ّدمها أصحاُّا إلينا بناءً دراميا متكامبل اشتمل على ّ‬
‫ّ‬
‫وحبكة‪ .‬وبذلك تُصبح اؼبقامة‬
‫القصة دبفهومها اغبديث‪ ،‬من حدث وشخصيات ومضموف ُ‬ ‫عناصر ّ‬
‫الفّن ال ّدرامي‪ ،‬والتّعبري عن ظاىرة ؿبليّة غري مستوردة أو مرتصبة‪.‬‬
‫ّأوؿ عمل قصصي صبع بني التّكامل ّ‬

‫‪321‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫‪ 2.3‬الجانب المسرحي‪:‬‬
‫اؼبلتف حوؿ‬
‫ّ‬ ‫جوا من اغبركة واالبتهاج‪ ،‬باإلضافة إٔب اعبمهور‬‫الفن األديب ّ‬
‫نلمس ُب ىذا ّ‬
‫نظن ّأّنا من العناصر اؼبسرحية‪.‬‬
‫حلقة يُشاىد أو يسمع وىي عناصر ّ‬
‫الرتاث ػبدمة الثّقافة اؼبعاصرة ال يُع ّد ُب حقيقة األمر شيئا غريبا‪ ،‬بل ىو ثراء‬
‫إف استلهاـ ّ‬
‫للرتاث من االندثار والنّسياف‪ ،‬لذلك ترّكز انتباه بعض‬
‫للفنوف اغبديثة‪ ،‬وحفظا‪ُ -‬ب الوقت نفسو‪ّ -‬‬
‫اؼبسرحيّني على تلك الكنوز اؼبتوارية واؼبدفونة ُب الكتب‪ ،‬مثل كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة واؼبقامات‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫والبخبلء‪ ،‬واألغاين‪ ،‬وحاولوا استغبلؽبا كقوالب وإطارات‪ ،‬ألنشطة درامية مسرحية‪.‬‬
‫الرتاث اؼبكتوب ُب العصر العبّاسي العديد‬
‫وُب ىذا اؼبقاـ قبد «قاسم ؿبمد» قد استقى من ّ‬
‫للشعوب العربية‪ ،‬ونذكر منها "كاف يا مكاف"‪،‬و"بغداد‬
‫من اؼبسرحيات‪ ،‬الّيت مزجها باؽبموـ اآلنية ّ‬
‫الرتاثية مثل األغاين‬
‫األزؿ بني اعب ّد و اؽبزؿ"‪ ...‬وىي مسرحيات استلهمها من بطوف الكتب ّ‬
‫‪2‬‬
‫واؼبقامات وخببلء اعباحظ‪.‬‬
‫الربط القائم بني اغباضر واؼباضي هبعلنا ن ّدعي بإمكانية تشكيل اؼبقامات ُب‬
‫ويبدو أ ّف ىذا ّ‬
‫مسرحيات قصرية تعاِب بعض مشكبلت اَّتمع ماضيا وحاضرا‪.‬‬
‫ويذىب "فاروؽ أوىاف" ُب دراستو حوؿ ىوية اؼبسرح العريب إٔب أ ّف الكثري من اؼبسرحيّني العرب تأثّروا‬
‫ض فعلي قبل أف‬
‫ألّنا َعْر ٌ‬
‫يضم قصصا وحكايات فحسب‪ ،‬وإّمبا ّ‬
‫بأسلوب اؼبقامة ال من حيث كوّنا جنسا أدبيا ّ‬
‫السنني‪،‬‬
‫القصة القصرية‪ ،‬كأحد أمباط األدب اؼبكتوبة وا﵀كية دبئات ّ‬
‫وبصل ؽبا التّدوين يقوؿ‪ « :‬فقبل أف ُزبلق ّ‬
‫وم ْسَرحة حرفة الكدية اغبركية‪ ،‬وذلك فبّا يدور ُب حياة‬
‫عرؼ العرب شكبل أدبيا نُقل مكتوبا‪ ،‬عن فنوف أداء َ‬
‫‪3‬‬
‫العامة‪ ،‬أو يتح ّدث عن شؤوف اَّتمع ُب مبلبستها اليومية من خبلؿ لغة جزلة »‪.‬‬
‫ّ‬
‫جسدّتا تلك‬
‫السائدة آنذاؾ‪ّ ،‬‬
‫سجبل زاخرا دبختلف مظاىر اغبياة ّ‬
‫لقد كانت اؼبقامة بالفعل ّ‬
‫الصور األسطورية لفصاحة األعراب‪ ،‬وأساليب تقلُّبهم ُب األرض واستغبلؽبم لسذاجة بعض ّ‬
‫العامة‬ ‫ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬آفاؽ تطوير التّراث العربي للمسرح‪ ،‬فاروؽ أوىاف‪ ،‬وزارة اإلعالـ والثّقافة‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬ط‪1999(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪320‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الصور ُب شخصية "أيب دلف اػبزرجي"‬ ‫من أجل كسب اؼباؿ‪ ،‬وقد وجد اؽبمذاين مفتاح نقل ىذه ّ‬
‫مطولة‪ ،‬استغلّها البديع لينتقد اغبياة االجتماعية ُب اؼبقامات من‬
‫الذي عرض فنوف الكدية ُب قصيدة ّ‬
‫وبالرغم من قصر طوؽبا وجزالة لغتها إالّ أ ّّنا تزخر باغبركة التّمثيلية‬
‫خبلؿ بطلو أيب الفتح االسكندري‪ّ ،‬‬
‫واغبوار‪.‬‬
‫فوجود العناصر ال ّدرامية واؼبسرحية ُب اؼبقامة شيء ال يبكن إنكاره أو ذباىلو‪ ،‬وىو ما يُؤّكده"‬
‫الفن من عنصر درامي‪،‬‬
‫الرضبن ياغي" بقولو‪ «:‬ومن أجل ىذا فإنّّن أرى مدى ما ُب ىذا ّ‬ ‫عبد ّ‬
‫القصة‪.1»...‬‬
‫ومسرحي حبيث يفوؽ الكثري من العناصر القصصية فهو إٔب اؼبسرحيّة أقرب منو إٔب ّ‬
‫السرد‪،‬‬
‫صورات النّظرية اؼبرافقة لذلك ّ‬
‫وضمن العبلقة اعبدلية بني اؼبقامة كسرد قصصي والتّ ّ‬
‫تبني لنا أ ّف اؼبقامة تتناسب‬
‫واػباضعة لبعض األحداث الّيت ُوضعت ُب إطار أشبو باإلطار اؼبسرحي‪ّ ،‬‬
‫وحرية‬
‫وشكل األداء‪ « ،‬حيث يكوف البطل فيها متن ّكرا ُب الغالب لكي يُتيح لنفسو حسن األداء ّ‬
‫الشخصيات بتغيري‬
‫الشخصيات‪ ،‬يعفيو ىذا التّن ّكر من حيلة التّن ّقل بني األحداث و ّ‬
‫التّقلّب بني ّ‬
‫يدؿ على اؼبكاف بتغيري األدوات واألستار»‪.2‬‬
‫اؼببلبس‪ ،‬وما ّ‬
‫السرد‪ ،‬قبده ُب مقامات عديدة‬
‫الرواية و ّ‬
‫الراوي فباإلضافة إٔب دوره ُب ّ‬
‫ىذا عن دور البطل‪ّ ،‬أما ّ‬
‫الرواية واألداء‪ ،‬وىو ما كانت تفرضو األمباط االجتماعية الّيت‬
‫يتحرؾ داخل اؼبقامة ليتقلّب بذلك بني ّ‬
‫ّ‬
‫للراوي‪ ،‬وُّذا يُصبح أبطاؿ اؼبقامات‬
‫عاعبتها اؼبقامة‪ ،‬حيث تتطلّب ذلك األداء الفعلي والتّشخيصي ّ‬
‫اؼبهمة‬
‫الراوي من ُؿب ّدث إٔب فبَُثّل ُب اغبدث ىو أحد ال ّدالئل ّ‬
‫وربو ُؿ ّ‬
‫ومستمعني معا‪ُّ « ،‬‬
‫ّرواة وفبثّلني ُ‬
‫‪3‬‬
‫على وجود اؼبقامات كعرض مسرحي »‪.‬‬
‫الرواية والتّمثيل يتجلّى لنا حرص أصحاب اؼبقامات على‬
‫وفضبل عن تقلّب األبطاؿ بني ّ‬
‫الزماف‪ ،‬ووحدة‬
‫كل مقامة‪ ،‬ووحدة اؼبكاف الذي هبري فيو اغبدث‪ ،‬ووحدة ّ‬ ‫وحدة اغبدث ُب ّ‬

‫الرحمن ياغي‪ ،‬دار الفكر للنّشر والتّوزيع‪ ،‬األردف‪( ،‬د‪،‬ط)‪1985(،‬ـ)‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫‪1‬رأي في المقامات‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬آفاؽ تطوير التّراث العربي للمسرح‪ ،‬فاروؽ أوىاف‪،‬ص‪‌ .75‬‬
‫الرحمن ياغي‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪3‬رأي في المقامات‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪323‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫البطل‪1‬فاغبركة القويّة‪ ،‬واؼبناظر اؼبتتابعة ُب حيوية وتناسق‪ ،‬عناصر ذبعل صبلحيات اؼبقامات؛ ألف‬
‫تكوف مسرحيات ىزلية قصرية تظهر بصفة واضحة‪.‬‬
‫مادة‬
‫السردية فيها‪ ،‬فأصبحت ّ‬
‫ُّذا تكوف اؼبقامة قد ارتادت ؾباالت اؼبسرح بأسلوُّا وعنصر ّ‬
‫بناءىا تتعلّق باستنساخ مشاىد اغبياة‪ ،‬بنوع من التّجسيد الفعلي‪ ،‬من خبلؿ أمباط حيّة لشخصيات‬
‫السياسية‬
‫تتعامل مع الواقع فتق ّدـ العربة واغبكمة واؼبثل‪ ،‬وتصوغ بعض األحداث االجتماعية و ّ‬
‫واألخبلقية بأسلوب مسجوع ُب قالب قصصي ومسرحي‪ ،‬واغبقيقة ّأّنا تسجيل ألفعاؿ وعروض حيّة‬
‫ُمقتبسة أصبل من فنوف اؼبكدين‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫فبمجرد قراءتنا‬
‫ّ‬ ‫اس‬‫الن‬
‫ّ‬ ‫بني‬ ‫ط‬‫وس‬
‫ّ‬ ‫الت‬
‫ّ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫تعتمد اؼبقامات أيضا على ذلك التّموضع الفرجوي‬
‫الصور القائمة على وجود صبهور ُمتحلّق حوؿ البطل يستمع أو‬ ‫للمقامات تتبادر إٔب أذىاننا تلك ّ‬
‫الر ّساـ"وبىي الواسطي" معاصر اؼبقامات‬
‫الصور اليت ُج ّسدت فيما بعد خبياؿ واسع؛ بيد ّ‬
‫يتفرج‪ ،‬وىي ّ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫الرسومات مدى اقبذاب اعبمهور وانسجامو مع بطل‬
‫ّ‬ ‫تلك‬ ‫ح‬ ‫وتوض‬
‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫للرسم‬
‫ؤسس مدرسة بغداد ّ‬
‫وم ّ‬
‫ُ‬
‫الشوارع‪ ،‬أو عند‬
‫اؼبقامات ُب طريقة سرده أو ُب أداءاتو اغبركية‪ ،‬وىو يقوـ دبهنة االستجداء ُب ّ‬
‫القاضي أو ُب اؼبساجد‪.‬‬
‫لعل التزامهم بالعناصر‬
‫لفن اؼبقامة‪ ،‬و ّ‬
‫كل ىذه العناصر اؼبميّزة ّ‬
‫استفاد اؼبسرحيوف اؼبعاصروف من ّ‬
‫يبسط العمل اؼبسرحي‪ ،‬ويصرؼ اؼبشاىدين‬
‫الزماف واؼبكاف والبطل‪ّ -‬‬
‫الّيت ذكرناىا سابقا‪-‬وىي وحدة ّ‬
‫كبو مضموف اؼبسرحية دوف تعقيد‪« ،‬فحرص اغبريري على وجود صبهور غري قليل من النّاس يلت ّفوف‬
‫حوؿ بطلو‪ ،‬وتتعلّق أنظارىم دبا يقوؿ أو يفعل‪ ،‬ميزة ؽبا أنبّيتها ُب العمل اؼبسرحي‪ ،‬وىذا اغبرص على‬
‫رسم صورة دقيقة للمكاف‪ ،‬وما ُوبيط بو‪ ،‬وما يشتمل عليو‪ ،‬حبيث يَ ْسهل تصويره أو إقامة مثلو على‬
‫كل ذلك من العناصر الّيت ال ب ّد منها ُب العمل اؼبسرحي‪ ،‬ومن اليسري أف تُنقل‬
‫مسرح من اؼبسارح‪ّ ،‬‬
‫كلمات اؼبقامة ُب حركة ذبري على يد فبثّل بارع منفعل يُتقن دوره أماـ النّظارة‪.4»...‬‬

‫‪1‬ينظر‪:‬نفسو‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬آفاؽ تطوير التّراث العربي للمسرح‪ ،‬فاروؽ أوىاف‪،‬ص‪.85‬‬
‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫الرحمن ياغي‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫رأي في المقامات‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪322‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫شخصت مسرحية« طاؿ حزين وسروري» للمخرج"قاسم ؿبمد" حياة اغبريري‪ ،‬حيث قُ ّدـ‬ ‫ّ‬
‫بالشكل اآلٌب‪ « :‬بعد دخوؿ اؼبمثّلني ُب وصف‬
‫الشخصية ّ‬‫الراوية‪ ،‬وقد ُوظّفت ىذه ّ‬
‫على أنّو البطل و ّ‬
‫اؼبؤدوف إٔب وصف‬
‫بغداد حاضرّتا وأدبائها‪ ،‬منتقلني بني فنوّنا ومسرحها وتعداد أنواع مقاماّتا يَصل ّ‬
‫مقامات اغبريري اؼبكتوبة بقلمو‪ ،‬وإظهار شخصية اغبريري نفسها فيقوـ فبثّل دور اغبريري بتمثيل‬
‫‪1‬‬
‫ستقل ال يتعلّق بتقليد أمباط اؼبكدين »‪.‬‬
‫ُم ّ‬
‫ّأما عن العروض فقد استنسخها اؼبخرج من لوحات الفنّاف وبىي الواسطي‪ ،‬وتدور األحداث‬
‫السروجي الذي يدخل ُب حوار مع اغبارث بن‬
‫ُب اؼبسرحية بعد تن ّكر اغبريري ُب شخصية أيب زيد ّ‬
‫تقمص دور‬
‫نبّاـ‪ ،‬ليصبل إٔب حكاية أيب دالمة وزوجتو‪ ،‬ونبا يتشاكياف أماـ القاضي‪ ،‬فاغبريري الذي ّ‬
‫يبث شكواه ض ّد غبلـ‬
‫شخص دور أيب دالمة أماـ القاضي‪ ،‬وىو ُّ‬
‫السروجي‪ ،‬ىو نفسو من ّ‬
‫أيب زيد ّ‬
‫ّادعى أنّو قتل ابنو‪ ،‬أو ُب نزاع مع زوجتو أو مع ابنو‪.‬‬
‫عربت عنها اؼبقامات‪ ،‬وبدت واضحة جليّة للعياف من خبلؿ رسومات‬ ‫ىي إذف مشاىد ّ‬
‫لكل مقامة‪،‬‬
‫فازبذوا منها مرجعا للعروض اؼبناسبة ّ‬
‫سهل األمر على اؼبخرجني اؼبسرحيّني ّ‬
‫الواسطي‪ ،‬فبّا ّ‬
‫ُ‬
‫الفن األديب «وقد كانت‬ ‫وىو ما يُ ّبني قدرة الفنّاف على نقل ـبتلف التّفاصيل اؼبوجودة ُب ىذا ّ‬
‫حّت لتشعر معها بأ ّف الكلمة وما‬
‫للواسطي قدرة عجيبة على رصد اغبياة االجتماعية بدقائق أمورىا‪ّ ،‬‬
‫العاـ وتثبيت معآب اغبياة‬
‫اعبو ّ‬‫ؽبا من قدرة على التّعبري ُب مقامات اغبريري كانت دوف رسومو ُب نقل ٍّ‬
‫كل شخص جاء اغبديث على سريتو من جلستو وإيباءاتو ومبلبسو‬
‫يومذاؾ من حيث تباين مقاـ ّ‬
‫‪2‬‬
‫وحركة يده »‪.‬‬
‫جسده‬
‫الرتاث‪ ،‬وىو ما ّ‬ ‫لقد أ ّكدت بعض النّماذج اؼبقامية إمكانية قياـ مسرح يعتمد على ّ‬
‫الراوي‬
‫لفن اؼبقامة‪ ،‬واؼبتمثّلة ُب ّ‬
‫بعض اؼبسرحيّني على الواقع معتمدين ُب ذلك على العناصر البنائية ّ‬
‫الراوي الثّاين الذي يقوـ برواية‬
‫يبهد الكاتب غبضوره بعبارة «ح ّدثنا‪ »...‬ليستحضر ىو بدوره ّ‬
‫الذي ّ‬

‫‪1‬آفاؽ تطوير التّراث العربي للمسرح‪ ،‬فاروؽ أوىاف‪،‬ص‪.84‬‬


‫للصحافة والنّشر واإلعالف‪،‬‬
‫مؤسسة عماف ّ‬
‫ّ‬ ‫‪2‬مجلة نزوى‪ ،‬الواسطي رسم مقامات الحريري فاختصر الفنوف اإلسالمية‪ ،‬بلند الحيدري‪ ،‬العدد‪1995(،03‬ـ)‪،‬‬
‫عماف‪ ،‬ص‪.08‬‬
‫‪321‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫األوؿ معو ُب ىذه األحداث لينطلقا مع‬


‫الراوي ّ‬
‫يتدخل ّ‬
‫أحداث وسط حلقة من النّاس‪ ،‬وقد ّ‬
‫شخوصهما ُب أدوا ٍر دبا يتبلءـ وطبيعتهم من خبلؿ أعماؿ وحوارات عرب مسافات وأزمنة‪ُ ،‬ب‬
‫رحبلت ومغامرات مليئة باغبركة القويّة واؼبناظر اؼبتتابعة ُب حيوية وتناسق فيختلف حينئذ الفضاء‬
‫الشوارع‪.‬‬
‫ويتنوع بني اؼبساجد واؼبقابر وال ّديار و ّ‬
‫اؼبكاين ّ‬
‫وُّذا يُصبح تراث ا﵀كيات العربية إقبازا وإمكانات ُب آف واحد ال ُيبكن للمسرحي‪ ،‬أو‬
‫الراوي اؼبعاصر ذباىلها‪ ،‬أو اإلنقاص من قيمتها‪ ،‬ولكن من ناحية أخرى قبد أ ّف أخذىا‬
‫األديب أو ّ‬
‫ُب االعتبار أو التّعامل معها ال يعّن استنساخها‪.‬‬
‫‪3-3‬الجانب الفكاىي‪:‬‬
‫إ ّف معاعبتنا للجانب اؼبسرحي ُب قصص اؼبقامات‪ ،‬وإف كاف يسريا يقودنا إٔب جانب آخر‬
‫الفن‪ ،‬وىو مرتبط ُّ‬
‫أشد االرتباط باعبانب اؼبسرحي‪ ،‬إ ّّنا الفكاىة الّيت ال زبلو منها أيّة‬ ‫أكثر لصوقا ُّذا ّ‬
‫فن اؼبقامات دبسارين اثنني نبا‪:‬‬‫بالشيء القليل‪ ،‬وقد التزمت الفكاىة ُب ّ‬
‫مسرحية ولو ّ‬
‫السياسي‪ ،‬فقد طبع العآب اإلسبلمي بعد الفتوحات تباين ُب‬ ‫اؼبسار االجتماعي واؼبسار ّ‬
‫متنوعا‬
‫العادات والبيئات واألذواؽ إضافة إٔب اؼبوروثات الثّقافية واغبضارية‪ ،‬فبّا ألّف مزهبا اجتماعيا ّ‬
‫وأوضاعا سياسية واقتصادية متدىورة‪ ،‬لذلك كانت الفكاىة ُب ذلك العهد من أمضى أسلحة‬
‫الرؤى النّافذة‪ ،‬وبني‬ ‫ِ‬
‫اإلصبلح االجتماعي‪ ،‬حيث صبعت بني اعب ّد واؽبزؿ‪ ،‬وبني اغب َكم البليغة و ّ‬
‫السخرية والنّقد‪.‬‬
‫ّ‬
‫السامع ؽبذا‬
‫وقد امتاز أصحاب اؼبقامات بقدرة فائقة على بعث روح الفكاىة ُب القارئ أو ّ‬
‫الروح وتفتّح أذىاّنم بالفكاىة الّيت ذبعل قصصهم أكثر قبوال لدى‬
‫الفن األديب‪ ،‬ؼبا سبتّعوا بو من خ ّفة ّ‬
‫ّ‬
‫النّفوس « فأصبحت ىذه اؼبقامة حريّة بأف تُروى ُب اَّالس‪ ،‬ويتل ّقاىا الطّبلب ُب األقاليم اإلسبلمية‬
‫‪1‬‬
‫الضحك على شفاىهم »‪.‬‬
‫اؼبختلفة؛ إذ يقرؤوف فيها ما يُسري عن نفوسهم‪ ،‬ويرسم ّ‬

‫‪1‬المقامة‪ ،‬شوقي ضيف‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪،‬ط)‪1979( ،‬ـ)‪،‬ص‪.71‬‬


‫‪325‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫ومن أكثر اؼبقامات فكاىة ومرحا ما قبده عند البديع ُب اؼبقامة "اؼبقامة اغبلوانية"‪ ،‬ففي ىذه‬
‫تسر النّفوس‪ ،‬وتُبعد اؼبلل عن القارئ‪ ،‬واألمر نفسو‬
‫اؼبقامة نلمح ضربا من اؼبشاحنة اؼبُضحكة الّيت ّ‬
‫قبده عند اغبريري‪ ،‬حيث تتدفّق األلفاظ الّيت ىبتار منها أجودىا وأحكمها وأدقّها فقد طبع أسلوب‬
‫وخاصة تلك الّيت يظهر فيها أبو‬
‫ّ‬ ‫مقاماتو بروح فكاىية وىي روح تسود ُب جوانب ـبتلفة من مقاماتو‪،‬‬
‫زيد مع زوجتو أو مع ابنو‪.‬‬
‫السروجي ُب ىيئة امرأة‬
‫صور لنا اغبريري أبو زيد ّ‬
‫وتربز الفكاىة ُب اؼبقامة البغدادية حينما يُ ّ‬
‫عجوز يتبعها أطفاؽبا أكبف من اؼبغازؿ‪ ،‬تستجدي اليتامى وىي تشكو حاؽبا ومآؽبا‪.‬‬
‫واغبقيقة أ ّف األسلوب الفكاىي قد طبع معظم مقامات البديع أو اغبريري‪ ،‬ما دفع ببعض‬
‫فن اؼبقامات‪ ،‬وإقباؿ النّاس عليها ُب عصرنبا أو بعد‬
‫الباحثني إٔب القوؿ بأنّو « كاف من أسباب ذيوع ّ‬
‫ط عنهم‬
‫عصرنبا‪ ،‬أل ّّنم وجدوا فيو ما يُسلّيهم ُورفّو عنهم‪ ،‬ويُعينُهم على احتماؿ أعباء اغبياة ووب ّ‬
‫‪1‬‬
‫بعض أثقاؽبا »‪.‬‬
‫لقد أضفى األدب الفكاىي على مصادر األدب‪ ،‬كاألغاين والبخبلء واؼبقامات وغريىا‪ ،‬طابعا‬
‫اؼبدوف‪ ،‬حيث يطّلع من خبللو على‬ ‫تذوؽ وتقبّل ىذا النّوع من األدب ّ‬ ‫إنسانيا ساعد القارئ على ّ‬
‫تصور طبقة جديدة من أبناء اَّتمع العبّاسي‪ ،‬والّيت‬
‫معآب اغبضارة األدبية واالجتماعية والثّقافية الّيت ّ‬
‫الغّن‬
‫الضعيف‪ ،‬ويستهني فيو ّ‬ ‫القوي ّ‬
‫مرتدي وغري متوازف يأكل فيو ّ‬ ‫حاولت التّكيّف مع واقع اقتصادي ّ‬
‫بالفقري‪ .‬فعمدت ىذه الفئة من اَّتمع إٔب فنوف الكدية‪ ،‬وأساليب االستجداء‪ ،‬واصطياد الطّعاـ ُب‬
‫‪2‬‬
‫حل فكاىي‪.‬‬
‫قوالب ىزلية‪ ،‬وأحداث تتع ّقد لتنجلي عن ّ‬
‫كمل أحدىا‬
‫القصة الفكاىية هبعلنا نربطها باؼبقامة الّيت ّازبذت مسارات ع ّدة يُ ّ‬
‫واغبديث عن ّ‬
‫تفشيا ُب ذلك‬
‫األوؿ فيتعلّق دبعاعبة القضايا االجتماعية كالكدية واالستجداء اللّذين ّ‬
‫فأما ّ‬
‫اآلخر‪ّ ،‬‬
‫العصر نتيجة األوضاع اؼبتدىورة‪ .‬و ّأما الثّاين فكاف توظيف الوعظ واإلرشاد الذي كاف سببو نشأة‬

‫‪1‬السابق‪،‬ص‪.78‬‬
‫ضحك في التّراث العربي والمشرقي من العصر الجاىلي إلى نهاية العصر العبّاسي‪ ،‬رياض قريحة‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬الفكاىة وال ّ‬
‫ط‪1998(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪322‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫صور لنا مباذج‬


‫الساخر الذي ّ‬ ‫صوؼ أنذاؾ‪ .‬ويكمن اؼبسار الثّالث ُب اعبانب ّ‬ ‫وانتشار موجة التّ ّ‬
‫لشخصية ىزلية ّازبذىا أصحاب اؼبقامات أمبوذجا «لتصوير موقفهم الثّائر ّاذباه اَّتمع وذلك بإبراز‬
‫اعبوانب الّيت تُثري سخريتهم أو نقدىم أو ضحكهم منها »‪.1‬‬
‫الرتفيو عن النّفس‪ ،‬مع‬
‫الضحك و ّ‬
‫السخرية و ّ‬
‫لقد وظّف أصحاب اؼبقامات شخصيات إلثارة ّ‬
‫الفن األديب‪ .‬فاؽبدؼ‬
‫خلوىا من اؼبغزى اؽبادؼ الذي كاف من أولويات األىداؼ عند نشأة ىذا ّ‬
‫عدـ ّ‬
‫األظبى للفكاىة ُب اؼبقامات ٓب يكن إضحاؾ اعبمهور فحسب‪ ،‬وإّمبا كانت « ص َماـ األماف للفئات‬
‫‪2‬‬
‫الشعور باػبوؼ والقلق‪ ،‬واختبلؼ اؼبفاىيم »‪.‬‬
‫حوؿ و ّ‬
‫ا﵀رومة الّيت أثقلها واقع اغبياة ُب عصور التّ ّ‬
‫فلم يكن من بُ ّد لنسياف الواقع واؽبروب منو سوى اللّجوء إٔب الفكاىة واالعتصاـ بباُّا‪.‬‬
‫وبذلك ربافظ ىذه الفئات ا﵀رومة على وجودىا‪ ،‬وتتعأب على األحداث اؼبؤؼبة الّيت تعايشها دبرارة‪،‬‬
‫وال ذبد ىذه الفئات نفسها إالّ ُب أساليب الكدية وطرؽ التّماجن واؽبزؿ‪ ،‬وُّذا تكوف الفكاىة قد «‬
‫حّت ال يقعا ُب دائرة اإلحباط‬
‫قامت بدور كبري ُب ا﵀افظة على الكياف اإلنساين والكياف االجتماعي ّ‬
‫‪3‬‬
‫السقوط »‪.‬‬
‫و ّ‬
‫الضحك على حوادث‬ ‫وللفكاىة ُب اؼبقامة ؾباالت رحبة؛ إذ ٓب يكتف أصحاُّا باستثارة ّ‬
‫القصة‪ ،‬وإّمبا أضافوا إٔب ذلك صورا ألبطاؽبا‪ ،‬ذبلّى ُب الوصف ال ّدقيق للنّموذج اإلنساين‪ ،‬أو للمحيط‬
‫ّ‬
‫الذي يكدح ويعيش فيو ىذا النّموذج‪ ،‬وىو ما قبده بكثرة ُب مقامات اغبريري‪ ،‬األمر الذي أوحى إٔب‬
‫كل‬
‫وبىي الواسطي برسم لوحاتو حوؿ مقاماتو‪ ،‬وىو رسم دقيق جاء وفقا للوصف الذي ظهر ُب ّ‬
‫مقامة‪.‬‬
‫ويدخل ُب مضموف الفكاىة تلك اغبذلقة واللّعب باأللفاظ واؼبعاين‪ ،‬وىو ما يُشري إليو رياض‬
‫قروبة «إ ّف تغيري اغبروؼ ُب الكلمة‪ ،‬وتغيري الكلمات‪ ،‬أو إبداؽبا ُب اعبملة لتنحرؼ ُّا عن معناىا‬
‫كل ذلك من بواعث التّف ّكو »‪ 4.‬ونرى ىذا النّوع واضحا ُب اؼبقامة‬
‫لتؤدي ُّا معىن آخر‪ّ ،‬‬
‫األوؿ‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬السابق‪ ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ 2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫ضحك في التّراث العربي والمشرقي من العصر الجاىلي إلى نهاية العصر العبّاسي‪ ،‬رياض قريحة‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫الفكاىة وال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬السابق‪ :‬ص‪.41‬‬
‫‪327‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الشعرية للحريري‪ ،‬وذلك عندما ُىباطب اغباكم اغبارث بن نبّاـ بعد أف خدعو أبو زيد وىرب‬
‫ّ‬
‫فيقوؿ‪ «:‬ألست الذي أعاره ال ّدست؟»‪ .‬فيجيب اغبارث بن نبّاـ‪ «:‬ال والذي أحلّك ُب ىذه‬
‫ال ّدست‪ ،‬ما أنا بصاحب ذلك ال ّدست‪ ،‬بل أنت الذي ًبّ عليو الدُّست »‪ .‬فال ّدست األؤب كلمة‬
‫فارسية معربة قصد ُّا اللّباس‪ ،‬والثّانية صدر اَّلس والثّالثة دبعىن ِ‬
‫القمار‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وىناؾ لوف آخر من ألواف الفكاىة ُب اؼبقامات حيث يرمي بو اؼبتف ّكو إٔب ض ّد ما يقوؿ‬
‫«فيقتنع باعب ّد وىو يبغي اؽبزؿ‪ ،‬ويُبدي الوقار وىبفي العبث‪ ،‬ويتظاىر باؼبدح والقدح يريد‪ ،‬ويُغإب ُب‬
‫التّفخيم قاصدا التّهوين »‪ 1.‬ويُدعى ىذا اللّوف من الفكاىة ُب االقبليزية بػ"‪ ،"Irony‬ورّدبا أمكن‬
‫تسميتو بالتّن ّدر‪.‬‬
‫ونظن أ ّف صاحب ىذا اللّوف من الفكاىة يقصد من ورائو إٔب نقد اَّتمع وكشف األحواؿ‬‫ّ‬
‫الرتويح عن‬
‫للرأي العاـ‪ ،‬وبذلك تُصبح الفكاىة سبلحا ذا ح ّدين‪ّ :‬‬
‫السياسية والثّقافية ّ‬
‫االجتماعية و ّ‬
‫النّفس من جهة‪ ،‬واإلصبلح من جهة أخرى‪.‬‬
‫وىكذا تُصبح الفكاىة عنصرا أساسيا داخل اؼبقامة؛ إذ ُسبيّزىا عن باقي الفنوف األخرى‪،‬‬
‫وذبعلها ذات شعبية كبرية بلفت انتباه اعبمهور إليها لقراءّتا أو االستماع إليها‪ ،‬كما أ ّّنا تُساعد على‬
‫أف يكوف اعبانب اؼبسرحي أو التّمثيلي أوفر حظّا لتطبيقو على الواقع‪.‬‬
‫وسع ُب اللّغة من حيث النّوع‬
‫تتع ّدد صور االنزياح وأمباطو باعتباره شكبل من أشكاؿ التّ ّ‬
‫والبناء واؼبعىن لذلك جاء تعريفو عند يبىن العيد بأنّو‪ «:‬البُعد عن مطابقة القوؿ للموجودات‪ ،‬مثل ىذا‬
‫البُعد لو أمباطو األسلوبية الّيت تتح ّدد كأمباط غري مباشرة‪ ،‬ىذه األمباط تستعني بأدوات لغوية عديدة‬
‫أو بتقنيات لغوية جديدة مثل االستعارة والتّشبيو واإليباء والتّخييل‪ ،‬دوف أف يعّن ذلك أ ّف مفهوـ‬
‫الشاعر‬
‫ؾبرد تنويع على اؼبعىن؛ بل ىو يَطاؿ رؤية ّ‬
‫االنزياح ىو دبنزلة توحيد للمعاين‪ ،‬وليس االنزياح ّ‬
‫اؼبختلفة لعاؼبنا الواحد »‪2.‬‬

‫السعود‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد ‪ ،170‬ص‪.16‬‬


‫الرسالة‪ ،‬الفكاىة في األدبين العربي واالنجليزي‪ ،‬فخري أبو ّ‬
‫‪ 1‬مجلة ّ‬
‫شعري‪ ،‬يمنى العيد‪ ،‬دار توبقاؿ للنّشر‪ ،‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬ط‪1987(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫في القوؿ ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪325‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫لكل ما وجد‬
‫ص اؼبقامي قد ابتعد عن مطابقة القوؿ ّ‬ ‫وىذا اؼبفهوـ يُعيننا على القوؿ بأ ّف النّ ّ‬
‫فن‬
‫يتحوؿ إٔب ّ‬
‫من األجناس األدبية اؼبعروفة ُب ذلك الوقت‪ ،‬فكاف أف اتّسم بطابعو اؼبميّز الّذي جعلو ّ‬
‫الصور التّعبريية والتّشكيبلت اإليقاعية اؼبوحية‪.‬‬
‫بالصنعة اللّغوية و ّ‬
‫تفرد ّ‬
‫معروؼ بأصحابو وبأسلوبو ف ّ‬
‫مرده إٔب ع ّدة أسباب‬
‫الفن وُب ىذه الفرتة من فرتات اغبياة العربية ّ‬
‫والنّزوع كبو التّصنّع ُب ىذا ّ‬
‫الرضبن ياغي‪ ،‬روح العصر والتّعقيدات الّيت طبعتو « ولقد كاف من روح‬
‫لعل من أنبّها كما يرى عبد ّ‬
‫ّ‬
‫العصر ومن نشوء ىذه الطّبقة الوسطى ومطاؿبها‪ ،‬أف يبعن الكتاب ُب اقتناص الظّريف والغريب‬
‫فرد الفردي‪،‬‬
‫الفن معروفا بصاحبو‪ ،‬ويُصبح الكاتب معروفا بفنّو‪ ،‬فهو عصر التّ ّ‬
‫اؼبستملح‪ ،‬ليصبح ّ‬
‫‪1‬‬
‫وحك الكتف بالكتف مزاضبة ومنافسة‪.»...‬‬
‫وطلب التّميّز على األقراف‪ّ ،‬‬
‫فرد والتّميّز واإلبداع ذبلّت بداية من اعبنس األديب؛ حيث خرج أصحاب اؼبقامات‬ ‫فروح التّ ّ‬
‫فن نثري ُمستحدث يتّسم بالتّنويع الّذي يُعترب ظبة فبيّزة ومثرية‬
‫السالفة إٔب ّ‬
‫االذباىات ّ‬
‫عن اؼبألوؼ و ّ‬
‫االذباه اؼبستقيم‪ّ ،‬إّنا حريّة التّن ّقل واالغرتاؼ وتبديل‬
‫يتجاوز ُّا الكاتب غبظة العقم ونفاذ القروبة ُب ّ‬
‫ص حياتو اؼبمت ّدة‪ ،‬وكأنّو سيل ال يتوقّف إالّ بإرادة صاحبو‪ ،‬وىو يأخذ صورا‬‫األدوار ليواصل النّ ّ‬
‫الشخصية ُّذه التّقنيّة صورا ُمقنّعة تتب ّدؿ أوصافها ومظاىرىا‪.‬‬
‫وأشكاال ـبتلفة فقد تأخذ ّ‬
‫الفن تنحو كبو تغيري النّمطيّة وإحداث اػبلل ُب ىيكل‬
‫وحرية التّن ّقل واالغرتاؼ ُب ىذا ّ‬
‫ّ‬
‫نصو‪ ،‬فتتش ّكلت صور جديدة‬
‫الكتابة‪،‬األمر الّذي خلق انزياحا موضوعيا أحدث ربويرا كلّيا ُب ّ‬
‫القوة والغموض والعمق‪.‬‬
‫السهولة و ّ‬
‫ومتنوعة؛ فنتج عن ذلك مظاىر متع ّددة من حيث ّ‬
‫وأوضاع ـبتلفة ّ‬
‫يدؿ على إدراج عناصر جديدة يأخذ‬
‫الشخصيات ما ّ‬
‫وُب تنويع الوضعيات وتقلّب األحواؿ و ّ‬
‫ؤدي إٔب انزياحات ُب األساليب اؼبستخدمة ُب اؼبّت‪ ،‬لذلك‬
‫اؼبتغري شكبل مؤسلبا جديدا‪ ،‬وىو ما يُ ّ‬
‫ُّا ّ‬
‫ذوؽ‬
‫الشعور بالتّ ّ‬
‫الفّن عموما عنصرا أساسيًّا ُب إبراز أنبّية األثر وزيادة ّ‬
‫كاف التّنويع ُب العمل ّ‬
‫واالستمتاع والتّجاوب‪.‬‬

‫‪1‬رأي في المقامات‪ ،‬عبد الرحمن ياغي‪ ،‬دار الفكر للنّشر والتوزيع‪ ،‬عماف األردف‪1985( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪329‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الرئيسية من حاؿ إٔب حاؿ‪ ،‬تنتقل ُب‬


‫الشخصية ّ‬
‫كل مقامة من مقامات اغبريري تتقلّب ّ‬
‫ففي ّ‬
‫مرة تضيع‬
‫كل ّ‬
‫كل مكاف لبوسا جديدا وقناعا ـبتلفا‪ ،‬لتحقيق الغايات واألىداؼ وُب ّ‬
‫الببلد تلبس ُب ّ‬
‫ىوية اؼبقنّع ليس على القارئ فحسب‪ ،‬وإّمبا على ُمطا ِرده اغبارث بن نبّاـ‪ ،‬وال يكتشفو إالّ بعد أف‬
‫ّ‬
‫الصالةَ‪ .‬وأ ْزَم ْعنا‬
‫قضينا ّ‬ ‫فلما ْ‬ ‫يبلحقو ُخفية‪ ،‬ليتجلّى القناع كما يظهر ُب اؼبقامة التفليسية‪ّ « :‬‬
‫سوةِ وال ُق ّوةِ‪ ».‬وبعد أف يُلقي ّ‬ ‫بادي الل ِ‬ ‫برز شي ٌخ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫الشيخ خطابو ليستعطف‬ ‫قوة‪ .‬بالي ال ُك َ‬ ‫َ‬ ‫الت‪َ .‬‬‫االنف َ‬
‫متصنّ ٌع‬ ‫ِ ِِ‬
‫حيل لحلْيَتو‪َ .‬‬ ‫فص ّوَر لي أنّوُ ُم ٌ‬
‫صحة ّادعائو « ُ‬‫النّاس فيناؿ مراده يش ّكك اغبارث بن نبّاـ ُب ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ىجراً‪ .‬حتى‬ ‫ْحظُني َش ْزراً‪ .‬ويوسعُني ْ‬ ‫وىو يل َ‬
‫أدراجوُ‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫هاجوُ‪ .‬وأقْفو‬
‫ت أنْػ َه ُج م ْن َ‬‫ضُ‬ ‫في مشيَتِو‪َ .‬‬
‫فنه ْ‬
‫غش‪ .‬وقاؿ‪ :‬إني‬ ‫ض ْبع َدما ّ‬ ‫وماح َ‬
‫وبش‪َ .‬‬‫ىش ّ‬ ‫من ّ‬‫نظر ْ‬ ‫إلي َ‬ ‫نظر ّ‬ ‫قيق‪َ .‬‬ ‫وأم َك َن التّ ْح ُ‬
‫ريق‪ْ .‬‬‫إذا َخال الطّ ُ‬
‫عليك ويُ ِنف ُق؟‬ ‫فيق يرفُ ُق َ ِ‬
‫بك ويُرف ُق‪ .‬ويَن ُف ُق ْ‬ ‫لك في َر ٍ َ‬ ‫هل َ‬ ‫ٍ‬
‫صحبَة‪ .‬ف ْ‬
‫ٍ ِ‬
‫ك أخا غُربَة‪ .‬ورائ َد ُ‬ ‫إلخالُ َ‬
‫ت‬‫ت فا ْغتَبِطْ‪ .‬واستَ ْك َرْم َ‬ ‫وج ْد َ‬
‫فيق‪ .‬فقاؿ لي‪ :‬ق ْد َ‬ ‫فيق‪ .‬لوأتاني التّػ ْو ُ‬ ‫الر ُ‬
‫فقلت لوُ‪ :‬لو أتاني ىذا ّ‬ ‫ُ‬
‫بجسم ِو‪ .‬وال‬‫ِ‬ ‫روجي ال قَػلَبَةَ‬
‫شيخنا الس ّ‬ ‫ىو ُ‬ ‫شراً َس ِويّاً‪ .‬فإذا َ‬‫ك مليّاً‪ .‬وتمثّ َل لي بَ َ‬ ‫فارتَبِطْ‪ .‬ثم ِ‬
‫ضح َ‬ ‫ّ‬
‫وس ِم ِو‪.2».‬‬
‫ُش َبهةَ في ْ‬
‫كل‬
‫وقارة وبنية ثابتة ُب اؼبقامات اغبريرية‪ ،‬حيث تعمل ّ‬
‫حوؿ تصبح مركزيّة ّ‬
‫ىذه ال ّديبومة ُب التّ ّ‬
‫السفر إٔب فعل إجرائي لكشف القناع‬
‫يتحوؿ ّ‬‫الوحدات اؼبوضوعية اعبزئية على بلورّتا‪ ،‬وبذلك « ّ‬
‫‪3‬‬
‫الزماف واؼبكاف واللّغة »‪.‬‬
‫السروجي اؼبتقلّب ُب ّ‬
‫وإزالتو عن وجو أيب زيد ّ‬
‫وتتنوع‬
‫تتنوع صورىا وؽبجاّتا‪ّ ،‬‬ ‫فإّنا باألسلبة ّ‬
‫ص اؼبقامي ىي اللّغة ّ‬ ‫مادة النّ ّ‬
‫وإذا كانت ّ‬
‫مادّتا‪ ،‬فنختفي دالالّتا لتخلق أوجها كثرية وأقنعة عديدة‪ ،‬فيتح ّقق بذلك‬
‫سبتص منها ّ‬
‫باؼبصادر الّيت ّ‬
‫ص اؼبقامي‪،‬‬
‫االنزياح ُب أشكاؿ فنّية ودبقاصد صبالية وإوبائية تُربز أنبّية ارتباطو بعنصر التّنويع ُب النّ ّ‬
‫الرتاكيب واألصوات واإليقاع‪،‬‬ ‫الصور و ّ‬
‫حيث تتح ّقق للمبدع ُّما حرية اػبياؿ واالغرتاؼ وتبديل ّ‬
‫تتنوع ُّا مستويات اللّغة وتتع ّدد دالالّتا وإوباءاّتا‪.‬‬
‫فيكتسي اػبطاب صورا مقنّعة ومؤثّرة ّ‬

‫‪1‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص‪.352‬‬


‫‪2‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.358‬‬
‫حوالت والتّبنّي والتّجاوز‪ ،‬يوسف إسماعيل‪ ،‬اتّحاد الكتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪2007( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫المقامات‪ ،‬مقاربة في التّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪311‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫وقد كاف ؽبذا التّنويع والتّغيري ُب صياغة أسلوب اؼبقامات ردود فعل متباينة‪ ،‬أشار اغبريري إٔب‬
‫اىل‪ ،‬أو ذي غُ ْمر َمتجاىل‬ ‫إحداىا ُب مق ّدمتو حيث قاؿ أ ّف عملو ٓب ي َكد ىبلص « من غُمر ج ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫الشرع »‪.1‬‬
‫مّن ؽبذا الوضع وين ّدد بأنّو من مناىي ّ‬ ‫يَضع ّ‬
‫الصيت ال ّذائع للمقامات اغبريرية من أ ّّنا‬
‫وُب واجهة ـبالفة ؼبا قيل تصل أصداء تتح ّدث عن ّ‬
‫العاـ حيث أنست‬
‫اػباص و ّ‬
‫ّ‬ ‫ظ‪ ،‬وأقبل عليها‬
‫« جاءت ّناية ُب اغبسن وأتت على الوافر من اغب ّ‬
‫‪2‬‬
‫وصريّتا كاؼبرفوضة »‪.‬‬
‫مقامات البديع ّ‬
‫ص حيث « يشتكي‬ ‫وُب مقابل ىذه األصداء أيضا ىناؾ شكوى من سوء فهم قصدية النّ ّ‬
‫غري فيو من اسرتاتيجية األدب الّذي أثقل كاىلو‬
‫اغبريري من قراءة متل ّقيو لنوع غري مألوؼ‪ ،‬حاوؿ أف يُ ّ‬
‫‪3‬‬
‫سابقا بأنواع جديدة »‬
‫أحس اغبريري بضرورة التّغيري‪ ،‬وفتح أفقا جديدا أماـ إبداعية القارئ قصد تنشيطو‬
‫وقد ّ‬
‫وربريك ـبيلتو بوضعو أماـ نصوص ذبمع بني ثناياىا زطبا وفريا من ال ّدالالت واؼبتناقضات من حيث‬
‫ص اؼبقامي ٓب يقتصر على كونو‬ ‫وحّت اعبنس‪ ،‬ونقصد باعبنس ىنا أ ّف النّ ّ‬
‫الرؤية والتّفكري ّ‬
‫اؼبوضوع و ّ‬
‫بالشعر‪ ،‬وىو ما يُنبئ أ ّف ىذه اؼبقامات الّيت أنشأىا اغبريري‬
‫نصا نثريا فحسب وإّمبا امتزج أيضا ّ‬
‫ّ‬
‫تتضمنو ال يبكن أف يبدعو إالّ من كاف ُب‬
‫ليست كباقي النّصوص الّيت ينتجها أي شخص‪ ،‬وأ ّف ما ّ‬
‫قمة ال ّذكاء‪ ،‬فقد ذكر ُب مق ّدمتو أ ّف من خصائص مقاماتو‪ّ ،‬أّنا ربتوي على اعب ّد واؽبزؿ وعلى‬ ‫ّ‬
‫الرقيقة واؼبتينة وعلى البياف اعبيّد الّذي يُشبّهو باعبواىر‪ ،‬وغرائب األدب وملحو‪ ،‬وىذا التّنويع‬
‫األلفاظ ّ‬
‫ُب األساليب واألغراض الّيت احتوّتا اؼبقامات أطلق عليو اغبريري اسم "اإلضباض" حيث قاؿ‪« :‬وما‬
‫بيو‪.4»...‬‬ ‫ط قا ِرئِ ِيو‪ .‬وت ْكثير س ِ‬
‫واد طالِ ِ‬ ‫ماض ِ‬
‫فيو‪ .‬إال ت ْنشي َ‬ ‫باإلح ِ‬
‫َ َ‬ ‫ت ْ‬ ‫قص ْد ُ‬
‫َ‬

‫‪1‬مقامات الحريري‪ ،‬أبي القاسم الحريري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2002(4‬ـ)‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪2‬صبح األعشى‪ ،‬القلقشندي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الكتب المصرية‪( ،‬د‪،‬ت)‪1922( ،‬ـ)‪ .‬الجزء ‪ ،14‬ص‪.110‬‬
‫ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري)‪ ،‬إبالغ محمد عبد الجليل‪ ،‬شركة النّشر والتّوزيع المدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫شعرية النّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫ط‪2005(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫‪4‬مقامات الحريري‪،‬ص‪.13‬‬
‫‪310‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الشيء‪ ،‬وأراد بو تن ّقلو ُب اؼبقامات‬


‫الشيء إٔب ّ‬
‫الشريشي اإلضباض بأنّو االنتقاؿ من ّ‬
‫فسر ّ‬
‫وقد ّ‬
‫‪1‬‬
‫قضية رائقة‪ ،‬ومن موعظة تبكي إٔب ملهية تسلّي‪.‬‬
‫من حكاية فائقة إٔب ّ‬
‫والواضح من ىذا القوؿ أ ّف اغبريري ٓب يرد أف يسري خطابو ُب مسار مشابو ؼبن سبقو‪ ،‬فكاف‬
‫الب ّد من إضباض يقلب موازين األدب‪ ،‬وقد ذبلّى ذلك من خبلؿ اؼبقامات الّيت دؾبت أنواعا أدبية‬
‫ص اؼبقامي وفق‬
‫كثرية ُب نسق واحد‪ ،‬ربت غطاء تنشيط القارئ وربريك ـبيلتو لتأويل دالالت النّ ّ‬
‫اػباصة‪.‬‬
‫رؤيتو ّ‬
‫الشعرية داخل اؼبّت اؼبقامي‪ ،‬قد خلق نوعا من التّعالق بني ما ىو سردي وما‬
‫فتوظيف األبيات ّ‬
‫ىو شعري‪ ،‬و قد آؿ ىذا التّعالق إٔب توليد انزياح ُب اعبنس األديب من خبلؿ اؼبزج بني ش ّقي األدب‬
‫نص واحد‪.‬‬
‫ُب ّ‬
‫لكل مبطية‬
‫ربرريًّا باعتبارىا خرؽ ّ‬
‫نص سردي يعترب الكتابة فعبل ّ‬ ‫فاؼبقامات على ىذا ّ‬
‫مفروضة‪،‬وليست فبارسة مهنية ؿبضة إ ّّنا فضاء من التّفاعبلت الّيت ىبرتؽ من خبلؽبا الكاتب حدود‬
‫الشفهية‬
‫األنواع ػبلق فضاء جديد وإبداع جديد‪ ،‬لذلك وجدناىا قد صبعت بني معطيات الثّقافة ّ‬
‫ص جبرأة وشجاعة وتتمثّل ُب‪:‬‬
‫والثّقافة الكتابية ُب شكل فرضيات جديدة طرحها ىذا النّ ّ‬
‫الصورة ُب اغبدث‪.‬‬
‫الشعري عرب دمج ّ‬
‫السردي و ّ‬
‫‪ -1‬خلق توازف بني ّ‬
‫السجع والتّجنيس‬
‫الشعر حيث يُش ّكل ّ‬
‫‪ -2‬إعطاء سلطة اإليقاع دورا موازيا لسلطة الوزف ُب ّ‬
‫ص اؼبقامي من بدايتو إٔب ّنايتو تنويعا وتكثيفا‪.‬‬
‫ؿبَ َورا النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫الشعرية القديبة من منظور ـبالف ؼبا عهد لدى ّ‬
‫‪ -3‬التّعامل مع األغراض ّ‬
‫الفّن ؼبمارسة نوع من اإلقناع و ربويل االنتباه‬
‫فتغيري األساليب أو تنويعها لو قصدية التّأثري ّ‬
‫اؼبتكرر ُب اؼبقامة‬
‫ّ‬ ‫الشخصية وتقلّبات أساليبها ولغتها هبعل اللّقاء‬
‫واإلدراؾ‪ ،‬فالتّنويع ُب أحواؿ ّ‬
‫السروجي‪ ،‬يفرتض «وجود أمر مغاير للمألوؼ‬
‫الراوي اغبارث بن نبّاـ والبطل أبو زيد ّ‬
‫األمبوذج بني ّ‬

‫شريشي‪ ،‬تحقيق إبراىيم شمس ال ّدين‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1985(1‬ـ)‪،‬‬
‫ينظر‪ :‬شرح مقامات الحريري‪ ،‬أبو العباّس ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.26‬‬
‫ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري)‪ ،‬إبالغ محمد عبد الجليل‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫شعرية النّ ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪313‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الراوي بُغية‬ ‫ِ‬


‫تتم مشاىدّتا من قبل ّ‬‫حّت يربر تكرار اللّقاء فنّػيّا‪ ،‬واألمر اؼبغاير ىو وجود صورة متب ّدلة ّ‬
‫ّ‬
‫السابقة من اغبضور ال ّذىّن‪ ،‬فبّا يفسح اَّاؿ لقبوؿ تكرار اللّقاء‪ ،‬ووفق ذلك يق ّدـ‬ ‫الصورة ّ‬‫انزياح ّ‬
‫كل‬
‫تتكرر أيضا مع ّ‬
‫الراوي ماىيتها ولكن اؼبفاجأة ّ‬
‫اللّقاء على أنّو لقاء جديد غبالة ـبتلفة ال يعرؼ ّ‬
‫لقاء »‪.1‬‬
‫كل مقامة ىي ذبسيد لصورة مناقضة ؼبا‬
‫لتحوؿ ما‪ ،‬و ّ‬
‫كل مقامة ىي فضاء ّ‬ ‫وبذلك تكوف ّ‬
‫بك َسفيهاً‪.‬‬
‫عهدي َ‬ ‫وتلونو‪ ،‬لذلك يسألو اغبارث فيقوؿ‪ْ «:‬‬
‫سبقتها‪ ،‬منقلبة عليها كتقلّب أيب زيد ّ‬
‫‪2‬‬
‫ت فَقيهاً؟» ّ‬
‫فريد مرذببل‪:‬‬ ‫فمتى ِ‬
‫ص ْر َ‬
‫وبوسى‬ ‫ِ‬ ‫ست ل ُكل زم ٍ‬‫ِ‬
‫ص ْرفَيو نُعمى َ‬ ‫ست َ‬‫والبَ ُ‬ ‫ػاف لَػبػوسػا‬ ‫لب ُ ّ‬
‫ػجػلػيسػا‬ ‫ِ‬ ‫ت كل َجل ٍ‬
‫يُالئ ُموُ ألرو َؽ ال َ‬ ‫ػيس بػمػا‬ ‫وعاشر ُ‬
‫ْ‬
‫أدير الكػؤوسػا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السقاة ُ‬ ‫وبين ُ‬ ‫َ‬ ‫ػالـ‬
‫ُدير الػك َ‬ ‫فعنػ َد ال ُّػرواة أ ُ‬
‫أس ّر النّفوسػا‬
‫وطوراً بلَ ْهوي ُ‬
‫ْ‬ ‫ػوع‬
‫أسيل ال ّدم َ‬
‫وطوراً بو ْعظي ُ‬ ‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫الحرو َف الشمػوسػا‬ ‫وأقْري الم ِ‬
‫يقود َ‬
‫بَياناً ُ‬ ‫ػت‬
‫سام َع ّإما نطَػ ْق ُ‬ ‫َ‬
‫الرؤية وبالتّإب ُب‬
‫الصورة واؼبهنة‪ ،‬وُب اؼبوقف و ّ‬
‫حوالت ُب ّ‬
‫يوضح التّقلّبات والتّ ّ‬
‫الشعر ّ‬
‫وىذا ّ‬
‫كل مقامة‪.‬‬
‫اللّغة واألسلوب الّذي ينتهجو ُب ّ‬

‫ثانيا‪ :‬االنزياح الدّاللي‪:‬‬


‫َب راؽ إلجرائية االنزياح‬
‫الصورة البيانية تَػ َ ّ‬
‫اؼبادة اللّغوية؛ إذ تعترب ّ‬
‫يتعلّق االنزياح ال ّدالٕب جبوىر ّ‬
‫الصورة‪ ،‬وؽبذا‬
‫هبسدىا بدوف ّ‬
‫ليعرب عن حاالت ال يبكن لو أف يفهمها أو ّ‬
‫يتوسل ُّا اؼبنشئ ّ‬
‫حيث ّ‬
‫تصبح « وسيلة حتمية إلدراؾ نوع متميّز من اغبقائق تعجز اللّغة العاديّة عن إدراكها أو‬

‫حوالت والتّبنّي والتّجاوز‪ ،‬يوسف إسماعيل ‪ ،‬ص ‪.157‬‬


‫المقامات‪ ،‬مقاربة في التّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة الطّيبية‪ ،‬ص‪.348‬‬


‫‪3‬المقامة نفسها‪ ،‬ص ‪.348‬‬
‫‪312‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫عرؼ على جوانب خفيّة من‬


‫الصورة للمبدع قرينة الكشف والتّ ّ‬
‫توصيلها‪،‬وتصبح اؼبتعة الّيت سبنحها ّ‬
‫‪1‬‬
‫التّجربة اإلنسانية »‪.‬‬
‫ص اؼبقامي للحريري مشروعيتَوُ من صبالية‬
‫ويستقي اغبديث عن االنزياح ال ّدالٕب داخل النّ ّ‬
‫كوف طاقة‬
‫اػبلخلة؛ حيث عمد صاحبو إٔب االبتعاد عن القالب اؼبألوؼ ُب استعماالت اللّغة‪ ،‬ف ّ‬
‫إبداعية تولّدت من االضطراب النّاتج عن خرؽ نظاـ اللّغة‪ ،‬وىو ما يوحي بأ ّف جزءا كبريا من نصوص‬
‫عما وضعت لو‬
‫خاصة عندما استخدـ اغبريري ألفاظا وعبارات تنزاح ّ‬
‫أسست لبنية داللية ّ‬
‫اؼبقامات قد ّ‬
‫أصبل‪ ،‬فاكتسبت بذلك مدلوالت جديدة ربيل إٔب آلية اػبياؿ الذي يغفل حواجز اؼبألوؼ ليهب‬
‫فّن يعتمد على التّ ّأمل والتّفكري والوصوؿ‬
‫للمبدع القدرة على اإلبداع‪ ،‬وبالتّإب «االنتقاؿ إٔب تصوير ّ‬
‫القوة وإثارة االنتباه ما يبيّزىا عن غريىا من اؼبعاين الّيت ال دور للخياؿ فيها‬
‫إٔب معاف جديدة فيها من ّ‬
‫‪2‬‬
‫»‪.‬‬
‫وبلّق االنزياح ال ّدالٕب ُب اللّغة اؼبقاميّة فيصوغ اغبريري صوره ويشكلها من خبلؿ ذبسيد‬
‫اػباصة عن العبلقات اػبفيّة‬
‫ّ‬ ‫فتتكشف إثر ذلك رؤيتو‬
‫ّ‬ ‫أحاسيسو وتشخيص خواطره وأفكاره‪،‬‬
‫الصورة أداة أو لنقل وسيلة جوىرية ُب معرفة النّفس وأغوارىا وارتباطها‬
‫واغبقيقية ُب عاؼبو‪ ،‬فتصبح ّ‬
‫يكوّنا خياؿ الفنّاف من معطيات متع ّددة يقف العآب‬‫بالعآب اػبارجي؛ إذ ىي تشكيل لغوي ّ‬
‫ا﵀سوس ُب مقدمتها‪.‬‬
‫وقد وظّف اغبريري ىذه التّشكيبلت اللّغوية‪ ،‬فق ّدمت مقاماتو جبرأة خطاُّا بعضا من تلك‬
‫ط من قيمة‬
‫صور فيو القاعدة ىامشا و اؽبامش قاعدة وح ّ‬
‫اإلنزياحات‪ ،‬حينما وصف لنا« عاؼبا مقلوبا ّ‬
‫متحولة من‬
‫اؼبراتب اؼبألوفة ‪،‬ونقل ال ّداللة اؼبرتبطة تقليدا باؼبركز إٔب اؽبامش ‪،‬فأصبحت رؤيتو وأفكاره ّ‬
‫اؼبتحرؾ و من الواضح إٔب اؼبتخ ّفي »‪.3‬‬
‫اؼبألوؼ إٔب الغرائيب ومن الثّابت إٔب ّ‬

‫‪1‬الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي‪ ،‬جابر عصفور‪ ،‬المركز العربي للدراسات‪،‬بيروت ‪،‬ط‪1992( 3‬ـ)‪ ،‬ص‪.383‬‬
‫الرمة ‪،‬خليل عودة ‪،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬القاىرة ‪1978،‬ص‪10‬‬
‫الصورة الفنية في شعر ذي ّ‬
‫‪2‬‬

‫حوالت والتّبنّي والتّجاوز‪ ،‬يوسف إسماعيل‪ ، ،‬ص‪.58‬‬


‫المقامات‪ ،‬مقاربة في التّ ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪311‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫بتحوالّتا عن مستوى األصل وتكوينها عبلقات جديدة‬


‫وُّذا تكتسي البىن طاقتها اإلبداعية ّ‬
‫السياؽ حبيث تتجاوز بُعدىا اؼبعجمي لصاّب دالالت جديدة تتّصف باإلوباء حبيث «‬
‫ضمن فاعلية ّ‬
‫تأتلف اللّغة ُب عآب يأخذ العبلمات ُب رحلة داللية رب ّقق استثمار ؾبموعة االنزياحات الّيت تفرض‬
‫قصتها ُب فضاء يتّسق ضاربا ُب تع ّدد‬
‫ويتضمن ىذا الغياب بعدا هبعل األلفاظ تروي ّ‬
‫ّ‬ ‫حضورىا بغياُّا‬
‫خاصا تتخطّى فيو الكلمات سياقها اؼبعجمي‬
‫ص العبلقات اللّغوية توظيفا ّ‬
‫اؼبدلوالت‪ ،‬وُّذا يوظّف النّ ّ‬
‫»‪.1‬‬
‫وقد زبطّت األلفاظ ُب مقامات اغبريري ُب أحايني كثرية سياقها اؼبعجمي؛ ذلك أ ّف التّجارب‬
‫الشعورية والثّقافية واالجتماعية للمؤلّف قد مارست عليها سلطة اؼبفارقة للمألوؼ‪ ،‬ما أحدث‬ ‫ّ‬
‫تشويشا لؤلنساؽ واؼبعايري‪ ،‬األمر الذي نتج عنو تكثيف العآب اللّغوي إٔب أقصى ذبلّياتو بطريقة‬
‫جعلت من اغبريري قادرا على َٓبّ أطراؼ ىذه التّجارب وتكثيفها واعبمع بني االنغماس ُب طيّاّتا‬
‫الرتابة‬
‫الصور اليت تكسر حاجز ّ‬
‫الرتاكيب و ّ‬
‫والقدرة على بلورّتا وذبسيدىا ُب عمل أديب قوامو األلفاظ و ّ‬
‫واأللفة ‪.2‬‬
‫فاللّغة مهما كانت ال يبكن أف تغطي بصورة مباشرة عآب اإلنساف وآفاقو‪ ،‬لذا يفزع إٔب اَّاز‬
‫والتّشبيو واالستعارة والكناية وسائر األساليب الفنّػيّة وىو ما عمد إليو صاحب اؼبقامات األدبية‪.‬‬
‫‪-1‬المجػػاز‪:‬‬
‫مهمة التّواصل والتّفاىم‪ ،‬إذ الب ّد ؽبا من‬
‫تؤدي ّ‬
‫الرتكيب ال ّ‬
‫اَّردة عن ّ‬
‫أقر الباحثوف أ ّف األلفاظ ّ‬
‫ّ‬
‫صورا متتالية وىبلق انزياحات عديدة ُب بنية اللّغة ‪،‬وىذا يعّن أنّنا حني نريد التّعبري عن‬
‫تركيب يولّد ّ‬
‫نعرب عنو بأساليب متباينة لكنّها تؤوؿ إٔب األصل اؼبعنوي اؼبراد وىو اغبقيقة الّيت يراد‬
‫معىن ما فإنّنا قد ّ‬
‫الصيغة‬
‫الوصوؿ إليها بالكبلـ‪ ،‬فاَّاز على ىذا النّحو « طريقة ُب التّعبري عن اؼبعىن ذبوز جواز ّ‬

‫‪ 1‬اللّغة العربية وآدابها‪ ،‬النّظرية األسلوبية‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬جماليات األسلوب فايز ال ّداية‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪315‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الكبلمية اغبقيقية لقرُّا منها »‪ ،1‬أو ىو بعبارة أخرى « استخداـ اللّغة ُب معىن ىبتلف عن اؼبعىن‬
‫‪2‬‬
‫الذي ُوضعت لو أساسا باالعتماد على نقل اؼبعىن أو توسيعو أو تضييقو »‪.‬‬
‫كل كلمة أريد ُّا غري ما وقعت لو ُب وضع‬
‫لعل ىذا ما أراده اعبرجاين حينما قاؿ إنّو‪ّ «:‬‬
‫و ّ‬
‫كل كلمة جزت ُّا ما وقعت لو ُب‬
‫األوؿ فهو ؾباز وإذا شئت قلت‪ّ :‬‬‫واضعها ؼببلحظة بني الثّاين و ّ‬
‫‪3‬‬
‫وضع واضعها إٔب ما ٓب توضع لو »‪.‬‬
‫لتدؿ داللة‬
‫معني وتنزاح ُب اَّاز ّ‬
‫تدؿ ُب حقيقتها على معىن ّ‬
‫فاأللفاظ –وفق ىذا التّعريف‪ّ -‬‬
‫تعرب عنو اغبقيقة‪ ،‬والثّاين‬
‫األوؿ ثابت ّ‬
‫فتتفرع بذلك إٔب مدلولني‪ّ :‬‬
‫أخرى جديدة غري ال ّداللة األصلية‪ّ ،‬‬
‫الصورة اَّازية‬
‫يرجح كاتبًا عن آخر‪ ،‬وتع ّد ّ‬
‫الرتكيب ىو الذي ّ‬
‫عرب عنو باَّاز‪ ،‬وىذا النّوع من ّ‬
‫متحوؿ يُ ّ‬
‫ّ‬
‫من أبرز األدوات اليت يستخدمها اغبريري‪ ،‬ؽبذا كانت دراستنا لؤلسلوب اللّغوي اَّازي ُب نصوصو‪،‬‬
‫الرؤية ال ّداخلية ؽبا ىي األساس الذي‬
‫السياقية اليت تربط عناصر اعبملة؛ إذ أ ّف ُّ‬
‫مرتكزا على العبلقات ّ‬
‫حوالت ال ّداللية الذي قد تطرأ على ألفاظ‬
‫يستقر بو وصفها وتربز منو صبالياّتا وىذا بالنّظر إٔب التّ ّ‬
‫ّ‬
‫اللّغة حني توضع ُب سياقات لغوية ـبتلفة‪.‬‬
‫نص من نصوص اغبريري على ؾبموعة من االنزياحات وىذا ما يعكسو‬ ‫كل ّ‬ ‫يتوفّر ّ‬
‫ٍ‬
‫ت لوُ‬ ‫زىةً‪ .‬وي ْد َرأُ عن قلبي ُش َبهةً‪ .‬الى أ ْف ج َد َح ْ‬
‫ك بُػ ْرَىةً‪ .‬يُػ ْنشئ لي كل يوـ نُ َ‬ ‫قولو‪«:‬ولَبِثْنا على ذلِ َ‬
‫ِ ‪4‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي ُد ْ ِ‬
‫اإلمالؽ‪ .‬كأس الفراؽ‪ .‬وأ ْغراهُ ع َد ُـ العُراؽ‪ .‬بتَطْلي ِق العراؽ‪ .‬ول َفظَْتوُ َمعا ِوُز ْ‬
‫اإلرفاؽ»‪.‬‬ ‫َ‬
‫ت لوُ يَ ُد‬‫وتتب ّدى ذروة االنزياح‪ -‬على اؼبستوى التعبريي –ُب ىذا التشكيل اللّغوي «ج َد َح ْ‬
‫خاصا ذبلّى ُب إسناد اليد إٔب اإلمبلؽ (الفقر)‬ ‫الؽ»؛ إذ ح ّقق اغبريري ُب ىذا ّ‬ ‫اإلم ِ‬
‫الرتكيب توتّرا ّ‬ ‫ْ‬
‫الصورة الّيت يتجلّى فيها الفقر عن كونو مفهوما‬ ‫وإسناد الكأس إٔب الفراؽ‪ ،‬وما يلفت االنتباه ىو ىذه ّ‬
‫السلوؾ اإلنساين من خبلؿ لفظة "جدحت"‪ ،‬ذلك أ ّف‬
‫حي يبارس ّ‬
‫ليتحوؿ إٔب كائن ّ‬
‫معنويّا اجتماعيا ّ‬
‫الشيء‬
‫اعبَ ْدح ىو اؼبزج أو اػبلط باليد وىو سلوؾ ؿبسوس نلحظو حباسة البصر‪ ،‬فإذا ما نظرنا إٔب ّ‬

‫‪1‬اللّفظ والمعنى في التّفكير النّقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬األخضر جمعي‪ ،‬اتّحاد الكتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 2‬مدخل إلى معرفة اللسانيات‪ ،‬محمد إسماعيل بصل‪ ،‬دار المتنبّي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪3‬أسرار البالغة‪ ،‬الجرجاني‪ ،‬ص‪.304‬‬
‫‪4‬مقامات الحريري‪ ،‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪312‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫ؾبرد‬
‫الذي أضيفت لو‪ ،‬ألفينا درجة التّوتّر تتصاعد ما يشي بانزياح كبري بني الطّرفني‪ ،‬والفراؽ مفهوـ ّ‬
‫غري ؿبسوس‪ ،‬ال يبكن أف يفرغ ُب كأس ليمزج بيد اإلمبلؽ‪ ،‬وقد أتاحت ىذه العناصر ُب سياؽ‬
‫الصورة ىو تبياف ما للفقر من‬
‫تركيبها للعني أف ترى مشهدا لن يتح ّقق إالّ بسحر اػبياؿ‪ ،‬وداللة ىذه ّ‬
‫غري من سلوؾ اإلنساف‪ ،‬وأىدافو ُب اغبياة‪،‬‬
‫كل األوراؽ‪ ،‬ويُ ّ‬
‫انعكاسات على الفرد واَّتمع فهو ىبلط ّ‬
‫وهبعلو ينأى جبنبو عن أحبابو وأصحابو‪ ،‬وقد تفنّن اغبريري ُب الكبلـ للتّعبري عن ىذه اغبالة فأكسب‬
‫فأدى بذلك وظيفة توصيلية إٔب القارئ من خبلؿ‬ ‫نصو قيمة صبالية‪ ،‬وأضفى عليو أسرارا أسلوبية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫إبراز الطّاقة التّعبريية الكامنة ُب اللّغة‪ ،‬فانزاح األسلوب عن النّمط اؼبألوؼ اؼبعتاد وح ّقق التّأثري‬
‫واعبمالية ُب آف واحد‪.‬‬
‫الصةَ‬
‫وُب موضع آخر من اؼبقامة نفسها داللة أخرى النزياح لغوي آخر ُب قولو‪« :‬إ ّف ُخ َ‬
‫تظهر بالس ْب ِ‬
‫تص َدعُ ِر َ‬ ‫الجوى ِر َ ُ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ك‬
‫الش ّ‬ ‫ك» ُب ىذه العبارة إنزياحاف؛ إذ ّ‬
‫اغبق و ّ‬ ‫شّ‬
‫داء ال ّ‬ ‫ك‪ .‬وي َد الح ّق ْ‬ ‫َ‬
‫حسي دبا أضفاه عليو اغبريري من صفات‬
‫حوؿ إٔب مفهوـ ّ‬
‫مفهوماف معنوياف أصبحا قادراف على التّ ّ‬
‫الش ّق‬
‫ك‪ ،‬وقد أسند ّ‬ ‫الش ّ‬
‫يشق رداء ّ‬‫اغبق رجبل قويّا ّ‬
‫(يد‪ ،‬يصدع)‪ ،‬ليضعنا أماـ صورة أخرى يبدو فيها ّ‬
‫الصورتني ظاىرا جليّا‪ ،‬وقد ذباوز اغبريري التّعبري‬
‫ك فبدى التّفاعل بني ّ‬
‫الش ّ‬
‫الرداء إٔب ّ‬
‫اغبق‪ ،‬و ّ‬
‫إٔب يد ّ‬
‫الصيغ نوعا من التّب ّدؿ الذي طرأ على معىن األلفاظ‪ ،‬فأصبحت ىذه‬
‫األصلي‪ ،‬ذلك أنّو قد أكسب ّ‬
‫غريت من داللتها األصلية لتتّسع وتستوعب ال ّداللة اعبديدة الّيت اكتسبتها‬
‫األخرية ُب صيغة جديدة ّ‬
‫السروجي اعبماعة قد ارتابت من قولو‪ ،‬و ّأّنا قد أبت تصديق دعواه ُب قوؿ‬
‫فلما رأى ّ‬‫ُب سياقها‪ّ ،‬‬
‫الشعر وسبكو‪ ،‬فأسند اليد‬
‫شك ُب قدرتو على نظم ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫الشعر بادرىم ُّذا القوؿ لينزع من قلوُّم ّ‬
‫ّ‬
‫ك لديهم ّاذباه ما يقولو وما يفعلو وذلك ليكسب ثقتهم فتتح ّقق‬
‫الش ّ‬
‫يشق ُّا رداء ّ‬
‫اغبق وجعلو ّ‬
‫إٔب ّ‬
‫الغاية واؼبراد‪.‬‬
‫تتحوؿ اللّيلة اليت أرؽ فيها اغبارث بن نبّاـ إٔب ليلة حالكة اعبِلباب ُب قولو‪:‬‬
‫وُب سياؽ آخر ّ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ْباب‪ِ .‬‬
‫ىاميَ ِة الر‬ ‫ذات ليلَ ٍة حالِ َك ِة الجل ِ‬ ‫«أ ِرق ُ‬
‫ضت لفظة (اعبلباب) اللّفظة األصلية‬ ‫باب » وقد َع َو َ‬ ‫ْت َ‬

‫‪1‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫‪2‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪317‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الرداء الظّبلمي ال ّدامس‬


‫تدؿ على عنصر بصري مرئي وىو ذلك ّ‬
‫اغبسي ىنا ّ‬
‫(شديدة الظّبلـ)‪ ،‬فكثافة ّ‬
‫الذي غطّى الكوف ليصبح حالكا ال يُرى منو شيء‪ ،‬وىو ما جعل اغبريري يوظّف لفظة اعبلباب الّيت‬
‫الشعور النّفسي‬
‫السواد ومشولية الغطاء وُب عمقها على ذلك اإلحساس و ّ‬ ‫تدؿ ُب ظاىرىا على ش ّدة ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫فلم َتزِؿ‬
‫لن في‬
‫ىمي‪ .‬ويُج َ‬ ‫األفكار ي ِه ْج َن ّ‬
‫ُ‬ ‫اؼبتوتّر الذي جعل اغبارث بن نبّاـ ساىرا مهموما « ْ‬
‫طوؿ‬
‫قص َر َ‬‫ضالء‪ .‬ليُ ّ‬
‫من ال ُف َ‬
‫ت‪ .‬أ ْف أ ُْرَز َؽ َسميراً َ‬ ‫ض ِ‬
‫ض ما عانَػ ْي ُ‬ ‫لم َ‬
‫ت‪َ .‬‬
‫وىمي‪ .‬حتى تمنّػ ْي ُ‬
‫س ْ‬‫الوسا ِو ِ‬
‫َ‬
‫ليلَتي اللّْيالء‪.1».‬‬
‫ليعرب عن االتّساع ال ّدالٕب ؽبذه الكلمة وما‬
‫واغبريري بتوظيفو للفظة "اعبلباب" قد انزاح ؾبازيا ّ‬
‫الفّن عن األفكار‬
‫ربملو من اشتقاقات ُمربزا من خبلؿ ذلك مظاىر حيوية اللّغة ودورىا ُب التّعبري ّ‬
‫جسدّتا لفظة‬
‫اليت كاف يُعاين منها اغبارث بن نبّاـ واليت ّ‬
‫السوداوية واؽبواجس واالنفعاالت النّفسية ّ‬
‫ّ‬
‫السياؽ الذي يصطنعو اؼبتكلّم »‪.2‬‬
‫بتغري ّ‬
‫"اعبلباب"‪ ،‬فباَّاز وحده «تسمو ال ّدالالت ّ‬
‫ويستمر اغبريري ُب صياغة انزياحاتو اَّازية انطبلقا من خربتو باللّغة ومعرفتو بدالالت‬
‫ّ‬
‫يتصرؼ فيها كما يشاء‪ ،‬فيمزج بني ال ّدالالت ليخرج ألوانا جديدة‬
‫ألفاظها‪ ،‬حيث جعلها ُب طوعو ّ‬
‫حارىا بباردىا لتأٌب لو بصيغ لونية تعبريية مستحدثة‬
‫الر ّساـ اػببري باأللواف‪ ،‬يبزج ّ‬
‫شأنو ُب ذلك شأف ّ‬
‫ففي قولو على لساف اغبارث بن نبّاـ راوي اؼبقامات‪:‬‬
‫كأس‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ف الوطَ ِن‪ .‬في شر ِخ الزم ِن‪ .‬ل َخط ٍ ِ‬
‫ْت َ‬ ‫فأرق ُ‬
‫ْب ُخش َي‪ .‬وخوؼ غش َي‪َ .‬‬ ‫ْ ّ‬ ‫« نَبا بي مألَ ُ‬
‫إليها‬
‫ت ْ‬ ‫الخطى‪ .‬وال اىتَ َد ْ‬
‫ت في َس ْيري ُوعوراً لم تُ َد ّمثْها ُ‬
‫وج ْب ُ‬
‫الس َرى‪ُ .‬‬ ‫ت ِر َ‬
‫كاب ُّ‬ ‫صُ‬ ‫ونص ْ‬
‫ال َكرى‪َ .‬‬
‫خافة‪.3».‬‬ ‫الخالفَ ِة‪ .‬والحرـ العاصم من الم ِ‬ ‫ت ِحمى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ور ْد ُ َ‬‫ال َقطا‪ .‬حتى َ‬
‫كأس ال َكرى‪ ».‬حيث أقبزت اللّغة ّ‬
‫ربوالت‬ ‫ْت َ‬ ‫فأرق ُ‬
‫ص ضمن قولو‪َ « :‬‬ ‫ومكمن اَّاز ُب ىذا النّ ّ‬
‫فتحرؾ الكرى لينزاح عن مدلولو فيبلمس مدلوال قائما مستحدثا ويقرتف بو وىو‬
‫داللية بني أجزائها ّ‬
‫الصورة تتجلّى أكثر ىو الفعل (أرقت) حيث أظهر النّوـ وكأنّو سائل يبؤل‬
‫الكأس وما جعل ىذه ّ‬

‫‪ 1‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.144‬‬


‫‪ 2‬حيوية اللّغة‪ ،‬سمير معلوؼ‪ ،‬ص‪.471‬‬
‫شعرية‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫المقامة ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪315‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫الراوي بعبارة‬
‫عرب عن إزالة النّوـ من عيّن ّ‬
‫حّت ّنايتو‪ ،‬وبذلك يكوف اغبريري قد ّ‬
‫فيصب ويُراؽ ّ‬
‫ّ‬ ‫الكأس‬
‫أكثر داللة وإوباءا ليُ ّبني امتعاضو من اؼبوطن الذي كاف يقطن فيو وانتفاء االستقرار النّفسي فيو‪ ،‬وُب‬
‫حّت أفرغ كأس الكرى فَػَركبو النّشاط للّرحيل عنو وقد‬‫ذلك تصوير للمعاناة اغبياتية ُب ذلك اؼبوطن ّ‬
‫الرتكيب اؼبوحي الذي يشي ُّذه ال ّدالالت‪.‬‬
‫استخدـ اغبريري ىذا ّ‬
‫وقد يستخدـ اغبريري ألفاظا لتجسيد أو تشخيص معنوي ومنو على سبيل اؼبثاؿ استخدامو‬
‫للفظة "النّاب" مع "النّوب" ُب قولو‪:‬‬

‫ناب الػنُ َػو ِ‬


‫ب‬ ‫فخاؼ َ‬
‫َ‬ ‫ما الذَ ُم ْرتػاعٌ بػ ُك ْػم‬
‫‪1‬‬
‫ِحباء ُك ْم فما ُحػبػي‬ ‫ػل‬ ‫ِ‬
‫وال اسػتَػ َد ّر آمػ ٌ‬

‫تش ّكل ىذه العبارة انزياحا صوتيا إيقاعيا مشحونا بانزياح دالٕب قوامو التّأثري ُب نفس‬
‫السكينة بينهم‪ ،‬وقد ّأدت بنية اإلضافة على كبو تكاملي إٔب‬
‫بالراحة و ّ‬
‫ليحس ّ‬
‫ّ‬ ‫السامعني ليُأ َّمنوا القائل‬
‫ّ‬
‫الرتكيب اإلضاُب [ناب النوب] الذي يضفي على الكبلـ‬
‫تكثيف ال ّداللة وتعميق اإلوباء من خبلؿ ّ‬
‫اغبسية حيث ُذب ّسد اؼبصائب (النوب) على ّأّنا وحش مرتبّص لو أنياب‪ ،‬وقد أحكمت ىذه‬
‫نوعا من ّ‬
‫ك بفاقَتِك‪.‬‬
‫ت أبياتُ َ‬
‫صر َح ْ‬
‫أنت فق ْد ّ‬
‫الصوتية ال ّداللية تأثريىا على اغباضرين فقالوا‪ّ « :‬أما َ‬
‫ال ّدفقة ّ‬
‫مأربَةُ ولَ ِد َؾ »‪.2‬‬ ‫ِ‬
‫ك إلى بلد َؾ‪ .‬فما َ‬
‫يوصلُ َ‬
‫طيك ما ّ‬
‫ك‪ .‬وسنُ ْم َ‬‫ب ناقَتِ َ‬
‫وعطَ ِ‬
‫السياؽ اللّغوي‪ ،‬فيجعل داللتها طوع اؼبتكلّم‪ ،‬ويلمح‬
‫يقوـ اَّاز إذا على« الكلمة اؼبفردة ُب ّ‬
‫إٔب ما فيها من اؼبعاين اؼبختزنة فيقارب بني بعض ىذه اؼبعاين وبني اؼبوقف اللّغوي‪ ،‬ويطرح اؼبعاين‬
‫كأّنا ُب غري مكاّنا الطّبيعي‪ ،‬ذلك أ ّف داللتها‬
‫خاص من ال ّداللة‪ ،‬و ّ‬
‫فتتحوؿ اللّفظة إٔب نوع ّ‬
‫األخرى‪ّ ،‬‬
‫خاصة جديدة »‪.3‬‬
‫لتدؿ على حالة ّ‬
‫اؼبسميات اػبارجية معروفة‪ ،‬وقد جيء ُّا ّ‬
‫تدؿ على ّ‬
‫اغبقيقية الّيت ّ‬

‫كية‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫المقامة الم ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة الم ّكية‪ ،‬ص‪.140‬‬


‫‪3‬حيوية اللّغة‪ ،‬سمير معلوؼ‪ ،‬ص‪.471‬‬
‫‪319‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫وُّذا يبكن القوؿ أ ّف اَّاز يبثّل أكرب استثمار فبت ّد على مستوى ساحة االنزياح فمعو زبرج‬
‫العاـ ومعايريه وسننو اإلجرائية إٔب دائرة فصيحة تتوافر فيها أواصر‬
‫السياقات من مركزيّة النّظاـ اللّغوي ّ‬
‫ّ‬
‫اغبر غري اؼبقيّد على مستوى اإلخبار واإلبداع‪.‬‬
‫حرؾ اؼبوجب ّ‬
‫التّ ّ‬
‫‪-2‬االنزياح االستعاري‪:‬‬
‫خاص يتجلّى ُب أشكاؿ االقباز‬
‫تفرض بعض النّتاجات األدبية سلطة إوبائية تنبّن على واقع ّ‬
‫الرتكيبية فيها إٔب وجو فيو ربوير للواقع اغبقيقي بطريقة تعبريية جديدة‬
‫تتحوؿ العبلقات ّ‬
‫اللّغوي؛ حبيث ّ‬
‫اؼبتجمدة‬
‫ّ‬ ‫اؼبتوىجة‪ ،‬وبذلك يصبح « استخداـ الكلمات بأوضاعها القاموسية‬
‫وفق اؼبغايرة ال ّداللية ّ‬
‫الراسخة إٔب طبيعة جديدة‪،‬‬
‫الشعرية‪ ،‬بل ينتجها اػبروج بالكلمات عن طبيعتها ّ‬
‫غري ؾبد ُب إنتاج ّ‬
‫اؼبرتسبة وبني‬
‫وىذا اػبروج ىو ما يُطلق عليو الفجوة أو مسافة التّوتّر‪ ،‬أو ىو خلق للمسافة بني اللّغة ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشعرية »‪.‬‬
‫الرتكيبية وُب صورىا ّ‬
‫األولية وُب بناىا ّ‬
‫مكوناّتا ّ‬
‫اللّغة اؼببتكرة ُب ّ‬
‫الرتكيب بوجو آخر يعلن االنزياح عن خفايا‬
‫وبيل ىذا الكبلـ إٔب استبداؿ الوجو اؼبألوؼ ُب ّ‬
‫ظل صور التّناسب واالئتبلؼ من جهة‬
‫ؤدي إٔب كسر التّوقّع ُب ّ‬
‫الرؤية دبا يُ ّ‬
‫بيانو للغوص ُب منابع ّ‬
‫والتّمايز من جهة أخرى‪.‬‬
‫لعل ىذا ما ينتج عن التّشكيل االستعاري الّذي يعترب « عملية خلق جديدة ُب اللّغة فيما‬
‫و ّ‬
‫يُقيمو من عبلقات جديدة بني الكلمات‪ ،‬وبو ربدث إذابة لعناصر الواقع إلعادة تركيبها من جديد‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وبذلك تثبت حياة داخل اغبياة الّيت تعرؼ أمباطها الرتيبة »‪.‬‬
‫بأّنا‪ « :‬استعماؿ اللّفظ ُب غري ما وضع لو ُب أصل اللّغة لعبلقة‬
‫وقد عرفت االستعارة ّ‬
‫‪3‬‬
‫بالشيء فتدع أف‬
‫الشيء ّ‬
‫اؼبشاُّة » ‪ّ ،‬أما عبد القاىر اعبرجاين فقد قاؿ إ ّف «االستعارة أف تريد تشبيو ّ‬
‫‪4‬‬
‫فتغريه وذبريو عليو »‪.‬‬
‫تفصح بالتّشبيو وتظهره‪ ،‬وذبيء إٔب اسم اؼبشبّو بو ّ‬

‫مؤسسة األبحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1987(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.38‬‬


‫شعرية‪ ،‬كماؿ أبو ديب‪ّ ،‬‬
‫في ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬اآلداب (مجلّة)‪" ،‬جماليات االستعارة في ضوء النّقد الحديث"‪ ،‬سيدي محمد طرشي‪،‬جامعة تلمساف (الجزائر) العدد‪ ،14‬نوفمبر (‪2008‬ـ)‪ ،‬ص‬
‫‪.193‬‬
‫السبكي‪ ،‬المطبعة األميرية‪ ،‬بوالؽ‪1417 ،‬ىػ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.454‬‬
‫عروس األفراح في شرح تلخيص المفتاح‪ ،‬بهاء ال ّدين ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪53‬‬


‫‪351‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫يقوـ البناء االستعاري إذف وفق ىذين التّعريفني على مراحل ىي‪:‬‬
‫الصورة ا﵀سوسة اؼبتخيّلة‪.‬‬ ‫اَّردة إٔب ّ‬
‫مرحلة إخراج الوحدة اللّغوية من منطقة ال ّداللة ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫الصامتة واعبامدة‪ّ ،‬قوة اغبركة واغبيوية‪.‬‬
‫الصورة ّ‬
‫مرحلة التّحويل‪ ،‬أي إكساب ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫‪1‬‬
‫الصور‪.‬‬
‫الرتكيز على التّكثيف عن طريق االنزياح‪ ،‬ومبادرة الكلمات‪ ،‬وتفخيم ّ‬
‫مرحلة ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫الرؤية اعبمالية للحريري من خبلؿ التّشكيل االستعاري الذي وظّفو ُب مقاماتو‪ ،‬وقد‬ ‫تنبثق ّ‬
‫كشفت لنا القراءة اؼبتأنّية ؽبذه النّصوص عن خصائص أسلوبية انبنت على ما ال يتوقّع وعلى اؼبفاجأة‬
‫والرّو ِاد‪ .‬الى أ ْف َى ِرَـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وذلك ُب مثل قوؿ اغبريري‪«:‬فلبثْنا نرقُػبُوُ ِرقبَةَ األ ْعياد‪ .‬ونستَطلعُوُ بالطّالئ ِع ّ‬
‫طاؿ أم ُد االنتِظا ِر‪ .‬والح ِ‬ ‫ؼ ِ‬
‫الشمس في األطْما ِر‪ .‬قُ ُ‬
‫لت‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬‫فلم‬
‫ُ ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫هار‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫اليوـ‬ ‫كاد ُج ُر ُ‬
‫هار‪ .‬و َ‬
‫النّ ُ‬
‫الزما َف‪.2».‬‬ ‫الرحلَ ِة‪ .‬الى أ ْف َ‬
‫أض ْعنا ّ‬ ‫الم ْهلَ ِة‪َ .‬‬
‫وتماديْنا في ّ‬ ‫ناى ْينا في ُ‬
‫ألصحابي‪ :‬قد تَ َ‬
‫ْ‬
‫تكشف بعض الكلمات ُب ىذا اؼبقطع عن غرابة معيّنة تكمن ُب اقرتاف كلمة َى ِرَـ بالنّهار‪،‬‬
‫الشمس باألطمار‪.‬‬
‫وجرؼ باليوـ‪ ،‬و ّ‬
‫الشمس‪،‬‬
‫الضياء الذي يسود ما بني طلوع الفجر إٔب غروب ّ‬ ‫إ ّف داللة النّهار توحي بذلك ّ‬
‫لكن اغبريري أسند الفعل"ىرـ" إٔب "النّهار" ليبسط مساحة من‬
‫وىذا ُوبيل إٔب امتداد زمّن طبيعي‪ّ ،‬‬
‫االنزياح بني "اؼبعىن"و"معىن اؼبعىن"‪ ،‬فاستبدؿ اؼبظهر اؼبألوؼ ُب الطّبيعة بآخر جديد ومستغرب‪،‬‬
‫ويتجلّى ُب إكساُّا صفة بشرية حيث تصبح ظاىرة انتهاء النّهار ُب ىذا اؼبقطع صورة لئلنساف‬
‫عندما يكرب أو يشيخ‪ ،‬وىذا وجو آخر ُب عبلقة الطّبيعة باإلنساف‪ ،‬فاستعارة اؽبرـ للنّهار بنيت على‬
‫تونبي زبيلي‪ ،‬واألمر نفسو يسري على عبارة "كاد ُجرؼ اليوـ ينهار" فإسناد اعبُرؼ باعتباره‬
‫أساس ّ‬
‫صخورا ذبرفها سيوؿ الوادي إٔب اليوـ قد خلق نوعا من االنزياح حيث نقلت األلفاظ من وجهها‬
‫الظّاىري إٔب وجو آخر أقصى البىن عن أصل وضعها لتفتح دائرة التّ ّأمل قصد الكشف عن عبلقات‬
‫متحوؿ ال ّدالالت‪.‬‬
‫متنوع الوجود ّ‬
‫جديدة‪ ،‬وىو ما يسمح بكشف طبقات ىذه البىن على فضاء ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.456‬‬
‫‪2‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪350‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫حوؿ ُب استخداـ األلفاظ ُب ىاتني العبارتني انزياح آخر مثّل غاية‬‫وقد نتج عن ىذا التّ ّ‬
‫الشاعر‬
‫عرفو عبد القاىر اعبرجاين بػ « ما يثبت فيو ّ‬
‫عرب عنو بالتّخييل الذي ّ‬
‫االكبراؼ والتّباعد أو ما ّ‬
‫أمرا ىو غري ثابت أصبل وي ّدعي دعوى ال طريق إٔب ربصيلها‪ ،‬ويقوؿ قوال ىبدع فيو نفسو ويريها ما ال‬
‫الشمس إٔب كائن إنساين يظهر بأطمار بالية َخلِ َقة‪ ،‬ومعاعبة البعد االنزياحي‬
‫تتحوؿ ّ‬
‫ّ‬ ‫حيث‬ ‫‪1‬‬
‫ترى »‪.‬‬
‫الشمس عند‬ ‫تغري ضوء ّ‬ ‫ُب ىذا التّشكيل االستعاري ينبّن على أ ّف اغبريري قد انزاح ُب تعبريه عن ّ‬
‫الشمس‪ ،‬اعبرؼ‪،‬‬
‫الغروب‪ ،‬فخلق لغة جديدة على أساس عبلقات قائمة بني الكلمات"األطمار‪ّ ،‬‬
‫للصورة االستعارية ُب ىذه العبارات قد سبّت بتفاعل‬
‫اليوـ‪ ،‬ىرـ‪ ،‬النّهار" فاغبركة اللّغوية وال ّداللية ّ‬
‫السياؽ مع االستعارة نفسها مع غرابتها عنو‪ ،‬وما يكشف ىذا التّفاعل ىو تلك الكلمات اؼبستعارة‬ ‫ّ‬
‫"ينهار‪ ،‬النهار‪ ،‬جرؼ‪ ،‬ىرـ‪ ،‬األطمار"‪ ،‬والّيت ال تنتمي إٔب ا﵀يط الذي حلّت بو‪ ،‬وىذا ما ُوب ّقق‬
‫وتتوىج األحاسيس البديلة الّيت ربيل‬
‫عنصر اؼبفاجأة حني يتضاءؿ التّنامي النّمطي لل ّدالالت اؼبألوفة‪ّ ،‬‬
‫لتكوف عبلقات جديدة تتّسم باإلوباء‬
‫ربوالّتا عن مستوى األصل ّ‬ ‫على طاقات إبداعية ضمن ّ‬
‫اعبمإب‪ ،‬وينبغي االلتفات إٔب أ ّف توظيف اغبريري ؽبذه األلفاظ وخروجو ُّا عن اؼبألوؼ ٓب يكن‬
‫أحس بو‬
‫الشعور الذي ّ‬
‫يؤشر إٔب دالالت اؼبلل والبلجدوى من االنتظار والبحث‪ ،‬وىو ّ‬
‫عشوائيا وإّمبا ّ‬
‫السروجي وبذلك يصبح ؽبذه االستعارة « ىدفا صباليا‬
‫اغبارث بن نبّاـ ورفقائو وىم ينتظروف أبا زيد ّ‬
‫‪2‬‬
‫وتشخيصيا وذبسيديا وزبييليا وعاطفيا »‬
‫فالفضاء االستعاري ُب ىذه العبارات يتّضح من خبلؿ استخداـ اغبريري لصبلت التّنافر‬
‫والتّشابو ُب الوقت نفسو ما يُفضي إٔب تناسق ُب ال ّدالالت‪ ،‬وىو ما يعود بنا إٔب البحث عن النّظرة‬
‫الرتاثية عبماؿ االستعارة وؿباولة تطبيقها على إنتاج اغبريري وذلك من خبلؿ منهجني‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.239‬‬


‫‪2‬االستعارة في النّقد األدبي الحديث (األبعاد المعرفية والجمالية)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوساألىلية للنّشر‪ ،‬عماف‪1997 ،‬ـ‪ ،‬ص(‪.)08-07‬‬
‫‪353‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫األوؿ‪ :‬يرجع جبماؽبا إٔب وضوحها ومقاربتها اؼبعىن الذي استعريت لو‪ ،‬إذ يقوؿ اآلمدي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫« إّمبا استعارت العرب اؼبعىن ؼبا ليس لو إذا كاف يُقاربو أو يدانيو‪ ،‬أو يشبهو ُب بعض أحوالو‪ ،‬أو كاف سببا‬
‫‪1‬‬
‫بالشيء الذي استعريت لو ومبلئمة ؼبعناه »‪.‬‬
‫من أسبابو‪ ،‬فتكوف اللّفظة اؼبستعارة حينئذ الئقة ّ‬
‫دؿ"ىرـ‬
‫وقد ناسب اغبريري بني اللّفظة اؼبستعارة وما استعريت لو من حيث اؼبعىن حيث ّ‬
‫يدؿ على قرب أجلو‪ ،‬كما دلّت‬
‫اؼبسن ويكرب وىو ما ّ‬
‫النّهار" على قرب زوالو وانقضائو كما يشيخ ّ‬
‫السيوؿ‪.‬‬
‫العبارة الثّانية عن قرب انتهاء اليوـ‪ ،‬كما تنهار صخور الوادي بفعل ّ‬
‫الشمس وبروزىا بأطمار بالية‬
‫فعرب عن ظهور ّ‬
‫ّأما العبارة الثّالثة فكانت للتّمثيل للغروب ّ‬
‫الشمس وىي ُب ذلك الوضع‪.‬‬
‫تتحوؿ لو ّ‬
‫لتوضيح اللّوف الذي ّ‬
‫األوؿ بال ّدعوة إٔب كسر البىن اؼبألوفة وفسح بىن متميّزة سبلك‬
‫ّأما اؼبنهج الثّاين فقد زبطّى اؼبوقف ّ‬
‫قدرة التّأثري‪ ،‬وبياف ذلك عند اعبرجاين إذ يقوؿ‪ « :‬وىكذا إذا استقربت التّشبيهات‪ ،‬وجدت التّباعد بني‬
‫شيئني‪ ،‬وكلّما كاف ذلك أش ّد كانت إٔب النّفوس أعجب وكانت النّفوس ؽبا أطرب »‪.2‬‬
‫وتؤسس نصيا‬
‫ىاما ُب مقامات اغبريري ّ‬
‫السابق ينبئنا أ ّف اللّغة تشغل حيّزا ّ‬
‫إ ّف التّنظيم ال ّدالٕب ّ‬
‫وتصور‬
‫ومكوناتو نوعا ووضعا‪ّ ،‬‬ ‫الفّن‪ ،‬حيث زبتلف وتتع ّدد عناصر الوصف ّ‬ ‫لتنوع ؾباالت التّصوير ّ‬ ‫ّ‬
‫السهوة وىي تأسر أبا‬ ‫صور ّ‬‫اغبركة والفعل واغبالة والتّفاعل واؼبظهر‪ ...‬فعلى اغباؿ نفسو يبكننا أف نت ّ‬
‫يسنَ ُح‪ .‬أو ُح ٍّر‬ ‫واؽ‪ .‬متص ّدياً ٍ‬ ‫األس ِ‬ ‫اؽ‪ .‬الى ِ‬‫ْت اإل ْشر ِ‬
‫لص ْيد ْ‬
‫َ‬ ‫بعض ْ‬ ‫ت وق َ‬ ‫السروجي حبباؽبا‪« :‬غ َد ْو ُ‬
‫زيد ّ‬
‫فاء‬
‫ص َ‬ ‫فجمع على التّ ِ‬
‫حقيق‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫إلي ِو َمصي ُفوُ‪.‬‬
‫وأحس َن ْ‬
‫َ‬ ‫تصفي ُفوُ‪.‬‬
‫س َن ْ‬
‫ْت بها ْتمراً قد َح ُ‬ ‫فلحظ ُ‬
‫يسم ُح‪َ .‬‬
‫َ‬
‫المز ْع َف ِر‪َ .‬‬
‫فهو‬ ‫ِ‬
‫برز كاإلبْري ِز األص َف ِر‪ .‬وانجلى في اللوف َ‬ ‫عقيق‪ .‬وقُبالتَوُ لِبَأٌ قد َ‬
‫نوء الَ ِ‬ ‫الر ِ‬
‫حيق‪ .‬وقُ َ‬ ‫ّ‬
‫فأسرتْني‬ ‫ريو‪ .‬ولو ن َق َد حبةَ القل ِ ِ‬ ‫تناى ِيو‪ .‬ويصوب رأي مشتَ ِ‬ ‫ساف ِ‬ ‫طاى ِيو‪ .‬بلِ ِ‬
‫يػثْني على ِ‬
‫ْب فيو‪َ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫الع ْي َمةُ الى ُسلْطانِها‪.».‬‬ ‫ِ‬
‫شهوةُ بأ ْشطانها‪ .‬وأسلَ َم ْتني َ‬
‫ال ّ‬

‫‪ 1‬الموازنة بين شعر أبي تماـ والبحتري‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬تحقيق محمد عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.346‬‬
‫‪2‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪3‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫‪352‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫فهو يُػثْني على طاىيو‪ُ ...‬مشتَريو» إٔب ّ‬
‫الصوت اؼبنبعث من‬ ‫ويُشري اؼبقطع األخري ُب قولو‪َ «:‬‬
‫صور اغبريري حركة الفعل‬
‫وملحا على مشرتيو ليأخذوا منو فقد ّ‬
‫اللّبأ‪ ،‬وىو يتكلّم مثنيا على طاىيو‪ّ ،‬‬
‫واغبالة للبأ فأبرز التّفاعل اغباصل بني عناصر إنسانية وأخرى جامدة عرب التّعبري دبفردات اإلنساف‬
‫يصوب‪ ،‬رأي)‪ ،‬وقد اجتمعت ىذه االستعارات على خرؽ نظاـ اللّغة من خبلؿ العمل‬
‫(يثّن‪ ،‬لساف‪ّ ،‬‬
‫السروجي عن قرب‬
‫على تغيري اؼبعىن واغب ّد من مباشريتو قصد تعميق االنفعاؿ لرسم اؼبشهد الذي رآه ّ‬
‫وكأنّو ماثل أماـ القارئ‪.‬‬
‫الصور ُب قولو‪:‬‬
‫الصورة اؼبوالية لتلك ّ‬
‫متأججا ُب ّ‬ ‫الشعوري ّ‬ ‫وقد بدا التفاعل النّفسي و ّ‬
‫شهوةُ بأ ْشطانِها» حيث يتّضح االرتباط والتّقييد‪ ،‬ذلك أ ّف ّ‬
‫الشهوة حينما يُسند إليها‬ ‫فأسرتْني ال ّ‬
‫« َ‬
‫ِ‬
‫فأسرتْني"واالسم"أ ْشطانها" تغادر معناىا ّ‬
‫اَّرد لتنضاؼ إٔب الئحة اإلنسانية‪ ،‬فتكتسب بذلك‬ ‫فعل " َ‬
‫اإلحساس‪،‬تتحوؿ إٔب جسد‬
‫ّ‬ ‫الشعور و‬
‫فالشهوة دبا أ ّّنا معطى معنوي من ّ‬
‫اغبرية‪ّ ،‬‬
‫سلطة التّقييد وسبلّك ّ‬
‫القوة على إتياف سلوكات بشرية (األسر باغبباؿ) وبذلك تنزاح الكلمة عن مدلوؽبا‬
‫حي يبلك اإلرادة و ّ‬
‫ّ‬
‫لصورة الّيت‬
‫لتدؿ على انفعالو باؼبنظر الذي رآه وتوضح ّقوة اإلوباء واإلدىاش واعبماؿ ُب ا ّ‬
‫اغبقيقي ّ‬
‫اليت « تعكس التّداخل‬‫سمى باستعارة النّقل اعبمإب ّ‬
‫رظبها اغبريري ُب ىذه اؼبقامة من خبلؿ ما يُ ّ‬
‫تاما‪ ،‬وتتمتّع ىذه‬
‫البني بني شيئني من حقلني دالليني ـبتلفني اختبلفا شديدا‪ ،‬بل ـبتلفني اختبلفا ّ‬ ‫ّ‬
‫االستعارة بقيمة انفعالية وتأثريية عالية ج ّدا‪ ،‬فهي ال تتجاوز التّبليغ إٔب اإلوباء فحسب‪ ،‬وإّمبا يغلب‬
‫‪1‬‬
‫الشديد واإلدىاش »‪.‬‬
‫عليها التّشكيل اللّغوي اعبمإب ولذلك تتّصف باإلوباء ّ‬
‫الصور االستعارية للحريري ضمن ثبلثة وظائف‬
‫وقد ذبلّت الوظيفة اعبمالية للنّقل ُب ىذه ّ‬
‫أساسية‪:‬‬
‫‪ -1‬جودة اإلفهاـ‪ :‬وتظهر من خبلؿ وضوح االستعارات‪.‬‬
‫‪ -2‬تغريب القوؿ‪ :‬ويأٌب من ـبالفتها للمألوؼ من القوؿ حيث عمد اغبريري إٔب ذبسيد ما ىو‬
‫الشهوة بأشطاّنا)‪( ،‬فهو‬
‫جامد وتشخيصو ُب ىيئة بشرية تقوـ بأفعاؿ وحركات (أسرتّن ّ‬

‫شعر الجاىلي (مدخل لغوي أسلوبي)‪ ،‬محمد العيد‪ ،‬دار المعارؼ‪ ،‬القاىرة‪1988( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.154‬‬
‫إبداع ال ّداللة في ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪351‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫يثّن على طاىيو) ما تولّد عنو صبالية االستغراب وال ّدىشة من اللّغة الوصفية‪ ،‬الّيت قربت‬
‫القوؿ من وضعية غري مألوفة سواء على مستوى الكينونة والتّش ّكل أـ على مستوى الفعل‬
‫واغبركة‪.‬‬
‫حوؿ‬
‫الرتابة واؼبلل بناء على مبدأ التّ ّ‬
‫‪ -3‬اإلمتاع وااللذاذ‪ :‬الذي وبصل بعد التّخييل حيث تب ّدد ّ‬
‫القائم على االنتقاؿ بني وضعيات ـبتلفة‪.‬‬
‫ووبيل مفهوـ النّقل االستعاري إٔب كوّنا انزياحا عن القاعدة‪ ،‬لذلك قيل ُب تعريفها إ ّّنا « قوؿ‬
‫‪1‬‬
‫ـبرج غري ـبرج العادة وىو ما هبعل صباليتها كامنة ُب ىذا االنزياح عن القوؿ اؼبألوؼ »‪.‬‬
‫توضح مكامن الظّلم االجتماعي والفقر الذي كاف يعاين منو أفراد اَّتمع‬ ‫الصور وغريىا ّ‬‫وىذه ّ‬
‫ُب عهد اغبريري‪ ،‬وتدىور القدرة االجتماعية للحصوؿ على ما يريدوف‪.‬‬
‫وقد أرضخ اغبريري عناصر اللّغة إٔب تفاعل عضوي انزاحت دبوجبو األلفاظ عن معانيها األصلية‬
‫ص اؼبقامي‪ ،‬ففي مقاـ النّصح واإلرشاد يوظّف اغبريري االنزياح‬ ‫تبعا لسياقاّتا ُب االستعماؿ داخل النّ ّ‬
‫االستعاري ُب قولو‪:‬‬
‫ِ ِ‪2‬‬
‫راضياً بما ت ْقتَني م ْػن أجػ ِرهِ وثػوابػو‬
‫بالماؿ ِ‬
‫ِ‬ ‫فج ْد في مراضي ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ػوؿ ونػابِ ِػو‬
‫بمخلَبِ ِو األ ْشغػى يغ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الزم ِ‬
‫ػاف فػإنّػوُ‬ ‫ؼ ّ‬‫صر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫وباد ْر بو ْ‬
‫الصفات اغبيوانية الّيت اختريت‬
‫الصورة عن إحساس باؼبفارقة فنعثر على عدد من ّ‬
‫تعرب ىذه ّ‬ ‫ّ‬
‫تتجسد ُب‬
‫بكل ما وبملو من مفاجآت غري اؼبتوقّعة ّ‬
‫الزماف ّ‬ ‫للزماف‪ ،‬رّدبا أل ّف عبلقة اإلنساف حبيثيات ّ‬
‫ّ‬
‫الشيء الذي‬
‫ؾبرد‪ّ ،‬‬ ‫الصورة على إضافة ؿبسوس إٔب ّ‬
‫ذلك اؼبوقف التّحذيري من تقلّباتو‪ ،‬وتقوـ ىذه ّ‬
‫الزماف من أجل مواجهتو‪ ،‬ألنّو يستحيل‬
‫ينتج عنو تركيبات غاية ُب االكبراؼ والتّباعد‪ ،‬فقد ًبّ ذبسيد ّ‬
‫الزماف إٔب حيواف مفرتس (بأنياب وـبالب) وإعارتو‬ ‫مواجهة اؼبعنوي‪ ،‬فالتّجسيد يتمثّل ُب ربويل ّ‬
‫السلوكات اغبيوانية (يغوؿ)‪ّ ،‬أما اؼبواجهة فتتمثّل باغب ّد األدىن الذي‬
‫ؾبموعة من األعضاء واألفعاؿ و ّ‬
‫السريعة‪ ،‬وىو البذؿ والعطاء ُب‬
‫الزماف وتقلّباتو ّ‬
‫معوقات وعراقيل ونبوـ ّ‬
‫يستطيعو اإلنساف العاجز أماـ ّ‬
‫مراضي ا﵁ باؼباؿ قصد كسب الثّواب واألجر‪ ،‬ـبافة ّناية مفاجئة‪.‬‬

‫‪1‬اللّغة والخطاب‪ ،‬عمر أوكاف‪ ،‬ص‪.126‬‬


‫الرازية‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ 2‬المقامة ّ‬
‫‪355‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫اؼبتوىجة والّيت انبنت على جدلية‬


‫الصورة اللّ ّذة اعبمالية وإوبائيتها ّ‬
‫وقد أوضحت ىذه ّ‬
‫االختبلؼ اؼبفضي إٔب التّجانس واالئتبلؼ‪ ،‬وىذا ما وبدث تغيريا يعصف بأبنية اؼبألوؼ فبّا يش ّكل‬
‫ص ُب‬
‫تكوثرا ببلغيا مائزا لئلوباء ومنجزا غبيوية البىن فاؼبغايرة تُعني سريورة التّوتّر الذي وبتكم إليو النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫ص إببلغيتو‪.‬‬
‫تكوين الفراغ اؼبعرُب الذي يش ّكل الببلغة العليا ويبنح النّ ّ‬
‫متمسكا خبلخلة أمباط اللّغة اؼبعيارية وربويرىا لتفي بغاياّتا التّعبريية والوصفية‪،‬‬
‫ويبدو اغبريري ّ‬
‫يتمهل ُب فهم بعض االنزياحات كما ىو ُب قولو على لساف‬
‫ونصوص بعض اؼبقامات ذبعل القارئ ّ‬
‫ت في‬ ‫ِ‬
‫الخصيب‪ .‬وضربْ ُ‬ ‫ت بم ْغناىا‬
‫فلما أن ْخ ُ‬
‫ّ‬ ‫«‬ ‫‪،‬‬‫‪2‬‬
‫اغبرث بن نبّاـ وىو يرحل عن العراؽ إٔب نصيبين‬
‫ماد‪.‬‬
‫الج ُ‬
‫السنَةُ َ‬
‫تحيا ّ‬‫ْقي بها ِجراني‪ .‬وأتّخ َذ أىلَها جيراني‪ .‬الى أ ْف ْ‬
‫ت أف أُل َ‬
‫مرعاىا بنَ ٍ‬
‫صيب‪َ .‬نويْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ليػلَتي عن ِ‬
‫يومها‪.‬‬ ‫بنوِمها‪ .‬وال تم ّخ َ‬ ‫ِ‬ ‫وتتعه ُد أرض قومي ِ‬
‫ضْ ْ‬ ‫ت ُمقلَتي ْ‬
‫ضْ‬ ‫ض َم َ‬
‫تم ْ‬
‫هاد‪ .‬فواهلل ما َ‬
‫الع ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫صيبين»‪.‬‬ ‫ت أبا ٍ‬
‫يجوؿ في أرجاء نَ َ‬ ‫زيد السروجي ُ‬ ‫دو َف أف أل َف ْي ُ‬
‫بنوِمها»‬
‫ت ُمقلَتي ْ‬‫ض ْ‬
‫ض َم َ‬
‫تم ْ‬
‫تدؿ األؤب على عبارة «ما َ‬ ‫يشتمل ىذا اؼبقطع على صورتني ّ‬
‫يومها »‪ ،‬وكبلنبا تستند إٔب مرجع معنوي تعمل‬ ‫ت ليػلَتي عن ِ‬
‫ض ْ ْ‬
‫تدؿ عليها عبارة «وال تم ّخ َ‬ ‫والثّانية ّ‬
‫األوجو البيانية على تسييجو بالغموض بعد أف انزاحت العبارات عن معانيها اغبقيقية‪ ،‬فاؼبضمضة ال‬
‫وبرؾ‬
‫صلة ؽبا بالعني‪ ،‬وإّمبا ىو من اختصاصات الفم‪ ،‬وقد استعريت لتمثّل حركة النّوـ ُب العني كما ّ‬
‫اؼباء ُب الفم‪ ،‬وذلك لل ّداللة على األرؽ والقلق الذي شعر بو اغبارث بن نبّاـ نتيجة اشتياقو أليب زيد‬
‫ت ل ْيػلَتي عن‬
‫ض ْ‬
‫الصورة الثّانية «وال تم ّخ َ‬
‫السروجي وإحساسو بالغربة وىو ُب غري موطنو األصلي‪ّ ،‬أما ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫يومها» فلها ال ّداللة نفسها لكن اغبريري عمق ُّا تعبريه‪ ،‬حيث أسندت لفظة ّ‬
‫"سبخضت" للّيلة داللة‬
‫فتحركت بو‪ ،‬وىي لفظة مستعارة‬ ‫السابق ؽبا‪ ،‬وكأ ّف اليوـ ألقى ُب اللّيلة ما كاف فيو من اغبياة ّ‬
‫عن اليوـ ّ‬
‫وذبسد ىاتني العبارتني موقفا انفعاليا‬
‫ربركت بو ودنت والدّتا‪ّ ،‬‬
‫من ـباض اؼبرأة بولدىا؛ إذا ما ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬اللّغة العربية وآدابها(مجلّة)‪"،‬النظرية األسلوبية"‪ ،‬عبد اهلل عنبر‪ ،‬ص ‪.284‬‬
‫السالـ‪ ،‬افتتحها غانم بن عياض‪ ،‬في‬
‫نصبين‪ :‬مدينة عظيمة كثرة األنهار والبساتين مطلّة على الجودي الذي استوت عليو سفينة نوح عليو ّ‬
‫‪2‬‬

‫خالفة عمر بن الخطاب – رضي اهلل تعالى عنو‪-‬‬


‫‪3‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪352‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري‬

‫وشعوريا صارخا بالغربة ُب البلد الذي قصده اغبارث بن نبّاـ إذا ٓب يلتق برفيق دربو أيب زيد‬
‫السياؽ‬
‫سبخضت" رؤية انفعالية تربز سبيّزىا ُب ىذا ّ‬
‫السروجي‪ ،‬وقد ضبلت كلمة "اؼبضمضة" و"ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الرتكيب وطبيعة اغبركة‪ ،‬ووصف اغبريري غبالة اغبارث بن نبّاـ انبىن على عبلقات‬
‫حيث ب ّدلت معآب ّ‬
‫ربوالت متناقضة ظهرت ذبلّياّتا ال ّداللية ُب االنزياح عن اؼبألوؼ بني اؼبعىن ومعىن اؼبعىن‪.‬‬
‫ذىنيّة ضمن ّ‬
‫وقد ُوبيل ىذا االنزياح ُب العبارتني وُب عبارات أخرى كثرية ُب اؼبقامات إٔب أ ّف عامل‬
‫كل اؼبقامات حيث يُبدي اغبارث بن‬
‫السارد والبطل وارد تقريبا ُب ّ‬
‫السيكولوجية" بني ّ‬
‫"االستجابات ّ‬
‫أي شيء آخر‪ ،‬وىو ما‬ ‫نبّاـ رغبة جامعة ُب التقاء أيب زيد؛ ذلك أ ّف األلفة ذبمع بينهما أكثر من ّ‬
‫يشري إٔب أ ّف اغبريري يضعنا أماـ صورة ؾبتمع متماسك إنسانيا ولكنّو متف ّكك اجتماعيا واقتصاديّا‪.‬‬
‫تتكرر‬
‫ص اؼبقامي باإلضافة إٔب ما سبق ذكره من االستعارات‪ ،‬استعارات أخرى ّ‬‫تتش ّكل ُب النّ ّ‬
‫ص بشكل الفت للنّظر‪ ،‬وترتّكز حوؿ أربعة مواضيع ىي كاآلٌب‪:‬‬ ‫داخل النّ ّ‬
‫استعارات ال ّدىر‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫استعارات البطل‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫استعارات اغبية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫استعارات النّار‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪357‬‬
‫استعارات‬ ‫استعارات اغبيّة‬ ‫استعارات البطل‬ ‫استعارات ال ّدىر‬
‫‪ -‬مازلت آخذ نفسي‬ ‫فجر ينبوع نفثاتو‬ ‫‪ّ -‬‬ ‫‪ -‬يعجن اعب ّد دباء اؽبزؿ‬ ‫‪-‬اىتصرت عودي و يا ويل‬
‫وأطبد صبرة الغضب‪.‬‬ ‫‪ -‬فأطرؽ إطراؽ األفعواف‬ ‫فلما أعجز العوـ ُب حبره‬ ‫من ّتتصر األحداث أغصانو‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬فلم يزؿ التّبلحي ب‬ ‫الزماف فإنّو‬
‫‪ -‬وبادر بو صرؼ ّ‬
‫‪ -‬وفصل عن جهتو واػبرت يلمع ‪ٍ -‬بّ إنّو انساب انسياب اآلًن‬
‫تلهب ج‬ ‫دبخلبو األشغى يغوؿ ونابو‬
‫فلما رأيت ّ‬ ‫بت من لسعو الذي أعجز ‪ّ -‬‬ ‫‪ّ -‬‬ ‫من جبهتو‪.‬‬
‫‪ -‬ؼبا خبت ناره‪ ،‬وتوا‬ ‫الرضبن سبحانو‬ ‫‪ -‬أشكوا إٔب ّ‬
‫ّ‬ ‫سليما‪.‬‬ ‫مّن‬
‫ّ‬ ‫وبات‬ ‫سليما‬ ‫اقي‬
‫الر‬
‫ّ‬ ‫بسحر‬ ‫األفهاـ‬ ‫عقم‬ ‫ألقح‬ ‫ما‬‫ل‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫‪-‬‬ ‫تقلّب ال ّدىر وعدوانو‬
‫‪ -‬قاؿ لو كبرير زمرتو‬
‫مّن نفثة‪.‬‬
‫‪ -‬واستمع ّ‬ ‫الكبلـ‪.‬‬ ‫‪ -‬فهل فّت ُوبزنو ما يرى‬
‫‪ -‬واىا لك‪ ،‬فما أضر‬
‫‪ -‬تلدغ بلساف نضناض‪.‬‬ ‫تلهب جذوتو‬ ‫فلما رأيت ّ‬ ‫ضر شيخ دىره خانو ‪ّ -‬‬ ‫من ّ‬
‫‪ -‬لعلّي أظهر على‬
‫‪ -‬فما أعذب نفثات فيك‬ ‫‪ -‬وؼبا تعامى ال ّدىر وىو أبو الورى‬
‫شجرة ناره‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فلما رأيت انسياب اغبيّة واغبيية‬ ‫ومقاصده‬ ‫أكبائو‬ ‫ُب‬ ‫شد‬ ‫الر‬ ‫عن‬
‫‪ -‬فقلنا أقبسنا نارؾ أ‬ ‫‪ّ -‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬يا قوـ إين من أناس غنوا‬
‫‪ -‬فَػَزفَر أبو زيد زفري ال‬
‫ة‪.‬‬ ‫الكي‬
‫ّ‬ ‫إٔب‬ ‫اء‬ ‫د‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫انتهاء‬‫و‬
‫وج ْف ُن ال ّدىر عنهم غضيض‬ ‫دىرا َ‬
‫‪ -‬واػبصاـ بينهما متط‬ ‫‪ -‬وقادين ال ّدىر اؼبليم‬
‫‪ -‬اشتعل كريب‪.‬‬
‫‪ -‬وأصلي قلب الوإب‬

‫‪355‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ص اؼبقامي ال وبوي بطبل واحدا فقط‪ ،‬وإّمبا ىناؾ ؾبموعة‬


‫يتّضح من ىذه االستعارات أ ّف النّ ّ‬
‫أي ّاذباه آخر‪.‬‬
‫السلب أكثر من ّ‬
‫ص كبو ّ‬
‫ربركوا داخل النّ ّ‬
‫من األبطاؿ الذين ّ‬
‫تتكرر باستمرار داخل اؼبّت اؼبقامي‪ ،‬حيث يوصف باعبربوت‬
‫فال ّدىر مقولة من اؼبقوالت الّيت ّ‬
‫والطّغياف والتّعتيم واالعتداءوالظّلم وىي كلّها صفات إنسانية انزاحت عن مدلوؽبا لتنسب إٔب مالو‬
‫بالزمن‪ ،‬فذكر ال ّدىر داخل اؼبقامة ضمن صور فنّية شعريّة متتالية اقرتف بفعل اػبيانة والتّقلّب‪.‬‬ ‫عبلقة ّ‬
‫‪1‬‬
‫ػب‬ ‫والػ ّدىػ ُر بالنا ِ‬
‫س قُػل ْ‬ ‫ب ‪‬‬ ‫شوائِػ ِ‬
‫ب شػيّػ ْ‬ ‫ْع ال ّ‬
‫وق ُ‬
‫نت نَبػيوَ الػقػ ْد ِر‬ ‫الب ِسل ِْم ْ‬
‫الدى ِر ‪‬‬ ‫ِ ِ‬
‫‪2‬‬
‫فإنني ُك ُ‬ ‫وحاذروا انق َ‬

‫وىو إٔب جانب ذلك صورة منفتحة على صورة أخرى مرتبطة بصورة اغبيّة‪:‬‬
‫وإ ْف ال َف وإف سػ ػ ّػر‬ ‫وال تػ ْرَك ْن الػى الدى ْػر ‪‬‬
‫‪3‬‬
‫ػث الػس ّػم‬
‫بأفعى تن ُف ُ‬ ‫‪‬‬ ‫فتُػلْفى كم ْػن اغ ػتَ ػ ّر‬

‫(الس ّم)‪.‬‬
‫فلل ّدىر مظهراف مظهر خارجي‪ /‬اللّيونة‪ /‬ومظهر داخلي‪ /‬ظلم ّ‬
‫كل اؼبقامات فإ ّف ضبّى التّقلّب قد امت ّدت إٔب البطل أيضا‪ ،‬حيث‬
‫وإذا كاف ال ّدىر متقلّبا ُب ّ‬
‫يعجن اعب ّد دباء اؽبزؿ‪ ،‬ويُعجز القوـ عن العوـ ُب حبره‪ ،‬ويُل ّقح األفهاـ العقيمة‪ ،‬ويلمع اػبرت من‬
‫تدؿ داللة واضحة على تقلّباتو ُب فنوف القوؿ والفعل إلدراؾ غايتو‬‫جبهتو‪ ،‬وىي كلّها استعارات ّ‬
‫فالسروجي يقلّد أفعاؿ ال ّدىر على أرض‬
‫وبلوغ مقاصده‪ ،‬وُب ذلك صلة وثيقة بتقلّب ال ّدىر وطغيانو‪ّ ،‬‬
‫الواقع باالحتياؿ واؼبكر واػبداع لذلك قبده يقوؿ‪:‬‬

‫ومقاص ِػد ْه‬


‫ِ‬ ‫الر ْشػ ِد في أنحائِِو‬
‫ع ِن ُ‬
‫‪‬‬ ‫الورى‬
‫ىر و ْى َو أبو َ‬
‫ولما تَعامى ال ّد ُ‬
‫ّ‬

‫‪1‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫‪ 2‬المقامة الكرجية‪ ،‬ص‬
‫الساوية‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪3‬المقامة ّ‬
‫‪359‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪1‬‬
‫ذو والِد ْه‬
‫وال غَ ْرَو أف يحذو الفتى َح َ‬
‫تعاميت حتى قيل إني أخو عػمى ‪‬‬
‫ًَ‬ ‫َ ُ ّ َ‬
‫فقد جعل من ال ّدىر والده‪ ،‬والولد يقتدي بأفعاؿ وسلوكات وأقواؿ والده‪.‬‬
‫فبث صورا استعارية‬‫السروجي باغبيّة ّ‬
‫اقبر عن ىذا االحتذاء أف شبّو اغبريري أبا زيد ّ‬
‫وقد ّ‬
‫مبني ُب اعبدوؿ‪ -‬حيث صبعت صفات "اللّسع والنّفث وااللتواء‬ ‫عديدة لذلك ‪-‬كما ىو ّ‬
‫السروجي واغبيّة من حيث‬
‫واالنسياب" لتنسب كلّها إٔب أيب زيد‪ ،‬وىو ما يُؤّكد حالة التّطابق بني ّ‬
‫األفعاؿ واغبركات‪ ،‬ؽبدؼ مشرتؾ ىو إغباؽ األذى‪.‬‬
‫ّأما استعارات النّار فجاءت بعضها لتوضيح انزياح ىذه اللّفظة عن مدلوؽبا األصلي من كوّنا‬
‫عرب عنو ُب كثري من األحياف بأنّو ؿب ِرؽ وؿبفوؼ‬ ‫حالة طبيعية إٔب استعاراّتا للّعب بالكبلـ‪ ،‬الذي ّ‬
‫أضرَـ ُشعلَةَ ذكائِِو»‪.3‬‬
‫ناره»‪َ « ،‬‬
‫بت ُ‬ ‫لما َخ ْ‬
‫ِِ ‪2‬‬
‫جذ َوتو » ‪ّ « ،‬‬
‫ب ْ‬‫تله َ‬
‫أيت ُّ‬
‫فلما ر ُ‬
‫باؼبخاطر « ّ‬
‫وُب أحايني أخرى تكوف لبلستئناس والتّ ّزود باؼبعرفة‪ ،‬كما ُب قوؿ اغبريري‪« :‬لعلّي أَ َ‬
‫ظه ُر َعلَى‬
‫ؼ َش َج َرةَ ناَ ِره ِّ» فاستعارة النّار إذف ٓب تكن اعتباطية وإّمبا ًبّ ربويلها من « كائن طبيعي‬
‫أس َرا ِرىوأَ ْع ِر َ‬
‫ْ‬
‫إٔب كائن اجتماعي مق ّدس وروحي»‪ 4.‬فالكلمة ُب اؼبقامات تدفئ قبل أف ربرؽ‪.‬‬
‫الزمنية باعتبارىا صورة انزياحية‬
‫ص اؼبقامي‪ ،‬فتربز اللّحظة ّ‬
‫و ّأما استعارات اللّيل الّيت احتواىا النّ ّ‬
‫‪5‬‬
‫ماؿ‬
‫فعن لَنا إ ْع ُ‬
‫نحبَوُ» ‪ّ « ،‬‬
‫يل ْ‬ ‫فلما قضى اللّ ُ‬
‫فبت ّدة للتّعبري عن اغبركة والتّعاقب فحني يقوؿ اغبريري « ّ‬
‫رو َؽ‬ ‫‪6‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ليلة فَتيّ ِة ال ّ ِ‬
‫كاب‪ .‬في ٍ‬ ‫الر ِ‬
‫فلما ّ‬
‫يل َشبابَوُ» ‪ّ « ،‬‬
‫فأسريْنا الى أف نَضا اللّ ُ‬
‫شباب‪ .‬غُدافيّة اإلىاب‪َ .‬‬
‫اللي َل قَميصاً»‪ ،8‬نبلحظ أنّو عوض أف تسري اعبمل ُب ّاذباه إفراغ ضبولتها‬
‫ت ْ‬
‫‪7‬‬
‫هيم» «اتّ َخ ْذ ُ‬
‫اللي ُل البَ ُ‬
‫ْ‬
‫حوؿ اؼبكاين ُب رحبلت‬
‫ال ّداللية مباشرة تنزاح كبو معاين أعمق ضمن وظيفة ؾبازية ربيل اقرتاف التّ ّ‬

‫‪1‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.84‬‬


‫‪2‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪3‬المقامة القطيعية‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري)‪ ،‬إبالغ محمد عبد الجليل‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪4‬شعرية النّ ّ‬
‫‪5‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫‪6‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪7‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪8‬المقامة الواسطية‪ ،‬ص ‪.296‬‬
‫‪321‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫السائد كما يرى كاتب‬


‫الزماين ليش ّكبل كبلنبا إوبائية التّغيري من الوضع ّ‬
‫حوؿ ّ‬
‫اغبارث وأيب زيد بالتّ ّ‬
‫اؼبقامات‪.‬‬
‫اػباصة باللّيل ؽبا داللة التّخ ّفي فبّا كاف وبدث‪ ،‬وكأ ّف اللّيل يعترب حجابا‬
‫وتكرار االستعارات ّ‬
‫ال ترى من خبللو األوضاع االجتماعية والثّقافية اؼبزرية‪.‬‬
‫وما غبق ال ّدىر والنّار والبطل من استعارات انزاحت عن مدلوؽبا األصلي من خبلؿ معجم‬
‫إنساين من شانو أف يضعنا أماـ صورة متطابقة ؼبا كاف يسود عصر اغبريري من ظلم وإجحاؼ‬
‫واعتداء وتن ّكر‪ ...‬إذ‬
‫يفسر ُب مرحلة أؤب إالّ دبقابلتو‬
‫« ما ىو غري عادي ُب اغبياة نظري ؼبا ىو ثقاُب‪ ،‬والثّقاُب ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫يفسر ُب مرحلة الحقة بنظريه‪ ،‬أي الثّقاُب نفسو »‪.‬‬
‫بالطّبيعي‪ ،‬كي ّ‬
‫استغل اغبريري معاين ىذه األلفاظ (ال ّدىر‪ ،‬اغبيّة‪ ،‬النّار) فوظّفها ػبدمة موقفو من اغبياة‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫ربركاتو وتقلّباتو وأساليبو الكبلمية متطابقة مع معاين‬
‫الّيت عاصرىا‪ ،‬فربطها بشخصية البطل وجعل ّ‬
‫ىذه الكلمات‪:‬‬

‫السروجي‬
‫أبو زيد ّ‬

‫النّار‬ ‫اغبيّة‬ ‫ال ّدىر‬


‫األفعاؿ‬
‫أساليب الكبلـ‬ ‫اغبركات‬ ‫حوالت‬
‫التّقلّبات والتّ ّ‬

‫جسد لنا اغبريري بصورة ال ّدىر أقصى حاالت اعبربوت والطّغياف البشري من منطلق‬
‫فقد ّ‬
‫سلطوي ‪ ،‬وبذلك يفصح النص اؼبقامي عن كوف الدىر إنساف ظآب ‪ ،‬ومن خبلؿ ىذه الصورة‬

‫ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري)‪ ،‬إبالغ محمد عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫شعرية النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪320‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫نستنتج صورة أخرى خفية تنطق ُّا اؼبقامات ُب صمت ‪":‬االنساف دىر ظآب "‪،‬فبل وجود للدىر‬
‫خارج ىذا التجسيد وخارج األنسنة‪.‬‬
‫وُّذا تكوف االستعارات الّيت غبقت ىذه األلفاظ قائمة على « اخرتاؽ اغبدود وزبطّي‬
‫‪1‬‬
‫اغبواجز من أجل صياغة بنائية متم ّددة ال ّداللة »‪.‬‬
‫سبس عصر اغبريري وما كاف يشوبو من‬
‫ويتأتّى سب ّدد ال ّداللة من كوف ىذه االستعارات ال ّ‬
‫كل عصر شبيو بذلك العصر‪.‬‬
‫تعرب عن ّ‬
‫احتياؿ وظلم واعتداء‪ ،‬وإّمبا ّ‬
‫وبذلك تكوف استعارات اغبريري قد انطوت على تفاعل بني أطراؼ عديدة ومتباينة (ال ّدىر‪،‬‬
‫القوة التّخييلية للمبدع من خبلؿ سبثّلو للتّجربة‬
‫جسد ىذا التّفاعل ىو ّ‬ ‫لعل ما ّ‬ ‫اغبيّة‪ ،‬والنّار)‪ ،‬و ّ‬
‫فصور لنا موقفو وذباربو وانفعاالتو‬
‫الشعورية‪ ،‬حيث يرى بني األشياء صبلت ال يراىا غريه من النّاس‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫سر التّشكيل‬
‫متنوعة‪ ،‬أدركنا من خبلؽبا التّشابو ُب تباينها‪ ،‬وىذا ىو ّ‬ ‫تلونت بأشكاؿ ّ‬ ‫بألواف ّ‬
‫االستعاري الذي ترافقو دوما ال ّدىشة واؼبفاجأة‪.‬‬
‫فكاف وصل ال ّدىر باإلنساف وأبو زيد باغبيّة وكبلمو بالنّار‪ ،‬قد خلق فجوة‪ ،‬أو مسافة توتّر‬
‫حاد بني كونني لغويني متباعدين‪:‬‬
‫ّ‬
‫زمن طبيعي‪.‬‬ ‫ال ّدىر‬
‫حسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلنساف‬
‫إنساف‪ /‬اغبيّة‪ /‬حيواف‪.‬‬ ‫أبو زيد‬
‫سلوؾ ‪ /‬النّار‪ :‬كائن طبيعي‪.‬‬ ‫الكبلـ‬

‫‪1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.461‬‬
‫‪323‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وقد ّأدى ىذا الوصل ضمن القرائن التّخيلية إٔب تعميق اؼبعىن‪ ،‬وسبلّك أسراره ودقائقو‪ ،‬األمر‬
‫وبس بو من‬
‫الذي نتج عنو إظهار ما كاف هبوؿ بو عقل وفكر اغبريري من أفكار ومواقف‪ ،‬ودبا كاف ّ‬
‫عواطف وإحساسات وىو ما رسم لنا شخصيتو عن قرب من خبلؿ تصويره للحياة االجتماعية ُب‬
‫عصره‪.‬‬
‫ومبني ُب التّعبري‬
‫ولبلص إٔب نتيجة مفادىا أ ّف الظّاىرة االنزياحية تتجلّى بشكل ظاىر ّ‬
‫ص اؼبقامي حيث أصبحت وظيفتها ىي « وظيفة انزياحية زبتلط فيها اؼبعآب‬ ‫االستعاري ُب النّ ّ‬
‫وتتبلشى اغبدود‪ ،‬وسبيل إٔب اإلغراب واإلدىاش واالكبراؼ فتخرؽ قواعد العقل واؼبنطق »‪.1‬‬
‫وىو ما أ ّكده اعبرجاين حني أشار إٔب صباليتها فقاؿ أنّنا « نرى ُّا اعبماد حيّا ناطقا‪،‬‬
‫واألعجم فصيحا واألجساـ اػبرس مبيّنة‪ ،‬واؼبعاين اػبفيّة بادية جليّة‪ ،‬وإذا نظرت ُب أمر اؼبقاييس‬
‫أعز منها‪ ،‬وال رونق ؽبا َما َٓبْ تزّنا‪ ،‬وذبد التّشبيهات على اعبملة غري معجبة ما َٓب‬
‫وجدّتا وال ناصر ؽبا ّ‬
‫حّت رأّتا العيوف‪،‬‬
‫جسمت ّ‬
‫تُكنّها‪ ،‬إف شئت أ ََرتْك اؼبعاين اللّطيفة الّيت ىي من خبايا العقل كأ ّّنا قد ّ‬
‫حّت تعود روحانية ال تناؽبا إالّ الظّنوف »‪.2‬‬
‫وإف شئت لطفت األوصاؼ اعبسمانية ّ‬
‫لقد أوضح اعبرجاين من خبلؿ قولو ىذا أنبّية اؼبشهد االستعاري ُب تعميق اؼبعىن وذبليتو‪ ،‬من‬
‫تعمق اؼبعىن واتّضح وتش ّكل‬
‫خبلؿ اػبروج عن اؼبألوؼ ُب القوؿ‪ ،‬فكلّما كاف اؼبشهد غرائبيا كلّما ّ‬
‫جو من اإلشعاع‬
‫بالصورة ُب ّ‬
‫االنزياح اللّغوي؛ حيث يتح ّقق التّفاعل بني بؤرة اَّاز واإلطار ا﵀يط ّ‬
‫اعبمإب والعاطفي والوصفي واؼبعرُب‪.‬‬
‫وقد ش ّكلت ىذه الوقفة مع اؼبشهد االستعاري ُب مقامات اغبريري إمكانية أسلوبية يتيحها‬
‫االنزياح‪،‬لتصري إحدى ميادين حبثو حيث التّأسيس للقيم اعبمالية الفنّية ُب مستويات ثريّة من اؼبعاين‬
‫عمق واالكتشاؼ‬
‫لتستحث لديو القدرة على التّ ّ‬
‫ّ‬ ‫عرضها اغبريري بأشكاؿ متباينة لدفع اؼبلل عن اؼبتل ّقي‬
‫ا﵀سنات‪.‬‬
‫للصور و ّ‬
‫فيما وراء ىذا التّكثيف ّ‬

‫شعري عند المتنبّي‪ ،‬أحمد مبارؾ الخطيب‪ ،‬ص‪.182‬‬


‫االنزياح ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.60‬‬


‫‪322‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪-3‬االنزياح الكنائي‪:‬‬
‫متنوع الوجوه‪ ،‬وتستند ُب داللتها على‬
‫تعتمد البنية اللّغوية ُب سريورّتا التّواصلية على فضاء ّ‬
‫حوؿ ؿبايدة بني‬
‫اؼبؤدي إٔب االنزياح اللّغوي‪ ،‬وتنمو البنية الكنائية ُب إطار ىذا التّ ّنوع والتّ ّ‬
‫حوؿ ّ‬ ‫التّ ّ‬
‫السطح والعمق‪.‬‬
‫الرتكيب على مستوى ّ‬ ‫اغبقيقة واَّاز‪،‬مطروحة ُب سياؽ ّ‬
‫الشيء إٔب ذكر ما يلزمو لينتقل من اؼبذكور‬
‫ويقوـ بناؤىا األسلويب على « ترؾ التّصريح بذكر ّ‬
‫‪1‬‬
‫يعرب عن شيء‬
‫ليدؿ بو على غريه‪ ،‬أو أف ّ‬
‫الشيء ّ‬‫إٔب اؼبرتوؾ »‪ .‬وتعّن داللتها اللّغوية أ ْف «يذكر ّ‬
‫‪2‬‬
‫معني بلفظ غري صريح ُب ال ّداللة عليو لغرض من األغراض »‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشيء بصريح عبارتو إٔب ذكره بأحد‬
‫حوؿ واالنتقاؿ من ذكر ّ‬
‫وربمل ىذه التّعاريف داللة التّ ّ‬
‫سرت بدال من‬
‫لوازمو‪ ،‬وبالتّإب فهي تشري إٔب‪ «:‬الوظيفة ال ّداللية االنزياحية الّيت تنجم عن اػبفاء والتّ ّ‬
‫التّصريح والكشف عن اؼبعىن اؼبراد إثباتو »‪3.‬فالعزوؼ عن التّصريح باؼبعىن اؼبراد إٔب اإلوباء إليو ىو ما‬
‫جعل الكناية تدرج ضمن إجراءات االنزياح‪.‬‬
‫وقد أشار إٔب ذلك أضبد ؿبمد ويس حني ذكر أ ّف التّدليل على دخوؿ الكناية ربت باب‬
‫االنزياح ال وبتاج إٔب كبري عناء‪ ،‬ذلك أ ّف ال ّداللة االنزياحية ماثلة ُب كثري من تعريفاّتا‪ 4.‬فحني نعود‬
‫إٔب آراء عبد القاىر اعبرجاين ُب الكناية نلمس بعضا من مبلمح انزياحية التّعبري الكنائي ُب مثل قولو‪:‬‬
‫« إ ّف اؼبراد بالكناية أف يريد اؼبتكلّم إثبات معىن من اؼبعاين فبل يذكره باللّفظ اؼبوضوع لو ُب اللّغة‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫ولكن هبيء إٔب معىن ىو تاليو وردفو ُب الوجوه فيومئ بو إليو وهبعلو دليبل عليو »‪.‬‬
‫وما يُفهم من سياؽ ىذا التّعريف أ ّف اؼبتكلّم ينزاح عن التّصريح باؼبعىن الذي يريد إثباتو إٔب‬
‫تأمل‬
‫الصياغة الكنائية صعبة اؼبناؿ عند ّ‬
‫سرت‪ ،‬وبذلك تصبح ّ‬
‫ذكر ما يومئ إٔب ىذا اؼبعىن باإلخفاء والتّ ّ‬
‫السياؽ ىو الكفيل بإضاءّتا‪ ،‬ويتح ّدد‬
‫الرتكيب اللّغوي‪ ،‬ويصبح ّ‬
‫جزئياّتا‪ ،‬فهي تتخ ّفى ُب الكبلـ و ّ‬

‫السكاكي‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫مادة (كنى)‪.‬‬
‫لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬االنزياح في شعر المتنبّي‪ ،‬مبارؾ الخطيب‪ ،‬ص‪.211‬‬


‫‪4‬ينظر االنزياح في التّراث النّقدي والبالغي‪ ،‬محمد ويس‪ ،‬ص‪.154‬‬
‫‪5‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪321‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫سرتي بأمباط وتقنيات أخرى تندرج ضمن اؼبشهد الكنائي‪ ،‬كاإليباء واإلشارة‬
‫ىذا البعد اإلخفائي التّ ّ‬
‫وال ّدوراف واأللغاز والتّلويح‪...‬‬
‫ص اؼبقامي للحريري أف نقف عند بعض الكنايات الّيت وظّفها‬‫وقد حاولنا بعد قراءتنا للنّ ّ‬
‫الصيغة قد اخرتقت اؼبقامات‬
‫السياؽ الذي أدرجت فيو‪ ،‬فبلحظنا أ ّف ىذه ّ‬
‫لتوضيح انزياحها انطبلقا من ّ‬
‫فسر البعض‬
‫تتضمن كناية وقد ّ‬
‫حّت نعثر فيها على عبارة ّ‬
‫مبر من فقرة ّ‬
‫من البداية إٔب النّهاية فبل نكاد ّ‬
‫فضل آخروف القوؿ بأ ّف «‬
‫الصور الفنّية دبا فيها الكناية‪ ،‬بينما ّ‬
‫ذلك‪ ،‬بالتّصنّع والتّكلّف ُب استخداـ ّ‬
‫أدبيات التّواصل عند العرب قديبا تؤثر الكناية عن اإليضاح‪ ،‬وأ ّف طبيعة اللّغة العربية نفسها تسمح‬
‫‪1‬‬
‫باخرتاقات غري مقصودة من قبل مستخدميها‪ ،‬فاللّغة تنزاح دوف قصدية واعية من قبل اؼبؤلّف »‪.‬‬
‫ص اؼبقامي‪.‬‬
‫الكم اؽبائل من الكنايات اؼبستعملة داخل النّ ّ‬
‫يفسر ّ‬
‫الرأي ىو ما ّ‬
‫لعل ىذا ّ‬
‫و ّ‬
‫بالشيء اؼبكىن عتو‪،‬‬
‫الصيغ الكنائية ُب مقامات اغبريري قيمتها ُب عبلقة مفرداّتا ّ‬
‫تُظهر بعض ّ‬
‫ما يشي بأ ّف طرؽ الكناية موجزة وـبتصرة عكس التّعبري االستعاري الذي يفتح الطّرؽ أماـ اغبدس‬
‫والتّخييل‪،‬لذلك قيل‪ «:‬الكناية ال تفتح الطّريق كاغبدس االستعاري‪ ،‬ولكنّها ربرؽ مراحل طرؽ ج ّد‬
‫‪2‬‬
‫معروفة‪ّ ،‬إّنا زبتصر اؼبسافات لتيسري سرعة اغبدس بأشياء معروفة مسبقا »‪.‬‬
‫روب ال ُك ِ‬
‫روب‪ .‬و َش َرُر شر‬ ‫وح ِ‬ ‫الخ ِ‬ ‫يقوؿ اغبريري في إحدى مقاماتو «فما ز َ ِ‬
‫طوب‪ُ .‬‬ ‫طوب ُ‬ ‫اؿ بو قُ ُ‬
‫الم ْربَ ُع‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ت الراحةُ‪ .‬وق ِر َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ياب النّػ َو ِ‬‫ِ ِ‬
‫وغار المْنبَ ُع‪ .‬ونَبا َ‬
‫الساحةُ‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫السود‪ .‬حتى صف َر ّ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫الحسود‪ .‬وانْت ُ‬
‫َ‬
‫ض َج ُع‪.3»...‬تتوفّر ىذه العبارة على كنايات ـبتلفة وىي‪:‬‬
‫ض الم ْ‬
‫المج َم ُع‪ .‬وأقَ ّ‬
‫وأقْوى ْ‬
‫تغري األحواؿ إٔب األسوء‪.‬‬
‫السود‪ :‬كناية عن ّ‬
‫انتياب النّوب ّ‬
‫الرزؽ‪.‬‬
‫غار اؼبنبع‪ :‬كناية عن انقطاع ّ‬
‫أقض اؼبضجع‪ :‬كناية عن عدـ القرار‪.‬‬‫ّ‬

‫ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري)‪ ،‬إبالغ محمد عبد الجليل‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫شعرية النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫السالـ المساوي‪ ،‬ص‪.114‬‬


‫البنيات ال ّدالة في شعر أمل دنقل‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة ال ّدينارية‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪325‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫تعرب ىذه العبارات عن قدرة إوبائية تش ّكلت ضمن وسائل رمزية‪ ،‬فلم يصف اغبريري‬ ‫ّ‬
‫اؼبوقف بألفاظ حقيقية‪ ،‬وإّمبا عبأ إٔب تناوؿ األمور تناوال غري مباشر‪ ،‬فقرف النّوائب باللّوف األسود‬
‫لل ّداللة على النّفي واغبزف‪ ،‬وقد وظّف ىذا اللّوف كمثري أسلويب ُب ىذه الكناية‪ ،‬لتلوين اؼبشاعر‬
‫أقض اؼبضجع" وآؿ ُّم ال ّدىر إٔب الفقر‬
‫وذبسيد التّجربة واؼبقاساة‪ ،‬وكاف نتيجة ىذا أ ّف "غار اؼبنبع و ّ‬
‫اؼبدقع‪ ،‬وقد ذبلّت إوبائية ىذه الكنايات من انزياحها عن اؼبألوؼ من ألفاظ إٔب ألفاظ أخرى مبلزمة‬
‫ؽبا ما أوجد فنية وصبالية ُب التّعبري عن ىذا اؼبوقف‪.‬‬
‫تكوف فيها‪ ،‬وؽبا ارتباط أيضا باؼبوضوع اؼبطروؽ‬
‫السياؽ الذي ّ‬
‫ترد الكناية ُب اؼبقامات حسب ّ‬
‫ذىبُوُ‬
‫وأطاؿ ذيْلي َ‬
‫كل مقامة ‪ ،‬وُب تعبري عن الثّراء والغىن يورد عبارات ع ّدة مكنيا عن ذلك « َ‬ ‫ُب ّ‬
‫ب َمطا ِر َ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫المنى»‬
‫وجوَ ُ‬
‫ض ْ‬‫ض ْر ِع » ‪« .‬وبيّ َ‬ ‫ؼ الثّراء »‪ .2‬و« ْيز َدىيني ُح ُ‬
‫فوؿ ال ّ‬ ‫أس َح ُ‬
‫»‪ْ «،‬‬
‫‪1‬‬

‫لقد غطّت ىذه الكنايات مساحة من ال ّداللة عن طريق منحى االنزياح اللّغوي ال ّدالٕب؛‬
‫توسع اغبريري وتفنّن ُب التّعبري عن"سعة اغباؿ" بطرؽ ملتوية أعمت اؼبراد‪ ،‬وأبعدت عن اؼبتل ّقي‬
‫حيث ّ‬
‫خاصة إذا اكتفى القارئ بالتّ ّأمل ُب ظاىر اللّفظ فقط‪.‬‬
‫فهم اؼبقصود من العبارات الّيت ذكرت‪ّ ،‬‬
‫السطحي‪ ،‬ؽبذا لبطئ اؼبعىن حني ال نقف إالّ‬‫األوؿ الظّاىر ال يق ّدـ منو إالّ جزؤه ّ‬
‫فاالكتفاء « باؼبعىن ّ‬
‫نؤوؿ داللتو ومعناه وأف نفهمو من ٍبّ وفقا ؽبذا‬
‫عند سطحو اػبارجي‪ ،‬ولكي نصيبو الب ّد من أف ّ‬
‫التّأويل »‪.5‬‬
‫الصياغة التّعبريية أماـ القارئ أبوابا فسيحة من التّفاعل واالنفعاؿ ا﵀يط بالعبارة‬
‫تفتح ىذه ّ‬
‫حّت يصل إٔب تأويلها وتفكيك ‪ ،‬ذلك أ ّّنا ربمل‬
‫الفّن ّ‬
‫الكنائية ليمارس ُب ظلّها أبوابا من التّواصل ّ‬
‫ثنائية داللية‪:‬‬
‫ال ّداللة اؼبباشرة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫الرقطاء‪ ،‬ص ‪.268‬‬


‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪3‬المقامة ال ّدمشقية‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫‪ 4‬المقامة العمانية‪ ،‬ص‬
‫شعري"‪ ،‬تامر سلّوـ‪ ،‬النّادي الثّقافي‪ ،‬ج ّدة‪ ،‬الجزء ‪ ،16‬المجلّد ‪ ،05‬مارس (‪1996‬ـ)‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫عالمات(مجلّة) ‪" ،‬االنزياح ال ّداللي ال ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪322‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ال ّداللة غري اؼبباشرة (اؼبتخ ّفية)‬ ‫‪-2‬‬


‫وىذه ال ّداللة الثنائية ىي ما يؤّكد أ ّف العبارات ربمل انزياحا عن أصلها اللّغوي‪ ،‬وىو ما يفتح‬
‫ذىن القارئ أماـ صور ذىنية ُمتع ّددة لعلّو يلتقط منها ما يُبلئم اؼبعىن اؼبراد « ىنالك اغبركة اؼبرّكبة‬
‫صور يستع ّد لتل ّقي ما ىو مستكن بعد خطوة أو اثنني‪ ،‬وبعد‬
‫عندما ال نواجو ال ّداللة اؼبباشرة‪ ،‬فالتّ ّ‬
‫الصروبة وما ىو وراءىا ُب اإلوباء (معىن‬
‫ذلك يتداخل ُب نسيج الكناية ما تشتمل عليو األلفاظ ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبعىن)»‪.‬‬
‫فرتكيب «يَز َد ِىينِي ُح ُف ُ‬
‫وؿ الض ًر ِع»‪ ،‬لو داللة مباشرة عن امتبلء ضرع النّاقة باللَّب‪ ،‬لكن‬
‫اإلشارة الكنائية تتّجو إٔب معىن آخر‪ ،‬ىو الغىن واؼباؿ الوفري‪ ،‬واألمر نفسو بالنّسبة لرتكيب« أطاؿ‬
‫ذيلي ذىبو »‪.‬‬
‫ويستعمل اغبريري االنزياح ال ّدالٕب للكناية من منطلق ثقاُب واجتماعي وف ّكري نابع من‬
‫تتضمن قيما اجتماعية وفكرية كما ُب قوؿ‬ ‫ّ‬ ‫عصره‪ ،‬حيث تربز عبلقة اللّغة بالثّقافة الّيت‬
‫ب»‪2.‬‬ ‫العمائِ ُم‪ .‬بأ ْف أ ْغشى َمعا َف َ‬
‫األد ِ‬ ‫بي َ‬ ‫ت عني التّمائِ ُم‪ .‬ونِيطَ ْ‬
‫ت َ‬ ‫اغبريري‪«:‬كلِ ْف ُ‬
‫ت ُم ْذ ميطَ ْ‬
‫الصيب‬
‫وىي كناية من عمق اغبياة البدوية وأعراؼ العرب‪ ،‬حيث كانت عادة العرب إذا بلغ ّ‬
‫السيف‪ ،‬وىي كناية عن الكرب والبلوغ وُب مقامة أخرى‬ ‫أزالوا التّمائم عنو‪ ،‬وألبسوه العمامة وقلّدوه ّ‬
‫يصور اغبريري البؤس واغبرماف الذي دفع الكثريين إٔب االستجداء واالحتياؿ بالطّرؽ اؼبشروعة وغري‬‫ّ‬
‫بوس‪.‬‬
‫ْت َع ٌ‬‫فأما اآل َف فالوق ُ‬
‫اؼبشروعة‪ ،‬للحصوؿ على اؼباؿ من أجل س ّد اغباجة ُب قوؿ اغبريري‪ّ « :‬‬
‫‪3‬‬
‫فارةٌ»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العي ِ‬
‫طور بو َ‬
‫وبيتي ال تَ ُ‬
‫عارةٌ‪ْ .‬‬
‫تى إ ّف ب ّزتي ىذه َ‬
‫بوس‪ .‬ح ّ‬
‫ش ٌ‬ ‫وح ْش ُو ْ‬
‫ِ‬
‫فارةٌ» تنتقل داللتها ّ‬
‫اغبسية اؼبرئيّة إٔب داللة معنوية‬ ‫طور بو َ‬
‫وبيتي ال تَ ُ‬
‫الصورة الكنائية « ْ‬
‫فهذه ّ‬
‫الصورة االنزياحية عن فطنة كبرية‬
‫وتعرب ىذه ّ‬
‫تعكس اغباجة والفاقة‪،‬وبالتّإب خلو البيت من اؼبؤونة‪ّ ،‬‬
‫ليبني للوإب‬
‫ورى عن حاجتو وفقره وربطها خبلو بيتو من الفئراف‪ّ ،‬‬
‫السروجي‪ ،‬فقد ّ‬ ‫لدى اغبريري بلساف ّ‬

‫‪1‬جماليات األسلوب‪ ،‬فايز ال ّداية‪ ،‬ص‪.142‬‬


‫‪2‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫شعرية‪ ،‬ص‪.233‬‬
‫المقامة ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪327‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الصغرية من فضبلت اؼبوائد‪ ،‬والغاية ىي التّأثري ُب‬


‫حّت ما تبحث عنو ىذه اغبيوانات ّ‬
‫أنّو ال يبلك ّ‬
‫بالرغم من أ ّّنا مستم ّدة من اغبياة‬
‫الصورة ّ‬
‫القاضي ليحصل على اؼباؿ ‪ ،‬وما نبلحظو ىو أ ّف ىذه ّ‬
‫أي عصر أو أي ثقافة بعد أف‬
‫تظل قريبة من القارئ ُب ّ‬
‫العربية االجتماعية ُب ذلك العصر‪ ،‬إال ّأّنا ّ‬
‫الزماف‪.‬‬
‫يٌدرؾ اؼبعىن اللّغوي للكلمات ذلك ّأّنا توحي باغبرماف والبؤس والفقر ُب ذلك ّ‬
‫الصور ال ّذىنية الّيت يستحضرىا اؼبتل ّقي‬
‫كمية من ّ‬
‫وعليو فاؼبطلوب ُب الكناية ىو حضور « ّ‬
‫‪1‬‬
‫تباعا كأ ّّنا ومضات تتكثّف وترتاكم لتش ّكل معىن ثابتا يطمئن إليو العقل ويتأثّر بو القلب »‪.‬‬
‫الصور ال ّذىنية ىي ؾبموع التّجارب اليت يعيشها اإلنساف ضمن اغبياة‬
‫لعل منبع ىذه ّ‬ ‫و ّ‬
‫االجتماعية والثّقافية والفكرية‪.‬‬
‫وكباوؿ أف نرصد ُب جدوؿ بعض الكنايات الّيت توفّرت ُب مقامات اغبريري وتوضيح‬
‫دالالّتا‪:‬‬
‫داللتها‬ ‫الصورة االنزياحية (الكنائية)‬
‫ّ‬ ‫اؼبقامػة‬
‫ٍ‬
‫عما يستفيد من العلم‬
‫‪-‬كناية ّ‬ ‫‪ -‬يػُْنشئ لي كل يوـ نُ َ‬
‫زىةً‬ ‫‪-‬اغبلوانية‬
‫‪ -‬كناية عن سوء اغباؿ‬ ‫الوجى‬ ‫‪ -‬ال ّدينارية‬
‫احتَذيْنا َ‬
‫‪ْ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن أنّو منقوش من اعبانبني‬ ‫وج َه ْي ِن‬
‫أص َف َر ذي ْ‬
‫‪ْ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن االلتئاـ‬ ‫الم ْش ِط‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬ال ّدمياطية‬
‫كأسناف ُ‬‫الحوا ْ‬
‫‪ -‬حتى ُ‬
‫‪ -‬كناية عن عدـ اؼبواالة‬ ‫‪ -‬والأُ ْخ ِلص ُدعائي‪.‬لمن ال ي ِ‬
‫فع ُم ِوعائي‪.‬‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬كناية عن اغبفظ والكتابة ُب األوراؽ‬ ‫‪ -‬وخلدوىا بطو َف األو ِ‬
‫راؽ‬ ‫‪ -‬الكوفية‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الشمس‬
‫‪ -‬كناية عن طلوع ّ‬ ‫قر ُف الغَزالَ ِة‬
‫ولما ذَ ّر ْ‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن فراغ كبلمهم وجداؽبم وتوقّفو‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ -‬اؼبراغية‬
‫السهاـ)‬
‫فلما نُثلَت ال َكنائ ُن(جعاب ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫علو أصواّتم‪.‬‬
‫‪ -‬كناية عن ّ‬ ‫‪ -‬ورَك َد ِ‬
‫شديدة)‬
‫(الريح ال ّ‬
‫الزعازعُ ّ‬ ‫ت ّ‬
‫‪ -‬كناية عن اؼبوتى البالية‬ ‫ِ‬
‫فات‪.‬‬
‫الر َ‬
‫ظاـ ُّ‬
‫‪ -‬وعظّمتُ ُم الع َ‬
‫‪ -‬كناية عن قلّة العطاء‬ ‫‪ -‬الربقعيدية‬
‫‪ -‬وتستَوكِ ُ‬
‫ف األ ُكف ك ّفاًكفاً‬

‫المؤسسة الحديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪2003( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.251‬‬


‫ّ‬ ‫‪1‬علوـ البالغة‪ ،‬محمد أحمد قاسم‪ ،‬محي ال ّدين ديب‪،‬‬
‫‪325‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪ -‬كناية عن اؽبزاؿ‬ ‫‪ -‬وتبيّ َن أنّو َمعرو ُؽ العظ ِْم‪.‬‬ ‫‪ -‬االسكندرية‬


‫‪ -‬كناية عن اإلقامة‬ ‫المراشي‪.‬‬
‫ألقيت بو َ‬
‫ُ‬ ‫فلما‬
‫‪ّ -‬‬ ‫الرحبية‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن ُحسنو‬ ‫الج ِ‬
‫ماؿ‬ ‫غ في قالَ ِ‬
‫ب َ‬ ‫أيت غُالماً أُف ِر َ‬
‫‪-‬ر ُ‬
‫‪ -‬كناية عن اغبمرة ُب الوجو‬ ‫باه بالطَُّرِر‬ ‫‪ -‬والذي زين ِ‬
‫الج َ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬كناية عن اخضرار األسناف‬ ‫‪ -‬وطَلْعي بالبَػلَ ِح‪.‬‬
‫السواد‬
‫‪ -‬كناية عن ّ‬ ‫باالحتِر ِ‬
‫اؽ‪.‬‬ ‫ضتي ْ‬ ‫‪ -‬وفِ ّ‬
‫‪ -‬كناية عن اعبوع‬ ‫من داء ال ّذ ِ‬
‫يب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬فما شغَلني ما أنا فيو ْ‬
‫‪ -‬الفرضية‬

‫‪ -‬كناية عن اػببلؼ‬ ‫ظهراًلبَطْ ٍن‬ ‫‪ -‬البغدادية‬


‫ب ْ‬‫‪ -‬وانقلَ َ‬
‫‪ -‬كناية عن اؼبعيشة الطّيبة‬ ‫ض ُر‪.‬‬
‫العيش األخ َ‬
‫ُ‬ ‫فم ُذ ا ْغ ّبر‬
‫‪ُ -‬‬
‫فكيف إلحام ِ‬
‫الص ْخ َر ‪ -‬كناية عن اإلتياف البديع من ّ‬
‫الشعر‬ ‫أفج ُر ّ‬
‫فقالت‪ّ :‬‬
‫ْ‬ ‫ك؟‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬كناية عن ال ّدراىم‬ ‫الج ِ‬


‫يوب‬ ‫ت َخبايا ُ‬
‫‪ -‬واست ْخ َر َج ْ‬
‫بح ْس ِن ُ ِ‬ ‫تضو ُ ِ‬ ‫‪ -‬اؼب ّكيةّ‬
‫المن َقلَب ‪ -‬كناية عن صبيل شيمهم وجليل‬ ‫ع رند ُك ْم‪ُ .‬‬‫ش َرني ُّ‬‫‪ -‬وب ّ‬
‫من ِع ِ‬
‫ند ُكم!‬
‫نبّهم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫‪ -‬اؼبلطية‬
‫بالرملَ ِة‪ .‬وأل َق ُ‬
‫يت بها َعصا‬ ‫مت ّ‬ ‫فلما خيّ ُ‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن اإلقامة‪.‬‬
‫الرحلَ ِة‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬العمانية‬
‫فلم ي ُك ْن إال َكال وال‬
‫‪ْ -‬‬
‫‪-‬كناية عن قلّة اللّبث وسرعة تنفيذ األمور‬ ‫‪ -‬البكرية‬
‫الفاضح‪ .‬ولم ْيب َق إال ِ‬
‫واض ٌح‪.‬‬ ‫أسفر ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫فلما ْ َ‬
‫‪ّ -‬‬ ‫الشتوية‬
‫الصبح‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن ّ‬
‫ت ُك ّل كوَك ٍ‬
‫ب‪.‬‬ ‫تح َ‬
‫وذىبنا ْ‬
‫‪ْ -‬‬
‫‪ -‬كناية عن التّفرؽ ُب ّاذباىات ـبتلفة‬

‫يدؿ داللة بيّنة على القدرة‬


‫إ ّف ىذا التّ ّنوع ال ّدالٕب لبلنزياح الكنائي‪ُ ،‬ب اؼبقامات اغبريرية‪ّ ،‬‬
‫لعل اعتماد الكناية على الطّاقة‬
‫اإلوبائية الّيت سبتلكها الكناية باعتبارىا صيغة تعبريية فنّية وصبالية‪ ،‬و ّ‬
‫ص اؼبقامي أكثر من اعتمادىا على الطّاقة التّصروبية جاء بغرض تنشيط ذىن‬
‫اإلوبائية ُب لغة النّ ّ‬
‫‪329‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫القارئ إلعماؿ فكره ُب ؿباصرة اؼبعىن‪ ،‬ذلك أ ّف ىذا النّوع من االنزياح يتب ّدى فضلو ُب االزدواجية‬
‫القائمة على اؼبشاكلة واؼبطابقة بني طرُب ال ّداللة لتحقيق الوضوح واإلقرار بطاقة اإلوباء ُب اللّغة‪ ،‬ففي‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫برز من ىلْمم بِنا إلَي ِو‪ .‬فلما دخلْنا ِ‬
‫بين ي َديْو»‪.‬‬
‫عليو‪ .‬ومثَػلْنا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فلم ي ُك ْن إال َكال وال حتى َ َ ْ َ َ‬‫قولو‪ْ «:‬‬
‫فلم ي ُك ْن إالّ َكال وال" فيها من الطّاقة اإلوبائية ما يشي بازدواجية ال ّداللة‪ ،‬فالتّل ّفظ‬
‫فعبارة " ْ‬
‫أقل من ال ُب اللّفظ‬
‫أخف من "ال" على اللّساف و ّ‬
‫حّت قيل « ّ‬
‫يتم بشكل سريع ج ّدا ّ‬
‫بػ"كبل" أو"ال"‪ّ ،‬‬
‫» لذلك ربط اغبريري ىذه ال ّداللة بقلّة لبث الغلمة عند موالىم واستئذاّنم بدخوؿ أبو زيد ورفيقو‬
‫تضمن فعبل‪ ،‬ووصف‬ ‫يدؿ على اؼبطابقة واؼبشاكلة بني العبارة والوصف الذي ّ‬ ‫اغبارث إليو‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫ت بها‬
‫اي‪ُ .‬م ْذ أل َق ْي ُ‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ْت ِ‬
‫ى‬ ‫ل‬ ‫فجع‬ ‫‪2‬‬
‫المراسي »‬
‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫«‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ألقيت بو َ‬
‫ُ‬ ‫فلما‬
‫اغبريري‪ ،‬وُب قوؿ آخر‪ّ « :‬‬
‫بالرملَ ِة‪ .‬وأل َق ُ‬ ‫المر ِح‪ .‬وأتصيّ َد شوا ِر َد ُ‬
‫أتور َد موا ِر َد َ‬
‫‪3‬‬
‫يت بها‬ ‫ّ‬ ‫مت‬‫ُ‬ ‫خي‬
‫ّ ّ‬‫ا‬‫فلم‬‫«‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫الملَ ِح»‬ ‫عصاي‪ .‬أف ّ‬‫َ‬
‫ِ ‪4‬‬
‫الرحلَة»‪.‬‬
‫َعصا ّ‬
‫السفر يقتضي ضبل العصا ؼبآرب‬ ‫السفر واالستقرار‪ ،‬أل ّف دواـ ّ‬
‫يدؿ إلقاء العصا على ترؾ ّ‬‫ّ‬
‫ع ّدة‪ ،‬وقد زاوج اغبريري ُب انزياحو الكنائي ُب اغبديث عن اإلقامة وبني إلقاء العصا الّيت وبملها‬
‫معني ُّذه العبارات اؼبوحية‪.‬‬
‫اؼبسافر‪،‬وبني االستقرار ُب مكاف ّ‬
‫اسو ّد ْيومي‬
‫ب األص َف ُر‪َ .‬‬ ‫المحبو ُ‬
‫األخض ُر‪ .‬وا ْزَوّر ْ‬
‫َ‬ ‫العيش‬
‫ُ‬ ‫فم ُذ ا ْغ ّبر‬
‫وُب قولو أيضا‪ُ « :‬‬
‫‪5‬‬
‫األحم ُر!»‪.‬‬
‫َ‬ ‫الموت‬
‫ُ‬ ‫األزر ُؽ‪ .‬فحبّذا‬
‫العدو َ‬ ‫لي ّ‬
‫األسو ُد‪ .‬حتى رثَى َ‬
‫ض فَػ ْودي َ‬
‫األبيض‪ .‬وابيَ ّ‬
‫ُ‬
‫استعاف اغبريري ُب ىذا التّعبري الكنائي باأللواف الّيت تتجاوز حدود اللّوف ذاتو إٔب مستويات‬
‫أصح ال ربيل عليو إالّ ُب اللّحظة‬
‫عاطفية وإوبائية « فكلمة اللّوف ال ربيل على اللّوف‪ ،‬أو بتعبري ّ‬
‫‪6‬‬
‫األؤب‪،‬وُب اللّحظة الثّانية يصبح اللّوف داال ؼبدلوؿ ثاف لو طبيعة انفعالية »‪.‬‬

‫‪1‬المقامة العمانية‪ ،‬ص‪.415‬‬


‫الرحبية‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة الملطية‪ ،‬ص‪.378‬‬


‫الرملية‪ ،‬ص‪.486‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬المقامة البغدادية‪ ،‬ص‪.129‬‬


‫عز ال ّدين المناصرة‪ ،‬ديواف جفرا أنموذجا"‪ ،‬يوسف رزقو‪ ، ،‬المجلّد ‪ ،10‬العدد ‪،02‬‬
‫الجامعة اإلسالمية(مجلّة)‪"،‬مقاربة أسلوبية لشعر ّ‬
‫‪6‬‬

‫(‪2002‬ـ)‪،‬ص‪.367‬‬
‫‪371‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫فتلوين اغبريري للعيش باللّوف األخضر وبمل داللة "اغبياة الطّيبة" الّيت كانت تعيشها ىذه‬
‫العدو األزرؽ‪ ،‬فتمنّت‬
‫حّت رثاىا ّ‬
‫ابيض شعرىا األسود‪ّ ،‬‬
‫اسودت أيّامها البيضاء و ّ‬
‫اؼبرأة اؼبشتكية‪ ،‬الّيت ّ‬
‫لعامة‬
‫الضياع ّ‬
‫تصور البؤس و ّ‬
‫اؼبوت األضبر بعد أف غاب عنها اؼباؿ الذي تس ّد بو حاجتها‪ ،‬وىي حالة ّ‬
‫الطّبقات االجتماعية الفقرية آنذاؾ‪ ،‬وجاء توظيف األلواف من قبل اغبريري ليغّن التّجربة الّيت عايشها‬
‫وتفشي الفقر واغباجة‪ ،‬فكانت استخداماتو لؤللواف ُب ىذه العبارة لتأخذ‬
‫ظل الظّلم واالستبداد ّ‬
‫ُب ّ‬
‫الرمزية اليت سانبت ُب ذبلّية الوضع بغية‬
‫من الواقع وتضيف إليو وتنميو من خبلؿ قدراّتا التّعبريية ّ‬
‫الثّورة على تلك الظّروؼ‪.‬‬
‫ص اؼبقامي‪،‬‬
‫الكم اؽبائل من الكنايات الّيت وظّفت ُب النّ ّ‬
‫وما يلوح ُب األفق وانطبلقا من ىذا ّ‬
‫الرمز‬
‫عمق ُب البناء الكنائي هبعلنا نقف على استناده على اإلشارة والتّلويح واإليباء و ّ‬
‫نبلحظ أ ّف التّ ّ‬
‫واللّغز‪ ،‬وىي إمكانات اقرتنت بالكناية ُب كتب القدماء‪ ،‬حيث أشار إٔب ذلك الثّعاليب ُب كتابو‬
‫عما يُستهجن ذكره أو يستحيا من‬
‫"الكنايةوالتّعريض"‪ ،‬بقولو‪ « :‬ىذا الكتاب كبري الغنم ُب الكنايات ّ‬
‫وربسن‬
‫تؤدي اؼبعىن‪ ،‬وتفصح عن اؼبغزى ّ‬ ‫ويتصوف عنو بألفاظ مقبولة ّ‬
‫ّ‬ ‫يتطري منو‪ ،‬أو يرتفّع‬
‫تسميتو أو ّ‬
‫تحمسني‪ ،‬ومذاكرة أىل‬ ‫ِ‬
‫القبيح وتُلطف الكثيف‪ ،‬وتكسوه اؼبعرض األنيق ُب ـباطبة اؼبلوؾ‪ ،‬ومكاتبة اؼب ّ‬
‫السمع‬
‫عما ينبو عنو ّ‬
‫الفضل وؿباورة ذوي اؼبروءة والظّرؼ‪ ،‬فيحصل اؼبراد ويلوح النّجاح مع العدوؿ ّ‬
‫‪1‬‬
‫وال يأنس بو الطّبع إٔب ما يقوـ مقامو وينوب منابو من الكبلـ تأذف لو األذف وال وبجبو القلب »‪.‬‬
‫موضحا قيمتها‬
‫أىم اؼبوضوعات الّيت تنبّن عليها الكناية ّ‬ ‫ذكر الثّعاليب بشيء من التّفصيل ّ‬
‫التّعبريية من حيث أ ّّنا وسيلة زباطبيّة تستهدؼ بال ّدرجة األؤب فهم اؼبتل ّقي ومقامو باعتباره عنصرا‬
‫كل ماال يألفو‬
‫مهما ُب العملية التّواصلية‪ ،‬وأّبّ على أ ّف قباح ىذا التّشكيل البياين منوط بانزياحو عن ّ‬
‫ّ‬
‫السمع وال يأنس بو الطّبع ليحصل التّأثري والقبوؿ لدى اؼبتل ّقي‪.‬‬
‫ّ‬
‫اػباصية لو دور ُب‬
‫وينبّن ىذا التّأثري على الطّاقة اإلوبائية ُب اػبطاب الكنائي فاإلقرار ُّذه ّ‬
‫ربقيق امتدادات لل ّداللة إٔب مدى أوسع حيث يتطلّب ذلك « تعميق النّظر لتحقيق الفهم الذي‬

‫‪1‬الكناية والتّعريض‪ ،‬أبو منصور الثّعالبي‪ ،‬تح أسامة البحيري‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاىرة‪1997( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪370‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ص حيث يُتيح ىذا الكموف االنفتاح على‬


‫يكوف ؿبصلة تفاعل اؼبتل ّقي مع الطّاقات الكامنة ُب النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫مبدأ التّأويل الستجبلء خفاياه »‪.‬‬
‫ومن ىذا اؼبنظور يصبح اػبطاب الكنائي ذا وظيفة انزياحية من مستويني‪:‬‬
‫اؼبستوى ال ّدالٕب حيث إجرائية االنزياح عن االستعماؿ اؼبعجمي للّغة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الشعور‬
‫يعمق ّ‬
‫الفّن‪ ،‬حيث يقدـ اؼبعىن وفق منطق االستلزاـ الذي ّ‬
‫اؼبستوى اعبمإب ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫بضرورة مبلحقة ال ّداللة وعدـ االكتفاء دبا طغى على سطح اػبطاب ذلك أ ّف « مبدأ الغموض‬
‫ص يتماشى مع ل ّذة ال ّذىن ُب استكناه اَّهوؿ والطّرؽ على باب الغامض مرارا‬ ‫ُب النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫سر اعبماؿ ُب االنزياح الكنائي حيث االعتماد على التّلميح ال التّصريح‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ىو‬ ‫وذلك‬ ‫لينفتح»‪.‬‬
‫مصرحا‬
‫الصفة إذا ٓب تأتك ّ‬
‫وىو ما يرفع من شأّنا كما يشري إٔب ذلك اعبرجاين‪ « :‬وكما أ ّف ّ‬
‫بذكرىا‪ ،‬مكشوفا عن وجهها ولكن مدلوال عليها بغريىا‪ ،‬كاف ذلك أفخم لشأّنا وألطف‬
‫السامع صروبا‪ ،‬وجئت إليو من‬
‫للشيء تثبتها لو إذا ٓب تلقو إٔب ّ‬
‫الصفة ّ‬‫ؼبكانتها‪ ،‬كذلك إثباتك ّ‬
‫الرونق ما ال‬
‫الرمز واإلشارة وكاف لو من الفضل واؼبزية‪ ،‬ومن اغبسن و ّ‬
‫جانب التّعريض والكناية و ّ‬
‫‪3‬‬
‫يقل قليلو وال هبهل موضع الفضيلة فيو »‪.‬‬
‫وبيل ىذا القوؿ إٔب أ ّف مزية الكناية ُب اإلفصاح عن اؼبراد من غري اضطرار للتّصريح‪ ،‬حيث‬
‫وتنوعو وانزياحو عن اؼبألوؼ من الكبلـ‪.‬‬
‫يزداد رونقاىا وتأثريىا ُب سعة معناىا ّ‬
‫القوة اإلوبائية الّيت سبتلكها الكناية من منطلق تعميق النّظر لتأويل ال ّداللة وسرب‬
‫إ ّف حديثنا عن ّ‬
‫سمى‬
‫ص للوصوؿ إٔب انفتاح كبو الغموض الذي يشوبو يقودنا كبو إدراج اللّغز ضمن ما يُ ّ‬ ‫أغوار النّ ّ‬
‫الصيغ التّعبريية القائمة على اإلوباء والّيت ؽبا صلة‬
‫باالنزياح اإلوبائي‪ ،‬حيث يتعلّق األمر بقيمة ّ‬
‫باألساليب الّيت تش ّكل ُب عمومها ذبلّيات انزياحية حيث الغرابة وال ّدىشة واؼبفاجأة الّيت يتميّز ُّا ىذا‬
‫الشكل التّعبريي‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬اللّفظ والمعنى في التّفكير النّقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬األخضر جمعي‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ ،2‬نفسو‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪ 3‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫‪373‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الزركشي « الطّريق اؼبنحرؼ ظبّي بو الكبرافو عن مبط ظاىر الكبلـ‪،‬‬ ‫واللّغز ىو كما يشري ّ‬
‫مرف واالرتياض ِحبَلٍّو‬
‫يقوي العقل عند التّ ّ‬
‫ويسمى أيضا أحجية أل ّف اغبجي ىو العقل‪ ،‬وىذا النّوع ّ‬
‫ّ‬
‫والتّفكري فيو »‪.1‬‬
‫سمى أيضا اغبمل على اؼبعىن إذ يأٌب لفظو على معىن واؼبراد معىن آخر‪ ،‬حيث ىبرج من‬ ‫ويُ ّ‬
‫تأمل وإعماؿ‬
‫الصياغة الكبلمية إٔب ح ّد اإللغاز‪ ،‬ذلك أ ّف معرفة مقصد اؼبتكلّم وبتاج فهمو إٔب فضل ّ‬
‫ّ‬
‫فكر‪.‬‬
‫وىو ما يوحي بوجو من الوجوه االنزياح باللّغة عن نسقها اؼبألوؼ إٔب وجوه أخرى مضمرة‬
‫لفوائد عديدة منها اختبار شخص أو أشخاص ُب درجة معرفتهم‪ ،‬ويتجلّى االنزياح ُب اللّغز ُب‬
‫خاص للّغة‪ ،‬إذ تشحن بداللة مضغوطة لتصنع وضعية أسلوبية فبيّزة نسعى إٔب سبثّلها من‬ ‫ّ‬ ‫توظيف‬
‫رسخ ىذه النّصوص‬ ‫خبلؿ األلغاز الّيت طرحها اغبريري ُب إحدى مقاماتو وىي اؼبقامة النّجرانية‪ ،‬وتُ ّ‬
‫خاصة حيث‬
‫جدوى اغبديث عن البنيات االنزياحية وىي تؤّكد قيما أسلوبية تبنّت إجراءات لغوية ّ‬
‫السامع ُب شكل ألغاز شعرية ألوصاؼ خفية يقوؿ‪:‬‬
‫عمد صاحبها إٔب تعمية اؼبراد من الكبلـ عن ّ‬

‫المسي ِر قُفولُهػا‬ ‫ِ‬ ‫وجا ِريٍَة في سي ِرىا ُمش َػم ِػعػلّ ٍة‬
‫ولك ْن على إثْ ِر َ‬
‫ثاث َرسيلُهػا‬‫على أنوُ في اإلحتِ ِ‬ ‫نسها يستَحثّػهػا‬ ‫لها سائِ ٌق من ِج ِ‬
‫‪2‬‬
‫المصي ُف ُقحولُها‬ ‫أواف ال َق ِ‬
‫تُرى في ِ‬
‫ويَبدو إذا ولّى َ‬ ‫ف بالنّدى‬
‫يظ تنظُ ُ‬

‫ص واضح حيث‬
‫يتح ّدث اغبريري ُب ىذا اللّغز عن مروحة العيش‪ ،‬ومبدأ الغموض ُب ىذا النّ ّ‬
‫وباوؿ القارئ استكناه خفاياه للوصوؿ إٔب ال ّداللة اغبقيقية ذلك أ ّف اغبريري قد انزاح عن استخداـ‬
‫األلفاظ الّيت تتبلءـ مع وصفو ؽبذه األداة إٔب ألفاظ أخرى بعيدة عن ىذا اؼبعىن لتعمية اؼبراد ويقوؿ ُب‬
‫وصفو غبابوؿ النّخل‪:‬‬

‫الزركشي‪ ،‬ص‪.399‬‬
‫البرىاف في علوـ القرآف‪ ،‬بدر ال ّدين ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة النّجرانية‪ ،‬ص‪.443‬‬


‫‪372‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫أصلُوُ م ْنهػا‬
‫شا ْ‬
‫تَػنَ ّ‬ ‫ومنتَ ِس ٍ‬
‫ػب إلػى ٍّأـ‬ ‫ُ‬
‫رىةً ع ْنهػا‬
‫ن َف ْتوُ بُ َ‬ ‫يعانُِقها وقد كان ْ‬
‫ػت‬
‫‪1‬‬
‫وال يُػلْحى وال يُػ ْنهى‬ ‫يتوص ُل الجانػي‬ ‫ِ‬
‫بو ّ‬

‫ص على أ ّف اغبديث عن طفل صغري ينتسب إٔب ّأمو يعانقها أحيانا‪ ،‬وتنفيو ُب‬
‫تدؿ ألفاظ النّ ّ‬
‫ّ‬
‫أحايني أخرى ألغراض معيّنة لكن ال ّداللة ىذه تبتعد مع البيت الثّالث لتقريب اؼبعىن اؼبراد‪ ،‬فالطّفل ما‬
‫ىو إالّ اغببل الذي يصنع من ألياؼ النّخلة نفسها لذلك يُنسب إليها‪ ،‬وىو يش ّكل حلقة دائرية‬
‫حوؽبا‪ ،‬إذا ما أراد جاين الثّمار أف يصعد إٔب أعلى النّخلة ليقطفها لذلك جاء اغبريري بلفظة "يُعانقها‬
‫"‪.‬‬
‫األـ‪ ،‬والنّفي واالنتساب‪ ،‬كلّها ألفاظ ال ارتباط ؽبا حبابوؿ النّخل‪ ،‬لذلك نقوؿ أ ّّنا‬
‫فالعناؽ‪ ،‬و ّ‬
‫انزاحت عن أصلها لتوظّف ُب ىذا اللّغز عمدا لغرض إخفاء اؼبعىن اغبقيقي‪ ،‬وتتب ّدى لغة اللّغز ُب‬
‫مقامات اغبريري بني التّخ ّفي والظّهور‪ ،‬بني الواضح واؼبستور‪ ،‬وبني صورة اؼبعىن واؼبعىن‪ ،‬وتكمن‬
‫اؼبتبصر‪ ،‬فقد قلبت معايري‬
‫للمتفوؽ و ّ‬
‫ّ‬ ‫انزياحية ىذه اللّغة بني ال ّداللة والتّأويل‪ ،‬حيث اؼبعىن ىو ملك‬
‫العبلقة بني ال ّدواؿ اللّغوية ونسبت اؼبعاين إٔب مستندات ال تستند إليها ُب النّسق العادي كما ىو‬
‫األمر ُب قوؿ اغبريري ملغّزا عن الظّفر‪:‬‬
‫ب‬‫وما ْيرعى وال يش َػر ْ‬ ‫ومرىوب الشػبػا ن ٍػاـ‬
‫ِ‬

‫ِر َ‬ ‫الع ْش ِر دو َف النّ ْح‬


‫‪2‬‬
‫ب‬
‫فاسم ْع وص َفوُ وا ْع َج ْ‬ ‫يُرى في َ‬
‫نص اللّغز على تشكيل‬
‫بىن اغبريري لغزه على بيّنة التّضاد حيث تعمل لغة األضداد ُب ّ‬
‫األىم ُب‬
‫تحرؾ ُب تواتر متجاذب‪ ،‬وتعكس ىذه العملية دورا حيويا فاعبل ُب تأسيس الوجو ّ‬ ‫عبلقات ت ّ‬
‫ص « وتكمن قيمة التّضاد األسلوبية ُب نظاـ العبلقات الذي يقيمو بني العنصرين‬
‫البنية اغبركية للنّ ّ‬

‫‪1‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.443‬‬


‫‪2‬المقامة النّجرانية‪ ،‬ص ‪.447‬‬
‫‪371‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫اؼبتقابلني وعلى ىذا فلن يكوف لو أي تأثري مآب يتداع ُب تواؿ لغوي‪ ،‬وبعبارة أخرى فإ ّف عمليات‬
‫التّضاد األسلوبية زبلق بنية مثلها ُب ذلك مثل بقية التّقاببلت اؼبثمرة ُب اللّغة »‪.1‬‬
‫أسست ىذه البنية‬ ‫الشرب والرعي حيث ّ‬ ‫وىو ما ذبلّى ُب البنية التّقابلية بني النّمو وعدـ ّ‬
‫للتّأويل الذي يقود إٔب خلق تشابك دالٕب وإوبائي فبّا يُسهم ُب تفاعلها وتوالدىا وذلك أنّو أقاـ ىذه‬
‫حي مرىوب دائم النّمو لكنّو باؼبقابل ال يرعى وال‬
‫الشيء اؼبوصوؼ على أنّو كائن ّ‬
‫اؼبفارقة على تصوير ّ‬
‫يشرب‪.‬‬
‫الرموز كنوع من‬‫وربوؽبا قبد اغبريري يوظّف بعض ّ‬ ‫وباإلضافة إٔب األلغاز وانزياحية لغتها ّ‬
‫الكناية ُب التّعبري وىي عبارة عن مصطلحات تدور ُب فلك التّط ّفل واؼبتط ّفلني فبل يفهمهما إالّ‬
‫ت أبا‬
‫ض ْر َ‬ ‫عزز الوظيفة التّواصلية بينهم‪ ،‬يقوؿ اغبريري‪«:‬ول ِو ْ‬
‫استح َ‬ ‫اؼبنتسبوف ؽبذه الطّائفة‪ ،‬وىو ما يُ ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فكم لها‬‫تتناس ّأـ جابِ ٍر‪ْ .‬‬ ‫بأـ الق َرى‪ .‬الم َذكرة بك ْسرى‪ .‬وال َ‬ ‫ىل ّ‬‫وحي َ‬ ‫ميل‪َ .‬‬‫تج ٍ‬ ‫أي ْ‬ ‫لج ّم َل ّ‬ ‫ٍ‬
‫جميل‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل حزي ٍن‪ .‬وإ ْف‬ ‫مسالةُ ّ‬ ‫فهو ْ‬ ‫ج‪ .‬واختِ ْم بأبي َرزي ٍن‪ُ .‬‬ ‫حر َ‬‫ك بها وال َ‬ ‫ثم افتِ ْ‬ ‫من ذاك ٍر‪ .‬وناد ّأـ َ‬
‫الفر ِج‪ّ .‬‬ ‫ْ‬
‫قالؿ ُح ِ‬
‫موؿ‬ ‫اؾ واستِ ْدناء الم ْرج َفي ِن‪ .‬قبل استِ ِ‬ ‫ك من البُ َخالء‪ .‬وإيّ َ‬ ‫اسم َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫العالء‪ْ .‬تم ُح َ‬ ‫ت ْق ُر ْف بو أبا َ‬
‫ف علَْي ِه ْم أبا الس ْر ِو‪ .‬فإنّوُ عُ ْنوا ُف‬ ‫إياس‪ِ .‬‬
‫اس‪ .‬وصافَحوا أبا ٍ‬ ‫المر ِ‬‫ع القوـ ع ِن ِ‬
‫فأط ْ‬ ‫البَي ِن‪ .‬وإذا َنز َ ْ ُ‬
‫بات والط ِ‬ ‫علينا بالطّي ِ‬ ‫ف ُرموِزهِ‪ .‬بلَطافَ ِة ْتميي ِزهِ‪ .‬فطا َ‬ ‫الس ْر ِو‪ .‬قاؿ‪ :‬ف َف ِقوَ ابنُوُ لَطائِ َ‬
‫‪2‬‬
‫يب‪».‬‬ ‫ّ‬ ‫ؼ ْ‬ ‫ّ‬
‫اؼبوت‬ ‫الرموز‪ :‬أبو وبىي‬
‫ومن ىذه ّ‬
‫اعبوع‬ ‫أبو عمرة‬
‫اػبل‬
‫ّ‬ ‫أبو ثقيف‬
‫اؼبلح‬ ‫أبو عوف‬
‫اػبواف أو اؼبائدة‬ ‫أبو جامع‬

‫‪1‬علم األسلوب‪ ،‬صالح فضل‪ ،‬ص‪.256‬‬


‫‪ 2‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص‪196‬‬
‫‪375‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الساسانية فأتى اغبريري على ذكر بعض كنيات ورموز اغبيوانات ُب سياؽ‬ ‫ّأما ُب اؼبقامة ّ‬
‫حديث أيب زيد وىو يوصي ابنو وير ّغبو ُب صناعة الكدية ومنها‪:‬‬
‫(وظبّي بذلك أل ّف العرب تزجر بو وتتشاءـ)‪.‬‬
‫الغراب ُ‬ ‫أبو زاجر‬
‫(وظبّي بذلك الكتسابو قوتو بنفسو‬
‫األسد ُ‬ ‫(وجرادة أيب اغبارث)‬ ‫أبو اغبارث‬
‫ىو الكسب)‪.‬‬ ‫واغبرث‬
‫الشمس‬
‫أبو ّقرة (وحزامة أيب ّقرة) كنية اغبرباء وظبّي بذلك أل ّف الربد ال يُفارقو فهو يدور مع ّ‬
‫حيث دارت‪.‬‬
‫كنية اػبنزير وظبّي بذلك ألنّو يتع ّقب اللّيل واألسحار طلبا لؤلكل‪.‬‬ ‫أبو عقبة‬

‫ثالثا‪ :‬االنزياح ال ّتركيبي‬


‫الرتكيبية شكبل من أشكاؿ اعبمالية ُب اعبملة العربية‪،‬‬
‫يش ّكل االنزياح على مستوى البنية ّ‬
‫يتم انغراسو ُب تربة تركيبها اؼبفرتض الذي قد َح ّدد سلفا مواقع أجزاء الكبلـ لتظهر شباره بعد‬
‫حيث ّ‬
‫حني ُب التّعبري فيكسبو ال ّدالالت األدبية واؼبعاين اإلببلغية‪ ،‬وذلك عرب كسر نظاـ اإلمكانات اللّغوية‬
‫اػباصة بالقوؿ اعبمإب حيث هبنح التّعبري األديب إٔب‪:‬‬
‫أىم العناصر ّ‬
‫الرتكييب ّ‬
‫العادية‪ ،‬وقد ع ّد االنزياح ّ‬
‫‪1‬‬
‫اػباص »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرتكيب اللّغوي لينشئ بناء لغويا لو نسقو اعبمإب وتركيبو اللّغوي‬
‫« استثمار خصائص ّ‬
‫يتضمن معاف ودالالت جديدة ال‬
‫ّ‬ ‫مسو االنزياح أف‬
‫وبذلك يتأتّى للتّعبري األديب الذي ّ‬
‫يكتسبها وىو ُب حالتو األصلية‪.‬‬
‫ص اؼبقامي‬
‫الرتكيبية الّيت ارتكبها النّ ّ‬
‫وغايتنا من ىذا اؼببحث ىي ؿباولة رصد االنزياحات ّ‬
‫الشعرية‪.‬‬
‫اغبريري سواء ُب نصوصو النّثرية أو ّ‬
‫ربوالت ـبتلفة ُب اػبطاب‪ ،‬حيث يعمد‬ ‫‪ -8‬االلتفات‪:‬يُع ّد االلتفات ظبة أسلوبية تعني على ّ‬
‫الرتكيبية الّيت يتطلّبها‬
‫اؼبتكلّم إٔب إخراج الكبلـ على خبلؼ مقتضى الظّاىر باالنزياح عن البىن ّ‬
‫الشيء – بفتح‬
‫ت ّ‬ ‫بأّنا من « لََف َ‬
‫فمادتو اللّغوية ربيل إليها اؼبعاجم ّ‬
‫السياؽ إٔب بىن تركيبية أخرى‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫شريعة واللّغة العربية وآدابها(مجلّة) ‪" ،‬العدوؿ في البنية التّركيبية قراءة في التّراث البالغي"‪ ،‬إبراىيم بن منصور‬
‫جامعة ّأـ القرى لعلوـ ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫التّركي‪ ،‬الجزء ‪ ،19‬العدد ‪1428( ،40‬ىػ)‪ ،‬ص‪.548‬‬


‫‪372‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬
‫‪1‬‬
‫اؼبادة‬
‫الشيء‪ :‬صرفو‪ ،‬ورداءه عن عنقو‪ :‬عطفو »‪ .‬وتدور ّ‬
‫الفاء – لواه على وجهو‪ ،‬وفبلف عن ّ‬
‫حوؿ أو االكبراؼ عن اؼبألوؼ من القيم‬ ‫اللّغوية لبللتفات حوؿ ؿبور دالٕب واحد ىو « التّ ّ‬
‫السلوؾ‪ ،‬وىو ما يُ ّربر إيثاره ُب تسمية تلك الظّاىرة بااللتفات والّيت تتمثّل ُب‬
‫واألوضاع أو أمباط ّ‬
‫‪2‬‬
‫ربوؿ أسلويب أو اكبراؼ غري متوقّع على مبط من أمباط اللّغة »‪.‬‬
‫كل ّ‬‫ّ‬
‫وقد وقف الببلغيوف عند ىذا األسلوب كثريا وأفاضوا ُب اغبديث عن األسرار الّيت وب ّققها‬
‫االنزياح بأسلوب االلتفات فرأى "ابن األثري" أ ّف الغرض اؼبوجب الستعماؿ ىذا األسلوب ال هبري‬
‫يتشعب شعبا كثرية‬
‫على وترية واحدة‪ ،‬وإّمبا ىو مقصور على العناية باؼبعىن اؼبقصود‪ ،‬ومثل ذلك اؼبعىن ّ‬
‫ال تنحصر‪.3‬‬
‫السكاكي حيث يرى أ ّف أسرار ىذا األسلوب أكثر من أف يضبطها‬
‫وإٔب اؼبعىن نفسو يذىب ّ‬
‫‪4‬‬
‫ىبتص بلطائف معاف قلّما تتّضح إالّ للبلغاء اغبُ ّذاؽ‪.‬‬
‫القلم‪ ،‬وإ ّف ىذا النّوع ّ‬
‫السامع وإيقاظا إلصغائو‪ ،‬وترووبا عن نفسو‪ ،‬وإّمبا لو‬
‫وُّذا ال يكوف االلتفات َّّرد تطرية نشاط ّ‬
‫يتحرؾ ُب نفسو من معىن إالّ من‬
‫عما ّ‬‫أغراض أخرى تتعلّق باؼبتكلّم نفسو‪ ،‬فهو قد ال هبد وسيلة للتّعبري ّ‬
‫خبلؿ االنزياح بالنّسق عن ظاىره‪ ،‬وىو ما أشار إليو عز ال ّدين إظباعيل حني نظر إٔب االلتفات نظرة‬
‫ثاقبة إذ ٓب يعد بالنّسبة إليو « حيلة من حيل جذب اىتماـ اؼبتل ّقي وتشويقو‪ ،‬أل ّف ما وبدث من اكبراؼ‬
‫للنّسق أو انتقاؿ ُب إيراد الكبلـ من صيغة إٔب صيغة ليس انتقاال استطراديا‪ ،‬وليس تعليقا طريفا على ما‬
‫قيل أوما حدث وليس استشهادا بطرفة أو ملحة أو ما شابو ذلك من وسائل تطرية نفس اؼبتل ّقي‪،‬‬
‫الرىافة واػبفاء‪ ،‬ال يلفت اؼبتل ّقي إليو‬
‫الرتويح عنو‪ ،‬وإّمبا ينحصر األمر ُب بياف معىن على قدر كبري من ّ‬
‫وّ‬

‫مادة (لفت)‪.‬‬
‫لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬االلتفات في البالغة القرآنية‪ ،‬حسن طبل‪ ،‬ذار الفكر العربي‪ ،‬القاىرة‪1998( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ /02 ،‬ص‪.182‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬المثل ّ‬
‫السكاكي‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪377‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫غري اغبادث ُب النّسق اللّغوي للخطاب‪ ،‬وقلّما ينتبو القارئ إٔب ىذا‬
‫أو إٔب البحث عنو إالّ بإدراكو للتّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫يظل ذلك اؼبعىن متخ ّفيا وغائبا »‪.‬‬
‫غري ودوف ذلك اإلدراؾ ّ‬
‫التّ ّ‬
‫يقوـ االلتفات إذف على إظهار اؼبعاين اؼبتخ ّفية خلف ستار أسلويب تركييب‪ ،‬حبيث ال ينتبو إليو‬
‫خص‬
‫غريات الواقعة ُب النّسق اللّغوي للخطاب‪ ،‬وأدرؾ أسرارىا لذلك ّ‬ ‫القارئ إالّ إذا نظر إٔب التّ ّ‬
‫السكاكي االنتباه إٔب لطائف اؼبعاين الّيت وبملها ىذا األسلوب بالبلغاء اغبذاؽ فقط‪.‬‬
‫ّ‬
‫مهمتو توضيح معاف متخ ّفية ُب نسق‬
‫للصيغ ّ‬
‫ودبثل ىذا الفهم يصبح أسلوب االلتفات انزياحا ّ‬
‫ص دالليا وصباليا ُب آف واحد‪ ،‬حيث ًبّ استبعاد‬‫اػبطاب اللّغوي‪ ،‬وىو إذ ذاؾ وسيلة إلغناء النّ ّ‬
‫وظيفة اإلمتاع والتّشويق والتّأثري ُب نفس اؼبتل ّقي‪ ،‬ودفع اؼبلل عنو إٔب غايات أخرى أكثر أنبّية تكمن‬
‫ص حيوية داللية تساعد على إبراز رؤى اؼبتكلّم وأسراره‪.‬‬
‫ُب منح النّ ّ‬
‫وُب ربط مصطلح االلتفات بالظّاىرة االنزياحية وجد الباحثوف اختبلفا كبريا ُب الطّرائق‪ ،‬حيث‬
‫يتعرض ُب‬
‫مر العصور على كبو يُؤّكد أ ّف مصطلحا من مصطلحات الببلغة ٓب ّ‬ ‫تباينت نظرّتم على ّ‬
‫الرتاث ؼبثل ما واجو مصطلح االلتفات من اضطراب سواء ُب التّسمية أو ُب الوظيفة أو ُب اَّاؿ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وسع اؼبفهومي لبللتفات حاولنا ربديد أبرز اَّاالت الّيت رب ّقق فيها ُب‬
‫وُب ضوء ىذا التّ ّ‬
‫ص اؼبقامي‪ ،‬لنظهر‬‫الصور أو العبارات ُب النّ ّ‬
‫لكل ؾباؿ إزاء بعض ّ‬
‫مقامات اغبريري وتوقّفنا ُب تناولنا ّ‬
‫السياقية‪.‬‬
‫كل صورة نعرض ؽبا بقرائنها ّ‬
‫ما يومض بو ىذا اللّوف فيو من قيم وأسرار‪ ،‬ؿبلّلني ُب ّ‬
‫الصيػغ‬
‫‪ّ :1‬‬
‫مادة معجمية واحدة‬
‫يتح ّقق االلتفات ُب ىذا اَّاؿ كلّما زبالفت صيغتاف ُب نسق واحد من ّ‬
‫من ذلك‪:‬‬
‫اؼبخالفة بني صيغ األفعاؿ (اؼباضي‪ ،‬اؼبضارع‪ ،‬األمر)‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫بني صيغيت نوع واحد منهما‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫بني صيغ األظباء‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫السعودية‪،‬‬
‫عز ال ّدين‪ ،‬بحث ضمن كتاب قراءة جديدة لتراثنا النّقدي‪ ،‬النّادي األدبي الثّقافي‪ ،‬ج ّدة‪ّ ،‬‬
‫‪1‬جماليات االلتفات‪ ،‬إسماعيل ّ‬
‫(‪1990‬ـ)‪ ،‬ص ‪.905‬‬
‫‪375‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫بني صيغة من صيغ االسم وأخرى من صيغ الفعل‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫بين صيغتي االسم‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬


‫ِ‬
‫الس َم ِر‪ .‬ما أ ْزَرى باغب َِرب‪ .‬إلى أ ْف أظَ ّل التّػ ْن ُ‬
‫وير‪.‬‬ ‫من و ْش ِي ّ‬
‫ش َر ْ‬
‫ثم إنّوُ ن َ‬
‫ورد ُب قوؿ اغبريري‪ّ «:‬‬
‫‪1‬‬
‫نير»‪.‬‬
‫الم ُ‬
‫الصب ُح ُ‬
‫ش َر ْ‬
‫وج َ‬
‫َ‬
‫ربوؿ اغبريري من صيغة االسم "التّنوير" إٔب صيغة اسم أخرى ىي "اؼبنري" مع أ ّف‬ ‫فقد ّ‬
‫الصباح ّأما ااؼبنري الثّانية فقد‬
‫الصيّغتاف دبعىن واحد إالّ أ ّف التّنوير توحي بدنو وقرب االسفار وىو نور ّ‬
‫للصبح من خبلؿ لفظة "جشر" الّيت تعّن "طلع وانفلق" بشكل واضح‪ ،‬فهناؾ‬
‫وضحت استنارة كاملة ّ‬
‫الصبح وطلوعو‪.‬‬
‫الزمنية بني إسفار ّ‬
‫اؼبنري لل ّداللة على الفرتة ّ‬
‫التفات من التّنوير إٔب ّ‬

‫‪1‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.54‬‬


‫‪379‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ب‪ -‬بين صيغتي الفعل‪:‬‬


‫اب »‪ 1.‬فاألؤب داللتها التّحقيق‬
‫الصو َ‬
‫ثبت منوُ ّ‬
‫الجواب‪ .‬واستَ َ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫فلما أثبَ ّ‬
‫ُب قوؿ اغبريري‪ّ « :‬‬
‫الصواب‪ ،‬وبني اإلثبات‬
‫تدؿ على طلب تثبيت ّ‬
‫(الرجل اؼبضيف) ّأما الثّانية فهي ّ‬
‫الرتسيخ ُب ذىن اؼبتل ّقي ّ‬
‫وّ‬
‫السروجي حني أثبت‬
‫باغبس فاألؤب كانت أليب زيد ّ‬
‫ّ‬ ‫واالستثبات ّفرؽ بني ما يُدرؾ بالفعل وما يُدرؾ‬
‫جوابو بينو وبني عقلو ّأما الثّانية فكانت ؼبضيفو بأف يكتبو ويستثبتو عنده‪.‬‬
‫وُب قولو أيضا‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫وبوسى‬ ‫ِ‬ ‫ست ل ُكل زم ٍ‬‫ِ‬
‫ص ْرفَيو نُعمى َ‬
‫ست َ‬
‫والبَ ُ‬ ‫ػاف لَػبػوسػا‬ ‫لب ُ ّ‬

‫األوؿ لينزاح إٔب استخداـ صيغة ماضوية‬


‫الشطر ّ‬ ‫بست ُب ّ‬ ‫استخدـ اغبريري صيغة (فَػ َع َل) لَ ُ‬
‫لكل‬
‫حوؿ" ّ‬ ‫سرت" و"التّ ّ‬
‫الشطر الثّاين‪ ،‬وداللة األؤب (لبست) ىي "التّ ّ‬
‫أخرى ىي (فاعل) (البس) ُب ّ‬
‫الض ّارة‬
‫الزماف ّ‬
‫زماف بلباس يُبلئمو‪ّ .‬أما داللة الثّانية فهو" اؼبخالطة واالتّصاؿ والتّمازج" بأحداث ىذا ّ‬
‫الس ّارة (نعمى وبوسى)‪.‬‬
‫منها و ّ‬
‫ج‪ -‬بين االسم والفعل‪:‬‬

‫كل‬
‫لكل صيغة خصوصيتها ُب التّعبري وأداء اؼبعىن وقد ح ّدد الببلغيوف ىذه اػبصوصية ُب ّ‬
‫ّ‬
‫منهما فقالوا‪ « :‬إ ّف موضوع االسم أف يُثبت بو اؼبعىن للشيء من غري أف يقتضي ذب ّدده شيئا بعد‬
‫‪3‬‬
‫شيء‪ ،‬و ّأما الفعل فموضوعو يقتضي ذب ّدد اؼبعىن اؼبثبّت بو شيئا بعد شيء »‪.‬‬
‫الصيغة ُب مقامات اغبريري ُب قولو‪:‬‬
‫وقد ورد االلتفات ُّذه ّ‬

‫ػيمػ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫المػل َ‬
‫ف وال َحوادثَوُ ُ‬ ‫ب ال ّػزمػا‬ ‫ال أتّػقػي نُ َػو َ‬
‫لَتَلِ ْف ُ‬ ‫فلو ا ّف ك ْػربػاً ُمػ ْتػلِ ٌ‬
‫‪4‬‬
‫ػيمػ ْو‬
‫المق َ‬
‫من ُك َربي ُ‬
‫ت ْ‬ ‫ػف‬ ‫َ‬

‫‪1‬المقامة الكوفية‪،‬ص‪.54‬‬
‫‪ 2‬المقامة الطّيبية‪ ،‬ص‪.348‬‬
‫‪3‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪ 4‬المقامة المراغية‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪351‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫مؤديا دوره ُب ذبديد معىن‬


‫(متلف) إٔب صيغة الفعل (تَلفت) ّ‬ ‫حوؿ عن االسم ُ‬ ‫جاء التّ ّ‬
‫السروجي الذي يشتكي حالتو‬
‫ومستمر فاغبريري يشري ىنا بلساف ّ‬
‫ّ‬ ‫"اإلتبلؼ" الذي يتّضح أنّو باؽ‬
‫ليوضح أ ّف الكروب‬
‫اؼبزرية أ ّف الكروب ال تتلفو وال تؤثّر فيو (فلو أ ّف كربا ُمتلف) لكنو يستعمل الفعل ّ‬
‫حوؿ وىذه اإلشارة ىو طلب العوف‬
‫مازالت رباصره (لتلفت من كريب اؼبقيمة) واؽبدؼ من ىذا التّ ّ‬
‫فيذؿ نفسو‪.‬‬
‫دوف أف يدٕب بذلك مباشرة ّ‬
‫وُب مثاؿ آخر يقوؿ‪:‬‬
‫جو مما يُػتّقى م ْػن ِعػقػابػو‬
‫ِ ِ‪1‬‬
‫لت ْن َ‬ ‫اإللو وخػوفِ ِػو‬
‫وحافِ ْظ على ت ْقوى ِ‬
‫يظهر االلتفات ُب ىذا البيت عن صيغة االسم (تقوى) إٔب صيغة الفعل اؼببّن للمجهوؿ‬
‫بكل ما وبملو ىذا اللّفظ من‬
‫تدؿ على الثّبات وتثبيت معىن التّقوى ّ‬
‫(يػُتّقى)‪،‬فلفظة التّقوى ُب االسم ّ‬
‫ليتحوؿ إٔب فعل مبّن للمجهوؿ ُوبيل إٔب أ ّف‬
‫كل وقت‪ّ ،‬‬
‫دالالت االستقامة للّو واستحضار خشيتو ُب ّ‬
‫شّت ُب ال ّدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫العقاب ليس ضربا واحدا وإّمبا يكوف ـبتلفا ُب ضروب ّ‬
‫د‪ -‬بين صيغ األفعاؿ‪:‬‬
‫‪( -‬ماضي ‪‬المضارع )‬
‫قبد ذلك ُب مثل قوؿ اغبريري‪:‬‬

‫ب الػ ّد ْىػ ِر وعُػ ْدوانَػوُ‬‫تقلُّ َ‬ ‫الر ْحم ِن ُس ْبحػانَػوُ‬


‫أ ْشكو إلى ّ‬
‫ت َمجدي وبُػ ْنػيانَػوُ‬ ‫ض ْ‬‫وقو َ‬ ‫ػت َم ْػرَوتػي‬
‫قرع ْ‬
‫ثات َ‬ ‫ِ‬
‫وحاد ٍ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫األحداث أغصػانَػوُ‬ ‫تهتَ ِ‬
‫ص ُر‬ ‫من‬
‫ُ‬ ‫ويل ْ‬ ‫ت عودي ويا َ‬ ‫تص َر ْ‬
‫واى َ‬
‫ْ‬
‫ففي البيت األخري انزياح التفاٌب عن صيغة اؼباضي ُب األفعاؿ‪( :‬قرعت‪ّ ،‬قوضت‪ ،‬اىتصرت)‬
‫الصيغتني من فارؽ ُب أداء اؼبعىن أو ال ّداللة على‬
‫فسره ما بني ّ‬
‫إٔب صيغة اؼبضارع "ّتتصر" وىو انزياح ي ّ‬
‫الزمن فهو مقطوع حبدوثو‪ّ ،‬أما مع اؼبضارع فهو أمر آين‬
‫اغبدث‪ ،‬إذ األمر ُب األؤب ؼبا مضى من ّ‬

‫الرازية‪ ،‬ص ‪.209‬‬


‫‪ 1‬المقامة ّ‬
‫‪ 2‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪350‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الزمن الذي عاش‬


‫الزمن‪ ،‬فتقلّبات ال ّدىر واغبوادث الّيت تبلزمو ال تقتصر على ّ‬
‫يتج ّدد حدوثو بتج ّدد ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وقد صاحب تلميح اؼبقامات إٔب ىذا التّعبري وفجائية‬ ‫فيو اغبريري وإّمبا ىي متج ّددة مع ّ‬
‫كأّنا قد تطرأىم‪.‬‬
‫حّت ّ‬
‫السامعني ّ‬
‫األكدار ُب العبارة‪ ،‬و ّأّنا ال تستثّن أحدا وذلك للتأثري ُب ّ‬
‫ُب قوؿ آخر للحريري‪:‬‬
‫ػجػلػيسػا‬ ‫ِ‬ ‫ت كل َجل ٍ‬
‫يُالئ ُموُ ألرو َؽ ال َ‬ ‫ػيس بػمػا‬ ‫وعاشر ُ‬‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫أدير الكػؤوسػا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السقاة ُ‬ ‫وبين ُ‬ ‫َ‬ ‫ػالـ‬
‫ُدير الػك َ‬
‫فعنػ َد ال ُّػرواة أ ُ‬
‫(عاشرت) إٔب صيغة اؼبضارع (يُبلئمو) وقد أوثرت ىذه‬ ‫حوؿ ىنا كاف من صيغة اؼباضي‬ ‫فالتّ ّ‬
‫لعل اعبملة الّيت جاءت بعد ىذا الفعل‬
‫الصيغة على "الءمو" لل ّداللة على التّج ّدد واالستمرارية ‪،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫جاءت لتؤّكد ذلك (ألروؽ اعبليسا)‪.‬‬
‫‪( -‬مضارع‪‬ماضي)‪.‬‬
‫السروجي‬
‫الزبيدية الّيت تدور أحداثها حوؿ بيع ّ‬
‫ومن ذلك ما يتمثّل ُب قوؿ اغبريري ُب اؼبقامة ّ‬
‫السوؽ ووقوؼ اغبارث بن نبّاـ يستعرض الغلماف‪ ،‬ويستعرؼ األشباف‪ ،‬وقد أنشد أبو زيد‬
‫لغبلمو ُب ّ‬
‫مادحا غبلمو قائبل‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ػف قَػنِػعػا‬ ‫وإ ْف تُػ َقنّػعو ِ‬
‫بظػلْ ٍ‬ ‫ولو يومػاً وعػى‬ ‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫وإف تُصاحبوُ ْ‬
‫ربوؿ من صيغة اؼبضارع (تصاحبو) و(تُقنّعو) إٔب صيغة اؼباضي (وعى‪ ،‬قنعا) فكاف واردا‬
‫فقد ّ‬
‫أف يكوف قولو‪:‬‬
‫وإ ْف تُػ َقنّػعو ِ‬
‫بظل ٍ‬
‫ْف يَػ ْقنَع‬ ‫يوما وعى‬ ‫ِ‬
‫ُْ‬ ‫وإف تُصاحبوُ ولو ً‬
‫ليتبني ّأّنا مؤّكدة وؿب ّققة الوقوع خببلؼ صيغة اؼبضارع‪ ،‬وذلك‬
‫لكنّو اختار صيغة اؼباضي ّ‬
‫إلقناع اؼبشرتي خبصاؿ الغبلـ وأخبلقو وال ّدفع بو لشرائو‪.‬‬
‫ٍبّ ُب قوؿ آخر‪:‬‬

‫‪ 1‬المقامة الطّيبية‪ ،‬ص‪.348‬‬


‫الزيدية‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫‪ 2‬المقامة ّ‬
‫‪353‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫دى ُرهُ خػانَػوُ‬


‫شيخ ْ‬
‫ض ّر ٍ‬ ‫من ُ‬‫ْ‬ ‫يح ُػزنُػوُ مػا يَرى‬
‫فهل فتًى ْ‬
‫ْ‬
‫ويُصلِ َح ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫شا َف الذيشػانَػوُ‬ ‫الهػم الػذي ىػمػوُ‬
‫ج َ‬ ‫في َْفْ ِر ُ‬
‫ُ‬
‫حوؿ ُب ىذه العبارة من صيغة اؼبضارع (يفرج) (يُصلح) إٔب صيغة اؼباضي (نبّو‪ ،‬شانَو)‬
‫ورد التّ ّ‬
‫ليوضح أ ّف األمر واقع بالفعل ويستلزـ اؼبعاعبة بطريقة فورية وطارئة‪ ،‬وداللة ذلك ىي التّأثري ُب‬
‫ّ‬
‫اؼبستمعني وطلب مساعدّتم‪.‬‬
‫الصوراؼبخالفة التّعبريية اآلتية‪:‬‬ ‫ضمائر‪ :‬يظهر االلتفات ُب ؾباؿ ّ‬
‫الضمائر ُب ّ‬ ‫‪ -2‬ال ّ‬
‫‪ -‬بني الغيبة واػبطاب‪.‬‬
‫‪ -‬بني الغيبة والتّكلّم‪.‬‬
‫‪ -‬بني التّكلّم واػبطاب‪.‬‬
‫‪ -‬بني اإلضمار واإلظهار‪.‬‬
‫الضمري وتأنيثو‪.‬‬
‫‪ -‬بني تذكري ّ‬
‫‪‬بين الغيبة والتّكلّم‪:‬‬
‫الصورة قولو‪:‬‬
‫ومن اؼبواطن اؼبقامية الّيت تتمثّل فيها ىذه ّ‬

‫ومقاص ِػد ْه‬


‫ِ‬ ‫الر ْش ِد في أنحائِِو‬
‫ع ِن ُ‬ ‫الورى‬‫وى َو أبو َ‬
‫ىر ْ‬‫ولما تَعامى ال ّد ُ‬
‫ّ‬
‫ِ ‪2‬‬
‫ذو والد ْه‬ ‫قيل إني أخو َع ًػمػى وال غَ ْرَو أف يحذو الفتى َح َ‬ ‫حتى َ‬‫يت ّ‬ ‫تعام ُ‬
‫َ‬
‫ربوؿ إٔب طريقة‬
‫أين أخو عمى) ٍبّ ّ‬ ‫حّت قيل ّ‬ ‫حيث جرى األسلوب على طريقة التّكلّم (تعاميت ّ‬
‫الغيبة « أف وبذو الفّت حذو والده »‪ ،‬وىو يريد نفسو‪ ،‬ولكنّو نقل اغبديث إٔب الغيبة ليحيل بذلك أنّو‬
‫فلما تعامى‬
‫وب ّدثنا عن أخبار اقتداء الفّت بوالده‪ ،‬فهو هبعل من ال ّدىر والدا لو يقلّده ُب كل األمور‪ّ ،‬‬
‫ال ّدىر‪ ،‬تعامى ىو أيضا اقتداء بو‪ ،‬فلوأنّو أجرى األسلوب على نسق واحد لقيل‪:‬‬
‫ذو والِدي‬
‫وال غَ ْرَو أ ْف أحذو َح َ‬ ‫قيل إنّي أخو َع ًػمػى‬
‫حتى َ‬
‫يت ّ‬
‫تعام ُ‬
‫َ‬

‫‪1‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص‪.355‬‬


‫‪2‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪352‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫كل‬
‫حوؿ داللة تتمثّل ُب أ ّف اغبريري أراد أف يُ ّبني أ ّف اقتداء الفّت بوالده شرط الزـ ُب ّ‬
‫وؽبذا التّ ّ‬
‫األمور‪.‬‬
‫حوؿ من طريق التّكلّم إٔب الغيبة ُب قولو‪:‬‬
‫وُب موضع آخر تقع صورة أخرى ىي التّ ّ‬
‫ػض الػيَ َديْ ِن‬ ‫سادمػاً ن ِ‬
‫ِ‬ ‫قُل ٍ‬
‫ػادمػاً َيع ّ‬ ‫غاد ْرتُػو ب ْػعػ َد ب ْػينػي‬
‫لواؿ َ‬ ‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫ػس َػرتَ ْػي ِن‬
‫فاصطَلى لَظػى ح ْ‬ ‫لُبوُ ْ‬
‫ػيخ مػالػوُ وفػنػاهُ‬
‫ػب الػش ُ‬
‫سلَ َ‬
‫الشيخ‬
‫لتتحوؿ إٔب طريق الغيبة (سلب ّ‬
‫فقد وردت العبارة (غادرتو بعد بيّن) بصيغة التّكلّم ّ‬
‫مالو وفناه لبّو)‪ ،‬ولو جرى األسلوب على نسق واحد لقيل‪ :‬غادرتو بعد بيّن‪...‬سلبت مالو وفنيت‬
‫حوؿ ىنا للتّعريف بنفسو وتوضيح مكره ودىائو ّاذباه الوإب‪ ،‬وأنّو قد خدعو بسلب مالو‪.‬‬
‫لبّو‪ .‬وجاء التّ ّ‬
‫ويرعاهُ إنْسا ُف ُمقلَتي»‪.2‬‬
‫أالزموُ ل ْيػلَتي‪ْ .‬‬
‫ك على أ ْف َ‬
‫الشيخ‪ :‬أقػْبَ ُل م ْن َ‬
‫ُ‬ ‫وُب قوؿ آخر‪« :‬فقاؿ‬
‫حوؿ ىنا من صيغة التّكلّم (أالزمو ليليت) إٔب طريق الغيبة " ْيرعاهُ إنْسا ُف ُمقلَتي"‬
‫يكمن التّ ّ‬
‫حيث اغبديث ىنا عن الغبلـ الذي شغف بو الوإب فمنح أبا زيد ماال مقابل التّنازؿ عنو‪ ،‬فداللة ىذا‬
‫السروجي ليلتو تلك‪ ،‬فقاؿ (أالزمو ليليت) ٍبّ انزاح عن ىذا إٔب الغيبة بالفعل‬
‫حوؿ ىي أف يبلزمو ّ‬
‫التّ ّ‬
‫(يرعاه) وأسند ذلك إٔب إنساف مقلتو (يرعاه إنساف مقليت)‪ ،‬ليؤّكد مبلزمتو لو وحرصو عليو ليكوف‬
‫ليبني للوإب صدؽ‬
‫حارسا أمينا عليو حيث جعل عينو إنسانا كامبل ترعى ىذا الغبلـ وربوطو بالعناية ّ‬
‫نيّتو وبالتّإب يكسب ثقتو‪.‬‬

‫الرحبية‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫‪ 1‬المقامة ّ‬
‫‪ 2‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪103‬‬
‫‪351‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪ -3‬االلتفات المعجمي‪.‬‬
‫يتمثّل االلتفات ُب ىذا اَّاؿ « بني األلفاظ الّيت تتداخل دوائرىا ال ّداللية حبيث تتبلقى ُب‬
‫كل منهما ببعض اػبصوصيات التّعبريية‪ ،‬أو الطّاقات‬
‫مساحة أو قدر مشرتؾ من اؼبعىن‪ٍ ،‬بّ ينفرد ّ‬
‫‪1‬‬
‫اإلوبائية الّيت ال يُشاركو فيها سواه »‪.‬‬
‫ص اؼبقامي كثرية باعتبار أ ّف اغبريري يبلك ذخرية لغوية فريدة وكثيفة‪ ،‬وىو‬
‫ومواضيع ىذا االلتفات ُب النّ ّ‬
‫ما دفعو إٔب التّنويع ُب استخداـ ألفاظ ذات داللة متداخلة ُب كثري من األحياف ومن ذلك قولو‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ػيمػ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المػل َ‬
‫‪ ‬ف وال َحوادثَوُ ُ‬ ‫ب ال ّػزمػا‬
‫ال أتّػقػي نُ َػو َ‬
‫فاللّفظاف (النوب‪ ،‬واغبوادث) تتّفقاف ُب ال ّداللة على معىن واحد ىو‪ :‬اؼبصائب والنّوازؿّ الّيت‬
‫اؼبرة بفارؽ‬
‫اؼبرة بعد ّ‬
‫تتكرر ّ‬
‫زبتص األؤب باألمور الّيت ّ‬
‫ّ‬ ‫ربدث لئلنساف ُب اغبياة‪ ،‬لكنّهما يفرتقاف إذ‬
‫مر ُّا من قبل‬
‫وزبتص الثّانية باألمور اؼبستج ّدة واؼبستحدثة‪ ،‬أي الّيت ٓب يكن اإلنساف قد ّ‬
‫ّ‬ ‫معني‬
‫زمّن ّ‬
‫لعل ىذا ما قصده اغبريري‪.‬‬
‫و ّ‬
‫ت أنّوُ ِ‬
‫سخ َر‬ ‫ع‪ .‬وال تظنّػ ْي ُ‬ ‫ِ‬
‫المخ َد َ‬
‫خالي ُ‬
‫ع‪ .‬بإ ْد َ‬
‫قص َد أ ْف يَ ْخ َد َ‬
‫ولم أى ْم إلى أنّوُ َ‬
‫وأيضا قولو‪ْ « :‬‬
‫سوؿ‪.3».‬‬ ‫الخاللَ ِة والغَ ِ‬
‫سوؿ‪ .‬في استِ ْدعاء ِ‬
‫من الر ِ‬
‫َ ّ‬
‫ظّن" الّيت‬
‫ص اؼبقامي قد أوثرت فيها لفظة "التّ ّ‬
‫لكن العبارة ُب النّ ّ‬
‫فػ"أىم" معجميا ىي "الظّ ّن" و ّ‬
‫وسخر منو عندما أرسلو‬
‫ورجح أنّو قد ُخدع ُ‬
‫تشري إٔب إعماؿ فكره ُب الظّ ّن؛ دبعىن أنّو قد تأ ّكد ظنّو ّ‬
‫السروجي ليحضر لو ما طلب ّأما ُب العبارة األؤب « وٓب أىم إٔب أنّو قصد أف ىبدع فكاف الظّ ّن ُب‬
‫ّ‬
‫بدايتو لذلك استعمل الفعل اؼبضارع "أف ىبدع" »‪.‬‬
‫األسر َار‪.‬‬ ‫البي ِن‪ّ .‬‬
‫ثم تباثَػثْنا ْ‬ ‫المحبّي ِن‪ .‬إذا التَػ َقينا ْبع َد ْ‬
‫فتهاديْنا تحيّةَ ُ‬
‫وُب عبارة أخرى « َ‬
‫‪4‬‬
‫بار »‪.‬‬
‫وتناثَػثْنا األ ْخ َ‬

‫‪1‬أسلوب االلتفات في البالغة القرآنية‪ ،‬حسن طبل‪ ،‬ص‪.173‬‬


‫‪2‬المقامة المراغية‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪3‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪4‬المقامة البكرية‪ ،‬ص‪.454‬‬
‫‪355‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫فقد عدؿ اغبريري من لفظة "التّباث" "تباثثنا األسرار" وىي اإلفشاء واإلظهار إٔب لفظة‬
‫"تناثثنا األخبار " والّيت يقصد ُّا أنّو زاد على اإلفشاء واإلظهار نشرىا بينهما‪ ،‬وكاف بإمكانو أف‬
‫هبمع العبارة فيقوؿ‪ٍ" :‬بّ تباثثنا األسرار واألخبار"‪ .‬لكن لفظة تباثثنا توحي بداللة زيادة "النّشر"‬
‫‪ -‬وقولو أيضا‪:‬‬
‫لوؿ الػيَ ِد‬
‫‪1‬‬
‫الكف م ْغ َ‬
‫ّ‬ ‫جع ِد‬
‫الم ْػوِرِد ‪ ‬وكل ْ‬
‫ب َ‬
‫كل نَدي الر ِ‬
‫احة ع ْذ ِ‬‫ّ‬
‫لكن اغبريري قصد بذكرنبا معا مغزى آخر لو إوباءاتو‬
‫فالكف واليد معجميا ؽبما نفس ال ّداللة ّ‬
‫ّ‬
‫خصها باعبعودة وىي تبلئمها‪ ،‬وتعّن االنقباض‬
‫الراحة مع األصابع لذلك ّ‬
‫فالكف ىي ّ‬
‫ّ‬ ‫ودالالتو‬
‫وااللتواء‪ّ ،‬أما اليد فهي من اؼبنكب إٔب أطراؼ األصابع لذلك أسندىا إٔب "مغلوؿ" حيث ال يبكن‬
‫الصفة أف يعمل ُّا ُب شيء‪.‬‬
‫ؼبن فيو ىذه ّ‬
‫وُب عبارة أخرى‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫األحداث أغصػانَػوُ‬ ‫ت عودي ويا ويل من ‪ ‬تهتَ ِ‬
‫ص ُر‬ ‫تص َر ْ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫واى َ‬
‫ْ‬
‫تدؿ‬
‫"عودي" بصيغة اؼبفرد إٔب ما ُيباثلها معجميا "أغصانو"‪ ،‬و ّ‬
‫ًبّ االنتقاؿ ُب ىذا البيت من لفظة ُ‬
‫الشجرة دقيقو وغليظو‪ ،‬لكن اغبريري انزاح عن اللّفظة األؤب (عودي)‬
‫تشعب من ساؽ ّ‬
‫كبلنبا على ما ّ‬
‫خاصة تفرتؽ ُّا عن اللّفظة األؤب ما جعلها‬
‫إٔب لفظة (األغصاف) ؼبا ؽبا من دالالت وإوباءات سياقية ّ‬
‫مبلئمة لل ّداللة على ّقوة األحداث ُب زعزعة كياف اإلنساف لذلك أورد لفظة (األغصاف) بصيغة اعبمع‬
‫الرجل رأسا على عقب‪.‬‬
‫ليدؿ على أ ّف األحداث يبكن أف تقلب كياف ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬األدوات‪:‬‬

‫السياؽ عن‬
‫يتحوؿ فيها ّ‬
‫من اؼبواطن الّيت يتح ّقق فيها االنزياح ُب ؾباؿ األدوات تلك الّيت ّ‬
‫تنكري اللّفظة إٔب تعريفها (بالبلـ) أو العكس‪ ،‬ومن ذلك على سبيل اؼبثاؿ قوؿ اغبريري‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫الحج منها كػاف إخداجا‬
‫وإ ْف َخال ُّ‬ ‫ت‬
‫كملَ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪‬‬ ‫حوتْػها َح ّجةٌ ُ‬
‫فهذه إ ْف َ‬
‫َ‬

‫‪ 1‬المقامة المعرية‪ ،‬ص ‪.85‬‬


‫‪ 2‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪3‬المقامة الرملية‪ ،‬ص‪.323‬‬
‫‪352‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫السطر‬
‫األوؿ نكرة‪ٍ ،‬بّ عدؿ عن ذلك إٔب تعريفها ُب ّ‬
‫السطر ّ‬ ‫فقد جاءت لفظة (حجة) ُب ّ‬
‫للسامع‬
‫(اغبج) وغرض االنتقاؿ من التّنكري إٔب التّعريف أ ّف لفظ اغبج معروؼ بصفاتو ّ‬
‫ّ‬ ‫الثّاين‬
‫السامعني‪ ،‬فالتّنكري كاف بغرض‬
‫ولكن(اؿ) دخلت عليو لتثبت داللة اؼبعىن اؼبعهود ُب ال ّذىن عند ّ‬
‫التّعليل ٍبّ انزاح عن ذلك للتّعظيم‪.‬‬
‫‪ -5‬العػدد‪:‬‬

‫بسالـ‪.‬‬ ‫الباب بابتِ ٍ‬


‫ادخلوىا َ‬
‫وقلت‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫ساـ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫من مواطن االلتفات ُب ىذا اَّاؿ‪«:‬ففتَ ْح ُ‬
‫‪1‬‬
‫ردتَوُ »‪.‬‬
‫ص ْع َدتَوُ‪ .‬وبلّ َل ال َقط ُْر بُ َ‬
‫ىر َ‬
‫شخص قد حنى ال ّد ُ‬
‫ٌ‬ ‫فدخ َل‬
‫َ‬
‫وقد ورد االلتفات ُب ىذا اؼبقطع بني اعبمع واإلفراد بني عبارة (قلت أدخلوىا بسبلـ) وعبارة‬
‫مرحب بو‪ ،‬كما لو داللة الفرح‬‫بالضيف الوافد‪ ،‬ليعلم أنّو ّ‬
‫(فدخل شخص) لل ّداللة على االحتفاء ّ‬
‫نص اؼبقامة يعاين من األرؽ واؼبلل‪،‬‬
‫أحس ُّما اغبارث بن نبّاـ الذي كاف كما يشري ّ‬
‫واالبتهاج اللّذاف ّ‬
‫ليقصر طوؿ ليلتو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سبىن أف وبظى بسمري‬
‫وقد ّ‬
‫المنتَ ِق ِد‪ .‬فأل َف ْيتُوُ‬
‫تأم َل ُ‬
‫وتأملْتُوُ ّ‬
‫ص ِ ِِ‬
‫باح المتّقد‪ّ .‬‬ ‫وُب مقطع آخر يقوؿ اغبريري‪« :‬فدانَػ ْيتُوُ ِ‬
‫بالم ْ‬
‫‪2‬‬
‫غي ٍ‬
‫ب »‪.‬‬ ‫الر ٍ‬
‫يب‪ .‬وال َر ْج ِم ْ‬ ‫ٍِ‬
‫شيخنا أبا زيْدب َ‬
‫َ‬
‫حوؿ ظهر ىنا من اإلفراد (ألفيتو) إٔب اعبمع وداللتو ىي التّعظيم واالحرتاـ بلفظة‬
‫والتّ ّ‬
‫(شيخنا) ولو جرى األسلوب على نسق عادي لقيل‪( :‬فألفيتو شيخي أبا زيد) وُب قوؿ آخر ضمن‬
‫اإلفراد واعبمع أيضا يقوؿ ُب مقامة‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫األحداث أغصػانَػوُ‬ ‫ت عودي ويا ويل من ‪ ‬تهتَ ِ‬
‫ص ُر‬ ‫تص َر ْ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫واى َ‬
‫ْ‬
‫جاء االلتفات ىنا من اإلفراد إٔب اعبمع بني (عودي) و(أغصانو) حيث انزاح لل ّداللة على‬
‫تشعب األغصاف وكثرّتا وانفراد العود وذلك لتأكيد ّقوة األحداث وتأثريىا ُب كياف اإلنساف‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪1‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.145‬‬


‫‪2‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫‪ 3‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪357‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫تتأسس أصبل على‬


‫تبني ّأّنا ظبة أسلوبية ّ‬
‫ولبلص إٔب أ ّف تتبّع أسرار ىذه الظّاىرة وخصوصيتها ّ‬
‫السياقية تتمثّل لغويا ُب اَّاالت الّيت ذكرت وغريىا من ؾباالت‬
‫االنزياح‪ ،‬أل ّف طبيعة اؼبطابقة بعبلقاّتا ّ‬
‫أخرى‪ ،‬وىذه اؼبطابقات تنتمي إٔب النّسق األصلي أو اؼبثإب ُب األداء والذي من خبللو كاف االلتفات‬
‫ظاىرة أسلوبية تعتمد على انتهاؾ النّسق بانتقاؿ الكبلـ من صيغة إٔب صيغة لتربز اإلوباءات‬
‫واللّطائف واألسرار الكامنة وراء التّعبريات‪.‬‬
‫‪ -2‬التّقديم والتّأخير‪:‬‬
‫تتّخذ الكلمات ُب العربية مواقع ألداة اؼبعىن انطبلقا من قواعد صاغها النّحاّة واللّغويوف‪،‬‬
‫الرتكيب اللّغوي للجملة العربية‪ ،‬لكن ىذه‬
‫كل لفظ داخل ّ‬
‫حيث نادوا باغبفاظ على اؼبرتبة الّيت وبتلّها ّ‬
‫الشعراء أنفسهم‬
‫الصرامة ُب تطبيق قواعد اللّغة ٓب تلتزـ ُّا اللّغة األدبية اإلبداعية‪ ،‬أين وجد األدباء و ّ‬
‫ّ‬
‫الرتاكيب‪ ،‬فانطلقوا ُب تعبرياّتم دبا ذبيش بو صدورىم من انفعاالت وأراء و‬ ‫غري ُملزمني بقيود ىذه ّ‬
‫فسن القوانني شيء وااللتزاـ ُّا شيء آخر‪ ،‬والسيما ُب ؾباؿ اللّغة الّيت ال تعرؼ التّقعيد أو‬
‫أفكار‪ّ ،‬‬
‫التّحديد كما ىو األمر بالنّسبة للّغة اإلبداعية « وؼبا كانت ىذه اللّغة ال تقبل األسر أو اػبضوع‬
‫ّ‬
‫الشعراء ا﵀دثني‬
‫الشعري‪ ،‬كما ُب القرآف الكرًن‪ ،‬فإ ّف ّ‬
‫معني‪ ،‬وكاف ذلك واضحا ُب اؼبأثور ّ‬ ‫لسمت ّ‬
‫صرؼ فيو‬
‫حرية التّ ّ‬
‫الرتكيب الذي منحهم اللّغويوف ّ‬
‫اقتدوا بأسبلفهم ُب ىذا األمر‪،‬وراحوا ىبرقوف ليس ّ‬
‫الصلة على اؼبوصوؿ واؼبضمر على الظّاىر ُب اللّفظ‬ ‫وحسب‪ ،‬وإّمبا ذلك الذي منعوىم منو كتقدًن ّ‬
‫واؼبعىن‪ ،‬وأمعن الكثريوف ُب ىذا اػبرؽ؛ إذ وجدوا أ ّف من شأف ذلك أ ْف يوصلهم إٔب الغاية الفنّػيّة‬
‫‪1‬‬
‫واعبمالية الّيت يرموّنا ُب قصائدىم غري عابثني ُّذا التّحديد اؼبذكور »‪.‬‬
‫الرتكييب‪ ،‬حيث تغيري مواقع أجزاء‬
‫فالتّقدًن على ىذا األساس مظهر من مظاىر االنزياح ّ‬
‫ويسخرىا تسخريا‬
‫ّ‬ ‫الكبلـ‪ ،‬لتتمثّل فيو قدرات إبانة وطاقات تعبريية يديرىا اؼبتكلّم إدارة حيّة وواعية‬
‫منضبطا للبوح بأفكاره وألواف أحاسيسو وـبتلف خواطره‪.‬‬

‫شعري عند المتنبّي‪ ،‬أحمد مبارؾ‪ ،‬ص‪.234‬‬


‫االنزياح ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪355‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫صرؼ‪ ،‬بعيد الغاية ال يزاؿ‬


‫جم ا﵀اسن واسع التّ ّ‬
‫وىو ما أشار إليو اعبرجاين حني قاؿ‪ « :‬إنّو ّ‬
‫يفرت لك عن بديعة ويُفضي بك إٔب لطيفة‪ ،‬وال تزاؿ ترى شعرا يروقك مسمعو‪ ،‬ويلطف لديك موقعو‬
‫وحوؿ اللّفظ عن مكاف إٔب مكاف‬
‫‪ٍ ،‬بّ ننظر فنجد سبب إف راقك ولطف عندؾ إف ق ّدـ فيو شيء ّ‬
‫‪1‬‬
‫»‪.‬‬
‫أي تغيري يطرأ عليها إالّ ووبدث‬
‫لذلك كاف ترتيب الكلمات ُب اعبملة أمرا شديد اغبساسية‪ ،‬و ّ‬
‫اغبس وتأثريات على النّفس‪ ،‬فالقدرة على‬
‫تغيريات جوىرية ُب تشكيل اؼبعاين ما يوجب تلوينات ُب ّ‬
‫حرية اغبركة وتع ّدد األماكن الّيت يبكن أف وبتلّها‬
‫يؤدي إٔب « ّ‬
‫الرتتيب اؼبعيارية ّ‬
‫القفز على مقتضيات ّ‬
‫حس أكثر منها مسألة مذىب كبوي‪،‬‬ ‫كل حالة مسألة ٍّ‬ ‫كل جزء من أجزاء اعبملة فاؼبسألة ُب ّ‬
‫ّ‬
‫السامع إليها‪ ،‬وتلك مسألة أسلوبية يبكن تتبّعها‬
‫والغرض ىو إبراز كلمة من الكلمات لتوجيو التفات ّ‬
‫‪2‬‬
‫إٔب أقصى وقائعها»‪.‬‬
‫الرتكيبية ُب‬
‫حوالت اإلسنادية ّ‬ ‫مهم ُب إثراء اللّغة األدبية وإغناء التّ ّ‬
‫فالتّقدًن والتّأخري عامل ّ‬
‫الرتكيب‪ ،‬بُغية‬
‫النّصوص فبّا هبعلو أكثر حيوية‪ ،‬ويبعث ُب نفس القارئ اغبرص على مداومة النّظر ُب ّ‬
‫‪3‬‬
‫الوصوؿ إٔب ال ّدالالت الكامنة وراء ىذا االختبلؼ أو االنتهاؾ بلغة كوىني‪.‬‬
‫الرتتيب ُب أجزاء اعبملة‪ ،‬ومن ىذا‬
‫ص اؼبقامي للحريري خروج عن قاعدة ّ‬ ‫وقد ورد ُب النّ ّ‬
‫‪4‬‬
‫لت في إثْ ِرهِ طلَباً »‪.‬‬
‫وأوغَ ُ‬ ‫من َم ْك ِرهِ َ‬
‫غضباً‪ْ .‬‬ ‫ْت ْ‬‫شط ُ‬ ‫الباب قولو‪« :‬فاستَ َ‬
‫تنطوي ىذه العبارة على تقدًن واألصل فيو أف يقوؿ‪ «:‬واستشطت غضبا من مكره‪ ،‬وأوغلت‬
‫السروجي ُب نفسية‬
‫ليوضح لنا اغبريري تأثري مكر ّ‬
‫طلبا ُب إثره »‪ ،‬وداللة ىذا االنزياح ىي التّخصيص ّ‬
‫اغبارث بن نبّاـ ما جعلو يستشيط منو غضبا ويوغل ُب إثره طلبا‪.‬‬
‫كما قبد ىذا التّقدًن أيضا ُب قولو‪:‬‬

‫‪1‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.73‬‬


‫‪2‬نظرية اللّغة في النّقد العربي‪ ،‬عبد الحكيم راضي‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫شعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫ينظر‪ :‬بنية اللّغة ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.77‬‬


‫‪359‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ػك ِمػروِدهِ‬
‫ي ُمرتَػ َهػنػا‬
‫لما غدا في يَ َد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬ ‫طيع ف ّ َ‬‫يست ُ‬
‫ال ُى َو ْ‬
‫‪1‬‬
‫للع ْف ِو َ‬
‫حين َجنى‬ ‫ِ‬
‫فيو اتّساعٌ َ‬ ‫‪‬‬ ‫ذات يَدي‬ ‫وال َمػجالي لِ ِ‬
‫ضيق ِ‬

‫ويربز التّقدًن ُب (وال ؾبإب لضيق ذات يدي)‪ ،‬فاألصل فيو‪" :‬وال ؾبإب فيو اتّساع للعفو حني‬
‫ليعرب عن مقدار معاناتو وبؤسو ‪،‬وىي‬‫جىن لضيق ذات يدي"‪ ،‬وىو يق ّدـ حالتو (ضيق ذات يده) ّ‬
‫اغبالة الّيت ال يسع صدره ُب ظلّها للعفو عن الغبلـ الذي جىن ُب ح ّقو‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫للضرورة اسم ليس (أميل) وق ّدـ اعبار‬
‫أخر ّ‬‫ولست ع ِن الحق أميل» ‪ ،‬فقد ّ‬ ‫وقولو أيضا‪ُ «:‬‬
‫واَّرور للتّخصيص والتّأكيد‪.‬‬
‫ئاب »‪ 3.‬تقدًن (ؼبا حدث) جاء للتّشويق ؼبا‬ ‫ث لما حدثَاكتِ ٌ‬‫فعرا الح َد َ‬
‫وُب قوؿ آخر‪َ «:‬‬
‫سيعروه أو ما سيحدث لو‪.‬‬
‫حل‬
‫حّت ّ‬ ‫وُب مقامة أخرى يتكلّم فيها عن مسألة فقهية تتعلّق باؼبرياث والّيت عسر اإلفتاء فيها ّ‬
‫الخبي ِر بها س َقط َ‬
‫ْت‪ .‬وعن َد اب ِن‬ ‫قلت لو‪ :‬على َ‬‫سرىا‪ُ .‬‬ ‫لغزىا أبو زيد‪« :‬فلما ُ ِ‬
‫ت ّ‬ ‫ولمح ُ‬
‫قرأت ش ْع َرىا‪ْ .‬‬ ‫ّ‬
‫ْت »‪ .4‬وقد ورد التّقدًن ىنا ُب ىيئة اعبار واَّرور « على اػببري ُّا سقطت » وداللتو‬ ‫بج َدتِها حطط َ‬
‫ْ‬
‫السروجي لعلمو وقدرتو على‬
‫حل لقضيتو وتأكيد ّ‬
‫الرجل الذي يبحث عن ّ‬
‫ىي تعجيل اؼبسرة إٔب قلب ّ‬
‫اإلفتاء فيها‪ ،‬وكذلك األمر بالنّسبة للجملة الثّالثة ؽبا ‪،‬وكاف األصل فيها أف يُقاؿ‪:‬‬
‫« سقطت على اػببري ُّا‪ ،‬وحططت عند ابن َْجبدّتا »‪.‬‬
‫أضر‬ ‫صاح ٍ‬ ‫كوب‪ .‬وأنْػ َفع ِ‬‫اكب على أ ْشهى مر ٍ‬ ‫فقلت‪ :‬أري ُد أ ْزىى ر ٍ‬
‫ب مع ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وُب قوؿ آخر‪ُ « :‬‬
‫إياىما‬ ‫يلة‪ .‬مع لِباء س َخ ٍ‬ ‫ت نُ َخ ٍ‬ ‫مص ٍ‬
‫فقلت‪ُ :‬‬
‫يلة‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ثم قاؿ‪ :‬لعلّك ْتعني ب ْن َ‬‫حوب‪ .‬فأفْ َك َر ساعةً طويلةً‪ّ .‬‬ ‫ْ‬
‫وألجلِ ِهما تعنّػ ْي ُ‬ ‫وألجلِ ِهما تعنّػ ْي ُ‬
‫‪5‬‬
‫ت" وغرضو‬ ‫ت‪ْ .‬‬ ‫إياىما عنَػ ْي ُ‬
‫ت‪ .».‬ويظهر التقدًن ُب قولو‪ُ " :‬‬ ‫ت‪ْ .‬‬ ‫عنَػ ْي ُ‬
‫التّخصيص‪.‬‬

‫المقامة المعرية‪ ،‬ص ‪‌ .82‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.83‬‬


‫‪3‬المقامة المعرية‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪4‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫‪5‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫‪391‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ويقوؿ أيضا‪:‬‬

‫دى ُرهُ خػانَػوُ‬


‫شيخ ْ‬
‫ض ّر ٍ‬ ‫من ُ‬‫ْ‬ ‫يح ُػزنُ ُػهمػا يَرى‬
‫فهل فتًى ْ‬
‫ْ‬
‫ويُصلِ َح ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫شا َف الذيشػانَػوُ‬ ‫الهػم الػذي ىػمػوُ‬ ‫ج َ‬
‫فيَػ ْف ِر َ‬

‫للشيخ وقولو أيضا‪:‬‬ ‫دى ُرهُ خػانَػوُ" فيو زبصيص ّ‬


‫بضر ال ّدىر ّ‬ ‫فتقدًن الفاعل على الفعل" ْ‬

‫األريب‬ ‫ػار لػلّػب ِ‬


‫ػيب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫فيو ا ْعتب ٌ‬ ‫ػجيب‬
‫ػديث َع ْ‬ ‫قوـ ح ٌ‬ ‫ندي يا ُ‬
‫ع َ‬
‫ػيب‬ ‫الح ِ‬ ‫بأس لوُ ُّ‬‫ٍ‬ ‫رأيت في ريْ ِ‬
‫ساـ ال َقػض ْ‬ ‫حد ُ‬ ‫عاف عُ ْمػري أخػػا‬ ‫ُ َ‬
‫‪2‬‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسػتَػر ْ‬
‫يوق ُن بال َفػ ْتػك وال ْ‬ ‫ػداـ مػ ْن‬
‫الم ْػع َػرؾ إقْ َ‬
‫يُػ ْقد ُـ في َ‬
‫السامعني ؼبا سيقولو أبو زيد من أعاجيب‪ ،‬وكذا تقدًن اعبار‬
‫ُخر اؼبنادى لتشويق وتنبيو ّ‬ ‫وقد أ ّ‬
‫بالزمن الذي رأى فيو اغبادثة‪.‬‬
‫واَّرور (ُب ريعاف عمري) على اؼبفعوؿ بو "أخا" للتّخصيص ّ‬
‫يقوؿ اغبريري ُب مقامة أخرى واصفا سروج بلد بطلو اؼبفرتض‪:‬‬
‫ػب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َػه ّ‬
‫ُّو الذي فيو َ‬ ‫كر والج‬ ‫ىي أرضي الب ُ‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫أصبو‬
‫وض ْ‬ ‫الر ِ‬‫ء دو َف ّ‬ ‫روضتِها الغػنّػا‬
‫والى َ‬
‫اعبار واَّرور على الفعل (أصبو) حيث قبد اؼبكاف وموجوداتو قد سيطرت على أيب زيد‬
‫تقدًن ّ‬
‫الشوؽ واغبنني إٔب أرضو‬
‫ص‪ ،‬فهذا التّقدًن يربز األثر النّفسي اؼبتمثّل ُب ّ‬
‫فربز بروزا واضحا ُب ىذا النّ ّ‬
‫ومسقط رأسو‪.‬‬
‫الرتاكيب عن مألوؼ ما وضعت لو فنراه يق ّدـ‬
‫حرية زعزعة ّ‬
‫ويبدو أ ّف اغبريري قد أتاح لنفسو ّ‬
‫اعبار واَّرور على اؼبفعوؿ اؼبطلق ُب مثل قولو‪« :‬فنظَر القاضي في قَ ِ‬
‫عي‪ .‬وأفْ َك َر‬ ‫صص ِهما نظََر َ‬
‫األلم ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬ ‫فِكرةَ اللّوذَعي‪.‬ثم أقبلَعلي ِهما بوج ٍو قد قطّبو‪ِ .‬‬
‫وم َج ٍّن قد قلَبَوُ »‪.‬‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬

‫‪1‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص‪.355‬‬


‫‪2‬المقامة الفارقية‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫المقامة الملطية‪ ،‬ص ‪.388‬‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.426‬‬


‫‪390‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫تق ّدـ اعبار واَّرور (ُب قصصهما) على اؼبفعوؿ اؼبطلق (نظر) إلظهار ش ّدة فطنتو للمعركة‬
‫الّيت احتدمت بني أيب زيد وزوجتو ُب حضرتو‪ ،‬وأ ّّنا اصطنعت اصطناعا لنيل اؼبراد من اؼباؿ‪ .‬وقد‬
‫الضمري بلفظة (القصص) لزيادة التّخصيص والتّوكيد‪.‬‬
‫اتّصل ّ‬
‫عارهُ‪.‬‬‫ِ‬ ‫بعض ِ‬‫ت في ِ‬ ‫وُب قولو أيضا ُب اؼبقامة البصرية‪« :‬أ ِ‬
‫ح بي است ُ‬ ‫ىماً َبر َ‬
‫األياـ ّ‬ ‫ُشع ْر ُ‬
‫‪1‬‬
‫عارهُ‪».‬‬ ‫والح ِ‬
‫اؽبم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حدوث‬ ‫زمن‬ ‫لتوضيح‬ ‫ا"‬‫"نب‬
‫ًّ‬‫َ‬ ‫بو‬ ‫اؼبفعوؿ‬ ‫على‬ ‫اعبملة‬ ‫شبو‬ ‫ـ‬‫د‬‫ّ‬ ‫ق‬ ‫حيث‬ ‫علي ش ُ‬
‫َ ّ‬
‫ص اؼبقامي أ ّف أغلبها قائم على‬
‫وقد الحظنا من خبلؿ تتبّعنا ؼبسارات التّقدًن ُب صبل النّ ّ‬
‫الصدارة ُب‬
‫احتل ّ‬
‫خاصة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫معىن التّخصيص‪ ،‬وحصوؿ ىذا اؼبعىن إّمبا ىو بتقدًن اعبار واَّرور ّ‬
‫الشعري من اؼبقامات‪.‬‬
‫اعبانب اؼبنثور أو ّ‬
‫ويُع ّد االختصاص أو التّخصيص أحد اؼبقاصد اؼببتغاة من التّقدًن والتّأخري لذلك ظهرت عناية‬
‫الفن ُب كونو يبثّل عبقرية‬
‫يدؿ على مركزيّة ىذا ّ‬
‫لعل ىذا االىتماـ ّ‬
‫اللّغويّني والببلغيّني بو بشكل كبري‪ ،‬و ّ‬
‫األسلوب وحيويتو‪ ،‬كما يشري إٔب ذلك ؿبمد ويس من أنّو‪ « :‬طاقة أسلوبية ذات معني ال ينضب‬
‫‪2‬‬
‫الصياغة والتّعبري »‪.‬‬
‫وفيو تتجلّى إمكانات اؼببدع ُب ّ‬
‫يعوؿ على ىذا‬
‫ومن األبعاد اعبمالية لبلنزياح ُب التّقدًن والتّأخري مراعاة نظم الكبلـ حيث ّ‬
‫السجع ُب اعبمل‪،‬‬
‫السبب ُب تكريس عامل اإليقاع اؼبوسيقي لتحقيق االنسجاـ ُب بناء الفواصل ومراعاة ّ‬
‫ّ‬
‫أي شيء آخر ومن‬
‫نصا يُعىن أصحابو بااليقاع أكثر من ّ‬
‫ص اؼبقامي باعتباره ّ‬
‫وقد ورد ذلك كثريا ُب النّ ّ‬
‫عب يكلَ ُح»‪.3‬‬‫من التّ ِ‬ ‫من أ ْف أقبَ َل ب ِهما ي ْدلَ ُح‪ْ .‬‬
‫ووج ُهوُ َ‬ ‫ع ْ‬‫بأسر َ‬
‫ذلك قولو‪« :‬فما كاف َ‬
‫‪4‬‬
‫مص»‪.‬‬ ‫الحرص‪ .‬ألخبػر ِبو أُد ِ‬ ‫قص ِدهِ ِ‬
‫باء ح َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ت في ْ‬ ‫فطاو ْع ُ‬
‫وقولو أيضا‪َ «:‬‬
‫‪5‬‬
‫ب »‪.‬‬ ‫ب يا لوُ من طلَ ٍ‬‫ب‪ .‬وطلَ ٌ‬ ‫شو ٌؽ غلَ َ‬ ‫ب‪ْ .‬‬ ‫نزع بي الى حلَ َ‬
‫وُب قولو‪َ « :‬‬

‫‪1‬المقامة البصرية‪ ،‬ص‪.548‬‬


‫‪2‬االنزياح في التّراث النّقدي والبالغي‪ ،‬محمد ويس‪ ،‬ص‪.174‬‬
‫‪3‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪4‬المقامة الحلبية‪ ،‬ص‪.394‬‬
‫‪5‬المقامة الحلبية‪ ،‬ص‪.394‬‬
‫‪393‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الصوتية اؼبوسيقية‬
‫لعل أغلب ما جاء ُب اؼبقامات من تقدًن وتأخري كاف غرضو مراعاة الغاية ّ‬
‫و ّ‬
‫للمحافظة على جرس الكبلـ وإيقاعو‪.‬‬
‫وُّذا يصبح التّقدًن والتّأخري تقنية أسلوبية بالغة األنبّية ُب الكبلـ؛ إذ تتش ّكل على إثره أمباط‬
‫الرتاكيب للحركة ؛حبيث‬ ‫ـبتلفة من القوؿ تفصح عن مدى مرونة االستعماؿ اللّغوي‪ ،‬وعن طواعية ّ‬
‫تفسح ؾباال رحبا من اػبيارات البدائل دبا يش ّكل انزياحا للخطاب األديب وبالتّإب تكثيفا لل ّدالالت‬
‫ص‪.‬‬
‫واؼبعاين للنّ ّ‬
‫‪ -3‬الحػذؼ‪:‬‬
‫ربوال يثري القارئ ووب ّفزه إٔب البحث عن‬
‫الرتكيب اللّغوي إذ يُع ّد ّ‬
‫يُعترب اغبذؼ من أبرز عوارض ّ‬
‫ص الغائب أو س ّد الفراغ ىذا باإلضافة إٔب القيمة اعبمالية والتّأثريية الّيت تصاحبو‪ ،‬واغبذؼ لغة‪:‬‬
‫النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشيء وبذفو‪ ،‬حذفا‪ ،‬قطعو‪ ،‬من طرفو‪ ،‬وخ ّفف منو »‪.‬‬ ‫الشيء وقطعو‪ ،‬وحذؼ ّ‬ ‫«اإلسقاط وطرح ّ‬
‫فيدؿ على « إسقاط كلمة لبلجتزاء عنها بداللة غريىا‪ ،‬من اغباؿ أو‬‫ّأما ُب االصطبلح ّ‬
‫‪2‬‬
‫وبني مزاياه اعبمالية‪ ،‬فقاؿ‪« :‬‬
‫فحوى الكبلـ»‪ .‬وقد تكلّم عن ىذا األسلوب عبد القاىر اعبرجاين ّ‬
‫ىو باب دقيق اؼبسلك‪ ،‬لطيف اؼبأخذ‪ ،‬عجيب األمر‪ ،‬شبيو بالسحر‪ ،‬فإنّك ترى بو ترؾ ٍّ‬
‫الذكر أفصح‬ ‫ّ‬
‫الصمت عن اإلفادة أ َْزيَ َد لئلفادة‪ ،‬وذبد أنطق ما تكوف إذا ٓب تنطق‪ ،‬وأًبّ ما تكوف بيانا‬
‫من ال ّذكر‪،‬و ّ‬
‫‪3‬‬
‫َب»‪.‬‬
‫إذا ٓبُ ت ْ‬
‫ص‬
‫وُّذا يُصبح أسلوب اغبذؼ طريقا لئلخفاء واالستبعاد بُغية تع ّدد ال ّدالالت‪ ،‬وانفتاح النّ ّ‬
‫تبشر بقراءة متأنّية تسمح للقارئ‬ ‫ذبسدىا اإلشارات اػبفيّة‪ ،‬الّيت ّ‬
‫على أسرار وكوامن غري معدودة ّ‬
‫قي باػبطاب إٔب مستوى‬
‫الر ّ‬
‫ص ودالالتو‪ ،‬فاغبذؼ وفق ىذا اؼبنظور يُساىم ُب « ّ‬ ‫بإنتاج معرفة بالنّ ّ‬
‫تعبريي قادر على ش ّد انتباه اؼبتل ّقي والتّأثري فيو إٔب اإلقناع‪ ،‬فضبل عن استغبلؿ ظبات صبالية تضفي‬
‫‪4‬‬
‫على اػبطاب ظبات اعبماؿ أي اإلمتاع »‪.‬‬

‫ؼ)‪.‬‬
‫(ح َذ َ‬
‫لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬مادة َ‬
‫‪1‬‬

‫للرّماني والخطّابي‪ ،‬وعبد القاىر الجرجاني‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد حلف اهلل أحمد ومحمد زغلوؿ سالـ‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫ثالث رسائل في إعجاز القرآف‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.146‬‬


‫ص‪ ،‬محمد خطّابي‪ ،‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬ط‪2006(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫لسانيات النّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪392‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وٓب يغفل اغبريري اإلمكانات األسلوبية لظاىرة اغبذؼ لذا عمد إليها ُب نصوصو اؼبقامية ومن‬
‫ابن ذُكاء‪.‬‬
‫الح ُ‬
‫فلما َ‬ ‫ت إلى أف أع ِر َ‬
‫ؼ عينَػ ُهما‪ّ .‬‬ ‫بينهما‪ .‬تُػ ْق ُ‬
‫دار ُ‬ ‫يت ما َ‬ ‫وع ُ‬
‫فلما َ‬‫ذلك قولو‪ّ « :‬‬
‫‪1‬‬ ‫كاب‪ .‬وال اغتِداءَ الغُ ِ‬
‫راب‪.».‬‬ ‫قالؿ الر ِ‬‫ت قبل استِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ضياءُ‪ .‬غ َد ْو ُ َ‬
‫ف الجو ال ّ‬
‫وألح َ‬
‫َ‬
‫فقد حذؼ مثل اؼبنصوبة "ببل" وأقاـ كلمة "اغتداء" مقامها أل ّف "ال" ال تنصب اؼبعارؼ‬
‫وأصلها‪" :‬إ ّف اغتدائي كاف قبل أف يغتدي الغراب"‪.‬‬
‫ت‬‫طاؿ أم ُد االنتِظا ِر‪ .‬والح ِ‬
‫َ‬ ‫فلما َ َ‬ ‫وُب قوؿ آخر وبذؼ اغبريري الفعل حيث يقوؿ‪ّ « :‬‬
‫الرحلَ ِة‪ .‬إلى أ ْف َ‬
‫أض ْعنا‬ ‫الم ْهلَ ِة‪َ .‬‬
‫وتماديْنا في ّ‬ ‫ناى ْينا في ُ‬
‫ألصحابي‪ :‬قد تَ َ‬
‫لت ْ‬‫الشمس في األطْما ِر‪ .‬قُ ُ‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬
‫الرحلة"‪ ،‬إذ التّقدير‪" :‬سبادينا‬
‫ّ‬ ‫ُب‬ ‫"سبادينا‬ ‫عبارة‬ ‫ُب‬ ‫اغبذؼ‬ ‫ويظهر‬ ‫‪،‬‬ ‫الرجلَقد ماف‪».‬‬
‫الزما َف‪ .‬وبا َف أ ّف ُ‬
‫ّ‬
‫الرحلة" وحدث ىذا اغبذؼ نتيجة األثر النّفسي الذي تركو طوؿ االنتظار الذي عاىن منو‬
‫ُب ترؾ ّ‬
‫الرتؾ إٔب ذكر‬
‫أي أثر‪ ،‬ما جعلو ينسى ذكر ّ‬
‫للسروجي ّ‬ ‫الشمس وٓب يظهر ّ‬
‫حّت غربت ّ‬
‫اغبارث ورفقائو ّ‬
‫الرحلة مباشرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وىو‬ ‫ِ‬
‫روج‪َ .‬‬ ‫س َ‬ ‫الشيخمن أىل َ‬
‫َ‬ ‫نصو « فقالت‪:‬إ ّف‬
‫السابعة ما ّ‬ ‫وُب قوؿ آخر للحريري ُب اؼبقامة ّ‬
‫ت مرو َؽ الس ْه ِم الر ِ‬
‫اش ِق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ىم َخط َفةَ الباش ِق‪َ .‬‬
‫ومرقَ ْ ُ‬ ‫ثم َخط َفت ال ّد ْر َ‬
‫نسوج‪ّ .‬‬
‫الم َ‬‫عر َ‬‫شَ‬‫الذي و ّشى ال ّ‬
‫‪3‬‬
‫إلي ِو»‪.‬‬
‫شار ْ‬
‫الم ُ‬
‫ىو ُ‬
‫ٍ‬
‫فخالَ َج قلْبي أ ّف أبا زيْد َ‬
‫وقد ورد اغبذؼ ُب العبارة األخرية حني قاؿ‪" :‬فخاِب قليب" والتّقدير‪" :‬فخاِب خاطر قليب"‬
‫السياؽ‪ ،‬ليفهم ا﵀ذوؼ‬
‫حيث يدرؾ ىذا اغبذؼ دبا يُثري ُب القارئ من دالالت تتصاعد ُب صميم ّ‬
‫من القرائن اؼبوحية بو واؼبكثّفة ألبعاده‪ ،‬فاألصل أ ّف اػباطر أو اإلحساس ىو الذي ىباِب القلب‪ ،‬فإذا‬
‫ما قرأنا اعبملة ووجدناىا خالية من ذلك الحظنا أ ّف ىناؾ ؿبذوؼ هبب اإلشارة إليو‪.‬‬
‫ؾبردا من لفظة "خاطر" أو"إحساس" يوحي بع ّدة‬ ‫إ ّف تش ّكل اػبطاب على ىذا النّحو ّ‬
‫الشيء الذي ُىباِب القلب ال شيء سواه‪ ،‬وال وبتاج‬
‫لعل أنبّها‪ ،‬أ ّف اإلحساس أو اػباطر ىو ّ‬
‫دالالت ّ‬

‫‪1‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪.44‬‬


‫‪ 2‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪3‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪391‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ذلك إٔب ذكره لئليضاح‪ ،‬وإّمبا اكتفى ِ"خباِب قليب" أل ّف اإلحساس ىو وحده ما يُشري إليو وأنّو موجود‬
‫نص آخر يقوؿ اغبريري‪:‬‬
‫بالفعل‪ ،‬وُب ّ‬
‫‪1‬‬
‫والليل »‪.‬‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫واب‪ .‬قاؿ لي‪ :‬أىلَ َ‬
‫الص َ‬ ‫الجواب‪ .‬واستَ ُّ‬
‫ثبت منوُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫فلما أثبَ ّ‬
‫«‪ّ :‬‬
‫وتقدير اعبملة‪«:‬أدرؾ أىلك قبل حلوؿ اللّيل » أو« أدرؾ أىلك قبل اللّيل » وقد حذؼ‬
‫كأّنما ُمتسابقني‬
‫ك) وعطف عليو "اللّيل" ليجعلهما ّ‬ ‫الفعل (أ َْد ِرْؾ) وأبقى على اؼبفعوؿ بو (أ َْىلَ َ‬
‫الرجل قد أمر أبا زيد أف يُسابق اللّيل إٔب أىلو ليكوف بينهم قبل حلوؿ الظّبلـ‪ ،‬وإهباز‬
‫‪،‬وبذلك يكوف ّ‬
‫فالرجل ُّذه اعبملة أراد تنبيو اؼبخاطب (أبا زيد)‬
‫اعبملة يوحي باعبمالية الّيت تفاجئ القارئ وتدىشو ّ‬
‫الضيف‬
‫على أمر ما وىبشى إف أطاؿ اعبملة أف يفوتو الغرض منو‪ ،‬ودالالتو ىي التّخلّص فورا من ّ‬
‫نصو‪:‬‬
‫كل ما كاف بني يديو من الطّعاـ‪ .‬وقد ورد اغبذؼ ُب موضع آخر ما ّ‬
‫الثّقيل الذي التهم ّ‬
‫‪2‬‬ ‫وال على فػو ِ‬
‫ت نَػع ٍ‬
‫ػيم وف َػر ْح‬ ‫ػف ن َػز ْح‬ ‫ك ِ‬
‫واهلل عػلػى إلْ ٍ‬ ‫لم أبْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫والتّقدير "أنا ٓب أبك وا﵁ على ألف نزح"‪ ،‬واغبذؼ ُب ىذا اؼبقاـ من « أساليب التّأليف ُب‬
‫ؾبرد التّقرير واإلخبار إٔب التّحريك واإلوباء‪ ،‬فيكوف اؼبسند‬
‫الشاعر من ّ‬
‫الكبلـ دوف التّحليل‪ ،‬بو ىبرج ّ‬
‫إليو أظهر إذا ٓب يظهر واؼبتكلّم أنطق إذا ٓب ينطق »‪.3‬‬
‫وتتجلّى إوبائيتو ُب ربريك مشاعر اؼبستمع دوف اإلفصاح أو التّعريف بنفسو‪ ،‬وال ّدخوؿ مباشرة‬
‫ُب توضيح اؼبوضوع (سبب بكائو وعويلو)‪.‬‬
‫ويظهر اغبذؼ أيضا ُب اؼبقامة الصعدية إذ يقوؿ اغبريري‪«:‬أتَميمياً مرًة وقَ ِ‬
‫يسيّاً أخرى؟ أ ٍّ‬
‫ُؼ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫للح ّق‪.‬‬ ‫الغوؿ! فقاؿ الغُالـ‪ :‬والذي جعلَ َ ِ‬
‫ك م ْفتاحاً َ‬ ‫ُ‬ ‫تتلو ُف ُ‬‫ويتلو ُف كما ّ‬
‫قوؿ‪ّ .‬‬‫ض ما يَ ُ‬ ‫لم ْن ين ُق ُ‬
‫َ‬
‫ُنسيت م ْذ ِ‬
‫الخل ِْق‪ .‬لق ْد أ ُ ُ‬
‫‪4‬‬
‫يت »‪.‬‬
‫أس ُ‬ ‫بين َ‬‫وفتّاحاً َ‬

‫‪1‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.154‬‬


‫الزبيدية‪ ،‬ص ‪.367‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫محمد الهادي الطّرابلسي‪ ،‬ص‪.305‬‬


‫شوقيات‪ّ ،‬‬
‫خصائص األسلوب في ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫الصعدية‪ ،‬ص‪.396‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪395‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫تلوف وتناقض‬
‫مرة لقيس‪ ،‬وأراد اغبريري بذلك إظهار ّ‬
‫مرة لتميم‪ ،‬وتنسب ّ‬
‫والتّقدير‪ :‬أتنسب ّ‬
‫الفّت ُب كبلمو‪ ،‬ودبا أ ّف اغبديث كاف عن قبيلتاف عظيمتاف كانت بينهما صراعات وخبلفات‪ٓ ،‬ب تكن‬
‫ىناؾ حاجة لذكر الفعل أل ّف اظبا القبيلتاف توحياف بالنّسب مباشرة‪.‬‬
‫شملَ ُك ْم »‪ ،1‬والتّقدير‪ :‬صبع ا﵁‬ ‫ِ‬
‫الحلْواء ْ‬
‫وجمع في ظ ّل َ‬
‫نص آخر يرد اغبذؼ ُب قولو‪َ « :‬‬ ‫وُب ّ‬
‫ظل اغبلواء مشلكم‪.‬‬
‫ُب ّ‬
‫وأيضا ُب قولو‪:‬‬

‫من ِعلّة ْ‬
‫كادت تُػ َع ّفينػي‬ ‫ْ‬ ‫افاني اهللُ و ُش ْكػراً لػوُ‬
‫ع َ‬
‫‪2‬‬
‫ف سيَْبريني‬ ‫من ح ْت ٍ‬
‫ال بُ ّد ْ‬ ‫ومن بالبُػ ْرء علػى أنّػوُ‬
‫ّ‬

‫علي الربء"‪ ،‬فحذؼ اؼبفعوؿ بو إلبراز َح َدث الربء وذبنّبا للتّعيني‪ ،‬حيث يتعلّق‬
‫و"م ّن ّ‬
‫والتّقدير َ‬
‫دبجرد وقوع الفعل من غري تعيني على من أوقعو‪.‬‬
‫غرضو باإلعبلـ ّ‬
‫وُب قوؿ آخر‪:‬‬
‫وأسػئِدي‬ ‫ِ‬ ‫سروج يا نا َؽ فَسيري ِ‬
‫وخ ِػدي‬
‫وأوبػي ْ‬ ‫وأ ْدلجػي ّ‬ ‫َ َ‬
‫‪3‬‬ ‫فتَنعمي حينَ ٍ‬
‫ئذ وتَػس َػعػدي‬ ‫مرعاىا النّدي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫حتى تَطا ُخ ّفاؾ ْ‬
‫اعبر "إٔب" الحرتاـ الوزف‬
‫والتّقدير ىنا‪" :‬إٔب سروج يا ناؽ فسريي"‪ ...‬حيث حذؼ حرؼ ّ‬
‫وذبنّب الثّقل‪.‬‬
‫السّر‬
‫يتم إرجاع ّ‬
‫وضمن ىذه التّحليبلت الصطياد الداللة الفانية ُب بعض نصوص اؼبقامات ّ‬
‫اؼبتأمل « لذرى ال تفصح‬
‫اعبمإب إٔب انفتاح اؼبعىن على أفاؽ ودالالت عميقة حبيث يرتاد القارئ ّ‬
‫يشرع ّبواباتو على فضاء األفق اؼبفتوح‪ ،‬فبل تأسره ال ّداللة‬
‫عنها البنية الظّاىرية للمنطوؽ أي أ ّف اؼبعىن ّ‬

‫السنجارية‪ ،‬ص‪.188‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص‪.193‬‬


‫شتوية‪‌،‬ص‪.481‬‬
‫المقامة ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪392‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫اللّفظية اؼبقيّدة‪ ،‬وُّذا يستطيع االنزياح باغبذؼ أف ليستثري فكر اؼبتل ّقي حوؿ ا﵀ذوؼ‪ ،‬فيتضاعف‬
‫‪1‬‬
‫تدؿ عليها العبارة »‪.‬‬
‫إدراكو وإحساسو بالفكرة الّيت ّ‬
‫األىم ىو دعوة للولوج‬
‫الرتكيز على الوحدات ّ‬
‫وبذلك يكوف إسقاط بعض الوحدات اؽبامشية و ّ‬
‫نصا من النّصوص‪.‬‬
‫كل ال ّدالالت الّيت تتخلّل ّ‬
‫إٔب أفق مفتوح على ّ‬
‫‪ -4‬االعتراض‪:‬‬
‫يُعترب االعرتاض من أنواع اإلطناب وىو « زيادة مفيدة‪ ،‬إذ تؤتى ُب أثناء الكبلـ‪ ،‬أو بني‬
‫خاصة‪ ،‬فاالعرتاض فضلة‬ ‫ِ‬
‫ؿبل ؽبا من اإلعراب وذلك لنكتو ّ‬ ‫كبلمني متّصلني دبعىن جبملة أو أكثر ال ّ‬
‫يبكن االستغناء عنها‪ ،‬وإسقاطها من الكبلـ فيتّصل ما بعدىا دبا قبلها ُب اؼبعىن »‪ 2.‬وُب أحايني كثرية‬
‫كاف قطع الكبلـ بكبلـ معرتض لغرض صبإب‪.‬‬
‫الرتتيب ُب عناصر اعبملة‪ ،‬حيث « ُوبَ ّوؿ أحد عناصر‬
‫ويَػعُ ّده الطّرابلسي من مظاىر تغيري ّ‬
‫الرتكيب عن منزلتو وإقحامو بني عناصر من طبيعتها التّسلسل كما يكوف بزيادة عنصر أو أكثر من‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫الرتكيب يقطع ىذا التّسلسل »‪.‬‬
‫عنصر أجنيب سباما عن ّ‬
‫وقد ورد االعرتاض ُب مقامات اغبريري بوصفو أسلوبا انزياحيا إف اكتسبت العبارات بو معاين‬
‫لعل أنبّها‪:‬‬
‫داللية وإوبائية صبالية مفيدة ّ‬

‫التّعظيم والتّنػزيو‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫الرضا‪ ،‬منشأة المعارؼ‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ص‪.131‬‬


‫في البنية وال ّداللة‪ ،‬سعد أبو ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬علم المعاني‪ ،‬وليد إبراىيم قصاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2013(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.253‬‬
‫محمد الهادي الطّرابلسي‪ ،‬ص‪.290‬‬
‫شوقيات‪ّ ،‬‬
‫خصائص األسلوب في ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪397‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫اذ‪ .‬ولو‬‫أحضر بع َدىا حانَةَ نَػب ٍ‬


‫ت اهللَ ُسبحانَوُ وتعالى أف ال ُ‬
‫وذلك ُب مثل قولو‪« :‬وعاى ْد ُ‬
‫ّ‬
‫رحلْنا‬ ‫ش ِ‬ ‫معصرةَ ال ّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ثم إنّنا ّ‬‫باب‪ّ .‬‬ ‫عص ُر ال ّ‬
‫علي ْ‬
‫شراب‪ .‬ولو ُر ّد ّ‬ ‫لك بغداذ‪ .‬وأ ْف ال أشه َد َ َ‬
‫ُعطيت ُم َ‬
‫أ ُ‬
‫‪1‬‬
‫وإبليس»‪.‬‬ ‫غليس‪ .‬وخلّينا بين الشي َخي ِن أبي ز ٍ‬
‫يد‬ ‫وقت التّ ِ‬
‫يس‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ ّ‬ ‫الع َ‬
‫وأيضا ُب قولو‪:‬‬

‫تقلُّ َ‬
‫ب الػ ّد ْىػ ِر وعُػ ْدوانَػوُ‬
‫‪2‬‬
‫الر ْحم ِن ُس ْبحػانَػوُ‬
‫أ ْشكو الى ّ‬
‫فعاىدت اهللَ تَعالى ُم ْذ ذلِك ْ‬
‫العه ِد‪»...‬‬
‫‪3‬‬
‫ُ‬ ‫«‬
‫‪4‬‬
‫من إغمائِِو»‬ ‫ِ ِِ‬
‫من اهللُ تَعالى بتقوية ذمائو‪ .‬فأفا َؽ ْ‬
‫ثم ّ‬
‫«ّ‬
‫‪5‬‬
‫علػى ع ْػي ٍ‬
‫ب يكػت ُػم أو يُذاعُ‬ ‫ولم تعثُػ ُر بحم ِػد الػل ِػو مػنػي‬
‫"فبحمد ا﵁" ُب البيت وقعت اعرتاضا بني العامل واؼبعموؿ‪.‬‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬

‫من ِعلّة ْ‬
‫‪6‬‬
‫كادت تُػ َع ّفينػي‬ ‫ْ‬ ‫عافاني اهللُ و ُش ْكػراً لػوُ‬
‫َ‬
‫تتضمن التّنزيو والتّ ّربؾ بنعمة ا﵁ وضبده عليها‪.‬‬‫وصبلة شكرا لو ّ‬

‫ال ّدعػاء‪:‬‬ ‫‪-2‬‬


‫ضال ّدىر ج ْفن ح ِ‬
‫سود َؾ‬ ‫ِ‬
‫ؤـ غَ ّ ُ َ َ َ‬‫زين‪ .‬واللّ ُ‬
‫ش ُسعود َؾ يَ ُ‬
‫جي َ‬
‫ت اهللُ ْ‬
‫الكرُـ ثبّ َ‬
‫كما ُب قولو‪َ «:‬‬
‫ثيب »‪.7‬‬
‫واألرَوعُ يُ ُ‬
‫شين‪ْ .‬‬‫يَ ُ‬

‫‪ 1‬المقامة ال ّدمشقيّة‪ ،‬ص ‪.127‬‬


‫المقامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪2‬‬

‫السنجارية‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 4‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص ‪.193‬‬


‫الزبيدية‪ ،‬ص ‪.365‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪6‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص ‪.193‬‬


‫‪7‬المقامة المراغية‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪395‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫س وال ُذبالةَ? إنّها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وُب قوؿ آخر‪ْ « :‬تعساً ِ‬


‫ص والحبالَةَ‪ .‬وال َقبَ َ‬
‫كاع! أنُ ْح َرُـ ويْ َحك القنَ َ‬ ‫لك يا لَ ِ‬
‫ك اهللُ‬‫أصلح َ‬
‫َ‬ ‫ش ُد ُم ْد َر َجها »‪ ،1‬و« قاؿ‪ :‬ا ْعلَ ْم‬
‫ص َم ْد َر َجها‪ .‬وتَػ ْن ُ‬
‫ت ت ْقتَ ّ‬ ‫ث على إبّالَ ٍة! فانْ َ‬
‫صاع ْ‬ ‫ِ‬
‫لضغْ ٌ‬
‫وحليَةُ األولِياء‪.‬‬
‫ك الجوع الذي ىو ِشعار األنبِياء‪ِ .‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫عاىةٌ‪ .‬فال ِ‬
‫يحملنّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬
‫الص ْد َؽ نَباىةٌ‪ .‬والكذ َ‬
‫أ ّف ّ‬
‫تبيت»‪.3‬‬ ‫حيث ِش َ‬
‫‪2‬‬
‫تطم ْع في أ ْف َ‬
‫يت‪ .‬وال َ‬ ‫عافاؾ اهللُ إلى ُ‬
‫ب َ‬ ‫» ‪ ،‬وقاؿ أيضا ‪«:‬ا ْغ ُر ْ‬
‫‪4‬‬ ‫الوج ِد واإل ْش ِ‬
‫فاؽ‬ ‫من بُػ َرحاء ْ‬ ‫فس ما تُالقي‬
‫ْ‬ ‫ك النّ ُ‬
‫ض ف َدتْ َ‬
‫وكذا‪ :‬خف ْ‬
‫من لغ ِو َؾ »‪.5‬‬ ‫وقاؿ أيضا‪« :‬فأ ْع ِفني َ‬
‫عافاؾ اهلل ْ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫أل ْف بَدا خلَ َق الس ْرب ِ‬ ‫ت الػلّػع َػن ذا ٍ‬
‫أدب‬ ‫أبي َ‬ ‫ِ‬
‫ال تحق َر ّف ْ‬
‫‪6‬‬
‫ػاؿ ُسػروتػا‬ ‫ّ‬
‫التّنبيػو‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫بالسّر‬
‫وذلك مثل قولو‪ « :‬وقلت ؽبا‪ :‬إف رغبت ُب اؼبشوؼ اؼبعلم وأشرت إٔب ال ّدرىم‪ ،‬فبوحي ّ‬
‫اؼببهم »‪ .7‬وصبلة "أشرت إٔب ال ّدرىم" اعرتاضية غرضها التّنبيو باإلشارة إٔب ال ّدرىم ولفت انتباه‬
‫العجوز ونظرىا إليو إلغرائها لتبوح دبا تعرؼ‪.‬‬
‫التّخصيص‪:‬يتمثّل ُب قولو‬ ‫‪-4‬‬
‫‪8‬‬
‫ومقاص ِػد ْه‬
‫ِ‬ ‫الر ْش ِد في أنحائِِو‬
‫ع ِن ُ‬ ‫الورى‬
‫وى َو أبو َ‬
‫ىر ْ‬
‫ولما تَعامى ال ّد ُ‬
‫ّ‬
‫تتضمن التّخصيص والتّنبيو أيضا‪.‬‬
‫فجملة [ىو أبو الورى] اعرتاضية ّ‬

‫‪1‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.72‬‬


‫‪2‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫‪ 3‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫‪ 4‬المقامة الزبيدية‪ ،‬ص‪.366‬‬
‫‪5‬المقامة الكرجية‪ ،‬ص‪.255‬‬
‫‪ 6‬المقامة المروية‪ ،‬ص‪.404‬‬
‫‪7‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪8‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪399‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫تبني لنا من خبلؿ ىذه األمثلة أ ّف االعرتاضات الّيت وظّفها اغبريري ُب مقاماتو كانت‬
‫وقد ّ‬
‫وتضمنت معاين وضحت اؼبقصود من فصلو بني صبلة‬ ‫مفيدة؛ إذ أضافت ظبات صبالية على العبارات ّ‬
‫وأخرى‪.‬‬
‫‪ – 5‬األساليب اإلنشائية‪:‬‬

‫يتّخذ األسلوب اإلنشائي منحى مغايرا ؼبا يكوف عليو األسلوب اػبربي من حيث ال ّداللة‪،‬‬
‫خاصة منو اإلنشاء الطّليب الذي حظي باىتماـ كبري ُب ال ّدرس األسلويب «‬
‫حيث يربز حيوية اللّغة‪ّ ،‬‬
‫الصياغة ومتل ّقيها‪ ،‬وكذا قدراتو على التّعامل مع‬
‫لدالالتو الثّرية باؼبعاين‪ ،‬واختزالو الفجوات التّعبريية بني ّ‬
‫الرتكيبية »‪.1‬‬
‫تضاريس النّصوص امتدادا واستيعابا للتّنويعات اغبساسة الّيت تولّد الطّاقة داخل األبنية ّ‬
‫ىذه اؼبيزات الّيت يتمتّع ُّا ىذا األسلوب جعلتو يتجاوز ال ّداللة التّقريرية إٔب فضاءات داللية‬
‫تتع ّدد فيها األلواف واألشكاؿ‪ ،‬وىو ما يبنح اؼبتل ّقي فرصة اإلحبار خارج اغبدود النّمطية ليتجاوزىا إٔب‬
‫الصياغة الفنّػيّة اؼبتميّزة بعناصر اإلثارة واإلقناع واإلمتاع‪.‬‬
‫دالالت ّ‬
‫السياؽ دورا فاعبل ُب توجيو البىن التّعبريية ُب األسلوب اإلنشائي الطّليب من استفهاـ وأمر‬
‫ويأخذ ّ‬
‫سبّن ونداء‪ « ،‬فقيمة الوحدات اللّغوية ُب ىذا األسلوب ليست بصياغتها التّقريرية‪ ،‬أل ّف اؼبتل ّقي‬ ‫وّني و ّ‬
‫السياؽ »‪.2‬‬ ‫يستطيع دبعرفتو وجهده أف يقف عليها‪ ،‬وإّمبا بقدرّتا اإلبداعية داخل منظومة ّ‬
‫اؼبتنوعة فذلك باالرتكاز‬
‫وإذا كانت األساليب اإلنشائية تربز حيوية اللّغة وطرائقها التّعبريية ّ‬
‫‪3‬‬
‫على أربعة عوامل أساسية أشار إليها ؿبمد اؽبادي الطّرابلسي وىي‪:‬‬

‫الصوتية‪ ،‬ؽبذا ال تنخفض ُب‬


‫الرتاكيب اإلنشائية النّغمة ّ‬
‫مقومات ّ‬
‫الصوٌب‪ :‬فمن ّ‬‫‪ -1‬العامل ّ‬
‫آخرىا لبقاء الكبلـ ُب حاجة إٔب جواب بالقوؿ أو استجابة بالفعل أو تعليق أو ما من‬
‫شأنو أف هبعل الكبلـ منفتحا غري منغلق‪.‬‬

‫‪1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.267‬‬


‫نفسو‪،‬ص‪.268‬‬ ‫‪2‬‬

‫شوقيات‪ ،‬محمد الهادي الطّرابلسي‪ ،‬ص‪.349‬‬


‫خصائص األسلوب في ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪211‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫خاصة‪ ،‬أو صيغ معيّنة‬


‫‪ -2‬العامل النّحوي‪ :‬حيث أ ّف األساليب اإلنشائية ترتكز على أدوات ّ‬
‫تبىن عليها بعض عناصرىا وتساىم فيها ىذه العناصر بأكرب قسط ُب ربديد اؼبدلوؿ‪.‬‬
‫الرتصبة عن االنطباعات العاطفية‬
‫مقومات ىذه األساليب‪ّ ،‬‬
‫‪ -3‬العامل اؼبعنوي الببلغي‪ :‬فمن ّ‬
‫الشعور وحرية العقل أكثر من حقيقة العلم وصدؽ‬
‫اؼبقررات العقلية‪ ،‬فهي تعكس أزمة ّ‬
‫دوف ّ‬
‫الرأي‪.‬‬
‫ّ‬
‫الرتاكيب بقياـ حوار‪ ،‬وقد تفضي إليو وقد ال‬
‫‪ -4‬العامل النّفسي اؼبنطقي‪ :‬حيث تنبأ ىذه ّ‬
‫تتلوف معانيها وداللتها‪.‬‬
‫تفضي‪ ،‬وحبسب ذلك ّ‬
‫ص إذا داخلتو‪،‬‬
‫الرتكييب لؤلساليب اإلنشائية من كونو « ينشط مراحل النّ ّ‬
‫وينبع االنزياح ّ‬
‫يتحوؿ فيها من‬
‫الباث إٔب مسانبة اؼبتقبّل الذي ّ‬
‫وتعرب أكثر من غريىا من األساليب عن حاجة ّ‬
‫‪1‬‬
‫ؾبرد إٔب طرؼ مشارؾ »‪.‬‬
‫متقبّل ّ‬
‫ص دبا‬
‫ص ىو اإلثراء الوظيفي ؽبذه األساليب داخل النّ ّ‬ ‫لعل اؼبقصود من تنشيط مراحل النّ ّ‬
‫و ّ‬
‫السطحية إٔب ال ّداللة العميقة‪ ،‬فالبىن اػبمس‬
‫يسمح بقدرات األدوات اإلنشائية على ذباوز ال ّداللة ّ‬
‫مبوىا‬
‫تسجل أثناء ّ‬
‫مّن ّ‬
‫الّيت تؤلّف مستوى اإلنشاء الطّليب االستفهاـ واألمر والنّهي والنّداء والتّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫بعدين‪:‬‬
‫‪ -1‬البعد الباطن‪ -‬اؼبتعلّق بأحواؿ اؼبنشئ‪.‬‬
‫الصياغي‪.‬‬
‫‪-2‬البعد الظّاىر – اؼبتعلّق بأحواؿ اؼبُنتَج ّ‬
‫الصياغي من وحدات‬
‫الرتكيب ّ‬
‫ولتحقيق البُعد الباطن الب ّد أف يعتمد اؼبنشئ على عناصر ّ‬
‫تتحرؾ وفق‬
‫الصياغي‪ ،‬فحركة الوحدات واألدوات اؼبصاحبة ّ‬
‫لغوية‪ ،‬وأدوات ـبصوصة ؼبرافقة اؼبنتج ّ‬
‫ربوؿ ُب عناصر البُعد الظّاىر‪.‬‬
‫تغري الب ّد وأف يُصاحبو ّ‬
‫كل ّ‬‫حركة اؼبدرؾ ال ّداخلي (الباطن)؛ حيث أ ّف ّ‬
‫الصيغ اإلنشائية الّيت تتلبّسها استعماالت أصلية بصياغتها التّقريرية‪ ،‬قد زبلع عن‬
‫فالواضح أ ّف ّ‬
‫لتتحوؿ بقدرّتا اإلبداعية داخل منظومة‬
‫ّ‬ ‫نفسها ىذه االستعماالت حسب مقتضيات األحواؿ‬

‫‪1‬السابق‪ ،‬ص‪.350‬‬
‫‪2‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.273‬‬
‫‪210‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫السياؽ (البُعد الظّاىر) إٔب تكثيف دالالّتا اإلوبائية ما ُوب ّقق انزياحها إٔب استعماالت جديدة‬ ‫ّ‬
‫تُكسب التّعبري أبعادا صبالية متميّزة‪.‬‬
‫وقد كانت اؼبقامات اغبريرية إطارا حسنا الحتضاف ـبتلف األساليب اإلنشائية‪ ،‬الّيت ابتعدت‬
‫الصياغة التّقريرية وخرجت عن أوضاعها اللّغوية إٔب دالالت جديدة تتبلءـ مع اؼبوضوع اؼبطروؽ‬
‫عن ّ‬
‫كل مقامة‪.‬‬
‫ُب ّ‬
‫نتوسع ُب دالالت ىذه األساليب‪.‬‬
‫وفيما يأٌب ّ‬
‫عما ٓب يكن‬ ‫‪ -8‬االستفهاـ‪ :‬وىو نوع تركييب يندرج ضمن ّ‬
‫الصيغ اإلنشائيّة الطّلبيّة‪ ،‬وىو استعبلـ ّ‬
‫السكاكي أ ّف االستفهاـ يكوف « لطلب حصوؿ ُب ال ّذىن واؼبطلوب حصولو ُب‬
‫معلوما سلفا‪ ،‬ويرى ّ‬
‫تصور‬
‫األوؿ ىو التّصديق ويتمتّع انفكاكو من ّ‬ ‫ال ّذىن‪ّ ،‬إما أف يكوف حكما على شيء أو ال يكوف‪ ،‬و ّ‬
‫صور‪ ،‬وال يتمتّع انفكاكو من التّصديق ٍبّ ا﵀كوـ بو‪ّ ،‬إما أف يكوف نفس الثّبوت‬
‫الطّرفني‪ ،‬والثّاين ىو التّ ّ‬
‫أو االنتفاء »‪.1‬‬
‫ويكوف االستفهاـ بإحدى األدوات وىي"اؽبمزة" "ىل"‪"،‬أـ"‪"،‬كيف"‪"،‬أي"‪"،‬كم"‪،‬‬
‫السياؽ‪ ،‬وينزاح عن معناه األصلي إٔب معاف أخرى‬
‫كل أداة زبلق داللة يقتضيها ّ‬
‫"أين"‪"،‬مّت"‪"،‬أيّاف" و ّ‬
‫فيضفي أبعادا صبالية تكسر النّمطية ورب ّقق دالالت إوبائية‪ ،‬وتلك اؼبعاين الّيت ىبرج إليها ال يبكن‬
‫تتعني ُب ضوء القرائن وسياؽ الكبلـ‪ ،‬لذلك يتك ّفل ال ّذوؽ والفهم بتجليتها وتسميتها‪.‬‬
‫ألّنا ّ‬
‫حصرىا ّ‬
‫متنوعة‬
‫بأّنا ذات إمكانات تعبريية ّ‬
‫ص اؼبقامي للحريري ّ‬
‫وتتميّز اَّموعات االستفهامية ُب النّ ّ‬
‫السياؽ الذي وردت فيو بدالالت إوبائية جديدة‪.‬‬
‫ساعدت على تقوية وتغذية ّ‬
‫عجب‪:‬‬
‫أ‪ -‬التّ ّ‬
‫يتعجب فيو اؼبتكلّم من مضموف الكبلـ‪ ،‬وقد ورد ذلك ُب‬ ‫الصيغة ُب مقاـ ما ّ‬ ‫تكوف ىذه ّ‬
‫أصنَع بمن ِزٍؿ قَف ٍر‪ .‬ومن ِزٍؿ ِح ِ‬
‫لف فَػ ْق ِر»‪.2‬‬ ‫ُ‬ ‫ص اؼبقامي ُب مثل قولو‪«:‬ما ْ ُ‬
‫النّ ّ‬

‫السكاكي‪ ،‬ص‪.303‬‬
‫مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.52‬‬


‫‪213‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ف‬
‫كي َ‬
‫فقاؿ‪ :‬و ْ‬
‫الحاؿ‪َ .‬‬‫ِ‬ ‫لك في‬ ‫صاب من ِ‬
‫الماؿ‪ .‬ألّفناهُ َ‬ ‫وُب قولو أيضا‪« :‬إ ْف كاف ي ْك َ ِ‬
‫فيك ن ٌ َ‬
‫ال يُػ ْقنِعُني نِ ٌ‬
‫‪1‬‬
‫اب» ‪ .‬فما ورد بأداة "كيف" داللتو التّ ّ‬
‫عجب نتيجة‬ ‫مص ْ‬
‫دره إال َ‬
‫تقر قَ َ‬
‫وىل يَ ْح ُ‬
‫صاب‪َ ،‬‬
‫السروجي ٓب يتوقّع ىذا الغنم لذلك استفهم‬‫اغببور ؼبا سيحصل عليو من اؼباؿ‪ ،‬حيث يظهر أ ّف ّ‬
‫عجب وذلك دبعىن "ال وبتقر‬
‫متعجبا‪ّ .‬أما االستفهاـ الثّاين بأداة "ىل" فداللتو ىي النّفي مضافا إٔب التّ ّ‬
‫ّ‬
‫قدره إال ُمصاب"‪.‬‬
‫وُب مقاـ آخر يقوؿ اغبريري‪:‬‬
‫ك مع‬‫من ِخطابَتِ َ‬
‫ك‪ .‬أـ ْ‬
‫ك‪ .‬ومس َق ِط ِ‬
‫راس َ‬ ‫يك عن أ ِ‬
‫ُناس َ‬ ‫تسلّ َ ْ‬‫ب من َ‬
‫ِ‬
‫«واهلل ما أ ْدري أأ ْع َج ُ‬
‫‪2‬‬ ‫ك‪ .‬ومدا ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫يتعجب اغبارث بن نبّاـ من خبلؿ سؤالو ىذا من أفعاؿ أبو زيد‬ ‫ك»‪ .‬إذ ّ‬ ‫كاس َ‬ ‫أدناس َ َ‬
‫اليت ال تثبت على حاؿ فهو يدور مع ال ّدىر كيفما دار‪.‬‬
‫اؼبتحولة‪ّ ،‬‬
‫السروجي ّ‬ ‫ّ‬
‫وُب قولو‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ػوت‬
‫يب ما لػوُ ق ُ‬‫حاؿ غَر ٍ‬
‫فكيف ُ‬ ‫ويل ال ّذ ِ‬
‫يل ممتَػ َه ٌػن‬
‫َ‬ ‫يب الطّ َ‬
‫إ ّف الغَر َ‬
‫الضائع بني النّاس‪ ،‬لكن معناىا‬
‫وقد استعملت أداة "كيف" ىنا لبلستفهاـ على حاؿ الغريب ّ‬
‫السروجي الذي س ّفو بالفّت وأذلّو‪.‬‬
‫عجب واللّوـ من فعل ّ‬
‫انزاح إٔب التّ ّ‬

‫اللّوـ والتّقريع‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫ناىى في زى ِو َؾ‪ .‬وال‬
‫اـ تتَ َ‬
‫وحتّ َ‬ ‫مر َعى بغْيِ َ‬
‫ك؟ َ‬ ‫رئ ْ‬
‫ك‪ .‬وتَستَ ْم ُ‬
‫مر على غَيّ َ‬
‫تستَ ُّ‬
‫إالـ ْ‬
‫ُب قولو‪َ « :‬‬
‫تَػ ْنتَهي عن لَه ِو َؾ»‪ 4.‬ووبمل ىذا األسلوب معىن اللّوـ والتّقريع ؼبا آلت إليو أفعاؿ النّاس من اؼبعاصي‬
‫السروجي نفسو‪ ،‬خطيبا عليهم ُب ؾبلس من اَّالس للتّذكري والتّوبيخ‪.‬‬
‫نصب ّ‬
‫وال ّذنوب‪ ،‬وقد ّ‬

‫‪1‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫السمرقندية‪ ،‬ص‪.291‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص ‪.514‬‬


‫الصنعانية‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪212‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وُب مقامة أخرى يقوؿ‪:‬‬


‫حاؾ اهلل ِ‬
‫ش ال ِػجػياعُ‬
‫ل َك ْيما تشبَ َع ال َكػ ِر ُ‬ ‫ىل مػثػلػي يُبػاعُ‬
‫لَ َ ُ ْ‬
‫وىل في ِشر َع ِة اإلنْ ِ‬
‫ف ُخطّةً ال تُػسػتَػطػاعُ‬ ‫أكل ُ‬ ‫صاؼ أنػي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫ػين يُػ ْبػلػى ال يُراعُ‬
‫ومثلي ح َ‬ ‫روع‬
‫وأ ْف أُبْلػى ب َػرْو ٍع بػعػ َد ٍ‬
‫السوؽ كما‬
‫السروجي حني أراد أف يبيع غبلمو ُب ّ‬ ‫فاالستفهاـ جاء ىنا للّوـ والتّوبيخ فبّا فعلو ّ‬
‫يُباع العبيد‪.‬‬
‫ج‪ -‬اإلنكػار‪ :‬ىو من ضمن اؼبعاين الّيت ىبرج فيها االستفهاـ عن معناه اغبقيقي ويكوف لل ّداللة‬
‫على أ ّف اؼبستفهم عنو أمر منكر عرفا وشرعا‪.‬‬
‫عود‪ .‬كغر ِ ِ‬ ‫ك إ ّف مثَل الو ِ‬
‫در ُؾ‬
‫ب‪ .‬أو يُ َ‬ ‫بين أف يُد ِرَكوُ العطَ ُ‬
‫ىو َ‬‫س العود! َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫يقوؿ اغبريري‪«:‬ويْ َح َ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ثم ما الثّػ َقةُ بأنّ َ‬
‫أحص ُل منوُ على ضنًى‪ّ ،‬‬ ‫من عود َؾ َجنًى‪ .‬أـ ُ‬ ‫ب‪ .‬فما يُ ْد ِريني أيَ ْح ُ‬
‫ص ُل ْ‬ ‫الرطَ ُ‬
‫منوُ ُّ‬
‫‪2‬‬
‫جيل‪ .‬في ِحليَ ِة ىذا ِ‬
‫الجيل‪.» .‬‬ ‫صار الغ ْد ُر كالتّ ْح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حين تبتَع ُد‪ .‬ستَفي بما تع ُد؟ وقد َ‬ ‫َ‬
‫والغرض من ىذا األسلوب االستفهامي ىو اإلنكار االبطإب‪.‬‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫خبر َؾ‪ .‬وىذا َم ْخبَػ َر َؾ؟»‪.‬‬
‫ذاؾ َ‬
‫«وقلت لو‪:‬يا ىذا أيَكو ُف َ‬
‫وغرضو اإلنكار توبيخي؛ إذ ما وقع بعد اؽبمزة واقع لكنّو قبيح وما كاف ينبغي أف يكوف‬
‫فالسروجي ملزـ على فعلو ذاؾ ألنّو ّادعى التّقوى والثّبات ألجل العطاء من خبلؿ خطبتو الوعظية ٍبّ‬
‫ّ‬
‫طي النّسياف‪.‬‬
‫انفرد بالنّبيذ منعزال تاركا مقالو وماوعظ بو ّ‬
‫وُب مضموف اإلنكار التّوبيخي قولو أيضا‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫ت بُرايَػتَها الػصػنػاعُ‬
‫كما نَػبَ َذ ْ‬ ‫غ عن َدؾ ْنبػ ُذ عػهػدي‬
‫فأنّى سا َ‬

‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.364‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص‪.514‬‬


‫الصنعانية‪ ،‬ص‪.370‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪3‬‬

‫الزبيدية‪ ،‬ص ‪.365‬‬


‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪211‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫موخبا نبذ عهده واستغناءه عنو لغريه‪.‬‬


‫الشيخ أف يبيعو فعلو ىذا فيتساءؿ ّ‬
‫ىم ّ‬‫إذ ينكر الغبلـ الذي ّ‬
‫ْت؟»‪ 1.‬ويبدو فيو إنكار‬
‫فعل َ‬
‫ك الّتي َ‬
‫وفع ْلتَػ َف ْعلَتَ َ‬
‫ْت‪َ .‬‬
‫ْت وختَػل َ‬
‫ك احتل َ‬
‫وقولو أيضا‪« :‬أنَسيتَأنّ َ‬
‫السروجي للحارث بن نبّاـ‪.‬‬ ‫توبيخي على فعل خداع أيب زيد ّ‬
‫يسيّاً أخرى؟ »‪ ،2‬وقولو على‬ ‫وقولو أيضا ُب َذِـ التّلوف من حاؿ إٔب حاؿ‪«.‬أتَميمياً مرًة وقَ ِ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ْل ز ْع ِم َ‬
‫ك‪ .‬وخطَأَ‬ ‫ت بُط َ‬
‫السروجي على عقوقو لوالده «أرأيْ َ‬ ‫لساف القاضي ُب توبيخ الفّت ابن ّ‬
‫‪3‬‬
‫عج ٍم‪» ...‬‬
‫قبل ْ‬ ‫ِْ‬
‫ت عوداً َ‬ ‫عج ْل بع َدىا ب َذ ّـ‪ .‬وال ت ْن َح ْ‬
‫وىم َكفال تَ َ‬
‫د‪ -‬التّشويػق‪:‬‬
‫قد يُستفاد من االستفهاـ استثارة االنتباه والتّشويق إٔب ما سيُقاؿ أو ما سيُفعل‪ ،‬وقد عمد‬
‫السامعني واستثارة عقوؽبم وأفهامهم وعواطفهم إٔب ما‬ ‫اغبريري إٔب توظيف ىذا االستفهاـ ُب تشويق ّ‬
‫ت‬ ‫بحها مساؤىانُ ِس َج ْ‬ ‫وص ُ‬
‫ضها سماؤىا‪ُ .‬‬ ‫السروجي كما ُب قولو‪« :‬أتع ِرفو َف ِرسالةً ْأر ُ‬ ‫يُريده أبو زيد ّ‬
‫من‬
‫ت ْ‬ ‫وجهي ِن‪ .‬إ ْف بزغَ ْ‬
‫وبدت ذات َ‬ ‫ْ‬ ‫ت الى ِج َهتَي ِن‪.‬‬ ‫ت في ْلونَي ِن‪ .‬وصلّ ْ‬ ‫على ِمنوالَي ِن‪ .‬وتجلّ ْ‬
‫القوـ ُرموا‬ ‫من مغ ِربِها‪ .‬فَيا َلع َجبِها! قاؿ‪ :‬فكأ ّف‬ ‫ِ‬ ‫مش ِرقِها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت ْ‬ ‫طلع ْ‬
‫فناىيك َبرونَقها‪ .‬وإ ْف َ‬
‫َ‬
‫ألحد ِى ْم لِسا ٌف‪.‬‬
‫فاه ِ‬ ‫منه ْم إنسا ٌف‪ .‬وال َ‬
‫س ُ‬ ‫ِ‬
‫ت عليه ْم كلمةُ اإلنْصات‪ .‬فما نبَ َ‬
‫مات‪ .‬أو ح ّق ْ ِ‬ ‫بالص ِ‬‫ُّ‬
‫الع ّدةِ‪َ .‬‬
‫وأرخيت ل ُك ْم‬ ‫ناـ‪ .‬قاؿ لهم‪ :‬ق ْد أجلتُ ُكم أجل ِ‬
‫ّ ْ ََ‬ ‫ُْ‬ ‫كاألص ِ‬
‫ْ‬ ‫وصموتاً‬
‫عاـ‪ُ .‬‬‫رآىم بُ ْكماً كاألنْ ِ‬
‫فحين ُ‬
‫َ‬
‫خواطرُك ْم م َد ْحنا‪ .‬وإ ْف‬ ‫ت‬
‫سمح ْ‬ ‫الفص ِل‪ .‬فإ ْف‬ ‫ش ْم ِل‪ .‬وموقِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف ْ‬ ‫مجم ُع ال ّ‬
‫ىاىنا َ‬‫الم ّدة‪ .‬ثم ُ‬ ‫ط َو َؿ ُ‬
‫‪4‬‬
‫ت ِزنا ُد ُك ْم ق َد ْحنا»‪.‬‬
‫صل َد ْ‬
‫ك ُب‬
‫الش ّ‬
‫فها ىنا استفهاـ استعملت فيو أداة اؽبمزة الّيت تبدو سلطتها على الفعل قد زرعت ّ‬
‫ؿبيط دائرتو (أتعرفوف) فأفادت إثارة االنتباه ٍبّ التّشويق فانزاح االستفهاـ بذلك عن االستعبلـ‪ ،‬إٔب‬
‫الرسالة الّيت وصفت بأوصاؼ ٓب‬
‫ومتشوقني ؽبذه ّ‬
‫ّ‬ ‫التّشويق الذي ترؾ القوـ ُب موقف عجيب منتظرين‬
‫يطّلعوا عليها من قبل‪.‬‬

‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.370‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫الصعدية‪ ،‬ص‪.396‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.397‬‬


‫‪4‬المقامة القهقرية‪ ،‬ص‪.169‬‬
‫‪215‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫العزي ِز ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫وُب قوؿ آخر «يا ْأىل ذا ال ُفل ِ‬


‫ْك ال َق ِ‬
‫العليم‪.‬‬ ‫ظيم‪ .‬بت ْقدي ِر َ‬ ‫زجى في البح ِر َ‬
‫الم ّ‬
‫ويم‪ُ .‬‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫عذاب ٍ‬
‫أليم»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫أدلّ ُكم على تِ ٍ‬
‫جارة تُنجي ُك ْم ْ‬
‫َ‬ ‫ىل ُ ْ‬
‫فالسؤاؿ أريد منو التّشويق‪ ،‬وُب قولو أيضا‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫وخل ِْق ِػو قػد ب َػرعػا‬
‫في َخل ِْق ِو ُ‬ ‫من يشتَري مني غُالماً صنَػعػا‬
‫ىػ‪ -‬العرض‪:‬‬
‫أنضاء َتع ٍ‬
‫ب‪،‬‬ ‫كما ُب قولو‪« :‬ىل لك في أف تُِقيل‪ ،‬وتتَحامى ِ‬
‫القيل وال َقاؿ فإ ّف األب َداف َ‬ ‫َ‬
‫وصا في َش ْهري‬
‫وخص ً‬
‫الهواجر‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫يصقل الخاَ ِطر ويَن ُ‬
‫شط ال َفاتر‪َ ،‬كقائلة َ‬ ‫ذات ٍ‬
‫لهب‪ ،‬ولَن ْ‬ ‫اجرة ُ‬
‫واله َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ناجر‪.3»...‬‬
‫السروجي يعرض‪ ،‬أو يقرتح على اغبارث بن‬
‫فاالستفهاـ ىنا جاء دبعىن العرض‪ ،‬حيث نرى أ ّف ّ‬
‫ويوضح لو فوائدىا‪.‬‬
‫نبّاـ القيلولة ّ‬
‫‪4‬‬
‫س إلى َم ْن تَرو ُؽ فاكِ َهتُوُ‪ .‬وتَشو ُؽ ُمفا َكهتُوُ»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وقولو أيضا‪« :‬أال تجل ُ‬
‫ِ ‪5‬‬
‫بالصعود»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لك في استِ ِ‬
‫السعود ّ‬ ‫ثارة ّ‬ ‫َ‬ ‫فهل َ‬
‫وقولو أيضا‪ْ « :‬‬

‫‪1‬المقامة العمانية‪ ،‬ص‪.410‬‬


‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة الوبرية‪ ،‬ص‪.275‬‬


‫الرقطاء‪ ،‬ص‪.259‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬المقامة العمانية‪ ،‬ص‪.413‬‬


‫‪212‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫و‪ -‬التّقريػر‪:‬‬
‫استقر عنده ثبوتو أو نفيو ‪1‬كما ُب قوؿ‬
‫ومعناه ضبل اؼبخاطب على اإلقرار واالعرتاؼ بأمر قد ّ‬
‫وىل يَ ْخفى‬
‫روجي‪ ،‬فقاؿ لي‪ :‬بَلى‪ْ .‬‬
‫ت الس ّ‬ ‫البحر اللُّ ّج ّي‪ْ .‬‬
‫ألس َ‬ ‫اغبريري « فقلت لو‪:‬بالذي س ّخ َر َ‬
‫ابن َجال»‪.2‬‬
‫ُ‬
‫أقر بذلك إثباتا بػ"بلى"‪.‬‬
‫فهذا تقرير إهباب أل ّف اؼبخاطب قد ّ‬
‫‪3‬‬
‫قاؿ وما حاباهُ»‪.‬‬
‫ض أباهُ‪ .‬في ما َ‬
‫عار َ‬
‫ت الذي َ‬
‫ألس َ‬
‫وُب قوؿ آخر‪ْ «:‬‬
‫السخرية‪:‬‬
‫ز‪ -‬التّه ّكم و ّ‬
‫السخرية والتّه ّكم كما ىو ظاىر ُب‬‫ص اؼبقامي عن ّ‬ ‫عربت بعض اَّموعات االستفهامية ُب النّ ّ‬ ‫ّ‬
‫شه ُر‪ .‬أـ‬ ‫وحس ٍ‬
‫ب يُ َ‬ ‫ت في موقِ ِ‬
‫ف ف ْخ ٍر يُ َ‬
‫ظه ُر‪َ .‬‬ ‫أىليك! أأنْ َ‬
‫َ‬ ‫وعولَةَ‬
‫أبيك‪ْ .‬‬
‫مثل قوؿ اغبريري‪« :‬يا ويلَةَ َ‬
‫‪4‬‬
‫ط‪.» ...‬‬‫ط‪َ .‬وقَفاً يُ ْش َر ُ‬
‫شُ‬ ‫ف ِجل ٍ‬
‫ْد يُك َ‬ ‫موقِ ِ‬
‫للسخرية والتّه ّكم من الفّت الذي ساجل أبا زيد وتباىى بقدره أمامو‪.‬‬
‫فقد استعملت اؽبمزة ىنا ّ‬
‫ح‪-‬االستبعاد‪:‬‬
‫وىو إشعار اؼبخاطب بأ ّف اؼبطلوب بعيد الوقوع ال أمل ُب حصولو ‪،‬كما ُب قوؿ اغبريري على‬
‫فرد‬
‫السروجي عندما طلب منو القاضي أف وبضر شاىداف ليشهدا بأ ّف الفّت قد قتل ابنو‪ّ .‬‬ ‫لساف ّ‬
‫‪5‬‬ ‫شاى ٌد‪ .‬ولم ي ُكن ثَم م ِ‬
‫شاى ٌد؟»‪.‬‬ ‫قائبل‪« :‬إنّو ج ّدلَو خاسياً‪ .‬وأفاح دمو خالِياً‪ .‬فأنّى لي ِ‬
‫ْ ُّ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ ُ‬
‫الشاىد اؼبطلوب‪ ،‬حيث أشعر‬ ‫السروجي بقولو ىذا أي ؿباولة للحصوؿ على ّ‬ ‫فقد استبعد ّ‬
‫القاضي ُّذا االستفهاـ أ ّف ذلك بعيد اؼبناؿ ال أمل ُب ربصيلو‪.‬‬
‫اغبث على التّعجيل بو ويظهر ذلك من خبلؿ قوؿ‬ ‫ط‪ -‬االستبطاء‪ :‬وىو اإلشعار ببطء العمل و ّ‬
‫سالـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بي‪ .‬أو است ُ‬‫الخ ّ‬
‫راج َ‬
‫اـ تُنظَرو َف؟ ألَ ْم يأف ل ُك ُم است ْخ ُ‬
‫إالـ تنظُرو َف‪ .‬وحتّ َ‬
‫اغبريري‪ « :‬قاؿ‪ :‬يا قوـ َ‬

‫القصاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪2012(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.69‬‬


‫ينظر‪ :‬علم المعاني‪ ،‬وليد إبراىيم ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة العمانية‪ ،‬ص‪.412‬‬


‫الصعدية‪ ،‬ص‪.395‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص‪.514‬‬


‫الرحبية‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪217‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬
‫‪1‬‬
‫السروجي حصوؿ القوـ على حلوؿ لؤللغاز الّيت طرحها عليهم فأشعرىم‬
‫ّ‬ ‫استبطأ‬ ‫فقد‬ ‫‪،‬‬ ‫بي؟»‬
‫الغَ ّ‬
‫ببطء تفكريىم وحثّهم على التّعجيل باإلجابة أو االستسبلـ‪.‬‬
‫ؾ‪ -‬التّكثري‪:‬‬
‫ُب قولو‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ػسػبػاعُ‬
‫لي ال ّ‬
‫ِ‬
‫ت وفي َحبائ َ‬‫فعُ ْد ُ‬ ‫ػص ْػي ٍد‬
‫شركػاً ل َ‬
‫ص ْدتَني َ‬
‫كم ْأر َ‬
‫وْ‬
‫فقد خرج االستفهاـ بػ "كم" عن معىن االستخبار إٔب التّعبري عن الكثرة‪ ،‬كثرة استغبلؿ الفّت‬
‫السروجي للحيل واؼبكر للحصوؿ على اؼباؿ‪.‬‬
‫من قبل ّ‬
‫حسر‪:‬‬
‫أسف والتّ ّ‬
‫ؾ‪ -‬التّ ّ‬
‫السروجي وامرأة ّادعى أ ّّنا‬ ‫كما ُب قوؿ اغبريري على لساف القاضي الذي خدع من ّ‬
‫بم ْغ َرَمي ِن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍِ‬
‫ُلزُـ في قَضيّة َ‬‫بس ْه َم ْي ِن‪ .‬أأ َ‬
‫عجيب‪ .‬أأ ُْر َش ُق في موقف َ‬
‫ٌ‬ ‫ش ْيءٌ‬
‫زوجتو‪«:‬وقاؿ‪:‬إ ّف ىذا لَ َ‬
‫الم ِنف ِذ لمآ ِربِ ِو‪ .‬وقاؿ‪ :‬ما‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ف الى حاجبو‪ُ .‬‬ ‫ثم عطَ َ‬
‫أين؟ ّ‬
‫أين وم ْن َ‬ ‫الخص َمي ِن‪ْ .‬‬
‫ومن َ‬ ‫ْ‬ ‫ُرضي‬
‫ُطيق أ ْف أ َ‬
‫أأ ُ‬
‫ماـ‪ .‬ىذا يوـ اال ْغتِر ِاـ‪ .‬ىذا يوـ الب ْح ِ‬ ‫يوـ االعتِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫راف‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وإمضاء! ىذا ُ‬ ‫يوـ ُح ْك ٍم وقَضاء‪ْ .‬‬
‫وفص ٍل ْ‬ ‫ىذا ُ‬
‫الخس ِ‬
‫راف!‪.3»...‬‬ ‫يوـ ُ ْ‬
‫ىذا ُ‬
‫السروجي وزوجو وأفعاؽبما وطمعهما ُب اؼباؿ إٔب التّساؤؿ اؼبمزوج‬‫فقد دفعو اعبنوف من أقواؿ ّ‬
‫وتأسفو من ىذا اؼبوقف الذي ُو ِضع فيو‪.‬‬
‫ربسره ّ‬
‫يعرب فيو عن ّ‬‫بانفعاؿ قوي ّ‬

‫‪1‬المقامة النّجرانية‪ ،‬ص‪.448‬‬


‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.365‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.429‬‬


‫‪215‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪ _2‬األمػر‪:‬‬
‫يدؿ على طلب القياـ حبدث‪ ،‬وىي‬
‫يُدرس األمر ُب ىذا اؼبقاـ على أنّو أسلوب إنشائي ّ‬
‫كل اإلمكانات من أجل حاصل‬
‫« بنية أسلوبية توليدية ال تعرؼ االلتزاـ بأصل اؼبعىن‪ ،‬وإّمبا تتجاوز ّ‬
‫إنتاجي »‪.1‬‬
‫تنوعا ُب انزياحاتو عن‬
‫ص اؼبقامي للحريري فوجدنا ّ‬
‫وقد تتبّعنا مواضع أسلوب األمر ُب النّ ّ‬
‫معني على سبيل االستعبلء" وأنّو قد خلع عن نفسو ىذا‬ ‫األصل الذي ىو "طلب القياـ حبدث ّ‬
‫االستعماؿ حسب مقتضيات األحواؿ‪ ،‬ومن بني ال ّدالالت الّيت انزاح إليها‪.‬‬
‫االلتماس‪ :‬كما ُب قولو‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪2‬‬
‫لمن لم ي ُك ْنتع ّػو َدىػا‬ ‫ِ‬
‫وارث ْ‬‫ْ‬ ‫غوَر مس َكنتي‬
‫ش ْر ِح ْ‬
‫فاسبُػ ْر بذا ال ّ‬
‫بذؿ واستكانة‪.‬‬
‫فالواضح أ ّف القائل ىنا يطلب التماس العذر لو ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫ِ‪3‬‬
‫واص َف ْح إف جنى جاف‬
‫غيظك ْ‬
‫َ‬ ‫ػيو ذو سػ َف ٍػو من نا ِر‬
‫لمك مػا يذك ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أخم ْد بح َ ُ‬

‫الصيب بعد‬
‫عززا طلب التماس عفو ّ‬
‫ورد أسلوب األمر ُب ىذا البيت ُب "أطبد" و"اصفح" وقد ّ‬
‫السروجي أماـ اؼبؤل‪.‬‬
‫أف أىانو ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫فانْظُْر إلَْينا وبينَنػا ولَػنػا‬ ‫ػصػتُػو‬ ‫ِِ‬
‫قصتػي وق ّ‬
‫فهذه ّ‬‫َ‬
‫فأسلوب األمر جاء ىنا لغرض االلتماس لثبلثة أوجو « إلينا وبيننا ولنا »‪.‬‬
‫الشفقة لضيق ذات اليد‬
‫الرضبة و ّ‬
‫(السروجي والفّت ) بعني ّ‬
‫من القاضي أف ينظر إليهما ّ‬
‫اصة الّيت دفعتهما أماـ القاضي‪.‬‬
‫ص َ‬‫وحاجتهما إٔب اؼباؿ‪ ،‬وىي اػبَ َ‬
‫‪ 1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫‪2‬المقامة المعرية‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪ 3‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص‪.519‬‬
‫‪ 4‬المقامة المعرية‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪219‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الرضبة ٍبّ أف يصلحا بينهما دبا يصرفهما شاكرين لو وأف‬‫فكأّمبا طلب منو النّظر إليهما بعني ّ‬
‫يهب ؽبما ما يثنيا بو عليو‪ ،‬وقد وظّف األمر ىنا دبرموزات "إلينا وبيننا ولنا" للحصوؿ على اؼببتغى‬
‫لكل ىذا فمن وجوه النّظر اإلصبلح والتّكرًن‪.‬‬
‫اؼبراد‪ ،‬وجعل اغبريري"النّظر" جامعا ّ‬
‫وُب قوؿ أخر‪:‬‬
‫ػب‬ ‫ِ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ش ْرحي كما ِأذ َ‬
‫ب واح ُك ْم بمػايج ُ‬
‫وال تُراق ْ‬ ‫نت لػهػا‬ ‫فأ َذ ْف ل َ‬
‫َوَرَد أسلوب األمر بػ" أْذَ ْف " و"أحكم" وأريد منو االلتماس ألنّو صدر من ّ‬
‫السروجي إٔب‬
‫القاضي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ليل »‪.‬‬ ‫وأرش ْدنا كما ي ِ‬
‫وقولو أيضا‪ « :‬فقلنا‪ :‬أقْبِسنا نارؾ أيها ال ّدليل‪ِ .‬‬
‫الخ َ‬
‫ليل َ‬
‫الخ ُ‬
‫رش ُد َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫فغرض االلتماس ُب كبلـ اغبريري اإلرشاد للطّريق‪.‬‬
‫وقولو‪:‬‬
‫ِ‬
‫فه ِػذه حػالػي َ‬
‫‪3‬‬
‫وس ْل عن أمسي‬
‫فانظُْر إلى ْيومي َ‬ ‫وىػذا َد ْرسػي‬
‫فالسروجي يلتمس من القاضي أف ينظر إٔب حالتو البائسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ب‪ -‬التّخييػر‪:‬‬
‫قد يُراد من أسلوب األمر التّخيري بني شيئني كما ورد ُب نصوص اؼبقامات اغبريرية قولو‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫وإمػا فُػرقَةً ُم ّػرْه‬
‫تُػ ْرضي ّ‬ ‫فم ْػرهُ ّإمػا أُلػ َفةً ُحػل َػوةً‬
‫ُ‬
‫خريت اؼبرأة القاضي بأف يأمر زوجها ّإما باأللفة اغبلوة أو بالفراؽ ا ّؼبر فجاء األمر ىنا للتّخيري‪.‬‬ ‫فقد ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫يمةً بَػ ْع َد أَ ْف تُ َجو ْد َىا‬ ‫ِ‬ ‫اؿ ىات إبْػ َرةً تُماثِلُ َها‬
‫أَ ْو ق َ‬ ‫بَ ْل قَ َ‬
‫ووقع األمر بالتّخيري بني اإلبرة اؼبماثلة أو القيمة بعد التّجويد‬

‫‪1‬المقامة اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.94‬‬


‫‪2‬المقامة العمانية‪ ،‬ص‪.410‬‬
‫‪3‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.427‬‬
‫الرملية‪ ،‬ص‪.487‬‬
‫‪4‬المقامة ّ‬
‫‪5‬المقامة المعرية‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪201‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وقولو أيضا‪:‬‬

‫وإما ِش ْئ َ‬ ‫فص ْل إف ِش َ‬
‫ِ‪1‬‬ ‫ِ‬
‫من الدنػاف‬ ‫ت فاد ُف َ‬ ‫ّ‬ ‫صلّي‬ ‫ئت فيها َم ْن يُ َ‬
‫‪2‬‬ ‫فيو ص ِ‬
‫ػواع ُػق َحػي ِن‬ ‫رب بر ٍؽ ِ‬ ‫ػل ب ْػر ٍؽ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ْ‬ ‫ػص ْػر وال تػش ْػم ك ّ‬
‫فتب ّ‬
‫ج‪ -‬التّعجيز والتّح ّدي‪:‬‬
‫سعدي‪.‬‬ ‫كما ُب قولو‪ ...« :‬وأرافِ َق ُكم في السماوةِ‪ .‬فإ ْف صدقَ ُكم و ْعدي‪ِ .‬‬
‫فأج ّدوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫أدمي‪ .‬وأ ِريقوا َدمي»‪.‬‬
‫فمزقوا َ‬
‫كم فَمي‪ّ .‬‬ ‫ِْ ِ‬
‫وأسعدوا ج ّدي‪ .‬وإ ْف كذبَ ْ‬
‫َوَرَد األمر ىنا من خبلؿ "أجدوا"‪ ،‬و"اسعدوا"‪" ،‬فمزقوا"‪" ،‬أريقوا" أريد بو التّح ّدي وتعجيز‬
‫السامعني‪.‬‬
‫ّ‬
‫د‪ -‬النّصح والتّعليم‪:‬‬
‫بما ت ْقتَني م ْػن أجػ ِرهِ وثػوابِ ِػو‬ ‫بالماؿ ِ‬
‫راضياً‬ ‫ِ‬ ‫فج ْد في مراضي ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‪4‬‬
‫ػوؿ ونػابػو‬ ‫بمخلَبِ ِو األ ْشغػى يغ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الزم ِ‬
‫ػاف فػإنّػوُ‬ ‫ؼ ّ‬‫صر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫وباد ْر بو ْ‬

‫ىػ‪ -‬االتّعاظ واالعتبار‪:‬‬


‫كما ُب قولو ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫صي َد الظّػبػاء لػيس ب َػهػي ِن‬
‫أ ّف ْ‬ ‫طامع واعلَ ْػم‬
‫الم َ‬‫فاعص من بعدىا َ‬ ‫ِ‬
‫السخرية والتّه ّكم‪:‬‬
‫و‪ّ -‬‬
‫‪6‬‬
‫الب اآلثا ِر من بع ِػد َعػي ِن‬ ‫ِ‬ ‫خف ِ‬
‫دي ط ُ‬ ‫الحز َف يا ُم َعنّػى فػمػا يُ ْج‬
‫ض ُ‬
‫وحبًّا بالفّت أف ُىب ّفض من حزنو وأف ال يطلب‬
‫فالسروجي يطلب من الوإب الذي ىاـ إعجابا ُ‬ ‫ّ‬
‫السروجي وفتاه‪.‬‬
‫آثارا بعد عني ألنّو بُلي خبدعة من ّ‬

‫‪ 1‬المقامةالحرامية‪ ،‬ص‪.526‬‬
‫الرحبية‪ ،‬ص‪.106‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة ال ّدمشقية‪ ،‬ص(‪.)119-118‬‬


‫الرازية‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫الرحبية‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪ 6‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.105‬‬


‫‪200‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ز‪ -‬التّهديد والوعيد‪:‬‬


‫ت‬
‫رض ْخ َ‬
‫أنت َ‬‫ب أثَراً بع َد عي ٍن‪ .‬فإ ْف َ‬
‫يبيع ن ْقداً ب َدي ٍن‪ .‬وال يطلُ ُ‬
‫مم ْن ُ‬ ‫ولست ّ‬
‫ُب قولو‪ُ «:‬‬
‫أحلى‪.‬‬
‫س ْ‬ ‫ْس في النّػ ْف ِ‬
‫وخز َف ال َفل ِ‬
‫ش ّح ْأولى‪ْ .‬‬
‫نت ترى ال ُ‬ ‫بالعي ِن‪ُ .‬ح ِج ْم َ‬
‫ت في األخ َد َعي ِن‪ .‬وإ ْف ُك َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ب عنّي وإالّ»‬
‫س وتولّى‪ .‬وا ْغ ُر ْ‬
‫فاقْرأ عبَ َ‬
‫الشيخ للفّت الذي أراد أف وبجم دوف ماؿ‪.‬‬
‫السياؽ ىو ّتديد ّ‬
‫فما يُفهم من ىذا ّ‬
‫ح‪ -‬ال ّدعػاء‪:‬‬
‫قولو‪ِ «:‬عموا صباحاً‪ .‬وأنْ ِعموا ِ‬
‫اصطباحاً»‪.2‬‬ ‫َ‬
‫تضمن ىذا األمر دعاء وفحواه‪":‬جعلكم ا﵁ تنعموف ُب صباحكم"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ك‪.‬‬‫حوب َسحنتِ َ‬
‫زيد على ُش ِ‬ ‫ط‪ -‬التّمّن‪ُ:‬ب قولو بلساف اغبارث بن نباـ‪ « :‬فقلت لو‪ُ :‬كن أبا ٍ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شِ‬ ‫وجنتِ َ‬ ‫ونُ ِ‬
‫‪3‬‬
‫ف ُمحولي‪» ....‬‬ ‫ىو على نُحولي وقُحولي‪ .‬وق َ‬‫ك‪ .‬فقاؿ‪ :‬أنا َ‬ ‫ضوب ماء ْ‬
‫يتمىن أف يكوف الذي ظبع منو ىو‬
‫السروجي ُب رسالتو جعلو ّ‬ ‫فإعجاب أيب نبّاـ بفصاحة ّ‬
‫سبىن أف يكوف أبا زيد ال‬
‫نفسو أبا زيد ؼبا عهد من ببلغتو وقدرتو ُب الكبلـ فقاؿ "كن أبا زيد" فكأنّو ّ‬
‫غريه‪.‬‬
‫‪ _3‬التّمنّي‪:‬‬
‫ىو أسلوب إنشائي طليب القصد منو طلب أمر ؿببوب‪ « :‬أو إنشاء إرادة حدوث أمر‬
‫‪4‬‬
‫السياقات تتطلّب االنزياح عنها إٔب‬
‫ّ‬ ‫بعض‬ ‫ف‬‫ّ‬ ‫فإ‬ ‫مّن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬‫الت‬ ‫لبنية‬ ‫يا‬‫ّ‬‫ل‬ ‫ك‬ ‫ة‬ ‫غ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ف‬
‫ْ‬
‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫"ليت"‬ ‫كانت‬ ‫‪.‬وإذا‬ ‫ما»‬
‫يتم شحن تلك األدوات بال ّد اللة البلّزمة كما ىو اغباؿ بالنّسبة‬ ‫أدوات أخرىوُب ىذه اغبالة « ّ‬
‫مّن تبدأ‬
‫لػ"ىل" الّيت تُع ّد من أدوات االستفهاـ البلّزمة للتّصديق‪ ،‬وُب حالة اؼبثوؿ أماـ دائرة التّ ّ‬
‫‪5‬‬
‫حوؿ البنائي اؼبصاحبة للبنية اػبارجية من أجل اقتناص ال ّد اللة »‪.‬‬
‫عمليات التّ ّ‬
‫‪1‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص‪.513‬‬
‫‪2‬المقامة ال ّدينارية‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪3‬المقامة القهقرية‪ ،‬ص‪.174‬‬
‫شريعة واللّغة العربية وآدابها(مجلّة) ‪،‬العدوؿ في البنية التّركيبية (قراءة في التّراث البالغي)‪ ،‬إبراىيم بن منصور التّركي‪،‬‬
‫جامعة ّأـ القرى لعلوـ ال ّ‬
‫‪4‬‬

‫العدد ‪1428( ،40‬ىػ)‪ ،‬ص‪.578‬‬


‫‪5‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.274‬‬
‫‪203‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫مّن من خبلؿ‬
‫الرتكييب عن اؼبعاين اغبقيقية للتّ ّ‬
‫حوؿ البنائي ىذه ىي ما ينتج االنزياح ّ‬
‫وعمليّة التّ ّ‬
‫حوؿ ُب (ىل)‬ ‫ِ‬
‫مّن وتبدأ عملية التّ ّ‬ ‫أدوات أخرى غري اغبرؼ النّاسخ "ليت" الذي ُوضع أصبل للتّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫التصور اآلٌب‪:‬‬
‫و(لعل) على وفق ّ‬ ‫ّ‬ ‫و(لو)‬
‫حرر من الوظيفة األصليّة ؽبا‪.‬‬
‫التّ ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫وتقمص وظيفتو التّعبريية‪.‬‬
‫مّن ّ‬‫ال ّدخوؿ إٔب دائرة التّ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫السطحيّة‪.‬‬
‫‪ -2‬إنتاج داللة جديدة بعد تعديبلت ُب البنية ّ‬
‫مّن الذي يتطلّبو‬
‫وىذه النّقاط ؿبكومة بإمكانية التّعامل مع اغبالة ا﵀دثة إلنتاج بنية التّ ّ‬
‫السياؽ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ص اؼبقامي موظّفا بعضا من األدوات الّيت‬
‫مّن منزاحا عن داللتو األصلية ُب النّ ّ‬
‫وقد ورد التّ ّ‬
‫أشرنا إليها كما ُب قولو‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫علي أو ِ‬
‫تعطػ ُف ُػه َم ْػر َح َػمػ ْو‬ ‫فه ْػل فػتًػى تُػد ِرُك ػػوُ ِرقّةٌ‬
‫ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫ػاؿ‬ ‫ؼ أثْقالي ِ‬
‫بمثْػق ِ‬ ‫َ‬ ‫فهل ُح ٌر يَرى ت ْخفػي‬
‫ْ‬
‫ِ‪3‬‬ ‫ػاؿ ِ‬
‫وس ْػرواؿ‬ ‫ِ‬
‫بس ْرب ٍ‬ ‫ويُطْفي َحر بَػ ْلبػالػي‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫يض‬
‫ويل الػعػر ْ‬ ‫فهل فتًى ِ‬
‫ش ْك َر الطّ َ‬
‫ويغنَ ُم ال ّ‬ ‫ػف مػا نػابَ ُػه ْػم‬
‫يكش ُ‬ ‫ْ‬
‫ويقوؿ أيضا‪:‬‬

‫دى ُرهُ خػانَػوُ‬


‫شيخ ْ‬
‫ض ّر ٍ‬ ‫من ُ‬‫ْ‬ ‫يح ُػزنُػوُ مػا يَرى‬
‫فهل فتًى ْ‬
‫ْ‬
‫ويُصلِ َح ال ّ‬
‫‪5‬‬
‫شا َف الذيشػانَػوُ‬ ‫الهػم الػذي ىػمػوُ‬ ‫ج َ‬‫فيَػ ْف ِر َ‬

‫‪1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.274‬‬


‫‪2‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص‪.520‬‬
‫‪3‬المقامة البرقعيدية ‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪4‬المقامة البغدادية‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪5‬المقامة التّفليسية‪ ،‬ص‪.355‬‬
‫‪202‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ربولت من الوظيفة‬
‫فأداة "ىل" الّيت وضعت أصبل لبلستفهاـ واالستخبار االستفساري قد ّ‬
‫السياؽ‪.‬‬
‫وتتقمص وظيفتو التّعبريية فأنتجت داللة جديدة فرضها عليو ّ‬
‫مّن ّ‬ ‫األصلية لتدخل إٔب دائرة التّ ّ‬
‫مّن بػ (ىل)‬
‫خاصة تفيدىا ىي‪ ،‬وال يستطيع غريىا الوفاء ُّا و يأٌب التّ ّ‬
‫حيث أ ّف لػ"ىل" داللة ّ‬
‫‪1‬‬
‫السروجي إٔب من ُىب ّفف عنو أثقاؿ‬
‫ّ‬ ‫فحاجة‬ ‫تم َىن لكماؿ العناية بو ُب صورة اؼبمكن »‪.‬‬
‫«إلبراز اؼبُ َ‬
‫حّت صارت (أي اغباجة) من فرط تعلّقها بذلك‬
‫الشقاء والفقر قد غلبت على نفسو ّ‬ ‫اؽبم ويُزيح عنو ّ‬ ‫ّ‬
‫مّن‪.‬‬
‫تفرتض االستكانة واغبيل واػبداع ليستجدي ُّذه الطّريقة بتوظيف االستفهاـ ُب التّ ّ‬
‫فصل‬ ‫أني قلْت‪:‬بع َد ما َ‬ ‫مّن بػ"لو" كما ُب قولو‪« :‬إالّ ّ‬ ‫الصورة َوَرَد التّ ّ‬
‫وعلى ىذا النّحو من ىذه ّ‬
‫ش ُر من ِحبَ ِرهِ‪.‬‬
‫ص خبَ ِرهِ‪ .‬وبِما يُػ ْن َ‬ ‫ِ‬
‫وص َل‪ْ :‬لو أ ّف لَنا َم ْن ينطَل ُق في أثَ ِره‪ .‬ألتانا ب َف ّ‬
‫صل إلى ما َ‬
‫وو َ‬ ‫َ‬
‫رج َع ُمتَ َد ْى ِدىاً‪ْ .‬‬
‫وقه َق َر‬ ‫ث أ ْف َ‬ ‫عن أنبائِِو‪ .‬فما لبِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫جس ِ‬‫وأمرهُ بالتّ ّ‬
‫ِِ‬
‫فأتبَػ َعو القاضي أح َد أُمنائو‪َ .‬‬
‫‪2‬‬ ‫م ِْ‬
‫مّن‬
‫عز األمر على التّ ّ‬ ‫قهقهاً» فإ ّف األصل ُب استعماؿ "لو" أف تفيد االمتناع ولذلك حينما يَ ّ‬ ‫ُ‬
‫يصور ُب ىذا‬ ‫ويستعصي عليو يأٌب استخداـ (لو) ليفيد استبعاد اؼبُتح ّدث وقوع ما يتمنّاه‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫سبىن‬
‫السروجي وخداعو للقاضي قبل أف ينأى عن اؼبدينة لذلك ّ‬ ‫اؼبقطع شعور اللّهفة إٔب التّعريف بكيد ّ‬
‫لو يرسل اغباكم أحدا ليستطلِع خربه‪.‬‬
‫‪ -4‬النّػداء‪:‬‬
‫(الصيغ يا‪ -‬وأيا –‬
‫الصيغتاف (أي)‪ ،‬و(اؽبمزة) لنداء القريب ُب حني أ ّف ّ‬ ‫تستعمل للنّداء ّ‬
‫وىيا‪ )-‬ينادى ُّا للبعيد ويُفيد النّداء اغبقيقي لطلب إقباؿ اؼبنادى‪ ،‬ولكنّو قد يتجاوز ذلك إٔب‬
‫دالالت تفهم من سياؽ الكبلـ‪.‬‬
‫ويستخدـ اغبريري إٔب جانب األساليب اؼبذكورة آنفا أسلوب النّداء‪ ،‬وىو يَرد غالبا ُب‬
‫نصوصو مطلقا ال يقتضي تلبية ومن دالالتو االنزياحية‪:‬‬
‫االختصاص‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫السروجي‪:‬‬
‫كما ُب قولو بلساف ّ‬
‫‪1‬اإليضاح‪ ،‬القزويني‪ ،‬ص‪.130‬‬
‫‪2‬المقامة اإلسكندرية‪ ،‬ص‪.96‬‬
‫‪201‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪1‬‬ ‫عيناؾ ُّ‬


‫قط مثػلػي‬ ‫ت َ‬ ‫أبصر ْ‬ ‫ِ‬
‫ىل َ‬ ‫ْ‬ ‫باهلل يا ُمهجةَ ق ْلػبػي ق ْػل لػي‬
‫اختص ُّا اغبارث بن نبّاـ دوف غريه ‪،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫السروجي‬
‫فعبارة « يا مهجة قليب » الّيت نادى ُّا ّ‬
‫ليبني لو أنّو لبس حجاما وإّمبا ىي حيلة صنعها‬
‫ليعرفو بنفسو لتذكريه‪ ،‬و ّ‬
‫تقربا إليو ّ‬
‫وصفو دبهجة للقلب ّ‬
‫لكسب اؼباؿ‪.‬‬
‫وُب قوؿ آخر‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ض َػوى‬
‫من َر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرس ُخ ْ‬
‫لموُ َ‬
‫وح ُ‬ ‫يا أيّها القاضي الذي عل ُػمػوُ‬
‫اختص ىنا القاضي بالنّداء من أجل كسب ثقتو فمدحو ليناؿ رضاه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فقد‬
‫عجب‪ :‬وقد ورد ذلك ُب قولو‪:‬‬ ‫ب‪ -‬التّ ّ‬
‫لقد استسمنت يا ىذا ذا ٍ‬
‫ت في غي ِر‬
‫ورـ‪ .‬ونَػ َف ْخ َ‬
‫َ‬ ‫األدب! ِ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ض ْيػ َع ِة‬ ‫لعج ِ‬
‫ب‪ .‬ولَ َ‬ ‫فقاؿ لو‪« :‬يا لَ َ‬
‫ٍ ‪3‬‬
‫ضرـ»‪.‬‬
‫َ‬
‫ب يا لوُ من طلَ ٍ‬
‫ب!»‪ 4.‬فالنّداء ىنا‬ ‫ب‪ .‬وطلَ ٌ‬
‫شو ٌؽ غلَ َ‬
‫ب‪ْ .‬‬
‫نزع بي الى حلَ َ‬
‫وُب قولو أيضا‪َ «:‬‬
‫عجب‪.‬‬
‫جاء للتّ ّ‬
‫حسر والتّوجع‪:‬‬
‫ج‪ -‬التّ ّ‬
‫ُب قولو‪:‬‬

‫ت َمجدي وبُػ ْنػيانَػوُ‬


‫ض ْ‬‫وقو َ‬ ‫ػت َم ْػرَوتػي‬
‫قرع ْ‬
‫ثات َ‬ ‫ِ‬
‫وحاد ٍ‬
‫ّ‬
‫‪5‬‬
‫األحداث أغصػانَػوُ‬ ‫تهتَ ِ‬
‫ص ُر‬
‫من‬
‫ُ‬ ‫ويل ْ‬
‫ت عودي ويا َ‬ ‫تص َر ْ‬
‫واى َ‬
‫ْ‬
‫ويتوجع من خبلؿ ىذا التّوظيف للنّداء‪.‬‬
‫يتحسر ّ‬
‫السروجي ّ‬
‫يدؿ على أ ّف ّ‬
‫فسياؽ الكبلـ ّ‬
‫د‪-‬اإلغراء والعتاب‪:‬‬
‫ُب قولو‪:‬‬

‫‪ 1‬المقامة الحجرية‪ ،‬ص‪.521‬‬


‫الصعدية‪ ،‬ص‪.397‬‬
‫‪ 2‬المقامة ّ‬
‫‪3‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪4‬المقامة الحلبية‪ ،‬ص‪.493‬‬
‫‪ 5‬القمامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.354‬‬
‫‪205‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬
‫‪1‬‬
‫باسمي لو‪ ،‬ما ىكذا من يُػتّصف‪.‬‬ ‫تلهب غيظو إذ لم أبح‬
‫يا من ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫ش وتػج ُّػه ُػم‬ ‫ِ‬
‫ٌد موح ٌ‬ ‫صػدو‬
‫يا َم ْن بَدا منػوُ ُ‬
‫من دونِ ِه ّػن ْ‬ ‫يش َمػال ِومػاً‬
‫‪2‬‬
‫األس ُػه ُػم‬ ‫ْ‬ ‫وغَدا يَر ُ‬
‫تلهب غيظو‪» ،‬قبد الغبلـ‬
‫فسياؽ الكبلـ ُب ىذا النّداء لو داللة العتاب‪ ،‬ففي قولو‪ « :‬يا من ّ‬
‫السروجي‬ ‫ِ‬
‫يعاتب اغبارث بن نبّاـ على تغيّظو إ ْف َٓبْ يَػبُ ْح لو باظبو‪ّ ،‬أما العبارة األخرى ففيها عتاب ّ‬
‫للحارث أيضا من صدوده عنو لِ َما صدر منو من خداع ونفاؽ‪.‬‬
‫أسف‪ُ :‬ب قولو‪:‬‬
‫ىػ‪ -‬التّ ّ‬
‫ت‬‫رويْ ُ‬ ‫ت الػذي َ‬ ‫رويْ ُ‬
‫لما َ‬ ‫ّ‬ ‫راب مػاءً‬
‫الس َ‬ ‫يا َم ْن تظَنّى ّ‬
‫ما ِخل ُ‬
‫ْت أ ْف يستَ ِس ّر َمكري‬
‫‪3‬‬
‫ت‬
‫وأ ْف يُخيّ َل الذي عػنَ ْػي ُ‬
‫يتأسف بندائو ىذا على حاؿ ابن نبّاـ الذي ظهر ُب صورة اؼبخدوع‪.‬‬
‫فالسروجي ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -5‬النّهػي‪:‬‬
‫الرتؾ ّأما إذا خرج عن ىذا اؼبعىن فيكوف قد انزاح‬
‫الكف أو ّ‬
‫يستعمل ىذا األسلوب ُب طلب ّ‬
‫متكررة غايتها‬
‫عن معناه األصلي إٔب معاين أخرى‪ ،‬وقد ورد النّهي ُب مقامات اغبريري بصورة ّ‬
‫السروجي فيها‪ ،‬وقد خرج إٔب التّيئيس من خبلؿ‬
‫"النّصح" والتّوجيو ُب اغبياة انطبلقا من ذبارب ّ‬
‫قولو‪ «:‬فقاؿ‪ :‬أغرب عافاؾ ا﵁ إٔب حيث شئت‪ ،‬وال تطمع ُب أف تبيت » فالنّهي أريد بو ىنا‬
‫بالسروجي ذرعا‪.‬‬
‫التيئيس من اؼبكوث عند اؼبضيف بعد ما ضاؽ ّ‬
‫ص اؼبقامي للحريري‪ ،‬اعتمادا على‬
‫كشفت لنا النّاحية الفنّية أ ّف األساليب اإلنشائية ُب النّ ّ‬
‫فعاؿ ُب توليد‬
‫أبرز مظاىرىا ا﵀لّلة ىي عوامل تنشيط للمنشئ واؼبتقبّل معا؛ و ّأّنا قد سانبت بشكل ّ‬
‫الرتاكيب اإلنشائية‬
‫ربولت ّ‬
‫لسياؽ الذي وردت فيو‪ ،‬فقد ّ‬
‫اؼبعاين ذات ال ّدالالت اؼببتكرة استنادا إٔب ا ّ‬

‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.362‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫الزبيدية‪‌،‬ص‪.370‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.55‬‬


‫‪3‬‬

‫‪202‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫فنّيا متجاوزة اؼبعىن األصلي التّقريري إٔب ما ىو أكثر كثافة وتوازنا وثراء‪ ،‬وقد شحنها اغبريري بطاقة‬
‫خاصة" ترتاكم فيها اإلشارات اؼبفعمة باإلحساس االنفعإب العميق‪.‬‬
‫تعبريية "ربويلية ّ‬

‫صوتي اإليقاعي‪:‬‬
‫رابعا‪:‬االنزياح ال ّ‬
‫الزمن من عناصر‬
‫يتكرر ُب ّ‬
‫كل مظهر ّ‬ ‫عرفو لوسوف‪ّ «:‬‬
‫اإليقاع أوسع من العروض وىو كما يُ ّ‬
‫الرقص‪ ...‬وكما الوزف فاإليقاع وبتمل بنية‬
‫الضعيفة ُب ّ‬
‫ـبتلفة العبلمات كاألزمنة القويّة واألزمنة ّ‬
‫‪1‬‬
‫الزمن ؽبذه البنيات اؼبتناسبة إنّو تعاقيب »‪.‬‬
‫تكرارية والتّجاور ُب ّ‬
‫الرتكيبية واؼبعجمية وال ّداللية‬
‫الصوتية و ّ‬
‫كل ؾبموعة من ظواىر اإلعادة ّ‬ ‫عرؼ أيضا بأنّو‪ّ «:‬‬‫ويُ ّ‬
‫‪2‬‬
‫الرتابط بني عناصر اعبملة اؼبختلفة‬ ‫» ‪،‬فهو تنظيم زمّن للحركة؛ إذ اعبمالية اإليقاعية تقوـ على ّ‬
‫خاصة إذا كاف على صلة وثيقة‬
‫ص ثراء وغىن ّ‬
‫صوتيا وتركيبيا ومعجميا ودالليا‪ ،‬وىذا ما يبنح النّ ّ‬
‫باؼبعىن‪.‬‬
‫بالشعر الذي يُع ّد بؤرة األدب‪ ،‬لذلك قبد من الباحثني من قصر االنزياح‬
‫ويربط اإليقاع غالبا ّ‬
‫الشعري يتح ّقق زمنا خبلؿ‬
‫الشعريّة والوجود ّ‬
‫الشعر دوف النّثر‪ ،‬حيث يعتربوف التّجربة ّ‬
‫فن ّ‬‫اللّغوي على ّ‬
‫اغبسيّة والعقلية والنّفسية‬
‫الفّن للطّاقات ّ‬
‫اللّغة انفعاال وصوتا وموسيقى وفكرا‪ ،‬كما أنّو يبثّل االستخداـ ّ‬
‫الصوتية للّغة‪ ،‬كما أ ّف الشٍّعر « بناء لغوي فبيّز ينبّن على تفجري طاقات اللّغة وهبعلها تضيف إٔب‬
‫و ّ‬
‫‪3‬‬
‫نفسها ومن داخلها عنصرا آخر ىو اإليقاع »‪.‬‬
‫خاصية‬
‫الشعر عن سائر األمباط التّعبريية األخرى‪ ،‬وىي ّ‬ ‫وُّذا يُصبح اإليقاع ميزة ينفرد ُّا ّ‬
‫لكل‬
‫تضفي على النّصوص تأثريا وصباال‪ ،‬لذلك كاف اإلقرار خبصوصية لغتو وسبيّزىا وانفعاليتها؛ إذ « ّ‬
‫‪4‬‬
‫اػباص وأمباطو التّعبريية اؼبميّزة لو »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫انفعاؿ نبضو‬

‫‪1‬‬
‫‪Introduction l’analyse de la poésie les storo strophes molino jean et joelle gasdes ,P .U.F‬‬
‫‪presses universitaire de France ed 1952 ,p 33 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Introduction l’analyse de la poésie les storo strophes molino jean et joelle gasdes, p33‬‬
‫عصاـ شرتح‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫ظواىر أسلوبية في شعر بدوي الجبل‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫شعر‪ ،‬كولردج‪ ،‬ترجمة عبد الحكيم حساف‪ ،‬طبعة دار المعارؼ‪ ،‬مصر‪1971( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.302‬‬
‫الرومنتكيّة في ال ّ‬
‫النّظريّة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪207‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الصوتية ُب كثري من األحياف‬


‫الشعر يتجاوز قوانينو العروضية و ّ‬
‫السمة ىي ما جعلت ّ‬
‫لعل ىذه ّ‬
‫و ّ‬
‫مادة بنائية وقد ورد عن‬
‫ليحلّق ُب فضاء رحيب من اػبياؿ مستثمرا ُب ذلك خصائص اللّغة بوصفها ّ‬
‫‪1‬‬
‫ملوحا إٔب أ ّف القيود العروضية ال يبكن أف‬
‫الشاعر أنّو قاؿ « أنا أكرب من العروض » ّ‬
‫‪.‬‬ ‫أيب العتاىية ّ‬
‫تقف حجر عثرة أماـ تعبرياتو وانفعاالتو‪.‬‬
‫الشعر واإليقاع إٔب التّنويع واؼبزج ُب نصوصو‬
‫وقد عمد اغبريري انطبلقا من إدراكو للعبلقة بني ّ‬
‫الشعر‬
‫الشعر ذلك أنّو على وعي بأ ّف النّثر وحده ال يبكن أف يفي بغرض التّأثري وأ ّف ّ‬
‫اؼبقاميّة بني النّثر و ّ‬
‫ىو كبلـ إيقاعي تنفعل ؼبوسيقاه النّفوس وتتأثّر ُّا القلوب‪.‬‬
‫الزماف‬
‫الشخصيّة وُب اؼبكاف وُب ّ‬
‫كل مقامة من مقامتو ُب ّ‬
‫حوؿ حاضرا ُب ّ‬
‫وؼبا كاف عنصر التّ ّ‬
‫يتحوؿ من صياغة‬
‫نص بألفاظ وعبارات ودالالت جديدة‪ ،‬نراه أيضا ّ‬
‫كل ّ‬‫وُب اللّغة الّيت تش ّكلت ُب ّ‬
‫حوؿ‪.‬‬
‫كل مقامة نصوص شعرية تبلور حقيقة ىذا التّ ّ‬
‫الشعر حيث وردت ُب ّ‬
‫نصوص مقاماتو نثرا إٔب ّ‬
‫خاصة تعتمد على اؽبندسة‬
‫وعموما تقوـ اللّغة اؼبقاميّة عند اغبريري على تشكيبلت لغويّة ّ‬
‫خاصا ُّذه النّصوص سواء ما جاء منها‬
‫الصوٌب اؽبندسي‪ ،‬وىذا ما َىبلق إيقاعا ّ‬
‫الصوتية أوالتّوازي ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر وحده ُب اؼبقامات‪ ،‬فهو موجود ُب نثرىا أيضا وبني‬
‫نثرا أوشعرا‪ ،‬فاإليقاع ليس مقصورا على ّ‬
‫نثر إيقاعي ونظم إيقاعي ال تكاد ترى أيّة فوارؽ‪.‬‬
‫كل نسق‬‫عزز ىذا الكبلـ إغباح البعض من أ ّف مفهوـ اإليقاع مفهوـ واسع يشمل‪ّ « :‬‬ ‫ويُ ّ‬
‫كل إنتاج‬
‫السامع اؼبعّن باألمر‪ ،‬وعليو فإ ّف ّ‬
‫صوٌب منظّم وفق أىداؼ شعرية‪ ،‬وقابل لئلدراؾ من قبل ّ‬
‫مادة لئليقاعية ضمن اغبدود الّيت تُسهم ُب مؤثّر صبإب وتنتظم ُب بيت على‬
‫للكبلـ اإلنساين يُعترب ّ‬
‫‪2‬‬
‫خاصة »‪.‬‬
‫شاكلة ّ‬
‫فاإليقاع إذف ىو اغبركية واالنسياب والتّدفّق‪ ،‬وىذا كلّو يعتمد على اؼبعىن أكثر فبّا يعتمد على‬
‫خاصية نثرية وشعريّة ُب الوقت نفسو ُب‬
‫الوزف وعلى اإلحساس أكثر من التّفعيبلت‪ ،‬فاإليقاع إذف ّ‬
‫صية األخرى‪ ،‬لذلك‬
‫نصا فبيّزا ليس كغريه من اؼبتوف النّ ّ‬
‫ص اؼبقامي عند اغبريري ألنّو ينطلق من كونو ّ‬
‫النّ ّ‬

‫الرابع‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫األغاني‪ ،‬األصفهاني‪ ،‬الجزء ّ‬
‫‪1‬‬

‫شعر نموذجا) محمد ولد عبدي‪ ،‬دار نينوى‪ ،‬سوريا‪2009(،‬ـ)‪ ،‬ص‪.192‬‬


‫السياؽ واألنساؽ في الثّقافة الموريتانية (ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪205‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫لفن‬
‫لعل ىدفو أو غايتو ُب ذلك ىي ربقيق ىذه االنفراديّة ّ‬ ‫مهتما باإليقاع ُب كبل اعبانبني و ّ‬ ‫نراه ّ‬
‫اؼبقامات‪ ،‬وقد نبّو ريتشاردز إٔب أ ّف اإليقاع ىو « النّسيج الذي يتألّف من التّوقّعات واإلشباعات أو‬
‫خاص يهيّئ الظّ ّن لتقبّل‬
‫خيبة الظّ ّن أواؼبفاجآت الّيت يولّدىا سباؽ اؼبقاطع‪ ،‬فتتابع اؼبقاطع على كبو ّ‬
‫تتابع جديد من ىذا النّمط دوف غريه‪ ،‬إذ يتكيّف جهازنا ُب ىذه اللّحظة حبيث ال يتقبّل إالّ ؾبموعة‬
‫الشعر أو نصف صبلة نثريّة يُصبح ال ّذىن‬
‫ؿبدودة من اؼبنبّهات اؼبمكنة‪ ،‬فبعد قراءة بيت أو بيتني من ّ‬
‫معني من التّتابع اؼبمكن‪ ،‬وُب الوقت نفسو يضعف قدرتو على تقبّل صنوؼ أخرى من‬
‫مهيّأ لعدد ّ‬
‫‪1‬‬
‫التّتابع »‪.‬‬
‫ونستوضح من ىذا الكبلـ معطيات منها‪:‬‬
‫الصوٌب الذي ينتج عنو توقّعات وإشباعات‬
‫أ ّف اإليقاع ىو ذلك التّأليف أو النّظم ّ‬ ‫‪-0‬‬
‫ظن‪.‬‬
‫ومفاجآت وخيبة ّ‬
‫ظن" وىي تعكس معىن‬
‫ص مصطلحات "توقّعات ومفاجآت وخيبة ّ‬
‫أورد صاحب النّ ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫االنزياح ُب اإليقاع‪.‬‬
‫يتوفّر اإليقاع ُب ش ّقي األدب شعره ونثره‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الشعر والنّثر بالتّوقّع الذي يكوف ال شعوريا‪.‬‬
‫يرتبط إيقاع ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫الشعر على ما ىو متوقّع ومنتظر بفضل التّهيّؤ ال ّذىّن الذي يوفّره الوزف‬
‫يتوفّر إيقاع ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫معني‪.‬‬
‫وانتظامو ُب نسق ّ‬
‫متكرر إذ يظهر ُب أجزاء وىبتفي ُب أجزاء‬
‫يضعف ؾباؿ التّوقّع ُب النّثر لكونو منقطع وغري ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫أخرى‪.‬‬
‫الصوتيّة اؼبوظّفة‬
‫اؼبادة ّ‬
‫الشعريّة والنّثرية‪ ،‬وتعكس ّ‬
‫ص أ ّف اإليقاع يشمل الفنوف ّ‬
‫وعموما يُظهر النّ ّ‬
‫ص الواحد‪ ،‬ويندرج‬
‫تتنوع من موضع إٔب آخر ُب النّ ّ‬
‫ص النّثري اؼبقامي أساس ىذا اإليقاع؛ إذ ّ‬
‫ُب النّ ّ‬
‫الصوٌب من وزف وتكرار ُب األصوات وُب اؼبفردات وتوازف اعبمل‬
‫ضمن ذلك ما يُوفّره اعبانب ّ‬

‫العامة‪ ،‬القاىرة‪1963( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.192‬‬


‫المؤسسة لمصريّة ّ‬
‫ّ‬ ‫‪1‬مبادئ النّقد األدبي‪ ،‬ريتشاردز‪ ،‬ترجمة مصطفى بدوي‪،‬‬
‫‪209‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬
‫‪1‬‬
‫الصوتية‪ ،‬والوحدات البنيوية‬
‫وتوازيها‪ ،‬واعبناس والطّباؽ‪ ...‬فإيقاعها يعتمد على ترميم الوحدات ّ‬
‫الرتّدد على‬
‫السياؽ على مسافات متقاربة بالتساوي إلحداث االنسجاـ‪ ،‬وقد يأٌب ّ‬‫اللّغوية ُب ّ‬
‫الرتابة ونفي اؼبلل‪ ،‬ونرمي ُب ىذه اؼبعاعبة إٔب استجبلء البنية اإليقاعية‬
‫مسافات غري متقاربة لتجنّب ّ‬
‫عرب استكناه سبظهراّتا والّيت تتش ّكل من ع ّدة أوجو‪:‬‬
‫‪ -1‬التّرديػد‪:‬‬
‫ونقصد بو « إعادة الكلمة نفسها ُب موقعني أو مواقع متقاربة ولكن بفارؽ دالٕب جزئي ُب‬
‫الشخصي اػباص‬
‫استعمالو‪ ،‬وىذا الفارؽ ال ّدالٕب بني استعمالو ُب اغبالتني ناتج عن االستعماؿ ّ‬
‫‪2‬‬
‫الشاعر وليس وليد االستعماؿ اللّغوي اؼبشرتؾ »‬
‫بالسياؽ الذي زرعو فيو ّ‬
‫ّ‬
‫ويعرفو عز ال ّدين إظباعيل بأنّو نوع من األنواع البديعية الّيت ِعمادىا التّكرير وىو‬
‫شعر‪ّ :‬‬
‫أ‪ -‬في ال ّ‬
‫‪3‬‬
‫يرددىا بعينها ويعلقها دبعىن آخر‪.‬‬
‫أف يأٌب اؼبتكلّم بلفظة ٍبّ ّ‬
‫اػباصية اإليقاعية ُب مقامات اغبريري كما ُب قولو‪:‬‬
‫وقد وردت ىذه ّ‬
‫‪4‬‬ ‫ض ِو سرى خابِ ِ‬
‫ػط ل ْػي ٍل ألْػيَ ِل‬ ‫ِ‬ ‫ػيل م ِ‬
‫ػرم ِػل‬
‫ن ْ ًُ‬ ‫ما عند ُك ْم الب ِن َسب ٍ ُ‬
‫ليوضح ظلمتو وأتبعها بلفظة "أليل" وفيو تأكيد على ش ّدة‬ ‫حيث وردت لفظة "ليل" ّ‬
‫الظّلمة‪،‬الّيت يسري فيها اؼبرء على غري ىدى ‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬إيقاع الشعر الحر بين النظرية واإلبداع‪،‬عبد القادر داود البصري‪،‬أربد‪ ،‬األردف‪(،‬د‪،‬ت)‪،‬ص‪.4‬‬
‫شوقيات‪ ،‬محمد الهادي الطّرابلسي ‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫خصائص األسلوب في ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫المحمديّة‪ ،‬ط‪1978(2‬ـ)‪،‬ص(‪.)9-8‬‬
‫ّ‬ ‫السيد علي ‪ ،‬دار الطّباعة‬
‫ينظر‪ ،‬التّكرير بين المثير والتّأثير‪ ،‬عز ال ّدين ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪51‬‬


‫‪231‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وكذا ُب قولو‪:‬‬
‫ِ‪1‬‬
‫ُسػو‬
‫زاء َم ْن ْيبني عػلػى أ ّ‬
‫َج َ‬ ‫ت َم ْن أعػلَ َػق بػي ُودهُ‬
‫جزيْ ُ‬
‫َ‬
‫وأراد من ترديد لفظ "جزاء" التّأكيد على فعل اَّازاة أيضا‪.‬‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫ِ‪2‬‬
‫ب الحق على نف ِػسػو‬ ‫ِ‬
‫ال يوج ُ‬ ‫ب حقػاً ل َػم ْػن‬ ‫ِ‬
‫بالموج ِ‬ ‫ت‬
‫ولس ُ‬
‫ْ‬
‫اػباص‪.‬‬
‫العاـ و ّ‬
‫الرتديد ىنا للتّقابل بني ّ‬ ‫جاء ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫فما يػنَػ ْهنَوُ داعي الم ِ‬ ‫ِ‬
‫وباد ِر ْ‬
‫‪3‬‬
‫ػوت إف فػاجػا‬ ‫ُ‬ ‫بالح ْسنػى تُػقػ ّد ُمػهػا‬
‫ت ُ‬ ‫المو َ‬
‫الرغبة ُب اإلغباح على التّذكري باؼبوت‪.‬‬
‫الرتديد للفظة "اؼبوت" ىي ّ‬
‫وغاية ىذا ّ‬
‫وُب معىن التّأكيد أيضا قولو‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫وى ُػم ُى ُػم‬
‫يوسفاً ُ‬ ‫باع ِ‬
‫لي ُ‬ ‫ػب‬
‫طق ْ‬ ‫األسبا ُ‬
‫ت ْ‬ ‫قد َ‬
‫أي ّأّنم ظلّوا أنبياء ٓب يَ ُشْبػ ُهم شيء‪.‬‬
‫وُب قولو أيضا‪:‬‬

‫دى ُرهُ خػانَػوُ‬


‫شيخ ْ‬
‫ض ّر ٍ‬ ‫من ُ‬‫ْ‬ ‫يح ُػزنُػوُ مػا يَرى‬
‫فهل فتًى ْ‬
‫ْ‬
‫ويُصلِ َح ال ّ‬
‫‪5‬‬
‫شا َف الذيشػانَػوُ‬ ‫الهػم الػذي ىػمػوُ‬ ‫ج َ‬‫فيَػ ْف ِر َ‬
‫الشأف" ما بني اسم وفعل ىو اؼببالغة ُب الوصف لكسب‬
‫اؽبم و ّ‬
‫واؼبعىن من ترديد لفظيت " ّ‬
‫الرتديد للتّقارب بني اغبقيقة واَّاز ُب مثل قولو‪:‬‬
‫العطف‪ .‬وقد ورد ّ‬
‫‪6‬‬
‫ػوحالػعػي ِن‬
‫الهوى طُم ُ‬ ‫ِ‬
‫س وب ْذ ُر َ‬ ‫فبَالءُ الفتى اتّبػاعُ ى َػوى الػنّػف‬

‫‪1‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪‌ .43‬‬


‫‪ 2‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫الرملية‪ ،‬ص‪.324‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪3‬‬

‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.370‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬القمامة التّفليسية‪ ،‬ص ‪.355‬‬


‫الرحبية‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪230‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫فلفظة اؽبوى األؤب حقيقية والثّانية ربطت بالبذر على سبيل االستعارة فكانت من قبل اَّاز‪.‬‬
‫وُب قولو‪:‬‬
‫ناىيك من شػنَ ِ‬
‫ػب‬ ‫‪1‬‬
‫ب‬ ‫الفداء لثَػغْ ٍر را َؽ ِ‬
‫ن ْفسي ِ‬
‫َ‬ ‫وزانَوُ شنَ ٌ‬ ‫مبس ُمػوُ‬ ‫ُ‬
‫فالرتديد للفظة "شنب" جاء لل ّداللة على انبهار الواصف من رقّة األسناف وصباؿ صنيعها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫القوة ال ّداللية بني‬
‫الرتديدات الّيت ذكرناىا أ ّّنا خلقت نوعا من ّ‬
‫لعل ما تتميّز بو أغلب ّ‬
‫و ّ‬
‫اػباصية‪.‬‬
‫يوضح االنزياح اإليقاعي ؽبذه ّ‬
‫اؼبرددين‪ ،‬وىو ما ّ‬
‫الطّرفني ّ‬
‫ت‪ -‬التّرديد في النّثر‬
‫يف الوا ِر ُد‪ِ .‬‬
‫بل‬ ‫ض ُ‬ ‫السروجي «ليُػ ْهنَأ ُك ُم ال ّ‬ ‫ومنو ما ورد ُب قوؿ اغبارث ألصحابو مادحا أبا زيد ّ‬
‫ِ‬
‫ج‬ ‫قم ُر الش ْع ِر‪ .‬أ ِو استَ َ‬
‫س ّر ب ْد ُر النّثْػ َرة فق ْد تبلّ ُ‬ ‫الم ْغنَ ُم البا ِر ُد‪ .‬فإ ْف ي ُك ْن أفَ َل َ‬
‫قم ُر الش ْع َرى فق ْد طلَ َع َ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ب ْد ُر النّثْ ِر‪.»...‬‬
‫فقد خلق ترديد لفظيت (قمر‪ ،‬بدر) إيقاعا منتظما وقاـ ىذا اإليقاع على تشابو اللّفظتني ُب‬
‫السياؽ‪ ،‬فالقمر الثّاين ليس‬
‫الصوت والبناء‪ ،‬مع فارؽ دالٕب جزئي ُب إحدى اللّفظتني ناتج عن رب ّكم ّ‬
‫ّ‬
‫دبعىن الكوكب ولكنّو أبو زيد والبدر الثّاين ليس إحدى منازؿ القمر ولكنّو أبو زيد‪ ،‬فاالستعماؿ‬
‫الشعر وىو‬
‫السياقي للّفظتني(قمر‪ ،‬بدر) هبعلهما زبتلفاف دالليا عن القمر والبدر اغبقيقيني‪ ،‬فقمر ّ‬ ‫ّ‬
‫السماء الذي يُب ّدد الظّبلـ ُب األرض وأبو زيد اؼبعروؼ‬
‫أبو زيد يقرتب ُب داللتو من القمر اؼبعروؼ ُب ّ‬
‫تفوؽ ُّا على أىل زمانو تضيء وتب ّدد ظلمة اعبهل وفساد األلسنة والقرائح‪.‬‬
‫بأشعاره البديعة الّيت ّ‬
‫‪ -2‬التّرصيػع‪:‬‬
‫يتوخى فيو تصيري مقاطع األجزاء ُب البيت على سجع‬
‫عرفو قدامة بن جعفر بقولو‪ «:‬ىو أف ّ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫أوشبيو بو أو من جنس واحد ُب التّصريف»‪.‬‬

‫المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫شعر‪ ،‬قدامة بن جعفر‪ ،‬تحقيق كماؿ مصطفى‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪1978( 3‬ـ)‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫نقد ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪233‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫فالرتصيع أف تكوف األلفاظ متساوية البناء‪ ،‬متّفقة االنتهاء‬


‫عرفو ُب موضع آخر قائبل‪ّ «:‬‬ ‫ويُ ّ‬
‫كل جزأين منها متواليني أف يكوف‬ ‫يتوخى ُب ّ‬
‫عسف واالستكراه‪ّ ،‬‬‫سليمة من عيب االشتباه وشني التّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫تعسف»‪.‬‬
‫السجع من غري استكراه وال ّ‬
‫ؽبما جزءاف متقاببلف يوافقا ُّما ُب الوزف ويتّفقاف ُب مقاطع ّ‬
‫الصوٌب اإليقاعي ذلك أنّو من نعوت الوزف‬
‫الرتصيع يرد ضمن النّظاـ ّ‬ ‫ووبيل ىذا الكبلـ أ ّف ّ‬
‫عسف‪.‬‬ ‫الصوتية اإليقاعية من بُعده عن االستكراه والتّ ّ‬
‫وتتجلّى مردوديتو ّ‬
‫لفن اؼبقامة‪ ،‬حيث‬
‫وقد استثمر اغبريري ىذا النّوع اإليقاعي‪ ،‬انسجاما مع إسرتاتيجية الكتابة ّ‬
‫أقر بأ ّف‬
‫لعل ذلك تعزيزا لرؤية ابن األثري الذي ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬و ّ‬
‫السجعي ُب اؼبقاطع النثّرية و ّ‬
‫الرتصيع ّ‬
‫وظّف ّ‬
‫يعرفو قائبل‪ « :‬مأخوذ من ترصيع‬
‫الشعر والنّثر‪ ،‬وىو مقبوؿ أكثر ُب النّثر إذ ّ‬
‫يعم ّ‬
‫الفن ّ‬
‫ىذا ّ‬
‫العقد‪،‬وذلك أف يكوف ُب أحد جانيب العقد من الآللئ مثل ما ُب اعبانب اآلخر‪ ،‬وكذلك قبعل ىذا‬
‫لكل لفطة‬
‫األوؿ مساوية ّ‬
‫كل لفظة من ألفاظ الفصل ّ‬
‫ُب األلفاظ اؼبنثورة من األسجاع‪ ،‬وىو أف تكوف ّ‬
‫‪2‬‬
‫من ألفاظ الفصل الثّاين ُب الوزف والقافية »‪.‬‬
‫شعر‬
‫أ‪ -‬التّرصيع في ال ّ‬
‫‪3‬‬
‫الصرفي‪:‬وىو الذي تتوازف فيو األلفاظ بالنّوع‪.‬‬
‫التّرصيع ّ‬
‫ُب مثل قولو‪:‬‬
‫ػين‬ ‫صاؼ وال م ٍ‬
‫لم يب َق ٍ‬
‫عين وال ُمػع ُ‬
‫وال َم ٌ‬ ‫‪‬‬ ‫صاؼ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫‪4‬‬
‫ػين‬
‫ػين وال ثَػم ُ‬
‫فال أم ٌ‬ ‫المساوي بَدا التّساوي‬
‫‪‬‬ ‫وفي َ‬
‫(معني‪ُ /‬معني)‪( ،‬اؼبساوي‪ /‬التّساوي)‪(،‬أمني‪/‬‬
‫الصرُب (صاؼ‪ /‬مصاؼ)‪َ ،‬‬ ‫الرتصيع ّ‬
‫إ ّف ىذا ّ‬
‫ص لتخلق فضاء قائما على موازنات صوتيّة‬ ‫شبني) وقد ولّد أبعادا إيقاعية تنسجم مع موسيقى النّ ّ‬
‫لشعر‪.‬‬
‫الشعر‪،‬و تنبئ القارئ بأ ّف اغبريري قد انتقل من النّثر إٔب ا ّ‬
‫ص ينتمي إٔب ّ‬
‫ودالليّة ذبعل النّ ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصوائت‪.‬‬ ‫التّرصيع المقطعي‪ :‬وىو ما تتوازف فيو الكلمات مقطعيّا ّ‬
‫بغض النّظر عن نوع ّ‬

‫‪1‬نفسو‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫السائر‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬الجزء ‪ ،01‬ص‪.361‬‬
‫المثل ّ‬
‫‪2‬‬

‫شرؽ‪2001( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.138‬‬


‫محمد العمري‪ ،‬مطبعة إفريقيا ال ّ‬
‫شعرية‪ّ ،‬‬
‫الرؤية البالغية والممارسة ال ّ‬
‫الصوتية وافي ّ‬
‫الموازنات ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬المقامة البرقعٍدٌة‪‌،‬ص‪.73‬‬
‫‪232‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫نصو‪:‬‬
‫ومبثّل لذلك بقوؿ اغبريري ُب اؼبقامة ال ّدمشقيّة ما ّ‬
‫ألجني الػف َػر ْح‬ ‫ِ‬ ‫مت السفار وج ُ ِ‬ ‫ل ِز ُ‬
‫فار ْ‬‫ت الن َ‬ ‫وع ْف ُ‬ ‫ػار‬
‫بت القػف َ‬ ‫َ ُ‬
‫الصبى وال َػم َػر ْح‬
‫يوؿ ّ‬ ‫لجر ذُ ِ‬ ‫الخيوؿ‬ ‫ضت‬
‫ور ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يوؿ ُ‬
‫الس َ‬
‫ضت ّ‬‫وخ ُ‬‫ُ‬
‫ف الػقػ َد ْح‬ ‫لحس ِو العُقا ِر ور ْش ِ‬ ‫ػار‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫العػق َ‬
‫ت َ‬ ‫وبع ُ‬
‫قار ْ‬
‫الو َ‬
‫طت َ‬‫وم ُ‬
‫ػح‬
‫باح فَمي بال ُػمػلَ ْ‬ ‫لما كا َف َ‬ ‫راح‬
‫ػرب ٍ‬ ‫ماح الى ُش ِ‬
‫ولوال الط ُ‬
‫ػح‬ ‫بحم ِل ُّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫السبَ ْ‬ ‫ألرض العراؽ ْ‬ ‫وال كاف سا َؽ َدىائي ال ّػرفػا َؽ‬
‫‪2‬‬
‫ػح‬
‫وض ْ‬‫وال تعتُبَ ّن فػعُػ ْذري َ‬ ‫ػخػبَ ّػن‬
‫تغضبَ ّن وال تػص َ‬
‫فال َ‬
‫فقد التزـ اغبريري ُب ىذه األبيات ترصيعا مقطعيّا ُب تواتر منتظم‪ ،‬حيث طغت القافية‬
‫ص شحنة داللية‬
‫العامة‪،‬ما كاف لو أثر إيقاعي الفت للنّظر‪ ،‬اكتسب دبوجبو النّ ّ‬‫ال ّداخلية على القافية ّ‬
‫العاـ وأظهرت اغبالة اؽبستريية النّفسية الّيت أظهر فيها اغبريري‬
‫خاصة ساعدت على توضيح مدلولو ّ‬ ‫ّ‬
‫الراوي اغبارث بن نبّاـ حيث تنتابو نشوة الفرح واغببور‬ ‫بطلو "أبو زيد" وىو يتلو ىذه األبيات على ّ‬
‫بني دناف ومعصرة‪.‬‬
‫الرتصيع اؼبقطعي أيضا قولو‪:‬‬
‫وضمن ّ‬
‫‪3‬‬
‫الرؤوسا‬
‫وشجوا ّ‬
‫الخدود ّ‬
‫َ‬ ‫وص ّكوا‬ ‫يوب‬
‫الج َ‬
‫روب وعطّوا ُ‬
‫أسالوا الغُ َ‬
‫الرباعي قد أحاؿ البيت إٔب خطاّطة صوتية تفرض وجودىا اإليقاعي وّتيمن‬
‫إ ّف ىذا التّقطيع ّ‬
‫خاصة حيث يُساىم ُب‬
‫كل جرس مقطعي لو داللة ّ‬
‫السلطة ال ّداللية‪ ،‬وتسيطر على اؼبعىن فيصري ّ‬
‫على ّ‬
‫وصف اغباؿ الّيت آؿ إليها رفاؽ أيب زيد بعد مرضو ٍبّ تنسجم ىذه اؼبقاطع كلّها ُب ترابط واتّساؽ‬
‫ص‪.‬‬
‫العامة ؽبذا النّ ّ‬
‫لتوضح ال ّداللة ّ‬
‫ّ‬

‫ب‪ -‬التّرصيع في النّثر‪:‬‬

‫محمد العمري‪ ،‬ص‪.138‬‬


‫شعرية‪ّ ،‬‬
‫الرؤية البالغية والممارسة ال ّ‬
‫الصوتية في ّ‬
‫الموازنات ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المقامة الدّمشقٍة‪‌،‬ص‪.031‬‬
‫‪3‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص‪093 .‬‬
‫‪231‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الرتصيع ُب النّثر على توافق الفاصلتني منو على صوت واحد ُب اآلخر‪ ،‬حيث تنفرد‬ ‫يُطلق ّ‬
‫بنيتو على توليد اعبانب اإليقاعي فتظهر آثارىا الوظيفية على اؼبتل ّقي ويشري أبو ىبلؿ العسكري إٔب‬
‫‪1‬‬
‫حّت يكوف مزدوجا‪ ،‬وال تكاد ذبد لبليغ كبلما ىبلو من االزدواج‪.‬‬
‫أنّو ال وبسن منثور الكبلـ وال وبلو ّ‬
‫السجع‪ ،‬حيث ىبلق ىذا‬
‫الصور اإليقاعية ُب اؼبقامات اغبريرية تلك الّيت تنبع من التزاـ ّ‬
‫ومن ّ‬
‫األخري إيقاعا متع ّددا ُب أمباطو ودالالتو‪،‬فتتساوى األلفاظ مع ما يُقابلها ُب الوزف والتّقفية لتخلق‬
‫الصوٌب إٔب تلوين‬
‫ؤدي ىذا االزدواج ّ‬ ‫سبوجات صوتية تطرب األذف وتذىب اؼبلل عن القارئ‪ ،‬ويُ ّ‬ ‫ّ‬
‫اإليقاع عرب تتابع كلمات القافية بني حرفني متناوبني ‪،‬فبّا يولّد نغمة إيقاعية أو انزياحا إيقاعيا بني‬
‫قواُب األلفاظ‪.‬‬
‫طاؼ‪ .‬وى َدتْني فاتِحةُ األل ِ‬
‫ْطاؼ‪.‬‬ ‫أدتْني خاتِمةُ الم ِ‬‫لعل ذلك ماثل ُب قوؿ اغبريري‪«:‬حتى ّ‬
‫َ َ‬ ‫و ّ‬
‫أيت‬
‫ألسبُػ َر َم ْجلَبَةَ ال ّد ْم ِع‪ .‬فر ُ‬ ‫حاـ ونَ ٍ‬ ‫حيب‪ُ .‬محتَ ٍو على ِز ٍ‬ ‫إلى ٍ‬
‫ناد َر ٍ‬
‫الجم ِع‪ْ .‬‬
‫ت غابةَ ْ‬ ‫فولَ ْج ُ‬
‫حيب‪َ .‬‬
‫وىو يطْبَ ُع‬ ‫الخ ْل َق ِة‪ .‬علي ِو أ ُْىبةُ السياح ِة‪ .‬ولو رنّةُ الن ِ‬
‫ت ِ‬ ‫الح ْل َق ِة‪ .‬ش ْخصاً ش ْخ َ‬ ‫ِ‬
‫ياحة‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ّ َ‬ ‫في بُػ ْه َرة َ‬
‫بجواى ِر ِ‬
‫لفظ ِو‪.2»....‬‬ ‫ِ‬ ‫جاع‬
‫األس َ‬ ‫ْ‬
‫اب‬‫وجر ٍ‬ ‫جاع ٍة وبوسى‪ِ .‬‬
‫َ‬ ‫ىذهِ التُػ ْربَِة‪ .‬وأنا ذو َم َ‬
‫وقولو أيضا‪ «:‬إ ّف مرامي الغُرب ِة‪ .‬ل َفظَْتني إلى ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ْتاد‬
‫تاد ُمضيفاً‪ .‬أو أق َ‬ ‫ألر َ‬ ‫ِ‬
‫الو َجى‪ْ .‬‬ ‫من َ‬
‫حين َسجا ال ُدجى‪ .‬على ما بي َ‬ ‫ت َ‬ ‫ضُ‬
‫فنه ْ‬
‫موسى‪َ .‬‬ ‫كفؤاد ّأـ َ‬
‫‪3‬‬
‫العج ِ‬
‫ب»‪.‬‬ ‫السغَ ِ‬ ‫ِ‬
‫المكنّى أبا َ‬ ‫ب‪ .‬والقضاءُ ُ‬ ‫َرغيفاً‪ .‬فساقَني حادي ّ‬
‫السجع ُب ىذه اؼبقاطع على بنية الفواصل‪ ،‬حيث اكتسب صباليتو من ّقوة‬
‫وقد اعتمد إيقاع ّ‬
‫اغبس اإلدراكي للمتل ّقي ُب إطار ىذه اؼبعمارية‬
‫األداء التّعبريي الوصفي‪ ،‬الذي يتح ّقق من خبللو ّ‬
‫بة‪/‬الرتبة) و (بوسى‪/‬‬
‫الرتكيبية مابني (الغر ّ‬
‫الصياغي للعناصر ّ‬
‫اؽبندسية الّيت قامت على أساس التّآلف ّ‬
‫(مضيفا‪ /‬رغيفا)‪.‬‬
‫موسى) و(ال ّدجى‪ /‬الوجى) و ُ‬

‫الصناعتين‪ ،‬أبي ىالؿ العسكري‪ ،‬ص‪.233‬‬


‫ينظر‪ ،‬كتاب ّ‬
‫‪1‬‬

‫الصنعانية‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.51‬‬


‫‪235‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وىذا االنسجاـ اإليقاعي الذي تولّد عن الفواصل قد خلق أيضا انسجاما دالليا حبيث قبد‬
‫الصوٌب ُب حروؼ الفواصل عند اغبريري ليس شكبل متواليا ثابتا‪ ،‬وإّمبا شكبل مزدوجا يولّد‬ ‫البناء ّ‬
‫سبوجات سبوج بالتّفاعل واالنفصاـ تارة والتّنسيق‬
‫نغمات إيقاعية مزدوجة‪ ،‬تضافرت فيما بينها لتش ّكل ّ‬
‫واالنسجاـ تارة أخرى‪.‬‬
‫السجعي أيضا على االلتزاـ بصوتني أو أكثر ليوفر قدرا كافيا من التّناغم‬ ‫وقد يقوـ اإليقاع ّ‬
‫ِِ ‪1‬‬ ‫ماع بز ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫واج ِر و ْعظو»‪.‬‬ ‫األس َ َ‬‫جاع بجواى ِر لفظو‪ .‬وي ْق َرعُ ْ‬
‫األس َ‬‫وىو يطْبَ ُع ْ‬‫كما ُب قولو‪َ «:‬‬
‫فاؽ‪ .‬وخلدوىا بطو َف األو ِ‬
‫راؽ‪ .‬فما ُسيّػ َر مثلُها في‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ب االتّ ِ‬‫أو ُب قولو‪«:‬أثْبِتوىا في َعجائِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ْرنا ال ّدواةَ وأسا ِو َدىا‪َ .‬‬
‫‪2‬‬
‫سر َدىا»‪.‬‬
‫ورقَ ْشنا الحكايَةَ على ما َ‬ ‫فأح َ‬
‫اآلفاؽ‪ْ .‬‬
‫وىذا النّوع من اإليقاع وبدث تناسبا صوتيا بني اعبمل اؼبسجوعة‪ ،‬حيث يندمج اعبانب‬
‫الرتكيب‪،‬‬‫ص اؼبقامي‪ ،‬وحسن ألفاظو‪ ،‬فاإليقاع ىو« نتيجة حسن ّ‬ ‫الصوٌب جبميع مستوياتو ُب إيقاع النّ ّ‬
‫ّ‬
‫واعتداؿ األجزاء »‪.3‬‬
‫ويتأتّى ارتباط اإليقاع حبسن اللّفظ إذا كاف ىذا األخري أميل إٔب أف يكوف ناذبا عن ِخ ّفتو‬
‫الصوٌب مع عنصر آخر ىو "صحة اؼبعىن"‬
‫الصوٌب‪ ،‬وبذلك يتقابل حسن األلفاظ وانسجامها ّ‬
‫وانسجامو ّ‬
‫لصوت وال ّداللة أو اؼبسموع واؼبفهوـ‪ ،‬وُّذا الفهم نرى اغبريري بىن ترصيعاتو النّثرية‬
‫الرتكيب‪ ،‬ا ّ‬
‫ليكونا دعامة ّ‬
‫ّ‬
‫ب‪.‬‬
‫يتقر ُ‬
‫جار لسانُوُ ّ‬ ‫الرتكيب وال ّداللة كما ُب قولو‪ « :‬إنوُ كا َف لي ٌ‬ ‫الصوت و ّ‬
‫ُب نصوصو اؼبقامية على تفاعل ّ‬
‫فملْت لمجاورتِِو‪ .‬الى م ِ‬
‫حاورت ِو‪ .‬واغَتػ َرْر ُ‬
‫ت‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫وخْبؤهُ سم من َق ٌع‪ِ .‬‬
‫ٌ‬ ‫ب‪ .‬ولفظُوُ شه ٌد ين َق ُع‪َ .‬‬
‫وقلبُوُ ع ْق َر ٌ‬
‫سمتِ ِو‪.4»...‬‬ ‫استهوتْني ُخضرةُ دمنَتِ ِو‪ .‬لم َ ِ ِ‬ ‫بمكا َشرتِِو‪ .‬في م ِِ‬
‫أغرتْني ُخ ْد َعةُ َ‬
‫ناد َمتو‪ .‬و َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫عاشرتو‪ .‬و ْ َ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫كل الفواصل ويبكن تقسيمها‬
‫نبلحظ ُب ىذا اؼبقطع تكرار بنيات صوتية ترصيعية على امتداد ّ‬
‫إٔب الوحدات اؼبشرتكة اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬عقرب‬ ‫يتقرب‬
‫ّ‬
‫الصنعانية‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫شعر‪ ،‬ابن طباطبا‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫عيار ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫السنجارية‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪232‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪ُ ‬منقع‬ ‫ينقع‬


‫‪ ‬ؿباورتو‬ ‫ؾباورتو‬
‫‪ ‬معاشرتو‬ ‫مكاسرتو‬
‫الصوتية‪ ،‬حيث تش ّكل ىذه التّوازنات‬
‫اؼبكونات ّ‬
‫فكل لفظ يتجاوب مع لفظ آخر من خبلؿ ّ‬
‫ّ‬
‫الرتصيعية نتاجا إيقاعيا للكلمة اؼبولّدة لل ّداللة واإليقاع فيو‪.‬‬
‫ّ‬
‫كل نصوص اغبريري‬ ‫الشعر أو ُب النّثر يعترب ملتزما ُب ّ‬
‫الرتصيع ُب ّ‬
‫وما ذبدر اإلشارة إليو أ ّف ّ‬
‫الرتصيع‬
‫اؼبقامية فبّا هبعل إيقاعو متوقّعا؛ إذ ىو ميزة تنفرد ُّا ىذه النّصوص‪ ،‬ويبكن أف نقوؿ أ ّف ّ‬
‫الفّن‪.‬‬
‫يدخل ُب بنية النّثر وىو الغالب عليها بل ىو األرضية الّيت ُيبارس عليها االنزياح بالنّسبة للنّثر ّ‬
‫‪ -3‬التّصريػع‪:‬‬
‫التّصريع مأخوذ من اؼبصراعني اللّذاف نبا بابا البيت وقد جاء ُب العيوف الغامزة « التّصريع‬
‫مصرعا تشبيها لو دبصراعي‬
‫وظبّي البيت الذي لو قافيتاف ّ‬
‫للضرب قافية ووزنا وإعبلال‪ُ ،‬‬
‫تبعيّة العروض ّ‬
‫الصرعني ونبا نصف النّهار »‪.1‬‬
‫باب البيت اؼبسكوف‪ ،‬واشتقاقو من ّ‬
‫بالصنعة والتّجويد‪،‬‬
‫الشعريّة العربيّة ّ‬
‫الشعر‪ ،‬وارتبط ُب ّ‬
‫وقد أدخل التّصريع من الواجب ُب نظم ّ‬
‫الشاعر ُب قصيدتو فإف ٓب يفعل كاف كما‬
‫يصرع ّ‬
‫ومن ىنا رأى النّػ ّقاد العرب أنّو من اؼبستحسن أف ّ‬
‫‪2‬‬
‫كاؼبتسور ال ّداخل من غري باب »‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يقوؿ ابن رشيق القريواين‪«:‬‬
‫الشاعر القافية ليعلم ُب ّأوؿ وىلة أنّو آخذ‬
‫بالسبب ُب التّصريع إٔب « مبادرة ّ‬
‫ويعود ابن رشيق ّ‬
‫الشاعر ُب غري االبتداء ‪،‬ذلك إذا‬
‫صرع ّ‬
‫الشعر‪ ،‬ورّدبا ّ‬
‫ُب كبلـ موزوف غري منثور‪ ،‬لذلك وقع ُب ّأوؿ ّ‬
‫قصة أو من وصف شيء إٔب وصف شيء آخر‪ ،‬فيأٌب حينئذ بالتّصريع إخبارا‬
‫قصة إٔب ّ‬‫خرج من ّ‬
‫بذلك وتنبيها عليو »‪.3‬‬

‫الرامزة‪ ،‬ال ّدماميني‪ ،‬نحقيق الحساني حسن عبد اهلل‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪1994(2‬ـ)‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫العيوف الغامزة على خبايا ّ‬
‫‪1‬‬

‫شعر وآدابو‪ ،‬تحقيق محمد قزقاف‪ ،‬الجزء ‪ ،01‬مطبعة الكاتب العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط(‪1994‬ـ)‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫العمدة في محاسن ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬نفسو‪ ،‬ص‪.326‬‬
‫‪237‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وقد وظّف اغبريري ىذه التّقنيّة الفنّية ُب مقاماتو حيث استخدمها ُب نقل حركة اؼبعىن النّثري‬
‫حوؿ نقل اإلحساس أو تغيري‬ ‫الشعري الذي يعتمد على وزف وقافية‪ ،‬ويرتتّب عن ىذا التّ ّ‬ ‫إٔب اؼبعىن ّ‬
‫الشعريّة اؼبقاميّة من إيقاعات صوتية‬
‫درجة كثافتو وحضوره إٔب ما ُوب ّققو التّصريع ُب طوالع األبيات ّ‬
‫وضح ذلك ابن رشيق ُب قولو‬
‫الشعر‪ ،‬كما ّ‬
‫ودالالت حيوية تنبئ عن انتهاء جنس النّثر ليبدأ جنس ّ‬
‫السابق ال ّذكر من أ ّف التّصريع يأٌب إخبارا وتنبيها‪ ،‬وقد بدا ىذا األسلوب اإليقاعي ُب بداية بعض‬
‫ّ‬
‫الشعر اؼبقامية‪ .‬كما ُب قوؿ اغبريري‪:‬‬
‫نصوص ّ‬
‫ػب‬ ‫ِ‬
‫بالناس قُػل ْ‬ ‫ىر‬
‫وال ّد ُ‬ ‫ب‬‫ب شػيّ ْ‬ ‫شوائِ ِ‬
‫ْع ال ّ‬
‫وق ُ‬
‫‪1‬‬
‫ػب‬ ‫ٍ‬ ‫ش ْخ ٍ‬
‫ففي غد يتػغػلّ ْ‬ ‫ػص‬ ‫إ ْف دا َف يوماً ل َ‬
‫الرّد على تساءؿ اغبارث بن نبّاـ الذي‬
‫الضرب وزنا وقافية قد ساىم ُب ّ‬
‫وتوافق العروض و ّ‬
‫الشعورية‬
‫السروجي‪ ،‬فأجاب ىذا األخري دبا يبلءـ اؼبوقف واغبالة ّ‬
‫استفسر عن اغبالة اؼبزرية أليب زيد ّ‬
‫الزماف وعواقبو‪.‬‬
‫الّيت بدا من خبلؽبا ناقما على أحواؿ ّ‬
‫ويقوؿ أيضا‪:‬‬
‫فرتُػ ْو‬‫ت َس َ‬
‫جواب ٍ‬
‫آفاؽ تر َام ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫فرتُ ْو‬
‫صَ‬ ‫ت ُ‬ ‫أ ْك ِرْـ ِبو أص َف َر راقَ ْ‬
‫أسرتُػ ْو‬ ‫ُود َع ْ ِ ِ‬ ‫قد أ ِ‬
‫ت سر الغنى ّ‬ ‫معتُوُ و ُشػه َػرتُػ ْو‬
‫مأثورةٌ ُس َ‬
‫َ‬
‫ت إلى األن ِػاـ غُ ّػرتُػ ْو‬‫وحببَ ْ‬
‫ُ‬ ‫خطرتُو‬
‫المساعي َ‬ ‫جح َ‬ ‫ت نُ َ‬ ‫وقارنَ ْ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ص ّرتُػ ْو‬‫حوتْوُ ُ‬‫يصوؿ َم ْن َ‬‫ُ‬ ‫ِبو‬ ‫من ال ُقل ِ‬
‫ػوب نَػ ْق َػرتُػ ْو‬ ‫كأنّما َ‬
‫الضرب والعروض ُب‬
‫مصرعا إٔب آخر بيت حيث ساوى بني ّ‬ ‫ويستمر اغبريري ُب ىذه األبيات ّ‬ ‫ّ‬
‫مادتو‪ ،‬وسب ّكنو من اؼبعجم اللّغوي‪.‬‬
‫يدؿ على قُدرتو وبراعتو وغزارة ّ‬
‫الوزف والقافية وىو ما ّ‬
‫ذمهلو فيقوؿ‪:‬‬
‫ىذا ُب مدحهلل ّدينار أما ُب ّ‬
‫كالمنػافِ ِػق‬
‫وج َه ْي ِن ُ‬
‫أص َف َر ذي ْ‬
‫ْ‬ ‫ػاذ ِؽ‬ ‫ػاد ٍع مػم ِ‬ ‫ِ‬
‫تبّاً لوُ مػن خ ُ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫ولو ِف عػاش ِػق‬ ‫زينَ ِة ْ ٍ‬
‫معشوؽ ْ‬ ‫ص َفي ِن َلعػي ِن ال ّػر ِام ِػق‬
‫يَبدو َبو ْ‬

‫‪ 1‬المقامة الحلوانية‪ ،‬ص‪.31‬‬


‫‪ 2‬المقامة ال ّدينارية‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪235‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫كل األبيات اؼبدحية وال ّذمية‪ ،‬فكاف استخدامو ؽبذه التّقنيّة اإليقاعية‬
‫وقد وظّف التّصريع ُب ّ‬
‫تنم عن‬
‫الصوٌب اؼبوسيقي الذي وب ّفز القارئ على تتبّع مفرداّتا ونغامتها‪ ،‬الّيت ّ‬
‫دافعا حيويا ُب التّلوين ّ‬
‫الرصانة ُب التّعبري‪.‬‬
‫االتّزاف و ّ‬
‫السبيل ليبل أماـ باب بيت اغبارث بن‬
‫السروجي عابر ّ‬
‫وُب مقامة أخرى ينشد اغبريري بلساف ّ‬
‫نبّاـ فيقوؿ‪:‬‬
‫ض ّػرا‬‫وال لَقيتُ ْم ما بَقػيتُ ْػم ُ‬ ‫الم ْغنى ُوقيتُ ْم َش ّػرا‬
‫أىل ذا َ‬
‫يا َ‬
‫الى ذَرا ُك ُم َش ِعثاً ُمػغْػبَ ّػرا‬ ‫الليل الذي ا ْك َف َػه ّػرا‬
‫ق ْد دفَ ُع ُ‬
‫حتى انْػثَنى ُم ْح َق ْوقِفاً ُم ْ‬ ‫أخا ِسفا ٍر َ‬
‫‪2‬‬
‫ص َف ّرا‬ ‫واسبَػطَ ّػرا‬
‫طاؿ ْ‬
‫وسلية لفتح الباب واستقبالو‪ ،‬وقد تبلءـ‬ ‫ويستمر على ىذه اغباؿ إٔب ّناية القصيدة النّدائية التّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الضيق والتّعب‬
‫الضرب مع ّ‬
‫عرب انسجاـ العروض و ّ‬
‫التّصريعي مع مقاـ الكبلـ‪ ،‬حيث ي ّ‬ ‫ىذا اإليقاع‬
‫"الراء" الذي يبعث على اغبزف واألنني‬
‫بالسروجي‪ ،‬والسيما مع استخدامو غبرؼ ّ‬
‫ّ‬ ‫اللّذين ألَ ّما‬
‫السامعني‪.‬‬
‫الستعطاؼ ّ‬
‫كل القصيدة الواحدة أيضا‪،‬‬
‫كل قصائده وضمن ّ‬ ‫سعى اغبريري إٔب فبارسةمظاىر التّصريع ُب ّ‬
‫ص‪ ،‬حيث التّآلف بني القوانني‬
‫لعل ذلك إدراكا منو لدور اإليقاع اؼبتولّد منو ُب تصعيد شاعرية النّ ّ‬
‫و ّ‬
‫الزيادة والنّقصاف‪ ،‬واتّصالو باالستهبلؿ‪،‬‬
‫للضرب ُب ّ‬‫والوظائف « فالقوانني ىي ضرورة إتبّاع العروض ّ‬
‫قصة ومن وصف إٔب وصف‪ّ ،‬أما وظائفو فهي تعيني جنس‬ ‫قصة إٔب ّ‬‫وتكرير استعمالو ُب اػبروج من ّ‬
‫ِ‬
‫مهمات القصائد وإقامة اتّصاؿ مع‬ ‫ص ِره ُب ّ‬‫الشعر وتعيني غرضو حبَ ْ‬
‫ص‪ ،‬باػبروج من النّثر إٔب ّ‬‫النّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫القارئ »‪.‬‬
‫ومن أمثلة تع ّدد التّصريع لدى اغبريري قولو أيضا‪:‬‬
‫أص َد ُؽ من عُ ْريي أوا َف الػ ُقػر‬
‫ْ‬ ‫يا قوِـ ال يُنبِئ ُك ُػم عػن فَػقػري‬

‫‪ 1‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.36‬‬


‫المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.48‬‬ ‫‪2‬‬
‫محمد بنيس‪ ،‬الجزء‪،01‬دار توبقاؿ‪ ،‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬ط‪1989(1‬ـ)‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫شعر العربي الحديث بنياتو وإبداالتو‪ّ ،‬‬
‫ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪239‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫وخ ِػفػي ْأمػري‬ ‫ِ‬


‫باط َن حالي َ‬ ‫فاعتَبِروا بِما بَػدا م ْػن ُ‬
‫ض ّػري‬
‫ػت نَػبػيوَ الػقػ ْد ِر‬
‫فإنني ُكن ُ‬ ‫الب ِس ْل ِػم ال ْ‬
‫ػدىػ ِر‬ ‫ِ ِ‬
‫وحاذروا انق َ‬
‫‪1‬‬
‫صفري وتُبػي ُد ُس ْػمػري‬
‫تُفي ُد ُ‬ ‫آوي الػى َوفْػ ٍر وح ٍّػد يَػ ْفػري‬
‫القر‪،‬‬
‫الضرب (فقري‪ّ ،‬‬‫يُظهر التّصريع ُب ىذه األبياتالبُعد ال ّدالٕب والنّفسي أللفاظ العروض و ّ‬
‫ضري‪ ،‬أمري‪ ،‬ال ّدىر‪ ،‬القدر)‪ ،‬واختياره ؽبذه األلفاظ ىو انعكاس َو ٍاع لنفسية مؤلّف اؼبقامات ومدى‬
‫ّ‬
‫قدرتو على انتقاء الكلمات وحساسيتو ُب التّعامل معها دبا يتناسب مع إبداعو مع اعبانب اإليقاعي‬
‫اؼبصرعة يوحي حبركية ىذا‬
‫الراء بشكل الفت لبلنتباه ُب األلفاظ ّ‬ ‫الشعريّة‪ ،‬وتكرارحرؼ ّ‬
‫لؤلبيات ّ‬
‫الضياع‪.‬‬
‫السروجي للتّعبري بو إيباء وسبثيبل عن معاين اغباجة والفقر و ّ‬
‫اغبرؼ ُب وصف حالة ّ‬
‫يتبني من النّماذج أعبله تقنية فنّية جوىرية َركنت‬
‫وُّذا تكوف تقنية التّصريع قد ش ّكلت كما ّ‬
‫الفن‬
‫وعولت عليها كثريا ُب إبراز صباليات ىذا ّ‬ ‫الشعرية ُب مقامات اغبريري‪ّ ،‬‬
‫إليها أغلب النّصوص ّ‬
‫الصوت نفسو‬
‫اؼبتوخاة منها من خبلؿ تكرار ّ‬
‫اإليقاعيّة وتسهيل القدرة على توصيل ال ّدالالت اإلوبائية ّ‬
‫كل أبياّتا‪.‬‬
‫مستهل القصيدة أو ُب ّ‬
‫ّ‬ ‫سواء ُب‬

‫‪ -4‬التّكػرار‪:‬‬
‫التّكرار ظاىرة موجودة ُب األدب اإلنساين ُب شعره ونثره وينشأ عن « ثبات غبظة شعورية ُب‬
‫للزمن اؼبتنامي‪ ،‬وتنشأ ىذه الظّاىرة‬
‫ط األفقي ّ‬
‫سبوجاّتا ُب اػب ّ‬
‫الزمن‪ ،‬قبل أف تستأنف ال ّذات اؼببدعة ّ‬
‫ّ‬
‫عن عوامل متداخلة بيّنة التّعقيد‪ ،‬حيث يبكن إرجاعها إٔب‪:‬‬
‫الرغبة ُب ربقيق "شبع" شعوري ُب غبظة زمنية ثابتة‪.‬‬
‫ّأوال‪ :‬إٔب ّ‬
‫الرغبة ُب ؿباولة ربقيق قدر من التّناغم والتّآلف اؼبوسيقي اللّذين يثرياف اعبوانب‬
‫ثانيا‪ :‬إٔب ّ‬
‫‪1‬‬
‫ص »‪.‬‬
‫اإليقاعية وال ّداللية للنّ ّ‬
‫‪ 1‬المقامة الكرجٍة‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫‪221‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫الشاعر أكثر من عنايتو‬


‫ىامة من العبارة يُعىن ُّا ّ‬
‫عرؼ التّكرار على أنّو ‪ «:‬إغباح على جهة ّ‬
‫ويُ ّ‬
‫ووبلّل نفسية كاتبو‬
‫ص ُ‬‫بسواىا‪ ،‬وىو بذلك ذو داللة نفسية قيّمة‪ ،‬تفيد النّاقد األديب الذي يدرس النّ ّ‬
‫‪2‬‬
‫»‪.‬‬
‫لتؤدي‬
‫الرتاكيب ليس ضروريا ّ‬
‫ؿبمد مفتاح إٔب أ ّف‪ « :‬تكرار األصوات والكلمات و ّ‬‫ويذىب ّ‬
‫‪3‬‬
‫ؿبسن أو لعب لغوي »‪.‬‬
‫اعبمل وظيفتها اؼبعنويّة والتّداوليّة ولكنّو شرط كماؿ أو ّ‬
‫أىم مظاىر تش ّكلها وىو‬
‫ووبيل ىذا إٔب أ ّف التّكرار من أبرز عناصر البنية اإليقاعية وأحد ّ‬
‫الصوتية وال ّداللية والبنائية ؼبا تتّسم بو من ش ّدة الوضوح‬
‫ىاما ُب الكثافة ّ‬
‫ؤدي دورا ّ‬
‫باإلضافة إٔب ذلك يُ ّ‬
‫ؿبمد مفتاح نفسو يستدرؾ مقولتو‬
‫السمة من عبلقة بببلغة اإلقناع‪،‬لذلك نرى أ ّف ّ‬ ‫السمعي وما ؽبذا ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعري‬
‫السابقة ال ّذكر عن التّكرار وأنبّيتو قائبل‪ «:‬ومع ذلك فإ ّف التّكرار يقوـ بدور كبري ُب اػبطاب ّ‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫أو ما يُشبهو من أنواع اػبطاب األخرى اإلقناعية »‪.‬‬
‫وقد تفطّن النّػ ّقاد قديبا وحديثا ؼبكانتو اإليقاعية وح ّددوه ُب أبسط مستوياتو فقالوا ىو أف «‬
‫يأٌب اؼبتكلّم بلفظ ٍبّ يعيده بعينو‪ ،‬سواء أكاف اللّفظ متّفق اؼبعىن أو ـبتلفا »‪.‬‬
‫وللتّكرار عند اغبريري دورا كبريا ُب عكس ذبربتو االنفعالية‪ ،‬وىو أيضا من مظاىر اإليقاع ُب‪،‬‬
‫الرتكيب)‪.‬‬
‫الصغرى (اغبروؼ) واألجزاء الكربى (الكلمات‪ّ ،‬‬‫حيث يَطاؿ األجزاء ّ‬
‫مرات ُب كبلـ القاضي الذي انتابو‬
‫كرر اسم اإلشارة "ىذا" سبع ّ‬
‫ففي اؼبقامة التّربيزية مثبل يُ ّ‬
‫السروجي وزوجو‬‫شعور باإلىانة‪ ،‬فانفعل واضطربت نفسيتو واّنارت أعصابو بعد أف رأى ّقوة قلب ّ‬
‫حّت كاد يفضحو النّحيب وقاؿ‪«:‬إ ّف ىذا‬
‫وانصبلت لساّنما‪ ،‬فعلم أنّو قد وقع ُب مكرنبا فانتحب‪ّ ،‬‬
‫بمغْ َرَمي ِن‪ .‬أأ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍِ‬
‫ُرضي‬
‫ُطيق أ ْف أ َ‬ ‫ُلزُـ في قَضيّة َ‬ ‫بس ْه َم ْي ِن‪ .‬أأ َ‬
‫عجيب‪ .‬أأ ُْر َش ُق في موقف َ‬
‫ٌ‬ ‫ش ْيءٌ‬
‫لَ َ‬
‫ِ‬ ‫حاجبِو‪ِ ِ .‬‬ ‫ف الى ِ‬ ‫ِ‬
‫المنفذ لمآ ِربِو‪ .‬وقاؿ‪ :‬ما ىذا ُ‬
‫يوـ ُح ْك ٍم‬ ‫ُ‬ ‫ثم عطَ َ‬
‫أين? ّ‬
‫أين وم ْن َ‬
‫ومن َ‬ ‫الخص َمي ِن‪ْ .‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫يوـ اال ْغتِ ِ‬ ‫يوـ االعتِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يوـ‬
‫يوـ البُ ْحراف‪ .‬ىذا ُ‬‫راـ‪ .‬ىذا ُ‬ ‫ماـ‪ .‬ىذا ُ‬ ‫وفص ٍل ْ‬
‫وإمضاء! ىذا ُ‬ ‫وقَضاء‪ْ .‬‬
‫السالـ المساري‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫البنيات ال ّدالة في شعر أمل دنقل‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1‬‬

‫عصاـ شرتح‪ ،‬ص‪.07‬‬


‫ظواىر أسلوبية في شعر بدوي الجبل‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫شعري (إستراتيجية التّناص) محمد مفتاح‪ ،‬المركز الثّقافي العربي‪ ،‬ط‪1992(3‬ـ)‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫الخطاب ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪220‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخس ِ‬


‫هذاريْ ِن‪.‬‬ ‫صيب! فأ ِر ْحني ْ‬
‫من ى َذي ِن الم َ‬ ‫صاب فيو وال نُ ُ‬
‫وـ نُ ُ‬
‫عصيب‪ .‬ىذا ي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫يوـ‬
‫راف! ىذا ٌ‬ ‫ُْ‬
‫‪1‬‬
‫بديناري ِن »‪.‬‬
‫َ‬ ‫واقطَ ْع لسانَػ ُهما‬
‫حّت أنّو يُهيّئ‬
‫تدؿ على ش ّدة انفعالو وغضبو‪ّ ،‬‬
‫فتكراره السم اإلشارة "ىذا" وكلمة "يوـ" ّ‬
‫يتفوه بو‬
‫صور القاضي وكأنّو ماثل أمامنا يتكلّم وىو منفعل وال يعرؼ ما الذي ّ‬
‫للقارئ أ ّف اغبريري قد ّ‬
‫ألي إنساف عندما يستشيط غضبا‪.‬‬
‫وىو ما وبدث ّ‬
‫إف التكرار اؼببالغ فيو لصيغة االشارة "ىذا" ُب ىذا النص قد خلق نسقا إيقاعيا صاخبا‬
‫يستجيب وسياؽ االنفعاؿ عل اؼبستوى النفسي‪،‬حيث يظهر اغبريري القاضي ُب موقف من يتمثّل‬
‫كل ذلك قد يكوف تسرب إٔب الوعي القاضي ففرض عليو‬ ‫اإلحساس باػبداع معايشة و ذبربة ‪ ،‬و ّ‬
‫‪،‬ويقرب اؼبسافة بني اؼبتكلّم‬
‫اعبهر بالكبلـ وتكرار األصوات ليحطم اغبريري بذلك القيود القائمة ّ‬
‫واؼبخاطَب‪.‬‬
‫وقد ولّد ىذا التّكرار انسجاماً دالليا وإيقاعيا‪ ،‬وضبل ُب طيّاتو أبعادا إوبائية‪ ،‬تنسجم واؼبوقف‬
‫صور اغبريري القاضي من خبللو « فاؼبوقف ىو الذي يفرض على اؼبرء أف ىبتار األسلوب‬ ‫الذي ّ‬
‫واألسلوب حب ّد ذاتو قادر على أف يبلور اؼبوقف »‪.2‬‬
‫ومن األمثلة التّكرارية الّيت أبرزت اؼبوقف واإليقاع ُب اؼبقامات قوؿ اغبريري أيضا‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫ياقوت‬
‫ُ‬ ‫والياقوت‬
‫ُ‬ ‫الجمر‬
‫ُ‬ ‫ثم انطَفى‬
‫ضى ّ‬ ‫جمر غ ً‬
‫الياقوت َ‬
‫ُ‬ ‫لي‬
‫ُص َ‬
‫وطالَما أ ْ‬
‫ؤسس لدواـ‬ ‫ِ‬
‫فلتكرار لفظة "الياقوت" وظيفة داللية إٔب جانب وظيفتها اإليقاعية‪ ،‬فهي« تُ ّ‬
‫الزمن مع التّأكيد على نوعية ىذه اغبالة »‪ ،4‬وقد أضفى تكرارىا جديدا إٔب اؼبعىن وق ّدـ‬
‫حالة ُب ّ‬
‫للسياؽ من حيث اإلغباح على ثبات ودواـ حاؿ "جوىرة الياقوت" وبقاء أصلها ومعدّنا‬ ‫إضافة فنّػيّة ّ‬

‫‪ 1‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.29‬‬


‫السالـ المساري‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫البنيات ال ّدالّة في شعر أمل دنقل‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬المقامة الحجرٌة‪ ،‬ص‪.514‬‬


‫السالـ المساري‪ ،‬ص‪78‬‬
‫البنيات ال ّدالّة في شعر أمل دنقل‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪223‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫السروجي‬
‫العزة الذي أظهر بو الفّت نفسو أماـ ّ‬
‫تعرضها للنّار‪ ،‬وُب ىذا إشارة إٔب موقف الفخر و ّ‬
‫رغم ّ‬
‫رغم حاجتو وفاقتو‪ ،‬وُب قوؿ آخر‪:‬‬
‫ف‬
‫نص ُ‬‫باسمي لوُ ما َىكذا من ي ِ‬ ‫ػح‬
‫َْ ُ‬ ‫ب غيظُوُ إ ْذ ل ْػم أبُ ْ‬
‫ْ‬ ‫يا َم ْن تلَ ّه َ‬
‫ف‬
‫يوس ُ‬ ‫ِ‬
‫ف أنا ُ‬ ‫وس ٌ‬
‫فأص ْخ لوُ أنا يُ ُ‬
‫رضيك إال ك ْش ُفػوُ‬
‫إ ْف كاف ال يُ َ‬
‫‪1‬‬
‫فت وما إخالُكتَع ِر ُ‬
‫ؼ‬ ‫عر َ‬ ‫ِ‬ ‫ت َ ِ‬
‫فطناً َ‬
‫تكن‬
‫لك الغطاء فإف ْ‬ ‫ش ْف ُ‬
‫ولقد ك َ‬
‫وقد أراد من خبلؿ ىذا التّكرار اإليقاعي لبلسم العلم "يوسف" صورة داللية حيث ربط‬
‫السبلـ‪ -‬عندما باعو إخوتو إٔب‬
‫السوؽ بصورة سيّدنا يوسف‪ -‬عليو ّ‬
‫اغبريري صورة الفّت وىو يُباع ُب ّ‬
‫حر‪ ،‬وىذا التّكرار التّناصي قد ولّد بُعدا إوبائيا ُب تصوير موقف تارىبي أريد‬
‫السيّارة بثمن خبس وىو ّ‬
‫ّ‬
‫حر ال يُباع وال يُشرتى وأ ّف األمر خدعة من‬
‫منو التّنبيو والتّوضيح من قبل الفّت للحارث بن نبّاـ بأنّو ّ‬
‫السروجي‪.‬‬
‫فعل ّ‬
‫القصة القرآنيّة‬
‫الربط بني ّ‬
‫ويبدو أ ّف شكل اػبطاب اإليقاعي كاف حاظبا ُب حجب إحاالت ّ‬
‫واغبكاية اؼبقاميّة؛ حيث ّأدى التّكرار فيها وظيفة إيقاعية ؿبضة ما نتج عنو غموض بالنّسبة للحارث‬
‫بن نبّاـ‪.‬‬
‫ْت‪.‬‬
‫ْت وختَػل َ‬
‫ك احتل َ‬
‫سيت أنّ َ‬
‫ومن أسلوب التّكرار اللّفظي‪ ،‬تكرير الفعل ُب مثل قولو‪« :‬أنَ َ‬
‫ْت؟»‪ ،2‬فما ىذا التّكرار اؼبتتابع لصيغة الفعل "فعلت" إالّ ذبسيد غبالة‬
‫فعل َ‬
‫ك الّتي َ‬
‫ْت فَػ ْعلَتَ َ‬
‫وفعل َ‬
‫َ‬
‫السروجي لرفيقو اغبارث بن نبّاـ‪.‬‬
‫انفعاؿ غضب وّتويل من قبح خديعة أيب زيد ّ‬
‫إ ّف ىذا التّكرار ٓب يُش ّكل ىندسة إيقاعية فحسب‪ ،‬وإّمبا نقل أيضا ذبربة شعورية جبعل الكلمة‬
‫عجب‪،‬‬
‫اؼبكررة واؼبتتابعة مفتاحا للولوج إٔب تفسري اؼبوقف دالليا برسم إحساس مكثّف من اللّوـ والتّ ّ‬
‫ّ‬
‫السروجي ّاذباه رفيقو‪.‬‬
‫والغضب والتّهويل من فعل ّ‬
‫السروجي‪،‬‬
‫وُب مقامة أخرى عكس التّكرار تصوير اغبريري ؽبفة اغبارث بن نبّاـ لعودة أيب زيد ّ‬
‫رس َخ‪ .‬أفتأذَ ُف لي في‬ ‫ِ‬
‫ودرني قد َ‬
‫س َخ‪َ .‬‬
‫فاستخدـ األلفاظ اؼبتتابعة ُب قولو‪ « :‬قاؿ ٕب‪ :‬إ ّف ب َدني قد اتّ َ‬

‫‪ 1‬المقامة ال ّزبٍدٌة‪ ،‬ص‪.363‬‬


‫الزبيدية‪ ،‬ص‪.370‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪222‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫جعةَ‬
‫والر َ‬
‫الس ْر َع ْو‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫رعةَ‬
‫فالس َ‬
‫ت ّ‬ ‫فقلت‪ :‬إذا ِش ْئ َ‬
‫ُ‬ ‫الم ِهم؟‬
‫وأقضي ىذا ُ‬
‫َ‬ ‫حم‪.‬‬ ‫ِْ ٍ‬
‫قصد قريَة ألستَ ّ‬
‫بِ َدار»‪ .2‬إنّو الفرار‬ ‫ث ابنو على ذلك بقولو‪«:‬بِ َدار‬ ‫الرحيل فيَ ُح ُّ‬ ‫‪1‬‬
‫الر ْج َع ْو!»‪ّ .‬‬
‫لكن أبا زيد يُسرع ُب ّ‬ ‫ّ‬
‫شر وبذر منو‪.‬‬
‫الرحيل دوف عودة للخبلص من ّ‬ ‫والتّعجيل ُب ّ‬
‫ويظهر ىذا النّوع من اإليقاع التّكراري اؼبتتابع ُب مقامة أخرى لل ّداللة على التّشويق َّالسة‬
‫أيب زيد ُب قوؿ اعبماعةالّيت استقبلها الغبلـ الذي يعُد الطّعاـ «وقُػلْنا للغُ ِ‬
‫الـ‪ :‬ىيّا َىيّا‪ .‬وىلُ ّم ما‬
‫تَهيّا!»‪.3‬‬
‫الرجل الذي‬
‫وقد وظّف اغبريري التّكرار أسلوبا جديدا للتّحذير‪ ،‬حيث َمثل ىذا ُب ربذير وّتديد ّ‬
‫استفّت أبا زيد ُب قضيّة‪ ،‬فنبّهو أالّ يسوؽ إليو الكذب ألجل الوصوؿ إٔب الطّعاـ فقاؿ لو‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك الجوعُ الذي ِ‬ ‫«فال ِ‬
‫بم ْن ما َف‪.‬‬ ‫عار األنبِياء‪ .‬وحليَةُ األولياء‪ .‬على أ ْف تل َ‬
‫ْح َق َ‬ ‫ىو ش ُ‬ ‫َ‬ ‫يحملنّ َ‬
‫الح ّرةُ وال تأ ُك ُل بثَ ْديَيها‪ .‬وتأبى الدنيّةَ ول ِو‬ ‫ِ‬
‫بالخلُ ِق الذي يُجان ُ‬
‫ب اإليما َف‪ .‬فق ْد تجوعُ ُ‬ ‫وتتخلّ َق ُ‬
‫قبل‬ ‫بوف‪ .‬وال أُغضي على صف َق ِة م ْغ ٍ‬ ‫لست لك بز ٍ‬
‫ك َ‬ ‫بوف‪ .‬وىا أنا قد أن َذ ْرتُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثم إنّي ُ‬ ‫ت إلَْيها‪ّ .‬‬
‫اضطُّر ْ‬
‫‪4‬‬
‫المكاذبَِة َحذا ِر»‪.‬‬‫من ُ‬ ‫وحذا ِر َ‬
‫ك الس ْتػر‪ِ .‬‬
‫وينعق َد فيما بينَنا ال ِوتْػ ُر‪ .‬فال تُػلْ ِغ تدبُّػ َر اإلنْذا ِر‪َ .‬‬
‫ُ َ‬ ‫ينهتِ َ‬
‫أ ْف َ‬
‫الصيغة‬
‫لعل ىذه ّ‬ ‫الرجل وصرامتو وحزمو ّاذباه أيب زيد‪ ،‬و ّ‬
‫يدؿ على نباىة ّ‬
‫فتكرار ىذه اللّفظة ّ‬
‫الرجل خبداع ضيفو قبل أف يفعل ذلك فآثر التّحذير والتّشديد ُب‬
‫تنم أيضا على إحساس ّ‬
‫التّكرارية ّ‬
‫تنبيهو‪.‬‬
‫الرتتيب‬
‫ومن أسلوب التّكرار اللّفظي ُب مقامات اغبريري تلك األلفاظ ال ّدالّة على التتّابع و ّ‬
‫صفاً‪ .‬وتستَوكِ ُ‬
‫‪5‬‬
‫ف األ ُكف ك ّفاً كفاً»‪.‬‬ ‫ص ّفاً َ‬
‫فوؼ َ‬
‫الص َ‬‫وىي تستَػ ْقري ّ‬ ‫ص ْدتُها َ‬ ‫فر َ‬
‫كما ُب قولو‪َ « :‬‬
‫ِ‬
‫بين رْىط ِو‪ .‬أنّوُ‬
‫فأقس َم َ‬‫الزوجة الّيت شكت للقاضي كذب زوجها اؼبُخادع‪َ «:‬‬ ‫وقولو أيضا بلساف ّ‬
‫شر ِط ِو‪ .‬وا ّدعى أنوُ طالَما نظَ َم ُد ّرًة الى ُد ّرةٍ‪َ .‬‬
‫فباع ُهما ببَ ْد َرةٍ»‪.1‬‬ ‫َوفْ ُق ْ‬

‫‪1‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪ 2‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪3‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪4‬المقامة الفرضية‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫‪5‬القامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪221‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫من‬ ‫ِ‬ ‫أرض إلى ٍ‬ ‫ت ِ‬ ‫وكذا قولو بلساف اغبارث بن نباـ « ِ‬


‫أرض‪ .‬ويجذبُني رفْ ٌع ْ‬ ‫تلفظُني ٌ‬ ‫وس ْر ُ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ض‪ .‬حتى بلغْتُها نِْقضاً على نِ ٍ‬
‫قض»‪.‬‬ ‫خ ْف ٍ‬
‫كل تكرار من‬ ‫ص بنية متّسقة؛ إذ ّ‬
‫إ ّف ىذا التّكرار يكشف عن « فاعلية قادرة على منح النّ ّ‬
‫الشكلي يعني ُب إثارة التّوقع‬
‫ىذا النّوع قادر على ذبسيد اإلحساس بالتّسلسل والتّتابع‪ ،‬وىذا التّتابع ّ‬
‫‪3‬‬
‫ص واالنتباه إليو»‪.‬‬
‫ربفزا لسماع النّ ّ‬
‫السامع أكثر ّ‬
‫السامع‪،‬وىذا التّوقّع من شأنو أف هبعل ّ‬
‫لدى ّ‬
‫ص‪،‬‬
‫عني من النّ ّ‬
‫يعزز ىذا التّكرار التّتابعي كثافة ملحوظة عرب تكرار لفظة واحدة ُب حيّز ُم ّ‬ ‫ّ‬
‫وىو ما يكسب ذلك اغبيّز دفقا غنائيا وكثافة إيقاعية تتولّد عنها كثافة داللية‪.‬‬
‫فالتّكرار اؼبستثمر « يتوقّف قباحو على مدى الوعي الذي يتح ّكم ُب استخدامو واستئثاره‬
‫بنصيب وافر من التّشكيل‪ ،‬فهو يبكن أف وبيي الكلمة وأف يبيتها ُب الوقت عينو‪ ،‬أل ّف التّكرار ُيبثّل‬
‫وتسمر االنتباه فبّا يبعث على اػبشية‬
‫ُب حقيقتو نقطة توقّف ّت ّدد طغياف اإليقاع؛ إذ تنتفخ الكلمة ّ‬
‫من التّكرار اآلٕب الذي يعطّل الوعي‪ ،‬إذ يُعطي الكلمة وزنا ُب البداية وهبعل الوعي يتوقّف عندىا‪ ،‬ث ّػم‬
‫‪4‬‬
‫كأّنا ٓب تكن لتعود ىيمنة اإليقاع وصبود اغبركة على الفضاء اؼبوسيقي »‪.‬‬
‫ما يلبث أف يُفقدىا وزّنا ّ‬
‫يتوخى عبلوة على بُعده اإليقاعي التّأكيد على حقيقة ُمعيّنة‪ ،‬إذ‬
‫السابقة ّ‬
‫فالتّكرار ُب النّماذج ّ‬
‫الصفوؼ الواحد تلو‬
‫األوؿ يَ ْسعى اغبريري إٔب إثبات جدارة العجوز وتركيزىا ُب تتبّع ّ‬
‫ُب األمبوذج ّ‬
‫األكف أيضا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اآلخر دوف ذباوز وُب طلب العطاء من‬
‫بدرة تأكيد على التّنسيق والتّنظيم الذي‬
‫ّأما األمبوذج الثّاين فبإغباحو على تكرار ُد ّرة واتّباعها ّ‬
‫الزوجة الغرائو وكسب موافقتو‪.‬‬
‫ادعاه أبو زيد أماـ والد ّ‬
‫السفر‪.‬‬
‫وُب األمبوذج الثّالث كاف تكراره للفظة "األرض" إوباء ببعد اؼبسافة وطوؿ ّ‬
‫ومن دالالت التّكرار أيضا ُب اؼبقامات اغبريرية‪:‬‬

‫‪1‬المقامة االسكندرية ص‪.89‬‬


‫‪2‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫شعر الجاىلي‪ ،‬موسى ربايعة‪ ،‬منشورات جامعة اليرموؾ‪1988( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫التّكرار في ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫محمد ولد عبدي‪ ،‬ص‪.261‬‬


‫السياؽ واألنساؽ في الثّقافة الموريتانية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪225‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫اس‪.‬‬‫ألمعيّةُ اب ِن عبّ ٍ‬
‫ألمعيّتي َ‬
‫‪ -0‬توضيح معىن الكلمة وتقريبها كقولو بلساف اغبارث‪«:‬فإذا َ‬
‫فعرفتُوُ حينَئِ ٍذ ش ْخصي»‪ 1.‬وذلك لل ّداللة على فطنتو وذكائو‪.‬‬ ‫إياس‪ّ .‬‬ ‫اسةُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫راستي فر َ‬‫وف َ‬
‫ِ‬

‫الرائِ ِد الذي ال‬‫عو َد ّ‬‫ت إلى أصحابي ْ‬ ‫ثم عُ ْد ُ‬‫النّيابة عن كبلـ ؿبذوؼ‪ :‬الستقباح ذكره ومثالو‪ّ « :‬‬
‫ت‬ ‫من َك ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أيت‪ .‬ف َق ْهقهوا ْ‬
‫يت وال ر ُ‬
‫ور ُ‬ ‫أيت‪ .‬وما ّ‬ ‫ش قولَوُ‪ .‬فأخبَػ ْرتُػ ُه ْم بالذي ر ُ‬
‫ب أىلَوُ‪ .‬وال يُػبَرق ُ‬
‫يكذ ُ‬
‫ولعنوا ذلِ َ‬
‫‪2‬‬
‫ت‪.».‬‬ ‫الم ْي َ‬
‫ك َ‬ ‫ت‪َ .‬‬ ‫وَك ْي َ‬
‫ميس ُم‬ ‫يدؿ على بياف ىيئة شخص معني ومثالو‪« :‬وكاف ِح َذتَػهم ش ْخ ِ‬
‫يس ُموُ َ‬ ‫صم َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُْ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -3‬تكرار ّ‬
‫ِ ‪3‬‬ ‫ِ‬
‫تتضمن‬
‫ّ‬ ‫إذ‬ ‫ضافة؛‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫جاءت‬ ‫ص‬
‫ّ‬ ‫الن‬
‫ّ‬ ‫ىذا‬ ‫ُب‬ ‫رة‬ ‫اؼبكر‬
‫ّ‬ ‫األلفاظ‬
‫و‬ ‫الرىباف»‬‫بوس ّ‬ ‫بوسوُ لَ ُ‬‫الشبّاف‪ .‬ولَ ُ‬
‫مكررة بلفظها مع تقارب معناىا‪.‬‬ ‫صورة ىذه الكلمة ّ‬
‫و"أـ" ُب الكىن اللّفظية ُب قولو‪:‬‬
‫كررت كلمة "أيب" ّ‬ ‫‪ -2‬التّكرار لغاية تعليمية‪:‬حيث ّ‬
‫يم‪ِ ّ .‬‬ ‫«فاست ْد ِع أبا ِ‬
‫جام ٍع‪ .‬فإنّوُ بشرى ُكل جائِ ٍع‪ِ .‬‬
‫عزْز‬ ‫ضي ٍم‪ّ .‬‬
‫ثم ّ‬ ‫الصاب ِر على ّ‬
‫كل ْ‬ ‫وأردفْوُ بأبي نُػ َع ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ذيب‪ .‬وأىب بأبي ثَ ٍ‬
‫قيف‪.‬‬ ‫وتع ٍ‬ ‫راؽ ْ‬ ‫إح ٍ‬
‫بين ْ‬ ‫بيب‪ .‬الم َقل ِ‬
‫كل لَ ٍ‬ ‫المحب ِ‬ ‫بأبي َح ٍ‬
‫ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ب الى ّ‬ ‫بيب‪ُ .‬‬
‫ٍ‬
‫جميل‪.‬‬ ‫ت أبا‬
‫ض ْر َ‬
‫استح َ‬
‫ْ‬ ‫عو ٍف‪ .‬ول ِو‬
‫من ْ‬‫عوف‪ .‬فما مثلُوُ ْ‬
‫أليف‪ .‬وىلْمم بأبي ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُْ‬
‫من ٍ‬ ‫ىو ْ‬‫فحبّذا َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫من‬ ‫تتناس ّأـ جابِ ٍر‪ْ .‬‬
‫فكم لها ْ‬ ‫بأـ الق َرى‪ .‬الم َذكرة بك ْسرى‪ .‬وال َ‬ ‫ىل ّ‬
‫وحي َ‬‫ميل‪َ .‬‬‫تج ٍ‬ ‫أي ْ‬‫لج ّم َل ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذاك ٍر‪ .‬وناد ّأـ َ‬
‫‪4‬‬
‫الفر ِج»‪.‬‬
‫ومن صور اإليقاع أيضا ُب نصوص اؼبقامات تكرار أداة من األدوات منها‪:‬‬
‫عجيب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ش ْيءٌ‬
‫‪ -0‬تكرار أداة االستفهاـ ُب اؽبمزة ُب قوؿ اغبريري بلساف القاضي‪« :‬إ ّف ىذا لَ َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍِ‬
‫الخص َمي ِن‪ْ .‬‬
‫ومن‬ ‫ْ‬ ‫ُرضي‬ ‫بم ْغ َرَمي ِن‪ .‬أأ ُ‬
‫ُطيق أ ْف أ َ‬ ‫بس ْه َم ْي ِن‪ .‬أأ َ‬
‫ُلزُـ في قَضيّة َ‬ ‫أأ ُْر َش ُق في موقف َ‬
‫‪5‬‬ ‫أ ِ‬
‫أين؟»‪ .‬وداللة ىذا التّكرار ىي االنفعاؿ والغضب ّ‬
‫الشديد‪.‬‬ ‫ين وم ْن َ‬
‫َ‬

‫‪1‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.74‬‬


‫‪2‬المقامة الفارقية‪ ،‬ص‪.204‬‬
‫‪3‬المقامة ال ّدمشقية‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪4‬المقامة النّصيبية‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫‪5‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.429‬‬
‫‪222‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ذمتو فتقوؿ‪:‬‬
‫الزوجة الغاضبة على زوجها لتأكيد رفضها البقاء ُب ّ‬ ‫‪ -3‬تكرار ال النّافية ُب كبلـ ّ‬
‫واهلل وال بَػ ّواباً لِبابي‪ ،‬وال َعصاً‬
‫لم ْحرابي‪،‬وحساماً ِلقرابي ؟ال ِ‬
‫ُ‬
‫ضاؾ إماماً ِ‬
‫«أتظُنّني ْأر َ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫لجرابي»‪.‬‬
‫الشتائم بني أيب زيد وزوجتو ُب قولو‪«:‬ويْػلَ ِ‬
‫ك يا‬ ‫‪ -2‬تكرار أداة النّداء‪" :‬يا" ُب معرض تبادؿ ّ‬
‫البع ِل والجا ِر!‪ 2»...‬وتكرارىا فيو تنبيو اػبصم إلثارة غضبو‬
‫صةَ ْ‬‫َدفا ِر يا فَجا ِر‪ .‬يا غُ ّ‬
‫وانفعالو‪.‬‬
‫‪ -1‬تكرار أداة االستفهاـ "كم" ُب قولو‪:‬‬

‫ْت في ِه ّػن وا ْعػتَػ َديْ ُ‬


‫ت‬ ‫فرط ُ‬ ‫أست ْغ ِفر الػلػوَ م ْػن ذُن ٍ‬
‫أَ‬ ‫ػوب‬ ‫ُ‬
‫ت‬
‫حت في الغَ ّي وا ْغتَػ َديْ ُ‬ ‫ور ُ‬ ‫جهالً‬
‫الؿ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫بح َر ال ّ‬
‫ت ْ‬ ‫ضُ‬ ‫كم ُخ ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ت‬
‫ْت وافْت َػريْ ُ‬
‫ْت وا ْغتَػل ُ‬
‫واختَػل ُ‬ ‫الهوى ا ْغتِػراراً‬‫ت َ‬‫كم أطَ ْع ُ‬
‫وْ‬
‫ت‬‫المعاصي ومػا ونَ ْػي ُ‬ ‫وكم خلَ ْع ُ ِ‬
‫الى َ‬ ‫ذار رْكػضػاً‬
‫ت الع َ‬ ‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫ت‬
‫الخطايا وما انتػه ْػي ُ‬
‫الى َ‬ ‫ت في التّخػطّػي‬ ‫ناى ْي ُ‬
‫كم تَ َ‬
‫وْ‬
‫فتكراره ألداة االستفهاـ "كم" ُب ىذه األبيات من اؼبقامة األخرية من مقامات اغبريري‪ ،‬قد‬
‫الضمري "أنا"‬
‫السروجي فبثّبل ُب ّ‬
‫ساعد على تنمية داللة فداحة األفعاؿ الّيت كاف يقوـ ُّا أبو زيد ّ‬
‫(خضت‪ ،‬أضعت‪ ،‬خلعت‪ ،‬تناىيت)‪ ،‬وىو ما يُوحي بالنّدـ على ما فات‪.‬‬
‫التّكرار اغبرُب‪:‬‬
‫يتم حدوث التّكرار اغبرُب على مستوى‪ « :‬مسافات زمنيّة قريبة ومتباعدة‪ ،‬فالقريبة تتح ّدد ُب‬
‫ّ‬
‫"السطر" وقد‬
‫تكرار حروؼ متماثلة ُب سطر شعري واحد‪ ،‬فبّا ينتج عنو تكثيف صوٌب يغّن إيقاع ّ‬
‫ص‬
‫عني‪ّ ،‬أما البعيدة فهي تكرار حروؼ على مستوى مقطع أو على مستوى النّ ّ‬‫وبيل إٔب معىن ُم ّ‬
‫‪4‬‬
‫ككل»‪.‬‬

‫‪1‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.425‬‬


‫‪2‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.422‬‬
‫‪3‬المقامة البصرٌة‪‌،‬ص‌‪.555‬‬
‫السالـ المساوي‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫البنيات ال ّدالة في شعر أمل دنقل‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪227‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ص اؼبقامي إٔب ذبانس موسيقي‬


‫الصوت وتكثيفو ُب النّ ّ‬
‫وقد نشأ ىذا اإليقاع النّاتج عن تكرار ّ‬
‫الفن ميزة فريدة تصبح ذات فاعليّة إذا ما حاولنا ربطها باؼبعىن‪.‬‬
‫أكسب ىذا ّ‬
‫الصوت‪،‬فتُصبح ىي اؼبنتجة واؼبتل ّقية لتلك النّصوص جهارة‬
‫وتتّكئ اؼبقامة ُب إيقاعها على ّ‬
‫تنوع موضوعات اؼبقامة وأحداثها ُب تنويع وتكثيف تكرار األصوات‪،‬‬
‫ونبسا وش ّدة ورخاوة‪ ،‬ويُساىم ّ‬
‫نستدؿ على ذلك بقوؿ اغبريري‪« :‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫تفرعا لئليقاعات وإوباءاّتا ويبكن أف‬ ‫األمر الذي يُولّد ّ‬
‫من قِ ّدةٍ ‪،‬وأخ َ‬
‫ش َن‬ ‫ك أقػْبح من قِر َدةٍ‬
‫ك‪ ،‬أل َفيتُ ِ‬
‫إلي ِ‬ ‫علي ِ‬ ‫علِم ِ‬
‫س ْ‬‫َ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ػ‬‫ْ‬‫ي‬‫وأ‬ ‫‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫ػ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ر‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫يت‬
‫ُ‬ ‫بن‬
‫َ‬ ‫حين‬
‫َ‬ ‫أني‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫وأحم َق من ِرجلَ ٍة‪،‬‬ ‫ٍِ‬ ‫يض ٍة‪ ،‬وأبرَز من قِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫شرة‪ ،‬وأبْػ َر َد من ق ّرة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫من َى َ‬
‫من جي َفة‪ ،‬وأث َق َل ْ‬‫من لي َفة‪ ،‬وأنْػتَ َن ْ‬
‫من ِدجلَةَ!»‪.1‬‬
‫وأوس َع ْ‬
‫َ‬
‫فالواضح أ ّف شيوع صوت "اؽبمزة" ُب ىذا اؼبقطع قد عكس شعورا بالغضب واالنفعاؿ وتبادؿ‬
‫ِ‬
‫من‬
‫أـ ْ‬‫من ماد ٍر‪ ،‬وأ ْش َ‬
‫أألـ ْ‬
‫الصوت نفسو‪«:‬يا َ‬ ‫ترد عليو مستخدمة ّ‬ ‫السروجي وزوجو الّيت ّ‬ ‫الشتائم بني ّ‬ ‫ّ‬
‫بشفا ِر َؾ ؟ َ‬
‫وأنت‬ ‫شنا ِر َؾ‪ ،‬وتَػ ْفري ِعرضي ِ‬ ‫قاش ٍر‪ ،‬وأجبن من صافِ ٍر ‪،‬وأطْيش من ِ‬
‫طام ٍر أتَػ ْرميني ب َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أنك أح َقر من قُ ٍ‬
‫وأحيَػ ُر ْ‬
‫من َح ْبػ َقةفي ح ْل َقة‪ْ ،‬‬
‫وأفض ُح ْ‬
‫المةَ‪َ ،‬‬ ‫من بَػ ْغلة أبي ُد َ‬ ‫ب ْ‬‫المة‪ ،‬وأ ْعيَ ُ‬
‫ت ْعلَ ُم َ ُ ْ َ‬
‫‪2‬‬
‫بَػ ّق ٍة في ُح ّق ٍة!»‪.‬‬
‫ويربز ىذا اإليقاع لصوت اؽبمزة لل ّداللة على االنفعاؿ والغضب أيضا ُب موقف القاضي‬
‫ُلزُـ في قَضيّ ٍة‬
‫بس ْه َم ْي ِن‪ .‬أأ َ‬ ‫ٍِ‬
‫السروجي وزوجو ُب قولو‪« :‬أأ ُْر َش ُق في موقف َ‬‫الذي ثارت أعصابو من ّ‬
‫الخص َمي ِن‪.3»...‬‬
‫ْ‬ ‫ُرضي‬ ‫بمغْ َرَمي ِن‪ .‬أأ ُ‬
‫ُطيق أ ْف أ َ‬ ‫َ‬
‫بقوة ىذا‬
‫واؼببلحظ ؽبذه اؼبقاطع يرى أ ّف ورود اؽبمزة ُب بداية اللّفظ قد خلق للمستمع شعورا ّ‬
‫الش ّدة‬
‫القوة و ّ‬
‫القوي يأخذ صوتو أقصى إوباءاتو ُب ّ‬
‫اغبرؼ وش ّدتو وفعاليتو ُب التّأثري ذلك أ ّف « اغبرؼ ّ‬

‫‪1‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.423‬‬


‫‪2‬المقامة النبريزية‪ ،‬ص‪.424‬‬
‫‪3‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.429‬‬
‫‪225‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫أي حرؼ يقع ُب ّأوؽبا‬


‫للصوت أف يش ّد على ّ‬ ‫والفعالية والغلظة عندما يقع ُب ّأوؿ اللّفظة‪ ،‬إذ الب ّد ّ‬
‫‪1‬‬
‫الش ّد ُب ّنايتها»‪.‬‬
‫أكثر فبّا يش ّد عليو ُب وسطها ليش ّد عليو ّأوؿ ما يكوف ّ‬
‫ص‪،‬‬
‫"السني" ُب بعض النّماذج اؼبقامية إيقاعا يواكب معاين اؼبوقف ُب النّ ّ‬
‫وخلق تكرار صوت ّ‬
‫السروجي إٔب‬
‫العامة ليصل ّ‬
‫حيث جعلو اغبريري وسيلة شعريّة للفت االنتباه ُب اؼبساجد أو األماكن ّ‬
‫الصوت ما قبده ُب اؼبقامة اغبلوانية إذ يدخل أبو زيد‬‫غايتو االستجدائية‪ ،‬فمن مواطن تكثيف ىذا ّ‬
‫إٔب اؼبسجد ويتسلّل بني النّاس ُّدوء ويصف ذلك اغبريري بقولو‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫يات ِ‬
‫الناس»‬ ‫س‪ .‬وجلَس في أُخر ِ‬
‫الجالّ ِ‬
‫السني ُب ىذه العبارة‬
‫ّ‬ ‫صوت‬ ‫ار‬
‫ر‬ ‫فتك‬ ‫‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫«فسلّ َم على ُ‬
‫السروجي إٔب دار الكتب‪.‬‬
‫الرقّة واللّيونة واؽبدوء ُب وصف طريقة دخوؿ ّ‬
‫جوا من ّ‬
‫خلق ّ‬
‫السني الذي‬‫ويُكثّف اغبارث بن نبّاـ من وصف البطل ُب موقف آخر مستخدما صوت ّ‬
‫أحدث تكراره نغمة موسيقية ساحرة ُب قولو‪ ...« :‬وكاف ِح َذتَػ ُهم ش ْخص ِميسموُ ميسم الشب ِ‬
‫اف‪.‬‬ ‫ٌ َُ َُ ّ‬ ‫ْ‬
‫واف‪ .‬وفي عينِ ِو ترجمةُ النّ ِ‬
‫شواف‪ .‬وقد قيّ َد لحظَوُ‬ ‫ىباف‪ .‬وبي ِده س ْبحةُ النّس ِ‬
‫ولَبوسوُ لَبوس الر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫الس ْم ِع»‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ف أذُنَوُ الستراؽ ّ‬
‫وأرى َ‬
‫بالج ْم ِع‪َ .‬‬
‫َ‬
‫صور‬
‫اؽبم الذي أصاب اعبماعة ؼبرض أيب زيد فيُ ّ‬
‫يعرب اغبريري عن اغبزف و ّ‬ ‫وُب موقف آخر ّ‬
‫السني ُب القافية قائبل‪:‬‬
‫مصاُّم موظّفا حرؼ ّ‬
‫هم ارتَضعوا الخػنػ َدريسػا‬
‫كأنّ ُ‬ ‫ػج ُػو ُى ْػم‬
‫َحيارى يمي ُد به ْػم َش ْ‬
‫الرؤوسا‬
‫وشجوا ّ‬‫الخدود ّ‬ ‫َ‬ ‫وص ّكوا‬ ‫يوب‬
‫الج َ‬‫روب وعطّوا ُ‬ ‫أسالوا الغُ َ‬
‫‪4‬‬
‫س ُه ْم والنّػفػوسػا‬ ‫وغالَ ْ ِ‬
‫ت نفائ َ‬ ‫سالم ْتػوُ ال َػمػنػو ُف‬
‫يودو َف ْلو َ‬
‫دعمو‪.‬‬‫الصوت ُب األخري إيقاعا حزينا يصف اؼبوقف ويُ ّ‬ ‫وقد خلق ىذا ّ‬
‫الرتىيب وإثارة اؽبيبة واػبوؼ ُب نفوس‬ ‫مكررا ُب مواقف ّ‬
‫ويستخدـ اغبريري حرؼ"اعبيم" ّ‬
‫حير ل ْفظاً‪،‬حتى قُػلْنا‪ :‬قد‬
‫لحظاً‪ ،‬وال يُ ُ‬
‫دير ْ‬
‫أطر َؽ ال يُ ُ‬
‫ثم َ‬‫السروجي قائبل‪ّ ...«:‬‬
‫اؼبستمعني ؼبواعظ ّ‬

‫‪1‬خصائص الحروؼ ومعانيها‪ ،‬حسن عبّاس ‪ ،‬منشورات اتّحاد كتاب العرب‪ ،‬سوريا‪1998( ،‬ـ)‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪2‬المقامة الحلوانية‪ :‬ص‪.27‬‬
‫‪3‬المقامة ال ّدمشقية‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪‌4‬الوقاهت‌الٌّصٍبٍت‪‌،‬ص‌‪.093‬‬
‫‪229‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ُقسم بالسماء ِ‬
‫ذات‬ ‫ِ‬
‫أنفاسوُ‪ ،‬وقاؿ‪ :‬أ ُ ّ‬‫وصع َد َ‬
‫أسوُ‪ّ ،‬‬‫أقنع ر َ‬
‫ثم َ‬ ‫أخر َس ْتوُ غشيَةٌ‪ّ ،‬‬
‫س ْتوُ خشيةٌ‪ ،‬أو َ‬
‫أبلَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذات ِ‬ ‫واألرض ِ‬
‫والهواء‬ ‫اج‪،‬‬ ‫والبح ِر ّ‬
‫العج ِ‬ ‫ْ‬ ‫اج‪،‬‬
‫الوى ِ‬
‫اج ّ‬ ‫والسر ِ‬
‫اج‪ّ ،‬‬ ‫والماء الث ّج ِ‬ ‫جاج‪،‬‬
‫الف ِ‬ ‫ِ‬ ‫األبراج‪،‬‬
‫ِ‬
‫‪1‬‬
‫ص تبلءـ مع القسم دبظاىر ّقوة ا﵁ سبحانو وتعأب‬‫جاج» ‪ ،‬وحضور صوت اعبيم ُب ىذا النّ ّ‬ ‫والع ِ‬ ‫َ‬
‫السامعني‪.‬‬
‫للتأثري ُب ّ‬
‫ويُفيد تكرار صوت اعبيم ُب موقع آخر من نصوص اغبريري إيقاعا نغميا يوحي دبشاعر اغبرية‬
‫والليل قد‬
‫ُ‬ ‫فلم أُفِ ْق إالّ‬
‫والقلق ُب كبلـ اغبارث حني استفاؽ من نومو فوجد أبا زيد قد سرؽ ناقتو‪ْ «:‬‬
‫اف يَعقوبيّ ٍة‪ ،‬أُسا ِوُر‬
‫وأحز ٍ‬ ‫تولّج‪ ،‬والنّجم قد تبلّج‪ ،‬وال السروجي وال المسرج‪ ،‬فبِ ُّ ٍ ٍ‬
‫ت بلَيلَة نابِغيّة‪ْ ،‬‬ ‫ُ ََ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫تارةً في ُر ْجلَتي‪ ،‬وأ ْخرى في َر ْج َعتي‪.» ...‬‬ ‫ِ‬
‫جوـ‪ ،‬أف ّك ُر َ‬
‫جوـ‪ ،‬وأُساى ُر النّ َ‬
‫الو َ‬
‫ُ‬
‫"الراء" فقد ورد التّكثيف بو ُب موقف اضطراب وانفعاؿ نفسي وجسدي حيث‬ ‫ّأما حرؼ ّ‬
‫السروجي على سرقة أمواؿ النّاس بعد‬ ‫تردد وتوتّر اغبارث بن نبّاـ حني أقدـ ّ‬ ‫الصوت ّ‬ ‫حاكى ىذا ّ‬
‫ين طُّراً‪ ،‬لق ْد‬ ‫ِ‬
‫السار َ‬
‫وى َدى بها ّ‬ ‫بم ْن أطْلَ َعو ُزْىراً‪َ ،‬‬
‫زبديرىم ُب مأدبة خطبة؛ إذ يقوؿ‪ «:‬فقلت‪ُْ :‬قس ُم َ‬
‫ِِ‬ ‫يات ِذ ْكراً‪ ،‬ثم ِحر ُ ِ‬ ‫لك في المخ ِز ِ‬ ‫ِج ْئ َ‬
‫صيّوِر أمو‪ ،‬وخي َفةً ْ‬
‫من‬ ‫ت فكرًة في َ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ت شيئاً نُ ْكراً‪ ،‬وأب َق ْي َ‬
‫فرقي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُرع َد ْ ِ‬ ‫ت نفسي َشعاعاً‪ ،‬وأ ِ‬ ‫ع ْدوى ِ‬
‫طارَة َ‬‫فلما رأى است َ‬ ‫ت فَرائصي ْارتياعاً‪ّ ،‬‬ ‫طار ْ‬
‫حتى َ‬ ‫عره‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أجلي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الف ْكر ِ‬ ‫واستِشاطَةَ قلَقي‪ ،‬قاؿ‪ :‬ما َىذا ِ‬
‫كرؾ في ْ‬ ‫ض؟ فإ ْف ي ُك ْن ف ُ‬
‫والرْوعُ الموم ُ‬ ‫ض‪ّ ،‬‬ ‫الم ْرم ُ‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬
‫أجلي‪ ،‬فأنا اآل َف أرتَ ُع وأط ِْف ُر‪.3»...‬‬ ‫من ْ‬‫ْ‬
‫عما ُيباثلو من صور مرئية تنطوي على‬ ‫خاصية التّكرار للتّعبري ّ‬ ‫"الراء" ُب ّ‬ ‫ويستثمر صوت ّ‬
‫نستدؿ على ىذه الفكرة بقوؿ اغبريري واصفا أبا زيد عاري اعبلدة‪ ،‬بادي‬
‫ّ‬ ‫التّحرؾ واإليباء‪ ،‬ويبكن أف‬
‫اعبردة يرتعد من ش ّدة الربد يقوؿ‪:‬‬
‫أص َد ُؽ من عُ ْريي أوا َف الػ ُقػر‬ ‫يا ِ‬
‫قوـ ال يُنبِئ ُك ُػم عػن فَػقػري‬
‫ْ‬
‫وخ ِػفػي ْأمػري‬
‫باط َن حالي َ‬ ‫ِ‬ ‫فاعتَبِروا بِما بَػدا م ْػن ُ‬
‫ض ّػري‬

‫‪1‬المقامة ال ّدمشقية‪ ،‬ص ‪.122‬‬


‫‪2‬المقامة الوبرية‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫‪3‬المقامة الواسطية‪ ،‬ص‪.303‬‬
‫‪211‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ػت نَػبػيوَ الػقػ ْد ِر‬


‫فإنني ُكن ُ‬ ‫الب ِس ْل ِػم ال ْ‬
‫ػدىػ ِر‬ ‫ِ ِ‬
‫وحاذروا انق َ‬
‫‪1‬‬
‫صفري وتُبػي ُد ُس ْػمػري‬
‫تُفي ُد ُ‬ ‫آوي إلى َوفْػ ٍر وح ٍّػد يَػ ْفػري‬
‫اؼبكرر للتّعبري‬
‫الراء ّ‬
‫تصور ىذه األبيات اغبركية اإليقاعية واعبسدية الّيت خلقها صوت ّ‬ ‫حيث ّ‬
‫السروجي‪ ،‬وكذا للتّأثري ُب النّاس الستثارة شفقتهم ودفعهم إٔب منحو اؼباؿ‪ ،‬لذلك أَتْػبَ َع ىذه‬
‫عن حالة ّ‬
‫أوتي خيراً فليُػ ْن ِف ْق‪ ،‬وم ِن استَ َ‬
‫طاع أف‬ ‫ِ‬
‫لين في الفراء‪َ ،‬م ْن َ‬
‫األبيات بقولو‪« :‬يا أرباب الثّراء‪ِ .‬‬
‫الراف َ‬
‫ّ‬ ‫ْ َ‬
‫‪2‬‬
‫ثور»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والدىر َع ٌ‬
‫َ‬ ‫دور‪،‬‬
‫يُرف ْق فليُػ ْرف ْق‪ ،‬فإ ّف ال ُدنْيا غَ ٌ‬
‫السروجي‬
‫الصوت أيضا ُب صورة انفعالية أخرى رظبها اغبريري لغضب ّ‬ ‫ويتكثّف ىذا ّ‬
‫وزم َج َر‪ ،‬وتن ّك َر وف ّك َر‪ 3»...‬ومثاؿ ذلك ما قبده ُب مقامة أخرى حيث يصف‬
‫فتض ّج َر ْ‬
‫بقولو‪َ ...«:‬‬
‫ازدياد االعتِ ِ ِ‬
‫تجرَـ‬ ‫الم ِ‬
‫ناص‪ّ ،‬‬ ‫ياد َ‬
‫ياص‪ ،‬وارت َ‬ ‫اغبريري غضب الوإب من أيب زيد قائبل‪« :‬وكلّما رأى منّي ِ َ ْ‬
‫‪4‬‬
‫علي األُرَـ»‪.‬‬
‫وحر َؽ ّ‬
‫وتضرَـ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الراء يظهر بشكل جلّ ّي ُب ىذا اؼبقطع ومع تشديده احت ّد تكراره‪ ،‬وىذا‬
‫فتكثيف صوت ّ‬
‫صور فيو اغبريري انفعاالت وارتعاشات الغضب‪.‬‬
‫يبلءـ ىذا اؼبشهد الذي ّ‬
‫الصوت االنفجاري اؼبهموس »‪ 5.‬فقد تكثّف ُب سياقات‬
‫ّأما صوت "القاؼ" وىو ذلك « ّ‬
‫الصارـ الذي قطعو‬
‫الش ّدة‪ ،‬ومن ذلك ما ورد ُب القسم ّ‬ ‫ُمعيّنة خالقا إيقاعا نغميا يوحي بالقسوة و ّ‬
‫اغبارث بن نبّاـ على نفسو‪ «:‬فقلت‪:‬والذي خل َقها ِطباقاً‪ ،‬وطبّقها إ ْشراقاً‪ ،‬ال ذُ ُ‬
‫قت لَماقاً‪ ،‬وال‬
‫‪6‬‬
‫باؾ‪.»...‬‬‫ص َ‬ ‫ص َ ِ‬ ‫ب ِ‬‫ت ُرقاقاً‪ ،‬أو تُخبِ َرني أين م َد ُّ‬
‫ب َ‬ ‫مه ُّ‬
‫أين َ‬
‫باؾ‪ ،‬وم ْن َ‬ ‫لُ ْس ُ‬
‫السروجي من سوء اغباؿ‬ ‫ويُكثّف اغبريري إيقاعيا ودالليا بصوت القاؼ ُب سياؽ شكوى ّ‬
‫يومئِ ٍذ‬
‫طوس‪ ،‬وأنا َ‬
‫بوس‪ ،‬ألْقاني الى َ‬
‫الع َ‬
‫وصعوبة اغبياة وقسوّتا‪ ،‬من ذلك قولو‪« :‬ا ْعلَ ْم أ ّف الد ْى َر َ‬

‫‪ 1‬المقامة الكرجٍة‪ ،‬ص‪.250‬‬


‫‪2‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪ 3‬المقامة ال ّدمشقيّة‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫السنجارية‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪5‬ينظر‪ :‬خصائص الحروؼ العربية ومعانيها‪ ،‬حسن عبّاس‪ ،‬ص‪.144‬‬


‫الصورية‪ ،‬ص‪.315‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪210‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ت لسوء‬ ‫التطو ِؽ بالدي ِن‪ّ ،‬‬


‫فادنْ ُ‬ ‫اليَ َدي ِن‪،‬إلى ُّ‬ ‫قير‪ ،‬فألجأني ص َف ُر‬
‫تيل لي وال نَ ٌ‬‫قير‪ ،‬ال فَ َ‬
‫قير َو ٌ‬
‫فَ ٌ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫فاؽ‪ ،‬ممن ىو َع ِسر األ ْخ ِ‬‫االتّ ِ‬
‫ت في اإلنْفاؽ‪. »...‬فالنّ ّ‬
‫ص‬ ‫فتوس ْع ُ‬
‫فاؽ‪ّ ،‬‬ ‫تسنّ َي‬‫ت َ‬
‫وتوى ْم ُ‬
‫الؽ‪ّ ،‬‬ ‫ّْ َ ُ‬
‫يوحي بش ّدة وقساوة العيش وجفائو‪.‬‬
‫السروجي وزوجو بتكثيف صوت القاؼ أيضا ُب مثل‬ ‫عرب ُب موضوع صعوبة العشرة بني ّ‬ ‫ويُ ّ‬
‫طوقي‪ ،‬فأنا منها نِ ْ‬
‫ض ُو َو َجى‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫فو َؽ ْ‬
‫عر َؽ الق ْربَة‪ْ ،‬تمطُلُني بح ّقي‪ ،‬وتكلّ ُفني ْ‬
‫قيت منها َ‬ ‫قولو‪...« :‬فلَ ُ‬
‫يد الظّالِ ِم‪ِ ،‬‬
‫ض ِرب على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإف انتظَ َم‬ ‫تساع ْينا إلى الحاك ِم‪ ،‬ليَ ْ َ‬
‫نح ُن قد َ‬ ‫وشجى‪ ،‬وىا ْ‬ ‫شج ٍو َ‬ ‫ْف ْ‬ ‫وحل ُ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫واالنطال ُؽ»‪.‬‬ ‫ب ْيػنَنا ال ِوفا ُؽ‪ ،‬وإالّ فالطّال ُؽ‬
‫الصوتية حضورىا ووعيها‬
‫ذبسد إذف مقامات اغبريري مظهرا كتابيا مارست فيو الكثافة ّ‬
‫ّ‬
‫لكل داللة وعي‬
‫لكل صوت داللة توحي بو‪ ،‬و ّ‬
‫لكل موقف صوت يُرتصبو و ّ‬ ‫بقصدية ملحوظة‪ ،‬حيث ّ‬
‫الصوتية وامتدادىا قائبل‪«:‬الكثافة يبكن‬
‫ؿبمد العمري عن موقفو من الكثافة ّ‬
‫عرب ّ‬
‫إيقاعي ُهبانسها وقد ّ‬
‫الزمن إٔب أقصى ح ّد من التّعقيد واالمتداد‪ ...‬وقد يتبادر إٔب ال ّذىن‬
‫أف تتضاعف ُب اؼبكاف وسبت ّد ُب ّ‬
‫الشاعرية نتاج تفاعل بني اؼبؤالفة اؼبنتجة‬
‫طردا مع تزايد الكثافة وليس األمر كذلك‪ّ ،‬‬
‫الشاعرية تنمو ّ‬
‫أ ّف ّ‬
‫‪3‬‬
‫واؼبخالفة اؼبعارضة ؽبا »‪.‬‬
‫الصوتية‪ ،‬وبالتّإب ترفع من اؼبستوى‬
‫عزز الكثافة ّ‬
‫ص اؼبقامي على مبدأ التّكرار يُ ّ‬
‫إ ّف ارتكاز النّ ّ‬
‫ص‪ ،‬والنظر إٔب ىذا اؼبستوى « من شأنو أف يوقفنا على خصوصية اعبملة داخل اؼبّت‬ ‫اإليقاعي للنّ ّ‬
‫اؼبقامي‪ ،‬الّيت سبارس وعيها اإليقاعي بنفس ال ّدرجة الّيت زبضع فيو لسياقها ال ّدالٕب‪ ،‬ىذا اغبضور‬
‫مكونات صوتية سبنحها كثافة ُب األداء »‪.4‬‬
‫اإليقاعي اؼبتميّز ىبلق من الكلمة بُؤرة اللتقاء ع ّدة ّ‬
‫متنوعة وحضوره ليس عابرا بل مقصودا ُب كثري‬
‫فالتّكرار ُب مقامات اغبريري وبمل دالالت ّ‬
‫نصيّة وإيقاعية ُب الوقت نفسو‪ ،‬وىو ما يُكسب‬‫من األحياف؛ إذ يُراد من ورائو ربقيق أىداؼ ّ‬

‫الرقطاء‪ ،‬ص‪.262‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬المقامة التّبريزية‪ ،‬ص‪.421‬‬


‫شعر( الكثافة‪ ،‬الفضاء‪ ،‬التّفاعل)‪ ،‬محمد العمري‪ ،‬الدار العالمية للكتاب‪ ،‬ط‪1990(1‬ـ)‪،‬‬
‫الصوتية في ال ّ‬
‫شعري‪ ،‬البنية ّ‬
‫تحليل الخطاب ال ّ‬
‫‪3‬‬

‫ص‪.123‬‬
‫ص النّثري‪ ،‬إبالغ محمد عبد الجليل‪ ،‬ص‪.116‬‬
‫شعرية النّ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪213‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫ص اؼبقامي طاقة‬
‫األصوات ائتبلفا وانسجاما‪ ،‬ويزيد اؼبضموف وضوحا وجبلء‪ ،‬وُّذه األىداؼ ُب النّ ّ‬
‫داللية وصبالية تساىم ُب انزياحيتو من اعبانب اإليقاعي‪.‬‬
‫‪ -5‬التّجنيػس‪:‬‬
‫ؼبعتز تعبرييّا‪ ،‬وربطو عبد‬
‫الشعر وقد درسو ابن ا ّ‬
‫خاصية فنّية مشرتكة بني النّثر و ّ‬
‫يُعترب التّجنيس ّ‬
‫القاىر اعبرجاين وظيفيا بطاقتو التّأثريية على اعبانب النّفسي للمتل ّقي فهو يرى أ ّف ال ّدارس ال‬
‫يستحسن « ذبانس اللّفظتني إالّ إذا كاف موقع معنييها ُب العقل موقعا ضبيدا‪ ،‬وٓب يكن مرمى اعبامع‬
‫بينهما مرمى بعيدا‪.1»...‬‬
‫كل واحدة‬
‫ّأما أبو ىبلؿ العسكري فيقوؿ أ ّف التّجنيس ىو أف «يورد اؼبتكلّمكلمتني ذبانس ّ‬
‫منهما صاحبتها ُب تأليف ُحروفها »‪.2‬‬
‫توسع العرب كثريا ُب دراسة ىذا النّوع إيقاعيا أو دالليا‪ ،‬ونسعى كبن من خبلؿ‬
‫وعموما فقد ّ‬
‫الصوٌب اإليقاعي‪ ،‬وقد نبّو اعبرجاين إٔب تفاعل‬
‫ص اؼبقامي إٔب معاعبة الوظيفتني معا ضمن االنزياح ّ‬
‫النّ ّ‬
‫يتم إالّ‬
‫الصوت وال ّداللة حني قارب التّجنيس فقاؿ‪ «:‬إ ّف ما يُعطي التّجنيس من الفضيلة أمر ٓب ّ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫حّت‬
‫حسيّا‪ّ ،‬‬
‫بنصرة اؼبعىن » ‪ ،‬ويقوؿ أيضا‪ «:‬وعلى اعبملة فإنّك ال ذبد ذبنيسا مقبوال‪ ،‬وال سجعا ّ‬
‫‪4‬‬
‫يكوف اؼبعىن ىو الذي طلبو واستدعاه وساؽ كبوه »‪.‬‬
‫ونتطلّع ُب ىذه ال ّدراسة للتّجنيس ُب اؼبقامات اغبريرية إٔب التّشديد على البنيتني‪ ،‬فمعاعبة‬
‫الصوت بال ّداللة وذلك باالبتعاد إٔب ما‬
‫الصوت رب ّقق مقاربة ناجحة إذا ما استثمرت ُب ضوء عبلقة ّ‬
‫ّ‬
‫الصوتية اإليقاعية‪.‬‬
‫خاصة ُب البنية ّ‬
‫ص اؼبقامي من تصنّع وتكلّف وتعقيد ّ‬
‫قيل وعرؼ عن النّ ّ‬

‫‪1‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص‪.15‬‬


‫الصناعتين‪ ،‬أبو ىالؿ العسكري‪ ،‬ص‪.289‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬أسرار البالغة‪ ،‬عبد القاىر الجرجاني‪ ،‬ص ‪.16‬‬


‫‪4‬نفسو‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪212‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫اػباصية اإليقاعية على أ ّّنا « صياغة تعبريية تكسب ال ّداللة قيما‬


‫وعليو يبكن النّظر إٔب ىذه ّ‬
‫الصوتية ُب بنية األنساؽ‬
‫صبالية حبركتها الثّبلثية (االنسجاـ‪ ،‬والتّناسب والتّآلف) ُب عناصر ال ّدواؿ ّ‬
‫‪1‬‬
‫الصيغة البنائية »‪.‬‬
‫الصورة و ّ‬
‫للصوت و ّ‬
‫السلّم اؼبعياري ّ‬
‫اللّغوية من خبلؿ ربقيقها درجات واعية ُب ّ‬
‫خاصية التّجنيس بشكل كبري‪ ،‬وتكريسو خلق حركية إيقاعية‬ ‫بنيت اؼبقامات اغبريرية على ّ‬
‫الصور على األغلب إلسباـ‬‫الرتاكيب‪ ،‬وقد جاءت مثل ىذه ّ‬ ‫خاصة تلك الّيت ترد ُب ّناية ّ‬
‫الفتة لبلنتباه ّ‬
‫وأغار‬ ‫ث سوى أف بتَػر شمل ِ ِ‬
‫شرحو‪َ ،‬‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫أح َد َ‬
‫الشعرية‪« :‬ما ْ‬
‫اؼبعىن وإكمالو ومن ذلك قولو ُب اؼبقامة ّ‬
‫ِِ ‪2‬‬
‫الصوتية بني‬
‫ّ‬ ‫اؼبماثلة‬ ‫تربز‬ ‫وىنا‬ ‫وسرحو)‬ ‫(شرحو‬ ‫بني‬ ‫يري‬‫ر‬‫اغب‬ ‫جانس‬ ‫فقد‬ ‫على ثُػلُثَ ْي َس ْرحو»‪.‬‬
‫يتم فهم وشرح القصيدة‬ ‫السرح فبل ّ‬‫الشرح‪ّ ،‬‬ ‫اللّفظتني‪ ،‬واؼبقاربة ال ّداللية بينهما حيث تستدعي كلمة ّ‬
‫تامة ؾبتمعة‪.‬‬
‫الّيت نظمها أبو زيد إالّ إذا كانت أجزاؤىا ّ‬
‫وُب قوؿ آخر‪« :‬وال أُصافي‪َ ،‬م ْن يأبى إنْصافي‪ ،‬وال أُواخي‪َ ،‬م ْن يُػلْغي األواخي‪ ،‬وال أُمالي‬
‫صرَـ ِحبالي‪ ،‬وال أُداري َم ْن ج ِه َل ِمقداري‪ ،‬وال أُعطي ِزمامي‬‫بم ْن َ‬
‫ب آمالي‪ ،‬وال أُبالي َ‬
‫َم ْن يُخيّ ُ‬
‫َم ْن يُ ْخ ِف ُر ِذمامي‪ .3»...‬فتتابع التّجنيسات جاء إلسباـ معىن الكبلـ ما خلق تواترا صوتيا وإيقاعيا بني‬
‫األلفاظ (أصاُب وإنصاُب) و(أبإب و حبإب) و(زمامي وذمامي)‪.‬‬
‫باعبار واَّرور أو‬
‫وقد يُراد من التّجنيس التّحديد والتّخصيص وذلك بالفصل بني اؼبتجانسني ّ‬
‫أخص ِ‬
‫بأداة حصر كما ُب قولو‪«:‬وال أغ ِر ُ‬
‫‪4‬‬
‫بحبائي إالّ‬ ‫أرض األعادي» أو «وال ُ ّ‬ ‫س األيادي في ِ‬
‫غير أ ِو ّدائي»‪.6‬‬ ‫لدائي‬ ‫ب‬ ‫أحبائي»‪ ،5‬أو «وال أست ِ‬
‫ط‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت‪ ،‬وحيّا تحيّةَ‬‫ف ِوقْػ َفة متهافِ ٍ‬ ‫تدؿ اَّانسة على اغباؿ والنّوع كما ُب قولو‪« :‬فوقَ َ‬ ‫وقد ّ‬
‫ُ‬
‫ت»‪ 7‬فاَّانسة ىنا تصف ىيئة أيب زيد عند وقوفو وكبلمو‪ ،‬وترتبط أيضا بالتّفصيل ومن ذلك‬ ‫خافِ ٍ‬

‫‪1‬األسلوبية وثالثية ال ّدوائر‪ ،‬عبد القادر عبد الجليل‪ ،‬ص‪.572‬‬


‫شعرية‪ ،‬ص‪.225‬‬
‫المقامة ال ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬المقامة ال ّدمياطية‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫‪4‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪5‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪6‬المقامة نفسها‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪7‬المقامة البرقعيدية‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪211‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬
‫ٍ ‪1‬‬
‫واز ُف في‬
‫بل نتَ َ‬ ‫ِ‬
‫موع م ْفضوضة» وكذا ُب قولو‪« :‬ال واهلل ْ‬ ‫ضوض ٍة‪ُ ،‬‬
‫ود ٍ‬ ‫مر َ‬ ‫ٍ‬
‫ْت ع ْنوُ ب َكبِد ْ‬
‫ففصل ُ‬
‫قولو‪َ «:‬‬
‫حتى نأَ َف التّغابُ َن ونُ ْكفى التّضاغُ َن»‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫المقاؿ وْز َف المثْقاؿ‪ ،‬ونَتحاذَى في الفعاؿ ح ْذ َو النّعاؿ ّ‬
‫َ‬
‫ص اؼبقامي كما يظهر ُب قولو‪:‬‬
‫ويتجلّى اإليقاع داالّ على التّقابل بني طرُب اعبناس ُب النّ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«ونائِ ُل ي َديْو َ‬
‫فاض‪ .‬و ُش ُّح قلبِو َ‬
‫‪3‬‬
‫غاض»‪.‬‬
‫تدؿ اَّانسة بني اللّفظني‪( ،‬فاض وغاض) على العطاء وتدفّقو‪ ،‬وزواؿ الكراىية واغبقد‬
‫حيث ّ‬
‫اؼبادة وبني الكراىية وىي من‬ ‫من قلب ىذا الوإب‪ ،‬فقد قاـ التّضاد بني العطاء وىو من مقتضيات ّ‬
‫الشعور‪.‬‬
‫مقتضيات ّ‬
‫وس ْبػ ُرهُ»‪ 4‬فالتّجنيس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وُب قولو أيضا‪« :‬وغَل علينا شي ٌخ قد ذى ِ‬
‫ب ح ُبرهُ وس ْبػ ُرهُ‪ ،‬وبق َي ُخ ْبػ ُرهُ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫وتدؿ على التّضاد بني أمر م ّادي ىو اعبماؿ وأمر معنوي روحي ىو العلم‪،‬‬ ‫وس ْربه) ّ‬ ‫ِ‬
‫ًبّ بني (س ْربه َ‬
‫الشيخ قد فنيت ىيئتو وحسنو وٓب يبق لو سوى علمو وذبربتو ُب اغبياة‪.‬‬
‫فيشري إٔب أ ّف ّ‬
‫اؼبتضادين كما ُب قولو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ويعمد اغبريري باستخداـ اَّانسة إٔب الوصف التّفصيلي باؼبقابلة بني‬
‫ت‬‫اف‪ ،‬وصلِي ِ‬‫خجل النّػير ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫سفر ْ‬ ‫وج ُد لها في َ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫الجماؿ ُمجاريَةٌ‪ ،‬إ ْف َ‬ ‫كانت عندي جاريةٌ‪ ،‬ال ي َ‬ ‫«و ْ‬
‫ت‬‫ت ىيّج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالمجاف‪ ،‬وإ ْف رنَ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫المرجا ُف‬
‫وبيع ْ‬ ‫بالجماف‪َ ،‬‬ ‫ت ُ‬ ‫ت أ ْزَر ْ‬ ‫بس َم ْ‬
‫لوب بالنّيراف‪ ،‬وإ ْف َ‬ ‫ال ُق ُ‬
‫ص َم من المعاقِ ِل‪،‬‬ ‫ت العُ ْ‬ ‫ت لُب العاقِ ِل‪ ،‬واست ْنػ َزلَ ِ‬
‫ت ع َقلَ ْ ّ‬ ‫سح َر بابِ َل‪ ،‬وإ ْف نط َق ْ‬
‫ت ْ‬ ‫البالبِ َل‪ ،‬وح ّق َق ْ‬
‫الموؤود»‪.5‬‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ؤود‪ ،‬وأحي ِ‬
‫ت الم ْف َ‬‫أت ش َف ِ‬‫وإ ْف قر ْ‬
‫َ‬
‫لساحر ونلحظ ىذا الوصف أيضا ُب‬ ‫وُّذا يكوف اغبريري قد رسم صورة تفصيلية للجارية وصباؽبا ا ّ‬
‫تدور»‪ ،6‬فتتابع اعبناس ُب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫تمور‪ ،‬وموائ ُدهُ ُ‬
‫تفور‪ ،‬ووالئ ُدهُ ُ‬
‫شارهُ ُ‬
‫تخور‪ ،‬وأ ْع ُ‬
‫شارهُ ُ‬
‫ْتادني إلى بيت ع ُ‬
‫قولو‪« :‬واق َ‬
‫يعج باغبركة ويفيض باػبري العميم‪.‬‬
‫ىذا اؼبقطع عكس رظبا جليّا وحيّا لذلك البيت الذي ّ‬

‫‪1‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ 2‬المقامة الدمٍاطٍة‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫الرقطاء‪ ،‬ص‪.264‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪4‬المقامة الملظية‪ ،‬ص‪.380‬‬


‫السنجارية‪ ،‬ص(‪.)180-179‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪5‬‬

‫شتوية‪ ،‬ص ‪.471‬‬


‫المقامة ال ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪215‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫دي‪،‬‬ ‫العاؽ كما ي ّدعي أماـ القاضي فيقوؿ «إ ّف ابْني ىذا كال َقلَ ِم ّ‬
‫الر ّ‬ ‫السروجي ابنو ّ‬‫ويصف ّ‬
‫الخال ِ‬
‫أخالؼ ِ‬ ‫ِ‬ ‫والسيف ِ‬
‫أحج َم‪ ،‬وإذا‬
‫مت َ‬ ‫ؼ‪ ،‬إ ْف أق َد ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ُع‬
‫وير َ‬
‫صاؼ اإلنصاؼ‪ْ ،‬‬ ‫يجه ُل ْأو َ‬
‫ي‪َ ،‬‬ ‫ِ ّ‬
‫الصد ّ‬
‫أعج َم»‪.1‬‬
‫ت َ‬ ‫أعربْ ُ‬
‫َ‬
‫خلق التّجنيس ُب ىذه العبارات إيقاعا تفصيليا من خبلؿ سرد صفات الفّت‪.‬‬
‫األوؿ منو ُب ّأوؿ العجز كما ُب قولو‪:‬‬
‫وقد يكوف اللّفظ اَّانس ّ‬
‫‪2‬‬
‫ىر الػذي عػانَػوُ‬
‫أعانَوُ ال ّد ُ‬ ‫اليوـ كػأ ْف ل ْػم ي ُك ْػن‬
‫فأصبح َ‬‫َ‬
‫الشعر فقد اعتمد اغبريري ُب بعض األبيات الّيت أوردىا ُب مقاماتو اعبناس دبراعاة‬ ‫ّأما ُب ّ‬
‫وضح أ ّف اعبناس‬
‫التّصدير؛ حيث يرد اللّفظ اَّانس الثّاين منها مقطعا أي آخر لفظ ُب البيت وىذا يُ ّ‬
‫ص اؼبقامي‪.‬‬
‫الرتكيب اؼبوسيقي ُب شعر النّ ّ‬
‫مستقل بنسبة غري قليلة ُب ّ‬
‫ّ‬
‫ومن ذلك قولو‪:‬‬
‫جواب ٍ‬ ‫أ ْك ِرْـ ِبو أص َف َر راقَ ْ‬
‫‪3‬‬
‫فرتُػ ْو‬
‫ت َس َ‬
‫آفاؽ تر َام ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫فرتُ ْو‬
‫صَ‬ ‫ت ُ‬
‫الصدر (صفرتو‪ ،‬سفرتو)‪.‬‬ ‫األوؿ منو ىبتم ّ‬
‫حيث نبلحظ أ ّف اللّفظ اَّانس ّ‬
‫وقولو أيضا‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫ود ْر مع ال ّدى ِر كي َفػمػا دارا‬
‫ُ‬ ‫ال ْتب ِ‬
‫ك إلْػفػاً نػأى وال دارا‬
‫‪5‬‬
‫جوج في أ ُّـ ال ُق َػرى‬ ‫يخ الذي سن ِ‬ ‫رم ِة ال ّ‬
‫المح َ‬
‫س ْ‬‫وأس َ‬
‫ّ‬ ‫الق َػرى‬ ‫ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫وح َ‬‫ُ‬
‫اؼبادية وىي م ّكة‪.‬‬
‫فالقرى داللة على اؼبنزلة اؼبعنوية وىي الكرـ وأـ القرى داللة على اؼبنزلة ّ‬
‫وقد يأٌب اللّفظ اَّانس من التّصدير ُب غري منزلة معيّنة كما ُب قولو‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫ػض الػيَ َديْ ِن‬ ‫سادمػاً ن ِ‬
‫ِ‬ ‫قُل ٍ‬
‫ػادمػاً َيع ّ‬ ‫غاد ْرتُػو ب ْػعػ َد ب ْػينػي‬
‫لواؿ َ‬ ‫ْ‬
‫قولو أيضا‪:‬‬

‫الصعدية‪ ،‬ص‪.392‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المقامة التّفلٍسٍة‪ ،‬ص ‪.355‬‬


‫‪ 3‬المقامة ال ّدينارية‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫السمرقندية‪ ،‬ص ‪.291‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ 5‬المقامة الكوفية‪ ،‬ص‪.52‬‬


‫‪6‬‬
‫الرحبٍة‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪212‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫‪1‬‬
‫ألجني الػف َػر ْح‬ ‫ِ‬ ‫مت السفار وج ُ ِ‬
‫ل ِز ُ‬
‫فار ْ‬
‫ت الن َ‬
‫وع ْف ُ‬ ‫ػار‬
‫بت القػف َ‬ ‫َ ُ‬
‫تدؿ على اغبزف واغبرية‬
‫األوؿ جرى اعبناس ما بني اللّفظني (سادما‪ ،‬نادما) فاألؤب ّ‬
‫ُب البيت ّ‬
‫لتدؿ على النّدـ‪ ،‬فنراه قد وظّف اعبناس ُّذا التّتابع ليوحي بأ ّف الوإب قد أورثو اغبزف‬
‫‪،‬وتبعتها الثّانية ّ‬
‫(يعض اليدين)‪ ،‬وُّذا نبلحظ أ ّف اعبناس ُب ىذا البيت‬
‫ّ‬ ‫واغبرية‪ٍ ،‬بّ أتبعهما ندـ شديد دلّت عليو صبلة‬
‫قد كاف لو دور مزدوج؛ أي دور إيقاعي ودور دالٕب‪.‬‬
‫ّأما البيت الثّاين الذي يليو فكاف تتابع التّجنيس فيو ؽبدؼ تفصيلي وصفي من حيث ال ّداللة‬
‫وإيقاعي بال ّدرجة األؤب‪.‬‬
‫وقد يأٌب اعبناس ُب شعر اؼبقامات أيضا لل ّداللة على التّقابل للمقارنة بني أمرين وتفضيل‬
‫أحدنبا على اآلخر كما ُب قولو‪:‬‬
‫المق ِػاـ‬ ‫وقلت لالئِمي ِ‬
‫قاـ على ُ‬
‫الم َ‬
‫تار َ‬
‫سأ ْخ ُ‬ ‫أقص ْر فػإنّػي‬ ‫ُ‬
‫ِ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالحطي ِم عن ُ‬
‫الحطػاـ‬ ‫وأسلو َ‬ ‫ْ‬ ‫جم ٍع‬
‫بأرض ْ‬ ‫عت ِ‬ ‫جم ُ‬
‫وأُنف ُق ما َ‬
‫الروحي‬ ‫يدؿ على اعبانب ّ‬ ‫السبلـ‪ّ -‬‬
‫فلفظ" اؼبَقاـ" بداللتو على مقاـ سيّدنا إبراىيم – عليو ّ‬
‫يدؿ لفظ" اؼبقاـ "على اإلقامة‪ ،‬وبالتّإب لو صلة باعبانب ال ّدنيوي‪ ،‬واألمر نفسو‬ ‫واإليباين‪ ،‬بينما ّ‬
‫ُ‬
‫اؼبشرفة و"اغبطاـ" الّيت تعّن متاع ال ّدنيا‬
‫تدؿ على اغبجر األسود للكعبة ّ‬ ‫بالنّسبة للفظة "اغبطيم" الّيت ّ‬
‫فكل منهما يشري إٔب‬
‫الزائل فبني اؼبتجانسني (اؼبَقاـ واؼبُقاـ) و(اغبَطيم واغبطاـ) تقابل من حيث داللة ّ‬
‫ّ‬
‫نقيض ما يشري إليو اآلخر‪.‬‬
‫الشعرية للغة اؼبقامات أ ّف اغبريري يبتلك قدرة‬
‫الشواىد النّثرية و ّ‬
‫وما ُيبكن استنتاجو من ىذه ّ‬
‫فائقة على تصريف األلفاظ وتنسيقها‪ ،‬وأ ّف قدرتو تلك أظهرت اللّغة الّيت يتعامل ُّا على ّأّنا لغة‬
‫حّت وإف كاف متكلّفا إالّ أنّو جاء‬
‫للسجع والتّجنيس ُب اغبقيقة ّ‬
‫إيقاعية بال ّدرجة األؤب‪ ،‬فتكثيفو ّ‬
‫اؼبتكرر من جهة ويربط بني ال ّداللة واإليقاع‬
‫ليخدـ نربة اؼبوقف‪ ،‬وىذا ما جعلو يكسر رتابة اإليقاع ّ‬
‫من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪ 1‬المقامة الدّمشقٍة‪ ،‬ص‪.124‬‬


‫‪2‬‬
‫الرملٍة‪ ،‬ص‪.319‬‬
‫المقامة ّ‬
‫‪217‬‬
‫الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري‬

‫«إ ّف األداء اإليقاعي ىبتلف حسب اختبلؼ اؼبوقف‪ ،‬من ُسخرية إٔب ج ّدية‪ ،‬ومن وعظ إٔب‬
‫الشعر‪ ،‬فحينما يُلقي البطل اللّوـ على‬ ‫ؽبو‪ ،‬ومن مكر إٔب كدية‪ ،‬فضبل عن االنتقاؿ من النّثر إٔب ّ‬
‫نتصور إالّ تغيريا ملحوظا ُب األداء‪ ،‬إ ّف مراعاة نربة‬
‫عرب عن ذلك شعرا‪ ،‬فبل ُيبكن لنا أف ّ‬
‫ال ّدىر ‪ ،‬ويُ ّ‬
‫‪1‬‬
‫اؼبوقف جانب أساسي من اسرتاتيجية اإليقاع ُب اؼبقامات »‪.‬‬
‫الرغم من التّكلّف الذي ذبنح إليو اؼبقامات إالّ أنّنا نلمس االبتكار ُب لغتها دبا يبنحها‬
‫وعلى ّ‬
‫نص اغبريري‬
‫كل لفظة ُب ّ‬ ‫ربوال وحيوية وحركية وإيقاعا‪ ،‬وىو ما جعلها تتميّز بالكثافة اإلوبائية؛ إذ ّ‬
‫ّ‬
‫توحي باؼبعىن ال ّدقيق للموقف الذي خلقت لو‪ ،‬ويتجلّى ذلك من خبلؿ اتّساقها مع االنفعاالت‬
‫ص اؼبقامي‪.‬‬
‫واألفكار واؼبواقف اؼبختلفة الّيت احتواىا النّ ّ‬
‫وعليو فاالنزياح اإليقاعي ُب لغة اغبريري اؼبقامية ٓب يقف عند حدود اإليقاع فحسب‪ ،‬وإّمبا‬
‫الصورة على اختبلؼ أنواعها‪.‬‬
‫تع ّداه إٔب بؤرة اؼبعىن وأفق ّ‬

‫محمد عبد الجليل‪ ،‬ص‪.122‬‬


‫ص النّثري‪ ،‬إبالغ ّ‬
‫شعرية النّ ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪215‬‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬
‫‌‬

‫الخاتمة‬

‫‪219‬‬
‫الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يتضمن من من‬
‫عامة والتّشكيل األسلويب دبا ّ‬
‫كبسب بعد ىذا اغبديث عن األسلوب بصفة ّ‬
‫ؿباور تتحكم ُب صياغتو‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من انزياح لغوي أنّنا نستطيع االطمئناف إٔب وضوح‬
‫الرتاثية ُب تراثها اػبصب باألساليب الّيت تنزاح عن مألوؼ ما ُوضعت لو‬
‫الرؤية‪ ،‬بالنّسبة للنّصوص ّ‬
‫ّ‬
‫اؼبعوقات‬
‫معوقات حياتو تلك ّ‬
‫توضح صراع اإلنساف العريب ض ّد ّ‬
‫ألغراض فنّية‪ ،‬وصبالية وأخرى إوبائية ّ‬
‫الّيت كانت وليدة البيئة اعبغرافية واالجتماعية الّيت عاش ُب ظلّها‪.‬‬
‫توصلنا إليها ُب النّقاط اآلتية‪:‬‬
‫ويبكن تلخيص النّتائج الّيت ّ‬
‫للرتاث النّقدي القدًن باعتماد‬
‫‪ -0‬ىدفت ال ّدراسة إٔب إعادة اكتشاؼ اؼبعايري األسلوبية واعبمالية ّ‬
‫اىتمت‬
‫القراءة اؼبقاربتية الّيت تعمل على بلورة نظرية أسلوبية عربية باالعتماد على النّصوص الّيت ّ‬
‫باألسلوب والنّظم وطريقة تأليف الكبلـ‪.‬‬
‫‪ -3‬يقوـ التشكيل األسلويب ُب النّصوص على التفاعل بني ؿباور اػبطاب‪ ،‬باالضافة إٔب اإللتزاـ‬
‫باؼبقتضيات اؼبناسبة للمقاـ دبا يسمح بتحقيق األىداؼ واؼبقاصد‪.‬‬
‫‪ -2‬أبرزت ال ّدراسة أ ّف النّقد الببلغي العريب القدًن قد تناوؿ بشكل مكثّف ظاىرة االنزياح انطبلقا من‬
‫الشجاعة العربية‪ ...‬وغريىا من اؼبصطلحات‪ ،‬الّيت تعكس أسبقية‬
‫مصطلح العدوؿ واالتّساع و ّ‬
‫العرب ُب كشف ىذه الظّاىرة ودراستها من ـبتلف جوانبها‪.‬‬
‫طورت معها علما قائما بذاتو ظبّي بعلم األسلوب أوما‬
‫‪ -1‬إ ّف أنبّية األسلوب خلقت فضاءات ّ‬
‫يُصطلح عليو باألسلوبية‪ ،‬فارتبطت بذلك طريقة سبك الكبلـ ونظمو بعلم صار فيما بعد منهجا‬
‫يكشف خبايا النّصوص وإوباءاّتا اعبمالية وال ّداللية‪.‬‬
‫يوضح التّجربة اإلنسانية‬
‫ذوؽ والتّأويل‪ ،‬حيث ّ‬
‫مؤسسا على اؼبتعة والتّ ّ‬
‫ص اؼبقامي خطابا ّ‬
‫جسد النّ ّ‬
‫‪ّ -5‬‬
‫ُب عهد فقد فيو اإلنساف الكرامة والعدؿ واإلنصاؼ‪ ،‬وقد حاوؿ اغبريري بناء قناة اتّصاؿ بينو‬
‫الضروري أف‬
‫ص اؼبقامي حقبل خصبا للثّقافة واؼبعرفة فإنّو قد أصبح من ّ‬
‫وبني القارئ ‪ ،‬فإذا كاف النّ ّ‬
‫يبتلك القارئ ُب اؼبقابل إمكانات تعينو على فهم اؼبلفوظ وإعادة بناءه من جديد‪ ،‬حيث تع ّددت‬
‫الشخصيات التّارىبية‪ ،‬وإدراكها يقتضي موسوعة قرائية‬
‫اؼبعارؼ وذباوزت ذلك إٔب األمثاؿ العربية و ّ‬
‫كبرية‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -2‬ق ّدـ االنزياح اللّغوي معطا قرائيا تأويليا ُمتع ّددا‪ ،‬حيث أعاننا على كشف ال ّدالالت العميقة ُب‬
‫الغش‬
‫حوؿ واالغرتاب واالحتياؿ والنّفاؽ و ّ‬
‫وضح ظاىرة التّنكر والتّ ّ‬
‫ص اؼبقامي للحريري ‪ ،‬دبا يُ ّ‬
‫النّ ّ‬
‫واػبداع فاتّسم خبصائص اؼبفاجأة واإلغراب‪.‬‬
‫حوالت ُب اللّغة‪ ،‬وبو قد‬
‫ص النّثري اؼبقامي ىو انعكاس ربصيلي لقدرة التّ ّ‬
‫‪ -7‬االنزياح اللّغوي ُب النّ ّ‬
‫كل مقامة‪،‬‬
‫غريات والتّقلّبات الّيت كاف يظهر ُّا البطل ُب ّ‬
‫توسعت التّنويعات األسلوبية تبعا للتّ ّ‬
‫ّ‬
‫ص تيّارات دوف إقصاء؛ حيث منحت اؼبقامة شرعية لآلراء وتش ّكلت‬ ‫فتتبلقى على سطح النّ ّ‬
‫سسيونصية‪ ،‬فتبلقت ـبتلف الفئات ُب النص اؼبقامي بكل مستوياّتا من القاضي‬
‫ّ‬ ‫بذلك بنية‬
‫الشخصيات تنويعا ُب‬‫الغّن والعآب واعباىل‪ ،‬واؼبرأة والفّت‪ ...‬ويبثّل التّنويع ُب ّ‬
‫والوإب والفقري و ّ‬
‫األساليب‪ ،‬والتّع ّدد األسلويب ىو تع ّدد للطّرائق والكيفيات واألصوات واالنفعاالت والتّعبريات‪.‬‬
‫‪ -5‬حاوؿ البحث أف يربز صبالية التّنويع األسلويب واللّغوي داخل اػبطاب اؼبقامي‪ ،‬وانسجاـ البناء‬
‫مكوناتو ومستوياتو‪ ،‬وإبراز اعبدلية الّيت يعيشها اَّتمع ُب عصر‬
‫اؼبعماري واؽبندسي من حيث ّ‬
‫حوؿ‪،‬‬
‫اغبريري‪ ،‬فانبىن اؼبعمار على اعبدؿ بني األمكنة واألزمنة واغبضور والغياب والغرابة والتّ ّ‬
‫متكرر حوؿ البعد ال ّدالٕب‪.‬‬
‫الشخصيات وتناقضها واضطراُّا ُب شكل دائري ّ‬
‫وصراع ّ‬
‫‪ -9‬سب ّكنت األصوات من الظّهور من خبلؿ البنية اإليقاعية لتأكيد اؼبصداقية واغبوارية واؼبشاعر‬
‫االنفعالية ُب إطار التّع ّدد والتّ ّنوع‪.‬‬
‫‪ -01‬اشتغل اؼبّت على تفعيل ال ّذاكرة اعبماعية واإلنسانية بإعادة إحياء اؼبوروث لقراءة معاصرة وإقامة‬
‫حوار بينها وبني القدًن ودفع القارئ كبو اؼبشاركة الوجدانية وربريك رصيده اؼبعرُب إلنتاج اؼبعىن‪،‬‬
‫حيث نبضت لغة اغبريري بثقافة عصره وعصر من سبقوه‪ ،‬فبّا هبعلها تغدوحية ُب نفس اؼبتل ّقي‬
‫توحي لو كلّما قرأىا باعبديد اؼبمتع وتش ّكل مفاتيح إوبائية تكشف عن ثقافة واسعة ُب توظيف‬
‫الشعرية‪.‬‬
‫النّصوص التّارىبية وال ّدينية و ّ‬

‫‪250‬‬
‫الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫معوقات‬
‫‪ -00‬يعكس االنزياح اللّغوي التّوتّر والتّذبذب اللّذاف كاف يعيشهما البطل ُب صراعو ض ّد ّ‬
‫حياتو كلّها‪ ،‬لذلك قبد اغبريري يوظّف االنزياحات ال ّداللية مسندا أبشع األوصاؼ بال ّدىر‬
‫موضحا تشاؤمو واضطرابو ُب اغبياة الّيت طغت عليها سلطة القوي‪.‬‬
‫الزماف ّ‬
‫وّ‬
‫خاص حيث رّكزت على اإلمكانات اإليقاعية اؼبختلفة للنّثر‬
‫‪ -03‬اتّسمت لغة اؼبقامات اغبريرية بطابع ّ‬
‫أىم نتائج‬
‫الشعر‪ ،‬حيث زاوجت بني الفنّني ُب إطار واحد وقد ذبلّت إحدى ّ‬
‫لتقارب بينو وبني ّ‬
‫الفن من فكرة‬
‫ذلك التّزاوج الفهم اؼبغلوط فيما بعد ‪،‬حيث انطلق أغلب الذين ألّفوا ُب ىذا ّ‬
‫السجع‬
‫مؤداىا أ ّف اؼبقامة ىي ذبسيد إيقاعي صرؼ وأ ّف أى ّم خصائصها النّوعيّة تنحصر ُب ّ‬
‫ّ‬
‫والتّجنيس‪.‬‬
‫‪ -02‬إف كثريا من عناصر التشكيل األسلويب الّيت تضمنتها اؼبقامات توحي بأنبية اللّغة ودورىا‬
‫السجع عن أداء وظيفة توصيل اؼبعىن‬
‫الفعاّؿ ُب التعبري عن اؼبوضوع ‪ ،‬رغم ما قيل عن قصور ّ‬
‫‪،‬فوظيفة اللّغة ال تقف عند أداء اؼبعىن فحسب بل تتجاوزىا إٔب أف سبتلك مبلؿبها وشخصيتها‬
‫‪،‬حّت إ ّّنا تتوحد مع الفكرة‬
‫وىويتها وحركتها ورشاقتها ومرحها و فكاىتها وتوثبها ُب تارىبيتها ّ‬
‫متوىجة تقف جنبا‬
‫وتشهد على حضورىا الفاعل داخل اؼبقامة وبذلك أصبحت اللّغة شخصية ّ‬
‫إٔب جنب جبوار البطل رباوره ووباورىا‪.‬‬
‫‪ -01‬إ ّف القارئ قد ال يُبلمس صبالية التّكثيف اإليقاعي إذا ٓب يتم ّكن من استقراء خلفيات ىذا‬
‫التّوظيف‪ ،‬واكتشاؼ جوىر البناء اإليقاعي اؼبكثّف‪ ،‬وؽبذا تطلّبت القراءة اإلؼباـ دبعاين اغبروؼ‬
‫ص وإضافاتو اعبديدة‪.‬‬
‫وضح بنية التّكثيف داخل النّ ّ‬
‫ودالالت أصواّتا‪ ،‬وطرؽ انسجامها دبا يُ ّ‬
‫خاصا من ناحية اإلمتاع واإلقناع بإثارة‬
‫اؼبتنوع منهجيا ومعرفيّا ُب اؼبقامة تأثريا ّ‬
‫‪ُ -05‬وبدث األسلوب ّ‬
‫ؾبرد ألفاظ فارغة من معانيها‪،‬‬
‫اؼبتل ّقي ػبلق االستجابة واؼبشاركة إبداعا وموقفا‪ ،‬فاؼبقامة ليست ّ‬
‫وال تبلعبا بكلمات وال عرضا لصيغ ببلغية‪ ،‬وإّمبا ىي إحساس وجداين عميق‪ ،‬ورؤية قلبية‬
‫الفّن ىو الذي صبّل اؼبقامات كاف استجابة ؼبنبّهات‬
‫صادقة لنواحي اغبياة اؼبختلفة‪ ،‬فذلك اػبلق ّ‬
‫لعل أنبّها كاف ذلك التّصوير ال ّدقيق للواقع االجتماعي‬
‫سبخضت عنها حاجات كثرية‪ّ ،‬‬ ‫نفسية ّ‬
‫فرج فيو أصحاُّا عن غرائز‬
‫اؼبتدىور لفئة معيّنة من اَّتمع‪ ،‬وبذلك تصبح اؼبقامات متن ّفسا يُ ّ‬
‫‪253‬‬
‫الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومكبوتات نفسية‪ ،‬وقد طغت ىذه اؼبقاصد والنّوايا الّيت كبتوىا على سطح اػبطاب ُب شكل‬
‫إشارات لسانية انصهرت ُب اللّغة اؼبقامية‪.‬‬
‫الفن وانتشاره ُب بقاع األرض‪،‬‬
‫اؼبهمة ُب ذيوع ىذا ّ‬
‫أىم األسباب ّ‬
‫‪ -02‬يعترب أسلوب اؼبقامات أحد ّ‬
‫بث صاحبها من خبلؿ لغتو –الّيت اعتربت ُب وقتنا صعبة ومع ّقدة‪ -‬العديد من اغبكم‬
‫فقد ّ‬
‫والنّصائح والعرب الّيت ّتدي ُب دياجري اغبياة ‪،‬و قد عصرنا بعضا من نصوص اغبريري اؼبقامية‪،‬‬
‫فأعطت الكثري فبّا نفعنا ليس أقلّو اؼبتعة الّيت حصلنا عليها ٍب االكتشاؼ لبعض الكنوز الّيت تش ّد‬
‫ص فبل هبد القارئ نفسو إالّ وىو يبحث عنها ضمن‬
‫االنتباه وتثري االنفعاؿ والتّفاعل مع النّ ّ‬
‫شروح اؼبقامات أو ُب كتب تراثية ذات صلة بذلك‪.‬‬
‫ؤسس ؼببدأ‬‫ص اؼبقامي يُ ّ‬‫ىاما ُب النّ ّ‬
‫‪ -07‬ينبّن اغبديث عن االنزياح اللّغوي على رؤية ذبعلو عنصرا ّ‬
‫ؤسس الفرؽ ويبنيو والثّاين يف ّككو ويُعيد بناءه‬
‫األوؿ يُ ّ‬
‫تفاعلي تواصلي بني اؼببدع واؼبتل ّقي‪ ،‬حيث ّ‬
‫كل القراءات الّليت ال تنظر‬
‫من جديد عرب التّأويل‪ ،‬وتبقى اؼبقامات اغبريرية صندوقا مفتوحا على ّ‬
‫إليها نظرة نقص واستهجاف‪.‬‬
‫أين قد أحطت باؼبوضوع إحاطة شاملة دقيقة‪ ،‬فذلك ما ال ي ّدعيو‬ ‫وأخريا وبعد‪ ،‬ال أزعم ّ‬
‫لكّن آمل أف يكوف ىذا العمل ُب ثوبو اغباضر صاغبا ألف يق ّدـ بداية متواضعة لدراسة‬
‫عاقل‪ ،‬و ّ‬
‫الرتاث العريب القدًن من جوانب ُمتع ّددة‪.‬‬
‫ّ‬
‫كل نقص أو خطأ‬
‫ّأما أساتذٌب فأق ّدـ ؽبم ّأوال كبري وعظيم امتناين وثانيا أكرب اعتذاري عن ّ‬
‫أوخلل شاعرة بعجزي معرتفة بضعفي وتقصريي‪.‬‬
‫ؿبمد وعلى‬
‫السبلـ على اؼبصطفى سيّدنا ّ‬
‫الصبلة و ّ‬
‫وا﵁ من وراء القصد واؼببتغى واغبمد ﵁ و ّ‬
‫آلو وصحبو أصبعني‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫قائمة‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪251‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬القرآف الكرًن (رواية ورش)‪:‬‬


‫الشعر اعباىلي (مدخل لغوي أسلويب)‪ ،‬ؿبمد العيد‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪ .0‬إبداع ال ّداللة ُب ّ‬
‫(‪0955‬ـ)‪.‬‬
‫السعودية‪ ،‬دار العلوـ‪ ،‬ط‪0955( ،0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ّ .3‬اذباىات البحث األسلويب‪ ،‬عيّاد شكري‪ّ ،‬‬
‫العامة للكتاب‪،‬‬
‫القصة اؼبصرية اغبديثة‪ ،‬ؿبمد رشدي حسني‪ ،‬اؽبيئة اؼبصرية ّ‬
‫‪ .2‬أثر اؼبقامة ُب نشأة ّ‬
‫القاىرة‪0971( ،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .1‬األدب العريب تعبريه عن الوحدة والتّ ّنوع‪ ،‬حبوث سبهيدية َّموعة من الباحثني‪ ،‬إشراؼ عبد اؼبنعم‬
‫تليمة‪،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت ط‪0957(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .5‬األدب اؼبقارف‪ ،‬ؿبمد غنيمي ىبلؿ‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط (‪0952‬ـ)‪.‬‬
‫الزـبشري‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار بريوت للطّباعة‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .2‬أساس الببلغة ‪ّ ،‬‬
‫‪ .7‬أساسيات اللّغة‪ ،‬روماف جاكبسوف وموريس ىالة‪ ،‬ترصبة سعيد الغامبي‪ ،‬بريوت‪ ،‬اؼبركز الثّقاُب‬
‫العريب‪ ،‬ط‪3115(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلستعارة ُب النّقد األديب اغبديث (األبعاد اؼبعرفية واعبمالية)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوساألىلية للنّشر‪،‬‬
‫عماف‪0997 ،‬ـ‪.‬‬
‫خاصة‪.‬مصطفى سويف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار اؼبعارؼ ط‪2‬‬
‫الشعر ّ‬
‫الفّن ُب ّ‬
‫‪ .9‬األسس النّفسية لئلبداع ّ‬
‫(‪0971‬ـ)‪.‬‬
‫‪- .01‬أسرار الببلغة ُب علم البياف‪ ،‬عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬ربقيق ؿبمد رشيد رضا‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫إحياء العلوـ‪ ،‬ط‪0993(0‬ـ)‪.‬‬
‫السبلـ اؼبس ّدي‪ ،‬لبناف‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬ط‪3112( 5‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .00‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬عبد ّ‬
‫الشايب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة النّهضة‬
‫‪ .03‬األسلوب (دراسة ربليلية ألصوؿ األساليب األدبية )‪ ،‬أضبد ّ‬
‫اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪0922( 2‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .02‬األسلوب (دراسة لغوية إحصائية)‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬القاىرة‪ ،‬عآب الكتب (د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .01‬األسلوبية (الرواية والتّطبيق)‪ ،‬يوسف أبو الع ّدوس‪ ،‬األردف‪ ،‬دار اؼبيسرة‪ ،‬ط‪3117(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الس ّد‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬دار ىومة‪.)0997( ،‬‬


‫‪ .05‬األسلوبية وربليل اػبطاب‪ ،‬نور ال ّدين ّ‬
‫الشعرية‪ ،‬عشتار داود‪ ،‬األردف‪ ،‬دار ؾبدالوي للنّشر والتوزيع‪ ،‬ط‪3117(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .02‬األسلوبية ّ‬
‫‪ .07‬األسلوبية اللّسانية‪ ،‬نيلس إريك أنكفيست‪ ،‬ترصبة أضبد مومن‪ ،‬منشورات جامعة منتوري‪،‬‬
‫قسنطينة‪ ،‬اعبزائر‪3110( ،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .05‬األسلوبية منهجا ونقدا‪ ،‬ؿبمد عزاـ‪ ،‬منشورات وزارة الثّقافة‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪0959(0‬ـ)‪.‬‬
‫ؿبمد اغببّاشة‪ ،‬األردف‪ ،‬عآب الكتب‬
‫‪ .09‬األسلوبية والتّداولية (مداخل لتحليل اػبطاب)‪ ،‬صابر ّ‬
‫اغبديث‪ ،‬ط‪3100(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .31‬األسلوبية وربليل اػبطاب منذر عياشي‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار ا﵀بّة‪( ،‬د‪،‬ط)‪3119( ،‬ـ)‪.‬‬
‫الرتصبة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار‬
‫ص‪ ،‬فنس ستيوارت‪ ،‬ترصبة اؼبركز الثقاُب للتعريب و ّ‬
‫‪ .30‬األسلوبية وربليل النّ ّ‬
‫الكتاب اغبديث‪(،‬د‪،‬ط)( ‪3119‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .33‬األسلوبية وثبلثية ال ّدوائر الببلغية‪ ،‬عبد القادر عبد اعبليل‪ ،‬عماف‪ ،‬دار صفاء للنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪0‬‬
‫(‪3113‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .32‬األسلوبية‪ ،‬بري جريو‪ ،‬ترصبة منذر عيّاشي‪ ،‬دمشق‪ ،‬مركز اإلمباء اغبضاري‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫‪ .31‬األسلوبية‪ ،‬مدخل نظري ودراسة تطبيقية‪ ،‬فتح ا﵁ أضبد سليماف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪،‬‬
‫(د‪،‬ط)‪3111(،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .35‬األصوؿ‪( ،‬دراسة ابستيمولوجية للفكر اللّغوي عند العرب‪ ،‬النحو‪ ،‬فقو اللّغة‪ ،‬الببلغة‪ )،‬سباـ‬
‫حساف‪ ،‬عآب الكتب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط(‪3111‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .32‬أطياؼ الوجو الواحد‪ُ-‬ب النّظريّة والتّطبيق‪ -‬نعيم الياُب‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات ّارباد كتّاب العرب‬
‫ط(‪0997‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .37‬اإلعجاز القرآف‪ ،‬القاضي أيب بكر الباقبلين‪،‬ربقيق أضبد صقر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪،‬‬
‫(د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .35‬األغاين‪ ،‬أيب الفرج األصفهاين‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الثّقافة‪ ، ،‬ط‪0970( 2‬ـ)‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرتاث العريب للمسرح‪ ،‬فاروؽ أوىاف‪ ،‬وزارة اإلعبلـ والثّقافة‪ ،‬اإلمارات العربية‬
‫‪ .39‬آفاؽ تطوير ّ‬
‫اؼبتحدة‪ ،‬ط‪0999(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .21‬اإللتفات ُب الببلغة القرآنية‪ ،‬حسن طبل‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪0995( ،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .20‬األلسنية العربية‪ ،‬ريبوف طحاف‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0973( 3‬ـ)‪.‬‬
‫الصاوي اعبويّن‪ ،‬منشأة اؼبعارؼ‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫ذوؽ األديب‪ ،‬مصطفى ّ‬
‫‪ .23‬ألواف من التّ ّ‬
‫ط(‪0973‬ـ)‪.‬‬
‫اؼبتنيب‪ ،‬أضبد مبارؾ اػبطيب‪ ،‬دار اغبوار‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪.)3119(0‬‬
‫الشعري عند ّ‬
‫‪ .22‬االنزياح ّ‬
‫‪ .21‬االنزياح ُب اػبطاب النّقدي و الببلغي عند العرب‪ ،‬رشيد ال ّددة عبّاس‪ ،‬تدقيق ودراسة ؿبمد‬
‫فوزي ضبزة‪،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة اآلداب ط‪3119(0‬ـ)‪.‬‬
‫اؼبؤسسة اعبامعيّة‬
‫ؿبمد ويس‪ ،‬بريوت‪ّ ،‬‬
‫‪ .25‬االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية‪ ،‬أضبد ّ‬
‫لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪.)3115(0‬‬
‫شعب واالنسجاـ)‪ ،‬صباؿ بن دضباف‪،‬ال ّدار البيضاء‪،‬‬
‫الشعري (التّ ّ‬
‫‪ .22‬األنساؽ ال ّذىنية ُب اػبطاب ّ‬
‫منشورات ‪ ،top édition‬ط‪3119(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .27‬اإليضاح ُب علوـ الببلغة‪ ،‬اػبطيب القزويّن‪ ،‬مكتبة ومطبعة ؿبمد علي صبيح‪ ،‬القاىرة‬
‫(‪0970‬ـ‪).‬‬
‫‪ .25‬إيقاع الشعر اغبر بني النظرية واإلبداع‪،‬عبد القادر داود البصري‪،‬أربد‪ ،‬األردف‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اغبديث‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .29‬البدائع الفوائد‪ ،‬مشس ال ّدين بن قيم اعبوزية‪ ،‬مراجعة ؿبمد عبد القادر الفاضلي‪ ،‬وأضبد عوض‬
‫أبو الشباب‪ ،‬بريوت‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪ ،‬ط‪3110(0‬ـ)‪.‬‬
‫الشعكة‪ ،‬مكتبة القاىرة‬
‫الصحفية‪ ،‬مصطفى ّ‬ ‫القصة العربية واؼبقالة ّ‬
‫الزماف اؽبمذاين رائد ّ‬‫‪ .11‬بديع ّ‬
‫اغبديثة‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪،‬ط)‪.‬‬
‫الزركشي‪ ،‬ربقيق ؿبمد أبو الفضل إبراىيم‪ ،‬دار الفكر‬
‫‪ .10‬برىاف ُب علوـ القرآف‪ ،‬بدر ال ّدين ّ‬
‫للطّباعة والنّشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0973(2‬ـ)‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .13‬الببلغة العربية أصوؽبا وامتداداّتا‪ ،‬ؿبمد العمري‪ ،‬ال ّدار البيضاء‪( ،‬د‪،‬ط)‪3100( ،‬ـ)‪.‬‬
‫الشركة اؼبصرية العاؼبية للنّشر‪،‬‬
‫‪ .12‬الببلغة واألسلوبية‪ ،‬ؿبمد عبد اؼبطّلب‪ ،‬القاىرة‪ّ ،‬‬
‫ط‪0991(0‬ـ)‪.‬‬
‫ؿبمد العمري‪ ،‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬إفريقيا‬
‫‪ .11‬الببلغة واألسلوبية ‪ ،‬ىنري بليث‪ ،‬ترصبة ّ‬
‫الشرؽ‪0999(،‬ـ)‪.‬‬
‫ّ‬
‫العامة لقصور الثّقافة‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫الشعر‪ ،‬جوف كوىني‪ ،‬ترصبة أضبد درويش‪ ،‬اؽبيئة ّ‬
‫‪ .15‬بناء لغة ّ‬
‫(‪0991‬ـ)‪.‬‬
‫للسيّاب)‪ ،‬حسن ناظم‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬اؼبركز العريب‬
‫‪ .12‬البىن األسلوبية (دراسة ُب أنشودة اؼبطر ّ‬
‫الثّقاُب‪ ،‬ط‪3113(0‬ـ)‪.‬‬
‫السبلـ اؼبساري‪ ،‬منشورات ّارباد كتّاب العرب‪،‬‬
‫‪ .17‬البنيات ال ّدالة ُب شعر أمل دنقل‪ ،‬عبد ّ‬
‫دمشق‪(،‬د‪،‬ط) (‪0991‬ـ)‪.‬‬
‫الشعرية‪ ،‬جاف كوىن‪ ،‬ترصبة ؿبمد الوٕب وؿبمد العمري‪ ،‬دار توبقاؿ‪ ،‬للنّشر‪،‬‬
‫‪ .15‬بنية اللّغة ّ‬
‫اؼبغرب‪ ،‬ط‪0952(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪- .19‬بياف إعجاز القرآف‪ ،‬ضمن ثبلث رسائل ُب إعجاز القرآف ‪ ،‬للرماين و اػبطايب وعبد القاىر‬
‫اعبرجاين‪ ،‬ربقيق ؿبمد خلف ا﵁ وؿبمد زغلوؿ سبلـ‪ ،‬القاىرة ‪،‬دار اؼبعارؼ ‪،‬ط‪(2‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫حساف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬عآب الكتب‪،‬‬
‫ص القرآين‪،‬سبّاـ ّ‬
‫‪ .51‬البياف ُب روائع القرآف‪ ،‬دراسة لغوية أسلوبية للنّ ّ‬
‫ط‪3111(3‬ـ)‪.‬‬
‫السبلـ ىاروف‪(.‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .50‬البياف والتبيني‪ ،‬اعباحظ‪ ،‬ربقيق عبد ّ‬
‫الرتاث‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪ .53‬تأويل مشكل القرآف‪ ،‬ابن قتيبة‪ ،‬ربقيق السيد أضبد صقر‪ ،‬مكتبة دار ّ‬
‫ط‪0972(3‬ـ)‪.‬‬
‫الزيات‪ ،‬دار الثّقافة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪(35‬د‪،‬ت) ‪.‬‬
‫‪ .52‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬أضبد حسن ّ‬
‫‪ .51‬تاريخ األدب العريب‪ ،‬جرجي زيداف‪ ،‬دار اؽببلؿ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ط(‪0957‬ـ)‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الشعر( الكثافة‪ ،‬الفضاء‪ ،‬التّفاعل)‪ ،‬ؿبمد العمري‪،‬‬


‫الصوتية ُب ّ‬
‫الشعري‪ ،‬البنية ّ‬
‫‪ .55‬ربليل اػبطاب ّ‬
‫الدار العاؼبية للكتاب‪ ،‬ط‪0991(0‬ـ)‪.‬‬
‫الرتكيب اللّغوي لؤلدب‪ ،‬عبد البديع لطفي‪،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة النّهضة اؼبصرية‪ ،‬ط‪0971(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ّ .52‬‬
‫تطور األساليب النّثرية ُب األدب العريب‪ ،‬أنيس اؼبقدسي‪ ،‬دار العلم للمبليني‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ّ .57‬‬
‫ط‪0979(2‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .55‬التفكري األسلويب‪ ،‬سامي ؿبمد عبابنة‪ ،‬األردف‪ ،‬عآب الكتب اغبديث‪ ،‬ط‪3117( 0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .59‬التّفكري الببلغي عند العرب‪ ،‬ضبادي صمود‪ ،‬منشورات كلّية اآلداب‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫ط‪0991(3‬ـ)‪.‬‬
‫الشعر اعباىلي‪ ،‬موسى ربايعة‪ ،‬منشورات جامعة الريموؾ‪0955( ،‬ـ)‪.‬‬ ‫‪ .21‬التّكرار ُب ّ‬
‫ا﵀مديّة‪ ،‬ط‪0975(3‬ـ)‪.‬‬
‫السيد علي‪ ،‬دار الطّباعة ّ‬
‫‪ .20‬التّكرير بني اؼبثري والتّأثري‪،‬عز ال ّدين ّ‬
‫للرّماين واػبطّايب‪ ،‬وعبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬ربقيق‪ ،‬ؿبمد حلف‬
‫‪ .23‬ثبلث رسائل ُب إعجاز القرآف‪ّ ،‬‬
‫ا﵁ أضبد وؿبمد زغلوؿ سبلـ‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪(.‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫الصورة الفنّية ُب األدب العريب‪ ،‬فايز ال ّداية‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪ .22‬صباليات األسلوب ّ‬
‫ط‪3112(3‬ـ)‪.‬‬
‫عز ال ّدين‪ ،‬حبث ضمن كتاب قراءة جديدة لرتاثنا النّقدي‪،‬‬
‫‪ .21‬صباليات االلتفات‪ ،‬إظباعيل ّ‬
‫السعودية‪0991( ،‬ـ)‪.‬‬
‫النّادي األديب الثّقاُب‪ ،‬ج ّدة‪ّ ،‬‬
‫‪ .25‬صباليات االلتفات‪ ،‬عز ال ّدين إظباعيل‪ ،‬منشورات النادي األديب الثّقاُب‪ ،‬ج ّدة ‪،‬‬
‫(د‪،‬ط)(‪0955‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .22‬اغبريري صاحب اؼبقامات‪ ،‬أضبد أمني مصطفى‪ ،‬الدار اؼبصرية اللبنانية‪ ،‬ط‪0995(0‬ـ)‪.‬‬
‫الرابع اؽبجري‪ ،‬آدـ ميتز‪ ،‬ال ّدار التونسية للنّشر‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪ .27‬اغبضارة اإلسبلمية ُب القرف ّ‬
‫ط‪0952(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .25‬حيوية اللغة بني اغبقيقة واَّاز‪ ،‬ظبري أضبد معلوؼ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬منشورات ارباد كتاب العرب‪،‬‬
‫(د‪،‬ط)(‪0992‬ـ)‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .29‬اػبصائص‪ ،‬أبو الفتح عثماف ابن جّن‪ ،‬ربقيق ؿبمد علي النّ ّجار‪ ،‬دار الكتب اؼبصرية‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫(‪0957‬ـ)‪.‬‬
‫الشوقيات‪ ،‬ؿبمد اؽبادي الطرابلسي‪ ،‬منشورات اعبامعة التّونسية‪،‬‬
‫‪ .71‬خصائص األسلوب ُب ّ‬
‫تونس‪0950(،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .70‬خصائص اغبروؼ ومعانيها‪ ،‬حسن عبّاس ‪ ،‬منشورات ّارباد كتاب العرب‪ ،‬سوريا‪،‬‬
‫(‪0995‬ـ)‪.‬‬
‫الشعري (إسرتاتيجية التّناص) ؿبمد مفتاح‪ ،‬اؼبركز الثّقاُب العريب‪ ،‬ط‪0993(2‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .73‬اػبطاب ّ‬
‫الرتاث‪ ،‬أضبد درويش‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار غريب‪( ،‬د‪،‬ت)‪(،‬د‪،‬ط)‪.‬‬
‫‪ .72‬دراسة األسلوب بني اؼبعاصرة و ّ‬
‫‪ .71‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬تعليق ؿبمود ؿبمد شاكر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪،‬‬
‫ط‪3111( 5‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .75‬داللة األلفاظ‪ ،‬إبراىيم أنيس‪،‬القاىرة‪ ،‬االقبلو اؼبصرية‪ ،‬ط‪0990( 2‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .72‬ال ّدليل إٔب الببلغة وعروض اػبليل‪ ،‬على صبيل سلّوـ وحسن نور الدين‪ ،‬بريوت دار العلوـ‬
‫العربية‪ ،‬ط‪0997(2‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .77‬دور الكلمة ُب اللّغة‪ ،‬استفن أؼباف‪ ،‬ترصبة كماؿ بشر‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار غريب‪ ،‬ط‪0923( 0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .75‬ديواف جرير‪ ،‬دار صادر بريوت‪( ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .79‬ديواف ابن سبلمة بن جندؿ‪ ،‬سبلمة بن جندؿ‪ ،‬ربقيق فخر ال ّدين قباوة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪(،‬د‪،‬ط)(د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .51‬ديواف زىري بن أيب سلمى‪ ،‬دار بريوت للطباعة والنّشر‪0979( ،‬ـ)‪.‬‬
‫الرضبن اؼبصطاوي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار اؼبعرفة ‪،‬‬
‫‪ .50‬ديواف امرئ القيس‪ ،‬اعتىن بو وشرحو‪ ،‬عبد ّ‬
‫ط‪3111(3‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .53‬الّرؤيا اإلبداعية‪ ،‬ىاسكل بلوؾ‪ ،‬ىريماف سالنجر‪ ،‬ترصبة أسعد حليم‪ ،‬مكتبة النّهضة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.0922‬‬

‫‪221‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪.52‬‬
‫متوٕب ُّنسي‪( ،‬د‪،‬د)‪،‬‬
‫رؤية ُب العدوؿ عن النّمطية ُب التّعبري األديب‪ ،‬عبد اؼبوجود ّ‬
‫ط‪0992(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .51‬رأي ُب اؼبقامات‪ ،‬عبد الرضبن ياغي‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪ ،‬دار الفكر للنّشر والتوزيع‪،‬‬
‫(‪0955‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .55‬زىر اآلداب وشبر األلباب‪ ،‬أبو إسحاؽ اغبصري‪،‬ج‪ ،0‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫ط‪(3‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫الصعيدي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة‬
‫سر الفصاحة‪ ،‬ابن سناف اػب ّفاجي‪ ،‬شرح وتصحيح عبد اؼبتعاؿ ّ‬‫‪ّ .52‬‬
‫ؿبمد علي صبح وأوالده‪0929( ،‬ـ)‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .57‬سنن ابن ماجة‪،‬اغبافظ أيب عبد ا﵁ ابن ماجة‪ ،‬ربقيق فؤاد عبد الباقي‪،‬اؼبكتبة العلمية لبناف‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫(الشعر مبوذجا) ؿبمد ولد عبدي‪ ،‬دار نينوى‪،‬‬
‫‪ .55‬ال ّسياؽ واألنساؽ ُب الثّقافة اؼبوريتانية ّ‬
‫سوريا‪3119(،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .59‬شرح ديواف أيب سباـ ‪،‬اػبطيب التربيزي‪،‬تقدًن راجي األظبر‪،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت(د‪،‬ت)‪،‬‬
‫(د‪،‬ط)‪.‬‬
‫الصاوي‪ ،‬منشورات دار مكتبة اغبياة‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ .91‬شرح ديواف جرير‪ ،‬ؿبمد إظباعيل عبد ا﵁ ّ‬
‫لبناف‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .90‬شرح ديواف اؼبتنيب‪ ،‬وضعو عبد ا﵁ الربقوقي‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪( ،‬د‪،‬ت)‪( ،‬د‪،‬ط)‪.‬‬
‫الشريشي‪ ،‬ربقيق إبراىيم مشس ال ّدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪ .93‬شرح مقامات اغبريري‪ ،‬أبو العباّس ّ‬
‫بريوت‪ ،‬ط‪0955(0‬ـ)‪.‬‬
‫ؿبمد بنيس‪ ،‬دار توبقاؿ‪ ،‬ال ّدار البيضاء‪،‬‬
‫‪ .92‬ال ّشعر العريب اغبديث بنياتو وإبداالتو‪ّ ،‬‬
‫ط‪0959(0‬ـ)‪.‬‬
‫ص النّثري (مقاربة نقدية ربليلية ؼبقامات اغبريري)‪ ،‬إببلغ ؿبمد عبد اعبليل‪ ،‬شركة‬
‫‪ .91‬شعرية النّ ّ‬
‫النّشر والتّوزيع‪ ،‬اؼبدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪3115(0‬ـ)‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرسوؿ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬دار الكتب اؼبصرية‪(،‬د‪،‬ط)‪،‬‬


‫‪ .95‬صبح األعشى‪ ،‬القلقشندي‪،‬ربقيق ؿبمد عبد ّ‬
‫(‪0933‬ـ)‪.‬‬
‫صاحيب ُب فقو اللّغة‪ ،‬أضبد بن فارس‪ ،‬ربقيق‪ ،‬عمر فاروؽ الطّبّاع‪ ،‬بريوت‪ ،‬مكتبة اؼبعارؼ‪،‬‬
‫‪ .92‬ال ّ‬
‫ط‪0992(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫الرتاث النّقدي والببلغي‪،‬جابر عصفور‪ ،‬اؼبركز العريب للدراسات‪ ،‬بريوت‬
‫صورة الفنّية ُب ّ‬
‫‪ .97‬ال ّ‬
‫ط‪0993(2‬ـ)‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫ؿبمد‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار األندلس‪(، ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اىيم‬
‫ر‬ ‫إب‬ ‫د‬‫ي‬
‫ّّ‬‫الس‬ ‫أسلوبية‪،‬‬ ‫اسة‬
‫ر‬ ‫د‬ ‫ية‪،‬‬
‫ر‬ ‫ع‬‫الش‬
‫ّ‬ ‫رورة‬‫ض‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫‪.95‬‬
‫‪ .99‬ظهر اإلسبلـ‪ ،‬أضبد أمني‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0915(2‬ـ)‪.‬‬
‫عصاـ شرتح‪ ،‬منشورات ّارباد كتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ .011‬ظواىر أسلوبية ُب شعر بدوي اعببل‪ّ ،‬‬
‫(د‪،‬ط) (‪3115‬ـ)‪.‬‬
‫السعدين‪ ،‬منشأة اؼبعارؼ‪،‬‬
‫الشعر‪ ،‬مصطفى ّ‬
‫‪ .010‬العدوؿ أسلوب تراثي ُب نقد ّ‬
‫اإلسكندرية‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫السبكي‪ ،‬اؼبطبعة األمريية‪ ،‬بوالؽ‪،‬‬
‫‪ .013‬عروس األفراح ُب شرح تلخيص اؼبفتاح‪ُّ ،‬اء ال ّدين ّ‬
‫(‪0107‬ىػ)‪.‬‬
‫‪ .012‬العقد الفريد‪ ،‬ابن عبد ربّو‪ ،‬ربقيق عبد اَّيد الرتحيّن‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪(،‬د‪،‬ط)‬
‫(‪0997‬ـ)‪.‬‬
‫الشروؽ‪ ،‬ط‪0955(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .011‬علم األسلوب (مبادئو وإجراءاتو)‪ ،‬صبلح فضل‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار ّ‬
‫الرتاث اإلسبلمي‪،‬‬
‫اؼبكرمة‪ ،‬دار إحياء ّ‬
‫‪ .015‬علم الببلغة‪ ،‬أضبد مصطفى اؼبراغي‪ ،‬م ّكة ّ‬
‫ط‪0993(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .012‬علم اؼبعاين‪ ،‬وليد إبراىيم قصاب‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪3103(0‬ـ)‪.‬‬
‫السعراف‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫‪ .017‬علم اللّغة‪(،‬مق ّدمة للقارئ العريب)‪ ،‬ؿبمود ّ‬
‫(د‪،‬ط)(‪0999‬ـ)‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اؼبؤسسة اغبديثة للكتاب‪ ،‬طرابلس‪،‬‬


‫‪ .015‬علوـ الببلغة‪ ،‬ؿبمد أضبد قاسم‪ ،‬ؿبي ال ّدين ديب‪ّ ،‬‬
‫(‪3112‬ـ)‪.‬‬
‫ؿبمد قرقزاف‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار اؼبعرفة‪،‬‬
‫الشعر ونقده‪ ،‬ابن رشيق القريواين‪ ،‬ربقيق ّ‬
‫‪ .019‬عمدة ُب صناعة ّ‬
‫ط‪0955( 0‬ـ)‪.‬‬
‫الشعر وآدابو‪ ،‬ربقيق ؿبمد قزقاف‪ ،‬مطبعة الكاتب العريب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ .001‬عمدة ُب ؿباسن ّ‬
‫ط(‪0991‬ـ)‪.‬‬
‫الشعر‪ ،‬ؿبمد بن طباطبا العلوي ربقيق‪ ،‬ؿبمد عبد العزيز بن ناصر اؼبانع‪ ،‬دار العلوـ‪،‬‬
‫‪ .000‬عيار ّ‬
‫الرياض‪( ،‬د‪،‬ط)‪0955( ،‬ـ)‪.‬‬
‫ّ‬
‫الرامزة‪ ،‬ال ّدماميّن‪ ،‬كبقيق اغبساين حسن عبد ا﵁‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪،‬‬
‫‪ .003‬عيوف الغامزة على خبايا ّ‬
‫القاىرة‪،‬ط‪0991(3‬ـ)‪.‬‬
‫السقا‪،‬مطبعة مصطفى اغبليب‬
‫وسر العربية‪ ،‬أبو منصور الثّعاليب‪ ،‬ربقيق ؿبمد ّ‬
‫‪ .002‬فقو اللغة ّ‬
‫وأوالده‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪،‬ط‪0950(2‬ـ)‪.‬‬
‫الرتاث العريب واؼبشرقي من العصر اعباىلي إٔب ّناية العصر العبّاسي‪،‬‬
‫الضحك ُب ّ‬
‫‪ .001‬الفكاىة و ّ‬
‫رياض قروبة‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0995(0‬ـ)‪.‬‬
‫الرضبن بدوي‪ ،‬دار الثّقافة‪،‬‬
‫الشعر ألرسطو‪ ،‬ابن سينا‪ ،‬ربقيق‪ ،‬عبد ّ‬
‫فن ّ‬ ‫الشعر‪ ،‬ضمن ّ‬
‫فن ّ‬‫‪ّ .005‬‬
‫بريوت (د‪،‬ت)‪.‬‬
‫السابع‪ ،‬عزة الغناـ‪ ،‬ال ّدار الفنّية للنّشر‬
‫الرابع إٔب القرف ّ‬
‫‪ .002‬الفن القصصي العريب القدًن من القرف ّ‬
‫والتّوزيع‪( ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫القص ُب النّظرية والتّطبيق‪ ،‬نبيلة إبراىيم‪ ،‬دار قباء للطّباعة‪( ،‬د‪،‬ط)‪( ،‬د‪،‬ت) ‪.‬‬
‫‪ .007‬فن ّ‬
‫عوض‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0979(0‬ـ)‪.‬‬ ‫فن اؼبقامات بني اؼبشرؽ واؼبغرب‪ ،‬يوسف نور َ‬ ‫‪ّ .005‬‬
‫‪ .009‬فواصل اآليات القرآنية (دراسة ببلغية داللية)‪ ،‬السيد خضر‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫ط‪.)3111(0‬‬

‫‪222‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ص‪ ،‬عبد الواسع اغبمريي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ؾبد اؼبؤسسة اعبامعية لل ّدراسات‬


‫‪ُ .031‬ب أفاؽ الكبلـ وتكلّم النّ ّ‬
‫والنّشر والتّوزيع‪ ،‬ط‪3101(0‬ـ)‪.‬‬
‫الرضا‪ ،‬منشأة اؼبعارؼ‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬
‫‪ُ .030‬ب البنية وال ّداللة‪ ،‬سعد أبو ّ‬
‫مؤسسة األحباث العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0957(0‬ـ)‪.‬‬
‫الشعرية‪ ،‬كماؿ أبو ديب‪ّ ،‬‬
‫‪ُ .033‬ب ّ‬
‫الشعري‪ ،‬يبىن العيد‪ ،‬دار توبقاؿ للنّشر‪ ،‬ال ّدار البيضاء‪ ،‬ط‪0957(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ُ .032‬ب القوؿ ّ‬
‫الشركة اعبزائرية ‪ ،‬اعبزائر‪،‬‬
‫القصة ُب األدب العريب القدًن‪ ،‬عبد اؼبالك مرتاض‪ ،‬دار مكتبة ّ‬
‫‪ّ .031‬‬
‫ط‪0925(0‬ـ)‪.‬‬
‫الرتصبة والنّشر‪،‬‬
‫‪ .035‬قضايا أساسية ُب علم اللّسانيات اغبديثة‪ ،‬دار طبلس لل ّدراسات و ّ‬
‫ط‪0951(0‬ـ)‪.‬‬
‫السبلـ ؿبمد ىاروف‪ ،‬ط‪ ،)0955(2‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪.‬‬
‫‪ .032‬الكتاب‪ ،‬سيبويو‪ ،‬ربقيق عبد ّ‬
‫‪ .037‬كتاب األمإب‪ ،‬أبو علي القإب‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت) ‪.‬‬
‫الشعر)‪ ،‬أيب ىبلؿ العسكري‪ ،‬ربقيق علي ؿبمد البجاوي وؿبمد‬
‫‪ .035‬كتاب الصناعتني(الكتابة و ّ‬
‫أبو الفضل إبراىيم‪ ،‬بريوت‪ ،‬اؼبكتبة العصرية‪ ،‬ط‪3112( 0‬ـ)‪.‬‬
‫الكشاؼ‪ ،‬الزـبشري‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪0977(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ّ - .039‬‬
‫الرباط‪،‬‬
‫العامة‪ ،‬أضبد بلبداوي‪ ،‬دار األماف‪ّ ،‬‬
‫الضرورة إٔب الببلغة ّ‬
‫الشعري من ّ‬
‫‪ .021‬الكبلـ ّ‬
‫ط‪0997(0‬ـ)‪.،‬‬
‫‪ .020‬كناية والتّعريض‪ ،‬أبو منصور الثّعاليب‪ ،‬ربقيق أسامة البحريي‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫(‪0997‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .023‬لساف العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪0993( 0‬ـ)‪.‬‬
‫ص ُب شعر اغبداثة)‪ ،‬ؿبمد‬
‫‪ .022‬لسانيات االختبلؼ‪( ،‬اػبصائص اعبمالية ؼبستويات بناء النّ ّ‬
‫اعبزار‪ ،‬أتراؾ للطّباعة والنّشر والتّوزيع‪ ،‬مصر‪3110( ،‬ـ)‪.‬‬
‫فكري ّ‬
‫ص‪ ،‬ؿبمد خطّايب‪ ،‬اؼبركز الثّقاُب العريب‪ ،‬ط‪3112(3‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .021‬لسانيات النّ ّ‬

‫‪221‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .025‬اللّغة واإلبداع‪(،‬مبادئ علم األسلوب العريب)‪ ،‬ؿبمد شكري عياد‪ ،‬منشورات انرتناشيوناؿ بر‪،‬‬
‫ط‪0995(0‬ـ)‪.‬‬
‫الشرؽ‪( ،‬د‪،‬ط)(‪3110‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .022‬اللّغة واػبطاب‪ ،‬عمر أوكاف‪،‬الدار البيضاء‪ ،‬مطبعة إفريقيا ّ‬
‫‪ .027‬اللّفظ واؼبعىن ُب التفكري النقدي والببلغي عند العرب‪ ،‬األخضر صبعي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ارباد كتّاب‬
‫العرب‪( ،‬د‪،‬ط)(‪3110‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .025‬اللّغة العربية ومعناىا ومبناىا‪،‬سباـ حساف‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬منشورات دار الثّقافة‪،‬‬
‫(د‪،‬ط)(‪3110‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .029‬اللّغة واإلبداع‪( ،‬مبادئ علم األسلوب العريب)‪ ،‬شكري عياد‪ ،‬مطبعة انرتناشيوناؿ‪ ،‬مدينة‬
‫الصحفيني‪ ،‬ط‪0955(0‬ـ)‪.‬‬
‫العامة القاىرة‪،‬‬
‫اؼبؤسسة ؼبصريّة ّ‬
‫‪ .011‬مبادئ النّقد األديب‪ ،‬ريتشاردز‪ ،‬ترصبة مصطفى بدوي‪ّ ،‬‬
‫(‪0922‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .010‬اؼبثل السائر ‪ ،‬ابن األثري‪ ،‬ربقيق أضبد اغبوُب وبدوى طبانة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مطبعة ّنضة‬
‫مصر‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪..‬‬
‫‪-‬‬
‫ؿبمد فؤاد سركني‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬القاىرة‪(.‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ربقيق‬ ‫عبيدة‪،‬‬ ‫أبو‬ ‫القرآف‪،‬‬ ‫ؾباز‬ ‫‪.013‬‬
‫‪ .012‬ؿباضرات ُب األسلوبية‪ ،‬ؿبمد بن وبىي‪،‬اعبزائر‪ ،‬مطبعة مزوار‪ ،‬ط‪3101(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .011‬ؿباضرات ُب علم اللّغة العاـ‪ ،‬فارديناف ديسوسري‪ ،‬ترصبة يوسف عزيز‪ ،‬العراؽ‪( ،‬د‪،‬ط)(‪0955‬ـ)‪.‬‬
‫السبلـ اؼبس ّدي‪(.‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .015‬ؿباوالت ُب األسلوبية اؽبيكلية‪ ،‬مايكل ريفاتري‪ ،‬ترصبة عبد ّ‬
‫‪ .012‬مدخل إٔب دراسة الببلغة‪ ،‬فتحي فريد‪ ،‬مكتبة النّهضة اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪(،‬د‪،‬ط) (‪0975‬ـ)‪.‬‬
‫اؼبتنيب‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ .017‬مدخل إٔب معرفة اللسانيات ؿبمد إظباعيل بصل‪ ،‬دار ّ‬
‫‪ .015‬مسبار ُب النّقد والببلغة‪ ،‬حسن صبعة‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات ارباد كتاب العرب‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫(‪3112‬ـ)‪.‬‬
‫الشعرية‪ ،‬بوطراف ؿبمد اؽبادي وآخروف‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ .019‬مصطلحات اللّسانية والببلغية واألسلوبية و ّ‬
‫دار الكتاب اغبديث‪.)3115( ،‬‬
‫‪225‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفراء‪ ،‬ربقيق ؿبمد علي النّجاّر وأضبد يوسف قباٌب‪ ،‬بريوت‪ ،‬عآب الكتب‬
‫‪ .051‬معاين القرآف‪ّ ،‬‬
‫ط‪0952(2‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .050‬معايري ربليل األسلوب‪ ،‬ريفاتري مايكل‪ ،‬ترصبة ضبيد اغبميداين‪ ،‬اؼبغرب‪ ،‬منشورات دراسات‬
‫ساؿ‪ ،‬دار النّجاح اعبديدة‪ ،‬ط‪0992(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .053‬معجم اؼبصطلحات األدبية اؼبعاصرة‪ ،‬سعيد علوش‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪( ،‬د‪،‬ط)‪،‬‬
‫(‪0955‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .052‬معجم اؼبصطلحات األدبية‪ ،‬إبراىيم فتحي‪ ،‬تونس‪ ،‬اؼبؤسسة العربية للنّاشرين اؼبتّحدين‪،‬‬
‫(د‪،‬ط) (‪0955‬ـ)‪.‬‬
‫وتطورىا‪ ،‬أضبد مطلوب‪ ،‬بريوت‪ ،‬مكتبة لبناف‪،‬‬
‫‪- .051‬معجم اؼبصطلحات الببلغية ّ‬
‫ط‪3117(3‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .055‬معجم الوسيط‪( ،‬إبراىيم مصطفى‪ ،‬أضبد حسن الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪ ،‬ؿبمد علي‬
‫النّ ّجار )‪ ،‬تركيا‪ ،‬اؼبكتبة اإلسبلمية‪( ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪ .052‬معجم مصطلحات األدب‪ ،‬ؾبدي وىبة وكامل اؼبهندس‪ ،‬بريوت مكتبة لبناف‪ ،‬ط‪3‬‬
‫(‪0951‬ـ)‪.‬‬
‫الس ّكاكي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪3111(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .057‬مفتاح العلوـ‪ّ ،‬‬
‫‪ .055‬اؼبقامة‪ ،‬شوقي ضيف‪ ،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬مصر‪ ،‬ط(‪0979‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .059‬مقامات اغبريري‪ ،‬أيب القاسم اغبريري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪3113(1‬ـ)‪.‬‬
‫حوالت والتّ ّبّن والتّجاوز‪ ،‬يوسف إظباعيل‪ّ ،‬ارباد الكتّاب العرب‪،‬‬
‫‪ .021‬مقامات‪ ،‬مقاربة ُب التّ ّ‬
‫دمشق‪( ،‬د‪،‬ط)(‪3117‬ـ)‪.‬‬
‫حوالت والتّ ّبّن والتّجاوز‪ ،‬يوسف إظباعيل‪ ،‬منشورات ّارباد الكتّاب‬
‫‪ .020‬مقامات‪ ،‬مقاربة ُب التّ ّ‬
‫العرب‪3117( ،‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .023‬مقاالت ُب األسلوبية‪ ،‬منذر عياشي‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات ّارباد كتّاب العرب‪( ،‬د‪،‬ط)(‪0991‬ـ)‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪-‬‬
‫الرشيد‪،‬‬
‫‪ .022‬اؼبقتصد ُب شرح اإليضاح‪ ،‬عبد القاىر اعبرجاين‪ ،‬ربقيق كاظم حبر اؼبرجاف‪ ،‬دار ّ‬
‫(د‪،‬ط)(‪0952‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .021‬اؼبقدمة ‪ ،‬ابن خلدوف‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار اعبيل للنشر‪( ،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫الستّار حسني زموط‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مطبعة اغبسن اإلسبلمية‪،‬‬
‫الرتاكيب‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪ .025‬من ظبات ّ‬
‫ط‪0993(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .022‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬حازـ القرطاجّن‪ ،‬ربقيق ؿبمد اغببيب بن خوجة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسبلمي‪ ،‬ط‪0922( 3‬ـ)‪.‬‬
‫الشرؽ‪،‬‬
‫ؿبمد العمري‪ ،‬مطبعة إفريقيا ّ‬
‫الشعرية‪ّ ،‬‬
‫الرؤية الببلغية واؼبمارسة ّ‬
‫الصوتية ُب ّ‬
‫‪ .027‬موازنات ّ‬
‫(‪3110‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .025‬موازنة بني شعر أيب سباـ والبحرتي‪ ،‬اآلمدي‪ ،‬ربقيق ؿبمد عبد اغبميد‪ ،‬اؼبكتبة العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ .029‬كبو نظرية أسلوبية لسانية‪ ،‬فيلي ساندريس‪ ،‬ترصبة خالد ؿبمود صبعة‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ط‪3112(0‬ـ)‪.‬‬
‫الرابع اؽبجري‪ ،‬زكي مبارؾ‪،‬ج‪ ،0‬دار الكتنب اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫الفّن ُب القرف ّ‬
‫‪ .071‬النّثر ّ‬
‫ط‪0921(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .070‬ندوة ال ّدراسة اؼبصطلحية والعلوـ اإلسبلمية‪ ،‬جامعة سيدي ؿبمد بن عبد ا﵁‪ ،‬مطبعة اؼبعارؼ‬
‫اعبديدة‪ ،‬الرباط‪0992( ،‬ـ)‪.‬‬

‫األورويب‪ ،‬أضبد درويش‪ ،‬دار غريب للطّباعة والنّشر والتّوزيع‪،‬‬


‫الرتاث العريب و ّ‬
‫ص الببلغي ُب ّ‬
‫‪ .073‬النّ ّ‬
‫القاىرة‪ ،‬ط‪(0‬دت)‪.‬‬
‫ص واألسلوبية بني النّظرية والتّطبيق‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات ّارباد كتاب‬
‫‪ .072‬النّ ّ‬
‫العرب‪( ،‬د‪،‬ط)‪3111(،‬ـ)‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اؼبؤسسة اعبامعية لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع‪ ،‬بريوت‪،‬‬


‫‪ .071‬النّظرية األلسنية عند روماف جاكبسوف‪ّ ،‬‬
‫لبناف‪ ،‬ط‪.)0992(0‬‬
‫الشعر‪ ،‬كولردج‪ ،‬ترصبة عبد اغبكيم حساف‪ ،‬طبعة دار اؼبعارؼ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الرومنتكيّة ُب ّ‬
‫‪ .075‬النّظريّة ّ‬
‫(‪0970‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .072‬النظرية البنائية ُب النّقد األديب‪ ،‬صبلح فضل‪ ،‬مكتبة االقبلو مصرية ‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫ط‪.)0951(3‬‬
‫‪ .077‬نظرية اللّغة ُب النّقد العريب‪ ،‬راضي عبد اغبكيم‪ ،‬مصر‪ ،‬مطبوعات اَّلس األعلى للثّقافة‪،‬‬
‫ط‪3112(0‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .075‬نظرية اؼبقاـ عند العرب ُب ضوء الرباغماتية‪ ،‬مناؿ سعيد قبّار‪ ،‬األردف‪ ،‬عآب الكتب اغبديث‪،‬‬
‫ط‪3100(0‬ـ)‪.‬‬
‫الشعر‪ ،‬قدامة بن جعفر‪ ،‬ربقيق كماؿ مصطفى‪ ،‬مكتبة اػباقبي‪ ،‬ط‪0975( 2‬ـ)‪،‬‬
‫‪ .079‬نقد ّ‬
‫القاىرة‪.‬‬
‫‪ .051‬النّقد واألسلوبية بني النّظرية والتّطبيق‪ ،‬عدناف بن ذريل‪ ،‬دمشق‪ ،‬منشورات ّارباد كتّاب‬
‫العرب‪( ،‬د‪،‬ط)‪0959(،‬ـ)‪.‬‬
‫الرّماين‪،‬ربقيق ؿبمد خلف‬
‫‪ .050‬النّكت ُب إعجاز القرآف‪،‬ضمن ثبلث رسائل ُب إعجاز القرآف‪ّ ،‬‬
‫ا﵁ وؿبمد زغلوؿ سبلـ‪،‬دار اؼبعارؼ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪0972(2‬ـ)‪.‬‬
‫الرتاث واغبداثة‪ ،‬ضبادي صمود‪ ،‬دار شوقي‪ ،‬للنّشر‪ ،‬ط‪0997( 3‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .053‬الوجو والقفا ُب تبلزـ ّ‬
‫اؼبتنيب وخصومو‪ ،‬ربقيق وشرح أو الفضل إبراىيم‪ ،‬وعلي ؿبمد البجاوي‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ .052‬الوساطة بني ّ‬
‫منشورات اؼبكتبة العصرية‪(،‬د‪،‬ط)‪(،‬د‪،‬ت)‪.‬‬
‫المراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪1. Contextuafism in possibilities and limitation of pragmatics procceding of the‬‬
‫‪conference en pragmatics urbino,july,by herman parret, amsterdam john‬‬
‫‪benjamins B.V (1981).‬‬
‫‪2. Introduction l’analyse de la poésie les storo strophes molino jean et joelle‬‬
‫‪gasdes ,P .U.F presses universitaire de France ed (1952).‬‬
‫‪225‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪3. Parmis les equivalents proposes souvent innocement, ont relève encore abus‬‬
‫)‪(valezy) viol j.cohen, scandale(r.barther) anomalive (t.todoro),jolie(aragon‬‬
‫‪deviation (l.spitzer), subversion (j.peytard), infraction (m.thiry) etc .Grope u-‬‬
‫‪rhétorique générale- points- edition du seuil (1982).‬‬
‫‪4. Papers in linguistics, john firth oxford university press london (1964).‬‬
‫‪5. Pragmatics, stephen .c.levinson, cmbridge university, press london, (1983).‬‬
‫‪6. Seven sins of pragmatics, theses obout speech act theory , dorothea franch‬‬
‫‪urbino, (1979).‬‬
‫‪7. Traité de stylistique française,Charles Bally , paris tincksrsk. 3emeedition‬‬
‫‪(1951).‬‬

‫المجالت وال ّدوريات‪:‬‬


‫‪ .0‬اآلداب (ؾبلّة)‪ ،‬تصدرىا كلية اآلداب واللّغات‪ ،‬جامعة تلمساف (اعبزائر)‪ ،‬العدد ‪ ،01‬سنة‬
‫(‪3115‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .3‬األردنية ُب اللّغة العربية وآدُّا (ؾبلّة)‪ ،‬تصدرىا جامعة مؤتة‪ ،‬األردف‪ ،‬اَّلّد ‪ ،12‬العدد‪،12‬‬
‫سنة (‪3117‬ـ)‪.‬‬
‫الرتاث العريب (ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا اربّاد كتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬العدد ‪ ،000‬سنة (‪3115‬ـ)‪.‬‬
‫‪ّ .2‬‬
‫السعودية‪ ،‬اَّلّد ‪ ،09‬العدد‬
‫الشريعة واللّغة العربية وآدُّا (ؾبلّة)‪ّ ،‬‬
‫‪ .1‬جامعة أـ القرى لعلوـ ّ‬
‫‪ ،11‬سنة (‪0135‬ىػ)‪.‬‬
‫‪ .5‬جامعة دمشق (ؾبلة)‪ ،‬دمشق‪ ،‬اَّلّد ‪ ،32‬العدد ‪ ،10‬سنة (‪3117‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .2‬جامعة دمشق (ؾبلّة)‪ ،‬دمشق‪ ،‬اَّلّد ‪ ،30‬العدد(‪ ،)11+12‬سنة (‪3115‬ـ)‪.‬‬
‫غزة‪ ،‬فلسطني‪ ،‬اَّلّد ‪ ،01‬العدد ‪ ،13‬سنة (‪3113‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .7‬اعبامعة اإلسبلمية (ؾبلّة)‪ّ ،‬‬
‫‪ .5‬جذور (ؾبلّة)‪ ،‬اَّلّد ‪ ،01‬العدد ‪ ،33‬سنة (‪3115‬ـ)‪.‬‬
‫الرظبية‪ ،‬تونس‪ ،‬العدد‪ ،01‬سنة (‪0992‬ـ)‪.‬‬
‫‪ .9‬حوليات اعبامعة التونسية (ؾبلّة)‪ ،‬اؼبطابع ّ‬
‫السعودية‪ ،‬العدد‪ ،13‬سنة (‪0100‬ىػ)‪.‬‬
‫السعودية (ؾبلّة)‪ّ ،‬‬
‫‪.01‬ال ّدارة ّ‬
‫‪.00‬دراسات أدبية (ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا اؼبركز الوطّن لل ّدراسات‪ ،‬بالقبّة‪ ،‬اعبزائر‪ ،‬العدد‪ ،01‬سنة‬
‫(‪3100‬ـ)‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرسالة(ؾبلة)‪ ،‬اعبمهوريةالتونسية‪ ،‬العدد ‪.071‬‬


‫‪ّ .03‬‬
‫‪.02‬مؤتة للبحوث وال ّدراسات (ؾبلّة)‪ ،‬األردف‪ ،‬اَّلّد ‪ ،01‬العدد‪ ،11‬سنة (‪0995‬ـ)‪.‬‬
‫‪.01‬عآب اؼبعرفة (ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا اَّلس الوطّن للثّقافة والفنوف‪ ،‬الكويت‪ ،‬سنة (‪0993‬ـ)‪.‬‬
‫‪.05‬عآب الفكر‪( ،‬ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا اَّلس الوطّن للثّقافة والفنوف‪ ،‬الكويت‪ ،‬اَّلّد ‪ ،31‬العدد‬
‫‪ ،12‬سنة (‪0959‬ـ)‪.‬‬
‫‪.02‬عآب الفكر‪( ،‬ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا اَّلس الوطّن للثّقافة والفنوف‪ ،‬الكويت‪ ،‬اَّلّد‪ ،33‬العدد‬
‫‪،12‬سنة (‪0991‬ـ)‪.‬‬
‫السعودية‪ ،‬اَّلّد ‪ ،07‬العدد ‪،27‬‬
‫‪.07‬عبلمات ُب النّقد (ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا النّادي األديب‪ ،‬ج ّدة‪ّ ،‬‬
‫سنة(‪3115‬ـ)‪.‬‬
‫السعودية‪ ،‬اَّلّد ‪ ،12‬العدد ‪،25‬‬
‫‪.05‬عبلمات ُب النّقد (ؾبلّة)‪ ،‬يصدرىا النّادي األديب‪ ،‬ج ّدة‪ّ ،‬‬
‫سنة (‪3119‬ـ)‪.‬‬
‫‪.09‬فصوؿ (ؾبلّة)‪ ،‬اَّلّد ‪ ،12‬العدد ‪ ،10‬سنة (‪0951‬ـ)‪.‬‬
‫‪.31‬فصوؿ (ؾبلّة)‪ ،‬اَّلّد ‪ ،17‬العدد ‪ ،12‬سنة (‪0957‬ـ)‪.‬‬
‫‪.30‬الفكر العريب اؼبعاصر‪( ،‬ؾبلّة)‪ ،‬العدد ‪ ،35‬سنة (‪0953‬ـ)‪.‬‬
‫‪.33‬اللّغة العربية وآداُّا (ؾبلّة)‪ ،‬األردف‪ ،‬اَّلّد ‪ ،12‬العدد ‪ ،12‬سنة (‪3117‬ـ)‪.‬‬
‫‪.32‬مؤتة للبحوث وال ّدراسات (ؾبلّة)‪ ،‬األردف‪ ،‬اَّلّد ‪ ،01‬العدد‪ ،11‬سنة (‪0995‬ـ)‪.‬‬
‫‪.31‬نزوى (ؾبلة )‪ ،‬الواسطي رسم مقامات اغبريري فاختصر الفنوف اإلسبلمية‪ ،‬بلند اغبيدري‪،‬‬
‫للصحافة والنّشر واإلعبلف‪ ،‬عماف‪.‬‬
‫مؤسسة عماف ّ‬
‫ّ‬ ‫العدد‪0995(،12‬ـ)‪،‬‬
‫الرسائل الجامعية‪:‬‬
‫ّ‬
‫الرتاث العريب‪( ،‬أطروحة دكتوراه)‪ ،‬مسعود صحراوي‪،‬‬
‫اؼبتضمنة ُب القوؿ بني الفكر و ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -0‬األفعاؿ‬
‫جامعة باتنة (اعبزائر)‪ ،‬سنة (‪3112‬ـ)‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫للسكاكي ‪-‬‬
‫‪ -3‬تأصيل األسلوبية ُب اؼبوروث النّقدي والببلغي‪( ،‬كتاب مفتاح العلوـ ّ‬
‫أمبوذجا‪( ،)-‬رسالة ماجستري)‪ ،‬ميس خليل ؿبمد عودة‪ ،‬جامعة النّجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪،‬‬
‫فلسطني‪.‬‬
‫‪ -2‬سياؽ اغباؿ ُب الفعل الكبلمي (مقاربة تداولية)‪( ،‬أطروحة دكتوراه)‪ ،‬سامية بن يامنة‪،‬‬
‫جامعة وىراف (اعبزائر)‪ ،‬سنة (‪3103‬ـ)‪.‬‬
‫‌‬

‫‪270‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫‌‬

‫‪273‬‬
‫فهرس الموضوعات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقدمة ‪ .................................................................................‬أ‬
‫الفاالألول‪ :‬األسموبواألسموبية ‪1 .........................................................‬‬
‫أوال‪ :‬ماهيةاألسموب‪3 ...................................................................‬‬
‫مصطمحاألسموبفيالدراساتالعربيةالقديمة‪1 ...........................................‬‬
‫ّ‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫األسموبفيالدراساتالعربيةالحديثةوالمعاصرة‪09 ...................................... .‬‬
‫ّ‬ ‫ثالثا‪:‬‬
‫األسموبفيالدراساتالغربيةالحديثة ‪39 ................................................‬‬
‫ّ‬ ‫رابعا‪:‬‬
‫خامسا‪ :‬األسموببوصفهعمما‪12 ..........................................................‬‬
‫سادسا‪ :‬األسموبيةالمصطمحوالموضوع‪12 ................................................‬‬
‫سابعا‪ :‬اتّجاهاتاألسموبية‪57 .............................................................‬‬
‫الفااللثّئني‪:‬التّشكيالألسموبيئإلمكئنئتوال ّنظريئت‪76 ........................................‬‬
‫ّأوال‪ :‬ماهيةالتّشكيالألسموبي‪77 ........................................................ :‬‬
‫ثانيا‪:‬التّشكيالألسموبيومحاورالخطاب ‪53 .................................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬التّشكيالألسموبيونظريةاالختيار ‪011...............................................‬‬
‫رابعا‪ :‬التّشكيالألسموبيونظريةالمقام‪032.................................................:‬‬
‫الفااللثّئلث‪ :‬أسموبيةاالنزيئح ‪157.......................................................‬‬
‫ّأوال‪: -‬مفهوماالنزياح ‪055..............................................................‬‬
‫ثانيا‪:‬االنزياحعندالعربالقدامى‪025...................................................... :‬‬
‫ياحفيالدراساتالغربيةالحديثة‪091........................................ :‬‬
‫ّ‬ ‫ثالثا‪ :‬مفهوماالنز‬
‫رابعا‪:‬االنزياحعندالعربالمحدثين‪099.....................................................:‬‬
‫خامسا‪ :‬االنزيـاحوالمعيـار ‪312..........................................................‬‬
‫ائلمقئميممصحريري‪214....................................‬‬
‫الفااللرابع‪:‬أسموبيةاالنزيئصحفيئل ّن ّ‬
‫ّ‬
‫المقامةأصولهومقوماته ‪301......................................................‬‬
‫ّ‬ ‫فن‬
‫أوال‪ّ :‬‬

‫‪272‬‬
‫فهرس الموضوعات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ياحالداللي‪312............................................................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬االنز ّ‬
‫ثالثا‪ :‬االنزياحالتّركيبي ‪372.............................................................‬‬
‫ياحالصوتياإليقاعي‪207......................................................:‬‬
‫ّ‬ ‫رابعا‪:‬االنز‬
‫الخئتمة ‪349.............................................................................‬‬
‫قئيمةالمائدروالمراجع‪354...............................................................‬‬
‫فهرس الموضوعئت ‪372.................................................................‬‬

‫‪271‬‬
:‫مل ّخص‬
‫ص في قراءة عميقة تستهدؼ النّظر إلى البالغة وقراءتها قراءة أسلوبية‬
ّ ّ‫تحاوؿ األسلوبية جاىدة التّركيز على الن‬
‫نص تراثي من منطلق االنزياح اللّغوي الذي يعتبر‬ّ ‫ وقد حاولنا في بحثنا ىذا محاكمة‬،‫تنزع فيها إلى استنباط خفاياه وأسراره‬
‫ فكانت محاورتنا للنّصوص المقامية للحريري لكشف القيم التّعبيرية في‬،‫الجوىر األساسي الذي انبنت عليو النّظرية األسلوبية‬
.‫مستوياتها الثالث‬
:‫الكلمات المفتاحية‬
،‫ االلتفات‬،‫ العدوؿ‬،‫ االنزياح اللّغوي‬،‫ محاور الخطاب‬،‫ نظرية المقاـ‬،‫ االختيار‬،‫ األسلوبية‬،‫األسلوب‬
.‫مقامات الحريري‬
Résumé
La stylistique cherche à mettre l’accent sur le texte au seind’une
lecture profonde et réfléchie qui vise à prendreet lire la rhétorique de façon
stylistique s’y inclinant à concevoir les énigmes et les secrets du texte.
Dans la présente recherche, nous avons essayé de traiter un texte
patrimonial sur la base de l’écart linguistique qui est l’essence sur laquelle la
théorie linguistique s’est fondée. Notre approche des textes de maqamâts d’Al
Hariri (les assemblées) cherche à révéler les valeurs expressives sur leurs trois
plans.
Mots clés :
Style, stylistique, principe de choix, théorie, axes de discours, écart
linguistique, écart, transition rhétorique, maqamâts d’Al Hariri (les
assemblées)
Abstract
Stylistics seek to focus on the text within a deepreflective reading
that aims to see and read stylistically the rhetoric,tending to elicit the
mysteries and secrets of the text.
We have tried, in this research, to treat a heritage text based on the
linguistic incongruity, which is the essence of which linguistic theory is
based. Our approach with the texts of Al Hariri maqamâts(assemblies)are
seeking to reveal the expressive values of their three levels.
Keywords :
Style, stylistic, choice principle, theory, axes of discourse, linguistic
incongruity, incongruity,modal-swich, Al Hariri maqamâts(assemblies).

275

You might also like