Professional Documents
Culture Documents
CD19
CD19
أ
ب
مق ّدمة
ج
مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذبربة الكتابة ُب أساسها ذبربة لغة ،وقد اكتست الكتابة ُب اؼبقامات أنبّية كربى باعتبارىا مثّلت فرتة
اؼبؤىلة على
اختمار التّجربة النّثرية العربية القديبة اؼبكتوبة منها على اػبصوص ،فاؼبقامة من النّصوص ّ
السياؽ الثّقاُب
فيو-األقل من ناحية ّ
ّ ضخما،وقد مثلّت -الذي ظهرت
كي ربتوي تراثا شعريا ونثريا ً
مقامات اغبريري بناء لغويا فبيّزا انبىن على تفجري طاقات اللّغة ،وجعلها تضيف إٔب نفسها ومن
ص
الشعرية ؽبذا النّ ّ
فعاؿ ُب شحن ال ّدفقة ّ
داخلها عنصرا آخر ىو اإليقاع ،الذي أسهم بشكل ّ
صنّف ُب خانة النّصوص النّثرية – ليس من بنص ُ -
الشعرية ّ
النّثري ،وىو ما ُيب ّكننا من ربط البنية ّ
ناحية اإلمكانات اإليقاعية فحسب وإّمبا بإمكانات أخرى تركيبية وداللية.
د
مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اؼبقامي ،باعتباره ظاىرة ببلغية أسلوبية تربز وجها من وجوه ال ّدالالت اإلوبائية واللّغوية اؼبتوفّرة ُب
ص النّثري الذي يرتكز على اإلمتاع واإلقناع؛ اإلمتاع اؼبستند إٔب النّحت ُب جسد اللّغة وما
ىذا النّ ّ
تزخر بو من عناصر انزياحية صبالية،واإلقناع اؼبدعوـ بإيباف عميق بقدرة اؼبقامة على تشخيص وإبراز
الوعي الثّقاُب واالنتقادي لصاحب اؼبقامة ّاذباه عصره دبا يسمح بتصحيح اؼبسار الفكري وتأصيل
القيم اػبلقية داخل اإلنساف العريب.
ص اؼبقامي للحريري بال ّدراسة وأفرغنا فيو جهدنا لعلّنا نصل منو ِرضبًا ؾبفوة ؼبا
وقد آثرنا النّ ّ
الشيء الكثري ،فأردنا أف نفتح الصنعة واألالعيب اللّغوية ّ
أسند إليو من صفات التّعقيد واؼببالغة ُب ّ
ونوضح اإلوباءات ونستخرج الكنوز اؼبضمرة ُب االّتامات لنجلي ال ّدالالت ّ
نصا مغلقا على ىذه ّ ّ
عمق ذلك كلّو ،فألفيناىا صندوقا سحريّا يفتحو القارئ ليستنبط منو أشياء شبينة ،ووفرة من الثّروات
اؼبتؤللئة –كما يقوؿ عبد الفتّاح كليطو.-
وقع اختيارنا على نصوص اغبريري اؼبقامية ألنبّيتها ُب األدب العريب القدًن حيث أقبل عليها
الصيت ما جعلها مثاال ًبّ
اػباص والعجمي قبل العريب فشرحت وترصبت ،وكاف ؽبا من ّ
ّ العاـ قبل
ّ
كل من أنتج داخل جنس اؼبقامات.
احتذاؤه من طرؼ ّ
صي ىو:
أىم دواعي اختيارنا ؽبذا األمبوذج النّ ّ
لعل ّ
و ّ
بالشعر وحده حيث حظي بال ّدراسة والتّحليل ّأوال :عناية الباحثني ُب ؾباؿ األسلوبية ّ
الفّن -وىو شبرة األقبلـ -فلم تنشط لو أقبلـ ال ّدارسني ُب
األسلويب بشكل كبري ج ّداّ ،أما النّثر ّ
بالشعر وحده
ال ّدراسات األسلوبية إال قليبل ذلك أ ّّنم ربطوا االنزياح الذي وبدث ُب ضوء نظاـ اللّغة ّ
الشعرية".
خاصة ما جاء بو "جاف كوىن" ُب كتابو "بنية اللّغة ّ
مستندين ُب ذلك إٔب حبوث غربية ّ
ص النّثري اؼبقامي من خبلؿ لغتو مقاربة أسلوبية فكانت جرأة منّا أف حاولنا مقاربة النّ ّ
للبحث عن خصائصو الفنّػيّة واعبمالية اليت سبيّزه عن النّصوص النّثرية األخرى.
تنص
ص اؼبقامي قديبا وحديثا من أحكاـ ّ
ثانيا :اإلسهاـ ُب دحض وتفنيد ما أشيع حوؿ النّ ّ
على فراغو ال ّدالٕب وعلى تقليديتو وذبسيده الكبطاط األدب.
ٍ
مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
األوؿ بكاملو
خصصنا الفصل ّ قسمناه إٔب أربعة فصوؿ؛ حيث ّ ّأما عن خطّة البحث فقد ّ
لعرض ومناقشة مفاىيم األسلوب قديبا وحديثا عند العرب والغرب ،وحاولنا أيضا بلورة مفاىيم تتّصل
دبوضوع األسلوبية تارىبا ومنهجا دبنظور عريب وغريب أيضا.
عرض ؼبفهوـ التّشكيل األسلويب من ؿباوره اؼبتع ّددة فكاف:
تؤب التّ ّ
ّأما الفصل الثّاين فقد ّ
ّأوؽبا :ؿبور االختيار.
وثانيها :ؿباور اػبطاب الثّبلثة (اؼبخ ِ
اطب واؼب َخاطَب واػبطاب).
ُ َُ
وثالثها :ؿبور اؼبقاـ.
تؤب بياف أنبّية أسلوب االنزياح اللّغوي ُب ال ّدراسات األسلوبية
و ّأما الفصل الثّالث فقد ّ
العربية والغربية ،ودوره ُب استكناه ال ّدالالت اػبفيّة ُب النّصوص.
ص اؼبقامي للحريري من
وختمنا البحث بفصل رابع عاعبنا فيو ظاىرة االنزياح اللّغوي ُب النّ ّ
مستويات ثبلث:
-1اؼبستوى ال ّدالٕب.
الرتكييب.
-2اؼبستوى ّ
الصوٌب.
-3اؼبستوى اإليقاعي و ّ
وسيبلحظ القارئ أنّنا ُب دراستنا ؽبذه اؼبستويات ٓب نقف عند مقامات بعينها بل استفدنا
السبب ُب ذلك أ ّف من ظبات ال ّدراسات األسلوبية ّأّنا ذات طابع مشوٕب
من ـبتلف نصوصو اؼبقامية و ّ
حّت تتّصف ال ّدراسة بال ّدقّة واؼبوضوعية.
لنتاج األديب بأكملو ّ
تتوخى ربقيق ىدفني اثنني:
إ ّف اؼبزاوجة بني النّظري والتّطبيقي ُب دراستنا ىذه ّ
أىم رموزه الببلغية
ّأوؽبا :ؿباولة متابعة الفكر األسلويب النّقدي القدًن واؼبعاصر فبثّبل ُب أحد ّ
الرجوع ُب
واألسلوبية ،ومعرفتو معرفة مباشرة من خبلؿ اؼبفاىيم اؼبتع ّددة لؤلسلوب واالنزياحٍ ،بّ ّ
وتصورات متباينة قصد قراءتو وإغنائو
تزودنا برؤى ومفاىيم ّ مرحلة ثانية إٔب تراثنا الّنثري العريب ،وقد ّ
للشعر كفؤ
الفّن ىو ن ّد ّ
الشعر انطبلقا من أ ّف النّثر ّ
واالنطبلؽ منو ُّدؼ ذبديده وجعلو ُب مستوى ّ
لو.
و
مـقدمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وُّذا نتم ّكن من ربديد األطر الفنّػيّة واألساليب اللّغوية اليت سبتاز ُّا لغة اؼبقامات اغبريرية،
اؼبتفردة ومدى قدرّتا
لنتبني مدى الثّبوت واالنزياح ُب قواعدىا ،واستعماالّتا ،فندرؾ خصائص لغتها ّ ّ
الرؤى واؼبواقف.
ُب بلورة ّ
ّأما اؼبرمى الثّاين فهو تطبيق منهج وصفي ربليلي ُب دراسة النّصوص اؼبقامية للحريري
ربوالت
ص النّثري اؼبقامي وما يبتاز بو من ّ
باالعتماد على األسلوبية ومعطياّتا لنستوضح شعريّة النّ ّ
الرتكيبية أو اإليقاعية ،وذلك انطبلقا من سعي األسلوبية للكشف عن قوانني
سواء ُب البىن ال ّداللية أو ّ
اإلبداع ُب بنية اػبطاب األديب بوصفو نصا ذا ٍ
معاف متع ّددة. ّ
لعل أنبّها « شرح مقامات
ولتحقيق أىداؼ البحث استندنا إٔب ؾبموعة من اؼبصادر واؼبراجع ّ
مهمة شرح النّصوص وتذييل ألفاظها ىذا سهل علينا ّالشريشي؛ حيث ّ اغبريري» أليب العبّاس ّ
ؿبمد عبد اعبليل ،وُب اعبانب النّظري كاف االستناد
ص النّثري » إلببلغ ّ
باإلضافة إٔب « ،شعرية النّ ّ
إٔب « علم األسلوب مفاىيمو وإجراءاتو » لصبلح فضل ،وكتاب «حيوية اللّغة » ألضبد معلوؼ
وتشعباتو.
وغريىا من اؼبراجع اليت أنارت لنا دروب البحث ّ
فإين آمل أف أكوف قد ُوفّقت ُب ربقيق ولو نزر يسري فبّا كنت أصبو إٔب ربقيقو
وبعد ىذا كلّو ّ
ألنوه بتشجيعات وتوجيهات األستاذ اؼبشرؼ أستغل ُب األخري اؼبقاـ واؼبقاؿ ّ
ُب ىذه ال ّدراسة ،و ّ
وإرشاداتو القيّمة واليت كانت ٕب حافزا إلسباـ ىذا البحث على ىيئتو اغباضرة فللّو اغبمد من قبل ومن
السداد ُب القوؿ والعمل.
بعد ونسألو التّوفيق و ّ
ز
الفصل األول
األسلوب واألسلوبية
أوال :ماىية األسلوب
ثانيا :مصطلح األسلوب عند العرب القدامى
ثالثا :مصطلح األسلوب عند العرب المحدثين
رابعا :مصطلح األسلوب عند الغربيين
خامسا :األسلوب بوصفو علماً
سادسا :األسلوبية المصطلح والموضوع
سابعا :اتّجاىات األسلوبية
0
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
1لساف العرب ،ابن منظور ،بيروت ،دار صادر ،ط1992( ،1ـ) ،ما ّدة (سلب).
الزمخشري ،بيروت ،دار بيروت للطّباعة ،ص .304
أساس البالغة ّ ،
2
3المعجم الوسيط( ،إبراىيم مصطفى ،أحمد حسن الزيات ،حامد عبد القادر ،محمد علي النّ ّجار ) ،تركيا ،المكتبة اإلسالمية ،ج ،1مادة
(سلب).
4البنى األسلوبية ،حسن ناظم ،المغرب ،المركز الثقافي العربي ،ط2002( 1ـ)،ص .20
3
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
واؼبعىن اؼبرتتّب عن ىذا التّعريف أف ىناؾ أساليب ـبتلفة فهناؾ أسلوب ُب ترتيب
الديكور،وأسلوب ُب اللّباس ،وأسلوب ُب الطّبخ ،وأسلوب ُب اغبياة ،لكن ىذه األساليب ال يبكن
أف تكوف موضوعا للدراسات األسلوبية لكنها يبكن أف تكوف موضوعا للسيميائيات.
ّأما "معجم اؼبصطلحات األدبية اؼبعاصرة" فريّكز على اؼبعاين اآلتية:
وبيل األسلوب ضمنيا على مفهوـ يعارض دبوجبو ،االستعماؿ الفردي واإلبداعي -0
للكبلـ اؼبألوؼ.
الرتكيبات.
األسلوب ىو طريقة عمل ووسيلة تعبري عن الفكر بواسطة الكلمات و ّ -3
1
السردية للكاتب
الشخصية و ّواألسلوب لغة استكفائية تغوص ُب اؼبيتولوجيا ّ -2
والواضح أ ّف ىذه اؼبعاين تفتقر إٔب االستقصاء ال ّدقيق لكلمة أسلوب ودالالّتا النّظرية.
فيعرؼ األسلوب بأنّو « :طريقة وضع ّأما "معجم اؼبصطلحات األدبية "إلبراىيم فتحي" ّ
الصياغة والتّعبري ُب لغة الكتابة أو لغة
األفكار ُب كلمات» ،وبأنّو« :مبط لو خصوصيتو ُب ّ
اغبديث».
لنص أديب واؼبتعلّقة بشكل التعبري أكثر من تعلّقها بالفكرة
وبأنّو أيضا« :اػبصائص اؼبميّزة ّ
2
ص األديب بتوصيلها».
اليت يقوـ النّ ّ
ورّدبا يكوف "معجم مصطلحات األدب" ىو الذي ح ّدد مفهوما واضحا لؤلسلوب واألسلوبية
حّت العصر
على ح ّد سواء حيث حرص مؤلّفو على تتبّع اؼبصطلحني وداللتهما منذ عصر أرسطو ّ
اغبديث ،فهو يقوؿ أ ّف:
ص ونوايا كاتبو.
/0األساليب اختيارات ـبتلفة بني وسائل التعبري اليت ربتّمها طبيعة النّ ّ
3
تتنوع حسب نظم ـبتلفة أدبية واجتماعية ونفسية وآلية.
/3أف األساليب ّ
ّأما "علي صبيل سلّوـ" و"حسن نور ال ّدين" فقد وقفا على معىن األسلوب فح ّدداه ببساطة بأنو:
1معجم المصطلحات األدبية المعاصرة ،سعيد علوش ،بيروت ،دار الكتاب اللبناني ،ط(1985ـ) ،ص.114
2معجم المصطلحات األدبية ،إبراىيم فتحي ،تونس ،المؤسسة العربية للنّاشرين المتّحدين ،ط(1988ـ) ،ص .29
3معجم مصطلحات األدب ،مجدي وىبة وكامل المهندس ،بيروت مكتبة لبناف ،ط1984( 2ـ) ،ص.35-34
2
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
1ال ّدليل إلى البالغة وعروض الخليل ،على جميل سلّوـ وحسن نور الدين ،بيروت دار العلوـ العربية ،ط1997(3ـ) ،ص.28
2نفسو ،ص .28
3تأويل مشكل القرآف ،ابن قتيبة ،تحقيق أحمد صقر ،القاىرة ،مكتبة دار التّراث ط1973(2ـ) ،ص.13
1
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
وُّذا يكوف ابن قتيبة قد ربط األسلوب وطرؽ أداء اؼبعىن ُب نسق ـبتلفة حبيث يكوف لكل مقاـ
مهمة ىي:
مقاؿ فتع ّدد األساليب راجع إٔب ثبلثية ّ
/0اؼبوقف واختبلفو (مقتضى اغباؿ).
/3طبيعة اؼبوضوع (خطبة ،رسالة ،شعر)...
/2مقدرة اؼبتكلّم وفنّيتو ُب األداء الكبلمي.
ص األديب ككل وٓب يقصر ربطو ىذانص ابن قتيبة أنّو«:ربط األسلوب بالنّ ّ
واؼببلحظ أيضا من ّ
باعبملة الواحدة ،وما يتخلّلو من خصائص ببلغية من حيث اإلهباز واإلطناب ومن حيث اإليضاح
1
واإلُّاـ ومن حيث التّصريح والتّضمني».
وىو يتح ّدث ضمن اؼبوضوع نفسو عن أساليب التّعبري اؼبختلفة فيقوؿٍ« :ب ال يأٌب بالكبلـ كلّو
وبالغث
ّ كل التّهذيب ،ومص ّفى كل التّصفية بل ذبده يبزج ويشوب ليدؿ بالنّاقص على الوافر،
مه ّذبا ّ
السمني ،ولو جعلو كلّو حبرا واحدا لبخسو ُّاءه ،وسلبو ماءه».2
على ّ
ربوالت تكسر التّوقّع وذبتاز اؼبعاين اؼبباشرة
ص – حسب رأيو – تتأثّر من إببلغيتو عرب ّ
فقيمة النّ ّ
صرفات
ربقيقا لل ّداللة اإلضافية واعبمالية ،وىو ما يؤّكده ابن األثري أيضا ُب ربطو األسلوب بأوجو التّ ّ
ُب اؼبعىن واالفتناف فيها ،حيث يورد أبياتا عبرير ىجا فيها الفرزدؽ يقوؿ:
3 ليُ ال َكتَائِف وارتَِقاعُ ِ
الم ْر َج ِل ْ ُّ الم َكا ِرِـ والعُال أَل َْهى أبَ َ
اؾ َعن َ
1المثل السائر ،ابن األثير ،تحقيق أحمد الحوفي وبدوى طبانة ،القاىرة ،مطبعة نهضة مصر ،ج ،3ص .280
2إعجاز القرآف ،القاضي أبي بكر الباقالني،تحقيق أحمد صقر ،القاىرة ،دار المعارؼ( ،د،ط) ،ص.52
3نفسو ،ص.52
4نفسو ،ص.52
5البالغة واألسلوبية ،محمد عبد المطّلب ،ص .16
2
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
ينصب على ربطو بالغرض أو اؼبوضوع ،فكلّما تع ّددتّ ّأما اػبطّايب ففهمو لؤلسلوب
اؼبوضوعات الّيت يطرقها األديب تع ّددت األساليب وتش ّكلت بطبيعة ىذا اؼبوضوع ،فيتح ّدث عن
الشعراء ُب الغرض الشعري الواحد إذ يقوؿ «:وىاىنا وجو آخر
اؼبعارضات واؼبوازنات واؼبقاببلت بني ّ
يدخل ُب ىذا الباب ،وليس دبحض اؼبعارضة ولكنو نوع من اؼبوازنة بني اؼبعارضة واؼبقابلة ،وىو أف
الشاعرين ُب أسلوب من أساليب الكبلـ وواد من أوديتو فيكوف أحدنبا أبلغ ُب وصف ما
هبري أحد ّ
كاف ببالو من اآلخر ُب نعت ما ىو بإزائو ،وذلك مثل أف تتأمل شعر أيب داود واإليادي والنّابغة
الش ّماخ ُب وصف اغبٌمر،
اعبعدي ُب صفة اػبيل ،وشعر األعشى واألخطل ُب نعت اػبمر ،وشعر ّ
وصاؼ ؼبا يضاؼ إليو من أنواع األمور ،فيقاؿ :فبلف أشعر ُب بابو و مذىبو من
كل واحد منهم ّ
فإف ّ
فبلف ُب طريقتو اليت ذىبها ُب شعره ».1
تتضمن ُب جوىر صناعتها تع ّددية ُب اؼبتّجهات
واؼبعىن من قولو ىذا أف التّع ّددية ُب األساليب ّ
توحدت اؼبقاصدواألغراض واؼبوضوعات ،وذلك ال يتح ّقق ُب بياف اؼبفاضلة األسلوبية إال إذا ّ
واألغراض واَّاالت ،فإف اغبكم حينذاؾ يكوف ؼبن ىو أكثر دقّة ُب صناعتو التّعبريية وطريقتو الفنّػيّة
الصناعة الفنّية.2
متفردا باعتماد خصائص ّ ّأما إذا اختلفت اؼبقاصد فاؼبنشئ ينظر إٔب إبداعو ّ
الزـبشري(ت525ىػ) ُب كتابو
وُب إدراؾ معىن األسلوب وماىيتو نتوقّف مع رأي جار ا﵁ ّ
خاصية أسلوبية ؽبا دورىا ُب إبراز اؼبعىن وأسلوب
الكشاؼ حيث رب ّدث عن أسلوب التّمثيل باعتباره ّ
ّ
ْح ْم ُد
السامع انطبلقا من اآليات القرآنية ُب قولو تعأب﴿ :ال َ االلتفات ودوره ُب تقوية اؼبعىن والتّأثري ُب ّ
اؾ نَػ ْعب ُد وإِي َ ِ ِِ ِ ين ( )2الر ْح َم ِن الرِح ِ ِ ِِ
ين ()5 اؾ نَ ْستَع ُ يم (َ )3مالك يَػ ْوـ الدي ِن ( )4إِي َ ُ َ للو َرب ال َْعالَم َ
ضػ ِ
وب َعلَْي ِه ْم َوَال الضاليػ َن ت َعلَْي ِه ْم غَْي ِر ال َْمغْ ُ
ين أَنْػ َع ْم َ صرا َ ِ ِ ِ ا ْى ِدنَا الص َرا َ
ط الذ َ يم (َ )6 ط ال ُْم ْستَق َ
3
(.﴾ )7
1بياف إعجاز القرآف ،ضمن ثالث رسائل في إعجاز القرآف ،للرماني و الخطابي وعبد القاىر الجرجاني ،تحقيق محمد خلف اهلل ومحمد
زغلوؿ سالـ القاىرة ،دار المعارؼ ،ط،3ص (.)66-65
2ينظر:األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،عماف ،دار صفاء للنّشر والتّوزيع ،ط2002( 1ـ) ،ص.108
3سورة الفاتحة ،اآلية من(01إلى .)07
7
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
فإذا قلتٓ :ب عدؿ عن لفظ الغيبة عن الغيبة إٔب لفظ اػبطاب ،قلت:ىذا يسمى االلتفات
ُب علم البياف.وقد يكوف من اػبطاب إٔب الغيبة ،ومن الغيبة إٔب التّكلّم كقولو تعأبُ ﴿ :ى َو ال ِذي
ِ ْك وجرين بِ ِهم بِ ِر ٍ ٍ ِ ِ ِ
اءتْػ َها ِر ٌ
يح يح طَيبَة َوفَ ِر ُحواْ ب َها َج َ سيػ ُرُك ْم في الْبَػر َوالْبَ ْح ِر َحتى إِذَا ُكنتُ ْم في الْ ُفل َ َ َ ْ َ
يُ َ
ين لَوُ الدي َن لَئِ ْن ِِ ُحي َ ِاف وظَنُّواْ أَنػهم أ ِ
ٍ ف وجاءىم الْمو ِ ِ
ط ب ِه ْم َد َع ُواْ اللوَ ُم ْخلص َ ُْ ج من ُكل َم َك َ َعاص ٌ َ َ َ ُ ُ َ ْ ُ
ِ ِ ِ ِِ
َنج ْيتَػنَا م ْن َىذه لَنَ ُكونَن م َن الشاك ِر َ
1
وتصرفهم فيو «ألف ّ الكبلـ ُب افتناّنم عادة على وذلك ، ين﴾ أ َ
السامع،وإيقاظا لئلصغاء
الكبلـ إذا نقل من أسلوب إٔب أسلوب كاف ذلك أحسن ،تطرية لنشاط ّ
2
إليو من إجرائو على أسلوب واحد».
فمقياس األسلوب عنده يبدو مرتبطا دبا وبملو من التّش ّكبلت اغبيوية الّيت يقيمها تفاعل
مؤشرات الطّاقةذبسد دينامية األلواف الببلغية ُب تعبريىا عن اؼبراد« ،فالقدرة ُب ّ األبنية حيث ّ
الصياغية داخل حدود ال ّدائرة اؼبعرفية لدى اؼبنشئ ىي اليت تفرض التّباين ُب األساليب والتّن ّقل من
ّ
أسلوب إٔب أسلوب » ،3وىو ما يُربز وجو اغبسن ُب الكبلـ ويؤثّر ُب نشاط الساّمع.
الزـبشري ىذا اؼبنحى ُب فهمو لؤلسلوب ودوره ُب الكشف عن وجوه اغبسن ُب قولو ويُؤّكد ّ
اىم من ن ِذي ٍر من قَػ ْبلِ َ
ك لَ َعل ُه ْم نذ َر قَػ ْوًما ما أَتَ ُ ْح ُّق ِمن رب َ
ك لِتُ ِ
تعأب﴿:أ َْـ يَػ ُقولُو َف افْػتَػ َراهُ بَ ْل ُى َو ال َ
الزـبشري«:وىذا أسلوب صحيح ؿبكم».5
ّ فيقوؿ4
يَػ ْهتَ ُدو َف﴾
خاصية أسلوبية ؽبا دورىا ُب إبراز اؼبعىن وذبلية
الزـبشري أسلوب التّمثيل باعتباره ّ
كما يُعاِب ّ
اؼبتوىم ُب معرض اؼبتي ّقن ،والغائب كأنّو شاىد،ويقوؿ حّت يبدو اؼبتخيّل ُب صورة ا﵀ ّقق و ّ اغبقائق ّ
ض وال ِ
ْجبَ ِ ِ معلّقا على اآلية القرآنية ُب قولو تعأب﴿ :إِنا َع َر ْ
اؿ ضنَا األ ََمانَةَ َعلَى الس َم َاوات َواأل َْر ِ َ
ِ ِ
وما َج ُهوال﴾« ،6وكبو ىذا الكبلـ نسا ُف إِنوُ َكا َف ظَلُ ً فَأَبَػ ْي َن أَف يَ ْحم ْلنَػ َها َوأَ ْش َف ْق َن م ْنػ َها َو َح َملَ َها ا ِإل َ
5ا
الزمخشري ،ج،3ص .240
شاؼّ ،
لك ّ
6سورة األحزاب ،اآلية .72
5
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
كثري ُب لساف العرب ،وما جاد القرآف إالّ على طرقهم وأساليبهم ...كذلك تصوير عظم األمانة
وصعوبة أمرىا وثقل ؿبملها والوفاء ُّا ،فإف قلت ،قد علم وجو التّمثيل ُب قوؽبم للذي ال يثبت على
الرأيني وتركو اؼبعىن
وترجحو بني ّ رأي واحد :أراؾ تُق ّدـ ِرجبل ّ
وتؤخر أخرى،ألنّك مثّػلْت حالو ُب سبيّلو ّ
يرتدد ُب ذىابو فبل هبمع رجليو للمعىن ُب وجهو».1
على أحدنبا حباؿ من ّ
الزـبشري ُب رؤيتو لؤلسلوب بقولو«:من الواضح أ ّف
ؿبمد عبد اؼبطّلب منهج ّ وضح ّ ويُ ّ
الرتكيب النّحوي من
ص القرآين يستند إٔب مناىج البحث الببلغي من ناحية ،و ّ
الزـبشري ُب ربليلو للنّ ّ
ّ
كل مستوى من مستويات دراستو ،ؿباوال الوصوؿ على أقصى كل ذلك ُب ّ ناحية ثانية ،وأفاد من ّ
الرصد اؼبوضوعي للخصائص األسلوبية أحيانا أخرى رابطا بني
درجة من التّذوؽ االنطباعي أحيانا ،و ّ
خاصة».2
عامة والقرآين ّ
ص األديب ّ
التّأثري االنفعإب لدى اؼبتل ّقي واػبصائص التّعبريية ُب النّ ّ
الزـبشري حيث ربط ىو اآلخر بني الس ّكاكي(ت232ىػ) ُب نظرتو لؤلسلوب اذباه ّ و ّاذبو ّ
وبني مدى تأثريه
وضمو إٔب علم اؼبعاينّ ،
ص فتح ّدث عن االلتفات ّ اػباصية التّعبرييّة ُب النّ ّ
األسلوب و ّ
وخاصية أخرى غري االلتفات وىي خروج الكبلـ ّ ووضح معىن األسلوبالسامعّ ، أيضا ُب اؼبتل ّقي و ّ
على خبلؼ مقتضى الظّاىر دبا وبويو من أفانني ببلغية ،حبيث يواجو اؼبخاطَب بغري ما يتوقّع وظبّى
ىذه الطّريقة "األسلوب اغبكيم" إذ يقوؿ «:أعّن إخراج الكبلـ ال على مقتضى الظّاىر بأساليب
متفنّنة ،إذ ما من مقتضى كبلـ ظاىر ّإال وؽبذا النّوع مدخل فيو جبهة من جهات الببلغة على ما نػُبّو
لكل من تلك الصناعة ،ونرشد إليو تارة بالتّصريح وتارة بالفحوى ،و ّ
على ذلك منذ اقتنينا بشأف ىذه ّ
يتسرب من أفانني سحرىا ،وال كاألسلوب اغبكيم فيها ،وىو تل ّقي
األساليب عرؽ ُب الببلغة ّ
اؼبخاطَب بغري ما يتل ّقى ».3
الزمخشري ،ج،3ص.277
شاؼّ ،
الك ّ
1
9
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
واؼبقصود باألسلوب اغبكيم ىو «تل ّقي اؼبخاطب بغري ما يرتقّب حبمل كبلمو على خبلؼ
السائل بغري ما يتطلّب بتنزيل سؤالو منزلة غريه تنبيها على أنّو
مراده تنبيها على أنّو األؤب بالقصد أو ّ
1
اؼبهم لو».
األؤب حبالة أو ّ
الصناعة من تصريح وتضمني
إ ّف الببلغة دبا ربويو من سحر الكبلـ و أفانني القوؿ ،ومداخل ّ
الس ّكاكي وىو الّذي
وغري ذلك ،وىي أساليب كثرية تتوازى و" األسلوب اغبكيم" الّذي أّبّ عليو ّ
فيحرؾ نشاطو ويُربزه ُب معرض اؼبسحور«،ىذا
يُوحي دبباغتة ومفاجأة اؼبخاطب بغري ما يتوقّعّ ،
السامع ما سلبو حكم الوقور ،وأبرزه ُب معرض
فحرؾ من نشاط ّ
األسلوب اغبكيم لرّدبا صادؼ اؼبقاـ ّ
حّت آثر أف ُوبسن على أف
وسل سخيمتو ّ اػبارجي ّ
ّ اغبجاج لذلك
اؼبسحور ،وىل أالَف شكيمة ّ
اغبجاج بالقيد ُب قولو":ألضبلنّك على األدىم ،فقاؿ
توعده ّ
يُسيء غري أف سحره ُّذا األسلوب؟ إذ ّ
متغابيا :مثل األمري وبمل على األدىم واألشهب».2
01
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
شاعر آخر إٔب ذلك األسلوب فيجيء بو ُب شعره فيشبّو دبن يقطع من أديبو نعبل على مثاؿ نعل قد
قطعها صاحبها ،فيقاؿ قد احتذى على مثالو».1
والنّظم ُب حقيقتو عند اعبرجاين ليس تركيب األلفاظ أو نظمها،و إّمبا ىو تصوير ونظم اؼبعاين
تصور أف تعرؼ للّفظ موضعا من غري أف تعرؼ
وؾبسدة ؽبا«:فبل يُ ّ
كل شيء ؛إذ األلفاظ عاكسة ّ
قبل ّ
الرتتيب ُب اؼبعاين
تتوخى ّ
تتوخى ُب األلفاظ من حيث ىي ألفاظ ترتيباً ونظماً ،وأنّك ّ
معناه ،وال أف ّ
وقفوت ُّا آثارىا ،وأنّك إذا فرغت من ترتيب
وتُعمل الفكر ىناؾ ،فإذا ًبّ لك ذلك أتبعتها األلفاظ ْ
اؼبعاين ُب نفسك ٓ،ب ربتج إٔب أف تستأنف فكراً ُب ترتيب األلفاظ ،بل ذبدىا ترتتّب لك حبكم ّأّنا
خدـ للمعاين ،وتابعة ؽبا ،والحقة ُّا ،وأ ّف العلم دبواقع اؼبعاين ُب النّفس ،علم دبواقع األلفاظ ال ّدالّة
عليها ُب النّطق ».2
وُب ىذا القوؿ نبلحظ إصرار عبد القاىر اعبرجاين على أ ّف اؼبعاين ىي اليت تُ ِ
وجد اللّفظة أل ّف
معني ىو الذي يشحنها،
تدؿ ُب ذاّتا ،وإّمبا ربيلك إٔب مضموف ّ
اؼبفردة ىي« اصطبلح واتّفاؽ ال ّ
فاأللفاظ ال قيمة ؽبا ُب ذاّتا وإّمبا ُب عبلقتها األسلوبية بني سابقاّتا و الحقاّتا من الكلمات ،فهي
3
مولودة على الفطرة ،فالعبلقة األسلوبية ىي اليت ربدد فصاحتها أو عدـ فصاحتها».
4
ويبكن توضيح العبلقة الوثيقة بني النظم واألسلوب باؼبخطّط اآلٌب:
1دالئل اإلعجاز ،عبد القاىر الجرجاني ،تعليق محمود محمد شاكر ،القاىرة ،مكتبة الخانجي ،ط2004( 5ـ) ،ص(.)468،469
2دالئل اإلعجاز ،عبد القاىر الجرجاني ،ص .54
3مجلة عالمات في النّقد" ،االجتهادات النّقدية المفضية لدراسة األسلوب لدى عبد القاىر الجرجاني من خالؿ كتاب [دالئل اإلعجاز ]"،
بشرى تاكفراست ،النادي الثقافي ،جدة ،المجلّد ،17العدد2008( 67ـ) ،ص .233
4األسلوبية وثالثية الدوائر ،عبد القادر عبد الجليل ،ص.110
00
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
المبػ ػ ػ ػػدع
الوعــــاًً األلفـــــــاظ
األسػػلوب
المتػػل ّقي
03
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
02
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
الصافية
الروحانية والعقوؿ ّ
ارتباط مفهوـ األسلوب باالستعارة اليت ال ينطق ُّا إال ذوو ّ -3
متفرد يبيّز األسلوب ويزيده صباال.
وتكوف ذات شكل ّ
ربط األسلوب بطريقة أداء اؼبعىن على وجو التّمثيل. -2
تفنّن اؼببدع ُب أساليبو للتّأثري ُب اؼبتل ّقي. -1
نظر إٔب األسلوب من جهة اػبصائص التّعبريية فجعلو على صلة بأمباط من األداء ُب -5
تركيب العبارة؛ حيث يقوـ عادة على نظم العبلقات بني الكلمات ٍبّ بني اعبملُ ،ب
شكل اكبراؼ على اؼبستوى اؼبألوؼ ُب التّعبري فتتش ّكل باالستعارة واَّاز والتّشبيو
ذبسده اؼبقدرة الفنّية اإلبداعية لؤلديب.
والتّمثيل والكناية وىو ما ّ
وُّذا يكوف األسلوب عند اعبرجاين معاين أو أفكار تُنظم ،أوتصوير ذىّن ؽبذه األفكار أو
الرتاكيب اللّغوية وصياغتها لتجسيد ىذه بتعبري آخر ىندسة داخلية ؽبما بإضافة األلفاظ و ّ
اؼبعاين،فاألسلوب وفق ىذه النّظرية ىو«نظم أو تأليف أو تصوير اؼبعاين ُب ال ّذىن ٍبّ استغبلؿ
1
اإلمكانات اللّغوية والنّحوية للتّعبري عنها أو ذبسيدىا ».
كل ىذا أ ّف اعبرجاين قد ربط مفهوـ األسلوب بالنّظم تنظريا وتطبيقا من
وما نستخلصو من ّ
فاغبق-عنده -أنّنا ال نطلب الل ّفظ حباؿ ،و إّمبا نطلب اؼبعىن ،وطاؼبا وقعنا
حيث نظم اؼبعاين وترتيبهاّ ،
اػباصة ُب ترتيب اؼبعاين ،وما
ينصب على الطّريقة ّ
ّ على اؼبعىن ،فاللّفظ بإزاء النّظر ،فاألسلوب -إذا-
2
ربويو ىذه الطّريقة من إمكانات كبوية سبيّز ضربا عن ضرب ،وأسلوبا عن أسلوب.
خاصا لدراسة األسلوب ُب كتابو"،منهاج
وقد أورد حازـ القرطاجّن(ت215ىػ) منهجا ًّ
البلغاء وسراج األدباء" معتمدا ُب ذلك على رؤية اعبرجاين للنّظم ومفهوـ األسلوب عند أرسطو.
حيث جعل اطّراد اؼبعاين وتناسقها صورة تعكس مفهوـ األسلوبّ ،أما النّظم فكاف من وجهة نظره
منسوبا إٔب تآلف األلفاظ « األسلوب وبصل عن كيفية االستمرار ُب أوصاؼ جهة من جهات
غرض القوؿ وكيفية االطّراد من أوصاؼ جهة إٔب جهة ،فكاف دبنزلة النّظم ُب األلفاظ الذي ىو
1عالمات في النقد (مجلة)(،في سبيل إيجاد مفهوـ واضح لألسلوب) بومعزة رابح ،المجلد،17العدد2008( 67ـ)،ص.199
محمد عبد المطّلب ،ص.26
ينظر :البالغة واألسلوبيةّ ،
2
01
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
صورة كيفية االستمرار ُب األلفاظ والعبارات واؽبيئة اغباصلة عن كيفية النّقلة من بعضها إٔب بعض،
وما يعتمد فيها من ضروب الوضع وأكباء الرتتيب ،فاألسلوب ىيئة ربصل عن التّأليفات اؼبعنوية،
والنّظم ىيئة ربصل عن التّأليفات اللّفظيّة».1
وُّذا ال يكوف النّظم سوى تراكم أللفاظ تش ّكل انسجامها وفق النّظم اإليقاعي ألصوات
ص ،وتتع ّدد بدالالت الفصوؿ اؼبرّكبة منها اؼبعاين ا﵀اكاة ،فػ«األسلوب ىيئة ربصل وفق
موسيقى النّ ّ
عري واغبالة «النّفسية
الش ّ
الشعريّة أو الغرض ّ
االنسجاـ اغبادث بني اؼبسلك اؼبتّبع اؼبوافق للطّريقة ّ
وسط بينهما».2 الرقّة أو التّ ّ
لقاصد القوؿ ا﵀ ّددة دبيل إٔب اػبشونة أو ّ
يتح ّدد مفهوـ األسلوب لدى القرطاجّن ُب النّقاط اآلتية:
يسمى باالطّراد ُب اؼبعاين.
ىبتص بالتّأليفات اؼبعنوية أو ما ّ
/0إنّو يشمل جانبا من البناء اللّغوي ّ
الصياغة.
فخص األوؿ بالتّعبري والثّاين بوسائل ّ
ّ /3فصل بني األسلوب والنّظم
/2ارتباطو ُب اغبسن القوٕب بوحدة الكبلـ (الوحدة العضوية) .
الشعرية ،و أساليبها والتّعريف دبآخذ
/1ربطو لؤلسلوب باعبنس األديب حيث رب ّدث عن الطّرؽ ّ
الشعراء ُب ذلك.
ّ
فسر اإلعجاز بأنّو
سوى بني النّظم واألسلوب عندما تناوؿ إعجاز القرآف الكرًن؛ حيث ّ ّ /5
ظاىرة ُب اطراد أسلوبو من الفصاحة والببلغة وىو ما يندرج ربت دائرة النّظم.
تردد بني
وعليو فحازـ القرطاجّن ٓب يثبت على اذباه واحد ُب ربديد معىن األسلوب ،بل ّ
ورده فيما بعد إٔب اعبنس أو النّوع األديب ٍب
ربديدات ثبلثة حيث ربطو ُب البداية بالتّأليفات اؼبعنويةّ ،
3
أدخلو ُب مفهوـ الفصاحة والببلغة.
الصياغة اللّفظيّة ،فيقوؿ«:قاؿ
وينحو ابن رشيق القريواين(ت122ىػ) بنظرتو لؤلسلوب منحى ّ
الشعر ما رأيتو متبلئم األجزاء ،سهل اؼبخارج فتعلم بذلك أنّو أفرغ إفراغا
أبو عثماف اعباحظ أجود ّ
1منهاج البلغاء وسراج األدباء ،حازـ القرطاجني ،تحقيق محمد الحبيب بن خوجة ،بيروت ،دار الغرب اإلسالمي ،ط1966( 2ـ)،ص(.)364/363
2اللفظ والمعنى في التفكير النقدي والبالغي عند العرب ،األخضر جمعي ،دمشق ،اتحاد كتّاب العرب2001( ،ـ) ،ص .251
محمد عبد المطّلب ،ص .30
ينظر :البالغة واألسلوبيةّ ،
3
05
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
واحدا ،وسبك سبكا واحدا ،فهو هبري على اللّساف كما هبري ال ّدىاف ،وإذا كاف الكبلـ على ىذا
وحلى ُب فهم
وخف ؿبتملو ،وقرب فهمو ،وعذب النّطق بوَ ،
األسلوب الذي ذكره اعباحظ ل ّذ ظباعو ّ
الل ّّساف النّطق بو ،وؾبّتو اؼبسامع فلم
السامع ،فإذا كاف متنافرا متباينا عسر حفظو ،وثقل على ّ
ّ
يستقر فيها منو شيء ».1
ّ
الروح باعبسم يضعف بضعفو
ويقوؿ أيضا«:اللّفظ جسم وروحو اؼبعىن ،وارتباطو بو كارتباط ّ
اختل بعض اللّفظ كاف نقصاً للشعر وىجنة عليو ،كما يعرض لبعضبقوتو ،فإذا سلم اؼبعىن و ّ
ويقوى ّ
ىبتل إالّ من
الروح وال ذبد معىن ّ
الشلل والعور وما أشبو ذلك من غري أف تذىب ّ
األجساـ من العرج و ّ
اختل اللّفظ صبلة وتبلشىٓ ،ب يصح لو معىن،
جهة اللّفظ وجريو فيو على غري الواجب ،وكذلك إف ّ
2
ألنّنا ال قبد روحا ُب غري اعبسم البتة»
وىو ُّذا الكبلـ وب ّدد شروطا لؤلسلوب الكبلمي بتبلحم األجزاء وتبلزـ األلفاظ مع معانيها
،أما إذا
السامع لرتديده وحفظو ّ
وىو ما ُوبدث سهولة ُب اؼبخرج وعذوبة ُب النّطق وحبلوة ُب فهم ّ
كاف متنافرا ومتباينا ُب ألفاظو ومعانيو ،فسيثقل على اللّساف النّطق بو فتمقتو األظباع فبل يؤثّر
يتجزأ عند ىذا النّاقد وبذلك ال يبكن أف يكوف كل ال ّ فيها،فاللّفظ واؼبعىن أو العبارة والفكرة ّ
األسلوب ُب اؼبفهوـ اغبقيقي عنده ىو العبارة وحدىا وإّمبا ىو العبارة مرتبطة باؼبعىن ال انفصاؿ بني
االثنني.
الشعر ووجو تعلّمو
ّأما ابن خلدوف(ت515ىػ) فيتناوؿ األسلوب من زاوية صناعة ّ
الشعر -وما يريدوف ُّا ُب
الصناعة –صناعة ّ
فيقوؿ«:ولنذكر ىنا سلوؾ األسلوب عند أىل ّ
الرتاكيب أو القالب الذي يفرغ فيو،
إطبلقهم ،فاعلم ّأّنا عبارة عندىم عن اؼبنواؿ الذي ينسج فيو ّ
وال يرجع إٔب الكبلـ باعتبار إفادتو أصل اؼبعىن الذي ىو وظيفة اإلعراب ،وال باعتبار إفادتو كماؿ
الرتكيب الذي ىو وظيفة الببلغة والبياف وال باعتبار الوزف كما استعملتو العرب فيو
اؼبعىن من خواص ّ
الشعرية ،وإّمبا يرجع إٔب صورة
الصناعة ّ
الذي ىو وظيفة العروض ،فهذه العلوـ الثبلثة خارجة عن ىذه ّ
الرتكييب ال ّدقيق لؤلسلوب إّمبا ىو اصطبلحي ال لغوي ويسبق بقروف دخوؿ األسلوب ُب اؼبصطلح
ّ
النّقدي األورويب».1
الرتاث النّقدي القدًن
وُّذا نكوف قد ق ّدمنا صورة لبعض ما قيل بشاف مصطلح األسلوب ُب ّ
2
زبص ىذه الطّروحات:
مهمة ّ
ويبكن إصباؿ ىذه اإلشارة إٔب قضايا ّ
مرة واحدة عند عبد القاىر اعبرجاين وإف كاف ٓب يقصد اغبديث
-0استعمل مصطلح األسلوب ّ
فعرفو ووضع لو ح ّدا ،وجاء ذلك جبملة معرتضة ُب ثنايا حديثو عن االحتذاء.
عنو ،وإّمبا صادفو ّ
-3أوقف حازـ القرطاجّن قسما كامبل –ضمن كتابو منهاج البلغاء وسراج األدباء -لدراسة
قارا من مصطلحات النّقد القدًن.
األسلوب ،فأصبح مصطلحا ًّ
اؼبهمة ُب مق ّدمة ابن خلدوف ُب فصل"
-2رب ّددت لؤلسلوب معاؼبو اللّغوية واالصطبلحية ّ
الشعر".
صناعة ّ
يتوىم خروجو فيو
-1نظر العرب إٔب األسلوب من زاوية اؼبظهر الذي ىبرج فيو ،أو الّذي ّ
الضرب من القوؿ ،أو الطّريقة أو اؼبنواؿ أو القالب.
كذلك ،فعدُّوه ّ
كل
-5ربط العرب بني تع ّدد األساليب واالفتناف فيها وطرؽ العرب ُب أداء اؼبعىن حبيث يكوف ل ّ
ىبصو من إطناب أو إهباز أو حذؼ او إثبات .3»...فتع ّدد لكل مقاـ أسلوب ّ مقاـ مقاؿ« ّ
األساليب راجع على اختبلؼ اؼبوقف ،وطبيعة اؼبوضوع ومقدرة اؼبتكلّم وفنّيتو.
ص وما يتميّز بو من خصائص ببلغية من اإلهباز
-2قد سبت ّد طبيعة األسلوب لتمثيل النّ ّ
واإلطناب واإليضاح والتصريح واإلُّاـ.
لكل أسلوب
الرتاكيب ومن حيث أ ّف ّ -7تتمثّل ُب األسلوب العبلقات النّحوية من حيث ّ
الشعر والنّثر ،وُّذا ربطوا بني األسلوب والنّظم.
اػباصة ُب استخداـ ىذا النّحو ُب ّ
طريقتو ّ
(الرؤية والتطبيق) ،يوسف أبو الع ّدوس ،األردف ،دار الميسرة ،ط2007(1ـ) ،ص .23
ينظر :األسلوبية ّ
2
1األسلوب (دراسة لغوية إحصائية) ،سعد مصلوح ،القاىرة ،عالم الكتب (د،ط)(،د،ت) ،ص .49
09
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
31
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
السبلـ على ىذا القوؿ«:ومعىن ذلك أ ّف األسلوب ىو فلسفة ال ّذات ُب الوجود وإذ ىو كذلك فبل
ّ
1
يكوف إالّ ُمغرقاً ُب ال ّذاتية سباماً».
الشايب لؤلسلوب ُب ؿبورين أساسني:
وتنحصر معاعبة أضبد ّ
ا﵀ور األوؿ :اختبلؼ األساليب :ويرجع ذلك إٔب أمرين اثنني نبا:
عما ُب نفسو،علما
ليعرب بو ّ
الفن الذي ىبتاره الكاتب ّ
اؼبوضوع :فهو بالنّسبة إليو ىوّ «: -0
اػباص
ّ فلكل منها أسلوبو
قصة ،أو رسالة أو خطابةّ ،
أو أدبا ،نظما أو نثرا أو مقاال أو ّ
الذي يُبلئم طبيعتو».2
الكاتب :ىبتلف الكتّاب ُب أذواقهم وطبائعهم ومشاعرىم وانفعاالّتم وطريقة تفكريىم -3
عما
يعربوف ُّا ّ
بالضرورة اختبلفهم ُب األساليب اليت ّ
وتصويرىم لؤلشياء ،ويتّبع ذلك ّ
الصور واَّازات اليت يستخدموّنا وما إٔب ذلك من أدوات
ُب أنفسهم وُب ألواف ّ
التّعبري.
السالـ المس ّدي ،لبناف ،دار الكتاب العربي ،ط2006( 5ـ) ،ص.53
األسلوب واألسلوبية ،عبد ّ
1
2نفسو ،ص.47
30
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
ّأما أحمد درويش ُب كتابو "دراسة األسلوب بني اؼبعاصرة والتّاريخ" فقد اقتصر على ربديد
مصطلح األسلوب لغويّا فيما ىو يتح ّدث عن العبلقة بينو وبني مصطلح األسلوبية من النّاحية
العاـ يبكن أف تطلق على :النّظاـ
التّارىبية فقاؿ« :فكلمة األسلوب من حيث معناىا اللّغوي ّ
والقواعد العامة حيث نتح ّدث مثبل عن أسلوب اؼبعيشة لدى شعب ما ،أو أسلوب العمل لدى
عما سواه فهناؾ اغبديث
صباعة معيّنة ،ويبكن أف يُعىن باألسلوب اػبصائص الفردية اليت ُسبيّز شيئًا ّ
خاص ،أو التّمتّع بأسلوب كبلسيكي ُب
موسيقي ّّ معني ،أو اؼبيل إٔب ظباع أسلوب
عن أسلوب كاتب ّ
أثاث اؼبنزؿ».1
عاـ وٓب يربطو
و الواضح أف ىذا اؼبفهوـ يفتقر إٔب التّدقيق فقد رب ّدث عن األسلوب بشكل ّ
ص أو العمل األديب.
بالنّ ّ
وُب تعريف آخر لؤلسلوب يربط صاحبو بينو وبني اإلوباء قائبل«:ليس األسلوب معىن مباشرا،
ص ،وىو شيء غري ذلك بالصوت ،ورسم بالكلمة وإوباء بالعبارة ،وصورة يبيّنها النّ ّإنّو موسيقى ّ
أيضا ،ولذا تظهر فيو خافية النّفس من غري توقع ،وإرادة التّعبري على غري اؼبعهود ،كما تظهر بو رغبة
القوؿ بشكل ـبالف ،2وقد مثّل للحالة األؤب بقوؿ شاعر:
ت أَ ِط ػ ُير
لَ َعلِي إِلَى َمن قَ ْد َىويْ ُ ناحو ِ
ب ال َقطَا ىل َمن يُعير َج َ
ِ
أس ْر َ
و للحالة الثانية بقوؿ اؼبتنيب(ت251ىػ):
نور َكا َف فاَرقَػ َها َكأنّ َما فَق ُده ف ِي ِج ْس ِمها ُس ْق ػ ُم
س ٌ اج َع الش ْم َ
ور َ
َ
ِ 3
ث يَبتَسم
ث ّإال َح ْي ُ ط الغَْي ُ
َما يَ ْس ُق ُ ك ل ِي ِم ْن عارض ملك ب ْْرقُ َ
وال َح َ
َ
أما اغبالة الثّالثة فمثلّها بقوؿ أيب سبّاـ(ت320ىػ):
4
ػوـ از َ ِ
اؿ ْيهذي بالمواىب دائبا َحتى ظَنَ ػنا أنو َم ْح ُم ػ َُم َ
1دراسة األسلوب بين المعاصرة والتّراث ،أحمد درويش ،القاىرة ،دار غريب( ،د،ت)(،د،ط)،ص .20
2ينظر :األسلوبية وتحليل الخطاب منذر عياشي ،دمشق ،دار المحبّة( ،د،ط)2009( ،ـ) ،ص.86
3شرح ديواف المتنبي ،وضعو عبد اهلل البرقوقي ،ج ،4دار الكتاب العربي ،بيروت( ،د،ت)( ،د،ط) ،ص.91
4شرح ديواف أبي تماـ ،الخطيب التبريزي،تقديم راجي األسمر،دار الكتاب العربي ،بيروت(د،ت)( ،د،ط)،ص147
33
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
واألسلوب من منظور ىذا القوؿ ،طريقة فنّػيّة إوبائيّة للتّعبري عن اؼبعاين واألفكار ُب بنية تدعى
اؼبتفردة بشكل غري مسبوؽ ـبالف
ص" ؛ إذ يُربز بو اؼبؤلّف اؼبفاجئة غري اؼبتوقّعة والقدرة التّعبريية ّ
"النّ ّ
الفّن.
يرتدد باستمرار ،وىو ما يش ّكل معطيات توحي باعبمالية ُب العمل ّ
ؼبا ىو ّ
السالـ المس ّدي فإّنو حاوؿ –بعد حديثو اؼبسهب عن األسلوبية وأصوؽبا الغربية-
ّأما عبد ّ
اغبس اللّغوي
أف هبعل من األسلوب ظاىرة وجودية يعمل التّفكري األسلويب –الذي يعتمد على ّ
الفّن
الفّن -على ثباّتا ،وأ ّف التّمييز بني أسلوب وآخر ىو شيء وبب اإلقرار بو« ذلك أف اغبدس ّ
و ّ
تفرد"أسلوب"
ك ُب إمكانية سبيز "أسلوب" ّما عن "أسلوب" آخر ،وال ُب إمكانية ّ
للش ّ
ال يرتؾ ؾباال ّ
شخص عن"أسلوب" شخص آخر».1
بأي حاؿ من األحواؿ تعريفا دقيقا وشامبل
إال أ ّف ىذه النّظرة لؤلسلوب ال يبكن اعتبارىا ّ
ؼبصطلح األسلوب؛ ألنّو قد حاوؿ حصر ىذا اؼبصطلح ضمن ركائزه الثبلث متعاضدة
ومتفاعلة«.وإذا فحص الباحث ما تراكم من تراث التّفكري األسلويب وش ّقو دبقطع عمودي ىبرؽ
ِ
اؼبخاطب واؼبخاطَب واػبطاب وليس الزمنية اكتشف أنّو يقوـ على ركح ثبلثي دعائمو ىي
طبقاتو ّ
الركائز الثبلث أو ثبلثتها متعاضدة
من نظرية ُب ربديد األسلوب إال اعتمدت إيبستيميا إحدى ىذه ّ
متفاعلة».2
ِ
اؼبخاطب أو اؼبنشئ الرؤية نورد موقفو كامبل لتتّضح لنا الفكرة باعتبار
ولتوضيح ىذه ّ
تتنزؿ نظرية ربديد األسلوب منزلة لوحة اإلسقاط الكاشفة ؼبخبآت شخصية اإلنساف
يقوؿ«:وىكذا ّ
ضمن ،فاألسلوب جسر إٔب مقاصد صاحبو من
صرح وما ّ ما ظهر منها ُب اػبطاب وما بطن ،ما ّ
مقومات شخصيتو ال الفنّية فحسب بل الوجودية مطلقاً».3
حيث أنّو قناة العبور إٔب ّ
فاألسلوب من وجهة نظره ىي مرآة عاكسة لشخصية اؼبؤلّف ولصورة فكره إٔب اغب ّد الذي
الباث.
سبتزج فيو تلقائية األسلوب ،وال ّذات اؼبربزة لو فهو نغم شخصية ّ
2نفسو ،ص.50
3نفسو،ص .50
32
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
ِ
اؼبخاطب قبده يعرج إٔب اغبديث عن وبعد مناقشتو لدالالت ربديد األسلوب اعتمادا على
ؿبور آخر ىو اؼبخاطَب أو اؼبتل ّقي«ولئن تراءت لنا بعض مراسيم الكشف اؼبوضوعي ُب طَْرِؽ ؿبور
وزبص كما أسلفنا اؼبخاطَب الرحى فإ ّف ىذه اؼبعآب ستدقق ُب تناولنا ال ّدعامة الثّانية ِ
ّ اؼبخاطب ،قطب ّ
اؼبتقبّل».1
ويعّن ىذا أ ّف األسلوب ال يستقيم إال إذا تش ّكل وفق ؿباوره الثبلثة مرتابطة وُب دراستو
لل ّدعامة الثّانية ،يقوؿ «:ويعمد الفكر األسلويب إٔب منهج اختياري ُب إثبات حضور اؼبتقبّل ُب عملية
بعامة "يُكيّف" صيغة خطابو حبسب أصناؼ
اإلببلغ ،فإذا استندنا إٔب التّجربة اىتدينا إٔب أف اؼبتكلّم ّ
الذين ىباطبهم ،وىذا "التّكيّف" ،أو التّأقلم ليس اصطناعا ،ألنّو عفوي قلّما يصاحبو الوعي اؼبدرؾ،
الصغري -تلقائيا -دبا ال ىباطب بو الكبري صياغة
وعلى ىذا اؼبستند ترى الواحد منّا ىباطب ّ
الرجل دبا ال ىباطب اؼبرأة ،وتراه أيضا ىباطب من" يسموه" ُب منازؿ اَّتمع
ومضمونا ،وتراه ىباطب ّ
وتقديرات سلّم القيم فيو دبا ال ىباطب بو من يدنوه».2
إذا يصوغ اؼبتكلّم التعبري واػبطابات بالكيفية اليت تتناسب وأصناؼ اؼبستمعني ،فيكوف
الرسالة.
ستفز دبجرد مضموف ّ
وبرؾ ُب اؼبتقبّل نوازع وردود فعل ما كاف ؽبا أف تُ ّ
اػبطاب عامل استفزاز ّ
لوال اصطباغ اػبطاب بألواف ريشة األسلوب اؼبناسب.
ص
ّأما ا﵀ور الثّالث الذي يدور حولو مفهوـ األسلوب كما يرى اؼبس ّدي فهو اػبطاب«إ ّف النّ ّ
ص ذاتو ،لذلك يستطيع األسلوب أف ينفصل عن إف كاف وليد لصاحبو فإ ّف األسلوب ىو وليد النّ ّ
الرحم بينهما حضورية ُب غبظيت اإلبداع واإليقاع،وىذا اؼبنظار ُب ربديد
اؼبؤلّف اؼبخاطَب أل ّف رابطة ّ
مقومات الظّاىرة اللّغوية ُب خصائصها البارزة ونواميسها اػبفية
ماىية األسلوب يستم ّد ينابيعو من ّ
».3
إ ّف ربديد األسلوب انطبلقا من الظّاىرة اللّغوية أنشأ منهجا ُب تعريف لؤلسلوب باالعتماد
ص بنيويا « فبّا هبعل العبلمة اؼبميّزة لنوعية مظهر الكبلـ داخل حدود
على خصائص انتظاـ النّ ّ
السمة إّمبا ىي شبكة تقاطع ال ّدواؿ باؼبدلوالت ،وؾبموع عبلئق بعضها ببعض ومن اػبطاب وتلك ّ
ص ومن ذاّتا أسلوبو ».1
تتكوف البيئة النّوعية للنّ ّ
ذلك كلّوّ ،
لقد وقف الكثري من الباحثني من ىذا اؼبفهوـ لؤلسلوب موقف اؼبؤيّد حيث رّكزوا على ربديد
الركائز الثبلثة اليت ذكرناىا آنفا واليت سنفصل فيها ُب موضع آخر.
ماىيتو انطبلقا من ّ
ـبصص القسمات« األسلوب اػبالص
األوؿ ّ ّأما فايز ال ّداية فقد ّ
وزع األسلوب على قطبني ّ
الرصيد النّقدي واألصوؿ األدبية ،فيفيد األديب منها شاعرا يضم أقساما ؽبا قوالبها ُب ّوىو الذي ّ
الشعورية ،وكذلك يأتلف مع قيمو الثّقافية والفنّية ،ونعّن
وكاتبا ،بقدر يتوافق وزوايا ا ّلرؤية ُب ذباربو ّ
الرتكيب اللّغوي ،واإليقاع واؼبوسيقى ،وأبعاد البنية الفنّية
الصورة الفنّية وصباليات ّ
باألسلوب اػبالصّ :
2
الرواية واؼبسرحية»
للقصة و ّ
اػباصة ّ
ّ
الرأي وبصر مفهوـ األسلوب ُب اػبصائص التّعبريية اليت تتوافق مع رؤية الكاتب
وقبد ىذا ّ
وقيمو الثّقافية والفنّية.
عامة من وجهة نظره فينقسم إٔب قسمني:
ّأما األسلوب ّ
ىامني نبا التّجربة
الرؤية ُب أعمالو ،و إنّنا لنميّز ىنا بني أمرين ّ
« -0زبري األديب لزوايا ُّ
ويتممو».3
يكمل اآلخر ّ
الرؤية وإف يكن كل منهما ّ الشعورية واؼبوقف ُب األدب وزاوية ّ
ّ
الشعورية مع اؼبواقف اليت يعيشها األديب مع ذاتو أو مع اآلخرين ،أو مع الكوف فيحيا
وتتبلور التّجربة ّ
حّت يصبح جزءا منها متأثّرا وفاعبل وصاحب ُرؤية يتأثّر ويؤثّر
ويتقلب من خبلؿ ىذه التّجارب ّ
بشكل فبيّز ُب قوالب شعرية أو نثرية.
الصورة الفنّية في األدب العربي ،فايز ال ّداية ،دمشق ،دار الفكر ،ط2003(2ـ) ،ص.21
جماليات األسلوبّ ،
2
3نفسو ،ص.22
35
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
ويظهر ىذا الفرؽ بني اؼبظهرين ُب كوف األداء الكبلمي ال ىبلو من بعض االكبرافات عن
الضمنية للّغة.
قوانني اللّغة إذ وبوي أيضا الكثري من اؼبظاىر الطّفيلية قياسا إٔب تنظيم القواعد ّ
الرؤية لؤلسلوب وضمن اغبديث عن اَّاز األسلويب يضع ح ّدا فاصبل ؽبذا
وانطبلقا من ىذه ّ
اؼبصطلح قائبل بأنّو«:طريقة اؼبتكلّم ُب صياغة معانيو ضمن قواعد اللّغة وأصوؽبا ،تلك القواعد
واألصوؿ اليت أتاحت للمتكلّم مستوى فرديّاً يستند إٔب مستوى لغوي صباعي ،كما أتاحت لل ّدارس
حوالت اليت طرأت على الكبلـ قياسا على معيار أصيل صباعي فكانت دراستهم
القدرة على فهم التّ ّ
للمجاز –ُب حقيقة األمر -دراسة لؤلسلوب اللّغوي كما تب ّدى لدى العرب الذين أخذت عنهم
حوالت ال ّداللية اليت قد تطرأ على ألفاظ اللّغة حني توضع ُب سياقات
اللّغة ،كما كانت دراسة التّ ّ
1
لغوية ـبتلفة»
و إذا ّازبذ اؼبتكلم لنفسو أسلوبا وفق منطلق االلتزاـ بقواعد اللّغة وأصوؽبا أفاد من ذلك
مسائل منها:
تتاح للمتكلّم فرصة صياغة أسلوب فردي يربز فيو طاقتو وشخصيتو وفنيتو ُب -0
التّعبري،وذلك استنادا إٔب مستوى لغوي صباعي.
يسمى باؼبستوى اللّغوي
ّازباذ القواعد اللّغوية مصدر للمتكلّم ُب صياغة معانيو ،وىو ما ّ -3
اعبماعي.
حوالت اليت طرأت على الكبلـ وفهمها باالرتكاز على دراسة التّ ّ -2
القواعد اللّغوية اعبماعية ،كاَّاز الذي درسو العرب دراسة أسلوبية لغوية ،واألمر نفسو
حوالت ال ّداللية لؤللفاظ ضمن سياقات متباينة .وىذا يُنبئ إٔب ح ّد بعيد إٔب
بالنّسبة للتّ ّ
أ ّف اكبرافات اللّغة عن القواعد األساسية ال يُع ّد وال وبصى لكنّو ُب الوقت نفسو إشراقة
السامع.
صبالية ؽبا ،ومتن ّفسا للقارئ و ّ
حوالت أو لِنَػ ُقل االنزياحات اليت زبالف ىذه
وُّذا تكوف القواعد اللّغوية أساسا لدراسة التّ ّ
القواعد ،وىنا يبكننا التّمييز بني النّظاـ اللّغوي والنّظاـ األسلويب حيث يٌصنّف ىذا األخري بأنو غري
1حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز ،سمير أحمد معلوؼ ،ص .271
37
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
يؤسس اللّغة على خبلؼ القاعدة من جهة وال يُعطي للنّسق الذي يستحدثو ثباتا معياري ؛ إذ ّ
قاعديا أو ّقوة معيارية من جهة أخرى ،وىو ُّذا اؼبعىن ال يُقاس عليو ،أل ّف القاعدة فيو تقوـ على
ـبالفة القاعدة واالنزياح عنها .فلغة األسلوب سبلك طاقة تشكيلية حيث سبارس عملها إبداعا وخلقا،
ص كائنا صبوحا وفلوتا .1
وربيل النّ ّ
وشعورُ ،ب الوقت الذي يع ّد فيو ىذا اػبيار نفسو تعبريا عن موقف ،والوجهة الثّانية أف تكوف الكتابة
غري أدبية ،إذ ال يستطيع مؤلّف أف يُقيم عبلقة بينو وبني قولو مطلقا وىنا ال يكوف شبّة أسلوبّ ،أما
الشعر السيئ حيث يصبح اغبرماف من األسلوب ُب واقع األمر نتيجة
الوجهة الثّالثة فتنطبق على ّ
اختبلط أساليب كثرية».1
الشكل اللّغوي ،ويب ّد القارئ
فاألسلوب لو قيمة مستقلّة عن اؼبضموف ،إذ تقتصر أنبّيتو على ّ
بل ّذة مستقلّة ـبتلفة سباماً عن اؼبادة اليت يعاعبها القوؿ ،ووبيل ىذا اؼبفهوـ إٔب اآلٌب:
فصل اللّحاء اػبارجي لؤلسلوب عن اللّب ال ّداخلي للفكر ،فالقوؿ يكوف أحيانا مفيدا -0
فكريًّا وشعوريا لكنّو ال أسلوب لو ،وانتفاء اػباصيّة األسلوبية منو يُع ّد ُب الوقت نفسو
تعبريٌ عن موقف.
ؿبسنات
يقر ىذا القوؿ بوجود فكر سابق للّغة ،إذ أ ّف القوؿ يبكن أف يكتمل بإضافة ّ
ّ -3
الراقي.
الفّن ّ
تكمل العمل ّ
ا﵀سنات اعبمالية الّيت ّ
لغوية أو بديعية وىي ّ
اعتبار األشكاؿ اَّازية ؿبورا أساسيا ُب صناعة األسلوب. -2
-6مفهوـ األسلوب لدىموريو (:)Moreh
وقبد موريو يستعرض ثبلثة مفاىيم لؤلسلوب:
الشخصية الفردية ُب الكتابة األدبية.
اص ّ«اػبو ّ -0
طريقة عرض األفكار لغويا. -3
الشخصي باؼبطلق لدى الكاتب العظيم ُب مشاىده اؼبكثّفة الكربى اليت
امتزاج اعبانب ّ -2
تشري إليو».2
مهما لصياغة األسلوب ،لذلك رّكز على النّظم
وىو هبعل من العاطفة القوية األصلية مصدرا ّ
الشخصي الذي بدا وكأنّو شيء جوىري إذ األسلوب -من منطلق ىذه التّعريفات الثّبلث -البد أف
ّ
يكوف فرديا ،ألنّو التّعبري عن طريقة اإلحساس الفردية وىو بذلك يربط بني أسلوب الكاتب وشعوره
عرب عنو.
اػباص ّاذباه ما يُ ّ
ّ
-7مفهوـ األسلوب لدىروالف بارث(:)Rolan Barthes
الراقية ويعتربنبا ـبالفني ؼبفهوـ
يقرتح ىذا الباحث وضع تعريف لؤلسلوب يتناسب مع الكتابة ّ
اللّغة العادية إذ يقوؿ « :األسلوب لغة تتميّز باالكتفاء ال ّذاٌب وتغرس جذورىا ُب أسطورة اؼبؤلّف
السريّة ،لكي تولد من خبلؽبا التش ّكبلت األؤب للكلمات فهو ُب حقيقة األمر ظاىرة طبيعية
ال ّذاتية ّ
تشبو طبيعة البذور،و يهدؼ إٔب نقل اغبالة واؼبزاج ليستزرعها ُب نفس القارئ».1
ومقابل األسلوب الذي يعتربه فرديا يتكلّم عن الكتابة اليت ربمل ظبة اعبماعية حيث هبعلها
نتيجة القصدية واالختيار ويبيّز بني ثبلثة أنواع منها:
عرؼ األدب
الكتابة "إشارة" :و تشمل صبيع األشكاؿ األدبية بأجناسها و ّاذباىاّتا ،حيث يُ ّ -0
قصة ،أنا قصيدة ...أو مسرحية ىذا باإلضافة إٔب القوؿ اؼبزيّن ،فالعمل اؼبقنع
وكأنّو يقوؿ أنا ّ
بالشكل يشري إٔب نفسو ،وىنا يربز علم اعبماؿ الذي وب ّدد نوع الكتابة.
ّ
اػباصة حيث سبارس الكتابة باعتبارىا قيمة متميّزة ،حيث
الكتابة "قيمة"ُ :ب لغة النّظم ّ -3
خاص وبيل إٔب قيمتها ُب اَّتمع.
كل كلمة معىن ّ
ربوي ّ
السياسية أو االجتماعية اليت
الكتابة "التزاـ" :وىي الكتابة اليت نشأت نتيجة الظّروؼ ّ -2
اؼبتحررة من األسلوب.
ولّدت وعيا أدبيا قبم عنو ظهور لوف من الكتابة اؼبناضلة ّ
تعني جنسو األديب
نص ما –كما يشري بارث -ىذه ال ّدالالت الثبلث حيث يصبح إشارة ّ
وقد وبوي ّ
2
معني.
وقيمة دبضمونو الكامن وراء الكلمات ،والتزاما بقدر ما يؤّكد بشكلو االنتماء لنظاـ ّ
1نفسو ،ص.110
2نفسو ،ص.110
ص ،فنس ستيوارت ،ترجمة المركز الثقافي للتعريب و التّرجمة ،القاىرة ،دار الكتاب الحديث(،د،ط) (2009ـ)،ص.107
األسلوبية وتحليل النّ ّ
3
الرسالة)
(اؼبوضع ّ األسلوبية(اؼبرسل) السجبلت
أسلوب ّ االتجاه التعبيري االتجاه المحاكاتي
السيميائية(األسلوب ىو ّالرجل)(مقرتح اؼبؤلّف)
االتجاه التأثيرياالتجاه التّأليفي
ص اللّغوية)
(اؼبتل ّقي)التأثري ُب اؼبتل ّقي (بنية النّ ّ
وال ينكر ىنريش بليث ارتباط كلمة األسلوب ببعض اؼبظاىر اؼبشرتكة بني صبيع اَّاالت :األسلوب
السياقية
لقي ،وأسلوبية االنزياح واألسلوبية ّ
الشفوي ،والكتايب ،واألسلوب األديب ،أسلوبية التّ ّ
ّ
ولذلك يقوؿ:
« -األسلوب يبثّل اختيارا بني م ّدخر من اإلمكانيات».
خاصية فردية».
« -األسلوب ّ
25
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
الصور اآلتية:
تنتج عبر العمليات اللّسانية في المستويات اللّسانية ّ
نصائية
صور ّ صور خطّية صور داللية صور تركيبية صور مورفولوجية صور فنولوجية
1ينظر:نفسو ،ص.14
22
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
1األسلوبية ،بير جيرو ،ترجمة منذر عيّاشي ،دمشق ،مركز اإلنماء الحضاري( ،د،ط)1994 (،ـ) ،ص.10
2نفسو ،ص.139
ص واألسلوبية(بين النّظرية والتّطبيق) ،عدناف بن ذريل ،دمشق ،منشورات اتحاد كتاب العرب( ،د،ط)2000(،ـ) ،ص.48
ينظر :النّ ّ
3
ويرصد ىذا الباحث عبلقات التّعبري باؼبؤلّف لتدخل من خبلؿ ىذه العبلقة ُب حبث
ونصو األديب؛
خاصة ُب ضوء العبلقة القائمة بني اؼبؤلّف ّ
يتوجو دبوجبها األسلوب وجهة ّ
األسباب اليت ّ
ربوؿ ُب نفسية
إذ يقوؿ«:إ ّف االكبراؼ األسلويب الفردي عن ّنج قياسي ،الب ّد أف يكشف عن ّ
الشكل جديدا،العصر،ربوؿ شعر بو الكاتب وأراد أف يرتصبو إٔب شكل لغوي ،والب ّد أف يكوف ىذا ّ
ّ
السواء ،ومن اؼبسلّم بو أف ربديد بداية ذبديد
فبل يبكن ربديد اػبطوة التّارىبية نفسيا ولغويا على ّ
لغوي يكوف أسهل بالنّسبة للكتّاب اؼبعاصرين ،ألنّنا نعرؼ أساسهم اللّغوي أكثر فبّا نعرؼ أساس
1
الكتّاب اؼبتق ّدمني».
صمم ضمن
فاألسلوب عنده اكبراؼ عن النّهج القياسي اؼبعروؼ ،فدراسة األسلوب الفردي ّ
يتلخص فيما يأٌب:
منظور ّ
اػباصة بفرد من األفراد.
دراسة اللّغة ودراسة صبيع العادات اللّسانية ّ -0
دراسة الكبلـ واللّساف ُب سياقو أي ضمن حالتو. -3
ويبكن أف نقوؿ أ ّف دراسة األسلوب عند سبتزر تبدأ باللّغة لتنتهي بالنّفس مستكشفة عرب اللّغة
عني ،فهو يربط بني األسلوب ونفسية الكاتبٍ .بّ يتساءؿ
أسلوُّا الذي ينجلّى عنو وضع نفسي ُم ّ
اػباصة؟» ،وقد انطوت أسلوبية سبيتزر
عني من خبلؿ لغتو ّ فيقوؿ« :ىل يبكن أف مبيّز نفسية كاتب ُم ّ
مهمة لدراسة األسلوب ىي كاآلٌب:2
على مبادئ ّ
ص تكشف عن شخصية مؤلّفو.
معاعبة النّ ّ -0
األسلوب انعطاؼ شخصي عن االستعماؿ العادي للغة. -3
ص.
فكر الكاتب غبمة ُب سباسك النّ ّ -2
ص ضروري لل ّدخوؿ ُب عاؼبو اغبميم.
التّعاطف مع النّ ّ -1
للسيّاب) ،حسن ناظم ،الدار البيضاء ،المركز العربي الثّقافي ،ط2002(1ـ) .ص.35
البنى األسلوبية (دراسة في أنشودة المطر ّ
1
2نفسو ،ص.37
29
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
باث (اؼبرسل)
يتكوف من ّ
كل عملية زباطب حبسب ىذا النموذج جهاز أدىن ّ
إذ تقتضي ّ
ومستقبل(مرسل إليو) وناقل.
اَّردة ُب
اؼبتصورات ّ
الرتكيب ،أي صياغة اؼبفاىيم و ّ الباث :فهو اؼبتكلّم ويقوـ بعملية ّ
فأما ّّ
اغبسية بواسطة األداة اللّسانية.
نسق كبلمي ؿبسوس ،ينقل عرب القناة ّ
الرتكيب تنطلق من
و ّأما اؼبستقبل :وىو اؼبخاطَب فيقوـ بعملية التّفكيك ،واؼببلحظ أ ّف عملية ّ
حسي
اَّرد لتجسيمو ُب قالب كبلمي ؿبسوس بينما تنطلق عملية التّفكيك من موضوع ّ
اؼبتصور ّ
ّ
اَّردة.
إلرجاعو إٔب مدلوالتو ّ
تؤسس فيها القاعدة على عنصري االختيار والتّوزيع وتسجيل وانطبلقا من نظريتو للّغة الّّت ّ
للصور اؼبنتجة يأٌب تعريفو لؤلسلوب بأنّو « :إسقاط ؿبور االختيار على
االحتماالت اؼبرجعية اؼبتع ّددة ّ
ؿبور التّوزيع».1
وُب ضوء ىذا التّعريف فإ ّف«األسلوب يتح ّدد بأنّو تطابق عبدوؿ االختيار على جدوؿ التّوزيع،
فبّا يفرز انسجاما بني العبلقات االستبدالية اليت ىي عبلقات غيبية يتح ّدد اغباضر منها بالغائب
الركنية وىي عبلقات حضورية سبثّل تواصل سلسلة اػبطاب حسب أمباط بعيدة عن العفوية
والعبلقات ّ
2
واالعتباط».
اؼبتحولة اليت تكثف
وقد ّبني تعريف جاكبسوف أ ّف ربليل األساليب يكشف أمباطا من البىن ّ
نصا أدبيّا إبداعيا،
ص اللّغوي ّ
الرسالة اللّغوية ،وذبعل من النّ ّ
الشعرية واعبمالية على ّ
ىيمنة الوظيفة ّ
فاللّغة تش ّكل نظاما ؿبكما يستثمر طرؽ االبتكار للنّفاذ إٔب اؼبعىن بتغيري وحدة ترتيب اؼبفردات من
3
يثمن فرادة التّعبري.
نصي ّ
صبيع جهاّتا لتكوين جامع ّ
تشعبا والتباسا وتعقيدا
ومن خبلؿ ما سبق يبكن القوؿ أف مصطلح األسلوب أصبح أكثر ّ
يعرب عنو ُب إطار لفظي ؿب ّدد ،ورّدبا كاف ذلك من ال ّدواعي اليت
عند األوروبّيني ا﵀دثني ،من أ ّف ّ
3ينظر :مجلة اللغة العربية وآدابها"،النّظرية األسلوبية" ،عبد اهلل عنبر ،حوليات الجامعة األردنية ،العدد ،3ص .256
10
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
1عالمات في النّقد(مجلة)" ،في سبيل إيجاد مفهوـ واضح لألسلوب" ،رابح بومعزة ،ص .193
13
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
ص ّوره
مفردات اللّغة وإخراجها من ؾباؽبا االفرتاضي إٔب االستخداـ الفعلي بتصميمها وبناءىا وفق ما تَ َ
وجسده اػبياؿ.
ال ّذىن ّ
التّنفيذ ُب وضع اؼبواد اؼبناسبة ُب اؼبكاف اؼبناسب: -1
معني ،أو صياغة تتّفق مع
الرتاكيب اللّغوية اليت ًبّ انتقاؤىا ُب نسق ّ
وذلك بوضع األلفاظ و ّ
اغبسي اؼبرئي أو اؼبسموع ،فتكتمل بذلك
يتم ذبسيد الفكرة أو التّجربة ُب العآب ّ
قواعد اللّغة،وبذلك ّ
1
الصورة اغبقيقية لؤلسلوب.
صور لؤلفكار واؼبعاينٍ ،بّ كيفية تنسيق
وُّذا يصبح األسلوب ىو طريقة التّوليد واالنتقاء والتّ ّ
الربط بني عناصرىا ُب ال ّذىن ،وذبسيد ىذا التّنسيق ُب القالب اللّفظي.
أجزاءىا و ّ
1عالمات في النّقد (مجلة)" ،في سبيل إيجاد مفهوـ واضح لألسلوب" ،رابح بومعزة ،ص (.)206-205
12
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
اؼبادة الكبلمية اليت تصلح لكي تدور حوؽبا "دراسة أسلوبية"؛ ذلك أف ىذه ال ّدراسة
على ربديد ّ
معني منذ البدء وأف يكوف متميّزا عن الكبلـ العادي ،وقد
فّن ّ
تقتضي أف يكوف الكبلـ ذا مستوى ّ
وجدت األسلوبية نفسها تعود إٔب "األسلوب" ليساعدىا على التّصنيف بني مستويات الكبلـ
اؼبختلفة ،وىو دور يتشابو مع ال ّدور القدًن الذي كاف يقوـ بو األسلوب مع الببلغة وىو دور معياري
1
على حني أ ّف ال ّدور اغبديث يقوـ على أساس "وصفي" خاص».
الرأسية بني اؼبصطلحني ّأما بالنّسبة للعبلقة األفقية بينهما فتتح ّدد
كاف ىذا التّحديد للعبلقة ّ
كل مصطلح. برصد العبلقات بني ؾبموعة من النّقاط اؼبتجاورة ،ورصد دوائر اؼبعىن اليت تدخل ضمن ّ
الزاوية أ ّف «ال ّدائرة اليت تغطّيها كلمة "األسلوب" ىي
حيث يرى "أضبد درويش" من ىذه ّ
2
أوسع وأمشل من تلك اليت تغطّيها كلمة "األسلوبية"».
فكلمة أسلوب من حيث اؼبعىن اللّغوي العاـ ،يبكن أف تُطلق على:
العامة (أسلوب معيشة – أسلوب عمل).
النّظاـ والقواعد ّ -0
اػبصائص الفردية اليت سبيّز شخصا عن سواه (اؼبيل إٔب أسلوب موسيقي،أسلوب كاتب -3
معني)...
ّ
فإذا كانت ىذه دائرة اؼبعىن لكلمة أسلوب فإ ّف ال ّدائرة اليت ربتلّها األسلوبية أضيق بكثري؛ إذ
تعّن«الوصوؿ إٔب وصف وتقييم علمي ؿب ّدد عبماليات التّعبري ُب ؾباؿ ال ّدراسات األدبية واللّغوية على
3
خاص وال تكاد تتع ّداىا إٔب غريىا من اَّاالت ».
كبو ّ
تطورت واتّضحت معاؼبها على ضوء األسلوب باعتبار أ ّّنا لكن الواضح أ ّف األسلوبية قد ّ
تتح ّدد بكوّنا سبثّل البُعد اللّساين لو ،فجوىر األثر األديب ال يبكن فهمو والولوج إليو إالّ عرب صياغاتو
الرخاـ
ؿبل ّ
ربل من التّعبري ّ
االببلغية «ذلك أنّو إذا كانت األسلوبية تتعامل مع اللّغة على أساس ّأّنا ّ
5األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص .121
6الفكر العربي المعاصر(مجلّة)" ،األسلوبية" ،عدناف بن ذريل ،العدد 1982( ،25ـ) ،ص.249
15
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
+ية األسلوب
علم األسلوب
15
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
الرسمية،
السالـ المس ّدي ،حوليات الجامعة التونسية ،المطابع ّ
محاوالت في األسلوبية الهيكلية ،ميكائيل ريفاتير ،ترجمة دوالس ،تقديم عبد ّ
2
51
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
-2الفعل الكبلمي :الذي ىو اؼبلفوظ اؼبتح ّقق من قبل متكلّم ؿب ّدد ُب سياؽ ؿب ّدد ،والذي ال
1
مؤسساتيا.
ؾبرد أداة تواصلية بل فعبل اجتماعيا وسلوكا فرديا أو ّ
تكوف اللّغة معو ّ
ص ،وصفا يكشف عن طرائق وبذلك تصبح األسلوبية « وصفا للبىن اليت يتوفّر عليها النّ ّ
اؼبتمخضة عن تلك الطّرائقّ ،إّنا وصف يندفع ليشمل
ّ القوؿ،ومن شبّة فهي كشف عن اػبصائص
2
اؼبناحي اعبمالية».
فاألسلوبية إذف ىي ؾبموعة اإلجراءات اليت ترتبط – على كبو وثيق – فيما بينها حبيث
ص.
يتحسس البىن األسلوبية ُب النّ ّ
تؤلّف نظاماً استشعاريا ّ
حوالت إٔب عآب موجهة التّ ّ
ص ّ وتستند األسلوبية إٔب ؾبموعة إجراءاّتا «لتتوغّل ُب بنية النّ ّ
صي فيزخرحوالت بأفق التّشكيل النّ ّ وىج ُب تشكيل البنية ،وتعصف التّ ّ فرد اؼببّن على دينامية التّ ّ
التّ ّ
3
باغبيوية اليت ذبتاح مرايا البياف ».
عرفها بيري جريو بأ ّّنا «علم التّعبري وىي نقد لؤلساليب الفردية » 4.واؼبقصود باألساليبويُ ّ
الرتكيب ِ
الصانع اغبقيقي لعملييت االختيار و ّ
لكل ـباطب باعتباره ّ الفردية اؼبظاىر األسلوبية اؼبميّزة ّ
الشخصي اؼبتميّزين غري القابلني للتّكرار.
ّ
اؼبتحوؿ للّغة ،وىي دراسة للعمل
ّ ا:أّنا « دراسة اللّغة وىي دراسة الكائن أيض ّ
ويقوؿ ً
اإلبداعي ،ودراسة للعمل ال ّذاٌب اؼببدع للعمل اإلبداعيّ ،إّنا التقاط للحظات ىاربة من خبلؿ تركيب
5
تبنّتو الكتابة إٔب األبد ».
فاألسلوبية علم يقوـ على «دراسة التّعبري عن الفكر من خبلؿ اللّغة » 6.الّيت تتجلّى
وتتلوف بأشكاؿ متع ّددة ،وكأ ّّنا
تتحوؿ ّ
مواصفاّتا ُب كوّنا لغة موحية منحرفة عن النّمط اؼبألوؼ ّ
1سياؽ الحاؿ في الفعل الكالمي ،مقاربة تداولية ،سامية بن يامنة ،أطروحة دكتوراه ،جامعة وىراف ،الجزائر2012( ،ـ)ص.124
2البنى األسلوبية ،حسن ناظم ،ص.30
صي وقراءة التّشكيل" ،عبد اهلل عنبر ،ص .257
المجلة األردنية في اللغة العربية وآدابها ،مقاؿ بعنواف" مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ
3
ص ،حيث تعمد إٔب -5األسلوبية :ىي« متابعة خيوط العبلقة بني ال ّداؿ واؼبدلوؿ ُب ؿبتوى النّ ّ
1
ص منّ الن
ّ بو زخري ؼبا داللية اءة
ر ق فهي الرسالة واؼبتل ّقي ».
ؿباكمة ثبلثية أبعادىا :اؼببدع و ّ
ومهمة
ص ّ السامع أو القارئ من خبلؿ النّ ّ
أساليب إبداعية تش ّكلت بوحي من اؼببدع للتّأثري ُب ّ
ص واؼببدع واؼبتل ّقي.
كل من النّ ّ
األسلوبية تتجلّى ُب البحث عن تأثريات ّ
متنوعة ُب دائرّتا واليت ال يتح ّقق وجودىا ُب
-2األسلوبية :ىي ؿباولة « الوقوؼ على معطيات ّ
اإلنتاج األديب إال من خبلؿ ؿباور ثبلثة:
ؿبور القيم والوقائع التّعبريية. أ-
ب -ؿبور اؼبستويات األدائية ودرجاّتا التّأثريية.
2
ج -ؿبور ا﵀يط (اَّاؿ االجتماعي)».
-7ألسلوبية« :العلم الذي يعّن بدراسة األسلوب أو التّش ّكل اإلبداعي للكبلـ » ،3وُب ربديدىا
لب ىذه
األوٕب لؤلسلوبية قامت عشتار داوود بعرض ؾبموعة من التّعاريف لؤلسلوب باعتباره ّ ّ
قارا ألنّو ينم عن
ال ّدراسة غري ّأّنا خلصت ُب األخري إٔب أنّو أي األسلوب « شيء متج ّدد وليس ّ
ص ،إذ القبض على حصيلة ذاؾ التّفاعل ال يعّن إّناء التّوقّعات بقدر تفاعل دائم بني بىن النّ ّ
اؼبستمر وراء تع ّدد زوايا النّظر إٔب األسلوب ،وتضارب
ّ ربويره اؼبستمر ؽبا ،ويقف ىذا التّحوير
اآلراء اؼبستقاة بإزاء ذلك إٔب ال ّدرجة اليت يصبح معها القبض على مفهوـ ؿب ّد ٍد لو أمرا ُب غاية
الصعوبة».4
ّ
بكل ما ربويو ىذه الكلمة من مشوؿ لل ّدراسة األسلوبية
ص ّ ٍبّ تقوؿ « :إ ّف إخضاع أسلوب النّ ّ
القوة الكامنة كلّيا
من االستحالة دبكاف رب ّققو ،ألنّو ليس ىناؾ من قراءة مفردة بإمكاّنا ألف تستنزؼ ّ
5
فيو ».
1نفسو ،ص.124
2األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص.124
شعرية ،عشتار داود ،دار مجدالوي للنّشر والتوزيع ،األردف ،ط2007(1ـ) ،ص.14
األسلوبية ال ّ
3
4نفسو ،ص.46
5نفسو ،ص.46
51
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
عملية التأسلب
اللغت
الكالم
األسلوب
تتم عرب الكبلـ ،وأنّو يتّسموتتح ّدد عبلقة األسلوب باللّغة بأ ّّنا عبلقة غري مباشرة ّ
باػبصوصية والفردية فوجود األسلوب مرّتن بوجود اللّغة واؼبنطقي ُب ىذه العبلقة أ ّف دخوؿ اللّغة
ص تستحيل تلقائيا إٔب ظبة
ص مرّتن بوجود األسلوب أيضا ،إذف فأية ظبة لغوية تدخل ُب النّ ّ
عآب النّ ّ
ص ،وتش ّكل الطّريقة
تغري داللة النّ ّ
ؤدي إٔب ّ
الرتكيبية واالستغناء عنها يُ ّ
الصياغة ّأسلوبية من خبلؿ ّ
الصياغية خصوصية ىي اليت سبثّل أساس ال ّدراسة األسلوبية.
ّ
خاصة ُب صياغة
إ ّف ىذه اػبصوصية والفردية تتعلّق من جهة باؼببدع؛ حيث أ ّف لو طريقة ّ
الكبلـ زبتلف عن صياغات مبدعني آخرين ،فاألسلوب ىو اإلنساف نفسو كما يقوؿ "بوفوف "
توجو
عترب مركز ّ
ومن ناحية أخرى تأخذ اػبصوصية والفردية منحى آخر؛ إذ تتّصل باإلبداع الذي يُ َ
األسلوبية حيث أنّو «مسار ال متناىي ،إذ يُنتج اؼببدع على ضوء اؼبقاييس اؼبعيارية للّغة وضرورات
خاصة ،وطعم لوين وصبإب متميّز دبجاوزة اؼبواصفات اؼبألوفة ،ودبا
العدوؿ أساليب متع ّددة ؽبا نكهة ّ
يبتلكو من قدرة ابتكارية وطرائق تقنية ،تعينو على التّعامل مع األدوات اللّغوية ُب دوائر أحياز الفكر
اؼبنتظمة ».1
اؼبادة اؼبستخدمة،
فاألسلوبية تضطلع باؼبنتج األديب ذا القيمة اإلهبابية إبداعا من حيث ّ
فرد والتّميّز).
ص ضمن قطبني مركزيني نبا (التّ ّ
وطريقة معاعبتها ُب دائرة النّ ّ
1األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص .131
52
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
ص
السمات اليت سبيّز النّ ّ
بأّنا «علم وصفي يعّن ببحث اػبصائص و ّ
ومن ٍَبّ عرفت األسلوبية ّ
1
األديب بطريقة التّحليل اؼبوضوعي لؤلثر األديب الذي تتمحور حولو ال ّدراسة األسلوبية ».
كل ىذه التّعريفات ربيل إٔب أ ّف األسلوبية أو علم األسلوب ىو دراسة اػبصائص اللّغوية
إ ّف ّ
يتحوؿ اػبطاب عن سياقو اإلخباري إٔب الوظيفة التّأثريية واعبمالية.
اليت ُّا ّ
وُّذا تصبح األسلوبية منهجا وعلما قائما بذاتو؛ إذ كاف العتمادىا على الظّواىر اللّغوية
عظيم األثر ُب فهم النّصوص وربليلها ،وىذا ال يعّن ّأّنا فبزوجة بال ّدراسات اللّغوية فهي زبتلف عنها
،إذ ّأّنا ال تعتمد على اللّغة فحسب وإّمبا تتع ّدى ذلك إٔب كيفية استخداـ اللّغة ُب خدمة أفكار
2
ص
اؼببدع وآرائو فهي «ربليل لرتاكيب النّصوص ربليبل لغويا» .وتبقى األسلوبية « مفيدة ُب فهم النّ ّ
األديب واستكشاؼ ما فيو من جوانب صبالية ،وذلك دبا يتيح لل ّدارس من قدرة على التّعامل مع
االستخدامات اللّغوية ،ودالالّتا ُب العمل األديب ،وُّذا التّفاعل مع اػبواص األسلوبية اؼبميّزة
3
اصو الفنّية ».
ص وخو ّ
ْش َفة بطريقة علمية سليمة تتّضح مبلمح النّ ّ
اؼب ْستَك َ
ُ
سابعا :ا ّتجاهات األسلوبية
كل ّاذباه لو آراؤه وأفكاره
وتفرعت إٔب مشارب و ّاذباىات متع ّددة ّ
تنوعت ال ّدراسات األسلوبية ّ
ّ
االذباىات ُب ما يأٌب:
اليت سبيّزه عن غريه ،ويبكن إصباؿ ىذه ّ
.1األسموبية التّعبيرية:
االذباه من األسلوبية بقطبو شارؿ بإب ( ،)0917-0525الذي ح َد األسلوب
ارتبط ىذا ّ
انطبلقا من اللّسانيات فاألسلوب عنده «ؾبموعة من الوحدات اللّسانية اليت سبارس تأثريا معيّنا ُب
مستمعها أو قارئها» ،4وُّذا كاف ىدؼ األسلوبية يتمحور حوؿ اكتشاؼ القيم اللّسانية اؼبؤثّرة ذات
يعرؼ علم األسلوب بأنّو «العلم الذي يدرس وقائع التّعبري اللّغوي من ناحية
الطّابع العاطفي فهو ّ
1األسلوبية (مدخل نظري ودراسة تطبيقية) ،فتح اهلل احمد سليماف ،ص.35
2حيوية اللّغة ،سمير أحمد معلوؼ ،ص.317
ص األدبي" ،خليل عودة ،المجلّد ،02العدد1994( ،08ـ) ،ص.100
مجلّة النّجاح لألبحاث "المنهج األسلوبي في دراسة النّ ّ
3
ّأما معدّنا فما يقوـ ُب اللّغة من وسائل تعبريية تُ ِربز اؼبفارقات العاطفية واإلرادية واعبمالية بل ّ
حّت
3
Traité de stylistique française,Charles Bally – paris tincksrsk. 3eme ed (1951) p12.
السالـ المس ّدي ،ص.36
األسلوب واألسلوبية ،عبد ّ
4
55
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
1نفسو ،ص.36
2البنى األسلوبية ،حسن ناظم ،ص.33
3األسلوبية ،بير جيرو ،ص.53
4التّركيب اللّغوي لألدب ،عبد البديع لطفي ،مكتبة النّهضة المصرية ،ط1970(1ـ) ،ص.54
59
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
21
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
20
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
وحولت مفهوـومن ٍبّ إ ّف ىذه األبعاد الثّبلثة ىي اليت أفرزت فيما بعد أسلوبية جديدة ّ
يوضحو كراسو -أحد أتباع بإب-
الفّن أي مفهوـ اعبمالية وىو الذي ّ التّعبريية إٔب مفهوـ اغبدث ّ
حسو وال عن تأويلو
يتسىن ألحد أف يناقضنا إف كبن أ ّكدنا أ ّف الكاتب ال يفصح عن ّ
بقولو «:ال ّ
1
للوجود ّإال إذا ُم ّد دبعاوؿ مبلئمة ،وليس لؤلسلويب من عمل سوى فحص تلك اؼبعاوؿ ».
الشعورية والعاطفية
عرب الكاتب أو اؼببدع عن انفعاالتو وحاجاتو ّ
فمجاؿ التّناقض ؿبسومإذا ّ
مهمة األسلويب حينئذ
أو عن أفكاره وآرائو بوسائل تستند إٔب أسلوب وبمل بصمات صبالية ،وتكوف ّ
ىي الوقوؼ على ىذه البصمات اليت وبملها العمل األديب ،فاألسلوبية -وفق ىذا القوؿ -ؿباولة
ص قِيَ ًما فنّية وصبالية
صد نقاط الفرادة لتكشف عن البىن األسلوبية اؼبتميّزة ،اليت تضفي على النّ ّ
َر ْ
خاصة تكوف باعثا على التّحليل األسلويب.
وظبات ّ
غري أ ّف ما يبيّز علم األسلوب –من وجهة نظر شارؿ بإب -ويعطيو االستقبلؿ ُب اؼبنهج
الزاوية باعبانب الوجداين الذي رّكز
خاصة تتعلّق ىذه ّ
دراستو للظّواىر اللّغوية منظورا إليها من زاوية ّ
عليو عند دراستو لظواىر الكبلـ.
اػباصة،
وُّذا الطّرح اكتسبت األسلوبية مشروعيتها بوصفها علما مستقبل لو أىدافو وغاياتو ّ
االذباه على النّحو اآلٌب:
كما لو ؾباالتو ومنهجيتو ُب البحث ويبكن تلخيص فبيّزات ىذا ّ
متنوعة ،وقد تناولت بال ّدراسة
-0اتّكأت األسلوبية التّعبريية الوصفية على معطيات لغوية ّ
وصف ظواىر النّظاـ اللّغوي بالوقوؼ على اؼبستويات اللّغوية كلّها.
-3بلغ اؼبنهج الوصفي قدرات كبرية ُب الوصف والتّحليل معتمدا بشكل أساس على
النّاحية الفكرية والعاطفية للتّعبري اللّغوي ،حيث أ ّكد بإب أ ّف «دراسة العبلقة القائمة بني
خاص ُب اللّغة اؼبنطوقة تكشف أ ّف شبّة عبلقة
الصيغة اليت تساؽ على كبو ّ
ا﵀توى العاطفي و ّ
الرتكيبية للتّعبري
الصيغة وما تثريه من عاطفة أيّا كاف نوعها ،وعليو فالصيّغة ّ
أسلوبية بني ىذه ّ
اللّغوي ترتبط بنزعة عاطفية كامنة فيو ،وىو ؾباؿ من ؾباالت ال ّدراسات األسلوبية».2
23
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
الصادرة عن اغبياة الواقعية أساس علم -2جعل بإب من اللّغة التّلقائية الطّبيعية ّ
كل مستويات االستعماؿ ُب اللّغة ،لذاؾ
األسلوب ،وبذلك رب ّدد حقل األسلوبية عنده على ّ
ص األديب من ؾباؿ حبثو النشغالو بوصف وربليل الوقائع اللّغوية اؼبعاشة ،ألنّو
استبعد بإب النّ ّ
الشعور والعواطف.
رأى فيها أ ّّنا أكثر تعبريا وإفصاحا عن وقائع ّ
-1ارتبط بإب ارتباطا وثيقا بعلم اللّغة وميدانو ،وىو ما ساعده على تتبّع العبلقة بني
الفكر والتّعبري من خبلؿ الوقائع اللّغوية اليت ربمل بني طيّاّتا شحنات داللية ذات منحى
وجداين وعاطفي ّازبذه بإب ؾباال رحبا لعلم األسلوب ،غري أ ّف تركيزه على النّزعة اللّغوية
الصرفية وما تنطوي عليو من جوانب انفعالية ووجدانية أبعده عن االىتماـ بالنّواحي اعبمالية
ّ
ُب أسلوبيتو.
-5فسح بإب ُب أجزاء أعمالو مكانا متواضعا لل ّدراسة األسلوبية األدبية وىو ما انفتحت
الذي دعا إٔب "علم أسلوب برونوBrounou على إثره دراسات لؤلسلوب األديب على يد
( Bally تطبيقي" يهدؼ إٔب قراءة ؿب ّددة للغّة األدبية اعتمادا على مبادئ "شارؿ بإب"
الذي زاد أ ّف "كريستو"()Christou وتتوأب ال ّدراسات بعد ذلك على يد )Charles
يتم بدقّة
«العمل األديب ىو ؾباؿ علم األسلوب اؼبمتاز ،إذ أ ّف اختياره للعناصر األسلوبية ّ
1
وإرادة واعية».
.2األسموبية ال ّنفسية:
مؤسس ىذه األسلوبية ليو سبيتزر( )1960-1887()Léospitzerأف يُقيم جسرا بني
حاوؿ ّ
وتفرده ُب طريقة الكتابة ،وىو ما ينتج خصوصية
خاص باؼببدع ّ
فاىتم بشكل ّ
نفسية الكاتب وأسلوبو ّ
السمات األسلوبية.
تؤدي إٔب الكشف عن شخصية صاحبها من خبلؿ ربليل ّ
وسبيّزا ُب أسلوبو ّ
وجو وصل ىذا الباحث إٔب نتائج جيّدة ُب ؾباؿ البحث األسلويب مستندا
وانطبلقا من ىذا التّ ّ
،)1952إٔب كروتشو(-1888()BenedettoCroce ُب ذلك إٔب اؼبرجعية الفرويدية ونظرة بنديتو
اللّغة باعتبارىا تعبريا فنّيا خبلّقا عن ال ّذات ًبّ تأثّره بنظريات -اللّساين اإليطإب نببولت
(–)Humboldtواللّسانية،كارؿ فوسبلؿ(.)Carl Voslal
الشخصي لكنّو ذوؽ ّأىم ّاذباىات التّحليل األسلويب ،إذ يعتمد على التّ ّ
يبثّل منهج سبيتزر ّ
ص إٔب القارئ ؽبذا يطلق عليو منهج ال ّدائرة وبرص على أف يعكس اؼبثريات اليت تصل من النّ ّ
ص حركة متبادلة ومستديبة
ص ذاتو ،إذ قراءة النّ ّ
الفيلولوجية ،ووقود تلك اغبركة ىو اؼبفهوـ القرائي للنّ ّ
بني ال ّذات واؼبوضوع.
ويقوـ منهجو الفيلولوجي philologicalكما اصطلح عليو على ثبلث مراحل أساسية:
متكررة
متمرس تتوفّر فيو التّجربة واؼبوىبة ّؼبرات ّ المرحلة األولى:قراءة النّ ّ
ص من قبل ناقد ّ
للعثور على ظبة أسلوبية بارزة.
السمة األسلوبية البارزة.
السيكولوجية لتفسري ّ المرحلة الثانية :ؿباولة اكتشاؼ ّ
اػباصية ّ
المرحلة الثالثة :العودة إٔب النّ ّ
ص والتّنقيب عن مظاىر أخرى لبعض اػبصائص العقلية.
فعلى خطى ىذه اؼبراحل ترصد أسلوبية ليوسبيتزر«عبلقات التّعبري باؼبؤلّف لتدخل من خبلؿ
خاصة ُب ضوء دراسة العبلقات
يتوجو دبوجبها األسلوب وجهة ّ
ىذه العبلقة ُب حبث األسباب اليت ّ
صو األديب ،وىي بذلك تبحث عن روح اؼبؤلّف ُب لغتو فتمزج بني ما ىو نفسي وما
بني اؼبؤلّف ون ّ
1
ىو لساين ».
تتم خبطوات ع ّدة ويبقى على إذف فاإلجراءات اليت ظبّاىا سبيتزر "ال ّدائرة الفيلولوجية"ّ ،
تردد « فالطّريق العملي الوحيد ىو القراءة،وإعادة القراءة
مفسرا وشارحا أف يقرأ دوف ّ
اإلنساف بوصفو ّ
حّت ال يلبث أف يتجلّى
اغبلّ ،
بصرب وبصرية ،ويقني برغبة توشك أف تكوف ميتافيزيقية ُب الوصوؿ إٔب ّ
2
اػباص اؼبنشود ».
ّ لنا ىذا اؼبلمح
ص ىو-كما يراه سبيتزر -عبلمة معروفة لو أنبّية أسلوبية،لذا
اػباص ُب النّ ّ
ّ واؼبلمح اعبزئي
ليتم االقتناع بو ومن شبّة مقارنتو بعبلمات أسلوبية ينبغي فحصو منهجيا بالقراءة اؼبتأنّيةّ ،
مكونة من مبلحظة منعزلة يهتدي إليها القارئ بفطنتو تتبعها قناعة بأ ّف ىذه
مشاُّة«.فال ّدائرة إذف ّ
سر األسلوب ،وىي سبثّل روح العمل األديب ُب مشوليتو على افرتاض أ ّف
الظّاىرة اؼبنعزلة يكمن فيها ُّ
1
ص ذاتو ».
ىذه الظّاىرة ال بد أف تدعّمها مبلمح أسلوبية أخرى ُب النّ ّ
اػباص قد انطلق من سطح
ّ ويبدو أ ّف "ليو سبيتزر" ُب إغباحو على القراءة واستخراج اؼبلمح
ص اػبارجي للوصوؿ إٔب مركزه أي بتحليل تركييب ين ُفذ من خبللو إٔب األفكار «فاألسلوبية تقتضي
النّ ّ
ص إٔب لبّو من أجل الكشف عن نفسية اؼبؤلّف من خبلؿ بناه
تلك اغبركة جيئة وذىابا من سطح النّ ّ
2
نصو اإلبداعي ،وىذا يش ّكل نوعا من اإلغباح الذي يرمي إٔب غاية ؿب ّددة ».
اللّسانية ُب ّ
وتتح ّدد غاية ليوسبيتزر ُب مستويني رئيسيني نبا:
-0اؼبستوى النّفسي:حيث ينطلق الباحث من مقولة "بوفوف" نفسو ليح ّدد من خبلؿ
الرتكيبة النّفسية اليت جعلتو يوظّف أدوات لغوية تتش ّكل
األسلوب نفسية الكاتب وميولو ،و ّ
بطريقة معيّنة ،فهو يبحث عن روح الكاتب من خبلؿ الظاّىرة اللّغوية ،وبذلك يسعى إٔب
خاصة أفرزت إنتاجا لغويا
متفردة بتجربة نفسية ّ
النّفاذ إٔب عمق ال ّذات اؼبنتجة بوصفها ذاتا ّ
الصلة بني األثر وصاحبو.
يوضح أبعاد "أسلوبية الفرد" واليت توثّق ّ
فبيّزا ،وىو ما ّ
فمبدأ العمل إذف ىو الوقوؼ على اؼبظهر اػبارجي للعمل وأفكاره ،وصبع تفاصيلو ودقائقو
أو جزيئاتو ليتبلور من خبلؿ ذلك ميزة خبلّقة تكوف حاضرة ُب نفس اؼببدع.
وبتل الفرد موقعا أوسع من نفسو ىو اَّتمع والعصر
-3اؼبستوى االجتماعي والتّارىبيّ :
الزماف من خبلؿ ربليل نفسية اؼببدع
لذلك حاوؿ ليوسبيتزو الوقوؼ على ذبليات اؼبكاف و ّ
يقوؿ شازوبنسكي( « :)Hazobinskiتطمح أسلوبية سبيتزر إٔب إدراؾ الواقع النّفساين
الروح اعبماعية أيضا ،فاستقراء الواقع النّفسي للمبدع القائم على ربليل أسلوبو
وإٔب ربديد ّ
الفّن واألخبلقي
يبكن أف يتّسع ليفضي بشكل أو بآخر إٔب ربديد الواقع التّارىبي واؼبناخ ّ
1
».
وبذلك يبكن اعتبار الغايات اليت يرمي إليها سبيتزر آنية وزمانية معا:
آنية :تتمثّل ُب رصد الظّاىرة األسلوبية اعبمالية كما تتجلّى على سطح األثر.
زمانية :تفتك بزماـ اؼببادرة ُب اؼبرحلة اآلنية وتلغيها وتنطلق من ثبلثة مراحل ىي:
-0ربط األثر بصاحبو من خبلؿ اػبصائص األسلوبية.
-3وضع األثر ُب مناخو االجتماعي والثّقاُب.
حوالت اغبضارية والفلسفية
ظل التّ ّ
-2النّظر إٔب األسلوب دبا ىو ظاىرة أدبية ُب ّ
2
والتّارىبية.
وؾبمل القوؿ فإ ّف مشروع أسلوبية سبيتزر قاـ مناىضا ألسلوبية بإب "التّعبريية" ،حيث رّكز
وتتفرد دببلمح أسلوبية وقيم صبالية فكانت موضوعا لل ّدراسة،
الراقية اليت تتميّز ّ
على النّصوص األدبية ّ
اػباصة بروح اؼببدع ومن شبّة الولوج إٔب الوجهة االجتماعية اؼبرتبطة بروح اعبماعة.
من الوجهة النّفسية ّ
.3األسموبية البنيوية:
االذباه جسرا فبدودا باللّسانيات البنيوية اليت تعتمد أساسا على دراسات "دي عد ىذا ّ يُ ُّ
ص لذاتو باعتباره بنية مغلقة ومن ىنا ،قبد أ ّف ىذه
سوسري" اللّغوية ،وتعكف البنيوية على دراسة النّ ّ
الشعري أو األديب بشكل عاـ ،إذ
ص ّ األسلوبية قد اختزلت إجراءاّتا ُب النّظر إٔب البىن اللّسانية ُب النّ ّ
ؾبردا فحسب ،بل ُب
«رباوؿ كشف اؼبنابع اغبقيقية للظّاىرة األسلوبية ،ليس ُب اللّغة بوصفها نظاما ّ
3
عبلقة عناصرىا ووظائفها ».
3نفسو،ص (.)63-62
22
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
وقد َسبَثَل ىذا اؼبنظور ُب مقرتحات مدرسة براغ حيث «عُنيت األسلوبية التّشيكية بصياغة
1
الصوت واؼبعىن واؼبضموف».
يتضمن ّ
ص بوصفو كلية بنيوية ّ
نظرية أسلوبية تبىن على مفهوـ النّ ّ
اؼبهم ؽبذه اؼبدرسة ُب نظرية األساليب يكمن ُب تقدًن مفهوـ األسلوب
وقد كاف اإلسهاـ ّ
اؼبوضوعي ،أو التّحديد اؼبنهجي لؤلساليب اؼبوضوعية ،حيث تبىن ىذه النّظرية على افرتاض أف بعض
ص يبكن أف تستم ّد من الظّروؼ اليت تتجاوز مستوى الفرد لعملية عامة للنّ ّ
اػبصائص اللّفظية ال ّ
االتّصاؿ من خبلؿ:
للرسالة (وظيفتها).
العاـ ّ
-0الغرض ّ
العاـ)(،مباشر /غري مباشر).
صإب(اػباصّ /
ّ -3اؼبوقف االتّ
-2شكل اللّغة اؼبستخدـ (شفهي /مكتوب).
للضرورات االتّصالية
وىي ظروؼ تعمل على صياغة األسلوب بطريقة ذبعل التّعبري مبلئما ّ
اؼبتميّزة .وعليو فقد نظرت مدرسة براغ إٔب األدب بوصفو بنية ،دبعىن أنّو ؾبموعة من العبلمات
اؼبرتابطة ،وليس كأداة أو شكل ،واستنادا إٔب ىذه النّظرية فإ ّف منهج ىذه األسلوبية يقوـ على ثبلث
منطلقات ىي:
الشكل.ّ -0
-3الوظيفة.
السياؽ.
ّ -2
ّأما األسلوبية البنيوية «فتُعىن بوظائف اللّغة على حساب أيّة اعتبارات أخرى ،واػبطاب األديب
نص يضطلع بدور إببلغي ووبمل دالالت ؿب ّددة » 2.ووب ّددىا الباحثوف ُب ؾباؿ ُب منظورىا ّ
ص ،فهي
الرتكيبة األساسية للنّ ّ
ال ّدراسات األسلوبية بأ ّّنا «النّظر إٔب الظّواىر األسلوبية كجزء من البنية و ّ
كنص لغوي ،ومن ناحية أخرى تعتمد -من ناحية – على التّحليل ال ّدقيق عبزئيات العمل األديب ّ
3
على اكتشاؼ العبلقات بني ىذه اعبزئيات ،وما يُع ّد منها مهيمنا وما يُع ّد فرعيّاً ».
27
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
السٍاق Contexte
كما أنّو ال يبكن أف نفصل أثناء مشاىدتنا وربليلنا للوحة فنّية بني األشكاؿ واأللواف ،كذلك ال
بالرتكيز على صوره دوف إيقاعو وىكذا ».1
ص دوف معانيو أو ّ
يبكن االىتماـ بألفاظ النّ ّ
الشعري من حيث ىندستو ومفرداتو وتراكيبو؛ حيث يبكن
ص ّ ق ّدـ منهجو ربليبل شامبل للنّ ّ -2
ص.
الصيغة الغالبة ُب النّ ّ
لل ّدارس الوقوؼ على ّ
السياقية ُب تشكيل
اىتم بشكل واضح بناحية ال ّداللية لؤللفاظ وعبلقاّتا ،وأثر العبلقات ّ ّ -1
الشعري.
ص ّ الشكلي وال ّدالٕب ُب النّ ّ
صية ومدى التّفاعل اغباصل بني اعبانب ّ
البنية النّ ّ
الشعرية وبالغ ُب االىتماـ ُّا انطبلقا من كوّنا وظيفة جوىرية
رّكز جاكبسوف على الوظيفة ّ -5
تامة بني جدوٕب االختيار
مهما ُب تنظيم الكبلـ ،وتتجلّى أنبّيتها ُب مطابقة ّ
بلغت دورا ّ
والتّوزيع.
تنوع ظروؼ االتّصاؿ اللّغوي ،واختبلؼ
تدرس األسلوبية الوظيفية اختيار البدائل باعتماد ّ -2
خاصة اللّفظية منها وما وراء اللّفظ.
السياقات ّ
ّ
1نفسو ،ص.09
71
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
2معايير تحليل األسلوب ،ريفاتير مايكل ،ترجمة ،حميد الحميداني ،منشورات دراسات ساؿ ،دار النّجاح الجديدة ،المغرب،
ط1993(1ـ)،ص.66
3ينظر:البنى األسلوبية ،حسن ناظم ،ص .74
70
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
2ينظر:نفسو ،ص.45
الرؤية والتّطبيق ،يوسف أبو الع ّدوس ،ص.146
األسلوبية ّ
3
4نفسو ،ص.146
73
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
.4األسموبية اإلصحائيية:
الرياضية حبيث « يتم ّكن الباحث من ربقيق تعتمد ىذه األسلوبية على اؼبقاربة اإلحصائية ّ
السمات واػبصائص اللّغوية اليت
البعد اؼبوضوعي بتحديد اؼببلمح األساسية لؤلساليب ،أو التّمييز بني ّ
2
ص ورودا عشوائيا ».
السمات اليت ترد ُب النّ ّ
اص أسلوبية و ّ
يبكن اعتبارىا خو ٌّ
ويرمي التّشخيص األسلويب اإلحصائي إٔب ربقيق أىداؼ ح ّددىا سعد مصلوح فيما يأٌب:
ص يكشف عن اػبصائص األسلوبية فيو.
الوصف اإلحصائي األسلويب للنّ ّ -0
ص.
التّحليل اإلحصائي للنّ ّ -3
3
اغبكم التّقويبي. -2
شعرية ،جاف كوىن ،ترجمة محمد الولي ومحمد العمري ،دار توبقاؿ ،للنّشر ،المغرب ،ط1986(1ـ) ،ص.15
بنية اللّغة ال ّ
1
2نفسو ،ص.16
3البنى األسلوبية ،حسن ناظم ،ص.48
4نفسو ،ص.48
5األسلوبية ،بير جيرو ،ص.134
71
الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ األسلوب واألسلوبية
72
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
(2007ـ) ،ص.257
2عالم الفكر " ،ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة" ،سعد مصلوح ،المجلد ،20العدد ،3وزارة اإلعالـ،
الكويت ،سنة (1989ـ) ،ص.119
77
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
1عالم الفكر " ،ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة" ،سعد مصلوح ،ص .108
محمد عبابنة ،ص.115
التّفكير األسلوبي ،سامي ّ
2
ط2009(1ـ) ،ص.154
محمد عبابنة ،ص.116
ينظر :التّفكير األسلوبي ،سامي ّ
4
5عالم الفكر " ،ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة" ،سعد مصلوح ،ص.109
75
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
اؼبتغريات الشكلية
ومظاىر التّشكيل اعبمإب للحروؼ دبا ىي َك ٌم فيزيقي يُدرؾ بالبصر ،ومن ّ
مايلي:
الشطرين).
الشعر من النّثر (نظاـ البيت و ّ
التّشكيبلت اليت سبيّز ّ أ-
اغبر]).
الشعر ّ
الشعر العموديّ ،
الصفحةّ [،
ب -توزيع األبيات (األسطر على ّ
الصفحة.
ج -نظاـ الفراغات على ّ
فنوف البديع القائمة على التّصحيف والتّحريف. د-
79
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الصيغ.
ج -مبتكرات ّ
الرتكيبية:
اؼبتغريات ّ
ّ -4
أ -اؼبرّكبات النّحوية.
ب -أنواع اعبمل (اظبية ،فعلية ،بسيطة ،مع ّقدة ،إنشائية ،خربية).
ج -صبيع مباحث علم اؼبعاين ُب الببلغة العربية.
للصورة (تشبيو ،استعارة ،ؾباز.)...
الرتكييب ّ
د -البعد ّ
51
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
اؼبتغريات غري ثابتة ،إذ تتب ّدؿ وفقا للظّروؼ واؼبقتضيات ومن كاتب إٔب آخر
وتبقى ىذه ّ
ورّدبا عند الكاتب نفسو .وقد أورد سعد مصلوح ؾبموعة من اؼببلحظات لدى استنتاجو ؽبذه
1
اؼبتغريات يبكن تلخيصها ُب اآلٌب:
ّ
وتأمل لعدد غري قليل من ال ّدراسات.
األوؿ :أ ّف ىذه القائمة ىي ؿبصلة رصد ّ
ّ
الثّاين :أ ّف ىذه القائمة ليست جامعة وال مانعة ،فيمكن للمجتهد أف يضيف إليها أو ينقص
تأملو ُب النّصوص.
يؤديو إليو ّ
منها أو يُع ّدؿ من العبلقات بني وحداّتا دبا ّ
نص واحد أو ؾبموعة من
اؼبتغريات اؼبذكورة ُب ّ
الثّالث :ال يبكن للمنشئ أف يستخدـ صبيع ّ
يتم بالتّمييز بني األساليب.
النّصوص ،وإّمبا يتح ّقق التّشكيل األسلويب باختيار عدد منها ّ
تتم ُب نسيج متشابك مع ّقد على صبيع اؼبستوياتالراّبػع:أ ّف التّشكيل األسلويب عملية مرّكبة ّ
الرتكيبية واؼبعجمية ُب ٍ
آف معاً. الصرفية و ّ
ّ الصوتية و ّ
ّ
اؼبتغريات ال ّداللية
وربتل ّاػبامس :أ ّف اؼبستويات اؼبذكورة تتفاوت ُب مدى طواعيتها للتّشكيلّ ،
الصوتية فهي األكثر خضوعا لنظاـ الرتكيبيةّ ،أما ّ
الصرفية و ّ
اؼبتغريات ّ
قمة القابلية للتّشكيل ،تليها ّ
ّ
الشاعر ُب التّشكيل األسلويب صعبة بالقياس إٔب غريه من اؼبنشئني ،وُّا
مهمة ّ
اللّغة ،ومن ىنا تبدو ّ
الشعرية.
الشعراء ُب قدراّتم ّ
يتفاوت ّ
متغريات أسلوبية معيّنة ،ال ينفي إمكاف وقوع أبداؽبا أو
نص ما على ّ
السادس :أ ّف القوؿ بقياـ ّ
ّ
ص نفسو ،أو ُب غريه من نصوص اؼبنشئ الواحد ،وإّمبا الفيصل ُب تقوًن
اؼبتغريات ُب النّ ّ
نقائضها من ّ
الشيوع وطرؽ التّوزيع.
دورىا ُب التّشكيل األسلويب ىو لدرجة ّ
الرتكيب :ىي العوامل الثّبلثة اليت رب ّدد متضافرة التّشكيل السابع :أ ّف االختيار والتّوزيع و ّ
ّ
ص اؼبعتاد.
ص ،وُّا تتح ّقق مفارقة النّ ّ
النّهائي ألسلوب النّ ّ
1عالم الفكر " ،ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة" ،سعد مصلوح،ص (.)114-113
50
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
وتصورىا ،أو
اؼبخيّل أو معانيو أو أسلوبو ونظامو ،وتقوـ ُب خيالو صورة أو صور ينفعل لتخيّلها ّ
تصور شيء آخر ُّا ،انفعاال إٔب غري رؤية إٔب جهة من االنبساط أو االنقباض».1
ّ
تطرؽ إٔب نظرية األسلوب وعبلقتها باؼبنشئ؛ حيث يرى
ومفاد ىذه النّظرة أ ّف حازـ القرطاجّن ّ
السامع
الشاعر ألسلوبو فيتخيّلو ٍبّ يعكس األسلوب ىذا األثر فيتمثّل ّ
أ ّف شبة سلسلة تبدأ من تأثّر ّ
الشاعر ويعكس صورة
ذلك ،وينبسط إٔب قبوؿ األشياء أو ينقبض عنها .فيجسد األسلوب مقاصد ّ
السامع ويتأثّر ؼبقتضاىا كما يتأثّر ؼبعانيو.2
ألحاسيسو فيتمثلها ّ
عرب تعبريا كامبل عن
فاألسلوب على ىذا االعتبار :الكاشف لنمط التفكري عند صاحبو ،إذ يُ ٍّ
ويبني كيفية نظره إٔب األشياء وتفسريه ؽبا ،وطبيعة
شخصيتو ،ويعكس أفكاره وصفاتو اإلنسانيةّ ،
انفعاالتو فبّا يؤّكد ذاتية األسلوب.
وىذا اؼبنحى ىو وريث النّظريات الكبلسيكية ُب النّقد األديب ،إذ ىو خبلصة نظرية بيفوف الذي
اَّسمة عبوىر األسلوب ،فما األسلوب سوى ما نضفي على أفكارنا من
يرى«أ ّف اؼبعاين وحدىا ىي ّ
نسق وحركة» ،3ويؤّكد ىذا اؼبنحى شوبنهاور (8861 – 8788ـ)( )Schopenhauerحينما يقوؿ عنو
أنّو «مظهر الفكر».4
إ ّف ربديد ماىية األسلوب انطبلقا من فكر صاحبو ىو ما ارتكز عليو أفبلطوف أيضا ،على
يتم ُب شكل الشكل ،والتّعبري على الفكرة ّ
كل فكرة الب ّد أف تكوف كاملة ُب اؼبضموف و ّ
أساس أ ّف ّ
يسمى أسلوبا ،وىكذا يكوف األسلوب صفة حتمية متميّزةيتم ُّا التّعبري ىي ما ّ
معني والطّريقة اليت ّ
ّ
يتم التّعبري عنو باألسلوب.5
للتّعبري ،فبل يبكن أف يكوف للفكر وجود خارجي إذا ٓب ّ
1نفسو ،ص.223
2األسلوبية ،بيرجيرو ،ص.37
3البالغة واألسلوبية ،محمد عبد المطّلب ،ص .226
51
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
أسلوبو بشكل فردي ينبئ عن ظباتو ومبلؿبو ،حّت أنّو يبكن أف نعرفو بو كما نعرفو دببلمح وجهو،
اصو،وىذا يعّنوخاصية من خو ّ
ّ فغالبا ما تكوف ىناؾ خيارات أسلوبية سبثّل عبلمة ألسلوب منشئها
بكل بساطة –كما يقوؿ بري جريو -أنّو « يبكن ألفكار اػبطاب وجوىره أف تُؤخذ من مؤلّفها ،بينما
ّ
يتحوؿ وال أف يهدـ ،وال أف
اصو ،وال يبكن أف ّ
خاصية من خو ّ
الشكل الذي أعطاه ؽبا ،فهو لو ّ
ّ
يقلّد».1
الشائع «رابع
مرات» عوضا عن التّعبري ّ
للرافعي إيثارات فبيّزة مثل قولو« :آخر أربع ّ
فقد كاف ّ
خاصة من مثل قولوّ «:أما قبل» نظريا للتّعبري« ّأما بعد» ،وىذا يعّن مرة» ،كما كانت لو ابتكارات ّّ
2
وىًرا وَكيَانًا». أ ّف«األسلوب ىو الكاتب نفسو خ ْلقا َ ِ
وج َ
وش ْخصيَةً َ َ
الشخصيات األدبية اؼبعروفة
وقد ال يعسر علينا -ببعض اػبربة -معرفة أسلوب شخصية من ّ
قديبا أو حديثا من خبلؿ فقرة نسمعها أو نقرأىا إف كانت للجاحظ أو للهمذاين أو لطو حسني،أو
اؼبنفلوطي ،فإذا خفيت علينا بعض معآب شخصية الع ّقاد ،فإنّنا ندرؾ من كتاباتو طبيعة اعب ّد
الرتفيو ،وإّمبا ليعلّم ويوقظ ويُقلق ،وفهم
الصرامة ،والعمق ُب التّفكري ،فهو ال يكتب بغرض التّسلية و ّ
و ّ
أسلوبو يتطلّب الكثري من اعبهد والعناء.
يتسىن ؼبن كاف
وُب ىذا يقوؿ دي لوفر(«:)DeLouvreإ ّف األسلوب الفردي حقيقة دبا أنّو ّ
الشعر إف كانت لراسني أـ لكورناي ،وأف يبيّز صفحة من النّثر
لو بعض اػبربة أف يبيّز عشرين بيتا من ّ
إف كانت لبلزاؾ أـ لستانداؿ ».3
كل
ومقومات أسلوبوّ «: اػباصة للمؤلّف ّ
السمات ّ الشايب" إٔب تناظر معرُب بني ّ ووبيل "أضبد ّ
كونتها
إنساف ّأمة واحدة فيما يصلو باغبياة متأثّرا ومؤثّرا ،ذلك ألنّو شخصية وحده فطرىا ا﵁ فبتازة ،و ّ
خاصة وكانت ىي ىذا الفرد اؼبمتاز،مبلبسات بعينها ،فاستقامت ذات طبيعة ؿبدودة ،وخطّة ّ
يعرب عن شخصيتو تعبريا صادقا يصف ذبارُّا ونزعاتو ومزاجها وطريقة
ونتيجة ذلك أ ّف األديب حني ّ
55
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
اتّصاؽبا باغبياة ينتهي بو األمر إٔب أسلوب أديب فبتاز ُب طريقة التّفكري والتّصوير والتّعبري وىو
1
اؼبشتق من نفسو ىو ،من عقلو وعواطفو وخيالو ولغتو».
ّ األسلوب
وقدكشف النّقد القدًن عن عبلقة األسلوب بصاحبو ففي معرض حديث القاضي اعبرجاين
الشعراء يتح ّدث عن األسلوب الذي يتّصف بضيق ُب األلفاظ وتعقيد ُب الكبلـ ،ووعورة ُب
عن ّ
وخلقا وأ ّف سبلمة األسلوب ورقّتو قد تنبئ عن رقّة صاحبو
اػبطاب فيُظهر جبلفة صاحبو ُخلقا َ
يتوعر منطق غريه ،وإّمبا
فريؽ شعر أحدىم ويصلب شعر اآلخر ويسهل لفظ أحدىم و ّ وربضره « ّ
ّ
ذلك حبسب اختبلؼ الطّبائع ،وتركيب اػبلق فإ ّف سبلمة اللّفظ تتّبع سبلمة الطّبع ،ودماثة الكبلـ
بقدر دماثة اػبِلقة وأنت ذبد ذلك ظاىرا ُب أىل عصرؾ وأبناء زمانك ،وترى اعباُب اعبِلف منهم َكُّز
اػبطاب،حّت إنّك رّدبا وجدت ألفاظو ُب صوتو ونغمتو ،وُب جرسو
ّ األلفاظ مع ّقد الكبلـ ،وعر
وؽبجتو ».2
وقد ربط الباقبلين أيضا بني األسلوب وشخصية اؼبنشئ ،وأشار إٔب التّمايز ُب األساليب
الشخصيات وإمكانية إدراؾ ىذا االختبلؼ وتعيني شخصية اؼبتكلّم من خبلؿ
واختبلفها باختبلؼ ّ
3
أسلوبو.
القسم الثّالث :األسلوب ىو عبقرية صاحبو.
الصلة بني األسلوب وشخصية صاحبو إٔب مسار آخر أكثر وجو الّذي ناد بتوطيد ّسار التّ ّ
عمقا ،إذ طابق اؼبنظّروف بني األسلوب وعبقرية الكاتب ،وربديد األسلوب وفق ىذا اؼبعيار يكوف كما
السبلـ اؼبس ّدي«:شرارة نوعية ال ينفذ إليها الفاحص إال بطريق اغبدس ،وىو من أجل
يقوؿ عبد ّ
عرب عنو» ،4وىو« اشتقاؽ األديب من األشياء ما يتبلءـ وعبقريتو » ،5فاألسلوب
س وال يُ ّ
ذلك ُوب ّ
اليت تربز عبقرية اإلنساف وبراعتو فيما يكتب أو
يطلق على ما ندر ودؽ من خصائص اػبطاب ّ
شايب ،ص .127
األسلوب ،أحمد ال ّ
1
2الوساطة بين المتنبّي وخصومو ،تحقيق وشرح أو الفضل إبراىيم ،وعلي محمد البجاوي ،بيروت ،منشورات المكتبة العصرية ،ص (-17
.)18
3ينظر :إعجاز القرآف ،الباقالني ،ص .56
السالـ المس ّدي ،ص.55
األسلوبية واألسلوب ،عبد ّ
4
ِ
اؼبخاطب بأنّو :البصمة والتّسليم دببدأ التّطابق بني األسلوبية والعبقرية هبعلنا قبمل تعريفو باعتبار
اؼبميّزة الفردية للمبدع ،واليت تعكس فكره وشخصيتو ومشاعره وصفاتو.
لكن إذا كاف اإلبداع اؼبخالف للمألوؼ اللّغوي من صنع عبقرية اؼبنشئ فبلبد أنّو خارج عن
تعرب
ومرد ذلك إٔب العبقرية اليت سبثّل نوعا من البلّعقبلنية ،واليت ّ
إرادتو واختياره ،فهو مدفوع إليو دفعا ّ
الشيء من ذباوز اؼبعقوالت ،ونتيجة لذلك ال يكوف التّعبري عن مبط غري عادي من التّفكري يبدو فيو ّ
عن ىذه العبقرية إالّ دبا ىو غري معتاد أو منتظر.
1
الصلة الوثيقة بني األسلوب وصاحبو من منطلقني واضحني نبا:
ويقودنا ىذا إٔب التّأكيد على ّ
اؼبعرفة اإلدراكية :واليت سبثّل طبيعة األسلوب ذاتو. -1
يتجسد ُب صياغة األلفاظ والعبارات
ّ الفّن ،والذي
شخصية اؼببدع :وسبيّزىا ُب األداء ّ -2
والفقرات والنّصوص.
وإذا كاف األسلوب يعكس شخصية اؼبنشئ وفكره ويكشف عن انفعاالتو وخباياه ،حبيث
للشخصيّة وبالتّإب ينحو إٔب التّعبري عن اؼبواقف النّفسية لدى اؼبتكلّم ،فإ ّف شبّة
يصبح صورة صادقة ّ
2
اعرتاضات واجهت ىذا اؼبفهوـ يلخصها فتح ا﵁ أضبد سليماف ُب النّقاط التّالية.
أ ّف التّحليل األسلويب قد يُسبق بتحليبلت عقائدية ونفسية وفكرية وفلسفية -1
وٕب أعناؽ ِ
الزائف ّ
للمخاطبٍ ،بّ تأٌب التّحليبلت األسلوبية عن طريق اإلثبات ّ
النّصوص والعبارات ،كي تثبت ما سبق استخبلصو من نتائج.
ِ
اؼبخاطب وعقيدتو؛إذ يعربُ-ب بعض األحياف -تعبريا دقيقا عن نفسية
أ ّف األسلوب ال ّ -2
يلجأ إٔب إخفاء مشاعره وأفكاره اؼبذىبية خوفا أو ىربا أو رياء ،فبل ينطبق ما يدور ُب
خلده على ما ينطق بو لذلك قيل«إّمبا يتكلّم اإلنساف ليخفي ما يدور ُب ذىنو وما
1األسلوبية ،مدخل نظري ودراسة تطبيقية ،فتح اهلل أحمد سليماف ،مكتبة اآلداب ،القاىرة ،ط(2004ـ) ،ص (.)15-14
2البالغة واألسلوبية ،محمد عبد المطّلب ،ص .230
55
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
زبتلج بو خواطره» ،1كافرتاض صلة ضرورية بني صنعات أسلوبية معينة ،وحاالت معيّنة
للعقل قد تظهر أمرا ونبيا.
خاصة بصاحبو
كل أسلوب دالالت نفسية وفكرية وعقائدية ّ ليس ضروريا أف وبمل ّ -3
فّن فقط.
فقد ىبلو من أي مضامني ،ويستلزـ األمر التّعامل مع األسلوب دبعيار ّ
لكل مكاف
لكل زماف حديث ،كما أنّو ّ
التّسلسل ُب طرؽ التّعبري ؿبكوـ بإطار االتّصاؿ نفسو؛ حيث ّ
حديث ،فاػبطبة األكاديبية ،ليست كخطبة االجتماع العاـ .على اعتبار أنّو ضغط ُمسلّط.
وبذلك ًبّ ربديد ماىية األسلوب من قبل اؼبنظّرين وا﵀لّلني ،فاعتربوه ضغطا مسلّطا على
الضاغطة على ما يزيل عن اؼبتقبّل حريّة
اؼبتقبّل؛حبيث ال يُلقى اػبطاب إالّ وقد ّتيّأ فيو من العناصر ّ
الزاوية ىوَ «:حكم القيادة ُب مركب اإلببلغ ألنو
ردود الفعل ،وُّذا يكوف األسلوب من منظور ىذه ّ
1
السامع ثوب رسالتو ُب ؿبتواىا من خبلؿ صياغتها».
ذبسيد لعزيبة اؼبتكلّم ُب أف يَكْسو ّ
فالتّأثري الذي يثريه األسلوب من خبلؿ أشكاؿ التّناسب والتّقابل ىبلق ُب نفس اؼبتل ّقي
ص فقط ،ولكنّها القارئ
بالرضى ؼبا يقرأه أو يسمعو إذ «الظّاىرة األدبية ليست ىي النّ ّ
ارتياحا وشعورا ّ
ص».2
أيضا باإلضافة إٔب ؾبموع ردود فعلو إزاء النّ ّ
اؼبهمة االنفعالية لؤلسلوب قب ّدىا بصياغات ـبتلفة ُب نقدنا القدًن ،حيث يرى أبو
وىذه ّ
اؼبوجو ال ّدقيق وأ ّف اؼبنفعة ربدث مع مراعاة األحواؿ
ىبلؿ العسكري أ ّف الفهم يأنس من الكبلـ ّ
واؼبقامات « وينبغي أف تعرؼ أقدار اؼبعاين ،فتوازف بينها وبني أوزاف اؼبستمعني وبني أقدار اغباالت،
تقسم أقدار اؼبعاين على أقدار اغباالت ،وأقدار
كل حاؿ مقاما ،حّت ّ لكل طبقة كبلما ،و ّ
فتجعل ّ
لكل مقاـ من اؼبقاؿ،
اؼبستمعني على أقدار اغباالت ،واعلم أ ّف اؼبنفعة مع موافقة اغباؿ ،وما هبب ّ
فإف كنت متكلّما ،أو احتجت إٔب عمل خطبة لبعض من تصلح لو اػبطب أوقصيدة لبعض ما يراد
العَرض والكوف والتّأليف واعبوىر ،فإ ّف ذلك ُىجنة
ط ألفاظ اؼبتكلّمني ،مثل اعبسم و َ
لو القصيد ،فتَ َخ ّ
».3
-وقواـ ىذا إغباح أيب ىبلؿ العسكري على معرفة منزلة اؼبعاين وتقديرىا حبيث رب ّقق االنسجاـ
والتّناسب الذي يتوازف مع اؼبستمعني ؽبا مع مراعاة اغباالت واؼبقامات ُب ذلك ،فعملية
ط2006( 1ـ)،ص.125
91
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
ص لعقلية ونفسية
اؼبطابقة اليت هبب أف يكوف عليها الكبلـ مع مقتضى اغباؿ تعّن مطابقة النّ ّ
السامعني.
القارئني أو ّ
وتقوـ ىذه العملية وفق مقولة العسكري على األساس اآلٌب:
أقدار اؼبستمعني أقدار اؼبعػاين أقدار الكبلـ
2ػ ػ ػ ػ 3.ػ ػ ػ ػ 1ػػػػ .
أقدار اغبػاالت أقدار اؼبقامات أقدار اؼبعاين
الع ّي ُم َق ّوًما
ويقوؿ عن ذلك أيضا «إذا كاف الكبلـ الوارد على الفهم منظوما مص ّفى من َك َدر َ
الصواب ،لفظا ومعىن وتركيبا ،اتّسعت من أ ََود اػبطأ أو اللّحن ،ساؼبا من َحور التّأليف ،موزونا دبيزاف ّ
طرقو ،ولطفت مواعبو فقبلو الفهم وارتاح لو وأنس بو ».1
وقد ربط أبو بكر الباقبلين بني األسلوب واؼبتل ّقي ،حيث أشار إٔب أنبّية الرباعة الفنّية ُب
انتقاء األلفاظ والعبارات وصياغتها واستخدامها لتصوير اؼبعاين واألفكار بشكل يش ّد القارئ ويثري
إعجابو إذ يقوؿ ُب ىذا اؼبعىن «:موافقة األلفاظ البديعة بعضها بعضا ُب اللّطف والرباعة ،وذلك أنّو
زبري
زبري األلفاظ للمعاين اؼبتداولة اؼبألوفة واألسباب ال ّدائرة بني النّاس ،أسهل وأقرب من ّ قد علم أ ّف ّ
األلفاظ ؼبعاف مبتكرة وأسباب مؤسسة مستحدثة ،فإذا برع اللّفظ ُب اؼبعىن البارع كاف ألطف وأعجب
اؼبتكرر ».2
من أف يوجد اللّفظ البارع ُب اؼبعىن اؼبتداوؿ ّ
يتبني فضلو ورجحاف فصاحتو بأف تُذكر منو الكلمة ُب تضاعيف ٍبّ يقوؿ «:ىو أ ّف الكبلـ ّ
وتتشوؽ إليها النّفوس ،ويرى وجو رونقها باديا ّ كبلـ ،أو تُقذؼ ما بني شعر ،فتأخذىا األظباع
3
غامرا سائر ما تقرف بو كال ّد ّرة اليت ترى ُب سلك من خرز وكالياقوتة ُب واسطة العقد ».
وُّذا تتح ّدد ماىية األسلوب من زاوية اؼبتل ّقي إٔب صبلة من العناصر اؼبرّكبة أبرزىا فكرة التأثري
تتفرع عنها ببلغة اإلقناع« باعتبارىا شحنة السابقة ،وىي الفكرة اليت ّاليت أشرنا إليها من خبلؿ اآلراء ّ
4 ِ
اؼبخاطب ضبل ـباطبو على التّسليم دبدلوؿ رسالتو». منطقية وباوؿ فيها
ويتعلّق ُّذا اؼبفهوـ أيضا ببلغة اإلمتاع « باعتبارىا سعيا حثيثا كبو جعل الكبلـ قناة تعربه
وربل ؿبلّو نفحات اؼبواصفات التّعاطفية ،فتضيء عندئذ اعبدوؿ اؼبنطقي العقبلين ُب اػبطابّ ،
االرتياح الوجداين وتستقطب أخريا فكرة اإلثارة ».5
وقد ًبّ التّمييز بني الببلغتني على أساس « ـباطبة األؤب للعقل عن طريق الربىنة واغبجاج
وـباطبة األخرى للعاطفة عن طريق صباؿ العبارة ورقّة األسلوب»6.وُب ىذا اؼبعىن أيضا قبد بري جريو
يعترب أ ّف «األسلوب ؾبموعة ألواف يُصبغ ُّا اػبطاب ليصل بفضلها إٔب إقناع اآلخر وإمتاعو وش ّد
انتباىو وإثارة خيالو».1
تتم اؼبزاوجة بني اعبانب اإلقناعي واعبانب االمتاعي دبّا يولّد عملية اإلثارة ،وقد بدا وُّذا ّ
ريفاتري مهموما باستجابات القارئ اؼبتصاعدة ،حيث انشغل دبا يستدعي اىتماـ اؼبتل ّقي ُب أكثر
صوره إثارة إذ « ال ّدراسة األسلوبية ُب نظر ريفاتري ىي دراسة األدوات األسلوبية ،اليت يبكن تعريفها
مهم،
ص اليت ربوؿ بني القارئ وبني االستدالؿ أو التّنبّؤ بأي ملمح ّ على ّأّنا تلك اآلليات داخل النّ ّ
ص ُب حني يقتضي عدـ القدرة على التّنبّؤ أف يرّكز أل ّف إمكانية التّنبّؤ قد تسفر عن قراءة سطحية للنّ ّ
2
ص ىو من تَػ َفتَح وعيو الرسالة» .فقارئ النّ ّ ص وتتوافق كثافة التّل ّقي مع كثافة ّ
القارئ اىتمامو على النّ ّ
للمدرؾ اؼبتاح ليعيد تشكيلو دبا أمكن وىذا موقف ال يشرتط القراءة والكتابة بقدر ما يشرتط الدراية ُ
3
واليقظة .
فيحث
ّ ص نظرة ريفاتري للتّأثريات ُب اؼبتل ّقي حيث وب ّدد أثر الكبلـ ُب اؼبتقبّل،ويشرح ىذا النّ ّ
الزخارؼ والتّحسينات ،واليت ربوؿ دوف فهم بشكل خاص على دراسة األدوات األسلوبية اؼبتمثّلة ُب ّ
تتضمنو من دالالت .وُّذا يكوف الرسالة فيو وبني ما ّ ص فهما عميقا هبعلو يوازي بني أثر ّ القارئ للنّ ّ
اغبديث عن األسلوب -من وجهة نظر ريفاتري -من زاوية اؼبتل ّقي ىو «دبثابة اغبديث عن غبظات
ُب خربة القراءة ،حيث ًبّ تشويش االىتماـ ألف توقّعا قد خاب بظهور عنصر غري متنبأ بو»،4و ىذا
السياؽ األسلويب» ضرب من اغبديث يتّصل بنظرية االكبراؼ أو االنزياح وىو ما قصد بو ريفاتري« ّ
يتم ربطيمو فجأة بعنصر ٓب يكن ُب اغبسبافّ ،أما السياؽ األسلويب ىو مبوذج لساين ّ حني يقوؿّ « :
يفسر على أنّو مزؽ اؼبفاجئ هبب أالّ ّ التّناقض النّاتج عن ىذا التّداخل فهو ا﵀ ّفز األسلويب إف ىذا التّ ّ
5
عنصر تفكيكي».
وعلى ىذا األساس نادى ريفاتري باالعتماد على األحكاـ اليت يبديها القارئ ،باعتباره ُـبِربا
ص، ومصدرا للتّحليل األسلويب ،انطبلقا من االستجابات اليت نتجت من منبّهات كامنة ُب صلب النّ ّ
3مجلة عالمات في النّقد" ،االستلهاـ مفهومو وضوابطو وحدوده" ،أشرؼ فوزي صالح ،ص.298
4نفسو ،ص.298
ص ،فنش ستيوارت ،ص.105
األسلوبية وتحليل النّ ّ
5
92
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الزاوية «:إنّو إبراز عناصر سلسلة الكبلـ ،وضبل القارئ على إذ يقوؿ ُب تعريفو لؤلسلوب من ىذه ّ
خاصة ».1
ص ،وإذا حلّلها وجد ؽبا دالالت سبييزية ّ شوه النّ ّ
االنتباه إليها ،حبيث إذا غفل عنها ّ
ص ،ومعايشة ذبربتو ويضاؼ إٔب صميم ىذه الفكرة من اعبانب التّأثريي تفاعل القارئ مع النّ ّ
صبكل ما انبثق عن النّ ّدبا وبويو من أفكار وانفعاالت ومواقف و ّاذباىات ،وُّذا ينفتح ذىنو ّ
هبسد فكرة التّواصل بني األنا واألنت من خبلؿ فيحاوؿ أف يبلورىا وفق فهمو وإحساسو ،فهو ما ّ
الوسيط اللّغوي ،وُب ىذا اؼبعىن يقوؿ فلوبري()ُGustave flaubertب تعريفو لؤلسلوب من أنّو:
ووبُُّز متقبّلها».2
«سهم يُرافق الفكرة َ
اؼبتذوؽ
ص ،فإ ّف القارئ ّ الشاعر خالقا للنّ ّ
السياؽ نفسو يقوؿ حسن صبعة«:وإذا كاف ّ وُب ّ
ويعمقها ُب نفوس األجياؿ دوف اف مرة فينتهي منو إٔب ما يُغّن تلك التّجربةّ ، مرة بعد ّ اؼبرىف يتل ّقاه ّ
3
يشوه صورّتا اغبقيقية».
ّ
يضمن خطابو عناصر لغوية من شأّنا ِ
فاؼبخاطَب موجود ُب اػبطاب وىو ما هبعل اؼبخاطب ّ
الشحن ُب اػبطاب ومدى قباعتها يلح الكثري من األسلوبيني على مبدأ طاقة ّ أف تؤثّر فيو ،لذا ّ
يفسر قوؿ أحد الباحثني وىو يتح ّدث وفاعليتها ُب إصابة مكامن اغبساسية لدى القارئ ،وىو ما ّ
عن مبدأ اإليصاؿ اػبارجي ُب تعريف األسلوب فيقوؿ« :اللّغة بناء مفروض على األديب من اػبارج
واألسلوب ؾبموعة من اإلمكانيات رب ّققها اللّغة ،ويستغّل أكرب قدر فبكن منها الكاتب النّاجح أو
السبل
يهمو تأدية اؼبعىن فحسب ،بل يَبغي إيصاؿ اؼبعىن بأوضح ّ صانع اعبماؿ اؼباىر ،الذي ال ّ
4
وأحسنها وأصبلها ،وإذا ٓب يتح ّقق ىذا األمر فشل الكاتب وانعدـ معو األسلوب».
وُّذا يصبح أساس تعريف األسلوب ىو« مقياس اؼبفاجأة تبعاً لردود الفعل ،ومعدف اؼبفاجأة
نص اػبطاب» ،5وىذا ومولدىا ىو اصطداـ القارئ بتتابع صبلة اؼبوافقات جبملة اؼبفارقات ُب ّ
يكشف أثر األسلوب األديب على النّفوس وقدرتو على ضبلها على فعل وانفعاؿ من خبلؿ ما وب ّققو
من انسجاـ ومبلءمة ُب النّفس اإلنسانية ،وىو ما أشار إليو عبد القاىر اعبرجاين ُب حديثو عن
الشاعر متلقيو ،وُب ما ىبيّل إليو
فجؤ بو ّ
الصنعة وأثرىا على اؼبتل ّقي إذ يقوؿ«:وىو أثر يتجلّى فيما يَ ُ ّ
1السابق ،ص.106
2البالغة واألسلوبية ،محمد عبد المطّلب،ص.237
3المسبار في النّقد والبالغة ،حسن جمعة ،منشورات اتحاد كتاب العرب ،دمشق2003( ،ـ) ،ص.22
4األلسنية العربية ،ريموف طحاف ،بيروت ،ط1972( 2ـ)،ص(.)117-116
5نفسو ،ص.67
91
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
وربركهم ،وتفعل فعبل شبيها ّتز اؼبمدوحني ّ وتروعهم ،والتّخييبلت اليت ّ للسامعني ّالصور اليت تروؽ ّ من ّ
1
دبا يقع ُب نفس النّاظر إٔب التّصاوير اليت يش ّكلها اغبذاؽ بالتّخطيط والنّقش ،أو بالنّحت والنّقر»
يتجسد إالّ بإصابة اػبطابوالواقع أف ربديد ماىية األسلوب انطبلقا من فرضية اؼبخاطَب ال ّ
نص ببل قارئ وال خطاب ببل سامع وىو لعل أنبّها أف ال ّ مرماه ُب نفس اؼبتقبّل ،وؽبذا أبعاد أخرى ّ
ص ،وؼباىية األسلوب الذي ال يبقى من تعريف لو يؤّكد أ ّف «التّل ّقي ىو دبثابة انقداح شرارة الوجود للنّ ّ
2
إالّ كونو كائنا منشودا منذ غبظة النّشأة »
ص ُب ذاتو ،وإّمبا ننظر إليو وكبن ُب حضرة إنساف يف ّكر فبل يكفي أف ننظر إٔب أسلوب النّ ّ
ويشعر.
اػباصة -مرتكز ال ّداللة،
ّ نص لغتو
لكل ّتظل اللّغة اؼبوحية الفجائية اؼبثرية-وإف كاف ّ وُّذا ّ
الروحية ،واؼبتعة
سواء أكانت تعبريية أـ مرجعية أـ بدائية أـ اتصالية ،وفيها تكمن اإلثارة اعبمالية و ّ
الرتاكيبالصور و ّ
ال ّذاتية ،والّيت تلّح كلّها على أنبية القيم اعبمالية األخرى كاؼبوسيقى والوزف واإليقاع و ّ
اؼبادة موحية فجائية
لعل ما نقصده باللّغة ىو األسلوب ،وبالتإب يشرتط أف تكوف ىذه ّ والعاطفة ،و ّ
ص األديب.
وفبيّزة كوّنا ؿبور ال ّداللة ومصدر اإلثارة واؼبتعة اعبمالية ُب النّ ّ
لكل مقاـ مقاؿ" ومقولةّ "مراعاة مقتضى اغباؿ فيما يقاؿ" كاف وما يستخلص ىو أ ّف مقولة" ّ
ؽبما أثر بالغ ُب ربديد ماىية األسلوب من زاوية اؼبتل ّقي ،إذ ذبعبلنو ؿبور العملية اإلببلغية
واإلبداعية ،فاؼبنشئ يدور حوؿ ىذا ا﵀ور لتأثري على اؼبخاطَب من النّاحية اليت يرى فيها تناسبا مع
نفسيتو.
ص):
.3األسموب من زاوية(الخطئب -ال ّن ّ
ص عنده ص من ال ّداللةاالشتقاقية ""texteواليت تعّن النّسيج ،والنّ ّ
ينطلق بارت ُب تعريفو للنّ ّ
معني حبيث أنّو يفرض شكبل يكوف على قدر اؼبستطاع ثابتا منسقة ُب تأليف ّ «نسيج كلمات ّ
ص من حيث أنّو نسيج ،فهو مرتبط بالكتابة ،ويشاطر موضحا« :إ ّف النّ ّ
ووحيدا»ٍ 3بّ يشرح ذلك ّ
التّأليف اؼبنجز بو ىالتو الروحية ،وذلك ألنّو بصفتو رظبا باغبروؼ ،فهو إوباء بالكبلـ ،وكذلك
ص واألسلوبية بين النّظرية والتّطبيق ،عدناف بن ذريل ،منشورات اتّحاد كتاب العرب ،دمشق ،ط(2000ـ) ،ص .17
النّ ّ
3
95
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
تكرر ُب ال ّدراسات العربية ،حيث أ ّف أقره بارت قد ّ بتشابك النّسيج ».1ومصطلح النّسيج الذي ّ
الكبلـ عند العرب ىو نسيج على شاكلة النّسيج اؼبوشى من الربود والديباج.
ص أصلو منتهى وُب لساف العرب جاء ُب مادة"نص" ما يوحي دبعاف اؼبصطلح وداللتو «النّ ّ
نصا ،جعل بعضو على بعض فنصصت اغبديث رفعتو ،ونصصت ونص اؼبتاع ّ
الشيء ومبلغ أقصاهّ ،
النّاقة استخرجت أقصى سريىا.2»...
ص أف يكوف صبلة ،كما يبكن أف يكوف كتابا ص يقوؿ«:يبكن للنّ ّ وُب تعريف تودوروؼ للنّ ّ
تاما،وىو يُعرؼ باستقبلليتو وانغبلقو».3 ّ
الربط بني كبلـّأما جوليا كريستيفا فتقوؿ بأنّو«:جهاز لساين يعيد توزيع نظاـ اللّغة ،بواسطة ّ
السابقة عليو أو اؼبتزامنة
تواصلي يهدؼ إٔب اإلخبار اؼبباشر ،وبني أمباط عديدة من اؼبلفوظات ّ
4
معو».
كل بنية لغوية تتماثل ُب أفق الوعي ،فتستثري الفهم أو اغبوار أو اإلضافة،أو ص إذف ىو« ّ فالنّ ّ
الكل ؾبتمعاً».5
فرع أو التّكامل أو ّ التّكملة أو اعبدؿ أو التّ ّ
ص وفق ىذه التّعريفات طاقة تعبريية للمبدع يربز من خبلؽبا إبداعاتو ،فهو بصمة اؼبنشئ فالنّ ّ
ص وىل مادة صياغية وحركة نسيجية ،فما ما موقع األسلوب من النّ ّ الضاغطة دبا يش ّكلو من ّ وقوتو ّّ
ص؟
يعد األسلوب فرعا من النّ ّ
ص ،ومن ذلك رؤية شارؿ بإب حيث حصر مدلوؿ ما يراه الباحثوف أ ّف األسلوب ىو وليد النّ ّ
تفجر الطّاقات التّعبريية الكامنة ُب صميم اللّغة خبروجها من عاؼبها االفرتاضي إٔب حيّز األسلوب ُب ّ
اؼبوجود اللّغوي ،فاألسلوب حبسبو ىو«االستعماؿ ذاتو فكأ ّف اللّغة ؾبموعة شحنات معزولة،
واألسلوب ىو إدخاؿ بعضها ُب تفاعل مع البعض اآلخر كما ُب ـبرب كيماوي».6
5مجلة عالمات في النّقد" ،االستلهاـ مفهومو وضوابطو وحدوده" ،أشرؼ فوزي صالح ،ص.298
السالـ المس ّدي ،ص.72
األسلوبية واألسلوب ،عبد ّ
6
92
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
وربديد األسلوب من ىذا اؼبنظور يظهر لنا أنبّية اللّغة ُب التّعبري األسلويب ،فاللّغة إذا كانت ُب
طيات اؼبعاجم زبتلف عن كوّنا مستعملة ُب صياغات ـبتلفة ،وُّذا يتح ّدد لنا مستويني ُب التّعامل
مع اللّغة:
األوؿ :ساكن ،ويتمثّل ُب وجودىا قبل خروجها إٔب حقل االستعماؿ اػبارجي أو اؼبستوى ّ
إٔب التّفاعل كما أشار إٔب ذلك شارؿ بإب.
متحرؾ ،ويقصد بو اللّغة حني زبرج من كوامن اؼبعجم إٔب تأدية وظيفتها اؼبستوى الثاينّ :
1
الصرفية.
اإلخبارية مستخدمة ُب ذلك القواعد النّحوية و ّ
2
فالنّظاـ اللّغوي ينقسم إٔب مستويني.
مستوى اللّغة :قواعد البنية األساسية للّغة. -1
مستوى اػبطاب :حالة استخداـ اللّغة. -2
اللّغة
خطاب نفعي(عادي) النّظاـ اللّغوي
فّن (أديب)
خطاب ّ اػبطاب (الكبلـ)
وقد نشأ عن ىذا التّفسري لنظاـ اللّغة ربديد مفهوـ األسلوب باالتكاء على خصائص نظاـ
الصرفية ،واؼبعجمية ،وما يش ّكل البنية
ص بنيويا ،لتبياف العبلقات بني وحداتو اؼبختلفة ،النّحوية ،و ّ
النّ ّ
ص األديب ،وىو«ما هبعلو العبلمة اؼبميّزة لنوعية مظهر الكبلـ داخل حدود اػبطاب ،وتلك
العامة للنّ ّ
ّ
تتكوف
السمة إّمبا ىي شبكة تقاطع ال ّدواؿ باؼبدلوالت ،وؾبموع عبلئق بعضها ببعض ،ومن ذلك كلّو ّ
ّ
ص وىي ذاّتا أسلوبو».1
البنية النّوعية للنّ ّ
ومكوناتو اليت تتبلحم تبلضبا بيّنا
ص برتابطاتو وعبلقاتو ّفاألسلوب وفق ىذا القوؿ ىو النّ ّ
يُفضي إٔب فهم ؿبتواه والوقوؼ على قواعده ونُظمو اؼبنهجية.
عينياً عبزء من أجزاء اللّغة ،وإّمبا ىو من خصائص انتظاـ ىذه
وُّذا ال يعترب «األسلوب ملكا ْ
تظل رىينة
الكل ،وىذه اؼبلكية ّّ اؼبرّكبات للخطاب ،معىن ذلك أنّو ملك مشاع بني أجزاء
2
ص األديب،
ّ للن
ّ غويةل
ّ ال اؼبعطيات خبلؿ من د يتجس
ّ األسلوب «فّ أ ذلك من اؼبقصود
و االئتبلؼ».
كل
تؤسس عاؼبا قائما بذاتو حبيث تتّصل فيو ّ
باعتبار ىذه اللّغة نظاما من العبلقات اؼبغلق على نفسو ّ
وحدة أو تركيبة دبا هباورىا ،ويُوافقها أو ُىبالفها مكتفية بنفسها اعتمادا على ىذه العبلقات الرتكيبية
».3
ويورد بعض الباحثني أ ّف ربديد األسلوب يبكن أف يكوف من زاوية عبلقة األلفاظ بعضها
يوضح
تتنزؿ فيو ،وىو ما ّ
ببعض وكذا من خبلؿ عبلقة ؾبموعة األلفاظ جبملة اعبهاز اللّغوي الذي ّ
95
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الرسالة اللّفظية-بالنّسبة عباكبسوف -بوصفها عمبل فنّػيًّا ،إّمبا ىي دراسة لؤلسلوب فدراسة ّ
ص باعتباره خطابا تَرّكب ُب ذاتو ولذاتو.
الذي يبثّل الوظيفة اؼبركزية اؼبنظّمة للنّ ّ
تصور سبازج كامل ،وتطابق تاـ بني األدب ومبدعو ،أو بني األدب وعلى ىذا ال يبكن ّ
ومتقبّلو ،إذ إ ّف العمل األديب يتجاوز ما عداه ،ويُعطي لنفسو وجودا مستقبلّ حبيث ترتاجع أماـ ىذا
االستقبلؿ اػبلفيات النّفسية واالجتماعية والتّارىبية للمبدع وللمتل ّقي على ح ّد سواء.
اػباصة بو ،حيث يشتمل على شبكة
ص أصبحت ترتّكز داخل حدوده ّ
وعليو فإ ّف دراسة النّ ّ
يكوف ُب النّهاية
ص ،فبّا ّ
متكاملة من ال ّدواؿ واؼبدلوالت ،وؾبموعة من العبلقات اؼبتشابكة ُب النّ ّ
ص ،ىي بعينها أسلوبو ،1فبموجب النّظر إٔب«:البىن األسلوبية اؼبهيمنة ومقاربتها على
صورة بنائية للنّ ّ
خاصية كلّية
تتمخض عنها سوؼ يتح ّدد مفهوـ األسلوب بوصفو ّ مستوى العبلقات اللّسانية اليت ّ
متموضعة ُب العبلقات بني الوحدات اللّسانية».2
ص ُب كلّيتو»3.وإذا وصل مفهوـ
وعلى ىذا األساس ُح ّدد األسلوب بأنّو«النّظاـ الفريد للنّ ّ
ص.
األسلوب إٔب ىذا اؼبستوى فإنّو يقرتب بشكل كبري من بنية النّ ّ
واؼبقصود من ذلك كلّو أ ّف اؼبدخل الوظيفي لدراسة األسلوب بوصفو واقعة لسانية حبتو ربمل
خصائص فبيّزة ،ومن ٍبّ فهي واقعة أسلوبية ،وبذلك يكوف األسلوب «عنصر لغوي ينظر إليو من
4
معني».
حيث استخدامو ألغراض أدبية ُب عمل ّ
وُب ىذا اؼبعىن يورد ؿبمد عبد اؼبطّلب كبلما عن صياغة القصيدة باعتبارىا نوعا أدبيا ويقوؿ:
اػباصة عندما زبرج من بني يدي صاحبها لتصبح ملك أيدينا،
«فالقصيدة مثبل ،تصبح َخلقا لو كينونتو ّ
معني ،ولكنّها
اؼبنسقة على كبو ّوتفسريىا أو فهمها ال ىبضع ؼببدعها ،فهي ؾبموعة من األلفاظ اؼبرتبطة و ّ
خاصة ،ؽبا حيويتها ،وؽبا فعاليتها ،وىذا
تكونت على ىذا النّحو تكوف قد اكتسبت شخصية ّ حني ّ
5
اػباص لؤللفاظ ىو الذي ينشئ العبلقات اعبديدة اليت تتمثّل لنا ُب صور التّعبري اؼبختلفة».
ّ االرتباط
وقد أصبع بعض الباحثني على أ ّف جاكبسوف كاف لو الفضل ُب عقلنة منحى ربديد األسلوب
قارا يتمثّل ُب أ ّف اغبدث اللّساين ىو تركيب
الشعرية للكبلـ ،حيث«استعمل معطى لسانيا ّ
أو الوظيفة ّ
الرصيد
الزمن ومتطابقتني ُب الوظيفة ،ونبا اختيار اؼبتكلّم ألدواتو التّعبريية من ّ
عمليتني متواليتني ُب ّ
صرؼ ُب
اؼبعجمي للّغةٍ ،بّ تركيبو ؽبا تركيبا تقتضي بعضو قوانني النّحو ،وتسمح ببعضو اآلخر سبل التّ ّ
االستعماؿ ،فاألسلوب يتح ّدد بأنّو توافق بني العمليتني ،أي تطابق عبدوؿ االختيار على جدوؿ
6
التّوزيع ».
1ينظر:السابق ص (.)249-248
2البنى األسلوبية ،حسن ناظم ،ص .70
3نفسو ،ص.68
4نفسو ،ص.70
5البالغة واألسلوبية ،محمد عبد المطّلب ،ص.251
السالـ المس ّدي ،ص.76
األسلوبية واألسلوب ،عبد ّ
6
011
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
فمحور اؼبمارسة اللّسانية ُب نظر جاكبسوف نبا االختيار والتّوزيع أو التّأليف؛ إذ يستند
التّأليف إٔب التّماثل ،ويستند التّوزيع إٔب ربط الوحدات اللّسانية اؼبنتقاة وتأليفها ُب متوالية لسانية،
الشعرية بإسقاط مبدأ التّماثل الذي ىو جزء من ؿبور االختيار على ؿبور التّأليف، وتقوـ الوظيفة ّ
1
فيتحوؿ ىذا اؼببدأ إٔب أداة أو وسيلة تسهم ُب تأليف اؼبتوالية اللّسانية.
ّ
عرؼ
وإضافة ؼبا جاء بو جاكبسوف وؿباولة لتطوير نظريتو حوؿ مبدأ االختبار والتّوزيعّ ،
2
األسلوب بأنّو« رسالة أنشأّتا شبكة من التّوزيع قائمة على مبدأ االحتماؿ والتّوقّع».
تفرع عنو مستويني ـبتلفني من
ويقصد من ىذا اؼبفهوـ أ ّف مبدأ االختيار ُب نسج اػبطاب قد ّ
حيث اؼباىية والنّشأة ،ونبا غبظة اإلبداع وزمن سبكو وُّذا«ال يُع ّد األسلوب آين الوجود ،وإّمبا ىو ُب
3
صريورة زمانية تتطابق مع جدلية ال ّديبومة».
فاؼبؤلّف ىبتار وينتقي من األلفاظ اليت يتوفّر عليها معجمو اللّغوي ما يبلئم موضوعوٍ ،بّ يبدأ
ُب توزيعها وتأليفها ُب صيغ تنسجم وتتناسب مع اؼبوضوع اؼبراد ،وىذه العملية سبثّل غبظة اإلبداع
للمخاطب؛ إذ ينسج ويسبك أسلوبو ضمن زمن ىذه اللّحظة ،وىو ُب الوقت نفسو يضع ِ بالنّسبة
فيتجسد عندئذ مبدأ االحتماؿ والتّوقّع.
ّ نصب عينيو أنّو ُب حضرة إنساف يف ّكر ويشعر
االختيار والتّوزيع
السبك
غبظة اإلبداع وزمن ّ
االحتمػاؿ والتّوقّػع
3نفسو ،ص.77
010
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
ِ
اؼبخاطب إالّ أ ّف دراستو األسلوبية ارتكزت على فبالرغم من ربيّزه إٔب القارئ أو
ّأما ريفاتري ّ
ص فريد دائما ُب جنسو ،وىذه الفرادة-كما ص ُب بعض األحياف حيث يرى أ ّف « النّ ّ الرسالة أو النّ ّ
ّ
1
يبدو ٕب -ىي التّعريف األكثر بساطة ،وىو الذي يبكن أف نعطيو لؤلدبية ».
ص ومن
نصا تكوف دائما فريدة ،ونتيجة لذلك تنتقل الفرادة إٔب النّ ّ
فالتّجربة األدبية اليت تنتج ّ
الصدد «الفرادة اليت نعطيها اسم األسلوب ،والّيت ًبّ خلطها ردحا
شبّة إٔب األسلوب ويقوؿ ُب ىذا ّ
2
اؼبسمى الكاتب ».
طويبل مع الفرد اؼبفرتض ّ
ص» ويعلّق
وضمن ىذه النّظرية يعلن ريفاتري ُب األخري قائبل أ ّف «األسلوب ُب الواقع ىو النّ ّ
منذر عياشي على ىذه األقواؿ دببلحظتني:
ص،أو
الشخص ليصبح شيئا من أشياء النّ ّ
األؤب :أ ّف األسلوب ىبرج من كونو بصمة من بصمات ّ
الرجل -كما ذىب إٔب ذلك بيفوف.-
الشخص أو ّ
ص نفسو ،وليس ّ
أدؽ ليصبح ىو النّ ّ
دبعىن ّ
ص عنده
الثانية :أ ّف ىذا األمر عند ريفاتري دبنزلة الشيء الذي يدور حوؿ نفسو ،إذ أ ّف مفهوـ النّ ّ
ص ،ودبا أ ّف األدبية ال تقوـ
يرتبط بأدبيتو ،واألدبية ترتبط بالفرادة والفرادة أسلوب ،واألسلوب ىو النّ ّ
3
كنص.
ص من األدبية يرفع عنو صفتو ٍّ
إالّ ضمن ىذا األخري ،فإ ّف خلو النّ ّ
ص األديب ُب حاجة دائمة و أكيدة إٔب أسلوبو
وما يستنتج من ىاتني اؼببلحظتني ىو أ ّف «النّ ّ
لنص إالّ ُب أسلوبو ،وال وجود ألسلوب إالّ ُب فرادتو ،وُّذا ترتبط
يتقرر وجوده ،فبل وجود ّ فيها ّ
4
ص باألسلوب ». ص ،كما يرتبط النّ ّ
الفرادة واألدبية بالنّ ّ
بالرغم من
ص ّ لقد بقي ريفاتري ؿبافظا على مبدئو ُب دراسة األسلوب مستندا على بنية النّ ّ
السمة
إدخالو القارئ ُب التّحليل األسلويب ،وما ُيبيّز ّاذباىو ىو أنّو يرى الواقعة اللّسانية تكتسي ّ
ص والقارئ،
فتتحوؿ إٔب واقعة أسلوبية ،وىذه األخرية إّمبا تدرؾ بالعبلقة اعبدلية بني النّ ّ
ّ األسلوبية
يعرؼ األسلوب من ىذا اؼبنظور فيقوؿ«:وأعّن ص وحده أو ُب القارئ وحده ،وىو ّ وليست ُب النّ ّ
1األسلوبية وتحليل الخطاب ،منذر عياشي ،ص.150
2نفسو ،ص.150
3نفسو ،ص150
4األسلوبية وتحليل الخطاب ،منذر عياشي ،ص.151
013
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
كل شكل مكتوب فردي ذي مقصدية أدبية ،دبعىن أسلوب مؤلّف أو باألحرى باألسلوب األديب ّ
حّت أسلوب مقطع قابل للعزؿ ،وىذا التّعريف ؿبدود ج ّدا فعوض شكل
أسلوب نتاج أديب معزوؿ أو ّ
الشفوية،
حّت يبكن احتواء أساليب اآلداب ّ مكتوب ،ينبغي من األفضل وضع عبارة :شكل ثابت ّ
ص ،ولكن على
اؼبادي على الوحدة الفيزيائية للنّ ّ
وصفة الثّبات ىذه ليست ببساطة نتيجة اغبفاظ ّ
الشأف بالنّسبة
حل رموزه ،مثلما ىو ّ
ص؛ حبيث يكوف ّ
األصح نتيجة حضور خصائص شكلية ُب النّ ّ
ّ
1
يتعرؼ عليو ».
إٔب تقسيمو ،أمرا مضبوطا وثابتا وقاببل ألف ّ
ص األدبية دبعىن
ص ُب ذاتو وعلى مقصدية النّ ّوىذا التّعريف لريفاتري« يُش ّدد على النّ ّ
2
فّن».
خصائصو اليت يتمظهر عربىا بوصفو بنية متميّزة ذات طابع ّ
3
وىنا يبكن اإلشارة إٔب النّقاط اآلتية:
ؾبرد كلمات متابعة.
ص عمبل فنّيا متميّزا ،ال ّ
-1الب ّد أف يكوف النّ ّ
ظن
ص األديب مسرودا من لغة نتوقّع حضورىا ،بل ىو مبّن على عبلقات زبيّب ّ -2ال يكوف النّ ّ
القارئ ،وذبعل لو مساحة واسعة للتّوقّع.
الشكلية لؤلدب ،وعلى تلك البنية يرتسم فعل الكاتب ،وتظهر النتوءات
-3األسلوب ىو البنية ّ
يشوش ُّا فعل القارئ.
اليت ّ
-4يربط ريفاتري بني األسلوبية ونظرية التّل ّقي ،وبذلك يصبح األسلوب ذلك اإلبراز الذي يفرض
يشوه
السلسلة التّعبريية ،حبيث ال يستطيع حذفها دوف أف ّ
على انتباه القارئ بعض عناصر ّ
مهمة وفبيّزة.
ص ،وال يستطيع أف يرتجم رموزىا دوف أف هبدىا ّ
النّ ّ
يتوجو وعليو يريد أف يسيطر ،وىي أمور حاضرة ُب نصو القارئ ،فإليو ّ
-5إ ّف غاية الكاتب من ّ
ص على كبو يثري انتباه القارئ.
ذىن الكاتب ،لذلك فالوجو األسلويب يكوف مرّكبا ُب النّ ّ
ص والقارئّ ،أما
-6يعتمد التّحليل األديب والوقوؼ على األسلوب بشكل واضح على النّ ّ
ص فأمور ىامشية.
الكاتب ومرجع النّ ّ
ص بعيدا عن مبدعو وقارئو فإنّنا
وانطبلقا من اآلراء اؼبتناثرة حوؿ أح ّقية نسبة األسلوب إٔب النّ ّ
ص لغويا من خبلؿ نسق ألفاظو ىو الذي وب ّدد طبيعة فهمنا ألسلوبو، نفهم أ ّف « إدراكنا لعآب النّ ّ
للرسالة اإلبداعية لتتبّع ما وبدث بينها من اؼبكونة ّ
مهمة األسلويب ىي ذبزئة العناصر ّ وُّذا تكوف ّ
1
الفعالة».
اػباصة اغبيوية ّ
الشخصية ّ تفاعل حّت اكتسبت ىذه ّ
ص ،قوامو صورة ربصل ُب اؼبعىن ناصبة عن وبذلك يبكن القوؿ أ ّف األسلوب أثر من آثار النّ ّ
النّظاـ اللّغوي لو.
011
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
وىو ما وبيل إٔب أ ّف ىناؾ قائمة أبداؿ متاحة ،وىي ما يُعمل فيها اؼبنشئ فكره باالختيار
واالستبعاد ،كما يشري إٔب ذلك سعد مصلوح ،1حيث يستخدـ اؼبرسل ُب إنتاج رسالتو إمكانات
الصرفية والنّحوية واؼبعجمية
ىائلة توفّرىا لو اللّغة ُب عملية التّواصل ،وىو ما يتجلّى ُب الوحدات ّ
الشكل ،واعبنس األديب بيد أ ّف ىذا االختيار ليس مطلقا ،إذ ربكمو ؾبموعة
الرتكيبية باإلضافة إٔب ّوّ
يتدخل اؼبوقف الذي يعيشو
أنبها :قواعد النّظاـ اللّغوي وطبيعة اؼبقاـ ،إذ ّ
من الظّروؼ ا﵀يطة بو لعل ّ
اؼببدع ُب توجيو اختيار اؼببدع توجيها قسريا ،فالتّ ّنوع األسلويب الذي يقع نتيجة عملية االختيار ُوبدث
توخيا للّغة االنفعالية اليت تقودىا الببلغة.
مرد على النّسق ّ
أثرا صباليا ىبتلس التّ ّ
توخيا القتناص أساليب حوالت ّ إ ّف ببلغة االختيار رب ّقق التّفاوت الذي ينتج عن لعبة التّ ّ
الصورة والعبارة استنادا
ص ،وبالتّإب فهذه العملية «تتسلّط على عناصر الفكرة و ّالفرادة ُب تشكيل النّ ّ
الصياغات دبا تراه أليق دبوضوع الكبلـ».2
تصرؼ ُب ّ
إٔب ّ
فاالختيار أمر يفرتض أف يقوـ بو اؼبنشئ على كافّة مستويات التّواصل بدرجات متفاوتة .ومن
ٍبّ فهو ليس ؿبض اختبار لغوي فحسب ،بل ؿبكوـ من جهة بإمكانات اؼبقاؿ ومن جهة أخرى
دبقتضيات اؼبقاـ (.)contexte de situation
خاصاً للّغة
إ ّف ربديد ماىية األسلوب انطبلقا من فكرة االختيار يقود إٔب اعتباره استعماال ّ
يقوـ على استخداـ عدد من اإلمكانات واالحتماالت اؼبتاحة ،وتأكيدىا ُب مقابل إمكانات
واحتماالت أخرى فهو «انتقاء" "selectionيقوـ بو اؼبنشئ لسمات لغوية معيّنة بغرض التّعبري
السمات على ظبات ويدؿ ىذا االختيار أو االنتقاء على إيثار اؼبنشئ وتفضيلو ؽبذه ّ
معنيّ ،
عن موقف ّ
معني ىي الّيت تش ّكل أسلوبو الّذي يبتاز بو عن غريه
اػباصة دبنشئ ّ
أخرى بديلو ،وؾبموعة االختيارات ّ
3
من اؼبنشئني ».
1ينظر مجلة عالم الفكر " ،ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة" ،سعد مصلوح ،ص .106
شايب ،ص.52
األسلوب ،أحمد ال ّ
2
1ديواف جرير،ص76
الصاوي،ج،1بيروت ،منشورات دار مكتبة الحياة ،ص.96
شرح ديواف جرير ،عبد اهلل ّ
2
3نفسو ،ص.579
4األغاني ،أبي الفرج األصفهاني،ج،8دار الثّقافة ،بيروت ،ط1971( 3ـ) ،ص.59
012
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
أحق باؼبقاـ واغباؿ كاف جامعا للحسن ،بارعا ُب الفضل ،وإف بلغ مع ذلك أف تكوف موارده
دبوقعو ،و ّ
تنبيك عن مصادره ،و ّأولو يكشف قناع آخره ،كاف قد صبع ّناية اغبسن ،وبلغ أعلى مراتب التّماـ».1
وىو ُب ىذا القوؿ يتح ّدث عن وجوب اختيار األلفاظ وانتقائها بدقّة وعناية فائقة ،أل ّف ذلك
يسهل عملية التئاـ الكبلـ ،فيصبح ىذا االلتئاـ ىو الوجو اغبسن لصفات اغبديث
من شأنو أف ّ
يتم بطرؽ:
وربقيق ذلك ّ
-1نظم األلفاظ من حروؼ سهلة اؼبخارج.
-2أف يتّصف الكبلـ باإلهباز واإلطناب.
-3أف يوافق اؼبقاـ واغباؿ.
-4أف تكوف موارده تُنبيك عن مصادره.
-5أف تكشف بدايتو قناع آخره.
وقد أ ّكد النّػ ّقاد القدماء على عملية االختيار من خبلؿ حديثهم عن الببلغة ،حيث أشاروا
إٔب أنّو عنصر جوىري ،وؿبوري ُب عملية اإلبداع ففي عرض ؼبفهوـ الببلغة تركيز على ىذا العنصر
وذكر ألنبّيتو من ذلك قوؽبم:
متخري اللّفظ ال يكلّم سيّد
-1الببلغة أف يكوف اػبطيب رابط اعبأش ،ساكن اعبوارحّ ،
1
السوقة.
األمة ،وال اؼبلوؾ بكبلـ ّ
األمة بكبلـ َ
ّ
الزيّات حني استوزره
ؿبمد بن عبد اؼبلك ّ
وقد ورد ُب كتاب العمدة أيضا أ ّف البحرتي قد مدح ّ
ووصف ببلغتو ،فجاء مصطلح االختيار ضمن شعره حيث قاؿ:2
َىجنَت ِش ْعر جروٍؿ ولبِ ِ
يد فصلَْتها ال َقػ َػوافي ٍ
ََْ َ ومعاف لَ ْو َ َ
عقي ِػد
وتجنّبن ظُلمة الت ِ
َْ ارا
الـ اختيَ ًتعمل ال َك ِ ُح ْز َف ُم ْس َ
المرادِ البَعيِ ِػد ِ
َف بو غاَية ُ رؾػب فأ ْد ْ كبػ َػن ال َقري َ
َوَر ْ
3
وزبريه أصعب من صبعو وتأليفو .
زبري اللّفظّ ، -2مدار الببلغة على ّ
وما يُفهم من ىذه التّعريفات أ ّف عملية االختيار أساسية وؿبورية ُب بناء األسلوب ،سواء
ص.أكاف ذلك على صعيد الكلمة أـ على صعيد العبارة ،أـ على صعيد البناء الكلّي للنّ ّ
وقد ورد ُب مؤلّفات عبد القاىر اعبرجاين حديث عن االختيار حيث يقوؿ« :من اؼبعلوـ أ ّف
الصفة،وينسب فيو الفضل واؼبزية
ال معىن للعبارات وسائر ما هبري ؾبراىا ،فبّا يفرد فيو اللّفظ بالنّعت و ّ
تربجها ُب صورة ىي
إليو دوف اؼبعىن غري وصف الكبلـ حبسن ال ّداللة وسبامها فيما لو كانت داللة ًبّ ّ
ظ األوفر من ميل القلوب ،وال
أحق بأف تستوٕب على ىوى النّفس وتناؿ اغب ّ
أُّى وأزين وأعجب و ّ
عصره ،توفي ببغداد نحو
شعراء المعروفين في ْ
الزيّات ،وّزر للمعتصم والواثق وكاف من الكتّاب وال ّ
محمد بن عبد الملك ّ
أبو جعفر ّ
(233ىػ874،ـ).
شعر وآدابو ،ابن رشيق القيرواني ،ص.148
2العمدة في محاسن ال ّ
3نفسو ،ص(.)149-148
015
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
019
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
وقد تنبّو اعبرجاين إٔب تباين األساليب ُب التّعبري عن اؼبقصد وفق النّظم اؼبستخدـ «وأنّو كما
الشيء نظريه واَّانس لو
حّت يفوؽ ّ
يفضل ىناؾ النّظم والتّأليفٍ ...بّ يعظم الفضل وتكثر اؼبزية ّ
ّ
يفضل بعض الكبلـ بعضاً ».1
الشديد كذلك ّوحّت تتفاوت القيم التّفاوت ّ
درجات كبريةّ ،
حرية اختيار األسلوب الذي يناسب موضوعو وبني أيضا تع ّدد أساليب النّظم فرتؾ للمبدع ّ
ّ
فقاؿ« :وليس ؼبا شأنو أف هبيء مع ىذا الوصف ح ّد وبصره و قانوف وبيط بو ،كأف هبيء على وجوه
شّت وأكباء ـبتلفة.2
ّ
ملمحا إٔب عنصر
الصناعة اللّفظية" طريقة الكاتب ُب صياغتو ّ وقد صبع ابن األثري ُب"باب ّ
الصناعة اللّفظية وبتاج ُب تأليفو إٔب ثبلثة أشياء:
االختيار ُب قولو «:إ ّف صاحب ّ
تتخري وتنتقي قبل النّظم.
األوؿ :اختيار األلفاظ اؼبفردة وحكم ذلك حكم الآللئ اؼبب ّددة ،فإ ّّنا ّ
ّ
كل كلمة مع أختها اؼبشاكلة ؽبا ،لئبل هبيء الكبلـ قلقاً نافراً عن مواضعو ،وحكم الثاّين :نظم ّ
كل لؤلؤة منو بأختها اؼبشاكلة ؽبا.
ذلك حكم العقد اؼبنظوـ ُب اقرتاف ّ
الثّالث :الغرض اؼبقصود من ذلك الكبلـ على اختبلؼ أنواعو ،وحكم ذلك حكم اؼبوضع الذي
الرأس ،وتارة هبعل قبلدة ُب العنق وتارة هبعل شنفا
يوضع فيو العقد اؼبنظوـ فتارة هبعل إكليبل على ّ
3
زبصو» .
لكل موضع من ىذه اؼبواضع ىيئة من اغبسن ّ
ُب األذف و ّ
وأشار حازـ القرطاجّن أيضا إٔب أنبّية االختيار من خبلؿ حديثو عن تفاوت بني األساليب
الشعراء يقوؿ« :وىذا االمتياز يكوف بأحد طريقتنيّ :إما بأف يُؤثِر ُب شعره أبدا اؼبيل إٔب جهة ٓب
عند ّ
شعرىم،وإما بأف ال يسلك أبدا
ّ يُؤثِر النّاس اؼبيل إليها ،وٓب يأخذوا فيها َمؤخذه ،فيتميّز شعره ُّذا عن
ُب صبيع اعبهات الّيت يبيل بكبلمو إليها مذىب شاعر واحد ولكن يقتفي أثر واحد ُب اؼبيل إٔب جهة
4
وأثر آخر ُب اؼبيل إٔب جهة أخرى ».
يوضح
الصياغة ،وىو ما ّ
الشعراء ُب طريقة ّ
فقد استطاع حازـ أف يكتشف أ ّف ىناؾ سبايز بني ّ
أ ّف أسلوُّم ّنج سبيل االختيار لذلك جاءت أساليبهم متفاوتة وـبتلفة ،حبيث يُعرؼ األديب من
تتنوع حبسب مسالك
الشعر ّ
الشعرية«:إ ّف أساليب ّتنوع األساليب ّ
خبلؿ كتابتو ،وىو ما ُوبيل إٔب ّ
الشعر وحبسب تصعيد النّفوس فيها إٔب حزونة اػبشونة أو تصويبها
كل طريقة من طرؽ ّ الشعراء ُب ّ
ّ
1
الرقّة أو سلوكها مذىبا وسطاٌ بني ما ال َف وما خشن من ذلك».
إٔب سهولة ّ
ويضيف إٔب ذلك أ ّف« :النّظم ُب األلفاظ الذي ىو صورة كيفية االستمرار ُب األلفاظ
والعبارات ،واؽبيئة اغباصلة عن كيفية النّقلة من بعضها البعض ،وما يعتمد فيها من ضروب الوضع
2
الرتتيب».
وأكباء ّ
يدؿ على مقصد االختيار ضمن حديثو عن الببلغة اليت الرازي حديثا ّ وقد أورد فخر ال ّدين ّ
الرتكيب فتحقيق القوؿ فيو :أ ّف الكبلـ اؼبنظوـ
تتعلّق باؼبفردات يقوؿّ « :أما الببلغة العائدة إٔب النّظم و ّ
ال ؿبالة مرّكب من مفردات وتلك اؼبفردات أمكن ترّكبها على وجو يفيد ذلك اؼبعىن اؼبقصود ،وأمكن
للرتكيب اؼبفيد مراتب كثرية:
تركيبها على وجو ال يفيد ذلك اؼبقصودٍ ،بّ ّ
الرتكيب ،حبيث يبتنع أف يوجد ما ىو أش ّد تناسبا واعتد اآلٌب إفادة ذلك
-1أف يقع ذلك ّ
اؼبعىن منو.
أقل تناسبا منو ػبرج عن كونو مفيدا لذلك اؼبعىن ،وبني ىذين
-2أف يقع على وجو لو صار ّ
الطّرفني مراتب متباينة تكاد تكوف غري متناىية واختيار أحسنها يقتضي الفصاحة ُب
3
النّظم »
1نفسو ،ص.354
2نفسو ،ص.354
الرازي ،القاىرة ،مطبعة اآلداب والمؤيّد1317( ،ىػ)،ص.33
نهاية اإليجاز ،فخر ال ّدين ّ
3
000
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
إ ّف ىذه اؼبقوالت تلّح على أ ّف ببلغة االختيار ىي عنصر جوىري وأساسي ُب بناء األسلوب
خباصية الفرادة ُب تشكيل
ربوالت لغوية تسعى لبلستئثار ّ
إذ ُّا وبصل التّفاوت الذي ينجم عن ّ
النّصوص.
الدراسئت الصحديثة:
.2أسموب االختيئر في ّ
عرؼ األسلوب ُب كثري من ال ّدراسات النّقدية اغبديثة على أنّو اختيار ،وقد أخذ ىذا اؼبفهوـ
يُ ّ
مساحات واسعة من مناقشات ال ّدراسة األسلوبية الّيت ترى أ ّف نظاـ اللّغة يق ّدـ إمكانات ىائلة من
معني ،وقد
الرتاكيب دبختلف أوجهها للمبدع ولو أف يستخدمها للتّعبري عن حالة أو موقف ّ
األلفاظ و ّ
مؤسس على مبادئ
فُ ّسر األسلوب من وجهة نظر ىذه ال ّدراسات بأنّو «عدوؿ عن الكبلـ العادي ّ
1
االختيار».
الضرب
دبعىن أنّو طريقة اختيار األلفاظ وتأليفها للتّعبري ُّا عن اؼبعاين قصد اإليضاح والتّأثري أو ّ
2
من النّظم والطّريقة فيو.
)Léoحيث يقوؿ« :األسلوب ىو اؼبمارسة العملية سبيتزر(Spitzer وىذا ما أشار إليو
اؼبنهجية ألدوات اللّغة» ،3فباؼبمارسة واالستخداـ الفعليني ألدوات اللّغة يظهر التّشكيل األسلويب
وتتب ّدى اختيارات اؼببدع.
ّأما ماروزوا( )Maroswaفيح ّدد األسلوب على أنّو «موقف يتّخذه اؼبستعمل للّغة كتابة أو
4
مشافهة فبّا تعرضو عليو من وسائل».
الرأي موقف يتّخذه اؼبنشئ اذباه اإلمكانات التّعبريية اؼبتاحة الّيت
فاألسلوب حسب ىذا ّ
توفّرىا اللّغة فيستغلّها لئلبانة عن مقصده كتابيا أو شفويا.
1التّفكير البالغي عند العرب ،حمادي صمود ،منشورات كلّية اآلداب ،تونس ،ط1994(2ـ) ،ص .265
شايب ،ص.44
ينظر :األسلوب ،أحمد ال ّ
2
ويؤّكد ذلك بقولو«:األسلوب اختيار الكاتب ؼبا من شأنو أف ىبرج بالعبارة من حيادىا
1
اؼبهمة اليت زبرج
الصفر إٔب خطاب يتميّز بنفسو» .فاالختيار ُب رأيو ىو الوسيلة ّ
وينقلها من درجتها ّ
ببعض األلفاظ والعبارات من عزلتها وحيادىا ،لتنتقل من كوّنا ال شيء إٔب كوّنا خطاب قائم بذاتو
لو فرادتو وفبيّزاتو.
وىناؾ تعريف آخر ينحو باألسلوب إٔب أنّو «اختيار لقاموس لغوي ّأوال ٍبّ اختيار للعبلقات
3
بني عناصر القاموس ثانيا».
واؼبعىن من ىذا اؼبفهوـ أ ّف اؼببدع يلجأ ؼبعجمو اللّغوي ليختار منو ؾبموعة من األلفاظ اليت
يعرب عنوٍ ،بّ يربط بني ىذه اَّموعات اللّفظية بعبلقات كبوية ،أي اختيار
ربيل للغرض الذي يريد أف ّ
األلفاظ ٍبّ تركيبها ُب صبل مفيدة .حبيث تتعأب النّظم على العناصر اؼبؤلّفة لو ،فرتتّب الكلمات وفق
4
القوانني الّيت ربتكم إليها خصوصية التّشكيل.
5
فصل فيها صبلح فضل على النحو اآلٌب:
وُيبكن أف وبدث االختيار بطرائق ـبتلفة ّ
-1اختيار قصد التّواصل :إذ يسعى اؼبتكلّم إٔب ربقيق غرضو من الكبلـ لئلببلغ أو ال ّدعوة أو
ص األديب فيكوف ىدفو صباليا ؿبضاً.
اإلقناع ،أواإلعبلـّ ،أما النّ ّ
-2اختيار موضوع الكبلـ :حيث ىبتار اؼبتكلّم اؼبوضوعات الّيت يريد أف يتناوؽبا ،وُّذا وبصر
إمكاناتو االختيارية ،فإذا كاف يريد أف يتح ّدث عن جواد فبوسعو أف ىبتار بني كلمات
جواد ،حصاف ،فرس...لكنّو سيستبعد كلمة مهر مثبل.
مهم ليكوف التّواصل ناجحاً
الرمز اللّساين ّ
الشفرة أو ّ
الشفرة اللّغوية :إ ّف اختيار ّ
-3اختيار ّ
ومهم ُب العملية التّواصلية.
فانتقاء اللّغة اؼبناسبة للمستوى وللموضوع ضروري ّ
-4االختيار النّحوي :إذ ىبتار اؼبتح ّدث أبنية لغوية زبضع لقواعد كبوية إجبارية ُب صياغتها،
ص واتساقو وانسجامو ،ىذا
السياؽ العاـ للنّ ّ
ويتم تركيبها وفق ّ
النّفي ،االستفهاـّ ...
باإلضافة إٔب:
ص.
-5اختيار ال ّداللة :حبيث تتناسب وزبدـ ال ّداللة الكربى أو الكلّية للنّ ّ
حّت وإف توافق ترادفيا مع لفظ
اػباصةّ ،
ّ فكل لفظ لو داللتو -6اختيار األلفاظ واؼبفرداتّ :
فمس مثبل
تتفرع إٔب دالالت جزئية ّآخر ،إذ تشرتؾ اؼبرتادفات ُب ال ّداللة الكلية لكنّها ّ
لكل منها استعماؿ دالٕب
حسس" لكن ّس" ألفاظ تشرتؾ ُب معىن "التّ ّ
و"ج َ
س" َو"لَ َم َ
معني ،وما ينطبق على األلفاظ يقاؿ على اغبروؼ ووضعيتها ضمن
خاص ضمن سياؽ ّ
الكبلـ.
وتتّصل عملية االختيار اتّصاال وثيقا بعملية التّل ّقي من جانب القارئ ،إذ يشري
كراسو(ُ)Krassóب مناظرتو بني نشأة ظاىرة األسلوب ومبدأ استعماؿ اللّغة ُب االختيار إٔب أ ّف
قانوف االختيار ليس وقفاً على الظّاىرة الفنّية ُب تعريف اغبدث اللّساين ،وإّمبا ىو عقد من الوعي
1
بعامة.
الباث واؼبتقبّل ُب جهاز التّخاطب ّ
اؼبشرتؾ بني ّ
001
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
السبلـ اؼبس ّدي على ىذه النّظرية بقولو« :ففرضية االختيار ُب ربديد ماىية
ويُعلّق عبد ّ
األسلوب تفضي بنا إٔب اعتبار األسلوب جسرا ثانويا يُقاـ على جسر أصلي ،فإذا كاف اغبدث
الباث واؼبتقبّل مطلقا ،فإ ّف األسلوب كظاىرة وجودية مستقلّة بذاّتا يضاؼ
اللّساين رباط الوصل بني ّ
إٔب اعبهاز اإلببلغي ليكوف حبل األسباب بني دوافع اػبطاب ُب أصل نشأتو وغاياتو الوظائفية،
ومعىن ذلك أ ّف اغبدث اللّساين تركيب لعبلمات اللّغة ُب معادلة من ال ّدرجة األؤب بينما يكوف
لعل خري ما يفصح عن ىذا اؼبدلوؿ أف نعترب أ ّف
األسلوب تركيبا ؽبا ُب معاعبة من ال ّدرجة الثّانية ،و ّ
1
األسلوب نظاـ عبلمي ُب صلب نظاـ عبلمي آخر».
فاألسلوب وفق ىذه النّظرة لوف من اللّغة ُب لغة أخرى وربديد ماىية األسلوب تتأتّى من
الرتكيز
الباث ُب صياغة اغبدث اللّساين لتحقيق اإلببلغية للمتقبل و ّ
كونو نتاج عن اختيارات يقوـ ُّا ّ
الباث ،وىي عملية تغدو
على االختيار ضروري «لتحقيق الفهم من اؼبتل ّقي واإلفهاـ من اؼببدع أو ّ
ص فإذا كاف
ؿبورية وأساسية ،أل ّف االختيار ال يلغي شخصية اؼبتل ّقي إذ يدخل ُب صراع لفهم النّ ّ
االختيار موفقا فإ ّف عنصر الفهم سيتح ّقق».2
متنوعا لتحويبلت ؾب ّددة توصل ُب
الرتكييب تطبيقا ّ
وعليو فقد يصبح األسلوب« على اؼبستوى ّ
النّهاية إٔب أوجو تعبريية ».3
ويعرؼ األسلوب أيضا باالستناد إٔب مبدأ االختيار بأنّو:
ّ
نص عن طريق اختيار إمكانيات كبوية ومعجمية من الثّروة اللّغوية على كبو فردي«-1إنشاء ّ
4
وتكرار حتمي».
لكل مرسل«ومركزية األسلوب
فسر فردية األسلوب الّيت تعّن اؼبظهر األسلويب اؼبميّز ّ
وىو ما يُ ّ
الشخصي اؼبتميّزين
الرتكيب ّ
الصانع اغبقيقي لعملييت االختيار و ّ
الفردي ناصبة عن كوف األسلوب ىو ّ
3نحو نظرية أسلوبية لسانية ،فيلي ساندريس ،تحقيق خالد محمود جمعة ،ص .44
4نفسو ،ص.164
005
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
كل الظّروؼ
معني إمكانات لغوية وأسلوبية معروضة أمامو ُب ّ
غري القابلني للتّكرار ،كاستعماؿ فرد ّ
النّفسية واؼبقامية واؼبقتضيات االجتماعية ».1
2
السائدة عند مؤلّف ما».
لذلك ع ّد األسلوب أيضا« :شكبل من أشكاؿ التّحويبلت االختيارية ّ
كما ع ّد أيضا شكبل من أشكاؿ استعماؿ بدائل لغوية مناسبة وؿب ّددة استعماال متواترا
ألغراض تعبريية ؿب ّددة.
ووبتكم مبدأ االختيار إٔب عاملني:
-1العوامل ال ّذاتية( :)Subjectiveوتشتمل اإليثارات اللّغوية للمنشئ وتكوينو النّفسي وطابع
خاصة تتعلّق
تتدخل فيها عوامل ّ
تفكريه ومهاراتو األسلوبية ،فاالختيارات اللّغوية لؤللفاظ واؼبعاين ّ
باؼببدع ،حيث تؤثر شخصيتو تأثريا قويّا ُب ألواف انتقاءاتو اللّفظية أو اؼبعنوية فتضيف إليها مزايا
تصور ما ُب نفسو من انفعاالت تطبع العبارات واأللفاظ الّيت خلقها ،وألّفها خاصة ،فهي ّ
ّ
الرتاكيب
الصور و ّ
الصادؽ وأسلوبو اؼبميّز ،وتأثر العوامل ال ّذاتية على « الكلمات و ّ
فتصبح صداه ّ
3
والعبارات مع طيف موسيقي عاـ ىو ُب األصل من عبقرية اؼبنشئ وموسيقى نفسو».
-2العوامل اؼبوضوعية :)Objective( :وتشمل ؿب ّددات اؼبقاـ ( )Contexوىي عوامل مستقلّة
السبلـ اؼبس ّدي حينما
عن اؼبنشئ ،وإف كانت سبارس تأثريىا من خبللو ،وىو ما أشار إليو عبد ّ
رب ّدث عن الطّاقة التّعبريية حيث أبرز أ ّف اللّسانيني قد ّقرروا ضمن نظرياّتم ال ّداللية اغبديثة أ ّف
«طاقة التّعبري-وُّا رب ّدد اللّغة -مزدوجة ُب ذاّتا ،فمنها جدوؿ تصروبي ومنها جدوؿ إوبائي،
الرصيد اللّغوي ،و ّأما الثّاين
األوؿ فيستم ّد قدرتو اإلخبارية من ال ّدالالت ال ّذاتية َّموع ّ
فأما ّّ
متنوعة عرب اخرتاقها لطبقات التّاريخ
السياقية اليت ربملها اللّغة بكثافات ّفيستم ّدىا من ال ّدالالت ّ
4
ومنازؿ اَّتمع ».
1السابق ص.164
2نفسو ،ص .44
شايب ،ص.77
األسلوب ،أحمد ال ّ
3
002
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
1مجلة عالم الفكر " ،من الجغرافية اللّغوية إلى الجغرافية األسلوبية" ،سعد مصلوح،المجلد ،22العدد3و1994( ،4ـ)،المجلس الوطني
للثّقافة والفنوف ،الكويت،ص.21
صي وقراءة التّشكيل" ،عبد اهلل عنبر ،ص .254
ّّنال ماسكالت
ّ الكتناه بنائية بةرمقا " وآدابها، 2المجلة األردنية في اللغة العربية
3علم األسلوب مبادئو وإجراءاتو ،صالح فضل ،ص.116
4نفسو ،ص.116
007
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
وقد ربط صبلح فضل مفهوـ األسلوب بوصفو اختيارا بنظرية التّوصيل«على اعتبار أ ّف النّظاـ
اللّغوي يتيح للمتكلّم فرصا عديدة ،وإمكانات ـبتلفة للتّعبري عن واقع ؿب ّدد ،مع مبلحظة مدى ما
حرية حقيقية ُب اختياراتو ،إذ أ ّف عمليات االختيار ؿبكومة بالظّروؼ اؼبختلفة
يتمتّع بو الكاتب من ّ
أعلى».1 مستوى على
يتم
ّ الّيت يبكن تفسريىا بدورىا على أ ّّنا اختيار
واال ختيار عملية واعية إذ ينتقي اؼبنشئ كلماتو وعباراتو وتراكيبو بعناية فائقة وعليو فقد نظر إٔب
2
ويفسر االنتقاء
ّ األسلوب بأنّو«اختيار واع يسلّطو اؼبؤلّف على ما توفّره اللّغة من سعة وطاقات».
الشخصية اليت استخدمتو،
الرتاكيب ّقوة األسلوب الذي يكتسب صبالو من طبيعة ّ الواعي األلفاظ و ّ
حيث ُربدث العبارات واأللفاظ اؼبختارة أثرىا ُب النّفوس ،وٓب تكن لتحدث ىذا الوقع لو ٓب تصدر
وتعرب عن ذبربتو ورؤيتو بشكل يُؤثّر أيضا ُب اؼبتل ّقي.
عن وعي اؼببدع ،إذ ُسبثّل ّ
اصة ُّا ،ومن أمثلة
إ ّف انتقاء كلمة دوف غريىا من مرتادفات كثرية تربز إوباءاّتا وظبلؽبا اػب ّ
الشاعر سبلمة ابن جندؿ: ذلك ما أورده يوسف أبو الع ّدوس عن قوؿ ّ
ِ أَو َدى الشباب حم ِْيدا ذُو التػع ِ
اج ِ
أَ ْودى وذَلك ٌ
شأو غ ْيػ ُر َمطْلُوب يب َ ُ َ ْ
ض اليَػ َعاقِيب
لَ ْو َكا َف يُ ْد ِرُكو َرْك َ ب يَطْلبُػو َولَى َحثِيثاً َ
وىذا الش ْيػ ُ
فِيو نَلػَ ّذ َ اب الّ ِذي َم ْجد َع َواقِبُو
3
شيب
ات لل ّ
وال ل ّذ َ أَ ْو َدى الشبَ ُ
3ديواف ابن سالمة بن جندؿ ،سالمة بن جندؿ ،تحقيق فخر ال ّدين قباوة ،دار الكتب العلمية ،بيروت1987( ،ـ) ،ص.88
005
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
ذىب
انقضى
ؤب
ّ
الشباب
ّ ؿبور االستبداؿ ىلك
أفل
غاب
زاؿ
مضى
أودى
الرتاكيب
ؿبور ّ ...
قارا يتمثّل ُب أ ّف
وىو ما أومأ إليو جاكبسوف ُب ربديد األسلوب حيث استغل معطى لسانيا ّ
الزمن ومتطابقتني ُب الوظيفة ونبا اختيار اؼبتكلّم
اغبدث اللّساين ىو تركيب عمليتني متواليتني ُب ّ
الرصيد اؼبعجمي للّغة ٍبّ تركيبو ؽبا تركيبا يتماشى مع قوانني النّحو وضرورات
ألدواتو التّعبريية من ّ
1
االستعماؿ.
أي اتّصاؿ لغوي فيو تآزر بني عوامل
وعليو فقد الحظ الباحثوف منهم موريس وجاكبسوف أ ّف ّ
متع ّددة ىي دبثابة شروط أساسية لبلختيار األسلويب ومنها:2
متّصل (مرسل ،كاتب/متكلّم). -1
يرسل إٔب اؼبتل ّقي (مستقبل ،قارئ/مستمع). -2
كل اؼبعطيات النّفسية واالجتماعية لشخصيتهما.
مع ّ
عرب قناة (وسيلة مادية :رموز كتابية /أمواج صوتية). -3
2نحو نظرية أسلوبية لسانية ،فيلي ساندريس ،ترجمة خالد محمود جمعة ،دار الفكر ،دمشق ،ط2003(1ـ) ،ص.126
009
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
يفسر
الرتميزّ /
يفك ّ
يتل ّقىّ / ينتقي/يرمز/ينقل
يفيفيفسر
ّ يي
النّظاـ اللّغوي
الرتميز)
(آلية االتّصاؿ و ّ
الرتميز الّيت
الصوتية ُب اؼبرحلة األؤب من عملية ّ
للمكونات ال ّداللية والنّحوية و ّ
ّ يندرج االنتقاء
ين ّفذىا اؼبتكلّم إلرساؿ إشارات مسموعة يعتمد عليها اؼبستمع ُب فهم اؼبعلومات بعد تفكيكها
وربليلها.
واالنتقاء ىو جانب واحد من عمل ؿبدود ومرتابط ُب عملية االتّصاؿ اللّغوي ،الّذي يبقى
قسم االنتقاء إٔب مرحلتني:
جانبو اآلخر ُب التّنسيق ،ؽبذا ّ
األؤب :اختيار إصبإب للمكونّات األسلوبية.
031
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الثانية :اختيار من بني إمكانيتني تدخبلف ُب عبلقة استبدالية ؼبا بينهما من عبلقة تشابو تتباين
الرتادؼ ،وينضوي «االنتقاء بني البدائل على إمكانية التّعويض عن
درجتو بني التّطابق والتّشابو و ّ
لؤلوؿ من ناحية وـبتلفا عنو من ناحية أخرى ،واغبقيقة أ ّف
أحدنبا باآلخر ،فبّا يكوف مساويا ّ
االنتقاء واالستبداؿ نبا وجهاف لعملية واحدة بعينها ».1فعندما ننتقي يعّن أنّنا نستبدؿ كلمة بأخرى
أيضا.
تؤديو ىاتاف العمليتاف ُب اللّغة إدراكا
وقد أدرؾ فرديناف دي سوسري ال ّدور اعبوىري الذي ّ
جليّاً ،لذلك رّكز ُب أحباثو على قضية التّسلسل عند التّأليف ،والّيت «تستبعد إمكانية اعبمع بني
2
الرتكيب الذي تتجلّى وظيفتو ُب ا ّلربط بني
عنصرين دفعة واحدة » ،حيث يأٌب دور التّنسيق و ّ
الصبلت ال ّداللية اؼبقالية.
فيتضمن ّ
ّ عناصر لغوية مفردة وجعلها ُب صبل مفيدة
وعلى ىذا األساس ميّز الباحثوف ُب ال ّدراسات األسلوبية بني نوعني من االختيار:
اختيار ؿبكوـ باؼبوقف واؼبقاـ. -1
اختيار تتح ّكم فيو مقتضيات التّعبري اػبالصة. -2
األوؿ فهو اختيار نفعي ،pragmatique sélectionإذ يؤثّر فيو اؼبتكلّم كلمة أو ّأما النّوع ّ
عبارة على أخرى ،ألنّو يرى ّأّنا مطابقة للحقيقة ،أو ألنّو يريد أف يضلّل سامعو أويتفادى االصطداـ
3
حبساسيتو اذباه عبارة أو كلمة معيّنة.
فاالنتقاء ىنا ؿبكوـ بتقييد حرية اؼبتكلّم ،والقوؿ باستحالة اغبصر ليس سوى قيمة نظرية
«ذلك أ ّف االتّصاؿ ال يهدؼ إٔب إنتاج التّتابعات اللّفظية ،بل يهدؼ إٔب نقل معلومة ؿب ّددة يرمي
إليها اؼبرسل برسالتو من قريب أو بعيد ،وؽبذا يقف أماـ الثّوابت ال ّداللية ُب اؼبقولة اللّغوية ،أو أماـ ما
4
دبادتو اللّغوية وىو ما يطلق عليو اسم االنتقاء النّفعي».
يريد التّعبري عنو ّ
1أساسيات اللّغة ،روماف جاكبسوف وموريس ىالة ،ترجمة سعيد الغانمي ،بيروت ،المركز الثّقافي العربي ،ط2008(1ـ) ،ص.114
2محاضرات في علم اللّغة العاـ ،فارديناف ديسوسير ،ترجمة ،يوسف عزيز ،العراؽ ،ط(1988ـ) ،ص.170
3ينظر :األسلوب دراسة لغوية إحصائية ،سعد مصلوح ،ص.38
4نحو نظرية أسلوبية لسانية ،فيلي ساندريس ،ص.131
030
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
1اللّغة العربية ومعناىا ومبناىا،تماـ حساف ،الدار البيضاء ،منشورات دار الثّقافة ،سنة(2001ـ) ،ص.372
حساف،ج ،1القاىرة ،عالم الكتب ،ط2000(2ـ) ،ص.173
تماـ ّ
ص القرآنيّ ،
البياف في روائع القرآف ،دراسة لغوية أسلوبية للنّ ّ
2
031
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
يتوخوف من ورائو الوقوؼ على القرائن اػبارجية اليت تُسهم بشكل كبري ُب ربديد ال ّداللة
اؼبقاـّ ،
1
وتوضيحها ».
كل عامل يؤثّر ُب تفسري
السياؽ وأ ّف ىذا األخري وبتوي على ّ
وُّذا يصبح اؼبقاـ جزءا من ّ
اؼبكونة للموقف الكبلمي أو اغباؿ الكبلمية» 3.وأف ارتباط اؼبقاـ
ّ العناصر صبلة « أوىو ،2
التّعبري
بالقسم اػبارجي للملفوظ يعّن أنّو جزء منو وىو ُّذا يتّخذ سبظهرات ـبتلفة تتح ّدد ُب:
-1زماف اػبطاب ومكانو.
-2وضع اؼبلقي (اؼبتكلّم).
ُ
-3اؼبتل ّقي وأفق انتظاره.
السياؽ ومصطلح اغباؿ فيما أظبوه بسياؽ وقد صبع الباحثوف الغربيوف بني مصطلح ّ
اغباؿ( )context of situationوكاف مالينوفسكي ( )Malinoveskiالعآب األنثروبولوجي ىو من
استخدـ ىذا اؼبصطلح ليدؿ على نظريتو الّيت تدعو إٔب ضرورة وضع الكلمات ُب سياقها الّذي
استخدمت أو نطقت فيو ،ألنّو كفيل ببياف معناىا ببل لبس أو غموض.4
ص ،عبد الواسع الحميري ،مجد المؤسسة الجامعية لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع ،بيروت ط2010(1ـ)،ص.118
في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ
1
2
Contextuafism in possibilities and limitation of pragmatics procceding of the
conference en pragmatics urbino,july,by herman parret, amsterdam john benjamins
B.V 1981 p13.
السعراف ،القاىرة ،دار الفكر العربي ،طبعة سنة(1999ـ) ،ص.252 علم اللّغة(،مق ّدمة للقارئ العربي) ،محمود ّ
3
5
Papers in linguistics, john firth oxford university press london (1964),pp(194) .
035
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
السياؽ عند ىؤالء الباحثني بنظرية الرباغماتية الّيت تعّن«دراسة العبلقات بني
ويرتبط مفهوـ ّ
السياؽ تلك العبلقات القائمة على فهم اللّغة ،وىي عبارة تستخدـ للفت االنتباه إٔب حقيقة
اللّغة و ّ
كل شيء فهم
ؾبرد معرفة معاين الكلمات اؼبلفوظة ُب تركيب ،فقبل ّ
أ ّف فهم لفظة يتطلّب أكثر من ّ
1
اللّفظة يتطلّب االستنتاج الّذي يربط ما يقاؿ دبا يفرتض أف يعّن أو دبا قيل من قبل».
ينصب اىتماـ الرباغماتية على معاعبة اؼبعىن ودراستو ُب إطار عبلقتو باؼبتح ّدث ُب مقاـ
ّ لذا
السياؽ و ىو أحد أىدافها الّيت ال هبادؽبا فيها واحد من
معني ،وبذلك يكوف تركيزىا على طبيعة ّ
ّ
السياؽ «حجر األساس ُب علم اؼبعىن ،وقد قادت علمائها ،وهبعل "أولمػاف" ( )Ullmanنظرية ّ
الشأف ».2
بالفعل إٔب اغبصوؿ على ؾبموعة من النّتائج الباىرة ُب ىذا ّ
حساف على مصطلح سياؽ اغباؿ الّذي ورد عند الغربيني بقولو« :أجد لفظ اؼبقاـ
ويُعلّق سبّاـ ّ
عما أفهمو من اؼبصطلح اغبديث سياؽ اغباؿ( )context of situationالّذي
أعرب بو ّ
أصلح ما ّ
يستعملو اللّسانيوف ا﵀دثوف ».3
السياؽ واؼبقاـ والفرؽ بينهما قبد أنفسنا أيضا أماـ مصطلح آخر،
وُب أثناء معاعبتنا لقضية ّ
وتكرر بشكل مكثّف أيضا ُب ال ّدراسات الببلغية العربية
بالسياؽّ ،
اقرتف دبفاىيم الغربيني عندما ربط ّ
السياؽ واؼبقاـ؟
من خبلؿ عبارة مراعاة مقتضى اغباؿ ،فما ىو اغباؿ؟ ىل ىو نفسو ّ
يوضح ىذا اؼبصطلح ىو ما ورد ُب رسالة بشر بن اؼبعتمر؛ حيث أشار إٔب اغباؿ واؼبقاـ
ما ّ
اػباصة،وكذلك
ّ بصفة وجيزة لكنّها مكثّفة دالليا فيقوؿ«:واؼبعىن ليس يشرؼ بأف يكوف من معاين
الصواب ،وإحراز اؼبنفعة ،مع موافقة
الشرؼ على ّ
العامة ،وإّمبا مدار ّ
ليس يتّضع بأف يكوف من معاين ّ
اغباؿ ،وما هبب لكل مقاـ من اؼبقاؿ ».4
1
Pragmatics, stephen .c.levinson, combridge university, press london, (1983),p21.
2دور الكلمة في اللّغة ،استفن أولماف ،ترجمة كماؿ بشر ،القاىرة ،دار غريب ،ط1962( 1ـ) ،ص.68
حساف،القاىرة ،الهيئة المصرية العلمية للكتاب1982( ،ـ)،ص.339
تماـ ّ
األصوؿّ ،
3
032
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
العامة،
اػباصة وال تتّضع كوّنا من معاين ّ
ّ الشرؼ أل ّّنا من معاين
فاؼبعاين ال تكتسب ظبة ّ
الشرؼ ىو االلتزاـ بقواعد اللّغة وإصابة القصد مع موافقة
فالتّصنيف ال يرفع من شأّنا ،وإّمبا مدار ّ
اؼبقاـ للحاؿ واؼبقاـ.
ٓب يشر ابن اؼبعتمر ُب ىذا القوؿ إٔب اغباؿ فحسب ،وإّمبا زاد عليو كلمة مقاـ ،ويبكن اعتبار
اغبي الذي ينتج فيو الكبلـ ،وما قد يطرحو من اعتبارات طارئة البُ ّد أف تُؤخذ
أنّو يريد باغباؿ«اؼبوقف ّ
1
فسر بأ ّفي
ُ ّ ما ،وىو بعني االعتبارّ ،أما اؼبقاـ فيشمل ما تقتضيو طبيعة موضوع الكبلـ من القوؿ»
اغباؿ ليس ىو اؼبقاـ ،وال اؼبقاـ ىو اغباؿ وإّمبا لكل منهما شأف وخصوصية ،فمصطلح اغباؿ وإف
أعم منو وأمشل ،ذلك أنّو «خاص
لسياؽ واؼبقاـ إالّ أنّو ىبتلف عنهما من حيث ّأّنما ّ
كاف قريبا من ا ّ
ىبص اؼبتكلّم
كونو فبّا يتعلّق بوضع اإلنساف ُب عبلقتو بذاتو أو بعاؼبو ال ّداخلي دبعىن أنّو فبّا ّ
الفرد».2فهناؾ«أحواؿ ينظر فيها إٔب اؼبتكلّم ،أي أ ّف اؼبتكلّم يكيّف كبلمو ُب بعض األحياف استجابة
وبس ُّا».3
غبالتو ىو الّيت ّ
الشعورية لو كاتبا كاف أو شاعرا ،وما يطرأ عليو من انفعاالت
إذ يتعلّق األمر بالتّجربة ّ
للشعر«:
وخلجات نفسية مصاحبة لعملية اإلبداع ،يقوؿ خليل مردـ بك واصفا حالتو أثناء نظمو ّ
خاص أشعر ُب ّأوؿ األمر حباؿ غري اغباؿ
الشعر ،و ّاذبهت إٔب موضوع ّ
فإذا ارتاحت نفسي إٔب قوؿ ّ
4
ويتطور شعوري باألشياء ونظري إليها وفقا ؽبذا اغباؿ الطارئ ».
اؼبعتاد ّ
السياؽ والفرؽ بينهما ىو «فرؽ ما بني
فاغباؿ إذف جزء من اؼبقاـ كما أ ّف اؼبقاـ جزء من ّ
السلوؾ نفسو » ،5وعليو فاؼبقاـ
السلوكي و ّ
السكوف واغبركة ،أو مابني اؼبعيار والتّطبيق و بني النّمط ّ
ّ
ومتحوؿ.
ّ ثابت ّأما اغباؿ فطارئ
ويبكننا توضيح االرتباط القائم بني ىذه اؼبصطلحات وفق ىذه الطّروحات بالبياف اآلٌب:
1سياؽ الحاؿ في الفعل الكالمي(مقاربة تداولية) ،سامية بن يامنة ،أطروحة دكتوراه ، ،جامعة وىراف( ،الجزائر)2012( ،ـ) ،ص.67
ص ،عبد الواسع الحميري ،ص .119
في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ
2
037
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
السياؽ(القرينة الكبرى)
ّ
شعورية)
(التّجرية ال ّ الموقف الحي للكالـ الحػاؿ
وُّذا نكوف أماـ مصطلحات متقاربة من حيث اؼبعىن ومتباعدة من حيث الوظيفة ّاذباه
الصياغة األسلوبية للكبلـ وقراءة النّصوص.
ّ
ويذىب البعض إٔب أ ّف اؼبقاـ واغباؿ أمر واحد وأنّو «ما يدعو اؼبتكلّم إٔب إيراد خصوصية ُب
1
ككل وما يل ّفو من مبلبسات وظروؼ طارئة أو
الرتكيب» .وىذه اػبصوصية تتعلّق باؼبوقف الكبلمي ّ
ّ
غري طارئة.
واؼبقاـ من ىذه النّظرة لو دينامية ٓب ينسبها إليو الببلغيوف ،فهو ليس إطاراً وال قالباً ،وإّمبا ىو
السامع والكبلـ نفسو
اؼبتحرؾ االجتماعي الّذي يَعترب اؼبتكلّم جزءا منو ،كما يعترب ّ
«صبلة اؼبوقف ّ
السياؽ عند البالغيين مالمحو وتطبيقاتو" ،مسعود بودوخة ،العدد2008(،111ـ) ،منشورات اتحاد كتاب العرب،
مجلّة التّراث العربيّ " ،
1
دمشق ،ص.246
035
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
حساف ،ص.338
تماـ ّ
األصوؿّ ،
1
3نحو نظرية أسلوبية لسانية ،فيلي ساندريس ،ترجمة خالد محمود جمعة ،ص .54
4األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص .214
5ينظر نفسو ،ص.40
محمد مفتاح ،المجلد ،3العدد2009( ،35،ـ) ،ص.30
مجلّة عالمات في النّقد" ،بعض خصائص الخطاب"ّ ،
6
039
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
لكل مقاـ مقاؿ حيث أ ّف «إدراؾ األسرار الببلغية ال يكوف إالّ بعد ربديد اؼبقاـ الذي نزلت فيو
ّ
1
ليتسىن بعد ذلك الوقوؼ على مبلءمة اآليات ؼبا استلزمو اؼبقاـ» .
اآلياتّ ،
وىو ما ُوبيل إٔب أ ّف اآليات القرآنية الكريبة إّمبا نزلت وصيغت وفقا ؼبا استلزمو اؼبقاـ اؼبوجب
لذلك.
ّتتم الببلغة بكيفية بناء الكبلـ ودخوؿ ؿبراب العملية االتّصالية وبالتّإب ِ
فصلتها وثيقة بعملية ّ
كل ما يبلغ بو اؼبعىن قلب
نصو « :الببلغة ّ
التّشكيل األسلويب ،وقد قاؿ عنها العسكري ما ّ
السامع،فتم ّكنو ُب نفسو كتم ّكنو ُب نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن » 2أو ىي «إيصاؿ
ّ
اؼبعىن إٔب القلب ُب أحسن صورة من اللّفظ » 3.وبذلك يتجلّى لنا ارتباط مفهوـ الببلغة وفحواىا
بالتّشكيل األسلويب من حيث:
ليستقر ُب قلب سامعو.
ّ التّبليغ للمعىن -1
السامع وإقناعو.
التّأثري ُب ّ -2
صياغتو ُب صورة مقبولة ومعرض حسن. -3
اختيار األلفاظ اؼببلئمة للمعىن. -4
الصياغة اللّفظية واختيار ما يُبلئم اؼبعىن ضمن التّشكيل األسلويب ونظرية اؼبقاـ ،إذ
وتندرج ّ
الزاوية االتّصالية مع ال ّدرس الببلغي الغريب الّذي صاغ ـبطّطويتّفق ال ّدرس الببلغي العريب من ّ
التّواصلي جاكبسوف ويقوـ على ستّة عناصر:
الصيغة
الشفرة والذي يب ّكن بيانو على ّ
السياؽ وقناة االتّصاؿ و ّ
الرسالة و ّ
_ اؼبرسل واؼبتل ّقي ،و ّ
اآلتية:
1المدخل إلى دراسة البالغة ،فتحي فريد ،مكتبة النّهضة المصرية ،القاىرة ،)1978( ،ص.107
الصناعتين ،أبو ىالؿ العسكري ،ص.10
كتاب ّ
2
الرّماني ،تحقيق محمد خلف اهلل ومحمد زغلوؿ سالـ ،دار المعارؼ،
النّكت في إعجاز القرآف،ضمن ثالث رسائل في إعجاز القرآفّ ،
3
السياؽ
الرسالة المرسل
المتلقي
كتابة قناة االتصاؿ مشافهة
الشفرة
أمااؼبخطّطالتّواصليلدىالعربفهوموصولباؼبقامواؼبقالواؼبعنىعلىالنّحواآلٌب:
المقاـ
المقاؿ المرسل
المتلقي
المعنى
المقصود
ذلك وفق فالببلغة
السامع بواسطة رسالة منطوقة من خبلؿ قناة اتّصاؿ ُب
الشفرة إٔب ّ
ىي«:عمل اؼبتكلّم على إيصاؿ ّ
معني».1
مقاـ ّ
وُّذا يظهر التّشكيل األسلويب جامعاً لثبلثية اؼبقاـ واؼبعىن واؼبقاؿ وفق وظائف اللّغة ،ويبكن
نوضح ذلك من خبلؿ نظرية "ىاليداي"( )Hallidayاليت ّبني حيثياّتا "سعد مصلوح" ُب أف ّ
2
دراساتو اإلحصائية لؤلسلوب وعبلقتو باؼبقاـّ ،أما الوظائف الّيت أ ّّب عليها ىذا الباحث فتتمثّل ُب:
2ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،دراسة في المفهوـ والوظيفة ،سعد مصلوح ،ص (.)119-118
020
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
اؼبكوف
تتكامل ىذه الوظائف لتقوـ من خبلؿ نظرية كبوية للّغة معيّنة بإقامة عبلقات بني ّ
اؼبكونني االجتماعي واللّغوي.
كل من ّ ال ّدالٕب و ّ
1
الشكل اآلٌب العبلقة بني ثبلثية التّشكيل األسلويب:
ويبني ّ
ّ
خ ػػاص ع ػػاـ
1ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب ،دراسة في المفهوـ والوظيفة ،سعد مصلوح ،ص .119
023
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
ويفسر ىذا البياف بأ ّف اؼبتكلّم يعمد إٔب ما ىو عاـ فيقوـ بعزؿ عدد ؿبدود من ؾبموع
ّ
الرسم يشري إٔب مقاـ واحد مقاـ"أ")..اؼبقامات اؼبمكنة (و ّ
-1اختيار مقاـ واحد من ؾبموع اؼبقامات(العاـ) ،فيعزؿ عدد ؿبدود منها ؼبقاـ "أ".
-2اختيار ما يناسب اؼبقاـ اؼبختار من اؼبعاين.
-3اختيار وجو واحد من وجوه االستعماالت اللّغوية اؼبمكنة دبا يناسب ما وقع اختياره من مقاـ
ومعىن.
ُّذه االختيارات الثبلثة تتح ّدد الوظائف اللّغوية ودورىا ،حيث تصبح ىذه الوظائف آلية
تتحوؿ ُّا اؼبعاين إٔب نظم كبويةٍ ،بّ إٔب مباف كبويّة ليدخل صبيع ما وقع عليو اختيار اؼبنشئ ُب دائرة
ّ
كل وظيفة من الوظائف الثّبلثة دبنح إجراء اختيارات معيّنة من النّظاـ اللّغوي
"خاص" ،فتقوـ ّ
ّ ما ىو
معني.
تتم صياغتو وفق مقاـ ّ
للغة معيّنة ومن ذلك كلّو يتش ّكل اؼبقاؿ الذي ّ
يتسىن لنا الوقوؼ على التّشكيل األسلويب من منطلق نظرية اؼبقاـ عند العرب فإنّنا نورد
وحّت ّ
ّ
نصاً لبشر بن المعتمر ّ
يوضح فيو عبلقة اؼبقاـ بالتّشكيل األسلويب يقوؿ اغبافظ على لسانو«:وينبغي ّ
لكل طبقة من
أف تعرؼ أقدار اؼبعاين فتُوازف بينها وبني أقدار اؼبستمعني ،وبني أقدار اغباالت فتجعل ّ
ويقسم أقدار
يقسم أقدار الكبلـ على أقدار اؼبعاين ّ
حّت ّ لكل حالة من ذلك مقاماًّ ،ذلك كبلما ،و ّ
1
اؼبعاين على أقدار اؼبقامات وأقدار اؼبستمعني على أقدار تلك اغباالت».
فالكبلـ وما يقتضيو من تش ّكبلت أسلوبية – وفق ىذا الوصف -ىبتلف ويتفاوت بدرجات
متنوعة وؿب ّددة ،وتتح ّدد ىذه األقدار انطبلقا من معطيات ىي:
وبنسب ّ
-1أقدار اؼبعاين :زبتلف اؼبعاين حبسب اؼبوضوعات واألغراض لذلك هبنح اؼبخاطب إٔب إصابة
يعرب عن
ض ِع األلفاظ موضعها أالّ ّ
اؼبعىن الذي يتبلءـ مع الغرض يقوؿ "ابن سناف اػب ّفاجي"« :ومن َو ْ
022
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
اؼبدح باأللفاظ اؼبستعملة ُب ال ّذ ّـ ،وال ُب ال ّذ ّـ باأللفاظ اؼبعروفة للمدح ،بل يستعمل ُب صبيع
األغراض األلفاظ البلئقة بذلك الغرض ُب موضع اعب ّد ألفاظو وُب موضع اؽبزؿ ألفاظو ».1
"السكاكي" أيضا ُب "مفتاح العلوـ" إٔب ضرورة مناسبة اعبمع بني بعض األلفاظ دوف
وقد أشار ّ
بعض بالنّظر إٔب كوّنا تنتمي إٔب حقل واحد يعرؼ من خبلؿ اػبلفيات االجتماعية والثّقافية
الفن إٔب التّنبو ألنواع ىذا اعبامع وليتيقظ ؽبا...
فقاؿ«:ولصاحب علم اؼبعاين فضل احتياج ُب ىذا ّ
فمن أسباب ذبمع بني صومعة وقنديل وقرآف ،ومن أسباب ذبمع بني دسكرة وإبريق وخبلف »ٍّ 2.ب
ف ُخلِ َق ْ
تَ ،وإِلَى يضرب لذلك مثبل من القرآف الكرًن ُب قولو تعأب﴿أَفَال يَنظُُرو َف إِلَى ا ِإلبِ ِل َك ْي َ
ت﴾.3 ف ُس ِط َح ْ تَ ،وإِلَى األ َْر ِ
ض َك ْي َ ف نُ ِ
صبَ ْ اؿ َك ْي َ ت ،وإِلَى ال ِ
ْجبَ ِ السماء َكي َ ِ
ف ُرف َع ْ َ َ ْ
« فمن ٓب يكن من األعراب أو يعرؼ ما يتعلّق حبياّتم وما عليو معاشهم ،فإنّو يستغرب ىذا
السماء واعبباؿ واألرض ،وذلك لبعد البعري عن َجنَابِو ُب مقاـ النّظرٍ ،ب لبعده ُب
اعبمع بني اإلبل و ّ
4
السماء وبعد خلقو عن رفعو وكذا البواقي».
خيالو عن ّ
السياؽ االجتماعي يزوؿ عجبو من اعبمع بني
عرؼ على حياة العرب االجتماعية وإدراؾ ّ
وبالتّ ّ
ىذه األشياء ،وذلك إذا نظر إٔب أ ّف «أىل الوبر إذا كاف مطعمهم ومشرُّم وملبسهم من اؼبواشي
كانت عنايتهم مصروفة –ال ؿبالة -إٔب أكثرىا نفعاًٍ ،بّ إذا كاف انتفاعهم ُّا ال يتحصل إالّ بأف
السماءٍ ،بّ إذا كانوا
ترعى وتشرب كاف جل مرمى غرضهم نزوؿ اؼبطر ،وأىم مسارح النّظر عندىم ّ
5
يتحصنوف فيو فبل مأوى إالّ اعبباؿ ».
ّ مضطرين إٔب مأوى يأويهم وإٔب حصن
ّ
السكاكي ،ص.157
مفتاح العلوـّ ،
2
وُّذا صبعت األلفاظ واؼبعاين إٔب بعضها ُب مقاـ دوف آخر ،وقد ال يسوغ لنا اعبمع بينها إذا
فلكل كلمة مع صاحبتها مقاـ
السياؽ ،وىو ما عناه الّسكاكي بقولوٍ« :بّ إذا َشرعت ُب الكبلـ ّ
تغ ّري ّ
».1
االذباه البياين الّذي يقوـ على أساس االحتكاـ
ىاـ ُب التّفسري ،وىو ّ
ومن أجل ىذا قاـ ّاذباه ّ
إٔب سياؽ النّصوص واالىتداء بو ُب توضيح معاين القرآف ،فمعرفة أقدار اؼبعاين تقتضي:
-توجيو الكبلـ كبو الغرض اؼبقصود.
-اؼبناسبة بني األلفاظ واغبقل الّذي ينتمي إليو.
-التّنبّو للمبلبسات االجتماعية والثّقافية واؼبعرفية.
-2أقدار اؼبستمعني :زبتلف طبيعة اؼبستمعني باختبلؼ مستوياّتم االجتماعية والثّقافية لذا كاف إيراد
خاصة إذا كاف مدار الكبلـ على اإلفهاـ «فالواجب تقسيم
اؼبعاين موازنا ألقدار اؼبستمعنيّ ،
السوقة،والبدوي بكبلـ البدوي،
السوقي بكبلـ ّ
طبقات الكبلـ على طبقات النّاس ،فيخاطب ّ
عما يعرفو إٔب ما ال يعرفو ،فتذىب فائدة الكبلـ وتعدـ منفعة اػبطاب » ،2وىو
وال يتجاوز بو ّ
الغيب ».3
كي يباين خطاب ّ
ما أشار إليو القزويّن حينما قاؿ« :وخطاب ال ّذ ّ
ِ
اؼبخاطب أسلوب كبلمو دبا يناسب اؼبخاطَب ،وُب ذلك يشري لذلك كاف األؤب أف يكيّف
أبو ىبلؿ العسكري ُب باب"فيما وبتاج الكاتب إٔب ارتسامو وامتثالو ُب مكاتباتو" إذ يقوؿ« :وأف
فتفرؽ بني من تكتب إليو بصفة
الرؤساء والنّظراء والغلماف والوكبلءّ ،
تعرؼ مقدار اؼبكتوب إليو من ّ
السبلمة ،وبني من تكتب إليو برتكها إجبلال وإعظاما وبني من تكتب إليو"أنا أفعل كذا"
اغباؿ وذكر ّ
4
وبني من تكتب إليو"كبن نفعل كذا" "فأنا" من كبلـ اإلخواف واألشباه ،و"كبن" من كبلـ اؼبلوؾ ».
خاص ىبتلف باختبلؼ:
الرسائل -حسب العسكري -لو مبط ّ
فأسلوب كتابة ّ
1نفسو ،ص.170
الصناعتين ،أبو ىالؿ العسكري ،ص .31
كتاب ّ
2
025
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
022
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الشعراء وأواسط النّاساحتجت إٔب ـباطبة اؼبلوؾ والوزراء والعلماء والكتّاب واػبطباء واألدباء ،و ّ
1
وسوقتهم ،فخاطب كبلًّ على قدر أُّتو وجبللتوّ ،
وعلوه وارتفاعو ،وفطنتو ».
فإذا كاف الكبلـ قد صبع صفات اعبماؿ واغبسن وبعد عن أ ِ
َود النّظم والتّأليف كاف متقبّبل
الصواب ،ويهرب
من الفهم « فالفهم يأنس من الكبلـ باؼبعروؼ ويسكن إٔب اؼبألوؼ ،ويصغي إٔب ّ
ويتأخر عن اعباُب الغليظ ،وال يقبل الكبلـ اؼبضطرب إالّ الفهم
من ا﵀اؿ ،وينقبض عن الوخمّ ،
2
الرؤية الفاسدة ».
اؼبضطرب و ّ
السامع لدى بعض ال ّدارسني فاغباؿ عند
– 1أقدار اغباالت :ترتبط اغباالت باؼبتكلّم أو ّ
صاحبة للحدث الكبلمي ُب عملية االتصاؿ من جهة أخرى، اعباحظ متعثّرة ومبتدلة من جهة وم ِ
ُ
يقوؿ اعباحظ « :وصبيع أصناؼ ال ّدالالت على اؼبعاين من لفظ أو غري لفظ ،طبسة أشياء ال تنقص
تسمى (نُصبة) ،والنُّصبة ىي
طٍ ،بّ اغباؿ اليت ّ
الع ْق ُدٍ ،ب اػب ّ
وال تزيدّ :أوؽبما اللّفظ ٍبّ اإلشارةٍ ،بّ َ
قصر عن تلك ال ّدالالت».3
اغباؿ ال ّدالة ،الّيت تقوـ مقاـ تلك األصناؼ ،وال تُ ّ
تتم عن طريقها العملية التّواصلية وقد ح ّددىا ُب
ويوضح اعباحظ ُب قولو ىذا الوسائل والقنوات اليت ّ
ّ
طبسة أشياء:
الصوتية اليت ترتبط بفكرة ؿب ّددة ارتباطا وضعيًّا.
-1اللّفظ :وىو البنية ّ
بالرأس أو بالعني أو باغباجب ،أو باؼبنكب وتأخذ أوضاعاً ـبتلفة إذا
-2اإلشارة :وتكوف باليد أو ّ
السيف ،واإلشارة واللّفظ شريكاف.
الشخصاف ،وبالثّوب و ّ
تباعد ّ
-3العقد :وىو ضرب من اغبساب يكوف بأصابع اليدين يقاؿ لو حساب اليد.
الرسم باغبروؼ على الورؽ. ُّ -4
اػبط :الكتابة و ّ
وتبني صبيع دالالّتا.
-5اغباؿ :وىي النّصبة اليت تقوـ مقاـ األصناؼ اؼبذكورة ّ
1العقد الفريد ،ابن عبد ربّو ،تحقيق عبد المجيد الترحيني،الجزء ،4بيروت ،دار الكتب العلمية1997( ،ـ) ،ص.262
الصناعتين ،أبو ىالؿ العسكري ،ص.55
كتاب ّ
2
ط2010(1ـ)،ص.119
4نفسو ،ص.119
ص ،عبد الواسع الحميري ،ص.114
في أفاؽ الكالـ وتكلّم النّ ّ
5
029
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
لذلك قبد الببلغيني ينظروف إليو باعتبار أنّو قد يكوف مقاـ تكلّم أو مقاـ خطاب أو مقاـ
سبلّق.
ّأما من حيث الوعي التّداوٕب ،أي حيث ينظر إٔب التّداولية بوصفها « العلم الذي يدرس تأثري
اؼبقاـ ُب معاين ملفوظات األقواؿ » ،1فإ ّف األصل ُب اؼبقاـ أنّو يتألّف من:
-1عنصر اؼبشاركني ُب القوؿ( :اؼبتكلّم واؼبستمع).
-2مكاف القوؿ.
-3زماف القوؿ.
-4ىدؼ القوؿ والغاية منو.
-5موضوع القوؿ.
-6جنس اػبطاب الذي يدور حولو القوؿ.
-7قناة التّعبري واللّهجة اؼبستخدمة فيو.
-8قواعد توزيع الكبلـ.
-9معارؼ اؼبشاركني عن العآب ومعرفة بعضهم بعضا ومعرفة اػبلفية الثّقافية للمجتمع الذي انبثق
فيو اػبطاب.
مهمتاف ّاذباه ارتباطها باؼبقاـ:
وبذلك يتّضح أ ّف للتّداولية ّ
اؼبتضمنة ُب األقواؿ.
ّ اؼبهمة ،وذلك ىو ربليل األعماؿ
ربديد األعماؿ اللّغوية ّ -1
2
يعرب عنها جبملة معطاة.
َي القضايا ّ
تعيني خصائص سياؽ التّل ّفظ الّذي وب ّدد أ ُّ -2
الشكل األسلويب
إ ّف اختبلؼ وتفاوت وتنّوع أحواؿ اؼبتكلّمني ىو الّذي وب ّدد اؼبقاـ وبالتّإب ّ
للكبلـ ،وىذا يتوافق مع قدراّتم على التّفاعل واالنسجاـ واالستجابة أو اعبدؿ خبلؿ عملية التّواصل
باإلضافة إٔب تباين دوافعهم الكامنة خلف عملية التّكلّم ،وىو ما يفضي إٔب صياغة أساليب تتناسب
متنوعة:
مع ىذا التّفاوت واالختبلؼ حيث تربز لنا تش ّكبلت أسلوبية ّ
1مجلّة جذور" ،من آليات تحليل الخطاب" صابر الحباشة ،العدد ،22المجلد 2005( ،10ـ) ،ص.332
محمد الحبّاشة ،األردف ،عالم الكتب الحديث ،ط2011(1ـ) ،ص.53
األسلوبية والتّداولية (مدخل لتحليل الخطاب) ،صابر ّ
2
011
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
-1يكوف مقاـ التّكلّم دبثابة موضع سلطوي من طرؼ واحد ويتجلّى من خبلؿ أسلوب اػبطاب
اؼبنربي.
-2يكوف موضعا لتبادؿ الكبلـ بني أكثر من طرؼ (األسلوب اغبواري).
الرسائل).
-3يكوف موضعا لتل ّقي الكبلـ وإلقائو (أسلوب ّ
دخل
-4يكوف موضعا لتل ّقي األقواؿ وإلقائها إٔب اآلخرين كما ىي ،أو كما قيلت من قبل(دوف التّ ّ
بزيادة أو نقص) (أسلوب الوصايا).
-5يكوف موضعا إللقاء الكبلـ الواجب إلقاؤه كبو من يتكلّم معهم (الوعظ واإلرشاد.1)...
تنوع ُب األساليب ،وىو ما يُربز صلة الكبلـ
الصيغ الكبلمية يتش ّكل لدينا أيضا ّ وُّذا التّ ّنوع ُب ّ
بالعآب اػبارجي مكاناً وزماناً وأشخاصاً فاؼبقاـ يتش ّكل عرب األصناؼ التّالية بعضها مع بعض:
تتضمن:
السامع) ّ
األطراؼ اؼبشاركة ُب العملية التّواصلية (اؼبتكلّم و ّ -1
2
اؼبؤسس من قبل متكلّم يتمتّع بصبلحيات معيّنة ».
الفعل الكبلمي :وىو« الفعل ّ أ-
ب -الفعل غري الكبلمي:
األشياء اؼبتعلّقة باؼبوضوع. -2
المتضمنة في القوؿ بين الفكر المعاصر والتراث العربي ،مسعود صحراوي ،أطروحة دكتوراه ،جامعة باتنة2003( ،ـ)،ص.83
ّ 2األفعاؿ
010
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
1نظرية المقاـ عند العرب في ضوء البراغماتية ،مناؿ سعيد نجار ،ص.39
2مفتاح العلوـ ،السكاكي ،ص.161
013
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الرتاكيب
مقتضى اغباؿ :ىو األسلوب الذي ينسج على منوالو اؼبنشئ ويصوغ ألفاظو ويصنع ؽبا ّ -7
1اإليضاح في علوـ البالغة ،الخطيب القزويني ،مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح ،القاىرة (1971ـ ،).ص.74
2
Seven sins of pragmatics, theses obout speech act theory , dorothea franch urbino,
1979, p233 .
المكرمة ،ط1992(1ـ) ،ص.36
ّ 3علم البالغة ،أحمد مصطفى المراغي ،دار إحياء التّراث اإلسالمي ،م ّكة
012
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
ؾبسدا صورة أدبيةّأما أحواؿ اللّفظ فهي التّشكيبلت األسلوبية الفنّية الّيت يتموضع فيها اللّفظ ّ -8
وعليو فالقصد من علم اؼبعاين مبلئمة مقتضى اغباؿ دبا يناسبو من أسلوب واستنباط ما
يستفاد من الكبلـ ضمنا دبعرفة القرائن ،فصياغة األساليب ال تستقيم إالّ دبراعاة اؼبقاـ ،كما أ ّف
فهمها واستنباطها ال يستقيم إال دبراعاة ذلك أيضا.
ب -تجلّيات المقاـ في علم البياف:
تتعلّق كلمة "البياف" بالكشف واإليضاح لتجلية اؼبعاين اؼبخبوءة وتأكيدىا ُب صور ،وقد
اقرتنت ُّا كلمة علم لل ّداللة على فرع من فروع الببلغة القصد منو «إيراد اؼبعىن الواحد بطرؽ ـبتلفة
1
السكاكي بأنّو«:علم يعرؼ بو إيراد اؼبعىن الواحد بطرؽ ـبتلفة
ّ ّ فو
عر وقد ُب وضوح ال ّداللة عليو ».
بالزيادة ُب وضوح ال ّداللة عليو وبالنّقصاف ،ليحرتز بالوقوؼ على ذلك عن اػبطأ ُب مطابقة الكبلـ
ّ
2
لتماـ اؼبراد ».
واؼبقصود من ذلك أ ّف أساليب الكبلـ زبتلف ٍبّ تتّضح من طريق إٔب طريق ،حيث أ ّف اؼبعىن
الواحد يرد بطريقة التّشبيو ،وبطريقة اَّاز وأخرى باالستعارة أو الكناية ،واختيار األسلوب البياين
السياؽ ُب
األنسب للوفاء دبطابقة الكبلـ ىو مدار ىذا العلم ُب إيضاح اؼبقصود وتبيانو ،ويتجلّى أثر ّ
الصور البيانية ال يبكن فيها االعتماد على ظاىر اللّفظ وحده الستخبلص اؼبعىن،
علم البياف ُب كوف ّ
وال ّداللة فيو أف يعرؼ اؼبعاين اؼبعجمية لؤللفاظ ،وىو ما بيّنو عبد القاىر اعبرجاين حني قاؿ « :أنت
تعرؼ اؼبعىن من طريق اؼبعقوؿ دوف طريق اللّفظ ،أال ترى أنّك ؼبا نظرت إٔب قوؽبم"ىو كثري رماد
الضيافةٓ ،ب تعرؼ ذلك من اللّفظ ،ولكنّك عرفتو بأف ِ
القدر" وعرفت منو ّأّنم أرادوا أنّو كثري القرى و ّ
الرماد ،فليس إالّ
رجعت إٔب نفسك فقلت :إنّو كبلـ قد جاء عنهم ُب اؼبدح ،وال معىن للمدح بكثرة ّ
الضيافة،
الرماد على أنّو تُنصب لو القدور الكثرية ،ويُطبخ فيها للقرى و ّ
أ ّّنم أرادوا أف يَدلّوا بكثرة ّ
الرماد ال
وذلك ألنّو إذا كثر الطّبخ ُب القدور كثر إحراؽ اغبطب ربتها ،وإذا كثر إحراؽ اغبطب كثر ّ
3
ؿبالة ».
يعرب
الزماف واؼبكاف الّذي قيل فيو ،كما أنّو ّ
الشك أنّو يتناسب مع البيئة و ّ
ّ فطرح ىذا األسلوب
الزمن ذلك أنّو « متولّد من عبلقة
ضمنيًّا عن مقاـ اؼبدح غري أ ّف معناه قابل للتّع ّدد والتّعبري مع مضي ّ
خاصة بني اؼبتكلّم واؼبتل ّقي وبني اؼبدلوالت وبني اؼبقاـ اغبضاري واالجتماعي والثّقاُب الذي تولّدت فيو
ّ
الزمن » 1.لذلك فقد وبسن ىذا متغرية مع مضي ّ
ىذه العبارات ،فهذه العناصر صبيعها متضافرة ّ
تتحصل
األسلوب ُب وقت ما ال وبسن ُب آخر «.فاللّغة ربتوي على طرؽ كثرية ألداء اؼبعىن الواحد و ّ
طور التّارىبي ،واختبلؼ البيئات والثّقافات اليت أثّرت ُب تكوينها ،واختبلؼ اعبهات
ىذه الطّرؽ نتيجة التّ ّ
الرتاكيب ،إذا
الشيء الواحد ،وىذا ّأدى إٔب ما يفضل كثريا عن حاجتها من األلفاظ و ّ
الّيت ينظر منها إٔب ّ
السيف واألسد ُب اللّغة العربية خري شاىد على ذلك،
الرسالة ،وكثرة أظباء ّ
نظرنا إٔب الغرض العملي من ّ
2
الرتاكيب ».
الصيغ و ّ
وكما تتع ّدد اؼبفردات ألداء اؼبعىن الواحد تتع ّدد ّ
الشعورية الّيت يعيشها
وتعكس النّصوص الفنّية ُب األدب العريب إشعاعا يبثّل اؼبقاـ والتّجارب ّ
يتوخاه مستعمل اللّغة من ضروب األساليب البيانية ،إّمبا سببو
كل ما ّ
الشاعر أو األديب لذلك «كاف ّ
ّ
قلّة اؼبعاين ،الّيت ُب النّفس ولطائف اؼبقاصد الّيت يريد بلوغها باللّفظ فبل معترب إالّ ىذا وإالّ كاف تكثري
3
األلفاظ ضوضاء صوتية ال يعت ّد ُّا».
الصور فعكست اغبياة الّيت
وقد وردت ىذه النّصوص مفعمة باغبيوية والتّنويع ُب األساليب و ّ
بكل حيثياّتا «فإذا اتّفق تشبيو ال تتل ّقاه بالقبوؿ ،أو حكاية تستغرُّا فاحبث عنو ون ّقر
وبياىا اؼببدع ّ
أدؽ
عن معناه ،فإنّك ال تعدـ أف ذبد ربتو خبيئة إذا أثرّتا عرفت فضل القوـ ُّا ،وعلمت أ ّّنم ّ
4
طبعا ،من أف يلفظوا بكبلـ ال معىن ربتو ».
فاؽبدؼ من صياغة الكبلـ على ضروب البياف ليس إقامة عبلقات عقلية بني مشبّو ومشبّو
بو؛ وإّمبا ىو التّنويع ُب أشكاؿ وقوالب أسلوبية بيانية تطاوع رغبة اؼبتكلّم ُب التّعبري دبا يتكيّف مع
نجار ،ص.34
نظرية المقاـ عند العرب ،منا سعيد ّ
1
3اللّغة واإلبداع( ،مبادئ علم األسلوب العربي) ،شكري عياد ،مطبعة انترناشيوناؿ ،مدينة الصحفيين ،ط1988(1ـ) ،ص.56
شعر ،ابن طباطبا ،ص.17
عيار ال ّ
4
012
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
اغباالت واؼبواقف واؼبقامات الّيت وبياىا ،وبذلك تصبح ىذه األساليب البيانية «عبارة عن أفانني
1
الصدور ».
التّعبري عن األحاسيس الكامنة ُب ّ
متحركة
لذلك تقوـ وظيفة علم البياف على تسهيل التّشكيل األسلويب عرب كلمات ترسم لوحة ّ
ومتن ّقلة ُب اؼبكاف الّذي تدور فيو ،فهذا الثّراء ُب عطاء الكلمات يفتح اَّاؿ واسعا
متنامية ومتتالية ُ
للتّصوير األديب دبا يستجيب إٔب ٍ
رغبة ُب كشف ذبارب األدباء وعواؼبهم.
اؼبعتز من
الرومي« :ؼبا ال تأٌب بصورة تضاىي ما وبفل بو شعر عبد ا﵁ بن ّ وقد ُسئل ابن ّ
بالزينة والفخامة ،فقاؿ ؾبيباً :بأ ّف ُكبلًّ منّا ّ
يصور ما ُب بيتو فهو وفضة وأشكاؿ بديعة ترفل ّ
ذىب ّ
اؼبعتز ُب تصويره حامبل مبلمح بيتو
ينعم ُب قصوره دبا ال أملكو وال يقع ربت يدي » ،وفبّا برع ابن ّ
نصو: ِ
وترفو ما ّ
تح ػ ِ
ػت الثّػُػ َػريا الَ ِ
ح م ْن ْ
َ لمػا
وَكأ ّف البػ ػ ػَػ ْد َر َ
يح ْْ ػ ػػيَا
ٍج يُف ػَػدى َو َ ػل فِي تَػاك أقْبػَػ ػ َ َملِ ٌ
يػ ْفت ػػح فاَهُ ِألَك ػل عُن ُقػ ِ
ػود اغر َش ػ ِرهٍ يتلو الثُّريا َكف ػ ِ
ْ َ َُ َ ُ َ َ
الرتؼ والبحبوحة ُب العيش من خبلؿ ىذه ينم عن ّالشاعر من تشبيهات متع ّددة ّ فما أبرزه ّ
الصفة ُب البيت"شره" ،فاآلكل ليس بائسا إّمبا اختري أكوال يبحث عن اللّذيذ والفريد ال على ما يس ّد
ّ
2
الصور واأللفاظ الّيت صاغها
ّ من أسلوبو تشكيل اختار قد اؼبعتز ابن ف
ّ أ قبد األساس ىذا وعلى رمقو.
الرتؼ والنّعيم ،فاؼبقاـ ىنا قد ح ّدد نوع التّشكيل األسلويب الذي
من البيئة اؼبعاشة والّيت تنم عن ّ
يتناسب مع القائل وواقعو.
نجار ،ص.56
نظرية المقاـ عند العرب ،مناؿ سعيد ّ
1
أسندت واستنبطت من اؼبقاـ الّذي وردت فيو لذلك ذىب "سعد مصلوح" إٔب أ ّف األساليب البيانية
ص ،ولكنّها ال
يتضمنو وتساعد كثريا ُب فهم النّ ّ
الرتكيب وما ّ
باعتبارىا أشكاال ببلغية تنتج عن طبيعة ّ
1
ص أل ّف دراسة أغفلت مقامات تلك األساليب.
تساعد ُب فهم ؾبمل العبلقات اؼبشكلة للنّ ّ
يفسر اختبلؼ
يتضمنو أي دبقتضى اؼبقامات واألحواؿ ّ
الرتكيب وما ّ
فإنتاج الكبلـ وفق طبيعة ّ
األساليب الّيت تعّن أيضا معاف متفاوتة وأحواؿ متباينة ،وىو« ما يربط اؼبقاـ باؼبقاؿ على كبو يتح ّدد
2
فيو اؼبقاؿ باؼبقاـ ،ويستكشف فيو اؼبقاـ من خبلؿ اؼبقاؿ ».
يؤدي إٔب:
فارتباط اؼبقاـ باؼبقاؿ ّ
تتم التّشكيبلت األسلوبية وفق خصوصية يفرضها اؼبقاـ الّذي
-1ربديد اؼبقاؿ باؼبقاـ :حيث ّ
معني.
بكل عناصره الكيفية الّيت هبب أف يصاغ ُّا أسلوب ّ
يتح ّكم ووب ّدد ّ
ويتم ىذا عند ربليلنا للنّصوص ُب ؿباولة للوقوؼ على استجبلء
-2استكشاؼ اؼبقاـ باؼبقاؿّ :
معني ووفق مقامات معيّنة ىي الّيت تكشف لنا اؼبقاـ
معانيها ،فالتّشكيبلت األسلوبية على كبو ّ
خاصة ُب ال ّدراسات ال ّداللية واألسلوبية
ماسة إٔب ىذين األمرين ّ
الّذي قيل فيو الكبلـ .واغباجة ّ
الرتاث القدًن.
اؼبدونة ُب ّ
للنّصوص ّ
الشعراء واألدباء أسرار
وقد كشفت ال ّدراسات النّفسية من خبلؿ ولوجها لعوآب بعض ّ
الشاعر"خليل مردـ
اإلبداع ،والكيفية الّيت سبّت ُّا التّشكيبلت األسلوبية ألعماؽبم ونشري ىنا إٔب ّ
يوضح بك" الّذي رب ّدث عن ذباربو ّ
الشعورية وكيف يربطها باؼبوقف واغباؿ واؼبقاـ ُب كياف تصويري ّ
جببلء عبلقة األساليب البيانية دبقاماّتا ،حيث يقوؿ « :أشعر بوجود صلة بني أحداث حياٌب
الواقعية ،وبني ما يرد ُب قصائدي من أحداث وصور ،وذلك أف ما وبدث ٕب أوأشاىده أو أظبعو أو
أطالعو يرتؾ بعضو ُب نفسي آثارا ـبتلفة منها ما يكمن ،ومنها ما يزداد رسوخاً ومبالغة يوما بعد ٍ
يوـ، ً
الشعر ،و ّاذبهت إٔب موضوعواؼب َشاىد منها أكثر تأثريا وأش ّد رسوخا ،فإذا ارتاحت نفسي إٔب قوؿ ّ
ُ
ويتطور شعوري باالستياء ونظري إليها وفقا ؽبذه
خاص أشعر ُب ّأوؿ األمر حباؿ غري اغباؿ اؼبعتاد ّ
ّ
1ينظر :ال ّدراسة اإلحصائية لألسلوب (بحث في المفهوـ واإلجراء والوظيفة ) ،سعد مصلوح ،ص.120
2نفسو ،ص.119
019
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
051
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
الزـبشري أيضا حيث يقوؿ :إ ّف « الكبلـ إذا نُقل من أسلوب إٔب أسلوب كاف
وىو ما يراه ّ
وزبتص السامع ،وإيقاظا لئلصغاء إليو من إجرائو على أسلوب واحد ِ
ّ ذلك أحسن تَطْريَة لنشاط ّ
1
مواقعو بفوائد ».
وما ورد ُب ىذا القوؿ يشري أ ّف اغبديث وفق الوترية نفسها دوف تغيري أو تنويع ُب األساليب
يشعر القارئ باؼبلل والكآبة؛ ما يصرؼ ذىنو عن االنتباه والفهم ،وىو ما يتوفّر ُب األسلوب البياين
زبتص ىذه األخرية «برتبة فوؽ إفهاـ اؼبعىنُ ،رتبة مشلها االمتياز
عاـ؛ إذ ّ
خاص والببلغة بوجو ّ
بوجو ّ
ُب التّعبري ومطابقتو للمقاـ ،وافتناف اؼبتكلّم ُب التّعبري والتّصوير ليضفي من أسلوبو على مقالو حلّة من
يتأملوا معو صباؿ ُرؤاه ،وبراعة خيالو فيهدىد أو ير ّج مشاعرىم أو
السامعني إٔب أف ّ
نور وُّاء ،ذبتذب ّ
2
يُثري عقوؽبم ».
وبذلك تصبح األساليب البيانية أوضح ُب التّعبري من أساليب اغبقيقة العتبارات أنبّها:
بالشاىد وال ّدليل.
ّ -1قوة داللتها على اؼبقصود ّ
تعبري عن اؼبعاين العقلية بأخرى ؿبسوسة. -2
الزمخشري ،ص.119
أساس البالغةّ ،
1
نجار ،ص.62
نظرية المقاـ عند العرب ،مناؿ سعيد ّ
2
واغبديث عن االختيار ىنا يتوافق مع ضرورة اختيار األصوات والكلمات الّيت تتناسب مع
ت نافرة وناشزة«.فأحيانا يأٌب اؼبتكلّم أديبا أو شاعرا بكلمة تتّفق
اؼبقاـ ووبتاج إليها اؼبوقع وإالّ بَ َد ْ
1
إيقاعا مع ما قبلها وما بعدىا ل ّكنها تفشل وال يتأتّى سد اؼبوقع الّذي وضعت لو ».
ا﵀سنات
ؤدي إٔب اإلخبلؿ باؼبعىن وزعزعتو عن الغاية اؼبطلوبة ،لذلك تستند ّ
والفشل ال ّدالٕب يُ ّ
السياؽ واؼبعىن ،فإذا ما جيء ُّا لغرض التّشاكل اللّفظي دوف اىتماـ باؼبعىن صارتالبديعية إٔب ّ
بكل
اػباص ّ
ّ فكل لفظ ىبتلف عن اآلخر من حيث تركيبو وأثره ُب اعبملة ،ذلك أ ّف ل ّلرتكيب
مذمومة ّ
لفظة وبنيتها وجرسها وما ربملو من داللة إوبائية أثرا ُب صباؽبا وتَقبُّل النّفس ؽبا ،وتسهم بذلك ُب
فعالية أكرب وقدرة أقوى على التّأثري واإلثارة ،كما أ ّف غبسن تأليفها وصياغتها مع
ص ومنحو ّ
إقباح النّ ّ
ص حبلوة ويضاعف من قدرتو على التّأثري واإلثارة واغبيوية.
أخواّتا ُب اعبملة ما يزيد النّ ّ
سرا ىو
للسجع ّ
السجع ُب الكبلـ« :واعلم أ ّف ّ
وىو ما يؤّكده ابن األثري متح ّدثا عن قيمة ّ
كل واحدة من
خبلصتو اؼبطلوبة فإذا عُري الكبلـ اؼبسجوع منو فبل يعت ّد بو أصبل ،وىو أف تكوف ّ
السجعتني اؼبزدوجتني مشتملة على معىن غري اؼبعىن ّاؿ قلبلفىاالقذي اشتملت عليو أختها ،فإذا كاف
ّ
2
اؼبعىن فيهما سواء فهو التّطويل بعينو ».
السجع ىو ذبلية اؼبعىن وتأكيده بأف ال يُعاد تكرار اؼبعىن نفسو ُب
فالسّر الكامن خلف ّ ّ
السجع والغاية منو.
ال ّسجعتني اؼبزدوجتني ،وإّمبا يتباين اؼبعىن وذلك ىو نتاج ّ
ؤدي دورا
قوي ُب تصوير اؼبعىن وتوصيلو ،إنّو «يُ ّ
فالسجع الذي يتطلّبو اؼبقاـ ىو الّذي لو أثر ّ
ّ
السياؽ اللّغوي ،بل يؤثّر تأثريا كثريا ُب تشكيل ال ّدالالت ويشحنها بانفعاالت غري عادية،
هما ُب ّ
ُم ّ
الصارـ
ذبعل ؽبا ُب عرؼ األسلوبيني خصوصية ذباوز االنطباع الذي ربدثو اللّغة ُب سياقها اؼبوضوعي ّ
3
».
للسجع اؼبرغوب اعتبارات منها:
وُّذا اؼبنحى يصبح ّ
1نفسو ،ص.28
السائر ،ابن األثير.214/1 ،
المثل ّ
2
052
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
حارة طنّانة رنّانة ،ال غثّة وال باردة ،وأعّن بقوٕب" غثّة
تكوف األلفاظ اؼبسجوعة «حلوة ّ
السجع نفسو من غري نظر إٔب مفردات األلفاظ باردة" أف صاحبها يصرؼ نظره إٔب ّ
1
اؼبسجوعة وما يشرتط ؽبا من اغبسن ،وال إٔب تركيبها ،وما يشرتط لو من اغبسن ».
أف يكوف اللّفظ فيو تابعا للمعىن ،ال أف يكوف اؼبعىن فيو تابعا للّفظ أل ّف ذلك سيحدث -2
تشويها ُب ال ّداللة.
السجية دوف تكلّف أو تصنّع وذلك أعلى درجات الكبلـ.
أف يكوف ؿبموال على الطّبع و ّ -3
2سنن ابن ماجة،الحافظ أبي عبد اهلل ابن ماجة ،تحقيق فؤاد عبد الباقي،ج،2المكتبة العلمية لبناف ،بيروت ،ص.1083
السائر ،ابن األثير.244 /1 ،
ينظر :المثل ّ
3
051
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
سبس
تتكوف للمتل ّقي ل ّذتاف ،ل ّذة صوتية موسيقية إيقاعية ّ
وُّذا الغرض اؼبزدوج لكبل اللّونني « ّ
سبس
ا﵀سنات اللّفظية ،ول ّذة داللية مقامية ّ
الشكل اػبارجي للمقاؿ وبدثها التّناغم الّذي توجده ّّ
فإما تستدعي
الرتكيب ال ّداخلي للمقاـ ،إذ تبحث عن اؼبعىن اؼبخفي وراء تشابك صوٌب صيغيّ ، ّ
2
الصنعة وثانيهما بسبب اؼبعىن».
وإما تنسج اؼبعاين األلفاظ ،و ّأوؽبما بغرض ّ
األلفاظ اؼبعاينّ ،
وُب كلمة توجز قضيّة التّعامل مع اؼبقاـ لبلص إٔب ع ّدة نتائج تتعلّق بػ:
الرازي ،ص.50
نهاية اإليجاز في دراية اإلعجاز ،فخر ال ّدين ّ
1
نجار ،ص.78
نظرية المقاـ عند العرب ،مناؿ سعيد ّ
2
055
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ال ّتشكيل األسلوبي اإلمكانات وال ّنظريّات
-1أنّو إذا كاف مدار الببلغة على مطابقة الكبلـ للمقاـ ،فإ ّف ما وبدث ىو اإلدراؾ ال ّدقيق للفروؽ
بني التّشكيبلت األسلوبية الّيت تفرزىا اغباالت واؼبقامات اؼبختلفة.
-2إف االلتزاـ باؼبقتضيات اؼبناسبة للخطاب ىو الّذي يوفّر القدرة للمتكلّم ػبلق اعبماؿ ُب
يسهل عملية اإلمتاع
الكلمة واألسلوب على صبيع اؼبستويات ،وبالتّإب التّأثري ُب العواطف دبا ّ
واإلقناع.
-3يُصاغ الكبلـ وفق اؼبقاـ مراعيا اؼبتكلّم بذلك ع ّدة أمور كأقدار الكبلـ وأقدار اؼبستمعني وأقدار
ص ُب مستواه اعبمإب.
األحواؿ وكذا أقدار اؼبعاين ،فيكشف بذلك اؼبزية الّيت وب ّققها النّ ّ
يهتم علم اؼبعاين ببناء األساليب ُب ضوء االعتبارات اؼبتعلّقة باؼبتل ّقي الّذي يفرتض أف يكوف
ّ -4
اؼبتنوعة أيضا دبا يُناسب اؼبتكلّم
ُب مقاـ يقتضي أسلوبا معيّنا ،كما تُصاغ األساليب البيانية ّ
يهتم علم
لعل أنبّها اإلقناع واإلمتاع ،بينما ّ
الشعورية ،وما يرومو من مقاصد وحاالتّ ،
وحالتو ّ
البديع دبقاـ ربسني الكبلـ – لفظا ومعىن -وتزيينو دبا يتوافق مع ميوؿ اؼبتل ّقي وجنوحو للتّأثّر
باؼبظاىر اعبمالية اؼبختلفة.
ولبلص إٔب أ ّف رصد التّشكيل األسلويب اغبيوي ُب النّصوص يقوـ على التّفاعل بني األبنية،
هبسد دينامية األلواف الببلغية ُب تعبريىا عن اؼبراد ،ويش ّكل التّنظيم اإلببلغي مستوى وظيفيا
فبّا ّ
متفردة تش ّكل لغة التّجاوز.
يستقي من اؼبعىن سحر الطّرافة وفق ىيئة ّ
052
الفصل ّ
الثالث
أسلوبية االنزياح
057
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
ّأوال:-مفهوم االنزياح
اح
(زيَ َح) ،يقوؿ ابن منظورَ «:ز َ أ -المفهوـ اللّغوي :يعود االنزياح ُب أصلو اللّغوي إٔب ّ
مادة َ
اح ذىب وتباعد ».3وزيُوحاًَ ،وزوبَاناً ،وانْػَز َ الشيء يَِز ُ
يحَ ،زوباً ُ ّ
الشيء
وتنحى وتباعد،و ّ
احا زاؿ ّ
ّأما ُب اؼبعجم الوسيط فقد وردَ «:زا َح عن اؼبكافَ ،زْو ًحا َوزَو ً
4
اح ،زاَؿ ،وتبَاعد ».
َزْو ًحا :أبعده ،وانْػَز َ
الزواؿ
السابقني أ ّف معاين االنزياح تقوـ على االبتعاد وال ّذىاب و ّويُفهم من التّعريفني ّ
حوؿ عن طريق أو منهج أوعن الرتؾ ،والتّغيري والتّ ّ
تدؿ على اػبروج و ّ
والتّنحي،وىي كلّها مفاىيم ّ
الشيء اؼبألوؼ إٔب غريه.
ّ
ومن ىنا فاستخداـ كلمة االنزياح ُب اللّغة ىو خروج عن اؼبألوؼ فيها أو ترؾ للقواعد
السائدة إٔب طرؽ أخرى
اؼبعيارية فيها ،وبذلك يكوف االنزياح اللّغوي ىو خروج عن طريقة التّعبري ّ
أكثر إثارة وإبداعا.
ب-المفهوـ االصطالحي:
عٍُّرؼ ُب كتاب اؼبصطلحات اللّسانية والببلغية تعريفا ببلغيا بعدما عٍُّرؼ لسانيا فقيلّ «:أما
االستعماؿ الثّاين ؽبذا اؼبصطلح فإنّو يرتبط بعلم األسلوب ويعّن اػبروج عن أصوؿ اللّغة وإعطاء
الكلمات أبعادا داللية غري متوقّعة ،وؽبذا اؼبصطلح ُب العربية ع ّدة مرادفات » ،1وىذا اؼبفهوـ
االصطبلحي يشري ُب بدايتو إٔب ارتباط االنزياح بعلم األسلوبّ ،أما معناه فهو اػبروج عن أصوؿ
حوؿ عن اللّغة اؼبعيارية إٔب لغة تعطي األلفاظ أبعادا داللية أكثر إثارة ودىشة للمتل ّقي.
اللّغة أو التّ ّ
عما ىو
عرؼ بأنّو «استعماؿ اؼببدع للّغة مفردات وتراكيب وصور استعماال ىبرج ُّا ّ
كما يُ ّ
2
وقوة جذب وأسر».تفرد وإبداع ّ
ؤدي ما ينبغي لو أف يتّصف بو من ّ
معتاد ومألوؼ حبيث يُ ّ
إ ّف إثارة الظّاىرة األسلوبية للقارئ واالنزياح أحد مظاىرىا إّمبا تنبثق عن اؼبفاجأة الّيت وبسها
ربوؿ أو
كل ّ ص ،ويتّسع االنزياح اللّغوي ليشمل ّ من اكبراؼ األسلوب عن سياقو اللّغوي ُب بنية النّ ّ
اكبراؼ ُب نسق التّعبري ال يتب ّدؿ بو جوىر اؼبعىن ،وإّمبا ُوبدث بو نوع من اإلثارة لدى اؼبتل ّقي نتيجة
ضاد النّاجم عن االختبلؼ اغبادث من اخرتاؽ النّظاـ ،وىو اخرتاؽ غري متوقّع لدى القارئ لذلك
التّ ّ
قبده يتفاجأ ويستثار.
شعرية ،بوطراف محمد الهادي وآخروف ،بيروت ،دار الكتاب الحديث2008( ،ـ) ،ص.160
المصطلحات اللّسانية والبالغية واألسلوبية وال ّ
1
فيعرفو بأنّو « اكبراؼ الكبلـ عن نسقو اؼبألوؼ وىو حدث لغوي ،يظهر
الس ّد ّ
ّأما نور ال ّدين ّ
عرؼ على طبيعة األسلوب األديب ،بل يبكن اعتبار
ُب تشكيل الكبلـ وصياغتو ويبكن بواسطتو التّ ّ
1
االنزياح ىو األسلوب األديب ذاتو ».
وذىب فيلي ساندريس إٔب أ ّف االنزياح « ىو خروج فردي عن اؼبعيار لصاّب اؼبواقف الّيت
ص».2
يتصورىا النّ ّ
ّ
السائد أو اؼبتعارؼ عليو قياسا ُب االستعماؿ رؤية ولغة وصياغة
فهو «خروج التّعبري عن ّ
وتركيبا ».3
جرؤ عليها ُب األداء اإلبداعي ،حبيث
وبعبارة أخرى االنزياح ىو « اخرتاؽ مثالية اللّغة والتّ ّ
اؼبثإب ،أو إٔب العدوؿ عن
اليت عليها النّسق اؼبألوؼ و ّ الصياغة ّ
يفضي ىذا االخرتاؽ إٔب انتهاؾ ّ
4
عما عليو ىذا النّسق ».
الصوٌب وال ّدالٕب ّ
مستوى اللّغة ّ
ج -مصطلحاتو :لقد ذباذبت ىذا اؼبصطلح وتعلّقت بدائرتو مصطلحات وأوصاؼ كثرية،فمنها
يبت بصلة إٔب ال ّدراسات العربية ومنها ما يبدو غريب اؼبنشأ أصبل.
ما ّ
5
السبلـ اؼبس ّدي طائفة منها ىي كاآلٌب:
فأما اؼبصطلحات فقد أورد عبد ّ
ّ
-1االنزياح . l’écart
-2التّجاوز l’abus
-3االكبراؼ .la déviation
-4االختبلؿ . la distorsion
-5اإلطاحة .la subvertion
l’infraction -6اؼبخالفة
2نحو نظرية أسلوبية لسانية ،فيلي ساندريس ،ترجمة خالد جمعة ،ص.36
3أطياؼ الوجو الواحد-في النّظريّة والتطبيق –نعيم اليافي،دمشق ،منشورات إتحاد الكتاب العرب،ط (1997ـ) ،ص92
4االنزياح في الخطاب النّقدي و البالغي عند العرب ،رشيد ال ّددة عبّاس ،تدقيق ودراسة محمد فوزي حمزة،القاىرة ،مكتبة اآلداب
ط2009(1ـ) ،ص.15
5األسلىبٍة واألساوب ،عبد السالم المسدي ،ص80
021
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
شعري عند المتنبّي ،أحمد مبارؾ الخطيب ،دار الحوار ،سوريا ،ط2009(1ـ) ،ص.31
ينظر،االنزياح ال ّ
1
023
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
1أطياؼ الوجو الواحد(في النّظريّة والتّطبيق) ،نعيم اليافي ،دمشق ،منشورات اتّحاد كتّاب العرب ط(1997ـ) ،ص.91
2ينظر:االنزياح في منظور ال ّدراسات األسلوبية ،أحمد محمد ويس ،ص (.)52،66
ينظر ،االنزياح في منظور ال ّدراسات األسلوبية ،ص.65 3
022
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
السبلـ اؼبس ّدي االنتباه إٔب إمكاف إحياء مصطلح العدوؿ للمفهوـ
ومن جهة أخرى لفتعبد ّ
الرتصبة ألنّو غري
األجنيب وذلك ُب كتابو "األسلوبية واألسلوب"إذ يقوؿ «:مصطلح ( )Lecartعسري ّ
متصوره ،لذلك ٓب يرض بو كثري من ّرواد اللّسانيات واألسلوبية فوضعوا مصطلحات بديلة
مستقر ُب ّ
ّ
عنو ،وعبارة انزياح ترصبة حرفية للفظة ( )Ecartعلى أ ّف اؼبفهوـ ذاتو قد يبكن أف نصطلح عليو بعبارة
التّجاوز أو كبيي لو لفظة عربية استعملها الببلغيوف ُب سياؽ ؿب ّدد وىي عبارة العدوؿ ،وعن طريقة
1
التّوليد اؼبعنوي قد نصطلح ُّا على مفهوـ للعبارة األجنبية ».
يدؿ على أ ّف مصطلح االنزياح األجنيب ومصطلح العدوؿ العريب متوافقاف من
وىذا الكبلـ ّ
عامة،ومع أ ّف اؼبسدي ٓب يستعمل
الصياغة ألغراض فنّية ّ
النّاحية اؼبعنوية ،إذ كبلنبا إجراء يلحق ّ
مصطلح العدوؿ على اإلطبلؽ واستعمل مصطلح االنزياح (ُ)Lecartب دراساتو ،غري أنّو ٓب يبكث
طويبل على ىذا اؼبصطلح ليستعمل (العدوؿ) ،وقد ُسئل عن ذلك فأجاب أنّو استعمل « االنزياح
متصور إجرائي طارئ على
مرة وكاف يقصد إٔب إبراز ظبة اعب ّدة من حيث ىو ّ
ترصبة لفهوـّ Lecartأوؿ ّ
سنن التّأليف ُب اللّغة العربيةٍ ،بّ جاء مصطلح العدوؿ إحياء ؼبصطلح ببلغي تراثي ٓب يعد هبر ؿباذير
2
االلتباس».
يدؿ عليها ليست جبديدة؛ إذ
اليت ّ
فمصطلح االنزياح وإف كاف حديث النّشأة إالّ أ ّف الظّاىرة ّ
اىتمت
وبكل اػبطابات اَّازية دبا فيها اػبطاب القرآين ،وقد ّ
ّ ىو لصيق بال ّدراسات األسلوبية
ال ّدراسات العربية القديبة خبصوصيات ىذه الظّاىرة ،وإف عربت عنها دبصطلحات أخرى تابعة
السائد آنذاؾ كالعدوؿ وااللتفات وشجاعة العربية ،وغريىا من اؼبصطلحاتللسياؽ الثّقاُب العاـ ّّ
واؼبفاىيم اؼبرتبطة بالبيئة واغبضارة العربية.
السنن
ؼ بأنّو «ؾباوزة ّ كما يقرتف مفهوـ العدوؿ االصطبلحي دبفهوـ االنزياح حيث عٍُّر َ
اؼبألوفة بني النّاس ُب ؿباوراّتم وضروب معامبلّتم لتحقيق ظبة صبالية ُب القوؿ سبتّع القارئ وتطرب
نصا أدبيّا».1
السامع وُّا يصري ّ
ّ
وسع من دائرة العدوؿ ليشمل ا﵀اورات وضروب اؼبعامبلت وىو ما يُفهم منو وىو تعريف ّ
اعبنس األديب ،وىناؾ تعريف آخر أيضا للعدوؿ يقوؿ بأنّو « ـبالفة الكبلـ لصياغتو اللّغوية األصلية
2
يدؿ على« إرادة لفظ فيعدؿ عن
اؼبفرتضة لتحقيق قيمة صبالية أو داللة ببلغية » ،كما أ ّف معناه ّ
3
بالصرؼ سواء أكاف ُب اغبركات أو ُب األصوات
يسمى أيضا ّ
ّ ما وىو اللّفظ الذي نريد إٔب آخر».
الرتاكيب.
الصيغ أو ُب ّ
أو ُب ّ
1رؤية في العدوؿ عن النّمطية في التّعبير االدبي ،عبد الموجود متولّي بهنسي( ،د،د) ،ط1993(1ـ)،ص.05
2جامعة ّأـ القرى(،مجلّة) " ،العدوؿ في البيئة التّركيبية ،قراءة في التراث البالغي" ،إبراىيم منصور التّركي ،المجلد ،19العدد ،40
(1428ىػ) ،ص.550
الرشيد1986( ،ـ).
المقتصد في شرح اإليضاح ،عبد القاىر الجرجاني ،تحقيق كاظم بحر المرجاف ،دار ّ
3
022
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
ِ ِ ِ ِ
ين َك َف ُرواْ َك َمثَ ِل الذي يَػ ْنع ُق بِ َما الَ يَ ْس َم ُع إِال ُد َعاء َون َداء ُ
ص ٌّم وجل ﴿ َوَمثَ ُل الذ َ
عز ّ االتساع قولو ّ
الراعي -وإّمبا ُشبّهوا باؼبنعوؽ بو ،وإّمبا ّ وىو – ينعق دبا ا
و ه شب
ُ ّ ي فلم« ،1
بُ ْك ٌم عُ ْم ٌي فَػ ُه ْم الَ يَػ ْع ِقلُو َف﴾
ومثَل الّذين كفروا كمثل النّاعق واؼبنعوؽ بو الّذي ال يسمع ،ولكنّو جاء على سعة اؼبعىن :مثَلكم َ
2
الكبلـ واإلهباز لعلم اؼبخاطَب باؼبعىن».
يصرح باظبو ،وىو يقوـ على
وىذا يدخل ربت التّشبيو التّمثيلي الّذي أورده سيبويو دوف أف ّ
بالراعي مع الغنم ،ولكنّو
تشبيو شيئني بشيئني كما ىو متح ّقق ُب اآلية ،حيث شبّو ال ّداعي والك ّفار ّ
فدؿ ما ذُكَِر على َما ُح ِذ َ
ؼ. الراعي من اؼبشبّو بو (ينعق) ّ
اكتفى بذكر الك ّفار من اؼبشبّو و ّ
الرتاكيب الّيت خرجت عن مبطيّتها وعدؿ وؾبمل القوؿ أ ّف رؤية سيبويو للعدوؿ قد صبعت جل ّ
عن أصلها ُب األداء اللّغوي ربت ما أَظباه باالتّساع ،فيشمل ذلك اَّاز واالستعارة والتّشبيو ...لكن
تلميحو إٔب ىذه اعبزئيات كاف ُمهماّ لل ّدراسات الّيت تلتو.
الفراء وأيب عبيدة وابن قتيبة.
كل من ّ
الرؤية اليت ربطت العدوؿ باَّاز ّ
حيث تأثّر ُّذه ّ
الفراء(ت317ىػ) مصطلح اَّاز دبعىن العدوؿ عندما يُعدؿ من التّثنية إٔب اعبمع يقوؿ
فتناوؿ ّ
ِ ِ اف َخ ْ ِ
ُب قولو تعأبَ ﴿:ى َذ ِ
ب
ص ُّ ت لَ ُه ْم ثِيَ ٌ
اب من نا ٍر يُ َ ص ُموا في َرب ِه ْم فَالذ َ
ين َك َف ُروا قُط َع ْ ص َماف ا ْختَ َ
يم﴾ٓ ،3ب« يقل اختصما أل ّّنما صبعاف ليسا برجلني»،4وُب مواضع أخرى ِ
وس ِهم ال ِ ِ ِ
ْحم ُ
من فَػ ْوؽ ُرُؤ ُ َ
الفراء أمثلة من القرآف يوازف بينها وبني سنن العرب وطرقهم ُب الكبلـ ،وهبعلها وسيلة لرتجيح
يسوؽ ّ
بعض القراءات القرآنية وطريقا من طرؽ العدوؿ.
027
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
العرب ُب الكبلـ إذا ًبّ فآذنت بانقطاعو وابتداء غريه ،أل ّف ىذا ال يزيل معىن عن جهتو وال يزيد وال
1
ينقص ».
وما يبلحظ من أقواؿ ىؤالء اللّغويني ّأّنا تتّفق ُب نظرّتا لظاىرة االنزياح ذلك أ ّّنم ينطلقوف
من قاعدة ساروا على ّنجها ُب حبوثهم ،وىي أ ّف القرآف جاء على سنن العربية ،وأ ّف لغة العرب
دعموا ُحججهم
متنوعة للعدوؿ ،ذلك أ ّّنا من االتّساع ما ليس لسائر اللّغات وقد ّ
عرفت أبوابا وطرقا ّ
بأدلّة من نّصوص قرآنية وأخرى شعرية.
مؤشرا للجمالية والتّأثري ُب اؼبتل ّقي ،دبا
والبحث ُب أصل العدوؿ ىذه الظّاىرة الفنّػيّة الّيت تُع ّد ّ
ص يقودنا للوقوؼ عند صاحب اػبصائص ابن
يُتيحو من إجراءات فنّية ُب التّشكيل األسلويب ُب النّ ّ
جّن(ت293ىػ) ،حيث ورد ىذا اؼبصطلح بشكل صريح ُب كبلمو ودبا يتّفق مع اؼبصطلحات الفنّية
ّ
واإلجرائية لو حيث يقوؿ « :من تكثري اللّفظ لتكثري اؼبعىن للعدوؿ عن معتاد حالو ،وذلك فُعاؿ ُب
يع،فلما كانت فعيل ىي الباب
وسراع أبلغ من سر ّ معىن فَعيل ،كبو طُواؿ ،فهو أبلغ معىن من طويلُ ،
فعاال ،واؼبعىن اعبامع بينهما خروج كل ِ
اؼبطّرد وأريدت اؼببالغة عُدلت إٔب فُعاؿ فضارعت فُعاؿ بذلك ّ
فبالزيادة ،و ّأما فُعاؿ فباالكبراؼ بو عن فعيل».2
فعاؿ ّواحد منهما على أصلوّ ،أما ّ
وقد تنبّو ابن جّن أيضا إٔب «أ ّف االستعارة تسبح ُب فضاء يتيح ؽبا االتّساع وذباوز اؼبألوؼ ُب
اؼبتحرر والنّزوع كبو نظم ـبصوص»،3ومن
تعديل ظبات البنية وفق عبلقات ٓب تُعهد ،قوامها العدوؿ ّ
ذلك قولو«:أال ترى أنّو هبوز على ىذا أف يقوؿ:
زادىا َش ْك َوايَا إالّ تَ َدلُّالَ
فَ َما َ ت إل ْيػها حبي المتغَ ِ
لغال
َش َك ْو ُ َ ُ ُ
ىبص اعبواىر
فيصف باؼبتغلغل ما ليس ُب أصل اللّغة أف يوصف بالتّغلغل ،إّمبا ذلك وصف ّ
الشيء ال ب ّد أف يتجاوز مكانا إٔب آخر ،وذلك تفريغ مكاف وشغل
األحداث أال ترى أف اؼبتغلغل ُب ّ
زبص ُب اغبقيقة األعياف ال األحداث ،فهذا وجو اتّساع ».4
مكاف ،وىذه أوصاؼ ّ
1تفسير غريب القرآف ،ابن قيبة ،ص.440
2الخصائص ،أبو الفتح عثماف ابن جني ،تحقيق محمد علي النّ ّجار،ج ،3دار الكتب المصرية ،القاىرة ،ط1957( 2ـ) ،ص (.)271-270
صي وفرادة التّشكيل" ،عبد اهلل عنبر ،ص.284
المجلّة األردنية" ،التّماسك النّ ّ
3
جّن أيضا أ ّف كثري من أنواع اَّاز من باب شجاعة العربية من ا﵀ذوؼ وقد أشار ابن ّ
اسأ َِؿ الْ َق ْريَةَ التِي ُكنا فِ َيها َوال ِْع َير التِي
الزيادات والتّقدًن والتّأخري وغريىا ويبثّل بقولو تعأبَ ﴿:و ْ
وّ
1 أَقْػبػلْنَا فِيها وإِنا لَ ِ
كيد)أما االتّساع فؤلنّو استعمل صادقُو َف﴾ فيو اؼبعاين الثبلثة(االتّساع والتّشبيو والتّو ّ َ َ َ َ
يصح ُب اغبقيقة سؤالو .2
السؤاؿ مع ما ال ّ
لفظ ّ
استدؿ على وؼبح أيضا إٔب وقوع اؼبفرد موقع اعبمع وقاؿ أنّو شائع عند العرب فَ ٍ
اش ُب اللّغة و ّ
اب ثُم ِمن نُّطْ َف ٍة ثُم ِم ْن َعلَ َق ٍة ثُم يُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْفالً ثُم
ذلك بقولو تعأبُ ﴿:ى َو ال ِذي َخلَ َق ُكم من تُػر ٍ
َ
سمى َولَ َعل ُك ْم ِ ِ لِتبػلُغُوا أَ ُشد ُكم ثُم لِت ُكونُوا ُشي ً ِ
َجالً ُّم َ وخا َومن ُكم من يُػتَػ َوفى من قَػ ْب ُل َولتَْبػلُغُوا أ َ ُ َ ْ َْ
تَػ ْع ِقلُو َف﴾3أي أطفاال ،وعلّق عليو بقولو «،وحسن لفظ الواحد ىنا شيء آخر أيضا ،وذلك أنّو
موضع إضعاؼ للعباد وإقبلؿ ؽبم ،فكاف لفظ الواحد لقلّتو أشبو باؼبوضع من لفظ اعبماعة ،أل ّف
4
كل حاؿ أقوى من الواحد فاعرؼ ذلك».
اعبماعة على ّ
يوضح أ ّف االنتقاؿ من اؼبفرد إٔب اعبمع لو معاف خفيّة حيث يشحن األسلوب
وىذا التّعليل ّ
ويوضحو ،باإلضافة إٔب أنّو يُسهم ُب إضفاء ؼبسات صبالية عليو وغاية ذلك االختصار
ّ ويقويو
ّ
والتّخفيف.
جّن عند استعماؿ اغبروؼ بعضها مكاف بعض ،وىو لوف من وُب موضع آخر يقف ابن ّ
العدوؿ « :ولسنا ندفع أف يكوف ذلك كما قالوا ،ولكنّا نقوؿ :إنّو يكوف ؼبعناه ُب موضع دوف موضع
5
كل حاؿ فبل».
كل موضع وعلى ّ
فأما ُب ّ
على حسب األحواؿ ال ّداعية إليو واؼبوسوغة لوّ ،
ومثاؿ ذلك قولو تعأب ﴿ :فَا ْد ُخلِي فِي ِعب ِ
اديَ ،وا ْد ُخلِي َجنتِي﴾ 6معناه مع عبادي فعدؿَ
ِ
من "مع" إٔب حرؼ "ُب" والعدوؿ من استعماؿ "ٓب" إٔب " ل ّػما " .كقولو تعأب ﴿ :قَالَت األَ ْع َر ُ
اب
ِ ِ
يما ُف فِي قُػلُوبِ ُك ْم َوإِف تُطيعُوا اللوَ َوَر ُسولَوُ
َسلَ ْمنَا َولَما يَ ْد ُخ ِل ا ِإل َ
ِ
آمنا قُل ل ْم تُػ ْؤمنُوا َولَكن قُولُوا أ ْ
َ
يم ﴾ ،1أي معناه "ٓب يدخل اإليباف ُب قلوبكم". ال يلِ ْت ُكم من أَ ْعمالِ ُكم َشيئًا إِف اللو غَ ُف ِ
ور رح ٌ َ ٌ ْ َ ْ ْ َ
السياؽ
يلح ُب استعماؿ اغبروؼ بعضها مكاف بعض على مراعاة ّ ص ّ جّن ُب ىذا النّ ّ
وابن ّ
وقرائن األحواؿ أنبّية كربى ُب توجيو اؼبعىن والوقوؼ على ببلغة استعماؿ اغبرؼ.
اعبر " ُب " معناه الوعاء أو الظّرفية حقيقة أو ؾبازا وىي األصل فيو فحقيقتو كبو قولو
فحرؼ ّ
ات فَ َمن تَػ َعج َل فِي يَػ ْوَم ْي ِن فَالَ إِثْ َم َعلَْي ِو َوَمن تَأَخ َر فَال إِثْ َم ود ٍ تعأبَ ﴿:واذْ ُك ُرواْ اللوَ فِي أَي ٍاـ م ْع ُد َ
وؾبازه كبو قولو تعأبَ ﴿ :ولَ ُك ْم فِي َعلَْي ِو لِ َم ِن اتػ َقى َواتػ ُقواْ اللوَ َوا ْعلَ ُموا أَن ُك ْم إِلَْي ِو تُ ْح َ
2
ُ ، ش ُرو َف﴾
اب لَ َعل ُك ْم تَػتػ ُقو َف﴾ّ ،3أما إف خرجت عن ىذا األصل ،فقد انزاحت اص َحيَاةٌ يَاْ أُولِي األَلْبَ ِ ص ِ الْق َ
ِ
ْ
جّن
السياؽ واألحواؿ ال ّداعية إٔب ذلك ،كما أشار إٔب ذلك ابن ّ
إٔب معاف أخرى متع ّددة ترد حسب ّ
نصو اؼبذكور حيث يرى أ ّف تناوب اغبروؼ بعضها مكاف بعض أمر ال ىبضع لقياس بل ىبضع ُب ّ
وحّت الغربيّني
اؼبفسرين والببلغيني ّ
مسوغة لو ،وىي أفكار استفيد منها الحقا من النّ ّحاة و ّ ألحواؿ ّ
ضمن نظرية اؼبقاـ ،أو الرباغماتية.
جّن أنواعا عديدة من االنزياحات حيث يرى أ ّف من شجاعة العربية
وعموما فقد عاِب ابن ّ
كل ذلك على سبيل اَّاز واالتّساع «وإّمبا
أف يقع اؼبفرد مكاف اعبمع ،واغبرؼ مكاف حرؼ آخر ّ
يقع اَّاز ويع ّدؿ إليو عن اغبقيقة ؼبعاف ثبلثة وىي االتّساع والتّوكيد والتّشبيو فإ ّف عُدـ ىذه األوصاؼ
4
كانت اغبقيقة البتّو ».
اؼبتصور اؼبثإبّ ،أما اَّاز فهو االستعماؿ العدوٕب ومهما قيل عن ىذين ّ فاغبقيقة ُب رأيو
وتشعبها ورباورىا وذبادؽبا
اؼبستويني فإ ّف العدوؿ عن األصل « تولّد ذاٌب ُب اللّغة يرتبط بتولّد األفكار ّ
وأنّو ال وبكم بشرعية العدوؿ إالّ إذا أضاؼ فضبل ومزية ».5
073
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
الصاحبي في فقو اللّغة ،أحمد بن فارس ،تحقيق ،عمر فاروؽ الطّبّاع ،مكتبة المعارؼ ،بيروت ،ط1993( 1ـ) ،ص.44
ّ
3
072
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
المفسرين:
.2االنزيئح لدى البالغيين و ّ
دبسميات ـبتلفة اللّفظ لكنّها مرتادفة اؼبعىن
اؼبفسرين ّ
شاع مصطلح العدوؿ عند الببلغيني و ّ
ـ"الصرؼ" ،أو "االنصراؼ" وااللتفات ،واػبروج على مقتضى الظّاىر، ِ
ومتّفقة ال ّداللة ،فاستُخد ّ
اؼبستمرة ُب
ّ واػبروج عن األصل ،والتّ ّلوف ،ويعكس ىذا التّ ّنوع ُب اؼبصطلحات اجتهادات العلماء
اؼبادة اللّغوية واؼبعجمية للعدوؿ يدور
الزخم ُب ّ
ال ّدرس الببلغي ،وُب التّفسري كما يوحي أيضا بأ ّف ّ
071
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
1نظرية اللّغة في النّقد العربي ،راضي عبد الحكيم ،مطبوعات المجلس األعلى للثّقافة ،مصر ،ط2003(1ـ) ،ص.209
2أسرار البالغة ،بد القاىر الجرجاني ،ص.485
3سورة األنعاـ ،اآلية .100
4دالئل اإلعجاز ،عبد القاىر الجرجاني ،ص.286
075
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
اعبن
الرتكييب فيقوؿ « :إنّا وإف كنّا نرى صبلة اؼبعىن وؿبصولو أ ّّنم جعلوا ّ
يوضح ىذا العدوؿ ّ
ٍبّ ّ
شركاء وعبدوىم مع ا﵁ تعأب وكاف ىذا اؼبعىن وبصل مع التّأخري حصولو مع التّقدًن فإ ّف تقدًن
"الشركاء" يفيد ىذا اؼبعىن ويفيد معو معىن آخر ،وىو أنّو ما كاف ينبغي أف يكوف ﵁ شريك،ال من
ّ
اعبن شركاء ﵁" ٓب يُفد ذلك وٓب يكن فيو شيء أكثر من
"جعلوا ّ
أخر فقيل ُ
اعبن ،وإذا ّ
اعبن وال غري ّ
ّ
اعبن مع ا﵁ تعأب ».1
بأّنم عبدوا ّ
اإلخبار عنهم ّ
يتبني
وعلى ضوء ىذا اؼبثاؿ وغريه من األمثلة الّيت أوردىا اعبرجاين ُب كتابيو األسرار وال ّدالئل ّ
الرتكييب وغريه من االنزياحات ،حيث ع ّده ميزة كل اغبرص على االىتماـ باالنزياح ّ أنّو كاف حريصا ّ
الرقّة ومسبّب االستمتاع ،فقد فهم اعبرجاين أ ّف
كبرية ُب النّصوص ،إذ يُصبح أصل الفائدة ومبعث ّ
وبرض اؼببدعخاصا يبكن الوصوؿ من خبللو إٔب ظبات أسلوبية ّ
حوؿ ُب اللّغة يبثّل نظاما ّ
مبدأ التّ ّ
فّن أو اكبراُب.
الرتاكيب أحدنبا مبطي واآلخر ّ
عليها ،وذلك بالتّمييز بني نوعني من ّ
ّأما فنّية وصبالية النّوع األخري فتتأتّى باؼبقارنة بني الوجهني العادي واؼبنحرؼ ،وغاية ىذه اؼبقارنة
ىي الوقوؼ على التّماثل ُب ال ّداللة على ذات اؼبعىن ،فأصل اؼبعىن ُب اؼبثاؿ الّذي ذكره اعبرجاين واحد"
اعبن
"الشركاء" على ّ اعبن شركاء ﵁" غري أ ّف العبارة األؤب بتقدًن ّ
اعبن "،و"وجعلوا ّ
وجعلوا ﵁ شركاء ّ
ارتقت باؼبعىن إٔب أعلى اؼبستويات فوضحت« قدرة اللّغة على التّأثري والعدوؿ وامتبلؾ اغبيوية اؼبؤلّفة
معربة
الصورة النّمطية ّ
الرصيد اؼبعجمي ،وتتع ّدى ّ
ص ،فهي تعيد إنتاج ّ
لبلنفعاؿ الوجداين ُب سياؽ ل ّذة النّ ّ
2
اؼبؤسس على خصوصية التّشكيل ومزايا التّميّز األسلويب».
عن البياف ّ
صرؼ ُب ىيكل ال ّداللة للخروج
الرتتيب وإحداث اػبلل ُب قاعدة االستبداؿ ظبح «بالتّ ّ
فتغيري ّ
3
عن اؼبألوؼ ونقل الكبلـ من ال ّدائرة النّفعية إٔب ال ّدائرة اعبمالية ».
كما أشار اعبرجاين إٔب فائدة ومعىن آخر وىو إبراز كلمة أو نكتة لتوجيو التفات اؼبتل ّقي إليها
حسا لغويا ولطفا عاليا.
ومن ٍبّ فهذا اإلجراء األسلويب يتطلّب ّ
3نفسو ،ص.287
صي وفرادة التّشكيل" ،عبد اهلل عنبر ،ص.274
اللغة العربية األردنيّة(مجلّة) " ،مقاربة بنائية الكتناه التّماسك النّ ّ
2
3نفسو ،ص.254
072
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
دبسمى آخر ىو "االلتفات" وقد الزـبشري (ت525ىػ) فقد استخدـ مصطلح االنزياح ّ ّأما ّ
خاص معتمدا ُب ذلك على اؼبنهج ّ توسع ُب بياف فائدتو ُب الكشف عن ببلغة القرآف بشكل ّ
اح فَػتُثِ ُير َس َحابًا ِ
الكشاؼ ،إذ يقوؿُ «:ب قولو تعأبَ ﴿:واللوُ الذي أ َْر َس َل الريَ َ التّحليلي ضمن كتابو ّ
ور ﴾ 1فإف قلتٓ :ب جاء(فتثري) ش ُ ض بَػ ْع َد َم ْوتِ َها َك َذلِ َ
ك النُّ ُ ِ
َحيَػ ْيػنَا بِو األ َْر َ فَس ْقنَاهُ إِلَى بػلَ ٍد مي ٍ
ت فَأ ْ َ ُ
الربّانية وىكذا يفعلوف بفعل على اؼبضارع دوف ما قبلو وما بعده؟ قلت :ليحكي اغباؿ على القدرة ّ
تنوع وسبيّز وخصوصية حباؿ تستغرب أو تَػ ُه ُم اؼبخاطب أو غري ذلك ».2
فيو ّ
يوضح عدوؿ اػبطاب من اؼباضي"أ َْر َس َل" إٔب اؼبضارع "تُثري" وىو ما ُيبثّل الفعل كأنّو
ص ّ فالنّ ّ
واقع وماثل ومشاىد لدى اؼبتل ّقيٍ .بّ العدوؿ من اؼبضارع (تثري) إٔب اؼباضي(فسقناه) فيجعل اؼبتوقّع ُب
الزـبشري ُب ربليلو
للزمن ُب حكم الواقع لدفع اؼبخاطَب إٔب التّي ّقن منو ،وىو ما دفع ّ
النّسق الطّبيعي ّ
وتفسريه للقرآف إٔب تعليل ببلغة العدوؿ أو االلتفات -كما اصطلح على تسميتو -بأف فيو إيقاظا
للسامع وتطرية لو إذ ينقلو من أسلوب إٔب أسلوب للتّأثري فيو ودفع اؼبلل عنو.
ّ
الزـبشري ُب كبلمو عن اؼبطابقات الّيت سبثّل النّسق اللّغوي اؼبثإب ُب األداء
وىكذا يبضي ّ
ليقارب بينها وبني الكبلـ اؼبعدوؿ إليو ،حيث يُصبح االلتفات بالنّسبة إليو « ظاىرة أسلوبية تعتمد
على انتهاؾ ىذا النّسق بانتقاؿ الكبلـ من صيغة إٔب صيغة ومن خطاب إٔب غيبة ،ومن غيبة إٔب
3
خطاب ،إٔب غري ذلك من أنواع االلتفاتات ».
الس ّكاكي (ت 232ىػ) كاف من أكثر الببلغيني إشارة إٔب التّ ّنوع األسلويب ُب ويبدو أ ّف ّ
مهمة كالتّقدًن والتّأخري واإلهباز واإلطناب واَّاز ،والتّشبيو
ص األديب ،فقد وقف عند قضايا ّ النّ ّ
سمى ىذا النّقل التفاتا عند علماء اؼبعاينوجعلها من االلتفاتات الّيت ربدث ُب الكبلـ يقوؿ« :ويُ ّ
والعرب يستكثروف منو ويروف أ ّف الكبلـ إذا انتقل من أسلوب إٔب أسلوب أدخل ُب القبوؿ عند
1
السامع ،وأحسن تطرية لنشاطو».
ّ
الس ّكاكي ُب نقلو ؼببحث االلتفات من البديع إٔب علم اؼبعاين الشتمالو على
وتبدو براعة ّ
توضحت
الرتكيب –وىي االنتقاؿ من أسلوب إٔب آخر -يُراعي فيها مقتضى اغباؿ ،كما ّ خاصية ُب ّ
ّ
وسع من دائرّتا فيما مثّل بو من قولو امرئ القيس: رؤيتو لعمليّة العدوؿ حيث ّ
الخلِ ُّي ولَػ ْم تَػ ْرقُػ ِد
اـ َونَ َ ك باإلثْ ِم ِد طاو َؿ لَْيػلُ َ
تَ َ
العائِ ِر ،األَ ْرَمػ ِد ِِ
َكلَْيػلَة ذي َ ت لَوُ لَْيػلَةٌ
ات وباتَ ْ وبَ َ
ِ2 وذلِ َ ِ
َو ُخبػ ْرتُوُ َع ْن أَبي األَ ْسػ َود اءني ك م ْنػنَبٍَإ َجػ َ
فظاىر اغبديث كاف يقتضي البدء بلساف اؼبتكلّم ،فالعدوؿ ىنا ليس بالنّسبة لكبلـ سابق،
3
وإّمبا بالنّسبة لؤلصل الّذي هبب أف يكوف عليو الكبلـ وُّذا يدخل التّجريد ُب ؾباؿ االلتفات.
الضمائر ُب أبياتو (ـباطب ،غائب ،متكلّم) ،وىي تشري
الشاعر ثبلثة أنواع من ّ
فقد استعمل ّ
سمى
األوؿ للمخاطب ،وىذا ما يُ ّ
الضمرياف ُب البيت ّ
الشاعر نفسو و ّ
كلّها إٔب شخص واحد ىو ّ
الشعر،
الشاعر من نفسو شخصا آخر ُىباطبو ،وىي طريقة مستخدمة ُب ّ
بالتّجريد ومعناه أف ُهبّرد ّ
الضمري ُب البيتني التّاليني ويُع ّد ظبة أسلوبية
ويتغري ّ
الشعريّة ّ
لذلك ع ّدىا الباحثوف جزءا من اللّغة ّ
وسبثيلها يكوف كاآلٌب:
نسق -ـبالفة تبتدئ نسقا جديدا – ـبالفة
خاصة كما لو تأثري على القارئ ،حيث أ ّف االنتقاؿ من
وىذا التّغيري ُب تشكيل األسلوب لو داللة ّ
للصياغة.
السطحي ّ
الضمري على اؼبستوى ّ
ضمري إٔب ضمري آخر مغاير وبدث اىتزازا ُب مرجعيّة ّ
السكاّكي يبيل إٔب توسيع نطاؽ النّسق اؼبثإب الّذي يبثّل االلتفات عدوال
وُّذا يتّضح أ ّف ّ
يوسع دائرة النّمط ليشمل ىذا البُعد عنها،فليست القاعدة عنده « ما يبثّلو ظاىر العبارة وإّمبا ّ
051
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
اؼبيتافيزيقي للّغة البعد اؼبعتمد على التّقدير أيضا إمعانا ُب تسجيل اػببلؼ ،وتعميق فجوة االكبراؼ
بني اؼبقولة النّحوية واألسلوب البليغ ».1
قضية العدوؿ ُب مبحث االلتفات الّذي يرى فيو ّأما ابن األثري( ت227ىػ) فقد حصر ّ
ضابطا ؿب ّددا ُب الكبلـ ،و يكوف حبسب مواقعو ُب الببلغة وموارده ُب اػبطاب «فالنّاظر إّمبا يعرؼ
كل موضع يكوف فيو ،فيعرؼ قدر ببلغتو باإلضافة إٔب ذلك
حسن مواقع االلتفات إذا نظر ُب ّ
2
اؼبوضع بعينو».
يتم فيو ربويل اػبطاب من صيغ فإبداعية االلتفات تتجلّى ُب كوّنا أسلوبا دالليا وانتقالياّ ،
الشحنة اعبمالية واالببلغية بالنّظر إٔب
معيّنة إٔب صيغ أخرى ـبتلفة عنها ،وىذا االنتقاؿ ىو ما يولّد ّ
اؼبوضع الّذي يكوف فيو ذلك أ ّف معناه« التّعبري عن معىن بطريقة من الطّرؽ الثبلثة
3
(التّكلّم،الغيبة،اػبطاب) بعد التّعبري عنو بطريق آخر ».
وىذا التّعريف يشري إٔب « أ ّف الكبلـ بدأ بأحد الطّرؽ الثّبلثةٍ ،بّ عدؿ عنها إٔب طريق
األوؿ
زبص الطّريق ّ
الرتكيبية الّيت ّ
آخر،وقد رب ّقق ىذا العدوؿ من خبلؿ اكبراؼ الكبلـ عن البىن ّ
4
زبص الطّريق اعبديد الّذي عُدؿ إليو ».
واختياره ُب تركيبتو ّ
والغرض اؼبوجب الستعماؿ ىذا األسلوب ال هبري على وترية واحدة ،وإّمبا ىو مقصور على
العناية باؼبعىن اؼبقصود لذلك قاؿ ابن األثري «:إ ّف العدوؿ عن صيغة من األلفاظ إٔب صيغة أخرى ال
5
يكوف إالّ لنوع خصوصية اقتضت ذلك ».
050
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
بالضمائر واألزمنة
وتتجلّى فنّية االلتفات ُب اؼبهارة االختبلسية الّيت ُيبارسها األسلوب وتلتبس ّ
الصياغة من جهة ،وبداللة القراءة والتّقبّل من جهة
فيصبح االلتفات أسلوبا مرتبطا بال ّداللة واؼبعىن و ّ
1
كل موضع يكوف فيو ».
أخرى « فالنّاظر إّمبا يعرؼ حسن مواقع االلتفات إذا نظر ُب ّ
تصورىا للحالة
تتحوؿ إٔب فاعلية إنتاجية ُب ّ
فكما زبلق الكتابة إبداعيتها ،فإ ّف القراءة أيضا ّ
الّيت يكوف عليها اػبطاب عرب انتقالو من صيغة إٔب صيغة غري متشاُّة ،ومن سياؽ تعبري يعكسو
قسم ابن األثري االلتفات إٔب ثبلثة أقساـ ىي:
الرتكييب إٔب سياؽ مغاير ،وقد ّ
الشكل ّ
ّ
ْح ْم ُد لِل ِو َرب
األوؿ :االنتقاؿ من الغيبة إٔب اػبطاب ومن شواىده قولو تعأب﴿:ال َ -1القسم ّ
ين﴾ ،2عدؿ فيها عن الغيبة اؾ نَػ ْعب ُد وإِي َ ِ ِِ ِ ِ ِ
اؾ نَ ْستَع ُ ين ،الر ْح َم ِن الرح ِيمَ ،مالك يَػ ْوـ الدي ِن ،إِي َ ُ َ
ال َْعالَم َ
رب العاؼبني) إٔب اػبطاب« (إيّاؾ نعبد وإيّاؾ نستعني) ،أل ّف اغبمد دوف العبادة ،أال تراؾ (اغبمد ﵁ ّ
لتوسطو مع الغيبة ُب اػبرب ِ
فلما كانت اغباؿ كذلك ،استعمل لفظ اغبمد ّ ربمد نَظ َريَؾ وال تعبدهّ ،
اليت ىي أقصى الطّاعات قاؿ :إيّاؾ نعبد، فقاؿ :اغبمد ﵁ ،وٓب يقل اغبمد لك وؼبا صار إٔب العبادة ّ
3
عز اظبو -باالنتهاء إٔب ؿبدود منها».
تقربا منو – ّ
فخاطب بالعبادة إصراحا ُّا ،و ّ
ين صرا َ ِ ِ ِ -االنتقاؿ من اػبطاب إٔب الغيبة ُب قولو تعأبِ ﴿:
ط الذ َ يمَ ،ط ال ُْم ْستَق َ اىدنَا الص َرا َ
4 ض ِ
فصرح باػبطاب ل ّػما ذكر النّعمةٍ ،بّ ّ « ، ين﴾
وب َعلَْي ِه ْم َوالَ الضال َ ت َعلَْي ِه ْم غَْي ِر ال َْم ْغ ُ
أَنْػ َع ْم َ
قرب من ا﵁ بذكر نعمو، األوؿ موضع التّ ّ األوؿ ،أل ّف ّ
قاؿ( :غري اؼبغضوب عليهم) عطفا على ّ
فلما صار إٔب ذكر الغضب جاء باللّفظ منحرفا عن ذكر الغاضب ،فأسند النّعمة إليو لفظا وَزَوى
ّ
5
الرتكيب األسلويب ىوعنو لفظ الغضب ربنّنا ولطفا» .واؽبدؼ اؼبعنوي من ىذا العدوؿ ُب ىذا ّ
ِ
اؼبخاطب. تعظيم شأف
053
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
القسم الثّاين :العدوؿ عن الفعل اؼبستقبل إٔب فعل األمر وعن الفعل اؼباضي إٔب فعل -2
052
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
األوؿ قولو
القسم الثّالث :اإلخبار عن اؼباضي باؼبستقبل وعن اؼبستقبل باؼباضي ومن شواىد ّ -3
2ينظر :جماليات االلتفات ،عز ال ّدين إسماعيل ،منشورات النادي األدبي الثّقافي ،ج ّدة 1988( ،ـ) ،ص.892
3سورة النّمل ،اآلية .87
السائر ،ابن األثير ،الجزء ،02ص.185
المثل ّ
4
051
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
وثانيهما -أين ُوبسن العدوؿ عنو (فرع عن ىذا األصل) و« ُّذا يكوف اغبديث عن العدوؿ
1
كمية العدوؿ ومداه ُب األسلوب ».
يفرتض وجود مبط معياري ثابت للّغة يبكن أف تُقاس إليو ّ
فيُصبح العدوؿ عند ابن قيّم اعبوزية « :خروج عن أصل لغوي مفرتض ،ومبط معياري ثابت،
ربقيقا ألىداؼ فنّية وصبالية ودالالت لطيفة بديعة ،كما أنّو منبّو أسلويب يُثري االىتماـ ويدعو إٔب
2
التّ ّأمل ».
تتضمن العدوؿ عن األصل كما ُب تفسريه لقولو تعأب: ويتوقّف ابن قيّم عند آيات كثرية ّ
ت فَػ ُه َو يَ ْش ِفي ِن﴾ ،3وقولو
ضُ﴿ال ِذي َخلَ َقنِي فَػ ُه َو يَػ ْه ِدي ِنَ ،وال ِذي ُى َو يُط ِْع ُمنِي َويَ ْس ِقي ِنَ ،وإِذَا َم ِر ْ
اد بِ ِه ْم َربُّػ ُه ْم َر َش ًدا﴾.4 تعأب أيضا ﴿ َوأَنا ال نَ ْد ِري أَ َش ٌّر أُ ِري َد بِ َمن فِي األ َْر ِ
ض أ َْـ أ ََر َ
وتركيزه جاء على الفعلني "إذا مرضت" و"أُريد" حيث وجد ّأّنما ينحواف كبوا ُمغايرا ؼبا ىو
متوقّع،وصيغتهما ـبالفة ألصل مفرتض فالفعل "إذا مرضت" يأٌب مستندا إٔب ضمري اؼبتكلّم (إبراىيم
وجل (خلقّن ،يهدين ،يسقني ،يشفني،يُطعمّن)
عز ّ السبلـ) وسط أفعاؿ جاءت ُمسندة إٔب ا﵁ ّ
عليو ّ
وكذلك الفعل"أُريد" بّن للمجهوؿ ُ
وحذؼ فاعلو ،واألصل أف يُبىن للمعلوـ واغبكمة الّيت اقتضت
5
وجل.
عز ّأدب ُب اػبطاب مع ا﵁ ّ
ذلك العدوؿ ىي التّ ّ
خاص وطريقة معهودة ال وبيد عنها وىي «أ ّف أفعاؿ
ّ يدؿ على أ ّف للقرآف أسلوب
وىذا ما ّ
الرضبة واعبود تُضاؼ إٔب ا﵁ سبحانو وتعأب فيذكر فاعلها منسوبة إليو ،وال ينبّن الفعل
اإلحساف و ّ
معها للمفعوؿ ،فإذا جيء بأفعاؿ العدؿ واعبزاء والعقوبة ُحذؼ الفاعل وبّن الفعل معها للمفعوؿ
6
أدبا ُب اػبطاب وإضافتو إٔب ا﵁ أشرؼ فسمى أفعالو ».
وأبرز أنواع العدوؿ الّيت ذكرىا اؼبؤلّف ُب بدائعو ثبلثة ىي:
1ندوة ال ّدراسة المصطلحية والعلوـ اإلسالمية ،جامعة سيدي محمد بن عبد اهلل " العدوؿ في بدائع الفوائد البن القيّم الجوزية" محمد
بوحمدي الجزء ،01مطبعة المعارؼ الجديدة ،الرباط1993( ،ـ) ،ص.168
2نفسو ،ص.170
شعراء ،اآليات ()80-79-78
سورة ال ّ
3
-0العدوؿ اؼبعجمي.
الرتكييب.
-3العدوؿ ّ
الصرُب.
-2العدوؿ ّ
أ-العدوؿ المعجمي:
ويقصد بو إيثار كلمة على أخرى ،تنتمياف إؿ ؾباؿ دالٕب واحد ،وتشرتكاف ُب اؼبعىن العاـ
ضع ُك ُّل َذ ِ
ات َح ْم ٍل َح ْملَ َها ت َوتَ َ ُ ض َع ٍة َعما أ َْر َ
ض َع ْ منها قولو تعأبَْ ﴿:يوـ تَػرونَػ َها تَ ْذ َىل ُك ُّل مر ِ
ُْ ُ ْ َ َْ
اب الل ِو َش ِدي ٌد﴾.1 ِ
ارى َولَكن َع َذ َ س َك َ
ِ
ارى َوَما ُىم ب ُ اس ُس َك َ
َوتَػ َرى الن َ
كل مرضعة" إٔب قولو السّر البديع ُب عدولو سبحانو ،عن " ّ يقوؿ«:وتأمل رضبك ا﵁ تعأب ّ
"ذات ضبل" ،فإ ّف اغبامل قد تُطلق على اؼبهيّئة للحمل ،وعلى من ىي ُب ّأوؿ ضبلها ومباديو ،فإذا
قيل :ذات ضبل ٓب يكن إالّ ؼبن ظهر ضبلها وصلح للوضع كامبل أو سقط كما يُقاؿ :ذات ولد ،فأتى
2
الرضاعة دوف التّهيّؤ ؽبا».
اؼبرضعة بالتّاء الّيت رب ّقق فعل ّ
ُب ُ
فذات اغبمل «أبلغ ُب ال ّداللة وأوَب باؼبراد وأنسب للمقاـ أل ّف فيها إشارة إٔب رب ّقق وجود
اغبمل وقبولو للوضع ».3
ب-العدوؿ التّركيبي:
كشف ابن قيّم اعبوزية عن علل بديعة ُب اختيار بعض األساليب النّحويّة دوف البعض اآلخر
ربوؿ ُب
قل أو صغر ينتج عنو ّ كل تغيري مهما ّ
لكل تركيب من اؼبعاين ما ليس لغريه ،وأ ّف ّ
وبني أ ّف ّّ
السبلـ ُب االبتداء بالتّحيّة وتأخريه ُب
ال ّداللة وينقلها من واد إٔب واد ،ومنها ربليلو وتفسريه لتقدًن ّ
الرّد.
ّ
شرع على األحياء واألموات يقوؿ« :وىنا نكتة بديعة ينبغي التّفطّن ؽبا ،وىي أ ّف ال َسبلـ ّ
بتقدًن اظبو على اؼبسلّم عليهم ألنّو دعاء خبري ،واألحسن ُب دعاء اػبري أف يتق ّدـ ال ّدعاء بو على
تصور
وربوؿ الكبلـ فبّا كاف عليو ُب مألوؼ ّفالعدوؿ على ىذا حركية فاعلة تفيد انتقاؿ ّ
السحر ،وىذا التعبري رحلة كبو الكشف عن بنيات غائبة ال تُ ْدرؾ من
السامع إٔب انتظاـ جديد غايتو ّ
ّ
للصياغة
ظاىر اػبطاب ،ولكنّها تستنبط باؼبقاربة ،حني ذبد اللّغة نفسها ُب اؼبفرتؽ الّذي يكفل ّ
إوباءات تشكيلية ال يبكن تقديرىا.
لعل ىذا ما
ويتم ىذا التّشكيل اللّغوي عرب األسلوب الّذي يُوصف بأنّو انزياح عن اؼبعيار ،و ّ
ّ
يتحرؾ ُب حدودىا ،وىي حرية شديدة التّ ّنوع ترتبط
اغبرية الّيت يستطيع اؼببدع أف ّ
يَطرح مبلغ ومدى ّ
وترو لذلك كانت ظباتو صبالية بامتياز.
أساسا بالبنية والقصد ،إذ العدوؿ اختيار متعمد مدروس بعناية ّ
الرؤيا اإلبداعية ،ىاسكل بلوؾ ،ىيرماف سالنجر ،ترجمة أسعد حليم ،مكتبة النّهضة ،مصر1966( ،ـ) ،ص.20
ّ
1
شعرية ،جاف كوىن ،ترجمة محمد الولي ومحمد العمري ،دار توبقاؿ للنّشر ،الدار البيضاء ،المغرب ،ط1986(1ـ) ،ص.129
بنية اللّغة ال ّ
3
090
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
093
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
-2اؼبستوى اؼبرفوض.
1
يتصرؼ فيو.
وُيبثّل اؼبستوى الثّاين بالنّسبة لتودوروؼ أروبية اللّغة ُب ما يَ َس ُع اإلنساف أف ّ
الروسيّة اىتماما بالغا باالنزياح ُب اللّغة األدبية ،فاألدب بالنّسبة إليها
الشكبلنية ّ
وتوٕب ّ
وربوؿ عن استخداـ اللّغة استخداما منطقيّا«استخداـ خاص للّغة ،وىو اكبراؼ عن اللّغة العاديّة ّ
وتقليديا إٔب استخداـ قائم على ا﵀اكاة واأليقونية ».2
كل ما ىو مألوؼ
الروس نظرّتم إذ استبعدوا ّ الشكبلنيوف ّ
ىذه القاعدة ىي الّيت بىن عليها ّ
سمى دببدأ التّغريب ،وىو مفهوـ ظهر عند ناقد
وتقليدي من اللّغة األدبية ،ورّكزوا اىتمامهم على ما يُ ّ
من ن ّقاد ىذه اؼبدرسة وىو "شكلوفسكي"( )0951-0592حيث يرى أ ّف :
حاسة اغبياة والتّجربة ووبملنا
الفن إذ ينزع األلفة عن األشياء وقد غدت مألوفة تنعش فينا ّ
« ّ
3
على تل ّقي األشياء تلقيا جديدا ».
للشيء اؼبعتاد إٔب أمر غريب يػُ َق ّدـ
الشعرية ربويل ّ
الصورة ّ
االذباه ّ
لذلك اعترب الباحثوف ُب ىذا ّ
ربت ضوء جديد ،ويوضع ُب سياؽ غري متوقّع حبيث ىبلق اؼبفاجأة والغرابة ُب ذىن اؼبتل ّقي.
الصورة منزاحة وصعبة
الصورة ىي جعل ّ
الشعر اؼبتوفّرة على ىذه ّ
ومن ىنا أصبحت وظيفة ّ
الشعر إٔب لغة غريبة
تتحوؿ ُب ّ
ومتشعبة ُب تصاريف األداء اللّغوي فاللّغة اليومية – حسب رأيهم – ّ
ّ
4
للشعر.
الشكلي ّ
ّإما صوتيا أو معجميا أو دالليا وىذا ىو األساس ّ
الشكبلنينيُ -ب البحث عن اللّغة
ويغوص "موكاروفسكي"(- )Mukaroveskyوىو من ّ
الشعرية عن اللّغة اؼبعيارية ىي اكبرافها عن
السمة الّيت سبيّزاللّغة ّ
الشعرية ،لينتهي إٔب أ ّف ّ
اؼبعيارية واللّغة ّ
الشعرية
الضرائر ّ
خاص وصيغ كبوية ظبّاىا ّ
عما سبتاز بو من معجم ّ
قانوناللّغة اؼبعيارية وخرقها لو فضبل ّ
5
.Poetisms
092
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
ويقوؿ « :إ ّف انتهاؾ قانوف اللّغة اؼبعيارية – االنتهاؾ اؼبنظّم -ىو الّذي هبعل االستخداـ
الشعر ،وكلّما كاف قانوف اللّغة اؼبعيارية أكثر ثباتا
الشعري للّغة فبكنا ومن دوف ىذا االمكاف لن يوجد ّ
ّ
الشعر ُب تلك اللّغة،ومن ناحية أخرى
تنوعا ،ومن ٍبّ كثرت إمكانيات ّ
ُب لغة ما كاف انتهاكو أكثر ّ
1
الشعر».
تقل إمكانات ّ
قل الوعي ُّذا القانوف قلّت إمكانيات االنتهاؾ ومن ٍبّ ّ
كلّما ّ
الشعر وهبعلو ضرورة لوجوده فثبات قانوف اللّغة اؼبعيارية ىو ما
يربط الباحث بني االنزياح و ّ
وتنوعو؛ حيث يسمح ىذا الثّبات دبعرفة أصوؿ اللّغة وقوانينها ،بنحتها وتركيبها ُوب ّدد درجة االنزياح ّ
وفق ذباوزات صياغية فريدة تظهر إمكانياّتا اػبفيّة وأسرارىا العجيبة.
ونُرصد مفهوما لبلنزياح لشكبلين آخر وىو "روماف جاكبسوف" من خبلؿ ربديده لؤلسلوب
2
الرأي لغة
حبق الكبلـ العادي » ،فاألسلوب وفق ىذا ّ إذ يقوؿ« :األسلوب عنف منظّم مقرتؼ ّ
خاصة تتّصف بتشويو مقصود اللّغة العاديّة عن طريق العنف اؼبنظّم ،وقد أ ّكد ىذا الكبلـ ُب تعريفو
ّ
الفّن من بقية مستويات اػبطاب ّأوال
عما يتميّز بو الكبلـ ّ
لؤلسلوبية أيضا حيث قاؿ ّأّنا « :حبث ّ
3
ومن سائر أصناؼ الفنوف اإلنسانية ثانيا».
تقصي العبلقات البنائية
خاص بُغية ّ
الفّن بشكل ّ
إذ رباوؿ ارتياد أش ّد اؼبناطق إخفاءً ُب العمل ّ
وذبلية أسرارىا اإلببلغية واعبمالية ،وال تنبّن ىذه األسرار واػبفايا إالّ باالنزياح اؼبتمظهر عرب
خصوصية التّشكيل ،وقد حاوؿ التّدقيق أكثر ُب بلورة مفهوـ االنزياح ونعتو" خبيبة االنتظار" من باب
الشيء دبا يتولّد عنو ،ووبيل ىذا التّعريف على عنصر اؼبفاجأة الّيت تتّضح خبروج الكبلـ عن
تسمية ّ
اؼبألوؼ.
قارا يتمثّل ُب أ ّف اغبدث اللّساين ىو تركيب عمليتني
استغل "جاكبسوف" معطى لسانيا ّ
ّ ولقد
الرصيد اؼبعجمي
الزمن ومتطابقتني ُب الوظيفة ونبا اختيار اؼبتكلّم ألدواتو التّعبريية من ّ
متواليتني ُب ّ
091
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
صرؼ ُب االستعماؿ
للّغة ٍبّ تركيبو ؽبا تركيبا تقتضي بعضو قوانني النّحو وتسمح ببعضو اآلخر سبل التّ ّ
وىنا وبدث االنزياح.
تصب ُب سياؽ دالٕب واحد ىو
الشكبلنيّني ّ ويبدو واضحا أ ّف مفاىيم االنزياح لدى بعض ّ
حوؿ ،وبني ا﵀افظة على اؼبعيار
مستمرا بني الثّبات والتّ ّ
ّ الشعري يعيش ذباذبا
القوؿ بأ ّف اػبطاب ّ
الشعريّة كنوع لغوي يزداد ابتعادا عن اللّغة اؼبعيارية ،وإف كانت ىذه
وخرقو ،حيث تتح ّقق اللّغة ّ
اؼبتعمد
األخرية -حبسب ىؤالء -اػبلفية األساسية للّغة الّيت ينعكس عليها التّعريف اعبمإب ّ
للمكونات اللّغوية لئلبداع.
ّ
اػباصة بالقوؿ اعبمإب ،ىو أنّو يكسر نظاـ
أىم العناصر ّ
ّأما ن ّقاد البنيوية فقد أصبعوا على أ ّف ّ
اإلمكانات اللّغوية الّذي يهدؼ إٔب نقل اؼبعاين العادية1.وقد احتضن ىذا ّ
االذباه اللّغة األدبية
باعتبارىا اكبرافا.
وقد حاوؿ "تشومسكي" بدوره ربط النّحو التّوليدي التحويلي بأسلوبية االنزياح من مبدأ
السامع واؼبتكلّم ،بَػْي َد أنّو الحظ أنّو
مفاده أنّو ينبغي للجملة أف توافق القواعد النّحوية وأف تقبلها أذف ّ
ُيبكن أف تُوافق اعبملة قواعد النّحو ،لكنّها تبدو غري مفهومة معنويّا بسبب من اختبلؿ العبلقات وقد
الشهري « :إف أفكارا خضراء عديبة اللّوف تناـ بعنف ».2
أوضح ذلك دبثالو ّ
فاعبملة صحيحة كبويّا ونظما لكنّها مع ّقدة من حيث داللتها اإلببلغية ،فكيف يُسند النّوـ
واللّوف والعنف لؤلفكار؟
واتّضح بعد مناقشات واسعة حوؿ ىذه اعبملة إٔب ّأّنا ُخّرجت عن القواعد ال ّداللية ،وىي قد
تُػ َؤَوؿ وتُفهم ولكنّها من منظور دراسات النّحو التّوليدي التّحويلي خارجة على قواعد النّحو وال ّداللة،
الشذوذ وميّز بني ثبلثة أنواع من
وىو ما دفع "تشومسكي" إٔب القبوؿ بوجود درجات ـبتلفة من ّ
االكبراؼ:
عندما تنتهك مرتبة معجمية. -0
1ينظر :نظرية البنائية في النّقد األدبي ،صالح فضل ،مكتبة االنجلو مصرية ،القاىرة ،ط1980(2ـ) ،ص.375
محمد ويس ،ص .99
االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية ،أحمد ّ
2
095
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
شعر العربي المعاصر" ،محمد صالح فضل ،المجلد 22العدد1994( ،03ـ) ،المجلس
تصور كلّي ألساليب ال ّ
عالم الفكر(مجلة) " ،نحو ّ
1
السائد أ ّف
ويعترب " ريفاتري" االكبراؼ حيلة مقصودة عبلب انتباه القارئ ،وكاف االعتقاد ّ
نسيب ،وال يب ّكن ال ّدارس من مقياس
النّمط العادي ُوب ّدده االستعماؿ غري أ ّف مفهوـ االستعماؿ نفسو ّ
السياؽ األسلويب" وقد
سميو" ّ
موضوعي صحيح ،فيقرتح ريفاتري تقويض مفهوـ االستعماؿ دبا يُ ّ
تبني لو أ ّف طريقة القارئ العمدةتكفي الكتشاؼ
استقرت عنده فكرة االكبراؼ ال ّداخلي بعد أف ّ
ّ
االكبراؼ.
حيث )Jean Cohen؛ هما على يد جاف كوىن ( تطورا ُم ّ
وقد اكتسب مفهوـ االنزياح ّ
الشعر ،وقد انبنت نظرية االنزياح عند ىذا الباحث من خبلؿ كتابو "بنية
اعتربه مسألة جوىرية ُب لغة ّ
الشعرية " على ثنائية (اؼبعيار /االنزياح) ونبا مصطلحاف مرتبطاف بشكل واضح باألسلوبية ،و
اللّغة ّ
الشعرية دبوضوعها
يزود ّ
ُب دراستو تلك يعتقد أ ّف االنزياح ىو « خرؽ لقانوف اللّغة ،وىو وحده الّذي ّ
1
الصورة الببلغية الّيت عرفتها الببلغة منذ القدًن.
ّ و ياح
ز االن بني ىذا يفو
ر تع ُب بط
ر وقد اغبقيقي ».
ؾبرد زخرؼ زائد ،بل إ ّّنافالصور الببلغية ُب رأيو ليست ّ
حيث اعتربىا انزياحات لغوية ّ
الشعرية الّيت ُىبفيها العآب ،تلك
تفك إسار اغبمولة ّ
الشعري نفسو ،فهي الّيت ّ
الفن ّ
تكوف جوىر ّ
« ّ
2
الصفر ُب األسلوب.
اغبمولة الّيت وبتفظ ُّا النّثر » .الّذي يُع ّد بالنّسبة إليو ال ّدرجة ّ
الصور الببلغية ودراستها ُب ضوء اؼبعرفة اللّسانية اغبديثة ،وىو
لعل ىذه ؿباولة منو إلحياء ّ
و ّ
الشعرية باعتبارىا اكبرافا عن
الشعر عن لغة النّثر بتشخيصو للّغة ّ
لح على فصل لغة ّ ُب حبثو ذلك يُ ّ
فكل صورة زبرؽ قاعدة من قواعد اللّغة أو
فالشعر عنده انزياح عن معيار ىو قانوف اللّغةّ ،
الكبلـّ ،
مبدأ من مبادئها ،إالّ أ ّف ىذا االنزياح ال يكوف شعريا إالّ إذا كاف ؿبكوما بقانوف هبعلو ـبتلفا عن غري
اؼبعقوؿ ،فالباحث ىنا ُوب ّدد مبلمح االنزياح ودرجاتو فيجعلو ؿبكوما بالفهم من خبلؿ التّأويل ،وال
بالشعر إالّ إذا خضع لعملية تصحيح تعيد لو انسجامو ووظيفتو التّواصلية ،فالعملية التّفسريية
يربطو ّ
الشعر ذاتية من خبلؿ البحث عن اؼببلءمة الكامنة وراء التّباينات ،بينما ُب النّثر تكوف اؼببلءمة
ُب ّ
عقلية منطقية.
2عالمات في النّقد(،مجلة)"االنزياح المنطقي من منظور جماعة مو" ،الحسن بوجالين ،المجلّد ،17العدد ،67سنة (2008ـ) ،ص.167
095
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
القسم الثّاين :يُغطّي اؼبسافة اإلضافية الّيت ًبّ قطعها ُب ؾباؿ لساين بني تلك اؼبهيّئات
1
والوحدات اؼبعجمية اؼبتبناة ّنائيا.
والواقع أ ّف صباعة "مو" انطلقت من اؼبنجز ُب الببلغة القديبة ،وىو تصنيف ـبتلف صور االنزياح
يوضح فعالية النّصوص
وترتيبها ،حيث الحظت أ ّف ربايبلت الببلغيني واألسلوبيني ٓب تق ّدـ تفسريا ّ
الشعرية ،وطرائق اللّغة الّيت سبيّز األدب لذا ح ّددت ىذه اعبماعة األدب كتحويل للّغة ووظّفت نظرية
ّ
2
عامة ربلّل تقنيات ربويل اللّغة وربريفها.
لتضم ؾبازات اللّغة ،لتأسيس ببلغة ّ
لبلنزياح ّ
متنوعة حوؿ مفهوـ االنزياح ومدى ارتباطو بالتّفكري اللّغوي
وتعكس ىذه اآلراء وجهات نظر ّ
يبهد الطّريق
ص األديب حسب مناىج مأخوذة من علم اللّغة ،وىذا ّ
أو باألسلوبية الّيت تعترب وصفا للنّ ّ
نص لغوي ال ُيبكن سرب أغواره دوف ربليل العبلقات اللّغوية الّيت
ص األديب ّ
أماـ فرضية تقوؿ « :إ ّف النّ ّ
3
ينطوي عليها ».
الرتكيبية للمفردات اللّغوية الّيت ُهب ّسدىا االنزياح عن
وتتجلّى ىذه العبلقات ُب اإلمكانات ّ
النّمط اؼبألوؼ ُب األداء دبا فيو من وعي واختيار.
المسدي:
ّ السالم
.1االنزيئح عند عبد ّ
السبلـ اؼبس ّدي فينطلق ُب دراستو لبلنزياح من خطابات الغربيني مبيّنا نظرّتم ؽبذه ّأما عبد ّ
اػباصية اللّغوية ليصل ُب األخري إٔب أ ّف االنزياح يرتبط حبقوؿ التّفكري اللّساين « وصورة ذلك أنّنا قد
ّ
مصب جدولني ونقطة تقاطع ؿبورينّ :أوؽبماّ نبسط فرضية عمل نعترب ُّا أ ّف الظّاىرة اللّغوية ُب ذاّتا
الزمن ،وثانيهما
األوؿ وىو األصل بال ّذات و ّاعبدوؿ النّفعي وىو اعبدوؿ اػبادـ إذ مداره وضع اللّغة ّ
اعبدوؿ العارض وىو اعبدوؿ اؼبخدوـ إذ ؿبوره وضع اللّغة الطّارئ ،ىذاف اؼبظهراف كبلنبا واقع لغوي
و ّأوؽبما ُمتنَا ِزٌؿ ويبثّل "قضيّة" اؼبوجود اللّغوي كتجسيد ػبصوصية اغبيواف النّاطق والثّاين ُ
"متعاؿ" وىو
1
"نقيضة" ذلك اؼبوجود ».
لعل ما يقصده اؼبس ّدي من"وضع اللّغة الطّارئ " ىو االنزياح الّذي يقوـ على التّجاوزو ّ
خاصا ،ينبّن على االمتزاج بني النّقائض والقضايا ُب
أوالتّعإب على وضع اللّغة األصلي ليش ّكل تأليفا ّ
الضغط والتّنازؿ وال ّدفع اؼبتعإب.
ؤسس على صراع بني ّ
الظّاىرة اللّغوية ،ويُ ّ
قار بني اللّغة واإلنساف؛ إذ يبدو أنّو
فمفهوـ االنزياح من وجهة نظره تقوـ على « صراع ّ
بكل طرائقها وؾبموع نواميسها وكلّية إشكاؽبا كمعطى"موضوعي ما ورائي" ،وُب
يلم ّ
عاجز عن أف ّ
لكل
الوقت نفسو ،وىو عاجز أيضا عن أف وبفظ اللّغة مشوليا ،وىي كذلك عاجزة عن أف تستجيب ّ
القوة إٔب الفعل »2.ليصل ُب األخري إٔب أ ّف االنزياح
كل كوامنو من ّ
حاجتو ُب نقل ما يُريد نقلو وإبراز ّ
ىو احتياؿ اإلنساف على اللّغة وعلى نفسو لس ّد قصوره وقصورىا معا.
حوؿ "االنزياح" إٔب صراع بني اللّغة ومستعملها حيث ّبني عجزىا وبذلك يكوف اؼبس ّدي قد ّ
الصمود والبقاء ربت قيودىا
عن االستجابة النفعاالتو وتعبرياتو وىواجسو من جهة ،وعن عجزه عن ّ
ك طرؽ احتيالية ملتوية حرية إبداعو وتعبرياتو من جهة ثانية ،فكاف أف َسلَ َ وقواعدىا الّيت رب ّد من ّ
متجاوزا معايريىا وقواعدىا وأصوؽبا لينطلق ُب اإلبداع واإلوبائية ،وال يتح ّقق ىذا إالّ باالنزياح الّذي
صرؼ ُب ىياكل اللّغة وداللتها وأشكاؽبا وتراكيبها دبا يسمح باكبراؼ الكبلـ ىو من منظور اؼبس ّدي تَ َ
عن النّسق اؼبألوؼ.
وقتلت اعبماعة، بت ال َق ْوَـ ُ اػباصية األسلوبية فيقوؿ «:فأف تقوؿ :ك ّذ ُ يوضح ُّا ىذه ّ ويورد أمثلة ّ
ْكتاب وقَػفيػنَا ِمن بػع ِدهِ ِ
َْ وسى ال َ َ َ ْ خاصية أسلوبية ّأما قوؿ ا﵁ تعأب﴿ َولََق ْد آتَػْيػنَا ُم َ أي ّ فإنّك ال تعمد إٔب ّ
وؿ بِ َما الَ تَػ ْه َوى
اء ُك ْم َر ُس ٌ وح الْ ُق ُد ِ الرس ِل وآتَػْيػنَا ِعيسى ابْن مريم الْبػيػنَ ِ
ات َوأَي ْدنَاهُ بُِر ِ ِ
س أَفَ ُكل َما َج َ َ َ َ َْ َ َ ب ُّ ُ َ
1
استَ ْكَبػ ْرتُ ْم فَػ َف ِريقاً َكذبْػتُ ْم َوفَ ِري ًقا تَػ ْقتُػلُو َف﴾ فيحوي انزياحا أو عدوال عن النّمط ّ
الرتكييب األصلي س ُك ُم ْ
أَن ُف ُ
2
الضمري العائد عليو ثانيا(فريقا ك ّذبتموه)».
بتقدًن اؼبفعوؿ بو ّأوال واختزاؿ ّ
310
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
حّت عند
ظ من التّواتر معترب ّالشيوع والتّواتر عند غري أصحاُّا ،بل ال يكوف ؽبا ح ّ
ظ من ّ حّ
1
عممو أو يندثر »
حّت يُ ّ
اػباص ال يربح باب اػبطأ واللّحن ّ
ّ فاؼبتحوؿ
ّ أصحاُّا،
صحسئن":
تمئم ّ
.3االنزيئح عند" ّ
وخصص لو فصبل كامبل ّ حساف" عن االنزياح دبصطلح تراثي ىو"العدوؿ" تكلّم "سبّاـ ّ
اؼبؤشرات األسلوبية " حيث رب ّدث عن األصوؿ ال ّذىنية الّيت وضعها أظباه"األسلوب العدوٕب و ّ
الباحثوف القدامى لقواعد اللّغة ومبانيها ،وأ ّف اػبروج عن استعماالت اللّغة وقواعدىا األصلية قد
ؤدي إٔب العدوؿ.
يُ ّ
وتقوـ دراستو على مبدأ "استصحاب األصل" و"الرخصة" حيث يذىب إٔب أ ّف البحث ُب
اؽبيكل البنيوي للّغة العربية قاد ال ّدارسني إٔب ضبط صناعة القواعد انطبلقا من استقراء كبلـ العرب
توجهات ىي
ليتم استخراج اؼبعقوؿ من ا﵀سوس وقد أخذ ذلك ثبلث ّ
الفصيحٍ ،بّ مبلحظتو ّ
العامة.
استصحاب األصل والقياس وصبلة من اؼببادئ ّ
حساف قد جعل العدوؿ إجراء لغوي يتّكئ على استصحاب األصل،
وما ُيبكن فهمو أ ّف سبّاـ ّ
وإمكانية اػبروج عنو بالنّسبة للحروؼ والكلمات واعبمل بشرط أف يكوف ُب أثناء االستعماؿ األديب
عرفو بأنّو «خروج عن أصل أو ـبالفة وأمن اللّبس أي "اإلفادة" وظبّاه " العدوؿ األسلويب" وقد ّ
لقاعدة ولكن ىذا اػبروج وتلك اؼبخالفة اكتسبا ُب االستعماؿ األسلويب قدرا من االطّراد ُرقي ُّما
إٔب مرتبة األصوؿ الّيت يُقاس عليها». 2
عرفت ُب
إ ّف قضية األصل والفرع واستصحاب األصل واغباؿ ىي أصل كبوي افرتاضي وقد ّ
بأّنا «:إبقاء اللّفظ على ما يستح ّقو ُب األصل عند عدـ دليل النّقل عن األصل».3
االصطبلح ّ
اؼبتغريات اؼبوجودة ُب اللّغة برسم بياين ّبني
حساف" لبلنزياح من خبلؿ الثّوابت و ّ
وقد مثّل"سبّاـ ّ
من خبللو اؼبناطق اليت وبدث فيها العدوؿ:
جانب اؼببىن جانب اؼبعىن
التّضاـ الرتبة
ّ الربط
اإلعراب ّ البنية
الرابط
اؼبراوحة حذؼ ّ االلتفات التّغليب النّقل اإلجراء
التصنيفي
1األصوؿ (دراسة ابستيمولوجية للفكر اللّغوي عند العرب ،النحو ،فقو اللّغة ،البالغة ،)،تماـ حساف ،ص .127
312
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
اعبملػة
تشويش رتبة عكس الرتتيب اللّغة التقدًن والتأخري تسخري األلفاظ النيابة التضمني
األشباه والنشر اؼبشوش الزمّن أو اؼبنطقي لتوليد اؼبعاين
الوىم ،وكلّما كاف أبعد ُب الوىم كاف أطرؼ وكلّما كاف أطرؼ كاف أعجب وكلّما كاف أعجب كاف
1
أبعد ».
ؿبمد العمري بني مفهوـ االنزياح عند اؼبتق ّدمني العرب والنّقد األسلويب اغبديث ،فم ّد
ربط ّ
(الرتاث) واآلخر
بالرتاث بطريقة صبع فيها بني النّظرية والتّطبيق؛ حيث زاوج بني األنا ّ
جسور التّواصل ّ
(الغرب) مع إضافات ُب ؾباؿ التّطبيق واؼبمارسة على النّصوص العربية.
1البياف والتّبيين ،الجاحظ ،تحقيق عبد السالـ ىاروف ،ج ،1دار الجيل ،بيروت ،ص.89
الس ّد ،ص .192
ينظر :األسلوبية وتحليل الخطاب ،نور ال ّدين ّ
2
315
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
شعري عند المتنبّي ،أحمد مبارؾ الخطيب ،دار الحوار ،سورية ،ط2003(1ـ) ،ص.65
1االنزياح ال ّ
2الخصائص ،ابن جنّي ،ج ،03ص.259
3نفسو ،ج،03ص.260
319
الفصل الثالث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح
يتضمن
اػباص ُب غبظة ما وىذا ّ
ّ عرب عن فكره
فكل فرد يستخدـ ىذه اللّغة ليُ ّ
اللّغة اؼبميّزة ال فائدة ؽبا ّ
حرية التّأليف ».1
ّ
وتتنوع لتشمل ـبتلف التّعبريات سواء تلك الّيت التزمت بقواعد اللّغة
تتوسع ّ
فحرية التّأليف ّ
ّ
أوتلك الّيت احتوت اكبرافات أسلوبية والتّنويع ُب الكبلـ ،ىو ما ُوب ّدد درجة االنزياح من سواىا ،إذ
اإلكثار من األساليب الّيت زبرج عن اؼبألوؼ مناؼ لطبيعة اللّغة والتقيّد بأسلوب واحد مكرر هبعل
اللّغة فبللة وغري مستساغة.
وحوؿ ضرورة تنويع أساليب الكبلـ يقوؿ الزركشي« :وقاؿ الببلغيوف إ ّف الكبلـ إذا جاء على
أسلوب واحد وطاؿ ...حسن تغيري الطريقة» ،2فالتنويع ُب مبط الكبلـ كفيل بإبعاده عن اؼبلل ،إذ
الطّرؽ الّيت تؤدي ُّا اللّغة اؼبعاين كثرية وغري ؿبصورة ،وتبعاً لذلك تكوف األساليب اؼببتكرة غري
ؿبدودة أيضا.
خاصة يقف عندىا اؼبتكلّم أحيانا ،وتأٌب بإعماؿ الفكر ُب
وىو ما يُشري إٔب أ ّف ىناؾ حرية ّ
اللّغة حبيث ينزاح عن األصل بأساليب متولّدة فتكوف األبنية اللّغوية صدى لؤلبنية العقلية.
تتضمن تنويعا ُب األساليب ،وىو ما ىبلق ُب بعض األحياف انزياحات ُب
إذف فحريّة التّأليف ّ
الرتكيبية وال ّداللية وىو ما أشار إليو روماف جاكبسوف « فحريّة تأليف
الصوتية و ّ
ـبتلف اؼبستويات ّ
وحرية
الكلمة بدءا من األصوات ؿبصورة ،وىي ؿبدودة ُب اؼبواقف اؽبامشية الّيت زبلق فيها الكلمات ّ
تأليف العبارة بدءا من الكلمات زبضع لقيود أقل ،وُب النّهاية فعند حرية تأليف اؼبقاؿ بدءا من
حرية اؼبتكلّم ُب النّمو اعبوىري ،بدرجة ال يبكن معها
الرتكيب ،وتبدأ ّ
العبارات ينتهي دور قيود قواعد ّ
تقدير عدد األمباط اؼبمكن تواجدىا ».
الصوت إٔب العبارة إٔب
ليوضح لنا تفاوت مستويات اػبضوع للقيود بدءا من ّ ص ّ ويأٌب ىذا النّ ّ
حرية اؼبتكلّم ُب عدـ التزامو بقيود قواعد اللّغة حبيث تنمو تدرهبيا عند تأليفو للمقاؿ.
ص ،حيث تبدأ ّالنّ ّ
ويبكن تلخيص معيار االنزياح وفق رؤية الباحثني ُب ال ّدراسات األسلوبية ُب األمور اآلتية:
الشعرية واللّغة النّثرية :و يتجلّى ىذا األمر بصورة واضحة عند جاف كوىن الّذي
-1التّفريق بني اللّغة ّ
السائد ،فإنّنا يبكن أف نتّخذ منو اؼبستوى العادي
يقوؿ « :ودبا أ ّف النّثر ىو اؼبستوى اللّغوي ّ
1
الشعر ؾباوزة تُقاس درجتو إٔب ىذا اؼبعيار »
وقبعل ّ
وعموما فقد اقرتح الباحثوف تصنيف االنزياحات ُب طبسة مباذج أساسية أوردىا صبلح فضل
كاآلٌب:2
ص باعتبارىا ظواىر ؿبلية موضعية أو شاملة فاالكبراؼ اؼبوضعي ،ىو
– 1تبعا لدرجة انتشارىا ُب النّ ّ
ككل
ص ّ الشامل فيؤثّر على النّ ّ
السياؽ (االستعارة مثبل) ّأما االكبراؼ ّ
ما يُؤثّر على نسبة ؿبدودة من ّ
(التّكرار مثبل).
تصور
يتم تصنيف االنزياحات طبقا لعبلقتها بنظاـ القواعد اللّغوية ،وذلك من جانبني ّأوؽباّ :ّ –2
تصوره كخرؽ للقواعد اللّغوية.
األسلوب كإضافة صبالية ُب بنية شعرية وثانيهماّ :
فيتم التّمييز بني إكبرافات داخلية وأخرى
صّ ، –3تصنيف االنزياحات وفقا للعبلقة بني القاعدة والنّ ّ
ص ُب
خارجية ،وتتعلّق األؤب بانفصاؿ وحدة لغوية ذات انتشار ؿبدود عن القاعدة اؼبسيطرة على النّ ّ
ص عن القاعدة اؼبوجودة ُب اللّغة اؼبدروسة.
صبلتوّ ،أما الثّانية فتتّصل باختبلؼ أسلوب النّ ّ
يتم التّمييز بني االنزياحات
-4تصنيف االنزياحات طبقا للمستوى اللّغوي الذي تعتمد عليو ،وُّذا ّ
الصرفية واؼبعجمية والنّحوية وال ّداللية.
الصوتية و ّ
اػبطّية و ّ
الرتكيب ُب الوحدات اللّغوية.
-5تصنيف االنزياحات طبقا لتأثريىا على مبدأي االختيار و ّ
مقوماتو
ّأوال:فن المقامة أصولو و ّ
ثانيا :االنزياح ال ّداللي
ثالثا :االنزياح التّركيبي
رابعا :االنزياح اإليقاعي
ومقوماته
ّ أوال :فنّ المقامة أصوله
-0داللة مصطلح اؼبقامة:
301
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
دلّت كلمة «مقامة» ُب اعباىلية على معىن اَّلس أو من يكوف فيو ،واستشهد ببيت زىري:
ِ ٍ ِ
َوأَنْ ِديٍَة يَػنْتَابُػ َها ال َق ْو ُؿ َوال ْ ِ
َوفي ِه ْم َم َق َامات ح َ
1
فع ُل م وى ُه ْ
سا ٌف ُو ُج ُ
الشخص بني يدي ليدؿ على اؼبوقف الذي كاف يقفو ّ تطور معناىا ُب العصر اإلسبلمي ّ ٍبّ ّ
اػبليفة أو غريه واعظا.
نصو
العاـ للمقامة ىو اَّلس ما ّ
الشريشي –شارح مقامات اغبريري -إٔب أ ّف اؼبعىن ّ
يشري ّ
سمى مقامة وؾبلسا؛
« واؼبقامات اَّالس ،واحدّتا مقامة ،واغبديث هبتمع لو وهبلس الستماعو يُ ّ
2
أل ّف اؼبستمعني للمح ّدث ما بني قائم وجالس ».
وىو اؼبعىن الذي أشار إليو أيضا "يوسف نور عوض" ،عندما تكلّم عن عبلقة اؼبقامة
باَّلس؛ إذ ال يزاؿ ُب رأيو كثري من العرب ُب منطقة اػبليج العريب يطلقوف على ؾبتمع اؼبسامرة اسم
سموف بو حديث مسامرّتم أيضا.3
«اَّلس» ،وىو ما يُ ُّ
وُّذا ُيبكننا القوؿ إ ّف اؼبقامة –دبعىن اَّلس -تضرب جبذورىا ُب عمق التّاريخ ،حيث كانت
السمر ليبل ،يُتح ّدث فيها عن قصص اعبا ّف واغبيواف،
الصحراء ُب وقت من األوقات مسرحا َّالس ّ
ّ
ويتكلّموف باؼبواعظ واألمثاؿ.
لقد انطلقت كلمة «مقامة» من منبتها اللّغوي الذي ىو «اَّلس» ،كما أشار إٔب ذلك
4
ليستقر مفهومو فنّػيّا واصطبلحيا
ّ غويل
ّ ال اؼبدلوؿ ىذا تبلور ٍب
ّ ، صاحب لساف العرب ،وغريه كثريوف
الزماف اؽبمذاين ،فاستعمل«معناىا تعبريا جامعا لصياغات أدبية أنيقة األسلوب ،سياقها
عند بديع ّ
5
سرد قصصي ومدارىا على الكدية ».
الزماف اؽبمذاين ،ومن تبله فبّن تأثّر بو وقلّده ،ىي «تلك الّيت
فاؼبقامة كما وصلتنا عن بديع ّ
ومتسوؿ ،ؽبا َرا ٍو وبطل،
ّ قصة قصرية بطلها مبوذج إنساين مكد
ّازبدت شكبل دراميا ٓب يسبق إليو ،فهي ّ
1ديواف زىير بن أبي سلمى ،دار بيروت للطباعة والنّشر1979( ،ـ) ،ص.62
شريشي ،تحقيق عبد المنعم خ ّفاجي،ج ،1ملتزـ الطّبع عبد الحميد أحمد حنفي ،ط1952(1ـ) ،ص.14
2شرح مقامات الحريري البصري ،أبو العبّاس ال ّ
عوض ،دار القلم ،بيروت ،ط1979(1ـ) ،ص.06
فن المقامات بين المشرؽ والمغرب ،يوسف نور َ
3ينظرّ :
4لساف العرب ،ابن منظور ،مادة (قَػ َوَـ).
السابع ،عزة الغناـ ،ال ّدار الفنّية للنّشر والتّوزيع( ،د،ط)(،د،ت) ،ص.55
الرابع إلى القرف ّ
5الفن القصصي العربي القديم من القرف ّ
305
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
وتقوـ على حدث طريف ،مغزاه مفارقة أدبية ،أو مسألة دينية ،أو مغامرة مضحكة ،ربمل ُب داخلها لونا
1
لصنعة اللّفظية والببلغية ».
السخرية ،وضعت ُب إطار من ا ّ
من ألواف النّقد أو الثّورة أو ّ
الشعبية القصرية الّيت كاف ال ّدافع من ورائها تأليفها تفسري اغبياة الّيت
ّإّنا إذا تلك القصص ّ
كاف يعيشها النّاس أنذاؾ ،وما يكتنفها من مظاىر اجتماعية ـبتلفة ،تتخلّلها ُب بعض األحياف
السلوؾ البشري ،وصلة األفراد بعضهم ببعض.
تنوه دبظاىر ّ
عبلقات ّ
-2أصوؿ المقامة ونشأتها:
القص ،شاع وانتشر بوضوح ُب العصر ّ اؼبقامة-كما أسلفنا ال ّذكر -شكل من أشكاؿ
العبّاسي ،وكبن عندما نذكرىا تتبادر إٔب أذىاننا تلك الكتابة اغبسنة التّأليف ،األنيقة التّصنيف ،والّيت
تتضمن نكتا أدبية مفيدة ،ومواعظ دينية ُمبكية ،وأضاحيك فكاىية ُملهية.
ّ
احتل
والفن اؼبقامي موضوع من اؼبواضيع الكثرية الّيت شغلت الباحثني قديبا وحديثا ،وقد ّ
بذلك منزلة مرموقة ُب ال ّدراسات األدبية والببلغية واللّغوية ،باعتباره وبتوي وجوىا صبّة من اغبسن ُب
أساليبو ،وألفاظو وطريقة سرده.
لعل أؤب أصوؿ اؼبقامة تلك األحاديث الّيت أنشأىا ابن دريد ُب القرف الثالث اؽبجري ،وىو
و ّ
العامة الذين ّازبذوا منو
خاصة بني ّ
عم فيو وانتشر القصص على نطاؽ واسع ج ّداّ ،
العصر الذي ّ
السمر.
وسيلة لليإب ّ
غري أ ّف اؽبدؼ األظبى من وراء تأليف ىذه األحاديث ىو التّعليم ،وتلقني النّاشئني أصوؿ
الشوائب،
اللّغة وغريبها ،بعدما فسدت وشاع فيها اللّحن ،فعمد ابن دريد إٔب ضبل لواء تنقيتها من ّ
وبالتّإب ّتذيبها ُب شكل بناء قصصي يُثري االىتماـ لسماعو ،وترديده غبِِْف ِظو ،وُّذا ُوب ّقق اؽبدؼ
اؼبرجو من القصص أو األحاديث.2
ويبدو أ ّف ىذه األحاديث الّيت أخرجها ابن دريد ُب أسلوب شبو قصصي ،والّيت كانت غايتها
الزماف اؽبمذاين إٔب إنشاء قصص أكثر بناء ،فإٔب
األؤب تلقني اللّغة ،كانت فاربة وملهمة عقل بديع ّ
عوض ،ص.08
فن المقامات بين المشرؽ والمغرب ،يوسف نور َ
ّ
1
1زىر اآلداب وثمر األلباب ،أبو إسحاؽ الحصري،ج ،1دار الفكر العربي ،القاىرة ،ط(2د،ت) ،ص.261
العامة للكتاب ،القاىرة1974( ،ـ) ،ص.10
القصة المصرية الحديثة ،محمد رشدي حسين ،الهيئة المصرية ّ
2ينظر :أثر المقامة في نشأة ّ
3ينظر :المقامة ،شوقي ضيف ،دار المعارؼ ،مصر ،ط(1979ـ) ،ص.20
عوض ،ص.75
فن المقامات بين المشرؽ والمغرب ،يوسف نور َ
4ينظرّ :
307
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
ذبتث أصوؿ
يتجلّى ُب أ ّف كليهما عمد إٔب تعرية اَّتمع العبّاسي وفضحو سبهيدا لقياـ الثّورة الّيت ّ
1
الفساد فيو ».
الفن
الزماف اؽبمذاين دبن سبقوه من األدباء ،إالّ أ ّف الفضل يرجع إليو ُب إنشاء ّ
ورغم تأثّر بديع ّ
صرح بو اغبريري ُب مق ّدمة
اؼبقامي بالوجو الذي وصلنا ،وىو إبداع ٓب يسبق إليو أحد من قبل؛ وىو ما ّ
السبق ،فبّا جعل تأثريه فيمن
الفن األديب ،ولو فضل ّ
مقاماتو ،حيث ذكر أ ّف اؽبمذاين ىو ـبرتع ىذا ّ
جاءوا بعده يبدو جليّا للعياف ،و« بعد فإنّو قد جرى ببعض أندية األدب الذي ركدت ُب ىذا العصر
الزماف وعبلّمة نبذاف-رضبو ا﵁ تعأب -وعزا
روبو ،وخبت مصابيحو؛ ذكر اؼبقامات الّيت ابتدعها بديع ّ
2
الصنعة ».
الرتبة ُب ّ
وعلو ّ
إٔب أيب الفتح اإلسكندري نشأّتا ،وىي ُب غاية الببلغةّ ،
لكن رأي اغبريري والقلقشندي ىذا ،ال يُدحض الفكرة القائلة بأ ّف اؽبمذاين قد استقى فكرة
لعل أنبّها :أحاديث ابن دريد-كما أشرنا -إٔب ذلك سابقاإنشاء اؼبقامات من مصادر تراثية قصصيةّ ،
بالرغم من ّأّنا تع ّد أصبل ؽبا ،وذلك من حيث
والّيت ال ينكر بعض الباحثني اختبلفها عن اؼبقاماتّ ،
اػبصائص الفنّػيّة .وقد رصد أحد الباحثني ىذه االختبلفات بقولو « :فاألحاديث فيها روح اغبكاية كما
ذبدىا ُب اؼبقامات ،وذبد فيها ىذا اؼبيل إٔب التّسجيع ُب أثناء الوصف ،وإٔب التّسيّط ُب اؼبصطلحات ،أو
الفن ُب اؼبقامات أظهر فيها بطل واحد تدور اغبكاية صبيعها عليو ،وفيها
اؼبرتادفات اللّغوية ،إالّ أ ّف ّ
بالصناعة ىنا سبك اغبكاية ُب اؼبقامة ،وما
صناعة لفظية وبيانية ،أرقى منها ُب تلك األحاديث ،ونعّن ّ
تفوؽ اؼبقامات ُب ذكر النّوادر
السجع وُب أساليب البديع ،يُضاؼ إٔب ذلك ّ يقرتف بو من تفنّن ُب ّ
الزماف وأعبلـ التّاريخ ،وما يَعرض فيها من حكم وأمثاؿ ،ونكات ولغة وأدب
واألخبار واإلشارة إٔب وقائع ّ
3
».
خاصة من
الشكل دوف اؼبوضوع ّ الشبو بني اؼبقامات واألحاديث يقتصر على ّ إذف فوجو ّ
جانب التّسجيع ُب أثناء الوصف ،واعبنوح إٔب اؼبرتادفات واأللفاظ العربية كما ُب ىذا اغبديث «:ال
1نفسو ،ص.80
الرسوؿ،ج ،14دار الكتب األخدوية ،القاىرة1913( ،ـ) ،ص.110
2صبح األعشى ،القلقشندي ،تحقيق محمد عبد ّ
تطور األساليب النّثرية في األدب العربي ،أنيس المقدسي ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ط1979(6ـ) ،ص.366
ّ 3
305
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
1كتاب األمالي ،أبو علي القالي،ج ،1دار الكتب العلمية ،بيروت(،د،ط)(،د،ت) ،ص.93
عوض ،ص.74
فن المقامات بين المشرؽ والمغرب ،يوسف نور َ
ينظرّ :
2
309
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
1-3الجانب القصصي:
ترسخ ُب األذىاف أ ّف ما عرفو العرب من العمل القصصي ،ليس سوى أخبار وطرائف ينعدـ فيها
ّ
بالقصة باؼبفهوـ اغبديث ؽبا ،وأ ّف اؼبقامة على وجو التّحديد ما ىي إالّ
ّ الفّن ،وال صلة ؽبا
اعبانب ّ
أالعيب لغوية ،وببلغيةُ ،وباوؿ صاحبها إبراز مقدرتو اللّغوية والبيانية.
غري أنّو يبكن القوؿ إ ّف اؼبرحلة اليت ارتبطت بوجود األخبار والنّوادر واألظبار ،سبثّل مرحلة التّهيّؤ
القص العربية؛ إذ يُشري أحدفن جديد اظبو"اؼبقامة" ،والذي اعترب فيما بعد أحد فنوف ّ البياين لظهور ّ
الزماف اؽبمذاين ُب القرف الرابع اؽبجري ،أصبحت لونا من
الباحثني إٔب أ ّف اؼبقامة من ّأوؿ نشأّتا عند بديع ّ
تطوراّتا األخرية إٔب أقاصيص مكتملة البناء كما نراىا
حّت انتهت ُب ّ
القصة اإلنسانية ،وظلّت كذلك ّ
ألواف ّ
1
عند اؼبويلحي ،وؿبمد لطفي صبعة وغرينبا.
وربرجوا من إقحامها ضمن الفنوف القصصية،
ومن جهة ثانية ،أنكر آخروف قصصية اؼبقامةّ ،
القصة دبفهومها اغبديث ،فجعلوا منها ؾبّرد ألفاظ وتراكيب
حيث اعتربوا ذلك جورا على حقيقة بناء ّ
تصة بعضها أماـ بعض ،والغرض منها إظهار الرباعة اللّغوية والببلغية ،وتعليم النّاشئني اللّغة ،فهي
مر ّ
الصحيحة.
القصة ّ
كل البعد عن مضموف ّ
بذلك بعيدة ّ
الشعكة أراء ثبلثة ؼبستشرقني أبدوا رأيهم ُب عبلقة اؼبقامة
وُب ىذا اؼبقاـ عرض مصطفى ّ
الراوي والبطل أف يكسب اؼبقامة
الزماف من ا﵀اورة بني ّ
األوؿ فيقوؿ «:ويبغي بديع ّ
بالقصة ،ف ّأما ّ
ّ
نوعا من اغبركة واغبياة ،وُب نفس الوقت يتّخذىا ميدانا إلظهار ببلغتو وثقافتو وقدرتو على نظم
2
كل شيء ».
الشعر غري أ ّف صدر اؼبقامة ال غناء فيو ،وعنصر اؼبخاطرة تافو ،واألسلوب ىو ّ
ّ
ؾبرد حوار أو عرض بني اؼبلقي الزماف اؽبمذاين عند ىذا اؼبستشرؽ هبعل من اؼبقامة ّ فبديع ّ
واؼبتل ّقي ،وؽبذا قد ينشأ بينهما نوعا من اغبركة اؼبتمثّلة ُب اغبوار ،والذي يكسبها أسلوبا ببلغيا.
الزماف اؽبمذاين مقاماتو الّيت وضع فيها شخصا خياليا
الرأي الثّاين « :وُب نيسابور أنشأ بديع ّ
ّأما ّ
تسولية ،وموضوعات أخرى ،ومقاماتو
ابتكره وظبّاه أبا الفتح اإلسكندري ،واؼبقامات ربتوي على مبلمح ّ
1نفسو ،ص(.)281-280
2نفسو ،ص(.)281-280
330
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
شعكة ،ص.281
الصحفية ،مصطفى ال ّ
القصة العربية والمقالة ّ
الزماف الهمذاني رائد ّ
بديع ّ
1
شعكة ،ص.281
الزماف الهمذاني ،مصطفى ال ّ
4ينظر :بديع ّ
شركة الجزائرية ،الجزائر ،ط1968(1ـ ،ص.)180
القصة في األدب العربي القديم ،عبد المالك مرتاض ،دار مكتبة ال ّ
ّ 5
333
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
1األدب المقارف ،محمد غنيمي ىالؿ ،دار العودة ،بيروت ،ط (1983ـ) ،ص.220
2األدب المقارف ،محمد غنيمي ىالؿ ،ص.223
3تاريخ األدب العربي ،جرجي زيداف ،دار الهالؿ ،القاىرة ،ج ،2ط(1957ـ) ،ص.312
الزيات ،دار الثّقافة ،بيروت ،ط(28د،ت) ،ص.458
4تاريخ األدب العربي ،أحمد حسن ّ
5ظهر اإلسالـ ،أحمد أمين ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط1945(3ـ) ،ص.142
الرابع الهجري ،زكي مبارؾ،ج ،1دار الكتنب المصرية ،القاىرة ،ط1934(1ـ) ،ص.197
6النّثر الفنّي في القرف ّ
332
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
الرابع الهجري ،آدـ ميتز ،ال ّدار التونسية للنّشر ،تونس ،ط1986(1ـ) ،ص.408
1الحضارة اإلسالمية في القرف ّ
شعكة ،ص.281
الزماف الهمذاني ،مصطفى ال ّ
2بديع ّ
3ينظر :الحريري صاحب المقامات ،أحمد أمين مصطفى ،الدار المصرية اللبنانية ،ط1998(1ـ) ،ص.26
331
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
اشرتى اغبارث الغبلـٍ ،ب أنشد الفّت أبياتا أعلن فيها أنّو يوسف ،وانصرؼ البائع ،لينشد الفّت شعرا
الشاري أماـ القاضي ،فيحكم ىذا األخري
آخر يُعلن فيو أنّو ُحٌّر وليس بعبد ،وأخريا يتنازع الفّت و ّ
1
حبرية الغبلـ كوف اغبٍُّر ال يُ ُّ
سرتؽ.
ّأما بالنّسبة لفكرة اؼبقامات ،فهي ُب أغلب األحياف مستوحاة أساسا من اغبياة االجتماعية
للعصر ،وتدور أساسا على الكدية اليت الزمت البطل طواؿ عرض اؼبقامات ،وقد أراد اؼبؤلف من
سوؿ
عمت ُب اَّتمع العبّاسي ودفعت كثريا من األدباء وأولوا النّبوغ إٔب التّ ّ
صور ظاىرة ّ
خبلؽبا أف يُ ّ
والتّك ّدي من أجل العيش ،2ىذا فضبل عن مواضيع وأفكار أخرى كاف اؽبدؼ منها عرض مشكبلت
ذلك العصر.
.2-1-3الشّخصيات والحوار:
قصة مهما قصرت من ىذا العنصر
أي ّ
بالقصة ،إذ ال زبلو ّ
ّ الشخصيات ارتباطا وثيقا
ترتبط ّ
لعل أنبّها على اإلطبلؽ
مادة بنائها ،وقد حفلت اؼبقامات بشخصيات ُمتع ّددة ّ
اؼبهم الذي يُع ّد ّ
ّ
الراوي.
شخصية البطل و ّ
أ-البطل:صاغ مؤلّفو اؼبقامات أمبوذجا إنسانيا أرادوا من خبللو ذبلية اغبقائق بالغوص ُب
السياسية واالجتماعية
الرئيسي من وراء ذلك كلّو نقد اغبياة ّ
أعماؽ اَّتمع العبّاسي وقد كاف ىدفهم ّ
السائدة ُب ذلك العصر.
العامة ّ
واالقتصادية ،وتصوير الظّواىر ّ
الزماف اؽبمذاين أبا الفتح االسكندري بطبل ؼبقاماتو وأضفى عليو من العبقرية
وقد اختار بديع ّ
ما جعلتو مكد بارع اغبيلة واؼبراوغة من أجل كسب العيش ،فاستطاع من خبللو أف يستوعب الظّواىر
السروجي
اغبيّة ُب اَّتمع العبّاسي .وكذلك فعل اغبريري ُب مقاماتو عندما اختار ىو اآلخر أبا زيد ّ
الرئيسي سواء عند اؽبمذاين أـ اغبريري لو فلسفة واحدة حيث
بطبل غبكاياتو .واؼببلحظ أ ّف البطل ّ
حي 1اجتماعيا وثقافيا حيث أخذت بواقع عصرىا ال ّديّن واألديب، نعت بأنّو شخصية ؽبا واقع ٌّ
فتشبّعت بالقرآف واغبديث واألدب واللّغة وىو ما يُشري إليو اغبريري عندما قاؿ:
2
ػب ِع ِ
لم طُالّبي وحبّذا الطّػلَ ُ والتبح ُر في اؿ رس
غلي ال ّد ُ
ُّ و ُش َ
ولذلك ُوِىب ملكة بيانية كبرية يُقر لو ُّا صبيع النّاس:
3
ب ورأس مالي ِس ْحر ال َك ِ
والخطَ ُ
يض ُ منوُ يُصاغُ ال َقر ُ الـ الذي ُ ُ
كل ؾبتمع تغشاه: ٍبّ وىو إٔب ىذا شخصية ذات صبلحية اجتماعية تتواءـ مع ّ
ػجػلػيسػا ِ ت كل َجل ٍ
يُالئ ُموُ ألرو َؽ ال َ ػيس بػمػا وعاشر ُ
ْ
جادة وحازمة وطورا
الشخصية فتارة فكاىية وتارة أخرى ّ
وتتنوع اؼبواقف ؽبذه ّ
وبذلك تتع ّدد ّ
تقيًّا وآخر عربيدا.
بالرغم من ثقافتها وعلمها على اغبيل –كما أشرنا إٔب ذلك-وقد بٌنيت شخصية البطل ّ
خاصة األسرية منها،
نت أ ّف أصل اؼبشاكل االجتماعية اقتصادي ؿبض ،فاؼباؿ رأس اؼبشكبلت ّ فَػبَػيَ ْ
اؼبرة
الصورة ّ
الصور ُب اؼبقامات إلظهار ّ
السروجي يتشاجر مع زوجتو أما القاضي لفقرنبا ،وتتع ّدد ّ
فأبو ّ
بشّت
الشخصية إؽبا معبودا ،تكسبو ّ
للواقع االجتماعي ُب ذلك العصر ،وبذلك يُصبح اؼباؿ عند ىذه ّ
حّت وإف ّازبذت وسيلتها ُب ذلك علمها وثقافتها بعد أف تأ ّكدت من أ ّف سوؽ العلم كاسدة،
الطّرؽ ّ
4
الراحة ببل تعب ،ومن ىذا اؼبنظور
ّ ففيها ا
ر ميسو سبيبل حاذةالش
ّ غري فليس ، وأ ّف التّعليم صناعة بائرة
مرة تربيرا من واقعها
كل ّ
الشخصية اػبداع والكذب ،الذي ذبد لو ُب ّ يُصبح من صفات ىذه ّ
كل ما تق ّدـ ،يبدو أ ّف شخصية البطل سبثّل
االجتماعي الذي َىبدـ األثرياء ويقسوا على الفقراء .ومن ّ
وتلونو
مبوذجا يكشف من خبلؿ سلبياتو وإهبابياتو ،ومن خبلؿ سخريتو وّت ّكمو ،ومن خبلؿ خداعو ّ
اىرتاء البنياف االجتماعي ُب اَّتمع العبّاسي خبلؿ ذلك العهد .وبذلك قبد أ ّف شخصية البطل سواء
332
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
ُب مقامات اؽبمذاين أـ اغبريري قد كشفت عن ذاّتا ُب ؾبالني كما أشار إٔب ذلك يوسف نور
عوض:
أوال -ؾباؿ ُوب ّقق فيو البطل عبقريتو وضياعو ُب اَّتمع.
1
ثانيا -ؾباؿ ُوب ّقق فيو أ ّف اغبيلة وحدىا ىي الّيت تُغّن صاحبها عن اإلخفاؽ.
تكررت ُب بعض اؼبقامات رب ّدث
وقد طبع أصحاب اؼبقامات بطليهما بأوصاؼ وأخبلؽ ّ
عنها غنيمي ىبلؿ «:وقد يكوف ىذا البطل شجاعا يقتحم أخطارا وينتصر فيها ،وقد يكوف ناقدا
2
اجتماعيا أو سياسيا ،وقد يكوف فقيها متضلّعا ُب مسائل ال ّدين أو مسائل اللّغة ».
بالرغم من شجاعتو وأخبلقو الكريبة أحيانا ال ىبلو من االستهتار واؼبكر واالحتياؿوىو ّ
زي البلغاء والفصحاء؛ فهو«أديب هبيد ُب أسلوبو
للحصوؿ على اؼباؿ ،وطريقتو ُب ذلك التّن ّكر ُب ّ
3
عن بديهة وارذباؿ ».
السرد واغبكي
الرواية عن غريىا من أشكاؿ التّعبري بقدرّتا على جعل طريقة ّ الروايػةّ :
زبتص ّ بّ -
السرد واغبكي ُذب ٍّم ُل تفاصيل اؼبناخ وتنفذ بو إٔب أعماؽ
مهما من اػبلق والتّوصيل فطريقة ّ
جزءا ّ
4
القصة استقى اؽبمذاين ىذا األسلوب اؼبمتع وصبّل بو مقاماتو،الرواية ُب ّ
ّ يةّوألنب لذلك . النّفس
الرتاجم واألخبار
الرواية الّيت استم ّدىا من األساليب اػبربية الّيت ملئت ُّا كتب ّ
فاستخدـ شخصية ّ
كل مقامة بعبارة
القص عندما يُفاجئ القارئ ُب ّ
األوؿ من ّ فهو «:يُعلن عن نفسو على طريقة النّمط ّ
5
القص تلك األخبار والنّوادر
ّ من ؿاألو
ّ مط ن
ّ ال يقة
ر بط اؼبقصود لعل
ّ و ، "ح ّدثّن عيسى بن ىشاـ"»
الرتاث العريب القدًن.
الّيت تسامر ُّا العرب قديبا ،واليت وردت إلينا ُب كتب ّ
1ينظر :فن المقامات بين المشرؽ والمغرب ،يوسف نور عوض ،ص.111
2األدب المقارف ،محمد غنيمي ىالؿ ،ص.223
3نفسو ،ص.224
4يُنظر :األدب العربي تعبيره عن الوحدة والتّ ّنوع ،بحوث تمهيدية لمجموعة من الباحثين ،إشراؼ عبد المنعم تليمة،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت
ط1987(1ـ) ،ص.208
القص في النّظرية والتّطبيق ،نبيلة إبراىيم ،دار قباء للطّباعة( ،د،ط)( ،د،ت) ،ص.90
5فن ّ
337
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
4نفسو ،ص.90
5يُنظر :األدب العربي تعبيره عن الوحدة والتّ ّنوع ،بحوث تمهيدية لمجموعة من الباحثين ،إشراؼ عبد المنعم تليمة ،ص.350
القص في النّظرية والتّطبيق ،نبيلة إبراىيم ،ص.91
فن ّ
6
335
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
القصة ،إٔب جانب شخصيات مهمة داخل ّ السرد القصصي فحسب؛ بل تتع ّداه إٔب أداء أدوار ّ و ّ
عاما حيث ال يشرتكوف إالّ ُب بعض األحداث أو ُب اغبوار.
أخرى ثانوية يأٌب اغبديث عنها حديثا ّ
الشخصيات ُّذا اإلسهاب يقودنا مباشرة إٔب اغبديث عن اغبوار باعتباره
إ ّف اغبديث عن ّ
قر بوجود أكثر من وعي داخلالشخصية وهبليها ،فاغبوار ىو الذي يُ ُّ
يوضح ّ
الضوء األخضر الذي ّ ّ
القصة ،ونلمس اغبوار ُب اؼبقامات من خبلؿ تلك اؼبنازعات الّيت كانت ذبري ُب دار القضاء بني
ّ
الراوي.
القاضي واػبصوـ ،وأحيانا أخرى بني البطل و ّ
ج -العقدة وحلّها:
حب التّطلّع ومعرفة النّهاية
قصة من العقدة الّيت تُثري ُب نفس القارئ أو اؼبستمع ّ
أي ّ
ال زبلو ّ
سمى خربا أو حكاية
قصة؛ إذ كانت تُ ّ
القصة ّ
القصة وروعتها ،ولوالىا ما ُظبّيت ّ
«فهي مفتاح صباؿ ّ
أو سردا » .1والعقدة ُب النّصوص اؼبقامية متوفّرة إٔب َح ٍّد ما ،حيث تُضفي على اؼبقامة نوعا من
السريعة واالنتقاؿ والتّشويق الذي ُهب ّسده باؼبفاجأة والوقائع اؼبثرية ،2واؼبشكبلت العارضة الّيت ال
اغبركة ّ
حل ىذه اؼبصاعب اؼبستعصية « فاؼبقامات
زبطر على الباؿ ،فيعمد بطل اؼبقامات عندئذ إٔب ّ
تتبلعب تبلعبا كبريا دببدأ التّحويل من التّوازف إٔب البلتوازف أو العكس » .3فقد يهتدي البطل إٔب
حل لو ،وللجماعة الّيت هبد نفسو وسطها وقد ال هبد حبل.
ّ
جوا من الفوضى واالضطراب ،فينتهز الفرصة ُب
هبد البطل نفسو أحيانا وسط صباعة تعيش ّ
الضياع ،فإ ّف مكسبو الوحيد ىو
اعبو ليح ّقق مآربو التّكسبية ،ودبا أنّو يعيش ىو اآلخر حالة من ّ
ىذا ّ
ىذه الفوضى الّيت تعيشها اعبماعة ،وطريقتو ُب ذلك ىي استخداـ ذكائو وحيلو الّيت يصبو من ورائها
4
الرسم التّصويري:
عربت عن ىذا البناء نبيلة إبراىيم ُّذا ّ
إٔب ربقيق اؽبدؼ ،وىو كسب اؼباؿ وقد ّ
أ-اعبماعة فوضى واضطراب
الجواعت ب-اؼبكسب من خبلؿ الفوضى
فرد
شعكة ،ص.285
الزماف الهمذاني ،مصطفى ال ّ
ينظر:بديع ّ
2
4السابق :ص.91
339
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
321
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
2.3الجانب المسرحي:
اؼبلتف حوؿ
ّ جوا من اغبركة واالبتهاج ،باإلضافة إٔب اعبمهورالفن األديب ّ
نلمس ُب ىذا ّ
نظن ّأّنا من العناصر اؼبسرحية.
حلقة يُشاىد أو يسمع وىي عناصر ّ
الرتاث ػبدمة الثّقافة اؼبعاصرة ال يُع ّد ُب حقيقة األمر شيئا غريبا ،بل ىو ثراء
إف استلهاـ ّ
للرتاث من االندثار والنّسياف ،لذلك ترّكز انتباه بعض
للفنوف اغبديثة ،وحفظاُ -ب الوقت نفسوّ -
اؼبسرحيّني على تلك الكنوز اؼبتوارية واؼبدفونة ُب الكتب ،مثل كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة واؼبقامات،
1
والبخبلء ،واألغاين ،وحاولوا استغبلؽبا كقوالب وإطارات ،ألنشطة درامية مسرحية.
الرتاث اؼبكتوب ُب العصر العبّاسي العديد
وُب ىذا اؼبقاـ قبد «قاسم ؿبمد» قد استقى من ّ
للشعوب العربية ،ونذكر منها "كاف يا مكاف"،و"بغداد
من اؼبسرحيات ،الّيت مزجها باؽبموـ اآلنية ّ
الرتاثية مثل األغاين
األزؿ بني اعب ّد و اؽبزؿ" ...وىي مسرحيات استلهمها من بطوف الكتب ّ
2
واؼبقامات وخببلء اعباحظ.
الربط القائم بني اغباضر واؼباضي هبعلنا ن ّدعي بإمكانية تشكيل اؼبقامات ُب
ويبدو أ ّف ىذا ّ
مسرحيات قصرية تعاِب بعض مشكبلت اَّتمع ماضيا وحاضرا.
ويذىب "فاروؽ أوىاف" ُب دراستو حوؿ ىوية اؼبسرح العريب إٔب أ ّف الكثري من اؼبسرحيّني العرب تأثّروا
ض فعلي قبل أف
ألّنا َعْر ٌ
يضم قصصا وحكايات فحسب ،وإّمبا ّ
بأسلوب اؼبقامة ال من حيث كوّنا جنسا أدبيا ّ
السنني،
القصة القصرية ،كأحد أمباط األدب اؼبكتوبة وا﵀كية دبئات ّ
وبصل ؽبا التّدوين يقوؿ « :فقبل أف ُزبلق ّ
وم ْسَرحة حرفة الكدية اغبركية ،وذلك فبّا يدور ُب حياة
عرؼ العرب شكبل أدبيا نُقل مكتوبا ،عن فنوف أداء َ
3
العامة ،أو يتح ّدث عن شؤوف اَّتمع ُب مبلبستها اليومية من خبلؿ لغة جزلة ».
ّ
جسدّتا تلك
السائدة آنذاؾّ ،
سجبل زاخرا دبختلف مظاىر اغبياة ّ
لقد كانت اؼبقامة بالفعل ّ
الصور األسطورية لفصاحة األعراب ،وأساليب تقلُّبهم ُب األرض واستغبلؽبم لسذاجة بعض ّ
العامة ّ
1ينظر :آفاؽ تطوير التّراث العربي للمسرح ،فاروؽ أوىاف ،وزارة اإلعالـ والثّقافة ،اإلمارات العربية المتحدة ،ط1999(1ـ) ،ص.16
السابق ،ص.25
3نفسو ،ص.74
320
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
الصور ُب شخصية "أيب دلف اػبزرجي" من أجل كسب اؼباؿ ،وقد وجد اؽبمذاين مفتاح نقل ىذه ّ
مطولة ،استغلّها البديع لينتقد اغبياة االجتماعية ُب اؼبقامات من
الذي عرض فنوف الكدية ُب قصيدة ّ
وبالرغم من قصر طوؽبا وجزالة لغتها إالّ أ ّّنا تزخر باغبركة التّمثيلية
خبلؿ بطلو أيب الفتح االسكندريّ ،
واغبوار.
فوجود العناصر ال ّدرامية واؼبسرحية ُب اؼبقامة شيء ال يبكن إنكاره أو ذباىلو ،وىو ما يُؤّكده"
الفن من عنصر درامي،
الرضبن ياغي" بقولو «:ومن أجل ىذا فإنّّن أرى مدى ما ُب ىذا ّ عبد ّ
القصة.1»...
ومسرحي حبيث يفوؽ الكثري من العناصر القصصية فهو إٔب اؼبسرحيّة أقرب منو إٔب ّ
السرد،
صورات النّظرية اؼبرافقة لذلك ّ
وضمن العبلقة اعبدلية بني اؼبقامة كسرد قصصي والتّ ّ
تبني لنا أ ّف اؼبقامة تتناسب
واػباضعة لبعض األحداث الّيت ُوضعت ُب إطار أشبو باإلطار اؼبسرحيّ ،
وحرية
وشكل األداء « ،حيث يكوف البطل فيها متن ّكرا ُب الغالب لكي يُتيح لنفسو حسن األداء ّ
الشخصيات بتغيري
الشخصيات ،يعفيو ىذا التّن ّكر من حيلة التّن ّقل بني األحداث و ّ
التّقلّب بني ّ
يدؿ على اؼبكاف بتغيري األدوات واألستار».2
اؼببلبس ،وما ّ
السرد ،قبده ُب مقامات عديدة
الرواية و ّ
الراوي فباإلضافة إٔب دوره ُب ّ
ىذا عن دور البطلّ ،أما ّ
الرواية واألداء ،وىو ما كانت تفرضو األمباط االجتماعية الّيت
يتحرؾ داخل اؼبقامة ليتقلّب بذلك بني ّ
ّ
للراوي ،وُّذا يُصبح أبطاؿ اؼبقامات
عاعبتها اؼبقامة ،حيث تتطلّب ذلك األداء الفعلي والتّشخيصي ّ
اؼبهمة
الراوي من ُؿب ّدث إٔب فبَُثّل ُب اغبدث ىو أحد ال ّدالئل ّ
وربو ُؿ ّ
ومستمعني معاُّ « ،
ّرواة وفبثّلني ُ
3
على وجود اؼبقامات كعرض مسرحي ».
الرواية والتّمثيل يتجلّى لنا حرص أصحاب اؼبقامات على
وفضبل عن تقلّب األبطاؿ بني ّ
الزماف ،ووحدة
كل مقامة ،ووحدة اؼبكاف الذي هبري فيو اغبدث ،ووحدة ّ وحدة اغبدث ُب ّ
البطل1فاغبركة القويّة ،واؼبناظر اؼبتتابعة ُب حيوية وتناسق ،عناصر ذبعل صبلحيات اؼبقامات؛ ألف
تكوف مسرحيات ىزلية قصرية تظهر بصفة واضحة.
مادة
السردية فيها ،فأصبحت ّ
ُّذا تكوف اؼبقامة قد ارتادت ؾباالت اؼبسرح بأسلوُّا وعنصر ّ
بناءىا تتعلّق باستنساخ مشاىد اغبياة ،بنوع من التّجسيد الفعلي ،من خبلؿ أمباط حيّة لشخصيات
السياسية
تتعامل مع الواقع فتق ّدـ العربة واغبكمة واؼبثل ،وتصوغ بعض األحداث االجتماعية و ّ
واألخبلقية بأسلوب مسجوع ُب قالب قصصي ومسرحي ،واغبقيقة ّأّنا تسجيل ألفعاؿ وعروض حيّة
ُمقتبسة أصبل من فنوف اؼبكدين.
2
فبمجرد قراءتنا
ّ اسالن
ّ بني طوس
ّ الت
ّ و ، تعتمد اؼبقامات أيضا على ذلك التّموضع الفرجوي
الصور القائمة على وجود صبهور ُمتحلّق حوؿ البطل يستمع أو للمقامات تتبادر إٔب أذىاننا تلك ّ
الر ّساـ"وبىي الواسطي" معاصر اؼبقامات
الصور اليت ُج ّسدت فيما بعد خبياؿ واسع؛ بيد ّ
يتفرج ،وىي ّ
ّ
3
الرسومات مدى اقبذاب اعبمهور وانسجامو مع بطل
ّ تلك ح وتوض
ّ . للرسم
ؤسس مدرسة بغداد ّ
وم ّ
ُ
الشوارع ،أو عند
اؼبقامات ُب طريقة سرده أو ُب أداءاتو اغبركية ،وىو يقوـ دبهنة االستجداء ُب ّ
القاضي أو ُب اؼبساجد.
لعل التزامهم بالعناصر
لفن اؼبقامة ،و ّ
كل ىذه العناصر اؼبميّزة ّ
استفاد اؼبسرحيوف اؼبعاصروف من ّ
يبسط العمل اؼبسرحي ،ويصرؼ اؼبشاىدين
الزماف واؼبكاف والبطلّ -
الّيت ذكرناىا سابقا-وىي وحدة ّ
كبو مضموف اؼبسرحية دوف تعقيد« ،فحرص اغبريري على وجود صبهور غري قليل من النّاس يلت ّفوف
حوؿ بطلو ،وتتعلّق أنظارىم دبا يقوؿ أو يفعل ،ميزة ؽبا أنبّيتها ُب العمل اؼبسرحي ،وىذا اغبرص على
رسم صورة دقيقة للمكاف ،وما ُوبيط بو ،وما يشتمل عليو ،حبيث يَ ْسهل تصويره أو إقامة مثلو على
كل ذلك من العناصر الّيت ال ب ّد منها ُب العمل اؼبسرحي ،ومن اليسري أف تُنقل
مسرح من اؼبسارحّ ،
كلمات اؼبقامة ُب حركة ذبري على يد فبثّل بارع منفعل يُتقن دوره أماـ النّظارة.4»...
1ينظر:نفسو ،ص.50
2ينظر :آفاؽ تطوير التّراث العربي للمسرح ،فاروؽ أوىاف،ص.85
3نفسو ،ص.85
الرحمن ياغي ،ص.51
رأي في المقامات ،عبد ّ
4
322
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
شخصت مسرحية« طاؿ حزين وسروري» للمخرج"قاسم ؿبمد" حياة اغبريري ،حيث قُ ّدـ ّ
بالشكل اآلٌب « :بعد دخوؿ اؼبمثّلني ُب وصف
الشخصية ّالراوية ،وقد ُوظّفت ىذه ّ
على أنّو البطل و ّ
اؼبؤدوف إٔب وصف
بغداد حاضرّتا وأدبائها ،منتقلني بني فنوّنا ومسرحها وتعداد أنواع مقاماّتا يَصل ّ
مقامات اغبريري اؼبكتوبة بقلمو ،وإظهار شخصية اغبريري نفسها فيقوـ فبثّل دور اغبريري بتمثيل
1
ستقل ال يتعلّق بتقليد أمباط اؼبكدين ».
ُم ّ
ّأما عن العروض فقد استنسخها اؼبخرج من لوحات الفنّاف وبىي الواسطي ،وتدور األحداث
السروجي الذي يدخل ُب حوار مع اغبارث بن
ُب اؼبسرحية بعد تن ّكر اغبريري ُب شخصية أيب زيد ّ
تقمص دور
نبّاـ ،ليصبل إٔب حكاية أيب دالمة وزوجتو ،ونبا يتشاكياف أماـ القاضي ،فاغبريري الذي ّ
يبث شكواه ض ّد غبلـ
شخص دور أيب دالمة أماـ القاضي ،وىو ُّ
السروجي ،ىو نفسو من ّ
أيب زيد ّ
ّادعى أنّو قتل ابنو ،أو ُب نزاع مع زوجتو أو مع ابنو.
عربت عنها اؼبقامات ،وبدت واضحة جليّة للعياف من خبلؿ رسومات ىي إذف مشاىد ّ
لكل مقامة،
فازبذوا منها مرجعا للعروض اؼبناسبة ّ
سهل األمر على اؼبخرجني اؼبسرحيّني ّ
الواسطي ،فبّا ّ
ُ
الفن األديب «وقد كانت وىو ما يُ ّبني قدرة الفنّاف على نقل ـبتلف التّفاصيل اؼبوجودة ُب ىذا ّ
حّت لتشعر معها بأ ّف الكلمة وما
للواسطي قدرة عجيبة على رصد اغبياة االجتماعية بدقائق أمورىاّ ،
العاـ وتثبيت معآب اغبياة
اعبو ّؽبا من قدرة على التّعبري ُب مقامات اغبريري كانت دوف رسومو ُب نقل ٍّ
كل شخص جاء اغبديث على سريتو من جلستو وإيباءاتو ومبلبسو
يومذاؾ من حيث تباين مقاـ ّ
2
وحركة يده ».
جسده
الرتاث ،وىو ما ّ لقد أ ّكدت بعض النّماذج اؼبقامية إمكانية قياـ مسرح يعتمد على ّ
الراوي
لفن اؼبقامة ،واؼبتمثّلة ُب ّ
بعض اؼبسرحيّني على الواقع معتمدين ُب ذلك على العناصر البنائية ّ
الراوي الثّاين الذي يقوـ برواية
يبهد الكاتب غبضوره بعبارة «ح ّدثنا »...ليستحضر ىو بدوره ّ
الذي ّ
ومن أكثر اؼبقامات فكاىة ومرحا ما قبده عند البديع ُب اؼبقامة "اؼبقامة اغبلوانية" ،ففي ىذه
تسر النّفوس ،وتُبعد اؼبلل عن القارئ ،واألمر نفسو
اؼبقامة نلمح ضربا من اؼبشاحنة اؼبُضحكة الّيت ّ
قبده عند اغبريري ،حيث تتدفّق األلفاظ الّيت ىبتار منها أجودىا وأحكمها وأدقّها فقد طبع أسلوب
وخاصة تلك الّيت يظهر فيها أبو
ّ مقاماتو بروح فكاىية وىي روح تسود ُب جوانب ـبتلفة من مقاماتو،
زيد مع زوجتو أو مع ابنو.
السروجي ُب ىيئة امرأة
صور لنا اغبريري أبو زيد ّ
وتربز الفكاىة ُب اؼبقامة البغدادية حينما يُ ّ
عجوز يتبعها أطفاؽبا أكبف من اؼبغازؿ ،تستجدي اليتامى وىي تشكو حاؽبا ومآؽبا.
واغبقيقة أ ّف األسلوب الفكاىي قد طبع معظم مقامات البديع أو اغبريري ،ما دفع ببعض
فن اؼبقامات ،وإقباؿ النّاس عليها ُب عصرنبا أو بعد
الباحثني إٔب القوؿ بأنّو « كاف من أسباب ذيوع ّ
ط عنهم
عصرنبا ،أل ّّنم وجدوا فيو ما يُسلّيهم ُورفّو عنهم ،ويُعينُهم على احتماؿ أعباء اغبياة ووب ّ
1
بعض أثقاؽبا ».
لقد أضفى األدب الفكاىي على مصادر األدب ،كاألغاين والبخبلء واؼبقامات وغريىا ،طابعا
اؼبدوف ،حيث يطّلع من خبللو على تذوؽ وتقبّل ىذا النّوع من األدب ّ إنسانيا ساعد القارئ على ّ
تصور طبقة جديدة من أبناء اَّتمع العبّاسي ،والّيت
معآب اغبضارة األدبية واالجتماعية والثّقافية الّيت ّ
الغّن
الضعيف ،ويستهني فيو ّ القوي ّ
مرتدي وغري متوازف يأكل فيو ّ حاولت التّكيّف مع واقع اقتصادي ّ
بالفقري .فعمدت ىذه الفئة من اَّتمع إٔب فنوف الكدية ،وأساليب االستجداء ،واصطياد الطّعاـ ُب
2
حل فكاىي.
قوالب ىزلية ،وأحداث تتع ّقد لتنجلي عن ّ
كمل أحدىا
القصة الفكاىية هبعلنا نربطها باؼبقامة الّيت ّازبذت مسارات ع ّدة يُ ّ
واغبديث عن ّ
تفشيا ُب ذلك
األوؿ فيتعلّق دبعاعبة القضايا االجتماعية كالكدية واالستجداء اللّذين ّ
فأما ّ
اآلخرّ ،
العصر نتيجة األوضاع اؼبتدىورة .و ّأما الثّاين فكاف توظيف الوعظ واإلرشاد الذي كاف سببو نشأة
1السابق،ص.78
ضحك في التّراث العربي والمشرقي من العصر الجاىلي إلى نهاية العصر العبّاسي ،رياض قريحة ،المكتبة العصرية ،بيروت،
2ينظر :الفكاىة وال ّ
ط1998(1ـ) ،ص.12
322
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
1السابق ،ص.93
2نفسو ،ص .17
ضحك في التّراث العربي والمشرقي من العصر الجاىلي إلى نهاية العصر العبّاسي ،رياض قريحة ،ص.17
الفكاىة وال ّ
3
4السابق :ص.41
327
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
الشعرية للحريري ،وذلك عندما ُىباطب اغباكم اغبارث بن نبّاـ بعد أف خدعو أبو زيد وىرب
ّ
فيقوؿ «:ألست الذي أعاره ال ّدست؟» .فيجيب اغبارث بن نبّاـ «:ال والذي أحلّك ُب ىذه
ال ّدست ،ما أنا بصاحب ذلك ال ّدست ،بل أنت الذي ًبّ عليو الدُّست » .فال ّدست األؤب كلمة
فارسية معربة قصد ُّا اللّباس ،والثّانية صدر اَّلس والثّالثة دبعىن ِ
القمار. ُّ
وىناؾ لوف آخر من ألواف الفكاىة ُب اؼبقامات حيث يرمي بو اؼبتف ّكو إٔب ض ّد ما يقوؿ
«فيقتنع باعب ّد وىو يبغي اؽبزؿ ،ويُبدي الوقار وىبفي العبث ،ويتظاىر باؼبدح والقدح يريد ،ويُغإب ُب
التّفخيم قاصدا التّهوين » 1.ويُدعى ىذا اللّوف من الفكاىة ُب االقبليزية بػ" ،"Ironyورّدبا أمكن
تسميتو بالتّن ّدر.
ونظن أ ّف صاحب ىذا اللّوف من الفكاىة يقصد من ورائو إٔب نقد اَّتمع وكشف األحواؿّ
الرتويح عن
للرأي العاـ ،وبذلك تُصبح الفكاىة سبلحا ذا ح ّدينّ :
السياسية والثّقافية ّ
االجتماعية و ّ
النّفس من جهة ،واإلصبلح من جهة أخرى.
وىكذا تُصبح الفكاىة عنصرا أساسيا داخل اؼبقامة؛ إذ ُسبيّزىا عن باقي الفنوف األخرى،
وذبعلها ذات شعبية كبرية بلفت انتباه اعبمهور إليها لقراءّتا أو االستماع إليها ،كما أ ّّنا تُساعد على
أف يكوف اعبانب اؼبسرحي أو التّمثيلي أوفر حظّا لتطبيقو على الواقع.
وسع ُب اللّغة من حيث النّوع
تتع ّدد صور االنزياح وأمباطو باعتباره شكبل من أشكاؿ التّ ّ
والبناء واؼبعىن لذلك جاء تعريفو عند يبىن العيد بأنّو «:البُعد عن مطابقة القوؿ للموجودات ،مثل ىذا
البُعد لو أمباطو األسلوبية الّيت تتح ّدد كأمباط غري مباشرة ،ىذه األمباط تستعني بأدوات لغوية عديدة
أو بتقنيات لغوية جديدة مثل االستعارة والتّشبيو واإليباء والتّخييل ،دوف أف يعّن ذلك أ ّف مفهوـ
الشاعر
ؾبرد تنويع على اؼبعىن؛ بل ىو يَطاؿ رؤية ّ
االنزياح ىو دبنزلة توحيد للمعاين ،وليس االنزياح ّ
اؼبختلفة لعاؼبنا الواحد »2.
325
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
لكل ما وجد
ص اؼبقامي قد ابتعد عن مطابقة القوؿ ّ وىذا اؼبفهوـ يُعيننا على القوؿ بأ ّف النّ ّ
فن
يتحوؿ إٔب ّ
من األجناس األدبية اؼبعروفة ُب ذلك الوقت ،فكاف أف اتّسم بطابعو اؼبميّز الّذي جعلو ّ
الصور التّعبريية والتّشكيبلت اإليقاعية اؼبوحية.
بالصنعة اللّغوية و ّ
تفرد ّ
معروؼ بأصحابو وبأسلوبو ف ّ
مرده إٔب ع ّدة أسباب
الفن وُب ىذه الفرتة من فرتات اغبياة العربية ّ
والنّزوع كبو التّصنّع ُب ىذا ّ
الرضبن ياغي ،روح العصر والتّعقيدات الّيت طبعتو « ولقد كاف من روح
لعل من أنبّها كما يرى عبد ّ
ّ
العصر ومن نشوء ىذه الطّبقة الوسطى ومطاؿبها ،أف يبعن الكتاب ُب اقتناص الظّريف والغريب
فرد الفردي،
الفن معروفا بصاحبو ،ويُصبح الكاتب معروفا بفنّو ،فهو عصر التّ ّ
اؼبستملح ،ليصبح ّ
1
وحك الكتف بالكتف مزاضبة ومنافسة.»...
وطلب التّميّز على األقرافّ ،
فرد والتّميّز واإلبداع ذبلّت بداية من اعبنس األديب؛ حيث خرج أصحاب اؼبقامات فروح التّ ّ
فن نثري ُمستحدث يتّسم بالتّنويع الّذي يُعترب ظبة فبيّزة ومثرية
السالفة إٔب ّ
االذباىات ّ
عن اؼبألوؼ و ّ
االذباه اؼبستقيمّ ،إّنا حريّة التّن ّقل واالغرتاؼ وتبديل
يتجاوز ُّا الكاتب غبظة العقم ونفاذ القروبة ُب ّ
ص حياتو اؼبمت ّدة ،وكأنّو سيل ال يتوقّف إالّ بإرادة صاحبو ،وىو يأخذ صورااألدوار ليواصل النّ ّ
الشخصية ُّذه التّقنيّة صورا ُمقنّعة تتب ّدؿ أوصافها ومظاىرىا.
وأشكاال ـبتلفة فقد تأخذ ّ
الفن تنحو كبو تغيري النّمطيّة وإحداث اػبلل ُب ىيكل
وحرية التّن ّقل واالغرتاؼ ُب ىذا ّ
ّ
نصو ،فتتش ّكلت صور جديدة
الكتابة،األمر الّذي خلق انزياحا موضوعيا أحدث ربويرا كلّيا ُب ّ
القوة والغموض والعمق.
السهولة و ّ
ومتنوعة؛ فنتج عن ذلك مظاىر متع ّددة من حيث ّ
وأوضاع ـبتلفة ّ
يدؿ على إدراج عناصر جديدة يأخذ
الشخصيات ما ّ
وُب تنويع الوضعيات وتقلّب األحواؿ و ّ
ؤدي إٔب انزياحات ُب األساليب اؼبستخدمة ُب اؼبّت ،لذلك
اؼبتغري شكبل مؤسلبا جديدا ،وىو ما يُ ّ
ُّا ّ
ذوؽ
الشعور بالتّ ّ
الفّن عموما عنصرا أساسيًّا ُب إبراز أنبّية األثر وزيادة ّ
كاف التّنويع ُب العمل ّ
واالستمتاع والتّجاوب.
1رأي في المقامات ،عبد الرحمن ياغي ،دار الفكر للنّشر والتوزيع ،عماف األردف1985( ،ـ) ،ص.49
329
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
311
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
وقد كاف ؽبذا التّنويع والتّغيري ُب صياغة أسلوب اؼبقامات ردود فعل متباينة ،أشار اغبريري إٔب
اىل ،أو ذي غُ ْمر َمتجاىل إحداىا ُب مق ّدمتو حيث قاؿ أ ّف عملو ٓب ي َكد ىبلص « من غُمر ج ِ
ْ َ َ
الشرع ».1
مّن ؽبذا الوضع وين ّدد بأنّو من مناىي ّ يَضع ّ
الصيت ال ّذائع للمقامات اغبريرية من أ ّّنا
وُب واجهة ـبالفة ؼبا قيل تصل أصداء تتح ّدث عن ّ
العاـ حيث أنست
اػباص و ّ
ّ ظ ،وأقبل عليها
« جاءت ّناية ُب اغبسن وأتت على الوافر من اغب ّ
2
وصريّتا كاؼبرفوضة ».
مقامات البديع ّ
ص حيث « يشتكي وُب مقابل ىذه األصداء أيضا ىناؾ شكوى من سوء فهم قصدية النّ ّ
غري فيو من اسرتاتيجية األدب الّذي أثقل كاىلو
اغبريري من قراءة متل ّقيو لنوع غري مألوؼ ،حاوؿ أف يُ ّ
3
سابقا بأنواع جديدة »
أحس اغبريري بضرورة التّغيري ،وفتح أفقا جديدا أماـ إبداعية القارئ قصد تنشيطو
وقد ّ
وربريك ـبيلتو بوضعو أماـ نصوص ذبمع بني ثناياىا زطبا وفريا من ال ّدالالت واؼبتناقضات من حيث
ص اؼبقامي ٓب يقتصر على كونو وحّت اعبنس ،ونقصد باعبنس ىنا أ ّف النّ ّ
الرؤية والتّفكري ّ
اؼبوضوع و ّ
بالشعر ،وىو ما يُنبئ أ ّف ىذه اؼبقامات الّيت أنشأىا اغبريري
نصا نثريا فحسب وإّمبا امتزج أيضا ّ
ّ
تتضمنو ال يبكن أف يبدعو إالّ من كاف ُب
ليست كباقي النّصوص الّيت ينتجها أي شخص ،وأ ّف ما ّ
قمة ال ّذكاء ،فقد ذكر ُب مق ّدمتو أ ّف من خصائص مقاماتوّ ،أّنا ربتوي على اعب ّد واؽبزؿ وعلى ّ
الرقيقة واؼبتينة وعلى البياف اعبيّد الّذي يُشبّهو باعبواىر ،وغرائب األدب وملحو ،وىذا التّنويع
األلفاظ ّ
ُب األساليب واألغراض الّيت احتوّتا اؼبقامات أطلق عليو اغبريري اسم "اإلضباض" حيث قاؿ« :وما
بيو.4»... ط قا ِرئِ ِيو .وت ْكثير س ِ
واد طالِ ِ ماض ِ
فيو .إال ت ْنشي َ باإلح ِ
َ َ ت ْ قص ْد ُ
َ
1مقامات الحريري ،أبي القاسم الحريري ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط2002(4ـ) ،ص.14
2صبح األعشى ،القلقشندي ،القاىرة ،دار الكتب المصرية( ،د،ت)1922( ،ـ) .الجزء ،14ص.110
ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري) ،إبالغ محمد عبد الجليل ،شركة النّشر والتّوزيع المدارس ،الدار البيضاء،
شعرية النّ ّ
3
ط2005(1ـ) ،ص.64
4مقامات الحريري،ص.13
310
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
شريشي ،تحقيق إبراىيم شمس ال ّدين ،ج ،1دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1985(1ـ)،
ينظر :شرح مقامات الحريري ،أبو العباّس ال ّ
1
ص.26
ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري) ،إبالغ محمد عبد الجليل ،ص.64
شعرية النّ ّ
2
313
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
1الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي ،جابر عصفور ،المركز العربي للدراسات،بيروت ،ط1992( 3ـ) ،ص.383
الرمة ،خليل عودة ،رسالة دكتوراه ،القاىرة 1978،ص10
الصورة الفنية في شعر ذي ّ
2
311
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
1اللّغة العربية وآدابها ،النّظرية األسلوبية ،عبد اهلل عنبر ،ص .277
2ينظر :جماليات األسلوب فايز ال ّداية ،ص.37
315
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
الكبلمية اغبقيقية لقرُّا منها » ،1أو ىو بعبارة أخرى « استخداـ اللّغة ُب معىن ىبتلف عن اؼبعىن
2
الذي ُوضعت لو أساسا باالعتماد على نقل اؼبعىن أو توسيعو أو تضييقو ».
كل كلمة أريد ُّا غري ما وقعت لو ُب وضع
لعل ىذا ما أراده اعبرجاين حينما قاؿ إنّوّ «:
و ّ
كل كلمة جزت ُّا ما وقعت لو ُب
األوؿ فهو ؾباز وإذا شئت قلتّ :واضعها ؼببلحظة بني الثّاين و ّ
3
وضع واضعها إٔب ما ٓب توضع لو ».
لتدؿ داللة
معني وتنزاح ُب اَّاز ّ
تدؿ ُب حقيقتها على معىن ّ
فاأللفاظ –وفق ىذا التّعريفّ -
تعرب عنو اغبقيقة ،والثّاين
األوؿ ثابت ّ
فتتفرع بذلك إٔب مدلولنيّ :
أخرى جديدة غري ال ّداللة األصليةّ ،
الصورة اَّازية
يرجح كاتبًا عن آخر ،وتع ّد ّ
الرتكيب ىو الذي ّ
عرب عنو باَّاز ،وىذا النّوع من ّ
متحوؿ يُ ّ
ّ
من أبرز األدوات اليت يستخدمها اغبريري ،ؽبذا كانت دراستنا لؤلسلوب اللّغوي اَّازي ُب نصوصو،
الرؤية ال ّداخلية ؽبا ىي األساس الذي
السياقية اليت تربط عناصر اعبملة؛ إذ أ ّف ُّ
مرتكزا على العبلقات ّ
حوالت ال ّداللية الذي قد تطرأ على ألفاظ
يستقر بو وصفها وتربز منو صبالياّتا وىذا بالنّظر إٔب التّ ّ
ّ
اللّغة حني توضع ُب سياقات لغوية ـبتلفة.
نص من نصوص اغبريري على ؾبموعة من االنزياحات وىذا ما يعكسو كل ّ يتوفّر ّ
ٍ
ت لوُ زىةً .وي ْد َرأُ عن قلبي ُش َبهةً .الى أ ْف ج َد َح ْ
ك بُػ ْرَىةً .يُػ ْنشئ لي كل يوـ نُ َ قولو«:ولَبِثْنا على ذلِ َ
ِ 4 ِ ِ ِ ِ ِ ي ُد ْ ِ
اإلمالؽ .كأس الفراؽ .وأ ْغراهُ ع َد ُـ العُراؽ .بتَطْلي ِق العراؽ .ول َفظَْتوُ َمعا ِوُز ْ
اإلرفاؽ». َ
ت لوُ يَ ُدوتتب ّدى ذروة االنزياح -على اؼبستوى التعبريي –ُب ىذا التشكيل اللّغوي «ج َد َح ْ
خاصا ذبلّى ُب إسناد اليد إٔب اإلمبلؽ (الفقر) الؽ»؛ إذ ح ّقق اغبريري ُب ىذا ّ اإلم ِ
الرتكيب توتّرا ّ ْ
الصورة الّيت يتجلّى فيها الفقر عن كونو مفهوما وإسناد الكأس إٔب الفراؽ ،وما يلفت االنتباه ىو ىذه ّ
السلوؾ اإلنساين من خبلؿ لفظة "جدحت" ،ذلك أ ّف
حي يبارس ّ
ليتحوؿ إٔب كائن ّ
معنويّا اجتماعيا ّ
الشيء
اعبَ ْدح ىو اؼبزج أو اػبلط باليد وىو سلوؾ ؿبسوس نلحظو حباسة البصر ،فإذا ما نظرنا إٔب ّ
1اللّفظ والمعنى في التّفكير النّقدي والبالغي عند العرب ،األخضر جمعي ،اتّحاد الكتّاب العرب ،دمشق ،ص .29
2مدخل إلى معرفة اللسانيات ،محمد إسماعيل بصل ،دار المتنبّي ،دمشق ،ص.70
3أسرار البالغة ،الجرجاني ،ص.304
4مقامات الحريري ،المقامة الحلوانية ،ص.26
312
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
ؾبرد
الذي أضيفت لو ،ألفينا درجة التّوتّر تتصاعد ما يشي بانزياح كبري بني الطّرفني ،والفراؽ مفهوـ ّ
غري ؿبسوس ،ال يبكن أف يفرغ ُب كأس ليمزج بيد اإلمبلؽ ،وقد أتاحت ىذه العناصر ُب سياؽ
الصورة ىو تبياف ما للفقر من
تركيبها للعني أف ترى مشهدا لن يتح ّقق إالّ بسحر اػبياؿ ،وداللة ىذه ّ
غري من سلوؾ اإلنساف ،وأىدافو ُب اغبياة،
كل األوراؽ ،ويُ ّ
انعكاسات على الفرد واَّتمع فهو ىبلط ّ
وهبعلو ينأى جبنبو عن أحبابو وأصحابو ،وقد تفنّن اغبريري ُب الكبلـ للتّعبري عن ىذه اغبالة فأكسب
فأدى بذلك وظيفة توصيلية إٔب القارئ من خبلؿ نصو قيمة صبالية ،وأضفى عليو أسرارا أسلوبيةّ ، ّ
إبراز الطّاقة التّعبريية الكامنة ُب اللّغة ،فانزاح األسلوب عن النّمط اؼبألوؼ اؼبعتاد وح ّقق التّأثري
واعبمالية ُب آف واحد.
الصةَ
وُب موضع آخر من اؼبقامة نفسها داللة أخرى النزياح لغوي آخر ُب قولو« :إ ّف ُخ َ
تظهر بالس ْب ِ
تص َدعُ ِر َ الجوى ِر َ ُ ّ
1
ك
الش ّ ك» ُب ىذه العبارة إنزياحاف؛ إذ ّ
اغبق و ّ شّ
داء ال ّ ك .وي َد الح ّق ْ َ
حسي دبا أضفاه عليو اغبريري من صفات
حوؿ إٔب مفهوـ ّ
مفهوماف معنوياف أصبحا قادراف على التّ ّ
الش ّق
ك ،وقد أسند ّ الش ّ
يشق رداء ّاغبق رجبل قويّا ّ
(يد ،يصدع) ،ليضعنا أماـ صورة أخرى يبدو فيها ّ
الصورتني ظاىرا جليّا ،وقد ذباوز اغبريري التّعبري
ك فبدى التّفاعل بني ّ
الش ّ
الرداء إٔب ّ
اغبق ،و ّ
إٔب يد ّ
الصيغ نوعا من التّب ّدؿ الذي طرأ على معىن األلفاظ ،فأصبحت ىذه
األصلي ،ذلك أنّو قد أكسب ّ
غريت من داللتها األصلية لتتّسع وتستوعب ال ّداللة اعبديدة الّيت اكتسبتها
األخرية ُب صيغة جديدة ّ
السروجي اعبماعة قد ارتابت من قولو ،و ّأّنا قد أبت تصديق دعواه ُب قوؿ
فلما رأى ُّب سياقهاّ ،
الشعر وسبكو ،فأسند اليد
شك ُب قدرتو على نظم ّ كل ّ الشعر بادرىم ُّذا القوؿ لينزع من قلوُّم ّ
ّ
ك لديهم ّاذباه ما يقولو وما يفعلو وذلك ليكسب ثقتهم فتتح ّقق
الش ّ
يشق ُّا رداء ّ
اغبق وجعلو ّ
إٔب ّ
الغاية واؼبراد.
تتحوؿ اللّيلة اليت أرؽ فيها اغبارث بن نبّاـ إٔب ليلة حالكة اعبِلباب ُب قولو:
وُب سياؽ آخر ّ
ِ 2 ْبابِ .
ىاميَ ِة الر ذات ليلَ ٍة حالِ َك ِة الجل ِ «أ ِرق ُ
ضت لفظة (اعبلباب) اللّفظة األصلية باب » وقد َع َو َ ْت َ
315
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
الراوي بعبارة
عرب عن إزالة النّوـ من عيّن ّ
حّت ّنايتو ،وبذلك يكوف اغبريري قد ّ
فيصب ويُراؽ ّ
ّ الكأس
أكثر داللة وإوباءا ليُ ّبني امتعاضو من اؼبوطن الذي كاف يقطن فيو وانتفاء االستقرار النّفسي فيو ،وُب
حّت أفرغ كأس الكرى فَػَركبو النّشاط للّرحيل عنو وقدذلك تصوير للمعاناة اغبياتية ُب ذلك اؼبوطن ّ
الرتكيب اؼبوحي الذي يشي ُّذه ال ّدالالت.
استخدـ اغبريري ىذا ّ
وقد يستخدـ اغبريري ألفاظا لتجسيد أو تشخيص معنوي ومنو على سبيل اؼبثاؿ استخدامو
للفظة "النّاب" مع "النّوب" ُب قولو:
تش ّكل ىذه العبارة انزياحا صوتيا إيقاعيا مشحونا بانزياح دالٕب قوامو التّأثري ُب نفس
السكينة بينهم ،وقد ّأدت بنية اإلضافة على كبو تكاملي إٔب
بالراحة و ّ
ليحس ّ
ّ السامعني ليُأ َّمنوا القائل
ّ
الرتكيب اإلضاُب [ناب النوب] الذي يضفي على الكبلـ
تكثيف ال ّداللة وتعميق اإلوباء من خبلؿ ّ
اغبسية حيث ُذب ّسد اؼبصائب (النوب) على ّأّنا وحش مرتبّص لو أنياب ،وقد أحكمت ىذه
نوعا من ّ
ك بفاقَتِك.
ت أبياتُ َ
صر َح ْ
أنت فق ْد ّ
الصوتية ال ّداللية تأثريىا على اغباضرين فقالواّ « :أما َ
ال ّدفقة ّ
مأربَةُ ولَ ِد َؾ ».2 ِ
ك إلى بلد َؾ .فما َ
يوصلُ َ
طيك ما ّ
ك .وسنُ ْم َب ناقَتِ َ
وعطَ ِ
السياؽ اللّغوي ،فيجعل داللتها طوع اؼبتكلّم ،ويلمح
يقوـ اَّاز إذا على« الكلمة اؼبفردة ُب ّ
إٔب ما فيها من اؼبعاين اؼبختزنة فيقارب بني بعض ىذه اؼبعاين وبني اؼبوقف اللّغوي ،ويطرح اؼبعاين
كأّنا ُب غري مكاّنا الطّبيعي ،ذلك أ ّف داللتها
خاص من ال ّداللة ،و ّ
فتتحوؿ اللّفظة إٔب نوع ّ
األخرىّ ،
خاصة جديدة ».3
لتدؿ على حالة ّ
اؼبسميات اػبارجية معروفة ،وقد جيء ُّا ّ
تدؿ على ّ
اغبقيقية الّيت ّ
كية ،ص.139
المقامة الم ّ
1
وُّذا يبكن القوؿ أ ّف اَّاز يبثّل أكرب استثمار فبت ّد على مستوى ساحة االنزياح فمعو زبرج
العاـ ومعايريه وسننو اإلجرائية إٔب دائرة فصيحة تتوافر فيها أواصر
السياقات من مركزيّة النّظاـ اللّغوي ّ
ّ
اغبر غري اؼبقيّد على مستوى اإلخبار واإلبداع.
حرؾ اؼبوجب ّ
التّ ّ
-2االنزياح االستعاري:
خاص يتجلّى ُب أشكاؿ االقباز
تفرض بعض النّتاجات األدبية سلطة إوبائية تنبّن على واقع ّ
الرتكيبية فيها إٔب وجو فيو ربوير للواقع اغبقيقي بطريقة تعبريية جديدة
تتحوؿ العبلقات ّ
اللّغوي؛ حبيث ّ
اؼبتجمدة
ّ اؼبتوىجة ،وبذلك يصبح « استخداـ الكلمات بأوضاعها القاموسية
وفق اؼبغايرة ال ّداللية ّ
الراسخة إٔب طبيعة جديدة،
الشعرية ،بل ينتجها اػبروج بالكلمات عن طبيعتها ّ
غري ؾبد ُب إنتاج ّ
اؼبرتسبة وبني
وىذا اػبروج ىو ما يُطلق عليو الفجوة أو مسافة التّوتّر ،أو ىو خلق للمسافة بني اللّغة ّ
1
الشعرية ».
الرتكيبية وُب صورىا ّ
األولية وُب بناىا ّ
مكوناّتا ّ
اللّغة اؼببتكرة ُب ّ
الرتكيب بوجو آخر يعلن االنزياح عن خفايا
وبيل ىذا الكبلـ إٔب استبداؿ الوجو اؼبألوؼ ُب ّ
ظل صور التّناسب واالئتبلؼ من جهة
ؤدي إٔب كسر التّوقّع ُب ّ
الرؤية دبا يُ ّ
بيانو للغوص ُب منابع ّ
والتّمايز من جهة أخرى.
لعل ىذا ما ينتج عن التّشكيل االستعاري الّذي يعترب « عملية خلق جديدة ُب اللّغة فيما
و ّ
يُقيمو من عبلقات جديدة بني الكلمات ،وبو ربدث إذابة لعناصر الواقع إلعادة تركيبها من جديد،
2
وبذلك تثبت حياة داخل اغبياة الّيت تعرؼ أمباطها الرتيبة ».
بأّنا « :استعماؿ اللّفظ ُب غري ما وضع لو ُب أصل اللّغة لعبلقة
وقد عرفت االستعارة ّ
3
بالشيء فتدع أف
الشيء ّ
اؼبشاُّة » ّ ،أما عبد القاىر اعبرجاين فقد قاؿ إ ّف «االستعارة أف تريد تشبيو ّ
4
فتغريه وذبريو عليو ».
تفصح بالتّشبيو وتظهره ،وذبيء إٔب اسم اؼبشبّو بو ّ
2اآلداب (مجلّة)" ،جماليات االستعارة في ضوء النّقد الحديث" ،سيدي محمد طرشي،جامعة تلمساف (الجزائر) العدد ،14نوفمبر (2008ـ) ،ص
.193
السبكي ،المطبعة األميرية ،بوالؽ1417 ،ىػ ،ج ،4ص.454
عروس األفراح في شرح تلخيص المفتاح ،بهاء ال ّدين ّ
3
يقوـ البناء االستعاري إذف وفق ىذين التّعريفني على مراحل ىي:
الصورة ا﵀سوسة اؼبتخيّلة. اَّردة إٔب ّ
مرحلة إخراج الوحدة اللّغوية من منطقة ال ّداللة ّ -1
الصامتة واعبامدةّ ،قوة اغبركة واغبيوية.
الصورة ّ
مرحلة التّحويل ،أي إكساب ّ -2
1
الصور.
الرتكيز على التّكثيف عن طريق االنزياح ،ومبادرة الكلمات ،وتفخيم ّ
مرحلة ّ -3
الرؤية اعبمالية للحريري من خبلؿ التّشكيل االستعاري الذي وظّفو ُب مقاماتو ،وقد تنبثق ّ
كشفت لنا القراءة اؼبتأنّية ؽبذه النّصوص عن خصائص أسلوبية انبنت على ما ال يتوقّع وعلى اؼبفاجأة
والرّو ِاد .الى أ ْف َى ِرَـ ِ ِ ِ ِ
وذلك ُب مثل قوؿ اغبريري«:فلبثْنا نرقُػبُوُ ِرقبَةَ األ ْعياد .ونستَطلعُوُ بالطّالئ ِع ّ
طاؿ أم ُد االنتِظا ِر .والح ِ ؼ ِ
الشمس في األطْما ِر .قُ ُ
لت ُ ت َ َ َ افلم
ُ ّ . هار ن
ْ ي اليوـ كاد ُج ُر ُ
هار .و َ
النّ ُ
الزما َف.2». الرحلَ ِة .الى أ ْف َ
أض ْعنا ّ الم ْهلَ ِةَ .
وتماديْنا في ّ ناى ْينا في ُ
ألصحابي :قد تَ َ
ْ
تكشف بعض الكلمات ُب ىذا اؼبقطع عن غرابة معيّنة تكمن ُب اقرتاف كلمة َى ِرَـ بالنّهار،
الشمس باألطمار.
وجرؼ باليوـ ،و ّ
الشمس،
الضياء الذي يسود ما بني طلوع الفجر إٔب غروب ّ إ ّف داللة النّهار توحي بذلك ّ
لكن اغبريري أسند الفعل"ىرـ" إٔب "النّهار" ليبسط مساحة من
وىذا ُوبيل إٔب امتداد زمّن طبيعيّ ،
االنزياح بني "اؼبعىن"و"معىن اؼبعىن" ،فاستبدؿ اؼبظهر اؼبألوؼ ُب الطّبيعة بآخر جديد ومستغرب،
ويتجلّى ُب إكساُّا صفة بشرية حيث تصبح ظاىرة انتهاء النّهار ُب ىذا اؼبقطع صورة لئلنساف
عندما يكرب أو يشيخ ،وىذا وجو آخر ُب عبلقة الطّبيعة باإلنساف ،فاستعارة اؽبرـ للنّهار بنيت على
تونبي زبيلي ،واألمر نفسو يسري على عبارة "كاد ُجرؼ اليوـ ينهار" فإسناد اعبُرؼ باعتباره
أساس ّ
صخورا ذبرفها سيوؿ الوادي إٔب اليوـ قد خلق نوعا من االنزياح حيث نقلت األلفاظ من وجهها
الظّاىري إٔب وجو آخر أقصى البىن عن أصل وضعها لتفتح دائرة التّ ّأمل قصد الكشف عن عبلقات
متحوؿ ال ّدالالت.
متنوع الوجود ّ
جديدة ،وىو ما يسمح بكشف طبقات ىذه البىن على فضاء ّ
1ينظر :األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص.456
2المقامة ال ّدمياطية ،ص.46
350
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
حوؿ ُب استخداـ األلفاظ ُب ىاتني العبارتني انزياح آخر مثّل غايةوقد نتج عن ىذا التّ ّ
الشاعر
عرفو عبد القاىر اعبرجاين بػ « ما يثبت فيو ّ
عرب عنو بالتّخييل الذي ّ
االكبراؼ والتّباعد أو ما ّ
أمرا ىو غري ثابت أصبل وي ّدعي دعوى ال طريق إٔب ربصيلها ،ويقوؿ قوال ىبدع فيو نفسو ويريها ما ال
الشمس إٔب كائن إنساين يظهر بأطمار بالية َخلِ َقة ،ومعاعبة البعد االنزياحي
تتحوؿ ّ
ّ حيث 1
ترى ».
الشمس عند تغري ضوء ّ ُب ىذا التّشكيل االستعاري ينبّن على أ ّف اغبريري قد انزاح ُب تعبريه عن ّ
الشمس ،اعبرؼ،
الغروب ،فخلق لغة جديدة على أساس عبلقات قائمة بني الكلمات"األطمارّ ،
للصورة االستعارية ُب ىذه العبارات قد سبّت بتفاعل
اليوـ ،ىرـ ،النّهار" فاغبركة اللّغوية وال ّداللية ّ
السياؽ مع االستعارة نفسها مع غرابتها عنو ،وما يكشف ىذا التّفاعل ىو تلك الكلمات اؼبستعارة ّ
"ينهار ،النهار ،جرؼ ،ىرـ ،األطمار" ،والّيت ال تنتمي إٔب ا﵀يط الذي حلّت بو ،وىذا ما ُوب ّقق
وتتوىج األحاسيس البديلة الّيت ربيل
عنصر اؼبفاجأة حني يتضاءؿ التّنامي النّمطي لل ّدالالت اؼبألوفةّ ،
لتكوف عبلقات جديدة تتّسم باإلوباء
ربوالّتا عن مستوى األصل ّ على طاقات إبداعية ضمن ّ
اعبمإب ،وينبغي االلتفات إٔب أ ّف توظيف اغبريري ؽبذه األلفاظ وخروجو ُّا عن اؼبألوؼ ٓب يكن
أحس بو
الشعور الذي ّ
يؤشر إٔب دالالت اؼبلل والبلجدوى من االنتظار والبحث ،وىو ّ
عشوائيا وإّمبا ّ
السروجي وبذلك يصبح ؽبذه االستعارة « ىدفا صباليا
اغبارث بن نبّاـ ورفقائو وىم ينتظروف أبا زيد ّ
2
وتشخيصيا وذبسيديا وزبييليا وعاطفيا »
فالفضاء االستعاري ُب ىذه العبارات يتّضح من خبلؿ استخداـ اغبريري لصبلت التّنافر
والتّشابو ُب الوقت نفسو ما يُفضي إٔب تناسق ُب ال ّدالالت ،وىو ما يعود بنا إٔب البحث عن النّظرة
الرتاثية عبماؿ االستعارة وؿباولة تطبيقها على إنتاج اغبريري وذلك من خبلؿ منهجني:
ّ
األوؿ :يرجع جبماؽبا إٔب وضوحها ومقاربتها اؼبعىن الذي استعريت لو ،إذ يقوؿ اآلمدي: ّ
« إّمبا استعارت العرب اؼبعىن ؼبا ليس لو إذا كاف يُقاربو أو يدانيو ،أو يشبهو ُب بعض أحوالو ،أو كاف سببا
1
بالشيء الذي استعريت لو ومبلئمة ؼبعناه ».
من أسبابو ،فتكوف اللّفظة اؼبستعارة حينئذ الئقة ّ
دؿ"ىرـ
وقد ناسب اغبريري بني اللّفظة اؼبستعارة وما استعريت لو من حيث اؼبعىن حيث ّ
يدؿ على قرب أجلو ،كما دلّت
اؼبسن ويكرب وىو ما ّ
النّهار" على قرب زوالو وانقضائو كما يشيخ ّ
السيوؿ.
العبارة الثّانية عن قرب انتهاء اليوـ ،كما تنهار صخور الوادي بفعل ّ
الشمس وبروزىا بأطمار بالية
فعرب عن ظهور ّ
ّأما العبارة الثّالثة فكانت للتّمثيل للغروب ّ
الشمس وىي ُب ذلك الوضع.
تتحوؿ لو ّ
لتوضيح اللّوف الذي ّ
األوؿ بال ّدعوة إٔب كسر البىن اؼبألوفة وفسح بىن متميّزة سبلك
ّأما اؼبنهج الثّاين فقد زبطّى اؼبوقف ّ
قدرة التّأثري ،وبياف ذلك عند اعبرجاين إذ يقوؿ « :وىكذا إذا استقربت التّشبيهات ،وجدت التّباعد بني
شيئني ،وكلّما كاف ذلك أش ّد كانت إٔب النّفوس أعجب وكانت النّفوس ؽبا أطرب ».2
وتؤسس نصيا
ىاما ُب مقامات اغبريري ّ
السابق ينبئنا أ ّف اللّغة تشغل حيّزا ّ
إ ّف التّنظيم ال ّدالٕب ّ
وتصور
ومكوناتو نوعا ووضعاّ ، الفّن ،حيث زبتلف وتتع ّدد عناصر الوصف ّ لتنوع ؾباالت التّصوير ّ ّ
السهوة وىي تأسر أبا صور ّاغبركة والفعل واغبالة والتّفاعل واؼبظهر ...فعلى اغباؿ نفسو يبكننا أف نت ّ
يسنَ ُح .أو ُح ٍّر واؽ .متص ّدياً ٍ األس ِ اؽ .الى ِْت اإل ْشر ِ
لص ْيد ْ
َ بعض ْ ت وق َ السروجي حبباؽبا« :غ َد ْو ُ
زيد ّ
فاء
ص َ فجمع على التّ ِ
حقيقَ . َ إلي ِو َمصي ُفوُ.
وأحس َن ْ
َ تصفي ُفوُ.
س َن ْ
ْت بها ْتمراً قد َح ُ فلحظ ُ
يسم ُحَ .
َ
المز ْع َف ِرَ .
فهو ِ
برز كاإلبْري ِز األص َف ِر .وانجلى في اللوف َ عقيق .وقُبالتَوُ لِبَأٌ قد َ
نوء الَ ِ الر ِ
حيق .وقُ َ ّ
فأسرتْني ريو .ولو ن َق َد حبةَ القل ِ ِ تناى ِيو .ويصوب رأي مشتَ ِ ساف ِ طاى ِيو .بلِ ِ
يػثْني على ِ
ْب فيوَ . ّ ْ ُ َ ُ ُ
3
الع ْي َمةُ الى ُسلْطانِها.». ِ
شهوةُ بأ ْشطانها .وأسلَ َم ْتني َ
ال ّ
1الموازنة بين شعر أبي تماـ والبحتري ،اآلمدي ،تحقيق محمد عبد الحميد ،المكتبة العلمية ،بيروت ،ص.346
2أسرار البالغة ،عبد القاىر الجرجاني ،ص .60
3المقامة الفرضية ،ص.147
352
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
ِ ِِ
فهو يُػثْني على طاىيوُ ...مشتَريو» إٔب ّ
الصوت اؼبنبعث من ويُشري اؼبقطع األخري ُب قولوَ «:
صور اغبريري حركة الفعل
وملحا على مشرتيو ليأخذوا منو فقد ّ
اللّبأ ،وىو يتكلّم مثنيا على طاىيوّ ،
واغبالة للبأ فأبرز التّفاعل اغباصل بني عناصر إنسانية وأخرى جامدة عرب التّعبري دبفردات اإلنساف
يصوب ،رأي) ،وقد اجتمعت ىذه االستعارات على خرؽ نظاـ اللّغة من خبلؿ العمل
(يثّن ،لسافّ ،
السروجي عن قرب
على تغيري اؼبعىن واغب ّد من مباشريتو قصد تعميق االنفعاؿ لرسم اؼبشهد الذي رآه ّ
وكأنّو ماثل أماـ القارئ.
الصور ُب قولو:
الصورة اؼبوالية لتلك ّ
متأججا ُب ّ الشعوري ّ وقد بدا التفاعل النّفسي و ّ
شهوةُ بأ ْشطانِها» حيث يتّضح االرتباط والتّقييد ،ذلك أ ّف ّ
الشهوة حينما يُسند إليها فأسرتْني ال ّ
« َ
ِ
فأسرتْني"واالسم"أ ْشطانها" تغادر معناىا ّ
اَّرد لتنضاؼ إٔب الئحة اإلنسانية ،فتكتسب بذلك فعل " َ
اإلحساس،تتحوؿ إٔب جسد
ّ الشعور و
فالشهوة دبا أ ّّنا معطى معنوي من ّ
اغبريةّ ،
سلطة التّقييد وسبلّك ّ
القوة على إتياف سلوكات بشرية (األسر باغبباؿ) وبذلك تنزاح الكلمة عن مدلوؽبا
حي يبلك اإلرادة و ّ
ّ
لصورة الّيت
لتدؿ على انفعالو باؼبنظر الذي رآه وتوضح ّقوة اإلوباء واإلدىاش واعبماؿ ُب ا ّ
اغبقيقي ّ
اليت « تعكس التّداخلسمى باستعارة النّقل اعبمإب ّ
رظبها اغبريري ُب ىذه اؼبقامة من خبلؿ ما يُ ّ
تاما ،وتتمتّع ىذه
البني بني شيئني من حقلني دالليني ـبتلفني اختبلفا شديدا ،بل ـبتلفني اختبلفا ّ ّ
االستعارة بقيمة انفعالية وتأثريية عالية ج ّدا ،فهي ال تتجاوز التّبليغ إٔب اإلوباء فحسب ،وإّمبا يغلب
1
الشديد واإلدىاش ».
عليها التّشكيل اللّغوي اعبمإب ولذلك تتّصف باإلوباء ّ
الصور االستعارية للحريري ضمن ثبلثة وظائف
وقد ذبلّت الوظيفة اعبمالية للنّقل ُب ىذه ّ
أساسية:
-1جودة اإلفهاـ :وتظهر من خبلؿ وضوح االستعارات.
-2تغريب القوؿ :ويأٌب من ـبالفتها للمألوؼ من القوؿ حيث عمد اغبريري إٔب ذبسيد ما ىو
الشهوة بأشطاّنا)( ،فهو
جامد وتشخيصو ُب ىيئة بشرية تقوـ بأفعاؿ وحركات (أسرتّن ّ
شعر الجاىلي (مدخل لغوي أسلوبي) ،محمد العيد ،دار المعارؼ ،القاىرة1988( ،ـ) ،ص.154
إبداع ال ّداللة في ال ّ
1
351
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في النص المقامي للحريري
يثّن على طاىيو) ما تولّد عنو صبالية االستغراب وال ّدىشة من اللّغة الوصفية ،الّيت قربت
القوؿ من وضعية غري مألوفة سواء على مستوى الكينونة والتّش ّكل أـ على مستوى الفعل
واغبركة.
حوؿ
الرتابة واؼبلل بناء على مبدأ التّ ّ
-3اإلمتاع وااللذاذ :الذي وبصل بعد التّخييل حيث تب ّدد ّ
القائم على االنتقاؿ بني وضعيات ـبتلفة.
ووبيل مفهوـ النّقل االستعاري إٔب كوّنا انزياحا عن القاعدة ،لذلك قيل ُب تعريفها إ ّّنا « قوؿ
1
ـبرج غري ـبرج العادة وىو ما هبعل صباليتها كامنة ُب ىذا االنزياح عن القوؿ اؼبألوؼ ».
توضح مكامن الظّلم االجتماعي والفقر الذي كاف يعاين منو أفراد اَّتمع الصور وغريىا ّوىذه ّ
ُب عهد اغبريري ،وتدىور القدرة االجتماعية للحصوؿ على ما يريدوف.
وقد أرضخ اغبريري عناصر اللّغة إٔب تفاعل عضوي انزاحت دبوجبو األلفاظ عن معانيها األصلية
ص اؼبقامي ،ففي مقاـ النّصح واإلرشاد يوظّف اغبريري االنزياح تبعا لسياقاّتا ُب االستعماؿ داخل النّ ّ
االستعاري ُب قولو:
ِ ِ2
راضياً بما ت ْقتَني م ْػن أجػ ِرهِ وثػوابػو
بالماؿ ِ
ِ فج ْد في مراضي ِ
اهلل َ ُ
ػوؿ ونػابِ ِػو
بمخلَبِ ِو األ ْشغػى يغ ُ ِ الزم ِ
ػاف فػإنّػوُ ؼ ّصر َ ِ ِ
وباد ْر بو ْ
الصفات اغبيوانية الّيت اختريت
الصورة عن إحساس باؼبفارقة فنعثر على عدد من ّ
تعرب ىذه ّ ّ
تتجسد ُب
بكل ما وبملو من مفاجآت غري اؼبتوقّعة ّ
الزماف ّ للزماف ،رّدبا أل ّف عبلقة اإلنساف حبيثيات ّ
ّ
الشيء الذي
ؾبردّ ، الصورة على إضافة ؿبسوس إٔب ّ
ذلك اؼبوقف التّحذيري من تقلّباتو ،وتقوـ ىذه ّ
الزماف من أجل مواجهتو ،ألنّو يستحيل
ينتج عنو تركيبات غاية ُب االكبراؼ والتّباعد ،فقد ًبّ ذبسيد ّ
الزماف إٔب حيواف مفرتس (بأنياب وـبالب) وإعارتو مواجهة اؼبعنوي ،فالتّجسيد يتمثّل ُب ربويل ّ
السلوكات اغبيوانية (يغوؿ)ّ ،أما اؼبواجهة فتتمثّل باغب ّد األدىن الذي
ؾبموعة من األعضاء واألفعاؿ و ّ
السريعة ،وىو البذؿ والعطاء ُب
الزماف وتقلّباتو ّ
معوقات وعراقيل ونبوـ ّ
يستطيعو اإلنساف العاجز أماـ ّ
مراضي ا﵁ باؼباؿ قصد كسب الثّواب واألجر ،ـبافة ّناية مفاجئة.
1ينظر :اللّغة العربية وآدابها(مجلّة)"،النظرية األسلوبية" ،عبد اهلل عنبر ،ص .284
السالـ ،افتتحها غانم بن عياض ،في
نصبين :مدينة عظيمة كثرة األنهار والبساتين مطلّة على الجودي الذي استوت عليو سفينة نوح عليو ّ
2
وشعوريا صارخا بالغربة ُب البلد الذي قصده اغبارث بن نبّاـ إذا ٓب يلتق برفيق دربو أيب زيد
السياؽ
سبخضت" رؤية انفعالية تربز سبيّزىا ُب ىذا ّ
السروجي ،وقد ضبلت كلمة "اؼبضمضة" و"ال ّ ّ
الرتكيب وطبيعة اغبركة ،ووصف اغبريري غبالة اغبارث بن نبّاـ انبىن على عبلقات
حيث ب ّدلت معآب ّ
ربوالت متناقضة ظهرت ذبلّياّتا ال ّداللية ُب االنزياح عن اؼبألوؼ بني اؼبعىن ومعىن اؼبعىن.
ذىنيّة ضمن ّ
وقد ُوبيل ىذا االنزياح ُب العبارتني وُب عبارات أخرى كثرية ُب اؼبقامات إٔب أ ّف عامل
كل اؼبقامات حيث يُبدي اغبارث بن
السارد والبطل وارد تقريبا ُب ّ
السيكولوجية" بني ّ
"االستجابات ّ
أي شيء آخر ،وىو ما نبّاـ رغبة جامعة ُب التقاء أيب زيد؛ ذلك أ ّف األلفة ذبمع بينهما أكثر من ّ
يشري إٔب أ ّف اغبريري يضعنا أماـ صورة ؾبتمع متماسك إنسانيا ولكنّو متف ّكك اجتماعيا واقتصاديّا.
تتكرر
ص اؼبقامي باإلضافة إٔب ما سبق ذكره من االستعارات ،استعارات أخرى ّتتش ّكل ُب النّ ّ
ص بشكل الفت للنّظر ،وترتّكز حوؿ أربعة مواضيع ىي كاآلٌب: داخل النّ ّ
استعارات ال ّدىر. -1
استعارات البطل. -2
استعارات اغبية. -3
استعارات النّار. -4
357
استعارات استعارات اغبيّة استعارات البطل استعارات ال ّدىر
-مازلت آخذ نفسي فجر ينبوع نفثاتو ّ - -يعجن اعب ّد دباء اؽبزؿ -اىتصرت عودي و يا ويل
وأطبد صبرة الغضب. -فأطرؽ إطراؽ األفعواف فلما أعجز العوـ ُب حبره من ّتتصر األحداث أغصانو
ّ -
-فلم يزؿ التّبلحي ب الزماف فإنّو
-وبادر بو صرؼ ّ
-وفصل عن جهتو واػبرت يلمع ٍ -بّ إنّو انساب انسياب اآلًن
تلهب ج دبخلبو األشغى يغوؿ ونابو
فلما رأيت ّ بت من لسعو الذي أعجز ّ - ّ - من جبهتو.
-ؼبا خبت ناره ،وتوا الرضبن سبحانو -أشكوا إٔب ّ
ّ سليما. مّن
ّ وبات سليما اقي
الر
ّ بسحر األفهاـ عقم ألقح مال
ّ ف - تقلّب ال ّدىر وعدوانو
-قاؿ لو كبرير زمرتو
مّن نفثة.
-واستمع ّ الكبلـ. -فهل فّت ُوبزنو ما يرى
-واىا لك ،فما أضر
-تلدغ بلساف نضناض. تلهب جذوتو فلما رأيت ّ ضر شيخ دىره خانو ّ - من ّ
-لعلّي أظهر على
-فما أعذب نفثات فيك -وؼبا تعامى ال ّدىر وىو أبو الورى
شجرة ناره. ّ
فلما رأيت انسياب اغبيّة واغبيية ومقاصده أكبائو ُب شد الر عن
-فقلنا أقبسنا نارؾ أ ّ - ّ
-يا قوـ إين من أناس غنوا
-فَػَزفَر أبو زيد زفري ال
ة. الكي
ّ إٔب اء د
ّ ال انتهاءو
وج ْف ُن ال ّدىر عنهم غضيض دىرا َ
-واػبصاـ بينهما متط -وقادين ال ّدىر اؼبليم
-اشتعل كريب.
-وأصلي قلب الوإب
355
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
وىو إٔب جانب ذلك صورة منفتحة على صورة أخرى مرتبطة بصورة اغبيّة:
وإ ْف ال َف وإف سػ ػ ّػر وال تػ ْرَك ْن الػى الدى ْػر
3
ػث الػس ّػم
بأفعى تن ُف ُ فتُػلْفى كم ْػن اغ ػتَ ػ ّر
(الس ّم).
فلل ّدىر مظهراف مظهر خارجي /اللّيونة /ومظهر داخلي /ظلم ّ
كل اؼبقامات فإ ّف ضبّى التّقلّب قد امت ّدت إٔب البطل أيضا ،حيث
وإذا كاف ال ّدىر متقلّبا ُب ّ
يعجن اعب ّد دباء اؽبزؿ ،ويُعجز القوـ عن العوـ ُب حبره ،ويُل ّقح األفهاـ العقيمة ،ويلمع اػبرت من
تدؿ داللة واضحة على تقلّباتو ُب فنوف القوؿ والفعل إلدراؾ غايتوجبهتو ،وىي كلّها استعارات ّ
فالسروجي يقلّد أفعاؿ ال ّدىر على أرض
وبلوغ مقاصده ،وُب ذلك صلة وثيقة بتقلّب ال ّدىر وطغيانوّ ،
الواقع باالحتياؿ واؼبكر واػبداع لذلك قبده يقوؿ:
1
ذو والِد ْه
وال غَ ْرَو أف يحذو الفتى َح َ
تعاميت حتى قيل إني أخو عػمى
ًَ َ ُ ّ َ
فقد جعل من ال ّدىر والده ،والولد يقتدي بأفعاؿ وسلوكات وأقواؿ والده.
فبث صورا استعاريةالسروجي باغبيّة ّ
اقبر عن ىذا االحتذاء أف شبّو اغبريري أبا زيد ّ
وقد ّ
مبني ُب اعبدوؿ -حيث صبعت صفات "اللّسع والنّفث وااللتواء عديدة لذلك -كما ىو ّ
السروجي واغبيّة من حيث
واالنسياب" لتنسب كلّها إٔب أيب زيد ،وىو ما يُؤّكد حالة التّطابق بني ّ
األفعاؿ واغبركات ،ؽبدؼ مشرتؾ ىو إغباؽ األذى.
ّأما استعارات النّار فجاءت بعضها لتوضيح انزياح ىذه اللّفظة عن مدلوؽبا األصلي من كوّنا
عرب عنو ُب كثري من األحياف بأنّو ؿب ِرؽ وؿبفوؼ حالة طبيعية إٔب استعاراّتا للّعب بالكبلـ ،الذي ّ
أضرَـ ُشعلَةَ ذكائِِو».3
ناره»َ « ،
بت ُ لما َخ ْ
ِِ 2
جذ َوتو » ّ « ،
ب ْتله َ
أيت ُّ
فلما ر ُ
باؼبخاطر « ّ
وُب أحايني أخرى تكوف لبلستئناس والتّ ّزود باؼبعرفة ،كما ُب قوؿ اغبريري« :لعلّي أَ َ
ظه ُر َعلَى
ؼ َش َج َرةَ ناَ ِره ِّ» فاستعارة النّار إذف ٓب تكن اعتباطية وإّمبا ًبّ ربويلها من « كائن طبيعي
أس َرا ِرىوأَ ْع ِر َ
ْ
إٔب كائن اجتماعي مق ّدس وروحي» 4.فالكلمة ُب اؼبقامات تدفئ قبل أف ربرؽ.
الزمنية باعتبارىا صورة انزياحية
ص اؼبقامي ،فتربز اللّحظة ّ
و ّأما استعارات اللّيل الّيت احتواىا النّ ّ
5
ماؿ
فعن لَنا إ ْع ُ
نحبَوُ» ّ « ،
يل ْ فلما قضى اللّ ُ
فبت ّدة للتّعبري عن اغبركة والتّعاقب فحني يقوؿ اغبريري « ّ
رو َؽ 6 ِ ِ ليلة فَتيّ ِة ال ّ ِ
كاب .في ٍ الر ِ
فلما ّ
يل َشبابَوُ» ّ « ،
فأسريْنا الى أف نَضا اللّ ُ
شباب .غُدافيّة اإلىابَ .
اللي َل قَميصاً» ،8نبلحظ أنّو عوض أف تسري اعبمل ُب ّاذباه إفراغ ضبولتها
ت ْ
7
هيم» «اتّ َخ ْذ ُ
اللي ُل البَ ُ
ْ
حوؿ اؼبكاين ُب رحبلت
ال ّداللية مباشرة تنزاح كبو معاين أعمق ضمن وظيفة ؾبازية ربيل اقرتاف التّ ّ
السروجي
أبو زيد ّ
جسد لنا اغبريري بصورة ال ّدىر أقصى حاالت اعبربوت والطّغياف البشري من منطلق
فقد ّ
سلطوي ،وبذلك يفصح النص اؼبقامي عن كوف الدىر إنساف ظآب ،ومن خبلؿ ىذه الصورة
ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري) ،إبالغ محمد عبد الجليل ،ص .111
شعرية النّ ّ
1
320
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
نستنتج صورة أخرى خفية تنطق ُّا اؼبقامات ُب صمت ":االنساف دىر ظآب "،فبل وجود للدىر
خارج ىذا التجسيد وخارج األنسنة.
وُّذا تكوف االستعارات الّيت غبقت ىذه األلفاظ قائمة على « اخرتاؽ اغبدود وزبطّي
1
اغبواجز من أجل صياغة بنائية متم ّددة ال ّداللة ».
سبس عصر اغبريري وما كاف يشوبو من
ويتأتّى سب ّدد ال ّداللة من كوف ىذه االستعارات ال ّ
كل عصر شبيو بذلك العصر.
تعرب عن ّ
احتياؿ وظلم واعتداء ،وإّمبا ّ
وبذلك تكوف استعارات اغبريري قد انطوت على تفاعل بني أطراؼ عديدة ومتباينة (ال ّدىر،
القوة التّخييلية للمبدع من خبلؿ سبثّلو للتّجربة
جسد ىذا التّفاعل ىو ّ لعل ما ّ اغبيّة ،والنّار) ،و ّ
فصور لنا موقفو وذباربو وانفعاالتو
الشعورية ،حيث يرى بني األشياء صبلت ال يراىا غريه من النّاسّ ،ّ
سر التّشكيل
متنوعة ،أدركنا من خبلؽبا التّشابو ُب تباينها ،وىذا ىو ّ تلونت بأشكاؿ ّ بألواف ّ
االستعاري الذي ترافقو دوما ال ّدىشة واؼبفاجأة.
فكاف وصل ال ّدىر باإلنساف وأبو زيد باغبيّة وكبلمو بالنّار ،قد خلق فجوة ،أو مسافة توتّر
حاد بني كونني لغويني متباعدين:
ّ
زمن طبيعي. ال ّدىر
حسي.
ّ اإلنساف
إنساف /اغبيّة /حيواف. أبو زيد
سلوؾ /النّار :كائن طبيعي. الكبلـ
1األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص .461
323
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
وقد ّأدى ىذا الوصل ضمن القرائن التّخيلية إٔب تعميق اؼبعىن ،وسبلّك أسراره ودقائقو ،األمر
وبس بو من
الذي نتج عنو إظهار ما كاف هبوؿ بو عقل وفكر اغبريري من أفكار ومواقف ،ودبا كاف ّ
عواطف وإحساسات وىو ما رسم لنا شخصيتو عن قرب من خبلؿ تصويره للحياة االجتماعية ُب
عصره.
ومبني ُب التّعبري
ولبلص إٔب نتيجة مفادىا أ ّف الظّاىرة االنزياحية تتجلّى بشكل ظاىر ّ
ص اؼبقامي حيث أصبحت وظيفتها ىي « وظيفة انزياحية زبتلط فيها اؼبعآب االستعاري ُب النّ ّ
وتتبلشى اغبدود ،وسبيل إٔب اإلغراب واإلدىاش واالكبراؼ فتخرؽ قواعد العقل واؼبنطق ».1
وىو ما أ ّكده اعبرجاين حني أشار إٔب صباليتها فقاؿ أنّنا « نرى ُّا اعبماد حيّا ناطقا،
واألعجم فصيحا واألجساـ اػبرس مبيّنة ،واؼبعاين اػبفيّة بادية جليّة ،وإذا نظرت ُب أمر اؼبقاييس
أعز منها ،وال رونق ؽبا َما َٓبْ تزّنا ،وذبد التّشبيهات على اعبملة غري معجبة ما َٓب
وجدّتا وال ناصر ؽبا ّ
حّت رأّتا العيوف،
جسمت ّ
تُكنّها ،إف شئت أ ََرتْك اؼبعاين اللّطيفة الّيت ىي من خبايا العقل كأ ّّنا قد ّ
حّت تعود روحانية ال تناؽبا إالّ الظّنوف ».2
وإف شئت لطفت األوصاؼ اعبسمانية ّ
لقد أوضح اعبرجاين من خبلؿ قولو ىذا أنبّية اؼبشهد االستعاري ُب تعميق اؼبعىن وذبليتو ،من
تعمق اؼبعىن واتّضح وتش ّكل
خبلؿ اػبروج عن اؼبألوؼ ُب القوؿ ،فكلّما كاف اؼبشهد غرائبيا كلّما ّ
جو من اإلشعاع
بالصورة ُب ّ
االنزياح اللّغوي؛ حيث يتح ّقق التّفاعل بني بؤرة اَّاز واإلطار ا﵀يط ّ
اعبمإب والعاطفي والوصفي واؼبعرُب.
وقد ش ّكلت ىذه الوقفة مع اؼبشهد االستعاري ُب مقامات اغبريري إمكانية أسلوبية يتيحها
االنزياح،لتصري إحدى ميادين حبثو حيث التّأسيس للقيم اعبمالية الفنّية ُب مستويات ثريّة من اؼبعاين
عمق واالكتشاؼ
لتستحث لديو القدرة على التّ ّ
ّ عرضها اغبريري بأشكاؿ متباينة لدفع اؼبلل عن اؼبتل ّقي
ا﵀سنات.
للصور و ّ
فيما وراء ىذا التّكثيف ّ
-3االنزياح الكنائي:
متنوع الوجوه ،وتستند ُب داللتها على
تعتمد البنية اللّغوية ُب سريورّتا التّواصلية على فضاء ّ
حوؿ ؿبايدة بني
اؼبؤدي إٔب االنزياح اللّغوي ،وتنمو البنية الكنائية ُب إطار ىذا التّ ّنوع والتّ ّ
حوؿ ّ التّ ّ
السطح والعمق.
الرتكيب على مستوى ّ اغبقيقة واَّاز،مطروحة ُب سياؽ ّ
الشيء إٔب ذكر ما يلزمو لينتقل من اؼبذكور
ويقوـ بناؤىا األسلويب على « ترؾ التّصريح بذكر ّ
1
يعرب عن شيء
ليدؿ بو على غريه ،أو أف ّ
الشيء ّإٔب اؼبرتوؾ » .وتعّن داللتها اللّغوية أ ْف «يذكر ّ
2
معني بلفظ غري صريح ُب ال ّداللة عليو لغرض من األغراض ».
ّ
الشيء بصريح عبارتو إٔب ذكره بأحد
حوؿ واالنتقاؿ من ذكر ّ
وربمل ىذه التّعاريف داللة التّ ّ
سرت بدال من
لوازمو ،وبالتّإب فهي تشري إٔب «:الوظيفة ال ّداللية االنزياحية الّيت تنجم عن اػبفاء والتّ ّ
التّصريح والكشف عن اؼبعىن اؼبراد إثباتو »3.فالعزوؼ عن التّصريح باؼبعىن اؼبراد إٔب اإلوباء إليو ىو ما
جعل الكناية تدرج ضمن إجراءات االنزياح.
وقد أشار إٔب ذلك أضبد ؿبمد ويس حني ذكر أ ّف التّدليل على دخوؿ الكناية ربت باب
االنزياح ال وبتاج إٔب كبري عناء ،ذلك أ ّف ال ّداللة االنزياحية ماثلة ُب كثري من تعريفاّتا 4.فحني نعود
إٔب آراء عبد القاىر اعبرجاين ُب الكناية نلمس بعضا من مبلمح انزياحية التّعبري الكنائي ُب مثل قولو:
« إ ّف اؼبراد بالكناية أف يريد اؼبتكلّم إثبات معىن من اؼبعاين فبل يذكره باللّفظ اؼبوضوع لو ُب اللّغة،
5
ولكن هبيء إٔب معىن ىو تاليو وردفو ُب الوجوه فيومئ بو إليو وهبعلو دليبل عليو ».
وما يُفهم من سياؽ ىذا التّعريف أ ّف اؼبتكلّم ينزاح عن التّصريح باؼبعىن الذي يريد إثباتو إٔب
تأمل
الصياغة الكنائية صعبة اؼبناؿ عند ّ
سرت ،وبذلك تصبح ّ
ذكر ما يومئ إٔب ىذا اؼبعىن باإلخفاء والتّ ّ
السياؽ ىو الكفيل بإضاءّتا ،ويتح ّدد
الرتكيب اللّغوي ،ويصبح ّ
جزئياّتا ،فهي تتخ ّفى ُب الكبلـ و ّ
السكاكي ،ص.170
مفتاح العلوـّ ،
1
مادة (كنى).
لساف العرب ،ابن منظورّ ،
2
سرتي بأمباط وتقنيات أخرى تندرج ضمن اؼبشهد الكنائي ،كاإليباء واإلشارة
ىذا البعد اإلخفائي التّ ّ
وال ّدوراف واأللغاز والتّلويح...
ص اؼبقامي للحريري أف نقف عند بعض الكنايات الّيت وظّفهاوقد حاولنا بعد قراءتنا للنّ ّ
الصيغة قد اخرتقت اؼبقامات
السياؽ الذي أدرجت فيو ،فبلحظنا أ ّف ىذه ّ
لتوضيح انزياحها انطبلقا من ّ
فسر البعض
تتضمن كناية وقد ّ
حّت نعثر فيها على عبارة ّ
مبر من فقرة ّ
من البداية إٔب النّهاية فبل نكاد ّ
فضل آخروف القوؿ بأ ّف «
الصور الفنّية دبا فيها الكناية ،بينما ّ
ذلك ،بالتّصنّع والتّكلّف ُب استخداـ ّ
أدبيات التّواصل عند العرب قديبا تؤثر الكناية عن اإليضاح ،وأ ّف طبيعة اللّغة العربية نفسها تسمح
1
باخرتاقات غري مقصودة من قبل مستخدميها ،فاللّغة تنزاح دوف قصدية واعية من قبل اؼبؤلّف ».
ص اؼبقامي.
الكم اؽبائل من الكنايات اؼبستعملة داخل النّ ّ
يفسر ّ
الرأي ىو ما ّ
لعل ىذا ّ
و ّ
بالشيء اؼبكىن عتو،
الصيغ الكنائية ُب مقامات اغبريري قيمتها ُب عبلقة مفرداّتا ّ
تُظهر بعض ّ
ما يشي بأ ّف طرؽ الكناية موجزة وـبتصرة عكس التّعبري االستعاري الذي يفتح الطّرؽ أماـ اغبدس
والتّخييل،لذلك قيل «:الكناية ال تفتح الطّريق كاغبدس االستعاري ،ولكنّها ربرؽ مراحل طرؽ ج ّد
2
معروفةّ ،إّنا زبتصر اؼبسافات لتيسري سرعة اغبدس بأشياء معروفة مسبقا ».
روب ال ُك ِ
روب .و َش َرُر شر وح ِ الخ ِ يقوؿ اغبريري في إحدى مقاماتو «فما ز َ ِ
طوبُ . طوب ُ اؿ بو قُ ُ
الم ْربَ ُع. ِ ِ
ت الراحةُ .وق ِر َع ِ ِ ياب النّػ َو ِِ ِ
وغار المْنبَ ُع .ونَبا َ
الساحةَُ .
َ ت السود .حتى صف َر ّ َ ب ّ الحسود .وانْت ُ
َ
ض َج ُع.3»...تتوفّر ىذه العبارة على كنايات ـبتلفة وىي:
ض الم ْ
المج َم ُع .وأقَ ّ
وأقْوى ْ
تغري األحواؿ إٔب األسوء.
السود :كناية عن ّ
انتياب النّوب ّ
الرزؽ.
غار اؼبنبع :كناية عن انقطاع ّ
أقض اؼبضجع :كناية عن عدـ القرار.ّ
ص النّثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري) ،إبالغ محمد عبد الجليل ،ص .104
شعرية النّ ّ
1
تعرب ىذه العبارات عن قدرة إوبائية تش ّكلت ضمن وسائل رمزية ،فلم يصف اغبريري ّ
اؼبوقف بألفاظ حقيقية ،وإّمبا عبأ إٔب تناوؿ األمور تناوال غري مباشر ،فقرف النّوائب باللّوف األسود
لل ّداللة على النّفي واغبزف ،وقد وظّف ىذا اللّوف كمثري أسلويب ُب ىذه الكناية ،لتلوين اؼبشاعر
أقض اؼبضجع" وآؿ ُّم ال ّدىر إٔب الفقر
وذبسيد التّجربة واؼبقاساة ،وكاف نتيجة ىذا أ ّف "غار اؼبنبع و ّ
اؼبدقع ،وقد ذبلّت إوبائية ىذه الكنايات من انزياحها عن اؼبألوؼ من ألفاظ إٔب ألفاظ أخرى مبلزمة
ؽبا ما أوجد فنية وصبالية ُب التّعبري عن ىذا اؼبوقف.
تكوف فيها ،وؽبا ارتباط أيضا باؼبوضوع اؼبطروؽ
السياؽ الذي ّ
ترد الكناية ُب اؼبقامات حسب ّ
ذىبُوُ
وأطاؿ ذيْلي َ
كل مقامة ،وُب تعبري عن الثّراء والغىن يورد عبارات ع ّدة مكنيا عن ذلك « َ ُب ّ
ب َمطا ِر َ
4 3
المنى»
وجوَ ُ
ض ْض ْر ِع » « .وبيّ َ ؼ الثّراء » .2و« ْيز َدىيني ُح ُ
فوؿ ال ّ أس َح ُ
»ْ «،
1
لقد غطّت ىذه الكنايات مساحة من ال ّداللة عن طريق منحى االنزياح اللّغوي ال ّدالٕب؛
توسع اغبريري وتفنّن ُب التّعبري عن"سعة اغباؿ" بطرؽ ملتوية أعمت اؼبراد ،وأبعدت عن اؼبتل ّقي
حيث ّ
خاصة إذا اكتفى القارئ بالتّ ّأمل ُب ظاىر اللّفظ فقط.
فهم اؼبقصود من العبارات الّيت ذكرتّ ،
السطحي ،ؽبذا لبطئ اؼبعىن حني ال نقف إالّاألوؿ الظّاىر ال يق ّدـ منو إالّ جزؤه ّ
فاالكتفاء « باؼبعىن ّ
نؤوؿ داللتو ومعناه وأف نفهمو من ٍبّ وفقا ؽبذا
عند سطحو اػبارجي ،ولكي نصيبو الب ّد من أف ّ
التّأويل ».5
الصياغة التّعبريية أماـ القارئ أبوابا فسيحة من التّفاعل واالنفعاؿ ا﵀يط بالعبارة
تفتح ىذه ّ
حّت يصل إٔب تأويلها وتفكيك ،ذلك أ ّّنا ربمل
الفّن ّ
الكنائية ليمارس ُب ظلّها أبوابا من التّواصل ّ
ثنائية داللية:
ال ّداللة اؼبباشرة. -1
322
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
327
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
القارئ إلعماؿ فكره ُب ؿباصرة اؼبعىن ،ذلك أ ّف ىذا النّوع من االنزياح يتب ّدى فضلو ُب االزدواجية
القائمة على اؼبشاكلة واؼبطابقة بني طرُب ال ّداللة لتحقيق الوضوح واإلقرار بطاقة اإلوباء ُب اللّغة ،ففي
ِ 1 برز من ىلْمم بِنا إلَي ِو .فلما دخلْنا ِ
بين ي َديْو».
عليو .ومثَػلْنا َ
ْ ْ فلم ي ُك ْن إال َكال وال حتى َ َ ْ َ َقولوْ «:
فلم ي ُك ْن إالّ َكال وال" فيها من الطّاقة اإلوبائية ما يشي بازدواجية ال ّداللة ،فالتّل ّفظ
فعبارة " ْ
أقل من ال ُب اللّفظ
أخف من "ال" على اللّساف و ّ
حّت قيل « ّ
يتم بشكل سريع ج ّدا ّ
بػ"كبل" أو"ال"ّ ،
» لذلك ربط اغبريري ىذه ال ّداللة بقلّة لبث الغلمة عند موالىم واستئذاّنم بدخوؿ أبو زيد ورفيقو
تضمن فعبل ،ووصف يدؿ على اؼبطابقة واؼبشاكلة بني العبارة والوصف الذي ّ اغبارث إليو ،وىو ما ّ
ت بها
ايُ .م ْذ أل َق ْي ُر ي ج ْت ِ
ى ل فجع 2
المراسي »
ّ َ ُ َ « و ، ألقيت بو َ
ُ فلما
اغبريري ،وُب قوؿ آخرّ « :
بالرملَ ِة .وأل َق ُ المر ِح .وأتصيّ َد شوا ِر َد ُ
أتور َد موا ِر َد َ
3
يت بها ّ متُ خي
ّ ّافلم« و ، الملَ ِح» عصاي .أف َّ
ِ 4
الرحلَة».
َعصا ّ
السفر يقتضي ضبل العصا ؼبآرب السفر واالستقرار ،أل ّف دواـ ّ
يدؿ إلقاء العصا على ترؾ ّّ
ع ّدة ،وقد زاوج اغبريري ُب انزياحو الكنائي ُب اغبديث عن اإلقامة وبني إلقاء العصا الّيت وبملها
معني ُّذه العبارات اؼبوحية.
اؼبسافر،وبني االستقرار ُب مكاف ّ
اسو ّد ْيومي
ب األص َف ُرَ . المحبو ُ
األخض ُر .وا ْزَوّر ْ
َ العيش
ُ فم ُذ ا ْغ ّبر
وُب قولو أيضاُ « :
5
األحم ُر!».
َ الموت
ُ األزر ُؽ .فحبّذا
العدو َ لي ّ
األسو ُد .حتى رثَى َ
ض فَػ ْودي َ
األبيض .وابيَ ّ
ُ
استعاف اغبريري ُب ىذا التّعبري الكنائي باأللواف الّيت تتجاوز حدود اللّوف ذاتو إٔب مستويات
أصح ال ربيل عليو إالّ ُب اللّحظة
عاطفية وإوبائية « فكلمة اللّوف ال ربيل على اللّوف ،أو بتعبري ّ
6
األؤب،وُب اللّحظة الثّانية يصبح اللّوف داال ؼبدلوؿ ثاف لو طبيعة انفعالية ».
(2002ـ)،ص.367
371
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
فتلوين اغبريري للعيش باللّوف األخضر وبمل داللة "اغبياة الطّيبة" الّيت كانت تعيشها ىذه
العدو األزرؽ ،فتمنّت
حّت رثاىا ّ
ابيض شعرىا األسودّ ،
اسودت أيّامها البيضاء و ّ
اؼبرأة اؼبشتكية ،الّيت ّ
لعامة
الضياع ّ
تصور البؤس و ّ
اؼبوت األضبر بعد أف غاب عنها اؼباؿ الذي تس ّد بو حاجتها ،وىي حالة ّ
الطّبقات االجتماعية الفقرية آنذاؾ ،وجاء توظيف األلواف من قبل اغبريري ليغّن التّجربة الّيت عايشها
وتفشي الفقر واغباجة ،فكانت استخداماتو لؤللواف ُب ىذه العبارة لتأخذ
ظل الظّلم واالستبداد ّ
ُب ّ
الرمزية اليت سانبت ُب ذبلّية الوضع بغية
من الواقع وتضيف إليو وتنميو من خبلؿ قدراّتا التّعبريية ّ
الثّورة على تلك الظّروؼ.
ص اؼبقامي،
الكم اؽبائل من الكنايات الّيت وظّفت ُب النّ ّ
وما يلوح ُب األفق وانطبلقا من ىذا ّ
الرمز
عمق ُب البناء الكنائي هبعلنا نقف على استناده على اإلشارة والتّلويح واإليباء و ّ
نبلحظ أ ّف التّ ّ
واللّغز ،وىي إمكانات اقرتنت بالكناية ُب كتب القدماء ،حيث أشار إٔب ذلك الثّعاليب ُب كتابو
عما يُستهجن ذكره أو يستحيا من
"الكنايةوالتّعريض" ،بقولو « :ىذا الكتاب كبري الغنم ُب الكنايات ّ
وربسن
تؤدي اؼبعىن ،وتفصح عن اؼبغزى ّ ويتصوف عنو بألفاظ مقبولة ّ
ّ يتطري منو ،أو يرتفّع
تسميتو أو ّ
تحمسني ،ومذاكرة أىل ِ
القبيح وتُلطف الكثيف ،وتكسوه اؼبعرض األنيق ُب ـباطبة اؼبلوؾ ،ومكاتبة اؼب ّ
السمع
عما ينبو عنو ّ
الفضل وؿباورة ذوي اؼبروءة والظّرؼ ،فيحصل اؼبراد ويلوح النّجاح مع العدوؿ ّ
1
وال يأنس بو الطّبع إٔب ما يقوـ مقامو وينوب منابو من الكبلـ تأذف لو األذف وال وبجبو القلب ».
موضحا قيمتها
أىم اؼبوضوعات الّيت تنبّن عليها الكناية ّ ذكر الثّعاليب بشيء من التّفصيل ّ
التّعبريية من حيث أ ّّنا وسيلة زباطبيّة تستهدؼ بال ّدرجة األؤب فهم اؼبتل ّقي ومقامو باعتباره عنصرا
كل ماال يألفو
مهما ُب العملية التّواصلية ،وأّبّ على أ ّف قباح ىذا التّشكيل البياين منوط بانزياحو عن ّ
ّ
السمع وال يأنس بو الطّبع ليحصل التّأثري والقبوؿ لدى اؼبتل ّقي.
ّ
اػباصية لو دور ُب
وينبّن ىذا التّأثري على الطّاقة اإلوبائية ُب اػبطاب الكنائي فاإلقرار ُّذه ّ
ربقيق امتدادات لل ّداللة إٔب مدى أوسع حيث يتطلّب ذلك « تعميق النّظر لتحقيق الفهم الذي
1الكناية والتّعريض ،أبو منصور الثّعالبي ،تح أسامة البحيري ،مكتبة الخانجي ،القاىرة1997( ،ـ) ،ص.21
370
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
1اللّفظ والمعنى في التّفكير النّقدي والبالغي عند العرب ،األخضر جمعي ،ص.44
،2نفسو ،ص.45
3دالئل اإلعجاز ،عبد القاىر الجرجاني ،ص.212
373
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الزركشي « الطّريق اؼبنحرؼ ظبّي بو الكبرافو عن مبط ظاىر الكبلـ، واللّغز ىو كما يشري ّ
مرف واالرتياض ِحبَلٍّو
يقوي العقل عند التّ ّ
ويسمى أيضا أحجية أل ّف اغبجي ىو العقل ،وىذا النّوع ّ
ّ
والتّفكري فيو ».1
سمى أيضا اغبمل على اؼبعىن إذ يأٌب لفظو على معىن واؼبراد معىن آخر ،حيث ىبرج من ويُ ّ
تأمل وإعماؿ
الصياغة الكبلمية إٔب ح ّد اإللغاز ،ذلك أ ّف معرفة مقصد اؼبتكلّم وبتاج فهمو إٔب فضل ّ
ّ
فكر.
وىو ما يوحي بوجو من الوجوه االنزياح باللّغة عن نسقها اؼبألوؼ إٔب وجوه أخرى مضمرة
لفوائد عديدة منها اختبار شخص أو أشخاص ُب درجة معرفتهم ،ويتجلّى االنزياح ُب اللّغز ُب
خاص للّغة ،إذ تشحن بداللة مضغوطة لتصنع وضعية أسلوبية فبيّزة نسعى إٔب سبثّلها من ّ توظيف
رسخ ىذه النّصوص خبلؿ األلغاز الّيت طرحها اغبريري ُب إحدى مقاماتو وىي اؼبقامة النّجرانية ،وتُ ّ
خاصة حيث
جدوى اغبديث عن البنيات االنزياحية وىي تؤّكد قيما أسلوبية تبنّت إجراءات لغوية ّ
السامع ُب شكل ألغاز شعرية ألوصاؼ خفية يقوؿ:
عمد صاحبها إٔب تعمية اؼبراد من الكبلـ عن ّ
المسي ِر قُفولُهػا ِ وجا ِريٍَة في سي ِرىا ُمش َػم ِػعػلّ ٍة
ولك ْن على إثْ ِر َ
ثاث َرسيلُهػاعلى أنوُ في اإلحتِ ِ نسها يستَحثّػهػا لها سائِ ٌق من ِج ِ
2
المصي ُف ُقحولُها أواف ال َق ِ
تُرى في ِ
ويَبدو إذا ولّى َ ف بالنّدى
يظ تنظُ ُ
ص واضح حيث
يتح ّدث اغبريري ُب ىذا اللّغز عن مروحة العيش ،ومبدأ الغموض ُب ىذا النّ ّ
وباوؿ القارئ استكناه خفاياه للوصوؿ إٔب ال ّداللة اغبقيقية ذلك أ ّف اغبريري قد انزاح عن استخداـ
األلفاظ الّيت تتبلءـ مع وصفو ؽبذه األداة إٔب ألفاظ أخرى بعيدة عن ىذا اؼبعىن لتعمية اؼبراد ويقوؿ ُب
وصفو غبابوؿ النّخل:
الزركشي ،ص.399
البرىاف في علوـ القرآف ،بدر ال ّدين ّ
1
أصلُوُ م ْنهػا
شا ْ
تَػنَ ّ ومنتَ ِس ٍ
ػب إلػى ٍّأـ ُ
رىةً ع ْنهػا
ن َف ْتوُ بُ َ يعانُِقها وقد كان ْ
ػت
1
وال يُػلْحى وال يُػ ْنهى يتوص ُل الجانػي ِ
بو ّ
ص على أ ّف اغبديث عن طفل صغري ينتسب إٔب ّأمو يعانقها أحيانا ،وتنفيو ُب
تدؿ ألفاظ النّ ّ
ّ
أحايني أخرى ألغراض معيّنة لكن ال ّداللة ىذه تبتعد مع البيت الثّالث لتقريب اؼبعىن اؼبراد ،فالطّفل ما
ىو إالّ اغببل الذي يصنع من ألياؼ النّخلة نفسها لذلك يُنسب إليها ،وىو يش ّكل حلقة دائرية
حوؽبا ،إذا ما أراد جاين الثّمار أف يصعد إٔب أعلى النّخلة ليقطفها لذلك جاء اغبريري بلفظة "يُعانقها
".
األـ ،والنّفي واالنتساب ،كلّها ألفاظ ال ارتباط ؽبا حبابوؿ النّخل ،لذلك نقوؿ أ ّّنا
فالعناؽ ،و ّ
انزاحت عن أصلها لتوظّف ُب ىذا اللّغز عمدا لغرض إخفاء اؼبعىن اغبقيقي ،وتتب ّدى لغة اللّغز ُب
مقامات اغبريري بني التّخ ّفي والظّهور ،بني الواضح واؼبستور ،وبني صورة اؼبعىن واؼبعىن ،وتكمن
اؼبتبصر ،فقد قلبت معايري
للمتفوؽ و ّ
ّ انزياحية ىذه اللّغة بني ال ّداللة والتّأويل ،حيث اؼبعىن ىو ملك
العبلقة بني ال ّدواؿ اللّغوية ونسبت اؼبعاين إٔب مستندات ال تستند إليها ُب النّسق العادي كما ىو
األمر ُب قوؿ اغبريري ملغّزا عن الظّفر:
بوما ْيرعى وال يش َػر ْ ومرىوب الشػبػا ن ٍػاـ
ِ
اؼبتقابلني وعلى ىذا فلن يكوف لو أي تأثري مآب يتداع ُب تواؿ لغوي ،وبعبارة أخرى فإ ّف عمليات
التّضاد األسلوبية زبلق بنية مثلها ُب ذلك مثل بقية التّقاببلت اؼبثمرة ُب اللّغة ».1
أسست ىذه البنية الشرب والرعي حيث ّ وىو ما ذبلّى ُب البنية التّقابلية بني النّمو وعدـ ّ
للتّأويل الذي يقود إٔب خلق تشابك دالٕب وإوبائي فبّا يُسهم ُب تفاعلها وتوالدىا وذلك أنّو أقاـ ىذه
حي مرىوب دائم النّمو لكنّو باؼبقابل ال يرعى وال
الشيء اؼبوصوؼ على أنّو كائن ّ
اؼبفارقة على تصوير ّ
يشرب.
الرموز كنوع منوربوؽبا قبد اغبريري يوظّف بعض ّ وباإلضافة إٔب األلغاز وانزياحية لغتها ّ
الكناية ُب التّعبري وىي عبارة عن مصطلحات تدور ُب فلك التّط ّفل واؼبتط ّفلني فبل يفهمهما إالّ
ت أبا
ض ْر َ عزز الوظيفة التّواصلية بينهم ،يقوؿ اغبريري«:ول ِو ْ
استح َ اؼبنتسبوف ؽبذه الطّائفة ،وىو ما يُ ّ
ِ ِ ِ
فكم لهاتتناس ّأـ جابِ ٍرْ . بأـ الق َرى .الم َذكرة بك ْسرى .وال َ ىل ّوحي َ ميلَ .تج ٍ أي ْ لج ّم َل ّ ٍ
جميلَ .
ِ ِ
كل حزي ٍن .وإ ْف مسالةُ ّ فهو ْ ج .واختِ ْم بأبي َرزي ٍنُ . حر َك بها وال َ ثم افتِ ْ من ذاك ٍر .وناد ّأـ َ
الفر ِجّ . ْ
قالؿ ُح ِ
موؿ اؾ واستِ ْدناء الم ْرج َفي ِن .قبل استِ ِ ك من البُ َخالء .وإيّ َ اسم َ ِ
َ َ ُ العالءْ .تم ُح َ ت ْق ُر ْف بو أبا َ
ف علَْي ِه ْم أبا الس ْر ِو .فإنّوُ عُ ْنوا ُف إياسِ .
اس .وصافَحوا أبا ٍ المر ِع القوـ ع ِن ِ
فأط ْ البَي ِن .وإذا َنز َ ْ ُ
بات والط ِ علينا بالطّي ِ ف ُرموِزهِ .بلَطافَ ِة ْتميي ِزهِ .فطا َ الس ْر ِو .قاؿ :ف َف ِقوَ ابنُوُ لَطائِ َ
2
يب». ّ ؼ ْ ّ
اؼبوت الرموز :أبو وبىي
ومن ىذه ّ
اعبوع أبو عمرة
اػبل
ّ أبو ثقيف
اؼبلح أبو عوف
اػبواف أو اؼبائدة أبو جامع
الساسانية فأتى اغبريري على ذكر بعض كنيات ورموز اغبيوانات ُب سياؽ ّأما ُب اؼبقامة ّ
حديث أيب زيد وىو يوصي ابنو وير ّغبو ُب صناعة الكدية ومنها:
(وظبّي بذلك أل ّف العرب تزجر بو وتتشاءـ).
الغراب ُ أبو زاجر
(وظبّي بذلك الكتسابو قوتو بنفسو
األسد ُ (وجرادة أيب اغبارث) أبو اغبارث
ىو الكسب). واغبرث
الشمس
أبو ّقرة (وحزامة أيب ّقرة) كنية اغبرباء وظبّي بذلك أل ّف الربد ال يُفارقو فهو يدور مع ّ
حيث دارت.
كنية اػبنزير وظبّي بذلك ألنّو يتع ّقب اللّيل واألسحار طلبا لؤلكل. أبو عقبة
مادة (لفت).
لساف العرب ،ابن منظورّ ،
1
2االلتفات في البالغة القرآنية ،حسن طبل ،ذار الفكر العربي ،القاىرة1998( ،ـ) ،ص.14
السائر ،ابن األثير /02 ،ص.182
3ينظر :المثل ّ
السكاكي ،ص.200
4ينظر :مفتاح العلوـّ ،
377
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
غري اغبادث ُب النّسق اللّغوي للخطاب ،وقلّما ينتبو القارئ إٔب ىذا
أو إٔب البحث عنو إالّ بإدراكو للتّ ّ
1
يظل ذلك اؼبعىن متخ ّفيا وغائبا ».
غري ودوف ذلك اإلدراؾ ّ
التّ ّ
يقوـ االلتفات إذف على إظهار اؼبعاين اؼبتخ ّفية خلف ستار أسلويب تركييب ،حبيث ال ينتبو إليو
خص
غريات الواقعة ُب النّسق اللّغوي للخطاب ،وأدرؾ أسرارىا لذلك ّ القارئ إالّ إذا نظر إٔب التّ ّ
السكاكي االنتباه إٔب لطائف اؼبعاين الّيت وبملها ىذا األسلوب بالبلغاء اغبذاؽ فقط.
ّ
مهمتو توضيح معاف متخ ّفية ُب نسق
للصيغ ّ
ودبثل ىذا الفهم يصبح أسلوب االلتفات انزياحا ّ
ص دالليا وصباليا ُب آف واحد ،حيث ًبّ استبعاداػبطاب اللّغوي ،وىو إذ ذاؾ وسيلة إلغناء النّ ّ
وظيفة اإلمتاع والتّشويق والتّأثري ُب نفس اؼبتل ّقي ،ودفع اؼبلل عنو إٔب غايات أخرى أكثر أنبّية تكمن
ص حيوية داللية تساعد على إبراز رؤى اؼبتكلّم وأسراره.
ُب منح النّ ّ
وُب ربط مصطلح االلتفات بالظّاىرة االنزياحية وجد الباحثوف اختبلفا كبريا ُب الطّرائق ،حيث
يتعرض ُب
مر العصور على كبو يُؤّكد أ ّف مصطلحا من مصطلحات الببلغة ٓب ّ تباينت نظرّتم على ّ
الرتاث ؼبثل ما واجو مصطلح االلتفات من اضطراب سواء ُب التّسمية أو ُب الوظيفة أو ُب اَّاؿ.
ّ
وسع اؼبفهومي لبللتفات حاولنا ربديد أبرز اَّاالت الّيت رب ّقق فيها ُب
وُب ضوء ىذا التّ ّ
ص اؼبقامي ،لنظهرالصور أو العبارات ُب النّ ّ
لكل ؾباؿ إزاء بعض ّ
مقامات اغبريري وتوقّفنا ُب تناولنا ّ
السياقية.
كل صورة نعرض ؽبا بقرائنها ّ
ما يومض بو ىذا اللّوف فيو من قيم وأسرار ،ؿبلّلني ُب ّ
الصيػغ
ّ :1
مادة معجمية واحدة
يتح ّقق االلتفات ُب ىذا اَّاؿ كلّما زبالفت صيغتاف ُب نسق واحد من ّ
من ذلك:
اؼبخالفة بني صيغ األفعاؿ (اؼباضي ،اؼبضارع ،األمر). -1
السعودية،
عز ال ّدين ،بحث ضمن كتاب قراءة جديدة لتراثنا النّقدي ،النّادي األدبي الثّقافي ،ج ّدةّ ،
1جماليات االلتفات ،إسماعيل ّ
(1990ـ) ،ص .905
375
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
كل
لكل صيغة خصوصيتها ُب التّعبري وأداء اؼبعىن وقد ح ّدد الببلغيوف ىذه اػبصوصية ُب ّ
ّ
منهما فقالوا « :إ ّف موضوع االسم أف يُثبت بو اؼبعىن للشيء من غري أف يقتضي ذب ّدده شيئا بعد
3
شيء ،و ّأما الفعل فموضوعو يقتضي ذب ّدد اؼبعىن اؼبثبّت بو شيئا بعد شيء ».
الصيغة ُب مقامات اغبريري ُب قولو:
وقد ورد االلتفات ُّذه ّ
1المقامة الكوفية،ص.54
2المقامة الطّيبية ،ص.348
3دالئل اإلعجاز ،عبد القاىر الجرجاني ،ص.133
4المقامة المراغية ،ص.65
351
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
كل
حوؿ داللة تتمثّل ُب أ ّف اغبريري أراد أف يُ ّبني أ ّف اقتداء الفّت بوالده شرط الزـ ُب ّ
وؽبذا التّ ّ
األمور.
حوؿ من طريق التّكلّم إٔب الغيبة ُب قولو:
وُب موضع آخر تقع صورة أخرى ىي التّ ّ
ػض الػيَ َديْ ِن سادمػاً ن ِ
ِ قُل ٍ
ػادمػاً َيع ّ غاد ْرتُػو ب ْػعػ َد ب ْػينػي
لواؿ َ ْ
1
ػس َػرتَ ْػي ِن
فاصطَلى لَظػى ح ْ لُبوُ ْ
ػيخ مػالػوُ وفػنػاهُ
ػب الػش ُ
سلَ َ
الشيخ
لتتحوؿ إٔب طريق الغيبة (سلب ّ
فقد وردت العبارة (غادرتو بعد بيّن) بصيغة التّكلّم ّ
مالو وفناه لبّو) ،ولو جرى األسلوب على نسق واحد لقيل :غادرتو بعد بيّن...سلبت مالو وفنيت
حوؿ ىنا للتّعريف بنفسو وتوضيح مكره ودىائو ّاذباه الوإب ،وأنّو قد خدعو بسلب مالو.
لبّو .وجاء التّ ّ
ويرعاهُ إنْسا ُف ُمقلَتي».2
أالزموُ ل ْيػلَتيْ .
ك على أ ْف َ
الشيخ :أقػْبَ ُل م ْن َ
ُ وُب قوؿ آخر« :فقاؿ
حوؿ ىنا من صيغة التّكلّم (أالزمو ليليت) إٔب طريق الغيبة " ْيرعاهُ إنْسا ُف ُمقلَتي"
يكمن التّ ّ
حيث اغبديث ىنا عن الغبلـ الذي شغف بو الوإب فمنح أبا زيد ماال مقابل التّنازؿ عنو ،فداللة ىذا
السروجي ليلتو تلك ،فقاؿ (أالزمو ليليت) ٍبّ انزاح عن ىذا إٔب الغيبة بالفعل
حوؿ ىي أف يبلزمو ّ
التّ ّ
(يرعاه) وأسند ذلك إٔب إنساف مقلتو (يرعاه إنساف مقليت) ،ليؤّكد مبلزمتو لو وحرصو عليو ليكوف
ليبني للوإب صدؽ
حارسا أمينا عليو حيث جعل عينو إنسانا كامبل ترعى ىذا الغبلـ وربوطو بالعناية ّ
نيّتو وبالتّإب يكسب ثقتو.
الرحبية ،ص.105
1المقامة ّ
2المقامة نفسها ،ص103
351
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
-3االلتفات المعجمي.
يتمثّل االلتفات ُب ىذا اَّاؿ « بني األلفاظ الّيت تتداخل دوائرىا ال ّداللية حبيث تتبلقى ُب
كل منهما ببعض اػبصوصيات التّعبريية ،أو الطّاقات
مساحة أو قدر مشرتؾ من اؼبعىنٍ ،بّ ينفرد ّ
1
اإلوبائية الّيت ال يُشاركو فيها سواه ».
ص اؼبقامي كثرية باعتبار أ ّف اغبريري يبلك ذخرية لغوية فريدة وكثيفة ،وىو
ومواضيع ىذا االلتفات ُب النّ ّ
ما دفعو إٔب التّنويع ُب استخداـ ألفاظ ذات داللة متداخلة ُب كثري من األحياف ومن ذلك قولو:
2
ػيمػ ْو ِ ِ
المػل َ
ف وال َحوادثَوُ ُ ب ال ّػزمػا
ال أتّػقػي نُ َػو َ
فاللّفظاف (النوب ،واغبوادث) تتّفقاف ُب ال ّداللة على معىن واحد ىو :اؼبصائب والنّوازؿّ الّيت
اؼبرة بفارؽ
اؼبرة بعد ّ
تتكرر ّ
زبتص األؤب باألمور الّيت ّ
ّ ربدث لئلنساف ُب اغبياة ،لكنّهما يفرتقاف إذ
مر ُّا من قبل
وزبتص الثّانية باألمور اؼبستج ّدة واؼبستحدثة ،أي الّيت ٓب يكن اإلنساف قد ّ
ّ معني
زمّن ّ
لعل ىذا ما قصده اغبريري.
و ّ
ت أنّوُ ِ
سخ َر ع .وال تظنّػ ْي ُ ِ
المخ َد َ
خالي ُ
ع .بإ ْد َ
قص َد أ ْف يَ ْخ َد َ
ولم أى ْم إلى أنّوُ َ
وأيضا قولوْ « :
سوؿ.3». الخاللَ ِة والغَ ِ
سوؿ .في استِ ْدعاء ِ
من الر ِ
َ ّ
ظّن" الّيت
ص اؼبقامي قد أوثرت فيها لفظة "التّ ّ
لكن العبارة ُب النّ ّ
فػ"أىم" معجميا ىي "الظّ ّن" و ّ
وسخر منو عندما أرسلو
ورجح أنّو قد ُخدع ُ
تشري إٔب إعماؿ فكره ُب الظّ ّن؛ دبعىن أنّو قد تأ ّكد ظنّو ّ
السروجي ليحضر لو ما طلب ّأما ُب العبارة األؤب « وٓب أىم إٔب أنّو قصد أف ىبدع فكاف الظّ ّن ُب
ّ
بدايتو لذلك استعمل الفعل اؼبضارع "أف ىبدع" ».
األسر َار. البي ِنّ .
ثم تباثَػثْنا ْ المحبّي ِن .إذا التَػ َقينا ْبع َد ْ
فتهاديْنا تحيّةَ ُ
وُب عبارة أخرى « َ
4
بار ».
وتناثَػثْنا األ ْخ َ
فقد عدؿ اغبريري من لفظة "التّباث" "تباثثنا األسرار" وىي اإلفشاء واإلظهار إٔب لفظة
"تناثثنا األخبار " والّيت يقصد ُّا أنّو زاد على اإلفشاء واإلظهار نشرىا بينهما ،وكاف بإمكانو أف
هبمع العبارة فيقوؿٍ" :بّ تباثثنا األسرار واألخبار" .لكن لفظة تباثثنا توحي بداللة زيادة "النّشر"
-وقولو أيضا:
لوؿ الػيَ ِد
1
الكف م ْغ َ
ّ جع ِد
الم ْػوِرِد وكل ْ
ب َ
كل نَدي الر ِ
احة ع ْذ ِّ
لكن اغبريري قصد بذكرنبا معا مغزى آخر لو إوباءاتو
فالكف واليد معجميا ؽبما نفس ال ّداللة ّ
ّ
خصها باعبعودة وىي تبلئمها ،وتعّن االنقباض
الراحة مع األصابع لذلك ّ
فالكف ىي ّ
ّ ودالالتو
وااللتواءّ ،أما اليد فهي من اؼبنكب إٔب أطراؼ األصابع لذلك أسندىا إٔب "مغلوؿ" حيث ال يبكن
الصفة أف يعمل ُّا ُب شيء.
ؼبن فيو ىذه ّ
وُب عبارة أخرى:
2
األحداث أغصػانَػوُ ت عودي ويا ويل من تهتَ ِ
ص ُر تص َر ْ
ُ َ ْ واى َ
ْ
تدؿ
"عودي" بصيغة اؼبفرد إٔب ما ُيباثلها معجميا "أغصانو" ،و ّ
ًبّ االنتقاؿ ُب ىذا البيت من لفظة ُ
الشجرة دقيقو وغليظو ،لكن اغبريري انزاح عن اللّفظة األؤب (عودي)
تشعب من ساؽ ّ
كبلنبا على ما ّ
خاصة تفرتؽ ُّا عن اللّفظة األؤب ما جعلها
إٔب لفظة (األغصاف) ؼبا ؽبا من دالالت وإوباءات سياقية ّ
مبلئمة لل ّداللة على ّقوة األحداث ُب زعزعة كياف اإلنساف لذلك أورد لفظة (األغصاف) بصيغة اعبمع
الرجل رأسا على عقب.
ليدؿ على أ ّف األحداث يبكن أف تقلب كياف ّ
ّ
-4األدوات:
السياؽ عن
يتحوؿ فيها ّ
من اؼبواطن الّيت يتح ّقق فيها االنزياح ُب ؾباؿ األدوات تلك الّيت ّ
تنكري اللّفظة إٔب تعريفها (بالبلـ) أو العكس ،ومن ذلك على سبيل اؼبثاؿ قوؿ اغبريري:
3
الحج منها كػاف إخداجا
وإ ْف َخال ُّ ت
كملَ ْ ِ
حوتْػها َح ّجةٌ ُ
فهذه إ ْف َ
َ
السطر
األوؿ نكرةٍ ،بّ عدؿ عن ذلك إٔب تعريفها ُب ّ
السطر ّ فقد جاءت لفظة (حجة) ُب ّ
للسامع
(اغبج) وغرض االنتقاؿ من التّنكري إٔب التّعريف أ ّف لفظ اغبج معروؼ بصفاتو ّ
ّ الثّاين
السامعني ،فالتّنكري كاف بغرض
ولكن(اؿ) دخلت عليو لتثبت داللة اؼبعىن اؼبعهود ُب ال ّذىن عند ّ
التّعليل ٍبّ انزاح عن ذلك للتّعظيم.
-5العػدد:
355
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
ػك ِمػروِدهِ
ي ُمرتَػ َهػنػا
لما غدا في يَ َد ّ
ّ طيع ف ّ َيست ُ
ال ُى َو ْ
1
للع ْف ِو َ
حين َجنى ِ
فيو اتّساعٌ َ ذات يَدي وال َمػجالي لِ ِ
ضيق ِ
ويربز التّقدًن ُب (وال ؾبإب لضيق ذات يدي) ،فاألصل فيو" :وال ؾبإب فيو اتّساع للعفو حني
ليعرب عن مقدار معاناتو وبؤسو ،وىيجىن لضيق ذات يدي" ،وىو يق ّدـ حالتو (ضيق ذات يده) ّ
اغبالة الّيت ال يسع صدره ُب ظلّها للعفو عن الغبلـ الذي جىن ُب ح ّقو.
2 ِ
للضرورة اسم ليس (أميل) وق ّدـ اعبار
أخر ّولست ع ِن الحق أميل» ،فقد ّ وقولو أيضاُ «:
واَّرور للتّخصيص والتّأكيد.
ئاب » 3.تقدًن (ؼبا حدث) جاء للتّشويق ؼبا ث لما حدثَاكتِ ٌفعرا الح َد َ
وُب قوؿ آخرَ «:
سيعروه أو ما سيحدث لو.
حل
حّت ّ وُب مقامة أخرى يتكلّم فيها عن مسألة فقهية تتعلّق باؼبرياث والّيت عسر اإلفتاء فيها ّ
الخبي ِر بها س َقط َ
ْت .وعن َد اب ِن قلت لو :على َسرىاُ . لغزىا أبو زيد« :فلما ُ ِ
ت ّ ولمح ُ
قرأت ش ْع َرىاْ . ّ
ْت » .4وقد ورد التّقدًن ىنا ُب ىيئة اعبار واَّرور « على اػببري ُّا سقطت » وداللتو بج َدتِها حطط َ
ْ
السروجي لعلمو وقدرتو على
حل لقضيتو وتأكيد ّ
الرجل الذي يبحث عن ّ
ىي تعجيل اؼبسرة إٔب قلب ّ
اإلفتاء فيها ،وكذلك األمر بالنّسبة للجملة الثّالثة ؽبا ،وكاف األصل فيها أف يُقاؿ:
« سقطت على اػببري ُّا ،وحططت عند ابن َْجبدّتا ».
أضر صاح ٍ كوب .وأنْػ َفع ِاكب على أ ْشهى مر ٍ فقلت :أري ُد أ ْزىى ر ٍ
ب مع ّ َ ْ وُب قوؿ آخرُ « :
إياىما يلة .مع لِباء س َخ ٍ ت نُ َخ ٍ مص ٍ
فقلتُ :
يلةُ . ُ َ ثم قاؿ :لعلّك ْتعني ب ْن َحوب .فأفْ َك َر ساعةً طويلةًّ . ْ
وألجلِ ِهما تعنّػ ْي ُ وألجلِ ِهما تعنّػ ْي ُ
5
ت" وغرضو تْ . إياىما عنَػ ْي ُ
ت .».ويظهر التقدًن ُب قولوُ " : تْ . عنَػ ْي ُ
التّخصيص.
ويقوؿ أيضا:
تق ّدـ اعبار واَّرور (ُب قصصهما) على اؼبفعوؿ اؼبطلق (نظر) إلظهار ش ّدة فطنتو للمعركة
الّيت احتدمت بني أيب زيد وزوجتو ُب حضرتو ،وأ ّّنا اصطنعت اصطناعا لنيل اؼبراد من اؼباؿ .وقد
الضمري بلفظة (القصص) لزيادة التّخصيص والتّوكيد.
اتّصل ّ
عارهُ.ِ بعض ِت في ِ وُب قولو أيضا ُب اؼبقامة البصرية« :أ ِ
ح بي است ُ ىماً َبر َ
األياـ ّ ُشع ْر ُ
1
عارهُ». والح ِ
اؽبم.
ّ حدوث زمن لتوضيح ا""نب
ًَّ بو اؼبفعوؿ على اعبملة شبو ـدّ ق حيث علي ش ُ
َ ّ
ص اؼبقامي أ ّف أغلبها قائم على
وقد الحظنا من خبلؿ تتبّعنا ؼبسارات التّقدًن ُب صبل النّ ّ
الصدارة ُب
احتل ّ
خاصة ،حيث ّ معىن التّخصيص ،وحصوؿ ىذا اؼبعىن إّمبا ىو بتقدًن اعبار واَّرور ّ
الشعري من اؼبقامات.
اعبانب اؼبنثور أو ّ
ويُع ّد االختصاص أو التّخصيص أحد اؼبقاصد اؼببتغاة من التّقدًن والتّأخري لذلك ظهرت عناية
الفن ُب كونو يبثّل عبقرية
يدؿ على مركزيّة ىذا ّ
لعل ىذا االىتماـ ّ
اللّغويّني والببلغيّني بو بشكل كبري ،و ّ
األسلوب وحيويتو ،كما يشري إٔب ذلك ؿبمد ويس من أنّو « :طاقة أسلوبية ذات معني ال ينضب
2
الصياغة والتّعبري ».
وفيو تتجلّى إمكانات اؼببدع ُب ّ
يعوؿ على ىذا
ومن األبعاد اعبمالية لبلنزياح ُب التّقدًن والتّأخري مراعاة نظم الكبلـ حيث ّ
السجع ُب اعبمل،
السبب ُب تكريس عامل اإليقاع اؼبوسيقي لتحقيق االنسجاـ ُب بناء الفواصل ومراعاة ّ
ّ
أي شيء آخر ومن
نصا يُعىن أصحابو بااليقاع أكثر من ّ
ص اؼبقامي باعتباره ّ
وقد ورد ذلك كثريا ُب النّ ّ
عب يكلَ ُح».3من التّ ِ من أ ْف أقبَ َل ب ِهما ي ْدلَ ُحْ .
ووج ُهوُ َ ع ْبأسر َ
ذلك قولو« :فما كاف َ
4
مص». الحرص .ألخبػر ِبو أُد ِ قص ِدهِ ِ
باء ح َ َُ َ َ َ ت في ْ فطاو ْع ُ
وقولو أيضاَ «:
5
ب ». ب يا لوُ من طلَ ٍب .وطلَ ٌ شو ٌؽ غلَ َ بْ . نزع بي الى حلَ َ
وُب قولوَ « :
الصوتية اؼبوسيقية
لعل أغلب ما جاء ُب اؼبقامات من تقدًن وتأخري كاف غرضو مراعاة الغاية ّ
و ّ
للمحافظة على جرس الكبلـ وإيقاعو.
وُّذا يصبح التّقدًن والتّأخري تقنية أسلوبية بالغة األنبّية ُب الكبلـ؛ إذ تتش ّكل على إثره أمباط
الرتاكيب للحركة ؛حبيث ـبتلفة من القوؿ تفصح عن مدى مرونة االستعماؿ اللّغوي ،وعن طواعية ّ
تفسح ؾباال رحبا من اػبيارات البدائل دبا يش ّكل انزياحا للخطاب األديب وبالتّإب تكثيفا لل ّدالالت
ص.
واؼبعاين للنّ ّ
-3الحػذؼ:
ربوال يثري القارئ ووب ّفزه إٔب البحث عن
الرتكيب اللّغوي إذ يُع ّد ّ
يُعترب اغبذؼ من أبرز عوارض ّ
ص الغائب أو س ّد الفراغ ىذا باإلضافة إٔب القيمة اعبمالية والتّأثريية الّيت تصاحبو ،واغبذؼ لغة:
النّ ّ
1
الشيء وبذفو ،حذفا ،قطعو ،من طرفو ،وخ ّفف منو ». الشيء وقطعو ،وحذؼ ّ «اإلسقاط وطرح ّ
فيدؿ على « إسقاط كلمة لبلجتزاء عنها بداللة غريىا ،من اغباؿ أوّأما ُب االصطبلح ّ
2
وبني مزاياه اعبمالية ،فقاؿ« :
فحوى الكبلـ» .وقد تكلّم عن ىذا األسلوب عبد القاىر اعبرجاين ّ
ىو باب دقيق اؼبسلك ،لطيف اؼبأخذ ،عجيب األمر ،شبيو بالسحر ،فإنّك ترى بو ترؾ ٍّ
الذكر أفصح ّ
الصمت عن اإلفادة أ َْزيَ َد لئلفادة ،وذبد أنطق ما تكوف إذا ٓب تنطق ،وأًبّ ما تكوف بيانا
من ال ّذكر،و ّ
3
َب».
إذا ٓبُ ت ْ
ص
وُّذا يُصبح أسلوب اغبذؼ طريقا لئلخفاء واالستبعاد بُغية تع ّدد ال ّدالالت ،وانفتاح النّ ّ
تبشر بقراءة متأنّية تسمح للقارئ ذبسدىا اإلشارات اػبفيّة ،الّيت ّ
على أسرار وكوامن غري معدودة ّ
قي باػبطاب إٔب مستوى
الر ّ
ص ودالالتو ،فاغبذؼ وفق ىذا اؼبنظور يُساىم ُب « ّ بإنتاج معرفة بالنّ ّ
تعبريي قادر على ش ّد انتباه اؼبتل ّقي والتّأثري فيو إٔب اإلقناع ،فضبل عن استغبلؿ ظبات صبالية تضفي
4
على اػبطاب ظبات اعبماؿ أي اإلمتاع ».
ؼ).
(ح َذ َ
لساف العرب ،ابن منظور ،مادة َ
1
للرّماني والخطّابي ،وعبد القاىر الجرجاني ،تحقيق ،محمد حلف اهلل أحمد ومحمد زغلوؿ سالـ ،ص.76
ثالث رسائل في إعجاز القرآفّ ،
2
392
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
وٓب يغفل اغبريري اإلمكانات األسلوبية لظاىرة اغبذؼ لذا عمد إليها ُب نصوصو اؼبقامية ومن
ابن ذُكاء.
الح ُ
فلما َ ت إلى أف أع ِر َ
ؼ عينَػ ُهماّ . بينهما .تُػ ْق ُ
دار ُ يت ما َ وع ُ
فلما َذلك قولوّ « :
1 كاب .وال اغتِداءَ الغُ ِ
راب.». قالؿ الر ِت قبل استِ ِ
ّ ضياءُ .غ َد ْو ُ َ
ف الجو ال ّ
وألح َ
َ
فقد حذؼ مثل اؼبنصوبة "ببل" وأقاـ كلمة "اغتداء" مقامها أل ّف "ال" ال تنصب اؼبعارؼ
وأصلها" :إ ّف اغتدائي كاف قبل أف يغتدي الغراب".
تطاؿ أم ُد االنتِظا ِر .والح ِ
َ فلما َ َ وُب قوؿ آخر وبذؼ اغبريري الفعل حيث يقوؿّ « :
الرحلَ ِة .إلى أ ْف َ
أض ْعنا الم ْهلَ ِةَ .
وتماديْنا في ّ ناى ْينا في ُ
ألصحابي :قد تَ َ
لت ْالشمس في األطْما ِر .قُ ُ
ُ
2
الرحلة" ،إذ التّقدير" :سبادينا
ّ ُب "سبادينا عبارة ُب اغبذؼ ويظهر ، الرجلَقد ماف».
الزما َف .وبا َف أ ّف ُ
ّ
الرحلة" وحدث ىذا اغبذؼ نتيجة األثر النّفسي الذي تركو طوؿ االنتظار الذي عاىن منو
ُب ترؾ ّ
الرتؾ إٔب ذكر
أي أثر ،ما جعلو ينسى ذكر ّ
للسروجي ّ الشمس وٓب يظهر ّ
حّت غربت ّ
اغبارث ورفقائو ّ
الرحلة مباشرة.
ّ
وىو ِ
روجَ . س َ الشيخمن أىل َ
َ نصو « فقالت:إ ّف
السابعة ما ّ وُب قوؿ آخر للحريري ُب اؼبقامة ّ
ت مرو َؽ الس ْه ِم الر ِ
اش ِق. ِ ِ ِ
ّ ّ ىم َخط َفةَ الباش ِقَ .
ومرقَ ْ ُ ثم َخط َفت ال ّد ْر َ
نسوجّ .
الم َعر َشَالذي و ّشى ال ّ
3
إلي ِو».
شار ْ
الم ُ
ىو ُ
ٍ
فخالَ َج قلْبي أ ّف أبا زيْد َ
وقد ورد اغبذؼ ُب العبارة األخرية حني قاؿ" :فخاِب قليب" والتّقدير" :فخاِب خاطر قليب"
السياؽ ،ليفهم ا﵀ذوؼ
حيث يدرؾ ىذا اغبذؼ دبا يُثري ُب القارئ من دالالت تتصاعد ُب صميم ّ
من القرائن اؼبوحية بو واؼبكثّفة ألبعاده ،فاألصل أ ّف اػباطر أو اإلحساس ىو الذي ىباِب القلب ،فإذا
ما قرأنا اعبملة ووجدناىا خالية من ذلك الحظنا أ ّف ىناؾ ؿبذوؼ هبب اإلشارة إليو.
ؾبردا من لفظة "خاطر" أو"إحساس" يوحي بع ّدة إ ّف تش ّكل اػبطاب على ىذا النّحو ّ
الشيء الذي ُىباِب القلب ال شيء سواه ،وال وبتاج
لعل أنبّها ،أ ّف اإلحساس أو اػباطر ىو ّ
دالالت ّ
ذلك إٔب ذكره لئليضاح ،وإّمبا اكتفى ِ"خباِب قليب" أل ّف اإلحساس ىو وحده ما يُشري إليو وأنّو موجود
نص آخر يقوؿ اغبريري:
بالفعل ،وُب ّ
1
والليل ».
َ ك
واب .قاؿ لي :أىلَ َ
الص َ الجواب .واستَ ُّ
ثبت منوُ ّ َ ت
فلما أثبَ ّ
«ّ :
وتقدير اعبملة«:أدرؾ أىلك قبل حلوؿ اللّيل » أو« أدرؾ أىلك قبل اللّيل » وقد حذؼ
كأّنما ُمتسابقني
ك) وعطف عليو "اللّيل" ليجعلهما ّ الفعل (أ َْد ِرْؾ) وأبقى على اؼبفعوؿ بو (أ َْىلَ َ
الرجل قد أمر أبا زيد أف يُسابق اللّيل إٔب أىلو ليكوف بينهم قبل حلوؿ الظّبلـ ،وإهباز
،وبذلك يكوف ّ
فالرجل ُّذه اعبملة أراد تنبيو اؼبخاطب (أبا زيد)
اعبملة يوحي باعبمالية الّيت تفاجئ القارئ وتدىشو ّ
الضيف
على أمر ما وىبشى إف أطاؿ اعبملة أف يفوتو الغرض منو ،ودالالتو ىي التّخلّص فورا من ّ
نصو:
كل ما كاف بني يديو من الطّعاـ .وقد ورد اغبذؼ ُب موضع آخر ما ّ
الثّقيل الذي التهم ّ
2 وال على فػو ِ
ت نَػع ٍ
ػيم وف َػر ْح ػف ن َػز ْح ك ِ
واهلل عػلػى إلْ ٍ لم أبْ ِ
ْ ْ
والتّقدير "أنا ٓب أبك وا﵁ على ألف نزح" ،واغبذؼ ُب ىذا اؼبقاـ من « أساليب التّأليف ُب
ؾبرد التّقرير واإلخبار إٔب التّحريك واإلوباء ،فيكوف اؼبسند
الشاعر من ّ
الكبلـ دوف التّحليل ،بو ىبرج ّ
إليو أظهر إذا ٓب يظهر واؼبتكلّم أنطق إذا ٓب ينطق ».3
وتتجلّى إوبائيتو ُب ربريك مشاعر اؼبستمع دوف اإلفصاح أو التّعريف بنفسو ،وال ّدخوؿ مباشرة
ُب توضيح اؼبوضوع (سبب بكائو وعويلو).
ويظهر اغبذؼ أيضا ُب اؼبقامة الصعدية إذ يقوؿ اغبريري«:أتَميمياً مرًة وقَ ِ
يسيّاً أخرى؟ أ ٍّ
ُؼ ّ ّ ّ
للح ّق. الغوؿ! فقاؿ الغُالـ :والذي جعلَ َ ِ
ك م ْفتاحاً َ ُ تتلو ُف ُويتلو ُف كما ّ
قوؿّ .ض ما يَ ُ لم ْن ين ُق ُ
َ
ُنسيت م ْذ ِ
الخل ِْق .لق ْد أ ُ ُ
4
يت ».
أس ُ بين َوفتّاحاً َ
الصعدية ،ص.396
المقامة ّ
4
395
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
تلوف وتناقض
مرة لقيس ،وأراد اغبريري بذلك إظهار ّ
مرة لتميم ،وتنسب ّ
والتّقدير :أتنسب ّ
الفّت ُب كبلمو ،ودبا أ ّف اغبديث كاف عن قبيلتاف عظيمتاف كانت بينهما صراعات وخبلفاتٓ ،ب تكن
ىناؾ حاجة لذكر الفعل أل ّف اظبا القبيلتاف توحياف بالنّسب مباشرة.
شملَ ُك ْم » ،1والتّقدير :صبع ا﵁ ِ
الحلْواء ْ
وجمع في ظ ّل َ
نص آخر يرد اغبذؼ ُب قولوَ « : وُب ّ
ظل اغبلواء مشلكم.
ُب ّ
وأيضا ُب قولو:
من ِعلّة ْ
كادت تُػ َع ّفينػي ْ افاني اهللُ و ُش ْكػراً لػوُ
ع َ
2
ف سيَْبريني من ح ْت ٍ
ال بُ ّد ْ ومن بالبُػ ْرء علػى أنّػوُ
ّ
علي الربء" ،فحذؼ اؼبفعوؿ بو إلبراز َح َدث الربء وذبنّبا للتّعيني ،حيث يتعلّق
و"م ّن ّ
والتّقدير َ
دبجرد وقوع الفعل من غري تعيني على من أوقعو.
غرضو باإلعبلـ ّ
وُب قوؿ آخر:
وأسػئِدي ِ سروج يا نا َؽ فَسيري ِ
وخ ِػدي
وأوبػي ْ وأ ْدلجػي ّ َ َ
3 فتَنعمي حينَ ٍ
ئذ وتَػس َػعػدي مرعاىا النّدي ِ
َ حتى تَطا ُخ ّفاؾ ْ
اعبر "إٔب" الحرتاـ الوزف
والتّقدير ىنا" :إٔب سروج يا ناؽ فسريي" ...حيث حذؼ حرؼ ّ
وذبنّب الثّقل.
السّر
يتم إرجاع ّ
وضمن ىذه التّحليبلت الصطياد الداللة الفانية ُب بعض نصوص اؼبقامات ّ
اؼبتأمل « لذرى ال تفصح
اعبمإب إٔب انفتاح اؼبعىن على أفاؽ ودالالت عميقة حبيث يرتاد القارئ ّ
يشرع ّبواباتو على فضاء األفق اؼبفتوح ،فبل تأسره ال ّداللة
عنها البنية الظّاىرية للمنطوؽ أي أ ّف اؼبعىن ّ
السنجارية ،ص.188
المقامة ّ
1
392
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
اللّفظية اؼبقيّدة ،وُّذا يستطيع االنزياح باغبذؼ أف ليستثري فكر اؼبتل ّقي حوؿ ا﵀ذوؼ ،فيتضاعف
1
تدؿ عليها العبارة ».
إدراكو وإحساسو بالفكرة الّيت ّ
األىم ىو دعوة للولوج
الرتكيز على الوحدات ّ
وبذلك يكوف إسقاط بعض الوحدات اؽبامشية و ّ
نصا من النّصوص.
كل ال ّدالالت الّيت تتخلّل ّ
إٔب أفق مفتوح على ّ
-4االعتراض:
يُعترب االعرتاض من أنواع اإلطناب وىو « زيادة مفيدة ،إذ تؤتى ُب أثناء الكبلـ ،أو بني
خاصة ،فاالعرتاض فضلة ِ
ؿبل ؽبا من اإلعراب وذلك لنكتو ّ كبلمني متّصلني دبعىن جبملة أو أكثر ال ّ
يبكن االستغناء عنها ،وإسقاطها من الكبلـ فيتّصل ما بعدىا دبا قبلها ُب اؼبعىن » 2.وُب أحايني كثرية
كاف قطع الكبلـ بكبلـ معرتض لغرض صبإب.
الرتتيب ُب عناصر اعبملة ،حيث « ُوبَ ّوؿ أحد عناصر
ويَػعُ ّده الطّرابلسي من مظاىر تغيري ّ
الرتكيب عن منزلتو وإقحامو بني عناصر من طبيعتها التّسلسل كما يكوف بزيادة عنصر أو أكثر من
ّ
3
الرتكيب يقطع ىذا التّسلسل ».
عنصر أجنيب سباما عن ّ
وقد ورد االعرتاض ُب مقامات اغبريري بوصفو أسلوبا انزياحيا إف اكتسبت العبارات بو معاين
لعل أنبّها:
داللية وإوبائية صبالية مفيدة ّ
2علم المعاني ،وليد إبراىيم قصاب ،دار الفكر ،دمشق ،ط2013(1ـ) ،ص.253
محمد الهادي الطّرابلسي ،ص.290
شوقياتّ ،
خصائص األسلوب في ال ّ
3
397
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
تقلُّ َ
ب الػ ّد ْىػ ِر وعُػ ْدوانَػوُ
2
الر ْحم ِن ُس ْبحػانَػوُ
أ ْشكو الى ّ
فعاىدت اهللَ تَعالى ُم ْذ ذلِك ْ
العه ِد»...
3
ُ «
4
من إغمائِِو» ِ ِِ
من اهللُ تَعالى بتقوية ذمائو .فأفا َؽ ْ
ثم ّ
«ّ
5
علػى ع ْػي ٍ
ب يكػت ُػم أو يُذاعُ ولم تعثُػ ُر بحم ِػد الػل ِػو مػنػي
"فبحمد ا﵁" ُب البيت وقعت اعرتاضا بني العامل واؼبعموؿ.
وقولو أيضا:
من ِعلّة ْ
6
كادت تُػ َع ّفينػي ْ عافاني اهللُ و ُش ْكػراً لػوُ
َ
تتضمن التّنزيو والتّ ّربؾ بنعمة ا﵁ وضبده عليها.وصبلة شكرا لو ّ
السنجارية ،ص.184
المقامة ّ
3
تبني لنا من خبلؿ ىذه األمثلة أ ّف االعرتاضات الّيت وظّفها اغبريري ُب مقاماتو كانت
وقد ّ
وتضمنت معاين وضحت اؼبقصود من فصلو بني صبلة مفيدة؛ إذ أضافت ظبات صبالية على العبارات ّ
وأخرى.
– 5األساليب اإلنشائية:
يتّخذ األسلوب اإلنشائي منحى مغايرا ؼبا يكوف عليو األسلوب اػبربي من حيث ال ّداللة،
خاصة منو اإلنشاء الطّليب الذي حظي باىتماـ كبري ُب ال ّدرس األسلويب «
حيث يربز حيوية اللّغةّ ،
الصياغة ومتل ّقيها ،وكذا قدراتو على التّعامل مع
لدالالتو الثّرية باؼبعاين ،واختزالو الفجوات التّعبريية بني ّ
الرتكيبية ».1
تضاريس النّصوص امتدادا واستيعابا للتّنويعات اغبساسة الّيت تولّد الطّاقة داخل األبنية ّ
ىذه اؼبيزات الّيت يتمتّع ُّا ىذا األسلوب جعلتو يتجاوز ال ّداللة التّقريرية إٔب فضاءات داللية
تتع ّدد فيها األلواف واألشكاؿ ،وىو ما يبنح اؼبتل ّقي فرصة اإلحبار خارج اغبدود النّمطية ليتجاوزىا إٔب
الصياغة الفنّػيّة اؼبتميّزة بعناصر اإلثارة واإلقناع واإلمتاع.
دالالت ّ
السياؽ دورا فاعبل ُب توجيو البىن التّعبريية ُب األسلوب اإلنشائي الطّليب من استفهاـ وأمر
ويأخذ ّ
سبّن ونداء « ،فقيمة الوحدات اللّغوية ُب ىذا األسلوب ليست بصياغتها التّقريرية ،أل ّف اؼبتل ّقي وّني و ّ
السياؽ ».2 يستطيع دبعرفتو وجهده أف يقف عليها ،وإّمبا بقدرّتا اإلبداعية داخل منظومة ّ
اؼبتنوعة فذلك باالرتكاز
وإذا كانت األساليب اإلنشائية تربز حيوية اللّغة وطرائقها التّعبريية ّ
3
على أربعة عوامل أساسية أشار إليها ؿبمد اؽبادي الطّرابلسي وىي:
211
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
1السابق ،ص.350
2األسلوبية وثالثية ال ّدوائر البالغية ،عبد القادر عبد الجليل ،ص.273
210
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
السياؽ (البُعد الظّاىر) إٔب تكثيف دالالّتا اإلوبائية ما ُوب ّقق انزياحها إٔب استعماالت جديدة ّ
تُكسب التّعبري أبعادا صبالية متميّزة.
وقد كانت اؼبقامات اغبريرية إطارا حسنا الحتضاف ـبتلف األساليب اإلنشائية ،الّيت ابتعدت
الصياغة التّقريرية وخرجت عن أوضاعها اللّغوية إٔب دالالت جديدة تتبلءـ مع اؼبوضوع اؼبطروؽ
عن ّ
كل مقامة.
ُب ّ
نتوسع ُب دالالت ىذه األساليب.
وفيما يأٌب ّ
عما ٓب يكن -8االستفهاـ :وىو نوع تركييب يندرج ضمن ّ
الصيغ اإلنشائيّة الطّلبيّة ،وىو استعبلـ ّ
السكاكي أ ّف االستفهاـ يكوف « لطلب حصوؿ ُب ال ّذىن واؼبطلوب حصولو ُب
معلوما سلفا ،ويرى ّ
تصور
األوؿ ىو التّصديق ويتمتّع انفكاكو من ّ ال ّذىنّ ،إما أف يكوف حكما على شيء أو ال يكوف ،و ّ
صور ،وال يتمتّع انفكاكو من التّصديق ٍبّ ا﵀كوـ بوّ ،إما أف يكوف نفس الثّبوت
الطّرفني ،والثّاين ىو التّ ّ
أو االنتفاء ».1
ويكوف االستفهاـ بإحدى األدوات وىي"اؽبمزة" "ىل""،أـ""،كيف""،أي""،كم"،
السياؽ ،وينزاح عن معناه األصلي إٔب معاف أخرى
كل أداة زبلق داللة يقتضيها ّ
"أين""،مّت""،أيّاف" و ّ
فيضفي أبعادا صبالية تكسر النّمطية ورب ّقق دالالت إوبائية ،وتلك اؼبعاين الّيت ىبرج إليها ال يبكن
تتعني ُب ضوء القرائن وسياؽ الكبلـ ،لذلك يتك ّفل ال ّذوؽ والفهم بتجليتها وتسميتها.
ألّنا ّ
حصرىا ّ
متنوعة
بأّنا ذات إمكانات تعبريية ّ
ص اؼبقامي للحريري ّ
وتتميّز اَّموعات االستفهامية ُب النّ ّ
السياؽ الذي وردت فيو بدالالت إوبائية جديدة.
ساعدت على تقوية وتغذية ّ
عجب:
أ -التّ ّ
يتعجب فيو اؼبتكلّم من مضموف الكبلـ ،وقد ورد ذلك ُب الصيغة ُب مقاـ ما ّ تكوف ىذه ّ
أصنَع بمن ِزٍؿ قَف ٍر .ومن ِزٍؿ ِح ِ
لف فَػ ْق ِر».2 ُ ص اؼبقامي ُب مثل قولو«:ما ْ ُ
النّ ّ
السكاكي ،ص.303
مفتاح العلوـّ ،
1
ف
كي َ
فقاؿ :و ْ
الحاؿَ .ِ لك في صاب من ِ
الماؿ .ألّفناهُ َ وُب قولو أيضا« :إ ْف كاف ي ْك َ ِ
فيك ن ٌ َ
ال يُػ ْقنِعُني نِ ٌ
1
اب» .فما ورد بأداة "كيف" داللتو التّ ّ
عجب نتيجة مص ْ
دره إال َ
تقر قَ َ
وىل يَ ْح ُ
صابَ ،
السروجي ٓب يتوقّع ىذا الغنم لذلك استفهماغببور ؼبا سيحصل عليو من اؼباؿ ،حيث يظهر أ ّف ّ
عجب وذلك دبعىن "ال وبتقر
متعجباّ .أما االستفهاـ الثّاين بأداة "ىل" فداللتو ىي النّفي مضافا إٔب التّ ّ
ّ
قدره إال ُمصاب".
وُب مقاـ آخر يقوؿ اغبريري:
ك معمن ِخطابَتِ َ
ك .أـ ْ
ك .ومس َق ِط ِ
راس َ يك عن أ ِ
ُناس َ تسلّ َ ْب من َ
ِ
«واهلل ما أ ْدري أأ ْع َج ُ
2 ك .ومدا ِر ِ ِ
يتعجب اغبارث بن نبّاـ من خبلؿ سؤالو ىذا من أفعاؿ أبو زيد ك» .إذ ّ كاس َ أدناس َ َ
اليت ال تثبت على حاؿ فهو يدور مع ال ّدىر كيفما دار.
اؼبتحولةّ ،
السروجي ّ ّ
وُب قولو:
3
ػوت
يب ما لػوُ ق ُحاؿ غَر ٍ
فكيف ُ ويل ال ّذ ِ
يل ممتَػ َه ٌػن
َ يب الطّ َ
إ ّف الغَر َ
الضائع بني النّاس ،لكن معناىا
وقد استعملت أداة "كيف" ىنا لبلستفهاـ على حاؿ الغريب ّ
السروجي الذي س ّفو بالفّت وأذلّو.
عجب واللّوـ من فعل ّ
انزاح إٔب التّ ّ
212
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الزبيدية ،ص.364
المقامة ّ
1
211
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الزبيدية ،ص.370
المقامة ّ
1
الصعدية ،ص.396
المقامة ّ
2
و -التّقريػر:
استقر عنده ثبوتو أو نفيو 1كما ُب قوؿ
ومعناه ضبل اؼبخاطب على اإلقرار واالعرتاؼ بأمر قد ّ
وىل يَ ْخفى
روجي ،فقاؿ لي :بَلىْ .
ت الس ّ البحر اللُّ ّج ّيْ .
ألس َ اغبريري « فقلت لو:بالذي س ّخ َر َ
ابن َجال».2
ُ
أقر بذلك إثباتا بػ"بلى".
فهذا تقرير إهباب أل ّف اؼبخاطب قد ّ
3
قاؿ وما حاباهُ».
ض أباهُ .في ما َ
عار َ
ت الذي َ
ألس َ
وُب قوؿ آخرْ «:
السخرية:
ز -التّه ّكم و ّ
السخرية والتّه ّكم كما ىو ظاىر ُبص اؼبقامي عن ّ عربت بعض اَّموعات االستفهامية ُب النّ ّ ّ
شه ُر .أـ وحس ٍ
ب يُ َ ت في موقِ ِ
ف ف ْخ ٍر يُ َ
ظه ُرَ . أىليك! أأنْ َ
َ وعولَةَ
أبيكْ .
مثل قوؿ اغبريري« :يا ويلَةَ َ
4
ط.» ...طَ .وقَفاً يُ ْش َر ُ
شُ ف ِجل ٍ
ْد يُك َ موقِ ِ
للسخرية والتّه ّكم من الفّت الذي ساجل أبا زيد وتباىى بقدره أمامو.
فقد استعملت اؽبمزة ىنا ّ
ح-االستبعاد:
وىو إشعار اؼبخاطب بأ ّف اؼبطلوب بعيد الوقوع ال أمل ُب حصولو ،كما ُب قوؿ اغبريري على
فرد
السروجي عندما طلب منو القاضي أف وبضر شاىداف ليشهدا بأ ّف الفّت قد قتل ابنوّ . لساف ّ
5 شاى ٌد .ولم ي ُكن ثَم م ِ
شاى ٌد؟». قائبل« :إنّو ج ّدلَو خاسياً .وأفاح دمو خالِياً .فأنّى لي ِ
ْ ُّ َ َُ ُ ُ
الشاىد اؼبطلوب ،حيث أشعر السروجي بقولو ىذا أي ؿباولة للحصوؿ على ّ فقد استبعد ّ
القاضي ُّذا االستفهاـ أ ّف ذلك بعيد اؼبناؿ ال أمل ُب ربصيلو.
اغبث على التّعجيل بو ويظهر ذلك من خبلؿ قوؿ ط -االستبطاء :وىو اإلشعار ببطء العمل و ّ
سالـ ِ ِ ِ ِ
بي .أو است ُالخ ّ
راج َ
اـ تُنظَرو َف؟ ألَ ْم يأف ل ُك ُم است ْخ ُ
إالـ تنظُرو َف .وحتّ َ
اغبريري « :قاؿ :يا قوـ َ
217
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
1
السروجي حصوؿ القوـ على حلوؿ لؤللغاز الّيت طرحها عليهم فأشعرىم
ّ استبطأ فقد ، بي؟»
الغَ ّ
ببطء تفكريىم وحثّهم على التّعجيل باإلجابة أو االستسبلـ.
ؾ -التّكثري:
ُب قولو:
2
ػسػبػاعُ
لي ال ّ
ِ
ت وفي َحبائ َفعُ ْد ُ ػص ْػي ٍد
شركػاً ل َ
ص ْدتَني َ
كم ْأر َ
وْ
فقد خرج االستفهاـ بػ "كم" عن معىن االستخبار إٔب التّعبري عن الكثرة ،كثرة استغبلؿ الفّت
السروجي للحيل واؼبكر للحصوؿ على اؼباؿ.
من قبل ّ
حسر:
أسف والتّ ّ
ؾ -التّ ّ
السروجي وامرأة ّادعى أ ّّنا كما ُب قوؿ اغبريري على لساف القاضي الذي خدع من ّ
بم ْغ َرَمي ِن. ٍ ٍِ
ُلزُـ في قَضيّة َبس ْه َم ْي ِن .أأ َ
عجيب .أأ ُْر َش ُق في موقف َ
ٌ ش ْيءٌ
زوجتو«:وقاؿ:إ ّف ىذا لَ َ
الم ِنف ِذ لمآ ِربِ ِو .وقاؿ :ما ِِ ِ
ف الى حاجبوُ . ثم عطَ َ
أين؟ ّ
أين وم ْن َ الخص َمي ِنْ .
ومن َ ْ ُرضي
ُطيق أ ْف أ َ
أأ ُ
ماـ .ىذا يوـ اال ْغتِر ِاـ .ىذا يوـ الب ْح ِ يوـ االعتِ ِ ٍ ٍ
راف. ُ ُ ُ وإمضاء! ىذا ُ يوـ ُح ْك ٍم وقَضاءْ .
وفص ٍل ْ ىذا ُ
الخس ِ
راف!.3»... يوـ ُ ْ
ىذا ُ
السروجي وزوجو وأفعاؽبما وطمعهما ُب اؼباؿ إٔب التّساؤؿ اؼبمزوجفقد دفعو اعبنوف من أقواؿ ّ
وتأسفو من ىذا اؼبوقف الذي ُو ِضع فيو.
ربسره ّ
يعرب فيو عن ّبانفعاؿ قوي ّ
_2األمػر:
يدؿ على طلب القياـ حبدث ،وىي
يُدرس األمر ُب ىذا اؼبقاـ على أنّو أسلوب إنشائي ّ
كل اإلمكانات من أجل حاصل
« بنية أسلوبية توليدية ال تعرؼ االلتزاـ بأصل اؼبعىن ،وإّمبا تتجاوز ّ
إنتاجي ».1
تنوعا ُب انزياحاتو عن
ص اؼبقامي للحريري فوجدنا ّ
وقد تتبّعنا مواضع أسلوب األمر ُب النّ ّ
معني على سبيل االستعبلء" وأنّو قد خلع عن نفسو ىذا األصل الذي ىو "طلب القياـ حبدث ّ
االستعماؿ حسب مقتضيات األحواؿ ،ومن بني ال ّدالالت الّيت انزاح إليها.
االلتماس :كما ُب قولو: أ-
2
لمن لم ي ُك ْنتع ّػو َدىػا ِ
وارث ْْ غوَر مس َكنتي
ش ْر ِح ْ
فاسبُػ ْر بذا ال ّ
بذؿ واستكانة.
فالواضح أ ّف القائل ىنا يطلب التماس العذر لو ّ
وقولو أيضا:
ِ3
واص َف ْح إف جنى جاف
غيظك ْ
َ ػيو ذو سػ َف ٍػو من نا ِر
لمك مػا يذك ِ ِ ِ
أخم ْد بح َ ُ
الصيب بعد
عززا طلب التماس عفو ّ
ورد أسلوب األمر ُب ىذا البيت ُب "أطبد" و"اصفح" وقد ّ
السروجي أماـ اؼبؤل.
أف أىانو ّ
وقولو أيضا:
4
فانْظُْر إلَْينا وبينَنػا ولَػنػا ػصػتُػو ِِ
قصتػي وق ّ
فهذه َّ
فأسلوب األمر جاء ىنا لغرض االلتماس لثبلثة أوجو « إلينا وبيننا ولنا ».
الشفقة لضيق ذات اليد
الرضبة و ّ
(السروجي والفّت ) بعني ّ
من القاضي أف ينظر إليهما ّ
اصة الّيت دفعتهما أماـ القاضي.
ص َوحاجتهما إٔب اؼباؿ ،وىي اػبَ َ
1األسلوبية وثالثية ال ّدوائر ،عبد القادر عبد الجليل ،ص.275
2المقامة المعرية ،ص.81
3المقامة الحجرية ،ص.519
4المقامة المعرية ،ص.82
219
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الرضبة ٍبّ أف يصلحا بينهما دبا يصرفهما شاكرين لو وأففكأّمبا طلب منو النّظر إليهما بعني ّ
يهب ؽبما ما يثنيا بو عليو ،وقد وظّف األمر ىنا دبرموزات "إلينا وبيننا ولنا" للحصوؿ على اؼببتغى
لكل ىذا فمن وجوه النّظر اإلصبلح والتّكرًن.
اؼبراد ،وجعل اغبريري"النّظر" جامعا ّ
وُب قوؿ أخر:
ػب ِ
1 ِ ش ْرحي كما ِأذ َ
ب واح ُك ْم بمػايج ُ
وال تُراق ْ نت لػهػا فأ َذ ْف ل َ
َوَرَد أسلوب األمر بػ" أْذَ ْف " و"أحكم" وأريد منو االلتماس ألنّو صدر من ّ
السروجي إٔب
القاضي.
2
ليل ». وأرش ْدنا كما ي ِ
وقولو أيضا « :فقلنا :أقْبِسنا نارؾ أيها ال ّدليلِ .
الخ َ
ليل َ
الخ ُ
رش ُد َ ُ ُ ْ َ
فغرض االلتماس ُب كبلـ اغبريري اإلرشاد للطّريق.
وقولو:
ِ
فه ِػذه حػالػي َ
3
وس ْل عن أمسي
فانظُْر إلى ْيومي َ وىػذا َد ْرسػي
فالسروجي يلتمس من القاضي أف ينظر إٔب حالتو البائسة.
ّ
ب -التّخييػر:
قد يُراد من أسلوب األمر التّخيري بني شيئني كما ورد ُب نصوص اؼبقامات اغبريرية قولو:
4
وإمػا فُػرقَةً ُم ّػرْه
تُػ ْرضي ّ فم ْػرهُ ّإمػا أُلػ َفةً ُحػل َػوةً
ُ
خريت اؼبرأة القاضي بأف يأمر زوجها ّإما باأللفة اغبلوة أو بالفراؽ ا ّؼبر فجاء األمر ىنا للتّخيري. فقد ّ
وقولو أيضا:
5
يمةً بَػ ْع َد أَ ْف تُ َجو ْد َىا ِ اؿ ىات إبْػ َرةً تُماثِلُ َها
أَ ْو ق َ بَ ْل قَ َ
ووقع األمر بالتّخيري بني اإلبرة اؼبماثلة أو القيمة بعد التّجويد
وقولو أيضا:
وإما ِش ْئ َ فص ْل إف ِش َ
ِ1 ِ
من الدنػاف ت فاد ُف َ ّ صلّي ئت فيها َم ْن يُ َ
2 فيو ص ِ
ػواع ُػق َحػي ِن رب بر ٍؽ ِ ػل ب ْػر ٍؽ ِ
ُّ ْ ػص ْػر وال تػش ْػم ك ّ
فتب ّ
ج -التّعجيز والتّح ّدي:
سعدي. كما ُب قولو ...« :وأرافِ َق ُكم في السماوةِ .فإ ْف صدقَ ُكم و ْعديِ .
فأج ّدوا ْ ْ ّ َ ْ
3
أدمي .وأ ِريقوا َدمي».
فمزقوا َ
كم فَميّ . ِْ ِ
وأسعدوا ج ّدي .وإ ْف كذبَ ْ
َوَرَد األمر ىنا من خبلؿ "أجدوا" ،و"اسعدوا"" ،فمزقوا"" ،أريقوا" أريد بو التّح ّدي وتعجيز
السامعني.
ّ
د -النّصح والتّعليم:
بما ت ْقتَني م ْػن أجػ ِرهِ وثػوابِ ِػو بالماؿ ِ
راضياً ِ فج ْد في مراضي ِ
اهلل َ ُ
ِ ِ4
ػوؿ ونػابػو بمخلَبِ ِو األ ْشغػى يغ ُ ِ الزم ِ
ػاف فػإنّػوُ ؼ ّصر َ ِ ِ
وباد ْر بو ْ
1المقامةالحرامية ،ص.526
الرحبية ،ص.106
المقامة ّ
2
الرحبية ،ص.105
المقامة ّ
5
مّن من خبلؿ
الرتكييب عن اؼبعاين اغبقيقية للتّ ّ
حوؿ البنائي ىذه ىي ما ينتج االنزياح ّ
وعمليّة التّ ّ
حوؿ ُب (ىل) ِ
مّن وتبدأ عملية التّ ّ أدوات أخرى غري اغبرؼ النّاسخ "ليت" الذي ُوضع أصبل للتّ ّ
1
التصور اآلٌب:
و(لعل) على وفق ّ ّ و(لو)
حرر من الوظيفة األصليّة ؽبا.
التّ ّ -0
وتقمص وظيفتو التّعبريية.
مّن ّال ّدخوؿ إٔب دائرة التّ ّ -3
السطحيّة.
-2إنتاج داللة جديدة بعد تعديبلت ُب البنية ّ
مّن الذي يتطلّبو
وىذه النّقاط ؿبكومة بإمكانية التّعامل مع اغبالة ا﵀دثة إلنتاج بنية التّ ّ
السياؽ.
ّ
ص اؼبقامي موظّفا بعضا من األدوات الّيت
مّن منزاحا عن داللتو األصلية ُب النّ ّ
وقد ورد التّ ّ
أشرنا إليها كما ُب قولو:
2 علي أو ِ
تعطػ ُف ُػه َم ْػر َح َػمػ ْو فه ْػل فػتًػى تُػد ِرُك ػػوُ ِرقّةٌ
ّ
وقولو أيضا:
ػاؿ ؼ أثْقالي ِ
بمثْػق ِ َ فهل ُح ٌر يَرى ت ْخفػي
ْ
ِ3 ػاؿ ِ
وس ْػرواؿ ِ
بس ْرب ٍ ويُطْفي َحر بَػ ْلبػالػي
وقولو أيضا:
4
يض
ويل الػعػر ْ فهل فتًى ِ
ش ْك َر الطّ َ
ويغنَ ُم ال ّ ػف مػا نػابَ ُػه ْػم
يكش ُ ْ
ويقوؿ أيضا:
ربولت من الوظيفة
فأداة "ىل" الّيت وضعت أصبل لبلستفهاـ واالستخبار االستفساري قد ّ
السياؽ.
وتتقمص وظيفتو التّعبريية فأنتجت داللة جديدة فرضها عليو ّ
مّن ّ األصلية لتدخل إٔب دائرة التّ ّ
مّن بػ (ىل)
خاصة تفيدىا ىي ،وال يستطيع غريىا الوفاء ُّا و يأٌب التّ ّ
حيث أ ّف لػ"ىل" داللة ّ
1
السروجي إٔب من ُىب ّفف عنو أثقاؿ
ّ فحاجة تم َىن لكماؿ العناية بو ُب صورة اؼبمكن ».
«إلبراز اؼبُ َ
حّت صارت (أي اغباجة) من فرط تعلّقها بذلك
الشقاء والفقر قد غلبت على نفسو ّ اؽبم ويُزيح عنو ّ ّ
مّن.
تفرتض االستكانة واغبيل واػبداع ليستجدي ُّذه الطّريقة بتوظيف االستفهاـ ُب التّ ّ
فصل أني قلْت:بع َد ما َ مّن بػ"لو" كما ُب قولو« :إالّ ّ الصورة َوَرَد التّ ّ
وعلى ىذا النّحو من ىذه ّ
ش ُر من ِحبَ ِرهِ.
ص خبَ ِرهِ .وبِما يُػ ْن َ ِ
وص َلْ :لو أ ّف لَنا َم ْن ينطَل ُق في أثَ ِره .ألتانا ب َف ّ
صل إلى ما َ
وو َ َ
رج َع ُمتَ َد ْى ِدىاًْ .
وقه َق َر ث أ ْف َ عن أنبائِِو .فما لبِ َ س ْ جس ِوأمرهُ بالتّ ّ
ِِ
فأتبَػ َعو القاضي أح َد أُمنائوَ .
2 م ِْ
مّن
عز األمر على التّ ّ قهقهاً» فإ ّف األصل ُب استعماؿ "لو" أف تفيد االمتناع ولذلك حينما يَ ّ ُ
يصور ُب ىذا ويستعصي عليو يأٌب استخداـ (لو) ليفيد استبعاد اؼبُتح ّدث وقوع ما يتمنّاه ،وىو ما ّ
سبىن
السروجي وخداعو للقاضي قبل أف ينأى عن اؼبدينة لذلك ّ اؼبقطع شعور اللّهفة إٔب التّعريف بكيد ّ
لو يرسل اغباكم أحدا ليستطلِع خربه.
-4النّػداء:
(الصيغ يا -وأيا –
الصيغتاف (أي) ،و(اؽبمزة) لنداء القريب ُب حني أ ّف ّ تستعمل للنّداء ّ
وىيا )-ينادى ُّا للبعيد ويُفيد النّداء اغبقيقي لطلب إقباؿ اؼبنادى ،ولكنّو قد يتجاوز ذلك إٔب
دالالت تفهم من سياؽ الكبلـ.
ويستخدـ اغبريري إٔب جانب األساليب اؼبذكورة آنفا أسلوب النّداء ،وىو يَرد غالبا ُب
نصوصو مطلقا ال يقتضي تلبية ومن دالالتو االنزياحية:
االختصاص: أ-
السروجي:
كما ُب قولو بلساف ّ
1اإليضاح ،القزويني ،ص.130
2المقامة اإلسكندرية ،ص.96
201
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الزبيدية ،ص.362
المقامة ّ
1
الزبيدية،ص.370
المقامة ّ
2
202
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
فنّيا متجاوزة اؼبعىن األصلي التّقريري إٔب ما ىو أكثر كثافة وتوازنا وثراء ،وقد شحنها اغبريري بطاقة
خاصة" ترتاكم فيها اإلشارات اؼبفعمة باإلحساس االنفعإب العميق.
تعبريية "ربويلية ّ
صوتي اإليقاعي:
رابعا:االنزياح ال ّ
الزمن من عناصر
يتكرر ُب ّ
كل مظهر ّ عرفو لوسوفّ «:
اإليقاع أوسع من العروض وىو كما يُ ّ
الرقص ...وكما الوزف فاإليقاع وبتمل بنية
الضعيفة ُب ّ
ـبتلفة العبلمات كاألزمنة القويّة واألزمنة ّ
1
الزمن ؽبذه البنيات اؼبتناسبة إنّو تعاقيب ».
تكرارية والتّجاور ُب ّ
الرتكيبية واؼبعجمية وال ّداللية
الصوتية و ّ
كل ؾبموعة من ظواىر اإلعادة ّ عرؼ أيضا بأنّوّ «:ويُ ّ
2
الرتابط بني عناصر اعبملة اؼبختلفة » ،فهو تنظيم زمّن للحركة؛ إذ اعبمالية اإليقاعية تقوـ على ّ
خاصة إذا كاف على صلة وثيقة
ص ثراء وغىن ّ
صوتيا وتركيبيا ومعجميا ودالليا ،وىذا ما يبنح النّ ّ
باؼبعىن.
بالشعر الذي يُع ّد بؤرة األدب ،لذلك قبد من الباحثني من قصر االنزياح
ويربط اإليقاع غالبا ّ
الشعري يتح ّقق زمنا خبلؿ
الشعريّة والوجود ّ
الشعر دوف النّثر ،حيث يعتربوف التّجربة ّ
فن ّاللّغوي على ّ
اغبسيّة والعقلية والنّفسية
الفّن للطّاقات ّ
اللّغة انفعاال وصوتا وموسيقى وفكرا ،كما أنّو يبثّل االستخداـ ّ
الصوتية للّغة ،كما أ ّف الشٍّعر « بناء لغوي فبيّز ينبّن على تفجري طاقات اللّغة وهبعلها تضيف إٔب
و ّ
3
نفسها ومن داخلها عنصرا آخر ىو اإليقاع ».
خاصية
الشعر عن سائر األمباط التّعبريية األخرى ،وىي ّ وُّذا يُصبح اإليقاع ميزة ينفرد ُّا ّ
لكل
تضفي على النّصوص تأثريا وصباال ،لذلك كاف اإلقرار خبصوصية لغتو وسبيّزىا وانفعاليتها؛ إذ « ّ
4
اػباص وأمباطو التّعبريية اؼبميّزة لو ».
ّ انفعاؿ نبضو
1
Introduction l’analyse de la poésie les storo strophes molino jean et joelle gasdes ,P .U.F
presses universitaire de France ed 1952 ,p 33 .
2
Introduction l’analyse de la poésie les storo strophes molino jean et joelle gasdes, p33
عصاـ شرتح ،ص.105
ظواىر أسلوبية في شعر بدوي الجبلّ ،
3
شعر ،كولردج ،ترجمة عبد الحكيم حساف ،طبعة دار المعارؼ ،مصر1971( ،ـ) ،ص.302
الرومنتكيّة في ال ّ
النّظريّة ّ
4
207
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الرابع ،ص.13
األغاني ،األصفهاني ،الجزء ّ
1
205
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
لفن
لعل ىدفو أو غايتو ُب ذلك ىي ربقيق ىذه االنفراديّة ّ مهتما باإليقاع ُب كبل اعبانبني و ّ نراه ّ
اؼبقامات ،وقد نبّو ريتشاردز إٔب أ ّف اإليقاع ىو « النّسيج الذي يتألّف من التّوقّعات واإلشباعات أو
خاص يهيّئ الظّ ّن لتقبّل
خيبة الظّ ّن أواؼبفاجآت الّيت يولّدىا سباؽ اؼبقاطع ،فتتابع اؼبقاطع على كبو ّ
تتابع جديد من ىذا النّمط دوف غريه ،إذ يتكيّف جهازنا ُب ىذه اللّحظة حبيث ال يتقبّل إالّ ؾبموعة
الشعر أو نصف صبلة نثريّة يُصبح ال ّذىن
ؿبدودة من اؼبنبّهات اؼبمكنة ،فبعد قراءة بيت أو بيتني من ّ
معني من التّتابع اؼبمكن ،وُب الوقت نفسو يضعف قدرتو على تقبّل صنوؼ أخرى من
مهيّأ لعدد ّ
1
التّتابع ».
ونستوضح من ىذا الكبلـ معطيات منها:
الصوٌب الذي ينتج عنو توقّعات وإشباعات
أ ّف اإليقاع ىو ذلك التّأليف أو النّظم ّ -0
ظن.
ومفاجآت وخيبة ّ
ظن" وىي تعكس معىن
ص مصطلحات "توقّعات ومفاجآت وخيبة ّ
أورد صاحب النّ ّ -3
االنزياح ُب اإليقاع.
يتوفّر اإليقاع ُب ش ّقي األدب شعره ونثره. -2
الشعر والنّثر بالتّوقّع الذي يكوف ال شعوريا.
يرتبط إيقاع ّ -1
الشعر على ما ىو متوقّع ومنتظر بفضل التّهيّؤ ال ّذىّن الذي يوفّره الوزف
يتوفّر إيقاع ّ -5
معني.
وانتظامو ُب نسق ّ
متكرر إذ يظهر ُب أجزاء وىبتفي ُب أجزاء
يضعف ؾباؿ التّوقّع ُب النّثر لكونو منقطع وغري ّ -2
أخرى.
الصوتيّة اؼبوظّفة
اؼبادة ّ
الشعريّة والنّثرية ،وتعكس ّ
ص أ ّف اإليقاع يشمل الفنوف ّ
وعموما يُظهر النّ ّ
ص الواحد ،ويندرج
تتنوع من موضع إٔب آخر ُب النّ ّ
ص النّثري اؼبقامي أساس ىذا اإليقاع؛ إذ ّ
ُب النّ ّ
الصوٌب من وزف وتكرار ُب األصوات وُب اؼبفردات وتوازف اعبمل
ضمن ذلك ما يُوفّره اعبانب ّ
1ينظر :إيقاع الشعر الحر بين النظرية واإلبداع،عبد القادر داود البصري،أربد ،األردف(،د،ت)،ص.4
شوقيات ،محمد الهادي الطّرابلسي ،ص.60
خصائص األسلوب في ال ّ
2
المحمديّة ،ط1978(2ـ)،ص(.)9-8
ّ السيد علي ،دار الطّباعة
ينظر ،التّكرير بين المثير والتّأثير ،عز ال ّدين ّ
3
وكذا ُب قولو:
ِ1
ُسػو
زاء َم ْن ْيبني عػلػى أ ّ
َج َ ت َم ْن أعػلَ َػق بػي ُودهُ
جزيْ ُ
َ
وأراد من ترديد لفظ "جزاء" التّأكيد على فعل اَّازاة أيضا.
وقولو أيضا:
ِ2
ب الحق على نف ِػسػو ِ
ال يوج ُ ب حقػاً ل َػم ْػن ِ
بالموج ِ ت
ولس ُ
ْ
اػباص.
العاـ و ّ
الرتديد ىنا للتّقابل بني ّ جاء ّ
وقولو أيضا:
فما يػنَػ ْهنَوُ داعي الم ِ ِ
وباد ِر ْ
3
ػوت إف فػاجػا ُ بالح ْسنػى تُػقػ ّد ُمػهػا
ت ُ المو َ
الرغبة ُب اإلغباح على التّذكري باؼبوت.
الرتديد للفظة "اؼبوت" ىي ّ
وغاية ىذا ّ
وُب معىن التّأكيد أيضا قولو:
4
وى ُػم ُى ُػم
يوسفاً ُ باع ِ
لي ُ ػب
طق ْ األسبا ُ
ت ْ قد َ
أي ّأّنم ظلّوا أنبياء ٓب يَ ُشْبػ ُهم شيء.
وُب قولو أيضا:
الزبيدية ،ص.370
المقامة ّ
4
230
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
فلفظة اؽبوى األؤب حقيقية والثّانية ربطت بالبذر على سبيل االستعارة فكانت من قبل اَّاز.
وُب قولو:
ناىيك من شػنَ ِ
ػب 1
ب الفداء لثَػغْ ٍر را َؽ ِ
ن ْفسي ِ
َ وزانَوُ شنَ ٌ مبس ُمػوُ ُ
فالرتديد للفظة "شنب" جاء لل ّداللة على انبهار الواصف من رقّة األسناف وصباؿ صنيعها. ّ
القوة ال ّداللية بني
الرتديدات الّيت ذكرناىا أ ّّنا خلقت نوعا من ّ
لعل ما تتميّز بو أغلب ّ
و ّ
اػباصية.
يوضح االنزياح اإليقاعي ؽبذه ّ
اؼبرددين ،وىو ما ّ
الطّرفني ّ
ت -التّرديد في النّثر
يف الوا ِر ُدِ .
بل ض ُ السروجي «ليُػ ْهنَأ ُك ُم ال ّ ومنو ما ورد ُب قوؿ اغبارث ألصحابو مادحا أبا زيد ّ
ِ
ج قم ُر الش ْع ِر .أ ِو استَ َ
س ّر ب ْد ُر النّثْػ َرة فق ْد تبلّ ُ الم ْغنَ ُم البا ِر ُد .فإ ْف ي ُك ْن أفَ َل َ
قم ُر الش ْع َرى فق ْد طلَ َع َ َ
2
ب ْد ُر النّثْ ِر.»...
فقد خلق ترديد لفظيت (قمر ،بدر) إيقاعا منتظما وقاـ ىذا اإليقاع على تشابو اللّفظتني ُب
السياؽ ،فالقمر الثّاين ليس
الصوت والبناء ،مع فارؽ دالٕب جزئي ُب إحدى اللّفظتني ناتج عن رب ّكم ّ
ّ
دبعىن الكوكب ولكنّو أبو زيد والبدر الثّاين ليس إحدى منازؿ القمر ولكنّو أبو زيد ،فاالستعماؿ
الشعر وىو
السياقي للّفظتني(قمر ،بدر) هبعلهما زبتلفاف دالليا عن القمر والبدر اغبقيقيني ،فقمر ّ ّ
السماء الذي يُب ّدد الظّبلـ ُب األرض وأبو زيد اؼبعروؼ
أبو زيد يقرتب ُب داللتو من القمر اؼبعروؼ ُب ّ
تفوؽ ُّا على أىل زمانو تضيء وتب ّدد ظلمة اعبهل وفساد األلسنة والقرائح.
بأشعاره البديعة الّيت ّ
-2التّرصيػع:
يتوخى فيو تصيري مقاطع األجزاء ُب البيت على سجع
عرفو قدامة بن جعفر بقولو «:ىو أف ّ
ّ
3
أوشبيو بو أو من جنس واحد ُب التّصريف».
233
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
1نفسو ،ص.51
السائر ،ابن األثير ،الجزء ،01ص.361
المثل ّ
2
4المقامة البرقعٍدٌة،ص.73
232
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
نصو:
ومبثّل لذلك بقوؿ اغبريري ُب اؼبقامة ال ّدمشقيّة ما ّ
ألجني الػف َػر ْح ِ مت السفار وج ُ ِ ل ِز ُ
فار ْت الن َ وع ْف ُ ػار
بت القػف َ َ ُ
الصبى وال َػم َػر ْح
يوؿ ّ لجر ذُ ِ الخيوؿ ضت
ور ُ
َّ َ يوؿ ُ
الس َ
ضت ّوخ ُُ
ف الػقػ َد ْح لحس ِو العُقا ِر ور ْش ِ ػار ِ
َْ العػق َ
ت َ وبع ُ
قار ْ
الو َ
طت َوم ُ
ػح
باح فَمي بال ُػمػلَ ْ لما كا َف َ راح
ػرب ٍ ماح الى ُش ِ
ولوال الط ُ
ػح بحم ِل ُّ ِ ِ ِ
السبَ ْ ألرض العراؽ ْ وال كاف سا َؽ َدىائي ال ّػرفػا َؽ
2
ػح
وض ْوال تعتُبَ ّن فػعُػ ْذري َ ػخػبَ ّػن
تغضبَ ّن وال تػص َ
فال َ
فقد التزـ اغبريري ُب ىذه األبيات ترصيعا مقطعيّا ُب تواتر منتظم ،حيث طغت القافية
ص شحنة داللية
العامة،ما كاف لو أثر إيقاعي الفت للنّظر ،اكتسب دبوجبو النّ ّال ّداخلية على القافية ّ
العاـ وأظهرت اغبالة اؽبستريية النّفسية الّيت أظهر فيها اغبريري
خاصة ساعدت على توضيح مدلولو ّ ّ
الراوي اغبارث بن نبّاـ حيث تنتابو نشوة الفرح واغببور بطلو "أبو زيد" وىو يتلو ىذه األبيات على ّ
بني دناف ومعصرة.
الرتصيع اؼبقطعي أيضا قولو:
وضمن ّ
3
الرؤوسا
وشجوا ّ
الخدود ّ
َ وص ّكوا يوب
الج َ
روب وعطّوا ُ
أسالوا الغُ َ
الرباعي قد أحاؿ البيت إٔب خطاّطة صوتية تفرض وجودىا اإليقاعي وّتيمن
إ ّف ىذا التّقطيع ّ
خاصة حيث يُساىم ُب
كل جرس مقطعي لو داللة ّ
السلطة ال ّداللية ،وتسيطر على اؼبعىن فيصري ّ
على ّ
وصف اغباؿ الّيت آؿ إليها رفاؽ أيب زيد بعد مرضو ٍبّ تنسجم ىذه اؼبقاطع كلّها ُب ترابط واتّساؽ
ص.
العامة ؽبذا النّ ّ
لتوضح ال ّداللة ّ
ّ
2المقامة الدّمشقٍة،ص.031
3المقامة النّصيبية ،ص093 .
231
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الرتصيع ُب النّثر على توافق الفاصلتني منو على صوت واحد ُب اآلخر ،حيث تنفرد يُطلق ّ
بنيتو على توليد اعبانب اإليقاعي فتظهر آثارىا الوظيفية على اؼبتل ّقي ويشري أبو ىبلؿ العسكري إٔب
1
حّت يكوف مزدوجا ،وال تكاد ذبد لبليغ كبلما ىبلو من االزدواج.
أنّو ال وبسن منثور الكبلـ وال وبلو ّ
السجع ،حيث ىبلق ىذا
الصور اإليقاعية ُب اؼبقامات اغبريرية تلك الّيت تنبع من التزاـ ّ
ومن ّ
األخري إيقاعا متع ّددا ُب أمباطو ودالالتو،فتتساوى األلفاظ مع ما يُقابلها ُب الوزف والتّقفية لتخلق
الصوٌب إٔب تلوين
ؤدي ىذا االزدواج ّ سبوجات صوتية تطرب األذف وتذىب اؼبلل عن القارئ ،ويُ ّ ّ
اإليقاع عرب تتابع كلمات القافية بني حرفني متناوبني ،فبّا يولّد نغمة إيقاعية أو انزياحا إيقاعيا بني
قواُب األلفاظ.
طاؼ .وى َدتْني فاتِحةُ األل ِ
ْطاؼ. أدتْني خاتِمةُ الم ِلعل ذلك ماثل ُب قوؿ اغبريري«:حتى ّ
َ َ و ّ
أيت
ألسبُػ َر َم ْجلَبَةَ ال ّد ْم ِع .فر ُ حاـ ونَ ٍ حيبُ .محتَ ٍو على ِز ٍ إلى ٍ
ناد َر ٍ
الجم ِعْ .
ت غابةَ ْ فولَ ْج ُ
حيبَ .
وىو يطْبَ ُع الخ ْل َق ِة .علي ِو أ ُْىبةُ السياح ِة .ولو رنّةُ الن ِ
ت ِ الح ْل َق ِة .ش ْخصاً ش ْخ َ ِ
ياحةَ . َ ْ َ ّ َ في بُػ ْه َرة َ
بجواى ِر ِ
لفظ ِو.2».... ِ جاع
األس َ ْ
ابوجر ٍ جاع ٍة وبوسىِ .
َ ىذهِ التُػ ْربَِة .وأنا ذو َم َ
وقولو أيضا «:إ ّف مرامي الغُرب ِة .ل َفظَْتني إلى ِ
َ َ َ
ْتاد
تاد ُمضيفاً .أو أق َ ألر َ ِ
الو َجىْ . من َ
حين َسجا ال ُدجى .على ما بي َ ت َ ضُ
فنه ْ
موسىَ . كفؤاد ّأـ َ
3
العج ِ
ب». السغَ ِ ِ
المكنّى أبا َ ب .والقضاءُ ُ َرغيفاً .فساقَني حادي ّ
السجع ُب ىذه اؼبقاطع على بنية الفواصل ،حيث اكتسب صباليتو من ّقوة
وقد اعتمد إيقاع ّ
اغبس اإلدراكي للمتل ّقي ُب إطار ىذه اؼبعمارية
األداء التّعبريي الوصفي ،الذي يتح ّقق من خبللو ّ
بة/الرتبة) و (بوسى/
الرتكيبية مابني (الغر ّ
الصياغي للعناصر ّ
اؽبندسية الّيت قامت على أساس التّآلف ّ
(مضيفا /رغيفا).
موسى) و(ال ّدجى /الوجى) و ُ
الصنعانية ،ص.18
المقامة ّ
2
وىذا االنسجاـ اإليقاعي الذي تولّد عن الفواصل قد خلق أيضا انسجاما دالليا حبيث قبد
الصوٌب ُب حروؼ الفواصل عند اغبريري ليس شكبل متواليا ثابتا ،وإّمبا شكبل مزدوجا يولّد البناء ّ
سبوجات سبوج بالتّفاعل واالنفصاـ تارة والتّنسيق
نغمات إيقاعية مزدوجة ،تضافرت فيما بينها لتش ّكل ّ
واالنسجاـ تارة أخرى.
السجعي أيضا على االلتزاـ بصوتني أو أكثر ليوفر قدرا كافيا من التّناغم وقد يقوـ اإليقاع ّ
ِِ 1 ماع بز ِ ِ ِِ
واج ِر و ْعظو». األس َ َجاع بجواى ِر لفظو .وي ْق َرعُ ْ
األس َوىو يطْبَ ُع ْكما ُب قولوَ «:
فاؽ .وخلدوىا بطو َف األو ِ
راؽ .فما ُسيّػ َر مثلُها في ْ ُ
ب االتّ ِأو ُب قولو«:أثْبِتوىا في َعجائِ ِ
ِ ِ
ض ْرنا ال ّدواةَ وأسا ِو َدىاَ .
2
سر َدىا».
ورقَ ْشنا الحكايَةَ على ما َ فأح َ
اآلفاؽْ .
وىذا النّوع من اإليقاع وبدث تناسبا صوتيا بني اعبمل اؼبسجوعة ،حيث يندمج اعبانب
الرتكيب،ص اؼبقامي ،وحسن ألفاظو ،فاإليقاع ىو« نتيجة حسن ّ الصوٌب جبميع مستوياتو ُب إيقاع النّ ّ
ّ
واعتداؿ األجزاء ».3
ويتأتّى ارتباط اإليقاع حبسن اللّفظ إذا كاف ىذا األخري أميل إٔب أف يكوف ناذبا عن ِخ ّفتو
الصوٌب مع عنصر آخر ىو "صحة اؼبعىن"
الصوٌب ،وبذلك يتقابل حسن األلفاظ وانسجامها ّ
وانسجامو ّ
لصوت وال ّداللة أو اؼبسموع واؼبفهوـ ،وُّذا الفهم نرى اغبريري بىن ترصيعاتو النّثرية
الرتكيب ،ا ّ
ليكونا دعامة ّ
ّ
ب.
يتقر ُ
جار لسانُوُ ّ الرتكيب وال ّداللة كما ُب قولو « :إنوُ كا َف لي ٌ الصوت و ّ
ُب نصوصو اؼبقامية على تفاعل ّ
فملْت لمجاورتِِو .الى م ِ
حاورت ِو .واغَتػ َرْر ُ
ت ُ َ ُ ُ َ
وخْبؤهُ سم من َق ٌعِ .
ٌ ب .ولفظُوُ شه ٌد ين َق ُعَ .
وقلبُوُ ع ْق َر ٌ
سمتِ ِو.4»... استهوتْني ُخضرةُ دمنَتِ ِو .لم َ ِ ِ بمكا َشرتِِو .في م ِِ
أغرتْني ُخ ْد َعةُ َ
ناد َمتو .و َ َ ْ ُ عاشرتو .و ْ َ
ُ َ ُ َ
كل الفواصل ويبكن تقسيمها
نبلحظ ُب ىذا اؼبقطع تكرار بنيات صوتية ترصيعية على امتداد ّ
إٔب الوحدات اؼبشرتكة اآلتية:
عقرب يتقرب
ّ
الصنعانية ،ص.18
المقامة ّ
1
السنجارية ،ص.178
المقامة ّ
4
232
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الرامزة ،ال ّدماميني ،نحقيق الحساني حسن عبد اهلل ،مكتبة الخانجي ،القاىرة ،ط1994(2ـ) ،ص.140
العيوف الغامزة على خبايا ّ
1
شعر وآدابو ،تحقيق محمد قزقاف ،الجزء ،01مطبعة الكاتب العربي ،دمشق ،ط(1994ـ) ،ص.331
العمدة في محاسن ال ّ
2
3نفسو ،ص.326
237
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
وقد وظّف اغبريري ىذه التّقنيّة الفنّية ُب مقاماتو حيث استخدمها ُب نقل حركة اؼبعىن النّثري
حوؿ نقل اإلحساس أو تغيري الشعري الذي يعتمد على وزف وقافية ،ويرتتّب عن ىذا التّ ّ إٔب اؼبعىن ّ
الشعريّة اؼبقاميّة من إيقاعات صوتية
درجة كثافتو وحضوره إٔب ما ُوب ّققو التّصريع ُب طوالع األبيات ّ
وضح ذلك ابن رشيق ُب قولو
الشعر ،كما ّ
ودالالت حيوية تنبئ عن انتهاء جنس النّثر ليبدأ جنس ّ
السابق ال ّذكر من أ ّف التّصريع يأٌب إخبارا وتنبيها ،وقد بدا ىذا األسلوب اإليقاعي ُب بداية بعض
ّ
الشعر اؼبقامية .كما ُب قوؿ اغبريري:
نصوص ّ
ػب ِ
بالناس قُػل ْ ىر
وال ّد ُ بب شػيّ ْ شوائِ ِ
ْع ال ّ
وق ُ
1
ػب ٍ ش ْخ ٍ
ففي غد يتػغػلّ ْ ػص إ ْف دا َف يوماً ل َ
الرّد على تساءؿ اغبارث بن نبّاـ الذي
الضرب وزنا وقافية قد ساىم ُب ّ
وتوافق العروض و ّ
الشعورية
السروجي ،فأجاب ىذا األخري دبا يبلءـ اؼبوقف واغبالة ّ
استفسر عن اغبالة اؼبزرية أليب زيد ّ
الزماف وعواقبو.
الّيت بدا من خبلؽبا ناقما على أحواؿ ّ
ويقوؿ أيضا:
فرتُػ ْوت َس َ
جواب ٍ
آفاؽ تر َام ْ ّ َ فرتُ ْو
صَ ت ُ أ ْك ِرْـ ِبو أص َف َر راقَ ْ
أسرتُػ ْو ُود َع ْ ِ ِ قد أ ِ
ت سر الغنى ّ معتُوُ و ُشػه َػرتُػ ْو
مأثورةٌ ُس َ
َ
ت إلى األن ِػاـ غُ ّػرتُػ ْووحببَ ْ
ُ خطرتُو
المساعي َ جح َ ت نُ َ وقارنَ ْ
َ
2
ص ّرتُػ ْوحوتْوُ ُيصوؿ َم ْن َُ ِبو من ال ُقل ِ
ػوب نَػ ْق َػرتُػ ْو كأنّما َ
الضرب والعروض ُب
مصرعا إٔب آخر بيت حيث ساوى بني ّ ويستمر اغبريري ُب ىذه األبيات ّ ّ
مادتو ،وسب ّكنو من اؼبعجم اللّغوي.
يدؿ على قُدرتو وبراعتو وغزارة ّ
الوزف والقافية وىو ما ّ
ذمهلو فيقوؿ:
ىذا ُب مدحهلل ّدينار أما ُب ّ
كالمنػافِ ِػق
وج َه ْي ِن ُ
أص َف َر ذي ْ
ْ ػاذ ِؽ ػاد ٍع مػم ِ ِ
تبّاً لوُ مػن خ ُ
ِ 1
ولو ِف عػاش ِػق زينَ ِة ْ ٍ
معشوؽ ْ ص َفي ِن َلعػي ِن ال ّػر ِام ِػق
يَبدو َبو ْ
كل األبيات اؼبدحية وال ّذمية ،فكاف استخدامو ؽبذه التّقنيّة اإليقاعية
وقد وظّف التّصريع ُب ّ
تنم عن
الصوٌب اؼبوسيقي الذي وب ّفز القارئ على تتبّع مفرداّتا ونغامتها ،الّيت ّ
دافعا حيويا ُب التّلوين ّ
الرصانة ُب التّعبري.
االتّزاف و ّ
السبيل ليبل أماـ باب بيت اغبارث بن
السروجي عابر ّ
وُب مقامة أخرى ينشد اغبريري بلساف ّ
نبّاـ فيقوؿ:
ض ّػراوال لَقيتُ ْم ما بَقػيتُ ْػم ُ الم ْغنى ُوقيتُ ْم َش ّػرا
أىل ذا َ
يا َ
الى ذَرا ُك ُم َش ِعثاً ُمػغْػبَ ّػرا الليل الذي ا ْك َف َػه ّػرا
ق ْد دفَ ُع ُ
حتى انْػثَنى ُم ْح َق ْوقِفاً ُم ْ أخا ِسفا ٍر َ
2
ص َف ّرا واسبَػطَ ّػرا
طاؿ ْ
وسلية لفتح الباب واستقبالو ،وقد تبلءـ ويستمر على ىذه اغباؿ إٔب ّناية القصيدة النّدائية التّ ّ ّ
الضيق والتّعب
الضرب مع ّ
عرب انسجاـ العروض و ّ
التّصريعي مع مقاـ الكبلـ ،حيث ي ّ ىذا اإليقاع
"الراء" الذي يبعث على اغبزف واألنني
بالسروجي ،والسيما مع استخدامو غبرؼ ّ
ّ اللّذين ألَ ّما
السامعني.
الستعطاؼ ّ
كل القصيدة الواحدة أيضا،
كل قصائده وضمن ّ سعى اغبريري إٔب فبارسةمظاىر التّصريع ُب ّ
ص ،حيث التّآلف بني القوانني
لعل ذلك إدراكا منو لدور اإليقاع اؼبتولّد منو ُب تصعيد شاعرية النّ ّ
و ّ
الزيادة والنّقصاف ،واتّصالو باالستهبلؿ،
للضرب ُب ّوالوظائف « فالقوانني ىي ضرورة إتبّاع العروض ّ
قصة ومن وصف إٔب وصفّ ،أما وظائفو فهي تعيني جنس قصة إٔب ّوتكرير استعمالو ُب اػبروج من ّ
ِ
مهمات القصائد وإقامة اتّصاؿ مع ص ِره ُب ّالشعر وتعيني غرضو حبَ ْ
ص ،باػبروج من النّثر إٔب ّالنّ ّ
3
القارئ ».
ومن أمثلة تع ّدد التّصريع لدى اغبريري قولو أيضا:
أص َد ُؽ من عُ ْريي أوا َف الػ ُقػر
ْ يا قوِـ ال يُنبِئ ُك ُػم عػن فَػقػري
239
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
-4التّكػرار:
التّكرار ظاىرة موجودة ُب األدب اإلنساين ُب شعره ونثره وينشأ عن « ثبات غبظة شعورية ُب
للزمن اؼبتنامي ،وتنشأ ىذه الظّاىرة
ط األفقي ّ
سبوجاّتا ُب اػب ّ
الزمن ،قبل أف تستأنف ال ّذات اؼببدعة ّ
ّ
عن عوامل متداخلة بيّنة التّعقيد ،حيث يبكن إرجاعها إٔب:
الرغبة ُب ربقيق "شبع" شعوري ُب غبظة زمنية ثابتة.
ّأوال :إٔب ّ
الرغبة ُب ؿباولة ربقيق قدر من التّناغم والتّآلف اؼبوسيقي اللّذين يثرياف اعبوانب
ثانيا :إٔب ّ
1
ص ».
اإليقاعية وال ّداللية للنّ ّ
1المقامة الكرجٍة ،ص.240
221
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
شعري (إستراتيجية التّناص) محمد مفتاح ،المركز الثّقافي العربي ،ط1992(3ـ) ،ص.33
الخطاب ال ّ
3
4نفسو ،ص.39
220
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
3
ياقوت
ُ والياقوت
ُ الجمر
ُ ثم انطَفى
ضى ّ جمر غ ً
الياقوت َ
ُ لي
ُص َ
وطالَما أ ْ
ؤسس لدواـ ِ
فلتكرار لفظة "الياقوت" وظيفة داللية إٔب جانب وظيفتها اإليقاعية ،فهي« تُ ّ
الزمن مع التّأكيد على نوعية ىذه اغبالة » ،4وقد أضفى تكرارىا جديدا إٔب اؼبعىن وق ّدـ
حالة ُب ّ
للسياؽ من حيث اإلغباح على ثبات ودواـ حاؿ "جوىرة الياقوت" وبقاء أصلها ومعدّنا إضافة فنّػيّة ّ
223
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
السروجي
العزة الذي أظهر بو الفّت نفسو أماـ ّ
تعرضها للنّار ،وُب ىذا إشارة إٔب موقف الفخر و ّ
رغم ّ
رغم حاجتو وفاقتو ،وُب قوؿ آخر:
ف
نص ُباسمي لوُ ما َىكذا من ي ِ ػح
َْ ُ ب غيظُوُ إ ْذ ل ْػم أبُ ْ
ْ يا َم ْن تلَ ّه َ
ف
يوس ُ ِ
ف أنا ُ وس ٌ
فأص ْخ لوُ أنا يُ ُ
رضيك إال ك ْش ُفػوُ
إ ْف كاف ال يُ َ
1
فت وما إخالُكتَع ِر ُ
ؼ عر َ ِ ت َ ِ
فطناً َ
تكن
لك الغطاء فإف ْ ش ْف ُ
ولقد ك َ
وقد أراد من خبلؿ ىذا التّكرار اإليقاعي لبلسم العلم "يوسف" صورة داللية حيث ربط
السبلـ -عندما باعو إخوتو إٔب
السوؽ بصورة سيّدنا يوسف -عليو ّ
اغبريري صورة الفّت وىو يُباع ُب ّ
حر ،وىذا التّكرار التّناصي قد ولّد بُعدا إوبائيا ُب تصوير موقف تارىبي أريد
السيّارة بثمن خبس وىو ّ
ّ
حر ال يُباع وال يُشرتى وأ ّف األمر خدعة من
منو التّنبيو والتّوضيح من قبل الفّت للحارث بن نبّاـ بأنّو ّ
السروجي.
فعل ّ
القصة القرآنيّة
الربط بني ّ
ويبدو أ ّف شكل اػبطاب اإليقاعي كاف حاظبا ُب حجب إحاالت ّ
واغبكاية اؼبقاميّة؛ حيث ّأدى التّكرار فيها وظيفة إيقاعية ؿبضة ما نتج عنو غموض بالنّسبة للحارث
بن نبّاـ.
ْت.
ْت وختَػل َ
ك احتل َ
سيت أنّ َ
ومن أسلوب التّكرار اللّفظي ،تكرير الفعل ُب مثل قولو« :أنَ َ
ْت؟» ،2فما ىذا التّكرار اؼبتتابع لصيغة الفعل "فعلت" إالّ ذبسيد غبالة
فعل َ
ك الّتي َ
ْت فَػ ْعلَتَ َ
وفعل َ
َ
السروجي لرفيقو اغبارث بن نبّاـ.
انفعاؿ غضب وّتويل من قبح خديعة أيب زيد ّ
إ ّف ىذا التّكرار ٓب يُش ّكل ىندسة إيقاعية فحسب ،وإّمبا نقل أيضا ذبربة شعورية جبعل الكلمة
عجب،
اؼبكررة واؼبتتابعة مفتاحا للولوج إٔب تفسري اؼبوقف دالليا برسم إحساس مكثّف من اللّوـ والتّ ّ
ّ
السروجي ّاذباه رفيقو.
والغضب والتّهويل من فعل ّ
السروجي،
وُب مقامة أخرى عكس التّكرار تصوير اغبريري ؽبفة اغبارث بن نبّاـ لعودة أيب زيد ّ
رس َخ .أفتأذَ ُف لي في ِ
ودرني قد َ
س َخَ .
فاستخدـ األلفاظ اؼبتتابعة ُب قولو « :قاؿ ٕب :إ ّف ب َدني قد اتّ َ
222
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
جعةَ
والر َ
الس ْر َع ْوّ .
ّ رعةَ
فالس َ
ت ّ فقلت :إذا ِش ْئ َ
ُ الم ِهم؟
وأقضي ىذا ُ
َ حم. ِْ ٍ
قصد قريَة ألستَ ّ
بِ َدار» .2إنّو الفرار ث ابنو على ذلك بقولو«:بِ َدار الرحيل فيَ ُح ُّ 1
الر ْج َع ْو!»ّ .
لكن أبا زيد يُسرع ُب ّ ّ
شر وبذر منو.
الرحيل دوف عودة للخبلص من ّ والتّعجيل ُب ّ
ويظهر ىذا النّوع من اإليقاع التّكراري اؼبتتابع ُب مقامة أخرى لل ّداللة على التّشويق َّالسة
أيب زيد ُب قوؿ اعبماعةالّيت استقبلها الغبلـ الذي يعُد الطّعاـ «وقُػلْنا للغُ ِ
الـ :ىيّا َىيّا .وىلُ ّم ما
تَهيّا!».3
الرجل الذي
وقد وظّف اغبريري التّكرار أسلوبا جديدا للتّحذير ،حيث َمثل ىذا ُب ربذير وّتديد ّ
استفّت أبا زيد ُب قضيّة ،فنبّهو أالّ يسوؽ إليو الكذب ألجل الوصوؿ إٔب الطّعاـ فقاؿ لو:
ِ ِ ك الجوعُ الذي ِ «فال ِ
بم ْن ما َف. عار األنبِياء .وحليَةُ األولياء .على أ ْف تل َ
ْح َق َ ىو ش ُ َ يحملنّ َ
الح ّرةُ وال تأ ُك ُل بثَ ْديَيها .وتأبى الدنيّةَ ول ِو ِ
بالخلُ ِق الذي يُجان ُ
ب اإليما َف .فق ْد تجوعُ ُ وتتخلّ َق ُ
قبل بوف .وال أُغضي على صف َق ِة م ْغ ٍ لست لك بز ٍ
ك َ بوف .وىا أنا قد أن َذ ْرتُ َ َ َ ثم إنّي ُ ت إلَْيهاّ .
اضطُّر ْ
4
المكاذبَِة َحذا ِر».من ُ وحذا ِر َ
ك الس ْتػرِ .
وينعق َد فيما بينَنا ال ِوتْػ ُر .فال تُػلْ ِغ تدبُّػ َر اإلنْذا ِرَ .
ُ َ ينهتِ َ
أ ْف َ
الصيغة
لعل ىذه ّ الرجل وصرامتو وحزمو ّاذباه أيب زيد ،و ّ
يدؿ على نباىة ّ
فتكرار ىذه اللّفظة ّ
الرجل خبداع ضيفو قبل أف يفعل ذلك فآثر التّحذير والتّشديد ُب
تنم أيضا على إحساس ّ
التّكرارية ّ
تنبيهو.
الرتتيب
ومن أسلوب التّكرار اللّفظي ُب مقامات اغبريري تلك األلفاظ ال ّدالّة على التتّابع و ّ
صفاً .وتستَوكِ ُ
5
ف األ ُكف ك ّفاً كفاً». ص ّفاً َ
فوؼ َ
الص َوىي تستَػ ْقري ّ ص ْدتُها َ فر َ
كما ُب قولوَ « :
ِ
بين رْىط ِو .أنّوُ
فأقس َم َالزوجة الّيت شكت للقاضي كذب زوجها اؼبُخادعَ «: وقولو أيضا بلساف ّ
شر ِط ِو .وا ّدعى أنوُ طالَما نظَ َم ُد ّرًة الى ُد ّرةٍَ .
فباع ُهما ببَ ْد َرةٍ».1 َوفْ ُق ْ
225
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
اس.ألمعيّةُ اب ِن عبّ ٍ
ألمعيّتي َ
-0توضيح معىن الكلمة وتقريبها كقولو بلساف اغبارث«:فإذا َ
فعرفتُوُ حينَئِ ٍذ ش ْخصي» 1.وذلك لل ّداللة على فطنتو وذكائو. إياسّ . اسةُ ٍ ِ
راستي فر َوف َ
ِ
الرائِ ِد الذي العو َد ّت إلى أصحابي ْ ثم عُ ْد ُالنّيابة عن كبلـ ؿبذوؼ :الستقباح ذكره ومثالوّ « :
ت من َك ْي َ ِ ِ
أيت .ف َق ْهقهوا ْ
يت وال ر ُ
ور ُ أيت .وما ّ ش قولَوُ .فأخبَػ ْرتُػ ُه ْم بالذي ر ُ
ب أىلَوُ .وال يُػبَرق ُ
يكذ ُ
ولعنوا ذلِ َ
2
ت.». الم ْي َ
ك َ تَ . وَك ْي َ
ميس ُم يدؿ على بياف ىيئة شخص معني ومثالو« :وكاف ِح َذتَػهم ش ْخ ِ
يس ُموُ َ صم َ ٌ ُْ ُّ -3تكرار ّ
ِ 3 ِ
تتضمن
ّ إذ ضافة؛ م
ُ جاءت ص
ّ الن
ّ ىذا ُب رة اؼبكر
ّ األلفاظ
و الرىباف»بوس ّ بوسوُ لَ ُالشبّاف .ولَ ُ
مكررة بلفظها مع تقارب معناىا. صورة ىذه الكلمة ّ
و"أـ" ُب الكىن اللّفظية ُب قولو:
كررت كلمة "أيب" ّ -2التّكرار لغاية تعليمية:حيث ّ
يمِ ّ . «فاست ْد ِع أبا ِ
جام ٍع .فإنّوُ بشرى ُكل جائِ ٍعِ .
عزْز ضي ٍمّ .
ثم ّ الصاب ِر على ّ
كل ْ وأردفْوُ بأبي نُػ َع ٍ ّ ُ َْ
ذيب .وأىب بأبي ثَ ٍ
قيف. وتع ٍ راؽ ْ إح ٍ
بين ْ بيب .الم َقل ِ
كل لَ ٍ المحب ِ بأبي َح ٍ
ْ ب َ ب الى ّ بيبُ .
ٍ
جميل. ت أبا
ض ْر َ
استح َ
ْ عو ٍف .ول ِو
من ْعوف .فما مثلُوُ ْ
أليف .وىلْمم بأبي ٍ
ْ ُْ
من ٍ ىو ْفحبّذا َ
ِ ِ ِ
من تتناس ّأـ جابِ ٍرْ .
فكم لها ْ بأـ الق َرى .الم َذكرة بك ْسرى .وال َ ىل ّ
وحي َميلَ .تج ٍ أي ْلج ّم َل ّ
َ
ِ ِ
ذاك ٍر .وناد ّأـ َ
4
الفر ِج».
ومن صور اإليقاع أيضا ُب نصوص اؼبقامات تكرار أداة من األدوات منها:
عجيب.
ٌ ش ْيءٌ
-0تكرار أداة االستفهاـ ُب اؽبمزة ُب قوؿ اغبريري بلساف القاضي« :إ ّف ىذا لَ َ
ٍ ٍِ
الخص َمي ِنْ .
ومن ْ ُرضي بم ْغ َرَمي ِن .أأ ُ
ُطيق أ ْف أ َ بس ْه َم ْي ِن .أأ َ
ُلزُـ في قَضيّة َ أأ ُْر َش ُق في موقف َ
5 أ ِ
أين؟» .وداللة ىذا التّكرار ىي االنفعاؿ والغضب ّ
الشديد. ين وم ْن َ
َ
ذمتو فتقوؿ:
الزوجة الغاضبة على زوجها لتأكيد رفضها البقاء ُب ّ -3تكرار ال النّافية ُب كبلـ ّ
واهلل وال بَػ ّواباً لِبابي ،وال َعصاً
لم ْحرابي،وحساماً ِلقرابي ؟ال ِ
ُ
ضاؾ إماماً ِ
«أتظُنّني ْأر َ
1 ِ
لجرابي».
الشتائم بني أيب زيد وزوجتو ُب قولو«:ويْػلَ ِ
ك يا -2تكرار أداة النّداء" :يا" ُب معرض تبادؿ ّ
البع ِل والجا ِر! 2»...وتكرارىا فيو تنبيو اػبصم إلثارة غضبو
صةَ َْدفا ِر يا فَجا ِر .يا غُ ّ
وانفعالو.
-1تكرار أداة االستفهاـ "كم" ُب قولو:
227
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
1خصائص الحروؼ ومعانيها ،حسن عبّاس ،منشورات اتّحاد كتاب العرب ،سوريا1998( ،ـ) ،ص.45
2المقامة الحلوانية :ص.27
3المقامة ال ّدمشقية ،ص.118
4الوقاهتالٌّصٍبٍت،ص.093
229
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
ُقسم بالسماء ِ
ذات ِ
أنفاسوُ ،وقاؿ :أ ُ ّوصع َد َ
أسوُّ ،أقنع ر َ
ثم َ أخر َس ْتوُ غشيَةٌّ ،
س ْتوُ خشيةٌ ،أو َ
أبلَ َ
ِ ِ ذات ِ واألرض ِ
والهواء اج، والبح ِر ّ
العج ِ ْ اج،
الوى ِ
اج ّ والسر ِ
اجّ ، والماء الث ّج ِ جاج،
الف ِ ِ األبراج،
ِ
1
ص تبلءـ مع القسم دبظاىر ّقوة ا﵁ سبحانو وتعأبجاج» ،وحضور صوت اعبيم ُب ىذا النّ ّ والع ِ َ
السامعني.
للتأثري ُب ّ
ويُفيد تكرار صوت اعبيم ُب موقع آخر من نصوص اغبريري إيقاعا نغميا يوحي دبشاعر اغبرية
والليل قد
ُ فلم أُفِ ْق إالّ
والقلق ُب كبلـ اغبارث حني استفاؽ من نومو فوجد أبا زيد قد سرؽ ناقتوْ «:
اف يَعقوبيّ ٍة ،أُسا ِوُر
وأحز ٍ تولّج ،والنّجم قد تبلّج ،وال السروجي وال المسرج ،فبِ ُّ ٍ ٍ
ت بلَيلَة نابِغيّةْ ، ُ ََ ّ ّ َ ُْ َ
2
تارةً في ُر ْجلَتي ،وأ ْخرى في َر ْج َعتي.» ... ِ
جوـ ،أف ّك ُر َ
جوـ ،وأُساى ُر النّ َ
الو َ
ُ
"الراء" فقد ورد التّكثيف بو ُب موقف اضطراب وانفعاؿ نفسي وجسدي حيث ّأما حرؼ ّ
السروجي على سرقة أمواؿ النّاس بعد تردد وتوتّر اغبارث بن نبّاـ حني أقدـ ّ الصوت ّ حاكى ىذا ّ
ين طُّراً ،لق ْد ِ
السار َ
وى َدى بها ّ بم ْن أطْلَ َعو ُزْىراًَ ،
زبديرىم ُب مأدبة خطبة؛ إذ يقوؿ «:فقلتُْ :قس ُم َ
ِِ يات ِذ ْكراً ،ثم ِحر ُ ِ لك في المخ ِز ِ ِج ْئ َ
صيّوِر أمو ،وخي َفةً ْ
من ت فكرًة في َ ّ ْ ُ ت َ ت شيئاً نُ ْكراً ،وأب َق ْي َ
فرقي، ِ ِ ُرع َد ْ ِ ت نفسي َشعاعاً ،وأ ِ ع ْدوى ِ
طارَة َفلما رأى است َ ت فَرائصي ْارتياعاًّ ، طار ْ
حتى َ عرهّ ، ّ
أجلي، ِ ِ الف ْكر ِ واستِشاطَةَ قلَقي ،قاؿ :ما َىذا ِ
كرؾ في ْ ض؟ فإ ْف ي ُك ْن ف ُ
والرْوعُ الموم ُ ضّ ، الم ْرم ُ
ُ ُ ْ
أجلي ،فأنا اآل َف أرتَ ُع وأط ِْف ُر.3»... من ْْ
عما ُيباثلو من صور مرئية تنطوي على خاصية التّكرار للتّعبري ّ "الراء" ُب ّ ويستثمر صوت ّ
نستدؿ على ىذه الفكرة بقوؿ اغبريري واصفا أبا زيد عاري اعبلدة ،بادي
ّ التّحرؾ واإليباء ،ويبكن أف
اعبردة يرتعد من ش ّدة الربد يقوؿ:
أص َد ُؽ من عُ ْريي أوا َف الػ ُقػر يا ِ
قوـ ال يُنبِئ ُك ُػم عػن فَػقػري
ْ
وخ ِػفػي ْأمػري
باط َن حالي َ ِ فاعتَبِروا بِما بَػدا م ْػن ُ
ض ّػري
210
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
الرقطاء ،ص.262
المقامة ّ
1
ص.123
ص النّثري ،إبالغ محمد عبد الجليل ،ص.116
شعرية النّ ّ
4
213
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
ص اؼبقامي طاقة
األصوات ائتبلفا وانسجاما ،ويزيد اؼبضموف وضوحا وجبلء ،وُّذه األىداؼ ُب النّ ّ
داللية وصبالية تساىم ُب انزياحيتو من اعبانب اإليقاعي.
-5التّجنيػس:
ؼبعتز تعبرييّا ،وربطو عبد
الشعر وقد درسو ابن ا ّ
خاصية فنّية مشرتكة بني النّثر و ّ
يُعترب التّجنيس ّ
القاىر اعبرجاين وظيفيا بطاقتو التّأثريية على اعبانب النّفسي للمتل ّقي فهو يرى أ ّف ال ّدارس ال
يستحسن « ذبانس اللّفظتني إالّ إذا كاف موقع معنييها ُب العقل موقعا ضبيدا ،وٓب يكن مرمى اعبامع
بينهما مرمى بعيدا.1»...
كل واحدة
ّأما أبو ىبلؿ العسكري فيقوؿ أ ّف التّجنيس ىو أف «يورد اؼبتكلّمكلمتني ذبانس ّ
منهما صاحبتها ُب تأليف ُحروفها ».2
توسع العرب كثريا ُب دراسة ىذا النّوع إيقاعيا أو دالليا ،ونسعى كبن من خبلؿ
وعموما فقد ّ
الصوٌب اإليقاعي ،وقد نبّو اعبرجاين إٔب تفاعل
ص اؼبقامي إٔب معاعبة الوظيفتني معا ضمن االنزياح ّ
النّ ّ
يتم إالّ
الصوت وال ّداللة حني قارب التّجنيس فقاؿ «:إ ّف ما يُعطي التّجنيس من الفضيلة أمر ٓب ّ
ّ
3
حّت
حسيّاّ ،
بنصرة اؼبعىن » ،ويقوؿ أيضا «:وعلى اعبملة فإنّك ال ذبد ذبنيسا مقبوال ،وال سجعا ّ
4
يكوف اؼبعىن ىو الذي طلبو واستدعاه وساؽ كبوه ».
ونتطلّع ُب ىذه ال ّدراسة للتّجنيس ُب اؼبقامات اغبريرية إٔب التّشديد على البنيتني ،فمعاعبة
الصوت بال ّداللة وذلك باالبتعاد إٔب ما
الصوت رب ّقق مقاربة ناجحة إذا ما استثمرت ُب ضوء عبلقة ّ
ّ
الصوتية اإليقاعية.
خاصة ُب البنية ّ
ص اؼبقامي من تصنّع وتكلّف وتعقيد ّ
قيل وعرؼ عن النّ ّ
215
الفصل الرابع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أسلوبية االنزياح في ال ّنصّ المقامي للحريري
دي، العاؽ كما ي ّدعي أماـ القاضي فيقوؿ «إ ّف ابْني ىذا كال َقلَ ِم ّ
الر ّ السروجي ابنو ّويصف ّ
الخال ِ
أخالؼ ِ ِ والسيف ِ
أحج َم ،وإذا
مت َ ؼ ،إ ْف أق َد ُ َ ض ُع
وير َ
صاؼ اإلنصاؼْ ، يجه ُل ْأو َ
يَ ، ِ ّ
الصد ّ
أعج َم».1
ت َ أعربْ ُ
َ
خلق التّجنيس ُب ىذه العبارات إيقاعا تفصيليا من خبلؿ سرد صفات الفّت.
األوؿ منو ُب ّأوؿ العجز كما ُب قولو:
وقد يكوف اللّفظ اَّانس ّ
2
ىر الػذي عػانَػوُ
أعانَوُ ال ّد ُ اليوـ كػأ ْف ل ْػم ي ُك ْػن
فأصبح ََ
الشعر فقد اعتمد اغبريري ُب بعض األبيات الّيت أوردىا ُب مقاماتو اعبناس دبراعاة ّأما ُب ّ
وضح أ ّف اعبناس
التّصدير؛ حيث يرد اللّفظ اَّانس الثّاين منها مقطعا أي آخر لفظ ُب البيت وىذا يُ ّ
ص اؼبقامي.
الرتكيب اؼبوسيقي ُب شعر النّ ّ
مستقل بنسبة غري قليلة ُب ّ
ّ
ومن ذلك قولو:
جواب ٍ أ ْك ِرْـ ِبو أص َف َر راقَ ْ
3
فرتُػ ْو
ت َس َ
آفاؽ تر َام ْ ّ َ فرتُ ْو
صَ ت ُ
الصدر (صفرتو ،سفرتو). األوؿ منو ىبتم ّ
حيث نبلحظ أ ّف اللّفظ اَّانس ّ
وقولو أيضا:
4
ود ْر مع ال ّدى ِر كي َفػمػا دارا
ُ ال ْتب ِ
ك إلْػفػاً نػأى وال دارا
5
جوج في أ ُّـ ال ُق َػرى يخ الذي سن ِ رم ِة ال ّ
المح َ
س ْوأس َ
ّ الق َػرى ّ ش ِ وح َُ
اؼبادية وىي م ّكة.
فالقرى داللة على اؼبنزلة اؼبعنوية وىي الكرـ وأـ القرى داللة على اؼبنزلة ّ
وقد يأٌب اللّفظ اَّانس من التّصدير ُب غري منزلة معيّنة كما ُب قولو:
6
ػض الػيَ َديْ ِن سادمػاً ن ِ
ِ قُل ٍ
ػادمػاً َيع ّ غاد ْرتُػو ب ْػعػ َد ب ْػينػي
لواؿ َ ْ
قولو أيضا:
الصعدية ،ص.392
المقامة ّ
1
1
ألجني الػف َػر ْح ِ مت السفار وج ُ ِ
ل ِز ُ
فار ْ
ت الن َ
وع ْف ُ ػار
بت القػف َ َ ُ
تدؿ على اغبزف واغبرية
األوؿ جرى اعبناس ما بني اللّفظني (سادما ،نادما) فاألؤب ّ
ُب البيت ّ
لتدؿ على النّدـ ،فنراه قد وظّف اعبناس ُّذا التّتابع ليوحي بأ ّف الوإب قد أورثو اغبزف
،وتبعتها الثّانية ّ
(يعض اليدين) ،وُّذا نبلحظ أ ّف اعبناس ُب ىذا البيت
ّ واغبريةٍ ،بّ أتبعهما ندـ شديد دلّت عليو صبلة
قد كاف لو دور مزدوج؛ أي دور إيقاعي ودور دالٕب.
ّأما البيت الثّاين الذي يليو فكاف تتابع التّجنيس فيو ؽبدؼ تفصيلي وصفي من حيث ال ّداللة
وإيقاعي بال ّدرجة األؤب.
وقد يأٌب اعبناس ُب شعر اؼبقامات أيضا لل ّداللة على التّقابل للمقارنة بني أمرين وتفضيل
أحدنبا على اآلخر كما ُب قولو:
المق ِػاـ وقلت لالئِمي ِ
قاـ على ُ
الم َ
تار َ
سأ ْخ ُ أقص ْر فػإنّػي ُ
ِ2 ِ ِ
بالحطي ِم عن ُ
الحطػاـ وأسلو َ ْ جم ٍع
بأرض ْ عت ِ جم ُ
وأُنف ُق ما َ
الروحي يدؿ على اعبانب ّ السبلـّ -
فلفظ" اؼبَقاـ" بداللتو على مقاـ سيّدنا إبراىيم – عليو ّ
يدؿ لفظ" اؼبقاـ "على اإلقامة ،وبالتّإب لو صلة باعبانب ال ّدنيوي ،واألمر نفسو واإليباين ،بينما ّ
ُ
اؼبشرفة و"اغبطاـ" الّيت تعّن متاع ال ّدنيا
تدؿ على اغبجر األسود للكعبة ّ بالنّسبة للفظة "اغبطيم" الّيت ّ
فكل منهما يشري إٔب
الزائل فبني اؼبتجانسني (اؼبَقاـ واؼبُقاـ) و(اغبَطيم واغبطاـ) تقابل من حيث داللة ّ
ّ
نقيض ما يشري إليو اآلخر.
الشعرية للغة اؼبقامات أ ّف اغبريري يبتلك قدرة
الشواىد النّثرية و ّ
وما ُيبكن استنتاجو من ىذه ّ
فائقة على تصريف األلفاظ وتنسيقها ،وأ ّف قدرتو تلك أظهرت اللّغة الّيت يتعامل ُّا على ّأّنا لغة
حّت وإف كاف متكلّفا إالّ أنّو جاء
للسجع والتّجنيس ُب اغبقيقة ّ
إيقاعية بال ّدرجة األؤب ،فتكثيفو ّ
اؼبتكرر من جهة ويربط بني ال ّداللة واإليقاع
ليخدـ نربة اؼبوقف ،وىذا ما جعلو يكسر رتابة اإليقاع ّ
من جهة ثانية.
«إ ّف األداء اإليقاعي ىبتلف حسب اختبلؼ اؼبوقف ،من ُسخرية إٔب ج ّدية ،ومن وعظ إٔب
الشعر ،فحينما يُلقي البطل اللّوـ على ؽبو ،ومن مكر إٔب كدية ،فضبل عن االنتقاؿ من النّثر إٔب ّ
نتصور إالّ تغيريا ملحوظا ُب األداء ،إ ّف مراعاة نربة
عرب عن ذلك شعرا ،فبل ُيبكن لنا أف ّ
ال ّدىر ،ويُ ّ
1
اؼبوقف جانب أساسي من اسرتاتيجية اإليقاع ُب اؼبقامات ».
الرغم من التّكلّف الذي ذبنح إليو اؼبقامات إالّ أنّنا نلمس االبتكار ُب لغتها دبا يبنحها
وعلى ّ
نص اغبريري
كل لفظة ُب ّ ربوال وحيوية وحركية وإيقاعا ،وىو ما جعلها تتميّز بالكثافة اإلوبائية؛ إذ ّ
ّ
توحي باؼبعىن ال ّدقيق للموقف الذي خلقت لو ،ويتجلّى ذلك من خبلؿ اتّساقها مع االنفعاالت
ص اؼبقامي.
واألفكار واؼبواقف اؼبختلفة الّيت احتواىا النّ ّ
وعليو فاالنزياح اإليقاعي ُب لغة اغبريري اؼبقامية ٓب يقف عند حدود اإليقاع فحسب ،وإّمبا
الصورة على اختبلؼ أنواعها.
تع ّداه إٔب بؤرة اؼبعىن وأفق ّ
215
الخاتمة
219
الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتضمن من من
عامة والتّشكيل األسلويب دبا ّ
كبسب بعد ىذا اغبديث عن األسلوب بصفة ّ
ؿباور تتحكم ُب صياغتو ،وما ينتج عن ذلك من انزياح لغوي أنّنا نستطيع االطمئناف إٔب وضوح
الرتاثية ُب تراثها اػبصب باألساليب الّيت تنزاح عن مألوؼ ما ُوضعت لو
الرؤية ،بالنّسبة للنّصوص ّ
ّ
اؼبعوقات
معوقات حياتو تلك ّ
توضح صراع اإلنساف العريب ض ّد ّ
ألغراض فنّية ،وصبالية وأخرى إوبائية ّ
الّيت كانت وليدة البيئة اعبغرافية واالجتماعية الّيت عاش ُب ظلّها.
توصلنا إليها ُب النّقاط اآلتية:
ويبكن تلخيص النّتائج الّيت ّ
للرتاث النّقدي القدًن باعتماد
-0ىدفت ال ّدراسة إٔب إعادة اكتشاؼ اؼبعايري األسلوبية واعبمالية ّ
اىتمت
القراءة اؼبقاربتية الّيت تعمل على بلورة نظرية أسلوبية عربية باالعتماد على النّصوص الّيت ّ
باألسلوب والنّظم وطريقة تأليف الكبلـ.
-3يقوـ التشكيل األسلويب ُب النّصوص على التفاعل بني ؿباور اػبطاب ،باالضافة إٔب اإللتزاـ
باؼبقتضيات اؼبناسبة للمقاـ دبا يسمح بتحقيق األىداؼ واؼبقاصد.
-2أبرزت ال ّدراسة أ ّف النّقد الببلغي العريب القدًن قد تناوؿ بشكل مكثّف ظاىرة االنزياح انطبلقا من
الشجاعة العربية ...وغريىا من اؼبصطلحات ،الّيت تعكس أسبقية
مصطلح العدوؿ واالتّساع و ّ
العرب ُب كشف ىذه الظّاىرة ودراستها من ـبتلف جوانبها.
طورت معها علما قائما بذاتو ظبّي بعلم األسلوب أوما
-1إ ّف أنبّية األسلوب خلقت فضاءات ّ
يُصطلح عليو باألسلوبية ،فارتبطت بذلك طريقة سبك الكبلـ ونظمو بعلم صار فيما بعد منهجا
يكشف خبايا النّصوص وإوباءاّتا اعبمالية وال ّداللية.
يوضح التّجربة اإلنسانية
ذوؽ والتّأويل ،حيث ّ
مؤسسا على اؼبتعة والتّ ّ
ص اؼبقامي خطابا ّ
جسد النّ ّ
ّ -5
ُب عهد فقد فيو اإلنساف الكرامة والعدؿ واإلنصاؼ ،وقد حاوؿ اغبريري بناء قناة اتّصاؿ بينو
الضروري أف
ص اؼبقامي حقبل خصبا للثّقافة واؼبعرفة فإنّو قد أصبح من ّ
وبني القارئ ،فإذا كاف النّ ّ
يبتلك القارئ ُب اؼبقابل إمكانات تعينو على فهم اؼبلفوظ وإعادة بناءه من جديد ،حيث تع ّددت
الشخصيات التّارىبية ،وإدراكها يقتضي موسوعة قرائية
اؼبعارؼ وذباوزت ذلك إٔب األمثاؿ العربية و ّ
كبرية.
251
الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-2ق ّدـ االنزياح اللّغوي معطا قرائيا تأويليا ُمتع ّددا ،حيث أعاننا على كشف ال ّدالالت العميقة ُب
الغش
حوؿ واالغرتاب واالحتياؿ والنّفاؽ و ّ
وضح ظاىرة التّنكر والتّ ّ
ص اؼبقامي للحريري ،دبا يُ ّ
النّ ّ
واػبداع فاتّسم خبصائص اؼبفاجأة واإلغراب.
حوالت ُب اللّغة ،وبو قد
ص النّثري اؼبقامي ىو انعكاس ربصيلي لقدرة التّ ّ
-7االنزياح اللّغوي ُب النّ ّ
كل مقامة،
غريات والتّقلّبات الّيت كاف يظهر ُّا البطل ُب ّ
توسعت التّنويعات األسلوبية تبعا للتّ ّ
ّ
ص تيّارات دوف إقصاء؛ حيث منحت اؼبقامة شرعية لآلراء وتش ّكلت فتتبلقى على سطح النّ ّ
سسيونصية ،فتبلقت ـبتلف الفئات ُب النص اؼبقامي بكل مستوياّتا من القاضي
ّ بذلك بنية
الشخصيات تنويعا ُبالغّن والعآب واعباىل ،واؼبرأة والفّت ...ويبثّل التّنويع ُب ّ
والوإب والفقري و ّ
األساليب ،والتّع ّدد األسلويب ىو تع ّدد للطّرائق والكيفيات واألصوات واالنفعاالت والتّعبريات.
-5حاوؿ البحث أف يربز صبالية التّنويع األسلويب واللّغوي داخل اػبطاب اؼبقامي ،وانسجاـ البناء
مكوناتو ومستوياتو ،وإبراز اعبدلية الّيت يعيشها اَّتمع ُب عصر
اؼبعماري واؽبندسي من حيث ّ
حوؿ،
اغبريري ،فانبىن اؼبعمار على اعبدؿ بني األمكنة واألزمنة واغبضور والغياب والغرابة والتّ ّ
متكرر حوؿ البعد ال ّدالٕب.
الشخصيات وتناقضها واضطراُّا ُب شكل دائري ّ
وصراع ّ
-9سب ّكنت األصوات من الظّهور من خبلؿ البنية اإليقاعية لتأكيد اؼبصداقية واغبوارية واؼبشاعر
االنفعالية ُب إطار التّع ّدد والتّ ّنوع.
-01اشتغل اؼبّت على تفعيل ال ّذاكرة اعبماعية واإلنسانية بإعادة إحياء اؼبوروث لقراءة معاصرة وإقامة
حوار بينها وبني القدًن ودفع القارئ كبو اؼبشاركة الوجدانية وربريك رصيده اؼبعرُب إلنتاج اؼبعىن،
حيث نبضت لغة اغبريري بثقافة عصره وعصر من سبقوه ،فبّا هبعلها تغدوحية ُب نفس اؼبتل ّقي
توحي لو كلّما قرأىا باعبديد اؼبمتع وتش ّكل مفاتيح إوبائية تكشف عن ثقافة واسعة ُب توظيف
الشعرية.
النّصوص التّارىبية وال ّدينية و ّ
250
الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معوقات
-00يعكس االنزياح اللّغوي التّوتّر والتّذبذب اللّذاف كاف يعيشهما البطل ُب صراعو ض ّد ّ
حياتو كلّها ،لذلك قبد اغبريري يوظّف االنزياحات ال ّداللية مسندا أبشع األوصاؼ بال ّدىر
موضحا تشاؤمو واضطرابو ُب اغبياة الّيت طغت عليها سلطة القوي.
الزماف ّ
وّ
خاص حيث رّكزت على اإلمكانات اإليقاعية اؼبختلفة للنّثر
-03اتّسمت لغة اؼبقامات اغبريرية بطابع ّ
أىم نتائج
الشعر ،حيث زاوجت بني الفنّني ُب إطار واحد وقد ذبلّت إحدى ّ
لتقارب بينو وبني ّ
الفن من فكرة
ذلك التّزاوج الفهم اؼبغلوط فيما بعد ،حيث انطلق أغلب الذين ألّفوا ُب ىذا ّ
السجع
مؤداىا أ ّف اؼبقامة ىي ذبسيد إيقاعي صرؼ وأ ّف أى ّم خصائصها النّوعيّة تنحصر ُب ّ
ّ
والتّجنيس.
-02إف كثريا من عناصر التشكيل األسلويب الّيت تضمنتها اؼبقامات توحي بأنبية اللّغة ودورىا
السجع عن أداء وظيفة توصيل اؼبعىن
الفعاّؿ ُب التعبري عن اؼبوضوع ،رغم ما قيل عن قصور ّ
،فوظيفة اللّغة ال تقف عند أداء اؼبعىن فحسب بل تتجاوزىا إٔب أف سبتلك مبلؿبها وشخصيتها
،حّت إ ّّنا تتوحد مع الفكرة
وىويتها وحركتها ورشاقتها ومرحها و فكاىتها وتوثبها ُب تارىبيتها ّ
متوىجة تقف جنبا
وتشهد على حضورىا الفاعل داخل اؼبقامة وبذلك أصبحت اللّغة شخصية ّ
إٔب جنب جبوار البطل رباوره ووباورىا.
-01إ ّف القارئ قد ال يُبلمس صبالية التّكثيف اإليقاعي إذا ٓب يتم ّكن من استقراء خلفيات ىذا
التّوظيف ،واكتشاؼ جوىر البناء اإليقاعي اؼبكثّف ،وؽبذا تطلّبت القراءة اإلؼباـ دبعاين اغبروؼ
ص وإضافاتو اعبديدة.
وضح بنية التّكثيف داخل النّ ّ
ودالالت أصواّتا ،وطرؽ انسجامها دبا يُ ّ
خاصا من ناحية اإلمتاع واإلقناع بإثارة
اؼبتنوع منهجيا ومعرفيّا ُب اؼبقامة تأثريا ّ
ُ -05وبدث األسلوب ّ
ؾبرد ألفاظ فارغة من معانيها،
اؼبتل ّقي ػبلق االستجابة واؼبشاركة إبداعا وموقفا ،فاؼبقامة ليست ّ
وال تبلعبا بكلمات وال عرضا لصيغ ببلغية ،وإّمبا ىي إحساس وجداين عميق ،ورؤية قلبية
الفّن ىو الذي صبّل اؼبقامات كاف استجابة ؼبنبّهات
صادقة لنواحي اغبياة اؼبختلفة ،فذلك اػبلق ّ
لعل أنبّها كاف ذلك التّصوير ال ّدقيق للواقع االجتماعي
سبخضت عنها حاجات كثريةّ ، نفسية ّ
فرج فيو أصحاُّا عن غرائز
اؼبتدىور لفئة معيّنة من اَّتمع ،وبذلك تصبح اؼبقامات متن ّفسا يُ ّ
253
الخاتمة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومكبوتات نفسية ،وقد طغت ىذه اؼبقاصد والنّوايا الّيت كبتوىا على سطح اػبطاب ُب شكل
إشارات لسانية انصهرت ُب اللّغة اؼبقامية.
الفن وانتشاره ُب بقاع األرض،
اؼبهمة ُب ذيوع ىذا ّ
أىم األسباب ّ
-02يعترب أسلوب اؼبقامات أحد ّ
بث صاحبها من خبلؿ لغتو –الّيت اعتربت ُب وقتنا صعبة ومع ّقدة -العديد من اغبكم
فقد ّ
والنّصائح والعرب الّيت ّتدي ُب دياجري اغبياة ،و قد عصرنا بعضا من نصوص اغبريري اؼبقامية،
فأعطت الكثري فبّا نفعنا ليس أقلّو اؼبتعة الّيت حصلنا عليها ٍب االكتشاؼ لبعض الكنوز الّيت تش ّد
ص فبل هبد القارئ نفسو إالّ وىو يبحث عنها ضمن
االنتباه وتثري االنفعاؿ والتّفاعل مع النّ ّ
شروح اؼبقامات أو ُب كتب تراثية ذات صلة بذلك.
ؤسس ؼببدأص اؼبقامي يُ ّىاما ُب النّ ّ
-07ينبّن اغبديث عن االنزياح اللّغوي على رؤية ذبعلو عنصرا ّ
ؤسس الفرؽ ويبنيو والثّاين يف ّككو ويُعيد بناءه
األوؿ يُ ّ
تفاعلي تواصلي بني اؼببدع واؼبتل ّقي ،حيث ّ
كل القراءات الّليت ال تنظر
من جديد عرب التّأويل ،وتبقى اؼبقامات اغبريرية صندوقا مفتوحا على ّ
إليها نظرة نقص واستهجاف.
أين قد أحطت باؼبوضوع إحاطة شاملة دقيقة ،فذلك ما ال ي ّدعيو وأخريا وبعد ،ال أزعم ّ
لكّن آمل أف يكوف ىذا العمل ُب ثوبو اغباضر صاغبا ألف يق ّدـ بداية متواضعة لدراسة
عاقل ،و ّ
الرتاث العريب القدًن من جوانب ُمتع ّددة.
ّ
كل نقص أو خطأ
ّأما أساتذٌب فأق ّدـ ؽبم ّأوال كبري وعظيم امتناين وثانيا أكرب اعتذاري عن ّ
أوخلل شاعرة بعجزي معرتفة بضعفي وتقصريي.
ؿبمد وعلى
السبلـ على اؼبصطفى سيّدنا ّ
الصبلة و ّ
وا﵁ من وراء القصد واؼببتغى واغبمد ﵁ و ّ
آلو وصحبو أصبعني.
252
قائمة
المصادر والمراجع
251
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
252
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرتاث العريب للمسرح ،فاروؽ أوىاف ،وزارة اإلعبلـ والثّقافة ،اإلمارات العربية
.39آفاؽ تطوير ّ
اؼبتحدة ،ط0999(0ـ).
.21اإللتفات ُب الببلغة القرآنية ،حسن طبل ،دار الفكر العريب ،القاىرة0995( ،ـ).
.20األلسنية العربية ،ريبوف طحاف ،بريوت ،ط0973( 3ـ).
الصاوي اعبويّن ،منشأة اؼبعارؼ ،اإلسكندرية،
ذوؽ األديب ،مصطفى ّ
.23ألواف من التّ ّ
ط(0973ـ).
اؼبتنيب ،أضبد مبارؾ اػبطيب ،دار اغبوار ،سوريا ،ط.)3119(0
الشعري عند ّ
.22االنزياح ّ
.21االنزياح ُب اػبطاب النّقدي و الببلغي عند العرب ،رشيد ال ّددة عبّاس ،تدقيق ودراسة ؿبمد
فوزي ضبزة،القاىرة ،مكتبة اآلداب ط3119(0ـ).
اؼبؤسسة اعبامعيّة
ؿبمد ويس ،بريوتّ ،
.25االنزياح من منظور ال ّدراسات األسلوبية ،أضبد ّ
لل ّدراسات والنّشر والتّوزيع ،ط.)3115(0
شعب واالنسجاـ) ،صباؿ بن دضباف،ال ّدار البيضاء،
الشعري (التّ ّ
.22األنساؽ ال ّذىنية ُب اػبطاب ّ
منشورات ،top éditionط3119(0ـ).
.27اإليضاح ُب علوـ الببلغة ،اػبطيب القزويّن ،مكتبة ومطبعة ؿبمد علي صبيح ،القاىرة
(0970ـ).
.25إيقاع الشعر اغبر بني النظرية واإلبداع،عبد القادر داود البصري،أربد ،األردف ،دار الكتاب
اغبديث(،د،ط)(،د،ت).
.29البدائع الفوائد ،مشس ال ّدين بن قيم اعبوزية ،مراجعة ؿبمد عبد القادر الفاضلي ،وأضبد عوض
أبو الشباب ،بريوت ،اؼبكتبة العصرية ،ط3110(0ـ).
الشعكة ،مكتبة القاىرة
الصحفية ،مصطفى ّ القصة العربية واؼبقالة ّ
الزماف اؽبمذاين رائد ّ .11بديع ّ
اغبديثة ،مصر( ،د،ط).
الزركشي ،ربقيق ؿبمد أبو الفضل إبراىيم ،دار الفكر
.10برىاف ُب علوـ القرآف ،بدر ال ّدين ّ
للطّباعة والنّشر ،بريوت ،ط0973(2ـ).
257
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.13الببلغة العربية أصوؽبا وامتداداّتا ،ؿبمد العمري ،ال ّدار البيضاء( ،د،ط)3100( ،ـ).
الشركة اؼبصرية العاؼبية للنّشر،
.12الببلغة واألسلوبية ،ؿبمد عبد اؼبطّلب ،القاىرةّ ،
ط0991(0ـ).
ؿبمد العمري ،ال ّدار البيضاء ،إفريقيا
.11الببلغة واألسلوبية ،ىنري بليث ،ترصبة ّ
الشرؽ0999(،ـ).
ّ
العامة لقصور الثّقافة ،القاىرة،
الشعر ،جوف كوىني ،ترصبة أضبد درويش ،اؽبيئة ّ
.15بناء لغة ّ
(0991ـ).
للسيّاب) ،حسن ناظم ،الدار البيضاء ،اؼبركز العريب
.12البىن األسلوبية (دراسة ُب أنشودة اؼبطر ّ
الثّقاُب ،ط3113(0ـ).
السبلـ اؼبساري ،منشورات ّارباد كتّاب العرب،
.17البنيات ال ّدالة ُب شعر أمل دنقل ،عبد ّ
دمشق(،د،ط) (0991ـ).
الشعرية ،جاف كوىن ،ترصبة ؿبمد الوٕب وؿبمد العمري ،دار توبقاؿ ،للنّشر،
.15بنية اللّغة ّ
اؼبغرب ،ط0952(0ـ).
- .19بياف إعجاز القرآف ،ضمن ثبلث رسائل ُب إعجاز القرآف ،للرماين و اػبطايب وعبد القاىر
اعبرجاين ،ربقيق ؿبمد خلف ا﵁ وؿبمد زغلوؿ سبلـ ،القاىرة ،دار اؼبعارؼ ،ط(2د،ت).
حساف ،القاىرة ،عآب الكتب،
ص القرآين،سبّاـ ّ
.51البياف ُب روائع القرآف ،دراسة لغوية أسلوبية للنّ ّ
ط3111(3ـ).
السبلـ ىاروف(.د،ط)(،د،ت).
.50البياف والتبيني ،اعباحظ ،ربقيق عبد ّ
الرتاث ،القاىرة،
.53تأويل مشكل القرآف ،ابن قتيبة ،ربقيق السيد أضبد صقر ،مكتبة دار ّ
ط0972(3ـ).
الزيات ،دار الثّقافة ،بريوت ،ط(35د،ت) .
.52تاريخ األدب العريب ،أضبد حسن ّ
.51تاريخ األدب العريب ،جرجي زيداف ،دار اؽببلؿ ،القاىرة ،ج ،3ط(0957ـ).
255
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
259
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.29اػبصائص ،أبو الفتح عثماف ابن جّن ،ربقيق ؿبمد علي النّ ّجار ،دار الكتب اؼبصرية ،ط،3
(0957ـ).
الشوقيات ،ؿبمد اؽبادي الطرابلسي ،منشورات اعبامعة التّونسية،
.71خصائص األسلوب ُب ّ
تونس0950(،ـ).
.70خصائص اغبروؼ ومعانيها ،حسن عبّاس ،منشورات ّارباد كتاب العرب ،سوريا،
(0995ـ).
الشعري (إسرتاتيجية التّناص) ؿبمد مفتاح ،اؼبركز الثّقاُب العريب ،ط0993(2ـ).
.73اػبطاب ّ
الرتاث ،أضبد درويش ،القاىرة ،دار غريب( ،د،ت)(،د،ط).
.72دراسة األسلوب بني اؼبعاصرة و ّ
.71دالئل اإلعجاز ،عبد القاىر اعبرجاين ،تعليق ؿبمود ؿبمد شاكر ،القاىرة ،مكتبة اػباقبي،
ط3111( 5ـ).
.75داللة األلفاظ ،إبراىيم أنيس،القاىرة ،االقبلو اؼبصرية ،ط0990( 2ـ).
.72ال ّدليل إٔب الببلغة وعروض اػبليل ،على صبيل سلّوـ وحسن نور الدين ،بريوت دار العلوـ
العربية ،ط0997(2ـ).
.77دور الكلمة ُب اللّغة ،استفن أؼباف ،ترصبة كماؿ بشر ،القاىرة ،دار غريب ،ط0923( 0ـ).
.75ديواف جرير ،دار صادر بريوت( ،د،ط)(،د،ت).
.79ديواف ابن سبلمة بن جندؿ ،سبلمة بن جندؿ ،ربقيق فخر ال ّدين قباوة ،بريوت ،دار الكتب
العلمية(،د،ط)(د،ت).
.51ديواف زىري بن أيب سلمى ،دار بريوت للطباعة والنّشر0979( ،ـ).
الرضبن اؼبصطاوي ،بريوت ،دار اؼبعرفة ،
.50ديواف امرئ القيس ،اعتىن بو وشرحو ،عبد ّ
ط3111(3ـ).
.53الّرؤيا اإلبداعية ،ىاسكل بلوؾ ،ىريماف سالنجر ،ترصبة أسعد حليم ،مكتبة النّهضة ،مصر،
.0922
221
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.52
متوٕب ُّنسي( ،د،د)،
رؤية ُب العدوؿ عن النّمطية ُب التّعبري األديب ،عبد اؼبوجود ّ
ط0992(0ـ).
.51رأي ُب اؼبقامات ،عبد الرضبن ياغي ،عماف ،األردف ،دار الفكر للنّشر والتوزيع،
(0955ـ).
.55زىر اآلداب وشبر األلباب ،أبو إسحاؽ اغبصري،ج ،0دار الفكر العريب ،القاىرة،
ط(3د،ت).
الصعيدي ،القاىرة ،مكتبة
سر الفصاحة ،ابن سناف اػب ّفاجي ،شرح وتصحيح عبد اؼبتعاؿ ّّ .52
ؿبمد علي صبح وأوالده0929( ،ـ).
ّ
.57سنن ابن ماجة،اغبافظ أيب عبد ا﵁ ابن ماجة ،ربقيق فؤاد عبد الباقي،اؼبكتبة العلمية لبناف،
بريوت.
(الشعر مبوذجا) ؿبمد ولد عبدي ،دار نينوى،
.55ال ّسياؽ واألنساؽ ُب الثّقافة اؼبوريتانية ّ
سوريا3119(،ـ).
.59شرح ديواف أيب سباـ ،اػبطيب التربيزي،تقدًن راجي األظبر،دار الكتاب العريب ،بريوت(د،ت)،
(د،ط).
الصاوي ،منشورات دار مكتبة اغبياة ،بريوت، .91شرح ديواف جرير ،ؿبمد إظباعيل عبد ا﵁ ّ
لبناف(،د،ط)(،د،ت).
.90شرح ديواف اؼبتنيب ،وضعو عبد ا﵁ الربقوقي ،دار الكتاب العريب ،بريوت( ،د،ت)( ،د،ط).
الشريشي ،ربقيق إبراىيم مشس ال ّدين ،دار الكتب العلمية،
.93شرح مقامات اغبريري ،أبو العباّس ّ
بريوت ،ط0955(0ـ).
ؿبمد بنيس ،دار توبقاؿ ،ال ّدار البيضاء،
.92ال ّشعر العريب اغبديث بنياتو وإبداالتوّ ،
ط0959(0ـ).
ص النّثري (مقاربة نقدية ربليلية ؼبقامات اغبريري) ،إببلغ ؿبمد عبد اعبليل ،شركة
.91شعرية النّ ّ
النّشر والتّوزيع ،اؼبدارس ،الدار البيضاء ،ط3115(0ـ).
220
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
223
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
222
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
221
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.025اللّغة واإلبداع(،مبادئ علم األسلوب العريب) ،ؿبمد شكري عياد ،منشورات انرتناشيوناؿ بر،
ط0995(0ـ).
الشرؽ( ،د،ط)(3110ـ).
.022اللّغة واػبطاب ،عمر أوكاف،الدار البيضاء ،مطبعة إفريقيا ّ
.027اللّفظ واؼبعىن ُب التفكري النقدي والببلغي عند العرب ،األخضر صبعي ،دمشق ،ارباد كتّاب
العرب( ،د،ط)(3110ـ).
.025اللّغة العربية ومعناىا ومبناىا،سباـ حساف ،الدار البيضاء ،منشورات دار الثّقافة،
(د،ط)(3110ـ).
.029اللّغة واإلبداع( ،مبادئ علم األسلوب العريب) ،شكري عياد ،مطبعة انرتناشيوناؿ ،مدينة
الصحفيني ،ط0955(0ـ).
العامة القاىرة،
اؼبؤسسة ؼبصريّة ّ
.011مبادئ النّقد األديب ،ريتشاردز ،ترصبة مصطفى بدويّ ،
(0922ـ).
.010اؼبثل السائر ،ابن األثري ،ربقيق أضبد اغبوُب وبدوى طبانة ،القاىرة ،مطبعة ّنضة
مصر(،د،ط)(،د،ت)..
-
ؿبمد فؤاد سركني ،مكتبة اػباقبي ،القاىرة(.د،ط)(،د،ت).
ّ ربقيق عبيدة، أبو القرآف، ؾباز .013
.012ؿباضرات ُب األسلوبية ،ؿبمد بن وبىي،اعبزائر ،مطبعة مزوار ،ط3101(0ـ).
.011ؿباضرات ُب علم اللّغة العاـ ،فارديناف ديسوسري ،ترصبة يوسف عزيز ،العراؽ( ،د،ط)(0955ـ).
السبلـ اؼبس ّدي(.د،ط)(،د،ت).
.015ؿباوالت ُب األسلوبية اؽبيكلية ،مايكل ريفاتري ،ترصبة عبد ّ
.012مدخل إٔب دراسة الببلغة ،فتحي فريد ،مكتبة النّهضة اؼبصرية ،القاىرة(،د،ط) (0975ـ).
اؼبتنيب ،دمشق.
.017مدخل إٔب معرفة اللسانيات ؿبمد إظباعيل بصل ،دار ّ
.015مسبار ُب النّقد والببلغة ،حسن صبعة ،دمشق ،منشورات ارباد كتاب العرب( ،د،ط)،
(3112ـ).
الشعرية ،بوطراف ؿبمد اؽبادي وآخروف ،بريوت،
.019مصطلحات اللّسانية والببلغية واألسلوبية و ّ
دار الكتاب اغبديث.)3115( ،
225
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفراء ،ربقيق ؿبمد علي النّجاّر وأضبد يوسف قباٌب ،بريوت ،عآب الكتب
.051معاين القرآفّ ،
ط0952(2ـ).
.050معايري ربليل األسلوب ،ريفاتري مايكل ،ترصبة ضبيد اغبميداين ،اؼبغرب ،منشورات دراسات
ساؿ ،دار النّجاح اعبديدة ،ط0992(0ـ).
.053معجم اؼبصطلحات األدبية اؼبعاصرة ،سعيد علوش ،بريوت ،دار الكتاب اللبناين( ،د،ط)،
(0955ـ).
.052معجم اؼبصطلحات األدبية ،إبراىيم فتحي ،تونس ،اؼبؤسسة العربية للنّاشرين اؼبتّحدين،
(د،ط) (0955ـ).
وتطورىا ،أضبد مطلوب ،بريوت ،مكتبة لبناف،
- .051معجم اؼبصطلحات الببلغية ّ
ط3117(3ـ).
.055معجم الوسيط( ،إبراىيم مصطفى ،أضبد حسن الزيات ،حامد عبد القادر ،ؿبمد علي
النّ ّجار ) ،تركيا ،اؼبكتبة اإلسبلمية( ،د،ط)(،د،ت).
.052معجم مصطلحات األدب ،ؾبدي وىبة وكامل اؼبهندس ،بريوت مكتبة لبناف ،ط3
(0951ـ).
الس ّكاكي ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،ط3111(0ـ).
.057مفتاح العلوـّ ،
.055اؼبقامة ،شوقي ضيف ،دار اؼبعارؼ ،مصر ،ط(0979ـ).
.059مقامات اغبريري ،أيب القاسم اغبريري ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط3113(1ـ).
حوالت والتّ ّبّن والتّجاوز ،يوسف إظباعيلّ ،ارباد الكتّاب العرب،
.021مقامات ،مقاربة ُب التّ ّ
دمشق( ،د،ط)(3117ـ).
حوالت والتّ ّبّن والتّجاوز ،يوسف إظباعيل ،منشورات ّارباد الكتّاب
.020مقامات ،مقاربة ُب التّ ّ
العرب3117( ،ـ).
.023مقاالت ُب األسلوبية ،منذر عياشي ،دمشق ،منشورات ّارباد كتّاب العرب( ،د،ط)(0991ـ).
222
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-
الرشيد،
.022اؼبقتصد ُب شرح اإليضاح ،عبد القاىر اعبرجاين ،ربقيق كاظم حبر اؼبرجاف ،دار ّ
(د،ط)(0952ـ).
.021اؼبقدمة ،ابن خلدوف ،بريوت ،دار اعبيل للنشر( ،د،ط)(،د،ت).
الستّار حسني زموط ،القاىرة ،مطبعة اغبسن اإلسبلمية،
الرتاكيب ،عبد ّ
.025من ظبات ّ
ط0993(0ـ).
.022منهاج البلغاء وسراج األدباء ،حازـ القرطاجّن ،ربقيق ؿبمد اغببيب بن خوجة ،بريوت ،دار
الغرب اإلسبلمي ،ط0922( 3ـ).
الشرؽ،
ؿبمد العمري ،مطبعة إفريقيا ّ
الشعريةّ ،
الرؤية الببلغية واؼبمارسة ّ
الصوتية ُب ّ
.027موازنات ّ
(3110ـ).
.025موازنة بني شعر أيب سباـ والبحرتي ،اآلمدي ،ربقيق ؿبمد عبد اغبميد ،اؼبكتبة العلمية،
بريوت.
.029كبو نظرية أسلوبية لسانية ،فيلي ساندريس ،ترصبة خالد ؿبمود صبعة ،دمشق ،دار الفكر،
ط3112(0ـ).
الرابع اؽبجري ،زكي مبارؾ،ج ،0دار الكتنب اؼبصرية ،القاىرة،
الفّن ُب القرف ّ
.071النّثر ّ
ط0921(0ـ).
.070ندوة ال ّدراسة اؼبصطلحية والعلوـ اإلسبلمية ،جامعة سيدي ؿبمد بن عبد ا﵁ ،مطبعة اؼبعارؼ
اعبديدة ،الرباط0992( ،ـ).
227
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3. Parmis les equivalents proposes souvent innocement, ont relève encore abus
)(valezy) viol j.cohen, scandale(r.barther) anomalive (t.todoro),jolie(aragon
deviation (l.spitzer), subversion (j.peytard), infraction (m.thiry) etc .Grope u-
rhétorique générale- points- edition du seuil (1982).
4. Papers in linguistics, john firth oxford university press london (1964).
5. Pragmatics, stephen .c.levinson, cmbridge university, press london, (1983).
6. Seven sins of pragmatics, theses obout speech act theory , dorothea franch
urbino, (1979).
7. Traité de stylistique française,Charles Bally , paris tincksrsk. 3emeedition
(1951).
271
قائمة المصادر والمراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للسكاكي -
-3تأصيل األسلوبية ُب اؼبوروث النّقدي والببلغي( ،كتاب مفتاح العلوـ ّ
أمبوذجا( ،)-رسالة ماجستري) ،ميس خليل ؿبمد عودة ،جامعة النّجاح الوطنية ،نابلس،
فلسطني.
-2سياؽ اغباؿ ُب الفعل الكبلمي (مقاربة تداولية)( ،أطروحة دكتوراه) ،سامية بن يامنة،
جامعة وىراف (اعبزائر) ،سنة (3103ـ).
270
فهرس الموضوعات
273
فهرس الموضوعات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمة .................................................................................أ
الفاالألول :األسموبواألسموبية 1 .........................................................
أوال :ماهيةاألسموب3 ...................................................................
مصطمحاألسموبفيالدراساتالعربيةالقديمة1 ...........................................
ّ ثانيا:
األسموبفيالدراساتالعربيةالحديثةوالمعاصرة09 ...................................... .
ّ ثالثا:
األسموبفيالدراساتالغربيةالحديثة 39 ................................................
ّ رابعا:
خامسا :األسموببوصفهعمما12 ..........................................................
سادسا :األسموبيةالمصطمحوالموضوع12 ................................................
سابعا :اتّجاهاتاألسموبية57 .............................................................
الفااللثّئني:التّشكيالألسموبيئإلمكئنئتوال ّنظريئت76 ........................................
ّأوال :ماهيةالتّشكيالألسموبي77 ........................................................ :
ثانيا:التّشكيالألسموبيومحاورالخطاب 53 .................................................
ثالثا :التّشكيالألسموبيونظريةاالختيار 011...............................................
رابعا :التّشكيالألسموبيونظريةالمقام032.................................................:
الفااللثّئلث :أسموبيةاالنزيئح 157.......................................................
ّأوال: -مفهوماالنزياح 055..............................................................
ثانيا:االنزياحعندالعربالقدامى025...................................................... :
ياحفيالدراساتالغربيةالحديثة091........................................ :
ّ ثالثا :مفهوماالنز
رابعا:االنزياحعندالعربالمحدثين099.....................................................:
خامسا :االنزيـاحوالمعيـار 312..........................................................
ائلمقئميممصحريري214....................................
الفااللرابع:أسموبيةاالنزيئصحفيئل ّن ّ
ّ
المقامةأصولهومقوماته 301......................................................
ّ فن
أوالّ :
272
فهرس الموضوعات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ياحالداللي312............................................................. :
ثانيا :االنز ّ
ثالثا :االنزياحالتّركيبي 372.............................................................
ياحالصوتياإليقاعي207......................................................:
ّ رابعا:االنز
الخئتمة 349.............................................................................
قئيمةالمائدروالمراجع354...............................................................
فهرس الموضوعئت 372.................................................................
271
:مل ّخص
ص في قراءة عميقة تستهدؼ النّظر إلى البالغة وقراءتها قراءة أسلوبية
ّ ّتحاوؿ األسلوبية جاىدة التّركيز على الن
نص تراثي من منطلق االنزياح اللّغوي الذي يعتبرّ وقد حاولنا في بحثنا ىذا محاكمة،تنزع فيها إلى استنباط خفاياه وأسراره
فكانت محاورتنا للنّصوص المقامية للحريري لكشف القيم التّعبيرية في،الجوىر األساسي الذي انبنت عليو النّظرية األسلوبية
.مستوياتها الثالث
:الكلمات المفتاحية
، االلتفات، العدوؿ، االنزياح اللّغوي، محاور الخطاب، نظرية المقاـ، االختيار، األسلوبية،األسلوب
.مقامات الحريري
Résumé
La stylistique cherche à mettre l’accent sur le texte au seind’une
lecture profonde et réfléchie qui vise à prendreet lire la rhétorique de façon
stylistique s’y inclinant à concevoir les énigmes et les secrets du texte.
Dans la présente recherche, nous avons essayé de traiter un texte
patrimonial sur la base de l’écart linguistique qui est l’essence sur laquelle la
théorie linguistique s’est fondée. Notre approche des textes de maqamâts d’Al
Hariri (les assemblées) cherche à révéler les valeurs expressives sur leurs trois
plans.
Mots clés :
Style, stylistique, principe de choix, théorie, axes de discours, écart
linguistique, écart, transition rhétorique, maqamâts d’Al Hariri (les
assemblées)
Abstract
Stylistics seek to focus on the text within a deepreflective reading
that aims to see and read stylistically the rhetoric,tending to elicit the
mysteries and secrets of the text.
We have tried, in this research, to treat a heritage text based on the
linguistic incongruity, which is the essence of which linguistic theory is
based. Our approach with the texts of Al Hariri maqamâts(assemblies)are
seeking to reveal the expressive values of their three levels.
Keywords :
Style, stylistic, choice principle, theory, axes of discourse, linguistic
incongruity, incongruity,modal-swich, Al Hariri maqamâts(assemblies).
275