دلائل وجود الله-1

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 33

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة تكريت‬
‫كلية العلوم االسالمية‬
‫قسم العقيدة والفكر االسالمي‬

‫دالئل وجود هللا وأثرها في االيمان من خالل سورة نبأ‬

‫بحث تتقدم به الطالبة ( أسماء عارف شكر )‬

‫الى مجلس كلية العلوم االسالمية‬

‫وهو أحد متطلبات نيل شهادة البكالوريوس في قسم العقيدة والفكر االسالمي‬

‫بأشراف‬

‫أ‪.‬د‪ .‬م‪ .‬محمود علي فرحان‬

‫‪2024‬م‬ ‫‪ 1445‬هـ‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫َع َّم َي َت َس ٓاَء ُلوَن (‪َ )1‬ع ِن ٱلَّن َب ِإ ٱۡل َعِظ ي (‪ )2‬ٱَّلِذي ُهۡم ِفيِه ُم ۡخ َت ِلُفوَن (‪َ )3‬ك اَّل‬
‫ِم‬
‫َس َي ۡع َلُموَن (‪ُ )4‬ثَّم َك اَّل َس َي ۡع َلُموَن (‪َ )5‬أَلۡم َنۡج َع ِل ٱَأۡلۡر َض ِم َٰه ٗد ا (‪َ )6‬و ٱۡل ِج َب اَل‬
‫َأۡو َت اٗد ا (‪َ )7‬و َخ َلۡق َٰن ُك ۡم َأۡز َٰو ٗج ا (‪َ )8‬و َج َع ۡل َن ا َن ۡو َم ُك ۡم ُس َب اٗت ا (‪َ )9‬و َج َع ۡل َن ا ٱَّلۡي َل‬
‫ِلَب اٗس ا (‪َ )10‬و َج َع ۡل َن ا ٱلَّن َه اَر َمَع اٗش ا (‪َ )11‬و َب َن ۡي َن ا َفۡو َقُك ۡم َس ۡب ٗع ا ِش َد اٗد ا (‪)12‬‬

‫سورة نبأ‪ :‬اية‪١٢-١ ،‬‬

‫ا‬
‫االهداء‬

‫أهدي هذا البحث الى من ساندتني في صالتها ودعائها الى من سهرت الليالي تنير دربي‬

‫الى من تشاركني أفراحي واحزاني الى والدتي العزيزة الى صاحبة اروع ابتسامه الى‬

‫اروع أمراة في الوجود أمي الغالية‪....‬‬

‫الى من علمني أن الدنيا كفاح وسالحها العلم والمعرفة الى الذي لم يبخل عليه بأي شي الى‬

‫من سعى الجل راحتي ونجاحي الى أعظم وأعز رجل في الكون أبي العزيز‪....‬‬

‫الى كافة زمالء الدراسة بدون استثناء اهدي اليهم هذا البحث المتواضع‪.‬‬

‫الطالبة‬

‫ب‬
‫الشكر والتقدير‬

‫الحمدهلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد (صلى هللا عليه وسلم) وعلى اله‬

‫الطيبين الطاهرين قال نبينا االكرم محمد (صلى هللا عليه وسلم) (من لم يشكر المخلوق لم‬

‫يشكر الخالق)وانطالقا من قول نبينا الكريم اقدم شكري وامتناني الى سيد عميد كلية العلوم‬

‫االسالمية ( انور فارس عبد ) لما أبداه من تسهيالت ادارية ومالحظات قيمة لوصولنا الى‬

‫هذا المرحلة‪ ،‬واقدم اسمى ايات الشكر والعرفان الى مشرف بحثي ( أ‪.‬م‪.‬د محمود علي‬

‫فرحان ) الذي اشرف على اعداد هذا البحث فكانت له االراء السديدة والمالحظات القيمة‬

‫والمتابعه الدقيقه التي اعطت من وقته وجهده الكثير التمام هذا البحث فله كل الود‬

‫واالحترام ‪ ،‬كما واقدم شكري وامتناني الى رئيس قسم العقيدة والفكر االسالمي ( عبدهللا‬

‫اسود ) والى كافة االساتذة لمساهمتهم في وصولنا الى هذه المرحلة‪.‬‬

‫الطالبة‬

‫ج‬
‫فهرست المحتويات‬

‫رقم الصفحة‬ ‫الموضوع‬


‫أ‬ ‫اآلية القرآنية‬
‫ب‬ ‫االهداء‬
‫ج‬ ‫الشكر والتقدير‬
‫د‬ ‫فهرست المحتويات‬
‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪2‬‬ ‫االطار النظري للبحث‬
‫‪3‬‬ ‫خطة البحث‬
‫‪4‬‬ ‫المبحث االول‬
‫‪4‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬تعريف الدالئل لغة واصطالح‬
‫‪5‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف الوجود لغة واصطالح ‪:‬‬
‫‪7‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف االثر لغة واصطالح‬
‫‪8‬‬ ‫المطلب الرابع ‪ :‬تعريف االيمان لغة واصطالح‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫المبحث الثاني ادلة وجود هللا في سورة نبأ‬
‫‪9‬‬ ‫المطلب االول‪ :‬االية التي تتعلق بالجبال االية وتفسيرها‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬ما يتعلق بالليل والنهار االية وتفسيرها‬
‫‪12‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬ما يتعلق بالطف (الماء) االية وتفسيرها‬
‫‪14‬‬ ‫المبحث الثالث الدالئل وأثرها في اآليات‬
‫‪14‬‬ ‫المطلب االول ‪ :‬أثر االيمان باهلل تعالى‬
‫‪19‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬أثر االيمان باليوم االخر‬
‫‪21‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬أثر االيمان بالمالئكة‬
‫‪25‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪26‬‬ ‫المصادر‬

‫د‬
‫ه‬
‫المقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬الحمد هلل حمد الشاكرين‪ ،‬القائل في كتابه العزيز {وإذ تأّذ ن ربكم‬
‫لئن شكرتم ألزيدّن كم ولئن كفرتم إّن عذابي لشديد} (‪ ،)1‬والحمد هلل الذي امتن على عباده‬
‫بنبيه المرسل‪ ،‬وكتابه المنزل‪ ،‬ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهالة إلى نور الخير والهداية‪،‬‬
‫ومن جور األديان‪ ،‬إلى عدل اإلسالم‪ ،‬ومن عبودية العباد إلى عبودية رب العباد‪.‬‬

‫والصالة والسالم على أشرف المرسلين‪ ،‬المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه ومن سار على دربه‪ ،‬واستن بسنته إلى يوم الدين‪ ،‬وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد‪:‬‬

‫فإن هذا القرآن الكريم هو دستورنا األعظم‪ ،‬وشرعة اإلنسانية السمحاء‪ ،‬فما زال هذا القرآن‬
‫بحرُا زاخرُا بأنواع العلوم والمعارف‪( ،‬يحتاج من يرغب في الحصول على آللئه الغوص‬
‫في أعماقه) وال يكون ذلك إال من خالل علم التفسير‪ ،‬الذي هو أشرف العلوم وأجلها‬
‫وأعظمها أجرَا وأنبلها مقصدًا‪ ،‬وأرفعها ذكرًا‪ ،‬فلذلك حّث هللا – تعالى – عباده المؤمنين‬
‫على تدبر كتابه وفهم معانيه‪ ،‬والغوص في أعماقه للكشف عن آللئه‪ ،‬قال تعال‪{ :‬أفال‬
‫يتدّبرون القرآن أم على قلوِب أقفالها} (‪ ، )2‬وكذلك حث هللا – تعالى – عباده المؤمنين على‬
‫أن ينفروا ليتعلموا كتابه‪ ،‬ويتفهوا دينه‪ ،‬ومن ثم يرشدون أقوامهم ويعلمونهم‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا الدين ولينذروا‬
‫قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} (‪ )3‬وقد بين رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – أن‬
‫خير الناس من علم الكتاب وعلمه‪ ،‬فعن عثمان بين عفان رضي هللا عنه قال‪ :‬قال‪ :‬رسول‬
‫(‪)4‬‬
‫هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪( :‬خيركم من تعلم القرآن وعلمه)‬

‫ومما الشك فيه أن علوم القرآن والتفسير‪ ،‬هي خير العلوم على وجه اإلطالق ألنها متعلقة‬
‫بخير الكالم‪ ،‬كالم رب العالمين‪.‬‬

‫وهذا العلم له أهمية عظيمة في حياة األمم وشعوبها‪ ،‬فيوم أن فهمت األمة كتاب هللا واتخذته‬
‫دستورًا لها‪ ،‬كانت لها السيادة والريادة‪ ،‬ويوم أن نبذت كتاب هللا جانبًا‪ ،‬ورضيت بالمناهج‬
‫‪ 1‬اسورة أبراهيم (اية‪)٧ ،‬‬
‫‪ 2‬سورة محمد (اية‪.)٢٤ ،‬‬
‫‪ 3‬سورة التوبة‪.١٢٢ :‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري في صحيحه‪( :‬فضائل القرآن) ب‪( ٢١:‬خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ‪ ،٣ /١٢٦٠‬ح (‪.)٥٠٢٧‬‬

‫‪1‬‬
‫الوضعية دستورَا ومشرعَا‪ ،‬كان لها الهزيمة والضياع والخسران‪ ،‬ومن أجل هذا حاول‬
‫أعداء هللا النيل من أمة محمد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وذلك من خالل الطعن بكتاب هللا –‬
‫عز وجل – وصّد الناس عن إتباعه وفهمه‪ ،‬والترويج لألفكار الوضعية لتكون بديًال عن‬
‫هذا الكتاب العظيم‪ ،‬ولكن أني لهم هذا وقد تكّفل هللا بحفظ هذا الدين‪{،‬قال تعال‪{ :‬إنا نحن‬
‫(‪)1‬‬
‫نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}‬

‫ومما وال شك فيه أن الباحثين والقائمين على خدمة كتاب هللا تعالى‪ ،‬هم أداة من قدر هللا‬
‫لحفظ هذا الكتاب‪ ،‬سخرهم هللا تعالى‪ ،‬لنيل هذا الشرف العظيم‪ ،‬فلذلك أحببت أكون واحدَا‬
‫من هؤالء الدارسين والباحثين لكتاب هللا‪ ،‬ألنهل من هذا العلم الذي ال تنتهي عجائبه‪ ،‬ووقع‬
‫اختياري على سورة النبأ لتكون موضوع البحث لما فيها من لطائف لفتت انتباهي ودروس‬
‫(‪)2‬‬
‫تربوية للدعاة‪ ،‬وبناء للعقيدة‪ ،‬وهدم للوثنيات‪.‬‬

‫مشكلة البحث‪ :‬مشكلة البحث هي‬

‫أ‪-‬اشتمال السورة على إثبات القدرة على البعث الذي ذكر في سورة النبأ أن الكافرين كذبوا‬
‫به‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن في هذه السورة وما بعدها تأنيبًا للمكذبين‪ ،‬فهنا قال تعالى‪ :‬ألم نجعل األرض مهادًا‪،‬‬
‫وهناك قال‪ :‬إنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة‪ ،‬وأن في كل منهما وصف الجنة والنار‬
‫وما ينعم به المتقون وما يعّذ ب به المكذبون‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬في كل منهما وصف لبعض مشاهد يوم القيامة‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬منهج البحث‪ :‬وهذا البحث بحث نوعي باستخدام منهج التحليل الوصفي‪ ،‬وهو بحث‬
‫مكتبي يعتمد على البيانات المباشرة من الكتب المرجعية والمجالت ونتائج الدراسات‬
‫المتعلقة بموضوعات البحث‪.‬‬
‫‪ 1‬سورة الحجر‪ :‬اية‪.٩ ،‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬حاشية العطار على جمع الجوامع‪ ،‬طبع دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬مصورة عن طبعة حجرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ج‪،٢‬ص‪.٢٣٨‬‬

‫‪2‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬

‫المقدمة‬

‫المبحث االول تعريفات المبحث‪:‬‬

‫المطلب االول‪ .‬تعريف الدالئل لغة واصطالح‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ .‬تعريف الوجود لغة واصطالح‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ .‬تعريف االثر لغة واصطالح‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ .‬تعريف االيمان لغة واصطالح‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪.‬‬

‫المطلب االول ‪ :‬اآليات التي تتعلق بالجبال( االيه) وتفسيرها‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مايتعلق بالليل والنهار( اآليه ) وتفسيرها‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مايتعلق بالطف (الماء) أيضا االيه وتفسيرها‬

‫المبحث الثالث‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬اثر اإليمان باهلل‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اثر اإليمان باليوم اآلخر‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اثر االيمان بالمالئكه‬

‫المبحث االول‬

‫المطلب االول‪ :‬تعريف الدالئل لغة واصطالح‬

‫‪3‬‬
‫اوال‪ .‬الداللة في اللغة‪ :‬الداللة في اللغة مصدر من مادة دل وهي مادة تدل في اللغة على‬
‫االيضاح والبيان والعالمة التي يهتدي بها حسا او معنى قال أبن فارس دل الدال والالم‬
‫اصالن أحدهما أبانة الشيء بأمراة تتعلمها واالخر أضطراب في الشيء فأالول قولهم دللت‬
‫فالنا على الطريق والدليل االمارة في الشي وهو بين الداللة والداللة واالصل االخر قولهم‬
‫فالنا على الطريق والدليل االمارة في الشي أذ اضطرب ومن الباب دالل المرأة وهو‬
‫جرئتها في التغنج والشكل كأنها مخالفة وليس بها خالف وذلك ال يكون اال بتمايل‬
‫واظطراب ويظهر لي أن االصل الثاني يرجع الى المعنى االول الن االضطراب وتغنج‬
‫المرأة أمارة وعالمة يستدل بها على ما ورائها من باعث الحركة واالضراب فيرجع في‬
‫(‪)1‬‬
‫المعنى الى االيضاح والبيان بالعالمة واالمارة‪.‬‬

‫الداللة اصطالحا‪ .‬الداللة في االصطالح عرفت بتعريفات متقاربه أبرز ها تعريفان‪:‬‬

‫التعريف األول‪ :‬كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء أخر والشيء االول هو‬
‫الدال والثاني هو المدلول فداللة النص عبارة عما ثبت بمعنى النص ‪.‬‬

‫التعريف الثاني‪ .‬كون الشيء بحيث يفيد الغير علما أذ لم يكن في الغير مانع كمزاحمة الوهم‬
‫(‪)2‬‬
‫والغفلة بسبب الشواغل الجسمانية‪.‬‬

‫والتعريف االول أظهر لعدم أشتراط قيام المانع في الغير فأن المانع في الغير مانع في‬
‫المتلقى ال في المعرف وأن افاد التعريف الثاني أن عدم الداللة قد يرجع الى الناظر ال الى‬
‫الدليل فثبت بمجموع التعريفين أن الداللة هي ((االمارة التي تكون في الشي الفادة العلم‬
‫(‪)3‬‬
‫به))‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف الوجود لغة واصطالح ‪:‬‬

‫‪ 1‬معجــــم مقــــاييس اللغــــة ألبي الحســــين أحمــــد بــــن فــــارس بــــن زكريــــاء الــــرازي المتــــوفى ســــنة‪،‬‬
‫‪٣٩٥‬هــ)‪،٢٥٩/٢-٢٦٠،‬تحقيـق‪ :‬عبـد السـالم محمـد هـارون ‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكـر‪١٣٩٩ ،‬هــ ‪-‬‬
‫‪ 2‬كتاب التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني المتوفى سنة (‪٨١٦‬هـ) ص ‪ ١٠٤،‬تحقيق‪ :‬جماعة من‪ ،‬العلمـاء بإشـراف‬
‫الناشـر‪ ،‬ط‪ ،‬ونشـر‪ :‬دار الكتـب العلميـة ‪،‬بـيروت‪ ،‬ط‪١،١٤٠٣‬هـ ‪-١٩٨٣‬م‪،‬‬
‫الكليات معجم في المصـطلحات والفـروق اللغويـة ألبي البقـاء أيـوب بـن موسـى الكفـوي‬ ‫‪3‬‬

‫المتـوفى‪ ،‬سـنة (‪١٠٩٤‬هــ) ص‪ ٤٣٩،‬تحقيـق‪ :‬عـدنان درويــش‪ ،‬ومحمــد المصــري‪،‬‬


‫ط‪:‬مؤسســة الرســالة بيروت‪.2001 .‬‬
‫‪4‬‬
‫اوال تعريف الوجود لغة‪ :‬يعد الوجود من المفاهيم الفلسفية االساسية المهمة التي لها دور‬
‫كبير ومكانة مهمة في تاريخ الفكر الفلسفي و انه بديهي غنى عن التعريف كما يٌعد الوجود‬
‫موضوع الفلسفة االساسي كون ان موضوع الفلسفة عبارة عن دراسة الوجود بما هو‬
‫موجود والوجود هو اوسع مفهوم و تعبير للفلسفة و انها تبحث في الموجودات بصفة عامة‬
‫و كلية و مطلقة وانها بعيدة كل البعد عن الصفة الخاصة و الجزئية و المقيدة ‪ .‬يشكل‬
‫الوجود دعامة أساسية ومهمة قام عليها هدف التفلسف في اول ما تشكلت منظومات الفكر‬
‫الفلسفي فالوجود باللغة هو الوجود أي الحصول يعنى التحقق وهنا هو عكس العدم أي ان‬

‫الوجود هو ما يتحقق به الشيء في الخارج على اعتبار هو الكون في الخارج بمعنى‬


‫(‪)1‬‬
‫وجدان الشيء والوجود له‪.‬‬

‫الوجود اصطالحا‪ :‬ينطوي تحته صور عديدة من النظريات ينطوي تحته صور عديدة من‬
‫النظريات الفلسفية واما التعريف البالغي فانه يطلق على الشيء الثابت و ليس المتحرك ‪.‬‬
‫فالوجود اوضح واجلى المفاهيم الموجودة في ذهن االنسان وال يمكن ان يقع فيه شك ألحد‬
‫من اهل العلم و العقل ولهذا ال يمكن تعريفه تعريفا علميا الن شرط التعريف ان يكون أجلى‬
‫واوضح من المعرف و ان وجوده ضروري له اي يعرف ضرورة انه موجود ال معدوم ‪.‬‬
‫يوجد اختالف حول معاني الوجود وهذا االختالف يقوم على منتهى الكمال و الخير إذ‬
‫يصعب التغير عليه و ال يتصور له العقل ال في النهاية و ال في البداية و وايضا هذا‬
‫االختالف يقوم على اختالف في االديان والمذاهب الفلسفية ‪ )2(.‬يوجد مذاهب فلسفية لتفسير‬
‫يوجد مذاهب فلسفية لتفسير الوجود لكل واحدة منهم في تفسير واحدة منهم راي في تفسي‬
‫الوجود مثل أن المذهب المادي يفسر الوجود تفسيرا ماديا وال يرى شيء بالوجود اال‬
‫المذهب المادي ويوجد اتجاه اخر بالعكس منه و مغاير وهو المذهب الروحي و يفسر‬
‫الوجود من طريق الروح و ال يرى شيء بالوجود اال المذهب الروحي ‪ُ .‬يعد الوجود االلهي‬
‫من أهم المباحث الفلسفية واشرفها وهو البحث المعلق باهلل سبحانه وتعالى و قد اتخذوه‬

‫‪ 1‬الوجود ودالالته في الفكر الفلسفي أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬زينه علي جاسم‪ ،‬مجلة كلية الفقه ‪ /‬مجلة فصلية علمية محّك مة ‪ /‬العدد‬
‫‪30/2019‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬االزهار مختصر طوالع االنوار‪ :‬الشيخ سلمان العبد‪ ،‬تحقيق أحمد الشاذلي ‪ ،‬دار الرواق‪ ،‬االزهري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪١/٢٠١٥‬م‪ ،‬ص‪.١٢٣‬‬
‫‪5‬‬
‫الفالسفة لوصف الوجود االول وهو « هللا « فاهلل تعالى هو الوجود االكمل و االفضل لكافة‬
‫(‪)1‬‬
‫المفاهيم الكمالية و الماهيات و ُيعد أجل موضوع الفلسفة ومن أشرف مقاصدها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف االثر لغة واصطالح‬

‫تعريف االثر لغة‪ :‬ترك األثر في الشيء‪ .‬وأثر في الشيء؛ أي وضع فيه أثرًا‪ .‬أثرت فيه‬
‫تأثيرًا؛ جعل فيه أثرًا وإشارة؛ فتأثر أي‪ :‬وافق وانفعل‪.‬‬

‫االثر اصطالحا‪ :‬التأثير هو عبارة عن توجيهات لنشاطات المؤسسات أو األشخاص إلى‬


‫المكان الصحيح‪ ،‬عبر استعمال األنشطة اإلدارية األساسية‪ ،‬مثل القيادة‪ ،‬والتنظيم‪،‬‬

‫‪ 1‬الوجود ودالالته في الفكر الفلسفي أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬زينه علي جاسم‪ ،‬مجلة كلية الفقه ‪ /‬مجلة فصلية علمية محّك مة ‪ /‬العدد ‪30/2019‬م‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫واإلشراف والتواصل‪ ،‬ومن الجدير بالذكر أن هذا المفهوم حصر التأثير بالعمليات اإلدارية‬
‫فقط‪ ،‬بينما تخصصاته غير منحصرة باإلدارة فقط‪ .‬التأثير هو إضافة حالة نفسية تم إنتاجها‬
‫عن طريق إضافة أفكار جديدة لدى المتلقين‪ ،‬تقوم بجعلهم عند تحركهم مدفوعين بهذه‬
‫الحالة النفسية‪ ،‬وبمجموعة من األفكار والمعلومات التي لديهم‪ ،‬ولهذه الحالة النفسية أدوار‬
‫كبيرة جدًا‪ ،‬فهي أساسية في تغيير سلوكيات الفرد أو مجموعة من األفراد لمدة محددة في‬
‫اتجاه معين‪)1( ،‬ويتم المالحظة في هذا التعريف أنه يقوم بالتركيز على إضافة األفكار‪ ،‬بينما‬
‫التأثير قد يكون عن طريق الصقل واإلرشاد إلى األفكار الموجودة سابقا عند الفرد‪ .‬التأثير‬
‫يكون بسبب نتيجة التفاعالت االجتماعية بين سببين‪ ،‬وهما المؤثر والمتأثر‪ ،‬بحيث يقوم‬
‫بإنتاج ردة فعل معين عند المؤثر‪ ،‬ويتم المالحظة في هذا التعريف أن التأثير يحتاج‬
‫لحصوله إلى تفاعل بين المؤثر والمتأثر‪ .‬التأثير هو أحد المركبات في عملية التواصل؛‬
‫فالعديد من الباحثين أعطوا التأثير مكانة مركزية في عملية االتصال‪ ،‬وقاموا باالدعاء أن‬
‫التأثير عبارة عن مركب ضروري ومهم في كل عملية تواصل‪ ،‬ويتم المالحظة في هذا‬
‫التعريف أن التأثير هو من أهم مكونات عملية التواصل‪ .‬التأثير هو قوة تكون لدى القائد أو‬
‫(‪)2‬‬
‫سيطرة معينة يكتسبها‪ ،‬وعلى أساسها يستطيع أن يؤثر في سلوكيات اآلخرين‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬تعريف االيمان لغة واصطالح‪.‬‬

‫اوال تعريف االيمان لغة‪ :‬اإليمان في اللغة هو التصديق‪ ،‬يقول ابن منظور‪ :‬اَّت فق َأهُل العلم‬
‫من اللغويين وغيرهم أن االيمان معناه التصديق وينكشف معنى التصديق بمعنى بقول‬
‫الفيروز ابادى االيمان الثقة واظهار الخضوع وقبول الشريعة فهذه الثالثة معان متردافة‬
‫(‪)3‬‬
‫للتصديق‪.‬‬
‫‪ 1‬تعريف و معنى تأثير في معجم المعاني الجامع – معجم عربي‪ ، ,‬المعاني‪،‬ج ‪/4‬ص‪./٢‬‬
‫‪ 2‬ديمة الشاعر‪ ،‬التأثير باآلخرين والعالقات العامة‪ ،‬ج‪،١‬ص‪.٧‬‬
‫‪ 3‬لسان العرب‪ :‬البن منظور‪ ،‬مادة (أمن)‪ ،‬ج‪،١٣‬ص‪.٢٣‬‬
‫‪7‬‬
‫االيمان اصطالحا‪ :‬هو التصديق برسول فيما علم مجيئه به ضرورة فتفصيال فيما علم به‬
‫تفصيال فتفصيال فيما علم به تفصيال واجماال فيما علم به أجماال وما يحتاج الى البيان هنا‬
‫هو كلمة بالضرورة‪ .‬والضرورة هي ما يعرفه الخواص والعوام من غير قبول تشكيك‬
‫كوجوب الصالة والصوم وحرمة الزنا والخمر ويثار سؤال مفاد هل الضرورة هي العلم‬
‫الضروري الذي ال يفتقر الى نظر او استدالل قسيم العلم النظري الذي يفتقر الى نظر‬
‫واستدالل؟‪)1( ،‬والجواب هنا أنه علم يشبه الضرورة فهو نظري في االصل أال أنه لما‬
‫اشتهر صار ملحقا في الضروري بجامع الجزم في كل من العام والخاص من غير قبول‬
‫للتشكيك وحاصلة ان هذا العلم بأعتبار أصله نظري وبأعتبار ما طرأ له بعد الشهر‬
‫(‪)2‬‬
‫ضروري‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫ادلة وجود هللا في سورة نبأ‬

‫المطلب االول‪ :‬االية التي تتعلق بالجبال االية وتفسيرها‬


‫(‪)3‬‬
‫(َأَلْم َن ْج َع ِل اَأْلْر َض ِمَه اًد ا َو اْلِجَب اَل َأْو َت اًد ا)‬

‫‪ 1‬شرح المواقف‪ :‬السيد الشريف الجرجاني‪ ،‬مطبعة بوالق مصر‪‍ ١٢٦٦ ،‬ه‪/‬ص‪.٥٩٣‬‬
‫‪ 2‬غاية الوصول شرح لب االصول‪ :‬شيخ االسالم زكريا االنصاري‪ ،‬مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬واوالده بمصر‪ ،‬ط‪٢/١٣٥٤‬‬
‫‍ه‪١٩٣٦/‬م‪ ،‬ص‪.١١٠‬‬
‫‪ 3‬سورة نبأ‪ :‬اية‪»٧-٦ ،‬‬
‫‪8‬‬
‫تفسير االية‪:‬‬

‫نحن مدعون بنص االيات الكريمة الى النظر الى الجبال كيف نصبت فأن هذه االيات في‬
‫القران الكريم تتحدث عن الجبال الجبل وتد ثلثاه مغروس في االرض عبر طبقاتها المتعددة‬
‫وفي أثناء الدوران ال تزاح الطبقات المتباينة بعضها عن بعض بسبب أن وتدأ وهو الجبل‬
‫يربطها جميعا‪ ،‬ومعنى أخر يشير هللا سبحانه وتعالى في قوله (َأَلْم َن ْج َع ِل اَأْلْر َض ِمَه اًد ا‬
‫َو اْلِج َب اَل َأْو َت اًد ا) ألى أن هذه الجبل الذي تراه عينك أنما ترى منه الثلث الظاهر وله ثلثان‬
‫تحت االرض فكل جبل ثلثله فوق االرض وثلثاه تحتها فجبال هما اليا التي فيها أعلى قمة‬
‫وهي قمة أفريست ‪ ٨٨٨٠‬م هذا هو الثلث الظاهر ولكن ضعفي هذا االرتفاع مغروز تحت‬
‫االرض كالوتد من هنا قال تعالى( َو اْل ِجَب اَل َأْر َس اَه ا ‪َ 32‬م َت اًعا َلُك ْم َو َأِلْن َع اِم ُك ْم ) (‪)1‬وهنالك‬
‫(‪)2‬‬
‫معنى ثالث قال تعالى (َو ُهَّللا َج َع َل َلُك م ِّمَّما َخ َلَق ِظ اَل اًل َو َج َع َل َلُك م ِّم َن اْل ِجَب اِل َأْك َن اًن ا)‬
‫فالسالسل الجبلية التي على السواحل تجعل المنطقه التي خلفها منطقة جافة وليست رطبة‬
‫ومنطقة هادئة وليست منطقة رياح عاتية فلو ذهبت الى مدينة حمص لرأيت أن االشجار‬
‫كلها مائلة نحو الشرق لوجود فتحة بين سلسلتي الجبال المنصوبة على السواحل جبال‬
‫الالذقية وجبال لبنان فالجبال في هذه االية جعلها هللا اكنانا قال سبحانه وتعالى (َج َع َل َلُك م‬
‫ِّمَّما َخ َلَق ِظ اَل اًل َو َج َع َل َلُك م ِّم َن اْلِج َب اِل َأْك َن اًن ا)فتبدل الطقس والمناخ متعلق بالجبال وبفتحاتها‬
‫(‪)3‬‬
‫النها مصدأت للرياح وتصدها وتوقفها‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬ما يتعلق بالليل والنهار االية وتفسيرها‬

‫(َو َج َع ْلَن ا َن ْو َم ُك ْم ُس َب اًت اَو َج َع ْلَن ا الَّلْي َل ِلَب اًسا َو َج َع ْلَن ا الَّن َه اَر َمَع اًش ا)‬

‫تفسير االية‪:‬‬

‫انتقل من االستدالل بخلق الناس إلى االستدالل بأحوالهم ‪ ،‬وخص منها الحالة التي هي أقوى‬
‫أحوالهم المعروفة شبها بالموت الذي يعقبه البعث ‪ ،‬وهي حالة متكررة ال يخلون من‬

‫‪ 1‬النازعات (‪،)٣٣-٣٢‬‬
‫‪ 2‬النحل‪)٨١ :‬‬
‫‪ 3‬موسوعة االعجاز العلمي في القران الكريم والسنة النبوية‪ :‬يوسف الحاج أحمد‪ ،‬ط‪/٢/٢٠٠٣‬مكتبة دار أبن حجز‪ ،‬ج‬
‫‪،١‬ص(‪.)٤٦١-٤٢٧‬‬
‫‪9‬‬
‫الشعور بما فيها من العبرة ; ألن تدبير نظام النوم وما يطرأ عليه من اليقظة أشبه حال‬
‫بحال الموت وما يعقبه من البعث ‪.‬‬

‫وأوثر فعل ( جعلنا ) ألن النوم كيفية يناسبها فعل الجعل ال فعل الخلق المناسب للذوات كما‬
‫تقدم في قوله ‪ :‬ألم نجعل األرض مهادا وكذلك قوله ‪ :‬وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار‬
‫(‪)1‬‬
‫معاشا ‪.‬‬

‫فإضافة نوم إلى ضمير المخاطبين ليست للتقييد إلخراج نوم غير اإلنسان ‪ ،‬فإن نوم‬
‫الحيوان كله سبات ‪ ،‬ولكن اإلضافة لزيادة التنبيه لالستدالل ‪ ،‬أي أن دليل البعث قائم بين‬
‫في النوم الذي هو من أحوالكم ‪ ،‬وأيضا ألن في وصفه بسبات امتنانا ‪ ،‬واالمتنان خاص بهم‬
‫‪ ،‬قال تعالى ‪(:‬هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) ‪.‬‬

‫والسبات – بضم السين وتخفيف الباء ‪ : -‬اسم مصدر بمعنى السبت ‪ ،‬أي ‪ :‬القطع ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫جعلناه لكم قطعا لعمل الجسد بحيث ال بد للبدن منه ‪ ،‬وإلى هذا أشار ابن األعرابي ‪ ،‬وابن‬
‫قتيبة ؛ إذ جعال المعنى ‪ :‬وجعلنا نومكم راحة ‪ ،‬فهو تفسير معنى ‪.‬‬

‫وإنما أوثر لفظ ( سبات ) لما فيه من اإلشعار بالقطع عن العمل ليقابله قوله بعده وجعلنا‬
‫النهار معاشا كما سيأتي‪.‬‬

‫ويطلق السبات على النوم الخفيف ‪ ،‬وليس مرادا في هذه اآلية ؛ إذ ال يستقيم أن يكون‬
‫المعنى ‪ :‬وجعلنا نومكم نوما ‪ ،‬وال نوما خفيفا‪ ،‬وفي تفسير الفخر ‪ :‬طعن بعض المالحدة في‬
‫هذه اآلية فقالوا ‪ :‬السبات هو النوم ‪ ،‬فالمعنى ‪ :‬وجعلنا نومكم نوما ‪ .‬وأخذ في تأويلها‬
‫وجوها ثالثة من أقوال المفسرين ال يستقيم منها إال ما قاله ابن األعرابي أن السبات القطع‬
‫كما قال تعالى ‪ :‬من إله غير هللا يأتيكم بليل تسكنون فيه وهو المعنى األصلي لتصاريف‬
‫مادة سبت‪ ،‬وأنكر ابن األنباري ‪ ،‬وابن سيده أن يكون فعل سبت بمعنى استراح ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس‬
‫معنى اللفظ ‪ ،‬فمن فسر السبات بالراحة أراد تفسير حاصل المعنى‪ ،‬وفي هذا امتنان على‬
‫الناس بخلق نظام النوم فيهم لتحصل لهم راحة من أتعاب العمل الذي يكدحون له في‬
‫نهارهم ‪ ،‬فاهلل تعالى جعل النوم حاصال لإلنسان بدون اختياره ‪ ،‬فالنوم يلجئ اإلنسان إلى‬

‫التحرير والتنوير‪ :‬محمد طاهر بن عاشور‪ ،‬المكتبة االسالمية‪‍ ١٩٩٨ ،‬ه‪ /‬ج‪/٣١‬ص‪.١٩‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫قطع العمل لتحصل راحة لمجموعه العصبي الذي ركنه في الدماغ ‪ ،‬فبتلك الراحة يستجد‬
‫العصب قواه التي أوهنها عمل الحواس وحركات األعضاء وأعمالها ‪ ،‬بحيث لو تعلقت‬
‫رغبة أحد بالسهر ال بد له من أن يغلبه النوم ‪ ،‬وذلك لطف باإلنسان بحيث يحصل له ما به‬
‫منفعة مداركه قسرا عليه لئال يتهاون به ‪ ،‬ولذلك قيل ‪ :‬إن أقل الناس نوما أقصرهم عمرا ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وكذلك الحيوان‪.‬‬

‫﴿َو َج َع ْلَن ا الَّلْي َل ِلَب اًس ا﴾ أي‪ :‬جعل هللا هذا الليل على األرض بمنزلة اللباس‪ ،‬كأن األرض‬
‫تلبسه‪ ،‬ويكون جلباًبا لها‪ ،‬وهذا ال يعرفه تمام المعرفة إال إذا صعد فوق ِظ ّل األرض‪ ،‬وقد‬
‫رأينا ذلك من اآليات العجيبة‪ ،‬إذا صعدَت في الطائرة وارتفعت وقد غابت الشمس عن‬
‫سطح األرض‪ ،‬ثم تبينت لك الشمس بعد أن ترتفع تجد األرض وكأنما ُك ِس َي ت بلباس أسود‪،‬‬
‫ال ترى شيًئ ا كله سواد اللي تحتك‪ ،‬فيتبين بهذا قوله تعالى‪َ﴿ :‬و َج َع ْلَن ا الَّلْي َل ِلَب اًسا﴾‪.‬‬

‫أما النهار فجعله معاًش ا يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم وعلى حسب‬
‫أحوالهم‪ ،‬وهذا من نعمة هللا سبحانه وتعالى على العباد‪.‬‬

‫ولنقتصر على هذا الجزء من هذه السورة‪ ،‬ونسأل هللا تعالى أن ينفع به‪ ،‬وأن يجعلنا وإياكم‬
‫من أهل القرآن الذين هم أهل هللا وخاصته‪ ،‬وأن يجعلنا ممن قرأ وانتفع‪ ،‬إنه جواد كريم‪،‬‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬ما يتعلق بالطف (الماء) االية وتفسيرها‬

‫(َو َأنَز ْلَن ا ِمَن اْلُمْع ِص َر اِت َم اًء َث َّج اًج ا)‬

‫تفسير االية‪:‬‬

‫اوال‪ .‬تفسير الميسر‪ :‬وأنزلنا من السحب الممطرة ماء منَص ّبا بكثرة‪ ،‬لنخرج به حًبا مما‬
‫يقتات به الناس وحشائش مما تأكله الَّد واب‪ ،‬وبساتين ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانها‪.‬‬
‫التحرير والتنوير‪ :‬محمد طاهر بن عاشور‪ ،‬المكتبة االسالمية‪‍ ١٩٩٨ ،‬ه‪ /‬ج‪/٣١‬ص‪.١٩‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا‪ .‬تفسير الجاللين‪«:‬وأنزلنا من المعصرات» السحابات التي حان لها أن تمطر‪،‬‬
‫كالمعصر الجارية التي دنت من الحيض «ماًء ثجاجا» صبابا‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬تفسير السعدي‪َ :‬و َأْن َز ْلَن ا ِمَن اْلُمْع ِص َر اِت أي‪ :‬السحاب َم اًء َث َّج اًج ا أي‪ :‬كثيرا جدا‪.‬‬

‫رابعا‪ .‬تفسير البغوي‪(:‬وأنزلنا من المعصرات ) قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل ‪ ،‬والكلبي ‪:‬‬
‫يعني الرياح التي تعصر السحاب ‪ ،‬وهي رواية العوفي عن ابن عباس ‪.‬‬

‫قال األزهري ‪ :‬هي الرياح ذوات األعاصير ‪ ،‬فعلى هذا التأويل تكون من بمعنى الباء أي‬
‫بالمعصرات ‪ ،‬وذلك أن الريح تستدر المطر ‪ ،‬وقال أبو العالية ‪ ،‬والربيع ‪ ،‬والضحاك ‪:‬‬
‫المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس قال الفراء ‪ [ :‬المعصرات‬
‫السحائب ] [ التي ] تتحلب بالمطر وال تمطر ‪ ،‬كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم‬
‫تحض ‪.‬‬

‫خامسا‪ .‬تفسير الوسيط‪ :‬أما الدليل التاسع على قدرته ‪ -‬تعالى – على البعث ‪ ،‬فنراه فى قوله‬
‫– تعالى –( َو َأنَز ْلَن ا ِمَن المعصرات َم آًء َث َّج اجًا ‪ِّ .‬لُنْخ ِر َج ِبِه َح ّب ًا َو َن َب اتًا ‪َ .‬و َج َّن اٍت َأْلَفافًا)‬

‫والمعصرات – بضم الميم وكسر الصاد – السحب التي تحمل المطر ‪ ،‬جمع معصرة –‬
‫بكسر الصاد – اسم فاعل ‪ ،‬من أعصرت السحابة إذا أوشكت على إنزال الماء المتالئها‬
‫به ‪.‬‬

‫قال ابن كثير ‪ :‬عن ابن عباس‪ :‬المعصرات الرياح‪ ،‬ألنها تستدر المطر من السحاب‪ ،‬وفى‬
‫(‪)1‬‬
‫رواية عنه أن المراد بها ‪ :‬السحاب ‪ ،‬وكذا قال عكرمة واختاره ابن جرير‪.‬‬

‫وقال الفراء‪ :‬هي السحاب التي تتحلب بالماء ولم تمطر بعد ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬امرأة معصر ‪ ،‬إذا‬
‫حان حيضها ولم تحض بعد‪ ،‬وعن الحسن وقتادة ‪ :‬المعصرات ‪ :‬يعنى السموات‪ ،‬وهذا قول‬
‫غريب ‪ ،‬واألظهر أن المراد بها السحاب ‪ ،‬كما قال ‪ -‬تعالى ‪ ( : -‬هللا الذي ُيْر ِس ُل الرياح‬
‫َفُتِثيُر َسَح ابًا َفَي ْبُس ُط ُه ِفي السمآء َك ْي َف َي َش آُء َو َي ْج َع ُلُه ِكَس فًا َفَت َر ى الودق َي ْخ ُرُج ِم ْن ِخَالِلِه) ‪،‬‬
‫والثجاج ‪ :‬المندفع بقوة وكثرة ‪ ،‬يقال ‪ :‬ثج الماء – كرد – إذا انصب بقوة وكثرة ‪.‬‬
‫‪ 1‬كتاب التفسير‪ :‬للميسر‪ ،‬الجاللين‪ ،‬السعدي‪ ،‬البغوي‪ ،‬الوسيط‪ ،‬باب تفسير ومعنى االية ‪١٤‬عدد االيات ‪/ ٤٠‬ص‪/٥٨٢‬ج‬
‫‪.٣٠‬‬
‫‪12‬‬
‫ومطر ثجاج ‪ ،‬أي ‪ :‬شديد االنصباب جدا ‪.‬‬

‫وقوله ‪َ ( :‬أْلَفافًا ) اسم جمع ال واحد له من لفظه ‪ ،‬كاألوزاع للجماعات المتفرقة ‪.‬‬

‫وقيل ‪ :‬جمع لفيف ‪ ،‬كأشراف وشريف ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬وأنزلنا لكم – يا بنى آدم – بقدرتنا ورحمتنا – من السحائب التي أوشكت على‬
‫اِإلمطار ‪ ،‬ماء كثيرا متدفقا بقوة ‪ ،‬لنخرج بهذا الماء حبا تقتاتون به ‪ -‬كالقمح والشعير‪.‬‬

‫ونباتا تستعملونه لدوابكم كالتبن والكأل ‪ ،‬ولنخرج بهذا الماء – أيضا – بساتين قد التفت‬
‫أغصانها لتقاربها وشدة نمائها ‪.‬‬

‫فهذه تسعة أدلة أقامها ‪ -‬سبحانه – على أن البعث حق ‪ ،‬وهى أدلة مشاهدة محسوسة ‪ ،‬ال‬
‫يستطيع عاقل إنكار واحد منها‪ ،‬وما دام األمر كذلك فكيف ينكرون قدرته على البعث ‪ ،‬مع‬
‫أنه ‪ -‬تعالى – قد أوجد لهم كل هذه النعم التي منها ما يتعلق بخلقهم ‪ ،‬ومنها ما يتعلق‬
‫باألرض والسموات ‪ ،‬ومنها ما يتعلق بنومهم ‪ ،‬وبالليل والنهار ‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالشمس ‪،‬‬
‫وبالسحب التي تحمل لهم الماء الذى ال حياة لهم بدونه ‪.‬‬

‫وبعد إيراد هذه األدلة المقنعة لكل عاقل ‪ ،‬أكد ‪ -‬سبحانه – ما اختلفوا فيه ‪ ،‬وما تساءلوا‬
‫عنه‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫الدالل وأثرها في اآليات‬

‫المطلب االول ‪ :‬أثر االيمان باهلل تعالى‬

‫{عم يتساءلون‪ ،‬عن النبأ العظيم‪ ،‬الذي هم فيه مختلفون‪ ،‬كال سيعلمون ثم كال سيعلمون}فهي‬
‫تبدأ بذكر تساؤل يطرحه الكافرون وترد عليه‪ ،‬وتنتهي السورة بقوله تعالى‪{ :‬إنا أنذرناكم‬
‫عذابًا قريبًا‪ ،‬يوم ينظر المرء ما قدمت يداه‪ ،‬ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا} ‪ ،‬فبداية‬
‫السورة تتحدث عن تساؤل الكافرين‪ ،‬ونهاية السورة تتحدث عن اإلنذار‪)1( ،‬وكذلك صالته‬

‫االساس في التفسير‪ :‬سعيد حوى‪ ،‬دار السالم‪ ،‬مجلد ‪/١١‬ص‪.٦٣٣٣‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫بمحور السورة اشتمال السورة على إثبات القدرة على البعث الذي ذكر في سورة النبأ {أن‬
‫الكافرين كذبوا به}‪.‬‬

‫اوال‪ :‬المحور األساسي للسورة (إثبات عقيدة اإليمان باليوم اآلخر)‬

‫‪-١‬تسأل الكفار‪{:‬عم يتساءلون‪ ،‬عن النبأ العظيم‪ ،‬الذي هم فيه مختلفون‪ ،‬كال سيعلمون ثم كال‬
‫سيعلمون}ابتدأت السورة الكريمة بسؤال (( عم )) أصله عما‪ ،‬فحذف منه األلف إما فرقا‬
‫بين ما االستفهامية وغيرها أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها‪ ،‬وقد قرئ على األصل وما فيها‬
‫من اإلبهام لإليذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله‪ ،‬وخروجه عن حدود األجناس المعهود‬
‫أي شيء عظيم الشأن (يتساءلون) وجعل الصلة جملة اسمية للداللة على إثبات أي هم‬
‫راسخون في االختالف فيه‪)1( ،‬وهذا الموضوع الذي شغل أذهان الكثيرين من كفار مكة‬
‫حيث أصبحوا ما بين مصدق ومكذب‪ ،‬وقال مجاهد وغيره أنه البعث‪ ،‬وما يدل على أنه‬
‫البعث أن كفار العرب ينكرون الميعاد فقال عنهم هللا تعالى‪{ :‬وما نحن بمبعوثين}‬
‫(المؤمنون‪ ،)٣٧:‬وطائفة منهم غير جازمة بل شاكة فيه كما قال تعالى‪{ :‬إن نظن إال ظنًا‬
‫وما نحن بمستيقنين} (الجاثية‪ ، )٣٣:‬ثم قال متوعدا لمنكري البعث {كال سيعلمون ثم كال‬
‫(‪)2‬‬
‫سيعلمون} ‪ .‬وهنا تهديد شديد ووعيد أكيد‪.‬‬

‫‪-٢‬دالئل قدرة هللا تعالى‪{ :‬ألم نجعل األرض مهادا‪ ،‬والجبال أوتادا‪ ،‬وخلقناكم أزواجا‪،‬‬
‫وجعلنا نومكم سباتا‪ ،‬وجعلنا الليل لباسا‪ ،‬وجعلنا النهار معاشا}ثم شرع هللا تعالى يبين عظيم‬
‫قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤالء المنكرون‪ ،‬أي كيف تنكرون أو تشكون أيها‬
‫الجاحدون في البعث والنشور‪ ،‬وقد رأيتم ما يدل على قدرة هللا التامة وعلمه المحيط بكل‬
‫السماء‪ ،‬انظروا إلى األرض جعلناها ممهدة وموطئًا للناس والدواب‪ ،‬يقيمون عليها‬
‫وينتفعون بها وبخيراتها‪ ،‬أال ينظرون إلى هذه األرض التي منها خلقوا وفيها سيعودون‬
‫(‪)3‬‬
‫ومنها سيخرجون منها تارة أخرى شاءوا أم أبوا‪.‬‬

‫‪ 1‬أبو المسعود الحنفي‪ ،‬إرشاد العقل السليم في مزايا القرآن الكريم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬مجلد ‪ ،٥‬ص ‪– ٨٠٩‬‬
‫‪.٨١٠‬‬
‫‪ 2‬محمد الشوكاني‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬م ‪ ،١١‬ص ‪.٤٤٦‬‬
‫‪ 3‬عبد الحميد كشك‪ ،‬في رحاب التفسير‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬مجلد ‪ ،٩‬ص ‪.٧٨٢٩‬‬
‫‪14‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬والجبال أوتادا} ‪ ،‬أي جعلنا الجبال لألرض كاألوتاد كي ال تميد أو تضطرب‬
‫بأهلها‪.‬‬

‫ثم قال‪{ :‬وخلقناكم أزواجا} ‪ ،‬أي وجعلناكم أصنافًا ذكورًا وإناثًا‪ ،‬ليتمتع كل منكم باآلخر‪،‬‬
‫وليتم حفظ الحياة باإلنسان والتوليد وتكملتها بالتربية والتعليم‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ومن آياته أن‬
‫خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودًة ورحمة إن في ذلك آليات لقوم‬
‫يتفكرون} ‪.‬‬

‫ثم قال تعالى‪{ :‬و جعلنا نومكم سباتا} ‪ ،‬السبات الموت‪ ،‬والنوم نعمة كبرى على الناس‪ ،‬ولقد‬
‫شبه هللا الموت بالنوم واليقظة بالبعث والنشور ‪ ،‬فالنوم يريح القوى من تعبها وينشطها من‬
‫كسلها‪.‬‬

‫ثم قال تعالى‪{ :‬وجعلنا الليل لباسًا} ‪ ،‬أي جعل الليل يستركم بظالمه كما قال تعالى‪{ :‬والليل‬
‫إذا يغشاها}‪ ،‬ثم قال تعالى‪{ :‬وجعلنا النهار معاشًا} ‪ ،‬أي جعل النهار مشرقا ليتمكن الناس‬
‫من تحصيل المعاش والتكّسب وغير ذلك‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وبنينا فوقكم سبعًا شدادًا} ‪ ،‬يعني‬
‫السماوات في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت و السيارات‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫{وجعلنا سراجًا وهاجًا} ‪ ،‬وهو يعني الشمس التي يتوهج ضوؤها ألهل األرض كلهم‪.‬‬

‫ثم قال تعالى‪{ :‬وأنزلنا من المعصرات ماًء ثجاجا‪ ،‬لنخرج به حبًا ونباتا‪ ،‬وجنات ألفافا} ‪،‬‬
‫المعصرات يعني الغيوم المتكاثفة التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد‪ ،‬والثجاج السريع‬
‫االندفاع‪ ،‬لتخرج بذلك الماء الكثير النافع الطيب‪ ،‬حبا يقتات به الناس ونباتات وبساتين‬
‫وحدائق ذات بهجة وأغصان‪ ،‬ملتفة على بعضها‪ ،‬وثمرات متنوعة ذات طعوم وروائح‬
‫متفاوتة‪ ،‬ويتضح في اآليات التقاء العلم مع اإليمان الصادق بقدرة هللا وعظمته‪ ،‬فكلما ارتقت‬
‫معارف اإلنسان وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون‪ ،‬أدرك من وراءها التقدير اإللهي‬
‫العظيم والتدبير الدقيق المحكم والتنسيق بين أفراد الوجود وحاجاتهم‪ ،‬فكل الدالئل السابقة‬
‫أثبت العلم صحتها من القرآن‪ ،‬اذكر مع سبيل المثال‪ :‬حقيقة الجبال فهي تحفظ توازن‬
‫األرض لعدة أسباب‪:‬‬

‫‪ 1‬ابن كثير‪ ،‬تفسير ابن كثير‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ج ‪ ،٣‬ص ‪.١٩٨٩‬‬
‫‪15‬‬
‫تعادل نسب األغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال ومنها قد يكون تعادل بين‬
‫التقلصات الجوفية لألرض والتقلصات السطحية‪ ،‬وقد يكون ألنها تثقل األرض في نقطة‬
‫معينة فال تميد بفعل الزالزل والبراكين واالهتزازات الجوفية‪ ،‬وقد يكون السبب آخر لم‬
‫يكشف عنه بعد‪.‬‬

‫عالقة اآليات بما قبلهاإن هللا عز وجل ذكر دالئل قدرته إلزاما للكافرين بالحجج الدافعة‬
‫على قدرته على البعث والنشور‪ ،‬كما أنه اقتدر أن يخلق هذه الكائنات‪ ،‬وأنه سبحانه وتعالى‬
‫(‪)1‬‬
‫ال يعجزه شيء في األرض وال في السماء‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬مشاهد يوم القيامة‪:‬‬

‫اوال‪ .‬عالمات يوم البعث‪{ :‬إن يوم الفصل كان ميقاتا‪ ،‬يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا‪،‬‬
‫وفتحت السماء فكانت أبوابا‪ ،‬وسيرت الجبال فكانت سرابا}‬

‫أعقب اآليات السابقة ذكر البعث‪ ،‬وقد حدد وقته وميعاده‪ ،‬وهو أن يوم الفصل هو يوم‬
‫الحساب والجزاء‪ ،‬وسمي بيوم الفصل ألنه يفصل فيه بين الخالئق‪ ،‬وجعل له وقتا وميعادا‬
‫لألولين واآلخرين‪ ،‬ويكون ذلك يوم ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور فيحضرون‬
‫جماعات للحساب والجزاء‪ ،‬ثم ذكر من أوصاف هذا اليوم تتشقق السماء من كل جانب‪،‬‬
‫فتكون كاألبواب في الجدران‪ ،‬كذلك قوله تعالى‪{ :‬إذا السماء انشقت} (االنشقاق ‪، )١‬‬
‫ونسفت الجبال فأصبحت كالسراب يحسبه الناظر شيئا وهو وهم‪ ،‬عالقة اآليات بما قبلها‪:‬‬
‫بعد أن بين دالئل قدرته على البعث‪ ،‬وذكر بعض مشاهد هذا البعث زيادة في تأكيد قدرته‬
‫(‪)2‬‬
‫عليه وتخويفا للمنكرين الجاحدين له‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬مشاهد الطغاة في النيران‪ :‬يمضي السياق خطورة وراء النفخ والحشر‪ ،‬فيصور‬
‫مصير الطغاة‪ ،‬ومصير التقاة‪ ،‬بادئًا باألولين المكذبين المتسائلين عن النبأ العظيم‪.‬‬

‫قال تعالى‪{ :‬إن جهنم كانت مرصادا‪ ،‬للطاغين مآبا‪ ،‬البثين فيها أحقابا‪ ،‬ال يذوقون فيها بردا‬
‫وال شرابا‪ ،‬إال حميما وغّساقا‪ ،‬جزاءًا وفاقًا‪ ،‬إنهم كانوا ال يرجون حسابا‪ ،‬وكذبوا بآياتنا‬

‫‪ 1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬التفسير الوسيط‪ ،‬دار الفكر دمشق‪ ،‬ج ‪ ،٣‬ص ‪.٢٨٠٧‬‬
‫‪ 2‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬م‪/‬ج ‪ ،/٦‬ص ‪.٣٨٠٤‬‬
‫‪16‬‬
‫كذابا‪ ،‬وكل شيء أحصيناه كتابا‪ ،‬فذوقوا فلن نزيدكم إال عذابا} ‪ ،‬إن جهنم خلقت ووجدت‬
‫وكانت مرصادًا للطاغين‪ ،‬تنتظرهم وينتهون إليها فهي معّد ة لهم‪ ،‬ومهيأة الستقبالهم‪ ،‬فكانت‬
‫جهنم مآبا لهم لإلقامة الطويلة المتجددة أحقابا بعد أحقاب‪ ،‬فشرابهم الماء الساخن والغّساق‬
‫الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل {جزاء وفاقا} وهذا يوافق ما سلفوا وقّد موا {إنهم‬
‫كانوا ال يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كّذ ابا} ‪ ،‬وجرس اللفظ فيه شّد ة توحي بشّد ة التكذيب‬
‫وشدة اإلصرار عليه‪ ،‬بينما كان هللا يحصى عليهم كل شيء وهنا يجيء التأنيب الميئس من‬
‫كل رجاء في تغيير أو تخفيف {فذوقوا فلن نزيدكم إال عذابا}‪ ،‬عالقة اآليات بما قبلها‪ :‬بعد‬
‫أن ذكر هللا تعالى مشاهد من مشاهد يوم القيامة بين جزاء من كذب بيوم القيامة موضحًا أن‬
‫(‪)1‬‬
‫تكذيبهم إنما يعود بالضرر عليهم‪.‬‬

‫‪-٣‬مشهد التقاة في الجنان‪.‬‬

‫ثم يعرض المشهد المقابل‪ ،‬مشهد التقاة في النعيم‪.‬‬

‫{إن للمتقين مفازا‪ ،‬حدائق وأعنابا‪ ،‬وكواعب أترابا‪ ،‬وكأسًا دهاقا‪ ،‬ال يسمعون فيها لغوًا وال‬
‫كذابا‪ ،‬جزاًء من ربك عطاًء حسابا}‪ ،‬إن المتقين ينتهون إلى مفازة ومنجاة‪ ،‬تتمثل في‬
‫الحدائق واألعناب وكواعب وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت أثداؤهن‪ ،‬وأترابا‬
‫متوافيات السن والجمال‪ ،‬وكأسا دهاقا ما كان فيه من شراب كلما فرغت ملئت مرة أخرى‪،‬‬
‫فهم في حياة مصونة من اللغو والتكذيب الذي يصاحبه الجدل‪{ ،‬جزاًء من ربك عطاُء‬
‫حسابًا} ‪ ،‬وتلمح هنا ظاهرة األناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين (جزاء) و‬
‫(عطاء)‪.‬‬

‫عالقة اآليات بما قبلها‪ :‬بعد أن ذكر هللا تعالى عاقبة من كذب بيوم البعث بين جزاء من آمن‬
‫(‪)2‬‬
‫به وصدق به‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد الصابوني‪ ،‬صفوة التفاسير‪ ،‬دار الصابوني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج ‪ ،٣‬ص ‪.٤٤٨‬‬
‫‪ 2‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬م‪/‬ج ‪ ،٦‬ص ‪.٣٨٠٨‬‬
‫‪17‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أثر االيمان باليوم االخر‬

‫{رب السماوات واألرض وما بينهما الرحمن ال يملكون منه خطابا‪ ،‬يوم يقوم الروح‬
‫والمالئكة صفًا ال يتكلمون إال من أذن له الرحمن وقال صوابا}‪ ،‬إن موقف المقربين إلى هللا‬
‫وهم جبريل والمالئكة‪ ،‬األبرياء من الذنوب والمعصية موقفهم هكذا صامتين‪ ،‬ال يتكلمون‬
‫إال بإذن وحساب‪ ،‬يغمر الجو بالروعة والرهبة واإلجالل والوقار ‪ ،‬عالقة اآليات بما قبلها‪:‬‬
‫تكملة لمشاهد اليوم الذي يتم فيه ذلك كله‪ ،‬يأتي المشهد الختامي في السورة حيث يقف‬
‫(‪)1‬‬
‫جبريل والمالئكة ال يتكلمون إال ما هو صواب‪.‬‬

‫{ ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا‪ ،‬إنا أنذرناكم عذابًا قريبا‪ ،‬يوم ينظر المرء ما‬
‫قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا}‪ ،‬في ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من‬
‫صيحات اإلنذار‪ ،‬إنها الهزة العنيفة ألولئك الذين يتساءلون في شٍك ‪ ،‬فال مجال للتساؤل‬
‫واالختالف والفرصة ما تزال سانحة قبل أن تكون جهنم مرصادًا ومآبا‪ ،‬وهو عذاب يؤثر‬
‫الكافر العدم على الوجود‪{ ،‬يا ليتني كنت ترابا} ‪ ،‬وهو أهون عليه من مواجهة الموقف‬
‫‪ 1‬السيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ /،‬م‪/‬ج ‪ ،٦‬ص ‪.٢٨٠٨‬‬
‫‪18‬‬
‫المرعب الشديد‪ ،‬هو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين في ذلك النبأ‬
‫العظيم! عالقة اآليات بما قبلها‪ ،‬إنذار للبشر بعد عاقبة الكافرين‪ ،‬وعاقبة المتقين‪ ،‬ليختار كل‬
‫(‪)1‬‬
‫واحد ما يريد‪.‬‬

‫‪-١‬إن لأليمان باهلل واليوم اآلخر أثرا عظيما في توجيه سلوك اإلنسان في هذه الحياة الدنيا‬
‫ذلك ألن اإليمان به‪ ،‬وبما فيه من حساب و ميزان‪ ،‬وثواب وعقاب وفوز وخسران‪ ،‬وجنة‬
‫ونار له أعمق األثر وأشده في سير اإلنسان وانضباطه‪ ،‬والتزامه بالعمل الصالح وتقوى هللا‬
‫(‪)2‬‬
‫عز وجل‪.‬‬

‫‪-٢‬المسلم مطلوب منه أن يقدم على الحق‪ ،‬ليدفع الباطل‪ ،‬وأن يجعل نشاطه كله في األرض‬
‫عبادة هلل‪ ،‬وبالتوجه في هذا النشاط كله هلل‪ ،‬والبد من جزاء العمل‪ ،‬وهذا الجزاء ال يتم في‬
‫رحلة األرض‪ ،‬فيؤجل الحساب الختامي بعد نهابة الرحلة كلها ‪ ...‬فالبد إذن من عالم آخر‬
‫للحساب‪ ،‬وحين ينهار أساس اآلخرة في النفس ينهار معه كل تصور لحقيقة هذه العقيدة‬
‫(‪)3‬‬
‫وتكاليفها وال تستقيم هذه النفس على طريق اإلسالم أبدًا‪.‬‬

‫‪ -٣‬اإليمان باليوم اآلخر له أثر في تحريك العواطف مثل الخجل والحياء من هللا تعالى‬
‫والخشية من لقائه وحسابه والرغبة في تجنب سخطه وغضبه‪ ،‬وفي الوصول إلى مرضاته‬
‫ومحبته وهذه العواطف إذا بقيت متوقدة في النفس‪ ،‬كانت حافزا لإلنسان على العمل فيما‬
‫(‪)4‬‬
‫يرضي هللا‪.‬‬

‫‪-٤‬اإليمان باليوم اآلخر‪ ،‬يعّلم العبد كذلك أن شهوات الدنيا كلها ال تستحق منهم الطلب‬
‫(‪)5‬‬
‫والجهد والتنافس فيها‪ ،‬وأن الذي يستحق إنما هو ما أعد لهم في ذلك اليوم العظيم‪.‬‬

‫‪-٥‬اإليمان باليوم اآلخر يجعل المسلم يؤمن أنه مراقب من المالئكة المرافقين له‪{،‬الذين‬
‫يقومون بتدوين كل أفعاله الصغيرة والكبيرة‪ ،‬ويقول تعالى‪{ :‬ونخرج له يوم القيامة كتابا‬
‫يلقاه منشورًا}‪.‬‬

‫‪ 1‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬م ‪ ،٦‬ص ‪.٣٨٠٦‬‬
‫‪ 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.٣٨٠٧‬‬
‫‪ 3‬محمد الشرقاوي‪ ،‬اإليمان حقيقته وأثره في النفس والمجتمع‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.٢٩٣‬‬
‫‪ 4‬جامعة القدس المفتوحة‪ ،‬عقيدة (‪ ، )٢‬ص ‪.١٨٥‬‬
‫‪ 5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١٨٥‬‬
‫‪19‬‬
‫‪-٦‬اإليمان باليوم اآلخر يكون كذلك سببا في اإلخالص في العمل‪.‬‬

‫‪-٧‬اإليمان باليوم اآلخر يكّو ن في أعماق النفس دافعًا قويا إلى عمل الخير ومكافحة الشر‪،‬‬
‫ويكون هذا الدافع أقوى من الجزاء الدنيوي‪.‬‬

‫‪-٨‬اإليمان باليوم اآلخر يكّو ن في أعماق النفس دافعًا قويا إلى عمل الخير ومكافحة الشر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويكون هذا الدافع أقوى من الجزاء الدنيوي‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬أثر االيمان بالمالئكة‬

‫{َر ِّب الَّسماواِت َو اَأْلْر ِض َو ما َب ْي َن ُهَم ا الَّر ْح مِن ال َي ْم ِلُك وَن ِم ْن ُه ِخطابًا (‪َ )37‬ي ْو َم َي ُقوُم الُّر وُح‬
‫َو اْلَمالِئَك ُة َص ًّفا ال َي َتَك َّلُموَن ِإَّال َم ْن َأِذَن َلُه الَّر ْح مُن َو قاَل َص وابًا (‪ })38‬والروح‪ :‬هو جبريل‬
‫عليه الّسالم في رأي األكثرين‪ ،‬لقول هللا عز وجل‪َ{ :‬نَز َل ِبِه الُّر وُح اَأْلِميُن (‪َ )193‬ع لى‬
‫َقْلِبَك ِلَت ُك وَن ِمَن اْلُم ْن ِذ ِر يَن }(‪ )2‬واآلية دليل على أن المالئكة وجبريل عليهم الّسالم أعظم‬
‫المخلوقات قدرا ومكانة‪ ،‬وعلى عظمة يوم القيامة ورهبته‪ .‬وعطف المالئكة على جبريل‪:‬‬
‫عطف عام ال خاص‪.‬‬

‫وذلك اليوم يوم القيامة هو اليوم الحق‪ ،‬أي الثابت الوقوع‪ ،‬المتحقق الذي ال ريب فيه‪ ،‬فمن‬
‫أراد النجاة‪ ،‬اتخذ إلى ثواب ربه مرجعا وطريقا يهتدي إليه‪ ،‬ويقّر به منه‪ ،‬ويدنيه من‬
‫كرامته‪ ،‬ويباعده من عقابه‪ ،‬باإليمان الحق والعمل الصالح‪.‬‬

‫ثم هّد د هللا تعالى الكافرين‪ ،‬وحّذ رهم وخّو فهم من ذلك اليوم يوم القيامة مرة أخرى‪ .‬إننا يا‬
‫أهل مكة وأمثالكم من الكفار‪ ،‬حذرناكم وخوفناكم عذابا قريب الوقوع‪ ،‬وهو في يوم القيامة‪،‬‬
‫‪ 1‬جامعة القدس المفتوحة‪ ،‬عقيدة (‪ ، )٢‬ص ‪.١٨٥‬‬
‫‪ 2‬الشعراء‪194 -193 /26 :‬‬
‫‪20‬‬
‫فإنه لتأكد وقوعه‪ ،‬صار قريبا‪ ،‬وألن كل ما هو آت قريب‪ ،‬وفي هذا اليوم القريب الوقوع‪،‬‬
‫ينظر كل امرئ ما قدم من خير أو شر في حياته األولى في الدنيا‪ ،‬ويقول الكافر من شدة ما‬
‫يعانيه من أنواع األهوال والعذاب‪ ،‬كأبي بن خلف‪ ،‬وعقبة بن أبي معيط‪ ،‬وأبي جهل‪ ،‬وأبي‬
‫سلمة بن عبد األسد المخزومي‪ :‬ليتني كنت ترابا كالحيوانات‪ ،‬لم أخلق‪ ،‬فهو يتمنى أن لم‬
‫يكن إنسانا موجودا أوال‪ ،‬وال مبعوثا ثانيا أو مرة أخرى‪ .‬وإنما تصير الحيوانات ترابا بعد‬
‫(‪)1‬‬
‫االقتصاص من بعضها لبعض‪.‬‬

‫وهاتان اآليتان األخيرتان تدالن على أن الناس يكونون يوم القيامة فريقين‪ :‬فريق المؤمنين‬
‫المقربين من ثواب هللا وكرامته ورضاه‪ ،‬وفريق الكافرين الجاحدين البعيدين من رحمة هللا‪،‬‬
‫الواقعين في صنوف العذاب‪ ،‬فأي الفريقين أهدى سبيال‪ ،‬وأرشد طريقا‪ ،‬وأسلم عاقبة‪،‬‬
‫وأحسن قدوة؟! لو سئل صبي عاقل دون البلوغ عن الفرق ألجاب‪ ،‬ولما وسعه إال اتباع أهل‬
‫اإليمان والنجاة‪.‬‬

‫وااليمان بالمالئكة يتضمن أربعة امور‪:‬‬

‫اوال‪ .‬اإليمان بوجودهم‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬اإليمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجماال‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬اإليمان بما علمنا من صفاتهم‪ ،‬كصفة (جبريل) فقد أخبر النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫أنه رآه على صفته التي خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد األفق‪ .‬وقد يتحول الملك بأمر‬
‫هللا تعالى إلى هيئة رجل‪ ،‬كما حصل (لجبريل) حين أرسله تعالى إلى مريم فتمثل لها بشرا‬
‫سويا‪ ،‬وحين جاء إلى النبي صلى هللا عليه وسلم وهو جالس في أصحابه جاءه بصفة ال‬
‫يرى عليه أثر السفر‪ ،‬وال يعرفه أحد من الصحابة‪ ،‬فجلس إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫فأسند ركبتيه إلى ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه‪ ،‬وسأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن‬
‫اإلسالم‪ ،‬واإليمان واإلحسان‪ ،‬والساعة‪ ،‬وأماراتها‪ ،‬فأجابه النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫(‪)2‬‬
‫فانطلق‪ .‬ثم قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪ 1‬التفسير الوسيط‪ :‬باب تفسير سورة نبأ‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪،‬ج‪،٣٠‬ص ‪.١٩٨٩‬‬
‫‪ 2‬البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخلق‪،‬ص ‪.3233-3232‬‬
‫‪21‬‬
‫وكذلك المالئكة الذين أرسلهم هللا تعالى إلى إبراهيم‪ ،‬ولوط كانوا في صورة رجال‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬اإليمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر هللا تعالى‪ ،‬كتسبيحه‪ ،‬والتعبد له‬
‫ليال ونهارا بدون ملل وال فتور‪.‬‬

‫وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة‪:‬‬

‫مثل‪ :‬جبريل األمين على وحي هللا تعالى يرسله به إلى األنبياء والرسل‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬ميكائيل الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬ملك الموت الموكل بقبض األرواح عند الموت‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬مالك الروح بالنار وهو خازن النار‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬المالئكة الموكلين باألجنة في األرحام إذا تم لإلنسان أربعة أشهر في بطن أمه‪ ،‬بعث‬
‫هللا إليه ملكا وأمره بكتب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله‪ ،‬وشقي أم سعيد‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬المالئكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها لكل شخص‪ ،‬ملكان‪ :‬أحدهما عن‬
‫(‪)1‬‬
‫اليمين‪ ،‬والثاني عن الشمال‪.‬‬

‫ومثل‪ :‬المالئكة الموكلين بسؤال إذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسأالنه عن ربه‪ ،‬ودينه‪،‬‬
‫ونبيه‪.‬‬

‫واإليمان بالمالئكة يثمر ثمرات جليلة منها‪:‬‬

‫األولى‪ :‬العلم بعظمة هللا تعالى‪ ،‬وقوته‪ ،‬وسلطانه‪ ،‬فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬شكر هللا تعالى على عنايته ببني آدم‪ ،‬حيث وكل من هؤالء المالئكة من يقوم‬
‫(‪)2‬‬
‫بحفظهم‪ ،‬وكتابة أعمالهم‪ ،‬وغير ذلك من مصالحهم‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخلق‪ ،‬باب‪ :‬ذكر المالئكة‪ .‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬إذا أحب هللا عبدا حببه إلى‬
‫عباده ج‪،١‬ص‪.٤٤٤٤‬‬
‫‪ 2‬أخرجه البخارين كتاب الجمعة‪ ،‬باب‪ :‬اإلستماع إلى الخطبة‪ .‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب‪ :‬فضل التهجير يوم الجمعة‪ ،‬ج‬
‫‪،١‬ص‪.٣٤٣٤‬‬
‫‪22‬‬
‫الثالثة‪ :‬محبة المالئكة على ما قاموا به من عبادة هللا تعالى‪.‬‬

‫وقد أنكر قوم من الزائغين كون المالئكة أجساما‪ ،‬وقالوا إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة‬
‫في المخلوقات‪ ،‬وهذا تكذيب لكتاب هللا تعالى‪ ،‬وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم وإجماع‬
‫المسلمين‪ ،‬قال هللا تعالى‪ {:‬الحمد هلل فاطر السماوات واألرض جاعل المالئكة رسال أولي‬
‫(‪)1‬‬
‫أجنحة مثنى وثالث ورباع }‬

‫وقال‪ } :‬ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا المالئكة يضربون وجوههم وأدبارهم } (‪.)2‬وقال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫{ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والمالئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم }‬
‫(‪)4‬‬
‫وقال‪ { :‬حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير }‬

‫وقال في أهل الجنة‪{:‬والمالئكة يدخلون عليهم من كل باب سالم عليكم بما صبرتم فنعم‬
‫(‪)5‬‬
‫عقبى الدار }‬

‫وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬إذا‬
‫أحب هللا العبد نادى جبريل إن هللا يحب فالنا فأحبه‪ ،‬فيحبه جبريل‪ ،‬فينادي جبريل في أهل‬
‫السماء‪ ،‬إن هللا يحب فالنا فأحبوه فيحبه أهل السماء‪ ،‬ثم يوضع له القبول في األرض‬

‫وفيه أيضا عنه قال‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إذا كان يوم الجمعة على كل باب من‬
‫أبواب المساجد المالئكة يكتبون األول فاألول‪ ،‬فإذا جلس اإلمام طووا الصحف وجاءوا‬
‫يستمعون الذكر‪.‬‬
‫وهذه النصوص صريحة في أن المالئكة أجسام ال قوى معنوية‪ ،‬كما قال الزائغون وعلى‬
‫(‪)6‬‬
‫مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون‪.‬‬

‫‪ 1‬سورة الفاطر‪ ،‬اآلية‪1 :‬‬


‫‪ 2‬سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪50 :‬‬
‫‪ 3‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪93 :‬‬
‫‪ 4‬سورة سبأ‪ ،‬اآلية‪23 :‬‬
‫‪ 5‬سورة الرعد‪ ،‬اآليتين‪24-23 :‬‬
‫‪ 6‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب بدء الخلق‪ ،‬باب‪ :‬ذكر المالئكة‪ .‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬إذا أحب هللا عبدا حببه إلى‬
‫عباده ج‪،١‬ص‪.٤٤٥٦‬‬
‫‪23‬‬
‫الخاتمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬وال عدوان اال على الظالمين والصالة والسالم‬
‫على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم أما بعد فقد توصلت في هذا البحث الى النتائج‬
‫االتية‪:‬‬

‫‪-١‬سورة نبأ سورة مكية وعدد اياتها اربعون اية‪ ،‬وكلماتها مائة وثالثة وسبعون‪،‬‬
‫وحروفها‪ ،‬ثمانية وست وعشرون‪ ،‬يبدأ الجزء الثالثون بسورة نبأ وهو يعني بجانب العقيدة‬
‫وتسمى بسورة (عّم ) وسورة (النبأ) الفتتاحها بقول هللا تعالى‪{ :‬عم يتساءلون عن النبأ‬
‫العظيم} وهو خبر القيامة والبعث الذي يهتم بشأنه ويسأل الناس عن وقته وحدوثه‪.‬‬

‫‪-٢‬إن القرآن الكريم أثبت قدرة خالل تعمق اإلنسان بالنظر إلى مخلوقات هللا‪.‬‬

‫‪-٣‬ظهر للباحث أن هذه السورة كغيرها من السور المكية تركز على أهداف القرآن المكي‬
‫في تصحيح العقيدة المتمثلة في إثبات قدرة هللا جل جاللهو اإليمان باليوم اآلخر و وما فيه‬

‫‪24‬‬
‫من بعث وحساب وأهوال‪ ،‬واستخدام أسلوب الجمع بين الثواب والعقاب‪ ،‬فالبشارة للمؤمنين‬
‫والعذاب للطغاة المجرمين‪.‬‬

‫‪-٤‬الموضوع األساسي للسورة هو (إثبات قدرة هللا) ‪ ،‬فقد أثبت هذا الموضوع بأدلة مقنعة‬
‫كافية لإلجابة عن أسئلتهم‪.‬‬

‫‪-٥‬تعتبر األدلة الحسية أحدى األساليب القرآنية في عرض موضوعاته‪.‬‬

‫‪-٦‬المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم؛ ألنه أمر من أمور الغيب وأمور الغيب ال‬
‫يعلمها إال هللا‪.‬‬

‫‪-٧‬ظهر في السورة أن الكفار يحاولون إلصاق التهم للمؤمنين‪ ،‬وذلك بهدف تشويه صورتهم‬
‫والنيل منهم‪ ،‬مع أن تلك الصفات الدنيئة واقعة بهم ال بالمؤمنين‪.‬‬

‫المصادر‬

‫القران الكريم‬

‫أبو المسعود الحنفي‪ ،‬إرشاد العقل السليم في مزايا القرآن الكريم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫بيروت‪ ،‬مجلد ‪ ،٥‬ص ‪.٨١٠ – ٨٠٩‬‬
‫االزهار مختصر طوالع االنوار‪ :‬الشيخ سلمان العبد‪ ،‬تحقيق أحمد الشاذلي ‪ ،‬دار‬ ‫‪.2‬‬
‫الرواق‪ ،‬االزهري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪١/٢٠١٥‬م‪ ،‬ص‪.١٢٣‬‬
‫االساس في التفسير‪ :‬سعيد حوى‪ ،‬دار السالم‪ ،‬مجلد ‪/١١‬ص‪.٦٣٣٣‬‬ ‫‪.3‬‬
‫التحرير والتنوير‪ :‬محمد طاهر بن عاشور‪ ،‬المكتبة االسالمية‪‍ ١٩٩٨ ،‬ه‪ /‬ج‬ ‫‪.4‬‬
‫‪/٣١‬ص‪.١٩‬‬

‫‪25‬‬
‫تعريف و معنى تأثير في معجم المعاني الجامع – معجم عربي ‪ ،‬المعاني‪،‬ج ‪/4‬ص‬ ‫‪.5‬‬
‫‪./٢‬‬
‫الحـدود األنيقـة والتعريفـات الدقيقـة لـزين الـدين أبي يحـيى‪ :‬زكريـا بـن محمـد بـن‬ ‫‪.6‬‬
‫أحمـد األنصـاري‪ ،‬السنيكي المتوفى سـنة (‪٩٢٦‬هـ) ص‪ ٧٩،‬تحقيـق‪ :‬الـدكتور‬
‫مـازن المبـارك‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكـر المعاصـر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪‍٨ ١/١٤١١‬ه‪.‬‬
‫ديمة الشاعر‪ ،‬التأثير باآلخرين والعالقات العامة‪ ،‬ج‪،١‬ص‪.٧‬‬ ‫‪.7‬‬
‫شرح المواقف‪ :‬السيد الشريف الجرجاني‪ ،‬مطبعة بوالق مصر‪‍ ١٢٦٦ ،‬ه‪/‬ص‪.٥٩٣‬‬ ‫‪.8‬‬
‫عبد الحميد كشك‪ ،‬في رحاب التفسير‪ ،‬المكتب المصري الحديث‪ ،‬مجلد ‪ ،٩‬ص‬ ‫‪.9‬‬
‫‪.٧٨٢٩‬‬
‫غاية الوصول شرح لب االصول‪ :‬شيخ االسالم زكريا االنصاري‪ ،‬مصطفى البابي‬ ‫‪.10‬‬
‫الحلبي‪ ،‬واوالده بمصر‪ ،‬ط‪‍ ٢/١٣٥٤‬ه‪١٩٣٦/‬م‪ ،‬ص‪.١١٠‬‬
‫كتاب التعريفات لعلي بن محمد الجرجاني المتوفى سنة (‪٨١٦‬هـ) ص ‪١٠٤،‬‬ ‫‪.11‬‬
‫تحقيق‪ :‬جماعة من‪ ،‬العلمـاء بإشـراف الناشـر‪ ،‬ط‪ ،‬ونشـر‪ :‬دار الكتـب‬
‫العلميـة ‪،‬بـيروت‪ ،‬ط‪١،١٤٠٣‬هـ ‪-١٩٨٣‬م‪،‬‬
‫كتاب التفسير‪ :‬للميسر‪ ،‬الجاللين‪ ،‬السعدي‪ ،‬البغوي‪ ،‬الوسيط‪ ،‬باب تفسير ومعنى‬ ‫‪.12‬‬
‫االية ‪١٤‬عدد االيات ‪/ ٤٠‬ص‪/٥٨٢‬ج‪.٣٠‬‬
‫كتاب التفسير‪ :‬للميسر‪ ،‬الجاللين‪ ،‬السعدي‪ ،‬البغوي‪ ،‬الوسيط‪ ،‬باب تفسير ومعنى‬ ‫‪.13‬‬
‫االية ‪١٤‬عدد االيات ‪/ ٤٠‬ص‪/٥٨٢‬ج‪.٣٠‬‬
‫الكليات معجم في المصـطلحات والفـروق اللغويـة ألبي البقـاء أيـوب بـن موسـى‬ ‫‪.14‬‬
‫الكفـوي المتـوفى‪ ،‬سـنة (‪١٠٩٤‬هــ) ص‪ ٤٣٩،‬تحقيـق‪ :‬عـدنان درويــش‪ ،‬ومحمــد‬
‫المصــري‪ ،‬ط‪:‬مؤسســة الرســالة بيروت‬
‫لسان العرب‪ :‬البن منظور‪ ،‬مادة (أمن)‪ ،‬ج‪،١٣‬ص‪.٢٣‬‬ ‫‪.15‬‬
‫محمد الشوكاني‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬م ‪ ،١١‬ص ‪.٤٤٦‬‬ ‫‪.16‬‬

‫‪26‬‬
‫معجــــم مقــــاييس اللغــــة ألبي الحســــين أحمــــد بــــن فــــارس بــــن زكريــــاء‬ ‫‪.17‬‬
‫الــــرازي المتــــوفى ســــنة‪٣٩٥ ،‬هــ)‪،٢٥٩/٢-٢٦٠،‬تحقيـق‪ :‬عبـد السـالم محمـد‬
‫هـارون ‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكـر‪١٣٩٩ ،‬هــ ‪٢٠٠١-‬م‪.‬‬
‫هبة الزحيلي‪ ،‬التفسير الوسيط‪ ،‬دار الفكر دمشق‪ ،‬ج ‪ ،٣‬ص ‪.٢٨٠٧‬‬ ‫‪.18‬‬
‫الوجود ودالالته في الفكر الفلسفي أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬زينه علي جاسم‪ ،‬مجلة كلية الفقه ‪ /‬مجلة‬ ‫‪.19‬‬
‫فصلية علمية محّك مة ‪ /‬العدد ‪30/2019‬م‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬حاشية العطار على جمع الجوامع‪ ،‬طبع دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬مصورة‬ ‫‪.20‬‬
‫عن طبعة حجرية‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ج‪،٢‬ص‪٢٣٨‬‬

‫‪27‬‬

You might also like