Professional Documents
Culture Documents
مدخل إلى علم الترجمة
مدخل إلى علم الترجمة
اتريخ النشر0202/27/27 : اتريخ اإلرسال 0202 /22 /20:اتريخ القبول0202 /20 /02 :
ملخص :يدور موضوع هذا البحث حول الرتمجة من حيث اجلانب النظري الذي يعد
املكون األساسي للممارسة الفعل الرتمجي ،هلذا تطرقت يف هذه الورقة بشكل مباشر إىل الدور
الرئيس الذي تلعبه الرتمجة يف مد اجلسور بني احلضارات والشعوب يف مجيع جماالت احلياة اليومية،
سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية ،ألن بواسطتها يتم شق السبل ملعرفة
الثقافات األخرى واإللطعاع عل أعرافها وتقاليدها واالستفادة منها ومن اجاراها عل مستوى مجيع
اجملاالت؛ لذلك تعترب من أهم الوسائل املستخدمة منذ القدم يف خلق هذا التفاعل الثقايف
واحلضاري الذي مي ّكن الشعوب من االستفادة من بعضها البعض السيما وأهنا حتظ مبكانة متميزة
بفضل إسهامها ال فعال والكبري يف معرفة اآلخر واالنفتاح عليه وعل ثقافته ،مث الدخول معه يف
حوار؛ مث تناولت دور املرتجم ومسامهته يف إخراج نص حيقق ذلك التفاعل بني الثقافات.
الكلمات املفتاحية :الرتمجة ،اللغة األصل ،اللغة اهلدف ،املثاقفة ،التواصل الثقايف.
Abstract : The present article deals with the concept of
translation and its key role in establishing intercultural
communication and building bridges between peoples of different
cultures and civilizations around the world. Translating a
language to another one entails transmitting cultural values and
traditions of one particular cultural group to another different one.
Hence, translation is widely used as an important tool to get two
cultures closer in a way that makes peoples of different cultures
interact and exchange their values, experiences and perspectives.
In fact, translation has been long used as an effective tool
throughout the human history to open eyes to other civilizations
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
36
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
37
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
38
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
املصطف عمراين يف مقاله الرتمجة بني املثاقفة والعوملة حينما دهب " ...إىل أن الرتمجة
-ابعتبارها جسر التواصل بني اللغات املتعددة والثقافات املختلفة واحلضارات
املتمايزة -من اآلليات اليت اعتمدهتا اجملتمعات منذ بداية تشكعاهتا األوىل وحىت هذه
4
اللحظة ،يف التعريف بنمط عيشها وآدااها وفلسفتها وتقاليدها وثقافتها"...
من هنا أضحت الرتمجة والتواصل وجهني لعملة واحدة ،حبيث تربطهما ععاقة
ولطيدة ختتزل يف عمقها واقع تعايش احلضارات املختلفة يف ظل التنوع الثقايف،
السيما وأن الوجه األول (الرتمجة) يلعب دورا لطعائعيا كبريا لتحقيق ذلك الوجه الثاين
(التواصل) بني احلضارات ،كما أنه السبيل األقوى واألهم يف االلطعاع عل املنجزات
العلمية والثقافية وتبادل املعارف ،مما يتيح كذلك التعرف عل ثقافات وعلوم األمم
األخرى وكذا اجديد قدرات العقل وانفتاحه عل احلركة الثقافية العاملية اليت تثري
التجربة اإلنسانية أبشكال خمتلفة.
ورمبا قد تكون عملية الرتمجة قياسا للدرجة احلضارية والثقافية اليت وصلتها
الشعوب املختلفة ،فاألمم اليت ال تقوم برتمجة أعمال من لغات أخرى للغتها األم،
سواء كانت علمية أو ثقافية أو اقتصادية أو االجتماعية أو فنية وتبق حبيسة ثقافتها
اخلاصة ،فتكون منعزلة مقطوعة عن سري احلضارة اإلنسانية املعاصرة ،ألن اهلدف
األمس واألساسي للرتمجة حسب أنطوان برمان هو " ...إقامة ععاقة مع اآلخر
[املختلف والغريب] عل مستوى املكتوب وإخصاب الثقافة اخلاصة عرب تعاقحها مع
الثقافة األجنبية .5"...
بناء عل هذا يتبني جليا الدور األساسي واهلام للوسالطة ،والذي تلعبه عملية
ال رتمجة يف شكلها التقليدي ،حيث حتقق ذلك التواصل الثقايف والفكري بني الشعوب
واحلضارات املختلفة ،واألمر نفسه أكده املصطف عمراين بقوله " ...كنتيجة حتمية
هلذا التواصل الكوين ،أصبح التفاعل بني الثقافات القومية واحلضارات املختلفة يعتمد
عل الرتمجة ليس ابعتبارها ترفا فكراي بل ضرورة إنسانية أملتها شروط االختعاف
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
39
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
والقائمة بني األمم ،ألنه لوال هذا االختعاف والتعدد ملا كانت الرتمجة ضرورية وال حىت
ممكنة" ،6مبعىن أن من خعاهلا يتم إاتحة فرصة أكرب لتبادل وتعاقح مث توالد أفكار
جديدة تدعم بنية احلضارة اإلنسانية عموما رغم اختعاف مشاراها ،وكذا تشكيل
فضاء معائم للحوار واملثاقفة ،ألهنا تعد من احملركات األساسية والفعالة يف إنتاج هذا
التفاعل والتعايش اليت تربط بني تلك الثقافات اإلنسانية ،أو ابألحرى ضرورة قصوى
للتطور والنمو وتبادل األفكار واإلجنازات فما من حضارة يف التاريخ إال واغرتفت من
حضارات أخرى.
وإذا كانت الرتمجة حتمل يف لطياهتا فكرة التقارب والتعايش مع اآلخر
واإلنصات إليه وإفادته واالستفادة منه ،وعبارة عن جسر تواصلي عظيم يربط بني
خمتلف الثقافات ،أو ابألحرى ،القناة التواصلية اليت حترص عل تقليص املسافة بني
األمم عن لطريق االلطعاع عل أعماهلا األدبية واإلبداعية ومنجزاهتا وخرباهتا ،وكذا
مسامهتها يف خلق حوار ضمين بني اجارب الشعوب ،عرب تفاعل وتبادل الثقافات،
وتقلل من حدة التباعد والتنافر فيما بينها ،فإن هذا ال يتأت بطبيعة احلال إال إذا
كانت هذه العملية التطبيقية ختضع إىل قواعد وأسس تراعي خصوصيات اللغتني
(اللغة األصل واللغة اهلدف) ،حبيث إن اللغة يف جوهرها هي مبثابة الوسيلة األساسية
اليت يعتمد عليها ألطراف عملية التواصل يف منظومة الرتمجة ،فبدون إدراك املرتجم
خلصائص اللغتني وقلة معرفته ابلرتاث الثقايف واللغوي وعدم إملامه خبصائص أساليبه
وبناءه النحوي سواء كانت لغة (األصل أو اهلدف) ،حبيث إن سعاحه هو املعرفة
خببااي اللغة ودقائقها والفهم العميق للسياق الذي يرتجم فيه ابإلضافة إىل النص
الذي هو بصدد ترمجته ،فقد جيد نفسه أمام عقبات لغوية وثقافية جيب أن يتغلب
عليها ويذللها حىت يتمكن من إجياد توازن مقبول بني النصني دون أن يلحق اهما
إجحافا ،ويضمن جناح عملية التواصل بني كاتب النص ابللغة األصل واملتلقي يف
اللغة اهلدف وحىت ال يساهم يف تشويه العمل املرتجم عل املستويني الثقايف واللغوي
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
40
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
معا ،ألن كل لغة تتوفر عل نظام خاص اها من حيث بنية كعامها تركيب مجلها
وعباراهتا فإذا اختل هذا النظام يف انحية من نواحيه لن يتحقق الفهم والتواصل
املرجو ،لذا يقول الدكتور محيد حلميداين يف هذا الصدد " ...ويقصدون بذلك أن ال
حيدث أي نوع من التنافر بني تلك املعطيات والبنية اللغوية اجلديدة ،عل اعتبار أن
هاته البنية متثل ثقافة أخرى بل حضارة هلا خصوصياهتا املتميزة عن حضارة النص
7
املرتجم يف مستوى لغوي وصياغات تراعي خصوصية املنبع" ،مبعىن أن يكون النص َ
اللغة اهلدف وقواعدها وكذا ضوابطها حىت ال يتيه املتلقي وينزلق بعيدا عن أسلوب
ومضمون النص األصلي وتستعصي عليه عملية الفهم واإلفهام ،لذلك جيب احلرص
كل احلرص من قبل املرتجم عل ضبط كل هذه القواعد واألسس اليت تساهم بنسبة
كبرية يف إخراج نص يف قالب جديد ويف لغة جديدة يراعي معايريها اللغوية،
والرتكيبية ،والداللية ،والصرفية ،والنحوية والصوتية ،وكذا اجلانب الثقايف للغتني حىت ال
تبق عملية الرتمجة جمرد عمل تقين صرف منفصل عن النسق الثقايف والسياق التارخيي
لألمم واحلضارات ،بل عمعا منخرلطا يف صلب العملية التنموية وترسيخ القيم الكونية
املشرتكة ،واختيارا حضاراي تؤلطره رؤية اسرتاتيجية تتصل ابملرتجم وبصميم فعل الرتمجة
الذي يزاوله ،من حيث املوضوع والصياغة والغاية واهلدف ،من أجل بناء فضاء
مشرتك ميجد االختعاف ويرتجم التعدد إىل تداول لألساليب واألدوات وتفاعل
وتعاقح للمعارف واخلربات ،وكذلك إعادة بناء اهلوايت وحتريرها من هيمنة اخلطاابت
املتشبعة ابألان واخلصوصية اليت ال تقوى عل االنفتاح والنقد واملساءلة ،ألن جوهرها
8
حسب برمان هو "االنفتاح واحلوار والتهجني والعامتركز".
لعل ما يؤكد هذه الوظيفة التواصلية اليت تقوم اها الرتمجة هو أن احلضارات
اإلنسانية قد عرفت عل مر التاريخ أشكاال خمتلفة من التعاقح والتواصل ،وذلك
بتبادل املعارف واخلربات يف ظل االعرتاف ابلتنوع الثقايف ،إذ تفاعلت فيما بينها
واغرتفت من بعضها البعض يف جماالت متعددة كاألدب والفلسفة والطب ،وسخرت
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
41
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
كل جمهوداهتا يف دراستها وتفسريها ،من أجل بناء مسارها العلمي؛ لذا شكلت
الرتمجة قنطرة عبور األفكار وتشكيل الرؤى ومتكني الذات من االنفتاح عل اآلخر
والتواصل معه ،حيث يقول املصطف عمراين يف هذا الصدد" :ولنا يف احلوار بني
احلضارة العربية اإلسعامية واحلضارة الغربية عل مر التاريخ شاهدا عل دور الرتمجة يف
هذا التعاقح والتواصل ...فاحلضارة العربية اإلسعامية يف حلظة من حلظات بناء
صرحها الكبري مل تتقوقع عل نفسها ،بل حاولت يف إلطار املثاقفة وعرب حركية الرتمجة
أن تتفاعل مع احلضارات األخرى وأن تغرتف من منابعها يف ميادين الفلسفة واملنطق
واألدب والنقد واهلندسة والكيمياء والطب وغريها من اجملاالت ،9"...والشاهد عل
هذا هو استفادة احلضارة اليواننية من احلضارات األخرى القدمية اليت جاورهتم
كاحلضارة الفارسية واملصرية القدمية وترمجت عنهم كنوز العلم والتنجيم والفن
والرايضيات ،واليت اقتبست عنها ضرواب من العلوم واملعارف ،واألمر نفسه ابلنسبة إىل
الثقافة العربية حيث عرفت فضل الرتمجة حىت أهنم أخذوا بنقل العديد من املعارف
كانوا حباجة إليها عن الشعوب اليت كانت حتيط اها وانتعشت واحتكت اها ،كالروم
يف الشمال والفرس يف الشرق واألحباش يف اجلنوب ،وأخذت منها فرضيات وقواعد
أعادت صياغتها وبناءها يف قالب آخر عل يد علماء عرب تطوروا بواسطة ما
حصلوا عليه من معارف وعلوم عن لطريق ترمجة جمموعة من املؤلفات عن الرتاث
اهلندي والفارسي واليوانين القدمي ،عل سبيل املثال ال احلصر ،مؤلفات أرسطو
"كاألخعاق" ،وكتاب "الطبيعة" الذي ترمجهما حنني بن اسحق ،وابن املقفع الذي
نقل مؤلف "كليلة ودمنة" من اللغة الفارسية إىل العربية يف عهد اخلليفة ابن جعفر،
لذلك يقول دمحم الديداوي يف هذا الصدد "وخبصوص العربية ،فإن ما ترجم إليها قدميا
خارج نطاق اللغة التخصصية ،أي لغة الفلسفة والعلم آنذاك ،وعدده قليل ال يكاد
يذكر ،إال أنه ظل شهورا مذكورا ،ومن ذلك كتاب كليلة ودمنة ،الذي نقله ابن املقفع
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
42
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
نقل املبدع ،إذ أدخل به الوسائل اجلمالية للغة الفارسية ألسلوب اجلاحظ وبيانه الذي
10
أتثر به ،وكتاب ألف ليلة وليلة ،الذي كيفه العرب مع بيئتهم وثقافتهم وجمتمعهم".
دور املرتجم يف إجناح هذه الوظيفة: .3
وعليه ،إذا كان هدف عملية الرتمجة التداخل الثقايف وتولطني املعرفة بني
الشعوب ،كما جاء من قبل ،فقد يكون ذلك يف حال أن املرتجم ،بطبيعة احلال،
يقوم ابلدور امللق عل عاتقه مبسؤولية واحرتافية أثناء ممارسة مهنته الرتمجية ،ألنه
يعترب العنصر احملوري حيث بواسطته يتم إنشاء ععاقة أتثري وأتثر؛ لذلك يعد دوره
حموراي ابلنسبة للمبادئ واملناهج األساسية يف عملية الرتمجة؛ إذ من الضروري أن يكون
أمينا وفيا خعال قيامه ابلرتمجة ،ليس فقط يف نقل الكلمات ،بينما يف نقل احلمولة
الثقافية واملعرفية للنص األصلي لعل هذا ما يشري إليه األستاذ الدكتور أمحد بن
12
رمضان( )11بقوله " ...جيب عل املرتجم األخذ بعني االعتبار القيمة الثقافية"،
مبعىن جيب عليه فهم النص والتعبري عما فهمه آخذا بعني االعتبار نوعية أسلوب
املؤلف وتعبرياته ودالالت عصره ،واستحضار اجلمهور الذي سيرتجم له مراعيا ظروفه
حىت تكون الرتمجة أمينة ،خصوصا وان املراد ابألمانة يف هذا املضمار هو نقل
مضمون النص األصلي بدون حتريق فيه ،ولكن بدون تشويه يف شكل اللغة اليت ينقل
إليها ،وهذا ما اشرتلطه الدكتور سعيد علوش حينما قال "يشرتط يف الرتمجة خفة الروح
وحضور البال ،واتساع جماري اخليال ،مع القدرة عل السبك واحلبك والتعبري الفصيح
والسليم ،واملطالعة املستمرة ،واملران الذي ال يعرف الكلل وال امللل ،وجيب أن تكون
الرتمجة أمينة التأدية ،13"...هلذا يتضح من خعال هذه املبادئ األساسية ضرورة
األخذ بعني االعتبار قضية األمانة والوفاء اليت تعد من القضااي األساسية اليت تساهم
يف حتقيق اهلدف املنشود من عملية الرتمجة يف شقها التطبيقي ألهنا تعترب من
أخعاقيات املرتجم ،السيما وأن هذه األخعاق هتدف إىل حتقيق كل ما يرجوا املرء
الوصول إليه بطرق اجعله يقرتب من اآلخر ومن ثقافته ،لذا فأمانة املرتجم اليت
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
43
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
نتحدث عنها هنا ال تقتصر عل تعليم العلم واألمانة يف نقله ،بل تتجل يف الدقة
وحتري الفهم الصحيح واألمني للمعىن مبا يضمن إحداث نفس األثر الذي يتضمنه
النص األصلي عل مستوى املضمون واحملتوى الثقايف ،ألن بواسطة وفائه وأمانته
يسهم يف تطوير ثقافة اجملتمع من خعال ما ينقله إىل ثقافة اللغة اليت يرتجم إليها،
ذلك من أجل أن يتحقق الدور الذي تراهن عليه الرتمجة بني الثقافات ،حيث يعترب
دورا حيواي يف بناء صرح حضارات الشعوب من خعال مسامهتها يف إرساء قواعد
التداخل الثقايف بني احلضارات ويتفادى الصدام الذي قد ينشأ بني الثقافات عن
لطريق عدم أمانته واحرتامه لألفكار واخلصائص الثقافية للنص األصلي؛ وكما جيب
عليه أيضا أن يكون ملما إملاما اتما ابحلقل الذي يشتغل فيه من أجل أن ححيدث أتثريا
مماثعا ومطابقا للتأثري الذي يتضمنه النص األصلي كي ال يتم تشويهه وعدم حتقيق
الغاية من العمل املرتجم ابلنسبة إىل املتلقي ،هلذا تطرق األديب والكاتب اجلاحظ يف
كتابه احليوان إىل هذا املوضوع رغم أنه مل يكن مرتمجا " ...لذلك كانت غاية صلته
ابألمر أنه كان غزير االلطعاع عل ما جرت ترمجته يف عصره من العلوم واآلداب من
لغاته املختلفة كالفارسية واليواننية واهلندية ،14" ...بينما كان ذا اهتمام واسع
ابلرتمجات العربية املنجزة ،إذ إنه قام بتعديل عدة نسخ عربية حيث استطاع
مبوسوعيته حتديد دور املرتجم وشرولطه من خعال نصه الشهري "والبد للرتمجان من أن
يكون بيانه يف نفس الرتمجة يف وزن علمه يف نفس املعرفة ،وينبغي أن يكون أعلم
الناس ابللغة املنقولة واملنقول إليها حىت يكون فيهما سواء وغاية .مىت وجدانه أيضا
قد تكلم بلسانني علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما ألن كل واحدة من اللغتني
15
اجتذب األخرى وأتخذ منها وتعرتض عليها." ...
من هنا ميكننا أن نستشف الشروط األساسية والضرورية اليت سطرها اجلاحظ
واليت جيب توفرها يف املرتجم من أجل احلصول عل ترمجة معائمة ومرضية تراعي ذلك
التبادل والتداخل الثقايف بني الشعوب وتدحض الصدام وفك العزلة ،وتدعم احلوار
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
44
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
والتعاقح بني أمم األرض فتسهل التواصل بينها وتفتح النوافذ عل الثقافات األخرى،
وكل هذا يتطلب من املرتجم اكتساب مهارات متعددة تتعلق مبا هو معريف ،وثقايف،
ولغوي ،وتنظيمي مث تواصلي ،حىت يتمكن من الوصول إىل جوهر مضمون النص
األصلي ونقله وإيصال أفكاره بكل ما حتويه من مكوانت لغوية وداللية وثقافية إىل
نص بلغة اهلدف بكفاءة وأمانة عالية ،ألن الرتمجة تعد من أهم الروافد اليت تصب يف
الثقافة اإلنسانية وتعمل عل تطويرها ،لذلك فإلطعاع املرتجم وإملامه بثقافة أهل اللغة
اليت ينقل منها أو إليها يكون الوسيلة الفعالة يف إنتاج وخلق وتوسيع دائرة احلوار
التواصلي احلضري واملثاقفة( ،)16ألن هذا ما ذهب إليه عبد السعام بنعبد العايل،
املرتجم ومنوه وتكاثره
عندما قال "فليست الرتمجة إذن هي ما يضمن حياة للنص َ
فحسب ،وإمنا هي ما يضمن أيضا حياة اللغة والفكر ومنومها .ورمبا هلذا السبب فإن
أزه عصور الفكر غالبا ما تقرتن ابزدهار حركة الرتمجة .اهذا املعىن تكون الرتمجة ،ال
17
ععامة عل تبعية ونقل واجمد وموت ،وإمنا عل انفتاح وغليان وتعاقح وحياة".
نتوصل مما سبق إىل أن عملية الرتمجة عبارة عن اخليط الناظم الذي يربط بني
اجملتمعات بعضها البعض من أجل التعبري عن أفكارها ومشاعرها ،وكذا الوسيلة الدالة
عل عظمة االختعاف وسبيعا هادفا إىل الثراء واالغتناء ودعم نسيح احلضارة
اإلنسانية ،مث القنطرة اليت تتواصل وتتفاهم اها احلضارات املتباينة املتباعدة ،ألن
بواسطتها يتم تقريب ذلك التباعد وتزدهر النهضة الفكرية والثقافية واالقتصادية
واالجتماعية للشعوب ،ألهنا تعرب عن أبعاد حضارية قابلة للتعميم واالنتشار عن لطريق
تفاعل الثقافات يف إلطار الععاقات املبنية عل التمازج والتبادل الثقايف احلر ،واإلبداع
بني خمتلف الشعوب الثقافية عرب الكلمة الفاعلة؛ لذلك كلما اجنبت هذه العملية
االستععاء الثقايف إال وجنحت يف نشر ثقافة التعاقح والتمازج واملثقافة ،وتلبية احلاجة
التواصلية بني اإلنسان ،سواء كانوا فرادى أو مجاعات ،ويف كل احلقب واألماكن،
ذلك بتأثريها اإلجيايب العميق يف وجدان املتلقي لتصبح جزءا من تراثه الثقايف .فهي،
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
45
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
ابلدرجة األوىل ،من اجلانب الثقايف واحلضاري ،نشاط إنساين ثقايف حي قادر عل
حتويل موارد اجملتمع إىل قوى حمركة للطاقات اإلبداعية فيه ،ولديها القدرة عل حتول
الثقافة إىل فعل حضاري ،مث دينامية قوية لتغيري اجملتمع ،بعد أن أصبح العامل كله
مساحة ثقافية واحدة يف عصر العوملة ،يعيش نوعا من التفاعل اليومي واملباشر بني
خمتلف أشكال الثقافات واللغات والشعوب.
خامتة .4
خعاصة القول تبق الرتمجة عملية ال غىن عنها يف عصران الراهن ،ذلك أهنا
السبيل الثقايف الناجع لعاتصال بني الثقافات اإلنسانية بتبادل األفكار واملعارف
واآلراء يف شىت احلقول الفكرية بذلك يقول الدمريال إن "الرتمجة هي نشاط إنساين
عاملي أصبحت ضرورية ،يف كل احلقب ويف مجيع أحناء العامل ،ابلنسبة إىل االتصاالت
بني اجملتمعات النالطقة بلغات خمتلفة ،سواء كانت هذه االتصاالت فردية أو مجاعية،
آنية أو مستمرة ،مرتبطة بتيارات التبادالت االقتصادية أو تظهر يف مناسبات السفر
أو تقوم اهدف تقنني املؤسسايت".18
اهلوامش:
- 1أنطوان برمان ،الرتمجة واحلرف أو مقام البعد ،تر .عزالدين اخلطايب ،املنظمة العربية للرتمجة،
بريوت ط ،0212 ،1ص .11
- 2املرجع نفسه ص12 .
- 3املرجع نفسه ص69 .
- 4املصطف عمراين ،الرتمجة بني املثاقفة والعوملة ،جملة فكر ونقد السنة 12العدد ،69فرباير
،0221دار النشر املغربية ،البيضاء ،ص.09 .
- 5أنطوان برمان ،ص 11
- 6مصطف عمراين ،ص .09
- 7محيد حلميداين ،الرتمجة األدبية التحليلية – ترمجة شعر بودلري منوذجا – مشروع البحث
النقدي ونظرية الرتمجة ،ط .األوىل ،0229 ،ص .6
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
46
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
8
- Antoine Berman, L’épreuve de L’étranger, culture et traduction dans
l’Allemagne Romantique, Gallimard,1984 ,p. 16.
- 9املصطف عمراين ،ص.02 .
-10دمحم الديداوي ،مفاهيم الرتمجة ،املركز الثقايف العريب ،البيضاء ،0222 ،ص.20 .
( ) 11أستاذ الدراسات اإلسبانية بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ظهر املهراز فاس.
12
- Ahmed BENRAMDAE , problemas de la didactica de la traduccion
la tarea de traducir del español al arabe y viceversa, Mgriberia, año 3. 2009,
Facultad de Letras y Ciencias Humanas Dhar el Mahraz, féz, p. 194 .
- 13سعيد علوش ،شعرية الرتمجات املغربية لألدبيات الفرنسية ،منشورات مدرسة امللك فهد العليا
للرتمجة ،لطنجة ،ص.02 .
-14حسن حبراوي ،أبراج اببل ،شعرية الرتمجة :من التاريخ إىل النظرية ،كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية الرابط ،ط .0212 .1 .ص99 .
-15اجلاحظ ،أبو عثمان :احليوان ،ج ،1 .تح .عبد السعام هارون ،دار الكتاب العريب ،بريوت،
،1696ص .29
( -)16اجدر اإلشارة إىل أن مصطلح املثقافة هو فعل ثقايف تواصلي يوحي إىل التعاقي ،والتمازج
والتفاعل وتبادل األفكار ،ألته خيتزل يف عمقه واقع تعايش ثقافات خمتلفة ،ويعرب عن جمموعة من
الظواهر النااجة عن احتكاك مستمر ومباشر بني جمموعات أفراد تنتمي إىل ثقافات خمتلفة يؤدي إىل
تبادل أفكارهم ومعرفة ما لديهم ،وااللطعاع عل أمناط تفكريهم وأساليب حياهتم ،وابتكار السبل
اليت متكنه من حتقيق ذلك مث االستفادة منه مبا جيده انفعا ومفيدا.
-17عبد السعام بنعبد العايل ،الرتمجة واملثاقفة ،جملة الوحد ،السنة ،9العدد ،90-91أكتوبر/
نونرب ،1616ص .1
18
- Jean-René, LADMIRAL , traduir : théorèmes pour la traduction,
Gallimard, Paris, 1994, p. 11.
-قائمة املصادر واملراجع:
أنطوان برمان ،الرتمجة واحلرف أو مقام البعد ،تر .عزالدين اخلطايب ،املنظمة العربية .1
للرتمجة ،بريوت ط.0212 ،1 .
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
47
جملة متثالت جملة علمية أكادميية/جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ISSN:2437-0622
اجلاحظ ،أبو عثمان :احليوان ،ج ،1 .تح .عبد السعام هارون ،دار الكتاب العريب، .0
بريوت.1696 ،
حسن حبراوي ،أبراج اببل ،شعرية الرتمجة :من التاريخ إىل النظرية ،كلية اآلداب والعلوم .3
اإلنسانية الرابط ،ط.0212 .1 .
محيد حلميداين ،الرتمجة األدبية التحليلية – ترمجة شعر بودلري منوذجا – مشروع البحث .1
النقدي ونظرية الرتمجة ،ط .األوىل.0229 ،
سعيد علوش ،شعرية الرتمجات املغربية لألدبيات الفرنسية ،منشورات مدرسة امللك فهد .9
العليا للرتمجة ،لطنجة.
عبد السعام بنعبد العايل ،الرتمجة واملثاقفة ،جملة الوحد ،السنة ،9العدد ،90-91 .9
أكتوبر /نونرب .1616
دمحم الديداوي ،مفاهيم الرتمجة ،املركز الثقايف العريب ،البيضاء.0222 ، .2
املصطف عمراين ،الرتمجة بني املثاقفة والعوملة ،جملة فكر ونقد السنة 12العدد ،69 .1
فرباير ،0221دار النشر املغربية ،البيضاء.
1. Ahmed BENRAMDAE , problemas de la didactica de la
traduccion la tarea de traducir del español al arabe y viceversa, Mgriberia,
año 3. 2009, Facultad de Letras y Ciencias Humanas Dhar el Mahraz, féz
2. Antoine Berman, L’épreuve de L’étranger, culture et traduction
dans l’Allemagne Romantique, Gallimard,1984 .
Jean-René, LADMIRAL , traduir : théorèmes pour la traduction,
Gallimard, Paris, 1994
اجمللد 5العدد 2جويلية 0202 جملة متثالت الثقافية والفكرية والثقافية ،إبداع ،تواصل ،نقد
48