Professional Documents
Culture Documents
Document 1
Document 1
بدأ العالم ببطء يستوعب معنى السعودية الجديدة ،ودفع البعض من الدول والقيادات ضريبة عدم استيعابها
مبكراً ،فاإلنجازات تتصف بالشمول والتكامل ،وتنطلق من رؤية جامعة يدعمها قرار صارم ،والدول ال
تحتاج إلى أكثر من ذلك حين تدفعها رغبة جامحة للنهوض والترقي ،والنموذج السعودي ما زال في طور
.البناء ولما يصل لمنتهاه بعد
قصة العلم والتيارات المهيمنة في التاريخ العربي الحديث قصة طويلة ،وهي ذات سياق خاص حين الحديث
عن السعودية ودول الخليج العربي؛ فقد مرت بشباب الخليج تأثيراتٌ للتيارات الفكرية العربية السائدة في
فترات زمنية مضت ،فكانت القومية العربية وشعاراتها والشيوعية واليسارية ومزايداتها ،ثم جاءت
آيديولوجيات اإلسالم السياسي واستمرت طويالً ،ولكن السعودية الدولة كانت تراهن على «العلم» أكثر
وعلى «المعرفة» ،وقد شهدت حراكا ً ثقافيا ً وفكريا ً استمر لعقو ٍد م َّهد الطريق للنهضة التي تعيشها وتبنيها
.وتقودها السعودية الجديدة في المنطقة
في عام ، 2007نشر كاتب هذه السطور مقالة بعنوان «شمس ثقافة خليجية» جاء فيها ما نصه« :أحسب أن
الحقبة المقبلة ستكون حقبة خليجية بجدارة ،إن استمرت بعض المعطيات الحالية على ما هي عليه ،وتمت
تنميتها واالستثمار فيها» .وهكذا كان ،وبشكل لم يخطر ببال حينها ،وما وصول ريانة برناوي وعلي القرني
.لـ«محطة الفضاء الدولية» إال نتيجة لقصة طويلة توجتها «رؤية »2030السعودية المبهرة
القصة السعودية مع «الفضاء» هي أقدم القصص العربية؛ ففي منتصف الثمانينات كانت السعودية على
موعد مع أول رائد فضاء عربي على اإلطالق ،وهو األمير سلطان بن سلمان الذي كان وصوله للفضاء
حدثا ً تاريخيا ً مهماً ،وقد استأنفت السعودية المسيرة برؤية ولي عهدها ،وأنشأت «هيئة الفضاء» ،وبدأت
.برامج إلرسال الرواد إليه خدمةً للعلم وللبشرية وللوطن
صنِعت األسبوع الماضي؛ بوصول أول رائدة فضاء تابع السعوديون والعرب بشغفٍ لحظة تاريخية جديدة ُ
سعودية عربية مسلمة إلى محطة الفضاء الدولية ،هي العالمة ريانة برناوي ،ورائد الفضاء السعودي الثاني
عراض ،وكانت لحظة وصولهما لحظة تحكي بصدق تقدم ٍ علي القرني ،وهما محمالن بأحالم كبار وآمال
.دول الخليج العربي حقيقة وواقعا ً بشكل ال مثيل له
عند دخول الرائدين كان في استقبالهما رائد الفضاء اإلماراتي سلطان النيادي الذي سبقهما إلى المحطة،
واحتفى بهما بطريقة خليجية خاصة ،وقدم لهما «التمر» ،الذي هو الغذاء الذي عاش عليه مواطنو الجزيرة
العربية منذ قرون متطاولة وما زالوا ،وهو رمز الكرم والضيافة والحفاوة ،وكم هي لحظة معبرة كثفت
.التاريخ والحاضر والمستقبل في خدمة العلم والمعرفة والبشرية جمعاء
ليس سرا ً أن السعودية واإلمارات تتنافسان القمة عربيا ً في الوصول إلى النهضة والتقدم والرقي ،وقد قالها
ولي العهد السعودي صاحب الرؤية صراحة أمام المأل قبل سنواتٍ ،وما أعظمه مِن تنافس حين يكون في
العلم والتقدم والمعرفة وخدمة اإلنسانية ،وتقود الدولتان اقتصادين ناجحين ،وتنفقان بسخاء على التقدم ،وفي
الفضاء تحديدا ً لدى ك ٍل منهما مسيرة عطرة ،ورائدا فضاء ،األمير سلطان بن سلمان وعلي القرني سعودياً،
.وهزاع المنصوري وسلطان النيادي إماراتياً ،وأول رائدة فضاء سعودية
موجز ومكثفٍ شرح وزير االتصاالت وتقنية المعلومات عبد هللا السواحة مهمة رائدي الفضاءٍ في مقطع
السعوديين ،وبماذا تخدم أبحاثهما البشرية في 3مجاالت رئيسية :عالج مرض السرطان وعالج االلتهابات
المزمنة واالستمطار ،وأبان بتفصيل عن بؤرة البحث العلمي لك ٍل منها والتكامل بين رائدي الفضاء
السعوديين والجامعات ومراكز البحوث السعودية والمؤسسات العالمية المعنية ،وكل ذلك برؤية ودعم
.وتذليل للصعاب من ولي العهد السعودي مباشرة
قصة االستمطار قصة مهمة ،وهي تكثف المعنى الذي تعبر عنه هذه الرحلة التاريخية علميا ً وعملياً.
السعودية بلد صحراوي ،وفي رؤية السعودية 2030اهتمام كبير بالمناخ والبيئة على جميع المستويات ،وقد
أطلق ولي العهد السعودية 3مشاريع« :الرياض الخضراء» و«السعودية الخضراء» و«الشرق األوسط
ال للبرنامج الوطني لالستمطار األخضر» ،وعمليات االستمطار بدأت في السعودية منذ 2006تقريباً ،وصو ً
والتجارب التي يجريها رائد الفضاء علي القرني ،في «محطة الفضاء الدولية» تخدم هذه الرؤية وهذا
المشروع بأبعاده المتعددة ،ويستهدف رفع كفاءة االستمطار بشكل ملحوظٍ في الفترة المقبلة ،وهو مشروع
.سيخدم السعودية والمنطقة والعالم بأسره في المستقبل الذي ستصبح المياه فيه أغلى من كل شيء
بُعد آخر أشار إليه الوزير السعودي ،وهو فكرة خدمة البشرية في رؤاها المستقبلية لعمليات االستمطار في
متابع الرؤيةَ والوعي الذي يقود مثل هذه
ٍ كواكب أخرى ،مثل المريخ ،وهذا الشرح المبسط يوضح لكل
التوجهات ،والتفاصيل العلمية الدقيقة لكل تجربة ،والنتائج المرجو تحققها مستقبالً ،وهو يسجل عودة
ٍ.تاريخية للعرب للمساهمة في التقدم اإلنساني والبشري بعد انقطاع طويل
الكارهون للتقدم السعودي في كل المجاالت كثيرون ،ولك ٍل أسبابه ،وهم ينتقدون إنفاق السعودية على العلم
والمعرفة بشكل مخج ٍل ،بينما بلدانهم تنفق أضعاف ما تنفقه السعودية لتقتل شعوبها ،وتثير الحروب
والصراعات والفوضى ،وتياراتهم الفكرية عكفت عقودا ً على خلق الكراهية والشعارات والمزايدات الفجة،
.وهذه المقارنة السريعة هي أبلغ ر ٍد على كل هذا التحشيد المغرض المفضوح
لحظات الفخار الوطني في تواريخ األمم والشعوب حرية باالحتفاء واالحتفال والتمجيد .إنها تلهم األجيال
نور يهدي وطاقة من حماسة تدفع للمزيد، وتوقد الوطنية وتجمع الصفوف وتوحد الجهود .إنها قبس من ٍ
.وهنيئا ً لمن كان فخاره الوطني دافعا ً للمستقبل والتقدم والرقي ال للكراهية والفوضى والدمار
رائدا الفضاء السعوديان ورائد الفضاء اإلماراتي يرسلون صورا ً ومقاطع متكررة ويومية تظهر بالصوت
ال سوى االنزواء فيوالصورة والنقاش الهادئ مبادئ وحقائق علمية ال تدع للخرافة وال للمخرفين مجا ً
المناطق المظلمة من التاريخ والواقع ،وهذا يحرق مراحل في تاريخ األمم والشعوب ،ويفتح لألجيال الجديدة
.طرقا ً رحبة ومسالك مختلفة للمستقبل