Professional Documents
Culture Documents
الإبل ،،، بقلم عبدالرحمن الحميدي
الإبل ،،، بقلم عبدالرحمن الحميدي
وكأن وجوده مقرتن بوجودها ،فهي سفينته عرب الصحراء :قد طوى على ظهرها الفيايف
والقفار ،وأدجل يف األصقاع واألمصار ،وهي شريان حياته النابض يف مواصالته وتنقالته،
فنجدها طوع أمره ،يوّج هها بصوته كيف يشاء ،ويطرهبا بغنائه ،وجيذهبا بصوت حدائه،
تستجيب لندائه فرحًة مسرورًة ،إذا صاح راعي اإلبل جتمعت حوله من أقاصي مرعاها،
وكأنه ينادي جنودًا طيعني ،تأتيه مسرعة ،وحتّن له إذا طال الفراق ،فسبحان من خلقها
وسّخ رها
ك ccان اجلم ccل لألع ccرايب والب ccدوّي ق ccدميًا :موض َcع القص ccيدة واحلكاي ccةَ ،جبَل ده وص ccربه ُيْض َر ُب
املثccل ،وكccان ملهمًcا للشccعراء يف القccدرة على احلركccة وسccط الظccروف الصccعبة ،والصccرب على
اجلوع والعطش ،لق ccد ك ccان أيضًا رفي ccق ال ccدروب الص ccعبة ،ومش ccوار احلي ccاة القاس ccية ،وك ccان
األنيس واجلليس ،ومصccدر الccرزق ،ووسccيلة املواصccالت ،وعتccاد احلرب ...فهccو الccذي يق ّcو م
حياهتم بل هو حياهتم .
واجلمل يف املعىن اللغوي يعين الذكر من اإلبل ،وأنثاه (الناقة)...
أما (البعري) فيقع على الذكر واألنثى ،يقول الشاعر:
النشتهي لنب البعري وعندنا ...عرق الزجاجة واكف املعصار
اإلبل :اجلمال ،وهو اسم واحد يقع على اجلمع ،إمنا هو دال على اجلنس ،وقال
اجلوهري :ليس هلا واحد من لفظها وهي مؤنثة ألن أمساء اجلموع ،اليت ال واحد هلا من
لفظها إذا كالنت لغري اآلدميني فالتأنيث هلا الزم ،واجلمع آبال.
روى ابن ماجه ،عن عروة البارقي رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال« :اإلبل
عز ألهلها ،والغنم بركة ،واخلري معقود يف نواصي اخليل إىل يوم القيامة»
ويف حديث آخر «تأّبل آدم على ابنه املقتول» أي شعر بوحشة جعلته ال يقرب من أهله
حينها ...
ويقال لإلبل بنات الليل ،ويقال للذكر واألنثى منها بعري إذا أجذع وجيمع على :أبعرة
وبعران
والشارف :الناقة املسنة ومجعها شرف
والعوامل :اإلبل ذوات السنامني.
واإلبل من احليوانات الغريبة العجيبة ،وإن كان عجبها سقط من أعني الناس لكثرة
رؤيتهم هلا؛ وهو أهنا حيوان عظيم اجلسم ،سريع االنقياد ،ينهض باحلمل الثقيل،وهو
احليوان الوحيد الذي توضع عليه األثقال وهو جالس مث ينهض بذلك ويربك به،،،
وتأخذ زمامه فأرٌة فتذهب به إىل حيث شاءت،،،
وُيّتخذ على ظهره بيٌت يقعد اإلنسان فيه ،مع مأكوله ومشروبه وملبوسه ووسائده ،كأنه
يف بيته ويتخذ للبيت سقف وهو ميشي بكل هذه .وهلذا قال تعاىلَ" :أَفال َيْنُظُر وَن ِإىَل
اِإْل ِبِل َك ْيَف ُخ ِلَق ْت "
ومن يعرف أخالق وطباع احليوانات يرى يف طبائع اجلمل الشيء الغريب ،ويقولون :
ليس لشيء من الفحول ،مثل ما للجمل عند هيجانه إذ يسوء خلقه ،ويظهر زبده
ورغاؤه؛ فلو محل عليه ثالثة أضعاف عادته محل ويقّل أكله ،وخيرج الشقشقة وهي اجللدة
احلمراء اليت خيرجها من جوفه ،وينفخ فيها فتظهر من شدقه ال يعرف ما هي.
واجلمل أشد احليوان حقدا ،ويف طبعه الصرب والصولة الشديدة ...
ومن طبعها أهنا تستطيب الشجر الذي له شوك وهتضمه أمعاؤها ،وال تستطيع يف غالب
األوقات أن هتضم الشعري.
ومن عجيب ما ذهبت إليه العرب أهنا إذا أصاب إبلها العّر كووا السليم ليشفى العليل.
ويف هذا املعىن قال النابغة:
ومحلتين ذنب امرىء وتركته ...كذا العّر يكوي غريه وهو راتع
وأخذ منه غريه فقال:
غريي جىن وأنا املعاقب فيكم ...فكأنين سبابة املتندم
وهي ممن حيل أكل حلمها بالنص واإلمجاع .قال اهلل تعاىلُ :أِح َّلْت َلُك ِهَبي ُة اَأْلْنعاِم
ْم َم
وأما حترمي يعقوب -عليه السالم -على نفسه أكل حلوم اإلبل ،وشرب ألباهنا ،فكان ذلك
باجتهاد منه على الصحيح .والسبب يف ذلك أنه كان يسكن البدو فاشتكى عرق النساء،
فلم جيد شيئا يؤمله إال حلوم اإلبل وألباهنا فلذلك حرمهما.
تعد اإلبل عند العرب قبل اإلسالم :ذات منزلة عظيمة إن مل تكن مقّد سة ..وعلى
الرغم من كثرة الدراسات اليت تناولت أدیان العرب قبل االسالم ...إال أهنا مل تسلط
الضوء الكايف على عبادة اإلبل واحليوانات بشكل خاص,
إن االبل من ابرز حیوانات البیئة قبل اإلسالم،وهلا مكانة خاصة عند معظم العرب,
الرتباطها حبیاهتم الیومیة ومتطلباهتا،حىت بالغ بعضهم ودخلوا يف تعظيم اإلبل تعظيم العبادة
فجاء التصریح بعبادة اإلبل يف روایة ً:واليت مفادها أن وفدا من قبیلة طيء قصدوا الرسول
وذلك يف عام الوفود سنة (٩هـ٦٣١/م) ومن بینهم زید اخلیل ,فأناخوا ركاهبم بباب
املسجد ودخلوا والرسول-صلى اهلل عليه وسلم -خیطب يف الناس فلما رآهم قال(( :إين
خری لكم من العزى ومما حازت مناع من كل ضار غری یفاع ،ومن اجلمل األسود الذي
تعبدونه من دون ااهلل))
.ويف أیام العرب روایات أخرى تشری إىل عبادة اإلبل وتقدیسها ففي یوم الزورین :وهو
یوم بنی قبیلة بكر بن وائل على قبیلة متیم ،إذ جاءت متیم ببعریین ،ويف روایة أخرى
ببكرین جمّللنی مقروَننی مقّیدین ،وتركومها بنی اجلیشنی معقولنی ،وأطلقوا علیهم زورین
وبلغ اخلرب زعیم بين بكر :عمرو بن قیس ،فقال لقومه :وأنا زوركم وجلس بنی اخلصمنی،
وقال :قاتلوا عيّن وال تفّر وا حىت أفّر ،ومحي الوطیس بنی الفئتنی فاقتتلوا قتاال شدیدا ،
ووضعت احلرب أوزارها واهنزمت متیم ،وغنمت بكر الزورین
وعبادة اإلبل كانت معروفة عند العرب ،ویقال أن عمرو بن جیب املوصوف بذي
الكیود ،كان یقال له :آكل السقب
ألنه أغـار علـى بنـي بكـر وكـان هلـم سـقب یعبدونـه مـن دون اهلل ،فأخذ ذلك السقب
فأكله ...
جــاء فــي وصــیة أكــثم بــن صـیفي لقبیلـة طـيء ( :ال تـسبوا اإلبـل ,وال تـضعوا رقـاب اإلبـل
فـي غیـر حقهـا ؛ فـإن فیهـا مهـر الكرمیـة ،ورقـوة الـدم ،وبألباهنـا یتحـف الكبیـر ،ویغـذى
الـصغری ،ولـو أن اإلبـل كّلفـت الطحـن لطحنت).