Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫كانت اإلبل رفيقًة لإلنسان العريب منذ القدم‪ ،‬فال تكاد تعرف لعالقة العريب بناقته بداية ‪،‬‬

‫وكأن وجوده مقرتن بوجودها ‪ ،‬فهي سفينته عرب الصحراء ‪ :‬قد طوى على ظهرها الفيايف‬
‫والقفار‪ ،‬وأدجل يف األصقاع واألمصار‪ ،‬وهي شريان حياته النابض يف مواصالته وتنقالته‪،‬‬
‫فنجدها طوع أمره‪ ،‬يوّج هها بصوته كيف يشاء‪ ،‬ويطرهبا بغنائه ‪ ،‬وجيذهبا بصوت حدائه‪،‬‬
‫تستجيب لندائه فرحًة مسرورًة‪ ،‬إذا صاح راعي اإلبل جتمعت حوله من أقاصي مرعاها‪،‬‬
‫وكأنه ينادي جنودًا طيعني ‪ ،‬تأتيه مسرعة ‪ ،‬وحتّن له إذا طال الفراق ‪ ،‬فسبحان من خلقها‬
‫وسّخ رها‬

‫ك ‪cc‬ان اجلم ‪cc‬ل لألع ‪cc‬رايب والب ‪cc‬دوّي ق ‪cc‬دميًا ‪ :‬موض ‪َc‬ع القص ‪cc‬يدة واحلكاي ‪cc‬ة‪َ ،‬جبَل ده وص ‪cc‬ربه ُيْض َر ُب‬
‫املث‪cc‬ل‪ ،‬وك‪cc‬ان ملهم‪ًc‬ا للش‪cc‬عراء يف الق‪cc‬درة على احلرك‪cc‬ة وس‪cc‬ط الظ‪cc‬روف الص‪cc‬عبة‪ ،‬والص‪cc‬رب على‬
‫اجلوع والعطش‪ ،‬لق ‪cc‬د ك ‪cc‬ان أيضًا رفي ‪cc‬ق ال ‪cc‬دروب الص ‪cc‬عبة‪ ،‬ومش ‪cc‬وار احلي ‪cc‬اة القاس ‪cc‬ية‪ ،‬وك ‪cc‬ان‬
‫األنيس واجلليس‪ ،‬ومص‪cc‬در ال‪cc‬رزق‪ ،‬ووس‪cc‬يلة املواص‪cc‬الت‪ ،‬وعت‪cc‬اد احلرب‪ ...‬فه‪cc‬و ال‪cc‬ذي يق ‪ّc‬و م‬
‫حياهتم بل هو حياهتم ‪.‬‬
‫واجلمل يف املعىن اللغوي يعين الذكر من اإلبل‪ ،‬وأنثاه (الناقة)‪...‬‬
‫أما (البعري) فيقع على الذكر واألنثى ‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫النشتهي لنب البعري وعندنا‪ ...‬عرق الزجاجة واكف املعصار‬

‫اإلبل‪ :‬اجلمال ‪ ،‬وهو اسم واحد يقع على اجلمع‪ ،‬إمنا هو دال على اجلنس‪ ،‬وقال‬
‫اجلوهري‪ :‬ليس هلا واحد من لفظها وهي مؤنثة ألن أمساء اجلموع‪ ،‬اليت ال واحد هلا من‬
‫لفظها إذا كالنت لغري اآلدميني فالتأنيث هلا الزم‪ ،‬واجلمع آبال‪.‬‬
‫روى ابن ماجه‪ ،‬عن عروة البارقي رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬اإلبل‬
‫عز ألهلها‪ ،‬والغنم بركة‪ ،‬واخلري معقود يف نواصي اخليل إىل يوم القيامة»‬
‫ويف حديث آخر «تأّبل آدم على ابنه املقتول» أي شعر بوحشة جعلته ال يقرب من أهله‬
‫حينها ‪...‬‬
‫ويقال لإلبل بنات الليل‪ ،‬ويقال للذكر واألنثى منها بعري إذا أجذع وجيمع على‪ :‬أبعرة‬
‫وبعران‬
‫والشارف‪ :‬الناقة املسنة ومجعها شرف‬
‫والعوامل‪ :‬اإلبل ذوات السنامني‪.‬‬
‫واإلبل من احليوانات الغريبة العجيبة ‪ ،‬وإن كان عجبها سقط من أعني الناس لكثرة‬
‫رؤيتهم هلا؛ وهو أهنا حيوان عظيم اجلسم‪ ،‬سريع االنقياد‪ ،‬ينهض باحلمل الثقيل‪،‬وهو‬
‫احليوان الوحيد الذي توضع عليه األثقال وهو جالس مث ينهض بذلك ويربك به‪،،،‬‬
‫وتأخذ زمامه فأرٌة فتذهب به إىل حيث شاءت‪،،،‬‬
‫وُيّتخذ على ظهره بيٌت يقعد اإلنسان فيه‪ ،‬مع مأكوله ومشروبه وملبوسه ووسائده‪ ،‬كأنه‬
‫يف بيته ويتخذ للبيت سقف وهو ميشي بكل هذه‪ .‬وهلذا قال تعاىل‪َ" :‬أَفال َيْنُظُر وَن ِإىَل‬
‫اِإْل ِبِل َك ْيَف ُخ ِلَق ْت "‬

‫وقد جعلها اهلل تعاىل طوال األعناق لتثور وتنهض باألثقال‪،،،‬‬


‫وعن بعض احلكماء‪ -‬أهنم حّد ثوه عن اإلبل وعن بديع خلقها‪ ،‬وكان قد نشأ بأرض ال‬
‫إبل فيها‪ ،‬ففكر ساعًة مث قال‪ :‬لعلها أن تكون طوال األعناق!! – ألهنا ال تستطيع النهوض‬
‫إال بدفع عنقها ليعينها على النهوض‪-‬‬
‫وحيث أراد اهلل تعاىل هبا أن تكون سفائن الرب؛ صرّب ها على احتمال العطش‪ ،‬حىت إن‬
‫ظمأها لريتفع إىل العشر ليال‪.‬‬
‫وجعلها ترعى كل شيء نابت يف الرباري واملفاوز‪ ،‬مما يرعاه سائر البهائم‪.‬‬
‫وروي عن سعيد بن جبري أنه قال‪ :‬لقيت شرحيا القاضي ذاهبا فقلت له‪ :‬أين تريد؟‬
‫فقال‪ :‬أريد الكناسة‪ .‬فقلت‪ :‬وما تصنع بالكناسة قال‪ :‬انظر إىل اإلبل كيف خلقت‪ .‬وقال‬
‫تعاىل‪َ :‬عَلْيها َو َعَلى اْلُف ْلِك ْحُتَم ُلوَن *‬
‫قرهنا بالفلك اليت هي السفائن؛ ألهنا سفن الرب‬
‫قال ذو الّر مة ‪:‬‬
‫سفينة بر حتت خدي زمامها ‪ ...‬أنيخت فألقت بلدة فوق بلدِة‬
‫ويف احلديث‪« :‬ال تسبوا اإلبل فإن فيها رقوء الدم‪ ،‬ومهر الكرمية» ‪ .‬أي أهنا تعطى يف‬
‫الديات فتحقن هبا الدماء ومتنع من أن يهراق دم القاتل‪.‬‬

‫ومن يعرف أخالق وطباع احليوانات يرى يف طبائع اجلمل الشيء الغريب ‪ ،‬ويقولون ‪:‬‬
‫ليس لشيء من الفحول‪ ،‬مثل ما للجمل عند هيجانه إذ يسوء خلقه‪ ،‬ويظهر زبده‬
‫ورغاؤه؛ فلو محل عليه ثالثة أضعاف عادته محل ويقّل أكله‪ ،‬وخيرج الشقشقة وهي اجللدة‬
‫احلمراء اليت خيرجها من جوفه‪ ،‬وينفخ فيها فتظهر من شدقه ال يعرف ما هي‪.‬‬

‫واجلمل أشد احليوان حقدا‪ ،‬ويف طبعه الصرب والصولة الشديدة ‪...‬‬

‫ومن طبعها أهنا تستطيب الشجر الذي له شوك وهتضمه أمعاؤها‪ ،‬وال تستطيع يف غالب‬
‫األوقات أن هتضم الشعري‪.‬‬
‫ومن عجيب ما ذهبت إليه العرب أهنا إذا أصاب إبلها العّر كووا السليم ليشفى العليل‪.‬‬
‫ويف هذا املعىن قال النابغة‪:‬‬
‫ومحلتين ذنب امرىء وتركته ‪ ...‬كذا العّر يكوي غريه وهو راتع‬
‫وأخذ منه غريه فقال‪:‬‬
‫غريي جىن وأنا املعاقب فيكم ‪ ...‬فكأنين سبابة املتندم‬
‫وهي ممن حيل أكل حلمها بالنص واإلمجاع‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ُ :‬أِح َّلْت َلُك ِهَبي ُة اَأْلْنعاِم‬
‫ْم َم‬
‫وأما حترمي يعقوب ‪-‬عليه السالم‪ -‬على نفسه أكل حلوم اإلبل‪ ،‬وشرب ألباهنا‪ ،‬فكان ذلك‬
‫باجتهاد منه على الصحيح‪ .‬والسبب يف ذلك أنه كان يسكن البدو فاشتكى عرق النساء‪،‬‬
‫فلم جيد شيئا يؤمله إال حلوم اإلبل وألباهنا فلذلك حرمهما‪.‬‬
‫تعد اإلبل عند العرب قبل اإلسالم ‪ :‬ذات منزلة عظيمة إن مل تكن مقّد سة ‪ ..‬وعلى‬
‫الرغم من كثرة الدراسات اليت تناولت أدیان العرب قبل االسالم ‪ ...‬إال أهنا مل تسلط‬
‫الضوء الكايف على عبادة اإلبل واحليوانات بشكل خاص‪,‬‬

‫إن االبل من ابرز حیوانات البیئة قبل اإلسالم‪،‬وهلا مكانة خاصة عند معظم العرب‪,‬‬
‫الرتباطها حبیاهتم الیومیة ومتطلباهتا‪،‬حىت بالغ بعضهم ودخلوا يف تعظيم اإلبل تعظيم العبادة‬

‫فجاء التصریح بعبادة اإلبل يف روایة‪ ً:‬واليت مفادها أن وفدا من قبیلة طيء قصدوا الرسول‬
‫وذلك يف عام الوفود سنة (‪٩‬هـ‪٦٣١/‬م) ومن بینهم زید اخلیل ‪ ,‬فأناخوا ركاهبم بباب‬
‫املسجد ودخلوا والرسول‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خیطب يف الناس فلما رآهم قال‪(( :‬إين‬
‫خری لكم من العزى ومما حازت مناع من كل ضار غری یفاع ‪ ،‬ومن اجلمل األسود الذي‬
‫تعبدونه من دون ااهلل))‬

‫‪ .‬ويف أیام العرب روایات أخرى تشری إىل عبادة اإلبل وتقدیسها ففي یوم الزورین ‪ :‬وهو‬
‫یوم بنی قبیلة بكر بن وائل على قبیلة متیم‪ ،‬إذ جاءت متیم ببعریین ‪ ،‬ويف روایة أخرى‬
‫ببكرین جمّللنی مقروَننی مقّیدین ‪ ،‬وتركومها بنی اجلیشنی معقولنی ‪ ،‬وأطلقوا علیهم زورین‬

‫والزور‪ :‬هو كل شيءً یتخذ ربا ‪ ،‬ویعبد من دون ااهلل‬

‫وقالوا‪ :‬ال نويّل حىت یوَيّل هذان البعریان ‪.‬‬

‫وبلغ اخلرب زعیم بين بكر‪ :‬عمرو بن قیس‪ ،‬فقال لقومه‪ :‬وأنا زوركم وجلس بنی اخلصمنی‪،‬‬
‫وقال‪ :‬قاتلوا عيّن وال تفّر وا حىت أفّر ‪ ،‬ومحي الوطیس بنی الفئتنی فاقتتلوا قتاال شدیدا ‪،‬‬
‫ووضعت احلرب أوزارها واهنزمت متیم‪ ،‬وغنمت بكر الزورین‬

‫فنحروا أحدمها فأكلوه‪،‬‬


‫وافتحلوا اآلخر – أي ‪ :‬جعلوه فحال لنوقهم حىت ينجب هلم شبيها له‪ -‬وكان جنیبا ‪،‬‬

‫وقد مّثل الشاعر األعشى ذلك بقوله ‪:‬‬

‫حنن الذین هزمنا یوم صّبحنا ‪ ...‬جیش الزویرین يف مجع اَألحالیف‬

‫ظلوا وظلنا نكّر اخلیَل وسَطهُم ‪ ...‬بالشیب منا وباملرد الغطاریف‬

‫ومن ذلك ما قاله األغلب العجلي ‪:‬‬

‫كانت متیم معشرا ذوي َك َر م ‪ ...‬غلصمة من الغالصیم العظم‬

‫ما جبنوا وال توّلوا من َأَم م ‪ ...‬قد قابلوا لو ینفخون يف فحم‬

‫جاءوا بزوریهم وجئنا باَألصم ‪ ...‬شیخ لنا كاللیَث من باقي إرم‬

‫وعبادة اإلبل كانت معروفة عند العرب‪ ،‬ویقال أن عمرو بن جیب املوصوف بذي‬
‫الكیود ‪ ،‬كان یقال له ‪ :‬آكل السقب‬

‫ألنه أغـار علـى بنـي بكـر وكـان هلـم سـقب یعبدونـه مـن دون اهلل ‪ ،‬فأخذ ذلك السقب‬
‫فأكله ‪...‬‬

‫جــاء فــي وصــیة أكــثم بــن صـیفي لقبیلـة طـيء ‪( :‬ال تـسبوا اإلبـل‪ ,‬وال تـضعوا رقـاب اإلبـل‬
‫فـي غیـر حقهـا ؛ فـإن فیهـا مهـر الكرمیـة ‪ ،‬ورقـوة الـدم‪ ،‬وبألباهنـا یتحـف الكبیـر‪ ،‬ویغـذى‬
‫الـصغری‪ ،‬ولـو أن اإلبـل كّلفـت الطحـن لطحنت)‪.‬‬

‫وقصة اإلبل مع العرب هلا بداية ‪ ,,,‬وليس هلا هناية ‪...‬‬


‫بقلم ‪ /‬عبدالرمحن خليفة احلميدي‬

You might also like