اتفاقية سايكس ـ بيكو

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫اتفاقية سايكس ـ بيكو‬

‫ننقل فيما يلي مقاطع من الفصل الرابع من كتاب‪( :‬الصراع الدولي في الشرق األوسط ووالدة دولتي سوريا‬
‫ولبنان) لألستاذ زين نور الدين زين‪.‬‬
‫وإننا نضع هذه الكتابات أمام القـ ــراء اليـ ــوم لـ ــيروا أن التجزئـ ــة والتقسـ ــيمات الحاصـ ــلة اآلن بين أجـ ــزاء البالد‬
‫اإلسالمية لم تكن إال من مكر دول الكفر‪ .‬كانوا يريدون أن يحلوا المسألة الشرقية حًال نهائيًا‪ .‬وكان لهم ما أرادوا‪.‬‬
‫والغريب أن أبناء المسـ ــلمين اليـ ــوم يحـ ــافظون على هـ ــذه التجزئـ ــة‪ ،‬وال يخجلـ ــون في رفـ ــع عقـ ــيرتهم منـ ــادين‬
‫بالمحافظة على االستقالالت المزيفة‪.‬‬
‫فيا أبناء األمة اإلسالمية احذروا سموم أعدائكم وعمالء أعدائكم‪ ،‬وعودوا كالجسد الواحد‪ ،‬دول ـ ــة واح ـ ــدة‪،‬‬
‫وأمة واحدة‪ ،‬خير أمة أخرجت للناس‪.‬‬
‫كان قد آن للحلفاء أن يفكروا يف محاية مصاحلهم اخلاصة يف تركيا‪ ،‬وأن حيلوا املسألة الشرقية حًال هنائي ًا وذلك‬
‫باالتفاق على جتزئة اإلمرباطورية العثمانية‪ .‬والواقع أن فكرة التقسيم كانت قد اختمرت عندما توصلت بريطانيا العظمى‬
‫باالشرتاك مع فرنسا‪ ،‬بعد تردد طال أمده‪ ،‬إىل عقد اتفاقية سرّية مع روسيا يف شهر آذار ‪ ،1915‬تذعن مبوجبها هاتان‬
‫الدولتان إىل مطالب روسيا من أنه يف حال انتصار احللفاء فإن استانبول واملضائق تضم إىل ممتلكات القيصر‪ .‬بقي الشق‬
‫الثاين من القضية وهو حصة كل من بريطانيا العظمى وفرنسا من غنائم احلرب عندما تنهزم تركيا‪ ،‬ليس من جهة تسوية‬
‫املسألة الشرقية وحسب‪ ،‬وإمنا من حيث اإلبقاء على توازن القوى يف البحر األبيض املتوسط ويف منطقة الشرق األوسط‬
‫أيضًا‪ .‬والواقع أنه عندما مت االتفاق على اتفاقية استانبول وافقت روسيا على االعرتاف «حبقوق بريطانيا العظمى وفرنسا يف‬
‫املمتلكات العثمانية اآلسيوية»‪.‬‬
‫كما أهنا وافقت أيضًا على أن تكون األماكن اإلسالمية املقدسة واجلزيرة العربية ضمن حكومة إسالمية مستقلة‪.‬‬
‫يف ال وقت ال ذي مل تكن في ه بريطاني ا العظمى ق د ح ددت هنائي ًا م ا ك انت تتم ىن «احلص ول علي ه من ترك ة‬
‫اإلمرباطورية العثمانية‪ ،‬كانت فرنسا تطالب بصورة حمددة واضحة بضم سورية وخليج االسكندرونة وقيليقيا األمر الذي‬
‫وافق القيصر عليه‪ .‬وكان من الطبيعي آنذاك‪ ،‬كما أنه كان من الضروري أن يعقب االتفاق حول استانبول اتفاق آخر‬
‫أصبح يعرف فيما بعد باتفاقية (سايكس ـ بيكو) اليت مساها أوًال الفيكونت غراي «االتفاقية الفرنسية ـ الربيطانية ـ الروسية‬
‫الس رية» ح ول من اطق النف وذ يف آس يا الص غرى‪ .‬ويب دو أن فرنس ا هي ال يت ب ادرت إىل فتح ب اب املداوالت ح ول ه ذه‬
‫االتفاقية‪ .‬ففي ‪ 23‬آذار ‪ ،1915‬بعث السيد كامبون السفري الفرنسي يف باريس برسالة إىل السري أدوارد غراي يقول فيها‬
‫أن السيد دلكاسة قد حلظ أنه «مبا أن قضية استانبول واملضائق ومها القضيتان اليت تعين هبما روسيا‪ ،‬قد انتهت فقد آن‬
‫لفرنسا وبريطانيا العظمى أن تنصرفا اآلن إىل حبث القضايا األخرى املتعلقة بآسيا الصغرى»‪.‬وقد اقرتح دلكاسة أن جتري‬
‫مفاوضات غري رمسية حول هذه القضايا‪ .‬وقد كتب السري إدوارد غراي يقول‪« :‬لقد وافقت على هذا االقرتاح وقلت أنه‬
‫من األفضل أن جتري هذه املفاوضات بيين وبني السيد كامبون»‪ .‬وقد استغرقت املفاوضات بني فرنسا وبريطانيا وروسيا‬
‫أكثر من سنة‪ .‬وأخريًا‪ ،‬بعد تداول الرسائل بني السري إدوارد والسيد بول كامبون والسيد سرج سازانوف‪ ،‬وزير خارجية‬
‫روس يا‪ ،‬أس فر األم ر عن عق د اتفاقي ة س رية بني ه ذه ال دول الثالث العظمى ح ددت فيه ا مط الب ك ل منهم ا يف تركي ا‬
‫اآلس يوية‪ ،‬وهي االتفاقي ة ال يت أص بحت تع رف فيم ا بع د «بص ورة غ ري رمسية‪ ،‬باتفاقي ة س ايكس ـ بيك و‪ ».‬أم ا بن ود ه ذه‬
‫االتفاقي ة فق د احتوهتا رس الة بعث هبا الس يد غ راي إىل الس يد ك امبون مؤرخ ة يف ‪ 16‬أي ار‪ ،‬عن وزارة اخلارجي ة‪ .‬مبوجب‬
‫اتفاقية سايكس ـ بيكو‪ ،‬كانت فرنسا وبريطانيا العظمى على استعداد «أن تعرتفا وحتميا دولة عربية مستقلة أو حلف دول‬
‫عربي ة مس تقلة حتت رئاس ة رئيس ع ريب» يف املنطق تني «أ» و«ب»‪ .‬وتك ون منطق ة «أ» حتت محاي ة فرنس ا ومنطق ة «ب»‬
‫حتت محاية بريطانيا‪ .‬ومل تقتصر منطقة «أ» على املدن السورية الرئيسية ـ دمشق ومحص ومحاة وحلب ـ وحسب بل كانت‬
‫تش مل املوص ل يف مشايل الع راق‪ .‬أي أهنا ك انت منطق ة تش مل اجلزء األك رب من الوالي ات العثماني ة الثالث‪ :‬والي ة الش ام‬
‫(دمشق)‪ ،‬ووالية حلب‪ ،‬ووالية املوصل‪ .‬كذلك حصلت فرنسا على «منطقة زرقاء» وبريطانيا على «منطقة محراء» يباح‬
‫لكل منهما يف منطقته «إنشاء ما ترغبان فيه من شكل احلكم مباشرة‪ ،‬أو بالواسطة‪ ،‬أو من املراقبة بعد االتفاق مع احلكومة‬
‫أو حل ف احلكوم ات العربي ة»‪ .‬ك انت املنطق ة الزرق اء تش مل ش قة س وريا الس احلية مبا يف ذل ك االس كندرونة والالذقي ة‬
‫وطرابلس وبريوت وصيدا وصور‪ ،‬كما أهنا كانت منطقة متتد حىت تشمل جبل لبنان وباإلضافة إىل هذا كانت تشمل‬
‫قيليقية‪ ،‬وجزءًا كبريًا من أواسط آسيا الصغرى ومن طرفها اجلنويب الشرقي‪ .‬أما «املنطقة احلمراء» الربيطانية فقد كانت‬
‫تش مل ج زءًا كب ريًا من والي ة بغ داد‪ .‬يف الواق ع منحت فرنس ا‪ ،‬مبوجب اتفاقي ة س ايكس ـ بيك و‪ ،‬ح ق املراقب ة على لبن ان‬
‫وسوريا باستثناء «جنويب سوريا» أي فلسطني‪ ،‬اليت أشري إليها يف اخلريطة «مبنطقة مسراء» حيث ستنشأ «إدارة دولية»‪.‬‬
‫وهك ذا أص بحت س وريا «أرض املعي اد» م رتني‪ .‬فق د وع د جبزء منه ا للش ريف حس ني‪ ،‬ووع دت بكامله ا لفرنس ا‪ ،‬لكن‬
‫الشريف حسني مل يكن قد طلع على اتفاقية سايكس ـ بيكو عند توقيعها‪.‬‬
‫أسفرت املفاوضات مع الشريف حسني عما اصبح يعرف يف السنوات األربعني األخرية بالثورة العربية‪ .‬بدأت‬
‫هذه الثورة يف العاشر من شهر حزيران ‪ ،1916‬بقيادة الشريف حسني ومبعاونة بريطانيا العظمى عسكريًا وماليًا‪.‬‬
‫ولكن مع املمتع أن نشري أن ثورة الشريف حسني ضد السلطان الذي هو أيض ًا خليفة املسلمني نزلت كالصاعقة‬
‫على كث ريين من املس لمني الس نّيني يف مجي ع أحناء الع امل‪ ،‬وال س يما بني مس لمي اهلن د‪ .‬فم ا أن أعلنت الث ورة العربي ة ح ىت‬
‫سارع األتراك إىل تعيني الشريف علي حيدر أمريًا على مكة عوضًا عن الشريف حسني ولكنه مل يستطع تسلم املنصب‪.‬‬
‫لكي يستطيع املرء أن يلقي نظرة خاطفة على ما كان خيبئه القدر ملنطقة الشرق األدىن العريب ينبغي له أن يضطلع‬
‫على مضمون وثيقة بريطانية وضعت سنة ‪ 1917‬بعد أن كان احللفاء قد قطعوا عهدًا للشريف حسني سنة ‪1915‬ن‬
‫وبعد إبرام اتفاقية سايكس ـ بيكو سنة ‪ .1916‬هذه الوثيقة هي «بيان حول السياسة اخلارجية املرفوعة إىل اجمللس احلريب‬
‫اإلم رباطوري»‪ .‬محله ا وزي ر اخلارجي ة الس يد النس نغ يف واش نطن ي وم ‪ 18‬أي ار‪ ،1917 ،‬الس يد بلف ور‪ ،‬رئيس البعث ة‬
‫الربيطانية اخلاصة اليت كانت آنذاك تقوم بزيارة للواليات املتحدة‪ .‬أما السياسة املتعلقة برتكيا ـ وكانت سياسة متجهمة‬
‫تنطوي على التشاؤم وتوقع الكوارث ـ فقد اختصرت مبا يلي‪:‬‬
‫«ال شك يف أن حتطيم اإلمرباطورية العثمانية الفعلي هو أحد األهداف اليت نعمل على حتقيقها‪ .‬وقد يبقى األتراك ـ‬
‫وإين ألرجو ذلك ـ شعبًا على شيء من االستقالل ضمن منطقة يف آسيا الصغرى‪ .‬وإذا مت لنا النصر فمما ال شك فيه أن‬
‫األت راك س يحرمون من مجي ع املنطق ة ال يت نطل ق عليه ا اس م اجلزي رة العربي ة‪ ،‬كم ا أهنا س تحرم من معظم األج زاء اهلام ة يف‬
‫وادي الف رات ودجل ة‪ .‬وس تفقد اس تانبول‪ ،‬وس وريا‪ ،‬وأرميني ا‪ ،‬كم ا أن أج زاء من جن ويب آس يا الص غرى إذا مل تض م إىل‬
‫القوات احلليفة فإهنا ستكون بصورة ما حتت سيطرهتم»‪.‬‬
‫كشف النقاب ألول مرة عن وجود معاهدات سرية يف شهر تشرين الثاين ‪ ،1917‬عندما عثر عليها يف ملفات‬
‫وزارة اخلارجية الروسية‪ .‬وقد أصدر تروتسكي‪ ،‬وزير اخلارجية الروسية آنذاك أمرًا بنشرها‪ ،‬وقد ذكر عن تروتسكي أنه‬
‫ق ال يف اجتم اع اللجن ة التنفيذي ة املركزي ة للس وفيات يف ب رتوغراد‪ ...« :‬أن مجي ع املعاه دات الس رية هي اآلن يف متن اول‬
‫يدي‪ .‬وهذه الوثائق‪ ،‬اليت ثبت أن بنودها تنطوي على لؤم يفوق ما كانت نتوقعه‪ ،‬ستنشر قريب ًا‪ ...‬إننا سنكّنس مجيع هذه‬
‫الوث ائق الس رية ل نرمي هبا إىل س ّلة املهمالت»‪ .‬وك انت جري دة املانشس رت غاردي ان أول ص حيفة بريطاني ة نش رت خالص ة‬
‫املعاهدات السرية املتعلقة باستانبول وبآسيا الصغرى (اتفاقية سايكس ـ بيكو) يف عدديها الصادرين يف ‪ 26‬و‪ 28‬تشرين‬
‫الثاين ‪.1917‬‬

You might also like