محمد محمد البقاش البيئ ة واملباءة لغ ة املنزل ،احلال ة .رج ل حس ن البيئ ة ،حس ن احلال ة .وق د اص طلح على اس تعماهلا للوسط اإلنس اين فيقال :البيئة اإلنسانية ،أي الوسط االجتماعي الذي حييا فيه اإلنسان ،ويقال بيئة السمك أي الوسط الذي يعي فيه ،وبيئة احليوانات أي الوسط الذي تعيش فيه وهكذا. وما جيمعنا يف حبثنا هذا هو اإلنسان ألنه حبكم طبعه االجتماعي حتتم عليه أن يتبادل املصاحل والعالقات مع غريه ضمن بيئة أو سوط اجتماعي يتواجد فيه ،وهو إذ يتبادل العالقات وخيتلف على املصاحل ويتصارع على احلضارات كان لك ل ق وم أو ش عب أو أم ة وس طها وبيئته ا االجتماعي ة اخلاص ة هبا مما أدى إىل التب اين يف البيئ ات وبالت ايل يف اجملتمع ات والدول .ومما جيدر ذكره أن أي اجتماع للناس يف أي مكان دون وحدة األفكار ووحدة املشاعر ووحدة النظام ال يكون إال اجتماع ًا فقط وال يعرب عن أي شيء غري االجتماع ولو كان فيه بعض من تبادل املصاحل اليت حتتمه حاجات اإلنسان العضوية والغريزية كما هو الشأن يف املسافرين مجاعيًا كركاب البحر مثًال. فالبيئة االجتماعية والوسط االجتماعي يكون معنامها واحد عند األخذ بعني االعتبار عنصر العالقات الدائمة دون اعتبار للبيئة اجلغرافية ألن ذلك من باب حتصيل احلاصل وإال لكان اعتبار كل جتمع للناس بيئة ووسطًا اجتماعي ًا وهذا غري صحيح ما دام يغيب يف اجتماعهم عنصر العالقات الدائمية ،غري أنه مل تنشأ بيئة اجتماعية إال عند اجتماع اإلنسان بأخيه اإلنسان نظرًا حلاجته إليه ،ونظرًا لطبيعة ميله إىل جنسه. وبعد تكاثر اإلنسان أو ما يسمى بالنمو الدميوغرايف ونشوء األبوة واألمومة والعمومة واخلؤولة وغري ذلك من مظ اهر العالق ات االجتماعي ة ب دأ حيص ل التب اين يف العالق ات واالختالف على املص احل مما أدى إىل الص راع ال دموي بع د تفاعل احلضارات يف صراع فكري دائمي وصار لكل مجاعة بيئتها اجلغرافية وتصوراهتا عن الوجود ،مث توسعت يف ذلك لتض م مجاع ات أخ رى من نفس ق وم اجلماع ة األوىل ،وتوس عت أك ثر لتش مل غ ريهم ح ىت ص ارت ش عوبًا وأممًا متم يزة بعقائدها وأفكارها وحضاراهتا ،وكان هلذا االجتماع الطويل ضمن البيئة اجلغرافية أثر قومي يف متركز املفاهيم أدى إىل تبادل العالقات واملصاحل وفقها مما اكسبها العراقة حىت تشكلت يف كثري من البيئات اإلنسانية يف شكل تقاليد وأعراف وعادات أثرت بدورها يف جمموعة الذين يعيشون يف حميطها ،فكان أن أثرت يف سلوك اإلنسان إما تقليدًا وحماكاة وإما وعيًا. وحني يقال عن البيئة اإلنسانية بأهنا الوسط االجتماعي الذي يعيش فيه اإلنسان جيب أن ال يفهم منها االجتماع ألن االجتماع ال يكون إال مؤقت ًا أو دائمي ًا ،واالجتماع املؤقت وإن ترتب عنه بعض تبادل املصاحل إال أنه يتالشى مبجرد االنتهاء من االجتماع. واالجتماع غري املؤقت يرتتب عنه أيضًا تبادل املصاحل يف شكل عالقات دائمية ولذلك جيب أن يفهم من الوسط االجتم اعي أنه عب ارة عن جمموع ة من الن اس توح دت بينهم األفك ار واملش اعر واألنظم ة يف ش كل جمتم ع متم يز عن غ ريه بتميز األفكار واملشاعر واألنظمة .ومن هنا كان الوسط االجتماعي يف أصله فكر معني تبناه إنسان ما مث نقله إىل غريه فحص ل ل ه الت داول ح ىت مشل ق درًا من الن اس قل وا أو ك ثروا مجعت بينهم ه ذه األفك ار يف مك ان م ا من األرض فش كلوا بفكرهم املوحد ورضاهم وغضبهم املشرتك ونظام حياهتم العامة بيئة ووسطًا. وإذا نظرنا إىل أية بيئة إنسانية من خالل أفكارها جند أن كثريًا من البيئات بعد وجودها لعشرات السنني أو املئات قد تالشت وانقرضت وال أدل على ذلك بيئة الشعب الرومي ببالد الشام وبيئة الشعب الفارسي ببالد فارس وبيئة الشعب العريب باجلزيرة العربية فقد كانت هذه البيئات خمتلفة عن بعضها البعض باختالف األفكار واملفاهيم وحني جاء اإلسالم غرَّي البيئة العربية من وسط اجتماعي جاهلي إىل وسط اجتماعي إسالمي .مث انتقلت احلضارة اإلسالمية إىل خارج اجلزيرة العربية فغريت البيئات اليت كانت قائمة ببيئتها هي ،إىل أن جاء االستعمار احلديث فغري بدوره البيئة اإلسالمية وأحل حملها بيئته هو واليت هي البيئة الرأمسالية ،مث ملا ظهر املبدأ االشرتاكي بروسيا كان إيذانًا بوالدة البيئة االشرتاكية على حساب القيصرية اإلقطاعية وعلى حساب البيئة اإلسالمية أيضًا. والناظر إىل هذه البيئات جيد أهنا قد قضت زمنًا معينًا ال يهمنا طوله أو قصره وال يهمنا منه اجليل الذي ساهم يف إنشائها بقدر ما يهمنا اجليل الثاين والثالث والرابع اخل ،ألن اجليل األول كان هو املصدر لنشوء البيئة اجلديدة من خالل صراعه وكفاحه إلقامتها وهو إذا أقامها مل يشهد ألفكاره العراقة والتمركز اللذان يؤديان إىل نشوء العادات واألعراف والتقاليد الناشئة عن طول مدة حياة األفكار يف الناس واجملتمع ولذلك ال ينظر إىل مدى أثر البيئة يف سلوكه ألنه هو الذي صنعها حني ناضل من أجل سيادة األفكار وجتميدها يف واقع احلياة. فاألجيال اليت ختلف اجليل األول هي اليت تنشأ فيها العادات والتقاليد واألعراف وحني تنشأ هذه األخرية فإهنا ليست سوى أفكارًا ومفاهيم يف أصلها ،وما دام السلوك اإلنساين يرتبط حتمًا باملفاهيم فال غرابة يف القول بأن البيئة تؤثر يف السلوك اإلنساين سلبًا أو إجيابًا ما دامت يف أصلها فكر.