Professional Documents
Culture Documents
مسؤولية المهندس المدنية في التشريع الجزائري
مسؤولية المهندس المدنية في التشريع الجزائري
ملخص:
تقوم املسؤولية املدنية للمهندس املعماري بنوعيها العقدية و التقصريية على توافر ثالثة أركان ،اخلطأ،
الضرر و العالقة السببية بينهما ،فمىت اجتمعت هذه األركان يلتزم بدفع التعويض للمضرور و هو ما
يسمى ابحلق يف التعويض ،وعليه فمسؤوليته ختضع لنفس األحكام العامة الواردة يف القانون املدين مع
مراعاة بعض الفروق واخلصائص فقط.
Abstract:
The civil liability of an architect, in its two types of contractual and
default, is based on the availability of three pillars, error, damage, and the
causal relationship between them. Only some differences and characteristics.
1
فنينخ نوال
مقدمة:
إن املسؤولية املدنية تنقسم إىل نوعني اثنني ،مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصريية ،أسهم املشرعون
ومن بعدهم الفقهاء يف تفصيل أحكامها كما استحدث القضاء بعض األحكام املتعلقة هبا و اليت لقيت
رواجا و قبوال من الفقه.
كما أن املسؤولية املدنية بنوعيها حتكمها قواعد متعددة شكلت األرضية واملرجع ملختلف املهنيني
واحلرفني وأصحاب املهن احلرة يف حال قيام مسؤوليتهم وإن كانوا خيضعون إىل نوع خاص من األحكام إال
أهنم خيضعون للنظرية العامة للمسؤولية املدنية سواء تعلق األمر مبسؤوليتهم التقصريية أو مسؤوليتهم العقدية.
وتعترب مهنة املهندس املعماري من بني املهن احلرة اليت يقوم عليها سوق العقار من خالل التصاميم
املعمارية واإلشراف على عمليات البناء ،فاملهندس يساهم بشكل أو آخر يف عمليات البناء والعقار بصفة
عامة سواء من خالل التدخالت اإلدارية والقانونية أو حىت التدخالت امليدانية األمر الذي قد يثري مسؤوليته
املدنية يف أي مرحلة كان عليها تشييد البناء ،وعليه سنخصص حبثنا لدراسة مسؤولية املهندس املدنية ففيما
تتمثل أحكام املسؤولية املدنية للمهندس؟
لالجابة على هذا التساؤل ،نقسم دراستنا إىل مبحثني اثنني خنصص املبحث األول لدراسة املسؤولية
العقدية للمهندس أما املبحث الثاين فسنخصصه لدراسة مسؤوليته التقصريية تباعا وفق اخلطة اآلتية متبعني
املنهجني التحليلي و املقارن.
املبحث األول :مسؤولية املهندس العقدية.
يرتبط املستفيد من البناء مع املهندس املعماري بعقد إلجناز البناء فتنشأ عن هذا العقد التزامات
تقع على طرفيه ،ومن هذا املنطلق تنظم املادة 554من القانون املدين نوعا خاصا من املسؤولية بني
طريف عقد املقاولة حملها تشييد مبان أو إقامة منشآت اثبتة أخرى ،يكون املسؤول فيها هو املهندس
املعماري واملقاول من جهة ،واملستفيد منها رب العمل ومن خيلفه من جهة أخرى ،دون الغري
األجنيب عن عقد املقاولة .وخيتلف دور املهندس املعماري عن دور املقاول ،حيث أن املهندس
املعماري ميارس عمال ذو طبيعة فنية إبتكارية مبا يبدعه من نشاط ذهين بعكس املقاول الذي ميارس
عمال ماداي ذو طابع جتاري.
2
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
1مرسوم تشريعي رقم 07-94املؤرخ يف 18ماي 1994املعدل واملتمم بقانون رقم 06-04املؤرخ يف 14أوت 2004املتعلق
بشروط اإلنتاج املعماري وممارسة مهنة املهندس املعماري ج.ر رقم 51لسنة . 2004
2قرار وزاري مشرتك مؤرخ يف 15ماي 1988يتضمن كيفيات ممارسة تنفيذ األشغال يف ميدان البناء املعدل واملتمم ابلقرار الوزاري
املشرتك املؤرخ يف 04جويلية ،2001ج.ر رقم 45سنة . 2001
3قانون رقم 29-90املؤرخ يف 01ديسمرب 1990املعدل واملتمم بقانون رقم 05-04املؤرخ يف 14أوت 2004املتعلق
ابلتهيئة والتعمري ،ج.ر رقم 51لسنة 2004
4مرسوم تنفيذي رقم 176-91مؤرخ يف 28ماي 1991احملدد لكيفيات إجراء تسليم شهادة التعمري ورخصة التجزئة ...املعدل
واملتمم ابملرسوم التنفيذي رقم 03-06املؤرخ يف 07يناير ،2006ج.ر رقم 01لسنة . 2006
3
فنينخ نوال
طرف مهندس معماري .وال شك من أن املشرع يهدف من خالل ذلك كله إجناز بناايت وفقا
للمعايري التقنية واألصول الفنية لتجنيب البناء أي خلل من شأنه أن حيدث ضررا به .
ويف هذا الصدد نص املشرع اجلزائري على التزامات املهندس املعماري يف عدة نصوص متفرقة
ميكن إمجاهلا يف قانون رقم 29-90املعدل واملتمم ،املرسوم التنفيذي رقم ،5176-91املرسوم
التشريعي رقم 07-94املعدل واملتمم ومنها احرتام معطيات املشروع املرتمجة لرغبة رب العمل صاحب
املشروع ،احرتام التشريعات واللوائح املطبقة يف جمال البناء والتعمري ...فإذا أخل املهندس املعماري
هبذه االلتزامات وأصيب البناء بضرر يقع حتت طائلة املسؤولية .
طبقا لصريح نص املادة 01/554من القانون املدين اجلزائري واملادة 03من القرار الوزاري املشرتك
املؤرخ يف 15ماي 1988السابق فإن املسئول األول بضمان سالمة املباين واملنشآت هو املهندس
املعماري .وإذا أخذان ابلتفسري احلريف للنص فإن املسؤولية ال تنطبق إالّ على من كان حائزا على
شهادة مهندس يف اهلندسة املعمارية أو ما يعادهلا من املؤهالت اهلندسية األخرى املعرتف هبا من قبل
نقابة املهندسني ،وعضوا ابجلدول الكبري هليئة جزاء املهندسني املعماريني وفقا للنصوص القانونية
املنظمة لشروط ممارسة مهنة املهندس املعماري.6
وابلرغم من أن املادة 554من القانون املدين اجلزائري تتحدث عن املهندس املعماري ،غري أن االجتاه
السائد يف فقه بعض الدول وبتأييد من جانب من القضاء ابلنظر إىل التطور احلديث يف أعمال
التشييد والبناء جعل املهندس املعماري يقتصر دوره يف أغلب األحوال على وضع التصميمات
والرسومات ،يف حني يتوىل غريه من املهندسني يف جمال اهلندسة املدنية ،اهلندسة امليكانيكية ... ،
اإلشراف على تنفيذها .لذلك وجب أن ميتد نطاق هذه املسؤولية ليشمل أي مهندس مادام يساهم
5أنظر قانون رقم 06-04مؤرخ يف 27مجادى الثانية عام 1425املوافق لـ 14غشت سنة 2004يتضمن إلغاء بعض أحكام
املرسوم التشريعي رقم 07-94املؤرخ يف 07ذي احلجة عام 1414املوافق لـ 18مايو سنة 1994واملتعلق بشروط اإلنتاج
املعماري وممارسة مهنة املهندس املعماري ،ج.ر العدد رقم 51لسنة . 2004
6عبد الودود حي ،مسؤولية املهندسني واملقاولني والتأمني عليها ،جمالة مصر املعاصرة ،العدد ،376سنة ،1997ص 128وما
بعدها .
4
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
بدور يف تنفيذ األعمال .7ومن مت يتحمل مسئولية املهندس املعماري كل من قام بتصميم األعمال أو
أشرف على تنفيذها ولو كان رب العمل نفسه .8وإذا اشرتك عدة أشخاص يف القيام مبهمة املهندس
املعماري سواء يف وضع تصميم األعمال املزمع إنشاؤها ،أو يف اإلشراف والرقابة على تنفيذها كانوا
مجيعا مسئولني كل يف حدود ما قام به من أعمال .
ويرجع يف حتديد ما يكلف به املهندس املعماري من مهام يف عملية البناء لتحديد مسئوليته إىل
العقد املربم بينه وبني رب العمل ابعتباره شريعة املتعاقدين وإىل األحكام القانونية الواردة يف جمموعة
النصوص القانونية املنضمة للمهنة .ولذلك جاء نص املادة 555من القانون املدين اجلزائري أبنه "إذا
اقتصر املهندس املعماري على وضع التصميم دون أن يكلف الرقابة على التنفيذ مل يكن مسئوال إال
عن العيوب اليت أتت من التصميم .كما قضت احملكمة العليا يف قرارها املؤرخ يف 2005/01/19
أبن "املسئولية عن هتدم البناء وسالمته تشمل املهندس املعماري واملقاول على السواء ،ما مل يقتصر
عمل املهندس على وضع التصميم فال يكون مسئوال إال عن العيوب اليت أتت منه".9
اثنيا :رب العمـل.
ممّا ال شك فيه أن املستفيد األول من الضمان العشري هو رب العمل ،إذ يفهم من نص املادة
554من القانون املدين اجلزائري أن الضمان العشري مقرر أساسا ملصلحة رب العمل الذي تعاقد
مع املهندس املعماري .
ويقصد برب الع مل على أنه "ذلك الشخص الطبيعي أو املعنوي ،العام أو اخلاص الذي يتم إجناز
10
جراء عيوب البناء
البناء أو املنشاة الثابتة حلسابه" .ورب العمل هو الذي يصاب عادة ابلضرر من ّ
اليت هتدد سالمته ومتانته .ويستوي يف ذلك أن يكون رب العمل قد ابرم العقد بنفسه أو بواسطة
وكيل عنه ،وسواء كان شخصا طبيعيا أو شخصا اعتباراي خاصا أو عاما ،مالكا لألرض اليت يقام
عليها البناء أو جمرد منت فع هبا .وال يعترب املقاول األصلي يف مركز رب العمل يف عالقته ابملقاول من
الباطن ،ألن البناء أو املنشأ الثابت الذي يقام أو يشيد ال يكون حلسابه هو بل حلساب من تعاقد
معه .وابلتايل ال يستطيع الرجوع هبذا الضمان على املقاول من الباطن ،وهذا ما قررته الفقرة الثالثة
من املادة 554من القانون املدين اجلزائري .وإذا فقد رب العمل صفته ابلتسليم النهائي للبناء –كأن
تكون مقاولة عقارية تقوم إببرام عقود مقاوالت إلنشاء مبان حلساب أعضائها وتتوىل فقط عملية
تشييدها ،مث تقوم بعد ذلك بتوزيعها على أعضائها -فال يستطيع رفع دعوى الضمان العشري
ويتوالها األعضاء أبنفسهم أو من خالل مجعية املالك ابعتبارهم املستفيدين من هذا الضمان.11
فالضمان العشري يرتبط أساسا ابمللكية العقارية ويسري معها حيثما سارت ينتقل إىل املالك اجلديد
كاملشرتي أو املوهوب له. 12
ّأما يف حالة امللكية املشرتكة اليت يتعدد فيها مالك البناء أو العمارة تثبت دعوى الضمان
العشري إىل مجعية املالك .واملالحظ أن املرسوم التنفيذي رقم 13 59-94مل حيدد صاحب الصفة
يف رفع دعوى الضمان العشري مما يؤدي بنا إىل الرجوع لألحكام العامة .ومن مث يعود للجمعية اليت
يكونوهنا فيما بينهم حني يكون اخللل املوجب هلذا الضمان قد حلق األجزاء املشرتكة للبناء طبقا للمادة
756مكرر 1مدين جزائري 14أما حني يقوم موجب الضمان ابألجزاء اخلاصة من العقار اململوكة
للشركاء على انفراد (الشقق أو الطبقات) تكون مباشرة دعوى الضمان من اختصاص كل مالك
للجزء الذي حلقه سبب الضمان على انفراد .
اثنيـا :خلف رب العمـل.
11حممد حسني منصور ،املرجع السابق ،ص ، 83وكذلك د.حممد شكري سرور ،املرجع السابق ،ص.197
12بلمختار سعاد ،املسؤولية املدنية للمهندس املعماري ومقاول البناء ،مذكرة لنيل شهادة ماجستري يف القانون ،كلية احلقوق والعلوم
السياسية ،2009 ،ص. 139
13املرسوم التنفيذي رقم 59-94املؤرخ يف 07مارس 1994املتعلق بتحديد القواعد املتعلقة ابمللكية املشرتكة وتسيري العمارات
اجلماعية .
14تنص املادة 756مكرر 01من القانون املدين اجلزائري على أنه " :إذا حدث هدم كلي أو جزئي فإنه ميكن للشركاء املالكني
لألجزاء املتكونة منها املبىن املهدم أن يقرروا أبغلبية األصوات جتديد املبىن أو إصالح اجلزأ الذي حلقه الضرر ." ...
6
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
جبانب املستفيد األول من الضمان العشري املتمثل يف رب العمل ينتقل احلق يف الضمان العشري
حالة وفاته خللفه العام من ورثة وموصى هلم تبعا النتقال ملكية البناء إليهم طبقا لقواعد االستخالف
العام املنصوص عليها يف املادة 108من القانون املدين اجلزائري .15وابلتايل فإن مجيع احلقوق اليت
يرتبها عقد املقاولة لرب العمل تنتقل بعد موته إىل خلفه العام ،ليحلوا حمل مورثهم يف الرجوع على
املعماري املسؤول مبقتضى أحكام املسؤولية اخلاصة .وينطبق ذات احلكم على خلفه اخلاص كمشرتي
العقار وفقا للرأي الفقهي السائد16ابعتبار أن هذه الدعوى من مستلزمات البناء وتتبعه يف أي يد
وجد ،إعماال للمادة 109من القانون املدين اجلزائري اليت حتكم قواعد االستخالف اخلاص
ابملتعاقد17وقد ذهب جانب من الفقه وسايره يف ذلك أيضا جانبا من القضاء يف تربير ذلك إىل اعتبار
الضمان العشري التزاما عينيا ينتقل مع العقار ،حيث أن حق التمسك هبذا الضمان يعترب من
مستلزمات الشيء أو ملحقاته اليت تنتقل معه إىل من انتقلت إليه امللكية دون حاجة للنص عليها
صراحة يف التصرف الناقل للملكية ،ولو كان السبب الذي انتقلت به امللكية ال يلزم الناقل ابلضمان
كاهلبة مثال18ويف حالة البيع اإلجياري فإن املشرتي املستأجر ال يستفيد من هذا الضمان إال إذا أصبح
مالكا فعال للبناء وقت قيام موجبه وذلك بسداده آلخر قسط من الثمن .وأما قبل ذلك فال يعدو أن
يكون هذا الشخص دائنا عاداي لرب العمل (املؤجر) وال يستطيع أن يرفع دعوى الضمان العشري
القانون ،أن هذا األثر ال ينصرف إىل اخللف العام كل ذلك مع مراعاة القواعد املتعلقة ابملرياث" .
16عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط يف شرح القانون املدين-العقود الواردة على العمل -اجلزأ السابع ،اجمللد األول ،منشأة املعارف،
مصر ، 2004 ،ص . 102
17وتنص املادة 109مدين جزائري على " :إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقا شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إىل خلف
خاص ،فإن هذه االلتزامات واحلقوق تنتقل إىل هذا اخللف يف الوقت الذي ينتقل فيه الشيء ،إذا كانت من مستلزماته وكان اخللف
اخلاص يعلم هبا وقت انتقال الشيء إليه
18سرحان عدانن إبراهيم ،شرح القانون املدين ،العقود املسماة :املقاولة-الوكالة-الكفالة ،الطبعة االوىل ،دار الثقافة للنشر والتوزيع،
عمان ،2007 ،ص .58 ّ
7
فنينخ نوال
ابمسه ،بل من خالل الدعوى غري املباشرة (دعوى رب العمل) إذا ظهر يف البناء(العني املؤجرة) عيب
موجب للضمان،وهو ما تقضي به املادة 189مدين جزائري.
املطلب الثاين :شروط قيام مسؤولية املهندس العقدية.
قد حيدث أن يقصر املهندس املعماري لسبب أو آلخر يف تنفيذ مهامهما على الوجه املطلوب بصورة
ينتج عنها اإلضرار برب العمل إىل حد ما ،بل أن تلك األضرار قد تتعداه إىل غريه من األفراد الذين
هلم صلة بعملية البناء كالعاملني فيها أو القائمني عليها كاملهندس أو املقاول وقد ميتد أثرها إىل
أشخاص أجانب متاما عن عملية البناء كاجلريان واملارة .غري أن حدوث هذه املضار قد تؤدي إىل
إاثرة مسؤوليته عن ذلك ،ومن مث يستوجب عليه تعويض املتضرر عما أصابه .وتبعا لذلك نقتصر
على دراسة األضرار اليت تلحق رب العمل ،وعليه يتعني النعقاد املسئولية العشرية للمهندس املعماري
قِبَل رب العمل توافر الشروط الثالثة التالية:
ارتباط الطرفني بعقد حمله تشييد أو إقامة منشاة اثبتة ، -
هتدم املنشأة أو ظهور عيب هبا يهدد مثانة البناء وسالمته ، -
أن حيدث التهدم أو ينكشف العيب خالل مدة الضمان املقدرة بعشر سنوات من وقت -
تسليم العمل.
إن املسؤولية اخلاصة للمهندس املعماري املقررة يف املادة 554وما بعدها من القانون املدين ال
تغطي كل ضرر يصيب املباين أو املنشآت الثابتة األخرى .ومن مث فإن الضمان العشري يغطي نوعا
خاصا من الضرر على درجة عالية من اجلسامة وهو إما هتدم البناء أو املنشأة الثابتة ،أو تعيبهما
بعيوب خطرية يرتتب عليها هتديد متانة البناء وسالمته .ويستوي يف التهدم – وهو تفكك البناء
أوانفصاله عن األرض واحنالل الرابطة اليت ترتبط بني أجزاءه –أن يكون كليا أو جزئيا ،وسواء كان
راجعا إىل عيب يف التصميم أو يف تنفيذ األعمال ،أو يف املواد املستعملة فيها ،أو يف األرض ذاهتا
إذا كان من املمكن كشفه وفقا للقواعد الفنية والتقنية املعروفة ،وإال كان قوة قاهرة ويعفى املهندس
من املسؤولية بسببه .
والتهدم املقصود هنا ذلك الذي يتم بطريقة غري إرادية الذي قد يكون بسبب عيب يف عملية
التشييد والبناء ،أو عيب يف املواد املستعملة أو يف األرض املقام عليها البناء .أما العيب املوجب
8
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
للضمان – والذي اشرتط فيه املشرع اجلزائري شأنه شأن املشرع املصري والفرنسي أن يهدد متانة البناء
وسالمته –فتقديره مرتوك للسلطة التقديرية لقضاة املوضوع بعد اللجوء إىل اخلربة الفنية ويعرف على
أنّه " :ذلك اخللل الذي يصيب املباين أو املنشآت الثابتة والذي تقتضي أصول الصنعة وقواعد الفن
خلوها منه".19
وال يشرتط فيه أيضا أن يشمل كل البناء أو املنشأة ويكفي أن يقع يف جزء منها ،ومثاهلا اخللل يف
أساسات البناء أو اهلياكل احلاملة له أو األسقفه وتشقق جدرانه ...ويتعني على قضاة املوضوع أن
يوضحوا يف حكمهم مدى أمهية العيب ،وما إذا كان من شأنه هتديد متانة البناء وسالمته .وال ريب
يف أن هناك عيواب ال ترقى يف خطورهتا إىل هذه الدرجة ومثاهلا التشققات البسيطة يف احلوائط أو اخلطأ
يف بعض التوصيالت الكهرابئية الفرعية وحنو ذلك.20
وهبذا املعىن خيتلف العيب املقصود ابلدراسة عن عيب املطابقة ،فقد يكون املبىن املشيد سليما
خاليا من العيوب ،إالّ أنّه يكون غري مطابق للمواصفات املتفق عليها كأن خيالف دفرت الشروط من
حيث مثال مساحة الغرف ،كيفيات ترتيبها ،طريقة تقسيمها ...وتبدوا أمهية التفرقة يف اختالف اجلزاء
ابختالف نوع العيب ،فإذا كانت عيوب املطابقة تؤدي إىل وجوب إصالحها فقط ،فإن عيوب البناء
ينشأ عنها الضمان العشري مبا يتبعه من أحكام خاصة .ومن هذا املنطلق يشرتط يف العيب املوجب
للضمان أبن يكون خفيا حبيث ال يستطع رب العمل اكتشافه وقت أن يتسلم البناء أو املنشأة ،ومل
يكن يف إمكانه ذلك حىت لو بذل جهد الرجل احلريص يف مثل ظروفه .21فإن كان العيب ظاهرا
أوكان رب العمل على علم به ابلرغم من خفائه وقام ابستالم العمل دون حتفظ ،سقط حقه يف
الضمان الفرتاض أنه تنازل حينئذ عن هذا احلق إبرادته احلرة .ويعترب من قبيل العيوب اخلفية وقت
تسلم املشروع وجود خلل غري واضح يف العزل الصويت اخلاص جبدران البناء ،وجود عوائق وصعوابت
حتول دون إمكانية دخول املرآب .
20نبيلة رسالن ،املرجع السابق ص ، 158حممد حسني منصور ،املرجع السابق ،ص . 126
حممد عبد الرحيم عنرب ،عقد املقاولة ،منشأة املعارف ،2007 ،ص .176 21
9
فنينخ نوال
وليس هناك أدىن شك يف أن شرط خفاء العيب يعد شرطا قاسيا لرب العمل خاصة إذا كان
شخصا غري خبري بش ؤون البناء ألنه يكون ملزما بتقدير حالة أعمال معمارية يف غاية من األمهية
والتعقيد عند التسليم .لذا فقد ختفى عليه الكثري من العيوب اليت ال ختفى على ذوي اخلربة من الفنيني،
ومع ذلك ميكن لرب العمل االستعانة مبهندس متخصص عند املعاينة والفحص لتسلم العمل .غري
أنه وخالفا للقواعد العامة يف ضمان العيب فإنه ال يشرتط إلعمال الضمان العشري أن يكون العيب
قدميا وفقا للقواعد العامة املنظمة ألحكام العيوب اخلفية ،أي موجودا قبل استالم رب العمل وقبوله
للمبىن أو املنشأة .فيمتد الضمان إىل العيوب اليت تطرأ بعد التسليم أيضا طاملا كان ذلك خالل مدة
الضمان اليت نص عليها القانون وهو املوقف الذي أخذت به حمكمة النقض املصرية يف عدة قرارات
قضائية صادرة عنها .22كما أن املهندس املعماري ال يسأل إالّ عن العيوب اليت تشوب البناء وينجم
عنها ضرر على درجة من اخلطورة الذي من شأنه املساس بسالمة ومثانة العناصر التجهيزية غري القابلة
لالنفصال.
هذا عن مسؤولية املهندس العقدية أما مسؤوليته التقصريية فتتبلور يف ما يلي.
املبحث الثاين :مسؤولية املهندس التقصريية.
تقوم مسؤولية املهندس التقصريية إذا ما ارتكب خطأ تسبب فيه بضرر للغري أي غري رب العمل وخلفه
و هو خيضع بذلك لألحكام العامة يف املسؤولية التقصريية و الين نلخصها يف االيت.
املطلب األول :أركان املسؤولية التقصريية للمهندس.
النعقاد املسؤولية املدنية ،البد من اج تماع أركان ثالث من خطأ و ضرر و عالقة سببية بني اخلطأ
والضرر.
و مبا أن األمر ي تعلق ابملسؤولية الطبية فيوصف اخلطأ على أنه خطأ طيب فهل هو نفسه اخلطأ
طبقا للقواعد التقليدية يف املسؤولية أم مفهومه خيتلف ومثله احلكم ابلنسبة للضرر و العالقة السببية
بينهما؟
أوال :اخلطأ.
22عاطف النقيب ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي .منشورات عويدات ،ط ،3سنة ،1984ص.25
10
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
عرف اخلطأ طبقا للقواعد العامة يف املسؤولية على أنه إخالل ابلتزام سابق ،سواء كـان هــذا يُ ّ
االلت ـزام مصدره العقد أو القانون.فاخلطأ قد يكون عقداي ،و قد يكون تقصرياي .أما اخلطأ العقدي
فيتمثل يف عدم تنفيذ االلتزام احملدد يف العقد أو الـتأخر يف تنفيذه .و أما اخلطأ التقصريي فلقيامه البد
من توفر ركنني ،الركن املادي و يتمثل يف االحنراف عن السلوك املألوف للشخص العادي املوضوع يف
نفس الظروف اخلارجية احمليطة به ،أما الركن املعنوي فيتمثل يف اإلدراك و التمييز حيث ال يسأل عن
اخلطأ إال الشخص املميز ،فمىت اجتمع الركنان قام اخلطأ التقصريي الذي قد يتخذ صور عدة فإما
يكون انجتا عن فعل عمدي أو انتج عن إمهال أو رعونة أو عدم تبصر.
اثنيا :الضرر.
ال يكفي لتحقق املسؤولية التقصريية أن يثبت وقوع اخلطأ ،بل جيب أن يثبت املضرور أن اخلطأ
الذي وقع من املسؤول ق د سبب له ضررا .و الضرر كما عرفه البعض هو إخالل مبصلحة مشروعةأو
كما عرفه البعض اآلخر هو ما يصيب املرء يف حق من حقوقه .فركــن الضرر الزم لقيـام املســؤولية
حبيث إذا ما انـتـفى اخلطأ ال تقـوم املسؤولية و ابلضرورة يسقط احلق يف التعويض و ال تقبل الدعوى
إذا ما رفعها املضرور لعدم إثباته الضرر أي انتفاء مصلحته فال دعوى بدون مصلحة.23
و الضرر نوعان ،ضرر مادي و ضرر معنوي .أما الضرر املادي فهو كل ما ميس ابملصاحل املالية
الداخلة يف الذمة املالية للمضرور أي كل تعد على حـق من حقــوق اإلنسان فـي سالمـة نفسه وممـتلكاته
فينتقص منها أو يعطلها أو يتلفها أو يغتصبها أو حيول دون مالكها و استعماهلا أو استثمارها و يقدر
ذلك الضرر مبال .و للمضرور أن يثبت الضرر بكافة وسائل اإلثبات مهما كان نوعها العتبار الضرر
واقعة مادية.
إذن ،الضرر املادي إما أن يكون جسداي أو غري جسدي ،فالضرر اجلسدي هو ما ميس جسم
اإلنسان بينما الضرر الغري جسدي فهو ذلك الضرر الذي يلحق ابلذمة املالية للشخص.
و أمـا الضرر املعنوي ،فهــو األذى الـذي يلحــق بغري مادايت اإلنسان فيمس مبشاعره
أوإبحساسه أو بعاطفته أو بنفسه أو مبكانته العائلية أو املهنية أو االجتماعية حمداث لديه األمل النفسي
23عاطف النقيب ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي .منشورات عويدات ،ط ،3سنة ،1984ص.25
11
فنينخ نوال
أو الشعور ابالنتقاص من قدره .أي هو األمل الناتج عن املساس هبـذه املشاعر و كذا املساس ابحلقوق
املع نوية للشخص كحقوقه املدنية من حق يف احلياة و يف سالمــة جسمــه و مسعــته و شه ـرتـه و مكـانتـه
االجتمـاعـية ،فـإن اعتـدي على حق من هذه احلقوق سواء ابالنتقاص أو التعطيل شكل ذلك ضررا
معنواي .هذا الضرر خلصه القضاء الفرنسي و بعده الفقه يف تعريف واحد و هو "االضطراب يف ظروف
احلياة" ()(Trouble aux conditions d’existence24
إال أن التعــويــض عن الضرر املعنوي أاثر جدال كبريا و استمر النقاش فيه زمنا طويال ،فلـم تقــبل
فكـرة التعـويض عن الضرر املعنوي ابعتبار أنه ال ميكن قياسه ابلنقود و أن النقود ال ميكن أن تزيله من
نفس اإلنسان .مث بعد ذلك عُذل عن هذا الرأي و اعترب أن التعويض ال مينح للمتضرر إلزالة الضرر
و إمنا يعترب وسيلة إلرضاء النفس جتعله يتحمل أمله أو ينساه بتوظيفه املال مبا يعود عليه ابلنفع.
أما التشريع اجلزائري ،فلقد نص على الضرر املعنوي و على التعويض عنه يف نص املادة 182
مكرر من القانون املدين اليت استحدثها مبوجب التعديل اجلديد ،فقبل التعديل أي فــي إطـار األمر
رقم 58-75املــؤرخ ب 1975-09-26مل يكـن ينـص صـراحة على التعويض عن الضرر املعنوي.
و لقــد ،نص املشرع اجلزائري على التعويض املعنوي يف املادة 182مكرر مدين و اليت تقابلها
املادتني 223مدين سوري و 222مدين مصري بقوله:
" يشمل التعويض عن الضرر املعنوي كل مساس ابحلرية أو الشرف أو السمعة".
كما نص عليه يف قوانني أخرى منها ،قانون األسرة يف املادة 05منه بنصه على أنه إذا ترتب
عن العدول عن اخلطبة ضرر مادي أو معنوي ألحد الطرفني جاز احلكم له ابلتعويض.
و جتب املالحظة إىل أنه ال يتحقق الضرر و يثبت قانوان إىل إذا اتصف ببعض املواصفات سواء
كان ضررا ماداي أو معنواي فال فارق بينهما .هذه املواصفات أو الشروط تتمثل يف:
24
M. Bourré-Quenillet, le préjudice sexuel : preuve, nature juridique et
indemnisation. JCP 1996, 1, 3986.
12
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
25محدي عبد الرمحن ،فيصل زكي عبد الواحد ،امحد عبد العال أبو قرين ،املدخل لدراسة القانون :دروس يف القانون احلق ،نظرية
االلتزام .العام اجلامعي ،2001-2000ص.233
13
فنينخ نوال
ابلذات) اليت تنقسم بدورها إىل حقوق عينية أصلية كحق امللكية و االنتفاع و االرتفاق و حقوق
عينية تبعية كحق الرهن بنوعيه الرمسي و احليازي و حــق االمتياز و حــق التخصيص .و احلقوق
الشخصية (و هي سلطة يقررها القانون لشخص على آخر يلتزم مبقتضاها القيام بعمل أو االمتناع
عنه أو إعطاء شيء).26و مثاهلا عالقة الدائنية ،و التزام البائع بتسليم الشيء املبيع إىل املشرتي و كذا
التزام املقاول إبنشاء البناء الذي تعهد إبنشائه .و أخريا احلقوق املعنوية (و هي سلطة يقررها القانون
قوم ابملال ألن
للشخص على إنتاجه الفكري) كحق املؤلف و إن كان يرد على شيء معنوي إال أنه يُ ّ
احلق املعنوي خيول صاحبه حق استغالل و استثمار إنتاجه الفكري و التصرف فيه أيضا.
كما أنه تنبـثــق عــن هـذه احلقوق مصاحل يعمل اإلنسان على حتقيقها و احلفاظ عليها و هي
موضع محاية من القانون .هذه احلماية تتحقق عمليا مبنح صاحب املصلحة احلق ابللجوء إىل القضاء
طالبا احلماية و التعويض له عن األضرار اليت حلقت مبصلحته احملمية قانوان ،على هذا جاءت املادة
13من قانون اإلجراءات املدنية و اإلدارية اجلزائري تنص على أن الدعوى وسيلة لكل من له مصلحة
قانونية قائمة أو حمتملة.
و املقصود ابملصلحة القانونية تلك اليت حيميها القانون ،سواء ابلنص عليها صراحة أو ألهنا
مالزمة ألحد احلقوق األساسية لإلنسان املعرتف هبا من اجلميع و املكرسة من قبل القضاء على أهنا
حقوق مشروعة تنبثق منها مصاحل مشروعة سواء ورد بشأهنا نص دستوري أم قانوين أو مل يرد).
و املصلحة حىت تكون حممية قانوان ،البد من توفرها على صفة املشروعية أي أن تكون مشروعة.
و عليه ،فإن حق اإلدعاء ابملسؤولية طلبا للتعويض عن األضرار حمصور أبصحاب احلقوق احملمية
قانوان ،أي الذين أجاز هلم القانون االدعاء أمام القضاء بشأن هذه احلقوق.
هذا عن الشرط األول الواجب توفره يف الضرر حىت يتمكن املضرور من احلصول على التعويض ،فإىل
جـانب هــذا الشرط جيـب أن يكون الضرر كذلك ضررا حمقق الوقوع ،فما مضمون هذا الشرط؟
محدي عبد الرمحن ،فيصل زكي عبد الواحد ،امحد عبد العال أبو قرين ،املرجع السابق ،ص239 26
14
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
و مثاله أن يرتك أحد الرعاة بقرته مصابة بوابء عند راع اثن لرتعى مع بقره و يكون الراعي الثاين
قد تعاقد مع مصنع للحليب ليزوده ابحلليب يف أجل معلوم .إال أن البقر نتيجة للعدوى بذلك الوابء
أصيبت كلها ففسد حليبها و ابلتايل هل يعوض الراعي صاحب البقرة املوبوءة الراعي الثاين عن الضرر
املتمثل يف إصابة بقره ابلوابء فقط ابعتباره ضرر مباشر للخطأ أو يعوضه كذلك عن فساد حليبها
ابعتباره الضرر الثاين و هو ضرر غري مباشر؟ أو يعــوض أيضا صاحب املصنع عن الضرر الذي أصابه
.
من عدم توفر احلليب و هو الضرر املرتد؟
حســب القـاعـدة العامـة صاحـب البقـرة املوبــوءة يعوض الراعي الثاين عن اإلصـابـة ابلوبـاء فقـط
ابعتـبار أن الضـرر الذي أصاب هذا األخري هو ضرر مباشر للخطأ و ال يعوضه عن فساد احلليب
ألنه ضرر غري مباشر كما ال يعوض صاحب املصنع ألن الضرر الذي حلقه هو ضرر ارتد إليه فقط.
إال أن القضاء الفرنسي ،تبىن فكرة الضرر املرتد ) (Le préjudice par ricochetو قبل
تعويض األشخاص املضرورين ارتداداي أي األشخاص املنتقل إليهم الضرر و مثاله رب العائـلة الذي
يصاب جبروح ابلغة أدت به إىل عجز كلي بسبب حادث سري ،فإن زوجته و أبنـاءه هلــم احلق فـي
طلـب التعـويـض و ذلـك ابال رتـداد عـن الضـرر س ـواء املـادي أو املعنوي ،فالضرر املادي يتجسد يف
خسارة اإلعاانت اليت كان يوفرها هلم األب.
ولكي يتحصل املتضرر على التعويض ال بد أن يتحقق الضرر ابعتباره الركن الثاين يف املسؤولية
إىل جانب ركن اخلطأ .و الضرر ال يتحقق إال بتوفر شروط معينة منها أن يكون الضرر الذي حلق
املضرور قد وقع على حق حيميه القانون أو على مصلحة مشروعة ،و أن يكون حمقق الوقوع أو
مستقبال بشرط أن يكون وقوعه مؤكدا و ميكن حتديد قيمة التعويض املعادلة له .و أخريا جيب أن
يكون مباشرا أي انجتا مباشرة عن اخلطأ مع األخذ بعني االعتبار الضرر املرتد ابلنسبة للتشريع الفرنسي.
و لكـن ثبـوت اخلطأ و حتقق الضرر ،ليسا كافيني لقيام املسؤولية عن الفعل الشخصي بل ال بد
أن يكون الضرر انجتا عن اخلطأ أو ما يعرب عنه بوجوب وجود عالقة سببية بني اخلطأ و الضرر.
نعم ،يشرتط إىل جانب ركين اخلطأ و الضرر ،ركن اثلث حىت تقوم املسؤولية و هو العالقة
السببية بني اخلطأ و الضرر ) ، (Le lien de causalitéفما املقصود هبا؟
16
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
17
فنينخ نوال
يظهر مما سبق أن نظرية تعادل األسباب جتعل كل سبب مسؤول عن النتيجة ،أي أن األسباب
مجيعها متضامنة يف إحلاق الضرر .إال أن هذه النظرية انتقدت ألهنا وسعت من نطاق املسؤولية
وجعلت املرء مسؤوال عن كل املساوئ اليت حتيط به يف حياته .فإذا كان املرء مسؤوال على كل شيء
فهو ليس مسؤوال عن أي شيء .هلذا وجدت النظرية الثانية و هي نظرية السبب املنتج ،فما املقصود
هبا؟
اثنيا :نظرية السبب املنتج(La théorie de la causalité adéquate) .
مبقارنة هذه النظرية ابلنظرية األوىل (تكافؤ األسباب) جند أن هذه األخرية أسهل يف التطبيق من
الحقتها إذ أن مجيع األسباب متكافئة يف إحداث الضرر و ال جهد يف حتديدها .بينـما نظـرية السب ــب
املنـتـج فم ـ ؤداها أنــه جيــب البحث عن األسباب املنتجة يف إحداث الضرر (Les causes
) adéquatesو األسباب العرضية ) (Les causes fortuitesفيعتد ابألوىل و هتمل الثانية.
و السبب املنتج هو ذلك السبب الذي جيعل حدوث الضرر حمتمال طبقا للسري العادي لألمور
و الذي لعب دورا أس اسيا يف إحداثه .أي ضرورة حصر السببية يف الواقعة اليت تؤدي وفقا للمألوف
إىل حدوث الضرر و هي الواقعة اليت من شأهنا إحداث الضرر حبسب اجملرى الطبيعي لألمور.
و يقع عبء إثبات السبب املنتج على املضرور و له احلق يف إثباته بكافة وسائل اإلثبات ابعتباره
واقعة قانونية .إال أن إثباته ليس ابألمر السهل خاصة إذا تعدد مسببو الضرر من جهة فال يعرف من
هو مرتكب الفعل ،ففي هذه احلالة يصبح اجلميع مسؤولني عن الضرر مسؤولية تضامنية .و مـن جهـة
أخـرى ،فـي حـالة تعــدد األسباب و غموض الصلة السببية بينها و بني الضرر ،هنا جند أن القضاء
الفرنسي لعب دورا هاما يف حتديد الصلة السببية و القول ما إذا كان من شأن الفعل األصلي أن
حيدث هذه النتيجة وفقا للمجرى العادي و الطبيعي لألمور أم أن عوامل أخرى طارئة تدخلت يف
إحداث هذه النتيجة و من مث اعتمد اترة على نظرية تكافؤ األسباب و اترة أخرى على نظرية السبب
املنتج على حسب القضية املعروضة أمامه.
و هناك حالة أخرى ،أين ينشئ فيها اخلطأ الواحد عدة أضرار متسلسلة فهل تعترب العالقة
السببية قائمة بني اخلطأ و بني مجيع األضرار؟ اجلواب على هذا التساؤل يتوقف على مدى الضرر
املأخوذ به ،فالنسبة للتشريع اجلزائري الذي أيخذ ابلضرر املباشر فقط يكون املخطئ مسؤوال عن
18
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
الضرر املباشر فقط دون غريه من األضرار األخرى ،بينما قد يكون مسؤوال عن مجيع األضرار يف ظل
تشريعات أخرى مثل ما هو معمول به يف التشريع الفرنسي فقد يسأل حىت على الضرر املرتد.
و املالحــظ أن الفقـه العـريب و منه اجلزائري مع انعدام أي نص قانوين يشري إىل اعتماد نظرية
دون األخرى مال إىل تطبيق النظرية الثانية يف حتديد العالقة السببية و هي نظرية السبب املنتج أو
السبب الفعال.
و عليه ،متـى ثبتــت الصلة بيـن اخلطأ و الضـرر أي بتـوفـر العـالقـة السبـبـية بينهما تقـوم مسؤولية
الفاعـل ،إال أن هـنـاك حاالت ميكن ملرتكب الفعل فيها أن ينفي تلك العالقة و تنتفي مسؤوليته و ال
يسأل عن أي تعويض.
املطلب الثاين :حاالت انتفاء مسؤولية املهندس التقصريية.
احلاالت اليت تنتفي فيها العالقة السببية ابلرغم من قيامها هي ثالثة ،القوة القاهرة خطأ الغري
وخطأ املضرور .يعرب عن هذه احلاالت الثالث "ابلسبب األجنيب" أي مىت كنا أمام سبب أجنيب تنتفي
العالقة السببية بني اخلطأ و الضرر و عليه ال تقوم أي مسؤولية جتاه مرتكب الفعل اخلاطئ .فما
املقصود بكل حالة من هذه احلاالت؟
سنتناول كل حالة على حدة اتباعا يف ما يلي.
-1القوة القاهرة:
القوة القاهرة هي حادث خارجي ال ميكن توقعه و ال دفعه يؤدي بشكل مباشر إىل إحداث
الضرر ،أو كـمـا عرفــها البـعـض أبهنا احلادث الذي ليس ابإلمكان عادة توقعه أو ترقبه ،و ال ابملستطاع
دفعه .29و مثــاهلا حــدوث الـزالزل أو البـراكني أو الفيضاانت أو هبوب عاصفة قوية.
-2خطأ الغري:
يقصـد ابلغـري كـل شخـص عـدا املتـضرر ،فإذا كـان خطأ الغري هو السبب الوحيد يف وقوع الضرر
فإن مسؤولية الفاعل تنتفي ابنتفاء الرابطة السببية كأن يتعمد سائق سيارة مطاردة سيارة أخرى فيضطر
املطاردة أن ينحرف يسارا فيصيب مارا يف الطريق ،فال مسؤولية عليه و إمنا تقع املسؤولية
سائق السيارة َ
على عاتق صاحب السيارة اليت كانت تطارده.
-3خطأ املضرور.
تنتفي العالقة السببية إذا أثبت املسؤول عن اخلطأ أن الضرر يرجع إىل خطأ املضرور كما إذا قام
سائق السيارة بدهس مار يف الطريق و إشارة املرور كانت محراء ابلنسـبــة للمـارة فأصيـب جبــروح ،فـي
هــذه احلالة تنتفي العالقة السببية بني خطأ السائق و الضرر الذي أصيب به املار بسبب خطأ هذا
األخري حيث هو الذي أخطأ حني مل حيرتم إشارة املرور.
بيد أنه إذا اشرتك خطأ املسؤول مع خطأ املضرور يف إحداث الضرر ،فيكون هناك خطأ مشرتك
فال يلزم املسؤول إال ببعض التعويض.30
و لقد نص املشرع اجلزائري على السبب األجنيب بصوره الثالث و اعتربه سببا منفيا للعالقة
السببية و ابلتايل سببا معفيا من املسؤولية يف نص املادة 127من القانون املدين بقوله:
" إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب ال يد له فيه كحادث فجائي ،أو قوة قاهرة ،أوخطأ
صدر من املضرور أو خطأ من الغري كان غري ملزم بتعويض هذا الضرر ما مل يوجد نص قانوين أواتفاق
خيالف ذلك".
و كخالصة ملا سبق ،مىت توافرت األركان الثالثة من خطأ و ضرر و عالقة سببية بينهما ،فـإن
املسؤوليـة تقوم يف جانب املهندس و يرتتب على قيامها إلزامه بدفع التعويض للمضرور و هو ما يسمى
ابحلق يف التعويض ،ففي ما يتمثل التعويض؟
التعويض هو مبلغ مايل يقدره القضاء املعروض عليه النزاع ،حبيث يدفعه املسؤول عن الفعل
اخلاطئ إىل املضرور ،و على القاضي أن حيكم به يف حدود الطلب فال ميكنه أن يتجاوزه و لو أتكد
من انه اقل من املستحق.
20
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
كما أن التعويض يكون عن الضررين املادي و املعنوي معا و ال ميكن احلكم ابلتعويض عن
31
الضرر املعنوي دون الضرر املادي هذا ما وصلت إليه احملكمة العليا اجلزائرية يف اجتهادها القضائي
و يشمل التعويض ،ما حلق املضرور من خسارة و ما فاته من كسب ابإلضافة إىل التعــويـض عـما
حــدث لـه فعال سواء كان الضرر ماداي أو معنواي على أن يراعي القاضي املعروض عليه النزاع الظروف
املالبسة .و التعويض إما أن يكون نقدا أو عينا أو يف بعض احلاالت أيمر القاضي إبرجاع احلالة إىل
ما كانت عليه قبل ارتكاب اخلطأ و وقوع الضرر فيبقى األمر راجعا إىل سلطة القاضي التقديرية
حسب ما تبينه املادة 132من القانون املدين اجلزائري.
مع اإلشارة إىل أن املضرور يسقط حقه ابلتقادم يف طلب التعويض خالل مخسة عشر سنة من
يوم وقوع الفعل الضار وفقا ملا تشري إليه املادة 133من نفس القانون
خامتة:
بعد دراسة املوضوع اتضح لنا أن املســؤولية عن الفعل الشخصي للمهندس بوجــه عام تقوم
على ثالثة أركان اخلطأ و الضرر و العالقة السببية بينهما ،أما اخلطأ و هو إخالل ابلتزام قانوين فيتحقق
مىت كان الشخص مميزا و احنرف عن سلوك الرجل العادي و هو يف نفس ظروفه اخلارجية احمليطة به،
إال أنه ال يعترب كذلك إذا ارتكب الفعل و هو يف حالة دفاع شرعي أو يف حالة ضرورة أو يف حالة
تنفيذه ألمر رئيسه ،كما ال يعترب خمطئا يف حالة ما إذا رضي املتضرر ابلضرر أو كان عاملا ابخلطر
الذي ينجر عن مثل هذا الفعل.
أما الضرر و هو الركن الثاين يف املسؤولية إىل جانب ركن اخلطأ ،فال يتحقق إال بتوفر شروط
معينة منها أن يكون الضرر الذي حلق املضرور قد وقع على حق حيميه القانون أو على مصلحة
31قرار مؤرخ يف ،1986-07-08ملف رقم ،42308اجمللة القضائية لسنة ،1990العدد األول ،ص.254
21
فنينخ نوال
مشروعة ،و أن يكون حمقق الوقوع أو مستقبال بشرط أن يكون وقوعه مؤكدا و ميكن حتديد قيمة
التعويض املعادلة له .و أخريا جيب أن يكون مباشرا أي انجتا مباشرة عن اخلطأ.
و آخر ركن يف املسؤولية هو العالقة السببية بني الفعل و الضرر ،أي أن يكون الضرر انجتا عن
اخلطأ ،و إن تعددت أسباب الضرر فإما أن يؤخذ هبا مجيعا تطبيقا لنظرية تكافؤ األسباب أو يؤخذ
منها ما هو منتج فقط طبقا لنظرية السبب املنتج و هي األكثر انتشارا .إال أنـه ميكـن انتـفاء هذه
العالقة إبثبــات السبب األجنيب بشرط أن يكون خارجي و غري متوقع و غري ممكن دفعه و ال ينسب
للمسؤول .فإن مل يثبت السبب األجنيب و ثبتت األركان الثـالثة جمـتــمعة وجــب على املخطئ تعويض
املضرور عن الضررين املادي و املعنوي ،و التعويض خيضع يف تقديره لسلطة القاضي .هذا عن املسؤولية
عن الفعل الشخصي.
أما مسؤوليته العقدية فتكون اجتاه رب العمل أو خلفه العام و اخلاص و ذلك خالل 10
سنوات من اتريخ ابرام االتفاق و هو ما يعرف ابلضمان العشري.
قائمة املراجع:
الكتب:
-عبد الودود حي ،مسؤولية املهندسني واملقاولني والتأمني عليها ،جمالة مصر املعاصرة العدد ،376
سنة ،1997
-بلمختار سعاد ،املسؤولية املدنية للمهندس املعماري ومقاول البناء ،مذكرة لنيل شهادة ماجستري يف
القانون ،كلية احلقوق والعلوم السياسية .2009 ،
-محدي عبد الرمحن ،فيصل زكي عبد الواحد ،امحد عبد العال أبو قرين ،املدخل لدراسة القانون:
دروس يف القانون احلق ،نظرية االلتزام .العام اجلامعي .،2001-2000
-سرحان عدانن إبراهيم ،شرح القانون املدين ،العقود املسماة :املقاولة-الوكالة-الكفالة ،الطبعة
عمان2007 ،
االوىل ،دار الثقافة للنشر والتوزيعّ ،
22
مسؤولية املهندس املدنية يف التشريع اجلزائري
-سهلي زهدور ،مسؤولية عدمي التمييز يف التشريع اجلزائري مقاران .أطروحة الدكتوراه ،جامعة وهران،
كلية احلقوق ،السنة اجلامعية ،2006-2005ص.09
-عاطف النقيب ،النظرية العامة للمسؤولية الناشئة عن الفعل الشخصي .منشورات عويدات ،ط،3
سنة 1984
-عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط يف شرح القانون املدين-العقود الواردة على العمل -اجلزأ السابع،
اجمللد األول ،منشأة املعارف ،مصر2004 ،
-عز الدين الدانصوري ،عبد احلميد الشواريب ،املسؤولية املدنية يف ضوء الفقه و القضاء .اجلزء األول،
منشأة املعارف ،شركة اجلالل ،االسكندرية.، 2004 ،
23
فنينخ نوال
املوافق لـ 18مايو سنة 1994واملتعلق بشروط اإلنتاج املعماري وممارسة مهنة املهندس املعماري ،
ج.ر العدد رقم 51لسنة . 2004
مرسوم تنفيذي رقم 176-91مؤرخ يف 28ماي 1991احملدد لكيفيات إجراء تسليم شهادة
التعمري ورخصة التجزئة ...املعدل واملتمم ابملرسوم التنفيذي رقم 03-06املؤرخ يف 07يناير
،2006ج.ر رقم 01لسنة . 2006
املرسوم التنفيذي رقم 59-94املؤرخ يف 07مارس 1994املتعلق بتحديد القواعد املتعلقة ابمللكية
املشرتكة وتسيري العمارات اجلماعية .
24