Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫روسيا والعودة إلى أفريقيا‪ :‬املحددات و األبعاد‬


‫‪‬‬
‫هشام صميض‬
‫‪safire05@gmail.com‬‬

‫تقديم‪ :‬كانت القارة األفريقية على مر تاريخها ضحية موقعها االستراتيجي الذي جعل منها منطقة تجاذب الدول الكبرى‪،‬‬
‫ولم تخرج القارة في فترة الحرب الباردة عن هذا السياق حيث عرفت صراعا حقيقيا بين القوتين العظميين في تلك‬
‫الفترة‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية واالتحاد السوفياتي‪ ،‬اللتين حاولتا تصريف صراعهما األيديولوجي في القارة بمحاولة‬
‫التحكم فيها وذلك للبعد الجيوستراتيجي الذي تحظى به‪ .‬فقد انقسمت دول القارة إلى معسكرين أيديولوجيين؛ األول تابع‬
‫للمعسكر الليبرالي بقيادة الواليات املتحدة األمريكية والثاني تابع للمعسكر االشتراكي بقيادة االتحاد السوفياتي‪.‬‬
‫غير أنه مع انهيار االتحاد السوفياتي في العقد األخير من القرن ‪ ،20‬ستنسحب روسيا من القارة األفريقية خالل فترة‬
‫الرئيس يلتسن‪ ،‬وهي الفترة التي انكفأت فيها روسيا على نفسها من أجل إعادة بناء واقعها الداخلي لتجاوز تداعيات تلك‬
‫املرحلة والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة‪.‬‬
‫وبعد تجاوز روسيا لتداعيات انهيار معسكرها‪ ،‬والتمكن من إعادة البناء الداخلي ملؤسسات الدولة‪ ،‬ستسعى جاهدة‬
‫للعودة إلى القارة األفريقية خاصة مع وصول الرئيس بوتين إلى الحكم في بدايات العقد األول من القرن ‪ ،21‬غير أن‬
‫بصمات العودة هذه املرة لن تكون بنفس الحضور السابق في املنطقة‪ .‬فاستراتيجية وسياسة روسيا الخارجية في تعاملها‬
‫مع القارة األفريقية ستتغير والعالقات الروسية األفريقية ستؤطرها محددات أخرى غير املحدد اإليديولوجي الذي لم‬
‫يعد حاضرا وحاكما لها‪.‬‬
‫فما هي مكانة أفريقيا في املنظور االستراتيجي الروي ي وما هي املحددات االستراتيجية التي دفعت بروسيا للعودة نحو‬
‫أفريقيا تستدعي مقاربة هذا السؤال اإلجابة عن التساؤالت الفرعية التالية‪ :‬ما طبيعة العالقة التي كانت قائمة بين‬
‫أفريقيا وروسيا في فترة الحرب الباردة ما هي األسباب التي دفعت بروسيا إل ى االنسحاب من أفريقيا هل تواجد أفريقيا‬
‫في صلب أولويات السياسة الخارجية الروسية هي الدافع وراء عودة روسيا بثقلها إلى املنطقة ‪.‬‬
‫وتنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها‪ :‬أن انسحاب روسيا من القارة أفريقية في فترة ما بعد الحرب الباردة فرضه‬
‫تفكك االتحاد السوفياتي وانكفائها نتيجة لذلك على إعادة بناء بيتها الداخلي ملواجهة تداعيات بروز أحادية قطبية‪ ،‬غير‬
‫أن هذا االنسحاب لم يغيب أفريقيا من املنظور االستراتيجي الروي ي تبعا ملبدأ التنافس والتجاذب بين الدول حول‬
‫املنطقة‪ ،‬األمر الذي يفسر عودتها ومحاولة الحفاظ على عالقاتها مع الدول األفريقية على أساس التبعية خصوصا في‬
‫الجانبين االقتصادي والعسكري‪،‬‬
‫وسيكون تحليلنا للموضوع تحت عنوانين‪ :‬األول حول روسيا في أفريقيا بين الحضور واالنسحاب؛ والثاني تتناول العودة‬
‫املتجددة لروسيا في أفريقيا‪.‬‬

‫‪ .1‬روسيا في أفريقيا بين الحضور واالنسحاب‬

‫‪ ‬طالب باحث بسلك الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪1‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫‪ .1.1‬الحضور التاريخي لروسيا في أفريقيا‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫إن الحضور الروي ي بإفريقيا ليس وليد التاريخ املعاصر؛ بل له امتدادات تاريخية أ ِّصل ْت في القرون الوسطى بوجود‬
‫عالقات دينية كانت تجمع الحجاج الروس األرثوذكسيين واملسيحيين األفارقة من جهة‪ ،‬واملسلمين الروس ونظرائهم‬
‫األفارقة من جهة ثانية‪ ،‬حيث كانت نقاط مالقاتهم هي األراض ي املقدسة لكال الطرفين‪ .‬وقد ترسخت هذه العالقة أكثر‬
‫فيما بعد حين سيحط مجموعة من البحارة واملستكشفين الروس في مجموعة من البلدان األفريقية منها الكونغو‬
‫الديموقراطية‪ ،‬مصر‪ ،‬واملغرب‪ .1‬سيتعزز هذا الحضور بافتتاح روسيا القيصرية قنصليتين في مصر نهاية القرن ‪،18‬‬
‫األولى في القاهرة والثانية في اإلسكندرية‪ .‬وفي سنة ‪ 1898‬م ستتمكن من إقامة عالقات دبلوماسية مع كل من إثيوبيا‬
‫وجمهورية الترنسفال (جنوب أفريقيا حاليا)‪ ،‬كما ستقوم بتثبيت قنصلية عامة في املغرب بمدينة طنجة‪.‬‬
‫ستتواصل االتصاالت بين روسيا وأفريقيا جنوب الصحراء بعد الثورة البلشفية سنة ‪ ،1917‬على نطاق ضيق في البداية‪،‬‬
‫وبشكل رئيس ي من خالل األممية االشتراكية‪ ،‬حيث سينتقل مجموعة من األفارقة إلى اتحاد الجمهوريات االشتراكية‬
‫السوفياتية من أجل التثقيف والتكوين السياي ي‪ .‬وكان من نتائج هذه االتص االت املتبادلة بين الطرفين انتعاش العالقات‬
‫ََ‬
‫البل َدان حليفين‬ ‫الرسمية بين روسيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا خالل الحرب العاملية الثانية‪ ،‬حيث أصبح هذان‬
‫استراتيجيين لالتحاد السوفياتي‪ ،‬وستصير روسيا منذ سنة ‪ 1950‬أكبر داعم للدول األفريقية املستقلة حديثا ولحركات‬
‫التحرر األفريقي املناهضة لالستعمار‪ ،‬إذ ستعمل موسكو على تقديم الدعم للمؤتمر الوطني األفريقي)‪ ،(ANC‬والحزب‬
‫الشعبي لجنوب أفريقيا(‪ ،)SACP‬والحركة الشعبية لتحرير أنغوال ( ‪ ،)MPLA‬وجبهة تحرير املوزمبيق (‪ ،)FRELIMO‬واتحاد‬
‫الشعب األفريقي الزيمبابوي‪.2‬‬
‫كما أن هذا الدعم سيصل أروقة األمم املتحدة التي ستعتمد سنة ‪ ،1960‬وبمبادرة من االتحاد السوفياتي‪ ،‬إعالنها‬
‫التاريخي املتعلق بمنح االستقالل للبلدان والشعوب املستعمرة‪ ،3‬بالرغم من اعتراض الدول الغربية الكبرى‪ ،‬إذ صوت‬
‫لصالح هذا اإلعالن ‪ 89‬دولة مقابل ‪ 9‬دول اعترضت عليه‪ ،‬مع امتناع ‪ 9‬دول وهي‪ :‬استراليا‪ ،‬بلجيكا‪ ،‬إسبانيا‪ ،‬أمريكا‪،‬‬
‫فرنسا‪ ،‬البرتغال‪ ،‬جمهورية الدومينيك‪ ،‬بريطانيا واتحاد جنوب أفريقيا‪ .‬فباستثناء استراليا وجمهورية الدومينيك ما تبقى‬
‫من هذه الدول كانت قوى استعمارية خالل سنوات الستينات‪ ،‬وهذا ما يفسر موقفها وسلوكها من اإلعالن‪.‬‬
‫وفي فترة الحرب الباردة ستتجه روسيا إلى مزيد االهتمام بدول العالم الثالث بما فيها الدول األفريقية ملواجهة تزايد التأثير‬
‫األمريكي في النظام الدولي‪ ،‬هذا التأثير الذي سيصير املحرك األساي ي للسياسة الخارجية السوفياتية تجاه تلك الدول‪.‬‬
‫وبهذا التوجه الجديد ستتحرر موسكو من السياسة الستالينية املتمركزة حول أوروبا‪ ،‬حيث سيعيد السوفياتيون توجيه‬
‫سياستهم نحو وجهة غير أوروبا‪ ،‬عاملين على تطوير تأثيراتهم وقدراتهم التدخلية في القارة األفريقية‪ ،‬خاصة على مستوى‬

‫‪1‬‬
‫‪Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,‬‬
‫‪multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p62.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,‬‬
‫‪multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p62.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪www.un.org/ar/event.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪2‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫دول جنوب الصحراء الكبرى‪ ،‬وإن بشكل محدود خالل سنوات الستينات‪ ،‬ثم بشكل واسع خالل سنوات السبعينات التي‬
‫ستشهد تطورات مهمة في العالقات الروسية األفريقية خاصة على مستوى دولة أنغوال واملوزمبيق وإثيوبيا‪.1‬‬
‫أما على مستوى دول شمال أفريقيا‪ ،‬سينش ئ االتحاد السوفياتي عالقات اقتصادية مستمرة مع معظمها خاصة مصر‬
‫والجزائر‪ ،‬كما سيدعم عسكريا نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا‪ .‬ومقابل ذلك‪ ،‬سيحصل الروس على ولوجية سهلة‬
‫للقواعد البحرية والجوية لتلك الدول‪ ،‬تمكن االتحاد السوفياتي من االستعانة بها في حاالت التوتر مع الغرب‪.2‬‬
‫وقد شملت العالقات الروسية األفريقية مجموعة من املجاالت وليس فقط املجالين العسكري والسياي ي‪ ،‬ففي منتصف‬
‫الثمانينات سيوقع االتحاد السوفياتي اتفاقات متعددة مع مجموعة من الدول األفريقية‪ ،‬شملت أكثر من ‪ 37‬اتفاقية‬
‫للمساعدة التقنية وحوالي ‪ 42‬اتفاقية تجارية‪ .‬كما سيتم تكوين حوالي ‪ 2500‬أفريقي في الجامعات واملدارس التقنية‬
‫السوفياتية‪ ،‬وستخرج أكاديميات عسكرية وسياسية روسية اآلالف من األفارقة ‪ ،3‬الذين سيشكل البعض منهم فيما بعد‬
‫نخبا حاكمة في بلدانها األصلية‪ ،‬أمثال‪ Mbeki Thabo :‬في جنوب أفريقيا‪ ،‬و‪ Jose Dos Antos‬في أنغوال‪ ،‬و ‪ Ahmadou toumani‬في‬
‫مالي‪ ،4‬وهو ما سيعزز من التقارب بين تلك البلدان وروسيا أثناء فترات حكمهم‪.‬‬
‫لقد شكل مبدأ التنافس والتجاذب االستراتيجي بين القوى الكبرى حول مجموعة من املناطق اإلقليمية‪ ،‬بما فيها أفريقيا‪،‬‬
‫املحدد األساس في عالقة روسيا بأفريقيا‪ .‬فموسكو لم تعتبر الدول األفريقية املتعاونة معها كحلفاء ثانويين‪ ،‬بقدر ما كانوا‬
‫يشكلون بالنسبة لها جبهات للتصدي واملواجهة العاملية ضد الرأسمالية املتوحشة‪.5‬‬
‫‪ .2.1‬االنسحاب الروس ي من أفريقيا‬
‫خالل العقد ما قبل األخير من القرن العشرين‪ ،‬عرف االقتصاد السوفياتي مأزقا متفاقما‪ ،‬إذ تدهورت قدرته على‬
‫املستوى العالمي‪ ،‬بسبب الحصار التكنولوجي واستخدام سالح الغذاء وتصعيد سباق التسلح من جانب الدول الغربية‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى تخصيص االتحاد السوفياتي ملوارده العلمية والتكنولوجية واملالية والبشرية وغيرها لألغراض‬
‫العسكرية على حساب حاجات االقتصاد‪ .‬وهو األمر الذي كان له انعكاسات على بيته الداخلي‪ ،‬فكان من مخرجاته انهيار‬
‫االتحاد وتفككه‪.‬‬
‫غير أن تفكك االتحاد السوفياتي لم يؤدي إال إلى انسالخ ربع مساحته أما الثالثة أرباع الباقية فالزالت بيد روسيا‪ ،‬حيث‬
‫ورثت معظم ما كان يملكه االتحاد السوفياتي من إمكانيات مادية وبشرية‪ ،‬ولكنها ورثت في الوقت نفسه مشاكل االتحاد‬

‫‪1‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La politique‬‬
‫‪russe en Afrique :désengagement ou coopération ?, Revue d’études comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996,‬‬
‫‪N°3, p146.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne et autres, Ibid, p146.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,‬‬
‫‪multilatéralisme et activisme politique», Afrique Contemporaine, N°248, 2013, pp62- 63.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Guy Pandji: "Russia's Return to Africa - The Scholarship Dimension", NORRAGNEWS, SPECIAL ISSUE: «THE GEOPOLITICS‬‬
‫‪OF OVERSEAS SCHOLARSHIPS & AWARDS OLD AND NEW PROVIDERS, EAST & WEST, NORTH & SOUTH », NUMBER 45‬‬
‫‪April 2011, p86.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,‬‬
‫‪multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p63.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪3‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫السوفياتي األخرى‪ .1‬وأمام ثقل تداعيات انهيار االتحاد وارتداداته على داخل روسيا وعلى عالقاتها مع العالم الخارجي‪،‬‬
‫سعت روسيا االتحادية إلى تبني سياسة خارجية مختلفة أفرزتها معطيات واقعية اختلفت من مرحلة إلى أخرى‪ ،‬بحيث‬
‫حاولت روسيا في عهد الرئيس بوريس يلتسين نهج سياسة تهادن الغرب‪ ،‬السيما الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وتحاول‬
‫االقتراب منه أكثر من أجل الخروج من األزمات التي تعصف بها‪.2‬‬
‫لقد كان للوجود الروي ي في أفريقيا ثمنه‪ ،‬وهذا ما يستشف من تصريح ألكسندر مكارينكو مدير مديرية أفريقيا في وزارة‬
‫الخارجية الروسية‪ ،‬حينما اعتبر أن مسار التبادالت بين روسيا وأفريقيا كانت قائمة باألساس على املساعدات والديون‪،‬‬
‫بحيث أن الجانب التجاري لم يشكل إال نسبة ضئيلة جدا في هذا املسار‪ .3‬وقد شكلت تلك الديون واملساعدات ثقال على‬
‫االقتصاد الوطني الروي ي‪ ،‬إذ اعتبر مجموعة من الخبراء أن الصعوبات واملشاكل االقتصادية الداخلية لروسيا ما هي إال‬
‫نتاج اللتزامات وروابط الدولة الروسية املكلفة تجاه دول العالم الثالث بما فيها الدول األفريقية‪.‬‬
‫لهذا سيعمل يلتسين على محاولة االنسحاب من أفريقيا‪ ،‬فبعد شهرين من زيارة وزير الخارجية ألفريقيا في فبراير سنة‬
‫‪ 1992‬ستغلق موسكو سفاراتها في تسع دول أفريقيا من بينها بوركينافاسو‪ ،‬غينيا االستوائية‪ ،‬ليبيريا‪ ،‬الطوغو‪،‬‬
‫الصومال‪ .‬ثم بعد ذلك ستغلق كذلك قنصليات في كل من املوزمبيق‪ ،‬أنغوال‪ ،‬مدغشقر‪ ،‬والكونغو‪ .4‬وفي الجانب التجاري‬
‫أوقفت روسيا مجموعة من البعثات التجارية‪ ،‬وكذلك نشاط ‪13‬مركزا ثقافيا روسيا من أصل ‪ 20‬مركزا‪ .‬وبذلك‪ ،‬أعلنت‬
‫روسيا ضمنيا عدم استطاعتها مواصلة دعمها لألنظمة الحليفة لها في أفريقيا؛ بل أكثر من ذلك سيوقف الرئيس يلتسين‬
‫كل أشكال الدعم واملعونات على الدول األفريقية‪ ،5‬مطالبا إياها بدفع ما بذمتها من ديون تجاه روسيا‪.6‬‬
‫وإلى جانب توقيف التعاون الدبلوماي ي والسياي ي والعسكري‪ ،‬عرف الجانب االقتصادي نفس التوجه ففي سنة‪ 1992‬لم‬
‫يتجاوز مبلغ املبادالت التجارية بين روسيا وأفريقيا رقم املليار دوالر‪ ،‬وسيعرف هذا الرقم بدوره في سنة ‪ 1994‬انخفاضا‬
‫ملحوظا بحيث لن يتجاوز ‪ 740‬مليون دوالر‪ .7‬كما أن نظام هذه املبادالت التجارية عرف حسب الوزير األول الروي ي‬
‫فيكتور تشيرنوميدين نوعا من عدم التوازن‪ ،‬مؤكدا في ذلك على "أن ‪ %83‬من حجم هذه املبادالت هي موجهة فقط لدول‬
‫شمال أفريقيا"‪.8‬‬
‫‪ .2‬العودة الروسية ألفريقيا‬

‫‪ 1‬عبد العزيز مهدي الرواي‪" :‬توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة"‪ ،‬مجلة دراسات دولية (بغداد‪ :‬مركز‬
‫الدراسات الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،35‬سنة ‪ )2008‬ص‪.160‬‬
‫‪ 2‬عز الدين عبد هللاا أبو سمهدانة‪ :‬اإلستر اتيجية الروسية تجاه الشرق األوسط‪(،2008 - 2000 :‬دراسة الحالة الفلسطينية) (رسالة‬
‫ماجستير في العلوم السياسية‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم م اإلدارية‪ ،‬جامعة األزهر غزة‪ ،‬السنة الجامعية ‪2012/2011‬م) ص‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour? », Géostratégiques, n° 25 novembre 2009, p166.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La politique‬‬
‫‪comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996, N°3, p154.‬‬
‫‪russe en Afrique: désengagement ou coopération? », Revue d’études‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Sebastian Santander: L'Afrique, nouveau terrain de jeu des émergents (Editions Karthala, 2014) p121.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage soviétique,‬‬
‫‪multilatéralisme et activisme politique», Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p63.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Sebastian Santander,Op.cit , p121.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine,« La politique‬‬
‫‪comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996, N°3, p155.‬‬
‫‪russe en Afrique: désengagement ou coopération ? », Revue d’études‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪4‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫‪ .1.2‬إرهاصات العودة‬
‫لقد كان النهيار االتحاد السوفياتي سنة ‪1991‬انعكاسات فرضت على السياسة الخارجية الروسية االنعزال‪ ،‬غير أن‬
‫انكفاء روسيا على سياسة البناء الداخلي لم يلغي فكرة الرجوع إلى القارة األفريقية خاصة دول الجنوب منها‪ ،‬وقد بدا‬
‫ذلك واضحا سنة ‪ 1994‬حين ستعيد روسيا توجيه سياستها الخارجية تجاه أفريقيا حتى تتجاوز الخسائر التي منيت بها‬
‫نتيجة هذا االنسحاب‪ .1‬ففي هذه الفترة سارعت إلى صياغة خطة تجسد هذا التوجه الجديد للروس‪ ،‬وشرع العمل في‬
‫ذلك باجتماع سفراء روسيا في الدول األفريقية مع الوزير األول الروي ي فيكتور تشيرنوميردين في موسكو صيف ‪1994‬؛‬
‫وهو االجتماع الذي أكد فيه هذا األخير أن قطع العالقات مع القارة األفريقية واالنسحاب منها كانت له تأثيرات سلبية‬
‫على مصالح روسيا العليا‪ ،‬السيما في مجال مبيعات األسلحة‪ ،‬وأكد فيه كذلك على أن الفراغ الذي تركته روسيا في هذا‬
‫املجال مكن من ظهور أطراف أخرى منافسة لها‪ .‬وفي نفس االجتماع عبر وزير الخارجية أندري كوزريف عن حذره بالتركيز‬
‫على ضرورة الربط عضويا بين توسيع مجال بيع السالح الروي ي وتحقيق األمن واالستقرار في أفريقيا‪.2‬‬
‫وعلى الرغم من أن التعاون العسكري بين روسيا وأفريقيا عرف تدهورا كبيرا في العقد األخير من القرن املاض ي‪ ،‬وهنا‬
‫يجب استحضار أن االتحاد السوفياتي كان هو املمون الرئيس لألسلحة للبلدان األفريقية في بدايات سنوات الثمانينات‪،‬‬
‫إال أن مجموعة من العوامل ستدفع بعودة هذا التعاون‪ ،‬ولعل من أهمها أن ما بين ‪ %60‬و‪ %90‬من السالح املستعمل أو‬
‫املتداول في القارة األفريقية هو صناعة روسية‪ .‬لكن إرهاصات هذا التوجه ستواجهها مجموعة من العراقيل أهمها‬
‫ضعف قدرة الدول األفريقية على السداد‪ ،‬باإلضافة إلى املنافسة املتزايدة من طرف تجار السالح سواء املنتمين إلى الدول‬
‫الغربية أو املنتمين إلى الدول التي كانت تسبح في فلك االتحاد السوفياتي املفكك‪.3‬‬
‫ومع هذا التعثر الحاصل في قدرة األفارقة على سداد فاتورة استيراد السالح‪ ،‬ستتجه روسيا إلى تقوية تعاونها بالدول‬
‫املنتجة للنفط كنيجيريا والدول املنتجة للسلع املطلوبة كزيمبابوي‪ ،‬وإن كانت دولة جنوب أفريقيا‪ ،‬في نظر الروس‪ ،‬تبقى‬
‫هي الشريك االقتصادي الرئيس لها في املنطقة‪ ،‬وذلك ملا لهذا البلد من إمكانات اقتصادية وتجارية مهمة‪ .‬ومن هنا نفهم‬
‫الخطوة التي أقدم عليها الرئيس يلتسين سنة ‪ 1994‬عندما ألغى‪ ،‬بموجب مرسوم رئاي ي‪ ،‬جميع القيود املفروضة على‬
‫املعامالت مع هذا البلد‪ ،‬والتي ُفر َ‬
‫ض ْت عليها في سبعينيات القرن املاض ي بقرار من مجلس األمن‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وإذا كان التوجه الجديد لروسيا داخل القارة األفريقية خالل فترة التسعينات نحا سبيل التواجد وعدم نهج سياسة‬
‫الكري ي الفارغ‪ ،‬فإن الحضور الروي ي اقتصر على الجانب االقتصادي ونأى بنفسه من التورط سياسيا أو عسكريا في أي‬
‫صراع داخل القارة‪ .‬فروسيا حسب يلتسين "باعتبارها عضوا دائما في مجلس األمن وعضوا نشيطا في املنظومة الدولية‪،‬‬
‫ستدعم كل التحوالت الديمقراطية في أفريقيا وستعمل على جعل هذه املنطقة أكثر أمنا واستقرارا"‪.4‬‬
‫وبذلك ستقتصر جهود روسيا في أفريقيا للحد من الصراعات والنزاعات املسلحة في تلك الفترة على إجراءات رمزية‬
‫كتشكيل مثال وحدة متنقلة صغيرة في تنزانيا ملساعدة الالجئين الروانديين‪ .‬وكان الروس يعتبرون أن حل تلك النزاعات‬

‫‪1‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 155.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 156.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 156.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 159.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪5‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫‪،‬‬
‫على املستوى الواقعي هو شأن خاص باألفريقيين حصرا‪ ،‬وهذا ما كان يعبر عنه دائما املندوب الروي ي في األمم املتحدة في‬
‫تلك الفترة بولي فورونتسكف‪.‬‬
‫ويبقى االستثناء الوحيد لهذا املوقف االنعزالي أو الحيادي لروسيا‪ ،‬هو محاولتها إنهاء الصراع الطويل حول السلطة بين‬
‫الحكومة األنغولية ومعارضيها في حركة "يونيتا"‪ ،‬حيث كان للروس تأثيرا حاسما في التوقيع على بروتوكول اتفاق وقف كل‬
‫األعمال العدائية والعنف في أنغوال واملصالحة الوطنية في مدينة "لوساكا" في نونبر ‪ ،1994‬كما صادق برملان روسيا على‬
‫طلب الرئيس يلتسين بإرسال ‪ 160‬جندي روي ي و‪ 7‬مروحيات من نوع ‪ MI-8‬إلى بعثة األمم املتحدة في أنغوال‪.1‬‬
‫‪ .2.2‬العودة الحقيقية لروسيا في أفريقيا‬
‫عرفت العالقات الروسية مع عاملها الخارجي تحوال جديدا ابتداء من سنة ‪ ،2000‬وهي السنة التي تولى فيها بوتين قيادة‬
‫روسيا بعدما كان يشغل منصب الرئيس بالوكالة بعد استقالة يلتسين من املنصب الرئاي ي‪ .‬وبوصول بوتين لسلطة‬
‫الحكم في روسيا اتسمت سياستها الخارجية بالنظرة الواقعية للعالقات الدولية املرتبطة أساسا بطبيعة الحراك‬
‫السياي ي الدولي وبمصالح روسيا السيادية‪.‬‬
‫فلقد شكلت روسيا في تلك اللحظة‪ ،‬حالة سياسية مهمة لفتت انتباه السياسيين واملراقبين في العالم على السواء‪ ،‬وقد‬
‫أعطيت لهذه الحالة عناوين عدة لعل أبرزها "استيقاظ الدب الروي ي"‪ ،‬كداللة على عودة روسيا إلى مصاف القوى‬
‫َُ‬
‫الكبرى املؤِّث َرة في صناعة القرار الدولي‪ ،‬إذ انتقلت روسيا في عهد الرئيس بوتين منذ منتصف العام ‪ 2000‬إلى سنوات‬
‫القبضة الحديدية‪ ،2‬فقد عمل الرئيس بوتين على استعادة املكانة الدولية لروسيا والحفاظ على أمنها القومي‪ ،‬معلنا في‬
‫بداية واليته عما عرف بـ"مبدأ بوتين" الذي يتضمن الدعوة إلى عالم متعدد األقطاب‪ ،‬ال يخضع لقوة عظمى واحدة ويكون‬
‫لروسيا دورا أساسيا فيه‪.3‬‬
‫ولم تخرج أفريقيا عن نطاق هذا التوجه‪ ،‬ضمن سياسات روسيا الخارجية‪ ،‬بحيث سيعمل بوتين على جعل روسيا‬
‫حاضرة في كل منطقة من مناطق العالم‪ .‬وستكون سنة ‪ 2001‬بداية التفاعالت في هذا املنحى‪ ،‬حيث سيستقبل الرئيس‬
‫بوتين في هذه السنة بموسكو رؤساء دول كل من‪ :‬الجزائر‪ ،‬مصر‪ ،‬نيجيريا‪ ،‬غينيا‪ ،‬والغابون‪ .‬وفي نفس السنة أيضا‬
‫سيتحرك وزير خارجيته صوب "أفريقيا السوداء" زائرا كل من‪ :‬أنغوال‪ ،‬ناميبيا‪ ،‬اتحاد جنوب أفريقيا‪ ،‬وتنزانيا‪ .‬وفي سنة‬
‫‪ 2002‬سيعود وزير الخارجية الروي ي إلى أفريقيا الشمالية زائرا كل من‪ :‬املغرب وتونس‪ .4‬وال يخفى ما لهذه الزيارات من‬
‫تأثير على تطوير العالقات األفريقية الروسية باعتبارها مؤشرا مهما في رصد وتتبع مدى تطور هذه العالقات‪.‬‬
‫لكن نقطة االنعطاف والتحول في هذه العالقة ستكون سنة ‪ 2006‬مع الزيارات التاريخية التي قام بها بوتين إلى كل من‬
‫جنوب أفريقيا واملغرب‪ ،‬والتي جاءت في إطار الدبلوماسية الجديدة "املتعددة األقطاب" التي تبناها الكرملين‪ .‬وقد عبر‬
‫عنها عالم السياسة ايفكيني فولك ‪ EVGUENI VOLK‬من مؤسسة ‪ héritage‬بأن "روسيا تحاول إعادة طبع الصورة النمطية‬

‫‪1‬‬
‫‪M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p159.‬‬
‫‪ 2‬أيمن طالل يوسف‪" ،‬روسيا البوتينية بين األوتوقراطية الداخلية واألولويات الجيوبوليتيكية الخارجية ‪ ،"2008 - 2000‬مجلة املستقبل‬
‫العربي (بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،358‬دجنبر ‪ )2008‬ص‪.77‬‬
‫‪ 3‬الدكتور ناصر زيدان‪ :‬دور روسيا في الشرق األوسط وشمال أفريقيا م ن بطرس األكبرحتى فالديمير بوتين (بيروت‪ :‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬ط‪ ) 2014 ،1‬ص‪. 202‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour?», Géostratégiques, n° 25 novembre 2009, p167.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪6‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫التي بصمتها سابقا على املستوى الدولي‪ ،‬كقوة تقليدية حاضرة في البناء الدولي‪ ،‬عبر تطوير عالقاتها مع كل العالم‪ ،‬خاصة‬
‫أمريكا الالتينية وشرق جنوب أسيا‪ ،‬وكذلك أفريقيا"‪.1‬‬
‫ومع وصول الرئيس ميدفيديف ‪ Medvedev‬إلى السلطة سيجاري خلفه بوتين في إستعادة مكانة روسيا في أفريقيا‪ ،‬ناهجا‬
‫بذلك نفس توجهه في السياسة الخارجية تجاه القارة األفريقية‪ .‬وتجلى ذلك واضحا في الزيارة التاريخية التي قام بها‬
‫ميدفيديف سنة ‪ 2009‬إلى كل من‪ :‬مصر‪ ،‬نيجيريا‪ ،‬ناميبيا‪ ،‬وأنغوال؛ صاحبا معه حوالي ‪ 400‬من رجال أعمال غالبيتهم من‬
‫مسيري كبار الشركات الروسية أمثال‪ .2GAZPROM, LUKOIL, ROSATOM :‬وكان من ثمار هذه الزيارات التوقيع على‬
‫مجموعة من االتفاقات التجارية املهمة‪.‬‬
‫وعليه يبدو جليا عزم روسيا القوي على لعب دور محوري في القارة األفريقية من خالل تثمين عالقاتها مع البلدان‬
‫األفريقية‪ .‬وجعلت من مسألة الديون األفريقية تجاهها مدخال مهما لهذا املنحى‪ ،‬بحيث أن سياسة إلغاء الديون التي‬
‫نهجها كل من بوتين وميدفيديف كانت مقابل خيارين؛ إما أن تستبدل هذه الديون بتوقيع اتفاقيات جديدة في املجال‬
‫العسكري أو الصيد البحري‪ ،‬وإما أن تستخلص هذه الديون عن طريق تحويل أسهم بعض الشركات الوطنية األفريقية‬
‫َ‬
‫نحو الشركات الروسية‪ ،‬أو بمنح الدول امل ِّد َينة تراخيص استغالل معادن من الدرجة األولى لصالح الشركات الروسية‪.3‬‬
‫بذلك ستعمل الشركات الروسية الكبرى‪ ،‬في الجانب االقتصادي‪ ،‬على الحضور بقوة في مجال استخراج املعادن‬
‫واستغاللها‪ .‬وستوقع شركة ‪ ROSNEFT‬الروسية مع شركة النفط الوطنية في موزمبيق مذكرة تفاهم حول التنقيب‬
‫واستغالل حقول النفط والغاز‪ ،‬وهذا أول استثمار لهذه الشركة العمالقة في هذه املنطقة‪ ،‬بحيث أن اهتماماتها كانت‬
‫محصورة فقط في املشاريع النفطية بالجزائر‪ .‬أما في أنغوال فنجد شركة ‪ GAZPROM‬في املجال النفطي وشركة ‪ROSATOM‬‬
‫في مجال اليورانيوم‪ ،‬بينما في مجال املاس نجد شركة ‪ ALROSA‬التي أنشأت مشروعا مشتركا مع شركة ‪ .ENDIAMA‬وفي‬
‫ناميبيا تنشط شركة ‪ RENOVA‬في قطاع اليورانيوم وهي كذلك حاضرة في دولة جنوب أفريقيا‪ ،‬العضو في مجموعة‬
‫البريكس‪ ،‬باستثمارات مهمة قاربت ‪ 350‬مليون دوالر في استغالل املنغنيز و‪ 250‬مليون دوالر في تجديد مصنع السبائك‬
‫‪4‬‬
‫الحديدية ‪ .‬وفي غرب أفريقيا‪ ،‬ستركز الشركات الروسية مثل شركة ‪ RUSAL‬صاحبة املشروع االستثماري الضخم "‪Dian-‬‬
‫‪ "Dian‬اهتمامها وتواجدها في غينيا بثرواتها املعدنية وباعتبارها أكبر منتج لألملنيوم في العالم‪ ،‬وفي نيجيريا في قطاع‬
‫استغالل الذهب‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬ال يمكن إغفال دور مجموعة البريكس ‪( BRICS‬الهند‪ ،‬البرازيل‪ ،‬الصين‪ ،‬جنوب أفريقيا وروسيا) في‬
‫مساعدة هذه الشركات على الحصول على امتيازات متبادلة في أفريقيا‪ ،‬مما ينعكس إيجابا على العالقات الروسية‬
‫األفريقية‪ .‬فقد اعتبر مجموعة من الباحثين واملحللين أن القمة الخامسة لهذه املجموعة التي نظمت في جنوب أفريقيا‬
‫مارس ‪ 2013‬أعطت زخما جديدا لهذه العالقات‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gilles Traude, Ibid, p167.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Muriel Pomponne, « vers un retour de la Russie en Afrique», Web : www.rfi.fr , le 05 -12 - 2014.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sebastian Santander, Op.cit, p126.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Muriel Pomponne , Op.cit.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Alexandra Arkhangelskaya, Op.cit, p64.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪7‬‬


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫هذا في الجانب االقتصادي‪ ،‬أما في الجانب العسكري فروسيا بدأت في استعادة مكانتها في أفريقيا كتاجر لألسلحة‪،‬‬
‫ْ‬
‫مستفيدة من رغبة الدول األفريقية في تحديث ترسانتها العسكرية التي اق َت َن ْت َها خالل فترة االتحاد السوفياتي‪ .‬وبهذا‬
‫أضحت الوكالة الروسية العامة املكلفة بتصدير األسلحة "‪ "Rosobonexport‬تتعاون مع ‪ 15‬بلدا أفريقيا في جنوب الصحراء‬
‫الكبرى‪ .‬لكن هذا التعاون مع أفريقيا "السوداء" ال يمثل سوى ‪ %2‬من جميع الصادرات العسكرية الروسية في العالم‪ ،‬مع‬
‫أن هذه املنطقة تحتل املرتبة التاسعة عامليا من حيث اإلنفاق العسكري‪ .‬وتبقى دول أفريقيا الشمالية من الزبائن املهمة‬
‫لروسيا في مجال التسليح‪ ،‬خاصة الجزائر ومصر‪ ،‬فهذه األخيرة مثال وقعت مؤخرا مع روسيا اتفاقا عام ‪ 2013‬ينص على‬
‫تحديث نظام دفاعها الجوي‪.1‬‬
‫ومجمل القول‪ ،‬أن سياسة روسيا في أفريقيا هي ذات بعد "جيواقتصادي" أكثر منه "جيوسياي ي"‪ .‬فما يجذب روسيا إلى‬
‫أفريقيا هو نفسه ما يجذب باقي الدول إليها سواء الدول الغربية أو الصين أو تركيا أو الهند أو البرازيل‪ ،‬وإن كانت روسيا‬
‫تعاني من تأخر على املستوى التكنولوجي مقارنة بتلك الدول‪ .2‬األمر الذي جعل حضور روسيا في أفريقيا يبنى على ثالثة‬
‫أسس؛ أولها‪ ،‬األفارقة املمنوحون الذين درسوا في الجامعات الروسية والذين حافظوا على عالقات شخصية داخل‬
‫روسيا‪ .‬ثانيها‪ ،‬املفاوضات األفريقية الروسية حول مسألة الديون‪ ،‬والتي مكنت الشركات الروسية من الولوج إلى‬
‫االقتصاديات األفريقية‪ .‬وثالثها‪ ،‬تجارة السالح والتكنولوجية العسكرية‪.3‬‬
‫خالصة‪ :‬مازالت اهتمامات السياسة الخارجية الروسية تركز على املناطق القريبة منها والتي تشكل خاصرتها وحدائقها‬
‫الخلفية‪ ،‬وهي‪ :‬الدول التي كانت ضمن االتحاد السوفياتي‪ ،‬وآسيا والشرق األوسط‪ .‬إال أن هذا االهتمام ال يغيب باقي‬
‫املناطق اإلقليمية من منظورها االستراتيجي‪ ،‬ومن هذا املنطلق جعلت روسيا العودة إلى القارة األفريقية‪ ،‬منذ بداية‬
‫العشرية األولى من القرن ‪ ،21‬في صلب اهتمام سياستها الخارجية‪ ،‬وإن كان اهتمام ال يرقى إلى مصاف أولوياتها‪.‬‬
‫وبالنظر ملالمح السياسة الخارجية الروسية الجديدة في أفريقيا‪ ،‬يتبين بوضوح أن هذه العودة تحكمها معطيات عدة‬
‫أقلها أهمية هو املعطى اإليديولوجي‪ ،‬وأهمها هما املعطيين االقتصادي والعسكري املتجليان في تكثيف املبادالت التجارية‬
‫وفي زيادة صفقات التسليح والتعاون األمني في مكافحة اإلرهاب‪ .‬أما املعطى السياي ي فهو حاضر لكن ليس بتلك األهمية‬
‫املؤثرة على جيوسياسية رو سيا في املنطقة‪ ،‬فروسيا اختارت تبني سياسة الحياد في النزاعات األفريقية واملؤشر الدال على‬
‫هذا التوجه هو إعفاء ميخائيل ماركيلوف من مهامه كمندوب لروسيا في أفريقيا في شتنبر ‪ ،2014‬وتعويضه بميخائيل‬
‫بوكدانوف كمندوب لروسيا في الشرق األوسط وأفريقيا‪.‬‬
‫وجدير بالذكر هنا أن املعطى املعرفي كان حاضرا أيضا‪ ،‬حيث استفادت اإلدارة الروسية من الحقل املعرفي املتعلق‬
‫بدراسات املناطق‪ ،‬فالرئيس بوتين كان يعتمد على البروفيسور املستعرب ألكس ي ميخايلوفيتش فاسيلييف ‪Alexeï‬‬
‫‪ Mikhaïlovitch Vassiliev‬كمبعوث خاص في العالقات مع زعماء الدول األفري قية‪ ،‬والذي كان يشغل منذ عدة سنوات‬
‫منصب مدير معهد أفريقيا التابع ألكاديمية العلوم الروسية‪ .‬وهو املعطى الذ يبين بامللموس أن بناء السياسة الخارجية‬
‫الروسية تجاه أفريقيا هي موضع العلم والدراسة‪ ،‬وإن كان هذا املعطى ارتبط بقمة الثمانية "‪ "G8‬التي انعقدت في مدينة‬

‫‪1‬‬
‫‪Muriel Pomponne, Op.cit.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Sebastian Santander, Op.cit, p126.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sebastian Santander, Ibid, p126.‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪8‬‬


‫هشام صميض‬ ‫ املحددات واألبعاد‬:‫روسيا والعودة إلى افريقيا‬ 8 /7 ‫العدد‬

‫ الذي يفرض على دول أعضاء املجموعة‬،"‫ حينما دعم بوتين "مشروع جينس ألفريقيا‬،2001 ‫جينس اإليطالية سنة‬
.1‫تسمية ممثلين عنها ألفريقيا‬

‫الئحة املراجع‬

‫ "روسيا البوتينية بين األوتوقراطية الداخلية واألولويات الجيوبوليتيكية الخارجية‬،‫أيمن طالل يوسف‬ .1
.)2008 ‫ دجنبر‬،358 ‫ العدد‬،‫ مركزدراسات الوحدة العربية‬:‫ مجلة املستقبل العربي (بيروت‬،"2008 -2000
‫ دور روسيا في الشرق األوسط وشمال أفريقيا من بطرس األكبر حتى فالديمير بوتين‬:‫الدكتور ناصر زيدان‬ .2
.)2014 ،1‫ ط‬،‫ الدارالعربية للعلوم ناشرون‬:‫(بيروت‬
،"‫ "توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة‬:‫عبد العزيز مهدي الرواي‬ .3
.)2008 ‫ سنة‬،35 ‫ العدد‬،‫ مركزالدراسات الدولية‬:‫مجلة دراسات دولية (بغداد‬
‫(دراسة الحالة‬،2008 - 2000 :‫ اإلستراتيجية الروسية تجاه الشرق األوسط‬:‫عزالدين عبد هللاا أبو سمهدانة‬ .4
،‫ جامعة األزهرغزة‬،‫ كلية االقتصاد والعلوم م اإلدارية‬،‫الفلسطينية) (رسالة ماجستيرفي العلوم السياسية‬
.)‫م‬2012/2011 ‫السنة الجامعية‬
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage
5.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique » Afrique Contemporaine, N°248, 2013. Alexandra
,
Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique » Afrique Contemporaine, N°248, 2013.
,
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage
6.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique» Afrique Co
,
ntemporaine, N°248, 2013.
7.
Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage
8.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique » Afrique Contemporaine, N°248, 2013.
,
Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage
9.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique» Afrique Contemporaine, N°248, 2013.
,
Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour? » Géostratégiques, n° 25 novembre 2009.
10. ,
Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour?» Géostratégiques, n° 25 novembre 2009.
11. ,
12.Guy Pandji: "Russia's Return to Africa - The Scholarship Dimension", NORRAGNEWS, SPECIAL ISSUE: «THE GEOPOLITICS OF OVERSEAS
SCHOLARSHIPS & AWARDS OLD AND NEW PROVIDERS, EAST & WEST, NORTH & SOUTH », NUMBER 45 April 2011.

M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La


13.
politique russe en Afrique :désengagement ou coopération ?, Revue d’études comparatives Est-Ouest,
Volume 27, 1996, N°3.
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La
14.
politique russe en Afrique: désengagement ou coopération? » Revue d’études comparatives Est-Ouest,
,
Volume 27, 1996, N°3.

1 Alexandra Arkhangelskaya,
Op.cit, p64.

‫ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬/‫شتاء‬ 9


‫هشام صميض‬ ‫ املحددات واألبعاد‬:‫روسيا والعودة إلى افريقيا‬ 8 /7 ‫العدد‬

M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine,« La


15.
politique russe en Afrique: désengagement ou coopération ? », Revue d’études comparatives Est-Ouest,
Volume 27, 1996, N°3.
Sebastian Santander: L'Afrique, nouveau terrain de jeu des émergents (Editions Karthala, 2014).
16.

‫ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬/‫شتاء‬ 10


‫هشام صميض‬ ‫روسيا والعودة إلى افريقيا‪ :‬املحددات واألبعاد‬ ‫العدد ‪8 /7‬‬

‫شتاء‪/‬ربيع © منشورات مؤسسة خالد احلسن مركز الدراسات واألحباث‬ ‫‪11‬‬

You might also like