Professional Documents
Culture Documents
Aysssi,+15818 40219 1 CE
Aysssi,+15818 40219 1 CE
تقديم :كانت القارة األفريقية على مر تاريخها ضحية موقعها االستراتيجي الذي جعل منها منطقة تجاذب الدول الكبرى،
ولم تخرج القارة في فترة الحرب الباردة عن هذا السياق حيث عرفت صراعا حقيقيا بين القوتين العظميين في تلك
الفترة ،الواليات املتحدة األمريكية واالتحاد السوفياتي ،اللتين حاولتا تصريف صراعهما األيديولوجي في القارة بمحاولة
التحكم فيها وذلك للبعد الجيوستراتيجي الذي تحظى به .فقد انقسمت دول القارة إلى معسكرين أيديولوجيين؛ األول تابع
للمعسكر الليبرالي بقيادة الواليات املتحدة األمريكية والثاني تابع للمعسكر االشتراكي بقيادة االتحاد السوفياتي.
غير أنه مع انهيار االتحاد السوفياتي في العقد األخير من القرن ،20ستنسحب روسيا من القارة األفريقية خالل فترة
الرئيس يلتسن ،وهي الفترة التي انكفأت فيها روسيا على نفسها من أجل إعادة بناء واقعها الداخلي لتجاوز تداعيات تلك
املرحلة والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة.
وبعد تجاوز روسيا لتداعيات انهيار معسكرها ،والتمكن من إعادة البناء الداخلي ملؤسسات الدولة ،ستسعى جاهدة
للعودة إلى القارة األفريقية خاصة مع وصول الرئيس بوتين إلى الحكم في بدايات العقد األول من القرن ،21غير أن
بصمات العودة هذه املرة لن تكون بنفس الحضور السابق في املنطقة .فاستراتيجية وسياسة روسيا الخارجية في تعاملها
مع القارة األفريقية ستتغير والعالقات الروسية األفريقية ستؤطرها محددات أخرى غير املحدد اإليديولوجي الذي لم
يعد حاضرا وحاكما لها.
فما هي مكانة أفريقيا في املنظور االستراتيجي الروي ي وما هي املحددات االستراتيجية التي دفعت بروسيا للعودة نحو
أفريقيا تستدعي مقاربة هذا السؤال اإلجابة عن التساؤالت الفرعية التالية :ما طبيعة العالقة التي كانت قائمة بين
أفريقيا وروسيا في فترة الحرب الباردة ما هي األسباب التي دفعت بروسيا إل ى االنسحاب من أفريقيا هل تواجد أفريقيا
في صلب أولويات السياسة الخارجية الروسية هي الدافع وراء عودة روسيا بثقلها إلى املنطقة .
وتنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها :أن انسحاب روسيا من القارة أفريقية في فترة ما بعد الحرب الباردة فرضه
تفكك االتحاد السوفياتي وانكفائها نتيجة لذلك على إعادة بناء بيتها الداخلي ملواجهة تداعيات بروز أحادية قطبية ،غير
أن هذا االنسحاب لم يغيب أفريقيا من املنظور االستراتيجي الروي ي تبعا ملبدأ التنافس والتجاذب بين الدول حول
املنطقة ،األمر الذي يفسر عودتها ومحاولة الحفاظ على عالقاتها مع الدول األفريقية على أساس التبعية خصوصا في
الجانبين االقتصادي والعسكري،
وسيكون تحليلنا للموضوع تحت عنوانين :األول حول روسيا في أفريقيا بين الحضور واالنسحاب؛ والثاني تتناول العودة
املتجددة لروسيا في أفريقيا.
طالب باحث بسلك الدكتوراه ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال ،جامعة محمد الخامس الرباط.
1
Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p62.
2
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p62.
3
www.un.org/ar/event.
دول جنوب الصحراء الكبرى ،وإن بشكل محدود خالل سنوات الستينات ،ثم بشكل واسع خالل سنوات السبعينات التي
ستشهد تطورات مهمة في العالقات الروسية األفريقية خاصة على مستوى دولة أنغوال واملوزمبيق وإثيوبيا.1
أما على مستوى دول شمال أفريقيا ،سينش ئ االتحاد السوفياتي عالقات اقتصادية مستمرة مع معظمها خاصة مصر
والجزائر ،كما سيدعم عسكريا نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا .ومقابل ذلك ،سيحصل الروس على ولوجية سهلة
للقواعد البحرية والجوية لتلك الدول ،تمكن االتحاد السوفياتي من االستعانة بها في حاالت التوتر مع الغرب.2
وقد شملت العالقات الروسية األفريقية مجموعة من املجاالت وليس فقط املجالين العسكري والسياي ي ،ففي منتصف
الثمانينات سيوقع االتحاد السوفياتي اتفاقات متعددة مع مجموعة من الدول األفريقية ،شملت أكثر من 37اتفاقية
للمساعدة التقنية وحوالي 42اتفاقية تجارية .كما سيتم تكوين حوالي 2500أفريقي في الجامعات واملدارس التقنية
السوفياتية ،وستخرج أكاديميات عسكرية وسياسية روسية اآلالف من األفارقة ،3الذين سيشكل البعض منهم فيما بعد
نخبا حاكمة في بلدانها األصلية ،أمثال Mbeki Thabo :في جنوب أفريقيا ،و Jose Dos Antosفي أنغوال ،و Ahmadou toumaniفي
مالي ،4وهو ما سيعزز من التقارب بين تلك البلدان وروسيا أثناء فترات حكمهم.
لقد شكل مبدأ التنافس والتجاذب االستراتيجي بين القوى الكبرى حول مجموعة من املناطق اإلقليمية ،بما فيها أفريقيا،
املحدد األساس في عالقة روسيا بأفريقيا .فموسكو لم تعتبر الدول األفريقية املتعاونة معها كحلفاء ثانويين ،بقدر ما كانوا
يشكلون بالنسبة لها جبهات للتصدي واملواجهة العاملية ضد الرأسمالية املتوحشة.5
.2.1االنسحاب الروس ي من أفريقيا
خالل العقد ما قبل األخير من القرن العشرين ،عرف االقتصاد السوفياتي مأزقا متفاقما ،إذ تدهورت قدرته على
املستوى العالمي ،بسبب الحصار التكنولوجي واستخدام سالح الغذاء وتصعيد سباق التسلح من جانب الدول الغربية.
هذا باإلضافة إلى تخصيص االتحاد السوفياتي ملوارده العلمية والتكنولوجية واملالية والبشرية وغيرها لألغراض
العسكرية على حساب حاجات االقتصاد .وهو األمر الذي كان له انعكاسات على بيته الداخلي ،فكان من مخرجاته انهيار
االتحاد وتفككه.
غير أن تفكك االتحاد السوفياتي لم يؤدي إال إلى انسالخ ربع مساحته أما الثالثة أرباع الباقية فالزالت بيد روسيا ،حيث
ورثت معظم ما كان يملكه االتحاد السوفياتي من إمكانيات مادية وبشرية ،ولكنها ورثت في الوقت نفسه مشاكل االتحاد
1
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La politique
russe en Afrique :désengagement ou coopération ?, Revue d’études comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996,
N°3, p146.
2
M. Birgerson Susanne et autres, Ibid, p146.
3
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique», Afrique Contemporaine, N°248, 2013, pp62- 63.
4
Guy Pandji: "Russia's Return to Africa - The Scholarship Dimension", NORRAGNEWS, SPECIAL ISSUE: «THE GEOPOLITICS
OF OVERSEAS SCHOLARSHIPS & AWARDS OLD AND NEW PROVIDERS, EAST & WEST, NORTH & SOUTH », NUMBER 45
April 2011, p86.
5
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique », Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p63.
السوفياتي األخرى .1وأمام ثقل تداعيات انهيار االتحاد وارتداداته على داخل روسيا وعلى عالقاتها مع العالم الخارجي،
سعت روسيا االتحادية إلى تبني سياسة خارجية مختلفة أفرزتها معطيات واقعية اختلفت من مرحلة إلى أخرى ،بحيث
حاولت روسيا في عهد الرئيس بوريس يلتسين نهج سياسة تهادن الغرب ،السيما الواليات املتحدة األمريكية ،وتحاول
االقتراب منه أكثر من أجل الخروج من األزمات التي تعصف بها.2
لقد كان للوجود الروي ي في أفريقيا ثمنه ،وهذا ما يستشف من تصريح ألكسندر مكارينكو مدير مديرية أفريقيا في وزارة
الخارجية الروسية ،حينما اعتبر أن مسار التبادالت بين روسيا وأفريقيا كانت قائمة باألساس على املساعدات والديون،
بحيث أن الجانب التجاري لم يشكل إال نسبة ضئيلة جدا في هذا املسار .3وقد شكلت تلك الديون واملساعدات ثقال على
االقتصاد الوطني الروي ي ،إذ اعتبر مجموعة من الخبراء أن الصعوبات واملشاكل االقتصادية الداخلية لروسيا ما هي إال
نتاج اللتزامات وروابط الدولة الروسية املكلفة تجاه دول العالم الثالث بما فيها الدول األفريقية.
لهذا سيعمل يلتسين على محاولة االنسحاب من أفريقيا ،فبعد شهرين من زيارة وزير الخارجية ألفريقيا في فبراير سنة
1992ستغلق موسكو سفاراتها في تسع دول أفريقيا من بينها بوركينافاسو ،غينيا االستوائية ،ليبيريا ،الطوغو،
الصومال .ثم بعد ذلك ستغلق كذلك قنصليات في كل من املوزمبيق ،أنغوال ،مدغشقر ،والكونغو .4وفي الجانب التجاري
أوقفت روسيا مجموعة من البعثات التجارية ،وكذلك نشاط 13مركزا ثقافيا روسيا من أصل 20مركزا .وبذلك ،أعلنت
روسيا ضمنيا عدم استطاعتها مواصلة دعمها لألنظمة الحليفة لها في أفريقيا؛ بل أكثر من ذلك سيوقف الرئيس يلتسين
كل أشكال الدعم واملعونات على الدول األفريقية ،5مطالبا إياها بدفع ما بذمتها من ديون تجاه روسيا.6
وإلى جانب توقيف التعاون الدبلوماي ي والسياي ي والعسكري ،عرف الجانب االقتصادي نفس التوجه ففي سنة 1992لم
يتجاوز مبلغ املبادالت التجارية بين روسيا وأفريقيا رقم املليار دوالر ،وسيعرف هذا الرقم بدوره في سنة 1994انخفاضا
ملحوظا بحيث لن يتجاوز 740مليون دوالر .7كما أن نظام هذه املبادالت التجارية عرف حسب الوزير األول الروي ي
فيكتور تشيرنوميدين نوعا من عدم التوازن ،مؤكدا في ذلك على "أن %83من حجم هذه املبادالت هي موجهة فقط لدول
شمال أفريقيا".8
.2العودة الروسية ألفريقيا
1عبد العزيز مهدي الرواي" :توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة" ،مجلة دراسات دولية (بغداد :مركز
الدراسات الدولية ،العدد ،35سنة )2008ص.160
2عز الدين عبد هللاا أبو سمهدانة :اإلستر اتيجية الروسية تجاه الشرق األوسط(،2008 - 2000 :دراسة الحالة الفلسطينية) (رسالة
ماجستير في العلوم السياسية ،كلية االقتصاد والعلوم م اإلدارية ،جامعة األزهر غزة ،السنة الجامعية 2012/2011م) ص.11
3
Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour? », Géostratégiques, n° 25 novembre 2009, p166.
4
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, « La politique
comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996, N°3, p154.
russe en Afrique: désengagement ou coopération? », Revue d’études
5
Sebastian Santander: L'Afrique, nouveau terrain de jeu des émergents (Editions Karthala, 2014) p121.
6
Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique», Afrique Contemporaine, N°248, 2013, p63.
7
Sebastian Santander,Op.cit , p121.
8
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine,« La politique
comparatives Est-Ouest, Volume 27, 1996, N°3, p155.
russe en Afrique: désengagement ou coopération ? », Revue d’études
.1.2إرهاصات العودة
لقد كان النهيار االتحاد السوفياتي سنة 1991انعكاسات فرضت على السياسة الخارجية الروسية االنعزال ،غير أن
انكفاء روسيا على سياسة البناء الداخلي لم يلغي فكرة الرجوع إلى القارة األفريقية خاصة دول الجنوب منها ،وقد بدا
ذلك واضحا سنة 1994حين ستعيد روسيا توجيه سياستها الخارجية تجاه أفريقيا حتى تتجاوز الخسائر التي منيت بها
نتيجة هذا االنسحاب .1ففي هذه الفترة سارعت إلى صياغة خطة تجسد هذا التوجه الجديد للروس ،وشرع العمل في
ذلك باجتماع سفراء روسيا في الدول األفريقية مع الوزير األول الروي ي فيكتور تشيرنوميردين في موسكو صيف 1994؛
وهو االجتماع الذي أكد فيه هذا األخير أن قطع العالقات مع القارة األفريقية واالنسحاب منها كانت له تأثيرات سلبية
على مصالح روسيا العليا ،السيما في مجال مبيعات األسلحة ،وأكد فيه كذلك على أن الفراغ الذي تركته روسيا في هذا
املجال مكن من ظهور أطراف أخرى منافسة لها .وفي نفس االجتماع عبر وزير الخارجية أندري كوزريف عن حذره بالتركيز
على ضرورة الربط عضويا بين توسيع مجال بيع السالح الروي ي وتحقيق األمن واالستقرار في أفريقيا.2
وعلى الرغم من أن التعاون العسكري بين روسيا وأفريقيا عرف تدهورا كبيرا في العقد األخير من القرن املاض ي ،وهنا
يجب استحضار أن االتحاد السوفياتي كان هو املمون الرئيس لألسلحة للبلدان األفريقية في بدايات سنوات الثمانينات،
إال أن مجموعة من العوامل ستدفع بعودة هذا التعاون ،ولعل من أهمها أن ما بين %60و %90من السالح املستعمل أو
املتداول في القارة األفريقية هو صناعة روسية .لكن إرهاصات هذا التوجه ستواجهها مجموعة من العراقيل أهمها
ضعف قدرة الدول األفريقية على السداد ،باإلضافة إلى املنافسة املتزايدة من طرف تجار السالح سواء املنتمين إلى الدول
الغربية أو املنتمين إلى الدول التي كانت تسبح في فلك االتحاد السوفياتي املفكك.3
ومع هذا التعثر الحاصل في قدرة األفارقة على سداد فاتورة استيراد السالح ،ستتجه روسيا إلى تقوية تعاونها بالدول
املنتجة للنفط كنيجيريا والدول املنتجة للسلع املطلوبة كزيمبابوي ،وإن كانت دولة جنوب أفريقيا ،في نظر الروس ،تبقى
هي الشريك االقتصادي الرئيس لها في املنطقة ،وذلك ملا لهذا البلد من إمكانات اقتصادية وتجارية مهمة .ومن هنا نفهم
الخطوة التي أقدم عليها الرئيس يلتسين سنة 1994عندما ألغى ،بموجب مرسوم رئاي ي ،جميع القيود املفروضة على
املعامالت مع هذا البلد ،والتي ُفر َ
ض ْت عليها في سبعينيات القرن املاض ي بقرار من مجلس األمن. ِّ
وإذا كان التوجه الجديد لروسيا داخل القارة األفريقية خالل فترة التسعينات نحا سبيل التواجد وعدم نهج سياسة
الكري ي الفارغ ،فإن الحضور الروي ي اقتصر على الجانب االقتصادي ونأى بنفسه من التورط سياسيا أو عسكريا في أي
صراع داخل القارة .فروسيا حسب يلتسين "باعتبارها عضوا دائما في مجلس األمن وعضوا نشيطا في املنظومة الدولية،
ستدعم كل التحوالت الديمقراطية في أفريقيا وستعمل على جعل هذه املنطقة أكثر أمنا واستقرارا".4
وبذلك ستقتصر جهود روسيا في أفريقيا للحد من الصراعات والنزاعات املسلحة في تلك الفترة على إجراءات رمزية
كتشكيل مثال وحدة متنقلة صغيرة في تنزانيا ملساعدة الالجئين الروانديين .وكان الروس يعتبرون أن حل تلك النزاعات
1
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 155.
2
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 156.
3
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 156.
4
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p 159.
،
على املستوى الواقعي هو شأن خاص باألفريقيين حصرا ،وهذا ما كان يعبر عنه دائما املندوب الروي ي في األمم املتحدة في
تلك الفترة بولي فورونتسكف.
ويبقى االستثناء الوحيد لهذا املوقف االنعزالي أو الحيادي لروسيا ،هو محاولتها إنهاء الصراع الطويل حول السلطة بين
الحكومة األنغولية ومعارضيها في حركة "يونيتا" ،حيث كان للروس تأثيرا حاسما في التوقيع على بروتوكول اتفاق وقف كل
األعمال العدائية والعنف في أنغوال واملصالحة الوطنية في مدينة "لوساكا" في نونبر ،1994كما صادق برملان روسيا على
طلب الرئيس يلتسين بإرسال 160جندي روي ي و 7مروحيات من نوع MI-8إلى بعثة األمم املتحدة في أنغوال.1
.2.2العودة الحقيقية لروسيا في أفريقيا
عرفت العالقات الروسية مع عاملها الخارجي تحوال جديدا ابتداء من سنة ،2000وهي السنة التي تولى فيها بوتين قيادة
روسيا بعدما كان يشغل منصب الرئيس بالوكالة بعد استقالة يلتسين من املنصب الرئاي ي .وبوصول بوتين لسلطة
الحكم في روسيا اتسمت سياستها الخارجية بالنظرة الواقعية للعالقات الدولية املرتبطة أساسا بطبيعة الحراك
السياي ي الدولي وبمصالح روسيا السيادية.
فلقد شكلت روسيا في تلك اللحظة ،حالة سياسية مهمة لفتت انتباه السياسيين واملراقبين في العالم على السواء ،وقد
أعطيت لهذه الحالة عناوين عدة لعل أبرزها "استيقاظ الدب الروي ي" ،كداللة على عودة روسيا إلى مصاف القوى
َُ
الكبرى املؤِّث َرة في صناعة القرار الدولي ،إذ انتقلت روسيا في عهد الرئيس بوتين منذ منتصف العام 2000إلى سنوات
القبضة الحديدية ،2فقد عمل الرئيس بوتين على استعادة املكانة الدولية لروسيا والحفاظ على أمنها القومي ،معلنا في
بداية واليته عما عرف بـ"مبدأ بوتين" الذي يتضمن الدعوة إلى عالم متعدد األقطاب ،ال يخضع لقوة عظمى واحدة ويكون
لروسيا دورا أساسيا فيه.3
ولم تخرج أفريقيا عن نطاق هذا التوجه ،ضمن سياسات روسيا الخارجية ،بحيث سيعمل بوتين على جعل روسيا
حاضرة في كل منطقة من مناطق العالم .وستكون سنة 2001بداية التفاعالت في هذا املنحى ،حيث سيستقبل الرئيس
بوتين في هذه السنة بموسكو رؤساء دول كل من :الجزائر ،مصر ،نيجيريا ،غينيا ،والغابون .وفي نفس السنة أيضا
سيتحرك وزير خارجيته صوب "أفريقيا السوداء" زائرا كل من :أنغوال ،ناميبيا ،اتحاد جنوب أفريقيا ،وتنزانيا .وفي سنة
2002سيعود وزير الخارجية الروي ي إلى أفريقيا الشمالية زائرا كل من :املغرب وتونس .4وال يخفى ما لهذه الزيارات من
تأثير على تطوير العالقات األفريقية الروسية باعتبارها مؤشرا مهما في رصد وتتبع مدى تطور هذه العالقات.
لكن نقطة االنعطاف والتحول في هذه العالقة ستكون سنة 2006مع الزيارات التاريخية التي قام بها بوتين إلى كل من
جنوب أفريقيا واملغرب ،والتي جاءت في إطار الدبلوماسية الجديدة "املتعددة األقطاب" التي تبناها الكرملين .وقد عبر
عنها عالم السياسة ايفكيني فولك EVGUENI VOLKمن مؤسسة héritageبأن "روسيا تحاول إعادة طبع الصورة النمطية
1
M. Birgerson Susanne, V. Kozhemiakin Alexander, Kanet Roger E. Tchimichkian Madeleine, Ibid, p159.
2أيمن طالل يوسف" ،روسيا البوتينية بين األوتوقراطية الداخلية واألولويات الجيوبوليتيكية الخارجية ،"2008 - 2000مجلة املستقبل
العربي (بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،العدد ،358دجنبر )2008ص.77
3الدكتور ناصر زيدان :دور روسيا في الشرق األوسط وشمال أفريقيا م ن بطرس األكبرحتى فالديمير بوتين (بيروت :الدار العربية للعلوم ناشرون ،ط ) 2014 ،1ص. 202
4
Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour?», Géostratégiques, n° 25 novembre 2009, p167.
التي بصمتها سابقا على املستوى الدولي ،كقوة تقليدية حاضرة في البناء الدولي ،عبر تطوير عالقاتها مع كل العالم ،خاصة
أمريكا الالتينية وشرق جنوب أسيا ،وكذلك أفريقيا".1
ومع وصول الرئيس ميدفيديف Medvedevإلى السلطة سيجاري خلفه بوتين في إستعادة مكانة روسيا في أفريقيا ،ناهجا
بذلك نفس توجهه في السياسة الخارجية تجاه القارة األفريقية .وتجلى ذلك واضحا في الزيارة التاريخية التي قام بها
ميدفيديف سنة 2009إلى كل من :مصر ،نيجيريا ،ناميبيا ،وأنغوال؛ صاحبا معه حوالي 400من رجال أعمال غالبيتهم من
مسيري كبار الشركات الروسية أمثال .2GAZPROM, LUKOIL, ROSATOM :وكان من ثمار هذه الزيارات التوقيع على
مجموعة من االتفاقات التجارية املهمة.
وعليه يبدو جليا عزم روسيا القوي على لعب دور محوري في القارة األفريقية من خالل تثمين عالقاتها مع البلدان
األفريقية .وجعلت من مسألة الديون األفريقية تجاهها مدخال مهما لهذا املنحى ،بحيث أن سياسة إلغاء الديون التي
نهجها كل من بوتين وميدفيديف كانت مقابل خيارين؛ إما أن تستبدل هذه الديون بتوقيع اتفاقيات جديدة في املجال
العسكري أو الصيد البحري ،وإما أن تستخلص هذه الديون عن طريق تحويل أسهم بعض الشركات الوطنية األفريقية
َ
نحو الشركات الروسية ،أو بمنح الدول امل ِّد َينة تراخيص استغالل معادن من الدرجة األولى لصالح الشركات الروسية.3
بذلك ستعمل الشركات الروسية الكبرى ،في الجانب االقتصادي ،على الحضور بقوة في مجال استخراج املعادن
واستغاللها .وستوقع شركة ROSNEFTالروسية مع شركة النفط الوطنية في موزمبيق مذكرة تفاهم حول التنقيب
واستغالل حقول النفط والغاز ،وهذا أول استثمار لهذه الشركة العمالقة في هذه املنطقة ،بحيث أن اهتماماتها كانت
محصورة فقط في املشاريع النفطية بالجزائر .أما في أنغوال فنجد شركة GAZPROMفي املجال النفطي وشركة ROSATOM
في مجال اليورانيوم ،بينما في مجال املاس نجد شركة ALROSAالتي أنشأت مشروعا مشتركا مع شركة .ENDIAMAوفي
ناميبيا تنشط شركة RENOVAفي قطاع اليورانيوم وهي كذلك حاضرة في دولة جنوب أفريقيا ،العضو في مجموعة
البريكس ،باستثمارات مهمة قاربت 350مليون دوالر في استغالل املنغنيز و 250مليون دوالر في تجديد مصنع السبائك
4
الحديدية .وفي غرب أفريقيا ،ستركز الشركات الروسية مثل شركة RUSALصاحبة املشروع االستثماري الضخم "Dian-
"Dianاهتمامها وتواجدها في غينيا بثرواتها املعدنية وباعتبارها أكبر منتج لألملنيوم في العالم ،وفي نيجيريا في قطاع
استغالل الذهب.
وفي هذا الصدد ،ال يمكن إغفال دور مجموعة البريكس ( BRICSالهند ،البرازيل ،الصين ،جنوب أفريقيا وروسيا) في
مساعدة هذه الشركات على الحصول على امتيازات متبادلة في أفريقيا ،مما ينعكس إيجابا على العالقات الروسية
األفريقية .فقد اعتبر مجموعة من الباحثين واملحللين أن القمة الخامسة لهذه املجموعة التي نظمت في جنوب أفريقيا
مارس 2013أعطت زخما جديدا لهذه العالقات.5
1
Gilles Traude, Ibid, p167.
2
Muriel Pomponne, « vers un retour de la Russie en Afrique», Web : www.rfi.fr , le 05 -12 - 2014.
3
Sebastian Santander, Op.cit, p126.
4
Muriel Pomponne , Op.cit.
5
Alexandra Arkhangelskaya, Op.cit, p64.
هذا في الجانب االقتصادي ،أما في الجانب العسكري فروسيا بدأت في استعادة مكانتها في أفريقيا كتاجر لألسلحة،
ْ
مستفيدة من رغبة الدول األفريقية في تحديث ترسانتها العسكرية التي اق َت َن ْت َها خالل فترة االتحاد السوفياتي .وبهذا
أضحت الوكالة الروسية العامة املكلفة بتصدير األسلحة " "Rosobonexportتتعاون مع 15بلدا أفريقيا في جنوب الصحراء
الكبرى .لكن هذا التعاون مع أفريقيا "السوداء" ال يمثل سوى %2من جميع الصادرات العسكرية الروسية في العالم ،مع
أن هذه املنطقة تحتل املرتبة التاسعة عامليا من حيث اإلنفاق العسكري .وتبقى دول أفريقيا الشمالية من الزبائن املهمة
لروسيا في مجال التسليح ،خاصة الجزائر ومصر ،فهذه األخيرة مثال وقعت مؤخرا مع روسيا اتفاقا عام 2013ينص على
تحديث نظام دفاعها الجوي.1
ومجمل القول ،أن سياسة روسيا في أفريقيا هي ذات بعد "جيواقتصادي" أكثر منه "جيوسياي ي" .فما يجذب روسيا إلى
أفريقيا هو نفسه ما يجذب باقي الدول إليها سواء الدول الغربية أو الصين أو تركيا أو الهند أو البرازيل ،وإن كانت روسيا
تعاني من تأخر على املستوى التكنولوجي مقارنة بتلك الدول .2األمر الذي جعل حضور روسيا في أفريقيا يبنى على ثالثة
أسس؛ أولها ،األفارقة املمنوحون الذين درسوا في الجامعات الروسية والذين حافظوا على عالقات شخصية داخل
روسيا .ثانيها ،املفاوضات األفريقية الروسية حول مسألة الديون ،والتي مكنت الشركات الروسية من الولوج إلى
االقتصاديات األفريقية .وثالثها ،تجارة السالح والتكنولوجية العسكرية.3
خالصة :مازالت اهتمامات السياسة الخارجية الروسية تركز على املناطق القريبة منها والتي تشكل خاصرتها وحدائقها
الخلفية ،وهي :الدول التي كانت ضمن االتحاد السوفياتي ،وآسيا والشرق األوسط .إال أن هذا االهتمام ال يغيب باقي
املناطق اإلقليمية من منظورها االستراتيجي ،ومن هذا املنطلق جعلت روسيا العودة إلى القارة األفريقية ،منذ بداية
العشرية األولى من القرن ،21في صلب اهتمام سياستها الخارجية ،وإن كان اهتمام ال يرقى إلى مصاف أولوياتها.
وبالنظر ملالمح السياسة الخارجية الروسية الجديدة في أفريقيا ،يتبين بوضوح أن هذه العودة تحكمها معطيات عدة
أقلها أهمية هو املعطى اإليديولوجي ،وأهمها هما املعطيين االقتصادي والعسكري املتجليان في تكثيف املبادالت التجارية
وفي زيادة صفقات التسليح والتعاون األمني في مكافحة اإلرهاب .أما املعطى السياي ي فهو حاضر لكن ليس بتلك األهمية
املؤثرة على جيوسياسية رو سيا في املنطقة ،فروسيا اختارت تبني سياسة الحياد في النزاعات األفريقية واملؤشر الدال على
هذا التوجه هو إعفاء ميخائيل ماركيلوف من مهامه كمندوب لروسيا في أفريقيا في شتنبر ،2014وتعويضه بميخائيل
بوكدانوف كمندوب لروسيا في الشرق األوسط وأفريقيا.
وجدير بالذكر هنا أن املعطى املعرفي كان حاضرا أيضا ،حيث استفادت اإلدارة الروسية من الحقل املعرفي املتعلق
بدراسات املناطق ،فالرئيس بوتين كان يعتمد على البروفيسور املستعرب ألكس ي ميخايلوفيتش فاسيلييف Alexeï
Mikhaïlovitch Vassilievكمبعوث خاص في العالقات مع زعماء الدول األفري قية ،والذي كان يشغل منذ عدة سنوات
منصب مدير معهد أفريقيا التابع ألكاديمية العلوم الروسية .وهو املعطى الذ يبين بامللموس أن بناء السياسة الخارجية
الروسية تجاه أفريقيا هي موضع العلم والدراسة ،وإن كان هذا املعطى ارتبط بقمة الثمانية " "G8التي انعقدت في مدينة
1
Muriel Pomponne, Op.cit.
2
Sebastian Santander, Op.cit, p126.
3
Sebastian Santander, Ibid, p126.
الذي يفرض على دول أعضاء املجموعة،" حينما دعم بوتين "مشروع جينس ألفريقيا،2001 جينس اإليطالية سنة
.1تسمية ممثلين عنها ألفريقيا
الئحة املراجع
"روسيا البوتينية بين األوتوقراطية الداخلية واألولويات الجيوبوليتيكية الخارجية،أيمن طالل يوسف .1
.)2008 دجنبر،358 العدد، مركزدراسات الوحدة العربية: مجلة املستقبل العربي (بيروت،"2008 -2000
دور روسيا في الشرق األوسط وشمال أفريقيا من بطرس األكبر حتى فالديمير بوتين:الدكتور ناصر زيدان .2
.)2014 ،1 ط، الدارالعربية للعلوم ناشرون:(بيروت
،" "توجهات السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة:عبد العزيز مهدي الرواي .3
.)2008 سنة،35 العدد، مركزالدراسات الدولية:مجلة دراسات دولية (بغداد
(دراسة الحالة،2008 - 2000 : اإلستراتيجية الروسية تجاه الشرق األوسط:عزالدين عبد هللاا أبو سمهدانة .4
، جامعة األزهرغزة، كلية االقتصاد والعلوم م اإلدارية،الفلسطينية) (رسالة ماجستيرفي العلوم السياسية
.)م2012/2011 السنة الجامعية
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage
5.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique » Afrique Contemporaine, N°248, 2013. Alexandra
,
Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage soviétique,
multilatéralisme et activisme politique » Afrique Contemporaine, N°248, 2013.
,
Alexandra Arkhangelskaya, « le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage
6.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique» Afrique Co
,
ntemporaine, N°248, 2013.
7.
Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne ? Entre héritage
8.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique » Afrique Contemporaine, N°248, 2013.
,
Alexandra Arkhangelskaya, «le retour de Moscou en Afrique sub-saharienne? Entre héritage
9.
soviétique, multilatéralisme et activisme politique» Afrique Contemporaine, N°248, 2013.
,
Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour? » Géostratégiques, n° 25 novembre 2009.
10. ,
Gilles Traude, « La Russie en Afrique : le grand retour?» Géostratégiques, n° 25 novembre 2009.
11. ,
12.Guy Pandji: "Russia's Return to Africa - The Scholarship Dimension", NORRAGNEWS, SPECIAL ISSUE: «THE GEOPOLITICS OF OVERSEAS
SCHOLARSHIPS & AWARDS OLD AND NEW PROVIDERS, EAST & WEST, NORTH & SOUTH », NUMBER 45 April 2011.
1 Alexandra Arkhangelskaya,
Op.cit, p64.