Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 56

‫مناهج البحث في علم اإلجرام‬

‫مناهج البحث في علم االجرام‬


‫النظريات المفسرة للظاهرة اإلجرامية‬
‫‪-‬تتوزع مناهج البحث في علم اإلجرام إلى نوعين‪ :‬يطلق على األولى‬
‫األساليب الفردية والثانية تعرف باألساليب الجماعية‪.‬‬
‫األساليب الفردية‬
‫‪-‬تتعلق باألسباب التي دفعت المجرم إلى ارتكاب الجريمة وتشمل دراسة‬
‫الجانب العضوي والعقلي والنفسي للمجرم‪.‬‬
‫‪ -‬تستخدم في هذا األسلوب األدوات المستخدمة في الدراسات االكلينيكية‬
‫في علم اإلجرام والتي تبدأ بالمالحظة ثم فحص متعدد األبعاد‬
‫طبي‪،‬بيولوجي‪،‬نفسي‪،‬عصبي بعد ذلك يتم تفسير وتأويل المعطيات‬
‫المتعلقة بالوضع الصحي والنفسي واالجتماعي للمجرم‪.‬‬
‫مرحلتي الفحص و التأويل‬
‫مرحلة الفحص‬
‫‪-‬يتسم الفحص بتعدد األبعاد والنتائج ويأخذ صبغة األخصائي الذي يقوم به‪.‬‬
‫‪ -‬يفحص األخصائي البيولوجي المجرم من الناحية العضوية البيولوجية ويصل إلى‬
‫نتائج معينة‪.‬‬
‫‪ -‬يقوم االخصائي النفسي بدراسة الحالة النفسية للمجرم ومدى تأثيرها في سلوكه‪.‬‬
‫‪-‬تركز دراسة األخصائي االجتماعي على الزاوية االجتماعية للمجرم كالعائلة‬
‫والعمل واألصدقاء‪.‬‬
‫مرحلة التفسير أو التأويل‬
‫يتم تفسير أو تأويل مختلف المعطيات المتعلقة بالمجرم مما يمكن من التوصل الى‬
‫تشخيص حالة المجرم واستنتاج الدوافع الكامنة وراء سلوكه اإلجرامي‪.‬‬
‫األساليب الجماعية‬
‫تشمل هذه األساليب األسلوب اإلحصائي وأسلوب المسح االجتماعي وأسلوب المقارنة‪.‬‬
‫األسلوب اإلحصائي‪ :‬يرمي اإلحصاء في علم اإلجرام إلى جمع المعلومات والبيانات والوقائع‬
‫المتعلقة بالظاهرة اإلجرامية وترجمتها إلى أرقام‪.‬‬
‫‪-‬ظهر على يد جيري وكتيليه خالل القرن ‪ 19‬ويفيد في المقارنة بين المجرمين وغيرهم ممن‬
‫يعيشون في الظروف نفسها للوقوف على األسباب والدوافع التي أدت إلى اإلجرام‪.‬‬
‫‪-‬يعتمد في اإلحصاء الجنائي على طريقتين‪ :‬اإلحصاء المكاني(اإلحصاء الثابت)ويقصد بذلك دراسة‬
‫الجريمة في أمكنة معينة وعقد مقارنة بينها للوقوف على أسباب الجريمة فيها والطريقة الثانية هي‬
‫اإلحصاء الزماني (اإلحصاء المتحرك)يتم من خالل دراسة الجريمة في مكان واحد في فترات زمنية‬
‫متعددة والمقارنة بينها للوقوف على مدى تأثير تغير الظروف الزمنية على الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫تقييم األسلوب اإلحصائي‬
‫‪ -‬ال يمكن االعتماد على األسلوب اإلحصائي بصفة نهائية في تحديد الظاهرة اإلجرامية لعدم دقته‬
‫‪ -‬ال تمكن النتائج المتوصل إليها من تفسير النتائج بدقة وتحديد العوامل الحقيقية‪.‬‬
‫‪-‬ال يعبر األسلوب اإلحصائي تعبيرا صادقا عن اإلجرام الحقيقي ألن اإلحصاءات المعتمدة فيه‬
‫رسمية(تصدر عن وزارة الداخلية أو وزارة العدل أو المؤسسات السجنية) وال تعبر عن الرقم‬
‫الحقيقي للجريمة (الرقم األسود)‪.‬‬
‫أسلوب البحث االجتماعي أو المسح االجتماعي‬
‫‪ -‬يقصد بالمسح االجتماعي في علم االجرام تجميع الحقائق المرتبطة بطائفة معينة من‬
‫األشخاص (مثال مدمني المخدرات) في فترة زمنية معينة أو في وسط اجتماعي معين(حي‬
‫شعبي)وفي فصل أو موسم خاص‪.‬‬
‫‪-‬يتطلب هذا األسلوب جهدا وبحثا ميدانيا‪ ،‬قد يدفع المشرف عليه الى االستعانة بفريق من‬
‫الباحثين بوسائل أخرى كاالستبيان والمقابلة ودراسة الحالة‪.‬‬
‫‪ -‬يعتمد المسح االجتماعي على أسلوبين يقوم األول على االستجواب من خالل وضع مجموعة‬
‫من األسئلة حول ظروف حياة المجرم ومعيشته وتوزع القائمة على مجموعة من المجرمين‬
‫في مكان معين تسود فيه جرائم معينة‪ ،‬ومن خالل األجوبة المختلفة يربط الباحث بين مختلف‬
‫أنواع الجرائم والظروف المشتركة السائدة في تلك المنطقة‪.‬‬
‫‪ -‬يطلق على األسلوب الثاني المسح البيئي أو المنهج االيكولوجي ومن خالله يقوم الباحث‬
‫بتقسيم المكان الذي يجري بحثه إلى عدة مناطق تختلف في ظروفها االقتصادية والثقافية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ثم يحاول بيان مدى تأثير وجود مختلف هذه العوامل أو تخلفها على الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪.‬‬
‫أسلوب المقارنة‬

‫‪ -‬يعتبر أسلوب المقارنة أسلوبا مكمال لإلحصاء الجنائي وتتجلى أهميته في أنه يربط‬
‫بين العينات المدروسة التي من خالل مقارنتها ببعضها البعض يتم استخالص‬
‫القواعد العامة في علم اإلجرام‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن أن تشمل المقارنة المجرمين وغير المجرمين الستخالص نقط الشبه‬
‫واالختالف بينهم في مرحلة أولى تمهيدا الستخالص الصفات المشتركة بين‬
‫المجرمين وحدهم والتي تعتبر دوافع إجرامية‪.‬‬
‫األسلوب التكاملي‬
‫‪ -‬لم تتمكن المناهج العلمية المطبقة في علم اإلجرام من شرح الظاهرة اإلجرامية‬
‫بشكل دقيق‪ ،‬سواء الفردية المعتمدة من طرف المدارس البيولوجية والنفسية‪ ،‬أو‬
‫الجماعية المعتمدة من طرف المدارس االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬نادى بعض علماء اإلجرام بتطبيق منهج يسمح باإللمام بالظاهرة اإلجرامية‬
‫المركبة ويتعلق األمر بالمنهج التكاملي ويمتاز بأخذه بعين االعتبار العوامل‬
‫المتعددة للسلوك اإلجرامي‪ ،‬بما في ذلك العوامل المقبولة التي اعتمدتها المدارس‬
‫السابقة البيولوجية واالجتماعية والنفسية‪.‬‬
‫‪ -‬تتسم الدراسات التي اعتمدت المنهج التكاملي بالدقة والمصداقية مما جعلها‬
‫دراسات علمية ناجحة في علم اإلجرام‪.‬‬
‫أهم النظريات المفسرة للسلوك اإلجرامي‬
‫‪-‬لم تبدأ الدراسات العلمية للظاهرة اإلجرامية إال من عهد قريب وقد حاولت تفسير السلوك‬
‫اإلجرامي بطريقة علمية في سياق إجابتها على السؤال المتعلق بــــ‪" :‬لماذا يسلك اإلنسان‬
‫مسلكا إجراميا؟‬
‫‪ -‬اهتمت ثالثة مذاهب رئيسية بتفسير السلوك االجرامي ويتعلق األمر بالمذهب الفردي‬
‫والمذهب االجتماعي والمذهب المختلط‪.‬‬
‫المذهب الفردي‪ :‬يعزي هذا المذهب الجريمة أساسا إلى المجرم نفسه‪.‬‬
‫‪-‬تأثر أنصار هذا المنهج بالمنهج التجريبي القائم على المالحظة والتفسير فانطلقوا من‬
‫شخصية المجرم وذاته من النواحي العضوية والنفسية والعقلية لتفسير السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪-‬على الرغم من انطالق هذا المذهب من شخصية المجرم وذاته ومدى إسهامها في ارتكاب‬
‫الجريمة‪ ،‬فإنهم اختلفوا فيما بينهم حول مدى قوة تأثير كل عامل من العوامل الفردية‬
‫ومدى رجحانه على باقي العوامل‪.‬‬
‫‪-‬أكثر المدارس شهرة في هذا المذهب‪ :‬المدرسة الوضعية اإليطالية‪-‬المدرسة التكوينية‬
‫األمريكية‪-‬مدرسة التحليل النفسي‪.‬‬
‫المدرسة الوضعية اإليطالية‬
‫‪-‬من أقطاب هذه المدرسة سيزار لومبروزو وأنريكو فيري ورفاييل كاروفالو‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر لومبروزو األب الروحي لعلم اإلجرام ويرجع له الفضل في دراسة شخصية المجرم عل أساس علمي‬
‫سليم‪ ،‬وقد مكنته مهنته كطبيب من التعمق في دراسته حيث توصل إلى نظرية ضمنها في كتابه الشهير‬
‫االنسان المجرم‪ ،‬وخلص إلى تميز المجرم بصفات خاصة عضوية ونفسية‪.‬‬
‫‪-‬من الناحية العضوية للمجرم مالمح خاصة تكمن في عدم انتظام جمجمته ووجود تجويف غير عادي‬
‫بمؤخرة جمجمته مثل القردة ‪،‬إضافة إلى كثافة الشعر في الرأس والجسم وضيق في الجبهة وضخامة‬
‫الفكين وطول األذنين أو قصرهما وبروزهما الى الخارج مع عدم انتظام األسنان وعدم استقامة األنف‬
‫والطول المفرط في األطراف واألصابع‪.‬‬
‫من الناحية النفسية والعقلية والمزاجية‪ :‬الحظ لومبروزو أن المجرمين يتميزون بكثرة الوشوم وبذاءتها‬
‫واستنتج أنهم يتميزون بغلظة في قلوبهم وعدم اإلحساس باأللم مما يدفع إلى ارتكاب الجرائم بكل سهولة‬
‫ويسر‪.‬‬
‫‪ -‬يتميز المجرمون كذلك بحدة المزاج والميل نحو الكسل والغرور والميل نحو اإلدمان والرغبة الملحة في‬
‫المقامرة وااليمان بالخرافات والشعور بعدم االستقرار النفسي والعاطفي وفقدان السيطرة على النفس‪.‬‬
‫التمييز بين النموذج االجرامي الكامل و النموذج االجرامي غير الكامل‬

‫‪ -‬ميز لومبروزو بين النموذج االجرامي الكامل والنموذج االجرامي غير الكامل‪.‬‬
‫‪ -‬يتميز النموذج اإلجرامي الكامل بوجود أكثر من خمس سمات انحطاطية‪ ،‬أما‬
‫النموذج غير الكامل فتقل سماته االنحطاطية عن الخمس دون الثالث‪.‬‬
‫‪ -‬ال يعتبر نموذجا إجراميا من تقل سماته االنحطاطية عن ثالث‪.‬‬
‫‪-‬السمات االنحطاطية التي يتميز بها المجرم تميزه عن غيره‪ ،‬وتزيد من قابلية‬
‫الفرد وتضاعف استعداده الرتكاب الجرائم أكثر من غيره‪.‬‬
‫الخالصة‪ :‬المجرم شخص مغلوب على أمره ألنه طبع على اإلجرام فهو مجرم‬
‫بالفطرة أو الميالد‪.‬‬
‫تقدير نظرية لومبروزو‬
‫‪ -‬يرجع للومبروزو الفضل في دراسة المجرم دراسة علمية ركزت على الجانبين العضوي والنفسي‪ ،‬غير أن‬
‫نظريته لم تسلم من النقد الشديد نظرا لعنايتها بدراسة أعضاء جسم المجرم وشخصيته‪ ،‬واغفال دراسة‬
‫العوامل االجتماعية والبيئية‪ ،‬وكذا اعتقاده بوجود المجرم بالميالد‪.‬‬
‫‪ -‬غالى لومبروزو في تمييز المجرمين بصفات جسدية معينة وبنى نظريته على دراسة بعض المجرمين‬
‫األحياء واألموات‪ ،‬ولم يقم الدراسة على عدد مماثل من غير المجرمين للجزم بتميز المجرمين بالصفات‬
‫التي ذكرها دون غيرهم مما أفقد دراسته المصداقية‪.‬‬
‫‪-‬دفعت هذه االنتقادات لومبروزو إلى إعادة النظر فيما توصل إليه‪ ،‬فانتهى إلى تصنيف المجرمين إلى عدة‬
‫طوائف وهي‪:‬‬
‫المجرم الفطرة أو الوراثة‪ :‬يتميز هذا النوع من المجرمين بوجود صفات ومقاييس انثربولوجية ترتد الى‬
‫األزمنة األولى من مراحل تطور الحياة وكان يتميز بها الحيوان واالنسان البدائي وتختلف عن المالمح‬
‫الطبيعية لإلنسان العادي‪. .‬‬
‫المجرم المجنون‪ :‬يرتكب الجريمة تحت تأثير المرض العقلي وينبغي وضعه في مصحة عقلية لتجنب شره‪.‬‬
‫المجرم بالعادة‪ :‬وهو من اعتاد على اإلجرام بسبب ظروفه االجتماعية واتصاله بالمجرمين وادمانه‪.‬‬
‫المجرم بالصدفة‪ :‬يعزى إجرامه الى الظروف والمواقف التي يجد نفسه فيها وتدفعه إلى اإلجرام صدفة أو‬
‫بسبب حب الظهور أو التقليد‪.‬‬
‫‪-‬المجرم بالعاطفة‪ :‬يتميز بحساسية مفرطة تدفع به إلى االنفعاالت الهوجاء والعواطف المختلفة من غضب‬
‫وغيرة وحقد‪.‬‬
‫أنريكو فيري‬
‫‪ -‬يعتبر فيري تلميذا للومبروزو واهتم بشأن التأثير العضوي البيولوجي‪ ،‬غير أنه خالفا ألستاذه لومبروزو اعتد‬
‫بالعوامل االجتماعية والنفسية واالقتصادية والجغرافية والسياسية كأسباب الرتكاب الجرائم‪.‬‬
‫‪-‬يعتبر فيري مؤسس الجناح البيولوجي االجتماعي للمدرسة اإليطالية‪/‬كما أسس علم االجتماع الجنائي وقد ابتدع‬
‫أيضا ما يعرف بقانون التشبع االجرامي أو الكثافة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪-‬علم االجتماع الجنائي هو العلم الذي يسعى لفهم أسباب السلوك المنحرف بهدف فهم وعزل تفاعل العوامل‬
‫المختلفة التي تدفع ببعض الناس القتراف بعض األفعال اإلجرامية‪ ،‬ويهدف هذا العلم إلى عالج الجاني وتقليل‬
‫حدوث الجرائم‪.‬‬
‫‪-‬التشبع اإلجرامي أو الكثافة اإلجرامية وضع فيري أُسسا ً للجريمة والسلوك اإلجرامي بمعادلة تشبه المعادلة‬
‫الكيميائية أطلق عليها قانون التشبع اإلجرامي أو الكثافة اإلجرامية‪ ،‬وأرجعها إلى عوامل ثالثة‪:‬‬
‫‪-1‬عوامل طبيعية‪ :‬مثل الموقع لجغرافي والمناخ واألحول الجوية‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫‪ -2‬عوامل فردية‪ :‬مثل السن والجنس والخصائص العضوية والعوامل الموروثة‪.‬‬
‫‪ -3‬عوامل اجتماعية‪ :‬مثل كثافة السكان والعادات والتقاليد والتنظيم السياسي والظروف االقتصادية وغيرها‪.‬‬
‫وخلص الى أنه في مجتمع معين وتحت تأثير ظروف شخصية معينة وعوامل اجتماعية وعوامل طبيعية معينة‪،‬‬
‫ترتكب جرائم معينة ال تزيد وال تنقص وأطلق على ذلك التشبع اإلجرامي أو الكثافة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪-‬كل حدث غير طبيعي كثورة‪،‬أو حرب‪ ..‬يؤدي إلى اطراد سريع في معدل اإلجرام‪،‬وسرعان ما يعود المعدل إلى حالته‬
‫السابقة بعد زوال هذا الحدث‪.‬‬
‫يري فيري أن العوامل البيولوجية ال تنتج أثرها إال إذا صادفت بيئة اجتماعية معينة‪،‬وبغير هذه البيئة تظل العوامل‬
‫الفردية غير منتجة‪.‬‬
‫‪ -‬الجريمة ذات مصدر مركب بيولوجي اجتماعي طبيعي وهذا المصدر يتراوح من حيث وسائله وقوته بحسب‬
‫الظروف بين األشخاص واألشياء واألزمنة واألمكنة‪.‬‬
‫المنهج الذي اعتمده فيري وتصنيفه للمجرمين‬
‫‪ -‬التزم فيري في بحوثه ودراساته بالمنهج التجريبي الذي سلكه لومبروزو واختار عيّنة تتكون من أشخاص مجانين‬
‫و"سجناء وجنود‪ ،‬وقد راعى في اختيارهم أن يكونوا من األماكن ذاتها التي ينتمي إليها المجرمون‪ ،‬ومن نفس‬
‫المستوى االجتماعي‪.‬‬
‫‪-‬صنف فيري المجرمين الى خمس أصناف وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬المجرم بالوالدة أو بالغريزة ‪ :‬وهو المجرم الذي ال يستطيع مقاومة غريزته وما ينتج عن ذلك من دوافع إجرامية‬
‫ورثها منذ الوالدة‪.‬‬
‫‪ -2‬المجرم المجنون‪ :‬وهو المجرم الذي يرتكب األفعال اإلجرامية المخالفة لقواعد المجتمع وقوانينه نتيجة لتخلفه‬
‫أو لمرضه العقلي‪.‬‬
‫‪ -3‬المجرم بالصدفة ‪ :‬وهو المجرم الذي يرتكب فعله اإلجرامي نتيجة لظروف عائلية وبيئية‪ -‬اجتماعية وثقافية‪-‬‬
‫أكثر من كونه ناتجًا عن عوامل شخصية أو نفسية متوارثة‪.‬‬
‫‪ -4‬المجرم العاطفي ‪ :‬وهو المجرم الذي يرتكب جرائمه نتيجة لعدم تمكنه من السيطرة على نوازعه وانفعاالته‪.‬‬
‫‪-5‬المجرم المعتاد‪:‬وهو المجرم الذي تكونت لديه العادة على ارتكاب األفعال المخالفة للقانون والعادات والتقاليد‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪-‬توصل فيري من خالل أبحاثه إلى أن المسؤولية الجنائية تقوم على أساس من التضامن االجتماعي الذي يفرض‬
‫على المجتمع مسؤولية الدفاع عن نفسه من خالل تدابير وقائية أكثر منها عقابية ‪.‬‬
‫جاروفالو‬
‫لم يتفق جاروفالو مع لومبروزو حينما فسر الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬باالرتداد الوراثي واالنحطاط المرضي‪،‬ولم‬
‫يتفق مع فيري حول الطبيعة المركبة للجريمة‪.‬‬
‫يرى جاروفالو أن الجريمة ترجع إلى ما سماه باالنحطاطية األخالقية‪،‬أي تقهقر الصفات األخالقية التي‬
‫اكتسبها اإلنسان بحكم التطور والعودة به إلى مستوى أدنى من المستوى العادي للبشر‪،‬ويرى بأن أهمية‬
‫العوامل الطبيعية واالجتماعية تأتي في الدرجة الثانية‪،‬ألن تأثير هذه العوامل في تقديره ال يمس الجوهر‪.‬‬
‫‪-‬جا روفالو هو قاضي وخبير قانوني في علم الجريمة‪،‬وأول من استخدم هذا المصطلح وقد كرس حياته‬
‫لدراسة القوانين وتطوير النظرية الوضعية لعلم‪،‬وتميز بتفرقته بين الجرائم الطبيعية والمصطنعة‪.‬‬
‫‪-‬الجريمة الطبيعية هي الجريمة التي تعرفها وتعاقب عليها القوانين الجنائية في كل الدول‪ ،‬ألنها منافية‬
‫لمشاعر العدل والخير والعاطفة والشفقة واألمانة‪.‬‬
‫‪ -‬تختلف الجرائم المصطنعة باختالف الدول ويتوقف تجريمها على النظم والظروف الحضارية لكل‬
‫دولة‪،‬وتتكون من األفعال المنتهكة لمكونات ثقافية مصطنعة وهي العواطف غير الثابتة كالديانات والعادات‬
‫والتقاليد‪.‬‬
‫صنف جاروفالو المجرمين حسب درجة انحطاطيتهم األخالقية إلى أربع فئات‪:‬المجرم القاتل وهو الذي‬
‫تنعدم عنده عاطفة الشفقة انعداما كامال‪.‬‬
‫المجرم بالعنف‪:‬هو الذي تضعف عنده عاطفة الشفقة وال تنعدم‪.‬‬
‫‪-‬المجرم السارق‪:‬وهو الذي تنعدم فيه األمانة‪.‬‬
‫المجرم الشهواني‪:‬يتميز بضعف الحس األخالقي‪.‬‬
‫‪-‬اقترح جاروفالو نظاما عقابيا لرد الفعل ضد الجريمة تطرق فيه للتمييز بين أنماط كثيرة من‬
‫المجرمين‪،‬والهدف من ذلك حماية المجتمع بصفة أصلية وتقويم سلوك الجاني مستقبال بصفة تبعية‪.‬‬
‫المدرسة التكوينية األمريكية‬
‫‪-‬يعتبر العالم األمريكي أرنست ألبير هوتون من أبرز المؤيدين للومبروزو في أمريكا وهو‬
‫أستاذ األنثروبولوجيا(علم مختص بدراسة اإلنسان) بجامعة هارفارد وقد قام بدراسات واسعة‬
‫شملت العديد ممن أدينوا من قبل القضاء وتم ايداعهم بالمؤسسات العقابية ودور اإلصالح‬
‫والرعاية االجتماعية ؛ كما قام بإجراء مقارنة على مجموعات من غير المجرمين ممن تتوافر‬
‫فيهم ذات الصفات العضوية ويتماثل مستوى ذكائهم ومستواهم الثقافي والحضاري بعضهم‬
‫أسوياء و آخرون غير أسوياء‪.‬‬
‫‪-‬نشر هوتون سنة ‪ 1939‬نتائج أبحاثه التي توصل من خاللها إلى أن المجرمين يتميزون‬
‫بوجود عالمات ارتدادية مثل التي توصل إليها لومبروزو وبوجود انحطاط جسماني موروث‬
‫ونقص ودونية بيولوجية‪ ،‬واستدل على هذا االنحطاط بوجود شذوذ عضوي يتمثل في انحدار‬
‫ورفع الشفاه ‪ ،‬وضالة حجم األذن ‪ ،‬وطول الرقبة ورفعها وهبوط‬
‫الجبهة‪ ،‬وفرطحة األنف ‪ُ ،‬‬
‫األكتاف‪ ،‬فضالً عن انتشار عادة الوشم بين المجرمين ‪ ،‬وكثافة ونعومة شعر الرأس وميله‬
‫للون الضارب للحمرة وغير األشيب ‪ ،‬وميل العيون للون الرمادي المشوب بالزرقة‪.‬‬
‫‪ -‬ذ هب هوتون إلى حد تأكيد أن االنحطاط الجسماني الموروث يختلف باختالف المجرمين ‪،‬‬
‫فالقتلة يمتازون بطول القامة وامتالء الجسم ‪ ،‬وقصار القامة المفرطين في الوزن يرتكبون‬
‫الجرائم الجنسية‪.‬‬
‫تقدير نظرية هوتون‬

‫‪-‬يرجع لهوتون الفضل في التركيز على شخصية المجرم والبحث بداخلها عن تفسير للسلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان هوتون قد تفادى النقد الذي وجه إلى لومبروزو فيما يتعلق بأسلوب البحث ‪ ،‬إذ شملت دراساته ‪،‬‬
‫المجرمين وغير المجرمين ‪ ،‬فإن نظريته لم تسلم من النقد لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫‪-‬تفتقد النظرية للموضوعية لعدم تقديمها دليالً علميا ً واحدا ً على أن االنحطاط الجسماني الذي يتميز به‬
‫المجرمون هو انحطاط يرجع إلى عامل الوراثة دون غيره من العوامل‪ ،‬مع إغفال دور العوامل البيئية‬
‫واالقتصادية أو الثقافية‪.‬‬
‫‪-‬انتقد هوتون حينما قال أن خصائص المجرمين تختلف تبعا ً الختالف نوع الجريمة المرتكبة ‪ ،‬ذلك ألنه‬
‫اكتفى باإلحصاءات الرسمية‪ ،‬بينما قد يرتكب جرائم أخرى وال يتم اكتشافها أو معرفة الجاني‪.‬‬
‫‪-‬من جهة ثانية فقد استند هوتون على عينات ال تفي باحتياجات الدراسة العلمية السليمة التي تشترط‬
‫التمثيل الجيد للعينة‪ ،‬فاألشخاص الذين اختارهم كعينات للدراسة ال يمكن أن يمثلوا كل نسيج المجتمع‬
‫األمريكي المتسم بتعدد تركيباته األنثروبولوجية والعرقية‪.‬‬
‫‪-‬إضافة إلى ذلك أقام هوتون أبحاثه على طائفة نزالء السجون الذي حكم القضاء بإدانتهم على أساس أن‬
‫هذه الطائفة تمثل جميع المجرمين ‪ ،‬والحقيقة أنها ال تضم غير نسبة محدودة منهم ‪ ،‬فهي ال تضم الذين‬
‫حكم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ولكن مع إيقاف التنفيذ أو الذين حكم عليهم بالغرامة فقط‪ .‬كما أن جز ًء‬
‫ال بأس به من المجرمين لم يكتشف أمرهم بعد ويبقون خارج المؤسسات العقابية‪.‬‬
‫وليام شيلدون‬ ‫‪-‬‬

‫‪-‬اهتم شيلدون بالبناء العضوي لإلنسان‪ ،‬وأضاف إليه ما أسماه التكوين العقلي والمزاجي للشخصية ‪.‬‬
‫‪-‬قسم و صنف شيلدون الشخصيات حسب السمات الجسدية للفرد‪ ،‬وأسس نظريته على هذا األساس‪ ،‬وأثبت‬
‫في نظريته وجود عالقة بين الصفات الجسدية‪ ،‬وصفات الشخص فأصحاب الصفات الجسدية المتشابهة‬
‫متشابهون في أغلب األحيان في شخصياتهم‪.‬‬
‫‪ -‬أسس شيلدون نظريته على أساس أن طبيعة الجسم‪ ،‬هي التي تحدد طبيعة الفرد االنفعالية وتنعكس على‬
‫سلوكه‪ ،‬ويشكل ذلك شخصيته‪.‬‬
‫‪ -‬قسم شيلدون صفات جسم اإلنسان إلى أربعة أنواع عامة ترتبط بأربعة طباع شخصية متميزة وهذه‬
‫األنواع هي ‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬الشخص ذو الجسم المستدير يكون الشخص سمينا وجسمه غير متناسق يحب الطعام والشراب بكل‬
‫أصنافه ويجد فيه متعة كبيرة ذو شخصية مرحة وال يحب العزلة و يميل لالكتئاب على الرغم من مرحه‬
‫وخفة روحه معظم الوقت‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشخص مفتول العضالت يتميز هذا الشخص بجفاف وخشونة الطباع وعدم الليونة‪ ،‬في عالج‬
‫المشاكل و يحب السيطرة على اآلخرين وهو شخص قيادي بطبعه‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الشخص ذو الجسم المستطيل‪ :‬يتميز هذا الشخص بتكوين عضلي ضعيف ويميل إلى االنطوائية‬
‫ويهتم بالموسيقى و قراءة الكتب والروايات وتأليفها‪ ،‬ويفضل مشاهدة التلفزيون في المنزل‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الشخص ذو الجسم المتوازن ‪ :‬يتميز هذا الشخص بتكوين عضلي طبيعي متساوي‪ ،‬ويتميز بجسم‬
‫متناسق ويمارس حياته عادة بشكل طبيعي‪ ،‬متزن فكريا وفي قراراته وهو من الشخصيات األكثر شيوعا‪.‬‬
‫‪-‬يستشف من نظرية شيلدون‪ ،‬أنه صنف خصائص الشخصية حسب التكوين الجسمي للشخص غير أن‬
‫هذه األبعاد الجسمية ليست لها عالقة دائمة بالطباع والشخصية‪ ،‬خاصة بعد تطور علم اإلجرام‪.‬‬
‫المدرسة النفسية‬
‫‪ -‬بعد اخفاق التكوين البيولوجي في الكشف عن سبب الجريمة ظهر ت المدرسة النفسية‬
‫والتي حاول أنصارها سبر أغوار الجانب الخفي من الشخصية اإلنسانية للكشف عن علة‬
‫الجريمة ويعد سيغموند فرويد رائد هذا االتجاه‪.‬‬
‫‪-‬بدأ فرويد تفسيره للسلوك اإلجرامي بتقسيم النفس إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪-‬قسم الذات أو الذات الدنيا ويرمز إليه بــــــــ ‪:‬الهو ويشمل االستعدادات الموروثة والنزعات‬
‫الغريزية والميول الفطرية التي تتمركز في الالشعور‪.‬‬
‫‪-‬قسم األنا‪ :‬وهو الجانب الشعوري العاقل من النفس الذي يضم مجموعة من الملكات العقلية‬
‫ويرمز إليه ايكو وتحاول األنا إقامة نوعا من االنسجام والتكيف بين النزعات الغريزية من‬
‫جهة والعادات وبين العادات والتقاييد من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬قسم األنا العليا وهو الجانب المثالي من النفس الذي يضم مجموعة المثل والقيم والعادات‬
‫والتقاليد الموروثة والروادع التي تولدها القيم الدينية واألخالقية واالجتماعية ويعرف هذا‬
‫القسم بالضمير ودوره هو مراقبة األنا ومساءلتها‪.‬‬
‫تفسير السلوك اإلجرامي حسب فرويد‬
‫‪-‬يرجع السلوك اإلجرامي حسب فرويد إما إلى عجز األنا عن تكييف الميول الفطرية والغريزية لدى‬
‫الشخص مع متطلبات الحياة االجتماعية وتقاليدها أو إلى التسامي بها أو كبتها في الالشعور وإما‬
‫الى عجز األنا العليا عن أداء وظيفتها المتمثلة في الردع‪.‬‬
‫‪-‬أورد فرويد أمثلة لما يحدث في جوانب النفس البشرية من خلل واضطراب أهمها عقدة أوديب‬
‫وعقدة الذنب‪.‬‬
‫عقدة أوديب‪ :‬تنطلق من الغريزة الجنسية التي يختلف اتجاهها بحسب مراحل العمر المختلفة ‪.‬‬
‫في المراحل األولى يحب الطفل ذاته ويعجب بها ‪.‬‬
‫في المرحلة الثانية تتجه عواطف الطفل نحو اآلخر فيميل في البداية نحو أفراد من جنسه‬
‫في مرحلة الحقة تبدأ الغريزة الجنسية بالنضج فيميل الشخص نحو الجنس اآلخر‪.‬‬
‫تحب الطفلة أباها ويحب الطفل أمه فيكره أباه وتكره الفتاة أمها وتعتبرها منافسة لها في هذا الحب‪.‬‬
‫‪-‬يشمل األب الطفل بحبه ورعايته فيتولد في نفس األخير صراعا سببه تناقض في المشاعر نحو‬
‫والده فيحبه ألنه يعطف عليه ويرعاه ويكرهه ألنه ينافسه في حبه ألمه ومن هنا تأتي عقدة أوديب‪.‬‬
‫عقدة الذنب‬
‫تتكون هذه العقدة في المراحل األولى لحياة اإلنسان‪ ،‬فيسيطر على الشخص شعور بالذنب بسبب مغاالة الوالدين في‬
‫توبيخه حينما كان طفال‪ ،‬وتوجيه العقوبة القاسية إليه على الرغم من بساطة األخطاء التي ارتكبها‪،‬وهذا التصرف‬
‫يدفع الطفل إلى االعتقاد بأن األخطاء البسيطة هي خطايا كبيرة يستحق من أجلها العقاب‪.‬‬
‫‪ -‬يرى فرويد أن شدة الشعور بالخطيئة قد يكون من أقوى البواعث على اإلجرام ال نتيجة الجرم ذاته‪ ،‬وأن الكشف‬
‫عن هذا الشعور المرضي أهم خطوة في سبيل العالج‪.‬‬
‫‪-‬يصاب الشخص باالضطراب النفسي نتيجة غياب األنا العليا او ضعفها في فترة زمنية فيرتكب سلوك شاذ غير‬
‫مألوف ال يوصف بالجريمة‪ ،‬ثم يستعيد ضميره وهنا تنشأ عقدة الشعور بالذنب والخطيئة لديه وذلك بسبب الشعور‬
‫بتقصير األنا العليا في السيطرة على التوازن النفسي‪،‬ويظل الشعور بالذنب يطارده حتى يدفعه إلى ارتكاب الجريمة‬
‫للتحرر من الشعور بالذنب عن طريق العقاب الذي يناله نتيجة للجريمة التي ارتكبها‪.‬‬
‫‪ -‬عقدة الذنب هي حالة نفسية غير طبيعية تسيطر على وجدان الشخص وأفكاره‪،‬وتجعله يعيش في دوامة جلد الذات‬
‫بسبب خطأ ارتكبه تجاه نفسه أو اتجاه غيره‪،‬فيتحول األمر إلى عقدة تتحكم بحياته‪،‬وقد يصاب باالكتئاب لعدم قدرته‬
‫على ممارسة حياته بشكل طبيعي‪.‬‬
‫‪-‬ينتج عن هذه الحالة مجموعة من اآلثار السلبية وهي‪:‬الشعور الدائم بالقلق‪،‬األرق‪،‬لوم الذات بشكل مستمر‪،‬ضعف‬
‫تقدير الذات‪،‬الميل الى العزلة‪،‬التردد والبقاء في منطقة الراحة خوفا من األخطاء‪،‬العصبية واالنفعال‪،‬اإلدمان‪،‬اإلصابة‬
‫باألمراض النفسية كاالكتئاب والفصام والوسواس القهري‪،‬اإلصابة ببعض األمراض العضوية كالسكري وأمراض‬
‫القلب‪.‬‬
‫تقدير نظرية فرويد‬
‫رغم المحاوالت الجدية و الدراسات العلمية التي خلصت إليها نظرية فرويد إال أنها لم تسلم‬
‫من النقد ويؤخذ عليها ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬أنها ترتكز على جانب واحد من شخصية االنسان وهو الجانب النفسي(الحتمية‬
‫السيكولوجية)‪ ،‬وت قول بأن ضعف األنا األعلى أو الضمير‪ ،‬يقود دائما إلى طريق الجريمة‪ ،‬و‬
‫هذا غير صحيح فبعض الناس يضعف صوت الضمير لديهم و لكنهم ال يرتكبون الجرائم‪.‬‬
‫‪-‬يؤخذ على فرويد ارتكازه على جهاز مفاهيمي ال يستند على أساس علمي سليم كالهو واألنا‬
‫واألنا األعلى‪.‬‬
‫‪-‬لم تقدم النظرية برهان علمي على صحتها‪ ،‬لدرجة أن بعض أنصارها يعتقدون أن من‬
‫يجادلهم يعاني من خلل نفسي و هذا الخلل هو الذي يدفعه إلى نقدها‪.‬‬
‫تفسير السلوك االجرامي في ضوء المذهب‬
‫االجتماعي‬
‫حاولت هذه النظرية إعطاء تفسيرات علمية للظاهرة اإلجرامية وأعزتها إلى عوامل اجتماعية‬ ‫‪--‬‬

‫ألن هذه األخيرة تؤثر في تكوين شخصية المجرم وفي تحديد سلوكه المنحرف وقد اعتبر‬
‫روادها السلوك اإلجرامي ظاهرة اجتماعية وتم ربط الجريمة بالمجتمع‪ ،‬وبكل القيم التي‬
‫تحركه وتؤثر في سلوك اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬تركز الدراسات السوسيولوجية في ميدان الجريمة على استعمال الوسائل العلمية التي‬
‫توفرها األبحاث االجتماعية وتطبيق قواعدها لدراسة الجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬لسبر أغوار هذا المذهب ارتأينا التطرق ألهم النظريات االجتماعية التي انتشرت في أوروبا‬
‫والنظريات التي انتشرت في أمريكا‪.‬‬
‫رواد المذهب االجتماعي األوروبي‬
‫‪ -‬أعطى رواد هذه المدرسة أولوية للعوامل االجتماعية في تفسير الظاهرة‬
‫اإلجرامية‪،‬وينتسب إليها مجموعة من الرواد‪،‬الذين فسروا الجريمة بالعامل‬
‫االجتماعي‪،‬غير أنهم اختلفوا فيما بينهم حول بلورة دوره كسبب لإلجرام‪.‬‬
‫‪ -‬من بين رواد هذا االتجاه نذكر الكاساني وكابرييل تارد ودوركهايم‪.‬‬
‫‪ -‬عاصر الكاساني وكابرييل تارد ودوركهايم لومبروزو وانتقدوا أفكاره وجاءت‬
‫أفكارهم كرد فعل ألفكار المدرسة التكوينية‪.‬‬
‫ال كاساني‬

‫‪-‬يرجع للعالم والطبيب الفرنسي ال كاساني الفضل في التركيز على دور المحيط االجتماعي في‬
‫تفشي الجرائم‪ ،‬حيث ذهب إلى أن المجتمعات هي التي تصنع المجرمين‪ ،‬وشبهها بالتربة‬
‫الصالحة إلنبات الجريمة‪ ،‬كما شبه ال كاساني المجرم بالجرثومة التي ال ضرر منها إال منذ‬
‫اللحظة التي تجد فيها الوسط المالئم لنموها‪ ،‬كما أكد أن المجتمعات ال تحصل إال على المجرمين‬
‫الذين تستحقهم‪.‬‬
‫‪-‬تدخل في الوسط االجتماعي حسب ال كاساني العوامل الطبيعية والجغرافية والثقافية‬
‫واالجتماعية إضافة إلى سوء التغذية وتعاطي المواد المسكرة والمخدرة‪ ،‬وخلص إلى أن السلوك‬
‫اإلجرامي هو نتاج هذا الوسط بحكم ما يحدثه من تأثير في اإلنسان‪.‬‬
‫تقدير نظرية ال كاساني‬
‫يؤخذ على أفكار ال كاساني المغاالة في اعتبار الوسط االجتماعي العامل األساسي في إحداث‬
‫الظاهرة اإلجرامية‪ ،‬غير أنه ال ينبغي إنكار فضل نظريته في تسليط الضوء على عامل الوسط‬
‫االجتماعي الذي يلعب دورا كبيرا في ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫كابرييل تارد‬
‫‪-‬اهتم عالم االجتماع الفرنسي كابرييل تارد بالجريمة وبعلم النفس االجتماعي‪ ،‬ومن أهم كتبه‬
‫القيمة نذكر اإلجرام المقارن والفلسفة العقابية وقوانين التقليد ودراسات جنائية واجتماعية‬
‫والفلسفة العقابية‪.‬‬
‫‪-‬يرى كابرييل تارد أن تنشئة الفرد االجتماعية ومعتقداته الثقافية ومحاكاته لآلخرين أسبابا‬
‫دافعة لإلجرام‪ ،‬ورفض ان يكون لإلجرام عالقة بالتكوين البيولوجي خالفا لما ذهب إليه‬
‫لومبروزو‪.‬‬
‫‪-‬يذهب كابرييل تارد إلى أن السلوك االجرامي ليس نمطيا سلوكيا وراثيا‪ ،‬وإنما يكتسب‬
‫بالتقليد الذي يتم بين فرد وآخر أو من جيل إلى جيل أو من المدينة إلى القرية‪.‬‬
‫‪-‬يفترض كابرييل تارد إلتمام عملية التقليد أن يكون الوسط االجتماعي موسوما بسوء‬
‫التنظيم‪ ،‬مما يتيح فرصة االتصال بين المجرمين وغير المجرمين‪ ،‬وتعتبر الجريمة حسب‬
‫كابرييل تارد حرفة أو مهنة خاصة يتهيأ لها اإلنسان منذ الصغر‪ ،‬ويتأتى ذلك من خالل تظافر‬
‫عوامل نفسية واجتماعية وثقافية‪ ،‬تساعد على تأهيله الحتراف اإلجرام‪ ،‬واالنتساب إلى‬
‫عالمه‪.‬‬
‫قوانين التقليد‬
‫صاغ كابرييل تارد ثالثة قوانين للتقليد لتفسير السلوك اإلجرامي‪:‬‬
‫‪)1‬القاعدة األولى‪ :‬تقتضي بأن يتجه التقليد من الداخل إلى الخارج ومفاد ذلك أن األفراد يقلدون‬
‫بعضهم البعض بصورة أكثر ظهورا كلما كانوا متقاربين‪ ،‬وتفسر هذه القاعدة إجرام األطفال الذين‬
‫يتربون في وسط غير سوي‪.‬‬
‫‪)2‬القاعدة الثانية‪ :‬يأخذ التقليد طريقه من القوي إلى الضعيف أي تقليد المرؤوس لرئيسه األعلى‬
‫‪،‬ويمكن االستدالل على ذلك بتقليد األفراد المكونين للعصابات اإلجرامية لرؤساء هذه العصابات‪.‬‬
‫‪)3‬القاعدة الثالثة‪ :‬تقوم على وجود موضات داخل فكرة التقليد نفسها‪ ،‬فالموضة الجديدة تطرد‬
‫الموضة القديمة ‪،‬فاإلنسان يقلد ما هو حديث دون القديم مما يفسر تطور اإلجرام واستعمال وسائل‬
‫جديدة تواكب التطور الذي تعرفه المجتمعات‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال الجرائم االلكترونية‪.‬‬
‫‪ -‬أضاف كابرييل تارد الى فكرته حول التقليد دراسته عن المجرم المعتاد‪ ،‬وهي دراسة أغنت علم‬
‫اإلجرام سيما وأنه نظر إلى المجرم المعتاد كمجرم ال أمل في إصالحه العتياده العيش دون شغل‬
‫ودون عقاب‪ ،‬وهو ما دفع المهتمين بعلم اإلجرام الى التفطن بخطورة المجرمين المعتادين‪،‬‬
‫ومحاولة إيجاد ما يناسبهم من عقوبات‪.‬‬
‫تقدير نظرية كابرييل تارد‬

‫‪ -‬يؤخذ على كابرييل تارد تشبعه بقانونه األخالقي‪ ،‬إذ اعتبر أن مستوى اإلجرام مؤشرا حقيقيا‬
‫لألخالق في مجتمع معين‪ ،‬وهو ما ينتج عنه بالضرورة التالزم بين األخالق والجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬يالئم هذا التطابق نوع ضئيل من الجرائم وهي الجرائم الطبيعية أي الماسة بالشعور العام بالشفقة‬
‫واألمانة‪ ،‬األمر الذي جعل تارد أسير نزعته الفردية‪ ،‬وال يقول بالقطيعة بين الفعل األخالقي والفعل‬
‫االجتماعي‪ ،‬كإحدى الخصائص األساسية لعلم السوسيولوجيا في عصره‪.‬‬
‫‪ -‬يؤخذ على نظرية تارد حول التقليد أيضا تجاهلها للعوامل المتداخلة االجتماعية واالقتصادية التي‬
‫تدفع الى ارتكاب الجريمة‪.‬‬
‫‪-‬ال يمكن تفسير السلوك االجرامي باالعتماد على نظرية التقليد لوحدها‪ ،‬وانما يتعين مراعاة حقيقة‬
‫التفاوت النسبي في التأثير في األفراد‪ ،‬فهؤالء ليسوا على درجة واحدة من التأثر ‪،‬فبعضهم قد يكون‬
‫لديه استعداد إيجابي للتقليد بحكم تكوين شخصيته‪ ،‬وال يتوافر مثل هذا االستعداد لدى البعض اآلخر‬
‫فيرفضون التقليد‪ ،‬والقول بخالف ذلك يعني انضمام كافة أفراد المجتمع الى الجريمة وهذا غير‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫اميل دوركهايم‬

‫اعتبر الفيلسوف وعالم االجتماع الفرنسي إميل دوركهايم الجريمة ظاهرة طبيعية ترتبط وجودا وعدما بالمجتمع‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫‪-‬‬

‫تعبيرها عن انعدام الشعور والتضامن في المجتمع الذي تنتشر فيه‪ ،‬فإنها مع ذلك تعد عالمة من عالمات الصحة في المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬توصل دركهايم من خالل أبحاثه إلى أن الجريمة هي وليدة الوسط االجتماعي‪ ،‬فال توجد أسبابها في الفرد المجرم ألن الفرد من صنع‬
‫المجتمع‪،‬وال يوجد مجتمع بدون جريمة‪،‬إذ حيث توجد المعايير والقواعد السلوكية‪ ،‬توجد االنحرافات والسلوك المخالف للضوابط‬
‫والمعايير االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬انطلق دوركهايم في دراسته السوسيولوجية من القطيعة مع النزعة الفردية التي كانت سائدة في القرن ‪، 18‬فلم يسلم بأن الفرد هو‬
‫أساس تقييم األشياء‪ ،‬ولم يسلم بأن المجتمع ال يتكون إال من مجموع أفراده‪ ،‬وإنما يمثل شيئا آخر له وجود في حد ذاته أسماه دوركهايم‬
‫الضمير الجماعي الذي يبقى تأثيره قويا على األفراد ويمارس نوعا من القهر واإللزام على األفراد من الخارج‪ ،‬لذلك ذهب دوركهايم إلى‬
‫أن السلوك يكون إجراميا حينما يؤدي الشعور الجماعي‪.‬‬
‫تتمة‬
‫ذهب دوركهايم في تفسيره للسلوك اإلجرامي إلى أن الحياة في المجتمع تفترض وجود قدر من النظام فيه‪ ،‬فإذا أصيب هذا‬

‫النظام بالخلل‪ ،‬انطلق أفراده نحو تحقيق رغباتهم على نحو يخالف ما أرساه المجتمع من نظام‪ ،‬مما يفسر ارتفاع الجرائم في‬

‫فترات األزمات االقتصادية ‪.‬‬

‫‪ -‬اعتبر دوركهايم الجريمة مالزمة لكل مجتمع ينشد التطور ‪،‬وهي ظاهرة طبيعية من صنع المجتمع من خالل ما يجرمه من‬

‫أنماط سلوكية بموجب القواعد السائدة فيه‪ ،‬فإذا استطاع المجتمع القضاء نهائيا على هذه الظاهرة‪ ،‬تالشى المعيار الذي‬

‫يفرق بين السلوك المجرم والسلوك المشروع‪.‬‬

‫‪ -‬تأكيدا لطرحه ذهب دوركهايم إلى أن الجريمة تمثل مرضا اجتماعيا ويجب قبولها لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫االعتبارات‬
‫‪ -‬تعتبر الجريمة ظاهرة طبيعية ومتوقعة في المجتمعات نظرا لوجودها على مر السنين‪.‬‬
‫‪ -‬تصبح الجريمة غير طبيعية عندما تزيد على المعدل المتوسط المقرر لها‪.‬‬
‫‪ -‬يدل انخفاض عن المعدل المتوسط المقرر لها على وجود ظاهرة اجتماعية غير سوية كالقمع وتضييق‬
‫الحريات‪.‬‬
‫‪ -‬ال يمكن اعتبار الجريمة ظاهرة مرضية في حالة عدم تأثيرها سلبا على المهام الوظيفية للمجتمع‪ ،‬بل هي‬
‫ظاهرة طبيعية عادية‪ ،‬وهي تعبير عن صحة المجتمع وسالمة نظمه عند عدم تعديها المتوسط المحدد لها‪.‬‬
‫‪ -‬استعمل دوركهايم مفهوم الالمعيارية واعتبرها سببا لالنحراف االجتماعي‪ ،‬وهي كحالة الالقانون في‬
‫عالقتها مع اإلجرام‪ ،‬ويقصد بذلك الوضعية التي يجد فيها الفرد نفسه عاجزا عن تحقيق الرغبات الطبيعية‬
‫التي بدونها ال يمكن للحياة أن تستقيم‪ ،‬فالمجتمع يعجز عن توفير بعض الرغبات والحاجات لألفراد مما‬
‫يدفعهم إلى البحث عن تحقيقها‪ ،‬وعند عجزهم يستبيحون كل الوسائل بما في ذلك الجرائم التي يرتكبونها‬
‫نتيجة غياب قاعدة أو معيار يستندون إليه في سلوكهم السوي داخل المجتمع‪.‬‬
‫رواد المذهب االجتماعي في أمريكا‬
‫م‬

‫من أهم المدارس والنظريات االجتماعية التي سادت في أمريكا هناك نظرية التفكك االجتماعي‪-‬نظرية تصارع الثقافات‪-‬‬

‫نظرية االختالط الفاصل أو التفاضلي‪-‬نظرية التراخي االجتماعي‪..‬‬


‫أوال‪ :‬نظرية التفكك االجتماعي ‪ -:‬يقصد بالنظرية انعدام الروابط الموحدة داخل المجتمع‪،‬واختالف وتعدد الروابط‬
‫المجتمعية‪،‬وويترتب على هذا التفكك االجتماعي نمو الظاهرة اإلجرامية لدى األفراد‪.‬‬
‫‪-‬ربطت نظريات اجتماعية عديدة بين التفكك االجتماعي والسلوك اإلجرامي‪ ،‬وافترضت أن السلوك اإلجرامي ينشأ في ظل‬
‫وجود مظهر أو أكثر من مظاهر التفكك االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬من بين النظريات التي قدمت في إطار التفكك االجتماعي‪ ،‬نذكر نظرية (شو) الذي قام بمساعدة زمالء له بدراسة شهيرة‬
‫حول ظاهرة االنحراف في مدينة شيكاغو‪ ،‬واتضح من هذه الدراسة أن االنحراف يتركز في مناطق محددة‪ ،‬حيث تزداد نسبة‬
‫االنحراف في وسط المدينة‪ ،‬وتقل كلما ابتعدنا عن وسط المدينة‪ ،‬وقد لوحظ أن ‪ %25‬من أطفال وسط المدينة سبق أن‬
‫أدرجت أسماءهم في سجالت الشرطة كأطفال منحرفين‪ ،‬في حين ال تزيد النسبة المماثلة في المناطق األخرى عن ‪ %1‬فقط‪.‬‬
‫‪-‬توصل (شو) إلى أن أكبر تجمع للمجرمين والجانحين يكون في أماكن تتسم بالتفكك االجتماعي‪ ،‬بحيث يصبح المجتمع الكلي‬
‫لهذه األماكن مفككا‪ ،‬وتضعف رقابته على أعضائه وينعدم تكامل النظم االجتماعية فيه‪ ،‬وبالتالي فمن من المتوقع أن تصبح‬
‫األنماط اإلجرامية شائعة فيه وتنتقل بسهولة من شخص إلى آخر‪.‬‬
‫‪ -‬يقيم ثورسين سيلين النظرية على أساس المقارنة بين أنواع المجتمعات المختلفة من ناحية وحياة الفرد داخل المجتمع من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬فالمجتمعات الريفية تتسم باالنسجام والتضامن في ظروفها واحتياجات أفرادها ‪،‬فال يشعر الفرد بالعزلة وال‬
‫يصدر عنه سلوك معارض لسلوك فرد آخر أو لهدف من أهداف الجماعة‪ ،‬وال يعني ذلك عدم وقوع جرائم في هذه المجتمعات‬
‫‪.‬‬ ‫وإنما تتسم بالقلة‪ ،‬وغالبا تقع بين أفراد هذه المجتمعات وأفراد آخرين ينتمون إلى مجتمعات أخرى‬
‫‪-‬‬
‫•‬
‫نظرية التفكك االجتماعي‪-‬تتمة‪-‬‬

‫في المقابل يتسم المجتمع المتحضر باتساع نطاقه وتعدد الجماعات المتباينة فيه‪ ،‬مما يؤدي الى تعارض المصالح وتضاربها‬

‫بين فئاته‪ ،‬ومن تجليات الصراع المجتمعي الصراع بين فئة المتحررين وفئة المحافظين‪،‬وفئة األميين وفئة المتعلمين‪،‬وفئة‬

‫الفقراء وفئة األغنياء‪.‬‬

‫‪ -‬خلص علماء االجرام في أبحاثهم إلى أن السلوك اإلجرامي ظاهرة اجتماعية تعبر عن الالتوافق والالنتماء االجتماعيين‪ ،‬و‬

‫يزدادان في المجتمعات المركبة التي يضعف فيها دور المؤسسات غير الرسمية في اإلشراف على الضبط المطلوب الذي يناط‬

‫‪.‬‬‫بالسلطات الرسمية‪،‬والتي تفرض قيما رسمية يشكل الخروج عنها جريمة يعاقب عليها القانون‬
‫تقدير نظرية التفكك االجتماعي‬

‫‪ -‬اتسمت هذه النظرية بالواقعية وصادفت الصواب في طرحها القائل بتميز المجتمعات المتحضرة بالتفكك االجتماعي‬
‫وتطور االجرام وزيادته مقارنة مع المجتمعات التقليدية ‪،‬الشيء الذي يفسر ارتفاع معدل الجريمة داخل المدن الكبرى‬
‫مقارنة مع القرى أو المدن الصغرى ‪.‬‬
‫‪-‬يؤخذ على النظرية اقتصارها على عامل التفكك االجتماعي كدافع لإلجرام‪ ،‬وإغفالها للعوامل األخرى ‪،‬فضال على أنه‬
‫ال يمكن األخذ بهذا الطرح على إطالقه‪ ،‬فبعض أفراد المجتمع فقط يرتكبون أفعاال إجرامية دون البعض اآلخر‪ ،‬على‬
‫الرغم من تأثرهم جميعا بعامل التفكك االجتماعي‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬نظرية تصارع الثقافات‬
‫‪ -‬تنسب هذه النظرية لعالم االجتماع واإلجرام األمريكي تورسين سيلين الذي نشر كتابا سنة ‪ 1938‬تحت عنوان تنازع‬
‫الثقافات والجريمة‪ ،‬تطرق فيه للدور الذي يلعبه تنازع الثقافات في تكوين الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬
‫‪ -‬تعتبر نظرية تصارع الثقافات امتدادا لنظرية التفكك االجتماعي‪ ،‬ومفادها تعارض وتناقض ثقافات وقيم ومبادئ معينة تسود‬
‫في إحدى الجماعات مع ثقافات وقيم ومبادئ تسود في جماعات أخرى‪ ،‬فإما ينسجم الفرد مع مبادئها أو يرفضها‪ ،‬ويترتب‬
‫على ذلك ارتكاب السلوك اإلجرامي ويتخذ التصارع مظهران‪:‬‬
‫‪-‬تصارع خارجي أي تصارع الثقافة واختالفها في مجتمع معين مع مجتمع آخر أو بين دولة ودولة ويرجع بعض العلماء‬
‫أسباب هذا الصراع إلى ثالثة عوامل‪ :‬االستعمار وذلك بأن يفرض المستعمر مبادئ وقواعد على أفراد الشعب بالدولة التي تم‬
‫احتاللها والتي قد تتعارض مع بعض المبادئ التي كانت تعتنقها هذه الدولة وقد تتعارض معها فتصبح بعض األفعال التي‬
‫كانت مباحة في نظر هذه الدولة أفعاال إجرامية في نظر المستعمر(تعدد الزوجات ‪-‬العالقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج)‪.‬‬
‫الهجرة‪ :‬يترتب على الهجرة تسرب ثقافة الجماعة المهاجرة الى دولة المهجر فيفضي ذلك إلى حدوث نزاع بين ثقافتين‬
‫متباينتين بسبب تمسك الجماعة المهاجرة بثقافتها‪،‬وهذا ما الحظه سيلين في المجتمع األمريكي الذي يتكون في األصل من‬
‫مجموعات وفدت إليه من كافة أنحاء العالم‪.‬‬
‫االتصال في مناطق الحدود‪ :‬ويتعلق األمر بالصراع بين ثقافة دولتين تتالصق حدودهما اإلقليمية ويندمج رعاياهما معا ً و‬
‫يفضي االتصال بين أفراد الدولتين المتجاورتين مع اختالف حضارتيهما إلى تعارض سلوك األفراد المنتمين إليهما‪.‬‬
‫تصارع داخلي‬
‫‪-‬من أشكال هذا التنازع الثقافي تضارب وتعارض األفكار السائدة في مجتمع واحد كمؤسسة األسرة ‪ ،‬و‬
‫المدرسة ‪ ،‬و األندية ‪ ،‬وجماعة العمال وقد تسود في كل واحدة من هذه الجماعات مبادئ تختلف عن تلك‬
‫التي تسود في األخرى وتتعارض معها في االتجاه‪ ،‬فيميل الفرد إلى السلوك الذي قد يرضي إحداها فحسب‬
‫وهو سلوك قد يكون غير مشروع‪.‬‬
‫‪ -‬من مظاهر هذا الصراع التصادم الذي ينشأ بين الثقافة األصلية السائدة في المجتمع وبين الثقافات‬
‫الفرعية التي تسود في جماعة صغيرة فينجم عن ذلك أفعاال مجرمة كما هو الشأن بالنسبة لجرائم الثأر‬
‫التي ترتكب في بعض الثقافات الفرعية‪ ،‬وتعتبره عمال مشروعا وواجبا على أبنائها‪ ،‬بخالف الثقافة‬
‫األصلية التي تشجبه لمخالفته أحكام القانون‪.‬‬

‫•‬
‫تقدير نظرية تصارع الثقافات‬

‫للنظرية جانب من الصحة في طرحها القائل بدور النظام االجتماعي بتفاعالته والمبادئ السائدة فيه في التأثير في األفراد نتيجة‬

‫الصراع الثقافي األمر الذي قد يكون دافعا إلى ارتكاب الجرائم‪ ،‬غير أنها ال تستطيع لوحدها تقديم تفسير كلي للظاهرة اإلجرامية‪،‬‬

‫إذ ال يصح أن يقدم كل األفراد الذين يعانون من هذا الصراع على ارتكاب أفعال إجرامية‪ ،‬األمر الذي يستشف منه أنه توجد عوامل‬

‫أخرى تساهم في إحداث الظاهرة اإلجرامية مما يجعل النظرية تتسم بالقصور‪.‬‬

‫•‬
‫ثالثا‪ :‬نظرية االختالط التفاضلي‬
‫‪-‬نادى بهذه النظرية العالم األمريكي سذرالند الذي ينتمي إلى مدرسة شيكاغو األمريكية‪.‬‬
‫‪-‬يرى سذرالند أن السلوك اإلجرامي ال يمكن أن يرجع في كل األحوال إلى عامل الفقر أو إلى بعض‬
‫العوامل األخرى‪ ،‬كالعوامل النفسية واالجتماعية التي تتصل بالفقراء‪ ،‬فهناك من األغنياء من يخالف‬
‫القانون من أجل غايات يسعى إلى الوصول إليها‪.‬‬
‫‪-‬يعد سذرالند أول من ركز على إجرام األغنياء أو يسمى بالجرائم التي يرتكبها ذوو الياقات‬
‫البيضاء‪.‬‬
‫‪ -‬انطلق سذرالند من أن السلوك اإلجرامي ليس سلوكا موروثا وال ثمرة عامل واحد‪ ،‬وإنما هو‬
‫سلوك يكتسبه الفرد عن طريق االحتكاك واالختالط مع المجرمين‪ ،‬فبدون االحتكاك باآلخرين ال‬
‫تحدث عملية تعلم السلوك اإلجرامي‪،‬ويصبح الفرد مجرما عندما تغلب لديه عوامل مخالفة القواعد‬
‫القانونية على عوامل احترام هذه القواعد‪.‬‬
‫‪-‬تقوم نظرية االختالط التفاضلي على محاولة علمية لشرح السلوك اإلجرامي المنحرف الذي يظهر‬
‫نتيجة صراع بين معايير الثقافات المختلفة التي يتكون منها المجتمع‪.‬‬
‫متى يظهر السلوك اإلجرامي؟‬
‫يظهر السلوك اإلجرامي حينما تطغى المعايير الجانحة السائدة في جماعة على المعايير المتكيفة التي تحكم المجتمع الكلي ‪،‬وقد فسر‬
‫سذرالند ذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ )-1‬ال يولد المجرم مجرما وإنما يكتسب السلوك اإلجرامي عن طريق التعلم من غيره‪.‬‬
‫‪)-2‬يكتسب السلوك الجانح عن طريق التواصل واالحتكاك بأشخاص آخرين ‪،‬وقد يكون ذلك لفظيا أو باإلشارة أو التقليد‪.‬‬
‫‪ )-3‬يتم تعلم السلوك اإلجرامي ضمن جماعة محصورة تتميز بالعالقات المباشرة والشخصية‪ ،‬وال تساهم وسائل اإلعالم إال بدور ثانوي‬
‫في نشأة السلوك المنحرف‪.‬‬
‫‪-)-4‬يشمل التدريب على االنحراف تعلم التقنيات اإلجرامية مع توجيه الميول والدوافع نحو الجريمة‪.‬‬
‫‪)-5‬يصبح الفرد مجرما عند طغيان التفسيرات المضادة للقانون‪ ،‬على التفسيرات التي تؤيده وتحترمه ‪.‬‬
‫‪ -)-6‬تتنوع العوامل الفارقة من حيث التواتر المدة واألسبقية والشدة‪،‬فإذا تأثر الشخص بمعايير منحرفة وجانحة قبل أن يتعرض لتأثير‬
‫المعايير المتكيفة أو السوية قد يصبح جانحا بشكل نهائي والعكس صحيح‪.‬‬
‫‪ )-7‬على الرغم من أن السلوك الجانح يرتكب لتلبية حاجات وأهداف معينة‪ ،‬إال أنه ال يفسر من خاللها ‪،‬ألن السلوك غير الجانح هو‬
‫أيضا تعبير عن نفس الحاجات والقيم ‪،‬فاللص يسرق من أجل الحصول على النقود وهي قيمة ‪،‬والعامل يعمل من أجل تحقيق نفس الغاية‬
‫لذلك فكل التفسيرات التي تتناول االنحراف غير مجدية ألنها نفسها تفسر السلوكيات السوية‪.‬‬
‫•‬
‫تقدير النظرية‬

‫‪-‬تعتبر نظرية االختالط التفاضلي من النظريات الرائدة في تفسير السلوك اإلجرامي‪،‬وقد قامت‬
‫على مجموعة من الفرضيات المترابطة‪ ،‬فضال عن تقاطع العديد من الدراسات الحديثة مع‬
‫هذه النظرية‪.‬‬
‫‪ -‬غير أن النظرية تعرضت لعدة انتقادات أبرزها عجزها وقصورها في تفسير تفاوت‬
‫االستجابة بين شخص وآخر من المخالطين للعناصر اإلجرامية‪،‬إذ ينحرف البعض دون البعض‬
‫اآلخر‪،‬إضافة إلى إغفال النظرية لجرائم الصدفة والجرائم العاطفية‪.‬‬
‫‪ -‬لم تتمكن النظرية أيضا من تفسير اختالف تأثير البيئة باختالف التكوين الفردي لألشخاص‬
‫الذين يعيشون فيها‪.‬‬
‫‪-‬لم تتمكن النظرية كذلك من تفسير الجرائم التي ترتكب في ثورة االنفعال‪ ،‬أو الجرائم التي‬
‫تقع في فترات الطفولة المبكرة‪ ،‬قبل أن يخالط الطفل غيره مدة كافية لتعلم السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬نظرية ميرتون‪/‬التراخي االجتماعي‬
‫‪ -‬تعتبر دراسة ميرتون قفزة نوعية في الفهم العلمي للسلوك اإلجرامي وقد اعتمد في نظريته على تجاوز‬
‫العوامل المنعزلة‪ ،‬واهتم بالبنية االجتماعية بما فيها من تناقضات تدفع بالفرد إلى الخروج عن التنظيم‬
‫االجتماعي‪ ،‬والسقوط في اإلجرام بفعل غياب المعايير االجتماعية‪.‬‬
‫‪-‬حاول ميرتون أن يعتمد في التفسيرات االجتماعية لالنحراف نظرة متكاملة للمجتمع األمريكي‪ ،‬فانطلق من‬
‫تحليل البنية االجتماعية محاوال معرفة األسباب التي تدفع بعض األفراد إلى السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪-‬توصل ميرتون إلى حصر األنماط السلوكية اعتمادا على مفهوم الالمعيارية أو حالة عدم النظام التي‬
‫تسيطر على المجتمع وتجعله بدون وسيلة ثقافية يعتمدها الناس لتحقيق رغباتهم‪ ،‬فيضطرون إلى اإلجرام‬
‫كوسيلة لبلوغ أهدافهم‪.‬‬
‫‪-‬لشرح نظريته ينطلق ميرتون من أن أغلب الناس لديهم رغبات وغرائز ليست بالضرورة طبيعية‪ ،‬وإنما‬
‫هي مجموعة من األهداف واإلغراءات التي ينتجها المجتمع وتكرسها الثقافة السائدة فيه‪ ،‬ويترتب على‬
‫عدم توفير اإلمكانيات وإتاحة الفرص لجميع فئات المجتمع لتحقيقها‪ ،‬لجوء بعضهم إلى وسائل غير‬
‫مشروعة إلشباعها‪ ،‬بعدما يتعذر عليه ذلك بوسائل مشروعة‪.‬‬
‫الوسائل العلمية التي اعتمد عليها ميرتون‬
‫‪ -‬تنحصر الوسائل العلمية التي يعتمد عليها ميرتون لدراسة كل بنية اجتماعية في عنصرين‬
‫هامين هما األهداف والمعايير‪.‬‬
‫‪-‬األهداف‪ :‬ينطلق ميرتون من أن كل مجتمع يحدد ألفراده مجموعة من األهداف واالهتمامات‬
‫التي غالبا ما تكون مشروعة ومرتبة حسب أهميتها‪.‬‬
‫‪-‬المعايير‪ :‬هي مجموع القواعد التي تحكم السلوك وتضبط وسائل الوصول إلى األهداف وذلك‬
‫باتباع طرق معينة يسهر على تنظيمها المجتمع‪ .‬والمعايير هي التي تنظم الوسائل التي‬
‫تختلف بحسب قيمتها االجتماعية ‪،‬فهناك الوسائل المثلى والمستحسنة والممنوعة‪.‬‬
‫‪ -‬يذهب ميرتون إلى أنه كلما وجد توازن بين هذين العنصرين كلما كانت السلوكات داخل البنية‬
‫تعكس ذلك التوازن‪.‬‬
‫‪-‬إذا تم التركيز على األهداف على حساب المعايير‪،‬ستصبح كل الوسائل صالحة للوصول إلى‬
‫األهداف المنشودة‪ ،‬وسيصبح المجتمع هش وموسوم ببنية مصابة بالخلل‪.‬‬
‫مدارس ونظريات أخرى‬
‫المدرسة الجغرافية‬
‫‪ -‬يعود الفضل في تأسيس هذه المدرسة إلى العالم البلجيكي كتيليه والعالم الفرنسي جيري اللذين قاما‬
‫بدراسة اإلحصاءات الجنائية التي نشرت في فرنسا منذ سنة ‪.1826‬‬
‫‪-‬الحظ جيري ارتفاع معدالت جرائم االعتداء على األشخاص في المناطق الجنوبية الفرنسية‪،‬وخاصة في‬
‫فصل الصيف‪،‬وزيادة جرائم االعتداء على األموال في المناطق الشمالية في فصل الشتاء‪ ،‬وهذا ما دفعه إلى‬
‫القول بوجود عالقة بين الموقع الجغرافي ودرجة الحرارة من جهة‪،‬ومعدالت الجريمة من جهة ثانية‪.‬‬
‫‪-‬صاغ جيري فكرته في ما أسماه قانون الحرارة اإلجرامي‪.‬‬
‫‪-‬خلص كتيليه إلى نفس النتيجة التي توصل إليها كيري‪ ،‬وإن عمم فكرته بشكل أوسع وربطها بمجموع‬
‫القارة األوروبية‪.‬‬
‫تقدير النظرية‪ :‬صادفت هذه النظرية الصواب عند ربطها الجريمة بالعوامل الجغرافية المناخية‪،‬وربطها ذلك‬
‫بكم الجرائم ونوعها من خالل قانون الحرارة اإلجرامي‪،‬إال أنها عجزت عن تقديم تفسير كامل للظاهرة‬
‫اإلجرامية‪.‬‬
‫‪ -‬يذهب أنصار المذهب التكويني إلى أن التأثير ال يأتي من العوامل البيئية المناخية مباشرة‪،‬وإنما مما تحدثه‬
‫تلك العوامل من تأثيرات عميقة في شخصية الفرد من الناحيتين العضوية والنفسية‪.‬‬
‫المدرسة االشتراكية‬
‫‪-‬تستمد هذه المدرسة أصولها الفكرية من الفكر االشتراكي‪ ،‬وقد ذهب بعض العلماء االشتراكيين وعلى‬
‫رأسهم الفيلسوف األلماني كارل ماركس و انجلز ‪ ،‬إلى أن النظام الرأسمالي هو العامل المفسر و المؤدي‬
‫إلى السلوك االجرامي‪.‬‬
‫‪ -‬فالجريمة في نظر هؤالء هي جريمة مصطنعة ال وجود لها حقيقة‪ ،‬و إنما هي نتاج الطبقة البورجوازية‪،‬‬
‫ونتيجة لصراع طبقي بين القوى العاملة و الطبقة البورجوازية‪ ،‬فهذه األخيرة تشغل الطبقة العمالية و‬
‫تستغلها اقتصاديا و اجتماعيا علما أن الثروة التي يمتلكونها مكتسبة من خالل عمل العمال‪،‬فالنظام‬
‫الرأسمالي هو الذي ينتج اإلجرام الذي يعتبر رد فعل ضد الظلم االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬من الطبيعي أن تلجأ هذه الطبقات المستغلة و المظلومة إلى الجريمة السترداد حقوقها المسلوبة منها‪.‬‬
‫‪ -‬ينادي أنصار هذا االتجاه إلى تطبيق النظام االشتراكي و يعتبرونه هو الحل الختفاء الجرائم‪ ،‬بحيث ال‬
‫يمكن أن تختفي الجرائم إال في ظله‪،‬ألنه مجتمع يقوم على التضامن والمودة‪ ،‬وال مكان فيه لجهاز الدولة‬
‫الفوقي‪ ،‬وما يتفرع عنه من أدوات ووسائل قمعية كالقانون والسجون‪..‬‬
‫‪ -‬تأثر بهذه النظرية عالم االجتماع الهولندي بونجر الذي ربط الجريمة بالنظام الرأسمالي ورفض إرجاع‬
‫أسبابها إلى العوامل الفسيولوجية الوراثية ‪،‬كما رفض الربط بين الجريمة واألخالق والقيم الدينية التي‬
‫ليست سوى إفرازات لما يخلفه النظام االقتصادي الرأسمالي من عالقات اجتماعية فاسدة قوامها حب الذات‬
‫والرغبة في السيطرة من طرف األغنياء والحقد والكراهية من طرف الفقراء‪.‬‬
‫‪-‬كما أكد بونجر أن ما يتسم به النظام الرأسمالي من سمات كامنة في تحقيق الربح وفائض اإلنتاج‪ ،‬يفضي‬
‫إلى ظهور سلوكات منحرفة داخل المجتمع كالسرقة‪.‬‬
‫تقدير النظرية‬
‫‪ -‬يرجع لهذه المدرسة الفضل في تسليط الضوء على مساوئ النظام الرأسمالي وما يؤدي إليه‬
‫التقسيم الطبقي من ظهور جرائم ترتبط أساسا بالظروف المادية االقتصادية ‪.‬‬
‫‪ -‬غير أنه إذا استطاعت هذه النظرية تفسير جرائم االعتداء على األموال‪،‬فإنها لم تستطع‬
‫تفسير جرائم االعتداء على األشخاص ‪.‬‬
‫‪-‬أخفق أنصار النظرية في إيجاد تفسير مقنع في ارتكاب بعض األشخاص دون غيرهم‬
‫لإلجرام‪ ،‬على الرغم من خضوعهم لنظام اقتصادي واحد‪.‬‬
‫‪ -‬يعاب على النظرية ربطها المطلق للظاهرة اإلجرامية بطبيعة النظام الرأسمالي‪،‬والحال أن‬
‫العوامل االقتصادية على الرغم من تأثيرها فإنها مجرد عامل يضاف إلى العوامل األخرى‬
‫كالتكوينية منها واالجتماعية‪.‬‬
‫دور المذهب المختلط في تفسير السلوك اإلجرامي‬

‫‪-‬يتوسط المذهبين الفردي ( الذي يعزي الجريمة إلى المجرم نفسه دون االهتمام بتأثير العوامل‬
‫االجتماعية) والمذهب االجتماعي (الذي يرجع أسباب الجريمة إلى المحيط االجتماعي الذي يعيش‬
‫فيه المجرم) مذهب ثالث يطلق عليه المذهب المختلط والذي يأخذ بالعوامل الفردية والعوامل‬
‫االجتماعية والبيئية وإن غلب بعض هذه العوامل على األخرى حسب كل حالة من الحاالت‪.‬‬
‫‪ -‬لم يتبلور المنهج التكاملي في نظرية واضحة األسس والمضامين إال بظهور نظرية االستعداد‬
‫اإلجرامي للعالم اإليطالي دي توليو والذي اعتمد منهجا تكامليا للكشف عن أسباب الجريمة‪.‬‬
‫‪ -‬تأثر دي توليو بأبحاث لومبروزو ودراساته وجعل منها منطلقا لتأسيس نظريته عن االستعداد‬
‫اإلجرامي‪ ،‬وحاول تحليل شخصية المجرم بوصفها المصدر األول للسلوك اإلجرامي‪ ،‬واعتبر‬
‫الجريمة سلوكا فرديا بيولوجيا اجتماعيا يحدث بسبب استجابة الدوافع الغريزية للمؤثرات‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫أساس نظرية دي توليو‬
‫‪ -‬يرى دي توليو أن اإلنسان يتمتع بتكوين نفسي وتكوين عقلي وآخر عصبي يجعله قابال‬
‫لإلصابة بأمراض معينة ولديه أيضا تكوينا إجراميا‪ ،‬فإذا ما صادف مؤثرا أو عامال خارجيا‬
‫يوقظه هاجت غرائزه دونما رادع يكبحها فيرتكب الجرائم‪.‬‬
‫‪-‬يتوفر االستعداد اإلجرامي عند المجرمين فقط الذين ال يستطيعون مقاومة غرائزهم والتكيف‬
‫مع البيئة االجتماعية بسبب الخلل العضوي والنفسي المولد لالستعداد اإلجرامي‪ ،‬بخالف‬
‫األسوياء اللذين ال يتأثرون بعوامل المحيط االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬تقوم فكرة االستعداد اإلجرامي حسب دي توليو على وجود نوعين من العوامل‪ ،‬تتمثل األولى‬
‫في وجود خلل في النمو العاطفي لدى المجرم‪ ،‬بسبب عوامل تتصل بغرائزه مما يحول دون‬
‫تقبله للقيم االجتماعية السائدة في مجتمعه‪ ،‬وتتمثل الثانية في العيوب الجسمانية الناجمة عن‬
‫الخلل الوظيفي دي الصلة باإلفرازات الغددية ‪ ،‬والذي يخلق الشخصية السيكوباتية غير‬
‫القادرة على التوافق مع المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬ال تكفي حسب دي توليو العوامل المذكورة أعاله و المحققة لالستعداد اإلجرامي لتحقق‬
‫الجريمة ‪،‬وإنما ينبغي أن تتفاعل مع العوامل الخارجية الكامنة في البيئة االجتماعية‪.‬‬
‫أنواع االستعداد اإلجرامي حسب دي توليو‬

‫‪-‬يميز دي توليو بين نوعين من االستعداد اإلجرامي االستعداد اإلجرامي‬


‫األصيل أو الفطري واالستعداد اإلجرامي العارض‪.‬‬
‫‪-‬االستعداد اإلجرامي األصيل‪ :‬يتصف هذا النوع بالديمومة بسبب ثبات‬
‫مصدره المتمثل في التكوين العضوي والنفسي والعصبي وهو الذي يؤدي‬
‫عادة إلى ارتكاب أخطر الجرائم‪.‬‬
‫االستعداد اإلجرامي العارض‪ :‬يتحقق بسبب وجود عوامل شخصية‬
‫واجتماعية تضعف المقاومة‪ ،‬وتدفع إلى ارتكاب الجرائم صدفة أو بطريقة‬
‫عرضية‪.‬‬
‫تصنيف دي توليو للمجرمين حسب استعدادهم اإلجرامي‬
‫‪-‬استنادا إلى نوعي االستعداد اإلجرامي صنف دي توليو المجرمين بحسب نوع استعدادهم أو‬
‫تكوينهم إلى المجرمين العرضين والمجرمين بالتكوين و المجرمين المجانين‪.‬‬
‫المجرم العرضي‪ :‬ويطلق عليه كذلك المجرم بالصدفة وأهم ما يميز هذه الطائفة هي االنتماء إلى‬
‫الطبقة المتوسطة والقدرة على حفظ التوازن بين غرائزهم الطبيعية وبين المتطلبات االجتماعية‪.‬‬
‫‪-‬يرجع إجرام المجرم العارض إلى تأثير عوامل خارجية وبيئية تضعف قدرته على التكيف مع الحياة‬
‫االجتماعية و القوانين السائدة‪،‬فيتولد عن ذلك ردود فعل استثنائية أي عرضية ووقتية ذات طابع‬
‫مضاد للمجتمع‪.‬‬
‫‪-‬ال يتوفر لدى هذا النمط استعداد أو ميل إجرامي أصيل بل عرضي‪،‬وتعتبر العوامل االجتماعية‬
‫مؤثرة‪ ،‬والجمع بين العاملين يفضي إلى ظروف مهيئة للجريمة‪.‬‬
‫‪-‬يقسم دي توليو المجرمين العرضيين إلى ثالثة أنواع المجرم بالصدفة المحض و المجرم بالصدفة‬
‫العاطفي والمجرم بالصدفة الشائع ‪.‬‬
‫‪)1‬المجرم العرضي المحض‬
‫المجرم العرضي المحض‪ :‬هو الذي يرتكب الجريمة استجابة لدوافع استثنائية محضة‪،‬وفي‬
‫ظروف استثنائية محضة ‪ ،‬لم يتوقعها أو لم يكن بمقدوره توقعها‪.‬‬
‫المجرم بالصدفة العاطفي ‪:‬هوالذي يرتكب الجريمة مدفوعا بعوامل عاطفية أو انفعالية ذات‬
‫طابع نفسي في أغلب األحيان وعضوي أحيانا‪،‬وتفضي هذه العوامل إلى تعطيل قدرة التكيف‬
‫لديه بصورة مؤقتة وفي حدود معينة‪.‬‬
‫المجرم بالصدفة الشائع ‪ :‬يتسم هذا المجرم بنقص خلقي‪،‬ويميل إلى ارتكاب السلوك المضاد‬
‫للمجتمع‪،‬وبصفة خاصة جرائم األموال ‪.‬ومن السهل على هذا الشخص أن يتحول إلى مجرم‬
‫معتاد‪.‬‬
‫•‬
‫‪)2‬المجرمين بالتكوين‬
‫‪-‬ينفرد هؤالء المجرمون بمجموعة من العناصر التكوينية التي تتمثل في الخطورة اإلجرامية وإصرارهم على ارتكاب الجريمة‬
‫واحترافهم لإلجرام‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر المجرم ذو التكوين اإلجرامي شخصا دون الرجل العادي من حيث الملكات النفسية والوازع الخلقي ‪ ،‬ويتوافر لديه استعداد‬
‫إجرامي أصيل ‪ ،‬يكشف عن كثافة القوة الدافعة إلى الجريمة وتخلف قوى المنع منها‪ .‬وعادة ما يرجع إجرام هذا النمط إلى وجود‬
‫شذوذ غريزي‪ ،‬يسهم في حدته عيب في التكوين العضوي‪ ،‬أو خلل في الجهاز العصبي وفي الملكات الذهنية‪.‬‬
‫‪-‬ميز دي توليو بين ثالثة نماذج داخل هذه الطائفة المجرم بالتكوين ذو النمو الناقص‪ ،‬و المجرم العصبي السيكوباتي‪ ،‬والمجرم ذو‬
‫االتجاه المختلط‪.‬‬
‫أوال‪-:‬المجرم بالتكوين ذو النمو الناقص‪ :‬وهو الشخص الذي يرجع إجرامه إلى خلل موروث أو مكتسب في الطفولة ويمثل هذا‬
‫النمط النموذج اإلجرامي الذي يعنيه لومبروزو بوصف المجرم بالميالد أو بالفطرة ويتميز هذا النوع من المجرمين بخصائص‬
‫مورفولوجية(المورفولوجيا البشرية هي دراسة شكل جسم اإلنسان) ونفسية خاصة ‪ ،‬كالتكوين العاطفي المعيب ‪ ،‬والقابلية لالستثارة‬
‫بسهولة ‪ ،‬وسرعة االنسياق وراء األفكار التسلطية ‪ ،‬واألنانية المفرطة واالعتداد بالذات ‪ ،‬وحدة المزاج ‪ ،‬والميل للكذب‪.‬‬
‫‪ -‬يكون هذا الصنف من الجناة مستعدا للقيام بكل نشاط مضاد للمجتمع فيصبح لصا خطيرا أو منحرفا جنسيا أو معتديا على‬
‫األشخاص بشراسة ووحشية خصوصا إذا كان يعيش في بيئة فاسدة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المجرم بالتكوين ذو االتجاه العصبي السيكوباتي‬

‫يتميز هذا النمط من المجرمين بأن لديه إفراط في القوى الغريزية وقابلية كبيرة للهيجان واالنفعال‪ ،‬وهذا اإلفراط يؤدي إلى أفعال يغلب فيها التعسف والتعدي والعنف‪.‬‬‫‪-‬‬

‫‪ -‬يقسم دي توليو المجرم بالتكوين ذو االتجاه العصبي السيكوباتي إلى‪ :‬مجرم ذي اتجاه صرعي‪،‬ومجرم ذي اتجاه هستيري‪،‬ومجرم ذي اتجاه نورستاني‪.‬‬

‫‪-‬المجرم ذي االتجاه الصرعي‪ :‬يتميز بهذا النوع بوجود خلل في الوظائف العصبية المتعلقة بالحركة النفسية المتولدة من المؤثرات الخارجية‪ ،‬ويعزى ذلك لخلل يسود‬

‫إف ارزات الغدد وخاصة الغدة الدرقية ويكون لدى هذا النمط غلو في غريزتي الدفاع والقتال وقابلية لسهولة االنفعال تصل به أحيانا إلى حد الوقوع في حالة تشنج قد‬

‫تفضي به إلى ارتكاب أفعال إجرامية كجرائم االعتداء على المال أو العرض أو األشخاص‪..‬‬

‫‪-‬‬

‫•‬ ‫‪.‬‬
‫المجرم ذو االتجاه الهستيري‪ :‬يتوفر غالبا في النساء المحترفات للدعارة كما يميل هذا النمط إلى ارتكاب جرائم النصب‬

‫والقذف أو السب أو القتل بالتسميم‪.‬‬

‫‪-‬المجرم ذو االتجاه النورستاني‪ :‬تسود لديه حالة من اإلرهاق العصبي يتولد عليها إما توتر نفسي أو انقباض نفسي يتجلى‬

‫في هيمنة التوجس والقلق اللذان يتحوالن إلى قابلية مفرطة لالنفعال تؤدي إلى أفعال عنيفة‪،‬وتتجلى الحالة الثانية في بروز‬

‫انهيار عصبي مصحوب بضعف اإلرادة وميل إلى الخمول يفضيان أحيانا بالشخص إلى ارتكاب أفعال إجرامية أقل خطورة مثل‬

‫التسول‪.‬‬
‫المجرم ذو االتجاه المختلط‬
‫•‬

‫‪ -‬هو المجرم الذي يجمع في شخصيته بعض خصائص واضطرابات األنواع السابقة‪.‬‬
‫‪ -‬وتصدر عن هذا النوع أفعاال إجرامية غاية في الخطورة وتتفاعل لديه تيارات عديدة من الشذوذ‬
‫النفسي المتوافر في أكثر من اتجاه واحد تعزز الميل اإلجرامي الكامن في نفسه‪ ،‬وتيسر لهذا الميل‬
‫الفرصة للظهور بصورة غاية في الجسامة والشذوذ‪.‬‬
‫‪)3‬المجرم المجنون‬

‫‪-‬ميز دي توليو بين المجرم المجنون والمجنون المجرم‪.‬‬


‫‪-‬المجرم المجنون‪ :‬هو من يجتمع مع جنونه استعدادا إجراميا ناشئا عن خلل عضوي أو نفسي‪ ،‬و يكون هذا األخير هو‬
‫ال يضاعف من قوة وحدة هذا االستعداد‪.‬‬‫السبب المباشر في دفعه نحو الجريمة ‪ ،‬وما الجنون إال عام ً‬
‫‪-‬بما أن هذا النوع يرجع إجرامه إلى عوامل تكوينية تتصف بالثبات واالستمرار سابقة على الجنون ‪ ،‬فإن شفاء مثل هذا‬
‫المجرم من الجنون ال يحول دون معاودة نشاطه اإلجرامي‪.‬‬
‫‪-‬المجنون المجرم‪ :‬ال يرجع إجرامه إلى تكوين إجرامي بل إلى الجنون كظاهرة مرضية‪ .‬ولذا فإن شفاء المجنون المجرم‬
‫من جنونه يعني زوال سبب إجرامه‪.‬‬
‫‪-‬تتجلى أهمية التمييز بين النوعين في تحديد المسئولية الجنائية‪ ،‬وقدر الخطورة اإلجرامية‪ ،‬وما يرتبط بهما من جزاء جنائي‬
‫في مرحلة المحاكمة ‪ ،‬وكذا تحديد األسلوب المناسب لتنفيذ هذا الجزاء في مرحلة التنفيذ العقابي‪.‬‬
‫تقدير نظرية دي توليو‬

‫‪ -‬سلك دي توليو منهجا تكامليا للكشف عن أسباب الظاهرة اإلجرامية يتمثل في الربط بين‬
‫العوامل الفردية (الذاتية) المتمثلة في التكوين البيولوجي والعوامل االجتماعية المتمثلة في‬
‫البيئة المحيطة بالمجرم‪.‬‬
‫‪-‬يرجع لدي توليو ال فضل في توجيه الباحثين نحو االهتمام بدراسة السلوك اإلجرامي‬
‫دراسة متكاملة باعتباره نتاج عوامل فردية واجتماعية ‪.‬‬
‫‪-‬غير أنه يؤخذ على نظرية دي توليو الربط المطلق بين االستعداد اإلجرامي الفطري‬
‫والجريمة ‪،‬وأيضا إنكارها ألي دور مستقل للعوامل االجتماعية فدور هذه األخيرة مشروط‬
‫بوجود التكوين اإلجرامي‪ ،‬وهو ما نفاه بعض الباحثون بعلة أن الكثير من الجرائم تقع‬
‫بسبب العوامل االجتماعية والبيئية المحيطة بالمجرم بغض النظر عن عامل التكوين أو‬
‫االستعداد اإلجرامي‪.‬‬

You might also like